الغدیر فی الکتاب و السنه و الادب

اشارة

سرشناسه:امینی، عبدالحسین، 1281 - 1349.

عنوان و نام پدیدآور:الغدیر فی الکتاب و السنه و الادب: کتاب دینی ،علمی، فنی،.../ عبدالحسین احمد الامینی النجفی؛ تحقیق مرکز الغدیر للدراسات الاسلامیه.

مشخصات نشر:قم: مرکز الغدیر للدراسات الاسلامیه، 1416ق.-= 1995م.-= 1374-

وضعیت فهرست نویسی:برونسپاری

یادداشت:عربی.

یادداشت:ج.2 (چاپ اول: 1375).

یادداشت:ج. 3، 6 و 8 (چاپ اول: 1416ق. = 1376).

یادداشت:ج. 13 (چاپ اول: 1422ق. = 2002م. = 1380).

یادداشت:کتابنامه.

موضوع:علی بن ابی طالب (ع)، امام اول، 23 قبل از هجرت - 40ق -- اثبات خلافت

موضوع:غدیر خم

شناسه افزوده:موسسه دایرةالمعارف فقه اسلامی بر مذهب اهل بیت (ع). مرکز الغدیر للدراسات الاسلامیه

رده بندی کنگره:BP223/54/الف8غ4 1374

رده بندی دیویی:297/452

شماره کتابشناسی ملی:م 75-8389

ص: 1

المجلد 1

اشارة

ص: 2

الغدیر فی الکتاب و السنه و الادب

عبدالحسین احمد الامینی النجفی

تحقیق مرکز الغدیر للدراسات الاسلامیه

ص: 3

ص: 4

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 5

ص: 6

کلمة المرکز

بِسْمِ اللهِ الرَّحمَنِ الرَّحِیِم

الحمد الله ربّ العالمین والصلاة والسلام علی سیّد المرسلین محمد وآله الطاهرین.

(یَا أَیُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَیْکَ مِن رَّبِّکَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّ-هُ یَعْصِمُکَ مِنَ النَّاسِ)

(إِنَّمَا وَلِیُّکُمُ اللَّ-هُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِینَ آمَنُوا الَّذِینَ یُقِیمُونَ الصَّلَاةَ وَیُؤْتُونَ الزَّکَاةَ وَهُمْ رَاکِعُونَ).

صدق الله العلی العظیم

بین یدیک أیّها القارئ الکریم موسوعة علمیة نادرة ، هی موسوعة الغدیر لمؤلّفها الشیخ عبدالحسین أحمد الأمینی النجفی . وهذه الموسوعة کما عرفها أرباب العلم والاختصاص من خبراء البحث والتحقیق التاریخی والروائی والتحلیل الموضوعی ، هی بحث علمی وتحقیق نادر یدور حول مسألة من أهم مسائل التاریخ البشری بصورة عامة والتاریخ الإسلامی بصورة خاصة ، وهو موضوع الإمامة والخلافة والولایة بعد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم .

فقد سجّل المؤرخون محطّتین بارزتین علی امتداد تاریخ الأمة الإسلامیة ، وهما (بیعة الغدیر) و (بیعة السقیفة) ، فکان لهذین الحدثین أثرهما وامتدادهما الفکری والسیاسی والحضاری فی مسار الأمة ، فمنهما انطلق خطّان فکریّان واتجاهان

ص: 7

سیاسیّان : خطّ أهل البیت علیهم السلام والمشایعین لهم ، وخطّ آخر التزمه فریق ثانٍ من المسلمین ، فانطلق الخطّ الأوّل من الغدیر (غدیر خم) لیجری فی عمق الحیاة الإسلامیة ، واندفع الثانی من السقیفة لیسیر إلی جنبه یهادنه تارة ویتقاطع معه تارة أخری ، فتشهد الأُمّة حالات الصراع الفکری والسیاسی حیناً والدموی المؤسف حیناً آخر ، بل لم یشهد المسلمون مسألة أفرزت من الصراعات الفکریة والسیاسیة والعسکریة الداخلیة أکثر من مسألة الصراع بین نظریّتی السقیفة والغدیر .

السقیفة اصطلح علیها المنظّرون والباحثون فیما بعد بنظریة (الشوری) ، وهی التی ولدت فی السقیفة ، وانتهت إلی الرضا بالملک الوراثی وانتزاع السلطة بالقهر والغلبة ، ونظریّة (النصّ) التی صاغها البیان النبوی یوم الغدیر لتکون التفسیر الشرعی لاستحقاق الإمامة والولایة بعد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم .

وحوادث السقیفة ووقائعها لم تنلها محاولات التحریف والإخفاء من حیث وقوعها والنتائج التی خرج بها المجتمعون تحت ذلک السقف ، فقد دعمتها السلطة علی تعاقب أجیالها ، وحتی حین تحوّلت من الشوری إلی الوراثة فی عهد معاویة استفادت منها کأساس لمواجهة تیّار الغدیر الذی تحوّل إلی معارض فکری وسیاسی لحالات الانحراف والتسلّط التی حلّت بالمسیرة الإسلامیة .

أما (بیعة الغدیر) فقد واجهت مشکلتین أساسیتین هما :

مشکلة الإخفاء والتعتیم علیها من قبل البعض ، ومشکلة تفسیرها تفسیراً لا یتطابق وما حوته هذه الحادثة التاریخیة الخالدة من دلالة النصّ والقرینة . وفی ما ورد من أحادیث ومواقف نبویة فی مناسبات متعددة نجد بیاناً وافیاً لإیضاح معنی الولایة الواردة فی هذا الحدیث ، أنّها ولایة أمر الأمة ولیس النصرة والمحبة ، کحدیث الدار ، وحدیث المنزلة ، وحدیث : «لا یؤدّی عنّی إلّا علیّ» .

لذا فإنّ الباحث فی بیعة الغدیر علیه أن ینهض بمهمّتین أساسیتین نهوضاً علمیاً

ص: 8

وهما : مهمّة الإثبات ، ومهمّة ماذا یعنی البیان النبوی المبلّغ یوم الغدیر ؟

ولقد جری الباحث المحقّق الشیخ الأمینی ؛ علی منهج البحث العلمی المتّفق علیه لدی علماء الإسلام جمیعاً فی إثبات ما یراد إثباته وفهم معناه من السنّة المطهّرة ، جری علی هذا المنهج فی إثبات صحّة ما جاء من بیان نبویّ یوم الغدیر ، کما قام ببیان الدلالة والمقصود بهذا البیان ، فقام باستقراء مصادر النصّ المثبت لبیعة الغدیر ، والتحقیق الواسع العمیق والاستقراء الموضوعی الشامل الذی لم یلُذ فی زوایا المصادر

عنه إلّا التزر الیسیر من المؤیّدات لأدلّة الإثبات التی استوفاها فی بحثه وتحقیقه .

إنّ الجهد العلمی الذی حوته موسوعة الغدیر شاهد علی قدرة المؤلف وعلمیّة منهجه ، فقد تتبّع حادثة الغدیر والنصّ النبویّ الملقی فی جمع الحجیج من قبل النبیّ الکریم محمد صلی الله علیه وآله وسلم منذ ساعة الإدلاء بادئاً باستقراء رواة الغدیر منذ جیل الصحابة ثم التابعین ، ثم تابع النقل عن طریق طبقات الرواة والحفّاظ وأئمّة الحدیث المتّصلة بعصر التابعین جمیلاً بعد جیل وقرناً بعد قرن ، معرّفاً برجال السند وموثّقاً بحثه بأدلّة الإثبات المجمع علیها وموظّفاً شهادات علماء الرجال وأئمة الحدیث من غیر الشیعة للاستدلال علی تواتر حدیث الغدیر وبلوغه أعلی مراحل التواتر المعتبرة فی اصطلاح علماء الحدیث .

وکما استوفی البحث أدلّة الإثبات وإقامة الشهود علی صدق بیعة الغدیر ، قام بتحلیل محتوی النصّ وتفسیر دلالة المقام النبوی ، مستعیناً بمنهج البحث العلمی المعتمد لدی الفقهاء وعلماء أصول الفقه فی دراسة النصّ وتحلیله لغویاً وتعضید الفهم والتحلیل بالعدید من القرائن المفسّرة لإثبات المراد النبوی من عبارة : «من کنت مولاه فعلیّ مولاه» بعد أن تحوّل النزاع عند من لم یستطع نفی البیان النبوی ، تحوّل

إلی نزاع حول دلالة الحدیث ، فَفُسِّر بالنصرة والمحبّة ولیس بولایة الأمر التی تعنی الإمامة والخلافة .

ص: 9

وفیما عرضه الباحث من تحلیل ونقاش واستدلال ما یخرج إجمال اللفظ إلی مُبَیَّن الدلالة المساوقة لدلالة النصّ بالوضع اللغوی علی مراد الرسول الهادی محمد صلی الله علیه وآله وسلم ، فاستطاع بما بذل من جهد علمی واستدلال موضوعی أن یقدّم إقناعاً للقارئ مؤهّلاً لتطویق ما جری فی السقیفة من بیعة وامتداد فکری وسیاسی ، سواءً استند علی دعوی غیاب النصّ أو الاجتهاد فی فهم الدلالة ، مستدلّاً بفهم الإمام علیّ ابن أبی طالب علیه السلام وطلیعة من الصحابة ، واحتجاجه بذلک الفهم ومطالبته بالخلافة ومناشدته شهود الغدیر للإدلاء بشهاداتهم .

وفی فصول الکتاب نقرأ الحوار والمناقشة العقیدیة والدفاع عن الفکر الشیعی ومواجهة التهم والشبهات المتراکمة عبر قرون من الصراع الفکری والسیاسی ، ولما حوته هذه الموسوعة العلمیة من ثقافة الفکر والتراث والأدب استطاعت أن تحتلّ مکانتها بین مراجع الفکر والثقافة والمعرفة الإسلامیة .

ومرکز الغدیر الذی أُسِّسَ بقرار وتبنٍّ من قِبل سماحة آیة الله المجاهد قائد الأمّة الإسلامیة وولی أمرها السید علی الحسینی الخامنئی - حفظه الله تعالی - لینهض بمهمة التعریف بمنهج أئمة أهل البیت علیهم السلام وعلومهم ومعارفهم الإسلامیة ، وتسلیط الأضواء علی المساحات المعتمة من مواطن الخلاف بین الفرق والمذاهب الإسلامیة ، لیُسجِّل کلمة الشکر والتقدیر الفائقین لعنایة سماحته وأمره بإعادة طبع وتحقیق وضبط

ومراجعة هذا السِفر القیِّم نظراً لما حوی من بحث علمی ومنهجیة موضوعیة واستدلال رصین وحوار موثّق جعل منه مصدراً علمیاً مؤهّلاً لخدمة الحقیقة وتوفیر رؤیة علمیة مشترکة بین المسلمین لأخطر قضیة واجهتها الأمّة الإسلامیة عبر تأریخها المریر.

عمل المرکز فی موسوعة الغدیر :

لقد ترکز جهد العاملین فی هذه الموسوعة علی المجالات الآتیة :

1 - معالجة لنصّ الکتاب وتقویمه من النواحی اللغویة والنحویة والإملائیة

ص: 10

والعروضیة ، وإصلاح الأخطاء والسقطات الطباعیة ، أو تلک التی سها عنها القلم الشریف للمؤلف قدس سره .

2 - شرح المفردات اللغویة التی رأینا أنها تحتاج إلی إیضاح .

3 - إعادة تقطیع النصّ ووضع علامات ترقیم جدیدة فی بعض الموارد التی رأینا أنّها بحاجة إلی ذلک ، کالفارزة المنقوطة قبل الجمل التعلیلیّة والمفسَّرة .

4 - تخریج وتوثیق المعلومات والنصوص والروایات الواردة فی الکتاب ، وذکر الطبعات الجدیدة والمتداولة للمصادر التی اعتمدها المؤلف .

5 - مقابلة نصوص الکتاب علی ما وردت فی مصادرها من أجل ضبطها ، والتعلیق فی الموارد التی تحتاج إلی ذلک .

منهج العمل :

1 - أدمجنا هوامشنا مع هوامش المؤلف قدس سره مع التنبیه علی هوامش المؤلف بکلمة (المؤلف) وترکنا هوامشنا بدون علامة .

2 - ذکرنا الطبعات الجدیدة للمصادر المعتمدة فی الکتاب ، وإذا لم یکن متداولاً - حسب اطلاعنا - سوی الطبعات القدیمة التی اعتمدها المؤلف فلا یشار إلیها إلّا فی الحالات التی أوردها المؤلف دون ذکر الجزء والصحیفة .

3 - حصرنا الإضافات التی ذکرناها علی متن الغدیر بین معقوفین [] مع الإشارة إلی مصدرها أو سببها . وحصرنا النصوص المنقولة عن المعصومین علیهم السلام بین قوسین صغیرین « » والآیات القرآنیة بین قوسین مزهّرین ( ) ، وترکنا النصوص الأخری المنقولة بدون تعلیم .

4 - أصلحنا الأخطاء والاشتباهات الواردة فی نقل النصوص فی محلّها دون الإشارة إلی ذلک ، إلّا فی حالات نادرة وحسبما تقتضی الضرورة .

ص: 11

5 - اعتمدنا فی عملنا الطبعة الثانیة - الطبعة المتداولة - من کتاب الغدیر لاشتمالها علی إضافات استدرک بها المؤلف علی الطبعة الأولی ، کما أننا رجعنا إلی

الطبعة الأولی فی الحالات التی یُظَنُّ فیها بوجود کلمات أو عبارات ساقطة أو أخطاء فی الطبعة الثانیة .

6 - اشتملت هذه الطبعة علی ملاحظات قیّمة وتعلیقات مهمّة واستدراکات علی المؤلف للمحقّق الخبیر سماحة السیّد عبدالعزیز الطباطبائی الذی واکب العمل وأشرف علی سیره منذ خطواته الأولی ، فکان لجهود سماحته الدور المشکور فی التقاط المؤیِّدات وإضافتها مؤشَّرة فی مواقعها من الکتاب . وقد میّزنا تعلیقات سماحته واستدراکاته بکلمة (الطباطبائی) .

7 - حصرنا إضافاتنا علی هوامش المؤلف بین معقوفین سواء کانت هذه الإضافة تخریجة أو تعلیقة لنا .

8 - أبقینا أرقام الأجزاء والصحائف التی أحال بها المؤلف علی حالها ، ویمکن للقارئ الرجوع فیها إلی رقم التسلسل للطبعات السابقة المذکور فی حاشیة الکتاب ، أمّا إحالاتنا فذکرنا فیها رقم التسلسل للطبعة الجدیدة .

9 - أشرنا إلی طبعات المصادر فی الهامش فی الحالات التی یکون النصّ غیر موجود فی الطبعة المعتمدة لدینا .

10 - الرسائل والتقاریظ الواردة إلی المؤلف بعد صدور الطبعة الأولی والطبعة الثانیة للکتاب موزّعةً علی أجزائه ، قمنا بجمعها لتطبع ضمن الجزء المستقل الذی یحمل رقم صفر ، والذی سیحتوی علی مقدمة وافیة لکتاب الغدیر وحیاة المؤلف قدس سره إن شاء الله .

وفی الختام فإنّنا ندعو أرباب العلم والثقافة من مختلف الاتجاهات والقناعات

ص: 12

الإسلامیة إلی دراسة هذا السَّفر القیّم والتأمّل بما فیه تأمّلاً موضوعیّاً ، راجین أن یکون هذا المشروع الثقافی مصدراً لتصحیح الکثیر من الشبهات والقناعات التی کوّنتها ظروف الإساءة إلی الحقیقة ؛ لیکون هذا الجهد العلمی أساساً للتلاقی والتقریب بین المسلمین .

ولا بدّ لنا من أن نسجّل کلمة الشکر والتقدیر للاهتمام والرعایة الأبویة والمتابعة التی أولاها سماحة آیة الله السید محمود الهاشمی المشرف العام علی مرکز

الغدیر لهذا الکتاب ، والتی ساهمت فی إیصاله إلی المستوی الذی أخرج به .

ونسجّل شکرنا أیضاً لسماحة الشیخ خالد أبا ذر ، الذی کان لإشرافه المباشر وتدخّله فی توجیه العمل الأثر الطیّب فی إنجاز المشروع .

کما ننوّه بالجهود التی بذلها العاملون فی تحقیق هذا الکتاب وإخراج مادّته العلمیة بصیغتها الفنیّة ، ومواصلة العمل وفق الخطة المرسومة لهذا المشروع العلمی .

والله نسأل أن یتقبّل جهد المؤلف بقبولٍ حسن ویمنّ علیه بواسع الرحمة والمغفرة .

مرکز الغدیر للدراسات الاسلامیة

ص: 13

ص: 14

البلاغ المبین بلسان النبی الأعظم صلی الله علیه وآله وسلم

«عنوان صحیفة المؤمن : حبّ علیّ بن أبی طالب»(1)

«من سرّه أن یحیی

حیاتی ویموت مماتی ویسکن جنّة

عدن غرسها ربّی ، فلیوال علیاً من بعدی ، ولیوال ولیّه ،

ولیقتد بالأئمة من بعدی ، فإنَّهم عترتی ، خلقوا من طینتی ،

رُزقوا فهماً وعلماً ، وویل للمکذّبین بفضلهم من أمّتی ،

القاطعین فیهم صلتی ، لا أنالهم الله شفاعتی»(2)ف)

ص: 15


1- أخرجه الحافظ الخطیب البغدادی فی تاریخه : 4 / 410. (المؤلف)
2- أخرجه الحافظ أبو نعیم فی حلیة الأولیاء : 1 / 80. (المؤلف)

ص: 16

الإهداء

لم أجد أحداً أولی بإهداء کتابی هذا إلیه من صاحبه ، حامل عبء الولایة الکبری .. أمیر المؤمنین صلوات الله علیه .

یا صاحب الولایة وسیّد الأُمَّة وأبا الأئمّة ،

(یَا أَیُّهَا الْعَزِیزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْکَیْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَیْنَا إِنَّ اللَّ-هَ یَجْزِی الْمُتَصَدِّقِینَ)

أُهدیک کتابی هذا ، وهو بضاعتی المزجاة ، وصحائف ولائی الخالص ، فتفضّل علیَّ بالقبول ، وأحسن إلیَّ إنَّ الله یحبّ المحسنین.

عبد الحسین أحمد الأمینی

ص: 17

ص: 18

بِسْمِ اللهِ الرَّحمَنِ الرَّحِیِم

الحمد لولیّه ، والصلاة علی نبیّه ، وآله الأئمة ، وأولیاء الأُمّة

(هَ-ذَا کِتَابُنَا یَنطِقُ عَلَیْکُم بِالْحَقِّ)

حدیث النبأ العظیم فی غدیر خُمّ حدیث الدعوة الإلهیّة ، حدیث الولایة الکبری ، حدیث إکمال الدین ، وإتمام النعمة ، ورضا الربّ علی ما نزل به کتاب الله المبین ، وتواترت به السنّة النبویّة ، وتواصلت حلقات أسانیده منذ عهد الصحابة والتابعین إلی الیوم الحاضر ، وما حوله من حقائق ناصعة تتعلّق بالمتن أو الإسناد ،

وإرحاض ما هنالک من جلبة وترکاض ، حتی یتجلّی للقارئ الحقّ الصراح بأجلی مظاهره .

وجُلّ قصدنا من إرداف ذلک بتراجم شعراء الغدیر وشعرهم فیه علی ترتیب القرون الهجریّة إثبات شهرة الحدیث وتواتره فی کلّ جیل ، وأنَّه من أظهر ما تلوکه الأشداق نظماً ونثراً ، وتأتی هذه کلها فی ستّة عشر جزءاً .

وإنّا نعدّ ذلک کله خدمةً للدین ، وإعلاءً لکلمة الحقّ ، وإحیاءً للأُمّة الإسلامیة ، وإشادةً بالذکر العلویّ الخالد ، وولاءً لصاحب الولایة ، وأستمدُّ من المولی سبحانه أن یمدّنی بإنجاز ما أعده ، وتحقیق ما أضمره ، وله الحمد أوّلاً وآخراً .

الأمینی

ص: 19

ص: 20

التاریخ الصحیح

لا یکون انبعاث أیّةِ فِرقة من الفِرق إلی تدوین التاریخ أقلَّ من انبعاث أخواتها إلیه ، فکلٌ یتحرّی منه غایة ، ویرمی إلی غرض یخصّه ، فإن کان المؤرّخ یرید به الحیطة(1) بحوادث الدهر ، والوقوف علی أحوال الأجیال الغابرة ، فالجغرافیّ یطلبه لتحقیق القسم السیاسیّ به ؛ لاختلافه بتغلّبات الدول ، وانعکاف(2) أُمم علی خطط معیّنة وانثیال(2) أُمم عنها.

وإن انبعث الخطیب إلی سَبْر غَور التاریخ لما فیه من عِبَر وعِظات بالغة فی تدهور الأحوال وفناء الأجیال ، وهلاک ملوک واستخلاف آخرین ، وما انتاب أقواماً من جرّاء ما اجترحوه من السیّئات ، وما فاز به آخرون بما جاؤوا به من صالح الأعمال ، فالدینیّ یبتغیه للوقوف علی ما وُطِّد به أُسس المعتقد ؛ وعُلِّیَ علیه صروحُه وعلالیُّه(3) ، وإفرازه عمّا کان حوله من لعب الأهواء ، وتَرکاض أهل المطامع.

وإذا کان الأخلاقیّ یقصد به التجاریب الصالحة فی ملکات النفوس ، التی تحلّی بالصحیحة منها فِرقٌ من الناس فأفلحوا ، وتردّی(4) بالردیئة منها آخرون فخابوا ،

ص: 21


1- و (2) کذا.
2- انثالوا علیه : انصبّوا علیه واجتمعوا ، ومراد المؤلف هنا : التفرّق.
3- العلالیّ : جمع عِلِّیّة وهی الغرفة.
4- تردّی بالرداء : ارتداه ولبسه.

فیَستنتِج من ذلک دستوراً عامّاً للمجتمع لیعمل به متی راقه أن یأخذ حذراً عن سقوط الفرد أو تلاشی المجتمع ، فالسیاسیّ یرید به الوقوف علی مناهج الأُمم التی تقدّم بها الغابرون ، ومساقط الشهوات التی أسفّت بمعتنقیها إلی هوّة البوار والضعة ، فغادَرتْهم کحدیث أمس الدابر ، ویرید به البصیرة فیما سلفت به التجاریب الصحیحة فی المضائق والمآزق الحرجة ، وافتراع عقبات کأداء ، فیتّخذ من ذلک کلّه برنامجاً صالحاً لرُقیّ أمّته ، وتقدّم بیئته.

والأدیب یقتنص شوارد التاریخ ؛ لأنَّ ما یتحرّاه من تنسیق لفظه ، وفخامة معناه ، وما یجب أن یکون فی شعره أو نثره - من محسِّنات الأسلوب ، ومقرِّبات المغزی بإشارة أو استعارة - منوطٌ بالاطّلاع علی أحوال الأُمم والوقوف علی ما قصدوه من دقائق ورقائق.

وإذا عمّمنا التاریخ علی مثل علم الرجال والطبقات ، فحاجة الفقیه إلیه مسیسة فی تصحیح الأسانید ، وإتقان مدارک الفتاوی ، وبه یظهر افتقار المحدِّث إلیه فی مزید الوثوق بروایاته ، علی أنَّ لِفنِّ الحدیث مواضیع متداخلة مع التاریخ ، کما یُروی من قصص الأنبیاء وتحلیل تعالیمهم ؛ حیث یجب علی المحدِّث المحاکمة بین ما یتلقّاه وما

یسرده التاریخ ، أو التطبیق بینهما إن جاءا متّفقَین فی بیان الحقیقة.

والمفسّر لا مُنتدح له من التوغّل فی التاریخ عندما یقف علی آیات کریمة توعز إلی قصص الماضین وأحوالهم ؛ لضربٍ من الحکمة ، ونوعٍ من العِظَة ، وعلی آیات أخری نزلت فی شؤون خاصّة ، یفصِّلها التاریخ تفصیلاً.

والباحث إذا دقّق النظرة فی أیّ علم یجد أنّ له مسیساً بالتاریخ لا یتمّ لصاحبه غایته المتوخّاة إلّا به.

فالتاریخ إذاً ضالّة العالِم ، وطَلِبة المتفنّن ، وبُغیة الباحث ، وأُمنیّة أهل الدین ومقصد الساسة ، وغرض الأدیب. والقول الفصل : إنَّه مأرب المجتمع البشریّ أجمع ،

ص: 22

وهو التاریخ الصحیح الذی لم یُقصد به إلّا ضبط الحقائق علی ما هی علیه ، فلم تعبث به أغراض مستهدفة ، ولم یعِثْ فیه نزعات أهوائیة ، ککثیرٍ ممّا أُلِّف من زُبُر التاریخ التی روعی فی جملة منها جلب مرضاة القادة والأُمراء ، أو تدعیم مبدأ أو فکر مفکّر ، أو أُرید به التحلیق بأشخاص معلومین إلی أوْج العظمة ، والإسفاف بآخرین إلی هُوّة الضعة ؛ لمغازٍ هنالک تختلف باختلاف الظروف والأحوال.

أو اختلط(1) فیه الحابل بالنابل بتوسّع المؤلّفین لما حَسِبوه من أنَّ الإحاطة بکلّ ما قیل توسّعٌ فی العلم ، وإحسانٌ فی السمعة ؛ ذهولاً منهم عن أنَّ مقادیر الرجال بالدرایة لا بالروایة(2) ، فأدخلوا فی التاریخ هفواتٍ لا تُحصی ، غیرَ شاعرین بأنّ رواة تلک السفاسفِ زبائنُ عصبة ، وحنّاقٌ علی عصبة ؛ أو أنّهم قصّاصون غیر مکترثین من الإکثار فی النقل الخرافیّ أو الافتعال ؛ إکباراً لِلسمعة ، أو نزولاً علی حکم النهَمة ، فتلقّتْها عنهم السذّج فی العصور المتأخِّرة کحقائق راهنة ، وتنبّه لها المنقِّب فوجدها أحادیث خرافیّة فرفضها ، غیرَ مُبالٍ بالطعن علی التاریخ ، فلا شعر أولئک أنّها ولیدةُ تقالیدَ أو مطامع ، ولا عرف هذا أنَّ الآفة فی وَرَطات القالة ، وسوء صنیع الکَتَبة ، لا فی أصل الفنّ ، ولو ذهبنا إلی ذکر الشواهد لهذه کلّها لخرج الکتاب عن وضعه.

هکذا خفیت الحقیقة بین مُفرِط ومُفرِّط ، وذهبت ضحیّة المیول والشهوات ،

ص: 23


1- معطوف علی قوله : «روعی» قبل أسطر ، وقد ذکّر الضمیر هنا فی قوله : «اختلط فیه» ؛ لأنَّ المراد من «زبر التاریخ» نفس التاریخ.
2- فی کتاب زید الزرّاد عن أبی عبدالله الصادق علیه السلام قال : قال أبو جعفر علیه السلام : «یا بنیّ اعرف منازل شیعة علیّ علی قَدْر روایتهم ومعرفتهم ، فإنَّ المعرفة هی الدرایة للروایة ، وبالدرایات للروایات یعلو المؤمن إلی أقصی درجة الإیمان. إنّی نظرتُ فی کتابٍ لعلیّ علیه السلام فوجدت فیه : أنَّ زِنة کلّ امریءٍ وقَدْرَه معرفتُه ، إنَّ الله یُحاسب العباد علی قدْر ما آتاهم من العقول». وفی غیبة النعمانی : ص 70 [ص 141 باب 10 ح 2] فی حدیث عن الإمام الصادق علیه السلام : «خبر تدریه خیر من عشْرٍ ترویه ؛ إنَّ لکلّ حقٍّ حقیقةً ، ولکلّ صوابٍ نوراً». وفی کشف الغمّة للشعرانی : 1 / 40 [1 / 22] : کان علیّ بن أبی طالب رضی الله عنه یقول : «کونوا للعلمِ وعاةً ، ولا تکونوا له رواة». (المؤلف)

فواجب الباحث أن یسبر هذا الغور متجرِّداً عن النعرات الطائفیّة ، غیر متحیِّز إلی فئة ، متزحزحاً عن عوامل الحبّ والبغض ، ونصب عینیه مقیاسٌ من أصول مسلَّمة ، یقابل به صفحة التاریخ ، فإن طالته أو قصرت عنه رفضها ، وإن قابلته مقابلة المِثْلِ بالمِثْل اعتمد علیها ، علی تفصیلٍ لا یَسَعه نِطاقُ البحث هاهنا.

ص: 24

أهمیّة الغدیر فی التاریخ

لا یستریب أیّ ذی مُسْکة(1) فی أنَّ شرف الشیء بشرف غایته ، فعلیه أنَّ أوّل ما تکسبه الغایات أهمیّة کبری من مواضیع التاریخ هو ما أُسِّس علیه دین ، أو جرت به نِحلة ، واعتلت علیه دعائمُ مذهب ، فدانت به أُمم ، وقامت به دول ، وجری به ذکرٌ مع الأبد ، ولذلک تجد أئمة التاریخ یتهالکون فی ضبط مبادئ الأدیان وتعالیمها ، وتقیید

ما یتبعها من دعایات ، وحروب ، وحکومات ، وولایات ، التی علیها نَسَلت الحُقُب والأعوام ، ومضت القرون الخالیة (سُنَّةَ اللَّ-هِ فِی الَّذِینَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّ-هِ تَبْدِیلًا)(2) ، وإذا أهمل المؤرِّخ شیئاً من ذلک فقد أوجد فی صحیفته فراغاً لا تسدّه أیّة مهمّة ، وجاء فیها بأمر خِداج(3) ؛ بُتِر أوّلُه ، ولا یُعلم مبدؤه ، وعسی أن یوجب ذلک جهلاً للقارئ فی مصیر الأمر ومنتهاه.

إنَّ واقعة غدیر خُمّ هی من أهمّ تلک القضایا ؛ لما ابتنی علیها - وعلی کثیر من الحُجج الدامغة - مذهبُ المقتصِّین أثر آل الرسول - صلوات الله علیه وعلیهم - وهم معدودون بالملایین ، وفیهم العلم والسؤدد ، والحکماء ، والعلماء ، والأماثل ، ونوابغ فی علوم الأوائل والأواخر ، والملوک ، والساسة ، والأمراء ، والقادة ، والأدب الجمّ ،

ص: 25


1- أی ذی رأی وعقل وافر.
2- الأحزاب : 62.
3- الخِداج : النقصان فی کلّ شیء ، وأصل ذلک من خداج الناقة إذا ولدت ولداً ناقص الخلق.

والفضل الکُثار ، وکتب قیِّمة فی کلّ فنّ ، فإنْ یکن المؤرِّخ منهم فمن واجبه أن یفیض علی أمّته نبأ بَدْء دعوته ، وإن یکن من غیرهم فلا یعدوه أن یذکرها بسیطة عندما یسرُد تاریخ أمّة کبیرة کهذه ، أو یشفعها بما یرتئیه حول القضیّة من غمیزة فی الدلالة ، إن کان مزیج نفسه النزول علی حکم العاطفة ، وما هنالک من نعرات طائفته ، علی حین أنّه لا یتسنّی له غمزٌ فی سندها ، فإنَّ ما ناء به نبیّ الإسلام یومَ الغدیر من الدعوة إلی مفاد حدیثه لم یختلف فیه اثنان ، وإن اختلفوا فی مؤدّاه ؛ لأغراضٍ وشوائبَ غیر خافیة علی النابه البصیر.

فذکرها من أئمّة المؤرِّخین : البلاذری : المتوفّی سنة (279) فی أنساب الأشراف ، وابن قتیبة : المتوفّی (276) فی المعارف والإمامة والسیاسة ، والطبریّ : المتوفّی (310) فی کتاب مفرد ، وابن زولاق اللیثی المصری : المتوفّی (287) فی تألیفه ، والخطیب البغدادی : المتوفّی (463) فی تاریخه ، وابن عبدالبَرّ : المتوفّی (463) فی الاستیعاب ، والشهرستانی : المتوفّی (548) فی الملل والنحل ، وابن عساکر : المتوفّی (571) فی

تاریخه ، ویاقوت الحَمَوی [المتوفّی سنة 626] فی معجم الأدباء (18 / 84) من الطبعة الأخیرة ، وابن الأثیر : المتوفّی (630) فی أُسد الغابة ، وابن أبی الحدید : المتوفّی (656) فی شرح نهج البلاغة ، وابن خلّکان : المتوفّی (681) فی تاریخه ، والیافعی : المتوفّی

(768) فی مرآة الجنان ، وابن الشیخ البَلَوی [المتوفّی سنة 604] فی ألف باء ، وابن کثیر الشامی : المتوفّی (774) فی البدایة والنهایة ، وابن خلدون : المتوفّی (808) فی مقدّمة تاریخه ، وشمس الدین الذهبی [المتوفّی سنة 748] فی تذکرة الحفّاظ ، والنویری : المتوفّی

حدود (833) فی نهایة الأَرَب فی فنون الأَدَب ، وابن حجر العسقلانی : المتوفّی (852) فی الإصابة وتهذیب التهذیب ، وابن الصبّاغ المالکی : المتوفّی (855) فی الفصول المهمّة ، والمقریزی : المتوفّی (845) فی الخطط ، وجلال الدین السیوطی : المتوفّی (910) فی غیر واحد من کتبه ، والقرمانی الدمشقی : المتوفّی (1019) فی أخبار الدول ، ونور الدین الحَلَبی : المتوفّی (1044) فی السیرة الحَلَبیّة ، وغیرهم.

ص: 26

وهذا الشأن فی علم التاریخ لا یقلّ عنه الشأن فی فنّ الحدیث ، فإنَّ المحدِّث إلی أیّ شطرٍ ولّی وجهه من فضاء فنِّه الواسع ، یجد عنده صحاحاً ومسانیدَ تثبت هذه المَأثُرة لولیّ أمر الدین علیه السلام ، ولم یزل الخَلَف یتلقّاه(1) من سلفه حتی ینتهی الدور إلی

جیل الصحابة الوعاة للخبر ، ویجد لها مع تعاقب الطبقات بَلَجاً ونوراً یَذهب بالأبصار ، فإن أغفل المحدِّث ما هذا شأنه ، فقد بخس للأمّة حقّاً ، وحرمها عن الکثیر الطیّب ممّا أسدی إلیها نبیُّها نبیّ الرحمة من برّه الواسع ، وهدایته لها إلی الطریقة المثلی.

فذکرها من أئمّة الحدیث : إمام الشافعیة أبو عبدالله محمد بن إدریس الشافعی : المتوفّی سنة (204) کما فی نهایة ابن الأثیر ، وإمام الحنابلة أحمد بن حنبل : المتوفّی (241) فی مسنده ومناقبه ، وابن ماجة : المتوفّی (273) فی سننه ، والترمذی : المتوفّی (279) فی صحیحه ، والنسائی : المتوفّی (303) فی الخصائص ، وأبو یعلی الموصلی : المتوفّی (307) فی مسنده ، والبغوی : المتوفّی (317) فی السنن ، والدولابی : المتوفّی (320) فی الکنی والأسماء ، والطحاوی : المتوفّی (321) فی مشکل الآثار ، والحاکم : المتوفّی (405) فی المستدرک ، وابن المغازلی الشافعی : المتوفّی (483) فی المناقب ، وابن مندة الأصبهانی : المتوفّی (512) بعدّة طرق فی تألیفه ، والخطیب الخوارزمی : المتوفّی (568) فی المناقب ومقتل الإمام السبط علیه السلام ، والکنجی : المتوفّی (658) فی کفایة الطالب ، ومحبّ الدین الطبریّ : المتوفّی (694) فی الریاض النضرة وذخائر العقبی ، والحمّوئی : المتوفّی (722) فی فرائد السمطین ، والهیثمیّ : المتوفّی (807) فی مجمع الزوائد ، والذهبی : المتوفّی (748) فی التلخیص ، والجَزْری : المتوفّی (830) فی أسنی المطالب ، وأبو العبّاس القسطلانی : المتوفّی (923) فی المواهب اللدنیّة ، والمتّقی الهندی : المتوفّی (975) فی کنز العمّال ، والهَرَویّ القاری : المتوفّی (1014) فی المرقاة فی شرح المشکاة ، وتاج الدین المناوی : المتوفّی (1031) فی کنوز الحقائق فی حدیث خیر الخلائق وفیض القدیر ، والشیخانی القادری فی الصراط

ص: 27


1- ذکّر الضمیر فی «یتلقّاه» بلحاظ أنَّ المأثرة کانت بواسطة الخبر والحدیث المتناقل.

السویّ فی مناقب آل النبیّ ، وباکثیر المکّی : المتوفّی (1047) فی وسیلة المآل فی مناقب الآل ، وأبو عبدالله الزرقانی المالکی : المتوفّی (1122) فی شرح المواهب ، وابن حمزة الدمشقی الحنفی فی کتاب البیان والتعریف ، وغیرهم.

کما أنَّ المفسِّر نُصْبُ عینیه آیٌ(1) من القرآن الکریم نازلة فی هذه المسألة یری من واجبه الإفاضة بما جاء فی نزولها وتفسیرها ، ولا یرضی لنفسه أن یکون عمله مبتوراً ، وسعیه مُخدَجاً ، فذکرها من أئمّة التفسیر : الطبریّ : المتوفّی (310) فی تفسیره ، والثعلبی : المتوفّی (427 ، 437) فی تفسیره ، والواحدی : المتوفّی (468) فی أسباب النزول ، والقرطبی : المتوفّی (567) فی تفسیره ، وأبو السعود فی تفسیره ، والفخر الرازی : المتوفّی (606) فی تفسیره الکبیر ، وابن کثیر الشامی : المتوفّی (774) فی تفسیره ، والنیسابوری : المتوفّی فی القرن الثامن فی تفسیره ، وجلال الدین السیوطی فی تفسیره ، والخطیب الشربینی فی تفسیره ، والآلوسی البغدادی : المتوفّی (1270) فی تفسیره ، وغیرهم.

والمتکلّم حین یقیم البراهین فی کلّ مسألة من مسائل علم الکلام ، إذا انتهی به السیر إلی مسألة الإمامة ، فلا مُنتدح له من التعرّض لحدیث الغدیر حجّةً علی المُدّعی أو نقلاً لحجّة الخصم ، وإن أردفه بالمناقشة فی الحساب عند الدلالة ، کالقاضی أبی بکر الباقلّانی البصری : المتوفّی سنة (403) فی التمهید ، والقاضی عبدالرحمن الإیجی الشافعی : المتوفّی (756) فی المواقف ، والسیِّد الشریف الجرجانی : المتوفّی (816) فی شرح المواقف ، والبیضاوی : المتوفّی (685) فی طوالع الأنوار ، وشمس الدین الأصفهانی فی مطالع الأنظار ، والتفتازانی : المتوفّی (792) فی شرح المقاصد ، والقوْشّجی المولی علاء الدین : المتوفّی (879) فی شرح التجرید. وهذا لفظهم :

ص: 28


1- کقوله تعالی : (الْیَوْمَ أَکْمَلْتُ لَکُمْ دِینَکُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَیْکُمْ نِعْمَتِی وَرَضِیتُ لَکُمُ الْإِسْلَامَ دِینًا) [آیة : 3] فی سورة المائدة وقوله فیها [آیة : 67] : (یَا أَیُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَیْکَ مِن رَّبِّکَ) الآیة. وقوله فی المعارج [آیة : 1] : (سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ). (المؤلف)

إنَّ النبیّ صلی الله علیه وسلم قد جمع الناس یوم غدیر خُمّ - موضع بین مکة والمدینة بالجُحْفة(1) - وذلک بعد رجوعه من حجّة الوداع ، وکان یوماً صائفاً حتی إنَّ الرجل لَیضع رداءه

تحت قدمیه من شدّة الحرّ ، وجمع الرحال ، وصعد علیها ، وقال مخاطباً : «معاشرَ المسلمین ألستُ أولی بکم من أنفسکم ؟ قالوا : اللّهمّ بلی.

قال : من کنتُ مولاه فعلیٌّ مولاه ، أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه ، وانصُرْ

من نَصره ، واخذُلْ من خَذله»(2).

ومن المتکلّمین القاضی النجم محمد الشافعی : المتوفّی (876) فی بدیع المعانی ، وجلال الدین السیوطی فی أربعینه ، ومفتی الشام حامد بن علیّ العمادی فی الصلات الفاخرة بالأحادیث المتواترة ، والآلوسی البغدادی : المتوفّی (1324) فی نثر اللآلی ، وغیرهم.

واللغویّ لا یجد مُنتدَحاً من الإیعاز إلی حدیث الغدیر عند إفاضة القول فی معنی (المولی) أو (الخُمّ) أو (الغدیر) أو (الولیّ) ، کابن دُرَید محمد بن الحسن - المتوفّی (321) - فی جمهرته (1 / 71)(3) ، وابن الأثیر فی النهایة(4) ، والحموی فی معجم البلدان(5) فی (خُمّ) ، والزبیدی الحنفی فی تاج العروس(6) ، والنبهانی فی المجموعة النبهانیة.

ص: 29


1- کانت قریة کبیرة علی ثلاث مراحل من مکة فی طریق المدینة ، وهی میقات أهل مصر والشام. معجم البلدان : 2 / 111.
2- ذکرنا لفظهم ؛ لکونه غیر مسند ، بل ذکروه إرسال المسلَّم. (المؤلف)
3- قال : غدیر خُمّ معروف ، وهو الموضع الذی قام فیه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم خطیباً بفضل أمیر المؤمنین علیّ بن أبی طالب. کذا فی المطبوع من الجمهرة [1 / 108] ، وقد حکی عنه ابن شهرآشوب وغیره فی العصور المتقادمة من النسخ المخطوطة من الجمهرة ما نصّه : هو الموضع الذی نصّ النبیُّ صلی الله علیه وآله وسلم فیه علی علیّ علیه السلام. انتهی. وقد حرّفته ید الطبع الأمینة. (المؤلف)
4- النهایة فی غریب الحدیث والأثر : 5 / 228.
5- معجم البلدان : 2 / 389
6- تاج العروس : 10 / 399.

ص: 30

واقعة الغدیر

أجمع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم الخروج إلی الحجّ فی سنة عشْرٍ من مُهاجره ، وأذّن فی الناس بذلک ، فقدم المدینة خلق کثیر یأتمّون به فی حِجّته تلک التی یُقال(1) علیها حجّة الوداع ، وحجّة الإسلام ، وحجّة البلاغ ، وحجّة الکمال ، وحجّة التمام(2) ، ولم یحجّ غیرها منذُ هاجر إلی أن توفّاه الله ، فخرج صلی الله علیه وآله وسلم من المدینة مغتسلاً متدهِّناً مترجِّلاً متجرِّداً فی ثوبینِ صُحاریّین(3) : إزارٍ ، ورداء ، وذلک یوم السبت لخمسِ لیالٍ أو ستٍّ بقینَ من ذی القِعْدة ، وأخرج معه نساءه کلّهنّ فی الهوادج ، وسار معه أهل بیته وعامّة المهاجرین والأنصار ، ومن شاء الله من قبائل العرب وأفناء(4) الناس(5).

وعند خروجه صلی الله علیه وآله وسلم أصاب الناس بالمدینة جُدَریٌّ - بضم الجیم وفتح الدال

ص: 31


1- الظاهر أنّه قدس سره ضمّن (قال) معنی (یطلق) فعدّاه ب- (علی).
2- الذی نظنّه - وظنّ الألمعیّ یقین - أنَّ الوجه فی تسمیة حِجّة الوداع بالبلاغ هو نزول قوله تعالی : (یَا أَیُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَیْکَ مِن رَّبِّکَ) الآیة ، کما أنَّ الوجه فی تسمیتها بالتمام والکمال هو نزول قوله سبحانه : (الْیَوْمَ أَکْمَلْتُ لَکُمْ دِینَکُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَیْکُمْ نِعْمَتِی) الآیة. (المؤلف)
3- صُحار : مدینة عمان أو قصبة عمان ممّا یلی الجبل ، وتوأم قصبتها ممّا یلی الساحل. معجم البلدان : 3 / 393.
4- أفناء : واحدهُ فنو أی أخلاط ، ورجل من أفناء القبائل أی لا یدری من أیّ قبیلة هو.
5- الطبقات لابن سعد : 3 / 225 [2 / 173] ، إمتاع المقریزی : ص 510 ، إرشاد الساری : 6 / 429 [9 / 426]. (المؤلف)

وبفتحهما - أو حصبة منعت کثیراً من الناس من الحجّ معه صلی الله علیه وآله وسلم ، ومع ذلک کان معه جموعٌ لا یعلمها إلّا الله تعالی ، وقد یقال : خرج معه تسعون ألفاً ، ویقال : مائة ألفٍ وأربعةَ عشرَ ألفاً ، وقیل : مائة ألفٍ وعشرونَ ألفاً ، وقیل : مائة ألفٍ وأربعة وعشرون ألفاً ، ویقال : أکثر من ذلک ، وهذه عدّةُ من خرج معه ، وأمّا الذین حجّوا معه فأکثر من ذلک ، کالمقیمین بمکّة ، والذین أتوا من الیمن مع علیٍّ أمیرالمؤمنین وأبی موسی(1).

أصبح صلی الله علیه وآله وسلم یومَ الأحد بیَلَمْلَمَ(2) ، ثمّ راح فتعشّی بشرف السیّالة ، وصلّی هناک المغرب والعشاء ، ثمّ صلّی الصبح بعِرْقِ الظُّبْیة(3) ، ثمّ نزل الروْحاء ، ثمّ سار من الروحاء فصلّی العصر بالمنصرف(4) ، وصلّی المغرب والعشاء بالمتعشّی وتعشّی به ، وصلّی الصبح بالأثایة(5) ، وأصبح یوم الثلاثاء بالعَرْج(6) واحتجم بلَحْیِ جَمَلٍ(7) - وهو عقبة الجُحْفة - ونزل السُّقْیاء(8) یوم الأربعاء ، وأصبح بالأبواء(9) ، وصلّی هناک ، ثمّ

ص: 32


1- السیرة الحلبیّة 3 / 283 [3 / 257] ، سیرة أحمد زینی دَحْلان 3 / 3 [2 / 143] ، تاریخ الخلفاء لابن الجوزی فی الجزء الرابع ، تذکرة خواصّ الأمّة : ص 18 [ص 30] ، دائرة المعارف لفرید وجدی 3 / 542. (المؤلف)
2- یَلَمْلَم : هو میقات أهل الیمن للإحرام بالحجّ ، وهو جبل من جبال تهامة جنوب مکة. معجم البلدان : 5 / 441.
3- عِرق الظُّبیة : موضع علی ثلاثة أمیال من الروحاء به مسجد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم. معجم البلدان : 3 / 58.
4- المُنْصرف : موضع بین مکة وبدر بینهما أربعة بُرُد. معجم البلدان : 5 / 211.
5- هو موضع فی طریق الجُحفة بینه وبین المدینة خمسة وعشرون فرسخاً. معجم البلدان : 1 / 90
6- العَرْج : قریة فی وادٍ من نواحی الطائف ، بینها وبین المدینة ثمانیة وسبعون میلاً. معجم البلدان : 4 / 98.
7- لَحْی جمل : هی عقبة الجُحفة علی سبعة أمیال من السقیاء. معجم البلدان : 5 / 15.
8- السُّقیاء : قریة جامعة من عمل الفُرع ، بینهما ممّا یلی الجحفة تسعة عشر میلاً. معجم البلدان : 3 / 228.
9- الأبْوَاء : قریة من أعمال الفُرع من المدینة ، بینها وبین الجحفة ممّا یلی المدینة ثلاثة وعشرون میلاً. معجم البلدان : 1 / 79.

راح من الأبواء ونزل یوم الجمعة الجُحْفة ، ومنها إلی قُدَیْد(1) وسَبَتَ فیه ، وکان یومَ الأحد بعُسْفان(2) ، ثمّ سار ، فلمّا کان بالغَمیم(3) اعترض المشاة ، فصُفّوا صفوفاً ، فَشکَوا إلیه المشی ، فقال : استعینوا بالنسَلان - مشیٌ سریعٌ دون العدو - ففعلوا فوجدوا لذلک راحة ، وکان یوم الإثنین بمَرِّ الظهْران ، فلم یبرَحْ حتی أمسی ، وغرُبت

له الشمس بسَرِف(4) فلم یصلِّ المغرب حتی دخل مکة ، ولمّا انتهی إلی الثنِیَّتین(5) بات بینهما ، فدخل مکّة نهار الثلاثاء(6).

فلمّا قضی مناسکه ، وانصرف راجعاً إلی المدینة ومعه من کان من الجموع المذکورات ، وصل إلی غدیر خُمّ من الجُحْفة التی تتشعّب فیها طرق المدنیِّین والمصریِّین والعراقیِّین ، وذلک یوم الخمیس(7) الثامن عشر من ذی الحجّة نزل إلیه جبرئیل الأمین عن الله بقوله : (یَا أَیُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَیْکَ مِن رَّبِّکَ) الآیة. وأمره أن یقیم علیّاً عَلَماً للناس ، ویبلِّغهم ما نزل فیه من الولایة وفرض الطاعة علی کلّ أحد ، وکان أوائل القوم قریباً من الجُحْفة ، فأمر رسول الله أن یردّ من تقدّم منهم ، ویحبس من تأخّر عنهم فی ذلک المکان ، ونهی عن سَمُراتٍ(8) خمْسٍ متقاربات دَوْحاتٍ عظام أن لا یَنزل تحتهنَّ أحد ، حتی إذا أخذ القوم منازلهم ، فقُمَّ ما تحتهنَّ ، حتی إذا نودی بالصلاة - صلاة الظهر - عمد إلیهنّ ، فصلّی بالناس تحتهنّ ، وکان یوماً

ص: 33


1- قُدَیْد : اسم موضع قرب مکة. معجم البلدان : 4 / 313.
2- عُسفان : قال السکری : عُسفان علی مرحلتین من مکة علی طریق المدینة والجحفة علی ثلاث مراحل. معجم البلدان : 4 / 122.
3- الغمیم : قال نصر : الغمیم موضع قرب المدینة بین رابغ والجحفة. معجم البلدان : 4 / 214.
4- سَرِف : موضع من مکة علی عشرة أمیال ، وقیل : أقل وأکثر. معجم البلدان : 3 / 212.
5- الثنیّتان : مثنی الثنیّة ، وهی طریق العقبة ، أو العقبة ، والثنیّة : الطریقة فی الجبل کالنقب.
6- الإمتاع للمقریزی : ص 513 - 517. (المؤلف)
7- هو المنصوص علیه فی لفظ البراء بن عازب وبعض آخر من رواة حدیث الغدیر ، وسیوافیک کلامنا فیه : ص 42 [من هذا الجزء]. (المؤلف)
8- سَمُرات جمع سمرة : شجرة الطلح.

هاجراً یضع الرجل بعض ردائه علی رأسه ، وبعضه تحت قدمیه ، من شدّة الرمضاء ، وظُلِّل لرسول الله بثوبٍ علی شجرةِ سَمُرةٍ من الشمس ، فلمّا انصرف صلی الله علیه وآله وسلم من صلاته ، قام خطیباً وسط القوم(1) علی أقتاب الإبل(2) ، وأسمع الجمیع ، رافعاً عقیرته ، فقال :

«ألحمد للهِ ونستعینه ونؤمن به ، ونتوکّل علیه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سیّئات أعمالنا ، الذی لا هادی لمن أضلّ(3) ، ولا مُضلّ لمن هدی ، وأشهد أن لا إله إلّا الله ، وأنَّ محمداً عبده ورسوله.

أمّا بعدُ : أیُّها الناس قد نبّأنی اللطیف الخبیر : أنّه لم یُعمَّر نبیٌّ إلّا مثلَ نصفِ عمر الذی قبلَه. وإنّی أُوشِک أن أُدعی فأُجیب ، وإنّی مسؤول ، وأنتم مسؤولون ، فماذا أنتم قائلون ؟

قالوا : نشهدُ أنّک قد بلّغتَ ونصحتَ وجهدتَ ، فجزاکَ الله خیراً.

قال : ألستم تشهدون أن لا إله إلّا الله ، وأنَّ محمداً عبدهُ ورسوله ، وأنَّ جنّته حقّ وناره حقّ ، وأنَّ الموت حقّ ، وأنَّ الساعة آتیة لا ریبَ فیها وأنَّ الله یبعثُ من فی القبور ؟

قالوا : بلی نشهد بذلک. قال : أللّهمّ اشهد ، ثمّ قال : أیّها الناس ألا تسمعون ؟ قالوا : نعم.

قال : فإنّی فَرَط(4) علی الحوض ، وأنتم واردون علیّ الحوض ، وإنَّ عُرضه ما

ص: 34


1- جاء فی لفظ الحافظ الهیثمی فی مجمع الزوائد : 9 / 106 وغیره. (المؤلف)
2- ثمار القلوب : ص 511 [ص 636 رقم 1068] ، ومصادر أُخر ، کما مرّ ص 8. (المؤلف)
3- فی الأصل (ضلّ) والصحیح ما أثبتناه ، وقد أشار المصنّف فی هامش ص 88 إلی هذا الخطأ الموجود فی النسخ.
4- الفَرَط : المتقدم قومه إلی الماء ، ویستوی فیه الواحد والجمع.

بین صنعاءَ وبُصری(1) ، فیه أقداح عدد النجوم من فضّة ، فانظروا کیف تخلِفونی فی الثقَلَینِ(2).

فنادی منادٍ : وما الثقَلان یا رسول الله ؟

قال : الثقَل الأکبر کتاب الله طرفٌ بید الله عزّ وجلّ وطرفٌ بأیدیکم ، فتمسّکوا به لا تضلّوا ، والآخر الأصغر عترتی ، وإنَّ اللطیف الخبیر نبّأنی أنّهما لن یتفرّقا حتی یردا علیّ الحوض ، فسألت ذلک لهما ربّی ، فلا تَقدموهما فتهلکوا ، ولا تقصروا عنهما فتهلکوا.

ثمّ أخذ بید علیّ فرفعها حتی رُؤی بیاض آباطهما وعرفه القوم أجمعون ، فقال : أیّها الناس من أولی الناس بالمؤمنین من أنفسهم ؟. قالوا : الله ورسوله أعلم.

قال : إنَّ الله مولای ، وأنا مولی المؤمنین ، وأنا أولی بهم من أنفسهم فمن کنت مولاه فعلیّ مولاه ، یقولها ثلاثَ مرّات - وفی لفظ أحمد إمام الحنابلة : أربع مرّات - ثمّ قال : أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه ، وأحِبَّ من أحبّه ، وأبغِضْ من أبغضه وانصُرْ من نصره ، واخذُلْ من خذله ، وأَدرِ الحقَّ معه حیث دار ، ألا فلیبلّغ الشاهدُ الغائب. ثمّ لم یتفرّقوا حتی نزل أمین وحی الله بقوله : (الْیَوْمَ أَکْمَلْتُ لَکُمْ دِینَکُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَیْکُمْ نِعْمَتِی) الآیة. فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : الله أکبر علی إکمال الدین ، وإتمام النعمة ، ورضا الربّ برسالتی ، والولایة لعلیٍّ من بعدی».

ثمّ طَفِق القوم یهنِّئون أمیر المؤمنین - صلوات الله علیه - وممّن هنّأه - فی مُقدّم الصحابة - الشیخان : أبو بکر وعمر کلٌّ یقول : بَخٍ بخٍ لک یا ابن أبی طالب أصبحتَ

وأمسیتَ مولایَ ومولی کلّ مؤمن ومؤمنة. وقال ابن عبّاس : وجبت - واللهِ - فی أعناق القوم.

ص: 35


1- صنعاء : عاصمة الیمن الیوم ، وبُصْری : قَصَبة کورة حوران من أعمال دمشق. (المؤلف)
2- الثقَل - بفتح المثلّثة والمثنّاة - : کلّ شیء خطیر نفیس. (المؤلف)

فقال حسّان : ائذنْ لی یا رسول الله أن أقول فی علیٍّ أبیاتاً تسمعهُنّ. فقال : «قُلْ علی برکة الله».

فقام حسّان ، فقال : یا معشر مشیخة قریش أتبعها قولی بشهادةٍ من رسول الله فی الولایة ماضیة ، ثمّ قال :

یُنادیهِمُ یومَ الغدیرِ نبیُّهمْ

بخُمٍّ فأسمِعْ بالرسولِ مُنادیا(1)

هذا مجمل القول فی واقعة الغدیر ، وسیُوافیک تفصیل ألفاظها ، وقد أصفقت الأمّة علی هذا ، ولیست فی العالم کلّه - وعلی مستوی البسیط(2) - واقعة إسلامیّة غدیریّة غیرها ، ولو أُطلق یومه فلا ینصرف إلّا إلیه ، وإن قیل محلّه فهو هذا المحلّ المعروف علی أَمَمٍ(3) من الجُحْفة ، ولم یعرف أحد من البحّاثة والمنقِّبین سواه. نعم ، شذّ عنهم الدکتور ملحم إبراهیم الأسود فی تعلیقه علی دیوان أبی تمام ، فإنّه قال : هی

واقعة حرب معروفة ! ولنا حول ذلک بحثٌ ضافٍ تجده فی ترجمة أبی تمام من الجزء الثانی إن شاء الله.

ص: 36


1- إلی آخر الأبیات الآتیة فی ترجمة حسّان فی شعراء القرن الأوّل فی الجزء الثانی. (المؤلف)
2- البسیط والبسیطة : الأرض العریضة والمکان الواسع.
3- الأَمَم : القُرب.

العنایة بحدیث الغدیر

کان للمولی سبحانه مزید عنایة بإشهار هذا الحدیث ؛ لتتداوله الألسن وتلوکه أشداق الرواة ؛ حتی یکون حجّة قائمة لحامیة دینه الإمام المقتدی - صلوات الله علیه - ولذلک أنجز الأمر بالتبلیغ فی حین مزدَحم الجماهیر عند مُنصَرف نبیّه صلی الله علیه وآله وسلم من الحجّ الأکبر ، فنهض بالدعوة ، وکرادیس الناس وزُرافاتهم من مختلف الدیار محتفّةٌ به ، فردّ

المتقدِّم ، وجعجع بالمتأخِّر ، وأسمع الجمیع(1) ، وأمر بتبلیغ الشاهد الغائب ؛ لیکونوا کلّهم رواة هذا الحدیث ، وهم یرْبونَ علی مائة ألفٍ ، ولم یکتفِ - سبحانه - بذلک کلّه حتی أنزل فی أمره الآیات الکریمة تُتلی مع مرِّ الجدیدین بُکرةً وعَشیّاً ؛ لیکون المسلمون علی ذُکْرٍ من هذه القضیّة فی کلّ حین ، ولیعرفوا رُشدهم ، والمرجع الذی یجب علیهم أن یأخذوا عنه معالم دینهم.

ص: 37


1- روی النسائی فی إحدی طرق حدیث الغدیر عن زید بن أرقم فی الخصائص : ص 21 [ص 96 ح 79 والسنن الکبری : 5 / 130 ح 8464] ، وفیه : قال أبو الطفیل : سمعته من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ؟ فقال : [نعم] وإنَّه ما کان فی الدوحات أحد إلّا رآه بعینیه ، وسمعه بأُذُنیه. وصحّحه الذهبی کما فی تاریخ ابن کثیر الشامی : 5 / 208 [5 / 228 حوادث سنة 10 ه-]. وفی مناقب الخوارزمی فی أحد أحادیث الغدیر ص 94 : ینادی رسول الله بأعلی صوته. وقال ابن الجوزی فی المناقب : کان معه صلی الله علیه وآله وسلم من الصحابة ومن الأعراب وممّن یسکن حول مکّة والمدینة مائة وعشرون ألفاً ، وهم الذین شهدوا معه حجّة الوداع ، وسمِعوا منه هذه المقالة. (المؤلف)

ولم یزل مثل هذه العنایة لنبیّنا الأعظم صلی الله علیه وآله وسلم حیث استنفر أُمم الناس للحجّ فی سنته تلک ، فالتحقوا به ثُباً ثُباً ، وکرادیس کرادیس ، وهو صلی الله علیه وآله وسلم یعلم أنّه سوف یبلّغهم فی منتهی سفره نبأً عظیماً ، یُقام به صرح الدین ، ویشاد علالیُّه ، وتسود به أُمّته الأُمم ، ویدبُّ ملکها بین المشرق والمغرب ، لو عقَلتْ صالحها ، وأبصرتْ طریق رُشدها(1).

ص: 38


1- أخرج أحمد فی مسنده : 1 / 109 [1 / 175 ح 861] عن زید بن یثیع ، عن علیّ ، عن النبیّ صلی الله علیه وسلم فی حدیث : «وإن تُؤمّروا علیّاً رضی الله عنه - ولا أراکم فاعلین - تجدوه هادیاً مهدیّاً ، یأخذ بکم الطریق المستقیم». وروی الخطیب البغدادی فی تاریخه : 11 / 47 [رقم 5728] بإسناده عن حذیفة فی حدیث - حُرّف صدره ، وزِید علیه - عن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم : «وإن وَلّیتموها - الخلافة - علیّاً وجدتموه هادیاً مهدیّاً ، یسلک بکم علی الطریق المستقیم». وفی روایة أبی داود : «إن تستخلفوه (علیّاً) - ولن تفعلوا ذلک - یسلُکْ بکم الطریق ، وتجدوه هادیاً مهدیّاً». وفی حدیث أبی نعیم فی الحِلیة : 1 / 64 [رقم 4] عن حذیفة ، قال : قالوا : یا رسول الله ألا تستخلف علیّاً ؟ قال : «إن تُولّوا علیّاً تجدوه هادیاً مهدیّاً ، یسلک بکم الطریق المستقیم». وفی لفظ آخر : «وإن تؤمّروا علیّاً - ولا أراکم فاعلین - تجدوه هادیاً مهدیّاً ، یأخذ بکم الطریق المستقیم». وفی کنز العمّال : 6 / 160 [11 / 630 ح 33072] عن فضائل الصحابة لأبی نعیم ، وفی حِلیته : 1 / 64 [رقم 4] «إن تستخلفوا علیّاً - وما أراکم فاعلین - تجدوه هادیاً مهدیّاً یحملکم علی المحجّة البیضاء». وأخرجه الحافظ الکنجی الشافعی فی الکفایة : ص 67 [ص 163] بهذا اللفظ وبلفظ أبی نعیم الأوّل. وفی الکنز : 6 / 160 [11 / 631 ح 33075] عن الطبرانی ، وفی المستدرک للحاکم [3 / 153 ح 4785] : «إن وَلّیتُموها علیّاً فهادٍ مهدیّ ، یقیمکم علی طریق مستقیم». وروی الخطیب الخوارزمی فی المناقب : ص 68 [ص 114 ح 124] مسنداً عن عبدالله بن مسعود ، قال : کنت مع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وقد أصحر ، فتنفّس الصعَداء ، فقلت : یا رسول الله مالک تتنفّس ؟ قال : «یا ابنَ مسعود نُعِیَتْ إلیّ نفسی. فقلت : یا رسول الله استخلفْ. قال : من ؟ قلت : أبا بکر ، فسکت ، ثمّ تنفّس ، فقلت : ما لی أراک تتنفّس ؟ قال : نُعِیَتْ إلیّ نفسی. فقلت : استخلف

ولکن ولهذه الغایة بعینها لم یبرح أئمّة الدین - سلام الله علیهم - یهتفون بهذه الواقعة ، ویحتجّون بها لإمامة سلفهم الطاهر ، کما لم یفتأ أمیر المؤمنین - صلوات الله علیه - بنفسه یحتجّ بها طیلة حیاته الکریمة ، ویستنشد السامعین لها من الصحابة الحضور فی حجّة الوداع فی المنتدیات ومجتمعات لفائف الناس ؛ کلّ ذلک لتبقی غضّةً طریّةً بالرغم من تعاوُر الحُقُب والأعوام ؛ ولذلک أمروا شیعتهم بالتعیّد فی یوم الغدیر والاجتماع وتبادل التهانی والبشائر ؛ إعادةً لجِدّة هاتیک الواقعة العظیمة ، کما ستمرّ علیک تفاصیل هذه الجمل فی هذا الکتاب - إن شاء الله تعالی - فإلی الملتقی.

وللإمامیّة مجتمع باهر یوم الغدیر عند المرقد العلویّ الأقدس ، یضمّ إلیه رجالات القبائل ووجوه البلاد من الدانین والقاصین ؛ إشادةً بهذا الذکر الکریم ، ویروون

عن أئمّة دینهم ألفاظ زیارةٍ مُطنَبة ، فیها تعدادُ أعلام الإمامة ، وحجج الخلافة الدامغة من کتاب وسنّة ، وتبسّط فی روایة حدیث الغدیر ، فتری کلّ فرد من أفراد تلکم الآلاف المؤلّفة یلهج بها ، رافعاً عقیرته ، مبتهجاً بما اختصّه الله من مِنْحة الولایة والهدایة إلی صراطه المستقیم ، ویری نفسه راویاً لتلک الفضیلة ، مثبتاً لها ، یَدین الله بمفادها ، ومن لم یُتَحْ له الحظوة بالمثول فی ذلک المشعر المقدّس ، فإنّه یتلوها فی نائیة البلاد ، ویُومی إلیه من مستقرّه. ولیوم الغدیر وظائف من صوم وصلاة ودعاء فیها هتاف بذکره ، تقوم بها الشیعة فی أمصارها وحواضرها وأوساطها والقری والرساتیق(1) ، فهناک تجد ما یُعَدُّون بالملایین ، أو یُقدَّرون بثُلُث المسلمین أو نصفهم

ص: 39


1- الرساتیق : فارسی معرّب ، جمع رستاق ، وهی السواد.

رواةً للحدیث ، مخبتین إلیه معتنقین له دیناً ونِحْلة.

وأمّا کتب الإمامیّة فی الحدیث والتفسیر والتاریخ وعلم الکلام ، فضع یدک علی أیٍّ منها تجده مفعماً بإثبات قصّة الغدیر والاحتجاج بمؤدّاها ، فمن مسانید عنعنتها الرواة إلی مُنبثق أنوار النبوّة ، ومراسیل أرسلها المؤلِّفون إرسال المسلّم ، حذفوا

أسانیدها ؛ لتسالم فِرَق المسلمین علیها.

ولا أحسب أنَّ أهل السنّة یتأخّرون بکثیر عن الإمامیّة فی إثبات هذا الحدیث ، والبخوع لصحّته ، والرکون إلیه ، والتصحیح له ، والإذعان بتواتره ، أللّهمّ إلّا شذّاذاً تنکّبت عن الطریقة ، وَحَدتْ بهم العصبیّة العمیاء إلی رمی القول علی عواهنه ، وهؤلاء لا یمثِّلون من جامعة العلماء إلّا أنفسهم ، فإنَّ المثبتین المحقّقین للشأن المتولِّعین فی الفنّ لا تخالجهم أیّة شبهة فی اعتبار أسانیدهم التی أنهوها - متعاضدةً متظافرةً بل متواترة(1) - إلی جماهیر من الصحابة والتابعین. وإلیک أسماء جملة وقفنا علی الطرق المنتهیة إلیهم علی حروف الهجاء :

ص: 40


1- رواه أحمد بن حنبل من أربعین طریقاً ، وابن جریر الطبری من نیّف وسبعین طریقاً ، والجزری المقری من ثمانین طریقاً ، وابن عقدة من مائة وخمس طرق ، وأبو سعید السجستانی من مائة وعشرین طریقاً ، وأبو بکر الجُعابی من مائة وخمس وعشرین طریقاً ، وفی تعلیق هدایة العقول (ص 30) عن الأمیر محمد الیمنی - أحد شعراء الغدیر فی القرن الثانی عشر - : أنَّ له مائةً وخمسین طریقاً. (المؤلف)

رواة حدیث الغدیر من الصحابة

«حرف الألف»

1 - أبو هریرة الدوسیّ : المتوفّی (57 ، 58 ، 59) وهو ابن ثمانٍ وسبعین عاماً.

یوجد حدیثه مسنداً فی(1) تاریخ الخطیب البغدادی (8 / 290) بطریقین عن مطر الورّاق ، عن شهر بن حوشب عنه بلفظه الآتی ، وتهذیب الکمال فی أسماء الرجال لأبی الحجّاج المزّی ، وتهذیب التهذیب (7 / 337) ، ومناقب الخوارزمی (ص 130) ، وعدّه فی کتابه مقتل الإمام السبط الشهید - سلام الله علیه - ممّن روی حدیث الغدیر من الصحابة ، والجزری فی أسنی المطالب (ص 3) ، والدرّ المنثور للسیوطی (2 / 259) عن ابن مردویه ، والخطیب وابن عساکر بطرقهم عنه ، وتاریخ الخلفاء (ص 114) نقلاً عن أبی یعلی الموصلی بطریقه عنه ، وفرائد السمطین للحمّوئی بإسناده عن شهر

ص: 41


1- تهذیب الکمال : 20 / 484 رقم 4089 ، تهذیب التهذیب : 7 / 296 ، المناقب : ص 156 ح 184 ، مقتل الإمام الحسین علیه السلام : 1 / 48 ، أسنی المطالب : ص 48 ، الدرّ المنثور : 3 / 19 ، تاریخ مدینة دمشق : 12 / 234 ، وفی ترجمة الإمام علیّ بن أبی طالب علیه السلام - الطبعة المحققة - : رقم 572 ، تاریخ الخلفاء : ص 158 ، مسند أبی یعلی : 11 / 307 ح 6423 تحت عنوان : حدیث صوم یوم الغدیر ، فرائد السمطین : 1 / 77 ح 44 باب 13 ، کنز العمّال : 11 / 609 ح 32950 و 13 / 157 ح 36486 ، الاستیعاب : القسم الثالث / 1099 رقم 1855 ، البدایة والنهایة : 5 / 232 حوادث سنة 10 ه.

ابن حوشب عنه ، وکنز العمّال للمتّقی الهندی (6 / 154) بطریق ابن أبی شیبة عنه وعن اثنی عشر من الصحابة ، و (6 / 403) عن عمیرة بن سعد عنه ، والاستیعاب لابن عبدالبرّ (2 / 473) ، والبدایة والنهایة لابن کثیر الدمشقی (5 / 214) نقلاً عن الحافظین أبی یعلی وابن جریر ، بإسنادهما عن إدریس وداود ، عن أبیهما یزید عنه ، وعن شهر ابن حوشب عنه ، وعن عمیرة بن سعد عنه ، وحدیث الولایة لابن عقدة(1) ، ونُخب المناقب لأبی بکر الجُعابی(2) ، ونُزُل الأبرار(3) (ص 20) من طرق أبی یعلی الموصلی(4) وابن أبی شیبة(5) عنه.(6)

ص: 42


1- أخذنا طرق ابن عقدة فی کتابه حدیث الولایة من أُسد الغابة والإصابة وطرائف السیِّد الأکبر السیِّد ابن طاووس [ص 140 - 141] وغیرهم. (المؤلف)
2- طرق الجُعابی حکاها العلّامة السروی فی المناقب 1 / 529 [3 / 34] عن الصاحب بن عبّاد ، عن الجُعابی ، ونَقَل طرقه عن کتابه نُخب المناقب العلّامة أبو الحسن الشریف فی ضیاء العالمین ، فنحن نأخذها عنهما. (المؤلف)
3- نُزُل الأبرار : ص 53.
4- مسند أبی یعلی : 11 / 307 ح 6423.
5- مصنّف ابن أبی شیبة : 12 / 68 ح 12141 کتاب فضائل علیّ بن أبی طالب.
6- وممّن أخرج عنه حدیث الغدیر البلاذری فی أنساب الأشراف : ح 45 والبزّار فی مسنده - کشف الأستار : ح 2531 و 2532. وأخرجه أبو یعلی فی مسنده : ح 6423 ، وابن جریر الطبری فی کتابه فی الغدیر وعنه ابن کثیر فی تاریخه : 5 / 213. وأخرجه الطبرانی فی المعجم الصغیر : 1 / 64 وفی الأوسط : ح 1115 و 2275 و 8599 ، أیضاً - کما فی الأحادیث الصحیحة للألبانی : 4 / 342 - وفی المعجم الکبیر أیضاً ، قال الهیثمی فی مجمع الزوائد : 9 / 105 : رواه الطبرانی فی الکبیر والأوسط ، ورجال الأوسط ثقات. وأخرجه الحافظ ابن مردویه کما فی الدرّ المنثور 2 / 259 والبدایة والنهایة : 7 / 349 و 350 ، وأخرجه ابن عدیّ فی الکامل : 948 و 1327 و 2593 ، وعبدالوهاب الکلابی الدمشقی فی مناقب أمیر المؤمنین علیه السلام : ح 31 ، وأبو نعیم فی حلیة الأولیاء : 5 / 26 وفی أخبار أصبهان : 1 / 107 ، وأبو بکر الملحمی فی مجلسه الموجود فی المجموع 79 فی المکتبة الظاهریة ، ومحمد بن طلحة النعالی فی جزء من حدیثه الموجود فی المجموع 21 فی الظاهریة ، والمبارک بن عبدالجبّار الصیرفی فی

2 - أبو لیلی الأنصاریّ : یقال : إنَّه قُتِل بصفّین سنة (37).

یوجد لفظه مسنداً فی مناقب الخوارزمی(1) (ص 35) بالإسناد عن ثویر بن أبی فاختة ، عن عبدالرحمن بن أبی لیلی ، عن والده ، قال : قال أبی :

دفع النبیُّ صلی الله علیه وآله وسلم الرایة یوم خیبر إلی علیّ بن أبی طالب ، ففتح الله تعالی علی یده ، وأوقفه یوم غدیر خُمّ فأعلم الناس أنّه مولی کلّ مؤمن ومؤمنة.

ص: 43


1- المناقب : ص 61 ح 31.

وروی عنه حدیث الغدیر ابن عقدة بإسناده فی حدیث الولایة ، والسیوطی فی تاریخ الخلفاء(1) (ص 114) ، والسمهودی(2) فی جواهر العقدین .(3)

3 - أبو زینب بن عوف الأنصاریّ :

یوجد لفظه فی أُسد الغابة(4) (3 / 307 و 5 / 205) ، والإصابة (2 / 408) عن الأصبغ بن نباتة ، و (4 / 80) عن حدیث الولایة لابن عقدة ، من طریق علیّ بن الحسن العبدی ، عن سعد الأسکاف ، عن الأصبغ ، وذکر حدیث مناشدة أمیر المؤمنین علیه السلام بحدیث الغدیر یوم الرحبة ، وفی المستنشَدین أبو زینب المذکور ، وستقف علی لفظ الحدیث إن شاء الله.(5)

4 - أبو فضالة الأنصاریّ : من أهل بدر قُتل بصفّین مع علیّ علیه السلام.

ممّن شهد لعلیّ علیه السلام بحدیث الغدیر یوم الرحبة فی روایة أصبغ بن نباتة المرویّة فی أُسد الغابة(6) (3 / 307 و 5 / 205) عن حدیث الولایة ، وعدّه القاضی فی تاریخ آل محمد (ص 67) من رواة حدیث الغدیر.

5 - أبو قُدامة الأنصاریّ(7) : أحد المستنشَدین یوم الرحبة کما فی أُسد

ص: 44


1- تاریخ الخلفاء : ص 158.
2- جواهر العقدین : الورقة 171.
3- عدّه الذهبی فی کتاب الغدیر : ح 121 ، والشهاب الإیجی فی توضیح الدلائل : ق 197 / ب ، والسخاوی فی استجلاب ارتقاء الغرف : ق 22 / ب من الصحابة الذین روی عنهم حدیث الغدیر. (الطباطبائی)
4- أُسد الغابة : 3 / 469 رقم 3341و 6 / 130 رقم 5926.
5- عدّه الذهبی فی کتاب الغدیر : ح 123 ممّن شهد لأمیر المؤمنین علیه السلام بحدیث الغدیر عند مناشدته. (الطباطبائی)
6- مرّ تخریجه آنفاً.
7- قال ابن حجر فی الإصابة : 4 / 159 [رقم 927] : لعلّه هو أبو قدامة بن سهیل بن الحارث بن جعدبة بن ثعلبة بن سالم بن مالک بن واقف ، وهو سالم. (المؤلف)

الغابة(1) (5 / 276) عن ابن عقدة ، بإسناده عن محمد بن کثیر ، عن فطر وابن الجارود ، عن أبی الطفیل ، عنه لمّا شهد لعلیّ علیه السلام یوم الرحبة ، وفی حدیث الولایة لابن عقدة ، وجواهر العقدین للسمهودی(2) ، والإصابة فی (4 / 159) عن ابن عقدة فی حدیث الولایة ، من طریق محمد بن کثیر ، عن فطر ، عن أبی الطفیل قال :

کنّا عند علیّ علیه السلام فقال : «أَنشُد الله من شهِد یوم غدیر خُمّ ...» الحدیث کما یأتی ، وفیه : ممّن شهد لعلیّ علیه السلام به أبو قدامة الأنصاری.(3)

6 - أبو عمرة بن عمرو بن محصن الأنصاریّ :

روی ابن الأثیر فی أُسد الغابة(4) (3 / 307) حدیث المناشدة وشهادته لعلیّ علیه السلام فی الکوفة بحدیث الغدیر ، ورواه ابن عقدة فی حدیث الولایة.

7 - أبو الهیثم بن التیِّهان : قُتل بصفّین سنة (37).

یوجد حدیثه فی حدیث الولایة لابن عقدة ، ونُخب المناقب للجُعابی ، وفی مقتل الخوارزمی(5) عدّه ممّن روی حدیث الغدیر من الصحابة ، وفی جواهر العقدین للسمهودی(6) ، عن فطر وأبی الجارود ، عن أبی الطفیل ، عنه شهادته لعلیّ علیه السلام بحدیث الغدیر یوم المناشدة ، وفی تاریخ آل محمد (ص 67) عدّه من رواة حدیث الغدیر.

8 - أبو رافع القِبْطیّ(7) : مولی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم.

ص: 45


1- أُسد الغابة : 6 / 252 رقم 6169.
2- جواهر العقدین : الورقة 171.
3- عدّه الذهبی فی کتاب الغدیر : ح 123 ، ممّن شهد لأمیر المؤمنین علیه السلام بحدیث الغدیر عند مناشدته. (الطباطبائی)
4- أُسد الغابة : 3 / 470 رقم 3341.
5- نسخته موجودة عندنا. (المؤلف)
6- جواهر العقدین : الورقة 171.
7- اختلف فی اسمه بین (إبراهیم) و (أسلم) و (هرمز) و (ثابت) و (یسار) و (قرمان) و (عبدالرحمن) و (یزید). (المؤلف)

روی حدیثه ابن عقدة فی حدیث الولایة ، وأبو بکر الجُعابی فی نُخبه ، وعدّه الخوارزمی فی مقتله(1) ممّن روی حدیث الغدیر من الصحابة.

9 - أبو ذویب خویلد - أو خالد - ابن خالد بن محرث الهُذَلی : الشاعر الجاهلی الإسلامی المتوفّی فی خلافة عثمان.

روی الحدیث عنه ابن عقدة فی حدیث الولایة ، والخطیب الخوارزمی فی الفصل الرابع من مقتل الإمام السبط(2) سلام الله علیه.(3)

10 - أبو بکر بن أبی قحافة التیمیّ : المتوفّی (13).

روی عنه حدیث الغدیر ابن عقدة بإسناده فی حدیث الولایة ، وأبو بکر الجُعابی فی النُخب ، والمنصور الرازی فی کتابه فی حدیث الغدیر(4) ، وعدّه شمس الدین الجزری الشافعی فی أسنی المطالب(5) (ص 3) ممّن روی حدیث الغدیر من الصحابة.

11 - أسامة بن زید بن حارثة الکَلْبیّ : المتوفّی (54) وهو ابن (75) عاماً.

یوجد حدیثه فی حدیث الولایة ، ونُخب المناقب.

12 - أُبیّ بن کعب الأنصاریّ ، الخزرجیّ : سیّد القرّاء المتوفّی (30 ، 32) ، وقیل

غیر ذلک. روی عنه الحدیث أبو بکر الجُعابی بإسناده فی نُخب المناقب.

13 - أسعد بن زرارة الأنصاریّ(6) :

ص: 46


1- مقتل الإمام الحسین علیه السلام : 1 / 48.
2- المصدر السابق.
3- وعدّه الذهبی فی کتاب الغدیر : ح 121 ممّن روی عنهم هذا الحدیث. (الطباطبائی)
4- وکذا الذهبی بدأ به فی کتاب الغدیر : ح 1. (الطباطبائی)
5- أسنی المطالب : ص 48.
6- أقول : وأخرجه الخطیب البغدادی فی موضِّح أوهام الجمع والتفریق : 1 / 191 عن شیخه ابن أبی

روی ابن عقدة فی حدیث الولایة ، عن محمد بن الفضل بن إبراهیم الأشعری ، عن أبیه ، عن المثنّی بن القاسم الحضرمی ، عن هلال أبی أیوب الصیرفی ، عن أبی کثیر

الأنصاری ، عن عبدالله بن أسعد بن زرارة ، عن أبیه ، عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم حدیث الغدیر(1).

وأبو بکر الجُعابی فی النُخب ، وأبو سعید مسعود السجستانی فی کتاب الولایة(2) ، عن أبی الحسن أحمد بن محمد البزّاز الضبّی إملاءً فی صفر سنة (393) ، قال :

حدّثنی أبو العبّاس أحمد بن سعید الکوفی الحافظ سنة (330) ، وأخبرنا أبو الحسین محمد بن محمد بن علیّ الشروطی ، قال : أخبرنا أبو الحسین محمد بن عمر بن بهتة ، وأبو عبدالله الحسین بن هارون بن محمد القاضی الضبّی(3) وأبو محمد عبدالله بن محمد الأکفانی القاضی ، قالوا : أخبرنا أحمد بن محمد بن سعید ، قال : حدّثنا محمد بن الفضل بن إبراهیم الأشعری ... إلی آخر السند المذکور لابن عقدة.

ص: 47


1- راجع کتاب الیقین فی الباب السابع والثلاثین [ص 183]. (المؤلف)
2- حکاه عنه ابن طاووس فی الیقین [ص 168 باب 17] ، وابن حاتم فی الدرّ النظیم فی الأئمّة اللهامیم [ص 105 باب 2]. (المؤلف)
3- فی الأصل (الصینی) والصواب ما هنا ، وهو صاحب الأمالی المذکور فی المقدّمة : ص 106 سطر 5 ، ترجم له فی تاریخ بغداد : 8 / 146 برقم 4243 ، وصرّح بروایته عن ابن عقدة. (الطباطبائی)

وعدّه شمس الدین الجزری فی أسنی المطالب(1) (ص 4) ممّن روی حدیث الغدیر من الصحابة.

14 - أسماء بنت عُمیس الخَثْعَمیّة :

روی عنها ابن عقدة بالإسناد فی کتاب الولایة.

15 - أُمّ سلمة زوجة النبیّ الطاهر صلی الله علیه وآله وسلم :

أخرج ابن عقدة من طریق عمرو بن سعید بن عمرو بن جُعدة بن هبیرة ، عن أبیه ، عن جدّه ، عن أمّ سلمة ، قالت :

أخذ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بید علیّ بغدیر خُمّ ، فرفعها حتی رأینا بیاض إبْطیه ، فقال : «من کنتُ مولاه فعلیّ مولاه. ثمّ قال : أیّها الناس إنّی مخلّف فیکمُ الثقَلین : کتابَ الله وعترتی ، ولن یتفرّقا حتی یردا علیّ الحوض».

ورواه عنها السمهودی الشافعی فی جواهر العقدین ، کما فی ینابیع المودّة (ص 40) ، والشیخ أحمد بن الفضل بن محمد باکثیر المکی الشافعی فی وسیلة المآل من طریق ابن عقدة باللفظ المذکور(2).

16 - أُمّ هانی بنت أبی طالب سلام الله علیهما :

قالت : رجع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم من حجّته حتی نزل بغدیر خُمٍّ ، ثمّ قام خطیباً بالهاجرة فقال : «أیّها الناس ...» الحدیث.

أخرجه عنها البزّار فی مسنده ، ورواه عنه السمهودی الشافعی(3) ، کما ذکره

ص: 48


1- أسنی المطالب : ص 48.
2- جواهر العقدین : الورقة 174 ، ینابیع المودّة : 1 / 38 باب 4 ، وسیلة المآل : ص 117 باب 4. نسخة مصوّرة فی مکتبة المرعشی النجفی.
3- جواهر العقدین : الورقة 174.

القندوزی الحنفی فی ینابیع المودّة(1) (ص 40) ، وأخرجه عنها ابن عقدة فی کتاب حدیث الولایة بإسناده.(2)

17 - أبو حمزة أنس بن مالک الأنصاریّ الخزرجیّ : خادم النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم : المتوفّی (93).

یروی الحدیث عنه الخطیب البغدادی فی تاریخه (7 / 377) ، وابن قتیبة الدینَوَرِی فی المعارف (ص 291) ، وابن عقدة فی حدیث الولایة بإسناده عن مسلم الملائی عن أنس ، وأبو بکر الجُعابی فی نُخبه ، والخطیب الخوارزمی فی المقتل ، والسیوطی فی تاریخ الخلفاء (ص 114) بطریق الطبرانی ، والمتّقی الهندی فی کنز العمّال (6 / 154 و 403) عن عمیرة بن سعد عنه ، والبَدَخشی فی نُزُل الأبرار (ص 20) من طریق الطبرانی والخطیب ، وعُدّ من رواة حدیث الغدیر فی أسنی المطالب للجزری (ص 4)(3).

«حرف الباء الموحّدة»

18 - البراء بن عازب الأنصاریّ ، الأوسیّ : نزیل الکوفة : المتوفّی (72).

یوجد الحدیث بلفظه فی مسند أحمد(4) (4 / 281) رواه عن عفّان ، عن حمّاد بن سلمة ، عن علیّ بن زید ، عن عدیّ بن ثابت ، عن البراء.

وبطریق آخر : عن عدیّ ، عن البراء بلفظ یأتی فی حدیث التهنئة إن شاء الله.

ص: 49


1- ینابیع المودّة : 1 / 38 باب 4.
2- وعدّها الذهبی فی تذهیب تهذیب الکمال : 3 / ق 58 / ب ، والسخاوی فی استجلاب ارتقاء الغرف : ق 22 / ب ، والشهاب الإیجی فی توضیح الدلائل : ق 197 / ب ، ممّن رووا حدیث الغدیر. (الطباطبائی)
3- المعارف : ص 580 ، مقتل الإمام الحسین علیه السلام : 1 / 48 ، تاریخ الخلفاء : ص 158 ، المعجم الأوسط : 3 / 133 ح 2275 ، کنز العمّال : 11 / 609 ح 32950 و 13 / 157 ح 36486 ، نُزُل الأبرار : ص 53 ، أسنی المطالب : ص 48.
4- مسند أحمد : 5 / 355 ح 18011.

وسنن ابن ماجة(1) (1 / 21 و 29) عن ابن جدعان ، عن عدیّ ، عنه قال :

أقبلنا مع رسول الله صلی الله علیه وسلم فی حجّته التی حجّ ، فنزل فی بعض الطریق ، فأمر بالصلاة جامعة ، فأخذ بید علیّ ، فقال : «ألستُ أولی بالمؤمنین من أنفسهم ؟ قالوا : بلی.

قال : ألستُ أولی بکلّ مؤمن من نفسه ؟ قالوا : بلی. قال : فهذا ولیّ من أنا مولاه ، أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه».

وفی(2) خصائص النسائی (ص 16) عن أبی إسحاق عنه ، وتاریخ الخطیب البغدادی (14 / 236) ، وتفسیر الطبری (3 / 428) ، وتهذیب الکمال فی أسماء الرجال ،

والکشف والبیان للثعلبی یأتی بلفظه وسنده ، واستیعاب ابن عبدالبرّ (2 / 473) ، والریاض النضرة لمحبّ الدین الطبری (2 / 169) من طریق الحافظ ابن السمّان ، ومناقب

الخطیب الخوارزمی (ص 94) بالإسناد عن عدیّ عنه ، والفصول المهمّة لابن الصباغ المالکی (ص 25) نقلاً عن الحافظ أبی بکر أحمد بن الحسین البیهقی والإمام أحمد بن حنبل ، وذخائر العقبی للمحبّ الطبری (ص 67) ، وکفایة الطالب للحافظ الکنجی الشافعی (ص 14) عن عدیّ بن ثابت عنه ، وتفسیر الفخر الرازی (3 / 636) ، وتفسیر النیسابوری (6 / 194) ، ونظم دُرر السمطین لجمال الدین الزرندی ، والجامع

ص: 50


1- سنن ابن ماجة : 1 / 43 ح 116.
2- خصائص أمیر المؤمنین : ص 102 ح 88 ، وفی السنن الکبری للنسائی : 5 / 132 ح 8473 ، تهذیب الکمال فی أسماء الرجال : 20 / 484 رقم 4089 ، الکشف والبیان : الورقة 181 سورة المائدة : الآیة 67 ، الاستیعاب : القسم الثالث / 1099 رقم 1855 ، الریاض النضرة : 3 / 113 ، المناقب : ص 155 ح 183 ، الفصول المهمّة : ص 40 ، کفایة الطالب : ص 58 باب 1 ، التفسیر الکبیر : 12 / 49 - 50 ، نظم درر السمطین : ص 109 ، الجامع الصغیر فی أحادیث البشیر النذیر : 2 / 642 ح 9000 ، مشکاة المصابیح للخطیب التبریزی : 3 / 360 ح 6103 ، شرح دیوان أمیر المؤمنین علیه السلام : ص 406 ، فرائد السمطین للحمّوئی : 1 / 64 باب 9 ح 30 ، کنز العمّال : 11 / 602 ح 32904 و 13 / 133 ح 36420 ، مصنّف ابن أبی شیبة : 12 / 78 ح 12167 ، البدایة والنهایة : 5 / 229 حوادث سنة 10 ه- ، و 7 / 386 حوادث سنة 40 ه.

الصغیر (2 / 555) من طریق أحمد وابن ماجة ، ومشکاة المصابیح (ص 557) ما روی من طریق أحمد عن البراء وزید بن أرقم ، وشرح دیوان أمیر المؤمنین علیه السلام للمیبُذی بطریق أحمد ، وفرائد السمطین بخمس طرق عن عدیّ بن ثابت عنه ، وکنز العمّال (6 / 152) من طریق أحمد عنه ، و (ص 397) نقلاً عن سنن الحافظ ابن أبی شیبة بإسناده عنه ، وفی البدایة والنهایة لابن کثیر (5 / 209) عن عدیّ عنه نقلاً عن ابن

ماجة ، والحافظ عبدالرزّاق ، والحافظ أبی یعلی الموصلی ، والحافظ حسن بن سفیان ، والحافظ ابن جریر الطبری ، وفی (7 / 349) من طریق الحافظ عبدالرزاق ، عن معمر ، عن ابن جدعان ، عن عدیّ ، عن البراء قال :

خرجنا مع رسول الله صلی الله علیه وسلم ، حتی نزلنا غدیر خُمٍّ ، بعث منادیاً ینادی ، فلمّا اجتمعنا قال : «ألستُ أولی بکم من أنفسِکم ؟ قلنا : بلی یا رسول الله. قال : ألست أولی بکم من أمهاتکم ؟ قلنا : بلی یا رسول الله. قال : ألست أولی بکم من آبائکم ؟ قلنا : بلی یا رسول الله. قال : ألستُ ؟ ألستُ ؟ ألستُ ؟ قلنا : بلی یا رسول الله. قال : من کنت مولاه فعلیٌّ مولاه(1) ، أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه». فقال عمر ابن الخطّاب : هنیئاً لک یا ابن أبی طالب أصبحت الیوم ولیَّ کلّ مؤمن.

وکذا رواه ابن ماجة من حدیث حمّاد بن سلمة ، عن علیّ بن زید وأبی هارون العبدی ، عن عدیّ بن ثابت ، عن البراء ، وهکذا رواه موسی بن عثمان الحضرمی ، عن أبی إسحاق ، عن البراء به. انتهی.

ورواه الحافظ أبو محمد العاصمی فی زین الفتی ، عن أبی بکر الجلاب ، عن أبی أحمد الهمدانی ، عن أبی جعفر محمد بن إبراهیم القهستانی ، عن أبی قریش محمد بن جمعة ، عن أبی یحیی المُقری ، عن أبیه ، عن حمّاد بن سلمة ، عن علیّ بن زید بن

ص: 51


1- کذا فی المطبوع من البدایة ، وفی المخطوط ، کما ینقل عنه فی العبقات [10 / 256 ، وفی تلخیصه نفحات الأزهار : 9 / 179] : «من کنتُ مولاه فإنَّ علیّاً بعدی مولاه». (المؤلف)

جدعان ، عن عدیّ بن ثابت ، عن البراء ، بلفظ یأتی فی حدیث التهنئة.

ویوجد حدیثه فی(1) نُزُل الأبرار (ص 19) من طریق أحمد ، و (ص 21) من طریق أبی نعیم فی فضائل الصحابة عن البراء ، وفی الخطط للمقریزی (2 / 222) بطریق أحمد عنه ، ومناقب الثلاثة من طریق أحمد والحافظ أبی بکر البیهقی عنه ، وفی روح المعانی (2 / 350) عنه ، وتفسیر المنار (6 / 464) من طریق أحمد وابن ماجة عنه ، وعدّه الجزری فی أسنی المطالب (ص 3) من رواة الحدیث.(2)

ص: 52


1- نُزُل الأبرار : ص 52 ، 53 ، المواعظ والاعتبار بذکر الخطط والآثار : 1 / 388 ، مناقب الثلاثة : ص 19 ، روح المعانی : 6 / 194 ، أسنی المطالب : ص 53.
2- وأخرجه عبدالرزاق عن معمر عن علیّ بن زید بن جدعان عن عدیّ بن ثابت عن البراء کما فی تاریخ الإسلام : 3 / 633 ، وفی تاریخ ابن کثیر : 5 / 209 و 7 / 349 ، وفی تاریخ ابن عساکر : ح 2548. وأخرجه ابن أبی شیبة فی المصنّف : ح 12167 عن عفّان عن حمّاد عن علیّ بن زید ... ، وأخرجه ابن راهویه عن عبدالرزّاق ، والبلاذری فی أنساب الأشراف : ح 46 عن ابن راهویه عنه وفی : ح 47 عن عفّان. وأخرجه أحمد فی مناقب علیّ : ح 138 ، وفی فضائل الصحابة : ح 1016 عن عفّان عن حماد وهو الذی فی مسنده : 4 / 281 ، وأخرجه الحارث بن أبی أسامة فی مسنده - وعنه الدیلمی فی مسند الفردوس : ج 3 ق 96 / أ - ، وابن أبی عاصم فی السنّة : ح 1363 ، وعبدالله بن أحمد بن حنبل فی زیاداته فی مسند أبیه : 4 / 281 عن هدبة عن حمّاد ، والنسائی فی السنن الکبری : ح 8472 وفی الخصائص : ح 88. وأخرجه الحسن بن سفیان وأبو یعلی فی مسندیهما وعنهما الذهبی فی کتاب الغدیر ح 93 قال : الحسن بن سفیان وأبو یعلی فی مسندیهما قالا : حدّثنا هدبة ، حدّثنا حمّاد بن سلمة عن علیّ بن زید وأبی هارون عن عدیّ ... قال : فلقیه عمر فقال : هنیئاً لک ....! رواه عفّان وأبو سلمة التبوذکی وغیرهما عن حمّاد ، ورواه عبدالرزاق عن معمر عن ابن جدعان وحده. وأخرجه ابن عساکر فی تاریخه : ح 550 و 551 بإسناده عنهما عن هدبة ، وح 552 عن أبی یعلی ، عن إبراهیم بن الحجّاج الشامی ، عن حمّاد. وأخرجه ابن جریر الطبری وعنه ابن کثیر فی تاریخه : 5 / 210 ، وأخرجه فی تهذیب الآثار ، وعنه السیوطی فی جمع الجوامع : 1 / 831 و 2 / 300.

19 - بریدة بن الحصیب أبو سهل الأسلمیّ : المتوفّی (63).

یوجد حدیثه فی مستدرک الحاکم(1) (3 / 110) عن محمد بن صالح بن هانی ،

ص: 53


1- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 119 ح 4578.

قال : حدّثنا أحمد بن نصر.

وأخبرنا محمد بن علیّ الشیبانی بالکوفة ، حدّثنا أحمد بن حازم الغفاری.

وأنبأ محمد بن عبدالله العمری ، حدّثنا محمد بن اسحاق ، حدّثنا محمد بن یحیی وأحمد بن یوسف ، قالوا : حدّثنا أبو نعیم ، حدثنا ابن أبی غَنیّة ، عن الحکم ، عن سعید ابن جبیر ، عن ابن عبّاس عنه.

وفی(1) حلیة الأولیاء (4 / 23) بإسناده من طریق أبی غنیّة المذکور ، وفی الاستیعاب لابن عبدالبرّ (2 / 473) فی ترجمة أمیر المؤمنین علیه السلام ، وعدّه فی مقتل الخوارزمی ، وأسنی المطالب للجزری الشافعی (ص 3) ممن روی حدیث الغدیر من الصحابة ، وفی تاریخ الخلفاء (ص 114) رواه عنه من طریق البزّار ، وفی الجامع الصغیر (2 / 555) من طریق أحمد ، وفی کنز العمّال (6 / 397) نقلاً عن الحافظ ابن أبی شیبة وابن جریر وأبی نعیم بإسنادهم عنه ، وفی مفتاح النجا ونُزُل الأبرار (ص 20) من طریق البزّار عنه ، وفی تفسیر المنار (6 / 464) من طریق أحمد عنه.(2)

ص: 54


1- الاستیعاب : القسم الثالث / 1099 رقم 1855 ، مقتل الإمام الحسین علیه السلام : 1 / 48 ، أسنی المطالب : ص 48 ، تاریخ الخلفاء : ص 158 ، الجامع الصغیر : 2 / 642 ح 9000 ، کنز العمّال : 13 / 134 ح 36422 ، مصنّف ابن أبی شیبة : 12 / 57 ح 12114 و 84 ح 12181 ، مفتاح النجا : الورقة 45 باب 3 فصل 14 ، نُزُل الأبرار : ص 53.
2- وأخرجه عنه عبدالرزّاق فی المصنّف : ح 20388 ، وأحمد فی مناقب علیّ : ح 70 و 113 و 129 ، وفی فضائل الصحابة : ح 947 و 989 و 1007 ، وفی المسند : 5 / 347 ، 350 ، 356 ، 358 ، 361 ، وقال الألبانی عن الأخیرین : هذا إسناد صحیح علی شرط الشیخین أو مسلم - الأحادیث الصحیحة : 4 / 337. وأخرجه البلاذری فی أنساب الأشراف : ح 49 ، وأبو بشر العبدی سمّویه فی الجزء الثالث من فوائده الموجود فی المجموع 24 فی المکتبة الظاهریة. وأخرجه ابن أبی عاصم فی السنّة : ح 1354 ، والبزّار فی مسنده بثلاثة طرق - کشف الأستار : ح 2533 ، 2534 ، 2535. وأخرجه النسائی فی السنن الکبری بأربعة طرق : ح 8144 و 8145 ، 8466 و 8467 ، وفی الخصائص : ح 80 ، 81 ، 82 ، 98 ، وفی فضائل الصحابة : ح 42. وأخرجه الحسن بن عرفة العبدی ، وعنه ابن کثیر فی تاریخه : 7 / 343 ، وعنه أیضاً وعن أبی یعلی الذهبی فی کتاب الغدیر : ح 93 وقال : الحسن بن عرفة وأبو یعلی فی مسندیهما قالا : حدّثنا هدبة ... ، وأخرجه الرویانی فی مسنده : ج 17 ق 15 / أ. وأخرجه الطبری وعنه الذهبی فی کتاب الغدیر : ح 76 ، وجمع الجوامع : 2 / 304 و 307. وأخرجه أبو سعید ابن الأعرابی فی معجمه : ح 221 ، وفی الورقة 216 / ب : بإسناد آخر ، عن ابن عباس ، عن بریدة ، وابن حبّان فی صحیحه : ح 6930 وقال محقّقه : إسناده صحیح علی شرط مسلم - موارد الظمآن : 2204. وأخرجه الحافظ الطبرانی فی المعجم الصغیر : 1 / 71 وفی الأوسط : ح 348 و 1987 ، وابن عدیّ فی الکامل : 2 / 362 رقم 7442 ، وأبو نعیم فی أخبار أصبهان : 1 / 126 و 2 / 129 ، وفی معرفة الصحابة : 3 / 163 ح 1230 ، وابن المغازلی فی المناقب : ح 28 و 35 و 36. وأخرجه الحافظ ابن عساکر فی تاریخه عن بریدة بالأرقام : 458 ، 461 ، 465 ، 478 ، وهذا الأخیر أخرجه من طریق الحافظ أبی یعلی. وأخرجه الحافظ السلفی فی المشیخة البغدادیة : ج 3 ق 19 ، وأخرجه الضیاء المقدسی فی المختارة ، وعنه السیوطی فی جمع الجوامع : 1 / 831 ، والحافظ المزّی فی تهذیب الکمال : 20 / 484 ، والبری التلمسانی فی الجوهرة فی نسب النبیّ وأصحابه العشرة : 2 / 235 ، وفی ترجمة أمیر المؤمنین علیه السلام المستلّة منه المطبوعة مفردة : ص 67. وأخرجه الذهبی فی تذهیب تهذیب الکمال : ج 3 ق 56 ، وفی تحفة الأشراف : 2 / 84 و 88 و 94 ، وفی تاریخ الإسلام : 3 / 629 ، وفی تلخیص المستدرک : 3 / 119 ح 4578 وصحّحه هو والحاکم. وأخرجه الذهبی أیضاً فی کتاب الغدیر بستّ طرق بالأرقام : 75 - 80 وقال : صحّ عنه. وأورده ابن منظور فی مختصر تاریخ دمشق : 17 / 348 ، وابن کثیر فی تاریخه : 5 / 209 و 7 / 379 عن أحمد والنسائی وقال : هذا إسناد جیّد قویّ ، رجاله کلّهم ثقات ، وفی جواهر المطالب : 1 / 88. وأخرجه ابن حجر فی المطالب العالیة : 3956 وفی المسندة منه : ق 153 / ب ، وفی مختصر زوائد البزّار : 1910 - 1912 ، والبوصیری فی مصباح الزجاجة : 1 / 69 ، وفی إتحاف السادة المهرة : ج 3 ق 56 وقال : رواه أبو بکر بن أبی شیبة والبزّار والنسائی فی الکبری بسند صحیح ، ورواه بلفظ آخر عنهم وعن الحاکم ، قال : وصحّحه. وأورده عنه الصفدی فی الوافی بالوفیات : 21 / 271 ، والفاسی فی العقد الثمین : 6 / 190 ، والنویری فی نهایة الأرب : 20 / 4 ، وابن دقماق فی الجوهر الثمین : 1 / 60 ، والهیثمی فی مجمع الزوائد : 9 / 108 وقال : رواه البزّار ورجاله رجال الصحیح ، والقرافی فی نفحات العبیر الساری : ق 76 / أ ، والسیوطی فی الدرّ المنثور : 5 / 182 ، وفی جمع الجوامع : 2 / 307 ، وفی قطف الأزهار : ص 277 ح 102 ، وشمس الدین الدمشقی فی سبل الهدی والرشاد : ج 2 ق 605 / ب ، والمتّقی الهندی فی کنز العمّال : ح 32905 و 36422 عن ابن أبی شیبة وابن جریر وأبی نعیم ، و 36425 عن ابن جریر الطبری وإسحاق بن یوسف الصنعانی فی تفریج الکروب فی حرف المیم ، والزبیدی فی لقط اللآلی : ص 205 ، والعصامی فی سمط النجوم العوالی : 4 / 484 ، والشوکانی فی درّ السحابة : ص 211 ، والکتّانی فی نظم المتناثر : ص 194 ، والنبهانی فی الفتح الکبیر : 3 / 236 ، والألبانی فی الأحادیث الصحیحة : 4 / 336 وفی 337 عن أحمد ، وقال : وهذا إسناد صحیح علی شرط الشیخین أو مسلم. وعدّه الدیلمی فی الفردوس وابنه فی مسنده : ح 3 ق 96 / أ ، والخوارزمی فی مقتل الحسین علیه السلام : ص 48 ، والشهاب الإیجی فی توضیح الدلائل : ق 197 / ب من الصحابة الذین روی عنهم حدیث الغدیر. (الطباطبائی)

ص: 55

ص: 56

«حرف الثاء المثلّثة»

20 - أبو سعید ثابت بن ودیعة الأنصاریّ ، الخزرجیّ ، المدنیّ :

ممّن شهد لعلیّ علیه السلام بحدیث الغدیر ، کما یأتی فی حدیث المناشدة فی روایة ابن عقدة فی حدیث الولایة ، وابن الأثیر فی أُسد الغابة(1) (3 / 307 و 5 / 205) ، وعُدّ فی تاریخ آل محمد (ص 67) ممّن روی حدیث الغدیر.(2)

«حرف الجیم الموحّدة»

21 - جابر بن سَمُرة بن جنادة ، أبو سلیمان السوائیّ : نزیل الکوفة ، والمتوفّی بها بعد سنة سبعین ، وفی الإصابة(3) : أنّه تُوفِّی سنة (74).

روی الحدیث بلفظه ابن عقدة فی حدیث الولایة ، والخوارزمی فی الفصل الرابع من مقتله(4) عدّه ممّن روی حدیث الغدیر من الصحابة ، وروی المتّقی الهندی فی کنز العمّال(5) (6 / 398) نقلاً عن الحافظ ابن أبی شیبة بإسناده عنه ، قال :

کنّا بالجُحْفة - غدیر خُمٍّ - إذ خرج علینا رسول الله صلی الله علیه وسلم فأخذ بید علیّ ، فقال :

«من کنتُ مولاه فعلیّ مولاه».

22 - جابر بن عبدالله الأنصاریّ : المتوفّی بالمدینة (73 ، 74 ، 78) وهو ابن (94) عاماً.

ص: 57


1- أُسد الغابة : 3 / 469 رقم 3341.
2- وعدّه الذهبی أیضاً فی کتاب الغدیر : ح 123 ، والشهاب الإیجی فی توضیح الدلائل : ق 198 / ب ، فی الصحابة الذی شهدوا له علیه السلام لمّا ناشدهم. (الطباطبائی)
3- الإصابة : 1 / 212 رقم 1018.
4- مقتل الإمام الحسین علیه السلام : 1 / 48.
5- کنز العمّال : 13 / 136 ح 36430.

روی الحافظ الکبیر ابن عقدة فی حدیث الولایة بإسناده عنه ، قال :

کُنّا مع النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فی حجّة الوداع ، فلمّا رجع إلی الجُحْفة نزل ، ثمّ خطب الناس ، فقال : «أیُّها الناس إنّی مسؤولٌ ، وأنتم مسؤولون ، فما أنتم قائلون ؟ قالوا : نشهد أنک بلّغتَ ونصحتَ وأدّیتَ.

قال : إنّی لکم فَرَطٌ ، وأنتم واردون علیَّ الحوض ، وإنّی مُخلِّفٌ فیکم الثقَلَین إن

تمسّکتم بهما لن تَضِلّوا : کتابَ الله وعترتی أهلَ بیتی ، وإنّهما لن یفترقا حتی یردا علیَّ الحوض.

ثمّ قال : ألستم تعلمون أنّی أولی بکم من أنفسکم ؟ قالوا : بلی. فقال آخذاً بید علیّ : من کنتُ مولاه فعلیٌّ مولاه. ثمّ قال : أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه».

ورواه عنه(1) أبو بکر الجُعابی فی نُخبه ، وابن عبدالبَرّ فی الاستیعاب (2 / 473) ، ویوجد حدیثه فی أسماء الرجال لأبی الحجّاج ، وتهذیب التهذیب (7 / 337) ، وکفایة الطالب (ص 16) بطریق عالٍ عن مشایخه الحفّاظ : الشریف أبی تمّام علیّ بن أبی الفخار الهاشمی ، وأبی طالب عبداللطیف بن محمد بن القُبَّیطی ، وإبراهیم بن عثمان الکاشغری بطرقهم ، عن عبدالله بن محمد بن عقیل قال :

کنت عند جابر بن عبدالله فی بیته وعلیّ بن الحسین ومحمد بن الحنفیّة وأبو جعفر ، فدخل رجل من أهل العراق ، فقال : بالله إلّا ما حدّثتنی مارأیت وما سمعت من

رسول الله ... إلی آخر ما یأتی فی حدیث مناشدة رجلٍ عراقیّ جابرَ بن عبدالله.

ورواه الحافظ الحمّوئی فی فرائد السمطین فی السمط الأوّل فی الباب التاسع(2)

ص: 58


1- الاستیعاب : القسم الثالث / 1099 رقم 1855 ، تهذیب الکمال : 20 / 484 رقم 4089 ، تهذیب : التهذیب : 7 / 296 ، کفایة الطالب : ص 61 باب 1.
2- فرائد السمطین : 1 / 62 ح 29.

من طریق الحافظ ابن البطی ، وابن کثیر فی البدایة والنهایة(1) (5 / 209) بالإسناد عن عبدالله بن محمد بن عقیل عنه ، ثمّ قال :

قال شیخنا الذهبی : هذا حدیثٌ حسنٌ ، وقد رواه ابن لهیعة عن بکر بن سوادة وغیره ، عن أبی سلمة بن عبدالرحمن ، عن جابر بنحوه.

والمتّقی فی کنز العمّال (6 / 398) نقلاً عن البزّار بإسناده عنه ، والسمهودی فی جواهر العقدین ، کما نقله عنه القندوزی الحنفی فی ینابیعه (ص 41) باللفظ المذکور عن ابن عقدة ، والوصّابی الشافعی فی الاکتفاء نقلاً عن الحافظ ابن أبی شیبة فی سننه بإسناده عنه(2).

وأخرج الحافظ ابن المغازلی(3) ، کما فی العمدة لابن البطریق(4) (ص 53) بإسناده عن بکر بن سوادة ، عن قبیصة بن ذؤیب وأبی سلمة بن عبدالرحمن ، عن جابر بن عبدالله :

أنَّ رسول الله صلی الله علیه وسلم نزل بخُمّ ، فتنحّی الناس عنه [ونزل معه علیّ بن أبی طالب علیه السلام فشقّ علی النبی تأخّر الناس عنه](5) وأمر علیّاً فجمعهم ، فلمّا اجتمعوا قام فیهم وهو متوسّدٌ ید علیّ بن أبی طالب ، فحمد الله ، وأثنی علیه.

ثمّ قال : «أیّها الناس إنّی قد کرهت تخلُّفکم عنّی ، حتی خُیِّل لی أنّه لیس شجرة أبغض إلیکم من شجرةٍ تلینی.

ص: 59


1- البدایة والنهایة : 5 / 232 حوادث سنة 10 ه-.
2- کنز العمّال : 13 / 137 ح 36430 و 36433 ، جواهر العقدین : الورقة 169 ، ینابیع المودّة : 1 / 39 باب 4 ، مصنّف ابن أبی شیبة : 12 / 59 ح 12121.
3- مناقب علیّ بن أبی طالب علیه السلام : ص 25 ح 37.
4- عمدة عیون الأخبار : ص 107 ح 143.
5- مابین المعقوفین أثبتناه من مناقب ابن المغازلی.

ثمّ قال : لکن علیّ بن أبی طالب أنزله الله منّی بمنزلتی منه ، فرضی الله عنه کما أنا راضٍ عنه ، فإنّه لا یختار علی قربی ومحبّتی شیئاً. ثمّ رفع یدیه ، فقال : من کنتُ مولاه فعلیّ مولاه ، أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه».

قال : فابتدر الناس إلی رسول الله صلی الله علیه وسلم یبکون ویتضرّعون ویقولون : یا رسول الله ما تنحّینا عنک إلّا کراهیة أن نثقل علیک ، فنعوذ بالله من [شرور أنفسنا و](1) سخط رسوله ، فرضی رسول الله صلی الله علیه وسلم عنهم عند ذلک.

ورواه الثعلبی فی تفسیره(2) ، کما فی ضیاء العالمین. وعدّه الخوارزمی فی مقتله(3) ، والجزری فی أسنی المطالب(4) (ص 3) ، والقاضی فی تاریخ آل محمد (ص 67)

من رواة حدیث الغدیر.(5)

ص: 60


1- مابین المعقوفین أثبتناه من مناقب ابن المغازلی.
2- الکشف والبیان : الورقة 181 سورة المائدة : آیة 67.
3- مقتل الإمام الحسین علیه السلام : 1 / 48.
4- أسنی المطالب : ص 48.
5- أخرجه الحافظ ابن أبی عاصم فی کتاب السنّة : ح 1356 ، وأخرجه الحفّاظ : أبو یعلی ، والهیثم بن کلیب الشاشی ، والدارقطنی ، وأبو نعیم ، وأخرجه من طریقهم الحافظ ابن عساکر فی تاریخه بالأرقام : 557 - 564. وأخرجه أبو نعیم فی أخبار أصبهان : 2 / 358 ، والحاکم الحسکانی فی شواهد التنزیل : ح 249 ، وابن الأَبّار فی المعجم : ص 325 ح 304. وأخرجه الحافظ ابن عساکر فی تاریخه بثمان طرق بالأرقام : 557 - 564 ، وفی معجم شیوخه فی ترجمة کافور بن عبدالله اللیثی ، والمزّی فی تهذیب الکمال : 20 / 484 ، والبری التلمسانی فی الجوهرة فی نسب النبیّ وأصحابه العشرة : 2 / 235 ، وفی ترجمة أمیر المؤمنین علیه السلام المستلّة منه المطبوعة مفردة : ص 67 ، والفاسی فی العقد الثمین : 6 / 190 ، وابن الخبّاز فی معجمه. وأخرجه الذهبی فی کتاب الغدیر : ح 88 و 89 وفی کلیهما قال : إسناده جیّد ، وفی تذهیب تهذیب الکمال : ج 3 ق 58 / ب ، وفی سیر أعلام النبلاء : 8 / 297 ، وفی معجم شیوخه فی ترجمة محمد بن علیّ الواسطی : 2 / 234 ، أخرجه عن ستة من شیوخه بأسانیدهم عن جابر ثمّ قال : ورواه ابن

23 - جبلة بن عمرو الأنصاریّ :

رواه عنه ابن عقدة بإسناده فی حدیث الولایة.

24 - جبیر بن مطعم بن عدیّ القرشیّ ، النوفلیّ : المتوفّی (57 ، 58 ، 59).

عدّه القاضی بهلول بهجت فی تاریخ آل محمد (ص 68) ممّن روی حدیث الغدیر ، وروی الهمدانی فی مودّة القربی(1) عنه شطراً من الحدیث ، وذکره الحنفی فی الینابیع(2) (ص 31 و 336).(3)

25 - جریر بن عبدالله بن جابر البجلیّ : المتوفّی (51 ، 54).

توجد روایته الحدیث فی مجمع الزوائد للحافظ الهیثمی (9 / 106) نقلاً عن المعجم الکبیر(4) للطبرانی بإسناده عنه ، قال :

شهدنا الموسم فی حِجّة الوداع ، فبلغنا مکاناً یقال له : غدیر خُمّ ، فنادی :

ص: 61


1- أُنظر : المودّة الثانیة.
2- ینابیع المودّة : 1 / 30 باب 4 و 2 / 71 باب 56.
3- وأخرجه عن ابن أبی عاصم فی کتاب السنّة : ح 1465 بإسقاط واختصار فی لفظه. (الطباطبائی)
4- المعجم الکبیر : 2 / 357 ح 2505.

الصلاة جامعة ، فاجتمع المهاجرون والأنصار ، فقام رسول الله صلی الله علیه وسلم وسطنا ، قال :

«یا أیّها الناس بِمَ تَشهدون ؟ قالوا : نشهد أن لا إله إلّا الله. قال : ثمّ مَهْ ؟ قالوا : وأنَّ محمداً عبده ورسوله. قال : فمن ولیّکم ؟ قالوا : الله ورسوله مولانا.

ثمّ ضرب بیده إلی عضد علیّ ، فأقامه ، فنزع عضده ، فأخذ بذراعیه ، فقال : من یکن الله ورسوله مولاه فإنَّ هذا مولاه ، أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه ، أللّهمّ من أحبّه من الناس فکن له حبیباً ، ومن أبغضه فکن له مبغضاً ، أللّهمّ إنی لا أجد أحداً استودعه فی الأرض بعد العبدَین الصالحَین(1) [غیرک] ، فاقضِ له بالحسنی».

قال بِشْر : قلتُ : مَنْ هذان العبدان الصالحان ؟ قال : لا أدری.

ورواه عنه(2) السیوطی فی تاریخ الخلفاء (ص 114) بطریق الطبرانی ، وابن کثیر فی البدایة والنهایة (7 / 349) ، والمتّقی الهندی فی کنز العمّال (6 / 154 و 399)

بطریق الطبرانی ، والوصّابی فی کتاب الاکتفاء ، والبَدَخشی فی مفتاح النجا ، وعدّه

ص: 62


1- فی تعلیق هدایة العقول (ص 31) : لعلّه أراد بالعبدین الصالحَین أبا بکر وعمر ، وقیل : الخضر وإلیاس ، وقیل : حمزة وجعفر - رضی الله عنهما - لأنَّ علیّاً علیه السلام کان یقول عند اشتداد الحرب : «واحمزتاه ، ولا حمزة لی ، واجعفراه ، ولا جعفر لی». أقول :هذا رجم بالغیب ؛ إذ لا مجال للنظر فی تفسیر «العبدَین الصالحَین» بمن ذکر ، إلّا أن یُعثر علی نصٍّ ، والظاهر عدم ذلک ؛ لما ذکره سیّدی العلّامة بدر الدین محمد بن إبراهیم بن المفضل رحمه الله لمّا سأله بعضهم عن تفسیر الحدیث ، فأجاب بما لفظه : لم أعثر علیه فی شیء من کتب الحدیث ، إلّا أنَّ فی روایة مجمع الزوائد ما یدلّ علی عدم معرفة الراوی - أیضاً - بالمراد بالرجلین ؛ لأنَّ فیه قال بشر - أی الراوی - عن جریر : قلت : من هذان العبدان الصالحان ؟ قال : لا أدری. قال رحمه الله : ومثل هذا إن لم یَرِد به نقل فلا طریق إلی تفسیره بالنظر. انتهی. (المؤلف)
2- تاریخ الخلفاء : ص 158 ، البدایة والنهایة : 7 / 386 حوادث سنة 40 ه- ، کنز العمّال : 11 / 609 ح 32948 و 13 / 138 ح 36437 ، مفتاح النجا : الورقة 45 باب 3 فصل 14 ، مقتل الإمام الحسین علیه السلام : 1 / 48.

الخوارزمی فی مقتله من رواة الحدیث من الصحابة.(1)

26 - أبو ذرّ جندب بن جنادة الغِفاریّ : المتوفّی (31).

یُروی حدیثه فی حدیث الولایة لابن عقدة ، ونُخب المناقب للجُعابی ، وفرائد السمطین فی الباب الثامن والخمسین(2) ، وعدّه الخطیب الخوارزمی فی مقتله(3) ممّن روی حدیث الغدیر ، وکذلک شمس الدین الجزری الشافعی فی أسنی المطالب(4) (ص 4).(5)

27 - أبو جُنَیدة جندع بن عمرو بن مازن الأنصاریّ :

روی ابن الأثیر فی أُسد الغابة(6) (1 / 308) بالإسناد عن عبدالله بن العلاء ، عن الزهری ، عن سعید بن جناب ، عن أبی عنفوانة المازنی ، عن جندع قال :

سمعت النبیّ صلی الله علیه وسلم یقول : «من کذب علیّ متعمّداً فلیتبوّأ مقعده من النار».

وسمعته - وإلّا صُمّتا - یقول وقد انصرف من حِجّة الوداع ، فلمّا نزل غدیر خُمّ

ص: 63


1- وأخرجه عنه أحمد بن عیسی المقدسی فی الجزء الثانی من فضائل جریر بن عبد الله البجلی الموجود فی المجموع 93 فی المکتبة الظاهریة. أخرجه فی الورقة 240. وأخرجه ابن عساکر فی تاریخه : رقم 587 ، وابن منظور فی مختصر تاریخ دمشق : 17 / 358 ، والقرافی فی نفحات العبیر الساری : ق 76 / ب ، والسیوطی فی جمع الجوامع : 1 / 831 ، وفی قطف الأزهار المتناثرة فی الأحادیث المتواترة : ص 277 ح 102 ، والزبیدی فی لقط اللآلئ المتناثرة فی الأحادیث المتواترة : ص 206 ، والشوکانی فی درّ السحابة : ص 210 ، والکتّانی فی نظم المتناثر فی الحدیث المتواتر : ص 194 ، وإسحاق بن یوسف الصنعانی فی تفریج الکروب فی حرف المیم. (الطباطبائی)
2- فرائد السمطین : 1 / 315 ح 250.
3- مقتل الإمام الحسین علیه السلام : 1 / 48.
4- أسنی المطالب : ص 48.
5- أخرج الذهبی حدیثه فی کتابه فی الغدیر : ح 112 ، وعدّه الصالحانی فی الفضائل ، والشهاب الإیجی فی توضیح الدلائل : ق 197 / ب من رواة حدیث الغدیر. (الطباطبائی)
6- أُسد الغابة : 1 / 364 رقم 812.

قام فی الناس خطیباً ، وأخذ بید علیّ ، وقال : «من کُنتُ مولاه فهذا ولیّه ، أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه».

وقال عبدالله بن العلاء : فقلت للزُهری : لا تُحدّث بهذا بالشام وأنت تسمع ملء أُذُنیک سبَّ علیّ ! فقال : والله إنَّ عندی من فضائل علیّ ما لو تحدّثتُ [بها]

لَقُتِلتُ !!

أخرجه الثلاثة(1).

وروی الشیخ محمد صدر العالم فی معارج العلی ، من طریق الحافظ أبی نعیم ، بإسناده عن جندع ، وعُدّ فی تاریخ آل محمد (ص 67) من رواة حدیث الغدیر.(2)

«حرف الحاء المهملة»

28 - حبّة - بفتح أوّله وتشدید الموحّدة - ابن جوین ، أبو قُدامة العُرَنیّ - بضمّ العین وفتح الراء - البجلیّ : المتوفّی (76 ، 79).

وثّقه الحافظ الهیثمی فی مجمع الزوائد (9 / 103) ، وحکی الخطیب فی تاریخه (8 / 276) ثقته عن صالح بن أحمد عن أبیه ، وذکر أنّه تابعیّ ، روی عنه ابن عقدة بإسناده فی حدیث الولایة ، والدولابی فی الکنی والأسماء (2 / 88) عن الحسن بن علیّ

ص: 64


1- هم : محمد بن یحیی بن مندة ، وأبو نعیم الأصبهانی ، وأبوعمر بن عبدالبَرّ القرطبی المالکی.
2- وأخرجه عنه أبو أحمد العسکری وابن مندة فی أسماء الصحابة وأبو نعیم فی معرفة الصحابة ، وأورده القرافی فی نفحات العبیر الساری : ق 67 / أ ، والسیوطی فی جمع الجوامع : 1 / 831 ، وفی قطف الأزهار المتناثرة فی الأحادیث المتواترة : رقم 102 ص 278 عن أبی نعیم فی فضائل الصحابة. وأورده شمس الدین الدمشقی فی سبل الهدی والرشاد : ج 2 ق 605 ، وإسحاق بن یوسف الصنعانی فی تفریج الکروب فی حرف المیم (من کنت مولاه ...) ، والزبیدی فی لقط اللآلئ المتناثرة فی الأحادیث المتواترة : ص 206 ، والکتّانی فی نظم المتناثر فی الحدیث المتواتر : ص 194. (الطباطبائی)

ابن عفّان ، قال : حدّثنا الحسن بن عطیّة ، قال : أنبأ یحیی بن سلمة بن کهیل ، عن حبّة العُرَنیّ ، عن أبی قلابة(1) ، قال :

نشد الناسَ علیٌّ فی الرحبة ، فقام بضعةَ عشَرَ رجلاً - فیهم رجل علیه جبّة علیها إزار حضرمیّة - فشهدوا أنَّ رسول الله صلی الله علیه وسلم قال : «من کنت مولاه فعلیٌّ مولاه».

وروی الحافظ ابن المغازلی فی المناقب(2) عنه حدیث المناشدة الآتی إن شاء الله ، والخطیب الخوارزمی عدّه فی مقتله ممّن روی حدیث الغدیر من الصحابة.

وقال ابن الأثیر فی أُسد الغابة(3) (1 / 367) فی ترجمة حبّة :

ذکره أبوالعبّاس بن عقدة فی الصحابة ، وروی عن یعقوب بن یوسف بن زیاد وأحمد بن الحسین بن عبدالملک ، قال : أخبرنا نصر بن مزاحم ، أخبرنا عبدالملک بن مسلم الملائی ، عن أبیه ، عن حبّة بن جُوَین العُرَنیّ البجلی ، قال :

لمّا کان یوم غدیر خُمّ دعا النبیّ صلی الله علیه وسلم الصلاة جامعة نصف النهار قال : فحمد الله ، وأثنی علیه ، ثمّ قال : «أیّها الناس أتعلمون أنّی أولی بکم من أنفسکم ؟ قالوا : نعم. قال : فمن کنت مولاه فعلیٌّ مولاه ، أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه». وأخذ بید علیّ ، حتی رفعها حتی نظرت إلی آباطهما ، وأنا یومئذٍ مشرک. أخرجه أبو موسی.

وروی ابن حجر فی الإصابة (1 / 372) من کتاب الموالاة لابن عقدة الحدیث المذکور ، والقندوزی فی ینابیع المودّة(4) (ص 34).

29 - حُبشی - بضمّ المهملة - ابن جنادة السلولیّ : نزیل الکوفة.

ص: 65


1- کذا فی النسخ ، والصحیح : عن حبّة العُرَنیّ أبی قُدامة. (المؤلف)
2- مناقب علیّ بن أبی طالب علیه السلام : ص 20 ح 27.
3- أُسد الغابة : 1 / 439 رقم 1031.
4- ینابیع المودّة : 1 / 32 باب 4.

ممّن شهِد لعلیّ علیه السلام یوم المناشدة ، کما فی حدیث أصبغ الآتی ، رواه(1) ابن عقدة فی حدیث الولایة ، وابن الأثیر فی أُسد الغابة (3 / 307 و 5 / 205) ، ومحبّ الدین الطبری فی الریاض النضرة (2 / 169) نقلاً عن الذهبی ، وروی السیوطی فی جمع الجوامع من طریق الطبرانی فی المعجم الکبیر ، والمتّقی الهندی فی کنز العمّال (6 / 154) ، وابن کثیر الشامی فی البدایة والنهایة (5 / 211) عن أبی إسحاق ، عنه أنّه سَمِع رسول الله صلی الله علیه وسلم یقول یوم غدیر خُمّ : «من کنتُ مولاهُ فعلیّ مولاه ، أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه».

ورواه عنه - أیضاً - فی (7 / 349).

وروی الحافظ الهیثمی فی مجمع الزوائد (9 / 106) قال : قال حُبشی :

سَمِعتُ رسول الله صلی الله علیه وسلم یقول یوم غدیر خُمّ : «أللّهمّ من کنت مولاه فعلیٌّ مولاه أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه ، وانصر من نصره ، وأعِن من أعانه».

رواه الطبرانی ، ورجاله وُثِّقوا ، وبهذا الطریق نقلاً عن الطبرانی ذکره السیوطی فی تاریخ الخلفاء(2) (ص 114) ، ولیست فیه کلمة «أللّهمّ» فی صدر الحدیث ، وروی البَدَخشی فی نُزُل الأبرار(3) (ص 20) ومفتاح النجا(4) ، والشیخ إبراهیم الوصّابی الشافعی فی الاکتفاء فی فضل الأربعة الخلفاء من طریق الطبرانی عنه بلفظ السیوطی. وعدّه الجزری فی أسنی المطالب(5) (ص 4) من رواة الحدیث.(6)

ص: 66


1- أُسد الغابة : 3 / 469 رقم 3341 ، الریاض النضرة : 3 / 114 ، جامع الأحادیث : 2 / 102 ح 4190 ، المعجم الکبیر : 4 / 16 ح 3514 ، کنز العمّال : 11 / 609 ح 32946 ، البدایة والنهایة : 5 / 232 حوادث سنة 10 ه ، و 7 / 386 حوادث سنة 40 ه-.
2- تاریخ الخلفاء : ص 158.
3- نُزُل الأبرار : ص 53.
4- مفتاح النجا : الورقة 45 باب 3 فصل 14.
5- أسنی المطالب : ص 48.
6- وأخرجه ابن أبی عاصم فی السنّة : ح 1360 ، وابن عدیّ فی الکامل : 3 / 1107 ، وابن قانع فی

30 - حبیب بن بُدَیل بن ورقاء الخزاعیّ :

روی الحدیث عنه بإسناده ابن عقدة فی حدیث الولایة ، وابن الأثیر فی أُسد الغابة(1) (1 / 368) من کتاب الموالاة لابن عقدة بإسناده عن زرّ بن حُبیش حدیث الرکبان المُسَلِّمینَ علی علیٍّ علیه السلام بقولهم : السلام علیک یا مولانا.

وفیه شهادة حبیب لعلیّ علیه السلام بحدیث الغدیر ، وسیأتی فی حدیث الرکبان ، ورواه ابن حجر ملخَّصاً فی الإصابة (1 / 304).(2)

31 - حذیفة بن أُسَید أبو سَریحة - بفتح السین - الغِفاری : من أصحاب الشجرة توفّی (40 ، 42).

روی عنه حدیث الغدیر ابن عقدة فی کتاب حدیث الموالاة ، کما نقله عن

ص: 67


1- أُسد الغابة : 1 / 441 رقم 1038.
2- وأخرج السیوطی حدیث شهادته لأمیر المؤمنین علیه السلام عند مناشدته بحدیث «من کنتُ مولاه» فی کتابه قطف الأزهار المتناثرة فی الأحادیث المتواترة : ص 278. وعدّه السیوطی فی جمع الجوامع : 1 / 831 ، وشمس الدین الدمشقی الصالحی من الشهود فی کتابه سبل الهدی والرشاد : ج 2 ق 605 ، وکذلک القرافی فی نفحات العبیر الساری : ق 76 / ب ، وکذا الزبیدی مؤلّف تاج العروس فی کتابه لقط اللآلئ المتناثرة : ص 206 ، والکتّانی فی نظم المتناثر : ص 194. (الطباطبائی)

السمهودی(1) عنه صاحب ینابیع المودّة(2) (ص 38) قال :

قال السمهودی : وأخرج ابن عقدة فی (الموالاة) عن عامر بن ضُمرة وحذیفة ابن أُسید قالا : قال النبیّ صلی الله علیه وسلم : «أیّها الناس إنَّ الله مولای ، وأنا أولی بکم من أنفسکم ، ألا ومن کنتُ مولاه فهذا مولاه».

وأخذ بید علیّ فرفعها ، حتی عرفه القوم أجمعون. ثمّ قال : «أللّهمّ والِ من والاه وعادِ من عاداه ، ثمّ قال : وإنّی سائلکم حین تَرِدون علیَّ الحوضَ عن الثقَلَینِ ، فانظروا کیف تخلفونی فیهما. قالوا : وما الثقَلان ؟ قال : الثقَل الأکبر کتاب الله سببٌ طرفه بید الله وطرفه بأیدیکم ، والأصغر عترتی». الحدیث.

وأخرجه - أیضاً - بطریق آخر ، ثمّ قال : أخرجه الطبرانی فی الکبیر(3) ، والضیاءُ فی المختارة.

وروی الترمذی فی صحیحه(4) (2 / 298) عن سلمة بن کهیل ، عن أبی الطفیل ، عن حُذیفة أبی سَریحة ، وقال : هذا حدیث حسن صحیح.

وابن الأثیر فی أُسد الغابة(5) بالإسناد عن سلمة بن کهیل عنه ، من طریق الحفّاظ : أبی عمر ، وأبی نعیم ، وأبی موسی ، والحمّوئی فی فرائد السمطین(6) ، وابن الصبّاغ المالکی فی الفصول المهمّة(7) (ص 25) ، نقلاً عن أبی الفتوح أسعد بن أبی الفضائل العجلی فی الموجز فی فضائل الخلفاء الأربعة ، یرفعه بسنده إلی حذیفة بن

ص: 68


1- جواهر العِقدین : الورقة 172.
2- ینابیع المودّة : 1 / 37 باب 4.
3- المعجم الکبیر : 3 / 180 ح 3052.
4- سنن الترمذی : 5 / 591 ح 3713.
5- أُسد الغابة : 6 / 136 رقم 5940.
6- فرائد السمطین : 2 / 274 ح 212 باب 55.
7- الفصول المهمّة : ص 40.

أُسید وعامر بن لیلی بن ضمْرة قالا :

لمّا صدر رسول الله صلی الله علیه وسلم من حجّة الوداع - ولم یحجّ غیرها - أقبل حتی إذا کان بالجُحْفة نهی عن سَمُراتٍ متغادیات(1) بالبطحاء أن لا ینزل تحتهنّ أحد ، حتی إذا أخذ القوم منازلهم أرسل فقُمّ ما تحتهن ، حتی إذا نودی بالصلاة - صلاة الظهر - عَمَد إلیهنّ فصلّی بالناس تحتهنّ ، وذلک یوم غدیر خُمّ ، وبعد فراغه من الصلاة قال : «أیّها الناس إنَّه قد نبّأنی اللطیف الخبیر : أنّه لم یُعمَّر نبیّ إلّا نصف عمر النبیّ الذی کان قبله ! وإنّی لَأظنّ بأنّی أُدعی وأُجیب ، وإنّی مسؤولٌ ، وأنتم مسؤولون : هل بلّغتُ ؟ فما أنتم قائلون ؟ قالوا : نقول : قد بلّغت ، وجهدتَ ، ونصَحتَ ، وجزاکَ الله خیراً. قال : ألستُم

تشهدون أن لا إله إلّا الله ، وأنَّ محمداً عبده ورسوله ، وأنّ جنّته حقّ ، وأنَّ ناره حقّ ، والبعث بعد الموت حقّ ؟ قالوا : أللّهمّ بلی. قال : أللّهمّ اشهد. ثمّ قال : أیّها الناس ألا تسمعون ، ألا فإنَّ الله مولا ، وأنا أولی بکم من أنفسکم ، ألا ومن کنت مولاه فعلیٌّ مولاه.

وأخذ بید علیّ فرفعها ، حتی نظره القوم. ثمّ قال : أللّهمّ والِ من والاه ، وعاد من عاداه».

ونقله عن کتاب الموجز للحافظ أبی الفتوح - أیضاً - صاحب (مناقب الثلاثة) المطبوع بمصر (ص 19) ، ورواه ابن عساکر فی تاریخه(2) عن أبی الطفیل عنه ، وابن کثیر فی البدایة والنهایة(3) (5 / 209 و 7 / 348) ، قال : وقد رواه معروف بن خربُوذ ، عن أبی الطفیل ، عن حذیفة بن أُسید ، قال :

لمّا قَفَل رسول الله صلی الله علیه وسلم من حجّة الوداع نهی أصحابه عن شَجَرات بالبطحاء

ص: 69


1- کذا فی النسخ ، والصحیح : متقاربات ، کما فی سائر المصادر. (المؤلف)
2- تاریخ مدینة دمشق : 12 / 226 ، وفی ترجمة الإمام علیّ بن أبی طالب علیه السلام الطبعة المحقّقة : رقم 535 و 547.
3- البدایة والنهایة : 5 / 231 حوادث سنة 10 ه ، 7 / 385 حوادث سنة 40 ه.

متقاربات أن ینزلوا حولهنّ ، ثمّ بعث إلیهنّ فصلّی تحتهنّ ، ثمّ قام فقال : «أیّها الناس قد نبّأنی اللطیف الخبیر : أنّه لم یُعمَّر نبیّ إلّا مثل نصف عمر الذی قبله ! وإنّی لَأظنّ أن یوشِک أن أُدعی فأجیب ، وإنّی مسؤولٌ ، وأنتم مسؤولون ، فماذا أنتم قائلون ؟

قالوا : نشهد أنّک قد بلّغتَ ، ونصحتَ ، وجهدتَ ، فجزاکَ الله خیراً.

قال : ألستم تشهدون أن لا إله إلّا الله وأنَّ محمداً عبده ورسوله ، وأنَّ جنّته حقّ ، وأنَّ ناره حقّ ، وأنَّ الموت حقّ ، وأنَّ الساعة آتیةٌ لا ریب فیها ، وأنَّ الله یبعث من فی القبور ؟ قالوا : بلی نشهد بذلک. قال : أللّهمّ اشهدْ.

ثمّ قال : یا أیّها الناس إنَّ الله مولای ، وأنا مولی المؤمنین ، وأنا أولی بهم من أنفسهم ، من کنت مولاه فهذا مولاه ، أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه.

ثمّ قال : أیها الناس إنّی فَرَطُکم ، وإنّکم واردون علیّ الحوض ؛ حوض أعرض ممّا بین بُصری وصنعاء ، فیه آنیةٌ عدد النجوم ؛ قِدحان من فضّة ، وإنّی سائلکم حین تَرِدون علیّ عن الثقَلَینِ ، فانظروا کیف تُخْلِفونی فیهما : الثقَل الأکبر کتاب الله ، سببٌ طرفه بید الله وطرفٌ بأیدیکم ، فاستمسکوا به ، لا تَضِلّوا ولا تبدِّلوا ، والثقَل الأصغر عترتی أهل بیتی ، فإنّه قد نبّأنی اللطیف الخبیر : أنّهما لن یفترقا حتی یرِدا علیّ الحوض». رواه ابن عساکر بطوله من طریق معروف.

وبهذا اللفظ رواه عنه(1) ابن حجر فی الصواعق (ص 25) عن الطبرانی وغیره بسند صحیح عنده ، والحلبی فی السیرة الحلبیّة (3 / 301) نقلاً عن الطبرانی.

ورواه بهذا اللفظ الحکیم الترمذی فی کتابه نوادر الأصول ، والطبرانی فی

ص: 70


1- الصواعق المحرقة : ص 43 ، السیرة الحلبیة : 3 / 274 ، نوادر الأصول : 1 / 163 الأصل الخمسون ، المعجم الکبیر : 3 / 180 ح 3052 ، مفتاح النجا : الورقة 44 باب 3 فصل 14 ، نُزُل الأبرار : ص 51 ، أخبار الدول : 1 / 305 ، تاریخ الخلفاء : ص 158 ، مقتل الإمام الحسین علیه السلام : 1 / 48.

الکبیر بسند صحیح ، کما نقل عنهما صاحب مفتاح النجا فی مناقب آل العبا ، وبهذا التفصیل رواه الحافظ الهیثمی فی مجمع الزوائد (9 / 165) من طریقی الطبرانی ، وقال : رجال أحد الإسنادین ثقات.

وفی نُزُل الأبرار (ص 18) من طریق الترمذی فی نوادر الأصول ، والطبرانی فی الکبیر بإسنادهما عن أبی الطفیل عنه ، والقرمانی فی أخبار الدول (ص 102) عنه ، عن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم بطریق الترمذی ، والسیوطی فی تاریخ الخلفاء (ص 114) نقلاً عن الترمذی ، وعدّه الخطیب الخوارزمی فی مقتله ، والقاضی فی تاریخ آل محمد (ص 68) ممّن روی حدیث الغدیر من الصحابة.(1)

32 - حُذیفة بن الیمان الیمانیّ : المتوفّی (36)(2).

ص: 71


1- وأخرجه عنه أحمد فی کتاب المناقب : ح 82 ، وفی فضائل الصحابة : ح 959 وقال محقِّقه : إسناده صحیح ، وأخرجه ابن جریر الطبری فی تهذیب الآثار کما فی جمع الجوامع : 2 / 357. وأخرجه عنه أو عن زید بن أرقم ، الترمذی والنسائی والضیاء المقدسی فی المختارة ، وعنهم القرافی فی نفحات العبیر الساری : ق 76 / ب ، والسیوطی فی جمع الجوامع : 1 / 831 ، والمتّقی فی کنز العمّال : ح 32904. وأخرجه المحاملی فی أمالیه عنه أو عن زید : ح 35 وقال محقّقه : إسناده صحیح. وأخرجه الطبرانی فی المعجم الکبیر : ح 3049 عنه أو عن زید بن أرقم ، وأوعز إلیه البخاری فی التاریخ الکبیر ، فأخرجه بهذا الإسناد نفسه فی : 3 / 96 فی ترجمة حذیفة ، وحذف صلة الحدیث وذیله وبدأ من قوله صلی الله علیه وآله وسلم : «وإنکم واردون علیَّ الحوض ...» والذهبی فی کتاب الغدیر : ح 70 ، وفی تاریخ الإسلام : 3 / 632 ، والفاسی فی العقد الثمین : 6 / 190 ، والهیثمی فی مجمع الزوائد : 10 / 363 ، والسخاوی فی استجلاب ارتقاء الغرف : ق 22 / أ ، والسیوطی فی الحاوی للفتاوی : 2 / 79 طبعة المنیریة ، والسمهودی فی الإشراف علی فضائل الأشراف : ق 17 عن الطبرانی وأبی نعیم ، وابن طولون الصالحی فی الشذور الذهبیة : ص 54 عنه أو عن زید بن أرقم ، وأورده عنه الکتّانی فی نظم المتناثر فی الحدیث المتواتر : ص 194. (الطباطبائی)
2- قال ابن حجر فی التقریب : ص 82 [1 / 156 رقم 183] : صحابیّ جلیل من السابقین ، صحّ فی مسلم [5 / 411 ح 24 کتاب الفتن] عنه : أنَّ رسول الله أعلمه بما کان وما یکون إلی أن تقوم

روی الحدیث بلفظه ابن عقدة فی حدیث الولایة ، وأبو بکر الجُعابی فی نُخبه ، والحاکم الحسَکانی فی کتابه دعاء الهداة إلی أداء حقّ الموالاة ، وقال بعد ذکر حدیثه : قرأت حدیثه علی أبی بکر محمد بن محمد الصیدلانی ، فأقرّ به ، وعدّه الجزری فی أسنی المطالب(1) (ص 4) من رواة حدیث الغدیر من الصحابة.(2)

33 - حسّان بن ثابت :

أحد شعراء الغدیر فی القرن الأوّل ، فراجع هناک(3) شعره وترجمته.(4)

34 - الإمام المجتبی الحسن السبط صلوات الله علیه :

روی حدیثه ابن عقدة بإسناده فی حدیث الولایة ، والجُعابی فی النُخب ، وعدّه الخوارزمی من رواة حدیث الغدیر.(5)

35 - الإمام السبط الحسین الشهید سلام الله علیه : رواه عنه ابن عقدة بإسناده فی حدیث الولایة(6) ، والجُعابی فی النُخب ، وعدّه الخطیب الخوارزمی فی

ص: 72


1- أسنی المطالب : ص 48.
2- وأخرجه عنه الحاکم الحسکانی فی شواهد التنزیل : ح 1041 ، والذهبی فی کتاب الغدیر : ح 119 ، وعدّه الشهاب الإیجی فی توضیح الدلائل : ق 197 / ب من رواة حدیث الغدیر من الصحابة. (الطباطبائی)
3- یأتی فی الجزء الثانی.
4- عدّه الذهبی فی کتاب الغدیر : ح 119 ، والشهاب الإیجی فی توضیح الدلائل : ق 197 / ب من الصحابة الذین روی عنهم حدیث الغدیر. (الطباطبائی)
5- وعدّه الذهبی فی کتاب الغدیر : ح 121 ، والصالحانی ، والشهاب الإیجی فی توضیح الدلائل : ق 197 / ب ، من الصحابة الذین روی عنهم حدیث الغدیر. (الطباطبائی)
6- أورده عنه الذهبی فی کتاب الغدیر : ح 64 ، قال ابن عقدة الحافظ - فی جمع طرق هذا الحدیث - : قال : حدّثنا الفضیل بن یوسف الجعفی ، حدّثنا سعید بن عثمان ، حدّثنی محمد بن [علیّ بن] ،

مقتله(1) ممّن روی حدیث الغدیر.

وروی الحافظ العاصمی فی زین الفتی ، عن شیخه أبی بکر الجلّاب ، عن أبی سعید الرازی ، عن أبی الحسن علیّ بن مهرویه القزوینی ، عن داود بن سلیمان ، عن علیّ بن موسی الرضا ، عن أبیه موسی بن جعفر ، عن أبیه جعفر بن محمد ، عن أبیه ، عن أبیه علیّ ، عن الحسین ، عن أمیر المؤمنین علیهم السلام ، قال :

«قال رسول الله صلی الله علیه وسلم : من کنتُ مولاه فعلیّ مولاه ، أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه ، واخذُلْ من خذله ، وانصُر من نصره».

ورواه عن شیخه محمد بن أبی زکریا ، عن أبی الحسن محمد بن علیّ الهمدانی ، عن أحمد بن علیّ بن صدقة الرقّی ، عن أبیه ، عن علیّ بن موسی ، عن أبیه موسی ... إلی آخر السند واللفظ المذکورین.

ورواه الحافظ ابن المغازلی فی المناقب عن أبی الفضل محمد بن الحسین البرجی(2) الأصبهانی ، یرفعه إلی الحسین السبط علیه السلام ، والحافظ أبو نعیم فی حِلیة الأولیاء (9 / 64) بلفظ وسند یأتیان إن شاء الله تعالی ، ویأتی احتجاجه علیه السلام بحدیث الغدیر فی محلّه.

«حرف الخاء المعجمة»

36 - أبو أیّوب خالد بن زید الأنصاریّ : استشهد غازیاً بالروم سنة (50 ، 51 ، 52).

ص: 73


1- مقتل الإمام الحسین علیه السلام : 1 / 48.
2- البُرجی بضم الباء وجیم معجمة ، توفّی سنة 448. توضیح المشتبه : 1 / 421. (الطباطبائی)

روی حدیثه(1) ابن عقدة فی حدیث الولایة ، والجُعابی فی نُخب المناقب ، ومحبّ الدین الطبری فی الریاض النضرة (2 / 169) ، وابن الأثیر فی أُسد الغابة (5 / 6) بالإسناد عن یعلی بن مُرّة عنه و (3 / 307 و 5 / 205) بالإسناد عن أصبغ بن نباتة عنه ، وابن کثیر فی البدایة والنهایة (5 / 209) عن أحمد بن حنبل ، عن ابن آدم ، عن الأشجعی ، عن ریاح بن الحارث ، عنه ، والسیوطی فی جمع الجوامع وتاریخ الخلفاء (ص 114) من طریق أحمد عنه ، والمتّقی الهندی فی کنز العمّال (2 / 154) بطریق أحمد ، والطبرانی فی المعجم الکبیر ، والضیاء المقدسی عنه وعن جمع من الصحابة ، وابن حجر العسقلانی فی الإصابة (7 / 780 و 6 / 223) و (2 / 408 من الطبعة الأولی) ، والسمهودی

فی جواهر العقدین عن أبی الطفیل عنه ، والبَدَخشی فی نُزُل الأبرار (ص 20) من طریقی أحمد والطبرانی. راجع حدیثی الرحبة والرکبان من هذا الکتاب.

وعدّه الجزری فی أسنی المطالب(2) (ص 4) من رواة حدیث الغدیر من الصحابة.(3)

ص: 74


1- الریاض النضرة : 3 / 113 ، أُسد الغابة : 5 / 296 رقم 5162 و 3 / 469 رقم 3341 و 6 / 130 رقم 5926 ، البدایة والنهایة : 5 / 231 حوادث سنة 10 ه ، مسند أحمد : 6 / 583 ح 23051 ، جامع الأحادیث : 7 / 369 ح 23003 ، تاریخ الخلفاء : ص 158 ، کنز العمّال : 11 / 609 ح 32950 ، المعجم الکبیر : 4 / 173 ح 4052 ، الإصابة : 4 / 80 رقم 478 ، جواهر العقدین : الورقة 171 ، نُزُل الأبرار : ص 53.
2- أسنی المطالب : ص 48.
3- وممّن أخرج حدیث الغدیر عن أبی أیّوب : ابن أبی شیبة فی المصنّف : ح 12122 ، وأحمد بن حنبل فی المسند : 5 / 419 ، وفی فضائل الصحابة : ح 967 - وقال محقِّقه : إسناده صحیح - وفی مناقب علیّ علیه السلام : ح 91 ، وسعید بن منصور فی سُنَنه ، وأخرجه ابن منیع البغوی فی مسنده وعنه الدیلمی والبوصیری کما یأتی ، وابن أبی عاصم فی کتاب السنّة : ح 1355 ، وابن دیزیل فی کتاب صفّین وعنه ابن أبی الحدید کما یأتی ، والبغوی فی معجم الصحابة ، وعنه الباعونی فی جواهر المطالب : 1 / 83 ، والطبرانی فی المعجم الکبیر : ح 4053 ، والخرگوشی فی شرف المصطفی : ق 196 وغیره کما یأتی ، والقاضی نعمان المصری فی شرح الأخبار : ح 28 ، وابن المغازلی فی المناقب : ح 30 ، والحافظ ابن عساکر فی تاریخه بالأرقام : 522 ، 530 - 533 ، والدیلمی فی الفردوس وابنه فی مسند الفردوس : ج 3 ق 96 قال : رواه ابن منیع رحمه الله عن أبی أحمد الزبیری عن حنش بن الحارث عن ریاح بن الحارث عن أبی أیّوب. وأخرجه الضیاء المقدسی فی المختارة ، وعنه البوصیری فی إتحاف السادة کما یأتی ، وابن أبی الحدید فی شرح نهج البلاغة : 3 / 208 ، والباعونی فی جواهر المطالب فی الباب : 12 ق 16 / أ ، وقال : أخرجه الإمام أحمد. ثمّ أورده بلفظ آخر وقال : أخرجه البغوی فی معجمه. وأخرجه الذهبی فی کتاب الغدیر بالأرقام : 43 ، 44 ، 116 - 118 ، 123 وقال : أخرجه جماعة ثقات عن شریک ، ویروی عن عثمان بن طالوت : حدّثنا بشر ... ، ورواه یحیی الحمّانی عن شریک ... ، وهذه شواهد عاضدة. وأورده ابن منظور فی مختصر تاریخ دمشق : 17 / 354 ، والهیثمی فی مجمع الزوائد : 9 / 103 - 104 ، والقرافی فی نفحات العبیر الساری فی أحادیث أبی أیّوب الأنصاری : ق 75 / ب وبلفظ آخر فی 76 / أ ، والسیوطی فی جمع الجوامع : 1 / 831 ، وتلمیذه شمس الدین الدمشقی فی سبل الهدی والرشاد ، والرضوانی أبو المواهب الرشیدی المتوفّی سنة 948 فی قوت القلوب فی أحادیث أبی أیّوب : ق 62 / ب ح 64 ، قال : رواه الإمام أحمد وفی روایة له ... ورواه الإمام أبو العبّاس بن مندة. وأورده السخاوی فی استجلاب الغرف : ق 22 / ب ، والبوصیری فی إتحاف السادة المهرة بزوائد المسانید العشرة : ج 3 ق 56 / أ ، قال : رواه أبو بکر بن أبی شیبة وأحمد بن حنبل وأحمد بن منیع [البغوی] واللفظ له ... ورواته ثقات ، وإسماعیل النقشبندی فی مناقب العشرة : ق 334 وقال : أخرجه البغوی فی معجمه ، والقطب البکری فی الصلوات الهامعة طبعة بولاق 1310 : ص 139 ، وإسحاق بن یوسف الصنعانی فی تفریج الکروب فی حرف المیم. وأورده الألبانی فی سلسلة الأحادیث الصحیحة : 4 / 340 عن أحمد والطبرانی وقال : وهذا إسناد جیّد ، رجاله ثقات. وعدّه الخوارزمی فی مقتل الحسین علیه السلام : ص 48 ، والشهاب الإیجی فی توضیح الدلائل : ق 197 / ب ، والسیوطی فی قطف الأزهار : ص 277 ح 102 ، والزبیدی فی لقط اللآلی : ص 194 ، والکتّانی فی نظم المتناثر : ص 206 من الصحابة الذین رووا حدیث الغدیر. (الطباطبائی)

37 - أبو سلیمان خالد بن الولید بن المغیرة المخزومیّ : المتوفّی (21 ، 22).

أخرج الجُعابی حدیثه بإسناده فی النُخب.

38 - خزیمة بن ثابت الأنصاریّ ذو الشهادتین : المقتول بصفّین سنة (37).

روی حدیثه ابن عقدة فی حدیث الولایة ، والجُعابی فی نُخب المناقب ،

ص: 75

والسمهودی فی جواهر العقدین(1) بالإسناد عن أبی الطفیل عنه ، وروی ابن الأثیر فی أُسد الغابة(2) (3 / 307) بطریق أبی موسی عن علیّ بن الحسن العبدی عن الأصبغ بن نباتة حدیث المناشدة یوم الرحبة ، وفیه شهادة خزیمة لعلیّ علیه السلام بحدیث الغدیر ، وعدّه الجزری فی أسنی المطالب(3) (ص 4) ، والقاضی فی تاریخ آل محمد (ص 67) من رواة الحدیث من الصحابة.

39 - أبو شریح خُویلد - علی الأشهر - ابن عمرو الخزاعی ، نزیل المدینة : المتوفّی (68).

أحد الشهود لأمیر المؤمنین علیه السلام بحدیث الغدیر یوم المناشدة ، کما یأتی فی حدیثها.(4)

«حرف الراء المهملة وأُختها المعجمة»

40 - رفاعة بن عبدالمنذر الأنصاریّ :

توجد روایته فی حدیث الولایة بإسناد ابن عقدة ، ونُخب المناقب للجُعابی ، وکتاب الغدیر لمنصور الرازی.

ص: 76


1- جواهر العقدین : الورقة 171.
2- أُسد الغابة : 3 / 469 رقم 3341.
3- أسنی المطالب : ص 48.
4- وعنه الذهبی فی کتاب الغدیر : ح 115 بإسناده عن یعلی بن مرة ، ومناشدة أمیر المؤمنین علیه السلام بالکوفة وشهادة خزیمة بن ثابت فیمن شهد له. وکذا برقم 123 بإسناده عن الأصبغ بن نباتة مناشدته علیه السلام ، وشهادة جمع من الصحابة الحضور له بهذا الحدیث ، ومنهم خزیمة بن ثابت. وعدّه السخاوی أیضا فی استجلاب ارتقاء الغرف : ق 22 / ب من الصحابة الذین شهدوا عند مناشدته علیه السلام. وعدّه الشهاب الإیجی فی توضیح الدلائل : ق 197 / ب من الصحابة الذین رووا حدیث الغدیر. (الطباطبائی)

41 - الزبیر بن العوّام القرشیّ : المقتول سنة (36).

روی الحدیث عنه ابن عقدة فی کتاب الولایة ، والجُعابی فی نُخبه ، والمنصور الرازی فی کتاب الغدیر ، وهو أحد العشرة المبشرة الذین عدّهم الحافظ ابن المغازلی(1) من رواة الغدیر ، وعدّه الجزری الشافعی من رواة حدیث الغدیر فی أسنی المطالب(2) (ص 3).(3)

42 - زید بن أرقم الأنصاریّ ، الخزرجیّ : المتوفّی (66 ، 68).

أخرج أحمد بن حنبل فی مسنده(4) (4 / 368) عن ابن نمیر ، عن عبدالملک بن أبی سلیمان ، عن عطیّة العَوفی ، قال : سألت زید بن أرقم ، فقلت له : إنَّ خَتَناً(5) لی حدّثنی عنک بحدیث فی شأن علیٍّ یوم غدیر خُمّ ، فأنا أحبّ أن أسمعه منک. فقال : إنّکم - معشرَ أهل العراق - فیکم ما فیکم !. فقلت له : لیس علیک منی بأس.

فقال :نعم ، کُنّا بالجُحْفة ، فخرج رسول الله صلی الله علیه وسلم إلینا ظُهراً وهو آخذٌ بعَضُد علیّ ، فقال :

«یا أیّها الناس ألستم تعلمون أنّی أولی بالمؤمنین من أنفسهم ؟ قالوا : بلی. قال : فمن کنتُ مولاه فعلیّ مولاه».

قال : فقلت له : هل قال «أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه» ؟ قال : إنَّما

ص: 77


1- مناقب علیّ بن أبی طالب علیه السلام : ص 27 ح 39.
2- أسنی المطالب : ص 48.
3- وعدّه الذهبی أیضاً فی کتاب الغدیر : ح 121 فی الصحابة الذین روی عنهم حدیث الغدیر ، وهو أحد أصحاب الشوری الذین ناشدهم أمیر المؤمنین علیه السلام بمناقبه وخصائصه فاعترفوا بها ، ومنها حدیث الغدیر. راجع مناشدة یوم الشوری الآتیة فی ص 330. (الطباطبائی)
4- مسند أحمد : 5 / 494 ح 18793.
5- الخَتَن : الصِّهر.

أخبرُک کما سمعت(1).

وفی المسند(2) (4 / 372) عن سفیان ، عن أبی عوانة ، عن المغیرة ، عن أبی عبید ، عن میمون أبی عبدالله قال : قال زید بن أرقم وأنا أسمع :

نزلنا مع رسول الله صلی الله علیه وسلم بوادٍ یقال له : وادی خُمّ ، فأمر بالصلاة فصلّاها بهجیر. قال : فخطبنا ، وظُلّل لرسول الله بثوبٍ علی شجرةِ سَمُرة من الشمس ، فقال :

«ألستم تعلمون ؟ أَوَلستم تشهدون أنّی أولی بکلِّ مؤمن من نفسه ؟ قالوا : بلی.

قال : فمن کنت مولاه فإنَّ علیّاً مولاه ، أللّهمّ عادِ من عاداه ، ووالِ من والاه».

ورواه فی المسند (4 / 372) عن محمد بن جعفر عن شعبة عن میمون ، ورواه النسائی عن زید بإسناده فی الخصائص(3) (ص 16).

وفی الخصائص للنسائی (ص 15) عن محمد بن المثنّی ، قال : حدّثنا یحیی بن حمّاد قال : أخبرنا أبو عوانة ، عن سلیمان ، عن حبیب بن أبی ثابت ، عن أبی الطفیل ، عن زید بن أرقم ، قال : لمّا رجع النبیّ صلی الله علیه وسلم من حجّة الوداع ، ونزل غدیر خُمّ ، أمر بدَوْحات فقُمِمنَ ، ثمّ قال :

«کأنّی دُعِیتُ فأجبتُ ، وإنّی تارک فیکمُ الثقَلَین - أحدهما الأکبر من الآخر - : کتابَ الله ، وعترتی أهل بیتی ، فانظروا کیف تخْلِفونی فیهما ، فإنّهما لن یفترقا حتی یَرِدا علیَّ الحوض. ثمّ قال : إنَّ الله مولای وأنا ولیّ کلّ مؤمن.

ثمّ إنَّه أخذ بید علیّ رضی الله عنه فقال : من کنتُ ولیّه فهذا ولیّه ، أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه».

ص: 78


1- کتمانُ زیدٍ ذیلَ الحدیث عن عطیّة کان للتقیّة ، کما یعرب عنها نفسُ الحدیث ، وقد رواه عنه غیره کما تری. (المؤلف)
2- مسند أحمد : 5 / 502 ح 18841.
3- خصائص أمیر المؤمنین : ص 100 ح 84 ، وفی السنن الکبری : 5 / 131 ح 8469.

فقلت لزید : سمعتَهُ من رسول الله صلی الله علیه وسلم ؟ فقال : [نعم](1) وإنَّه ما کان فی الدوحات أحدٌ إلّا رآه بعینیه ، وسَمِعه بأُذُنیه.

وفی الخصائص(2) أیضاً (ص 16) عن قتیبة بن سعید ، عن ابن أبی عدیّ ، عن عوف ، عن أبی عبدالله میمون ، قال : قال زید بن أرقم : قام رسول الله صلی الله علیه وسلم فحمدالله وأثنی علیه ، ثمّ قال : «ألستم تعلمون أنّی أولی بکلّ مؤمن من نفسه ؟ قالوا : بلی نشهد لَأنت أولی بکلّ مؤمن من نفسه. قال : فإنّی من کنتُ مولاه فهذا مولاه» ، وأخذ بید علیّ.

وبهذا اللفظ رواه الدولابی فی الکنی والأسماء (2 / 61) عن أحمد بن شعیب ، عن قتیبة بن سعید ، عن ابن أبی عدیّ ، عن عوف ، عن میمون ، عن زید ، قال :

کُنّا مع رسول الله صلی الله علیه وسلم بین مکّة والمدینة إذ نزلنا منزلاً یقال له : غدیر خُمّ ، فنودی أنَّ الصلاة جامعة ، فقام رسول الله صلی الله علیه وسلم فحمد الله وأثنی علیه ... الحدیث.

وروی مسلم فی صحیحه(3) (2 / 325 طبعة سنة 1327) بإسناده عن أبی حیّان ، عن یزید بن حیّان ، عن زید وبطرق أخری شطراً من حدیث الغدیر ، وقال : خطب النبی صلی الله علیه وسلم بماء یُدعی خُمّاً ... ، ولم یَروِ منه ما فی الولایة - مع روایة مشایخه إیّاه - لمرمیً هو أعرف به ، وروی الحافظ البَغَوی فی مصابیح السنّة(4) (2 / 199) حدیث الولایة عن زید ، وعدّه من الحسان ، والحافظ الترمذی رواه فی صحیحه(5) (2 / 298) ، عن أبی عبدالله میمون ، عن زید ، وقال : هذا حدیث حسن صحیح.

وروی الحاکم فی المستدرک(6) (3 / 109) عن أبی الحسین محمد بن أحمد بن تمیم

ص: 79


1- الزیادة من المصدر.
2- خصائص أمیر المؤمنین : ص 100 ح 84 ، وفی السنن الکبری : 5 / 131 ح 8469.
3- صحیح مسلم : 5 / 25 ح 36 کتاب فضائل الصحابة.
4- مصابیح السنّة : 4 / 172 ح 4767.
5- سنن الترمذی : 5 / 591 ح 3713.
6- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 118 ح 4576. وفیه : أبو بکر أحمد بن جعفر البزّار بدلاً من محمد ابن جعفر البزّار.

الحنظلی ببغداد ، عن أبی قلابة عبدالملک بن محمد الرقاشی ، عن یحیی بن حمّاد ، قال : وحدّثنی أبو بکر محمد بن بالویه ومحمد بن جعفر البزّار ، قالا : حدّثنا عبدالله بن أحمد ابن حنبل ، حدّثنی أبی ، حدّثنا یحیی بن حمّاد.

وحدّثنا أبو نصر أحمد بن سهل الفقیه البخاری ، حدّثنا صالح بن محمد الحافظ البغدادی ، حدّثنا خلف بن سالم المخرّمی ، حدّثنا یحیی بن حمّاد ، حدّثنا أبو عوانة ، عن سلیمان الأعمش ، عن حبیب بن أبی ثابت ، عن أبی الطفیل ، عن زید ، وصحّحه.

وبهذا السند رواه أحمد فی المسند(1) (1 / 118) عن شریک ، عن الأعمش.

وفی (ص 109)(2) عن أبی بکر بن إسحاق ودعلج بن أحمد السجزی ، قالا : أنبأنا محمد بن أیّوب ، حدّثنا الأزرق بن علیّ ، حدّثنا حسّان بن إبراهیم الکرمانی ، حدّثنا محمد بن سلمة بن کهیل ، عن أبیه ، عن أبی الطفیل ، عن زید ، یقول :

نزل رسول الله صلی الله علیه وسلم بین مکّة والمدینة عند سَمُراتٍ(3) ؛ خمس دوحات عظام ، فکنس الناس ما تحت السمُرات ، ثمّ راح رسول الله صلی الله علیه وسلم عشیّةً فصلّی ، ثمّ قام خطیباً فحمد الله وأثنی علیه ، وذکر ووعظ ، فقال ما شاء الله أن یقول ، ثمّ قال :

«أیّها الناس إنّی تارک فیکم أمرین لن تضلّوا إن اتّبعتموهما ، وهما : کتاب الله ، وأهل بیتی عترتی.

ثمّ قال : أتعلمون أنّی أولی بالمؤمنین من أنفسهم ؟ ثلاث مرّات. قالوا : نعم. فقال رسول الله صلی الله علیه وسلم : من کنتُ مولاه فعلیٌّ مولاه».

وفی (ص 533)(4) عن محمد بن علیّ الشیبانی بالکوفة ، حدّثنا أحمد بن حازم

ص: 80


1- مسند أحمد : 1 / 190 ح 955.
2- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 118 ح 4577.
3- جمع السمرة - بضم المیم - ضرب من شجر الطلح. (المؤلف)
4- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 613 ح 6272.

الغفاری ، حدّثنا أبو نعیم ، حدّثنا کامل أبو العلاء ، قال : سمعت حبیب بن أبی ثابت ، یخبر عن یحیی بن جُعدة ، عن زید ، قال :

خرجنا مع رسول الله صلی الله علیه وسلم حتی انتهینا إلی غدیر خُمّ ، فأمر بدَوحٍ(1) فکُسِح فی یومٍ ما أتی علینا یومٌ کان أشدّ حرّاً منه ، فحمد الله وأثنی علیه وقال :

«یا أیّها الناس إنَّه لم یُبعَث نبیٌّ قطّ إلّا ما عاش نصف ما عاش الذی کان قبله ، وإنّی أُوشِک أن أُدعی فأجیب ، وإنّی تارک فیکم ما لن تَضِلّوا بعده : کتابَ الله عزّ وجلّ ، ثمّ قام فأخذ بید علیّ رضی الله عنه فقال :

یا أیّها الناس من أولی بکم من أنفسکم ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم. قال : من کنت مولاه فعلیّ مولاه».

ثمّ قال الحاکم : هذا حدیثٌ صحیح الإسناد ولم یخرجاه.

وروی الحافظ العاصمی فی زین الفتی ، قال : أخبرنی الشیخ أحمد بن محمد بن إسحاق بن جمع ، قال : أخبرنا علیّ بن الحسین بن علیّ الدرسکی ، عن محمد بن الحسین بن القاسم ، عن الإمام أبی عبدالله محمد بن کرام رضی الله عنه ، عن علیّ بن إسحاق ، عن حسیب بن حبیب أخو حمزة الزیّات ، عن أبی إسحاق الهمدانی ، عن عمرو ، عن زید بن أرقم :

أنَّ نبی الله صلی الله علیه وسلم أتی غدیر خُمّ ، فخطب الناس ، فحمد الله وأثنی علیه ، حتی إذا فرغ من خطبته أخذ بید علیّ وبعَضُده ، حتی رُؤی بیاض إبطه ، فقال :

«أیّها الناس من کنتُ مولاه فعلیّ مولاه ، أللّهمّ والِ من والاه وعادِ من عاداه ، وانصُرْ من نَصره ، وأعِنْ من أعانه ، وأحبّ من أحبّه.

ثمّ قال لعلیّ : یا علیّ ألا أعلّمک کلماتٍ تدعو بهنّ ، لو کانت ذنوبک مثل عدد

ص: 81


1- فی المصدر : بروح.

الذرّ لَغُفر لک ، مع أنّک مغفور(1) ، قل : اللّهمّ لا إله إلّا أنتَ ، تبارکتَ سبحانکَ ربّ العرش العظیم».

ورواه عنه بإسناده(2) صاحب فرائد السمطین فی الباب الثالث والخمسین ، ومحبّ الدین الطبری فی الریاض النضرة (2 / 169) ، والمیبُذی فی شرح دیوان أمیر المؤمنین من طریق أحمد ، والذهبی فی تلخیصه (3 / 533) وصحّحه ، ورواه بطرق أخری عن زید ، وفی میزان الاعتدال (3 / 224) رواه عن غندر ، عن شعبة ، عن میمون أبی عبدالله ، عن زید ، وابن الصبّاغ المالکی فی الفصول المهمّة (ص 24) ، عن

الترمذی والزهری ، عن زید ، وقال :

روی الترمذی عن زید بن أرقم ، قال : قال رسول الله صلی الله علیه وسلم : «من کنتُ مولاه فعلیٌّ مولاه».

هذا اللفظ بمجرّده رواه الترمذی ولم یزد علیه ، وزاد غیره - وهو الزهری - ذکر الیوم والزمان والمکان ، قال :

لمّا حجّ رسول الله صلی الله علیه وسلم حجّة الوداع ، وعاد قاصداً المدینة ، قام بغدیر خُمّ - وهو ماء بین مکّة والمدینة - وذلک فی الیوم الثامن عشر من ذی الحجّة الحرام وقت الهاجرة ، فقال :

«أیّها الناس إنّی مسؤولٌ ، وأنتم مسؤولون : هل بلّغتُ ؟ قالوا : نشهد أنّک قد بلّغتَ ونصحتَ. قال : وأنا أشهد أنّی قد بلّغتُ ونصحتُ.

ثمّ قال : أیّها الناس ألیس تشهدون : أن لا إله إلّا الله وأنّی رسول الله ؟ قالوا :

ص: 82


1- أی : مغفور لک ، والظاهر أنّه اکتُفی عنها بذکرها قبلُ.
2- فرائد السمطین : 1 / 315 ح 250 ، الریاض النضرة : 3 / 113 ، شرح دیوان أمیر المؤمنین علیه السلام : 1 / 406 ، تلخیص المستدرک : 3 / 613 ح 6272 ، میزان الاعتدال : 4 / 235 رقم 8971 ، الفصول المهمّة : ص 39 ، سنن الترمذی : 5 / 591 ح 3713.

نشهد أن لا إله إلّا الله ، وأنّک رسول الله. قال : وأنا أشهد مثل ما شهدتم.

ثمّ قال : أیُّها الناس قد خلّفتُ فیکم ما إن تمسّکتم به لن تضلّوا بعدی : کتابَ الله ، وأهلَ بیتی ، ألا وإنَّ اللطیف أخبرنی : أنّهما لم یفترقا(1) حتی یردا علیّ الحوض ؛ حوضی ما بین بُصری وصنعاء ، عددُ آنیته عددُ النجوم ، إنَّ الله مُسائِلُکم کیف خلفتمونی فی کتابه وأهل بیتی ؟

ثمّ قال : أیّها الناس من أولی الناس بالمؤمنین ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم. قال : أولی الناس بالمؤمنین أهل بیتی.

یقول ذلک ثلاث مرّات ، ثمّ قال فی الرابعة وأخذ بید علیّ : أللّهمّ من کنتُ مولاه فعلیّ مولاه ، أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه - یقولها ثلاث مرّات - ألا فلیبلّغ الشاهد الغائب».

ورواه ابن طلحة الشافعی فی مطالب السؤول (ص 16) نقلاً عن الترمذی عن زید ، والحافظ أبو بکر الهیثمی فی مجمع الزوائد (9 / 104) من طریق أحمد(2) والطبرانی(3) والبزّار بإسنادهم عن زید وفی (ص 163) ، ولفظه فی الثانیة ، قال : نزل رسول الله صلی الله علیه وسلم الجُحْفة ثمّ أقبل علی الناس فحمد الله وأثنی علیه ، ثمّ قال :

«إنّی لا أجد لنبیّ إلّا نصف عمر الذی قبله ، وإنّی أُوشِک أن أُدعی فأجیب ، فما أنتم قائلون ؟ قالوا : نصحت. قال : ألیس تشهدون أن لا إله إلّا الله ، وأنَّ محمداً عبده ورسوله ، وأنَّ الجنّة حقّ ، وأنَّ النار حقّ ؟ قالوا : نشهد. قال : فرفع یده فوضعها علی صدره ، ثمّ قال : وأنا أشهد معکم. ثمّ قال : ألا تسمعون ؟ قالوا : نعم. قال : فإنّی فَرَطٌ علی الحوض ، وأنتم واردون علیَّ الحوض ، وإنَّ عرضه ما بین صنعاءَ وبُصری ، فیه

ص: 83


1- کذا ، ولا یخفی أنَّ المناسب هنا : «لن یفترقا» ، کما فی کثیر من الروایات.
2- مسند أحمد : 5 / 501 ح 18838.
3- المعجم الکبیر : 5 / 166 ح 4971.

أقداح عدد النجوم من فضّة ، فانظروا کیف تخْلِفونی فی الثقلین.

فنادی مُنادٍ : وما الثقَلان یا رسول الله ؟

قال : کتاب الله طرفٌ بید الله عزّ وجلّ وطرفٌ بأیدیکم ، فتمسّکوا به لاتضلّوا ، [و] الآخر عشیرتی(1) ، وإنَّ اللطیف الخبیر نبّأنی : أنّهما لن یتفرّقا حتی یَرِدا علیَّ الحوض ، فسألت ذلک لهما ربّی ، فلا تقدّموهما فتهلکوا ، ولا تَقْصُروا عنهما فتهلکوا ، ولا تُعلّموهما فهم أعلم منکم.

ثمّ أخذ بید علیّ رضی الله عنه فقال : من کنتُ أَولی به من نفسه فعلیٌّ ولیُّه ، أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه».

وفی روایة أخصر من هذه : «فیه عدد الکواکب من قِدْحان الذهب والفضّة».

وقال فیها أیضاً : «الأکبر کتاب الله والأصغر عترتی».

وفی روایة : لمّا رجع رسول الله صلی الله علیه وسلم من حجّة الوداع ، ونزل غدیر خُمّ أمر بدَوحاتٍ فقُمِمْن ، ثمّ قام فقال : «کأنّی قد دُعیتُ فأَجَبْتُ ...» - وقال فی آخره - : فقلت لزید : أنت سمعته من رسول الله صلی الله علیه وسلم ؟ فقال : ما کان فی الدوْحات أحدٌ إلّا رآه بعینه ، وسمِعه بأُذُنیه.

وروی(2) فی (9 / 105) نقلاً عن الترمذی(3) والطبرانی(4) والبزّار بإسنادهم ، عن زید ، قال : أمر رسول الله صلی الله علیه وسلم بالشجرات ، فقُمَّ ما تحتها ورُشّ ، ، ثمّ خَطَبَنا ، فوالله ما من شیء یکون إلی یوم الساعة إلّا قد أخبرنا به یومئذٍ ، ثمّ قال :

«أیّها الناس من أولی بکم من أنفسکم ؟ قلنا : الله ورسوله أولی بنا من أنفسنا.

ص: 84


1- کذا فی النسخ ، والصحیح : عترتی. (المؤلف)
2- أی الهیثمی فی مجمع الزوائد.
3- مرّ تخریجه آنفاً.
4- المعجم الکبیر : 5 / 212 ح 5128.

قال : فمن کنتُ مولاه فهذا مولاه - یعنی علیّاً ، ثمّ أخذ بیده فبسطها ، ثمّ قال : - أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه».

ووثّق رجاله. انتهی لفظ الحافظ الهیثمی.

وأخرج ما رواه الترمذی والنسائی(1) بطریقهما عن زید بن أرقم. ورواه عن زید بن أرقم الحافظ الزرقانی المالکی فی شرح المواهب (7 / 13) ، ثمّ قال : وصحّحه الضیاء المقدسی ، وذکر من طریق الطبرانی من الحدیث قوله صلی الله علیه وآله وسلم :

«یا أیّها الناس إنَّ الله مولای ، وأنا مولی المؤمنین ، وأنا أولی بهم من أنفسهم ، فمن کنتُ مولاه فعلیّ مولاه ، أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه ، وأحِبَّ من أحبّه ، وأبغضْ من أبغضه ، وانصُر من نصره ، واخذُل من خذله ، وأدِرِ الحقّ معه حیث دار».

ورواه الخطیب الخوارزمی فی المناقب(2) (ص 93) بإسناده عن الحافظ أبی بکر أحمد بن الحسین البیهقی ، عن أبی عبدالله الحافظ محمد بن یعقوب ، عن الفقیه أبی نصر أحمد بن سهل ، عن الحافظ صالح بن محمد البغدادی ، عن خلف بن سالم ، عن یحیی ابن حمّاد ، عن أبی عوانة ، عن سلیمان الأعمش ، عن حبیب بن أبی ثابت ، عن أبی الطفیل ، عن زید بن أرقم(3) ، بلفظ الحافظ النسائی ، وقد مرّ عن خصائصه فی (ص 30).

ورواه عن زید بن أرقمَ ابنُ عبد البَرّ فی الاستیعاب(4) (2 / 473) ، وأبو الحجّاج فی تهذیب الکمال فی أسماء الرجال(5) ، وابن کثیر الشامی فی البدایة والنهایة(6) (5 / 208)

ص: 85


1- السنن الکبری : 5 / 130 ح 8464.
2- المناقب : ص 154 ح 182.
3- هذا هو سند الحاکم المذکور فی : ص 30 ، وقد صحّحه. (المؤلف)
4- الاستیعاب : القسم الثالث / 1099 رقم 1855.
5- تهذیب الکمال : 20 / 484 رقم 4089.
6- البدایة والنهایة : 5 / 231 حوادث سنة 10 ه.

عن حبیب بن أبی ثابت ، عن أبی الطفیل ، عن زید بطریق النسائی ، وقال : هذا حدیث صحیح ، نقلاً عن الذهبی.

و (5 / 209) عن أبی الطفیل ویحیی بن جعدة وأبی عبدالله میمون ، عن زید ، وقال : هذا إسنادٌ جیِّدٌ رجاله ثِقات.

وفی(1) (7 / 348) من طریق غندر ، عن شعبة ، عن سلمة بن کهیل ، عن أبی الطفیل ، عن أبی مریم أو زید بن أرقم ، ومن طریق أحمد بالسند واللفظ المذکورین (ص 30) ، ثمّ قال :

وقد رواه عن زید بن أرقم جماعة منهم أبو إسحاق السبیعی وحبیب الأسّاف ، وعطیّة العَوفی ، وأبو عبدالله الشامی ، وأبو الطفیل عامر بن واثلة.

ورواه الحافظ الکنجی الشافعی فی کفایة الطالب(2) (ص 14) بطرق ثلاثة لأحمد بن حنبل ، وقال بعد ذکر ألفاظه بطرقه فی (ص 15) : هکذا أخرجه فی مسنده وناهیک به راویاً بسند واحد ، وکیف وقد جمع طرقه مثل هذا الإمام ! ؟

ثمّ روی عن مشایخه الحفّاظ الأربعة ، وهم : شیخ الإسلام أبو محمد عبدالله بن أبی الوفاء محمد الباذرائی ، والقاضی أبو الفضائل عبدالکریم بن عبدالصمد الأنصاری ، وأبو الغیث فرج بن عبدالله القرطبی ، وأبو الفتح نصر الله بن أبی بکر بن أبی إلیاس ، بأسانیدهم إلی جامع الترمذی ، بإسناده عن سَلَمة بن کهیل ، عن أبی الطفیل ، عن زید.

ویوجد حدیث زید فی(3) جمع الجوامع ، وتاریخ الخلفاء للسیوطی (ص 114) ،

ص: 86


1- البدایة والنهایة : 7 / 385 حوادث سنة 40 ه-.
2- کفایة الطالب : ص 58 - 59 باب 1.
3- جامع الأحادیث : 16 / 262 ح 7897 ، تاریخ الخلفاء : ص 158 ، الجامع الصغیر : 2 / 642 ح 9000 ، تهذیب التهذیب : 7 / 296 ، ریاض الصالحین للنووی : ص 156 ح 346.

والجامع الصغیر (2 / 555) نقلاً عن الترمذی والنسائی والضیاء المقدسی ، وتهذیب التهذیب لابن حجر (7 / 337) ، وریاض الصالحین (ص 152) ، والبیان والتعریف(1) (2 / 136) عن الطبرانی والحاکم ، بإسنادهما عن أبی الطفیل عنه ، وفی (ص 230) عن الترمذی والنسائی والضیاء المقدسی بإسنادهم عنه ، قال : قال السیوطی : حدیث متواتر ، وفی کنز العمّال(2) (6 / 152) عن الترمذی والضیاء المقدسی ، و (ص 154) عن أحمد ، والطبرانی فی المعجم الکبیر ، والضیاء المقدسی ، عن زید وعن ثلاثین رجلاً من الصحابة ، و (ص 154) نقلاً عن المعجم الکبیر للطبرانی(3) ، وفی (ص 390)(4) عن أبی الطفیل عامر بن واثلة وأبی عبدالله میمون ، وعطیة العوفی ، وأبی الضحی جمیعاً عن زید ، نقلاً عن محمد بن جریر الطبری فی حدیث الولایة ، و (ص 102) عن یزید ابن أبی حیّان(5) ، عن زید.

وفی مشکاة المصابیح(6) (ص 557) من طریق أحمد ، عن البراء بن عازب وزید ، وتذکرة خواص الأمّة(7) (ص 18) قال : قال أحمد فی الفضائل(8) : حدّثنا ابن نمیر ، حدّثنا عبدالملک عن عطیة العَوفی ، قال :

أتیت زید بن أرقم ، فقلت له : إنَّ خَتَناً لی حدّثنی عنک بحدیثٍ فی شأن علیٍّ علیه السلام یوم الغدیر ، وأنا أُحبّ أن أسمعه منک.

فقال : إنّکم - معشرَ أهل العراق - فیکم ما فیکم. فقلت : لیس علیک منّی

ص: 87


1- البیان والتعریف فی أسباب ورود الحدیث : 3 / 74 ح 1290 ، ص 233 ح 1576.
2- کنز العمّال : 11 / 602 ح 32904 ، ص 609 ح 32950 ، ص 610 ح 32951.
3- المعجم الکبیر : 5 / 166 ح 4971.
4- کنز العمّال : 13 / 104 ح 36340 ، 36342 - 36344.
5- فی المعجم الکبیر وتهذیب الکمال وتهذیب التهذیب : یزید بن حیّان.
6- مشکاة المصابیح : 3 / 360 ح 6103.
7- تذکرة الخواص : ص 29.
8- فضائل الصحابة 2 / 586 ح 992 ، مسند أحمد : 5 / 494 ح 18793.

بأس. فقال : نعم کُنّا بالجُحْفة ، فخرج رسول الله صلی الله علیه وسلم علینا ظهراً وهو آخذٌ بعضُدِ علیّ ابن أبی طالب فقال : «أیّها الناس ألستم تعلمون أنّی أولی بالمؤمنین من أنفسهم ؟ فقالوا : بلی. فقال : من کنتُ مولاه فعلیٌّ مولاه». قالها أربع مرّات.

قال محمد بن إسماعیل الیمنی فی الروضة الندیّة شرح التحفة العلویّة(1) - بعد ذکر حدیث الغدیر بشتّی طرقه - : وذکر الخطبة بطولها الفقیه العلّامة الحمید المحلّی فی محاسن الأزهار بسنده إلی زید بن أرقم ، قال :

أقبل النبیّ صلی الله علیه وسلم فی حجّة الوداع حتی نزل بغدیر الجُحْفة بین مکّة والمدینة ، فأمر بالدوحات ، فقُمّ ماتحتهنّ من شوک ، ثمّ نادی : الصلاة جامعة ، فخرجنا إلی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی یوم شدید الحرّ ، وإنَّ منّا من یضع بعض ردائه علی رأسه وبعضه علی قدمه من شدّة الرمضاء ، حتی أتینا إلی رسول الله صلی الله علیه وسلم فصلّی بنا الظهر ، ثمّ انصرف إلینا ، فقال :

«الحمد لله ، نحمده ، ونستعینه ، ونؤمن به ، ونتوکّل علیه. نعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سیّئات أعمالنا ، الذی لا هادی لمن ضلَّ(2) ، ولا مُضلّ لمن هدی ، وأشهد

أن لا إله إلّا الله وأنَّ محمداً عبده ورسوله.

أمّا بعدُ :

أیّها الناس فإنّه لم یکن لنبیٍّ من العمر إلّا النصف من عمر الذی قبله ، وإنَّ عیسی بن مریم لبث فی قومه أربعین سنة وإنّی شرَعتُ فی العشرین ، ألا وإنّی یُوشک أن أفارقکم ، ألا وإنّی مسؤول ، وأنتم مسؤولون ، فهل بلّغتُکم ؟ فماذا أنتم قائلون ؟

فقام من کلّ ناحیة من القوم مُجیب ، یقولون : نشهد أنّک عبد الله ورسوله قد بلّغتَ رسالته ، وجاهدتَ فی سبیله ، وصدعتَ بأمره ، وعبدتَه حتی أتاک الیقین ،

ص: 88


1- الروضة الندیة شرح التحفة العلویة : ص 157 - 158.
2- کذا فی النسخ ، والصحیح : أضلّ ، ونقلناه (ص 10) علی ما وجدنا. (المؤلف)

جزاک الله خیر ما جزی نبیّاً عن أمّته.

فقال : ألستم تشهدون أن لا إله إلّا الله وأنَّ محمداً عبده ورسوله ، وأنَّ الجنّة حقّ ، وأنَّ النار حقّ ، وتؤمنون بالکتاب کلّه ؟ قالوا : بلی.

قال : فإنّی أشهد أنْ قد صدقتُکُم وصدّقتمونی ، ألا وإنّی فَرَطُکم ، وأنتم تبعی ، تُوشکون أن تَردوا علیَّ الحوض فأسألکم حین تَلْقونی(1) عن الثقَلَین کیف خلفتمونی فیهما ؟

قال : فاعتلّ(2) علینا ، ما ندری ما الثَقَلان ، حتی قام رجل من المهاجرین ،

فقال : بأبی وأمّی أنت یا رسول الله ما الثقَلان ؟

قال : الأکبر منهما کتاب الله ، سببٌ طرف بید الله وطرف بأیدیکم ، تمسّکوا به ولا تولّوا ولا تضلّوا ، والأصغر منهما عترتی ، من استقبل قبلتی ، وأجاب دعوتی ، فلا

تقتلوهم ، ولا تقهروهم ولا تقصّروا عنهم ، فإنّی قد سألت لهم اللطیف الخبیر ، فأعطانی ، وناصرُهما لی ناصر ، وخاذلهما لی خاذل ، وولیّهما لی ولیّ ، وعدوّهما لی

عدوّ ، ألا فإنّها لن تهلک أمّة قبلکم حتی تدین بأهوائها ، وتظاهر علی نُبوّتها ، وتقتل من قام بالقسط.

ثمّ أخذ بید علیّ بن أبی طالب ورفعها ، فقال : من کنتُ ولیّه فهذا ولیّه(3) ، أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه». قالها ثلاثاً. ع(4) (2 / 236).

ورواه - بهذا اللفظ والتفصیل حرفیّاً - الحافظ أبو الحسن علیّ بن المغازلی الواسطی الشافعی فی المناقب(5) ، قال : أخبرنا أبو یعلی علیّ بن عبیدالله بن العلّاف

ص: 89


1- کذا فی المصدر بنون واحدة.
2- عالنی الشیء یُعیلنی عیلاً ومعیلاً إذا أعجزک.
3- فی عبقات الأنوار والمناقب لابن المغازلی قبل هذه العبارة : من کنتُ مولاه فهذا مولاه.
4- عبقات الأنوار : 7 / 313 - 316 ، وفی تلخیصه نفحات الأزهار : 9 / 208 رقم 11.
5- مناقب علیّ بن أبی طالب علیه السلام : ص 16 ح 23.

البزّار إذناً ، قال : أخبرنی عبدالسلام بن عبدالملک بن حبیب البزّاز ، قال : أخبرنی عبدالله(1) [بن] محمد بن عثمان ، قال : حدّثنی محمد بن بکر بن عبدالرزّاق ، حدّثنی أبو حاتم مغیرة بن محمد المهلّبی ، قال : حدّثنی مسلم بن إبراهیم ، قال : حدّثنی نوح بن قیس الحُدانی - بضمّ المهملة الأولی - حدّثنی الولید بن صالح عن ابن امرأة زید بن

أرقم. الحدیث(2).

وذکر حدیث الغدیر - بلفظ زید بن أرقم - البَدَخشانی فی نُزُل الأبرار(3) (ص 19) من طریق أحمد والطبرانی ، وفی (ص 21) عن أبی نعیم والطبرانی - أیضاً - عن أبی الطفیل عنه ، والآلوسی فی روح المعانی(4) (2 / 350) ویأتی فی التابعین بلفظ أبی لیلی الکندی حدیث عن زید .(5)

ص: 90


1- وهذا هو الحافظ ابن السقّا الواسطی المحدّث المشهور . (الطباطبائی)
2- نقله عن مناقب ابن المغازلی العلّامة ابن البطریق : المتوفّی (600) ، المترجم فی لسان المیزان لابن حجر [6 / 304 رقم 9111] فی العمدة : ص 51 [ص 104 ح 140]. (المؤلف)
3- نُزُل الأبرار : ص 53.
4- روح المعانی : 6 / 194.
5- ورواه الحافظ ابن راهویه ، وأخرجه الطالقانی من طریقه فی الأربعین المنتقی عن زید بن أرقم ، کما یأتی. وأخرجه أحمد فی المناقب : ح 82 و 116 و 139 ، وفی فضائل الصحابة : ح 959 - وقال محقّقه : إسناده صحیح - و 992 و 1017 ، وأسلم بن سهل الملقّب بحشل فی تاریخ واسط : 171 ، والبلاذری فی أنساب الأشراف : ح 48. وأخرجه البخاری فی التاریخ الکبیر فی ترجمة کامل بن العلاء : 7 / 244 وأوعز إلی شیء من لفظه ، وبهذا الإسناد أخرجه ابن عدیّ فی الکامل فی ترجمة کامل بن العلاء : ح 2102 عن زید قال : قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «من کنت مولاه فعلیّ مولاه». وبالإسناد نفسه رواه الذهبی فی کتاب الغدیر : ح 73 وقال : إسناده حسن قویّ. وأخرجه ابن أبی عاصم فی السنّة بثمان طرق بالأرقام : 1362 ، 1364 ، 1365 ، 1368 ، 1369 ، 1371 ، 1375 و 1555. وأخرجه البزّار فی مسنده بأربعة طرق (کشف الأستار : ح 2537 - 2540) والنسائی فی السنن الکبری بأربعة طرق : ح 8148 ، 8464 ، 8469 ، 8478 وفی الخصائص : ح 79 ، 84 ، 93 ، وفی فضائل الصحابة : ح 45 ، وأخرجه أبو یعلی ، ومن طریقه أخرجه ابن عساکر فی تاریخه : رقم 536 و 537. وأخرجه ابن جریر الطبری فی تهذیب الآثار بعدّة طرق تنتهی إلی میمون أبی عبدالله وعطیّة وأبی الضحی ویزید بن حیّان ، کلّ واحد منهم عن زید بن أرقم کما فی جمع الجوامع : 2 / 395 ، وفی کنز العمّال : ح 36340 ، 36342 - 36344. وأخرجه المحاملی فی أمالیه : ح 35 عن أبی سریحة أو زید بن أرقم ، وقال محقّقه : إسناده صحیح ورواته ثقات ، وفی ج 1 ق 75 عن محمد بن الولید البسری ... عن زید ، وأخرجه ابن عساکر فی تاریخه : رقم 535 من طریق المحاملی بإسناده عن زید ، وأخرجه ابن الأعرابی فی المعجم : ق 161 / ب عن البراء وزید بن أرقم. وأخرجه ابن حبّان فی صحیحه : ح 6931 (موارد الظمآن 2205) ، وأبو بکر الشافعی فی الفوائد الغیلانیات وقال : هذا حدیث حسن ، صحیح المتن ، وإسناده عالٍ. وعنه ابن عساکر فی تاریخه : رقم 542 ، وابن کثیر فی تاریخه : 7 / 346. وأخرجه الحافظ الطبرانی فی المعجم الکبیر فی المجلد الخامس من عشرین طریقاً بالأرقام : 4968 ، 4969 ، 4970 وصحّحه الألبانی علی شرط الشیخین کما یأتی ، 4971 ، 4983 ، 4985 ، 4986 ، 4996 ، 5058 ، 5059 ، 5065 ، 5066 ، 5068 ، 5069 ، 5070 ، 5071 ، 5092 ، 5096 ، 5097 ، 5128. وفی المعجم الأوسط : ح 1987. وأخرجه القطیعی فی زیاداته فی فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل : ح 1048 وفی مناقب علیّ له : 170 ، وابن عدیّ فی الکامل : 2102 ، 2408. وأخرجه أبو القاسم الحُرفی السمسار فی أمالیه الموجود فی المجموع 46 فی المکتبة الظاهریة ، ومحمد بن زید الأنصاری فی جزء من حدیثه فی المجموع 94 فی الظاهریة ، وأبو بکر بن خلّاد النصیبی فی الجزء الثانی من حدیثه عن شیوخه فی المجموع 26 فی الظاهریة. وأخرجه الحافظ أبو نعیم فی أخبار أصبهان : 1 / 235 ، وفی فضائل الصحابة عن البراء وزید بن أرقم ، وعنه السیوطی کما فی جمع الجوامع : 1 / 831 ، کنز العمّال : ح 32945 ، 32950 ، 32951 ، وأخرجه ابن المغازلی فی مناقبه : ح 27 و 33 ، وأبو القاسم هبة الله بن الحصین فی أمالیه فی المجموع 98 فی الظاهریة : ج 2 ق 2 / ب وقال : هذا حدیث حسن صحیح المتن. وأخرجه ابن عساکر فی تاریخه : رقم 503 عن ابن الحصین هذا. وأخرجه المبارک بن عبدالجبّار الصیرفی فی الطیوریات انتخاب الحافظ السلفی : ج 5 ق 87 / ب قال : أخبرنا أحمد بن محمد بن مقسم المقری ، حدّثنا محمد بن جریر الطبری ، حدّثنا محمد بن عبید المحاربی. وأخرجه الحافظ ابن عساکر فی تاریخه بخمسة عشر طریقاً : رقم 503 ، 504 ، 505 و 535 - 546 ، وأحمد بن إسماعیل الطالقانی فی الأربعین المنتقی فی فضائل علیّ المرتضی : ح 3 ، من طریق الحافظ ابن راهویه. وابن الأثیر فی جامع الأصول : 9 / 468 ح 6476 ، والحافظ المزّی فی تهذیب الکمال : 11 / 90 و 33 / 368 و 20 / 484 ، وفی تحفة الأشراف : 3 / 195 ح 3667 ، والفاریابی فی خالصة الحقائق ، والضیاء المقدسی فی المختارة : 2 / 174 ح 553 وعنه السیوطی فی جمع الجوامع : 1 / 831 ، والألبانی فی الأحادیث الصحیحة : 4 / 331 ، قال : أخرجه أحمد : 4 / 370 وابن حبّان فی صحیحه ... والضیاء فی المختارة : رقم 527 بتحقیقی. قلت : وإسناده صحیح علی شرط البخاری. ورواه ابن أبی الحدید فی شرح نهج البلاغة : 4 / 74 ، وأخرجه ابن العدیم فی بُغیة الطلب : 9 / 3965 ، وأخرجه الذهبی فی کتبه : تاریخ الإسلام : 3 / 629 وقال : هذا حدیث صحیح ، وفی 632 ، وکتاب الغدیر ، وقال : ثابت عنه ، فأخرجه فیه عن زید باثنی عشر طریقاً بالأرقام : 27 و 65 وقال : هذا إسناد قویّ ، أخرجه س أی النسائی ، و 66 وقال : هذا حدیث حسن ، و 67 - 70 عن أبی سریحة أو زید بن أرقم و 71 و 72 عن ابن جریر الطبری ، عن البراء وزید بن أرقم و 73 وقال : هذا إسناد حسن قوی ؛ فإنَّ کاملاً وثّقه ابن معین ، و 74 و 106 ، وفی تلخیص المستدرک : 3 / 109 و 110 ، وفی تذهیب تهذیب الکمال : ج 3 ق 56. وأورده ابن کثیر فی تاریخه : 5 / 210 عن ابن جریر الطبری بإسناده عن البراء بن عازب وزید ابن أرقم ، وفی 5 / 212 عن أبی سریحة أو زید بن أرقم ، وفی 7 / 346 عن النسائی وأبی بکر الشافعی عن زید بن أرقم ، وفی 7 / 348 رواه بأسانید ثلاثة عن زید ، وقال : وقد روی هذا من طرق متعدّدة عن علیّ رضی الله عنه وله طرق متعدّدة عن زید بن أرقم ... إلی أن قال فی ص 349 : وقد روی هذا الحدیث عن سعد وطلحة بن عبیدالله وجابر بن عبدالله وله طرق عنه ، وأبی سعید الخُدری وحبشی بن جنادة وجریر بن عبدالله وعمر بن الخطّاب وأبی هریرة وله عنه طرق منها ... وقال فی ص 350 : وقد روی عن جماعة من الصحابة غیر من ذکرنا ... وأورده عنه الصفدی فی الوافی بالوفیات : 21 / 271 ، والطیبی فی الکاشف عن حقائق السنن : ق 739 ، وزین العرب فی شرح المصابیح : ق 354 ب ، والحافظ العلائی فی تهذیب الأصول ، ومحمد بن الحسن الواسطی فی مجمع الأحباب : ق 78 / ب ، وظهیر الدین الفارقی فی شرح المصابیح : ق 338 ،

ص: 91

ص: 92

43 - أبو سعید زید بن ثابت : المتوفّی (45 ، 48) ، وقیل بعد الخمسین.

رواه عنه ابن عقدة فی حدیث الولایة ، وأبو بکر الجُعابی فی نُخبه ، وعدّه الجزری الشافعی فی أسنی المطالب(1) (ص 4) ممّن روی حدیث الغدیر.(2)

44 - زید - [أو] - یزید بن شراحیل الأنصاریّ :

أحد الشهود لأمیر المؤمنین علیه السلام بحدیث الغدیر یوم المناشدة الآتی حدیثه.

ص: 93


1- أسنی المطالب : ص 48.
2- وأخرجه عنه الحافظ الطبرانی فی المعجم الکبیر : ح 4970 ، والذهبی فی کتاب الغدیر : ح 121. وعُدّه الشهاب الإیجی فی توضیح الدلائل : ق 197 / ب ، ممّن روی حدیث الغدیر. (الطباطبائی)

روی حدیث شهادته الحافظ ابن عقدة فی حدیث الولایة ، ونقله عنه ابن الأثیر فی أُسد الغابة(1) (2 / 233) ، وابن حجر فی الإصابة (1 / 567) ، وعُدَّ فی مقتل الخوارزمی(2) وتاریخ آل محمد (ص 67) ممّن روی حدیث الغدیر من الصحابة.(3)

45 - زید بن عبدالله الأنصاری : أخرج حدیثه ابن عقدة بإسناده فی حدیث الولایة.

«حرف السین المهملة»

46 - أبو إسحاق سعد بن أبی وقّاص : المتوفّی (54 ، 55 ، 56 ، 58). أخرج الحافظ النسائی فی خصائصه(4) (ص 3) بإسناده عن مهاجر بن مسمار بن سلمة عن عائشة بنت سعد ، قالت : سمعت أبی یقول : سمعت رسول الله صلی الله علیه وسلم یوم الجُحفة فأخذ بید علیّ ، فخطب ، فحمد الله وأثنی علیه ، ثمّ قال : «أیّها الناس إنّی ولیّکم.قالوا : صدقتَ یا رسول الله.

ثمّ أخذ بید علیّ ، فرفعها ، فقال : هذا ولیّی ، ویؤدّی عنّی دَیْنی ، وأنا مُوالی من والاه ، ومعادی من عاداه».

وفی الخصائص(5) (ص 4) بإسناده عن عبدالرحمن بن سابط عن سعد ، قال : کنت جالساً فتنقّصوا علیّ بن أبی طالب رضی الله عنه فقلت : لقد سمعت رسول الله صلی الله علیه وسلم یقول فی علیّ خصالاً ثلاثاً ، لَأَن یکون لی واحدة منهن أحبّ إلیّ من حُمْر النعم :

ص: 94


1- أُسد الغابة : 2 / 290 رقم 1844.
2- مقتل الإمام الحسین علیه السلام : 1 / 48.
3- عدّ من الشهود عند المناشدة فی جمع الجوامع : 1 / 831 ، وسبل الهدی والرشاد : ج 2 ق 605 ، ونفحات العبیر : ق 76 / ب ، وقطف الأزهار المتناثرة فی الأحادیث المتواترة للسیوطی :ص 278. وفی لقط اللآلئ المتناثرة فی الأحادیث المتواترة للزبیدی : ص 206 ، وفی نظم المتناثر فی الحدیث المتواتر للکتّانی : ص 194. (الطباطبائی)
4- خصائص أمیر المؤمنین : ص 28 ح 9 ، وفی السنن الکبری : 5 / 107 ح 8397.
5- خصائص أمیر المؤمنین : ص 38 ح 12 ، وفی السنن الکبری : 5 / 108 ح 8399.

سمعته یقول : «إنَّه منّی بمنزلة هارون من موسی إلّا أنّه لا نبیّ بعدی».

وسمعته یقول : «لأُعطینّ الرایة غداً رجلاً یحبّ الله ورسوله ویحبّه الله ورسوله».

وسمعته یقول : «من کنت مولاه فعلیٌّ مولاه».

وفی الخصائص(1) (ص 18) وفی طبعة (ص 25) بالإسناد عن مهاجر بن مسمار ، قال : أخبرتنی عائشة بنت سعد ، عن سعد ، قال :

کنا مع رسول الله صلی الله علیه وسلم بطریق مکّة وهو متوجِّهٌ إلیها(2) فلمّا بلغ غدیر خُمّ وقف للناس ، ثمّ ردَّ من تبعه ، ولحقه من تخلّف ، فلمّا اجتمع الناس إلیه قال : «أیُّها الناس [هل بلّغت ؟ قالوا : نعم. قال : اللّهمّ اشهد ، ثلاث مرّات یقولها.

ثمّ قال : أیّها الناس](3) من ولیّکم ؟ قالوا : الله ورسوله - ثلاثاً - ثمّ أخذ بید علیّ فأقامه ، ثمّ قال :

من کان الله ورسوله ولیّه فهذا ولیّه ، أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه».

ورواه فی (ص 18) عن عامر بن سعد عنه(4). وعن ابن عُیینة ، عن عائشة بنت سعد عنه.

ورواه عبدالله بن أحمد بن حنبل(5) ، کما فی العمدة(6) (ص 48) بالإسناد عن

ص: 95


1- خصائص أمیر المؤمنین : ص 114 ح 96.
2- کذا فی النسخ ، والصحیح : وهو متوجّه إلی المدینة. (المؤلف)
3- مابین المعقوفین أثبتناه من السنن الکبری : 5 / 135 ح 8481.
4- خصائص أمیر المؤمنین : ص 113 ح 94 ، وفی السنن الکبری : 5 / 134 ح 8479.
5- نسب صاحب العمدة کتاب فضائل الصحابة الی عبد الله بن أحمد المتوفّی سنة (290) ، والصحیح أنَّه لأبیه أحمد بن حنبل کما هو مطبوع ، وفیه زیادات لعبد الله وزیادات لتلمیذه القطیعی عن سائر شیوخه. وهذه روایة القطیعی عن عبد الله بن الصقر السکری المتوفّی سنة (302) الذی سیأتی فی ص 221 والحدیث بهذا الإسناد فی فضائل الصحابة. (الطباطبائی)
6- العمدة لابن البطریق : ص 97 ح 128.

عبدالله بن الصقر سنة (299) ، قال : حدّثنا یعقوب بن حمید بن کاسب ، حدّثنا سفیان ، عن ابن أبی نجیح ، عن أبیه ، عن ربیعة الجرشی ، عن سعد.

وأخرج الحافظ الکبیر محمد بن ماجة فی السنن(1) (1 / 30) بإسناده عن عبدالرحمن بن سابط ، عن سعد ، قال :

قدم معاویة فی بعض حجّاته ، فدخل علیه سعد ، فذکروا علیّاً ، فنال منه ، فغضب سعد ، وقال : تقول هذا لرجلٍ سمعت رسول الله صلی الله علیه وسلم یقول : «من کنتُ مولاه فعلی مولاه».

وسمعته یقول : «أنت منّی بمنزلة هارون من موسی إلّا أنّه لا نبیّ بعدی».

وسمعته یقول : «لأُعطینّ الرایة الیوم رجلاً یحبّ الله ورسوله».

وروی الحافظ الحاکم فی المستدرک(2) (3 / 116) عن أبی زکریّا یحیی بن محمد العنبری ، عن إبراهیم بن أبی طالب ، عن علیّ بن المنذر ، عن أبی فضیل(3) ، عن مسلم الملائی ، عن خیثمة بن عبدالرحمن ، عن سعد : قال له رجل : إنَّ علیّاً یقع فیک أنّک تخلّفتَ عنه.

فقال سعد : والله إنَّه لَرأی رأیته ، وأخطأ رأیی ؛ إنَّ علیّ بن أبی طالب أُعطِیَ ثلاثاً لأن أکون أُعطیتُ إحداهنّ أحبُّ إلیّ من الدنیا وما فیها :

لقد قال له رسول الله صلی الله علیه وسلم یوم غدیر خُمّ بعد حمد الله والثناء علیه : «هل تعلمون أنّی أولی بالمؤمنین ؟ قلنا : بلی. قال : أللّهمّ من کنتُ مولاه فعلیٌّ مولاه ، والِ من والاه ، وعادِ من عاداه».

وجیء به یوم خیبر وهو أرمد ما یبصر ، فقال : «یا رسول الله إنّی أرمد» ،

ص: 96


1- سنن ابن ماجة : 1 / 45 ح 121.
2- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 126 ح 4601.
3- فی المصدر ، وتهذیب التهذیب : 10 / 122 : ابن فضیل.

فتفل فی عینیه ، ودعا له ، فلم یرمَد حتی قُتِل ، وفُتِح علیه خیبر.

وأخرج رسول الله صلی الله علیه وسلم عمّه العبّاس وغیره من المسجد ، فقال له العبّاس : تخرجنا ونحن عُصبتک وعمومتک وتسکن علیاً ؟ فقال : «ما أنا أخرجکم وأسکنه ، ولکن الله أخرجکم وأسکنه».

وروی الحافظ أبو نعیم فی حلیة الأولیاء (4 / 356) بإسناده عن شعبة ، عن الحکم ، عن ابن أبی لیلی ، عن سعد بن أبی وقّاص ، قال :

قال رسول الله صلی الله علیه وسلم فی علیّ بن أبی طالب ثلاث خِلال : «لأُعطینّ الرایة غداً رجلاً یحبّ الله ورسوله» ، وحدیث الطیر ، وحدیث غدیر خُمّ.

وروی حدیثَ الغدیر عن سعد :

الحافظ ابن عقدة فی حدیث الولایة بإسناده ، عن سعید بن المسیّب ، عن سعد(1).

والحافظ أبو محمد العاصمی فی زین الفتی من طریق ابن عقدة ، یأتی لفظه فی حدیث التهنئة.

والحافظ الطحاوی الحنفی فی مشکل الآثار (2 / 309) بإسناده عن مصعب بن سعد ، عن سعد ، من طریق شعبة بن الحجّاج ، وقال : إنَّه المأمون علی الروایة ، الضابط

لها ، الحجّة فیها.

والحمّوئی فی فرائد السمطین(2) بإسناده ، عن عائشة بنت سعد ، عن أبیها.

وعدّه الخطیب الخوارزمی فی مقتله(3) والجزری فی أسنی المطالب(4) (ص 3)

ص: 97


1- نقله عنه الحافظ العاصمی والعلّامة الحلّی فی إجازته الکبیرة [أنظر : بحار الأنوار - کتاب الإجازات : 107 / 117]. (المؤلف)
2- فرائد السمطین : 1 / 70 باب 11 ح 37.
3- مقتل الإمام الحسین علیه السلام : 1 / 48.
4- أسنی المطالب : ص 48.

من رواة حدیث الغدیر من الصحابة.

وروی الحافظ الکنجی الشافعی فی کفایة الطالب(1) (ص 16) بطریق الحافظین یوسف بن خلیل الدمشقی وأبی الغنائم محمد بن علیّ النرسی بإسنادهما ، عن ابن جدعان ، عن سعید بن المسیّب ، عن سعد قال : قلت لسعد ... إلی آخر اللفظ الآتی فی حدیث التهنئة.

وقال فی الکفایة(2) (ص 151) : أخبرنا شیخ الشیوخ عبدالله بن عمر بن حمّویه بدمشق ، أخبرنا الحافظ أبو القاسم علیّ بن الحسن بن هبة الله الشافعی ، أخبرنا أبو

الفضل الفضیلی ، أخبرنا أبو القاسم الخلیلی ، أخبرنا أبو القاسم الخزاعی ، أخبرنا الهیثم ابن کلیب الشاشی أخبرنا أحمد بن شدّاد الترمذی ، أخبرنا علیّ بن قادم ، أخبرنا إسرائیل ، عن عبدالله بن شریک ، عن الحرث بن مالک ، قال :

أتیت مکّة ، فلقیت سعد بن أبی وقّاص ، فقلت : هل سمعت لعلیٍّ منقبة ؟ قال : قد شهدت له أربعاً ، لَأن تکون لی واحدة منهنّ أحبُّ إلیّ من الدنیا أُعمَّر فیها مثل عمر نوح :

إنَّ رسول الله صلی الله علیه وسلم بعث أبا بکر ببراءة إلی مشرکی قریش ، فسار بها یوماً ولیلة. ثمّ قال لعلیّ : «إتبَعْ أبا بکر فخذها وبلّغها». فردَّ علیّ علیه السلام أبا بکر ، فرجع یبکی ، فقال : یا رسول الله أَنَزَلَ فیَّ شیء ؟ قال : «لا إلّا خیراً ؛ إنَّه لیس یبلّغ عنّی إلّا أنا أو رجل منّی. أو قال : من أهل بیتی».

وکنّا مع النبیّ فی المسجد ، فنودی فینا لیلاً : لیخرجْ مَن [فی] المسجد إلّا آل الرسول وآل علیّ.

ص: 98


1- کفایة الطالب : ص 62.
2- المصدر السابق : ص 258.

قال : فخرجنا نجرّ نعالنا ، فلمّا أصبحنا أتی العبّاس النبیّ صلی الله علیه وسلم فقال :

یا رسول الله أخرجتَ أعمامک ، وأسکنت هذا الغلام. فقال رسول الله صلی الله علیه وسلم : «ما أنا أمرتُ بأخراجکم ولا بإسکان هذا الغلام ، إنَّ الله أمر به».

قال : والثالثة : أنَّ نبیّ الله بعث عمر وسعداً إلی خیبر ، فجُرِح سعد ، ورجع عمر.

فقال رسول الله صلی الله علیه وسلم :

«لأُعطیَنَّ الرایة رجلاً یحبّ الله ورسوله ، ویحبُّه الله ورسوله - فی ثناء کثیر أخشی أن أُحصی - فدعا علیّاً. فقالوا : إنَّه أرمد ، فجیء به یُقاد. فقال له : افتح

عینیک. فقال : لا أستطیع». قال : فتفل فی عینیه من ریقه ودلکها بإبهامه ، وأعطاه الرایة.

قال : والرابعة : یوم غدیر خُمّ قال رسول الله صلی الله علیه وسلم وأبلغ ، ثمّ قال : «أیّها الناس ألستُ أولی بالمؤمنین من أنفسهم ؟ ثلاث مرّات. قالوا : بلی.

قال : أُدنُ یا علیُّ ، فرفع یده ، ورفع رسول الله یده - حتی نظرتُ بیاض إبطیه - فقال : من کنت مولاه فعلیٌّ مولاه». حتی قالها ثلاثاً.

ثمّ قال الحافظ الکنجی(1) : هذا حدیثٌ حسنٌ وأطرافه صحیحة - إلی أن قال - :

والرابع : حدیث الغدیر ، رواه ابن ماجة(2) ، والترمذی(3) عن محمد بن بشّار ، عن محمد بن جعفر.

ص: 99


1- کفایة الطالب : ص 287 باب 70.
2- سنن ابن ماجة : 1 / 45 ح 121.
3- سنن الترمذی : 5 / 591 ح 3713.

وروی الحافظ الهیثمی فی مجمع الزوائد (9 / 107) من طریق البزّار(1) عن سعد : أنَّ رسول الله صلی الله علیه وسلم أخذ بید علیّ ، فقال : «ألستُ أولی بالمؤمنین من أنفسهم ؟ من کنت ولیّه فعلیّ ولیّه». ثمّ قال الهیثمی : رواه البزّار ، ورجاله ثِقات.

وروی ابن کثیر الشامی فی البدایة والنهایة(2) (5 / 212) عن کتاب الغدیر لابن جریر الطبری ، عن أبی الجوزاء أحمد بن عثمان ، عن محمد بن خالد بن عثمة ، عن موسی بن یعقوب الزمعی - وهو صدوق - عن مهاجر بن مسمار ، عن عائشة بنت سعد ، عن سعد ، قال :

سمعت رسول الله صلی الله علیه وسلم یقول یوم الجُحْفة وأخذ بید علیّ فخطب ، ثمّ قال :

«أیّها الناس إنّی ولیّکم. قالوا : صدقت. فرفع ید علیّ ، فقال : هذا ولیّی والمؤدّی عنّی ، وإنَّ الله موالی من والاه».

قال شیخنا الذهبی : وهذا حدیث حسن غریب.

ثمّ رواه ابن جریر من حدیث یعقوب بن جعفر بن أبی کثیر ، عن مهاجر بن مسمار ، فذکر الحدیث ، وأنّه علیه السلام وقف حتی لحقه من بعده وأمر بردّ من کان تقدّم ، فخطبهم ....

وفی (7 / 340)(3) قال الحسن بن عرفة العبدی : حدّثنا محمد بن خازم أبو معاویة الضریر ، عن موسی بن مسلم الشیبانی ، عن عبدالرحمن بن سابط ، عن سعد ابن أبی وقّاص ، قال :

قدِم معاویة فی بعض حِجّاته ، فأتاه سعد بن أبی وقّاص ، فذکروا علیّاً ، فقال

ص: 100


1- مسند البزّار : 4 / 41 ح 1203.
2- البدایة والنهایة : 5 / 231 حوادث سنة 10 ه.
3- البدایة والنهایة : 7 / 376 حوادث سنة 40 ه-.

سعد : له ثلاثُ خِصالٍ لَأَنْ [تکون] لی واحدةٌ منهنّ أحبُّ إلیّ من الدنیا وما فیها : سمعت رسول الله صلی الله علیه وسلم یقول : «من کنتُ مولاه فعلیّ مولاه ...» .

الحدیث بلفظ ابن ماجة المذکور فی (ص 38) ، ثمّ قال ابن کثیر : لم یخرجوه ، وإسناده حسن.

وبطریق سعد رواه جلال الدین السیوطی فی جمع الجوامع(1) وتاریخ الخلفاء(2) (ص 114) عن الطبرانی.

ورواه المتّقی الهندی فی کنز العمّال(3) (6 / 154) ، عن أبی نعیم فی فضائل الصحابة ، و (ص 405) ، عن ابن جریر الطبری ، والوصّابی فی الاکتفاء فی فضائل الأربعة الخلفاء ، نقلاً عن ابن أبی عاصم(4) وسعید بن منصور فی سننهما بإسنادهما ، والبدَخشانی فی نُزُل الأبرار(5) عن الطبرانی وأبی نعیم فی فضائل الصحابة ، وهو أحد العشرة المبشَّرة الذین عدّهم الحافظ ابن المغازلی(6) فی مناقبه من رواة حدیث الغدیر ، وکذلک الخوارزمی(7) فی مقتله(8).

ص: 101


1- جامع الأحادیث : 11 / 226 ح 33096.
2- تاریخ الخلفاء : ص 158.
3- کنز العمّال : 11 / 609 ح 32950 ، 13 / 162 ح 36495.
4- السنّة لابن أبی عاصم : 2 / 591 ح 1359 باب 202.
5- نُزُل الأبرار : ص 52 - 53.
6- مناقب علیّ بن أبی طالب علیه السلام : ص 27 ح 39.
7- مقتل الإمام الحسین علیه السلام : 1 / 48.
8- وأخرجه عنه ابن أبی شیبة فی المصنّف : ح 12127 ، والبلاذری فی أنساب الأشراف فی ترجمة معاویة من قسم بنی عبد شمس : ص 80 ، وابن أبی عاصم فی السنّة : ح 1359 ، 1376 ، 1386 ، 1189 ، 1387. وأخرجه البزّار فی مسنده : ح 1203 ، والهیثمی فی کشف الأستار : ح 2529 ، والنسائی فی السنن الکبری : ح 8397 ، 8399 ، 8468 ، 8479 ، 8480 ، 8481 وفی خصائص علیّ : ح 9 ، 12 ، 83 ، 94 ، 95 ، 96. وأخرجه الحسن بن عرفة العبدی فی جزئه : ح 49 وعنه ابن عساکر : رقم 277 ، وابن کثیر فی تاریخه : 7 / 340 وقال : لم یخرجوه وإسناده حسن ، ومحمد بن سلیمان الکوفی فی مناقب علیّ علیه السلام : 1 / 444 و 454. وأخرجه الطبری فی کتاب الغدیر عن سعد بعدّة طرق ، وعنه الذهبی فی کتاب الغدیر : ح 57 ، قال : قال محمد بن جریر الطبری فی المجلّد الثانی من کتاب غدیر خُمّ له - وأظنّه بمثل جمع هذا الکتاب نسب إلی التشیّع - : فقال : حدّثنی محمد بن حمید الرازی ... وأورده عن الطبری أیضاً ابن کثیر فی تاریخه : 5 / 212 بطریقین : عن أحمد بن عثمان وعن یعقوب بن جعفر ، وأخرجه الطبری فی تهذیب الآثار أیضاً بطریقین ، وعنه السیوطی فی جمع الجوامع : 2 / 219 ، کنز العمّال : ح 36495. وأخرجه الهیثم بن کلیب الشاشی فی مسنده : 1 / 27 و 165 ح 215 و 63 و 106 ، وأخرجه الحافظ الدارقطنی وعنه السمهودی فی جواهر العقدین ، وأخرجه القطیعی فی زیاداته فی فضائل الصحابة لأحمد : ح 1093 ، وفی مناقب علیّ لأحمد : ح 215 ، وأخرجه الحسین بن هارون الضبّی فی أمالیه ، وأبو نعیم فی فضائل الصحابة کما فی جمع الجوامع : 1 / 831 وکنز العمّال : ح 32950 ، والعاصمی فی زین الفتی : 445. وأخرجه الحافظ ابن عساکر فی تاریخه : رقم 275 ، 279 ، 281 ، 554 ، وأخرجه أیضاً فی الجزء 222 من أمالیه الموجود فی المجموع 16 فی الظاهریة. وأخرجه الضیاء المقدسی فی المختارة ، وعنه السیوطی فی جمع الجوامع : 1 / 831 ، کنز العمّال : ح 32950. وأخرجه الذهبی فی کتاب الغدیر بثلاثة عشر طریقاً عن سعد ، وقال : صحَّ عنه فأخرجه بالأرقام : 1 ، 48 - 59 ، وفی تاریخ الإسلام : 3 / 628. وابن حجر فی مختصر زوائد مسند البزّار : ح 1906 ، والسیوطی فی الدرّ المنثور : 2 / 259 وفی جمع الجوامع : 1 / 831 ، وفی قطف الأزهار المتناثرة : ص 277 ، والشهاب الإیجی فی توضیح الدلائل : ق 195 / أ ، والقطب البکری فی الصلوات الهامعة طبعة بولاق سنة 1310 : ص 139 ، وإسحاق بن یوسف الصنعانی فی تفریج الکروب فی حرف المیم منه ، والألبانی فی سلسلة الأحادیث الصحیحة : 4 / 335 عن عدّة مصادر ، وقال : قال ابن ماجة :إسناده صحیح ، والنسائی فی الخصائص : إسناده صحیح. وعدّه الشهاب الإیجی فی توضیح الدلائل : ق 197 / ب ، والسیوطی فی قطف الأزهار : ص 277 ، والزبیدی فی لقط اللآلئ : ص 206 ، والکتّانی فی نظم المتناثر : ص 194 من الصحابة الذین رووا حدیث الغدیر. (الطباطبائی)

ص: 102

47 - سعد بن جنادة العوفیّ - والد عطیة العوفی.

رواه عنه ابن عقدة فی حدیث الولایة ، والقاضی أبو بکر الجُعابی فی النُخب ، وعدّه الخوارزمی فی مقتله من رواة حدیث الغدیر من الصحابة.

48 - سعد بن عُبادة الأنصاریّ ، الخزرجیّ : المتوفّی (14 ، 15) أحد النقباء الاثنی عشر.

روی الحدیث عنه أبو بکر الجُعابی فی نُخب المناقب.

49 - أبو سعید سعد بن مالک الأنصاریّ ، الخدریّ : المتوفّی (63 ، 64 ، 65 ، 74) ، والمدفون بالبقیع.

أخرج الحافظ ابن عقدة فی حدیث الولایة بالإسناد عن سهم بن حصین الأسدی ، قال :

قَدِمتُ مکّة أنا وعبدالله بن علقمة ، وکان عبدالله سبّابةً لعلیّ علیه السلام دهراً ، فقلت له : هل لک فی هذا - یعنی أبا سعید الخدری - تحدث به عهداً ؟ قال : نعم.

فأتیناه ، فقال : هل سمعت لعلیّ منقبة ؟ قال : نعم إذا حدّثْتُک بها تسأل عنها المهاجرین والأنصار وقریشاً : أنَّ رسول الله صلی الله علیه وسلم قال یوم غدیر خُمّ فأبلَغ ، ثمّ قال : «أیّها الناس ألستُ أولی بالمؤمنین من أنفسهم ؟ قالوا : بلی. قالها ثلاثَ مرّات.

قال : أُدنُ یا علیّ ، فرفع رسول الله صلی الله علیه وسلم یدیه حتی نظرتُ إلی بیاض آباطهما. قال : من کنتُ مولاه فعلیّ مولاه».

قال : فقال عبدالله بن علقمة : أنت سمعت هذا من رسول الله صلی الله علیه وسلم ؟ قال أبو سعید : نعم ، وأشار إلی أُذُنیه وصدره ، فقال : قد سمعتْه أُذُنای ووعاه قلبی.

قال عبدالله بن شریک : فقدم علینا ابن علقمة وابن حصین فلمّا صلّینا الهجیر

ص: 103

قام عبدالله بن علقمة ، فقال : إنّی أتوب إلی الله وأستغفره من سبِّ علیّ. ثلاث مرّات.

وأخرج الحافظ أبو بکر بن مردویه بإسناده عن أبی سعید :

أنَّ النبیّ صلی الله علیه وسلم یوم دعا الناس إلی غدیر خُمّ أمر بما کان تحت الشجرة من الشوک فقُمَّ ، وذلک یوم الخمیس(1) ، ودعا الناس إلی علیّ ... الحدیث یأتی بتمامه فی آیة الإکمال.

وأخرج الحافظ أبو نعیم فی کتابه ما نزل من القرآن فی علیّ(2) بإسناده عن أبی سعید :

أنَّ النبیّ صلی الله علیه وسلم دعا الناس إلی علیّ فی غدیر خُمّ وأمر بما تحت الشجر من الشوک فقُمّ ....

یأتی بسنده وتمام لفظه إن شاء الله ، ووافقه - سنداً ومتناً - الحافظ أبو سعید مسعود بن ناصر السجستانی فی کتاب الولایة فیما أخرجه عن أبی سعید ، کما یأتی ، ویوافقهما فی السند والمتن ما أخرجه الحافظ أبو القاسم عبید الله الحسکانی(3) ، کما یُذکر إن شاء الله.

وروی الحافظ أبوالفتح محمد بن علیّ النطنزی فی الخصائص العلویّة ، عن الحسن ابن أحمد المهری ، عن أحمد بن عبدالله بن أحمد ، قال : حدّثنا محمد بن أحمد بن علیّ ، قال : حدّثنا محمد بن عثمان بن أبی شیبة ، قال : حدّثنا یحیی الحِمّانی ، قال : حدّثنا قیس

ص: 104


1- هکذا ورد فی لفظ غیر واحد من رواة حدیث الغدیر - کما ستقف علیه - وهو لا یوافق إجماع الجمهور علی أنَّ یومَ عرفة تاسعَ ذی الحجّة من حِجّة الوداع کان یوم الجمعة ، فعلیه یکون یوم الغدیر الثامن عشر [من] ذی الحجّة یوم الأحد ، ولا یجتمع مع نصّهم علی أنَّ أوّل ذی الحجّة کان یوم الخمیس. (المؤلف)
2- ما نزل من القرآن فی علیّ علیه السلام : ص 56.
3- شواهد التنزیل : 1 / 201 ح 211.

ابن الربیع ، عن أبی هارون العبدی ، عن أبی سعید الخُدری :

أنَّ رسول الله صلی الله علیه وسلم دعا الناس إلی علیّ رضی الله عنه فی غدیر خُمّ ، وأمر بما تحت الشجرة من الشوک فقُمّ ، وذلک یوم الخمیس ، فدعا علیّاً ، فأخذ بضَبْعَیه(1) ، فرفعهما حتی نظر الناس إلی بیاض إبطی رسول الله صلی الله علیه وسلم ثمّ لم یتفرّقوا حتی نزلت هذه الآیة : (الْیَوْمَ أَکْمَلْتُ لَکُمْ دِینَکُمْ ...) الآیة ، فقال رسول الله صلی الله علیه وسلم :

«الله أکبر علی إکمال الدین ، وإتمام النعمة ، ورضا الربّ برسالتی والولایة لعلیّ من بعدی. قال : من کنتُ مولاه فعلیّ مولاه ، أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه ، وانصرْ من نصره ، واخذُلْ من خذله». فقال حسّان بن ثابت : ائذن لی یا رسول الله فأقولَ فی علیٍّ أبیاتاً لتسمعها. فقال : «قُلْ علی برکة الله». فقام حسّان ، فقال : یا معشر قریش اسمعوا قولی بشهادة من رسول الله صلی الله علیه وسلم فی الولایة الثابتة :

یُنادیهُمُ یومَ الغدیرِ نبیُّهُمْ ... إلی آخر الأبیات الآتیة فی شعراء القرن الأوّل.

وروی حدیث الغدیر عنه(2) النیسابوری فی تفسیره (6 / 194) ، والحمّوئی فی فرائد السمطین بطریقین عن العبدی عنه ، والخوارزمی فی المناقب (ص 80) عن أبی هارون العبدی عنه ، وابن الصبّاغ المالکی فی الفصول المهمّة (ص 27) ، والحافظ الهیثمی فی مجمع الزوائد (9 / 108) من طریق الطبرانی فی الأوسط ، وابن کثیر فی تفسیره (2 / 14) نقلاً عن ابن مردویه من طریق أبی هارون العبدی ، عن أبی سعید ،

ص: 105


1- تثنیة - الضَّبْع - وهو العَضُد کلّها أو وسطها أو الإبط أو ما بین الإبط إلی نصف العَضُد من أعلاه.
2- فرائد السمطین : 1 / 72 ح 39 ، المناقب : ص 135 ح 152 ، الفصول المهمّة : ص 42 ، المعجم الأوسط : 3 / 133 ح 2275 ، البدایة والنهایة : 7 / 386 حوادث سنة 40 ه- ، تاریخ مدینة دمشق : 12 / 237 ، وفی ترجمة الإمام علیّ بن أبی طالب علیه السلام - الطبعة المحققة - : رقم 565 و 588 ، جامع الأحادیث : 19 / 467 ح 15113 ، تاریخ الخلفاء : ص 158 ، الدرّ المنثور : 3 / 19 ، 117 ، کنز العمّال : 13 / 104 ح 36341 ، ص 157 ح 36486 ، نُزُل الأبرار : ص 53 ، روح المعانی : 6 / 193 ، عمدة القاری فی شرح صحیح البخاری : 18 / 206.

وفی البدایة والنهایة (7 / 349 ، 350) عن ابن مردویه وابن عساکر عن أبی سعید ، والسیوطی فی جمع الجوامع ، وتاریخ الخلفاء (ص 114) ، والدرّ المنثور (2 / 259) ، عن

طریق ابن مردویه وابن عساکر ، و (ص 298) ، عن ابن أبی حاتم وابن مردویه وابن عساکر عنه ، والمتّقی الهندی (6 / 390) ، عن عطیّة العَوفی عنه ، من طریق ابن جریر

الطبری بلفظ زید بن أرقم المذکور فی حدیث زید من طریق النسائی ، وفی (ص 403) عن عمیرة بن سعد شهادة أبی سعید لأمیر المؤمنین علیه السلام بحدیث الغدیر یوم مناشدة الرحبة ، والبدخشانی فی نُزُل الأبرار (ص 20) ، من طریق الطبرانی عنه ، والآلوسی فی روح المعانی (2 / 349) ، عن السیوطی ، عن ابن أبی حاتم وابن مردویه وابن عساکر ، وصاحب تفسیر المنار (6 / 463) ، عن ابن أبی حاتم وابن مردویه وابن عساکر ، وبدر الدین محمود الشهیر بالعینی الحنفی فی عمدة القاری ، من طریق الحافظ الواحدی ، عن عطیّة العَوفی ، عن أبی سعید ، وسیأتی ألفاظ هذا الجمع فی مواضعها إن

شاء الله. وعدّه الجزری فی أسنی المطالب(1) (ص 3) من رواة الحدیث.(2)

ص: 106


1- أسنی المطالب : ص 48.
2- وأخرجه عنه البخاری فی التاریخ الکبیر فی ترجمة سهم بن حصین الأسدی : 4 / 193 رقم 2458 ، والبلاذری فی أنساب الأشراف : ح 50 ، وابن أبی عاصم فی السنّة : ح 1366 و 1555. وأخرجه الطبری فی تهذیب الآثار کما فی جمع الجوامع : 2 / 395 ، وأبو بکر بن خلّاد النصیبی فی الجزء الثانی من حدیثه عن شیوخه. ورواه المحاملی ، وأخرجه من طریقه الحافظ ابن عساکر فی تاریخه ، والحسین بن هارون الضبّی فی أمالیه الموجود فی المجموع 22 فی المکتبة الظاهریة. وأخرجه الحافظ الطبرانی فی المعجم الصغیر : 1 / 64 ح 116 ، وفی الأوسط : ح 2275 و 8429 ، وعنه الألبانی فی الأحادیث الصحیحة : 4 / 342. وأخرجه الحافظ أبو نعیم فی أخبار أصبهان : 1 / 107 وفی حلیة الأولیاء : 5 / 26 وفی فضائل الصحابة. وأخرجه الواحدی فی أسباب النزول : ص 150 ، وابن المغازلی فی المناقب : ح 26 و 38 ، والحسکانی فی شواهد التنزیل : ح 212 ، والخطیب الخوارزمی فی مقتل الحسین علیه السلام : ص 47 وفی

50 - سعید بن زید القرشیّ ، العدویّ : المتوفّی (50 ، 51).

أحد العشرة المبشَّرة الذین عدّهم الحافظ ابن المغازلی فی مناقبه(1) من المائة الرواة لحدیث الغدیر بطرقه.

51 - سعید بن سعد بن عُبادة الأنصاریّ :

رواه عنه الحافظ ابن عقدة فی کتاب الولایة.

52 - أبو عبدالله سلمان الفارسیّ : المتوفّی (36 ، 37) عن عمر یقدّر بثلاثمائة سنة.

أخرج الحدیث بطریقه الحافظ ابن عقدة فی حدیث الولایة(2) ، والجُعابی فی نُخبه ، والحمّوئی الشافعی فی الباب الثامن والخمسین من فرائد السمطین(3) ، وعدّه

ص: 107


1- مناقب علیّ بن أبی طالب علیه السلام : ص 27 ح 39.
2- أخرجه عنه الذهبی فی کتاب الغدیر : ح 113 فقال : قال - ابن عقدة - : حدّثنا أحمد بن یوسف الجُعفی ، حدّثنا محمد بن یزید النخعی ، حدّثنا حسین بن شدّاد ، حدّثنا محمد بن کثیر عن أبی حمزة الثمالی عن سلمان .. (الطباطبائی)
3- فرائد السمطین : 1 / 315 ح 250.

شمس الدین الجزری الشافعی فی أسنی المطالب (1) (ص 4) من رواة حدیث الغدیر من الصحابة.

53 - أبو مسلم سَلَمة بن عمرو بن الأکوَع الأسلمیّ : المتوفّی (74).

یروی عنه ابن عقدة بإسناده فی حدیث الولایة.(2)

54 - أبو سلیمان سمرة بن جُندب الفزاریّ ، حلیف الأنصار : المتوفّی بالبصرة سنة (58 ، 59 ، 60).

هو أحد رواة حدیث الغدیر فی حدیث الولایة لابن عقدة ، ونُخب المناقب للجُعابی ، وعدّه شمس الدین الجزری الشافعی من رواة حدیث الغدیر من الصحابة فی أسنی المطالب(3) (ص 4).(4)

55 - سهل بن حُنَیف الأنصاریّ ، الأوسیّ : المتوفّی (38).

أخرجه بطریقه الحافظ ابن عقدة والجُعابی ، وعدّه ابن الأثیر فی أُسد الغابة(5)

ص: 108


1- أسنی المطالب : ص 48.
2- وعدّه الذهبی فی کتاب الغدیر : ح 121 ، والصالحانی فی الفضائل ، والشهاب الإیجی فی توضیح الدلائل : ق 197 / ب من الصحابة الرواة لحدیث الغدیر ، فقد عدّا بضعة وستین رجلاً من الصحابة الذین رووه. (الطباطبائی)
3- أسنی المطالب : ص 48.
4- أخرج حدیثه الحافظ ابن عساکر فی تاریخه : رقم 570 ، من طریق الخطیب البغدادی عن النصیبی ، عن الحسین بن هارون الضبّی ، عن ابن عقدة ، حدّثنی الحسن بن علیّ الأشعری اللؤلؤی ، حدّثنی غیاث بن کلوب أبو المثنّی من کتابه ، أنبأنا مطرف بن سمرة بن جندب عن أبیه قال : قال رسول الله صلی الله علیه وسلم یوم غدیر خُمّ : «من کنت مولاه فعلیٌّ مولاه ، اللّهمّ والِ من والاه وعادِ من عاداه». وأخرجه الذهبی فی کتاب الغدیر : ح 120 ، عن ابن عقدة بهذا الإسناد ، وعدّه الصالحانی ، والشهاب الإیجی فی توضیح الدلائل : ق 197 / ب ، من الصحابة الذین رووا حدیث الغدیر. (الطباطبائی)
5- أُسد الغابة : 3 / 469 رقم 3341.

(3 / 307) ممّن شهد لعلیّ علیه السلام یوم الرحبة فی حدیث أصبغ بن نباتة الآتی ، وقال : أخرجه أبو موسی ، وعدّه الجزری الشافعی فی أسنی المطالب(1) (ص 4) من رواة حدیث الغدیر من الصحابة.(2)

56 - أبو العبّاس سهل بن سعد الأنصاریّ ، الخزرجیّ ، الساعدیّ : المتوفّی (91) عن مائة سنة.

ممّن شهد لعلیّ - صلوات الله علیه - بحدیث الغدیر فی حدیث المناشدة الآتی بطریق أبی الطفیل ، ورواه السمهودی عنه فی جواهر العقدین(3) ، من طریق ابن عقدة ، والقندوزی الحنفی عن السمهودی فی ینابیع المودّة(4) (ص 38) ، وعدّه فی تاریخ آل محمد (ص 67) من رواة حدیث الغدیر.(5)

«حرف الصاد المهملة وأُختها المعجمة»

57 - أبو أُمامة صُدَیُّ بن عجلان الباهلیّ : نزیل الشام ، والمتوفّی بها سنة (86).

عُدّ ممّن أخرج عنه حدیث الغدیر من الصحابة ابنُ عقدة فی حدیث الولایة.

ص: 109


1- أسنی المطالب : ص 48.
2- أخرج الحافظ الذهبی حدیثه فی کتاب الغدیر : ح 115 ، وشهادته هو وخزیمة بن ثابت ذی الشهادتین فی بضعة عشر رجلاً بالحدیث عند المناشدة بروایة یعلی بن مرة ، وعدّه فی : ح 123 من الجمع الشهود عند المناشدة بالرحبة وهم بضعة عشر رجلاً فی روایة الأصبغ بن نباتة. وعدّه الصالحانی فی الفضائل ، والشهاب الإیجی فی توضیح الدلائل علی ترجیح الفضائل : ق 197 / ب ، من الصحابة الذین روی عنهم حدیث الغدیر. (الطباطبائی)
3- جواهر العقدین : الورقة 171.
4- ینابیع المودّة : 1 / 36 باب 4.
5- وعدّه السخاوی فی استجلاب ارتقاء الغرف بحبّ أقرباء الرسول ذوی الشرف : ق 22 ، من الصحابة الذین قاموا وشهدوا لأمیر المؤمنین علیه السلام بحدیث الغدیر عند مناشدته لهم برحبة الکوفة ، وعدّه الصالحانی فی الفضائل ، والشهاب الإیجی فی توضیح الدلائل : ق 197 / ب ، من الصحابة الذین رووا حدیث الغدیر. (الطباطبائی)

58 - ضُمیرة الأسدیّ :

یُروی لفظه فی حدیث الولایة ، وفی کتاب الغدیر لمنصور الرازی وذُکر اسمه هناک ضمرة بن الحدید ، وأحسبه ضمیرة بن جندب ، أو ابن حبیب ، فراجع.(1)

«حرف الطاء المهملة»

59 - طلحة بن عبیدالله التَّیْمیّ : المقتول یوم الجمل سنة (36) ، وهو ابن (63)

عاماً.

شهد لأمیر المؤمنین علیه السلام یوم الجمل بحدیث الغدیر.

رواه(2) المسعودی فی مروج الذهب (2 / 11) ، والحاکم فی المستدرک (3 / 371) ، والخوارزمی فی المناقب (ص 112) ، والحافظ الهیثمی فی مجمع الزوائد (9 / 107) ، والسیوطی فی جمع الجوامع ، وابن حجر فی تهذیب التهذیب (1 / 391) نقلاً عن الحافظ النسائی ، والمتّقی الهندی فی کنز العمّال (6 / 83) نقلاً عن الحافظ ابن عساکر ، وفی (ص 154) عن مستدرک الحاکم غیر حدیث المناشدة یوم الجمل ، وهناک طرق أخری کثیرة تأتی بألفاظها فی حدیث المناشدة یوم الجمل.

وروی الحافظ العاصمی فی زین الفتی فی شرح سورة (هل أتی) ، عن محمد بن أبی زکریّا ، عن أبی الحسن محمد بن أبی إسماعیل العلوی ، عن محمد بن عمر البزّاز ،

ص: 110


1- وفی جواهر العقدین : ق 85 / أ : ضمرة الأسلمی ، أخرج حدیثه ابن عقدة فی کتاب الولایة. وفی أُسد الغابة : 3 / 59 : ضمرة بن سعد السلمی ، روی عنه حدیثاً وقال : أخرجه ابن منده وأبو نعیم ، إلّا أنَّ أبا نعیم قال : ضمرة بن سعد السلمی ، وقیل : ضمیرة. (الطباطبائی)
2- مروج الذهب : 2 / 382 ، المستدرک علی الصحیحین : 3 / 419 ح 5594 ، المناقب : ص 182 ح 221 ، جامع الأحادیث : 17 / 13 ح 8934 ، تهذیب التهذیب : 1 / 342 ، کنز العمّال : 11 / 332 ح 31662 ، تاریخ مدینة دمشق : 8 / 568 ، وفی ترجمة الإمام علیّ بن أبی طالب علیه السلام - الطبعة المحققة - : رقم 555 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 11 / 204 ، کنز العمّال : 11 / 609 ح 32950.

عن عبدالله بن زیاد المقبری ، عن أبیه ، عن حفص بن عمر العُمَری ، عن غیاث بن إبراهیم ، عن طلحة بن یحیی ، عن عمّه عیسی ، عن طلحة بن عبید الله :

أنَّ النبیّ صلی الله علیه وسلم قال : «من کنت مولاه فعلیٌّ مولاه».

وأخرج ابن کثیر فی البدایة والنهایة(1) (7 / 349) حدیث الغدیر بلفظ البراء بن عازب ، ثمّ قال : وقد رُوی هذا الحدیث عن سعد ، وطلحة بن عبیدالله ، وجابر بن عبدالله ، وله طرق ، وأبی سعید الخُدری ، وحُبشی بن جنادة ، وجریر بن عبدالله ، وعمر بن الخطاب ، وأبی هریرة.

وعدّ الحافظ ابن المغازلی فی مناقبه(2) العشرةَ المبشَّرةَ من المائة الرواة لحدیث الغدیر بطرقه ، وطلحة منهم.

وعدّه الجزری الشافعی فی أسنی المطالب(3) (ص 3) ممّن روی حدیث الغدیر من الصحابة.(4)

ص: 111


1- البدایة والنهایة : 7 / 386 حوادث سنة 40 ه.
2- مناقب علیّ بن أبی طالب علیه السلام : ص 27 ح 39.
3- أسنی المطالب : ص 48.
4- وأخرجه عنه ابن أبی عاصم فی السنّة : ح 1358 ، والبزّار فی مسنده : 3 / 171 ح 958 ، والحسن ابن سفیان ، ومن طریقه أخرجه الحاکم فی المستدرک : 3 / 371. وأخرجه النسائی فی مسند علیّ کما فی تهذیب الکمال : 3 / 440 ، وقال محقّقه : وهو حدیث صحیح ، والمسعودی فی الجزء الثانی من مروج الذهب فی أخبار وقعة الجمل ، والبیهقی فی کتاب الاعتقاد : ص 195. وأخرجه ابن عساکر فی ترجمة طلحة من تاریخه : 8 / 568 بسندین ، وفی ترجمة أمیر المؤمنین علیه السلام : ح 555. وأخرجه الحافظ المزّی فی تهذیب الکمال : 3 / 440 و 9 / 199 و 29 / 333. والذهبی فی تلخیص المستدرک : 3 / 371 وفی کتابه الغدیر : ح 49 ، وابن منظور فی مختصر تاریخ دمشق : 11 / 204 ، وابن حجر فی مختصر زوائد مسند البزّار : ح 1905 وأوعز الی حدیثه فی

«حرف العین المهملة»

60 - عامر بن عُمیر النمیریّ : أخرج الحدیث عنه ابن عقدة فی حدیث الولایة ، وروی عنه ابن حجر فی الإصابة (2 / 255) ، عن موسی بن أکتل بن عُمیر النمیری ، عن عمّه عامر.(1)

61 - عامر بن لیلی بن ضمْرة : أخرج الحافظ ابن عقدة فی حدیث الولایة بإسناده عنه ، وابن الأثیر فی أُسد الغابة(2) (3 / 92) بطریق أبی موسی ، عن أبی الطفیل عنه ، قال :

لمّا صدر رسول الله صلی الله علیه وسلم من حجّة الوداع - ولم یحجّ غیرها - أقبل حتی إذا کان بالجُحفة ، وذلک یوم غدیر خُمّ من الجُحفة ، وله بها مسجد معروف ، فقال : «أیّها الناس ...».

وابن الصبّاغ المالکی(3) ، نقلاً عن کتاب الموجز للحافظ أسعد بن أبی الفضائل بسنده إلی عامر ، وابن حجر فی الإصابة (2 / 257) عن کتاب الموالاة لابن عقدة ، من

طریق عبدالله بن سنان ، عن أبی الطفیل ، عن حذیفة بن أُسید وعامر بن لیلی ، قالا :

ص: 112


1- وعدّه سعد الدین الصالحانی فی الفضائل ، والشهاب الإیجی فی توضیح الدلائل : ق 197 / ب ، من الصحابة الراوین لحدیث الغدیر. (الطباطبائی)
2- أُسد الغابة : 3 / 139 رقم 2727.
3- الفصول المهمّة : ص 40.

لمّا صدر رسول الله صلی الله علیه وسلم من حجّة الوداع ، أقبل حتی إذا کان بالجُحفة ....

قال : وأخرجه أبو موسی ، ورواه السمهودی(1) ، نقلاً عن الحافظ ابن عقدة وأبی موسی وأبی الفتوح العجلی(2) بطرقهم ، عن عامر وحذیفة بن أُسید ، قالا :

لمّا صدر رسول الله صلی الله علیه وسلم من حِجّة الوداع - ولم یحِجَّ غیرها - أقبل حتی إذا کان بالجُحْفة نهی عن شجرات بالبطحاء متقاربات لا ینزلوا تحتهنّ ، حتی إذا نزل القوم ، وأخذوا منازلهم سواهنّ أرسل إلیهنّ ، فَقُمَّ ما تحتهنّ ، وشُذّین(3) عن رؤوس القوم ، حتی إذا نودی للصلاة غدا إلیهنّ ، فصلّی تحتهنّ ، ثمّ انصرف إلی الناس ، وذلک یوم غدیر خُمّ ، وخُمّ من الجُحْفة ، وله بها مسجد معروف ، فقال :

«أیّها الناس إنَّه قد نبّأنی اللطیف الخبیر : أنّه لم یُعَمَّر نبیٌّ إلّا نصف عمر الذی یلیه من قبله ، وإنّی لأظنّ أن أُدعی فأجیب ، وإنّی مسؤول ، وأنتم مسؤولون هل بلّغت ؟ فما أنتم قائلون ؟ قالوا : نقول : قد بلّغتَ ، وجهدتَ ، ونصحت ، فجزاک الله خیراً. وقال : ألستم تشهدون أن لا إله إلّا الله ، وأنَّ محمداً عبده ورسوله ، وأنَّ جنّته حقّ ، وأنَّ ناره حقّ ، والبعث بعد الموت حقّ ؟ قالوا : بلی. قال : أللّهمّ اشهد.

ثمّ قال : أیّها الناس ألا تسمعون ؟ ألا فإنَّ الله مولای ، وأنا أولی بکم من أنفسکم ، ألا ومن کنتُ مولاه فهذا علیٌّ مولاه.

وأخذ بید علیّ ، فرفعها حتی عرفه القوم أجمعون. ثمّ قال : أللّهمّ والِ من والاه ،

ص: 113


1- جواهر العقدین : الورقة 172.
2- هو أبو الفتوح العجلی الشافعی الأصفهانی المتوفّی سنة 600 ، یأتی فی طبقات الرواة من العلماء برقم 235 ، والحدیث أورده السمهودی فی جواهر العقدین عن عامر بن لیلی بن ضمرة وحذیفة بن أسید. ثم قال : أخرجه ابن عقدة فی الموالاة من طریق عبدالله بن سنان عن أبی الطفیل عنهما ، وأورده أبو موسی المدینی فی الصحابة ، والحافظ أبو الفتوح العجلی فی الموجز. (الطباطبائی)
3- کذا فی النسخ بالیاء المثنّاة ، والصحیح : بالباء الموحّدة من شذّب ، أی : قطع وفرّق. (المؤلف)

وعادِ من عاداه. ثمّ قال : أیّها الناس إنّی فَرَطکم ، وأنتم واردون علیَ الحوض ، أعرض ممّا بین بُصری وصنعاء ، فیه عدد نجوم السماء قِدْحانٌ من فِضّة ، ألا وإنّی سائلکم - حین تَرِدون علیَّ - عن الثَقَلین ، فانظروا کیف تخْلِفونی(1) فیهما حین تلقَونی(2).

قالوا : وما الثقَلان یا رسول الله ؟ قال : الثَقَل الأکبر کتاب الله - سببٌ طرفه بید الله ، وطرفٌ بأیدیکم ، فاستمسکوا به لا تضلّوا بعدی ، ولا تبدّلوا - وعترتی ، فإنّی قد نبّأنی الخبیر أن لا یتفرّقا حتی یلقَیانی ...».

وبهذا اللفظ رواه الشیخ أحمد بن الفضل بن محمد باکثیر المکّی الشافعی فی وسیلة المآل فی مناقب الآل(2) ، عن حذیفة وعامر ، وعدّه الخطیب الخوارزمی فی مقتله ممّن روی حدیث الغدیر من الصحابة ، وروی ابن الأثیر فی أُسد الغابة(3) (3 / 93) - عن عمر بن عبدالله بن یعلی ، عن أبیه ، عن جدّه - شهادته لعلیّ علیه السلام بحدیث الغدیر یوم الرحبة الآتی حدیثه.

62 - عامر بن لیلی الغِفاریّ :

أفرده ابن حجر بالذکر بعد عامر السابق فی الإصابة (2 / 257) وقال : ذکره ابن مندة - أیضاً - وأورد من طریق عمر بن عبدالله بن یعلی بن مرّة ، عن أبیه ، عن جدّه قال :

سمعت النبیّ صلی الله علیه وسلم یقول : «من کنتُ مولاه فعلیّ مولاه». فلمّا قدِم علیٌّ الکوفة نشد الناس [فانتشد](4) سبعةَ عشرَ رجلاً ، منهم عامر بن لیلی الغفاری.

وجوّز أبو موسی أن یکون هو الذی قبله ، وتبعه ابن الأثیر(5) ، ووجّهه : بأن

ص: 114


1- و (2) کذا فی المصدر بنون واحدة.
2- وسیلة المآل : ص 116 باب 4.
3- أُسد الغابة : 3 / 139 رقم 2727.
4- الزیادة یقتضیها السیاق ، وأثبتناها من الإصابة.
5- أُسد الغابة : 2 / 139 رقم 2728.

یکون هو عامر بن لیلی من ضمْرة ، فصُحّفت (من) فصارت (ابن) ، ولا شکّ أنَّ کلّ غِفاریّ فهو من ضمْرة ؛ لأنّه غفار بن مَلیل بن ضمْرة.

قلت : إلّا أنَّ اختلاف المُخرَج یرجِّح التعدّد.

63 - أبو الطفیل عامر بن واثلة اللیثیّ : المتوفّی (102 ، 108 ، 110).

أخرج إمام الحنابلة أحمد بن حنبل فی مسنده(1) (1 / 118) - عن علیّ بن حکیم ، عن شریک ، عن الأعمش ، عن حبیب بن أبی ثابت ، عن أبی الطفیل ، عن زید بن أرقم باللفظ المذکور فی حدیث زید (ص 30) ، وفی (4 / 370) ، عن أبی الطفیل - حدیث المناشدة فی الرحبة الآتی بلفظه وسنده.

وأخرج النسائی فی الخصائص(2) (ص 15) بإسناده عنه ، عن زید ، و (ص 17) ، عن ابن المقدام ومحمد بن سلیمان ، عن فطر عنه ، والترمذی فی صحیحه(3) (2 / 298) ، عن سلمة بن کهیل عنه ، عن حذیفة بن أُسید ، کما مرّ (ص 26) ، ومرّ فی (ص 31) ما أخرجه الحاکم فی المستدرک(4) (3 / 109 ، 110 ، 533) بطرق صحّحها عنه ، عن زید.

وأخرج أبو محمد العاصمی - فی زین الفتی بإسناده ، عن فطر ، عنه - حدیث المناشدة الآتی ، وابن الأثیر فی أُسد الغابة(5) (3 / 92 ، 5 / 276) ، وروی الخوارزمی فی المناقب(6) (ص 93) بإسناده عنه حدیثَ زید بن أرقم ، وفی (ص 217) حدیثَ

ص: 115


1- مسند أحمد : 1 / 190 ح 955 و 5 / 498 ح 18815.
2- خصائص أمیر المؤمنین : ص 96 ح 79 ، ص 113 ح 93 ، وفی السنن الکبری : 5 / 130 ح 8464 ، ص 134 ح 8478.
3- سنن الترمذی : 5 / 591 ح 3713.
4- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 118 ح 4576 ، 4577 ، ص 613 ح 6272.
5- أُسد الغابة : 3 / 139 رقم 2727 و 6 / 252 رقم 6169.
6- المناقب : ص 154 ح 182 ، ص 313 ح 314.

الشوری الآتی المتضمِّن للاحتجاج بحدیث الغدیر ، والکنجی الشافعی فی کفایة الطالب(1) (ص 15) حدیثَ زید ، والطبری فی الریاض النضرة(2) (2 / 179) ، وابن حمزة الحنفی الدمشقی فی البیان والتعریف(3) ، نقلاً عن الطبرانی(4) والحاکم(5) ، وابن کثیر فی البدایة والنهایة(6) (5 / 211) من طریق أحمد والنسائی والترمذی ، و (7 / 246) عن أحمد والنسائی ، و (7 / 348) من طریق غندر عن شعبة ، عن سلمة بن کهیل ، عنه ، عن زید ، وابن حجر فی الإصابة(7) (4 / 159) و (2 / 252) عنه ، عن حذیفة وعامر باللفظ الآتی ، والمتّقی فی کنز العمّال(8) (6 / 390) نقلاً عن ابن جریر ، والسمهودی فی جواهر العقدین(9) ، نقله عنه القندوزیّ الحنفی فی ینابیعه(10) (ص 38).(11)

ص: 116


1- کفایة الطالب : ص 56 باب 1.
2- الریاض النضرة : 3 / 114.
3- البیان والتعریف : 3 / 74 ح 1290.
4- المعجم الکبیر : 5 / 166 ح 4969.
5- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 118 ح 4577.
6- البدایة والنهایة : 5 / 231 حوادث سنة 10 ه- ، و 7 / 383 ، 385 حوادث سنة 40 ه.
7- الإصابة : 2 / 257 رقم 4421.
8- کنز العمّال : 13 / 104 ح 36340.
9- جواهر العقدین : الورقة 173.
10- ینابیع المودّة : 1 / 36 باب 4.
11- ولد أبو الطفیل عام واحد للهجرة ، وأدرک من حیاة النبی صلی الله علیه وآله وسلم ثمانی سنین ، وهو آخر أصحابه موتاً. أخرج الطبری عنه حدیث الغدیر فی تهذیب الآثار ، وعنه السیوطی فی جمع الجوامع : 2 / 395. وأخرجه الحافظ الجُعابی ، وأخرجه عنه الذهبی فی کتاب الغدیر : ح 48 ، قال : حدّثنا الجُعابی ، حدّثنی إسحاق بن محمد بن زیاد الکوفی القطّان ، حدّثنا أبی ، حدّثَتنی زینب بنت بسّام الصیرفی ، حدّثنی أبی وعمّی أنّهما دخلا علی أبی الطفیل فقالا له : حدِّثنا عن علیّ ، فأنشأ یحدّث ، قال : أقبل رسول الله صلی الله علیه وسلم من حجّة الوداع حتی نزل بموضع یدعی خُمّ فقال : «من کنت مولاه فإنّ

64 - عائشة بنت أبی بکر بن أبی قحافة : زوجة النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم.

أخرج الحدیث عنها ابن عقدة فی حدیث الولایة.

65 - العبّاس بن عبدالمطّلب بن هاشم : عمّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم تُوفِّی (32).

أخرج الحدیث بطریقه ابن عقدة ، وعدّه الجزری فی أسنی المطالب(1) (ص 3) من رواته.(2)

66 - عبدالرحمن بن عبد ربِّ الأنصاریّ : أحد الشهود لعلیّ علیه السلام بحدیث الغدیر یوم الرحبة ، کما یأتی فی حدیث أصبغ بن نباتة.

رواه عنه الحافظ ابن عقدة ، وذکر عنه ابن الأثیر فی أُسد الغابة(3) (3 / 307 و 5 / 205) ، وابن حجر فی الإصابة (2 / 408) ، وعدّه القاضی فی تاریخ آل محمد (ص 67) من رواة حدیث الغدیر.(4)

67 - أبو محمد عبدالرحمن بن عوف القرشیّ ، الزُّهریّ : المتوفّی (31 ، 32).

رواه عنه بإسناده ابن عقدة فی حدیث الولایة ، والمنصور الرازی فی کتاب

ص: 117


1- أسنی المطالب : ص 48.
2- رواه عنه الذهبی فی کتابه فی الغدیر برقم 64 قال : حسین بن حسن الأشقر ، عن منصور بن أبی الأسود ، عن الأجلح عن أبی الضحی ، عن العبّاس بن عبد المطّلب ، قال : قال رسول الله صلی الله علیه وسلم : «من کنت مولاه فعلیّ مولاه». وعدّه الشهاب الإیجی فی توضیح الدلائل من رواة حدیث الغدیر من الصحابة. (الطباطبائی)
3- أُسد الغابة : 3 / 469 رقم 3341 و 6 / 130 رقم 5926.
4- عدّه الذهبی فی کتاب الغدیر : ح 123 من الشهود عند مناشدة أمیر المؤمنین علیه السلام أصحاب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بحدیث الغدیر. (الطباطبائی)

الغدیر ، وهو من العشرة المبشَّرة الذین عدّهم الحافظ ابن المغازلی(1) من المائة الرواة لحدیث الغدیر بطرقه ، وعدّه الجزری فی أسنی المطالب(2) (ص 3) ممّن روی حدیث الغدیر.(3)

68 - عبدالرحمن بن یعمر الدِّیلیّ(4) : نزیل الکوفة.

رواه عنه ابن عقدة فی حدیث الولایة ، وفی مقتل الخوارزمی(5) عُدّ ممّن رواه.

69 - عبدالله بن أبی عبدالأسد المخزومیّ : رواه عنه ابن عقدة.

70 - عبدالله بن بُدَیل بن وَرْقاء : سیّد خزاعة المقتول بصفّین.

أحد الشهود لأمیر المؤمنین علیه السلام بحدیث الغدیر یوم الرکبان ، کما یأتی حدیثه.

71 - عبدالله بن بشیر(6) المازنیّ : عُدّ ممّن رواه عنه ابن عقدة.

72 - عبدالله بن ثابت الأنصاریّ : شهد لعلیّ بحدیث الغدیر یوم مناشدته بالرحبة فی لفظ الأصبغ الآتی ، وعُدّ فی تاریخ آل محمد (ص 67) من رواة حدیث الغدیر.

ص: 118


1- مناقب علیّ بن أبی طالب علیه السلام : ص 27 ح 39.
2- أسنی المطالب : ص 48.
3- عدّه الذهبی فی کتاب الغدیر : ح 121 ، وسعد الدین الصالحانی فی الفضائل ، والشهاب الإیجی فی توضیح الدلائل : ق 197 / ب من الصحابة الذین روی عنهم حدیث الغدیر. وهو أحد أصحاب الشوری الذین ناشدهم أمیر المؤمنین علیه السلام بفضائله ومنها حدیث الغدیر فأقرّوا له. راجع فیما یأتی مناشدة یوم الشوری ، عدّه الذهبی فی کتاب الغدیر : ح 123 ممّن شهد لأمیر المؤمنین علیه السلام عند مناشدته بحدیث الغدیر. (الطباطبائی)
4- فی النسخ : الدیلمی ، وهو تصحیف ، والصحیح ما ذکر بکسر الدال وسکون المثنّاة. (المؤلف)
5- مقتل الإمام الحسین علیه السلام : 1 / 48.
6- کذا فی النسخ ، والصحیح : بُسْر - بضمّ الموحّدة وسکون المهملة - هو أخو عطیّة الآتی. (المؤلف)

73 - عبدالله بن جعفر بن أبی طالب الهاشمیّ : المتوفّی (80).

أخرج الحدیث عنه ابن عقدة ، ویأتی حدیث احتجاجه علی معاویة بحدیث الغدیر.

74 - عبدالله بن حنطب القرشیّ ، المخزومیّ :

حکی السیوطیّ فی إحیاء المَیْت(1) ، عن الحافظ الطبرانی : أنّه أخرج - بإسناده

عن المطّلب بن عبدالله بن حنطب ، عن أبیه - خطبةَ النبیّ صلی الله علیه وسلم فی الجُحْفة.

75 - عبدالله بن ربیعة : عدّه الخوارزمی فی مقتله(2) ممّن رواه.

76 - عبدالله بن عبّاس : المتوفّی (68).

أخرج الحافظ النسائی فی الخصائص(3) (ص 7) ، عن محمد بن المثنی [قال : حدّثنا یحیی بن حمّاد](4) قال : حدّثنا أبو الوضّاح(5) وهو أبو عوانة قال : حدّثنا أبو بلج بن أبی سلیم ، عن عمرو بن میمون ، عن ابن عبّاس - فی حدیث طویل - قال :

إنّی لَجالسٌ إلی ابن عبّاس إذ أتاه تسعةُ رهطٍ ، فقالوا : یا ابن عبّاس إمّا أن تقوم معنا ، وإمّا أن تخلو بنا من بین هؤلاء. فقال ابن عبّاس : بل أنا أقوم معکم.

قال : وهو یومئذٍ صحیحٌ قبل أن یعمی. قال : فانتدبوا(6) فتحدّثوا فلا ندری ما قالوا.

ص: 119


1- إحیاء المَیْت بفضائل أهل البیت : ص 260 ح 38.
2- مقتل الإمام الحسین علیه السلام : 1 / 48.
3- خصائص أمیر المؤمنین : ص 47 ح 24 ، وفی السنن الکبری : 5 / 112 ح 8409.
4- مابین المعقوفین أثبتناه من المصدر.
5- کلمة (أب) فی (أبی الوضّاح) و (أبی سلیم) زائدة ، والصحیح : الوضّاح وسلیم. (المؤلف)
6- کذا فی النسخ ، والصحیح : (انتَدَوا) ، کما فی بعض المصادر. أی جلسوا فی النادی. (المؤلف)

قال : فجاء ینفض ثوبه ، وهو یقول : أُفٍّ وتُفٍّ(1) ؛ وقعوا فی رجل له بضعَ عشرَ فضائل لیست لأحد غیره :

وقعوا فی رجل قال له النبیّ صلی الله علیه وسلم : «لأَبعثنّ رجلاً لا یُخزیه الله أبداً ، یُحبّ الله ورسوله ، ویُحبّه الله ورسوله». فاستشرف لها مستشرفٌ. فقال : «أین علیّ» ؟ فقالوا : إنَّه فی الرحی یطحن. قال : «وما کان أحدٌ لیطحن !» قال : فجاء وهو أرمد ، لا یکاد أن یبصر. قال : فنفث فی عینیه ، ثمّ هزّ الرایة ثلاثاً ، فأعطاها إیّاه ، فجاء علیّ بصفیّة بنت حییّ.

قال ابن عبّاس : ثمّ بعث رسول الله فلاناً بسورة التوبة ، فبعث علیّاً خلفه ، فأخذها منه. وقال : «لا یذهب بها إلّا رجل هو منّی وأنا منه». وقال ابن عبّاس : وقال النبیّ لبنی عمّه : «أیُّکم یُوالینی فی الدنیا والآخرة ؟ فأبوا. قال : وعلیّ جالس معهم ، فقال علیّ : أنا أُوالیک فی الدنیا والآخرة. قال : فترکه وأقبل علی رجل رجل منهم ، فقال : أیُّکم یُوالینی فی الدنیا والآخرة ؟ فأبوا. فقال علیّ : أنا أُوالیک فی الدنیا والآخرة. فقال لعلیّ : أنت ولیّی فی الدنیا والآخرة».

قال ابن عبّاس : وکان علیّ أوّل من آمن من الناس بعد خدیجة رضی الله عنها.

قال : وأخذ رسول الله ثوبه ، فوضعه علی علیّ وفاطمة وحسن وحسین ، وقال :

(إِنَّمَا یُرِیدُ اللَّ-هُ لِیُذْهِبَ عَنکُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَیْتِ وَیُطَهِّرَکُمْ تَطْهِیرًا).

قال ابن عبّاس : وشری علیّ نفسه ، فلبس ثوب النبیّ صلی الله علیه وسلم ثمّ نام مکانه. قال ابن عبّاس : وکان المشرکون یرومون رسول الله ، فجاء أبو بکر وعلیّ نائم ، قال : وأبو

بکر یحسَب أنّه رسول الله. قال : فقال : یا نبیّ الله. فقال له علیّ : «إنَّ نبیّ الله قد انطلق

ص: 120


1- أی قذر له ، یقال : أُفٍّ له وتُفّ ، وأفّة وتفّة ، والتنوین فیه ستُّ لغات حکاها الأخفش : (أُفّ أُفّ أُوفّ) بالکسر ، والفتح ، والضم دون تنوین ، وبالثلاثة معها. (المؤلف)

نحو بئر میمون ، فأدرِکْه».

قال : فانطلق أبو بکر ، فدخل معه الغار قال : وجعل علیّ رضی الله عنه یُرمی بالحجارة ، کماکان یُرمی نبیّ الله ، وهو یتضوّر(1) ، وقد لفّ رأسه فی الثوب لا یخرجه حتی أصبح ، ثمّ کشف عن رأسه. فقالوا : إنّک للئیم ، وکان صاحبک لا یتضوّر ونحن نرمیه ، وأنت تتضوّر ، وقد استنکرنا ذلک.

فقال ابن عبّاس : وخرج رسول الله صلی الله علیه وسلم فی غزوة تبوک ، وخرج الناس معه. قال له علیٌّ : «أخرجُ معک ؟ قال : فقال النبی صلی الله علیه وسلم : لا . فبکی علیّ. فقال له : أما ترضی أن تکون منّی بمنزلة هارون من موسی ، إلّا أنّه لیس بعدی نبیّ ؛ إنَّه لا ینبغی أن أذهب إلّا وأنت خلیفتی».

قال ابن عبّاس : وقال له رسول الله صلی الله علیه وسلم : «أنت ولیّ کلّ مؤمن بعدی ومؤمنة».

قال ابن عبّاس : وسدّ رسول الله صلی الله علیه وسلم أبواب المسجد غیرَ باب علیّ ، فکان یدخل المسجد جُنُباً ، وهو طریقه لیس له طریق غیره.

قال ابن عبّاس : وقال رسول الله صلی الله علیه وسلم : «من کنتُ مولاه فإنَّ مولاه علیّ».

هذا الحدیث بطوله أخرجه جمع کثیر من الحفّاظ بأسانیدهم الصحاح منهم :

إمام الحنابلة أحمد فی مسنده(2) (1 / 331) عن یحیی بن حمّاد عن أبی عوانة عن أبی بلج عن عمرو بن میمون عن ابن عبّاس ، والحافظ الحاکم فی المستدرک(3) (3 / 132) وقال : هذا حدیث صحیح الإسناد ، ولم یخرجاه بهذه السیاقة ، والخطیب الخوارزمی فی المناقب(4) (ص 75) رواه بطریق الحافظ البیهقی ، ومحبّ الدین الطبری فی

ص: 121


1- التضوّر : التلوّی والتقلّب ظهراً لبطن. (المؤلف)
2- مسند أحمد : 1 / 544 ح 3052.
3- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 143 ح 4652.
4- المناقب : ص 125 ح 140.

الریاض(1) (2 / 203) ، وفی ذخائر العقبی (ص 87) ، والحافظ الحمّوئی فی فرائده(2) بإسناده عن ضحّاک عنه بطریق الطبرانی(3) أبی القاسم [سلیمان] بن أحمد ، وابن کثیر الشامی فی البدایة والنهایة(4) (7 / 337) عن طریق أحمد بالسند المذکور ، وعن أبی یعلی ، عن یحیی بن عبدالحمید ، عن أبی عوانة ... إلی آخر السند ، والحافظ الهیثمی فی مجمع الزوائد (9 / 119) ، عن أحمد والطبرانی ، وقال : ورجال أحمد رجال الصحیح غیر أبی بلج الفزاری ، وهو ثقةٌ ، وفیه لین ، وروی - أیضاً - حدیث الغدیر عن ابن عبّاس فی (ص 108) ، فقال : رواه البزّار فی أثناء حدیث ، ورجاله ثقاتٌ.

ورواه بطوله الحافظ الکنجی فی الکفایة(5) (ص 115) نقلاً عن أحمد وابن عساکر فی کتابه الأربعین الطوال ، وذکره ابن حجر فی الإصابة (2 / 509).

[و] أخرج الحافظ المحاملی فی أمالیه علی ما نقله عنه الشیخ إبراهیم الوصّابی الشافعی فی کتاب الاکتفاء بإسناده عن ابن عبّاس قال :

لمّا أُمِر النبیّ صلی الله علیه وسلم أن یقوم بعلیّ بن أبی طالب المقام الذی قام به ، فانطلق النبیّ صلی الله علیه وسلم إلی مکّة ، فقال : «رأیت الناس حدیثی عهدٍ بکفر بجاهلیة ، ومتی أفعل هذا به یقولوا صنع هذا بابن عمِّهِ».

ثمّ مضی حتی قضی حجّة الوداع ، ثمّ رجع حتی إذا کان بغدیر خُمٍّ أنزل الله عزوجل : (یَا أَیُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَیْکَ مِن رَّبِّکَ) الآیة.

فقام منادٍ فنادی : الصلاة جامعة ، ثمّ قام ، وأخذ بید علیّ رضی الله عنه فقال : «من کنتُ مولاه فعلیّ مولاه ، أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه».

ص: 122


1- الریاض النضرة : 3 / 153.
2- فرائد السمطین : 1 / 327 ح 255 باب 59.
3- المعجم الکبیر : 12 / 77 ح 12593.
4- البدایة والنهایة : 7 / 373 - 374 حوادث سنة 40 ه.
5- کفایة الطالب : ص 241 باب 62.

ونقله عن المحاملی فی أمالیه المتّقی الهندی فی کنز العمّال(1) (6 / 153) ، وبهذا اللفظ حرفیّاً رواه - بطریق ابن عبّاس - جمال الدین عطاء الله بن فضل الله فی أربعینه(2) ، ورواه عن ابن عبّاس جلال الدین السیوطی فی تاریخ الخلفاء(3) بطریق البزّار (ص 114) ، والقرشی فی شمس الأخبار(4) (ص 38) عن أمالی المرشد بالله(5) ، والبدخشانی فی نُزُل الأبرار(6) (ص 20) بطریق البزّار وابن مردویه ، وفی (ص 21) من طریق أحمد وابن حبّان والحاکم وسمّویه.

وأخرج الحافظ السجستانی فی کتاب الولایة - الذی أفرده فی حدیث الغدیر - بإسناده عن ابن عبّاس قال :

لمّا خرج النبیّ صلی الله علیه وسلم إلی حجّة الوداع نزل بالجُحْفة ، فأتاه جبرئیل علیه السلام فأمره أن یقوم بعلیّ. فقال صلی الله علیه وسلم : «أیّها الناس ألستم تزعمون أنّی أولی بالمؤمنین من أنفسهم ؟ قالوا : بلی یا رسول الله.

قال : من کنتُ مولاه فعلیٌّ مولاه ، أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه ، وأَحِبَّ

من أحبَّه ، وأبغِض من أبغضه ، وانصر من نصره ، وأعزَّ من أعزّه ، وأعنْ من أعانه».

قال ابن عبّاس : وجبت - والله - فی أعناق القوم.

وروی حدیث الغدیر عن سعید بن جبیر عن ابن عبّاس ابنُ کثیر فی تاریخه(7) (7 / 348) ، ویأتی عنه حدیث فی ذکر التابعین فی الضحّاک.

ص: 123


1- کنز العمّال : 11 / 603 ح 32916.
2- الأربعین فی فضائل أمیر المؤمنین : ص 40 ح 13.
3- تاریخ الخلفاء : ص 158.
4- مسند شمس الأخبار : 1 / 101 باب 7.
5- أمالی المرشد بالله : ص 145.
6- نُزُل الأبرار : ص 53 - 54.
7- البدایة والنهایة : 7 / 385 حوادث سنة 40 ه.

وأخرج(1) الحافظ ابن مردویه ، وأبو بکر الشیرازی فی ما نزل من القرآن ، وأبو إسحاق الثعلبی فی الکشف والبیان ، والحاکم الحسکانیّ ، وفخر الدین الرازی فی تفسیره (3 / 636) ، وعزّالدین الموصلی الحنبلی ، ونظام الدین النیسابوری فی تفسیره

(6 / 194) ، والآلوسی فی روح المعانی (2 / 348) ، والبَدَخشانی فی مفتاح النجا ، وغیرهم - بطرقهم - حدیثَ الغدیر عن ابن عبّاس ، یأتی لفظهم فی آیتی التبلیغ وإکمال

الدین إن شاء الله.(2)

ص: 124


1- الکشف والبیان : الورقة 181 سورة المائدة : آیة 67 ، شواهد التنزیل : 1 / 255 ح 249 ، التفسیر الکبیر : 12 / 49 ، روح المعانی : 6 / 193 ، مفتاح النجا : الورقة 44 - 45 باب 3 فصل 14.
2- وأخرجه أحمد فی فضائل الصحابة : ح 1168 وفی المناقب : ح 291 وفی المسند : ح 3062 و 3063 بتحقیق أحمد شاکر ، وصحّحه ، والبلاذری فی أنساب الأشراف : ح 43 و 49 ، وابن أبی عاصم فی السنّة : ح 1351. وأخرجه البزّار فی مسنده کشف الأستار : ح 2531. وأخرجه النسائی فی السنن الکبری : ح 8409 وفی الخصائص : ح 24 ، وخرّجه محقّقه علی مصادر منها عن الطبرانی فی الأوسط کما فی مجمع البحرین : 3 / 341. ورواه الحافظ أبو یعلی ، ومن طریقه أخرجه ابن عساکر فی تاریخه : رقم 249 ، وابن کثیر فی تاریخه : 7 / 737 ، وجامع المسانید والسنن : 19 / 7. وأخرجه المحاملی فی أمالیه عن سعید بن جبیر عن ابن عبّاس فی نهایة الحدیث 35 ، وأخرجه ابن عساکر فی تاریخه : رقم 250 من طریق المحاملی. وأخرجه الطبرانی فی المعجم الکبیر : ح 12593 وفی الأوسط کما تقدم عن مجمع البحرین فی زوائد المعجمین ، وأخرجه الثعلبی فی الکشف والبیان فی تفسیر قوله تعالی : (یَا أَیُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ) بإسناده عن ابن عباس ، قال : نزلت فی علیّ ؛ أمر النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم أن یبلّغ فیه ، فأخذ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بید علیّ ، فقال : «من کنت مولاه فعلیّ مولاه ...». وممّن أخرج حدیث الغدیر عن ابن عبّاس الحاکم الحسکانی فی شواهد التنزیل : ح 245 و 250. وأخرجه ابن عساکر فی تاریخه بالأرقام : 249 - 252 ، 464 وفی الأربعین الطوال کما فی کفایة الطالب : ص 241 ، وأورده سبط ابن الجوزی فی تذکرة خواصّ الأمّة : ص 34 عن أحمد فی الفضائل.

77 - عبدالله بن أبی أَوفی علقمة الأسلمیّ : المتوفّی (86 ، 87).

أخرج الحدیث بطریقه الحافظ ابن عقدة فی حدیث الولایة.(1)

78 - أبو عبدالرحمن عبدالله بن عمر بن الخطّاب العدویّ : المتوفّی (72 ، 73).

أخرج الحافظ الهیثمی فی مجمع الزوائد (9 / 106) من طریق الطبرانی ، عن عبدالله بن عمر ، قال :

قال رسول الله صلی الله علیه وسلم : «من کنتُ مولاه فعلیٌّ مولاه ، أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه».

وأخرجه(2) الحافظ ابن أبی شیبة فی سُنَنه ، ونقله عنه الوصّابی الشافعی فی

ص: 125


1- تجد حدیثه فی الکنی للبخاری : ص 66 ، وفی الجرح والتعدیل : 4 / 200 و 9 / 431 ، وفی شواهد التنزیل : ح 247 ، وفی مناقب علیّ علیه السلام لابن المغازلی : ح 34 ، وعدّه الشهاب الإیجی - فی توضیح الدلائل : ق 197 / ب - من رواة حدیث الغدیر من الصحابة ، فقد عدّ نحو السبعین صحابیّاً ممّن رواه نقلاً عن سعد الدین الصالحانی فی کتابه. (الطباطبائی)
2- جامع الأحادیث : 7 / 369ح 23003 ، تاریخ الخلفاء : ص 158 ، کنز العمّال : 11 / 609 ح 32950 ،

الاکتفاء ، ورواه السیوطی فی جمع الجوامع وتاریخ الخلفاء (ص 114) نقلاً عن الطبرانی ، والمتّقی الهندی فی کنز العمّال (6 / 154) بطریق الطبرانی فی المعجم الکبیر ، وبطریقه رواه البَدَخشانی فی نُزُل الأبرار (ص 20) ومفتاح النجا ، وعدّه الخطیب الخوارزمی من الصحابة الراوین لحدیث الغدیر فی الفصل الرابع من مقتله ، وکذلک الجزری فی أسنی المطالب (ص 4).(1)

ص: 126


1- أخرج البخاری فی التاریخ الکبیر فی ترجمة إسماعیل بن نشیط العامری : 1 / 375 رقم 1191 ، قال لی عبید : حدّثنا یونس ، سمع إسماعیل عن جمیل بن عامر أنَّ سالما حدّثه ، سمع من سمع النبی صلی الله علیه وسلم یقول یوم غدیر خُمّ : «من کنت مولاه فعلیّ مولاه». وبهذا السند أخرجه ابن کثیر فی تاریخه : 5 / 213 عن ابن عمر ، وأخرجه الذهبی فی کتاب الغدیر : ح 3 بهذا الإسناد عن عبد الله بن عمر عن أبیه عمر. وممّن أخرج حدیثه ابن أبی عاصم فی السنّة : ح 1357 ، والبزّار فی مسنده - کشف الأستار : ح 2530. وأخرجه الطبری فی الجزء الاول من کتاب غدیر خُمّ ، وعنه الذهبی فی کتابه فی الغدیر : ح 104 ، وابن کثیر فی تاریخه : 5 / 213. وأخرجه ابن عقدة فی کتاب الولایة عن ثلاثة من شیوخه ، وعنه الذهبی فی کتاب الغدیر : ح 104 و 105 وقال : رواه محمد بن جریر فی کتاب الغدیر عن محمد بن عوف الطائی ، حدّثنا عبید الله [بن موسی] ... ورواه ابن عقدة عن أحمد بن یحیی الصوفی والحسن بن علیّ بن عفّان ویعقوب ابن یوسف بن زیاد ، قالوا : حدّثنا عبید الله .. فذکره فی مسند ابن عمر. وأخرجه ابن عدیّ فی الکامل : 1691 ، والطبرانی فی الکبیر وعنه الهیثمی فی مجمع الزوائد : 9 / 106 والسیوطی فی جمع الجوامع : 1 / 831. وأخرجه ابن المغازلی فی المناقب : ح 247. وأخرجه ابن عساکر فی تاریخه : رقم 586 ، والذهبی فی کتاب الغدیر : ح 3 ، 100 ، 104 ، 105 ، وابن حجر العسقلانی فی مختصر زوائد البزّار : ح 1907 ، والسیوطی فی تاریخ الخلفاء وفی جمع الجوامع وفی قطف الأزهار المتناثرة فی الأحادیث المتواترة : ص 277 ، والمتّقی فی کنز العمّال : ح 32950 ، والقطب البکری فی الصلوات الهامعة طبعة بولاق سنة 1310 : ص 139 ،

79 - أبو عبدالرحمن عبدالله بن مسعود الهُذَلیّ : المتوفّی (32 ، 33) ، والمدفون بالبقیع.

أخرج(1) الحافظ ابن مردویه بإسناده عنه نزولَ آیة التبلیغ فی علیّ علیه السلام یوم الغدیر ، ورواه عنه السیوطی فی الدرّ المنثور (2 / 298) ، والقاضی الشوکانی فی تفسیره (2 / 57) ، والآلوسی البغدادی ، عن السیوطی ، عن ابن مردویه فی روح المعانی (2 / 348) وعدّه الخوارزمی ، وشمس الدین الجزری فی أسنی المطالب (ص 4) من رواة حدیث الغدیر من الصحابة.(2)

80 - عبدالله بن یامیل(3) : أخرج الحافظ ابن عقدة فی کتابه المفرد فی الحدیث بسند له إلی إبراهیم بن محمد ، عن جعفر بن محمد ، عن أبیه وأیمن بن نابل - بالنون

والموحّدة - عن عبدالله بن یامیل قال : سمعت رسول الله صلی الله علیه وسلم یقول : «من کنتُ مولاه فعلیٌّ مولاه».

ص: 127


1- الدرّ المنثور : 3 / 117 ، فتح القدیر : 2 / 60 ، روح المعانی : 6 / 193 ، مقتل الإمام الحسین علیه السلام : 1 / 48 ، أسنی المطالب : ص 48.
2- وأخرجه عنه الحافظ الطبرانی فی الأوسط : ح 1173 ، 2204 ، والخطیب البغدادی ، وابن المغازلی فی کتاب مناقب علیّ علیه السلام : ح 32 ، والحافظ ابن عساکر فی تاریخه : رقم 556 من طریق الخطیب البغدادی ، وأخرجه الذهبی فی کتاب الغدیر : ح 100 و 101 و 102 ، وعدّه الدیلمی فی الفردوس ومنتخبه مسند الفردوس : ج 3 ق 96 / أ. وفی فتح البیان لصدّیق حسن خان : 3 / 63 فی تفسیر آیة التبلیغ ، وعن ابن مسعود قال : کنّا نقرأ علی عهد رسول الله صلی الله علیه وسلم : (یَا أَیُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَیْکَ مِن رَّبِّکَ أَنَّ علیّاً مولی المؤمنین وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ). (الطباطبائی)
3- کذا فی النسخ ، وفی بعض المصادر : یامین بالنون الموحّدة. (المؤلف)

ورواه عنه بطریق الحافظ أبی موسی المدینی ابن الأثیر فی أُسد الغابة(1) (3 / 274) ، وابن حجر فی الإصابة (2 / 382) من طریق الحافظین ابن عقدة وأبی موسی ، والقندوزی الحنفی فی الینابیع(2) (ص 34).(3)

81 - عثمان بن عفّان : المتوفّی (35).

أخرج عنه بإسناده الحافظ ابن عقدة فی حدیث الولایة ، والمنصور الرازی فی کتاب الغدیر ، وهو أحد العشرة المبشَّرة الذین عدّهم ابن المغازلی(4) من المائة الرواة لحدیث الغدیر بطرقه.

82 - عُبَید بن عازب الأنصاریّ : أخو البراء بن عازب : هو ممّن شهد لعلیّ علیه السلام بحدیث الغدیر یوم المناشدة بالرحبة یأتی فی حدیثها.

83 - أبو طریف عدِیُّ بن حاتم : المتوفّی (68) ، وهو ابن مائة سنة.

من الذین شهدوا لعلیّ علیه السلام بحدیث الغدیر یوم مناشدته بالرحبة فی حدیث أخرجه الحافظ ابن عقدة فی حدیث الولایة ، من طریق محمد بن کثیر ، عن فطر وابن الجارود ، عن أبی الطفیل ، وذکره السیِّد نورالدین السمهودی فی جواهر العقدین(5) ، وعنه القندوزیّ فی ینابیع المودّة(6) (ص 38) ، والشیخ أحمد المکّی الشافعی فی وسیلة المآل فی مناقب الآل(7) ، وعُدّ فی تاریخ آل محمد (ص 67) ممّن روی حدیث

ص: 128


1- أُسد الغابة : 3 / 415 رقم 3243.
2- ینابیع المودّة : 1 / 32 باب 4.
3- وأخرجه عنه الذهبی فی کتابه الغدیر : ح 122 عن ابن عقدة : حدّثنا الحسن بن عتبة ومحمد بن عبید بن عتبة قالا :حدّثنا إبراهیم بن موسی الأنصاریّ ، حدّثنا إبراهیم بن محمد .... (الطباطبائی)
4- مناقب علیّ بن أبی طالب علیه السلام : ص 27 ح 39.
5- جواهر العقدین : الورقة 86.
6- ینابیع المودّة : 1 / 36 باب 4.
7- وسیلة المآل : ص 118 باب 4.

الغدیر.(1)

84 - عطیّة بن بسر(2) المازنیّ : أخرج الحدیث عنه ابن عقدة فی حدیث الولایة.

85 - عقبة بن عامر الجُهَنیّ : وَلِیَ أمر مصر لمعاویة ثلاث سنین ، مات فی قرب الستّین. روی الحافظ ابن عقدة شهادته لعلیّ علیه السلام بحدیث الغدیر یوم الرحبة فی حدیث أوعزنا إلیه فی شهادة عدیّ بن حاتم به ، وعدّه القاضی فی تاریخ آل محمد (ص 67) من رواة حدیث الغدیر.(3)

86 - أمیر المؤمنین علیّ بن أبی طالب - صلوات الله علیه - : شعره علیه السلام فی الغدیر مشهور ، رواه الثقات.

یأتی ذکره وذکر رواته فی شعراء القرن الأوّل ، ویأتی حدیث احتجاجه یومی الشوری والجمل بحدیث الغدیر ، واستنشاده به یوم الرحبة.

وأخرج إمام الحنابلة أحمد بن حنبل فی مسنده(4) (1 / 152) عن حجّاج بن الشاعر ، عن شَبابة ، عن نعیم بن حکیم ، قال : حدّثنی أبو مریم ورجل من جلساء علیّ علیه السلام ، عن علیّ : أنَّ رسول الله صلی الله علیه وسلم قال یوم غدیر خُمّ : «من کنتُ مولاه فعلیّ مولاه».

ص: 129


1- عدّه السخاوی - فی استجلاب ارتقاء الغرف : ق 22 - ممّن شهد لأمیر المؤمنین علیه السلام بحدیث الغدیر عند مناشدته بالکوفة ، وعدّه الشهاب الإیجی - فی توضیح الدلائل ق 197 / ب - من الصحابة الذین رووا حدیث الغدیر. (الطباطبائی)
2- فی النُّسخ : عطیة بن بشیر ، وهو تصحیف. (المؤلف)
3- عدّه السخاوی - فی استجلاب ارتقاء الغرف : ق 22 / ب - من الصحابة الذین شهدوا لأمیر المؤمنین علیه السلام بحدیث الغدیر عند مناشدته لهم بالکوفة ، وعدّه الشهاب الإیجی - فی توضیح الدلائل : ق 197 / ب - من الصحابة الرواة لحدیث الغدیر. (الطباطبائی)
4- مسند أحمد : 1 / 246 ح 1313.

ورواه عنه ابن کثیر فی البدایة والنهایة(1) (7 / 348) ، ثمّ قال : وقد رُوی هذا من طرق متعدّدة عن علیّ رضی الله عنه.

ورواه الهیثمی فی مجمع الزوائد (9 / 107) من طریق أحمد ، وقال : رجاله ثقات.

وذکره - بطریق أحمد - السیوطیُّ فی جمع الجوامع(2) وتاریخ الخلفاء(3) (ص 114) ، وابن حجر فی تهذیب التهذیب(4) (7 / 337) ، والبدخشانی فی نُزُل الأبرار(5) (ص 20) من طریق أحمد والحاکم ، وفی مفتاح النجا(6) بطریق أحمد والحاکم عنه علیه السلام.

وأخرج الحافظ الطحاوی فی مُشکل الآثار (2 / 307) عن یزید بن کثیر(7) ، عن محمد بن عمر بن علیّ - أمیر المؤمنین - عن أبیه ، عن علیّ :

أنَّ النبیّ صلی الله علیه وسلم حضر الشجرة بخُمّ ، فخرج آخذاً بید علیّ ، فقال : «أیّها الناس ألستم تشهدون أنَّ الله ربُّکم ؟ قالوا : بلی.

قال : ألستم تشهدون أنَّ الله ورسوله أولی بکم من أنفسکم ، وأنَّ الله ورسوله مولاکم ؟ قالوا : بلی.

قال : من کنتُ مولاه فعلیٌّ مولاه ، إنّی [قد] ترکتُ فیکم ما إن أخذتم [به] لن تضلّوا بعدی : کتابَ الله بأیدیکم ، وأهلَ بیتی».

ص: 130


1- البدایة والنهایة : 7 / 385 حوادث سنة 40 ه.
2- جامع الأحادیث : 7 / 369 ح 23003.
3- تاریخ الخلفاء : ص 158.
4- تهذیب التهذیب : 7 / 296.
5- نُزُل الأبرار : ص 53.
6- مفتاح النجا : الورقة 45 باب 3 فصل 14.
7- کذا فی مُشْکل الآثار ، وفی غیره : کثیر بن زید ، وهو الصحیح. (المؤلف)

ورواه ابن کثیر فی البدایة والنهایة(1) (5 / 211) بطریق ابن جریر وابن أبی عاصم بإسنادهما عن کثیر بن زید ، عن محمد بن عمر بن علیّ ، عن أبیه ، عن علیّ ، وذکره المتّقی الهندی فی کنز العمّال(2) (6 / 154) عن مستدرک الحاکم(3) وأحمد والطبرانی - فی المعجم الکبیر - والضیاء المقدسی ، وفی (6 / 397)(4) نقلاً عن ابن أبی عاصم ، و (ص 406) عن ابن راهویه وابن جریر ، و (ص 399) عن ابن جریر وابن أبی عاصم والمحاملی فی أمالیه وصحّحه ، وفی لفظهم : «فمن کان الله ورسوله مولاه فإنَّ هذا مولاه» ، ورواه الوصّابی فی الاکتفاء نقلاً عن سُنَنَیْ ابن أبی عاصم وسعید بن منصور - ابن شعبة النسائی.

وأخرج الذهبی فی میزان الاعتدال(5) (2 / 303) عن مخول بن إبراهیم ، عن جابر بن الحرّ ، عن أبی إسحاق [عن] عمرو ذی مرّ ، عن أمیر المؤمنین. ثمّ قال : ورُوی هذا بإسناد أصلح من هذا.

وروی الحمّوئی فی فرائد السمطین(6) عن عمرو ذی مرّ ، عن أمیر المؤمنین ، وعن أبی راشد الحرّانی(7) ، عنه علیه السلام.

وفی حلیة الأولیاء لأبی نعیم الأصبهانی (9 / 64) عن عبدالله بن جعفر ، عن أحمد بن یونس الضبّی ، عن عمّار بن نصر ، عن إبراهیم بن الیسع المکّی ، عن جعفر بن محمد ، عن أبیه ، عن جدّه ، عن علیّ - أمیر المؤمنین - قال : «خطب

ص: 131


1- البدایة والنهایة : 5 / 230 حوادث سنة 10 ه.
2- کنز العمّال : 11 / 609 ح 32950.
3- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 419 ح 5594.
4- کنز العمّال : 13 / 131 ح 36418 ، ص 140 ح 36441 ، ص 168 ح 36511.
5- میزان الاعتدال : 3 / 294 رقم 6481.
6- فرائد السمطین : 1 / 67 ح 33 باب 1 ، ص 76 ح 43 باب 14.
7- کذا فی النسخ هنا وفی غیره ، والضبط علی ما فی الخلاصة [3 / 215 رقم 181] والتقریب [2 / 421 رقم 1 حرف الراء] : الحُبْرانی ، بضمّ المهملة وسکون الموحّدة. (المؤلف)

رسول الله صلی الله علیه وسلم بالجُحْفة ...»(1).

وسیأتیک حدیث أخرجه الحافظ العاصمی فی مفاد حدیث الغدیر عنه علیه السلام.(2)

ص: 132


1- فی النسخة سقط ولعب بالحدیث لا یخفی علی القارئ. (المؤلف)
2- لقد رُوی حدیث الغدیر عن أمیر المؤمنین علیه السلام بطرق کثیرة جدّاً ، وقد قال الذهبی فی کتاب الغدیر : متواتر عنه. أقول : وهو متواتر أیضاً عن کلٍّ من أبی هریرة ، والبراء بن عازب ، وزید بن أرقم ، وأبی سعید الخُدری ، وجابر ، وسعد بن أبی وقّاص. وأمّا ما روی عن أمیر المؤمنین علیه السلام فهو علی قسمین ، قسم هو مناشداته بحدیث الغدیر ، وستأتی فی المناشدات ، ونقتصر هنا علی ما روی عنه علیه السلام من غیر مناشدة فنقول : قد أخرجه عنه إسحاق بن راهویه فی مسنده بطریقین أوردهما عنه ابن حجر فی المطالب العالیة : ح 3972 و 3973 ، وقال فی أوّلهما : إسناده صحیح ، وأوردهما فی النسخة المسندة : ق 154 / أ ، وقال : هذا إسناد صحیح ، والثانیة فی 154 / ب. وأوردهما البوصیری فی إتحاف السادة : ج 3 ق 55 / ب عن ابن راهویه ، وصحّح أوّلهما وقال بعد ثانیهما : رواه إسحاق بن راهویه وعبدالله بن أحمد بن حنبل وابن حبّان فی صحیحه وأبو یعلی. وأخرجه أحمد فی مناقب علیّ : ح 334 ، وفی فضائل الصحابة : ح 1206 وقال محقّقه : إسناده صحیح ، وأخرجه ابن أبی عاصم فی السنّة : ح 1361 ، 1367 ، 1370 ، 1371. وأخرجه ابن جریر الطبری فی کتاب الغدیر ، وعنه الذهبی فی کتابه فی الغدیر : ح 33 و 37 ، وقال فی المورد الثانی : ابن جریر الطبری فی کتاب الغدیر ... فأورد عنه علیه السلام ما یخصّ الغدیر من مناشدته یوم الشوری. وأخرجه الطبری فی تهذیب الآثار أیضاً ، وعنه السیوطی فی جمع الجوامع : 2 / 66 و 605 وقال : أخرجه ابن راهویه وابن جریر وابن أبی عاصم والمحاملی فی أمالیه وصُحِّح. وأخرجه الدولابی فی الذرّیة الطاهرة : ح 128 وهو آخر الکتاب ، ورواه أبو بکر بن أبی داود السجستانی ، ومن طریقه أخرجه ابن عساکر فی تاریخه : رقم 528. وأخرجه المحاملی فی أمالیه فی المجلس الثانی ، وفی المجلس 16 منه عنه فی جمع الجوامع کما تقدّم. وأخرجه الحافظ الدارقطنی ، ومن طریقه ومن طریق المحاملی أخرجه ابن عساکر فی تاریخه : رقم 525 و 526. وأخرجه جعفر بن نصیر الخلدی الخوّاص فی فوائده الموجودة فی المجموع رقم 24 من مجامیع المکتبة الظاهریة فی دمشق.

87 - أبو الیقظان عمّار بن یاسر العنسیّ : الشهید بصفّین سنة (37).

یأتی عن کتاب صفّین لنصر بن مزاحم(1) (ص 186) احتجاج عمّار بحدیث الغدیر علی عمرو بن العاص ، ویوجد فی شرح نهج البلاغة(2) (2 / 273) ، وأخرج الحمّوئی بإسناده فی فرائد السمطین(3) فی الباب الأربعین ، والثامن والخمسین حدیث الغدیر بطریقه ، وعدّه الخوارزمی(4) ، وشمس الدین الجزری فی أسنی المطالب(5) (ص 4) ممّن روی حدیث الغدیر من الصحابة ، وهو من الرکبان الشهود لعلیّ علیه السلام بحدیث الغدیر فی حدیثه الآتی.(6)

ص: 133


1- وقعة صفّین : ص 338.
2- شرح نهج البلاغة : 8 / 21 خطبة 124.
3- فرائد السمطین : 1 / 195 ح 153 ، ص 315 ح 250.
4- مقتل الإمام الحسین علیه السلام : 1 / 48.
5- أسنی المطالب : ص 48.
6- وأخرجه عنه الحافظ الطبرانی فی المعجم الاوسط ، والحافظ المزّی فی تهذیب الکمال : 33 / 284 ، والذهبی فی کتاب الغدیر : ح 111 ، والهیثمی فی مجمع الزوائد : 7 / 17 ، والسیوطی فی الدرّ المنثور :

88 - عمارة الخزرجیّ ، الأنصاریّ : المقتول یوم الیمامة.

روی الحافظ الهیثمی فی مجمع الزوائد (9 / 107) من طریق البزّار عن حمید بن عمارة ، قال : سمعت أبی یقول : سمعت رسول الله صلی الله علیه وسلم یقول - وهو آخذٌ بید علیّ - : «من کنتُ مولاه فهذا مولاه ، أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه».

ثمّ قال : رواه البزّار ، وحمید لم أعرفه ، وبقیّة رجاله وثّقوا.

ونقله السیوطی عنه فی تاریخ الخلفاء(1) (ص 65) ، والبدخشانی فی مفتاح النجا(2) ونُزُل الأبرار(3) بطریق البزّار عنه.(4)

ص: 134


1- تاریخ الخلفاء : ص 158.
2- مفتاح النجا : الورقة 45 باب 3 فصل 14.
3- نُزُل الأبرار : ص 53.
4- أخرج حدیثه البزّار فی مسنده ، وعنه الهیثمی فی مجمع الزوائد : 9 / 107 قال : وعن حمید بن عمارة قال : سمعت أبی یقول : سمعت رسول الله صلی الله علیه وسلم وهو آخذ بید علیّ ... رواه البزّار ، وحمید لم أعرفه ، وبقیة رجاله وثقوا. أقول : حمید مصحّف جمیل ، فالحدیث أورده هو فی کشف الأستار عن زوائد البزّار : ح 2530 مسنداً : حدّثنا محمد بن عثمان بن کرامة ، حدّثنا عبید الله بن موسی ، عن إسماعیل بن نشیط ، عن جمیل بن عمارة ، سمعت أبی یقول .... وجمیل هذا مترجم فی التاریخ الکبیر : 2 / 216 ، والجرح والتعدیل : 2 / 518 - ونسبه وادعیٌ - وفی غیرهما ، وفیها کلها : روی عن سالم بن عبد الله ، روی عنه إسماعیل بن نشیط ، إیعازاً إلی حدیثه هذا ، ففی کشف الأستار سقط فی السند ، صوابه : عن جمیل بن عمارة [عن سالم بن عبد الله] سمعت أبی ... کما أخرجه الطبری بهذا الإسناد علی وجه الصواب فی الجزء الاول من کتاب غدیر خُمّ ، وعنه ابن کثیر فی تاریخه : 5 / 213 : حدّثنا محمود (محمد) بن عوف الطائی ، حدّثنا عبید الله ابن موسی ، أنبأنا إسماعیل بن نشیط عن جمیل بن عمارة عن سالم بن عبد الله بن عمر - قال ابن جریر : أحسبه قال عن عمر ، ولیس فی کتابی - : سمعت رسول الله صلی الله علیه وسلم یقول وهو آخذ بید

89 - عمر بن أبی سلمة بن عبدالأسد المخزومیّ : ربیب النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ، أُمّه أُمّ سَلَمة زوج النبیّ ، تُوفّی (83).

أخرج الحدیث عنه الحافظ ابن عقدة بإسناده.

90 - عمر بن الخطّاب : المقتول (23).

أخرج الحافظ ابن المغازلی فی المناقب(1) بطریقین ، عن عمران بن مسلم ، عن سهیل بن أبی صالح ، عن أبیه ، عن أبی هریرة ، عن عمر بن الخطاب رضی الله عنه قال : قال رسول الله صلی الله علیه وسلم : «من کنتُ مولاه فعلیّ مولاه».

ورواه السمعانی فی فضائل الصحابة بإسناده عن أبی هریرة عنه ، ومحبّ الدین الطبری فی الریاض النضرة(2) (2 / 161) نقلاً عن مناقب أحمد(3) وابن السمّان بطریقهما عنه ، وأشار إلیه فی (ص 244) ، وفی ذخائر العقبی (ص 67) نقلاً عن مناقب أحمد ومسنده بإسنادهما عنه ، والحافظ محمد خواجه پارسا فی فصل الخطاب ، وعدّه الخطیب الخوارزمی فی مقتله(4) ، وابن کثیر الشامی فی البدایة والنهایة(5) (7 / 349) ، وشمس الدین الجزری فی أسنی المطالب(6) (ص 3) ممّن روی حدیث الغدیر من الصحابة.

ص: 135


1- مناقب علیّ بن أبی طالب علیه السلام : ص 22 ح 31.
2- الریاض النضرة : 3 / 113 - 114 و 4 / 204.
3- مناقب علیّ لأحمد بن حنبل : ص 145 ح 211.
4- مقتل الإمام الحسین علیه السلام : 1 / 48.
5- البدایة والنهایة : 7 / 386 حوادث سنة 40 ه.
6- أسنی المطالب : ص 48.

وفی مودّة القربی(1) لشهاب الدین الهمدانی ، عن عمر بن الخطاب رضی الله عنه قال :

نصب رسول الله صلی الله علیه وسلم علیّاً عَلَماً ، فقال : «من کنتُ مولاه فعلیٌّ مولاه ، أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه ، واخذل من خذله ، وانصر من نصره ، أللّهمّ أنت شهیدی علیهم».

قال عمر بن الخطاب : [قلت :] یا رسول الله ، وکان فی جنبی شابٌّ حسن الوجه طیِّب الریح ، قال لی : «یا عمر لقد عقد رسول الله عقداً لا یحلُّه إلّا منافق».

فأخذ رسول الله صلی الله علیه وسلم بیدی ، فقال : «یا عمر إنَّه لیس من ولد آدم ، لکنّه جبرائیل أراد أن یؤکِّد علیکم ما قلته فی علیّ».

ورواه عنه الشیخ القندوزیّ الحنفی فی ینابیعه(2) (ص 249).

وروی ابن کثیر(3) (5 / 213) عن الجزء الأوّل من کتاب غدیر خُمّ لابن جریر : حدّثنا محمود(4) بن عوف الطائی ، حدّثنا عبیدالله بن موسی ، أنبأنا إسماعیل بن کشیط(5) ، عن جمیل بن عمارة(6) ، عن سالم بن عبدالله بن عمر. قال ابن جریر : أحسبه قال : عن عمر ، ولیس فی کتابی :

سمعت رسول الله صلی الله علیه وسلم وهو آخذٌ بید علیّ یقول : «من کنت مولاه فهذا مولاه ، أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه».(7)

ص: 136


1- المودّة الخامسة.
2- ینابیع المودّة : 2 / 73 باب 56.
3- البدایة والنهایة : 5 / 232 حوادث سنة 10 ه.
4- کذا فی النسخ ، والصحیح : محمد. (المؤلف)
5- کذا ، والصحیح : نشیط. (المؤلف)
6- کذا ، وفی تاریخ البخاری [ج1 / ق 1 / 375 رقم 1191] ، کما یأتی (ص 65) : عامر. (المؤلف)
7- وممّن أخرج حدیث الغدیر عن عمر ، البزّار فی مسنده کشف الأستار : ح 2530.

91 - أبو نجید عمران بن حصین الخزاعیّ : المتوفّی (52) بالبصرة.

أخرج الحدیث عنه ابن عقدة فی حدیث الولایة ، والمولوی محمد سالم البخاری ، نقلاً عن الحافظ الترمذی(1) ، وعدّه الخطیب الخوارزمی(2) ، وشمس الدین الجزری فی أسنی المطالب(3) (ص 4) ممّن روی حدیث الغدیر من الصحابة.(4)

92 - عمرو بن الحمق الخزاعی ، الکوفیّ : المتوفّی (50).

رواه عنه ابن عقدة ، وعدّه الخوارزمی من رواة حدیث الغدیر من الصحابة فی مقتله(5).

ص: 137


1- سنن الترمذی : 5 / 590 ح 3712.
2- مقتل الإمام الحسین علیه السلام : 1 / 48.
3- أسنی المطالب : ص 48.
4- وأخرجه عنه الذهبی فی کتاب الغدیر : ح 103 ، وابن کثیر فی تاریخه : 7 / 344 عن أحمد وأبی یعلی ، وعدّه الشهاب الإیجی - فی توضیح الدلائل : ق 197 / ب - من الصحابة الذین روی عنهم حدیث الغدیر. (الطباطبائی)
5- مقتل الإمام الحسین علیه السلام : 1 / 48.

93 - عمرو بن شراحیل :

عدّه الخوارزمی فی مقتله(1) من رواته من الصحابة.

94 - عمرو بن العاص :

أحد شعراء الغدیر یأتی فی شعراء القرن الأوّل ، وسیوافیک حدیث احتجاج بُرْد علیه بحدیث الغدیر واعترافه به(2).

أخرجه ابن قتیبة فی الإمامة والسیاسة(3) (ص 93) ، ویأتی کتابه إلی معاویة ، وفیه حدیث الغدیر ، أخرجه الخوارزمی بالإسناد فی المناقب(4) (ص 126).

95 - عمرو بن مرّة الجُهَنیّ(5) أبو طلحة أو أبو مریم :

أخرج أحمد بن حنبل والطبرانی بالمعجم الکبیر بإسنادهما عن عمرو : أنَّ رسول الله صلی الله علیه وسلم قال بغدیر خُمّ : «من کنتُ مولاه فعلیٌّ مولاه ، أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه ، وانصُرْ من نصره ، وأعِنْ من أعانه».

ص: 138


1- مقتل الإمام الحسین علیه السلام : 1 / 48.
2- فی الجزء الثانی.
3- الإمامة والسیاسة : 1 / 97.
4- المناقب : ص 199 ح 240.
5- عمرو بن مرة الجُهَنی أسلم قدیماً ، وصحب النبی صلی الله علیه وآله وسلم ، وشهد معه المشاهد ، وقدم علی معاویة ، ومات بالشام فی خلافة عبد الملک. فلابد أنّه حضر حجّة الوداع وشهد غدیر خُمّ ، وربّما روی حدیث الغدیر لغیر واحد من أصحابه ، ولکنّا لم نعثر علی شیء من ذلک إلّا ما أخرجه الطبرانی فی المعجم الکبیر : ح 5059 بإسناده عن عمرو بن ذی مرّ وزید بن أرقم قالا : خطب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یوم غدیر خُمّ ... وفی هذا المطبوع وهم لا محالة ؛ فإما أنَّ کلمة (بن) زائدة والصواب عمرو ذی مر ، أو أنَّ کلمة (ذی) زائدة ، والصواب عمرو بن مرّ [ة] ، وهو هذا الجُهَنی الصحابی ، ویؤیّد هذا الثانی أنَّه یروی مباشرة کأحد الصحابة ، وعمرو ذی مرّ تابعیّ مات سنة 116 ، لم یروِ إلّا مناشدة أمیر المؤمنین علیه السلام بحدیث الغدیر. (الطباطبائی)

ونقله عن الطبرانی صاحب کنز العمّال(1) (6 / 154) ، والشیخ إبراهیم الوصّابی الشافعی فی الاکتفاء ، ومحمد صدر العالم فی معارج العُلی ، ونقله البَدَخشانی فی مفتاح النجا(2) ، ونُزُل الأبرار(3) عن أحمد ومعجم الطبرانی.

«حرف الفاء الموحّدة»

96 - الصدّیقة فاطمة بنت النبیّ الأعظم صلی الله علیه وآله وسلم :

رواه ابن عقدة فی حدیث الولایة ، والمنصور الرازی فی کتاب الغدیر ، ویأتی احتجاجها بحدیث الغدیر بطریق الجزری الشافعی(4) ، عن شیخه الحافظ المقدسی.

وروی [علیّ بن] شهاب الدین الهمدانی فی مودّة القربی(5) عنها - سلام الله علیها - قالت : قال رسول الله صلی الله علیه وسلم : «من کنتُ ولیَّه فعلیٌّ ولیُّه ، ومن کنتُ إمامه فعلیٌّ إمامه».(6)

97 - فاطمة بنت حمزة بن عبد المطلبّ :

روی الحدیث عنها ابن عقدة ، والمنصور الرازی فی کتاب الغدیر.

«حرف القاف والکاف»

98 - قیس بن ثابت بن شمّاس الأنصاریّ :

أحد الرکبان الشهود لأمیر المؤمنین علیه السلام بحدیث الغدیر الآتی حدیثهم ، أخرجه

ص: 139


1- کنز العمّال : 11 / 610 ح 32951.
2- مفتاح النجا : الورقة 45 باب 3 فصل 14.
3- نُزُل الأبرار : ص 53.
4- أسنی المطالب : ص 50.
5- أنظر : المودّة الخامسة.
6- وأخرج الحافظ ابن عساکر فی ترجمة أمیر المؤمنین علیه السلام : رقم 457 بإسناده عنها - سلام الله علیها - قالت : قال رسول الله صلی الله علیه وسلم لعلیّ : «من کنت ولیَّه فعلیٌّ ولیُّه». وعدّها الذهبی فی کتاب الغدیر : ح 123 ، والشهاب الإیجی فی توضیح الدلائل : ق 197 / ب ، من رواة هذا الحدیث. (الطباطبائی)

الحافظ ابن عقدة فی حدیث الولایة بإسناده عن أبی مریم زرّ بن حُبیش ، نقله عنه وعن أبی موسی ابنُ الأثیر فی أُسد الغابة(1) (1 / 368) ، وابن حجر فی الإصابة (1 / 305) ، والشیخ محمد صدر العالم فی معارج العُلی.(2)

99 - قیس بن سعد بن عُبادة الأنصاریّ ، الخزرجیّ :

أحد شعراء الغدیر فی القرن الأوّل ، کما أنّه أحد الشهود لعلیّ علیه السلام بحدیث الغدیر فی حدیث الرکبان الآتی ، ویأتی احتجاجه علی معاویة بن أبی سفیان بحدیث الغدیر.

100 - أبو محمد کعب بن عجرة الأنصاریّ ، المدنیّ : المتوفّی (51).

رواه عنه ابن عقدة.

«حرف المیم»

101 - أبو سلیمان مالک بن الحویرث اللیثیّ : المتوفّی (74).

أخرج إمام الحنابلة أحمد بن حنبل فی المناقب(3) ، والحافظ ابن عقدة فی حدیث الولایة بإسنادهما عن مالک بن الحسن بن مالک بن الحویرث ، عن أبیه ، عن جدّه :

أنَّ رسول الله صلی الله علیه وسلم قال یوم غدیر خُمّ : «من کنت مولاه فعلیٌّ مولاه».

ورواه الحافظ الهیثمی فی مجمع الزوائد (9 / 108) من طریق الطبرانی بإسناده

ص: 140


1- أُسد الغابة : 1 / 441 رقم 1038.
2- وتجد حدیثه فی جمع الجوامع للسیوطی : 1 / 831 ، وفی قطف الأزهار له : ص 278 ، وفی سبل الهدی والرشاد : ج 2 ق 605 ، ونفحات العبیر الساری : ق 76 / ب ، ولقط اللآلئ المتناثرة فی الأحادیث المتواترة : ص 206 ، وفی نظم المتناثر فی الحدیث المتواتر : ص 194. وعدّه سعد الدین الصالحانی فی الفضائل ، والشهاب الإیجی فی توضیح الدلائل : ق 197 / ب ، من الصحابة الرواة لحدیث الغدیر. (الطباطبائی)
3- مناقب علیّ : ص 111 ح 164.

عن مالک ، ثمّ قال : ورجاله وُثِّقوا ، وفیهم خلاف.

وجلال الدین السیوطی فی تاریخ الخلفاء(1) (ص 114) نقلاً عن الطبرانی(2) ، والبَدَخشانی فی مفتاح النجا(3) ، وفی نُزُل الأبرار(4) (ص 20) بطریق الطبرانی ، والشیخ

محمد صدر العالم فی معارج العُلی عن الطبرانی أیضاً ، والوصّابی الشافعی فی الاکتفاء ، نقلاً عن أبی نعیم فی فضائل الصحابة ، وعدّه الخوارزمی فی مقتله(5)ممّن روی حدیث الغدیر.(6)

102 - المقداد بن عمرو الکندی ، الزُّهریّ : المتوفّی (33) ، وهو ابن سبعین عاماً.

أخرج الحدیث عنه ابن عقدة فی حدیث الولایة ، والحافظ الحمّوئی(7) فی فرائده.(8)

ص: 141


1- تاریخ الخلفاء : ص 158.
2- المعجم الکبیر : 19 / 291 ح 646.
3- مفتاح النجا : الورقة 45 باب 3 فصل14.
4- نُزُل الأبرار : ص 53.
5- مقتل الإمام الحسین علیه السلام : 1 / 48.
6- أخرجه ابن عدیّ فی الکامل : برقم 2378 بطریقین ، وابن عساکر فی تاریخه : رقم 582 ، والهیثمی فی مجمع الزوائد : 9 / 106 ، وقال : رواه الطبرانی ورجاله وُثّقوا. وأورده السیوطی فی جمع الجوامع : 1 / 831 ، وفی قطف الأزهار المتناثرة فی الأحادیث المتواترة : ص 277 ح 102 ، وشمس الدین الدمشقی فی سبل الهدی والرشاد : 2ق 605 ، والقرافی فی نفحات العبیر الساری : ق 76 / أ ، وإسحاق بن یوسف الصنعانی فی تفریج الکروب فی حرف المیم (من کنت مولاه). ورواه الزبیدی فی لقط اللآلئ : ص 206 ، والشوکانی فی دَرّ السحابة : ص 210 ، قال : وأخرجه الطبرانی فی الأوسط بإسناد رجاله ثقات عن مالک بن الحویرث. (الطباطبائی)
7- فرائد السمطین : 1 / 315 ح 250 باب 58.
8- عدّه الذهبی فی کتاب الغدیر : ح 121 ، وسعد الدین الصالحانی فی الفضائل ، وشهاب الدین الإیجی فی توضیح الدلائل : ق 197 / ب ، من الصحابة الذین رووا حدیث الغدیر ، وکذا عدَّ منهم ناجیة بن عمرو الآتی. (الطباطبائی)

«حرف النون»

103 - ناجیة بن عمرو الخزاعی :

ممّن شهد لعلیّ علیه السلام بحدیث الغدیر یوم مناشدته بالکوفة.

أخرجه الحافظ ابن عقدة فی حدیث الولایة بطریق عمرو بن عبدالله بن یعلی ابن مرّة عن أبیه عن جدّه ، ورواه ابن الأثیر فی أُسد الغابة(1) (5 / 6) ، نقلاً عن أبی نعیم وأبی موسی ، وابن حجر فی الإصابة (3 / 542) من طریق ابن عقدة ، وعدّه الخطیب الخوارزمی(2) ممّن روی حدیث الغدیر من الصحابة.

104 - أبو برزة نضلة بن عتبة(3) الأسلمی : المتوفّی بخراسان سنة (65).

أخرج الحدیث عنه بطریقه ابن عقدة فی حدیث الولایة.(4)

105 - نعمان بن عجلان الأنصاریّ :

تأتی شهادته لعلیّ علیه السلام بحدیث الغدیر یوم المناشدة بطریق أصبغ بن نباتة ، وعدّه القاضی فی تاریخ آل محمد (ص 67) من رواة حدیث الغدیر.(5)

«حرف الهاء إلی آخر الحروف»

106 - هاشم المِرْقال ابن عتبة بن أبی وقّاص ، الزُّهریّ ، المدنیّ : المقتول بصفّین سنة (37).

ص: 142


1- أُسد الغابة : 5 / 296 رقم 5162.
2- مقتل الإمام الحسین علیه السلام : 1 / 48.
3- فی الإصابة [3 / 556 رقم 8716] : عبید ، وقد یقال : عبدالله. (المؤلف)
4- عدّه الذهبی فی کتاب الغدیر : ح 121 ، وسعد الدین الصالحانی فی الفضائل ، وشهاب الدین الإیجی فی توضیح الدلائل : ق 197 / ب ، ممّن روی حدیث الغدیر من الصحابة. (الطباطبائی)
5- عدّه الذهبی فی کتاب الغدیر : ح 123 ، من البضعة عشر صحابیاً الذین قاموا وشهدوا عند مناشدة أمیر المؤمنین علیه السلام بحدیث الغدیر. (الطباطبائی)

أخرج الحافظ ابن عقدة بإسناده فی حدیث الولایة عن أبی مریم زرّ بن حُبیش شهادته لعلیّ علیه السلام بحدیث الغدیر بالکوفة یوم الرکبان ، ورواه ابن الأثیر فی أُسد الغابة(1) (1 / 368) علی ما وجده من ابن عقدة ، ورواه ابن حجر فی الإصابة (1 / 305) ، وأسقط شطراً من أوّله ، ولم یذکر اسم هاشم بن عتبة المِرقال ، وکم له من نظیر فی تآلیف ابن حجر.(2)

107 - أبو وَسْمة وحشیّ بن حرب الحَبَشیّ ، الحِمْصیّ :

أخرج ابن عقدة الحدیث بلفظه فی حدیث الولایة ، وعدّه الخطیب الخوارزمی فی مقتله من رواة حدیث الغدیر من الصحابة.

108 - وهب بن حمزة(3) :

عدّه الخوارزمی فی الفصل الرابع من مقتله ممّن روی حدیث الغدیر من الصحابة.(4)

109 - أبو جحیفة وهب بن عبدالله السُّوائی - بضمّ المهملة - یقال له وهب الخیر : المتوفّی (74).

أخرج الحدیث بطریقه الحافظ ابن عقدة فی حدیث الولایة.

ص: 143


1- أُسد الغابة : 1 / 441 رقم 1038.
2- وعدّه سعد الدین الصالحانی فی الفضائل ، وشهاب الدین الإیجی فی توضیح الدلائل : ق 197 / ب ، من الصحابة الذین رووا حدیث الغدیر. (الطباطبائی)
3- فی الإصابة 3 / 641 [رقم 9157] بالإسناد عن رکین ، عن وهب بن حمزة ، قال : سافرت مع علیّ فرأیت منه جفاء ، فقلت : لئن رجعتُ لأشکوَنّه ، فرجعت ، فذکرت علیّاً لرسول الله صلی الله علیه وسلم فنلت منه ، فقال : «لا تقولنَّ هذا لعلیّ ؛ فإنّه ولیّکم بعدی». (المؤلف)
4- أخرج حدیثه الحافظ الطبرانی فی المعجم الکبیر : 22 / 135 عن البزّار وأحمد بن زهیر التستری بالإسناد عن وهب. وأخرجه الحافظ ابن عساکر فی تاریخه : رقم 491 من طریق الحافظین أبی عبد الله بن مندة وخیثمة بن سلیمان ، وأورده ابن کثیر فی تاریخه : 7 / 345 ، والهیثمی فی مجمع الزوائد : 9 / 109. (الطباطبائی)

110 - أبو مُرازم - بضمّ المیم - یعلی بن مرّة بن وهب الثقفی :

أخرج الحدیث عنه الحفّاظ : ابن عقدة ، وأبو موسی ، وأبو نعیم ، بطرقهم ، نقله عنهم ابن الأثیر فی أُسد الغابة(1) (2 / 233 و 3 / 93 و 5 / 6) ، وابن حجر فی الإصابة (3 / 542). یأتی لفظه والطریق إلیه فی حدیث المناشدة یوم الرحبة.(2)

هؤلاء مائة وعشرة من أعاظم الصحابة الذین وجدنا روایتهم لحدیث الغدیر ، ولعلّ فیما ذهب علینا أکثر من ذلک بکثیر ، وطبع الحال یستدعی أن تکون رواة الحدیث أضعاف المذکورین ؛ لأنَّ السامعین الوعاة له کانوا مائة ألف أو یزیدون ، وبقضاء الطبیعة أنّهم حدّثوا به عند مرتجعهم إلی أوطانهم ، شأن کلّ مسافر ینبئ عن

الأحداث الغریبة التی شاهدها فی سفره.

نعم ، فعلوا ذلک إلّا شُذّاذاً منهم صدّتهم الضغائن عن نقله ، والمحدِّثون منهم - وهم الأکثرون - فمنهم هؤلاء المذکورون ، ومنهم من طوت حدیثَه أجواز الفَلا(3) بموت السامعین فی البراری والفلوات قبل أن یُنهوه إلی غیرهم ، ومنهم من أرهبته الظروف والأحوال عن الإشادة بذلک الذکر الکریم ، وقد مرّ تلویح إلی ذلک فی روایة زید بن أرقم ، وجملة من الحضور کانوا من أعراب البوادی لم یُتلَقَّ منهم حدیث ، ولا

انتهی إلیهم الإسناد ، ومع ذلک کلّه ففی من ذکرناه غنیً لإثبات التواتر.(4)

فَالْحَمْدُ للهِ أوَّلاً وَآخِراً

ص: 144


1- أُسد الغابة : 2 / 290 رقم 1844 و 3 / 139 رقم 2728 و 5 / 296 رقم 5162.
2- وأخرج حدیثه الذهبی فی کتاب الغدیر : ح 115 ، وابن حجر فی الإصابة : 1 / 567 ، والسیوطی فی قطف الأزهار : ص 278 ، والزبیدی فی لقط اللآلئ المتناثرة : ص 206. وعدّه سعد الدین الصالحانی فی الفضائل ، وشهاب الدین الإیجی فی توضیح الدلائل : ق 197 / ب ، من الصحابة الذین رووا حدیث الغدیر. (الطباطبائی)
3- أَجواز : جمع جوز ؛ أی الوسط. الفلا والفلوات : جمع فلاة ، وهی القَفْر أو الصحراء الواسعة.
4- وهناک بعض آخر من الصحابة عثرت علی روایتهم لحدیث الغدیر ، أوردتها بألفاظها وطرقها ومصادرها فی کتابی : علی ضفاف الغدیر. (الطباطبائی)

رواة حدیث الغدیر من التابعین

«حرف الألف»

1 - أبو راشد الحُبرانی الشامیّ ، اسمه أخضر ، نعمان :

وثّقه العجلی(1) ، وقال : لم یکن بدمشق فی زمانه أفضل منه ، ووثّقه ابن حجر فی التقریب(2) (ص 419) ، مرّ حدیثه (ص 55).

2 - أبو سلمة - اسمه عبدالله ، وقیل : إسماعیل - بن عبدالرحمن بن عوف الزُّهریّ ، المدنیّ :

فی خلاصة الخزرجیّ(3) (ص 380) عن ابن سعد(4) : کان ثقة فقیهاً ، کثیر الحدیث ، وفی التقریب(5) (ص 422) : ثقةٌ مُکثِر ، مات (94).

تنتهی الطرق إلیه إلی جابر الأنصاریّ ، والطریق صحیحٌ ، رجاله ثقاتٌ. راجع (ص 22).

ص: 145


1- تاریخ الثقات : ص 497 رقم 1944.
2- تقریب التهذیب : 2 / 421 رقم 1 حرف الراء.
3- خلاصة الخزرجی : 3 / 221 رقم 240.
4- الطبقات الکبری : 5 / 157.
5- تقریب التهذیب : 2 / 430 رقم 63 حرف السین.

3 - أبو سلیمان المؤذِّن :

فی التقریب(1) : أبو سلمان من کبار التابعین مقبول.

یأتی عنه حدیث المناشدة فی الرحبة بطریقٍ رجاله ثقات.

4 - أبو صالح السمّان ، ذکوان المدنیّ : مولی جویریة الغطفانیّة.

قال الذهبی فی تذکرته(2) (1 / 78) : ذکره أحمد فقال : ثقة ثقة من أجلّ الناس وأوثقهم. تُوفّی سنة (101).

راجع الطرق المذکورة فی (ص 56) ، ویأتی فی آیة التبلیغ عنه نزولها فی علیّ علیه السلام.

5 - أبو عنفوانة المازنیّ : مرّ الطریق إلیه عن جندع (ص 23).

6 - أبو عبدالرحیم الکندیّ : تأتی الطرق إلیه فی حدیث مناشدة الرحبة بلفظ زاذان.

7 - أبو القاسم أصبغ بن نُباتة - بضمّ النون - التمیمیّ ، الکوفیّ :

تابعیٌّ ثقةٌ ، قاله العجلی(3) وابن معین.

تأتی الطرق إلیه فی مناشدة الرحبة ، ومرّت (ص 28).

8 - أبو لیلی الکندی(4) فی التقریب(5) (ص 435) : ثقةٌ من کبار التابعین ، روی

ص: 146


1- تقریب التهذیب : 2 / 430 حرف السین. وکذلک فی تهذیب الکمال : 33 / 367 وتهذیب التهذیب : 12 / 114 وخلاصة الخزرجی : 3 / 221 ، ففیها کلّها : أبو سلمان وهو الصواب ، قیل اسمه همام. وفی الکنی والأسماء للدولابی : 1 / 195 والکاشف للذهبی : 3 / 342 : أبو سلیمان. (الطباطبائی)
2- تذکرة الحفّاظ : 1 / 89 رقم 78.
3- تاریخ الثقات : ص 71 رقم 109.
4- یقال : اسمه سَلَمَة بن معاویة ، وقیل : سعید بن بشر ، وقیل : المعلّی. (المؤلف)
5- تقریب التهذیب : 2 / 467 رقم 7 حرف اللام.

أحمد بن حنبل فی المناقب(1) عن علیّ بن الحسین ، قال : حدّثنا إبراهیم بن إسماعیل ، عن أبیه ، عن سلمة بن کهیل ، عن أبی لیلی الکندی : أنَّه حدّثه ، قال : سمعت زید بن أرقم یقول ، ونحن ننتظر جنازة ، فسأله رجل من القوم ، فقال :

یا أبا عامر أسمعت رسول الله صلی الله علیه وسلم یوم غدیر خُمّ یقول لعلیّ : «من کنت مولاه فعلیّ مولاه» ؟

قال : نعم. قال أبو لیلی : فقلت لزید : قالها رسول الله صلی الله علیه وسلم ؟ قال : نعم قالها ، أربع مرّات.

9 - إیاس بن نُذَیر - بضم النون وفتح المعجمة - :

ذکره ابن حبّان فی الثقات(2). ستقف علی الرواة عنه فی حدیث احتجاج علیّ علیه السلام یوم الجمل بحدیث الغدیر.

«حرف الجیم والحاء والخاء»

10 - جمیل بن عمارة : مرَّ عن ابن کثیر من طریق ابن جریر الطبری عنه (ص 57).

11 - حارثة بن مضرِّب : یأتی عنه حدیث المناشدة بالرحبة.

12 - حبیب بن أبی ثابت الأسدیّ ، الکوفیّ :

قال الذهبی : إنَّه فقیه الکوفة من ثقات التابعین.

تُوفّی (117 ، 119) وترجمه فی تذکرته(3) (1 / 103) ، وحکی ابن حجر توثیقه

ص: 147


1- مناقب علیّ : ص 117 ح 170.
2- الثقات : 6 / 65.
3- تذکرة الحفّاظ : 1 / 116 رقم 100.

عن غیر واحد فی تهذیب التهذیب(1) (1 / 178).

مرّت الطرق إلیه (ص 30 ، 31 ، 32 ، 35 ، 48).

13 - الحرث بن مالک : مرّ الطریق إلیه (ص 40).

14 - الحسن بن مالک بن الحویرث : مرّت الطرق إلیه (ص 59).

15 - حکم بن عُتَیبة الکوفیّ ، الکِنْدیّ : ثقة ثَبْت فقیه ، صاحب سنّة وأتباع.

ترجمه الذهبی فی تذکرته(2) (1 / 104). توفّی (114 ، 115).

مرّ الطریق إلیه (ص 20 ، 39) ، وتأتی إلیه طرق کثیرة.

16 - حمید بن عمارة الخزرجیّ ، الأنصاریّ : مرّ حدیثه (ص 56).

17 - حمید الطویل ، أبو عبیدة بن أبی حمید البصریّ : المتوفّی (143).

قال الذهبی فی تذکرته(3) (1 / 136) : حمید الحافظ المحدّث الثقة أحد مشیخة الأثر. یأتی حدیثه فی حدیث التهنئة.

18 - خیثمة بن عبدالرحمن الجُعفیّ ، الکوفیّ : حکی ابن حجر فی التهذیب(4) (3 / 179) - عن ابن معین(5) والنسائی والعجلی(6) - ثقته.

مات بعد سنة (80) ، وأرّخه ابن قانع بالثمانین. مرّ الإسناد إلیه (ص 39).

ص: 148


1- تهذیب التهذیب : 2 / 156.
2- تذکرة الحفّاظ : 1 / 117 رقم 102.
3- المصدر السابق : 1 / 152 رقم 146.
4- تهذیب التهذیب : 3 / 154.
5- التاریخ : 4 / 46 رقم 3067.
6- تاریخ الثقات : ص 145 رقم 391.

«حرف الراء وأُختها المعجمة»

19 - ربیعة الجُرَشیّ(1) - بضمّ الجیم وفتح المهملة - : المقتول سنة (60 ، 61 ، 74).

مختلفٌ فی صحبته. فی التقریب(2) (ص 123) : کان فقیهاً ، وثّقه الدارقطنی وغیره. مرّ الطریق إلیه (ص 39).

20 - أبو المثنّی ریاح بن الحارث النخَعیّ ، الکوفیّ :

وثّقه(3) ابن حجر فی التقریب وعدّه من کبار التابعین ، وحکی ثقته عن العجلی وابن حبّان فی التهذیب (3 / 299).

تأتی الطرق إلیه فی حدیث الرکبان.

21 - أبو عمر زاذان بن عمر الکندیّ البزّار - أو البزّاز - الکوفیّ :

فی میزان الاعتدال : من کبار التابعین ، وحکی ابن حجر ثقته عن غیر واحد فی التهذیب(4) (3 / 303). تُوفِّی (82). راجع حدیث المناشدة.

22 - أبو مریم زِرّ - بکسر المُعجمة وشَدّة المهملة - ابن حُبیش - مصغَّراً - الأسدیّ ، من کبار التابعین : تُوفِّی (81 ، 82 ، 83).

قال الذهبی فی تذکرته(5) (1 / 40) : إنَّه الإمام القدوة ، وفی التقریب(6) : ثقة جلیل مخضرم.

ص: 149


1- فی الخلاصة للخزرجی [1 / 322 رقم 2048] : - الجرسی - بالسین المهملة. (المؤلف)
2- تقریب التهذیب : 1 / 247 رقم 64 حرف الراء.
3- تقریب السابق : 1 / 254 رقم 124 حرف الراء ، تاریخ الثقات : ص 162 رقم 449 ، الثقات : 4 / 238 ، تهذیب التهذیب : 3 / 258.
4- تهذیب التهذیب : 3 / 261.
5- تذکرة الحفّاظ : 1 / 57 رقم 40.
6- تقریب التهذیب : 1 / 259 رقم 33 حرف الزای.

وثّقه غیر واحد ، کما فی التهذیب(1) (3 / 322) ، وعقد له أبو نعیم فی الحلیة (4 / 181 - 191) ترجمة ضافیة.

تأتی الطرق إلیه فی حدیثی المناشدة فی الرحبة والرکبان.

23 - زیاد بن أبی زیاد :

وثّقه الحافظ الهیثمی فی مجمعه(2) ، وابن حجر فی التقریب(3). تأتی الطرق إلیه فی حدیث مناشدة الرحبة.

24 - زید بن یُثَیْع - بالمثنّاة والمثلثة بعدها ، مُصغَّراً - الهَمْدانی ، الکوفی :

فی التقریب(4) (ص 136) : ثقة مخضرم من کبار التابعین.

تأتی طرق کثیرة إلیه فی مناشدة الرحبة.

«حرف السین وأُختها المعجمة»

25 - سالم بن عبدالله بن عمر بن الخطّاب القرشیّ ، العدَویّ ، المدنیّ :

ترجمه الذهبی فی تذکرته(5) (1 / 77) ، وقال : إنَّه الفقیه الحجّة أحد من جمع بین العلم والعمل والزهد والشرف.

وفی التقریب(6) : أحد الفقهاء السبعة ، کان ثَبْتاً عابداً یُشَبَّهُ بأبیه فی الهدْی والسمت ، من کبار الثالثة ، مات فی آخر سنة (106) علی الصحیح.

ص: 150


1- تهذیب التهذیب : 3 / 277.
2- مجمع الزوائد : 9 / 106.
3- تقریب التهذیب : 1 / 267 رقم 108 حرف الزای.
4- المصدر السابق : 1 / 277 رقم 212 حرف الزای.
5- تذکرة الحفّاظ : 1 / 88 رقم 77.
6- تقریب التهذیب : 1 / 280 رقم 11 حرف السین.

یأتی الطریق إلیه فی حدیث الرکبان ، ومرّ فی (ص 57).

وأخرج البخاری فی تاریخه (ج 1 قسم 1 / 375) من طریق عبید ، عن یونس ابن بکیر ، عن إسماعیل بن نشیط العامری ، عن جمیل بن عامر : أنَّ سالماً حدّثه : سَمِع

منْ سَمِع النبیّ صلی الله علیه وسلم یقول یومَ غدیرِ خمّ : «من کنتُ مولاه فعلیٌّ مولاه».

26 - سعید بن جُبیر الأسدیّ ، الکوفیّ :

ترجمه الذهبی فی تذکرته(1) (1 / 65) ، وبالغ فی الثناء علیه ، وفی خلاصة الخزرجی(2) (ص 116) عن اللالکائی : ثقة إمام حجّة ، وعن ابن مهران : مات سعید وما علی ظهر الأرض أحد إلّا وهو محتاج إلی علمه ، وفی التقریب(3) (ص 133) : ثقة ثبت فقیه من الثالثة ، قُتل بین یدی الحجّاج سنة (95) ، ولم یکمل الخمسین ، وفی تهذیب التهذیب(4) (4 / 13) عن الطبری : أنَّه ثقة حجّة علی المسلمین.

مرّ الطریق إلیه (ص 20 ، 52).

27 - سعید بن أبی حدّان ویقال : ذی حُدّان - بضمّ المهملة وتشدید الدال - الکوفیّ :

فی تهذیب التهذیب(5) : ذکره ابن حبّان فی الثقات(6).

یأتی حدیثه فی مناشدة الرحبة.

28 - سعید بن المُسَیّب القرشیّ ، المخزومیّ ، صهر أبی هریرة : توفِّی (94).

قال الذهبی فی تذکرة الحفّاظ (1 / 47) : قال أحمد بن حنبل وغیره : مرسلات

ص: 151


1- تذکرة الحفّاظ : 1 / 76 رقم 73.
2- خلاصة الخزرجی : 1 / 374 رقم 2425.
3- تقریب التهذیب : 1 / 292 رقم 133 حرف السین.
4- تهذیب التهذیب : 4 / 11.
5- المصدر السابق : 4 / 23.
6- الثقات : 4 / 282.

سعید صحاح ، وقال ابن المدینی : لا أعلم فی التابعین أوسع علماً منه ، هو عندی أجلّ التابعین. وعدّه أبو نعیم من الأولیاء ، وترجمه فی الحلیة (2 / 161).

یأتی بطریق جمع من الحفّاظ عنه حدیث التهنئة ، ومرّ عنه غیره (ص 39 ، 40).

29 - سعید بن وهب الهَمْدانیّ ، الکوفیّ :

فی خلاصة تهذیب الکمال(1) (ص 122) : وثقه ابن معین. مات سنة ستّ وسبعین.

روی بطریقه جمعٌ کثیر من أئمّة الحدیثِ حدیثَ مناشدة الرحبة ، کما یأتی.

30 - أبو یحیی سلمة بن کهیل الحضرمیّ ، الکوفیّ : المتوفّی (121).

وثّقه أحمد(2) والعجلی(3) ، کما فی. خلاصة التهذیب(4) (ص 136) ، والتقریب(5) (ص 154).

مرّت الطرق إلیه (ص 24 ، 26 ، 31 ، 35 ، 48).

31 - أبو صادق سُلَیم بن قیس الهلالی : المتوفّی (90).

وهو ممّن یُحتجّ به وبکتابه عند الفریقین کما یأتی.

روی حدیث الغدیر فی غیر موضع واحد من کتابه الموجود عندنا.(6)

32 - أبو محمد سلیمان بن مهران الأعمش : وثقه الذهبی وغیره ، وکان یُسمّی

ص: 152


1- خلاصة الخزرجی : 1 / 392 رقم 2554.
2- العلل ومعرفة الرجال : 1 / 181 رقم 142 و 2 / 67 رقم 1571.
3- تاریخ الثقات : ص 197 رقم 591.
4- خلاصة الخزرجی : 1 / 405 رقم 2645.
5- تقریب التهذیب : 1 / 318 رقم 381 حرف السین.
6- وطبع غیر مرّة فی کلّ من إیران والعراق ولبنان محقَّقاً ودون تحقیق. (الطباطبائی)

المصحف من صدقه ، ترجمه الذهبی فی تذکرته(1) (1 / 138). توفِّی (147 ، 148) ، ومولده (61).

مرّت الطرق إلیه (ص 30 ، 34 ، 48) ، وتأتی فی حدیث المناشدة ، وفی آیة البلاغ.

33 - سهم بن الحُصَین الأسدیّ : مرّ عنه (ص 42).

34 - شهر بن حوشب : تأتی ترجمته والطرق إلیه فی آیة إکمال الدین وحدیث التهنئة وحدیث صوم [یوم] الغدیر.

«حرف الضاد المُعجمة»

35 - الضحّاک بن مزاحم الهلالیّ ، أبو القاسم : المتوفّی (105).

وثّقه أحمد(2) وابن معین وأبو زرعة.

مرّ عنه عن ابن عبّاس (ص 51) ، وروی الحافظ الحمّوئی فی فرائد السمطین(3) فی الباب العاشر ، نقلاً عن أبی القاسم سلیمان بن أحمد الطبرانی(4) ، عن الحسین النیری ، عن یوسف بن محمد بن سابق ، عن أبی مالک الحسن ، عن جوهر ، عن الضحّاک ، عن عبدالله بن عبّاس قال :

قال رسول الله صلی الله علیه وسلم یوم غدیر خمّ : «أللّهمّ أعنه ، وأَعِن به ، وارحمه ، وارحم به ، وانصره ، وانصر به ، أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه».

ورُوی هذا اللفظ بإسناد آخر عن عمرو ذی مرّ ، عن أمیر المؤمنین علیه السلام.

ص: 153


1- تذکرة الحفّاظ : 1 / 154 رقم 149.
2- العلل ومعرفة الرجال : 2 / 309 رقم 2375.
3- فرائد السمطین : 1 / 67 ح 33.
4- المعجم الکبیر : 12 / 95 ح 12653. وفیه : حدّثنا الحسین بن إسحاق التستری ، حدّثنا یوسف بن محمد بن سابق ، حدّثنا أبو مالک الجنبی ، عن جویبر ، عن الضحّاک ، عن ابن عبّاس ....

«حرف الطاء المهملة»

36 - طاووس بن کَیسان الیمانیّ ، الجَنَدیّ - بفتح الجیم والموحّدة - : المتوفّی (106).

عدّه أبو نعیم من الأولیاء ، وترجمه فی حلیته (4 / 3 - 23) وقال فی (ص 23) :

حدّثنا أحمد بن جعفر بن سلم ، حدّثنا العبّاس بن علیّ النسائی ، حدّثنا محمد ابن علیّ بن خلف ، حدّثنا حسین الأشقر ، حدّثنا ابن عیینة(1) ، عن عمرو بن دینار ، عن طاووس ، عن بریدة ، عن النبیّ صلی الله علیه وسلم قال : «من کنتُ مولاه فعلیٌّ مولاه».

37 - طلحة بن مصرِّف الأیامیّ - الیامی - الکوفیّ :

قال ابن حجر(2) : ثقة قارئ فاضل. تُوفّی (112) أو بعدها.

تأتی الطرق إلیه فی حدیث مناشدة الرحبة.

«حرف العین المهملة»

38 - عامر بن سعد بن أبی وقّاص المدنیّ :

فی التقریب(3) (ص 185) : ثقة من الثالثة ، مات (104). راجع (ص 38).

39 - عائشة بنت سعد : تُوفِّیت (117).

وثّقها ابن حجر فی تقریبه(4) (ص 473). مرّ حدیثها (ص 38 ، 40 ، 41).

ص: 154


1- یظهر من هذا السند أنَّ ابن عیینة کابن البیّع ، أخذ الحدیث من مشایخه ولم یبلغ العشرة من عمره ؛ إذ ابن عیینة ولد سنة سبع بعد المائة وتُوفّی عمرو بن دینار سنة 115 ، 116. (المؤلف)
2- تقریب التهذیب : 1 / 379 رقم 41 حرف الطاء.
3- المصدر السابق : 1 / 387 رقم 42 حرف العین.
4- المصدر السابق : 2 / 606 رقم 3 حرف العین ، باب النساء.

40 - عبدالحمید بن المنذر بن الجارود العبدیّ :

وثّقه النسائی وابن حجر فی التقریب(1) (ص 224).

یأتی عنه ، عن أبی الطفیل حدیث مناشدة الرحبة ، بطریقٍ رجالُهُ کلُّهم ثقات.

41 - أبو عمارة عبد خیر بن یزید الهَمْدانیّ ، الکوفیّ ، المخضرم :

وثّقه ابن معین والعجلی(2) ، کما فی الخلاصة(3) (ص 269) ، ووثّقه ابن حجر فی تقریبه(4) (ص 225) ، وعدّه من کبار التابعین.

یأتی الطریق إلیه فی حدیث المناشدة بالرحبة بلفظ سعید.

42 - عبدالرحمن بن أبی لیلی : المتوفّی (82 ، 83 ، 86).

فی المیزان(5) (2 / 115) : من أئمّة التابعین وثقاتهم ، وأثنی علیه فی التذکرة(6) بالفقه ، ووثّقه فی التقریب(7).

یأتی حدیث مناشدة الرحبة عنه بطرق کثیرة ، ومرّ الحدیث عنه (ص 15 ، 39).

43 - عبدالرحمن بن سابط ، ویقال : ابن عبدالله بن سابط الجُمَحی ، المکّی :

وثّقه ابن حجر فی التقریب(8) ، وعدّه من الطبقة الوسطی من التابعین. تُوفِّی (118). مرّت الطرق إلیه (ص 38 ، 39 ، 41).

ص: 155


1- تقریب التهذیب : 1 / 469 رقم 832 حرف العین.
2- تاریخ الثقات : ص 286 رقم 924.
3- خلاصة الخزرجی : 2 / 324 رقم 5627.
4- تقریب التهذیب : 1 / 470 رقم 841 حرف العین.
5- میزان الاعتدال : 2 / 584 رقم 4948.
6- تذکرة الحفّاظ : 1 / 58 رقم 42.
7- تقریب التهذیب : 1 / 496 رقم 1094 حرف العین.
8- المصدر السابق : 1 / 480 رقم 943 حرف العین.

44 - عبدالله بن أسعد بن زرارة : راجع (ص 17).

45 - أبو مریم عبدالله بن زیاد الأسدیّ ، الکوفیّ :

وثّقه ابن حبّان(1) ، کما فی خلاصة الخزرجی(2) (ص 168) ، ووثّقه ابن حجر فی التقریب(3) (ص 130). راجع (ص 54).

46 - عبدالله بن شریک العامریّ ، الکوفیّ :

فی التقریب(4) (ص 202) : صدوقٌ یتشیّع ، أفرط الجوزجانی فکذّبه.

وثّقه أحمد(5) وابن معین وغیرهما ، کما فی میزان الذهبی(6) (2 / 46).

مرّ الطریق إلیه (ص 40).

47 - أبو محمد عبدالله بن محمد بن عقیل الهاشمیّ ، المدنیّ : المتوفّی بعد الأربعین والمائة.

فی خلاصة الخزرجی(7) والتقریب(8) عن الترمذی(9) : أنَّه صدوق ، وکان أحمد وإسحاق والحمیدی یحتجّون بحدیثه. راجع طریق جابر (ص 22).

وفی البدایة والنهایة(10) (5 / 213) عن ابن جریر الطبری ، قال : قال المطّلب

ص: 156


1- الثقات : 5 / 58.
2- خلاصة الخزرجی : 2 / 57 رقم 3504.
3- تقریب التهذیب : 1 / 416 رقم 312 حرف العین.
4- المصدر السابق : 1 / 422 رقم 376 حرف العین.
5- العلل ومعرفة الرجال : 2 / 485 رقم 3193.
6- میزان الاعتدال : 2 / 439 رقم 4379.
7- خلاصة الخزرجی : 2 / 96 رقم 3791.
8- تقریب التهذیب : 1 / 447 رقم 607 حرف العین.
9- سنن الترمذی : 1 / 9 ح 3.
10- البدایة والنهایة : 5 / 232 حوادث سنة 10 ه-.

ابن زیاد عن عبدالله بن محمد بن عقیل ، سمع جابر بن عبدالله یقول : کُنّا بالجُحْفة بغدیر خمّ ، فخرج علینا رسول الله صلی الله علیه وسلم من خِباء أو فسطاط ، فأخذ بید علیّ ، فقال : «من کنت مولاه فعلیّ مولاه».

قال شیخنا الذهبی : هذا حدیث حسن ، وقد رواه ابن لهیعة ... إلی آخر ما مرّ فی (ص 22) ، ویأتی فی مناشدة رجلٍ عراقیٍّ جابرَ الأنصاری.

48 - عبدالله بن یعلی بن مرّة : تأتی الطرق إلیه فی حدیث المناشدة ، ومرّ بعضها فی (ص 47).

49 - عَدیّ بن ثابت الأنصاریّ ، الکوفیّ ، الخَطَمیّ : المتوفّی (116).

قال الذهبی فی میزانه(1) (2 / 193) : عالم الشیعة وصادقهم وقاصّهم وإمام مسجدهم ، ولو کانت الشیعة مثله لقلّ شرّهم ! وثّقه أحمد(2) والعجلی(3) والنسائی.

مرّت الطرق إلیه (ص 18 ، 19) ، وتأتی فی حدیث التهنئة.

50 - أبو الحسن عطیّة بن سعد بن جُنادة - بضم الجیم - العَوْفیّ ، الکوفیّ ، التابعی المشهور : المتوفّی (111).

وثّقه سبط ابن الجوزی فی تذکرته(4) (ص 25) ، والحافظ الهیثمی فی مجمعه (9 / 109) نقلاً عن ابن معین(5).

وفی مرآة الجنان للیافعی (1 / 242) : ضربه الحجّاج أربع مائة سوط علی أن یشتم علیاً رضی الله عنه فلم یشتم.

ص: 157


1- میزان الاعتدال : 3 / 61 رقم 5591.
2- العلل ومعرفة الرجال : 2 / 491 رقم 3233.
3- تاریخ الثقات : ص 330 رقم 1115.
4- تذکرة الخواص : ص 42.
5- التاریخ : 3 / 500 رقم 2446.

مرّت الطرق إلیه (ص 29 ، 35 ، 36 ، 44) وتأتی فی آیة التبلیغ.

51 - علیّ بن زید بن جدعان البصریّ : المتوفّی (129 ، 131).

وثّقه ابن أبی شیبة ، وعن الترمذی : أنَّه صدوقٌ ، وأثنی علیه الذهبی فی تذکرته(1) بالإمامة.

راجع مامرّ عنه (ص 18 ، 19 ، 20) وتأتی طرق کثیرة إلیه فی حدیث التهنئة.

وأخرج الخطیب فی تاریخه (7 / 377) قال :

أخبرنا محمد بن عبدالرحمن المعدّل - بأصبهان - : حدّثنا محمد بن عمر التمیمی الحافظ ، حدّثنا الحسن بن علیّ بن سهل العاقولی ، حدّثنا حمدان بن المختار ، حدّثنا

حفص بن عبدالله بن عمر ، عن سفیان الثوری ، عن علیّ بن زید ، عن أنس قال :

سمعت النبیّ صلی الله علیه وسلم یقول : «من کنتُ مولاه فعلیٌّ مولاه ، أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه».

52 - أبو هارون عُمارة بن جُوَین العبدیّ : المتوفّی (134).

سبقت الطرق إلیه (ص 19 ، 43) ، ویأتی بعضها فی آیة إکمال الدین وحدیث التهنئة.

53 - عمر بن عبدالعزیز الخلیفة الأُمویّ : المتوفّی (101).

یأتی احتجاجه به.

54 - عمر بن عبدالغفّار :

یأتی عنه حدیث مناشدة شابٍّ أبا هریرة.

55 - عمر بن علیّ أمیر المؤمنین : فی التقریب(2) (ص 281) : ثقة من الثالثة.

ص: 158


1- تذکرة الحفّاظ : 1 / 140 رقم 133.
2- تقریب التهذیب : 2 / 61 رقم 490 حرف العین.

مات فی زمن الولید ، وقیل قبل ذلک. راجع (ص 55).

56 - عمرو بن جعدة بن هبیرة : مرّ حدیثه (ص 17).

57 - عمرو بن مرّة أبو عبدالله الکوفیّ ، الهَمْدانیّ : المتوفّی (116) ، یقال علیه : ذو مرّة(1).

فی تهذیب التهذیب(2) (ج 8) : تابعیّ ثقة عن العجلی(3) ، وترجمه الذهبی فی تذکرته(4) (1 / 108) ، وأثنی علیه بالثقة والثبت والإمامة.

مرّ حدیثه (ص 55) ، وإلیه طرق کثیرة تأتی فی حدیث المناشدة بالرحبة ، غیر واحد منها صحیح ، رجاله ثقات.

58 - أبو إسحاق عمرو بن عبدالله السبیعیّ ، الهَمْدانیّ :

قال الذهبی فی میزانه(5) : من أئمّة التابعین بالکوفة وأثباتهم ، وترجمه فی تذکرته(6) بالثناء علیه (1 / 101) ، وفی التقریب(7) : مُکثر ثقة عابد. تُوفِّی (127) ، وقیل أکثر.

مرّ حدیثه (ص 32 ، 35) ، وتأتی إلیه طرق کثیرة فی المناشدة وحدیث التهنئة.

59 - أبو عبدالله عمرو بن میمون(8) الأودی : ذکره الذهبی فی التذکرة(9) (1 / 56)

ص: 159


1- قد وقع اشتباه فی معاجم کثیرة بینه وبین عمرو بن مرّة الصحابی المذکور (ص 58). (المؤلف)
2- تهذیب التهذیب : 8 / 89.
3- تاریخ الثقات : ص 372 رقم 1295.
4- تذکرة الحفّاظ : 1 / 121 رقم 105.
5- میزان الاعتدال : 3 / 270 رقم 6393.
6- تذکرة الحفّاظ : 1 / 114 رقم 99.
7- تقریب التهذیب : 2 / 73 رقم 623 حرف العین.
8- فی الخصائص للنسائی : عمرو بن میمونة ، وفی المناقب للخوارزمی [ص 125] : عمر بن میمون ، والصحیح ما ذکر. (المؤلف)
9- تذکرة الحفّاظ : 1 / 65 رقم 55.

بالإمامة والثقة ، وفی التقریب(1) (ص 288) : ثقة ، عابد ، نزل الکوفة ، مات (74) وقیل بعدها.

مرّت الطرق إلیه (ص 50 ، 51) ، ویأتی احتجاجه بحدیث الغدیر.

60 - عُمیرة(2) بن سعد الهَمْدانیّ ، الکوفیّ :

وثّقه ابن حبّان(3) ، وفی التقریب(4) (ص 291) : مقبول.

تأتی طرق الحفّاظ إلیه ، وهی کثیرة فی المناشدة بالرحبة ، ومرّ بعضها (ص 18 ، 44).

61 - عُمیرة بنت سعد بن مالک المدنیّة : أُخت سهل ، أُمّ رفاعة بن مبشِّر :

یأتی الطریق إلیها فی حدیث مناشدة أمیر المؤمنین فی الرحبة ، ولنا فی هذا السند نظر یأتی فی محلّه.

62 - عیسی بن طلحة بن عبیدالله التَّیْمیّ ، أبو محمد المدنی : أحد العلماء.

وثّقه ابن معین. مات فی خلافة عمر بن عبدالعزیز ، کذا ترجمه الخزرجی فی خلاصته(5) (ص 257). مرَّ الطریق إلیه (ص 46).

«حرف الفاء والقاف»

63 - أبو بکر فِطر بن خلیفة المخزومیّ ، مولاهم الحنّاط :

ص: 160


1- تقریب التهذیب : 2 / 80 رقم 690 حرف العین.
2- فی الخصائص للنسائی : عمرو ، وفی مجمع الهیثمی [9 / 108] وغیره : عمیر ، وقال الذهبی [فی میزان الاعتدال : 3 / 298 رقم 6496] : الصحیح عُمَیرة. (المؤلف)
3- الثقات : 5 / 279.
4- تقریب التهذیب : 2 / 87 رقم 772 حرف العین.
5- خلاصة الخزرجی : 2 / 317 رقم 5572.

ثقةٌ صدوقٌ ، وثّقه(1) أحمد ، وابن معین ، والعجلی ، وابن سعد. توفّی (150 ، 153) ، أو أکثر ، کما فی تهذیب التهذیب(2).

یأتی عنه حدیث المناشدة فی الرحبة بطرقٍ کثیرةٍ صحیحةٍ ، رجالها ثقات ، ومرّ الطریق إلیه (ص 48 ، 54).

64 - قبیصة بن ذؤیب : ترجمه الذهبی فی تذکرته(3) (1 / 52) وأثنی علیه ، ووثّقه ابن حبّان(4) ، کما فی الخلاصة(5) (ص 268). مات (86).

مرّ الطریق إلیه (ص 22).

65 - أبو مریم قیس الثقفی ، المدائنی : وثّقه النسائی ، کما فی خلاصة الخزرجی(6) (ص 395).

مرّ الطریق إلیه (ص 54) ، ورجاله ثقات.

«حرف المیم إلی آخر الحروف»

66 - محمد بن عمر بن علیّ أمیر المؤمنین : تُوفّی فی خلافة عمر بن عبدالعزیز ، ویقال : سنة (100).

وثّقه ابن حبّان(7) ، وقال ابن حجر(8) : صدوقٌ من السادسة ، مات

ص: 161


1- العلل ومعرفة الرجال : 1 / 443 رقم 993 ، التاریخ : 3 / 267 رقم 1254 ، تاریخ الثقات : ص 385 رقم 1360 ، الطبقات الکبری : 6 / 364.
2- تهذیب التهذیب : 8 / 270.
3- تذکرة الحفّاظ : 1 / 60 رقم 47.
4- الثقات : 5 / 317.
5- خلاصة الخزرجی : 2 / 349 رقم 5827.
6- المصدر السابق : 3 / 244 رقم 461.
7- الثقات : 5 / 353.
8- تقریب التهذیب : 2 / 194 رقم 562 حرف المیم.

بعد الثلاثین(1).

راجع الطرق إلیه (ص 55).

67 - أبو الضحی مسلم بن صُبَیح - بالتصغیر - الهَمْدانیّ ، الکُوفیّ ، العطّار :

وثّقه ابن معین وأبو زرعة ، کما فی خلاصة التهذیب(2) (ص 321) ، والتقریب(3) (ص 422).

مرّ الطریق إلیه (ص 35).

68 - مسلم المُلائی - بضمّ المیم - : مرّت الطرق إلیه (ص 24 ، 39).

69 - أبو زُرارة مصعب بن سعد بن أبی وقّاص الزُّهریّ ، المدنیّ : فی التقریب(4) (ص 334) : ثقةٌ. تُوفِّی سنة (103). راجع (ص 40).

70 - مطَّلب بن عبدالله القرشی ، المخزومیّ ، المدنیّ : وثّقه أبوزرعة والدارقطنی.

مرّ حدیثه (ص 49).

71 - مطر الورّاق : تأتی ترجمته وحدیثه فی صوم الغدیر وآیة إکمال الدین وحدیث التهنئة.

72 - معروف بن خربُوذ - بضم الموحّدة آخره ذال معجمة(5) - :

وثّقه ابن حبّان(6) راجع (ص 26) ویأتی - أیضاً - فیما بعد إن شاء الله تعالی.

ص: 162


1- فی طبقات ابن سعد : القسم المتمّم / 249 رقم 136 : وقد أدرک أوّل خلافة أبی العبّاس ... ، وکانت خلافته بین سنتی 132 - 136 ه-.
2- خلاصة الخزرجی : 3 / 25 رقم 6972.
3- تقریب التهذیب : 2 / 245 رقم 1087 حرف المیم.
4- المصدر السابق : 2 / 251 رقم 1152 حرف المیم.
5- ضبط الخزرجی فی الخلاصة [3 / 44 رقم 7107] بفتح المعجمة والمهملة المشدّدة والدال المهملة. (المؤلف)
6- الثقات : 5 / 439.

73 - منصور بن المعتمر : یأتی حدیثه وترجمته فی آیة (سَأَلَ سائِلٌ).

74 - مهاجر بن مسمار الزُّهْریّ ، المدنیّ : وثّقه ابن حبّان(1).

مرت الطرق إلیه (ص 38 و 41).

75 - موسی بن أکتل بن عمیر النمیریّ : سلف الطریق إلیه (ص 46).

76 - أبو عبدالله میمون البصریّ : مولی عبدالرحمن بن سَمرة.

وثّقه ابن حبّان(2) کما فی مجمع الزوائد (9 / 111) ، وقال ابن حجر فی القول المسدّد(3) (ص 17) : میمون وثّقه غیر واحد وتکلّم بعضهم فی حفظه ، وقد صحّح له الترمذی حدیثاً.

طرق الحفّاظ إلیه کثیرةٌ مرّت (ص 30 ، 31 ، 32 ، 35) ، وصحّحه ابن کثیر(4).

77 - نذیر الضبّی ، الکوفیّ : من کبار التابعین.

یأتی عنه حدیث مناشدة أمیر المؤمنین علیه السلام یوم الجمل.

78 - هانی بن هانی الهَمْدانیّ ، الکوفیّ : نفی البأس عنه النسائی ، کما فی تهذیب التهذیب(5).

یأتی حدیثه فی مناشدة الرحبة.

79 - أبو بلَج یحیی بن سلیم الفزاریّ ، الواسطیّ :

وثّقه ابن معین والنسائی والدارقطنی ، کما فی خلاصة الخزرجی(6) (ص 383) ،

ص: 163


1- الثقات : 7 / 486.
2- المصدر السابق : 5 / 418.
3- القول المسدّد : ص 21.
4- البدایة والنهایة : 5 / 231 حوادث سنة 10 ه.
5- تهذیب التهذیب : 11 / 22.
6- خلاصة الخزرجی : 3 / 207 رقم 93.

ووثّقه الحافظ الهیثمی فی مجمع الزوائد (9 / 109).

مرّت الطرق إلیه (ص 50 ، 51) ، والحدیث بطریقه عن ابن عبّاس صحیح ، رجاله کلّهم ثقات.

80 - یحیی بن جُعدة بن هُبَیرة المخزومیّ : فی التقریب(1) (ص 389) : ثقةٌ من الثالثة. راجع (ص 32 ، 35).

81 - یزید بن أبی زیاد الکوفیّ : أحد أئمّة الکوفة. توفّی (136) ، وله تسعون عاماً أو دونها بقلیل.

یأتی حدیثه فی مناشدة الرحبة.

82 - یزید بن حیّان التیمیّ ، الکوفیّ : وثّقه العاصمی فی زین الفتی ، والنسائی کما فی خلاصة الخزرجی(2) (ص 370) ، ووثّقه ابن حجر فی تقریبه(3) ، وعدّه من الطبقة الوسطی من التابعین.

مرّت الطرق إلیه (ص 31 ، 35) ، وأخرج الحافظ العاصمی فی زین الفتی بإسناده عن إسحاق بن إبراهیم المروزی الثقة ، عن جریر بن عبدالحمید الضبّی الثقة ،

عن أبی حیّان یحیی بن سعید التیمی الثقة ، عن یزید بن حیّان الکوفی الثقة بالحرم(4) :

قام رسول الله بغدیر خُمّ فوعظ ، وذکّر ، ثمّ قال : «أمّا بعد : أیّها الناس فإنَّما أنا بشرٌ مثلکم ، یوشک أن یأتینی رسول ربّی ، فأُجیب ...» الحدیث.

ص: 164


1- تقریب التهذیب : 2 / 344 رقم 32 حرف الیاء.
2- خلاصة الخزرجی : 3 / 168 رقم 8115.
3- تقریب التهذیب : 2 / 363 رقم 242 حرف الیاء.
4- کذا فی النسخة ، وقد سقط عنها اسم الراوی عن النبیّ صلی الله علیه وآله وهو زید بن أرقم ، فاللفظ لفظه ، والطریق إلیه طریق (مسلم) فیما ذکره من حدیث الغدیر فی صحیحه [5 / 25 ح 36 کتاب فضائل الصحابة] عن زید. (المؤلف)

83 - أبو داود یزید بن عبدالرحمن بن الأسود الأَوْدیّ ، الکوفیّ :

وثّقه ابن حبّان(1) ، کما فی خلاصة الخزرجی(2) (ص 372).

مرّت الطرق إلیه (ص 15) ، وتأتی فی حدیث مناشدة شابٍّ أبا هریرة.

84 - أبو نجیح یسار الثقفیّ : المتوفّی (109).

وثّقه ابن معین ، کما فی خلاصة الخزرجی(3) (ص 384). مرّت الطرق إلیه (ص 39).

آخِرُ دَعْوانا أَنِ ٱلْحَمدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمین

ص: 165


1- الثقات : 5 / 542.
2- خلاصة الخزرجی : 3 / 173 رقم 8155.
3- المصدر السابق : 3 / 180 رقم 8217.

ص: 166

طبقات الرواة من العلماء

علی ترتیب الوفیات

لیست الصحابة والتابعون بالعنایة بحدیث الغدیر بِدْعاً من علماء القرون المتتابعة بعد قرنهم ، فإنّ الباحث یجد فی کلّ قرن زُرافات من الحفّاظ الأثبات ، یروون هذه الأثارة من عِلم الدین ، متلقّین عن سلفهم ، ویُلقُونها إلی الخلَف ، شأن ما یتحقّق عندهم ، ویخضعون لصحّته من الأحادیث ، فإلیک یسیراً من أسمائهم فی کلّ قرن شاهداً علی الدعوی ، ونُحیل الحیطة بجمیعها إلی طول باع القارئ الکریم ، والوقوف علی الأسانید ومعرفة المشیخة.

«القرن الثانی»

1 - أبو محمد عمرو بن دینار الجُمَحی ، المکّی : المتوفّی (115 ، 116).

قال مِسعر : کان ثقةً ثقةً ثقةً کما فی خلاصة الخزرجی(1) (ص 244).

راجع طاووس التابعی (ص 66).

2 - أبو بکر محمد بن مسلم بن عبیدالله القرشیّ ، الزُّهریّ : المتوفّی (124).

أحد الأئمّة الأعلام ، عالم الحجاز والشام ، ترجمه کثیر من أرباب المعاجم بالثناء علیه. وقال الذهبی فی تذکرته(2) (1 / 96) : مناقب الزهری وأخباره تحتمل أربعین

ص: 167


1- خلاصة الخزرجی : 2 / 284 رقم 5288.
2- تذکرة الحفّاظ : 1 / 113 رقم 97.

ورقة. مرّ الحدیث عنه (ص 23 ، 32).

3 - عبدالرحمن بن القاسم بن محمد بن أبی بکر التَیْمیّ ، أبو محمد المدنیّ : المتوفّی (126).

وثّقه أحمد وابن سعد(1) وأبو حاتم(2) ، وأثنی علیه الخزرجی فی خلاصته(3)

(ص 197) بالإمامة والثقة ، روی مناشدة شابٍّ أبا هریرة بحدیث الغدیر.

4 - بکر بن سوادة بن ثُمامة ، أبو ثمامة البصری : المتوفّی (128) ، أحد الفقهاء والأئمّة کما فی خلاصة الخزرجی(4) (ص 44) ، وثّقه ابن معین وابن سعد والنسائی ، طریقه إلی جابر صحیح ، رجاله کلّهم ثقات. مرّ (ص 22).

5 - عبدالله بن أبی نجیح یسار الثقفیّ ، أبو یسار المکّی : المتوفّی (131).

وثّقه أحمد کما فی الخلاصة(5) (ص 183) ، وابن حجر فی التقریب(6) (ص 145).

مرّ حدیثه (ص 39) بطریق صحیح رجاله ثقات.

6 - الحافظ مغیرة بن مَقسم ، أبو هشام الضبّی ، الکوفیّ ، الأعمی - وُلِد أعمی - : المتوفّی (133).

وثّقه العرزمی والعجلی(7) ، کما فی تذکرة الذهبی(8) (1 / 128) ، وخلاصة

ص: 168


1- الطبقات الکبری : القسم المتمّم / 215 رقم 86.
2- الجرح والتعدیل : 5 / 278 رقم 1324.
3- خلاصة الخزرجی : 2 / 149 رقم 4219.
4- المصدر السابق : 1 / 134 رقم 826.
5- المصدر السابق : 2 / 105 رقم 3863.
6- تقریب التهذیب 1 / 456 رقم 690 حرف العین.
7- تاریخ الثقات : ص 437 رقم 1622.
8- تذکرة الحفّاظ : 1 / 143 رقم 136.

الخزرجی(1) (ص 320). مرّ حدیثه (ص 30).

7 - أبو عبدالرحیم خالد بن زید الجُمَحیّ ، المصریّ : المتوفّی (139).

کان فقیهاً مُفتیاً ، وثّقه أبو زرعة ، والعجلی(2) ، ویعقوب بن سفیان ، والنسائی ، وذکره ابن حبّان فی الثقات(3) ، تُرجم فی تهذیب التهذیب(4) (3 / 129).

یأتی عنه حدیث المناشدة بلفظ زاذان بإسناد صحیح رجاله کلّهم ثقات.

8 - الحسن بن الحکم النَّخَعیّ ، الکوفیّ : المتوفّی بعد ال- (140).

وثّقه ابن معین ، کما فی خلاصة الخزرجی(5) (ص 67).

یأتی بطریقه حدیثُ الرکبان ، والطریق صحیح ، رجاله ثقات.

9 - إدریس بن یزید ، أبو عبدالله الأودی ، الکوفیّ : وثّقه النسائی.

مرّ عنه (ص 15) بطریق صحیح رجاله کلّهم ثقات ، ویأتی عنه حدیث مناشدة شابٍّ أبا هریرة بطریق صحیح رجاله ثقات.

10 - یحیی بن سعید بن حیّان التَیْمیّ ، الکوفیّ ، المدنیّ :

قال العجلی(6) : ثقة صالح. وقال ابن حبّان(7) : مات (145) ، کذا فی خلاصة الخزرجی(8) (ص 363).

ص: 169


1- خلاصة الخزرجی : 3 / 51 رقم 7166.
2- تاریخ الثقات : ص 142 رقم 373.
3- الثقات : 6 / 265.
4- تهذیب التهذیب : 3 / 111.
5- خلاصة الخزرجی : 1 / 211 رقم 1333.
6- تاریخ الثقات : ص 471 رقم 1805.
7- الثقات : 7 / 592.
8- خلاصة الخزرجی : 3 / 149 رقم 7956.

مرّ الطریق إلیه فی عمّه التابعی یزید بن حیّان (ص 72) ، سنده سند مسلم فی صحیحه(1) ، رجاله ثقات.

11 - الحافظ عبدالملک بن أبی سلیمان العرزمی ، الکوفی : المتوفّی (145).

وثّقه أحمد بن حنبل(2) والنسائی ، وقال الذهبی فی تذکرته(3) (1 / 139) : کان من الحفّاظ الأثبات.

مرّ عنه (ص 29 ، 36) بإسناد صحیح رجاله کلّهم ثقات ، ویأتی عنه حدیث مناشدة الرحبة بلفظ زاذان.

12 - عوف بن أبی جمیلة العبدیّ ، الهجریّ ، البصریّ : المتوفّی (146).

وثّقه النسائی وجماعة ، ذکره الخزرجی فی خلاصته(4) (ص 253) ، وابن حجر فی تقریبه(5) (ص 199). راجع (ص 30) ، رجال إسناده ثقات.

13 - عبیدالله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطّاب العَدَویّ ، العُمریّ ، المدنیّ :

أحد الفقهاء السبعة ، وثّقه ابن معین(6) ، والنسائی ، وأبو زرعة ، وأبو حاتم(7).

توفّی (147) وقیل غیر ذلک. ترجمه ابن حجر فی تهذیبه(8) (8 / 40).

ص: 170


1- صحیح مسلم : 5 / 25 ح 36 کتاب فضائل الصحابة.
2- العلل ومعرفة الرجال : 1 / 410 رقم 857.
3- تذکرة الحفّاظ : 1 / 155 رقم 151.
4- خلاصة الخزرجی : 2 / 308 رقم 5486.
5- تقریب التهذیب : 2 / 89 رقم 793 حرف العین.
6- معرفة الرجال : 1 / 105 رقم 479.
7- الجرح والتعدیل : 5 / 326 رقم 1545.
8- تهذیب التهذیب : 7 / 35.

أخرج الحافظ العاصمی [حدیث الغدیر] بطریقه عنه فی زین الفتی.

14 - نعیم بن الحکیم المدائنیّ : المتوفّی (148).

یروی عنه الحافظان أبو عوانة والقطان ، وثّقه ابن معین والعجلی(1). ترجمه الخطیب فی تاریخه (13 / 302).

مرّ الطریق إلیه (ص 54) ، وهو صحیح ، رجاله ثقات.

15 - طلحة بن یحیی بن طلحة بن عبیدالله التَّیْمیّ ، الکوفیّ : المتوفّی (148).

وثّقه العجلی(2) وابن معین(3) ، وقال أبو زرعة والنسائی : صالحٌ. ترجمه الخزرجی فی الخلاصة(4) (ص 153) ، وابن حجر فی تهذیب التهذیب(5).

مرّ حدیثه (ص 46).

16 - أبو محمد کثیر بن زید الأسلمیّ : المتوفّی بعد ال- (150). یُعرف بابن ماقَبَة(6) - بفتح القاف والموحّدة .

قال أبو زرعة : صدوق ، وفیه لین. ترجمه الخزرجی فی الخلاصة(7) (ص 283).

مرّ الحدیث عنه (ص 55) بطریق بقیّة رجاله کلّهم ثقات.

ص: 171


1- تاریخ الثقات : ص 451 رقم 1696.
2- المصدر السابق : ص 237 رقم 728.
3- التاریخ : 3 / 158 رقم 668.
4- خلاصة الخزرجی : 2 / 13 رقم 3204.
5- تهذیب التهذیب : 5 / 25.
6- من رجال أبی داود والترمذی وابن ماجة ، ترجم له المزّی فی تهذیب الکمال : 24 / 113 وقال : ویقال له ابن مافنّة وهی أمّه ، وکذا ضبطه فی التقریب : 2 / 131 بفتح الفاء وتشدید النون ، ووقع فی نسخة تهذیب التهذیب 8 / 413 : ابن صافنّة ، فتصحفت المیم إلی الصاد خطأً . وثّقه ابن حبّان وذکره فی الثقات : 7 / 354. (الطباطبائی)
7- خلاصة الخزرجی : 2 / 362 رقم 5929.

17 - الحافظ محمد بن إسحاق المدنی ، صاحب السیرة : المتوفّی (151 ، 152).

أطراه الأعلام بالثقة والإمامة والعلم والحفظ والثبت.

ترجمه الذهبی فی تذکرته(1) (1 / 155) ، والخزرجی فی الخلاصة(2) (ص 279) ، روی الحاکم بطریقه فی المستدرک(3) (3 / 110) ، کما مرّ (ص 20) وغیرها.

18 - الحافظ معمر بن راشد ، أبو عروة الأزدی ، البصری : المتوفّی (153 ، 154).

وثّقه العجلی(4) ، والنسائی ، والسمعانی ، ذکره الذهبی فی تذکرته(5) (1 / 171) معبِّراً عنه بالإمام الحجّة.

مرّ حدیثه (ص 19) بطریق صحیح رجاله ثقات.

19 - الحافظ مسعر بن کِدام - بکسر أوّله - ابن ظهیر الهلالیّ ، الرواسیّ - بفتح أوّله - ، الکوفیّ : المتوفّی (153 ، 155).

قال القطّان : ما رأیت مثله ، کان من أثبت الناس. وقال شعبة : کان یُسمّی المصحف لإتقانه.

وثّقه أحمد وأبو زرعة والعجلی(6) ، راجع تذکرة الذهبی(7) (1 / 169)

ص: 172


1- تذکرة الحفّاظ : 1 / 172 رقم 167.
2- خلاصة الخزرجی : 2 / 379 رقم 6049.
3- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 119 ح 4578. والذی یتراءی لی أنَّ هذا لیس صاحب السیرة ؛ فإنَّ الحاکم روی عنه بواسطة واحدة ، فربما یکون هو الحافظ ابن خزیمة. (الطباطبائی)
4- تاریخ الثقات : ص 435 رقم 1611.
5- تذکرة الحفّاظ : 1 / 190 رقم 184.
6- تاریخ الثقات : ص 426 رقم 1562.
7- تذکرة الحفّاظ : 1 / 188 رقم 183.

وخلاصة الخزرجی(1) (ص 320).

یأتی عنه حدیث المناشدة بلفظ عُمیرة الهمدانی.

20 - أبو عیسی الحکم بن أبان العدَنیّ : المتوفّی (154).

قال العجلی(2) : ثقة صاحب سنّة ، کان إذا هدأت العیون وقف فی البحر إلی رکبتیه یذکر الله تعالی ، کذا ترجمه الخزرجی فی الخلاصة(3) (ص 75). مرّ حدیثه (ص 20).

21 - عبدالله بن شَوْذب البلخیّ ، نزیل البصرة : المتوفّی (157).

ستقف علی ترجمته فی صوم الغدیر ، ویأتیک قول ابن الولید فیه : کان إذا نظرتُ إلیه ذکرتُ الملائکة.

روی حدیث صوم الغدیر بطریق صحیح رجاله کلّهم ثقات.

22 - الحافظ شعبة بن الحجّاج أبو بسطام الواسطیّ ، نزیل البصرة : المتوفّی (160).

عن ابن معین(4) : أنَّه إمام المتّقین ، وعن الحَکم : إمام الأئمّة ، وعن الثوری : شعبة أمیر المؤمنین فی الحدیث.

ترجمه الذهبی فی التذکرة(5) (1 / 174) ، والخزرجی فی الخلاصة(6) (ص 140).

مرّ حدیثه (ص 30) بطریق صحیح رجاله ثقات ، وکذلک ما مرّ فی (ص 32 ،

ص: 173


1- خلاصة الخزرجی : 3 / 22 رقم 6946.
2- تاریخ الثقات : ص 126 رقم 312.
3- خلاصة الخزرجی : 1 / 242 رقم 1536.
4- معرفة الرجال : 1 / 114 رقم 552.
5- تذکرة الحفّاظ : 1 / 193 رقم 187.
6- خلاصة الخزرجی : 1 / 449 رقم 2951.

35 ، 39 ، 48) ، ویأتی عنه حدیث المناشدة بلفظ زید بن یُثیع.

23 - الحافظ أبو العلاء کامل بن العلاء التمیمیّ ، الکوفیّ : المتوفّی حدود (160).

وثّقه ابن معین(1) ، ونفی عنه البأس ابن عدیّ(2) والنسائی ، کما فی خلاصة الخزرجی(3) (ص 272) ، وصحّح حدیثه الحاکم فی المستدرک(4).

مرّ حدیثه (ص 32) بطریق صحیح رجاله کلّهم ثقات.

24 - الحافظ سفیان بن سعید الثوری ، أبو عبدالله الکوفیّ : المتوفّی بالبصرة (161). وکان مولده (77). قال الخطیب فی تاریخه (9 / 152) : کان إماماً من أئمّة المسلمین ، وعَلَماً من أعلام الدین ، مُجمَعاً علی إمامته ؛ بحیث یُستغنی عن تزکیته ، مع الإتقان والضبط والحفظ والمعرفة والزهد والورع.

فی تاریخ الخطیب (7 / 377) : أخبرنا أبو الفتح محمد بن الحسین العطّار - قطیط - أخبرنا محمد بن أحمد بن عبدالرحمن المعدّل - بأصبهان - حدّثنا أبو بکر محمد بن عمر

التمیمی الحافظ الجُعابی ، حدّثنا الحسن بن علیّ بن سهل العاقولی ، حدّثنا حمدان بن المختار ، حدّثنا حفص بن عبیدالله(5) بن عمر ، عن سفیان الثوری ، عن علیّ بن زید ، عن أنس ، قال :

سمعتُ النبیّ صلی الله علیه وسلم یقول : «من کنتُ مولاه فعلیٌّ مولاه ، أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه».

25 - الحافظ إسرائیل بن یونس بن أبی إسحاق السبیعیّ ، أبو یوسف الکوفیّ : المتوفّی (162).

ص: 174


1- التاریخ : 3 / 273 رقم 1303.
2- الکامل فی ضعفاء الرجال : 6 / 83 رقم 1615.
3- خلاصة الخزرجی : 2 / 361 رقم 5921.
4- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 613 ح 6272.
5- هو بقرینة حمدان والثوری : حفص بن عبدالله السلمی أبو عمرو. (المؤلف)

وثّقه ابن معین(1) وغیره ، وبالغ فی الثناء علیه الذهبی فی تذکرته(2) (1 / 193).

مرّ الحدیث عنه (ص 40) ، ویأتی عنه بطریق صحیح رجاله ثقات فی حدیث المناشدة.

26 - جعفر بن زیاد الکوفیّ ، الأحمر : المتوفّی (165 ، 167).

قال أبو داود : ثقةٌ ، شیعیٌّ ، وقال أبو زرعة : صدوقٌ ، ونفی النسائی عنه البأس ، کذا فی خلاصة الخزرجی(3) (ص 53).

یأتی عنه حدیث مناشدة الرحبة ، بلفظ عبدالرحمن بطریق صحیح ، رجاله ثقات.

27 - مسلم بن سالم النهدی ، أبو فروة الکوفیّ : المتوفّی فی أواسط القرن الثانی.

وثّقه ابن معین وقال أبو حاتم(4) : صالح الحدیث لیس به بأس.

یأتی عنه - عن عبدالرحمن بن أبی لیلی - حدیث المناشدة بالرحبة بطریق صحیح ، رجاله ثقات.

28 - الحافظ قیس بن الربیع ، أبو محمد الأسدیّ ، الکوفیّ : المتوفّی (165).

قال عفّان : کان ثقةً ، وقال یعقوب بن شیبة : هو عند جمیع أصحابنا صدوق ، وکتابه صالح وهو ردیّ الحفظ.

ترجمه الذهبی فی تذکرته(5) (1 / 205) ، والخزرجی فی الخلاصة(6) (ص 270).

ص: 175


1- التاریخ : 4 / 65 رقم 3169.
2- تذکرة الحفّاظ : 1 / 214 رقم 201.
3- خلاصة الخزرجی : 1 / 167 رقم 1038.
4- الجرح والتعدیل : 8 / 185 رقم 808.
5- تذکرة الحفّاظ : 1 / 226 رقم 211.
6- خلاصة الخزرجی : 2 / 356 رقم 5876.

مرّ عنه (ص 43) ، ویأتی عنه حدیث نزول آیة إکمال الدین فی علیّ علیه السلام یوم الغدیر.

29 - الحافظ حمّاد بن سَلَمة ، أبو سلمة البصریّ : المتوفّی (167).

قال ابن معین(1) : ثقةٌ ، وقال ابن معمر : کان یُعدّ من الأبدال ، وقال القطّان : إذا رأیت الرجل یقع فی حمّاد ، فاتّهمه علی الإسلام ، وقال وُهَیْب : کان حمّاد سیّدنا

وأعلمنا ، وقال الذهبی : کان بارعاً فی العربیّة ، فقیهاً ، فصیحاً مفوّهاً ، صاحب سنّة.

ترجمه الذهبی فی تذکرته(2) (1 / 182) ، والخزرجی فی الخلاصة(3) (ص 78).

راجع (ص 18) ، فالحدیث بطریقه إلی البراء صحیح ، رجاله ثقات ، ویأتی عنه حدیث التهنئة بإسناد صحیح رجاله ثقات.

30 - الحافظ عبدالله بن لهیعة ، أبو عبدالرحمن المصریّ : المتوفّی (174).

ترجمه الذهبی فی تذکرته(4) (1 / 215). وقال :

الإمام الکبیر قاضی الدیار المصریّة وعالمها ومحدّثها ، وقال : قال أحمد بن حنبل : ما کان مثل ابن لهیعة بمصر فی کثرة حدیثه وضبطه وإتقانه ، وقال أحمد بن صالح : کان

صالح الکتاب طَلّاباً للعلم.

راجع (ص 22) ، فالطریق منه إلی جابر الأنصاری صحیح رجاله ثقات.

31 - الحافظ أبو عوانة الوضّاح بن عبدالله الیشکریّ ، الواسطیّ ، البزّاز : المتوفّی (175 ، 176) ، کان صدوقاً ثقةً ، أجمعوا علی حجّیّته فیما حدّث ، کما فی تهذیب

ص: 176


1- معرفة الرجال : 1 / 94 رقم 267.
2- تذکرة الحفّاظ : 1 / 202 رقم 197.
3- خلاصة الخزرجی : 1 / 252 رقم 1602.
4- تذکرة الحفّاظ : 1 / 237 رقم 224.

التهذیب(1) وتذکرة الذهبی(2) (1 / 241).

مرّت الطرق إلیه (ص 30) بأسانید صحیحة و (ص 31 ، 50 ، 51) ، وکثیر من طرقه صحیح.

32 - القاضی شریک بن عبدالله ، أبو عبدالله النخعیّ ، الکوفیّ : المتوفّی (177).

قال الذهبی فی تذکرته(3) (1 / 210) : أحد الأئمّة الأعلام ، کان حسن الحدیث ، إماماً فقیهاً ، ومحدِّثاً مکثراً ، لیس هو فی الإتقان کحمّاد بن زید ، وقد استشهد به البخاری ، وخرّج له مسلم متابعة.

وثّقه یحیی بن معین(4) ، وعدّه محیی الدین بن أبی الوفاء فی الجواهر المضیّة(5) (1 / 256) من الحنفیّة.

مرّ حدیثه (ص 31) بطریق صحیح رجاله ثقات ، وکذلک فی (ص 48) ، ویأتی عنه بطریق صحیح حدیث المناشدة فی الرحبة ، وحدیث مناشدة شابٍّ أبا هریرة.

33 - الحافظ عبدالله - عبیدالله - بن عبیدالرحمن - عبدالرحمن - الکوفیّ ، أبو عبدالرحمن الأشجعیّ : المتوفّی (182).

وثّقه ابن معین(6) والذهبی وابن حجر. راجع تذکرة الحفّاظ(7) (1 / 284) ، والتقریب(8) (ص 170).

ص: 177


1- تهذیب التهذیب : 11 / 103.
2- تذکرة الحفّاظ : 1 / 236 رقم 223.
3- المصدر السابق : 1 / 232 رقم 218.
4- التاریخ : 3 / 369 رقم 1796.
5- الجواهر المضیّة : 2 / 248 رقم 642.
6- معرفة الرجال : 1 / 115 رقم 553.
7- تذکرة الحفّاظ : 1 / 311 رقم 289.
8- تقریب التهذیب : 1 / 536 رقم 1481 حرف العین.

مرّ حدیثه بطریق صحیح رجاله ثقات (ص 28).

34 - نوح بن قیس ، أبو روح الحُدّانی - بضمّ المهملة آخره نون - البصریّ : المتوفّی (183).

وثّقه مُرّة وابن معین(1) ، کما فی الخلاصة(2) وهامشها (ص 347).

مرّ حدیثه (ص 37).

35 - المطَّلب بن زیاد بن أبی زهیر الکوفیّ ، أبو طالب : المتوفّی (185).

اعتمد علی الروایة عنه جمع کثیر من الحفّاظ وأئمّة الحدیث ، ووثّقه ابن معین(3) ، وعند أبی داود وابن حجر صدوقٌ ، وعند غیرهم محدِّثٌ جلیلٌ.

توجد ترجمته فی التقریب(4) (ص 247) ، والخلاصة(5) (ص 324).

یأتی عنه حدیث مناشدة رجل عراقی جابر الأنصاری بطریق صحیح رجاله ثقات.

36 - القاضی حسّان بن إبراهیم العَنَزیّ - بفتح العین والمعجمة الموحّدة - أبو هاشم : المتوفّی (186).

وثّقه أحمد وأبو زرعة وابن معین وابن عدیّ(6) ، کما فی الخلاصة(7) وهامشها (ص 64).

مرّ حدیثه (ص 31) بطریق رجاله کلّهم ثقات.

ص: 178


1- التاریخ : 4 / 123 رقم 3485.
2- خلاصة الخزرجی : 3 / 102 رقم 7571.
3- التاریخ : 3 / 272 رقم 1293.
4- تقریب التهذیب : 2 / 254 رقم 1175 حرف المیم.
5- خلاصة الخزرجی : 3 / 34 رقم 7038.
6- الکامل فی ضعفاء الرجال : 2 / 375 رقم 501.
7- خلاصة الخزرجی : 1 / 205 رقم 1298.

37 - الحافظ جریر بن عبد الحمید ، أبو عبدالله الضبّیّ ، الکوفیّ ، ثمّ الرازیّ : المتوفّی (188) عن (78) عاماً.

ذکره الذهبی فی تذکرته(1) (1 / 247) ، وقال : رحل إلیه المحدِّثون لثقته وحفظه وسعة علمه.

مرّ الحدیث بطریق الحافظ العاصمی عنه (ص 71) بإسناد صحیح رجاله کلّهم ثقات. وهو سند مُسلِم فی صحیحه(2) فیما رواه من خطبة الغدیر.

38 - الفضل بن موسی ، أبو عبدالله المروزی ، السِینانی - بمهملة مکسورة وموحّدتین - : المتوفّی (192).

وثّقه ابن معین(3) وأبو حاتم(4) ، کما فی الخلاصة(5) (ص 263) ، وفی التقریب(6) (ص 205) : ثقةٌ ثبت.

یأتی عنه حدیث مناشدة الرحبة بلفظ سعید وزید بطریق صحیح رجاله کلّهم ثقات.

39 - الحافظ محمد بن جعفر المدنی ، البصریّ ، أبو عبدالله غندر(7) : المتوفّی (193).

من الحفّاظ المتقنین ، قال ابن معین : کان أصحّ الناس کتاباً ، أراد بعض أن یُخطِّئه فلم یقدر. ترجمه الذهبی فی تذکرته(8) (1 / 274).

ص: 179


1- تذکرة الحفّاظ : 1 / 271 رقم 257.
2- صحیح مسلم : 5 / 26 ح 36 کتاب فضائل الصحابة.
3- التاریخ : 4 / 354 رقم 4744.
4- الجرح والتعدیل : 7 / 68 رقم 390.
5- خلاصة الخزرجی : 2 / 337 رقم 5728.
6- تقریب التهذیب : 2 / 111 رقم 54 حرف الفاء.
7- محمد بن جعفر غندر من الحفّاظ المشهورین من رجال الصحاح الستّة ، مترجم فی المعاجم وکتب التراجم ، وهو من شیوخ أحمد. وأما الذی تقدّم فی ص 31 عن مستدرک الحاکم فهو فی المستدرک أحمد بن جعفر البزّار ، وهو من شیوخ الحاکم. (الطباطبائی)
8- تذکرة الحفّاظ : 1 / 300 رقم 281 ، وفیه : محمد بن جعفر الهُذَلی. وکذا فی الثقات : 9 / 50.

مرّ الحدیث عنه بإسناد صحیح رجاله ثقات (ص 31) ، وکذلک فی (ص 32 ، 35 ، 48) ، ویأتی عنه حدیث المناشدة فی الرحبة بلفظ سعید بإسناد صحیح رجاله ثقات.

40 - الحافظ إسماعیل بن علیة أبو بشر بن إبراهیم الأسدیّ : المتوفّی (193).

حکی الذهبی فی تذکرته(1) (1 / 295) ، عن أبی داود : أنَّه قال : ما من أحد إلّا وقد أخطأ ، إلّا ابن علیة وبشر ، وقال ابن معین(2) : کان ثقةً ورعاً تقیّاً ، وعن شعبة : أنّه سیّد المحدِّثین.

یأتی حدیثه فی حدیث التهنئة بعنوان ابن أُخت حمید الطویل.

41 - الحافظ محمد بن إبراهیم أبو عمرو بن أبی عَدِیّ السَلَمیّ ، البصریّ : المتوفّی بالبصرة (194) ، وثّقه النسائی وأبو حاتم(3) والذهبی کما فی تذکرة الحفّاظ(4) (1 / 296) ، وخلاصة الخزرجی(5) (ص 276).

مرّ الحدیث بطریقه (ص 30 ، 31) بإسناد صحیح رجاله ثقات.

42 - الحافظ محمد بن خازم - بالمعجمتین - أبو معاویة التمیمیّ ، الضریر : المتوفّی (195).

وثّقه العجلی(6) والنسائی وابن خراش ، کما فی الخلاصة(7) وهامشها (ص 285) ، ترجمه الخطیب فی تاریخه (5 / 242 - 249).

ص: 180


1- تذکرة الحفّاظ : 1 / 322 رقم 303.
2- معرفة الرجال : 1 / 104 رقم 471.
3- الجرح والتعدیل : 7 / 186 رقم 1058.
4- تذکرة الحفّاظ : 1 / 324 رقم 305.
5- خلاصة الخزرجی : 2 / 374 رقم 6019.
6- تاریخ الثقات : ص 403 رقم 1450.
7- خلاصة الخزرجی : 2 / 397 رقم 6174.

مرّ الحدیث عنه (ص 41) بإسناد صحیح.

43 - الحافظ محمد بن فضیل ، أبو عبدالرحمن الکوفیّ : المتوفّی (195).

قال ابن معین : ثقةٌ ، وقال أبو زرعة : صدوقٌ ، والنسائی نفی عنه البأس ، وقال ابن حجر فی التقریب(1) : صدوقٌ عارفٌ ، وذکره الذهبی فی التذکرة(2) (1 / 288) ، وحکی ثقته.

یأتی عنه حدیث الرکبان بطریق صحیح رجاله کلّهم ثقات.

44 - الحافظ وکیع بن الجرّاح الرواسیّ ، أبو سفیان الکوفیّ : المتوفّی (196 ، 197).

وثّقه ابن معین(3) والعجلی(4) وابن سعد(5) ، وقال أحمد : ما رأیت مثله فی العلم والحفظ والإتقان ، مع خشوع وورع.

ترجمه الخطیب فی تاریخه (13 / 496) ، والذهبی فی التذکرة(6) (1 / 280) ، والخزرجی فی الخلاصة(7) (ص 356).

أخرج الإمام أحمد بن حنبل فی مناقبه(8) - علی ما نُقِل - عن الحافظ وکیع ، قال : حدّثنا الأعمش ، عن سعد بن عبیدة ، عن ابن بریدة ، عن أبیه ، قال :

قال رسول الله صلی الله علیه وسلم : «من کنتُ مولاه فعلیٌّ مولاه».

مرّ الإیعاز إلیه (ص 19) عن الجامع الصغیر ، والإسناد صحیح رجاله ثقات.

ص: 181


1- تقریب التهذیب : 2 / 200 رقم 628 حرف المیم.
2- تذکرة الحفّاظ : 1 / 315 رقم 294.
3- التاریخ : 4 / 45 رقم 3061.
4- تاریخ الثقات : ص 464 رقم 1769.
5- الطبقات الکبری : 6 / 394.
6- تذکرة الحفّاظ : 1 / 306 رقم 284.
7- خلاصة الخزرجی : 3 / 128 رقم 7796.
8- مناقب علیّ : ص 54 ح 82.

45 - الحافظ سفیان بن عُیَیْنة ، أبو محمد الهلالیّ ، الکوفیّ : المتوفّی بمکّة (198) ، وکان مولده (107).

قال الذهبی فی تذکرته(1) (1 / 239) : کان إماماً حجّةً حافظاً واسع العلم کبیر القدر. وقال ابن خلّکان فی تاریخه(2) (1 / 226) : کان إماماً عالماً ثبتاً زاهداً ورعاً ، مُجمَعاً علی صحّة حدیثه وروایته. وترجمه کثیر من أرباب المعاجم بالثناء علیه.

یأتی عنه نزول آیة (سَأَلَ سَائِلٌ) حول قضیة الغدیر ، ومرّ عنه الحدیث بطریق صحیح رجاله ثقات (ص 66).

46 - الحافظ عبدالله بن نمیر ، أبو هشام الهمدانیّ ، الخارفیّ :

ترجمه الذهبی فی تذکرته(3) (1 / 299) ، وقال : وثّقه یحیی بن معین(4) وغیره(5) ، وکان من کبار أصحاب الحدیث. توفِّی (199) وله (84) عاماً. راجع (ص 29 ، 36).

وهذا الطریق صحیح رجاله ثقات ، علی ما اختاره ابن سعد(6) ، وابن معین ، والهیثمی(7) : من ثقة عطیّة العوفی ، ویأتی عنه حدیث المناشدة یوم الرحبة بلفظ زاذان.

47 - الحافظ حنش بن الحارث بن لقیط النخعیّ ، الکوفیّ :

وثّقه أبو نعیم والهیثمی ، وقال أبو حاتم(8) : ما به بأس.

ص: 182


1- تذکرة الحفّاظ : 1 / 262 رقم 249.
2- وفیات الأعیان : 2 / 391 رقم 267.
3- تذکرة الحفّاظ : 1 / 327 رقم 311.
4- معرفة الرجال : 1 / 79 رقم 327.
5- أنظر : الثقات 7 / 60 والجرح والتعدیل : 5 / 186 رقم 869 وتهذیب التهذیب : 6 / 52.
6- الطبقات الکبری : 6 / 304.
7- مجمع الزوائد : 9 / 109.
8- الجرح والتعدیل : 3 / 291 رقم 1300.

یأتی عنه حدیث الرکبان بطریق صحیح رجاله ثقات.

48 - أبو محمد موسی بن یعقوب الزمعی ، المدنیّ :

وثّقه ابن معین(1) ، وقال أبو داود : صالحٌ ، تُوفِّی فی آخر خلافة المنصور.

مرّ حدیثه (ص 41) بطریق صحیح رجاله ثقات.

49 - العلاء بن سالم العطّار ، الکوفیّ : شیخ الأشجّ أبی سعید الإمام الثقة.

روی الخطیب(2) وغیره بطریقه حدیث المناشدة الآتی.

50 - الأزرق بن علیّ بن مسلم الحنفیّ ، أبو الجهم الکوفیّ :

وثّقه ابن حبّان(3) ، کما فی الخلاصة(4) (ص 21).

مرّ حدیثه (ص 31) بسند صحیح کلّ رجاله ثقات.

51 - هانی بن أیّوب الحنفی ، الکوفی :

قال ابن کثیر فی تاریخه(5) (5 / 211) : ثقة.

أخرج النسائی(6) عنه حدیث المناشدة بلفظ عُمیرة ، فالطریق صحیح رجاله ثقات.

52 - فضیل بن مرزوق الأغرّ ، الرقاشیّ ، الرواسیّ ، الکوفیّ ، أبو عبدالرحمن : المتوفّی حدود (160).

ص: 183


1- التاریخ : 3 / 158 رقم 672.
2- تاریخ بغداد : 14 / 236 رقم 7545.
3- الثقات : 8 / 136.
4- خلاصة الخزرجی : 1 / 64 رقم 335.
5- البدایة والنهایة : 5 / 230 حوادث سنة 10 ه.
6- خصائص أمیر المؤمنین : ص 100 ح 85 ، وفی السنن الکبری : 5 / 131 ح 8470.

وثّقه الثوری وابن عیینة وابن معین(1) ، وقال الهیثم بن جمیل : کان من أئمّة الهدی زهداً وفضلاً ، وقد أخرج مسلم حدیثه فی صحیحه ، ترجمه ابن حجر فی تهذیب التهذیب(2) (2 / 299).

یأتی عنه حدیث المناشدة بلفظ سعید وعمرو بإسناد صحیح رجاله ثقات.

53 - أبو حمزة سعد بن عُبیدة - بالضمّ - السلمیّ ، الکوفیّ : المتوفّی فی ولایة عمرو بن هُبیرة.

وثّقه النسائی وابن حجر ، کما فی الخلاصة(3) (ص 115) ، والتقریب(4) (ص 89).

مرّ حدیثه (ص 80) بإسناد صحیح رجاله ثقات ، رواه عن عبدالله بن بُرَیدة الثقة ، عن أبیه.

54 - موسی بن مسلم الحزامی ، الشیبانی ، أبو عیسی الکوفیّ ، الطحّان ، المعروف بموسی الصغیر :

وثّقه ابن معین(5) ، وذکره ابن حبّان فی الثقات(6) ، ترجمه ابن حجر فی تهذیب التهذیب(7) (10 / 372).

مرّ حدیثه (ص 41) بإسناد صحیح رجاله کلّهم ثقات.

ص: 184


1- التاریخ : 3 / 273 رقم 1298.
2- تهذیب التهذیب : 8 / 268.
3- خلاصة الخزرجی : 1 / 370 رقم 2394.
4- تقریب التهذیب : 1 / 288 رقم 96 حرف السین.
5- التاریخ : 3 / 335 رقم 1615.
6- الثقات : 7 / 455.
7- تهذیب التهذیب : 10 / 331.

55 - یعقوب بن جعفر بن أبی کثیر الأنصاریّ ، المدنیّ :

یروی عن موسی بن یعقوب الزمعی الثقة المذکور ، وعنه محمد بن یحیی بن أبی عمر الثقة المتوفّی (243).

مرّ حدیثه (ص 41) ، ویأتی.

56 - عثمان بن سعید بن مرّة القرشیّ ، أبو عبدالله - أبو علیّ - الکوفی ، المکفوف :

ذکره ابن حبّان فی الثقات(1) ، ویروی عنه أئمّة الحدیث الحافظ أبو کریب ونظراؤه.

یأتی عنه حدیث المناشدة عن شریک.

«القرن الثالث»

57 - الحافظ ضمْرة بن ربیعة القرشیّ ، المدنیّ : المتوفّی (202).

تأتی ترجمته وحدیثه بطرق کثیرة فی صوم الغدیر ، وتسمع هناک عن أحمد أنَّه قال : کان أحد الثقات المأمونین لم یکن بالشام من یشبهه(2).

جُلّ الطرق الآتیة إلیه فی حدیثه صحیح لو لم یکن کلّها.

58 - الحافظ محمد بن عبدالله الزبیری(3) ، أبو أحمد الکوفیّ : المتوفّی (203).

وثّقه العجلی(4) وغیره ، وأثنی علیه بعض الأعلام بقوله : إنَّه الثقة الحافظ العابد المجتهد. ترجمه الذهبی فی تذکرته(5) (1 / 327).

ص: 185


1- الثقات : 8 / 450.
2- العلل ومعرفة الرجال : 2 / 366 رقم 2624.
3- وقد یقال : العُمَری ، نسبةً إلی جدّه عمر بن درهم الأسدی. (المؤلف)
4- تاریخ الثقات : ص 406 رقم 1469.
5- تذکرة الحفّاظ : 1 / 357 رقم 347.

یأتی عنه حدیث المناشدة بالرحبة بلفظ زیاد بإسناد صحّحه الهیثمی(1) وقال : رجاله ثقات.

59 - مصعب بن المقدام الخثعمی ، أبو عبدالله الکوفیّ : المتوفّی (203).

وثّقه ابن معین والدارقطنی ، ونفی عنه البأس أبو داود ، وقال أبو حاتم(2) : صالح [الحدیث](3). ترجمه الخزرجی فی الخلاصة(4) (ص 323).

یأتی عنه حدیث المناشدة ، بإسناد صحیح ، رجاله کلّهم ثقات ، ومرّ عنه (ص 48).

60 - الحافظ یحیی بن آدم بن سلیمان القرشیّ ، الأمویّ ، أبو زکریّا الکوفیّ : المتوفّی (203).

وثّقه ابن معین والنسائی ویعقوب بن شیبة. ترجمه الذهبی فی تذکرته(5) (1 / 330) - راجع (ص 28) - سنده صحیح رجاله ثقات ، ویأتی بطریقه حدیث الرکبان بإسناد صحیح رجاله کلّهم ثقات.

61 - الحافظ زید بن الحُباب - بضمّ المهملة - أبو حسین الخراسانیّ ، الکوفیّ : المتوفّی (203).

وثّقه ابن المدینی ، والسبتی ، وابن معین ، وأحمد بن صالح ، والدارقطنی(6) ، وابن

ص: 186


1- مجمع الزوائد : 9 / 107.
2- الجرح والتعدیل : 8 / 308 رقم 1426.
3- الزیادة من المصدر.
4- خلاصة الخزرجی : 3 / 32 رقم 7027.
5- تذکرة الحفّاظ : 1 / 359 رقم 351.
6- ذکر أسماء التابعین : 2 / 86 رقم 363 ، ووثّقه أیضاً أبو حاتم فی الجرح والتعدیل : 3 / 561 رقم 2538.

ماکولا(1) ، وابن أبی شیبة. ترجمه ابن حجر فی تهذیبه(2) (3 / 404).

یأتی عنه بطرق شتّی حدیث مناشدة أمیر المؤمنین فی الرحبة ، ومنها ما هو صحیح.

62 - إمام الشافعیّة أبو عبدالله محمد بن إدریس الشافعیّ : المتوفّی (204).

روی حدیث الغدیر(3) ، کما فی نهایة ابن الأثیر(4) (4 / 246).

63 - الحافظ أبو عمرو شَبَابة بن سوار الفزاریّ ، المدائنیّ : المتوفّی (206).

وثّقه ابن معین وغیره ، کما فی خلاصة الخزرجی(5) (ص 142) - راجع (ص 54) - فالحدیث بطریقه عن أمیر المؤمنین علیه السلام صحیح رجاله ثقات.

64 - محمد بن خالد الحنفیّ ، البصریّ :

ذکره ابن حبّان فی الثقات(6) ، وقال أبو حاتم(7) : صالح الحدیث ، وأبو زرعة نفی عنه البأس ، یروی عن أُمّه عثمة(8) - بالمثلّثة الساکنة -. مرّ حدیثه (ص 41).

65 - الحافظ خلف بن تمیم الکوفیّ ، أبو عبدالرحمن ، نزیل المَصِّیصة(9) : المتوفّی (206 ، 213).

ص: 187


1- الإکمال : 2 / 143.
2- تهذیب التهذیب : 3 / 347.
3- أنظر : مناقب الشافعی للبیهقی : 1 / 337. (الطباطبائی)
4- النهایة فی غریب الحدیث والأثر : 5 / 228.
5- خلاصة الخزرجی : 1 / 455 رقم 2992.
6- الثقات : 9 / 55.
7- الجرح والتعدیل : 7 / 243 رقم 2636.
8- قال ابن ماکولا فی الإکمال 6 / 142 : عثمة بفتح العین ، وسکون الثاء المعجمة بثلاث. (الطباطبائی)
9- المَصِّیصة : مدینة علی شاطئ جیحان من ثغور الشام بین أنطاکیة وبلاد الروم تقارب طرسوس ، والمَصِّیصة أیضاً : قریة من قری دمشق قرب بیت لِهیا . معجم البلدان : 5 / 145.

وثّقه یعقوب بن شیبة وأبو حاتم(1) وابن حبّان(2) ، کما فی تذکرة الذهبی(3) (1 / 347).

وقال ابن حجر فی التقریب(4) : صدوقٌ عابدٌ ، روی النسائی(5) بطریقه حدیث المناشدة بلفظ عمرو ذی مرّ ، بإسناد صحیح رجاله کلّهم ثقات.

66 - الحافظ أسود بن عامر ، أبو عبدالرحمن ، المعروف بشاذان الشامی ، نزیل بغداد : المتوفّی (208).

وثّقه ابن المدینی ، وقال الذهبی فی تذکرته(6) (1 / 338) : أحد الأثبات ، وترجمه

الخطیب فی تاریخه (7 / 34).

یأتی بطریقه حدیث المناشدة بلفظ زید بن أرقم ، وحدیثُ مناشدةِ شابٍّ أبا هریرة ، بإسناد صحیح رجاله کلّهم ثقات.

67 - أبو عبدالله الحسین بن الحسن الأشقر ، الفزاریّ ، الکوفیّ : المتوفّی (208).

ذکره ابن حبّان فی الثقات(7) ، ووثّقه الذهبی فی تلخیص المستدرک (3 / 130) ، وحکم بصحّة حدیثه ، کما ذهب إلیه الحاکم فی مستدرکه(8) ، وهو عند غیرهما صدوقٌ ، فلا قیمة لقول من نفی القوّة عنه.

مرّ حدیثه (ص 66) ، ویأتی عنه نزول آیة التبلیغ فی علیّ علیه السلام.

ص: 188


1- الجرح والتعدیل : 3 / 370 رقم 1684.
2- الثقات : 8 / 228.
3- تذکرة الحفّاظ : 1 / 379 رقم 377.
4- تقریب التهذیب : 1 / 225 رقم 135 حرف الخاء.
5- خصائص أمیر المؤمنین : ص 101 ح 87 ، وفی السنن الکبری : 5 / 131 ح 8472.
6- تذکرة الحفّاظ : 1 / 369 رقم 363.
7- الثقات : 8 / 184.
8- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 141 ح 4647 ، وکذا فی تلخیصه.

68 - الحافظ حفص بن عبدالله بن راشد ، أبو عمرو السلمیّ ، قاضی نیسابور : المتوفّی (209).

ذکره ابن حبّان فی الثقات(1) ، ونفی النسائی عنه البأس ، کما فی الخلاصة(2) وهامشها (ص 74) ، ویروی عنه البخاری فی صحیحه.

مرّ حدیثه (ص 68) بإسناد صحیح.

69 - الحافظ عبدالرزّاق بن همام ، أبو بکر الصنعانیّ : المتوفّی (211) ، وکانت ولادته (126).

ترجمه الذهبی فی تذکرته(3) (1 / 334) ، وقال : قلت : وثّقه غیر واحد ، وحدیثه مُخرَج فی الصحاح ، وله ما ینفرد به ، ونَقَموا علیه بالتشیّع ، وما کان یغلو فیه ، بل کان یُحبّ علیّاً رضی الله عنه ویبغض من قاتَله. انتهی.

مرّ الحدیث بطریقه (ص 19) ، بإسناد صحیح ، رجاله کلّهم ثقات ، ویأتی عنه حدیث المناشدة بلفظ سعید وعبد خیر بطریق صحیح رجاله ثقات.

70 - الحسن بن عطیّة بن نجیح القرشی ، الکوفیّ ، أبو علیّ البزّاز : المتوفّی (212).

یروی عنه الحفّاظ ، وقال أبو حاتم(4) : صدوق ، ویروی عنه البخاری فی تاریخه(5).

مرّ حدیثه (ص 24) ، بقیّة رجال سنده ثقات.

ص: 189


1- الثقات : 8 / 199.
2- خلاصة الخزرجی : 1 / 238 رقم 1507.
3- تذکرة الحفّاظ : 1 / 364 رقم 357.
4- الجرح والتعدیل : 3 / 27 رقم 113.
5- التاریخ الکبیر : ج 1 / ق 2 / 301 رقم 2541.

71 - عبدالله بن یزید العدوی ، مولی آل عمر ، أبو عبدالرحمن المُقریّ ، القصیر ، نزیل مکّة : المتوفّی (212 ، 213) ، وهو فی حدود (100) عام.

وثّقه النسائی وابن سعد(1) وابن قانع ، وقال الخلیلی : ثقةٌ حدیثه عن الثقات یُحتجّ به ، ویتفرّد بأحادیث ، وذکره ابن حبّان فی الثقات(2) ، کذا ترجمه ابن حجر فی تهذیبه(3) (6 / 84).

یأتی حدیثه فی حدیث التهنئة بروایة الحافظ العاصمی بإسناد صحیح رجاله کلّهم ثقات.

72 - الحافظ حسین بن محمد بن بهرام ، أبو محمد التمیمیّ ، المروروذیّ ، نزیل بغداد : المتوفّی (213 ، 214).

وثّقه(4) ابن سعد وابن قانع وابن مسعود والعجلی وغیرهم ، قاله ابن حجر فی تهذیبه (2 / 367) ، وترجمه الخطیب فی تاریخه (8 / 88).

یأتی عنه حدیث المناشدة بلفظ أبی الطفیل بسند صحیح رجاله ثقات.

73 - الحافظ أبو محمد عبیدالله بن موسی العبسیّ ، الکوفیّ : المتوفّی (212) ، صاحب المسند.

وثّقه أبو حاتم(5) ، وابن معین ، والعجلی(6) ، وابن عدیّ ، وابن سعد(7) ، وعثمان

ص: 190


1- الطبقات الکبری : 5 / 501.
2- الثقات : 8 / 342.
3- تهذیب التهذیب : 6 / 75.
4- الطبقات الکبری : 7 / 338 ، تاریخ الثقات : ص 121 رقم 294 ، تهذیب التهذیب : 2 / 315. وفیه : - کما فی تاریخ بغداد - أبو أحمد التمیمی بدلاً من أبی محمد التمیمی.
5- الجرح والتعدیل : 5 / 334 رقم 1582.
6- تاریخ الثقات : ص 319 رقم 1070.
7- الطبقات الکبری : 6 / 400.

ابن أبی شیبة. ترجمه الذهبی فی تذکرته(1) (1 / 324) ، وابن حجر فی تهذیبه(2) (7 / 53).

یأتی عنه حدیث المناشدة فی الرحبة بلفظ زید بن یثیع وعمیرة بن سعد بإسناد صحیح رجاله کلّهم ثقات.

74 - أبو الحسن علیّ بن قادم الخزاعیّ ، الکوفیّ : المتوفّی (213).

ذکره ابن حبّان فی الثقات(3) ، ووثّقه ابن خلفون ، وقال ابن قانع : کوفیٌّ صالحٌ.

وقال أبو حاتم(4) : محلّه الصدق ، کذا ترجمه ابن حجر فی تهذیبه(5) (7 / 374).

مرّ حدیثه (ص 40).

75 - محمد بن سلیمان بن أبی داود الحرّانیّ ، أبو عبدالله ، المعروف ببُومة - بضم الموحّدة وسکون الواو - : المتوفّی (213).

وثّقه أبو عوانة الإسفرائینی ، وذکره ابن حبّان فی الثقات(6) ، ووثّقه غیرهما ، ترجمه ابن حجر فی تهذیبه(7) (9 / 199). مرّ حدیثه (ص 48).

76 - عبدالله بن داود بن عامر الهَمْدانیّ ، أبو عبدالرحمن الکوفیّ ، المعروف بالخُرَیبی - بضمّ المعجمة وفتح الراء ، محلّةٌ بالبصرة.

وثّقه ابن سعد(8) وابن معین وأبو زرعة والنسائی والدارقطنی(9) وابن قانع.

ص: 191


1- تذکرة الحفّاظ : 1 / 353 رقم 343.
2- تهذیب التهذیب : 7 / 46.
3- الثقات : 7 / 214.
4- الجرح والتعدیل : 6 / 201 رقم 1107.
5- تهذیب التهذیب : 7 / 327.
6- الثقات : 9 / 69.
7- تهذیب التهذیب : 9 / 177.
8- الطبقات الکبری : 7 / 295.
9- ذکر أسماء التابعین : 1 / 202 رقم 542.

توفّی (213). ترجمه ابن حجر فی تهذیبه(1) (5 / 200).

أخرج النسائی فی خصائصه(2) (ص 22) قال : أخبرنا زکریّا بن یحیی ، قال

حدّثنا نصر بن علیّ ، قال : حدّثنا عبدالله بن داود ، عن عبد الواحد(3) بن أیمن ، عن أبیه : أنَّ سعداً قال : قال رسول الله صلی الله علیه وسلم : «من کنتُ مولاه فعلیٌّ مولاه».

سند الحدیث صحیحٌ ، رجاله کلّهم ثقات.

77 - الحافظ أبو عبدالرحمن علیّ بن الحسن بن دینار العبدیّ ، المروزیّ : المتوفّی (215).

أحد المشایخ ، یروی عنه البخاری وأحمد وابن معین وابن أبی شیبة ، وقال أحمد : لا أعلم فیمن قدم علینا من خراسان أفضل منه ، وذکره ابن حبّان فی الثقات(4) ، کذا ترجمه ابن حجر فی تهذیبه(5) (7 / 298).

مرّ الإیعاز إلی حدیثه (ص 15 ، 29) ، ویأتی عنه حدیث المناشدة فی الرحبة بلفظ الأصبغ(6).

78 - الحافظ یحیی بن حمّاد الشیبانیّ ، البصریّ : المتوفّی (215) ، خَتَنُ أبی عوانة المذکور وراویته.

ص: 192


1- تهذیب التهذیب : 5 / 175.
2- خصائص أمیر المؤمنین : ص 99 ح 83 ، وفی السنن الکبری : 5 / 131 ح 8468.
3- عبدالواحد بن أیمن المخزومی المکّی : وثّقه ابن معین [فی التاریخ : 3 / 95 رقم 386] ، وذکره ابن حبّان فی الثقات [7 / 124] ، وأثنی علیه غیرهما ، ترجمه ابن حجر فی تهذیبه : 6 / 434 [6 / 384 رقم 813]. ووالده أیمن الحبشی مولی ابن عمرو المخزومی ، وثّقه أبو زرعة ، وأخرج حدیثه البخاری فی صحیحه ، مترجم فی تهذیب ابن حجر : 1 / 394 [1 / 345 رقم 726]. (المؤلف)
4- الثقات : 8 / 460.
5- تهذیب التهذیب : 7 / 263.
6- یروی العبدیّ عن الأصبغ بواسطة واحدة ، فما مرّ فی صحیفة (29) ، ویأتی من روایته عنه بلا واسطة ، لا یصحّحه ما فی سائر طرق الحدیث. (المؤلف)

وثّقه(1) العجلی وأبو حاتم وابن سعد وذکره ابن حبّان فی الثقات ، کما فی خلاصة الخزرجی (ص 361) ، وتهذیب التهذیب (11 / 199).

مرّ (ص 30) عنه بطریق صحیح رجاله ثقات ، وکذلک بطریق صحیح (ص 31 ، 34 ، 51).

79 - الحافظ حجّاج بن منهال السلمیّ ، أبو محمد الأنماطیّ ، البصریّ : المتوفّی (217).

وثّقه(2) العجلی وابن قانع وأبو حاتم والنسائی وابن سعد ، وقال الفلاس : ما رأیت مثله فضلاً ودیناً. ترجمه الذهبی فی تذکرته (1 / 370) ، والخزرجی فی الخلاصة (ص 63) ، وابن حجر فی تهذیبه (2 / 206).

یأتی عنه حدیث التهنئة بإسناد صحیح رجاله ثقات.

80 - الحافظ الفضل بن دکین أبو نعیم الکوفیّ : المتوفّی (218).

قال یعقوب بن شیبة : ثقةٌ ثَبْتٌ صدوقٌ ، ووثّقه أحمد وأبو حاتم(3) وابن المدینی والعجلی(4) وابن سعد(5) وابن شاهین(6) والخطیب فی تاریخه(7) ، وقال یعقوب بن

ص: 193


1- تاریخ الثقات : ص 470 رقم 1800 ، الجرح والتعدیل : 9 / 137 رقم 583 ، الطبقات الکبری : 7 / 306 ، الثقات : 9 / 257 ، خلاصة الخزرجی : 3 / 146 رقم 7938 ، تهذیب التهذیب : 11 / 175.
2- تاریخ الثقات : ص 109 رقم 255 ، الجرح والتعدیل : 3 / 167 رقم 711 ، الطبقات الکبری : 7 / 301 ، تذکرة الحفّاظ : 1 / 403 رقم 405 ، خلاصة الخزرجی : 1 / 198 رقم 1249 ، تهذیب التهذیب : 2 / 182.
3- الجرح والتعدیل : 7 / 61 رقم 353.
4- تاریخ الثقات : ص 383 رقم 1351.
5- الطبقات الکبری : 6 / 400.
6- تاریخ أسماء الثقات : ص 264 رقم 1076.
7- تاریخ بغداد : 12 / 346 رقم 6787.

سفیان : أجمع أصحابنا علی أنَّ أبا نعیم کان غایةً فی الإتقان.

ترجمه الذهبی فی تذکرته(1) (1 / 341) ، وابن حجر فی تهذیبه(2) (8 / 270 - 276).

مرّ بطریقه (ص 20 ، 32) ، وکلا السندین صحیح رجالهما ثقات ، ویأتی عنه حدیث مناشدة الرحبة بعدّة طرق ، وحدیث نزول آیة (سَأَلَ سائِلٌ) بعد نصّ الغدیر حوله.

81 - الحافظ عفّان بن مسلم ، أبو عثمان الصفّار ، الأنصاریّ ، البصریّ ، البغدادیّ : المتوفّی (219).

ذکره(3) الذهبی فی تذکرته (1 / 347) ، وقال : قال العجلی : عفّان ثقةٌ ثَبْتٌ صاحب سنّة ، وقال أبو حاتم : ثقة متقن متین ، وحکی ابن حجر فی تهذیبه (7 / 230 - 235) عن ابن عدیّ : أنَّه أشهر وأصدق وأوثق من أن یُقال فیه شیءٌ ، وحکی عن ابن معین وابن سعد وابن خراش وابن قانع ثقته وثبْته.

مرّ الحدیث بطریقه (ص 18) بإسناد صحیح رجاله کلّهم ثقات.

82 - الحافظ علیّ بن عیّاش بن مسلم الألهانیّ ، أبو الحسن الحِمْصیّ : المتوفّی (219).

أحد الأثبات ، وثّقه(4) النسائی والدارقطنی والعجلی ، کما فی تذکرة الذهبی(5)

ص: 194


1- تذکرة الحفّاظ : 1 / 372 رقم 369.
2- تهذیب التهذیب : 8 / 243.
3- تذکرة الحفّاظ : 1 / 379 رقم 378 ، تاریخ الثقات : ص 336 رقم 1145 ، الجرح والتعدیل : 7 / 30 رقم 165 ، تهذیب التهذیب : 7 / 205 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 5 / 384 رقم 1550 ، التاریخ : 4 / 285 رقم 4407 ، الطبقات الکبری : 7 / 298.
4- ذکر أسماء التابعین : 1 / 251 رقم 726 ، تاریخ الثقات : ص 349 رقم 1194.
5- تذکرة الحفّاظ : 1 / 384 رقم 383.

(1 / 352) وتهذیب التهذیب لابن حجر(1) (7 / 368).

روی بطریقه الواحدی نزول آیة التبلیغ فی ولایة علیّ علیه السلام کما یأتی.

83 - الحافظ مالک بن إسماعیل بن درهم ، أبو غسّان النهدیّ ، الکوفیّ : المتوفّی (219).

قال ابن معین(2) : لیس بالکوفة أتقن منه ، وقال ابن شیبة : ثقة صحیح الحدیث من العابدین ، ووثّقه النسائی ومرّة وأبو حاتم(3) ، وذکره ابن حبّان فی الثقات(4) ، وکذلک ابن شاهین(5).

ترجمه ابن حجر فی تهذیبه (10 / 3).

یأتی عنه حدیث المناشدة فی الرحبة بلفظ عبدالرحمن وسعید وعمرو بإسناد صحیح رجاله کلّهم ثقات.

84 - الحافظ قاسم بن سلّام ، أبو عبید الهرویّ : المتوفّی بمکّة (223 ، 224).

کان ربّانیّاً ، متفنّناً فی أصناف علوم الإسلام ، حسن الروایة ، صحیح النقل ، لا أعلم أحداً من الناس طعن علیه فی شیء من أمر دینه ، کذا ترجمه ابن خلّکان فی تاریخه(6) (1 / 457).

یأتی عن تفسیره غریب القرآن حدیث نزول آیة (سَأَلَ سَائِلٌ) حول واقعة الغدیر.

ص: 195


1- تهذیب التهذیب : 7 / 322.
2- التاریخ : 4 / 12 رقم 2888.
3- الجرح والتعدیل : 8 / 206 رقم 905.
4- الثقات : 9 / 164.
5- تاریخ أسماء الثقات : ص 301 رقم 1269.
6- وفیات الأعیان : 4 / 60 رقم 534.

85 - محمد بن کثیر ، أبو عبدالله العبدیّ ، البصریّ : أخو سلیمان بن کثیر ، وکان أکبر منه بخمسین سنة.

قال ابن حبّان(1) : ثقةٌ فاضلٌ ، مات (223) عن مائة سنة ، کذا فی خلاصة الخزرجی(2) (ص 295) ، وقال ابن حجر فی التقریب(3) (ص 232) : ثقةٌ لم یُصِبْ من ضعّفه ، وفی التهذیب(4) عن أحمد : ثقةٌ ، لقد مات علی سنّة.

یأتی عنه حدیث المناشدة فی الرحبة بلفظ أبی الطفیل ، ومرّ الإیعاز إلیه (ص 16) ، فالطریق صحیح رجاله ثقات ، ومرّ عنه (ص 54).

86 - موسی بن إسماعیل المنقریّ ، البصریّ : المتوفّی (223).

عن ابن معین(5) : أنَّه ثقةٌ مأمونٌ ، وعن ابن أبی حاتم(6) عن الطیالسی : أنَّه ثقةٌ صدوقٌ ، ووثّقه ابن سعد(7) ، ترجمه بذلک ابن حجر فی تهذیبه(8) (10 / 334).

یأتی حدیثه فی حدیث التهنئة بروایة ابن کثیر بطریق صحیح رجاله کلّهم ثقات.

87 - قیس بن حفص بن القعقاع ، أبو محمد البصریّ : المتوفّی (227).

وثّقه ابن معین والدارقطنی(9) ، وذکره ابن حبّان فی الثقات(10) روی عنه

ص: 196


1- الثقات : 9 / 77.
2- خلاصة الخزرجی : 2 / 452 رقم 6613.
3- تقریب التهذیب : 2 / 203 رقم 654 حرف المیم.
4- تهذیب التهذیب : 9 / 371.
5- معرفة الرجال : 1 / 119 رقم 584.
6- الجرح والتعدیل : 8 / 136 رقم 615.
7- الطبقات الکبری : 7 / 306.
8- تهذیب التهذیب : 10 / 296.
9- ذکر أسماء التابعین : 1 / 301 رقم 891.
10- الثقات : 9 / 15.

البخاری(1) (ص 12) حدیثاً. ترجمه ابن حجر فی تهذیبه(2) (8 / 390).

یأتی حدیثه فی آیة إکمال الدین بروایة الخطیب الخوارزمی.

88 - الحافظ سعید بن منصور بن شعبة النسائیّ ، أبو عثمان الخراسانیّ ، نزیل مکّة : المتوفّی (227).

قال الخزرجی فی الخلاصة(3) (ص 121) : کان حافظاً جوّالاً ، صنّف السنن ، جمع فیها ما لم یجمعه غیره ، قال أبو حاتم : متقنٌ ثبْتٌ مصنِّفٌ ، وقال ابن حجر فی تقریبه(4) (ص 94) : ثقة مصنِّفٌ ، وحکی ثقته فی تهذیبه(5) (4 / 89) عن ابن نمیر وابن خراش وأبی حاتم وابن قانع والخلیلی ومسلمة بن قاسم.

مرّ الحدیث بطریقه (ص 42 ، 55).

89 - الحافظ یحیی بن عبدالحمید الحِمّانیّ - بکسر المهملة - أبو زکریّا الکوفیّ : المتوفّی (228).

قال مرّة وابن معین(6) : کان صدوقاً ، ووثّقه أحمد وابن نمیر والبوشجنی ، وقال ابن معین : ثقةٌ وبالکوفة رجلٌ یحفظ معه ، هؤلاء یحسدونه ، وعن ابن مرّة : أکثَرَ الناسُ فیه ، وما أدری ذلک إلّا من سلامة صدره ، وقال ابن عدیّ(7) : له مسندٌ صالح ، ولم أرَ شیئاً منکراً فی مسنده ، وأرجو أنَّه لا بأس به.

یقول المؤلِّف الأمینی : هذه الشهادات من هؤلاء الأئمّة تنفی ما هناک من الغمز

ص: 197


1- صحیح البخاری : 1 / 58 ح 125.
2- تهذیب التهذیب : 8 / 348.
3- خلاصة الخزرجی : 1 / 391 رقم 2544.
4- تقریب التهذیب : 1 / 306 رقم 263 حرف السین.
5- تهذیب التهذیب 4 / 78.
6- التاریخ : 3 / 270 رقم 1273 ، معرفة الرجال : 1 / 104 رقم 470.
7- الکامل فی ضعفاء الرجال : 7 / 239 رقم 2138.

فی الرجل. ترجمه ابن حجر فی تهذیبه(1) (11 / 243 - 249).

مرّ الحدیث عنه (ص 43 ، 51) بإسناد رجاله ثقات ، ویأتی عنه نزول آیة إکمال الدین فی علیّ علیه السلام.

90 - الحافظ إبراهیم بن الحجّاج بن زید ، أبو إسحاق السامیّ - بالمهملة - البصریّ : المتوفّی (231 ، 233).

ذکره ابن حبّان فی الثقات(2) ، کما فی الخلاصة(3) (ص 14) ، ووثّقه ابن حجر فی التقریب(4) (ص 12) ، وحکی ثقته عن الدارقطنی(5) وصلاحه عن ابن قانع فی تهذیبه(6) (1 / 113).

یأتی عنه حدیث التهنئة فی روایة الحمّوئی ، بإسناد صحیح رجاله کلّهم ثقات.

91 - الحافظ علیّ بن حکیم بن ذُبیان - بمعجمة مضمومة بعدها الموحّدة الساکنة - الکوفیّ ، الأودیّ : المتوفّی (231).

وثّقه ابن معین والنسائی ومحمد بن عبدالله الحضرمی وابن قانع ، کما فی خلاصة الخزرجی(7) ، وتهذیب ابن حجر(8) (7 / 311).

مرّ حدیثه بطریق صحیح رجاله ثقات (ص 48) ، ویأتی عنه بطریق صحیح حدیث المناشدة بلفظ سعید وزید بن یُثیع.

ص: 198


1- تهذیب التهذیب : 11 / 213.
2- الثقات : 8 / 78.
3- خلاصة الخزرجی : 1 / 43 رقم 194.
4- تقریب التهذیب : 1 / 33 رقم 186 حرف الألف.
5- ذکر أسماء التابعین : 2 / 21 رقم 44.
6- تهذیب التهذیب : 1 / 98.
7- خلاصة الخزرجی : 2 / 247 رقم 4974.
8- تهذیب التهذیب : 7 / 274.

92 - الحافظ خلف بن سالم المُهَلّبیّ المُخَرِّمیّ - بضمّ المیم وفتح المعجمة - البغدادیّ : المتوفّی (231).

وثّقه النسائی وابن شیبة وحمزة الکنانی ، کما فی الخلاصة(1) (ص 90) ، وتهذیب التهذیب(2) (3 / 152) ، وحکی الخطیب فی تاریخه (8 / 328) عن غیر واحد ثقته وصدقه وثبْته.

مرّ الحدیث عنه (ص 31) بطریق صحیح رجاله ثقات ، وکذلک ما مرّ عنه (ص 34).

93 - الحافظ علیّ بن محمد ، أبو الحسن الطنافسیّ ، الکوفیّ ، نزیل الریّ : المتوفّی (233 ، 235).

قال أبو حاتم(3) : کان ثقةً صدوقاً ، وقال الخلیلی : إمامٌ هو وأخوه الحسن بقزوین ، ولهما محلٌّ عظیم ، وارتحل إلیهما الکبار ، وذکره ابن حبّان فی الثقات(4) ، کذا ترجمه ابن حجر فی تهذیبه(5) (7 / 379) ، وقال فی تقریبه(6) (ص 186) : ثقةٌ عابدٌ ، وذکر ثقته الخزرجی فی خلاصته(7) (ص 235).

أخرج الحافظ ابن ماجة فی سننه(8) (1 / 30) عن علیّ بن محمد الطنافسی ، قال : حدّثنا أبو معاویة محمد بن خازم ، حدّثنا موسی بن مسلم الشیبانی ، عن

ص: 199


1- خلاصة الخزرجی : 1 / 292 رقم 1854.
2- تهذیب التهذیب : 3 / 131.
3- الجرح والتعدیل : 6 / 202 رقم 1111.
4- الثقات : 8 / 467.
5- تهذیب التهذیب : 7 / 331.
6- تقریب التهذیب : 2 / 43 رقم 404 حرف العین.
7- خلاصة الخزرجی : 2 / 256 رقم 5042.
8- سنن ابن ماجة : 1 / 45 ح 121.

عبدالرحمن بن سابط ، عن سعد بن أبی وقّاص ، قال :

قدم معاویة ... إلی آخر اللفظ المذکور (ص 39) ، والإسناد صحیح رجاله کلّهم ثقات.

وأخرج ابن ماجة - أیضاً - فی سننه(1) (1 / 29) قال : حدّثنا علیّ بن محمد ، حدّثنا أبو الحسن زید بن الحباب ، أخبرنی حمّاد بن سلمة ، عن علیّ بن زید بن جدعان ، عن عدیّ بن ثابت ، عن البراء بن عازب رضی الله عنه قال : أقبلنا مع رسول الله صلی الله علیه وسلم ... إلی آخر اللفظ المذکور عنه (ص 18) ، وهذا الإسناد صحیح رجاله کلّهم ثقات.

94 - الحافظ هُدْبة بن خالد ، أبو خالد القیسیّ ، البصریّ : المتوفّی (235).

وثّقه ابن معین وابن حبّان(2) ومَسلمة بن قاسم وأبو یعلی ، وعن ابن عدیّ(3) : صدوقٌ لا بأس به وقد وثّقه الناس.

ترجمه الذهبی فی تذکرته(4) (2 / 50) ، والخزرجی فی خلاصته(5) (ص 355) ، وابن حجر فی تهذیبه(6) (11 / 25).

یأتی عنه حدیث التهنئة بطریق صحیح رجاله ثقات.

95 - الحافظ عبدالله بن محمد بن أبی شیبة ، أبو بکر العبسیّ ، الکوفیّ : المتوفّی (235).

ص: 200


1- سنن ابن ماجة : 1 / 43 ح 116.
2- الثقات : 9 / 246.
3- الکامل فی ضعفاء الرجال : 7 / 138 رقم 2052.
4- تذکرة الحفّاظ : 2 / 465 رقم 476.
5- خلاصة الخزرجی : 3 / 123 رقم 7757.
6- تهذیب التهذیب : 11 / 24.

وثّقه العجلی(1) وأبو حاتم(2) وابن خراش ، وقال ابن حبّان(3) : کان متقناً حافظاً دیّناً ، ترجمه الذهبی فی تذکرته(4) (2 / 20) ، والخطیب فی تاریخه (10 / 66 - 71) ، وابن حجر فی تهذیبه(5) (6 / 4).

یأتی عنه حدیث مناشدة شابٍّ أبا هریرة بسند صحیح ، وحدیث الرکبان بإسناد رجاله کلّهم ثقات ، وحدیث التهنئة.

96 - الحافظ أبو سعید عبیدالله بن عمر الجشمیّ ، القواریریّ ، البصریّ : المتوفّی (235).

وثّقه ابن معین والعجلی(6) والنسائی والحافظ صالح جزرة ، کما فی تاریخ الخطیب (10 / 320 - 323).

یأتی عنه حدیث مناشدة الرحبة بلفظ عبدالرحمن بن أبی لیلی.

97 - الحافظ أحمد بن عمر بن حفص الجلّاب ، أبو جعفر الوکیعیّ ، الکوفیّ ، نزیل بغداد : المتوفّی (235).

وثّقه ابن معین وعبدالله بن أحمد ومحمد بن عبدوس ، کما فی تاریخ الخطیب (4 / 284). یأتی بطریقه حدیث مناشدة الرحبة بلفظ عبدالرحمن.

98 - الحافظ إبراهیم بن المنذر بن عبدالله الحزامیّ - بالزای - أبو إسحاق المدنیّ : المتوفّی (236).

ص: 201


1- تاریخ الثقات : ص 276 رقم 878.
2- الجرح والتعدیل : 5 / 160 رقم 737.
3- الثقات : 8 / 358.
4- تذکرة الحفّاظ : 2 / 432 رقم 439.
5- تهذیب التهذیب : 6 / 3.
6- تاریخ الثقات : ص 318 رقم 1066.

وثّقه الدارقطنی(1) وابن الوضّاح ، وذکره ابن حبّان فی الثقات(2) ، وقال الخطیب(3) - فی ردّ من قال : عنده مناکیر - : وأمّا المناکیر فقلّما توجد فی حدیثه إلّا أن یکون عن المجهولین ، ومع هذا فإنَّ یحیی بن معین وغیره من الحفّاظ کانوا یرضونه ویوثِّقونه. ترجمه ابن حجر فی تهذیبه(4) (1 / 167).

أخرج الحافظ النسائی فی خصائصه(5) (ص 25) ، قال : أخبرنی أبو عبدالرحمن زکریّا بن یحیی السجستانی ، قال : حدّثنی محمد بن عبدالرحیم ، قال : أخبرنا إبراهیم ، حدّثنا معن(6) ، حدّثنی موسی بن یعقوب ، عن مهاجر بن مسمار ، عن عائشة بنت سعد وعامر بن سعد ، عن سعد : أنَّ رسول الله صلی الله علیه وسلم خطب ، فقال : «أیّها الناس فإنّی ولیّکم». قالوا : صدقت.

ثم أخذ بید علیّ فرفعها ، ثمّ قال : «هذا ولیّی ، والمؤدّی عنّی ، والی الله من والاه ، وعادی من عاداه».

والإسناد صحیح رجاله کلّهم ثقات.

99 - أبو سعید یحیی بن سلیمان الکوفیّ ، الجعفیّ ، المقرئ : المتوفّی (237).

وثّقه الدارقطنی(7) والعقیلی ، وذکره ابن حبّان فی الثقات(8) کما فی تهذیب

ص: 202


1- ذکر أسماء التابعین : 1 / 55 رقم 24.
2- الثقات : 8 / 73.
3- تاریخ بغداد : 6 / 179 رقم 3235.
4- تهذیب التهذیب : 1 / 145.
5- خصائص أمیر المؤمنین : ص 113 ح 94 ، وفی السنن الکبری : 5 / 134 ح 8479.
6- هو معن بن عیسی بن یحیی الأشجعی ، أبو یحیی المدنی : المتوفّی (198). وثّقه ابن معین ، وقال ابن سعد [فی الطبقات الکبری : 5 / 437] : کان ثقة ، کثیر الحدیث ، ثبتاً مأموناً ، کذا ترجمه ابن حجر فی تهذیبه : 10 / 252 [10 / 226]. (المؤلف)
7- ذکر أسماء التابعین : 1 / 408 رقم 1249.
8- الثقات : 9 / 263.

التهذیب(1) (11 / 227) ، والخلاصة(2) (ص 364).

یأتی عنه حدیث الرکبان بإسناد صحیح رجاله کلّهم ثقات.

100 - الحافظ ابن راهویه إسحاق بن إبراهیم الحنظلیّ ، المروزیّ : المتوفّی (237).

قال أحمد : لا أعلم له نظیراً عندنا من أئمّة المسلمین ، ووثّقه جمعٌ ، کما فی خلاصة الخزرجی(3) (ص 23) ، وقال ابن خلّکان فی تاریخه(4) (1 / 68) : جمع بین الحدیث والفقه والورع ، وکان أحد أئمّة الإسلام ، له مسند مشهور.

مرّ عنه (ص 55 ، 72) بإسناد صحیح.

101 - الحافظ عثمان بن محمد بن أبی شیبة ، أبو الحسن العبسیّ ، الکوفیّ ، صاحب المسند والتفسیر : المتوفّی (239).

وثّقه ابن معین والعجلی(5) ، کما فی تاریخ الخطیب (11 / 283 - 288) ، وتذکرة الذهبی(6) (2 / 30).

أخرج الحدیث فی سننه بطرق صحیحة رجالها کلّهم ثقات.

راجع (ص 15 ، 19 ، 20 ، 22 ، 53) ، ویأتی عنه حدیث التهنئة بإسناد صحیح رجاله کلّهم ثقات.

102 - الحافظ قتیبة بن سعید بن جمیل البغلانیّ - بغلان : قریة فی بلخ - أبو رجاء الثقفیّ : المتوفّی (240) عن (92) عاماً.

ص: 203


1- تهذیب التهذیب : 11 / 199.
2- خلاصة الخزرجی : 3 / 150 رقم 7966.
3- المصدر السابق : 1 / 69 رقم 368.
4- وفیات الأعیان : 1 / 199 رقم 85.
5- تاریخ الثقات : ص 329 رقم 1111.
6- تذکرة الحفّاظ : 2 / 444 رقم 450.

قال السمعانی فی أنسابه(1) : إنَّه المحدِّث فی الشرق والغرب ، رحل إلیه أئمّة الدنیا من الأمصار ، وروی عنه الأئمّة الخمسة : البخاری ، ومسلم ، وأبو داود ، وأبو عیسی ، وأبو عبدالرحمن ، ومن لا یُحصی کثرةً. انتهی.

وثّقه ابن معین والنسائی والذهبی فی تذکرته(2) (2 / 33).

مرّ حدیثه (ص 31) بإسناد صحیح رجاله کلّهم ثقات.

103 - إمام الحنابلة أبو عبدالله أحمد بن حنبل الشیبانیّ : المتوفّی (241).

أخرج حدیث الغدیر بطرق کثیرة صحیحة فی المسند والمناقب ، مضت جملةٌ منها ، وهناک بقیّةٌ وافیةٌ تأتی إن شاء الله.

104 - الحافظ یعقوب بن حمید بن کاسب ، أبو یوسف المدنیّ : المتوفّی (241).

وثّقه ابن معین ومصعب بن الزبیر ومسلمة بن قاسم ، وذکره ابن حبّان فی الثقات(3) ، ونفی عنه البأس ابن عدیّ(4) ، وقال البخاری : لم نَرَ فیه إلّا خیراً ، هو فی الأصل صدوقٌ ، فلم یُسمع تضعیف من ضعّفه.

توجد ترجمته فی التذکرة(5) (2 / 51) ، والخلاصة(6) (ص 375) ، وتهذیب التهذیب(7) (11 / 384). مرّ حدیثه (ص 39).

105 - الحافظ الحسن بن حمّاد بن کُسَیب - مُصغّراً - أبو علیّ سجادة البغدادیّ : المتوفّی (241).

ص: 204


1- الأنساب : 1 / 376.
2- تذکرة الحفّاظ : 2 / 446 رقم 453.
3- الثقات : 9 / 285.
4- الکامل فی ضعفاء الرجال : 7 / 151 رقم 2061.
5- تذکرة الحفّاظ : 2 / 466 رقم 477.
6- خلاصة الخزرجی : 3 / 181 رقم 8225.
7- تهذیب التهذیب : 11 / 336.

قال أحمد : صاحب سنّة ، وذکره ابن حبّان فی الثقات(1) ، کما فی خلاصة الخزرجی(2) (ص 66) وهامشها ، ترجمه الخطیب فی تاریخه (7 / 295) ، ووثّقه.

یأتی بطریق الحافظ الواحدی عنه نزول آیة التبلیغ فی ولایة علیّ علیه السلام.

106 - الحافظ هارون بن عبدالله بن مروان ، أبو موسی البزّاز ، المعروف بالحمّال : المتوفّی (243).

وثّقه الدارقطنی(3) والنسائی والذهبی فی التذکرة(4) (2 / 62) ، والخطیب فی تاریخه (14 / 22).

یأتی عنه حدیث المناشدة فی الرحبة بلفظ أبی الطفیل ، بطریق صحیح رجاله ثقات.

107 - أبو عمار الحسین بن حُرَیث المروزیّ : المتوفّی بقصر اللصوص سنة (244) ، وثّقه النسائی ، کما فی تاریخ الخطیب (8 / 36) ، ووثّقه ابن حجر فی تقریبه(5) (ص 57).

یأتی بروایته حدیث المناشدة بلفظ سعید بالإسناد الصحیح رجاله ، کلّهم ثقات.

108 - هلال بن بِشْر بن محبوب أبوالحسن البصریّ الأحدب : المتوفّی (246) ، وثّقه النسائی ، وذکره ابن حبّان فی الثقات(6). أخرج النسائی فی خصائصه(7) (ص 3) ، قال :

ص: 205


1- الثقات : 8 / 175.
2- خلاصة الخزرجی : 1 / 211 رقم 1334.
3- ذکر أسماء التابعین : 2 / 265 رقم 1335.
4- تذکرة الحفّاظ : 2 / 478 رقم 491.
5- تقریب التهذیب : 1 / 175 رقم 352 حرف الحاء.
6- الثقات : 9 / 248.
7- السنن الکبری : 5 / 107 ح 8397.

أخبرنا هلال بن بشر البصری ، قال : حدّثنا محمد بن خالد - ابن عثمة - قال : حدّثنی موسی بن یعقوب الزمعی ، قال : حدّثنا مهاجر بن مسمار ، عن عائشة بنت سعد ، قالت : سمعت أبی یقول ... إلی آخر اللفظ المذکور (ص 38) ، والإسناد صحیح رجاله ثقات.

109 - أبو الجوزاء أحمد بن عثمان البصریّ : المتوفّی (246) ، وثّقه أبو حاتم(1). وقال ابن أبی عاصم : کان من نُسّاک أهل البصرة ، وقال البزّار : ثقة مأمون ، وذکره ابن حبّان فی الثقات. ترجمه ابن حجر فی تهذیبه(2) (1 / 61).

مرّ عنه الحدیث (ص 41) بإسناد رجاله کلّهم ثقات ، غیر عثمة(3) أمّ محمد بن خالد الثقة ولم أعرفها ، وما قرأتُ فیها غمزاً.

أخرج النسائی فی خصائصه(4) (ص 25) قال : أخبرنا أحمد بن عثمان البصری أبو الجوزاء ، قال : أخبرنا ابن عیینة(5) ، بنت سعد ، عن سعد ، قال :

ص: 206


1- الجرح والتعدیل : 2 / 63 رقم 104.
2- تهذیب التهذیب : 1 / 53.
3- والذی یهوّن الخطب أنَّ عثمة لم تقع فی الإسناد ، فالحدیث رواه کلّ من الطبری فی کتاب الولایة - وعنه ابن کثیر : 5 / 212 - والنسائی فی السنن والخصائص : ح 95 ، وابن أبی عاصم فی السنّة : ح 1189 ، کلّهم عن أبی الجوزاء أحمد بن عثمان عن محمد بن خالد بن عثمة ... فکلمة (ابن عثمة) صُحِّفت فی طبعة البدایة والنهایة الی (عن عثمة) والصواب (بن) کما فی الطبعات المحقّقة. (الطباطبائی)
4- خصائص أمیر المؤمنین علیه السلام : ص 114 ح 95 ، وفی السنن الکبری : 5 / 134 ح 8480 ، والسند فیهما : أخبرنا أحمد بن عثمان أبو الجوزاء ، قال حدّثنا ابن عثمة ، قال : حدّثنا موسی بن یعقوب ، عن المهاجر بن مسمار ، عن عائشة بنت سعد. هکذا فی السنن والخصائص فی الطبعات المحقّقة. أما فی الطبعة المصریة القدیمة غیر المحقّقة من الخصائص التی اعتمدها شیخنا المؤلف ففیها فی هذا الإسناد سقط وأخطاء. (الطباطبائی)
5- کذا فی النسخ ، وصحّحها المحشّی علیها ، وقال : بسقوط (أخبرتنا بنت سعد) ، أو (عن بنت

أخذ رسول الله صلی الله علیه وسلم بید علیّ فخطب ، فحمد الله وأثنی علیه ، ثمّ قال : «ألم تعلموا أنَّی أولی بکم من أنفسکم» ؟ قالوا : نعم ، صدقت یا رسول الله.

ثمّ أخذ بید علیّ فرفعها ، فقال : «من کنتُ ولیّه فهذا ولیّه ، وإنَّ الله لَیُوالی من

والاه ، ویُعادی من عاداه». والإسناد صحیح رجاله کلّهم ثقات.

110 - الحافظ محمد بن العلاء الهمدانیّ ، الکوفیّ ، أبو کُرَیب : المتوفّی (248).

وثّقه الذهبی فی التذکرة(1) (2 / 80).

یأتی بطریقه حدیث مناشدة شابٍّ أبا هریرة بإسناد صحیح رجاله ثقات.

111 - یوسف بن عیسی بن دینار الزُّهریّ ، أبو یعقوب المروزیّ : المتوفّی (249).

فی التقریب(2) : ثقةٌ فاضلٌ ، وثّقه غیر واحد من الحفّاظ ، کما فی خلاصة الخزرجی(3) (ص 378).

روی النسائی بطریقه حدیث المناشدة بلفظ حارثة الآتی ، والإسناد صحیح رجاله کلّهم ثقات.

112 - نصر بن علیّ بن نصر ، أبو عمرو الجهضمیّ ، البصریّ : المتوفّی (251).

وثّقه أبو حاتم(4) والنسائی وابن خراش ، وقال مَسلمة : ثقةٌ عند جمیعهم ، ترجمه ابن حجر فی تهذیبه(5) (10 / 430).

ص: 207


1- تذکرة الحفّاظ : 2 / 497 رقم 512.
2- تقریب التهذیب : 2 / 382 رقم 446 حرف الیاء.
3- خلاصة الخزرجی : 3 / 189 رقم 8290.
4- الجرح والتعدیل : 8 / 466 رقم 2136.
5- تهذیب التهذیب : 10 / 384.

مرّ حدیثه (ص 85) بإسناد صحیح رجاله کلّهم ثقات.

113 - الحافظ محمد بن بشّار ، الشهیر ب- (بندار) أبو بکر العبدیّ ، البصریّ : المتوفّی (252).

یروی عنه الأئمّة الستّة أصحاب الصحاح ، وثّقه العجلی(1) وابن سیّار ومسلمة ابن قاسم وغیرهم ، وقال الذهبی فی تذکرته(2) (2 / 53) : لا عبرة بقول من ضعّفه.

مرّ عنه (ص 41) بطریق ابن ماجة والترمذی بإسناد صحیح رجاله ثقات.

114 - الحافظ محمد بن المثنّی أبو موسی العَنَزیّ - بالمهملة ثمّ الموحّدة المفتوحتین بعدهما الزای - البصریّ : المتوفّی (252).

ترجمه الخطیب فی تاریخه (3 / 283 - 286) ، وقال : کان ثِقةً ثبتاً ، احتجَّ سائر الأئمة بحدیثه. توجد ثقته والثناء علیه فی کثیر من معاجم التراجم(3).

یأتی عنه حدیث المناشدة بإسناد صحیح رجاله کلّهم ثقات بلفظ سعید ، ومرّ عنه بإسناد صحیح (ص 30).

115 - الحافظ یوسف بن موسی ، أبو یعقوب القطّان ، الکوفی : المتوفّی (253).

ترجمه الخطیب فی تاریخه (14 / 304) وقال : قد وصفه غیر واحد من الأئمّة بالثقة ، واحتجّ به البخاری فی صحیحه.

یأتی عنه حدیث المناشدة بلفظ زید بن یُثیع بطریق صحیح رجاله کلّهم ثقات.

116 - الحافظ محمد بن عبدالرحیم ، أبو یحیی البغدادیّ ، البزّاز ، المعروف بصاعقة : المتوفّی (255) ، والمولود (185).

ص: 208


1- تاریخ الثقات : ص 401 رقم 1435.
2- تذکرة الحفّاظ : 2 / 511 رقم 526.
3- أُنظر : الجرح والتعدیل : 8 / 95 رقم 409 ، تهذیب التهذیب : 9 / 377 ، تقریب التهذیب : 2 / 204 رقم 666 حرف المیم ، میزان الاعتدال : 4 / 24 رقم 8115.

وثّقه عبدالله بن أحمد والنسائی وأحمد بن صاعد وابن إسحاق السراج ومسلمة والقرّاب وغیرهم ، وقال الخطیب(1) : کان متقناً ضابطاً عالماً حافظاً. ترجمه ابن حجر فی تهذیب التهذیب(2) (9 / 311).

مرّ الحدیث عنه (ص 89) بإسناد صحیح رجاله کلّهم ثقات.

117 - محمد بن عبدالله المذکور (ص 84) العدویّ ، المقریّ : المتوفّی (256).

قال ابن أبی حاتم(3) : سمعت منه مع أبی سنة (255) ، وهو صدوقٌ ثقةٌ ، سُئِلَ عنه أبی ، فقال : صدوقٌ ، ووثّقه النسائی ومسلمة بن قاسم ، وقال الخلیلی : ثقةٌ متفقٌ علیه ، وذکره ابن حبّان فی الثقات(4). کذا ترجمه ابن حجر فی تهذیبه(5) (9 / 284).

یأتی حدیثه فی حدیث التهنئة بإسناد صحیح رجاله کلّهم ثقات.

118 - الحافظ أبو عبدالله محمد بن إسماعیل البخاریّ : المتوفّی (256).

صاحب الصحیح الدائر السائر ، أحد الصحاح الستّة. ذکره فی تاریخه (ج 1 قسم 1 ص 375) ، کما مرّ فی طریق سالم بن عبدالله بن عمر.

119 - الحافظ الحسن بن عرفة بن یزید ، أبو علیّ العبدیّ ، البغدادیّ : المتوفّی (257) بسامراء ، وقد عاش مائة وعشر سنین.

وثّقه(6) ابن معین وأبو حاتم وابن قاسم وذکره ابن حبّان فی الثقات ،

ص: 209


1- تاریخ بغداد : 2 / 363 رقم 873.
2- تهذیب التهذیب : 9 / 277.
3- الجرح والتعدیل : 7 / 307 رقم 1668.
4- الثقات : 9 / 121.
5- تهذیب التهذیب : 9 / 252.
6- الجرح والتعدیل : 3 / 31 رقم 128 ، الثقات : 8 / 179 ، خلاصة الخزرجی : 1 / 215 رقم 1356 ، تهذیب التهذیب : 2 / 254.

کما فی تاریخ الخطیب (7 / 394) ، وخلاصة الخزرجی (ص 67) ، وتهذیب التهذیب (2 / 239).

مرّ الحدیث بطریقه (ص 41) بإسناد صحیح رجاله کلّهم ثقات.

120 - الحافظ عبدالله بن سعید الکندی ، الکوفیّ ، أبو سعید الأشجّ ، صاحب التفسیر والتصانیف : المتوفّی (257).

ترجمه الذهبی فی تذکرته(1) (2 / 84) ، وأثنی علیه بالإمامة ، وقال : قال أبو حاتم(2) : ثقةٌ إمام أهل زمانه ، وقال النسائی : صدوقٌ ، وقال ابن حجر(3) : وثّقه الخلیلی ومسلمة بن قاسم.

یأتی عنه حدیث المناشدة فی الرحبة بلفظ عبدالرحمن ، وحدیث مناشدة رجل عراقی جابر الأنصاری ، بطریق صحیح رجاله ثقات.

121 - الحافظ محمد بن یحیی بن عبدالله النیسابوریّ ، الذُهلیّ - مولی بنی ذُهل - الزُّهریّ - جامع الزهریات أحادیث الزهری - : المتوفّی (258).

ترجمه الذهبی فی تذکرته(4) (2 / 111) ، وأثنی علیه بالإمامة ، وقال : انتهت إلیه مشیخة العلم بخراسان مع الثقة والصیانة والدین ومتابعة السنن ، وقال الخطیب فی تاریخه (3 / 415) : کان أحد الأئمّة العراقیّین ، والحفّاظ المُتقنین ، والثقات المأمونین.

أخرج النسائی بطریقه حدیث الرحبة بلفظ عُمیرة(5) بإسناد صحیح ، رجاله کلّهم ثقات.

ص: 210


1- تذکرة الحفّاظ : 2 / 502 رقم 517.
2- الجرح والتعدیل : 5 / 73 رقم 342.
3- تهذیب التهذیب : 5 / 208.
4- تذکرة الحفّاظ : 2 / 530 رقم 549.
5- خصائص أمیر المؤمنین : ص 100 ح 85 ، وفی السنن الکبری : 5 / 131 ح 8470.

مرّ عنه (ص 23 ، 32).

122 - الحافظ حجّاج بن یوسف الثقفیّ ، البغدادیّ ، أبو محمد ، الشهیر بابن الشاعر : المتوفّی (259).

ترجمه(1) السمعانی فی أنسابه فی نسبة الشاعر : بالثقة والفهم والحفظ ، والذهبی فی تذکرته (2 / 129) وحکی عن ابن أبی حاتم ثقته ، والخطیب فی تاریخه (8 / 240) ، وحکی ابن حجر فی تهذیبه (2 / 210) ثقته عن غیر واحد.

مرّ عنه (ص 54) بطریق صحیح رجاله ثقات.

123 - أحمد بن عثمان بن حکیم ، أبو عبدالله الأودیّ - بفتح الهمزة وسکون الواو - : المتوفّی (261 ، 262) ، وثّقه النسائی وابن خراش ، وترجمه الخطیب فی تاریخه (4 / 296).

یأتی عنه حدیث المناشدة بلفظ عمیرة بإسنادٍ صحیح رجاله کلّهم ثقات.

124 - الحافظ عمر بن شَبَّة - بفتح أوّله والموحّدة المشدّدة - النمیری ، أبو زید البصریّ ، الأخباری : المتوفّی (262).

وثّقه الدارقطنی کما فی تذکرة الذهبی(2) (2 / 98) ، وخلاصة الخزرجی(3) (ص 240) ، ووثّقه الخطیب فی تاریخه (11 / 208) ، وقال المرزبانی فی معجم الشعراء - کما حکی - : صدوقٌ ثقةٌ.

یأتی عنه حدیث احتجاج عمر بن عبدالعزیز بحدیث الغدیر.

ص: 211


1- الأنساب : 3 / 378 ، تذکرة الحفّاظ : 2 / 549 رقم 569 ، الجرح والتعدیل : 3 / 168 رقم 718 ، تهذیب التهذیب : 2 / 184.
2- تذکرة الحفّاظ : 2 / 516 رقم 533.
3- خلاصة الخزرجی : 2 / 271 رقم 5181.

125 - الحافظ حمدان ، أحمد بن یوسف بن حاتم(1) السلَمی ، أبو الحسن النیسابوریّ : المتوفّی (264) فی عشر التسعین.

وثّقه مسلم والخلیلی والدارقطنی. وقال الحاکم : هو أحد أعلام الحدیث ، کثیر الرحلة ، واسع الفهم ، کذا ترجمه الخزرجی فی الخلاصة(2) (ص 12) ، وابن حجر فی تهذیبه(3) (1 / 92).

مرّ حدیثه (ص 20) بإسناد صحیح رجاله ثقات ، و (ص 65) بسند صحیح أیضاً.

126 - الحافظ عبید الله بن عبدالکریم بن یزید ، أبو زرعة المخزومیّ ، الرازیّ : المتوفّی (264 ، 268).

قال الخطیب (10 / 326 - 337) : کان إماماً ربّانیاً حافظاً مکثراً صادقاً ، وقال أبوحاتم(4) : حدّثنی أبو زرعة ، وما خَلَفَ بعده مثله علماً وفهماً وصیانةً وصدقاً ، ولا أعلم فی المشرق والمغرب من کان یفهم هذا الشأن مثله ، وإذا رأیت الرازی یتنقّص أبا

زرعة فاعلم أنَّه مبتدع ، ووثّقه النسائی ، وأثنی علیه غیره ووثّقه. ترجمه ابن حجر فی تهذیبه(5) (7 / 30 - 34).

یأتی عنه حدیث التهنئة بروایة ابن کثیر بإسناد صحیح ، رجاله کلّهم ثقات.

127 - الحافظ أحمد بن منصور بن سیّار ، أبو بکر البغدادیّ ، صاحب المسند : المتوفّی (265) عن (83) عاماً.

ص: 212


1- فی تهذیب التهذیب والثقات : 8 / 47 : یوسف بن خالد.
2- خلاصة الخزرجی : 1 / 36 رقم 150.
3- تهذیب التهذیب : 1 / 79.
4- الجرح والتعدیل : 5 / 324 رقم 1543.
5- تهذیب التهذیب : 7 / 28.

وثّقه أبو حاتم(1) والدارقطنی ، کما فی تاریخ الخطیب (5 / 151 - 153) ، وحکی ابن حجر فی تهذیبه(2) ثقته عن الخلیلی ومسلمة بن قاسم ، روی حدیث المناشدة بلفظ زید بن یُثیع وعبد خیر الآتی ، بإسناد رجاله کلّهم ثقات.

128 - الحافظ إسماعیل بن عبدالله بن مسعود العبدیّ ، أبو بشر الأصفهانیّ ، الشهیر بسمّویه : المتوفّی (267).

قال أبو الشیخ : کان حافظاً مُتقِناً ، وقال أبو نعیم : کان من الحفّاظ والفقهاء ، وقال

ابن أبی حاتم(3) : صدوقٌ ، کذا ترجمه الذهبی فی تذکرته(4) (2 / 145). راجع (ص 52).

129 - الحافظ الحسن بن علیّ بن عفّان العامریّ ، أبو محمد الکوفیّ : المتوفّی (270).

أحد مشایخ الحافظ الکبیر ابن ماجة ونظرائه ، وثّقه الدارقطنی ومسلمة بن قاسم ، وذکره ابن حبّان فی الثقات(5) ، ترجمه الخزرجی فی الخلاصة(6) (ص 68) ، وابن حجر فی تهذیبه(7) (2 / 302).

مرّ الحدیث عنه (ص 24) بطریق حسن إن لم یکن صحیحاً ؛ لمکان حسن بن عطیّة بن نجیح - وهو صدوقٌ ، یروی عن البخاری - ویأتی عنه حدیث المناشدة بلفظ زید بن یُثیع بطریق صحیح رجاله ثقات.

130 - الحافظ محمد بن عوف بن سفیان ، أبو جعفر الطائیّ ، الحِمْصیّ : المتوفّی (272).

ص: 213


1- الجرح والتعدیل : 2 / 78 رقم 169.
2- تهذیب التهذیب : 1 / 72.
3- الجرح والتعدیل : 2 / 182 رقم 620.
4- تذکرة الحفّاظ : 2 / 566 رقم 591.
5- الثقات : 8 / 181.
6- خلاصة الخزرجی : 1 / 216 رقم 1362.
7- تهذیب التهذیب : 2 / 261.

ترجمه الذهبی فی تذکرته(1) (2 / 159) وقال : وقد وثّقه غیر واحد ، وأثنوا علی معرفته ونبله. مرّ الحدیث بطریقه (ص 57).

131 - الحافظ سلیمان بن سیف بن یحیی الطائیّ ، أبو داود الحرّانیّ : المتوفّی (272).

وثّقه النسائی ، ویروی عنه کثیراً ، وذکره ابن حبّان فی الثقات(2) ، ترجمه ابن حجر فی تهذیبه(3) (4 / 199).

یأتی بطریقه حدیث المناشدة فی الرحبة بلفظ زید بن یُثیع.

132 - الحافظ محمد بن یزید القزوینیّ ، أبو عبدالله بن ماجة ، صاحب السنن : المتوفّی (273).

ترجمه کثیر من الأعلام ، قال الذهبی فی تذکرته(4) (2 / 209) : قال أبو یعلی الخلیلی : ابن ماجة ثقة کبیر ، متّفق علیه ، محتجٌّ به ، له معرفة وحفظ.

مرّ حدیثه (ص 19 ، 20) بإسناد صحیح رجاله کلّهم ثقات ، و (ص 39 ، 41).

133 - أبو محمد عبدالله بن مسلم بن قُتیبة الدِینَوَرِیّ(5) ، البغدادیّ : المتوفّی (276).

ترجمه الخطیب فی تاریخه (10 / 170) ، وقال : کان ثقةً دیِّناً فاضلاً ، ووثّقه ابن خلّکان فی تاریخه(6) وذکر فضله.

ص: 214


1- تذکرة الحفّاظ : 2 / 581 رقم 606.
2- الثقات : 8 / 281.
3- تهذیب التهذیب : 4 / 174.
4- تذکرة الحفّاظ : 2 / 636 رقم 659.
5- دِینَوَر - بکسر الدال وفتح النون والواو - بلد عند قرمیسین - کرمنشاه - قاله ابن خلّکان. (المؤلف)
6- وفیات الأعیان : 3 / 42 رقم 328.

یأتی عنه حدیث احتجاج بُرْد علی عمرو بن العاصی ، وحدیث مناشدة شابٍّ أبا هریرة.(1)

134 - الحافظ عبدالملک بن محمد ، أبو قلابة الرقاشیّ ، الزاهد ، محدِّث البصرة : المتوفّی (276) ، والمولود (190).

قال أبو داود : أمین مأمون ، کتبت عنه ، ترجمه الذهبی فی تذکرته(2) (2 / 197) ، وحکی ابن حجر فی تهذیبه(3) (6 / 420) ثقته عن ابن الأعرابی ومسلمة بن قاسم ، وذکره ابن حبّان فی الثقات(4).

مرّ الحدیث عنه (ص 31) بطریق صحیح رجاله کلّهم ثقات.

135 - الحافظ أحمد بن حازم الغِفاریّ ، الکوفیّ ، الشهیر بابن أبی غرزة :

المتوفّی (276) ، صاحب المسند.

ذکره ابن حبّان فی الثقات(5) ، وقال : کان مُتقِناً ، کذا ترجمه الذهبی فی

ص: 215


1- ذکر حدیث الغدیر فی کتابه : تأویل مختلف الحدیث - طبعة القاهرة سنة 1386 - ص 6 و 42 ، وهنا حاول تأویل الحدیث وتحریف معناه فاضطرّ إلی الهذیان ! وناقض ما ذکره هنا فی کتابه الاختلاف فی اللفظ ص 47 - طبعة القدسی بمصر سنة 1349 - حین ذکر الحدیث مرسلاً إیّاه إرسال المسلّمات عند إفاضته فی تعصب السنّیّین علی علیّ علیه السلام قال : وتحامی کثیر من المحدّثین أن یحدّثوا بفضائله - کرم الله وجهه - أو یظهروا ما یجب له ... وأهملوا من ذکره أو روی حدیثاً من فضائله ، حتی تحامی کثیر من المحدّثین ثوابها ، وعُنوا بجمع فضائل عمرو بن العاص ومعاویة !! کأنَّهم لا یریدونهما بذلک وإنَّما یریدونه ، فإن قال قائل : أخو رسول الله صلی الله علیه وسلم علیّ وأبو سبطیه الحسن والحسین ، وأصحاب الکساء : علیّ وفاطمة والحسن والحسین ، تمعّرت الوجوه وتنکّرت العیون ! وطرت حسائک الصدور ! وإن ذکر ذاکر قول النبی صلی الله علیه وسلم «من کنتُ مولاه فعلیّ مولاه» و «أنت منّی بمنزلة هارون من موسی» وأشباه هذا التمسوا لتلک الأحادیث المخارج لینتقصوه ویبخسوه حقّه ... (الطباطبائی)
2- تذکرة الحفّاظ : 2 / 580 رقم 604.
3- تهذیب التهذیب : 6 / 371.
4- الثقات : 8 / 391.
5- المصدر السابق : 8 / 44.

تذکرته(1) (2 / 171).

مرّ الحدیث بطریقه (ص 20) بإسناد صحیح رجاله ثقات ، وکذلک ما مرّ عنه (ص 32) ، ویأتی بإسناده حدیث المناشدة بلفظ عمرو ذی مرّ بطریق صحیح رجاله کلّهم ثقات.

136 - الحافظ محمد بن عیسی ، أبو عیسی الترمذیّ : المتوفّی (279).

أحد الأئمّة الستّة أصحاب الصحاح ، غنیٌّ عن کلّ توثیق.

راجع (ص 27 ، 33 ، 34 ، 35 ، 41 ، 48) وغیرها ، وکثیر من طرقه صحیح رجاله ثقات.

137 - الحافظ أحمد بن یحیی البلاذریّ : المتوفّی (279).

اعتمد علیه وعلی کتابه أئمّة الإسلام فی النقل عنه وعن تآلیفه منذ عصره حتی الیوم. أخرجه فی أنساب الأشراف(2).

138 - الحافظ إبراهیم بن الحسین الکسائیّ ، الهمدانیّ ، أبو إسحاق ، المعروف بابن دیزیل : المتوفّی (280 ، 281).

یروی عن أبی سعید یحیی الجُعْفی المتوفّی (237) کما یأتی.

قال الذهبی فی تذکرته(3) (1 / 183) : قال الحاکم : ثقة مأمون.

روی حدیث الرکبان الآتی فی کتاب صفّین بطریق صحیح رجاله ثقات ، ونزول آیة (سَأَلَ سَائِلٌ) حول واقعة الغدیر.

ص: 216


1- تذکرة الحفّاظ : 2 / 594 رقم 617.
2- أنساب الأشراف : 2 / 108 - 112.
3- تذکرة الحفّاظ : 2 / 608 رقم 633.

139 - الحافظ أحمد بن عمرو ، أبو بکر الشیبانیّ ، الشهیر بابن أبی عاصم :

المتوفّی (287).

ترجمه الذهبی فی تذکرته(1) (2 / 214) ، وأثنی علیه بالإمامة والزهد والصدق والفقه.

مرّ عنه (ص 42 ، 55) ، ویأتی عنه حدیث المناشدة یوم الرحبة بلفظ زاذان.

140 - الحافظ زکریا بن یحیی بن إیاس ، أبو عبدالرحمن السِجْزیّ(2) ، نزیل دمشق ، المعروف بخیّاط السنّة : المتوفّی (289) عن (94) عاماً.

وثّقه النسائی والأزدی والذهبی فی تذکرته(3) (2 / 223).

مرّ عنه (ص 85) بإسناد صحیح رجاله کلّهم ثقات ، وأخرج النسائی فی خصائصه(4) (ص 25) قال :

أخبرنا زکریا بن یحیی قال : حدّثنا [محمد بن یحیی قال حدّثنا](5) یعقوب ابن جعفر بن کثیر بن أبی کثیر عن مهاجر بن مسمار قال : أخبرتنی عائشة بنت سعد عن سعد قال : کنّا مع رسول الله صلی الله علیه وسلم بطریق مکّة ... إلی آخر اللفظ المذکور (ص 38).

141 - الحافظ عبدالله بن أحمد بن حنبل ، أبو عبدالرحمن الشیبانیّ : المتوفّی (290).

أطراه الخطیب فی تاریخه (9 / 375) بالثقة والثبت والفهم ، وقال الذهبی فی تذکرته(6) (1 / 237) : ما زلنا نری أکابر شیوخنا یشهدون لعبدالله بمعرفة الرجال

ص: 217


1- تذکرة الحفّاظ : 2 / 640 رقم 663.
2- بمهملة مکسورة وجیم ساکنة ، اسم لسجستان [معجم البلدان : 3 / 189]. (المؤلف)
3- تذکرة الحفّاظ : 2 / 650 رقم 673.
4- السنن الکبری : 5 / 135 ح 8481.
5- أضفناه من طبعة الکویت بتحقیق أحمد میر بن البلوشی : ص 114 ح 96. (الطباطبائی)
6- تذکرة الحفّاظ : 2 / 665 رقم 685.

ومعرفة علل الحدیث والأسماء والمواظبة علی الطلب ، حتی أفرط بعضهم وقدّمه علی أبیه - إمام الحنابلة - فی الکثرة والمعرفة. راجع (ص 31).

مرّ عنه بإسناد صحیح رجاله کلّهم ثقات ، وکذلک بسند صحیح (ص 38) ، یأتی عنه حدیث المناشدة بطرق صحیحة.

142 - الحافظ أحمد بن عمرو ، أبو بکر البزّار ، البصریّ : المتوفّی (292) ، صاحب المسند المعلّل.

قال الخطیب فی تاریخه (4 / 334) : کان ثقةً حافظاً ، صنّف المسند ، وتکلّم علی الأحادیث ، وبیّن عللها ، وترجمه الذهبی فی تذکرته(1) (2 / 228) ، وحکی ثقته عن الدارقطنی.

مرّ حدیثه (ص 22 ، 33 ، 41 ، 51 ، 52 ، 56) ، ویأتی عنه بطرق أخری ، وغیر واحد من طرقه صحیح رجاله ثقات ، صحّحه الحافظ الهیثمی(2).

143 - الحافظ إبراهیم بن عبدالله بن مسلم الکجّیّ ، البصریّ ، صاحب السنن : المتوفّی (292).

ترجمه الذهبی فی تذکرته(3) (2 / 195) ، وقال : وثّقه الدارقطنی وغیره ، وکان سَرِیّاً نبیلاً ، عالماً بالحدیث ، مدحه البحتری.

روی حدیث التهنئة ، کما یأتی بإسناد صحیح ، رجاله کلّهم ثقات.

144 - الحافظ صالح بن محمد بن عمرو البغدادیّ ، الملقّب ب- (جزرة) : المتوفّی (293 ، 294). 7.

ص: 218


1- تذکرة الحفّاظ : 2 / 653 رقم 675.
2- مجمع الزوائد : 9 / 105.
3- تذکرة الحفّاظ : 2 / 620 رقم 647.

ترجمه الخطیب فی تاریخه (9 / 322) ، وقال : کان حافظاً عارفاً ، من أئمّة الحدیث ، وممّن یُرجَعُ إلیه فی علم الآثار ، ومعرفة نَقَلَة الأخبار ، وکان صدوقاً ثَبْتاً أمیناً ، وذکره الذهبی فی تذکرته(1) (2 / 215) ، وحکی عن الدارقطنی أنَّه قال : کان ثقةً حافظاً عارفاً(2).

مرّ حدیثه (ص 31) بإسناد صحیح رجاله ثقات ، وکذلک ما مرّ عنه (ص 34) ، إسناده صحیح رجاله ثقات.

145 - الحافظ محمد بن عثمان بن أبی شیبة ، أبو جعفر العبسیّ ، الکوفیّ : المتوفّی (297).

وثّقه الحافظ صالح جزرة ، وصحّح الحاکم والذهبی ما أخرجاه بطریقه فی المستدرک(3) وتلخیصه ، ترجمه الذهبی فی تذکرته(4) (2 / 233).

مرّ الحدیث بإسناده (ص 43) ، ویأتی بإسناده حدیث نزول آیة التبلیغ یوم غدیر خمّ.

146 - القاضی علیّ بن محمدالمَصّیصیّ - بفتح المیم وتشدید المهملة الأولی - شیخ الحافظ النسائی ونظرائه.

وثّقه(5) النسائی فی سننه ، کما فی خلاصة الخزرجی (ص 135) ، وابن حجر فی تقریبه ، وحکی ثقته فی تهذیبه (7 / 380) عن النسائی وابن حبّان ومسلمة بن قاسم. أخرج النسائی عنه حدیث المناشدة بلفظ سعید وزید بإسناد صحیح ، رجاله کلّهم ثقات. 2.

ص: 219


1- تذکرة الحفّاظ : 2 / 641 رقم 664.
2- المؤتلف والمختلف : 2 / 750.
3- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 132 ح 4622 ، وکذا فی تلخیصه.
4- تذکرة الحفّاظ : 2 / 661 رقم 681.
5- خلاصة الخزرجی : 2 / 256 رقم 5046 ، تقریب التهذیب : 2 / 44 رقم 408 حرف العین ، تهذیب التهذیب : 7 / 333 ، الثقات : 8 / 477 ، السنن الکبری : 5 / 131 ح 8472.

147 - إبراهیم بن یونس بن محمد المؤدِّب ، البغدادی ، نزیل طرطوس ، الملقّب ب- (حَرَمی) - بالمهملتین.

ذکره ابن حبّان فی الثقات(1) ، وقال النسائی : صدوقٌ ، وتبعه ابن حجر فی التقریب(2).

أخرج النسائی فی خصائصه(3) (ص 4) قال : أخبرنا حَرَمی بن یونس بن محمد الطرطوسی ، قال : أخبرنا أبو غسان - مالک بن إسماعیل - قال : أخبرنا عبدالسلام(4) ، عن موسی الصغیر المترجم (ص 81) ، عن عبدالرحمن بن سابط ، عن سعد قال : کنت جالساً فتنقصوا ... إلی آخر اللفظ المذکور (ص 38) والسند صحیح ، رجاله کلّهم ثقات.

148 - أبو هریرة محمد بن أیّوب الواسطیّ : قال أبو حاتم(5) : صالحٌ ، کذا ذکره الخزرجی(6) ، وبالصلاح ترجمه ابن حجر فی التقریب(7) ، وقال فی تهذیبه(8) (9 / 69) : ذکره ابن حبّان فی الثقات(9) ، وقال ابن أبی حاتم کتب عنه أبی سنة (214) ، وصحّح 4.

ص: 220


1- الثقات : 8 / 82.
2- تقریب التهذیب : 1 / 47 رقم 308 حرف الألف.
3- خصائص أمیر المؤمنین : ص 38 ح 12 ، وفی السنن الکبری : 5 / 108 ح 8399.
4- هو الحافظ عبدالسلام بن حرب النهدی ، أبو بکر الکوفیّ ، الملّائی : المتوفّی (187) عن (96) عاماً. وثّقه أبو حاتم [فی الجرح والتعدیل : 6 / 47 رقم 246] والترمذی والدارقطنی ویعقوب بن أبی شیبة ، ترجمه ابن حجر فی تهذیبه : 6 / 317 [6 / 282] ، وبقیّة السند قد مرّت تراجم رجالها. (المؤلف)
5- الجرح والتعدیل : 7 / 197 رقم 1113.
6- خلاصة الخزرجی : 2 / 383 رقم 6076.
7- تقریب التهذیب : 2 / 147 رقم 69 حرف المیم.
8- تهذیب التهذیب : 9 / 59.
9- الثقات : 9 / 114.

حدیثه الحاکم فی المستدرک(1) (3 / 109).

مرّ حدیثه (ص 31) بإسناد صحّحه الحاکم ، ویأتی عنه حدیث نزول آیة (سَأَلَ سَائِلٌ) حول قضیّة الغدیر.

«القرن الرابع»

149 - الحافظ عبدالله بن الصقر بن نصر ، أبو العبّاس السکّریّ ، البغدادیّ : المتوفّی (302).

ترجمه الخطیب فی تاریخه (9 / 483) وقال : کان ثقةً ، وقال الدارقطنی : صدوقٌ.

مرّ حدیثه (ص 39) بإسناد صحیح رجاله کلّهم ثقات.

150 - الحافظ أبو عبدالرحمن أحمد بن شعیب النسائیّ ، صاحب السنن : المتوفّی (303) ، وله (88) عاماً.

حکی الذهبی فی تذکرته(2) (2 / 268) عن الدارقطنی أنَّه قال : کان النسائی أفقه مشایخ مصر فی عصره ، وأعلمهم بالحدیث ، وعن النیسابوری : أنَّه الإمام بلا مدافعة ، وحکی السبکی فی طبقاته(3) (2 / 84) عن أبی جعفر الطحاوی أنَّه قال : النسائی إمام من أئمّة المسلمین ، وحکی ابن کثیر فی تاریخه(4) (11 / 123) عن ابن یونس أنَّه قال : کان النسائی إماماً فی الحدیث ثقةً ثبْتاً حافظاً.

أخرج حدیث الغدیر فی سننه وخصائصه بطرق کثیرة جُلّها صحیح ، رجاله .

ص: 221


1- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 118 ح 4577.
2- تذکرة الحفّاظ : 2 / 698 رقم 719.
3- طبقات الشافعیّة الکبری : 3 / 14 رقم 80.
4- البدایة والنهایة : 11 / 140 حوادث سنة 303 ه.

ثقات ، منها مایأتی ، ومنها مامرّ (ص 18، 30، 31، 35، 38، 45، 48، 49، 85، 89، 92).

151 - الحافظ الحسن بن سفیان بن عامر ، أبو العبّاس الشیبانیّ ، النسویّ ، البالوزیّ(1) ، صاحب المسند الکبیر : المتوفّی (303).

قال السمعانی فی أنسابه(2) : کان مقدَّماً فی الفقه والعلم والأدب ، وقال فی موضع آخر : إمام مُتقِن ورع حافظ ، وقال السبکی فی طبقاته(3) (2 / 210) :

قال الحاکم : کان محدّث خراسان فی عصره ، مقدّماً فی الثبت والکثرة والفهم والفقه والأدب.

مرّ عنه (ص 19) ، ویأتی عنه حدیث مناشدة أمیر المؤمنین علیه السلام یوم الجمل ، وحدیث التهنئة بإسناد صحیح رجاله کلّهم ثقات.

152 - الحافظ أحمد بن علیّ الموصلیّ ، أبو یعلی ، صاحب المسند الکبیر : المتوفّی (307).

وثّقه(4) ابن حبّان والحاکم والذهبی فی تذکرته (2 / 274) ، وقال ابن کثیر فی تاریخه(5) (11 / 130) : کان حافظاً خیِّراً ، حسن التصنیف ، عدلاً فیما یرویه ، ضابطاً لِما یحدّث به.

مرّ عنه (ص 15 ، 19 ، 51) ، ویأتی عنه حدیث المناشدة ومناشدة شابٍّ أبا هریرة ، بإسناد صحیح رجاله ثقات ، وحدیث التهنئة بإسناد صحیح.

153 - الحافظ محمد بن جریر الطبریّ ، أبو جعفر ، صاحب التفسیر والتاریخ .

ص: 222


1- البالوز : من قُری (نسا) علی ثلاثة أو أربعة فراسخ منها [معجم البلدان : 1 / 329]. (المؤلف)
2- الأنساب : 1 / 270.
3- طبقات الشافعیة الکبری : 3 / 263 رقم 170.
4- الثقات : 8 / 55 ، تذکرة الحفّاظ : 2 / 707 رقم 726.
5- البدایة والنهایة : 11 / 149 حوادث سنة 307 ه.

السائرین : المتوفّی (310).

ترجمه الخطیب فی تاریخه (2 / 162 - 169) وقال : کان أحد العلماء ، یُحکَم بقوله ، ویُرجَع إلی رأیه ؛ لمعرفته وفضله ، ثمّ أطراه وأکثر.

وذکره الذهبی فی تذکرته(1) (1 / 277 - 283) ، وأثنی علیه بالإمامة والزهد والرفض للدنیا. أفرد کتاباً فی الغدیر.

ومرّ عنه (ص 15 ، 19 ، 20 ، 41 ، 44 ، 48 ، 55 ، 57 ، 68) ، ویأتی عنه بطرق أخری.

154 - أبو جعفر أحمد بن محمد الضبعیّ ، الأحول(2) : المتوفّی (311).

یأتی عنه حدیث مناشدة الرحبة بلفظ عبدالرحمن.

155 - الحافظ محمد بن جمعة بن خلف القهستانیّ ، أبو قریش ، صاحب المسند الکبیر : المتوفّی (313).

قال الخطیب فی تاریخه (2 / 169) : کان ضابطاً حافظاً مُتقِناً کثیر السماع والرحلة ، وحکی الذهبی فی تذکرته(3) (2 / 328) عن أبی علیّ الحافظ أنَّه قال : خیرنا أبو قریش ، الحافظ الثقة الأمین.

مرّ الإیعاز إلی حدیثه (ص 19) ، ویأتی فی حدیث التهنئة بإسناد صحیح رجاله کلّهم ثقات.

156 - الحافظ عبدالله بن محمد البغویّ ، أبو القاسم : المتوفّی (317).

ترجمه الخطیب فی تاریخه (10 / 111 - 117) ، وقال : کان ثقةً ثَبْتاً مکثراً فهماً ).

ص: 223


1- تذکرة الحفّاظ : 2 / 710 رقم 728.
2- ترجمه الخطیب البغدادی فی تاریخه : 5 / 107 رقم 2513 ، وقال : کان صدوقاً.
3- تذکرة الحفّاظ : 2 / 766 رقم 767. وفیه : (أخبرنا) بدلاً من (خیرنا).

عارفاً ، وحکی عن موسی بن هارون : أنَّه قال : لو جاز أن یُقال لإنسان إنَّه فوق الثقة ، لقیل لأبی القاسم.

أخرج فی معجمه حدیث الرکبان الآتی ، ومرّ عنه بإسناد حسن (ص 31).

157 - أبو بشر محمد بن أحمد الدولابیّ(1) : المولود (224) ، والمتوفّی (320).

معتمدٌ علیه فی الروایة عنه ، کما فی تاریخ ابن خلّکان(2) (2 / 85).

مرّ عنه (ص 24 ، 31) بإسنادین صحیحین کلّ رجالهما ثقات.

158 - أبو جعفر أحمد بن عبدالله بن أحمد البزّاز ، المعروف بابن النیریّ : المولود (232) ، والمتوفّی (320).

ترجمه الخطیب فی تاریخه (4 / 226) ، وقال : ثقةٌ.

یأتی حدیثه فی آیة إکمال الدین وفی حدیث التهنئة ، بإسناد صحیح رجاله کلّهم ثقات.

159 - الحافظ أبوجعفر أحمد بن محمد الأزدیّ ، الطحاویّ(3) ، الحنفیّ المصریّ : المولود (229) ، والمتوفّی (321).

شیخ الفقه والحدیث ، انتهت إلیه الرئاسة الدینیّة بمصر ، ترجمه ابن کثیر فی تاریخه(4) (11 / 174) ، وقال : أحد الثقات الأثبات والحفّاظ الجهابذة ، وحکی الذهبی ، عن ابن یونس فی التذکرة(5) (3 / 30) : کان ثقةً ثبْتاً فقیهاً عاقلاً لم یخلف مثله. 7.

ص: 224


1- الدولاب : قریة من أعمال الریّ ، وأخری بأهواز ، وموضع فی شرقی بغداد [معجم البلدان : 2 / 485]. (المؤلف)
2- وفیات الأعیان : 4 / 352 رقم 646.
3- نسبة إلی (طحا) ، وهی قریة بصعید مصر ، وإلی (الأزد) حیّ من الیمن [معجم البلدان : 4 / 22]. (المؤلف)
4- البدایة والنهایة : 11 / 198 حوادث سنة 321 ه.
5- تذکرة الحفّاظ : 3 / 808 رقم 797.

مرّ حدیثه (ص 40) بإسناد صحیح رجاله ثقات ، وکذلک (ص 55).

160 - أبو إسحاق إبراهیم بن عبدالصمد بن موسی الهاشمیّ : المتوفّی (325).

ترجمه الخطیب فی تاریخه (6 / 137).

یأتی بطریقه حدیث مناشدة رجل عراقی جابر الأنصاری بحدیث الغدیر.

161 - الحافظ الحکیم محمد بن علیّ الترمذیّ ، الصوفیّ ، الشافعیّ ، صاحب کتاب الفروق ونوادر الأصول.

یروی عن بعض مشایخه سنة (285) - کما فی ترجمته فی أوّل کتابه نوادر الأصول - أثنی علیه الحافظ أبو نعیم فی حلیته(1) ، وترجمه السبکی فی طبقاته(2) (2 / 20). مرّ الحدیث عنه (ص 27).

162 - الحافظ ابن الحافظ عبدالرحمن بن أبی حاتم محمد بن إدریس التمیمیّ ، الحنظلیّ ، الرازیّ : المتوفّی (327).

ترجمه الذهبی فی تذکرته(3) (3 / 48) ، وأثنی علیه بالإمامة والحفظ والنقد ، وحکی عن أبی الولید الباجی ثقته ، ترجمه السبکی فی طبقاته(4) (2 / 237) ، وحکی عن أبی یعلی الخلیلی : أنَّه قال : کان زاهداً یُعَدّ من الأبدال.

مرّ عنه (ص 44) ، ویأتی عنه نزول آیة التبلیغ فی علیّ علیه السلام.

163 - أبو عمر أحمد بن عبد ربِّه القرطبیّ : المتوفّی (328).

ترجمه ابن خلّکان فی تاریخه(5) (1 / 34) وقال : کان من العلماء المکثرین من 6.

ص: 225


1- حلیة الأولیاء : 10 / 233 رقم 572.
2- طبقات الشافعیة الکبری : 2 / 245 رقم 59.
3- تذکرة الحفّاظ : 3 / 829 رقم 812.
4- طبقات الشافعیة الکبری : 3 / 324 رقم 207.
5- وفیات الأعیان : 1 / 110 رقم 46.

المحفوظات والاطّلاع علی أخبار الناس ، وصنّف کتابه العِقْد ، وهو من الکتب الممتعة. قال فی العقد الفرید(1) (2 / 275) : أسلم علیّ وهو ابن خمس عشرة سنة ، وهو أوّل من شهد أن لا إله إلّا الله ، وأنَّ محمداً رسول الله ، وقال النبیّ - علیه الصلاة والسلام - : «من کنتُ مولاه فعلیّ مولاه ، أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه».

ویأتی عنه احتجاج المأمون علی أربعین فقیهاً بأحادیث منها حدیث الغدیر.

164 - الفقیه أبو عبدالله الحسین بن إسماعیل بن سعید المحاملیّ ، الضبّیّ : المتوفّی (330) عن (95) سنة.

قال السمعانی فی أنسابه(2) : کان فاضلاً صادقاً دیِّناً ثقةً صدوقاً ، وقال ابن کثیر فی تاریخه(3) (11 / 203) : کان صدوقاً دیِّناً فقیهاً محدِّثاً ، ولی قضاء الکوفة ستّین سنة ، وأُضیف إلیه قضاء فارس وأعمالها ، ثمّ استعفی من ذلک کلّه ، ولزم منزله ، واقتصر علی إسماع الحدیث وسماعه.

مرّ عنه (ص 51 ، 55) بإسناد صحّحه فی أمالیه ، ویأتی عنه حدیث المناشدة بلفظ زید بن یثیع ، بإسناد صحیح رجاله ثقات.

165 - أبو نصر حبشون بن موسی بن أیوب الخلاّل : المتوفّی (331) ، وکان مولده (234).

شیخ الحافظ الدارقطنی ونظرائه ، ترجمه الخطیب فی تاریخه (8 / 290) ، وقال : کان ثقة.

یأتی حدیثه وترجمته فی صوم الغدیر ، وستقف علی صحّة إسناده ، وأنَّ رجاله کلّهم ثقات. .

ص: 226


1- العقد الفرید : 4 / 122.
2- الأنساب : 5 / 208.
3- البدایة والنهایة : 11 / 230 حوادث سنة 330 ه.

166 - الحافظ أبو العبّاس أحمد بن عقدة : المتوفّی (333).

ضع یدک علی أیٍّ من معاجم التراجم تجد هناک ترجمته والثناء علیه(1).

أفرد کتاباً فی حدیث الغدیر ، وستقف فی ذکر المؤلّفین علی تفصیله ، وقد رواه بطرق کثیرة صحیحة ، منها ما مرّ ، ومنها ما یأتی.

167 - أبو عبدالله محمد بن علیّ بن خلف العطّار ، الکوفیّ ، نزیل بغداد :

ترجمه الخطیب فی تاریخه (3 / 57) ، وقال : سمعت محمد بن منصور یقول : کان محمد بن علیّ بن خلف ثقةً مأموناً حسن العقل.

مرّ حدیثه (ص 66) بإسناد صحیح رجاله ثقات.

168 - الحافظ الهیثم بن کلیب ، أبو سعید الشاشیّ : المتوفّی (335) ، صاحب المسند الکبیر.

ترجمه الذهبی فی تذکرته(2) (3 / 66) ، ووثّقه.

مرّ حدیثه (ص 40). قال الکنجی(3) : هذا حدیث حسن وأطرافه صحیحة.

169 - الحافظ محمد بن صالح بن هانی ، أبو جعفر الورّاق ، النیسابوریّ : المتوفّی (340).

ترجمه ابن کثیر فی تاریخه البدایة والنهایة(4) (11 / 225) ، وقال : کان ثقةً زاهداً لا یأکل إلّا من کسب یده ، ولا یقطع صلاة اللیل ، وترجمه السبکی فی طبقاته(5) (2 / 164) ، وأثنی علیه. 0.

ص: 227


1- أُنظر : تذکرة الحفّاظ : 3 / 839 رقم 820 ، لسان المیزان : 1 / 287 رقم 818.
2- تذکرة الحفّاظ : 3 / 848 رقم 827.
3- کفایة الطالب : ص 287 باب 70.
4- البدایة والنهایة : 11 / 255 حوادث سنة 340 ه ، وفیه : محمد بن صالح بن یزید.
5- طبقات الشافعیة الکبری : 3 / 174 رقم 140.

مرّ حدیثه (ص 20) بإسناد صحیح رجاله کلّهم ثقات.

170 - الحافظ أبو عبدالله محمد بن یعقوب بن یوسف الشیبانیّ ، النیسابوریّ ، المعروف بابن الأخرم : المولود (250) ، والمتوفّی (344) ، صاحب المسند الکبیر.

ترجمه الذهبی فی تذکرته(1) (3 / 82) ، وأثنی علیه ، وقال :

وکان من أئمّة هذا الشأن ، وقال الحاکم : کان من أنحی الناس ما أُخذ علیه لَحْنٌ قطّ ، وله کلام حسن فی العلل والرجال ، وسمعت محمد بن صالح بن هانی یقول : کان ابن خزیمة یقدِّم أبا عبدالله بن یعقوب علی کافّة أقرانه ، ویعتمد علی قوله فیما یرد علیه ، وإذا شکّ فی شیء عرضه علیه.

روی الحافظ أبو بکر البیهقی عن الحافظ الحاکم النیسابوری عنه ما مرّ فی (ص 34) بإسناد صحیح رجاله کلّهم ثقات.

171 - الحافظ یحیی بن محمد بن عبدالله ، أبو زکریا العنبریّ ، البغیانیّ : المتوفّی (344) ، وهو ابن (76) سنة.

ترجمه السمعانی فی أنسابه(2) ، وأثنی علیه ، وذکره السبکی فی طبقاته(3) (2 / 321) ، وقال : أحد الأئمّة ، قال الحاکم فیه : العدل الأدیب ، المفسِّر الأوحد بین أقرانه ، وسمعت أبا علیّ الحافظ یقول : الناس یتعجّبون من حفظنا لهذه الأسانید ، وأبو

زکریّا العنبری یحفظ من العلوم ما لو کُلِّفنا حفظ شیء منها لعجزنا عنه ، وما أعلم أنّی رأیت مثله.

مرّ حدیثه (ص 39).

172 - المسعودی علیّ بن الحسین البغدادیّ ، المصریّ : المتوفّی (346) ، ینتهی 3.

ص: 228


1- تذکرة الحفّاظ : 3 / 864 رقم 836.
2- الأنساب : 1 / 377.
3- طبقات الشافعیة الکبری : 3 / 485 رقم 243.

نسبه إلی عبدالله بن مسعود.

ترجمه السبکی فی طبقات الشافعیّة(1) (2 / 307) ، وقال : کان أخباریّاً مُفتیاً علّامةً ، وقیل : إنَّه کان معتزلیّ العقیدة.

یأتی عنه احتجاج أمیر المؤمنین علیه السلام علی طلحة یوم الجمل بحدیث الغدیر.

173 - أبو الحسین محمد بن أحمد بن تمیم الخیّاط ، القنطریُّ - کان ینزل قنطرة البَرَدان(2) - الحنظلیّ : المولود (259) والمتوفّی (348).

ترجمه الخطیب فی تاریخه (1 / 283).

مرّ حدیثه (ص 31) بإسناد کلّ رجاله ثقات.

174 - الحافظ جعفر بن محمد بن نصیر ، أبو محمد الخوّاص ، المعروف بالخلدیّ : المتوفّی (348).

ترجمه الخطیب فی تاریخه (7 / 226 - 231) ، وقال : کان ثقةً صادقاً دیِّناً فاضلاً.

یأتی عنه حدیث نزول آیة الإکمال فی علیٍّ علیه السلام بإسناد صحیح رجاله کلّهم ثقات.

175 - أبو جعفر محمد بن علیّ الشیبانیّ ، الکوفیّ(3) : ممّن ألّف فی الحدیث.

صحّح حدیثه الحاکم فی المستدرک(4) ، والذهبی فی تلخیصه فی غیر موضع.

مرّ حدیثه (ص 20) بإسناد صحیح رجاله ثقات ، وکذلک (ص 32). ه.

ص: 229


1- طبقات الشافعیّة الکبری : 3 / 456 رقم 225.
2- محلّة ببغداد. معجم البلدان 4 / 405.
3- أنظر : سیر أعلام النبلاء : 16 / 36 رقم 23.
4- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 168 ح 4733 ، وکذا فی تلخیصه.

176 - الحافظ دعلج بن أحمد بن دعلج بن عبدالرحمن ، أبو محمد السجستانیّ ، المعدِّل : المتوفّی (351).

ترجمه الخطیب فی تاریخه (8 / 387 - 392) ، وقال : کان ثقةً ثبْتاً ، قَبِل الحکّام شهادته ، وأثبتوا عدالته ، وجمع له المسند. قال الدارقطنی : لم أرَ فی مشایخنا أثبت منه وکان ثقةً مأموناً ، وقال عمر البصری : ما رأیت ببغداد ممّن انتخبت علیهم أصحّ کتباً ولا أحسن سماعاً من دعلج.

مرّ حدیثه (ص 31) بإسناد صحّحه الحاکم فی المستدرک(1) (3 / 109).

177 - أبو بکر محمد بن الحسن بن محمد النقّاش ، المفسِّر ، الموصلیّ ، البغدادیّ : المتوفّی (351).

ترجمه ابن کثیر فی تاریخه (11 / 242) وقال : کان رجلاً صالحاً فی نفسه عابداً ناسکاً ، له تفسیر شفاء الصدور.

یأتی عنه حدیث نزول آیة (سَأَلَ سَائِلٌ) حول نصّ الغدیر.

178 - الحافظ محمد بن عبدالله الشافعیّ ، البزّاز ، البغدادیّ : المتوفّی (354) ، والمولود (260).

ترجمه الخطیب فی تاریخه (5 / 456) ، وقال : کان ثقةً ثبتاً ، کثیر الحدیث ، حسن التصنیف ، وحکی عن الدارقطنی(2) أنَّه قال : کان ثقةً مأموناً.

وذکره الذهبی فی تذکرته(3) (3 / 96) وقال : ثقة ثبت مأمون ، ما کان فی ذلک الوقت أحدٌ أوثق منه. 9.

ص: 230


1- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 118 ح 4577.
2- المؤتلف والمختلف : 2 / 953.
3- تذکرة الحفّاظ : 3 / 880 رقم 849.

وقال ابن کثیر فی تاریخه(1) (11 / 260) : کان ثقةً ثبتاً ، کثیر الروایة.

یأتی عنه حدیث المناشدة فی الرحبة بلفظ زید بن أرقم بإسناد صحیح.

179 - الحافظ أبو حاتم محمد بن حبّان بن أحمد التمیمیّ ، البستیّ : المتوفّی (354).

ترجمه الذهبیُّ فی التذکرة(2) (3 / 133) وقال : کان من فقهاء الدین وحفّاظ الآثار ، قال الحاکم : کان من أوعیة العلم فی الفقه واللغة والحدیث والوعظ ، ومن عقلاء الرجال ، وقال الخطیب : کان ثقةً نبیلاً فهماً.

وذکره ابن کثیر فی تاریخه(3) (11 / 259) وقال : أحد الحفّاظ الکبار المصنِّفین المجتهدین.

روی الحافظ محبّ الدین الطبری فی الریاض النضرة(4) (2 / 169) حدیث المناشدة فی الرحبة الآتی بلفظ أبی الطفیل ، ثمّ قال : خرّجه أبو حاتم.

180 - الحافظ سلیمان بن أحمد بن أیوب اللخمیّ ، أبو القاسم الطبرانیّ : المولود (260) ، والمتوفّی (360).

ترجمه الذهبیّ فی تذکرته(5) (3 / 26 - 31) وقال : الإمام العلّامة الحجّة مسند الدنیا ، حدّث عن ألف شیخ أو یزیدون ، وکان من فرسان هذا الشأن ، مع الصدق والأمانة ، قال أبو العبّاس الشیرازی : ثقةٌ.

روی الحدیث بطرق کثیرة ، جلّها صحیح ، رجال إسناده ثقات. 5.

ص: 231


1- البدایة والنهایة : 11 / 294 حوادث سنة 354 ه.
2- تذکرة الحفّاظ : 3 / 920 رقم 879.
3- البدایة والنهایة : 11 / 293 حوادث سنة 354 ه.
4- الریاض النضرة : 3 / 114.
5- تذکرة الحفّاظ : 3 / 912 رقم 875.

راجع (ص 18، 23، 25، 26 ، 27 ، 28 ، 33 ، 34 ، 35 ، 37 ، 41 ، 42 ، 43 ، 48 ، 49 ، 51 ، 53 ، 55 ، 58 ، 59 ، 66) ، ویأتی عنه حدیث المناشدة بلفظ زید بن یُثیع ، بإسناد صحیح رجاله کلّهم ثقات.

181 - أحمد بن جعفر بن محمد بن سلم(1) أبو بکر الحنبلیّ(2) ، صاحب المسند الکبیر : المتوفّی (365).

قال ابن کثیر(3) (11 / 283) : کان ثقةً وقد قارب التسعین.

مرّ حدیثه (ص 66) بإسناد صحیح ، رجاله ثقات.

182 - أبو بکر أحمد بن جعفر بن حمدان بن مالک القطیعیّ(4) : المتوفّی (368) عن (96) عاماً.

ترجمه الخطیب فی تاریخه (4 / 74) ، وحکی عن ابن مالک أنَّه قال : کان شیخاً صالحاً ، وعن غیره : أنَّه صدوقٌ ، وعن البرقانی : أنَّه غرقت قطعةٌ من کتبه ، فنسخها

من کتاب ذکروا أنَّه لم یکن سماعه فیه ، فغمزوه لأجل ذلک ، وإلّا فهو ثقةٌ ، وقال ابن کثیر فی تاریخه(5) (11 / 293) : کان ثقةً کثیر الحدیث.

وصحّح حدیثه الحاکم فی المستدرک(6) والذهبی فی تلخیصه.

یأتی حدیث المناشدة فی الرحبة بطریقه عن عبدالرحمن بن أبی لیلی وأبی الطفیل ، بإسناد صحیح رجاله کلّهم ثقات. ه.

ص: 232


1- کذا فی تاریخ بغداد : 4 / 71 رقم 1694 ، وفی البدایة والنهایة ، والمنتظم : 14 / 243 حوادث سنة 365 ه : أحمد بن جعفر بن محمد بن مسلم.
2- کذا ، وفی البدایة والنهایة والمنتظم وتاریخ بغداد : الختَّلی.
3- البدایة والنهایة : 11 / 321 حوادث سنة 365 ه.
4- نسبةً إلی قطیعة الرقیق محلّة فی أعلی غربی بغداد [معجم البلدان : 4 / 377]. (المؤلف)
5- البدایة والنهایة : 11 / 332 حوادث سنة 368 ه.
6- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 143 ح 4652 ، وکذا فی تلخیصه.

وأخرج الحاکم فی المستدرک(1) (3 / 132) قال :

أخبرنا أبو بکر أحمد بن جعفر بن حمدان القطیعی ببغداد من أصل کتابه ، حدّثنا عبدالله بن [أحمد بن] حنبل ، حدّثنی أبی ، حدّثنا یحیی بن حمّاد ، حدّثنا أبو عوانة ، حدّثنا أبو بلج ، حدّثنا عمرو بن میمون ، قال : إنّی لَجالس عند ابن عبّاس إذ أتاه

تسعة رهط ... إلی آخر الحدیث المذکور (ص 50) ، والإسناد صحیح ، رجاله کلّهم ثقات.

183 - أبو یعلی الزبیر بن عبدالله(2) بن موسی بن یوسف البغدادیّ ، التَّوَّزیّ(3) ، نزیل نیسابور : المتوفّی (370).

ترجمه الخطیب فی تاریخه (8 / 473) ، وذکره ابن الأثیر فی الکامل(4) (9 / 4).

یأتی عنه حدیث التهنئة بإسناد صحیح.

184 - أبو یعلی - أبو بکر - محمد بن أحمد بن بالویه النیسابوریّ ، المعدِّل : المتوفّی (374) عن (94) عاماً.

ترجمه الخطیب فی تاریخه (1 / 282) ، وحکی ثقته عن البرقانی ، وأکثر الروایة عنه الحاکم فی المستدرک(5) ، وصحّح حدیثه فیه ، والذهبی فی تلخیصه.

مرّ حدیثه (ص 31) بإسناد ، رجاله کلّهم ثقات.

185 - الحافظ علیُّ بن عمر بن أحمد الدارقطنیّ : المتوفّی (385). 6.

ص: 233


1- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 143 ح 4652.
2- فی الکامل : عبدالواحد بن موسی ، وفی المحکیّ عن الحاکم : عبیدالله بن موسی. (المؤلف)
3- تَوّز - بفتح أوّله وتشدید ثانیه - مدینة بفارس قریبة من کازرون. معجم البلدان [2 / 56]. (المؤلف)
4- الکامل فی التاریخ : 5 / 444 حوادث سنة 370 ه.
5- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 146 ح 4661 ، وکذا فی تلخیصه : ص 150 ح 4675 ، ص 165 ح 4726.

توجد ترجمته فی کثیر من معاجم التراجم والتاریخ. قال الخطیب فی تاریخه (12 / 34) : کان فرید عصره وقریع دهره ، ونسیج وحده ، وإمام وقته ، انتهی إلیه علم الأثر والمعرفة بعلل الحدیث وأسماء الرجال وأحوال الرواة ، مع الصدق والأمانة والفقه والعدالة وقبول الشهادة وصحّة الاعتقاد وسلامة المذهب ، والاضطلاع بعلوم سوی علم الحدیث.

یأتی عنه حدیثا صوم الغدیر والمناشدة فی الرحبة ، کلاهما بإسناد صحیح رجاله ثقات(1).

186 - الحافظ الحسن بن إبراهیم بن الحسین أبو محمد المصریّ الشهیر بابن زولاق : المتوفّی (387) عن (81) عاماً.

ترجمه ابن خلّکان فی تاریخه(2) (1 / 146) ، وابن کثیر فی البدایة والنهایة(3) (11 / 321) رواه فی تاریخه ، کما حکاه المقریزیّ فی الخطط(4) (2 / 222).

187 - الحافظ عبیدالله بن محمد العکبریّ ، أبو عبدالله البطّیّ ، الحنبلیّ ، الشهیر بابن بطّة : المتوفّی (387).

ذکره السمعانی فی أنسابه(5) وأثنی علیه بالإمامة والفضل والعلم والحدیث والفقه والزهد.

أخرج حدیث التهنئة ، الآتی بلفظ البراء بن عازب. 8.

ص: 234


1- وله جزء مفرد فی حدیث الغدیر جمع فیه طرقه ، ذکرته فی (أهل البیت فی المکتبة العربیة) وفی (الغدیر فی التراث الإسلامی) ص 56 ، وذکره الکنجی فی کفایة الطالب. قال فی کلامه علی حدیث الغدیر ص 60 : جمع الحافظ الدارقطنی طرقه فی جزء. (الطباطبائی)
2- وفیات الأعیان : 2 / 91 رقم 167.
3- البدایة والنهایة : 11 / 368 حوادث سنة 387 ه.
4- الخطط والآثار : 1 / 388.
5- الأنساب : 1 / 368.

188 - الحافظ محمد بن عبدالرحمن بن العبّاس ، أبو طاهر الشهیر بالمخلّص الذهبیِّ : المتوفّی (393).

ترجمه ابن کثیر فی تاریخه(1) (11 / 333) وقال : شیخ کثیر الروایة ، وکان ثقةً من الصالحین.

روی محبّ الدین الطبری فی الریاض النضرة(2) (2 / 169) حدیث الغدیر بلفظ حبشی المذکور (ص 25) ، وقال : خرّجه المخلّص الذهبی.

189 - الحافظ أحمد بن سهل الفقیه البخاریّ ، أحد مشایخ الحاکم ، قد أکثر الروایة عنه فی مستدرکه(3) وصحّح فیه حدیثه ، وکذلک الذهبیّ فی تلخیصه.

مرّ حدیثه (ص 31) بإسنادین صحیحین ، کلّ رجالهما ثقات.

190 - العبّاس بن علیّ بن العبّاس النسائیّ : ترجمه الخطیب فی تاریخه (12 / 154) وقال : کان ثقة.

مرّ حدیثه (ص 66) بإسناد صحیح ، رجاله ثقات.

191 - یحیی بن محمد الأخباریّ ، أبو عمر البغدادیّ : ترجمه الخطیب فی تاریخه (14 / 236) ، وأخرج هناک بطریقه ، حدیث المناشدة فی الرحبة بلفظ عبدالرحمن بإسناد حسن یأتی.

«القرن الخامس»

192 - المتکلّم القاضی محمد بن الطیّب بن محمد ، أبو بکر الباقلانی : المتوفّی (403) ، من أهل البصرة ، سکن بغداد ، من أکثر الناس کلاماً وتصنیفاً فی الکلام.ص.

ص: 235


1- البدایة والنهایة : 11 / 382 حوادث سنة 393 ه .
2- الریاض النضرة : 3 / 114.
3- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 133 ح 4623 ، ص 151 ح 4677 ، ص 162 ح 4716 ، وکذا فی التلخیص.

وثّقه الخطیب فی تاریخه (5 / 379) ، وأثنی علیه.

روی حدیث الموالاة وحدیث التهنئة الآتی فی کتابه التمهید فی الردّ علی المذاهب (ص 169 ، 171 ، 227).

193 - الحافظ محمد بن عبدالله بن محمد ، أبو عبدالله الحاکم الضبِّیّ ، المعروف بابن البیِّع النیسابوری : المتوفّی (405) ، صاحب المستدرک علی الصحیحین السائر الدائر ، ولد (321) وطلب الحدیث من صغره ، فسمع سنة ثلاثین(1).

وثّقه الخطیب والذهبی وابن کثیر ، فی التاریخ (5 / 473) ، والتذکرة(2) (3 / 242) ، والبدایة والنهایة(3) (11 / 355). أخرج الحدیث فی مستدرکه بطرق شتی صحّح أکثرها.

مرّ منها (ص 20 ، 31 ، 32 ، 35 ، 39 ، 45 ، 48 ، 51 ، 55) ، ویأتی عنه حدیث المناشدة فی الرحبة بلفظ زید بن یُثیع بإسناد صحیح رجاله ثقات ، وحدیث الاحتجاج یوم الجمل.

194 - أحمد بن محمد بن موسی بن القاسم بن الصلت ، أبو الحسن المجبِّر البغدادیّ : المتوفّی (405).

ترجمه الخطیب فی تاریخه (5 / 95) وحکی عن الدقّاق أنَّه قال : کان شیخاً صالحاً دیِّناً.

یأتی عنه حدیث مناشدة رجل عراقی جابر الأنصاری بإسناد صحیح. .

ص: 236


1- ذکره الذهبی فی تذکرته 3 / 243 [3 / 1039 رقم 962] ، وبهذا تصحّ روایته عن المحاملی المتوفّی (330). (المؤلف)
2- تذکرة الحفّاظ : 3 / 1039 رقم 962.
3- البدایة والنهایة : 11 / 409 حوادث سنة 405 ه.

195 - الحافظ عبدالملک بن أبی عثمان ، أبو سعد النیسابوریّ ، الشهیر بخَرکوشیِّ(1) : المتوفّی (407) ، ترجمه الذهبی فی عِبره(2) ، وقال : قال الحاکم : لم أرَ

أجمع منه علماً وزهداً وتواضعاً وإرشاداً إلی الله.

یأتی بطریقین عنه حدیث التهنئة.

196 - الحافظ أحمد بن عبدالرحمن بن أحمد ، أبو بکر الفارسیّ ، الشیرازیّ(3) : المتوفّی (407 ، 411).

ترجمه الذهبی فی تذکرته(4) (3 / 267) ، وقال : الحافظ الإمام الجوّال أبو بکر ، وحکی عن أبی الفرج البجلی أنَّه قال : کان صدوقاً حافظاً یحسن هذا الشأن جیّداً.

أخرج الحدیث عن ابن عبّاس فی ما نزل من القرآن فی أمیر المؤمنین علیه السلام.

مرّ الإیعاز إلیه (ص 52) ، ویأتی فی آیة التبلیغ.

197 - الحافظ محمد بن أحمد بن محمد بن سهل ، أبو الفتح بن أبی الفوارس - جدّه سهل یُکنّی بأبی الفوارس - : وُلد (338) ، وتُوفِّی (412).

ترجمه الخطیب فی تاریخه (1 / 352) ، وقال : کتب الکثیر وجَمع ، وکان ذا حفظٍ ومعرفةٍ وأمانةٍ وثقة ، مشهوراً بالصلاح ، وکتب الناس عنه بانتخابه علی الشیوخ وتخریجه. یأتی عنه حدیث التهنئة. 5.

ص: 237


1- بفتح أوله وسکون المهملة بعد : سکّة بمدینة نیسابور [معجم البلدان : 2 / 360]. (المؤلف)
2- العِبَر فی خبر من غبر : 2 / 214 حوادث سنة 407 ه.
3- أبو بکر الشیرازی اثنان ، أحدهما : هذا وهو مؤلّف کتاب الألقاب ، أخرج فیه حدیث الغدیر بإسناده عن عمر ، ذکرته فی کتابی : علی ضفاف الغدیر. وثانیهما : محمد بن مؤمن الشیرازی مؤلّف (ما نزل من القرآن فی علیّ) یرویه عنه ابن شهرآشوب الذی توفّی سنة 588 ، فهو من أعلام القرن السادس ، وقد ذکرته فی (أهل البیت فی المکتبة العربیة) فراجعه. (الطباطبائی)
4- تذکرة الحفّاظ : 3 / 1065 رقم 975.

198 - الحافظ أحمد بن موسی بن مردویه الأصبهانی ، أبو بکر : المتوفّی (410).

ذکره الذهبی فی تذکرته(1) (3 / 252) وقال : الحافظ الثبْت العلّامة ، کان قیِّماً بمعرفة هذا الشأن ، بصیراً بالرجال طویل الباع ملیح التصانیف.

مرّ الإیعاز إلی حدیثه (ص 15 ، 42 ، 43 ، 52 ، 53) ، ویأتی فی حدیث الرکبان ، وآیة إکمال الدین ، وحدیث التهنئة.

199 - أبو علیّ أحمد بن محمد بن یعقوب ، الملقَّب بمسکویه ، صاحب کتاب التجارب : المتوفّی (421).

أثنی علیه أبو حیّان فی الإمتاع (1 / 35) ، ویاقوت فی معجم الأدباء (5 / 5 - 19) ، والصفدی فی الوافی بالوفیات(2) (2 / 269) ، وغیرهم.

رواه فی ندیم الفرید ، یأتی لفظه فی احتجاج المأمون الخلیفة العبّاسی علی الفقهاء بحدیث الغدیر.

200 - القاضی أحمد بن الحسین بن أحمد ، أبو الحسن المعروف بابن السمّاک البغدادی : المتوفّی (424) عن (95) سنة.

کان رجلاً کبیراً ، وکان له مجلس وعظ یتکلّم فیه فی جامع المنصور ، قاله الخطیب فی تاریخه (4 / 110).

روی حدیث نزول آیة إکمال الدین فی علیّ علیه السلام.

201 - أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهیم الثعلبیّ ، النیسابوریّ ، المفسِّر المشهور : المتوفّی (427 ، 437). 5.

ص: 238


1- تذکرة الحفّاظ : 3 / 1050 رقم 965.
2- الوافی بالوفیات : 8 / 109 رقم 3525.

ترجمه ابن خلّکان فی تاریخه(1) (1 / 22) ، وقال : کان أوحد زمانه فی علم

التفسیر ، وصنّف التفسیر الکبیر الذی فاق غیره من التفاسیر.

وذکره الفارسی فی تاریخ نیسابور ، وقال : هو صحیح النقل موثوقٌ به ، حدّث عن أبی طاهر بن خزیمة والإمام أبی بکر بن مهران المقری ، وکان کثیر الحدیث کثیر الشیوخ(2).

أخرج فی تفسیره الکشف والبیان(3) حدیثَی نزول آیتی التبلیغ و (سَأَلَ سَائِلٌ)

حول واقعة الغدیر.

202 - أبو محمد عبدالله بن علیّ بن محمد بن بشران : المولود (355) ، والمتوفّی (429) :

شیخ الخطیب البغدادیّ ، قال فی تاریخه (10 / 14) : کتبت عنه ، وکان سماعه صحیحاً.

یأتی حدیثه فی حدیث التهنئة وصوم الغدیر ، بإسناد صحیح رجاله کلّهم ثقات.

203 - أبو منصور عبدالملک بن محمد بن إسماعیل الثعالبیّ ، النیسابوریّ : المتوفّی (429) ، صاحب یتیمة الدهر.

ترجمه ابن خلّکان فی تاریخه(4) (1 / 315) ، وأثنی علیه وعلی تآلیفه القیِّمة ، وذکره ابن کثیر فی تاریخه(5) (12 / 44) ، وقال : کان إماماً فی اللغة والأخبار وأیّام الناس ، بارعاً مفیداً. .

ص: 239


1- وفیات الأعیان : 1 / 79 رقم 31.
2- وترجم له الذهبی فی سیر أعلام النبلاء : 17 / 435 وقال : وکان صادقاً موثّقاً.(الطباطبائی)
3- الکشف والبیان : الورقة 181 سورة المائدة : آیه 67 ، والورقة 234 سورة المعارج : آیة 1.
4- وفیات الأعیان 3 / 178 رقم 381.
5- البدایة والنهایة : 12 / 55 حوادث سنة 429 ه.

رواه فی ثمار القلوب(1) (ص 511) ، یأتی لفظه فی عید الغدیر.

204 - الحافظ أحمد بن عبدالله ، أبو نعیم الأصبهانیّ : المولود (336) ، والمتوفّی (430).

توجد ترجمته والثناء علیه فی کثیر من معاجم التراجم والتاریخ.

قال ابن خلّکان فی تاریخه(2) (1 / 27) : کان من الأعلام المحدِّثین وأکابر الحفّاظ الثقات ، أخذ عن الأفاضل ، وأخذوا عنه وانتفعوا به ، وکتابه الحلیة من أحسن الکتب.

وقال الذهبی فی تذکرته(3) (3 / 292) : قال ابن مردویه : کان أبو نعیم فی وقته مرحولاً إلیه لم یکن فی أُفق من الآفاق أحدٌ أحفظ منه ولا أسند ، کان حفّاظ الدنیا قد اجتمعوا عنده ، وکلّ یوم نوبة واحد منهم ، یقرأ ما یریده إلی قریب الظهر.

مر عنه (ص 20 ، 24 ، 26 ، 28 ، 37 ، 39 ، 41 ، 43 ، 55 ، 60 ، 66) ، ویأتی عنه حدیث المناشدة فی الرحبة ، واحتجاج عمر بن عبدالعزیز ، ونزول آیة التبلیغ وإکمال الدین فی علیّ علیه السلام ، وغیر واحد من أسانیده صحیح رجاله ثقات.

205 - أبو علیّ الحسن بن علیّ بن محمد التمیمیّ ، الواعظ المعروف بابن المذهِّب : المتوفّی (444) عن (89) سنة.

ترجمه الخطیب فی تاریخه (7 / 390) ، وقال : کان صحیح السماع لمسند أحمد عن القطیعی ، إلّا فی أجزاء منه ، فإنَّه ألحق اسمه فیها ، قال ابن کثیر(4) :

قال ابن الجوزی : ولیس هذا بقدْحٍ فی سماعه ؛ لأنّه إذا تحقّق سماعه جاز أن ف)

ص: 240


1- ثمار القلوب : ص 636رقم 1068. وفی کتابه لطائف المعارف ، فإنّه أَوعز فی ص 105 إلی مناشدة الرحبة وکتمان أنس ! وابتلائه بالبرص. (الطباطبائی)
2- وفیات الأعیان : 1 / 91 رقم 33.
3- تذکرة الحفّاظ : 3 / 1092 رقم 993.
4- فی البدایة والنهایة : 12 / 94 [12 / 80 حوادث سنة 444 ه]. (المؤلف)

یُلحق اسمه فیما تحقّق سماعه له.

یأتی عنه حدیث المناشدة فی الرحبة بلفظ عبدالرحمن بن أبی لیلی.

206 - الحافظ إسماعیل بن علیّ بن الحسین ، أبو سعید الرازیّ المعروف بابن السمّان : المتوفّی (445).

ترجمه ابن عساکر فی تاریخه(1) (3 / 35) وقال : سمع الحدیث من نحو من أربعمائة شیخ ، وکان إمام المعتزلة فی وقته ، وکان من الحفّاظ الکبار ، وکان فیه زهد وورع. وقال عمر الکلبی : کان شیخ العدلیّة - یعنی المعتزلة - وعالمهم وفقیههم ومتکلّمهم ومحدِّثهم ، وکان إماماً - بلا مدافعة - فی القراءات والحدیث ومعرفة الرجال والأنساب والفرائض والحساب والشروط والمقدورات ، وکان إماماً - أیضاً - فی فقه أبی حنیفة ... إلی کلمات ضافیة فی الثناء علیه.

مرّ الإیعاز إلی حدیثه (ص 19 ، 56).

207 - الحافظ أحمد بن الحسین بن علیّ ، أبو بکر البیهقیّ : المتوفّی (458) عن (74) سنة.

ترجمه جُلّ أرباب معاجم التراجم والتاریخ.

قال السبکی فی طبقاته(2) (3 / 3) : کان الإمام البیهقیّ أحد أئمّة المسلمین وهداة المؤمنین والدعاة إلی حبل الله المتین ، فقیه جلیل ، حافظ کبیر ، أصولیّ نحریر ، زاهد

ورع ، قانت لله ، قائم بنصرة المذهب أصولاً وفروعاً ، جبل من جبال العلم.

وقال ابن الأثیر فی الکامل(3) (10 / 20) : کان إماماً فی الحدیث والفقه علی مذهب الشافعیّ ، وله فیه مصنّفات أحدها السنن الکبیر - عشر مجلّدات - وغیره من .

ص: 241


1- تاریخ مدینة دمشق : 2 / 864 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 4 / 368.
2- طبقات الشافعیة الکبری : 4 / 8 رقم 250.
3- الکامل فی التاریخ : 6 / 238 حوادث سنة 458 ه.

التصانیف الحسنة ، کان عفیفاً زاهداً.

مرّ عنه (ص 19 ، 20 ، 34 ، 51) بأسانیدَ غیرُ واحدٍ منها صحیح ، ویأتی عنه حدیث صوم الغدیر ، وفیه نزول آیة الإکمال بإسناد صحیح رجاله ثقات.

208 - الحافظ أبو عمر یوسف بن عبدالله بن محمد بن عبدالبرِّ النمریّ ، القرطبیّ : المولود (368) ، والمتوفّی (463) صاحب الاستیعاب.

قال الذهبی فی تذکرته(1) (3 / 324) : الإمام شیخ الإسلام حافظ المغرب أبو عمر ، ساد أهل الزمان فی الحفظ والإتقان ، قال أبو الولید الباجی : لم یکن بالأندلس مثلُ أبی عمر فی الحدیث ، دأب فی طلب الحدیث ، وافتنَّ به ، وبرع براعة فاق بها من

تقدّمه من رجال الأندلس ، وکان مع تقدّمه فی علم الأثر وبصره بالفقه والمعانی ، له

بسطة کبیرة فی علم النسب والأخبار ، وکان دیِّناً صیِّناً ثقةً حجّةً ، صاحب سنّة وأتباع ، وکان أوّلاً ظاهریّاً أثریّاً ، ثمّ صار مالکیّاً مع میل کثیر إلی فقه الشافعی.

مرّ حدیثه بطرق شتّی (ص 15 ، 20 ، 21 ، 35) ، وعدّه من الآثار الثابتة.

209 - الحافظ أحمد بن علیّ بن ثابت ، أبو بکر الخطیب البغدادیّ : المتوفّی (463).

قال ابن الأثیر فی الکامل(2) (10 / 26) : کان إمام الدنیا فی عصره. وترجمه السبکی فی طبقاته(3) (3 / 12 - 16) ، وأثنی علیه وأکثر ، وقال : قال ابن ماکولا : کان أبو بکر آخر الأعیان ممّن شاهدناه معرفةً وحفظاً وإتقاناً وضبطاً لحدیث رسول الله صلی الله علیه وسلم وتفنُّناً فی علله وأسانیده ، وعلماً بصحیحه وغریبه وفرده ومنکره ومطروحه ، ولم یکن للبغدادیّین - بعد أبی الحسن الدارقطنی - مثلُه. وتوجد له ترجمة ضافیة فی تاریخ ابن عساکر(4) (1 / 398). 3.

ص: 242


1- تذکرة الحفّاظ : 3 / 1128 رقم 1013.
2- الکامل فی التاریخ : 6 / 249 حوادث سنة 463 ه.
3- طبقات الشافعیة الکبری : 4 / 29 رقم 258.
4- تاریخ مدینة دمشق : 2 / 13 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 3 / 173.

مرّ الحدیث عنه (ص 14 ، 15 ، 18 ، 68 ، 76) ، ویأتی عنه حدیث صوم الغدیر ، وغیر واحد من أسانیده صحیح رجاله ثقات.

210 - المفسِّر الکبیر أبو الحسن علیّ بن أحمد بن محمد بن علیّ بن مَتُّوْیَه(1) الواحدیّ ، النیسابوریّ : المتوفّی (468).

قال ابن خلّکان فی تاریخه(2) (1 / 361) : کان أستاذ عصره فی النحو والتفسیر ، ورُزق السعادة فی تصانیفه ، وأجمع الناس علی حسنها ، وذکرها المدرِّسون فی دروسهم ، منها الوسیط والبسیط والوجیز فی التفسیر ، وله کتاب أسباب النزول.

مرّ الإیعاز إلی حدیثه (ص 44) ، ویأتی بإسناده حدیث نزول آیة التبلیغ فی علیّ علیه السلام حول واقعة الغدیر.

211 - الحافظ مسعود بن ناصر بن عبدالله بن أحمد ، أبو سعید السجْزیّ ، السجستانی : المتوفّی (477).

ترجمه الذهبیُّ فی تذکرته(3) (4 / 16) ، وقال : الحافظ الفقیه الرحّال صاحب المصنفات ، قال محمد بن عبدالواحد الدقّاق : لم أرَ فی المحدِّثین أجود إتقاناً ولا أحسن ضبطاً منه. وقال ابن کثیر فی تاریخه(4) (12 / 127) : رحل فی الحدیث وسمع الکثیر وجمع الکتب النفیسة ، وکان صحیح الخطِّ صحیح النقل حافظاً ضابطاً.

أفرد کتاباً فی حدیث الغدیر ، مرّ الإیعاز إلی بعض طرقه (ص 17 ، 43 ، 52) ویأتی عنه بعض آخر. .

ص: 243


1- بفتح المیم وتشدید المُثنّاة وسکون الواو وفتح الیاء ، کذا ضبط ابن خلّکان ، وأحسبه بفتح الواو وسکون الیاء. (المؤلف)
2- وفیات الأعیان : 3 / 303 رقم 438.
3- تذکرة الحفّاظ : 4 / 1216 رقم 1040.
4- البدایة والنهایة : 12 / 155 حوادث سنة 477 ه.

212 - أبوالحسن علیّ بن محمد الجُلّابی ، الشافعیّ ، المعروف بابن المغازلی(1) : المتوفّی (483).

کتابه المناقب یعرب عن تضلّعه فی الحدیث وفنونه.

مرّ الحدیث عنه (ص 22 ، 24 ، 28 ، 29 ، 37 ، 42 ، 44 ، 49 ، 56) ، ویأتی عنه غیر هذه.

213 - أبو الحسن علیّ بن الحسن بن الحسین القاضی ، الخلعیّ ، موصلیّ الأصل ، مصریّ الدار : ولد بمصر (405) ، وتُوفِّی (492).

ترجمه السبکی فی طبقاته(2) (3 / 296) ، وقال : کان مسند دیار مصر فی وقته ، 9.

ص: 244


1- ابن المغازلی له ترجمة فی سؤالات السلفی ص 33 وفیه : کان مالکیاً ... سمع الحدیث الکثیر عن عالم من الناس ... وفی تکملة الإکمال لابن نقطة 2 / 189 رقم 1396 وفیه : حدّث عن جماعة ... فی خلق کثیر ، وکان من الثقات ... وله ترجمة فی أنساب السمعانی (الجلابی) ، واللباب 1 / 260 ، وذیل تاریخ بغداد لابن النجّار : 4 / 71 ، والمشتبه 1 / 195 ، والوافی بالوفیات 22 / 133 ، وتوضیح المشتبه 2 / 558 ، وتبصیر المنتبه 1 / 380 ، وتاج العروس (جلب) ، ورجال تاج العروس 3 / 234 ، وقال ابن تیمیّة عنه وعن أخطب خوارزم فی منهاج السنّة 4 / 17 : ولسنا نعلم أنَّ أحدهما یتعمّد الکذب فیما ینقله. وکتابه : مناقب علیّ علیه السلام ذکره الذهبی فی معرفة القرّاء الکبار 2 / 566 ، قال : قال ابن قطعة : قال لی أبو طالب بن عبد السمیع : کان ابن الباقلّانی یسمع کتاب مناقب علیّ رضی الله عنه عن مؤلّفه أبی عبد الله الجلابی .... وقد ذکرت کتابه المناقب فی : (أهل البیت فی المکتبة العربیة) ، وترجمت فیه لمؤلفه ، وذکرت مخطوطاته وطبعاته ، فراجع. وقد عقد فی المناقب ص 16 باباً عنوانه : باب قوله صلی الله علیه وآله وسلم «من کنتُ مولاه فعلیّ مولاه» فأخرجه فیه عن تسعة من الصحابة من 17 طریقاً من رقم 23 - 39 ، فأخرجه عن علیّ وابن مسعود ، وجابر ، وابن أبی أوفی ، وبریدة ، وأبی أیوب ، وأبی هریرة ، وأبی سعید الخُدری ، وزید بن أرقم ، وابن امرأة زید بن أرقم. (الطباطبائی)
2- طبقات الشافعیة الکبری : 5 / 253 رقم 499.

قال ابن سکرة : فقیهٌ له تصانیف ، وَلِیَ القضاء ، وحکم یوماً واحداً ، واستعفی وانزوی بالقرافة ، وکان مسند مصر بعد الحبّال.

یأتی عن کتابه الخلعیّات حدیث المناشدة فی الرحبة بلفظ زید بن یُثیع.

214 - الحافظ عبیدالله بن عبدالله بن أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن حَسَکان ، أبو القاسم الحاکم ، النیسابوریّ ، الحنفیّ ، المعروف بابن الحذّاء الحسکانی(1).

ترجمه الذهبی فی تذکرته(2) (3 / 390) وقال : شیخ متقن ، ذو عنایة تامّة بعلم الحدیث ، کان معمَّراً عالی الإسناد ، صنّف وجمع.

تُوفِّی بعد (490) ، أفرد کتاباً فی حدیث الغدیر. 2.

ص: 245


1- وفی طبعة حیدر آباد الثانیة من تذکرة الحفّاظ سنة 1375 - وهی الطبعة المصحّحة - ترجمة الحسکانی فی ج 3 ص 1200 وفیه : توفّی بعد السبعین والأربعمائة. وکتابه فی الغدیر سمّاه : دعاء الهداة الی أداء حق الموالاة ، ذکرته فی : أهل البیت فی المکتبة العربیة ، وفی : الغدیر فی التراث الاسلامی : ص 100. وقد أخرج حدیث الغدیر فی کتابه : شواهد التنزیل لقواعد التفضیل ، المطبوع فی بیروت وطهران بطرق متعددة وأسانید کثیرة عن عدّة من الصحابة ، رواه عن أمیر المؤمنین علیه السلام ، وابن عبّاس ، وأبی سعید الخُدری ، وجابر وأبی هریرة ، وعبد الله بن أبی أوفی. أخرجها فی : نزول آیة التبلیغ ، ونزولها فی أمیر المؤمنین علیه السلام ، واستخلافه یوم غدیر خُمّ بالأرقام 243 - 250. وفی نزول آیة الإکمال فی یوم الغدیر بالأرقام 210 - 213 ، وفی نزول آیة سأل سائل بالأرقام 1030 - 1034 ، قال : وفی الباب عن حذیفة ، وسعد بن أبی وقاص ، وأبی هریرة ، وابن عبّاس. وقال بعد الرقم 246 : وطرق هذا الحدیث مستقصاة فی کتاب دعاء الهداة الی أداء حقّ الموالاة من تصنیفی فی عشرة أجزاء. ومن مصادر ترجمة المؤلف : المنتخب من السیاق : 463 رقم 982 ، سیر أعلام النبلاء : 18 / 268 ، الجواهر المضیّة : 2 / 496 رقم 897 ، تاج التراجم : 141 رقم 159 ، الطبقات السنیّة : رقم 1377 ، الوافی بالوفیات : 19 / 384. (الطباطبائی)
2- تذکرة الحفّاظ : 3 / 1200 رقم 1032.

مرّ عنه (ص 27 و 43 و 52) ، ویأتی بإسناده حدیثا نزول آیتی إکمال الدین و (سَأَلَ سَائِلٌ) فی واقعة الغدیر.

215 - أبو محمد أحمد بن محمد بن علیّ العاصمیّ : أحد أئمّة القرن الخامس ، مؤلِّف زین الفتی فی شرح سورة (هَلْ أَتَی) ، وتألیفه هذا ینمُّ عن تضلّعه فی التفسیر والحدیث والأدب ، کما یعرب عن شدّة نکیره علی الرفض والتشیّع(1).

أخرج الحدیث فی زین الفتی بطرق شتّی.

مرّ بعضها (ص 19 ، 28 ، 39 ، 45 ، 48 ، 72) ، ویأتی عنه بطرق أخری.

«القرن السادس»

216 - الحافظ أبو حامد محمد بن محمد الطوسیّ ، الغزالیّ ، الشهیر بحجّة الإسلام : المتوفّی (505).

توجد ترجمته والثناء علیه فی طیّات معاجم التراجم ، وقد ترجمه السبکی فی طبقاته(2) (4 / 101 - 182) ، وأفرد الدکتور أحمد فرید رفاعی المصری کتاباً فی ترجمته فی مجلّدات ثلاث ، وهذا التألیف یُعَدّ من حسنات هذا العصر ، فللباحث عن الغزالی أن یرجع إلیهما.

یأتی لفظه فی الکلمات حول سند الحدیث.

217 - الحافظ أبو الغنائم محمد بن علیّ الکوفیّ ، النرسیّ : المولود (424) ، والمتوفّی (510). 4.

ص: 246


1- ترجم له القفطی فی إنباه الرواة : 1 / 133 رقم 77 ، قال : من أهل خراسان ، أدیب ، فاضل ، تمیّز فی النحو والتصریف ، وله مصنّفات حِسان کالبهجة شرح المفضّلیات ، وله کتاب المهجة فی أصول التصریف ، مولده سنة 378. (الطباطبائی)
2- طبقات الشافعیة الکبری : 6 / 191 رقم 694.

محدِّث الکوفة ، ترجمه الذهبی فی تذکرته(1) (4 / 57) ، وحکی عن ابن ناصر أنَّه قال : کان النرسیّ حافظاً ثقةً مُتقناً ، ما رأینا مثله ، کان یتهجّد ویقوم اللیل.

مرّ الإیعاز إلی حدیثه (ص 40) ، ویأتی فی حدیث التهنئة.

218 - الحافظ یحیی بن عبدالوهاب ، أبو زکریّا الأصبهانیّ ، الشهیر بابن مندة : المتوفّی (512) ، قال ابن خلّکان فی تاریخه(2) (2 / 366) : کان من الحفّاظ المشهورین ، وأحد أصحاب الحدیث المبرَّزین ، وکان جلیل القدر ، وافر الفضل ، واسع الروایة ، ثقةً

حافظاً مُکثِراً صدوقاً ، کثیر التصانیف.

مرّ عنه (ص 47).

219 - الحافظ الحسین بن مسعود ، أبو محمد الفرّاء ، البغویّ ، الشافعیّ : المتوفّی (516).

ترجمه الذهبی فی تذکرته(3) (4 / 54) ، وقال : الإمام الحافظ المجتهد محیی السنّة ، کان من العلماء الربّانیّین ، ذا تعبّد ونُسک وقناعة بالیسیر.

وقال ابن کثیر فی تاریخه(4) (12 / 193) : صاحب التفسیر وشرح السنّة والتهذیب فی الفقه ، والجمع بین الصحیحین ، والمصابیح فی الصحاح والحسان ، وغیر ذلک ، برع فی هذه العلوم ، وکان علّامة زمانه فیها ، وکان دیِّناً وَرِعاً زاهداً عابداً صالحاً.

مرّ الإیعاز إلی حدیثه (ص 31) عن المصابیح. .

ص: 247


1- تذکرة الحفّاظ : 4 / 1260 رقم 1064.
2- وفیات الأعیان : 6 / 168 رقم 795.
3- تذکرة الحفّاظ : 4 / 1257 رقم 1062.
4- البدایة والنهایة : 12 / 238 حوادث سنة 516 ه.

220 - أبو القاسم [بن الحصین] هبةالله بن محمد بن عبدالواحد الشیبانیّ : المتوفّی (525) عن (94) سنة.

قال ابن کثیر فی تاریخه(1) (12 / 203) : راوی المسند عن أبی علیّ بن المذهِّب ، عن أبی بکر بن مالک ، عن عبدالله بن أحمد ، عن أبیه ، وقد روی عنه ابن الجوزی وغیر واحد ، کان ثقةً ثَبْتاً صحیح السماع.

یأتی بطریقه حدیث المناشدة بالرحبة بلفظ عبدالرحمن.

221 - ابن الزاغونی علیّ بن عبیدالله بن نصر بن السریّ الزاغونیّ : المتوفّی (527).

قال ابن کثیر فی تاریخه(2) (12 / 205) : الإمام المشهور(3) قرأ القراءات وسمع الحدیث واشتغل بالفقه والنحو واللغة ، وله المصنّفات الکثیرة فی الأُصول والفروع وله یدٌ فی الوعظ ، واجتمع الناس فی جنازته ، وکانت حافلة جدّاً.

یأتی عنه حدیث مناشدة رجل عراقیّ جابرَ الأنصاری بإسناد صحیح.

222 - أبو الحسن رزین بن معاویة العبدریّ ، الأندلسیّ : المتوفّی (535).

ترجمه الذهبی فی عِبره(4) ، قال فی کتابه الجمع بین الصحاح الستّة : عن أبی سریحة أو زید بن أرقم : إنَّ رسول الله صلی الله علیه وسلم قال : «من کنت مولاه فعلیّ مولاه».

223 - أبو القاسم جار الله محمود بن عمر الزمخشریّ(5) : المتوفّی (538). ف)

ص: 248


1- البدایة والنهایة : 12 / 251 حوادث سنة 525 ه.
2- المصدر السابق : 12 / 254 حوادث سنة 527 ه.
3- وابنا الزاغونی اثنان ، هذا وأخوه أبو بکر محمد المتوفّی سنة (552) وهما بغدادیان حنبلیان. راجع ما یأتی فی المناشدة 17. (الطباطبائی)
4- العِبر فی خبر من غبر : 2 / 447 حوادث سنة 535 ه.
5- زمخشر - بفتح أوّله وثانیه ثمّ السکون - : قریة من قری خوارزم کبیرة [معجم البلدان : 3 / 147]. (المؤلف)

ترجمه ابن خلّکان فی تاریخه(1) (2 / 197) وقال : الإمام الکبیر فی التفسیر والحدیث والنحو وعلم البیان ، کان إمام عصره من غیر مدافع تُشَدُّ إلیه الرحال فی فنونه.

وقال الیافعی فی مرآته(2) : کان متقناً فی التفسیر والحدیث والنحو واللغة والبیان ، إمام عصره فی فنونه ، وله التصانیف الکبیرة البدیعة الممدوحة.

وذکره السیوطی فی بغیة الوعاة(3) (ص 388) ، وقال : کان واسع العلم کثیر الفضل غایة فی الذکاء وجودة القریحة مُتقِناً فی کلِّ علم معتزلیّاً قویّاً فی مذهبه مجاهراً به حنفیّاً. ثمّ ذکر مشایخه وتآلیفه ، وتوجد ترجمته فی الفوائد البهیّة (ص 209) ، وأثنی

علیه ، وعدّ تآلیفه ، وذکره ابن کثیر فی تاریخه(4) (12 / 219).

یأتی عنه حدیث احتجاج دارمیّة علی معاویة بن أبی سفیان ، نقلاً عن کتابه ربیع الأبرار(5) الموجود عندنا ، وقال فیه : لیلة الغدیر معظَّمةٌ عند الشیعة ، مُحیاةٌ عندهم بالتهجّد ، وهی اللیلة التی خطب فیها رسول الله صلی الله علیه وسلم بغدیر خُمّ علی أقتاب الجمال ، وقال فی خطبته : «من کنت مولاه فعلیٌّ مولاه».

224 - الحافظ القاضی عیاض بن موسی الیحصبیّ ، السبتیّ : المتوفّی (544).

ترجمه کثیرٌ من أرباب معاجم التراجم. قال ابن خلّکان فی تاریخه(6) (1 / 428) : کان إمام وقته فی الحدیث وعلومه والنحو واللغة وکلام العرب وأیّامهم وأنسابهم ، وصنّف التصانیف المفیدة ، ثمّ ذکر تآلیفه ونماذج من شعره ، روی حدیث الغدیر فی 1.

ص: 249


1- وفیات الأعیان : 5 / 168 رقم 711.
2- مرآة الجنان : 3 / 269 وفیات سنة 538 ه.
3- بغیة الوعاة : 2 / 279 رقم 1977.
4- البدایة والنهایة : 12 / 272 حوادث سنة 538 ه.
5- ربیع الأبرار : 1 / 84. وأورد حدیث الغدیر أیضاً فی کتابه خصائص العشرة : ص 60. (الطباطبائی)
6- وفیات الأعیان : 3 / 483 رقم 511.

کتابه الدائر السائر الشفاء(1).

225 - أبو الفتح محمد بن أبی القاسم عبدالکریم الشهرستانیّ ، الشافعیّ ، المتکلّم علی مذهب الأشعریّ : المتوفّی (548).

قال ابن خلّکان(2) : کان إماماً مبرَّزاً فقیهاً متکلّماً. وترجمه السبکی فی طبقاته(3) (4 / 78) ، وأثنی علیه وعلی کتابه الملل والنحل.

ذکر حدیث الغدیر فی الملل والنحل ، یأتی لفظه فی حدیث التهنئة.

226 - أبو الفتح محمد بن علیّ بن إبراهیم النطنزیّ : المولود (480) - لم أقف علی وفاته(4).

ذکره السمعانیّ فی أنسابه(5) ، وقال : أفضل من بخراسان والعراق فی اللغة والأدب والقیام بصنعة الشعر ، قدِم علینا مروَ سنة إحدی وعشرین ، وقرأت علیه طرفاً صالحاً من الأدب ، واستفدت منه ، واغترفت من بحره ، ثمّ لقیته بهمدان ، ثمّ قدِم علینا بغدادَ غیر مرّة فی مدّة مقامی بها ، وما لقیته إلّا وکتبت عنه ، واقتبست منه ، ثمّ ذکر مشایخه.

مرّ الحدیث بإسناده (ص 43) ، ویأتی عنه بطریق آخر فی آیة إکمال الدین.

227 - الحافظ أبو سعد عبدالکریم بن محمد السمعانیّ ، الشافعیّ : المولود (506) ، والمتوفّی (562 ، 563) ، صاحب الأنساب ، وفضائل الصحابة(6). ترجمه ابن نی

ص: 250


1- الشفاء : 2 / 107 باب 3 فصل 5.
2- وفیات الأعیان : 4 / 273 رقم 611.
3- طبقات الشافعیة الکبری : 6 / 128 رقم 653.
4- له کتاب الخصائص العلویة علی سائر البریة ، ترجم له الصفدی فی الوافی بالوفیات : 4 / 161 ، وذکر أنَّه توفّی حدود الخمسین والخمسمائة. راجع : أهل البیت فی المکتبة العربیة. (الطباطبائی)
5- الأنساب : 5 / 505.
6- هذا صاحب الأنساب ، وأما فضائل الصحابة فهو لجدّه أبی المظفّر منصور بن محمد السمعانی

خلّکان فی تاریخه(1) (1 / 326) ، وأثنی علیه ، وقال الذهبی فی تذکرته(2) (4 / 111) : کان ثقةً حافظاً حجّةً ، واسع الرحلة ، عدلاً دیِّناً جمیل السیرة حسن الصحبة ، کثیر

المحفوظ ، قال ابن النجّار : سمعت من یذکر أنَّ عدد شیوخه سبعة آلاف شیخ ، وهذا شیءٌ لم یبلغه أحدٌ.

مرّ الإیعاز إلی حدیثه (ص 56).

228 - أبو بکر یحیی بن سعدون بن تمام الأزدیّ ، القرطبیّ ، الملقّب بسابق الدین : المولود (486 ، 487) ، والمتوفّی (567) صاحب التفسیر الکبیر(3).

قال ابن الأثیر فی الکامل(4) (11 / 152) : کان إماماً فی القراءة والنحو وغیره من العلوم ، زاهداً عابداً ، انتفع به الناس فی کثیر من البلاد ، ولا سیّما أهل الموصل ، فإنّه أقام بها ، وفیها توفِّی.

وترجمه یاقوت فی معجمیه ، قال فی البلدان(5) (7 / 54) : قرأ علیه کثیر من شیوخنا ، وکان أدیباً فاضلاً مقرئاً عارفاً بالنحو واللغة ، سمع کثیراً من کتب الأدب ، وقال فی الأدباء (20 / 14) : شیخٌ فاضلٌ عارفٌ بالنحو ووجوه القراءات ، وکان ثقةً صدوقاً ثبْتاً دیِّناً کثیر الخیر.

یأتی عن تفسیره حدیث نزول آیة (سَأَلَ سَائِلٌ) حول قضیة الغدیر.

229 - موفّق بن أحمد أبو المؤیّد ، أخطب الخطباء الخوارزمیّ : المتوفّی (568).4.

ص: 251


1- وفیات الأعیان : 3 / 209 رقم 395.
2- تذکرة الحفّاظ : 4 / 1316 رقم 1090.
3- القرطبی صاحب التفسیر أبو عبدالله محمد بن أحمد بن أبی بکر بن فرح المتوفی سنة 671.
4- الکامل فی التاریخ : 7 / 225 حوادث سنة 567 ه.
5- معجم البلدان : 4 / 324.

أحد شعراء الغدیر ، یأتی شعره وترجمته فی شعراء القرن السادس.

روی الحدیث فی مناقبه ومقتله بطرق کثیرة ، مرّ بعضها (ص 14 ، 15 ، 16 ، 18، 20، 21 ، 22 ، 23 ، 24 ، 27 ، 28 ، 34 ، 38 ، 40 ، 42 ، 48 ، 49) ، یأتی عنه بطرق أخری.

230 - عمر بن محمد بن خضر الإربلی(1) ، المعروف بالملّاء :

رواه فی وسیلة المتعبّدین(2) بلفظ البراء بن عازب ، یأتی فی حدیث التهنئة.

231 - الحافظ علیّ بن الحسن بن هبة الله ، أبو القاسم الدمشقیّ ، الشافعیّ ، الملقّب بثقة الدین ، الشهیر بابن عساکر : المتوفّی (571) ، صاحب التاریخ الکبیر السائر الدائر(3).

ترجمه ابن خلّکان(4) (1 / 363) ، وأثنی علیه ابن الأثیر فی الکامل(5) (11 / 177) ، وابن کثیر فی تاریخه(6) (12 / 294) ، وقال : أحد أکابر حفّاظ الحدیث ، ومن عُنی به .

ص: 252


1- هو معین الدین أبو محمد عمر بن محمد بن خضر الإربلی الموصلی المتوفّی بها سنة 570 والمشتهر بالمَلّاء ، لأنّه کان یملأ تنانیر الآجر ویتقوّت بأجرتها. له ترجمة فی تلخیص مجمع الآداب : ج 5 رقم 1485 ، وفی تاریخ ابن کثیر : 12 / 282 ، وهدیة العارفین : 1 / 784 ، وأعلام الزرکلی : 5 / 60 وفیه تصویر إجازته لمن قرأوا علیه کتابه وسیلة المتعبدین إلی متابعة سید المرسلین ، وکتابه هذا هو المشتهر بسیرة المَلّاء ، وقد طبع فی حیدرآباد فی عدة أجزاء من سنة 1390 - 1400 ، وحدیث الغدیر فیه فی ج 5 ق 2 ص 162 ، رواه عن البراء بن عازب. (الطباطبائی)
2- ذکرها له الچلبی فی کشف الظنون : 2 / 634 [2 / 2010]. (المؤلف)
3- أخرج الحافظ ابن عساکر حدیث الغدیر فی تاریخ مدینة دمشق عن 19 صحابیاً من 88 طریقاً من رقم 503 - 590 ، فی أوّل المجلد الثانی من ترجمة أمیر المؤمنین علیه السلام المطبوعة فی بیروت فی ثلاث مجلدات ضخام بتحقیق زمیلنا العلّامة المحمودی حفظه الله ، وقد تقدّم بعضها فی تعالیقنا علی روایات الصحابة ، ویأتی بعضها الآخر فی تعالیقنا علی المناشدات. (الطباطبائی)
4- وفیات الأعیان : 3 / 309 رقم 441.
5- الکامل فی التاریخ : 7 / 264 حوادث سنة 571 ه.
6- البدایة والنهایة : 12 / 361 حوادث سنة 571 ه.

سماعاً وجمعاً وتصنیفاً واطِّلاعاً ، وحفظاً لأسانیده ومتونه ، وإتقاناً لأسالیبه وفنونه ، صنّف تاریخ الشام فی ثمانین مجلّدة(1) ، ثمّ أطنب فی الثناء علیه وعلی تآلیفه ، وأوفی ترجمة له ما ذکره السبکی فی طبقاته(2) (4 / 273 - 277) ، أکثر فی الثناء علیه وعلی ثقته وإتقانه وتآلیفه ، أورد أحادیث کثیرة فی هذه الخطبة فی تاریخه ، کما ذکره ابن

کثیر.

مرّ منها (ص 15 ، 26 ، 27 ، 40 ، 44 ، 45 ، 51) ، ویأتی عنه حدیث نزول آیتی التبلیغ والإکمال فی علیّ علیه السلام.

232 - الحافظ محمد بن أبی بکر عمر بن أبی عیسی أحمد ، أبو موسی المَدِینیّ(3) ،

الأصبهانیّ ، الشافعیّ : المولود (501) ، والمتوفّی (581).

ترجمه ابن خلّکان فی تاریخه(4) (2 / 161) وقال : کان إمام عصره فی الحفظ

والمعرفة ، وله فی الحدیث وعلومه تآلیف مفیدة ، ثمّ ذکر تآلیفه.

وذکره السبکی فی طبقاته(5) (4 / 90) ، والذهبی فی تذکرته(6) (4 / 128) ، وقال : الحافظ شیخ الإسلام الکبیر ، انتهی إلیه التقدّم فی هذا الشأن مع علوّ الإسناد ، وقال

الدُّبَیْثی : عاش أبو موسی حتی صار وحید وقته وشیخ زمانه إسناداً وحفظاً ، قال السمعانی : سمعت منه وکتب عنّی ، وهو ثقةٌ صدوقٌ ، وقال عبد القادر : حصل له من المسموعات بأصبهان ما لم یحصل لأحد فی زمانه ، وانضمّ إلی ذلک الحفظ والإتقان ، وله التصانیف التی أربی فیها علی المتقدّمین مع الثقة والعفّة. 5.

ص: 253


1- ذکر ابن کثیر فی تاریخه أنَّ ثلاث مجلّدات منها فی ترجمة علیّ أمیر المؤمنین ومناقبه. (المؤلف)
2- طبقات الشافعیة الکبری : 7 / 215 رقم 919.
3- نسبة إلی مدینة أصبهان ، ذکرها السمعانی فی الأنساب [5 / 235]. (المؤلف)
4- وفیات الأعیان : 4 / 286 رقم 618.
5- طبقات الشافعیة الکبری : 6 / 160 رقم 675.
6- تذکرة الحفّاظ : 4 / 1334 رقم 1095.

مرّ الإیعاز إلی طرقه فی الحدیث (ص 24(1) ، 26 ، 29 ، 45 ، 46 ، 53 ، 58 ، 59 ، 60) ، وله غیر ذلک.

233 - الحافظ محمد بن موسی بن عثمان ، أبو بکر الحازمیّ - نسبة إلی جدِّه حازم - الهمدانی ، الشافعی : المولود (548) ، والمتوفّی (584).

ترجمه السبکی فی طبقاته(2) (4 / 189) ، وقال : إمام مُتقن مبرَّزٌ ، وعن ابن الدُّبَیْثی(3) : کان من أحفظ الناس للحدیث وأسانیده ورجاله مع زهد وتعبّد وریاضة وذِکر ، صنّف فی علم الحدیث مصنّفات ، وقال ابن النجّار : کان من الأئمّة الحفّاظ العالمین بفقه الحدیث ومعانیه ورجاله ، وکان ثقةً حجّةً نبیلاً زاهداً ورعاً ملازماً للخلوة والتصنیف ونشر العلم.

صرّح بخطبة النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فی غدیر خُمّ ، کما فی تاریخ ابن خلّکان(4) (2 / 223) ، ومعجم البلدان(5) (3 / 466).

234 - الحافظ عبدالرحمن بن علیّ بن محمد ، أبو الفرج بن الجوزیّ البکریّ - نسبة إلی جدّه أبی بکر الصدّیق - البغدادیّ ، الحنبلیّ : المتوفّی (597).

قال ابن خلّکان فی تاریخه(6) (1 / 301) : کان علّامة عصره وإمام وقته فی الحدیث وصناعة الوعظ ، صنّف فی فنون عدیدة ، تُرجِم فی غیر واحد من معاجم التراجم والتاریخ.

روی حدیث المناشدة بالرحبة بلفظ زاذان من طریق أحمد ، ویأتی لفظه فی 0.

ص: 254


1- أحد الثلاثة المذکورة هناک سطر 2 ، وهم : هو وابن عقدة وأبو نعیم. (المؤلف)
2- طبقات الشافعیة الکبری : 7 / 13 رقم 710.
3- المختصر المحتاج إلیه : ص 83.
4- وفیات الأعیان : 5 / 231 رقم 728.
5- معجم البلدان : 2 / 389.
6- وفیات الأعیان : 3 / 140 رقم 370.

الکلمات حول سند الحدیث.

235 - الفقیه أسعد بن أبی الفضائل محمود بن خلف العجلیّ ، أبو الفتوح - ویقال :

أبو الفتح - الشافعی ، الأصبهانیّ : المتوفّی (600) عن (85) سنة.

قال ابن الأثیر فی الکامل(1) (12 / 83) : وکان إماماً فاضلاً. وقال ابن کثیر فی تاریخه(2) (13 / 40) : سمع الحدیث وتفقّه وبرع وصنّف ، کان زاهداً عابداً ، وترجمه السبکی فی طبقاته الکبری(3) (5 / 50) وأثنی علیه وأکثر ، وعدّ تآلیفه ، وذکره ابن خلّکان فی تاریخه(4) (1 / 71) ، وأثنی علیه.

مرّ الإیعاز إلی حدیثه عن کتابه الموجز فی فضائل الخلفاء الأربعة (ص 26 و 46).

«القرن السابع»

236 - أبو عبدالله محمد بن عمر بن الحسین ، فخرالدین الرازیّ ، الشافعی : المتوفّی (606) ، صاحب التفسیر الکبیر الشهیر.

ترجمه ابن خلّکان فی تاریخه(5) (2 / 48) وقال : فرید عصره ونسیج وحده ، فاق أهل زمانه فی علم الکلام والمعقولات وعلم الأوائل ، ثمّ ذکر تآلیفه.

وقال ابن الأثیر(6) : کان إمام الدنیا فی عصره ، وذکره ابن کثیر فی تاریخه(7) (13 / 55) ، وبسط القول فی ترجمته السبکی فی طبقاته(8) (5 / 33 - 40) ، وأثنی علیه ، 9.

ص: 255


1- الکامل فی التاریخ : 7 / 470 حوادث سنة 600 ه.
2- البدایة والنهایة : 13 / 48 حوادث سنة 600 ه.
3- طبقات الشافعیة الکبری : 8 / 126 رقم 1115.
4- وفیات الأعیان : 1 / 208 رقم 90.
5- المصدر السابق : 4 / 248 رقم 600.
6- الکامل فی التاریخ : 7 / 525 حوادث سنة 606 ه.
7- البدایة والنهایة : 13 / 66 حوادث سنة 606 ه.
8- طبقات الشافعیة الکبری : 8 / 81 رقم 1089.

وبالغ فی الردِّ علی الذهبی فی غمزه علی المترجم فی میزان الاعتدال.

مرّ الحدیث عنه (ص 19 و 52) ویأتی عنه فی آیة التبلیغ.

237 - أبو السعادات مبارک بن محمد بن عبدالکریم ابن الأثیر الشیبانیّ ، الجزریّ ، الشافعیّ : المتوفّی (606).

ترجمه أخوه ابن الأثیر فی کامله(1) (12 / 120) ، وقال : أخی مجد الدین أبو السعادات کان عالماً فی عدّة علوم منها الفقه والأُصولان والنحو والحدیث واللغة ، وله تصانیف مشهورة فی التفسیر والحدیث والنحو والحساب وغریب الحدیث ، وله رسائل مدوَّنة ، وکان کاتباً مُفْلِقاً(2) یُضرَب به المثل ، ذا دین متین ولزوم طریق مستقیم.

قال فی جامع الأُصول فی أحادیث الرسول(3) : عن زید بن أرقم أو أبی سَریحة - شکّ شعبة - أنَّ رسول الله صلی الله علیه وسلم قال : «من کنتُ مولاه فعلیٌّ مولاه» ، أخرجه الترمذیّ(4).

وحکاه عن الشافعیِّ - إمام الشافعیّة - فی نهایته(5) (4 / 246).

238 - أبو الحجّاج یوسف بن محمد البلویّ ، المالکیّ ، الشهیر بابن الشیخ : المتوفّی حدود (605).

مؤلِّف ألف باء ، تألیفه هذا ینمُّ عن فضله الجمِّ وأدبه الکثار ، ذکره الزرکلی فی الأعلام(6) (3 / 1184). 7.

ص: 256


1- الکامل فی التاریخ : 7 / 526 حوادث سنة 606 ه.
2- أی مجیداً ، وأفلق فی الأمر : کان حاذقاً فیه.
3- جامع الأُصول : 9 / 468 ح 6476.
4- سنن الترمذی : 5 / 591 ح 3713.
5- النهایة فی غریب الحدیث والأثر : 5 / 228.
6- الأعلام : 8 / 247.

یأتی لفظه فی المجلّد الثانی فی شعراء القرن الأوّل فی ما یتبع أبیات أمیر المؤمنین علیه السلام.

239 - تاج الدین زید بن الحسن بن زید الکندیّ ، أبو الیمن البغدادیّ المولد والمنشأ : المتوفّی (613).

انتقل إلی الشام ، فأقام بها ، قال ابن الأثیر فی الکامل(1) (12 / 130) : کان إماماً فی النحو واللغة ، وله الإسناد العالی فی الحدیث ، وکان ذا فنون کثیرة من أنواع العلوم.

یأتی بإسناده حدیث المناشدة فی الرحبة بلفظ عبدالرحمن بن أبی لیلی.

240 - الشیخ علیّ بن حمید القرشی : المتوفّی (621).

ذکره فی شمس الأخبار المنتقی من کلام النبیّ المختار(2) ، کما مرّ فی (ص 50) ، ویأتی لفظه فی مفاد الحدیث.

241 - أبو عبدالله یاقوت بن عبدالله ، الرومیّ الجنس ، الحمویّ المولد ، البغدادیّ الدار : المتوفّی (626).

أُسِر من بلاده صغیراً وابتاعه فی بغداد رجل تاجر. له معجم البلدان ومعجم الأدباء ، کانت له أشواطٌ بعیدةٌ فی الأدب ، وکان متعصِّباً علی أمیر المؤمنین علیّ علیه السلام ، بسط القول فی ترجمته - مَحْتِداً وعلماً وأدباً وتألیفاً ومذهباً - ابنُ خلّکان فی

تاریخه(3) (2 / 349 - 355).

ذکر فی معجم البلدان(4) (3 / 466) عن الحازمی : أنَّ رسول الله صلی الله علیه وسلم خطب عند 9.

ص: 257


1- الکامل فی التاریخ : 7 / 542 حوادث سنة 613 ه.
2- مسند شمس الأخبار : 1 / 102.
3- وفیات الأعیان : 6 / 127 رقم 790.
4- معجم البلدان : 2 / 389.

غدیر خُمّ ، ویأتی کلامه عن معجم الأدباء فی المؤلِّفین فی حدیث الغدیر.

242 - الحافظ أبو الحسن علیّ بن محمد الشیبانیّ ، المعروف بابن الأثیر الجَزَریّ(1) : المتوفّی (630) ، صاحب التاریخ الکامل ، وأسد الغابة.

ترجمه ابن خلّکان فی تاریخه(2) (2 / 378) ، وقال : کان إماماً فی حفظ الحدیث ومعرفة ما یتعلّق به ، وحافظاً للتواریخ المتقدِّمة والمتأخِّرة ، ثمّ ذکر تآلیفه وأثنی علیها ، وذکره الیافعیّ فی مرآة الجنان (4 / 70) ، وأثنی علیه وعلی تآلیفه ، وعدّه الذهبی من الحفّاظ فی تذکرته(3) (4 / 191) ، وأطراه.

رواه بطرق کثیرة منها ما یأتی ، ومنها ما مرّ (ص 15 ، 20 ، 23 ، 24 ، 25 ، 28 ، 38 ، 45 ، 46 ، 47 ، 49 ، 53 ، 58 ، 59 ، 60).

243 - حنبل بن عبدالله بن الفرج البغدادیّ ، الرصافیّ : المتوفّی (604) عن (90) سنة.

محدِّثٌ مکثرٌ ، یروی بإسناده الآتی مسند أحمد بن حنبل عن ابنه عبدالله ، ترجمه أبو شامة فی ذیل الروضتین(4).

یأتی بإسناده حدیث مناشدة الرحبة بلفظ عبدالرحمن.

244 - الحافظ ضیاء الدین محمد بن عبدالواحد ، أبو عبدالله المقدسیّ ، الدمشقیّ ، الحنبلیّ : المولود (569) ، والمتوفّی (643). ی)

ص: 258


1- نسبة إلی جزیرة ابن عمر : بلدة فوق الموصل بینهما ثلاثة أیام ، کانت تحیط بها دجلة إلّا من ناحیة [معجم البلدان : 2 / 138]. (المؤلف)
2- وفیات الأعیان : 3 / 348 رقم 460.
3- تذکرة الحفّاظ : 4 / 1399 رقم 1124.
4- ذیل الروضتین : ص 62 ، وله ترجمة فی تکملة المنذری :رقم 989 ، وسیر أعلام النبلاء : 21 / 431 وما بهامشهما من مصادر. (الطباطبائی)

ذکره ابن کثیر فی تاریخه(1) (13 / 169) ، وأطراه وأثنی علی تآلیفه ، وترجمه الذهبی فی تذکرته(2) (4 / 197) ، وحکی عن عمر بن الحاجب أنَّه قال :

شیخنا أبو عبدالله شیخ وقته ونسیج وحده علماً وحفظاً وثقةً ودیناً ، من العلماء الربّانیِّین ، کان شدید التحرّی فی الروایة ، مجتهداً فی العبادة ، کثیر الذکر منقطعاً متواضعاً ... إلی أن قال فی الثناء علیه : قال ابن النجار : حافظ متقن حجّة عالم بالرجال ورع تقیّ ، ما رأیت مثله فی نزاهته وعفّته وحسن طریقته ... إلخ.

مرّ حدیثه (ص 26 ، 28 ، 34 ، 35 ، 55 ، 58) ، ویأتی عنه غیر ذلک.

245 - أبو سالم محمد بن طلحة القرشیّ ، النصیبیّ ، الشافعیّ : المتوفّی (652).

أحد شعراء الغدیر فی القرن السابع ، یأتی هناک شعره وترجمته.

مرّ الإیعاز إلی حدیثه (ص 33) ، ویأتی عنه غیره نقلاً عن کتابه - المطبوع غیر مرّة - مطالب السؤول.

246 - أبو المظفّر یوسف الأمیر حسام الدین قزْأوغلی(3) ابن عبدالله البغدادیّ ، الحنفیّ : المتوفّی (654) ، سبط الحافظ ابن الجوزی الحنبلی من کریمته رابعة.

ترجمه الیافعیُّ فی مرآته (4 / 136) ، وابن کثیر فی تاریخه(4) (13 / 194) ، وأثنی علی علمه وفضله وحسن خطابته.

وذکره أبو الحسنات فی فوائده البهیّة (ص 230) ، وقال : تفقّه وبرع وکان عالماً .

ص: 259


1- البدایة والنهایة : 13 / 198 حوادث سنة 643 ه.
2- تذکرة الحفّاظ : 4 / 1405 رقم 1129.
3- فی تاریخ ابن خلّکان والفوائد البهیّة : (قرغلی). وفی غیرهما (قزغلی) ، والصحیح کما فی تاریخ ابن کثیر : (قِزْأغلی) - بکسر القاف وسکون الزای - کلمة ترکیة معناها : ابن البنت ؛ أی السبط. (المؤلف)
4- البدایة والنهایة : 13 / 226 حوادث سنة 654 ه.

فقیهاً واعظاً حسن المجانسة ، وقال أبو المعالی السلامیّ ، کما فی منتخب المختار (ص 236) :

کان شیخاً صالحاً عالماً بالتفسیر والحدیث والفقه ، له تفسیر کبیر فی تسعة وعشرین مجلّداً ، وذکر مشایخه وتآلیفه.

مرّ عنه (ص 68) ، ویأتی عنه فی عناوین أخری بألفاظ غیر ما مرَّ نقلاً عن تألیفه السائر تذکرة خواصّ الأمّة.

247 - عزّ الدین عبدالحمید بن هبة الله المدائنیّ ، الشهیر بابن أبی الحدید المعتزلیّ(1) : المتوفّی (655). مؤلِّف شرح نهج البلاغة الدائر السائر ، وتألیفه هذا ینمُّ عن تضلّعه فی الحدیث والکلام والتاریخ والأدب ، توجد ترجمته فی شرح النهج له(2) (4 / 575).

مرّ الحدیث عنه (ص 56) ، ویأتی عنه حدیث المناشدة فی الرحبة ، وحدیث الدعوة ، وحدیث الرکبان ، واحتجاج عمّار بحدیث الغدیر ، ومناشدة شابٍّ أبا هریرة.

248 - الحافظ أبو عبدالله محمد بن یوسف الکنجیّ ، الشافعیّ(3) : المتوفّی (658). ،

ص: 260


1- هو عزّ الدین أبو حامد بن أبی الحدید المعتزلیّ الشافعیّ المدائنیّ المولود بها سنة 586 البغدادیّ المتوفّی بها سنة 655. ومن مصادر ترجمته : وفیات الأعیان : 5 / 392 ، ذیل مرآة الزمان : 1 / 62 ، العسجد المسبوک : ص 642 ، تلخیص مجمع الآداب : 1 / 190 ، الوافی بالوفیات : 18 / 79 ، فوات الوفیات : 2 / 259 رقم 246 ، البدایة والنهایة : 13 / 199 ، المنهل الصافی : ص 7. وأوسع ترجمة له ماکتبه عنه معاصره ابن الشعّار الموصلی فی : قلائد الجمان فی شعراء الزمان ، ترجم له فی الجزء الرابع - من طبعة ألمانیا سنة 1410 - فی أربعین صفحة من 214 - 253 ، وأورد کثیراً من نظمه ونثره. (الطباطبائی)
2- شرح نهج البلاغة : 1 / 13 - 19 من المقدمة. وانظر أیضاً : فوات الوفیات : 2 / 259 ، البدایة والنهایة : 13 / 233 حوادث سنة 655 ه ، آداب اللغة : 3 / 43.
3- هو فخر الدین الکنجی محمد بن یوسف بن محمد القرشی النوفلی الشافعی نزیل دمشق ،

صاحب کتاب کفایة الطالب(1) - المطبوع بمصر فی (160) صحیفة محذوف الأسانید ، وفی النجف الأشرف مسنداً علی ما هو فی الأصل - والکتاب یعرب عن تقدّم مؤلِّفه فی الحدیث ، وعن علمه الجمّ ، وفضله الکثار ، وکثرة اعتنائه بشأن الحدیث وفنونه ، ینقل عنه ابن الصبّاغ المالکی فی فصوله المهمّة(2) معبِّراً عن المؤلّف بالإمام الحافظ.

مرّ الحدیث عنه (ص 19 ، 21 ، 35 ، 40 ، 48 ، 51) ، ویأتی عنه حدیث مناشدة الرحبة بطرق شتّی ، ومناشدة رجل عراقیّ جابرَ الأنصاریّ ، وحدیث التهنئة.

249 - الحافظ أبو محمد عبدالرزّاق بن عبدالله بن أبی بکر ، عزّ الدین الرسعنیّ ، الحنبلیّ : المتوفّی (661).

ذکره الذهبی فی تذکرة الحفّاظ(3) (4 / 243) ، وقال : کان إماماً متقناً ذا فنون وأدب ، صنّف کتاب مقتل الحسین علیه السلام وجمع وصنّف تفسیراً حسناً ، رأیته یروی فیه بأسانیده.2.

ص: 261


1- ذکره له الچلبی فی کشف الظنون : 2 / 323 [2 / 1497]. (المؤلف)
2- الفصول المهمّة : ص 124.
3- تذکرة الحفّاظ : 4 / 1452 رقم 1152.

وأثنی علیه ابن کثیر فی تاریخه(1) (13 / 241) ، ویأتی بعض القول فی ترجمته عن زمیله الإربلی.

یأتی عنه حدیث نزول آیة التبلیغ فی علیّ علیه السلام.

250 - فضل الله بن أبی سعید الحسن الشافعی ، التوربشتیّ(2) - بالمثنّاة المضمومة - :

ترجمه السبکی فی طبقاته(3) (4 / 146) ، وقال : رجلٌ محدِّثٌ فقیهٌ ، من أهل شیراز ، شرح مصابیح البغوی شرحاً حسناً ، وروی صحیح البخاری عن عبدالوهاب بن المغرم بإسناده. وأظنُّ هذا الشیخ مات فی حدود الستین والستمائة ، ووقعة التتار أوجبت عدم المعرفة بحاله. ثمّ ذکر من الفوائد المذکورة فی شرح المصابیح له ، رواه فی کتابه المعتمد فی المعتقد(4).

251 - الحافظ محیی الدین یحیی بن شرف بن حسن ، أبو زکریا النوویّ(5) ف)

ص: 262


1- البدایة والنهایة : 13 / 279 حوادث سنة 661 ه.
2- شهاب الدین أبو عبدالله فضل الله بن تاج الدین حسن التورپشتی التوران پشتی الشافعی الیزدی الأصل الشیرازی ، نزیل کرمان المتوفّی بها سنة 661 ه. ومن مصادر ترجمته : طبقات السبکی : 8 / 349 ، مفتاح السعادة : 2 / 148 ، مجمل التواریخ للفصیحی ، شد الإزار للجنید : ص 190 ، سمط العلی لناصر الدین المنشئ ص 41 وفیه ما معرّبه : إنَّه لما تمّ بناء المدرسة الترکانیة فی کرمان سنة 656 ، التی بنتها فنلغ ترکان ملکة کرمان بعثت إلی شیراز وطلبت من التورپشتی أن یتولی التدریس بها ، فهاجر إلی کرمان وأقام مدرّساً بها إلی أن توفّی. وکتابه «المعتمد» فارسی مطبوع فی مدراس بالهند فی مطبعة مظهر العجائب سنة 1286 ، رتّبه علی ثلاثة أبواب ، وحدیث الغدیر فی الفصل الرابع من الباب الثالث منه ص 190 - 191. وتوران بشت من قری مدینة یزد تبعد عنها 25 کیلو متراً فی جنوبها الغربی ، ولازالت عامرة وبهذا الاسم. (الطباطبائی)
3- طبقات الشافعیة الکبری : 8 / 349 رقم 1245.
4- ذکره له الجلبی فی کشف الظنون : 2 / 462 [2 / 1733]. (المؤلف)
5- نوی : قریة من قری حوران [معجم البلدان : 5 / 306]. (المؤلف)

الدمشقیّ ، الشافعیّ : المتوفی (676) ، ترجمه السبکی فی طبقاته(1) (5 / 166 - 168) وبالغ فی الثناء علیه ، وذکره ابن کثیر فی تاریخه(2) (13 / 278) ، وقال :

شیخ المذهب وکبیر الفقهاء فی زمانه ، وقد کان من الزهادة والعبادة والورع والتحرّی والانجماح عن الناس علی جانب کبیر لا یقدر علیه أحد من الفقهاء غیره.

وذکر تآلیفه وأطراه ، وبسط القول فی ترجمته الذهبی فی تذکرته(3) (4 / 259 - 264).

مرّ الحدیث عن تألیفه ریاض الصالحین (ص 35) ، وقال فی تهذیبه الأسماء واللغات(4) : وفی کتاب الترمذیِّ عن أبی سریحة الصحابی أو زید بن أرقم - شکَّ شعبة - عن النبیِّ صلی الله علیه وسلم قال : «من کنت مولاه فعلیٌّ مولاه».

رواه الترمذیّ وقال : حدیثٌ حسنٌ ، والشک فی عین الصحابیِّ لا یقدح فی صحّة الحدیث ؛ لأنّهم کلّهم عدولٌ.

252 - الشیخ مجدالدین عبدالله بن محمود بن مودود الحنفیّ ، الموصلیّ : المولود (599) ، والمتوفّی (683).

ترجمه أبو الحسنات فی الفوائد البهیّة (ص 106) ، وقال : کان من أفراد الدهر فی الفروع والأصول ، ولم یزل یُفتی ویدرِّس إلی أن مات.

یروی عنه ابن حمُّوْیه - صاحب فرائد السمطین(5) - حدیثَ مناشدةِ رجلٍ جابرَ الأنصاریّ الآتی. 9.

ص: 263


1- طبقات الشافعیة الکبری : 8 / 395 رقم 1288.
2- البدایة والنهایة : 13 / 326 حوادث سنة 676 ه.
3- تذکرة الحفّاظ : 4 / 1470 رقم 1162.
4- تهذیب الأسماء واللغات : 1 / 347 رقم 429.
5- فرائد السمطین : 1 / 62 ح 29.

253 - القاضی ناصر الدین عبدالله بن عمر ، أبو الخیر البیضاویّ ، الشافعیّ : المتوفّی (685).

صاحب الطوالع والمصباح فی أصول الدین ، والغایة القصوی فی الفقه ، والمنهاج فی أصول الفقه ، ومختصر الکشاف فی التفسیر ، وشرح المصابیح فی الحدیث.

قال السبکی فی طبقاته(1) (5 / 59) : کان إماماً مبرَّزاً نظّاراً صالحاً متعبِّداً زاهداً ، ولیَ قضاء القضاة بشیراز ودخل تبریز.

وترجمه ابن کثیر فی تاریخه(2) (13 / 309) ، وقال : مات بتبریز.

مرّ عن طوالع أنواره (ص 8).

254 - الحافظ أحمد بن عبدالله فقیه الحرم ، محبُّ الدین أبو العبّاس الطبریّ ، المکّیّ ، الشافعیّ : المتوفّی (694).

ترجمه السبکی فی طبقاته(3) (5 / 9) ، وأثنی علیه ، وذکره ابن کثیر فی تاریخه(4) (13 / 340) ، وعدّه الذهبی من الحفّاظ فی تذکرته(5) (4 / 264) وقال :

تفقّه ودرّس وأفتی وصنّف ، وکان شیخ الشافعیّة ومحدِّث الحجاز ، وکان إماماً صالحاً زاهداً کبیر الشأن(6).

أخرج حدیث الغدیر فی کتابیه الریاض النضرة ، وذخائر العقبی بعدّة طرق ، یأتی ببعضها حدیث مناشدة الرحبة ، وحدیث الرکبان ، والتهنئة ، ومرّ بعضها فی ی)

ص: 264


1- طبقات الشافعیة الکبری : 8 / 157 رقم 1153.
2- البدایة والنهایة : 13 / 363 حوادث سنة 685 ه.
3- طبقات الشافعیة الکبری : 8 / 18 رقم 1046.
4- البدایة والنهایة : 13 / 402 حوادث سنة 694 ه.
5- تذکرة الحفّاظ : 4 / 1474 رقم 1163.
6- وله ترجمة موسّعة فی العقد الثمین للفاسی : 3 / 61 - 72. (الطباطبائی)

(ص 18 ، 25 ، 28 ، 32 ، 48 ، 51 ، 56).

255 - إبراهیم بن عبدالله الوصّابیّ ، الیمنیّ ، الشافعیّ : مؤلّف کتاب الاکتفاء فی فضل الأربعة الخلفاء.

ذکر حدیث الغدیر بعدّة طرق فی الاکتفاء المذکور.

یأتی بعضها فی حدیثی المناشدة فی الرحبة ، واحتجاج أمیر المؤمنین علیه السلام یوم الجمل ، ونزول آیة (سَأَلَ سَائِلٌ) حول قضیّة الغدیر ، ومرّ منها (ص 22 ، 23 ، 25 ، 41 ، 51 ، 53 ، 55 ، 58 ، 59).

256 - سعید الدین محمد بن أحمد الفَرغانیّ(1) : شارح القصیدة التائیّة لابن الفارض ، توفِّی حدود (700) ، وأرّخ الذهبی وفاته فی العِبَر(2) (699).

وهو أوّل شارح للتائیّة المذکورة ، حُکی أنه قرأها أوّلاً علی جلال الدین الرومی المولویّ ، ثمّ شرحها فارسیّاً ، ثمّ عربیّاً ، وسمّاه منتهی المدارک ، وهو کبیر ، کذا ذکره الچلبی فی کشف الظنون(3) (1 / 209) ، وعن الکفوی : أنَّه کان جامعاً للعلوم الشرعیّة والحقیقیّة ، وکان لسان عصره وبرهان دهره ، ودلیل طریق الحقّ ، وسرّ الله

بین الخلق.

توجد ترجمته فی عبقات الأنوار(4) (1 / 270) ، یأتی لفظه فی الکلمات حول مفاد الحدیث. 1.

ص: 265


1- هو سعید الدین محمد بن أحمد بن محمد الکاسانی الفرغانی الحنفی تلمیذ صدر الدین القونوی المتوفّی فی ذی الحجة سنة 699 عن نحو سبعین سنة ، مترجم فی العِبَر : 5 / 389 ، وشذرات الذهب : 5 / 448 ، وکتائب أعلام الأخیار للکفوی ، ونفحات الأنس للجامی : 559 وهدیة العارفین : 2 / 139. (الطباطبائی)
2- العِبَر فی خبر من غبر : 3 / 399.
3- کشف الظنون : 2 / 1858.
4- عبقات الأنوار : 10 / 381.

«القرن الثامن»

257 - شیخ الإسلام أبو إسحاق إبراهیم بن سعدالدین محمد بن المؤیّد حمُّوْیَه ، الخراسانیّ ، الجوینیّ : المتوفّی (722) عن (78) عاماً.

أطراه الذهبی فی تذکرته(1) (4 / 298) بالإمام المحدِّث الأوحد الأکمل ، وقال :

کان شدید الاعتناء بالروایة وتحصیل الأجزاء وعلی یده أسلم الملک غازان ، وترجمه ابن حجر فی الدرر(2) (1 / 67) ، وأطراه.

أخرج حدیث الغدیر بطرق کثیرة فی کتابه - فرائد السمطین فی فضائل المرتضی والبتول والسبطین - الموجود عندنا(3).

مرّ عنه (ص 15 ، 19 ، 21 ، 23 ، 26 ، 32 ، 40 ، 43 ، 44 ، 55 ، 56 ، 66) ، ویأتی عنه حدیث المناشدة بالرحبة ، ومناشدة رجل عراقی جابر الأنصاری ، واحتجاج عمر بن عبدالعزیز ، ونزول آیة إکمال الدین فی علیّ علیه السلام ، ونزول آیة (سَأَلَ

سَائِلٌ) حول قضیة الغدیر ، وحدیث التهنئة.

258 - علاء الدین أحمد بن محمد بن أحمد السمنانیّ : المولود (659) ، والمتوفّی (736)(4).

ترجمه ابن حجر فی الدرر الکامنة(5) (1 / 250) وقال : تفقّه وطلب الحدیث ، 0.

ص: 266


1- تذکرة الحفّاظ : 4 / 1505 رقم 24.
2- الدرر الکامنة : 1 / 67 رقم 181.
3- طبع قسم منه فی النجف سنة 1383 ، وطبع فی بیروت بتحقیق زمیلنا العلامة الباحث الشیخ محمد باقر المحمودی حفظه الله ، وصدر فی جزءین سنة 1398 - 1400 ، وللکتاب عدّة مخطوطات قدیمة وحدیثة ذکرتها فی (أهل البیت فی المکتبة العربیة). (الطباطبائی)
4- ذکره السلامی ، کما فی منتخب المختار : ص 162 [رقم 136] وأرّخ وفاته بسنة (735). (المؤلف)
5- الدرر الکامنة : 1 / 250 رقم 640.

وشارک فی الفضائل ، وبرع فی العلم. قال الذهبی : کان إماماً جامعاً کثیر التلاوة ، وله وقع فی النفوس. وذکر أنَّ مصنّفاته تزید علی ثلاثمائة ، أخذ عنه صدر الدین بن حمُّوْیَه.(1)

یأتی لفظه - عن کتابه العروة الوثقی - فی ذکر الکلمات حول سند الحدیث.

259 - الحافظ یوسف بن عبدالرحمن بن یوسف بن عبدالرحمن(2) بن یوسف الدمشقی ، أبو الحجّاج المزّیّ(3) ، الشافعیّ : المتوفّی (742).

ترجمه السبکی فی طبقاته(4) (6 / 251 - 267) وقال : شیخنا وأستاذنا وقدوتنا الشیخ جمال الدین ، أبو الحجّاج المزّی ، حافظ زماننا ، حامل رایة السنّة والجماعة ، 7.

ص: 267


1- وله ترجمة فی طبقات الشافعیة للأسنوی : 2 / 73 ، ولابن قاضی شهبة : 2 / 325 رقم 530 ، وشذرات الذهب : 6 / 125 ، والذریعة : 9 / 733 ، وتاریخ العراق بین احتلالین : 1 / 521 ، وأعلام الزرکلی : 1 / 223 ، وهدیة العارفین : 1 / 108. وأمّا المراجع الفارسیة فنجد ترجمته فی کثیر منها وخاصة معاجم الشعراء منها. وللمظفر الصدر الطهرانی کتاب مفرد عن حیاته طبع باسم (آثار وأحوال علاء الدولة سمنانی). وقال فی کتابه مناظر المحاضر للمُناظر الحاضر - الذی نشره المعهد الفرنسی الدمشقی فی نشرته أخبار الدراسات الشرقیة فی المجلد السادس عشر الصادر سنة 1961 - فی ص 67 : إعلم - یا من لیس له فی تیه التقلید مجال - أنَّ النبیّ صلی الله علیه وعلی آله خیر آل ، إذا أُنزل علیه : (یَا أَیُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَیْکَ مِن رَّبِّکَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّ-هُ یَعْصِمُکَ مِنَ النَّاسِ) قام قائماً فی غدیر خُمّ وأخذ بید علیّ - علیه سلام الله وسلام رسوله - علی ملأ من المهاجرین والأنصار وقال : «من کنتُ مولاه فعلیّ مولاه ، اللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه». وهذا حدیث صحیح ، وفیه أمر صریح بالتمسک بحبل موالاته والاجتناب عن ذلّ معاداته ، ولا ینکر هذا إلّا شقیٌّ عنید أو جاحد عتید ، ومن کان سعیداً رشیداً یفهم من فحوی هذه الآیة خطاباً قهریّاً لا محیص له من إبلاغها ولو کره الحاضرون ! ... (الطباطبائی)
2- فی الدرر الکامنة ، وشذرات الذهب : 8 / 236 حوادث سنة 742 ه ، وفوات الوفیات : 4 / 353 رقم 591 ، ومعجم المؤلّفین : 13 / 308 : عبد الملک.
3- نسبة إلی (مزّة) بالتشدید : قریة من قری دمشق [معجم البلدان : 5 / 122]. (المؤلف)
4- طبقات الشافعیة الکبری : 10 / 395 رقم 1417.

والقائم بأعباء هذه الصناعة ، والمتدرِّع بجلباب الطاعة ، إمام الحفّاظ ... إلخ.

وذکره ابن کثیر فی تاریخه(1) (14 / 191) ، وابن حجر فی الدرر الکامنة (4 / 457 - 461) ، وحکی عن ابن سیّد الناس أنَّه قال :

وجدت بدمشق من أهل العلم الإمام المقدَّم ، والحافظ الذی فاق من تأخّر من أقرانه ومن تقدّم ، أبا الحجّاج ، بحر هذا العلم الزاخر وحبره القائل : کم ترک الأوّل للآخر ، أحفظ الناس للتراجم وأعلمهم بالرواة ... إلی آخر الثناء علیه.

روی الحدیث فی تهذیب الکمال(2).

مرّ عنه (ص 14 ، 18 ، 21 ، 35) ، ورواه فی تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف(3) عن الترمذی والنسائی بإسنادهما ، عن أبی الطفیل ، عن زید بن أرقم بالسند واللفظ المذکورین (ص 30) ، وعن ابن ماجة بالسند واللفظ المذکورین فی (ص 39) عن عبدالرحمن عن سعد.

260 - الحافظ شمس الدین محمد بن أحمد بن عثمان الذهبیّ ، الشافعیّ : المتوفّی (748).

ترجمه الجزری فی طبقات القرّاء (2 / 71) ، وقال : أستاذ ثقة کبیر ... إلی أن قال : واشتغل بالحدیث وأسماء رجاله ، فبلغت شیوخه فی الحدیث وغیره ألفاً.

وذکره السبکی فی طبقاته(4) (5 / 216 - 219) ، وأثنی علیه وبالغ وأطنب.6.

ص: 268


1- البدایة والنهایة : 14 / 224 حوادث سنة 742 ه.
2- أخرج فیه حدیث الغدیر بعدّة أسانید ، أخرجه فی : 11 / 90 عن زید بن أرقم ، وفی : 20 / 484 عن عدّة من الصحابة ، وفی : 33 / 284 عن عمار بن یاسر ، وأخرج حدیث المناشدة فی : 11 / 100 و 22 / 397 و 398. (الطباطبائی)
3- تحفة الأشراف فی معرفة الأطراف : 3 / 195 ح 3667.
4- طبقات الشافعیة الکبری : 9 / 100 رقم 1306.

وذکره ابن کثیر فی تاریخه(1) (14 / 225) وقال : الحافظ الکبیر مؤرِّخ الإسلام وشیخ المحدِّثین ، قد خُتِم به شیوخ الحدیث وحُفّاظه.

وترجمه ابن حجر فی الدرر (3 / 336 - 338) وقال : مَهَرَ فی فنّ الحدیث ، وجمع تاریخ الإسلام ، فأربی فیه علی من تقدّم بتحریر أخبار المحدِّثین خصوصاً. ثمّ ذکر تآلیفه وأثنی علیها.

أفرد کتاباً فی حدیث الغدیر کما یأتی فی المؤلِّفین فیه ، ومرّ عنه (ص 32 ، 35 ، 41 ، 55).

261 - نظام الدین حسن بن محمد القمّیّ ، النیسابوریّ : صاحب التفسیر الکبیر ، المسمّی بغرائب القرآن ، المطبوع غیر مرّة بمصر وإیران.

رواه فی تفسیره(2) ، راجع (ص 19 ، 43 ، 52) ، ویأتی عنه حدیث نزول آیة التبلیغ فی علیّ علیه السلام حول واقعة الغدیر.

262 - ولیُّ الدین محمد بن عبدالله الخطیب ، العمریّ ، التبریزیّ : مؤلّف مشکاة المصابیح سنة (737).

مرّ عنه (ص 19 ، 36) ، ویأتی عنه حدیث التهنئة بطریق أحمد.

263 - تاج الدین أحمد بن عبدالقادر بن مکتوم ، أبو محمد القیسیّ ، الحنفیّ ، النحویّ : المتوفّی (749).

ترجمه الجزری فی طبقات القرّاء (1 / 70) وأثنی علیه ، وابن حجر فی الدرر (1 / 174 - 176) وذکر مشایخه وتآلیفه ، وقال : تقدّم فی الفقه ودرس وناب فی 4.

ص: 269


1- البدایة والنهایة : 14 / 259 حوادث سنة 748 ه.
2- غرائب القرآن ورغائب الفرقان : 6 / 194.

الحکم ، وعدّ من تآلیفه التذکرة.

وذکره السیوطیّ فی بغیة الوعاة(1) (ص 140 - 143) ، وأثنی علیه وذکر تآلیفه

وعدّ منها التذکرة ، وقال : فی ثلاث مجلّدات سمّاها : قید الأوابد ، وقفت علیها بخطِّه من المحمودیّة.

ذکر فی کتابه التذکرة المذکورة أبیات حسّان فی حدیث الغدیر ، تأتی فی شعراء القرن الأوّل.

264 - زین الدین عمر بن مظفّر بن عمر المعرّیّ ، الحَلَبیّ ، الشافعیّ ، المشهور بابن الوردیّ : المتوفّی (749) ، ترجمه السیوطیّ فی بغیة الوعاة(2) وقال : کان إماماً بارعاً فی الفقه والنحو والأدب مفنِّناً فی العلم ، ونظمه فی الذروة العلیا والطبقة القصوی ، وله فضائل مشهورة. ثم ذکر تآلیفه وشطراً من شعره.

وذکره ابن حجر فی الدرر (3 / 195) ، وأثنی علیه وعلی تآلیفه ، وذکر نماذج من شعره.

روی حدیث الولایة فی تتمّة المختصر فی أخبار البشر(3) ، المطبوع بمصر.

265 - جمال الدین محمد بن یوسف بن الحسن بن محمد الزرندیّ ، المدنیّ ، الحنفیّ ، شمس الدین : المتوفّی [فی سنة] بضع وخمسین وسبعمائة.

ترجمه معاصِرُه السلامی ، کما فی منتخب المختار(4) (ص 210) ، وذکر مشایخه واجتماعه به ، وذکره ابن حجر فی الدرر (4 / 295) وقال : 0.

ص: 270


1- بغیة الوعاة : 1 / 326 رقم 622.
2- المصدر السابق : 2 / 226 رقم 1858.
3- تتمة المختصر فی أخبار البشر : 1 / 250 فضائل علیّ علیه السلام.
4- منتخب المختار : ص 210 رقم 180.

صنّف درر السمطین فی مناقب السبطین ، ورأَسَ بعد أبیه بالمدینة ، وصنّف کتباً عدیدة ودرّس فی الفقه والحدیث ، ثمّ رحل إلی شیراز فَوَلِیَ القضاء بها حتی مات سنة سبع أو ثمان وأربعین.

ذکره ابن فرحون ، وحُکی عن مشیخة الجنید : أنَّه أرّخ وفاته بشیراز سنة بضع وخمسین ، وعبّر عنه ابن الصبّاغ المالکیّ فی فصوله المهمّة(1) : بالشیخ الإمام العلّامة المحدِّث بالحرم الشریف النبویِّ.

قال فی نظم درر السمطین فی فضائل المصطفی والمرتضی والبتول والسبطین(2) : روی الإمام الحافظ أبو بکر أحمد بن الحسین البیهقی رحمه الله بسنده إلی البراء بن عازب قال : أقبلنا مع النبیّ صلی الله علیه وسلم ... إلی آخر اللفظ الآتی فی حدیث التهنئة.

266 - القاضی عبدالرحمن بن أحمد الإیجیّ ، الشافعیّ : المتوفّی (756).

قال السبکی فی طبقاته(3) (6 / 108) : کان إماماً فی المعقولات عارفاً بالأصلین والمعانی والبیان والنحو مشارکاً فی الفقه ، له فی علم الکلام کتاب المواقف ، وذکره ابن حجر فی الدرر (2 / 322) ، وأثنی علیه ، وعَدَّ تآلیفه.

مرّ لفظه عن المواقف(4) (ص 8).

267 - سعید الدین محمد بن مسعود بن محمد بن خواجة مسعود الکازرونیّ : المتوفّی (758).

ترجمه ابن حجر فی الدرر (4 / 255) وذکر مشایخه ثمّ قال : کان سعید الدین 5.

ص: 271


1- الفصول المهمّة : ص 19.
2- نظم درر السمطین : ص 109.
3- طبقات الشافعیة الکبری : 10 / 46 رقم 1369.
4- المواقف : ص 405.

محدِّثاً فاضلاً سمع الکثیر وأجاز له المزّی. انتهی.

وهو تلمیذ ابن حمُّوْیَه ، مؤلِّف فرائد السمطین ، والمذکور (ص 123) ، والراوی عنه ، قال فی کتابه المنتقی فی سیرة المصطفی : قال صلی الله علیه وسلم فی علیٍّ : «من کنتُ مولاه فعلیٌّ مولاه ، أللّهمّ والِ من والاه وعادِ من عاداه».

268 - أبو السعادات عبدالله بن أسعد بن علیّ الیافعیّ ، الشافعیّ ، الیمنیّ ، ثمّ المکیّ : المتوفّی (768).

ذکره السبکی فی طبقاته(1) (6 / 103) ، وأثنی علیه بالصلاح والتصانیف الکثیرة والنظم الکثیر.

وترجمه ابن حجر فی الدرر (2 / 373) ، وذکر مشایخه فی الحدیث والفقه ، وأطراه ، وقال : له کلام فی ذمّ ابن تیمیّة.

عدّ حدیث الغدیر - إرسال المسلّم - من مناقب أمیر المؤمنین فی تاریخه مرآة الجنان (1 / 109) من طریق أحمد بن حنبل.

269 - الحافظ عماد الدین إسماعیل بن عمر بن کثیر الشافعیّ ، القیسیّ ، الدمشقیّ : المتوفّی (774).

ترجمه ابن حجر فی الدرر (1 / 373) وذکر مشایخه وتآلیفه ، ثمّ قال : قال الذهبی فی المعجم المختصّ(2) : الإمام المفتی المحدِّث البارع ، فقیهٌ متفنِّنٌ ، محدِّث مُتقن ، مفسِّر نقّال ، له تصانیف مفیدة.

روی الحدیث بطرقه الکثیرة فی تاریخه الکبیر ، مرّ منها (ص 15 ، 19 ، 23 ، 25، 26، 28 ، 35 ، 41 ، 43 ، 46 ، 48 ، 51 ، 52 ، 54 ، 55 ، 56 ، 68) ، ویأتی عنه 5.

ص: 272


1- طبقات الشافعیة الکبری : 10 / 33 رقم 1354.
2- المعجم المختص : ص 74 - 75.

حدیث المناشدة بالرحبة ، وحدیث الرکبان ، ومناشدة شابٍّ أبا هریرة ، ومناشدة رجل عراقیّ جابرَ الأنصاری.

270 - أبو حفص عمر بن حسن بن مَزید بن أمیلة المراغیّ(1) ، ثمّ الحلبیّ ، ثمّ الدمشقیّ ، ثمّ المزّی ، الشهیر بابن أمیلة : المولود (679) ، والمتوفّی (778).

ترجمه الجزری فی طبقات القرّاء (1 / 590) ، وابن حجر فی الدرر (3 / 159) وقال : مَسْنَد العصر ، حدّث بالکثیر ، وکثُر الانتفاع به ، وحدّث نحواً من خمسین سنة ، وکان کثیر التلاوة. انتهی.

وأثنی علیه بالثقة والدین والصلاح والخیر ابن الجزری فی طبقات القرّاء ، وعن فضل بن روزبهان : کان ثقةً مُتقناً ، إلیه ینتهی إسناد أکابر المشایخ وأجلّة الأصحاب.

یأتی عنه حدیث المناشدة فی الرحبة بلفظ عبدالرحمن.

271 - شمس الدین أبو عبدالله محمد بن أحمد بن علیّ الهواریّ ، المالکیّ ، الشهیر بابن جابر الأندُلُسی : المتوفّی (780).

أحد شعراء الغدیر ، یأتی شعره وترجمته فی شعراء القرن الثامن.

272 - السیِّد علیّ(2) بن شهاب بن محمد الهَمَدانیّ : المتوفّی (786).

أثنی علیه وعلی تآلیفه ومقاماته وکراماته غیر واحد من الأعلام ، توجد ترجمته فی غدیر العبقات(3) (1 / 241 - 244).

روی حدیث الغدیر بعدّة طرق فی کتابه مودّة القربی(4) ، المطبوع الدائر ، مرّ ة.

ص: 273


1- نسبة إلی مراغة فی آذربیجان قریة من تبریز. أنساب السمعانی [5 / 245]. (المؤلف)
2- یظهر عن بعض المعاجم تلقّبه بشهاب الدین. (المؤلف)
3- عبقات الأنوار : 10 / 334.
4- أُنظر : المودّة الخامسة.

بعضها (ص 22 ، 57 ، 58) ، ویأتی عنه نزول آیة التبلیغ فی علیّ علیه السلام وحدیث التهنئة.

273 - الحافظ شمس الدین أبو بکر محمد بن عبدالله بن أحمد المقدسیّ ، الحنبلیّ ، المعروف بالصامت : المتوفّی (789).

ترجمه الجزری فی طبقاته (2 / 174) ، وقال : إمامنا ومبرَّزنا الحافظ الکبیر شمس الدین. ثمّ ذکر بعض مشایخ قراءته وتآلیفه ، فأثنی علیه نثراً ونظماً.

وترجمه ابن حجر فی الدرر(1) (3 / 465) ، وذکر مشایخه وإجازاته ، وقال : کان مکثراً شیوخاً وسماعاً وطلب بنفسه ، فقرأ الکثیر فأجاد ، وخرّج وأفاد ، وکان عالماً متفنِّناً متقشِّفاً منقطع القرین ، وحدّث دهراً ، مات بالصالحیّة ، وتفقّه إلی أن فاق الأقران ، وأفتی ودرّس ، وکان کثیر المروءة.

یروی عنه الجزری فی أسنی المطالب حدیث احتجاج الصدّیقة الطاهرة - سلام الله علیها - بحدیث الغدیر(2) ، کما یأتی.

274 - سعد الدین مسعود بن عمر بن عبدالله الهرویّ ، التفتازانیّ ، الشافعیّ : المتوفّی (791) عن نحو (80) عاماً.

ترجمه ابن حجر فی الدرر(3) (4 / 350) وعدّ تآلیفه ، ثمّ قال : وله غیر ذلک من التصانیف فی أنواع العلوم التی تنافسَ الأئمّة فی تحصیلها والاعتناء بها ، وکان قد

انتهت إلیه معرفة علوم البلاغة والمعقول بالمشرق بل بسائر الأمصار ، لم یکن له نظیرٌ فی معرفة هذه العلوم. وأثنی علیه وأطراه ، وعدّ تآلیفه السیوطیّ فی بغیة الوعاة (4) (ص 391). 2.

ص: 274


1- الدرر الکامنة : 3 / 465 رقم 1249.
2- أسنی المطالب : ص 50.
3- الدرر الکامنة : 4 / 350 رقم 953.
4- بغیة الوعاة : 2 / 285 رقم 1992.

مرّ لفظه عن کتابه شرح المقاصد(1) (ص 8).

«القرن التاسع»

275 - الحافظ علیُّ بن أبی بکر بن سلیمان ، أبو الحسن الهیثمیّ - بالمثلّثة - القاهریّ ، الشافعیّ : المولود (735) ، والمتوفّی (807).

ترجمه السخاوی فی الضوء اللامع (5 / 200 - 203) وذکر مشایخه وتآلیفه ، وأثنی علیه وأکثر ، وحکی عن التقیّ الفاسی أنَّه قال : کان کثیر الحفظ للمتون والآثار صالحاً خیِّراً ، وقال الأقفهسی(2) : کان إماماً عالماً حافظاً زاهداً متواضعاً متودِّداً إلی الناس ذا عبادة وتقشّف وورع. انتهی.

ثمّ قال : والثناء علی دینه وزهده وورعه ونحو ذلک کثیر جدّاً ، بل هو فی ذلک کلمة اتّفاقٍ.

وذکره عبدالحیّ الحنبلیّ فی شذراته(3) (7 / 70) ، وأثنی علیه ، وذکر مشایخه وتآلیفه.

أخرج حدیث الغدیر فی کتابه الکبیر مجمع الزوائد بطرقٍ کثیرة صحّح غیر واحدٍ منها ، مرّ بعضها (ص 22، 25 ، 27 ، 33 ، 34 ، 41 ، 43 ، 45 ، 51 ، 53 ، 54 ،

56 ، 59) ، ویأتی عنه حدیث المناشدة بلفظ زاذان ، وزیاد ، وزید بن أرقم ، وأبی الطفیل ، وحدیث الرکبان ، بطریقه الذی صحّحه وقال : رجاله ثِقات.

276 - الحافظ ولیُّ الدین عبدالرحمن بن محمد ، الشهیر بابن خلدون الحضرمیّ ، الإشبیلیّ ، المالکیّ : المولود (732) ، والمتوفّی (808) ، صاحب التاریخ الدائر. .

ص: 275


1- شرح المقاصد : 5 / 273.
2- أبو الخیر محمد بن محمد الزبیری ، المصری ، الشافعی ، المتوفّی (843). (المؤلف)
3- شذرات الذهب : 9 / 105 حوادث سنة 807 ه.

بسط فی ترجمته السخاوی فی ضوئه اللامع (4 / 145 - 149) ، وذکر مشایخه فی العلوم المتنوِّعة معقولاً ومنقولاً ، وعدّ تآلیفه ، وأثنی علیها وعلیه.

ذکر فی مقدّمة تاریخه(1) (ص 138) فی بیان النصّ علی الإمامة عند الإمامیّة : أنَّه جلیٌّ وخفیٌّ : فالجلیُّ مثل قوله صلی الله علیه وسلم : «من کنتُ مولاه فعلیٌّ مولاه». ثمّ قال :

قالوا : ولم تطّرد هذه الولایة إلّا فی علیٍّ ، ولهذا قال عمر : أصبحتَ مولی کلِّ مؤمن ومؤمنة. ثمّ أوعز إلی المناقشة فی مفاده.

277 - السیّد الشریف الجرجانیّ علیّ بن محمد بن علیّ ، أبو الحسن الحسینیّ ، الحنفیّ : المتوفّی (816) بشیراز.

ترجمه السخاوی فی الضوء اللامع (5 / 328 - 330) وأثنی علیه وقال : وصفه العفیف الجرهی فی مشیخته : بالعلّامة فرید عصره ، ووحید دهره ، سلطان العلماء العاملین ، افتخار أعاظم المفسِّرین. ثمّ ذکر جمل الثناء علیه ، وعدّ تآلیفه.

وبسط القول فی ترجمته أبوالحسنات فی الفوائد البهیّة (ص 125 ، 134) بذکر مشایخه وتآلیفه وإطرائه.

روی حدیث الغدیر فی شرح المواقف(2) ، کما مرّ (ص 8).

278 - محمد بن محمد بن محمود الحافظیّ ، البخاریّ ، المعروف بخواجه پارسا :

المولود (756) والمتوفّی (822).

ترجمه السخاوی فی ضوئه اللامع (10 / 20) ، وذکره أبو الحسنات فی فوائده (ص 199) وقال : قرأ علی علماء عصره ، ومهر علی أقرانه ، وحصّل الفروع والأصول ، وبرع فی المعقول والمنقول ، أخذ الفقه عن أبی الطاهر محمد ... إلی أن قال : 0.

ص: 276


1- مقدّمة ابن خلدون : 1 / 246.
2- شرح المواقف : 8 / 360.

وله تصانیف منها الفصول الستّة ، وفصل الخطاب ، وهو تصنیف لطیف شریف حافل بحقائق العلم اللدنّی ، وکافل لدقائق الطریق النقشبندی ... إلخ.

وترجمه طاش کبری زاده فی الشقائق(1) (1 / 286).

یأتی ذِکْرُهُ حدیثَ الغدیر عن کتابه المذکور فصل الخطاب.

279 - أبو عبدالله محمد بن خلیفة الوشتانی ، المالکی : المتوفّی (827 ، 828).

یأتی عن شرحه صحیح مسلم احتجاج أمیرالمؤمنین یوم الجمل بحدیث الغدیر.

280 - شمس الدین محمد بن محمد بن محمد ، أبو الخیر الدمشقیّ ، المقرئ ، الشافعیّ ، المعروف بابن الجزریّ : المتوفّی (833).

توجد له ترجمة ضافیة فی الضوء اللامع (9 / 255 - 260) ، وذکر مشایخه فی الفقه وأصوله والحدیث والمعانی والبیان وقال : أذن له غیرُ واحدٍ بالإفتاء والتدریس والإقراء. وعدّ تصانیفه فی شتّی العلوم ، وأثنی علیها ، وذکر منها أسنی المطالب فی مناقب علیّ بن أبی طالب.

وله ترجمة مفصّلة فی الشقائق النعمانیّة(2) (1 / 39 - 49) ، وفی تعالیق الفوائد البهیّة (ص 140).

ذکر حدیث الغدیر بطرقٍ شتّی فی کتابه المذکور : أسنی المطالب ، مرّ الإیعاز إلی بعضها (ص 17، 18، 20، 22، 23 ، 25 ، 28 ، 29 ، 37 ، 40 ، 44 ، 45 ، 46 ، 49 ، 53 ، 56 ، 57) ، ویأتی عنه احتجاج الصدّیقة - صلوات الله علیها - بحدیث الغدیر.

281 - تقیّ الدین أحمد بن علیّ بن عبدالقادر الحسینیّ ، القاهریّ ، المقریزیّ(3) ، الحنفیّ : المتوفّی (845). ف)

ص: 277


1- الشقائق النعمانیّة : ص 155.
2- المصدر السابق : ص 25 - 30.
3- نسبة إلی حارة ببعلبک کانت تعرف بحارة المقارزة. (المؤلف)

توجد ترجمته ضافیة فی الضوء اللامع (2 / 21 - 25) ، وقال : نظر فی عدّة فنون ، وشارک فی الفضائل ، وخطّ بخطه الکثیر وانتقی ، وقال الشعر والنثر ، وحصّل وأفاد ، وناب فی الحکم ، وکتب التوقیع ، وولی الحسبة بالقاهرة غیر مرّة ، والخطابة

بجامع عمرو ، والإمامة بجامع الحاکم ، وقراءة الحدیث بالمؤیّدیّة. ثمّ عدّ تآلیفه ، وأثنی علیها ، وقال : قرأت بخطه :أنَّ تصانیفه زادت علی مائتی مجلّدة کبار ، وأنَّ شیوخه بلغت ستّمائة نفس.

مرّ الإیعاز إلی حدیثه (ص 20) ، ویأتی عنه حدیث التهنئة.

282 - القاضی شهاب الدین أحمد بن شمس الدین عمر الدولت آبادی : المتوفّی (849) صاحب الإرشاد فی النحو ، وهدایة السعداء ، والبحر الموّاج فی التفسیر ، توجد له ترجمةٌ ضافیةٌ فی العبقات(1) (2 / 29 - 33).

یأتی لفظه فی الکلمات حول مفاد الحدیث ، ونزول آیة (سَأَلَ سَائِلٌ) حول قضیّة الغدیر.

283 - الحافظ أحمد بن علیّ بن محمد ، أبو الفضل العسقلانیّ ، المصریّ ، الشافعیّ ، المعروف بابن حجر : المولود (773) والمتوفّی (852) ، صاحب الإصابة وتهذیب التهذیب.

بسط القول فی ترجمته السخاوی فی ضوئه اللامع (2 / 36 - 40) ، وذکر مشایخه وتآلیفه وأطراه وقال : إمام الأئمّة ، قد شهد له القدماء بالحفظ والثقة والأمانة والمعرفة التامّة والذهن الوقّاد والذکاء المفرط وسعة العلم فی فنونٍ شتّی ، وشهد له شیخه العراقی بأنّه أعلم أصحابه بالحدیث. وقال کلٌّ من التقیّ الفاسی والبرهان الحلبی : ما رأینا مثله.

وذکره عبدالحیّ فی شذراته(2) (7 / 270 - 273) ، وقال : برع فی الفقه والعربیّة ، .

ص: 278


1- عبقات الأنوار : 9 / 394.
2- شذرات الذهب : 9 / 395 حوادث سنة 852 ه.

وصار حافظ الإسلام. ثمّ أطنب فی الثناء علیه ، وذکر تآلیفه وأطراها.

مرّ الإیعاز إلی حدیثه (ص 14 ، 15 ، 21 ، 25 ، 28 ، 35 ، 38 ، 45 ، 46 ، 47 ، 48 ، 53 ، 54 ، 58 ، 59 ، 60) ، ویأتی عنه حدیثا مناشدة الرحبة والرکبان.

284 - نور الدین علیّ بن محمد بن أحمد الغزِّیّ الأصل ، المکیّ ، المالکیّ ، المعروف بابن الصبّاغ : المولود (784) والمتوفّی (855).

یروی عنه السخاوی بالإجازة وترجمه فی ضوئه اللامع (5 / 283) ، وذکر مشایخه فی الفقه وغیره ، ثمّ قال : له مؤلَّفات منها الفصول المهمّة لمعرفة الأئمّة ، وهم اثنا عشر ، والعِبَر فیمن شفَّه النظر. انتهی.

ینقل عن فصوله المهمّة الصفوریّ فی نزهة المجالس ، والشیخ أحمد بن عبدالقادر الشافعیّ فی ذخیرة المآل ، والشبلنجیّ فی نور الأبصار.

مرّ حدیثه (ص 19 ، 26 ، 32 ، 43 ، 46) ، ویأتی عنه فی آیة التبلیغ وحدیث التهنئة.

285 - محمود بن أحمد بن موسی بن أحمد قاضی القضاة بدر الدین ، الشهیر بالعینیّ(1) ، الحنفیّ : المولود بمصر (762) والمتوفّی (855).

توجد ترجمته فی الضوء اللامع (10 / 131 - 135) ذکر أساتذته فی الفقه وأصوله والحدیث والأدب ، وعدّ تآلیفه وأثنی علیها ، وقال : حدّث وأفتی ودرّس ، وأخذ عنه الأئمّة من کلِّ مذهب طبقة بعد أخری ، بل أخذ عنه أهل الطبقة الثالثة ، وکنت ممّن قرأ علیه أشیاء.

ذکره ابن خطیب الناصریّة فی تاریخه فقال : إمام عالم فاضل ، مشارک فی علوم ، وعنده حشمة ومروءة وعصبیّة ودیانة. ف)

ص: 279


1- نسبة إلی عین تاب : بلدة کبیرة علی ثلاث مراحل من حلب [معجم البلدان : 4 / 176]. (المؤلف)

وترجمه السیوطیّ فی بغیة الوعاة(1) (ص 386) وأثنی علیه ، وذکر مشایخ قراءته وتآلیفه وقال : کان إماماً عالماً علّامة عارفاً بالعربیّة والتصریف وغیرهما ، وذکره أبو الحسنات فی فوائده (ص 207).

مرّ الإیعاز إلی حدیثه (ص 44) ، ویأتی لفظه فی آیة التبلیغ.

286 - نجم الدین محمد ابن القاضی عبدالله بن عبدالرحمن الأذرعیّ - الزرعیّ - الدمشقیّ ، الشافعیّ ، المعروف بابن عجلون : المولود (831) والمتوفّی (876).

قال السخاوی فی ضوئه اللامع (8 / 96) : کان إماماً علّامةً مُتقناً حجّةً ضابطاً جیِّد الفهم ، لکنَّ حافظته أجود ، دیِّناً عفیفاً وافر العقل. وذکر مشایخ قراءته فی الفقه وأصوله والحدیث والتفسیر والمنطق والعربیة ، وعدّ تصانیفه.

وترجمه عبدالحیّ فی شذراته(2) (7 / 322) ، وقال : إنَّه الإمام العلّامة ، أخذ عن علماء عصره ، وبرع ومهر ، أخذ عنه من لا یُحصی.

وتوجد ترجمته فی البدر الطالع (2 / 197).

یأتی لفظه فی شعر أبی عبدالله الشیبانی فی شعراء الغدیر.

287 - علاء الدین علیُّ بن محمد القوشجیّ(3) : المتوفّی (879).

ترجمه بدر الدین فی تعالیق الفوائد البهیّة (ص 214) ، وذکر تآلیفه ، وقال : کان ماهراً فی العلوم الریاضیّة. وعبّر عنه الکاتب الچلبی فی کشف الظنون(4) - فی ذکر شرح التجرید له - : بالمولی المحقِّق ، أثنی علی شرحه. 8.

ص: 280


1- بغیة الوعاة : 2 / 275 رقم 1967.
2- شذرات الذهب : 9 / 480 حوادث سنة 876 ه.
3- کلمة ترکیة معناها : صاحب الطیر ، لقّب بها والده خادم ألغ بیک ملک ما وراء النهر ، حافظ البازی له. (المؤلف)
4- کشف الظنون : 1 / 348.

وترجمه طاش کبری زاده فی الشقائق النعمانیّة(1) (1 / 177 - 181) ، وأثنی علیه بالمولی الفاضل. وترجمه الشوکانی فی البدر الطالع (1 / 495).

ذکره فی شرح التجرید(2) ، کما مرّ (ص 8).

288 - عبدالله بن أحمد بن محمد ، الشهیر بالسیّد أصیل الدین الحسینیّ ، الإیجیّ ، الشافعیّ ، نزیل مکّة : المتوفّی (883).

ترجمه المؤرِّخ الکبیر غیاث الدین فی حبیب السِّیَر(3) التاریخ الکبیر ، وأثنی علیه وأکثر ، وقال بالفارسیة ما معناه : له تقدّم علی علماء العالم وسادات بنی آدم بالجلالة والنباهة والتقوی والدین والورع ، له کتاب درج الدرر فی سیرة سیّد البشر.

وذکره السخاوی فی ضوئه اللامع (5 / 12) ، وقال : هو من الأفاضل الذین أخذوا عنّی بمکّة ، مع الدین والتواضع والتقنّع والأدب وجودة الخطِّ والضبط والمحاسن الجمّة.

ذکر ترجمة حدیث الغدیر المرویّ بلفظ البراء الآتی فی حدیث التهنئة فی کتابه المذکور درج الدرر ، وعدّه من الأمور الکلّیة الواقعة فی حجّة الوداع.

289 - أبو عبدالله محمد بن محمد بن یوسف الحسینیّ(4) ، السنوسیّ ، التلمسانیّ : المتوفّی (895).

أفرد تلمیذه الملالی کتاباً فی أحواله وسِیَره وفوائده أسماه ، بالمواهب القدسیة فی المناقب السنوسیة ، أثنی علیه وأکثر. راجع معجم المطبوعات (1 / 1058).

یأتی - عن شرحه صحیح مسلم - احتجاج أمیر المؤمنین علیه السلام علی طلحة یوم الجمل بحدیث الغدیر. ف.

ص: 281


1- الشقائق النعمانیّة : ص 97 - 99.
2- شرح التجرید : ص 477.
3- تاریخ حبیب السیر : 4 / 334.
4- فی معجم المطبوعات ، والأعلام 7 / 154 ، ومعجم المؤلّفین 12 / 132 : أبو عبدالله محمد بن یوسف.

290 - أبو الخیر فضل الله بن رُوزْبَهان بن فضل الله الخنجیّ ، الشیرازیّ ، الشافعیّ ، المعروف بخواجه ملا.

ترجمه السخاوی فی الضوء اللامع (6 / 171) ، وذکر مشایخه ، وقال : تقدّم فی فنون : من عربیّة ، ومعانٍ ، وأصلین ، وغیرها ، مع حسن سلوک وتوجّه ... إلی أن قال : وبلغنی فی سنة سبع وتسعین أنَّه کان کاتباً فی دیوان السلطان یعقوب لبلاغته وحسن إشارته.

یأتی لفظه عن کتابه إبطال الباطل فی الکلمات حول سند الحدیث.

«القرن العاشر»

291 - کمال الدین حسین بن معین الدین الیزدیّ ، المَیْبُذیّ(1) :

شارح الدیوان المنسوب إلی أمیر المؤمنین علیه السلام ، شرحه سنة (890) ، وألّف کتاباً فی الحکمة والفلسفة بشیراز سنة (897) ، وله شرح حدیث(2) ألّفه (908) ، فما فی بعض المعاجم من أنَّه تُوفِّی (870) لیس فی محلّه. وتآلیفه تنمّ عن مشارکته فی العلوم. مرّ الإیعاز إلی حدیثه (ص 18 و 31) ، ویأتی عنه فی حدیث التهنئة وآیة إکمال الدین(3).

292 - الحافظ جلال الدین عبدالرحمن بن کمال الدین المصریّ ، السیوطیّ(4) ، الشافعیّ : المتوفّی سنة (911). ف)

ص: 282


1- نسبة إلی مَیْبُذ - معجمة الآخر - قریة کبیرة علی رأس عشرة فراسخ من یزد [معجم البلدان : 5 / 240]. (المؤلف)
2- هو حدیث «صعدنا ذری الحقائق» المروی عن الإمام العسکری علیه السلام . ریاض العلماء : 2 / 181.
3- أُنظر مصادر ترجمته : روضات الجنات : 3 / 235 رقم 276 ، طبقات أعلام الشیعة - إحیاء الدائر من القرن العاشر : ص 74 ، الذریعة : 9 / 254 رقم 1535 ، أعیان الشیعة : 6 / 174 .
4- نسبة إلی أسیوط ، مدینة فی غربی النیل من نواحی الصعید [معجم البلدان : 1 / 193]. (المؤلف)

ترجمه عبدالحیّ فی شذراته(1) (8 / 51 - 55) ، وقال : المسند المحقِّق المدقِّق ، صاحب المؤلّفات الفائقة النافعة. وأثنی علیه وأکثر ، وذکر تآلیفه ، وقال : إنَّه رأی النبیّ صلی الله علیه وسلم بضعاً وسبعین مرّة یقظة. وحکی له کرامة طیّ الأرض ، وأخذ صاحبه معه من القرّافة إلی مکّة ذهاباً وإیاباً بخطوات عدیدة.

وذکره ابن العیدروس فی النور السافر(2) (ص 54 - 57) ، وأثنی علیه ، وذکر بعض کراماته وتآلیفه.

مرّ الإیعاز إلی حدیثه (ص 15 ، 18 ، 20 ، 23 ، 25 ، 27 ، 28 ، 35 ، 41 ، 43 ، 44 ، 45 ، 52 ، 53 ، 54 ، 65) ، ویأتی عنه حدیث مناشدة أمیر المؤمنین علیه السلام یومَی الشوری والرحبة بحدیث الغدیر ، ونزول آیتی التبلیغ وإکمال الدین فی علیّ علیه السلام حول واقعة الغدیر.

293 - نور الدین علیّ بن عبدالله بن أحمد الحسنیّ ، المدنیّ ، السمهودیّ ، الشافعیّ : المتوفّی (911).

ترجمه عبدالحیّ فی شذرات الذهب(3) (8 / 50) وقال : نزیل المدینة المنوّرة ،

وعالمها ومفتیها ومدرِّسها ومؤرّخها الشافعی ، الإمام القدوة ، والحجّة المفنِّن. ثمّ عدّ مشایخه وتآلیفه ، وأثنی علیها.

وذکره ابن العیدروس فی النور السافر(4) (ص 58 - 60) ، وذکر مشایخه ، وعدّ تآلیفه وأطراها ، وترجمه الشوکانی فی البدر الطالع (1 / 470).

مرّ الإیعاز إلی حدیثه (ص 15 ، 16 ، 17 ، 22 ، 25 ، 29 ، 45 ، 46 ، 48 ، .

ص: 283


1- شذرات الذهب : 10 / 74 حوادث سنة 911 ه.
2- النور السافر : ص 51 - 54 حوادث سنة 911 ه.
3- شذرات الذهب : 10 / 73 حوادث سنة 911 ه.
4- النور السافر : ص 54 - 57 حوادث سنة 911 ه.

54) ، ویأتی عنه احتجاج عمر بن عبدالعزیز بحدیث الغدیر ، وحدیث التهنئة.

294 - الحافظ أحمد بن محمد بن أبی بکر ، أبو العبّاس القسطلانیّ ، المصریّ ، الشافعیّ : المتوفّی (923).

توجد ترجمته فی النور السافر(1) (ص 113 - 115) ، ذکر مشایخه ، وعدَّ تآلیفه ، وقال : کان إماماً حافظاً متقناً ، جلیل القدر ، حسن التقریر والتحریر ، لطیف

الإشارة ، بلیغ العبارة ، حسن الجمع والتألیف ، لطیف الترتیب والترصیف ، کان زینة أهل عصره ، ونقاوة ذوی دهره. وذکر من تآلیفه : المواهب اللدنیّة بالمنح المحمدیّة ، وشرح

صحیح البخاری - کلاهما موجودان عندنا - وترجمه الشوکانی فی البدر الطالع (1 / 102).

یأتی لفظه عن مواهبه اللدنیّة فی الکلمات حول سند الحدیث.

295 - السیّد عبدالوهاب بن محمد بن رفیع الدین أحمد الحسینیّ ، البخاریّ : المتوفّی (932).

توجد ترجمته والثناء علیه وذکره الجمیل بالعلم والعمل فی أخبار الأخیار للشیخ عبدالحقّ الدهلوی ، وتذکرة الأبرار للسید محمد(2).

یأتی عن تفسیره نزول آیة التبلیغ فی علیّ علیه السلام حول واقعة الغدیر.

296 - الحافظ عبدالرحمن بن علیّ ، المعروف بابن الدیبع(3) أبو محمد الشیبانیّ ، الشافعیّ : المولود (866) والمتوفّی (944).

ترجمه ابن العیدروس فی النور السافر(4) (ص 212 - 221) ، وأکثر فی الثناء .

ص: 284


1- النور السافر : ص 106 - 107 حوادث سنة 923 ه.
2- راجع العبقات : 1 / 534 - 537[9 / 210 - 215 ، وفی نفحات الأزهار : 8 / 247 رقم 19]. (المؤلف)
3- معناه بلغة النوبیة : الأبیض. (المؤلف)
4- النور السافر : ص 191 - 199 حوادث سنة 944 ه.

علیه ، وذکر تآلیفه ، وقال : الإمام الحافظ الحجّة المُتقِن شیخ الإسلام ، علّامة الأنام ، الجهبذ الإمام ، مسند الدنیا ، أمیر المؤمنین فی حدیث سیّد المرسلین ، خاتمة المحقِّقین ، شیخ مشایخنا المبرَّزین.

وذکره الشوکانی فی البدر الطالع (1 / 335) ، وعدّ مشایخه فی الفقه والحدیث والتفسیر والحساب والهندسة ، وذکر تآلیفه.

ذَکَرَه فی تیسیر الوصول إلی جامع الأصول(1) (3 / 271).

297 - الحافظ شهاب الدین أحمد بن محمد بن علیّ بن حجر الهیتمیّ ، السعدیّ ، الأنصاریّ ، الشافعیّ : المولود (909) والمتوفّی بمکّة المکرّمة (974).

بسط القول فی ترجمته ابن العیدروس فی النور السافر(2) (ص 287 - 292) وقال : الشیخ الإمام شیخ الإسلام خاتمة أهل الفتیا والتدریس ، کان بحراً فی علم الفقه وتحقیقه لا تدرکه الدلاء ، إمام الحرمین ، کما أجمع علی ذلک العارفون ، وانعقدت علیه خناصر(3) الملأ ، إمام اقتدت به الأئمّة ، وهمام صار فی إقلیم الحجاز أمّة ، مصنّفاته فی العصر آیة یعجز عن الإتیان بمثلها المعاصرون ، فهم عنها قاصرون.

ثمّ عدّ مشایخه وتآلیفه ، وأثنی علیها ، وتوجد ترجمته فی البدر الطالع (1 / 109).

مرّ الحدیث عنه (ص 27) ، ویأتی عنه تفصیل ما ذکره فی الکلمات حول سند الحدیث.

298 - المتّقی علیّ بن حسام الدین ابن القاضی عبدالملک القرشیّ ، الهندیّ ، نزیل مکّة المشرّفة : والمتوفّی بها سنة (975) ، صاحب الکتاب القیّم الکبیر کنز العمّال.ه.

ص: 285


1- تیسیر الوصول إلی جامع الأصول : 3 / 315 ح 3.
2- النور السافر : ص 258 - 263 حوادث سنة 974 ه.
3- أمر انعقدت علیه الخناصر : أی یُعتَدُّ ویُحتفظ به.

توجد له ترجمة ضافیة فی النور السافر(1) (ص 315 - 319) ، قال : کان من

العلماء العاملین وعباد الله الصالحین علی جانب عظیم من الورع والتقوی والاجتهاد

فی العبادة ورفض السوء ، له مصنّفات عدیدة ، وذکروا عنه أخباراً حمیدة. ثمّ ذکر من

مناقبه قول النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم له فی المنام : إنَّه أفضل الناس فی زمانه ، فقال :

مؤلّفاته کثیرة - نحو مائة مؤلَّف ما بین صغیر وکبیر - ومحاسنه جمّة ، ومناقبه ضخمة ، قد أفردها العلّامة عبدالقادر بن أحمد الفاکهیّ المکّیّ فی تألیف لطیف سمّاه : القول النقیّ فی مناقب المتّقیّ ، ذکر فیه من سیرته الحمیدة وریاضاته العظیمة ومجاهداته الشاقّة ما یبهر العقول ... إلی أن قال :

وبالجملة : فما کان هذا الرجل إلّا من حسنات الدهر ، وخاتمة أهل الورع ، ومفاخر الهند ، وشهرته تغنی عن ترجمته ، وتعظیمه فی القلوب یغنی عن مدحه.

مرّ الإیعاز إلی حدیثه (ص 15 ، 18 ، 20 ، 22 ، 23 ، 25 ، 28 ، 41 ، 44 ، 48 ، 52 ، 55 ، 58) ، ویأتی عنه حدیث المناشدة فی الرحبة بطرق شتّی.

299 - شمس الدین محمد بن أحمد - فی الشذرات : محمد - الشربینیّ ، القاهریّ ، الشافعیّ : المتوفّی (977).

صاحب التألیفین الضخمین : تفسیره السراج المنیر - طُبِعَ بأربعة أجزاء - المؤلَّف سنة (968) ، والإقناع فی حلِّ ألفاظ أبی شجاع - طُبِعَ بجزءین - ، وعُدّ له فی المعاجم من مطبوع تآلیفه ثمانیة.

ترجمه عبدالحیّ فی شذراته(2) (8 / 384) ، وقال : الخطیب الإمام العلّامة - الشربینیّ - قال فی الکواکب : أخذ عن الشیخ أحمد البرلسی ... فعدَّ مشایخه إلی أن

قال : .

ص: 286


1- النور السافر : ص 283 - 286 حوادث سنة 975 ه.
2- شذرات الذهب : 10 / 561 حوادث سنة 977 ه.

وأجازوه بالإفتاء والتدریس ، فدرّس وأفتی فی حیاة أشیاخه ، وانتفع به خلائق لا یُحصَون ، وأجمع أهل مصر علی صلاحه ، ووصفوه بالعلم والعمل والزهد والورع وکثرة النسک والعبادة. ثمّ ذکر بعض تآلیفه وخطواته فی الإصلاح ، فقال : وبالجملة : کان آیةً من آیات الله تعالی وحجّةً من حججه علی خلقه.

یأتی عن تفسیره حدیث نزول آیة (سَأَلَ سَائِلٌ) فی علیٍّ علیه السلام حول واقعة الغدیر.

300 - ضیاء الدین أبو محمد أحمد بن محمد الوتریّ ، الشافعیّ : المتوفّی بمصر عشر الثمانین والتسعمائة.

ذکر حدیث الولایة - إرسال المسلّم - فی کتابه روضة الناظرین(1) (ص 2).

301 - الحافظ جمال الدین محمد طاهر ، الملقّب بملک المحدِّثین ، الهندیّ ، الفتَّنیّ(2) : المقتول (986) ، من تلامذة ابن حجر الهیتمی والشیخ علیّ المتّقی الهندیّ.

ترجمه ابن العیدروس فی النور السافر(3) (ص 361) ، وأثنی علیه وأکثر وبالغ ، وعدّ جمعاً من مشایخه ، وقال : برع فی فنون عدیدة ، وفاق الأقران حتی لم یُعلَم أنَّ أحداً من علماء کجرات بلغ مبلغه فی فنِّ الحدیث ، کذا قاله بعض مشایخنا ، وله تصانیف نافعة ، منها مجمع بحار الأنوار فی غرائب التنزیل ولطائف الأخبار.

وتوجد ترجمته فی تعالیق الفوائد البهیّة (ص 164) ، قال بعد الثناء علیه : وقد طالعتُ من تصانیفه مجمع البحار فی غریب الحدیث ، والمغنی فی ضبط أسماء الرجال(4) ، وقانون الموضوعات فی ذکر الضعفاء والوضّاعین ، وتذکرة الموضوعات فی ].

ص: 287


1- روضة الناظرین : ص 16 فصل 1.
2- نسبة إلی (فَتَّن) - بفتح أوّله والمُثنّاة المشدّدة المفتوحة - بلدة من بلاد الکجرات. (المؤلف)
3- النور السافر : ص 323 حوادث سنة 986 ه.
4- طبع فی هامش التقریب لابن حجر بالهند فی المطبع الفاروقی الدهلوی سنة (1290). (المؤلف) [وطبعته وحده دار الکتاب العربی فی بیروت سنة 1402 ه / 1982 م].

الأحادیث الموضوعة ، وکلّها مشتملة علی فوائد جلیلة.

وذکره عبد الحیّ فی الشذرات(1) (8 / 410) ، وذکر مشایخه ، وقال : کان عالماً عاملاً متضلّعاً متبحِّراً ورعاً ، وله مصنَّفات ، منها مجمع بحار الأنوار ... إلخ.

ذکر فی مجمع البحار(2) المذکور ما ذکره ابن الأثیر فی النهایة(3) حول حدیث الغدیر.

302 - میرزا مخدوم بن عبد الباقی : المتوفّی حدود (995).

ذکر تواتر حدیث الغدیر ، ونفی الجزم بدلالته علی إمامة أمیر المؤمنین علیه السلام فی تألیفه نواقض الروافض.

303 - الشیخ عبدالرحمن بن عبدالسلام الصفوریّ ، الشافعیّ : مؤلِّف نزهة المجالس ، المطبوع بمصر عدّة طبعات.

یأتی عنه نزول آیة (سَأَلَ سَائِلٌ) فی علیّ علیه السلام نقلاً عن القرطبی(4).

304 - جمال الدین عطاء الله بن فضل الله الحسینیّ ، الشیرازیّ : المتوفّی (1000).

له کتاب الأربعین فی مناقب أمیر المؤمنین ، وروضة الأحباب فی سیرة النبیّ والآل والأصحاب(5) ، ذکر تفصیل فصوله الکاتب الچلبی فی کشف الظنون(6) (1 / 582).

مرّ الحدیث عنه (ص 52) ، ورواه فی أربعینه(7) بلفظ حذیفة بن أُسید المذکور 3.

ص: 288


1- شذرات الذهب : 10 / 601 حوادث سنة 986 ه.
2- مجمع بحار الأنوار : 1 / 380 ، 3 / 465.
3- النهایة فی غریب الحدیث والأثر : 5 / 228.
4- الجامع لأحکام القرآن : 18 / 181.
5- فارسی طبع بالهند علی الحجر مرتین :سنة 1297 وسنة 1310 ، وتوفّی مؤلّفه سنة 926. (الطباطبائی)
6- کشف الظنون : 1 / 922.
7- الأربعین فی فضائل أمیر المؤمنین : ص 41 ح 13.

(ص 25) ، ویأتی عنه نزول آیة التبلیغ فی علیٍّ علیه السلام وحدیث الرکبان ، ونصّه بتواتر الحدیث ، فی الکلمات حول سند الحدیث.

«القرن الحادی عشر»

305 - الملّا علیّ بن سلطان محمد الهرویّ ، المعروف بالقاری ، الحنفیّ ، نزیل مکّة المشرّفة : المتوفّی (1014) ، صاحب تآلیف کثیرة قیِّمة.

ترجمه المحبّی فی خلاصة الأثر (3 / 185) ، وقال : أحد صدور العلم ، فرد عصره ، الباهر السمت فی التحقیق وتنقیح العبارات ، وشهرته کافیة عن الإطراء فی وصفه ، ولد بهراة ، ورحل إلی مکّة ، وأخذ بها عن الأستاذ أبی الحسن البکری. ثمّ عدّ مشایخه ، فقال :

واشتهر ذکره ، وطار صیته ، وألّف التآلیف الکثیرة اللطیفة المحتویة علی الفوائد الجلیلة ، منها شرحه علی المشکاة فی مجلّدات أسماه المرقاة ، وهو أکبرها وأجلّها ،

وشرح الشفاء ، وشرح الشمائل ، فعدّ تآلیفه ، وأرّخ وفاته ، وقال : ولمّا بلغ خبر وفاته علماء مصر صلّوا علیه بجامع الأزهر صلاة الغیبة فی مجمع حافل یجمع أربعة آلاف نسمة فأکثر.

وترجمه الزرکلی فی أعلامه(1) (2 / 697) ، وعدّ تآلیفه ، وذُکِر فی معجم المطبوعات (2 / 1792) عشرون من تآلیفه المطبوعة.

قال فی المرقاة شرح المشکاة(2) - فی شرح قول المصنّف : رواه أحمد والترمذی - :

وفی الجامع : رواه أحمد وابن ماجة عن البراء ، وأحمد عن بریدة ، والترمذی والنسائی والضیاء عن زید بن أرقم ، ففی إسناد المصنِّف الحدیث عن زید بن أرقم إلی 1.

ص: 289


1- الأعلام : 5 / 12.
2- المرقاة فی شرح المشکاة : 10 / 463 ح 6091.

أحمد والترمذی مسامحة لا تخفی ، وفی روایة لأحمد والنسائی والحاکم عن بریدة بلفظ : «من کنتُ ولیَّه فعلیٌّ ولیّه» ، وروی المحاملی فی أمالیه عن ابن عبّاس ، ولفظه : «علیّ

ابن أبی طالب مولی من کنتُ مولاه».

ویأتی عنه فی الکلمات حول سند الحدیث.

306 - أبو العبّاس أحمد چلبی بن یوسف بن أحمد ، الشهیر بابن سنان القرمانیّ ، الدمشقیّ : المتوفّی (1019) ، مؤلِّف التاریخ المشهور أخبار الدول وآثار الأُول ، المطبوع غیر مرّة.

ترجمه المحبّی فی خلاصته (1 / 209).

مرّ الإیعاز إلی حدیثه (ص 27).

307 - زین الدین عبدالرؤوف بن تاج العارفین بن علیّ الحدّادیّ ، المناویّ ، القاهریّ ، الشافعیّ : المتوفّی (1031) عن (79) عاماً.

بسط القولَ فی ترجمته المحبّی فی خلاصة الأثر (2 / 412) ، وقال : الإمام الکبیر الحجّة الثبت القدوة صاحب التصانیف السائرة ، أجلُّ أهل عصره من غیر ارتیاب ، وکان إماماً فاضلاً زاهداً عابداً قانتاً لله خاشعاً له ، کثیر النفع ، وکان متقرِّباً بحسن العمل ، مثابراً علی التسبیح والأذکار ، صابراً صادقاً ، وکان یقتصر یومه ولیلته علی أکلة واحدة من الطعام ، وقد جمع من العلوم والمعارف علی اختلاف أنواعها وتباین أقسامها ما لم یجتمع فی أحد ممّن عاصره. ثمّ ذکر مشایخه فی الفقه والأصول والتفسیر

والحدیث والأدب والطریقة والخلوة ، وعدّ تآلیفه الکثیرة ، وأثنی علیها وأکثر.

روی فی کنوز الحقائق(1) (ص 147) : «من کنتُ مولاه فعلیّ مولاه» و «من کنت ولیّه فعلیٌّ ولیُّه» و «علیٌّ مولی من کنتُ مولاه». 6.

ص: 290


1- کنوز الحقائق : 2 / 118 ، 119 ، 16.

ویأتی عن کتابه فیض القدیر فی شرح الجامع الصغیر حدیث نزول آیة (سَأَلَ

سَائِلٌ) فی واقعة الغدیر ، کما یأتی ما أفاده فی صحّة الحدیث فی الکلمات حول سنده.

308 - الفقیه شیخ بن عبدالله بن شیخ بن عبدالله بن شیخ بن عبدالله العیدروس ، الحسینیّ ، الیمنیّ : المولود (933) والمتوفّی (1041).

ترجمه المحبّی فی الخلاصة (2 / 235) ، وأثنی علیه : بالأستاذ الکبیر المحدّث الصوفی الفقیه ، وعدّ مشایخه فی القراءة بالیمن والحرمین والهند ، وذکر له کرامة بُرءِ جُرحِ السلطان إبراهیم المقعد له بأمر منه ، واعتناق السلطان مذهب أهل السنّة والجماعة بیده بعد ما کان رافضیّاً.

وأثنی علیه السیّد محمود القادریّ المدنیّ فی کتابه الصراط السویِّ عند النقل عن تألیف المترجم العقد النبویّ والسرّ المصطفویّ بقوله : الشیخ الإمام والغوث الهمام بحر الحقائق والمعارف ، السیّد السند ، والفرد الأمجد.

یأتی عن تألیفه المذکور - العقد النبویّ - نزولُ آیة (سَأَلَ سَائِلٌ) حول واقعة الغدیر.

309 - محمود بن محمد بن علیّ الشیخانیّ ، القادریّ ، المدنیّ : مؤلّف الصراط السویِّ فی مناقب آل النبیّ ، وکتاب حیاة الذاکرین.

یأتی عنه نزول آیة (سَأَلَ سَائِلٌ) حول قضیّة الغدیر.ع(1) (1 / 214).

310 - نور الدین علیُّ بن إبراهیم بن أحمد الحلبیّ ، القاهریّ ، الشافعیّ : المتوفّی (1044) ، صاحب السیرة النبویّة الشهیرة.

ترجمه المحبّی فی الخلاصة (3 / 122) ، وقال : الإمام الکبیر أجلّ أعلام المشایخ وعلّامة الزمان ، کان جبلاً من جبال العلم ، وبحراً لا ساحلَ له ، واسع الحلم ، علّامةً 1.

ص: 291


1- عبقات الأنوار : 10 / 21 ، وفی نفحات الأزهار : 8 / 350 رقم 11.

جلیل المقدار ، جامعاً لأشتات العلی ، صارفاً نقد عمره فی بثِّ العلم النافع ونشره ، وحَظِیَ فیه حُظوة لم یحظَ بها أحد مثله ، فکان درسه مجمع الفضلاء ، ومحطّ رحال النبلاء ، وکان غایةً فی التحقیق ، حادَّ الفهم ، قویَّ الفکرة ، متحرِّیاً فی الفتاوی ، جامعاً بین العلم والعمل ، صاحب جدٍّ واجتهاد ، عمَّ نفعه الناس ، فکانوا یأتونه لأخذ العلم عنه من البلاد. ثمّ أطنب فی الثناء علیه ، وذکر مشایخه وتآلیفه ، وأثنی علیها ، وهی

کثیرة.

مرّ الحدیث عنه (ص 27) ، ویأتی عنه حدیث نزول آیة (سَأَلَ سَائِلٌ) حول واقعة الغدیر ، کما تأتی کلمته فی الکلمات حول سند الحدیث.

311 - الشیخ أحمد بن الفضل بن محمد باکثیر المکیّ ، الشافعیّ : المتوفّی (1047).

ذکره المحبّی فی الخلاصة (1 / 271) ، وقال :

من أدباء الحجاز وفضلائها المتمکِّنین ، کان فاضلاً أدیباً ، له مقدارٌ علیّ ، وفضلٌ جلیّ ، وکان له فی العلوم الفلکیّة وعلم الآفاق والزایرجات ید عالیة ، وکان له عند

أشراف مکّة منزلة وشهرة ... إلی أن قال :

ومن مؤلَّفاته حسن المآل فی مناقب الآل ، جعله باسم الشریف إدریس أمیر مکّة. ثمّ ذکر له قصیدة یمدح بها الشریف الحسنیَّ علیّ بن برکات.

یأتی عنه نزول آیة (سَأَلَ سَائِلٌ) حول واقعة الغدیر ، ومرّ عنه (ص 18 ، 47 ، 54) ، وله کلام حول صحّة الحدیث یأتی فی الکلمات ، کما یأتی کلامه فی مفاده فی الکلمات حول المفاد.

312 - الحسین ابن الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد بن علیّ الیمنیّ : المتوفّی (1050) ، صاحب التألیف القیّم المطبوع فی مجلّدین ضخمین فی الهند ، أسماه

غایة السؤول فی علم الأصول ، وشرحه هدایة العقول ، فرغ منه سنة (1049).

ص: 292

ترجمه المحبّی فی الخلاصة (2 / 104) ، وقال : قال القاضی الحسین المُهَلّا فی حقِّه : إمام علوم محمد الذی اعترف أولو التحقیق بتحقیقه ، وأذعن أرباب التدقیق لتدقیقه ، واشتهر فی جمیع الأقطار الیمنیّة بالعلوم السنیّة ، أخذ عن والده الإمام المنصور. وذکر بقیّة مشایخه ، وعدّ من تصانیفه الغایة المذکورة وشرحها ، وکتاباً فی آداب العلماء

والمتعلّمین ، ثمّ قال : اختصره من کتاب جواهر العقدین للسیّد السمهودی. ثمّ ذکر قطعةً من نماذج شعره.

ذکر فی کتابه المذکور هدایة العقول - الموجود عندنا - حدیث الغدیر بطرق کثیرة لو أُفردت تأتی رسالة ، وتأتی له کلمة فی الکلمات حول سند الحدیث.

313 - الشیخ أحمد بن محمد بن عمر قاضی القضاة ، الملقَّب بشهاب الدین الخفاجیّ ، المصریّ ، الحنفی : المتوفّی (1069) ، وقد أناف علی التسعین.

بسط القول فی ترجمته المولی المحبّی فی خلاصة الأثر (1 / 331 - 343) بالثناء علیه ، وذکر مشایخه ، وعدّ تآلیفه وتولّیه القضاء ونزوله بدمشق ونماذج من شعره ، قال :

صاحب التصانیف السائرة ، وأحد أفراد الدنیا ، المجمع علی تفوّقه وبراعته ، وکان فی عصره بدر سماء العلم ، ونیّر أُفق النثر والنظم ، رأس المؤلّفین ، ورئیس المصنّفین ، سار ذکره سیر المَثَل ، وطلعت أخباره طلوع الشُّهُب فی الفلک ، وکلُّ من رأیناه وسمعنا به ممّن أدرک وقته معترفون له بالتفرّد فی التقریر والتحریر وحسن الإنشاء ، ولیس فیهم من یلحق شأوه ، وتآلیفه کثیرة ممتعة مقبولة ، وانتشرت فی البلاد ، ورُزِق فیها سعادة عظیمة ...

ذکر الحدیث فی کتابه شرح الشفاء للقاضی عیاض ، الموسوم بنسیم الریاض(1) ، المطبوع فی أربع مجلّدات فی (3 / 456) قال - عند قول المصنّف : قال 2.

ص: 293


1- نسیم الریاض : 3 / 412.

رسول الله صلی الله علیه وسلم فی علیّ : «من کنتُ مولاه فعلیّ مولاه ، أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه» - : وهو عند غدیر خُمّ ، وقد خطب الناس.

314 - عبدالحقِّ بن سیف الدین الدهلویّ ، البخاریّ : المتوفّی (1052) ، صاحب التآلیف القیِّمة ، منها : اللمعات فی شرح المشکاة ، رجال المشکاة ، ترجمة فصل الخطاب ، جذْبُ القلوب ، أخبار الأخیار ، مدارج النبوّة.

یأتی لفظه فی الکلمات حول سند الحدیث.

315 - محمد بن محمد المصریّ ، مؤلّف الدرر العوال بحلِّ ألفاظ بدء المآل.

قال فی کتابه المذکور عند ذکر أمیر المؤمنین علیه السلام : ورد فی فضله أحادیث کثیرة ، منها قوله صلی الله علیه وسلم : «من کنتُ مولاه فعلیّ مولاه ، أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه» ع(1) (1 / 222).

316 - محمد محبوب العالم ابن صفیّ الدین جعفر بدر العالم : مؤلّف التفسیر الشهیر بتفسیر شاهی.

یأتی عن تفسیره المذکور نزول آیة التبلیغ فی علیّ علیه السلام ونزول آیة (سَأَلَ سَائِلٌ)

حول قضیّة الغدیر.

«القرن الثانی عشر»

317 - السیّد محمد بن عبدالرسول بن عبدالسیّد بن عبدالرسول الحسینیّ ، الشافعیّ ، البرزنجیّ : المولود (1040) والمتوفّی (1103).

ترجمه المرادیّ فی سلک الدرر (4 / 65) ، وذکر مشایخه فی القراءة ، وقد دخل همدان وبغداد ودمشق وقسطنطینیّة ومصر ، وأخذ عن علمائها ، وقطن بالمدینة المنوّرة ، 6.

ص: 294


1- عبقات الأنوار : 7 / 248 ، وفی نفحات الأزهار : 7 / 210 رقم 146.

وکان من رؤسائها ، وعدَّ له تآلیف ، منها : النواقض للروافض. ومن تآلیفه التی لم یذکرها المرادیّ کتاب فی نجاة أَبَوَی النبیّ وعمّه أبی طالب ، لخَّص منه ما فی نجاة أبی طالب العلّامةُ زینی دحلان وأسماه : أسنی المطالب فی نجاة أبی طالب(1). وقال فی أوّله :

وقد وقفت علی تألیفٍ جلیلٍ للعلّامة النبیل مولانا السیّد محمد بن رسول البرزنجیّ - المتوفّی سنة ألف ومائة - فی نجاة أَبَوَی النبیّ صلی الله علیه وسلم ، وذیّله فی آخره بخاتمة فی نجاة أبی طالب عمِّ النبیّ صلی الله علیه وسلم ، وأثْبتَ نجاته وأقام أدلّةً علی ذلک وبراهین من الکتاب والسنّة وأقوال العلماء ، یحصل لمن تأمّلها أنَّه ناجٍ بیقین ، مع بیان معانٍ صحیحة للنصوص التی تقتضی خلاف ذلک ، حتی صارت جمیع النصوص صریحةً فی نجاته ، وسلک فی ذلک مسلکاً ما سبقه إلیه أحد ؛ بحیث ینقاد لأدلّته کلُّ من أنکر نجاته وجحد ، وکلُّ دلیل استدلَّ به القائلون بعدم نجاته قلبه علیهم ، وجعله دلیلاً لنجاته ، وتتبّع کلَّ شبهة تمسّک بها القائلون بعدم النجاة ، وأزال ما أشتبه علیهم بسببها ، وأقام دلیلاً علی دعواه ، وکان فی بعض تلک المباحث مواضع دقیقة لا یفهمها إلّا الفحول من العلماء ، ویعسر فهمها علی القاصرین من طلبة العلم ، وبعض تلک المباحث زائدة عن إثبات المطلوب ، ذکرها تقویةً لما أثبته ، وکشفاً لحجاب کلّ محجوب ، فأردت أن ألخِّص .. إلخ.

یأتی لفظه فی الکلمات حول سند الحدیث.

318 - برهان الدین إبراهیم بن مرعی بن عطیّة الشبرخیتیّ ، المصریّ ، المالکیّ : المتوفّی (1106).

من أعلام مصر وأفاضلها ، تفقّه علی الشیخ الأجهوری والشیخ یوسف الفیشی ، وألّف فی الحدیث والنحو وغیرهما ، له الفتوحات الوهبیّة بشرح الأربعین حدیثاً للنووی - طبع بمصر - تُوفّی غریقاً فی النیل ، وهو متوجِّه إلی رشید. 3.

ص: 295


1- أسنی المطالب فی نجاة أبی طالب : ص 3.

ذکر فی الفتوحات الوهبیّة(1) المذکورة فی الحدیث الحادی عشر اسم أمیر المؤمنین علیه السلام وقال : القائل فیه المصطفی صلی الله علیه وسلم : «من کنتُ مولاه فعلیّ مولاه ، أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه».

319 - ضیاء الدین صالح بن مهدی بن علیِّ بن عبدالله المقبلیّ(2) ، ثمّ الصنعانیّ ثمّ المکّیّ : المولود (1047) والمتوفّی بمکّة (1108).

ترجمه الشوکانی فی البدر الطالع (1 / 288 - 292) ، قال : هو ممّن برع فی جمیع علوم الکتاب والسنّة ، وحقّق الأصولین والعربیّة والمعانی والبیان والحدیث والتفسیر ، وفاق فی جمیع ذلک ، وله مؤلّفات مقبولةٌ کلّها عند العلماء ، محبوبةٌ إلیهم ، یتنافسون

فیها ، ویحتجّون بترجیحاته ، وهو حقیقٌ بذلک.

ثمّ ذکر مؤلّفاته ، وعدّ منها : الأبحاث المسدّدة فی الفنون المتعدِّدة.

یأتی لفظه فی الکلمات حول سند الحدیث ونصّه علی تواتره.

320 - إبراهیم بن محمد بن محمد کمال الدین الحنفیّ ، المعروف بابن حمزة الحرّانیّ الدمشقیّ : المتوفّی (1120).

ترجمه المرادیّ فی سلک الدرر (1 / 22 - 24) وقال : العالم الإمام المشهور المحدِّث النحویّ العلّامة ، کان وافر الحرمة ، مشهوراً بالفضل الوافر ، أحد الأعلام المحدِّثین والعلماء الجهابذة ، السیّد الشریف الحسیب النسیب ، ولد فی دمشق ، وبها

نشأ.

ثمّ ذکر مشایخ أخذه وروایته ، وقال :

رأیت بخطّه فی إجازته : أنَّ مشایخه یبلغون ثمانین شیخاً. ثمّ ذکر تآلیفه ووفاته. ف)

ص: 296


1- الفتوحات الوهبیّة : ص 140.
2- المقبل : قریة من أعمال بلاد کوکبان بالیمن. (المؤلف)

ذکر الحدیث فی تألیفه البیان والتعریف(1) ، مرّ الإیعاز إلی حدیثه (ص 35 ، 48).

321 - أبو عبدالله محمد بن عبدالباقیّ بن یوسف الزرقانیّ ، المصریّ ، المالکیّ : المولود بمصر (1055) والمتوفّی (1122).

خاتمة المحدِّثین بالدیار المصریّة ، مشارکٌ فی العلوم ، ترجمه المرادیّ فی سلک الدرر (4 / 32) ، وذکر مشایخه وتآلیفه القیِّمة کشرح المواهب اللدنیّة - طبعة بولاق بثمانیة أجزاء - وشرح الموطَّأ - طبع بمصر بأربعة أجزاء - ویثنی علیه الچلبی فی کشف الظنون(2) : بالمولی العلّامة خاتمة المحدِّثین.

مرّ حدیثه (ص 34) ، ویأتی عنه حدیث التهنئة بلفظ سعد ، وله کلمة فی صحّة الحدیث وتواتره ، تأتی فی الکلمات حول سند الحدیث.

322 - حسام الدین بن محمد بایزید ، السهارنپوریّ : صاحب مرافض الروافض.

قال فی تألیفه المذکور : عن البراء بن عازب وزید بن أرقم : إنَّ رسول الله صلی الله علیه وسلم لمّا نزل بغدیر خُمّ أخذ بید علیّ ، فقال : «ألستم تعلمون أنّی أولی بالمؤمنین من أنفسهم ؟ قالوا : بلی. قال : ألستم تعلمون أنّی أولی بکلِّ مؤمن من نفسه ؟ قالوا : بلی.

فقال : أللّهمّ من کنتُ مولاه فعلیّ مولاه ، أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه».

فلقیه عمر بعد ذلک ، فقال له : هنیئاً یا ابن أبی طالب ، أصبحتَ وأمسیتَ مولی کلِّ مؤمن ومؤمنة رواه أحمد. ع(3) (1 / 225).

323 - میرزا محمد بن معتمد خان البَدَخشیّ : مؤلِّف مفتاح النجا فی مناقب 0.

ص: 297


1- البیان والتعریف : 3 / 74 ح 1290.
2- کشف الظنون : 2 / 1908.
3- عبقات الأنوار : 7 / 261 ، وفی نفحات الأزهار : 7 / 212 رقم 150.

آل العبا ، ونُزُل الأبرار بما صحَّ من مناقب أهل البیت الأطهار - طبعة بمبی - والکتابان ینمّان عن طول باع مؤلّفهما فی علم الحدیث وفنونه والتضلّع فی مسانیده(1).

روی الحدیث فی کتابیه المذکورین بطرق کثیرة ، مرّ نقلاً عنهما (ص 15 ، 18 ، 20 ، 21 ، 23 ، 25 ، 27 ، 29 ، 37 ، 44 ، 52 ، 53 ، 55 ، 58) ، ویأتی عنه حدیث المناشدة فی الرحبة ، له کلمة حول صحّة الحدیث تأتی فی الکلمات حول سنده.

324 - محمد صدر العالم : مؤلِّف معارج العلی فی مناقب المرتضی.

ذکر الحدیث بعدّة طرقه فی کتابه المعارج ، مرّ بعض منها (ص 24 ، 58 ، 59) ، ویأتی عنه حدیث نزول آیة (سَأَلَ سَائِلٌ) حول قضیّة الغدیر وحدیث التهنئة ، وله کلمة فی تواتره وصحّته تأتی فی الکلمات حول سند الحدیث.ع(2) (1 / 229 - 232).

325 - حامد بن علیّ بن إبراهیم بن عبد الرحیم الحنفیّ ، الدمشقیّ ، المعروف بالعمادی : المولود بدمشق (1103) والمتوفّی (1171).

ترجمه المرادیّ فی سلک الدرر (2 / 11 - 19) وقال :

مفتی الحنفیّة بدمشق وابن مفتیها ، وصدرها وابن صدرها ، الصدر المُهاب المحتشم الأجلّ المبجّل العالم الفقیه الفاضل الفرضیّ ، کان عالماً محقِّقاً أدیباً عارفاً نبیهاً کاملاً مهذَّباً. ثمّ عدَّ مشایخه وتآلیفه الکثیرة القیِّمة ، منها : الصِّلات الفاخرة بالأحادیث المتواترة - طبعة مصر - وذکر نماذج من نظمه ونثره المُعرِبینِ عن تضلّعه

فی الأدب.

رواه من طرق کثیرة ، وعدّه من الأحادیث المتواترة فی تألیفه : الصلات 2.

ص: 298


1- ترجم له عبد الحیّ فی نزهة الخواطر : 6 / 259 رقم 486 وقال : أحد الرجال المشهورین فی الحدیث والرجال ... وصنّف ردّ البدعة ... ومنها مفتاح النجا فی مناقب آل العبا صنّفه سنة 1124 ... ومنها نُزُل الأبرار بما صحّ من مناقب أهل البیت الأطهار ... (الطباطبائی)
2- عبقات الأنوار : 7 / 280 - 295 ، وفی نفحات الأزهار : 7 / 215 رقم 152.

الفاخرة. یأتی لفظه فی الکلمات حول سند الحدیث.

326 - عبدالعزیز أبو ولیّ الله أحمد بن عبدالرحیم العمریّ ، الدهلویّ : المتوفّی (1176)(1).

أحد المؤلِّفین المکثرین ، طبع من تآلیفه الممتعة : أجوبة المسائل الثلاث ، الإنصاف فی بیان سبب الاختلاف ، تنویر العینین ، رسائل الدهلوی ، حجّة الله البالغة فی أسرار الأحادیث ، وعلل الأحکام ، شرح تراجم أبواب صحیح البخاری ، عقد الجید فی الاجتهاد والتقلید ، فتح الخبیر بما لا بدّ من حفظه فی علم التفسیر ، الفوز

الکبیر مع فتح الخبیر فی أصول التفسیر ، القول الجمیل فی التصوّف ، وله قرّة العینین ، وإزالة الخفاء.

قال فی قرّة العینین(2) : عن البراء بن عازب وزید بن أرقم : إنَّ رسول الله صلی الله علیه وسلم لمّا نزل بغدیر خُمّ أخذ بید علیّ ، فقال : «ألستم تعلمون أنّی أولی بکلِّ مؤمن من نفسه ؟ قالوا : بلی.

فقال : أللّهمّ من کنتُ مولاه فعلیٌّ مولاه ، أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه».

فلقیه عمر بعد ذلک ، فقال له : هنیئاً یا ابن أبی طالب أصبحتَ وأمسیتَ مولی کلِّ مؤمن ومؤمنة أخرجه أحمد.

وروی فی إزالة الخفاء(3) ما أخرجه الحاکم عن زید بن أرقم من حدیث الغدیر بلفظیه وطریقیه اللذین مرّا فی (ص 31). 9.

ص: 299


1- ترجم له عبد الحیّ اللکهنوی ترجمة مطوّلة فی نزهة الخواطر : 7 / 275 - 283 وبالغ فی إطرائه ، وأرّخ ولادته سنة 1159 ، ووفاته سنة 1239 ، وترجم لأبیه وأرّخ وفاته سنة 1176.(الطباطبائی)
2- قرّة العینین : ص 168.
3- إزالة الخفاء عن خلافة الخلفاء : 2 / 259.

327 - محمد بن سالم بن أحمد المصریّ ، الحفنیّ(1) ، شمس الدین الشافعیّ : المولود (1101) والمتوفّی (1181).

أحد الفقهاء ، مشارِک فی العلوم ، من أساتذة القاهرة الفنّیّین ، توجد ترجمته فی سلک الدرر (4 / 49) ، والخطط الجدیدة (10 / 74) ، له تآلیف قیّمة ، منها : أنفس نفائس الدرر ، طبع بهامش المنح المکیّة ، وحاشیته علی شرح العزیزی علی الجامع الصغیر ، والثمرة البهیّة فی أسماء الصحابة البدریّة.

ذکر الحدیث فی حاشیة الجامع الصغیر(2) المطبوع.

328 - السیّد محمد بن إسماعیل بن صلاح الأمیر الیمانیّ ، الصنعانیّ ، الحسینیّ : المولود (1059) ، المتوفّی (1182).

أحد شعراء الغدیر ، یأتی شعره وترجمته فی شعراء القرن الثانی عشر.

مرّ عنه الحدیث (ص 36) ، ویأتی عنه حدیث التهنئة ، وله کلمة تأتی فی الکلمات حول سند الحدیث.

329 - شهاب الدین أحمد بن عبدالقادر الحفظیّ ، الشافعیّ :

أحد شعراء الغدیر. یأتی شعره وترجمته فی شعراء القرن الثانی عشر.

یأتی لفظه فی الکلمات حول سند الحدیث وفی ترجمته.

«القرن الثالث عشر»

330 - أبو الفیض محمد بن محمد المرتضی الحسینیّ ، الزَّبِیدیّ ، الحنفیّ : المولود (1145) والمتوفّی (1205). 7.

ص: 300


1- نسبة إلی حفنة من أعمال بلبیس بمصر [معجم البلدان : 2 / 276]. (المؤلف)
2- حاشیة السراج المنیر فی شرح الجامع الصغیر : 2 / 459 و 3 / 387.

مؤلِّف تاج العروس فی شرح القاموس المرجع الوحید فی اللغة ، مَحتِدُه واسط العراق ، ولد فی الهند ، ونشأ فی زبید - بالیمن - ورحل إلی الحجاز ، وأقام بمصر ، وشارک فی العلوم ، وتضلّع فیها ، وطار صیته ، واشتهر فضله وألّف الکتب القیِّمة النفیسة جدّاً منها : إتحاف السادة المتّقین فی شرح إحیاء العلوم للغزالی - مطبوع بعشرة أجزاء - وأسانید الصحاح الستّ ، وطبعت جملةٌ من تآلیفه. قال فی تاج العروس (10 / 399) فی عدّ معانی المولی :

وأیضاً الولیّ : الذی یلی علیک أمرک ، وهما بمعنیً واحد ، ومنه الحدیث : وأیّما امرأةٍ نکحت بغیر إذن مولاها ... ، ورواه بعضهم : بغیر إذن ولیّها ، وروی ابن سلام

عن یونس : أنَّ المولی فی الدین هو الولیّ ، وذلک قوله تعالی : (ذَلِکَ بِأَنَّ اللَّ-هَ مَوْلَی الَّذِینَ آمَنُوا وَأَنَّ الْکَافِرِینَ لَا مَوْلَی لَهُمْ)(1) ؛ أی لا ولیّ لهم ، ومنه الحدیث : «من کنتُ مولاه» ؛ أی من کنت ولیَّه ، وقال الشافعیُّ : یُحمل علی ولاء الإسلام ، وأیضاً الناصر ، نقله الجوهری ، وبه فسّر - أیضاً - من کنت مولاه(2).

331 - أبو العرفان الشیخ محمد بن علیّ الصبّان الشافعیّ : المتوفّی (1206).

ولد بمصر ، ونشأ بها ، وتخرّج علی علمائها ، حتی برع فی العلوم العقلیّة والنقلیّة ، واشتهر بالتحقیق والتدقیق ، وشاع ذکره فی مصر والشام ، وألّف تآلیف کثیرة ممتعة ، طبع منها ما یربو علی عشرة ، منها : إسعاف الراغبین فی سیرة المصطفی وفضائل أهل بیته الطاهرین المؤلَّف (1185).

قال فی الإسعاف المذکور - طبع فی هامش نور الأبصار - (ص 152) :

قال صلی الله علیه وسلم یوم غدیر خُمّ : «من کنتُ مولاه فعلیّ مولاه ، أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه ، وأحِبَّ من أحبّه ، وأبغض من أبغضه ، وانصر من نصره ، واخذل من ف)

ص: 301


1- محمد : 11.
2- العبرة بروایته للحدیث ، لا ما سرده حول مفاده. (المؤلف)

خذله ، وأدرِ الحقّ معه حیث دار» ، رواه عن النبیّ صلی الله علیه وسلم ثلاثون صحابیّاً ، وکثیرٌ من طرقه صحیحٌ أو حسنٌ.

332 - رشید الدین خان الدهلویّ : قال فی رسالته الفتح المبین فی فضائل أهل بیت سیّد المرسلین : أخرج الطبرانی عن ابن عمر وغیره : أنَّ رسول الله صلی الله علیه وسلم قال بغدیر خُمّ : «من کنتُ مولاه فعلیّ مولاه ، أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه».ع(1) (1 / 238).

333 - المولوی محمد مبین اللکهنویّ(2) : ذکر الحدیث فی وسیلة النجاة(3) من طریق الحاکم(4) بلفظ زید بن أرقم وابن عبّاس ، ومن طریق الطبرانی(5) بسند صحیح عن أبی الطفیل ، عن حذیفة بن أُسید ، ومن طریق أحمد(6) عن البراء بن عازب وزید ابن أرقم ، ومن طریق ابن حبّان والحاکم عن ابن عبّاس ، وبطریق أحمد(7) والطبرانی(8) عن أبی أیّوب وجمع من الصحابة عن علیٍّ وزید بن أرقم وثلاثین رجلاً من الصحابة ، وعن مسند الطبرانی(9) عن أبی الطفیل عن زید بن أرقم ، وعن المشکاة(10) عن البراء ابن عازب وزید من طریق أحمد والترمذی ، وعن الصواعق(11) لابن حجر 4.

ص: 302


1- عبقات الأنوار : 7 / 321 ، وفی نفحات الأزهار : 7 / 219 رقم 158.
2- هو ملّا مبین بن محبّ أحمد الأنصاری الحنفی المتوفّی سنة 1225 ، له ترجمة فی الأغصان الأربعة ، وعنها فی نزهة الخواطر 7 / 413 رقم 741 ، وعدّ مؤلفاته وذکر له رسالة فی فضائل أهل البیت علیهم السلام. (الطباطبائی)
3- وسیلة النجاة : ص 101 - 103.
4- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 118 ح 4576 ، 143 ح 4652.
5- المعجم الکبیر : 3 / 180 ح 3052.
6- مسند أحمد : 5 / 355 ح 18011 ، 501 ح 18838.
7- المصدر السابق : 6 / 583 ح 23051.
8- المعجم الکبیر : 4 / 173 ح 4053.
9- المصدر السابق : 5 / 165 - 166 ح 4968 - 4971.
10- مشکاة المصابیح : 3 / 356 ح 6091 و 360 ح 6103 ، سنن الترمذی : 5 / 591 ح 3713.
11- الصواعق المحرقة : ص 122 باب 9 ح 4.

مرسلاً.ع(1) (1 / 239).

334 - المولوی محمد سالم البخاری ، الدهلویّ(2) : ذکر فی رسالته أصول الإیمان ما رواه أحمد عن البراء بن عازب وزید بن أرقم.ع(3) (1 / 240).

مرّ عنه (ص 57).

335 - المولوی ولیُّ الله اللکهنوی(4) : ذکر فی مرآة المؤمنین فی مناقب أهل بیت سیّد المرسلین ما ذکره ابن حجر فی الصواعق عن الطبرانی ، وما مرّ عن عامر بن سعد وعائشة بنت سعد عن سعد ، وما یأتی عن الخصائص للنسائی من حدیث المناشدة بالرحبة بلفظ زید بن یُثیع وأبی الطفیل عامر ، ثمّ أورد کلام ابن حجر فی صحّة الحدیث ، وأنَّه لا التفات لمن قدح فی صحّته.ع(5) (1 / 240 - 244).

336 - المولوی حیدر علیّ الفیض آبادی(6) : ذکر الحدیث فی منتهی الکلام(7) نقلاً عن أحمد بن حنبل وابن ماجة(8)(9) (1 / 244). 1.

ص: 303


1- عبقات الأنوار : 7 / 322 ، وفی نفحات الأزهار : 7 / 219 رقم 159.
2- هو محمد سالم بن سلام الله الحنفی البخاری الدهلوی ، ترجم له عبد الحیّ فی نزهة الخواطر : 7 / 451 وقال : له مصنّفات عدیدة أشهرها أصول الإیمان فی حبّ النبی وآله من أهل السعادة والإیقان ... طبع بدهلی سنة 1259 فی حیاة المصنّف .... (الطباطبائی)
3- عبقات الأنوار : 7 / 329 ، وفی نفحات الأزهار : 7 / 220 رقم 160.
4- هو ولیّ الله بن حبیب الله الأنصاری المتوفّی سنة 1270 عن 88 سنة ، ترجم له عبد الحیّ فی نزهة الخواطر : 7 / 542 ، وعدّ مؤلّفاته ، ومنها مرآة المؤمنین وتنبیه الغافلین فی مناقب آل سیّد المرسلین صلوات الله علیه وعلیهم أجمعین. (الطباطبائی)
5- عبقات الأنوار : 7 / 332 - 346 ، وفی نفحات الأزهار : 7 / 220 رقم 161.
6- هو حیدر علی بن محمد حسن الهندی الفیض آبادی المتوفّی سنة 1299 ، ترجم له عبدالحیّ فی نزهة الخواطر : 7 / 156 ، ووصفه بالعالم الکبیر ، وعدّد مؤلفاته ومنها منتهی الکلام. (الطباطبائی)
7- منتهی الکلام : ص 72.
8- سنن ابن ماجة : 1 / 43 ح 116.
9- عبقات الأنوار : 7 / 346 ، وفی نفحات الأزهار 7 / 220 رقم 161.

337 - القاضی محمد بن علیّ بن محمد الشوکانیّ ، الصنعانیّ : المولود (1173)(1) والمتوفّی (1250).

فقیه متضلّع ، مشارک فی العلوم ، بارع فی الفضائل ، ألّف وأکثر ، وأحسن فی تألیفه وأجاد ، توجد له ترجمة ضافیة بقلمه فی کتابه البدر الطالع (2 / 214 - 225) ، ذکر مشایخه فی الحکمة والکلام والفقه وأصوله والحدیث وفنونه والمعانی والبیان والعلوم العربیّة ، وعدّ من رسالاته وکتاباته ما یبلغ المائة ، وهناک تآلیف أخری لم یذکرها فی عدِّ کتبه ، استدرکها من علّق علی کتابه البدر الطالع فی هامشه ، وقد طُبع کثیر من تآلیفه ، وهی تعرب عن تضلّعه فی الفنون ، وطول باعه فی العلوم الشرعیّة کتاباً وسنّة وما یتعلق بهما من معرفة المشیخة والمسانید. وله ترجمة فی مقدِّمة کتابه نیل الأوطار(2) - طبع ببولاق بثمانیة أجزاء - بقلم حسین بن محسن السبعی.

یأتی عن تفسیره فتح القدیر نزول آیة التبلیغ فی أمیر المؤمنین علیه السلام حول قضیّة الغدیر.

338 - السیّد محمود بن عبدالله الحسینیّ ، الآلوسیّ ، شهاب الدین أبو الثناء البغدادیّ ، الشافعیّ : المولود بالکرخ (1217) والمتوفّی (1270).

أحد نوابغ العراق وأعلامها ، الطائر الصیت فی الآفاق ، المتضلّع فی الفنون المشارک فی العلوم ، من أسرة عراقیّة شهیرة عریقة فی العلم والأدب ، له تآلیف قیِّمة کثیرة لا یُستهان بعدّتها(3).

مرّ الإیعاز إلی حدیثه (ص 20 ، 37 ، 44 ، 52 ، 53) ، ویأتی عنه نزول آیة ف)

ص: 304


1- کذا أرّخ ولادته هو نفسه فی البدر الطالع ، نقلاً عن والده ، وأرّخها غیره (1172). (المؤلف)
2- نیل الأوطار : 1 / 3.
3- توجد ترجمته فی أعلام العراق : ص 21 ، ومشاهیر العراق : 2 / 198 ، وجلاء العینین : ص 27 و 28 وغیرها. (المؤلف)

التبلیغ فی أمیر المؤمنین ، وله کلمة حول صحّة الحدیث تأتی فی الکلمات حول سنده.

339 - الشیخ محمد بن درویش الحوت ، البیروتیّ ، الشافعیّ : المتوفّی (1276).

قال فی أسنی المطالب فی أحادیث مختلفة المراتب(1) - طبعة بیروت - :

حدیثُ : «من کنتُ مولاه فعلیّ مولاه» رواه أصحاب السنن غیر أبی داود ، ورواه أحمد وصحّحوه ، ورُوی بلفظ : «من کنتُ ولیَّه فعلیٌّ ولیّه» ، رواه أحمد والنسائی والحاکم وصحّحه.

340 - الشیخ سلیمان ابن الشیخ إبراهیم ، المعروف بخواجه کلان ابن الشیخ محمد المعروف ببابا خواجه الحسینیّ ، البلخیّ ، القندوزیّ ، الحنفیّ : من أهل بلخ ، تُوفِّی فی القسطنطینیة (1293)(2).

کان من الأعلام الأفذاذ ، من نوابغ الحدیث وفنونه ، ألّف کتاب أجمع الفوائد ، ومشرق الأکوان ، وینابیع المودّة الدائر السائر المکرّر طبعه فی شتّی الأقطار.

مرّ حدیثه (ص 18 ، 22 ، 24 ، 25 ، 45 ، 48 ، 53).

341 - السیّد أحمد بن مصطفی القادین خانی : مؤلِّف هدایة المرتاب فی فضائل الأصحاب - طبعة الآستانة.

یأتی عنه شعر أمیر المؤمنین علیه السلام فی الغدیر.

«القرن الرابع عشر»

342 - السیّد أحمد بن زینی بن أحمد دحلان المکیّ ، الشافعیّ : المولود بمکّة (1232) والمتوفّی بالمدینة المنوَّرة (1304). ف)

ص: 305


1- أسنی المطالب : ص 461 ح 1481.
2- أرّخ الزرکلی وفاته فی الأعلام : 2 / 390 [3 / 125] بسنة (1270). (المؤلف)

مفتی الشافعیّة بمکّة المشرّفة وشیخ الإسلام بها ، عالم متفنِّن ، فقیه مشارک فی العلوم ، مؤرِّخ متضلّع ، له تآلیف کثیرة ، طبع منها ما یربو علی عشرین.

أفرد أبو بکر عثمان بن محمد البکری الدمیاطی فی ترجمته کتاباً أسماه نفحة الرحمن فی مناقب السیّد أحمد زینی دحلان - طبع بمصر - یأتی عنه حدیث التهنئة.

343 - الشیخ یوسف بن إسماعیل النبهانیّ ، البیروتیّ : رئیس محکمة الحقوق فی بیروت ، مؤلّف منتخب الصحیحین من کلام سیّد الکونین - طبع بمصر عام 1329.

بحّاثة کبیر ، له فی الأدب نصیبه الأوفی ، یُعبِّر عنه الحدّاد فی القول الفصل (1 / 444) : بعالم العصر الشیخ العلّامة ، ألّف فی الحدیث والأدب وأکثر ، وقد طبع فی مصر وبیروت من تآلیفه ما یناهز الخمسین. کتب ترجمته بقلمه فی کتابه الشرف المؤبَّد (ص 140 - 143).

یأتی عنه حدیث المناشدة فی الرحبة.

344 - السیّد مؤمن بن حسن مؤمن الشبلنجیّ(1) : مؤلِّف نور الأبصار فی مناقب آل بیت النبیّ المختار - المطبوع خمس مرّات أو أکثر - له فی أوّله ترجمة ذکر فیها مشایخه فی شتّی العلوم ، وعدّ بعض تآلیفه.

وُلد سنة (بضع و 1250) ، ولم أقف علی تاریخ وفاته(2).

یأتی عنه نزول آیة (سَأَلَ سَائِلٌ) حول قضیّة الغدیر.

345 - الشیخ محمد عبده بن حسن خیر الله المصریّ : المتوفّی (1323).

مفتی الدیار المصریّة وعلّامتها الکبیر ، له شهرةٌ طائلةٌ فی العلم ، وقدمٌ راسخة فی الإصلاح والسعی وراء صالح الأمّة ، سجّلها له التاریخ فی صحائف مشاهیر .

ص: 306


1- نسبة إلی شبلنجا قریة من قری مصر.(المؤلف)
2- فی معجم المؤلّفین : 13 / 53 : کان حیّا سنة 1322 ه.

الشرق(1) (1 / 300) ، وتاریخ الأدب العربی(2) (ص 434 - 439) وغیرهما.

مرّ الإیعاز إلی حدیثه (ص 19 ، 20 ، 44) ، ویأتی عنه نزول آیة التبلیغ فی أمیر المؤمنین علیه السلام حول قضیّة الغدیر.

346 - السیّد عبدالحمید ابن السیّد محمود الآلوسی ، البغدادیّ ، الشافعیّ ، الضریر(3) : المولود (1232) والمتوفّی (1324).

علاّمة عاصمة العراق بغداد وأدیبها الفذّ ، طبع له نثر اللآلی فی شرح نظم الأمالی.

عَدّ حدیث الغدیر فی کتابه المذکور (ص 166) من فضائل أمیر المؤمنین علیه السلام ، وفی (ص 170) تکلّم فی مفاده مسلِّماً صدوره عن مصدر الوحی الإلهی ، وفی (ص 172) عیَّن غدیر خُمّ ، وأشار إلی الحدیث.

347 - الشیخ محمد بن حبیب الله بن عبدالله الیوسفیّ(4) نسباً ، المدنیّ مهاجراً ، الشنقیطیّ إقلیماً : بحّاثة مصر ومحدِّثها العلّامة.

له إکمال المنّة باتّصال سند المصافحة المدخلة للجنّة ، وإیقاظ الأعلام لوجوب اتّباع رسم مصحف الإمام ، وثَبْت الشیخ الأمیر الکبیر ، والخلاصة النافعة ، ویلیها

أُرجوزة له تُسمّی بالنصائح الدینیّة ، کلّها مطبوعة فی المعاهد سنة (1345).

ذکر فی کتابه کفایة الطالب لمناقب علیّ بن أبی طالب - طبعة مصر - (ص 28 - 30) ما أخرج الترمذی(5) عن أبی سریحة أو زید ، وما أخرجه ابن 3.

ص: 307


1- مؤلّفات جرجی زیدان الکاملة - مشاهیر الشرق - : مج 16 / 21.
2- تاریخ الأدب العربی : ص 443.
3- ذهب الجُدَریّ بنور عینیه ، وکان لم یبلغ من عمره عاماً. (المؤلف)
4- تُوفِّی سنة 1363 ه. الأعلام : 6 / 97.
5- سنن الترمذی : 5 / 591 ح 3713.

السمّان عن البراء بن عازب ، وأحمد عن زید فی مسنده(1) ، وعن عمر فی مناقبه ، ومن طریق أبی حاتم حدیث المناشدة فی الرحبة ، ومن طریق أحمد(2) عن سعید بن وهب حدیث المناشدة أیضاً ، ومن طریق أحمد(3) والبغویّ حدیث الرکبان ، وما ذکره ابن عبدالبَرّ فی الاستیعاب(4) عن بریدة وأبی هریرة وجابر والبراء وزید من حدیث الغدیر.

348 - القاضی بهلول بهجت الشافعی ، قاضی زنکه زور : مؤلِّف تاریخ آل محمد باللغة الترکیّة ، ترجمه إلی الفارسیّة الأدیب میرزا مهدی التبریزی ، وإلی العربیّة الفاضل البارع الشیخ میرزا علیّ القمشهی. وکتابه هذا من حسنات العصر ، یعرب عن تضلّع مؤلّفه فی الحدیث والتاریخ ، وطول باعه فی المباحث الدینیّة ، ومن تآلیفه

مائة یوم فی واقعة صفّین روائیّ ، والإرشاد الحمزوی ، وحجر بن عدیّ نظماً ، والحقوق

الإرثیّة ، وآثار آذربیجان أدبیّ تاریخیّ جغرافیّ.

مرّ الإیعاز إلی طرق ذکرها لحدیث الغدیر (ص 16 ، 20 ، 22 ، 24 ، 27 ، 29 ، 38 ، 45 ، 49).

349 - الکاتب الشهیر عبدالمسیح الأنطاکیّ ، المصریّ : أحد شعراء الغدیر فی القرن الرابع عشر ، یأتی هناک شعره وترجمته.

350 - الدکتور أحمد فرید رفاعی : ذکر فی تعلیق معجم الأدباء (14 / 48) بیتَی أمیر المؤمنین علیه السلام فی الغدیر.

351 - الأستاذ أحمد زکی العدویّ ، المصریّ : رئیس قسم التصحیح بدار الکتب المصریّة ، له آثار قیّمة خالدة فی تعالیق الکتب. 5.

ص: 308


1- مسند أحمد : 5 / 501 ح 18838.
2- المصدر السابق : 1 / 189 ح 953.
3- المصدر السابق : 6 / 583 ح 23051.
4- الاستیعاب : القسم الثالث / 1099 رقم 1855.

ذکره فی تعلیقات الأغانی (7 / 263) من الطبعة الأخیرة(1).

352 - الأستاذ أحمد نسیم المصریّ : عضو القسم الأدبی بدار الکتب المصریّة.

ذکره فی تعلیقة دیوان مهیار (2 / 182).

353 - الأستاذ حسین علیّ الأعظمیّ ، البغدادیّ : مدیر کلّیة الحقوق بها.

أحد شعراء الغدیر ، یأتی شعره وترجمته فی شعراء القرن الرابع عشر ، وأخبرنی شفهیّاً بأنَّ له کتاباً فی الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام ذکر فیه حدیث الغدیر أیضاً.

354 - السیّد علیّ جلال الدین الحسینیّ ، المصریّ : بحّاثة متضلّع أدیب شاعر ، طبع له دیوانه الموسوم بحدیث النفس ، وکتابه الحسین علیه السلام - فی جزءین - طبع فی القاهرة.

ذکر حدیث الولایة فی تألیفه المذکور (1 / 132).

355 - الأستاذ محمد محمود الرافعیّ ، المصریّ : ینمُّ عن تضلّعه فی التاریخ والأدب شرحُه هاشمیّات الکمیت ، المطبوع بمصر غیر مرّة.

قال فی شرح قول الکمیت (ص 81) :

ویومَ الدوحِ دوحِ غدیرِ خُمٍ

أبانَ له الولایةَ لو أُطیعا

الدوح : الشجر العظیم ، الواحدة : دوحة ، وغدیر خُمّ : موضع بین مکّة والمدینة ، أبان : بیَّن.

قال رسول الله صلی الله علیه وسلم : «أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله» ، وقال : «من کنتُ مولاه فعلیٌّ مولاه» ، فقال عمر : طوبی لک یا علیُّ أصبحت مولی کلِّ مؤمن ومؤمنة. ة.

ص: 309


1- طبعة دار الکتب المصریة.

356 - الأستاذ محمد شاکر الخیّاط ، النابلسیّ ، الأزهریّ ، المصریّ : شارح الهاشمیات للکمیت المطبوع بمصر (1321) قال فی الشرح المذکور (ص 60) فی شرح قول الکمیت :

ویومَ الدوحِ دَوْحِ غدیر خُمٍّ

أبانَ له الولایةَ لو أُطیعا

غدیر خُمّ : موضع بین مکّة والمدینة بالجحفة. أبان له الولایة : روی الإمام أحمد عن أبی الطفیل قال : «جمع علیٌّ الناس سنة خمس وثلاثین فی الرحبة ، ثمّ قال لهم :

أَنشُد بالله کلَّ امریءٍ مسلم سمع رسول الله صلی الله علیه وسلم یوم غدیر خُمّ ما قال لمّا قام.

فقام إلیه ثلاثون من الناس ، فشهدوا : أنَّ رسول الله صلی الله علیه وسلم قال : من کنتُ مولاه فعلیّ مولاه ، أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه».

357 - الأستاذ عبدالفتّاح عبد المقصود المصریّ : صاحب کتاب الإمام علیّ - فی أربع مجلّدات .

أخبت إلی الحدیث فی تقریظه کتابنا هذا ، وسیأتیک لفظه فی مقدِّمة الجزء السادس.

358 - الأستاذ الشیخ محمد سعید دحدوح : أحد أئمّة الجماعة فی حلب.

أثبته فی کتاب له إلی العلّامة الحجّة الشیخ محمد حسین المظفّری ، وسیوافیک بنصّه وفصّه فی مفتتح الجزء الثامن.

359 - الأستاذ صفاء خلوصی : نزیل لندن ، وخرّیج جامعتها والمدرّس بها.

رآه من المقطوع به فی کتاب له إلینا ، سیأتی بنصِّه فی أوّل الجزء الخامس.

360 - الحافظ المجتهد ناصر السنّة شهاب الدین أبو الفیض أحمد بن محمد بن الصدِّیق : صاحب التآلیف القیِّمة.

ص: 310

ذکره فی کتابه الفخم تشنیف الآذان (ص 77) ، نقلاً عن جمع کثیر من الحفّاظ بأسانیدهم ، عن أربعة وخمسین صحابیّاً ، وهم : علیٌّ أمیر المؤمنین ، الإمام الحسن

السبط ، الإمام الحسین السبط ، عبدالله بن عبّاس ، البراء بن عازب ، زید بن أرقم ،

بریدة ، أبو أیّوب ، حذیفة بن أُسید ، سعد بن أبی وقّاص ، أنس بن مالک ، أبو سعید الخُدری ، جابر بن عبدالله ، عمرو بن ذی مرّ ، عبدالله بن عمر ، مالک بن الحویرث ،

حُبشی بن جنادة ، جریر بن عبدالله البجلیُّ ، عمارة ، عمّار بن یاسر ، ریاح بن الحارث ، عمر بن الخطاب ، نُبیط بن شُریط ، سمرة بن جندب ، أبو لیلی ، جندب الأنصاری ، حبیب بن بُدَیل ، قیس بن ثابت ، زید بن شرحبیل ، العبّاس بن عبد المطّلب ، عبدالله

ابن جعفر ، سلمة بن الأکوع ، زید بن ثابت ، أبو ذرّ الغفاری ، سلمان الفارسی ، یعلی

ابن مرّة ، خزیمة بن ثابت ، سهل بن حنیف ، أبو رافع ، زید بن حارثة ، جابر بن سمرة ، ضمرة الأسلمیّ ، عبدالله بن أبی أوفی ، عبدالله بن بسر المازنی ، عبدالرحمن بن یعمر الدئلی ، أبو الطفیل عامر ، سعد بن جنادة ، عامر بن عُمیرة ، حبّة العرنی ، أبو أُمامة ، عامر بن لیلی ، وحشیّ بن حرب ، عائشة ، أمُّ سلمة ، طلحة بن عبیدالله.(1)

وسیُوافیک لفظه فی الکَلِم عند البحث عن سند الحدیث إن شاء الله.

(إِنَّ فِی ذَلِکَ لَذِکْرَی لِمَن کَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَی السَّمْعَ وَهُوَ شَهِیدٌ)(2) 7.

ص: 311


1- وهناک حشد کبیر من التابعین وأتباعهم ورجال الإسناد والمحدّثین والعلماء والمؤلّفین ومحقّقی التراث من المعاصرین ، رووا حدیث الغدیر وأدرجوه فی کتبهم وأخبتوا إلی صحّته ، لم یسبق لهم ذکر هنا ، فجمعت منه ذلک ممّا نالته یدی وبلغه علمی ، ورتّبتهم حسب التسلسل الزمنی علی نهج شیخنا رحمه الله هنا واستدرکت بها علیه وسمّیته علی ضفاف الغدیر. وإلی الله سبحانه ابتهل أن یوفّقنی لإنجازه ونشره إنَّه سمیع مجیب. (الطباطبائی)
2- سورة ق : 37.

ص: 312

المؤلّفون فی حدیث الغدیر

بلغ اهتمام العلماء بهذا الحدیث إلی غایة غیر قریبة ، فلم یُقنعهم إخراجه بأسانید مبثوثة خلال الکتب حتی أفرده جماعة بالتألیف ، فدوّنوا ما انتهی إلیهم من أسانیده ، وضبطوا ما صحَّ لدیهم من طریقه ؛ کلُّ ذلک حرصاً علی کلاءة متنه من الدثور ، وعن تطرّق ید التحریف إلیه ، فمنهم :

1 - أبو جعفر محمد بن جریر بن یزید بن خالد الطبریّ ، الآملیّ : المولود (224) والمتوفّی (310) ، المترجم (ص 100).

له کتاب الولایة فی طرق حدیث الغدیر ، رواه فیه من نیّف وسبعین طریقاً. قال الحموی فی معجم الأدباء (18 / 80) فی ترجمة الطبری : له کتاب فضائل علیِّ بن أبی طالب رضی الله عنه تکلّم فی أوّله بصحّة الأخبار الواردة فی غدیر خُمّ ثمّ تلاه بالفضائل ولم یتمّ.

وقال فی (ص 84) : وکان إذا عَرَف من إنسان بدعة أبعده واطّرحه ، وکان قد قال بعض الشیوخ ببغداد بتکذیب غدیر خُمّ ! وقال : إنَّ علیّ بن أبی طالب کان بالیمن فی الوقت الذی کان رسول الله صلی الله علیه وسلم بغدیر خُمّ ، وقال هذا الإنسان فی قصیدة مزدوجة - یصف فیها بلداً بلداً ومنزلاً منزلاً - أبیاتاً یلوّح فیها إلی معنی حدیث غدیر خُمّ ، فقال :

ص: 313

ثمَّ مررنا بغدیرِ خُمِّ

کم قائل فیه بزورٍ جمِّ

علی علیٍّ والنبیّ الأُمّیّ

وبلغ أبا جعفر ذلک ، فابتدأ بالکلام فی فضائل علیِّ بن أبی طالب وذکر طرق حدیث خُمّ فکثر الناس لاستماع ذلک ، واجتمع قومٌ من الروافض ممّن بسط لسانه بما لا یصلح فی الصحابة رضی الله عنهم ، فابتدأ بفضائل أبی بکر وعمر رضی الله عنهما.

وقال الذهبی فی طبقاته(1) (2 / 254) : لمّا بلغ محمد بن جریر أنَّ ابن أبی داود تکلّم فی حدیث غدیر خُمّ عمل کتاب الفضائل ، وتکلّم علی تصحیح الحدیث ، ثمّ قال : قلت : رأیت مجلّداً من طرق الحدیث لابن جریر ، فاندهشت له ولکثرة تلک الطرق !!

وقال ابن کثیر فی تاریخه(2) (11 / 146) فی ترجمة الطبری : إنّی رأیت له کتاباً جمع فیه أحادیث غدیر خُمّ فی مجلّدین ضخمین ، وکتاباً جمع فیه طرق حدیث الطیر.

ونسبه إلیه ابن حجر فی تهذیب التهذیب(3) (7 / 339). وذکره له شیخ الطائفة الطوسی فی فهرسته(4) وقال : أخبرنا به أحمد بن عبدون ، عن أبی بکر الدوری ، عن ابن کامل عنه.

وقال السیّد ابن طاووس فی الإقبال(5) : ومن ذلک ما رواه محمد بن جریر الطبریّ - صاحب التاریخ الکبیر - صنّفه وسمّاه کتاب الردّ علی الحرقوصیّة ، روی فیه حدیث یوم الغدیر ، وروی ذلک من خمس وسبعین طریقاً. 3.

ص: 314


1- تذکرة الحفّاظ : 2 / 713 رقم 728.
2- البدایة والنهایة : 11 / 167 حوادث سنة 310 ه.
3- تهذیب التهذیب : 7 / 297.
4- الفهرست : ص 150 رقم 640.
5- الإقبال : ص 453.

2 - أبو العبّاس أحمد بن محمد بن سعید الهمدانیّ ، الحافظ المعروف بابن عقدة : المتوفّی (333).

له کتاب الولایة فی طرق حدیث الغدیر ، رواه بمائة وخمس طرق ، أکثر النقل عنه ابن الأثیر فی أُسد الغابة ، وابن حجر فی الإصابة کما مرّ.

وقال الثانی فی تهذیب التهذیب(1) (7 / 339) بعد ذکر حدیث الغدیر : صحّحه واعتنی بجمع طرقه أبو العبّاس بن عقدة ، فأخرجه من حدیث سبعین صحابیّاً أو أکثر.

وقال فی فتح الباری(2) : أمّا حدیث : «من کنتُ مولاه فعلیّ مولاه» ، فقد أخرجه الترمذی والنسائی ، وهو کثیر الطرق جدّاً ، وقد استوعبها ابن عقدة فی کتاب مفرد ، وکثیر من أسانیدها صحیح وحسان.

وذکره له شمس الدین المناویّ الشافعیّ فی فیض القدیر (6 / 218) ، وحکی قول ابن حجر : حدیثٌ کثیر الطرق صحّحه ... إلخ.

ونسبه إلیه الحافظ الکنجیّ الشافعیّ فی کفایة الطالب(3) (ص 15) ، وذکره له النجاشی فی فهرسته(4) (ص 67).

وقال السیّد ابن طاووس فی الإقبال(5) (ص 663) : وجدتُه قد کُتِب فی زمن أبی العبّاس مصنِّفه فی سنة (330) وعلیه خطُّ الشیخ الطوسیّ وجماعة من شیوخ الإسلام ، وقد روی فیه نصَّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم بولایة علیٍّ علیه السلام من مائة وخمس طرق ، د.

ص: 315


1- تهذیب التهذیب : 7 / 297.
2- فتح الباری : 7 / 74.
3- کفایة الطالب : ص 60 باب 1.
4- رجال النجاشی : ص 94 رقم 233.
5- الإقبال : ص 453. وفیه : أحمد بن سعید.

والآن موجود عندی.

وقال الهدّار فی القول الفصل (1 / 445) : أخرج الحدیث ابن عقدة عن مائة وخمسة من الصحابة.

3 - أبو بکر محمد بن عمر بن محمد بن سالم التمیمیّ ، البغدادیّ ، المعروف بالجُعابیّ : المتوفّی (355)(1).

له کتاب من روی حدیث غدیر خُمّ ، عدّه النجاشیّ من کتبه فی فهرسته(2) (ص 281) ، وقال السرویّ فی مناقبه(3) (1 / 529) : ذکره أبو بکر الجُعابیّ من مائة وخمس وعشرین طریقاً ، وذکر عن الصاحب الکافی أنَّه قال : روی لنا قصّة غدیر خُمّ القاضی أبو بکر الجُعابی عن أبی بکر وعمر وعثمان ، إلی أن عدّ ثمانیة وسبعین صحابیّاً ، کما مرّ الإیعاز إلیهم ، وفی ضیاء العالمین : أنَّه روی حدیث الغدیر فی کتابه نخب المناقب من مائة وخمس وعشرین طریقاً. 4.

ص: 316


1- توجد ترجمته فی تاریخ بغداد : 3 / 26 - 31 [رقم 953] ، وتذکرة الذهبی : 3 / 138 - 141 [3 / 925 رقم 881] ، وغیرهما ، وذکروه من مُقدّمی الحفّاظ ، وأنَّه کان یحفظ مائتی ألف حدیث بأسانیدها ، ویجیب عن مثلها ، وأنَّه فاق حفّاظ عصره علی کثرتهم وحفظهم ، وروی عنه الدارقطنی وابن شاهین ، وابن رزقویه ، وابن الفضل القطّان ، وعلیّ المُقری ، وعلیّ الرزّاز ، ومحمد ابن طلحة النعالی ، وأبو نعیم الحافظ ، وابن حسنویه ، وأبو عبدالله الحاکم ، وغیرهم ، وعن أبی علیّ المعدّل : أنَّه کان إماماً فی المعرفة بعلل الحدیث ، وثِقات الرجال من معتلّیهم وضعفائهم ، وأسمائهم وأنسابهم ، وکناهم ، وموالیدهم ، وأوقات وفیاتهم ، ومذاهبهم ، وما یطعن به علی کلّ واحد ، وما یوصف به من السداد ، وکان فی آخر عمره قد انتهی هذا العلم إلیه حتی لم یبقَ فی زمانه من یتقدّمه فیه فی الدنیا. انتهی. هکذا کان ابن الجُعابی مسلّم الفضیلة عند الکلّ ، تهتف المعاجم بعلمه ، وتعترف العلماء برفعة مقامه ، غیر أنَّ ما کان مزیج نفسیّته من حبّ أهل البیت علیهم السلام حدا حُثالة من الناس إلی الطعن علیه بقذائف وطامّات لا یوصم بها ساقة من المسلمین ، فکیف بالأعالی منهم من المترجَم وأمثاله ؟! (المؤلف)
2- رجال النجاشی : ص 394 رقم 1055.
3- مناقب آل أبی طالب : 3 / 34.

4 - أبو طالب عبیدالله(1) بن أحمد بن زید الأنباریّ ، الواسطیّ : المتوفّی بواسط (356).

له کتاب طرق حدیث الغدیر ، ذکره له النجاشی فی فهرسته(2) (ص 161).

5 - أبو غالب أحمد بن محمد بن محمد الزُّراریّ : المتوفّی (368).

له جزء فی خطبة الغدیر ، نصَّ علیه هو بنفسه فی رسالته(3) فی آل أعین ، التی ألّفها لحفیده أبی طاهر الزُّراری.

6 - أبو المفضّل محمد بن عبدالله بن المطّلب الشیبانی : المتوفّی (372).

له کتاب من روی حدیث غدیر خُمّ ، ذکره له معاصره النجاشی فی فهرسته(4) (ص 282).

7 - الحافظ علیّ بن عمر الدارقطنی ، البغدادی : المتوفّی (385).

قال الکنجیّ الشافعیّ فی کفایته(5) (ص 15) عند ذکر حدیث الغدیر : جمع الحافظ الدارقطنی طرقه فی جزء.

8 - الشیخ محسن بن الحسین بن أحمد النیسابوریّ ، الخزاعیّ ، عمّ شیخنا عبدالرحمن النیسابوری.

له کتاب بیان حدیث الغدیر ، ذکره له الشیخ منتجب الدین فی فهرسته(6). 0.

ص: 317


1- فی فهرست شیخ الطائفة : عبدالله [ص 103 رقم 434. وفیه : أحمد بن أبی زید بدلاً من : ابن زید]. (المؤلف)
2- رجال النجاشی : ص 232 رقم 617. وفیه : عبید الله بن أبی زید أحمد.
3- رسالة أبی غالب الزُّراریّ : ص 180.
4- رجال النجاشی : ص 396 رقم 1059.
5- کفایة الطالب : ص 60 باب 1.
6- الفهرست : ص 156 رقم 360.

9 - علیّ بن عبدالرحمن بن عیسی بن عروة بن الجرّاح القنانی : المتوفّی (413).

له کتاب طرق خبر الولایة ، عدّه النجاشی من تآلیفه فی فهرسته(1) (ص 192).

10 - أبو عبدالله الحسین بن عبیدالله بن إبراهیم الغضائریّ : المتوفّی (15 صفر سنة 411).

له کتاب یوم الغدیر ، ذکره له النجاشی فی فهرسته(2) (ص 15).

11 - الحافظ أبو سعید مسعود بن ناصر بن أبی زید السجستانی(3) : المتوفّی (477) مرّت ترجمته (ص 112).

له کتاب الدرایة فی حدیث الولایة فی (17) جزءاً جمع فیه طرق حدیث الغدیر ، ورواه عن مائة وعشرین صحابیاً ، ذکره له ابن شهرآشوب فی المناقب(4) (1 / 529) ، وقال رضی الدین السیّد ابن طاووس فی الإقبال(5) (ص 663) : إنَّه کان یوجد عنده ، وإنَّه مجلّد أکثر من عشرین کرّاساً.

وینقل عنه فی کتاب الیقین(6) ، ویروی عنه ابن حاتم الشامی فی الدرّ النظیم فی [مناقب] الأئمّة اللهامیم(7) ، وکان یوجد عند الشیخ عماد الدین الطبریِّ ، ینقل عنه 2.

ص: 318


1- رجال النجاشی : 269 رقم 706.
2- المصدر السابق : ص 69 رقم 166.
3- یقال فی النسبة إلی سِجستان : السِّجزیّ علی غیر قیاس ، أو : أنَّ سِجْزاً اسمه الآخر کما فی المعجم ، قد توهّم بعضٌ التعدّد بین مسعود السجستانی والسِّجزی ، وذکر لکلّ واحد منهما کتاباً فی حدیث الغدیر ، وما فی المناقب والمعالم لابن شهرآشوب - من قوله فی الأوّل : مسعود الشجری. وفی الثانی : معاویة السِّجزی - تصحیف. (المؤلف)
4- مناقب آل أبی طالب : 3 / 34.
5- إقبال الأعمال : ص 457.
6- الیقین : ص 168 باب 27.
7- الدرّ النظیم فی مناقب الأئمّة اللهامیم : 1 / 105 باب 2.

فی کتابه بشارة المصطفی لشیعة المرتضی(1) ، معبِّراً عنه بکتاب الولایة.

12 - أبو الفتح محمد بن علیّ بن عثمان الکراجکیّ : المتوفّی (449).

له کتاب عدّة البصیر فی حجج یوم الغدیر ، قال العلّامة النوری فی المستدرک (3 / 498) :

هذا کتاب مفیدٌ یختصّ بإثبات إمامة أمیر المؤمنین علیه السلام فی یوم الغدیر ، جزء واحد مائتا ورقة ، بلغ الغایة فیه حتی حصل فی الإمامة کافیاً للشیعة ، عمله بطرابلس للشیخ الجلیل أبی الکتائب عمّار.

13 - علیّ بن بلال(2) بن معاویة بن أحمد المُهلّبیّ : له کتاب حدیث الغدیر.

ذکره له شیخ الطائفة فی فهرسته (ص 96) ، وابن شهرآشوب فی المناقب(3) (1 / 529) وفی المعالم(4) (ص 59).

14 - الشیخ منصور اللائی(5) ، الرازیّ : له کتاب حدیث الغدیر ، ذکر فیه أسماء رواته علی ترتیب الحروف.

ذکره له ابن شهرآشوب فی المناقب(6) (1 / 529) ، والشیخ أبو الحسن الشریف فی ضیاء العالمین. 5.

ص: 319


1- بشارة المصطفی لشیعة المرتضی : ص 211.
2- فی مناقب ابن شهرآشوب : هلال ، وفی فهرست الشیخ : بلال. (المؤلف)
3- مناقب آل أبی طالب : 3 / 25.
4- معالم العلماء : ص 67 رقم 457.
5- أظنّ اللائی مصحّفاً عن الآبی ، وصوابه منصور الآبی ، وهو أبو سعد منصور بن الحسین الآبی الرازی الوزیر العالم الأدیب المشهور من أعلام القرن الخامس مؤلّف کتاب نثر الدرّ. ذکرته فی کتابی : الغدیر فی التراث الإسلامی ص 80 ، فراجع. (الطباطبائی)
6- مناقب آل أبی طالب : 3 / 25.

15 - الشیخ علیّ بن الحسن الطاطریّ ، الکوفیّ : صاحب کتاب فضائل أمیر المؤمنین علیه السلام.

له کتاب الولایة ، ذکره له شیخ الطائفة فی فهرسته (ص 92).

16 - أبو القاسم عبیدالله بن عبدالله الحَسکانیّ - المترجم (ص 112) - :

له کتاب دعاء الهداة إلی أداء حقّ الموالاة ، یذکر فیه حدیث الغدیر ، ذکره له السیّد فی الإقبال(1) (ص 663) ، وقال : إنَّه یوجد عندنا ، ونسبه إلیه الشیخ أبو الحسن الشریف فی ضیاء العالمین.

17 - شمس الدین محمد بن أحمد الذهبیُّ : المتوفّی (748). مرّت ترجمته (ص 124).

له کتاب طرق حدیث الولایة ، ذکره لنفسه هو فی کتابه تذکرة الحفّاظ(2) (3 / 231) ، وقال : أمّا حدیث الطیر فله طرق کثیرة جدّاً ، قد أفردتُها بمصنَّف ، ومجموعها یوجب أن یکون الحدیث له أصل ، وأمّا حدیث : «من کنتُ مولاه» ، فله طرق جیّدة ، وقد أفردتُ ذلک أیضاً(3).

18 - شمس الدین محمد بن محمد الجزریّ ، الدمشقیّ ، المقریّ ، الشافعیّ : المتوفّی (833).

مرّت ترجمته (ص 129).

أفرد رسالة فی إثبات تواتر حدیث الغدیر ، وأسماها أسنی المطالب فی مناقب ی)

ص: 320


1- إقبال الأعمال : ص 453.
2- تذکرة الحفّاظ : 3 / 1042 رقم 962.
3- مخطوطة فریدة منه فی المکتبة المرکزیة بجامعة طهران وعملت فی تحقیقه ، وأسأل الله أن یوفّقنی لإنجاز تحقیقه وتقدیمه للطبع ، وهو الموفّق والمعین. (الطباطبائی)

علیّ بن أبی طالب(1) ، ورواه من ثمانین طریقاً ونسب مُنکره إلی الجهل والعصبیّة ، عدّه من تآلیفه السخاوی فی الضوء اللامع(2) ، کما مرّ (ص 129).

توجد منه نسختان فی مکتبة السیّد میر حامد حسین اللکهنوی الهندی صاحب العبقات ، وذکره له الشیخ أبو الحسن الشریف فی ضیاء العالمین(3).

19 - المولی عبدالله بن شاه منصور القزوینی ، الطوسیّ : من معاصری شیخنا صاحب الوسائل ، له الرسالة الغدیریّة ، کما فی أمل الآمل(4).

20 - السیّد سبط الحسن الجایسیّ ، الهندیّ ، اللکهنویّ : له کتاب حدیث الغدیر بلغة أُردو طبع فی الهند(5).

21 - السیّد میر حامد حسین ابن السیّد محمد قلی الموسویّ ، الهندیّ ، اللکهنویّ : المتوفّی (1306) عن (60 سنة).

ذکر حدیث الغدیر وطرقه وتواتره ومفاده فی مجلّدین ضخمین فی ألف وثمان صحائف ، وهما من مجلّدات کتابه الکبیر العبقات.

وهذا السیّد الطاهر العظیم - کوالده المقدّس - سیف من سیوف الله المشهورة علی أعدائه ، ورایة ظفر الحقّ والدین ، وآیة کبری من آیات الله سبحانه ، قد أتمّ به ی)

ص: 321


1- أسنی المطالب : ص 48.
2- الضوء اللامع : 9 / 255 رقم 608.
3- طُبِع الکتاب فی مکة المکرّمة فی المطبعة الأمیریة سنة 1324 ، وطُبع فی طهران سنة 1402 بتحقیق الأستاذ الشیخ محمد هادی الأمینی. وطبع ملخّصاً فی بیروت سنة 1403 ، لخّصه العلّامة الشیخ محمد باقر المحمودی وأسماه أسمی المناقب فی تهذیب أسنی المطالب ، وذکرته فی (أهل البیت فی المکتبة العربیة) وذکرت طبعاته ومخطوطاته ، وعثرت له علی مخطوطات ثلاثة. (الطباطبائی)
4- أمل الآمل : 2 / 161 رقم 468.
5- ولد سنة 1296 وتوفی سنة 1354 ، واسم کتابه : حدیث غدیرکی سرگذشت. (الطباطبائی)

الحجّة ، وأوضح المحجّة. وأمّا کتابه العبقات(1) فقد فاح أریجه بین لابتی العالم ، وطبّق حدیثه المشرق والمغرب ، وقد عرف من وقف علیه أنَّه ذلک الکتاب المعجز المبین الذی لا یأتیه الباطل من بین یدیه ولا من خلفه ، وقد استفدنا کثیراً من علومه المودعة فی هذا السفر القیّم ، فله ولوالده الطاهر منّا الشکر المتواصل ، ومن الله تعالی لهما أجزل الأجور.

22 - السیّد مهدی ابن السیّد علیّ الغُریفیّ ، البحرانیّ ، النجفیّ : المتوفّی (1343).

له کتاب حدیث الولایة فی حدیث الغدیر ، عدّه شیخنا الرازی من تآلیفه فی الذریعة(2) ، وذکره له ولده فی ترجمة والده التی کتبها لنا. 7.

ص: 322


1- عبقات الأنوار طُبِع منه عدّة مجلّدات ، کلّ مجلّد یخصّ حدیثاً من الأحادیث الدالّة علی خلافة أمیر المؤمنین علیه السلام ، کحدیث الغدیر والمنزلة والثقلین ونحوها فیشبعها دراسةً إسناداً ودلالة. فالمجلّد الأوّل منه فی حدیث الغدیر ، طُبِع فی لکهنو طبعة حجریة سنة 1293 فی 1251 صفحة بالحجم الکبیر ، ثم طبع بها سنة 1294 فی مجلّدین فی 609 صفحات و 399 صفحة ، فالمجموع 1008 صفحات. وطُبِع قسم من أوّله فی طهران سنة 1369 طبعةً حروفیة فی 600 صفحة ، ثم طبع فی قم بتحقیق العلّامة الشیخ غلام رضا مولانا فی عشر مجلدات ضخام سنة 1404 - 1411. ونقله العلّامة البحّاثه السیّد علیّ المیلانی - حفظه الله ورعاه - إلی اللغة العربیة ملخّصاً له ، محافظاً علی مادته العلمیة ضمن عملیة تعریب کلّ مجلدات الکتاب ، وخرّجه علی مصادره بعد جهد کبیر وسعی مشکور ، وصدر منه عشرة أجزاء فی قم سنة 1405 - 1408 باسم خلاصة عبقات الأنوار ، والأجزاء 6 - 9 خاصّة بحدیث الغدیر ، ثمّ جدّد فیه النظر وأضاف إلیه مصادر کثیرة سنة 1415 وسمّاه نفحات الأزهار فی تلخیص عبقات الأنوار ، طبعه فی قم سنة 1415 طبعة أنیقة رائعة وصدر منه 12 جزءاً. أربعة أجزاء منها تخصّ حدیث الغدیر بدراسة شاملة ومستوعبة من الجزء 6 - 9 ، وقدّم له مقدمة ضافیة باسم دراسات فی العبقات. وراجع الذریعة 15 / 214 ، الغدیر فی التراث الإسلامی : 142 - 147 و 211 - 212 ، ومقالنا : موقف الشیعة عند هجمات الخصوم المنشور فی مجلة (تراثنا) الصادرة عن مؤسّسة آل البیت لإحیاء التراث ، فی قم العدد 6 ص 32 - 61. (الطباطبائی)
2- الذریعة إلی تصانیف الشیعة : 25 / 143 رقم 837.

23 - الحاج الشیخ عبّاس بن محمد رضا القمّی : المتوفّی فی النجف الأشرف لیلة الثلاثاء (23 ذی الحجّة 1359).

له کتاب فیض القدیر فی حدیث الغدیر ، فیما ینوف علی الثلاثمائة صحیفة(1) ، وقد جمع فیه فأوعی ؛ وهو من نوابغ الحدیث والتألیف فی القرن الحاضر ، وأیادیه المشکورة علی الأمّة لا تخفی.

24 - السیّد مرتضی حسین الخطیب الفتحپوریّ ، الهندیّ :

له کتاب تفسیر التکمیل فی آیة (الْیَوْمَ أَکْمَلْتُ لَکُمْ دِینَکُمْ) النازلة فی واقعة الغدیر ، طبع بالهند.

25 - الشیخ محمد رضا ابن الشیخ طاهر آل فرج الله ، النجفیّ ، زمیلنا العلّامة الفذّ :

له کتاب الغدیر فی الإسلام ، طبع فی النجف الأشرف ، وقد أدّی فیه حقّ المقال(2).

26 - الحاج السیّد مرتضی الخسروشاهی التبریزیّ المعاصر(3) : أفرد کتاباً فی دلالة الحدیث وأسماه إهداء الحقیر فی معنی حدیث الغدیر ، طبع فی العراق ، أغرق نزعاً فی التحقیق ، ولم یُبقِ فی القوس منزعاً.(4) رن

ص: 323


1- لخّص فیه مجلّدَی کتاب عبقات الأنوار فی حدیث الغدیر ، وفرغ من التلخیص سنة 1321 ، وطبع فی قم سنة 1405. (الطباطبائی)
2- وُلد سنة 1319 ، وتوفّی سنة 1386 ، وطبع کتابه هذا فی النجف سنة 1362. (الطباطبائی)
3- وُلد فی النجف سنة 1299 ، وتوفّی فی تبریز لیلة السادس من رجب 1372 ، وکان من أعلام تبریز البارزین ، وطُبِع الکتاب فی قم ثانیة سنة 1398 باسم معنی حدیث الغدیر مع مقدمة لحفیده السیّد هادی فی ترجمة المؤلّف. راجع الغدیر فی التراث الإسلامی :ص 167. (الطباطبائی)
4- وقد جمعت ما وقفتُ علیه ممّا أُلِّف فی الغدیر من کتب مفردة منذ القرن الثانی وحتی القرن

تکملة

قال ابن کثیر فی البدایة والنهایة(1) (5 / 208) : وقد اعتنی بأمر هذا الحدیث أبو جعفر محمد بن جریر الطبری صاحب التفسیر والتاریخ ، فجمع فیه مجلّدین ، أورد فیهما طرقه وألفاظه ، وکذلک الحافظ الکبیر أبو القاسم بن عساکر(2) أورد أحادیث کثیرة فی هذه الخطبة ، نحن نورد عیون ما رُوی فی ذلک(3).

وقال الشیخ سلیمان الحنفیّ فی ینابیع المودّة(4) (ص 36) : حُکی عن أبی المعالی

الجُوینی(5) ، الملقّب بإمام الحرمین ، أستاذ أبی حامد الغزالی یتعجّب ویقول : رأیت مجلّداً فی بغداد فی ید صحّافٍ فیه روایات خبر غدیر خُمّ مکتوباً علیه المجلّدة الثامنة والعشرون من طرق قوله صلی الله علیه وسلم : «من کنتُ مولاه فعلیّ مولاه» ، ویتلوه المجلّدة التاسعة والعشرون. انتهی.

وقال العلویّ الهدّار الحدّاد فی القول الفصل (1 / 445) : کان الحافظ أبو العلاء العطّار الهمدانیّ(6) یقول : أروی هذا الحدیث بمائتین وخمسین طریقاً. ،

ص: 324


1- البدایة والنهایة : 5 / 227 حوادث سنة 10 ه.
2- تاریخ مدینة دمشق : 12 / 224 - 237.
3- ذکر من عیون ما رُوی فیه ما یأتی رسالة. (المؤلف)
4- ینابیع المودّة : 1 / 34 باب 4.
5- قال ابن خلّکان فی تاریخه : 1 / 312 [3 / 167 رقم 378] : إنَّه أعلم المتأخّرین من أصحاب الإمام الشافعی علی الإطلاق ، المجمع علی إمامته ، المتّفق علی غزارة مادّته وتفنّنه فی العلوم من الأصول والفروع والأدب وغیر ذلک ، ولد (419) وتُوفِّی (478) ، أکثر المترجمون فی الثناء علیه وإطراء تآلیفه. (المؤلف)
6- وُلد (488) وتُوفِّی (569) ، توجد ترجمته فی تذکرة الذهبی : 4 / 118 [4 / 1324 رقم 1093] ،

وهناک تآلیف أخری تخصُّ هذا الموضوع یأتی ذکرها فی صلاة الغدیر إن شاء الله.

(... إِنَّهَا تَذْکِرَةٌ * فَمَن شَاءَ ذَکَرَهُ * فِی صُحُفٍ مُّکَرَّمَةٍ)(1) 3.

ص: 325


1- عبس : 11 - 13.

ص: 326

المناشدة والاحتجاج بحدیث الغدیر الشریف

اشارة

لم یفتأ هذا الحدیث منذ الصدر الأوّل وفی القرون الأولی حتی القرن الحاضر من الأصول المسلّمة ، یؤمن به القریب ، ویرویه المناوئ من غیر نکیر فی صدوره ، وکان ینقطع المجادل إذا خصمه مناظره بإنهاء القضیّة إلیه ، ولذلک کثر الحِجاج به ،

وتوفّرت مناشدته بین الصحابة والتابعین ، وعلی العهد العلویِّ وقبله.

وإنَّ أوّل حِجاجٍ وقع بهذا الحدیث ما کان من أمیر المؤمنین علیه السلام بمسجد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بعد وفاته ، ذکره سلیم بن قیس الهلالی فی کتابه المطبوع(1) ، من أراده فلیراجعه ، ونحن نذکر ما وقع بعده من المناشدات :

1- مناشدة أمیر المؤمنین علیه السلام یوم الشوری سنة (23 ه) أو أوّل (24)

قال أخطب الخطباء الخوارزمیّ الحنفیّ فی المناقب(2) (ص 217) :

أخبرنی الشیخ الإمام شهاب الدین أفضل الحفّاظ أبو النجیب سعد بن عبدالله ابن الحسن الهمدانیّ - المعروف بالمروزیّ - فیما کتب إلیَّ من همدان ، أخبرنی الحافظ ه.

ص: 327


1- کتاب سلیم بن قیس : 2 / 780 ح 39.
2- المناقب : ص 313 ح 314. وکلّ ما بین المعقوفین فی سلسلة السند منه.

أبو علیّ الحسن بن أحمد بن الحسن [الحداد بأصبهان] فیما أذن لی فی الروایة عنه ، أخبرنا الشیخ الأدیب أبو یعلی عبدالرزّاق بن عمر بن إبراهیم الطهرانی سنة ثلاث وسبعین وأربعمائة ، أخبرنی الإمام الحافظ طراز المحدِّثین أبو بکر أحمد بن موسی بن

مردویه [الأصبهانی]. قال الشیخ الإمام شهاب الدین أبو النجیب سعد بن عبدالله الهمدانیّ ، وأخبرنا بهذا الحدیث عالیاً الإمام الحافظ سلیمان بن [إبراهیم الأصفهانیّ فی کتابه إلیّ من أصبهان سنة ثمان وثمانین وأربعمائة عن أبی بکر أحمد بن موسی بن مردویه ، حدثنا سلیمان] بن أحمد ، حدّثنی علیّ بن سعید الرازی ، حدّثنی محمد بن حمید ، حدّثنی

زافر بن سلیمان ، حدّثنی الحارث بن محمد عن أبی الطفیل عامر بن واثلة ، قال :

کنتُ علی الباب یوم الشوری مع علیّ علیه السلام فی البیت ، وسمعتُه یقول لهم : «لأَحتجّنَّ علیکم بما لا یستطیعُ عربیُّکم ولا عجمیُّکم تغییر ذلک. ثمّ قال :

أَنشُدکُمُ اللهَ أیُّها النفر جمیعاً : أفیکم أحدٌ وحّد الله قبلی ؟ قالوا : لا. قال : فأَنشُدکُمُ اللهَ : هل منکم أحدٌ له أخٌ مثل جعفر الطیّار فی الجنّة مع الملائکة ؟ قالوا : أللّهمّ لا. قال : فأَنشُدکُمُ اللهَ : هل فیکم أحدٌ له عمٌّ کعمّی حمزة أسد الله وأسد رسوله سیّد الشهداء غیری ؟ قالوا : أللّهمّ لا. قال : فأَنشُدکُمُ الله : هل فیکم أحدٌ له زوجةٌ مثلُ زوجتی فاطمةَ بنت محمد سیّدة نساء أهل الجنّة ، غیری ؟ قالوا : أللّهمّ لا. قال : أَنشُدُکُمْ بالله : هل فیکم أحدٌ له سِبطانِ مثلُ سِبطیَّ الحسن والحسین سیِّدَیْ شبابِ أهلِ الجنّة غیری ؟ قالوا : أللّهمّ لا. قال : فأَنشُدکُمْ بالله : هل فیکم أحدٌ ناجی رسول الله مرّاتٍ - قدّمَ بین یدَی نجواهُ صدقةً - قبلی ؟ قالوا : أللّهمّ لا. قال : فأَنشُدکُمْ بالله : هل فیکم أحد قال له رسول الله صلی الله علیه وسلم : من کنتُ مولاه ، فعلیّ مولاه ، أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه ، وانصر من نصره ، لیبلِّغ الشاهد الغائب ، غیری ؟» قالوا : أللّهمّ لا.

وأخرجه الإمام الحمّوئی فی فرائد السمطین فی الباب الثامن والخمسین(1) قال : 1.

ص: 328


1- فرائد السمطین : 1 / 319 ح 251.

أخبرنی الشیخ الإمام تاج الدین علیّ بن أنجب بن عبدالله الخازن البغدادیّ - المعروف بابن الساعی - قال : أنبأ الإمام برهان الدین أبو المظفّر ناصر بن أبی المکارم المطرزیّ الخوارزمیّ قال : أنبأ أَخطبُ خوارزم ضیاء الدین أبو المؤیّد الموفَّق ابن أحمد المکّی ... إلی آخر السند بطریقیه المذکورین.

ورواه ابن حاتم الشامی فی الدرّ النظیم(1) من طریق الحافظ ابن مردویه بسند

آخر له ، قال : حدّث أبو المظفّر عبدالواحد بن حمد بن محمد بن شیذه المقرئ ، قال :

حدّثنا عبدالرزّاق بن عمر الطهرانی ، قال : حدّثنا أبو بکر أحمد بن موسی الحافظ - ابن مردویه - قال : حدّثنا أبو بکر أحمد بن محمد بن أبی دام(2) ، قال : حدّثنا المنذر بن محمد ، قال : حدّثنی عمّی قال : حدّثنی أبی ، عن أبان بن تغلب ، عن عامر بن واثلة ، قال : کنتُ علی الباب یوم الشوری وعلیٌّ فی البیت ، فسمعته یقول ... باللفظ المذکور إلی أن قال : قال : «أَنشُدکم بالله أَمنکُمْ من نصبه رسول الله یوم غدیر خُمّ للولایة غیری ؟» قالوا : أللّهمّ لا.

وحدیث الشوری هذا أخرجه الحافظ الکبیر الدارقطنی ، ینقل عنه بعض فصوله ابن حجر فی الصواعق(3) ، قال (ص 75) : أخرج الدارقطنی : أنَّ علیّاً قال للستّة الذین جعل عمر الأمر شوری بینهم کلاماً طویلاً من جملته :

«أَنشُدُکُمُ الله : هل فیکم أحدٌ قال له رسول الله صلی الله علیه وسلم : یا علیُّ أنت قسیم الجنّة والنار یوم القیامة ، غیری ؟» قالوا : أللّهمّ لا.

وقال (ص 93) : أخرج الدارقطنی : أنَّ علیّاً یوم الشوری احتجّ علی أهلها ، فقال لهم : 6.

ص: 329


1- الدرّ النظیم : 1 / 116.
2- کذا فی النسخ ، والصحیح : أبی دارم ، هو ابن أبی دارم الکوفیّ ، سمع منه التلعکبری سنة (330) ، وله منه إجازة. (المؤلف)
3- الصواعق المحرقة : ص 126.

«أَنشدُکُم بالله : هل فیکم أحد أقرب إلی رسول الله صلی الله علیه وسلم فی الرحم منّی ؟»(1).

وأخرجه الحافظ الأکبر ابن عقدة قال : حدّثنا علیّ بن محمد بن حبیبة الکندی ، قال : حدّثنا حسن بن حسین ، حدّثنا أبو غیلان سعد بن طالب الشیبانی ، عن إسحاق ، عن أبی الطفیل ، قال : کنتُ فی البیت یوم الشوری ، وسمعت علیّاً یقول ... الحدیث. ومنه المناشدة بحدیث الغدیر.

وقال الحافظ ابن عقدة أیضاً : حدّثنا أحمد بن یحیی بن زکریّا الأزدیّ الصوفیّ ، قال : حدّثنا عمرو بن حمّاد بن طلحة القنّاد ، قال : حدّثنا إسحاق بن إبراهیم الأزدیّ ، عن معروف بن خربوذ ، وزیاد بن المنذر ، وسعید بن محمد الأسلمی ، عن أبی الطفیل ، قال :

لمّا احتُضر عمر بن الخطاب جعلها - الخلافة - شوری بین ستّة : بین علیّ بن أبی طالب ، وعثمان بن عفّان ، وطلحة ، والزبیر ، وسعد بن أبی وقّاص ، وعبدالرحمن ابن عوف رضی الله عنهم ، وعبدالله بن عمر فیمن یشاوَر ولا یُولّی.

قال أبو الطفیل : فلمّا اجتمعوا أجلسونی علی الباب أردُّ عنهم الناس ، فقال علیٌّ ... الحدیث. وفیه المناشدة بحدیث الغدیر(2).

وأخرجه الحافظ العقیلی(3) ، قال : حدّثنا محمد بن أحمد الورامینیّ ، حدّثنا یحیی ابن المغیرة الرازی ، حدّثنا زافر ، عن رجل ، عن الحارث بن محمد ، عن أبی الطفیل ، ف)

ص: 330


1- الصواعق المحرقة : ص 156.
2- نقله عن ابن عقدة شیخ الطائفة فی أمالیه : ص 7 و 212 [ص 332 ح 667 ، ص 554 ح 1169]. (المؤلف)
3- أبو جعفر محمد بن عمرو بن موسی صاحب کتاب الضعفاء. قال الحافظ القطّان : أبو جعفر ثقة جلیل القدر عالم بالحدیث مُقدَّم فی الحفظ تُوفِّی (322) ، ترجمه الذهبیّ فی التذکرة : 3 / 52 [3 / 833 رقم 814]. (المؤلف)

قال : کنتُ علی الباب یومَ الشوری ... (1) ، وذکر من الحدیث جملةً ضافیةً(2).

وقال ابن أبی الحدید فی شرح نهج البلاغة(3) (2 / 61) : نحن نذکر فی هذا الموضع ما استفاض فی الروایات من مناشدته أصحاب الشوری ، وتعدیده فضائله وخصائصه التی بان بها منهم ومن غیرهم ، قد روی الناس ذلک فأکثروا ، والذی صحّ عندنا أَنّه لم یکن الأمر کما روی من تلک التعدیدات الطویلة ، ولکنّه قال لهم بعد أن بایع عبدالرحمن والحاضرون عثمان وتلکّأ هو علیه السلام عن البیعة : «إنَّ لنا حقّاً إنْ نُعْطَه نأخذْه ، وإن نُمَنَعْه نرکبْ أَعجاز الإبل وإن طال السُّری ...» فی کلام قد ذکره أهل السیرة ، وقد أوردنا بعضه فیما تقدّم. ثمّ قال لهم :

«أنشدُکُمُ الله : أفیکم أحد آخی رسول الله صلی الله علیه وسلم بینه وبین نفسه ، حیث آخی بین بعض المسلمین وبعض ، غیری ؟ فقالوا : لا. فقال : أفیکم أحدٌ قال له رسول الله : من

کنتُ مولاه فهذا مولاه ، غیری ؟» فقالوا : لا.

وذکر شطراً منه ابن عبد البرّ فی الاستیعاب(4) (3 / 35) هامش الإصابة مسنداً

قال : حدّثنا عبدالوارث ، حدّثنا قاسم ، حدّثنا أحمد بن زهیر ، قال : حدّثنا عمرو بن حمّاد القنّاد قال : حدّثنا إسحاق بن إبراهیم الأزدی عن معروف بن خربوذ عن زیاد ابن المنذر عن سعید بن محمد الأزدی عن أبی الطفیل ...(5) اه

ص: 331


1- الضعفاء الکبیر : 1 / 211 ح 258.
2- حکاه عن العقیلیِّ الذهبیُّ فی میزانه : 1 / 205 [1 / 441 رقم 1643] ، وابن حجر فی لسانه : 2 / 157 [2 / 198 رقم 2212]. (المؤلف)
3- شرح نهج البلاغة : 6 / 167 خطبة 73.
4- الاستیعاب : القسم الثالث / 1098 رقم 1855.
5- حدیث مناشدة یوم الشوری أخرجه عدّة من الحفّاظ بطرق شتّی تنتهی إلی أبی ذرّ وأبی الطفیل ، إلّا أنَّ منهم من أوعز إلیه إیعازاً کالبخاری فی التاریخ الکبیر : 2 / 382 ، ومنهم من اقتطع منه محلّ حاجته کالذهبی فی کتاب الغدیر ، روی منه ما یخصّ حدیث الغدیر کما یأتی ، ومنهم من رواه

وقال الرازی فی تفسیره(1) (3 / 418) فی قوله تعالی : (إِنَّمَا وَلِیُّکُمُ اللَّ-هُ وَرَسُولُهُ ...) الآیة :

إنَّ علیَّ بن أبی طالب کان أعرف بتفسیر القرآن من هؤلاء الروافض ، فلو 8.

ص: 332


1- التفسیر الکبیر : 12 / 28.

کانت هذه الآیة دالّة علی إمامته لاحتجَّ بها فی محفل من المحافل ، ولیس للقوم أن یقولوا : إنَّه ترکه للتقیّة ؛ فإنّهم ینقلون عنه أنَّه تمسّک یوم الشوری بخبر الغدیر وخبر المباهلة وجمیع فضائله ومناقبه ، ولم یتمسّک البتّة بهذه الآیة فی إثبات إمامته. انتهی.

وأنت تعلم أنَّ الرازی فی إسناد روایة الاحتجاج بحدیث الغدیر وغیره إلی الروافض فحسب ، مندفع إلی ما یتحرّاه بدافع العصبیة ، فقد عرفت إسناد الخوارزمی الحنفی عن مشایخه الأئمّة الحفّاظ ، وهم عن مثل أبی یعلی وابن مردویه من حفّاظ الحدیث وأئمّة النقل ، کما أنَّا أوقفناک علی تصریح ابن حجر بإخراج الحافظ الدارقطنی من غیر غمز فیه ، وإخراج الحافظ ابن عقدة ، والحافظ العقیلی ، وسمعت کلمة ابن أبی الحدید وحکمه باستفاضة حدیث الاحتجاج وما صحّ منه عنده.

ومن ذلک کلّه تعرف قیمة ما جنح إلیه السیوطیّ فی اللآلئ المصنوعة(1) (1 / 187) من الحکم بوضع الحدیث ؛ لمکان زافر ورجل مجهول فی إسناد العقیلی ، وقد أوقفناک علی أسانید لیس فیها زافر ولا مجهول ، وهب أنَّا غاضیناه علی الضعف فی زافر ، فهل الضعف بمجرّده یحدو إلی الحکم الباتِّ بالوضع ؟ کما حسبه السیوطیّ فی جمیع الموارد من لآلیه ، خلاف ما ذهب إلیه المؤلِّفون فی الموضوعات غیره ؟ لا ، وإنَّما

هو من ضعف الرأی وقلّة البصیرة ؛ فإنّ أقصی ما فی روایة الضعفاء عدم الاحتجاج بها وإن کان التأیید بها ممّا لا بأس به ، علی أنَّا نجد الحفّاظ الثقات المتثبِّتین فی النقل ربّما أخرجوا عن الضعفاء لتوفّر قرائن الصحّة المحفوفة بخصوص الروایة أو بکتاب الرجل الخاصّ عندهم ، فیروونها لاعتقادهم بخروجها عن حکم الضعیف العامّ أو لاعتقادهم بالثقة فی نقل الرجل وإن کان غیر مرضیٍّ فی بقیّة أعماله ، راجع صحیحی البخاری ومسلم وبقیّة الصحاح والمسانید تجدها مفعمة بالروایة عن الخوارج والنواصب ، وهل ذلک إلّا للمزعمة التی ذکرناها ؟ 3.

ص: 333


1- اللآلئ المصنوعة : 1 / 361 - 363.

علی أنَّ زافراً وثّقه أحمد(1) وابن معین ، وقال أبو داود : ثقةٌ کان رجلاً صالحاً ، وقال أبو حاتم(2) : محلّه الصدق(3).

وقلّد السیوطیّ فی طعنه هذا الذهبیَّ فی میزانه(4) ، حیث رأی الحدیث منکراً غیر صحیح ، وجاء بعده ابن حجر ، وقلّده فی لسانه(5) ، واتّهم زافراً بوضعه ، وقد عرف الذهبی وابن حجر من عرفهما بالمیزان الذی فیه ألف عین ، وباللسان الذی لا یبارحه الطعن لأغراض مستهدفة ، وهلمّ إلی تلخیص الذهبیِّ مستدرکَ الحاکم تجده طعّاناً فی الصحاح ممّا رُوی فی فضائل آل الله ، وما الحجّة فیه إلّا عداؤه المحتدم وتحیّزه إلی من عداهم ، وحذا حذوه ابن حجر فی تآلیفه.

2 - مناشدة أمیر المؤمنین علیه السلام أیّام عثمان بن عفّان

روی شیخ الإسلام أبو إسحاق إبراهیم بن سعد الدین بن حمُّوْیَه - المترجم (ص 123) - بإسناده فی فرائد السمطین(6) فی السمط الأوّل فی الباب الثامن والخمسین عن التابعیّ الکبیر سلیم بن قیس الهلالی ، قال :

رأیت علیّاً - صلوات الله علیه - فی مسجد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی خلافة عثمان وجماعة یتحدّثون ویتذاکرون العلم والفقه ، فذکروا قریشاً وفضلها وسوابقها وهجرتها ، وما قال فیها رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم من الفضل ، مثل قوله صلی الله علیه وآله وسلم : «الأئمّة من

ص: 334


1- العلل ومعرفة الرجال : 2 / 381 رقم 2699.
2- الجرح والتعدیل : 3 / 624 رقم 2825.
3- راجع تهذیب التهذیب : 3 / 304 [3 / 262]. (المؤلف)
4- میزان الاعتدال : 1 / 441 رقم 1643.
5- لسان المیزان : 2 / 198 - 199 رقم 2212.
6- فرائد السمطین : 1 / 312 ح 250.

قریش» ، وقوله : «الناس تبعٌ لقریش» ، «وقریش أئمّة العرب ...» إلی أنَّ قال - بعد ذکر مفاخرة کلّ حیّ برجال قومه - :

وفی الحلقة أکثر من مائتی رجل فیهم علیُّ بن أبی طالب ، وسعد بن أبی وقّاص ، وعبدالرحمن بن عوف ، وطلحة ، والزبیر ، والمقداد ، وهاشم بن عتبة ، وابن عمر ، والحسن ، والحسین ، وابن عبّاس ، ومحمد بن أبی بکر ، وعبدالله بن جعفر.

ومن الأنصار أُبیّ بن کعب ، وزید بن ثابت ، وأبو أیّوب الأنصاری ، وأبو الهیثم ابن التیّهان ، ومحمد بن سلمة ، وقیس بن سعد بن عبادة ، وجابر بن عبدالله ، وأنس بن مالک ، وزید بن أرقم ، وعبدالله بن أبی أوفی ، وابو لیلی ومعه ابنه عبدالرحمن قاعدٌ بجنبه ، غلامٌ صبیح الوجه أمرد ، فجاء أبو الحسن البصری ومعه الحسن البصری ، غلامٌ أمرد صبیح الوجه معتدل القامة ، قال : فجعلت أنظر إلیه وإلی عبدالرحمن بن أبی لیلی ، فلا أدری أیّهما أجمل ، غیر أنَّ الحسن أعظمهما وأطولهما ، فأکثر القوم ، وذلک من بُکرة إلی حین الزوال ، وعثمان فی داره لا یعلم بشیء ممّا هم فیه ، وعلیُّ بن أبی

طالب علیه السلام ساکت لا ینطق ولا أحدٌ من أهل بیته ، فأقبل القوم علیه ، فقالوا : یا أبا الحسن ما یمنعک أن تتکلّم ؟

فقال : «ما من الحیّین إلّا وقد ذکر فضلاً ، وقال حقّاً ، فأنا أسألکم یا معشر قریش والأنصار : بمن أعطاکُمُ الله هذا الفضل بأنفسکم وعشائرکم وأهل بیوتاتکم أم بغیرکم ؟»

قالوا : بل أعطانا الله ومنَّ به علینا بمحمد صلی الله علیه وآله وسلم وعشیرته ، لا بأنفسنا وعشائرنا ولا بأهل بیوتاتنا.

قال : «صدقتم یا معشر قریش والأنصار ، ألستم تعلمون أنَّ الذی نلتم من خیر الدنیا والآخرة منّا أهل البیت خاصّة دون غیرهم ؟ وأنَّ ابن عمّی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قال : وإنّی وأهل بیتی کنّا نوراً یسعی بین یدی الله تعالی قبل أن یخلق الله عزّ وجلّ

ص: 335

آدم علیه السلام بأربعة عشر ألف سنة ، فلمّا خلق الله تعالی آدم علیه السلام وضع ذلک النور فی صلبه وأهبطه إلی الأرض ، ثمّ حمله فی السفینة فی صلب نوح علیه السلام ، ثمّ قذف به فی النار فی صلب إبراهیم علیه السلام ، ثمّ لم یزل الله عزّ وجلّ ینقلنا فی الأصلاب الکریمة إلی الأرحام الطاهرة من الآباء والأمّهات ، لم یُلقَ واحد منهم علی سِفاحٍ قطُّ ؟».

فقال أهل السابقة والقُدْمة(1) وأهل بدر وأهل أُحد : نعم قد سمعنا من رسول الله صلی الله علیه وسلم.

ثمّ قال : «أَنشُدُکم الله : إنَّ الله عزّ وجلّ فضّل فی کتابه السابق علی المسبوق فی غیر آیة ، وإنّی لم یسبقنی إلی الله عزّ وجلّ وإلی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أحدٌ من أهل الأمّة». قالوا : أللّهمّ نعم.

قال : فأَنشدُکُمُ الله : أتعلمون حیث نزلت (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِینَ وَالْأَنصَارِ ...)(2) ، (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَ-ئِکَ الْمُقَرَّبُونَ)(3) سُئِل عنها رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فقال : أنزلها الله تعالی ذکره فی الأنبیاء وأوصیائهم ، فأنا أفضل أنبیاء الله ورسله ، وعلیّ بن أبی طالب وصیّی أفضل الأوصیاء ؟» ثمّ قالوا : أللّهمّ نعم.

قال : «فأَنشدُکُم الله : أتعلمون حیث نزلت (یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا أَطِیعُوا اللَّ-هَ وَأَطِیعُوا الرَّسُولَ وَأُولِی الْأَمْرِ مِنکُمْ ...)(4) ، وحیث نزلت (إِنَّمَا وَلِیُّکُمُ اللَّ-هُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِینَ آمَنُوا الَّذِینَ یُقِیمُونَ الصَّلَاةَ ...)(5) ، وحیث نزلت (... وَلَمْ یَتَّخِذُوا مِن دُونِ اللَّ-هِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِینَ وَلِیجَةً ...)(6) قال الناس : یا رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أخاصّة فی

ص: 336


1- أی السابقة فی الأمر.
2- التوبة : 100.
3- الواقعة : 10 - 11.
4- النساء : 59.
5- المائدة : 55.
6- التوبة : 16.

بعض المؤمنین ، أم عامّة لجمیعهم ؟ فأمر الله عزّ وجلّ نبیّه صلی الله علیه وآله وسلم أن یُعلمهم ولاة أمرهم ، وأن یفسِّر لهم من الولایة ما فسّر لهم من صلاتهم وزکاتهم وحجِّهم ، بنصبی

للناس بغدیر خُمّ ، ثمّ خطب ، وقال :

أیّها الناس إنَّ الله أرسلنی برسالةٍ ضاق بها صدری وظننت أنَّ الناس مُکذِّبیّ ، فأوعدنی لَأُبلّغُها أو لَیعذّبنی. ثمّ أمر ، فنودی بالصلاة جامعة ، ثمّ خطب ، فقال :

أیّها الناس أتعلمون أنَّ الله عزّ وجلّ مولای وأنا مولی المؤمنین ، وأنا أولی بهم من أنفسهم ؟ قالوا : بلی یا رسول الله. قال : قُم یا علیّ ، فقمت ، فقال : من کنتُ مولاه فعلیّ مولاه ، أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه.

فقام سلمان ، فقال : یا رسول الله ولاءٌ کماذا ؟ فقال : ولاءٌ کولای ، من کنتُ أولی به من نفسه فعلیٌّ أولی به من نفسه.

فأنزل الله - تعالی ذکره - : (... الْیَوْمَ أَکْمَلْتُ لَکُمْ دِینَکُمْ ...)(1) الآیة.

فکبّر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وقال : الله أکبر ، تمامُ نبوّتی وتمام دین الله ولایة علیّ بعدی.

فقام أبو بکر وعمر ، فقالا : یا رسول الله هؤلاء الآیات خاصّة فی علیٍّ علیه السلام ؟ قال : بلی فیه وفی أوصیائی إلی یوم القیامة. قالا : یا رسول الله بیِّنهم لنا. قال : علیٌّ أخی ووزیری ووارثی ووصیّی ، وخلیفتی فی أمّتی ، وولیّ کلّ مؤمن بعدی ، ثمّ ابنی الحسن ، ثمّ الحسین ، ثمّ تسعة من ولد ابنی الحسین ، واحد بعد واحد ، القرآن معهم ، وهم مع القرآن ، لا یفارقونه ولا یفارقهم حتی یردوا علیَّ الحوض». فقالوا کلّهم :

أللّهمّ نعم ، قد سمعنا ذلک ، وشهدنا کما قلت. وقال بعضهم : قد حفظنا جلّ ما قلت ،

ولم نحفظ کلّه ! وهؤلاء الذین حفظوا أخیارنا وأفاضلنا.

ص: 337

فقال علیّ علیه السلام : «صدقتم لیس کلّ الناس یستوون فی الحفظ ، أَنشُد الله عزّ وجلّ من حفظ ذلک من رسول الله صلی الله علیه وسلم لَمّا قام فأخبر به».

فقام زید بن أرقم ، والبراء بن عازب ، وسلمان ، وأبو ذر ، والمقداد ، وعمّار ، فقالوا : نشهد لقد حفظنا قول رسول الله ، وهو قائم علی المنبر وأنت إلی جنبه ، وهو

یقول :

«أیّها الناس إنَّ الله عزّ وجلّ أمرنی أن أنصب لکم إمامکم والقائم فیکم بعدی ووصیّی وخلیفتی ، والذی فرض الله عزّ وجلّ علی المؤمنین فی کتابه طاعته فقرن بطاعته طاعتی ، وأمرکم بولایته ، وإنّی راجعتُ ربّی ؛ خشیة طعن أهل النفاق وتکذیبهم ، فأوعدنی لَأُبلِّغُها أو لَیُعذِّبُنی.

یا أیّها الناس إنَّ الله أمرکم فی کتابه بالصلاة ، فقد بیّنها لکم ، والزکاة والصوم والحجّ ، فبیّنتها لکم ، وفسّرتُها ، وأمرکم بالولایة ، وإنّی أُشهدکم أنَّها لهذا خاصّة ، - ووضع یده علی علیِّ بن أبی طالب - ثمّ لابنیه بعده ، ثمّ للأوصیاء من بعدهم من ولدهم ، لا یُفارقون القرآن ، ولا یفارقهم القرآن ؛ حتی یَرِدوا علیَّ حوضی.

أیّها الناس قد بیّنتُ لکم مفزعکم بعدی وإمامکم وولیّکم وهادیکم ، وهو أخی علیّ بن أبی طالب ، وهو فیکم بمنزلتی فیکم ، فقلّدوه دینکم ، وأطیعوه فی جمیع أُمورکم ، فإنّ عنده جمیع ما علّمنی الله من علمه وحکمته ، فسلوه وتعلّموا منه ومن

أوصیائه بعده ، ولا تُعلّموهم ، ولا تتقدّموهم ، ولا تَخلّفوا عنهم ؛ فإنّهم مع الحقِّ والحقُّ معهم ، لا یُزایلونه ولا یُزایلهم ، ثمّ جلسوا». الحدیث.

هذا لفظ الحمّوئی ، وفی کتاب سلیم(1) نفسِهِ اختلافٌ یسیر وزیادات. ویأتیک کلامنا حول سلیم وکتابه. 1.

ص: 338


1- کتاب سلیم بن قیس : 2 / 636 ح 11.

3 - مناشدة أمیر المؤمنین علیه السلام یوم الرحبة سنة (35)(1)

اشارة

إنَّ أمیر المؤمنین علیه السلام لَمّا بلغه اتِّهام الناس له فیما کان یرویه من تقدیم رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إیّاه علی غیره ، ونوزع فی خلافته ، حضر فی مجتمع الناس بالرحبة فی الکوفة ، واستنشدهم بحدیث الغدیر ؛ ردّاً علی من نازعه فیها ، وقد بلغ الاهتمام بهذه المناشدة إلی أن رواها غیرُ یسیر من التابعین ، وتظافرت إلیها الأسانید فی کتب العلماء ، ونحن وقفنا علی روایة أربعة صحابیین ، وأربعة عشر تابعیّاً(1) ، فإلی الملتقی :

1 - أبو سلیمان المؤذِّن - المترجم (ص 62) - :

قال ابن أبی الحدید فی شرح نهج البلاغة(2) (1 / 362) : روی أبو إسرائیل(3) ، عن الحکم(4) ، عن أبی سلیمان المؤذِّن - هذا سند أحمد الآتی - :

أنَّ علیّاً علیه السلام نشد الناس : «من سَمِع رسول الله صلی الله علیه وسلم یقول : من کنتُ مولاه فعلیّ مولاه ؟» فشهد له قومٌ ، وأمسک زید بن أرقم ، - فلم یشهد ، وکان یعلمها ! - فدعا علیّ علیه السلام علیه بذهاب البصر فعَمِیَ ، فکان یحدِّث الناس بالحدیث بعد ما کُفَّ بصره.

ویأتی بطرق أخری عنه عن زید بن أرقم ، ولعلّ هذا من ذلک ، وفیه سقط(5). عن

ص: 339


1- کثیر من طرق هذه المناشدة صحیح رجاله ثقات. (المؤلف)
2- شرح نهج البلاغة : 4 / 74 خطبة 56.
3- إسماعیل بن خلیفة الملّائی المتوفّی (169) ، وثّقه الحافظ الهیثمی فی مجمعه وصحّح حدیثه. (المؤلف)
4- هو ابن عتیبة الثقة ، المترجم (ص 63). (المؤلف)
5- بل السقط متیقّن ؛ فالطرق والمصادر الکثیرة الآتیة فی زید بن أرقم فیها کلّها عن أبی سلمان عن

2 - أبو القاسم أصبغ بن نُباتة - المترجم (ص 62) - : روی ابن الأثیر فی أُسد الغابة(1) (3 / 307 و 5 / 205) عن الحافظ ابن عقدة عن محمد بن إسماعیل بن إسحاق الراشدی ، حدّثنا محمد بن خلف النمیری ، حدّثنا علیّ بن الحسن العبدی عن الأصبغ قال :

نشد علیٌّ الناس فی الرحبة : «من سمِع النبیّ صلی الله علیه وسلم یوم غدیر خُمّ ما قال إلّا قام ، ولا یقوم إلّا من سمع رسول الله صلی الله علیه وسلم یقول».

فقام بضعة عشر رجلاً فیهم أبو أیّوب الأنصاریّ ، وأبو عمرة بن عمرو بن محصن ، وأبو زینب - بن عوف الأنصاری - وسهل بن حنیف ؛ وخزیمة بن ثابت ، وعبدالله بن ثابت الأنصاریّ ، وحُبشی بن جنادة السلولی ، وعُبید بن عازب الأنصاریّ ، والنعمان بن عجلان الأنصاریّ ، وثابت بن ودیعة الأنصاریّ ، وأبو فضالة

الأنصاریّ ، وعبدالرحمن بن عبد ربّ الأنصاریّ ، فقالوا :

نشهد أنَّا سمعنا رسول الله صلی الله علیه وسلم یقول : «ألا من کنتُ مولاه فعلیّ مولاه ، أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه ، وأحبَّ من أحبّه وأبغض من أبغضه ، وأعن من أعانه».

وفی أُسد الغابة(2) عن الأصبغ بن نباتة : قال : 6.

ص: 340


1- أُسد الغابة : 3 / 469 رقم 3341.
2- المصدر السابق : 6 / 130 رقم 5926.

نشد علیٌّ الناس من سمع رسول الله صلی الله علیه وسلم یقول یوم غدیر خُمّ ما قال إلّا قام.

فقام بضعة عشر فیهم أبو أیّوب الأنصاریّ ، وأبو زینب ، فقالوا : نشهد أنَّا سمعنا رسول الله صلی الله علیه وسلم وأخذ بیدک یوم غدیر خُمّ ، فرفعها ، فقال :

«ألستم تشهدون أنّی بلّغت ونصحت ؟ [قالوا : نشهد أنَّک قد بلّغت ونصحت.](1) قال : ألا إنَّ الله عزّ وجلّ ولیّی وأنا ولیّ المؤمنین ، فمن کنتُ مولاه فهذا علیّ مولاه ، أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه ، وأحِبَّ من أحبّه ، وأعِن من أعانه ، وأبغض من أبغضه». أخرجه أبو موسی.

ورواه ابن حجر العسقلانی فی الإصابة (2 / 408) من طریق ابن عقدة عن الأصبغ قال :

لمّا نشد علیٌّ الناس فی الرحبة من سمِع [النبیّ صلی الله علیه وسلم یقول یوم غدیر خُمّ ما قال إلّا قام ، ولا یقوم إلّا من سمع](2) ، فقام بضعة عشر رجلاً ، منهم : أبو أیّوب وأبو زینب ، وعبدالرحمن بن عبد ربّ ، فقالوا : نشهد أنَّا سمعنا رسول الله صلی الله علیه وسلم یقول وأخذ بیدک یوم غدیر خُمّ فرفعها فقال : «ألستُم تشهدون أنّی قد بلّغت ؟» قالوا : نشهد.

قال : «فمن کنتُ مولاه فعلیٌّ مولاه».

ورواه فی الإصابة (4 / 80) وقال : قال أبو موسی : ذکره أبو العبّاس بن عقدة فی کتاب الموالاة من طریق علیّ بن الحسن العبدیّ ، عن سعد هو الإسکاف ، عن الأصبغ ابن نباتة ، قال :

نشد علیٌّ الناسَ فی الرحبة من سمع رسول الله صلی الله علیه وسلم یقول یوم غدیر خُمّ ما قال ، إلّا قام ، فقام بضعة عشر رجلاً منهم أبو أیّوب ، وأبو زینب بن عوف ، فقالوا : ر.

ص: 341


1- ما بین المعقوفین أثبتناه من المصدر.
2- ما بین المعقوفین أثبتناه من المصدر.

نشهد أنَّا سمعنا رسول الله صلی الله علیه وسلم یقول ، وأخذ بیدک یوم غدیر خُمّ فرفعها ، فقال : «ألستم تشهدون أنّی قد بلّغت ؟» قالوا : نشهد. قال : «فمن کنتُ مولاه فعلیٌّ مولاه».(1)

3 - حَبَّة بن جُوَیْن العُرَنی ، أبو قُدامة البجلیّ ، الصحابیّ : المتوفّی (76 ، 79).

روی الحافظ ابن المغازلی الشافعی فی المناقب(2) عن أبی طالب محمد بن أحمد ابن عثمان ، عن أبی عیسی الحافظ ، یرفعه إلی حبّة العُرَنی ، یذکر یوم الغدیر واستنشاد علیٍّ به ، فقال : فقام اثنا عشر رجلاً من أهل بدر منهم : زید بن أرقم فقالوا : نشهد أنَّا سمعنا رسول الله صلی الله علیه وسلم یقول یوم غدیر خُمّ : «من کنتُ مولاه فعلیّ مولاه». الحدیث.

ومرّ (ص 24) عن الدولابیّ بإسناده عن أبی قُدامة ، قال : نشد الناسَ علیٌّ فی الرحبة ، فقام بضعة عشر رجلاً ، فیهم رجل علیه جبّة علیها إزارٌ حضرمیّة ، فشهدوا .... الحدیث.(3)

4 - زاذان بن عمر - المترجم (ص 64) - :

أخرج أحمد إمام الحنابلة فی مسنده(4) (1 / 84) قال : حدّثنا ابن نمیر ، حدّثنا 2.

ص: 342


1- وأخرجه عنه الذهبی فی کتابه فی الغدیر :برقم 123 وهو قبل آخر الکتاب بحدیث ، قال : أنبأ أحمد بن أبی الخیر عن عبد الغنیّ بن سرور الحافظ ... عن الأصبغ بن نباتة قال : نشد علیّ الناس فی الرحبة .... (الطباطبائی)
2- مناقب علیّ بن أبی طالب علیه السلام : ص 20 ح 27.
3- وممّن أخرج حدیث المناشدة عن حبّة بن جُوَین العرنی الحافظ الطبرانی فی المعجم الکبیر : ح 5058 ، والدارقطنی فی العلل : 3 / 225 سؤال 375 وفی ص 226 أیضاً . وأخرجه ابن عدیّ فی الکامل : ص 216 فی ترجمة محمد بن سلمة بن کهیل بإسناده عنه ، عن أبیه ، عن حبّة . ولا یضرّنا تضعیف القوم لبعض هؤلاء ، فقد قال الذهبی فی تاریخ الإسلام فی ترجمة أمیر المؤمنین علیه السلام بعد إیراد حدیث الغدیر والمناشدة بعدّة طرق قال فی ص 632 : وله طرق أخری ساقها الحافظ ابن عساکر فی ترجمة علیّ یصدّق بعضها بعضاً. (الطباطبائی)
4- مسند أحمد : 1 / 135 ح 642.

عبدالملک ، عن أبی عبدالرحیم الکندی ، عن زاذان بن عمر ، قال :

سمعتُ علیّاً فی الرحبة ، وهو ینشد الناس من شهد رسول الله صلی الله علیه وسلم یوم غدیر خُمّ وهو یقول ما قال.

فقام ثلاثة عشر رجلاً ، فشهدوا أنَّهم سَمِعوا رسول الله صلی الله علیه وسلم وهو یقول : «من کنتُ مولاه فعلیٌّ مولاه».

ورواه عن زاذان(1) الحافظ الهیثمیّ فی مجمع الزوائد (9 / 107) من طریق أحمد باللفظ المذکور ، وأبو الفرج ابن الجوزی فی صفة الصفوة (1 / 121) ، وأبو سالم محمد

ابن طلحة الشافعیّ فی مطالب السؤول (ص 54) - المطبوع سنة (1302) - وابن کثیر الشامیّ فی البدایة والنهایة (5 / 210 ، 7 / 348) من طریق أحمد ، وسبط ابن الجوزی فی تذکرته (ص 17) ، والسیوطیّ فی جمع الجوامع نقلاً عن أحمد ، وابن أبی عاصم فی السنّة ، کما فی کنز العمّال (6 / 407).(2) ی)

ص: 343


1- صفة الصفوة : 1 / 313 ، مطالب السؤول : ص 16 ، البدایة والنهایة : 5 / 229 حوادث سنة 10 ه و 7 / 385 حوادث سنة 40 ه ، تذکرة خواص الأمّة : ص 28 باب 2 ، جامع الأحادیث : 16 / 271 ح 7925 ، کتاب السنّة : ص 593 ح 1372 باب 202 ، کنز العمّال : 13 / 170 ح 36514.
2- زاذان بن عمر : صوابُه : زاذان أبو عمر ، وهو ثقة من رجال مسلم والأربعة والبخاری فی الأدب المفرد ، توفّی سنة 82. راجع تهذیب الکمال : 9 / 263 ، تاریخ الإسلام : 6 / 62. وممّن أخرج عنه حدیث المناشدة أحمد بن حنبل فی مناقب علیّ : ح 115 ، وفی فضائل الصحابة : ح 991 ، وقال محقّقه : إسناده صحیح. وابن عساکر فی تاریخه : رقم 524 ، وابن سیّد الکلّ فی الأنباء المستطابة : ص 60 ، والذهبی فی کتابه فی الغدیر : ح 45 و 46. والسیوطیّ فی مسند علیّ : ح 144 ، وفی جمع الجوامع ، والمتّقی فی کنز العمّال : 13 / 170 والشوکانی فی درّ السحابة : ص 211. (الطباطبائی)

5 - زِرّ بن حُبیش الأسدی - المترجم (ص 64) - :

قال الحافظ أبو عبدالله الزرقانیّ المالکیّ فی شرح المواهب (7 / 13) : أخرج ابن عقدة عن زرّ بن حُبیش قال :

قال علیٌّ : «من هاهنا من أصحاب محمد ؟» فقام اثنا عشر رجلاً ، فشهدوا أنَّهم سَمِعوا رسول الله صلی الله علیه وسلم یقول : «من کنتُ مولاه فعلیٌّ مولاه»(1).

6 - زیاد بن أبی زیاد - المترجم (ص 64) - :

أخرج أحمد بن حنبل فی مسنده(2) (1 / 88) قال : حدّثنا محمد بن عبد الله ، حدثنا الربیع - یعنی ابن أبی صالح الأسلمی - حدّثنا زیاد بن أبی زیاد :

سمعت علیّ بن أبی طالب رضی الله عنه یَنشُد الناس فقال : «أَنشُدُ الله رجلاً مسلماً سمع رسول الله صلی الله علیه وسلم یقول یوم غدیر خُمّ ما قال». قال : فقام اثنا عشر بدریّاً ، فشهدوا.

ورواه الحافظ الهیثمی فی مجمع الزوائد (9 / 106) من طریق أحمد ، وقال : رجاله ثقات ، وابن کثیر فی البدایة(3) (7 / 348) عن أحمد ، والحافظ محبّ الدین الطبری فی الریاض النضرة(4) (2 / 170) ، وذخائر العقبی (ص 67).(5)

7 - زید بن أرقم الأنصاریّ ، الصحابیّ :

أخرج أحمد(6) ، عن أسود بن عامر ، عن أبی إسرائیل ، عن الحکم ، عن أبی ا.

ص: 344


1- وممّن روی حدیث المناشدة عن زرّ بن حُبیش أبو موسی المدینی فی أسماء الصحابة وعنه ابن الأثیر فی أُسد الغابة : 1 / 441 ، وابن حجر فی الإصابة : 1 / 305 ، وعطاء الله بن فضل الله الهروی فی الأربعین حدیثاً : ح 13 ، والسیوطیّ فی قطف الأزهار المتناثرة : ص 278. (الطباطبائی)
2- مسند أحمد : 1 / 142 ح 672.
3- البدایة والنهایة : 7 / 384 حوادث سنة 40 ه.
4- الریاض النضرة : 3 / 114.
5- وممّن أخرجه عن زیاد ، الحافظ ابن عساکر فی تاریخه : رقم 532 ، والحافظ الضیاء فی المختارة : 2 / 80 ح 458 ، والشوکانی فی درّ السحابة : ص 211 . (الطباطبائی)
6- مسند أحمد : 6 / 510 ح 22633. وفیه : فقام ستة عشر رجلاً فشهدوا.

سلیمان ، عن زید بن أرقم قال :

نشد علیٌّ الناس فقال : «أَنشُد الله رجلاً سمع النبیّ صلی الله علیه وسلم یقول : من کنتُ مولاه فعلیّ مولاه ، أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه».

فقام اثنا عشر رجلاً بدریّاً ، فشهدوا بذلک ، وکنت فیمن کتم ، فذهب بصری.

وأخرجه الهیثمی فی مجمع الزوائد (9 / 106) عن أحمد والطبرانی فی الکبیر(1) باللفظ المذکور ، ووثّق رجاله ، وقال : وفی روایة عنده : وکان علیٌّ دعا علی من کتم(2).

ورواه ابن المغازلی فی المناقب(3) عن أبی الحسین علیّ بن عمر بن عبدالله بن

شوذب ، عن أبیه ، عن محمد بن الحسین الزعفرانی ، عن أحمد(4) بن یحیی بن عبدالحمید ، عن أبی إسرائیل ، عن الحکم ، عن أبی سلیمان ، عن زید باللفظ المذکور ،

وفیه :

وکنت أنا ممّن کتم ، فذهب الله ببصری ، وکان علیّ - کرّم الله وجهه - دعا علی من کتم.

ورواه الشیخ إبراهیم الوصّابی فی الاکتفاء باللفظ المذکور عن الطبرانی فی المعجم الکبیر.

وروی الحافظ محبّ الدین الطبری فی ذخائر العقبی (ص 67) عن زید أنَّه قال :

نشد علیٌّ الناس فقال : «أَنشُد الله رجلاً سمع النبیّ صلی الله علیه وسلم یقول یوم غدیر خم : من ی)

ص: 345


1- المعجم الکبیر : 5 / 175 ح 4996.
2- المصدر السابق : 5 / 171 ح 4985.
3- مناقب علیّ بن أبی طالب علیه السلام : ص 23 ح 33.
4- الإسناد محرّف ، وصوابه أحمد عن یحیی ... وأحمد هذا هو ابن أبی خیثمة النسائی المتوفّی سنة 279 من شیوخ الزعفرانی. (الطباطبائی)

کنتُ مولاه فعلیّ مولاه ، أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه».

فقام ستة عشر رجلاً فشهدوا بذلک.

وبهذا اللفظ رواه الهیثمی فی مجمعه (ص 107) من طریق أحمد ، ورواه السیوطی فی جمع الجوامع کما فی کنز العمّال(1) (6 / 403) نقلاً عن المعجم الأوسط للطبرانی(2) ، وفیه : فقام اثنا عشر رجلاً ، فشهدوا بذلک.

وأخرج الحافظ محمد بن عبدالله(3) - المترجم (ص 104) - فی فوائده - الموجودة فی مکتبة الحرم الإلهی - قال :

حدّثنا محمد بن سلیمان بن الحرث ، حدّثنا عبیدالله بن موسی ، حدّثنا أبو إسرائیل الملّائی ، عن الحکم ، عن أبی سلیمان المؤذِّن ، عن زید :

أنَّ علیّاً انتشد الناس من سمِع رسول الله یقول : «من کنتُ مولاه فعلیّ مولاه ، أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه»

فقام ستة عشر رجلاً ، فشهدوا بذلک وکنتُ فیهم(4). ف)

ص: 346


1- کنز العمّال : 13 / 157 ح 36485.
2- المعجم الأوسط : 2 / 576 ح 1987.
3- هو أبو بکر الشافعی المتوفّی سنة 354 وفوائده هی المعروفة بالغیلانیّات ، مخطوطة منها فی مکة المکرّمة فی مکتبة الحرم المکی من مخطوطات القرن السادس مقروّة علی الوزیر ابن هبیرة ، ومنها مخطوطة فی المکتبة الظاهریة فی المجموع رقم 49 ، قرأها کلّها شیخنا المؤلّف رحمه الله ، واستخرج فوائدها وأدرجها فی کتابه القیم : ثمرات الأسفار. وهنا علّق شیخنا المؤلّف رحمه الله بخطّه فی نسخته الخاصة ما یلی : هذه الفوائد فی أحد عشر جزءاً تعرف بالغیلانیّات لکونها مستفادة من روایة أبی طالب محمد بن محمد بن إبراهیم بن غیلان البزّاز ، سمع منه سنة 352 ، وقد وقفنا علیها - ولله الحمد - فی المکتبة الظاهریة بدمشق. (الطباطبائی)
4- المراد من قوله : وکنت فیهم : أنَّه کان فی المخاطَبین المقصودین بالمناشدة ، لا فی الشهود منهم ، لما مرّ عن زید نفسه من أنَّه کان ممّن کَتَم ، وأنَّه من جرّاء ذلک ذهب بصره ، فما یؤثر عنه من روایته للحدیث فهو بعد إصابة الدعوة ، کما سیأتی تفصیله ، أو قبل أن تخالجه الهواجس المُردیة. (المؤلف)

وحکاه عنه ابن کثیر فی البدایة والنهایة(1) (7 / 346).(2)

8 - زید بن یُثیع - المترجم (ص 64) - :

أخرج أحمد بن حنبل فی المسند(3) (1 / 118) قال : حدّثنا علیّ بن حکیم الأودی ، أنبأنا شریک عن أبی إسحاق ، عن سعید بن وهب وزید بن یُثیع قالا :

نشد علیٌّ الناس فی الرحبة : «من سمع رسول الله صلی الله علیه وسلم یقول یوم غدیر خُمّ إلّا قام».3.

ص: 347


1- البدایة والنهایة : 7 / 383 حوادث سنة 40 ه.
2- وتجد حدیث المناشدة من روایة زید بن أرقم فی مسند أحمد بن حنبل : 1 / 118 من زیادات ابنه عبدالله ، وفی طبعة أحمد شاکر ، برقم 952 وقال : إسناده صحیح . وأخرجه ابن جریر الطبری فی کتابه فی حدیث الغدیر ، وعنه الذهبی فی کتابه فی الغدیر : برقم 21. وأخرجه الحافظ الطبرانی فی المعجم الأوسط : ح 1987 وفی الکبیر : ح 5058 و 4996 وفیه : فقام اثنا عشر بدریّاً فشهدوا ... ، وکنت فیمن کتم ؛ فذهب بصری و 4985 وفیه : فقام ستّة عشر رجلا فشهدوا. قال زید بن أرقم : فکنت فیمن کتم ؛ فذهب بصری [وکان علیّ رضی الله عنه دعا علی من کتم]. انتهی . وأخرجه أبو القاسم هبة الله بن الحصین فی الجزء الثانی من أمالیه الموجود فی المجموع 98 من مجامیع الظاهریة فی مکتبة الأسد الوطنیة فی دمشق ، وقال : هذا حدیث حسن صحیح المتن وإسناده عال . وأخرجه السیّد أبو المعالی العلوی السمرقندی فی عیون الأخبار : ق 25 ظ وفیه : وکنت أنا ممّن کتم ! قال أبو إسرائیل : فبلغنی أنَّه علیه السلام دعا علیه فذهب بصره. وأخرجه إبراهیم بن عبدالرحمن بن إبراهیم المقدسی فی فضائل الصحابة الموجود فی المجموع 91 من مجامیع المکتبة الظاهریة فی مکتبة الأسد ، وأخرجه الحافظ ابن عساکر فی تاریخه : برقم 503 و 519 ، والمزّی فی تهذیب الکمال : 33 / 368 فی ترجمة أبی سلمان فی الکنی ، وابن العدیم فی بغیة الطلب : 9 / 3965 وفیه : فقام ستّة عشر رجلاً فشهدوا. والباعونی فی جواهر المطالب : ق 86 / ب ، والشهاب الإیجی فی توضیح الدلائل : ق 197. وأخرجه الذهبی فی کتابه فی الغدیر : ح 21 ، 68 ، 69 ، وأورده الألبانی فی سلسلة الأحادیث الصحیحة : 4 / 333. (الطباطبائی)
3- مسند أحمد : 1 / 189 ح 953.

قال : فقام من قِبَل سعد ستّة ، ومن قِبَل زید ستّة ، فشهدوا أنَّهم سمعوا رسول الله صلی الله علیه وسلم یقول لعلیّ یوم غدیر خمّ : «ألیس رسول الله أولی بالمؤمنین ؟ قالوا : بلی.

قال : أللّهمّ من کنتُ مولاه فعلیٌّ مولاه ، أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه».

ورواه من طریق أحمد بهذا اللفظ ابن کثیر فی البدایة والنهایة(1) (5 / 210) ، والکنجیّ الشافعیّ فی کفایة الطالب(2) (ص 17) ، والجزریّ فی أسنی المطالب(3) (ص 4).

وروی النسائی فی الخصائص(4) (ص 22) ، عن القاضی علیّ بن محمد بن علیّ ، عن خلف - بن تمیم - عن شعبة(5) ، عن أبی إسحاق ، عن سعید وزید. وفی (ص 23)

عن أبی داود - سلیمان الحرّانی - ، عن عمران بن أبان المتوفّی (205) عن شریک ، عن

أبی إسحاق ، عن زید قال :

سمعت علیّ بن أبی طالب رضی الله عنه یقول علی منبر الکوفة : «إنّی أَنشُدُ الله رجلاً - ولا یشهد إلّا أصحاب محمد - سمع رسول الله صلی الله علیه وسلم یوم غدیر خُمّ یقول : من کنتُ مولاه فعلیٌ مولاه ، أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه».

فقام ستّة من جانب المنبر الآخر(6) ، فشهدوا أنَّهم سمعوا رسول الله صلی الله علیه وسلم یقول ذلک.

قال شریک : فقلت لأبی إسحاق : هل سمعت البراء بن عازب یحدِّث بهذا عن ف)

ص: 348


1- البدایة والنهایة : 5 / 229 حوادث سنة 10 ه.
2- کفایة الطالب : ص 63.
3- أسنی المطالب : ص 49.
4- خصائص أمیر المؤمنین : ص 101 ح 87 ، ص 102 ح 88 ، وفی السنن الکبری : 5 / 131 ح 8472 ، 132 ح 8473.
5- فی الطبعة التی بین أیدینا من السنن الکبری : ... عن خلف عن إسرائیل عن أبی إسحاق ....
6- فیه سقط ولعلّه کذا : فقام ستّة من جانب المنبر ، وستّة من جانبه الآخر. (المؤلف)

رسول الله ؟ قال : نعم.

وأخرج ابن جریر الطبری ، عن أحمد بن منصور ، عن عبیدالله بن موسی ، عن فطر بن خلیفة ، عن أبی إسحاق ، عن سعید بن وهب وزید بن یُثیع وعمرو ذی مرّ :

أنَّ علیّاً أنشد الناس بالکوفة ... وذکر الحدیث. حکاه عن ابن جریر ابن کثیر فی تاریخه(1) (5 / 210).

وأخرجه الحافظ ابن عقدة ، عن الحسن بن علیّ بن عفّان العامری ، عن عبیدالله بن موسی ، عن فطر ، عن أبی إسحاق ، عن عمرو بن مرّة وسعید بن وهب وزید بن یُثیع ، قالوا : سمعنا علیّاً یقول فی الرحبة ... فذکر الحدیث ، وفیه :

فقام ثلاثة عشر رجلاً ، فشهدوا أنَّ رسول الله قال : «من کنت مولاه فعلیّ مولاه ، أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه ، وأحبَّ من أحبّه ، وأبغض من أبغضه ، وانصُر من نصره واخذُل من خذله».

قال أبو إسحاق حین فرغ من هذا الحدیث : یا أبا بکر أیّ أشیاخ هم ؟!

رواه عن ابن عقدة ، ابن کثیر فی تاریخه(2) (7 / 347).

ورواه الحافظ الهیثمی فی مجمع الزوائد (9 / 105) من طریق البزّار وقال : رجاله رجال الصحیح غیر فطر وهو ثقة ، وفی (ص 107) رواه من طریق البزّار وعبدالله بن أحمد.

ورواه السیوطیّ فی جمع الجوامع(3) کما فی کنز العمّال(4) (6 / 403) عن أبی 7.

ص: 349


1- البدایة والنهایة : 5 / 229 حوادث سنة 10 ه.
2- المصدر السابق : 7 / 384 حوادث سنة 40 ه.
3- جامع الأحادیث : 16 / 263 ح 7899.
4- کنز العمّال : 13 / 158 ح 36487.

إسحاق ، عن عمرو ذی مرّ وسعید بن وهب وزید بن یثیع نقلاً عن الحفّاظ : البزّار ، وابن جریر ، والخلعی فی الخلعیّات ، ثمّ قال : قال الهیثمی : رجالُ إسناده ثقاتٌ ،

ولفظهم : قالوا : سمعنا علیّاً یقول : «نشدتُ الله رجلاً سمع رسول الله صلی الله علیه وسلم یقول یوم غدیر خُمّ ما قالَ لمّا قام».

فقام ثلاثة عشر رجلاً ، فشهدوا أنَّ رسول الله صلی الله علیه وسلم قال : «ألستُ أولی بالمؤمنین من أنفسهم ؟ قالوا : بلی یا رسول الله.

فأخذ بید علیّ ، وقال : من کنتُ مولاه فعلیٌّ مولاه ، أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه ، وأحبَّ من أحبّه وأبغض من أبغضه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله».

وذکره الشیخ یوسف النبهانی فی الشرف المؤبّد(1) (ص 113) من طریق ابن أبی شیبة(2) ، عن زید بن یُثیع.(3) ی)

ص: 350


1- الشرف المؤبّد : ص 269.
2- مصنّف ابن أبی شیبة : 12 / 68 ح 12141.
3- توجد روایة زید بن یثیع حدیثَ المناشدة فی مسند البزّار : رقم 786 ، کشف الأستار : ح 2541. وأخرجه النسائی فی السنن الکبری : ح 8472 و 8483 وفی الخصائص : ح 87 ، 98 ، 88 ، وقال محقّقة : صحیح ، رجال إسناده ثقات سوی خلف بن تمیم فهو صدوق وقد توبع . وأخرجه ابن أبی عاصم فی کتاب السنّة : ح 1370 ، 1374 ، والطبری فی کتاب الغدیر وعنه الذهبی فی کتابه فی الغدیر : رقم 20 ، قال : هکذا روی الحدیث بتمامه ابن جریر الطبری : حدّثنا عبید ابن غنّام ، حدّثنا الأودی .. وأخرجه الطبری بإسناد آخر وعنه الذهبی : برقم 41. والدارقطنی فی العلل : 3 / 224 سؤال 225 وأخرجه : الحسن بن رشیق فی المنتقی من حدیثه عن شیوخه الموجود فی المجموع 115 من مخطوطات الظاهریة فی مکتبة الأسد الوطنیة . وأخرجه ابن عساکر فی تاریخه : رقم 517 - 519 ، والضیاء المقدسی فی المختارة : رقم 464 و 480. والمزّی فی تهذیب الکمال : 11 / 100 ، والذهبی فی کتابه فی الغدیر : برقم 23 و 24 و 41 و 19 وفیه : صعد علیّ المنبر . (الطباطبائی)

9 - سعید بن أبی حدّان - المترجم (ص 65) - :

روی شیخ الإسلام الحمّوئی فی فرائد السمطین فی الباب العاشر(1) قال :

أخبرنا الشیخ عماد الدین عبدالحافظ بن بدران بقراءتی علیه ، قلت له : أخبرک القاضی محمد بن عبدالصمد بن أبی الفضل الحرستائی إجازةً ؟ [فأقرَّ به] ، قال : أنبأنا

أبو عبدالله محمد بن الفضل الغراوی إجازةً ، قال : أنبأنا أبو بکر أحمد بن الحسین البیهقی الحافظ ، قال : أنبأنا أبو بکر أحمد بن الحسین القاضی ، قال : أنبأنا أبو جعفر محمد بن علیّ بن دحیم ، قال : أنبأنا أحمد بن حازم بن أبی غرزة ، قال : أنبأنا أبو غسّان - مالک - قال : أنبأنا فضیل بن مرزوق ، عن أبی إسحاق ، عن سعید بن أبی حدّان وعمرو ذی مرّ ، قالا :

قال علیّ : «أَنشُد الله ، ولا أَنشُد إلّا أصحاب رسول الله ، من سمع خطبة رسول الله صلی الله علیه وسلم یوم غدیر خمّ».

قال : فقام اثنا عشر رجلاً : ستّة من قِبَل سعید وستّة من قِبَل عمرو ذی مرّ ، فشهدوا : أنَّهم سمعوا رسول الله صلی الله علیه وسلم یقول(2) : «أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه ، وانصر من نصره ، وأحبّ من أحبّه ، وأبغض من أبغضه».

10 - سعید بن وهب - المترجم (ص 65) - :

أخرج ابن حنبل فی مسنده(3) (1 / 118) عن علیّ بن حکیم الأودی ، عن شریک ، عن أبی إسحاق ، عن سعید وزید بن یُثیع بلفظ أسلفناه (ص 156) ، وروی فی (5 / 366) عن محمد بن جعفر ، عن شعبة ، عن أبی إسحاق ، قال : سمعت سعید بن وهب ، قال : 7.

ص: 351


1- فرائد السمطین : 1 / 68 ح 34.
2- کذا لفظه فی النسخة ، ولا یخفی علیک ما فیه من السقط. (المؤلف)
3- مسند أحمد : 1 / 189 ح 953 و 6 / 504 ح 22597.

نشد علیٌّ الناس ، فقام خمسة أو ستّة من أصحاب النبیِّ صلی الله علیه وسلم فشهدوا : أنَّ رسول الله صلی الله علیه وسلم قال : «من کنتُ مولاه فعلیٌّ مولاه».

وروی النسائی فی الخصائص(1) (ص 26) عن الحسین بن حریث المروزی ، قال : أخبرنا الفضل بن موسی ، عن الأعمش - سلیمان - عن أبی إسحاق - عمرو - عن سعید ، قال :

قال علیٌّ - کرّم الله وجهه - فی الرحبة : «أَنشُدُ بالله من سمِع رسول الله صلی الله علیه وسلم یوم غدیر خُمّ یقول : إنَّ الله ورسوله ولیُّ المؤمنین ، ومن کنتُ ولیّه فهذا ولیّه ، أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه ، وانصر من نصره».

قال : فقال سعید : قام إلی جنبی ستّة ، وقال زید بن یُثیع : قام عندی ستّة ، وقال عمرو ذی مرّ : «أحبّ من أحبّه ، وأبغض من أبغضه». وساق الحدیث.

رواه إسرائیل ، عن أبی إسحاق ، عن عمرو ذی مرّ. ورواه(2) (ص 40) عن یوسف بن عیسی ، عن الفضل بن موسی ، عن الأعمش ... إلی آخر السند واللفظ.

وقال فی الخصائص(3) (ص 22) : أخبرنا محمد بن المثنی ، قال : حدّثنا محمد بن جعفر غندر ، قال : حدّثنا شعبة عن أبی إسحاق ، قال : حدّثنی سعید بن وهب ، قال :

قام خمسة أو ستّة من أصحاب رسول الله صلی الله علیه وسلم فشهدوا : أنَّ رسول الله صلی الله علیه وسلم قال : «من کنتُ مولاه فعلیٌّ مولاه».

وأخرج العلّامة العاصمی فی زین الفتی ، عن أبی بکر الجلاب ، عن أبی سعید عبدالله بن محمد الرازی ، عن أبی أحمد بن مُنّة النیسابوریّ ، عن أبی جعفر الحضرمیّ ، 1.

ص: 352


1- خصائص أمیر المؤمنین : ص 117 ح 98 ، وفی السنن الکبری : 5 / 136 ح 8483.
2- المصدر السابق : ص 167 ح 157 ، وفی السنن الکبری : 5 / 154 ح 8542.
3- المصدر السابق : ص 101 ح 86 ، وفی السنن الکبری : 5 / 131 ح 8471.

عن علیّ بن سعید الکندی ، عن جریر بن السریّ الهمدانیّ ، عن سعید ، قال :

نَشَدَ أمیرُ المؤمنین - کرّم الله وجهه - الناس بالرحبة ، فقال : «أَنشُد الله رجلاً سمع رسول الله صلی الله علیه وسلم یقول : من کنتُ مولاه فعلیّ مولاه ، أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه». فقام اثنا عشر رجلاً فشهدوا.

وروی ابن الأثیر فی أُسد الغابة(1) (3 / 321) عن أبی العبّاس بن عقدة ، من طریق موسی بن النضر ، عن أبی غیلان سعد بن طالب ، عن أبی إسحاق ، عن سعید ابن وهب ، وعمرو ذی مرّ ، وزید بن یُثیع ، وهانی بن هانی ، وقال : قال أبو إسحاق :

وحدّثنی من لا أُحصی : أنَّ علیّاً نَشَدَ الناسَ فی الرحبة : «من سمع قولَ رسول الله صلی الله علیه وسلم : من کنتُ مولاه فعلیٌّ مولاه ، أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه».

فقام نفر ، فشهدوا أنَّهم سمعوا ذلک من رسول الله صلی الله علیه وسلم وکتم قومٌ ، فما خرجوا من الدنیا حتی عَمُوا ، وأصابتهم آفة ، منهم : یزید بن ودیعة ، وعبدالرحمن بن مدلج. أخرجه أبو موسی.

وحدیث بن عقدة هذا ذکره ابن حجر فی الإصابة (2 / 421) ، قال فی ترجمة عبدالرحمن بن مُدلج : ذکره أبو العبّاس بن عقدة فی کتاب الموالاة ، وأخرج من طریق موسی بن النضر بن الربیع الحمصی ، حدّثنی سعد بن طالب أبو غیلان ، حدّثنی أبو إسحاق ، حدّثنی من لا أُحصی :

أنَّ علیّاً نَشَد الناس فی الرحبة : «من سمِع قول رسول الله صلی الله علیه وسلم : من کنتُ مولاه فعلیّ مولاه».

فقام نفر - منهم عبدالرحمن بن مُدلج - فشهدوا : أنَّهم سمِعوا ذاک من رسول الله صلی الله علیه وسلم ، وأخرجه ابن شاهین عن ابن عقدة ، واستدرکه أبو موسی. 2.

ص: 353


1- أُسد الغابة : 3 / 492 رقم 3382.

وأنت تری کیف لعب ابن حجر بالحدیث سنداً ومتناً ، فقلبه ظهراً لبطن بإسقاط أسماء رواته الأربعة المذکورین فیه ، وحذف قصّة الکاتمین وإصابة الدعوة علیهم ، وعدّ عبدالرحمن بن مُدلج الکاتم للحدیث راویاً له ، وعدم ذکر یزید بن ودیعة رأساً. حیّا الله الأمانة فی النقل ، وکم لابن حجر نظیر ذلک فی خصوص الإصابة ؟!

ورواه الحافظ الهیثمی فی مجمع الزوائد (9 / 104) من طریق أحمد ، وقال : رجاله رجال الصحیح ، غیر فطر ، وهو ثقةٌ.

وابن کثیر فی تاریخه(1) (5 / 209) ، نقلاً عن أحمد بطریقیه والنسائی ، ومن طریق ابن جریر ، عن أحمد بن منصور ، عن عبدالرزّاق ، عن إسرائیل ، عن أبی إسحاق ، عن سعید وعبد خیر ، وفی (7 / 347) من طریق ابن عقدة بسند أسلفناه فی زید بن یُثیع ، ومن طریق الحافظ عبدالرزاق عن إسرائیل عن أبی إسحاق عن سعید ، ومن طریق أحمد عن محمد - غندر - عن شعبة عن أبی إسحاق عنه.

والخوارزمی فی المناقب(2) (ص 94) بإسناده إلی الحافظ عبدالرزّاق عن إسرائیل عن أبی إسحاق عنه وعن عبد خیر أنَّهما قالا :

سمعنا علیّاً برحبة الکوفة یقول : «أَنشُد الله من سمع رسول الله صلی الله علیه وسلم یقول : من کنتُ مولاه فعلیّ مولاه ؟».

قال : فقام عدّةٌ من أصحاب النبیّ صلی الله علیه وسلم فشهدوا جمیعاً : أنَّهم سمعوا رسول الله یقول ذلک.

وهناک طرق أخری مرّت فی زید بن یُثیع.(3) فی

ص: 354


1- البدایة والنهایة : 5 / 229 حوادث سنة 10 ه ، 7 / 384 حوادث سنة 40 ه.
2- المناقب : ص 156 ح 185.
3- وأخرج المناشدة من روایة سعید بن وهب أحمد فی کتاب مناقب علیّ علیه السلام : رقم 143 ، وفی

11 - أبو الطفیل عامر بن واثلة اللیثی الصحابی : المتوفّی (100 ، 102 ، 108 ، 110).

روی أحمد فی مسنده(1) (4 / 370) ، عن حسین بن محمد وأبی نعیم المعنی ، قالا : حدثنا فطر ، عن أبی الطفیل قال : جمع علیٌّ رضی الله عنه الناس فی الرحبة ، ثمّ قال لهم : «أَنشُد الله کلّ امرئ مسلم سمع رسول الله صلی الله علیه وسلم یقول یوم غدیر خُمّ ما سمع لمّا قام» فقام ثلاثون من الناس.

وقال أبو نعیم - المترجم (ص 85) - : فقام ناسٌ کثیرٌ ، فشهدوا حین أخذه بیده ، فقال للناس : «أتعلمون أنّی أولی بالمؤمنین من أنفسهم ؟ قالوا : نعم یا رسول الله.

قال : من کنتُ مولاه فهذا مولاه ، أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه». 5.

ص: 355


1- مسند أحمد : 5 / 498 ح 18815.

قال : فخرجتُ وکأنّ فی نفسی(1) شیئاً ، فلقیت زید بن أرقم ، فقلت له : إنّی

سمعت علیّاً - رضی الله تعالی عنه - یقول : کذا وکذا. قال : فما تنکر ؟ قد سمعت رسول الله صلی الله علیه وسلم یقول له ذلک.

وحکاه عن أحمد سنداً ومتناً الحافظ الهیثمی فی مجمعه (9 / 104) ، ثمّ قال : رجاله رجال الصحیح غیر فطر بن خلیفة ، وهو ثقة.

وأخرجه النسائی فی الخصائص(2) (ص 17) ، قال : أخبرنی هارون بن عبدالله البغدادی الحمّال ، قال : حدّثنا مصعب بن المقدام ، قال : حدّثنا فطر بن خلیفة ، عن أبی الطفیل.

وعن أبی داود قال : حدّثنا محمد بن سلیمان ، عن فطر ، عن أبی الطفیل باللفظ المذکور.

ورواه باللفظ المذکور أبو محمد أحمد بن محمد العاصمی فی زین الفتی ، عن شیخه ابن الجلاب ، عن أبی أحمد الهمدانی ، عن أبی عبدالله محمد الصفّار ، عن أحمد بن مهران ، عن علیّ بن قادم ، عن فطر ، عن أبی الطفیل.

وعن شیخه محمد بن أحمد ، عن علیّ بن إبراهیم بن علیّ الهمدانی ، عن محمد ابن عبدالله ، عن أحمد بن محمد اللبّاد ، عن أبی نعیم ، عن فطر ، عن أبی الطفیل.

وبهذا اللفظ رواه الکنجی فی کفایته(3) (ص 13) ، عن شیخه یحیی بن أبی المعالی محمد بن علیّ القرشی ، عن أبی علیّ حنبل بن عبد الله البغدادی ، عن أبی القاسم بن الحصین ، عن أبی علیّ بن المذهِّب ، عن أبی بکر القطیعی ، عن عبد الله بن أحمد ، عن أبیه ... إلی آخر سند أحمد. 5.

ص: 356


1- فی الریاض لمحبّ الدین الطبری [3 / 114] : فخرجت وفی نفسی من ریبةٍ شیء. (المؤلف)
2- خصائص أمیر المؤمنین : ص 113 ح 93 ، وفی السنن الکبری 5 / 134 ح 8478.
3- کفایة الطالب : ص 55.

وباللفظ المذکور رواه محبّ الدین الطبری فی الریاض النضرة(1) (2 / 169) وفی آخره : قلت لفطر - یعنی الذی روی عنه الحدیث - : کم بین القول وبین موته ؟ قال : مائة یوم.

أخرجه أبو حاتم وقال : یرید موت علیِّ بن أبی طالب(2).

ومن طریق أحمد ولفظه رواه ابن کثیر فی البدایة والنهایة(3) (5 / 211) ، والبَدَخشی فی نُزُل الأبرار(4) (ص 20).

وروی ابن الأثیر فی أُسد الغابة(5) (5 / 276) عن شیخه أبی موسی ، عن الشریف أبی محمد حمزة العلوی ، عن أحمد الباطرقانی ، عن أبی مسلم بن شهدل ، عن أبی العبّاس بن عقدة ، عن محمد الأشعری ، عن رجاء بن عبدالله ، عن محمد بن کثیر ، عن فطر وأبی الجارود ، عن أبی الطفیل قال :

کنّا عند علیّ رضی الله عنه فقال : «أَنشُد الله تعالی من شهد یوم غدیر خُمّ إلّا قام».

فقام سبعة عشر رجلاً ، منهم : أبو قدامة الأنصاری ، فقالوا :

نشهد أنَّا أقبلنا مع رسول الله صلی الله علیه وسلم من حجّة الوداع ، حتی إذا کان الظهر خرج رسول الله صلی الله علیه وسلم فأمر بشجرات فَشُدِدْنَ ، وأُلقی علیهنّ ثوبٌ ، ثمّ نادی الصلاة ، فخرجنا فصلّینا ، ثمّ قام ، فحمد الله ، وأثنی علیه ، ثمّ قال : 9.

ص: 357


1- الریاض النضرة 3 / 114.
2- وفی لفظ العاصمی : کم بین قول رسول الله إلی وفاته. وهذا التقدیر لا یلائم أیّاً من وفاة النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وأمیر المؤمنین - صلوات الله علیه - : أمّا الثانی فلأنّ المناشدة کانت فی أولیات خلافته الصوریّة سنة (35) ، وقد عاش بعدها ما یقرب من خمسة أعوام. وأمّا رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فتُوفِّی بعد یوم الغدیر بسبعین یوماً ، لکنّه إلی التقریب أقرب. (المؤلف)
3- البدایة والنهایة : 5 / 231 حوادث سنة 10 ه.
4- نُزُل الأبرار : ص 52.
5- أُسد الغابة : 6 / 252 رقم 6169.

«یا أیّها الناس أتعلمون أنَّ الله عزّ وجلّ مولای وأنا مولی المؤمنین ، وأنّی أولی بکم من أنفسکم ؟» یقول ذلک مراراً.

قلنا : نعم ، وهو آخذٌ بیدک یقول : «من کنتُ مولاه فعلیٌّ مولاه ، أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه». ثلاث مرّات.

أخرجه أبو موسی ، ورواه من طریق ابن عقدة عن کتابه الموالاة فی حدیث الغدیر ابن حجر فی الإصابة (4 / 159).

وروی السیّد نور الدین السمهودی فی جواهر العقدین(1) ، نقلاً عن الحافظ أبی نعیم الأصبهانی فی حلیة الأولیاء ، عن أبی الطفیل ، قال :

إنَّ علیّاً رضی الله عنه قام ، فحمد الله ، وأثنی علیه ، ثمّ قال : «أَنشُد الله من شهد یوم غدیر خُمّ إلّا قام ، ولا یقوم رجل یقول : إنّی نُبِّئتُ أو بلغنی ، إلّا رجل سمعت أُذُناه ، ووعاه قلبه».

فقام سبعة عشر رجلاً ، منهم : خزیمة بن ثابت ، وسهل بن سعد ، وعدیُّ بن حاتم ، وعقبة بن عامر ، وأبو أیّوب الأنصاری ، وأبو سعید الخُدری ، وأبو شریح الخزاعی ، وأبو قدامة الأنصاری ، وأبو لیلی(2) ، وأبو الهیثم بن التیّهان ، ورجالٌ من قریش ، فقال علیّ رضی الله عنه وعنهم : «هاتوا ما سمعتم».

فقالوا : نشهد أنَّا أقبلنا مع رسول الله صلی الله علیه وسلم من حجّة الوداع ، حتی إذا کان الظهر خرج رسول الله صلی الله علیه وسلم فأمر بشجرات فشُذِّبنَ وأُلقی علیهنّ ثوبٌ ، ثمّ نادی بالصلاة ، فخرجنا ، فصلّینا ، ثمّ قام ، فحمد الله ، وأثنی علیه ، ثمّ قال :

«أیّها الناس ما أنتم قائلون ؟ قالوا : قد بلّغت. قال : أللّهمّ اشهد. ثلاث مرّات. ف)

ص: 358


1- جواهر العقدین : الورقة 170.
2- فی ینابیع المودّة : أبو یعلی ، وهو شدّاد بن أوس المتوفّی (58). (المؤلف)

قال : إنّی أُوشِک أن أُدعی ، فأجیب ، وإنّی مسؤولٌ ، وأنتم مسؤولون.

ثمّ قال : أیّها الناس إنّی تارکٌ فیکم الثّقَلَین : کتاب الله ، وعترتی أهل بیتی ، إن

تمسّکتم بهما لن تَضِلّوا ، فانظروا کیف تخلفون(1) فیهما ، وإنَّهما لن یفترقا حتی یردا علیَّ الحوض ، نبّأنی بذلک اللطیف الخبیر.

ثمّ قال : إنَّ الله مولای ، وأنا مولی المؤمنین ، ألستم تعلمون أنّی أولی بکم من أنفسکم ؟ قالوا : بلی ذلک. ثلاثاً. ثمّ أخذ بیدک یا أمیر المؤمنین فرفعها ، وقال : من کنتُ مولاه فهذا علیٌّ مولاه : أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه.

فقال علیٌّ : صدقتم وأنا علی ذلک من الشاهدین».

وحکاه عن السمهودی صاحب ینابیع المودّة(2) (ص 38) ، وذکره بهذا اللفظ عن أبی الطفیل الشیخ أحمد بن الفضل بن محمد باکثیر المکیّ الشافعیّ فی وسیلة المآل

فی عدِّ مناقب الآل(1).


1- کذا.

12 - أبو عمارة عبد خیر بن یزید الهمدانیّ ، الکوفیّ - المترجم (ص 67) - :

أخرج الخوارزمی فی المناقب(1) (ص 94) بإسناده عن الحافظ أحمد بن الحسین

البیهقی ، قال : أخبرنی أبو محمد عبدالله بن یحیی بن هارون بن عبدالجبار السکری ببغداد ، أخبرنی إسماعیل بن محمد الصفّار ، حدّثنا أحمد بن منصور الرمادی ، حدّثنی

عبدالرزّاق ، حدّثنی إسرائیل عن أبی إسحاق قال : حدّثنی سعید بن وهب وعبد خیر .. ، إلی آخر ما مرّ (ص 174) ، ومرّ هناک عن ابن کثیر من طریق ابن جریر ، عن سعید وعبدخیر ، فراجع.(2)ی)

ص: 360


1- المناقب : ص 156 ح 185.
2- وأخرج حدیث المناشدة عن عبد خیر ، الطبری فی کتاب الغدیر ، وعنه ابن کثیر فی البدایة والنهایة 5 / 210 : حدّثنا أحمد بن منصور الرمادی ، حدّثنا عبدالرزّاق ... وأخرجه الدارقطنی فی العلل : 3 / 224 : عبد الرزّاق ، عن إسرائیل ، عن أبی إسحاق ، عن سعید بن وهب وعبد خیر . وفی ص 226 : الجرّاح بن الضحّاک ، عن أبی إسحاق ، عن عبدخیر وعمرو ذی مرّ وحبّة العرنی . وأخرجه ابن المغازلی فی کتاب مناقب أمیر المؤمنین علیه السلام : برقم 27 ، وأخرجه الحافظ ابن عساکر فی تاریخه : رقم 520 ، والذهبی فی کتابه فی الغدیر : برقم 38 وقال : إسناده قوی. ورواه ابن کثیر فی تاریخه کما تقدّم . (الطباطبائی)

13 - عبدالرحمن بن أبی لیلی - المترجم (ص 67) - : أخرج أحمد بن حنبل فی مسنده(1) (1 / 119) ، عن عبیدالله بن عمر القواریری ، حدّثنا یونس بن أرقم ، عن یزید بن أبی زیاد ، عن عبدالرحمن بن أبی لیلی ، قال :

شهدتُ علیّاً رضی الله عنه فی الرحبة ینشد الناس : «أَنشُد الله من سمع رسول الله صلی الله علیه وسلم یقول یوم غدیر خُمّ : من کنتُ مولاه فعلیّ مولاه ، لمّا قام فشهد».

قال عبدالرحمن : فقام اثنا عشر بدریّاً کأنّی أنظر إلی أحدهم(2) ، فقالوا : نشهد أنَّا سمعنا رسول الله صلی الله علیه وسلم یقول یوم غدیر خُمّ :

«ألستُ أولی بالمؤمنین من أنفسهم وأزواجی أمّهاتهم ؟

فقلنا : بلی یا رسول الله.

قال : فمن کنتُ مولاه فعلیٌّ مولاه ، أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه».

وأخرج أیضاً(3) (ص 119) عن أحمد بن عمر الوکیعی ، حدّثنا زید بن الحباب ، حدّثنا الولید بن عقبة بن نزار العبسی ، حدّثنی سماک بن عبید بن الولید العبسی ، قال : دخلت علی عبدالرحمن بن أبی لیلی ، فحدّثنی : أنَّه شهد علیّاً رضی الله عنه فی الرحبة ، قال : «أَنشُد الله رجلاً سمع رسول الله صلی الله علیه وسلم وشهده یوم غدیر خُمّ إلّا قام ، ولا یقوم إلّا من قد رآه».

فقام اثنا عشر رجلاً ، فقالوا : قد رأیناه وسمعناه حیث أخذ بیده یقول : «أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله». 7.

ص: 361


1- مسند أحمد : 1 / 191 ح 964.
2- فی اللفظ سقط ، راجع ما یأتی بُعیدَ هذا حکایةً عن ابن الأثیر فی أُسد الغابة : 4 / 28 [4 / 108 رقم 3783]. (المؤلف)
3- مسند أحمد : 1 / 192 ح 967.

فقام(1) إلّا ثلاثة لم یقوموا ، فدعا علیهم ، فأصابتهم دعوته.

وروی أحمد بن محمد العاصمی فی زین الفتی ، عن الشیخ الزاهد أبی عبدالله أحمد بن المهاجر ، عن الشیخ الزاهد أبی علیّ الهروی ، عن عبدالله بن عروة ، عن یوسف بن موسی القطّان ، عن مالک بن إسماعیل ، عن جعفر بن زیاد الأحمر ، عن یزید بن أبی زیاد ، وعن مسلم بن سالم ، عن عبدالرحمن بلفظه الأوّل من حدیثَی أحمد المذکور.

وبذلک اللفظ رواه الخطیب البغدادی فی تاریخه (14 / 236) ، عن محمد بن عمر ابن بکیر ، قال : أخبرنا أبو عمر یحیی بن محمد بن عمر الأخباری سنة (363) عن أبی جعفر أحمد بن محمد الضبعی ، حدّثنا عبدالله بن سعید الکندی أبو سعید الأشجّ ، حدّثنا العلاء بن سالم العطّار ، عن یزید بن أبی زیاد ، عن عبدالرحمن ، قال : سمعتُ

علیّاً بالرحبة ... الحدیث.

وأخرج الطحاوی فی مشکل الآثار (2 / 308) عن عبدالرحمن ، قال :

سمعت علیّاً ینشد یقول : «أُشهد الله کلَّ امرئ سمع رسول الله صلی الله علیه وسلم یقول یوم غدیر خُمّ إلّا قام».

فقام اثنا عشر بدریّاً ، فقالوا : أخذ رسول الله بید علیّ فرفعها ، فقال : «یا أیّها الناس ألستُ أولی بالمؤمنین من أنفسهم ؟ قالوا : بلی یا رسول الله.

قال : أللّهمّ من کنتُ مولاه فهذا مولاه ...» وذکر الحدیث.

وروی ابن الأثیر فی أُسد الغابة(2) (4 / 28) ، عن أبی الفضل بن عبیدالله الفقیه بإسناده إلی أبی یعلی أحمد بن علیّ ، أنبأنا القواریری ، حدّثنا یونس بن أرقم ، حدّثنا 3.

ص: 362


1- کذا فی المصدر.
2- أُسد الغابة : 4 / 108 رقم 3783.

یزید بن أبی زیاد ، عن عبدالرحمن بن أبی لیلی ، قال : شهدتُ علیّاً فی الرحبة یناشد الناس : «أَنشُد الله مَن سمِع رسول الله صلی الله علیه وسلم یقول یوم غدیر خم : من کنتُ مولاه فعلیّ مولاه ، لمّا قام».

قال عبدالرحمن : فقام اثنا عشر بدریّاً ، کأنّی أنظر إلی أحدهم علیه سراویل ، فقالوا : نشهد أنَّا سَمِعنا رسول الله صلی الله علیه وسلم یقول یوم غدیر خُمّ : «ألستُ أولی بالمؤمنین من أنفسهم وأزواجی أمّهاتهم ؟ قلنا : بلی یا رسول الله.

فقال : من کنتُ مولاه فعلیّ مولاه ، أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه».

ثمّ قال : وقد رُوی مثل هذا عن البراء بن عازب ، وزاد : فقال عمر بن الخطّاب : یا ابن أبی طالب أصبحت الیوم ولیّ کلّ مؤمن.

وروی الحمّوئی فی فرائد السمطین(1) فی الباب العاشر قال : أخبرنی الشیخ أبو الفضل إسماعیل بن أبی عبدالله بن حمّاد العسقلانی فی کتابه ، أنبأنا الشیخ حنبل بن

عبدالله بن سعادة المکّی الرصافیّ سماعاً علیه ، أنبأنا أبو القاسم هبة الله بن محمد بن عبدالواحد بن الحصین سماعاً علیه ، أنبأنا أبو علیّ بن المذهِّب سماعاً علیه ، أنبأنا أبو بکر القطیعی ، أنبأنا أبو عبدالرحمن عبدالله بن أحمد بن حنبل ... إلی آخر سنده ولفظه المذکورَین.

ورواه شمس الدین الجزری فی أسنی المطالب(2) فی (ص 3) قال : أخبرنی فیما شافهنی به أبو حفص عمر بن الحسن المراغی ، عن أبی الفتح یوسف بن یعقوب الشیبانی ، عن أبی الیمن زید الکندی ، عن أبی منصور القزّاز ، عن أبی بکر بن ثابت ، عن محمد بن عمر ، عن أبی عمر ... إلی آخر سند الخطیب البغدادی المذکور قُبیل هذا.8.

ص: 363


1- فرائد السمطین : 1 / 69 ح 36.
2- أسنی المطالب : ص 47 - 48.

ثمّ قال : هذا حدیث حسن من هذا الوجه ، وصحیح من وجوه کثیرة ، تواتر عن أمیر المؤمنین علیٍّ ، وهو متواتر أیضاً عن النبیّ صلی الله علیه وسلم ...

ورواه الحافظ أبو بکر الهیثمی باللفظ المذکور عن ابن الأثیر فی مجمعه (9 / 105) عن عبدالله بن أحمد ، والحافظ أبی یعلی ، ووثّق رجاله.

ورواه ابن کثیر فی تاریخه(1) (5 / 211) من طریق أحمد ولفظیه المذکورَین ، وقال بعد اللفظ الثانی : وروی أیضاً عن عبد الأعلی بن عامر الثعلبی - بالمثلّثة ثمّ المهملة - وغیره عن عبدالرحمن بن أبی لیلی به.

وفی (7 / 346) رواه من طریق أبی یعلی وأحمد بإسنادیه ، ثمّ قال : وهکذا رواه أبو داود الطُهوی - بضمّ الطاء واسمه عیسی بن مسلم - عن عمرو بن عبدالله بن هند الجملی ، وعبدالأعلی بن عامر الثعلبی ، کلاهما عن عبدالرحمن ، فذکره بنحوه.

ورواه السیوطی فی جمع الجوامع کما فی کنز العمّال(2) (6 / 397) عن الدارقطنی ، ولفظه :

خطب علیٌّ فقال : «أَنشُدُ الله امرءاً نِشدةَ الإسلام سمع رسول الله صلی الله علیه وسلم یوم غدیر خُمّ - أخذ بیدی - یقول : ألست أولی بکم یا معشر المسلمین من أنفسکم ؟ قالوا : بلی

یا رسول الله.

قال : من کنتُ مولاه فعلیٌّ مولاه ، أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله ، إلّا قام فشهد».

فقام بضعة عشر رجلاً ، فشهدوا ، وکتم قومٌ ، فما فَنُوا من الدنیا إلّا عَمُوا وبَرِصوا.7.

ص: 364


1- البدایة والنهایة : 5 / 230 حوادث سنة 10 ه ، 7 / 384 حوادث سنة 40 ه.
2- کنز العمّال : 13 / 131 ح 36417.

ورواه فی(1) (6 / 407) بلفظ أحمد الأوّل من طریق عبدالله بن أحمد ، وأبی یعلی الموصلی ، وابن جریر الطبری ، والخطیب البغدادی ، والضیاء المقدسی.

ورواه الوصّابی فی الاکتفاء باللفظ الأوّل من لفظی أحمد ، نقلاً عن زوائد المسند(2) لعبدالله بن أحمد ، ومن طریق أبی یعلی فی مسنده(3) ، وابن جریر الطبری فی تهذیب الآثار ، والخطیب فی تاریخه ، والضیاء فی المختارة. ع(4) (2 / 132).(5) 9

ص: 365


1- کنز العمّال : 13 / 170 ح 36515.
2- زوائد المسند : ص 413 ح 197 باب 10.
3- مسند أبی یعلی : 1 / 428 ح 567.
4- عبقات الأنوار : 7 / 71.
5- وممّن أخرج حدیث المناشدة من روایة عبدالرحمن بن أبی لیلی البزّار فی مسنده رقم 632 ، کشف الأستار : ح 2543. وأخرجه الطبری وعنه السیوطی فی مسند علیّ : ص 46 ، وأخرجه أبو یعلی فی مسنده رقم 567 ، وأخرجه ابن عقده فی کتاب الموالاة وعنه أبو طالب فی أمالیه تیسیر المطالب : ص 48. وأخرجه المحاملی فی أمالیه : ص 162 رقم 133. وأخرجه الدارقطنی فی الأفراد ، وعنه السیوطی فی جمع الجوامع : 2 / 155 ، ومن طریقه أخرجه الحافظ ابن عساکر فی تاریخه رقم 510 ، عن ابن البنّاء ، عن ابن المأمون ، عن الدارقطنی بإسناده ، وفیه : فقام بضعة عشر رجلاً فشهدوا ، وکتم قوم فما فنوا من الدنیا حتی عموا وبرصوا. وأخرجه القاضی الحسین بن هارون الضبّی فی أمالیه عن ابن عقدة ، وکذا أبو علیّ الصوّاف فی الجزء الثالث من فوائده الموجود فی المجموع 105 فی الظاهریة ، وفیه : فقام اثنا عشر بدریاً. وأخرجه الحافظ أبو نعیم فی أخبار أصبهان : 2 / 227 ، والخطیب فی المتّفق والمفترق فی ترجمة العلاء بن سالم العطار ، وکذا ابن المغازلی فی المناقب : رقم 27. وأخرجه الحافظ ابن عساکر فی تاریخه بخمس طرق عن عبدالرحمن بن أبی لیلی بالأرقام 506 - 510 ، وفی 506 - 508 : فقام اثنا عشر بدریاً فشهدوا. وأخرجه الضیاء المقدسی فی المختارة : 2 / 273 برقم 654 وفیه : فقام إلّا ثلاثة لم یقوموا ؛ فدعا علیهم فأصابتهم دعوته. وأوعز إلیه أیضاً فی المختارة : 2 / 107 و 274. وأخرجه الذهبی فی کتابه فی الغدیر : برقم 4 ، وفیه : فقام اثنا عشر رجلاً کلّهم من أهل بدر ، منهم زید بن أرقم ، وبرقم 5 نحوه ، وبرقم 6 : فقام اثنا عشر بدریاً فشهدوا ... وبالأرقام 7 و 8 و 9

14 - عمرو ذی مرّ - المترجم (ص 69) - :

أخرج أحمد بن حنبل فی مسنده(1) (1 / 118) قال : حدّثنا علیّ بن حکیم ، أنبأنا

شریک عن أبی إسحاق ، عن عمرو بمثل حدیث أبی إسحاق عن سعید وزید المذکور (ص 171) ، وزاد فیه : «وانصر من نصره ، واخذل من خذله».

وروی النسائی فی الخصائص(2) (ص 19) - وفی طبعة (ص 26) - قال :

أخبرنا علیّ بن محمد بن علیّ ، قال : حدّثنا خلف بن تمیم ، قال : حدّثنا إسرائیل ، حدّثنا أبو إسحاق ، عن عمرو ذی مرّ ، قال :

شهدتُ علیّاً بالرحبة ینشُد أصحاب محمد صلی الله علیه وسلم : «أیُّکم سمِع رسول الله صلی الله علیه وسلم یقول یوم غدیر خُمّ ما قال ؟».

فقام أُناس ، فشهِدوا أنَّهم سمِعوا رسول الله صلی الله علیه وسلم یقول : «من کنتُ مولاه فعلیٌّ مولاه ، أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه ، وأحبَّ من أحبّه ، وأبغض من أبغضه ، وانصر من نصره».

ورواه فی(3) (ص 41) بإسناد آخر عنه.

ورواه الحمّوئی فی فرائد السمطین(4) الباب العاشر عنه بالسند واللفظ 4.

ص: 366


1- مسند أحمد : 1 / 189 ح 954.
2- خصائص أمیر المؤمنین : ص 117 ح 99 ، وفی السنن الکبری : 5 / 136 ح 8484.
3- المصدر السابق : ص 101 ح 87 ، وفی السنن الکبری : 5 / 154 ح 8542.
4- فرائد السمطین : 1 / 68 ح 34.

المذکورَین (ص 171) ، والحافظ الهیثمی فی مجمع الزوائد (9 / 105) عنه وعن زید بن یُثیع وسعید بلفظ ابن عقدة المذکور (ص 171) من طریق البزّار ، ومرّ هناک قوله : رجاله رجال الصحیح ... والکنجیّ الشافعیّ فی کفایته(1) (ص 17) بإسناد عن عمرو ، وزید بن یُثیع ، وسعید بن وهب ، والذهبی فی میزانه(2) (2 / 303) عن أبی إسحاق عن عمرو ، وابن کثیر فی تاریخه(3) (5 / 211) من طریق أحمد والنسائی وابن جریر ، و (7 / 347) من طریق ابن عقدة عن الحسن بن علیّ بن عفّان العامری ، عن عبیدالله بن موسی ، عن فطر ، عن عمرو بلفظه المذکور (ص 171) ، وذکر قول أبی إسحاق : یا أبا بکر أیُّ أَشیاخٍ هم !. والسیوطی فی تاریخ الخلفاء(4) (ص 114) ، وجمع الجوامع کما فی کنز العمّال(5) (6 / 403) عن أبی إسحاق عن عمرو وسعید وزید بلفظ أسلفناه ، عن طریق البزّار(6) وابن جریر والخلعی ، والجزری فی أسنی المطالب(7) (ص 4) بلفظ أحمد.(8) 7.

ص: 367


1- کفایة الطالب : ص 63.
2- میزان الاعتدال : 3 / 294 رقم 6481.
3- البدایة والنهایة : 5 / 230 حوادث سنة 10 ه ، 7 / 384 حوادث سنة 40 ه.
4- تاریخ الخلفاء : ص 158.
5- کنز العمّال : 13 / 158 ح 36487.
6- مسند البزّار : 3 / 35 رقم 766.
7- أسنی المطالب : ص 49.
8- وأخرج حدیث المناشدة عن عمرو ذی مرّ ، أحمد بن حنبل فی فضائل الصحابة : 1022 وفی کتاب مناقب علیّ : رقم 144. وأخرجه البزّار فی مسنده : رقم 786 ، کشف الأستار : ح 2542 . وفی مجمع الزوائد : 9 / 105 قال : أخرجه البزّار ، ورجاله رجال الصحیح. وأخرجه النسائی فی السنن الکبری : ح 8483 و 8484 ، وفی الخصائص : ح 98 و 99 و 157. وأخرجه الطبری بعدّة طرق وعنه الذهبی فی کتابه فی الغدیر برقم : 19 و 20 و 41 و 107 ، وأورده عن الطبری ابن کثیر أیضاً فی البدایة والنهایة : 5 / 210 و 7 / 347.

15 - عُمیرة بن سعد - المترجم (ص 69) - :

أخرج الحافظ أبو نعیم الأصفهانی فی حِلیة الأولیاء (5 / 26) قال :

حدّثنا سلیمان بن أحمد - الطبرانی - ، حدّثنا أحمد بن إبراهیم بن کیسان ، حدّثنا إسماعیل بن عمرو البجلی(1) ، حدثنا مسعر بن کدام ، عن طلحة بن مصرّف ، عن عُمیرة بن سعد قال :

شهدت علیّاً علی المنبر ناشداً أصحاب رسول الله صلی الله علیه وسلم وفیهم : أبو سعید ، وأبو هریرة ، وأنس بن مالک ، وهم حول المنبر ، وعلیٌّ علی المنبر ، وحول المنبر اثنا عشر رجلاً هؤلاء منهم ، فقال علیٌّ : «نشدتکم بالله : هل سمعتم رسول الله یقول : من کنتُ مولاه فعلیٌّ مولاه ؟»

فقاموا کلّهم ، فقالوا : أللّهمّ نعم. وقعد رجلٌ ، فقال : «ما منعک أن تقوم ؟» قال : یا أمیر المؤمنین کَبِرتُ ونَسِیتُ ! ف)

ص: 368


1- ذکره ابن حجر فی تهذیبه : 1 / 320 [1 / 278] ، وقال : وما أظنّه الّا تصحیفاً من إسماعیل بن عمر الواسطی ، وحکی فی إسماعیل بن عمر الواسطی ثقته عن الخطیب [تاریخ بغداد : 6 / 242 رقم 3279] وابن المَدِینی وابن حبّان [الثقات : 8 / 94] ، وقال : مات بعد المائتین. انتهی. وفی سند ابن المغازلی وابن کثیر - کما یأتی - : عمر ، وهو الصحیح. (المؤلف)

فقال : «أللّهمّ إن کان کاذباً فاضربه ببلاء حسن(1)».

قال : فما مات حتی رأینا بین عینیه نکتة بیضاء لا تواریها العمامة.

غریب ، من حدیث طلحة ، تفرّد به مسعر عنه مطوّلاً ، ورواه ابن عائشة عن إسماعیل مثله ، ورواه الأجلح(2) وهانی(3) بن أیوب عن طلحة مختصراً.

وروی النسائی فی خصائصه(4) (ص 16) عن محمد بن یحیی بن عبدالله النیسابوری ، وأحمد بن عثمان بن حکیم ، عن عبیدالله بن موسی ، عن هانی بن أیوب ، عن طلحة ، عن عُمیرة بن سعد :

أنَّه سمِع علیّاً رضی الله عنه وهو ینشد فی الرحبة من سمِع رسول الله صلی الله علیه وسلم یقول : «من کنتُ مولاه فعلیّ مولاه» فقام ستّةُ نفرٍ فشهدوا.

وروی أبو الحسن ابن المغازلی فی مناقبه(5) ، قال : حدّثنی أبو القاسم الفضل بن محمد بن عبدالله الأصفهانی ، قدم علینا واسطاً ، إملاء من کتابه لعشر بقین من شهر رمضان سنة أربع وثلاثین وأربع مائة ، قال : حدّثنا محمد بن علیّ بن عمر بن المهدیّ ، قال : حدّثنی سلیمان بن أحمد بن أیّوب الطبرانی ، قال : حدّثنی أحمد بن إبراهیم 8.

ص: 369


1- لفظة (حسن) من زیادات الرواة أو النّسّاخ ، فإنّ ما أصاب الرجل - وهو أنس ، بمعونة بقیّة الأحادیث - من العمی أو البرص کانت نقمة علیه من جرّاء دعواه الکاذبة من النسیان المسبّب عن الکبر ، لا بلاء حسناً ، کیف وقد أُرید به الفضیحة ، وکان هو یلهج بذلک ؟! (المؤلف)
2- یقال : اسمه یحیی بن عبدالله بن حُجَیّة - بالتصغیر - الکوفی ، المکنّی بأبی حُجیّة : توفّی (140 ، 145) ، وثّقه ابن معین [فی التاریخ : 3 / 270 رقم 127] والعجلی ، وقال ابن عدیّ [فی الکامل فی ضعفاء الرجال : 1 / 429 رقم 238] : یعدّ فی الشیعة ، مستقیم الحدیث ، وقال ابن حجر [فی تقریب التهذیب : 1 / 49 رقم 323] : صدوق شیعی. (المؤلف)
3- قال ابن کثیر فی تاریخه : 5 / 211 [5 / 230 حوادث سنة 10 ه] : ثقة. (المؤلف)
4- خصائص أمیر المؤمنین : ص 100 ح 85 ، وفی السنن الکبری : 5 / 131 ح 8470.
5- مناقب علیّ بن أبی طالب علیه السلام : ص 26 ح 38.

ابن کیسان الثقفی الأصفهانی ، قال : حدّثنی إسماعیل بن عمرو البجلی ، قال : حدّثنی مسعر بن کدام ، عن طلحة بن مصرّف ، عن عمیرة بن سعد ، قال :

شهدت علیّاً علی المنبر ناشداً أصحاب رسول الله صلی الله علیه وسلم : «[من سمع رسول الله صلی الله علیه وسلم](1) یوم غدیر خُمّ یقول ما قال ، فلیشهد».

فقام اثنا عشر رجلاً ، منهم : أبو سعید الخُدری ، وأبو هریرة ، وأنس بن مالک(2) ، فشهِدوا : أنَّهم سمِعوا رسول الله یقول : «من کنتُ مولاه فعلیٌّ مولاه ، أللّهمّ

والِ من والاه ، وعادِ من عاداه».

ورواه ابن کثیر فی تاریخه(3) (5 / 211) من طریق إسماعیل بن عمرو البجلی ، عن مسعر ، عن طلحة ، عن عمیرة.

ومن طریق عبیدالله بن موسی ، عن هانی بن أیّوب ، عن طلحة ، عن عمیرة ، وفی (7 / 347) من طریق الطبرانی المذکور.

ورواه السیوطی فی جمع الجوامع ، کما فی کنز العمّال(4) (6 / 403) من طریق الطبرانی فی الأوسط بلفظیه ، وفی أحدهما : فقام ثمانیة عشر رجلاً فشهدوا ، وفی الثانی : اثنا عشر رجلاً.

والشیخ إبراهیم الوصّابی فی کتاب الاکتفاء ، نقلاً عن المعجم الأوسط للطبرانی بلفظیه.6.

ص: 370


1- مابین المعقوفین ساقط من الطبعتین ، وأثبتناه من المصدر.
2- إنَّ أَنَساً ممّن کان حول المنبر ، لا من شهود الحدیث ، کما مرّ فی هذه الروایة بلفظ أبی نعیم فی الحلیة ، وکذلک فی بقیّة الأحادیث ، وهو الذی أصابته دعوة الإمام علیه السلام ، ففی هذا المتن تحریف واضح. (المؤلف)
3- البدایة والنهایة : 5 / 230 حوادث سنة 10 ه ، 7 / 384 حوادث سنة 40 ه.
4- کنز العمّال : 13 / 154 ح 36480 ، ص 157 ح 36486.

فائدة : أخرج الحافظ الهیثمی فی مجمع الزوائد (9 / 108) من طریق الطبرانی فی الأوسط(1) والصغیر(2) ، عن عمیرة بنت سعد حدیث المناشدة بلفظ عمیرة بن سعد المذکور عن ابن المغازلی ، ثمّ جاء بعض المتأخِّرین ، وذکر الحدیث عن عُمیرة بنت سعد ، وترجمها وعرّفها بما مرّ (ص 69) ، وقد خفی علیه أنَّه تصحیف ، وأنَّه هو

الحدیث الذی نقله الحفّاظ من طریق الطبرانی ، عن عمیرة بن سعد.(3)

16 - یعلی بن مرّة بن وهب الثقفیّ ، الصحابیّ :

روی ابن الأثیر فی أُسد الغابة(4) (5 / 6) من طریق أبی نعیم وأبی موسی المَدِینی بإسنادهما إلی أبی العبّاس بن عقدة ، عن عبدالله بن إبراهیم بن قتیبة ، عن الحسن بن زیاد ، عن عمرو بن سعید البصری(5) ، عن عمرو بن عبدالله بن یعلی بن مرّة ، عن 4.

ص: 371


1- المعجم الأوسط : 3 / 133 ح 2275.
2- المعجم الصغیر : 1 / 64.
3- وممّن أخرج حدیث المناشدة من روایة عمیرة بن سعد الحافظ ابن راهویه فی المطالب العالیة : 3972 ، والنسائی فی السنن الکبری : ح 8470 وفی الخصائص : ح 85 ، وفی مسند علیّ علیه السلام ، کما فی تهذیب الکمال : 22 / 397 وغدیر الذهبی : رقم 108. وأخرجه ابن أبی عاصم فی السنّة : 1373 ، والطحاوی فی مشکل الآثار : 2 / 307 ، والدارقطنی فی العلل : 4 / 91 سؤال 446 ، وأبو القاسم الحرفی فی المجلس العاشر من أمالیه فی المجموع 73 من مجامیع المکتبة الظاهریة بدمشق. وأخرجه الطبرانی فی المعجم الأوسط : ح 2275 و 3131 و 6878 و 7025 ، وأبو نعیم فی أخبار أصبهان : 1 / 107. وأخرجه الحافظ ابن عساکر فی تاریخه بالأرقام : 511 - 514 ، والمزّی فی تهذیب الکمال : 22 / 397 و 398 ، والذهبی فی کتابه فی الغدیر بالأرقام : 28 و 29 و 30 و 34. والسیوطی فی جمع الجوامع : 2 / 70 وفی مسند علیّ : رقم 682 ، والشوکانی فی درّ السحابة : 211 ، والألبانی فی الأحادیث الصحیحة : 4 / 342. (الطباطبائی)
4- أُسد الغابة : 5 / 297 رقم 5162.
5- فی الطبعة المحقّقة : عمر بن سعد النصری ، وهو ما أثبته أبو حاتم فی الجرح والتعدیل : 6 / 112 رقم 594.

أبیه ، عن جدّه یعلی ، قال :

سمِعتُ رسول الله صلی الله علیه وسلم یقول : «من کنتُ مولاه فعلیّ مولاه ، أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه».

فلمّا قدِم علیّ علیه السلام الکوفة نشد الناس ، فانتشد له بضعة عشر رجلاً ، فیهم : أبو أیّوب صاحب منزل رسول الله صلی الله علیه وسلم وناجیة بن عمرو الخزاعی.

ورواه ابن حجر عن کتاب الموالاة لابن عقدة فی الإصابة (3 / 542).

وفی أُسد الغابة(1) (2 / 233) من طریق الحافظ ابن عقدة وأبی موسی المَدِینی بالإسناد واللفظ المذکورین ، غیر أنَّ فیه : فانتشد له بضعة عشر رجلاً ، منهم : یزید - أو زید - بن شراحیل الأنصاری.

ورواه عنه حرفیّاً ابن حجر فی الإصابة (1 / 567) ، نقلاً عن کتاب الموالاة لابن عقدة ، ورواه ابن الأثیر فی أُسد الغابة(2) (3 / 93) بالإسناد وباللفظ المذکور ، بَیْدَ أنَّ فیه : فانتشد له بضعة عشر رجلاً ، فیهم عامر بن لیلی الغِفاری.(3)

17 - هانی بن هانی الهمدانیّ ، الکوفیّ ، التابعیّ :

روی ابن الأثیر فی أُسد الغابة(4) (3 / 321) من طریق ابن عقدة وأبی موسی ،

عن أبی غیلان ، عن أبی إسحاق ، عن عمرو ذی مرّ ، وزید بن یُثیع ، وسعید بن 2.

ص: 372


1- أُسد الغابة : 2 / 290 رقم 1844.
2- المصدر السابق : 3 / 139 رقم 2728.
3- وأخرجه عنه الذهبی فی کتابه فی الغدیر :برقم 115 وفیه : فشهد بضعة عشر رجلاً ، منهم خزیمة ابن ثابت ذو الشهادتین وسهل بن حنیف. وأورده عنه السیوطی فی قطف الأزهار المتناثرة فی الأحادیث المتواترة : ص 278 ، وفیه : فانتدب له بضعة عشر رجلاً ، منهم یزید أو زید بن شراحیل الأنصاری. (الطباطبائی)
4- أُسد الغابة : 3 / 492 رقم 3382.

وهب ، وهانی بن هانی بلفظ مرّ (ص 173) ، وسمعتَ هناک تحریف ابن حجر فی إصابته الحدیث.(1)

18 - حارثة بن مضرِّب التابعی :

أخرج النسائی فی الخصائص(2) (ص 40) ، قال : أخبرنا یوسف بن عیسی ، قال : أخبرنا الفضل بن موسی ، قال : حدّثنا الأعمش ، عن أبی إسحاق ، عن سعید بن وهب ، قال :

قال علیّ رضی الله عنه فی الرحبة :

«أَنشُد بالله من سمع رسول الله صلی الله علیه وسلم یوم غدیر خُمّ یقول : الله ولیّی ، وأنا ولیّ المؤمنین ، ومن کنتُ ولیّه فهذا ولیّه ، أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه ، وانصر من نصره».

فقال سعید : قام إلی جنبی ستّة ، وقال حارثة بن مضرِّب : قام [عندی](3) ستّة. وقال زید بن یُثَیع : قام عندی ستّة.

وقال عمرو ذی مرّ : أحبّ من أحبّه ، وأبغض من أبغضه. ر.

ص: 373


1- وأخرجه الذهبی فی جزء له فی - حدیث «من کنت مولاه فعلیّ مولاه» - کتابه فی الغدیر ، عن ابن عقدة برقم 24 : ابن عقدة ، حدّثنا أحمد بن محمد بن عبدالرحمن بن الأسود الکندی ، حدّثنا جعفر ابن محمد بن یحیی ، حدّثنی موسی بن النضر الحمصی ، حدّثنی أبو غیلان سعد بن طالب ، حدّثنا أبو إسحاق عن عمرو ذی مرّ ، وزید بن یثیع ، وسعید بن وهب ، وهانی بن هانی ومن لا أحصی : أنَّ علیّاً نشدّ الناس عند الرحبة : «من سمع قول رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : من کنت مولاه فعلیّ مولاه اللّهمّ والِ من والاه وعادِ من عاداه» فقام نفر ، فقال بعضهم : ستّة ، وقال بعضهم : ثلاثة ، فشهدوا بذلک ، وکتم قوم ، فما خرجوا من الدنیا حتی عموا أو أصابتهم آفة ، منهم یزید بن ودیعة ، وعبدالرحمن بن مدلج. (الطباطبائی)
2- خصائص أمیر المؤمنین : ص 167 ح 57 ، وفی السنن الکبری : 5 / 154 ح 8542.
3- ما بین المعقوفین أثبتناه من المصدر.

قال ابن أبی الحدید فی شرح نهج البلاغة(1) (1 / 209) : روی عثمان بن سعید ، عن شریک بن عبدالله - القاضی المتوفّی (177) - قال :

لمّا بلغ علیّاً علیه السلام أنَّ الناس یتّهمونه فیما یذکره من تقدیم النبیّ له وتفضیله [إیّاه](2) علی الناس ، قال :

«أَنشُدُ الله من بَقیَ ممّن لَقیَ رسول الله ، وسَمِع مقاله فی یوم غدیر خُمّ إلّا قام ، فشهد بما سمع».

فقام ستّة ممّن عن یمینه من أصحاب رسول الله ، وستّة ممّن علی شماله من الصحابة أیضاً ، فشهدوا أنَّهم سمِعوا رسول الله یقول ذلک الیومَ - وهو رافعٌ بیدَی علیٍّ علیه السلام - :

«من کنتُ مولاه فعلیٌّ مولاه ، أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذُل من خذله ، وأحبّ من أحبّه ، وأبغض من أبغضه».

وقال برهان الدین الحلبیّ فی سیرته(3) (3 / 302) :

قد جاء أنَّ علیّاً - کرّم الله وجهه - قام خطیباً ، فحمد الله ، وأثنی علیه ، ثمّ قال :

«أَنشُد الله من ینشد(4) یوم غدیر خُمّ إلّا قام ، ولا یقوم رجلٌ یقول : أُنبئتُ أو بلغنی ، إلّا رجلٌ سَمِعت أُذُناه ووعی قلبه».

فقام سبعة عشر صحابیّاً ، وفی روایة ثلاثون صحابیّاً ، وفی المعجم الکبیر ستّة عشر ، وفی روایة اثنا عشر. د.

ص: 374


1- شرح نهج البلاغة : 2 / 288 خطبة 37.
2- الزیادة من المصدر.
3- السیرة الحلبیة : 3 / 274.
4- کذا فی المصدر أیضاً ، والصحیح ظاهراً : شهد.

فقال : «هاتوا ما سَمِعتم». فذکروا الحدیث ومن جملته : «من کنتُ مولاه فعلیٌّ مولاه ، وفی روایة : فهذا مولاه».

وعن زید بن أرقم رضی الله عنه : وکنت ممّن کتم ، فذهب الله ببصری ، وکان علیٌّ - کرّم الله وجهه - دعا علی من کتم. انتهی.

وهناک جمعٌ آخرون من متأخِّری المحدِّثین رووا هذه المناشدة نضرب عن ذکرهم صفحاً ، ونقتصر علی ما ذکر.(1) ی)

ص: 375


1- وقد روی حدیث المناشدة عن جماعة آخرین ، منهم : 1 - هبیرة بن یریم : حدیثه عند الطبری ، وعند الطبرانی فی المعجم الکبیر : ح 8058 ، والدارقطنی فی العلل : 3 / 225 ، والذهبی فی کتابه فی الغدیر : برقم 107 نقلاً عن الطبری. 2 - أبو رملة عبدالله بن أبی أمامة الأنصاری البلوی : أخرج الطبری فی کتابه فی الغدیر (کتاب الموالاة) حدّثنا أحمد بن منصور الرمادی ، حدّثنا عبیدالله بن موسی ، أخبرنا یوسف بن صهیب ، عن حبیب بن یسار ، عن أبی رملة : أنَّ رکباً أتوا علیّاً فقالوا : السلام علیک ... فقال علیّ : «أنشد الله رجلاً سمع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول یوم غدیر خم ..» فقام اثنا عشر رجلاً فشهدوا بذلک.. 3 - أبو مجلز لاحق بن حمید السدوسی البصری : رواه الذهبی فی کتابه فی الغدیر - وهو جزء فی حدیث : من کنت مولاه - برقم 11 ورقم 110. 4 - أبو وائل شقیق بن سلمة : أخرجه البلاذری فی أنساب الأشراف فی ترجمة أمیر المؤمنین علیه السلام : رقم 169 بإسناده عنه ، قال : قال علیّ علی المنبر : «نشدت الله رجلاً سمع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول یوم غدیر خم : اللّهمّ والِ من والاه وعادِ من عاداه إلّا قام فشهد» - وتحت المنبر أنس بن مالک والبراء بن عازب وجریر بن عبدالله - فأعادها ، فلم یجبه أحد !! فقال : «اللّهمّ من کتم هذه الشهادة وهو یعرفها فلا تخرجه من الدنیا حتی تجعل به آیة یعرف بها». قال : فبرص أنس ، وعمی البراء ، ورجع جریر أعرابیاً بعد هجرته ، فأتی الشراة فمات فی بیت أمة فیها. 5 - الحارث الأعور : حدیثه عند الدارقطنی فی العلل : 3 / 226 ، وفی لسان المیزان : 2 / 379 ملخّصاً. (الطباطبائی)
أعلام الشهود لأمیر المؤمنین علیه السلام یوم الرحبة بحدیث الغدیر

1 - أبو زینب بن عوف الأنصاریّ.

2 - أبو عمرة بن عمرو بن محصن الأنصاریّ.

3 - أبو فضالة الأنصاریّ : استُشهد بصفّین مع أمیر المؤمنین علیه السلام - بدریٌّ.

4 - أبو قُدامة الأنصاریّ : الشهید بصفّین مع أمیر المؤمنین علیه السلام.

5 - أبو لیلی الأنصاریّ : یُقال : استُشهد بصفّین(1).

6 - أبو هریرة الدوسیّ : المتوفّی (57 ، 58 ، 59).

7 - أبو الهیثم بن التیِّهان : الشهید بصفّین - بدریٌّ.

8 - ثابت بن ودیعة الأنصاریّ ، الخزرجیّ ، المدنیّ.

9 - حُبشی بن جنادة السلولیّ : شهد مع علیٍّ مشاهده.

10 - أبوأیّوب خالد الأنصاریّ : المستشهد غازیاً بالروم (50 ، 51 ، 52) - بدریٌّ.

11 - خزیمة بن ثابت الأنصاریّ ، ذو الشهادتین : الشهید بصفّین - بدریٌّ.

12 - أبو شریح خویلد بن عمرو الخزاعیّ : المتوفّی (68).

13 - زید أو یزید بن شراحیل الأنصاریّ.

14 - سهل بن حنیف الأنصاریّ ، الأوسیّ : المتوفّی (38) - بدریٌّ.

15 - أبو سعید سعد بن مالک الخُدریّ الأنصاریّ : المتوفّی (63 ، 64 ، 65).

16 - أبو العبّاس سهل بن سعد الأنصاریّ : المتوفّی (91).

17 - عامر بن لیلی الغفاریّ.

18 - عبدالرحمن بن عبدربّ الأنصاریّ.

19 - عبدالله بن ثابت الأنصاریّ : خادم رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم.

20 - عبید بن عازب الأنصاریّ : من العشرة الدعاة إلی الإسلام(2). ف)

ص: 376


1- فی بعض الألفاظ : أبو یعلی الأنصاریّ ، وهو شدّاد بن أوس ، المتوفّی (58). (المؤلف)
2- الذین وجّههم عمر إلی الکوفة مع عمّار بن یاسر. (المؤلف)

21 - أبو طریف عدیّ بن حاتم : المتوفّی (68) عن (100) عام.

22 - عقبة بن عامر الجهنی : المتوفّی قرب ال- (60) ، کان ممّن یمتُّ إلی معاویة.

23 - ناجیة بن عمرو الخزاعیّ.

24 - نعمان بن عجلان الأنصاریّ : لسان الأنصار وشاعرهم.

هذا ما أوقفنا السِّیَرُ علیه من أعلام الشهود لأمیر المؤمنین علیه السلام بحدیث الغدیر یوم مناشدة الرحبة حسب ما مرّ من الأحادیث المتقدّمة.

وقد نصّ الإمام أحمد فی حدیثٍ مرّ (ص 174) علی أنَّ عدّة الشهود فی ذلک الیوم کانت ثلاثین ، وأخرجه الحافظ الهیثمی فی مجمعه(1) - کما مرّ - وصحّحه ، وتجده فی تذکرة سبط ابن الجوزی(2) (ص 17) ، وتاریخ الخلفاء للسیوطی(3) (ص 65) ، والسیرة الحلبیّة(4) (3 / 302) ، وفی لفظ أبی نعیم - فضل بن دکین - : فقام ناس کثیر فشهدوا ، کما مرّ (ص 174).

لفت نظر :

وأنت جِدُّ علیمٍ بأنّ تاریخ هذه المناشدة - وهو السنة ال- (35) الهجریّة - کان یبعد عن وقت صدور الحدیث بما یربو علی خمسة وعشرین عاماً ، وفی خلال هذه المدّة کان کثیر من الصحابة الحضور یومَ الغدیر قد قضوا نحبهم ، وآخرون قُتِلوا فی المغازی ، وکثیرون منهم مبثوثین فی البلاد ، وکانت الکوفة بمنتأیً عن مجتمع الصحابة - المدینة

المنوّرة - ولم یکُ فیها إلّا شراذم منهم تبعوا الحقّ ، فهاجروا إلیها فی العهد العلویّ.

وکانت هذه القصّة من ولائد الاتّفاق من غیر أیّة سابقة لها ؛ حتی یقصدها القاصدون ، فتکثر الشهود ، وتتوفّر الرواة. 4.

ص: 377


1- مجمع الزوائد : 9 / 104.
2- تذکرة الخواص : ص 29.
3- تاریخ الخلفاء : ص 158.
4- السیرة الحلبیة : 3 / 274.

وکان فی الحاضرین من یُخفی شهادته حَنَقاً أو سَفَهاً ، کما مرّت الإشارة إلیه فی غیر واحد من الأحادیث وسیمرُّ علیک التفصیل ، وقد بلغ من رواه - والحال هذه - هذا العدد الجمّ ، فکیف به لو تُزاح عنه تلکم الحواجز ؟! فبذلک کلّه تعلم مقدار شهرة الحدیث وتواتره فی هاتیک العصور المتقادمة.

وأمّا اختلاف عدد الشهود فی الأحادیث فیحمل علی أنَّ کلّاً من الرواة ذکر من عرفه أو التفت إلیه ، أو من کان إلی جنبه ، أو أنَّه ذکر من کان فی جانبی المنبر ، أو فی أحدهما ولم یلتفت إلی غیرهم ، أو أنَّه ذکر من کان بدریّاً ، أو أراد من کان من الأنصار ، أو أنَّه لمّا علت عقیرةُ القوم بالشهادة ، وشخصت الأبصار والأسماع للتلقّی ، ووقعت اللجَبَة(1) ، کما هو طبع الحال فی أمثاله من المجتمعات ، ذهل بعض عن بعض ، وآخر عن آخرین ، فنقل کلّ من یضبطه من الرجال.(2)

4 - مناشدة أمیر المؤمنین علیه السلام یوم الجمل سنة (36) علی طلحة

أخرج الحافظ الکبیر أبو عبدالله الحاکم فی المستدرک(3) (3 / 371) عن أبی الولید وأبی بکر بن قریش ، قالا : حدّثنا الحسن بن سفیان ، حدّثنا محمد بن عبدة ، 4.

ص: 378


1- اللَّجَبَة : ارتفاع الأصوات واختلاطها.
2- والروایات بمجموعها توعز إلی أنَّ المناشدة قد تکرّرت ، فتارة کانت من علی المنبر ، ولا تکون إلّا داخل المسجد : فقام من کلّ جانب ستّة ، أو قام شهود کان اثنا عشر منهم بدریّاً ، کما فی مسند أحمد : 4 / 370 - الطبعة القدیمة - وفضائل الصحابة : 1167 ، والمختارة للضیاء : ج 1 ق 82 / أ ، والبدایة والنهایة : 5 / 211. وتارةً کانت بالرحبة أمام المسجد ، وهذه المرّة : قام ثلّة من الناس أو ناس من الناس أو ناس کثیر أو ثلاثون من الناس ، کما وردت الروایات بکلّ منها. راجع مسند أحمد : 1 / 88 و 119 من الطبعة القدیمة ، وأمالی المحاملی : ص 162 رقم 133 ، والبدایة والنهایة : 7 / 348 ، وراجع الغدیر فی التراث الاسلامی : ص 11. (الطباطبائی)
3- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 419 ح 5594.

حدّثنا الحسن بن الحسین(1) ، حدّثنا رفاعة بن إیاس الضبّی ، عن أبیه ، عن جدّه(2) ، قال :

کنّا مع علیّ یوم الجمل ، فبعث إلی طلحة بن عبیدالله أن القنی ، فأتاه طلحة.

فقال : «نشدتُک الله هل سمعتَ رسول الله صلی الله علیه وسلم یقول : من کنتُ مولاه فعلیّ مولاه ، أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه ؟»

قال : نعم. قال : «فلِمَ تُقاتِلُنی ؟» قال : لم أذکر. قال : فانصرف طلحة.

ورواه المسعودی فی مروج الذهب(3) (2 / 11) ولفظه : ثمّ نادی علیٌّ رضی الله عنه طلحة - حین رجع الزبیر - : «یا أبا محمد ما الذی أخرجک ؟»

قال : الطلب بدم عثمان !!

قال علیٌّ : «قتل الله أولانا بدم عثمان ، أما سمعتَ رسول الله صلی الله علیه وسلم یقول : أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه ؟ وأنت أوّل من بایعنی ، ثمّ نکثت ، وقد قال الله عزّ وجلّ : (فَمَن نَّکَثَ فَإِنَّمَا یَنکُثُ عَلَی نَفْسِهِ)(4)».

فقال : أستغفرُ الله ، ثمّ رجع.

ورواه الخطیب الخوارزمی الحنفی فی المناقب(5) (ص 112) بإسناده من طریق الحافظ أبی عبدالله الحاکم ، عن رفاعة ، عن أبیه ، عن جدِّه قال : 1.

ص: 379


1- کذا فی النسخ ، والصحیح - بمکان رفاعة - : حسین بن حسن الأشقر المترجم (ص 83) ، [وکما هو فی إسناد ابن عساکر فی ترجمة طلحة]. (المؤلف)
2- هو نُذَیر - بالتصغیر - الضبّی الکوفی : من کبار التابعین ، وحفیده رفاعة المذکور ، ثقة ، کما فی التقریب [1 / 251 رقم 94] : تُوفِّی بعد (180). (المؤلف)
3- مروج الذهب : 2 / 382.
4- الفتح : 10.
5- المناقب : ص 182 ح 221.

کنّا مع علیّ یوم الجمل ، فبعث إلی طلحة بن عبیدالله التیمیّ ، فأتاه ، فقال :

«نشدتُک الله هل سمِعتَ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول : من کنتُ مولاه فعلیّ مولاه ، أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه ، واخذُل من خذله ، وانصر من نصره ؟»

قال : نعم. قال : «فلِمَ تقاتلنی ؟» قال : نسیت ولم أذکر. قال : فانصرف طلحة ولم یردّ جواباً.

ورواه(1) الحافظ الکبیر ابن عساکر فی تاریخ الشام (7 / 83) ، وسبط ابن الجوزیّ فی تذکرته (ص 42) ، والحافظ أبو بکر الهیثمی فی مجمع الزوائد (9 / 107) من طریق البزّار ، وابن حجر فی تهذیبه (1 / 391) بإسناده من طریق النسائیّ ، والسیوطیّ فی جمع الجوامع کما فی کنز العمّال (6 / 83) قریباً من لفظ الخوارزمیّ من طریق ابن عساکر ، وأبو عبدالله محمد بن محمد بن یوسف السنوسیّ فی شرح مسلم (6 / 236) ، وأبو عبدالله محمد بن خلیفة الوشتانیّ المالکیّ فی شرح مسلم (6 / 236) ، والشیخ إبراهیم الوصّابی فی الاکتفاء من طریق ابن عساکر.(2) ی)

ص: 380


1- تاریخ مدینة دمشق : 8 / 568 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 11 / 204 ، تذکرة الخواص : ص 72 ، تهذیب التهذیب : 1 / 342 ، کنز العمّال : 11 / 332 ح 31662.
2- وأخرجه ابن أبی عاصم فی السنّة : 1358 موجزاً ، ولفظه : أنَّ علیّاً رضی الله عنه قال لطلحة : «أنشدک بالله أسمعت رسول الله صلی الله علیه وسلم یقول : من کنت مولاه فعلیّ مولاه ؟» قال : نعم. وأخرجه البزّار فی مسنده : رقم 958 وقال محقّقه : هو حدیث صحیح ، وأخرجه النسائی فی مسند علیّ علیه السلام کما فی تهذیب الکمال : 3 / 440 و 9 / 200 ، والبیهقی فی الاعتقاد : ص 195 ، وابن عساکر فی تاریخه فی ترجمة طلحة : 8 / 568 وفی ترجمة أمیر المؤمنین علیه السلام : رقم 555. وأخرجه المزّی فی تهذیب الکمال : 3 / 340 و 9 / 200 و 29 / 333 ، والذهبی فی تلخیص المستدرک : 3 / 371 وفی کتابه فی الغدیر - جزء فی حدیث من کنت مولاه - برقم 49. وأورده ابن منظور فی مختصر تاریخ دمشق : 11 / 204 ، وابن حجر فی مختصر زوائد مسند البزّار : رقم 1905 ، والهیثمی فی کشف الأستار : ح 2528 ، والسیوطی فی جمع الجوامع : 1 / 831 و 2 / 95. (الطباطبائی)

5 - حدیث الرکبان فی الکوفة سنة (36 - 37 ه)

اشارة

أخرج إمام الحنابلة أحمد بن حنبل(1) ، عن یحیی بن آدم ، عن حنش بن الحارث ابن لقیط النخعی الأشجعی ، عن ریاح - بالمُثنّاة - ابن الحارث(2) ، قال : جاء رَهْطٌ إلی علیّ بالرحبة ، فقالوا : السلام علیک یا مولانا. قال : «وکیف أکون مولاکم وأنتم عرب ؟ قالوا : سمعنا رسول الله صلی الله علیه وسلم یقول یوم غدیر خُمّ : من کنتُ مولاه فعلیٌّ مولاه».

قال ریاح : فلمّا مضوا تبعتُهم فسألتُ من هؤلاء ؟ قالوا : نفرٌ من الأنصار فیهم أبو أیّوب الأنصاری.

وبإسناده عن ریاح قال : رأیت قوماً من الأنصار قَدِموا علی علیٍّ فی الرحبة ، فقال : «من القوم ؟» فقالوا : موالیک یا أمیر المؤمنین ... الحدیث.

وعنه قال : بینما علیٌّ جالس إذ جاء رجلٌ فدخل - علیه أثر السفر - فقال : السلامُ علیک یا مولای. قال : «من هذا ؟» قال : أبو أیّوب الأنصاری. فقال علیّ : «أفرجوا له» ، ففرجوا.

فقال أبو أیّوب : سمعتُ رسول الله صلی الله علیه وسلم یقول : «من کنتُ مولاه فعلیّ مولاه».

وقال إبراهیم بن الحسین(3) بن علیّ الکسائی - المعروف بابن دیزیل ، المترجم

(ص 97) - فی کتاب صفّین(4) : ف)

ص: 381


1- مسند أحمد : 6 / 583 ح 23051 و 23052.
2- رجال الحدیث من طریق أحمد وابن أبی شیبة والهیثمیّ وابن دیزیل کلّهم ثقات ، کما مرّت تراجمهم فی التابعین وطبقات العلماء. (المؤلف)
3- فی النسخ : الحسن وهو تصحیف. (المؤلف)
4- کما فی شرح نهج البلاغة : 1 / 289 [3 / 208 خطبة 48] ، قال ابن کثیر فی تاریخه : 11 / 71 [11 / 81 حوادث سنة 281 ه] : کتاب ابن دیزیل فی وقعة صفّین مجلّد کبیر. (المؤلف)

حدّثنا یحیی بن سلیمان الجعفی قال : حدّثنا ابن فضیل محمد الکوفی ، قال : حدّثنا الحسن بن الحکم النخعی ، عن ریاح بن الحارث النخعی قال :

کنتُ جالساً عند علیّ علیه السلام إذ قدم علیه قوم متلثّمون فقالوا : السلام علیک یا مولانا. فقال لهم : «أوَلستم قوماً عرباً ؟ قالوا : بلی ، ولکنّا سمِعنا رسول الله صلی الله علیه وسلم یقول یوم غدیر خُمّ : من کنتُ مولاه فعلیٌّ مولاه ، أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه ، وانصُرْ من نصره ، واخذُلْ من خذله. فقال : لقد رأیتُ علیّاً علیه السلام ضحک حتی بدت نواجذه ، ثمّ قال : اشهدوا».

ثمّ إنَّ القوم مضوا إلی رحالهم ، فتبعتُهم ، فقلتُ لرجل منهم : من القومُ ؟ قالوا : نحنُ رهطٌ من الأنصار ، وذلک - یعنون رجلاً منهم - أبو أیّوب صاحب منزل رسول الله صلی الله علیه وسلم. قال : فأتیته وصافحته.

وروی الحافظ أبو بکر بن مردویه - کما فی کشف الغمّة(1) (ص 93) - عن ریاح بن الحارث قال :

کنت فی الرحبة مع أمیرالمؤمنین إذ أقبل رکب یسیرون ، حتی أناخوا بالرحبة ، ثمّ أقبلوا یمشون حتی أتوا علیّاً علیه السلام فقالوا : السلام علیک یا أمیر المؤمنین ورحمة الله وبرکاته. قال : «من القوم ؟ قالوا : موالیک یا أمیر المؤمنین.

قال : فنظرتُ إلیه وهو یضحک ویقول : من أین وأنتم قومٌ عرب ؟ قالوا : سمِعنا رسول الله یقول یوم غدیر خُمّ وهو آخذٌ بعَضُدک : أیّها الناس ألستُ أولی بالمؤمنین من أنفسهم ؟ قلنا : بلی یا رسول الله.

فقال : إنَّ الله مولای ، وأنا مولی المؤمنین ، وعلیّ مولی من کنتُ مولاه ، أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه. 4.

ص: 382


1- کشف الغمّة : 1 / 324.

فقال : أنتم تقولون ذلک ؟ قالوا : نعم. قال : وتشهدون علیه ؟ قالوا : نعم. قال : صدقتم».

فانطلق القوم وتبعتهم ، فقلت لرجل منهم : من أنتم یا عبدالله ؟ قالوا : نحن رهطٌ من الأنصار ، وهذا أبو أیّوب صاحب منزل رسول الله صلی الله علیه وسلم ، فأخذت بیده ، فسلّمت علیه ، وصافحته.

وروی عن حبیب بن یسار ، عن أبی رمیلة : أنَّ رکباً أربعة أتوا علیّاً علیه السلام حتی أناخوا بالرحبة ، ثمّ أقبلوا إلیه ، فقالوا : السلامُ علیک یا أمیرَ المؤمنین ورحمةُ الله وبرکاته. قال : «وعلیکم السلام ، أنّی أقبلَ الرکبُ ؟ قالوا : أقبل موالیک من أرض کذا وکذا. قال : أنّی أنتم موالیَّ ؟

قالوا : سمعنا رسول الله صلی الله علیه وسلم یوم غدیر خُمّ یقول : من کنتُ مولاه فعلیٌّ مولاه ، أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه».

وروی ابن الأثیر فی أُسد الغابة(1) (1 / 368) عن کتاب الموالاة لابن عقدة بإسناده عن أبی مریم زِرّ بن حُبیش ، قال :

خرج علیٌّ من القصر ، فاستقبله رکبانٌ متقلّدو السیوف ، فقالوا : السلامُ علیک یا أمیر المؤمنین ، السلامُ علیک یا مولانا ورحمة الله وبرکاته.

فقال علیٌّ علیه السلام : «من هاهنا من أصحاب النبیّ صلی الله علیه وسلم ؟»

فقام اثنا عشر ، منهم : قیس بن ثابت بن شمّاس ، وهاشم بن عتبة ، وحبیب بن بدیل بن ورقاء ، فشهدوا أنَّهم سمعوا النبی صلی الله علیه وسلم یقول : «من کنتُ مولاه فعلیٌّ مولاه». وأخرجه أبو موسی المَدینی.

ورواه عن کتاب الموالاة لابن عقدة ابن حجر فی الإصابة (1 / 304) ، وأسقط صدره إلی قوله : فقال علیٌّ ، ولم یذکر من الشهود هاشم بن عتبة ، جریاً علی عادته 8.

ص: 383

بتنقیص فضائل آل الله.

وروی محبُّ الدین الطبریّ فی الریاض النضرة(1) (2 / 169) من طریق أحمد بلفظه الأوّل ، وعن معجم الحافظ البَغَویّ أبی القاسم بلفظ أحمد الثانی ، وابن کثیر فی تاریخه(2) (5 / 212) عن أحمد بطریقیه ولفظیه الأوّلین ، وفی (7 / 347) عن أحمد بلفظه الأوّل ، وقال فی (ص 348) : قال أبو بکر بن أبی شیبة : حدّثنا شریک ، عن حنش ، عن ریاح بن الحارث ، قال :

بینا نحن جلوسٌ فی الرحبة مع علیّ إذ جاء رجلٌ علیه أثر السفر ، فقال : السلام علیک یا مولای. قالوا : من هذا ؟ فقال أبو أیّوب : سَمِعتُ رسولَ الله یقول : «من کنتُ مولاه فعلیٌّ مولاه».

ورواه الحافظ الهیثمی فی مجمع الزوائد (9 / 104) بلفظ أحمد الأوّل ، ثمّ قال : رواه أحمد والطبرانیّ(3) ، إلّا أنَّه قال :

قالوا : سمعنا رسول الله صلی الله علیه وسلم یقول : «من کنتُ مولاه فعلیّ مولاه ، أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه». وهذا أبو أیّوب بیننا ، فحَسَر أبو أیّوب العمامة عن وجهه ، ثمّ قال : سمعت رسول الله صلی الله علیه وسلم یقول : «من کُنتُ مولاه فعلیّ مولاه ، أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه». ورجال أحمد ثقات. انتهی.

وقال جمال الدین عطاء الله بن فضل الله الشیرازی فی کتابه الأربعین فی مناقب أمیر المؤمنین(4) - عند ذکر حدیث الغدیر - : ورواه زِرّ بن حُبیش فقال :

خرج علیٌّ من القصر ، فاستقبله رکبان متقلّد والسیوف ، علیهم العمائم ، حدیثو عهدٍ بسفرٍ ، فقالوا : السلام علیک یا أمیر المؤمنین ورحمة الله وبرکاته ، السلام علیک یا 3.

ص: 384


1- الریاض النضرة : 3 / 113.
2- البدایة والنهایة : 5 / 231 حوادث سنة 10 ه و 7 / 384 ، 385 حوادث سنة 40 ه.
3- المعجم الکبیر : 4 / 173 ح 4053.
4- الأربعین فی فضائل أمیر المؤمنین : ص 42 ح 13.

مولانا. فقال علیٌّ - بعد ما ردَّ السلامَ - : «من هاهنا من أصحاب رسول الله صلی الله علیه وسلم ؟»

فقام اثنا عشر رجلاً ، منهم خالد بن زید أبو أیّوب الأنصاریّ ، وخزیمة بن ثابت ذو الشهادتین ، وقیس بن ثابت بن شمّاس ، وعمّار بن یاسر ، وأبو الهیثم بن التیّهان ، وهاشم بن عتبة بن أبی وقّاص ، وحبیب بن بدیل بن ورقاء ، فشهدوا أنَّهم سمعوا رسول الله یوم غدیر خُمّ یقول : «من کنتُ مولاه فعلیٌّ مولاه ...» الحدیث.

فقال علیٌّ لأنس بن مالک والبراء بن عازب : «ما منعکما أن تقوما فتشهدا ، فقد سمِعتُما کما سَمِع القوم ؟(1) فقال : أللّهمّ إن کانا کَتَماها مُعاندةً فابْلِهما».

فأمّا البراء فعمی ، فکان یسأل عن منزله ، فیقول : کیف یرشُد من أدرکتْه الدعوة ؟! وأمّا أنس فقد بَرِصت قدماه.

وقیل : لمّا استشهد علیٌّ علیه السلام قولَ النبیّ صلی الله علیه وسلم : «من کنتُ مولاه فعلیٌّ مولاه» ، اعتذر بالنسیان ! فقال : «أللّهمّ إن کان کاذباً فاضربْهُ ببیاضٍ لا تُواریه العمامة». فَبَرِص وجهُه ، فسَدَل بعد ذلک بُرقُعاً علی وجهه. ع(2) (1 / 211 ، 2 / 137).

وقال أبو عمرو الکشّی فی فهرسته(3) (ص 30) : فیما روی من جهة العامّة ، روی عبدالله بن إبراهیم قال : أخبرنا أبو مریم الأنصاری ، عن المِنهال بن عمرو ، عن

زِرّ بن حُبیش ، قال :

خرج علیُّ بن أبی طالب علیه السلام من القصر ، فاستقبله رکبان متقلّدون بالسیوف علیهم العمائم ، فقالوا : السلام علیکَ یا أمیرَ المؤمنین ورحمة الله وبرکاته ، السلام علیک یا مولانا. فقال علیٌّ : «من هاهنا من أصحاب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ؟»

فقام خالد بن زید أبو أیّوب ، وخزیمة بن ثابت ذو الشهادتین ، وقیس بن سعد ابن عبادة ، وعبدالله بن بدیل بن ورقاء ، فشهدوا جمیعاً : أنَّهم سَمِعوا رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم 5.

ص: 385


1- وهنا سقط ظاهر ، وهو کلمة (نسینا) ونحوها. (الطباطبائی)
2- عبقات الأنوار : 7 / 192 و 10 / 149 ، وفی نفحات الأزهار : 9 / 196 رقم 133.
3- رجال الکشّی : 1 / 245 ح 95.

یقول یوم غدیر خُمّ : «من کنتُ مولاه فعلیّ مولاه».

فقال علیّ علیه السلام لأنس بن مالک والبراء بن عازب : «ما منعکما أن تقوما فتشهدا ، فقد سمعتُما کما سمِع القوم ؟ ثمّ قال : أللّهمّ إن کانا کَتَماها معاندةً فابْتَلِهِما». فعمی البراء بن عازب ، وبَرِص قَدَما أنس بن مالک. فحلف أنس بن مالک أن لا یکتم منقبةً لعلیّ بن أبی طالب ولا فضلاً أبداً.

أمّا البراء بن عازب فکان یسأل عن منزله فیقال : هو فی موضع کذا وکذا. فیقول : کیف یرشُد من أصابته الدعوة ؟!

وهناک غیر واحد من محدّثی المتأخِّرین ذکروا هذه الأثارة لا نطیل بذکرهم المقال.(1)ی)

ص: 386


1- وممّن أخرجه من المحدّثین القدامی ابن أبی شیبة فی المصنّف : ح 2122 ، وأحمد فی المسند : 5 / 419 وفی کتاب مناقب علیّ : برقم 91 وفی فضائل الصحابة : 967 ، وقال محقّقه : إسناده صحیح. وأخرجه الطبرانی فی المعجم الکبیر : ح 4053 ، والخرگوشی فی شرف المصطفی : ق 196 ، وابن عساکر بالأرقام : 522 ، 530 ، 531 ، 532 ، 533 ، وابن المغازلی فی کتاب المناقب : برقم 30 ، والدیلمی فی مسند الفردوس : ج 3 ق 96 وقال : رواه ابن منیع ، والضیاء المقدسی فی المختارة ، وعنه البوصیری فی إتحاف السادة المهرة ، وأورده ابن أبی الحدید فی شرح نهج البلاغة : 3 / 208 ، والباعونی فی جواهر المطالب فی الباب 12 ق 16 / أ عن أحمد والبغوی فی معجمه. والذهبی فی کتابه فی الغدیر بالأرقام : 43 ، 44 ، 116 ، 117 ، 118 ، 123 وقال : أخرجه جماعة ثقات عن شریک. وأورده ابن منظور فی مختصر تاریخ دمشق : 17 / 354 ، والقرافی فی نفحات العبیر الساری فی أحادیث أبی أیوب الأنصاری : ق 75 / ب ، وبلفظ آخر فی ق 76. وأبو المواهب الرشیدی المتوفّی سنة 948 فی قوت القلوب فی أحادیث أبی أیوب : ق 62 / ب ح 64 ، والسخاوی فی استجلاب ارتقاء الغرف : ق 22 ، والبوصیری فی إتحاف السادة المهرة بزوائد المسانید العشرة : ج 3 ق 56 / أ ، قال : رواه أبو بکر بن أبی شیبة وأحمد بن حنبل وأحمد بن منیع البغوی واللفظ له ... ورواته ثقات. وإسماعیل النقشبندی فی مناقب العشرة : ق 334 وقال : أخرجه البغوی فی معجمه ، وأورده الألبانی فی سلسلة الأحادیث الصحیحة : 4 / 340 عن أحمد والطبرانی ، وقال : وهذا إسناد جیّد ، رجاله ثقات. (الطباطبائی)
أعلام الشهود لأمیر المؤمنین علیه السلام بحدیث الغدیر یوم الرکبان حسب ما مرّ من الأحادیث

1 - أبو الهیثم بن التیّهان - بدریّ.

2 - أبو أیّوب خالد بن زید الأنصاریّ.

3 - حبیب بن بدیل بن ورقاء الخزاعیّ.

4 - خزیمة بن ثابت ذو الشهادتین الشهید بصفّین - بدریّ.

5 - عبد الله بن بدیل بن ورقاء الشهید بصفّین.

6 - عمّار بن یاسر قتیل الفئة الباغیة بصفّین - بدری.

7 - قیس بن ثابت بن شمّاس الأنصاریّ.

8 - قیس بن سعد بن عبادة الخزرجی - بدریّ.

9 - هاشم المرقال ابن عتبة صاحب رایة علیٍّ والشهید بصفّین.

من أصابته الدعوة بإخفاء حدیث الغدیر

قد مرّ الإیعاز فی غیر واحد من أحادیث المناشدة یومی الرحبة والرکبان إلی أنَّ قوماً من أصحاب النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم الحضور فی یوم غدیر خُمّ قد کَتَموا شهادتهم لأمیر المؤمنین علیه السلام بالحدیث ، فدعا علیهم ، فأخذتهم الدعوة ، کما وقع النصّ بذلک فی غیر واحد من المعاجم ، والقوم هم :

1 - أبو حمزة أنس بن مالک : المتوفّی (90 ، 91 ، 93).

2 - البراء بن عازب الأنصاریّ : المتوفّی (71 ، 72).

3 - جریر بن عبدالله البجلیّ : المتوفّی (51 ، 54).

4 - زید بن أرقم الخزرجیّ : المتوفّی (66 ، 68).

5 - عبدالرحمن بن مدلج(1).

6 - یزید بن ودیعة.».

ص: 387


1- کذا فی أُسد الغابة : 3 / 492 ، وفی الإصابة : 2 / 421 رقم 197 : أنَّه کان ممّن شهد یوم الرحبة أنَّه سمع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول «من کنت مولاه فعلیّ مولاه ...».
نظرة فی حدیث إصابة الدعوة

ربّما یقف فی صدر القارئ الاختلاف بین الأحادیث الناصّة بأنّ أَنَساً قد أصابته الدعوة بکتمان الشهادة ، وما جاء موهماً بشهادته ، لکن : عرفتَ أنَّ الفریق

الأخیر منهما محرَّفُ المتن فیه تصحیفٌ ، وعلی تقدیر سلامته لا یقاوم الأوّل کثرةً وصحّةً وصراحةً ، مع ما هناک من نصوصٍ أخری غیر ما ذکر ، منها :

قال أبو محمد بن قتیبة - المترجم (ص 96) - فی المعارف(1) (ص 251) :

أنس بن مالک کان بوجهه برصٌ ، وذکر قومٌ : أنَّ علیّاً رضی الله عنه سأله عن قول رسول الله : «أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه ، فقال : کبرتْ سنّی ونسیت ، فقال علیٌّ : إن کنتَ کاذباً فضربَکَ الله ببیضاءَ لا تُواریها العمامة».

قال الأمینی : هذا نصُّ ابن قتیبة فی الکتاب ، وهو الذی اعتمد علیه ابن أبی الحدید فی شرح نهج البلاغة(2) (4 / 388) حیث قال :

قد ذکر ابن قتیبة حدیث البرص والدعوة التی دعا بها أمیر المؤمنین علیه السلام علی أنس بن مالک فی کتاب المعارف فی باب البرص من أعیان الرجال ، وابن قتیبة غیر متَّهم فی حقّ علیّ علیه السلام علی المشهور من انحرافه عنه. انتهی.

وهو یکشف عن جزمه بصحّة العبارة وتطابق النسخ علی ذلک ، کما یظهر من غیره ممّن نقل هذه الکلمة عن کتاب المعارف.

لکن الید الأمینة علی ودائع العلماء فی کتبهم فی المطابع المصریّة ، دسّت فی الکتاب ما لیس منه ، فزادت بعد القصّة ما لفظه : قال أبو محمد : لیس لهذا أصلٌ. ذهولاً عن أنَّ سیاق الکتاب یُعرب عن هذه الجنایة ، ویأبی هذه الزیادة ؛ إذ المؤلّف 7.

ص: 388


1- المعارف : ص 580.
2- شرح نهج البلاغة : 19 / 218 الأصل 317.

یذکر فیه من مصادیق کلّ موضوع ما هو المُسلَّم عنده ، ولا یوجد من أوّل الکتاب إلی آخره حکمٌ فی موضوع بنفی شیء من مصادیقه بعد ذکره إلّا هذه ، فأوّل رجل یذکره فی عدِّ من کان علیه البرص هو أنس ثمّ یعدُّ من دونه ، فهل یمکن أن یذکر مؤلّفٌ فی إثبات ما یرتئیه مصداقاً ، ثمّ ینکره بقوله : لا أصل له ؟!

ولیس هذا التحریف فی کتاب المعارف بأوّل فی بابه ، فسیُوافیک فی المناشدة الرابعة عشرة حذفها منه ، وقد وجدنا فی ترجمة المهلّب بن أبی صفرة من تاریخ ابن خلّکان(1) (2 / 273) نقلاً عن المعارف ما حَذَفتْه المطابع.

وقال أحمد بن جابر البلاذری المتوفّی (279) فی الجزء الأوّل من أنساب الأشراف(2) :

قال علیٌّ علی المنبر : «أَنشُد اللهَ رجلاً سَمِع رسول الله یقول یوم غدیر خُمّ : أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه ، إلّا قام وشهد».

وتحت المنبر أنس بن مالک ، والبراء بن عازب ، وجریر بن عبدالله البجلی ، فأعادها فلم یُجبه أحدٌ ، فقال :

«أللّهمّ من کَتم هذه الشهادة وهو یعرفها ، فلا تُخرجه من الدنیا حتی تجعل به آیةً یُعرَفُ بها».

قال [أبو وائل](3) : فبَرِصَ أنس ، وعَمی البراء ، ورجع جریر أَعرابیّاً بعد هجرته ، فأتی الشُّراة(4) ، فمات فی بیت أمّه(5). ٍ.

ص: 389


1- وفیات الأعیان : 5 / 351 رقم 754.
2- أنساب الأشراف : 2 / 156 ح 169.
3- أثبتنا الزیادة من المصدر.
4- الشُّراة : صقع بالشام بین دمشق ومدینة الرسول صلی الله علیه وآله وسلم. معجم البلدان : 3 / 332.
5- ولعلّه : فی بیت أمّةٍ.

وقال ابن أبی الحدید فی شرح نهج البلاغة(1) (4 / 488) : المشهور أنَّ علیّاً علیه السلام ناشد الناس فی الرحبة بالکوفة ، فقال : «أَنشُدُکُمُ اللهَ رجلاً سَمِع رسول الله صلی الله علیه وسلم یقول لی وهو منصرفٌ من حجّة الوداع : من کنتُ مولاه فعلیّ مولاه ، أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه».

فقام رجالٌ ، فشهدوا بذلک. فقال علیه السلام لأنس بن مالک : «ولقد حضرتَها ، فما لک ؟» فقال : یا أمیر المؤمنین کَبرت سِنّی ، وصار ما أنساه أکثر ممّا أذکره. فقال له : «إن کنتَ کاذباً فضربک الله بها بیضاء لا تُواریها العمامة». فما مات حتی أصابه البَرَص.

وقال فی(2) (1 / 361) : وذکر جماعة من شیوخنا البغدادیّین : أنَّ عدّةً من الصحابة والتابعین والمحدِّثین کانوا منحرفین عن علیّ علیه السلام قائلین فیه السوء ، ومنهم من کتم مناقبه ، وأعان أعداءه میلاً مع الدنیا وإیثاراً للعاجلة ، فمنهم : أنس بن مالک.

ناشدَ علیٌّ علیه السلام فی رحبة القصر - أو قالوا : برحبة الجامع بالکوفة - : «أیُّکم سَمِع رسول الله صلی الله علیه وسلم یقول : من کنتُ مولاه فعلیّ مولاه ؟».

فقام اثنا عشر رجلاً ، فشهِدوا بها وأنس بن مالک فی القوم لم یقم ! فقال له : «یا أنس ما یمنعک أن تقوم فتشهد ، ولقد حضرتها ؟ فقال : یا أمیر المؤمنین کبرتُ ونَسِیتُ ! فقال : أللّهمّ إن کان کاذباً فارْمه بیضاءَ لا تُواریها العمامة».

قال طلحة بن عُمیر : فوالله لقد رأیت الوَضَح به بعد ذلک أبیض بین عینیه.

وروی عثمان بن مطرف : أنَّ رجلاً سأل أنس بن مالک فی آخر عمره عن علیّ ابن أبی طالب. 6.

ص: 390


1- شرح نهج البلاغة : 19 / 217 الأصل 317.
2- المصدر السابق : 4 / 74 خطبة 56.

فقال : إنّی آلیتُ أن لا أکتُمَ حدیثاً سُئِلتُ عنه فی علیٍّ بعد یوم الرحبة : ذاک رأس المتّقین یوم القیامة ، سمعته - والله - من نبیّکم.

وفی تاریخ ابن عساکر(1) (3 / 150) : قال أحمد بن صالح العجلی : لم یُبتَلَ أحد من أصحاب النبی صلی الله علیه وسلم إلّا رجلین : مُعیقیب(2) کان به داء الجُذام ، وأنس بن مالک کان به وَضَحٌ ؛ یعنی البَرَص.

وقال أبو جعفر : رأیتُ أنساً یأکل ، فرأیته یلقَم لُقَماً کباراً ، ورأیت به وضَحاً ، وکان یتخلّق بالخلوق.

وقول العجلی المذکور حکاه أبو الحجّاج المزّی فی تهذیبه(3) ، کما فی خلاصة الخزرجی(4) (ص 35).(5)..

ص: 391


1- تاریخ مدینة دمشق : 3 / 174.
2- معیقیب - مُصَغّراً - هو ابن أبی فاطمة الدوسی الأَزدی من أُمناء عمر بن الخطّاب علی بیت المال. ترجمه ابن قتیبة فی المعارف : ص 137 [ص 316]. (المؤلف)
3- تهذیب الکمال : 3 / 374رقم 568.
4- خلاصة الخزرجی : 1 / 105 رقم 630.
5- حدیث الدعوة وإصابتها فی مسند أحمد : 1 / 119 - فی طبعة أحمد شاکر برقم 964 - وفیه : فقام إلّا ثلاثة لم یقوموا ! فدعا علیهم ، فأصابتهم دعوته. وأخرجه الدارقطنی ولفظه : فقام بضعة عشر رجلاً فشهدوا ، وکتم قوم ! فما فنوا من الدنیا حتی عموا وبرصوا ... وأخرجه ابن عساکر : 510 من طریق الدارقطنی. وبهذا اللفظ أخرجه الخطیب البغدادی فی الأفراد ، وعنه السیوطی فی جمع الجوامع ، والمتّقی فی کنز العمّال : ح 36417. وأخرجه ابن عساکر : 509 ، والضیاء المقدسی فی المختارة : 654 ، وابن کثیر فی تاریخه : 5 / 211 من طریق عبدالله بن أحمد ، باللفظ المتقدم عن المسند ، وکرّره ابن کثیر فی : 7 / 347 بالإسناد واللفظ ، وحذف منه الکتمان والدعوة وإصابتها ! وتقدّمت فی ص 389 روایة البلاذری وفیها : فبرص أنس ، وعمی البراء ، ورجع جریر أعرابیاً .. فأمّا أنس بن مالک : فقد اشتهر بالبرص ، وعدّه ابن حبیب فی المحبّر : ص 301 فی البُرص الأشراف ، وعدّه الثعالبی فی ثمار القلوب : ص 206 فی أدواء الأشراف وعاهاتهم - کما قیل : لقوة معاویة ... وبخر عبدالملک وبرص أنس بن مالک. ویبدو أنَّ البرص توارثه بعض ولده ، فقد ذکره الجاحظ. وذکر ابنه وحفیده ثمامة فی کتاب البرصان والعرجان : ص 79 وقال : قال أبو عبیدة : کان ثمامة بن عبدالله بن أنس أسلع ابن أسلع ابن أسلع (والأسلع هو الأبرص کما فی کتاب البرصان : ص 63). وقال ابن رسته فی الأعلاق النفیسة : ص 221 : أنس بن مالک ، کان بوجهه برص ، ویذکر قوم أنَّ علیّ بن أبی طالب رضی الله عنه سأله عن شیء فقال : کبرت سنّی ونسیت ! فقال علیّ : إن کنت کاذباً فضربک الله ببیضاء لاتواریها العمامة. وقال الثعالبی فی لطائف المعارف : ص 105 : وکان أنس بن مالک رضی الله عنه أبرص ، وذکر قوم أنَّ علیّ ابن أبی طالب - کرم الله وجهه - سأله عن قول النبی صلی الله علیه وسلم فیه : «اللّهمّ والِ من والاه وعادِ من عاداه» فقال : قد کبرت ونسیت ! فقال علیّ : «إن کنت کاذباً فضربک الله ببیضاء لا تواریها العمامة» فأصابه برص ، وبرص أنس مشهور مذکور فی ترجمته فی الکتب الکبار کتهذیب الکمال : 3 / 375 وتاریخ الإسلام : 6 / 295 وسیر أعلام النبلاء : 3 / 405. وأخرج أبو نعیم فی حلیة الأولیاء : 5 / 26 - 27 عن شیخه الحافظ الطبرانی حدیث المناشدة وفیه : فقاموا کلهم فقالوا : نعم ، وقعد رجل : فقال : «ما منعک أن تقوم ؟» فقال : یا أمیر المؤمنین کبرت ونسیت ! فقال : «اللّهمّ إن کان کاذباً فاضربه ببلاء حسن» : قال : فما مات حتی رأینا بین عینیه نکتة بیضاء لا تواریها العمامة. وکرّر هذا الحدیث فی أخبار أصبهان : 1 / 107 بالإسناد واللفظ إلی قوله : «وعادِ من عاداه». فحذف منه کتمان أنس وابتلائه بالبرص ! وقد جمع أنس بین کتمان الشهادة وکذبتین : کبرت ، ونسیت. فإنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لما هاجر إلی المدینة کان أنس طفلاً ابن عشر سنین أو ثمان سنین ، أخذت أمّه بیده وذهبت به إلیه صلی الله علیه وآله وسلم وطلبت منه أن یقبله خادماً ، والمناشدات کانت بین سنتی 36 و 40 ، فأنس عند المناشدة کان فی الأربعینات من عمره ، له دون الخمسین سنة ، فأین الکبر المورث للنسیان ؟! ولقد جرّبنا علیه الکذب فی قصّة الطیر عندما دعا النبی صلی الله علیه وآله وسلم أن یأتیه الله بأحبّ الخلق إلیه یأکل معه من الطیر ، فبعث الله إلیه علیّاً علیه السلام ثلاث مرّات فی کلّ ذلک یقول له أنس : إنَّ النبیّ عنک مشغول ! وأما البراء بن عازب :

ص: 392

وقد نظم السیّد الحمیریّ(1) إصابة الدعوة علیه فی لامیّته الآتیة بقوله :

فی ردِّهِ سیِّدَ کلِّ الوری

مولاهُمُ فی الُمحکَمِ المُنْزَلِ

فَصَدَّه ذو العرشِ عن رُشدِهِ

وشانَهُ بالبَرَصِ الأنْکَلِ

وقال الزاهی(2) فی قصیدته التی تأتی :

ذاک الذی استوحَشَ منهُ أنسٌ

أنْ یشهدَ الحقَّ فشاهدَ البَرَصْ

إذ قال من یشهَدُ بالغدیرِ لی ؟

فبادَرَ السامعُ وهو قد نَکَصْ

فقال أُنسیتُ ، فقال کاذبٌ

سوفَ تری ما لا تُواریهِ القُمُصْ

وهناک حدیثٌ مجملٌ أحسبه إجمال هذا التفصیل :

أخرج الخوارزمی من طریق الحافظ ابن مردویه فی مناقبه(3) عن زاذان أبی عمرو : أنَّ علیّاً سأل رجلاً فی الرحبة عن حدیث فکذّبه ! فقال علیّ : «إنَّک قد کذّبتَنی.

فقال : ما کذّبتُک !! فقال : أدعو الله علیک إن کنتَ کذّبتَنی أن یُعمیَ بصرَک». قال : ادْعُ الله. فدعا علیه ، فلم یخرج من الرحبة حتی قُبِضَ بصره. 6.

ص: 393


1- أحد شعراء الغدیر فی القرن الثانی ، یأتی هناک شعره وترجمته. (المؤلف)
2- أحد شعراء الغدیر فی القرن الرابع ، یأتی هناک شعره وترجمته. (المؤلف)
3- المناقب : ص 378 ح 396.

ورواه خواجه پارسا فی فصل الخطاب من طریق الإمام المستغفری(1) ، وکذلک نور الدین عبدالرحمن الجامی عن المستغفری ، وعدّه ابن حجر فی الصواعق(2) (ص 77) من کرامات أمیر المؤمنین علیه السلام ، ورواه الوصّابی فی محکیّ الاکتفاء عن زاذان من طریق الحافظ عمر بن محمد الملّا فی سیرته ، وجمعٌ آخرون.(3)

6 - مناشدة أمیر المؤمنین علیه السلام یوم صفّین سنة (37)

قال أبو صادق سُلَیم بن قیس الهلالی(4) التابعی الکبیر فی کتابه(5) : م.

ص: 394


1- جعفر بن محمد النسفی المستغفری - المولود (350) والمتوفّی (432) - صاحب التآلیف القیّمة. ترجمه الذهبی فی تذکرته : 3 / 300 [3 / 1102 رقم 996]. (المؤلف)
2- الصواعق المحرقة : ص 129.
3- منهم عبدالله بن أحمد بن حنبل فی زیاداته فی فضائل الصحابة لأبیه : 900 ، وفی کتاب الزهد له : ص 132 ، وفی کتاب مناقب علیّ علیه السلام له : برقم 23. وأخرجه ابن أبی الدنیا فی کتاب مجابی الدعوة ، والحافظ أبو نعیم فی أخبار أصبهان : 1 / 210. وأخرجه ابن عساکر فی تاریخه : 1272 و 1273 ، والمحبّ الطبری فی ذخائر العقبی : ص 96. (الطباطبائی)
4- کتاب سُلَیم بن قیس : 2 / 757 ح 25.
5- کتاب سُلَیم من الأصول المشهورة المتداولة فی العصور القدیمة المعتمد علیها عند محدِّثی الفریقین وحملة التاریخ : قال ابن الندیم فی الفهرست : ص 307 [ص 275] : إنَّ سُلیماً لمّا حضرته الوفاة قال لأبان : إنَّ لک علیَّ حقّاً ، وقد حضرتنی الوفاة ، یا ابن أخی إنَّه کان من أمر رسول الله کیت وکیت. وأعطاه کتاباً ، وهو کتاب سُلَیم بن قیس الهلالی المشهور ... - إلی أن قال - : وأوّل کتاب ظهر للشیعة کتابُ سُلَیم. وفی التنبیه والأشراف للمسعودی : ص 198 ما نصّه : والقطعیة بالإمامة الاثنا عشریّة منهم الذین أصلهم فی حصر العدد ما ذکره سُلیم بن قیس الهلالی فی کتابه. وقال السبکی فی محاسن الرسائل فی معرفة الأوائل : إن أوّل کتاب صُنِّف للشیعة هو کتاب سُلَیم. واللام فی کلام ابن الندیم والسبکی للمنفعة ، فمفادها أنَّهم کانوا یحتجّون به ، فیخصمون المجادل لاقتناعه بما فیه ثقة بأمانة سُلَیم فی النقل ، لا محض أنَّ الشیعة تقتنع بما فیه ، وهو الذی یعطیه کلام المسعودیّ حیث أسند احتجاج الإمامیّة الاثنی عشریة فی حصر العدد بما فیه ، فإنّ الاقتناع بمجرّده غیر مُجدٍ فی عصور قام الحِجاج فیها علی أشدّه ، ولذلک أسند إلیه وروی عنه غیرُ واحد من أعلام العامّة : منهم الحاکم الحسکانیّ - المترجم (ص 112) - فی شواهد التنزیل لقواعد التفضیل [1 / 47 ح 41] ، والإمام الحمّوئی - المترجم (ص 123) - فی فرائد السمطین [1 / 312 ح 250] ، والسیّد ابن شهاب الهمَدانی (المذکور ص 127) فی مودّة القربی [المودّة العاشرة] ، والقندوزی الحنفی - المترجم (ص 147) - فی ینابیع المودّة [1 / 27 - 32 ، 114 باب 38] ، وغیرهم ، وحول الکتاب کلمات درّیّة أفردناها فی رسالة ، وإنَّما ذکرنا هذا الإجمال ؛ لتعلم أنَّ التعویل علی الکتاب ممّا تسالم علیه الفریقان ، وهو الذی حدانا إلی النقل عنه فی کتابنا هذا. (المؤلف)

صعد علیٌّ علیه السلام المنبر - فی صفّین - فی عسکره ، وجمع الناس ومن بحضرته من النواحی والمهاجرین والأنصار ، ثمّ حمد الله وأثنی علیه ، ثمّ قال :

«معاشر الناس ، إنَّ مناقبی أکثر من أن تُحصی ، وبعد ما أنزل الله فی کتابه من ذلک ، وما قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، أکتفی بها عن جمیع مناقبی وفضلی :

أتعلمون أنَّ الله فضّل فی کتابه السابق علی المسبوق ، وأنَّه لم یسبقنی إلی الله ورسوله أحدٌ من الأمّة ؟ قالوا : نعم.

قال : أَنشُدُکُمُ الله : سُئِل رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم عن قوله : (السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَ-ئِکَ الْمُقَرَّبُونَ) فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : أنزلها الله فی الأنبیاء وأوصیائهم ، وأنا أفضل أنبیاء الله ورسله ، ووصیّی علیّ بن أبی طالب أفضل الأوصیاء ؟»

فقام نحو من سبعینَ بدریّاً جُلّهم من الأنصار وبقیّتهم من المهاجرین ، منهم : أبو الهیثم بن التیّهان ، وخالد بن زید أبو أیّوب الأنصاری ، وفی المهاجرین عمّار بن یاسر ، فقالوا : نشهد أنَّا قد سمعنا رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قال ذلک.

قال : «فأَنشدُکُم بالله فی قول الله : (یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا أَطِیعُوا اللَّ-هَ وَأَطِیعُوا الرَّسُولَ وَأُولِی الْأَمْرِ مِنکُمْ) وقوله : (إِنَّمَا وَلِیُّکُمُ اللَّ-هُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِینَ آمَنُوا ...) الآیة ، ثمّ

ص: 395

قال : (وَلَمْ یَتَّخِذُوا مِن دُونِ اللَّ-هِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِینَ وَلِیجَةً). فقال الناس : یا رسولَ الله ، أخاصٌّ لبعض المؤمنین ، أم عامٌّ لجمیعهم ؟

فأمر الله عزّ وجلّ رسوله أن یعلِّمهم ، وأن یفسِّر لهم من الولایة ما فسّر لهم من صلاتهم وصیامهم وزکاتهم وحجِّهم ، فنصبنی بغدیر خُمّ ، وقال :

إنَّ الله أرسلنی برسالةٍ ضاقَ بها صدری وظننتُ أنَّ الناس مُکذِّبیَّ ، فأوعدنی : لَأُبلِّغُها أو یعذِّبنی ، قم یا علیُّ. ثمّ نادی بالصلاة جامعةً فصلّی بهم الظهر ، ثمّ قال :

أیُّها الناس إنَّ الله مولای ، وأنا مولی المؤمنین ، وأولی بهم من أنفسهم ، من کنتُ مولاه فعلیٌّ مولاه ، أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه ، وانصُر من نَصَره ، واخذُل من خَذَله. فقام إلیه سلمان الفارسی ، فقال : یا رسولَ الله ولاءٌ کماذا ؟

فقال : ولاء کولای ، من کنتُ أولی به من نفسه ، فعلیّ أولی به من نفسه ، وأنزل الله (الْیَوْمَ أَکْمَلْتُ لَکُمْ دِینَکُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَیْکُمْ نِعْمَتِی وَرَضِیتُ لَکُمُ الْإِسْلَامَ دِینًا) ...» إلی أن قال :

فقام اثنا عشر رجلاً من البدریِّین ، فقالوا : نشهد أنَّا سَمِعنا ذلک من رسول الله کما قلت ... الحدیث ، وهو طویلٌ ، وفیه فوائد جمّة.

7 - احتجاج الصدّیقة فاطمة بنت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم

قال شمس الدین أبو الخیر الجزریّ الدمشقیّ المقری الشافعیّ - المترجم (ص 129) - فی کتابه أسنی المطالب(1) فی مناقب علیّ بن أبی طالب(2) :

وألطف طریق وقع لهذا الحدیث - یعنی حدیث الغدیر - وأغربه ما حدّثنا به ف)

ص: 396


1- أسنی المطالب : ص 49.
2- ذکره له السخاوی فی الضوء اللامع : 9 / 256 [رقم 806] ، والشوکانی فی البدر الطالع : 2 / 297 [رقم 513]. (المؤلف)

شیخنا خاتمة الحفّاظ أبو بکر محمد بن عبدالله بن المحبّ المقدسی مشافهةً ، أخبرتنا الشیخة أُمّ محمد زینب ابنة أحمد بن عبدالرحیم المقدسیة ، عن أبی المظفّر محمد بن فتیان بن المثنّی ، أخبرنا أبو موسی محمد بن أبی بکر الحافظ ، أخبرنا ابن عمّة والدی القاضی أبو القاسم عبدالواحد بن محمد بن عبدالواحد المدنی بقراءتی علیه ، أخبرنا ظفر بن داعی العلوی باستراباد ، أخبرنا والدی وأبو أحمد بن مطرف المطرفی قالا : حدّثنا أبو سعید الإدریسی إجازة فیما أخرجه فی تاریخ استراباد ، حدّثنی محمد بن محمد بن الحسن أبو العبّاس الرشیدی من ولد هارون الرشید بسمرقند - وما کتبناه إلّا

عنه - حدّثنا أبو الحسن محمد بن جعفر الحلوانی ، حدّثنا علیّ بن محمد بن جعفر الأهوازی مولی الرشید ، حدّثنا بکر بن أحمد القصری ، حدّثتنا فاطمة وزینب وأُمّ کلثوم بنات موسی بن جعفر علیه السلام ، قلن : حدّثتنا فاطمة بنت جعفر بن محمد الصادق ، حدّثتنی فاطمة بنت محمد بن علیّ ، حدّثتنی فاطمة بنت علیّ بن الحسین ، حدّثتنی فاطمة وسکینة ابنتا الحسین بن علیّ ، عن أُمّ کلثوم بنت فاطمة بنت النبیّ ، عن فاطمة بنت رسول الله - صلّی الله علیه ورضی عنها - قالت :

«أَنسیتُم قول رسول الله صلی الله علیه وسلم یوم غدیر خُمّ : من کنتُ مولاه فعلیٌّ مولاه ، وقوله صلی الله علیه وسلم : أنت منّی بمنزلة هارون من موسی علیهما السلام ؟».

وهکذا أخرجه الحافظ الکبیر أبو موسی المَدِینی فی کتابه المسلسل بالأسماء ، وقال : هذا الحدیث مسلسلٌ من وجه ، وهو أنَّ کلَّ واحدة من الفواطم تروی عن عمّة لها ، فهو روایة خمس بناتِ أخٍ ، کلّ واحدة منهنّ عن عمّتها.

8 - احتجاج الإمام السبط أبی محمد الحسن علیه السلام سنة (41)

أخرج الحافظ الکبیر أبو العبّاس بن عقدة : أنَّ الحسن بن علیٍّ علیهما السلام لمّا أجمع علی صلح معاویة قام خطیباً ، وحمد الله وأثنی علیه ، وذکر جدّه المصطفی بالرسالة

ص: 397

والنبوّة ، ثمّ قال :

«إنَّا أهل بیت أکرمنا الله بالإسلام واختارنا واصطفانا ، وأذهب عنّا الرجسَ وطهّرَنا تطهیراً ، لم تفترق الناس فرقتین إلّا جعلنا الله فی خیرهما من آدم إلی جدّی محمد.

فلمّا بعث الله محمداً للنبوّة واختاره للرسالة ، وأنزل علیه کتابه ، ثمّ أمره بالدعاء إلی الله عزّ وجلّ ، فکان أبی أوّل من استجاب لله ولرسوله ، وأوّل من آمن وصدّق الله ورسوله صلی الله علیه وسلم ، وقد قال الله فی کتابه المنزل علی نبیّه المرسل : (أَفَمَن کَانَ عَلَی بَیِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَیَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ)(1) ، فجدّی الذی علی بیِّنةٍ من ربّه ، وأبی الذی یتلوه وهو شاهدٌ منه ... - إلی أن قال - :

وقد سَمِعت هذه الأمّة جدّی صلی الله علیه وسلم یقول : ما ولّت أمّةٌ أمرَها رجلاً وفیهم من هو أعلم منه ، إلّا لم یزل یذهبُ أمرُهم سَفالاً حتی یرجعوا إلی ما ترکوه.

وسمِعوه یقول لأبی : أنت منّی بمنزلةِ هارونَ من موسی إلّا أنَّه لا نبیَّ بعدی.

وقد رأوه وسمِعوه حین أخذ بید أبی بغدیر خُمّ وقال لهم : من کنتُ مولاه فعلیّ مولاه ، أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه. ثمّ أمرهم أن یبلّغ الشاهد الغائب».

وذکر شطراً من هذه الخطبة القندوزی الحنفی فی ینابیع المودّة(2) (ص 482) ، وفیه الحِجاجُ بحدیث الغدیر.

9 - مناشدة الإمام السبط الحسین علیه السلام بحدیث الغدیر سنة (58 ، 59)

ذکر التابعیّ الکبیر أبو صادق سُلَیم بن قیس الهلالی فی کتابه(3) جُملاً ضافیة 6.

ص: 398


1- هود : 17.
2- ینابیع المودّة : 3 / 150 باب 90.
3- کتاب سُلَیم بن قیس : 2 / 788 ح 26.

حول شدّة نکیر معاویة بن أبی سفیان علی شیعة أمیر المؤمنین علیه السلام وموالیه بعد شهادته ثمّ قال :

فلمّا کان قبل موت معاویة بسنتین(1) حجّ الحسین بن علیّ علیهما السلام ، وعبدالله بن عبّاس ، وعبدالله بن جعفر ، فجمع الحسین علیه السلام بنی هاشم رجالهم ونساءهم وموالیهم وشیعتهم ، من حجّ منهم ومن لم یحجّ ، ومن الأنصار ممّن یعرف الحسین وأهل بیته ، ثمّ

لم یترک أحداً حجّ ذلک العام من أصحاب رسول الله ومن التابعین من الأنصار المعروفین بالصلاح والنسک إلّا جمعهم ، واجتمع علیه بمنی أکثر من سبعمائة رجل ، وهم فی سرادقه عامّتهم من التابعین ، ونحو من مائتی رجل من أصحاب النبیّ ، فقام فیهم ، فحمد الله ، وأثنی علیه ، ثمّ قال :

«أمّا بعد : فإنَّ هذا الطاغیة قد صنع بنا وبشیعتنا ما علمتم ورأیتم وشهدتم وبلغکم ، وإنّی أرید أن أسألکم عن شیء فإن صدقت فصدِّقونی ، وإن کذبت فکذِّبونی ، واسمعوا مقالتی ، واکتبوا قولی ، ثمّ ارجعوا إلی أمصارکم وقبائلکم ، ومن

ائتمنتموه من الناس ووثِقتم به ، فادعوه إلی ما تعلمون من حقِّنا فإنّا نخاف أن یدرُسَ(2) هذا الحقّ ، ویذهَبَ ویغلب ، (... وَاللَّ-هُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ کَرِهَ الْکَافِرُونَ)(3)».

وما ترک شیئاً ممّا أنزل الله فی القرآن فیهم إلّا تلاه وفسّره ، ولا شیئاً ممّا قاله رسول الله صلی الله علیه وسلم فی أبیه وأمّه ونفسه وأهل بیته إلّا رواه ، وکلُّ ذلک یقولون : أللّهمّ نعم قد سمعنا وشهدنا ، ویقول التابعون : أللّهمّ نعم قد حدّثنی به من أصدِّقه وأئتمنه من الصحابة ...

إلی أن قال : قال علیه السلام : 8.

ص: 399


1- فی بعض النسخ : بسنة. (المؤلف)
2- دَرَسَ الأثر : إمّحی.
3- الصفّ : 8.

«أنشدُکُمُ الله أتعلمون أنَّ رسول الله نصبه یوم غدیر خُمّ ، فنادی له بالولایة ، وقال : لیبلِّغ الشاهدُ الغائبَ ؟» قالوا : أللّهمّ نعم ... الحدیث.

وفیه طُرَفٌ ممّا تواترت أَسانیده من فضائل أمیر المؤمنین علیه السلام ، فراجع.

10 - احتجاج عبدالله بن جعفر علی معاویة

بعد شهادة أمیر المؤمنین علیه السلام

قال عبدالله بن جعفر بن أبی طالب : کنت عند معاویة ومعنا الحسن والحسین علیهما السلام ، وعنده عبدالله بن العبّاس والفضل بن عبّاس ، فالتفت إلیَّ معاویة ، فقال :

یا عبدالله ما أشدّ تعظیمک للحسن والحسین وما هما بخیر منک ، ولا أبوهما خیر من أبیک ، ولولا أنَّ فاطمة بنت رسول الله صلی الله علیه وسلم لقلتُ : ما أمّک أسماء بنت عمیس بدونها.

فقلت : والله إنَّک لقلیل العلم بهما وبأبیهما وبأمّهما ، بل والله لَهما خیرٌ منّی ، وأبوهما

خیرٌ من أبی ، وأمُّهما خیرٌ من أمّی. یا معاویة إنَّک لغافلٌ عمّا سمعته أنا من رسول الله صلی الله علیه وسلم یقول فیهما وفی أبیهما وأمِّهما ، قد حفظته ووعیته ورویته.

قال : هاتِ یا ابن جعفر ، فو الله ما أنتَ بکذّاب ولا متَّهم.

فقلت : إنَّه أعظم ممّا فی نفسک.

قال : وإن کان أعظم من أُحد وحِراء - بکسر المُهملة - جمیعاً ، فلست أبالی إذا قتل الله صاحبک ، وفرّق جمعکم ، وصار الأمر فی أَهله ، فحدِّثنا فما نبالی بما قلتم ولا یضرُّنا ما عدّدتم.

قلت : سمعت رسول الله صلی الله علیه وسلم وقد سُئِل عن هذه الآیة (وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْیَا الَّتِی

ص: 400

أَرَیْنَاکَ إِلَّا فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِی الْقُرْآنِ)(1) فقال :

«إنّی رأیت اثنی عشر رجلاً من أئمّة الضلالة یصعدون منبری ، وینزلون ، یردّون أمّتی علی أدبارهم القهقری».

وسمعته یقول : «إنَّ بنی أبی العاص إذا بَلغوا خمسة عشر رجلاً جعلوا کتاب الله دَخَلاً ، وعبادَ الله خِوَلاً ، ومال الله دُوَلاً».

یا معاویة إنّی سمعت رسول الله صلی الله علیه وسلم یقول علی المنبر وأنا بین یدیه وعمر بن أبی سلمة ، وأُسامة بن زید ، وسعد بن أبی وقّاص ، وسلمان الفارسی ، وأبو ذرّ ، والمقداد ، والزبیر بن العوّام ، وهو یقول :

«ألستُ أولی بالمؤمنین من أنفسهم ؟ فقلنا : بلی یا رسول الله. قال : ألیس أزواجی أمّهاتِکم ؟ قلنا : بلی یا رسول الله.

قال : من کنتُ مولاه فعلیٌّ مولاه ، أولی به من نفسه. وضرب بیده علی منکب علیٍّ ، فقال : أللّهمَّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه.

أیّها الناس أنا أولی بالمؤمنین من أنفسهم لیس لهم معی أمر ، وعلیٌّ من بعدی أولی بالمؤمنین من أنفسهم لیس لهم معه أمر ، ثمّ ابنی الحسن أولی بالمؤمنین من أنفسهم لیس لهم معه أمر».

ثمّ عاد فقال : «أیّها الناس إذا أنا استشهدتُ فعلیٌّ أولی بکم من أنفسکم ، فإذا استشهد علیٌّ فابنی الحسن أولی بالمؤمنین منهم بأنفسهم ، وإذا استشهد الحسن فابنی

الحسین أولی بالمؤمنین منهم بأنفسه ...» إلی أن قال :

فقال معاویة : یا ابن جعفر لقد تکلّمت بعظیم ، ولئن کان ما تقول حقّاً لقد هلکَتْ أمّة محمد من المهاجرین والأنصار غیرَکم - أهلَ البیت - وأولیائکم وأنصارکم.0.

ص: 401


1- الإسراء : 60.

فقلت : والله إنَّ الذی قلتُ حقٌّ سمعته من رسول الله صلی الله علیه وسلم.

قال معاویة : یا حسن ویا حسین ویا ابن عبّاس ما یقول ابن جعفر ؟

فقال ابن عبّاس : إن کنتَ لا تؤمن بالذی قال ، فأَرسل إلی الذین سمّاهم فاسألهم عن ذلک.

فأرسل معاویة إلی عمر بن أبی سلمة وإلی أُسامة بن زید ، فسألهما فشهدا أنَّ الذی قال ابن جعفر قد سمعناه من رسول الله صلی الله علیه وسلم کما سمعه ... إلی أن قال - من کلام ابن جعفر - :

ونبیّنا صلی الله علیه وسلم قد نصب لأمّته أفضل الناس وأولاهم وخیرهم بغدیر خُمّ وفی غیر موطن ، واحتجَّ علیهم به وأمرهم بطاعته ، وأخبرهم أنَّه منه بمنزلة هارون من موسی ، وأنَّه ولیُّ کلِّ مؤمن من بعده ، وأنَّه کلّ من کان هو ولیَّه فعلیٌّ ولیّه ، ومن کان أولی به من نفسه فعلیٌّ أولی به ، وأنَّه خلیفته فیهم ووصیّه ، وأنَّ من أطاعه أطاع الله ومن عصاه عصی الله. ومن والاه والی الله ومن عاداه عادی الله. الحدیث ، وفیه فوائد

کثیرة قیِّمةٌ جدّاً. کتاب سُلَیم(1).

11 - احتجاج بُردٍ علی عمرو بن العاص

بحدیث الغدیر

قال أبو محمد بن قتیبة - المترجم (ص 96) - فی الإمامة والسیاسة(2) (ص 93) :

وذکروا أنَّ رجلاً من همْدان یقال له : بُرد ، قدم علی معاویة فسمع عَمْراً یقع فی علیٍّ علیه السلام فقال له : یا عمرو إنَّ أشیاخنا سمعوا رسول الله صلی الله علیه وسلم یقول : «من کنتُ مولاه فعلیٌّ مولاه» ، فحقٌّ ذلک أم باطل ؟ 7.

ص: 402


1- کتاب سُلَیم بن قیس : 2 / 834 ح 42.
2- الإمامة والسیاسة : 1 / 97.

فقال عمرو : حقٌّ وأنا أزیدک : إنَّه لیس أحدٌ من صحابة رسول الله له مناقب مثل مناقب علیٍّ !

ففزِع الفتی. فقال عمرو : إنَّه أفسدها بأمره فی عثمان. فقال برد : هل أمر أو قتل ؟ قال : لا ، ولکنّه آوی ومنع. قال : فهل بایعه الناس علیها ؟ قال : نعم. قال : فما أخرجک من بیعته ؟ قال : اتّهامی إیّاه فی عثمان. قال له : وأنت - أیضاً - قد اتُّهِمتَ. قال : صدقتَ ، فیها خرجتُ إلی فلسطین.

فرجع الفتی إلی قومه ، فقال : إنَّا أتینا قوماً أخذنا الحجّة علیهم من أفواههم ؛ علیٌّ علی الحقّ فاتّبعوه.

12 - احتجاج عمرو بن العاص علی معاویة

بحدیث الغدیر

ذکر الخطیب الخوارزمیّ الحنفیّ فی المناقب(1) (ص 124) کتاباً لمعاویة کتبه إلی عمرو بن العاص یستهویه لنصرته فی حرب صفّین ، ثمّ ذکر کتاباً لعمرو مُجیباً به معاویة - وستقف علی الکتابین فی ترجمة عمرو بن العاص - ومن کتاب عمرو قوله :

وأمّا ما نسبتَ أبا الحسن أخا رسول الله ووصیّه إلی البغی والحسد علی عثمان وسمّیت الصحابة فسَقةً ، وزعمت أنَّه أشلاهم(2) علی قتله ، فهذا کذب وغوایة.

ویحک یا معاویة ، أما علمت أنَّ أبا الحسن بذل نفسه بین یدی رسول الله صلی الله علیه وسلم وبات علی فراشه ؟! وهو صاحب السبق إلی الإسلام والهجرة ، وقد قال فیه رسول الله صلی الله علیه وسلم : «هو منّی وأنا منه». و «هو منّی بمنزلة هارون من موسی إلّا أنَّه لا نبیّ بعدی».

وقال فی یوم غدیر خُمّ : «ألا من کنتُ مولاه فعلیٌّ مولاه ، أللّهمّ والِ من والاه ، ه.

ص: 403


1- المناقب : ص 199 ح 240.
2- أشلاهم علیه : أغراهم به.

وعادِ من عاداه ، وانصُر من نصره ، واخذُل من خَذَله».

13 - احتجاج عمّار بن یاسر یوم صفِّین علی

عمرو بن العاص سنة (37)

روی نصر بن مزاحم الکوفی(1) فی کتاب صفِّین(2) (ص 176) فی حدیث طویل عن عمّار بن یاسر یخاطب عمرو بن العاص یوم صفّین ، قال :

أمرنی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أن أقاتل الناکثین ، وقد فعلت ، وأمرنی أن أقاتل القاسطین ، فأنتم هم ، وأمّا المارقون فما أدری أُدرکهم أم لا ، أیّها الأبتر ألستَ تعلم أنَّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قال لعلیّ : «من کنتُ مولاه فعلیّ مولاه ، أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه» وأنا مولی الله ورسوله وعلیٍّ بعده ، ولیس لک مولی. فقال له عمرو : لِمَ

تشتمنی یا أبا الیقظان ؟

یأتی تمام الحدیث فی ترجمة عمرو بن العاص فراجع ، وذکره ابن أبی الحدید فی شرح نهج البلاغة(1) (2 / 273). (2)

14 - احتجاج أصبغ بن نباتة بحدیث الغدیر فی مجلس معاویة سنة (37)

کتب أمیر المؤمنین - صلوات الله علیه - أیّام صفِّین کتاباً إلی معاویة بن أبی سفیان ، وأرسله إلیه بید أصبغ بن نباتة - المترجم (ص 62) - قال الأصبغ : 4.

ص: 404


1- قال ابن أبی الحدید فی شرح النهج 1 / 183 [2 / 206 خطبة 35] : ونحن نذکر ما أورده نصر بن مزاحم من کتاب صفّین فی هذا المعنی ، فهو ثقة ثبت صحیح النقل غیر منسوب إلی هویً ولا إدغال ، وهو من رجال أصحاب الحدیث. (المؤلف)
2- شرح نهج البلاغة : 8 / 21 خطبة 124.

فدخلت علی معاویة وهو جالسٌ علی نَطعٍ من الأَدَم متّکئاً علی وسادتین خضراوین ، وعن یمینه عمرو بن العاص ، وحَوْشب ، وذو الکلاع(1) ، وعن شماله أخوه عتبة المتوفّی (43 ، 44) وابن عامر بن کریز عبدالله المتوفّی (57 ، 58) والولید ابن عقبة الفاسق بنصِّ القرآن ، وعبدالرحمن بن خالد المتوفّی (47) ، وشرحبیل بن السمط المتوفّی (40 ، 41) ، وبین یدیه أبو هریرة ، وأبو الدرداء(2) والنعمان بن بشیر المتوفّی (65) ، وأبو أمامة الباهلی صُدَیّ المتوفّی (81) فلمّا قرأ الکتاب قال : إنَّ علیّاً لا یدفع إلینا قتلة عثمان.

قال الأصبغ : فقلت له : یا معاویة لا تعتلَّ بدم عثمان ، فإنّک تطلب الملک والسلطان ، ولو کُنتَ أردتَ نصره حیّاً لنصرته ، ولکنّک تربّصت به ؛ لتجعل ذلک سبباً إلی وصول الملک. فغضب من کلامی ، فأردت أن یزید غضبه ، فقلت لأبی هریرة :

یا صاحب رسول الله إنّی أُحلّفک بالذی لا إله إلّا هو عالم الغیب والشهادة ، وبحقِّ حبیبه المصطفی - علیه وآله السلام - إلّا أخبرتَنی أشهدتَ یوم غدیر خُمّ ؟

قال : بلی شهدتُه. قلت : فما سمعته یقول فی علیّ ؟

قال : سمعته یقول : «من کنتُ مولاه فعلیٌّ مولاه ، أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه ، وانصُر من نصره ، واخذُل من خَذَله».

فقلت له : فإذاً أنت - یا أبا هریرة - والیتَ عدوَّه ، وعادیت ولیَّه.

فتنفّس أبو هریرة الصعداء ، وقال : إنَّا لله وإنَّا إلیه راجعون.

رواه الحنفیّ فی مناقبه(3) (ص 130) ، وسبط ابن الجوزی فی تذکرته(4) (ص 48). 5.

ص: 405


1- حَوْشب الحمیری وذو الکلاع کانا مع معاویة فی حرب صفّین وقُتلا بها. (المؤلف)
2- عویمر الأنصاری : قال ابن عبدالبَرّ فی الاستیعاب فی الکنی [القسم الثالث / 1229 رقم 2006] : قال أهل الأخبار : إنَّه تُوفّی بعد صفّین. (المؤلف)
3- مناقب الخوارزمی : ص 205 ح 240.
4- تذکرة الخواص : ص 85.

15 - مناشدة شابّ أبا هریرة بحدیث الغدیر

فی مسجد الکوفة(*)

أخرج الحافظ أبو یعلی الموصلی(1) - المترجم (ص 100) - قال : حدّثنا أبو بکر ابن أبی شیبة ، أنبأنا شریک ، عن أبی یزید داود الأودی المتوفّی (150) عن أبیه یزید الأودی.

وأخرج الحافظ ابن جریر الطبری ، عن أبی کریب ، عن شاذان ، عن شریک ، عن إدریس وأخیه داود ، عن أبیهما یزید الأودی قال :

دخل أبو هریرة المسجد فاجتمع إلیه الناس ، فقام إلیه شابّ ، فقال : أنشُدُک بالله سمعت رسول الله صلی الله علیه وسلم یقول : «من کنتُ مولاه فعلیّ مولاه ، أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه» ؟

قال : فقال : إنّی أشهد أنّی سمعت رسول الله یقول : «من کنتُ مولاه فعلیٌّ مولاه ، أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه».

ورواه الحافظ أبو بکر الهیثمی فی مجمع الزوائد (9 / 105) نقلاً عن أبی یعلی والطبرانی والبزّار بطریقیه ، وصحّح أحدهما ووثّق رجاله ، وذکره ابن کثیر فی تاریخه(2) (5 / 213) من طریق أبی یعلی الموصلی ، وابن جریر الطبری.

وقال ابن أبی الحدید فی شرح نهج البلاغة(3) (1 / 360) : روی سفیان الثوری عن عبدالرحمن بن القاسم ، عن عمر بن عبدالغفّار : أنَّ أبا هریرة لَمّا قدِم الکوفة مع 6.

ص: 406


1- مسند أبی یعلی الموصلی : 11 / 307 ح 6423.
2- البدایة والنهایة : 5 / 232 حوادث سنة 10 ه.
3- شرح نهج البلاغة : 4 / 68 خطبة 56.

معاویة کان یجلس بالعشیّات بباب کندة ، ویجلس الناس إلیه ، فجاء شابّ من الکوفة فجلس إلیه فقال :

یا أبا هریرة أَنشُدُک الله أسمعت رسول الله صلی الله علیه وسلم یقول لعلیّ بن أبی طالب : «أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه» ؟.

فقال : أللّهمّ نعم. قال : فأشهد بالله لقد والیتَ عدوَّه وعادیتَ ولیَّه. ثمّ قام عنه.(1)

وروت الرواة أنَّ أبا هریرة کان یؤاکل الصبیان فی الطریق ویلعب معهم ، وکان یخطب وهو أمیر المدینة ، فیقول : الحمد لله الذی جعل الدین قیاماً ، وأبا هریرة إماماً ، یُضحِک الناس بذلک. وکان یمشی وهو أمیر المدینة فی السوق ، فإذا انتهی إلی رجل یمشی أمامه ضرب برجلیه الأرض ویقول : الطریق الطریق ، قد جاء الأمیر. یعنی نفسه. ی)

ص: 407


1- وأخرجه ابن أبی شیبة فی المصنّف : ح 12141 ، والبزّار فی مسنده کشف الأستار : ح 2531 ، وأخرجه الحافظ الطبرانی ، وعنه فی مجمع الزوائد : 9 / 105. وأخرجه المبارک بن عبد الجبّار الصیرفی فی الطیوریات : ج 9 / ق 160 / ب ، وأخرجه الذهبی فی کتابه فی الغدیر - جزء فی حدیث من کنت مولاه - بالأرقام : 82 - 88 ، وابن حجر العسقلانی فی المطالب العالیة : ح 3958 ، وفی مختصر زوائد مسند البزّار : ح 1903 ، والبوصیری فی إتحاف السادة المهرة : ج 3 ق 56 / أ. وفی روایة للذهبی فی غدیره رقم 84 : قدم علینا معاویة [الکوفة] فنزل النخیلة ، فدخل أبو هریرة المسجد بالکوفة ، فکان یقصّ علی الناس ویذکّرهم ! فقام إلیه شابّ ، فقال : یا أبا هریرة نشدتک بالله أنت سمعت رسول الله صلی الله علیه وسلم یقول لعلیّ : «من کنت مولاه فعلیّ مولاه ، اللّهمّ والِ من والاه وعادِ من عاداه» ؟ قال : اللّهمّ نعم . وفی مصنّف ابن أبی شیبة : ح 12141 : فقال الشابّ : أنا منک بریء ، أشهد أنَّک قد عادیت من والاه ، ووالیت من عاداه ، قال : فحصبه الناس بالحصی. فیبدو أنَّ معاویة لما قدم الکوفة بعث جهاز إعلامه شیخ المضیرة إلی المسجد یمجّده ویطریه ویحرّض الناس علی إکرامه وتبجیله ! ولعلّه نال من أمیر المؤمنین علیه السلام وتنقّصه !! مما أثار حفیظة هذا الشابّ ، فقام إلیه وناشده وأفحمه ، وقال له : فأشهد بالله لقد والیت عدوّه وعادیت ولیّه. وأنت تعلم أنَّ مجرد القصص والتذکیر لا یؤدّی إلی مثل هذا. (الطباطبائی)

قلت : قد ذکر ابن قتیبة هذا کلّه فی کتاب المعارف(1) فی ترجمة أبی هریرة ، وقوله فیه حجّة لأنّه غیر متّهم علیه.

قال الأمینی : هذا کلّه قد أسقطته عن کتاب المعارف - طبعة مصر (1353 ه-) - ید التحریف اللاعبة به ، وکم فعلت هذه الید الأمینة لدة(2) هذه فی عدّة موارد منه ، کما أنَّها أدخلت فیه ما لیس منه ، وقد مرّ الإیعاز إلیه (ص 192).

16 - مناشدة رجل زید بن أرقم بحدیث الغدیر

رُوی عن أبی عبدالله الشیبانی رضی الله عنه(3) قال : بینما أنا جالسٌ عند زید بن أرقم إذ جاء رجلٌ ، فقال : أیّکم زید بن أرقم ؟ فقال القوم : هذا زید.

فقال : أَنشدُک بالذی لا إله إلّا هو سمعت رسول الله صلی الله علیه وسلم یقول : «من کنتُ مولاه فعلیّ مولاه ، أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه» ؟ قال : نعم.

مودّة القربی(4) ، وینابیع المودّة(5) (ص 249).(6) )

ص: 408


1- المعارف : ص 277 - 278.
2- لِدة الصبی : من وُلِد أو تربّی معه.
3- کذا فی النسخ ولعلّ الصحیح : أبو عمرو الشیبانی ، وهو التابعیّ الکبیر [سعد بن إیاس من بنی] شیبان بن ثعلبة ، الکوفی المتوفّی (98) ، کان یقرأ القرآن فی المسجد الأعظم بالکوفة ، ترجمه الذهبی فی تذکرته : 1 / 59 [1 / 68 رقم 62]. (المؤلف)
4- أنظر المودّة الخامسة.
5- ینابیع المودّة : 2 / 73 باب 56.
6- وأخرجه الحافظ أبو یعلی ، ومن طریقه أخرجه الحافظ ابن عساکر فی تاریخه : 537 ، وأخرجه الحافظ الطبرانی فی المعجم الکبیر : ح 5065. وهناک صورة أخری وسؤال آخر رواه القطیعی فی زیاداته فی کتاب مناقب علیّ علیه السلام لأحمد بن حنبل برقم 170 وفی فضائل الصحابة له برقم 1048 عن أبی لیلی الکندی أنّه حدّثه ، قال : سمعت زید بن أرقم یقول - ونحن ننتظر جنازة - فسأله رجل من القوم فقال : أبا عامر أسمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول یوم غدیر خُمّ لعلیّ : «من کنت مولاه فعلیّ مولاه» ؟ قال : نعم. قال أبو لیلی : فقلت لزید بن أرقم : قالها رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ؟ قال : نعم ؛ قد قالها له ، أربع مرات ، فقال : نعم. صورة ثالثة أخرجها أحمد فی المسند : 4 / 372 : عن میمون أبی عبدالله قال : کنت عند زید بن أرقم ، فجاء رجل من أقصی الفسطاط فسأله عن ذا ، فقال : إنَّ رسول الله صلی الله علیه وسلم قال : «ألست أولی بالمؤمنین من أنفسهم ؟ قالوا : بلی ، قال : من کنت مولاه فعلیٌّ مولاه ...» وأخرجه الحافظ ابن عساکر فی تاریخه فی ترجمة أمیر المؤمنین علیه السلام برقم 544. وصورة رابعة أخرجها أحمد فی المسند : 4 / 368 ، وفی فضائل الصحابة : ح 992 ، وفی کتاب مناقب علیّ علیه السلام برقم 116 عن عطیّة العوفی قال : سألت زید بن أرقم ، فقلت له : إنَّ ختناً حدّثنی عنک بحدیث فی شأن علیّ ؟ .. فأنا أحبّ أن أسمعه منک فقال : إنَّکم معشر أهل العراق فیکم ما فیکم ، فقلت : لیس علیک منّی بأس ، فقال : نعم کنّا بالجحفة ... (الطباطبائی)

17 - مناشدة رجل عراقی جابر الأنصاری

بحدیث الغدیر(1)

أخرج العلّامة الکنجیّ الشافعیّ فی کفایة الطالب(2) (ص 16) قال :

أخبرنی بذلک - عالیاً - المشایخ منهم : الشریف الخطیب أبو تمام علیُّ بن أبی الفخار بن أبی منصور الهاشمی بکرخ بغداد ، وأبو طالب عبداللطیف بن محمد بن علیّ ابن حمزة القبیطی بنهر معلّی ، وإبراهیم بن عثمان بن یوسف بن أیوب الکاشغری ، قالوا

جمیعاً :

أخبرنا أبوالفتح محمد بن عبدالباقی بن سلیمان المعروف بنسیب ابن البطّی ، وقال الکاشغری أیضاً : أخبرنا أبو الحسن علیّ بن أبی القاسم الطوسی المعروف بابن تاج 1.

ص: 409


1- سند هذه المناشدة صحیح رجاله کلّهم ثقات. (المؤلف)
2- کفایة الطالب : ص 61.

القرّاء ، قالا : أخبرنا أبو عبدالله مالک بن أحمد بن علیّ البانیاسی ، أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن موسی بن الصلت ، حدّثنا إبراهیم بن عبدالصمد الهاشمی ، حدّثنا أبو

سعید الأشجّ ، حدّثنا مطّلب بن زیاد ، عن عبدالله بن محمد بن عقیل ، قال : کنت عند جابر بن عبد الله فی بیته و [عنده] علیّ بن الحسین ، ومحمد بن الحنفیّة ، وأبو

جعفر ، فدخل رجلٌ من أهل العراق ، فقال : بالله(1) إلّا ما حدّثتنی ما رأیتَ وما سمعتَ من رسول الله صلی الله علیه وسلم ، فقال :

کنّا بالجُحفة بغدیر خُمّ ، وثَمَّ ناس کثیر من جُهینة ومُزینة وغِفار ، فخرج علینا رسول الله صلی الله علیه وسلم من خِباء - فی الفرائد : أو فسطاط - فأشار بیده ثلاثاً ، فأخذ بید علیّ ابن أبی طالب ، وقال : «من کنت مولاه فعلیٌّ مولاه».

ورواه الحمّوئی فی فرائد السمطین فی الباب التاسع(2) قال : أخبرنی الشیخ مجد الدین عبدالله بن محمود بن مودود الحنفی بقراءتی علیه ببغداد ثالث رجب سنة اثنتین وسبعین وستمائة : قال : أنبأنا الشیخ أبو بکر المسمار بن عمر بن العویس البغدادی سماعاً علیه ، قال : أنبأنا أبو الفتح محمد بن عبدالباقی المعروف بابن البطّی سماعاً علیه.

وأخبرنا الإمام الفقیه کمال الدین أبو غالب هبة الله [بن أبی القاسم بن أبی غالب](3) السامریّ بقراءتی علیه بجامع النصر(4) ببغداد لیلة الأحد السابع والعشرین من شهر رمضان سنة اثنتین وثمانین وستمائة ، قال : أنبأنا الشیخ محاسن بن عمر بن رضوان الخزائنی سماعاً علیه فی الحادی والعشرین من المحرّم سنة اثنتین وعشرین ف)

ص: 410


1- فی لفظ شیخ الإسلام الحمّوئی : أَنشُدُک الله الأحد. (المؤلف)
2- فرائد السمطین : 1 / 62 ح 29 ، وذکره الذهبی فی معجم شیوخه : ص 532 رقم 793.
3- ما بین المعقوفین أثبتناه من المصدر.
4- کتب إلینا الدکتور مصطفی جواد البغدادی : والصواب : بجامع القصر ، وهو جامع سوق الغزل الحالی. (المؤلف)

وستمائة ، قال : أنبأنا أبو بکر محمد بن عبیدالله بن نصر الزاغونی سماعاً علیه فی السادس عشر من شهر رجب سنة خمسین وخمسمائة ، قالا(1) : أنبأنا أبو عبدالله مالک ابن أحمد بن علیِّ بن إبراهیم الفرّاء البانیاسی سماعاً علیه ، قال : أنبأنا ابن الزاغونی(2) - المترجم (ص 113) - فی شهر شعبان سنة ثلاث وستِّین(3) وأربعمائة ، قال : أنبأنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن موسی بن القاسم بن الصلت قراءة علیه وأنا أسمع فی رجب ثالث عشر من الشهر سنة خمس وأربعمائة ، قال : أنبأنا إبراهیم بن عبدالصمد الهاشمی المکنّی بأبی إسحاق ، قال : أنبأنا أبو سعید الأشجّ ، قال : أنبأنا أبو طالب المطّلب بن زیاد ، عن عبدالله بن محمد بن عقیل ، قال : کنت عند جابر ... الحدیث بلفظه.

ورواه ابن کثیر فی تاریخه(4) (5 / 213) قال : قال المطّلب بن زیاد عن عبدالله ابن محمد بن عقیل ، سمع جابر بن عبدالله یقول :

کنّا بالجُحفة بغدیر خُمّ ، فخرج علینا رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم من خِباء أو فساط ، فأخذ بید علیٍّ ، فقال : «من کنتُ مولاه فعلیٌّ مولاه». قال شیخنا الذهبی : هذا حدیث حسن.(5)

قال الأمینی : لا یهمّنا إسقاط ابن کثیر من الحدیث شطراً فیه الجمع الحضور عند جابر ومناشدة العراقیّ إیّاه ، وذکره الحدیث بصورة مصغَّرة ، إذ صحائف تاریخه ی)

ص: 411


1- هما ابنا البطّی والزاغونی.
2- راجع ترجمته ص 248.
3- التاریخ مصحّف ؛ فابن الزاغونی ولد سنة 468 والبانیاسی توفّی سنة 485 ، فیبدو أنَّ سماع ابن الزاغونی من البانیاسی کان سنة 483 ، فصحّف ثمانین إلی ستین. (الطباطبائی)
4- البدایة والنهایة : 5 / 232 حوادث سنة 10 ه.
5- وأخرجه ابن الأبّار فی معجم الشیوخ : ص 325 رقم 384 ، والذهبی فی سیر أعلام النبلاء : 8 / 296 ، وفی معجم شیوخه : 2 / 234 ، کلّ منهما عن عدّة من شیوخه بطرقهم. وأخرجه ابن عساکر فی تاریخه بعدّة طرق : 558 و 559 و 560 عن عدّة من شیوخه. (الطباطبائی)

- البدایة والنهایة - تنمُّ عن لسانه البذیِّ ، ویده الجانیة علی ودائع النبیّ الأعظم فضائل آل الله ، وعن قلبه المحتدم بعدائهم ، فتراه یسبُّ ویشتم من والاهم ویمدح ویثنی علی من ناواهم ، وینبز الصحاح من مناقبهم بالوضع ، ویقذف الراوی لها علی ثقته بالضعف ، کل ذلک تحکّماً منه بلا دلیل ، ویحرِّف الکَلِم عن مواضعها ، ولو ذهبنا لنذکر کلَّ ما فیه من هذا القبیل لجاء منه کتاب ضخم ، وحسبک من تحریفه ما ذکره من حدیث بدء الدعوة النبویّة عند نزول قوله تعالی : (وَأَنذِرْ عَشِیرَتَکَ الْأَقْرَبِینَ)(1) قال فی تاریخه(2) (3 / 40) بعد ذکر الحدیث الوارد فی الآیة الشریفة من طریق البیهقی :

وقد رواه أبو جعفر بن جریر عن محمد بن حمید الرازی ... وساق إلی آخر السند ثمّ قال : وزاد بعد قوله :

«وإنّی قد جئتُکم بخیر الدنیا والآخرة ، وقد أمرنی الله أن أدعوَکم إلیه ، فأیُّکم یُؤازرنی علی هذا الأمر علی أن یکون أخی وکذا وکذا ؟ قال :

فأحجم القوم عنها جمیعاً ، وقلت - وَلَأنّی لَأحدثهم سنّاً وأرمصهم عیناً ، وأعظمهم بطناً ، وأحمشهم ساقاً - : أنا یا نبیَّ الله أکون وزیرک علیه ، فأخذ برقبتی ، فقال : إنَّ هذا أخی وکذا وکذا ، فاسمعوا له وأطیعوا.

قال : فقام القوم یضحکون ، ویقولون لأبی طالب : قد أمرک أن تسمع لابنک وتُطیع».

وبهذا اللفظ ذکره فی تفسیره (3 / 351) ، وقال : وقد رواه أبو جعفر بن جریر عن ابن حمید ... إلی آخره حرفیّاً.

وها نحن نذکر لفظ الطبریِّ بنصِّه حتی یتبیّن الرشد من الغیِّ : 3.

ص: 412


1- الشعراء : 214.
2- البدایة والنهایة : 3 / 53.

قال فی تاریخه(1) (2 / 217) من الطبعة الأولی :

«إنّی قد جئتُکم بخیر الدنیا والآخرة ، وقد أمرنی الله تعالی أن أدعوکم إلیه ، فأیُّکم یُؤازرنی علی هذا الأمر علی أن یکون أخی ووصیّی وخلیفتی فیکم ؟

قال : فأحجم القوم عنها جمیعاً ، وقلت : - وإنّی لأحدثهم سنّاً ، وأرمصهم عیناً ، وأعظمهم بطناً ، وأحمشهم ساقاً - : أنا یا نبیّ الله أکون وزیرک علیه ، فأخذ برقبتی ، ثمّ قال : إنَّ هذا أخی ووصیّی وخلیفتی فیکم ، فاسمعوا له وأطیعوا.

قال : فقام القوم یضحکون ، ویقولون لأبی طالب : قد أمرک أن تسمع لابنک وتطیع». فإلی الله المشتکی.

نعم ؛ رواه الطبری فی تفسیره(2) (19 / 74) محرّفاً ، فهلّا وقف ابن کثیر علی ما فی تاریخه وقد أخرجه غیر محرَّفٍ ، أو علی ما أخرجه غیر الطبریّ من أئمّة الحدیث والتاریخ فی تآلیفهم ، أو حدَته ضغینته علی اختیار المحرَّف من الکَلِم ، والله یعلم ما تکِنُّ صدورهم.(3)بن

ص: 413


1- تاریخ الأُمم والملوک : 2 / 321.
2- جامع البیان : مج 11 / ج 19 / 122.
3- وأخرجه الطبری فی تهذیب الآثار فی مسند علیّ بن أبی طالب وصحّح سنده. قال فی ص 60 : حدّثنا أحمد بن منصور ، قال : حدّثنا الأسود بن عامر ، قال : حدّثنا شریک ، عن الأعمش ، عن المنهال بن عمرو ، عن عبّاد بن عبدالله الأسدی ، عن علیّ قال : لما نزلت هذه الآیة (وَأَنذِرْ عَشِیرَتَکَ الْأَقْرَبِینَ) قال : جمع رسول الله صلی الله علیه وسلم علیة أهل بیته فاجتمعوا ثلاثین رجلاً. فأکلوا وشربوا وقال لهم : «من یضمن عنّی ذمّتی ومواعیدی وهو معی فی الجنّة ، ویکون خلیفتی فی أهلی». قال : فعرض ذلک علیهم ، فقال رجل : أنت یا رسول الله کنت بحراً ، من یطیق هذا ؟ حتی عرض علی واحد واحد. فقال علیّ : «أنا». وأخرج فی ص 62 : حدّثنا ابن حمید ، قال : حدّثنا سلمة بن الفضل ، قال : حدّثنی محمد بن إسحاق ، عن عبدالغفّار بن القاسم ، عن المنهال بن عمرو ، عن عبدالله بن الحارث بن نوفل بن

18 - احتجاج قیس بن سعد بحدیث الغدیر

علی معاویة سنة (50 ، 56)

قدم معاویة بن أبی سفیان حاجّاً إلی المدینة فی أیّام خلافته بعد ما توفّی الإمام السبط الحسن - صلوات الله علیه - فاستقبله أهل المدینة ، فجری بینه وبین قیس بن سعد بن عبادة الأنصاری الخزرجیّ الصحابیّ الکبیر حدیث یأتی ذکره بطوله فی ترجمة قیس فی شعراء القرن الأوّل ، وفیه بعد قول قیس : ولَعمری ما لأحد من الأنصار ولا لقریش ولا لِأَحدٍ من العرب فی الخلافة حقٌّ مع علیٍّ وولده من بعده ما نصّه :

فغضب معاویة ، وقال : یا ابن سعد ممّن أخذت هذا ؟ وعمّن رویته ؟ وعمّن سمعته ؟ أبوک أخبرک بذلک وعنه أخذته ؟

فقال قیس : سمعتُه وأخذتُه ممّن هو خیرٌ من أبی وأعظم حقّاً من أبی. قال : من ؟

قال : علیُّ بن أبی طالب عالم هذه الأمّة وصِدِّیقها الذی أنزل الله فیه (قُلْ کَفَی بِاللَّ-هِ شَهِیدًا بَیْنِی وَبَیْنَکُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْکِتَابِ)(1) فلم یَدَعْ آیةً نزلت فی علیّ علیه السلام إلّا ذکرها.

قال معاویة : فإنَّ صدِّیقها أبو بکر ، وفاروقها عمر ، والذی عنده علم الکتاب .

ص: 414


1- الرعد : 43 .

عبدالله بن سلام.

قال قیس : أحقُّ هذه(1) الأسماء وأولی بها الذی أنزل الله فیه : (أَفَمَن کَانَ عَلَی بَیِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَیَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ)(2) ، والذی نصبه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بغدیر خُمّ ، فقال :

«من کنتُ مولاه أولی به من نفسه فعلیٌّ أولی به من نفسه» ، وفی غزوة تبوک :

«أنت منّی بمنزلة هارون من موسی إلّا أنَّه لا نبیَّ بعدی». کتاب سُلَیم الهِلالی(3).

19 - احتجاج دارمیّة الحجونیّة علی معاویة سنة (50 ، 56)

قال الزمخشری - المترجم (ص 114) - فی ربیع الأبرار فی الباب الحادی والأربعین(4) :

حجَّ معاویة ، فطلب امرأة یقال لها : دارمیّة(5) الحجونیّة من شیعة علیّ ، وکانت

سوداء ضخمة ، فقال : کیف حالک یا بنتَ حام ؟ فقالت : بخیر ولست بحامٍ ، إنَّما أنا

امرأة من بنی کنانة.

فقال : صدقتِ ، هل تعلمین لِمَ دعوتُکِ ؟ قالت : یا سبحان الله ، وإنِّی لم أعلم ف)

ص: 415


1- کذا فی المصدر أیضاً.
2- هود : 17.
3- کتاب سُلَیم بن قیس : 2 / 777 ح 26.
4- ربیع الأبرار : 2 / 599.
5- نسبة إلی (داروم) قلعة بعد غزّة للقاصد إلی مصر علی ساحل البحر ، نزل بها بنوحام ، کما یظهر من قول معاویة : یا بنت حام. والحجون مکان معروف بمکّة [معجم البلدان : 2 / 225] ، کانت دارمیّة تنزل بها ، فنسبت إلیها. (المؤلف)

الغیب. قال : لِأسألک لِمَ أحببتِ علیّاً وأبغضتِنی ، ووالیتِه وعادیتِنی ؟ قالت : أوَ تَعفِنی ؟ قال : لا.

قالت : أمّا إذا أبیتَ فإنّی أحببتُ علیّاً علی عدله فی الرعیّة ، وقَسْمه بالسویّة ، وأبغضتک علی قتال من هو أولی بالأمر منک ، وطلبک ما لیس لک ، ووالیتُ علیّاً علی

ما عَقَد له رسول الله صلی الله علیه وسلم من الولایة یوم خُمّ بمشهدٍ منک ، وحبِّه للمساکین ، وإعظامه لأهل الدین ، وعادیتُک علی سفکک الدماء ، وشقِّک العصا ، وجورک فی القضاء ، وحکمک بالهوی. الحدیث(1).

20 - احتجاج عمرو الأودی علی مناوئی

أمیر المؤمنین علیه السلام

روی مفتی الکوفة وقاضیها شریک بن عبدالله النخعی - المترجم (ص 78) - عن أبی إسحاق السبیعی - المترجم (ص 69) - عن عمرو بن میمون الأودی - المترجم (ص 69) - أنَّه ذُکر عنده علیّ بن أبی طالب أمیر المؤمنین ، فقال :

إنَّ قوماً یَنالُون منه أولئک هم وقود النار ، ولقد سمعتُ عدّة من أصحاب محمد صلی الله علیه وآله وسلم منهم : حذیفة بن الیمان ، وکعب بن عجرة ، یقول کلّ رجل منهم : لقد أُعطی علیٌّ ما لم یُعطَهُ بشرٌ : هو زوج فاطمة سیِّدة نساء الأوّلین والآخرین ، فمن رأی مثلها ؟ أو سمع أنَّه تزوّج بمثلها أحدٌ فی الأوّلین والآخرین ؟ وهو أبو الحسن والحسین سیّدا شباب أهل الجنّة من الأوّلین والآخرین ، فمن له - أیّها الناس - مثلهما ؟ ورسول الله حَمُوه وهو وصیّ رسول الله فی أهله وأزواجه ، وسُدّت الأبواب التی فی المسجد کلّها

غیر بابه ، وهو صاحب باب خیبر ، وهو صاحب الرایة یوم خیبر ، وتفل رسول الله ف)

ص: 416


1- یوجد هذا الاحتجاج بألفاظ أخری فی بلاغات النساء : ص 72 [ص 105] ، والعقد الفرید : 1 / 162 [1 / 222] ، وصبح الأعشی : 1 / 259 [1 / 306]. (المؤلف)

- یومئذٍ - فی عینیه وهو أرمد ، فما اشتکاهما من بعدُ ، ولا وجد حَرّاً ولا برداً بعد یوم ذلک ، وهو صاحب یوم الغدیر إذْ نوّهَ رسول الله باسمه وألزم أمّته ولایته وعرّفهم بخطره ، وبیَّن لهم مکانه ، فقال :

«أیّها الناس من أولی بکم من أنفسکم ؟» قالوا : الله ورسوله أعلم.

قال : «فمن کنتُ مولاه فهذا علیٌّ مولاه». الکلام.

21 - احتجاج عمر بن عبدالعزیز الخلیفة الأمویِّ المتوفّی (101)

روی الحافظ أبو نعیم فی حلیة الأولیاء (5 / 364) عن أبی بکر محمد التستری عن یعقوب ، وعن عمر بن محمد السریّ - المتوفّی (378) - عن ابن أبی داود ، قالا : حدّثنا عمر بن شبّة ، عن عیسی ، عن یزید بن عمر بن مورق قال :

کنت بالشام وعمر بن عبدالعزیز یعطی الناس ، فتقدّمتُ إلیه ، فقال لی : ممّن أنت ؟ قلت : من قریش. قال : من أیِّ قریش ؟ قلت : من بنی هاشم [قال : من أیّ بنی هاشم ؟](1) قال : فسکتُّ. فقال : من أیِّ بنی هاشم ؟ قلت : مولی علیّ. قال : من علیّ ؟

فسکتُّ ، قال : فوضع یده علی صدره ، فقال : وأنا والله مولی علیّ بن أبی طالب - کرّم الله وجهه.

ثمّ قال : حدّثنی عدّة أنَّهم سمِعوا النبیّ صلی الله علیه وسلم یقول : «من کنتُ مولاه فعلیٌّ مولاه».

ثمّ قال : یا مزاحم(2) کم تُعطی أمثاله ؟ قال : مائة أو مائتی درهم. قال : أعطه خمسین دیناراً. ف)

ص: 417


1- ما بین المعقوفین غیر موجود فی طبعتی (الغدیر) ، وأثبتناه من المصدر.
2- مزاحم بن أبی مزاحم المکّی مولی عمر بن عبدالعزیز ، وثّقه ابن حبّان [الثقات 7 / 511]. (المؤلف)

وقال ابن أبی داود : ستّین دیناراً لولایته علیَّ بن أبی طالب. ثمّ قال : إلحق ببلدک ، فسیأتیک مثلُ ما یأتی نظراءک(1).

وأخرجه أبو الفرج فی الأغانی(2) (8 / 156) من طریق عمر بن شبّة ، عن عیسی بن عبدالله بن محمد بن عمر بن علیّ ، عن یزید بن عیسی بن مورق.

وأخرجه ابن عساکر فی تاریخه(3) (5 / 320) عن رزیق القرشیّ المدنیّ مولی

أمیر المؤمنین علیِّ بن أبی طالب.

ورواه الحمّوئی فی فرائد السمطین فی الباب العاشر(4) عن شیخه أبی عبدالله بن یعقوب الحنبلی بإسناده عن الحافظ أبی نعیم بالسند واللفظ المذکورین ، وذکره الحافظ

جمال الدین الزرندی فی نظم درر السمطین(5) ، والسمهودی فی جواهر العقدین(6) ، عن یزید بن عمرو بن مرزوق - فیه تصحیف.

22 - احتجاج المأمون الخلیفة علی الفقهاء

بحدیث الغدیر

روی أبو عمر بن عبدربِّه - المترجم (ص 102) - فی العقد الفرید(7) (3 / 42) عن إسحاق بن إبراهیم بن إسماعیل بن حمّاد بن زید قال : بعث إلیّ یحیی بن أکثم وإلی

عدّة من أصحابی وهو - یومئذٍ - قاضی القضاة ، فقال : 1.

ص: 418


1- فی نسخة الحلیة أغلاط لاتخفی علی من راجع ، فقد صحّحناها من لفظ الحمّوئی. (المؤلف)
2- الأغانی : 9 / 301.
3- تاریخ مدینة دمشق : 6 / 251.
4- فرائد السمطین : 1 / 66 ح 32.
5- نظم درر السمطین : ص 112.
6- جواهر العقدین : الورقة 303.
7- العقد الفرید : 5 / 56 - 61.

إنَّ أمیر المؤمنین أمرنی أن أُحضر معی غداً مع الفجر أربعین رجلاً ، کلّهم فقیهٌ یفقه ما یُقال له ، ویحسن الجواب ، فسمّوا من تظنّونه یصلح لِما یطلب أمیر المؤمنین ، فسمّینا له عدّة ، وذکر هو عدّة ، حتی تمّ العدد الذی أراد ، وکتب تسمیة القوم وأمر بالبکور فی السحر ، وبعث إلی من یحضر فأمره بذلک ، فغدونا علیه قبل طلوع الفجر ، فوجدناه قد لبس ثیابه وهو جالس ینتظرنا ، فرکب ورکبنا معه حتی صرنا إلی الباب ، فإذا بخادم واقف ، فلمّا نظر إلینا قال : یا أبا محمد أمیر المؤمنین ینتظرک ، فأُدخِلنا ، فأمرنا بالصلاة فأخذنا فیها ، فلم نستتمّها حتی خرج الرسول ، فقال : ادخلوا ، فدخلنا فإذا أمیر المؤمنین جالس علی فراشه ... إلی أن قال :

ثمّ قال : إنّی لم أبعث فیکم لهذا ، ولکنّنی أحببتُ أن أبسطکم أنَّ أمیر المؤمنین أراد مناظرتکم فی مذهبه الذی هو علیه ، والذی یدین الله به. قلنا : فلیفعل أمیر المؤمنین وفّقه الله.

فقال : إنَّ أمیر المؤمنین یَدین الله علی أنَّ علیّ بن أبی طالب خیر خلفاء الله بعد رسول الله صلی الله علیه وسلم ، وأولی الناس بالخلافة له.

قال إسحاق : فقلت : یا أمیر المؤمنین إنَّ فینا من لا یعرف ما ذکر أمیر المؤمنین فی علیّ ، وقد دعانا أمیر المؤمنین للمناظرة.

فقال : یا إسحاق اختر ، إن شئت سألتک أسألک ، وإن شئت أن تسأل فقل.

قال إسحاق : فاغتنمتها منه ، فقلت : بل أسألک یا أمیر المؤمنین. قال : سل.

قلت : من أین قال أمیر المؤمنین : إنَّ علیّ بن أبی طالب أفضل الناس بعد رسول الله وأحقّهم بالخلافة بعده ؟

قال : یا إسحاق خبِّرنی عن الناس بِمَ یتفاضلون ؛ حتی یُقال : فلانٌ أفضل من فلان ؟ قلت : بالأعمال الصالحة. قال : صدقت.

ص: 419

قال : فأخبرنی عمّن فضل صاحبه علی عهد رسول الله صلی الله علیه وسلم ، ثمّ إنَّ المفضول إن عمل بعد وفاة رسول الله بأفضل من عمل الفاضل علی عهد رسول الله أیلحق به ؟ قال : فأطرقت ، فقال لی : یا إسحاق لا تقل : نعم ؛ فإنّک إن قلت : نعم ، أوجدتک فی

دهرنا هذا من هو أکثر منه جهاداً وحجّاً وصیاماً وصلاةً وصدقةً. فقلت : أجل ، یا أمیر المؤمنین لا یلحق المفضول علی عهد رسول الله صلی الله علیه وسلم الفاضل أبداً.

قال : یا إسحاق هل تروی حدیث الولایة ؟ قلت : نعم ؛ یا أمیر المؤمنین. قال : اروِه ، ففعلت. قال : یا إسحاق أرأیت هذا الحدیث هل أوجب علی أبی بکر وعمر ما لم یوجب لهما علیه ؟ قلت : إنَّ الناس ذکروا أنَّ الحدیث إنَّما کان بسبب زید بن حارثة لشیء جری بینه وبین علیّ ، وأنکر ولاء علیّ ، فقال رسول الله صلی الله علیه وسلم : «من کنتُ مولاه فعلیّ مولاه ، أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه».

قال : فی أیّ موضع قال هذا ؟ ألیس بعد منصرفه من حجّة الوداع ؟ قلت : أجل.

قال : فإنّ قتل زید بن حارثة قبل الغدیر ، کیف رضیتَ لنفسک بهذا ؟!

أخبرنی لو رأیت ابناً لک قد أتت علیه خمس عشرة سنة یقول : مولای مولی ابن عمّی ، أیّها الناس فاعلموا ذلک. أکنت منکراً ذلک علیه تعریفه الناس ما لا ینکرون ولا یجهلون ؟

فقلت : أللّهمّ نعم. قال : یا إسحاق أفتنزِّه ابنک عمّا لا تنزِّه عنه رسول الله صلی الله علیه وسلم ؟

ویحکم لا تجعلوا فقهاءکم أربابکم ، إنَّ الله - جلَّ ذکره - قال فی کتابه : (اتَّخَذُوا

أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّ-هِ ...)(1) ، ولم یصلّوا لهم ولا صاموا ولا زعموا أنَّهم أرباب ، ولکن أمروهم فأطاعوا أمرهم(2). ف)

ص: 420


1- التوبة : 31.
2- أخذنا من الحدیث محلّ الحاجة ، وهو طویل غزیر الفائدة جدّاً. (المؤلف)

وروی ابن مسکویه - المترجم (ص 108) - للمأمون الخلیفة فی تألیفه ندیم الفرید کتاباً کتبه إلی بنی هاشم ، وذکر منه قوله :

فلم یقم مع رسول الله صلی الله علیه وسلم أحد من المهاجرین کقیام علیِّ بن أبی طالب ، فإنّه آزره ووقاه بنفسه ، ونام فی مضجعه ، ثمّ لم یزل بعدُ متمسِّکاً بأطراف الثغور ، ینازل

الأبطال ، ولا یَنکُل عن قِرْن ، ولا یُولّی عن جیش ، منیع القلب ، یؤمَّر علی الجمیع ، ولا یؤمَّر علیه أحدٌ ، أشدّ الناس وطأةً علی المشرکین ، وأعظمهم جهاداً فی الله ،

وأفقههم فی دین الله ، وأقرأهم لکتاب الله ، وأعرفهم بالحلال والحرام ، وهو صاحب الولایة فی حدیث غدیر خُمّ. وصاحب قوله صلی الله علیه وسلم : «أنت منّی بمنزلة هارون من موسی إلّا أنَّه لا نبیّ بعدی»(1).

کلمة المسعودی :

قال أبو الحسن المسعودیّ الشافعیّ - المترجم (ص 103) - فی مروج الذهب(2) (2 / 49) :

والأشیاء التی استحقَّ بها أصحاب رسول الله صلی الله علیه وسلم الفضل هی السبق إلی الإیمان والهجرة ، والنصرة لرسول الله صلی الله علیه وسلم والقربی منه ، والقناعة ، وبذل النفس له ، والعلم بالکتاب والتنزیل ، والجهاد فی سبیل الله ، والورع ، والزهد ، والقضاء ، والحکم ، والعفّة ، والعلم ، وکلُّ ذلک لعلیّ علیه السلام منه النصیب الأوفر والحظّ الأکبر ، إلی ما ینفرد به من قول رسول الله صلی الله علیه وسلم حین آخی بین أصحابه : «أنت أخی» ، وهو صلی الله علیه وسلم لا ضدَّ له ولا ندّ.

وقوله - صلوات الله علیه - : «أنت منِّی بمنزلة هارون من موسی إلّا أنَّه لا نبیّ 5.

ص: 421


1- ینابیع المودّة : ص 484 [3 / 157 باب 92] ، والعبقات : 1 / 147 [6 / 285 ، وفی نفحات الأزهار : 8 / 119 رقم 68]. (المؤلف)
2- مروج الذهب : 2 / 445.

بعدی» ، وقوله علیه الصلاة والسلام : «من کنتُ مولاه فعلیٌّ مولاه ، أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه».

ثمّ دعاؤه علیه السلام وقد قدّم إلیه أنس الطائر : «أللّهمّ أدْخِلْ إلیَّ أحبّ خلقک إلیک یأکل معی من هذا الطائر» ، فدخل علیه علیٌّ ... الکلام.

(إِنَّ هَ-ذِهِ تَذْکِرَةٌ فَمَن شَاءَ اتَّخَذَ إِلَی رَبِّهِ سَبِیلًا)(1) 9.

ص: 422


1- المزمِّل : 19.

الغدیر فی الکتاب العزیز

سلف الإیعاز منّا إلی أنَّ المولی سبحانه شاء أن یبقی حدیث الغدیر غضّاً طریّاً لا یُبلیه المَلَوان(1) ، ولا یأتی علی جِدَّته مَرُّ الحقب والأعوام ، فأنزل حوله آیات ناصعة البیان ، ترتِّله الأمّة صباحاً ومساءً ، فکأنّه سبحانه فی کلّ ترتیلة لآیٍ منها یَلفت نظر القارئ ، وینکت فی قلبه ، أو ینقر فی أُذُنه ما یجب علیه أن یدین الله تعالی به فی باب خلافته الکبری ، فمن الآیات الکریمة قوله تعالی فی سورة المائدة :

(یَا أَیُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَیْکَ مِن رَّبِّکَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّ-هُ

یَعْصِمُکَ مِنَ النَّاسِ)(2).

نزلت هذه الآیة الشریفة یوم الثامن عشر من ذی الحجّة سنة حجّة الوداع (10 ه) لمّا بلغ النبیُّ الأعظم صلی الله علیه وآله وسلم غدیرَ خمّ ، فأتاه جبرئیل بها علی خمس ساعات مضت من النهار ، فقال :

یا محمد إنَّ الله یُقرِئک السلام ، ویقول لک : (یَا أَیُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَیْکَ مِن رَّبِّکَ) فی علیٍّ (وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ) الآیة.

وکان أوائل القوم - وهم مائة ألف أو یزیدون - قریباً من الجُحفة فأمره أن یردّ 7.

ص: 423


1- المَلَوان : اللیل والنهار.
2- المائدة : 67.

من تقدّم منهم ، ویحبس من تأخَّر عنهم فی ذلک المکان ، وأن یُقیم علیّاً علیه السلام عَلَماً للناس ، ویبلِّغهم ما أنزل الله فیه ، وأخبره بأنَّ الله عزوجل قد عصمه من الناس. وما ذکرناه من المتسالم علیه عند أصحابنا الإمامیة ، غیرَ أنَّا نحتجُّ فی المقام بأحادیث أهل السنّة فی ذلک ، فإلیک البیان :

1 - الحافظ أبو جعفر محمد بن جریر الطبری : المتوفّی (310) ، المترجم (ص 100).

أخرج بإسناده - فی کتاب الولایة فی طرق حدیث الغدیر - عن زید بن أرقم ، قال :

لَمّا نزل النبیّ صلی الله علیه وسلم بغدیر خُمّ فی رجوعه من حجّة الوداع ، وکان فی وقت الضحی وحرّ شدید ، أمر بالدوحات فقُمَّت ، ونادی الصلاة جامعة ، فاجتمعنا فخطب خطبة بالغة ، ثمّ قال :

«إنَّ الله تعالی أنزل إلیَّ : (بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَیْکَ مِن رَّبِّکَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّ-هُ یَعْصِمُکَ مِنَ النَّاسِ) ، وقد أمرنی جبرئیل عن ربِّی أن أقوم فی هذا المشهد ، وأُعلم کلَّ أبیض وأسود : أنَّ علیَّ بن أبی طالب أخی ووصیّی وخلیفتی والإمام بعدی ، فسألت جبرئیل أن یستعفیَ لی ربِّی ؛ لعلمی بقلّة المتّقین ، وکثرة المُؤذینَ لی ، واللائمین لکثرةِ ملازمتی لعلیٍّ ، وشدّة إقبالی علیه ، حتی سَمَّونی أُذُناً ، فقال تعالی : (وَمِنْهُمُ الَّذِینَ یُؤْذُونَ النَّبِیَّ وَیَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَیْرٍ لَّکُمْ ...)(1) ، ولو شئت أن أُسمِّیَهم وأدلَّ علیهم لفعلتُ ، ولکنّی بسترهم قد تکرّمتُ ، فلم یرضَ الله إلّا بتبلیغی فیه.

فاعلموا معاشرَ الناس ذلک ؛ فإنّ الله قد نصبه لکم ولیّاً وإماماً ، وفرض طاعته علی کلّ أحد ، ماضٍ حکمه ، جائز قوله ، ملعونٌ من خالفه ، مرحومٌ من صدّقه ، اسمعوا وأَطیعوا ، فإنَّ اللهَ مولاکم وعلیٌّ إمامکم ، ثمَّ الإمامة فی ولدی من صلبه إلی 1.

ص: 424


1- التوبة : 61.

القیامة ، لا حلال إلّا ما أحلّه الله ورسوله ، ولا حرام إلّا ما حرّم الله ورسوله وهم ، فما من علم إلّا وقد أحصاه الله فیَّ ، ونقلتُه إلیه ، فلا تضلّوا عنه ، ولا تستنکفوا منه ، فهو الذی یهدی إلی الحقِّ ویعمل به ، لن یتوبَ الله علی أحد أنکره ، ولن یغفر له ، حتماً علی الله أن یفعل ذلک أن یعذِّبه عذاباً نُکراً أبد الآبدین ، فهو أفضل الناس بعدی ما نزل الرزق وبقی الخلق ، ملعونٌ من خالفه ، قولی عن جبرئیل عن الله ، فلتنظر نفسٌ ما قدّمت لغد.

إفهموا محکم القرآن ، ولا تتّبِعوا مُتشابهه ، ولن یفسِّر ذلک لکم إلّا من أنا آخذٌ بیده وشائلٌ بعَضُده ومُعلِمکم : أنَّ من کنتُ مولاه فهذا - فعلیٌّ - مولاه ، وموالاته من الله عزّ وجلّ أنزلها علیَّ.

ألا وقد أدّیتُ ، ألا وقد بلّغتُ ، ألا وقد أسمعتُ ، ألا وقد أوضحتُ ، لا تحلُّ إمرةُ المؤمنین بعدی لأحد غیره.

ثمّ رفعه إلی السماء حتی صارت رجله مع رکبة النبیّ صلی الله علیه وسلم وقال :

معاشرَ الناس هذا أخی ووصیّی وواعی علمی وخلیفتی علی من آمن بی وعلی تفسیر کتاب ربّی - وفی روایة - : أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه ، والعَنْ من أنکره ، واغضَبْ علی من جحد حقّه ، أللّهمّ إنَّک أنزلت عند تبیین ذلک فی علیٍّ (الْیَوْمَ

أَکْمَلْتُ لَکُمْ دِینَکُمْ) بإمامته ، فمن لم یأتمَّ به وبمن کان من ولدی من صلبه إلی القیامة ، فأولئک حبطت أعمالهم وفی النار هم خالدون.

إنَّ إبلیس أخرج آدم علیه السلام من الجنّة ، مع کونه صفوة الله ، بالحسد ، فلا تحسدوا فتحبطَ أعمالُکم وتزلَّ أقدامکم ، فی علیّ نزلت سورة (وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِی خُسْرٍ)

ص: 425

معاشرَ الناس آمنوا بِالله ورسوله والنور الذی أُنزِل معه (مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَی أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ کَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ)(1). النور من الله فیَّ ، ثمَّ فی علیٍّ ، ثمَّ فی النسل منه إلی القائم المهدیّ.

معاشرَ الناس سیکون من بعدی أئمّة یدعون إلی النار ویوم القیامة لا یُنصرون ، وإنَّ الله وأنا بریئان منهم ، إنَّهم وأنصارهم وأتباعهم فی الدرک الأسفل من النار ، وسیجعلونها ملکاً اغتصاباً ، فعندها یُفرغ لکم أیُّها الثَّقَلان ، و (یُرْسَلُ عَلَیْکُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنتَصِرَانِ)(2) ...» ضیاء العالمین.

2 - الحافظ ابن أبی حاتم أبو محمد الحنظلی ، الرازی : المتوفّی (327) ، المترجم (ص 101).

أخرج بإسناده عن أبی سعید الخُدری : أنَّ الآیة نزلت علی رسول الله صلی الله علیه وسلم یوم غدیر خُمّ فی علیّ بن أبی طالب(1).

3 - الحافظ أبو عبدالله المحاملی : المتوفّی (330) ، المترجم (ص 102).

أخرج فی أمالیه بإسناده عن ابن عبّاس حدیثاً مرَّ (ص 51) ، وفیه :

حتی إذا کان رسول الله بغدیر خُمّ أنزل الله عزوجل : (یَا أَیُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَیْکَ مِن رَّبِّکَ) الآیة ، فقام منادٍ فنادی الصلاة جامعة .... (2)

4 - الحافظ أبو بکر الفارسی ، الشیرازی : المتوفّی (407 ، 411) ، المترجم (ص 108).

روی فی کتابه ما نزل من القرآن فی أمیر المؤمنین ، بالإسناد عن ابن عبّاس : ف)

ص: 426


1- النساء : 47.
2- الدرّ المنثور : 2 / 298 [3 / 117] ، وفتح القدیر : 2 / 57 [2 / 60]. (المؤلف)

أنَّ الآیة نزلت یوم غدیر خُمّ فی علیّ بن أبی طالب.

5 - الحافظ ابن مردویه : المولود (323) والمتوفّی (410) ، المترجم (ص 108).

أخرج بإسناده عن أبی سعید الخُدریّ : أنَّها نزلت یوم غدیر خُمّ فی علیِّ بن أبی طالب.

وبإسناد آخر عن ابن مسعود أنَّه قال : کنّا نقرأ علی عهد رسول الله صلی الله علیه وسلم (یَا أَیُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَیْکَ مِن رَّبِّکَ إنَّ علیّاً مولی المؤمنین وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّ-هُ یَعْصِمُکَ مِنَ النَّاسِ)(1).

وروی بإسناده عن ابن عبّاس قال : لَمّا أمر اللهُ رسوله صلی الله علیه وآله وسلم أن یقوم بعلیٍّ ، فیقول له ما قال.

فقال : «یا ربّ إنَّ قومی حدیثو عهد بجاهلیّة» ، ثمّ مضی بحجِّه ، فلمّا أقبل راجعاً نزل بغدیر خُمّ أنزل الله علیه : (یَا أَیُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَیْکَ مِن رَّبِّکَ ...) الآیة.

فأخذ بعَضُدِ علیٍّ ، ثمّ خرج إلی الناس ، فقال : «أیُّها الناس ألستُ أولی بکم من أنفسکم ؟ قالوا : بلی یا رسول الله.

قال : أللّهمّ من کنتُ مولاه فعلیّ مولاه. أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه ، وأعنْ من أعانه ، واخذُلْ من خذله ، وانصُرْ من نصره ، وأحبَّ من أحبَّه ، وأبغض من أبغضه».

قال ابن عبّاس : فوجبت - والله - فی رقاب القوم.

وقال حسّان بن ثابت : ف)

ص: 427


1- روی الحدیثین عنه السیوطی فی الدرّ المنثور : 2 / 298 ، والشوکانی فی فتح القدیر ، والإربلی فی کشف الغمّة : ص 94 [1 / 326] عنه ، عن زِرّ ، عن ابن مسعود. (المؤلف)

یُنادِیهُمُ یومَ الغدیرِ نَبیُّهُمْ

بخُمٍّ وأَسمِعْ بالرّسولِ مُنادیا

یقولُ : فمَن مَولاکُمُ وولیُّکُمْ

فقالوا ولم یُبدوا هُناک التعامیا

إلهُک مولانا وأنتَ ولیُّنا

ولم تَرَ منّا فی الولایةِ عاصیا

فقال له : قمْ یا علیُّ فإنّنی

رَضِیتُکَ من بعدی إماماً وهادیا

وروی عن زید بن علیّ أنَّه قال :

لمّا جاء جبرئیل بأمر الولایة ضاق النبیُّ صلی الله علیه وآله وسلم بذلک ذرعاً وقال : «قومی حدیثو عهدٍ بالجاهلیّة» ، فنزلت الآیة ... کشف الغمّة(1) (ص 94).

6 - أبو إسحاق الثعلبیّ ، النیسابوریّ : المتوفّی (427 ، 437) المترجم (ص 109).

روی فی تفسیره(2) - الکشف والبیان - عن أبی جعفر محمد بن علیّ - الإمام الباقر علیه السلام - :

«أنَّ معناها : بلِّغ ما أُنزِل إلیک من ربِّک فی فضل علیٍّ ، فلمّا نزلت أخذ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بید علیّ ، فقال : من کنتُ مولاه فعلیٌّ مولاه».

وقال : أخبرنی أبو محمد عبدالله بن محمد القاینی ، أخبرنا أبو الحسین محمد بن عثمان النصیبی ، أخبرنا أبو بکر محمد بن الحسن السبیعی ، أخبرنا علیّ بن محمد الدهّان والحسین بن إبراهیم الجصّاص ، أخبرنا حسین بن حکم ، أخبرنا حسن بن حسین ، عن حبّان عن الکلبی ، عن أبی صالح ، عن ابن عبّاس فی قوله تعالی : (یَا أَیُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَیْکَ مِن رَّبِّکَ ...) الآیة ، قال : نزلت فی علیٍّ ، أُمِر النبیُّ صلی الله علیه وآله وسلم أن یُبلِّغ فیه ، فأخذ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بید علیّ ، فقال : «من کنتُ مولاه فعلیّ مولاه ، أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ مَن عاداه»(3).ئف

ص: 428


1- کشف الغمّة : 1 / 324.
2- الکشف والبیان : الورقة 234 سورة المائدة : الآیة 67.
3- روی الحدیثین عنه ابن بطریق فی العمدة : ص 49 [ص 100] ، والسیّد ابن طاووس فی الطرائف

7 - الحافظ أبو نعیم الأصبهانیّ : المتوفّی (430) ، المترجم (ص 109).

روی فی تألیفه ما نزل من القرآن فی علیّ(1) : عن أبی بکر بن خلّاد ، عن محمد ابن عثمان بن أبی شیبة ، عن إبراهیم بن محمد بن میمون ، عن علیّ بن عابس ، عن أبی الجحاف والأعمش ، عن عطیة ، قال :

نزلت هذه الآیة علی رسول الله صلی الله علیه وسلم فی علیٍّ یوم غدیر خمّ. الخصائص(2) [لابن البطریق] (ص 29).

8 - أبو الحسن الواحدیّ ، النیسابوریّ : المتوفّی (468) ، المترجم (ص 111).

روی فی أسباب النزول(3) (ص 150) عن أبی سعید محمد بن علیّ الصفّار ، عن الحسن بن أحمد المخلدی ، عن محمد بن حمدون بن خالد ، عن محمد بن إبراهیم الحلوانی ، عن الحسن بن حمّاد سجادة ، عن علیّ بن عابس ، عن الأعمش وأبی الجحّاف ، عن عطیّة ، عن أبی سعید الخُدریّ قال :

نزلت هذه الآیة یوم غدیر خُمّ فی علیّ بن أبی طالب رضی الله عنه.

9 - الحافظ أبو سعید السجستانیّ : المتوفّی (477) ، المترجم (ص 112).

فی کتاب الولایة بإسناده من عدّة طرق ، عن ابن عبّاس ، قال :

أُمِر رسول الله صلی الله علیه وسلم أن یبلّغ بولایة علیٍّ فأنزل الله عزوجل : (یَا أَیُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَیْکَ مِن رَّبِّکَ) الآیة ، فلمّا کان یوم غدیر خُمّ قام ، فحمد الله وأثنی علیه ، 5.

ص: 429


1- ما نزل من القرآن فی علیّ علیه السلام : ص 86.
2- خصائص الوحی المبین : ص 53 ح 21.
3- أسباب النزول : ص 135.

وقال صلی الله علیه وسلم : «ألست أولی بکم من أنفسکم ؟ قالوا : بلی یا رسول الله.

قال صلی الله علیه وسلم : فمن کنتُ مولاه فعلیٌّ مولاه ، أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه ، وأحبَّ من أحبّه ، وأبغضْ من أبغضه ، وانصُرْ من نصره ، وأعزَّ من أعزّه ، وأعِنْ من أعانه». الطرائف(1).

10 - الحافظ الحاکم الحَسّکانی ، أبو القاسم : المترجم (ص 112).

روی فی شواهد التنزیل لقواعد التفضیل والتأویل(2) بإسناده ، عن الکلبی ، عن أبی صالح ، عن ابن عبّاس وجابر الأنصاری ، قالا :

أمر الله تعالی محمداً صلی الله علیه وسلم أن ینصب علیّاً للناس ، فیخبرهم بولایته فتخوّف النبیّ أن یقولوا : حابی ابن عمِّه ، وأن یطعنوا فی ذلک علیه ، فأوحی الله (یَا أَیُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَیْکَ مِن رَّبِّکَ) الآیة ، فقام رسول الله صلی الله علیه وسلم بولایته یوم غدیر خُمّ. مجمع البیان(3) (2 / 223).

11 - الحافظ أبوالقاسم بن عساکر ، الشافعیّ : المتوفّی (571) ، المترجم (ص 116).

أخرج بإسناده عن أبی سعید الخُدری(4) : أنَّها نزلت یوم غدیر خُمّ فی علیّ بن أبی طالب(5).

12 - أبو الفتح النطنزیّ : المترجم (ص 115).

أخرج فی الخصائص العلویّة بإسناده عن الإمامین محمد بن علیّ الباقر وجعفر ف)

ص: 430


1- الطرائف : 1 / 121 ح 184 و 185.
2- شواهد التنزیل : 1 / 255 ح 249.
3- مجمع البیان : 3 / 344.
4- تاریخ مدینة دمشق : 12 / 237. وفی ترجمة الإمام علیّ بن أبی طالب من تاریخ دمشق - الطبعة المحقّقة - : 2 / 86 ح 589.
5- الدرّ المنثور : 2 / 298 [3 / 117] وفتح القدیر : 2 / 57 [2 / 60]. (المؤلف)

ابن محمد الصادق - صلوات الله علیهم - قالا :

«نزلت هذه الآیة یوم غدیر خمّ». ضیاء العالمین.

13 - أبو عبدالله فخر الدین الرازیّ ، الشافعیّ : المتوفّی (606) ، المترجم (ص 118).

قال فی تفسیره الکبیر(1) (3 / 636) :

العاشر(2) : نزلت الآیة فی فضل علیّ ولمّا نزلت هذه الآیة أخذ بیده وقال : «من کنتُ مولاه فعلیٌّ مولاه ، أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه».

فلقیه عمر رضی الله عنه فقال : هنیئاً لک یا ابن أبی طالب ، أصبحت مولای ومولی کلِّ مؤمن ومؤمنة.

وهو قول ابن عبّاس ، والبراء بن عازب ، ومحمد بن علیّ.

14 - أبو سالم النصیبیّ ، الشافعیّ : المتوفّی (652) ، تأتی ترجمته فی شعراء القرن السابع. قال فی مطالب السؤول (ص 16) :

نقل الإمام أبو الحسن علیّ الواحدیّ فی کتابه المسمّی بأسباب النزول(3) یرفعه بسنده إلی أبی سعید الخدریّ رضی الله عنه قال : نزلت هذه الآیة یوم غدیر خُمّ فی علیِّ بن أبی طالب.

15 - الحافظ عزّ الدین الرَّسْعَنیّ(4) ، الموصلیّ ، الحنبلیّ : المولود (589) والمتوفّی (661) ، المترجم (ص 121). ف)

ص: 431


1- التفسیر الکبیر : 12 / 49.
2- من أسباب نزول الآیة ، وسیوافیک الکلام علیها. (المؤلف)
3- أسباب النزول : ص 135.
4- بفتح المهملة ، وسکون السین ، وفتح المهملة الثالثة ، ثمّ النون : نسبة إلی مدینة رأس عین بدیار بکر یخرج منها ماء دجلة [معجم البلدان : 3 / 13]. شرح المواهب : 7 / 14. (المؤلف)

روی فی تفسیره - مرّ الثناء علیه - عن الذهبی ، عن ابن عبّاس رضی الله عنه ، قال : لَمّا نزلت هذه الآیة أخذ النبیُّ بید علیٍّ فقال : «من کنتُ مولاه فعلیٌّ مولاه ، أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه»(1).

16 - شیخ الإسلام أبو إسحاق الحمّوئیّ : المتوفّی (722) ، المترجم (ص 123).

أخرج فی فرائد السمطین(2) عن مشایخه الثلاثة : السیّد برهان الدین إبراهیم ابن عمر الحسینی المدنی ، والشیخ الإمام مجد الدین عبدالله بن محمود الموصلی ، وبدر

الدین محمد بن محمد بن أسعد البخاری بإسنادهم عن أبی هریرة : أنَّ الآیة نزلت فی علیٍّ.

17 - السیّد علیّ الهمدانی : المتوفّی (786) ، المترجم (ص 127).

قال فی مودّة القربی(3) : عن البراء بن عازب رضی الله عنه قال :

أقبلتُ مع رسول الله صلی الله علیه وسلم فی حجّة الوداع ، فلمّا کان بغدیر خُمّ نودی : الصلاة جامعة ، فجلس رسول الله صلی الله علیه وسلم تحت شجرة ، وأخذ بید علیٍّ ، وقال : «ألستُ أولی بالمؤمنین من أنفسهم ؟ قالوا : بلی یا رسول الله.

فقال : ألا من أنا مولاه فعلیٌّ مولاه ، أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه».

فلقیه عمر رضی الله عنه فقال : هنیئاً لک یا علیّ بن أبی طالب ، أصبحت مولای ومولی کلِّ مؤمن ومؤمنة. ة.

ص: 432


1- نقله عنه البَدَخشانی فی مفتاح النجا فی مناقب آل العبا [ص 34 باب 3 فصل 11] ، وزمیله الإربلی فی کشف الغمّة : ص 92 [1 / 325] مرفوعاً إلی ابن عبّاس ومحمد بن علیّ الباقر علیه السلام. ثمّ قال فی ص 96 [1 / 332] : کان صدیقنا ، وکنّا نعرفه ، وکان حنبلیّ المذهب. وقال فی ص 25 [1 / 84] : کان رجلاً فاضلاً أدیباً ، حسن المعاشرة ، حلو الحدیث ، فصیح العبارة ، اجتمعتُ به فی الموصل. (المؤلف)
2- فرائد السمطین : 1 / 158 ح 120.
3- اُنظر : المودّة الخامسة.

وفیه نزلت : (یَا أَیُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَیْکَ مِن رَّبِّکَ) الآیة.

18 - بدر الدین العینیّ ، الحنفیّ : المولود (762) والمتوفّی (855) ، المترجم (ص 131).

ذکر فی عمدة القاری فی شرح صحیح البخاری(1) (8 / 584) فی قوله تعالی : (یَا أَیُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ) عن الحافظ الواحدی ما مرّ عنه من حدیث حسن بن حمّاد سجادة سنداً ومتناً ، ثمّ حکی عن مقاتل والزمخشری بعض الوجوه الأخری المذکورة فی سبب نزول الآیة ، فقال : قال أبو جعفر محمد بن علیّ بن الحسین :

«معناه بلِّغ ما أُنزِلَ إلَیکَ من ربِّک فی فضلِ علیِّ بن أبی طالب رضی الله عنه ، فلمّا نزلت هذه الآیة أخذ بید علیٍّ ، وقال : من کنتُ مولاه فعلیٌّ مولاه».

19 - نور الدین بن الصبّاغ المالکیّ ، المکیّ : المتوفّی (855) ، المترجم (ص 131).

ذکر فی الفصول المهمّة(2) (ص 27) ما رواه الواحدی فی أسباب النزول من حدیث أبی سعید.

20 - نظام الدین القمّی ، النیسابوریّ : قال فی تفسیره(3) السائر الدائر (6 / 170) :

عن أبی سعید الخُدری : أنَّها نزلت فی فضل علیّ بن أبی طالب رضی الله عنه فأخذ رسول الله صلی الله علیه وسلم بیده ، وقال : «من کنتُ مولاه فعلیٌّ مولاه ، أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه».

فلقیه عمر وقال : هنیئاً لک یا ابن أبی طالب ، أصبحت مولای ومولی کلِّ مؤمن ومؤمنة. 4.

ص: 433


1- عمدة القاری فی شرح صحیح البخاری : 18 / 206.
2- الفصول المهمة : ص 42.
3- غرائب القرآن ورغائب الفرقان : 6 / 194.

وهو قول ابن عبّاس والبراء بن عازب ومحمد بن علیّ. ثمّ ذکر أقوالاً أُخر فی سبب نزولها.

21 - کمال الدین المیبذی : المتوفّی بعد (908) ، المذکور (ص 133).

قال فی شرح دیوان أمیر المؤمنین علیه السلام(1) (ص 415) : روی الثعلبی أنَّ رسول الله صلی الله علیه وسلم قال ما قال فی غدیر خُمّ بعد ما نزل علیه قوله تعالی : (یَا أَیُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَیْکَ مِن رَّبِّکَ) ، ولا یخفی علی أهل التوفیق أن قوله تعالی : (النَّبِیُّ أَوْلَی بِالْمُؤْمِنِینَ مِنْ أَنفُسِهِمْ)(2) یلائم حدیث الغدیر. والله أعلم.

22 - جلال الدین السیوطیّ ، الشافعیّ : المتوفّی (911) ، المترجم (ص 133).

قال فی الدرِّ المنثور(3) (2 / 298) : أخرج أبو الشیخ ، عن الحسن : أنَّ رسول الله صلی الله علیه وسلم قال : «إنَّ الله بعثنی برسالة ، فضقتُ بها ذَرْعاً ، وعرفت أنَّ الناس مُکذِّبیّ ، فوعدنی لأُبلِّغنَّ أو لَیُعذِّبنی» ، فأنزل (یَا أَیُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَیْکَ مِن رَّبِّکَ).

وأخرج عبد بن حمید ، وابن جریر ، وابن أبی حاتم ، وأبو الشیخ ، عن مجاهد ، قال : لمّا نزلت (بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَیْکَ مِن رَّبِّکَ) قال :

«یا ربِّ إنَّما أنا واحدٌ ، کیف أصنع ، یجتمع علیَّ الناس ؟» فنزلت (وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ).

وأخرج ابن أبی حاتم وابن مردویه وابن عساکر(4) عن أبی سعید الخُدری قال :

نزلت هذه الآیة (یَا أَیُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَیْکَ مِن رَّبِّکَ) علی رسول الله صلی الله علیه وسلم 9.

ص: 434


1- شرح دیوان أمیر المؤمنین : ص 406.
2- الأحزاب : 6.
3- الدرّ المنثور : 3 / 116.
4- تاریخ مدینة دمشق : 12 / 237 ، وفی ترجمة الإمام علیّ بن أبی طالب من تاریخ دمشق - الطبعة المحقّقة - : 2 / 86 ح 589.

یوم غدیر خُمّ فی علیّ بن أبی طالب.

وأخرج ابن مردویه عن ابن مسعود قال : کنّا نقرأ علی عهد رسول الله صلی الله علیه وسلم (یَا أَیُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَیْکَ مِن رَّبِّکَ أنَّ علیّاً مولی المؤمنین وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّ-هُ یَعْصِمُکَ مِنَ النَّاسِ).

23 - السیّد عبدالوهاب البخاریّ : المولود (869) والمتوفّی (932) ، المترجم (ص 134) فی تفسیره عند قوله تعالی : (قُل لَّا أَسْأَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبَی)(1) قال :

عن البراء بن عازب رضی الله عنه ، قال فی قوله تعالی : (یَا أَیُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَیْکَ مِن رَّبِّکَ) : أی بلِّغ من فضائل علیٍّ ، نزلت فی غدیر خُمّ ، فخطب رسول الله صلی الله علیه وسلم ثمّ قال : «من کنتُ مولاه فهذا علیٌّ مولاه».

فقال عمر رضی الله عنه : بخٍ بخٍ یا علیُّ ، أصبحت مولای ومولی کلّ مؤمن ومؤمنة.

رواه أبو نعیم(2) ، وذکره - أیضاً - الثعالبیُّ فی کتابه(3).

24 - السیّد جمال الدین الشیرازیّ : المتوفّی (1000) کما مرّ (ص 137).

روی فی أربعینه نزول الآیة فی غدیر خُمّ عن ابن عبّاس بلفظٍ مرّ فی (ص 52).

25 - محمد محبوب العالم : المذکور (ص 140).

حکی فی تفسیره الشهیر بتفسیر شاهی ما مرَّ عن تفسیر نظام الدین النیسابوری.

26 - میرزا محمد البَدَخشانیّ : المذکور (ص 143). 8.

ص: 435


1- الشوری : 23.
2- ما نزل من القرآن فی علیّ : ص 86.
3- ثمار القلوب : ص 636رقم 1068.

قال فی مفتاح النجا(1) : الآیات النازلة فی شأن أمیر المؤمنین علیّ بن أبی طالب - کرّم الله وجهه - کثیرة جدّاً لا أستطیع استیعابها ، فأوردت فی هذا الکتاب لُبَّها ولُبابها ... إلی أن قال :

وأخرج ابن مردویه عن زِرّ عن عبدالله رضی الله عنه قال : کنّا نقرأ علی عهد رسول الله ... وذکر إلی آخر ما مرَّ عن ابن مردویه (ص 216).

ثمّ روی من طریقه عن أبی سعید الخُدری ، وفی آخره : فنزلت (الْیَوْمَ أَکْمَلْتُ لَکُمْ دِینَکُمْ) ، وروی ما أخرجه الحافظ الرسعنی بلفظه المذکور (ص 221).

27 - القاضی الشوکانیّ : المتوفّی (1250) ، المترجم (ص 146) فی تفسیره فتح القدیر(2) (3 / 57) قال :

أخرج ابن أبی حاتم ، وابن مردویه ، وابن عساکر ، عن أبی سعید الخُدری قال :

نزلت هذه الآیة (یَا أَیُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَیْکَ ...) علی رسول الله یوم غدیر خُمّ فی علیّ بن أبی طالب رضی الله عنه.

وأخرج ابن مردویه ، عن ابن مسعود ، قال : کنّا نقرأ علی عهد رسول الله صلی الله علیه وسلم (یَا أَیُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَیْکَ مِن رَّبِّکَ أنَّ علیّاً مولی المؤمنین وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّ-هُ یَعْصِمُکَ مِنَ النَّاسِ).

28 - السیّد شهاب الدین الآلوسیّ ، الشافعیّ ، البغدادیّ : المتوفّی (1270) ، المترجم (ص 147).

قال فی روح المعانی(3) (2 / 348) : زعمت الشیعة(4) أنَّ المراد من الآیة : بما ّة

ص: 436


1- مفتاح النجا : الورقة 34 - 36 باب 3 فصل 11.
2- فتح القدیر : 2 / 60.
3- روح المعانی : 6 / 192.
4- لیس قوله : زعمت الشیعة ... تخصیصاً للروایة بهم ، فقد اعترف بعد ذلک بروایة أهل السنّة

أنزل الله إلیک خلافة علیّ - کرّم الله وجهه - فقد رووا بأسانیدهم عن أبی جعفر وأبی عبدالله علیهما السلام : أنَّ الله تعالی أَوحی إلی نبیّه صلی الله علیه وسلم أن یستخلف علیّاً - کرّم الله تعالی وجهه - فکان یخاف أن یشقّ ذلک علی جماعة من أصحابه ، فأنزل الله تعالی هذه الآیة تشجیعاً له علیه السلام بما أمره بادائه.

وعن ابن عبّاس رضی الله عنه قال : نزلت هذه الآیة فی علیٍّ - کرّم اللهُ وجهَهُ - حیث أمر سبحانه أن یخبر الناس بولایته ، فتخوّف رسول الله صلی الله علیه وسلم أن یقولوا : حابی ابن عمّه ، وأن یطعنوا فی ذلک علیه ، فأوحی الله تعالی إلیه هذه الآیة ، فقامَ بولایته یوم غدیر خمّ ، وأخذ بیده ، فقال - علیه الصلاة والسلام - : «من کنتُ مولاه فعلیٌّ مولاه ، أللّهمّ

والِ من والاه ، وعادِ من عاداه».

وأخرج الجلال السیوطی فی الدرِّ المنثور(1) عن ابن أبی حاتم ، وابن مردویه ، وابن عساکر(2) راوین عن أبی سعید الخُدری قال : نزلت هذه الآیة علی رسول الله صلی الله علیه وسلم یوم غدیر خُمّ فی علیِّ بن أبی طالب - کرم الله وجهه.

وأخرج ابن مردویه عن ابن مسعود قال : کُنّا نقرأ علی عهد رسول الله صلی الله علیه وسلم (یَا أَیُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَیْکَ مِن رَّبِّکَ أنَّ علیّاً ولیُّ المؤمنین وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ).

29 - الشیخ سلیمان القندوزیّ ، الحنفی : المتوفّی (1293) ، المترجم (ص 147). 9.

ص: 437


1- الدرّ المنثور : 3 / 117.
2- تاریخ مدینة دمشق : 12 / 237 ، وفی ترجمة الإمام علیّ بن أبی طالب من تاریخ دمشق - الطبعة المحقّقة - : 2 / 86 ح 589.

قال فی ینابیع المودّة(1) (ص 120) : أخرج الثعلبی(2) عن أبی صالح ، عن ابن عبّاس ، وعن محمد الباقر رضی الله عنهما قالا :

«نزلت هذه الآیة فی علیٍّ».

أیضاً الحمّوئی فی فرائد السمطین(3) أخرجه عن أبی هریرة.

أیضاً المالکی أخرج فی الفصول المهمّة(4) عن أبی سعید الخُدری قال : نزلت

هذه الآیة فی علیٍّ فی غدیر خُمّ.

هکذا ذکره الشیخ محیی الدین النووی.

30 - الشیخ محمد عبده المصریّ : المتوفّی (1323) ، المترجم (ص 148).

قال فی تفسیر المنار (6 / 463) : روی ابن أبی حاتم وابن مردویه وابن عساکر عن أبی سعید الخُدری : أنَّها نزلت یوم غدیر خُمّ فی علیّ بن أبی طالب.

القول الفصل

هذا ما وَسِعنا من الحیطة(5) بأحادیث الباب وأقواله فی نزول الآیة الکریمة حول قصّة الغدیر.

وذکر المتوسِّعون فی النقل وجوهاً أُخَر لنزولها ، وأوّل من عرفناه ممّن ذکرها الطبری فی تفسیره(6) (6 / 198) ، ثمّ تَبِعه مَن تأخّر عنه ، وأنهاها الفخر الرازی(7) إلی 9.

ص: 438


1- ینابیع المودّة : 1 / 119 باب 39.
2- الکشف والبیان : الورقة 234 سورة المائدة : آیة 67.
3- فرائد السمطین : 1 / 158 ح 120 باب 32.
4- الفصول المهمّة : ص 42.
5- کذا.
6- جامع البیان : مج 4 / ج 6 / 307.
7- التفسیر الکبیر : 12 / 49.

تسعة أوجه ، وعاشرها ما ذکرناه فی هذا الکتاب.

أمّا ما ذکره الطبریّ : فعن ابن عبّاس : یعنی إن کتمتَ آیةً ممّا أُنزِل علیک من ربِّک لم تبلِّغ رسالتی.

وهو غیر مُنافٍ لنزولها فی قصّة الغدیر ، سواء أخذنا لفظة (آیة) فی قوله نکرة محضة ، أو نکرة مخصّصة.

فعلی الثانی یُراد بها ما نحاول إثباته بمعونة ما ذکرناه من الأحادیث والنقول.

وعلی الأوّل فهو تأکید لإنجاز ما أُمر بتبلیغه بلفظ مطلق ، ویکون حدیث الغدیر أحد المصادیق المؤکّدة.

وعن قتادة : أنَّه سیکفیه الناس ، ویعصمه منهم ، وأمره بالبلاغ.

وهو - أیضاً - غیر مضادٍّ لما نقوله ، إذ لیس فیه غیر أنَّ الله سبحانه ضمن له العصمة والکفایة فی تبلیغ أمرٍ کان یحاذر فیه اختلاف أمّته ومناکرتهم(1) له ، ولا یمتنع أن یکون ذلک الأمر هو نصّ الغدیر ، ویتعیّن ذلک بنصّ هذه الأحادیث.

وعن سعید بن جبیر ، وعبدالله بن شقیق ، ومحمد بن کعب القرظی ، وعائشة ، واللفظ لها :

کان النبیّ صلی الله علیه وسلم یُحرَس حتی نزلت هذه الآیة (وَاللَّ-هُ یَعْصِمُکَ مِنَ النَّاسِ) قالت : فأخرج النبیُّ رأسه من القبّة فقال : «أیُّها الناس انصرفوا ؛ فإنّ الله قد عصمنی».

ولیس فیه إلّا أنَّه صلی الله علیه وآله وسلم فرّق الحرس عنه بعد نزول الوعد بالعصمة من غیر أیّ تعرّض للأمر الذی کان یخشی لأجله بادرة الناس فی هذه القصّة أو مطلقاً ، ولیس من الممتنع أن یکون ذلک مسألة یوم الغدیر ، وتعیِّنه الروایات المذکورة فی هذا الکتاب

وغیره.ة.

ص: 439


1- المُناکرة : المعاداة والمحاربة.

وذکر الطبری - أیضاً - فی سبب نزول الآیة عن القرظی : أنَّه کان النبیّ إذا نزل منزلاً اختار له أصحابه شجرة ظلیلة یَقیل تحتها ، فأتاه أعرابیّ ، فاخترط سیفه ، ثمّ

قال : من یمنعک منی ؟ قال : «الله». فرعدت ید الأعرابیّ ، وسقط السیف منها.

قال : وضرب برأسه الشجرة حتی انتثر دماغه ، فأنزل الله (وَاللَّ-هُ یَعْصِمُکَ مِنَ النَّاسِ). انتهی.

وهو یناقض ما تقدّم من أنَّه صلی الله علیه وآله وسلم کان یحتفّ به الحرس إلی نزول الآیة ، فمن المستبعد جدّاً وصول الأعرابی إلیه وهو نائم ، والسیف معلَّق عنده ، والحرس حول قبّة النبیّ. علی أنَّ لازمَ هذا التفریقُ فی نزول الآیة ؛ فإنّه ینصّ علی أنَّ النازل بعد قصّة الأعرابی هو قوله تعالی : (وَاللَّ-هُ یَعْصِمُکَ مِنَ النَّاسِ) ، ولا مسانخة بین هذه القصّة وصدر الآیة ، ومن المستصعب البخوع لما تفرّد به القرظی فی مثل هذا.

ولیس من المستحیل أن یکون قصّة الأعرابیّ من ولائد الاتّفاق(1) حول نصِّ الغدیر ونزول الآیة ، فحسب السذَّج أنَّها نزلت لأجلها ، وفی الحقیقة لنزولها سببٌ

عظیمٌ هو أمر الولایة الکبری ، ولم تکُ هاتیک الحادثة بمهمّة تنزل لأجلها الآیات ، وکم سبقت لها ضروب وأمثال لم یُحتفل بها ، غیرَ أنَّ المقارنة بینها وبین نصّ الولایة - علی تقدیر صحّة الروایة - أوقعت البسطاء فی الوهم.

وروی الطبریّ(2) عن ابن جریج : أنَّ النبیّ صلی الله علیه وسلم کان یهاب قریشاً ، فلمّا نزلت : (وَاللَّ-هُ یَعْصِمُکَ مِنَ النَّاسِ) استلقی ، ثمّ قال : «من شاء فلیخذلنی». مرّتین أو ثلاثاً.

وأیّ وازعٍ من أن یکون الأمر الذی کان رسول الله صلی الله علیه وسلم یهاب قریشاً لأجله هو نصّ الخلافة ، کما فصّلته الأحادیث الآنفة ؟ فلیس هو بمضادّ لما نقوله. 8.

ص: 440


1- یرید قدس سره أنَّها ولیدة الصدفة التی حدثت عند نصّ الغدیر ونزول الآیة.
2- جامع البیان : مج 4 / ج 6 / 308.

وروی الطبریّ(1) بأربعة أسانید عن عائشة : من زعم أنَّ محمداً صلی الله علیه وسلم کتم شیئاً من کتاب الله فقد أعظم علی الله الفریة ، والله یقول : (یَا أَیُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَیْکَ).

وما کانت عائشة بقولها فی صدد بیان سبب النزول ، وإنَّما احتجّت بالآیة الکریمة علی أنَّه صلی الله علیه وسلم قد أغرق نزعاً بالتبلیغ ، ولم یدَعْ آیة من الکتاب إلّا وبثّها ، وهذا ما لا یُشَکّ فیه ، ونحن نقول به قبل هذه الآیة وبعدها.

وأمّا ما حشده الرازی فی تفسیره(2) (3 / 635) من الوجوه العشرة(3) - وجعل نصَّ الغدیر عاشرها ، وقصّة الأعرابیّ المذکور فی تفسیر الطبریّ ثامنها ، وهیبة قریش مع زیادة الیهود والنصاری تاسعها ، وقد عرفت حقّ القول فیهما - فهی مراسیل مقطوعة عن الإسناد غیر معلومة القائل ، ولذا عُزی جمیعها فی تفسیر نظام الدین ف)

ص: 441


1- جامع البیان : مج 4 / ج 6 / 308.
2- التفسیر الکبیر : 12 / 49.
3- 1 - نزلت فی قصّة الرجم والقِصاص علی ما تقدّم فی قصّة الیهود. 2 - نزلت فی عیب الیهود واستهزائهم بالدین. 3 - لمّا نزلت آیة التخییر ، وهی قوله : (یَا أَیُّهَا النَّبِیُّ قُل لِّأَزْوَاجِکَ ...) الآیة ، فلم یَعْرِضْها علیهنّ خوفاً من اختیارهنّ الدنیا. 4 - نزلت فی أمر زید وزینب. 5 - نزلت فی الجهاد ، فإنّه کان یمسک أحیاناً عن حثّ المنافقین علی الجهاد. 6 - لمّا سکت النبیّ عن عیب آلهة الوثنیّین فنزلت. 7 - لمّا قال فی حجّة الوداع - بعد بیان الشرائع والمناسک - : «هل بلّغتُ ؟». قالوا : نعم. قال : «اللّهمّ فاشهد». فنزلت الآیة. 8 - نزلت فی أعرابیّ أراد قتله وهو نائم تحت شجرة. 9 - کان یهاب قریشاً والیهود والنصاری ، فأزال الله عن قلبه تلک الهیبة بالآیة. 10 - نزلت فی قصّة الغدیر. هذه ملخّص الوجوه التی ذکرها. (المؤلف)

النیسابوریّ(1) إلی القیل ، وجعل ما رُوی فی نصِّ الولایة أوّل الوجوه ، وأسنده إلی ابن عبّاس والبراء بن عازب وأبی سعید الخُدریّ ومحمد بن علیّ علیهما السلام.

والطبریّ الذی هو أقدم وأعرف بهذه الشؤون أهملها رأساً ، وهو وإن لم یذکر حدیث الولایة - أیضاً - لکنّه أفرد له کتاباً أخرجه فیه بنیِّف وسبعین طریقاً ، کما سبق ذکرُه وذکرُ من عزاه إلیه فی هذا الکتاب ، وروی هناک نزول الآیة - عندئذٍ - بإسناده عن زید بن أرقم ، والرازی نفسه لم یعتبر منها إلّا ما زاد علی روایة الطبریّ فی تاسع الوجوه من التهیّب من الیهود والنصاری ، وستقف علی حقیقة الحال فیه.

فهی غیر صالحة للاعتماد علیها ، ولا ناهضة لمجابهة الأحادیث المعتبرة السابق ذکرها التی رواها من قدّمنا ذکرهم من أعاظم العلماء کالطبریّ ، وابن أبی حاتم ، وابن

مردویه ، وابن عساکر ، وأبی نعیم ، وأبی إسحاق الثعلبیّ ، والواحدیّ ، والسجستانیّ

والحَسکانیّ ، والنطنزیّ ، والرسعنیّ وغیرهم بأسانید جمّة ، فما ظنّک بحدیث یعتبره

هؤلاء الأئمّة ؟

علی أنَّ اللائح علی غیر واحد من الوجوه - [مع] لوائح الافتعال السائد علیها - عدم التلاؤم بین سیاق الآیة وسبب النزول ، فلا یعدو جمیعها أن یکون تفسیراً بالرأی ، أو استحساناً من غیر حجّة ، أو تکثیراً لِلَّغط أمام حدیث الولایة ، فتّاً فی عضده ، وتخذیلاً عن تصدیقه ، ویأبی الله إلّا أن یتمّ نوره.

قال الرازی(2) بعد عدّ الوجوه :

إعلم أنَّ هذه الروایات وإن کثرت ، إلّا أنَّ الأولی حمله علی أنَّه تعالی آمنه من مکر الیهود والنصاری وأمره بإظهار التبلیغ من غیر مبالاة منه بهم ؛ وذلک لأنّ ما قبل هذه الآیة بکثیر وما بعدها بکثیر ، لمّا کان کلاماً مع الیهود والنصاری امتنع إلقاء هذه 0.

ص: 442


1- غرائب القرآن : 6 / 194.
2- التفسیر الکبیر : 12 / 50.

الآیة الواحدة فی البین علی وجه تکون أجنبیّة عمّا قبلها وما بعدها. انتهی .

وأنت تری أنَّ ترجیحه لهذا الوجه مجرّد استنباط منه بملاءمة سیاق الآیات من غیر استناد إلی أیّة روایة ، ونحن إذا علمنا أنَّ ترتیب الآیات فی الذکر غیر ترتیبها فی النزول نوعاً ، فلا یهمّنا مراعاة السیاق تجاه النقل الصحیح ، وتزید إخباتاً إلی ذلک بملاحظة ترتیب نزول السور المخالف لترتیبها فی القرآن ، والآیات المکیة فی السّور المدنیّة وبالعکس ، قال السیوطی فی الإتقان(1) (1 / 24) :

فصلٌ : الإجماع والنصوص المترادفة علی أنَّ ترتیب الآیات توقیفیّ لا شبهة فی ذلک ، أمّا الإجماع فنقله غیر واحد منهم : الزرکشی فی البرهان(2) ، وأبو جعفر بن الزبیر فی مناسباته ، وعبارته : ترتیب الآیات فی سورها واقع بتوقیفه صلی الله علیه وسلم وأمره من غیر خلاف فی هذا بین المسلمین.

ثمّ ذکر نصوصاً علی أنَّ النبیّ صلی الله علیه وسلم کان یلقِّن أصحابه ویعلِّمهم ما نزل علیه من القرآن علی الترتیب الذی هو الآن فی مصاحفنا بتوقیف جبرئیل إیّاه علی ذلک ، وإعلامه عند نزول کلّ آیة : أنَّ هذه الآیة تکتب عقب آیة کذا فی سورة کذا. انتهی.

علی أنَّ طبع الحال یستدعی أن یکون تهیّبه صلی الله علیه وآله وسلم من الیهود والنصاری فی أُولَیات البعثة ، وعلی فرض التنازل بعد الهجرة بیسیر ، لا فی أُخریات أیّامه التی کان یهدِّد فیها دول العالم ، وتهابه الأُمم ، وقد فتح خیبر ، واستأصل شأفة بنی قریضة والنضیر ، وعنت له الوجوه ، وخضعت له الرقاب طوعاً وکرهاً ، وفیها کانت حجّة الوداع التی نزلت فیها الآیة ، کما عرفت ذلک من الأحادیث السابقة ، ویعلمنا القرطبی فی تفسیره(3) (6 / 30) بالإجماع علی أنَّ سورة المائدة مدنیّة ثمّ نقل عن النقّاش نزولها 2.

ص: 443


1- الإتقان فی علوم القرآن : 1 / 172.
2- تفسیر البرهان : 1 / 64.
3- الجامع لأحکام القرآن : 6 / 22.

فی عام الحدیبیّة سنة (6) ، فأتبعه بالنقل عن ابن العربی : بأنّ هذا حدیثٌ موضوعٌ لا یحلُّ لمسلم اعتقاده ... إلی أن قال :

ومن هذه السورة ما نزل فی حجّة الوداع ، ومنها ما نزل عام الفتح ، وهو قوله تعالی : (وَلَا یَجْرِمَنَّکُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ ...)(1) الآیة. وکلُّ ما نزل بعد هجرة النبیّ صلی الله علیه وسلم فهو مدنی ، سواءٌ نزل بالمدینة أو فی سفر من الأسفار ، إنَّما یرسم بالمکّی ما نزل قبل

الهجرة.

وقال الخازن فی تفسیره(2) (1 / 448) : سورة المائدة نزلت بالمدینة إلّا قوله تعالی : (الْیَوْمَ أَکْمَلْتُ لَکُمْ دِینَکُمْ) فإنّها نزلت بعرفة فی حجّة الوداع.

وأخرجا - القرطبی والخازن - عن النبیّ صلی الله علیه وسلم قوله فی حجّة الوداع : إنَّ سورة المائدة من آخر القرآن نزولاً.

وقال السیوطی فی الإتقان(3) (1 / 20) : عن محمد بن کعب من طریق أبی عبید : إنَّ سورة المائدة نزلت فی حجّة الوداع فیما بین مکّة والمدینة.

وفی (1 / 11) : عن فضائل القرآن لابن الضریس ، عن محمد بن عبدالله بن أبی جعفر الرازی ، عن عمرو بن هارون ، عن عثمان بن عطا الخراسانی ، عن أبیه ، عن ابن عبّاس :

إنَّ أوّل ما أُنزل من القرآن : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّکَ) ثمَّ (ن) ثمَّ (یَا أَیُّهَا الْمُزَّمِّلُ) إلی أن عدَّ الفتح ، ثمّ المائدة ، ثمّ البراءة ، فجعل البراءة آخر سورة نزلت المائدة قبلها.

وروی ابن کثیر فی تفسیره (2 / 2) عن عبدالله بن عمر : أنَّ آخر سورة أُنزِلت 6.

ص: 444


1- المائدة : 2.
2- تفسیر الخازن : 1 / 429.
3- الإتقان فی علوم القرآن : 1 / 52 و 26.

سورة المائدة والفتح - یعنی سورة النصر - ونقل من طریق أحمد والحاکم والنسائی عن عائشة : أنَّ المائدة آخر سورة نزلت.

وبهذه کلّها تعرف قیمة ما رواه القرطبی فی تفسیره(1) (6 / 244) ، وذکره السیوطی فی لباب النقول(2) (ص 117) من طریق ابن مردویه والطبرانی عن ابن عبّاس من أنَّ أبا طالب کان یرسل کلَّ یوم رجالاً من بنی هاشم یحرسون النبیّ حتی نزلت هذه الآیة (وَاللَّ-هُ یَعْصِمُکَ مِنَ النَّاسِ) ، فأراد أن یرسل معه من یحرسه ، فقال : «یا عمّ إنَّ الله عصمنی من الجن والإنس».

فإنّه یستدعی أن تکون الآیة مکیة ، وهو أضعف من أن یقاوم الأحادیث المتقدّمة والإجماع الآنف ونصوص المفسِّرین.

ذیلٌ فی المقام :

قال القرطبی فی تفسیره(3) (6 / 242) فی قوله تعالی : (یَا أَیُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَیْکَ مِن رَّبِّکَ) :

هذا تأدیب للنبیّ صلی الله علیه وسلم وتأدیب لحَمَلة العلم من أمّته ألّا یکتموا شیئاً من أمر شریعته ، وقد علم الله تعالی من أمر نبیّه أنَّه لا یکتم شیئاً من وحیه ، وفی صحیح مسلم(4) عن مسروق عن عائشة أنَّها قالت : من حدّثک أنَّ محمداً صلی الله علیه وسلم کتم شیئاً من الوحی فقد کذب ، والله تعالی یقول : (یَا أَیُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ) الآیة.

وقبّح الله الروافض حیث قالوا : إنَّه علیه السلام کتم شیئاً ممّا أَوحی الله إلیه کان بالناس حاجة إلیه. انتهی. ن.

ص: 445


1- الجامع لأحکام القرآن : 6 / 158.
2- لباب النقول فی أسباب النزول : ص 83.
3- الجامع لأحکام القرآن : 6 / 157.
4- صحیح مسلم : 1 / 208 ح 287 کتاب الإیمان.

وزاد القسطلانی فی إرشاد الساری(1) (7 / 101) ضغثاً علی إبّالة فقال : قالت

الشیعة : إنَّه قد کتم أشیاء علی سبیل التقیّة.

ولیتهما أوعزا إلی مصدر هذه الفِرْیة علی الشیعة من عالم ذکرها ، أو مؤلَّف تضمّنها ، أو فرقة تنتحلها ، نعم لم یجدا شیئاً من ذلک ، بل حَسِبا أنَّهما مصدَّقان فی کلِّ ما ینبزان به أمّةً من الأُمم علی أیّ حال ، أو أنَّه لیس للشیعة تآلیف محتویة علی معتقداتهم هی مقاییس فی کلّ ما یُعزی إلیهم ، أو أنَّ جیلهم المستقبل لا ینتج رجالاً یناقشون المفترین الحساب ، فمن هنا وهنا راقهما تشویه سمعة الشیعة ، کما راق غیرهم ، فتحرَّوا الوقیعة فیهم بالمفتریات ؛ لیثیروا علیهم عواطف ، ویخذِّلوا عنهم أُمماً ، فحدّثوا عنهم کما یحدِّثون عن الأُمم البائدة الذین لا مُدافع عنهم ، والشیعة لم تجرؤ قطُّ علی قُدس صاحب الرسالة بإسناد کتمان ما یجب علیه تبلیغه إلیه صلی الله علیه وآله وسلم إلّا أن یکون للتبلیغ ظرف معیّن ، فما کان یسبق الوحی الإلهی بتقدیم المظاهرة به قبل میعاده.

أللّهمّ إن کانا - الرجلان - یُمعِنان النظر فی أقاویل أصحابهم المقولة فی الآیة الکریمة من الوجوه العشرة التی ذکرها الرازی لَوقفا علی قائل ما قذفا الشیعة به ، فإنَّ منهم من یقول : إنَّ الآیة نزلت فی الجهاد ، فإنَّه صلی الله علیه وآله وسلم کان یُمسک أحیاناً من حثِّ المنافقین علی الجهاد.

وآخر منهم یقول : إنَّها نزلت لمّا سکت النبیّ عن عیب آلهة الوثنیِّین !.

وثالث یقول : کتم آیة التخییر عن أزواجه - کما مرّ (ص 225) - فنزول الآیة علی هذه الوجوه ینبئ عن قعود النبیّ عمّا أُرسِل إلیه ، حاشا نبیّ العظمة والقداسة.

(وَإِنَّهُ لَتَذْکِرَةٌ لِّلْمُتَّقِینَ * وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنکُم مُّکَذِّبِینَ)(2) 9.

ص: 446


1- إرشاد الساری لشرح صحیح البخاری : 10 / 210.
2- الحاقّة : 48 - 49.

إکمال الدین بالولایة

ومن الآیات النازلة یوم الغدیر فی أمیر المؤمنین علیه السلام قوله تعالی :

(الْیَوْمَ أَکْمَلْتُ لَکُمْ دِینَکُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَیْکُمْ نِعْمَتِی وَرَضِیتُ لَکُمُ الْإِسْلَامَ دِینًا)(1)

أصفقت الإمامیّة عن بَکْرَةِ أبیهم علی نزول هذه الآیة الکریمة حول نصّ الغدیر بعد إصحار النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم بولایة مولانا أمیر المؤمنین علیه السلام بألفاظ دُرِّیّة صریحة ، تتضمّن نصّاً جلیّاً عرفته الصحابة وفهمته العرب ، فاحتجَّ به من بلغه الخبر ، وصافق الإمامیّة علی ذلک کثیرون من علماء التفسیر وأئمّة الحدیث وحفظة الآثار من أهل السنّة ، وهو

الذی یساعده الاعتبار ویؤکِّده النقل الثابت فی تفسیر الرازی(2) (3 / 529) عن أصحاب الآثار :

أنَّه لَمّا نزلت هذه الآیة علی النبیّ صلی الله علیه وسلم لم یُعمَّر بعد نزولها إلّا أحداً وثمانین یوماً ، أو اثنین وثمانین. وعیّنه أبو السعود فی تفسیره(3) بهامش تفسیر الرازی (3 / 523).

وذکر المؤرِّخون منهم(4) : أنَّ وفاته صلی الله علیه وآله وسلم فی الثانی عشر من ربیع الأوّل ، وکأنّ فیه تسامحاً بزیادة یوم واحد علی الاثنین وثمانین یوماً بعد إخراج یومی الغدیر والوفاة ، وعلی أیٍّ فهو أقرب إلی الحقیقة من کون نزولها یوم عرفة ، کما جاء فی صحیحی البخاری ومسلم(5) وغیرهما لزیادة الأیّام حینئذٍ ، علی أنَّ ذلک معتضدٌ ر.

ص: 447


1- المائدة : 3 .
2- التفسیر الکبیر : 11 / 139.
3- إرشاد العقل السلیم إلی مزایا القرآن الکریم : 3 / 7.
4- راجع تاریخ الکامل : 2 / 134 [2 / 9 حوادث سنة 11 ه] ، وإمتاع المقریزی : ص 548 ، وتاریخ ابن کثیر : 6 / 332 [البدایة والنهایة : 6 / 365 حوادث سنة 11 ه] وعدّه مشهوراً ، والسیرة الحلبیّة : 3 / 382 [3 / 353]. (المؤلف)
5- صحیح البخاری : 4 / 1600 ح 4145 ، صحیح مسلم : 5 / 517 ح 3 کتاب التفسیر.

بنصوصٍ کثیرة لا محیص عن الخضوع لمفادها ، فإلی الملتقی :

1 - الحافظ أبو جعفر محمد بن جریر الطبریّ : المتوفّی (310).

روی فی کتاب الولایة بإسناده عن زید بن أرقم نزول الآیة الکریمة یوم غدیر خُمّ فی أمیر المؤمنین علیه السلام فی الحدیث الذی مرّ (ص 215).

2 - الحافظ ابن مردویه الأصفهانیّ : المتوفّی (410) ، روی من طریق أبی هارون العبدی عن أبی سعید الخُدریّ :

أنَّها نزلت علی رسول الله صلی الله علیه وسلم یوم غدیر خُمّ حین قال لعلیٍّ : «من کنتُ مولاه فعلیّ مولاه».

ثمّ رواه عن أبی هریرة ، وفیه : أنَّه الیوم الثامنَ عشَرَ من ذی الحجّة ؛ یعنی مرجعه علیه السلام من حجّة الوداع. تفسیر ابن کثیر (2 / 14).

وقال السیوطی فی الدرّ المنثور(1) (2 / 259) : أخرج ابن مردویه وابن عساکر(2) بسند ضعیف عن أبی سعید الخُدری قال :

لمّا نصب رسول الله صلی الله علیه وسلم علیّاً یوم غدیر خُمّ ، فنادی له بالولایة هبط جبرئیل علیه بهذه الآیة (الْیَوْمَ أَکْمَلْتُ لَکُمْ دِینَکُمْ).

وأخرج ابن مردویه والخطیب(3) وابن عساکر(4) بسند ضعیف(5) عن أبی ف)

ص: 448


1- الدرّ المنثور : 3 / 19.
2- تاریخ مدینة دمشق : 12 / 237 ، وفی ترجمة الإمام علیّ بن أبی طالب من تاریخ دمشق ، - الطبعة المحقّقة - : 2 / 85 ح 588.
3- تاریخ بغداد : 8 / 290 رقم 4392.
4- تاریخ مدینة دمشق : 12 / 235 ، وفی ترجمة الإمام علیّ بن أبی طالب من تاریخ دمشق ، - الطبعة المحقّقة - : 2 / 76 ح 577.
5- ستعرف صحّته فی صوم الغدیر ، وأنَّ تضعیفه تحکّم ، والحدیث واضح ، ورجال إسناده کلّهم ثقات. (المؤلف)

هریرة قال : لمّا کان غدیر خُمّ - وهو الیوم الثامن عشر من ذی الحجّة - قال النبیُّ صلی الله علیه وسلم :

«من کنتُ مولاه فعلیّ مولاه» ، فأنزل الله (الْیَوْمَ أَکْمَلْتُ لَکُمْ دِینَکُمْ).

وروی عنه فی الإتقان(1) (1 / 31) - طبع سنة (1360) - بطریقیه.

وذکر البَدَخشی فی مفتاح النجا(2) عن عبدالرزّاق الرسعنی ، عن ابن عبّاس ما

مرّ (ص 220).

ثمّ قال : وأخرج ابن مردویه عن أبی سعید الخُدری رضی الله عنه مثله ، وفی آخره :

فنزلت (الْیَوْمَ أَکْمَلْتُ لَکُمْ دِینَکُمْ) الآیة ، فقال النبیّ صلی الله علیه وسلم : «الله أکبر علی إکمال الدین ، وإتمام النعمة ، ورضا الربّ برسالتی ، والولایة لعلیّ بن أبی طالب».

ونقله بهذا اللفظ عن تفسیره الإربلی فی کشف الغمّة(3) (ص 95).

وقال القطیفی فی الفرقة الناجیة : روی أبو بکر بن مردویه الحافظ بإسناده إلی أبی سعید الخُدریّ :

أنَّ النبیَّ صلی الله علیه وآله وسلم یوم دعا الناس إلی غدیر خُمّ أمر بما کان تحت الشجرة من شوک فقُمَّ ، وذلک یوم الخمیس ودعا الناس إلی علیٍّ ، فأخذ بضَبْعیه(4) ، فرفعهما حتی نظر الناس إلی بیاض إبط رسول الله ، فلم یفترقا حتی نزلت هذه الآیة : (الْیَوْمَ أَکْمَلْتُ لَکُمْ دِینَکُمْ) ، فقال ... إلی آخر ما یأتی عن أبی نعیم الأصبهانی حرفیاً.

3 - الحافظ أبو نعیم الأصبهانیّ : المتوفّی (430).

روی فی کتابه ما نزل من القرآن فی علیّ(5) قال : 6.

ص: 449


1- الإتقان : 1 / 53.
2- مفتاح النجا : الورقة 34 باب 3 فصل 11.
3- کشف الغمّة : 1 / 330.
4- مثنّی ضبع ، وهو وسط العَضُد أو العَضُد کلّها.
5- ما نزل من القرآن فی علیّ علیه السلام : ص 56.

حدّثنا محمد بن أحمد بن علیّ بن مخلد المحتسب ، المتوفّی (357) ، قال : حدّثنا محمد بن عثمان بن أبی شیبة ، قال : حدّثنی یحیی الحِمّانی ، قال : حدّثنی قیس بن الربیع ، عن أبی هارون العبدی ، عن أبی سعید الخُدری رضی الله عنه :

أنَّ النبیّ صلی الله علیه وسلم دعا الناس إلی علیٍّ فی غدیر خُمّ وأمر بما تحت الشجرة من الشوک فقُمّ ، وذلک یوم الخمیس ، فدعا علیّاً ، فأخذ بضَبعیه ، فرفعهما حتی نظر الناس إلی بیاض إبطی رسول الله ، ثمّ لم یتفرّقوا حتی نزلت هذه الآیة : (الْیَوْمَ أَکْمَلْتُ لَکُمْ دِینَکُمْ) الآیة. فقال رسول الله صلی الله علیه وسلم : «الله أکبر علی إکمال الدین ، وإتمام النعمة ، ورضا الربّ برسالتی وبالولایة لعلیٍّ علیه السلام من بعدی.

ثمّ قال : من کنتُ مولاه فعلیٌّ مولاه ، أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه ، وانصُرْ من نَصَره ، واخذُلْ من خَذَله».

فقال حسّان : ائذن لی یا رسول الله أن أقول فی علیٍّ أبیاتاً تسمعهنّ. فقال : «قُل علی برکة الله».

فقام حسّان ، فقال : یا معشر مشیخة قریش أُتبعها قولی بشهادة من رسول الله فی الولایة ماضیة. ثمّ قال :

یُنادیهمُ یومَ الغدیرِ نَبیُّهُمْ

بخُمٍّ فَأَسْمِعْ بالرسول منادیا

یقول فمَن مولاکُمُ ووَلیُّکُم

فقالوا ولم یُبدوا هناک التعامیا

إلهک مولانا وأنت ولیُّنا

ولم تَرَ منّا فی الولایة عاصیا

فقال له قم یا علیُّ فإنّنی

رَضِیتُک منْ بعدی إماماً وهادیا

فمَن کنتُ مولاهُ فهذا ولیُّه

فکونوا له أنصارَ صدقٍ مَوالیا

هناک دعا أللّهمّ والِ ولیَّه

وکُن للذی عادی علیّاً مُعادیا

وبهذا اللفظ رواه الشیخ التابعی سُلَیم بن قیس الهلالی فی کتابه(1) ، عن أبی 9.

ص: 450


1- کتاب سُلَیم بن قیس : 2 / 828 ح 39.

سعید الخُدری ، قال :

إنَّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم دعا الناس بغدیر خمّ ، فأمر بما کان تحت الشجر من الشوک فقمّ ، وکان ذلک یوم الخمیس ، ثمّ دعا الناس إلیه ، وأخذ بضَبْعِ علیّ بن أبی طالب ، فرفعها حتی نظرتُ إلی بیاض إبط رسول الله. الحدیث بلفظه.

4 - الحافظ أبو بکر الخطیب البغدادیّ : المتوفّی (463).

روی فی تاریخه (8 / 290) عن عبدالله بن علیّ بن محمد بن بشران ، عن الحافظ علیّ بن عمر الدارقطنی ، عن حبشون الخلّال ، عن علیّ بن سعید الرملی ، عن ضمرة ، عن ابن شوذب ، عن مطر الورّاق ، عن ابن حوشب ، عن أبی هریرة ، عن النبیّ صلی الله علیه وسلم.

وعن أحمد بن عبدالله النیری ، عن علیِّ بن سعید ، عن ضمرة ، عن ابن شوذب ، عن مطر ، عن ابن حوشب ، عن أبی هریرة ، عن النبیّ صلی الله علیه وسلم أنَّه قال :

«من صام یوم الثامن عشَرَ من ذی الحجّة کُتب له صیام ستّین شهراً» ، وهو یوم غدیر خُمّ لمّا أخذ النبیّ صلی الله علیه وسلم بید علیّ بن أبی طالب ، فقال : «ألستُ أولی بالمؤمنین ؟ قالوا : بلی یا رسول الله. قال : من کنتُ مولاه فعلیٌّ مولاه».

فقال عمر بن الخطّاب : بخٍ بخٍ یا ابن أبی طالب أصبحت مولای ومولی کلِّ مسلم. فأنزل الله (الْیَوْمَ أَکْمَلْتُ لَکُمْ دِینَکُمْ) الآیة.

5 - الحافظ أبو سعید السجستانیّ : المتوفّی (477).

فی کتاب الولایة بإسناده عن یحیی بن عبدالحمید الحِمّانی الکوفی ، عن قیس ابن الربیع ، عن أبی هارون ، عن أبی سعید الخُدری :

أنَّ رسول الله صلی الله علیه وسلم لمّا دعا الناس بغدیر خُمّ أمر بما کان تحت الشجرة من الشوک فقُمّ وذلک یوم الخمیس ... إلی آخر اللفظ المذکور بطریق أبی نعیم الأصبهانی.

ص: 451

6 - أبو الحسن ابن المغازلیّ ، الشافعیّ : المتوفّی (483).

روی فی مناقبه(1) عن أبی بکر أحمد بن محمد بن طاوان ، قال : أخبرنا أبو الحسین أحمد بن الحسین بن السمّاک ، قال : حدّثنی أبو محمد جعفر بن محمد بن نصیر الخلدی ، حدّثنی علیّ بن سعید بن قتیبة الرملی ، قال : حدّثنی ضمرة بن ربیعة القرشی ، عن ابن شوذب ، عن مطر الورّاق ، عن شهر بن حوشب ، عن أبی هریرة ... إلی آخر اللفظ المذکور بطریق الخطیب البغدادی.

العمدة(2) (ص 52). وذکره جمع آخرون.

7 - الحافظ أبو القاسم الحاکم الحسکانیّ : المترجم (ص 112).

قال(3) : أخبرنا أبو عبدالله الشیرازی ، قال : أخبرنا أبو بکر الجرجرائی ، قال : حدّثنا أبو أحمد البصری ، قال : حدّثنا أحمد بن عمّار بن خالد ، قال : حدّثنا یحیی بن عبدالحمید الحِمّانی ، قال : حدّثنا قیس بن الربیع ، عن أبی هارون العبدی ، عن أبی

سعید الخُدری : أنَّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لمّا نزلت هذه الآیة (الْیَوْمَ أَکْمَلْتُ لَکُمْ دِینَکُمْ)

قال :

«الله أکبر علی إکمال الدین ، وإتمام النعمة ، ورضا الربّ برسالتی ، وولایة علیّ ابن أبی طالب من بعدی.

وقال : من کنتُ مولاه فعلیٌّ مولاه ، أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه ، وانصُر من نصره ، واخذُل من خذله».

8 - الحافظ أبو القاسم بن عساکر الشافعیّ ، الدمشقیّ : المتوفّی (571). 1.

ص: 452


1- مناقب علیّ بن أبی طالب علیه السلام : ص 18 ح 24.
2- العمدة لابن البطریق : ص 106.
3- شواهد التنزیل : 1 / 201 ح 211.

روی الحدیث المذکور بطریق ابن مردویه عن أبی سعید وأبی هریرة ، کما فی الدرّ المنثور(1) (2 / 259).

9 - أخطب الخطباء الخوارزمیّ : المتوفّی (568).

قال فی المناقب(2) (ص 80) :

أخبرنا سیّد الحفّاظ أبو منصور شهردار بن شیرویه بن شهردار الدیلمی فیما کتب إلیّ من همدان ، أخبرنی أبو الفتح عبدوس بن عبدالله بن عبدوس الهمدانی کتابةً [أخبرنی الشریف أبو طالب المفضّل بن محمد الجعفری بأصبهان ، أخبرنی الحافظ أبو بکر بن مردویه إجازة ، حدّثنی جدّی](3) ، حدّثنی عبدالله بن إسحاق البغوی ، حدّثنی الحسن بن علیل الغنوی ، حدّثنی محمد بن عبدالرحمن الزرّاع ، حدّثنی قیس بن حفص ، حدّثنی علیّ بن الحسن العبدی ، عن أبی هارون العبدی ، عن أبی سعید الخُدری أنَّه قال :

إنَّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم یوم دعا الناس إلی غدیر خُمّ أمر بما کان تحت الشجرة من الشوک فقمَّ ، وذلک یوم الخمیس ، ثمّ دعا الناس إلی علیٍّ ، فأخذ بضَبْعه ، فرفعها حتی نظر الناس إلی إبطیه(4) ، حتی نزلت هذه الآیة (الْیَوْمَ أَکْمَلْتُ لَکُمْ دِینَکُمْ). الآیة ... إلی آخر الحدیث بلفظٍ مرّ بطریق أبی نعیم الأصفهانی.

وروی فی المناقب(5) (ص 94) بالإسناد عن الحافظ أحمد بن الحسین البیهقی ، عن الحافظ أبی عبدالله الحاکم ، عن أبی یعلی الزبیر بن عبدالله الثوری ، عن أبی جعفر 4.

ص: 453


1- الدرّ المنثور : 3 / 19.
2- المناقب : ص 135 ح 152.
3- مابین المعقوفین أثبتناه من المصدر.
4- فی فرائد السمطین [1 / 74 باب 12 ح 40] نقلاً عن الخوارزمی : ثمّ لم یتفرّقا حتی نزلت ... ، وفی لفظه الآخر عنه : ثمّ لم یتفرّقوا حتی نزلت ... مثل لفظ أبی نعیم. (المؤلف)
5- المناقب : ص 156 ح 184.

أحمد بن عبدالله البزّاز ، عن علیّ بن سعید الرملی ، عن ضمرة ، عن ابن شوذب ، عن مطر الورّاق ... إلی آخر ما مرّ عن الخطیب البغدادی سنداً ومتناً.

10 - أبو الفتح النطَنْزی : روی فی کتابه الخصائص العلویّة عن أبی سعید الخُدری بلفظ مرّ (ص 43) ، وعن الخُدری وجابر الأنصاری أنَّهما قالا :

لمّا نزلت (الْیَوْمَ أَکْمَلْتُ لَکُمْ دِینَکُمْ) الآیة ، قال النبیُّ صلی الله علیه وسلم : «الله أکبر علی إکمال الدین ، وإتمام النعمة ، ورضا الربّ برسالتی ، وولایة علیّ بن أبی طالب بعدی».

وفی الخصائص بإسناده عن الإمامین الباقر والصادق علیهما السلام قالا : «نزلت هذه الآیة - یعنی آیة التبلیغ - یوم الغدیر ، وفیه نزلت (الْیَوْمَ أَکْمَلْتُ لَکُمْ دِینَکُمْ) قال : وقال الصادق علیه السلام :أی (الْیَوْمَ أَکْمَلْتُ لَکُمْ دِینَکُمْ) بإقامة حافظه ، (وَأَتْمَمْتُ عَلَیْکُمْ نِعْمَتِی) ؛ أی بولایتنا (وَرَضِیتُ لَکُمُ الْإِسْلَامَ دِینًا) أی تسلیم النفس لأمرنا».

وبإسناده فی خصائصه - أیضاً - عن أبی هریرة حدیث صوم الغدیر بلفظ مرّ بطریق الخطیب البغدادی ، وفیه نزول الآیة فی علیٍّ یوم الغدیر.

11 - أبو حامد سعد الدین الصالحانیّ :

قال شهاب الدین أحمد فی توضیح الدلائل علی ترجیح الفضائل :

وبالإسناد المذکور عن مجاهد رضی الله عنه قال : نزلت هذه الآیة (الْیَوْمَ أَکْمَلْتُ لَکُمْ) بغدیر خُمّ ، فقال رسول الله - صلّی الله علیه وعلی آله وبارک وسلّم - : «الله أکبر علی إکمال الدین ، وإتمام النعمة ، ورضا الربّ برسالتی ، والولایة لعلیّ».رواه الصالحانی(1).ف)

ص: 454


1- قال شهاب الدین فی توضیح دلائله : قال الإمام العالم الأدیب الأریب ، المحلّی بسجایا المکارم ، الملقّب بین الأجلّة الأئمّة الأعلام بمحیی السنّة ، وناصر الحدیث ، ومجدّد الإسلام ، العالم الربّانی ، والعارف السبحانی سعد الدین أبو حامد محمود بن محمد بن حسین بن یحیی الصالحانی فی عباراته الفائقة وإشاراته الرائقة من کتابه ، شکر الله تعالی مسعاه ، وأکرم بفضله مثواه ... إلخ. (المؤلف)

12 - أبو المظفّر سبط ابن الجوزیّ الحنفیّ ، البغدادیّ : المتوفّی (654).

ذکر فی تذکرته(1) (ص 18) ما أخرجه الخطیب البغدادی المذکور (ص 232) من طریق الحافظ الدارقطنی.

13 - شیخ الإسلام الحمّوئیّ ، الحنفیّ : المتوفّی (722).

روی فی فرائد السمطین فی الباب الثانی عشر(2) قال :

أنبأنی الشیخ تاج الدین أبو طالب علیّ بن أنجب بن عثمان بن عبیدالله الخازن ، قال : أنبأنا الإمام برهان الدین ناصر بن أبی المکارم المطرزی إجازة قال : أنبأنا الإمام أخطب خوارزم أبو المؤیّد الموفَّق بن أحمد المکی الخوارزمی ، قال : أخبرنی سیّد الحفّاظ فیما کتب إلیَّ من همدان ... إلی آخر ما مرّ عن أخطب الخطباء الخوارزمی سنداً ومتناً.

وروی عن سیّد الحفّاظ أبی منصور شهردار بن شیرویه بن شهردار الدیلمی قال : أخبرنا الحسن بن أحمد بن الحسن الحدّاد المقری الحافظ قال : نبّأنا أحمد(3) ابن عبدالله بن أحمد قال : نبّأنا محمد بن أحمد ، قال : نبّأنا محمد بن عثمان بن أبی شیبة ، قال : نبّأنا یحیی الحِمّانی قال : نبّأنا قیس بن الربیع ، عن أبی هارون العبدی ، عن أبی سعید الخُدری :

أنَّ رسول الله صلی الله علیه وسلم دعا الناس إلی علیٍّ ... إلی آخر الحدیث بلفظ مرّ بطریق أبی نعیم (ص 232).

ثمّ قال : حدیثٌ له طرق کثیرة إلی أبی سعید سعد بن مالک الخُدری الأنصاریّ. ی.

ص: 455


1- تذکرة الخواص : ص 30.
2- فرائد السمطین : 1 / 72 ح 39.
3- هو الحافظ أبو نعیم الأصفهانی.

14 - عماد الدین بن کثیر القرشیّ ، الدمشقیّ ، الشافعیّ : المتوفّی (774).

روی فی تفسیره (2 / 14) من طریق ابن مردویه عن أبی سعید الخُدری وأبی هریرة : أنَّهما قالا : إنَّ الآیة نزلت یوم غدیر خُمّ فی علیّ.

وروی فی تاریخه(1) (5 / 210) حدیث أبی هریرة المذکور بطریق الخطیب البغدادی. وله هناک کلامٌ یأتی بیانه فی صوم الغدیر.

15 - جلال الدین السیوطیّ ، الشافعیّ : المتوفّی (911).

رواه فی الدرّ المنثور(2) (2 / 259) من طریق ابن مردویه والخطیب وابن عساکر بلفظ مرّ فی روایة ابن مردویه.

وقال فی الإتقان(3) (1 / 31) فی عدّ الآیات السفریّة :

منها (الْیَوْمَ أَکْمَلْتُ لَکُمْ دِینَکُمْ) فی الصحیح عن عمر أنَّها نزلت عشیّة عرفة یوم الجمعة عام حجّة الوداع ، له طرقٌ کثیرةٌ ، لکن أخرج ابن مردویه عن أبی سعید الخُدری : أنَّها نزلت یوم غدیر خُمّ. وأخرج مثله من حدیث أبی هریرة ، وفیه : أنَّه

الیوم الثامن عَشَرَ من ذی الحجّة مرجعه من حجّة الوداع وکلاهما لا یصحّ. انتهی.

قلنا : إن کان مراده من عدم الصحّة غمیزة فی الإسناد ، ففیه أنَّ روایة أبی هریرة صحیحة الإسناد عند أساتذة الفنّ ، منصوصٌ علی رجالها بالتوثیق ، وسنفصِّل ذلک عند ذکر صوم الغدیر ، وحدیث أبی سعید له طرق کثیرة ، کما مرّ فی کلام الحمّوئی فی فرائده ، علی أنَّ الروایة لم تختصّ بأبی سعید وأبی هریرة ، فقد عرفت أنَّها رواها جابر بن عبدالله ، والمفسّر التابعیّ مجاهد المکّی ، والإمامان الباقر والصادق - صلوات الله علیهما - وأسند إلیهم العلماء مُخبتین إلیها. 3.

ص: 456


1- البدایة والنهایة : 5 / 232 حوادث سنة 10 ه.
2- الدرّ المنثور : 3 / 19.
3- الإتقان فی علوم القرآن : 1 / 53.

کما أنَّها لم تختصّ روایتها من العلماء وحفّاظ الحدیث بابن مردویه ، وقد سمعت عن السیوطی نفسه فی دُرّه المنثور روایة الخطیب وابن عساکر ، وعرفت أنَّ هناک جمعاً آخرین أخرجوها بأسانیدهم ، وفیهم مثل الحاکم النیسابوری ، والحافظ البیهقی ،

والحافظ ابن أبی شیبة ، والحافظ الدارقطنی ، والحافظ الدیلمی ، والحافظ [أبی علیّ]

الحدّاد ، وغیرهم. کلُّ ذلک من دون غمز فیها عن أیٍّ منهم.

وإن کان یرید عدم الصحّة من ناحیة معارضتها لما رُوی من نزول الآیة یوم عرفة فهو مجازِفٌ فی الحکم الباتّ بالبطلان علی أحد الجانبین ، وهب أنَّه ترجّح فی نظره الجانب الآخر ، لکنّه لا یستدعی الحکم القطعی ببطلان هذا الجانب ، کما هو الشأن عند تعارض الحدیثین ، لا سیّما مع إمکان الجمع بنزول الآیة مرّتین ، کما احتمله سبط ابن الجوزی فی تذکرته(1) (ص 18) ، کغیر واحدةٍ من الآیات الکریمة النازلة غیر مرّةٍ واحدةٍ ، ومنها البسملة النازلة فی مکّة مرّة ، وفی المدینة أخری ، وغیرها ممّا یأتی.

علی أنَّ حدیث نزولها یوم الغدیر معتضد بما قدّمناه عن الرازی وأبی السعود وغیرهما من أنَّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم لم یعمّر بعد نزولها إلّا أحداً أو اثنین وثمانین یوماً. فراجع (ص 230) ، والسیوطی فی تحکّمه هذا قلّد ابن کثیر ، فإنّه قال فی تفسیره (2 / 14) بعد ذکر الحدیث بطریقیه : لا یصح هذا ولا هذا. فالبادی أظلم.

16 - میرزا محمد البَدَخْشیّ ، ذکر فی مفتاح النجا(2) ما أخرجه ابن مردویه کما مرّ فی (ص 231).

وبعد هذا کلّه ، فإن تعجب فعجبٌ قول الآلوسی فی روح المعانی(3) (2 / 249) : 1.

ص: 457


1- تذکرة الخواص : ص 30.
2- مفتاح النجا : الورقة 34 باب 3 فصل 11.
3- روح المعانی : 6 / 61.

أخرج الشیعة عن أبی سعید الخُدری أنَّ هذه الآیة نزلت بعد أن قال النبیّ صلی الله علیه وسلم لعلیٍّ - کرّم الله وجهه - فی غدیر خُمّ : «من کنتُ مولاه فعلیٌّ مولاه». فلمّا نزلت قال - علیه الصلاة والسلام - : «الله أکبر علی إکمال الدین ، وإتمام النعمة ، ورضا الربِّ برسالتی ، وولایة علیّ - کرّم الله تعالی وجهه - بعدی» ، ولا یخفی أنَّ هذا من مُفتریاتهم ، ورکاکة الخبر شاهدٌ علی ذلک فی مبتدأ الأمر. انتهی.

ونحن لا نحتمل أنَّ الآلوسی لم یقف علی طرق الحدیث ورواته حتی حداه الجهل الشائن إلی عَزْو الروایة إلی الشیعة فحسب ، لکن بواعثه دعته إلی التمویه والجَلَبة أمام تلک الحقیقة الراهنة ، وهو لا یحسب أنَّ وراءه من یناقشه الحساب بعد الاطّلاع علی کتب أهل السنّة وروایاتهم.

ألا مُسائِلٌ هذا الرجل عن تخصیصه الروایة بالشیعة ؟ وقد عرفت من رواها من أئمّة الحدیث وقادة التفسیر وحملة التاریخ من غیرهم.

ثمّ عن حصره إسناد الحدیث بأبی سعید ؟ وقد مضت روایة أبی هریرة وجابر ابن عبدالله ومجاهد والإمامین الباقر والصادق علیهما السلام له.

ثمّ عن الرکاکة التی حسبها فی الحدیث ، وجعلها شاهداً علی کونه من مُفتریات الشیعة : أهی فی لفظه ؟ ولا یعدوه أن یکن لِدَةَ سائرِ الأحادیث المرویّة ، وهو خالٍ عن أیّ تعقید ، أو ضعف فی الأسلوب ، أو تکلّف فی البیان ، أو تنافر فی الترکیب ، جارٍ علی مجاری العربیّة المحضة.

أو فی معناه ؟ ولیس فیه منها شیء ، غیر أن یقول الآلوسی : إنَّ ما یُروی فی فضل أمیر المؤمنین علیه السلام وما یُسند إلیه من فضائل کلّها رکیکة ؛ لأنّها فی فضله ، وهذا هو النّصب المُسِفُّ بصاحبه إلی هُوّة الهلکة ، ولیت شعری ما ذنب الشیعة إن رووا صحیحاً وعضدتهم علی ذلک روایات أهل السنّة ؟ غیرَ أنَّ الناصب مع ذلک یتیه فی

ص: 458

غلوائه ، ویجاثیک علی العناد ، فیقول : أخرج الشیعة ... ولا یخفی أنَّ هذا من مُفتریاتهم ...

وبوسعنا الآن أن نسرد لک الأحادیث الرکیکة التی شحن بها کتابه الضخم ؛ حتی یمیز الناقد المنصفُ الرکیکَ من غیره ، لکنّا نمرُّ علیها کراماً.

(کَلَّا إِنَّهُ تَذْکِرَةٌ * فَمَن شَاءَ ذَکَرَهُ * وَمَا یَذْکُرُونَ إِلَّا أَن یَشَاءَ اللَّ-هُ)(1) 6.

ص: 459


1- المدَّثِّر : 54 - 56.

العذاب الواقع

ومن الآیات النازلة بعد نصِّ الغدیر قوله تعالی من سورة المعارج :

(سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ * لِّلْکَافِرِینَ لَیْسَ لَهُ دَافِعٌ * مِّنَ اللَّ-هِ ذِی الْمَعَارِجِ)(1)

وقد أذعنت له الشیعة ، وجاء مثبتاً فی کتب التفسیر والحدیث لمن لا یُستهان بهم من علماء أهل السنّة ، ودونک نصوصها :

1 - الحافظ أبو عُبید الهرویّ : المتوفّی بمکّة (223 ، 224) ، المترجم (ص 86).

روی فی تفسیره غریب القرآن قال : لمّا بلّغ رسول الله صلی الله علیه وسلم فی غدیر خُمّ ما بلّغ ، وشاع ذلک فی البلاد أتی جابر(2) بن النضر بن الحارث بن کلدة العبدری. فقال :

یا محمد أمرتَنا من الله أن نشهد أن لا إله إلّا الله ، وأنَّک رسول الله ، وبالصلاة ، والصوم ، والحجّ ، والزکاة ، فقبلنا منک ، ثمّ لم ترضَ بذلک حتی رفعتَ بضَبْع ابن عمِّک ففضّلته علینا ، وقلت : من کنتُ مولاه فعلیٌّ مولاه ، فهذا شیء منک ، أم من الله ؟ فقال رسول الله : «والذی لا إله إلّا هو إنَّ هذا من الله».

فولّی جابر یرید راحلته ، وهو یقول : أللّهمّ إن کان ما یقول محمد حقّاً فَأَمْطِرْ عَلَیْنا حجارةً من السماء ، أَو ائْتِنا بعذاب أَلیم.

فما وصل إلیها حتی رماه الله بحجر ، فسقط علی هامته ، وخرج من دبره ، ف)

ص: 460


1- المعارج : 1 - 3.
2- فی روایة الثعلبی الآتیة التی أصفق العلماء علی نقلها أسمته : الحارث بن النعمان الفِهْری ، ولا یبعد صحّة ما فی هذه الروایة من کونه جابر بن النضر ؛ حیث إنَّ جابراً قتل أمیرُ المؤمنین علیه السلام والدَه النضر صبراً بأمر من رسول الله ، لمّا أُسِر یوم بدر الکبری ، کما یأتی (ص 241) ، وکانت الناس - یومئذٍ - حدیثی عهد بالکفر ، ومن جرّاء ذلک کانت البغضاء محتدمةً بینهم علی الأوتار الجاهلیّة. (المؤلف)

وقتله ، وأنزل الله تعالی : (سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ) الآیة.

2 - أبو بکر النقّاش الموصلیّ ، البغدادیّ : المتوفّی (351) ، المترجم (ص 104).

روی فی تفسیره شفاء الصدور حدیث أبی عبید المذکور ، إلّا أنَّ فیه مکان جابرِ ابن النضر الحارثَ بنَ النعمان الفهری ، کما یأتی فی روایة الثعلبی ، وأحسبه تصحیحاً منه.

3 - أبو إسحاق الثعلبیّ ، النیسابوریّ : المتوفّی (427 ، 437).

قال فی تفسیره الکشف والبیان(1) : إنَّ سفیان بن عیینة سُئل عن قوله - عزوجل - : (سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ) فی منْ نزلت ؟

فقال للسائل(2) : سألتنی عن مسألة ما سألنی أحد قبلک ، حدّثنی أبی ، عن جعفر بن محمد ، عن آبائه - صلوات الله علیهم - قال :

لمّا کان رسول الله بغدیر خُمّ نادی الناس ، فاجتمعوا فأخذ بید علیٍّ ، فقال : «من کنتُ مولاه فعلیّ مولاه» ، فشاع ذلک وطار فی البلاد ، فبلغ ذلک الحارث بن النعمان الفهری ، فأتی رسول الله صلی الله علیه وسلم علی ناقة له حتی أتی الأبطح(3) ، فنزل عن ناقته فأناخها ، فقال :

یا محمد أمرتنا عن الله أن نشهد أن لا إله إلّا الله ، وأنَّک رسول الله فقبلناه ، وأمرتنا أن نصلّی خمساً فقبلناه منک ، وأمرتنا بالزکاة فقبلنا ، وأمرتنا أن نصوم شهراً فقبلنا ، وأمرتنا بالحجّ فقبلنا ، ثمّ لم ترضَ بهذا حتی رفعتَ بضَبعَیْ ابن عمِّک ففضّلته علینا ، وقلت : من کنتُ مولاه فعلیٌّ مولاه ، فهذا شیءٌ منک ، أم من الله ؟ ف)

ص: 461


1- الکشف والبیان : الورقة 234 سورة المعارج آیة : 1 - 2.
2- فی روایة فرات بن إبراهیم الکوفی فی تفسیره [ص 190] ، والکراجکی فی کنز الفوائد : إنَّ السائل هو الحسین بن محمد الخارقی. (المؤلف)
3- یأتی الکلام فیه بأبسط وجه إن شاء الله تعالی. (المؤلف)

فقال : «والذی لا إله إلّا هو إنَّ هذا من الله». فولّی الحارث بن النعمان یرید راحلته وهو یقول :

أللّهمّ إن کان ما یقول محمد حقّاً فأمطر علینا حجارة من السّماء أو ائتنا بعذاب ألیم ، فما وصل إلیها حتی رماه الله تعالی بحجر ، فسقط علی هامته ، وخرج من دُبُره وقتله ، وأنزل الله (سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ) الآیات.

4 - الحاکم أبو القاسم الحَسکانیّ : المترجم (ص 112).

روی فی کتاب دعاء الهداة إلی أداء حقّ الموالاة(1) ، فقال :

قرأت علی أبی بکر محمد بن محمد الصیدلانی فأقرَّ به ، حدّثکم أبو محمد عبدالله ابن أحمد بن جعفر الشیبانی ، حدّثنا عبدالرحمن بن الحسین الأسدی ، حدّثنا إبراهیم ابن الحسین الکسائی - ابن دیزیل - حدّثنا الفضل بن دکین ، حدّثنا سفیان بن سعید الثوری ، حدّثنا منصور(2) ، عن ربعی(3) ، عن حذیفة بن الیمان ، قال : قال رسول الله صلی الله علیه وسلم لعلیّ علیه السلام : «من کنتُ مولاه فهذا علیّ مولاه».

قال النعمان بن المنذر - فیه تصحیفٌ - الفهری : هذا شیء قلتَه من عندک ، أو شیء أمرک به ربّک ؟

قال : «لا ، بل أمرنی به ربّی».

فقال : أللّهمّ أنزل - کذا فی النسخ - علینا حِجارةً من السماء ! فما بلغ رَحْله حتی ف)

ص: 462


1- ورواه فی کتابه شواهد التنزیل أیضاً : 2 / 383 برقم 1033 بطریقین عن ابن دیزیل. (الطباطبائی)
2- منصور بن المعتمر بن ربیعة الکوفی ، یروی عن ربعی بن حراش ، مُجمَع علی ثقته ، تُوفِّی (132) ، ذکره الذهبی فی تذکرته : 1 / 127 [1 / 142 رقم 135] ، وأثنی علیه بالإمام الحافظ الحجّة. (المؤلف)
3- ربعی بن حراش أبو مریم الکوفی المتوفّی (100 ، 101 ، 104) من رجال الصحیحین ، قال الذهبی فی تذکرته : 1 / 60 [1 / 69 رقم 65] : متفق علی ثقته وإمامته والاحتجاج به. (المؤلف)

جاءه حجرٌ فأدماه ، فخرّ میِّتاً ، فأنزل الله تعالی : (سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ)(1).

وقال : حدّثنا أبو عبدالله الشیرازی ، قال : حدّثنا أبو بکر الجرجرائی ، قال : حدّثنا أبو أحمد البصری ، قال : حدّثنا محمد بن سهل ، قال : حدّثنا زید بن إسماعیل

مولی الأنصار ، قال : حدّثنا محمد بن أیّوب الواسطی ، قال : حدّثنا سفیان بن عیینة ، عن جعفر بن محمد الصادق ، عن آبائه علیهم السلام :

لمّا نصب رسول الله علیّاً یوم غدیر خُمّ ، وقال : من کنتُ مولاه ، طار ذلک فی البلاد ، فقدم علی النبیِّ صلی الله علیه وسلم النعمان بن الحارث الفهری قال : أمرتنا عن الله أن نشهد أن لا إله إلّا الله ، وأنَّک رسول الله ، وأمرتنا بالجهاد والحجّ والصوم والصلاة والزکاة ، فقبلناها ، ثمّ لم ترضَ حتی نصبتَ هذا الغلام فقلت : من کنتُ مولاه فعلیٌّ مولاه. فهذا شیء منک ، أو أَمرٌ من عند الله ؟

فقال : «والله الذی لا إله إلّا هو إنَّ هذا من الله».

فولّی النعمان بن الحارث وهو یقول : أللّهمّ إن کان هذا هو الحقّ من عندک فأمطِرْ عَلَینا حجارَةً من السماء ! فرماه الله بحجر علی رأسه ، فقتله ، وأنزل الله تعالی : (سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ) الآیات(2).

5 - أبو بکر یحیی القرطبیّ(3) : المتوفّی (567) ، المترجم (ص 115) قال فی فی

ص: 463


1- إسناد هذا الحدیث صحیح رجاله کلّهم ثقات. (المؤلف)
2- وأخرجه فی کتابه شواهد التنزیل : 2 / 381 رقم 1030 ، کما رواه بطرق أخری بالأرقام : 1031 و 1032 و 1034 أیضاً. (الطباطبائی)
3- القرطبی صاحب التفسیر هو أبو عبدالله محمد بن أحمد بن أبی بکر بن فرح المتوفّی سنة 671 ، له الجامع لأحکام القرآن ، المطبوع المشتهر بتفسیر القرطبی ، والقصّة مذکورة فیه فی سورة المعارج : 18 / 278 وإلیک نصّه : قیل إنَّ السائل هنا هو الحارث بن النعمان الفهری ، وذلک أنَّه لمّا بلغه قول النبیّ صلی الله علیه وسلم فی

تفسیره(1) فی سورة المعارج :

لمّا قال النبیّ صلی الله علیه وسلم : «من کنتُ مولاه فعلیٌّ مولاه» قال النضر بن الحارث(2) لرسول الله صلی الله علیه وسلم : أمرتنا بالشهادتین عن الله فقبلنا منک ، وأمرتنا بالصلاة والزکاة ، ثمّ لم ترضَ حتی فضّلتَ علینا ابن عمّک ، آلله أمرک ، أم من عندک ؟

فقال : «والذی لا إله إلّا هو إنَّه من عند الله».

فولّی وهو یقول : أللّهمّ إن کان هذا هو الحقّ من عندک فأَمطر علینا حجارةً من السماءِ ! فوقع علیه حجر من السماء فقتله.

6 - شمس الدین أبو المظفّر سبط ابن الجوزیّ الحنفیّ : المتوفّی (654).

رواه فی تذکرته(3) (ص 19) قال : ذکر أبو إسحاق الثعلبی فی تفسیره بإسناده : أنَّ النبیّ صلی الله علیه وسلم لمّا قال ذلک - یعنی حدیث الولایة - طار فی الأقطار ، وشاع فی البلاد 0.

ص: 464


1- الجامع لأحکام القرآن : 18 / 181.
2- هو النضر بن الحارث بن کلدة بن عبدمناف بن کلدار ، وفی الحدیث تصحیف ؛ إذ النضر أُخذ أسیراً یوم بدر الکبری ، وکان شدید العداوة لرسول الله ، فأمر بقتله ، فقتله أمیر المؤمنین صبراً ، کما فی سیرة ابن هشام : 2 / 286 [2 / 298] ، وتاریخ الطبری : 2 / 286 [2 / 459] ، وتاریخ الیعقوبی : 2 / 34 [2 / 46] ، وغیرها. (المؤلف)
3- تذکرة الخواص : ص 30.

والأمصار ، فبلغ ذلک الحارث بن النعمان الفهری ، فأتاه علی ناقة له ، فأناخها علی باب المسجد(1) ، ثمّ عقلها وجاء فدخل فی المسجد ، فجثا بین یدی رسول الله صلی الله علیه وسلم فقال :

یا محمد إنَّک أمرتنا أن نشهد أن لا إله إلّا الله ، وأنَّک رسول الله ، فقبلنا منک ذلک ، وإنَّک أمرتنا أن نصلّی خمس صلوات فی الیوم واللیلة ، ونصوم رمضان ، ونحجّ البیت ، ونزکّی أموالنا ، فقبلنا منک ذلک ، ثمّ لم ترضَ بهذا حتی رفعت بضَبْعی ابن عمِّک وفضّلته علی الناس ، وقلت : من کنت مولاه فعلیّ مولاه ، فهذا شیء منک ، أو من الله ؟

فقال رسول الله صلی الله علیه وسلم وقد احمرّت عیناه : «والله الذی لا إله إلّا هو إنَّه من الله ، ولیس منّی». قالها ثلاثاً.

فقام الحارث وهو یقول : أللّهمّ إن کان ما یقول محمد حقّاً فأرسل من السماء علینا حجارةً أو ائتنا بعذاب ألیم !

قال : فوالله ما بلغ ناقته حتی رماه الله من السماء بحجر ، فوقع علی هامته ، فخرج من دُبره ومات ، وأنزل الله تعالی : (سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ) الآیات.

7 - الشیخ إبراهیم بن عبدالله الیمنیّ ، الوصّابیّ ، الشافعیّ :

روی فی کتابه الاکتفاء فی فضل الأربعة الخلفاء حدیث الثعلبی المذکور (ص 240).

8 - شیخ الإسلام الحمّوئی : المتوفّی (722). ی)

ص: 465


1- لعلّه مسجد رسول الله بغدیر خُمّ بقرینة سائر الأحادیث. (المؤلف) بل الظاهر أنَّه مسجده صلی الله علیه وآله وسلم بالمدینة المنوّرة ؛ لأنّ الروایات تقول إنَّه أتی بعدما طار النبأ فی الأقطار وشاع فی البلاد والأمصار ، وذلک لا یکون إلَّا بعد عدّة أیام ، وبعد رجوع الحاجّ کلٌّ إلی أرضه ووطنه ، وبعد انتشار نبأ هذا الحادث الجلل فی الأحیاء والقبائل. (الطباطبائی)

روی فی فرائد السمطین فی الباب الخامس عشر(1) قال : أخبرنی الشیخ عماد الدین [عبد] الحافظ بن بدران بمدینة نابلس فیما أجاز لی أن أرویه عنه ، إجازةً عن القاضی جمال الدین عبدالقاسم بن عبدالصمد الأنصاری ، إجازةً عن عبدالجبار بن محمد الخواری البیهقی ، إجازةً عن الإمام أبی الحسن علیّ بن أحمد الواحدی ، قال : قرأت علی شیخنا الأستاذ أبی إسحاق الثعلبی فی تفسیره : أنَّ سفیان بن عیینة سُئل عن قوله عزوجل (سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ) فی من نزلت ؟ فقال ... الحدیث إلی آخر لفظ الثعلبی المذکور (ص 240).

9 - الشیخ محمد الزرَندیّ ، الحنفیّ : المترجم (ص 125).

ذکره فی کتابیه معراج الوصول ونظم درر السمطین(2).

10 - شهاب الدین أحمد الدولت آبادیّ : المتوفّی (849).

روی فی کتابه : هدایة السعداء فی الجلوة الثانیة من الهدایة الثامنة : أنَّ رسول الله صلی الله علیه وسلم قال یوماً : «من کنتُ مولاه فعلیّ مولاه ، أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه ، وانصُر من نَصَره ، واخذُل من خذله».

فسمع ذلک واحد من الکفرة من جملة الخوارج(3) ، فجاء إلی النبیّ صلی الله علیه وسلم فقال : یا محمد هذا من عندک أو من عند الله ؟ فقال صلی الله علیه وسلم : «هذا من عند الله».

فخرج الکافر من المسجد ، وقام علی عتبة الباب وقال : إن کان ما یقوله محمد حقّاً فأنزِلْ علیَّ حجراً من السماء !

قال : فنزل حجر ، ورضخ رأسه فنزلت (سَأَلَ سَائِلٌ ...).

11 - نور الدین ابن الصبّاغ المالکیّ ، المکیّ : المتوفّی (855).ف)

ص: 466


1- فرائد السمطین : 1 / 82 ح 53.
2- نظم درر السمطین : ص 93.
3- أراد من الخوارج المعنی الأعمّ من محاربٍ لحجّة وقته أو مجابهه بردّ ، نبیّاً کان أو خلیفة. (المؤلف)

رواه فی کتابه الفصول المهمّة(1) (ص 26).

12 - السیِّد نور الدین الحسنیّ ، السمهودیّ ، الشافعیّ : المتوفّی (911) ، المترجم (ص 133).

رواه فی جواهر العقدین(2).

13 - أبو السعود العمادیّ(3) : المتوفّی (982).

قال فی تفسیره(4) (8 / 292) : قیل : هو - أی سائل العذاب - الحارث بن النعمان الفهری ، وذلک أنَّه لَمّا بلغه قول رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی علیّ رضی الله عنه : «من کنتُ مولاه فعلیّ مولاه» ، قال : أللّهمّ إن کان ما یقول محمد حقّاً فأَمطِرْ علینا حجارةً من ٱلسماء ! فما لبث حتی رماه تعالی بحجر ، فوقع علی دماغه ، فخرج من أسفله ، فهلک من ساعته.

14 - شمس الدین الشربینیّ ، القاهریّ ، الشافعیّ : المتوفّی (977) ، المترجم (ص 135).

قال فی تفسیره السراج المنیر(5) (4 / 364) : اختلف فی هذا الداعی : فقال ابن عبّاس : هو النضر بن الحارث. وقیل : هو الحارث بن النعمان.

وذلک أنَّه لمّا بلغه قول النبیّ صلی الله علیه وسلم : «من کنتُ مولاه فعلیٌّ مولاه» ، رکب ناقته ، فجاء حتی أناخ راحلته بالأبطح ، ثمّ قال : یا محمد أمرتنا عن الله أن نشهد أن لا إله إلّا الله وأنَّک رسول الله فقبلناه منک ، وأن نصلّی خمساً ونزکّی أموالنا فقبلناه منک ، وأن 0.

ص: 467


1- الفصول المهمّة : ص 41.
2- جواهر العقدین : الورقة 179.
3- المولی محمد بن محمد بن مصطفی الحنفیّ ، ولد (898) بقریة قریبة من قسطنطینیة ، وأخذ العلم ، وقُلّد القضاء والفتیا ، وتُوفِّی بالقسطنطینیة مُفتیاً (982). ترجمه أبو الفلاح فی شذرات الذهب : 8 / 398 - 400 [10 / 584 حوادث سنة 982 ه]. (المؤلف)
4- إرشاد العقل السلیم إلی مزایا القرآن الکریم : 9 / 29.
5- السراج المنیر : 4 / 380.

نصوم شهر رمضان فی کلِّ عام فقبلناه منک ، وأن نحجّ فقبلناه منک ، ثمّ لم ترضَ حتی فضّلتَ ابن عمک علینا ، أفهذا شیء منک أم من الله تعالی ؟

فقال النبیّ صلی الله علیه وسلم : «والذی لا إله إلّا هو ما هو إلّا من الله». فولّی الحرث وهو یقول : أللّهمّ إن کان ما یقول محمد حقّاً فأَمطر علینا حجارةً من ٱلسماء أَو ائْتِنا بعذابٍ أَلیمٍ !

فوالله ما وصل إلی ناقته حتی رماه الله تعالی بحجر ، فوقع علی دماغه ، فخرج من دُبره ، فقتله ، فنزلت : (سَأَلَ سَائِلٌ) الآیات.

15 - السیِّد جمال الدین الشیرازی : المتوفّی (1000).

قال فی کتابه الأربعین فی مناقب أمیر المؤمنین : الحدیث الثالث عشر(1) عن جعفر بن محمد ، عن آبائه الکرام :

أنَّ رسول الله صلی الله علیه وسلم لمّا کان بغدیر خُمّ نادی الناس ، فاجتمعوا فأخذ بید علیٍّ ، وقال : من کنتُ مولاه فعلیٌّ مولاه ، أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذُل من خذله ، وأدر الحقَّ معه حیث کان - وفی روایة - أللّهمّ أَعِنْهُ وأعِنْ به ، وارحمه وارحم به ، وانصره وانصر به».

فشاع ذلک ، وطار فی البلاد ، فبلغ ذلک الحارث بن النعمان الفهری ، فأتی رسول الله صلی الله علیه وسلم علی ناقة له ... ، وذکر إلی آخر حدیث الثعلبی.

16 - الشیخ زین الدین المناویّ ، الشافعیّ : المتوفّی (1031) ، المترجم (ص 138).

رواه فی کتابه فیض القدیر فی شرح الجامع الصغیر (6 / 218) فی شرح حدیث الولایة.0.

ص: 468


1- الأربعین فی فضائل أمیر المؤمنین : ص 40.

17 - السیّد ابن العیدروس الحسینیّ ، الیمنیّ : المتوفّی (1041) ، المترجم (ص 138).

ذکره فی کتابه العقد النبویّ والسرّ المصطفویّ.

18 - الشیخ أحمد بن باکثیر المکیّ ، الشافعیّ : المتوفّی (1047) ، المترجم (ص 139).

نقله فی تألیفه وسیلة المآل فی عدّ مناقب الآل(1).

19 - الشیخ عبدالرحمن الصفّوریّ :

روی فی نزهته(2) (2 / 242) حدیث القرطبی.

20 - الشیخ برهان الدین علیّ الحلبیّ ، الشافعیّ : المتوفّی (1044).

روی فی السیرة الحلبیة(3) (3 / 302) وقال : لمّا شاع قوله صلی الله علیه وسلم : «من کنت مولاه فعلیٌّ مولاه» فی سائر الأمصار ، وطار فی جمیع الأقطار ، بلغ الحارث بن النعمان الفهریّ ، فقدم المدینة ، فأناخ راحلته عند باب المسجد ، فدخل والنبیُّ جالسٌ وحوله أصحابه ، فجاء حتی جثا بین یدیه ، ثمّ قال : یا محمد ... إلی آخر لفظ سبط ابن الجوزی المذکور (ص 242).

21 - السیّد محمود بن محمد القادری ، المدنیّ :

قال فی تألیفه الصراط السویّ فی مناقب آل النبیّ : قد مرّ مراراً قوله صلی الله علیه وسلم : «من کنت مولاه فعلیٌّ مولاه». الحدیث.

قالوا : وکان الحارث بن النعمان مسلماً ، فلمّا سمع حدیث «من کنتُ مولاه فعلیٌّ 4.

ص: 469


1- وسیلة المآل : ص 119 - 120.
2- نزهة المجالس : 2 / 209.
3- السیرة الحلبیة : 3 / 274.

مولاه» شکّ فی نبوّة النبیّ ، ثمّ قال : أللّهمّ إن کان ما یقوله محمد حقّاً فأمطر علینا حجارة من السماء أو ائتنا بعذابٍ ألیم ! ثمّ ذهب لیرکب راحلته فما مشی نحو ثلاث خطوات حتی رماه الله عزوجل بحجر فسقط علی هامته ، وخرج من دُبره فقتله ، فأنزل الله تعالی : (سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ). الآیات.

22 - شمس الدین الحفنیّ ، الشافعیّ : المتوفّی (1181) ، المترجم (ص 144).

قال فی شرح الجامع الصغیر للسیوطی (2 / 387) فی شرح قوله صلی الله علیه وآله وسلم : «من کنتُ مولاه فعلیٌّ مولاه» : لمّا سمِع ذلک بعض الصحابة ، قال : أما یکفی رسول الله أن نأتی بالشهادة وإقام الصلاة وإیتاء الزکاة ... حتی یرفع علینا ابن أبی طالب ، فهل هذا من عندک أم من عند الله ؟ فقال صلی الله علیه وسلم : «والله الذی لا إله إلّا هو إنَّه من عند الله» ، فهو دلیل علی عظم فضل علیٍّ علیه السلام.

23 - الشیخ محمد صدرالعالم سبط الشیخ أبی الرضا :

قال فی کتابه معارج العُلی فی مناقب المرتضی : إنَّ رسول الله صلی الله علیه وسلم قال یوماً : «أللّهمّ من کنتُ مولاه فعلیٌّ مولاه ، أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه». فسمع ذلک واحد من الکفرة من جملة الخوارج ، فجاء إلی النبیّ صلی الله علیه وسلم فقال : یا محمد هذا من عندک أو من عند الله ؟ فقال النبیُّ صلی الله علیه وسلم : «هذا من عند الله».

فخرج الکافر من المسجد ، وقام علی عتبة الباب ، وقال : إن کان ما یقوله حقّاً فأنزِلْ علیَّ حجراً من السماء ! قال : فنزل حجر ، فرضخ رأسه.

24 - الشیخ محمد محبوب العالم :

رواه فی تفسیره الشهیر بتفسیر شاهی.

25 - أبو عبدالله الزرقانیّ ، المالکیّ : المتوفّی (1122).

حکاه فی شرح المواهب اللدنیّة (7 / 13).

ص: 470

26 - الشیخ أحمد بن عبدالقادر الحفظیّ ، الشافعیّ :

ذکره فی کتابه ذخیرة المآل فی شرح عقد جواهر اللآل.

27 - السیّد محمد بن إسماعیل الیمانیّ : المتوفّی (1182).

ذکره فی کتابه الروضة الندیّة فی شرح التحفة العلویّة(1).

28 - السیّد مؤمن الشبلنجیّ ، الشافعیّ ، المدنیّ :

ذکره فی کتابه نور الأبصار فی مناقب آل بیت النبیّ المختار(2) (ص 78).

29 - الأستاذ الشیخ محمد عبده المصریّ : المتوفّی (1323).

ذکره فی تفسیر المنار (6 / 464) عن الثعلبیّ ، ثمّ استشکل علیه بمختصر ما أورد علیه ابن تیمیّة ، وستقف علی بطلانه وفساده.

(وَإِن تُکَذِّبُوا فَقَدْ کَذَّبَ أُمَمٌ مِّن قَبْلِکُمْ وَمَا عَلَی الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِینُ)(3) 8.

ص: 471


1- الروضة الندیة فی شرح التحفة العلویة : ص 156.
2- نور الأبصار : ص 159.
3- العنکبوت : 18.

نظرة فی الحدیث

قد عرفت مصافقة التفسیر والخبر فی سبب نزول الآیة الکریمة ، ومطابقة النصوص والأسانید فی إثبات الحدیث والإخبات إلیه ، وقد أفرغته الشعراء فی بوتقة النظم منذ عهد متقادم کأبی محمد العَونی الغسّانی ، المترجَم فی شعراء القرن الرابع فی قوله :

یقول رسول الله : هذا لأمّتی

هو الیومَ مولیً ربِّ ما قلتُ فاسمعِ

فقال جَحودٌ ذو شقاقٍ منافقٌ

یُنادی رسولَ الله من قلبِ مُوجَعِ

أَعَن ربِّنا هذا ، أَمَ ٱنتَ ٱخْتَرعتَهُ ؟

فقال : معاذَ الله لستُ بمُبدِعِ

فقال عدوُّ الله : لا هُمَّ إن یکنْ

کما قالَ حقّاً بی عذاباً فَأوقعِ

فعُوجلَ من أُفْق السماءِ بکفرِهِ

بجندلةٍ فانکبّ ثاوٍ بمصرعِ

وقال آخر فی أُرجوزته :

وما جری لحارث النعمانِ

فی أمره من أوضح البرهانِ

علی اختیارِهِ لأمرِ الأُمّهْ

فمِن هناک ساءه وغَمَّهْ

حتی أتی النبیَّ بالمدینه

مُحْبَنْطِئاً من شدّة الضغینهِ

وقال ما قال من المقالِ

فباءَ بالعذابِ والنکالِ

ولم نجد من قریبٍ أو مناویءٍ غمزاً فیه أو وقیعةً فی نقله ، مهما وجدوا رجال إسناده ثقات فأخبتوا إلیه ، عدا ما یُؤثر عن ابن تیمیّة(1) فی منهاج السنّة (4 / 13) فقد ری

ص: 472


1- ابن تیمیة الدائب علی إنکار الضروریات ، والمتجرّئ علی الوقیعة فی المسلمین ، وعلی تکفیرهم وتضلیلهم ، ولذلک عاد غرضاً لنبال الجرح من فطاحل علماء أهل السنّة منذ ظهرت مخاریقه وإلی هذا الیوم ، وحسبک قول الشوکانی فی البدر الطالع : 2 / 260 [رقم 515] : صرّح محمد البخاری

ذکر وجوهاً فی إبطال الحدیث کشف بها عن سوأته ، کما هو عادته فی کلِّ مسألة تفرّد بالتحذلق فیها عند مناوأة فِرق المسلمین ، ونحن نذکرها مختصرةً ونجیب عنها :

الوجه الأوّل : أنَّ قصّة الغدیر کانت فی مرتجع رسول الله صلی الله علیه وسلم من حجّة الوداع ، وقد أجمع الناس علی هذا ، وفی الحدیث : أنَّها لَمّا شاعت فی البلاد جاءه الحارث وهو بالأبطح بمکّة ، وطبع الحال یقتضی أن یکون ذلک بالمدینة فالمفتعِل للروایة کان یجهل تاریخ قصّة الغدیر.

الجواب :

أوّلاً : ما سلف - فی روایة الحلبی فی السیرة(1) ، وسبط ابن الجوزی فی التذکرة(2) ، والشیخ محمد صدر العالم فی معارج العُلی - من أنَّ مجیء السائل کان فی المسجد - إن أُرید منه مسجد المدینة - ونصَّ الحلبی علی أنَّه کان بالمدینة ، لکن ابن تیمیّة عزب عنه ذلک کلّه ، فطفِق یُهملج فی تفنید الروایة بصورة جزمیّة.

ثانیاً : فإنّ مفاضاة الرجل عن الحقائق اللغویّة ، أو عصبیّته العمیاء التی أسدلت بینه وبینها ستور العمی ورّطته فی هذه الغمرة ، فحسب اختصاص الأبطح بحوالی مکّة ، ولو کان یراجع کتب الحدیث ومعاجم اللغة والبلدان ، والأدب لَوجد فیها نصوص أربابها بأنّ الأبطح : کلُّ مسیل فیه دِقاق الحصی ، وقولهم فی الإشارة إلی بعض مصادیقه : ومنه بطحاء مکّة ، وعَرف أنَّه یطلق علی کلِّ مسیل یکون بتلک الصفة ، ولیس حِجْراً علی أطراف البلاد وأکناف المفاوز أن تکون فیها أباطح.

روی البخاری فی صحیحه(2) (1 / 181) ، ومسلم فی صحیحه(3) (1 / 382) عن ّ.

ص: 473


1- و (2) السیرة الحلبیة : 3 / 274 ، تذکرة الخواص : ص 30.
2- صحیح البخاری : 2 / 556 ح 1459.
3- صحیح مسلم : 3 / 154 ح 430 کتاب الحجّ.

عبدالله بن عمر : أنَّ رسول الله صلی الله علیه وسلم أناخ بالبطحاء بذی الحُلَیفة فصلّی بها.

وفی الصحیحین(1) عن نافع : أنَّ ابن عمر کان إذا صدر عن الحجّ أو العمرة أناخ

بالبطحاء التی بذی الحلیفة التی کان النبیُّ صلی الله علیه وسلم یُنیخ بها.

وفی صحیح مسلم(2) (1 / 382) عن عبدالله بن عمر : أنَّ رسول الله صلی الله علیه وسلم أتی فی مُعرَّسه(3) بذی الحُلیفة(4) فقیل له : إنَّک ببطحاء مبارکة.

وفی إمتاع المقریزی(5) وغیره : أنَّ النبیّ إذا رجع من مکّة دخل المدینة من معرَّس الأبطح ، فکان فی معرَّسه فی بطن الوادی ، فقیل له : إنَّک ببطحاء مبارکة.

وفی صحیح البخاری(6) (1 / 175) عن ابن عمر : أنَّ رسول الله صلی الله علیه وسلم کان ینزل بذی الحُلیفة حین یعتمر ، وفی حجّته حین حجَّ تحت سَمُرةٍ فی موضع المسجد الذی بذی الحُلیفة ، وکان إذا رجع من غزوٍ - کان فی تلک الطریق - أو حجٍّ أو عمرةٍ هبط ببطن وادٍ ، فإذا ظهر من بطنٍ أناخ بالبطحاء التی علی شفیر الوادی الشرقیّة ، فعرّس

ثَمَّ حتی یصبح. وکان ثَمَّ خلیجٌ یصلّی عبدالله عنده ، وفی بطنه کُثُبٌ کان رسول الله صلی الله علیه وسلم ثَمَّ یُصلّی ، فدحا فیه السیل بالبطحاء. الحدیث.

وفی روایة ابن زبالة : فإذا ظهر النبیُّ من بطن الوادی أناخ بالبطحاء التی علی شفیر الوادی الشرقیّة.

وفی مصابیح البغوی(7) (1 / 83) : قال القاسم بن محمد : دخلت علی عائشة رضی الله عنها 8.

ص: 474


1- صحیح مسلم : 3 / 154 ح 432 کتاب الحجّ ، صحیح البخاری : 2 / 556 ح 1459.
2- صحیح مسلم : 3 / 155 ح 433 کتاب الحجّ.
3- التعریس : نزول المسافر آخر اللیل نزلة للنوم والاستراحة. (المؤلف)
4- ذو الحُلَیْفة : قریة بینها وبین المدینة ستة أمیال أو سبعة. معجم البلدان : 2 / 295.
5- إمتاع الأسماع : ص 534.
6- صحیح البخاری : 1 / 183 ح 470.
7- مصابیح السنّة : 1 / 560 ح 1218.

فقلت : یا أُمّاه اکشفی لی عن قبر النبیّ صلی الله علیه وسلم ، فکشفت لی عن ثلاثة قبور لا مشرفة(1) ولا لاطئة ، مبطوحة ببطحاء العرصة الحمراء.

وروی السمهودی فی وفاء الوفا(2) (2 / 212) من طریق ابن شبّة والبزّار عن عائشة عن النبیّ صلی الله علیه وسلم أنَّه قال : بطحان علی ترعةٍ من ترع الجنّة.

وقبل هذه الأحادیث کلّها ما ورد فی حدیث الغدیر من طریق حذیفة بن أُسَید وعامر بن لیلی قالا : لمّا صدر رسول الله من حجّة الوداع ولم یحجّ غیرها ، أقبل حتی کان بالجُحْفة ، نهی عن سَمُرات مُتقاربات بالبطحاء ؛ أن لا ینزل تحتهنّ أحدٌ ...

الحدیث. راجع (ص 26 ، 46).

وأمّا معاجم اللغة والبلدان :

ففی معجم البلدان(3) (2 / 213) : البطحاء فی اللغة مسیلٌ فیه دقاق الحصی ، والجمع : الأباطح والبِطاح علی غیر قیاس ، إلی أن قال : قال أبو الحسن محمد بن علیّ ابن نصر الکاتب : سمعت عوّادة تغنّی فی أبیات طریح بن إسماعیل الثقفی فی الولید بن

یزید بن عبدالملک وکان من أخواله :

أنت ابنُ مُسْلَنْطِحِ(4) البطاحِ ولم

تطرقْ علیک الحنیُّ والولجُ(5)

فقال بعض الحاضرین : لیس غیر بطحاء مکّة ، فما معنی الجمع ؟

فثار البطحاوی العلویّ ، فقال : بطحاء المدینة ، وهو أجلُّ من بطحاء مکّة ، ف)

ص: 475


1- أصله من الشرف : العلوّ ، واللاطئة من لطئ بالأرض : لزق. (المؤلف)
2- وفاء الوفا : 3 / 1071.
3- معجم البلدان : 1 / 444.
4- المسلنطح : الفضاء الواسع.
5- الحنیّ : ما انخفض من الأرض ، الولج جمع وِلاج بالکسر : النواحی ، الأزقة ، ما اتّسع من الأودیة ؛ أی لم تکن بینهما فیخفی حسبک. (المؤلف)

وجدّی منه ، وأنشد له :

وبَطْحا المدینةِ لی منزلٌ

فیا حبَّذا ذاک من منزلِ

فقال : فهذان بطحاوان فما معنی الجمع ؟

قلنا : العرب تتوسّع فی کلامها وشعرها فتجعل الاثنین جمعاً ، وقد قال بعض الناس : إنَّ أقلّ الجمع اثنان ، وممّا یؤکّد أنَّهما بطحاوان قول الفرزدق :

وأنت ابنُ بَطْحاوَیْ قریشٍ فإن تشأْ

تکن فی ثقیفٍ سیلَ ذی أدبٍ عَفْرِ

ثمّ قال :

قلت أنا : وهذا کلّه تعسّفٌ. وإذا صحَّ بإجماع أهل اللغة أنَّ البطحاء : الأرض ذات الحصی فکلُّ قطعة من تلک الأرض بطحاء ، وقد سُمِّیت قریش البطحاء ، وقریش الظواهر ، فی صدر الجاهلیّة ولم یکن بالمدینة منهم أحد.

وأمّا قول الفرزدق وابن نباتة ، فقد قالت العرب : الرقمتان ورامتان ، وأمثال ذلک کثیرٌ تمرُّ فی هذا الکتاب ، قصدهم بها إقامة الوزن فلا اعتبار به.

البُطاح - بالضمّ - : منزل لبنی یربوع ، وقد ذکره لبید ، فقال :

تربّعتِ الأشرافُ ثمّ تصیّفتْ

حِساءَ البطاحِ وانْتجعْنَ السلائلا

وقیل : البُطاح ماءٌ فی دیار بنی أسد ، وهناک کانت الحرب بین المسلمین - وأمیرُهم خالد بن الولید - وأهل الردّة ، وکان ضرار بن الأزور الأسدی قد خرج طلیعة لخالد بن الولید ، وخرج مالک بن نویرة طلیعة لأصحابه ، فالتقیا بالبُطاح فقتل ضرار مالکاً ، فقال أخوه متمِّم یرثیه :

سأبکی أخی ما دام صوتُ حمامةٍ

توَرّقُ فی وادی البُطاح حماما

وقال وکیع بن مالک یذکر یوم البُطاح :

ص: 476

فلمّا أتانا خالدٌ بلوائِهِ

تخطّتْ إلیه بالبطاحِ الودائعُ

وقال فی(1) (ص 215) :

البطحاء : أصله المسیل الواسع فیه دقاق الحصی. وقال النضر : الأبطح والبطحاء بطن المیثاء والتلعة والوادی ، هو التراب السهل فی بطونها ممّا قد جرّته السیول ، یقال : أتینا أبطح الوادی ، وبطحاؤه مثله ، وهو ترابه وحصاه السهل اللیّن. والجمع الأباطح.

وقال بعضهم : البطحاء کلّ موضع متّسع. وقول عمر رضی الله عنه : بطِّحوا المسجد ؛ أی ألقوا فیه الحصی الصغار ، وهو موضع بعینه قریب من ذی قار. وبطحاء مکّة وأبطحها ممدودٌ ، وکذلک بطحاء ذی الحُلیفة.

قال ابن إسحاق : خرج النبیُّ صلی الله علیه وسلم غازیاً فسلک نقب بنی دینار ، فنزل تحت شجرة ببطحاء ابن أزهر یقال لها ذات الساق ، فصلّی تحتها فثَمَّ مسجده.

وبطحاء - أیضاً - مدینة بالمغرب قرب تلمسان.

بُطْحان - روی فیه الضمّ والفتح - وادٍ بالمدینة ، وهو أحد أودیتها الثلاثة ، وهی : العقیق ، وبطحان ، وقتاة ، قال الشاعر - وهو یقوّی روایة من سکّن الطاء - :

أبا سعیدٍ لم أزلْ بعدکُمْ

فی کُرَبٍ للشوق تغشانی

کم مجلسٍ ولّی بلذّاتِهِ

لم یهننی إذ غاب نُدْمانی

سقیاً لسَلْعٍ ولساحاتِها

والعیشِ فی أکْنافِ بُطْحانِ

وقال ابن مقبل فی قول من کسر الطاء :

عَفی بَطِحانٌ من سُلیمی فیثربُ

فملقی الرمالِ من منی فالمحصَّب6.

ص: 477


1- معجم البلدان : 1 / 446.

وقال أبو زیاد : بطحان من میاه الضباب.

وقال فی(1) (ص 222) : البَطیحة - بالفتح ثمّ الکسر - وجمعها البطائح ، والبطیحة والبطحاء واحد. وتبطّح السیل إذا اتّسع فی الأرض ، وبذلک سُمِّیت بطائح واسط ؛ لأنّ المیاه تبطّحت فیها أی سالت ، واتّسعت فی الأرض ، وهی أرضٌ واسعةٌ بین واسط والبصرة ، وکانت قدیماً قریً متّصلة وأرضاً عامرة ، فاتّفق فی أیّام کسری

ابرویز أن زادت دجلة زیادة مفرطة ، وزاد الفرات أیضاً بخلاف العادة ، فعجز عن سدّها فتبطّح الماء فی تلک الدیار والعمارات والمزارع فطرد أهلها عنها ... الخ.

وقال ابن منظور فی لسان العرب(2) (3 / 236) ، والزبیدی فی تاج العروس (2 / 124) ما ملخّصه : بطحاء الوادی تراب لیِّن ممّا جرّته السیول.

وقال ابن الأثیر(3) : بطحاء الوادی وأبطحه حصاه اللیِّن فی بطن المسیل ، ومنه الحدیث : أنَّه صلّی بالأبطح ؛ یعنی أبطح مکّة. قال : هو مسیل وادیها.

وعن أبی حنیفة : الأبطح لا یُنبت شیئاً ، إنَّما هو بطن المسیل.

وعن النضر : البطحاء بطن التلعة والوادی ، وهو التراب السهل فی بطونها ممّا قد جرّته السیول ، یقال : أتینا أبطح الوادی فنمنا علیه. وبطحاؤه مثله وهو ترابه وحصاه السهل اللیّن.

وقال أبو عمرو : سُمّی المکان أبطح ؛ لأنّ الماء ینبطح فیه ؛ أی یذهب یمیناً وشمالاً ، الجمع أباطح وبطائح.

وفی الصحاح(4) : تبطّح السیل : اتّسع فی البطحاء. وقال ابن سیدة(5) : سال سیلاً عریضاً ، قال ذو الرّمّة : ع.

ص: 478


1- معجم البلدان : 1 / 450.
2- لسان العرب : 1 / 428.
3- النهایة فی غریب الحدیث والأثر : 1 / 134.
4- الصحاح للجوهری : 1 / 356.
5- المخصّص : 2 / 129 السفر التاسع.

ولا زال من نَوْءِ السِّماکِ علیکما

ونَوْءِ الثریّا وابلٌ متبطِّحُ

وقال لبید :

یزع الهیام عن الثری ویمدّه

بطحٌ یهایلُهُ عن الکُثْبانِ

وقال آخر :

إذا تبطَّحنَ علی المحاملِ

تبطُّحَ البطِّ بجنب الساحلِ

وبطحاء مکّة وأبطحها معروفة لانبطاحها ، بُطْحان - بالضمّ وسکون الطاء - وهو الأکثر ، قال ابن الأثیر فی النهایة(1) : ولعلّه الأصحّ. وقال عیاض فی المشارق(2) : هکذا یرویه المحدِّثون. وکذا سمعناه من المشایخ ، والصواب الفتح وکسر الطاء کقَطران کذا قیَّد القالی فی البارع(3) ، وأبو حاتم والبکری فی المعجم ، وزاد الأخیر : ولا یجوز غیره. هو أحد أودیة المدینة الثلاثة : وهو العقیق وبَطحان وقتاة ، وروی ابن الأثیر

فیه الفتح أیضاً وغیره بالکسر ، وفی الحدیث کان عمر أوّل من بطّح المسجد وقال : ابطحوه من الوادی المبارک. تبطیح المسجد إلقاء الحصی فیه وتوثیره ، وفی حدیث ابن الزبیر : فأهاب بالناس إلی بطحه ، أی تسویته. وانبطح الوادی فی هذا المکان واستبطح ، أی استوسع فیه ، ویقال فی النسبة إلی بطحان المدینة : البطحانیون. انتهی(4).

وقال الیعقوبی فی کتاب البلدان (ص 84) : ومن واسط إلی البصرة فی البطائح ؛ لأنّه تجمع فیها عدّة میاه ، ثمّ یصیر من البطائح فی دجلة العوراء ، ثمّ یصیر إلی البصرة ف)

ص: 479


1- النهایة فی غریب الحدیث والأثر : 1 / 135.
2- مشارق الأنوار إلی صحیح الآثار : 1 / 87.
3- البارع فی اللغة : ص 712.
4- ولهذه المذکورات شواهد فی الصحاح والقاموس والنهایة والصراح والطراز وغیرها من معاجم اللغة. (المؤلف)

فیرسی فی شط نهر ابن عمر. انتهی.

ویوم البطحاء : من أیّام العرب المعروفة منسوب إلی بطحاء ذی قار ، وقعت الحرب فیها بین کسری وبکر بن وائل.

وهناک شواهد کثیرة من الشعر لمن یُحتج بقوله فی اللغة العربیّة ، منها ما یُعزی إلی مولانا أمیر المؤمنین علیه السلام من قوله یخاطب به الولید بن المغیرة :

یُهدِّدنی بالعظیمِ الولیدُ

فقلتُ : أنا ابنُ أبی طالبِ

أنا ابنُ المُبجَّلِ بالأبطَحَیْنِ

وبالبیت من سَلَفی غالبِ

وذکر المَیْبُذی فی شرحه(1) : أنَّه علیه السلام یرید أبطح مکّة والمدینة.

وقال نابغة بنی شیبان(2) - فی دیوانه (ص 104) من قصیدةٍ یمدح بها عبدالملک ابن مروان - :

والأرضُ جمُّ النباتِ منهُ بها

مثل الزرابیّ للونه صبحُ

وارتدّت الأکمُ من تهاویل ذی

نورٍ عمیمٍ والأسهل البطحُ

وللسیّد الحمیری یصف الکوثر الذی یسقی منه أمیر المؤمنین علیه السلام شیعته یوم القیامة قوله من قصیدة تأتی فی ترجمته فی شعراء القرن الثانی :

بطحاؤه مسکٌ وحافاتُهُ

یهتزُّ منها مونِقٌ مربعُ

وقال أبو تمام المترجَم فی شعراء القرن الثالث فی المدیح فی دیوانه (ص 68) :

قومٌ همُ آمنوا قبل الحمام بها

من بین ساجعِها الباکی ونائحِها

کانوا الجبالَ لها قبل الجبالِ وهمْ

سالوا ولم یکُ سیلٌ فی أَباطحِهاف)

ص: 480


1- شرح دیوان أمیر المؤمنین علیه السلام : ص 197.
2- عبدالله بن المخارق بن سلیم. (المؤلف)

وقال الشریف الرضی(1) من قصیدة فی دیوانه(2) (1 / 205) :

دَعُوا وِرْدَ ماءٍ لستُمُ من حلاله

وحُلّوا الروابی قبلَ سَیْلِ الأباطحِ

وله من قصیدة أخری توجد فی دیوانه (ص 198) قوله :

متی أری البیضَ وقد أمطرتْ

سیلَ دمٍ یغلبُ سیل البطاحْ

ویقول من أخری (ص 194) :

فَلَرُبَّ عیشٍ فیک رقَّ نسیمُهُ

کالماء رقَّ علی جُنُوبِ بِطاحِ

وله من أخری (ص 191) :

بکلِّ فلاةٍ تقودُ الجیادَ

تَعثّرُ فیها ببیض الأداحی(3)

فَیُلْجِمُ أعناقَها بالجبالِ

ویُنْعِلُ أرساغَها بالبطاحِ

وقال مهیار الدیلمی(4) فی قصیدة کتبها إلی النهروانی یهنِّئه بعقد نکاح(5) :

فما اتَّفق السعدان حتی تکافآ

أَعزُّ بطونٍ فی أعزِّ بطاحِ

ولو قیل : غیر الشمس سِیقَتْ هدیّةً

إلی البدر لم أفرحْ له بنکاحِ

وله فی دیوانه (1 / 199) من قصیدة کتبها إلی الصاحب أبی القاسم قوله :

فکن سامعاً فی کلّ نادی مسرّةٍ

شواردَ فی الدنیا ولسنَ بَوارحا

حوامل أعباء الثناءِ خفائفاً

صعدن الهضابَ أو هبطنَ الأباطحا6.

ص: 481


1- أحد شعراء الغدیر فی القرن الرابع ، تأتی هناک ترجمته. (المؤلف)
2- دیوان الشریف الرضی : 1 / 265 ، 255 ، 250 ، 247.
3- الدحیة - بکسر المهملة - : رئیس الجند. (المؤلف)
4- أحد شعراء الغدیر فی القرن الخامس ، تأتی هناک ترجمته. (المؤلف)
5- دیوان مهیار الدیلمی : 1 / 186.

وقال(1) فی مستهلّ قصیدة کتبها إلی ناصر الدولة بعمّان :

لمن صاغیاتٌ(2) فی الجبالِ طلائحُ(3)

تسیلُ علی نُعمانَ منها الأباطحُ

وقال أبو إسحاق بن خفاجة الأندُلسی : المتوفّی (533) من مقطوعة :

فإن أنا لم أشکُرْکَ والدارُ غَرْبةٌ(4)

فلا جادنی غادٍ من المُزْن رائحُ

ولا استشرفَتْ یوماً إلیَّ به الربی

جلالاً ولا هشّتْ إلیَّ الأباطحُ

وله من قصیدة أخری فی دیوانه (ص 37) :

تَخایلُ نَخْوةً بهمُ المذاکی(5)

وتعسلُ هزّةً لهُمُ الرماحُ

لهم هِممٌ کما شَمَختْ جبالٌ

وأخلاقٌ کما دَمِثَتْ بِطاحُ

ومن مقطوعة له یصف الکلب والأرنب فی دیوانه (ص 37) :

یجول بحیثُ یکشّر عن نصالٍ

مؤلّلةٍ وتحملُه رماحُ

وطوراً یرتقی حُدْبَ الروابی

وآونةً تسیلُ به البطاحُ

ویقول فی قصیدة یهنِّئ بها قاضی القضاة :

بشری کما أسفرَ وجهُ الصباحْ

واستشرف الرائدُ برقاً ألاحْ

وارتجزَ الرعدُ بلجِّ الندی

ریّاً ویحدو بمطایا الریاحْ

فدنَّرَ الزهرُ متونَ الربی

ودَرْهَمَ القَطْرُ بُطونَ البِطاحْ(6)ه.

ص: 482


1- دیوان مهیار الدیلمی : 1 / 221.
2- الصاغیات : المائلات. (المؤلف)
3- طلح البعیر طلحاً : إذا أعیا وکلّ ، والطلح : الإعیاء والسقوط من السفر.
4- غَربة : نائیة.
5- المذاکی : الخیل.
6- دَنَّر الزهر : أی صار یشبه الدینار فی حمرة لونه ، وَدَرْهَمَ القطر : أی یشبه الدرهم فی نصاعته وبیاض لونه.

وله من قصیدة یصف معرکاً قوله :

زَحمتْ مناکبه الأعادی زحمةً

بَسَطَتْهُمُ فوق البطاحِ بِطاحا

وله من أخری قوله :

غلامٌ کما استخشنت جانب هضبة

ولان علی طشٍ(1) من المزنِ أبطح

وللأرّجانی المتوفّی (544) من قصیدة یمدح بها الوزیر شمس الملک فی دیوانه (ص 80) قوله :

لا غرو إن فاضت دماً مقلتی

وقد غدت ملءَ فؤادی جِراحْ

بل یا أخا الحیِّ إذا زرتَهُ

فحیِّ عنّی ساکناتِ البطاحْ

ولشهاب الدین المعروف بحیص بیص - المتوفّی (574) المدفون فی مقابر قریش - فی رثاء أهل البیت علیهم السلام عن لسانهم یخاطب من ناوأهم ، وتجرّأ علی الله بقتلهم قوله(2) :

مَلکْنا فکانَ العفوُ منّا سجیّةً

فلمّا مَلکتمْ سالَ بالدمِ أبطحُ

وحلّلتمُ قتلَ الأساری وطالما

غدونا عن الأسری نعِفُّ ونصفحُ(3)

وأنت جدّ علیم أنَّ مصارع أهل البیت علیهم السلام نوعاً کانت بالعراق فی مشهد الطفّ ی)

ص: 483


1- الطشّ : المطر الضعیف ، وهو فوق الرذاذ.
2- دیوان حیص بیص : 3 / 404.
3- هذه الأبیات خمّسها جماعة وشطّرتْها ، فممّن خمّسها : السیّد راضی ابن السیّد صالح القزوینی المتوفّی سنة (1287) ، والعلّامة الأکبر السیّد ناصر بن أحمد بن عبدالصمد الغریفی المتوفّی سنة (1331) ، والشیخ عبدالحسین بن القاسم الحلّی النجفی المعاصر ، وله تشطیرها أیضاً .(المؤلف) وطبع دیوانه فی بغداد سنة 1394 فی ثلاثة أجزاء بتحقیق مکی السیّد جاسم وشاکر هادی شکر ، والأبیات موجودة فی الجزء الثالث منه. (الطباطبائی)

وغیره ، ومنهم مَن قُتِل بفخّ من أعمال مکّة ، غیر أنَّه واقعٌ بینها وبین المدینة یبعد عنها نحو ستّة أمیال ، لا فی جهة الأبطح الذی هو وادی المحصّب بمقربة من منی فی شرقی مکّة. ولبعضهم یرثی الإمام السبط الشهید علیه السلام قوله من قصیدة :

تئنُ نفسی للربوعِ وقد غدا

بیتُ النبیِّ مقطَّعَ الأطنابِ

بیتٌ لآل المصطفی فی کربلا

ضربوه بین أباطحٍ وروابی

الوجه الثانی : أنَّ سورة المعارج مکیّة باتّفاق أهل العلم ، فیکون نزولها قبل واقعة الغدیر بعشر سنین ، أو أکثر من ذلک.

الجواب :

إنَّ المتیقّن من معقد الإجماع المذکور هو نزول مجموع السورة مکیّاً ، لا جمیع آیاتها ، فیمکن أن یکون خصوص هذه الآیة مدنیّاً کما فی کثیر من السور.

ولا یرد علیه : أنَّ المتیقّن من کون السورة مکیّة أو مدنیّة هو کون مفاتیحها کذلک ، أو الآیة التی انتزع منها اسم السورة ؛ لِما قدّمناه من أنَّ هذا الترتیب هو ما اقتضاه التوقیف ، لا ترتیب النزول ، فمن الممکن نزول هذه الآیة أخیراً وتقدّمها علی النازلات قبلها بالتوقیف ، وإن کنّا جهلنا الحکمة فی ذلک کما جهلناها فی أکثر موارد الترتیب فی الذکر الحکیم ، وکم لها من نظیر ، ومن ذلک :

1 - سورة العنکبوت : فإنّها مکیّة ، إلّا من أوّلها عشر آیات ، کما رواه الطبری فی تفسیره(1) فی الجزء العشرین (ص 86) ، والقرطبی فی تفسیره(2) (13 / 323) ، والشربینی فی السراج المنیر(3) (3 / 116). 3.

ص: 484


1- جامع البیان : مج 11 / ج 20 / 133.
2- الجامع لأحکام القرآن : 13 / 214.
3- السراج المنیر : 3 / 123.

2 - سورة الکهف : فإنّها مکیّة ، إلّا من أوّلها سبع آیات ، فهی مدنیّة وقوله : (وَاصْبِرْ نَفْسَکَ) الآیة. کما فی تفسیر القرطبی(1) (10 / 346) ، وإتقان السیوطی(2) (1 / 16).

3 - سورة هود : مکیّة ، إلّا قوله : (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَیِ النَّهَارِ) ، کما فی تفسیر القرطبی(3) (9 / 1) وقوله : (فَلَعَلَّکَ تَارِکٌ بَعْضَ مَا یُوحَی إِلَیْکَ) ، کما فی السراج المنیر(4) (2 / 40).

4 - سورة مریم : مکیّة إلّا آیة السجدة ، وقوله : (وَإِن مِّنکُمْ إِلَّا وَارِدُهَا) ، کما فی إتقان السیوطی(5) (1 / 16).

5 - سورة الرعد : فإنَّها مکیّة إلّا قوله : (وَلَا یَزَالُ الَّذِینَ کَفَرُوا) وبعض آیها الأُخَر ، أو بالعکس ، کما نصَّ علیه القرطبی فی تفسیره(6) (9 / 278) ، والرازی فی تفسیره(7) (6 / 258) ، والشربینی فی تفسیره(8) (2 / 137).

6 - سورة إبراهیم : مکیّة إلّا قوله : (أَلَمْ تَرَ إِلَی الَّذِینَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّ-هِ ...) الآیتین.

نصّ به القرطبی فی تفسیره(9) (9 / 338) ، والشربینی فی السراج 2.

ص: 485


1- الجامع لأحکام القرآن : 10 / 225.
2- الإتقان فی علوم القرآن : 1 / 41.
3- الجامع لأحکام القرآن : 9 / 3.
4- السراج المنیر : 2 / 42.
5- الإتقان فی علوم القرآن : 1 / 42.
6- الجامع لأحکام القرآن : 9 / 183.
7- التفسیر الکبیر : 18 / 230.
8- السراج المنیر : 2 / 143.
9- الجامع لأحکام القرآن : 9 / 222.

المنیر(1) (2 / 159).

7 - سورة الإسراء : مکیّة إلّا قوله (وَإِن کَادُوا لَیَسْتَفِزُّونَکَ مِنَ الْأَرْضِ) إلی قوله : (وَاجْعَل لِّی مِن لَّدُنکَ سُلْطَانًا نَّصِیرًا) ، کما فی تفسیر القرطبی(2) (10 / 203) ، والرازی(3) (5 / 540) ، والسراج المنیر(4) (2 / 261).

8 - سورة الحجّ : مکیّة إلّا قوله : (وَمِنَ النَّاسِ مَن یَعْبُدُ اللَّ-هَ عَلَی حَرْفٍ) ، کما فی تفسیر القرطبی(5) (12 / 1) ، والرازی(6) (6 / 206) ، والسراج المنیر(7) (2 / 511).

9 - سورة الفرقان : مکیّة إلّا قوله : (وَالَّذِینَ لَا یَدْعُونَ مَعَ اللَّ-هِ إِلَ-هًا آخَرَ) ، کما فی تفسیر القرطبی(8) (13 / 1) ، والسراج المنیر(9) (2 / 617).

10 - سورة النحل : مکیّة إلّا قوله : (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا) الآیة. إلی آخر السورة.

نصّ علی ذلک القرطبی فی تفسیره(10) (15 / 65) ، والشربینی فی تفسیره(11) (2 / 205).

11 - سورة القصص : مکیّة إلّا قوله : (الَّذِینَ آتَیْنَاهُمُ الْکِتَابَ مِن قَبْلِهِ) ، وقیل : 4.

ص: 486


1- السراج المنیر : 2 / 167.
2- الجامع لأحکام القرآن : 10 / 134.
3- التفسیر الکبیر : 20 / 145.
4- السراج المنیر : 2 / 273.
5- الجامع لأحکام القرآن : 12 / 3.
6- التفسیر الکبیر : 23 / 2.
7- السراج المنیر : 2 / 535.
8- الجامع لأحکام القرآن : 13 / 3.
9- السراج المنیر : 2 / 646.
10- الجامع لأحکام القرآن : 10 / 44.
11- السراج المنیر : 2 / 214.

إلّا آیة : (إِنَّ الَّذِی فَرَضَ عَلَیْکَ الْقُرْآنَ) الآیة ، کما فی تفسیری القرطبی(1) (13 / 247) ، والرازی(2) (6 / 585).

12 - سورة المدّثّر : مکیّة غیر آیة من آخرها علی ما قیل ، کما فی تفسیر الخازن(3) (4 / 343).

13 - سورة القمر : مکیّة إلّا قوله : (سَیُهْزَمُ الْجَمْعُ وَیُوَلُّونَ الدُّبُرَ).

قاله الشربینی فی السراج المنیر(4) (4 / 136).

14 - سورة الواقعة : مکیّة إلّا أربع آیات ، کما فی السراج المنیر(5) (4 / 171).

15 - سورة المطفّفین : مکیّة إلّا الآیة الأولی ، ومنها انتزع اسم السورة ، کما أخرجه الطبری فی الجزء الثلاثین من تفسیره(6) (ص 58).

16 - سورة اللیل : مکیّة إلّا أوّلها ، ومنها اسم السورة ، کما فی الإتقان(7) (1 / 17).

17 - سورة یونس : مکیّة إلّا قوله : (فَإِن کُنتَ فِی شَکٍّ ...) الآیتین ، أو الثلاث ، أو قوله : (وَمِنْهُم مَّن یُؤْمِنُ بِهِ) ، کما فی تفسیر الرازی(8) (4 / 774) ، وإتقان السیوطی(9) (1 / 15) ، وتفسیر الشربینی (2 / 2). 0.

ص: 487


1- الجامع لأحکام القرآن : 13 / 164.
2- التفسیر الکبیر : 24 / 224.
3- تفسیر الخازن : 4 / 326.
4- السراج المنیر : 4 / 142.
5- المصدر السابق : 4 / 178.
6- جامع البیان : مج 15 / ج 30 / 91.
7- الإتقان فی علوم القرآن : 1 / 47.
8- التفسیر الکبیر : 17 / 2.
9- الإتقان فی علوم القرآن : 1 / 40.

کما أنَّ غیر واحد من السور المدنیّة فیها آیات مکیّة :

منها : سورة المجادلة ، فإنّها مدنیّة إلّا العشر الأُوَل ، ومنها تسمیة السورة ، کما فی تفسیر أبی السعود(1) فی هامش الجزء الثامن من تفسیر الرازی (ص 148) ، والسراج المنیر(2) (4 / 210).

ومنها : سورة البلد مدنیّة إلّا الآیة الأولی - وبها تسمیتها بالبلد - إلی غایة الآیة الرابعة کما قیل فی الإتقان(3) (1 / 17) وسور أخری لا نُطیل بذکرها المجال.

علی أنَّ من الجائز نزول الآیة مرّتین ، کآیات کثیرة نصَّ العلماء علی نزولها مرّةً بعد أخری عظةً وتذکیراً ، أو اهتماماً بشأنها ، أو اقتضاء موردین لنزولها غیر مرّة ، نظیر البسملة ، وأوّل سورة الروم ، وآیة الروح ، وقوله : (مَا کَانَ لِلنَّبِیِّ وَالَّذِینَ آمَنُوا أَن یَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِکِینَ)(4) وقوله : (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ)(5) ... إلی آخر النحل. وقوله : (مَن کَانَ عَدُوًّا لِّلَّ-هِ)(6) الآیة ، وقوله : (أَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَیِ النَّهَارِ)(7) ، وقوله : (أَلَیْسَ اللَّ-هُ بِکَافٍ عَبْدَهُ)(8) ، وسورة الفاتحة ، فإنّها نزلت مرّةً بمکّة حین فرضت الصلاة ، ومرّة بالمدینة حین حُوِّلت القبلة. ولتثنیة نزولها سُمِّیت بالمثانی(9).

الوجه الثالث : إنَّ قوله تعالی : (وَإِذْ قَالُوا اللَّ-هُمَّ إِن کَانَ هَ-ذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِکَ ف)

ص: 488


1- إرشاد العقل السلیم : 8 / 215.
2- السراج المنیر : 4 / 219.
3- الإتقان فی علوم القرآن : 1 / 47.
4- التوبة : 113.
5- النحل : 126.
6- البقرة : 98.
7- هود : 114.
8- الزمر : 36.
9- راجع إتقان السیوطی 1 / 60 [1 / 31] ، وتاریخ الخمیس 1 / 11. (المؤلف)

فَأَمْطِرْ عَلَیْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاءِ)(1) نزلت عقیب بدر بالاتفاق قبل یوم الغدیر بسنین.

الجواب :

کأنّ هذا الرجل یحسب أنَّ من یروی تلک الأحادیث المتعاضدة یری نزول ما لهج به الحارث بن النعمان الکافر - من الآیة الکریمة السابق نزولها ، وأفرغها فی قالب الدعاء - فی الیوم المذکور ، والقارئ لهاتیک الأخبار جِدّ علیم بمَیْنه فی هذا الحسبان ، أو أنَّه یری حَجراً علی الآیات السابق نزولها أن ینطق بها أحد ، فهل فی هذه الروایة غیر أنَّ الرجل المرتدّ - الحارث أو جابر - تفوّه بهذه الکلمات ؟ وأین هو من وقت نزولها ؟ فدعْها یکن نزولها فی بدر أو أُحد ، فالرجل أبدی کفره بها ، کما أبدی الکفّار قبله إلحادهم بها. لکن ابن تیمیّة یرید تکثیر الوجوه فی إبطال الحقِّ الثابت.

الوجه الرابع : أنَّها نزلت بسبب ما قاله المشرکون بمکّة ، ولم ینزل علیهم العذاب هناک لوجود النبیّ صلی الله علیه وسلم بینهم ؛ لقوله تعالی : (وَمَا کَانَ اللَّ-هُ لِیُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِیهِمْ وَمَا کَانَ اللَّ-هُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ یَسْتَغْفِرُونَ)(2).

الجواب :

لا ملازمة بین عدم نزول العذاب فی مکّة علی المشرکین ، وبین عدم نزوله هاهنا علی الرجل ؛ فإنّ أفعال المولی سبحانه تختلف باختلاف وجوه الحکمة ، فکان فی سابق علمه إسلام جماعة من أولئک بعد حین ، أو وجود مسلمین فی أصلابهم ، فلو أبادهم بالعذاب النازل لأُهملت الغایة المتوخّاة من بعث الرسول صلی الله علیه وآله وسلم.

ولمّا لم یرَ سبحانه ذلک الوجه فی هذا المنتکس علی عقبه عن دین الهدی بقیله ذلک ، ولم یکن لِیَلِدَ مؤمناً ، کما عرف ذلک نوح علیه السلام من قومه ، فقال : (وَلَا یَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا ی)

ص: 489


1- الأنفال : 32.
2- الأنفال : 33. ویمکن القول إنَّ الآیة فی عصاة المسلمین ، وأما من ارتدّ عن الإسلام وکذّب النبیَّ صلی الله علیه وآله وسلم وطلب العذاب من الله تحدّیاً واستخفافاً فعلی الله أن یعجّل علیه نقمته. (الطباطبائی)

کَفَّارًا)(1) ، قطع جرثومة فساده بما تمنّاه من العذاب الواقع.

وکم فرق بین أولئک الذین عوملوا بالرفق رجاء هدایتهم ، وتشکیل أمّةٍ مرحومةٍ منهم ومن أعقابهم ، مع العلم بأنّ الخارج منهم عن هاتین الغایتین سوف یُقضی علیه فی حروب دامیة ، أو یأتی علیه الخزی المبیر ، فلا یسعه بثُّ ضلالةٍ ، أو

إقامة عیثٍ ، وبین هذا الذی أخذته الشدّة ، مع العلم بأنّ حیاته مثار فتن ، ومنزع إلحاد ، وما عساه یتوفّق لهدایته ، أو یُستفاد بعقبه.

ووجود الرسول صلی الله علیه وآله وسلم رحمةٌ تَدْرأ العذاب عن الأُمّة ، إلّا أنَّ تمام الرحمة أن یکون فیها مکتسح للعراقیل أمام السیر فی لاحب الطریق المَهْیع ، ولذلک قمَّ سبحانه

ذلک الجَذْم(2) الخبیث ، للخلاف عمّا أبرمه النبیُّ الأعظم فی أمر الخلافة ، کما أنَّه فی حروبه ومغازیه کان یجتاح أصول الغیّ بسیفه الصارم ، وکان یدعو علی من شاهد عتوّه ، ویئس من إیمانه ، فتُجاب دعوته :

أخرج مسلم فی صحیحه(3) (2 / 468) بالإسناد عن ابن مسعود : أنَّ قریشاً لمّا استعصت علی رسول الله صلی الله علیه وسلم وأبطئوا عن الإسلام ، قال : «أللّهمّ أعنّی علیهم بسبعٍ کسبع یوسف» ، فأصابتهم سنةٌ فحصّت کلّ شیء ، حتی أکلوا الجِیَف والمَیْتة ، حتی إنَّ أحدهم کان یری ما بینه وبین السماء کهیئة الدخان من الجوع ، فذلک قوله : (یَوْمَ

تَأْتِی السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُّبِینٍ)(4) ، ورواه البخاری(5) (2 / 125).

وفی تفسیر الرازی(6) (7 / 467) : أن النبیّ صلی الله علیه وسلم دعا علی قومه بمکّة لمّا کذّبوه ، فقال : 2.

ص: 490


1- نوح : 27.
2- جذْم الشیء : أصله.
3- صحیح مسلم : 5 / 342 ح 39 کتاب صفة القیامة والجنّة والنار.
4- الدخان : 10.
5- صحیح البخاری : 4 / 1730 ح 4416.
6- التفسیر الکبیر : 27 / 242.

«أللّهمّ اجعل سنیّهم کسنیّ یوسف» ، فارتفع المطر ، وأجدبت الأرض ،

وأصابت قریشاً شدّة المجاعة حتی أکلوا العظام والکلاب والجِیَف ، فکان الرجل لما به من الجوع یری بینه وبین السماء کالدخان ، وهذا قول ابن عبّاس ومقاتل ومجاهد واختیار الفرّاء والزجّاج ، وهو قول ابن مسعود.

وروی ابن الأثیر فی النهایة(1) (3 / 124) : أنَّ النبیّ صلی الله علیه وسلم قال : «أللّهمّ اشدد وطأتک علی مضر مثل سنی یوسف» ، فجهدوا حتی أکلوا العَلْهَز(2).

ورواه السیوطی فی الخصائص الکبری(3) (1 / 257) من طریق البیهقی(4) عن عروة ومن طریقه وطریق أبی نعیم(5) عن أبی هریرة. وقال ابن الأثیر فی الکامل(6) (2 / 27) :

کان أبو زمعة الأسود بن المطّلب بن أسد بن عبدالعزّی وأصحابه یتغامزون بالنبیّ صلی الله علیه وسلم فدعا علیه رسول الله صلی الله علیه وسلم أن یعمی ویثکل ولده ، فجلس فی ظلِّ شجرةٍ ، فجعل جبریل یضرب وجهه وعینیه بورقة من ورقها وبشوکها حتی عمی.

وقال : دعا رسول الله صلی الله علیه وسلم علی مالک بن الطلالة بن عمرو بن غبشان ، فأشار جبریل إلی رأسه ، فامتلأ قیحاً فمات.

وروی ابن عبدالبَرّ فی الاستیعاب(7) هامش الإصابة (1 / 318) : أنَّ النبیّ صلی الله علیه وسلم کان إذا مشی یتکفّأ ، وکان الحکم بن أبی العاص یحکیه ، فالتفت النبیّ صلی الله علیه وسلم یوماً فرآه 9.

ص: 491


1- النهایة فی غریب الحدیث الأثر : 3 / 293 ، 5 / 200.
2- دم کانوا یخلطونه بأوبار الإبل ، ثمّ یشوونه بالنار ، ویأکلونه. (المؤلف)
3- الخصائص الکبری : 1 / 246.
4- دلائل النبوّة : 2 / 324.
5- دلائل النبوّة لأبی نعیم : ص 575 ح 369.
6- الکامل فی التاریخ : 1 / 495.
7- الاستیعاب : القسم الأوّل / 359 رقم 529.

یفعل ذلک ، فقال صلی الله علیه وآله وسلم : «فکذلک فلْتکن» ، فکان الحکم مختلجاً یرتعش من یومئذٍ ، فعیّره عبدالرحمن بن حسان بن ثابت ، فقال فی عبدالرحمن بن الحکم یهجوه :

إنَّ اللعینَ أبوکَ فارمِ عظامَهُ

إنْ ترْمِ ترْمِ مُخَلَّجاً مجنونا

یُمسی خَمیصَ البطنِ من عملِ التقی

ویظلُّ من عملِ الخبیثِ بَطینا

وروی ابن الأثیر فی النهایة(1) (1 / 345) من طریق عبدالرحمن بن أبی بکر :

أنَّ الحکم بن أبی العاص بن أمیّة - أبا مروان - کان یجلس خلف النبیّ صلی الله علیه وسلم فإذا تکلّم اختلج بوجهه ، فرآه فقال له : «کن کذلک» ، فلم یزل یختلج حتی مات.

وفی روایة : فضرب به شهرین ثمّ أفاق خلیجاً : أی صرع ، ثمّ أفاق مختلجاً(2) ، قد أُخذ لحمه وقوّته. وقیل : مرتعشاً.

وروی ابن حجر فی الإصابة (1 / 345) من طریق الطبرانی(3) ، والبیهقی فی الدلائل(4) ، والسیوطی فی الخصائص الکبری(5) (2 / 79) عن الحاکم(6) وصحّحه ، وعن البیهقی والطبرانی عن عبدالرحمن بن أبی بکر الصدّیق قال :

کان الحکم بن أبی العاص یجلس إلی النبیّ صلی الله علیه وسلم فإذا تکلّم النبیّ صلی الله علیه وسلم اختلج بوجهه ، فقال له النبیّ : «کن کذلک». فلم یزل یختلج حتی مات. وروی مثله بطریق آخر.

وفی الإصابة (1 / 346) : أخرج البیهقی(7) من طریق مالک بن دینار : 0.

ص: 492


1- النهایة فی غریب الحدیث والأثر : 2 / 60.
2- الحَلَج بالمهملة ، والخَلَج بالمعجمة :بمعنیً واحد ؛ أی الحرکة والاضطراب. (المؤلف)
3- المعجم الکبیر : 3 / 214 ح 3167.
4- دلائل النبوّة : 6 / 239.
5- الخصائص الکبری : 2 / 132.
6- المستدرک علی الصحیحین : 2 / 678 ح 4241.
7- دلائل النبوّة : 6 / 240.

حدّثنی هند بن خدیجة زوج النبیّ صلی الله علیه وسلم : مرّ النبیّ صلی الله علیه وسلم بالحکم ، فجعل الحکم یغمز النبیّ صلی الله علیه وسلم بإصبعه فالتفت فرآه ، فقال : «أللّهمّ اجعله وزغاً» ، فزحف مکانه.

وفی الإصابة (1 / 276) ، والخصائص الکبری(1) (2 / 79) :

ذکر ابن فتحون عن الطبری : أنَّ النبیّ صلی الله علیه وسلم خطب إلی الحارث بن أبی الحارثة ابنته جمرة بنت الحارث ، فقال : إنَّ بها سوءً. ولم تکن کما قال ، فرجع فوجدها قد برصت.

وفی الخصائص الکبری(2) (2 / 78) من طریق البیهقی(3) عن أُسامة بن زید قال :

بعث رسول الله صلی الله علیه وسلم رجلاً ، فکذب علیه ، فدعا علیه رسول الله صلی الله علیه وسلم ، فوجد میّتاً قد انشقّ بطنه ، ولم تقبله الأرض.

وفی الخصائص(4) (1 / 147) : أخرج البیهقی(5) وأبو نعیم من طریق أبی نوفل بن أبی عقرب عن أبیه قال :

أقبل لهب بن أبی لهب یسبُّ النبیّ ، فقال النبیّ صلی الله علیه وسلم : «أللّهمّ سلِّط علیه کلبک».

قال : وکان أبو لهب یحتمل البزَّ إلی الشام ، ویبعث بولده مع غلمانه ووکلائه ، ویقول : إنَّ ابنی أخاف علیه دعوة محمد فتعاهدوه.

فکانوا إذا نزلوا المنزل ألزقوه إلی الحائط وغطّوا علیه الثیاب والمتاع ، ففعلوا ذلک به زماناً ، فجاء سبع ، فتلّه فقتله. 8.

ص: 493


1- الخصائص الکبری : 2 / 133.
2- المصدر السابق : 2 / 130.
3- دلائل النبوّة : 6 / 245.
4- الخصائص الکبری : 1 / 244.
5- دلائل النبوّة : 2 / 338.

وأخرج البیهقی عن قتادة : أنَّ عتبة(1) بن أبی لهب تسلّط علی رسول الله صلی الله علیه وسلم ، فقال رسول الله : «أما إنِّی أسأل الله أن یسلِّط علیه کلبه» ، فخرج فی نفر من قریش حتی نزلوا فی مکان من الشام یقال له الزرقاء لیلاً ، فأطاف بهم الأسد ، فغدا - أی

وثب - علیه الأسد من بین القوم ، وأخذ برأسه فضغمه(2) ضغمة فذبحه.

وأخرج البیهقی(3) عن عروة : أنَّ الأسد لمّا کان بهم تلک اللیلة انصرف عنهم ، فقاموا وجعلوا عتبة فی وسطهم ، فأقبل الأسد یتخطّاهم ، حتی أخذ برأس عتبة ففدغه(4).

وروی عن أبی نعیم(5) وابن عساکر(6) من طریق عروة مثله ، وأخرجه ابن إسحاق وأبو نعیم(7) من طریق آخر عن محمد بن کعب القرظی وغیره. وزاد : أنَّ حسّان بن ثابت قال فی ذلک :

سائلْ بنی الأشقرِ إن جئتَهم(8)

ما کان أنباءُ أبی واسعِ(9)

لا وسّع الله له قبرَهُ

بل ضیّقَ اللهُ علی القاطعِ

رحْمَ نبیٍّ جدُّهُ ثابتٌ

یدعو إلی نورٍ له ساطعِ

أسبل بالحجرِ لتکذیبهِ

دون قریشٍ نهزة القارعِ

فاستوجب الدعوةَ منه ما

بیّنَ للناظر والسامعِف)

ص: 494


1- ورواه ابن الأثیر فی النهایة : 3 / 21 [3 / 91] فی عتبة بن عبدالعزّی. (المؤلف)
2- ضغم ضغماً : عضّ بملء فمه ، یقال : ضغمه ضِغمة الأسد. (المؤلف)
3- دلائل النبوّة : 2 / 339.
4- الفدغ - معجمة الآخر ومهملته - : الشّدْخ والکسر. (المؤلف)
5- دلائل النبوّة لأبی نعیم : ص 585 ح 380.
6- تاریخ مدینة دمشق : 11 / 65.
7- دلائل النبوّة لأبی نعیم : ص 586 ح 381.
8- فی دیوان حسّان [ص 145] : بنی الأشعر. (المؤلف)
9- أبو واسع : کنیة عتبة بن أبی لهب. (المؤلف)

أنْ سلّطَ اللهُ بها کلبَهُ

یمشی الهُوَینا مِشیة الخادعِ

حتی أتاهُ وسْطَ أصحابه

وقد علتهمْ سِنةُ الهاجعِ

فالتقم الرأسَ بیافوخه

والنحر منه فغرةَ الجائعِ

قلت : لا یوجد فی دیوان حسّان من هذه الأبیات إلّا البیت الأوّل ، وفیه بعده قوله :

إذ ترکوهُ وهو یدعوهُمُ

بالنسب الأقصی وبالجامعِ

واللیثُ یعلوه بأنیابهِ

مُنْعفِراً وسْط دمٍ ناقعِ

لا یرفعِ الرحمنُ مصروعَهُمْ

ولا یُوَهِّنْ قُوّة الصارعِ

وأخرج أبو نعیم(1) عن طاووس قال :

لمّا تلا رسول الله صلی الله علیه وسلم (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَی) قال عتبة بن أبی لهب : کفرتُ بربِّ النجم. فقال رسول الله صلی الله علیه وسلم : «سلّط الله علیک کلباً من کلابه» ... الحدیث.

وأخرج أبو نعیم عن أبی الضحی قال : قال ابن أبی لهب : هو یکفر بالذی قال (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَی) فقال النبیّ صلی الله علیه وسلم ... الحدیث.

وبهذه کلِّها تعلم أنَّ العذاب المنفیّ فی الآیتین بسبب وجوده المقدّس یراد به النفی فی الجملة لا بالجملة ، وهو الذی تقتضیه الحکمة ، ویستدعیه الصالح العام ، فإنّ

فی الضرورة ملزماً لقطع العضو الفاسد ، اتّقاء سرایة الفساد منه إلی غیره ، بخلاف

الجثمان الدنف(2) بعضه ؛ بحیث لا یُخشی بِدارُه إلی غیره ، أو المُضنی کلّه ویؤمّل فیه الصحّة ، فإنّه یعالج حتی یبرأ.

وإنَّ الله سبحانه هدّد قریشاً بمثل صاعقة عاد وثمود إن مردوا عن الدین جمیعاً ، ض.

ص: 495


1- دلائل النبوّة : ص 588 ح 383.
2- الدَّنِف : المریض.

وقال : (فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُکُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ)(1) ، وإذ کان مناط الحکم إعراض الجمیع لم تأتِهم الصاعقة بحصول المؤمنین فیهم ، ولو کانوا استمرّوا علی الضلال جمیعاً لأتاهم ما هُدّدوا به ، ولو کان وجود الرسول صلی الله علیه وآله وسلم مانعاً عن جمیع أقسام العذاب بالجملة لما صحَّ ذلک التهدید ، ولَما أُصیب النفر الذین ذکرناهم بدعوته ، ولَما قُتل أحدٌ فی مغازیه بعضبه الرهیف ، فإنَّ کلّ هذه أقسام العذاب أعاذنا الله منها.

الوجه الخامس : أنَّه لو صحَّ ذلک لکان آیةً کآیة أصحاب الفیل ، ومثلها تتوفّر الدواعی لنقله ، ولَما وجدنا المصنِّفین فی العلم من أرباب المسانید والصحاح والفضائل والتفسیر والسیر ونحوها قد أهملوه رأساً ، فلا یُروی إلّا بهذا الإسناد المنکر ، فعُلِم أنَّه کذبٌ باطلٌ.

الجواب :

إنَّ قیاس هذه التی هی حادثة فردیّة لا تُحدِث فی المجتمع فراغاً کبیراً یؤبه له ، ووراءها أغراض مستهدفة تحاول إسدال ستور الإنساء علیها ، کما أسدلوها علی نصِّ الغدیر نفسه ، وهملجوا(2) وراء إبطاله حتی کادوا أن یبلغوا الأمل بصور خلّابة ، وتلفیقات مموّهة ، وأحادیث مائنة ، بیدَ أنَّ الله أبی إلّا أن یُتمّ نوره.

إنَّ قیاسها بواقعة أصحاب الفیل تلک الحادثة العظیمة التی عدادها فی الإرهاصات النبویّة ، وفیها تدمیر أُمّة کبیرة یشاهد العالم کلّه فراغها الحادث ، وإنقاذ

أُمّةٍ هی من أرقی الأُمم ، والإبقاء علیها وعلی مقدّساتها ، وبیتها الذی هو مطاف

الأُمم ، ومقصد الحجیج ، وتعتقد الناس فیه الخیر کلّه والبرکات بأسرها ، وهو یومئذٍ أکبر مظهر من مظاهر الصقع الربوبیّ.

إنَّ قیاس تلک بهذه فی توفّر الدواعی لِنقلها مجازفةٌ ظاهرةٌ ، فإنّ من حکم ع.

ص: 496


1- فصّلت : 13.
2- هملج : أسرع.

الضرورة أنَّ الدواعی فی الأولی دونها فی الثانیة ، کما تجد هذا الفرق لائحاً بین معاجز النبیّ صلی الله علیه وسلم ، فمنها ما لم یُنقل إلّا بأخبار آحاد ، ومنها ما تجاوز حدّ التواتر ، ومنها ما هو المتسالم علیه بین المسلمین بلا اعتناء بسنده ، وما ذلک إلّا لاختلاف موارد العظمة فیها أو المقارنات المحتفّة بها.

وأمّا ما ادّعاه ابن تیمیّة من إهمال طبقات المصنِّفین لها فهو مجازفة أخری ؛ لما أسلفناه من روایة المصنِّفین لها من أئمّة العلم وحملة التفسیر ، وحفّاظ الحدیث ، ونقلة

التاریخ الذین تضمّنت المعاجم فضائلهم الجمّة ، وتعاقب من العلماء إطراؤهم.

وإلی الغایة لم نعرف المشار إلیه فی قوله : بهذا الإسناد المنکر ، فإنّه لا ینتهی إلّا إلی حذیفة بن الیمان - المترجم (ص 27) - الصحابیِّ العظیم ، وسفیان بن عیینة المعروف إمامته فی العلم والحدیث والتفسیر وثقته فی الروایة - المترجم (ص 80).

وأمّا الإسناد إلیهما فقد عرفه الحفّاظ والمحدِّثون والمفسِّرون المنقِّبون فی هذا الشأن ، فوجدوه حریّاً بالذکر والاعتماد ، وفسّروا به آیةً من الذکر الحکیم من دون أیِّ نکیر ، ولم یکونوا بالذین یفسِّرون الکتاب بالتافهات. نعم ، هکذا سبق العلماء وفعلوا ، لکن ابن تیمیّة استنکر السند ، وناقش فی المتن ؛ لأنّ شیئاً من ذلک لا یلائم دعارة خطّته.

الوجه السادس : أنَّ المعلوم من هذا الحدیث أنَّ حارثاً المذکور کان مسلماً باعترافه بالمبادئ الخمسة الإسلامیّة ، ومن المعلوم بالضرورة أنَّ أحداً من المسلمین لم یصبه عذابٌ علی العهد النبویّ.

الجواب :

إنَّ الحدیث کما أثبت إسلام الحارث فکذلک أثبت ردّته بردّه قول النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وتشکیکه فیما أخبر به عن الله تعالی ، والعذاب لم یأته علی حین إسلامه ، وإنَّما جاءه بعد الکفر والارتداد ، وقد مرّ - فی (ص 245) - أنَّه بعد سماعه الحدیث شکّ فی نبوّة

ص: 497

النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم علی أنَّ فی المسلمین من شملتْه العقوبة لمّا تجرّؤوا علی قدس صاحب الرسالة کجمرة ابنة الحارث التی أسلفنا حدیثها (ص 260) ، وبعض آخر مرّ حدیثه فی جواب الوجه الرابع. وروی مسلم فی صحیحه(1) عن سلمة بن الأکوع : أنَّ رجلاً أکل عند النبیّ صلی الله علیه وسلم بشماله ، فقال : «کُلْ بیمینک».

قال : لا أستطیع. قال : «لا استطعت». قال : فما رفعها إلی فیه بعدُ.

وفی صحیح البخاری(2) (5 / 227) : إنَّ النبیّ دخل علی أعرابی یعوده ، قال : وکان النبیُّ صلی الله علیه وسلم إذا دخل علی مریض یعوده قال : «لا بأس طهورٌ».

قال : قلتَ : طهور ، کلّا بل هی حُمّیً تفور - أو تثور - علی شیخ کبیر تُزیره القبور.

فقال النبیّ صلی الله علیه وسلم : «فنعم إذاً». فما أمسی من الغد إلّا میِّتاً.

وفی أعلام النبوّة للماوردی(3) (ص 81) قال : «نهی رسول الله صلی الله علیه وسلم أن یُنقّی الرجل شعره فی الصلاة ، فرأی رجلاً یُنقّی شعره فی الصلاة ، فقال : «قبّح الله شعرک» فصلع مکانه.

الوجه السابع : أنَّ الحارث بن النعمان غیر معروف فی الصحابة ، ولم یذکره ابن عبدالبَرّ فی الاستیعاب ، وابن مندة وأبو نعیم الأصبهانی وأبو موسی فی تآلیف ألّفوها فی أسماء الصحابة ، فلم نتحقّق وجوده.

الجواب :

إنَّ معاجم الصحابة غیر کافلة لاستیفاء أسمائهم ، فکلّ مؤلِّف من أربابها جمع 4.

ص: 498


1- صحیح مسلم : 4 / 259 ح 107 کتاب الأشربة.
2- صحیح البخاری : 3 / 1324 ح 3420.
3- أعلام النبوّة : ص 134.

ما وسعته حیطته(1) ، وأحاط به اطِّلاعه ، ثمّ جاء المتأخِّر عنه فاستدرک علی من قبله بما أوقفه السیر فی غضون الکتب وتضاعیف الآثار ، وأوفی ما وجدناه من ذلک کتاب الإصابة فی تمییز الصحابة لابن حجر العسقلانی ، ومع ذلک فهو یقول فی مستهلّ کتابه(2) :

فإنّ من أشرف العلوم الدینیّة علم الحدیث النبویِّ ، ومن أجلِّ معارفه تمییز أصحاب رسول الله صلی الله علیه وسلم ممّن خلف بعدهم ، وقد جمع فی ذلک جمعٌ من الحفّاظ تصانیف بحسب ما وصل إلیه اطلاع کلٍّ منهم.

فأوّل من عرفته صنّف فی ذلک أبو عبدالله البخاری ، أفرد فی ذلک تصنیفاً ، فنقل منه أبو القاسم البغوی وغیره ، وجمع أسماء الصحابة مضمومةً إلی من بعدهم جماعة من طبقة مشایخه ، کخلیفة بن خیّاط ، ومحمد بن سعد ، ومن قرنائه کیعقوب بن سفیان ، وأبی بکر بن أبی خیثمة.

وصنّف فی ذلک جمعٌ بعدهم کأبی القاسم البغوی ، وأبی بکر بن أبی داود ، وعبدان ، ومن قبلهم بقلیل کمطین ، ثمّ کأبی علیّ بن السکن ، وأبی حفص بن شاهین ، وأبی منصور الماوردی ، وأبی حاتم بن حبّان ، وکالطبرانی ضمن معجمه الکبیر ، ثمّ کأبی عبدالله بن مندة ، وأبی نعیم ، ثمّ کأبی عمر بن عبد البَرّ ، وسمّی کتابه الاستیعاب ؛ لظنِّه أنَّه استوعب ما فی کتب من قبله ، ومع ذلک ففاته شیءٌ کثیر ، فذیّل علیه أبو بکر ابن فتحون ذیلاً حافلاً ، وذیّل علیه جماعة فی تصانیف لطیفة ، وذیّل أبو موسی المَدِینی علی ابن مندة ذیلاً کبیراً.

وفی أعصار هؤلاء خلائق یتعسّر حصرهم ممّن صنّف فی ذلک - أیضاً - إلی أن کان فی أوائل القرن السابع ، فجمع عزّ الدین بن الأثیر کتاباً حافلاً سمّاه أُسد الغابة ، 4.

ص: 499


1- کذا.
2- الإصابة : 1 / 2 - 4.

جمع فیه کثیراً من التصانیف المتقدِّمة إلّا أنَّه تبع من قبله ، فخلط من لیس صحابیّاً بهم ، وأغفل کثیراً من التنبیه علی کثیر من الأوهام الواقعة فی کتبهم.

ثمّ جرّد الأسماء التی فی کتابه - مع زیادات علیها - الحافظ أبو عبدالله الذهبیّ ، وعلّم لمن ذکر غلطاً ولمن لا تصحّ صحبته ، ولم یستوعب ذلک ولا قارب.

وقد وقع لی بالتتبّع کثیرٌ من الأسماء التی لیست فی کتابه ولا أصله علی شرطهما ، فجمعتُ کتاباً کبیراً فی ذلک میّزتُ فیه الصحابة من غیرهم ، ومع ذلک فلم یحصل لنا من ذلک جمیعاً الوقوف علی العُشر من أسامی الصحابة بالنسبة إلی ما جاء عن أبی زرعة الرازی :

قال : تُوفِّی النبیُّ صلی الله علیه وسلم ومن رآه وسمِع منه زیادةٌ علی مائة ألف إنسان من رجل وامرأة ، کلّهم قد روی عنه سماعاً أو رؤیةً.

قال ابن فتحون فی ذیل الاستیعاب بعد أن ذکر ذلک : أجاب أبو زرعة بهذا سؤالَ من سأله عن الرواة خاصّة ، فکیف بغیرهم ؟! ومع هذا فجمیع من فی الاستیعاب - یعنی بمن ذکر فیه باسم أو کنیة - وهما ثلاثة آلاف وخمسمائة ، وذکر أنَّه استدرک علیه علی شرطه قریباً ممّن ذکر.

قلت : وقرأت بخطّ الحافظ الذهبی من ظهر کتابه التجرید : لعلّ الجمیع ثمانیة آلاف إن لم یزیدوا لم ینقصوا. ثمّ رأیت بخطّه : أنَّ جمیع من فی أُسد الغابة سبعة آلاف وخمسمائة وأربعة وخمسون نفساً.

وممّا یؤیّد قول أبی زرعة ما ثبت فی الصحیحین(1) عن کعب بن مالک فی قصّة تبوک : والناس کثیرٌ لا یحصیهم دیوان.

وثبت عن الثوری فیما أخرجه الخطیب(2) بسنده الصحیح إلیه قال : من قدّم 2.

ص: 500


1- صحیح البخاری : 4 / 1603 ح 4156 ، صحیح مسلم : 5 / 301 ح 53 کتاب التوبة.
2- تاریخ بغداد : 4 / 29رقم 1632.

علیّاً علی عثمان فقد أزری علی اثنی عشر ألفاً مات رسول الله صلی الله علیه وسلم وهو عنهم راض.

فقال النووی : وذلک بعد النبیّ باثنی عشر عاماً بعد أن مات فی خلافة أبی بکر فی الردّة والفتوح الکثیر ممّن لم یضبط أسماؤهم ، ثمّ مات فی خلافة عمر فی الفتوح وفی الطاعون العامّ وعمواس(1) وغیر ذلک من لا یُحصی کثرةً ، وسبب خفاء أسمائهم أنَّ أکثرهم أعراب وأکثرهم حضروا حجّة الوداع. والله أعلم. انتهی.

وقد أسلفنا فی (ص 9) :

أنَّ الحضور فی حجّة الوداع مع رسول الله کانوا مائة ألف أو یزیدون ، إذاً فأین لهذه الکتب استیفاء ذلک العدد الجمِّ ؟ ولیس فی مجاری الطبیعة الخبرة بجمیع هاتیک التراجم بحذافیرها ، فإنّ أکثر القوم کانوا مبثوثین فی البراری والفلوات تُقِلّهم مهابط الأودیة وقُلل الجبال ، ویقطنون المفاوز والحُزوم(2) ، ولا یختلفون إلی الأوساط والحواضر إلّا لغایات وقتیّة تقع عندها الصحبة والروایة فی أیّام ولیالٍ تُبطئ بهم

الحاجات فیها ، ولیس هناک دیوانٌ تُسَجَّل فیه الأسماء ، ویتعرّف أحوال الوارد والصادر.

إذاً فلا یسع أیّ باحث الإحاطةُ بأحوال أُمّة هذه شئونها ، وإنَّما قیّد المصنِّفون أسماء کَثُر تداولها فی الروایة ، أو لأربابها أهمیّة فی الحوادث ، وبعد هذا کلّه فالنافی لشخص لم یجد اسمه فی کتب هذا شأنها خارجٌ عن میزان النصفة ، ومتحایدٌ عن نوامیس البحث. علی أنَّ من المحتمل قریباً أنَّ مؤلفی معاجم الصحابة أهملوا ذکره لردّته الأخیرة.

(وَمِنَ النَّاسِ مَن یُجَادِلُ فِی اللَّ-هِ بِغَیْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًی وَلَا کِتَابٍ مُّنِیرٍ)(3) 0.

ص: 501


1- کورة علی ستّة أمیال من الرملة علی طریق بیت المقدس ، منها کان ابتداء الطاعون فی سنة (18 ه) ، ثمّ فشا فی أرض الشام ، فمات فیه خلق کثیر لا یحصی من الصحابة [معجم البلدان : 4 / 157]. (المؤلف)
2- الحزوم : جمع حزم ، وهو الغلیظ المرتفع من الأرض.
3- لقمان : 20.

ص: 502

عید الغدیر فی الإسلام

وممّا هیّأ من جهته لحدیث الغدیر الخلود والنشور ، ولمفاده التحقّق والثبوت ، اتّخاذه عیداً یُحتفل به وبلیلته بالعبادة والخشوع ، وإدرار وجوه البرِّ ، وصلة الضعفاء ، والتوسّع علی النفس والعائلات ، واتّخاذ الزینة والملابس القشیبة ، فمتی کان للملأ الدینی نزوعٌ إلی تلکُمُ الأحوال ، فبطبع الحال یکون له اندفاعٌ إلی تحرّی أسبابها ، والتثبّت فی شؤونها ، فیفحص عن رواتها ، أو أنَّ الاتّفاق المقارن لهاتیک الصفات یوقفه علی من ینشدها ویرویها ، وتتجدّد له وللأجیال فی کلِّ دور لفتةٌ إلیها فی کلِّ عام ، فلا تزال الأسانید متواصلة ، والطرق محفوظة ، والمتون مقروءة والأنباء بها متکرّرة.

إنَّ الذی یتجلّی للباحث حول تلک الصفة أمران :

الأوّل : أنَّه لیس صلة هذا العید بالشیعة فحسب ، وإنْ کانت لهم به علاقة خاصّة ، وإنَّما اشترک معهم فی التعیّد به غیرهم من فِرق المسلمین فقد عدّه البیرونی فی الآثار الباقیة عن القرون الخالیة (ص 334) ممّا استعمله أهل الإسلام من الأعیاد ، وفی مطالب السؤول(1) لابن طلحة الشافعی (ص 53) : یوم غدیر خُمّ ذکره - أمیر المؤمنین علیه السلام - فی شعره ، وصار ذلک الیوم عیداً وموسماً ؛ لکونه کان وقتاً خصّه 6.

ص: 503


1- مطالب السؤول : ص 16.

رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بهذه المنزلة العلیّة ، وشرّفه بها دون الناس کلِّهم.

وقال (ص 56) :

وکلّ معنیً أمکن إثباته ممّا دلّ علیه لفظ المولی لرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فقد جعله لعلیّ ، وهی مرتبة سامیة ، ومنزلة سامقة ، ودرجة علیّة ، ومکانة رفیعة ، خصّصه بها

دون غیره ، فلهذا صار ذلک الیوم یوم عید وموسم سرور لأولیائه. انتهی.

تفیدنا هذه الکلمة اشتراک المسلمین قاطبة فی التعیّد بذلک الیوم سواء رجع الضمیر - فی أولیائه - إلی النبیِّ أو الوصیِّ صلّی الله علیهما وآلهما :

أمّا علی الأوّل : فواضح.

وأمّا علی الثانی : فکلّ المسلمین یُوالون أمیر المؤمنین علیّاً شرع سواء فی ذلک من یُوالیه بما هو خلیفة الرسول بلا فصل ، ومن یراه رابع الخلفاء ، فلن تجد فی المسلمین من ینصب له العداء ، إلّا شذّاذاً من الخوارج مرقوا عن الدین الحنیف.

وتُقرئنا کتب التاریخ دروساً من هذا العید ، وتسالم الأمّة الإسلامیّة علیه فی الشرق والغرب ، واعتناء المصریِّین والمغاربة والعراقیِّین بشأنه فی القرون المتقادمة وکونه عندهم یوماً مشهوداً للصلاة والدعاء والخطبة وإنشاد الشعر علی ما فُصِّل فی

المعاجم.

ویظهر من غیر مورد من الوفیات لابن خلّکان(1) التسالم علی تسمیة هذا الیوم

عیداً ، ففی ترجمة المستعلی بن المستنصر (1 / 60) : فبویع فی یوم عید غدیر خُمّ ، وهو

الثامن عشر من ذی الحجّة سنة (487).

وقال فی ترجمة المستنصر بالله العبیدی (2 / 223) : وتوفِّی لیلة الخمیس لاثنتی عشرة لیلةً بقیت من ذی الحجّة سنة سبع وثمانین وأربعمائة رحمه الله تعالی. 8.

ص: 504


1- وفیات الأعیان : 1 / 180 رقم 74 ، 5 / 230 رقم 728.

قلت : وهذه اللیلة هی لیلة عید الغدیر ؛ أعنی لیلة الثامن عشر من ذی الحجّة ، وهو غدیر خُمّ - بضمّ الخاء وتشدید المیم - ورأیت جماعة کثیرة یسألون عن هذه اللیلة متی کانت من ذی الحجّة ، وهذا المکان بین مکّة والمدینة ، وفیه غدیر ماء ویقال : إنَّه غیضة هناک ، ولمّا رجع النبیّ صلی الله علیه وسلم من مکّة شرّفها الله تعالی عام حجّة الوداع ، ووصل إلی هذا المکان وآخی علیّ بن أبی طالب رضی الله عنه قال : «علیٌّ منی کهارون من موسی ، أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه ، وانصُرْ من نصره ، واخذُلْ من خذله».وللشیعة به تعلّقٌ کبیر. وقال الحازمی : وهو وادٍ بین مکّة والمدینة عند الجُحْفة غدیر عنده خطب النبیّ صلی الله علیه وسلم وهذا الوادی موصوفٌ بکثرة الوخامة وشدّة الحرّ. انتهی.

وهذا الذی یذکره ابن خلّکان من کبر تعلّق الشیعة بهذا الیوم هو الذی یعنیه المسعودی فی التنبیه والإشراف(1) (ص 221) بعد ذکر حدیث الغدیر بقوله : وولد

علیٍّ رضی الله عنه وشیعته یعظِّمون هذا الیوم. ونحوه الثعالبی فی ثمار القلوب(2) بعد أن عدَّ لیلة الغدیر من اللیالی المضافات المشهورة عند الأمّة بقوله (ص 511) :

وهی اللیلة التی خطب رسول الله صلی الله علیه وسلم فی غدها بغدیر خُمّ علی أقتاب الإبل ، فقال فی خطبته : «من کنتُ مولاه فعلیٌّ مولاه ، أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله». فالشیعة یعظِّمون هذه اللیلة ، ویُحیونها قیاماً.

انتهی.

وذلک لاعتقادهم وقوع النصِّ علی الخلافة بلا فصل فیه ، وهم وإن انفردوا عن غیرهم بهذه العقیدة لکنّهم لم یبرحوا مشاطرین الأمّة التی لم تزل لیلة الغدیر عندهم من اللیالی المضافة المشهورة ، ولیست شهرة هذه الإضافة إلّا لاعتقاد خطر عظیم 8.

ص: 505


1- التنبیه والإشراف : ص 221 - 222 ذکر السنة السادسة للهجرة.
2- ثمار القلوب : ص 636 رقم 1068.

وفضیلة بارزة فی صبیحتها ، ذلک الذی جعله یوماً مشهوداً وعیداً مبارکاً.

ومن جرّاء هذا الاعتقاد فی فضیلة یوم الغدیر ولیلته وقع التشبیه بهما فی الحسن والبهجة ، قال تمیم بن المعزّ صاحب الدیار المصریّة المتوفّی (374) من قصیدة له ذکرها الباخرزی فی دمیة القصر(1) (ص 38) :

تروح علینا بأحداقِها

حِسانٌ حَکَتْهنَّ من نشرِهنّهْ

نواعمُ لا یستطعْنَ النهوضَ

إذا قمنَ من ثِقْلِ أردافِهنّهْ

حَسُنَّ کحُسنِ لیالی الغدیرِ

وجئنَ ببهجةِ أیّامِهنّهْ

وممّا یدلُّ علی ذلک : التهنئة لأمیر المؤمنین علیه السلام من الشیخین وأمّهات المؤمنین وغیرهم من الصحابة بأمر من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، کما ستقف علی ذلک مفصَّلاً إن شاء الله ، والتهنئة من خواصِّ الأعیاد والأفراح.

الأمر الثانی : إنَّ عهد هذا العید یمتدُّ إلی أمد قدیم متواصلٍ بالدور النبویّ ، فکانت البدأة به یوم الغدیر من حجّة الوداع بعد أن أصحر نبیُّ الإسلام صلی الله علیه وآله وسلم بمرتکز خلافته الکبری ، وأبان للملإ الدینیِّ مستقرَّ إمرته من الوجهة الدینیّة والدنیویّة ، وحدّد لهم مستوی أمر دینه الشامخ ، فکان یوماً مشهوداً یسرُّ موقعه کلّ معتنق للإسلام ، حیث وَضح له فیه مُنتَجع الشریعة ، ومُنبَثق أنوار أحکامها ، فلا تلویه من بعده الأهواء یمیناً وشمالاً ، ولا یسفُّ به الجهل إلی هوّة السفاسف ، وأیّ یوم یکون أعظم منه ؟ وقد لاح فیه لاحب السنن ، وبان جَدَد الطریق ، وأُکمل فیه الدین ، وتمّت

فیه النعمة ، ونَوّه بذلک القرآن الکریم.

وإن کان حقّاً اتّخاذ یوم تسنّم فیه الملوک عرش السلطنة عیداً یحتفل به بالمسرّة والتنویر ، وعقد المجتمعات وإلقاء الخطب وسرد القریض وبسط الموائد ، کما جرت به 3.

ص: 506


1- دُمیة القصر وعصرة أهل العصر : 1 / 111 - 113.

العادات بین الأُمم والأجیال ، فیوم استقرّت فیه الملوکیّة الإسلامیّة والولایة الدینیّة العظمی ، لمن جاء النصُّ به من الصادع بالدین الکریم الذی لَا ینْطقُ عَن الهوی إنْ هُوَ إِلَّا وحیٌ یُوحی ، أولی أن یُتَّخذ عیداً یُحتفل به بکلِّ حفاوةٍ وتبجیلٍ ، وبما أنَّه من الأعیاد الدینیّة یجب أن یزاد فیه علی ذلک بما یقرِّب إلی الله زُلفی ؛ من صومٍ وصلاة ودعاء وغیرها من وجوه البرِّ ، کما سنوقفک علیه فی الملتقی إن شاء الله تعالی.

ولذلک کلّه أمر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم من حضر المشهد من أُمّته ، ومنهم الشیخان ومشیخة قریش ووجوه الأنصار ، کما أمر أمّهات المؤمنین بالدخول علی أمیر المؤمنین علیه السلام وتهنئته علی تلک الحظوة الکبیرة بإشغاله منصّة الولایة ومرتبع الأمر والنهی فی دین الله.

ص: 507

حدیث التهنئة

أخرج الإمام الطبری محمد بن جریر فی کتاب الولایة حدیثاً بإسناده عن زید ابن أرقم ، مرّ شطر کبیر منه (ص 214 - 216) ، وفی آخره : فقال :

«معاشر الناس قولوا : أعطیناک علی ذلک عهداً عن أنفسنا ، ومیثاقاً بألسنتنا ، وصفقةً بأیدینا ، نؤدِّیه إلی أولادنا وأهالینا ، لا نبغی بذلک بدلاً ، وأنت شهیدٌ علینا ، وکفی بالله شهیداً.

قولوا ما قلتُ لکم ، وسلِّموا علی علیّ بإمرة المؤمنین ، وقولوا : (الْحَمْدُ لِلَّ-هِ الَّذِی هَدَانَا لِهَ-ذَا وَمَا کُنَّا لِنَهْتَدِیَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّ-هُ)(1) ، فإنّ الله یعلم کلّ صوت وخائنة کلّ نفس (فَمَن نَّکَثَ فَإِنَّمَا یَنکُثُ عَلَی نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَی بِمَا عَاهَدَ عَلَیْهُ اللَّ-هَ فَسَیُؤْتِیهِ أَجْرًا عَظِیمًا)(2). قولوا ما یُرضی الله عنکم ف- (إِن تَکْفُرُوا فَإِنَّ اللَّ-هَ غَنِیٌّ عَنکُمْ)(3)».

قال زید بن أرقم : فعند ذلک بادر الناس بقولهم : نعم سمعنا وأطعنا علی أمر الله ورسوله بقلوبنا ، وکان أوّل من صافق النبیَّ صلی الله علیه وآله وسلم وعلیّاً : أبو بکر وعمر وعثمان وطلحة والزبیر وباقی المهاجرین والأنصار وباقی الناس إلی أن صلّی الظهرین فی وقت واحد ، وامتدّ ذلک إلی أن صلّی العشاءین فی وقت واحد ، وأوصلوا البیعة والمصافقة

ثلاثاً.

ورواه أحمد بن محمد الطبریّ الشهیر بالخلیلیِّ فی کتاب مناقب علیّ بن أبی طالب المؤلَّف سنة (411) بالقاهرة من طریق شیخه محمد بن أبی بکر بن عبدالرحمن ، وفیه : 7.

ص: 508


1- الأعراف : 43.
2- الفتح : 10.
3- الزمر : 7.

فتبادر الناس إلی بیعته ، وقالوا : سمعنا وأطعنا لما أمرنا الله ورسوله بقلوبنا وأنفسنا وألسنتنا وجمیع جوارحنا ، ثمّ انکبّوا علی رسول الله وعلی علیٍّ بأیدیهم ، وکان أوّل من صافق رسول الله(1) أبو بکر وعمر وطلحة والزبیر ، ثمّ باقی المهاجرین والناس علی طبقاتهم ومقدار منازلهم إلی أن صُلّیت الظهر والعصر فی وقت واحد والمغرب والعشاء الآخرة فی وقت واحد ، ولم یزالوا یتواصلون البیعة والمصافقة ثلاثاً ، ورسول الله کلّما بایعه فوجٌ بعد فوج یقول : «الحمدُ لله الذی فضّلنا علی جمیع العالمین». وصارت المصافقة سنّةً ورسماً ، واستعملها من لیس له حقٌّ فیها.

وفی کتاب النشر والطیّ : فبادر الناس بنعم نعم ، سمعنا وأطعنا أمر الله وأمر رسوله ، آمنّا به بقلوبنا ، وتداکّوا علی رسول الله وعلیٍّ بأیدیهم إلی أن صُلِّیت الظهر والعصر فی وقت واحد وباقی ذلک الیوم إلی أن صُلّیت العشاءان فی وقت احد ، ورسول الله کان یقول کلّما أتی فوجٌ : «الحمد لله الذی فضّلنا علی العالمین».

وقال المولوی ولیّ الله اللکهنوی فی مرآة المؤمنین(2) فی ذکر حدیث الغدیر ما معرّبه : فلقیه عمر بعد ذلک ، فقال له : هنیئاً یا ابن أبی طالب أصبحت وأمسیت ... وکان یهنّئ أمیر المؤمنین کلُّ صحابیّ لاقاه.

وقال المؤرِّخ ابن خاوند شاه(3) المتوفّی (903) فی روضة الصفا(4) فی الجزء الثانی من (مج1 / 173) بعد ذکر حدیث الغدیر ما ترجمته :

ثمّ جلس رسول الله فی خیمة تختصّ به ، وأمر أمیر المؤمنین علیّاً علیه السلام أن یجلس فی خیمة أخری ، وأمر إطباق(5) الناس بأن یهنِّئوا علیّاً فی خیمته. ولمّا فرغ الناس عن ا.

ص: 509


1- فیه سقط تعرفه بروایة الطبری الأولی. (المؤلف)
2- مرآة المؤمنین : ص 41.
3- تاریخ روضة الصفا : 2 / 541.
4- ینقل عنه عبدالرحمن الدهلوی فی مرآة الأسرار وغیره معتمدین علیه. (المؤلف)
5- کذا.

التهنئة له أمر رسول الله أمّهات المؤمنین بأن یَسِرنَ إلیه ویهنِّئنه ففعلن ، وممّن هنّأه من الصحابة عمر بن الخطّاب ، فقال : هنیئاً لک یا ابن أبی طالب أصبحت مولای ومولی جمیع المؤمنین والمؤمنات.

وقال المؤرِّخ غیاث الدین(1) المتوفّی (942) فی حبیب السِّیَر(2) فی الجزء الثالث من (مج 1 / 144) ما معرّبه :

ثمّ جلس أمیر المؤمنین بأمر من النبیِّ صلی الله علیه وآله وسلم فی خیمة تختصّ به یزوره الناس

ویهنِّئونه ، وفیهم عمر بن الخطّاب ، فقال : بخٍ بخٍ یاابن أبی طالب أصبحت مولای ومولی کلِّ مؤمن ومؤمنة. ثمّ أمر النبیّ أمّهات المؤمنین بالدخول علی أمیر المؤمنین والتهنئة له.

وخصوص حدیث تهنئة الشیخین رواه من أئمّة الحدیث والتفسیر والتاریخ من رجال السنّة کثیرٌ لا یستهان بعدّتهم بین راوٍ مرسلاً له إرسال المسلّم ، وبین راوٍ إیّاه بمسانید صحاح برجال ثقات تنتهی إلی غیر واحد من الصحابة ، کابن عبّاس ، وأبی هریرة ، والبراء بن عازب ، وزید بن أرقم ، فممّن رواه :

1 - الحافظ أبو بکر عبدالله بن محمد بن أبی شیبة : المتوفّی (235) ، المترجم (ص 89).

أخرج بإسناده - فی المصنّف(3) - عن البراء بن عازب قال : کنّا مع رسول الله صلی الله علیه وسلم فی سفر ، فنزلنا بغدیر خمّ ، فنودی : الصلاة جامعة ، وکُسح لرسول الله صلی الله علیه وسلم تحت شجرة فصلّی الظهر ، فأخذ بید علیّ ، فقال : «ألستم تعلمون أنّی أولی بکلّ مؤمن من 7.

ص: 510


1- حبیب السِّیَر : مج 1 / 411.
2- فی کشف الظنون 1 / 19 [1 / 629] : إنَّه من الکتب الممتعة المعتبرة. وعدّه حسام الدین فی مرافض الروافض من الکتب المعتبرة ، واعتمد علیه أبو الحسنات الحنفی فی الفوائد البهیّة ، وینقل عنه فی ص 86 ، 87 ، 90 ، 91 وغیرها. (المؤلف)
3- المصنّف لابن أبی شیبة : 12 / 78 ح 12167.

نفسه ؟ قالوا : بلی.

فأخذ بید علیّ ، فقال : أللّهمّ من کنتُ مولاه فعلیّ مولاه ، أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه».

فلقیه عمر بعد ذلک ، فقال : هنیئاً لک یا ابن أبی طالب أصبحت وأمسیت مولی کلّ مؤمن ومؤمنة.

2 - إمام الحنابلة أحمد بن حنبل : المتوفّی (241).

فی مسنده(1) (4 / 281) عن عفّان ، عن حمّاد بن سلمة ، عن علیّ بن زید ، عن عدیِّ بن ثابت ، عن البراء بن عازب قال : کنّا مع رسول الله ... إلی آخر اللفظ المذکور من طریق ابن أبی شیبة غیر أنَّه لیست فیه کلمة (أللّهمّ) الأُولی.

3 - الحافظ أبو العبّاس [الحسن بن سفیان] الشیبانیّ ، النسویّ : المتوفّی (303) ، المترجم (ص 100).

قال : حدّثنا هدبة ، حدّثنا حمّاد بن سلمة عن زید ، وأبو هارون عن عدیّ بن ثابت ، عن البراء قال : کنّا مع رسول الله صلی الله علیه وسلم فی حجّة الوداع ، فلمّا أتینا علی غدیر خُمّ کُسح لرسول الله تحت شجرتین ، ونُودی فی الناس : الصلاة جامعة ، ودعا رسول الله علیّاً ، وأخذ بیده ، فأقامه عن یمینه ، فقال : «ألستُ أولی بکلّ امرئ من نفسه ؟ قالوا : بلی.

قال : فإنّ هذا مولی من أنا مولاه ، أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه».

فلقیه عمر بن الخطّاب ، فقال : هنیئاً لک أصبحت وأمسیت مولی کلِّ مؤمن ومؤمنة.

4 - الحافظ أبو یعلی الموصلیّ : المتوفّی (307) ، المترجم (ص 100). 1.

ص: 511

رواه فی مسنده عن هدبة عن حمّاد .. إلی آخر السند والمتن المذکورین فی طریق الشیبانیِّ.

5 - الحافظ أبو جعفر محمد بن جریر الطبریّ : المتوفّی (310) فی تفسیره (3 / 428).

قال - بعد ذکر حدیث الغدیر - : فلقیه عمر ، فقال : هنیئاً لک یا ابن أبی طالب أصبحت مولای ومولی کلِّ مؤمن ومؤمنة. وهو قول ابن عبّاس ، والبراء بن عازب ، ومحمد بن علیّ.

6 - الحافظ أحمد بن عقدة الکوفیّ : المتوفّی (333).

أخرج فی کتاب الولایة - وهو أوّل الکتاب - عن شیخه إبراهیم بن الولید بن حمّاد ، عن یحیی بن یعلی ، عن حرب بن صبیح ، عن ابن أخت حمید الطویل ، عن ابن جدعان ، عن سعید بن المسیّب ، قال :

قلت لسعد بن أبی وقّاص : إنّی أُرید أن أسألک عن شیءٍ ، وإنّی أتّقیک.

قال : سل عمّا بدا لک ، فإنّما أنا عمّک. قال : قلت : مقام رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فیکم یوم غدیر خُمّ ؟

قال : نعم قام فینا بالظهیرة ، فأخذ بید علیّ بن أبی طالب ، فقال : «من کنتُ مولاهُ فعلیٌّ مولاه ، أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه».

قال : فقال أبو بکر وعمر : أمسیت یا ابن أبی طالب مولی کلِّ مؤمن ومؤمنة.

7 - الحافظ أبو عبدالله المرزبانیّ ، البغدادیّ : المتوفّی (384).

رواه بإسناده عن أبی سعید الخُدریّ فی کتابه سرقات الشعر.

8 - الحافظ علیّ بن عمر الدارقطنیّ ، البغدادیّ : المتوفّی (385).

أخرج بإسناده حدیث الغدیر ، وفیه : أنَّ أبا بکر وعمر لمّا سمعا قالا له : أمسیت یا ابن أبی طالب مولی کلِّ مؤمن ومؤمنة.

ص: 512

حکاه عنه ابن حجر فی الصواعق(1) (ص 26) ، ومرّ عنه من طریق الخطیب البغدادی بلفظ آخر (ص 232).

9 - الحافظ أبو عبدالله بن بطّة الحنبلیّ : المتوفّی (387).

أخرجه بإسناده فی کتابه الإبانة عن البراء بن عازب بلفظ الحافظ أبی العبّاس الشیبانیّ المذکور بإسقاط کلمة : أمسیت.

10 - القاضی أبو بکر الباقلانیّ ، البغدادیّ : المتوفّی (403) ، المترجم (ص 107).

أخرجه فی کتابه التمهید فی أُصول الدین (ص 171).

11 - الحافظ أبو سعید الخرکوشیّ ، النیسابوریّ : المتوفّی (407).

رواه فی تألیفه شرف المصطفی بإسناده عن البراء بن عازب بلفظ أحمد بن حنبل ، وبإسناد آخر عن أبی سعید الخُدری ، ولفظه : ثمّ قال النبیُّ صلی الله علیه وآله وسلم : «هنِّئونی هنِّئونی إنّ الله تعالی خصّنی بالنبوّة ، وخصّ أهل بیتی بالإمامة».

فلقی عمر بن الخطّاب أمیر المؤمنین ، فقال : طوبی لک یا أبا الحسن أصبحت مولای ومولی کلِّ مؤمن ومؤمنة.

12 - الحافظ أحمد بن مردویه الأصبهانیّ : المتوفّی (410).

أخرجه فی تفسیره عن أبی سعید الخُدریّ ، وفیه : فلقی علیّاً علیه السلام عمرُ بن الخطّاب بعد ذلک ، فقال : هنیئاً لک یا ابن أبی طالب أصبحت وأمسیت مولای ومولی کلّ مؤمن ومؤمنة.

13 - أبو إسحاق الثعلبیّ : المتوفّی (427).

أخرج فی تفسیره الکشف والبیان(2) ، قال : أخبرنا أبو القاسم یعقوب بن أحمد 7.

ص: 513


1- الصواعق المحرقة : ص 44.
2- الکشف والبیان : الورقة 181 سورة المائدة : آیة 67.

السری ، أخبرنا أبو بکر محمد بن عبدالله بن محمد ، حدّثنا أبو مسلم إبراهیم بن عبدالله الکجی ، حدّثنا حجّاج بن منهال ، حدّثنا حمّاد بن سلمة ، عن علیّ بن زید ،

عن عدیِّ بن ثابت ، عن البراء بن عازب ، قال :

لمّا نزلنا مع رسول الله صلی الله علیه وسلم فی حجّة الوداع کنّا بغدیر خُمّ فنادی : أنَّ الصلاة جامعة ، وکُسح للنبیّ تحت شجرتین ، فأخذ بید علیّ ، فقال :

«ألستُ أولی بالمؤمنین من أنفسهم ؟ قالوا : بلی. قال : هذا مولی من أنا مولاه ، أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه».

قال : فلقیه عمر فقال : هنیئاً لک یا ابن أبی طالب أصبحت مولی کلِّ مؤمن ومؤمنة.

14 - الحافظ ابن السمّان الرازیّ : المتوفّی (445).

أخرجه بإسناده عن البراء بن عازب باللفظ المذکور عن أحمد بن حنبل ، حکاه عنه محبّ الدین الطبریّ فی الریاض النضرة(1) (2 / 69) ، والشنقیطیّ فی حیاة علیّ بن أبی طالب (ص 28).

15 - الحافظ أبو بکر البیهقیّ : المتوفّی (458).

رواه مرفوعاً إلی البراء بن عازب ، کما فی الفصول المهمّة لابن الصبّاغ المالکی المکّی(2) (ص 25) ، ونظم درر السمطین لجمال الدین الزرندیّ الحنفیّ(3) ، بسند یأتی عنه عن أبی هریرة ، ویأتی من طریق الخوارزمی عنه عن البراء وأبی هریرة.

16 - الحافظ أبو بکر الخطیب البغدادیّ : المتوفّی (463).

مرّ عنه بسندین صحیحین عن أبی هریرة (ص 232 ، 233). 9.

ص: 514


1- الریاض النضرة : 3 / 113.
2- الفصول المهمّة : ص 40.
3- نظم درر السمطین : ص 109.

17 - الفقیه أبو الحسن بن المغازلیّ : المتوفّی (483).

فی کتاب المناقب(1) قال : أخبرنا أبو بکر أحمد بن محمد بن طاوان ، قال : أخبرنا أبو الحسن أحمد بن الحسین بن السمّاک ، قال : حدّثنی أبو محمد جعفر بن محمد بن نصیر الخلدی ، حدّثنی علیّ بن سعید بن قتیبة الرملی ، قال : حدّثنی ضمرة ... إلی آخر السند واللفظ المذکورین من طریق الخطیب البغدادیِّ (ص 232 ، 233). وقال :

أخبرنا أبو الحسن أحمد بن المظفر العطّار ، قال : أخبرنا أبو محمد بن السقّاء ، وأخبرنا أبو الحسن علیّ بن عبدالله القصّاب البیِّع الواسطی ممّا أذن لی فی روایته أنَّه قال : حدّثنی أبو بکر محمد بن الحسن بن محمد البیاسری ، قال : حدّثنی أبو الحسن علیّ بن محمد بن الحسن الجوهری ، قال : حدّثنی محمد بن زکریا العبدی ، قال : حدّثنی حمید الطویل ، عن أنس فی حدیث :

فأخذ بیده ، وأرقاه المنبر. فقال : «أللّهمّ هذا منّی ، وأنا منه ، ألا إنَّه منّی بمنزلة هارون من موسی ، ألا من کنتُ مولاه فهذا علیٌّ مولاه». قال : فانصرف علیّ قریر العین ، فاتبعه عمر بن الخطاب ، فقال : بخٍ بخٍ یا أبا الحسن أصبحت مولای ومولی کلِّ مسلم.

18 - أبو محمد أحمد العاصمیّ :

قال فی تألیفه - زین الفتی - : أخبرنی شیخی محمد بن أحمد رحمه الله ، قال : أخبرنا أبو أحمد الهمدانی ، قال : حدّثنا أبو جعفر محمد بن إبراهیم بن محمد بن عبدالله(2) بن جبلة القهستانی ، قال : حدّثنا أبو قریش محمد بن جمعة بن خلف القاینی ، قال : حدّثنا

أبو یحیی محمد بن عبدالله بن یزید المقری ، قال : حدّثنا أبی ، قال : حدّثنا حمّاد بن ف)

ص: 515


1- مناقب علیّ بن أبی طالب علیه السلام : ص 18 ح 24.
2- فی تاریخ الخطیب : 1 / 411 [رقم 403] : عبدان بن حبلة. (المؤلف)

سلمة عن علیِّ بن زید بن جدعان ، عن عدیِّ بن ثابت ، عن البراء بن عازب ، قال :

لمّا قال رسول الله صلی الله علیه وسلم : «من کنتُ مولاهُ فعلیٌّ مولاه». قال عمر : هنیئاً لک یا أبا الحسن أصبحت مولی کلِّ مسلم.

وقال : أخبرنا محمد بن أبی زکریّا رحمه الله قال : أخبرنا أبو الحسن محمد(1) بن عمر ابن بهته البزّاز بقراءة أبی الفتح بن أبی الفوارس الحافظ علیه ببغداد ، فأقرَّ به ، قال : أخبرنا أبو العبّاس أحمد بن محمد بن سعید بن عبدالرحمن بن عقدة الهمدانی مولی بنی

هاشم ، قراءة علیه من أصل کتابه سنة ثلاثین وثلاثمائة ، لمّا قَدِم علینا بغداد ، قال : حدّثنا إبراهیم بن الولید بن حمّاد قال : أخبرنا أبی قال : أخبرنا یحیی بن یعلی ... إلی آخر المذکور (ص 273) من طریق الحافظ ابن عقدة سنداً ومتناً.

19 - الحافظ أبو سعد السمعانیّ : المتوفّی (562).

فی کتابه - فضائل الصحابة - بالإسناد عن البراء بن عازب بلفظ أحمد بن حنبل المذکور (ص 272).

20 - حجّة الإسلام أبو حامد الغزالیّ : المتوفّی (505).

قال فی تألیفه سرِّ العالمین(2) (ص 9) : أجمع الجماهیر علی متن الحدیث من خطبته صلی الله علیه وسلم فی یوم غدیر خُمّ باتّفاق الجمیع وهو یقول : «من کنتُ مولاه فعلیٌّ مولاه».

فقال عمر : بخٍ بخٍ لک یا أبا الحسن لقد أصبحت مولای ومولی کلِّ مؤمن ومؤمنة.1.

ص: 516


1- من أهل باب الطاق ، تُوفِّی (374) ، ترجمه الخطیب فی تاریخه : 3 / 35 [رقم 962] ، وحکی عن العتیق ثقته ، وعنه عن البرقانی : نفی البأس عنه ، وأنَّه طالبی ؛ یعنی بذلک أنَّه شیعی. (المؤلف)
2- سرّ العالمین : ص 21.

21 - أبو الفتح الأشعریّ ، الشهرستانیّ : المتوفّی (548).

قال فی الملل والنحل المطبوع فی هامش الفِصَل لابن حزم(1) (1 / 220) : ومثل ما جری فی کمال الإسلام وانتظام الحال حین نزل قوله تعالی : (یَا أَیُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَیْکَ مِن رَّبِّکَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ) ، فلمّا وصل إلی غدیر خُمّ أمر بالدرجات(2) فقُمِمْنَ ، ونادوا : الصلاة جامعة ، ثمّ قال علیه السلام وهو علی الرحال : «من کنتُ مولاه فعلیّ مولاه ، أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله ، وأدرِ الحقّ معه حیث دار ، ألا هل بلّغت ؟». ثلاثاً.

فادّعت الإمامیّة أنَّ هذا نصٌّ صریحٌ ، فإنّا ننظر : من کان النبی مولیً له ؟ وبأیّ معنیً ؟ فیطَّرد ذلک فی حقِّ علیٍّ ، وقد فهمت الصحابة من التولیة ما فهمناه(3) حتی قال عمر حین استقبل علیّاً : طوبی لک یا علیٍّ أصبحت مولی کلِّ مؤمن ومؤمنة.

22 - أخطب الخطباء الخوارزمیّ ، الحنفیّ : المتوفّی (568).

أخرج فی مناقبه(4) (ص 94) عن أبی الحسن علیّ بن أحمد العاصمیّ الخوارزمیّ ، عن إسماعیل بن أحمد الواعظ ، عن الحافظ أبی بکر البیهقی ، عن علیّ بن

أحمد بن حمدان ، عن أحمد بن عبید ، عن أحمد بن سلیمان المؤدِّب ، عن عثمان بن أبی شیبة ، عن زید بن الحباب ، عن حمّاد بن سلمة ، عن علیّ بن زید بن جدعان ، عن عدیِّ بن ثابت ، عن البراء بن عازب قال :

أقبلنا مع رسول الله صلی الله علیه وسلم فی حجِّه ، حتی إذا کنّا بین مکّة والمدینة نزل النبیّ صلی الله علیه وسلم ، فأمر منادیاً بالصلاة جامعة ، قال : فأخذ بید علیٍّ ، فقال : «ألست أولی بالمؤمنین من أنفسهم ؟ قالوا : بلی. ی.

ص: 517


1- الملل والنحل : 1 / 145.
2- کذا فی النسخ ، والصحیح : بالدوحات. (المؤلف)
3- سنوقفک علی حقّ القول فی المفاد ، وأنَّ الصحابة ما فهمت إلّا ما ترتئیه الإمامیّة. (المؤلف)
4- المناقب : ص 94 فصل 14 ، إصدار مکتبة نینوی.

قال : فهذا ولیُّ من أنا ولیّه ، أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه ، من کنتُ مولاه فعلیٌّ مولاه». ینادی رسول الله صلی الله علیه وسلم بأعلی صوته ، فلقیه عمر بن الخطّاب بعد ذلک فقال : هنیئاً لک یا ابن أبی طالب أصبحت مولای ومولی کلِّ مؤمن ومؤمنة.

وبالإسناد المذکور عن الحافظ أبی بکر البیهقیّ ، عن الحافظ أبی عبدالله الحاکم ، عن أبی یعلی الزبیر بن عبدالله الثوریّ(1) ، عن أبی جعفر أحمد بن عبدالله البزّاز ، عن علیِّ بن سعید ، عن ضمرة ، عن ابن شوذب ... إلی آخر الحدیث المذکور من طریق الخطیب البغدادیّ(2) (ص 232 ، 233) سنداً ومتناً.

23 - أبو الفرج ابن الجوزیّ ، الحنبلیّ : المتوفّی (597).

أخرج فی مناقبه من طریق أحمد بن حنبل بالإسناد عن البراء بن عازب بلفظه المذکور.

24 - فخر الدین الرازیّ ، الشافعیّ : المتوفّی (606).

رواه فی تفسیره الکبیر(3) (3 / 636) وفی طبعةٍ (ص 443) بلفظ مرّ (ص 219).

25 - أبو السعادات مجد الدین بن الأثیر ، الشیبانیّ : المتوفّی (606). (1)

قال فی النهایة(4) (4 / 246) بعد عدِّ معانی المولی : ومنه الحدیث : «من کنتُ مولاه فعلیٌّ مولاه» ... - إلی أن قال - : وقول عمر لعلیٍّ : أصبحت مولی کلِّ مؤمن.

26 - أبو الفتح محمد بن علیِّ النطنزیّ : (2)

أخرج فی کتابه - الخصائص العلویّة - بإسناده حدیث أبی هریرة بلفظه المذکور 8.

ص: 518


1- تاریخ بغداد : 8 / 290 رقم 4392.
2- النهایة فی غریب الحدیث والأثر : 5 / 228.

من طریق الخطیب البغدادی (ص 232).

27 - عزُّالدین أبو الحسن بن الأثیر ، الشیبانیّ : المتوفّی (630).

أخرجه(1) بإسناده عن البراء بن عازب بلفظ مرّ (ص 178).

28 - الحافظ أبو عبدالله الکنجیّ ، الشافعیّ : المتوفّی (658).

قال فی کفایة الطالب(2) (ص 16) :

أخبرنا الحافظ یوسف بن خلیل الدمشقی بحلب ، قال : أخبرنا الشریف أبو المعمّر محمد بن حیدرة الحسینی الکوفی ببغداد ، وأخبرنا أبو الغنائم محمد بن علیّ بن میمون النرسی بالکوفة ، أخبرنا أبو المثنّی دارم بن محمد بن زید النهشلی ، حدّثنا أبو حکیم محمد بن إبراهیم بن السریِّ التمیمی ، حدّثنا أبو العبّاس أحمد بن محمد بن سعید الهمدانی - الشهیر بابن عقدة - حدّثنا إبراهیم بن الولید بن حمّاد ، أخبرنا أبی ، أخبرنا

یحیی بن یعلی ، عن حرب بن صبیح ، عن ابن أُخت حمید الطویل ... إلی آخر ما مرّ (ص 273) عن ابن عقدة سنداً ومتناً.

29 - شمس الدین أبو المظفر سبط ابن الجوزیّ ، الحنفیّ : المتوفّی (654).

حکی فی تذکرته(3) (ص 18) عن فضائل أحمد بن حنبل بإسناده عن البراء ابن عازب باللفظ والسند المذکورین (ص 272).

30 - عمر بن محمد الملّا :

رواه فی وسیلة المتعبّدین(4) عن البراء بلفظ أحمد.

31 - الحافظ أبو جعفر محبّ الدین الطبریّ ، الشافعیّ : المتوفّی (694). 2.

ص: 519


1- أُسد الغابة : 4 / 108 رقم 3783.
2- کفایة الطالب : ص 62.
3- تذکرة الخواص : ص 29.
4- وسیلة المتعبّدین : ج 5 / ق 2 / 162.

أخرج فی الریاض النضرة(1) (2 / 169) بطریق أحمد بن حنبل عن البراء وزید ابن أرقم بلفظه المذکور ، ورواه فی ذخائر العقبی (ص 67) من طریق أحمد بلفظ البراء

ابن عازب.

32 - شیخ الإسلام الحمّوئی : المتوفّی (722).

قال فی فرائد السمطین فی الباب الثالث عشر(2) :

أخبرنا الشیخ الإمام عمادالدین عبدالحافظ بن بدران بقراءتی علیه بمدینة نابلس فی مسجده ، قلت له : أخبرک القاضی أبوالقاسم عبدالصمد بن محمد بن أبی الفضل الأنصاری الحرستانی إجازةً ، فأقرّ به ، قال : أنبأنا أبو عبدالله محمد بن أبی الفضل الفراوی إجازةً ، قال : أنبأنا شیخ السنّة أبو بکر أحمد بن الحسین البیهقیّ الحافظ ، قال : أنبأنا الحاکم أبو یعلی الزبیر بن عبدالله النوریّ ، نبّأنا أبو جعفر أحمد بن عبدالله البزّاز ، نبّأنا علیُّ بن سعید البرقی ، نبّأنا ضمرة بن ربیعة ، عن ابن شوذب ، عن مطر الورّاق ، عن شهر بن حوشب ، عن أبی هریرة ... بلفظ الخطیب البغدادی المذکور (ص 233).

وقال : أخبرنا الإمام الزاهد وحید الدین محمد بن أبی بکر بن أبی یزید الجوینی بقراءتی علیه بخیر آباد فی جمادی الأوّل(3) سنة ثلاث وستّین وستمائة ، قال : أنبأنا الإمام سراج الدین محمد بن أبی الفتوح الیعقوبی سماعاً ، قال : أنبأنا والدی الإمام فخر الدین أبو الفتوح بن أبی عبدالله محمد بن عمر بن یعقوب ، قال : أنبأنا الشیخ الإمام محمد بن علیِّ بن الفضل القارئ.

وأخبرنی السیّد الإمام الأطهر فخر الدین المرتضی بن محمود الحسینیّ ا.

ص: 520


1- الریاض النضرة : 3 / 113.
2- فرائد السمطین : 1 / 77 ح 44.
3- کذا.

الأشتریّ ، إجازةً فی سنة إحدی وسبعین وستمائة بروایته عن والده ، قال : أخبرنی الإمام مجدالدین أبو القاسم عبدالله بن محمد القزوینی ، قال : أنبأنا جمال السنّة أبو عبدالله محمد بن حمّویه بن محمد الجوینی ، قال : أنبأنا جمال الإسلام أبو المحاسن علیّ ابن شیخ الإسلام الفضل بن محمد الفارندی ، قال : أنبأنا الإمام عبدالله بن علیّ شیخ وقته المشار إلیه فی الطریقة ومقدَّم أهل الإسلام فی الشریعة ، قال : نبّأنا أبو الحسن علیّ بن محمد بن بندار القزوینیّ بمکّة نبّأنا علیّ بن عمر بن محمد الحبری قراءة علیه ، نبّأنا محمد بن عبیدة القاضی ، نبّأنا إبراهیم بن الحجّاج ، نبّأنا حمّاد عن علیِّ بن زید وأبی هارون العبدی ، عن عدیّ بن ثابت ، عن البراء بن عازب ، قال :

أقبلنا مع النبیّ صلی الله علیه وسلم فی حجّة الوداع ، حتی إذا کنّا بغدیر خُمّ ، فنادی فینا : الصلاة جامعة ، وکُسِح للنبیّ تحت شجرتین ، فأخذ النبیّ صلی الله علیه وسلم بید علیّ ، وقال :

«ألست أولی بالمؤمنین من أنفسهم ؟ قالوا : بلی. قال ألستُ أولی بکلّ مؤمن من نفسه ؟ قالوا : بلی. قال : ألیس أزواجی أمّهاتِهم ؟ قالوا : بلی.

فقال رسول الله : فإنَّ هذا مولی من أنا مولاه ، أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه».

ولقیه عمر بن الخطّاب بعد ذلک ، فقال له : هنیئاً لک یا ابن أبی طالب ، أصبحتَ وأمسیتَ مولی کلّ مؤمن ومؤمنة.

ثمّ قال : أورده الإمام الحافظ شیخ السنّة أبو بکر أحمد بن الحسین البیهقیّ فی فضائل أمیر المؤمنین علیّ رضی الله عنه ونقلتُهُ من خطّه المبارک.

وقال : أخبرنا الشیخ الإمام عماد الدین عبدالحافظ بن بدران بن شبل بن طرحان المقدسیّ ، بقراءتی علیه بمدینة نابلس ، والشیخ الصالح محمد بن عبدالله الأنصاریّ الحَرَسْتانی(1) إجازةً ، بروایته عن أبی عبدالله محمد بن الفضل الفراوی إذناً ، ف)

ص: 521


1- نسبة إلی حَرَسْتا - بالتحریک وسکون السین - : قریة علی نحو فرسخ من دمشق [معجم البلدان : 2 / 241]. (المؤلف)

بروایته عن الشیخ الإمام أبی بکر أحمد بن الحسین ، قال : أنبأنا علیّ بن أحمد بن عبید ، قال : نبّأنا أحمد بن سلیمان المؤدّب ، قال : حدّثنا عثمان ، قال : حدّثنا زید بن الحباب ، قال : حدّثنا حمّاد بن سلمة ، عن علیّ بن زید بن جدعان ، عن عدیِّ بن ثابت ، عن البراء ، قال : أقبلنا مع رسول الله ... (1) الحدیث.

33 - نظام الدین القمیّ ، النیسابوریّ :

مرت روایته بلفظ أبی سعید الخُدریّ (ص 221).

34 - ولیّ الدین الخطیب :

أخرج فی مشکاة المصابیح(2) - المؤلَّف سنة (737) - (ص 557) بطریق أحمد عن البراء بن عازب وزید بن أرقم بلفظه المذکور ص (272).

35 - جمال الدین الزرندیّ ، المدنیّ : المتوفّی سنة بضع وخمسین وسبعمائة.

رواه فی کتابه نظم درر السمطین(3) من طریق الحافظ أبی بکر البیهقیّ بإسناده

عن البراء بن عازب باللفظ المذکور عن الحمّوئی ، وفیه : حتی إذا کنّا بغدیر خُمّ یوم الخمیس ثامن عشر من ذی الحجّة ، فنودی فینا : الصلاة جامعة ...

36 - أبو الفدا إسماعیل بن کثیر الشامیّ ، الشافعیّ : المتوفّی (744).

روی فی کتابه البدایة والنهایة(4) (5 / 209 - 210) بلفظ أحمد بن حنبل عن البراء بن عازب من طریق الحافظین أبی یعلی الموصلیّ والحسن بن سفیان المذکورین ، وعن البراء - أیضاً - من طریق ابن جریر ، عن أبی زرعة ، عن موسی بن إسماعیل المنقری ، عن حمّاد بن سلمة ، عن علیّ بن زید وأبی هارون العبدی ، عن .

ص: 522


1- فرائد السمطین : 1 / 64 ح 30 ، ص 65 ح 31.
2- مشکاة المصابیح : 3 / 360 ح 6103.
3- نظم درر السمطین : ص 109.
4- البدایة والنهایة : 5 / 229 ، 232 حوادث سنة 10 ه.

عدیّ بن ثابت ، عن البراء ، ومن حدیث موسی بن عثمان الحضرمی عن أبی إسحاق السبیعی ، عن البراء وزید بن أرقم ، وأخرج فی (ص 212) عن أبی هریرة بلفظ الخطیب البغدادیّ.

37 - تقیّ الدین المقریزیّ ، المصریّ : المتوفّی (845).

ذکره فی الخطط(1) (2 / 223) بطریق أحمد عن البراء بن عازب بلفظه المذکور.

38 - نور الدین بن الصبّاغ المالکیّ ، المکّیّ : المتوفّی (855).

حکاه فی الفصول المهمّة(2) (ص 25) عن أحمد والحافظ البیهقی ، عن البراء بن عازب بلفظهما المذکور.

39 - القاضی نجم الدین الأذرعیّ ، الشافعیّ : المتوفّی (876).

قال فی بدیع المعانی (ص 75) : وقد ورد أنَّ عمر بن الخطّاب رضی الله عنه حین سمع قول النبیّ صلی الله علیه وسلم : «من کنتُ مولاه فعلیٌّ مولاه» ، قال لعلیٍّ رضی الله عنه : هنیئاً لک أصبحت مولی کلّ مؤمن ومؤمنة.

40 - کمال الدین المیبُذی :

ذکر فی شرح الدیوان المعزوّ إلی أمیر المؤمنین (ص 406) حدیث أحمد عن البراء بن عازب وزید بن أرقم بلفظه المذکور.

41 - جلال الدین السیوطی : المتوفّی (911). رواه فی جمع الجوامع ، کما فی کنز العمّال(3) (6 / 397) نقلاً عن الحافظ ابن أبی شیبة بلفظه المذکور (ص 272).

42 - نور الدین السمهودیّ ، المدنیّ ، الشافعیّ : المتوفّی (911).0.

ص: 523


1- الخطط : 1 / 388.
2- الفصول المهمّة : ص 40.
3- کنز العمّال : 13 / 133 ح 36420.

رواه فی کتابه - وفاء الوفا بأخبار دار المصطفی(1) (2 / 173) ، نقلاً عن أحمد بطریقه عن البراء وزید.

43 - أبو العبّاس شهاب الدین القسطلانیّ : المتوفّی (923).

قال فی المواهب اللدنیّة(2) (2 / 13) - فی معنی المولی ، وقولِ عمر : أصبحت مولی کلِّ مؤمن - : أی ولیّ کلِّ مؤمن.

44 - السیّد عبدالوهاب الحسینیّ ، البخاریّ : المتوفّی (932).

مرّ لفظه (ص 221).

45 - ابن حجر الهیتمیّ : المتوفّی (973).

قال فی الصواعق المحرقة(3) (ص 26) فی مفاد الحدیث : سلّمنا أنَّه أولی ، لکن لا نسلِّم أنَّ المراد أنَّه أولی بالإمامة ، بل بالاتّباع والقرب منه ... إلی أن قال : وهو الذی فهمه(4) أبو بکر وعمر - وناهیک بهما - من الحدیث ؛ فإنّهما لمّا سمعاه قالا له : أمسیت یا ابن أبی طالب مولی کلِّ مؤمن ومؤمنة. أخرجه الدارقطنی.

46 - السیِّد علیّ بن شهاب الدین الهمدانیّ :

رواه فی مودّة القربی(5) بلفظ البراء.

47 - السیِّد محمود الشیخانی ، القادریّ ، المدنیّ :

قال فی کتابه - الصراط السویِّ فی مناقب آل النبیّ - : أخرج أبو یعلی والحسن ابن سفیان فی مسندیهما عن البراء بن عازب رضی الله عنه قال : کنّا مع رسول الله صلی الله علیه وسلم فی حجّة ة.

ص: 524


1- وفاء الوفا بأخبار دار المصطفی : 3 / 1018.
2- المواهب اللدنیّة : 3 / 365.
3- الصواعق المحرقة : ص 44.
4- ستقف علی حقّ القول فی المفاد ، وأنَّ الملأ الحضور ما فهم إلّا ماترتئیه الإمامیة. (المؤلف)
5- اُنظر : المودّة الخامسة.

الوداع ... إلی آخر اللفظ المذکور عنهما.

ثمّ قال : قال الحافظ الذهبی : هذا حدیثٌ حسنٌ اتّفق علی ما ذکرنا جمهور أهل السنّة. انتهی.

ثمّ قال : فی بیان ما هو الصحیح من خطبة الغدیر : والصحیح ممّا ذکرنا - أیضاً - قوله صلی الله علیه وسلم : «ألستُ أولی بکلِّ مؤمن من نفسه ؟ قالوا : بلی.

قال : فإنّ هذا مولی من کنتُ مولاه ، أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه» فلقیه عمر رضی الله عنه فقال : هنیئاً لک أصبحت وأمسیت مولی کلِّ مؤمن ومؤمنة. انتهی ما هو الصحیح والحسان ، ولیس فی ذلک من مخترعات المدّعی ومفتریاته ...

یأتی تمام کلامه فی الکلمات حول سند الحدیث.

48 - شمس الدین المناویّ ، الشافعیّ : المتوفّی (1031).

قال فی فیض القدیر (6 / 218) : لمّا سمع أبو بکر وعمر ذلک - حدیث الولایة - قالا فیما أخرجه الدارقطنی عن سعد بن أبی وقّاص : أمسیت یا ابن أبی طالب

مولی کلِّ مؤمن ومؤمنة.

49 - الشیخ أحمد باکثیر المکیّ ، الشافعیّ : المتوفّی (1047).

رواه فی وسیلة المآل فی عدِّ مناقب الآل(1) بلفظ البراء بن عازب.

50 - أبو عبدالله الزرقانیّ ، المالکیّ : المتوفّی (1122).

قال فی شرح المواهب (7 / 13) : روی الدارقطنی عن سعد قال : لمّا سمع أبو بکر وعمر ذلک قالا : أمسیت یا ابن أبی طالب مولی کلِّ مؤمن ومؤمنة.

51 - حسام الدین بن محمد بایزید السهارنپوریّ :

ذکره فی مرافض الروافض بلفظ مرَّ (ص 143). 7.

ص: 525


1- وسیلة المآل : ص 117.

52 - میرزا محمد البَدَخشانیّ :

ذکره فی کتابیه - مفتاح النجا فی مناقب آل العبا(1) ونُزُل الأبرار بما صحّ فی أهل البیت الأطهار(2) - عن البراء وزید من طریق أحمد.

53 - الشیخ محمد صدرالعالم :

ذکره فی معارج العلی فی مناقب المرتضی من طریق أحمد عن البراء وزید.

54 - أبو ولیّ الله أحمد العمریّ ، الدهلویّ : المتوفّی (1176).

مرّ لفظه (ص 144).

55 - السیِّد محمد الصنعانیّ : المتوفّی (1182).

ذکر فی الروضة الندیّة شرح التحفة العلویّة(3) عن محبّ الدین الطبری ما أخرجه من طریق أحمد عن البراء.

56 - المولوی محمد مبین اللکهنویّ :

ذکره فی وسیلة النجاة(4) عن البراء وزید.

57 - المولوی ولیّ الله اللکهنویّ :

ذکره فی مرآة المؤمنین(5) فی مناقب أهل بیت سیِّد المرسلین بلفظ أحمد ، ثمّ قال : وفی روایة : بخٍ بخٍ لک یا علیُّ أصبحت وأمسیت ... 1.

ص: 526


1- مفتاح النجا : الورقة 57 - المخطوطة المرقّمة 4842 فی مکتبة المرعشی النجفی فی قم المقدّسة.
2- نُزُل الأبرار : ص 52.
3- الروضة الندیة شرح التحفة العلویة : ص 155.
4- وسیلة النجاة : ص 102.
5- مرآة المؤمنین : ص 41.

58 - محمد محبوب العالم :

ذکر فی تفسیر شاهی عن أبی سعید الخُدریّ ما مرّ فی (ص 221) بلفظ النیسابوری.

59 - السیّد أحمد زینیّ دحلان المکیّ ، الشافعیّ : المتوفّی (1304).

قال فی الفتوحات الإسلامیّة (2 / 306) : وکان عمر رضی الله عنه یحبُّ علیَّ بن أبی طالب وأهل بیت رسول الله صلی الله علیه وسلم ، وقد جاء عنه فی ذلک شیء کثیر ، فمن ذلک : أنَّه لمّا قال النبیُّ صلی الله علیه وسلم : «من کنتُ مولاه فعلیٌّ مولاه» ، قال أبو بکر وعمر رضی الله عنهما : أمسیت یا ابن أبی طالب مولی کلِّ مؤمن ومؤمنة.

60 - الشیخ محمد حبیب الله الشنقیطیّ ، المدنیّ ، المالکیّ :

ذکره فی کفایة الطالب فی حیاة علیّ بن أبی طالب (ص 28) من طریق ابن السمّان عن البراء بن عازب ، ومن طریق أحمد عن زید بن أرقم باللفظ المذکور.(1)

عودٌ إلی البدء

إنَّ هذه التهنئة المشفوعة بأمر من مصدر النبوّة ، والمصافقة بالبیعة المذکورة مع ی)

ص: 527


1- حدیث التهنئة أخرجه عبدالرزّاق ، وعنه الذهبی فی کتابه فی الغدیر برقم 95 وابن کثیر أیضاً : 7 / 349 ، وأخرجه أحمد فی المناقب رقم 138 وفی فضائل الصحابة : 1016 ، وأخرجه عبد الله بن أحمد بن حنبل فی زیادته فی مسند أبیه : 4 / 281. وأخرجه الحسن بن سفیان ، وأبو یعلی فی مسندیهما ، وعنهما الذهبی : برقم 93. وأخرجه ابن جریر الطبری ، وعنه ابن کثیر فی تاریخه : 5 / 210 ، وأخرجه القطیعی فی زیاداته فی مناقب علیّ لأحمد رقم 164 وفی فضائل الصحابة لأحمد : 1042 . وأخرجه ابن عساکر فی تاریخه بعدّة طرق بالأرقام : 548 - 553 ، وأخرجه الذهبی فی کتابه فی الغدیر - جزء له فی حدیث من کنت مولاه - برقم 93 ، وفی تاریخ الإسلام : 3 / 633 ، وابن کثیر فی البدایة والنهایة : 7 / 349 بعدّة طرق ، وابن منظور فی مختصر تاریخ دمشق : 17 / 354 ، والباعونی فی جواهر المطالب : 1 / 84 ، والسیوطی فی جمع الجوامع : 2 / 300 ، والعصامی فی سمط النجوم العوالی : 2 / 483. (الطباطبائی)

ابتهاج النبیّ بها بقوله : «الحمد لله الذی فضّلنا علی جمیع العالمین» ، علی ما عرفته من نزول الآیة الکریمة فی هذا الیوم المشهود الناصّة بإکمال الدین ، وإتمام النعمة ، ورضا

الربِّ بما وقع فیه.

وقد عرف ذلک طارق بن شهاب الکتابیُّ الذی حضر مجلس عمر بن الخطاب فقال : لو نزلت فینا هذه الآیة(1) لاتّخذنا یوم نزولها عیداً(2) ، ولم ینکرها علیه أحدٌ من الحضور ، وصدر من عمر ما یشبه التقریر لکلامه.

وذلک بعد نزول آیة التبلیغ ، وفیها ما یشبه التهدید إن تأخّر عن تبلیغ ذلک النصِّ الجلیِّ ؛ حذار بوادر الدهماء من الأمّة.

کلُّ هذه لا محالة قد أکسب هذا الیوم منعةً وبذخاً ورفعةً وشموخاً ، سرَّ موقعها صاحب الرسالة الخاتمة وأئمّة الهدی ومن اقتصّ أثرهم من المؤمنین ، وهذا هو الذی نعنیه من التعیید به ، وقد نوّه به رسول الله فیما رواه فرات بن إبراهیم الکوفی فی القرن الثالث ، عن محمد بن ظهیر ، عن عبدالله بن الفضل الهاشمیّ ، عن الإمام الصادق ، عن

أبیه ، عن آبائه ، قال :

قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «یوم غدیر خُمّ أفضل أعیاد أُمّتی ، وهو الیوم الذی أمرنی الله تعالی ذکره بنصب أخی علیّ بن أبی طالب عَلَماً لأُمّتی یهتدون به من بعدی ، وهو الیوم الذی أکمل الله فیه الدین. وأتمَّ علی أُمّتی فیه النعمة ، ورضیَ لهم الإسلام دیناً».کما یُعرب عنه قوله صلی الله علیه وآله وسلم فی حدیث أخرجه الحافظ الخرکوشیّ ، کما مرّ (ص 274) : «هنِّئونی هنِّئونی». ف)

ص: 528


1- یعنی قوله تعالی : (الْیَوْمَ أَکْمَلْتُ لَکُمْ دِینَکُمْ) الآیة. راجع (ص 230 - 238). (المؤلف)
2- أخرجه الأئمة الخمسة : مسلم [فی صحیحه : 5 / 517 ح 3 کتاب التفسیر] ، ومالک ، والبخاری ، والترمذی [فی سننه : 5 / 233 ح 3043 و 3044] ، والنسائی [فی سننه : 2 / 420 ح 3997] کما فی تیسیر الوصول : 1 / 122 [1 : 145 ح 1] ، ورواه الطحاوی فی مشکل الآثار : 3 / 196 ، والطبری فی تفسیره : 6 / 46 [مج 4 / ج 6 / 82] ، وابن کثیر فی تفسیره : 2 / 14 عن أحمد [فی مسنده 1 / 65 ح 274] والبخاری. ورواه جمع آخر. (المؤلف)

واقتفی أثر النبیّ الأعظم أمیر المؤمنین علیّ بن أبی طالب علیه السلام نفسه فاتّخذه عیداً ، وخطب فیه سنةً اتّفق فیها الجمعة والغدیر ، ومن خطبته قوله :

«إنّ الله عزّ وجلّ جمع لکم - معشر المؤمنین - فی هذا الیوم عیدین عظیمین کبیرین ، ولا یقوم أحدهما إلّا بصاحبه ؛ لیکمل عندکم جمیل صنعه ، ویقفکم علی طریق رشده ، ویقفو بکم آثار المستضیئین بنور هدایته ، ویسلککم منهاج قصده ، ویوفِّر علیکم هنیء رِفده ، فجعل الجمعة مجمعاً ندب إلیه لتطهیر ما کان قبله وغسل ما أوقعته مکاسب السوء من مثله إلی مثله ، وذکری للمؤمنین ، وتبیان خشیة المتّقین ، ووهب من ثواب الأعمال فیه أضعاف ما وهب لأهل طاعته فی الأیّام قبله ، وجعله لا یتمّ إلّا بالائتمار لما أمر به ، والانتهاء عمّا نهی عنه ، والبخوع بطاعته فیما حثَّ علیه وندب إلیه ، فلا یُقبل توحیده إلّا بالاعتراف لنبیّه صلی الله علیه وآله وسلم بنبوّته ، ولا یقبل دیناً إلّا بولایة من أمر بولایته ، ولا تنتظم أسباب طاعته إلّا بالتمسّک بعصمه وعصم أهل ولایته ، فأنزل علی نبیّه صلی الله علیه وآله وسلم فی یوم الدوح ما بیّن به عن إرادته فی خلصائه وذوی اجتبائه ، وأمره بالبلاغ وترْکِ الحفْل بأهل الزیغ والنفاق وضمن له عصمته منهم ...»

إلی أنَّ قال :

«عودوا رحمکم الله بعد انقضاء مجمعکم بالتوسعة علی عیالکم ، وبالبرّ بإخوانکم ، والشکر لله عزَّ وجلّ علی ما منحکم ، واجمعوا یجمع الله شملکم ، وتبارّوا

یصل الله أُلفتکم ، وتهادَوا نعمة الله کما منّاکم بالثواب فیه علی أضعاف الأعیاد قبله أو بعده إلّا فی مثله ، والبرّ فیه یُثمر المال ویزید فی العمر ، والتعاطف فیه یقتضی رحمة الله وعطفه ، وهیّئوا لإخوانکم وعیالکم عن فضله بالجهد من وجودکم ، وبما تناله القدرة من استطاعتکم ، وأظهروا البِشْر فیما بینکم والسرور فی ملاقاتکم». الخطبة(1).

وعرفه أئمّة العترة الطاهرة - صلوات الله علیهم - فسَمَّوه عیداً ، وأمروا بذلک ف)

ص: 529


1- ذکرها شیخ الطائفة بإسناده فی مصباح المتهجّد : ص 524 [ص 698]. (المؤلف)

عامّة المسلمین ونشروا فضل الیوم ومثوبةَ من عمل البرّ فیه ، ففی تفسیر فرات بن إبراهیم الکوفی(1) فی سورة المائدة ، عن جعفر بن محمد الأزدی ، عن محمد بن الحسین الصائغ ، عن الحسن بن علیّ الصیرفی ، عن محمد البزّاز ، عن فرات بن أحنف ، عن أبی عبدالله علیه السلام قال :

قلت : جعلت فداک للمسلمین عید أفضل من الفطر والأضحی ویوم الجمعة ویوم عرفة ؟

قال : فقال لی : «نعم ، أفضلها وأعظمها وأشرفها عند الله منزلة هو الیوم الذی أکمل الله فیه الدین وأنزل علی نبیّه محمد (الْیَوْمَ أَکْمَلْتُ لَکُمْ دِینَکُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَیْکُمْ نِعْمَتِی وَرَضِیتُ لَکُمُ الْإِسْلَامَ دِینًا)».

قال : قلت : وأیُّ یوم هو ؟ قال : فقال لی : «إنّ أنبیاء بنی إسرائیل کانوا إذا أراد أحدهم أن یعقد الوصیّة والإمامة من بعده ، ففعل ذلک ، جعلوا ذلک الیوم عیداً ، وإنَّه

الیوم الذی نصب فیه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم علیّاً للناس عَلَماً وأنزل فیه ما أنزل ، وکمُل فیه الدین ، وتمّت فیه النعمة علی المؤمنین».

قال : قلت : وأیّ یوم هو فی السنة ؟ قال : فقال لی : «إنّ الأیّام تتقدّم وتتأخّر ، وربّما کان یوم السبت والأحد والإثنین إلی آخر الأیام السبعة»(2).

قال : قلت : فما ینبغی لنا أن نعمل فی ذلک الیوم ؟ قال : «هو یوم عبادة وصلاة وشکر لله وحمد له وسرور لما منَّ الله به علیکم من ولایتنا. فإنّی أُحبّ لکم أن تصوموه».ف)

ص: 530


1- تفسیر فرات الکوفی : ص 117 ح 123.
2- الظاهر أنَّ فی لفظ الحدیث سقْطاً ، ولعلّه ما سیأتی فی لفظ الکُلَینی عن الإمام نفسه من تعیینه بالیوم الثامن عشر من ذی الحجّة. (المؤلف)

وفی الکافی لثقة الإسلام الکلینی(1) (1 / 203) عن علیّ بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن القاسم بن یحیی ، عن جدّه الحسن بن راشد ، عن أبی عبدالله علیه السلام قال : قلت : جعلت فداک ، للمسلمین عید غیر العیدین ؟ قال : «نعم یا حسن ، أعظمهما وأشرفهما».

قلت : وأیّ یوم هو ؟ قال : «یوم نصب أمیر المؤمنین علیه السلام عَلَماً للناس». قلت : جعلت فداک وما ینبغی لنا أن نصنع فیه ؟

قال : «تصوم یا حسن ، وتکثر الصلاة علی محمد وآله ، وتبرأ إلی الله ممّن ظلمهم ، فإنّ الأنبیاء - صلوات الله علیهم - کانت تأمر الأوصیاء بالیوم الذی کان یُقام فیه الوصیّ أن یُتّخذ عیداً».

قال : قلت : فما لمن صامه ؟ قال : «صیام ستّین شهراً»(2).

وفی الکافی أیضاً(3) (1 / 204) عن سهل بن زیاد ، عن عبدالرحمن بن سالم ، عن أبیه ، قال :

سألت أبا عبدالله علیه السلام هل للمسلمین عیدٌ غیر یوم الجمعة والأضحی والفطر ؟ قال : «نعم ، أعظمها حرمةً».

قلت : وأیّ عید هو جعلت فداک ؟ قال : «الیوم الذی نصّب فیه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أمیر المؤمنین ، وقال : من کنت مولاه فعلیٌّ مولاه».

قلت : وأیّ یوم هو ؟ قال : «وما تصنع بالیوم ؟ إنّ السنة تدور ، ولکنّه یوم ثمانیة عشر من ذی الحجّة». 3.

ص: 531


1- الکافی : 4 / 148 ح 1.
2- ستُوافیک هذه المثوبة من روایة الحفّاظ بإسناد رجاله کلّهم ثقات. (المؤلف)
3- الکافی : 4 / 149 ح 3.

فقلت : ما ینبغی لنا أن نفعل فی ذلک الیوم ؟ قال : «تذکرون الله - عزّ ذکره - فیه بالصیام والعبادة والذکر لمحمد وآل محمد ، فإنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أوصی أمیر المؤمنین علیه السلام أن یتّخذوا ذلک الیوم عیداً ، وکذلک کانت الأنبیاء تفعل ، کانوا یوصون أوصیاءهم بذلک فیتّخذونه عیداً».

وبإسناده عن الحسین بن الحسن الحسینی ، عن محمد بن موسی الهمدانی ، عن علیّ بن حسّان الواسطیّ ، عن علیّ بن الحسین العبدیّ ، قال : سمعت أبا عبدالله علیه السلام یقول : «صیام یوم غدیر خُمّ یعدل عند الله فی کلّ عام مائة حجّة ومائة عمرة مبرورات متقبّلات ، وهو عید الله الأکبر». الحدیث.

وفی الخصال - لشیخنا الصدوق(1) - بإسناده عن المفضّل بن عمر قال : قلت لأبی عبدالله علیه السلام : کم للمسلمین من عید ؟ فقال : «أربعة أعیاد».

قال : قلت : قد عرفت العیدین والجمعة. فقال لی : «أعظمها وأشرفها یوم الثامن عشر من ذی الحجّة ، وهو الیوم الذی أقام فیه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أمیر المؤمنین علیه السلام ونصبه للناس عَلَماً».

قال : قلت : ما یجب علینا فی ذلک الیوم ؟ قال : «یجب(2) علیکم صیامه شکراً لله وحمداً له ، مع أنَّه أهل أن یُشکَر کلَّ ساعة ، کذلک أمرت الأنبیاء أوصیاءها أن یصوموا الیوم الذی یُقام فیه الوصیّ ، ویتّخذونه(3) عیداً». الحدیث.

وفی المصباح(4) لشیخ الطائفة الطوسی (ص 513) عن داود الرقّی ، عن أبی 0.

ص: 532


1- الخصال : ص 264 ح 145.
2- المراد بالوجوب هو الثبوت فی السنّة الشامل للندب - أیضاً - کما یکشف عنه التعبیر ب- (ینبغی) فی بقیّة الأحادیث ، وله فی أحادیث الفقه نظائر جمّة. (المؤلف)
3- کذا فی المصدر بإثبات النون.
4- مصباح المتهجّد : ص 680.

هارون عمّار بن حریز العبدی ، قال : دخلت علی أبی عبدالله علیه السلام فی الیوم الثامن عشر من ذی الحجّة ، فوجدته صائماً. فقال لی : «هذا یومٌ عظیمٌ عظّم الله حرمته علی المؤمنین ، وأکمل لهم فیه الدین ، وتمّم علیهم النعمة ، وجدّد لهم ما أخذ علیهم من العهد والمیثاق».

فقیل له : ما ثواب صوم هذا الیوم ؟ قال : «إنَّه یوم عید وفرح وسرور ، ویوم صوم شکراً لله ، وإنَّ صومه یعدل ستّین شهراً من أشهر الحُرُم». الحدیث.

وروی عبدالله بن جعفر الحمیری ، عن هارون بن مسلم ، عن أبی الحسن اللیثی ، عن أبی عبدالله علیه السلام أنَّه قال لمن حضره من موالیه وشیعته :

«أتعرفون یوماً شیّد الله به الإسلام ، وأظهر به منار الدین ، وجعله عیداً لنا ولموالینا وشیعتنا ؟»

فقالوا : الله ورسوله وابن رسوله أعلم ، أیوم الفطر هو یا سیّدنا ؟ قال : «لا». قالوا : أفَیَومُ الأضحی هو ؟ قال : «لا ، وهذان یومان جلیلان شریفان ، ویوم منار

الدین أشرف منهما ، وهو الیوم الثامن عشر من ذی الحجّة ، وإنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لمّا انصرف من حجّة الوداع وصار بغدیر خمّ ...».

وفی حدیث الحمیری بعد ذکر صلاة الشکر یوم الغدیر : «وتقول فی سجودک : أللّهمّ إنَّا نفرّج وجوهنا فی یوم عیدنا الذی شرّفتنا فیه بولایة مولانا أمیر المؤمنین علیّ بن أبی طالب صلّی الله علیه».

وقال الفیّاض بن محمد بن عمر الطوسی سنة تسع وخمسین ومائتین وقد بلغ التسعین : إنَّه شهد أبا الحسن علیّ بن موسی الرضا علیه السلام فی یوم الغدیر وبحضرته جماعة من خاصّته قد احتبسهم للإفطار ، وقد قدّم إلی منازلهم الطعام والبرّ والصِّلات والکسوة حتی الخواتیم والنعال ، وقد غیّر من أحوالهم وأحوال حاشیته ، وجُدِّدت لهم

آلة غیر الآلة التی جری الرسم بابتذالها قبل یومه ، وهو یذکر فضل الیوم وقدمه.

ص: 533

وفی مختصر بصائر الدرجات بالإسناد عن محمد بن العلاء الهمدانی الواسطی ویحیی بن جریح البغدادیِّ ، قالا - فی حدیث - : قصدنا جمیعاً أحمد بن إسحاق القمّی

صاحب الإمام أبی محمد العسکری - المتوفّی (260) - بمدینة قمّ ، وقرعنا علیه الباب ، فخرجت إلینا من داره صبیّة عراقیّة ، فسألناها عنه ، فقالت : هو مشغولٌ بعیده ، فإنّه

یوم عید ، فقلنا سبحان الله أعیاد الشیعة أربعة : الأضحی ، والفطر ، والغدیر ، والجمعة ... الحدیث.

ما عشتَ أراکَ الدهرُ عَجباً

إلی هنا أوقفک البحث والتنقیب علی حقیقة هذا العید وصلته بالأمّة جمعاء ، وتقادم عهده المتّصل بالدور النبویِّ ، ثمّ جاء من بعده متواصل العُری من وصیّ إلی وصیّ ، یُعلم به أئمّة الدین ، ویُشید بذکره أُمناء الوحی ، کالإمامین أبی عبدالله الصادق وأبی الحسن الرضا بعد أبیهم أمیر المؤمنین - صلوات الله علیهم - وقد توفِّی هذان الإمامان ونُطَف البویهیّین لم تنعقد بعدُ ، وقد جاءت أخبارهما مرویّةً فی تفسیر فرات والکافی المؤلَّفین فی القرن الثالث ، وهذه الأخبار هی مصادر الشیعة ومدارکها فی اتّخاذ یوم الغدیر عیداً منذ عهد طائل فی القِدَم ، ومنذ صدور تلکم الکَلِم الذهبیّة من معادن الحُکْم والحِکَم.

إذا عرفت هذا فهلمّ معی نسائل النویری والمقریزی عن قولهما : إنّ هذا العید ابتدعه معزّ الدولة علیّ بن بویه سنة (352). قال الأوّل فی نهایة الأَرَب فی فنون الأَدَب(1) (1 / 177) فی ذکر الأعیاد الإسلامیّة :

وعید ابتدعته الشیعة ، وسمّوه عید الغدیر ، وسبب اتّخاذهم له مؤاخاة النبی صلی الله علیه وسلم علیَّ بن أبی طالب یوم غدیر خُمّ ، والغدیر : تصبّ فیه عین وحوله شجر کثیر ملتفّ بعضها ببعض ، وبین الغدیر والعین مسجد رسول الله صلی الله علیه وسلم ، والیوم الذی ابتدعوا فیه هذا 4.

ص: 534


1- نهایة الأَرَب : 1 / 184.

العید هو الثامن عشر من ذی الحجّة ؛ لأنّ المؤاخاة کانت فیه فی سنة عشر من الهجرة ، وهی حجّة الوداع ، وهم یُحیون لیلتها بالصّلاة ، ویُصلّون فی صبیحتها رکعتین قبل الزوال ، وشعارهم فیه لبس الجدید وعتق الرقاب وبرّ الأجانب والذبائح.

وأوّل من أحدثه معزُّ الدولة أبو الحسن علیّ بن بویه علی ما نذکره إن شاء الله فی أخباره فی سنة (352) ، ولمّا ابتدع الشیعة هذا العید واتّخذوه من سننهم عمل عوامّ السنّة یوم سرور نظیر عید الشیعة فی سنة (389) ، وجعلوه بعد عید الشیعة بثمانیة أیام ، وقالوا : هذا یوم دخول رسول الله صلی الله علیه وسلم الغار هو وأبو بکر الصدّیق ، وأظهروا فی هذا الیوم الزینة ونصب القباب وإیقاد النیران. انتهی.

وقال المقریزی فی الخطط(1) (2 / 222) : عید الغدیر لم یکن عیداً مشروعاً ، ولا عمله أحد من سالف الأمّة المقتدی بهم ، وأوّل ما عرف فی الإسلام بالعراق أیّام معزّ الدولة علیّ بن بُوَیه ، فإنّه أحدثه سنة (352) فاتّخذه الشیعة من حینئذٍ عیداً. انتهی.

وما عسانی أن أقول فی بحّاثة یکتب عن تاریخ الشیعة قبل أن یقف علی حقیقته ، أو أنَّه عرف نفس الأمر فنسیها عند الکتابة ، أو أغضی عنها لأمرٍ دُبِّر بلیل ، أو أنَّه یقول ولا یعلم ما یقول ، أو أنَّه ما یبالی بما یقول ، أوَلیس المسعودی المتوفّی (346) یقول فی التنبیه والإشراف (ص 221) : وولدُ علیّ رضی الله عنه وشیعته یعظِّمون هذا الیوم ؟ أوَلیس الکُلینی الراوی لحدیث عید الغدیر فی الکافی(2) توفِّی سنة (329) ؟ وقبله فرات بن إبراهیم الکوفی المفسِّر الراوی لحدیثه الآخر فی تفسیره(3) - الموجود عندنا - الذی هو فی طبقة مشایخ ثقة الإسلام الکلینی المذکور ، فالکتب هذه أُلِّفت قبل ما ذَکَراه - النویری والمقریزی - من التاریخ (352). 3.

ص: 535


1- الخطط : 1 / 388.
2- الکافی : 4 / 149 ح 3.
3- تفسیر فرات الکوفی : ص 117 ح 123.

أوَلیس الفیّاض بن محمد بن عمر الطوسی قد أخبر به سنة (259) ، وذکر أنَّه شاهد الإمام الرضا - سلام الله علیه - المتوفّی سنة (203) یعیِّد فی هذا الیوم ، ویذکر

فضله وقِدَمه ، ویروی ذلک عن آبائه عن أمیر المؤمنین علیهم السلام ؟

والإمام الصادق المتوفّی سنة (148) قد علّم أصحابه بذلک کلّه ، وأخبرهم بما جرت علیه سنن الأنبیاء من اتّخاذ یوم نصبوا فیه خلفاءهم عیداً ، کما جرت به العادة

عند الملوک والأُمراء من التعیید فی أیّام تسنّموا فیها عرش الملک ، وقد أمر أئمة الدین علیهم السلام فی عصورهم القدیمة شیعتهم بأعمال بِرِّیّة ودعوات مخصوصة بهذا الیوم وأعمال وطاعات خاصّة به. والحدیث الذی مرَّ عن مختصر بصائر الدرجات یعرب عن کونه من أعیاد الشیعة الأربعة المشهورة فی أوائل القرن الثالث الهجری.

هذه حقیقة عید الغدیر ، لکنّ الرجلین أرادا طعناً بالشیعة ، فأنکرا ذلک السلف الصالح ، وصوّراه بدعةً معزوَّةً إلی مُعزِّ الدولة ، وهما یحسبان أنَّه لا یقف علی کلامهما من یعرف التاریخ ، فیناقشهما الحساب.

(فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا کَانُوا یَعْمَلُونَ * فَغُلِبُوا هُنَالِکَ وَانقَلَبُوا صَاغِرِینَ)(1) 9.

ص: 536


1- الأعراف : 118 ، 119.

التتویج یوم الغدیر

ولما عرفت من تعیین صاحب الخلافة الکبری للملوکیّة الإسلامیّة ونیله ولایة العهد النبویّ ، کان من الحریّ تتویجه بما هو شارة الملوک ، وسِمة الأُمراء ، ولمّا

کانت التیجان المکلّلة بالذهب المرصَّعة بالجواهر من شناشن ملوک الفرس ، ولم یکن للعرب منها بدلٌ إلّا العمائم ، فکان لا یلبسها إلّا العظماء والأشراف منهم ، ولذلک جاء عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قوله : «العمائم تیجان العرب». رواه القضاعی والدیلمی ، وصحّحه السیوطیّ فی الجامع الصغیر(1) (2 / 155) ، وأورده ابن الأثیر فی النهایة(2).

وقال المرتضی الحنفیّ الزبیدیّ فی تاج العروس (2 / 12) : التاج : الإکلیل ، والفضّة والعمامة ، والأخیر علی التشبیه : - جمع تیجان وأتواج - والعرب تسمّی العمائم : التاج. وفی الحدیث : «العمائم تیجان العرب». جمع تاج ، وهو ما یُصاغ للملوک من الذهب والجوهر ، أراد أنَّ العمائم [للعرب] بمنزلة التیجان للملوک ؛ لأنّهم

أکثر ما یکونون فی البوادی مکشوفی الرؤوس أو بالقلانس ، والعمائم فیهم قلیلة ، والأکالیل تیجان ملوک العجم ، وتوّجَهُ : أی سوّده وعمّمه.

وفی (8 / 410) : ومن المجاز : عُمِّم - بالضمّ - أی سُوِّد ؛ لأنّ تیجان العرب العمائم ، فکلّما قیل فی العجم : تُوِّج من التاج ، قیل فی العرب : عمّم. قال :

وَفیهمُ إذ عُمِّم المُعمَّمُ.

وکانوا إذا سوّدوا رجلاً عمّموه عمامةً حمراء ، وکانت الفرس تُتوِّج ملوکها ، فیقال له : المُتوَّج. 9.

ص: 537


1- الجامع الصغیر : 2 / 193 ح 5723.
2- النهایة فی غریب الحدیث والأثر : 1 / 199.

وعدَّ الشبلنجی فی نور الأبصار(1) (ص 25) من ألقاب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : صاحب التاج ، فقال : المراد العمامة ؛ لأنّ العمائم تیجان العرب کما جاء فی الحدیث.

فعلی هذا الأساس عمّمه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم هذا الیوم بهیئة خاصّة تُعرب عن العظمة والجلال ، وتوّجه بیده الکریمة بعمامته - السحاب - فی ذلک الُمحتَشد العظیم ، وفیه تلویحٌ أنَّ المتوَّج بها مقیَّضٌ - بالفتح - لإمرة کإمرته صلی الله علیه وآله وسلم غیر أنَّه مبلّغ عنه وقائم مقامه من بعده.

روی الحافظ عبدالله بن أبی شیبة ، وأبو داود الطیالسی(2) ، وابن منیع البغوی ، وأبو بکر البیهقی ، کما فی کنز العمّال(3) (8 / 60) عن علیّ ، قال :

«عمّمنی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یوم غدیر خُمّ بعمامة ، فسدلها خلفی». وفی لفظ : «فسدل طرفها علی منکبی». ثمّ قال : «إنّ الله أمدَّنی یوم بدر وحنین بملائکة یعتمّون هذه العمّة». وقال : «إنّ العمامة حاجزةٌ بین الکفر والإیمان».

ورواه من طریق السیوطی عن الأعلام الأربعة السیِّد أحمد القشاشی(4) فی السمط المجید(5).

وفی کنز العمّال(6) (8 / 60) عن مسند عبدالله بن الشخیر ، عن عبدالرحمن بن عدیِّ البحرانی ، عن أخیه عبدالأعلی بن عدیّ :

أنَّ رسول الله صلی الله علیه وسلم دعا علیّ بن أبی طالب ، فعمّمه وأرخی عَذَبَةَ(7) العمامة ف)

ص: 538


1- نور الأبصار : ص 58.
2- مسند أبی داود الطیالسی : ص 23 ح 154.
3- کنز العمّال : 15 / 482 ح 41909.
4- المتوفّی (1071) ترجمه المحبّی فی خلاصة الأثر : 1 / 343 - 346 وأثنی علیه. (المؤلف)
5- السمط المجید : ص 99.
6- کنز العمّال : 15 / 483 ح 41911.
7- العَذَبة - بفتح المهملة - : طرف الشیء. (المؤلف)

من خلفه. الدیلمی.

وعن الحافظ الدیلمی(1) عن ابن عبّاس قال : لمّا عمّم رسول الله صلی الله علیه وسلم علیّاً بالسحاب(2) ، قال له : «یا علیُّ العمائم تیجان العرب».

وعن ابن شاذان فی مشیخته عن علیّ : أنَّ النبیّ صلی الله علیه وسلم عمّمه بیده ، فذنّب العمامة من ورائه ومن بین یدیه ، ثمّ قال له النبیُّ صلی الله علیه وسلم : «أدبر» ، فأدبر ، ثمّ قال له : «أقبل» ، فأقبل ، وأقبل علی أصحابه ، فقال النبیّ صلی الله علیه وسلم : «هکذا تکون تیجان الملائکة».

وأخرج الحافظ أبو نعیم فی معرفة الصحابة(3) ، ومحبّ الدین الطبری فی الریاض النضرة(4) (2 / 217) عن عبدالأعلی بن عدیّ النهروانی : أنَّ رسول الله صلی الله علیه وسلم دعا علیّاً یوم غدیر خُمّ ، فعمّمه وأرخی عَذَبَةَ العمامة من خلفه.

وذکره العلّامة الزرقانی فی شرح المواهب (5 / 10).

وأخرج شیخ الإسلام الحمّوئی فی الباب الثانی عشر من فرائد السمطین(5) من طریق أحمد بن منیع بإسناد فیه عدّة من الحفّاظ الأثبات ، عن أبی راشد ، عن علیٍّ قال : «قال رسول الله صلی الله علیه وسلم : إنّ الله عزّ وجلّ أیّدنی یوم بدر وحنین بملائکة معتمّین هذه العمّة ، والعمّة الحاجز بین المسلمین والمشرکین». قاله لعلیّ لمّا عمّمه یوم غدیر خُمّ بعمامة سدل طرفها علی منکبه.

وأخرج بإسناد آخر من طریق الحافظ أبی سعید الشاشی(6) المترجم (ص 103) : أنَّ رسول الله صلی الله علیه وسلم عمّم علیّ بن أبی طالب رضی الله عنه عمامته السحاب ، فأرخاها من بین یدیه 2.

ص: 539


1- الفردوس بمأثور الخطاب : 3 / 87 ح 4246.
2- قال ابن الأثیر فی النهایة 2 / 160 [2 / 345] : کان اسم عمامة النبیّ صلی الله علیه وسلم السحاب. (المؤلف)
3- معرفة الصحابة : 1 / 301.
4- الریاض النضرة : 3 / 170.
5- فرائد السمطین : 1 / 75 باب 12 ح 41.
6- فرائد السمطین : 1 / 76 باب 12 ح 42.

ومن خلفه ثمّ قال : «أقبل». فأقبل ، ثمّ قال : «أدبر» ، فأدبر ، قال : «هکذا جاءتنی الملائکة».

وبهذا اللفظ رواه جمال الدین الزرندی الحنفی فی نظم درر السمطین(1) ، وجمال الدین الشیرازی فی أربعینه ، وشهاب الدین أحمد فی توضیح الدلائل ، وزادوا : ثمّ قال صلی الله علیه وسلم : «من کنتُ مولاه فعلیٌّ مولاه ، أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله».

وأخرج الحمّوئی بإسناد آخر من طریق الحافظ أبی عبدالرحمن بن عائشة(2) عن علیٍّ قال : «عمّمنی رسول الله صلی الله علیه وسلم یوم غدیر خُمّ بعمامة ، فسدل نمرقها علی منکبی ، وقال : إنَّ الله أیّدنی یوم بدر وحنین بملائکة معتمّین بهذه العمامة».

وبهذا اللفظ رواه ابن الصبّاغ المالکیّ فی الفصول المهمّة(3) (ص 27) ، والحافظ الزرندی فی نظم درر السمطین ، والسیّد محمود القادریّ المدنیّ فی الصراط السویِّ.

فائدةٌ : قال أبو الحسین الملطی(4) فی التنبیه والردّ(5) (ص 26) :

قولهم - یعنی الروافض - : علیٌّ فی السحاب ، فإنّما ذلک قول النبیّ صلی الله علیه وسلم لعلیّ : أقبل ، وهو معتمّ بعمامة للنبیّ صلی الله علیه وسلم کانت تدعی السحاب ، فقال صلی الله علیه وسلم : «قد أقبل علیّ فی السحاب» ؛ یعنی فی تلک العمامة التی تسمّی السحاب ، فتأوّلوه هؤلاء علی غیر تأویله.

وقال الغزالی(6) کما فی البحر الزخّار (1 / 215) : کانت له عمامة تسمّی 5.

ص: 540


1- نظم درر السمطین : ص 112.
2- فرائد السمطین : 1 / 76 باب 12 ح 43.
3- الفصول المهمة : ص 41.
4- محمد بن أحمد بن عبدالرحمن الملطی الشافعی : المتوفّی (377). (المؤلف)
5- التنبیه والردّ علی أهل الأهواء والبدع : ص 19.
6- إحیاء علوم الدین : 2 / 345.

السحاب ، فوهبها من علیٍّ ، فربّما طلع علیٌّ فیها ، فیقول صلی الله علیه وسلم : «أتاکم علیٌّ فی السحاب».

وقال الحلبی فی السیرة(1) (3 / 369) : کان له صلی الله علیه وسلم عمامة تسمّی السحاب کساها علیّ بن أبی طالب - کرّم الله وجهه - فکان ربّما طلع علیه علیٌّ - کرّم الله وجهه - فیقول صلی الله علیه وسلم : «أتاکم علیٌّ فی السحاب» ، یعنی عمامته التی وهبها له صلی الله علیه وسلم.

قال الأمینی : هذا معنی ما یُعزی إلی الشیعة من قولهم : إنّ علیّاً فی السحاب ، ولم یؤوّله أیُّ أحد منهم قطُّ من أوّل یومهم علی غیر تأویله ، کما حسبه الملطی ، وإنَّما أوّله الناس افتراءً علینا ، والله من ورائهم حسیب.

فیوم التتویج هذا أسعد یوم فی الإسلام ، وأعظم عید لموالی أمیر المؤمنین علیه السلام کما أنَّه مثار حَنَق وأحقاد لمن ناوأه من النواصب.

(وُجُوهٌ یَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ * ضَاحِکَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ * وَوُجُوهٌ یَوْمَئِذٍ عَلَیْهَا غَبَرَةٌ * تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ)(2) 1.

ص: 541


1- السیرة الحلبیة : 3 / 341.
2- عَبَس : 38 - 41.

ص: 542

کلمات حول سند الحدیث للحفّاظ الأثبات والأعلام الفطاحل

لم نندفع إلی عقد هذا البحث بدافع الحاجة إلی إثبات صحّة الحدیث ، ولا دعانا إلیه الإعواز إلی إثبات تواتره ؛ فإنّ ذات الحدیث وجوهریّتها القائمة بنفسها فی غنیً عن أی تحویر فی ذلک ، ومن ذا الذی یسعه إنکار صحّته ، ورجال کثیر من أسانیده رجال الصحیحین ، وأیّ معاند یمکنه ردُّ تواتره اللفظی فی الجملة والمعنویِّ فی تفاصیله والإجمالیّ فی جملة من شؤونه ، وقد شهد به القریب والبعید ، ورواه القاصی والدانی ، وأثبته أکثر المؤلِّفین فی الحدیث والتاریخ والتفسیر والکلام ، وأفرده بالتألیف آخرون ، فلن تجد له إلّا رنّةً تصکُّ المسامع منذ هتف به داعی الرشاد حتی عصرنا الحاضر ، وسیبقی ذکره مخلَّداً ما تعاقب المَلَوان ، فلیس من یجابهه بالإنکار إلّا کمن یتعامی عن الشمس الضاحیة ، وإنَّما راقنا البحث عمّا قیل فی ذلک إصحاراً بحقیقةٍ راهنةٍ ، ألا وهی إصفاق علماء الفریقین علی صحّة الحدیث وتواتره ؛ لیعلم القارئ أنَّ من یحید عن تلکم الخطّة شاذٌّ عن الطریقة المثلی ، خارج تجاه ما اجتمعت علیه الأمّة ، وهو یقول : إنّ الأمّة لا تجتمع علی خطأ. فمنهم :

1 - الحافظ أبو عیسی الترمذیّ : المتوفّی (279).

قال فی صحیحه(1) (2 / 298) بعد ذکر الحدیث : هذا حدیث حسن صحیح. 3.

ص: 543


1- سنن الترمذی : 5 / 591 ح 3713.

2 - الحافظ أبو جعفر الطحاویّ : المتوفّی (279).

قال فی مشکل الآثار (2 / 308) : قال أبو جعفر : فدفع دافع هذا الحدیث ، وزعم أنَّه مستحیل ، وذکر أنَّ علیّاً لم یکن مع النبیّ صلی الله علیه وسلم فی خروجه إلی الحجّ من المدینة الذی مرّ فی طریقه بغدیر خُمّ بالجُحفة ، وذکر فی ذلک ما قد حدّثنا أحمد بإسناده ، قال : حدّثنا جعفر بن محمد ، عن أبیه ، قال : دخلنا علی جابر بن عبدالله ، فذکر حدیثه فی حجّة النبیّ صلی الله علیه وسلم فقال : فقدم علیٌّ من الیمن ببُدْن النبیّ ... ، ثمّ ذکر بقیّة الحدیث.

قال أبو جعفر : فهذا الحدیث صحیح الإسناد ، ولا طعن لأحد فی رواته ، وفیه : أنَّ ذلک القول کان من رسول الله صلی الله علیه وسلم لعلیٍّ بغدیر خُمّ فی رجوعه من حجّه إلی المدینة ، لا فی خروجه لحجّه من المدینة.

فقال هذا القائل : فإنّ هذا الحدیث رُوی عن سعد بن أبی وقّاص فی هذه القصّة ، وإنّ ذلک القول إنَّما کان من رسول الله صلی الله علیه وسلم بغدیر خُمّ فی خروجه من المدینة إلی الحجِّ ، لا فی رجوعه من الحجّ إلی المدینة.

قال أبو جعفر : وکان الصحیح فی ذلک أنَّ الحکم(1) ما أخذ هذا عن عائشة ابنة سعد ، وإنَّما أخذه عن مصعب بن سعد ، کذلک رواه غیر اللیث فی روایته المأمون علیها ، الضابط لها ، الحجّة فیها ، وهو شعبة بن الحجّاج.

3 - الفقیه أبو عبدالله المحاملی ، البغدادیّ : المتوفّی (330).

صحّحه فی أمالیه ، کما مرّ (ص 55).

4 - أبو عبدالله الحاکم : المتوفّی (405).

رواه بعدّة طرق وصحّحها فی المستدرک ، کما مرّ فی محلّها. ف)

ص: 544


1- راجع حدیث سعد بن أبی وقّاص فی رواة الحدیث من الصحابة. (المؤلف)

5 - أبو محمد أحمد بن محمد العاصمیّ :

قال فی زین الفتی : قال النبیّ صلی الله علیه وسلم : «من کنتُ مولاه فعلیٌّ مولاه» ، وهذا حدیثٌ تلقّته الأمّة بالقبول ، وهو موافق بالأصول.

ثمّ رواه بطرق شتّی کما مرّت فی محلّها.

6 - الحافظ ابن عبد البَرّ القرطبیّ : المتوفّی (463).

قال فی الاستیعاب(1) (2 / 373) بعد ذکر حدیث المؤاخاة وحدیثَی الرایة والغدیر : هذه کلّها آثارٌ ثابتةٌ.

7 - الفقیه أبو الحسن بن المغازلیّ ، الشافعیّ : المتوفّی (483).

قال فی کتابه المناقب(2) - بعد روایته الحدیث عن شیخه أبی القاسم الفضل بن محمد الأصبهانی - : قال أبو القاسم : هذا حدیث صحیح عن رسول الله صلی الله علیه وسلم ، وقد رواه نحو مائة نفس منهم العشرة المبشَّرة ، وهو حدیثٌ ثابتٌ لا أعرف له علّة ، تفرّد علیٌّ بهذه الفضیلة لم یشرکه فیها أحد.

8 - حجّة الإسلام أبو حامد الغزالیّ : المتوفّی (505).

قال فی سرّ العالمین(3) (ص 9) : أسفرت الحجّة وجهها ، وأجمع الجماهیر علی متن الحدیث من خطبته فی یوم غدیر خُمّ باتّفاق الجمیع ، وهو یقول : «من کنتُ مولاه فعلیٌّ مولاه» ، فقال عمر : بخٍ بخٍ ... إلخ. یأتی تمام الکلام فی المفاد إن شاء الله.

9 - الحافظ أبو الفرج ابن الجوزیّ ، الحنبلیّ : المتوفّی (597).

قال فی المناقب : اتّفق علماء السِّیَر علی أنَّ قصّة الغدیر کانت بعد رجوع 1.

ص: 545


1- الاستیعاب : القسم الثالث / 1098 - 1100 رقم 1855.
2- مناقب علیّ بن أبی طالب علیه السلام : ص 27 ح 39.
3- سرّ العالمین : ص 21.

النبی صلی الله علیه وسلم من حجّة الوداع فی الثامن عشر من ذی الحجّة ، وکان معه من الصحابة ومن الأعراب وممّن یسکن حوالی مکّة والمدینة مائة وعشرون ألفاً ، وهم الذین شهدوا معه حجّة الوداع ، وسمِعوا منه هذه المقالة ، وقد أکثر الشعراء فی ذلک فی تلک الحکایة.

10 - أبو المظفّر سبط ابن الجوزیّ الحنفیّ : المتوفّی (654).

قال فی تذکرته(1) (ص 18) - بعد ذکره الحدیث مع صدره وذیله وتهنئة عمر بعدّة طرق - : وکلُّ هذه الروایات خرّجها أحمد بن حنبل فی الفضائل(2) بزیادات.

فإن قیل : فهذه الروایة التی فیها قول عمر رضی الله عنه : أصبحتَ مولایَ ومولی کلّ مؤمن ومؤمنة ، ضعیفةٌ.

فالجواب : أنَّ هذه الروایة صحیحة ، وإنَّما الضعیف حدیث رواه أبو بکر أحمد ابن ثابت الخطیب ، عن عبدالله بن علیّ بن بشر ، عن علیّ بن عمر الدارقطنی ، عن أبی

نصر حبشون(3) بن موسی بن أیوب الخلّال یرفعُه الی أبی هریرة ، وقال فی آخرهِ : لمّا قال النبی صلی الله علیه وسلم «من کنت مولاه فعلیٌّ مولاه» نزل قوله (الْیَوْمَ أَکْمَلْتُ لَکُمْ دِینَکُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَیْکُمْ نِعْمَتِی) الآیة.

قالوا وقد انفرد بهذا الحدیث حبشون.

ونحن نقول : نحن ما استدللنا بحدیث حبشون ، بل بالحدیث الذی رواه أحمد فی الفضائل عن البراء بن عازب وإسناده صحیح ... إلی أن قال :

اتّفق علماء السِّیَر علی أنَّ قصة الغدیر کانت بعد رجوع النبیّ صلی الله علیه وسلم من حجّة الوداع فی الثامن عشر من ذی الحجّة ، جمع الصحابة ، وکانوا مائة وعشرین ألفاً ، وقال : «من کنت مولاه فعلیٌّ مولاه». الحدیث. نصّ صلی الله علیه وسلم علی ذلک بصریح العبارة ف)

ص: 546


1- تذکرة الخواص : ص 29 - 30.
2- فضائل علیّ بن أبی طالب علیه السلام : ص 32 - 35.
3- فی التذکرة : أبی نضیر خیشون ، وفیه تصحیف. وسنوقفک علی صحّة حدیث حبشون. (المؤلف)

دون التلویح والإشارة. انتهی.

وسیأتی تمام کلامه فی المفاد إن شاء الله.

11 - ابن أبی الحدید المعتزلیّ : المتوفّی (655).

عدّه فی شرح نهج البلاغة(1) (2 / 449) من الأخبار العامّة الشائعة من فضائل أمیر المؤمنین ، ومرّ عنه (ص 162) استفاضة حدیث احتجاج أمیر المؤمنین علیه السلام یوم الشوری ، وفیه حدیث الغدیر.

12 - الحافظ أبو عبدالله الکنجیّ ، الشافعیّ : المتوفّی (658).

قال فی کفایة الطالب(2) (ص 15) بعد ذکر الحدیث من طرق أحمد :

أقول : هکذا أخرجه فی مسنده ، وناهیک به راویاً بسند واحد ، وکیف وقد جمع طرقه مثل هذا الإمام. وقال بعد روایته من طرق الحافظ أبی عیسی الترمذی فی جامعه(3) :

وجمع الدارقطنی الحافظ طرقه فی جزء ، وجمع الحافظ ابن عقدة الکوفی کتاباً مفرداً فیه ، وروی أهل السِّیَر والتواریخ قصّة غدیر خمّ ، وذکره محدِّث الشام(4) فی کتابه بطرق شتّی عن غیر واحد من الصحابة والتابعین ، أخبرنی بذلک عالیاً المشایخ(5). وروی بإسناده (ص 17) عن المحاملی ثمّ قال : قلت : هذا حدیثٌ مشهورٌ حسنٌ روته الثقات ، وانضمام هذه الأسانید بعضها إلی بعض حجّة فی صحّة النقل(6). 4.

ص: 547


1- شرح نهج البلاغة : 9 / 166 خطبة 154.
2- کفایة الطالب : ص 59.
3- سنن الترمذی : 5 / 591 ح 3713.
4- محدّث الشام هو الحافظ ابن عساکر ، وکتابه تاریخ مدینة دمشق. ذکر طرق حدیث الغدیر فی 12 / 224 - 237 من کتابه المذکور. (الطباطبائی)
5- کفایة الطالب : ص 60 - 61.
6- المصدر السابق : ص 64.

13 - الشیخ أبو المکارم علاء الدین السمنانیّ : المتوفّی (736).

قال فی العروة(1) : وقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لعلیّ علیه السلام وسلام الملائکة الکرام : «أنت منّی بمنزلة هارون من موسی ، ولکن لا نبیّ بعدی». وقال فی غدیر خُمّ بعد حجّة الوداع علی ملأ من المهاجرین والأنصار آخذاً بکتفه : «من کنتُ مولاه فعلیّ مولاه ، أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه» ، وهذا حدیثٌ متّفقٌ علی صحّته ، فصار سیّد الأولیاء ، وکان قلبه علی قلب محمد - علیه التحیّة والسلام - ، وإلی هذا السرّ أشار سیّد الصدّیقین صاحب غار النبیّ صلی الله علیه وسلم أبو بکر حین بعث أبا عبیدة بن الجراح إلی علیّ لاستحضاره قال : یا أبا عبیدة أنت أمین هذه الأمّة أبعثک إلی من هو فی مرتبة من فقدناه بالأمس ، ینبغی أن تتکلّم عنده بحسن الأدب ... إلی آخر مقالته بطولها.

14 - شمس الدین الذهبیّ ، الشافعیّ : المتوفّی (748).

مرّ (ص 156) : أنَّه أفرد کتاباً فی حدیث الغدیر ، وذکره بطرق شتّی فی تلخیص المستدرک(2) ، وصحّح غیر واحد منها ، ویأتیک قوله : صدر الحدیث متواترٌ ، أتیقّن أنَّ رسول الله صلی الله علیه وسلم قاله ، وأمّا «أللّهمّ والِ من والاه» فزیادةٌ قویّةُ الإسناد. واعتمدّ علی تصحیحه جمعٌ من أعلام أصحابه ، کما ستقف علی کلمات بعضهم.

15 - الحافظ عماد الدین بن کثیر الشافعیّ ، الدمشقیّ : المتوفّی (774).

روی فی تاریخه(3) (5 / 209) عن سنن الحافظ النسائیّ(4) ، عن محمد بن المثنّی ، عن یحیی بن حمّاد ، عن أبی عوانة ، عن الأعمش سلیمان ، عن حبیب بن أبی ثابت ، عن أبی الطفیل ، عن زید بن أرقم بلفظه المذکور بطریق النسائی (ص 30) ، ثمّ قال : 8.

ص: 548


1- العروة لأهل الخلوة : ص 422 من طبعة طهران سنة (1404).
2- تلخیص المستدرک : 3 / 613 ح 6272.
3- البدایة والنهایة : 5 / 228 حوادث سنة 10 ه.
4- خصائص أمیر المؤمنین : ص 96 ح 79 ، وفی السنن الکبری : 5 / 45 ح 8148.

تفرّد به النسائی من هذا الوجه(1). قال شیخنا أبو عبدالله الذهبی : وهذا حدیثٌ صحیح. وروی حدیث المناشدة فی الرحبة وقال : هذا إسناد جیّد.

ورواه بطرق أحمد عن زید وقال : هذا إسناد جیّد رجاله ، ثقات علی شرط السنن ، وقد صحّح الترمذی بهذا السند حدیثاً فی الریث(2).

ورواه بطریق ابن جریر الطبری عن سعد بن أبی وقّاص ، وقال : قال شیخنا الذهبی : وهذا حدیث حسن غریب(3).

ورواه بطریق آخر عن جابر بن عبدالله ، وقال : قال شیخنا الذهبی : هذا حدیثٌ حسنٌ.

ورواه بطرق أخری ، ثمّ قال : قال الذهبی : وصدرُ الحدیث متواترٌ ، أتیقّن أنَّ رسول الله قاله. وأمّا : «أللّهمّ والِ من والاه ...» فزیادةٌ قویّةُ الإسناد.

16 - الحافظ نور الدین الهیثمیّ : المتوفّی (807).

روی فی مجمع الزوائد (9 / 104 - 109) حدیث الرکبان المذکور من طریق أحمد(4) والطبرانی(5) ، فقال : رجال أحمد ثقات.

وروی حدیث المناشدة من طریق أحمد عن أبی الطفیل ، وقال : رجاله رجال الصحیح إلّا فطر ، وهو ثقة.

ورواه من طریق أحمد الآخر عن سعید بن وهب وقال : رجاله رجال الصحیح.2.

ص: 549


1- تحکّم باطل یظهر علی [کذا] من راجع طرق زید من کتابنا (ص 29 - 37). (المؤلف)
2- البدایة والنهایة : 5 / 231 حوادث سنة 10 ه.
3- لا أعرف للحدیث غرابة إلّا کونه فی فضل أمیر المؤمنین علیه السلام. (المؤلف)
4- مسند أحمد : 6 / 583 ح 23051 ، 23052.
5- المعجم الکبیر : 4 / 173 ح 4052.

ورواه من طریق البزّار عن سعید وزید ، ثمّ قال : رجاله رجال الصحیح إلّا فطر ، وهو ثقة.

ورواه من طریق أبی یعلی عن عبدالرحمن بن أبی یعلی ، ووثّق رجاله.

ورواه من طریق أحمد عن زیاد بن أبی زیاد ، ووثّق رجاله.

ورواه عن حُبشی بن جنادة من طریق الطبرانی ، ووثّق رجاله.

ورواه بطرق وأسانید أخری وصحّحها ووثّق رجالها ، کما مرّت فی محلّها.

17 - شمس الدین الجزریّ ، الشافعیّ : المتوفّی (833).

روی حدیث الغدیر بثمانین طریقاً ، وأفرد فی إثبات تواتره رسالته - أسنی المطالب - المطبوعة ، وقال بعد ذکر مناشدة أمیر المؤمنین یوم الرحبة :

هذا حدیث حسن من هذا الوجه ، صحیح من وجوه کثیرة تواتر عن أمیر المؤمنین علیّ رضی الله عنه وهو متواترٌ - أیضاً - عن النبیّ صلی الله علیه وسلم ، رواه الجمُّ الغفیر عن الجمِّ الغفیر ، ولا عبرة بمن حاول تضعیفه ممّن لا اطِّلاع له فی هذا العلم ، فقد ورد مرفوعاً عن أبی بکر الصدّیق ، وعمر بن الخطّاب ، وطلحة بن عبیدالله ، والزبیر بن العوّام ، وسعد بن أبی وقّاص ، وعبدالرحمن بن عوف ، والعبّاس بن عبدالمطّلب ، وزید بن أرقم ، والبراء

ابن عازب ، وبریدة بن الحصیب ، وأبی هریرة ، وأبی سعید الخُدری ، وجابر بن عبدالله ، وعبدالله بن عبّاس ، وحُبشی بن جنادة ، وعبدالله بن مسعود ، وعمران بن حصین ، وعبدالله بن عمر ، وعمّار بن یاسر ، وأبی ذرّ الغِفاری ، وسلمان الفارسی ، وأسعد بن زرارة ، وخُزیمة بن ثابت ، وأبی أیّوب الأنصاری ، وسهل بن حنیف ، وحذیفة بن الیمان ، وسمرةَ بن جُنْدب ، وزید بن ثابت ، وأنس بن مالک ، وغیرهم من الصحابة - رضوان الله علیهم - وصحّ عن جماعة منهم ممّن یحصل القطع بخبرهم.

وثبت - أیضاً - أنَّ هذا القول کان منه صلی الله علیه وسلم یوم غدیر خُمّ ، کما أخبرنا شیخنا أبو

ص: 550

عمر محمد بن أحمد بن قدامة المقدسی قراءةً علیه ، أخبرنا الإمام فخر الدین علیّ بن أحمد المقدسی(1). ثمّ ذکر حدیث المناشدة بعدّة طرق.

18 - الحافظ ابن حجر العسقلانیّ : المتوفّی (852).

رواه فی تهذیب التهذیب(2) فی مواضع بعدّة طرق منها (7 / 337) ، وقال (ص 339) :

قلت : لم یجاوز المؤلّف - أبو الحجّاج المزّی : المتوفّی (742) - ما ذکر ابن عبدالبَرّ وفیه مقنعٌ ، ولکنّه ذکر حدیث الموالاة عن نفر سمّاهم فقط ، وقد جمعه ابن جریر الطبری فی مؤلَّف فیه أضعاف من ذکر ، وصحّحه واعتنی بجمع طرقه أبو العبّاس بن عقدة ، فأخرجه من حدیث سبعین صحابیّاً أو أکثر.

وقال فی فتح الباری(3) (7 / 61) : وأوعب من جمع مناقبه - یعنی علیّاً - من الأحادیث الجیاد النسائی فی کتاب الخصائص ، وأمّا حدیث : «من کنتُ مولاه فعلیّ مولاه» فقد أخرجه الترمذی والنسائی ، وهو کثیر الطرق جدّاً ، وقد استوعبها ابن عقدة فی کتاب مفرد ، وکثیر من أسانیدها صحاح وحسان.

وقد روینا عن الإمام أحمد قال : ما بلغنا عن أحد من الصحابة ما بلغنا عن علیّ بن أبی طالب.

19 - أبو الخیر الشیرازیّ ، الشافعیّ : المترجم (ص 132).

قال فی إبطال الباطل الذی ردَّ به علی نهج الحقّ : وأمّا ما رُوی من أنَّ رسول الله صلی الله علیه وسلم ذکره یوم غدیر خُمّ حین أخذ بید علیّ وقال : «ألست أولی ... ؟» فقد ثبت هذا فی الصحاح ، وقد ذکرنا سرّه فی ترجمة کتاب کشف الغمّة فی معرفة الأئمّة. 4.

ص: 551


1- أسنی المطالب : ص 48.
2- تهذیب التهذیب : 7 / 297.
3- فتح الباری : 7 / 74.

20 - الحافظ جلال الدین السیوطیّ ، الشافعیّ : المتوفّی (911).

قال : إنَّه حدیثٌ متواترٌ ، وحکاه عنه غیر واحد ممّن تأخّر عنه کما یأتی.

21 - الحافظ أبو العبّاس شهاب الدین القسطلانیّ : المتوفّی (923).

قال فی المواهب اللدنیّة(1) (7 / 13) : وأمّا حدیث الترمذی والنسائی : «من کنت مولاه فعلیٌّ مولاه» فقال الشافعیّ : یرید بذلک ولاء الإسلام ، کقوله تعالی :

(ذَلِکَ بِأَنَّ اللَّ-هَ مَوْلَی الَّذِینَ آمَنُوا وَأَنَّ الْکَافِرِینَ لَا مَوْلَی لَهُمْ)(2) وقول عمر : أصبحت مولی کلِّ مؤمن ؛ أی ولیَّ کلِّ مؤمن ، وطرق هذا الحدیث کثیرةٌ جدّاً استوعبها ابن عقدة فی کتاب مُفرد له ، وکثیرٌ من أسانیدها صحاح وحسان.

22 - الحافظ شهاب الدین بن حجر الهیتمیّ ، المکّیّ : المتوفّی (974).

قال فی الصواعق المحرقة(3) (ص 25) عند ردِّ استدلال الشیعة بحدیث الغدیر : وجواب هذه الشبهة التی هی أقوی شُبَهِهم یحتاج إلی مقدِّمة ، وهی بیان الحدیث ومُخرجه.

وبیانه : أنَّه حدیثٌ صحیحٌ لا مِرْیة فیه ، وقد أخرجه جماعة کالترمذی والنسائی وأحمد ، فطرقه کثیرة جدّاً ، ومن ثمّ رواه ستة عشر صحابیّاً ، وفی روایة لأحمد أنَّه سمعه من النبیّ صلی الله علیه وسلم ثلاثون صحابیّاً ، وشهدوا به لعلیّ لمّا نوزع أیّام خلافته ، کما مرّ وسیأتی ، وکثیرٌ من أسانیدها صحاح وحسان ، ولا التفات لمن قدح فی صحّته ، ولا لمن ردّه بأنّ علیّاً کان بالیمن لثبوت رجوعه منها وإدراکه الحجَّ مع النبیّ صلی الله علیه وسلم. وقولُ بعضهم : إنَّ زیادة «أللّهمّ والِ من والاه ...» إلی آخره ، موضوعةٌ ، مردودٌ ، فقد ورد ذلک من طرق صحّح الذهبیّ کثیراً منها. 3.

ص: 552


1- المواهب اللدنیّة : 3 / 365.
2- محمد : 11.
3- الصواعق المحرقة : ص 42 ، 43.

ثمّ تکلّم فی مقام الردّ علیه فی تواتره تارةً ، وفی مفاده أخری ، فقال : ولفظه عند الطبرانی وغیره بسند صحیح أنَّه صلی الله علیه وسلم خطب بغدیر خُمّ تحت شجرات ، فقال : «أیُّها الناس إنَّه قد نبّأنی اللطیف الخبیر ...» إلی آخر ما مرّ (ص 27 ، 26).

وقال فی (ص 73) فی عدِّ مناقب أمیر المؤمنین علیه السلام :

الحدیث الرابع : قال صلی الله علیه وسلم یوم غدیر خُمّ : «من کنتُ مولاه فعلیٌّ مولاه ، أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه». الحدیث ، وقد مرّ فی حادی عشر الشُبَه ، وأنَّه رواه عن النبیّ صلی الله علیه وسلم ثلاثون صحابیّاً(1) ، وأنَّ کثیراً من طرقه صحیحٌ أو حسنٌ ، ومرّ الکلام ثَمّ علی معناه مستوفیً(2).

وقال فی شرح همزیّة البوصیری(3) (ص 221) فی شرح قوله :

وعلیٌّ صِنْوُ النبیِّ ومن

دینُ فؤادی ودادُه والولاءُ

أی مناصرته والذبُّ عنه والردّ علی من نازع فی خلافته ، ولم یبالِ بوقوع الإجماع علیها وعلی من خرجوا علیه ، ونازعوه الأمر ، ورموه بما هو بریءٌ منه ، وذلک عملاً بما صحّ عنه صلی الله علیه وسلم وهو : «أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه ، إنّ علیّاً منّی وأنا منه ، وهو ولیُّ کلِّ مؤمنٍ بعدی» ، ولتأکید الذبّ عنه لکثرة أعدائه من بنی أمیّة والخوارج الذین بالغوا فی سبّه وتنقیصه مدّة ألف شهر علی المنابر ، خصّه الناظم بذلک ، ولهذا اشتغل جهابذة الحفّاظ ببثّ فضائله رضی الله عنه نصحاً للأُمّة ونصرةً للحقّ ، ومن ثَمّ قال أحمد : ما جاء لأحد من الفضائل ما جاء لعلیّ. وقال إسماعیل القاضی والنسائی وأبو علیّ النیسابوری : لم یَرِدْ فی حقّ أحد من الصحابة بالأسانید الصحاح الحسان أکثر ممّا ورد فی حقّ علیّ ، فمن ذلک ما صحّ : أنَّ الله تعالی یحبّه ، وأنَّ رسول الله صلی الله علیه وسلم یحبّه ، 5.

ص: 553


1- هؤلاء هم الشهود لعلیّ علیه السلام یوم الرحبة ، لا کلّ رواة الحدیث. (المؤلف)
2- الصواعق المحرقة : ص 122.
3- شرح متن الهمزیّة فی مدح خیر البریّة : ص 245.

بل روی الترمذی : أنَّه کان أحبّ الناس إلی رسول الله صلی الله علیه وسلم ... إلی أن قال :

وإنّ آیة المباهلة (سورة آل عمران 60) لمّا نزلت دعا صلی الله علیه وسلم علیّاً وفاطمة وابنیها ، وقال : «أللّهمّ هؤلاء أهلی» ، وأنَّه قال : «أنا سیّد ولد آدم وعلیٌّ سیّد العرب» ، لکن اعترض تصحیح الحاکم لهذا ، وأنَّه قال : «من کنتُ مولاه فعلیٌ مولاه ، أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه» ، رواه ثلاثون صحابیّاً ، وأنَّ الله تعالی أمره أن یحبّ أربعة ، وأخبره بأنّه یحبّهم منهم علیّ ، وأنَّه لا یحبّه إلّا مؤمن ولا یبغضه إلّا منافق. وأنَّ من سبّه فقد سبّ النبیّ صلی الله علیه وسلم ، وأنَّه یقاتل علی تأویل القرآن کما قاتل صلی الله علیه وسلم علی تنزیله ، وأنَّه یَهلک فیه اثنان : محبّ مفرط ، ومبغض مبهت ، وأنَّ قاتله اللعین ابن ملجم أشقی الآخرین ، کما أنَّ عاقر الناقة أشقی الأوّلین.

23 - جمال الدین الحسینیّ ، الشیرازیّ : المتوفّی (1000).

قال فی أربعینه بعد ذکر حدیث الغدیر ونزول آیة (سَأَلَ سَائِلٌ) فی القضیة : أصل هذا الحدیث - سوی قصّة الحارث - تواتر عن أمیر المؤمنین علیه السلام وهو متواترٌ عن النبیّ صلی الله علیه وسلم أیضاً ، رواه جمع کثیر وجمٌّ غفیر من الصحابة ، فرواه ابن عبّاس.

ثمّ روی لفظ ابن عبّاس وحذیفة بن أُسید الغفاری وحدیث الرکبان.

24 - جمال الدین أبو المحاسن یوسف بن صلاح الدین الحنفیّ :

قال فی المعتصر من المختصر(1) (ص 413) : روی أبو الطفیل واثلة بن الأسقع(2) ، قال : جمع الناسَ علیُّ بن أبی طالب فی الرحبة ، فقال : «أَنشُد بالله عزّ وجلّ کلّ امرئ سمع رسول الله صلی الله علیه وسلم یوم غدیر خُمّ یقول ما سمِع» ، فقام أُناس من الناس ، فشهدوا : أنَّ رسول الله صلی الله علیه وسلم قال یوم غدیر خُمّ : «ألستم تعلمون أنّی أولی بالمؤمنین من أنفسهم ؟» وهو قائمٌ ، ثمّ أخذ بید علیّ فقال : «من کنتُ مولاه فعلیٌّ مولاه ، أللّهمّ والِ ف)

ص: 554


1- المعتصر من المختصر : 2 / 301.
2- کذا فی المعتصر ، والصحیح : أبو الطفیل عامر بن واثلة. (المؤلف)

من والاه ، وعادِ من عاداه».

قال أبو الطفیل : فخرجت وفی نفسی منه شیء ، فلقیت زید بن أرقم فأخبرته ، فقال : ما تتّهم ؟! أنا سمعته من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم.

لا یُلتفَت إلی من أنکر خروج علیّ إلی الحجِّ مع النبیّ صلی الله علیه وسلم ومروره فی طریقه بغدیر خمّ ، وقال : قدم علیّ من الیمن بالبُدْن ؛ لأنّه وإن لم یکن معه فی خروجه إلی الحجّ ، فکان معه فی رجوعه علی طریقه الذی کان مروره به بغدیر خمّ ، فیحتمل أنَّه کان هذا الکلام فی الرجعة ، یؤیِّده الحدیث الصحیح : أنَّه کان هذا القول من رسول الله صلی الله علیه وسلم بغدیر خُمّ فی رجوعه إلی المدینة من حجّه.

عن زید بن أرقم ، قال : لمّا رجع رسول الله صلی الله علیه وسلم من حجّة الوداع ، ونزل بغدیر خُمّ ، أمر بدوحاته فقُمِمن ...

وذکر الحدیث بلفظ زید المذکور من طریق النسائی (ص 30).

25 - الشیخ نور الدین الهرویّ ، القاریّ ، الحنفیّ : المتوفّی (1014).

قال فی المرقاة شرح المشکاة(1) (5 / 568) بعد روایة الحدیث بطرق شتّی :

والحاصل : أنَّ هذا حدیث صحیح لا مِرْیة فیه ، بل بعض الحفّاظ عدّه متواتراً ؛ إذ فی روایة لأحمد أنَّه سمِعه من النبیِّ ثلاثون صحابیّاً ، وشهدوا به لعلیِّ لمّا نوزع أیّام خلافته(2).

وقال (ص 584) : رواه أحمد فی مسنده(1) ، وأقلُّ مرتبته أن یکون حسناً ،(2) فلا 1.

ص: 555


1- المرقاة فی شرح المشکاة : 10 / 464 ح 6091.
2- مسند أحمد بن حنبل : 5 / 355 ح 18011.

التفات لمن قدح فی ثبوت هذا الحدیث ، وأبعدَ من ردّه بأنّ علیّاً کان بالیمن لثبوت رجوعه منها وإدراکه الحجّ مع النبیّ صلی الله علیه وسلم ، ولعلّ سبب قول هذا القائل أنَّه وهم أنَّ النبیّ صلی الله علیه وسلم قال هذا القول عند وصوله من المدینة إلی غدیر خُمّ.

ثمّ قول بعضهم : إنّ زیادة «أللّهمّ والِ من والاه» موضوعةٌ مردودٌ ، فقد ورد من طرق صحّح الذهبیّ کثیراً منها(1).

26 - زین الدین المناویّ ، الشافعیّ : المتوفّی (1031).

قال فی فیض القدیر (6 / 218) :

قال ابن حجر : حدیثٌ کثیر الطرق جدّاً قد استوعبها ابن عقدة فی کتاب مُفرد ، منها صحاح ، ومنها حسانٌ. وفی بعضها : قال ذلک یوم غدیر خُمّ ، وزاد البزّار(2) فی روایته : «أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه ، وأحبّ من أحبّه ، وأبغضْ من أبغضه ، وانصُرْ من نصره ، واخذُلْ من خذله» ، ولمّا سمِع أبو بکر وعمر ذلک قالا - فیما أخرجه الدارقطنی عن سعد بن أبی وقّاص - : أمسیت یا ابن أبی طالب مولی کلِّ مؤمن ومؤمنة.

وأخرج - أیضاً - : قیل لعمر : إنَّک تصنع بعلیٍّ شیئاً لا تصنعه بأحد من الصحابة ؟ قال : إنَّه مولای !

ثمّ قال - بعد روایة حدیث نزول آیة (سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ) یوم الغدیر - : قال الهیثمیّ(3) : رجال أحمد ثقات. وقال فی موضع آخر : رجاله رجال الصحیح. وقال المصنِّف - السیوطی - : حدیث متواتر. 4.

ص: 556


1- المرقاة فی شرح المشکاة : 10 / 476 ح 6103.
2- إضافةُ هذه الزیادة إلی البزّار فحسْبُ تحکّمٌ باطل ، وقد أخرجها زرافات من الحفّاظ ، کما أوقفناک علیه. (المؤلف)
3- مجمع الزوائد : 9 / 104.

27 - نور الدین الحلبیّ ، الشافعیّ : المتوفّی (1044).

ذکر فی السیرة الحلبیّة(1) (3 / 302) ما مرّ عن ابن حجر من صحّة الحدیث ووروده بأسانید صحاحٍ وحسانٍ وعدم الالتفات إلی القادح فی صحّته ، وعدم کون ذیله موضوعاً ، ووروده من طرق صحّح الذهبیُّ کثیراً منها.

28 - الشیخ أحمد بن باکثیر المکیّ : المتوفّی (1047).

قال فی وسیلة المآل فی مناقب الآل(2) - بعد روایة الحدیث بلفظ حذیفة بن أُسید ، وعامر بن لیلی ، وابن عبّاس ، والبراء بن عازب - :

أخرج هذه الروایة البزّار برجال الصحیح عن فطر بن خلیفة وهو ثقةٌ ، وعن أُمّ سلمة فذکر لفظها ، ثمّ لفظ سعد بن أبی وقاص ، فقال : أخرج الدارقطنی فی الفضائل عن معقل بن یسار رضی الله عنه قال : سمعت أبا بکر رضی الله عنه یقول : علیّ بن أبی طالب عترة رسول الله صلی الله علیه وسلم ؛ أی الذی حثَّ النبیّ صلی الله علیه وسلم علی التمسّک بهم والأخذ بهدیهم ، فإنّهم نجوم الهدی من اقتدی بهم اهتدی ، وخصّه أبو بکر بذلک رضی الله عنه لأنّه الإمام فی هذا الشأن وباب مدینة العلم والعرفان ، فهو إمام الأئمّة وعالم الأمّة ، وکأنّه أخذ ذلک من تخصیصه صلی الله علیه وسلم له من بینهم یوم غدیر خُمّ بما سبق ، وهذا حدیثٌ صحیحٌ لا مِرْیة فیه ، ولا شکّ ینافیه ، ورُوی عن الجمّ الغفیر من الصحابة ، وشاع واشتهر ، وناهیک بمجمع حجّة الوداع ، قال شیخ الإسلام العسقلانی رحمه الله تعالی(3) : حدیث «من کنتُ مولاه ...» أخرجه الترمذی والنسائی ، وهو کثیر الطرق جدّاً ، وقد استوعبها ابن عقدة فی کتاب مفرد ، وکثیرٌ من أسانیدها صحاحٌ وحسانٌ. ویدلّ علی ذلک ما روی أبو الطفیل رضی الله عنه : أنَّ علیّاً - رضی الله عنه وکرّم وجهه - جمع الناس وهو 4.

ص: 557


1- السیرة الحلبیة : 3 / 274.
2- وسیلة المآل فی عَدِّ مناقب الآل : ص 117 ، 118.
3- فتح الباری : 7 / 74.

خلیفة فی الرحبة - موضع بالعراق - ثمّ قام فحمد الله وأثنی علیه ... إلی آخر اللفظ المذکور (ص 176).

29 - الشیخ عبدالحقّ الدهلویّ ، البخاریّ : المتوفّی (1052).

قال فی شرح المشکاة ما تعریبه : وهذا الحدیث صحیحٌ بلا شکّ ، رواه جمعٌ مثل الترمذی والنسائی وأحمد ، وطرقه کثیرة رواه ستة عشر صحابیّاً ، وفی روایة : سمعه عن النبی صلی الله علیه وسلم ثلاثون صحابیّاً ، وشهدوا به لعلیٍّ لمّا نوزع أیّام خلافته ، وکثیرٌ من أسانیده صحاحٌ وحسانٌ ، ولا یُلتفت إلی قول من تکلّم فی صحّته ، ولا إلی قول بعضهم : إنّ زیادة «أللّهمّ والِ من والاه» موضوعة ؛ لأنّها رُویت بطرق شتّی صحّح

أکثرها الذهبی.

وقال فی لمعاته : هذا حدیث صحیح لا مریة فیه ، وقد أخرجه جماعة کالترمذی ... إلی آخر کلامه المذکور. ثمّ قال : کذا قال الشیخ ابن حجر فی الصواعق

المحرقة(1).

30 - الشیخ محمود بن محمد الشیخانیّ ، القادریّ ، المدنیّ :

قال فی الصراط السویِّ فی مناقب آل النبیّ : ومن تلک الأحادیث الواردة الصحیحة قوله صلی الله علیه وسلم لعلیٍّ رضی الله عنه : «من کنتُ مولاه فعلیّ مولاه» أخرجه الترمذی والنسائی والإمام أحمد وغیرهم ، وکم حدیث صحیح ما أخرجه الشیخان.

ثمّ روی حدیث الرحبة بلفظ سعید بن وهب فقال : قال الذهبیّ : هذا حدیثٌ صحیحٌ ، ثمّ ذکر روایة أحمد حدیثَ الرحبة عن أبی الطفیل وزید بن أرقم ، فقال : قال

الحافظ الذهبیُّ : هذا الحدیث صحیحٌ غریبٌ(2). ف)

ص: 558


1- مرّ تخریجه آنفاْ.
2- لیس لغرابته وجه بالمعنی الاصطلاحی ولا بغیره ، إلّا کونه فی فضل أمیر المؤمنین علیه السلام. (المؤلف)

ثمّ رواه من طریق أبی عوانة ، عن أبی الطفیل ، عن زید فقال : قال الحافظ الذهبیّ : هذا حدیث صحیح.

ثمّ رواه من طریق الحافظین أبی یعلی والحسن بن سفیان ، فقال : قال الحافظ الذهبیّ : هذا حدیثٌ حسن اتّفق علی ما ذکرنا جمهور أهل السنّة.

وأمّا ما انفرد به أهلُ البدع من الإسماعیلیّة(1) ببلاد الیمن ، وخالف به أهلَ الجمعة والجماعة والسنن ، فإنّهم قالوا فی قوله صلی الله علیه وسلم یوم غدیر خُمّ - أی مرجعه من حجّة الوداع - بعد أن جمع أصحابه ، وکرّر علیهم قوله : «ألستُ أولی بکم من أنفسکم ؟». ثلاثاً ، وهم یجیبونه بالتصدیق والاعتراف ، ثمّ رفع ید علیٍّ رضی الله عنه وقال : «من کنتُ مولاه فعلیٌّ مولاه ، اللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه ، واخذُل من خذله ، وانصر من نصره ، وأدرِ الحقَّ معه حیث دار». معنی (المولی) فی هذا الحدیث : الأولی ، لا الناصر وغیرهما من المعانی المشترکة.

قال المدّعی من الإسماعیلیّة : وإنَّما أراد النبیّ صلی الله علیه وسلم أنَّ لعلیٍّ رضی الله عنه ما لرسول الله من الولاء علیهم ، وجعل قوله أوّلاً : ألست أولی بکم من أنفسکم ؟ سنداً. وقال المدّعی أیضاً : لو کان المولی بمعنی الناصر والسیِّد وغیرهما لما احتاج إلی جمع الصحابة

وإشهادهم ، ولا أن یأخذ بید علیٍّ ویرفعها ؛ لأنّ ذلک یعرفه کلُّ أحد ، ولا یحتاج إلی الدعاء له بقوله : «أللّهمّ والِ من والاه ...» إلی آخره ، وقال المدّعی أیضاً : ولا یکون هذا الدعاء إلّا لإمام معصوم مفترض الطاعة بعده ، وبدلیل جعله الحقّ تابعاً لعلیٍّ لا متبوعاً له ، ولا یکون ذلک إلّا لمن وجبت طاعته وعصمته.

وقال المدّعی : فصحّ بهذا أنَّ علیّاً رضی الله عنه هو الوصیُّ ، وأنَّه نصٌّ من رسول الله صلی الله علیه وسلم وأنَّ خلافة من تقدّمه معصیة. انتهی افتراء المدّعی. ف)

ص: 559


1- سیُوافیک فی بیان مفاد الحدیث أنَّ هذه البرهنة لم تختصّ بالإسماعیلیّة ، وإنَّما هی مقتضی الحقّ الصراح ، وقد قال به کلّ من یری ولاءً لأمیر المؤمنین بعد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم کولائه خلافةً عنه. (المؤلف)

أقول : قد مرّ الأحادیث الصحاح والحسان ولیس فیها جمیع ما ذکره المدّعی بل الصحیح ممّا ذکرنا : «من کنتُ مولاه فعلیٌّ مولاه» ، والصحیح ما ذکرناه أیضاً :

«أللّهمّ والِ من والاه» ، والصحیح ما ذکرناه أیضاً : «إنّ الله ولیُّ المؤمنین ، ومن کنت ولیَّه فهذا ولیُّه ، أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه ، وانصُر من نصره».

والصحیح ممّا ذکرنا أیضاً قوله صلی الله علیه وسلم للناس : «أتعلمون أنّی أولی بالمؤمنین من أنفسهم ؟ قالوا : نعم یا رسول الله.

قال : من کنتُ مولاه فعلیٌّ مولاه ، اللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه».

والصحیح ممّا ذکرنا أیضاً : قوله صلی الله علیه وسلم : «کأنّی دُعیتُ فأجبتُ ، وإنّی قد ترکت فیکم الثَّقَلَین : کتابَ الله ، وعترتی أهل بیتی ، فانظروا کیف تخلفونی فیهما ، لن یفترقا حتی یَرِدا علیَّ الحوض». ثمّ قال : «إنّ الله مولای ، وأنا ولیّ کلِّ مؤمن» ، ثمّ أخذ بید علیّ ، فقال : «من کنتُ مولاه فهذا ولیّه ، اللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه».

والصحیح ممّا ذکرنا أیضاً : قوله صلی الله علیه وسلم : «ألست أولی بکلِّ مؤمن من نفسه ؟

قالوا : بلی. قال : فإنّ هذا مولی من أنا مولاه ، أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه». فلقیه عمر رضی الله عنه فقال : هنیئاً لک أصبحتَ وأمسیتَ مولی کلّ مؤمن ومؤمنة.

انتهی ما هو الصحیح والحسن ، ولیس فی ذلک من مُخترعات المدّعی ومفتریاته(1) ، وقد استوعب طرق الأحادیث المذکورة وغیرها ابن عقدة فی کتاب

مفرد.

31 - السیّد محمد البرزنجیّ ، الشافعیّ : المتوفّی (1103).ف)

ص: 560


1- لم یأتِ المدّعی إلّا بشیء ممّا صحّحه هذا الرجل ، ولم یزدْ علیه إلّا بیاناً فی سرد الاحتجاج به ، ولا مناصّ له من ذلک ، فإن کان له نظر فی الحجّة فلماذا لم یُبدِه ؟ وستقف علی لُباب القول فی هذه کلّها إن شاء الله تعالی. (المؤلف)

قال فی تألیفه - النواقض(1) - : إعلم أنَّ الشیعة یدّعون أنَّ هذا الحدیث نصّ جلیّ فی إمامة علیّ رضی الله عنه وهو أقوی شبههم. والقدر الذی ذکرناه وهو : «من کنتُ مولاه فعلیٌّ مولاه» - من دون تلک الزیادة من الحدیث - صحیحٌ ، ورُوی من طرق کثیرة(2).

32 - ضیاء الدین المقبلیّ : المتوفّی (1108).

عدّ حدیث الغدیر فی کتابه - الأبحاث المسدّدة فی الفنون المتعدِّدة - من الأحادیث المتواترة المفیدة للعلم.

وفی تعلیق هدایة العقول إلی غایة السؤول (2 / 30) : نقل العلّامة السیِّد عبدالله ابن علیّ الوزیر فی طبق الحلوی - تاریخه المعروف - عن السیِّد محمد إبراهیم : أنَّ

حدیث «من کنتُ مولاه» له مائة وخمسون طریقاً ، لکن لم یعرف کلّ ذلک من حفّاظ الحدیث إلّا الأفراد.

وقال السیِّد العلّامة محمد بن إسماعیل الأمیر رحمه الله(3) : إنّ له مائة وخمسین طریقاً.

قال العلّامة المقبلی - المترجم (ص 142) - بعد سرده لبعض طرق هذا الحدیث : فإن لم یکن هذا معلوماً فما فی الدین معلومٌ.

وجعل هذا فی الفصول من المتواتر لفظاً ، وکذلک حدیث المنزلة ، وأقرّ الجلال کلام الفصول فی تواتر حدیث الغدیر ، ولم یسلّمه فی حدیث المنزلة ، قال : وإنَّما هو - یعنی حدیث المنزلة - صحیح مشهور ، لا متواتر(4).

وقال السیِّد الأمیر محمد الصنعانی المذکور فی الروضة الندیّة شرح التحفة ف)

ص: 561


1- النواقض للروافض : الورقة 8.
2- مرّ الإیعاز إلی نصّ الحفّاظ علی صحّة صدر الحدیث وذیله ، وأنَّهما قویّا الإسناد ، وسیوافیک القول الفصل فی القرائن المعیّنة من الکتاب إن شاء الله تعالی. (المؤلف)
3- أحد شعراء الغدیر فی القرن الثانی عشر تأتی هناک ترجمته. (المؤلف)
4- خفی علیه تواتر حدیث المنزلة ، وأنَّه من المتّفق علیه. (المؤلف)

العلویّة(1) : وحدیث الغدیر متواتر عند أکثر أئمّة الحدیث. قال الحافظ الذهبیّ فی تذکرة الحفّاظ(2) فی ترجمة الطبری : ألَّف محمد بن جریر فیه کتاباً ، وقال الذهبیّ : وقفت علیه فاندهشت لکثرة طرقه.

وقال الذهبیّ(3) فی ترجمة الحاکم : فله طرق جیدة أفردتها بمصنّف. قلت : عدّه الشیخ المجتهد نزیل حرم الله ضیاء الدین صالح بن مهدی المقبلی فی الأحادیث المتواترة التی جمعها فی أبحاثه ، وهو من أئمّة العلم والتقوی والإنصاف ، ومع إنصاف الأئمّة بتواتره ، فلا یُمَلّ بإیراد طرقه ، بل یُتبرّک ببعض منها.

33 - الشیخ محمد صدر العالَم قال فی معارج العلی فی مناقب المرتضی :

ثمّ اعلم أنَّ حدیث الموالاة متواتر عند السیوطی رحمه الله کما ذکره فی قطف الأزهار(4) ، فأردت أن أسوق طرقه ؛ لیتّضح التواتر ، فأقول : أخرج أحمد والحاکم عن ابن عبّاس ، وابن أبی شیبة وأحمد عنه عن بریدة ، وأحمد وابن ماجة عن البراء ، والطبرانی عن جریر ، وأبو نعیم عن جندع الأنصاری ، وابن قانع عن حُبشی بن جَنادة والترمذی ، وقال : حسنٌ غریبٌ ، والنسائی والطبرانی والضیاء المقدسی عن أبی

الطفیل عن زید بن أرقم أو حذیفة بن أُسید ، وابن أبی شیبة والطبرانی عن أبی أیّوب ، وابن أبی شیبة وابن أبی عاصم والضیاء عن سعد بن أبی وقّاص ، والشیرازیّ فی الألقاب عن عمر ، والطبرانیّ عن مالک بن الحویرث ، وأبو نعیم فی فضائل الصحابة عن یحیی بن جعدة عن زید بن أرقم ، وابن عقدة فی کتاب الموالاة عن حبیب بن بدیل بن ورقاء وقیس بن ثابت وزید بن شراحیل الأنصاری ، وأحمد عن علیّ وثلاثة عشر رجلاً ، وابن أبی شیبة عن جابر ، وأخرج أحمد وابن أبی عاصم فی السنّة عن 2.

ص: 562


1- الروضة الندیة شرح التحفة العلویة : ص 154.
2- تذکرة الحفّاظ : 2 / 713 رقم 728.
3- المصدر السابق : 3 / 1043 رقم 962.
4- قطف الأزهار : ص 277 ح 102.

زاذان بن عمر قال : سمعتُ علیّاً فی الرحبة ... فذکر إلی آخر الحدیث ، ثمّ قال : وأخرج أحمد عن البراء بن عازب وزید بن أرقم ... فذکر لفظهما ثمّ قال :

وأخرج الطبرانی عن ابن عمر ، وابن أبی شیبة عن أبی هریرة واثنی عشر من الصحابة ، وأحمد والطبرانی والضیاء عن أبی أیّوب وجَمْع من الصحابة ، والحاکم عن علیّ وطلحة ، وأحمد والطبرانی والضیاء عن علیّ وزید بن أرقم وثلاثین رجلاً من الصحابة ، وأبو نعیم فی فضائل الصحابة عن سعد ، والخطیب عن أنس ، وأخرج عبدالله بن أحمد وأبو یعلی وابن جریر والخطیب والضیاء عن عبدالرحمن بن أبی لیلی ، قال : شهدت علیّاً فی الرحبة ... فذکر الحدیث بتمامه ، ثمّ قال : وأخرج الطبرانی عن عمرو بن مرّة وزید بن أرقم معاً ، وأخرج الطبرانی والحاکم عن أبی الطفیل عن زید بن

أرقم ... فذکر الحدیث باللفظ الذی أسلفناه ، فقال : وأخرج الطبرانی عن حُبشی بن جنادة ، وأخرج أبو نعیم فی فضائل الصحابة عن زید بن أرقم والبراء بن عازب.

34 - السیّد ابن حمزة الحرّانیّ ، الدمشقیّ ، الحنفیّ : المتوفّی (1120).

روی حدیث الغدیر فی کتاب البیان والتعریف(1) (2 / 136 و 230) من طرق الترمذی والنسائی والطبرانی والحاکم والضیاء المقدسی ، ثمّ قال : قال السیوطی حدیثٌ متواترٌ.

35 - أبو عبدالله الزرقانیّ ، المالکیّ : المتوفّی (1122).

قال فی شرح المواهب (7 / 13) بعد ذکر کلام المصنّف المذکور (ص 300) :

وخصّه لمزید علمه ، ودقائق استنباطه وفهمه ، وحسن سیرته ، وصفاء سریرته ، وکرم شِیَمه ، ورسوخ قدمه ... إلی أن قال :

وللطبرانی وغیره بإسناد صحیح : أنَّه صلی الله علیه وسلم خطب بغدیر خُمّ - وهو موضعٌ 6.

ص: 563


1- البیان والتعریف : 3 / 75 ح 1290 ، ص 233 ح 1576.

بالجحفة - مرجَعه من حجّة الوداع ... فذکر الحدیث ، وفیه : «أیّها الناس إنّ الله مولای وأنا مولی المؤمنین وأنا أولی بهم من أنفسهم ، فمن کنتُ مولاه فعلیٌّ مولاه ، أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه ، وأحبّ من أحبّه ، وأبغض من أبغضه ، وانصر

من نصره ، واخذل من خذله ، وأدر الحقَّ معه حیث دار».

وزعْمُ بعضٍ - أنَّ زیادةَ : «أللّهمّ والِ ...» إلخ موضوعةٌ مردودٌ بأنّ ذلک جاء من طرق صحّح الذهبیّ کثیراً منها ، وروی الدارقطنی عن سعد قال : لمّا سمع أبو بکر وعمر ذلک قالا : أمسیت یا ابن أبی طالب مولی کلِّ مؤمن ومؤمنة.

ثمّ ذکر حدیث نزول آیة (سَأَلَ سَائِلٌ ...) حول القضیّة ، وترجم ابن عقدة وأثنی علیه ، فقال : وهو متواترٌ ، رواه ستّة عشر صحابیّاً(1) ، وفی روایة لأحمد أنَّه سمعه من النبی صلی الله علیه وسلم ثلاثون صحابیاً ، وشهدوا به لعلیٍّ لَمّا نوزع أیّام خلافته ، فلا التفات إلی من قدح فی صحّته ، ولا لمن ردّه بأنّ علیّاً کان بالیمن ؛ لثبوت رجوعه منها وإدراکه الحجّ معه صلی الله علیه وسلم.

36 - شهاب الدین الحفظیّ ، الشافعیّ :

أحد شعراء الغدیر فی القرن الثانی عشر ، قال فی ذخیرة المآل فی شرح عقد جواهر اللآل : هذا حدیث صحیح لا مِرْیة فیه ، أخرجه الترمذی والنسائی وأحمد ، وطرقه کثیرةٌ. قال الإمام أحمد رحمه الله(2) : وشهد به لعلیٍّ ثلاثون صحابیّاً ، لمّا نوزع فی أیّام خلافته.

37 - میرزا محمد البَدَخْشیّ :

قال فی نُزُل الأبرار(3) (ص 21) : هذا حدیث صحیح مشهور ، ولم یتکلّم فی 4.

ص: 564


1- هذا ما وصلت إلیه إحاطته ، وهو یری تواتر الحدیث به ، وقد أسلفنا أنَّ رواته من الصحابة تربو علی المائة. (المؤلف)
2- مسند أحمد : 5 / 498 ح 18815.
3- نُزُل الأبرار : ص 54.

صحّته إلّا متعصِّب جاحد لا اعتبار بقوله ، فإنّ الحدیث کثیر الطرق جدّاً ، وقد استوعبها ابن عقدة فی کتاب مفرد ، وقد نصَّ الذهبیّ علی کثیر من طرقه بالصحّة ، ورواه من الصحابة عدد کثیر.

وقال فی مفتاح النجا فی مناقب آل العبا(1) : أخرج الحکیم فی نوادر الأصول والطبرانی بسند صحیح فی الکبیر عن أبی الطفیل عن حذیفة بن أُسید رضی الله عنه : أنَّ رسول الله صلی الله علیه وسلم خطب بغدیر خُمّ تحت شجرة ، فقال : یا أیّها الناس قد نبّأنی اللطیف الخبیر ... - إلی آخر ما مرَّ (ص 27) - فقال : وأخرج أحمد عن البراء بن عازب وزید بن أرقم رضی الله عنهما ... - باللفظ الذی أسلفناه (ص 30) - ثمّ قال : وأخرج أحمد عن علیّ وأبی أیّوب الأنصاری وعمرو بن مرّة ، وأبو یعلی عن أبی هریرة ، وابن أبی شیبة عنه وعن اثنی عشر من الصحابة ، والبزّار عن ابن عبّاس وعمارة وبریدة ، والطبرانی عن ابن عمر ومالک بن الحویرث وأبی أیّوب وجریر وسعد بن أبی وقّاص وأبی سعید الخُدری وأنس ، والحاکم عن علیّ وطلحة ، وأبو نعیم فی فضائل الصحابة عن سعد ، والخطیب عن أنس رضی الله عنهم .... ثمّ ذکر الحدیث فقال :

وفی روایة أخری للطبرانی عن عمرو بن مرّة وزید بن أرقم وحُبشی بن جنادة رضی الله عنهم مرفوعاً بلفظ : «من کنتُ مولاه فعلیٌّ مولاه ، أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه ، وانصر من نصره ، وأعن من أعانه».

وعند ابن مردویه عن ابن عبّاس رضی الله عنهما مرفوعاً : «أللّهمّ من کنتُ مولاه فعلیٌّ مولاه ، أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه ، واخذُلْ من خذله ، وانصُرْ من نصره ، وأحبَّ من أحبّه ، وأبغض من أبغضه».

وفی أخری لأبی نعیم فی فضائل الصحابة عن زید بن أرقم والبراء بن عازب معاً مرفوعاً : «ألا إنّ الله ولیّی ، وأنا ولیُّ کلِّ مؤمن ، من کنتُ مولاه فعلیٌّ مولاه». 4.

ص: 565


1- مفتاح النجا : الورقة 44 ، 45 باب 3 فصل 14.

ولأحمد فی روایة أخری ، ولابن حبّان والحاکم والحافظ أبی بشر إسماعیل بن عبدالله العبدی الأصبهانی المشهور بسمّویه عن ابن عبّاس عن بریدة - وذکر لفظه - وللطبرانی فی روایة أخری عن أبی الطفیل عن زید بن أرقم - وذکر لفظه - وعند الترمذی والحاکم عن زید بن أرقم - وذکر لفظه - ثمّ قال :

أقول : هذا حدیث صحیح مشهور ، نصّ الحافظ أبو عبدالله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبی - الترکمانیّ الفارقیّ ثمّ الدمشقیّ - علی کثیر من طرقه بالصحّة ، وهو کثیر الطرق جدّاً ، وقد استوعبها الحافظ أبو العبّاس أحمد بن محمد بن سعید الکوفی المعروف بابن عقدة فی کتاب مُفرد.

وأخرج أحمد عن أبی الطفیل قال : جَمَعَ علیٌّ - کرّم الله وجهه - الناس فی الرحبة .... ثمّ ذکر حدیث الرحبة.

38 - مفتی الشام العمادیّ ، الحنفیّ ، الدمشقیّ : المتوفّی (1171).

عدّه فی الصِّلات الفاخرة (ص 49) من الأحادیث المتواترة ، یرویه - کما قال فی أوّل کتابه - من عشرة مشایخ فأکثر ، نقلاً عن الترمذیّ والبزّار وأحمد والطبری وأبی نعیم وابن عساکر وابن عقدة وأبی یعلی.

39 - أبو العرفان الصبّان ، الشافعیّ : المتوفّی (1206).

قال فی إسعاف الراغبین فی هامش نور الأبصار (ص 153) بعد روایة الحدیث : رواه عن النبیِّ ثلاثون صحابیّاً ، وکثیر من طرقه صحیح أو حسن.

40 - السیّد محمود الآلوسیّ ، البغدادیّ : المتوفّی (1270).

قال فی روح المعانی(1) (2 / 249) : نعم ثبت عندنا أنَّه صلی الله علیه وسلم قال فی حقِّ الأمیر هناک - یعنی غدیر خُمّ - : «من کنتُ مولاه فعلیٌّ مولاه» ، وزاد علی ذلک کما فی بعض 1.

ص: 566


1- روح المعانی : 6 / 61.

الروایات ، لکن لا دلالة(1) فی الجمیع علی ما یدّعونه من الإمامة الکبری والزعامة العظمی.

وقال فی (2 / 350) : قال الذهبیّ : إنَّه صحیحٌ ، ونقل عن الذهبیِّ أیضاً أنَّه قال : إنّ «من کنتُ مولاه» متواتر یُتیقّن أنَّ رسول الله قاله ، وأمّا «أللّهمّ والِ من والاه» فزیادةٌ قویّة الإسناد(2).

41 - الشیخ محمد الحوت ، البیروتیّ ، الشافعیّ : المتوفّی (1276).

قال فی أسنی المطالب(3) (ص 227) : حدیث «من کنتُ مولاه فعلیٌّ مولاه» رواه أصحاب السنن غیر أبی داود ، ورواه أحمد ، وصحّحوه. ورُوی بلفظ : «من کنت ولیّه فعلیٌّ ولیّه» ، ورواه أحمد والنسائی والحاکم وصحّحه.

42 - المولوی ولیّ الله اللکهنوی :

قال فی مرآة المؤمنین فی مناقب أهل بیت سیّد المرسلین(4) - بعد ذکر الحدیث بغیر واحد من طرقه - ما تعریبه : ولیعلم أنَّ هذا الحدیث صحیح ، وله طرق عدیدة ، وقد أخطأ من تکلّم فی صحّته ؛ إذ أخرجه جمع من علماء الحدیث ، مثل الترمذی والنسائی ، ورواه جمع من الصحابة ، وشهدوا به لعلیٍّ فی أیّام خلافته ... ثمّ ذکر حدیث المناشدة وإصابة الدعوة.

43 - الحافظ المعاصر شهاب الدین أبو الفیض أحمد بن محمد بن الصدّیق الحضرمیّ(5) :

قال فی کتابه تشنیف الآذان (ص 77) : وأمّا حدیث : «من کنت مولاه فعلیّ ً.

ص: 567


1- ستقف علی دلالته فی بیان مفاد الحدیث ، وإنَّما الغرض من کلامه هو البخوع لصحّة السند. (المؤلف)
2- روح المعانی : 6 / 195.
3- أسنی المطالب : ص 461 ح 1481.
4- مرآة المؤمنین : ص 40.
5- صوابه : الغماری المغربی ، ولم یکن حضرمیّاً.

مولاه» فتواتر عن النبیّ صلی الله علیه وسلم من روایة نحو ستّین شخصاً ، لو أوردنا أسانید الجمیع لطال بنا ذلک جدّاً ، ولکن نشیر إلی مُخرجیها تتمیماً للفائدة ، ومن أراد الوقوف علی طرقها وأسانیدها فلیرجع إلی کتابنا فی المتواتر ، فنقول :

رواه أحمد فی مسنده(1) ، وابن أبی عاصم فی السنّة(2) عن علیّ وثلاثةَ عشرَ رجلاً من الصحابة ، ورواه النسائی فی الخصائص(3) عن علیّ وبضعةَ عشرَ رجلاً.

ورواه عنه وعن جماعة معه - أیضاً - الطحاویّ فی مشکل الآثار(4) والبزّار فی المسند(5) وابن عساکر وآخرون.

ورواه ابن راهویه فی المسند ، وابن جریر فی تهذیب الآثار ، وابن أبی عاصم فی السنّة ، والطحاوی فی مشکل الآثار ، والمحاملی فی الأمالی(6) ، وابن عقدة ، والخطیب(7) من حدیث ابن عبّاس.

ورواه(8) أحمد ، والنسائی فی الکبری والخصائص ، وابن ماجة ، والحسن بن سفیان ، والدولابی فی الکنی ، وابن عساکر فی التاریخ ، من حدیث البراء بن عازب.

ورواه(9) أحمد والترمذی ، والنسائی فی الکبری ، وابن حبّان فی الصحیح ، 45

ص: 568


1- مسند أحمد : 1 / 135 ح 642.
2- کتاب السنّة : ص 590 - 593 ح 1354 - 1376 باب 202.
3- خصائص أمیر المؤمنین : ص 100 ح 85 ، وفی السنن الکبری : 5 / 131 ح 8470.
4- مشکل الآثار : 2 / 307 - 308.
5- مسند البزّار (البحر الزخّار) : 2 / 133 ، 235 ح 492 ، 632 و 3 / 34ح 786.
6- الأمالی : ص 85 ح 35.
7- تاریخ بغداد : 12 / 344 رقم 6785.
8- مسند أحمد : 5 / 355 ح 18011 ، خصائص أمیر المؤمنین : ص 102 ح 88 ، وفی السنن الکبری : 5 / 132 ح 8473 ، سنن ابن ماجة : 1 / 43 ح 116 ، الکنی والأسماء : 2 / 61 ، تاریخ مدینة دمشق : 12 / 227.
9- مسند أحمد : 5 / 501 ح 18838 ، سنن الترمذی : 5 / 591 ح 3713 ، السنن الکبری : 5 / 45

والبزّار ، والدولابی فی الکنی ، والطبرانی ، والحاکم ، وآخرون عن زید بن أرقم.

ورواه(1) أحمد والنسائی فی الکبری والخصائص ، وسمَّویه فی فوائده ، وعثمان بن أبی شیبة ، وابن جریر فی التهذیب ، وابن حبّان ، والحاکم ، والطبرانی فی الصغیر ، وأبو

نعیم فی الحلیة وتاریخ أصبهان والفضائل ، وابن عقدة وابن عساکر(2) من طرق تبلغ حدّ التواتر عن بریدة.

ورواه أحمد(3) ، والنسائی فی الکبری ، والطبرانی(4) ، من حدیث أبی أیّوب.

ورواه الترمذی(5) ، وابن عقدة ، والطبرانی(6) ، والدارقطنی ، ومن طریقه ابن

عساکر(7) من حدیث حذیفة بن أُسید ، إلّا أنَّه عند الترمذی علی الشکّ.

ورواه النسائی(8) ، وابن ماجة(9) ، وسعید بن منصور ، وابن جریر فی التهذیب ، والبزّار ، وابن عقدة ، وابن عساکر(10) ، من حدیث سعد بن أبی وقّاص. 1.

ص: 569


1- مسند أحمد : 6 / 476 ح 22436 ، السنن الکبری : 5 / 45 ح 8145 کتاب المناقب ، وفی خصائص أمیر المؤمنین : ص 99 ح 82 ، مصنّف ابن أبی شیبة : 12 / 83 ح 12181 ، الإحسان فی تقریب صحیح ابن حبّان : 15 / 375 ح 6930 ، المستدرک علی الصحیحین : 3 / 119 ح 4578 ، المعجم الصغیر : 1 / 71 ، حلیة الأولیاء : 4 / 23 رقم 255.
2- تاریخ مدینة دمشق : 12 / 209.
3- مسند أحمد : 6 / 583 ح 23051.
4- المعجم الکبیر : 4 / 173 ح 4052.
5- سنن الترمذی : 5 / 591 ح 3713.
6- المعجم الکبیر : 3 / 180 ح 3052.
7- تاریخ مدینة دمشق : 12 / 226.
8- خصائص أمیر المؤمنین : ص 99 ح 83 ، وفی السنن الکبری : 5 / 131 ح 8468.
9- سنن ابن ماجة : 1 / 45 ح 121.
10- تاریخ مدینة دمشق : 12 / 228 و 6 / 251.

ورواه ابن أبی شیبة(1) والبزّار فی مسندیهما ، وأبو یعلی والطبرانی فی الأوسط(2) وابن عقدة.

ورواه الطبرانی فی الصغیر(3) وابن عقدة وأبو نعیم فی الحلیة والتاریخ ، والخطیب(4) وابن عساکر(5) من حدیث أنس بن مالک.

ورواه الحاکم والطبرانی فی الأوسط ، وأبو نعیم فی التاریخ ، وابن عساکر(6) من حدیث أبی سعید.

ورواه عثمان بن أبی شیبة(7) والنسائی فی سننهما ، وابن عقدة ، وأبو یعلی ، والطبرانی ، والبانیاسی فی جزئه ، وأبو نعیم فی تاریخ أصبهان(8) ، وابن عساکر(9) فی تاریخ دمشق من حدیث جابر بن عبدالله.

ورواه الطبرانی(10) من حدیث عمرو بن ذی مرّ.

ورواه عثمان بن أبی شیبة فی سننه ، وابن عقدة ، والطبرانی ، وابن عدیّ(11) ومن طریقه ابن عساکر(12) من حدیث ابن عمر. 6.

ص: 570


1- مصنّف ابن أبی شیبة : 12 / 61 ح 12127.
2- المعجم الأوسط : 3 / 133 - 134 ح 2275.
3- المعجم الصغیر : 1 / 64.
4- تاریخ بغداد : 7 / 377 رقم 3905.
5- تاریخ مدینة دمشق : 12 / 236.
6- المصدر السابق : 12 / 232.
7- مصنّف ابن أبی شیبة : 12 / 59 ح 12121.
8- ذکر أخبار أصبهان : 2 / 358.
9- تاریخ مدینة دمشق : 12 / 231.
10- المعجم الکبیر : 5 / 192 ح 5059.
11- الکامل فی ضعفاء الرجال : 5 / 33 رقم 1204.
12- تاریخ مدینة دمشق : 12 / 236.

ورواه ابن عقدة والطبرانی(1) وابن عساکر من حدیث مالک بن الحویرث.

ورواه أبو نعیم فی الحلیة ، والطبرانی(2) ، وأبو طاهر المخلّص ، وابن قانع ، وابن عساکر(3) عن حُبشی بن جنادة.

ورواه الطبرانی(4) ، وابن عقدة من حدیث جریر بن عبدالله البجلی.

ورواه البزّار من حدیث عمارة ، والطبرانی وابن عقدة وابن عساکر(5) من حدیث عمّار بن یاسر ، وابن عساکر(6) من حدیث رباح بن الحارث ، ومن حدیث عمر بن الخطّاب ، ومن حدیث نُبیط بن شُریط.

ورواه ابن عقدة وابن عساکر(7) من حدیث سمرةَ بن جُندب ، ورواه الطوسی فی أمالیه(8) من حدیث أبی لیلی ، ورواه أبو نعیم فی الصحابة من حدیث جُندب الأنصاری.

ورواه ابن عقدة فی کتاب الموالاة من حدیث جماعة بأسانید متعدِّدة منهم : حبیب بن بدیل ، وقیس بن ثابت ، وزید بن شرحبیل ، والعبّاس بن عبدالمطّلب ، والحسن بن علیّ ، وأخوه ، وعبدالله بن جعفر ، وسلمة بن الأکوع ، وزید بن أبی ثابت ، وأبو ذر ، وسلمان الفارسیّ ، ویعلی بن مُرّة ، وخُزیمة بن ثابت ، وسهل بن حنیف ، وأبو

رافع ، وزید بن حارثة ، وجابر بن سمرة ، وضمرة الأسلمی ، وعبدالله بن أبی أوفی ، 3.

ص: 571


1- المعجم الکبیر : 19 / 291 ح 646.
2- المصدر السابق : 4 / 17 ح 3514.
3- تاریخ مدینة دمشق : 12 / 233.
4- المعجم الکبیر : 2 / 357 ح 2505.
5- تاریخ مدینة دمشق : 12 / 238.
6- المصدر السابق : 12 / 224.
7- المصدر السابق : 12 / 233.
8- الأمالی : ص 247 ح 433.

وعبدالله بن بُسْر المازنی ، وعبدالرحمن بن یَعْمُر الدیلی ، وأبو الطفیل ، وسعد بن جنادة ، وعامر بن عمیرة ، وحبّة بن جوین ، وأبو أمامة ، وعامر بن لیلی ، ووحشی بن

حرب ، وعائشة ، وأُمّ سلمة ، ورواه الحاکم من حدیث طلحة بن عبیدالله ...

(وَتَمَّتْ کَلِمَتُ رَبِّکَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَّا مُبَدِّلَ لِکَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِیعُ الْعَلِیمُ * وَإِن تُطِعْ أَکْثَرَ مَن فِی الْأَرْضِ یُضِلُّوکَ عَن سَبِیلِ اللَّ-هِ إِن یَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا یَخْرُصُونَ)(1) 6.

ص: 572


1- الأنعام : 115 ، 116.

محاکمة حول سند الحدیث

(وَأَنِ احْکُم بَیْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّ-هُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ)(1)

لقد أوقفک البحث والتنقیب البالغان علی زُرافات من علماء الأمّة وحفّاظ الحدیث ورؤساء المذهب - السنّة والجماعة - رووا حدیث الغدیر ، وأخبتوا وسکنوا إلیه ، وعلی آخرین زووا عنه کلّ ریبة وشکّ ، وحکموا بصحّة أسانید جمّة من طرقه ، وحسن طرق أخری ، وقوّة طائفة منها ، وهناک أُمّة من فطاحل العلماء حکموا بتواتر الحدیث ، وشنّعوا علی من أنکر ذلک ، ولقد علمت أنَّ من رواه من الصحابة فی ما وقفنا علی روایته مائة وعشرة صحابی ، ومرَّ (ص 155) أَنَّ الحافظ السجستانی رواه عن مائة وعشرین صحابیاً ، وأَسلَفْنا (ص 158) عن الحافظ أبی العلاء الهمدانی : أنَّه

رواه بمائتین وخمسین طریقاً ، وعلیه فقس روایة التابعین ومن بعدهم فی الأجیال المتأخّرة ، فلن تجد فیما یُؤثر عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم حدیثاً یبلغ هذا المبلغ من الثبوت والیقین والتواتر.

وقد أفرد شمس الدین الجزری المترجم (ص 129) رسالة فی إثبات تواتره ، ونسب منکره إلی الجهل ، فهو کما مرّ (ص 307) عن الفقیه ضیاء الدین المقبلی : إن لم

یکن معلوماً فما فی الدین معلومٌ. و (ص 295) عن العاصمی : حدیثٌ تلقّته الأمّة 9.

ص: 573


1- المائدة : 49.

بالقبول ، وهو موافقٌ بالأصول. و (ص 296) عن الغزالی : أنَّه أجمع الجمهور علی متنه. و (ص 295) : اتّفق علیه جمهور أهل السنّة. و (ص 309) عن البدخشی : حدیث صحیح مشهور ، ولم یتکلّم فی صحّته إلّا متعصِّبٌ جاحد لا اعتبار بقوله. و (ص 297) : أنَّه حدیث متّفق علی صحّته ، وأنَّ صدره متواتر یُتیقّن أنَّ رسول الله قاله ، وذیله زیادة قویّة الإسناد. و (ص 311) : أنَّه حدیث صحیح قد أخطأ من تکلّم فی صحّته ، و (ص 310) : أنَّه حدیث مشهور کثیر الطرق جدّاً ، و (ص 310) من قول الآلوسی : نعم ثبت عندنا أنَّه صلی الله علیه وسلم قاله فی حقّ علیّ ، و (ص 302) : حدیث صحیح لا مِرْیة فیه ، و (ص 299 ، 301) : أنَّه متواترٌ عن النبیّ صلی الله علیه وسلم ومتواترٌ عن أمیر المؤمنین أیضاً ، رواه الجمّ الغفیر ، ولا عبرة بمن حاول تضعیفه ممّن لا اطِّلاع له فی هذا العلم ؛ یعنی علم الحدیث ، و (ص 304) : أنَّه حدیث صحیح لا مِرْیة فیه ولا شکّ ینافیه ، ولا

یُلتفت إلی قول من تکلّم فی صحّته ، ولا إلی قول من نفی الزیادة ، و (ص 299) : أنَّه

متواترٌ لا یُلتفت إلی من قدح فی صحّته ، وصحّ عن جماعة ممّن یحصل القطع بخبرهم ،

و (ص 295) عن الأصبهانی : حدیثٌ صحیح ثابت ، لا أعرف له علّةً ، قد رواه نحو مائة نفس منهم العشرة المبشَّرة ... إلی کلمات أخری ذُکرت مفصّلة.

لکن بین ثنایا العصبیّة ومن وراء ربوات الأحقاد حُثالة حدا بهم الانحیاز عن مولانا أمیر المؤمنین - صلوات الله علیه - إلی تعکیر هذا الصفو وإقلاق تلک الطمأنینة بکلّ جَلَبة ولَغَط ، فمن منکر صحّة صدور الحدیث(1) ؛ معلّلاً بأنّ علیّاً کان بالیمن ، وما کان مع رسول الله فی حجّته تلک ... إلی آخر ینکر صحّة صدر الحدیث(2) ویقول : لم یروه أکثر من رواه ، إلی ثالث یضعّف ذیله(3) ویقول : لا ریب أنَّه کذبٌ ، ورابع یطعن ف)

ص: 574


1- حکاه الطحاوی [مشکل الآثار : 2 / 308] وغیره عن بعض وأجابوا عنه کما سبق (ص 294 و 300). (المؤلف)
2- التفتازانی فی المقاصد : ص 290 [5 / 274] وقلّده بعض من تأخّر عنه. (المؤلف)
3- ابن تیمیة فی منهاج السنّة : 4 / 85. (المؤلف)

فی أصله ، ویعتبر الدعاء الملحق به(1) ، ویقول : لم یخرِّج غیر أحمد إلّا الجزء الأخیر من قوله صلی الله علیه وسلم - : «أللّهمّ والِ من والاه ...» إلخ.

وقد عرفت تواتر الجمیع والاتّفاق علی صحّته ونصوص العلماء علی اعتبار هذه کلّها ، غیر آبهین بکلِّ ما هناک من الصخب واللَغَب ، فالإجماع قد سبق المهملجین ولحقهم ، حتی لم یُبقِ لهم فی مستوی الاعتبار مقیلاً.

وهناک من یقول تارةً : إنَّه لم یروه علماؤنا(2) ، وأخری : إنَّه لا یصحُّ من طریق الثقات(3) ، وقلّده بعض مقلّدی المتأخِّرین ، وقال : لم یذکره الثقات من المحدِّثین(4) ، وهو بنفسه یقول بتواتره فی موضع آخر من کتابه. ونحنُ لا نقابل البادی والتابع إلّا

بالسلام ، کما أمرنا الله سبحانه بذلک(5).

وأنا لا أدری أنَّ قِصر الباع لم یدع البادی یعرف علماء أصحابه ، أو أن یقف علی الصحاح والمسانید ، أو أنَّه لا یقول بثقة کلِّ أولئک الأعلام !

فإن کان لا یدری فتلک مصیبةٌ

وإن کان یدری فالمصیبةُ أعظمُ

وفی القوم من یلوک بین أشداقه أنَّه ما أخرجه إلّا أحمد فی مسنده(6) ، وهو مشتملٌ علی الصحیح والضعیف. فکأنّه لم یقف علی تألیف غیر مسند أحمد ، أو أنَّه لم

یوقفه السیر علی الأسانید الجمّة الصحیحة والقویّة فی الصحاح والمسانید والسنن وغیرها ، وکأنّه لم یطّلع علی ما أفرده الأعلام بالتألیف حول أحمد ومسنده ، أو لم ف)

ص: 575


1- محمد محسن الکشمیری فی نجاة المؤمنین. (المؤلف)
2- قاله ابن حزم فی المفاضلة بین الصحابة. (المؤلف)
3- حکاه عن ابن حزم [الفصل : 4 / 148] ابن تیمیّة فی منهاج السنّة : 4 / 86. (المؤلف)
4- الهروی سبط میرزا مخدوم بن عبدالباقی فی السهام الثاقبة. (المؤلف)
5- فی محکم کتابه بقوله : (وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا). (المؤلف)
6- قاله محمد محسن الکشمیری فی نجاة المؤمنین. (المؤلف)

یطرق سمعه ما یقوله السبکی فی طبقاته(1) (1 / 201) من أنَّه ألَّف - أحمد - مسنده ، وهو أصلٌ من أصول هذه الأمّة.

قال الإمام الحافظ أبو موسی المدینی المترجم (ص 116) : مسند الإمام أحمد أصل کبیر ومرجع وثیق لأصحاب الحدیث ، انتُقی من أحادیث کثیرة ومسموعات وافرة ، فجُعل إماماً ومعتمداً ، وعند التنازع ملجأً ومستنداً ، علی ما أخبرنا والدی وغیره بأنّ المبارک بن عبدالجبّار کتب إلیهما من بغداد قال : أخبرنا ... ، ثمّ ذکر السند من طریق الحافظ ابن بطّة إلی أحمد أنَّه قال : إنّ هذا الکتاب قد جمعته وانتقیته من أکثر من سبعمائة وخمسین ألفاً ، فما اختلف فیه المسلمون من حدیث رسول الله فارجعوا إلیه ، فإن کان فیه ، وإلّا لیس بحجّة.

وقال عبدالله : قلت لأبی : لِمَ کرهتَ وضع الکتب وقد عملت المسند ، فقال : عملت هذا الکتاب إماماً ، إذا اختلف الناس فی سنّةٍ عن رسول الله رُجِع إلیه.

وقال : قال أبو موسی المدینی : ولم یُخرج إلّا عمّن ثبت عنده صدقه ودیانته ، دون من طعن فی أمانته.

وقال أبو موسی : ومن الدلیل علی أنَّ ما أودعه الإمام أحمد قد احتاط فیه إسناداً ومتناً لم یورد فیه إلّا ما صحّ سنده ... ثمّ ذکر دلیل مدّعاه. انتهی ملخّصاً.

وکأنّه لم یقف علی ما یقول الحافظ الجزری المترجم (ص 129) من قصیدة له یمدح بها الإمام أحمد ومسنده ، وذکرها فی المصعد الأحمد فی ختم مسند أحمد (ص 45) :

وإنّ کتابَ المُسْندِ البحرِ للرضا

فتی حنبلٍ للدین أیّةُ مُسندِ

حوی من حدیث المصطفی کلَّ جوهرٍ

وجمّعَ فیه کلَّ دُرٍّ مُنضَّدِ7.

ص: 576


1- طبقات الشافعیة : 2 / 27 رقم 7.

فما من صحیحٍ کالبخاریِّ جامعاً

ولا مسندٍ یُلفی کمُسندِ أحمدِ

وهذا الحافظ السیوطی یقول فی دیباجة جمع الجوامع کما فی کنز العمّال(1) (1 / 3) : وکلُّ ما فی مسند أحمد فهو مقبولٌ ، فإنّ الضعیف الذی فیه یقرب من الحسن.

فهب أنَّا سالمنا الرجل علی ما یقول ، ولکن ما ذنب أحمد ؟ وما التبعة علی المسند إن کان هذا الحدیث من قسم الصحاح من روایاته ؟ علی أنَّه لیس من الممکن مسالمته علی تخصیص الروایة بأحمد ، وأولئک رواته أُمم من الأئمّة أدرجوه فی الصحاح والمسانید ، وأخرجوه ثقة عن ثقة ، ورجال کثیر من أسانیده رجال الصحیحین.

وجاء آخر یقول(2) : نقل - حدیث الغدیر - فی غیر الکتب الصحاح. ذاهلاً عن أنَّ الحدیث أخرجه الترمذی فی صحیحه ، وابن ماجة فی سننه ، والدارقطنی بعدّة طرق ، وضیاء الدین المقدسی فی المختارة ووو ...

وسمعت فی (ص 311) قول الشیخ محمد الحوت : رواه أصحاب السنن غیر أبی داود ، ورواه أحمد وصحّحوه ، وأصحابه یقولون : إنَّها کتبٌ صحاحٌ ، فالعزو إلیها مُعلِمٌ بالصحّة.

وبهذا تعرف قیمة قول من قدح فی صحّته(3) بعدم روایة الشیخین فی صحیحیهما. وجاء آخر یصحِّحه ویُثبت حسنه وینقل اتّفاق جمهور أهل السنّة علیه ، ویقول : وکم حدیث صحیح ما أخرجه الشیخان ، کما مرّ (ص 304).

ونحن نقول : حتی إنّ الحاکم النیسابوری استدرک علیهما کتاباً ضخماً لا یقلُّ عن الصحیحین فی الحجم ، وصافقه علی کثیر ممّا أخرجه الذهبیّ فی الملخّص ، وتجد فی

تراجم العلماء مستدرکات أخری علی الصحیحین. ف)

ص: 577


1- کنز العمّال : 1 / 10.
2- حسام الدین السهارنپوری فی مرافض الروافض. (المؤلف)
3- القاضی عضد الإیجی فی المواقف [ص 405] ، والتفتازانی فی شرح المقاصد [5 / 274]. (المؤلف)

وهذا الحاکم النیسابوری یقول فی المستدرک(1) (1 / 2) : لم یحکما - یعنی البخاری ومسلم - ولا واحدٌ منهما بأنّه لم یصحّ من الحدیث غیر ما أخرجاه ، وقد نبغ

فی عصرنا هذا جماعةٌ من المبتدعة یشمتون برواة الآثار بأنّ جمیع ما یصحّ عندکم من الحدیث لا یبلغ عشرة آلاف حدیث ، وهذه الأسانید المجموعة المشتملة علی ألف جزء أو أقلّ أو أکثر منه کلّها سقیمة غیر صحیحة.

وقد سألنی جماعةٌ من أعیان أهل العلم بهذه المدینة وغیرها أن أجمع کتاباً یشتمل علی الأحادیث المرویّة بأسانید یحتجُّ محمد بن إسماعیل - البخاری - ومسلم ابن الحجّاج بمثلها ؛ إذ لا سبیل إلی إخراج ما لا علّة له ، فإنّهما - رحمهما الله - لم یدّعیا ذلک لأنفسهما.

وقد خرّج جماعة من علماء عصرهما ومن بعدهما علیهما أحادیث قد أخرجاها وهی معلولة ، وقد جهدتُ فی الذبِّ عنها فی المدخل إلی الصحیح بما رضیه أهل الصنعة ، وأنا أستعین الله علی إخراج أحادیث رُواتها ثقاتٌ قد احتجّ بمثلها الشیخان رضی الله عنهما أو أحدهما ، وهذا شرط الصحیح عند کافّة فقهاء أهل الإسلام ، أنَّ الزیادة فی الأسانید والمتون من الثقات مقبولةٌ. انتهی.

وقال الحافظ الکبیر العراقی فی فتح المغیث(2) (ص 17) فی شرح قوله فی ألفیّة الحدیث :

ولم یَعُمّاه ولکنْ قلَّ ما

عند ابن الاخرم منه قد فاتهما

أی لم یعمَّ البخاری ومسلم کلّ الصحیح ؛ یرید لم یستوعباه فی کتابیهما ، ولم یلتزما ذلک ، وإلزام الدارقطنی وغیره إیّاهما بأحادیث لیس بلازم ، قال الحاکم فی خطبة المستدرک : ولم یحکما ولا واحد منهما أنه لم یصحّ من الحدیث غیر ما أخرجاه. انتهی. قال البخاری : 0.

ص: 578


1- المستدرک علی الصحیحین : 1 / 41.
2- فتح المغیث : ص 14 رقم البیت 24 ، ص 16 رقم 29 و 30.

ما أدخلت فی کتاب الجامع إلّا ما صحّ ، وترکت من الصحاح لحال الطول. وقال مسلم :

لیس کلّ صحیح وضعته هنا ، إنَّما وضعت هنا ما أجمعوا علیه ؛ یرید ما وجد عنده فیها شرائط المجمع علیه ، وإن لم یظهر اجتماعها فی بعضها عند بعضهم.

وقال العراقیّ أیضاً (ص 19) فی شرح قوله :

وخذ زیادة الصحیح إذ تُنصّ

صحّتُهُ أو من مصنِّف ینصّ(1)

یجمعه نحو ابن حبّان الزکی

وابنِ خُزیمةٍ وکالمستدرک

لمّا تقدّم أنَّ البخاری ومسلماً لم یستوعبا إخراج الصحیح ، فکأنّه قیل : فمن أین یعرف الصحیح الزائد علی ما فیهما ؟ فقال : خذه إذ تُنصّ صحّته ؛ أی حیث ینصّ علی

صحّته إمام معتمد ، کأبی داود ، والترمذی ، والنسائی ، والدارقطنی ، والخطابی ، والبیهقی ، فی مصنّفاتهم المعتمدة ، کذا قیّده ابن الصلاح بمصنّفاتهم ، ولم أقیِّده بها ، بل إذا صحّ الطریق إلیهم أنَّهم صحّحوه ولو فی غیر مصنّفاتهم ، أو صحّحه من لم یشتهر له تصنیف من الأئمّة ، کیحیی بن سعید القطّان ، وابن معین ، ونحوهما ، فالحکم کذلک علی الصواب ، وإنَّما قیّده ابن الصلاح بالمصنّفات ؛ لأنّه ذهب إلی أنَّه لیس لأحد فی هذه الأعصار أن یصحِّح الأحادیث ، فلهذا لم یعتمد علی صحّة السند إلی من صحّحه فی غیر تصنیف مشهور. ویُؤخذ الصحیح - أیضاً - من المصنّفات المختصّة بجمع الصحیح فقط ، کصحیح أبی بکر محمد بن إسحاق بن خزیمة ، وصحیح أبی حاتم محمد بن حبّان ، وکتاب المستدرک علی الصحیحین لأبی عبدالله الحاکم ، وکذلک ما یوجد فی المستخرجات علی الصحیحین من زیادة أو تتمّة لمحذوف فهو محکومٌ بصحّته. انتهی.

ولا یخفی علی الباحث أنَّ القرون الأولی لم یکن یوجد فیها شیء من کلِّ هذا اللغط أمام ما أصحر به نبیُّ الإسلام یوم الغدیر. نعم ، کان هناک شِرذمةٌ من أهل ّ.

ص: 579


1- فی المصدر : یخصّ.

الحَنَق والأحقاد علی آل الله ، وکانوا ینحتون له قضیّة شخصیّة واقعة بین أمیر المؤمنین وزید بن حارثة ، کلّ ذلک تصغیراً لموقعه العظیم فی النفوس ، إلی أن جاء المأمون الخلیفة العبّاسی ، وأحضر أربعین من فقهاء عصره ، وناظرهم فی ذلک ، وأثبت علیهم حقّ القول فی الحدیث ، کما مرّ (ص 210) ، ثمّ فی القرن الرابع تلقّته الأمّة بالقبول ، وأخبت له الحُفّاظ الأثبات من دون غمز فیه رادّین عنه قول من یقدح فیه ممّن لا یُعرف باسمه ورسمه : بأنّ علیّاً ما کان مع رسول الله فی حجّته تلک ، کما مرّ (ص 295).

وقد أسلفنا لک صریح کلمات الأعلام باتّفاق جمهور أهل السنّة علی صحّة الحدیث وأقوالهم فی تواتره ، وهناک أعاظم مشایخ الشیخین - البخاری ومسلم - قد رووه بأسانید صحاح وحسان مخبتین إلیه ، وفیهم جمع من الذین یروی عنهم الشیخان بأسانیدهم فی الصحیحین من مشیخة القرن الثالث ، ألا وهم :

یحیی بن آدم : المتوفّی (203)

عبدالله بن أبی شیبة : المتوفّی (235)

شبابة بن سوار : المتوفّی (206)

عبیدالله بن عمر : المتوفّی (235)

أسود بن عامر : المتوفّی (208)

إبراهیم بن المنذر : المتوفّی (236)

عبدالرزّاق بن همام : المتوفّی (211)

ابن راهویه إسحاق : المتوفّی (237)

عبدالله بن یزید : المتوفّی (212)

عثمان بن أبی شیبة : المتوفّی (239)

عبیدالله بن موسی : المتوفّی (213)

قتیبة بن سعید : المتوفّی (240)

حجّاج بن منهال : المتوفّی (217)

حسین بن حریث : المتوفّی (244)

فضل بن دکین : المتوفّی (218)

أبو الجوزاء أحمد : المتوفّی (246)

عفّان بن مسلم : المتوفّی (219)

أبو کریب محمد : المتوفّی (248)

علیّ بن عیّاش : المتوفّی (219)

یوسف بن عیسی : المتوفّی (249)

محمد بن کثیر : المتوفّی (223)

نصر بن علیّ : المتوفّی (251)

موسی بن إسماعیل : المتوفّی (223)

محمد بن بشّار : المتوفّی (252)

قیس بن حفص : المتوفّی (227)

محمد بن المثنّی : المتوفّی (252)

هدبة بن خالد : المتوفّی (235)

یوسف بن موسی : المتوفّی (253)

ص: 580

محمد صاعقة : المتوفّی (255). وغیرهم(1).

فعدم إخراج البخاری ومسلم هذا الحدیث المتّفق علی صحّته وتواتره والحال هذه لا یکون قدحاً فی الحدیث إن لم یکن نقصاً فی الکتابین ومؤلِّفیهما ، وکأنّ الشیخ محمود القادری فطن لهذا وحاول بقوله المذکور (ص 304) - : وکم حدیث صحیح ما أخرجه الشیخان - تقدیس ساحة الکتابین ومؤلِّفیهما عن هذا النقص. لا أنَّه أراد إثبات صحّة الحدیث بذلک ، کیف ؟ وهو یقول : اتّفق علی ما ذکرنا جمهور أهل السنّة.

وغیر خافٍ علی النابه البصیر أنَّ البادی بخلاف الإجماع فی ردِّ الحدیث هو ابن حزم الأندلسی(2) ، وهو یقول : إنّ الأمّة لا تجتمع علی خطأ. ثمّ تبعه فی ذلک ابن تیمیّة ، وجعل قوله مدرک قدحه فی الحدیث ، ولم یجد غمیزة فیه غیره بیدَ أنَّه زاد علیه قوله : نقل عن البخاری وإبراهیم الحرّانی وطائفة من أهل العلم بالحدیث أنَّهم طعنوا فیه وضعّفوه ، ذاهلاً عن قوله فی منهاج السنّة (4 / 13) : إنّ قصّة الغدیر کانت فی

مرتجع رسول الله صلی الله علیه وسلم من حجّة الوداع ، وقد أجمع الناس علی هذا.

ثمّ قلّدهما من راقه الانحیاز عن الحقّ الثابت من نظراء التفتازانی والقاضی الإیجی والقوشجی والسیِّد الجرجانی ، وزادوا ضغثاً علی إبّالة ، فلم یکتفوا فی ردِّ الحدیث بعدم إخراج الصحیحین ، ولم یقفوا علی فِریة ابن تیمیّة فی عزوه الطعن إلی البخاری والحرّانی ، أو ما راقتهم النسبة إلی البخاری والحرّانی لمکان ضعف الناقل - ابن تیمیّة - عندهم ، فقالوا بإرسال المسلّم : قد طعن فیه ابن أبی داود وأبو حاتم السجستانی. ثمّ جاء ابن حجر فزاد علی أبی داود والسجستانی قوله : وغیرهم ... إلی

أن جاد الدهرُ بالهروی ، فزحزح السجستانی ، ووضع فی محله الواقدی وابن خزیمة ، فقال فی السهام الثاقبة : قدح فی صحّة الحدیث کثیر من أئمّة الحدیث ، کأبی داود ، ف)

ص: 581


1- سبقت تراجم هؤلاء جمیعاً من (ص 82 - 93). (المؤلف)
2- ستقف علی الرأی العام فیه بعد تمام المحاکمة. (المؤلف)

والواقدی ، وابن خزیمة ، وغیرهم من الثقات.

لا أدری ما أجرأهم علی الرحمن (وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَی)(1) ، وما عسانی أن أقول فی بحّاثة یذکر هذه النِّسب المفتعلة علی أئمّة الحدیث وحفّاظ السنّة فی کتابه ؟ ألا مسائل هؤلاء عن مصدر هذه النقول والإضافات ؟ أفی مؤلَّف وجدوها ؟ فما هو ؟ وأین هو ؟ ولِمَ لم یسمّوه ؟ أم عن المشایخ رووها ؟ فلِمَ لم یسندوها ؟ ألا مسائل هؤلاء کیف خفی طعن مثل البخاری وقرنائه فی الحدیث علی ذلک الجمّ الغفیر من الحفّاظ والأعلام ومَهَرة الفنّ فی القرون الأولی إلی القرن السابع والثامن قرن ابن تیمیّة ومقلِّدیه ، فلم یَفُهْ به أحد ، ولا یوجد منه أثر فی أیّ تألیف ومسند ، أو أنَّهم أوقفهم السیر علیه ، ولکنّهم لم یروا فی سوق الحقّ له قیمة ، فضربوا عنه صفحاً ؟

وبعد هذا کلّه فأین تجد مقیل القول بإنکار تواتره من مستوی الحقیقة ؟ والقول بأنّ الشیعة اتّفقوا علی اعتبار التواتر فیما یُستدَلُّ به علی الإمامة ، فکیف یسوغ لهم الاحتجاج بحدیث الغدیر وهو من الآحاد ؟(2) یقول الرجل ذلک وهو یری الحدیث متواتراً لروایة ثمانیة صحابة(3) ، وأنَّ فی القوم من یری الحدیث متواتراً لروایة أربعة من الصحابة له ، ویقول : لا تحلّ مخالفته(4) ، ویجزم بتواتر حدیث «الأئمّة من قریش»(5) ، ویقول : رواه أنس بن مالک ، وعبدالله بن عمر ، ومعاویة ، وروی معناه جابر بن عبدالله ، وجابر بن سمرة ، وعبادة بن الصامت.

وآخر یقول ذلک فی حدیث آخر رواه علیّ عن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ویرویه عن علیّ اثنا ف)

ص: 582


1- طه : 61.
2- التفتازانی فی المقاصد : ص 290 [5 / 272] ، وابن حجر فی الصواعق : ص 25 [ص 42] ، ومقلّدیهما. (المؤلف)
3- راجع الصواعق : ص 13 [ص 23]. (المؤلف)
4- قال ابن حزم فی المحلّی [9 / 6 مسألة 1511] فی مسألة عدم جواز بیع الماء : فهؤلاء أربعة من الصحابة رضی الله عنهم ، فهو نقل تواتر لا تحلّ مخالفته. (المؤلف)
5- راجع الفِصَل : 4 / 89. (المؤلف)

عشر رجلاً فیقول(1) : هذه اثنتا عشرة طریقاً إلیه ، ومثل هذا یبلغ حدّ التواتر.

وآخر یری حدیث : «تقتلک الفئة الباغیة» متواتراً ، ویقول(2) : تواترت الروایات به ، روی ذلک عن عمّار وعثمان وابن مسعود وحذیفة وابن عبّاس فی آخرین ، وجوّد السیوطی قول من حدّد التواتر بعشرة ، وقال فی ألفیّته(3) (ص 16) :

وما رواه عددٌ جمٌّ یجبْ

إحالة اجتماعهم علی الکذبْ

فمتواترٌ وقومٌ حدّدوا

بعشرةٍ وهو لدیَّ أجودُ

هذه نظریّتهم المشهورة فی تحدید التواتر ، لکنّهم إذا وقفوا علی حدیث الغدیر اتّخذوا له حدّاً أعلی لم تبلغه روایة مائةٍ وعشرة صحابی أو أکثر بالغاً ما بلغ.

ومن غرائب الیوم ما جاء به أحمد أمین فی کتابه ظهر الإسلام تعلیق (ص 194) : من أنَّه یرویه الشیعة عن البراء بن عازب.

وأنت تعلم أنَّ نصیب روایة البراء - من إخراج علماء أهل السنّة - أوفر من کثیر من روایات الصحابة ، فقد عرفت (ص 18 ، 19 ، 20) و (ص 272 - 283) : أنَّه أخرجها ما یربو علی الأربعین رجلاً من فطاحل علمائهم ، وفیهم مثل أحمد وابن ماجة والترمذی والنسائی وابن أبی شیبة ونظرائهم ، وجملة من أسانیدها صحیحة رجالها کلّهم ثقات ، لکن أحمد أمین راقه أن تکون الروایة معزوَّةً إلی الشیعة فحسب ، إسقاطاً

للاحتجاج بها ، ولیس هذا ببدعٍ من تقوّلاته فی صحائف إسلامه صبحاً وضحیً وظهراً.

(کَبُرَتْ کَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن یَقُولُونَ إِلَّا کَذِبًا * فَلَعَلَّکَ بَاخِعٌ نَّفْسَکَ عَلَی آثَارِهِمْ إِن لَّمْ یُؤْمِنُوا بِهَ-ذَا الْحَدِیثِ أَسَفًا)(4) 6.

ص: 583


1- راجع تاریخ ابن کثیر : 7 / 289 [البدایة والنهایة : 7 / 321 حوادث سنة 37 ه]. (المؤلف)
2- تهذیب التهذیب : 7 / 409 [7 / 358 رقم 665] ، والإصابة : 2 / 512 [رقم 5704]. (المؤلف)
3- ألفیّة السیوطی فی علم الحدیث : ص 44.
4- الکهف : 5 - 6.

ص: 584

الرأی العام فی ابن حزم الأندلسی

المتوفّی (456)

ما عسانی أن أکتب عن شخصیّة أجمع فقهاء عصره علی تضلیله والتشنیع علیه ونهی العوام عن الاقتراب منه ، وحکموا بإحراق تآلیفه ومدوّناته مهما وجدوا الضلال فی طیّاتها کما فی لسان المیزان(1) (4 / 200) ، ویعرِّفه الآلوسی عند ذکره بقوله : الضالّ المضلّ ، کما فی تفسیره (21 / 76).

ما عسانی أن أقول فی مؤلِّف لا یتحاشی عن الکذب علی الله ورسوله ، ولا یبالی بالجرأة علی مقدَّسات الشرع النبویِّ ، وقذف المسلمین بکلّ فاحشة ، والأخذ بمخاریق القول وسقطات الرأی.

ما عسانی أن أذکر عن بحّاثة لا یُعرَف مبدؤه فی أقواله ، ولا یستند علی مصدر من الکتاب والسنّة فی آرائه ، غیر أنَّه إذا أفتی تحکّم ، وإذا حکم مان ، یعزو إلی الأمّة الإسلامیّة ما هی بریئة منه ، ویضیف إلی الأئمّة وحفّاظ المذهب ما هم بُعداء منه ،

تعرب تآلیفه عن حقّ القول من الرأی العام فی ضلاله ، وإلیک نماذج من آرائه :

قال فی فقهه المُحلّی (10 / 482) :

مسألة : مقتول کان فی أولیائه غائب أو صغیر أو مجنون ، اختلف الناس فی 7.

ص: 585


1- لسان المیزان : 4 / 229 رقم 5737.

هذا. ثمّ نقل عن أبی حنیفة أنَّه یقول : إنّ للکبیر أن یقتل ولا ینتظر الصغار. وعن الشافعی : أنَّ الکبیر لا یستقید حتی یبلغ الصغیر ، ثمّ أورد علی الشافعیة بأنّ الحسن ابن علیّ قد قتل عبدالرحمن بن ملجم ولعلیٍّ بنون صغار ، ثمّ قال : هذه القصّة - یعنی

قتل ابن ملجم - عائدةٌ علی الحنفیّین بمثل ما شنّعوا علی الشافعیّین سواء سواء ؛ لأنّهم

والمالکیین لا یختلفون فی أنَّ من قتل آخر علی تأویل فلا قَوَد فی ذلک ، ولا خلاف بین أحد من الأمّة فی أنَّ عبدالرحمن بن ملجم لم یقتل علیّاً رضی الله عنه إلّا متأوِّلاً مجتهداً مقدِّراً أنَّه علی صواب ، وفی ذلک یقول عمران بن حطّان شاعر الصفریّة :

یا ضربةً من تقیٍّ ما أراد بها

إلّا لیبلغَ من ذی العرش رضوانا

إنّی لأذکره حیناً فأحسبه

أوفی البریّة عند الله میزانا

أی لَأُفکّر فیه ثمّ أحسبه ... ، فقد حصل الحنفیّون فی خلاف الحسن بن علیّ علی مثل ما شنّعوا به علی الشافعیّین ، وما ینقلون أبداً من رجوع سهامهم علیهم ، ومن الوقوع فیما حفروه(1).

فهلمّ معی نسائل کلّ معتنق للإسلام ، أین هذه الفتوی المجرّدة من قول النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فی حدیث صحیح لعلیّ علیه السلام : «قاتلک أشقی الآخرین» ؟ وفی لفظ : «أشقی

الناس». وفی الثالث : «أشقی هذه الأمّة کما أنَّ عاقر الناقة أشقی ثمود».

أخرجه الحفّاظ الأثبات والأعلام الأئمّة بغیر طریق ، ویکاد أن یکون متواتراً علی ما حدّد ابن حزم التواتر به. منهم :

إمام الحنابلة أحمد فی المسند(2) (4 / 263) ، والنسائی فی الخصائص(3) (ص 39) ، 8.

ص: 586


1- وحکاه عنه ابن حجر فی تلخیص الحبیر فی تخریج أحادیث الرافعی الکبیر - طبعة الهند سنة (1303 ه) - : ص 416 [4 / 46]. (المؤلف)
2- مسند أحمد : 5 / 326 ح 17857.
3- خصائص أمیر المؤمنین : ص 162 ح 153 ، وفی السنن الکبری : 5 / 153 ح 8538.

وابن قتیبة فی الإمامة والسیاسة(1) (1 / 135) ، والحاکم فی المستدرک عن عمّار(2) (3 / 140) والذهبیُّ فی تلخیصه وصحّحاه ، ورواه الحاکم(3) عن ابن سنان الدؤلی (ص 113) وصحّحه وذکره الذهبیُّ فی تلخیصه ، والخطیب فی تاریخه عن جابر بن سَمُرة (1 / 135) ، وابن عبدالبَرّ فی الاستیعاب هامش الإصابة (3 / 60) ذکره عن النسائی ، ثمّ قال : وذکره الطبری وغیره أیضاً ، وذکره ابن إسحاق فی السیرة ، وهو معروف من روایة محمد بن کعب القرظی ، عن یزید(4) بن جشم ، عن عمّار بن یاسر ، وذکره ابن أبی خیثمة من طرق.

وأخرجه محبُّ الدین الطبریّ فی ریاضه(5) عن علیٍّ من طریق أحمد وابن الضحّاک ، وعن صهیب من طریق أبی حاتم والملا ، ورواه ابن کثیر فی تاریخه(6) (7 / 323) من طریق أبی یعلی ، و (ص 325) من طریق الخطیب ، والسیوطی فی جمع الجوامع کما فی ترتیبه(7) (6 / 411) عن ابن عساکر والحاکم والبیهقی ، و (ص 412) بعدّة طرق عن ابن عساکر(8) ، و (ص 413) من طریق ابن مردویه ، و (ص 157) من طریق الدارقطنی ، و (ص 399) من طریق أحمد والبغوی والطبرانی والحاکم وابن مردویه وأبی نعیم وابن عساکر وابن النجّار.

وأین هذا من قوله الآخر صلی الله علیه وآله وسلم لعلیّ : «ألا أخبرک بأشدِّ الناس عذاباً یوم 1.

ص: 587


1- الإمامة والسیاسة : 1 / 139.
2- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 151 ح 4679 ، وکذا فی التلخیص.
3- المصدر السابق : 3 / 122 ح 4590 ، وکذا فی التلخیص.
4- کذا فی النسخ ، والصحیح : عن أبی یزید بن خثیم. (المؤلف)
5- الریاض النضرة : 3 / 208.
6- البدایة والنهایة : 7 / 358 حوادث سنة 40 ه.
7- کنز العمّال : 13 / 192 ح 36571 ، ص 193 ح 36577 و 36578 ، ص 196 ح 36587 ، 11 / 617 ح 32998 ، 13 / 140 ح 36442 ، ص 141 ح 36443.
8- تاریخ مدینة دمشق : 12 / 409 ، وفی ترجمة الإمام علیّ بن أبی طالب علیه السلام من تاریخ دمشق - الطبعة المحقّقة - : 3 / 335 ح 1381.

القیامة ؟ قال : أخبرنی یا رسول الله.

قال : فإنّ أشدّ الناس عذاباً یوم القیامة عاقر ناقة ثمود ، وخاضب لحیتک بدم رأسک» ؟ رواه ابن عبد ربّه فی العقد الفرید(1) (2 / 298).

وأین هذا من قوله الثالث صلی الله علیه وآله وسلم : «قاتلک شبه الیهود ، وهو یهود» ؟ أخرجه ابن عدیّ فی الکامل ، وابن عساکر کما فی ترتیب جمع الجوامع(2) (6 / 412).

وأین هذا ممّا ذکره ابن کثیر فی تاریخه(3) (7 / 323) من أنَّ علیّاً کان یکثر أن یقول : «ما یحبس أشقاها ؟» وأخرجه السیوطی فی جمع الجوامع کما فی ترتیبه(4) (6 / 411) بطریقین عن ابن سعد وأبی نعیم وابن أبی شیبة ، و (ص 413) من طریق ابن عساکر.

وأین هذا من قول أمیر المؤمنین الآخر لابن ملجم : «لا أراک إلّا من شرّ خلق الله» ؟ رواه الطبری فی تاریخه(5) (6 / 85) ، وابن الأثیر فی الکامل(6) (3 / 169).

وقوله الآخر علیه السلام : «ما ینظر بی الأشقی ؟» أخرجه أحمد بإسناده کما فی البدایة والنهایة(7) (7 / 324).

وقوله الرابع لأهله : «والله لَوددت لو انبعث أشقاها» ، أخرجه أبو حاتم والملّا فی سیرته کما فی الریاض(8) (2 / 248). 8.

ص: 588


1- العقد الفرید : 4 / 155.
2- کنز العمّال : 13 / 195 ح 36582.
3- البدایة والنهایة : 7 / 358 حوادث سنة 40 ه.
4- کنز العمّال : 13 / 187 ح 36557 ، ص 194 ح 36580.
5- تاریخ الأُمم والملوک : 5 / 145 حوادث سنة 40 ه.
6- الکامل فی التاریخ : 2 / 435 حوادث سنة 40 ه.
7- البدایة والنهایة : 7 / 359 حوادث سنة 40 ه.
8- الریاض النضرة : 3 / 208.

وقوله الخامس : «ما یمنع أشقاکم ؟» کما فی الکامل(1) (3 / 168) ، وفی کنز العمّال(2) (6 / 412) من طریق عبدالرزّاق وابن سعد.

وقوله السادس : «ما ینتظر أشقاها ؟». أخرجه المحاملی(3) کما فی الریاض النضرة(4) (2 / 248).

لیت شعری أیّ اجتهاد یؤدِّی إلی وجوب قتل الإمام المفترض طاعته ؟ أو أیّ اجتهاد یسوِّغ جعل قتله مهراً لنکاح(5) امرأة خارجیّة عشقها أشقی مراد ؟ أو أیّ مجال للاجتهاد فی مقابل النصّ النبویّ الأغرّ ؟ ولو فتح هذا الباب لتسرّب الاجتهاد منه إلی قتلة الأنبیاء والخلفاء جمیعاً ، لکن ابن حزم لا یرضی أن یکون قاتل عمر أو قتلة عثمان مجتهدین ، ونحن - أیضاً - لا نقول به.

ثمّ لیتنی أدری أیّ أُمّة من الأُمم أطبقت علی تعذیر عبدالرحمن بن ملجم فی ما ارتکبه ؟ لیته دلّنا علیها ؛ فإنّ الأمّة الإسلامیّة لیس عندها شیء من هذا النقل المائن ، أللّهمّ إلّا الخوارج المارقین عن الدین ، وقد اقتصّ الرجل أثرهم ، واحتجّ بشعر قائلهم عمران.

أللّهمّ ما عمران بن حطّان وحکمه فی تبریر عمل ابن ملجم من إراقة دم ولیّ الله الإمام الطاهر أمیر المؤمنین ؟ ما قیمة قوله حتّی یُستدَلّ به ویُرکَن إلیه فی أحکام الإسلام ؟ وما شأن فقیه - ابن حزم - من الدین یحذو حذو مثل عمران ، ویأخذ قوله ف)

ص: 589


1- الکامل فی التاریخ : 2 / 434 حوادث سنة 40 ه.
2- کنز العمّال : 13 / 191 ح 36570.
3- الأمالی : ص 178 ح 150.
4- الریاض النضرة : 3 / 208.
5- راجع الإمامة والسیاسة : 1 / 134 [1 / 137] ، تاریخ الطبری : 6 / 83 [5 / 144] ، المستدرک : 3 / 143 [3 / 154 ح 4690] ، والکامل : 3 / 168 [2 / 435] ، والبدایة والنهایة : 7 / 328 [7 / 361 حوادث سنة 40 ه]. (المؤلف)

فی دین الله ، ویخالف به النبیّ الأعظم فی نصوصه الصحیحة الثابتة ، ویردّها ویقذف الأمّة الإسلامیّة بسَخَبِ خارجیٍّ مارق ؟ وهذا معاصره القاضی أبو الطیّب طاهر بن عبدالله الشافعی(1) یقول فی عمران ومذهبه هذا :

إنّی لَأَبرأ ممّا أنت قائلُهُ

عن ابنِ مُلْجمٍ الملعون بُهتانا

یا ضربةً من شقیٍّ ما أراد بها

إلّا لیهدمَ للإسلامِ أرکانا

إنّی لأذکرُه یوماً فألعنُهُ

دنیاً وألعنُ عمراناً وحطّانا

علیه ثمّ علیه الدهرَ متّصلاً

لعائنُ الله إسراراً وإعلانا

فأنتُما من کلابِ النار جاء به

نصُّ الشریعةِ برهاناً وتبیانا(2)

وقال بکر بن حسّان الباهلی :

قل لابن ملجمَ والأقدارُ غالبةٌ

هدّمت - ویلَکَ - للإسلامِ أرکانا

قتلتَ أفضلَ من یمشی علی قدمٍ

وأوّلَ الناسِ إسلاماً وإیمانا

وأعلمَ الناسِ بالقرآنِ ثمّ بما

سنَّ الرسولُ لنا شرعاً وتبیانا

صهرَ النبیِّ ومولانا وناصرَهُ

أضحت مناقبُهُ نوراً وبُرهانا

وکان منه علی رغم الحسود له

مکانَ هارونَ من موسی بن عمرانا

وکان فی الحرب سیفاً صارماً ذَکَراً

لیثاً إذا ما لقی الأقرانُ أقرانا

ذکرتُ قاتلَهُ والدمعُ منحدرٌ

فقلتُ : سُبحانَ ربِّ الناسِ سُبحانا

إنِّی لأحسبُهُ ما کان من بشرٍ

یخشی المعادَ ولکن کان شیطانا

أشقی مُرادٍ إذا عُدّتْ قبائلها

وأخسرُ الناسِ عند اللهِ میزانا

کعاقر الناقة الأُولی التی جَلَبتْ

علی ثمودَ بأرضِ الحِجْر خُسراناف)

ص: 590


1- من فقهاء الشافعیة ، قال ابن خلّکان فی تاریخه 1 / 253 [2 / 512 رقم 307] : کان ثقة صادقاً دیّناً ورعاً عارفاً بأُصول الفقه وفروعه ، محقِّقاً فی علمه ، سلیم الصدر ، حسن الخلق ، صحیح المذهب ، یقول الشعر علی طریقة الفقهاء ، ولد بآمل (348) ، وتُوفِّی ببغداد (450). (المؤلف)
2- مروج الذهب 2 / 43 [2 / 435]. (المؤلف)

قد کان یُخبرُهُم أنْ سوفَ یخْضِبُها

قبل المنیّةِ أزماناً فأزمانا

فلا عفا اللهُ عنه ما تحمّله(1)

ولا سقی قبرَ عمرانَ بنِ حَطّانا

لقولِهِ فی شقیٍّ ظلَّ مجترماً

ونالَ ما ناله ظلماً وعدوانا

(یا ضربةً من تقیٍّ ما أراد بها

إلّا لیبلغَ من ذی العرشِ رِضْوانا)

بل ضربةً من غویٍّ أورثَتْهُ لَظیً(2)

وسوف یلقی به الرحمنَ غضبانا

کأنّه لم یرد قصداً بضربتِهِ

إلّا لَیَصلی عذابَ الخُلدِ نیرانا(3)

وقال ابن حجر فی الإصابة (3 / 179) : صاحب الأبیات بکر بن حمّاد التاهرتی ، وهو من أهل القیروان فی عصر البخاری ، وأجازه عنها السیّد الحمیری الشاعر المشهور الشیعیّ وهی فی دیوانه. انتهی.

وفی الاستیعاب(4) (2 / 472) : أبو بکر بن حمّاد التاهرتی ، وذکر له أبیاتاً فی رثاء مولانا أمیر المؤمنین علیه السلام أوّلها :

وهزَّ علیٌّ بالعراقینِ لحیةً(5)

مُصیبتها جلّتْ علی کلّ مسلم

وقال محمد بن أحمد الطیّب(6) ردّا علی عمران بن حطّان :

یا ضربةً من غَدورٍ صار ضاربُها

أشقی البریّةِ عند الله إنساناف)

ص: 591


1- فی الکامل [2 / 439 حوادث سنة 40 ه] : فلا عفا اللهُ عنهُ سوءَ فِعْلتِهِ. (المؤلف)
2- فی الکامل : بل ضربة من غویٍّ أوْردَتْهُ لَظیً. (المؤلف)
3- مروج الذهب : 2 / 43 [2 / 435] ، الاستیعاب [القسم الثالث / 1128] فی ترجمة أمیر المؤمنین ، الکامل لابن الأثیر : 3 / 171 [2 / 439] ، تمام المتون للصفدی : ص 152 [ص 201]. (المؤلف)
4- الاستیعاب : القسم الثالث / 1131 رقم 1855.
5- إشارة إلی قوله علیه السلام : «ما یحبس أشقاها یخضبها من أعلاها ، یخضب هذه - یعنی لحیتهُ - من هذه - یعنی هامتهُ -».
6- یوجد البیتان فی کامل المبرد : 3 / 90 [2 / 146] طبعة محمد بن علیّ صبیح وأولاده ، ولیسا من أصل الکتاب کما لا یخفی. (المؤلف)

إذا تفکّرتُ فیهِ ظَلْتُ ألعنُهُ

وألعنُ الکلبَ عمرانَ بنَ حطّانا

علی أنَّ قتل الإمام المجتبی لابن ملجم وتقریر المسلمین له علی ذلک صحابیّهم وتابعیّهم ، حتی إن کلَّ أحدٍ منهم کان یودُّ أنَّه هو المباشر لقتله ، یدلّنا علی أنَّ فعل اللعین لم یکن ممّا یتطرّق إلیه الاجتهاد فضلاً عن أن یبرّره ، ولو کان هناک اجتهاد فهو فی مقابلة النصوص المتضافرة ، فکان من الصالح العامّ لکافّة المسلمین اجتیاح تلک الجرثومة الخبیثة ، وهو واجب أیِّ أحد من الأمّة الإسلامیّة ، غیر أنَّ إمام الوقت

السیِّد المجتبی تقدّم إلی تلک الفضیلة کتقدّمه إلی غیرها من الفضائل.

فلیس هو من المواضیع التی حرّرها ابن حزم فتحکّم أو تهکّم علی الشافعیة والحنفیّة والمالکیّة ، وإنَّما هو من ضروریّات الإسلام فی قاتل کلِّ إمامِ حقٍّ ، ولذلک تری أنَّ القائلین بإمامة عمر بن الخطاب لم یشکّوا فی وجوب قتل قاتله ، ولم یرَ أحد منهم للاجتهاد هناک مجالاً ، کما سیأتی فی کلام ابن حزم نفسه : أنَّه لم یرَ له مجالاً لقَتَلَة عثمان.

فشتّان بین ابن حزم وبین ابن حجر ، هذا یبرِّر عمل عبدالرحمن ، وذاک یعتذر عن ذکر اسمه فی کتابه لسان المیزان(1) ، ویصفه بالفتک وأنَّه من بقایا الخوارج فی تهذیب التهذیب(2) (7 / 338).

وابن حجر فی کلامه هذا اتّبع أثر الحافظ أبی زرعة العراقیِّ فی قوله فی طرح التثریب (1 / 86) :

انتدب له - لعلیٍّ - قومٌ من الخوارج فقاتلهم فظفر بهم ثمّ انتدب له من بقایاهم أشقی الآخرین عبدالرحمن بن ملجم المرادی ، وکان فاتکاً ملعوناً فطعنه. 7.

ص: 592


1- لسان المیزان : 3 / 534 رقم 5077.
2- تهذیب التهذیب : 7 / 297.

ومن نماذج آرائه :

قوله فی الفِصَل (4 / 161) فی المجتهد المخطئ :

وعمّار رضی الله عنه قتله أبو الغادیة یسار بن سبع السلمی ، شهد عمّار بیعة الرضوان فهو من شهداء الله له بأنّه علم ما فی قلبه ، وأنزل السکینة علیه ، ورضی عنه ، فأبو الغادیة رضی الله عنه متأوِّل مجتهد مخطئ فیه باغٍ علیه مأجور أجراً واحداً ، ولیس هذا کقتلة عثمان رضی الله عنه لأنّهم لا مجال للاجتهاد فی قتله ؛ لأنّه لم یقتل أحداً ولا حارب ولا قاتل ولا دافع ولا زنی بعد إحصان ولا ارتدَّ فیسوِّغ المحاربةَ تأویلٌ ، بل هم فسّاقٌ محاربون سافکون دماً حراماً عمداً بلا تأویل علی سبیل الظلم والعدوان ، فهم فسّاقٌ ملعونون. انتهی.

لم أجد معنیً لاجتهاد أبی الغادیة - بالمعجمة - وهو من مجاهیل الدنیا ، وأفناء الناس ، وحُثالة العهد النبویّ ، ولم یُعرَّف بشیء غیر أنَّه جُهنیٌّ ، ولم یُذکَر فی أیِّ معجم بما یعرب عن اجتهاده ، ولم یُروَ منه شیءٌ من العلم الإلهیّ سوی قول النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم : «دماؤکم وأموالکم حرام» وقوله : «لا ترجعوا بعدی کفّاراً یضرب بعضکم رقاب بعض» ، وکان أصحاب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یتعجّبون من أنَّه سمع هذا ویقتل عمّاراً(1) ، ولم یَفُهْ أیُّ أحد من أعلام الدین إلی یوم مجیء ابن حزم باجتهاد مثل أبی الغادیة.

ثمّ لم أدرِ معنی هذا الاجتهاد فی مقابل النصوص النبویّة فی عمّار ، ولست أعنی بها قوله صلی الله علیه وآله وسلم فی الصحیح الثابت المتواتر(2) لعمّار : «تقتلک الفئة الباغیة» ، وفی لفظ : «الناکبة عن الطریق» ، وإن کان لا یدع مجالاً للاجتهاد فی تبریر قتله ، فإنّ ف)

ص: 593


1- الاستیعاب : 2 / 680 [القسم الرابع / 1725 رقم 3109] ، والإصابة : 4 / 150 [رقم 881]. (المؤلف)
2- ذکر تواتره ابن حجر فی الإصابة : 2 / 512 [رقم 5704] ، وتهذیب التهذیب : 7 / 409 [7 / 358 رقم 665]. (المؤلف)

قاتله مهما تأوّل فهو عادٍ علیه ناکبٌ عن الطریق ، ونحن لا نعرف اجتهاداً یسوِّغ العدوان الذی استقلَّ العقل بقبحه ، وعاضده الدین الإلهیّ الأقدس ، وإن کان أوّله

معاویة أو ردّه - لمّا حدّث به عبدالله بن عمرو ، وقال عمرو بن العاص : یا معاویة أما تسمع ما یقول عبدالله ؟! - بقوله :

إنَّک شیخٌ أخرق ، ولا تزال تُحدِّث بالحدیث ، وأنت ترحض فی بولک ، أنحن قتلناه ؟ إنَّما قتله علیٌّ وأصحابه جاءوا به حتی ألقوه بین رماحنا(1) ، وبقوله : أفسدت علیَّ أهل الشام ، أکلّ ما سمعت من رسول الله تقوله ؟

فقال عمرو : قُلتها ولستُ أعلم الغیب ، ولا أدری أنَّ صفّین تکون ، قلتها وعمّار یومئذٍ لک ولیّ ، وقد رَویتَ أنت فیه مثل ما رَویتُ.

ولهما فی القضیّة معاتبة مشهورة وشعر منقول ، منه قول عمرو :

تعاتبُنی أنْ قلتُ شیئاً سَمعتُهُ

وقد قلتَ لو أنصفتَنی مثلَهُ قبلی

أنعلُکَ فیما قُلْتَ نعلٌ ثَبیتةٌ

وتزلقُ بی فی مثل ما قُلتَه نعلی

وما کان لی علمٌ بصفّینَ أنَّها

تکون وعمّارٌ یحثُّ علی قتلی

ولو کان لی بالغیب علمٌ کتمتُها

وکابدتُ أقواماً مراجلُهم تغلی

أبی الله إلّا أنَّ صدرَکَ واغرٌ

علیَّ بلا ذنبٍ جَنَیْتُ ولا ذَحْلِ

سوی أنَّنی والراقصاتِ عشیّةً

بنصرک مدخولُ الهوی ذاهلُ العقلِ

وأجابه معاویة بأبیات منها :

فیا قبّحَ الله العتابَ وأهلَهُ

ألم تَرَ ما أصبحتُ فیه من الشغلِ

فدع ذا ولکن هل لک الیومَ حیلةٌ

تردُّ بها قوماً مراجلهم تغلیف)

ص: 594


1- تاریخ الطبری : 6 / 23 [5 / 41] ، وتاریخ ابن کثیر : 7 / 369 [7 / 299 حوادث سنة 37 ه]. (المؤلف)

دعاهم علیٌّ فاستجابوا لدعوةٍ

أحبَّ إلیهم من ثَری المال والأهل(1)

کما لستُ أعنی ما أخرجه الطبرانیّ(2) عن ابن مسعود عن النبی صلی الله علیه وآله وسلم : «إذا اختلف الناس کان ابن سمیّة مع الحقِّ»(3) ، وإن کان قاطعاً للحِجاج ، فإنّ المُناوئ لابن سمیّة - عمار - علی الباطل لا محالة ، ولا تجد اجتهاداً یبرِّر مناصرة المبطل علی المُحقّ بعد ذلک النصّ الجلیّ.

وإنَّما أعنی ما أخرجه الحاکم فی المستدرک(4) (3 / 387) وصحّحه ، وکذلک الذهبیّ فی تلخیصه ، بالإسناد عن عمرو بن العاص : إنّی سمعت رسول الله صلی الله علیه وسلم یقول : «أللّهمّ أولعت قریش بعمّار ، إنّ قاتل عمّار وسالبه فی النار».

وأخرجه السیوطیّ من طریق الطبرانیّ فی الجامع الصغیر(5) (2 / 193) ، وابن حجر فی الإصابة (4 / 151).

وأخرج السیوطیّ فی جمع الجوامع کما فی ترتیبه(6) (7 / 73) قوله صلی الله علیه وآله وسلم لعمّار : «یدخل سالبک وقاتلک فی النار». من طریق ابن عساکر(7) ، و (6 / 184) من طریق الطبرانیّ فی الأوسط ، و (ص 184) من طریق الحاکم.

وأخرج الحافظ أبو نعیم وابن عساکر(8) کما فی ترتیب جمع الجوامع(9) (7 / 72) 7.

ص: 595


1- شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید : 2 / 274 [8 / 27 خطبة 124]. (المؤلف)
2- جمع الجوامع للسیوطی کما فی ترتیبه : 6 / 184 [کنز العمّال : 11 / 721 ح 33525]. (المؤلف)
3- المعجم الکبیر : 10 / 96 ح 10071.
4- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 437 ح 5661 ، وکذا فی تلخیصه.
5- الجامع الصغیر : 2 / 233 ح 5998.
6- کنز العمّال : 13 / 531 ح 37382 ، ص 721 ح 33522 ، ص 724 ح 33544.
7- تاریخ مدینة دمشق : 12 / 661 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 18 / 219.
8- مختصر تاریخ دمشق : 18 / 219.
9- کنز العمّال : 13 / 528 ح 37367.

عن زید بن وهب قال : کان عمّار بن یاسر قد ولع بقریش وولعت به ، فغدوا علیه فضربوه ، فجلس فی بیته ، فجاء عثمان بن عفّان یعوده ، فخرج عثمان ، وصعد المنبر ، فقال : سمعت رسول الله صلی الله علیه وسلم یقول : «تقتلک الفئة الباغیة ، قاتل عمّار فی النار».

وأخرج الحافظ أبو یعلی وابن عساکر(1) کما فی ترتیب جمع الجوامع(2) (7 / 74) عن عبدالله بن عمر قال : سمعت رسول الله صلی الله علیه وسلم یقول لعمّار : «تقتلک الفئة الباغیة ، بشِّر قاتل عمّار بالنار».

وفی جمع الجوامع کما فی ترتیبه(3) (7 / 75 و 6 / 184) من طریق الحافظ ابن عساکر(4) ، عن أُسامة بن زید قال : قال النبیّ صلی الله علیه وسلم : «ما لهم ولعمّار ، یدعوهم إلی الجنّة ، ویدعونه إلی النار ؟ قاتله وسالبه فی النار».

أخرجه ابن کثیر فی تاریخه(5) (7 / 268).

وفی ترتیب الجمع(6) (7 / 75) من طریق ابن عساکر(7) عن مسند علیّ :

«إنّ عمّاراً مع الحقِّ ، والحقُّ معه ، یدور عمّار مع الحقّ أینما دار ، وقاتل عمّار فی النار».

وأخرج أحمد وابن عساکر(8) عن عثمان ، وابن عساکر عن أُمّ سلمة عن 6.

ص: 596


1- تاریخ مدینة دمشق : 12 / 637.
2- کنز العمّال : 13 / 537 ح 37406.
3- المصدر السابق : 11 / 724 ح 33545 و 13 / 540 ح 37415.
4- تاریخ مدینة دمشق : 12 / 626.
5- البدایة والنهایة : 7 / 298 حوادث سنة 37 ه.
6- کنز العمّال : 13 / 538 ح 37411.
7- تاریخ مدینة دمشق : 12 / 622.
8- المصدر السابق : 12 / 636.

رسول الله صلی الله علیه وسلم لعمّار : «تقتلک الفئة الباغیة ، قاتلک فی النار». کنز العمّال(1) (6 / 184) ، وأخرجه عن أُمّ سلمة ابن کثیر فی تاریخه(2) (7 / 270) من طریق أبی بکر بن أبی شیبة.

وأخرج أحمد فی مسنده(3) (4 / 89) عن خالد بن الولید قال : قال رسول الله صلی الله علیه وسلم : «من عادی عمّاراً عاداه الله ، ومن أبغض عمّاراً أبغضه الله» ، وأخرجه(4) الحاکم فی المستدرک (3 / 391) بطریقین صحّحهما هو والذهبیُّ ، والخطیب فی تاریخه (1 / 152) ، وابن الأثیر فی أُسد الغابة (4 / 45) ، وابن کثیر فی تاریخه (7 / 311) ، وابن حجر فی الإصابة (2 / 512) ، والسیوطیّ فی جمع الجوامع کما فی ترتیبه (7 / 73) من طریق ابن أبی شیبة وأحمد ، وفی (6 / 184) من طرق أحمد وابن حبّان والحاکم.

وأخرج الحاکم فی المستدرک(5) (3 / 390) بإسناد صحّحه هو والذهبیّ عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بلفظ : «من یسبُّ عمّاراً یسبّه الله ، ومن یبغض عمّاراً یبغضه الله ، ومن یسفّه عمّاراً یسفِّهه الله» ، ورواه السیوطیّ فی الجمع کما فی ترتیبه(6) (7 / 73) من طریق ابن النجّار والطبرانیّ بلفظ «من سبّ عمّاراً سبّه الله ، ومن حقّر عمّاراً حقّره الله ، ومن سفّه عمّاراً سفّهه الله».

وأخرج الحاکم فی المستدرک(7) (3 / 391) بإسناده بلفظ : «من یحقِّر عمّاراً 5.

ص: 597


1- کنز العمّال : 11 / 725 ح 33549.
2- البدایة والنهایة : 7 / 300 حوادث سنة 37 ه.
3- مسند أحمد : 5 / 50 ح 16373.
4- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 441 ح 5674 ، أُسد الغابة : 4 / 132 رقم 3798 ، البدایة والنهایة : 7 / 345 حوادث سنة 37 ه ، کنز العمّال : 13 / 532 ح 37387 و 11 / 722 ح 33534 ، مصنّف ابن أبی شیبة : 12 / 120 ح 12302 ، الإحسان فی تقریب صحیح ابن حبّان : 15 / 556 ح 7081.
5- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 439 ح 5670.
6- کنز العمّال : 13 / 533 ح 37388 و 37390.
7- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 441 ح 5675.

یحقِّره الله ، ومن یسبّ عمّاراً یسبّه الله ، ومن یبغض عمّاراً یبغضه الله».

وأخرجه السیوطیّ فی جمع الجوامع کما فی ترتیبه(1) (7 / 73) من طریق أبی یعلی وابن عساکر(2) ، وفی (6 / 185) عن أبی یعلی وابن قانع والطبرانیّ والضیاء المقدسیّ فی المختارة.

وأخرج الحاکم فی المستدرک(3) (3 / 389) بإسناد صحّحه هو والذهبیّ فی تلخیصه بلفظ : «من یسب عمّاراً یسبّه الله ، ومن یعادِ عمّاراً یعادِهِ الله».

وأخرج أحمد فی المسند(4) (4 / 90) بإسناده بلفظ «من یعادِ عمّاراً یعادِهِ الله عزَّ وجلَّ ، ومن یبغضه یبغضه الله عزَّ وجلَّ ومن یسبّه یسبّه الله عزَّ وجلَّ».

فأین هذه النصوص الصحیحة المتواترة(5) من اجتهاد أبی الغادیة ؟ أو أین هو من تبریر ابن حزم عملَ أبی الغادیة ؟ أو أین هو من رأیه فی اجتهاده ، ومحاباته له بالأجر الواحد ؟ وهو فی النار لا محالة بالنصِّ النبویِّ الشریف ، وهل تجد بغضاً أو تحقیراً أعظم من القتل ؟

وهناک دروس فی هذه کلّها یقرأها علینا التاریخ. قال ابن الأثیر فی الکامل(5) (3 / 134) :

إنّ أبا الغادیة قتل عمّاراً ، وعاش إلی زمن الحجّاج ، ودخل علیه فأکرمه الحجّاج ، وقال له : أنت قتلت ابن سمیّة ؟ یعنی عمّاراً. قال : نعم. .

ص: 598


1- تاریخ مدینة دمشق : 12 / 625.
2- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 439 ح 5667 ، وکذا فی تلخیصه.
3- مسند أحمد : 5 / 52 ح 16380.
4- علی ما اختاره ابن حزم من حدّ التواتر فی سائر الأحادیث. (المؤلف)
5- الکامل فی التاریخ : 2 / 382 حوادث سنة 37 ه.

فقال : من سرّه أن ینظر إلی عظیم الباع یوم القیامة ، فلینظر إلی هذا الذی قتل ابن سمیّة.

ثمّ سأله أبو الغادیة حاجته ، فلم یجبه إلیها ، فقال : نُوطّئ لهم الدنیا ، ولا یُعطونا(1) منها ، ویزعم أنّی عظیم الباع یوم القیامة.

فقال الحجّاج : أجل والله من کان ضرسه مثل أُحد وفخذه مثل جبل ورقان ومجلسه مثل المدینة والربذة إنَّه لعظیم الباع یوم القیامة ، والله لو أنَّ عمّاراً قتله أهل الأرض کلّهم لدخلوا کلّهم النار. وذکره ابن حجر فی الإصابة (4 / 151).

وفی الاستیعاب(2) هامش الإصابة (4 / 151) : أبو الغادیة کان محبّاً فی عثمان ،

وهو قاتل عمّار ، وکان إذا استأذن علی معاویة وغیره یقول : قاتل عمّار بالباب ، وکان

یصف قتله له إذا سُئل عنه لا یُبالیه ، وفی قصّته عجب عند أهل العلم ، روی عن النبیّ قوله : «لا ترجعوا بعدی کُفّاراً یضرب بعضکم رقاب بعض» ، وسمعه منه ، ثمّ قتل عمّاراً.

وهذه کلّها تنمُّ عن غایته المتوخّاة فی قتل عمّار ، واطِّلاعه ووقوفه علی ما أخبر به النبیُّ الأقدس فی قاتل عمّار ، وعدم ارتداعه ومبالاته بقتله بعدهما ، غیر أنَّه کان بطبع الحال علی رأی إمامه معاویة ، ویقول لمحدّثی قول النبیّ بمقاله المذکور : إنَّک شیخ أخرق ، ولا تزال تحدّث بالحدیث ، وأنت ترحض فی بولک.

وأنت أعرف منّی بمغزی هذا الکلام ومقدار أخذ صاحبه بالسنّة النبویّة واتِّباعه لما یُروی عن مصدر الوحی الإلهی ، وبأمثال هذه کان اجتهاد أبی الغادیة فیما ارتکبه أو ارتبک فیه. 9.

ص: 599


1- کذا فی المصدر.
2- الاستیعاب : القسم الرابع / 1725 رقم 3109.

وغایة ما عند ابن حزم فی قتلة عثمان : أنَّ اجتهادهم فی مقابلة النّص : «لا یحلُّ دم امرئ مسلم یشهد أن لا إله إلّا الله وأنّی رسول الله إلّا بإحدی ثلاث : الثیّب الزانی ، والنفس بالنفس ، والتارک لدینه المفارق للجماعة»(1).

لکنّه لا یقول ذلک فی قاتل علیّ علیه السلام ومقاتلیه وقاتل عمّار ، وقد عرفت أنَّ الحالة فیهم عین ما حسبه فی قتلة عثمان.

ثمّ إنّ ذلک علی ما أصّله هو فی غیر مورد لا یؤدّی إلّا إلی خطأ القوم فی اجتهادهم ، فَلِمَ لَم یُحابِهِم الأجر الواحد ، کما حابی عبدالرحمن بن ملجم ونظراءه ؟ نعم ، له أن یعتذر بأنّ هذا قاتل علیّ ، وأولئک قتلة عثمان !

علی أنَّ نفیه المجال للاجتهاد هناک إنَّما یصحُّ علی مزعمته فی الاجتهاد المصیب ، وأمّا المخطئ منه فهو جارٍ فی المورد کأمثاله من مجاریه عنده.

ثمّ إنّ الرجل فی تدعیم ما ارتآه من النظریّات الفاسدة وقع فی ورطة لا تروقه ، ألا وهی سبُّ الصحابة بقوله : فهم فسّاقٌ ملعونون ، وذهب جمهور أصحابه إلی تضلیل من سبّهم بین مُکفِّر ومفُسِّق ، وأنَّه موجب للتعزیر عند کثیر من الأئمّة بقول مطلق من غیر تفکیک بین فرقة وأخری أو استثناء أحد منهم ، وهو إجماعهم علی عدالة الصحابة أجمعین(2).ف)

ص: 600


1- أخرجه البخاری [فی صحیحه : 6 / 2521 ح 6484] ، ومسلم [فی صحیحه : 3 / 506 ح 25] ، وأبو داود [فی سننه : 4 / 126 ح 4352] ، والترمذی [فی سننه : 4 / 12 ح 1402] ، والنسائی [فی السنن الکبری : 2 / 291 ح 3479] ، وابن ماجة [فی سننه : 2 / 847 ح 2534] ، والدارمی فی السنن [2 / 172] ، وابن سعد فی الطبقات [3 / 67] ، وأحمد [1 / 631 ح 3614] ، والطیالسی [ص 37 ح 289] فی المسندین ، وابن هشام فی السیرة ، والواقدی فی المغازی : ص 430 و 432. (المؤلف)
2- راجع الصارم المسلول علی شاتم الرسول : ص 572 - 592 ، والإحکام فی أصول الأحکام [للآمدی] : 2 / 631 [2 / 102] ، والشرف المؤبّد : ص 112 - 119 [ص 232 - 247]. (المؤلف)

وهو بنفسه یقول فی الفِصَل (3 / 257) : وأمّا من سبّ أحداً من الصحابة رضی الله عنهم

فإن کان جاهلاً فمعذور ، وإن قامت علیه الحجة فتمادی غیر معاند فهو فاسق ، کمن زنی وسرق ، وإن عاند الله تعالی فی ذلک ورسوله صلی الله علیه وسلم فهو کافر ، وقد قال عمر رضی الله عنه

بحضرة النبیّ صلی الله علیه وسلم عن حاطب - وحاطب مهاجر بدریٌّ - : دعنی أضرب عنق هذا المنافق ، فما کان عمر بتکفیره حاطباً کافراً ، بل کان مخطئاً متأوّلاً ، وقد قال رسول الله صلی الله علیه وسلم «آیة النفاق بغض الأنصار». وقال لعلیّ : «لا یبغضک إلّا منافق». انتهی.

وکم عند ابن حزم من المجتهدین نظراء عبدالرحمن بن ملجم وأبی الغادیة حَکم فی الفِصَل بأنّهم مجتهدون ، وهم مأجورون فیما أخطؤوا ، قال فی (4 / 161) : قطعنا أنَّ معاویة رضی الله عنه ومن معه مخطئون مجتهدون مأجورون أجراً واحداً !!

وعدّ فی (ص 160) معاویة وعمرو بن العاص من المجتهدین. ثمّ قال : إنَّما اجتهدوا فی مسائل دماء کالتی اجتهد فیها المفتون ، وفی المُفتین من یری قتل الساحر ، وفیهم من لا یراه ، وفیهم من یری قتل الحرّ بالعبد ، وفیهم من لا یراه ، وفیهم من یری قتل المؤمن بالکافر ، وفیهم من لا یراه ، فأیُّ فرق بین هذه الاجتهادات واجتهاد معاویة وعمرو وغیرهما لولا الجهل والعمی والتخلیط بغیر علم ؟ انتهی.

وشتّان بین المُفتین الذین التبست علیهم الأدلّة فی الفتیا ، أو اختلفت عندهم بالنصوصیّة والظهور ولو بمبلغ فهم ذلک المُفتی ، أو أنَّه وجد إحدی الطائفتین من الأدلّة أقوی من الأخری لصحّة الطریق عنده أو تضافر الإسناد ، فجنح إلی جانب القوّة ، وارتأی مقابله بضرب من الاستنباط تقویة الجانب الآخر ، فأفتی کلٌّ علی مذهبه. کلّ ذلک إخباتاً إلی الدلیل من الکتاب والسنّة.

فشتّان بین هؤلاء وبین محاربی علیّ علیه السلام ، وبمرأی الملأ الإسلامی ومسمعهم کتاب الله العزیز ، وفیه آیة التطهیر الناطقة بعصمة النبیّ وصنوه وصفیّته وسبطیه ،

ص: 601

وفیه آیة المباهلة النازلة فیهم ، وعلیٌّ فیها نفس النبیّ ، وغیرهما ممّا یناهز ثلاثمائة آیة(1) النازلة فی الإمام أمیر المؤمنین.

وهذه نصوص الحفّاظ الأثبات ، والأعلام الأئمّة ، وبین یدیهم الصحاح والمسانید ، وفیها حدیث التطهیر ، وحدیث المنزلة ، وحدیث البراءة ذلک الهتاف النبویّ المبین المتواتر ، کلّ ذلک کانت تلوکه أشداق الصحابة وأُنهی إلی التابعین.

أفتری من الممکن أن یهتف المولی سبحانه فی المجتمع بطهارة ذاتٍ وقدسه من الدنس ، وعصمته من کلّ رجس ، أو ینزِّله منزلة نفس النبیّ الأعظم ، ویُسمع به عباده ، أو یوجب بنصّ کتابه المقدّس علی أُمّة نبیّه الأقدس مودّة ذی قرباه - وأمیر

المؤمنین سیّدهم - ویجعل ولاءهم أجر ذلک العبء الفادح ، الرسالةِ الخاتمة العظمی ، ویُخبر بلسان نبیّه أمّته بأنّ طاعة علیٍّ طاعته ومعصیته معصیته(2) ، ویکون مع ذلک کلِّه هناک مجال للاجتهاد بأن یُقاتَل ، أو یُقتَل ، أو یُنفی من الأرض ، أو یُسبّ علی رؤس الأشهاد ، أو یُلعَن علی المنابر ، أو تُعلَن علیه الدعایات ؟ وهل یحکم شعورک الحرُّ بأنّ الاجتهاد فی کلِّ ذلک کاجتهاد المُفتین واختلافهم فی قتل الساحر وأمثاله ؟

وابن حزم نفسه یقول فی الفِصَل (3 / 258) : ومن تأوّل من أهل الإسلام فأخطأ ، فإن کان لم تقم علیه الحجّة ، ولا تبیّن له الحقّ ، فهو معذورٌ مأجورٌ أجراً واحداً لطلبه الحقّ وقصده إلیه ، مغفورٌ له خطؤه إذ لم یتعمّد ؛ لقول الله تعالی : (وَلَیْسَ ف)

ص: 602


1- راجع تاریخَی الخطیب : 6 / 221 [رقم 3275] ، وابن عساکر [12 / 309 ، وفی ترجمة الإمام علیّ ابن أبی طالب من تاریخ دمشق - الطبعة المحقّقة - : 1 / 273 ح 322] ، وکفایة الکنجی : ص 108 [ص 231] والصواعق : ص 76 [ص 127] وتاریخ الخلفاء للسیوطی : ص 115 [ص 161] والفتوحات الإسلامیة : 2 / 342 ، ونور الأبصار : ص 81 [ص 164] ، وهناک مصادر کثیرة أخری. (المؤلف)
2- أخرجه الحاکم فی المستدرک : 3 / 121 ، 128 [3 / 131 ح 4617 ، ص 139 ح 4641] ، والذهبی فی تلخیصه وصحّحاه. (المؤلف)

عَلَیْکُمْ جُنَاحٌ فِیمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَ-کِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُکُمْ)(1) وإن کان مصیباً فله أجران : أجر لإصابته ، وأجر آخر لطلبه إیّاه ، وإن کان قد قامت الحجّة علیه ، وتبیّن له الحقّ فَعَنَدَ عن الحقّ غیر معارض له تعالی ولا لرسوله صلی الله علیه وسلم فهو فاسق ؛ لجرأته علی الله تعالی بإصراره علی الأمر الحرام ، فإن عَنَدَ عن الحقّ مُعارضاً لله ولرسوله صلی الله علیه وسلم فهو کافر مرتدّ حلال الدم والمال ، لا فرق فی هذه الأحکام بین الخطأ فی الاعتقاد فی أیّ شیء

کان من الشریعة وبین الخطأ فی الفُتیا فی أیّ شیء کان. انتهی.

فهل من الممکن إنکار حجّیة کتاب الله العزیز ، أو نفی ما تلوناه منه ، أو احتمال خفاء هذه الحجج الدامغة کلِّها علی أهل الخطأ من أُولئک المجتهدین ، وعدم تبیُّن الحقِّ لهم ، وعدم قیام الحجّة علیهم ، أو تسرّب الاجتهاد والتأویل فی تلک النصوص أیضاً ؟

علی أنَّ هناک نصوصاً نبویّة حول حربه وسلمه ، منها :

ما أخرجه الحاکم فی المستدرک(2) (3 / 149) عن زید بن أرقم عن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم أنَّه قال لعلیّ وفاطمة والحسن والحسین : «أنا حربٌ لمن حاربتم وسلم لمن سالمتم».

وذکره(3) الذهبیّ فی تلخیصه ، وأخرجه الکنجی فی الکفایة (ص 189) من طریق الطبرانیّ ، والخوارزمی فی المناقب (ص 90) ، والسیوطی فی جمع الجوامع کما فی ترتیبه (6 / 216) من طریق الترمذی وابن ماجة وابن حبّان والحاکم.

وأخرجه(4) الخطیب بإسناده عن زید فی تاریخه (7 / 137) بلفظ : «أنا حربٌ :

ص: 603


1- الأحزاب : 5.
2- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 161 ح 4714 : وکذا فی التلخیص.
3- کفایة الطالب : ص 331 باب 93 ، المعجم الکبیر : 3 / 40 ح 2620 ، المناقب : ص 149 ح 177 ، کنز العمّال : 12 / 96 ح 34159 ، سنن الترمذی : 5 / 656 ح 3870 ، سنن ابن ماجة : 1 / 52 ح 145 ، الإحسان فی تقریب صحیح ابن حبّان : 15 / 433 ح 6977.
4- تاریخ مدینة دمشق : 5 / 29 ، وفی ترجمة الإمام الحسین علیه السلام من تاریخ دمشق - الطبعة المحقّقة - :

لمن حاربکم ، وسلمٌ لمن سالمکم» ، والحافظ ابن عساکر فی تاریخه (4 / 316) ، ورواه الکنجی فی کفایته (ص 189) من طریق الترمذی ، وابن حجر فی الصواعق (ص 112) من طریق الترمذی وابن ماجة وابن حبّان والحاکم ، وابن الصبّاغ المالکی فی فصوله (ص 11) ، ومحبّ الدین فی الریاض (2 / 189) ، والسیوطی فی جمع الجوامع کما فی ترتیبه (7 / 102) من طریق ابن أبی شیبة والترمذی والطبرانی والحاکم والضیاء

المقدسی فی المختارة.

وأخرجه ابن کثیر فی تاریخه(1) (8 / 36) باللفظ الأوّل عن أبی هریرة من طریق النسائی من حدیث أبی نعیم الفضل بن دکین ، وابن ماجة من حدیث وکیع ، کلاهما عن سفیان الثوری.

وأخرج أحمد فی مسنده(2) (2 / 442) عن أبی هریرة بلفظ : «أنا حربٌ لمن حاربکم وسلمٌ لمن سالمکم» ، والحاکم فی المستدرک(3) (3 / 149) ، والخطیب فی تاریخه (4 / 208) ، والکنجی فی الکفایة(4) (ص 189) من طریق أحمد وقال : حدیث

حسن صحیح. والمتّقی فی الکنز(5) (6 / 216) من طریق أحمد والطبرانی والحاکم.

وأخرج محبّ الدین الطبری فی الریاض(6) (2 / 189) عن أبی بکر الصدِّیق :

رأیت رسول الله صلی الله علیه وسلم خیّم خیمة ، وهو متّکئ علی قوسٍ عربیّة ، وفی الخیمة علیّ وفاطمة والحسن والحسین ، فقال : «معشرَ المسلمین أنا سلمٌ لمن سالم أهل 6.

ص: 604


1- البدایة والنهایة : 8 / 40 حوادث سنة 49 ه.
2- مسند أحمد : 3 / 187 ح 9405.
3- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 161 ح 4713.
4- کفایة الطالب : ص 331 باب 93.
5- کنز العمّال : 12 / 97 ح 34164.
6- الریاض النضرة : 3 / 136.

الخیمة ، حربٌ لمن حاربهم ، ولیٌّ لمن والاهم ، لا یُحبّهم إلّا سعید الجدِّ طیِّب المولد ، ولا یبغضهم إلّا شقیّ الجدّ ردیء الولادة».

وأخرج الحاکم فی المستدرک(1) (3 / 129) عن جابر بن عبدالله قال :

سمعت رسول الله صلی الله علیه وسلم وهو آخذٌ بضَبْع علیِّ بن أبی طالب وهو یقول : «هذا أمیر البررة ، قاتل الفَجَرة ، منصورٌ من نصره ، مخذولٌ من خذله». ثمّ مدَّ بها صوته. وأخرجه ابن طلحة الشافعی فی مطالب السؤول (ص 31) عن أبی ذرّ بلفظ : «قائد البررة ، وقاتل الکفرة ...». ورواه ابن حجر فی الصواعق(2) (ص 75) عن الحاکم ، وأحمد زینی دحلان فی الفتوحات الإسلامیّة(3) (2 / 338) إلی أحادیث کثیرة لو جمعت لتأتّی مجلّدات ضخمة.

علی أنَّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم کان یبثّ الدعایة بین أصحابه حول تلک المقاتلة التی زعم ابن حزم فیها اجتهاد معاویة وعمرو بن العاص ومن کان معهما ، وکان صلی الله علیه وآله وسلم یأمرهم ویأمر أمیرهم - ولیّ الله الطاهر - بحربهم وقتالهم ، وبطبع الحال ما کان ذلک یخفی علی أیِّ أحد من أصحابه ، وإلیک نماذج من تلک(4) الدعایة النبویّة :

أخرج الحاکم فی المستدرک(5) (3 / 139) والذهبیُّ فی تلخیصه عن أبی أیّوب الأنصاری : أنَّ رسول الله صلی الله علیه وسلم أمر علیّ بن أبی طالب بقتال الناکثین والقاسطین والمارقین.

ورواه الکنجی فی کفایته(6) (ص 70). 7.

ص: 605


1- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 140 ح 4644.
2- الصواعق المحرقة : ص 125.
3- الفتوحات الإسلامیّة : 2 / 342.
4- لم نذکرها بجمیع طرقها التی وقفنا علیها روماً للاختصار ، وستوافیک فی الجزء الثالث. (المؤلف)
5- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 150 ح 4674 ، وکذا فی التلخیص.
6- کفایة الطالب : ص 168 باب 37.

وأخرج الحاکم فی المستدرک(1) (3 / 140) عن أبی أیوب قال : سمعت رسول الله یقول لعلیّ : «تقاتل الناکثین والقاسطین والمارقین».

وأخرج الخطیب فی تاریخه (8 / 340 و 13 / 187) ، وابن عساکر(2) عن أمیر المؤمنین علیه السلام قال : «أمرنی رسول الله صلی الله علیه وسلم بقتال الناکثین والمارقین والقاسطین».

وأخرجه الحمّوئی فی فرائد السمطین فی الباب الثالث والخمسین(3) ، والسیوطی فی جمع الجوامع کما فی ترتیبه(4) (6 / 392). وأخرج الحاکم وابن عساکر کما فی ترتیب جمع الجوامع(5) (6 / 391) عن ابن مسعود قال :

خرج رسول الله صلی الله علیه وسلم فأتی منزل أُمّ سلمة ، فجاء علیّ ، فقال رسول الله صلی الله علیه وسلم : «یا أُمّ سلمة هذا - والله - قاتل القاسطین والناکثین والمارقین من بعدی».

وأخرجه الحمّوئی فی فرائد السمطین فی الباب الرابع والخمسین(6) بطریقین عن سعد بن عبادة عن علیٍّ قال : «أُمِرت بقتال الناکثین والمارقین والقاسطین».

وأخرج البیهقی فی المحاسن والمساوئ(7) (1 / 31) والخوارزمی فی المناقب(8) (ص 52 و 58) عن ابن عبّاس قال :

قال رسول الله صلی الله علیه وسلم لأُمِّ سلمة : «هذا علیّ بن أبی طالب لحمه من لحمی ودمه 7.

ص: 606


1- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 150 ح 4675.
2- تاریخ مدینة دمشق : 12 / 367 ، وفی ترجمة الإمام علیّ بن أبی طالب من تاریخ دمشق - الطبعة المحقّقة - : 3 / 200 ح 1206.
3- فرائد السمطین : 1 / 278 ح 217.
4- کنز العمّال : 13 / 112 ح 36367.
5- المصدر السابق : 13 / 110 ح 36361.
6- فرائد السمطین : 1 / 284 ح 224.
7- المحاسن والمساوئ : ص 44 - 45.
8- المناقب : ص 86 ح 77.

من دمی ، وهو منّی بمنزلة هارون من موسی إلّا أنَّه لا نبیّ بعدی ، یا أُمّ سلمة هذا أمیر المؤمنین وسیّد المسلمین ووعاء علمی ووصیّی وبابی الذی أُؤتی منه ، أخی فی الدنیا

والآخرة ومعی فی المقام الأعلی ، علیٌّ یقتل القاسطین والناکثین والمارقین».

ورواه الحمّوئی فی الفرائد(1) فی الباب السابع والعشرین والتاسع والعشرین بطرق ثلاث ، وفیه : «وعیبة علمی» مکان «وعاء علمی» ، والکنجی فی الکفایة(2) (ص 69) ، والمتّقی فی الکنز(3) (6 / 154) من طریق الحافظ العقیلی.

وأخرج شیخ الإسلام الحمّوئی فی فرائده(4) عن أبی أیّوب قال : أمرنی رسول الله صلی الله علیه وسلم بقتال الناکثین والقاسطین ، من طریق الحاکم ، ومن طریقه الآخر عن غیاث بن ثعلبة عن أبی أیّوب ، قال غیاث : قاله أبوأیّوب فی خلافة عمر بن الخطّاب.

وأخرج فی الفرائد فی الباب الثالث والخمسین(5) عن أبی سعید الخدری ، قال : أمرَنا رسول الله صلی الله علیه وسلم بقتال الناکثین والقاسطین والمارقین ، قلنا : یا رسول الله أمرتَنا بقتال هؤلاء فمع من ؟ قال : «مع علیّ بن أبی طالب».

وقال ابن عبدالبَرّ فی الاستیعاب(6) (3 / 53) هامش الإصابة :

ورُوی من حدیث علیّ ، ومن حدیث ابن مسعود ، ومن حدیث أبی أیّوب الأنصاری : أنَّه أمر بقتال الناکثین والقاسطین والمارقین.

فلعلّک باخِعٌ بما ظهرت علیه من الحقِّ الجلیِّ ، غیر أنَّک باحثٌ عن القول 5.

ص: 607


1- فرائد السمطین : 1 / 332 ح 257 باب 61 ، ص 150 ح 113 باب 30.
2- کفایة الطالب : ص 168 باب 37.
3- کنز العمّال : 11 / 607 ح 32936.
4- فرائد السمطین : 1 / 282 ح 222 باب 53.
5- المصدر السابق : 1 / 280 ح 220.
6- الاستیعاب : القسم الثالث / 1117 رقم 1855.

الفصل فی معاویة وعمرو بن العاص ، فعلیک بما فی طیّات کتب التاریخ من کلماتهما ، وسنوقفک علی ما یبیِّن الرشد من الغیّ فی ترجمة عمرو بن العاص ، وعند البحث عن معاویة فی الجزء العاشر.

هذا مجمل القول فی آراء ابن حزم وضلالاته وتحکّماته ، فأنت - کما یقول هو - لو لا الجهل والعمی والتخلیط بغیر علم ، لوجدتَ الرأی العامّ فی ضلاله قد صدر من أهله فی محلّه ، ولیس هناک مجال نسبة الحسد والحَنَق إلی من حکم بذلک من المالکیّین أو غیرهم ، ممّن عاصره أو تأخّر عنه ، وکتابه الفِصَل أقوی دلیل علی حقِّ القول وصواب الرأی.

قال ابن خلّکان فی تاریخه(1) (1 / 370) : کان کثیر الوقوع فی العلماء المتقدِّمین لا یکاد أحد یسلم من لسانه ، قال ابن العریف : کان لسان ابن حزم وسیف الحجّاج شقیقین ، قاله لکثرة وقوعه فی الأئمّة ، فنفرت منه القلوب ، واستهدف لفقهاء وقته ،

فتمالؤوا علی بغضه ، وردّوا قوله ، واجتمعوا علی تضلیله ، وشنّعوا علیه ، وحذّروا

سلاطینهم من فتنته ، ونهوا عوامّهم من الدنوِّ إلیه ، والأخذ عنه ، فأقصته الملوک ، وشرّدته عن بلاده ، حتی انتهی إلی بادیة لبلة(2) ، فتوفّی بها فی آخر نهار الأحد للیلتین بقیتا من شعبان سنة ستّ وخمسین وأربعمائة.

(أَفَمَنْ حَقَّ عَلَیْهِ کَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنتَ تُنقِذُ مَن فِی النَّارِ)(3) 9.

ص: 608


1- وفیات الأعیان : 3 / 327 رقم 448.
2- فتح اللامین من بلاد الأندلس. (المؤلف)
3- الزّمر : 19.

مفاد حدیث الغدیر

لعلّ إلی هنا لم یبق مسلک للشکِّ فی صدور الحدیث عن المصدر النبویِّ المقدّس. وأمّا دلالته علی إمامة مولانا أمیر المؤمنین علیه السلام فإنّا مهما شککنا فی شیء ، فلا نشکُّ فی أنَّ لفظة (المولی) سواءٌ کانت نصّاً فی المعنی الذی نحاوله بالوضع اللغویِّ أو مجملةً فی مفادها لاشتراکها بین معانٍ جمّة ، وسواء کانت عریّة عن القرائن لإثبات ما ندّعیه من معنی الإمامة أو محتفّة بها ، فإنّها فی المقام لا تدلّ إلّا علی ذلک لِفَهْم من وعاه من الحضور فی ذلک الُمحتَشد العظیم ، ومن بلغه النبأ بعد حین ممّن یحتجُّ بقوله فی اللغة من غیر نکیر بینهم ، وتتابع هذا الفهم فیمن بعدهم من الشعراء ورجالات الأدب حتی عصرنا الحاضر ، وذلک حجّة قاطعة فی المعنی المراد :

وفی الطلیعة من هؤلاء مولانا أمیر المؤمنین علیه السلام حیث کتب إلی معاویة فی جواب کتاب له من أبیات ستسمعها ما نصّه :

وأوجبَ لی ولایتَهُ علیکُمْ

رسولُ اللهِ یومَ غدیرِ خُمِ

ومنهم : حسّان بن ثابت الحاضر مشهد الغدیر ، وقد استأذن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أن ینظم الحدیث فی أبیات منها قوله :

فقال له : قمْ یا علیُّ فإنّنی

رَضِیتُکَ من بعدی إماماً وهادیا

ص: 609

ومن أولئک : الصحابیّ العظیم قیس بن سعد بن عبادة الأنصاری الذی یقول :

وعلیٌّ إمامنا وإمامٌ

لسوانا أتی به التنزیلُ

یوم قال النبیُّ : من کنت مولا

هُ فهذا مولاه خطبٌ جلیلُ

ومن القوم : محمد بن عبدالله الحمیری القائل :

تناسَوا نصبَه فی یوم خُمٍّ

من الباری ومن خیر الأنامِ

ومنهم : عمرو بن العاص الصحابیُّ القائل :

وکم قد سمعنا من المصطفی

وصایا مُخصَّصةً فی علی

وفی یوم خُمٍّ رقی منبرا

وبلّغَ والصحْبُ لم ترحلِ

فأمنحه إمْرة المؤمنین

من الله مستخلف المنحلِ

وفی کفِّهِ کفُّهُ مُعلناً

یُنادی بأمر العزیز العَلِی

وقال فمن کنتُ مولیً له

علیٌّ له الیوم نِعْم الولی

ومن أولئک : کمیت بن زید الأسدی الشهید (126) حیث یقول :

ویوم الدوحِ دوحِ غدیرِ خُمٍ

أبانَ له الولایةَ لو أُطیعا

ولکنّ الرجالَ تبایعوها

فلم أرَ مثلَها خطراً مَبیعا

ومنهم : السیّد إسماعیل الحمیری المتوفّی (179) فی شعره الکثیر الآتی ، ومنه :

لذلک ما اختاره ربُّهُ

لخیرِ الأنامِ وصیّاً ظهیرا

فقام بخُمٍّ بحیثُ الغدیرُ

وحطَّ الرحالَ وعافَ المسیرا

وقُمَّ له الدوحُ ثمّ ارتقی

علی منبرٍ کان رحْلاً وکورا

ونادی ضحیً باجتماعِ الحجیجِ

فجاؤوا إلیه صغیراً کبیرا

فقال وفی کفِّه حیدرٌ

یُلیح إلیه مُبیناً مشیرا

ص: 610

ألا إنَّ من أنا مولیً له

فمولاه هذا قضاً لن یجورا

فهل أنا بلّغتُ قالوا نعم

فقال اشهدوا غُیَّباً أو حضورا

یُبلِّغ حاضرُکم غائباً

وأُشهِدُ ربّی السمیعَ البصیرا

فقوموا بأمرِ ملیکِ السما

یبایعْه کلٌّ علیه أمیرا

فقاموا لبیعته صافقین

أکفّاً فأوجس منهم نکیرا

فقال إلهیَ والِ الولیَّ

وعادِ العدوَّ له والکفورا

وکن خاذلاً للأُلی یخذُلون

وکن للأُلی ینصرون نصیرا

فکیف تری دعوةَ المصطفی

مُجاباً بها أم هباءً نثیرا

أُحبّکَ یا ثانیَ المصطفی

ومن أُشْهِدَ الناسُ فیه الغدیرا

ومنهم : العبدی الکوفی من شعراء القرن الثانی فی بائیّته الکبیرة بقوله :

وکان عنها لهمْ فی خُمّ مُزدَجرٌ

لَمّا رقی أحمدُ الهادی علی قَتَبِ

وقال والناسُ من دانٍ إلیه ومن

ثاوٍ لدیه ومن مُصغٍ ومُرتقبِ

قم یا علیُّ فإنّی قد أُمِرتُ بأن

أُبلِّغَ الناسَ والتبلیغُ أجدرُ بی

إنّی نصبتُ علیّاً هادیاً علماً

بعدی وإنَّ علیّاً خیرُ مُنتصَبِ

فبایعوک وکلٌّ باسطٌ یَدَهُ

إلیک من فوقِ قلبٍ عنک مُنقلبِ

ومنهم : شیخ العربیّة والأدب أبو تمام المتوفّی (231) فی رائیّته بقوله :

ویومَ الغدیرِ استوضح الحقَّ أهلُهُ

بصحیاءَ لا فیها حجاب ولا سترُ

أقام رسول الله یدعوهُمُ بها

لیقْرَبَهُمْ عُرفٌ وینآهُمُ نُکْرُ

یمدّ بضَبْعیهِ ویُعلِمُ أنَّه

ولیٌّ ومولاکمْ فهل لَکُمُ خُبْرُ

یروحُ ویغدو بالبیان لِمَعْشَرٍ

یروحُ بهم غَمْرٌ ویغدو بهم غَمْرُ

فکان لهم جهرٌ بإثباتِ حقِّهِ

وکان لهم فی بَزِّهمْ حقّه جهرُ

ص: 611

وتبع هؤلاء جماعة من بواقع(1) العلم والعربیّة الذین لا یَعْدون مواقع اللغة ، ولا یجهلون وضع الألفاظ ، ولا یتحرّون إلّا الصحّة فی تراکیبهم وشعرهم ، کدعبل الخزاعی ، والحِمّانی الکوفی ، والأمیر أبی فراس ، وعلم الهدی المرتضی ، والسیِّد

الشریف الرضیّ ، والحسین بن الحجّاج ، وابن الرومیِّ ، وکشاجم ، والصنوبری ، والمفجّع ، والصاحب بن عبّاد ، والناشئ الصغیر ، والتنوخی ، والزاهی ، وأبی العلاء

السروی ، والجوهری ، وابن علویّة ، وابن حمّاد ، وابن طباطبا ، وأبی الفرج ، ومهیار ، والصولی النیلی ، والفنجکردی ... إلی غیرهم من أساطین الأدب وأعلام اللغة ، ولم یزل أثرهم مقتصّاً فی القرون المتتابعة إلی یومنا هذا ، ولیس فی وسع الباحث أن یحکم بخطأ هؤلاء جمیعاً وهم مصادره فی اللغة ، ومراجع الأمّة فی الأدب.

وهنالک زرافات من الناس فهموا من اللفظ هذا المعنی وإن لم یُعربوا عنه بقریض ، لکنّهم أبدوه فی صریح کلماتهم ، أو أنَّه ظهر من لوائح خطابهم ، ومن أولئک

الشیخان وقد أتیا أمیر المؤمنین علیه السلام مهنِّئَین ومبایعَین وهما یقولان : أمسیت یاابن أبی طالب مولی کلِّ مؤمن ومؤمنة(2). فلیت شعری أیّ معنیً من معانی (المولی) الممکن تطبیقه علی مولانا لم یکن قبل ذلک الیوم ، حتی تجدّد به ، فأتیا یهنِّئانه لأجله ، ویصارحانه بأنّه أصبح متلفِّعاً به یوم ذاک ؟ أهو معنی النصرة أو المحبّة اللتین لم یزل أمیر المؤمنین علیه السلام متّصفاً بهما منذ رضع ثُدِیَّ الإیمان مع صنوه المصطفی صلی الله علیه وآله وسلم ؟ أم غیرهما ممّا لا یمکن أن یراد فی خصوص المقام ؟ لاها الله لا ذلک ولا هذا ، وإنَّما أرادا معنیً فهمه کلّ الحضور من أنَّه أولی بهما وبالمسلمین أجمع من أنفسهم ، وعلی ذلک

بایعاه وهنّآه.

ومن أولئک : الحارث بن النعمان الفهری - أو جابر - المنتقَم منه بعاجل العقوبة یوم جاء رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وهو یقول : یا محمد أمرتنا بالشهادتین والصلاة والزکاة ف)

ص: 612


1- البواقع : جمع باقعة ، وهو الرجل الذکیّ العارف.
2- مرّ حدیث التهنئة بأسانیده وتفاصیله (ص 270 - 283). (المؤلف)

والحجّ ثمّ لم ترضَ بهذا حتی رفعتَ بضَبْعَی ابن عمّک ففضّلته علینا ، وقلت : من کنتُ مولاه فعلیّ مولاه ... وقد سبق حدیثه (ص 239 - 247) ، فهل المعنی الملازم للتفضیل الذی استعظمه هذا الکافر الحاسد ، وطَفِق یشکّ أنَّه من الله أم أنَّه مُحاباة من الرسول ، یمکن أن یراد به أحد ذینک المعنیین أو غیرهما ؟

أحسب أنَّ ضمیرک الحرَّ لا یستبیح لک ذلک ، ویقول لک بکلِّ صراحة : إنَّه هو تلک الولایة المطلقة التی لم یؤمن بها طاحنة قریش فی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إلّا بعد قهر من آیات باهرة ، وبراهین دامغة ، وحروب طاحنة ، حتی جاء نصر الله والفتح ورأیت الناس یدخلون فی دین الله أفواجاً ، فکانت هی فی أمیر المؤمنین أثقل علیهم وأعظم ،

وقد جاهر بما أضمره غیره الحارث بن النعمان ، فأخذه الله أخذ عزیز مقتدر.

ومن أولئک : النفرُ الذین وافوا أمیر المؤمنین علیه السلام فی رحبة الکوفة قائلین : السلام علیک یا مولانا. فاستوضح الإمام علیه السلام الحالة لإیقاف السامعین علی المعنی الصحیح ، وقال : «کیف أکون مولاکم وأنتم رهطٌ من العرب ؟»

فأجابوه : إنَّا سمعنا رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول یوم غدیر خُمِّ : «من کنتُ مولاه فعلیٌّ مولاه»(1).

عرف القارئ الکریم أنَّ المولویّة المستعظمة عند العرب - الذین لم یکونوا یتنازلون بالخضوع لکلِّ أحد - لیست هی المحبّة والنصرة ولا شیئاً من معانی الکلمة ، وإنَّما هی الرئاسة الکبری التی کانوا یستصعبون حمل نیرها إلّا بموجبٍ یُخضعهم لها ، وهی التی استوضحها أمیر المؤمنین علیه السلام للملأ باستفهام ، فکان من جواب القوم : أنَّهم فهموها من نصِّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم.

وهذا المعنی غیر خافٍ حتی علی المخدّرات فی الحجال ، فقد أسلفنا (ص 208) ف)

ص: 613


1- راجع ما أسلفناه من أسانید هذا الحدیث ومتنه (ص 187 - 191). (المؤلف)

عن الزمخشری فی ربیع الأبرار عن دارمیّة الحجونیّة التی سألها معاویة عن سبب حبّها لأمیر المؤمنین علیه السلام وبغضها له ، فاحتجّت علیه بأشیاء منها : أنَّ رسول الله عقد له الولایة بمشهد منه یوم غدیر خمّ ، وأسندت بغضها له إلی أنَّه قاتَل من هو أولی

بالأمر منه وطلب ما لیس له ، ولم یُنکره علیها معاویة.

وقبل هذه کلّها مناشدة أمیر المؤمنین علیه السلام واحتجاجه به یوم الرحبة ، وقد

أوقفناک علی تفصیل أسانیده وطرقه الصحیحة المتواترة (ص 166 - 185) ، وکان ذلک لمّا نوزع فی خلافته ، وبلغه اتّهام الناس له فیما کان یرویه من تفضیل رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم له وتقدیمه إیّاه علی غیره ، کما مرّ (ص 183 ، 300 ، 301 ، 304 ، 309) ، وقال برهان الدین الحلبی فی سیرته(1) (3 / 303) : احتجَّ به بعد أن آلت إلیه الخلافة ردّاً علی من نازعه فیها.

أفتری - والحالة هذه - معنیً معقولاً للمولی غیر ما نرتئیه ، وفهمه هو علیه السلام ومن شهد له من الصحابة ومن کتم الشهادة إخفاءً لفضله حتی رُمی بفاضح من البلاء ، ومن نازعه حتی أُفحم بتلک الشهادة ؟ وإلّا فأیّ شاهد له فی المنازعة بالخلافة فی معنی الحبِّ والنصرة ، وهما یعمّان سائر المسلمین ؟ إلّا أن یکونا علی الحدّ الذی سنصفه إن شاء الله ، وهو معنی الأولویّة المطلوبة.

والواقف علی موارد الحِجاج بین أفراد الأمّة وفی مجتمعاتها ، وفی تضاعیف الکتب منذ ذلک العهد المتقادم إلی عصورنا هذه جِدُّ علیم بأنّ القوم لم یفهموا من

الحدیث إلّا المعنی الذی یُحتجُّ به للإمامة المطلقة ، وهو الأولویّة من کلِّ أحد بنفسه وماله فی دینه ودنیاه ، الثابت ذلک لرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وللخلفاء المنصوص علیهم من بعده ، نحیل الوقوف علی ذلک علی إحاطة الباحث وطول باع المتتبِّع فلا نطیل بإحصائها المقام. 5.

ص: 614


1- السیرة الحلبیة : 3 / 275.

مفعل بمعنی أفعل

أمّا أنَّ لفظ (مولی) یراد به لغةً الأولی ، أو أنَّه أحد معانیه ، فناهیک من البرهنة

علیه ما تجده فی کلمات المفسِّرین والمحدِّثین من تفسیر قوله تعالی فی سورة الحدید : (فَالْیَوْمَ لَا یُؤْخَذُ مِنکُمْ فِدْیَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِینَ کَفَرُوا مَأْوَاکُمُ النَّارُ هِیَ مَوْلَاکُمْ وَبِئْسَ الْمَصِیرُ) ، فمنهم من حصر التفسیر بأنّها أولی بکم ، ومنهم من جعله أحد المعانی فی الآیة ، فمن الفریق الأوّل :

1 - ابن عبّاس فی تفسیره(1) ، من تفسیر الفیروزآبادی (ص 242).

2 - الکلبی(2) ، حکاه عنه الفخر الرازی فی تفسیره(3) (8 / 93).

3 - الفرّاء یحیی بن زیاد الکوفیّ ، النحویّ(4) : المتوفّی (207).

حکاه عنه الفخر الرازیّ فی تفسیره (8 / 93).

4 - أبو عبیدة معمر بن المثنّی البصریّ : المتوفّی (210).

ذکره عنه الرازی فی تفسیره (8 / 93) ، وذکر استشهاده ببیت لبید :

فغدت کلا الفرجین تحسبُ أنَّه

مولی المخافة خلفها وأمامها(5)

وذکره عنه شیخنا المفید فی رسالته فی معنی المولی(6) ، والشریف المرتضی فی 7.

ص: 615


1- تفسیر ابن عبّاس : ص 458.
2- محمد بن سائب المفسِّر النسّابة : المتوفّی (146) بالکوفة [ذکره فی تفسیره التسهیل لعلوم التنزیل : 4 / 97]. (المؤلف)
3- التفسیر الکبیر : 29 / 227.
4- معانی القرآن : 3 / 134.
5- الفرج : ما بین قوائم الدواب ، والمراد أنَّها تحسب أن کلّ فرج من فرجیها هو الأولی بالمخافة منه.
6- رسالة فی معنی المولی ، المطبوع ضمن مصنّفات الشیخ المفید : 8 / 37.

الشافی(1) من کتابه غریب القرآن وذکر استشهاده ببیت لبید ، واحتج الشریف الجرجانی فی شرح المواقف(2) (3 / 271) بنقل ذلک عنه ردّاً علی الماتن.

5 - الأخفش الأوسط أبو الحسن سعید بن مسعدة النحویّ : المتوفّی (215).

نقله عنه الفخر الرازی فی نهایة العقول ، وذکر استشهاده ببیت لبید.

6 - أبو زید سعید بن أوس اللغویّ ، البصریّ : المتوفّی (215).

حکاه عنه صاحب الجواهر العبقریّة.

7 - البخاری أبو عبدالله محمد بن إسماعیل : المتوفّی (215).

قاله فی صحیحه(3) (7 / 240).

8 - ابن قتیبة : المتوفّی (276) ، المترجم (ص 96).

قاله فی القرطین (2 / 164) ، واستشهد ببیت لبید.

9 - أبو العبّاس ثعلب أحمد بن یحیی النحویّ ، الشیبانیّ : المتوفّی (291).

قال القاضی الزَّوْزَنی حسین بن أحمد المتوفّی (486) فی شرح السبع المعلّقة(4) فی بیت لبید المذکور : قال ثعلب : إنَّ المولی فی هذا البیت بمعنی الأَولی بالشیء کقوله (مَأْوَاکُمُ النَّارُ هِیَ مَوْلَاکُمْ) أی هی أولی بکم.

10 - أبو جعفر الطبری : المتوفّی (310).

ذکره فی تفسیره(5) (9 / 117). 8.

ص: 616


1- الشافی فی الإمامة : 2 / 269.
2- شرح المواقف : 8 / 361.
3- صحیح البخاری : 4 / 1815.
4- شرح المعلّقات السبع : ص 106.
5- جامع البیان : مج 13 / ج 27 / 228.

11 - أبو بکر الأنباری محمد بن القاسم اللغویّ ، النحویّ : المتوفّی (328).

قاله فی تفسیره - مشکل القرآن - نقله عنه الشریف المرتضی فی الشافی(1) ، وذکر استشهاده ببیت لبید ، وابن البطریق فی العمدة(2) (ص 55).

12 - أبو الحسن الرمّانی علیّ بن عیسی المشهور بالورّاق ، النحویّ : المتوفّی (382 ، 384).

ذکره عنه الفخر الرازی فی نهایة العقول.

13 - أبو الحسن الواحدی : المتوفّی (468) ، المترجم (ص 111).

ففی الوسیط(3) : (مَأْوَاکُمُ النَّارُ هِیَ مَوْلَاکُمْ) هی أولی بکم لما أسلفتم من الذنوب ، والمعنی : أنَّها هی التی تلی علیکم ؛ لأنّها قد ملکت أمرکم ، فهی أولی بکم من کلِّ شیء.

14 - أبو الفرج ابن الجوزی : المتوفّی (597) ، المترجم (ص 117).

نقله فی تفسیره زاد المسیر(4) عن أبی عبیدة مرتضیاً له.

15 - أبو سالم محمد بن طلحة الشافعیّ : المتوفّی (652).

قاله فی مطالب السؤول (ص 16).

16 - شمس الدین سبط ابن الجوزیّ ، الحنفیّ : المتوفّی (654).

قاله فی التذکرة(5) (ص 19). 2.

ص: 617


1- الشافی فی الإمامة : 2 / 272.
2- العمدة : ص 113.
3- تفسیر الوسیط : 4 / 249.
4- زاد المسیر : 8 / 167.
5- تذکرة الخواص : ص 32.

17 - محمد بن أبی بکر الرازیّ صاحب مختار الصحاح.

قال فی غریب القرآن - فرغ منه (668) - : المولی : الذی هو أولی بالشیء ، ومنه قوله : (مَأْوَاکُمُ النَّارُ هِیَ مَوْلَاکُمْ) ؛ أی هی أولی بکم ، والمولی فی اللغة علی ثمانیة أوجه - وعدّ منها - الأَولی بالشیء.

18 - التفتازانیّ : المتوفّی (791).

ذکره فی شرح المقاصد(1) (ص 288) نقلاً عن أبی عبیدة.

19 - ابن الصبّاغ المالکیّ : المتوفّی (855) ، المترجم (ص 131).

عدّ فی الفصول المهمّة(2) (ص 28) الأَولی بالشیء من معانی المولی المستعملة فی الکتاب العزیز.

20 - جلال الدین محمد بن أحمد المحلّی ، الشافعیّ : المتوفّی (854).

فی تفسیر الجلالین(3).

21 - جلال الدین أحمد الخجندی ، ففی توضیح الدلائل علی ترجیح الفضائل عنه أنَّه قال : المولی یطلق علی معانٍ ، ومنها : الأَولی فی قوله تعالی : (هِیَ مَوْلَاکُمْ) ؛ أی أَولی بکم.

22 - علاء الدین القوشجی : المتوفّی (879).

ذکره فی شرح التجرید(4).

23 - شهاب الدین أحمد بن محمد الخفاجیّ ، الحنفیّ : المتوفّی (1069). 7.

ص: 618


1- شرح المقاصد : 5 / 273.
2- الفصول المهمّة : ص 42.
3- تفسیر الجلالین : ص 721.
4- شرح التجرید : ص 477.

قاله فی حاشیة تفسیر البیضاوی مستشهداً ببیت لبید.

24 - السیّد الأمیر محمد الصنعانی : قاله فی الروضة الندیّة(1) نقلاً عن الفقیه حمید المحلّی.

25 - السیّد عثمان الحنفیّ ، المکیّ : المتوفّی (1268).

قاله فی تاج التفاسیر(2) (2 / 196).

26 - الشیخ حسن العدوی ، الحمزاویّ ، المالکیّ : المتوفّی (1303).

قال فی النور الساری. هامش صحیح البخاری (7 / 240) : (هِیَ مَوْلَاکُمْ) : أَولی بکم من کلِّ منزل علی کفرکم وارتیابکم.

27 - السیّد محمد مؤمن الشبلنجیّ : ذکره فی نور الأبصار(3) (ص 78).

ومن الفریق الثانی :

28 - أبو إسحاق أحمد الثعلبی : المتوفّی (427).

قال فی الکشف والبیان : (مَأْوَاکُمُ النَّارُ هِیَ مَوْلَاکُمْ) ؛ أی صاحبتکم وأولی وأحقُّ بأن تکون مسکناً لکم. ثمّ استشهد ببیت لبید المذکور.

29 - أبو الحجّاج یوسف بن سلیمان الشنتمری : المتوفّی (476).

قاله فی تحصیل عین الذهب - تعلیق کتاب سیبویه - (1 / 202) فی قول لبید واستشهد بالآیة الکریمة.

30 - الفرّاء حسین بن مسعود البغوی : المتوفّی (510). 0.

ص: 619


1- الروضة الندیّه شرح التحفة العلویّة : ص 158.
2- تاج التفاسیر : 2 / 182.
3- نور الأبصار : ص 160.

قاله فی معالم التنزیل(1).

31 - الزمخشری : المتوفّی (538).

ذکره فی الکشّاف(2) (2 / 435) ، واستشهد ببیت لبید ، ثمّ قال : یجوز أن یراد هی ناصرکم ... إلخ.

32 - أبو البقاء محبّ الدین العکبریّ ، البغدادیّ : المتوفّی (616).

قاله فی تفسیره(3) (ص 135).

33 - القاضی ناصر الدین البیضاویّ : المتوفّی (692).

ذکره فی تفسیره(4) (2 / 497) واستشهد ببیت لبید.

34 - حافظ الدین النسفی : المتوفّی (701 ، 710).

ذکره فی تفسیره(5) هامش تفسیر الخازن (4 / 229).

35 - علاء الدین علیّ بن محمد الخازن ، البغدادیّ : المتوفّی (741).

قاله فی تفسیره (4 / 229).

36 - ابن سمین أحمد بن یوسف الحلبی : المتوفّی (856).

قال فی تفسیره المصون فی علم الکتاب المکنون : (هِیَ مَوْلَاکُمْ) یجوز أن یکون مصدراً ؛ أی ولایتکم ؛ أی ذات ولایتکم ، وأن یکون مکاناً أی مکان ولایتکم ، وأن یکون أولی بکم ، کقولک : هو مولاه. 6.

ص: 620


1- معالم التنزیل : 4 / 297.
2- الکشّاف : 4 / 476.
3- إملاء ما منّ به الرحمن : 2 / 256.
4- تفسیر البیضاوی : 2 / 469.
5- تفسیر النسفی : 4 / 226.

37 - نظام الدین النیسابوری : قاله فی تفسیره(1) هامش تفسیر الرازی.

38 - الشربینی الشافعیّ : المتوفّی (977).

قاله فی تفسیره(2) (4 / 200) واستشهد ببیت لبید.

39 - أبو السعود محمد بن محمد الحنفیّ ، القسطنطینیّ : المتوفّی (972).

ذکره فی تفسیره(3) هامش تفسیر الرازی (8 / 72) ، ثمّ ذکر بقیّة المعانی.

40 - الشیخ سلیمان جمل : ذکر فی تعلیقه علی تفسیر الجلالین الذی أسماه بالفتوحات الإلهیّة(4) ، وفرغ منه سنة (1198).

41 - المولی جارالله ألله آبادی.

قال فی حاشیة تفسیر البیضاوی : المولی مشتقٌّ من الأولی بحذف الزائد.

42 - محبّ الدین أفندی. قاله فی شرح بیت لبید فی کتابه تنزیل الآیات علی الشواهد من الأبیات(5) سنة (1281).

ولولا أنَّ هؤلاء - وهم أئمّة العربیّة وبواقع اللغة - عرفوا أنَّ هذا المعنی من معانی اللفظ اللغویّة لما صحّ لهم تفسیره ، وأمّا قول البیضاوی - بعد أن ذکر معنی الأَولی - : وحقیقته محراکم ؛ أی مکانکم الذی یقال فیه : هو أولی بکم ، کقولک : هو

مئنة الکرم ، أی مکان قول القائل : إنَّه الکریم ، أو مکانکم عمّا قریب ، من الولی وهو القرب ، أو ناصرکم علی طریقة قوله : 1.

ص: 621


1- غرائب القرآن : 27 / 130.
2- السراج المنیر : 4 / 208.
3- إرشاد العقل السلیم إلی مزایا القرآن الکریم : 8 / 208.
4- الفتوحات الإلهیة : 4 / 290.
5- تنزیل الآیات علی الشواهد من الأبیات : ص 201.

تحیّة بینهم ضربٌ وجیعُ. أو متولّیکم یتولّاکم کما تولّیتم موجباتها فی الدنیا(1). انتهی.

فإنّه لا یعنی به الحقیقة اللغویّة التی نصّ بها أوّلاً ، وإنَّما یرید الحاصل من المعنی ، ویشعر إلی(2) ذلک تقدیم قوله : (هِیَ أَولی بکُم) واستشهاده ببیت لبید الذی لم یحتمل فیه غیر هذا المعنی ، وقوله أخیراً : مکانکم الذی یقال فیه ... إلخ. وأنَّه أخذ فی تقریب بقیّة المعانی بأنحاء من العنایة یناسب کلٌ منها واحداً منهنّ إلّا معنی (الأَولی) ، فإنّه لم یقرِّبْه من الوجهة اللغویّة ، بل أثبته بتقدیمه والاستشهاد بالشعر ، وإنَّما طفِق یقرّبُه من وجهة القصد والإرادة. ویقرب منه ما فی تفسیر النسفی.

وقال الخازن(3) : (هِیَ مَوْلَاکُمْ) أی ولیّکم ، وقیل : أَولی بکم لِما أسلفتم من الذنوب ، والمعنی هی التی تلی علیکم لأنّها ملکت أمرکم وأُسلِمتم إلیها ، فهی أَولی بکم من کلِّ شیء ، وقیل : معنی الآیة : لا مولی لکم ولا ناصر ؛ لأنّ من کانت النار مولاه فلا مولی له. انتهی.

أمّا تفسیره بالولیّ ، فلا منافاة فیه لما نرتئیه لما ثبت من مساوقة (الولیّ) مع (المولی) فی جملة من المعانی.

ومنها : الأَولی بالأمر ، وسیوافیک إیضاح ذلک إن شاء الله ، فیکون القولان محض تغایر فی التعبیر ، لا تبایناً فی الحقیقة. وما استرسل بعد ذلک من البیان فهو تقریب لإرادة المعنی کما أسلفناه. والقول الثالث هو ذکر لازم المعنی سواءٌ کان هو الولیّ أو الأَولی ، فلا معاندة بینه وبین ما تقدّمه من تفسیر اللفظ.

وهناک آیات أخری استعمل فیها المولی أیضاً بمعنی الأَولی بالأمر منها : 9.

ص: 622


1- أنوار التنزیل : 2 / 469.
2- الظاهر أنَّه قدس سره ضمّن «یشعر» معنی «یشیر» فعدّاه ب- «إلی».
3- تفسیر الخازن : 4 / 229.

قوله تعالی فی سورة البقرة : (أَنتَ مَوْلَانَا) : قال الثعلبی فی الکشف والبیان(1) : أی ناصرنا وحافظنا وولیّنا وأَولی بنا.

وقوله تعالی فی سورة آل عمران : (بَلِ اللَّ-هُ مَوْلَاکُمْ) : قال أحمد بن الحسن الزاهد الدرواجکی فی تفسیره المشهور بالزاهدی : أی الله أَولی بأن یطاع.

وقوله تعالی فی سورة التوبة : (مَا کَتَبَ اللَّ-هُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَی اللَّ-هِ فَلْیَتَوَکَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) :

قال أبو حیّان فی تفسیره (5 / 52) : قال الکلبی : أی أَولی بنا من أنفسنا فی الموت والحیاة. وقیل : مالکنا وسیّدنا فلهذا یتصرّف کیف یشاء.

وقال السجستانی العزیزی فی غریب القرآن(2) (ص 154) : أی ولیّنا ، والمولی

علی ثمانیة أوجه : المعتِق - بالکسر - والمعتَق - بالفتح - والولیّ ، والأَولی بالشیء ، وابن العمّ ، والصهر ، والجار ، والحلیف.

کلام الرازی فی مفاد الحدیث

أقبل الرازی یتتعتع ویتلعثم بشُبَهٍ یبتلعها طوراً ، ویجترّها تارةً ، وأخذ یصعِّد ویصوِّب فی الإتیان بالشُّبه بصورةٍ مکبَّرة ، فقال بعد نقله معنی الأولی عن جماعة ما نصّه :

قال تعالی : (مَأْوَاکُمُ النَّارُ هِیَ مَوْلَاکُمْ وَبِئْسَ الْمَصِیرُ) ، وفی لفظ (المولی) هاهُنا أقوال :

أحدها : قال ابن عبّاس : مولاکم ؛ أی مصیرکم ، وتحقیقه : أنَّ المولی موضع 1.

ص: 623


1- الکشف والبیان : الورقة 92 سورة الحدید : آیة 15.
2- غریب القرآن : ص 311.

الولیّ وهو القرب ، فالمعنی : أنَّ النار هی موضعکم الذی تقربون منه وتصلون إلیه.

والثانی : قال الکلبی : یعنی أَولی بکم ، وهو قول الزجّاج والفرّاء وأبی عبیدة.

واعلم أنَّ هذا الذی قالوه معنیً ، ولیس بتفسیر اللفظ ؛ لأنّه لو کان (مولی) و (أَولی) بمعنیً واحد فی اللغة لصحّ استعمال کلِّ واحد منهما فی مکان الآخر ، فکان

یجب أن [یصح أن](1) یقال : هذا مولیً من فلان [کما یقال هذا أَولی من فلان ، ویصح أن یقال هذا أَولی فلان کما یقال هذا مولی فلان](2) ، ولمّا بطل ذلک علمنا أنَّ الذی قالوه معنیً ، ولیس بتفسیر.

وإنَّما نبّهنا علی هذه الدقیقة ؛ لأنّ الشریف المرتضی - لمّا تمسّک فی إمامة علیّ بقوله علیه السلام : «من کنتُ مولاه فعلیّ مولاه» - قال : أحد معانی (مولی) أنَّه (أَولی) ، واحتجَّ فی ذلک بأقوال أئمّة اللغة فی تفسیر هذه الآیة بأنَّ (مولیً) معناه (أَولی) وإذا ثبت أنَّ اللفظ محتمِلٌ له وجب حمله علیه ؛ لأنَّ ما عداه إمّا بیِّن الثبوت ککونه ابن العمّ(2) والناصر ، أو بیّن الانتفاء کالمُعتِق والمُعتَق ، فیکون علی التقدیر الأوّل عبثاً ، وعلی التقدیر الثانی کذباً.

وأمّا نحن فقد بینّا بالدلیل أنَّ قول هؤلاء فی هذا الموضع معنیً لا تفسیر ، وحینئذٍ یسقط الاستدلال به. تفسیر الرازی(3) (8 / 93).

وقال فی نهایة العقول : إنَّ المولی لو کان یجیء بمعنی (الأَولی) لصحّ أن یقرن بأحدهما کلّ ما یصحُّ قرنه بالآخر ، لکنّه لیس کذلک ، فامتنع کون المولی بمعنی الأَولی. .

ص: 624


1- و (2) الزیادة من المصدر.
2- هذه غفلة عجیبة ، وسیُوافیک أنَّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم کان ابن عمّ جعفر وعقیل وطالب وآل أبی طالب کلّهم ، ولم یکن أمیر المؤمنین ابن عمّ لهم ، فإنّه کان أخاهم ، فهذا ممّا یلزم منه الکذب لو أُرید من لفظ (المولی) ، لا ممّا هو بیّن الثبوت. (المؤلف)
3- التفسیر الکبیر : 29 / 227 .

بیان الشرطیّة : إنَّ تصرّف الواضع لیس إلّا فی وضع الألفاظ المفردة للمعانی المفردة ، فأمّا ضمُّ بعض تلک الألفاظ إلی البعض بعد صیرورة کلِّ واحد منهما موضوعاً لمعناه المفرد فذلک أمر عقلیّ ، مثلاً إذا قلنا : الإنسان حیوان فإفادة لفظ الإنسان للحقیقة المخصوصة بالوضع ، وإفادة لفظ الحیوان للحقیقة المخصوصة أیضاً بالوضع ، فأمّا نسبة الحیوان إلی الإنسان - بعد المساعدة علی کون کلِّ واحد من هاتین اللفظتین موضوعة للمعنی المخصوص - فذلک بالعقل لا بالوضع ، وإذا ثبت ذلک فلفظة (الأَولی) إذا کانت موضوعةً لمعنیً ولفظة (من) موضوعة لمعنیً آخر ، فصحّة دخول أحدهما علی الآخر لا تکون بالوضع بل بالعقل.

وإذا ثبت ذلک ، فلو کان المفهوم من لفظة (الأَولی) بتمامه من غیر زیادة ولا نقصان هو المفهوم من لفظة (المولی) ، والعقل حکَمَ بصحّة اقتران المفهوم من لفظة (من) بالمفهوم من لفظة (الأَولی) ، وجب صحّة اقترانه أیضاً بالمفهوم من لفظة (المولی) ؛ لأنّ صحّة ذلک الاقتران لیست بین اللفظین ، بل بین مفهومیهما.

بیان أنَّه لیس کلُّ ما یصحّ دخوله علی أحدهما صحّ دخوله علی الآخر : إنَّه لا یقال : هو مولیً من فلان ، ویصحّ أن یقال : هو مولیً ، وهما مولَیان ، ولا یصحّ أن

یقال : هو أَولی - بدون من - وهما أَولیان. وتقول : هو مولی الرجل ومولی زید ، ولا تقول : هو أَولی الرجل وأَولی زید. وتقول : هما أَولی رجلین وهم أَولی رجال ، ولا تقول : هما مولی رجلین ، ولا هم مولی رجال ، ویقال : هو مولاه ومولاک ، ولا یقال : هو أولاه وأولاک. لا یقال : ألیس یقال : ما أَولاه ! لأنّا نقول : ذاک أفعل

التعجّب ، لا أفعل التفضیل ، علی أنَّ ذاک فعل ، وهذا اسم ، والضمیر هناک منصوب ،

وهنا مجرورٌ ، فثبت أنَّه لا یجوز حمل المولی علی الأَولی. انتهی.

وإن تعجب فعجب أن یعزب عن الرازی اختلاف الأحوال فی المشتقّات لزوماً وتعدیةً بحسب صِیَغها المختلفة . إنَّ اتحاد المعنی أو الترادف بین الألفاظ إنَّما یقع فی جوهریّات المعانی ، لا عوارضها الحادثة من أنحاء الترکیب وتصاریف الألفاظ

ص: 625

وصیغها ، فالاختلاف الحاصل بین (المولی) و (الأَولی) - بلزوم مصاحبة الثانی للباء وتجرّد الأوّل منه - إنَّما حصل من ناحیة صیغة (أفعل) من هذه المادّة ، کما أنَّ مصاحبة (من) هی مقتضی تلک الصیغة مطلقاً. إذن فمفاد (فلانٌ أَولی بفلان) و (فلانٌ مولی

فلان) واحدٌ ، حیث یراد به الأولی به من غیره ، کما أنَّ (أفعل) بنفسه یستعمل مضافاً إلی المثنّی والجمع أو ضمیرهما بغیر أداة فیقال : زید أفضل الرجلین أو أفضلهما ، وأفضل

القوم أو أفضلهم ، ولا یستعمل کذلک إذا کان ما بعده مفرداً ، فلا یقال : زید أفضل عمرو ، وإنَّما هو أفضل منه ، ولا یرتاب عاقل فی اتّحاد المعنی فی الجمیع ، وهکذا الحال فی بقیّة صیغ (أفعل) کأعلم وأشجع وأحسن وأسمح وأجمل إلی نظائرها.

قال خالد بن عبدالله الأزهری فی باب التفضیل من کتابه التصریح : إنَّ صحّة وقوع المرادف موقع مرادفه إنَّما یکون إذا لم یمنع من ذلک مانعٌ ، وهاهنا منع مانع ، وهو الاستعمال ، فإنَّ اسم التفضیل لا یصاحب من حروف الجرّ إلّا (من) خاصّة ، وقد تُحذَف مع مجرورها للعلم بها نحو (وَالْآخِرَةُ خَیْرٌ وَأَبْقَی)(1).

علی أنَّ ما تشبّث به الرازی یطّرد فی غیر واحد من معانی المولی التی ذکرها هو وغیره ، منها ما اختاره معنیً للحدیث وهو (الناصر) ، فلم یستعمل هو مولی دین الله مکان ناصره ، ولا قال عیسی - علی نبیِّنا وآله وعلیه السلام - : من موالیَّ إلی الله ؟ مکان قوله : (مَنْ أَنصَارِی إِلَی اللَّ-هِ)(2) ، ولا قال الحواریّون : نحن موالی الله ؟ بدل قولهم : (نَحْنُ أَنصَارُ اللَّ-هِ).

ومنها الولیُّ فیقال للمؤمن : هو ولیُّ الله ، ولم یرد من اللغة مولاه ، ویقال : الله ولیُّ المؤمنین ومولاهم ، کما نصَّ به الراغب فی مفرداته(3) (ص 555). 3.

ص: 626


1- الأعلی : 17.
2- الصف : 14.
3- المفردات فی غریب القرآن : ص 533.

وهلمّ معی إلی أحد معانی (المولی) المتّفق علی إثباته وهو المنعم علیه ، فإنّک تجده مخالفاً لأصله فی مصاحبة (علی) فیجب علی الرازی أن یمنعه إلّا أن یقول : إنَّ

مجموع اللفظ وأداته هو معنی المولی لکن ینکمش منه فی الأَولی به لأمر ما دبّره بلیل.

وهذه الحالة مطّردة فی تفسیر الألفاظ والمشتقّات وکثیر من المترادفات علی فرض ثبوت الترادف ، فیقال : أجحف به وجحفه ، أکبّ لوجهه وکبّه الله ، أحرس به وحرسه ، زریت علیه زریاً وأزریت به ، نسأ الله فی أجله وأنسأ أجله ، رفقت به وأرفقته ، خرجت به وأخرجته ، غفلت عنه وأغفلته ، أبذیت القوم وبذوت علیهم ، أشلتُ الحجر وشلتُ به. کما یقال : رأمت الناقة ولدها أی عطفت علیه ، اختتأ له أی خدعه ، صلّی علیه أی دعا له ، خنقته العبرة أی غصّ بالبکاء ، احتنک الجراد الأرض ، وفی القرآن (لَأَحْتَنِکَنَّ ذُرِّیَّتَهُ)(1) ؛ أی أستولی علیها وأستولیَنّ علیهم ، ویقال : استولی علیه ؛ أی غلبه وتمکّن منه ، وکلّها بمعنیً واحد ، ویقال : أجحف فلان بعبده أی کلّفه ما لا یُطاق.

وقال شاه صاحب فی الحدیث : إنَّ (أَولی) فی قوله صلی الله علیه وسلم : «ألستُ أَولی بالمؤمنین من أنفسهم» مشتقٌّ من الولایة بمعنی الحبّ. انتهی. فیقال : أَولی بالمؤمنین ؛ أی أحبّ إلیهم ، ویقال بصر به ونظر إلیه ورآه ، وکلّها واحدٌ.

وأنت تجد هذا الاختلاف یطّرد فی جلّ الألفاظ المترادفة التی جمعها الرمّانی - المتوفّی (384) - فی تألیف مفرد فی (45) صحیفة - طبع مصر (1321) - ولم ینکر أحدٌ من اللغویّین شیئاً من ذلک لمحض اختلاف الکیفیّة فی أداة الصحبة ، کما لم ینکروا بسائر الاختلافات الواردة من الترکیب ، فإنّه یقال : عندی درهمٌ غیر جیّد ، ولم یجُز : عندی درهمٌ إلّا جیِّد ، ویقال : إنَّک عالمٌ ، ولا یقال : إنَّ أنت عالم ، ویدخل (إلی) علی المضمر ، دون حتی مع وحدة المعنی ، ولاحظ (أم) و (أو) فإنّهما للتردید ، ویفرقان فی 2.

ص: 627


1- الإسراء : 62.

الترکیب بأربعة أوجه ، وکذلک هل والهمزة ، فإنّهما للاستفهام ، ویفرقان بعشرة فوارق ، و (أیّان) و (حتی) مع اتِّحادهما فی المعنی یفرقان بثلاث ، و (کم) و (کأیّن)

بمعنیً واحد ، ویفرقان بخمسة ، و (أیّ) و (من) یفرقان بستّة مع اتحادهما ، و (عند)

و (لَدُن) و (لدی) مع وحدة المعنی فیها تفرق بستّة أوجه.

ولعلّ إلی هذا التهافت الواضح فی کلام الرازی أشار نظام الدین النیسابوری فی تفسیره(1) بعد نقل محصّل کلامه إلی قوله : وحینئذٍ یسقط الاستدلال به ، فقال : قلت : فی هذا الإسقاط بحث لا یخفی.

الشبهة عند العلماء

لم تکن هذه الشبهة الرازیّة الداحضة بالتی تخفی علی العرب والعلماء ، لکنّهم عرفوها قبل الرازی وبعده ، وما عرفوها إلّا فی مَدحرة البطلان ، ولذلک تراها لم تزحزحهم عن القول بمجیء (المولی) بمعنی (الأَولی).

قال التفتازانی فی شرح المقاصد(2) (ص 289) ، والقوشجی فی شرح التجرید(3) ولفظهما واحد :

إنَّ المولی قد یراد به المُعتَق والحلیف والجار وابن العمّ والناصر والأَولی بالتصرّف ، قال الله تعالی : (مَأْوَاکُمُ النَّارُ هِیَ مَوْلَاکُمْ) ؛ أی أوَلی بکم ، ذکره أبو عبیدة ، وقال النبیُّ صلی الله علیه وسلم : «أیّما امرأة نُکِحت بغیر إذن مولاها ...» ؛ أی الأَولی بها والمالک لتدبیر أمرها ، ومثله فی الشعر کثیر.

وبالجملة : استعمال (المولی) بمعنی المتولّی والمالک للأمر والأَولی بالتصرّف شائعٌ فی کلام العرب ، منقول عن کثیر من أئمّة اللغة ، والمراد أنَّه اسمٌ لهذا المعنی ، لا أنَّه 7.

ص: 628


1- غرائب القرآن : 27 / 133.
2- شرح المقاصد : 5 / 273.
3- شرح التجرید : ص 477.

صفة بمنزلة الأَولی ؛ لیُعترَض بأنّه لیس من صیغة أفعل التفضیل وأنَّه لا یستعمل استعماله. انتهی.

ذکرا ذلک عند تقریب الاستدلال بالحدیث علی الإمامة ثمّ طفقا یردّانه من شتّی النواحی ، عدا هذه الناحیة ، فأبقیاها مقبولةً عندهما ، کما أنَّ الشریف الجرجانی فی شرح المواقف حذا حذوهما فی القبول ، وزاد بأنّه ردّ بذلک مناقشة القاضی عضد بأنّ (مفعلاً) بمعنی (أفعل) لم یذکره أحدٌ ، فقال :

أُجیب عنه بأنّ المولی بمعنی المتولّی والمالک للأمر والأَولی بالتصرّف شائع فی کلام العرب منقول من أئمّة اللغة ، قال أبو عبیدة : (هِیَ مَوْلَاکُمْ) أی أَولی بکم ، وقال علیه السلام : «أیّما امرأةٍ نُکحت بغیر إذن مولاها ...» ؛ أی الأَولی بها والمالک لتدبیر أمرها(1).انتهی.

وابن حجر فی الصواعق(2) (ص 24) علی تصلّبه فی ردّ الاستدلال بالحدیث سلّم مجیء المولی بمعنی الأَولی بالشیء ، لکنّه ناقش فی متعلّق الأولویّة فی أنَّه هل هی عامّة الأمور ، أو أنَّها الأَولویّة من بعض النواحی ؟ واختار الأخیر ، ونسب فهم هذا المعنی من الحدیث إلی الشیخین أبی بکر وعمر فی قولهما : أمسیت مولی کلِّ مؤمن ومؤمنة ، وحکاه عنه الشیخ عبدالحقّ فی لمعاته ، وکذا حذا حذوه الشیخ شهاب الدین أحمد بن عبدالقادر الشافعی فی ذخیرة المآل ، فقال :

التولّی : الولایة ، وهو الصدیق والناصر ، أو الأولی بالاتّباع والقرب منه ، کقوله تعالی : (إِنَّ أَوْلَی النَّاسِ بِإِبْرَاهِیمَ لَلَّذِینَ اتَّبَعُوهُ)(3) ، وهذا الذی فهمه عمر رضی الله عنه من الحدیث ، فإنّه لمّا سمعه قال : هنیئاً یا ابن أبی طالب أمسیتَ ولیَّ کلِّ مؤمن ومؤمنة.

انتهی.8.

ص: 629


1- حاشیة السیالکوتی علی شرح المواقف : 8 / 361.
2- الصواعق المحرقة : ص 44.
3- آل عمران : 68.

وسبق عن الأنباری فی مشکل القرآن : أنَّ للمولی ثمانیة معانٍ ، أحدها : الأَولی بالشیء ، وحکاه الرازی عنه وعن أبی عبیدة ، فقال فی نهایة العقول :

لا نُسلّم أنَّ کلّ من قال :إنَّ لفظة (المولی) محتملةٌ للأَولی قال بدلالة الحدیث علی إمامة علیٍّ رضی الله عنه. ألیس أنَّ أبا عبیدة وابن الأنباری حکما بأنّ لفظة (المولی) للأَولی مع کونهما قائلین(1) بإمامة أبی بکر رضی الله عنه ؟

ونقل الشریف المرتضی(2) عن أبی العبّاس المبرّد : أنَّ أصل تأویل الولیّ ؛ أی الذی هو أَولی وأحقّ ، ومثله المولی.

وقال أبو نصر الفارابی الجوهری المتوفّی (393) فی صحاح اللغة(3) (2 / 564) مادّة (ولی) فی قول لبید : إنَّه یرید أَولی موضع أن یکون فیه الخوف.

وأبو زکریا الخطیب التبریزی فی شرح دیوان الحماسة(4) (1 / 22) فی قول جعفر بن عُلْبة الحارثی :

ألهفا بقرّی سحبل(5) حین أحلبت

علینا الولایا والعدوّ المباسل ش

عدّ من وجوه معانی المولی الثمانیة(6) الولیّ والأَولی بالشیء ، وعن عمر بن عبدالرحمن الفارسی القزوینی فی کشف الکشّاف فی بیت لبید : أنَّ مولی المخافة ؛ أی أولی وأحری بأن یکون فیه الخوف. وعدّ سبط ابن الجوزی فی التذکرة(7) (ص 19) ذلک من معانی المولی العشرة المستندة إلی علماء العربیّة ، ومثله ابن طلحة الشافعی فی 2.

ص: 630


1- لا یهمّنا ما یرتئیه فی الإمامة ، وإنَّما الغرض تنصیصهما بمعنی اللفظ اللغوی. (المؤلف)
2- الشافی فی الإمامة : 2 / 219.
3- الصحاح : 6 / 2529.
4- شرح دیوان الحماسة : 1 / 9.
5- سحبل : موضع فی دیار بنی الحارث بن کعب. معجم البلدان : 3 / 194.
6- وهی : العبد ، والسیّد ، وابن العمّ ، والصهر ، والجار ، والحلیف ، والولیّ ، والأَولی بالشیء. (المؤلف)
7- تذکرة الخواص : ص 31 - 32.

مطالب السؤول (ص 16) ، وذکر الأَولی فی طلیعة المعانی التی جاء بها الکتاب ، وتبعه الشبلنجی فی نور الأبصار(1) (ص 78) ، وأسند ذلک إلی العلماء ، وقال شارحا المعلّقات السبع - عبدالرحیم بن عبدالکریم(2) ، ورشید النبیّ - فی بیت لبید : إنَّه أراد ب- (ولیّ المخافة) الأَولی بها.

وبذلک کلّه تعرف حال ما أسنده صاحب التحفة الاثنا عشریّة(3) إلی أهل العربیّة قاطبة من إنکار استعمال (المولی) بمعنی الأَولی بالشیء أَوَ یحسبُ الرجل أنَّ من ذکرناهم من أئمّة الأدب الفارسی ؟ أو أنَّهم لم یقفوا علی موارد لغة العرب ، کما

وقف علیها الشاه صاحب الهندی ؟ ولیس الحَکَم فی ذلک إلّا ضمیرک الحرّ.

مضافاً إلی أنَّ إنکار الرازی عدم استعمال (أَولی) مضافاً ، ممنوع علی إطلاقه ؛ لما عرفت من إضافته إلی المثنّی والمجموع ، وجاءت فی السنّة إضافته إلی النکرة ، ففی

صحیح البخاری(4) فی الجزء العاشر (ص 7 ، 9 ، 10 ، 13) بأسانید جمّة قد اتّفق فیها اللفظ عن ابن عبّاس عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قال : «ألحقوا الفرائض بأهلها فما ترکت الفرائض فلأَولی رجل ذکر». ورواه مسلم فی صحیحه(5) (2 / 2) وفیما أخرجه أحمد فی المسند(6) (1 / 313) : «فلأَولی ذکر» ، وفی (ص 325) : «فلأَولی رجل ذکر» ، وفی نهایة ابن الأثیر(7) (2 / 49) : «لأَولی رجل ذکر».

ویعرب عمّا نرتئیه فی حدیث الغدیر ما یماثله فی سیاقه جدّاً عن 9.

ص: 631


1- نور الأبصار : ص 160.
2- شرح المعلّقات السبع : ص 54.
3- التحفة الاثنا عشریّة : ص 209.
4- صحیح البخاری : 6 / 2476 ح 6351 ، ص 2477 ح 6354 ، ص 2478 ح 6356 ، ص 2480 ح 6365.
5- صحیح مسلم : 3 / 425 ح 3 کتاب الفرائض.
6- مسند أحمد : 1 / 515 ح 2857 ، ص 534 ح 2986.
7- النهایة فی غریب الحدیث والأثیر : 5 / 229.

رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «ما من مؤمن إلّا أنا أَولی الناس به فی الدنیا والآخرة ؛ إقرأوا إن شئتم : (النَّبِیُّ أَوْلَی بِالْمُؤْمِنِینَ مِنْ أَنفُسِهِمْ) فأیّما مؤمنٍ ترک مالاً فلْیرثه عصبته من کانوا ، فإن ترک دَیناً أو ضیاعاً فلیأتنی وأنا مولاه». أخرجه البخاری فی صحیحه(1) (7 / 190) ، وأخرجه مسلم فی صحیحه(2) (2 / 4) بلفظ : «إن علی الأرض من مؤمنٍ إلّا أنا أَولی الناس به ، فأیُّکم ما ترک دَیناً أو ضیاعاً فأنا مولاه».

کلمة أخری للرازی

وللرازی کلمة أخری صعّد فیها وصوّب ، فحسب فی کتابه نهایة العقول أنَّ أحداً من أئمّة النحو واللغة لم یذکر مجیء (مفعل) الموضوع للحدثان أو الزمان أو المکان بمعنی (أفعل) الموضوع لإفادة التفضیل. وأنت إذا عرفت ما تلوناه لک من النصوص علی مجیء (مولی) بمعنی الأَولی بالشیء علمت الوهن فی إطلاق ما یقوله هو ومن تبعه ، کالقاضی عضد الإیجی فی المواقف(3) ، وشاه صاحب الهندی فی التحفة

الاثنی عشریّة(4) والکابلی فی الصواقع ، وعبدالحقّ الدهلوی فی لمعاته ، والقاضی سناء الله الپانی پتی فی سیفه المسلول ، وفیهم من بالغ فی النکیر حتی أسند ذلک إلی إنکار أهل العربیة ، وأنت تعلم أنَّ أساس الشبهة من الرازی ولم یسندها إلی غیره ، وقلّده

أولئک عمیً ، مهما وجدوا طعناً فی دلالة الحدیث علی ما ترتئیه الإمامیّة.

أنا لا ألوم القوم علی عدم وقوفهم علی کلمات أهل اللغة واستعمالات العرب لألفاظها ؛ فإنّهم بعداء عن الفنِّ ، بعداء عن العربیّة ، فمن رازیٍّ إلی إیجیٍّ ، ومن هندیٍّ إلی کابلیٍّ ، ومن دهلویٍّ إلی پانی پتیٍّ ، وأین هؤلاء من العرب الأقحاح ؟ وأین هم من 9.

ص: 632


1- صحیح البخاری : 4 / 1795 ح 4503.
2- صحیح مسلم : 3 / 430 ح 15 کتاب الفرائض.
3- المواقف : ص 405.
4- التحفة الاثنا عشریة : ص 209.

العربیة ؟ نعم حَنَّ قِدحٌ لیس منها(1) ، وإذا اختلط الحابل بالنابل طَفِق یحکّم فی لغة العرب من لیس منها فی حِلٍّ ولا مرتَحَلٍ.

إذا ما فُصِّلتْ علیا قریشٍ

فلا فی العِیرِ أنت ولا النفیر

أوَما کان الذین نصّوا بأنّ لفظ (المولی) قد یأتی بمعنی الأَولی بالشیء أعرف بمواقع اللغة من هذا الذی یخبط فیها خبط عشواء ؟ کیف لا ؟ وفیهم من هو من مصادر اللغة ، وأئمّة الأدب ، وحُذّاق العربیّة ، وهم مراجع التفسیر ، أولیس فی مصارحتهم هذه حجّة قاطعة علی أنَّ (مَفعلاً) یأتی بمعنی (أفعل) فی الجملة ؟ إذن فما المبرِّر لذلک الإنکار المطلق ؟ نعم ، لأمرٍ ما جَدَعَ قَصیرٌ أنفَه !

وحَسبُ الرازی مبتدع هذه السفسطة قولُ أبی الولید بن الشُّحنة الحنفی الحلبی فی روض المناظر(2) فی حوادث سنة ستّ وستّمائة : من أنَّ الرازی کانت له الید الطولی فی العلوم خلا العربیّة ، وقال أبو حیّان فی تفسیره (4 / 149) بعد نقل کلام الرازی : إنَّ تفسیره خارجٌ عن مناحی کلام العرب ومقاصدها ، وهو فی أکثره شبیهٌ بکلام الذین یُسمّون أنفسهم حکماء.

وقال الشوکانی فی تفسیره(3) (4 / 163) فی قوله تعالی : (لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِینَ) القصص : 25 :

وللرازی فی هذا الموضع إشکالات باردة جدّاً لا تستحقّ أن تُذکر فی تفسیر کلام الله عزوجل ، والجواب علیها یظهر للمقصّر فضلاً عن الکامل.

ثمّ إنَّ الدلالة علی الزمان والمکان فی (مَفعل) کالدلالة علی التفضیل فی (أفعل) 8.

ص: 633


1- مثل یُضرَب لمن یتمدّح بما لا یوجد فیه. مجمع الأمثال : 1 / 341 رقم 1018.
2- روض المناظر : 2 / 199.
3- فتح القدیر : 4 / 168.

وکخاصّة کلٍّ من المشتقّات من عوارض الهیئات لا من جوهریّات الموادّ ، وذلک أمر غالبیّ یُسار معه علی القیاس ما لم یرد خلافه عن العرب ، وأمّا عند ذلک فإنّهم المحکّمون فی معانی ألفاظهم ، ولو صفا للرازی اختصاص (المولی) بالحدثان أو الواقع

منه فی الزمان أو المکان لوجب علیه أن ینکر مجیئه بمعنی الفاعل والمفعول وفعیل ، وها هو یصرّح بإتیانه بمعنی الناصر والمعتِق - بالکسر - والمعتَق - بالفتح - والحلیف.

وقد صافقه علی ذلک جمیع أهل العربیّة وَهَتَفَ الکلُّ بمجیء (المولی) بمعنی الولیّ ، وذکر غیر واحد من معانیه : الشریک ، والقریب ، والمحبّ ، والعتیق ، والعقید ، والمالک ، والملیک. علی أنَّ من یذکر الأَولی فی معانی المولی ، وهم الجماهیر ممن یُحتجُّ بأقوالهم ، لا یعنون أنَّه صفة له حتی یناقش بأنّ معنی التفضیل خارج عن مفاد (المولی) مزیدٌ

علیه فلا یتّفقان ، وإنَّما یریدون أنَّه اسم لذلک المعنی ، إذن فلا شیء یفتُّ فی عضدهم.

وهبْ أنَّ الرازی ومن لفّ لفّه لم یقفوا علی نظیر هذا الاستعمال فی غیر المولی ، فإنّ ذلک لا یوجب إنکاره فیه بعد ما عرفته من النصوص ، فکم فی لغة العرب من استعمال مخصوص بمادّة واحدة ، فمنها : کلمة (عجاف) جمع (أعجف) ، فلم یجمع أفعل علی فِعال إلّا فی هذه المادّة کما نصّ علیه الجوهری فی الصحاح(1) ، والرازی نفسه فی التفسیر(2) ، والسیوطی فی المزهر(3) (2 / 63) ، وقد جاء بالقرآن الکریم : (وَقَالَ الْمَلِکُ إِنِّی أَرَی سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ یَأْکُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ) سورة یوسف : 43. ومنه شعر العرب فی مدح سیِّد مضر هاشم بن عبدمناف.

عمرو العُلی هشم الثریدَ لقومه

ورجالُ مکّةَ مُسنتونَ عِجافُ

ومنها : أنَّ ما کان علی فعَلتُ - مفتوح العین - من ذوات التضعیف متعدِّیاً مثل 6.

ص: 634


1- الصحاح : 4 / 1399.
2- التفسیر الکبیر : 18 / 147.
3- المزهر فی علوم اللغة : 2 / 116.

(رددت وعددت) یکون المضارع منه مضموم العین إلّا ثلاثة أحرف تأتی مضمومة ومکسورة وهی : شدّ ، ونمّ ، وعلّ ، وزاد بعضٌ : بثّ. أدب الکاتب(1) (ص 361).

ومنها : أنَّ ضمیر المثنّی والمجموع لا یظهر فی شیء من أسماء الأفعال ک- (صه ومه) إلّا : (ها) بمعنی خذ فیقال : هاؤما ، وهاؤم ، وهاؤنّ ، وفی الذکر الحکیم قوله سبحانه : (هَاؤُمُ اقْرَءُوا کِتَابِیَهْ)(2). راجع التذکرة لابن هشام ، والأشباه والنظائر للسیوطی(3).

ومنها : أنَّ القیاس المطّرد فی مصدر تَفَاعَل هو التفاعُل بضمِّ العین إلّا فی مادّة التفاوت ، فذکر الجوهری فیها ضمّ الواو أوّلاً ، ثمّ نقل عن ابن السکِّیت عن الکلابیّین فتحه ، وعن العنبری کسره ، وحُکی عن أبی زید الفتح والکسر ، کما فی أدب الکاتب(4) (ص 593) ، ونقل السیوطی فی المزهر(5) (2 / 39) : الحرکات الثلاث.

ومنها : أنَّ المطّرد فی مضارع (فَعَلَ) - بفتح العین - الذی مضارعه (یفعِل) - بکسره - أنَّه لا یستعمل مضموم العین إلّا فی (وجَد) ، فإنّ العامریّین ضمّوا عینه ، کما فی الصحاح(6) ، وقال شاعرهم لبید :

لو شئتِ قد نَقَعَ الفؤاد بشربةٍ

فدعِ الصوادیَ لا یجُدنَ غلیلا(7)3.

ص: 635


1- أدب الکاتب : ص 369.
2- الحاقّة : 19.
3- الأشباه والنظائر فی النحو : 2 / 113.
4- أدب الکاتب : ص 510.
5- المُزهر فی علوم اللغة : 2 / 81.
6- الصحاح : 2 / 547.
7- البیت لجریر ولیس للبید . وهو الثانی من قصیدة له مطلعها : لم أَرَ مثلَکِ یا أُمام خلیلا أنأی بحاجتنا وأحسن قیلا راجع دیوان جریر رقم القصیدة 213.

وصرّح به ابن قتیبة فی أدب الکاتب(1) (ص 361) ، والفیروزآبادی فی القاموس(2) (1 / 343).

وفی المزهر(3) (2 / 49) عن ابن خالویه فی شرح الدریدیّة أنَّه قال : لیس فی کلام العرب فَعَل یفعُل ممّا فاؤه واو إلّا حرفٌ واحد وَجَدَ یَجُدُ.

ومنها : أنَّ اسم الفاعل من (أفعل) لم یأتِ علی فاعل إلّا (أبقل) ، و (أورس) ، و (أیفع) فیقال : (أَیْقَل الموضع فهو یاقل) و (أوْرسَ الشجر فهو وارس) و (أیفعَ الغلام فهو یافع) کذا فی المزهر(4) (2 / 40) ، وفی الصحاح(5) : بلد عاشب ولا یقال فی ماضیه

إلّا : أعشبت الأرض.

ومنها : أنَّ اسم المفعول من أفعل لم یأتِ علی فاعل إلّا فی حرف واحد ، وهو قول العرب : أسأمت الماشیة فی المرعی فهی سائمة. ولم یقولوا : مُسئمة. قال تعالی : (فِیهِ تُسِیمُونَ)(6) من أسام یسیم. ذکره السیوطی فی المزهر(7) (2 / 47).

وتجد کثیراً من أمثال هذه من النوادر فی المخصّص لابن سیدة ، ولسان العرب ، وذکر السیوطی فی المزهر (ج 2) منها أربعین صحیفة.

جواب الرازی عمّا أثبتناه

هناک للرازی جوابٌ عن هذه کلِّها یکشف عن سوأة نفسه ، قال فی نهایة العقول : 8.

ص: 636


1- أدب الکاتب : ص 369.
2- القاموس المحیط : ص 413.
3- المزهر : 2 / 93.
4- المصدر السابق : 2 / 76.
5- الصحاح : 1 / 182.
6- النحل : 10.
7- المزهر : 2 / 88.

وأمّا الذی نقلوا عن أئمّة اللغة : من أنَّ (المولی) بمعنی الأَولی ، فلا حجّة لهم ؛ إذ

أمثال هذا النقل لا یصلح أن یحتجَّ به فی إثبات اللغة ، فنقول : إنَّ أبا عبیدة وإن قال فی قوله تعالی : (مَأْوَاکُمُ النَّارُ هِیَ مَوْلَاکُمْ) ؛ معناه هی أولی بکم ، وذکر هذا - أیضاً - الأخفش ، والزجّاج ، وعلیّ بن عیسی ، واستشهدوا ببیت لبید ، ولکن ذلک تساهل من هؤلاء الأئمّة ، لا تحقیق ؛ لأنّ الأکابر من النقلة مثل الخلیل وأضرابه لم یذکروه إلّا فی تفسیر هذه الآیة أو آیة أخری مرسلاً غیر مسند ، ولم یذکروه فی الکتب الأصلیّة من اللغة. انتهی.

لیت شعری من ذا الذی أخبر الرازی أنَّ ذلک تساهل من هؤلاء الأئمّة لا تحقیق ؟ وهل یطّرد عنده قوله فی کلِّ ما نقل عنهم من المعانی اللغویّة ، أو أنَّ له مع لفظ (المولی) حساباً آخر ؟ وهل علی اللغویِّ إذا أثبت معنیً إلّا الاستشهاد ببیت للعرب ، أو آیة من القرآن الکریم ؟ وقد فعلوه.

وکیف اتخذ عدم ذکر الخلیل وأضرابه حجّةً علی التسامح ، بعد بیان نقله عن أئمّة اللغة ؟ ولیس من شرط اللغة أن یکون المعنی مذکوراً فی جمیع الکتب ، وهل الرازی یقتصر فیها علی کتاب العین وأضرابه ؟

ومن ذا الذی شرط فی نقل اللغة عنعنة الإسناد ؟ وهل هو إلّا رکونٌ إلی بیت شعر ، أو آیة کریمة ، أو سنّة ثابتة ، أو استعمال مسموع ؟ وهل یجد الرازی خیراً من

هؤلاء لتلقّی هاتیک کلِّها ؟ وما باله لا یقول مثل قوله هنا إذا جاءه أحد من القوم بمعنیً من المعانی العربیّة ؟ أقول : لأنّ له فی المقام مرمیً لا یعدوه.

وهل یشترط الرجل فی ثبوت المعنی اللغویِّ وجوده فی المعاجم اللغویّة فحسب ؟ بحیث لا یقیم له وزناً إذا ذُکر فی تفسیر آیة ، أو معنی حدیث ، أو حلّ بیت

من الشعر ، ونحن نری العلماء یعتمدون فی اللغة علی قول أیِّ ضلیع فی العربیّة حتی

ص: 637

الجاریة الأعرابیّة(1) ، ولا یشترط عند الأکثر بشیء من الإیمان والعدالة والبلوغ ، فهذا القسطلانی یقول فی شرح البخاری(2) (7 / 75) : قول الشافعی نفسه حجّة فی اللغة. وقال السیوطی فی المزهر(3) (1 / 77) : حُکم نقل واحد من أهل اللغة القبول. وحکی فی (ص 83) عن الأنباری قبول نقل العدل الواحد ، ولا یشترط أن یوافقه غیره فی النقل ، وفی (ص 87) بقول شیخ أو عربیّ یثبت اللغة ، وحکی فی (ص 27) عن الخصائص لابن جنّی قوله :

من قال : إنَّ اللغة لا تُعرف إلّا نقلاً فقد أخطأ ، فإنّها قد تعلم بالقرائن أیضاً ،

فإنّ الرجل إذا سمع قول الشاعر :

قومٌ إذا الشرُّ أبدی ناجذیهِ لهمْ

طاروا إلیه زُرافاتٍ ووُحدانا

یعلم أنَّ الزرافات بمعنی الجماعات.

وذکر أیضاً ثبوت اللغة بالقرینة وبقول شاعر عربیّ ، فهذه المصادر کلّها موجودةٌ فی لفظ (المولی) غیر أنَّ الرازی لا یعلم أنَّ اللغة بماذا تثبت ، ولذلک تراه یتلجلج ویُرعد ویُبرق من غیر جدوی أو عائدة ، ولا أحسبه یحیرُ جواباً عن واحد من الأسئلة التی وجّهناها إلیه.

وکأنّه فی احتجاجه بخلوِّ کتاب العین عن ذلک نسی أو تناسی ما لهج به فی المحصول(4) من إطباق الجمهور من أهل اللغة علی القدح فی کتاب العین کما نقله عنه السیوطی فی المزهر(5) (2 / 47 ، 48). 9.

ص: 638


1- راجع المزهر : 1 / 83 ، 84 [1 / 139]. (المؤلف)
2- إرشاد الساری : 10 / 157.
3- المزهر : 1 / 129 ، 138 ، 144 ، 59.
4- المحصول فی علم الأصول : 1 / 195.
5- المزهر : 1 / 79.

وأنا لا أدری ما المراد من الکتب الأصلیّة من اللغة ؟ ومن الذی خصّ هذا الاسم بالمعاجم التی یقصد فیها سرد الألفاظ وتطبیقها علی معانیها فی مقام الحجّیّة ، وأخرج عنها ما أُلِّف فی غریب القرآن أو الحدیث أو الأدب العربی ؟

وهل نیّة أَرباب المعاجم دخیلة فی صحة الاحتجاج بها ، أو أنَّ لغةَ أرباب الکتب وتضلّعهم فی الفنّ وتحرِّیهم موارد استعمال العرب هی التی تکسبها الحجّیّة ؟

وهذه کلّها موجودة فی کتب الأئمّة والأعلام الذین نُقل عنهم مجیء (المولی) بمعنی (الأَولی).

مفعل بمعنی فعیل

هلمّ معی إلی صخبٍ وهیاجٍ تهجّم بهما علی العربیّة - ومن العزیز علی العروبة والعرب ذلک - الشاه ولیُّ الله صاحب الهندی فی تحفته الاثنی عشریة(1) ، فحسب فی ردّ دلالة الحدیث أنَّها لا تتمّ إلّا بمجیء (المولی) بمعنی (الولیّ) وأنَّ (مَفعلاً) لم یأت بمعنی (فعیل) یرید به دحض ما نصّ علیه أهل اللغة من مجیء (المولی) بمعنی (الولیّ)

الذی یراد به ولیّ الأمر کما [جاء] ولیّ المرأة ، وولیّ الیتیم ، وولیّ العبد ، وولایة

السلطان ، وولیّ العهد لمن یقیِّضه الملک عاهل مملکته بعده.

نعم عزب عن الدهلوی قول الفرّاء المتوفّی (207) فی معانی القرآن(2) وأبی العبّاس المبرّد : بأنّ الولیّ والمولی فی لغة العرب واحد ، وذهل عن إطباق أئمّة اللغة علی هذا ، وعدِّهم الولیّ من معانی المولی فی معاجم اللغة وغیرها ، کما فی مشکل القرآن للأنباری ، والکشف والبیان(3) للثعلبی فی قوله تعالی : (أَنتَ مَوْلَانَا)(4) ، 6.

ص: 639


1- التحفة الاثنا عشریة : ص 209.
2- معانی القرآن : 2 / 161.
3- الکشف والبیان : الورقة 92 سورة البقرة : آیة 286.
4- البقرة : 286.

الصحاح للجوهری(1) (2 / 564) ، وغریب القرآن للسجستانی(2) (ص 154) ، وقاموس الفیروزآبادی(3) (4 / 401) ، والوسیط للواحدی ، وتفسیر القرطبی(4) (3 / 431) ، ونهایة ابن الأثیر(5) (4 / 246) وقال : ومنه قول عمر لعلیّ : أصبحتَ مولی کلِّ مؤمن ، وتاج العروس (10 / 399) ، واستشهد بقوله تعالی : (بِأَنَّ اللَّ-هَ مَوْلَی الَّذِینَ آمَنُوا وَأَنَّ الْکَافِرِینَ لَا مَوْلَی لَهُمْ)(6) ، وبقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «وَأیُّما امرأة نُکحت بغیر إذن مولاها ...» ، وبحدیث الغدیر : «من کنتُ مولاه فعلیٌّ مولاه»(7).

نظرة فی معانی المولی

ذکر علماء اللغة من معانی المولی السیّد غیر المالک والمعتق ، کما ذکروا من معانی الولیِّ الأمیر والسلطان ، مع إطباقهم علی اتّحاد معنی الولیّ والمولی ، وکلٌّ من المعنیین لا یبارح معنی الأولویّة بالأمر ، فالأمیر أولی من الرعیّة فی تخطیط الأنظمة الراجعة إلی جامعتهم ، وبإجراء الطقوس المتکفِّلة لتهذیب أفرادهم ، وکبح عادیة کلٍّ منهم عن الآخر ، وکذلک السیِّد أولی ممّن یسوده بالتصرّف فی شؤونهم ، وتختلف دائرة هذین الوصفین سعةً وضیقاً باختلاف مقادیر الإمارة والسیادة ، فهی فی والی المدینة أوسع منها فی رؤساء الدواوین ، وأوسع من ذلک فی ولاة الأقطار ، ویفوق الجمیع ما فی الملوک والسلاطین ، ومنتهی السعة فی نبیٍّ مبعوث علی العالم کلّه وخلیفةٍ یخلفُهُ علی ما جاء به من نوامیس وطقوس. ف)

ص: 640


1- الصحاح : 6 / 2529.
2- غریب القرآن : ص 311.
3- القاموس المحیط : ص 1732.
4- الجامع لأحکام القرآن : 16 / 155.
5- النهایة فی غریب الحدیث والأثر : 5 / 228.
6- محمد : 11.
7- لا یسعنا ذکر المصادر کلّها أو جلّها لکثرتها جدّاً ولا یهمّنا مثل هذا التافه. (المؤلف)

ونحن إذا غاضینا القوم علی مجیء (الأَولی) بالشیء من معانی (المولی) فلا نغاضیهم علی مجیئه بهذین المعنیین ، وأنَّه لا ینطبق فی الحدیث إلّا علی أرقی المعانی وأوسع الدوائر ، بعد أن علمنا أنَّ شیئاً من معانی (المولی) المنتهیة إلی سبعة وعشرین معنیً لا یمکن إرادته فی الحدیث إلّا ما یطابقهما من المعانی ، ألا وهی :

1 - الربّ ، 2 - العمّ ، 3 - ابن العمّ ، 4 - الابن ، 5 - ابن الأُخت ، 6 - المعتِق ، 7 - المعتَق ، 8 - العبد ، 9 - المالک(1) ، 10 - التابع ، 11 - المنعَم علیه ، 12 - الشریک ، 13 - الحلیف ، 14 - الصاحب ، 15 - الجار ، 16 - النزیل ، 17 - الصهر ، 18 - القریب ، 19 - المنعِم ، 20 - العقید ، 21 - الولیّ ، 22 - الأَولی بالشیء ، 23 - السیّد غیر المالک والمعتِق ، 24 - المحبّ ، 25 - الناصر ، 26 - المتصرِّف فی الأمر ، 27 - المتولّی فی الأمر.

فالمعنی الأوّل یلزم من إرادته الکفر ؛ إذ لا ربّ للعالمین سوی الله.

وأمّا الثانی والثالث إلی الرابع عشر فیلزم من إرادة شیء منها فی الحدیث الکذب ، فإنّ النبیّ عمُّ أولاد أخیه إن کان له أخ ، وأمیر المؤمنین ابن عمّ أبیهم ، وهو صلی الله علیه وآله وسلم ابن عبدالله ، وأمیر المؤمنین ابن أخیه أبی طالب ، ومن الواضح اختلاف أُمّهما فی النسب فخُؤولة کلّ منهما غیر خؤولة الآخر ، فلیس هو علیه السلام بابن أُخت لمن کان صلی الله علیه وآله وسلم ابن أُخته. وأنت جدُّ علیم بأنّ من أعتقه رسول الله لم یُعتقه أمیر المؤمنین مرّةً أخری ، وأنَّ کلّاً منهما سیِّد الأحرار من الأوّلین والآخرین ، فلم یکونا معتَقین لأیّ ابن أنثی ، واعطف علیه العبد فی السخافة والشناعة.

ومن المعلوم أنَّ الوصیّ - صلوات الله علیه - لم یملک ممالیک رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، فلا یمکن إرادة المالک منه. ف)

ص: 641


1- فی صحیح البخاری : 7 / 57 [4 / 1671] : الملیک. وقال القسطلانی فی شرح الصحیح : 7 / 77 [10 / 160] : المولی الملیک ؛ لأنّه یلی أمور الناس. وشرحه کذلک أبو محمد العینی فی عمدة القاری [18 / 170] ، وکذا قال لفظیّاً العدوی الحمزاوی فی النور الساری [7 / 57]. (المؤلف)

ولم یکن النبیّ تابعاً لأیّ أحد غیر مُرسله جلّت عظمته ، فلا معنی لهتافه بین الملأ بأنّ من هو تابعه فَعلیٌّ تابعٌ له.

ولم یکن علی رسول الله لأیِّ أحد من نعمة ، بل له المِنن والنعم علی الناس أجمعین ، فلا یستقیم المعنی بإرادة المنعَم علیه.

وما کان النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم یشارک أحداً فی تجارة أو غیرها حتی یکون وصیّه مشارکاً له أیضاً ، علی أنَّه معدود من التافهات إن تحقّقت هناک شراکة ، وتجارته لأُمّ المؤمنین خدیجة قبل البعثة کانت عملاً لها لا شراکة معها ، ولو سلّمناها فالوصیّ - سلام الله علیه - لم یکن معه فی سفره ، ولا له دخلٌ فی تجارته.

ولم یکن نبیُّ العظمة محالفاً لأحد لیعتزَّ به ، وإنَّما العزّة لله ولرسوله وللمؤمنین ، وقد اعتزّ به المسلمون أجمع ، إذن فکیف یمکن قصده فی المقام ؟ وعلی فرض ثبوته فلا

ملازمة بینهما.

وأمّا الصاحب والجار والنزیل والصهر والقریب سواء أُرید منه قُربی الرحم أو قرب المکان فلا یمکن إرادة شیء من هذه المعانی لسخافتها ، لا سیّما فی ذلک المحتشد

الرهیب فی أثناء المسیر ، ورمضاء الهجیر ، وقد أمر صلی الله علیه وآله وسلم بحبس المقدّم فی السیر ، ومنع التالی منه فی محلّ لیس بمنزل له ، غیر أنَّ الوحیَ الإلهیّ - المشفوع بما یشبه التهدید إن لم یبلِّغ - حبَسه هنالک ، فیکون صلی الله علیه وآله وسلم قد عقد هذا المحتفَل والناس قد أنهکهم وعثاء السفر ، وحرُّ الهجیر ، وحراجةُ الموقف حتی إنَّ أحدهم لَیضع رداءه تحت قدمیه ، فیرقی هنالک منبر الأحداج(1) ، ویُعلمهم عن الله تعالی أنَّ نفسه نُعِیت إلیه ، وهو مهتمٌّ بتبلیغ أمر یخاف فوات وقته بانتهاء أیّامه ، وأنَّ له الأهمّیة الکبری فی الدین والدنیا ، فیخبرهم عن ربِّه بأمور لیس للإشادة بها أیّ قیمة ، وهی أنَّ من کان هو صلی الله علیه وآله وسلم مصطحباً أو جاراً أو مصاهراً له أو نزیلاً عنده أو قریباً منه بأیّ المعنیین فعلیٌّ کذلک ، ا.

ص: 642


1- الأحداج : الإبل برحلها.

لا ها الله لا نحتمل هذا فی أحد من أهل الحلوم الخائرة ، والعقلیّات الضعیفة ، فضلاً عن العقل الأوّل ، والإنسان الکامل نبیّ الحکمة ، وخطیب البلاغة ، فمن الإفک الشائن أن یُعزی إلی نبیّ الإسلام إرادة شیء منها ، وعلی تقدیر إرادة شیء منها فأی فضیلةٍ فیها لأمیر المؤمنین علیه السلام حتی یُبَخْبَخ(1) ویُهنَّأ بها ، ویفضّلها سعد بن أبی وقّاص فی حدیثه(2) علی حُمر النَّعَم لو کانت ، أو تکون أحبّ إلیه من الدنیا وما فیها ، عمّر فیها مثل عمر نوح.

وأمّا المُنعِم : فلا ملازمة فی أن یکون کلُّ من أنعم علیه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یکون أمیر المؤمنین علیه السلام مُنعِماً علیه أیضاً بل من الضروریِّ خلافه ، إلّا أن یراد أنَّ من کان النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم منعماً علیه بالدین والهدی والتهذیب والإرشاد والعزّة فی الدنیا والنجاة فی الآخرة فعلیّ علیه السلام منعِمٌ علیه بذلک کلِّه ؛ لأنّه القائم مقامه ، والصادع عنه ، وحافظ شرعه ، ومبلِّغ دینه ، ولذلک أکمل الله به الدین ، وأتمّ النعمة بذلک الهتاف المبین ، فهو - حینئذٍ - لا یبارح معنی الإمامة الذی نتحرّاه ، ویساوق المعانی التی نحاول إثباتها

فحسب.

وأمّا العقید : فلا بدّ أن یراد به المعاقدة والمعاهدة مع بعض القبائل للمهادنة أو النصرة فلا معنی لکون أمیر المؤمنین علیه السلام کذلک إلّا أنَّه تبعٌ له فی کلِّ أفعاله وتروکه ، فیساوقه حینئذٍ المسلمون أجمع ، ولا معنی لتخصیصه بالذکر مع ذلک الاهتمام الموصوف ، إلّا أن یُراد أنَّ لعلیٍّ علیه السلام دخلاً فی تلک المعاهدات التی عقدها رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لتنظیم السلطنة الإسلامیّة ، وکلاءة الدولة عن التلاشی بالقلاقل والحرج ، فله التدخّل فیها کنفسه صلی الله علیه وآله وسلم وإن أمکن إرادة معاقدة الأوصاف والفضائل ، کما یقال : عقید الکرم ، وعقید الفضل ؛ أی کریم وفاضل ، ولو بتمحّل لا یقبله الذوق العربیّ ، ف)

ص: 643


1- أی یقال له : بخٍ بخٍ .
2- راجع ص 38 - 41.(المؤلف)

فیقصد أنَّ من کنتُ عقید الفضائل عنده فلیعتقد فی علیٍّ مثله ، فهو والحالة هذه مقارب لما نرتئیه من المعنی ، وأقرب المعانی أن یراد به العهود التی عاهدها صلی الله علیه وآله وسلم مع من بایعه من المسلمین علی اعتناق دینه ، والسعی وراء صالحه ، والذبّ عنه ، فلا مانع أن یراد من اللفظ والحالة هذه ، فإنّه عبارة أخری عن أن یقول : إنَّه خلیفتی والإمام من بعدی.

المُحبّ والناصر

علی فرض إرادة هذین المعنیین لا یخلو إمّا أن یُراد بالکلام حث الناس علی محبّته ونصرته بما أنَّه من المؤمنین به والذابّین عنه ، أو أمْرُه علیه السلام بمحبّتهم ونصرتهم. وعلی کلٍّ فالجملة إمّا إخباریّة أو إنشائیّة.

فالاحتمال الأوّل وهو الإخبار بوجوب حبِّه علی المؤمنین فممّا لا طائل تحته ، ولیس بأمر مجهول عندهم لم یسبقه التبلیغ حتی یؤمر به فی تلک الساعة ویناط التوانی

عنه بعدم تبلیغ شیء من الرسالة کما فی نصِّ الذکر الحکیم ، فیحبس له الجماهیر ، ویعقد له ذلک المنتدی الرهیب ، فی موقف حرج لا قرار به ، ثمّ یکمل به الدین ، وتتمّ

به النعمة ، ویرضی الربّ ، کأنّه قد أتی بشیء جدید ، وشرّع ما لم یکن وما لایعلمه

المسلمون ، ثمّ یهنِّئه من هنّأه بأصبحت مولای ومولی کلِّ مؤمن ومؤمنة ، مؤذناً بحدوث أمر عظیم فیه لم یعلمه القائل قبل ذلک الحین ، کیف ؟ وهم یتلون فی آناء اللیل وأطراف النهار قوله سبحانه : (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِیَاءُ بَعْضٍ)(1) ، وقوله تعالی : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)(2) مشعراً بلزوم التوادد بینهم کما یکون بین الأخوین ، نُجلّ نبیّنا الأعظم عن تبلیغ تافه مثله ، ونُقدِّس إلهنا الحکیم عن عبث یشبهه.0.

ص: 644


1- التوبة : 71.
2- الحجرات : 10.

والثانی : وهو إنشاء وجوب حبّه ونصرته بقوله ذلک ، وهو لا یقلُّ عن المحتمل الأوّل فی التفاهة ، فإنّه لم یکن هناک أمرٌ لم یُنشأ وحکمٌ لم یُشرّع حتی یحتاج إلی بیانه الإنشائی کما عرفت ، علی أنَّ حقّ المقام علی هذین الوجهین أن یقول صلی الله علیه وآله وسلم : من کان مولای فهو مولی علیٍّ أی محبّه وناصره ، فهذان الاحتمالان خارجان عن مفاد اللفظ ،

ولعلّ سبط ابن الجوزی نظر إلی هذا المعنی ، وقال فی تذکرته(1) (ص 19) : لم یجز حمل لفظ المولی فی هذا الحدیث علی الناصر. وسیأتی لفظه بتمامه.

علی أنَّ وجوب المحبّة والمناصرة علی هذین الوجهین غیر مختصّ بأمیر المؤمنین علیه السلام وإنَّما هو شرع سواء بین المسلمین أجمع ، فما وجه تخصیصه به والاهتمام بأمره ؟ وإن أُرید محبّة أو نصرة مخصوصة له تربو علی درجة الرعیّة کوجوب المتابعة ، وامتثال الأوامر ، والتسلیم له ، فهو معنی الحجّیة والإمامة ، لاسیّما بعد مقارنتها بما هو مثلها فی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم بقوله : «من کنت مولاه» ، والتفکیک بینهما فی سیاق واحد إبطال للکلام.

والثالث : وهو إخباره بوجوب حبّهم أو نصرتهم علیه ، فکان الواجب - عندئذٍ - إخباره صلی الله علیه وآله وسلم علیّاً والتأکید علیه بذلک ، لا إلقاء القول به علی السامعین ، وکذلک إنشاء الوجوب علیه وهو المحتمل الرابع ، فکان صلی الله علیه وآله وسلم فی غنیً عن ذلک الاهتمام وإلقاء الخطبة واستسماع الناس والمناشدة فی التبلیغ ، إلّا أن یرید جلب عواطف الملأ وتشدید حبّهم له علیه السلام إذا علموا أنَّه محبّهم أو ناصرهم لیتّبعوه ، ولا یُخالفوا له أمراً ، ولا یردّوا له قولاً.

وبتصدیره صلی الله علیه وآله وسلم الکلام بقوله : «من کنت مولاه» نعلم أنَّه علی هذا التقدیر لا یُرید من المحبّة أو النصرة إلّا ما هو علی الحدّ الذی فیه صلی الله علیه وآله وسلم منهما ، فإنّ حبّه ونصرته لأُمّته لیس کمثلهما فی أفراد المؤمنین ، وإنَّما هو صلی الله علیه وآله وسلم یحبّ أُمّته فینصرهم ، بما أنَّه زعیم 2.

ص: 645


1- تذکرة الخواص : ص 32.

دینهم ودنیاهم ، ومالک أمرهم وکالئ حوزتهم ، وحافظ کیانهم ، وأولی بهم من أنفسهم ، فإنّه لو لم یفعل بهم ذلک لأجفلتهم الذئاب العادیة ، وانتَأَشتْهم(1) الوحوش الکواسر ، ومُدّت إلیهم الأیدی من کلِّ صَوب وحَدب ، فمن غارات تُشَنّ ، وأموال تُباح ، ونفوس تُزهَق ، وحُرمات تُهتَک ، فینتقض غرض المولی من بثِّ الدعوة ، وبسط أدیم الدین ، ورفع کلمة الله العلیا ، بتفرّق هاتیک الجامعة ، فمن کان فی المحبّة والنصرة علی هذا الحدّ فهو خلیفة الله فی أرضه وخلیفة رسوله ، والمعنی علی هذا الفرض لا یحتمل غیر ما قلناه.

المعانی التی یمکن إرادتها من الحدیث

لم یبقَ من المعانی إلّا الولیّ والأَولی بالشیء والسیِّد - غیر قسیمیه : المالک والمُعتِق - والمتصرِّف فی الأمر ومتولّیه.

أمّا الولیّ فیجب أن یراد منه خصوص ما یراد فی (الأَولی) لعدم صحّة بقیّة المعانی کما عرّفناکه ، وأمّا السیّد(2) بالمعنی المذکور فلا یبارح معنی الأَولی بالشیء ؛ لأنّه المتقدّم علی غیره ، لا سیّما فی کلمة یصف بها النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم نفسه ، ثمّ ابن عمِّه علی حذو ذلک ، فمن المستحیل حمله علی سیادة حصل علیها السائد بالتغلّب والظلم ، وإنَّما

هی سیادة دینیّة عامّة یجب اتِّباعها علی المسُودین أجمع.

وکذلک المتصرِّف فی الأمر ، ذکره الرازی فی تفسیره(3) (6 / 210) عن القفّال عند قوله تعالی : (وَاعْتَصِمُوا بِاللَّ-هِ هُوَ مَوْلَاکُمْ) الحج [78] : فقال : قال القفّال : هو مولاکم ، سیّدکم والمتصرّف فیکم. وذکرهما سعید الچلبی مفتی الروم وشهاب الدین 4.

ص: 646


1- انتأشتهم : انتزعتهم.
2- عدّه من معانی المولی جمع کثیر من أئمّة التفسیر والحدیث واللغة ، لا یُستهان بعدّتهم. (المؤلف)
3- التفسیر الکبیر : 23 / 74.

أحمد الخفاجی فی تعلیقیهما علی البیضاوی ، وعدّه فی الصواعق(1) (ص 25) من معانیه الحقیقیّة ، وحذا حذوه کمال الدین الجهرمی فی ترجمة الصواعق ، ومحمد بن عبدالرسول البرزنجیّ فی النواقض(2) ، والشیخ عبدالحقّ فی لمعاته ، فلا یمکن فی المقام إلّا أن یُراد به المتصرِّف الذی قیّضه الله سبحانه لأن یُتّبع ، فیحدو البشر إلی سَنن النجاح فهو أَولی من غیره بأنحاء التصرّف فی الجامعة الإنسانیة ، فلیس هو إلّا نبیّاً مبعوثاً ، أو إماماً مفترض الطاعة منصوصاً به من قِبَله بأمر إلهیّ لا یبارحه فی أقواله وأفعاله ، (وَمَا یَنطِقُ عَنِ الْهَوَی * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْیٌ یُوحَی)(3).

وکذلک متولّی الأمر الذی عدّه من معانی المولی أبو العبّاس المبرّد ، قال فی قوله : (بِأَنَّ اللَّ-هَ مَوْلَی الَّذِینَ آمَنُوا)(4) : والولیُّ والمولی معناهما سواء ، وهو الحقیق بخلقه المتولّی لأمورهم(5) ، وأبو الحسن الواحدی فی تفسیره الوسیط ، والقرطبیّ فی تفسیره(6) (4 / 232) فی قوله تعالی فی آل عمران [150] (بَلِ اللهُ مَوْلاکُمْ) ، وابن الأثیر فی النهایة(7) (4 / 246) ، والزبیدی فی تاج العروس (10 / 398) ، وابن منظور فی لسان العرب(8) ، وقالوا : ومنه الحدیث : «أیَّما امرأة نُکحت بغیر إذن مولاها فنکاحها باطل» ، وفی روایة : (ولیّها) ؛ أی متولّی أمرها ، والبیضاوی(9) فی تفسیر قوله تعالی : (مَا کَتَبَ اللَّ-هُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا) التوبة [51] فی تفسیره (1 / 505) ، وفی قوله تعالی : 5.

ص: 647


1- الصواعق المحرقة : ص 43.
2- النواقض للروافض : الورقة 8 - 9.
3- النجم : 3 ، 4.
4- محمد : 11.
5- حکاه عنه الشریف المرتضی فی الشافی [2 / 219]. (المؤلف)
6- الجامع لأحکام القرآن : مج 2 / ج 4 / 149.
7- النهایة فی غریب الحدیث والأثر : 5 / 229.
8- لسان العرب : 15 / 401.
9- تفسیر البیضاوی : 1 / 408 و 2 / 98 ، 505.

(وَاعْتَصِمُوا بِاللَّ-هِ هُوَ مَوْلَاکُمْ) الحجّ [78] (2 / 114) ، وفی قوله تعالی : (وَاللَّ-هُ مَوْلَاکُمْ) التحریم [2] (2 / 530) ، وأبو السعود العمادی(1) فی تفسیر قوله تعالی : (وَاللَّ-هُ مَوْلَاکُمْ) التحریم هامش تفسیر الرازی (8 / 183) ، وفی قوله تعالی : (هِیَ مَوْلَاکُمْ) ، والراغب فی المفردات(2) ، وعن أحمد بن الحسن الزاهد الدرواجکی فی تفسیره : المولی فی اللغة من یتولّی مصالحک ، فهو مولاک ، یلی القیام بأمورک ، وینصرک علی أعدائک ، ولهذا سُمّی ابن العمّ والمعتِق مولیً ، ثمّ صار اسماً لمن لزم الشیء ، والزمخشری فی الکشّاف(3) ، وأبو العبّاس أحمد بن یوسف الشیبانی الکواشی - المتوفّی سنة (680) - فی تلخیصه ، والنسفی(4) فی تفسیر قوله تعالی : (أَنتَ مَوْلَانَا)(5) ، والنیسابوری فی غرائب القرآن(6) فی قوله تعالی : (أَنتَ مَوْلَانَا) وقوله تعالی : (فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّ-هَ مَوْلَاکُمْ)(7) ، وقوله تعالی : (هِیَ مَوْلَاکُمْ) ، وقال القسطلانی(8) فی حدیث مرّ فی (ص 318) عن البخاری ومسلم فی قوله صلی الله علیه وآله وسلم : «أنا مولاه» - : أی ولیّ المیِّت أتولّی عنه أموره ، والسیوطی فی تفسیر الجلالین(9) فی قوله تعالی : (أَنتَ مَوْلَانَا) ، وقوله : (فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّ-هَ مَوْلَاکُمْ) ، وقوله : (لَّن یُصِیبَنَا إِلَّا مَا کَتَبَ اللَّ-هُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا) ، فهذا المعنی لا یبارح أیضاً معنی الأَولی ، لا سیّما بمعناه الذی یصف به صاحب الرسالة صلی الله علیه وآله وسلم نفسه علی تقدیر إرادته.

علی أنَّ الذی نرتئیه فی خصوص المقام - بعد الخوض فی غِمار اللغة ، ومجامیع 8.

ص: 648


1- إرشاد العقل السلیم : 8 / 266 ، 208.
2- المفردات فی غریب القرآن : ص 533.
3- الکشّاف : 4 / 476.
4- مدارک التنزیل وحقائق التأویل : 1 / 144.
5- البقرة : 286.
6- غرائب القرآن : 28 / 101.
7- الأنفال : 40.
8- إرشاد الساری : 5 / 438 ح 2399.
9- تفسیر الجلالین : ص 64 ، 348.

الأدب ، وجوامع العربیّة - : أنَّ الحقیقة من معانی المولی لیس إلّا الأَولی بالشیء ، وهو الجامع لهاتیک المعانی جمعاء ، ومأخوذ فی کلٍّ منها بنوعٍ من العنایة ، ولم یطلق لفظ المولی علی شیء منها إلّا بمناسبة هذا المعنی :

1 - فالربّ سبحانه هو أَولی بخلقه من أیّ قاهر علیهم ؛ خلق العالمین کما شاءت حکمته ، ویتصرّف بمشیئته.

2 - والعمّ أَولی الناس بکلاءة ابن أخیه والحنان علیه ، وهو القائم مقام والده الذی کان أَولی به.

3 - وابن العمّ أَولی بالاتحاد والمعاضدة مع ابن عمّه لأنّهما غصنا شجرة واحدة.

4 - والابن أَولی الناس بالطاعة لأبیه والخضوع له ، قال الله تعالی : (وَاخْفِضْ

لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ)(1).

5 - وابن الأُخت أیضاً أَولی الناس بالخضوع لخاله الذی هو شقیق أُمّه.

6 - والمعتِق - بالکسر - أَولی بالتفضّل علی من أعتقه من غیره.

7 - والمعتَق - بالفتح - أَولی بأن یعرف جمیل من أعتقه علیه ، ویشکره بالخضوع بالطاعة.

8 - والعبد أیضاً أَولی بالانقیاد لمولاه من غیره ، وهو واجبه الذی نیطت سعادته به.

9 - والمالک أَولی بکلاءة ممالیکه وأمرهم والتصرّف فیهم بما دون حدّ الظلم.

10 - والتابع أَولی بمُناصرة متبوعه ممّن لا یتبعه.

11 - والمنعَم علیه أَولی بشکر مُنعِمه من غیره.

12 - والشریک أَولی برعایة حقوق الشرکة وحفظ صاحبه عن الإضرار. 4.

ص: 649


1- الإسراء : 24.

13 - والأمر فی الحلیف واضح ، فهو أَولی بالنهوض بحفظ من حالفه ودفع عادیة الجور عنه.

14 - وکذلک الصاحب أَولی بأن یؤدّی حقوق الصحبة من غیره.

15 - کما أنَّ الجار أَولی بالقیام بحفظ حقوق الجوار کلّها من البعداء.

16 - ومثلها النزیل ، فهو أَولی بتقدیر من آوی إلیهم ولجأ إلی ساحتهم وأَمِن فی جوارهم.

17 - والصهر أَولی بأن یرعی حقوق من صاهره ، فشدّ بهم أزره ، وقَوّی أمره ، وفی الحدیث : «الآباء ثلاثة : أبٌ ولدک ، وأبٌ زوّجک ، وأبٌ علّمک».

18 - واعطف علیها القریب الذی هو أولی بأمر القریبین منه والدفاع عنهم والسعی وراء صالحهم.

19 - والمنعِم أَولی بالفضل علی من أنعم علیه ، وأن یُتبع الحسنة بالحسنة.

20 - والعقید کالحلیف فی أولویّة المناصرة له مع عاقده ، ومثلهما.

21 ، 22 - المحبّ والناصر ، فإنّ کلّاً منهما أَولی بالدفاع عمّن أحبّه ، أو التزم بنصرته.

23 - وقد عرفت الحال فی الولیّ.

24 - والسیِّد.

25 - والمتصرِّف فی الأمر.

26 - والمتولّی له.

إذن فلیس للمولی إلّا معنیً واحد وهو الأَولی بالشیء ، وتختلف هذه الأولویّة بحسب الاستعمال فی کلٍّ من موارده ، فالاشتراک معنویٌّ ، وهو أَولی من الاشتراک اللفظیِّ المستدعی لأوضاع کثیرة غیر معلومة بنصٍّ ثابت ، والمنفیّة بالأصل المحکّم.

ص: 650

وقد سبقنا إلی بعض هذه النظریّة شمس الدین بن البطریق فی العمدة(1) (ص 56) ، وهو أحد أعلام الطائفة فی القرن السادس ، وتطفح بشیء من ذلک کلمات غیر واحد من علماء أهل السنّة(2) ؛ حیث ذکروا المناسبات فی جملة من معانی المولی تشبه ما ذکرنا.

ویکشف عن کون المعنی المقصود (الأَولی) هو المتبادر من المولی إذا أُطلق ، کما یأتی بیانه عن بعض فی الکلمات حول المفاد ما رواه مسلم بإسناده فی صحیحه(3) (ص 197) عن رسول الله صلی الله علیه وسلم : «لا یقل العبد لسیِّده مولای» ، وزاد فی حدیث أبی معاویة : «فإنّ مولاکم الله» ، وأخرجه غیر واحد من أئمّة الحدیث فی تآلیفهم.

القرائن المعیِّنة متّصلة ومنفصلة

اشارة

إلی هنا لم یبقَ للباحث ملتحد عن البخوغ لمجیء المولی بمعنی الأَولی بالشیء وإن تنازلنا إلی أنَّه أحد معانیه ، وأنَّه من المشترک اللفظیِّ ، فإنّ للحدیث قرائن متّصلة وأخری منفصلة تنفی إرادة غیره ، فإلیک البیان :

القرینة الأولی : مقدّمة الحدیث ، وهی قوله صلی الله علیه وآله وسلم : «ألستُ أولی بکم من أنفسکم»

القرینة الأولی : مقدّمة الحدیث ، وهی قوله صلی الله علیه وآله وسلم : «ألستُ أولی بکم من أنفسکم» ، أو ما یؤدّی مؤدّاه من ألفاظ متقاربة ، ثمّ فرّع علی ذلک قوله : «فمن کنتُ مولاه فعلیٌّ مولاه» ، وقد رواها الکثیرون من علماء الفریقین ، فمن حفّاظ أهل السنّة وأئمّتهم :

1 - أحمد بن حنبل.

2 - ابن ماجة.

3 - النسائی.

ص: 651


1- العمدة : ص 112.
2- راجع ما أسلفناه عن الدرواجکی وغیره ، وما یأتی عن سبط ابن الجوزی وغیره ، فتجد هناک کثیراً من نظرائهما فی مطاوی کلمات القوم. (المؤلف)
3- صحیح مسلم : 4 / 436 ح 14 کتاب الألفاظ من الأدب وغیرها.

4 - الشیبانی.

5 - أبو یعلی.

6 - الطبری.

7 - الترمذی.

8 - الطحاوی.

9 - ابن عقدة.

10 - العنبری.

11 - أبو حاتم.

12 - الطبرانی.

13 - القطیعی.

14 - ابن بطّة.

15 - الدارقطنی.

16 - الذهبی.

17 - الحاکم.

18 - الثعلبی.

19 - أبو نعیم.

20 - ابن السمان.

21 - البیهقی.

22 - الخطیب.

23 - السجستانی.

24 - ابن المغازلی.

25 - الحسَکانی.

26 - العاصمی.

27 - الخلعی.

28 - السمعانی.

29 - الخوارزمی.

30 - البیضاوی.

31 - الملّا.

32 - ابن عساکر.

33 - أبو موسی.

34 - أبو الفرج.

35 - ابن الأثیر.

36 - ضیاء الدین.

37 - قزأوغلی.

38 - الکنجی.

39 - التفتازانی.

40 - محبّ الدین.

41 - الوصّابی.

42 - الحمّوئی.

43 - الإیجی.

44 - ولیّ الدین.

45 - الزرندی.

46 - ابن کثیر.

47 - الشریف.

48 - شهاب الدین.

49 - الجزری.

50 - المقریزی.

51 - ابن الصبّاغ.

52 - الهیثمی.

53 - المیبُذی.

54 - ابن حجر.

55 - أصیل الدین.

56 - السمهودی.

57 - کمال الدین.

58 - البَدَخشی.

59 - الشیخانی.

60 - السیوطی.

61 - الحلبی.

62 - ابن باکثیر.

63 - السهارنپوری.

64 - ابن حجر المکّی.

وقد ألمعنا إلی موارد ذکر المقدّمة بتعیین الجزء والصفحات من کتب هؤلاء الأعلام فیما أسلفناه عند بیان طرق الحدیث عن الصحابة والتابعین ، وهناک جمعٌ

ص: 652

آخرون من رواتها لا یُستهان بعدّتهم لا نطیل بذکرهم المقال ، أضف إلی ذلک من رواها من علماء الشیعة الذین لا یُحصی عددهم.

فهذه المقدّمة من الصحیح الثابت الذی لا محید عن الاعتراف به ، کما صرّح بذلک غیر واحد من الأعلام المذکورین(1) فلو کان صلی الله علیه وآله وسلم یرید فی کلامه غیر المعنی الذی صرّح به فی المقدّمة لعاد لفظه - ونُجلّه عن کلِّ سقطة - محلول العُری ، مختزلاً

بعضه عن بعض ، وکان فی معزل عن البلاغة وهو أفصح البلغاء ، وأبلغ من نطق بالضاد ، فلا مساغ فی الإذعان بارتباط أجزاء کلامه ، وهو الحقّ فی کلِّ قول یلفظه عن وحی یوحی ، إلّا أن نقول باتّحاد المعنی فی المقدّمة وذیها.

ویزیدک وضوحاً وبیاناً ما فی التذکرة لسبط ابن الجوزی الحنفی(2) (ص 20) ، فإنّه بعد عدِّ معانٍ عشرة للمولی وجعل عاشرها الأولی ، قال :

والمراد من الحدیث : الطاعة المخصوصة ، فتعیّن الوجه العاشر وهو الأَولی ، ومعناه : من کنت أَولی به من نفسه فعلیٌ أولی به ، وقد صرّح بهذا المعنی الحافظ أبو الفرج یحیی بن سعید الثقفی الأصبهانی فی کتابه المسمّی بمرج البحرین ، فإنّه روی هذا الحدیث بإسناده إلی مشایخه ، وقال فیه : فأخذ رسول الله صلی الله علیه وسلم بید علیّ فقال : «من کنتُ ولیّه وأَولی به من نفسه فعلیٌّ ولیّه» ، فعُلِم أنَّ جمیع المعانی راجعة إلی الوجه العاشر ، ودلّ علیه أیضاً قوله علیه السلام : «ألست أَولی بالمؤمنین من أنفسهم» وهذا نصٌّ صریحٌ فی إثبات إمامته وقبول طاعته.

ونصّ ابن طلحة الشافعی فی مطالب السؤول (ص 16) علی ذهاب طائفة إلی حمل اللفظ فی الحدیث علی الأَولی ، وسیوافیک نظیر هذه الجمل فی محلّه إن شاء الله تعالی.

ص: 653


1- راجع رواة الحدیث من الصحابة والکلمات حول سند الحدیث. (المؤلف)
2- تذکرة الخواص : ص 32.

القرینة الثانیة : ذیل الحدیث ، وهو قوله صلی الله علیه وآله وسلم : «أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه»

القرینة الثانیة : ذیل الحدیث ، وهو قوله صلی الله علیه وآله وسلم : «أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه» وفی جملة من طرقه بزیادة قوله : «وانصُر من نصره ، واخذُلْ من خذله» أو ما یؤدّی مؤدّاه ، وقد أسلفنا ذکر الجماهیر الراوین له ، فلا موجب إلی التطویل بإعادة ذکرهم ، ومرّ علیک فی ذکر الکلمات المأثورة حول سند الحدیث (ص 266 - 281) بأنّ تصحیح کثیر من العلماء له مصبُّه الحدیث مع ذیله ، وفی وسع الباحث أن یقرّب کونه قرینةً للمدّعی بوجوه لا تلتئم إلّا مع معنی الأولویّة الملازمة للإمامة :

أحدها : أنَّه صلی الله علیه وآله وسلم لمّا صدع بما خوّل الله سبحانه وصیّه من المقام الشامخ بالرئاسة العامّة علی الأمّة جمعاء ، والإمامة المطلقة من بعده ، کان یعلم بطبع الحال أنَّ تمام هذا الأمر بتوفّر الجنود والأعوان وطاعة أصحاب الولایات والعمّال مع علمه بأنّ فی الملأ من یحسده ، کما ورد فی الکتاب العزیز(1) ، وفیهم من یحقد علیه ، وفی زُمَر المنافقین من یضمر له العداء لأوتار جاهلیّة ، وستکون من بعده هنات تجلبها النهمة والشرَه من أرباب المطامع لطلب الولایات والتفضیل فی العطاء ، ولا یدع الحقّ علیّاً علیه السلام أن یسعفهم بمبتغاهم ؛ لعدم الحنکة والجدارة فیهم فیقلبون علیه ظهر المجنّ ، وقد أخبر صلی الله علیه وآله وسلم مجمل الحال بقوله : «إن تُؤمّروا علیّاً - ولا أراکم فاعلین - تجدوه هادیاً مهدیّاً» ، وفی لفظ : «إن تستخلفوا علیّاً - وما أراکم فاعلین - تجدوه هادیاً مهدیّاً» راجع (ص 12 و 13) من هذا الکتاب.

فطفق صلی الله علیه وآله وسلم یدعو لمن والاه ونصره ، وعلی من عاداه وخذله ؛ لیتمّ له أمر الخلافة ، ولِیعلم الناس أنَّ موالاته مَجلبة لموالاة الله سبحانه ، وأنَّ عداءه وخذلانه مدعاة لغضب الله وسخطه ، فیزدلف إلی الحقّ وأهله ، ومثل هذا الدعاء بلفظ العامّ لا

یکون إلّا فی من هذا شأنه ، ولذلک إنَّ أفراد المؤمنین الذین أوجب الله محبّة بعضهم ف)

ص: 654


1- فی قوله : (أَمْ یَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَی مَا آتَاهُمُ اللَّ-هُ مِن فَضْلِهِ) [النساء : 54]. أخرج ابن المغازلی فی المناقب [ص 267 ح 314] ، وابن أبی الحدید فی شرحه : 2 / 236 [7 / 220 خطبة 108] ، والحضرمی الشافعی فی الرشفة : ص 27 : أنَّها نزلت فی علیّ وما خُصّ به من العلم. (المؤلف)

لبعض لم یؤثّر فیهم هذا القول ، فإنّ منافرة بعضهم لبعض جزئیات لا تبلغ هذا المبلغ ، وإنَّما یحصل مثله فیما إذا کان المدعوّ له دعامة الدین ، وعلم الإسلام ، وإمام الأمّة ، وبالتثبیط عنه یکون فتٌّ فی عضد الحقِّ وانحلالٌ لِعُری الإسلام.

ثانیها : أنَّ هذا الدعاء - بعمومه الأفرادیِّ بالموصول ، والأزمانیّ والأحوالیّ بحذف المتعلّق - یدلُّ علی عصمة الإمام علیه السلام لإفادته وجوب موالاته ونصرته والانحیاز عن العداء له وخذلانه علی کلّ أحد فی کلِّ حین وعلی کلّ حال ، وذلک یوجب أن یکون علیه السلام فی کلّ تلک الأحوال علی صفة لا تصدر منه معصیة ، ولا یقول إلّا الحقّ ، ولا یعمل إلّا به ، ولا یکون إلّا معه ؛ لأنّه لو صدر منه شیء من المعصیة لوجب الإنکار علیه ونصب العداء له ؛ لعمله المنکر والتخذیل عنه ، فحیث لم یستثنِ صلی الله علیه وآله وسلم من لفظه العام شیئاً من أطواره وأزمانه علمنا أنَّه لم یکن علیه السلام فی کلِّ تلک المدد والأطوار إلّا علی الصفة التی ذکرناها ، وصاحب هذه الصفة یجب أن یکون إماماً

لقبح أن یؤمّه من هو دونه علی ما هو المقرّر فی محلّه ، وإذا کان إماماً فهو أولی بالناس منهم بأنفسهم.

ثالثها : أنَّ الأنسب بهذا الدعاء الذی ذیّل صلی الله علیه وآله وسلم به کلامه ، ولا بدّ أنَّه مرتبط بما قبله أن یکون غرضه صلی الله علیه وآله وسلم بیان تکلیف علی الحاضرین من فرض الطاعة ووجوب الموالاة ، فیکون فی الدعاء ترغیب لهم علی الطاعة والخضوع له ، وتحذیر عن التمرّد والجموح تجاه أمره ، وذلک لا یکون إلّا إذا نزّلنا المولی بمعنی الأولی ، بخلاف ما إذا کان المراد به المحبّ أو الناصر ؛ فإنّه - حینئذٍ - لم یُعلم إلّا أنَّ علیّاً علیه السلام محبّ من یحبّه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أو ینصر من ینصره ، فیناسب إذن أن یکون الدعاء له إن قام بالمحبّة أو النصرة ، لا للناس عامّة إن نهضوا بموالاته ، وعلیهم إن تظاهروا بنصب العداء له ، إلّا

أن یکون الغرض بذلک توکید الصلات الودِّیة بینه وبین الأمّة إذا علموا أنَّه یحبّ وینصر کلّ فرد منهم فی کلِّ حال وفی کلِّ زمان ، کما أنَّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم کذلک ، فهو یخلفه علیهم ، وبذلک یکون لهم منجاة من کلّ هَلَکَة ، ومأویً من کلِّ خوف ، وملجأ من کلِّ

ص: 655

ضَعة ، شأن الملوک ورعایاهم ، والأمراء والسُّوقة ، فإنّهما فی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم علی هذه الصفة ، فلا بدّ أن یکونا فیمن یحذو حذوه أیضاً کذلک ، وإلّا لاختلَّ سیاق الکلام ، فالمعنی علی ما وصفناه بعد المماشاة مع القوم متّحد مع معنی الإمامة ، ومؤدٍّ مفاد الأَولی.

وللحدیث ألفاظ أثبتها حفّاظ الحدیث متّصلة به فی مختلف تخریجاتهم لا تلتئم إلّا مع المعنی الذی حاولنا من المولی.

القرینة الثالثة : قوله صلی الله علیه وآله وسلم : «یا أیُّها الناس بمَ تشهدون ؟

القرینة الثالثة : قوله صلی الله علیه وآله وسلم : «یا أیُّها الناس بمَ تشهدون ؟ قالوا : نشهد أن لا إله إلّا الله. قال : ثمّ مَهْ ؟ قالوا : وأنَّ محمداً عبده ورسوله. قال : فمن ولیُّکم ؟ قالوا : الله ورسوله مولانا.

ثمّ ضرب بیده إلی عضد علیٍّ ، فأقامه ، فقال : من یکن الله ورسوله مولاه فإنّ هذا مولاه ...».

هذا لفظ جریر ، وقریب منه لفظ أمیر المؤمنین علیه السلام ولفظ زید بن أرقم وعامر ابن لیلی ، وفی لفظ حذیفة بن أُسید بسند صحیح :

«ألستم تشهدون أن لا إله إلّا الله وأنَّ محمداً عبده ورسوله ؟ ... - إلی أن قال - :

قالوا : بلی نشهد بذلک.

قال : أللّهمّ اشهد ، ثمّ قال : یا أیّها الناس إنَّ الله مولای وأنا مولی المؤمنین ، وأنا

أَولی بهم من أنفسهم ، فمن کنتُ مولاه فهذا مولاه». یعنی علیّاً(1).

فإنّ وقوع الولایة فی سیاق الشهادة بالتوحید والرسالة وسردها عقیب المولویّة المطلقة لله سبحانه ولرسوله من بعده لا یمکن إلّا أن یُراد بها معنی الإمامة الملازمة للأولویّة علی الناس منهم بأنفسهم. ف)

ص: 656


1- راجع ص 22 ، 26 ، 27 ، 33 ، 36 ، 47 ، 55. (المؤلف)

القرینة الرابعة : قوله صلی الله علیه وآله وسلم عقیب لفظ الحدیث : «الله أکبر علی إکمال الدین

القرینة الرابعة : قوله صلی الله علیه وآله وسلم عقیب لفظ الحدیث : «الله أکبر علی إکمال الدین ، وإتمام النعمة ، ورضا الربِّ برسالتی ، والولایة لعلیّ بن أبی طالب».

وفی لفظ شیخ الإسلام الحمّوئی(1) : «الله أکبر ، تمام نبوّتی وتمام دین الله ولایة علیٍّ بعدی»(2).

فأیّ معنیً تراه یکمل به الدین ، ویُتمّ النعمة ، ویُرضی الربَّ فی عداد الرسالة غیر الإمامة التی بها تمام أمرها وکمال نشرها وتوطید دعائمها ؟ إذن فالناهض بذلک العبء المقدّس أَولی الناس منهم بأنفسهم.

القرینة الخامسة : قوله صلی الله علیه وآله وسلم قبل بیان الولایة : «کأنّی دُعیتُ فأَجبتُ»

القرینة الخامسة : قوله صلی الله علیه وآله وسلم قبل بیان الولایة : «کأنّی دُعیتُ فأَجبتُ» ، أو : «أنَّه یُوشِک أن أُدعی فأُجیب» ، أو : «ألا وإنّی أُوشِک أن أُفارقَکم» ، أو : «یوشِک أن یأتی رسول ربّی فأُجیب» ، وقد تکرّر ذکره عند حفّاظ الحدیث کما مرّ(3).

وهو یُعطینا علماً بأنّه صلی الله علیه وآله وسلم کان قد بقی من تبلیغه مهمّة یُحاذر أن یدرکه الأجل قبل الإشادة بها ، ولولا الهتاف بها بقی ما بلّغه مُخدَجاً ، ولم یذکر صلی الله علیه وآله وسلم بعد هذا الاهتمام إلّا ولایة أمیر المؤمنین وولایة عترته الطاهرة الذین یَقْدِمهم هو - صلوات الله علیه - کما فی نقل مسلم(4) ، فهل من الجائز أن تکون تلک المهمّة المنطبقة علی هذه الولایة إلّا معنی الإمامة المصرّح بها فی غیر واحد من الصحاح ؟ وهل صاحبها إلّا أولی الناس بأنفسهم ؟

القرینة السادسة : قوله صلی الله علیه وآله وسلم بعد بیان الولایة لعلیٍّ علیه السلام

القرینة السادسة : قوله صلی الله علیه وآله وسلم بعد بیان الولایة لعلیٍّ علیه السلام :

«هنِّئونی هنِّئونی إنَّ الله تعالی خصّنی بالنبوّة ، وخصّ أهل بیتی بالإمامة» کما ة.

ص: 657


1- فرائد السمطین : 1 / 315 باب 58 ح 250.
2- راجع ص 43 ، 165 ، 231 ، 232 ، 233 ، 235. (المؤلف)
3- راجع ص 26 ، 27 ، 30 ، 32 ، 33 ، 34 ، 36 ، 47 ، 176. (المؤلف)
4- صحیح مسلم : 5 / 25 ح 36 کتاب فضائل الصحابة.

مرّ (ص 274) ، فصریح العبارة هو الإمامة المخصوصة بأهل بیته الذین سیّدهم والمقدّم فیهم هو أمیر المؤمنین علیه السلام ، وکان هو المراد فی الوقت الحاضر.

ثمّ نفس التهنئة والبیعة والمصافقة والاحتفال بها واتِّصالها ثلاثة أیّام ، کما مرّت هذه کلّها (ص 269 - 283) لا تلائم غیر معنی الخلافة والأولویّة ، ولذلک تری الشیخین أبا بکر وعمر لقیا أمیر المؤمنین فهنّآهُ بالولایة. وفیها بیان لمعنی المولی الذی لهج به صلی الله علیه وآله وسلم ، فلا یکون المتحلّی به إلّا أَولی الناس منهم بأنفسهم.

القرینة السابعة : قوله صلی الله علیه وآله وسلم بعد بیان الولایة : «فلیبلّغ الشاهد الغائب»

القرینة السابعة : قوله صلی الله علیه وآله وسلم بعد بیان الولایة : «فلیبلّغ الشاهد الغائب» ، کما مرّ (ص 33 ، 160 ، 198) ، أوَتحسب أنَّه صلی الله علیه وآله وسلم یؤکّد هذا التأکید فی تبلیغ الغائبین أمراً علِمه کلُّ فرد منهم بالکتاب والسنّة من الموالاة والمحبّة والنصرة بین أفراد المسلمین مشفوعاً بذلک الاهتمام والحرص علی بیانه ؟ لا أحسب أنَّ ضُؤولة الرأی یُسفُّ بک إلی هذه الخطّة ، لکنّک ولا شکّ تقول : إنَّه صلی الله علیه وآله وسلم لم یُرد إلّا مهمّة لم تُتَحِ الفرص لتبلیغها ولا عرفته الجماهیر ممّن لم یشهدوا ذلک المجتمع ، وما هی إلّا مهمّة الإمامة التی بها کمال الدین ، وتمام النعمة ، ورضا الربِّ ، وما فهم الملأ الحضور من لفظه صلی الله علیه وآله وسلم إلّا تلک ، ولم یؤثر له صلی الله علیه وآله وسلم لفظ آخر فی ذلک المشهد یلیق أن یکون أمره بالتبلیغ له ، وتلک المهمّة لا تساوق إلّا معنی الأَولی من معانی المولی.

القرینة الثامنة : قوله صلی الله علیه وآله وسلم بعد بیان الولایة فی لفظ أبی سعید وجابر المذکور

القرینة الثامنة : قوله صلی الله علیه وآله وسلم بعد بیان الولایة فی لفظ أبی سعید وجابر المذکور (ص 43 ، 232 ، 233 ، 234 ، 237) : «الله أکبر علی إکمال الدین ، وإتمام النعمة ، ورضا الربّ برسالتی ، والولایة لعلیٍّ من بعدی» ، وفی لفظ وهب المذکور (ص 60) : «إنَّه ولیّکم بعدی». وفی لفظ علیّ الذی أسلفناه (ص 165) : «ولیُّ کلِّ مؤمن بعدی».

وکذلک ما أخرجه(1) الترمذی ، وأحمد ، والحاکم ، والنسائی ، وابن أبی شیبة :

ص: 658


1- سنن الترمذی : 5 / 590 ح 3712 ، مسند أحمد : 6 / 489 ح 22503 ، المستدرک علی الصحیحین :

والطبری ، وکثیرون آخرون من الحفّاظ بطرق صحیحة من قوله صلی الله علیه وآله وسلم :

«إنَّ علیّاً منّی وأنا منه ، وهو ولیُّ کلّ مؤمن بعدی» ، وفی آخر : «هو ولیّکم بعدی».

وما أخرجه أبو نعیم فی حلیة الأولیاء (1 / 86) وآخرون(1) بإسناد صحیح من قوله صلی الله علیه وآله وسلم :

«من سرّه أن یحیی حیاتی ، ویموت مماتی ، ویسکن جنّة عدن غرسها ربّی ، فلْیوالِ علیّاً من بعدی ، ولْیقتدِ بالأئمّة من بعدی ، فإنّهم عترتی خُلِقوا من طینتی». الحدیث.

وما أخرجه أبو نعیم فی الحلیة (1 / 86) بإسناد صحیح رجاله ثقات عن حذیفة وزید وابن عبّاس عنه صلی الله علیه وآله وسلم :

«من سرّه أن یحیی حیاتی ویموت میتتی ، ویتمسّک بالقصبة الیاقوتة التی خلقها الله بیده ثمّ قال لها : کونی ، فکانت ، فلیتولَّ علیَّ بن أبی طالب من بعدی».

فإنّ هذه التعابیر تعطینا خُبراً بأنّ الولایة الثابتة لأمیر المؤمنین علیه السلام مرتبة تساوق ماثبت لصاحب الرسالة مع حفظ التفاوت بین المرتبتین بالأوّلیّة والأولویّة ، سواءٌ أُرید من لفظ (بعدی) البعدیّة الزمانیّة أو البعدیّة فی الرتبة ، فلا یمکن أن یراد إذن من المولی إلّا الأولویّة علی الناس فی جمیع شؤونهم ، إذ فی إرادة معنی النصرة

والمحبّة من المولی بهذا القید ینقلب الحدیث ویُعَدُّ منقصة دون مفخرة کما لا یخفی.

القرینة التاسعة : قوله صلی الله علیه وآله وسلم بعد إبلاغ الولایة

القرینة التاسعة : قوله صلی الله علیه وآله وسلم بعد إبلاغ الولایة : 2.

ص: 659


1- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 139 ح 4642.

«أللّهمّ أنت شهید علیهم أنّی قد بلّغت ونصحت». فالإشهاد علی الأمّة بالبلاغ والنصح یستدعی أن یکون ما بلّغه صلی الله علیه وآله وسلم ذلک الیوم أمراً جدیداً لم یکن قد بلّغه قبل. مضافاً إلی أنَّ بقیة معانی المولی العامّة بین أفراد المسلمین من الحبّ والنصرة لا تُتصوّر فیها أیُّ حاجة إلی الإشهاد علی الأمّة فی علیٍّ خاصّة ، إلّا أن تکون فیه علی الحدِّ الذی بینّاه.

القرینة العاشرة : قوله صلی الله علیه وآله وسلم قبل بیان الحدیث وقد مرّ (ص 165 و 196) :

«إنَّ الله أرسلنی برسالة ضاق بها صدری ، وظننت أنَّ الناس مُکذِّبیَّ فأوعدنی لَأُبلّغها أو لَیعذِّبنی».

ومرّ فی (ص 221) بلفظ : «إنَّ الله بعثنی برسالة ، فضقت بها ذرعاً ، وعرفت أنَّ الناس مکذِّبیَّ ، فوعدنی لَأُبلّغنَّ ، أو لَیعذِّبنی».

و (ص 166) بلفظ : «إنّی راجعت ربّی خشیة طعن أهل النفاق ومکذِّبیهم فأوعدنی لأُبلّغها أو لَیعذِّبنی».

ومرّ (ص 51) : «لمّا أُمر النبیُّ أن یقوم بعلیّ بن أبی طالب المقام الذی قام به فانطلق النبیّ صلی الله علیه وسلم إلی مکّة ، فقال : رأیت الناس حدیثی عهد بکفر بجاهلیّة ، ومتی أفعل هذا به یقولوا : صنع هذا بابن عمّه. ثمّ مضی حتی قضی حجّة الوداع». الحدیث.

ومرّ (ص 219) : إنَّ الله أمر محمداً أن ینصب علیّاً للناس ، فیخبرهم بولایته ، فتخوّف النبیّ صلی الله علیه وسلم أن یقولوا : حابی ابن عمّه ، وأن یطعنوا فی ذلک علیه. الحدیث.

ومرّ (ص 217) : لمّا أمر الله رسوله صلی الله علیه وسلم أن یقوم بعلیّ ، فیقول له ما قال ، فقال : «یا ربّ إنَّ قومی حدیثو عهد بجاهلیّة» - کذا فی النسخ - ثمّ مضی بحجّه ، فلمّا أقبل راجعاً نزل بغدیر خُمّ. الحدیث.

ومرّ (ص 217) : لمّا جاء جبرئیل بأمر الولایة ضاق النبیّ صلی الله علیه وسلم بذلک ذرعاً ،

ص: 660

وقال : «قومی حدیثو عهدٍ بالجاهلیّة» ، فنزلت : (یَا أَیُّهَا الرَّسُولُ) الآیة.

هذه کلّها تنمُّ عن نبأ عظیم کان یخشی فی بثِّه بوادر أهل النفاق وتکذیبهم ، فالذی کان یحاذره صلی الله علیه وآله وسلم ویتحقّق به القول بأنّه حابی ابن عمِّه یستدعی أن یکون أمراً یخصُّ أمیر المؤمنین ، لا شیئاً یشارکه فیه المسلمون أجمع من النصرة والمحبّة ، وما هو إلّا الأولویّة بالأمر وما جری مجراها من المعانی.

القرینة الحادیة عشرة : جاء فی أسانید متکثِّرة : التعبیر عن موقوف یوم الغدیر بلفظ النصب

القرینة الحادیة عشرة : جاء فی أسانید متکثِّرة : التعبیر عن موقوف یوم الغدیر بلفظ النصب ، فمرّ (ص 57) عن عمر بن الخطّاب : نصب رسول الله علیّاً عَلَماً ، و (165) عن علیّ علیه السلام «أمر الله نبیّه أن ینصبنی للناس ...» وفی قوله الآخر فی روایة العاصمی کما تأتی : «نَصَبنی عَلَماً» ، ومرّ (ص 199) عن الإمام الحسن السبط : «أتعلمون أنَّ رسول الله نصبه یوم غدیر خُمّ» و (ص 200) عن عبدالله بن جعفر : ونبیّنا قد نصب لأُمّته أفضل الناس وأولاهم وخیرهم بغدیر خُمّ ، و (ص 208) عن قیس بن سعد : نصبه رسول الله بغدیر خمّ ، و (ص 219) عن ابن عبّاس وجابر : أمر الله محمداً أن ینصب علیّاً للناس ، فیخبرهم بولایته ، و (ص 231) عن أبی سعید الخدری : لمّا نصب رسول الله علیّاً یوم غدیر خُمّ ، فنادی له بالولایة.

فإنّ هذا اللفظ یعطینا خُبراً بإیجاد مرتبةٍ للإمام علیه السلام فی ذلک الیوم لم تکن تُعَرف له من قبلُ غیر المحبّة والنصرة ، المعلومتین لکلِّ أحد ، والثابتتین لأیّ فرد من أفراد المسلمین ، علی ما ثبت من اطِّراد استعماله فی جعل الحکومات وتقریر الولایات ، فیقال : نصب السلطان زیداً والیاً علی القارّة الفلانیّة ، ولا یقال : نصبه رعیّة له أو محبّاً أو ناصراً أو محبوباً أو منصوراً به علی زنة ما یتساوی به أفراد المجتمع الذین هم تحت سیطرة ذلک السلطان.

مضافاً إلی مجیء هذا اللفظ فی غیر واحد من الطرق مقروناً بلفظ الولایة أو متلوّاً بکونه للناس أو للأُمّة.

ص: 661

وبذلک کلّه تعرف أنَّ المرتبة المثبتة له هی الحاکمیّة المطلقة علی الأمّة جمعاء ، وهی معنی الإمامة الملازمة للأولویّة المُدّعاة فی معنی المولی ، ویستفاد هذا المعنی من لفظ ابن عبّاس الآخر الذی مرّ (ص 51 و 217) ، قال :

لمّا أُمر النبیّ صلی الله علیه وسلم أن یقوم بعلیّ المقام الذی قام به ....

ویُصرِّح بالمعنی المراد ما مرّ (ص 165) من قوله صلی الله علیه وآله وسلم :

«إنَّ الله أمر أن أنصب لکم إمامکم والقائم فیکم بعدی ووصیّی وخلیفتی ، والذی فرض الله علی المؤمنین فی کتابه طاعته ، فقرن بطاعته طاعتی ، وأمرکم بولایته».

وقوله المذکور (ص 215) : «فإنّ الله قد نصبه لکم ولیّاً وإماماً ، وفرض طاعته علی کلِّ أحد ، ماضٍ حکمه ، جائزٌ قوله».

القرینة الثانیة عشرة : ما مرّ (ص 52 و 217) من قول ابن عبّاس بعد ذکره الحدیث

القرینة الثانیة عشرة : ما مرّ (ص 52 و 217) من قول ابن عبّاس بعد ذکره الحدیث : فوجبت والله فی رقاب القوم ، فی لفظ. وفی أعناق القوم ، فی آخر ، فهو یُعطی ثبوت معنیً جدید مستفاد من الحدیث غیر ما عرفه المسلمون قبل ذلک وثبت لکلِّ فرد منهم ، وأکّد ذلک بالیمین وهو معنیً عظیم یلزم الرقاب ، ویأخذ بالأعناق لدة الإقرار بالرسالة ، لم یساوِ الإمام علیه السلام فیه غیره ، ولیس هو إلّا الخلافة التی امتاز بها من بین المجتمع الإسلامی ، ولا یبارحه معنی الأولویّة.

القرینة الثالثة عشرة : ما أخرجه شیخ الإسلام الحمّوئی فی فرائد السمطین عن أبی هریرة

القرینة الثالثة عشرة : ما أخرجه شیخ الإسلام الحمّوئی فی فرائد السمطین عن أبی هریرة قال :

لمّا رجع رسول الله عن حجة الوداع نزلت آیة : (یَا أَیُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَیْکَ) ولمّا سمع قوله تعالی : (وَاللَّ-هُ یَعْصِمُکَ مِنَ النَّاسِ) اطمأنّ قلبه - إلی أن قال بعد ذکر الحدیث - : وهذه آخر فریضة أوجب الله علی عباده ، فلمّا بلّغ رسول الله صلی الله علیه وسلم نزل

ص: 662

قوله : (الْیَوْمَ أَکْمَلْتُ لَکُمْ دِینَکُمْ) الآیة.

یُعطینا هذا اللفظُ خُبراً بأنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم صدع فی کلمته هذه بفریضة لم یسبقها التبلیغ ، ولا یجوز أن یکون ذلک معنی المحبّة والنصرة لسبق التعریف بهما منذ دهر کتاباً وسنّة ، فلم یبقَ إلّا أن یکون معنی الإمامة الذی أخّر أمره حتی تُکتسح عنه العراقیل ، وتُمرّن النفوس بالخضوع لکلِّ وحی یوحی ، فلا تتمرّد عن مثلها من عظیمة تجفل عنها النفوس الجامحة ، وهی الملائمة لمعنی الأَولی.

القرینة الرابعة عشرة : تقدّم (ص 29 و 36) فی حدیث زید بن أرقم بطرقه الکثیرة

القرینة الرابعة عشرة : تقدّم (ص 29 و 36) فی حدیث زید بن أرقم بطرقه الکثیرة :

إنَّ ختَناً له سأله عن حدیث غدیر خمّ ، فقال له : أنتم أهل العراق فیکم ما فیکم.

فقلت له : لیس علیک منّی بأس.

فقال : نعم ، کنّا بالجُحفة فخرج رسول الله ....

ومرّ (ص 24) عن عبدالله بن العلاء أنَّه قال للزهری لمّا حدّثه بحدیث الغدیر : لا تحدّث بهذا بالشام. وأسلفناک (ص 273) عن سعید بن المسیّب أنَّه قال : قلت لسعد بن أبی وقّاص : إنّی أرید أن أسألک عن شیء وإنّی أتّقیک. قال : سل عمّا بدا لک فإنّما أنا عمّک ....

فإنّ الظاهر من هذه کلّها أنَّه کان بین الناس للحدیث معنیً لا یأمن معه راویه من أن یصیبه سوءٌ أولدته العداوة للوصیِّ - صلوات الله علیه - فی العراق وفی الشام ، ولذلک إنَّ زیداً اتّقی خَتَنه العراقیّ ، وهو یعلم ما فی العراقیِّین من النفاق والشقاق یوم ذاک ، فلم یُبدِ بسرِّه حتی أمن من بوادره ، فحدّثه بالحدیث ، ولیس من الجائز أن یکون المعنی - حینئذٍ - هو ذلک المبتذل لکلّ مسلم ، وإنَّما هو معنیً ینوء بعبئه

ص: 663

الإمام علیه السلام بمفرده ، فیفضل بذلک علی من سواه ، وهو معنی الخلافة المتّحدة مع الأولویّة المرادة.

القرینة الخامسة عشرة : احتجاج أمیر المؤمنین علیه السلام بالحدیث یوم الرحبة

القرینة الخامسة عشرة : احتجاج أمیر المؤمنین علیه السلام بالحدیث یوم الرحبة بعد أن آلت إلیه الخلافة ردّاً علی من نازعه فیها - کما مرّ (ص 344) - وإفحام القوم به لمّا شهدوا ، فأیّ حجّة له فی المنازعة بالخلافة فی المعنی الذی لا یلازم الأولویّة علی

الناس من الحبِّ والنصرة ؟

القرینة السادسة عشرة : مرّ فی حدیث الرکبان

القرینة السادسة عشرة : مرّ فی حدیث الرکبان (ص 187 - 191) : أنَّ قوماً منهم أبو أیّوب الأنصاری سلّموا علی أمیر المؤمنین علیه السلام بقولهم : السلام علیک یا مولانا. فقال علیه السلام : «کیف أکون مولاکم وأنتم رهطٌ من العرب ؟»

فقالوا : إنَّا سمعنا رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول : «من کنت مولاه فعلیٌّ مولاه».

فأنت جدّ علیمٍ بأنّ أمیر المؤمنین لم یتعجّب أو لم یُرد کشف الحقیقة للملأ الحضور لمعنیً مبذول هو شرع سواء بین أفراد المسلمین - وهو أن یکون معنی قولهم : السلامُ علیک یا محبّنا أو ناصرنا - لا سیّما بعد تعلیل ذلک بقوله : «وأنتم رهط من

العرب». فما کانت النفوس العربیّة تستنکف من معنی المحبّة والنصرة بین أفراد جامعتها ، وإنَّما کانت تستکبر أن یخصَّ واحدٌ منهم بالمولویّة علیهم بالمعنی الذی

نحاوله ، فلا ترضخ له إلّا بقوّة قاهرة عامّتهم ، أو نصٍّ إلهیّ یُلزم المسلمین منهم ، وما ذلک إلّا معنی الأولی المرادف للإمامة ، والولایة المطلقة التی استحفی علیه السلام خبرها منهم ، فأجابوه باستنادهم فی ذلک إلی حدیث الغدیر.

القرینة السابعة عشرة : قد سلفت فی (ص 191) إصابة دعوة مولانا أمیر المؤمنین علیه السلام

القرینة السابعة عشرة : قد سلفت فی (ص 191) إصابة دعوة مولانا أمیر المؤمنین علیه السلام أُناساً کتموا شهادتهم بحدیث الغدیر فی یومی مناشدة الرحبة والرکبان ، فأصابهم العمی والبرص ، والتعرّب بعد الهجرة ، أو آفة أخری ، وکانوا من الملأ الحضور فی مشهد یوم الغدیر.

ص: 664

فهل یجد الباحث مساغاً لاحتمال وقوع هاتیک النقم علی القوم ، وتشدید الإمام علیه السلام بالدعاء علیهم لمحض کتمانهم معنی النصرة والحبِّ العامّین بین أفراد المجتمع الدینیّ ، فکان من الواجب إذن أن تصیب کثیراً من المسلمین الذین تشاحنوا ، وتلاکموا ، وقاتلوا ، فقمّوا جذوم(1) تَینِک الصفتین ، وقلعوا جذورهما ، فضلاً عن کتمان ثبوتهما بینهم ، لکنّ المنقِّب لا یری إلّا أنَّهم وُسموا بِشِیَةِ العار ، وأصابتهم الدعوة بکتمانهم نبأً عظیماً یختصّ به هذا المولی العظیم - صلوات الله علیه - وما هو إلّا ما أصفقت علیه النصوص ، وتراکمت القرائن من إمامته وأولویّته علی الناس منهم بأنفسهم.

ثمّ إنَّ نفس کتمانهم للشهادة لا تکون لأمر عادیّ هو شرع سواء بینه وبین غیره ، وإنَّما الواجب أن تکون فیه فضیلة یختصُّ بها ، فکأنّهم لم یرُقْهم أن یتبجّح الإمام بها ، فکتموها ، لکن الدعوة الصالحة فضحتهم بإظهار الحقِّ ، وأبقت علیهم مثلبة لائحة علی جبهاتهم وجنوبهم وعیونهم ما داموا أحیاء ، ثمّ تضمّنتها طیّات الکتب فعادت تلوکها الأشداق ، وتتناقلها الألسن حتی یرث الله الأرض ومن علیها.

القرینة الثامنة عشرة : مرّ بإسناد صحیح فی حدیث مناشدة الرحبة من طریق أحمد و...

القرینة الثامنة عشرة : مرّ بإسناد صحیح (ص 174 و 175) فی حدیث مناشدة الرحبة من طریق أحمد والنسائی والهیثمی ومحبّ الدین الطبری :

أنَّ أمیر المؤمنین علیه السلام لمّا ناشد القوم بحدیث الغدیر فی الرحبة شهد نفر من أصحاب رسول الله صلی الله علیه وسلم بأنّهم سمعوه منه.

قال أبو الطفیل : فخرجت وکأنّ فی نفسی شیئاً(2) ، فلقیت زید بن أرقم ، فقلت له : إنّی سمعت علیّاً رضی الله عنه یقول : کذا وکذا ، قال : فما تنکر ؟ قد سمعت رسول الله صلی الله علیه وسلم یقول له ذلک. ف)

ص: 665


1- جمع جذم ، وهو الأصل.
2- کذا فی لفظ أحمد ، وفی لفظ النسائی : وفی نفسی منه شیء ، وفی لفظ محبّ الدین : وفی نفسی من ریبة شیء. (المؤلف)

فما الذی تراه یستکبره أو یستنکره أبو الطفیل من ذلک ؟ أهو صدور الحدیث ؟ ولا یکون ذلک ؛ لأنّ الرجل شیعیٌّ متفانٍ فی حبِّ أمیر المؤمنین علیه السلام ومن ثقاته ، فلا یشکُّ فی حدیث رواه مولاه ، لا ، بل هو معناه الطافح بالعظمة ، فکان عجبه من نکوس القوم عنه وهم عرب أقحاح یعرفون اللفظ وحقیقته ، وهم أتباع الرسول صلی الله علیه وآله وسلم وأصحابه ، فاحتمل أنَّه لم یسمعه جلّهم ، أو حجزت العراقیل بینهم وبین ذلک ، فطمّنه زید بن أرقم بالسماع ، فعلم أنَّ الشهوات حالت بینهم وبین البخوع له ،

وما ذلک المعنی المستعظم إلّا الخلافة المساوقة للأولویّة دون غیرها من الحبِّ والنصرة ، وکلٌّ منهما منبسطٌ علی أیِّ فرد من أفراد الجامعة الإسلامیّة.

القرینة التاسعة عشرة : سبق أیضاً حدیث إنکار الحارث الفهری معنی قول النبیّ ...

القرینة التاسعة عشرة : سبق أیضاً (ص 239 - 246) حدیث إنکار الحارث الفهری معنی قول النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فی حدیث الغدیر ، وشرحنا (ص 343) تأکّد عدم التئامه مع غیر الأَولی من معانی المولی.

القرینة العشرون : أخرج الحافظ ابن السمّان کما فی الریاض النضرة

القرینة العشرون : أخرج الحافظ ابن السمّان کما فی الریاض النضرة(1) (2 / 170) ، وذخائر العقبی للمحبّ الطبری (ص 68) ، ووسیلة المآل للشیخ أحمد بن باکثیر المکّی(2) ، ومناقب الخوارزمی(3) (ص 97) ، والصواعق(4) (ص 107) عن الحافظ الدارقطنی عن عمر وقد جاءه أعرابیّان یختصمان ، فقال لعلیّ : اقض بینهما ، فقال أحدهما : هذا یقضی بیننا ؟ فوثب إلیه عمر وأخذ بتلبیبه وقال : ویحک ما تدری من هذا ؟ هذا مولای ومولی کلّ مؤمن ، ومن لم یکن مولاه فلیس بمؤمن.

وعنه وقد نازعه رجل فی مسألة ، فقال : بینی وبینک هذا الجالس ، وأشار إلی علیّ بن أبی طالب ، فقال الرجل : هذا الأبطن ؟ فنهض عمر عن مجلسه ، وأخذ بتلبیبه

ص: 666


1- الریاض النضرة : 3 / 115.
2- وسیلة المآل : ص 119 باب 4.
3- المناقب : ص 160 ح 191.
4- الصواعق المحرقة : ص 179.

حتی شاله من الأرض ، ثمّ قال : أتدری من صغّرت ؟ هذا مولای ومولی کلِّ مسلم.

وفی الفتوحات الإسلامیّة (3 / 307) : حکم علیّ مرّة علی أعرابیّ بحکم ، فلم یرضَ بحکمه ، فتلبّبه عمر بن الخطّاب ، وقال له : ویلک إنَّه مولاک ومولی کلّ مؤمن ومؤمنة.

وأخرج الطبرانی : أنَّه قیل لعمر : إنَّک تصنع بعلیّ - أی من التعظیم - شیئاً لا تصنع مع أحد من أصحاب النبی صلی الله علیه وسلم فقال : إنَّه مولای. وذکره الزرقانی المالکی فی شرح المواهب (7 / 13) عن الدارقطنی.

فإنّ المولویّة الثابتة لأمیر المؤمنین التی اعترف بها عمر علی نفسه وعلی کلِّ مؤمن زِنَة ما اعترف به یوم غدیر خمّ ، وشفع ذلک بنفی الإیمان عمّن لا یکون الوصیّ

مولاه ، أی لم یعترف له بالمولویّة ، أو لم یکن هو مولیً له أی محبّاً أو ناصراً ، ولکن علی حدٍّ ینفی عنه الإیمان إن انتفی عنه ذلک الحبّ والنصرة ، لا ترتبط(1) إلّا مع ثبوت الخلافة له ، فإنّ الحبّ والنصرة العادیّین المندوب إلیهما بین عامّة المسلمین لا ینفی بانتفائه الإیمان ، ولا یمکن القول بذلک نظراً إلی ما شجر من الخلاف والتباغض بین الصحابة والتابعین حتی آل فی بعض الموارد إلی التشاتم ، والتلاکم ، وإلی المقاتلة ، والمناضلة ، وکان بعضها بمشهد من النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فلم ینفِ عنهم الإیمان ، ولا غمز القائلون بعدالة الصحابة أجمع فی أحد منهم بذلک ، فلم یبق إلّا أن تکون الولایة التی هذه صفتها معناها الإمامة الملازمة للأولویة المقصودة ، سواء أوعز عمر بکلمته هذه إلی حدیث الغدیر کما تومی إلیه روایة الحافظ محبّ الدین الطبری لها فی ذیل أحادیث الغدیر ، أو أنَّه أرسلها حقیقة راهنة ثابتة عنده من شتّی النواحی.

تذییل :

عزا ابن الأثیر فی النهایة(2) (4 / 246) ، والحلبی فی السیرة(3) (3 / 304)

ص: 667


1- الجملة الفعلیة خبر ل- (إنَّ) فی قوله السابق أوّل الفقرة : فإنّ المولویّة ....
2- النهایة فی غریب الحدیث والأثر : 5 / 228.
3- السیرة الحلبیة : 3 / 277.

وبعض آخر إلی القیل ، وذکروا أنَّ السبب فی قوله صلی الله علیه وآله وسلم : «من کنت مولاه» : أنَّ أُسامة بن زید قال لعلیّ : لست مولای ، إنَّما مولای رسول الله ، فقال صلی الله علیه وآله وسلم : «من کنت مولاه فعلیّ مولاه».

إنَّ من روی هذه الروایة المجهولة أراد حطّاً من عظمة الحدیث ، وتحطیماً لمنعته فصوّره بصورة مصغّرةٍ لا تعدو عن أن تکون قضیّة شخصیّة ، وحواراً بین اثنین من أفراد الأمّة ، أصلحه رسول الله بکلمته هذه ، وهو یجهل أو یتجاهل عن أنَّه تَخْصمه علی تلک المزعمة الأحادیثُ المتضافرة فی سبب الإشادة بذلک الذکر الحکیم من نزول آیة التبلیغ إلی مقدّمات ومقارنات أخری لا یلتئم شیء منها مع هذه الأکذوبة ، ومثلها الآیة الکریمة الناصّة بکمال الدین ، وتمام النعمة ، ورضا الربّ بذلک الهتاف المبین ، ولیست هذه العظمة من قیمة الإصلاح بین رجلین تلاحیا ، لکن ذهب علی الرجل أنَّه لم یزد إلّا تأکیداً فی المعنی وحجّة علی الخصم علی تقدیر الصحّة.

فهب أنَّ السبب لذلک البیان الواضح هو ما ذکر ، لکنّا نقول : إنَّ ما أنکره أُسامة علی أمیر المؤمنین علیه السلام من معنی المولی ، وأثبته لرسول الله خاصّة دون أیّ أحد ، لا بدّ أن یکون شیئاً فیه تفضیل لا معنیً ینوء به کلُّ أحد حتی أُسامة نفسه ، ولا تفاضل بین المسلمین من ناحیته فی الجملة ، وذلک المعنی المستنکر المثبت لا یکون إلّا الأولویّة أو ما یجری مجراها من معانی المولی.

ونقول : إنَّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم لمّا علم أنَّ فی أُمّته من لا یلاحی ابن عمّه ویناوئه بالقول ، ویخشی أن یکون له مغبّة وخیمة تؤول إلی مضادّته ، ونصْب العراقیل أمام سیره الإصلاحیّ من بعده ، عقد ذلک المحتشد العظیم فنوّه بموقف وصیّه من الدین ، وزلفته منه ، ومکانته من الجلالة ، وأنَّه لیس لأحد من أفراد الأمّة أن یقابله بشیء من القول أو العمل ، وإنَّما علیهم الطاعة له ، والخضوع لأمره ، والرضوخ لمقامه ، وأنَّه

یجری فیهم مجراه من بعده ، فاکتسح بذلک المعاثر عن خطّته ، وألحب السَّنَن إلی

ص: 668

طاعته ، وقطع المعاذیر عن محادّته بخطبته التی ألقاها ، ونحن لم نألُ جُهداً فی إفاضة القول فی مفاده.

ویشبه هذا ما أخرجه أحمد بن حنبل فی مسنده(1) (5 / 347) وآخرون عن بُریدة قال : غزوت مع علیٍّ الیمن ، فرأیت منه جَفوةً ، فلمّا قدمتُ علی رسول الله صلی الله علیه وسلم ذکرت علیّاً فتنقّصتُه ، فرأیت وجه رسول الله یتغیّر ، فقال : «یا بریدة ألستُ أولی بالمؤمنین من أنفسهم ؟ قلت : بلی یا رسول الله.

قال : من کنتُ مولاه فعلیٌّ مولاه».

فکأنّ راوی هذه القصّة کراوی سابقتها أراد تصغیراً من صورة الأمر ، فصبّها فی قالب قضیّة شخصیّة ، ونحن لا یهمّنا ثبوت ذلک بعد ما أثبتنا حدیث الغدیر بطرقه المُرْبیة علی التواتر ، فإنّ غایة ما هنالک تکریره صلی الله علیه وآله وسلم اللفظ بصورة نوعیّة تارة ، وفی صورة شخصیّة أخری ، لتفهیم بُریدة أنَّ ما حسبه جَفوة من أمیر المؤمنین لا یسوغ له الوقیعة فیه علی ما هو شأن الحکّام المفوّض إلیهم أمر الرعیّة ، فإذا جاء الحاکم بحکم فیه الصالح العامّ ، ولم یرُقْ ذلک لفرد من السُّوقة ، لیس له أن یتنقّصه ؛ فإنّ الصالح العامّ لا یدحضه النظر الفردیُّ ، ومرتبة الولایة حاکمة علی المبتغیات الشخصیّة ، فأراد صلی الله علیه وآله وسلم أن یُلزم بُریدة حدّه ، فلا یتعدّی طوره بما أثبته لأمیر المؤمنین من الولایة العامّة نظیر ما ثبت له صلی الله علیه وآله وسلم بقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «ألست أولی بالمؤمنین من أنفسهم ؟»

(هَ-ذَا بَیَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًی وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِینَ)(2)

ص: 669


1- مسند أحمد : 6 / 476 ح 22436.
2- آل عمران : 138.

ص: 670

الأحادیث المُفَسِّرة لمعنی المولی والولایة

وقبل هذه القرائن کلّها تفسیر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم نفسه معنی لفظه وبعده مولانا أمیر المؤمنین علیه السلام حذو القذّة بالقذّة.

أخرج القرشیّ علیّ بن حمید فی شمس الأخبار(1) (ص 38) ، نقلاً عن سلوة العارفین - للموفّق بالله الحسین بن إسماعیل الجرجانی ، والد المرشد بالله - بإسناده عن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم أنَّه لمّا سُئل عن معنی قوله : «من کنتُ مولاه فعلیّ مولاه» ، قال :

«الله مولای ؛ أَولی بی من نفسی لا أمرَ لی معه ، وأنا مولی المؤمنین ؛ أَولی بهم من أنفسهم لا أمرَ لهم معی ، ومن کنتُ مولاه أَولی به من نفسه لا أمرَ له معی ، فعلیٌّ مولاه أَولی به من نفسه لا أمرَ له معه».

ومرّ فی صفحة (200) فی حدیث احتجاج عبدالله بن جعفر علی معاویة قوله : یا معاویة إنّی سمعتُ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول علی المنبر وأنا بین یدیه ، وعمر بن أبی سلمة ، وأُسامة بن زید ، وسعد بن أبی وقّاص ، وسلمان الفارسی ، وأبو ذرّ ، والمقداد ، والزبیر بن العوّام ، وهو یقول :

«ألستُ أَولی بالمؤمنین من أنفسهم ؟ فقلنا : بلی یا رسول الله.

ص: 671


1- مسند شمس الأخبار : 1 / 102 باب 7. نقلاً عن الأنوار وأمالی المؤیّد.

قال : ألیس أزواجی أمّهاتکم ؟ قلنا : بلی یا رسول الله.

قال : من کنتُ مولاه فعلیٌّ مولاه ، أَولی به من نفسه» ، وضرب بیده علی منکب علیّ ، فقال : «أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه ، أیُّها الناس أنا أَولی بالمؤمنین من أنفسهم لیس لهم معی أمر ، وعلیّ من بعدی أولی بالمؤمنین من أنفسهم لیس لهم معه أمر ...» - إلی أن قال عبدالله - :

ونبیّنا صلی الله علیه وآله وسلم قد نصب لأُمّته أفضل الناس وأَولاهم وخیرهم بغدیر خُمّ وفی غیر موطن ، واحتجّ علیهم به ، وأمرهم بطاعته ، وأخبرهم أنَّه منه بمنزلة هارون من موسی ، وأنَّه ولیّ کلّ مؤمن من بعده ، وأنَّه کلُّ من کان هو ولیّه فعلیّ ولیّه ، ومن کان أَولی به من نفسه فعلیّ أَولی به ، وأنَّه خلیفته فیهم ووصیّه. الحدیث.

ومرّ (ص 165) فیما أخرجه شیخ الإسلام الحمّوئی فی حدیث احتجاج أمیر المؤمنین علیه السلام أیّام عثمان قوله : «ثمّ خطب رسول الله صلی الله علیه وسلم فقال :

أیّها الناس أتعلمون أنَّ الله عزّ وجلّ مولای ، وأنا مولی المؤمنین ، وأنا أَولی بهم من أنفسهم ؟ قالوا : بلی یا رسول الله.

قال : قم یا علیُّ ، فقمت ، فقال : من کنتُ مولاهُ فعلیٌّ مولاه ، أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه.

فقام سلمان ، فقال : یا رسول الله ولاءٌ کمَاذا ؟ قال : ولاءٌ کَوِلای ؛ من کنتُ أَولی

به من نفسه فعلیٌّ أَولی به من نفسه».

وسبق (ص 196) فی حدیث مناشدة أمیر المؤمنین علیه السلام یوم صفِّین قوله : ثمّ قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «أیّها الناس إنَّ الله مولای وأنا مولی المؤمنین وأَولی بهم من أنفسهم ، من کنتُ مولاه فعلیٌّ مولاه ، أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله.

ص: 672

فقام إلیه سلمان الفارسی ، فقال : یا رسول الله ولاءٌ کماذا ؟ فقال : ولاءٌ کَوِلای ؛ من کنت أَولی به من نفسه فعلیّ أَولی به من نفسه».

وروی الحافظ العاصمی فی زین الفتی قال : سُئل علیُّ بن أبی طالب عن قول النبیِّ صلی الله علیه وسلم : «من کنت مولاه فعلیٌّ مولاه». فقال : «نصبنی عَلماً إذ أنا قمت ، فمن خالفنی فهو ضالٌّ».

یرید علیه السلام بالقیام قیامه فی ذلک المشهد - یوم الغدیر - لمّا أمره به رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لیرفعه فیعرِّفه ، وینصبه عَلَماً للأُمّة ، وقد مرّ ذلک (ص 15 ، 23 ، 165 ، 217) ، وأشار إلیه حسّان فی ذلک الیوم بقوله :

فقال له قم یا علیُّ فإنّنی

رضیتُکَ من بعدی إماماً وهادیاً

وفی حدیث رواه السیّد الهمدانی فی مودّة القربی(1) : فقال - رسول الله - : «معاشر الناس ألیس الله أَولی بی من نفسی یأمرنی وینهانی ، ما لی علی الله أمر ولا نهی ؟ قالوا : بلی یا رسول الله.

قال : من کان الله وأنا مولاه فهذا علیٌّ مولاه ؛ یأمرکم وینهاکم ما لکم علیه من أمر ولا نهی ، أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه ، وانصُر من نصره ، واخذُل من خذله ، أللّهمّ أنت شهید علیهم ، أنِّی قد بلّغت ونصحت».

وقال الإمام الحافظ الواحدی بعد ذکر حدیث الغدیر : هذه الولایة التی أثبتها النبیّ صلی الله علیه وسلم لعلیٍّ مسؤولٌ عنها یوم القیامة ، رُوی فی قوله تعالی : (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ)(1) أی عن ولایة علیّ علیه السلام والمعنی : أنَّهم یُسألون هل والوه حقّ الموالاة کما أوصاهم النبیُّ صلی الله علیه وسلم أم أضاعوها وأهملوها فتکون علیهم المطالبة والتبعة ؟

ص: 673


1- الصافّات : 24.

وذکره وأخرج حدیثه شیخ الإسلام الحمّوئی فی فرائد السمطین فی الباب الرابع عشر(1) ، وجمال الدین الزرندی فی نظم درر السمطین(2) ، وابن حجر فی الصواعق(3) (ص 89) ، والحضرمی فی الرشفة (ص 24).

وأخرج الحمّوئی(4) من طریق الحاکم أبی عبدالله بن البیِّع(5) عن محمد بن المظفّر قال : حدّثنا عبدالله بن محمد بن غزوان ، حدّثنا علیّ بن جابر ، حدّثنا محمد بن خالد بن عبدالله ، حدّثنا محمد بن فضیل ، حدّثنا محمد بن سوقة عن إبراهیم عن الأسود عن عبدالله بن مسعود قال : قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم :

«أتانی ملک فقال : یا محمد سَلْ من أرسلنا قبلک من رسلنا علی ما بُعثوا ؟

[قال : قلت : علی ما بعثوا ؟ قال](6) : علی ولایتک وولایة علیّ بن أبی طالب».

وقال(7) : ورُوی عن علیّ علیه السلام أنَّه قال : «جُعلت الموالاة أصلاً من أصول الدین» ، وأخرج(8) من طریق الحاکم ابن البیِّع : حدّثنا محمد بن علیّ ، حدّثنا أحمد بن حازم ، حدّثنا عاصم بن یوسف الیربوعی ، عن سفیان بن إبراهیم الحرنوی ، عن أبیه ، عن أبی صادق ، قال : قال علیّ :

«أصول الإسلام ثلاثة لا ینفع واحد منها دون صاحبه : الصلاة ، والزکاة ، والموالاة».

ومرّ (ص 382) عن عمر بن الخطّاب نفی الإیمان عمّن لا یکون أمیرالمؤمنین مولاه.

ص: 674


1- فرائد السمطین : 1 / 79 ح 47.
2- نظم درر السمطین : ص 109.
3- الصواعق المحرقة : ص 149.
4- فرائد السمطین : 1 / 81 ح 52.
5- معرفة علوم الحدیث : ص 96.
6- ما بین المعقوفین أثبتناه من المصدر.
7- و (8) فرائد السمطین : 1 / 79 ح 48 و 49.

وقال الآلوسی فی تفسیره(1) (23 / 74) فی قوله تعالی (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ) بعد عدّ الأقوال فیها :

وأَولی هذه الأقوال أنَّ السؤال عن العقائد والأعمال ، ورأس ذلک لا إله إلّا الله ، ومن أجلّه ولایة علیٍّ کرّم الله تعالی وجهه.

ومن طریق البیهقی عن الحافظ الحاکم النیسابوری بإسناده عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم :

«إذا جمع الله الأوّلین والآخرین یوم القیامة ، ونصب الصراط علی جسر جهنّم لم یَجُزها أحدٌ إلّا من کانت معه براءة بولایة علیّ بن أبی طالب». وأخرجه محبّ الدین الطبری فی الریاض(2) (2 / 172).

ولا یسعنا المجال لذکر ما وقفنا علیه من المصادر الکثیرة المذکور فیها ما ورد فی قوله تعالی : (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ) ، وقوله : (وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِکَ مِن رُّسُلِنَا)(3) ، وما أخرجه الحفّاظ عن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم من حدیث البراءة والجواز ، فلا

أحسب أنَّ ضمیرک الحرّ یحکم بملاءمة هذه کلّها مع معنیً أجنبیٍّ عن الخلافة والأولویّة علی الناس من أنفسهم ، ویراه مع ذلک أصلاً من أصول الدین ، ویُنفی الإیمان بانتفائه ، ولا یری صحّة عمل عامل إلّا به.

وهذه الأولویّة المعدودة من أصول الدین والمولویّة التی یُنفی الإیمان بانتفائها - کما مرّ فی کلام عمر (ص 382) - صرّح بها عمر لابن عبّاس فی کلامه الآخر ، ذکره الراغب فی محاضراته(4) (2 / 213) عن ابن عبّاس قال :

کنت أسیر مع عمر بن الخطّاب فی لیلة وعمر علی بغل وأنا علی فرس ، فقرأ

ص: 675


1- روح المعانی : 23 / 80.
2- الریاض النضرة : 3 / 116.
3- الزخرف : 45.
4- محاضرات الأدباء : مج 2 / ج 4 / 478.

آیة فیها ذکر علیّ بن أبی طالب ، فقال : أما والله یا بنی عبدالمطّلب لقد کان علیٌّ فیکم أَولی بهذا الأمر منّی ومن أبی بکر.

فقلت فی نفسی : لا أقالنی الله إن أَقَلْته ، فقلت : أنت تقول ذلک یا أمیر المؤمنین ، وأنت وصاحبک وَثَبْتُما وأفرغتما(1) الأمر منّا دون الناس.

فقال : إلیکم یا بنی عبدالمطّلب ، أما إنَّکم أصحاب عمر بن الخطّاب ، فتأخّرتُ وتقدّم هنیهة ، فقال : سِر ، لا سرتَ ، وقال : أعد علیّ کلامک.

فقلت : إنَّما ذکرتَ شیئاً فرددتُ علیک جوابه ، ولو سکتَّ سکتنا.

فقال : إنَّا والله ما فعلنا الذی فعلنا عن عداوة ، ولکن استصغرناه ، وخشینا أن لا یجتمع علیه العرب وقریش لِمَا قد وترها.

قال : فأردتُ أن أقول : کان رسول الله صلی الله علیه وسلم یبعثه ، فینطح کبشها ، فلم یستصغره ، أفتستصغره أنت وصاحبک ؟

فقال : لا جرم ، فکیف تری ؟ والله ما نقطع أمراً دونه ، ولا نعمل شیئاً حتی نستأذنه.

وفی شرح نهج البلاغة(2) (2 / 20) قال عمر : یا ابن عبّاس أما والله إنَّ صاحبک هذا لأَولی الناس بالأمر بعد رسول الله صلی الله علیه وسلم إلّا أنَّا خفناه علی اثنین .... - إلی أن قال ابن عبّاس - : فقلت : وما هما یا أمیر المؤمنین ؟

قال : خفناه علی حداثة سنِّه ، وحبِّه بنی عبدالمطّلب ، وفی (2 / 115) : کرهناه علی حداثة السنِّ وحبِّه بنی عبدالمطّلب.

والشهادة بولایة أمیر المؤمنین بالمعنی المقصود هی نور وحکمة مودوعة فی

ص: 676


1- فی المصدر : وافترعتما.
2- شرح نهج البلاغة : 6 / 50 خطبة 66 و 12 / 82 خطبة 223.

قلوب موالیه علیه السلام ودونها کانت تُشَدُّ الرحال ، ولتعیین حامل عبئها کانت تبعث الرسل ، کما ورد فیما أخرجه البیهقی فی المحاسن والمساوئ(1) (1 / 30) فی حدیث طویل جری بین ابن عبّاس ورجل من أهل الشام من حمص ففیه :

قال الشامیّ : یا ابن عبّاس إنَّ قومی جمعوا لی نفقة ، وأنا رسولهم إلیک وأمینهم ، ولا یسعک أن تردّنی بغیر حاجتی ، فإنّ القوم هالکون فی أمر علیّ ، ففرّج

عنهم فرّج الله عنک.

فقال ابن عبّاس : یا أخا أهل الشام إنَّ مَثَل علیٍّ فی هذه الأمّة فی فضله وعلمه کمثل العبد الصالح الذی لقیه موسی علیه السلام - ثمّ ذکر حدیث أمّ سلمة ، وفیه لعلیٍّ فضائل جمّة - فقال الشامیّ یا ابن عبّاس ملأتَ صدری نوراً وحکمةً ، وفرّجتَ عنّی فرّج الله عنک ، أشهد أنَّ علیّاً رضی الله عنه مولای ومولی کلّ مؤمن ومؤمنة.

(وَهَ-ذَا صِرَاطُ رَبِّکَ مُسْتَقِیمًا قَدْ فَصَّلْنَا الْآیَاتِ لِقَوْمٍ یَذَّکَّرُونَ)(2)

ص: 677


1- المحاسن والمساوئ : ص 43 - 45.
2- الأنعام : 126.

ص: 678

کلمات حول مفاد الحدیث للأعلام الأئمّة فی تآلیفهم

لقد تمخّضت الحقیقة عن معنی المولی ، وظهرت بأجلی مظاهرها ؛ بحیث لم یبقَ للخصم مُنتَدَح عن الخضوع لها ، إلّا من یبغی لِداداً ، أو یرتاد انحرافاً عن الطریقة المُثلی ، ولقد أوقَفَنا السیر علی کلمات دُرِّیة لجمع من العلماء حداهم التنقیب إلی صُراح الحقّ ، فلهجوا به غیر آبهین بما هنالک من جلبة ولغط ، فإلیک عیون ألفاظهم :

1 - قال ابن زولاق الحسن بن إبراهیم ، أبو محمد المصریّ : المتوفّی (387) فی تاریخ مصر :

وفی ثمانیة عشر من ذی الحجّة سنة (362) - وهو یوم الغدیر - تجمّع خلق من أهل مصر والمغاربة ومن تبعهم للدعاء ؛ لأنّه یوم عید ؛ لأنّ رسول الله صلی الله علیه وسلم عهد إلی أمیر المؤمنین علیّ بن أبی طالب فیه واستخلفه(1).

یعرب هذا الکلام عن أنَّ ابن زولاق - وهو ذلک العربیّ المتضلِّع - لم یفهم من الحدیث إلّا المعنی الذی نرتئیه ، ولم یر ذلک الیوم إلّا یوم عهدٍ إلی أمیر المؤمنین واستخلاف.

ص: 679


1- وحکاه عنه المقریزی فی الخطط : 2 / 222 [1 / 389]. (المؤلف)

2 - قال الإمام أبو الحسن الواحدیّ : المتوفّی (468) بعد ذکر حدیث الغدیر : هذه الولایة التی أثبتها النبیّ صلی الله علیه وسلم لعلیّ مسؤول عنها یوم القیامة.

راجع تمام العبارة (ص 387).

3 - قال حجّة الإسلام أبو حامد الغزالی : المتوفّی (505) فی کتابه سرّ العالمین(1) (ص 9) :

اختلف العلماء فی ترتیب الخلافة وتحصیلها لمن آل أمرها إلیه ، فمنهم من زعم أنَّها بالنصّ ، ودلیلهم فی المسألة قوله تعالی : (قُل لِّلْمُخَلَّفِینَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَی قَوْمٍ أُولِی بَأْسٍ شَدِیدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ یُسْلِمُونَ فَإِن تُطِیعُوا یُؤْتِکُمُ اللَّ-هُ أَجْرًا حَسَنًا وَإِن تَتَوَلَّوْا کَمَا تَوَلَّیْتُم مِّن قَبْلُ یُعَذِّبْکُمْ عَذَابًا أَلِیمًا)(2) وقد دعاهم أبو بکر رضی الله عنه بعد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إلی الطاعة فأجابوا ، وقال بعض المفسِّرین فی قوله تعالی : (وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِیُّ إِلَی بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِیثًا)(3) قال فی الحدیث : إنَّ أباکِ هو الخلیفة من بعدی یا حُمیراء. وقالت امرأة : إذا فقدناک فإلی من نرجع ؟ فأشار إلی أبی بکر. ولأنّه أمَّ بالمسلمین(4) علی بقاء رسول الله ، والإمامة عماد الدین.

هذا جملةُ ما یتعلّق به القائلون بالنصوص ، ثمّ تأوّلوا وقالوا : لو کان علیٌّ أوّل الخلفاء لانسحب علیهم ذیل الفناء ، ولم یأتوا بفتوح ولا مناقب ، ولا یقدح فی کونه رابعاً ، کما لا یقدح فی نبوّة رسول الله صلی الله علیه وسلم إذا کان آخراً ، والذین عدلوا عن هذا الطریق زعموا أنَّ هذا وما یتعلّق به فاسد وتأویل بارد جاء علی زعمکم وأهویتکم ، وقد وقع

ص: 680


1- لا شکّ فی نسبة الکتاب إلی الغزالی ، فقد نصّ علیه الذهبی فی میزان الاعتدال [1 / 500 رقم 1872] فی ترجمة الحسن بن صباح الإسماعیلی ، وینقل عنه قصّته - وصرّح بها سبط ابن الجوزی فی التذکرة : ص 36 [ص 62] - وشطراً من الکلام المذکور. (المؤلف)
2- الفتح : 16 .
3- التحریم : 3.
4- کذا فی المصدر.

المیراث فی الخلافة والأحکام مثل داود ، وزکریا ، وسلیمان ، ویحیی. قالوا : کان لأزواجه ثُمن الخلافة ، فبهذا تعلّقوا ، وهذا باطل إذ لو کان میراثاً لکان العبّاس أولی.

لکن أسفرت الحجّة وجهها ، وأجمع الجماهیر علی متن الحدیث من خطبته فی یوم غدیر خُمّ باتِّفاق الجمیع ، وهو یقول : «من کنتُ مولاه فعلیّ مولاه». فقال عمر : بخٍ بخٍ [لک] یا أبا الحسن لقد أصبحت مولای ومولی کلِّ مؤمن ومؤمنة ، فهذا تسلیم ، ورضا وتحکیم ، ثمّ بعد هذا غلب الهوی لحبِّ الرئاسة ، وحمل عمود الخلافة ، وعقود البنود ، وخفقان الهوی فی قعقعة الرایات ، واشتباک ازدهام(1) الخیول ، وفتح الأمصار سقاهم کأس الهوی ، فعادوا إلی الخلاف الأوّل فنبذوه وراء ظهورهم ، واشتروا به ثمناً قلیلاً فبئس ما یشترون(2).

4 - قال شمس الدین سبط ابن الجوزی الحنفیّ : المتوفّی (654) فی تذکرة خواص الأمّة(3) (ص 18) :

اتّفق علماء السِّیَر أنَّ قصّة الغدیر کانت بعد رجوع النبیّ صلی الله علیه وسلم من حجّة الوداع فی الثامن عشر من ذی الحجّة ، جمع الصحابة وکانوا مائة وعشرین ألفاً ، وقال : «من کنت مولاه فعلیٌّ مولاه». الحدیث. نصّ صلی الله علیه وسلم علی ذلک بصریح العبارة دون التلویح والإشارة.

وذکر أبو إسحاق الثعلبی فی تفسیره(4) بإسناده : أنَّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم لمّا قال ذلک طار فی الأقطار ، وشاع فی البلاد والأمصار. ثمّ ذکر ما مرّ فی آیة (سَأَلَ) ، فقال :

فأمّا قوله : «من کنت مولاه» فقال علماء العربیّة : لفظ المولی ترد علی وجوه.

ص: 681


1- الازدهام : القرب.
2- سرّ العالمین : ص 20.
3- تذکرة الخواص : ص 30.
4- الکشف والبیان : الورقة 234 سورة المعارج : آیة 1.

ثمّ ذکر من معانی المولی تسعة(1) ، فقال :

والعاشر بمعنی الأَولی ، قال الله تعالی : (فَالْیَوْمَ لَا یُؤْخَذُ مِنکُمْ فِدْیَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِینَ کَفَرُوا مَأْوَاکُمُ النَّارُ هِیَ مَوْلَاکُمْ)(2). ثمّ طفق یبطل إرادة کلٍّ من المعانی المذکورة واحداً واحداً فقال :

والمراد من الحدیث الطاعة المحضة المخصوصة ، فتعیّن الوجه العاشر ، وهو : الأَولی ومعناه : من کنت أولی به من نفسه فعلیٌّ أَولی به ، وقد صرّح بهذا المعنی الحافظ أبو الفرج یحیی بن سعید الثقفی الأصبهانی فی کتابه المسمّی ب- (مرج البحرین) فإنّه روی هذا الحدیث بإسناده إلی مشایخه وقال فیه : فأخذ رسول الله صلی الله علیه وسلم بید علیٍّ علیه السلام فقال : «من کنتُ ولیّه وأَولی به من نفسه فعلیٌّ ولیّه» ، فعلم أنَّ جمیع المعانی راجعة إلی الوجه العاشر ، ودلّ علیه أیضاً قوله علیه السلام : «ألست أَولی بالمؤمنین من أنفسهم ؟» ، وهذا نصّ صریح فی إثبات إمامته وقبول طاعته ، وکذا قوله صلی الله علیه وسلم : «وأَدِرِ الحقّ معه حیثما دار وکیفما دار».

5 - قال کمال الدین بن طلحة الشافعیّ : المتوفّی (652) فی مطالب السؤول (ص 16) بعد ذکر حدیث الغدیر ونزول آیة التبلیغ فیه :

فقوله صلی الله علیه وسلم : «من کنتُ مولاه فعلیٌّ مولاه» قد اشتمل علی لفظة (من) وهی موضوعة للعموم ، فاقتضی أنَّ کلّ إنسان کان رسول الله صلی الله علیه وسلم مولاه کان علیٌّ مولاه ، واشتمل علی لفظه (المولی) وهی لفظةٌ مستعملةٌ بإزاء معانٍ متعدِّدة قد ورد القرآن الکریم بها ، فتارةً تکون بمعنی (أَولی) ، قال الله تعالی فی حقّ المنافقین : (مَأْوَاکُمُ النَّارُ هِیَ مَوْلَاکُمْ) معناه : أَولی بکم.

ص: 682


1- وهی المالک ، المعتِق - بالکسر - ، المعتَق - بالفتح - ، الناصر ، ابن العمّ ، الحلیف ، المتولّی لضمان الجریرة ، الجار ، السیّد المطاع. (المؤلف)
2- الحدید : 15.

ثمّ ذکر من معانیها : الناصر والوارث والعصبة والصدیق والحمیم والمعتِق ، فقال :

وإذا کانت واردةً لهذه المعانی فعلی أیِّها حملت ؟ أمّا علی کونه أَولی ، کما ذهب إلیه طائفة ، أو علی کونه صدیقاً حمیماً ، فیکون معنی الحدیث : من کنت أَولی به أو ناصره أو وارثه أو عصبته أو حمیمه أو صدیقه فإنّ علیّاً منه کذلک. وهذا صریح فی تخصیصه لعلیٍّ علیه السلام بهذه المنقبة العلیّة وجعله لغیره کنفسه بالنسبة إلی من دخلت علیهم کلمة (من) التی هی للعموم بما لا یجعله لغیره.

ولیُعلَم أنَّ هذا الحدیث هو من أسرار قوله تعالی فی آیة المباهلة : (قُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَکُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَکُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَکُمْ)(1) ، والمراد نفس علیٍّ علی ما تقدّم ، فإنّ الله تعالی لمّا قرن بین نفس رسول الله صلی الله علیه وسلم وبین نفس علیٍّ وجمعهما بضمیر مضافٍ إلی رسول الله صلی الله علیه وسلم أثبت رسول الله لنفس علیّ بهذا الحدیث ما هو ثابت لنفسه علی المؤمنین عموماً ، فإنّه صلی الله علیه وسلم أَولی بالمؤمنین ، وناصر المؤمنین ، وسیّد المؤمنین ، وکلّ معنیً أمکن إثباته ممّا دلّ علیه لفظ المولی لرسول الله فقد جعله

لعلیٍّ علیه السلام وهی مرتبة سامیة ، ومنزلة سامقة ، ودرجة علیّة ، ومکانة رفیعة ، خصّصه بها دون غیره ، فلهذا صار ذلک الیوم یوم عید وموسم سرور لأولیائه.

تقریر ذلک وشرحه وبیانه : إعلم أظهرک الله بنوره علی أسرار التنزیل ، ومنحک بلطفه تبصرةً تهدیک إلی سواء السبیل ، أنَّه لَمّا کان من محامل لفظة (المولی)

الناصرُ ، وأنَّ معنی الحدیث : من کنتُ مولاه فعلیٌّ ناصره ، فیکون النبیُّ صلی الله علیه وسلم قد وصفِ علیّاً بکونه ناصراً لکلّ من کان النبیُّ ناصره ، فإنّه ذکر ذلک بصیغة العموم ، وإنَّما أثبت النبیُّ هذه الصفة - وهی الناصریّة - لعلیٍّ لَمّا أثبتها الله عزوجل لعلیٍّ ، فإنّه نقل الإمام أبو

ص: 683


1- آل عمران : 61.

إسحاق الثعلبی یرفعه بسنده فی تفسیره(1) إلی أسماء بنت عمیس قالت : لمّا نزل قوله تعالی : (وَإِن تَظَاهَرَا عَلَیْهِ فَإِنَّ اللَّ-هَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِیلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِینَ)(2) سمعت رسول الله صلی الله علیه وسلم یقول : «صالح المؤمنین علیُّ بن أبی طالب علیه السلام» ، فلمّا أخبر الله فیما أنزله علی رسوله ، وأنَّ ناصره هو الله وجبریل وعلیٌّ ، یثبت الناصریّة لعلیّ ، فأثبتها

النبیُّ صلی الله علیه وسلم اقتداءً بالقرآن الکریم فی إثبات هذه الصفة له.

ثمّ وصفه صلی الله علیه وسلم بما هو من لوازم ذلک بصریح قوله ، رواه الحافظ أبو نعیم فی حلیته (1 / 66) بسنده : إنَّ علیّاً دخل علیه ، فقال : «مرحباً بسیِّد المسلمین ، وإمام المتّقین» فسیادة المسلمین وإمامة المتّقین لمّا کانت من صفات نفسه صلی الله علیه وسلم وقد عبّر الله تعالی عن نفس علیّ بنفسه ووصفه بما هو من صفاته ، فافهم ذلک.

ثمّ لم یزل صلی الله علیه وسلم یخصِّصه بعد ذلک بخصائص من صفاته نظراً إلی ما ذکرناه ، حتی روی الحافظ أیضاً فی حلیته (1 / 67) بسنده عن أنس بن مالک قال : قال رسول الله لأبی برزة وأنا أسمع : «یا أبا برزة إنَّ الله عهد إلیَّ فی علیّ بن أبی طالب أنَّه رایة الهدی ، ومنار الإیمان ، وإمام أولیائی ، ونور جمیع من أطاعنی ، یا أبا برزة علیٌّ إمام المتّقین ، من أحبّه أحبّنی ، ومن أبغضه أبغضنی ، فبشِّره بذلک» ، فإذا وضح لک هذا المستند ظهرت حکمة تخصیصه صلی الله علیه وسلم علیّاً بکثیر من الصفات دون غیره ، (وَفِی ذَلِکَ فَلْیَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ)(3).

6 - قال صدر الحفّاظ فقیه الحرمین أبو عبدالله الکنجیّ ، الشافعیّ : المتوفّی (658) فی کفایة الطالب(4) (ص 69) بعد ذکر قول رسول الله صلی الله علیه وسلم لعلیّ : «لو کنت

ص: 684


1- الکشف والبیان : الورقة 216 سورة التحریم : آیة 4.
2- التحریم : 4.
3- نقلنا هذا الکلام علی علّاته وإن کان لنا نظر فی بعض أجزائه. (المؤلف)
4- کفایة الطالب : ص 166 باب 36.

مستخلفاً أحداً لم یکن أحدٌ أحقّ منک لِقِدْمتک فی الإسلام ، وقرابتک من رسول الله ، وصهرک ، عندک فاطمة سیّدة نساء العالمین» :

وهذا الحدیث وإن دلّ علی عدم الاستخلاف ، لکن حدیث غدیر خُمّ دلیل علی التولیة ، وهی الاستخلاف ، وهذا الحدیث - أعنی حدیث غدیر خمّ - ناسخٌ ؛ لأنّه کان فی آخر عمره صلی الله علیه وسلم.

7 - قال سعید الدین الفرغانیّ : المتوفّی (699) - کما ذکره الذهبیُّ فی العبر(1) - فی شرح تائیّة ابن الفارض الحموی(2) المتوفّی (576) التی أوّلها :

سقتنی حُمیّا الحبِّ راحةُ مقلتی

وکأسی مُحَیّا من عن الحسن جلّتِ

فی شرح قوله :

وأوضح بالتأویل ما کان مشکلاً

علیٌّ بعلمٍ ناله بالوصیّة

وکذا هذا البیت مبتدأ محذوف الخبر تقدیره : وبیان علیّ - کرّم الله وجهه - وإیضاحه بتأویل ما کان مشکلاً من الکتاب والسنّة بواسطة علم ناله ؛ بأن جعله النبیُّ صلی الله علیه وسلم وصیّه ، وقائماً مقام نفسه بقوله : «من کنت مولاه فعلیٌّ مولاه» وذلک کان یوم غدیر خُمٍّ علی ما قاله - کرّم الله وجهه - فی جملة أبیات منها قوله :

وأوصانی النبیُّ علی اختیاری

لأمّته رضاً منه بحکمی

وأوجب لی ولایتَهُ علیکمْ

رسولُ اللهِ یومَ غدیرِ خُمِ

وغدیر خُمّ ماء علی منزل من المدینة علی طریق یقال له الآن طریق المشاة إلی

ص: 685


1- للفرغانی علی التائیة شرحان : فارسی سمّاه مشارق الدراری مطبوع فی إیران ، وعربی اسمه منتهی المدارک ، طبع فی مطبعة الصنائع فی اسطنبول سنة 1293 ، وکلامه هذا فی شرح البیت رقم 620 من التائیّة ، ویقع فی هذه الطبعة فی : 2 / 145. (الطباطبائی)

مکّة ، کان هذا البیان بالتأویل بالعلم الحاصل بالوصیّة من جملة الفضائل التی لا تُحصی خصّه بها رسول الله صلی الله علیه وسلم فورثها - علیه الصلاة والسلام - وقال :

وأمّا حصّة علیّ بن أبی طالب - کرّم الله وجهه - من العلم والکشف ، وکشف معضلات الکلام العظیم ، والکتاب الکریم الذی هو من أخصّ معجزاته صلی الله علیه وسلم بأوضح بیان بما ناله بقوله صلی الله علیه وسلم : «أنا مدینة العلم وعلیّ بابها» ، وبقوله : «من کنتُ مولاه فعلیٌّ مولاه» ، مع فضائل أُخر لا تُعَدُّ ولا تُحصی.

8 - قال علاء الدین أبو المکارم السمنانیّ ، البیاضیّ ، المکیّ : المتوفّی (736) فی

العروة الوثقی :

وقال لعلیّ - علیه السلام وسلام الملائکة الکرام - : «أنت منّی بمنزلة هارون من موسی ولکن لا نبیّ بعدی» ، وقال فی غدیر خُمّ بعد حجّة الوداع علی ملأ من المهاجرین والأنصار آخذاً بکتفه : «من کنتُ مولاه فعلیٌّ مولاه ، أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه» ، وهذا حدیث متّفق علی صحّته فصار سیّد الأولیاء ، وکان قلبه علی

قلب محمد - علیه التحیة والسلام - وإلی هذا السرِّ أشار سیّد الصدِّیقین صاحب غار

النبیِّ صلی الله علیه وسلم أبو بکر حین بعث أبا عبیدة بن الجراح إلی علیّ لاستحضاره بقوله : یا أبا عبیدة أنت أمین هذه الأمّة أبعثک إلی من هو فی مرتبة من فقدناه بالأمس ، ینبغی أن

تتکلّم عنده بحسن الأدب.

9 - قال الطیبیّ حسن بن محمد : المتوفّی (743) فی الکاشف فی شرح حدیث الغدیر :

قوله : «إنّی أَولی بالمؤمنین من أنفسهم» یعنی به قوله تعالی : (النَّبِیُّ أَوْلَی بِالْمُؤْمِنِینَ مِنْ أَنفُسِهِمْ)(1) أطلق فلم یُعرِّف بأیّ شیء هو أَولی بهم من أنفسهم ، ثمّ

ص: 686


1- الأحزاب : 6 .

قیّد بقوله : (وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ) ؛ لیؤذن بأنّه بمنزلة الأب ، ویؤیِّده قراءة ابن مسعود رضی الله عنه : (النَّبِیُّ أَوْلَی بِالْمُؤْمِنِینَ مِنْ أَنفُسِهِمْ) ، وهو أبٌ لهم. وقال مجاهد : کلّ نبیّ فهو أبو أُمّته ، ولذلک صار المؤمنون إخوة ، فإذن وقع التشبیه فی قوله : «من کنتُ مولاه فعلیٌّ مولاه» فی کونه کالأب ، فیجب علی الأمّة احترامه وتوقیره وبرُّه ، وعلیه رضی الله عنه أن یشفق علیهم ویرأف بهم رأفة الوالد علی الأولاد ، ولذا هنّأ عمر بقوله : یا ابن أبی طالب أصبحت وأمسیت مولی کلِّ مؤمن ومؤمنة.

10 - قال شهاب الدین بن شمس الدین دولت آبادی : المتوفّی (1049) فی هدایة السعداء :

وفی التشریح قال أبو القاسم رحمه الله : من قال : إنَّ علیّاً أفضل من عثمان فلا شیء علیه ؛ لأنّه قال أبو حنیفة رضی الله عنه وقال ابن مبارک : من قال : إنَّ علیّاً أفضل العالمین ، أو أفضل الناس ، وأکبر الکبراء فلا شیء علیه ؛ لأنّ المراد منه أفضل الناس فی عصره وزمان خلافته ، کقوله صلی الله علیه وسلم : «من کنتُ مولاه فعلیٌّ مولاه» ؛ أی فی زمان خلافته ، ومثل هذا الکلام قد ورد فی القرآن والأحادیث وفی أقوال العلماء بقدر لا یُحصی ولا

یُعدُّ.

وقال أیضاً فی هدایة السعداء وفی حاصل التمهید فی خلافة أبی بکر ودستور الحقائق :

إنَّ النبیَّ صلی الله علیه وسلم لمّا رجع من مکّة نزل فی غدیر خُمّ ، فأمر أن یُجمَع رحال الإبل ، فجعلها کالمنبر ، فصعد علیها ، فقال : «ألستُ أَولی بالمؤمنین من أنفسهم ؟».

فقالوا : نعم.

فقال النبیُّ صلی الله علیه وسلم : «من کنت مولاه فعلیٌّ مولاه ، أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله» ، وقال الله عزوجل : (إِنَّمَا وَلِیُّکُمُ اللَّ-هُ وَرَسُولُهُ

ص: 687

وَالَّذِینَ آمَنُوا الَّذِینَ یُقِیمُونَ الصَّلَاةَ وَیُؤْتُونَ الزَّکَاةَ وَهُمْ رَاکِعُونَ) قال أهل السنّة : المراد من الحدیث : «من کنتُ مولاه فعلیٌّ مولاه» ؛ أی فی وقت خلافته وإمامته(1).

11 - قال أبو شکور محمد بن عبدالسعید بن محمد الکشّی ، السالمیّ ، الحنفیّ فی التمهید فی بیان التوحید(2) :

قالت الروافض : الإمامة منصوصةٌ لعلیِّ بن أبی طالب رضی الله عنه بدلیل أنَّ النبیَّ صلی الله علیه وسلم جعله وصیّاً لنفسه وجعله خلیفةً من بعده ، حیث قال : «أما ترضی أن تکون منّی بمنزلة هارون من موسی إلّا أنَّه لا نبیّ بعدی» ، ثمّ هارون علیه السلام کان خلیفة موسی علیه السلام فکذلک علیٌّ رضی الله عنه. والثانی : وهو أن النبیّ علیه السلام جعله والیاً للناس لمّا رجع من مکّة ونزل

فی غدیر خُمّ ، فأمر النبیُّ أن یجمع رحال الإبل ، فجعلها کالمنبر ، وصعد علیها ، فقال :

«ألست بأولی المؤمنین(3) من أنفسهم ؟ فقالوا : نعم.

فقال صلی الله علیه وسلم : من کنتُ مولاه فعلیٌّ مولاه ، أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله» ، والله - جلَّ جلاله - یقول : (إِنَّمَا وَلِیُّکُمُ اللَّ-هُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِینَ آمَنُوا الَّذِینَ یُقِیمُونَ الصَّلَاةَ وَیُؤْتُونَ الزَّکَاةَ وَهُمْ رَاکِعُونَ) نزلت فی شأن علیّ رضی الله عنه ، دلّ علی أنَّه کان أَولی الناس بعد رسول الله صلی الله علیه وسلم.

ثمّ قال فی الجواب عمّا ذکر :

وأمّا قوله : بأنّ النبیّ علیه السلام جعله ولیّاً ، قلنا : أراد به فی وقته یعنی بعد عثمان رضی الله عنه ، وفی زمن معاویة رضی الله عنه ونحن کذا نقول ، وکذا الجواب عن قوله تعالی : (إِنَّمَا وَلِیُّکُمُ اللَّ-هُ

ص: 688


1- قصدنا من إیراد هذا القول وما یأتی بعده محض الموافقة فی المفاد ، وأمّا ظرف الولایة والأفضلیة فلا نصافق الرجل علیه ، وقد قدّمنا البحث عن ذلک مستقصیً ، وسیأتی فیه بیاننا الواضح. (المؤلف)
2- التمهید فی بیان التوحید : ص 167.
3- کذا فی المصدر.

وَرَسُولُهُ وَالَّذِینَ آمَنُوا ...) الآیة. فنقول : إنَّ علیّاً رضی الله عنه کان ولیّاً وأمیراً بهذا الدلیل فی أیّامه ووقته ، وهو بعد عثمان رضی الله عنه ، وأمّا قبل ذلک فلا.

12 - قال ابن باکثیر المکیّ ، الشافعیّ : المتوفّی (1047) فی وسیلة المآل فی عدِّ مناقب الآل(1) - بعد ذکر حدیث الغدیر بعدّة طرق - :

وأخرج الدارقطنی فی الفضائل عن معقل بن یسار رضی الله عنه قال : سمعت أبا بکر رضی الله عنه یقول : علیّ بن أبی طالب عترة رسول الله صلی الله علیه وسلم أی : الذین حثَّ النبیُّ صلی الله علیه وسلم علی التمسک بهم ، والأخذ بهدیهم ، فإنّهم نجوم الهدی من اقتدی بهم اهتدی ، وخصّه أبو بکر بذلک رضی الله عنه لأنّه الإمام فی هذا الشأن ، وباب مدینة العلم والعرفان ، فهو إمام الأئمّة ، وعالم الأمّة ، وکأنّه أخذ ذلک من تخصیصه صلی الله علیه وسلم له من بینهم یوم غدیر خُمّ بما سبق ، وهذا حدیث صحیح لا مِرْیة فیه ولا شکّ ینافیه ، ورُوی عن الجمِّ الغفیر من الصحابة ، وشاع واشتهر ، وناهیک بمجمع حِجّة الوداع.

13 - قال السیّد الأمیر محمد الیمنیّ : المتوفّی (1182) فی الروضة الندیّة شرح التحفة العلویّة(2) - بعد ذکر حدیث الغدیر بعدّة طرق - :

وتکلّم الفقیه حمید علی معانیه وأطال ، وننقل بعض ذلک ... - إلی أن قال - : ومنها قوله : أخذ بیده ورفعها ، وقال : «من کنت مولاه فهذا مولاه» ، والمولی إذا أُطلق من غیر قرینة فُهم منه أنَّه المالک المتصرِّف ، وإذا کان فی الأصل یُستعمل لمعانٍ عدّة منها : المالک للتصرّف ، ولذا إذا قیل : هذا مولی القوم سبق إلی الأفهام أنَّه المالک للتصرّف فی أُمورهم - ثمّ عدّ منها : الناصر وابن العمّ والمعتِق والمعتَق ، فقال - : ومنها : بمعنی الأَولی ، قال تعالی : (مَأْوَاکُمُ النَّارُ هِیَ مَوْلَاکُمْ) أی أولی بکم وبعذابکم.

وبعدُ فلو لم یکن السابق إلی الأفهام من لفظة (مولی) السابق المالک للتصرّف

ص: 689


1- وسیلة المآل فی عدّ مناقب الآل : ص 118 باب 4.
2- الروضة الندیّة شرح التحفة العلویّة : ص 159.

لکانت منسوبة إلی المعانی کلّها علی سواء ، وحملناها علیها جمیعاً ، إلّا ما یتعذّر فی حقّه علیه السلام من المُعتِق والمُعتَق ، فیدخل فی ذلک المالک للتصرّف ، والأَولی المفید ملک التصرّف علی الأمّة ، وإذا کان أَولی بالمؤمنین من أنفسهم کان إماماً ، ومنها قوله صلی الله علیه وسلم : «من کنت ولیّه فهذا ولیّه» ، والولیّ المالک للتصرّف بالسبق إلی الفهم ، وإن استعمل فی غیره ، وعلی هذا قال صلی الله علیه وسلم : «والسلطان ولیُّ من لا ولیَّ له» یرید ملک التصرّف فی عقد النکاح ، یعنی أنَّ الإمام له الولایة فیه حیث لا عصبة بطریق الحقیقة ، فإنّه یجب حملها علیها أجمع إذا لم یدلّ دلیل علی التخصیص.

14 - قال الشیخ أحمد العجیلیّ ، الشافعیّ فی ذخیرة المآل شرح عقد جواهر اللآل فی فضائل الآل - بعد ذکر حدیث الغدیر وقصّة الحارث بن النعمان الفهری - :

وهو من أقوی الأدلّة علی أنَّ علیّاً رضی الله عنه أَولی بالإمامة والخلافة والصداقة والنصرة والاتّباع باعتبار الأحوال والأوقات والخصوص والعموم ، ولیس فی هذا مناقضة لما سبق وما سیأتی - إن شاء الله تعالی - من أنَّ علیاً رضی الله عنه تکلّم فیه بعض من کان معه فی الیمن ، فلمّا قضی حجّه خطب بهذا تنبیهاً علی قدره وردّاً علی من تکلّم فیه کبُرَیدة ، فإنّه کان یُبغضه ، ولَمّا خرج إلی الیمن رأی جَفوةً فقصّه للنبیّ صلی الله علیه وسلم فجعل یتغیّر وجهه ، ویقول : «یا بُرَیدة ألست أَولی بالمؤمنین من أنفسهم ؟ من کنتُ مولاه فعلیّ مولاه ، لا تقع یا بُریدة فی علیّ ، فإنّ علیّاً منّی وأنا منه ، وهو ولیّکم بعدی»(1).

(وَهُدُوا إِلَی الطَّیِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَی صِرَاطِ الْحَمِیدِ)(2)

ص: 690


1- مرّ الکلام حول هذا الحدیث وأمثاله ص 383 ، 384. (المؤلف)
2- الحجّ : 24.

توضیح للواضح فی ظرف مفاد الحدیث

دعانا إلیه إغضاء غیر واحد(1) ممّن اعترف بالحقِّ فی مفاد الحدیث ؛ حیث وجده کالشمس الضاحیة بلجاً ونوراً ، أو تسالم علیه(2) عن لازم هذا الحقِّ ، وهو : أنَّه إذا ثبتت لمولانا أمیر المؤمنین خلافة الرسول صلی الله علیه وآله وسلم فإنّ لازمه الذی لا ینفکُّ عنه أن تکون الخلافة بلا فصل ، کما هو الشأن فی قول الملک الذی نصب أحدَ من یمتُّ إلیه

ولیَّ عهده من بعده ، أو من حضره الموت أوصی إلی أحد ، وأشهد علی ذلک ، فهل یحتمل الشهداء أو غیرهم أنَّ الملوکیّة للأوّل والوصایة للثانی تثبتان بعد ردحٍ من

الزمن مضی علی موت الملک والموصی ، أو بعد قیام أُناس آخرین بالأمر بعدهما ممّن لم یکن لهم ذکر عند عقد الولایة ، أو بیان الوصیّة ؟ وهل من المعقول مع هذا النصّ أن ینتخبوا للملوکیّة بعد الملک ، ولتنفیذ مقاصد الموصی بعده ، رجالاً ینهضون بذلک ، کما

هو المطّرد فیمن لا وصیّة له ولا عهد إلی أحد ؟ أللّهمّ لا ، لا یفعل ذلک إلّا من عزب عن الرأی ، فصدف عن الحقِّ الصراح.

وهلّا یوجد هناک من یجابه المنتخِبین - بالکسر - بأنّه لو کان للملِک نظر إلی غیر من عهد إلیه ، وللموصی جنوح إلی سوی من أفضی إلیه أمره ، فلماذا لم ینصّا علیه

ص: 691


1- راجع من کتابنا هذا ص 397 و 398. (المؤلف)
2- راجع شرح المواقف : 3 / 271 [8 / 361] ، والمقاصد : ص 290 [5 / 273] ، والصواعق : ص 26 [ص 43] ، والسیرة الحلبیة : 3 / 303 [3 / 274]. (المؤلف)

وهما یشهدانه ویعرفانه ؟ فأین أولئک الرجال لیجابهوا من مرّت علیک کلماتهم من أنَّ الولایة الثابتة لمولانا بنصِّ یوم الغدیر تثبت له فی ظرف خلافته الصوریّة بعد عثمان ؟ أوَ ما کان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یعرف المتقدِّمین علی ابن عمّه ، ویشهد موقفهم ، ویعلم بمقادیرهم من الحنکة ؟ فلماذا خصّ النصّ بعلیّ علیه السلام بعدما خاف أن یُدعی فیجیب ، وأمر الملأ الحضور أن یبایعوه ، ویبلّغ الشاهد الغائب(1) ؟ ولو کان یری لهم نصیباً من الأمر فلماذا أخّر البیان عن وقت الحاجة ؟ وهو أهمُّ فرائض الدین ، وأصلٌ من أصوله ، وبطبع الحال أنَّ الآراء فی مثله تتضارب - کما تضاربت - وقد یتحوّل الجدال

جلاداً ، والحوار قتالاً ، فبأیِّ مبرِّرٍ ترک نبیُّ الرحمة أُمّته سُدیً فی أعظم معالم الدین ؟

لم یفعل نبیّ الرحمة ذلک ، ولکن حسن ظنِّ القوم بالسلف الماضین العاملین فی أمر الخلافة ، المتوثّبین علی صاحبها لحداثة سنّه وحبّه بنی عبدالمطّلب - کما مرّ

(ص 389) - حداهم إلی أن یزحزحوا مفاد النصّ إلی ظرف الخلافة الصوریّة ، ولکن حسن الیقین برسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یُلزمنا بالقول بأنّه لم یترک واجبه من البیان الوافی لحاجة الأمّة. هدانا الله إلی سواء السبیل.

القربات یوم الغدیر

بما أنَّ هذا الیوم یوم أکمل الله به الدین ، وأتمّ النعمة علی عباده ، حیث رضی بمولانا أمیر المؤمنین إماماً علیهم ، ونصبه علماً للهدی ، یحدو بالأمّة إلی سَنَن السعادة وصراط حقٍّ مستقیم ، ویقیهم عن مساقط الهلَکَة ومهاوی الضلال ، فلن تجد بعد یوم المبعث النبویِّ یوماً قد أُسبغت فیه النعم ظاهرة وباطنة ، وشملت الرحمة الواسعة ،

أعظم من هذا الیوم الذی هو فرع ذلک الأساس المقدّس ومسدّد تلک الدعوة القدسیّة.

ص: 692


1- تجد هذه الجمل الثلاث فی غیر واحد من الأحادیث فیما تقدّم. (المؤلف)

کان من واجب کلِّ فرد من أفراد الملأ الدینی القیام بشکر تلکم النعم بأنواع من مظاهر الشکر ، والتزلّف إلیه سبحانه بما یتسنّی له من القُرَب من صلاة وصوم وبرٍّ وصلة رحم وإطعام واحتفال بالیوم بما یناسب الوقت والمجتمع ، وفی المأثور من ذلک أشیاء ، منها : الصوم.

حدیث صوم یوم الغدیر :

أخرج الحافظ أبو بکر الخطیب البغدادیّ : المتوفّی (463) فی تاریخه (8 / 290) عن عبدالله بن علیّ بن محمد بن بشران ، عن الحافظ علیّ بن عمر الدارقطنی ، عن أبی نصر حبشون الخلّال ، عن علیّ بن سعید الرملی ، عن ضمرة بن ربیعة ، عن عبدالله بن شوذب ، عن مطر الورّاق ، عن شهر بن حوشب ، عن أبی هریرة ، قال : من صام یوم ثمان عشر من ذی الحجّة کُتب له صیام ستین شهراً ، وهو یوم غدیر خُمّ لمّا أخذ النبیّ صلی الله علیه وسلم بید علیِّ بن أبی طالب ، فقال :

«ألستُ ولیَّ المؤمنین ؟ قالوا : بلی یا رسول الله.

قال : من کنتُ مولاه فعلیّ مولاه». فقال عمر بن الخطّاب : بَخٍ بَخٍ لک یا ابن أبی طالب أصبحت مولای ومولی کلِّ مسلم فأنزل الله : (الْیَوْمَ أَکْمَلْتُ لَکُمْ دِینَکُمْ) ، ومن صام یوم سبعة وعشرین من رجب ، کتب له صیام ستین شهراً ، وهو أوّل یوم نزل جبریل علیه السلام علی محمد صلی الله علیه وسلم بالرسالة.

ورواه بطریق آخر عن علیّ بن سعید الرملی. وأخرج العاصمی فی زین الفتی قال : أخبرنا محمد بن أبی زکریا ، أخبرنا أبو إسماعیل بن محمد الفقیه ، أخبرنا أبو محمد یحیی بن محمد العلویّ الحسینیّ ، أخبرنا إبراهیم بن محمد العامّی ، أخبرنا حبشون بن موسی البغدادیّ ، حدّثنا علیّ بن سعید الشامیّ ، حدّثنا ضمرة عن ابن شوذب ... إلی

آخر السند والمتن المذکورین من دون ذکر صوم المبعث.

ص: 693

وأخرجه ابن المغازلی الشافعیّ فی مناقبه(1) عن أبی بکر أحمد بن محمد بن طاوان ، قال : أخبرنا أبو الحسین أحمد بن الحسین بن السمّاک ، حدّثنی أبو محمد جعفر بن محمد بن نصیر الخلدی ، حدّثنی علیّ بن سعید الرملی ... إلی آخر السند والمتن.

ورواه سبط ابن الجوزی فی تذکرته(2) (ص 18) ، والخطیب الخوارزمی فی مناقبه(3) (ص 94) من طریق الحافظ البیهقی عن الحافظ الحاکم النیسابوری ابن البیّع صاحب المستدرک عن أبی یعلی الزبیری ، عن أبی جعفر أحمد بن عبدالله البزّاز ، عن علیّ بن سعید الرملی ... ، وشیخ الإسلام الحمّوئی فی فرائد السمطین فی الباب الثالث عشر(4) من طریق الحافظ البیهقی.

رجال سند الحدیث :

1 - أبو هریرة : أجمع الجمهور علی عدالته وثقته ، فلا نحتاج إلی بسط المقال فیه.

2 - شهر بن حوشب الأشعری : عدّه الحافظ أبو نعیم من الأولیاء وأفرد له ترجمة ضافیة فی حلیته (6 / 59 - 67) ، وحکی الذهبیّ فی میزانه(5) ثناء البخاری علیه ، وذکر عن أحمد بن عبدالله العجلی(6) ویحیی وابن شیبة وأحمد والنسوی ثقته ، وترجمه الحافظ ابن عساکر فی تاریخه(7) (6 / 343) وقال : 5.

ص: 694


1- مناقب علیّ بن أبی طالب علیه السلام : ص 18 ح 24.
2- تذکرة الخواص : ص 30.
3- المناقب : ص 156 ح 184.
4- فرائد السمطین : 1 / 77 ح 44.
5- میزان الاعتدال : 2 / 283 رقم 3756.
6- تاریخ الثقات : ص 223 رقم 677.
7- تاریخ مدینة دمشق : 8 / 137 - 148 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 11 / 5.

سُئل عنه الإمام أحمد ، فقال : ما أحسن حدیثه. ووثّقه وأثنی علیه ، وقال مرّة : لیس به بأس ، وقال العجلی : هو شامیّ تابعیّ ثقة ، ووثّقه یحیی بن معین ، وقال یعقوب بن شیبة : هو ثقةٌ علی أنَّ بعضهم طعن فیه.

وترجمه ابن حجر فی تهذیب التهذیب(1) (4 / 370) وحکی عن أحمد ثقته وحسن حدیثه والثناء علیه ، وعن البخاری حسن حدیثه وقوّة أمره ، وعن ابن معین ثقته وثبته ، وعن العجلی ویعقوب والنسوی ثقته ، وعن أبی جعفر الطبری : أنَّه کان فقیهاً قارئاً عالماً.

وهناک من ضعّفه ، فهو کما قال أبو الحسن القطّان : لم یُسمع له حجّة. وقد أخرج الحدیث عنه البخاری ومسلم والأئمّة الأربعة الآخرون أرباب الصحاح : الترمذی ، أبو داود ، النسائی ، ابن ماجة.

3 - مطر بن طهمان الورّاق ، أبو رجاء الخراسانی : مولی علیّ سکن البصرة وأدرک أنساً ، عدّه الحافظ أبو نعیم من الأولیاء ، وأفرد له ترجمة فی حلیته (3 / 75) ، وروی عن أبی عیسی أنَّه قال : ما رأیت مثل مطر فی فقهه وزهده.

وترجمه ابن حجر فی تهذیبه(2) (10 / 167) ، ونقل قول أبی نعیم المذکور ، وذکر ابن حبّان له فی الثقات(3) ، وعن العجلی(4) صدقه ونفی البأس عنه ، وعن البزّاز : لیس به بأس رأی أنساً ، ولا نعلم أحداً یترک حدیثه ، مات (125) ، وقیل : (129). وقیل : قتله المنصور قرب (140). أخرج عنه الحدیث البخاری ومسلم وبقیّة الأئمّة الستّة أرباب الصحاح.

ص: 695


1- تهذیب التهذیب : 4 / 324.
2- تهذیب التهذیب : 10 / 152.
3- الثقات : 5 / 435.
4- تاریخ الثقات : ص 430 رقم 1584.

4 - أبو عبدالرحمن [عبدالله] بن شوذب : ذکره الحافظ أبو نعیم من الأولیاء فی حلیته (6 / 129 - 135) ، وروی عن کثیر بن الولید أنَّه قال : کنت إذا رأیت ابن

شوذب ذکرت الملائکة. وحکی الخزرجی فی خلاصته(1) (ص 170) عن أحمد وابن معین ثقته ، وفی تهذیب ابن حجر(2) (5 / 255) ما ملخّصه :

سمع الحدیث وتفقّه ، کان من الثقات ، قال سفیان الثوری : کان من ثقات مشایخنا. ونقل ابن خلفون توثیقه عن ابن نمیر وغیره ، وعن أبی طالب والعجلی وابن عمّار وابن معین والنسائی : أنَّه ثقة ، وُلد (86) ، وتُوفّی (144 ، 156 ، 157) أخرج حدیثه الأئمّة الستّة غیر مسلم ، وصحّح حدیثه الحاکم فی المستدرک والذهبیّ فی تلخیصه.

5 - ضمرة بن ربیعة القرشیّ ، أبو عبدالله الدمشقیّ : المتوفّی (182 ، 200 ، 202). ترجمه الحافظ ابن عساکر فی تاریخه(3) (7 / 36) ، وحکی عن أحمد(4) أنَّه قال : بلغنی أنَّه کان شیخاً صالحاً ، وقال لمّا سُئل عنه : ذلک الثقة المأمون رجل صالح ملیح الحدیث ، ونقل عن ابن معین ثقته ، وعن ابن سعد(5) : کان ثقةً مأموناً خیِّراً لم یکن هناک أفضل منه ، وعن ابن یونس : کان فقیهاً فی زمانه.

وذکر الخزرجی فی خلاصته(6) (ص 150) ثقته عن أحمد والنسائی وابن معین

وابن سعد.

وفی تهذیب ابن حجر(7) ما ملخّصه : عن أحمد : رجل صالح الحدیث من

ص: 696


1- خلاصة الخزرجی : 2 / 66 رقم 3566.
2- تهذیب التهذیب : 5 / 225.
3- تاریخ مدینة دمشق : 8 / 475 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 11 / 159.
4- العلل ومعرفة الرجال : 2 / 366 رقم 2624.
5- الطبقات الکبری : 7 / 471.
6- خلاصة الخزرجی : 2 / 6 رقم 3154.
7- تهذیب التهذیب : 4 / 403.

الثقات المأمونین لم یکن بالشام رجل یشبهه ، وعن ابن معین والنسائی وابن حبّان(1) والعجلی : ثقة ، وعن أبی حاتم(2) : صالح ، وعن ابن سعد وابن یونس ما مرّ عنهما.

أخرج الحدیث من طریقه الأئمّة أرباب الصحاح غیر مسلم ، وصحّح حدیثه الحاکم فی المستدرک والذهبیُّ فی تلخیصه.

6 - أبو نصر علیّ بن سعید أبی حملة الرملیّ : المتوفّی (216) کذا أرّخه البخاریّ(3). وثّقه الذهبیّ فی میزان الاعتدال(4) (2 / 224) وقال : ما علمت به بأساً ، ولا رأیت أحداً إلی الآن تکلّم فیه ، وهو صالح الأمر ، ولم یُخرج له أحدٌ من أصحاب

الکتب الستّة مع ثقته. وترجمه بعنوان علیِّ بن سعید أیضاً وقال : یُتثبّت فی أمره کأنَّه صدوق. واختار ابن حجر ثقته فی لسانه(5) (4 / 227) وأورد علی الذهبی ، وقال : إذا کان ثقة ولم یتکلّم فیه أحد ، فکیف تذکره فی الضعفاء ؟!

7 - أبو نصر حبشون بن موسی بن أیوب الخلّال : المتوفّی (331).

ترجمه الخطیب البغدادیّ فی تاریخه (8 / 289 - 291) ، وقال : کان ثقةً یسکن باب البصرة من بغداد. وحُکی عن الحافظ الدارقطنیِّ : أنَّه صدوق.

8 - الحافظ علیّ بن عمر ، أبو الحسن البغدادیّ الشهیر بالدارقطنی : صاحب

السنن : المتوفّی (385). ترجمه الخطیب البغدادیّ فی تاریخه (12 / 34 - 40) ، وقال : کان فرید عصره ، وقریع دهره ، ونسیج وحده ، وإمام وقته ، انتهی إلیه علم الأثر والمعرفة بعلل الحدیث وأسماء الرجال وأحوال الرواة مع الصدق والأمانة والفقه

ص: 697


1- الثقات : 8 / 324.
2- الجرح والتعدیل : 4 / 467 رقم 2052.
3- التاریخ الکبیر : مج 3 / ق 2 / 271 رقم 2377.
4- میزان الاعتدال : 4 / 125 رقم 5833 ، ص 131 رقم 5851.
5- لسان المیزان : 4 / 260 رقم 5806.

والعدالة وقبول الشهادة وصحّة الاعتقاد وسلامة المذهب والاضطلاع بعلوم سوی علم الحدیث.

وحکی عن أبی الطیّب طاهر بن عبدالله الطبری أنَّه قال : کان الدارقطنی أمیر المؤمنین فی الحدیث ، وما رأیت حافظاً ورد بغداد إلّا مضی إلیه وسلّم له ؛ یعنی : فسلّم له التقدمة فی الحفظ وعلو المنزلة فی العلم.

ثمّ بسط القول فی ترجمته والثناء علیه.

وترجمه ابن خلکان فی تاریخه(1) (1 / 359) وأثنی علیه ، والذهبیُّ فی تذکرته(2) (3 / 199 - 203) ، وقال : قال الحاکم : صار الدارقطنیُّ أوحد عصره فی الحفظ والفهم والورع ، وإماماً فی القرّاء والنحویِّین ، وأقمت فی سنة سبعٍ وستین ببغداد أربعة أشهر ، وکثر اجتماعنا ، فصادفته فوق ما وُصف لی ، وسألته عن العلل والشیوخ ،

وله مصنّفات یطول ذکرها ، فأشهد أنَّه لم یخلف علی أدیم الأرض مثله ...

وهناک توجد فی کثیر من المعاجم جمل الثناء علیه فی تراجم ضافیة لا نطیل بذکرها المقام ، ولقد أطلنا القول فی إسناد هذا الحدیث لأن نوقفک علی مکانته من الصحّة وأنَّ رجاله کلّهم ثقات ، وبلغت ثقتهم من الوضوح حدّاً لا یسع معه أیّ مُحوِّر للقول أو مُتمحِّل فی الجدل أن یغمز فیها ، فتلک معاجم الرجال حافلة بوصفهم بکلِّ جمیل.

علی أنَّ ما فیه من نزول الآیة الکریمة (الْیَوْمَ أَکْمَلْتُ لَکُمْ دِینَکُمْ) یوم غدیر خُمّ معتضد بکلِّ ما أسلفناه من الأحادیث الناصّة بذلک ، وفی رواتها مثل الطبری وابن مردویه وأبی نعیم والخطیب والسجستانی وابن عساکر والحسکانی وأضرابهم من الأئمّة والحفّاظ. راجع (ص 230 - 238).

ص: 698


1- وفیات الأعیان : 3 / 297 رقم 434.
2- تذکرة الحفّاظ : 3 / 991 رقم 925.

فإذا وضح لدیک ذلک فهلمَّ معی إلی ما یتعقّبه ابن کثیر(1) هذا الحدیث ، ویحسب أنَّه حدیث منکَر بل کذب ؛ لما رُوی من نزول الآیة یوم عرفة من حجّة الوداع ، وإن تعجب فعجب أن یجزم جازمٌ بمنکریَّة أحد الفریقین فی الروایات المتعارضة وهما متکافئان فی الصحّة ، فلیت شعری أیّ مرجِّح فی الکفّة المقابلة لحدیثنا بالصحّة ؟ وما المطفِّف فی المیزان فی کفّة هذا الحدیث ؟ مع إمکان معارضة ابن کثیر بمثل قوله فی الجانب الآخر لمخالفته لما أثبتناه من نزول الآیة الکریمة ، وهل لمزعمة ابن کثیر مبرِّر غیر أنَّه یهوی أن یزحزح القرآن الکریم عن هذا النبأ العظیم ؟ وإلّا لکان فی وسعه أن یقول کما قال سبط ابن الجوزی فی تذکرته(2) (ص 18) بإمکان نزولها مرّتین ، کما وقع فی البسملة وآیات أخری قدّمنا ذکرها (ص 257).

ولابن کثیر فی تاریخه(3) (5 / 214) شبهة أخری فی تدعیم إنکاره للحدیث ، وهی حسبان أنَّ ما فیه من أنَّ صوم یوم الغدیر یعدل ستین شهراً یستدعی تفضیل المستحبّ علی الواجب ؛ لأنّ الوارد فی صوم شهر رمضان کله أنَّه یقابل بعشرة أشهر ،

وهذا منکَرٌ من القول باطلٌ.

ویُقال فی دحض هذه المزعمة بالنقض تارةً ، وبالحلِّ أخری :

أمّا النقض : فبما جاء من أحادیث جمّة لا یسعنا ذکر کلِّها بل جلّها(4) ، ونقتصر منها علی عدّة أحادیث ، وهی :

1 - حدیث «من صام رمضان ثمّ أتبعه بستٍّ من شوّال فکأنّما صام الدهر» ، أخرج(5) مسلم بعدّة طرق فی صحیحه (1 / 323) ، وأبو داود فی سننه (1 / 381) ،

ص: 699


1- قلّد الذهبیّ فی قوله هذا ، کما یظهر من تاریخه : 5 / 214 [5 / 233 حوادث سنة 10 ه]. (المؤلف)
2- تذکرة الخواص : ص 30.
3- البدایة والنهایة : 5 / 233 حوادث سنة 10 ه.
4- راجع نزهة المجالس 1 / 151 - 158 ، ص 167 - 176. (المؤلف)
5- صحیح مسلم : 2 / 524 ح 204 کتاب الصیام ، سنن أبی داود : 2 / 324 ح 2433 ، سنن ابن

وابن ماجة فی سننه (1 / 524) ، والدارمی فی سننه (2 / 21) ، وأحمد فی مسنده (5 / 417 و 419) ، وابن الدیبع فی تیسیر الوصول (2 / 329) نقلاً عن الترمذی ومسلم ، وعلیه أسند قوله کلُّ من ذهب إلی استحباب صوم هذه الأیّام الستّة.

2 - حدیث «من صام ستّة أیّام بعد الفطر کان تمام السنة» ، أخرجه(1) ابن ماجة فی سننه (1 / 524) ، والدارمی فی سننه (2 / 21) ، وأحمد فی مسنده (3 / 308 ، 324 ، 344 و 5 / 280) ، والنسائی وابن حبّان فی سننهما ، وصحّحه السیوطی فی الجامع

الصغیر(2) (2 / 79).

3 - کان رسول الله صلی الله علیه وسلم یأمر بصیام الأیّام البیض ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة ، ویقول : «هو کصوم الدهر أو کهیئة الدهر» ، أخرجه ابن ماجة فی سننه(3) (1 / 522) ، والدارمی فی سننه (2 / 19).

4 - «ما من أیّام الدنیا أیّام أحبّ إلی الله سبحانه أن یُتعبّد له فیها من أیّام العشر - فی ذی الحجّة - وإنَّ صیام یوم فیها لیعدل صیام سنة ، ولیلة فیها بلیلة القدر» ، أخرجه ابن ماجة فی سننه(4) (1 / 527) ، والغزالی فی إحیاء العلوم(5) (1 / 227) وفیه : «من صام ثلاثة أیّام من شهرٍ حرامٍ : الخمیس ، والجمعة ، والسبت ، کتب الله له بکلِّ یوم عبادة تسعمائة عام».

ص: 700


1- سنن ابن ماجة : 1 / 547 ح 1715 ، مسند أحمد : 4 / 243 ح 13890 ، ص 271 ح 14068 ، ص 306 ح 14300 و 6 / 377 ح 21906 ، السنن الکبری : 2 / 163 ح 2861 ، الإحسان فی تقریب صحیح ابن حبّان : 8 / 398 ح 3635.
2- الجامع الصغیر : 2 / 111 ح 5117.
3- سنن ابن ماجة : 1 / 544 ح 1707.
4- المصدر السابق : 1 / 551 ح 1728.
5- إحیاء علوم الدین : 1 / 212.

5 - عن أنس بن مالک قال :

کان یقال فی أیّام العشر : بکلّ یوم ألف یوم ، ویوم عرفة عشرة آلاف یوم. قال : یعنی فی الفضل.

أخرجه المنذری فی الترغیب والترهیب(1) (2 / 66) نقلاً عن البیهقی والأصبهانی.

6 - «صیام ثلاثة أیّام من کلِّ شهر صیام الدهر وإفطاره». أخرجه(2) أحمد فی مسنده (5 / 34) ، وابن حبّان فی صحیحه ، وصحّحه السیوطی فی الجامع الصغیر (2 / 78) ، وأخرجه النسائی وأبو یعلی فی مسنده والبیهقی عن جریر بلفظ : «صیام ثلاثة أیام من کلِّ شهرٍ صیام الدهر» ، کما فی الجامع الصغیر (2 / 78) ، وأخرج الترمذی والنسائی کما فی تیسیر الوصول (2 / 330) : «من صام من کلّ شهرٍ ثلاثة أیّام فذلک صیام الدهر» ، فأنزل الله تعالی تصدیق ذلک فی کتابه : (مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا)(3) ، الیوم بعشرة أیّام ، وأخرجه بلفظ یقرب من هذا مسلمٌ فی صحیحه (1 / 319 و 321) ، وأخرج النسائی من حدیث جریر : «صیامُ ثلاثة أیّام من کلِّ شهرٍ کصیام الدهر ثلاث أیّام البیض» ، وأخرجه الحافظ المنذری فی الترغیب والترهیب (2 / 33) ، وذکره ابن حجر فی سُبُل السلام (2 / 234) ، وصحّحه.

ص: 701


1- الترغیب والترهیب : 2 / 200.
2- مسند أحمد : 6 / 13 ح 19858 ، الإحسان فی تقریب صحیح ابن حبّان : 8 / 413 ح 3653 ، الجامع الصغیر : 2 / 111 ح 5115 ، السنن الکبری : 2 / 136 ح 2728 ، مسند أبی یعلی : 13 / 492 ح 7504 ، الجامع الصغیر : 2 / 111 ح 5114 ، سنن الترمذی : 3 / 135 ح 762 ، السنن الکبری : 2 / 134 ح 2717 ، تیسیر الوصول إلی جامع الأصول : 2 / 394 ، صحیح مسلم : 2 / 520 - 522 ح 196 - 197 کتاب الصیام ، السنن الکبری : 2 / 136 ح 2728 ، الترغیب والترهیب : 2 / 124 ، سُبُل السلام : 2 / 168.
3- الأنعام : 160.

7 - «صیام یوم عرفة کصیام ألف یوم».

أخرجه ابن حبّان عن عائشة ، کما فی الجامع الصغیر(1) (2 / 78) ، وأخرجه الطبرانی فی الأوسط والبیهقی ، کما فی الترغیب والترهیب(2) (2 / 27 و 66).

8 - عن عبدالله بن عمر قال : کنّا ونحن مع رسول الله صلی الله علیه وسلم نعدل صوم یوم عرفة بسنتین.

رواه الطبرانی فی الأوسط(3) ، وهو عند النسائی(4) بلفظ : (سنة) ، کما فی الترغیب والترهیب(5) (2 / 27).

9 - «من صام یوم سبع وعشرین من رجب کتب الله تعالی له صیام ستین شهراً».

أخرجه الحافظ الدمیاطی(6) فی سیرته ، کما فی السیرة الحلبیّة(7) (1 / 254) ، ورواه الصفوری فی نزهة المجالس (1 / 154).

10 - عن أبی هریرة وسلمان عن رسول الله صلی الله علیه وسلم : «إنَّ فی رجب یوماً ولیلة من صام ذلک الیوم وقام تلک اللیلة کان له من الأجر کمن صام مائة سنة وقامها ، وهی : لثلاثٍ بقینَ من رجب».

ص: 702


1- الجامع الصغیر : 2 / 111 ح 5119.
2- الترغیب والترهیب : 2 / 112 و 200.
3- المعجم الأوسط : 1 / 421 ح 755.
4- السنن الکبری : 2 / 155 ح 2828.
5- الترغیب والترهیب : 2 / 113.
6- قال الذهبی فی تذکرته : 4 / 268 [4 / 1477 رقم 1166] : شیخنا الإمام العلّامة الحافظ الحجّة الفقیه النسّابة شیخ المحدّثین شرف الدین أبو محمد عبدالمؤمن الدمیاطی الشافعی. ثمّ أکثر فی الثناء علیه ، وقال : توفّی (705). (المؤلف)
7- السیرة الحلبیة : 1 / 238.

رواه الشیخ عبدالقادر الجیلانی فی غُنیة الطالبین(1) ، کما فی نزهة المجالس للصفوری (1 / 154).

11 - «شهر رجب شهر عظیم من صام منه یوماً کتب الله له صوم ثلاثة آلاف سنة».

رواه الکیلانی فی غُنیته ، کما فی نزهة المجالس للصفوری (1 / 153).

12 - «من صام یوم عاشوراء فکأنّما صام الدهر کلّه ، مکتوبٌ فی التوراة».

ذکره الصفوری فی نزهته (1 / 174).

13 - «من صام یوماً من المحرّم فله بکلّ یوم ثلاثون یوماً».

رواه الطبرانی فی الصغیر(2) ، کما ذکره الحافظ المنذری فی الترغیب والترهیب(3)(2 / 28).

وأمّا الحلّ :

فلیس عندنا أصلٌ مسلّم یُرکَن إلیه فی لزوم زیادة أجر الفرائض علی المثوبة فی المستحبّات ، بل أمثال الأحادیث السابقة فی النقض ترشدنا إلی إمکان العکس ، بل وقوعه ، وتؤکِّد ذلک الأحادیث الواردة فی غیر الصیام من الأعمال المرغَّب فیها.

علی أنَّ المثوبة واقعة تجاه حقائق الأعمال ومقتضیاتها الطبیعیّة ، لا ما یعروها من عوارض کالوجوب والندب حسب المصالح المقترنة بها ، فلیس من المستحیل أن یکون فی طبع المندوب - فی ماهیّات مختلفة ، أو بحسب المقارنات المحتفّة به فی المتّحدة منها - ما یوجب المزید له.

ص: 703


1- غنیة الطالبین : ص 288.
2- المعجم الصغیر : 2 / 71.
3- الترغیب والترهیب : 2 / 114.

ویقال فی المقام : إنَّ ترتّب المثوبة علی العمل إنَّما هو بمقدار کشفه عن حقیقة الإیمان ، وتوغّله فی نفس العبد ، وممّا لا شکّ فیه أنَّ الإتیان بما هو زائد علی الوظائف المقرّرة من الواجبات وترک المحرّمات من المستحبّات والتجنّب عن المکروهات أکشفُ عن ثبات العبد فی مقام الامتثال ، وخضوعه لمولاه ، وحبّه له ، وبه یکمل الإیمان ، ولم یزل العبد یتقرّب به إلی المولی سبحانه حتی یحبّه ، کما ورد فیما أخرجه البخاری فی صحیحه(1) (9 / 214) عن أبی هریرة ، قال : قال رسول الله صلی الله علیه وسلم :

«إنَّ الله عزّ وجلّ قال : ما یزال عبدی یتقرّب إلیّ بالنوافل حتی أُحبّه ، فإذا أحببتُه کنتُ سمْعَهُ الذی یسمع به ، وبصره الذی یبصر به ، ویده التی یبطش بها ، ورجله التی یمشی بها» الحدیث(2).

بل من الممکن أن یقال : إنَّه لیس فی نوامیس العدل ما یحتِّم ترتیب أجر علی إقامة الواجب وترک المحرّم ، زائداً علی ما منح به من الحیاة والعقل والعافیة ومُؤن الحیاة ، ومعدّات العمل ، والنجاة من النار فی الآخرة ، بل إنَّ کلاً من هاتیک النعم الجزیلة یصغر عنه صالحات العبد جمعاء ، ولیس هناک إلّا الفضل.

وهذا الذی یستفاد من غیر واحد من آیات الکتاب العزیز نظیر قوله تعالی : (إِنَّ الْمُتَّقِینَ فِی مَقَامٍ أَمِینٍ * فِی جَنَّاتٍ وَعُیُونٍ * یَلْبَسُونَ مِن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَقَابِلِینَ * کَذَلِکَ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِینٍ * یَدْعُونَ فِیهَا بِکُلِّ فَاکِهَةٍ آمِنِینَ * لَا یَذُوقُونَ فِیهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَی وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِیمِ * فَضْلًا مِّن رَّبِّکَ ذَلِکَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِیمُ)(3) فکلّ ما هناک من النعیم والمثوبات إنَّما هو بفضله وإحسانه سبحانه وتعالی.

ص: 704


1- صحیح البخاری : 5 / 2384 ح 6137.
2- وأخرجه البیهقی فی الأسماء والصفات : ص 416 [ص 577] ، والذهبیّ فی میزانه : 1 / 301 [1 / 641 رقم 2463]. (المؤلف)
3- الدخان : 51 - 57.

قال الفخر الرازی فی تفسیره(1) (7 / 459) :

احتجّ أصحابنا بهذه الآیة علی أنَّ الثواب یحصل تفضّلاً من الله تعالی ، لا بطریق الاستحقاق ؛ لأنّه تعالی لمّا عدّ أقسام ثواب المتّقین بیّن أنَّها بأسرها إنَّما حصلت علی سبیل الفضل والإحسان من الله تعالی ، ثمّ قال تعالی : (ذَلِکَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِیمُ) ، واحتجّ أصحابنا بهذه الآیة علی أنَّ التفضیل أعلی درجة من الثواب المستحَقّ ، فإنّه تعالی وصفه بکونه فضلاً من الله ، ثمّ وصف الفضل من الله بکونه فوزاً عظیماً ، ویدلّ علیه أیضاً أنَّ الملِک العظیم إذا أعطی الأجیر أجرته ، ثمّ خلع علی إنسان آخر ، فإنّ تلک الخلعة أعلی حالاً من إعطاء تلک الأجرة. انتهی.

وقال ابن کثیر نفسه فی الآیة الشریفة فی تفسیره (4 / 147) : ثبت فی الصحیح عن رسول الله صلی الله علیه وسلم أنَّه قال :

«اعملوا وسدِّدوا وقاربوا ، واعلموا أنَّ أحداً لن یدخله عملُه الجنّة. قالوا : ولا أنت یا رسول الله ؟ قال : ولا أنا إلّا أن یتغمّدنی الله برحمة منه وفضل». انتهی.

وبوسعک استشعار هذا المعنی من الصحیح الذی أخرجه البخاری فی صحیحه(2) (4 / 264) عن رسول الله صلی الله علیه وسلم أنَّه قال :

«حقُّ الله علی العباد أن یعبدوه ولا یشرکوا به شیئاً ، وحقُّ العباد علی الله أن لا یعذِّب من لا یشرک به شیئاً» ، وأنت جِدُّ علیم بأنّ هذا المقدار من الحقِّ الثابت علی الله للعباد إنَّما هو بتقریر العقل السلیم ، وأمّا الزائد علیه من النعیم الساکت عنه نبیّ البیان فلیس إلّا الفضل والإحسان من المولی سبحانه.

وأنت تجد فی معاملات الدول مع أفراد الموظّفین أنَّه لیس بإزاء واجباتهم

ص: 705


1- التفسیر الکبیر : 27 / 254.
2- صحیح البخاری : 3 / 1049 ح 2701.

وعدم الخیانة فیها من الأجر إلّا الرتبة والراتب ، وإنَّما یحظی أحدهم بترفیع فی المرتبة أو زیادة فی الرتبة بخدمة زائدة علی مقرّراتها علیهم ، ولیس فی الناس من ینقم علی

الحکومات ذلک ، وهذه الحالة عیناً جاریة بین الموالی والعبید ، وهی من الارتکازات المرتسخة فی نفسیّات البشر کلّهم ، غیر أنَّ الله سبحانه بفضله المتواصل یثیب العاملین بواجبهم بأُجور جزیلة.

وهاهنا کلمة قدسیّة لسیِّدنا ومولانا زین العابدین الإمام الطاهر علیّ بن الحسین - صلوات الله علیهما وآلهما - لا مُنتدح عن إثباتها ، وهی قوله فی دعائه إذا اعترف بالتقصیر عن تأدیة الشکر من صحیفته الشریفة :

«أللّهمّ إنَّ أحداً لا یبلُغ من شکرک غایةً إلّا حصل علیه من إحسانک ما یلزمه شکراً ، ولا یبلغ مبلغاً من طاعتک وإن اجتهد إلّا کان مقصِّراً دون استحقاقک بفضلک ، فأَشْکَرُ عبادک عاجزٌ عن شکرک وأَعبدُهم مقصِّرٌ عن طاعتک ، لا یجب لأحد أن تغفر له باستحقاقه ، ولا أن تَرضی عنه باستیجابه ، فمن غفرتَ له فبطَولک ؛ ومن رضِیتَ عنه فبفضلک ، تشکر یسیر ما شُکِرتَ به ، وتثیب علی قلیل ما تطاع فیه ، حتی کأنّ شکر عبادک الذی أوجبتَ علیه ثوابهم ، وأعظمت عنه جزاءهم ، أمرٌ ملکوا استطاعة الامتناع منه دونک فکافیتهم ، أو لم یکن سببه بیدک فجازیتهم ، بل ملکتَ یا إلهی أمرهم قبل أن یملکوا عبادتک ، وأعددتَ ثوابهم قبل أن یفیضوا فی طاعتک ، وذلک أنَّ سنّتک الإفضال ، وعادتک الإحسان ، وسبیلک العفو ، فکلّ البریّة معترفة بأنّک غیر ظالم لمن عاقبتَ ، وشاهدة بأنّک متفضِّل علی من عافیتَ ، وکلّ مُقِرّ علی نفسه بالتقصیر عمّا استوجبت ، فلو أنَّ الشیطان لم یختدعهم عن طاعتک ، ما عصاک عاصٍ ، ولولا أنَّه صوّر لهم الباطل فی مثال الحق ، ما ضلّ عن طریقک ضالٌّ ، فسبحانک ما أبینَ کرمَک فی معاملة من أطاعک أو عصاک ، تشکر للمطیع ما أنت تولّیته له ، وتُملی للعاصی فیما تملک معاجلته فیه ، أعطیتَ کلّاً منهما ما لم یجبْ له ،

ص: 706

وتفضّلتَ علی کلٍّ منهما بما یقصر عمله عنه ، ولو کافأتَ المطیعَ علی ما أنتَ تولّیته لَأوشک أن یفقد ثوابک ، وأن تزول عنه نعمتک ، ولکنّک بکرمک جازیتَه علی المدّة القصیرة الفانیة بالمدّة الطویلة الخالدة ، وعلی الغایة القریبة الزائلة بالغایة المدیدة الباقیة.

ثمّ لم تَسمْه القِصاص فیما أکل من رزقک الذی یقوی به علی طاعتک ، ولم تَحمِلْه علی المناقشات فی الآلات التی تسبّب باستعمالها إلی مغفرتک ، ولو فعلتَ ذلک به لَذهب بجمیع ما کدَح له ، وجملةِ ما سعی فیه ، جزاءً للصغری من أیادیک ومننک ، ولبقی رهیناً بین یدیک بسائر نعمک ، فمتی کان یستحقُّ شیئاً من ثوابک ، لا متی ؟ ...» إلخ.

وفی یوم الغدیر صلاة ألَّف فیها أبو النضر العیّاشی والصابونی المصری کتاباً مفرداً ، راجع فیها وفی الأدعیة المأثورة یوم ذاک التآلیف المعدّة لها.

(وَهَ-ذَا کِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَکٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّکُمْ تُرْحَمُونَ)(1)

ص: 707


1- الأنعام : 155.

ص: 708

مُحْتَویَاتُ الْکِتابْ

ص: 709

ص: 710

مقدمة المرکز ...................................................................................... 1

الإهداء ......................................................................................... 17

التاریخ الصحیح ................................................................................ 21

أهمیّة الغدیر فی التاریخ ........................................................................... 25

واقعة الغدیر .................................................................................... 31

العنایة بحدیث الغدیر ............................................................................. 37

رواة حدیث الغدیر من الصحابة .................................................................. 41

رواة حدیث الغدیر من التابعین ................................................................. 145

طبقات الرواة من العلماء ...................................................................... 167

رواة القرن الثانی من العلماء ................................................................... 167

رواة القرن الثالث من العلماء .................................................................. 185

رواة القرن الرابع من العلماء .................................................................. 221

رواة القرن الخامس من العلماء ................................................................ 235

رواة القرن السادس من العلماء ................................................................ 246

رواة القرن السابع من العلماء ................................................................. 255

رواة القرن الثامن من العلماء .................................................................. 266

رواة القرن التاسع من العلماء .................................................................. 275

رواة القرن العاشر من العلماء ................................................................. 282

رواة القرن الحادی عشر من العلماء ............................................................ 289

رواة القرن الثانی عشر من العلماء .............................................................. 294

رواة القرن الثالث عشر من العلماء ............................................................ 300

رواة القرن الرابع عشر من العلماء ............................................................. 305

المؤلّفون فی حدیث الغدیر ...................................................................... 313

المناشدة والاحتجاج بحدیث الغدیر .............................................................. 327

مناشدة أمیر المؤمنین علیه السلام یوم الشوری ........................................................ 327

مناشدة أمیر المؤمنین علیه السلام أیّام عثمان .......................................................... 334

مناشدة أمیر المؤمنین علیه السلام یوم الرحبة سنة (35 ه) .............................................. 339

أعلام الشهود لأمیر المؤمنین یوم الرحبة بحدیث الغدیر ........................................... 376

مناشدة أمیر المؤمنین علیه السلام یوم الجمل سنة (36 ه) علی طلحة .................................... 378

حدیث الرکبان فی الکوفة وقولهم فی حدیث الغدیر ........................................... 381

أعلام الشهود لأمیر المؤمنین علیه السلام بحدیث الغدیر یوم الرکبان ..................................... 387

مَن أصابته الدعوة بإخفاء حدیث الغدیر ........................................................ 387

نظرة فی حدیث إصابة الدعوة ................................................................. 388

مناشدة أمیر المؤمنین علیه السلام یوم صفّین سنة (37 ه) .............................................. 394

احتجاج الصدّیقة فاطمة بحدیث الغدیر ...................................................... 396

مناشدة الإمام السبط الحسن علیه السلام ............................................................. 397

مناشدة الإمام السبط الحسین علیه السلام ............................................................ 398

احتجاج عبدالله بن جعفر علی معاویة بحدیث الغدیر .......................................... 400

احتجاج بُرد علی عمرو بن العاصی بحدیث الغدیر .............................................. 402

احتجاج عمرو بن العاصی علی معاویة بحدیث الغدیر ........................................... 403

احتجاج عمّار بن یاسر یوم صفِّین بحدیث الغدیر ................................................ 404

احتجاج أصبغ بن نباتة فی مجلس معاویة بحدیث الغدیر ......................................... 404

مناشدة شابٍّ أبا هریرة بحدیث الغدیر بالکوفة .................................................. 406

مناشدة رجل زید بن أرقم بحدیث الغدیر ....................................................... 408

مناشدة رجل عراقی جابر الأنصاری بحدیث الغدیر .............................................. 409

تحریف الطبری وابن کثیر حدیث الدار .................................................... 412

احتجاج قیس الأنصاری علی معاویة بالمدینة بحدیث الغدیر .................................... 414

احتجاج دارمیّة الحجونیّة علی معاویة بحدیث الغدیر ............................................. 415

احتجاج عمرو الأودی بحدیث الغدیر .......................................................... 416

احتجاج عمر بن عبدالعزیز الخلیفة الأموی بالحدیث ............................................. 417

احتجاج المأمون الخلیفة عباسی علی الفقهاء بالحدیث .......................................... 418

کلمة المسعودی .............................................................................. 421

الغدیر فی الکتاب العزیز ....................................................................... 423

نزول آیة : (یَا أَیُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَیْکَ) فی علیّ حول الولایة ........................ 423

القول الفصل فی آیة التبلیغ ................................................................. 438

فریة القرطبی والقسطلانی علی شیعة ......................................................... 445

نزول آیة : (الْیَوْمَ أَکْمَلْتُ لَکُمْ دِینَکُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَیْکُمْ نِعْمَتِی) یوم الغدیر ................. 447

نقد علی السیوطی والآلوسی.................................................................. 458

نزول آیة : (سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ) حول حدیث الغدیر یوم الغدیر ................... 460

نظرة فی الحدیث آیة : (سَأَلَ سَائِلٌ) والنقد علی ابن تیمیّة ................................. 472

عید الغدیر فی الإسلام ........................................................................ 503

حدیث التهنئة یوم الغدیر ................................................................... 507

حدیث تهنئة الشیخین لأمیر المؤمنین یوم الغدیر ........................................ 509

عید الغدیر عند العترة الطاهرة (عود إلی البدء) ............................................... 527

نقد علی النویری والمقریزی فی أن عید الغدیر ابتدعه معزّ الدولة ............................. 534

التتویج یوم الغدیر ومعنی قول الشیعة : علیٌّ فی السحاب ....................................... 537

کلمات حول سند الحدیث ................................................................... 534

محاکمة حول سند الحدیث الغدیر ............................................................. 573

الرأی العام فی ضلال ابن حزم الأندلسی ....................................................... 585

نقدٌ علی ابن حزم فی قوله باجتهاد ابن ملجم قاتل أمیرالمؤمنین

وأنّه مأجور .................................................................................. 585

نقدٌ آخر علی ابن حزم فی قوله باجتهاد أبی الغادیة قاتل عمّار

وأنّه مأجور .................................................................................. 592

نقدٌ ثالث علی ابن حزم فی قوله باجتهاد معاویة وعمرو بن العاص

فی مقاتلة علیّ علیه السلام وبأنّهما مأجوران ......................................................... 601

کلمة ابن خلّکان فی ترجمة ابن حزم الظاهری .................................................. 608

مفاد حدیث الغدیر ومعنی المفهوم منه ........................................................... 609

مجیء «مَفعَل» بمعنی «أفعَل» .................................................................. 615

کلام الرازی فی الحدیث ...................................................................... 623

الشبهة الرازی عند العلماء .................................................................... 628

کلمة أخری للرازی .......................................................................... 632

جواب الرازی عمّا أثبتناه ..................................................................... 636

نقد علی الشاه ولیّ الله ....................................................................... 639

نظرة فی معانی المولی وهی اثنان وعشرون معنی ................................................. 640

المعانی التی یمکن إرادتها من الحدیث ............................................................ 646

الحقیقة من معانی المولی لیس إلّا الأولی بالشیء ............................................... 649

القرائن المعیّنة لمعنی الحدیث متّصلة ومنفصلة ................................................... 651

القرینة الأولی : مقدمة الحدیث المتّفق علیها ................................................ 651

القرینة الثانیة : ذیل الحدیث المتسالم علیه ................................................ 654

القرینة الثالثة : الاستشهاد الواقع فی صدر الحدیث ............................................ 656

القرینة الرابعة والخامسة والسادسة ............................................................ 657

القرینة السابعة والثامنة : أقواله صلی الله علیه وآله وسلم بعد الحدیث ........................................... 658

القرینة التاسعة والعاشرة : قوله قبل البلاغ وبعده ..................................... 659 - 660

القرینة الحادیة عشرة : کلمة «نصب» الواردة فی الحدیث ................................... 661

القرینة الثانیة عشرة : کلمة : وجبت فی أعناق القوم ......................................... 662

القرینة الثالثة عشرة : آخر فریضة أوجب الله ................................................. 662

القرینة الرابعة عشرة : کتمان الناس روایة الحدیث .......................................... 663

القرینة الخامسة عشرة والسادسة عشرة : ما ورد فی حدیثی

الرحبة والرکبان ............................................................................. 664

القرینة السابعة عشرة : ما فی حدیث إصابة الدعوة ........................................... 664

القرینة الثامنة عشرة : ما فی حدیث أبی الطفیل ............................................. 665

القرینة التاسعة عشرة : إنکار الفهری ......................................................... 666

القرینة العشرون : کلمة عمر ................................................................ 666

نظرة فی حدیثی أسامة وبریدة (تذییل) .................................................... 667

الأحادیث المُفَسِّرة لمعنی المولی ................................................................... 671

کلمات حول مفاد الحدیث الغدیر للأعلام ..................................................... 679

توضیح للواضح فی ظرف مفاد حدیث الغدیر ................................................. 691

القربات یوم الغدیر ........................................................................... 692

حدیث صوم یوم الغدیر ...................................................................... 693

رجال إسناد حدیث یوم الغدیر ................................................................ 694

نقد علی ابن کثیر فی تزییفه حدیث یوم الغدیر 699

ص: 711

رواة القرن الثامن من العلماء .................................................................. 266

رواة القرن التاسع من العلماء .................................................................. 275

رواة القرن العاشر من العلماء ................................................................. 282

رواة القرن الحادی عشر من العلماء ............................................................ 289

رواة القرن الثانی عشر من العلماء .............................................................. 294

رواة القرن الثالث عشر من العلماء ............................................................ 300

رواة القرن الرابع عشر من العلماء ............................................................. 305

المؤلّفون فی حدیث الغدیر ...................................................................... 313

المناشدة والاحتجاج بحدیث الغدیر .............................................................. 327

مناشدة أمیر المؤمنین علیه السلام یوم الشوری ........................................................ 327

مناشدة أمیر المؤمنین علیه السلام أیّام عثمان .......................................................... 334

مناشدة أمیر المؤمنین علیه السلام یوم الرحبة سنة (35 ه) .............................................. 339

أعلام الشهود لأمیر المؤمنین یوم الرحبة بحدیث الغدیر ........................................... 376

مناشدة أمیر المؤمنین علیه السلام یوم الجمل سنة (36 ه) علی طلحة .................................... 378

حدیث الرکبان فی الکوفة وقولهم فی حدیث الغدیر ........................................... 381

أعلام الشهود لأمیر المؤمنین علیه السلام بحدیث الغدیر یوم الرکبان ..................................... 387

مَن أصابته الدعوة بإخفاء حدیث الغدیر ........................................................ 387

نظرة فی حدیث إصابة الدعوة ................................................................. 388

مناشدة أمیر المؤمنین علیه السلام یوم صفّین سنة (37 ه) .............................................. 394

احتجاج الصدّیقة فاطمة بحدیث الغدیر ...................................................... 396

مناشدة الإمام السبط الحسن علیه السلام ............................................................. 397

مناشدة الإمام السبط الحسین علیه السلام ............................................................ 398

ص: 712

احتجاج عبدالله بن جعفر علی معاویة بحدیث الغدیر .......................................... 400

احتجاج بُرد علی عمرو بن العاصی بحدیث الغدیر .............................................. 402

احتجاج عمرو بن العاصی علی معاویة بحدیث الغدیر ........................................... 403

احتجاج عمّار بن یاسر یوم صفِّین بحدیث الغدیر ................................................ 404

احتجاج أصبغ بن نباتة فی مجلس معاویة بحدیث الغدیر ......................................... 404

مناشدة شابٍّ أبا هریرة بحدیث الغدیر بالکوفة .................................................. 406

مناشدة رجل زید بن أرقم بحدیث الغدیر ....................................................... 408

مناشدة رجل عراقی جابر الأنصاری بحدیث الغدیر .............................................. 409

تحریف الطبری وابن کثیر حدیث الدار .................................................... 412

احتجاج قیس الأنصاری علی معاویة بالمدینة بحدیث الغدیر .................................... 414

احتجاج دارمیّة الحجونیّة علی معاویة بحدیث الغدیر ............................................. 415

احتجاج عمرو الأودی بحدیث الغدیر .......................................................... 416

احتجاج عمر بن عبدالعزیز الخلیفة الأموی بالحدیث ............................................. 417

احتجاج المأمون الخلیفة عباسی علی الفقهاء بالحدیث .......................................... 418

کلمة المسعودی .............................................................................. 421

الغدیر فی الکتاب العزیز ....................................................................... 423

نزول آیة : (یَا أَیُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَیْکَ) فی علیّ حول الولایة ........................ 423

القول الفصل فی آیة التبلیغ ................................................................. 438

فریة القرطبی والقسطلانی علی شیعة ......................................................... 445

نزول آیة : (الْیَوْمَ أَکْمَلْتُ لَکُمْ دِینَکُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَیْکُمْ نِعْمَتِی) یوم الغدیر ................. 447

نقد علی السیوطی والآلوسی.................................................................. 458

نزول آیة : (سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ) حول حدیث الغدیر یوم الغدیر ................... 460

ص: 713

نظرة فی الحدیث آیة : (سَأَلَ سَائِلٌ) والنقد علی ابن تیمیّة ................................. 472

عید الغدیر فی الإسلام ........................................................................ 503

حدیث التهنئة یوم الغدیر ................................................................... 507

حدیث تهنئة الشیخین لأمیر المؤمنین یوم الغدیر ........................................ 509

عید الغدیر عند العترة الطاهرة (عود إلی البدء) ............................................... 527

نقد علی النویری والمقریزی فی أن عید الغدیر ابتدعه معزّ الدولة ............................. 534

التتویج یوم الغدیر ومعنی قول الشیعة : علیٌّ فی السحاب ....................................... 537

کلمات حول سند الحدیث ................................................................... 534

محاکمة حول سند الحدیث الغدیر ............................................................. 573

الرأی العام فی ضلال ابن حزم الأندلسی ....................................................... 585

نقدٌ علی ابن حزم فی قوله باجتهاد ابن ملجم قاتل أمیرالمؤمنین

وأنّه مأجور .................................................................................. 585

نقدٌ آخر علی ابن حزم فی قوله باجتهاد أبی الغادیة قاتل عمّار

وأنّه مأجور .................................................................................. 592

نقدٌ ثالث علی ابن حزم فی قوله باجتهاد معاویة وعمرو بن العاص

فی مقاتلة علیّ علیه السلام وبأنّهما مأجوران ......................................................... 601

کلمة ابن خلّکان فی ترجمة ابن حزم الظاهری .................................................. 608

مفاد حدیث الغدیر ومعنی المفهوم منه ........................................................... 609

مجیء «مَفعَل» بمعنی «أفعَل» .................................................................. 615

کلام الرازی فی الحدیث ...................................................................... 623

الشبهة الرازی عند العلماء .................................................................... 628

کلمة أخری للرازی .......................................................................... 632

ص: 714

جواب الرازی عمّا أثبتناه ..................................................................... 636

نقد علی الشاه ولیّ الله ....................................................................... 639

نظرة فی معانی المولی وهی اثنان وعشرون معنی ................................................. 640

المعانی التی یمکن إرادتها من الحدیث ............................................................ 646

الحقیقة من معانی المولی لیس إلّا الأولی بالشیء ............................................... 649

القرائن المعیّنة لمعنی الحدیث متّصلة ومنفصلة ................................................... 651

القرینة الأولی : مقدمة الحدیث المتّفق علیها ................................................ 651

القرینة الثانیة : ذیل الحدیث المتسالم علیه ................................................ 654

القرینة الثالثة : الاستشهاد الواقع فی صدر الحدیث ............................................ 656

القرینة الرابعة والخامسة والسادسة ............................................................ 657

القرینة السابعة والثامنة : أقواله صلی الله علیه وآله وسلم بعد الحدیث ........................................... 658

القرینة التاسعة والعاشرة : قوله قبل البلاغ وبعده ..................................... 659 - 660

القرینة الحادیة عشرة : کلمة «نصب» الواردة فی الحدیث ................................... 661

القرینة الثانیة عشرة : کلمة : وجبت فی أعناق القوم ......................................... 662

القرینة الثالثة عشرة : آخر فریضة أوجب الله ................................................. 662

القرینة الرابعة عشرة : کتمان الناس روایة الحدیث .......................................... 663

القرینة الخامسة عشرة والسادسة عشرة : ما ورد فی حدیثی

الرحبة والرکبان ............................................................................. 664

القرینة السابعة عشرة : ما فی حدیث إصابة الدعوة ........................................... 664

القرینة الثامنة عشرة : ما فی حدیث أبی الطفیل ............................................. 665

القرینة التاسعة عشرة : إنکار الفهری ......................................................... 666

القرینة العشرون : کلمة عمر ................................................................ 666

نظرة فی حدیثی أسامة وبریدة (تذییل) .................................................... 667

ص: 715

مقدمة المرکز ...................................................................................... 1

الإهداء ......................................................................................... 17

التاریخ الصحیح ................................................................................ 21

أهمیّة الغدیر فی التاریخ ........................................................................... 25

واقعة الغدیر .................................................................................... 31

العنایة بحدیث الغدیر ............................................................................. 37

رواة حدیث الغدیر من الصحابة .................................................................. 41

رواة حدیث الغدیر من التابعین ................................................................. 145

طبقات الرواة من العلماء ...................................................................... 167

رواة القرن الثانی من العلماء ................................................................... 167

رواة القرن الثالث من العلماء .................................................................. 185

رواة القرن الرابع من العلماء .................................................................. 221

رواة القرن الخامس من العلماء ................................................................ 235

رواة القرن السادس من العلماء ................................................................ 246

رواة القرن السابع من العلماء ................................................................. 255

رواة القرن الثامن من العلماء .................................................................. 266

رواة القرن التاسع من العلماء .................................................................. 275

رواة القرن العاشر من العلماء ................................................................. 282

رواة القرن الحادی عشر من العلماء ............................................................ 289

رواة القرن الثانی عشر من العلماء .............................................................. 294

رواة القرن الثالث عشر من العلماء ............................................................ 300

رواة القرن الرابع عشر من العلماء ............................................................. 305

المؤلّفون فی حدیث الغدیر ...................................................................... 313

المناشدة والاحتجاج بحدیث الغدیر .............................................................. 327

مناشدة أمیر المؤمنین علیه السلام یوم الشوری ........................................................ 327

مناشدة أمیر المؤمنین علیه السلام أیّام عثمان .......................................................... 334

مناشدة أمیر المؤمنین علیه السلام یوم الرحبة سنة (35 ه) .............................................. 339

أعلام الشهود لأمیر المؤمنین یوم الرحبة بحدیث الغدیر ........................................... 376

مناشدة أمیر المؤمنین علیه السلام یوم الجمل سنة (36 ه) علی طلحة .................................... 378

حدیث الرکبان فی الکوفة وقولهم فی حدیث الغدیر ........................................... 381

أعلام الشهود لأمیر المؤمنین علیه السلام بحدیث الغدیر یوم الرکبان ..................................... 387

مَن أصابته الدعوة بإخفاء حدیث الغدیر ........................................................ 387

نظرة فی حدیث إصابة الدعوة ................................................................. 388

مناشدة أمیر المؤمنین علیه السلام یوم صفّین سنة (37 ه) .............................................. 394

احتجاج الصدّیقة فاطمة بحدیث الغدیر ...................................................... 396

مناشدة الإمام السبط الحسن علیه السلام ............................................................. 397

مناشدة الإمام السبط الحسین علیه السلام ............................................................ 398

احتجاج عبدالله بن جعفر علی معاویة بحدیث الغدیر .......................................... 400

احتجاج بُرد علی عمرو بن العاصی بحدیث الغدیر .............................................. 402

احتجاج عمرو بن العاصی علی معاویة بحدیث الغدیر ........................................... 403

احتجاج عمّار بن یاسر یوم صفِّین بحدیث الغدیر ................................................ 404

احتجاج أصبغ بن نباتة فی مجلس معاویة بحدیث الغدیر ......................................... 404

مناشدة شابٍّ أبا هریرة بحدیث الغدیر بالکوفة .................................................. 406

مناشدة رجل زید بن أرقم بحدیث الغدیر ....................................................... 408

مناشدة رجل عراقی جابر الأنصاری بحدیث الغدیر .............................................. 409

تحریف الطبری وابن کثیر حدیث الدار .................................................... 412

احتجاج قیس الأنصاری علی معاویة بالمدینة بحدیث الغدیر .................................... 414

احتجاج دارمیّة الحجونیّة علی معاویة بحدیث الغدیر ............................................. 415

احتجاج عمرو الأودی بحدیث الغدیر .......................................................... 416

احتجاج عمر بن عبدالعزیز الخلیفة الأموی بالحدیث ............................................. 417

احتجاج المأمون الخلیفة عباسی علی الفقهاء بالحدیث .......................................... 418

کلمة المسعودی .............................................................................. 421

الغدیر فی الکتاب العزیز ....................................................................... 423

نزول آیة : (یَا أَیُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَیْکَ) فی علیّ حول الولایة ........................ 423

القول الفصل فی آیة التبلیغ ................................................................. 438

فریة القرطبی والقسطلانی علی شیعة ......................................................... 445

نزول آیة : (الْیَوْمَ أَکْمَلْتُ لَکُمْ دِینَکُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَیْکُمْ نِعْمَتِی) یوم الغدیر ................. 447

نقد علی السیوطی والآلوسی.................................................................. 458

نزول آیة : (سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ) حول حدیث الغدیر یوم الغدیر ................... 460

نظرة فی الحدیث آیة : (سَأَلَ سَائِلٌ) والنقد علی ابن تیمیّة ................................. 472

عید الغدیر فی الإسلام ........................................................................ 503

حدیث التهنئة یوم الغدیر ................................................................... 507

حدیث تهنئة الشیخین لأمیر المؤمنین یوم الغدیر ........................................ 509

عید الغدیر عند العترة الطاهرة (عود إلی البدء) ............................................... 527

نقد علی النویری والمقریزی فی أن عید الغدیر ابتدعه معزّ الدولة ............................. 534

التتویج یوم الغدیر ومعنی قول الشیعة : علیٌّ فی السحاب ....................................... 537

کلمات حول سند الحدیث ................................................................... 534

محاکمة حول سند الحدیث الغدیر ............................................................. 573

الرأی العام فی ضلال ابن حزم الأندلسی ....................................................... 585

نقدٌ علی ابن حزم فی قوله باجتهاد ابن ملجم قاتل أمیرالمؤمنین

وأنّه مأجور .................................................................................. 585

نقدٌ آخر علی ابن حزم فی قوله باجتهاد أبی الغادیة قاتل عمّار

وأنّه مأجور .................................................................................. 592

نقدٌ ثالث علی ابن حزم فی قوله باجتهاد معاویة وعمرو بن العاص

فی مقاتلة علیّ علیه السلام وبأنّهما مأجوران ......................................................... 601

کلمة ابن خلّکان فی ترجمة ابن حزم الظاهری .................................................. 608

مفاد حدیث الغدیر ومعنی المفهوم منه ........................................................... 609

مجیء «مَفعَل» بمعنی «أفعَل» .................................................................. 615

کلام الرازی فی الحدیث ...................................................................... 623

الشبهة الرازی عند العلماء .................................................................... 628

کلمة أخری للرازی .......................................................................... 632

جواب الرازی عمّا أثبتناه ..................................................................... 636

نقد علی الشاه ولیّ الله ....................................................................... 639

نظرة فی معانی المولی وهی اثنان وعشرون معنی ................................................. 640

المعانی التی یمکن إرادتها من الحدیث ............................................................ 646

الحقیقة من معانی المولی لیس إلّا الأولی بالشیء ............................................... 649

القرائن المعیّنة لمعنی الحدیث متّصلة ومنفصلة ................................................... 651

القرینة الأولی : مقدمة الحدیث المتّفق علیها ................................................ 651

القرینة الثانیة : ذیل الحدیث المتسالم علیه ................................................ 654

القرینة الثالثة : الاستشهاد الواقع فی صدر الحدیث ............................................ 656

القرینة الرابعة والخامسة والسادسة ............................................................ 657

القرینة السابعة والثامنة : أقواله صلی الله علیه وآله وسلم بعد الحدیث ........................................... 658

القرینة التاسعة والعاشرة : قوله قبل البلاغ وبعده ..................................... 659 - 660

القرینة الحادیة عشرة : کلمة «نصب» الواردة فی الحدیث ................................... 661

القرینة الثانیة عشرة : کلمة : وجبت فی أعناق القوم ......................................... 662

القرینة الثالثة عشرة : آخر فریضة أوجب الله ................................................. 662

القرینة الرابعة عشرة : کتمان الناس روایة الحدیث .......................................... 663

القرینة الخامسة عشرة والسادسة عشرة : ما ورد فی حدیثی

الرحبة والرکبان ............................................................................. 664

القرینة السابعة عشرة : ما فی حدیث إصابة الدعوة ........................................... 664

القرینة الثامنة عشرة : ما فی حدیث أبی الطفیل ............................................. 665

القرینة التاسعة عشرة : إنکار الفهری ......................................................... 666

القرینة العشرون : کلمة عمر ................................................................ 666

نظرة فی حدیثی أسامة وبریدة (تذییل) .................................................... 667

الأحادیث المُفَسِّرة لمعنی المولی ................................................................... 671

کلمات حول مفاد الحدیث الغدیر للأعلام ..................................................... 679

توضیح للواضح فی ظرف مفاد حدیث الغدیر ................................................. 691

القربات یوم الغدیر ........................................................................... 692

حدیث صوم یوم الغدیر ...................................................................... 693

رجال إسناد حدیث یوم الغدیر ................................................................ 694

نقد علی ابن کثیر فی تزییفه حدیث یوم الغدیر 699

ص: 716

المجلد 2

اشارة

سرشناسه:امینی، عبدالحسین، 1281 - 1349.

عنوان و نام پدیدآور:الغدیر فی الکتاب و السنه و الادب: کتاب دینی ،علمی، فنی،.../ عبدالحسین احمد الامینی النجفی؛ تحقیق مرکز الغدیر للدراسات الاسلامیه.

مشخصات نشر:قم: مرکز الغدیر للدراسات الاسلامیه، 1416ق.-= 1995م.-= 1374-

وضعیت فهرست نویسی:برونسپاری

یادداشت:عربی.

یادداشت:ج.2 (چاپ اول: 1375).

یادداشت:ج. 3، 6 و 8 (چاپ اول: 1416ق. = 1376).

یادداشت:ج. 13 (چاپ اول: 1422ق. = 2002م. = 1380).

یادداشت:کتابنامه.

موضوع:علی بن ابی طالب (ع)، امام اول، 23 قبل از هجرت - 40ق -- اثبات خلافت

موضوع:غدیر خم

شناسه افزوده:موسسه دایرةالمعارف فقه اسلامی بر مذهب اهل بیت (ع). مرکز الغدیر للدراسات الاسلامیه

رده بندی کنگره:BP223/54/الف8غ4 1374

رده بندی دیویی:297/452

شماره کتابشناسی ملی:م 75-8389

ص: 1

اشارة

ص: 2

الغدیر فی الکتاب و السنه و الادب

عبدالحسین احمد الامینی النجفی

تحقیق مرکز الغدیر للدراسات الاسلامیه

ص: 3

ص: 4

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 5

ص: 6

شکر علی تقدیر

کان فی هواجس ضمیری :

أنَّ کتابی هذا سیقدِّره کلُّ رجلٍ دینیٍّ ، ومَن یحمل

ولاء العترة الطاهرة ، فصدَّق الخُبر الخَبر ، وأتتنا رسائل کریمة ، وکتابات

أنیقة من أرجاء العراق وخارجها من شتّی الأقطار ، من الجمعیّات والشخصیّات

البارزة فی تقریض الکتاب والإعجاب به نظماً ونثراً ، کلّ ذلک ینِمُّ عن روحیَّةٍ

حاسَّةٍ قویَّةٍ فی الملأ الإسلامیِّ ، وفکرةٍ صالحةٍ فی المجتمع الدینیِّ ،

وشعورٍ حیٍّ فی رجالات الأُمَّة ، فحیّا الله العرب ودینه الحقَّ ، ومرحباً

بالتابعین لهم بإحسان من الأُمم الإسلامیّة ، فنحن نقدِّم إلی الجمیع شکرنا المتواصل

ونسأل لهم التوفیق ، ونأمل الرقیَ والتقدّم لحملة القرآن الأقدس.

المؤلف الأمینی

ص: 7

ص: 8

شعراء الغدیر فی القرن الاول و الثانی و شطر من القرن الثالث

ص: 9

ص: 10

بسم الله الرّحمن الرّحیم

الحمد لله وسلام علی عباده الذین اصطفی

نجز الجزء الأوَّل - ولله الحمد - من هذا الکتاب ، بعد أن أَلْمَسَکَ بالید حقیقة ناصعة هی من أجلی الحقائق الدینیّة ، ألا وهی : مغزی نصِّ الغدیر ومفاده ، ذلک النصُّ الجلیُّ علی إمامة مولانا أمیر المؤمنین علیه السلام ، بحیث لم یدع لقائل کلمةً ، ولا لمجادل شبهة فی تلک الدلالة ، وقد أوعزنا فی تضاعیف ذلک البحث الضافی إلی أنَّ هذا المعنی من الحدیث هو الذی عرفته منه العرب منذ عهد الصحابة الوعاة له وفی الأجیال من بعدهم إلی عصرنا الحاضر.

فهو معنی اللفظ اللغویّ المراد لا محالة قبل القرائن المؤکِّدة له وبعدها ، وقد أسلفنا نزراً من شواهد هذا المدّعی ، غیر أنَّه یروقنا هاهنا التبسّط فی ذلک ، بإیراد الشعر المقول فیه ، مع یسیرٍ من مکانة الشاعر وتوغّله فی العربیّة ، لیزداد القارئ بصیرةً علی بصیرته.

إلاّ أنَّ کلاّ من أولئک الشعراء الفطاحل - وقل فی أکثرهم العلماء - معدود من رواة هذا الحدیث ، فإنَّ نظمهم إیّاه فی شعرهم القصصی لیس من الصور الخیالیّة الفارغة ، کما هو المطّرد فی کثیر من المعانی الشعریّة ، ولدی سواد عظیم من الشعراء ، ألم ترهم فی کلِّ وادٍ یهیمون؟ لکنّ هؤلاء نظموا قصّةً لها خارجٌ ، وأفرغوا ما فیها من کَلِمٍ منثورة أو معانٍ مقصودة ، من غیر أیِّ تدخّل للخیال فیه ، فجاء قولهم کأحد الأحادیث المأثورة ، فتکون تلکم القوافی المنضّدة فی عقودها الذهبیّة من جملة المؤکِّدات لتواتر الحدیث.

ومن هنا لم نعتبر فی بعض ما أوردناه أن یکون من علّیّة الشعر ، ولا لاحظنا تناسبه لأوقات نبوغ الشاعر فی القوّة ، لما ذکرناه من أنَّ الغایة هی روایته للحدیث وفهمه المعنی المقصود منه ، ولن تجد أیَّ فصیح من الشعراء والکتّاب تشابهت ولائد فکرته فی القوّة والضعف فی جمیع أدواره وحالاته.

ص: 11

ص: 12

الشعر والشعراء

ونحن لا نری شعر السلف الصالح مجرّد ألفاظ مسبوکة فی بوتقة النظم ، أو کلمات منضّدة علی أسلاک القریض فحسب ، بل نحن نتلقّاه بما هناک من الأبحاث الراقیة فی المعارف من علمی الکتاب والسنّة ، إلی دروس عالیة من الفلسفة والعِبر والموعظة الحسنة والأخلاق ، أضف إلیها ما فیه من فنون الأدب وموادِّ اللغة ومبانی التاریخ ، فالشعر الحافل بهذه النواحی بغیة العالم ، ومقصد الحکیم ، ومأرب الأخلاقیِّ ، وطلبة الأدیب ، وأُمنیّة المؤرِّخ ، وقل : مرمی المجتمع البشریِّ أجمع.

وهناک للشعر المذهبیِّ مآرب أخری هی من أهمِّ ما نجده فی شعر السلف ، ألا وهی الحِجاج فی المذهب والدعوة إلی الحقِّ ، وبثِّ فضائل آل الله ، ونشر روحیّات العترة الطاهرة فی المجتمع ، بصورةٍ خلاّبة ، وأسلوب بدیع یُمازج الأرواح ، ویخالط الأدمغة ، فیبلغ هتافه القاصی والدانی ، وتلوکه أشداق الموالی والمناوئ مهما علت فی الکون عقیرته ، ودوّخت الأرجاء شهرته ، وشاع وذاع وطار صیته فی الأقطار ، وقُرِّطت به الآذان.

مهما صار أُحدوّة تحدو بها الحُداة ، وأغانی تغنّی به الجواری فی أندیة الملوک والخلفاء والأمراء ، وتناغی بها الأمّهات الرضّع فی المهود ، ویرقّصْنَهم بها بعد الفطام فی الحجور ، ویُلقِّنها الآباء أولادهم علی حین نعومة الأظفار ، فینمو ویشبُّ وفی

ص: 13

صفحة قلبه أسطرٌ نوریّة من الولاء المحض بسبب تلک الأهازیج ، وهذه الناحیة - الفارغة الیوم - لا تسدّها خطابة أیِّ مفوّهٍ لَسِن ، ولا تلحقه دعایة أیِّ متکلّم ، کما یقصر دون إدراکها السیف والقلم.

وأنت تجد تأثیر الشعر الرائق فی نفسیّتک فوق أیِّ دعایة وتبلیغ ، فأیُّ أحد یتلو میمیّة الفرزدق فلا یکاد أن یطیر شوقاً إلی الممدوح وحبّا له؟ أو ینشد هاشمیّات الکمیت فلا یمتلئ حجاجاً لِلحقّ؟ أو یترنّم بعینیّة الحمیری فلا یعلم أنَّ الحقَّ یدور علی الممدوح بها؟ أو تلقی علیه تائیّة دعبل فلا یستاء لاضطهاد أهل الحقِّ؟ أو تصکُّ سمعه میمیّة الأمیر أبی فراس فلا تقف شعرات جِلدته؟ ثمَّ لا یجد کلَّ عضو منه یخاطب القوم بقوله :

یاباعةَ الخمرِ کُفّوا عن مفاخرِکمْ

لِعُصْبةٍ بیعُهم یوم الهیاج دمُ

وکم وکم لهذه من أشباه ونظائر فی شعراء أکابر الشیعة ، وسوف تقف علیها فی طیّات أجزاء کتابنا هذا إن شاء الله تعالی.

وبهذه الغایة المهمّة کان الشعر فی القرون الأولی مدحاً وهجاءً ورثاءً کالصارم المسلول بید موالی أئمّة الدین ، وسهماً مغرَقاً فی أکباد أعداء الله ، ومجلّة دعایة إلی ولاء آل الله فی کلِّ صقع وناحیة ، وکانوا - صلوات الله علیهم - یضحّون دونه بثروة طائلة ، ویبذلون من مال الله للشعراء ما یغنیهم عن التکسّب والاشتغال بغیر هذه المهمَّة ، وکانوا یوجّهون الشعراء إلی هذه الناحیة ، ویحتفظون بها بکلِّ حول وطول ، ویحرِّضون الناس علیها ، ویُبشِّرونهم عن الله - وهم أمناء وحیه - بمثل قولهم :

«من قال فینا بیت شعر بنی الله له بیتاً فی الجنّة». ویحثّونهم علی تعلّم ما قیل فیهم وحفظه ، بمثل قول الصادق الأمین علیه السلام : «علّموا أولادکم شعر العبدی». وقوله : «ما قال فینا قائلٌ بیت شعر حتی یؤیَّد بروح القُدس» (1). ف)

ص: 14


1- عیون أخبار الرضا [1 / 15] ، رجال الکشّی : ص 254 [2 / 704 رقم 748]. (المؤلف)

وروی الکشّی فی رجاله (1) (ص 160) عن أبی طالب القمّی ، قال : کتبت إلی أبی جعفر بأبیات شعر وذکرت فیها أباه ، وسألته أن یأذن لی فی أن أقول فیه ، فقطع الشعر وحبسه ، وکتب فی صدر ما بقی من القرطاس : «قد أحسنت ، فجزاک الله خیراً».

وعنه فی لفظ آخر : فأذِنَ لی أن أرثی أبا الحسن - أعنی أباه - وکتب إلیَّ : «أن اندبه واندب لی». 5.

ص: 15


1- رجال الکشّی : 2 / 838 رقم 1074 و 1075.

الشعر والشعراء فی السنّة والکتاب

کلّ ما ذکرنا عنهم - صلوات الله علیهم - کان تأسِّیاً بقدوتهم النبیِّ الطاهر صلی الله علیه وآله وسلم ، فإنَّه أوّل فاتح لهذا الباب بمصراعیه مدحاً وهجاءً ، بإصاخته للشعراء المادحین له ولأسرته الکریمة ، وکان ینشد الشعر ویستنشده ، ویجیز علیه ویرتاح له ، ویکرم الشاعر مهما وجد فی شعره هذه الغایة الوحیدة ، کارتیاحه لشعر عمّه شیخ الأباطح أبی طالب - سلام الله علیه - لمّا استسقی فسُقی ، قال : «لله درُّ أبی طالب لو کان حیّا لقرّت عیناه ، من ینشدنا قوله؟».

فقام عمر بن الخطاب فقال : عسی أردت یا رسول الله :

وما حَمَلَتْ من ناقةٍ فوقَ ظهرِها

أبرَّ وأوفی ذمّةً من محمد

فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «لیس هذا من قول أبی طالب ، هذا من قول حسّان ابن ثابت!».

فقام علیّ بن أبی طالب علیه السلام وقال : «کأنَّک أردتَ یا رسول الله :

وأبیضُ یُستَسقی الغَمامُ بوجهِهِ

ربیعُ الیتامی عِصمةٌ للأراملِ

تلوذُ به الهلاّکُ من آلِ هاشمٍ

فهم عنده فی نعمةٍ وفواضلِ

فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : أجل».

ص: 16

فقام رجل من بنی کنانة ، فقال :

لک الحمدُ والحمدُ ممّن شکر

سُقینا بوجه النبیِّ المطرْ

دعا اللهَ خالقَهُ دعوةً

وأشخصَ منهُ إلیهِ البصرْ

فلم یکُ إلاّ کإلقا الرِّدا

وأَسرعَ حتی أتانا الدَّرَرْ

دِفاقُ العَزالِیَ جمّ البُعاق (1)

أغاثَ به اللهُ علیا مضرْ

فکان کما قالَهُ عمّهُ

أبو طالب ذا رواءٍ غَزرْ

به اللهُ یسقی صُیوبَ الغَمامِ

فهذا العیانُ وذاک الخبرْ

فقال رسول الله : «یاکنانی بوّأک الله بکلِّ بیت قلته بیتاً فی الجنّة» (2).

ولمّا نظر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یوم بدر إلی القتلی مصرّعین ، قال لأبی بکر :

«لو أنَّ أبا طالب حیٌّ لعلم أنَّ أسیافنا أخذت بالأماثل» ، وذلک لقول أبی طالب :

وإنّا لعمر الله إن جدَّ ما أری

لَتَلْتَبِسَنْ أسیافُنا بالأماثل (3)

وکارتیاحه صلی الله علیه وآله وسلم لشعر عمِّه العبّاس بن عبد المطّلب لمّا قال : یا رسول الله أرید أن أمتدحک.

فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «قل لا یفضضِ الله فاک» فأنشأ یقول :

من قبلِها طِبتَ فی الظلالِ وفی

مستودَعٍ حیث یُخصَفُ الورقُ

ثمَّ هبطتَ البلادَ لا بشرٌ

أنت ولا مُضغةٌ ولا عَلَقُ

بل نطفةٌ ترکبُ السفینَ وقدْ

ألجمَ نسراً وأهلَه الغرقُ

2.

ص: 17


1- العزالی جمع العزلاء : مصبّ الماء. والبُعاق - بالضم : السحاب الممطر بشدّة. (المؤلف)
2- أمالی شیخ الطائفة : ص 46 [ص 75 ح 110]. (المؤلف)
3- المعجم الکبیر : 10 / 158 ح 10312.

تُنقلُ من صالب إلی رَحمٍ

إذا مضی عالمٌ بدا طبقُ

حتی احتوی بیتُک المهیمنُ من

خِندف علیاءَ تحتها النطقُ

وأنت لمّا وُلِدتَ أشرقتِ الأ

رضُ وضاءتْ بنورِکَ الأُفقُ

فنحن فی ذلک الضیاء وفی

النور وسبل الرشاد نخترقُ (1)

وکارتیاحه صلی الله علیه وآله وسلم لشعر عمرو بن سالم وقوله له : «نُصِرتَ یا عمرو بن سالم» لمّا قدم علیه وأنشده أبیاتاً ، أوّلها (2) :

لاهُمَّ إنّی ناشدٌ محمدا

حِلْفَ أبینا وأبیه الأَتْلَدا

کنتَ لنا أباً وکنّا وَلَدا

ثَمَّتَ أسلَمنا فلم ننزعْ یدا

فانصرْ رسول الله نصراً عَتَدا

وادعُ عبادَ الله یأتوا مَدَدا

الی آخر الأبیات.

وکارتیاحه صلی الله علیه وآله وسلم لِشعر النابغة الجعدی ودعائه له بقوله : «لا یفضضِ الله فاک» لمّا أنشده أبیاتاً من قصیدته مائتی بیت ، أوّلها :

خلیلیَّ غُضّا ساعةً وتهجّرا

ولوما علی ما أحدثَ الدهرُ أو ذَرا

وممّا أنشده رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم :

أتیتُ رسول الله إذ جاءَ بالهدی

ویتلو کتاباً کالمجرّة نَیِّرا

وجاهدتُ حتی ما أحسُّ ومن معی

سهیلاً إذا ما لاحَ ثمّ تحوّرا

أقیمُ علی التقوی وأرضی بفعلِها

وکنت من النار المخُوفةِ أحذرا

ف)

ص: 18


1- مستدرک الحاکم : 3 / 327 [3 / 369 ح 5417] ، أُسد الغابة : 1 / 119 [2 / 129 رقم 1438]. (المؤلف)
2- تاریخ الطبری : 3 / 111 [3 / 45 حوادث سنة 8 ه] ، أُسد الغابة : 4 / 104 [4 / 224 رقم 3923]. (المؤلف)

ولمّا بلغ إلی قوله :

بلغنا السماءَ مجدُنا وجدودُنا

وإنّا لنرجو فوق ذلک مظهرا

قال النبیُّ صلی الله علیه وآله وسلم : «أین المظهر یا أبا لیلی؟». قال : الجنَّة. قال : «أجل إن شاء الله تعالی».

ثمَّ قال :

ولا خیرَ فی حِلمٍ إذا لم یکنْ لهُ

بوادرُ تَحمی صَفْوَهُ أن یُکدَّرا

ولا خَیر فی جَهلٍ إذا لم یکنْ لهُ

حلیمٌ إذا ما أورد الأمرَ أصدرا

فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «أجدتَ لا یفضضِ الله فاک». مرّتین. فکانت أسنانه کالبَرَد المنهلّ ، ما انفصمت له سنٌّ ولا انفلتت ، وکان معمَّراً (1).

وکارتیاحه صلی الله علیه وآله وسلم لشعر کعب بن زهیر لمّا أنشده فی مسجده الشریف لامیّته التی أوّلها :

بانت سعاد فقلبی الیومَ متبولُ

مُتیَّمٌ إثرها لم یُفْدَ مکبولُ

فکساه النبیُّ صلی الله علیه وآله وسلم بردة ، اشتراها معاویة بعد ذلک بعشرین ألف درهم ، وهی التی یلبسها الخلفاء فی العیدین (2).

وفی مستدرک الحاکم (3) (3 / 582) : لمّا أنشد کعب قصیدته هذه رسول الله وبلغ قوله : 9.

ص: 19


1- الشعر والشعراء لابن قتیبة : ص 96 [ص 177] ، الاستیعاب : 1 / 311 [القسم الرابع / 1516 رقم 2647] ، الإصابة : 3 / 539 [رقم 8639]. (المؤلف)
2- الشعر والشعراء لابن قتیبة : ص 62 [ص 80] ، الإمتاع للمقریزی : ص 494 ، الإصابة : 3 / 296 [رقم 7411]. (المؤلف)
3- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 673 ح 6479.

إنَّ الرسول لسیفٌ یُستضاء به

وصارمٌ من سیوف الله مسلولُ

أشار صلی الله علیه وآله وسلم بکمّه إلی الخلق لیسمعوا منه. ویُروی أنَّ کعباً أنشد : من سیوف الهند. فقال النبیُّ صلی الله علیه وآله وسلم : «من سیوف الله» (1).

وکارتیاحه صلی الله علیه وآله وسلم لشعر عبد الله بن رواحة ، قال البراء بن عازب : رأیت النبیَّ صلی الله علیه وآله وسلم ینقل من تراب الخندق حتی واری التراب جلد بطنه ، وهو یرتجز بکلمة عبد الله بن رواحة :

لاهُمَّ لو لا أنت ما اهتدَیْنا

ولا تصدّقنا ولا صَلّینا

فأنزِلَنْ سکینةً علینا

وثبِّتِ الأقدامَ إن لاقینا

إنَّ أُولاءِ قد بَغَوا علینا

وإنْ أرادوا فتنةً أبَیْنا (2)

ویظهر من روایة ابن سعد فی طبقاته (3) وابن الأثیر (4) أنَّ الأبیات لعامر بن الأکوع.

روی الثانی فی أُسد الغابة (5) (3 / 82) : أنَّ النبیَّ صلی الله علیه وسلم قال لعامر فی مسیره إلی خیبر : «انزل یا ابن الأکوع واحدِ لنا من هناتک» (6).

قال : نزل یرتجز برسول الله صلی الله علیه وسلم :

لاهُمَّ لو لا أنت ما اهتدینا

ولا تصدّقنا ولا صلّینا

إلی آخر الأبیات. ف)

ص: 20


1- شرح قصیدة : بانت سعاد ، لجمال الدین الأنصاری : ص 98 [ص 87]. (المؤلف)
2- مسند أحمد : 4 / 302 [5 / 388 ح 18209]. (المؤلف)
3- الطبقات الکبری : 2 / 111.
4- الکامل فی التاریخ : 1 / 595 حوادث سنة 7 ه.
5- أُسد الغابة : 3 / 124 رقم 2699.
6- أی کلماتک وأراجیزک. وفی روایة : هنیأتک ، علی التصغیر. وفی أخری : هنیهاتک. (المؤلف)

فقال رسول الله صلی الله علیه وسلم : «یرحمک ربّک - وفی لفظ - رحمک الله».

وفی الطبقات لابن سعد (1) (3 / 619): «غفر لک ربّک».

وکارتیاحه صلی الله علیه وسلم لشعر حسّان بن ثابت یوم غدیر خُمّ ودعائه له بقوله : «لا تزالُ یا حسّان مؤیَّداً بروح القُدس ما نصرتَنا بلسانک».

وکان صلی الله علیه وآله وسلم یضع لحسّان منبراً فی مسجده الشریف ، یقوم علیه قائماً یفاخر عن رسول الله ، ویقول رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «إنَّ الله یؤیِّد حسّان بروح القُدس ما نافحَ أو فاخر عن رسول الله» (2).

وکارتیاحه لشعر أبی کبیر الهذلی.

قالت عائشة : کان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یخصف نعله ، وکنت جالسةً أغزل ، فنظرت إلیه ، فجعل جبینه یعرق ، وعرقه یتولّد نوراً ، قالت : فبُهِتُّ ، فنظر إلیّ فقال : «ما لکِ بهتِّ».

فقلت : یا رسول الله ، نظرت إلیک فجعل جبینک یعرق ، وعرقک یتولّد نوراً ، ولو رآک أبو کبیر الهُذَلی لعلم أنّک أحقُّ بشعره.

قال : «وما یقول أبو کبیر؟». قلت : یقول :

ومبرَّأٌ من کلِّ غُبَّرِ حَیضةٍ

وفسادِ مُرضعةٍ وداءٍ مُعْضِلِ

وإذا نظرت إلی أسرّةِ وجهِهِ

بَرِقَتْ کبرقِ العارض المتهلّلِ

قالت : فوضع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ما کان بیده ، وقام وقبّل ما بین عینیَّ ، وقال : «جزاکِ الله خیراً یا عائشة. ما سُرِرْتِ منّی کسروری منک» (3). ف)

ص: 21


1- الطبقات الکبری : 2 / 111.
2- مستدرک الحاکم : 3 / 477 [3 / 554 ح 6058]. وصحّحه هو والذهبی فی تلخیصه. (المؤلف)
3- حلیة الأولیاء لأبی نعیم : 2 / 45 [رقم 134] ، تاریخ الخطیب البغدادی : 13 / 253 [رقم 7210]. (المؤلف)

وکان صلی الله علیه وآله وسلم یحثُّ الشعراء إلی هذه الناحیة ، ویأمرهم بالاحتفاظ بها ، ویرشدهم إلی أخذ حدیث المخالفین له وأحسابهم ، وتأریخ نشآتهم ممّن یعرفها ، وهجائهم ، کما کان یأمرهم بتعلّم القرآن العزیز ، وکان یراه نصرةً للإسلام وجهاداً دون الدین الحنیف ، وکان یصوِّر للشاعر جهاده وینصّ به ، ویقول :

«اهجوا بالشعر ؛ إنَّ المؤمن یجاهد بنفسه وماله ، والذی نفس محمد بیده کأنّما تنضحونهم بالنبل». وفی لفظ آخر : «فکأنّ ما ترمونهم به نضح النبل». وفی ثالث : «والذی نفس محمد بیده فکأنّما تنضحونهم بالنبل فیما تقولون لهم من الشعر» (1).

وکان صلی الله علیه وآله وسلم یثوِّر شعراءه إلی الجدال بنبال النظم وحسام القریض ، ویحرِّضهم 2 / 8 إلی الحماسة فی مجابهة الکفّار فی قولهم المضادِّ لمبدئه القدسیِّ ، ویبثُّ فیهم روحاً دینیّا قویّا ، ویؤکِّد فیهم حمیّةً تجاه الحمیّة الجاهلیّة ، وکان یوجِد فیهم هیاجاً ونشاطاً فی النشر والدعایة ، وشوقاً مؤکّداً إلی الدفاع عن حامیة الإسلام المقدّس ، ورغبةً فی المجاهدة بالنظم بمثل قوله صلی الله علیه وآله وسلم للشاعر : «اهج المشرکین ؛ فإنَّ روح القدُس معک ما هاجیتهم» (2) ، وقوله : «اهجُهم ؛ فإنَّ جبریل معک» (3).

قال البراء بن عازب : إنَّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قیل له : إنَّ أبا سفیان بن الحارث بن عبد المطّلب یهجوک ، فقال عبد الله بن رواحة : یا رسول الله ائذن لی فیه.

فقال : «أنت الذی تقول : ثبّت الله؟». قال : نعم.

قلت یا رسول الله : ف)

ص: 22


1- مسند أحمد : 3 / 460 ، 456 ، 6 / 387 [4 / 498 ح 15369 ، ص 492 ح 15359 ، 7 / 533 ح 26633]. (المؤلف)
2- مسند أحمد : 4 / 298 [5 / 383 ح 18168] ، مستدرک الحاکم : 3 / 487 [3 / 555 ح 6062]. (المؤلف)
3- مسند أحمد : 4 / 299 ، 302 ، 303 [5 / 384 ح 1817 ، ص 389 ح 18214 ، ص 391 ح 18222]. (المؤلف)

فثبّت الله ما أعطاک من حسنٍ

تثبیتَ موسی ونصراً مثل ما نُصروا

قال صلی الله علیه وآله وسلم: «وأنت یفعل الله بک خیراً مثل ذلک».

قال : ثمّ وثب کعب ، فقال : یا رسول الله ائذن لی فیه. قال : «أنت الذی تقول : هَمّت؟». قال : نعم.

قلت یا رسول الله :

همّتْ سَخینةُ أن تغالبَ ربَّها

فَلَیُغْلَبَنَّ مُغالبُ الغلاّبِ

قال صلی الله علیه وآله وسلم : «إنَّ الله لم ینسَ ذلک لک».

قال : ثمَّ قام حسّان فقال : یا رسول الله ائذن لی فیه ، وأخرج لساناً له أسود. فقال : یا رسول الله ائذن لی إن شئتَ أفریتُ به المزاد (1).

فقال : «اذهب إلی أبی بکر لیحدِّثک حدیث القوم وأیّامهم وأحسابهم ، ثمَّ اهجهم وجبریل معک» (2).

وهذه الطائفة من الشعراء هم المعنیّون بقوله تعالی : (إِلاَّ الَّذِینَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَذَکَرُوا اللهَ کَثِیراً وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا) (3).

وهم المستثنون فی صریح القرآن من قوله تعالی : (وَالشُّعَراءُ یَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ) (4).

ولمّا نزلت هذه الآیة جاءت عدّة من الشعراء إلی رسول الله صلی الله علیه وسلم وهم یبکون قائلین : إنّا شعراء ، والله أنزل هذه الآیة. فتلا النبیُّ صلی الله علیه وسلم : (إِلاَّ الَّذِینَ آمَنُوا وَعَمِلُوا 4.

ص: 23


1- أی شققته. کنایة عن إسقاطه بالفضیحة. (المؤلف)
2- مستدرک الحاکم : 3 / 488 [3 / 556 ح 6065]. (المؤلف)
3- الشعراء : 227.
4- الشعراء : 224.

الصالِحاتِ) قال : أنتم (وَذَکَرُوا اللهَ کَثِیراً) قال : أنتم (وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا) قال : أنتم (1).

وإنَّ کعب بن مالک ، أحد شعراء النبی الأعظم ، حین أنزل الله تبارک وتعالی فی الشعر ما أنزل ، أتی النبیّ صلی الله علیه وسلم فقال : إنَّ الله تبارک وتعالی قد أنزل فی الشعر ما قد علمت ، وکیف تری فیه؟ فقال النبیُّ صلی الله علیه وسلم : «إنَّ المؤمن یجاهد بسیفه ولسانه» (2).

علی أنَّ فی وسع الباحث أن یقول : إنَّ المراد بالشعراء فی الآیة الکریمة کلُّ من یأتی بکلامٍ شعریّ منظوماً [کان] أو منثوراً ، فتکون مصادیقها أحزاب الباطل وقوّالة الزور ، فعن مولانا الصادق علیه السلام : «إنَّهم القصّاصون».

رواه شیخنا الصدوق فی عقائده (3).

وفی تفسیر علیّ بن إبراهیم (4) (ص 474) أنَّه قال : نزلت فی الذین غیّروا دین الله [بآرائهم] (5) وخالفوا أمر الله ، هل رأیتم شاعراً قطّ تبعه أحد؟ إنّما عنی بذلک الذین وضعوا دیناً بآرائهم فتبعهم علی ذلک الناس ، ویؤکِّد ذلک قوله [تعالی] : (أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِی کُلِّ وادٍ یَهِیمُونَ) (6) یعنی یناظرون بالأباطیل ، ویجادلون بالحجج ، وفی کلِّ مذهب یذهبون.

وفی تفسیر العیّاشی (7) : عن أبی عبد الله علیه السلام قال : «هم قومٌ تعلّموا وتفقّهوا بغیر علم ، فضلّوا وأضلّوا». 5.

ص: 24


1- تفسیر ابن کثیر : 3 / 354. (المؤلف)
2- مسند أحمد : 3 / 456 [4 / 492 ح 15358]. (المؤلف)
3- الاعتقادات فی دین الإمامیة : ص 84.
4- تفسیر القمّی : 2 / 125.
5- الزیادة من المصدر.
6- الشعراء : 225.
7- أنظر مجمع البیان للطبرسی : 7 / 325.

فلیس فی الآیة حطٌّ لمقام الشعر بما هو شعر ، وإنّما الحطُّ علی الباطل منه ومن المنثور ، وقد ثبت عنه صلی الله علیه وآله وسلم عند فریقی الإسلام قوله : «إنَّ من الشعر لَحکمةً وإنَّ من البیان لَسحراً» (1). ف)

ص: 25


1- مسند أحمد : 1 / 269 ، 273 ، 303 ، 332 [1 / 444 ح 2420 ، ص 451 ح 2469 ، ص 498 ح 2756 ، ص 546 ح 3059] ، سنن الدارمی : 2 / 296 ، صحیح البخاری [5 / 2176 ح 5434] کتاب الطب ، باب : إنَّ من البیان سحراً ، المجتنی لابن درید : ص 22 [ص 11] ، تاریخ بغداد للخطیب : 3 / 98 [رقم 1094] ، ص 258 [رقم 1349] ، و 4 / 254 [رقم 1988] ، و 8 / 18 [رقم 4061] ، 314 [رقم 4408] ، البیان والتبیین للجاحظ : 1 / 212 ، 275 [1 / 213 ، 282] ، رسائل الجاحظ : ص 235 [ص 73 الرسائل الکلامیة] ، مصابیح السنّة للبغوی : 2 / 149 [3 / 311 ح 3719 ، 3720] ، الروض الأُنف : 2 / 337 [7 / 437] ، تاریخ ابن کثیر : 9 / 45 [9 / 56 حوادث سنة 82 ه] ، تاریخ ابن عساکر : 1 / 348 ، و 6 / 423 [4 / 153 ، 8 / 305] ، الإصابة : 1 / 453 [رقم 2274] ، و 4 / 183 [رقم 1072] ، تهذیب التهذیب : 9 / 453 [4 / 362 رقم 719 ، 6 / 127 رقم 286]. (المؤلف)

الهواتف بالشعر

وهناک هتافات غیبیّة شعریّة فی الدعایة الدینیّة ، خوطبَ بها أُناسٌ فی بدء الإسلام فاهتدوا بها ، وهی معدودة من معاجز النبیِّ صلی الله علیه وآله وسلم ، وتنمُّ عن أهمیّة الشعر فی باب الإلقاء والحجاج وإفهام المستمع ، وإنَّ أخذه بمجامع القلوب والأفئدة آکد من الکلام المنثور ، فَلْیُتَّخذ دستوراً فی إصلاح المجتمع وبثِّ الدعایة الروحیّة. ومنها :

1 - سمعت آمنة بنت وهب فی ولادة النبیِّ صلی الله علیه وآله وسلم هاتفاً یقول :

صلّی الإله وکلُّ عبدٍ صالحٍ

والطیّبونَ علی السِراجِ الواضحِ

المصطفی خیرِ الأنامِ محمد

الطاهرِ العَلَمِ الضیاءِ اللائحِ

زینِ الأنام المصطفی عَلَمِ الهدی

الصادقِ البرِّ التقیِّ الناصحِ

صلّی علیه اللهُ ما هبّتْ صَبا

وتجاوبتْ ورق الحمام النائحِ (1)

2 - هتف هاتفٌ من صنم بصوت جهیر لیلة مولد النبیِّ صلی الله علیه وسلم ، وقد خرّت فیها الأصنام ، وهو یقول :

تردّی لمولودٍ أنارتْ بنورِهِ

جمیعُ فِجاجِ الأرضِ بالشرقِ والغربِ

وخرّت له الأوثانُ طُرّا وأَرعدتْ

قلوبُ ملوکِ الأرض طُرّا من الرعبِ

ف)

ص: 26


1- بحار الأنوار : 6 / 73 [15 / 325]. (المؤلف)

ونارُ جمیعِ الفُرس باخَتْ وأظلمتْ

وقد بات شاهُ الفرس فی أعظمِ الکَربِ

وصدّت عن الکُهّانِ بالغیب جِنُّها

فلا مخبرٌ منهم بحقٍّ ولا کذبِ

فَیالَ قُصَیٍّ ارجعوا عن ضَلالِکم

وهُبّوا إلی الإسلامِ والمنزلِ الرحْبِ (1)

3 - قال ورقة : بتُّ لیلةَ مولد النبیِّ صلی الله علیه وسلم عند صنم لنا ، إذ سمعتُ من جوفه هاتفاً یقول :

وُلِدَ النبیُّ فذلَّتِ الأملاکُ

ونأی الضلالُ وأدبرَ الإشراکُ

ثمَّ انتکس الصنم علی رأسه (2).

4 - قال العوام بن جُهیل - مُصَغّراً - الهمْدانی سادِن یغوث : بتُّ لیلاً فی بیت الصنم ، وسمعت هاتفاً من الصنم یقول : یا ابن جُهیل حلَّ بالأصنام الویل ، هذا نورٌ سطع من الأرض الحرام ، فودِّع یغوث بالسلام. فکلّمت قومی ما سمعت ، فإذا هاتفٌ یقول :

هل تسمعنَّ القول یا عوام

أم أنتَ ذو وَقْرٍ عن الکلامِ

قد کُشِفَتْ دیاجرُ الظلامِ

وأصفق الناسُ علی الإسلامِ

فقلت :

یا أیّها الهاتفُ بالعوامِ

لستُ بذی وَقْرٍ عن الکلامِ

فبیِّنَنْ عن سُنّةِ الإسلامِ

قال : وما کنت والله عرفت الإسلام قبل ذلک ، فأجابنی یقول :

ارحل علی اسمِ اللهِ والتوفیقِ

رحلةَ لا وانٍ ولا مَشیقِ (3)

ر.

ص: 27


1- تاریخ ابن کثیر : 2 / 341 [2 / 415] ، الخصائص الکبری للسیوطی : 1 / 52 [1 / 89]. (المؤلف)
2- الخصائص الکبری : 1 / 52 [1 / 89]. (المؤلف)
3- المشیق : الهزیل الضامر.

إلی فریقٍ خیرِ ما فریقِ

إلی النبیِّ الصادقِ المصدوقِ

فرمیت الصنم ، وخرجت أرید النبیَّ صلی الله علیه وآله وسلم فصادفت وفد هَمْدان یدور بالنبیِّ ، فدخلتُ علیه ، فأخبرته خبری فَسُرَّ النبیُّ صلی الله علیه وسلم ثمّ قال : «أخبر المسلمین» وأمرنی بکسر الأصنام ، فرجعت إلی الیمن ، وقد امتحن الله قلبی بالإسلام ، وقلت فی ذلک :

فمن مبلغٌ عنّا شآمیَّ قومِنا

ومن حل بالأجوافِ سرّا وأجهرا

بأنّا هدانا اللهُ لِلحقِّ بعدَ ما

تهوّدَ منّا حائرٌ وتنصّرا

وإنّا سَرَیْنا من یغوثٍ وقربه

یعوقُ وتابعناکَ یا خیِّر الوری (1)

5 - أخرج أبو نعیم فی دلائل النبوّة (2) (1 / 34) عن العبّاس بن مرداس السلمی قال : دخلت علی وثن یقال له الضمار ، فکنستُ ما حوله ومسحتُه وقبّلته ، فإذا بصائح یصیح : یا عبّاس بن مرداس :

قل للقبائلِ من سُلیمٍ کلّها

هلکَ الأنیسُ وفاز أهلُ المسجدِ

أودی ضِمارُ وکان یُعبَدُ مرّةً

قبلَ الکتابِ إلی النبیِّ محمد

إنَّ الذی ورِثَ النبوّةَ والهدی

بعد ابنِ مریمَ من قریش مهتدی

فخرج العبّاس فی ثلاثمائة راکب من قومه إلی النبیِّ صلی الله علیه وآله وسلم ، فلمّا رآه النبیُّ تبسّم ثمّ قال : «یا عبّاس بن مرداس کیف کان إسلامک؟» فقصَّ علیه القصّة.

فقال : «صدقت» وسُرَّ بذلک (3).

6 - أخرج أبو نعیم فی دلائله) (4) (1 / 33 عن رجل خثعمیّ ، قال : إنَّ قوماً من خثعم کانوا مجتمعین عند صنم لهم ، إذ سمعوا بهاتفٍ یهتف : 4.

ص: 28


1- أُسد الغابة : 4 / 153 [4 / 307 رقم 4109] ، الإصابة : 3 / 41 [رقم 6084]. (المؤلف)
2- دلائل النبوّة : 1 / 147 ح 66.
3- ابن شهرآشوب فی المناقب : 1 / 61 [1 / 123] ، تاریخ ابن کثیر : 2 / 341 [2 / 417]. (المؤلف)
4- دلائل النبوّة : 1 / 145 ح 64.

یا أیّها الناس ذَوو الأجسامِ

ومسندو الحکمِ إلی الأصنامِ

ما أنتمُ وطائشُ الأحلامِ

هذا نبیٌّ سیِّدُ الأنامِ

أعدلُ ذی حُکمٍ من الحکّامِ

یصدعُ بالنورِ وبالإسلامِ

ویردعُ الناسَ عن الآثامِ

مستعلنٌ فی البلَدِ الحَرامِ

وأخرج أبو نعیم عن عمر ، قال : سمعت هاتفاً یهتف ویقول :

یا أیّها الناس ذَوو الأجسامِ

ومسندو الحکم إلی الأصنامِ

ما أنتمُ وطائش الأحلامِ

فکلّکم أَوْرَهُ کالنّعامِ (1)

أما ترون ما أری أمامی؟

قد لاح للناظر من تِهامِ

أَکرِمْ به للهِ من إمامِ

قد جاء بعد الکفر بالإسلامِ

والبرّ والصلات للأرحام (2)

ورواه الخرائطی کما فی تاریخ ابن کثیر (3) (2 / 343) بإسناده ، واللفظ فیه :

یا أیّها الناس ذوو الأجسامِ

من بین أشیاخٍ إلی غلامِ

ما أنتمُ وطائشُ الأحلامِ

ومسندُ الحُکم إلی الأصنامِ

أکلّکم فی حیرةِ النِیامِ

أم لا ترون ما الذی أمامی؟

من ساطع یجلو دجی الظلام

قد لاح للناظر من تِهامِ

ذاک نبیٌّ سیِّدُ الأنامِ

قد جاء بعد الکفر بالإسلامِ

أکرمهُ الرحمنُ من إمامِ

ومن رسولٍ صادقِ الکلامِ

أعدلُ ذی حُکمٍ من الحکّامِ

یأمرُ بالصلاةِ والصیامِ

9.

ص: 29


1- فی البحار : 6 / 319 [18 / 101] : أکلّکم أوره کالکهام. وره فهو أوره : أی حمق. الکهام : الکلیل ، البطیء ، المسن. (المؤلف)
2- الخصائص الکبری : 1 / 133 [1 / 178]. (المؤلف)
3- البدایة والنهایة : 2 / 419.

والبرِّ والصلاتِ للأرحامِ

ویزجرُ الناسَ عن الآثامِ

والرجسِ والأوثانِ والحرامِ

من هاشمٍ فی ذُروةِ السنامِ

مُسْتعلناً فی البلَدِ الحرامِ

7 - أخرج أبو نعیم عن یعقوب بن یزید بن طلحة التیمیّ عن رجل ، قال : کنّا بقفرة من الأرض ، إذا هاتف من خلفنا یقول :

قد لاحَ نجمٌ فأضاءَ مشرقَه

یخرجُ من ظَلْما عسوفٍ موبقه

ذاک رسولٌ مفلحٌ مَن صدّقه

الله أعلی أمرَهُ وحقّقه (1)

8 - أخرج البیهقی (2) وابن عساکر (3) ، عن ابن عبّاس أنَّ رجلاً قال : یا رسول الله خرجت فی الجاهلیّة أطلب بعیراً شرد ، فهتف بی هاتفٌ فی الصبح یقول :

یا أیّها الراقدُ فی اللیل الأجَمْ

قد بعث اللهُ نبیّا فی الحَرَمْ

من هاشمٍ أهلِ الوفاءِ والکرمْ

یجلو دُجُنّاتِ الدیاجی والظُّلَمْ

فأدرت طرفی فما رأیت له شخصاً ، فقلت :

یا أیّها الهاتفُ فی داجی الظُلمْ

أهلاً وسهلاً بک من طَیْفٍ أَلَمْ

بَیِّنْ هَداکَ الله فی لَحن الکَلِمْ

ما ذا الذی یدعو إلیه یغتنمْ

فإذا أنا بنحنحة وقائل یقول :

ظهر النور ، وبطل الزور ، وبعث الله محمداً بالخیور. ثمّ أنشأ یقول :

الحمد لله الذی

لم یَخْلُقِ الخَلْقَ عَبَثْ

5.

ص: 30


1- الخصائص الکبری : 1 / 104 [1 / 175]. (المؤلف)
2- دلائل النبوّة : 2 / 110.
3- تاریخ مدینة دمشق : 1 / 547 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 2 / 55.

أرسلَ فینا أحمداً

خیر نبیٍّ قد بعثْ

صلّی علیه اللهُ ما

حجَّ لهُ رکبٌ وحث (1)

9 - أخرج أبو سعد فی شرف المصطفی عن الجَعْد بن قیس المرادی ، قال : خرجنا أربعة أنفس نرید الحجّ فی الجاهلیّة ، فمررنا بوادٍ من أودیة الیمن ، إذا بهاتف یقول :

ألا أیّها الرکب المعرِّس بلِّغوا

إذا ما وقفتم بالحطیمِ وزمزما

محمداً المبعوثَ منّا تحیّةً

تُشیِّعه من حیث سار ویمّما

وقولوا له إنّا لدینِکَ شیعةٌ

بذلک أوصانا المسیح بنُ مریما (2)

10 - أخرج الحاکم فی المستدرک (3) (3 / 253) عن عیش بن جبر قال : سَمِعَتْ قریش فی لیلة قائلاً یقول علی أبی قبیس :

فإن یُسْلَمِ السعدانِ یُصبِحْ محمد

بمکّةَ لا یَخشی خلافَ مخالفِ

فظنّت قریش أنّهما سعد تمیم وسعد هذیم ، فلمّا کانت اللیلة الثانیة سمعوه یقول :

أیا سعدُ سعدَ الأوسِ کن أنت ناصراً

ویا سعدُ سعدَ الخزرجینَ الغطارفِ

أجیبا إلی داعی الهدی وتمنّیا

علی اللهِ فی الفِردوسِ مُنیةَ عارفِ

فإنَّ ثوابَ الله یا طالبَ الهدی

جنانٌ من الفردوس ذاتُ رَفارفِ

فلمّا أصبحوا قال أبو سفیان : هو والله سعد بن معاذ وسعد بن عبادة (4).

11 - روی ابن سعد فی طبقاته الکبری (5) (1 / 215 - 219) ما ملخّصه : 0.

ص: 31


1- الخصائص الکبری : 1 / 109 [1 / 181]. (المؤلف)
2- الخصائص الکبری : 1 / 109 [1 / 182]. (المؤلف)
3- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 283 ح 5101.
4- ورواه ابن شهرآشوب فی المناقب : 1 / 59 [1 / 121]. (المؤلف)
5- الطبقات الکبری : 1 / 230.

لمّا هاجر رسول الله صلی الله علیه وسلم من مکّة إلی المدینة ، ومرَّ هو ومن معه بخیمَتَی أمّ معبد الخزاعیَّة وهی قاعدة بفناء الخیمة ، فسألوها تمراً أو لحماً یشترون ، فلم یصیبوا عندها شیئاً من ذلک ، وإذا القوم مُرْمِلون (1) مسنتون (2) ، فقالت : والله لو کان عندنا شیءٌ ما أعوزکم القِری.

فنظر رسول الله صلی الله علیه وسلم إلی شاة فی کِسْر الخیمة ، فقال : «ما هذه الشاة یا أمَّ معبد؟».

قالت : هذه شاة خلّفها الجهد عن الغنم.

فقال : «هل بها من لبن؟».

قالت : هی أجهد من ذلک.

قال : «أتأذنین لی أن أحلبها؟».

قالت : نعم بأبی أنت وأمی إن رأیت بها حَلْباً.

فدعا رسول الله صلی الله علیه وسلم بالشاة فمسح ضرعها ، وذکر اسم الله ، وقال : «اللهمَّ بارک لها فی شاتها».

قال : فتفاجّت (3) ودرّت واجترّت (4). فدعا بإناء لها یریض (5) الرهط ، فحلب فیه ثجّا (6) حتی غلبه الُثمال (7) ؛ فسقاها فشربت حتی رویت ، وسقی أصحابه حتی ف)

ص: 32


1- نفد زادهم وافتقروا. (المؤلف)
2- مجدبون. (المؤلف)
3- من التفاجّ : هو المبالغة فی تفریج ما بین الرجلین ، وهو من الفجّ أی الطریق. (المؤلف)
4- من الجرّة ، وهی ما یخرجه البعیر من بطنه فیمضغه ثانیاً. (المؤلف)
5- أی یرویهم حتی یناموا ویأخذوا راحتهم. (المؤلف)
6- ثجَّ الماء ثجوجا : سال. (المؤلف)
7- الثمال - بضم الثاء - واحده ثمالة : الرغوة. وما بقی فی الإناء من ماء وغیره. (المؤلف)

رووا ، وشرب صلی الله علیه وسلم آخرهم وقال : «ساقی القوم آخرهم».

فشربوا جمیعاً عللاً بعد نهل (1) حتی أراضوا (2). ثمّ حلب فیه ثانیاً عوداً علی بدء ، فغادره عندها ، ثمَّ ارتحلوا عنها.

وأصبح صوت بمکّة عالیاً بین السماء والأرض یسمعونه ولا یرون من یقول ، وهو یقول :

جزی الله ربُ الناسِ خیرَ جزائِهِ

رفیقین حَلاّ خیمَتَی أمِّ مَعْبَدِ

هما نزلا بالبرِّ وارتحلا بهِ

فأفلحَ مَن أمسی رفیقَ محمد

فیالَ قُصیٍّ ما زوی الله عنکُمُ

به مِن فعالٍ لا یُجازی وسؤددِ

سلوا أختَکمْ عن شاتِها وإنائها

فإنَّکمُ إنْ تسألوا الشاةَ تَشْهدِ

دعاها بشاةٍ حائلٍ فَتَحَلَّبَتْ

له بصریحٍ ضَرّةُ الشاةِ مُزْبدِ (3)

فغادره رهناً لدیها لحالبٍ

تدرُّ بها فی مصدرٍ ثمَّ موردِ (4)

12 - أخرج ابن الأثیر فی أُسد الغابة (5) (5 / 188) عن أبی ذؤیب الهذلی الشاعر ، أنَّه سمع لیلة وفاة النبیِّ صلی الله علیه وسلم هاتفاً یقول :

خَطْبٌ أجلُّ أناخَ بالإسلامِ

بینَ النخیلِ ومَعْقدِ الآطامِ (6)

قُبض النبیُّ محمد فعیونُنا

تذری الدموعَ علیه بالتسجامِ

وهناک هواتف فی شئون العترة النبویّة ، منها : ف)

ص: 33


1- عللا - بالتحریک : شُرْباً بعد شرب. نهل - بالتحریک : أوّل الشرب. (المؤلف)
2- من أراضَ إراضة : روی. (المؤلف)
3- الصریح : الخالص. الضرّةُ : أصلُ الثدی. المُزْبد : القاذف بالزبد. (المؤلف)
4- ورواها أبو نعیم فی دلائل النبوّة : 2 / 118 [2 / 438 ح 238]. (المؤلف)
5- أُسد الغابة : 6 / 102 رقم 4865.
6- واحده الأطم بالضم : الأبنیة المرتفعة کالحصون. (المؤلف)

13 - أخرج الحافظ الکنجی فی کفایته (1) (ص 261) : لمّا وُلد فی الکعبة علیُّ - أمیر المؤمنین - دخل أبو طالب الکعبة وهو یقول :

یا ربَّ هذا الغسقِ الدُجیِ

والقمرِ المُنبَلِجِ المُضیِ

بَیِّنْ لنا من أمرِکَ الخفیِ

ما ذا تری فی اسم ذا الصبیِ

قال : فسمع صوت هاتفٍ وهو یقول :

یا أهلَ بیتِ المصطفی النبیِ

خُصِّصْتُمُ بالولَدِ الزَکیِ

إنَّ اسمَهُ مِن شامخِ العلیِ

علیٌّ اشتُقَّ مِن العَلِیِ

ثمّ قال : هذا حدیثٌ تفرّد به مسلم بن خالد الزنجی ، وهو شیخ الشافعی.

14 - ذکر الشبلنجی فی نور الأبصار (2) (ص 47): أنَّ علیّا - أمیر المؤمنین - کان یزور قبر فاطمة فی کلِّ یوم ، فأقبل ذات یوم فانکبَّ علی القبر وبکی ، وأنشأ یقول :

مالی مررتُ علی القبورِ مُسلّماً

قبرَ الحبیبِ فلا یردُّ جوابی

یا قبرُ ما لَکَ لا تجیبُ منادیاً

أملَلْتَ بعدی خُلّة الأحبابِ

فأجابه هاتفٌ یسمع صوته ولا یری شخصه ، وهو یقول :

قال الحبیبُ وکیفَ لی بجوابِکمْ

وأنا رهینُ جنادلٍ وتُرابِ

أَکَلَ الترابُ محاسنی فنسیتُکُمْ

وحُجِبتُ عن أهلی وعن أترابی

فعلیکمُ منّی السلامُ تقطّعتْ

منّی ومنکم خُلّةُ الأحبابِ

15 - روی ابن عساکر فی تاریخه (3) (4 / 341) ، والکنجی فی الکفایة (4) عن 3.

ص: 34


1- کفایة الطالب : ص 406.
2- نور الأبصار : ص 98.
3- تاریخ مدینة دمشق : 5 / 82 ، وفی ترجمة الإمام الحسین علیه السلام - الطبعة المحققة - : رقم 335.
4- کفایة الطالب : ص 443.

أمّ سلمة قالت : لمّا کانت لیلة قتل الحسین الإمام السبط سمعت قائلاً یقول :

أیّها القاتلون جَهْلاً حُسَیناً

أَبشِرُوا بالعذابِ والتنکیلِ

کلُّ أهلِ السماء یدعو علیکمْ

من نبیٍّ ومرسَلٍ وقَبیلِ

قد لُعِنتم علی لسان ابن داو

دَ وموسی وحاملِ الإنجیلِ (1)

ی)

ص: 35


1- ذکر ابن حجر منها بیتین [فی الصواعق المحرقة : ص 193] ، ورواها شیخنا ابن قولویه المتوفّی (367 ، 368) فی کامله : ص 30 [ص 97 باب 29]. (المؤلف) أقول : وأوردها ابن العدیم فی بغیة الطلب : 6 / 2650 ، والسیّد ابن طاووس فی الملهوف : ص 208 ، وابن کثیر فی البدایة والنهایة : 8 / 216 حوادث سنة 61 ه. (الطباطبائی)

موکب الشعراء

فمن هنا وهنا جاء بیمن السنّة والکتاب ، من الصحابة الواکبین علی الشعر مواکب بعین سیِّدهم نبیِّ العظمة کالأسود الضاریة تفترس أعراض الشرک والضلال ، وصقور جارحة تصطاد الأفئدة والمسامع ، وتلک المواکب کانت ملتفّة حوله فی حَضَرِه ، وتسری معه فی سفره ، ورجالها فرسان الهیجاء ، ومعهم حسام الشعر ونَبل القریض ، یجادلون دون مبدأ الإسلام المقدّس ، ویجاهدون بألسنتهم فی سبیل الله ، وفیهم نظراء :

العبّاس عمّ النبیّ ، کعب بن مالک ، عبد الله بن رواحة ، حسّان بن ثابت ، النابغة الجعدی ، ضرار الأسدی ، ضِرار القرشی ، کعب بن زهیر ، قیس بن صَرمة ، أمیّة بن الصلت (1) ، نُعمان بن عَجلان ، العبّاس بن مرداس ، طُفَیْل الغَنَوی ، کعب بن نمط ، مالک بن عوف ، صَرْمة بن أبی أنس ، قیس بن بحر ، عبد الله بن حرب ، بُجیر (2) ابن أبی سلمی ، سراقةُ بن مالک.

وقد أخذت هذه الروح الدینیّة بمجامع قلوب أفراد المجتمع ، ودبّت فی النفوس ی)

ص: 36


1- لم نعثر علی شاعر یحمل هذا الاسم فی عصر صدر الإسلام ، وأمّا أمیّة بن أبی الصلت فهو شاعر جاهلی متحنّث أدرک الإسلام ولم یسلم ، وتوفّی فی الطائف سنة (5 ه).
2- بُجیر - بالجیم مصغّراً - بن زهیر بن أبی سلمی ، أسلم قبل أخیه کعب بن زهیر. الإکمال لابن ماکولا : 1 / 191. (الطباطبائی)

ودبّجتها ، وخالطتِ الأرواح ، حتی مازجت نفوس المسلمات ، فأصبحت تغار علی الدین وتکلؤه ، وهنّ ربّات الحجال تذبُّ عن نبیِّ الأمّة ببدیع النظم وجیِّد الشعر ، نظیرات :

1 - أمّ المؤمنین - الملکة - خدیجة بنت خویلد ، زوج النبیِّ الطاهر صلی الله علیه وآله وسلم وکانت رقیقة الشعر جدّا ، ومن شعرها فی تمریغ البعیر وجهه علی قدمی النبیّ ، ونطقه بفضله کرامةً له صلی الله علیه وآله وسلم قولها :

نطقَ البعیرُ بفضلِ أحمدَ مُخْبِراً

هذا الذی شَرُفَتْ به أمُّ القُری

هذا محمد خیرُ مبعوثٍ أتی

فهو الشفیعُ وخیرُ من وَطِئَ الثّری

یا حاسدیه تمزّقوا من غیظکم

فهو الحبیبُ ولا سواهُ فی الوَری (1)

2 - سُعدی بنت کُرَیز خالة عثمان بن عفان ، ومن شعرها فی الدعایة الدینیّة :

عثمانُ یا عثمانُ یا عثمانُ

لَکَ الجمالُ ولکَ الشآنُ

هذا نبیٌّ معَهُ البرهانُ

أرسلَهُ بحقِّه الدیّانُ

وجاءهُ التنزیلُ والبرهانُ

فَاتْبَعْهُ لا تغیا بکَ الأوثانُ

فقالت : إنَّ محمد بن عبد الله رسول الله ، جاء إلیه جبریل یدعوه إلی الله.

مصباحُهُ مصباحُ

وقولُهُ صلاحُ

ودینُهُ فلاحُ

وأمرُهُ نَجاحُ

لِقرنِهِ نِطاحُ

ذلّت له البِطاحُ

ما ینفعُ الصیاحُ

لو وقع الرماحُ

وسُلّتِ الصفاحُ

ومُدّتِ الرماحُ

وتقول فی إسلام عثمان : ف)

ص: 37


1- بحار الأنوار : 6 / 103 [16 / 28]. (المؤلف)

هدی اللهُ عثمانَ الصفیَّ بقولِهِ

فأرشَدَهُ واللهُ یهدی إلی الحقِ

فتابعَ بالرأی السدیدِ محمداً

وکان ابنُ أَرْوی لا یَصُدُّ عن الحقِ

وأنکحَهُ المبعوثُ إحدی بناتِهِ

فکان کبدرٍ مازجَ الشمس فی الأُفقِ

فداؤکَ یا ابن الهاشمیینَ مهجتی

فأنت أمینُ اللهِ أُرسِلتَ فی الخلقِ (1)

3 - الشیماء بنت الحارث بن عبد العزّی أُخت النبیِّ الأقدس من الرضاعة ، تقول فی النبیِّ صلی الله علیه وآله وسلم :

یا ربّنا أَبْقِ لَنا محمدا

حتی أراهُ یافعاً وأَمردا

ثمَّ أراهُ سیِّداً مُسَدَّدا

واکْبِتْ أعادیهِ معاً والحُسّدا

وأعْطِهِ عِزّا یدومُ أَبَدا (2)

4 - هند بنت أبان (3) بن عبّاد بن المطّلب ، لها عدّة قوافٍ فی النبیِّ الطاهر صلی الله علیه وآله وسلم توجد فی الطبقات الکبری لابن سعد (4) (4 / 148) ، وهی تجابه هند بنت عتبة فی وقعة أُحد فی قولها تفتخر بقتل حمزة ومن أُصیب من المسلمین :

نحنُ جزیناکمْ بیوم بدرِ

والحربُ بعد الحربِ ذاتُ سُعْرِ

ما کان عن عُتبةَ لی من صَبرِ

أبی وعمّی وشقیقُ بکری

شَفَیْتَ وحشیُّ غلیلَ صدری

شفیتَ نفسی وقضیتَ نَذْری

فأجابتها هند بنت أبان بقولها :

خَزیتِ فی بدرٍ وغیرِ بدرِ

یا بنتَ وقّاعٍ عظیمِ الکُفْرِ

1.

ص: 38


1- الإصابة : 4 / 327 و 328 [رقم 539]. (المؤلف)
2- الإصابة : 4 / 344 [رقم 633]. (المؤلف)
3- فی الطبقات الکبری لابن سعد [2 / 331] وأُسد الغابة [7 / 288 رقم 7333] : أثاثة بن عبّاد. (المؤلف)
4- الطبقات الکبری : 2 / 331.

صبّحَکِ اللهُ غداةَ الفجرِ

بالهاشمیینَ الطوالِ الزُهْرِ

بکلِّ قَطّاع حسامٍ یفری

حمزةُ لیثی وعلیٌّ صقری (1)

5 - خنساء بنت عمرو - حفیدة امرئ القیس - قد أکثرت من الشعر ، وأجمع أهل العلم بالشعر أنَّه لم تکن امرأة قبلها ولا بعدها أشعر منها ، وکان النبیّ صلی الله علیه وسلم یعجبه شعرها ویستنشده (2).

6 - رُقَیْقَة - بقافین مصغَّرة - بنت أبی صیفی بن هاشم بن عبد المطّلب بن هاشم ، هی التی أخبرت رسول الله بأنَّ قریشاً قد اجتمعت ترید شأنک اللیلة ، فتحول رسول الله صلی الله علیه وسلم عن فراشه ، وبات فیه علیٌّ أمیر المؤمنین (3) ، لها شعر جیِّد ، منه قولها فی استسقاء عبد المطّلب لقریش ومعه رسول الله صلی الله علیه وسلم یافعاً ، أوّله :

بشیبةِ الحمدِ أسقی الله بلدَتَنا

وقد فَقَدْنا الحیا واجلَوّذ (4) المطرُ (5)

7 - أروی بنت عبد المطّلب ، عمّة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وصاحبة الاحتجاج المشهور علی معاویة ، یأتی فی ترجمة عمرو بن العاص ، ولها شعر فی رثاء النبیِّ صلی الله علیه وآله وسلم ، منه أبیات أوّلها :

ألا یا عینُ ویحَکِ أَسعدینی

بدمعِک ما بَقیِتِ وطاوعینی

ومنها أبیات مستهلّها :

ألا یا رسولَ اللهِ کنتَ رجاءَنا

وکنت بنا بَرّا ولم تکُ جافیا

ف)

ص: 39


1- أُسد الغابة : 5 / 559 [7 / 288 رقم 7333] ، الإصابة : 4 / 421 [رقم 1086].(المؤلف)
2- الاستیعاب - هامش الإصابة : 4 / 295 ، 296 [الاستیعاب : القسم الرابع / 1827 رقم 3317] ، أُسد الغابة : 5 / 441 [7 / 88 رقم 6876]. (المؤلف)
3- الإصابة : 4 / 303 [رقم 425]. (المؤلف)
4- اجلوّذ المطر : امتد وقت تأخره وانقطاعه.
5- أُسد الغابة : 5 / 455 [7 / 111 رقم 6919] ، الخصائص الکبری : 1 / 80 [1 / 136]. (المؤلف)

وتقول فیها :

أفاطمُ صلّی اللهُ ربُّ محمد

علی جَدثٍ أمسی بیثربَ ثاویا

أبا حسنٍ فارقتَهُ وترکْتَهُ

فَبَکِّ بحزنٍ آخرَ الدهرِ شاجیا (1)

8 - عاتکة بنت عبد المطّلب.

9 - صفیّة بنت عبد المطّلب.

10 - هند بنت الحارث.

11 - زوج النبیِّ أمّ سلمة.

12 - عاتکة بنت زید بن عمرو.

13 - خادمة النبیِّ - أمُّ أیمن (2).

وکانت عائشة - زوج النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم - تحفظ الشعر الکثیر ، وکانت تقول : رویت للبید اثنی عشر ألف بیت (3) ، وکان صلی الله علیه وآله وسلم یستنشدها الشعر ویقول : «أبیاتک». وممّا أنشدت :

إذا ما التبرُ حُکَّ علی محکِ

تبیَّن غشُّه من غیر شَکِ

وبان الزَیفُ والذهبُ المصفّی

علیٌّ بیننا شبه المحَکِ (4)

ف)

ص: 40


1- توجد بقیّة الأبیات فی الطبقات الکبری لابن سعد : 4 / 142 ، 143 [2 / 325]. (المؤلف)
2- تجد شعر هؤلاء فی طبقات ابن سعد : 4 / 144 - 148 [2 / 326 - 333] ، مناقب ابن شهرآشوب : 1 / 169 [1 / 300 ، 301] ، وغیرهما. (المؤلف)
3- الاستیعاب - هامش الإصابة - : 3 / 328 [الاستیعاب : القسم الثالث / 1338 رقم 2233]. (المؤلف)
4- الکنز المدفون للسیوطی : ص 236 [ص 84]. (المؤلف)

الشعر والشعراء عند الأئمّة

هذه الدعایة الروحیّة والنصرة الدینیّة المرغّب فیها بالکتاب والسنّة ، والمجاهدة دون المذهب بالشعر ونظم القریض ، کانت قائمة علی ساقها فی عهد أئمّة العترة الطاهرة تأسِّیاً منهم بالنبیِّ الأعظم ، وکانت قلوب أفراد المجتمع تلین لشعراء أهل البیت ، فتتأثّر بأهازیجهم ، حتی تعود مزیجة نفسیّاتهم.

وکان الشعراء یقصدون أئمّة العترة من البلاد القاصیة بقصائدهم المذهبیّة ، وهم - صلوات الله علیهم - یحسِنون نُزُل الشاعر وقِراه ، ویرحِّبون به بکلِّ حفاوة وتبجیل ، ویحتفلون بشعره ویدعون له ، ویزوِّدونه بکلِّ صِلة وکرامة ، ویرشدونه إلی صواب القول إن کان هناک خللٌ فی النظم ، ومن هنا أخذ الأدب فی تلک القرون فی التطوّر والتوسّع ، حتی بلغ إلی حدّ یقصر دونه کثیر من العلوم والفنون الاجتماعیّة.

وقد یکسب الشعر بناحیته هذه أهمیّة کبری عند حماة الدین - أهل بیت الوحی - حتی یُعدّ الاحتفال به ، والإصغاء إلیه ، وصرف الوقت النفیس دون سماعه واستماعه من أعظم القربات وأولی الطاعات ، وقد یُقدَّم علی العبادة والدعاء فی أشرف الأوقات وأعظم المواقف ، کما یستفاد من قول الإمام الصادق علیه السلام وفعله بهاشمیّات الکمیت لمّا دخل علیه فی أیّام التشریق بمنی ، فقال له : جعلت فداک ألا أُنشدک؟ قال : «إنّها أیّامٌ عِظام» قال : إنّها فیکم.

فلمّا سمع الإمام علیه السلام مقاله ، بعث إلی ذویه فقرّبهم إلیه وقال : «هات». فأنشده

ص: 41

لامیّته من الهاشمیّات ، فحظی بدعائه علیه السلام له ، وألف دینار وکسوة. وسنوقفک علی تفصیل هذا الاجمال فی ترجمة الکمیت والحمیری ودعبل.

ونظراً إلی الغایات الاجتماعیّة ، کان أئمّة الدین یغضّون البصر عن شخصیّات (1) الشاعر المذهبیِّ وأفعاله ، ویضربون عنها صفحاً إن کان هناک عملٌ غیر صالح یسوؤهم ، مهما وجدوه وراء صالح الأمّة ، وفی الخیر له قدم ، وصرّح به الحقّ عن محضه ، وصرّح المحض عن الزبد ، وصار الأمر علیه لزامِ (2) ، وکانوا یستغفرون له ربّه فی سوء صنعه ، ویجلبون له عواطف الملأ الدینی ، بمثل قولهم : «لا یکبرُ علی اللهِ أن یغفر الذنوب لمحبِّنا ومادحنا» ، وقولهم : «أیعزُّ علی الله أن یغفر الذنوب لمحبِّ علیّ؟» و «إنَّ محبَّ علیٍّ لا تزلُّ له قدمٌ إلاّ تثبت له أخری» (3). وفی تلک القدم الثابتة صلاح المجتمع ، وعلیها نموت ونحیا.

وهناک لأئمة الدین - صلوات الله علیهم - فکرة صالحة صرفت فی هذه الناحیة ، وهی کدستور فیها تعالیم وإرشادات إلی مناهج الخدمة للمجتمع ، وتنویر أفکار المثقّفین وتوجیهها إلی طرق النشر والدعایة ، ودروس فی توطید أُسس المذهب ، وکیفیّة احتلال روحیّات البلاد وقلوب العباد ، وبرنامج فی صرف مال الله ، وتلویح إلی أهمّ موارده.

تعرب عن هذه الفکرة المشکورة إیصاء الإمام الباقر ابنه الإمام الصادق علیهما السلام بقوله : «یا جعفر أوقف لی من مالی کذا وکذا لنوادب تندبنی عشر سنین بمنی أیّام منی» (4). وفی تعیینه علیه السلام ظرف الندبة من الزمان والمکان ؛ لأنَّهما المجتمع الوحید ف)

ص: 42


1- أی الشؤون الشخصیة للشاعر.
2- کلّ من هذه الجمل مَثَل یُضرب. لزام - بکسر المیم - مثل حذام ، أی : صار هذا الأمر لازماً له. (المؤلف)
3- توجد هذه الأحادیث فی ترجمة أبی هریرة الشاعر والسیِّد الحمیری وغیرهما. (المؤلف)
4- رواه بطریق صحیح رجاله ثقات شیخنا الکلینی فی الکافی : 1 / 360 [5 / 117 ح 1]. (المؤلف)

لزرافات المسلمین من أدنی البلاد وأقاصیها من کلِّ فجّ عمیق ، ولیس لهم مجتمع یضاهیه فی الکثرة ، دلالةٌ واضحةٌ علی أنَّ الغایة من ذلک إسماع الملأ الدینیِّ مآثر الفقید - فقید بیت الوحی - ومزایاه ، حتی تنعطف علیه القلوب ، وتحنُّ إلیه الأفئدة ، ویکونوا علی أَمَم من أمره ، وبمقربة من اعتناق مذهبه ، فیحدوهم ذلک ، بتکرار الندبة فی کلِّ سنة ، إلی الالتحاق به ، والبخوع لحقِّه ، والقول بإمامته ، والتحلّی بمکارم أخلاقه ، والأخذ بتعالیمه المُنجیة ، وعلی هذا الأساس الدینیِّ القویم ، أُسِّست المآتم والمواکب الحسینیّة ، لیس إلاّ.

ونظراً إلی المغازی الکریمة المتوخّاة من الشعر ، کان شعراء أهل البیت ممقوتین ثقیلین جدّا علی مناوئیهم ، وکانت العداوة علیهم محتدمة ، والشحناء لهم مُتَشزِّنة (1) ، وکان حامل ألویة هذه الناحیة من الشعر لم یزل خائفاً یترقّب ، آیساً من حیاته ، مستمیتاً مستقتلاً ، لا یقرُّ له قرار ، ولا یُؤویه منزل وکان طیلة حیاته یکابد المشاقّ ، ویقاسی الشدائد : من شنقٍ ، وقتلٍ ، وحرقٍ ، وقطع لسان ، وحبس ، وعذاب ، وتنکیل ، وضرب ، وهتک حرمةٍ ، وإقصاءٍ من الأهل والوطن ، إلی شدائد أخری سجّلها لهم التاریخ فی صحائفه. ة.

ص: 43


1- متشزّنة : نشطة.

الشعر والشعراء عند أعلام الدین

اقتفی أثر الأئمّة الطاهرین فقهاء الأمّة وزعماء المذهب ، وقاموا لخدمة الدین الحنیف بحفظ هذه الناحیة من الشعر کلاءةً لناموس المذهب ، وحرصاً لبقاء مآثر آل الله ، وتخلیداً لذکرهم فی الملأ ، وکانوا یتّبعون منهاج أئمّتهم فی الاحتفاء بشاعرهم وتقدیره ، والإثابة علی عمله ، والشکر له بکلّ قول وکرامة ، وکانوا یحتفظون بهذه المغازی بالتآلیف فی الشعر وفنونه ، ویعدّونه من واجبهم ، کما کانوا یؤلّفون فی الفقه وسائر العلوم الدینیّة ، مهما کان کلٌّ منهم للغایات حفیّا.

هذا شیخنا الأکبر الکلینی الذی قضی من عمره عشرین سنة فی تألیف الکافی - أحد الکتب الأربعة مراجع الإمامیّة - له کتاب ما قیل من الشعر فی أهل البیت. والعیّاشی الذی الّف کتباً کثیرة فی الفقه الإمامیّ لا یستهان بعدّتها ، له کتاب معاریض الشعر. وشیخنا الأعظم الصدوق الذی بذل النفس والنفیس دون التألیف والنشر فی الفقه والحدیث ، له کتاب الشعر. وشیخ الشیعة بالبصرة الجلودی ذلک الشخصیّة البارزة فی العلم وفنونه ، له کتاب ما قیل فی علیّ علیه السلام من الشعر. وشیخ الإمامیّة بالجزیرة أبو الحسن الشمشاطی مؤلِّف مختصر فقه أهل البیت ، له کتب قیّمة فی فنون الشعر. ومعلّم الأمّة شیخنا المفید الذی لا تخفی علی أیّ أحد أشواطه البعیدة فی خدمة الدین ، وإحیاء الأمّة ، وإصلاح الفاسد ، له کتاب مسائل النظم. وسیّد الطائفة المرتضی علم الهدی ، له دیوان وتآلیف فی فنون الشعر. إلی زرافات آخرین من حَمَلَة

ص: 44

الفقه وأعضاد العلم الإلهیّ من الطبقة العلیا.

ولم یزالوا یعقدون الحفلات والأندیة فی الأعیاد المذهبیّة من موالید أئمة الدین علیهم السلام ویوم العید الأکبر - الغدیر - ومجالس تعقد فی وفیاتهم ، فتأتی إلیها الشعراءُ شرّعاً ، فیلقونَ ولائد أفکارهم من مدائح وتهانٍ وتأبینات ومراثٍ ، فیها إحیاء أمرهم ، فتثبت لها القلوب ، وتشتدُّ بها العلائق الودّیة بین أفراد المجتمع وموالیهم علیهم السلام ، ویتبعها الحفاوة والتکریم ، والإثابة والتعظیم لمنضّدی تلک العقود وجامعی أوابدها ، هذا وما عند الله خیرٌ وأبقی.

وکانت الحالة فی بعض تلک القرون الخالیة أکیدة ، والنشاط الروحیّ بالغاً فی رجالاته فوق ما یتصوّر ، والأمّة بیُمن تلک النفوس الطاهرة سعیدة جدّا ، کعصر سیّد الأمّة آیة الله بحر العلوم والشیخ الأکبر کاشف الغطاء ، وأمّا الیوم فإنَّ تلک المحتشدات الروحیّة :

أمست خلاءً وأمسی أهلها احتملوا

أخنی علیها الذی أخنی علی لَبَدِ

نعم ؛ بالأمس کان بقیّة العترة الطاهرة الإمام المجدّد الشیرازی ، نزیل سامراء المشرّفة ذلک العَلَم الخفّاق للأمّة جمعاء ، الذی طنّبت زعامته الدینیّة علی أطراف العالم کلّه ، لا تنقطع حفلاته فی الأیّام المذکورة کلّها ، فتقصدها صاغة القریض بأناشیدهم المبهجة من شتّی النواحی ، فتجد عنده فناءً رحباً ، وانبساطاً شاملاً ، وتقدیراً معجباً ، ونائلاً جزیلاً ، وبشاشةً مرغّبة ، ولکن :

ذهب الذین یُعاشُ فی أکنافهم

ومن نماذج هاتیک الأحوال : أنَّ شاعر أهل البیت المُفْلِق السیِّد حیدر الحلّی ، قصده بشعر فی بعض وفداته إلیه ، فأضمر السیِّد المجدد فی نفسه أن یُثیبه بعشرین لیرة

ص: 45

عثمانیّة ، فأفضی بعزمه إلی ابن عمّه - العلم الحجّة - (1) الحاج میرزا إسماعیل ، فاستقلّ ذلک المبلغ وقال : إنّه شاعر أهل البیت ، وإنّه أجلّ وأفضل من أمثال دعبل والحمیری ونظرائهما ، وکان أئمّة الدین یقدّمون إلیهم الصُرر والبِدَر. فاستحفاه عن مقتضی الحال فقال له : إنَّ الحریّ أن تعطیه مائة لیرة بیدک الشریفة.

هناک قصد السیِّد المجدّد زیارة السیِّد حیدر ، وناوله المبلغ المذکور بکلّ حفاوة وتبجیل ، وقبّل ید شاعر أهل البیت. حکاه جمعٌ ممّن أدرک ذلک العصر الذهبیّ ، ومنهم خلفه الصالح : آیة الله میرزا علیّ آغا الذی خلف والده علی تلک المجالس والمجتمعات ، واستنشاد الشعر والإصاخة إلیه والتقدیر له والترحیب به فی النجف الأشرف.

ولا یسعنا بسط المقال حول هذه کلّها ، ولیس هذا المجمل إلاّ نفثة مصدور ولهفة متحسّر علی فراغ هذه الناحیة فی هذا الیوم ، وإهمال تلک الغایة المهمّة ، وإقلاق تلک الطمأنینة ، وضیاع تلک الفوائد الجمّة علی الأمّة ، فالأیّام عُوج رواجع (2) ، فکأنّ الدنیا رجعت إلی ورائها القهقری ، واکتسی الشعر کسوة الجاهلیّة الأولی ، وذهب أمس بما فیه (3) ، فلا فقیه هناک کأولئک ، ولا شاعر کهؤلاء ، ولا رأی لمن لا یُطاع.

ومهما نَتلقَّ شعر السلف فی القرون الأولی تلقّی الحدیث والسنّة ، نذکر فی شعرهم المقول فی فضائل آل الله بعض ما وقفنا علیه من الحدیث الوارد هناک من طرق العامّة ، ولعلّ الباحث یقف بذلک علی سعة باع الشاعر فی عِلْمَی الکتاب والسنّة.

آخر دعوانا أن الحمدُ لله ربّ العالمین ف)

ص: 46


1- تأتی ترجمته فی شعراء القرن الرابع عشر. (المؤلف)
2- مَثَل یُضرب یعنی : الدهر تارة یعوج علیک ، وتارة یرجع إلیک [مجمع الأمثال : 3 / 543 رقم 4758]. (المؤلف)
3- مثل سائر یضرب [مجمع الأمثال : 2 / 3 رقم 1451]. (المؤلف)

شعراء الغدیر فی القرن الأوّل

اشارة

1 - أمیر المؤمنین علیّ «صلوات الله علیه»

2 - حسّان بن ثابت الأنصاری

3 - قیس بن سعد بن عُبادة الأنصاری

4 - عمرو بن العاص بن وائل

5 - محمد بن عبد الله الحمیری

ص: 47

1 - أمیر المؤمنین علیه السلام

اشارة

نتیمّن فی بدء الکتاب بذکر سیّدنا أمیر المؤمنین علیّ خلیفة النبیّ المصطفی - صلّی الله علیهما وآلهما - فإنّه أفصح عربیّ ، وأعرف الناس بمعاریض کلام العرب بعد صنوه النبیّ الأعظم ، عرف من لفظ المولی فی قوله صلی الله علیه وآله وسلم : «من کنت مولاه فعلیّ مولاه». معنی الإمامة المطلقة ، وفرض الطاعة التی کانت لرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وقال علیه السلام :

محمد النبیّ أخی وصنوی (1)

وحمزةُ سیّدُ الشهداءِ عمّی

وجعفرٌ الذی یُضحی ویُمسی

یطیرُ مع الملائکة ابنُ أمّی

وبنتُ محمد سَکَنی وعِرْسی

منوطٌ لحمُها بدمی ولحمی

وسبطا أحمدٍ وَلَدای منها

فَأیّکمُ له سَهْمٌ کسهمی

سبقتکمُ إلی الإسلام طُرّا

علی ما کان من فَهْمی وعلمی (2)

ف)

ص: 48


1- فی تاریخ ابن عساکر [12 / 397 ، وفی ترجمة الإمام علیّ بن أبی طالب 7 - الطبعة المحقّقة - : رقم 1328] وغیر واحد من المصادر : صهری. (المؤلف)
2- فی روایة ابن أبی الحدید [فی شرح نهج البلاغة : 4 / 122 خطبة 56] ، وابن حجر [فی الصواعق المحرقة : ص 133] ، وابن شهرآشوب [فی مناقب آل أبی طالب : 2 / 194] : غلاماً ما بلغت أوَان حلمی. وفی روایة ابن الشیخ [ألف باء : 1 / 439] وبعض آخر : صغیراً ما بلغتُ أوَانَ حلمی. وفی روایة الطبرسی [الاحتجاج : 1 / 429 ح 93] بعد هذا البیت : [ ] وصلّیتُ الصلاة وکنتُ طفلاً [ ] مقرّا بالنبیّ فی بطن أمّی [ ] (المؤلف)

فأوجبَ لی ولایتَهُ علیکمْ

رسولُ الله یومَ غدیرِ خُمّ (1)

فویلٌ ثمّ ویلٌ ثمّ ویلٌ

لمن یلقی الإله غداً بظلمی

ما یتبع الشعر

هذه الأبیات کتبها الإمام علیه السلام إلی معاویة لمّا کتب معاویة إلیه : إنَّ لی فضائل! : کان أبی سیّداً فی الجاهلیّة ، وصرت ملکاً فی الإسلام ، وأنا صهر رسول الله ، وخال المؤمنین ، وکاتب الوحی ؛ فقال أمیر المؤمنین صلوات الله علیه : أبالفضائل یبغی علیّ ابن آکلة الأکباد؟! أکتب یا غلام :

محمد النبیّ أخی وصنوی ... إلی آخر الأبیات المذکورة.

فلمّا قرأ معاویة الکتاب قال : اخفوا هذا الکتاب ، لا یقرأه أهل الشام ، فیمیلوا إلی ابن أبی طالب.

والأمّة قد تلقّتها بالقبول ، وتسالمت علی روایتها ، غیر أنَّ کُلاّ أخذ منها ما یرجع إلی موضوع بحثه من دون أیّ غمز فیها ، بل ستقف علی أنّها مشهورة ، ورواها النقلة الأثبات ، ونقلها الحفظة الثقات ، وذکر جمعٌ من أعلام السنّة والجماعة عن البیهقی : أنّ هذا الشعر ممّا یجب علی کلّ متوالٍ لعلیٍّ حفظه ، لیعلم مفاخره فی الإسلام ، فرواها من أصحابنا :

1 - معلّم الأمّة شیخنا المفید : المتوفّی (413) ، رواها بأجمعها فی الفصول المختارة (2) (2 / 78) وقال : کیف یمکن دفع شعر أمیر المؤمنین فی ذلک؟ وقد شاع فی شهرته 6.

ص: 49


1- وذکر الدکتور أحمد رفاعی فی تعلیقه علی معجم الأدباء [14 / 48] : [ ] وأوصانی النبیّ علی اختیار [ ] ببیعته غداة غدیر خُمِّ [ ] وهناک فی هذا البیت تصحیف سنوقفک علیه. (المؤلف)
2- الفصول المختارة : ص 226.

علی حدٍّ یرتفع فیه الخلاف ، وانتشر حتی صار مذکوراً مسموعاً من العامّة فضلاً عن الخاصّة ، وفی هذا الشعر کفایة فی البیان عن تقدّم إیمانه علیه السلام وأنّه وقع مع المعرفة بالحجّة والبیان ، وفیه أیضاً : أنَّه کان الإمام بعد الرسول صلی الله علیه وآله وسلم بدلیل المقال الظاهر فی یوم الغدیر ، الموجب له للاستخلاف.

2 - شیخنا الکراجکی : المتوفّی (449) ، رواها فی کنز الفوائد (1) (ص 122).

3 - أبو علیّ الفتّال النیسابوریّ : فی روضة الواعظین (2) (ص 76).

4 - أبو منصور الطبرسیّ ، أحد مشایخ ابن شهرآشوب ، فی الاحتجاج (3) (ص 97).

5 - ابن شهرآشوب : المتوفّی (588) ، فی المناقب (4) (1 / 356).

6 - أبو الحسن الإربِلی : المتوفّی (692) ، فی کشف الغمّة (5) (ص 92).

7 - ابن سنجر النخجوانی ، فی تجارب السلف (ص 42) وقال ما تعریبه : لعلیٍّ دیوان (6) لا مجال للتردد والشکِّ فیه.

8 - الشیخ علیّ البیاضیّ : المتوفّی (877) ، فی الصراط المستقیم (7).

9 - المجلسیّ العظیم : المتوفّی (1111) ، فی بحار الأنوار (8) (9 / 375).

10 - السیِّد صدر الدین علیّ خان المدنیّ : المتوفّی (1120) ، فی درجاته الرفیعة (9). 7.

ص: 50


1- کنز الفوائد : 1 / 266.
2- روضة الواعظین : 1 / 87.
3- الاحتجاج : 1 / 429 ح 93.
4- مناقب آل أبی طالب : 2 / 194.
5- کشف الغمّة : 1 / 320.
6- لعلّه یرید ما دوّنه الفنجکردی من شعره علیه السلام مما یبلغ مائتی بیت کما یأتی فی ترجمته ، لا هذا الدیوان الکبیر المطبوع المنتشر فإنَّ فیه کلّ الشک. (المؤلف)
7- الصراط المستقیم : 1 / 277.
8- بحار الأنوار : 38 / 238.
9- الدرجات الرفیعة : ص 77.

11 - الشیخ أبو الحسن الشریف ، فی ضیاء العالمین المؤلَّف (1137).

ورواها من أعلام العامّة :

1 - الحافظ البیهقیّ : المتوفّی (458) المترجم (1 / 110). رواها برمّتها ، وقال :

إنَّ هذا الشعر ممّا یجب علی کلّ أحد متوال فی علیّ حفظه ، لیعلم مفاخره فی الإسلام.

2 - أبو الحجّاج یوسف بن محمد البلوی المالکیّ ، الشهیر بابن الشیخ : المتوفّی حدود (605). قال فی کتابه ألف باء (1 / 439):

وأمّا علیٌّ رضی الله عنه فمکانه علیٌّ ، وشرفه سَنیٌّ ، أوّل من دخل فی الإسلام ، وزوج فاطمة علیها السلام بنت النبیّ ، وقد نظم فی أبیات المفاخرة ، وذکر فیها مآثره حین فاخره بعض عِداه ، ممّن لم یبلغ مداه ، فقال رضی الله عنه یفخر بحمزة عمّه وبجعفر ابن أمّه :

محمد النبیُّ أخی وصنوی

وحمزةُ سیّدُ الشهداء عمّی

وذکر إلی آخر بیت الغدیر.

فقال : یرید بذلک قوله علیه السلام : «من کنت مولاه فعلیٌّ مولاه ، اللهمَّ وال من والاه ، وعاد من عاداه».

3 - أبو الحسین الحافظ زید بن الحسن تاج الدین الکندیّ الحنفیّ : المتوفّی (613) ، رواه من طریق ابن درید فی کتابه المجتنی (1) (ص 39) ذکر منها خمسة أبیات.

4 - یاقوت الحمویّ : المتوفّی (626) المترجم (1 / 119). ذکر ستّة أبیات منها فی معجم الأدباء (2) (5 / 266) وزاد الدکتور أحمد رفاعی المصری بیتین فی التعلیق. 8.

ص: 51


1- المجتنی : ص 26.
2- معجم الأدباء : 14 / 48.

5 - أبو سالم محمد بن طلحة الشافعیّ : المتوفّی (652) ، تأتی ترجمته فی شعراء القرن السابع. رواها برمّتها فی مطالب السؤول (ص 11) طبع ایران ، فقال : هذه الأبیات نقلها عنه علیه السلام الثقات ، ورواها النقلة الأثبات.

6 - سبط ابن الجوزیّ الحنفیّ : المتوفّی (654) المترجم (1 / 120). رواها بجملتها فی تذکرة خواصّ الأمّة (1) (ص 62) وفی بعض أبیاتها تغییر یسیر.

7 - ابن أبی الحدید : المتوفّی (656). ذکر منها فی شرح نهج البلاغة (2) (2 / 377) بیتین مکتفیاً عن البقیّة بشهرتها.

8 - أبو عبد الله محمد بن یوسف الکنجیّ الشافعیّ : المتوفّی (658). رواها فی المناقب المطبوع بمصر (ص 41) ، وقال فی الاستدلال علی سبق أمیر المؤمنین إلی الإسلام : وقد أشار علیّ بن أبی طالب - کرّم الله وجهه - إلی شیء من ذلک فی أبیات قالها ، رواها عنه الثقات. ثمّ ذکر البیت الأوّل والثالث والخامس والسابع.

9 - سعید الدین الفرغانیّ : المتوفّی (699) المترجم (1 / 123). ذکر فی شرح تائیّة ابن الفارض فی قوله :

وأوضَحَ بالتأویلِ ما کان مُشْکلاً

علیٌّ بعلمٍ نالَهُ بالوصیّة

بیتین وهما :

وأوصانی النبیُّ علی اختیارٍ

لأُمّتِهِ رضیً منه بحُکمی

وأوجبَ لی ولایتَهُ علیکمْ

رسول الله یومَ غدیرِ خُمِ

10 - شیخ الإسلام أبو إسحاق الحمّوئیّ : المتوفّی (722) المترجم (1 / 123) 6.

ص: 52


1- تذکرة الخواص : ص 107.
2- شرح نهج البلاغة : 4 / 122 خطبة 56.

رواها فی فرائد السمطین (1) ، وذکر من أوّلها إلی آخر بیت الولایة وزاد قبله :

وأوصانی النبیُّ علی اختیارٍ

لأُمّته رضیً منه بحُکمی

11 - أبو الفداء : المتوفّی (732) ، أخذ منها فی تاریخه (1 / 118) ما یرجع إلی إسلامه علیه السلام.

12 - جمال الدین محمد بن یوسف الزرندیّ : المتوفّی (بضع و 750). ذکرها برمّتها غیر البیت الأخیر : فویلٌ ثمّ ویلٌ ثمّ ویلٌ ... فی کتابه نظم درر السمطین (2).

13 - ابن کثیر الشامیّ : المتوفّی (774) المترجم (1 / 126). رواها فی البدایة والنهایة (3) (8 / 8) عن أبی بکر بن درید ، عن دماد ، عن أبی عبیدة : وذکر منها خمسة أبیات.

14 - خواجة پارسا الحنفیّ : المتوفّی (822) المترجم (1 / 129). رواها برمّتها فی فصل الخطاب عن الإمام تاج الإسلام الخدابادی البخاری فی أربعینه.

15 - ابن الصبّاغ المکیّ المالکیّ : المتوفّی (855) المترجم (1 / 131). رواها فی الفصول المهمّة (4) (ص 16) وذکر منها أربعة أبیات ، وقال : رواها الثقات الأثبات.

16 - غیاث الدین خواندمیر (5) : رواها فی حبیب السِیَر (6) (2 / 5) نقلاً عن فصل الخطاب لخواجه پارسا.

17 - ابن حجر : المتوفّی (974) المترجم (1 / 134). ذکر خمسة أبیات منها فی 1.

ص: 53


1- فرائد السمطین : 1 / 427 ح 355 باب 70.
2- نظم درر السمطین : ص 97.
3- البدایة والنهایة : 8 / 9 حوادث سنة 40 ه.
4- الفصول المهمّة : ص 32.
5- مذهبه یحتاج إلی إمعان النظر فیه. (المؤلف)
6- تاریخ حبیب السِیَر : مج 2 / ج 1 / 11.

الصواعق (1) (ص 79) ونقل کلام الحافظ البیهقی المذکور.

توجد فی المخطوط من الصواعق سبعة أبیات ، وکذلک فی المنقول عنه کینابیع المودّة للقندوزی (2) (ص 291) ، ویؤیّد صحّة نقله عن البیهقی ، فإنّه ذکرها برمّتها ، لکنّ ید الطبع الأمینة حرّفت عنه بیت الولایة وما بعده.

18 - المتّقی الهندیّ : المتوفّی (975) المترجم (1 / 135). روی کتاب معاویة فی کنز العمّال (3) (6 / 392) وذکر من الأبیات خمسة.

19 - الإسحاقیّ : روی کتاب معاویة باللفظ المذکور فی لطائف أخبار الدول (4) (ص 33) وذکر الأبیات کلّها ، ولفظ بیت الولایة فیه کذا :

وأوجَبَ طاعتی فَرْضاً علیکمْ

رسولُ الله یومَ غدیرِ خُمِ

فویلٌ ثمّ ویلٌ ثمّ ویلٌ

لِمَنْ یَرِدُ القیامةَ وهو خصمی

20 - الحلبیّ الشافعیّ : المتوفّی (1044) المترجم (1 / 139). أخذ منها فی السیرة النبویّة (5) (1 / 286) ما یرجع إلی إسلامه علیه السلام.

21 - الشبراویّ الشافعیّ ، شیخ جامع الأزهر : المتوفّی (1172). رواها فی الإتحاف بحبّ الأشراف (ص 181) ، وفی طبع (ص 69) وذکر منها خمسة أبیات.

22 - السیِّد أحمد قادین خانی ، رواها فی هدایة المرتاب (6) ، وحکی عن البیهقی قوله المذکور. 3.

ص: 54


1- الصواعق المحرقة : ص 132.
2- ینابیع المودّة : 2 / 115 باب 59.
3- کنز العمّال : 13 / 112 ح 36366.
4- لطائف أخبار الدول : ص 49.
5- السیرة الحلبیّة : 1 / 269.
6- هدایة المرتاب : ص 153.

23 - السیِّد محمود الآلوسیّ البغدادیّ : المتوفّی (1270) المترجم (1 / 147) رواها غیر البیت الأوّل والأخیر ، فی شرح عینیّة الشاعر المفْلق عبد الباقی العمری (ص 78) ، وقال : هی ممّا رواه الثقات عنه علیه السلام.

24 - القندوزیّ الحنفیّ : المتوفّی (1293) المترجم (1 / 147). رواها فی ینابیع المودّة (1) (ص 291) نقلاً عن ابن حجر ، و (ص 371) نقلاً عن أربعین الإمام تاج الإسلام الخدابادی البخاری.

25 - السیِّد أحمد زینی دحلان : المتوفّی (1304) المترجم (1 / 147). ذکر منها فی السیرة النبویّة (2) - هامش السیرة الحلبیّة - (1 / 190) ما یرجع إلی إسلامه وقال : هی ممّا کتبه علیٌّ علیه السلام لمعاویة ، ثمَّ ذکر کلام البیهقی المذکور.

26 - الشیخ محمد حبیب الله الشنقیطیّ المالکیّ ، ذکرها برمّتها فی کفایة الطالب (ص 63) وعدّها ممّا وُثِقَ به أنّه من شعر أمیر المؤمنین.

لفت نظر : أخذ منها ابن عساکر فی تاریخه (3) (6 / 315) بیتاً فی بیان الفرق بین الصِهْر والخَتَن ، وقال : قال أمیر المؤمنین علیُّ بن أبی طالب کرّم الله وجهه :

محمد النبیُّ أخی وصهری

أحبُّ الناس کلّهمُ إلیّا (4)

ی)

ص: 55


1- ینابیع المودّة : 2 / 115 باب 59 ، 3 / 20 باب 65.
2- السیرة النبویة : 1 / 91.
3- تاریخ مدینة دمشق : 8 / 59 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 18 / 77.
4- وممّن روی هذه الأبیات له علیه السلام : البلاذری فی أنساب الاشراف فی ترجمة معاویة من قسم - بنو عبد شمس - القسم الرابع : الجزء 1 ص 111 ، وابن درید فی المجتنی : ص 49 - 50 من طبعة حیدرآباد الثانیة سنة 1333 ، وابن المغازلی فی کتاب مناقب أمیر المؤمنین علیه السلام : ص 404 رقم 458 ، وابن عساکر فی ترجمته علیه السلام من تاریخ مدینة دمشق : رقم 1328 من طبعة الشیخ المحمودی ، والسیوطی فی جمع الجوامع : 2 / 175. (الطباطبائی)

وذُهِل عن أنَّ الشطر الثانی المذکور هو لأبی الأسود الدؤلی من قوله :

بنو عمِّ النبیِّ وأقربوه

أحبُّ الناس کلّهم إلیّا

تصحیح غلط

لا أحسب أنَّ أساتذة مصر یخفی علیهم صحیح لفظة - غدیر خُمّ - أو لا یوقفهم السیر علی مسمّاها وقصّتها ، وإن قال قائلهم : إنَّها واقعة حرب معروفة ، أو یکون لهم معها حساب آخر دون سائر الألفاظ ، أو یروقهم أن تکون الأمّة علی جهل منها ، لکن أسفی علی إغضائهم عن تصحیح هذه اللفظة فی غیر واحد من التآلیف ، بل ترکوها بصورة یتیه بها القارئ.

هذا الدکتور أحمد رفاعی - ذلک الأستاذ الفذّ - فإنّه یذکر فی تعلیقه علی معجم الأدباء ، طبع مصر (1357 ه) ، (14 / 48) من شعر أمیر المؤمنین ، بیت الولایة بهذه الصورة :

وأوصانی النبیُّ علی اختیارٍ

ببیعته غداة غدٍ برحمِ!

وأعجب من ذلک أنَّه جعل للکتاب فهرس البلدان والبقاع والمیاه فی (47) صحیفة ، وأهمل فیها غدیر خُمّ ، وقد ذکرت فی عدّة مواضع من المعجم.

والأستاذ محمد حسین مصحِّح ثمار القلوب ، طبع مصر (1326 ه) ، فإنّه یقف علی هذه اللفظة فی صحیفة واحدة (ص 511) وهی مذکورة فیها غیر مرّة (س 6 و 8 و 12) ویدعها - غدیر خم - وهذا ثمار القلوب المخطوط بین أیدینا وفیها : غدیر خُمّ.

ومصحِّح لطائف أخبار الدول (1) طبع مصر (1310 ه) ، فإنَّه یترک البیت المذکور من شعر أمیر المؤمنین فی (ص 33) هکذا : 9.

ص: 56


1- لطائف أخبار الدول : ص 49.

وأوجبَ طاعتی فرضاً علیکم

رسولُ الله یومَ غدا برحمی!

وأنت تجد فی مطبوعات غیر مصر لِدَةَ هذا التصحیف أیضاً.

شکر ونقد

لا أفتأ معجباً بکتابین فخمین هما من حسنات العصر الحاضر ، عُنی بجمعهما بحّاثة کبیر حظی به هذا القرن ، ألا وهما کتاب جمهرة خطب العرب وجمهرة رسائل العرب للکاتب الشهیر أحمد زکی صفوت. فقد أسدی بهما إلی الأمّة یده الواجبة ، أعاد ذکریات قدیمة للأمّة العربیّة أتی علیها الدثور ، وکابد فی ذلک جهوداً جبّارة ، فعلی الأمّة جمعاء أن تشکره علی تلک المثابرة الناجعة ، وتقدّر منه ذلک الجهاد المتواصل ، فله العتبی علی ما أجاد وأفاد.

غیر لأنّا نعاتب الأستاذ علی إهماله هذه الرسالة الموجودة فی جملة من مصادر کتابه وغیرها من الکتب القیّمة ، وقد ذکر ما هو أخصر منها ، وأضعف مدرکاً ، وأقلّ نفعاً ، وذکر من التافهات ما لم یقلّه مستوی الصدق والأمانة ، کبعض رسائل ابن عبّاس إلی أمیر المؤمنین علیه السلام المکذوبة علی حَبر الأمّة ، خطّتها أقلام مستأجرة من زبائن الأمویّین ، هذا ما نعاتبه علیه ، وأمّا هو فلما ذا ذکر؟ ولِما ذا أهمل؟ فلنطوِ عنه کشحاً.

ویشبه هذا الإهمال أو یزید علیه إهماله خطبة الغدیر فی جمهرة خطب العرب ، ولها ولیومها المشهود أهمیّة کبری فی تاریخ الاسلام ، وقد أثبتتها المصادر الوثیقة بأسانید تربو علی حدِّ التواتر ، کما وقفت علیها فی الجزء الأوّل من کتابنا. هب أنَّ تمام الخطبة لم یثبت عنده فی کتب یعوِّل علیها ، إلاّ أنَّ المقدار الذی أصفق علیه الفریقان ، وأنهوا إلیه أسانیدهم لا مفرّ له عن إثباته ، لکنّ الکاتب یعلم أنّه لما ذا ترک ، ونحن أیضاً لم یفتنا عرفانه ، لکن نضرب عن البیان صفحاً.

ص: 57

ویروی لأمیر المؤمنین علیه السلام

ما أخرجه الإمام علیُّ بن أحمد الواحدی ، عن أبی هریرة ، قال : اجتمع عدّةٌ من أصحاب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم منهم : أبو بکر ، وعمر ، وعثمان ، وطلحة ، والزبیر ، والفضل بن عبّاس ، وعمّار ، وعبد الرحمن بن عوف ، وأبو ذر ، والمقداد ، وسلمان ، وعبد الله بن مسعود فجلسوا وأخذوا فی مناقبهم ، فدخل علیهم علیٌّ علیه السلام فسألهم : فیم أنتم؟ قالوا : نتذاکر مناقبنا ممّا سمعنا من رسول الله ، فقال علیٌّ : اسمعوا منّی ثمّ أنشأ یقول :

لقدْ عَلِمَ الأُناس بأنَّ سهمی

من الإسلام یَفْضُلُ کلَّ سهمِ

وأحمدٌ النبیُّ أخی وصِهری

علیهِ اللهُ صلّی وابن عمّی

وإنّی قائدٌ للناسِ طُرّا

إلی الإسلام من عُرْبٍ وعُجْمِ

وقاتلُ کلِّ صندیدٍ رئیسٍ

وجبّارٍ من الکفّار ضَخْمِ

وفی القرآن ألزَمَهمْ ولائی

وأوجب طاعتی فرضاً بعزمِ

کما هارون من موسی أخوهُ

کذاک أنا أخوه وذاک اسمی

لذاک أقامنی لهمُ إماماً

وأخبرهمْ به بغدیرِ خُمّ

فمن منکم یعادلنی بسهمی

وإسلامی وسابقتی ورحمی

فویلٌ ثمّ ویلٌ ثمّ ویلٌ

لمن یلقی الإله غداً بظلمی

وویلٌ ثمّ ویلٌ ثمّ ویلٌ

لجاحدِ طاعتی ومریدِ هضمی

وویلٌ للذی یشقی سفاهاً

یرید عداوتی من غیرِ جرمِ

وذکره عن الواحدی القاضی المیبذیّ الشافعیّ فی شرح الدیوان المنسوب إلی أمیر المؤمنین (ص 405 - 407) ، والقندوزیّ الحنفیّ فی ینابیع المودّة (1) (ص 68). 4.

ص: 58


1- ینابیع المودّة : 1 / 67 باب 14.
الشاعر

أمیر المؤمنین ، وسیّد المسلمین ، وقائد الغرّ المحجَّلین ، وخاتم الوصیّین ، وأوّل القوم إیماناً ، وأوفاهم بعهد الله ، وأعظمهم مزیّة ، وأقومهم بأمر الله ، وأعلمهم بالقضیّة ، ورایة الهدی ، ومنار الإیمان ، وباب الحکمة ، والممسوس فی ذات الله ، خلیفة النبیِّ الأقدس (1) صلّی الله علیهما وآلهما - علیُّ بن أبی طالب ، الهاشمیّ الطاهر ، ولید الکعبة المشرَّفة ، ومطهِّرها من کلِّ صنم ووثن ، الشهید فی البیت الإلهیّ جامع الکوفة - فی محرابه حال صلاته سنة (40) ، وقد اتّصل هاهنا المنتهی بالمبدأ ، فولید البیت فاض شهیداً فی بیتٍ هو من أعظم بیوت الله ، وبین الحدّین لم تزل عُری حیاته متواصلة بالمبدأ الأعلی سبحانه. ف)

ص: 59


1- کلٌّ من هذه الجمل الخمس عشرة کلمة قدسیّة نبویّة ، أخرجها الحفّاظ ، راجع مسند أحمد : 1 / 331 و 5 / 182 ، 189 [1 / 544 ح 3052 و 6 / 232 ح 21068 ، ص 244 ح 21145] ، حلیة الأولیاء : 1 / 63 - 68 [رقم 4]. (المؤلف)

2 - حسّان بن ثابت

اشارة

یُنادیهمُ یومَ الغدیرِ نبیُّهمْ

بخمٍّ وأسْمِعْ بالرسولِ مُنادیا

فقال فمن مولاکمُ ونبیُّکمْ

فقالوا ولم یُبدوا هناک التعامیا

إلهُکَ مولانا وأنتَ نبیُّنا

ولم تَلْقَ منّا فی الولایةِ عاصیا

فقال له قم یا علیُّ فإنّنی

رضیتُکَ من بعدی إماماً وهادیا

فمن کنتُ مولاهُ فهذا ولیُّهُ

فکونوا له أتباع صدقٍ موالیا

هناک دعا اللهمَّ والِ ولیّهُ

وکن للذی عادی علیّا معادیا

ما یتبع الشعر

هذا أوّل ما عُرف من الشعر القصصیِّ فی روایة هذا النبأ العظیم ، وقد ألقاه فی ذاک المحتشد الرهیب الحافل بمائة ألف أو یزیدون ، وفیهم البلغاء ، ومدارهِ (1) الخطابة وصاغة القریض ، ومشیخة قریش العارفون بلحن القول ، ومعارض الکلام ، بمسمعٍ من أفصح من نطق بالضاد - النبیّ الأعظم - وقد أقرّه النبیُّ صلی الله علیه وآله وسلم علی ما فهمه من مغزی کلامه ، وقرّظه بقوله : «لا تزال یا حسّان مؤیّداً بروح القُدس ما نصرتنا بلسانک» (2). ف)

ص: 60


1- مدارِه : جمع مِدْرَه ، وهو لسان القوم وخطیبهم.
2- هذا من أعلام النبوّة ومن مغیّبات رسول الله ، فقد علم أنّه سوف ینحرف عن إمام الهدی علیه السلام فی أخریات أیّامه ، فعلّق دعاءه علی ظرف استمراره فی نصرتهم. (المؤلف)

وأقدم کتاب سبق إلی روایة هذا الشعر هو کتاب سلیم بن قیس الهلالی (1) ، التابعیّ الصدوق الثبت ، المعوَّل علیه عند علماء الفریقین کما مرّ فی (1 / 195) ، فرواه بلفظ یقرب ممّا یأتی عن کتاب علم الیقین (2) للمحقِّق الفیض الکاشانی ، وتبعه علی روایته لفیف من علماء الإسلام لا یستهان بعدّتهم ، فرواه من الحفّاظ :

1 - الحافظ أبو عبید الله المرزبانی محمد بن عمران الخراسانیّ : المتوفّی (378) (3).

أخرج فی مرقاة الشعر عن محمد بن الحسین ، عن حفص ، عن محمد بن هارون ، عن قاسم بن الحسن ، عن یحیی بن عبد الحمید ، عن قیس بن الربیع ، عن أبی هارون العبدی ، عن أبی سعید الخدری ، قال :

لمّا کان من غدیر خُمّ ، أمر رسول الله منادیاً فنادی الصلاة جامعة. فأخذ بید علیّ وقال : «من کنت مولاه فعلیٌّ مولاه ، اللهمَّ والِ من والاه ، وعاد من عاداه».

فقال حسّان بن ثابت : یا رسول الله أقول فی علیّ شعراً؟ فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «افعل» ، فقال :

ینادیهُم یوم الغدیر نبیّهم ... الأبیات.

2 - الحافظ الخرکوشیّ أبو سعد : المتوفّی (406) المترجم (1 / 108). أخرجه فی کتابه شرف المصطفی.

3 - الحافظ ابن مردویه الأصبهانیّ : المتوفّی (410) المترجم (1 / 108). أخرج بإسناده عن أبی سعید الخدری حدیث الغدیر کما مرّ (1 / 231) وفیه :

فقال حسّان بن ثابت : یا رسول الله أتأذن لی أن أقول أبیاتاً؟ فقال : «قل علی برکة الله». فقال : ف)

ص: 61


1- کتاب سلیم بن قیس : 2 / 828 ح 39.
2- علم الیقین : 2 / 651.
3- لنا فی مذهب الرجل نظر. (المؤلف)

ینادیهُم یوم الغدیر نبیّهم ... الأبیات.

ورواه عن ابن عبّاس بلفظ مرّ (1 / 217).

4 - الحافظ أبو نعیم الأصبهانیّ : المتوفّی (430) المترجم (1 / 109). أخرجه فی کتابه - ما نزل من القرآن فی علیّ (1) - بالسند والمتن اللذین أسلفناهما (1 / 232) وفیه :

فقال حسّان : ائذن لی یا رسول الله أن أقول فی علیّ أبیاتاً تسمعهنّ.

فقال : «قل علی برکة الله». فقام حسّان فقال : یا معشر مشیخة قریش أُتبعها قولی بشهادة من رسول الله فی الولایة ماضیة ...

5 - الحافظ أبو سعید السجستانیّ : المتوفّی (477) ، المترجم (1 / 112). أخرجه فی کتاب الولایة بسند ولفظ مرّا (1 / 233).

6 - أخطب الخطباء الخوارزمیّ المکیّ : المتوفّی (568) ، تأتی ترجمته فی شعراء القرن السادس ، رواه فی مقتل الإمام السبط الشهید (2) والمناقب (3) (ص 80) بسند ولفظ ذکرا فی (1 / 234).

7 - الحافظ أبو الفتح النطنزیّ : المترجم (1 / 115). رواه فی الخصائص العلویّة علی سائر البریّة عن الحسن بن أحمد المهری ، عن أحمد بن عبد الله بن أحمد ، عن محمد بن أحمد بن علیّ ، عن ابن أبی شیبة محمد بن عثمان ، عن الحمّانی ، عن ابن الربیع ، عن أبی هارون العبدی ، عن أبی سعید الخدری بلفظ أبی نعیم الأصبهانی ، وذکر من الأبیات أربعة من أوّلها. 2.

ص: 62


1- ما نزل من القرآن فی علیّ : ص 57.
2- مقتل الإمام الحسین علیه السلام : ص 47.
3- المناقب : ص 135 ح 152.

8 - أبو المظفّر سبط الحافظ ابن الجوزی الحنفیّ : المتوفّی (654) المترجم (1 / 120). رواه فی تذکرة خواصّ الأمّة (1) (ص 20).

9 - صدر الحفّاظ الکنجیّ الشافعیّ : المتوفّی (658) المذکور (1 / 120). ذکره فی کفایة الطالب (2) (ص 17) بلفظ أبی نعیم المذکور.

10 - شیخ الإسلام صدر الدین الحمّوئی : المتوفّی (722) المترجم (1 / 123). رواه فی فرائد السمطین (3) فی الباب الثانی عشر ، عن الشیخ تاج الدین أبی طالب علی ابن أنجب بن عثمان الخازن ، عن برهان الدین ناصر بن أبی المکارم المُطَرّزی ، عن أخطب خوارزم بسنده ولفظه المذکورین.

11 - الحافظ جمال الدین محمد بن یوسف الزرندیّ شمس الدین الحنفیّ : المتوفّی (بضع و 750) المترجم (1 / 125) أخرجه فی کتابه نظم درر السمطین (4).

12 - الحافظ جلال الدین السیوطیّ : المتوفّی (911) المترجم (1 / 133). ذکره فی رسالته الازدهار فیما عقده الشعراء من الأشعار ، نقلاً عن تذکرة الشیخ تاج الدین ابن مکتوم الحنفی المتوفّی (749).

ورواه من أعلام الإمامیة :

1 - أبو عبد الله محمد بن أحمد المفجّع (5) : المتوفّی (327). رواه فی شرح قصیدته المعروفة بالأشباه. عن عبد الله بن محمد بن عائشة القرشی ، عن المبارک ، عن عبد الله بن أبی سلمان ، عن عطا ، عن جابر بن عبد الله : أنَّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم نزل ف)

ص: 63


1- تذکرة الخواص : ص 33.
2- کفایة الطالب : ص 64 باب 1.
3- فرائد السمطین : 1 / 73 ح 39.
4- نظم درر السمطین : ص 112.
5- أحد شعراء الغدیر فی القرن الرابع ، یأتی هناک [فی الجزء الثالث] شعره وترجمته. (المؤلف)

بغدیر خُمّ ، ونصب بدوحات ، وکان یومٌ حارٌّ ، وإنَّ أحدَنا لیستظلُّ بثوبه ، ویبلُّ خرقةً فیضعها علی رأسه من شدّة الحرّ ، فقام علیه السلام فقال :

«أیّها الناس ألست أولی بالمؤمنین من أنفسهم ، وأزواجی أمّهاتهم؟». قلنا : بلی یا رسول الله. فأخذ بید علیّ فرفعها ثمّ قال :

«اشهدوا ، من کنت مولاه فعلیٌّ مولاهُ ، اللهمَّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه». یقولها ثلاثاً. فقال عمر : هنیئاً لک یا أبا الحسن ، أصبحت مولای ومولی کلِّ مؤمن ومؤمنة ، فقام رجل إلی رسول الله ، فقال : یا رسول الله ، أتأذن لی فی إنشاد أبیات فی علیٍّ؟ فقال علیه السلام : «قل یا حسّان» فقال :

ینادیهمُ یوم الغدیر نبیّهم ... الأبیات إلی آخرها.

2 - أبو جعفر محمد بن جریر بن رستم بن یزید الطبریّ ، رواه فی المسترشد (1) بإسناده عن یحیی الحمّانی عن قیس ، عن العبدی ، عن أبی سعید بلفظ الحافظ أبی نعیم الأصبهانی المذکور ، إلاّ أنَّ البیت الثالث فیه :

إلهُکَ مولانا وأنتَ ولیُّنا

ولا تَجِدَنْ منّا لک الیومَ عاصیا

3 - شیخنا أبو جعفر الصدوق محمد بن بابویه القمّی : المتوفّی (381). رواه فی الأمالی (2) (ص 343) بالسند والمتن المذکورین ، عن الحافظ المرزبانی.

4 - الشریف الرضیّ (3) : المتوفّی (406) صاحب نهج البلاغة. فی خصائص الأئمّة (4). 6.

ص: 64


1- المسترشد فی إمامة علیّ بن أبی طالب علیه السلام : ص 119.
2- الأمالی : ص 460.
3- أحد شعراء الغدیر فی القرن الرابع ، یأتی هناک [فی الجزء الرابع] شعره وترجمته. (المؤلف)
4- خصائص الأئمّة : ص 42 ، خصائص أمیر المؤمنین : ص 6.

5 - معلّم الأمّة شیخنا المفید : المتوفّی (413). رواه فی الفصول المختارة (1) (1 / 87) وقال : وممّا یشهد بقول الشیعة فی معنی المولی وأنَّ النبیَّ أراد به یوم الغدیر الإمامة ، قول حسّان بن ثابت علی ما جاء به الأثر : أنَّ رسول الله لمّا نصب علیّا یوم الغدیر للناس عَلماً وقال فیه ما قال ، استأذنه حسّان بن ثابت فی أن یقول شعراً فأنشأ یقول :

ینادیهمُ یوم الغدیر نبیّهم ... الأبیات.

فلمّا فرغ من هذا القول ، قال له النبیُّ صلی الله علیه وآله وسلم : «لا تزال یا حسّان مؤیّداً بروح القدُس ما نصرتَنا بلسانک» ، فلو لا أنَّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم أراد بالمولی الإمامة لما أثنی علی حسّان بإخباره بذلک ، ولأنکره علیه ، وردّه عنه.

ورواه فی رسالته فی معنی المولی (2) ، وقال بعد ذکره : شعر حسّان مشهورٌ فی ذلک ، وهو شاعر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وقد قال له : «لا تزال مؤیَّداً بروح القدُس ما نصرتنا بلسانک». وهذا صریح فی الإقرار بإمامته من جهة القول الکائن فی یوم الغدیر من رسول الله له ، لا یمکن تأویله ، ولا یسوغ صرفه إلی غیر حقیقته.

ورواه فی تألیفه النصرة لسیِّد العترة فی حرب البصرة (3) وفی کتابه الإرشاد (4) (ص 31 ، 64) بلفظ یقرب من روایة الحافظ أبی نعیم الأصبهانی المذکور.

6 - الشریف المرتضی علم الهدی : المتوفّی (436) ، فی شرح بائیّة السیِّد الحمیری (5). 1.

ص: 65


1- الفصول المختارة : ص 235.
2- رسالة فی معنی المولی ، المطبوع ضمن مصنّفات الشیخ المفید : 8 / 31.
3- النصرة لسیِّد العترة فی حرب البصرة (کتاب الجَمل) : ص 117.
4- الإرشاد : 1 / 177.
5- رسائل الشریف المرتضی ، المجموعة الرابعة : ص 131.

7 - أبو الفتح الکراجکی : المتوفّی (449) فی کنز الفوائد (1) (ص 123) وقال ما ملخّصه : إنَّ شعر حسّان هذا قد سارت به الرکبان ، وقد تضمّن الإقرار لأمیر المؤمنین علیه السلام بالإمامة والرئاسة علی الأنام ، لمّا مدحه بذلک یوم الغدیر بحضرة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم علی رءوس الأشهاد ، فصوّبه النبیُّ فی مقاله ، وقال له : «لا تزال یا حسّان مؤیّداً ما نصرتنا بلسانک».

8 - الشیخ عبید الله بن عبد الله السدابادی ، رواه فی المقنع فی الإمامة (2).

9 - شیخ الطائفة أبو جعفر الطوسیّ : المتوفّی (460) فی تلخیص الشافی.

10 - المفسِّر الکبیر الشیخ أبو الفتوح الخزاعی الرازیّ من مشایخ ابن شهرآشوب : المتوفّی (588). رواه فی تفسیره (3) (2 / 192) بلفظ یقرب من لفظ الحافظ أبی نعیم وزاد فیه (4) :

فَخَصّ بها دونَ البریّةِ کلِّها

علیّا وسمّاه الوزیر المواخیا

11 - شیخنا الفتّال أبو علیّ الشهید ، المترجم فی کتابنا شهداء الفضیلة (ص 37) رواه فی روضة الواعظین (5) (ص 90).

12 - أبو علیّ الفضل بن الحسن الطبرسیّ ، رواه فی إعلام الوری (6) (ص 81) 9.

ص: 66


1- کنز الفوائد : 1 / 268.
2- المقنع فی الإمامة : ص 75.
3- تفسیر أبی الفتوح الرازی : 4 / 279.
4- ستقف علی أنَّ هذه الزیادة فی محلّها من شعر حسّان. (المؤلف)
5- روضة الواعظین : 1 / 103.
6- إعلام الوری : ص 139.

13 - ابن شهرآشوب السَرَویّ : المتوفّی (588). فی المناقب (1) (3 / 35).

14 - أبو زکریّا یحیی بن الحسن الحلّی الشهیر بابن البطریق ، رواه فی الخصائص (2) (ص 37) من طریق الحافظ أبی نعیم الأصبهانی.

15 - السیِّد هبة الله ، رواه فی کتابه المجموع الرائق (3) المخطوط.

16 - رضیّ الدین سیِّدنا علیّ بن طاووس : المتوفّی (664) فی الطرائف (4) (ص 35).

17 - بهاء الدین أبو الحسن الإربِلیّ : المتوفّی (692 ، 693) فی کشف الغمّة (5)) (ص 94).

18 - عماد الدین الحسن الطبریّ ، فی الکامل البهائی (6) (ص 152 و 217).

19 - الشیخ یوسف بن حاتم الشامیّ ، فی موضعین من کتابه الدرّ النظیم (7).

20 - الشیخ علیّ البیاضیّ العاملیّ ، فی کتابه الصراط المستقیم (8).

21 - القاضی نور الله المرعشیّ : الشهید سنة (1019) ، المترجم فی کتابنا شهداء الفضیلة (ص 171) : ذکره فی مجالس المؤمنین (9) (ص 21). 6.

ص: 67


1- مناقب آل أبی طالب : 3 / 37.
2- خصائص الوحی المبین : ص 62.
3- المجموع الرائق : ص 204.
4- الطرائف : ص 146 ح 221.
5- کشف الغمّة : 1 / 325.
6- الکامل البهائی : 1 / 281.
7- الدرّ النظیم : 1 / 90 ، 141.
8- الصراط المستقیم : 1 / 305.
9- مجالس المؤمنین : 1 / 46.

22 - مولانا المحقِّق المحسن الکاشانیّ : المتوفّی (1091). فی علم الیقین (1)) (ص 142) نقلاً عن - التهاب نیران الأحزان - بلفظ یقرب من لفظ سلیم بن قیس الهلالیِّ التابعیِّ فی کتابه ، وهو :

ینادیهمُ یومَ الغدیرِ نبیُّهم

بخمٍّ وأَسْمِعْ بالنبیِّ منادیا

وقد جاءَهُ جبریلُ عن أمرِ ربهِ

بأنَّک معصومٌ فلا تَکُ وانیا

وبلّغهمُ ما أنزلَ اللهُ ربُّهم

إلیکَ ولا تخش هناک الأعادیا

فقام به إذ ذاک رافعَ کفِّهِ

بکفِّ علیٍّ مُعلنَ الصوتِ عالیا

فقال فمن مولاکمُ وولیّکمْ

فقالوا ولم یُبدوا هناک تعامیا

إلهُکَ مولانا وأنت ولیُّنا

ولَنْ تَجِدَنْ فینا لک الیومَ عاصیا

فقال له قم یا علیُّ فإنَّنی

رَضیتُکَ من بعدی إماماً وهادیا

فمن کنتُ مولاهُ فهذا ولیُّه

فکونوا له أنصارَ صدقٍ موالیا

هناک دعا اللهمَّ والِ ولیّهُ

وکن للّذی عادی علیّا مُعادیا

فیا ربِّ أُنصر ناصریه لنَصْرِهمْ

إمامَ هدیً کالبدرِ یجلو الدیاجیا

23 - الشیخ إبراهیم القطیفیّ ، فی الفرقة الناجیة بلفظ الکاشانی.

24 - السیِّد هاشم البحرانیّ : المتوفّی (1107). فی غایة المرام (2) (ص 87).

25 - العلاّمة المجلسیّ : المتوفّی (1111) : فی بحار الأنوار (3) (9 / 234 ، 259).

26 - شیخنا البحرانیّ ، صاحب الحدائق : المتوفّی (1186). فی کشکوله (2 / 318).

وهناک جمع آخرون رووا هذا الحدیث ، وفی المذکورین کفایة. 2.

ص: 68


1- علم الیقین : 2 / 651.
2- غایة المرام : ص 87 ح 72.
3- بحار الأنوار : 21 / 388 ، 37 / 112.

لفت نظر :

والذی یظهر للباحث أنَّ حسّاناً أکمل هذه الأبیات قصیدةً ضمّنها نُبذاً من مناقب أمیر المؤمنین علیه السلام ، فکلٌّ أخذ منها شطراً یناسب موضوعه. وذکر الحافظ ابن أبی شیبة ، قال : حدّثنا ابن فضل ، قال : حدّثنا سالم بن أبی حفصة ، عن جُمیع بن عمیر ، عن عبد الله بن عمر.

وصدر الحفّاظ الکنجی الشافعی فی کفایته (1) - طبع النجف - (ص 38) ، وطبع مصر - (ص 16) ، وطبع ایران - (ص 21) ، وابن الصبّاغ المالکی فی فصوله المهمّة (2) (ص 22) وغیرهم ، منها قوله :

وکان علیٌّ أرمدَ العینِ یبتغی

دواءً فلمّا لم یحسَّ مداویا

شفاهُ رسولُ اللهِ منه بتفلةٍ

فبورکَ مَرْقیّا وبورک راقیا

فقال سأُعطی الرایة الیومَ ضارباً

کَمِیّا مُحبّا للرسولِ موالیا

یحبُّ إلهی والإله یُحبُّهُ

به یفتحُ اللهُ الحصونَ الأوابیا

فَخَصَّ بها دون البریّةِ کلِّها

علیّا وسمّاهُ الوزیرَ المواخیا (3)

هذه الأبیات إشارة الی حدیث صحیح متواتر ، أخرجه أئمّة الحدیث بأسانید رجالها کلّهم ثقات ، أنهوها إلی :

بُریدة بن الحصیب ، عبد الله بن عمر ، عبد الله بن العبّاس ، عمران بن حصین ، ی)

ص: 69


1- کفایة الطالب : ص 104 باب 14.
2- الفصول المهمّة : ص 37.
3- ورواه شیخنا الطبری فی المسترشد [ص 455] ، روایة عن الحافظ ابن أبی شیبة المذکور [المصنّف : 12 / 69 ح 12145] ، وأبو علیّ الفتّال فی روضة الواعظین [1 / 130] ، وغیرهما. (المؤلف) وأوردها الشریف المرتضی فی شرح القصیدة المذهّبة ص 131 وکرّرها فی ص 132. (الطباطبائی)

أبی سعید الخدری ، أبی لیلی الأنصاری ، سهل الساعدی ، أبی هریرة الدوسی ، سعد ابن أبی وقّاص ، البراء بن عازب ، سلمة بن الأکوع.

فأخرجه البخاری فی صحیحه (4 / 323) عن سهل ، و (5 / 269) عنه ، و (ص 270) عن سلمة ، و (6 / 191) عن سلمة وسهل ، وأخرجه مسلم فی صحیحه (2 / 324) ، والترمذی فی صحیحه (2 / 300) وصحّحه ، وأحمد بن حنبل فی مسنده (1 / 99) ، و (5 / 353 ، 358) وغیرها ، وابن سعد فی طبقاته (3 / 158) ، وابن هشام فی سیرته (3 / 386) ، والطبری فی تاریخه (3 / 93) ، والنسائی فی خصائصه (ص 4 - 8 ، 16 ، 33) ، والحاکم فی المستدرک (3 / 109 ، 116) وقال : هذا حدیث دخل فی حدّ التواتر ، والخطیب فی تاریخه (8 / 5) ، وأبو نعیم الأصبهانی فی الحلیة (1 / 62) ، بعدّة طرق وصحّح بعضها ، و (4 / 356) ، وابن عبد البرّ فی الاستیعاب (2 / 363) فی ترجمة عامر ، والحمّوئی (1) فی فرائده ، وقال : قال الإمام محیی السنّة : هذا حدیثٌ صحیح متّفقٌ علی صحّته ، ومحبُّ الدین الطبری فی الریاض (2 / 187) ، والیافعی فی مرآة الجنان (1 / 109) وصحّحه ، والقاضی الإیجی فی المواقف (3 / 10 ، 12) (2) ، وهناک آخرون 0.

ص: 70


1- بفتح المهملة ثمّ المیم المضمومة المشدّدة نسبة الی جدّه حمّویه ، ونحن تبعاً للمؤلفین ذکرناه فی المجلد الأول (الحموینی) ، وقد أوقفنا السیر علی کلام ابن الأثیر من أنَّ رجال هذه الأسرة یکتبون لأنفسهم (الحموی) وضبطه علی ما ذکر ، فعدلنا عما کنا علیه. (المؤلف)
2- صحیح البخاری : 3 / 1077 ح 2783 ، 1096 ح 2847 ، 1086 ح 2812 ، 4 / 1542 ح 3972 - 3973 ، صحیح مسلم : 5 / 24 - 25 ح 33 - 35 کتاب فضائل الصحابة ، سنن الترمذی : 5 / 596 ح 3724 ، مسند أحمد : 1 / 160 ح 780 ، 6 / 485 ح 22484 ، 492 ح 22522 ، الطبقات الکبری : 2 / 111 ، السیرة النبویة : 3 / 349 ، تاریخ الأمم والملوک : 3 / 12 حوادث سنة 7 ه ، خصائص أمیر المؤمنین : ص 37 - 49 ح 11 - 24 ، ص 73 ح 54 ، ص 140 ح 126 ، وفی السنن الکبری : 5 / 108 - 112 ح 8399 - 8409 ، ص 122 ح 8439 ، ص 144 ح 8511 ، المستدرک علی الصحیحین : 3 / 117 ح 4575 ، ص 126 ح 4601 ، الاستیعاب : القسم الثانی / 787 رقم 1317 ، فرائد السمطین : 1 / 253 ح 196 باب 48 ، الریاض النضرة : 3 / 130 ، المواقف فی علم الکلام : ص 410.

رووا هذه الأثارة وصحّحوها ، لو نذکرهم بأجمعهم لجاء منه کتاب مفرد ، ونحن نقتصر من المتون علی لفظ البخاری ، ألا وهو :

إنَّ رسول الله صلی الله علیه وسلم قال یوم خیبر : «لأُعطینَّ هذه الرایة غداً رجلاً یفتح الله علی یدیه ، یحبّ الله ورسوله ، ویحبّه الله ورسوله».

قال : فبات الناس یدوکون (1) لیلتهم أیّهم یُعطاها ، فلمّا أصبح الناس غَدَوا علی رسول الله صلی الله علیه وسلم کلّهم یرجو أن یعطاها ، فقال : «أین علیّ بن أبی طالب؟» فقیل : هو یا رسول الله یشتکی عینیه. قال : «فأرسلوا إلیه» ، فأُتی به ، فبصق رسول الله صلی الله علیه وسلم فی عینیه ودعا له ، فبرأ حتی لم یکن به وجع ، فأعطاه الرایة. فقال علیٌّ : «یا رسول الله أُقاتلهم حتی یکونوا مثلنا؟».

فقال : «انفذ علی رسْلک حتی تنزل بساحتهم ، ثمّ ادعهم إلی الإسلام ، وأخبرهم بما یجب علیهم. فو الله لأن یهدی الله بک رجلاً خیرٌ لک من أن یکون لک حمر النِّعم - وفی لفظه الآخر : ففتح الله علیه».

دیوان حسّان

إنَّ لحسّان فی مولانا أمیر المؤمنین علیه السلام مدائح جمّة غیر ما سبقت الإشارة إلیه ، وسنوقفک علی ما التقطناه من ذلک ، فمن هذه الناحیة نعرف أنَّ ید الأمانة لم تقبض علیها یوم مدّت إلی دیوانه ، فحرّفت الکلم عن مواضعها ، ولعبت بدیوان حسّان کما لعبت بغیره من الدواوین والکتب والمعاجم ، التی أسقطت منها مدائح أهل البیت علیهم السلام وفضائلهم ، والذکریات الحمیدة لأتباعهم ، کدیوان الفرزدق الذی أسقطوا منه میمیّته المشهورة فی مولانا الإمام زین العابدین علیه السلام مع إشارة الناشر إلیها فی مقدّمة شرح ف)

ص: 71


1- أی یخوضون. یقال : الناس فی دوکة. أی : فی اختلاط وخوض. وأصله من الدوک. وهو : السحق. وفی کثیر من الکتب : یذکرون. وهو : تصحیف. (المؤلف)

دیوانه ، وقد طفحت بذکرها الکتب والمعاجم ، وکدیوان الکمیت ، فإنّه حُرّفت منه أبیات کما زیدت علیه أخری ، وکدیوان أمیر الشعراء أبی فراس ، وکدیوان کشاجم الذی زحزحوا عنه کمیّة مهمّة من مراثی سیّدنا الإمام السبط الشهید - سلام الله علیه - وکتاب المعارف لابن قتیبة الذی زید فیه ما شاءه الهوی للمحرّف ونقص منه ما [لا] یلائم خُطّته ، بشهادة الکتب الناقلة عنه من بعده ، کما مرّ بعض ما ذکر فی محلّه من هذا الکتاب ویأتی بعضه ، إلی غیر هذه من الکتب التی عاثوا فیها لدی النشر ، أو حرّفوها عند النقل ، ونحن نحیل تفصیل ذلک إلی مظانّه من المواقع المناسبة لئلاّ نخرج عن وضع الکتاب ، فلنعد الآن إلی ما شذّ من شعر حسّان عن دیوانه ، وأثبتته له المصادر الوثیقة کنفس یائیّته السابقة ، فمن ذلک :

فی تاریخ الیعقوبی (1) (2 / 107) ، وشرح ابن أبی الحدید (2) (3 / 14) وغیرهما : صعد أبو بکر المنبر عند ولایته الأمر ، فجلس دون مجلس رسول الله صلی الله علیه وسلم بمرقاة ، ثمّ حمد الله وأثنی علیه ، وقال : إنّی وُلّیتُ علیکم ولستُ بخیرکم ، فإن استقمت فاتّبعونی ، وإن زغت فقوّمونی ، لا أقول إنّی أفضلکم فضلاً ، ولکنّی أفضلکم حملاً ، وأثنی علی الأنصار خیراً ، وقال : أنا وإیّاکم معشر الأنصار کما قال القائل :

جزی الله عنّا جعفراً حین أزْلَقَتْ

بنا نعلُنا فی الواطئین فَوَلّتِ

أَبوا أن یملّونا ولو أنَّ أمّنا

تلاقی الذی یلقون منّا لملّتِ

فاعتزلت الأنصار عن أبی بکر ، فغضبت قریش وأحفظها ذلک ، فتکلّم خطباؤها ، وقدم عمرو بن العاص ، فقالت له قریش : قم فتکلّم بکلام تنال فیه من الأنصار ، ففعل ذلک.

فقام الفضل بن العبّاس فردّ علیهم ، ثمّ صار إلی علیّ فأخبره وأنشده شعراً 6.

ص: 72


1- تاریخ الیعقوبی : 2 / 127.
2- شرح نهج البلاغة : 6 / 20 ، 35 خطبة 66.

قاله. فخرج علیٌّ مغضباً حتی دخل المسجد فذکر الأنصار بخیر ، وردّ علی عمرو بن العاص قوله. فلمّا علمت الأنصار ذلک سرّها ، وقالت : ما نبالی بقول من قال مع حُسْن قول علیّ ، واجتمعت إلی حسّان بن ثابت ، فقالوا : أجب الفضل ، فقال : إن عارضته بغیر قوافیه فضحنی ، فقالوا (1) : فاذکر علیّا فقط ، فقال :

جزی الله خیراً والجزاء بکفّهِ

أبا حسنٍ عنّا ومن کأبی حسنْ

سبقتَ قریشاً بالذی أنت أهلهُ

فصدرُکَ مشروحٌ وقلبُک مُمْتحنْ (2)

تمنّت رجالٌ من قریشٍ أعزّةٌ

مکانَکَ هیهات الهُزالُ من السَمَنْ

وأنتَ من الإسلامِ فی کلِّ منزلٍ

بمنزلة الطرفِ البطینِ من الرَسَنْ

غَضِبْتَ لنا إذ قال عمروٌ بخصلةٍ

أمات بها التقوی وأحیا بها الإحَنْ

وکنت المرجّی من لؤیّ بنِ غالبٍ

لِما کان منهُ والذی بعدُ لم یکنْ

حفظتَ رسول الله فینا وعهدَهُ

إلیک ومن أولی به منک من ومنْ

ألستَ أخاه فی الهدی ووصیّهُ

وأعلمَ فِهرٍ بالکتابِ وبالسُنَنْ

فحقُّکَ ما دامتْ بنجدٍ وشیجةٌ

عظیمٌ علینا ثمّ بعدُ علی الیَمنْ

قوله : فصدرک مشروحٌ إشارة إلی ما ورد فی قوله تعالی : (أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ) (3) ، فإنّها نزلت فی علیٍّ وحمزة. رواه الحافظ محبّ الدین الطبری فی ریاضه (4) (2 / 207) عن الحافظین الواحدی وأبی الفرج ، وفی ذخائر العقبی (ص 88). 7.

ص: 73


1- فی شرح ابن أبی الحدید : فقال له خزیمة بن ثابت : اذکر علیّا وآله یَکْفِک عن کلِّ شیء. (المؤلف)
2- هذان البیتان ذکرهما لحسّان شیخ الطائفة المفید کما فی الفصول : 2 / 61 ، 67 [ص 209 ، 216]. (المؤلف)
3- الزمر : 22.
4- الریاض النضرة : 3 / 157.

قوله : وقلبک ممتحن. أشار به إلی النبویّ الوارد فی أمیر المؤمنین : «إنّه امتحن الله قلبه بالإیمان» (1). أخرجه جمعٌ من الحفّاظ والعلماء منهم : النسائی فی خصائصه (ص 11) ، والترمذی فی الصحیح (2 / 298) ، والخطیب البغدادی فی تاریخه (1 / 133) ، والبیهقی فی المحاسن والمساوئ (1 / 29) ومحبّ الدین الطبری فی الریاض (2 / 191) وذخائر العقبی (ص 76) وقال : أخرجه الترمذی وصحّحه ، والکنجی فی الکفایة (ص 34) وقال هذا حدیثٌ عالٍ حسنٌ صحیح ، والحمّوئی فی فرائده فی الباب (33) ، والسیوطی فی جمع الجوامع بعدّة طرق کما فی کنز العمّال (6 / 393 ، 396) ، والبدخشی فی نُزُل الأبرار (ص 11) (2) وغیرهم.

قوله : ألست أخاه فی الهدی ووصیّه. أوعز به إلی حدیثَی الإخاء والوصیّة ، وهما من الشهرة والتواتر بمکان عظیم ، یجدهما الباحث فی جلّ مسانید الحفّاظ والأعلام.

قوله : وأعلم فهرٍ بالکتاب وبالسنن. أراد به ما ورد فی علم علیّ أمیر المؤمنین بالکتاب والسنّة. وأخرج الحفّاظ عن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فی حدیث فاطمة علیها السلام : «زوّجتکِ خیر أهلی ، أعلمهم علماً ، وأفضلهم حلماً ، وأوّلهم إسلاماً».

وفی حدیث آخر : «أعلم أمّتی من بعدی علیُّ بن أبی طالب».

وفی ثالث : «أعلم الناس بالله وبالناس».

وفی حدیث : «یا علیّ لک سبع خصال» ، وعدّ منها : «وأعلمهم بالقضیّة» (3). ف)

ص: 74


1- کذا فی لفظ الخطیب ، وفی بعض المصادر : علی الإیمان. وفی بعضها : للإیمان. (المؤلف)
2- خصائص أمیر المؤمنین علیه السلام : ص 55 ح 31 ، وفی السنن الکبری : 5 / 115 ح 8416 ، سنن الترمذی : 5 / 592 ح 3715 ، المحاسن والمساوئ : ص 41 ، الریاض النضرة : 3 / 138 ، کفایة الطالب : ص 97 باب 13 ، فرائد السمطین : 1 / 162 ح 124 ، کنز العمّال : 13 / 115 ح 36373 ، وص 127 ح 36402 ، نُزُل الأبرار : ص 41.
3- حلیة الأولیاء : 1 / 66 [رقم 4] ، کنز العمّال : 6 / 153 ، 156 ، 398 [11 / 605 ح 32926 ، وص 617 ح 32995 ، 13 / 135 ح 36423]. (المؤلف)

وأخرج محبّ الدین الطبری فی ریاضه (1) (2 / 193) والذخائر (ص 78) ، وابن عبد البرّ فی الاستیعاب (2) - هامش الإصابة - (3 / 40) عن عائشة : «أنّه أعلم الناس بالسنّة».

وفی کفایة الکنجی (3) (ص 190) عن أبی أمامة ، عنه صلی الله علیه وآله وسلم : «أعلم أمّتی بالسنّة والقضاء بعدی علیّ بن أبی طالب».

وأخرج الخوارزمی فی المناقب (4) (ص 49) ، وشیخ الإسلام الحمّوئی فی فرائده (5) فی الباب الثامن عشر بإسناده عن سلمان ، عن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم : «أعلم أمّتی من بعدی علیّ بن أبی طالب».

وأخرج الحفّاظ عن أمیر المؤمنین علیه السلام أنّه قال : «والله ما نزلت آیةٌ إلاّ وقد علمتُ فیم نزلتْ وعلی من نزلتْ ، إنَّ ربّی وهبَ لی قلباً عقولاً ولساناً ناطقاً» (6). وعن النبیّ صلی الله علیه وسلم : «قُسمت الحکمة عشرة أجزاء ، فأُعطی علیٌّ تسعة أجزاء ، والناس جزءاً واحداً» (7).

وقال السیِّد أحمد زینی دحلان فی الفتوحات الإسلامیّة (2 / 337) : کان علیٌّ رضی الله عنه أعطاه الله علماً کثیراً وکشفاً غزیراً.

قال أبو الطفیل : شهدت علیّا یخطب وهو یقول : «سلونی (8) من کتاب الله ، ف)

ص: 75


1- الریاض النضرة : 3 / 141.
2- الاستیعاب : القسم الثالث / 1104 رقم 1855.
3- کفایة الطالب : ص 332 باب 94.
4- المناقب : ص 82 ح 67.
5- فرائد السمطین : 1 / 97 ح 66.
6- حلیة الأولیاء : 1 / 67 [رقم 4] ، کفایة الکنجی : ص 90 [ص 207 باب 52] ، کنز العمّال : 6 / 396 [13 / 128 ح 36404] ، إسعاف الراغبین : ص 162. (المؤلف)
7- حلیة الأولیاء : 1 / 65 [رقم 4]. (المؤلف)
8- فی الإصابة : 2 / 509 [رقم 5688] : سلونی سلونی سلونی عن کتاب الله. (المؤلف)

فو الله ما من آیة إلاّ وأنا أعلم أبِلَیْلٍ نزلتْ أم بنهار ، أم فی سهلٍ أم فی جبلٍ ، ولو شئتُ أوقرتُ سبعین بعیراً من تفسیر فاتحة الکتاب».

وقال ابن عبّاس رضی الله عنه : علم رسول الله من علم الله تبارک وتعالی ، وعلم علیّ رضی الله عنه من علم النبیّ صلی الله علیه وسلم وعلمی من علم علیّ رضی الله عنه ، وما علمی وعلم أصحاب محمد صلی الله علیه وسلم فی علم علیّ رضی الله عنه إلاّ کقطرةٍ فی سبعة أبحر. ویقال : إنَّ عبد الله بن عبّاس أکثر البکاء علی علیٍّ رضی الله عنه حتی ذهب بصره ، وقال ابن عبّاس أیضاً : لقد أُعطی علیّ بن أبی طالب تسعة أعشار العلم ، وایمُ اللهِ لقد شارک الناسَ فی العشر العاشر. وکان معاویة رضی الله عنه یسأله ویکتب له فیما ینزل به ، فلمّا توفّی علیٌّ رضی الله عنه قال معاویة : لقد ذهب الفقه والعلم بموت علیّ بن أبی طالب رضی الله عنه. وکان عمر بن الخطاب رضی الله عنه یتعوّذ من معضلة لیس فیها أبو الحسن (1). وسُئل عطاء : أکان فی أصحاب محمد صلی الله علیه وسلم أحدٌ أعلم من علیّ؟ قال : لا والله ما أعلمه. انتهی.

وعن عبد الله بن مسعود : إنَّ القرآن نزل علی سبعة أحرف ، ما منها حرفٌ إلاّ وله ظهرٌ وبطنٌ ، وإنَّ علیاً عنده علم الظاهر والباطن (2).

وهناک نظیر هذه الأحادیث والکلمات حول علم أمیر المؤمنین بالکتاب والسنّة کثیر جدّا ، لو جمعته ید التألیف لجاء کتاباً ضخماً.

ومن شعر حسّان فی أمیر المؤمنین :

ذکر له أبو المظفّر سبط ابن الجوزی الحنفیّ فی تذکرته (3) (ص 115) ، والکنجی 2.

ص: 76


1- أخرجه کثیر من الحفّاظ وأئمة الحدیث [منهم : أحمد فی المناقب : ص 155 ح 122 ، وابن عبد البرّ فی الاستیعاب : القسم الثالث / 1102 رقم 1855 ، ومحبّ الدین الطبری فی الریاض النضرة : 3 / 142 ، وآخرون غیرهم ، یأتی تفصیل ما أخرجوه بهذا اللفظ وغیره فی الجزء الثالث من هذا الکتاب إن شاء الله]. (المؤلف)
2- أخرجه أبو نعیم فی حلیة الأولیاء : 1 / 65 [رقم 4]. (المؤلف)
3- تذکرة الخواص : ص 202.

الشافعی ، فی کفایته (1) (ص 55) ، وابن طلحة الشافعی ، فی مطالب السؤول (ص 20) وقال : فشت هذه الأبیات من قول حسّان ، وتناقلها سمعٌ عن سمع ولسانٌ عن لسانٍ :

أنزلَ اللهُ والکتابُ عزیزٌ

فی علیٍّ وفی الولیدِ قُرانا

فتبوّأ الولیدُ من ذاک فسقاً

وعلیٌّ مبوّأٌ إیمانا

لیس من کان مؤمناً عَرفَ اللهَ

کمنْ کان فاسقاً خوّانا

فعلیٌّ یلقی لدی الله عِزّا

وولیدٌ یلقی هناک هوانا

سوف یُجزی الولیدُ خزیاً وناراً

وعلیٌّ لا شکَّ یجزی جِنانا

ورواها له ابن أبی الحدید فی شرح نهج البلاغة (2) (2 / 103) وفیه بعد البیت الثالث :

سوف یُدعی الولیدُ بعد قلیلٍ

وعلیٌّ إلی الحسابِ عِیانا

فعلیٌّ یُجزی بذاک جِناناً

وولیدٌ یُجزی بذاک هَوانا (3)

رُبَّ جَدٍّ لعُقْبةَ بنِ أبانٍ

لابسٌ فی بلادنا تُبّانا (4)

وذکرها له نقلاً عن شرح النهج الاستاذ أحمد زکی صفوت فی جمهرة الخطب (5) (2 / 23).

أشار بهذه الأبیات إلی قوله تعالی : (أَفَمَنْ کانَ مُؤْمِناً کَمَنْ کانَ فاسِقاً لا یَسْتَوُونَ) (6). ونزوله فی علیّ علیه السلام والولید بن عقبة بن أبی معیط فیما شجر بینهما. 8.

ص: 77


1- کفایة الطالب : ص 141 باب 31.
2- شرح نهج البلاغة : 6 / 293 خطبة 83.
3- فی التذکرة : (هناک) بدل بذاک ، فی الموضعین. (المؤلف)
4- أبان : هو أبو معیط جدّ الولید. والتبّان : سراویل صغیرة مقدار شبر یستر العورة فقط ، کان یخصّ بالملاّحین. (المؤلف)
5- جمهرة خطب العرب : 2 / 29 رقم 18.
6- السجدة : 18.

أخرج الطبری فی تفسیره (1) (21 / 62) بإسناده عن عطاء بن یسار ، قال : کان بین الولید وعلیّ کلامٌ ، فقال الولید : أنا أبسط منک لساناً ، وأحدُّ منک سناناً ، وأردُّ منک للکتیبة. فقال علیٌّ : «اسکت فإنَّک فاسقٌ». فأنزل الله فیهما : (أَفَمَنْ کانَ مُؤْمِناً کَمَنْ کانَ فاسِقاً لا یَسْتَوُونَ) الآیة.

وفی الأغانی (2) (4 / 185) ، وتفسیر الخازن (3) (3 / 470): کان بین علیّ والولید تنازعٌ وکلامٌ فی شیء ، فقال الولید لعلیّ : اسکت فإنّک صبیٌّ وأنا شیخ ، والله إنّی أبسط منک لساناً ، وأحدُّ منک سِناناً ، وأشجع منک جناناً ، وأملأ منک حشواً فی الکتیبة. فقال له علیٌّ : «اسکت فإنّک فاسقٌ». فأنزل الله هذه الآیة.

وأخرجه الواحدی بإسناده من طریق ابن عبّاس فی أسباب النزول (4) (ص 263) ، ومحبّ الدین الطبری فی الریاض (5) (2 / 206) عن ابن عبّاس وقتادة من طریق الحافظین السلفی والواحدی ، وفی ذخائر العقبی (ص 88) ، والخوارزمی فی المناقب (6) (ص 188) ، والکنجی فی الکفایة (7) (ص 55) ، والنیسابوری فی تفسیره (8) ، وابن کثیر فی تفسیره (3 / 462) قال : ذکر عطاء بن یسار والسدّی وغیرهما : أنّها نزلت فی علیّ بن أبی طالب وعقبة - فیه تصحیفٌ لا یخفی - ، ورواه جمال الدین الزرندی فی نظم درر السمطین (9). 2.

ص: 78


1- جامع البیان : مج 11 / ج 21 / 107.
2- الأغانی : 5 / 153.
3- تفسیر الخازن : 3 / 447.
4- أسباب النزول : ص 235.
5- الریاض النضرة : 3 / 156.
6- المناقب : ص 279 ح 271.
7- کفایة الطالب : ص 140 باب 31.
8- غرائب القرآن : مج 10 / ج 21 / 72.
9- نظم درر السمطین : ص 92.

وذکره ابن أبی الحدید فی شرح النهج (1)) (1 / 394 و 2 / 103) وحکی عن شیخه : إنَّه من المعلوم الذی لا ریب فیه لاشتهار الخبر به ، وإطباق الناس علیه.

وأخرجه السیوطی فی الدرّ المنثور (2) (4 / 178) وقال : أخرج أبو الفرج فی الأغانی ، والواحدی ، وابن عدیّ ، وابن مردویه ، والخطیب ، وابن عساکر (3) ، من طرق عن ابن عبّاس. وأخرج ابن إسحاق وابن جریر عن عطاء بن یسار. وأخرج ابن أبی حاتم عن السدّی رضی الله عنه مثله. وأخرج ابن أبی حاتم عن عبد الرحمن بن أبی لیلی رضی الله عنه. وأخرج ابن مردویه والخطیب وابن عساکر عن ابن عبّاس. وذکره الحلبی فی السیرة (4) (2 / 85).

ومن شعر حسّان فی أمیر المؤمنین :

ذکر له أبو المظفر سبط ابن الجوزی الحنفیّ ، فی تذکرته (5) (ص 10):

مَن ذا بخاتَمِهِ تصدّقَ راکعاً

وأسرّها فی نفسِهِ إسرارا

مَن کان باتَ علی فراش محمد

ومحمد أسری یؤمُّ الغارا

مَن کان فی القرآن سُمِّیَ مؤمناً

فی تسعِ آیاتٍ تُلِینَ غِزارا (6)

فی البیت الأوّل : إیعازٌ إلی مأثرة تصدّقه - صلوات الله علیه - بخاتمه للسائل راکعاً ، وفیها نزل قوله تعالی : (إِنَّما وَلِیُّکُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِینَ آمَنُوا) (7) الآیة. 5.

ص: 79


1- شرح نهج البلاغة : 4 / 80 خطبة 56 ، 6 / 292 خطبة 83.
2- الدرّ المنثور : 6 / 553.
3- تاریخ مدینة دمشق : 17 / 876 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 26 / 340.
4- السیرة الحلبیة : 2 / 76.
5- تذکرة الخواص : ص 16.
6- وذکرها الکنجی فی الکفایة : ص 123 [ص 251 باب 92] ونسبها إلی بعضهم وفیه : فی تسع آیات جعلن کباراً. (المؤلف)
7- المائدة : 55.

وسنوقفک علی بیانها فی شرح البیت الثالث إن شاء الله تعالی.

وبثانی الأبیات : أشار إلی حدیث أصفقت الأمّة علیه من أنَّ علیّا علیه السلام لبس بُرد النبیِّ صلی الله علیه وآله وسلم الحضرمیَّ الأخضر ، ونام علی فراشه لیلة هرب النبیّ من المشرکین إلی الغار ، وفداه بنفسه ، ونزلت فیه : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ یَشْرِی نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ) (1).

قال أبو جعفر الاسکافی کما فی شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید (2) (3 / 270) : حدیث الفراش قد ثبت بالتواتر ؛ فلا یجحده إلاّ مجنون أو غیر مخالط لأهل الملّة ، وقد روی المفسِّرون کلّهم أنَّ قول الله تعالی : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ یَشْرِی) الآیة : نزلت فی علیّ لیلة المبیت علی الفراش.

وروی الثعلبی فی تفسیره (3) : أنَّ النبیَّ صلی الله علیه وسلم لمّا أراد الهجرة إلی المدینة ، خلّف علیّ بن أبی طالب بمکّة لقضاء دیونه ، وأداء الودائع التی کانت عنده ، وأمر لیلة خرج إلی الغار وقد أحاط المشرکون بالدار أن ینام علی فراشه ، وقال له : «اتَّشح ببردی الحضرمیِّ الأخضر ونَمْ علی فراشی ، فإنَّه لا یصل منهم إلیک مکروهٌ إن شاء الله تعالی».

ففعل ذلک علیٌّ علیه السلام ، فأوحی الله تعالی إلی جبرئیل ومیکائیل : إنّی آخیت بینکما ، وجعلت عمر أحدکما أطول من الآخر ، فأیُّکما یؤثر صاحبه بالحیاة؟ فاختار کلاهما الحیاة ، فأوحی الله تعالی إلیهما : أفلا کنتما مثل علیِّ بن أبی طالب؟! آخیت بینه وبین محمد فبات علی فراشه یفدیه بنفسه ویؤثره بالحیاة ، اهبطا إلی الأرض فاحفظاه من عدوّه. فنزلا ، فکان جبرئیل عند رأسه ومیکائیل عند رجلیه ، 7.

ص: 80


1- البقرة : 207.
2- شرح نهج البلاغة : 13 / 261 خطبة 238.
3- الکشف والبیان : الورقة 54 سورة البقرة : آیة 207.

وجبرئیل ینادی : بخ بخ من مثلک یا علیُّ! یباهی الله تبارک وتعالی بک الملائکة.

فأنزل الله علی رسوله وهو متوجِّهٌ إلی المدینة فی شأن علیّ (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ یَشْرِی نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ). وقال ابن عبّاس : نزلت الآیة فی علیّ حین هرب - رسول الله - من المشرکین إلی الغار مع أبی بکر ، ونام علی فراش النبیّ.

وحدیث الثعلبیّ هذا رواه بطوله الغزالی فی إحیاء العلوم (3 / 238) ، والکنجی فی کفایة الطالب (ص 114) ، والصفوری فی نزهة المجالس (2 / 209) نقلاً عن الحافظ النسفی. ورواه ابن الصبّاغ المالکیّ فی فصوله (ص 33) ، وسبط ابن الجوزی الحنفی فی تذکرته (ص 21) والشبلنجی فی نور الأبصار (ص 86). وفی المصادر الثلاثة الأخیرة : قال ابن عبّاس : أنشدنی أمیر المؤمنین شعراً قاله فی تلک اللیلة :

وقیتُ بنفسی خیرَ من وَطِئ الحصی

وأکرمَ خلْقٍ طافَ بالبیتِ والحِجْرِ

وبتُّ أُراعی منهمُ ما یسوؤنی

وقد صَبَرَتْ نفسی علی القتلِ والأسرِ

وباتَ رسولُ اللهِ فی الغارِ آمناً

وما زالَ فی حفظ الإلهِ وفی السترِ (1)

ویوجد حدیث لیلة المبیت فی مسند أحمد (1 / 348) ، تاریخ الطبری (2 / 99 - 101) ، الطبقات لابن سعد (1 / 212) ، تاریخ الیعقوبی (2 / 29) ، سیرة ابن هشام (2 / 291) ، العقد الفرید (3 / 290) ، تاریخ الخطیب البغدادی (13 / 191) ، تاریخ ابن الأثیر (2 / 42) ، تاریخ أبی الفدا (1 / 126) ، مناقب الخوارزمی (ص 75) ، الإمتاع للمقریزی (ص 39) ، تاریخ ابن کثیر (7 / 338) ، السیرة الحلبیّة (2 / 29) (2). :

ص: 81


1- وتوجد هذه الأبیات فی مناقب الخوارزمی [ص 127 ح 141] مع زیادة بیت. (المؤلف)
2- إحیاء علوم الدین : 3 / 244 ، کفایة الطالب : ص 239 باب 62 ، الفصول المهمّة : ص 47 ، تذکرة الخواص : ص 35 ، نور الأبصار : ص 175 ، مسند أحمد : 1 / 572 ح 3241 ، تاریخ الأُمم والملوک : 2 / 372 374 ، الطبقات الکبری : 1 / 228 ، تاریخ الیعقوبی : 2 / 39 ، السیرة النبویة :

ویوجد الإیعاز إلی هذه المأثرة فی حدیث صحیح عن ابن عبّاس ، أخرجه جمعٌ من الحفّاظ الأثبات ، راجع ما مرّ (1 / 50 و 51) ، وهی مرویّة فی حدیث عن الإمام السبط الحسن وقال : بات أمیر المؤمنین یحرس رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم من المشرکین ، وفداه بنفسه لیلة الهجرة حتی أنزل الله فیه : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ یَشْرِی نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ) (1).

البیت الثالث : أشار به إلی الآیات التسع النازلة فی أمیر المؤمنین التی سُمِّی فیها مؤمناً ، ونحن وقفنا من تلک علی عشر (2) آیات ، ولم نعرف خصوص التسع المراد لحسّان فی قوله. وقال معاویة بن صعصعة فی قصیدة له ذکرها نصر بن مزاحم فی کتاب صفّین (3) (ص 31) :

ومَنْ نَزَلتْ فیه ثلاثون آیةً

تُسمِّیهِ فیها مؤمناً مخلصاً فَرْدا

سوی موجباتٍ جئنَ فیه وغیرها

بها أوجبَ اللهُ الولایةَ والوُدّا

والآیات :

1 - (أَفَمَنْ کانَ مُؤْمِناً کَمَنْ کانَ فاسِقاً لا یَسْتَوُونَ) (4).

مرَّ الإیعاز إلی حدیث نزولها فی علیّ علیه السلام (ص 46) من هذا الجزء.

2 - (هُوَ الَّذِی أَیَّدَکَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِینَ) (5). 2.

ص: 82


1- تذکرة السبط : ص 115 [ص 200] ، شرح ابن أبی الحدید : 2 / 103 [13 / 262 خطبة 238] ، جمهرة الخطب : 2 / 12. (المؤلف)
2- وکذا قال الإمام الحسن السبط الزکی فی حدیث : «سمّی أبی مؤمناً فی عشر آیات». (المؤلف)
3- وقعة صفّین : ص 27.
4- السجدة : 18.
5- الأنفال : 62.

أخرج الحافظ أبو القاسم بن عساکر فی تاریخه (1) ، قال : أخبرنا أبو الحسن علیّ بن مسلم الشافعیّ ، أخبرنا أبو القاسم بن العلا ، وأبو بکر محمد بن عمر بن سلیمان العرینیّ النصیبیّ ، حدّثنا أبو بکر أحمد بن یوسف بن خلاّد ، حدّثنا أبو عبد الله الحسین بن إسماعیل المهری ، حدّثنا عبّاس بن بکّار ، حدّثنا خالد بن أبی عمر الأسدی ، عن الکلبی ، عن أبی صالح ، عن أبی هریرة قال : مکتوبٌ علی العرش : لا إله إلاّ الله وحدی لا شریک لی ، ومحمد عبدی ورسولی ، أیّدته بعلیّ ، وذلک قوله فی کتابه الکریم : (هُوَ الَّذِی أَیَّدَکَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِینَ) علیٌّ وحده.

ورواه بإسناده الکنجیّ الشافعیّ فی کفایته (2) (ص 110) ثمّ قال : قلت : ذکره ابن جریر فی تفسیره (3) ، وابن عساکر فی تاریخه فی ترجمة علیّ علیه السلام.

ورواه الحافظ جلال الدین السیوطی فی الدرّ المنثور (4) (3 / 199) نقلاً عن ابن عساکر ، والقندوزی فی ینابیعه (5) (ص 94) نقلاً عن الحافظ أبی نعیم بإسناده عن أبی هریرة ، ومن طریق أبی صالح عن ابن عبّاس.

وصدر الحدیث أخرجه جمعٌ من الحفّاظ منهم : الخطیب البغدادی فی تاریخه (11 / 173) بإسناده عن أنس بن مالک قال : قال النبی صلی الله علیه وسلم : «لمّا عُرج بی رأیت علی ساق العرش مکتوباً : لا إله إلاّ الله ، محمد رسول الله ، أیّدته بعلیّ ، نصرته بعلیّ». ومحبّ الدین الطبری فی الریاض (6) (2 / 172) عن أبی الحمراء من طریق

7.

ص: 83


1- تاریخ مدینة دمشق : 12 / 307 ، وفی ترجمة الإمام علیّ بن أبی طالب علیه السلام - الطبعة المحقّقة - : رقم 926 وفیها : العوفی بدل العرینی.
2- کفایة الطالب : ص 234 باب 92.
3- لم نجد هذا الحدیث فی تفسیر الطبری تحت هذه الآیة. (المؤلف)
4- الدرّ المنثور : 4 / 100.
5- ینابیع المودّة : 1 / 93 باب 23.
6- الریاض النضرة : 3 / 117.

الملاّ فی سیرته ، وفی ذخائر العقبی (ص 69) ، والخوارزمی فی المناقب (1) (ص 254) ، والحمّوئی فی فرائده (2) فی الباب السادس والأربعین من طریقین بلفظ : «لمّا أُسریَ بی إلی السماء رأیت فی ساق العرش مکتوباً : لا إله إلاّ الله ، محمد رسول الله صفوتی من خلقی ، أیّدته بعلیٍّ ونصرته به».

وبإسناد آخر عن أبی الحمراء - خادم النبیِّ صلی الله علیه وآله وسلم - بلفظ : «لیلة أُسری بی رأیتُ علی ساق العرش الأیمن مکتوباً : أنا الله وحدی لا إله غیری ، غرست جنّة عدنٍ بیدی لمحمد صفوتی ، أیّدته بعلیّ». وبهذا اللفظ رواه الحافظ السیوطی کما فی کنز العمّال (3) (6 / 158) من غیر طریق عن أبی الحمراء.

ومن طریق آخر عن جابر ، عن النبی صلی الله علیه وآله وسلم : «مکتوبٌ فی باب الجنة قبل أن یخلق الله السماوات والأرض بألفی سنة : لا إله إلاّ الله ، محمد رسول الله ، أیّدته بعلی». وذکره الحافظ الهیثمی فی المجمع (9 / 121) من طریق الطبرانی عن أبی الحمراء ، والسیوطی فی الخصائص الکبری (4) (1 / 7) نقلاً عن ابن عدیّ ، وابن عساکر من طریق أنس.

وروی السیِّد الهمدانی فی مودّة القربی - فی المودّة الثامنة - عن علیّ قال : «قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : إنّی رأیت اسمک مقروناً باسمی فی أربعة مواطن : فلمّا بلغت البیت المقدس فی معراجی إلی السماء ، وجدت علی صخرة بها : لا إله إلاّ الله ، محمد رسول الله ، أیّدتُهُ بعلیٍّ وزیره. ولمّا انتهیت إلی سدرة المنتهی وجدت علیها : إنّی أنا الله ، لا إله إلاّ أنا وحدی ، محمد صفوتی من خلقی ، أیّدته بعلیٍّ وزیره ونصرته به. ولمّا انتهیت إلی عرش ربِّ العالمین ، وجدت مکتوباً علی قوائمه : إنّی أنا الله ، لا إله إلاّ أنا ، 3.

ص: 84


1- المناقب : ص 320 ح 326.
2- فرائد السمطین : 1 / 235 ح 183 ، ص 237 ح 185.
3- کنز العمّال : 11 / 624 ح 33040 - 33042.
4- الخصائص الکبری : 1 / 13.

محمد حبیبی من خلقی ، أیّدته بعلیٍّ وزیره ، ونصرته به. فلمّا وصلت الجنّة ، وجدت مکتوباً علی باب الجنّة : لا إله إلاّ أنا ، ومحمد حبیبی من خلقی ، أیّدته بعلیٍّ وزیره ونصرته به».

3 - (یا أَیُّهَا النَّبِیُّ حَسْبُکَ اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَکَ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ) (1).

أخرج الحافظ أبو نعیم فی فضائل الصحابة بإسناده : أنَّها نزلت فی علیّ ، وهو المعنیُّ بقوله : المؤمنین.

4 - (مِنَ الْمُؤْمِنِینَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَیْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضی نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ یَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِیلاً) (2).

أخرج الخطیب الخوارزمی فی المناقب (3) (ص 188) وصدر الحفّاظ الکنجی فی الکفایة (4) (ص 122) نقلاً عن ابن جریر وغیره من المفسِّرین ، أنَّه نزل قوله :

(فَمِنْهُمْ مَنْ قَضی نَحْبَهُ) فی حمزة وأصحابه ، کانوا عاهدوا الله تعالی لا یُولّون الأدبار ، فجاهدوا مقبلین حتی قُتلوا (وَمِنْهُمْ مَنْ یَنْتَظِرُ) علیُّ بن أبی طالب ، مضی علی الجهاد لم یبدِّل ولم یغیِّر الآثار.

وفی الصواعق (5) لابن حجر (ص 80): سُئل علیٌّ وهو علی المنبر بالکوفة عن قوله تعالی : (مِنَ الْمُؤْمِنِینَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَیْهِ). الآیة.

فقال : «اللهمَّ غفراً هذه الآیة نزلت فیَّ ، وفی عمِّی حمزة ، وفی ابن عمّی عبیدة ابن الحارث بن عبد المطّلب. فأمّا عبیدة فقضی نحبه شهیداً یوم بدر ، وحمزة قضی 4.

ص: 85


1- الأنفال : 64.
2- الأحزاب : 23.
3- المناقب : ص 279 ح 270.
4- کفایة الطالب : ص 249 باب 62.
5- الصواعق المحرقة : ص 134.

نحبه شهیداً یوم أُحد ، وأمّا أنا فأنتظر أشقاها ، یخضب هذه من هذه - وأشار إلی لحیته ورأسه - عهد عهده إلیَّ حبیبی أبو القاسم صلی الله علیه وسلم».

5 - (إِنَّما وَلِیُّکُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِینَ آمَنُوا الَّذِینَ یُقِیمُونَ الصَّلاةَ وَیُؤْتُونَ الزَّکاةَ وَهُمْ راکِعُونَ) (1).

أخرج أبو إسحاق الثعلبی فی تفسیره (2) بإسناده عن أبی ذرّ الغفاری قال : أما إنّی صلّیت مع رسول الله صلی الله علیه وسلم یوماً من الأیام الظهر ، فسأل سائلٌ فی المسجد فلم یعطه أحدٌ شیئاً ، فرفع السائل یدیه إلی السماء ، وقال : اللهمَّ اشهد أنّی سألت فی مسجد نبیِّک محمد صلی الله علیه وسلم فلم یعطِنی أحدٌ شیئاً ، وکان علیّ علیه السلام فی الصلاة راکعاً فأومأ إلیه بخنصره الیمنی وفیه خاتم ، فأقبل السائل فأخذ الخاتم من خنصره ، وذلک بمرأی من النبی صلی الله علیه وسلم وهو فی المسجد ، فرفع رسول الله صلی الله علیه وسلم طرفه إلی السماء ، وقال :

«اللهمَّ إنَّ أخی موسی سألک فقال : (رَبِّ اشْرَحْ لِی صَدْرِی* وَیَسِّرْ لِی أَمْرِی* وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِی* یَفْقَهُوا قَوْلِی* وَاجْعَلْ لِی وَزِیراً مِنْ أَهْلِی هارُونَ أَخِی* اشْدُدْ بِهِ أَزْرِی* وَأَشْرِکْهُ فِی أَمْرِی) (3) فانزلت علیه قرآناً (سَنَشُدُّ عَضُدَکَ بِأَخِیکَ وَنَجْعَلُ لَکُما سُلْطاناً فَلا یَصِلُونَ إِلَیْکُما) (4) اللهمَّ ، وإنّی محمد نبیّک وصفیّک ، اللهمَّ واشرحْ لی صدری ، ویسِّر لی أمری ، واجعل لی وزیراً من أهلی ، علیّا أشدد به ظهری».

قال أبو ذر رضی الله عنه : فما استتمَّ دعاءه حتی نزل جبرئیل علیه السلام من عند الله وقال : یا محمد اقرأ (إِنَّما وَلِیُّکُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِینَ آمَنُوا) الآیة.

5.

ص: 86


1- المائدة : 55.
2- الکشف والبیان : الورقة 180 سورة المائدة : آیة 55.
3- سورة طه : 25 - 32.
4- القصص : 35.

أخرج هذه الأثارة ونزول الآیة فیها ، جمع کثیر من أئمّة التفسیر والحدیث منهم : الطبری فی تفسیره (6 / 165) من طریق ابن عبّاس ، وعتبة بن أبی حکیم ، ومجاهد. الواحدی فی أسباب النزول (ص 148) من طریقین. الرازی فی تفسیره (3 / 431) عن عطاء ، عن عبد الله بن سلام وابن عبّاس وحدیث أبی ذرّ المذکور. الخازن فی تفسیره (1 / 496). أبو البرکات فی تفسیره (1 / 496). النیسابوری فی تفسیره (3 / 461). ابن الصبّاغ المالکی فی الفصول المهمّة (ص 123) حدیث الثعلبی المذکور. ابن طلحة الشافعی فی مطالب السؤول (ص 31) بلفظ أبی ذرّ المذکور. سبط ابن الجوزی فی التذکرة (ص 9) عن تفسیر الثعلبی ، عن السدّی ، وعتبة ، وغالب بن عبد الله. الکنجی الشافعی فی الکفایة (ص 106) بإسناده عن أنس و (ص 122) عن ابن عبّاس ، من طریق حافظ العراقین والخوارزمی وابن عساکر ، عن أبی نعیم والقاضی أبی المعالی. الخوارزمی فی مناقبه (ص 178) بطریقین. الحمّوئی فی فرائده فی الباب الرابع عشر ، من طریق الواحدی ، وفی التاسع والثلاثین عن أنس ، ومن طرق أخری عن ابن عبّاس ، وفی الباب الأربعین عن ابن عبّاس وعمّار بن یاسر. القاضی عضد الإیجی فی المواقف (3 / 276). محبّ الدین الطبری فی الریاض (2 / 227) عن عبد الله بن سلام ، من طریق الواحدی وأبی الفرج والفضائلی ، و (ص 206) ، وفی الذخائر (ص 102) من طریق الواقدی وابن الجوزی. ابن کثیر الشامی فی تفسیره (2 / 71) بطریق عن أمیر المؤمنین ، ومن طریق ابن أبی حاتم عن سلمة بن کهیل ، وعن ابن جریر الطبری بإسناده عن مجاهد والسدّی ، وعن الحافظ عبد الرزاق بإسناده عن ابن عبّاس ، وبطریق الحافظ ابن مردویه بالإسناد عن سفیان الثوری عن ابن عبّاس ، ومن طریق الکلبی عن ابن عبّاس وقال : هذا إسناد لا یقدح به ، وعن الحافظ ابن مردویه بلفظ أمیر المؤمنین ، وعمّار ، وأبی رافع. ابن کثیر أیضاً فی البدایة والنهایة (7 / 357) عن الطبرانی بإسناده عن أمیر المؤمنین ، ومن طریق ابن عساکر عن سلمة ابن کهیل. الحافظ السیوطی فی جمع الجوامع کما فی الکنز (6 / 391) من

ص: 87

طریق الخطیب فی المتَّفق عن ابن عبّاس ، و (ص 405) من طریق أبی الشیخ وابن مردویه عن أمیر المؤمنین. ابن حجر فی الصواعق (ص 25). الشبلنجی فی نور الأبصار (ص 77) حدیث أبی ذرّ المذکور عن الثعلبی. الآلوسی فی روح المعانی (2 / 329) (1) وغیرهم.

ولحسّان بن ثابت فی هذه المأثرة شعر یأتی (2) إن شاء الله تعالی.

6 - (أَجَعَلْتُمْ سِقایَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ کَمَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْیَوْمِ الْآخِرِ وَجاهَدَ فِی سَبِیلِ اللهِ لا یَسْتَوُونَ عِنْدَ اللهِ) (3).

أخرج الطبری فی تفسیره (4) (10 / 59) بإسناده عن أنس أنّه قال : قعد العبّاس وشیبة بن عثمان - صاحب البیت - یفتخران ، فقال له العبّاس : أَنا أشرف منک ، أنا عمُّ رسول الله ، ووصیُّ أبیه ، وساقی الحجیج. فقال شیبة : أنا أشرف منک ، أنا أمین الله علی بیته وخازنه ، أفلا ائتمنک کما ائتمننی؟!

فهما علی ذلک یتشاجران ، حتی أشرف علیهما علیٌّ ، فقال له العبّاس : إنَّ شیبة فاخرنی ، فزعم أنَّه أشرف منّی ، فقال : «فما قلت له یا عمّاه؟». قال : قلت : أنا عمُّ رسول الله ، ووصیُّ أبیه ، وساقی الحجیج ، أنا أشرف منک. فقال لشیبة : «ما ذا قلت 5.

ص: 88


1- جامع البیان : مج 4 / ج 6 / 288 ، أسباب النزول : ص 133 ، التفسیر الکبیر : 12 / 26 ، تفسیر الخازن : 1 / 475 ، تفسیر النسفی : 1 / 289 ، غرائب القرآن : مج 3 / ج 6 / 167 - 169 ، الفصول المهمّة : ص 122 ، تذکرة الخواص : ص 15 ، کفایة الطالب : ص 229 باب 61 ، ص 250 باب 62 ، تاریخ مدینة دمشق : 12 / 305 ، وفی ترجمة الإمام علیّ بن أبی طالب 7 - الطبعة المحقّقة - : رقم 916 ، المناقب : ص 264 ح 246 ، ص 266 ح 248 ، فرائد السمطین : 1 / 79 ح 49 ، ص 187 ح 149 ، ص 193 ح 152 ، ص 194 ح 153 ، المواقف فی علم الکلام : ص 404 ، الریاض النضرة : 3 / 182 باب 4 فصل 9 ، ص 156 فصل 6 ، البدایة والنهایة : 7 / 394 حوادث سنة 40 ه ، کنز العمّال : 13 / 108 ح 36354 ، ص 165 ح 36501 ، الصواعق المحرقة : ص 41 ، نور الأبصار : ص 158 ، روح المعانی : 6 / 167.
2- ص 101.
3- التوبة : 19.
4- جامع البیان : مج 6 / ج 10 / 95.

أنت یا شیبة؟» قال : قلت : أنا أشرف منک ، أنا أمین الله علی بیته وخازنه ، أفلا ائتمنک کما ائتمننی؟!

قال : فقال لهما : «اجعلانی معکما فخراً». قالا : نعم. قال : «فأنا أشرف منکما ، أنا أوّل من آمن بالوعید من ذکور هذه الأمّة ، وهاجر ، وجاهد».

وانطلقوا ثلاثتهم إلی النبیّ ، فأخبر کلُّ واحد منهم بمفخره ، فما أجابهم النبیُّ بشیء ، فانصرفوا عنه ، فنزل جبرئیل علیه السلام بالوحی بعد أیّام فیهم ، فأرسل النبیُّ إلیهم ثلاثتهم حتی أتوه ، فقرأ علیهم : (أَجَعَلْتُمْ سِقایَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ کَمَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْیَوْمِ الْآخِرِ) الآیة.

حدیث هذه المفاخرة ونزول الآیة فیها أخرجه کثیرٌ من الحفّاظ والعلماء مجملاً ومفصّلاً ، منهم : الواحدی فی أسباب النزول (1) (ص 182) نقلاً عن الحسن والشعبی والقرظی. القرطبی فی تفسیره (2) (8 / 91) عن السدِّی. الرازی فی تفسیره (3) (4 / 422). الخازن فی تفسیره (4) (2 / 221) قال : وقال الشعبی ومحمد بن کعب القرظی : نزلت فی علیّ بن أبی طالب والعبّاس بن عبد المطّلب وطلحة بن أبی شیبة (5) افتخروا فقال طلحة : أنا صاحب البیت بیدی مفاتیحه. وقال العبّاس : وأنا صاحب السقایة والقیام علیها. وقال علیّ : «ما أدری ما تقولون ، لقد صلّیت إلی القبلة ستّة أشهر قبل الناس ، وأنا صاحب الجهاد». فأنزل الله هذه الآیة. ی)

ص: 89


1- أسباب النزول : ص 164.
2- الجامع لأحکام القرآن : 8 / 59.
3- التفسیر الکبیر : 16 / 11.
4- تفسیر الخازن : 2 / 211.
5- لیس هناک من یسمّی طلحة بن أبی شیبة! وإنّما الصواب فیه ما تقدّم عن الطبری ، وهو شیبة بن عثمان بن أبی طلحة. قال ابن عبد البرّ فی الاستیعاب : القسم الثانی / 712 رقم 1205 : شیبة هذا هو جدّ بنی شیبة حَجَبَة الکعبة إلی الیوم دون سائر الناس. أقول : ولا زال مفاتح الکعبة بید بنی شیبة حتی یومنا هذا. (الطباطبائی)

ومنهم : أبو البرکات النسفی فی تفسیره (1) (2 / 221). الحمّوئی فی الفرائد (2) فی الباب الواحد والأربعین بإسناده عن أنس. ابن الصبّاغ المالکیّ فی الفصول المهمّة (3) (ص 123) من طریق الواحدی عن الحسن والشعبی والقرظی. جمال الدین محمد بن یوسف الزرندی فی نظم درر السمطین (4). الکنجی فی الکفایة (5) (ص 113) من طریق ابن جریر وابن عساکر (6) ، عن أنس بلفظه المذکور. ابن کثیر الشامی فی تفسیره (2 / 341) عن الحافظ عبد الرزاق بإسناده عن الشعبی ، ومن طریق ابن جریر عن محمد بن کعب القرظی ، وعن السدِّی وفیه : افتخر علیٌّ والعبّاس وشیبة کما مرّ ، ومن طریق الحافظ عبد الرزاق أیضاً عن الحسن ، ومحمد بن ثور عن معمر ، عن الحسن. الحافظ السیوطی فی الدرّ المنثور (7) (3 / 218) من طریق الحافظ ابن مردویه عن ابن عبّاس ، ومن طریق الحفّاظ عبد الرزاق وابن أبی شیبة وابن جریر وابن منذر وابن أبی حاتم وأبی الشیخ عن الشعبی ، وعن ابن مردویه عن الشعبی ، وعن عبد الرزاق عن الحسن ، ومن طریق ابن أبی شیبة وأبی الشیخ وابن مردویه عن عبید الله بن عبیدة ، ومن طریق الفریابی عن ابن سیرین ، وعن ابن جریر عن محمد بن کعب القرظی ، ومن طریق ابن جریر وأبی الشیخ عن الضحّاک ، وعن الحافظین أبی نعیم وابن عساکر بإسنادهما عن أنس ، باللفظ المذکور.

ومنهم : الصفوری فی نزهة المجالس (2 / 242) وفی طبعةٍ (209) نقلاً عن شوارد 6.

ص: 90


1- تفسیر النسفی : 2 / 120.
2- فرائد السمطین : 1 / 203 ح 159.
3- الفصول المهمّة : ص 122.
4- نظم درر السمطین : ص 88 - 89.
5- کفایة الطالب : ص 238 باب 62.
6- تاریخ مدینة دمشق : 12 / 305 ، وفی ترجمة الامام علیّ بن أبی طالب 7 - الطبعة المحقّقة - : رقم 917.
7- الدرّ المنثور : 4 / 146.

المُلَح وموارد المِنَح : إنَّ العبّاس وحمزة تفاخرا ، فقال حمزة : أنا خیرٌ منک لأنّی علی عمارة الکعبة. وقال العبّاس : أنا خیرٌ منک لأنّی علی سقایة الحاجّ. فقالا : نخرج إلی الأبطح ونتحاکم إلی أوّل رجل نلقاه ، فوجدا علیّا رضی الله عنه فتحاکما علی یدیه فقال : «أنا خیرٌ منکما لأنّی سبقتکما إلی الإسلام». فأخبر النبیَّ بذلک ، فضاق صدره لافتخاره علی عمّیه ، فأنزل الله تعالی تصدیقاً لکلام علیّ وبیاناً لفضله : (أَجَعَلْتُمْ سِقایَةَ الْحاجِّ) الآیة.

ولا یسعنا ذکر جمیع المصادر التی وقفنا فیها علی هذه المفاخرة ونزول الآیة فیها (1) ، وکذلک فی بقیّة الآیات والأحادیث ، بل لم نذکر جلّها رَوماً للاختصار ، وقد بسطنا القول فی جمیعها فی کتابنا العترة الطاهرة فی الکتاب العزیز ، یتضمّن الآیات النازلة فیهم - صلوات الله علیهم.

وهذه المفاخرة ونزول الآیة فیها نظمها غیر واحد من شعراء السلف الحافظین لناموس الحدیث ، کسیِّد الشعراء الحمیری ، والناشئ ، والبشنوی ، ونظرائهم ، وستقف علیه فی تراجمهم إن شاء الله.

7 - (إِنَّ الَّذِینَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَیَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا) (2).

أخرج أبو إسحاق الثعلبی فی تفسیره (3) ، بإسناده عن البراء بن عازب قال : 6.

ص: 91


1- ابن أبی شیبة فی المصنّف : ح 12173 ، محمد بن سلیمان الصنعانی فی مناقب أمیر المؤمنین 7 : ح 74 و 84 و 117 و 118 ، ومنهم الخطیب البغدادی فی الأسماء المبهمة : ص 473 ، والحاکم الحسکانی فی شواهد التنزیل : ح 328 - 338 ، وابن المغازلی فی کتاب مناقب أمیر المؤمنین 7 بطریقین : ح 367 و 368 ، والحاکم الجشمی فی تنبیه الغافلین ، والزمخشری فی ربیع الأبرار : 3 / 424 ، وابن عساکر فی تاریخه فی ترجمة أمیر المؤمنین 7 : ح 917 تحقیق العلاّمة المحمودی ، وابن الأثیر فی جامع الأصول : 9 / 477 ، والشوکانی فی فتح القدیر : 2 / 303. (الطباطبائی)
2- مریم : 96.
3- الکشف والبیان : الورقة 19 سورة مریم : آیة 96.

قال رسول الله صلی الله علیه وسلم لعلیّ : «قل : اللهمَّ اجعل لی عندک عهداً ، واجعل لی فی صدور المؤمنین مودّة». فأنزل الله هذه الآیة.

ورواه أبو المظفّر سبط ابن الجوزی الحنفیّ فی تذکرته (1) (ص 10) وقال : ورُوی عن ابن عبّاس أنَّ هذا الودّ جعله الله لعلیّ فی قلوب المؤمنین.

وفی مجمع الزوائد (9 / 125) عن ابن عبّاس قال : نزلت فی علیّ بن أبی طالب (إِنَّ الَّذِینَ آمَنُوا) الآیة. قال : محبّة فی قلوب المؤمنین.

وأخرج الخطیب الخوارزمی فی مناقبه (2) (ص 188) حدیث ابن عبّاس ، وبعده بالإسناد عن علیّ علیه السلام أنّه قال : «لقینی رجلٌ فقال : یا أبا الحسن والله إنّی أُحبّک فی الله. فرجعت إلی رسول الله فأخبرته بقول الرجل ، فقال : لعلّک یا علیُّ اصطنعت إلیه معروفاً. قال : فقلت : والله ما اصطنعت إلیه معروفاً. فقال رسول الله : الحمد لله الذی جعل قلوب المؤمنین تتوق إلیک بالمودّة ، فنزل قوله : (إِنَّ الَّذِینَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَیَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا) ...».

وأخرجه صدر الحفّاظ الکنجی فی الکفایة (3) (ص 121). وأخرج محبُّ الدین الطبری فی ریاضه (4) (2 / 207) فی الآیة من طریق الحافظ السلفی ، عن ابن الحنفیّة : لا یبقی مؤمنٌ إلاّ وفی قلبه ودٌّ لعلیّ وأهل بیته.

وأخرج الحمّوئی فی فرائده (5) فی الباب الرابع عشر ، من طریق الواحدی بسندین عن ابن عبّاس ، والسیوطی فی الدرّ المنثور (6) (4 / 287) من طریق الحافظ 4.

ص: 92


1- تذکرة الخواص : ص 17.
2- المناقب : ص 278 ح 268 و 269.
3- کفایة الطالب : ص 248 باب 62.
4- الریاض النضرة : 3 / 157.
5- فرائد السمطین : 1 / 79 ح 50 - 51.
6- الدرّ المنثور : 5 / 544.

ابن مردویه والدیلمی عن البراء ، ومن طریق الطبرانی وابن مردویه عن ابن عبّاس ، والقسطلانی فی المواهب (1) (7 / 14) من طریق النقّاش ، والشبلنجی فی نور الأبصار (2) (ص 112) عن النقّاش ، وذکر ما مرّ عن ابن الحنفیَّة ، والحضرمی فی رشفة الصادی (ص 25).

8 - (أَمْ حَسِبَ الَّذِینَ اجْتَرَحُوا السَّیِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ کَالَّذِینَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) (3).

قال أبو المظفّر سبط ابن الجوزی الحنفی فی تذکرته (4) (ص 11) : قال السدّی عن ابن عبّاس : نزلت هذه الآیة فی علیّ علیه السلام یوم بدر : فَ (الَّذِینَ اجْتَرَحُوا السَّیِّئاتِ) عتبة وشیبة والولید والمغیرة ، (و (کَالَّذِینَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) علیٌّ علیه السلام.

وتجد ما یقرب منه فی کفایة الکنجی (5) (ص 120).

9 - (إِنَّ الَّذِینَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِکَ هُمْ خَیْرُ الْبَرِیَّةِ) (6).

أخرج الطبری فی تفسیره (7) (30 / 146) بإسناده عن أبی الجارود ، عن محمد ابن علیّ : (أُولئِکَ هُمْ خَیْرُ الْبَرِیَّةِ). فقال : «قال النبیُّ صلی الله علیه وسلم : أنت یا علیُّ وشیعتک».

وروی الخوارزمی فی مناقبه (8) (ص 66) عن جابر ، قال : کنّا عند النبی صلی الله علیه وسلم فأقبل علیُّ بن أبی طالب ، فقال رسول الله : «قد أتاکم أخی ، ثمّ التفت إلی الکعبة 7.

ص: 93


1- المواهب اللدنیة : 3 / 366.
2- نور الأبصار : ص 226.
3- الجاثیة : 21.
4- تذکرة الخواص : ص 17.
5- کفایة الطالب : ص 247 باب 62.
6- البیّنة : 7.
7- جامع البیان : مج 15 / ج 30 / 264.
8- المناقب : ص 111 ح 120 ، ص 265 ح 247.

فضربها بیده. ثمّ قال : والذی نفسی بیده ، إنَّ هذا وشیعته هم الفائزون یوم القیامة.

ثمّ قال : إنّه أوّلکم إیماناً معی ، وأوفاکم بعهد الله ، وأقومکم بأمر الله ، وأعدلکم فی الرعیّة ، وأقسمکم بالسویّة ، وأعظمکم عند الله مزیّة».

قال : وفی ذلک الوقت نزلت فیه : (إِنَّ الَّذِینَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِکَ هُمْ خَیْرُ الْبَرِیَّةِ) ، وکان أصحاب النبیِّ صلی الله علیه وسلم إذا أقبل علیٌّ قالوا : قد جاء خیر البریّة.

وروی فی (ص 178) من طریق الحافظ ابن مردویه ، عن یزید بن شراحیل الأنصاری کاتب علیّ علیه السلام ، قال : سمعت علیّا یقول : «حدّثنی رسول الله وأنا مسنده إلی صدری ، فقال : أی علیّ ، ألَمْ تسمع قول الله تعالی : (إِنَّ الَّذِینَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِکَ هُمْ خَیْرُ الْبَرِیَّةِ)؟ أنت وشیعتک ، وموعدی وموعدکم الحوض ، إذا جاءت الأُمم للحساب تُدعَون غُرّا محجَّلین».

وأخرج الکنجی فی الکفایة (1) (ص 119) حدیث یزید بن شراحیل.

وأرسل ابن الصبّاغ المالکی فی فصوله (2) (ص 122) عن ابن عبّاس ، قال : لمّا نزلت هذه الآیة قال النبیّ صلی الله علیه وسلم لعلیّ : «أنت وشیعتک ، تأتی یوم القیامة أنت وهم راضین مرضیِّین ، ویأتی أعداؤک غضاباً مُقمحین».

وروی الحمّوئی فی فرائده (3) بطریقین عن جابر : أنَّها نزلت فی علیّ ، وکان أصحاب محمد إذا أقبل علیٌّ قالوا : قد جاء خیر البریّة.

وقال ابن حجر فی الصواعق (4) (ص 96) فی عدِّ الآیات الواردة فی أهل البیت : 1.

ص: 94


1- کفایة الطالب : ص 246 باب 62.
2- الفصول المهمّة : ص 121.
3- فرائد السمطین : 1 / 156 ح 118 باب 31.
4- الصواعق المحرقة : ص 161 باب 11.

الآیة الحادیة عشرة قوله تعالی : (إِنَّ الَّذِینَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِکَ هُمْ خَیْرُ الْبَرِیَّةِ).

أخرج الحافظ جمال الدین الزرندی (1) ، عن ابن عبّاس رضی الله عنه : إنَّ هذه الآیة لمّا نزلت قال صلی الله علیه وآله وسلم لعلیّ : «هو أنت وشیعتک ، تأتی أنت وشیعتک یوم القیامة راضین مرضیِّین ، ویأتی عدوُّک غضاباً مقمحین. قال : ومن عدوّی؟ قال : من تبرّأ منک ولعنک. ثمَّ قال رسول الله صلی الله علیه وسلم : ومن قال : رحم الله علیّا ، رحمه الله».

وقال جلال الدین السیوطی فی الدرّ المنثور (2) (6 / 379) : أخرج ابن عساکر (3) عن جابر بن عبد الله قال : کنّا عند النبیّ صلی الله علیه وسلم فأقبل علیٌّ ، فقال النبیُّ صلی الله علیه وسلم : «والذی نفسی بیده ، إنَّ هذا وشیعته لهم الفائزون یوم القیامة»

ونزلت : (إِنَّ الَّذِینَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِکَ هُمْ خَیْرُ الْبَرِیَّةِ) ، فکان أصحاب النبیِّ صلی الله علیه وسلم إذا أقبل علیٌّ قالوا : جاء خیر البریّة.

وأخرج ابن عدیّ عن ابن عبّاس قال : لمّا نزلت (إِنَّ الَّذِینَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) الآیة : قال رسول الله صلی الله علیه وسلم لعلیّ : «أنت وشیعتک یوم القیامة راضین مرضیِّین».

وأخرج ابن مردویه عن علیّ قال : قال رسول الله صلی الله علیه وسلم ، وذکر حدیث یزید بن شراحیل المذکور ، وذکر الشبلنجی فی نور الأبصار (4) (ص 78 و 112) عن ابن عبّاس باللفظ المذکور عن ابن الصبّاغ المالکیِّ. 6.

ص: 95


1- نظم درر السمطین : ص 92.
2- الدرّ المنثور : 8 / 589.
3- تاریخ مدینة دمشق : 12 / 313 ، وفی ترجمة الامام علیّ بن أبی طالب علیه السلام - الطبعة المحقّقة - : رقم 958.
4- نور الأبصار : ص 159 ، 226.

10 - (وَالْعَصْرِ* إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِی خُسْرٍ* إِلاَّ الَّذِینَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ).

قال جلال الدین السیوطی فی الدرّ المنثور (1) (6 / 392) : أخرج ابن مردویه عن ابن عبّاس فی قوله تعالی : (وَالْعَصْرِ* إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِی خُسْرٍ). یعنی أبا جهل بن هشام (إِلاَّ الَّذِینَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) ذکر علیّا وسلمان.

ومن شعر حسّان فی أمیر المؤمنین :

أبا حسنٍ تَفْدیکَ نفسی ومهجتی

وکلُّ بطیءٍ فی الهُدی ومُسارعِ

أیذهبُ مدحی والمحبِّینَ ضائعاً

وما المدحُ فی ذات الإله بضائعِ

فأنت الذی أعطیتَ إذ أنتَ راکعٌ

فدتْکَ نفوسُ القومِ یا خیرَ راکعِ

بخاتَمِک (2) المیمونِ یا خیر

سیِّدٍ

ویا خیرَ شارٍ ثمَّ یا خیر بائعِ

فأنزل فیک اللهُ خیرَ ولایةٍ

وبیّنها فی مُحْکَماتِ الشَّرائعِ

نظم بها حدیث تصدّق أمیر المؤمنین علیه السلام بخاتمه للسائل راکعاً ونزول قوله تعالی : (إِنَّما وَلِیُّکُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِینَ آمَنُوا الَّذِینَ یُقِیمُونَ الصَّلاةَ وَیُؤْتُونَ الزَّکاةَ وَهُمْ راکِعُونَ) فیه کما مرّ حدیثه (ص 52).

ذکرها لحسّان الخطیب الخوارزمی فی المناقب (3) (ص 178) ، وشیخ الإسلام الحمّوئی فی فرائده (4) فی الباب التاسع والثلاثین ، وصدر الحفّاظ الکنجیّ فی الکفایة (5) (ص 107) ، وسبط ابن الجوزی فی تذکرته (6) (ص 10) ، وجمال الدین الزرندی فی 5.

ص: 96


1- الدرّ المنثور : 8 / 622.
2- کذا بالباء ، وهو مفعول ل «أعطی» الذی یتعدّی بنفسه.
3- المناقب : ص 264 ح 246.
4- فرائد السمطین : 1 / 190 ح 150.
5- کفایة الطالب : ص 229 باب 61.
6- تذکرة الخواص : ص 15.

نظم درر السمطین (1).

ومن شعر حسّان فی أمیر المؤمنین :

جبریلُ نادی معلناً

والنقعُ لیس بمنجلی

والمسلمون قد أحدقوا

حول النبیَّ المرسلِ

لا سیف إلاّ ذو الفقار

ولا فتی إلاّ علی

یشیر بها إلی ما هتف به أمین الوحی جبرئیل علیه السلام یوم أُحد فی علیٍّ وسیفه.

أخرج الطبری فی تاریخه (2) (3 / 17) عن أبی رافع ، قال : لمّا قَتل علیُّ بن أبی طالب یوم أُحد أصحاب الألویة ، أبصر رسول الله صلی الله علیه وسلم جماعةً من مشرکی قریش ، فقال لعلیٍّ : «احمل علیهم». فحمل علیهم ففرّق جمعهم ، وقتل عمرو بن عبد الله الجمحی.

قال : ثمَّ أبصر رسول الله صلی الله علیه وسلم جماعةً من مشرکی قریش ، فقال لعلیّ : «احمل علیهم». فحمل علیهم ففرّق جماعتهم ، وقتل شیبة بن مالک.

فقال جبریل : یا رسول الله إنَّ هذا للمواساة. فقال رسول الله صلی الله علیه وسلم : «إنّه منّی وأنا منه». فقال جبریل : وأنا منکما.

قال : فسمعوا صوتاً :

لا سیف إلاّ ذو الفقار

ولا فتی إلاّ علی

وأخرجه أحمد بن حنبل فی الفضائل (3) عن ابن عبّاس ، وابن هشام فی ی)

ص: 97


1- نظم درر السمطین : ص 88.
2- تاریخ الأُمم والملوک : 2 / 514 حوادث سنة 3 ه.
3- فضائل الصحابة : 2 / 657 رقم 1119 ، وفی مناقب علیّ لأحمد بن حنبل : رقم 241 ، وفی الریاض النضرة : 3 / 137 ، وذخائر العقبی : ص 68 ، وسمط النجوم العوالی : 2 / 485 کلّهم عن أحمد فی مناقب علیّ ، وهو إلی قوله : وأنا منکما یا رسول الله. وأخرجه الطبرانی فی المعجم الکبیر فی ترجمة أبی رافع : 1 / 297 ح 941 ، وابن عساکر فی تاریخ مدینة دمشق فی ترجمة الإمام علیّ بن أبی طالب علیه السلام - الطبعة المحقّقة - : رقم 167 ، 215. (الطباطبائی)

سیرته (1) (3 / 52) عن ابن أبی نُجیح ، والخثعمی فی الروض الأُنف (2) (2 / 143) ، وابن أبی الحدید فی شرح النهج (3) (1 / 9) وقال : إنَّه المشهور المرویّ. وفی (2 / 236) وقال : إنَّ رسول الله قال : «هذا صوت جبرئیل» ، و (3 / 281).

والخوارزمی فی المناقب (4) (ص 104) عن محمد بن إسحاق بن یسار ، قال : هاجت ریحٌ فی ذلک الیوم ، فسُمِعَ منادٍ یقول :

لا سیف إلاّ ذو الفقار

ولا فتی إلاّ علی

فإذا ندبتمْ هالکاً

فابکوا الوفیَّ أخا الوفیّ (5)

وروی الحمّوئی نحوه فی فرائده (6) فی الباب التاسع والأربعین ، وروی بإسناده من طرق شتّی عن الحافظ البیهقی إلی علیّ علیه السلام قال :

«أتی جبریل النبیَّ صلی الله علیه وسلم فقال : إنَّ صنماً فی الیمن مُغفَّراً فی حدید ، فابعث إلیه فادققه ، وخذ الحدید.

قال : فدعانی وبعثنی إلیه ، فدققت الصنم ، وأخذت الحدید ، فجئت به إلی رسول الله ، فاستنصرت منه سیفین ، فسمّی واحداً ذا الفقار ، والآخر مِجْذَماً ، فتقلّد 8.

ص: 98


1- السیرة النبویة : 3 / 106.
2- الروض الأُنف : 6 / 47.
3- شرح نهج البلاغة : 1 / 29 المقدمة ، 13 / 293 خطبة 238 ، 14 / 251.
4- المناقب : ص 173 ح 208.
5- یعنی حمزة سیّد الشهداء ، قتیل ذلک الیوم سلام الله علیه. (المؤلف)
6- فرائد السمطین : 1 / 252 ح 194 باب 48.

رسول الله ذا الفقار ، وأعطانی مِجْذَماً ، ثمَّ أعطانی بعد ذا الفقار ، ورآنی رسول الله وأنا أقاتل دونه یوم أُحد ، فقال :

لا سیفَ إلاّ ذو الفقار

ولا فتی إلاّ علی»

وفی تذکرة سبط ابن الجوزی (1) (ص 16) : ذکر أحمد فی الفضائل أیضاً أنَّهم سمعوا تکبیراً من السماء فی ذلک الیوم یوم خیبر وقائلاً یقول :

لا سیف إلاّ ذو الفقارِ

ولا فتی إلاّ علی

فاستأذن حسّان بن ثابت رسول الله صلی الله علیه وسلم أن ینشد شعراً ، فأذن له ، فقال :

جبریلُ نادی مُعلناً

والنقعُ لیس بمنجلی

إلی آخر الأبیات المذکورة.

ثمّ قال ما ملخّصه یقال : إنَّ الواقعة کانت یوم أُحد ، کما رواه أحمد بن حنبل عن ابن عبّاس ، وقیل : إنَّ ذلک کان یوم بدر ، والأصحّ أنّه کان فی یوم خیبر ، فلم یطعن فیه أحدٌ من العلماء. انتهی.

قال الأمینی : إنَّ الأحادیث تؤذننا بتعدّد الواقعة ، وأنَّ المنادی یوم أُحد کان جبریل کما مرَّ ، والمنادی یوم بدر ملَک یقال له رضوان. قد أجمع أئمّة الحدیث علی نقله ، کما قال الکنجی ، وأخرجه فی کفایته (2) (ص 144) من طریق أبی الغنائم ، وابن الجوزی ، والسلفی ، وابن الجوالیقی ، وابن أبی الوفاء البغدادی ، وابن الولید ، وابن أبی الفهم ، والمفتی عبد الکریم الموصلی ، ومحمد بن القاسم العدل ، والحافظ محمد بن محمود ، وابن أبی البدر ، والفقیه عبد الغنی بن أحمد ، وصدقة بن الحسین ، ویوسف

ب.

ص: 99


1- تذکرة الخواص : ص 26. وراجع فیه کلام مؤلفه بتفصیله.
2- کفایة الطالب : ص 277 - 280 باب 69. وأخرجه فیه بعدّة طرق أخری منها عن البیهقی عن النیسابوری فی المناقب.

ابن شروان المقری ، والصاحب أبی المعالی الدوامی ، وابن بطّة ، وشیخ الشیوخ عبد الرحمن بن عبد اللطیف ، وعلیّ بن محمد المقری ، وابن بکروس ، والحافظ [علیّ] بن المعالی ، وأبی عبد الله محمد بن عمر ، بأسانیدهم عن سعد بن طریف الحنظلی ، عن أبی جعفر محمد بن علیّ - الإمام الباقر - قال : «نادی ملَک من السماء یوم بدر یقال له رضوان :

لا سیف إلاَّ ذو الفقار

ولا فتی إلاّ علی»

ثمّ قال : قلت : أجمع أئمّة الحدیث علی نقل هذا الجزء کابراً عن کابر ، رزقناه عالیاً بحمد الله عن الجمّ الغفیر کما سقناه ، ورواه الحاکم مرفوعاً ، وأخرجه عنه البیهقی فی مناقبه ، أخبرنا بذلک الحافظ ابن النجّار ، أخبرنا المؤیَّد الطوسی - إلی آخر السند - عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله یوم بدر : «هذا رضوان ملک من ملائکة الله ینادی :

لا سیف إلاّ ذو الفقار

ولا فتی إلاّ علی»

وأخرجه محبّ الدین الطبری باللفظ المذکور فی ریاضه (1) (2 / 190) ، وذخائر العقبی (ص 74) ، والخوارزمی فی المناقب (2) (ص 101) حدیث جابر ، وفی کتاب صفّین لنصر بن مزاحم (3) (ص 257) وفی طبع مصر (ص 546) عن جابر بن نُمیر - الصحیح عُمیر - الأنصاری قال : سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول کثیراً :

لا سیف إلاّ ذو الفقار

ولا فتی إلاّ علی

ومن شعر حسّان : 8.

ص: 100


1- الریاض النضرة : 3 / 137.
2- المناقب : ص 167 ح 200.
3- وقعة صفّین : ص 478.

وإنْ مریمٌ أحصنت فرجها

وجاءت بعیسی کبدر الدجی

فقد أحصنت فاطمٌ بعدها

وجاءت بسبطَی نبیِّ الهدی (1)

یشیر إلی ما صحَّ عن النبیِّ الطاهر فی بضعته الصدّیقة فاطمة :

«إنَّ فاطمة أحصنت فرجها ، فحرّم الله ذریّتها علی النار».

أخرجه الحاکم فی المستدرک (2) (3 / 152) وقال : هذا حدیثٌ صحیح الإسناد. والخطیب فی تاریخه (3 / 54) ، ومحبّ الدین الطبری فی ذخائر العقبی (ص 48) عن تمّام فی فوائده (3) ، وصدر الحفّاظ الکنجیّ الشافعیّ فی الکفایة (4) (ص 222) بإسناده عن حذیفة بن الیمان ، قال : قال رسول الله : «إنَّ فاطمة أحصنت فرجهافحرَّمها الله وذریّتها علی النار».

وفی (ص 223) بسند آخر عن ابن مسعود بلفظ حذیفة. والسیوطی فی إحیاء المیت (ص 257) عن ابن مسعود من طریق البزّار وأبی یعلی والعقیلی والطبرانی (5) وابن شاهین ، وأخرجه فی جمع الجوامع (6) من طریق البزّار (7) والعقیلی والطبرانی والحاکم بلفظ حذیفة الیمانی.

وذکر المتّقی الهندی فی إکماله فی کنز العمّال (8) (6 / 219) من طریق الطبرانی بلفظ : «إنَّ فاطمة أحصنت فرجها ، وإنَّ الله أدخلها بإحصان فرجها وذریّتها الجنّة». 9.

ص: 101


1- ذکره ابن شهرآشوب السرَوی فی المناقب : 4 / 24 [3 / 409]. (المؤلف)
2- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 165 ح 4726.
3- الروض البسّام بترتیب وتخریج فوائد تمّام : 4 / 315 ح 1492 - 1494.
4- کفایة الطالب : ص 366 ، 367 باب 69.
5- المعجم الکبیر : 22 / 406 ح 1018.
6- جامع الأحادیث : 3 / 116 ح 76.
7- مسند البزّار (البحر الزخّار) : 5 / 223 ح 1829.
8- کنز العمّال : 12 / 111 ح 34239.

وابن حجر فی الصواعق (1) من طریق تمّام والبزّار والطبرانی وأبی نعیم باللفظ المذکور ، وقال : وفی روایة : «فحرّمها الله وذریّتها علی النار». ورواه فی (ص 112) من طریق البزّار وأبی یعلی والطبرانی والحاکم باللفظ الثانی. وذکره الشبلنجی فی نور الأبصار (2) (ص 45) باللفظین.

الشاعر

أبو الولید حسّان بن ثابت بن المنذر بن حرام بن عمرو بن زید مناة بن عدیّ ابن عمرو بن مالک بن النجّار - تیم الله - بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج بن حارثة بن ثعلبة العنقاء - سُمّی به لطول عنقه - ابن عمرو بن عامر بن ماء السماء بن حارثة الغطریف ابن امرئ القیس البطریق ابن ثعلبة البهلول ابن مازن بن الأزد بن الغوث ابن نبت بن مالک بن زید بن کهلان بن سبأ بن یشجب بن یعرب بن قحطان (3).

بیت حسّان أحد بیوتات الشعر ، عریق فی الأدب ونظم القریض ، قال المرزبانی فی معجم الشعراء (4) (ص 366) : قال دعبل والمبرّد : اعرق الناس کانوا فی الشعر آل حسّان ، فمنهم یُعدّون ستّة فی نسق کلّهم شاعر ، سعید بن عبد الرحمن بن حسّان بن ثابت بن المنذر بن حرام. انتهی.

وولده عبد الرحمن المذکور شاعر ، قلیل الحدیث ، تُوفّی (104) ، وفیه وفی والده حسّان ، قال شاعر :

فَمَنْ لِلقوافی بعد حسّان وابنِهِ

ومن للمثانی بعد زید بن ثابتِ

9.

ص: 102


1- الصواعق المحرقة : ص 160 ، 188.
2- نور الأبصار : ص 96.
3- کذا سرده أبو الفرج فی الأغانی : 4 / 3 [4 / 141]. (المؤلف)
4- معجم الشعراء : ص 269.

وأمّا المترجم نفسه فعن أبی عبیدة : أنَّ العرب قد اجتمعت علی أنَّ حسّان أشعر أهل المدن ، وأنَّه فضل الشعراء بثلاث : کان شاعر الأنصار ، وشاعر النبیِّ فی أیّامه صلی الله علیه وآله وسلم ، وشاعر الیمن کلّها فی الإسلام. قال له النبیُّ صلی الله علیه وآله وسلم : «ما بقی من لسانک؟» فأخرج لسانه حتی قرع بطرفه طرف ارنبته ثمَّ قال : والله إنّی لو وضعته علی صخر لفلقه ، أو علی شعر لحلقه ، وما یسرُّنی به مقول من معد (1). وکان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یضع له منبراً فی مسجده الشریف یقوم علیه قائماً ، ویفاخر عن رسول الله ، ویقول رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «إنَّ الله یؤیِّد حسّان بروح القدس ، ما نافحَ أو فاخر عن رسول الله» (2).

کانت الحالة علی هذا فی عهد النبیِّ صلی الله علیه وآله وسلم ولمّا توفّی صلی الله علیه وآله وسلم مرّ عمر علی حسّان وهو ینشد فی المسجد فانتهره (3) ، فقال : أفی مسجد رسول الله تنشد؟ فقال : کنت أُنشد وفیه من هو خیرٌ منک. ثمَّ التفت إلی أبی هریرة ، فقال : سمعتَ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول : «أجب عنّی ، اللهمَّ أیِّده بروح القدس»؟ قال : نعم.

قال أبو عبد الله الآبیُّ المالکیُّ فی شرح صحیح مسلم (ص 317) : وهذا یدلُّ علی أنَّ عمر رضی الله عنه کان یکره إنشاد الشعر فی المسجد ، وکان قد بنی رحبةً خارجه وقال : من أراد أن یلغط أو ینشد شعراً ، فلیخرج إلی هذه الرحبة.

کلُّ ذلک علی خلاف ما کان علیه النبیُّ صلی الله علیه وآله وسلم ، وفی وقته أفحمه حسّان بما ذکر من قوله ، لکن لا رأی لمن لا یُطاع ، وقبل حسّان نهاه النبی صلی الله علیه وآله وسلم عن فکرته هذه ، ف)

ص: 103


1- البیان والتبیین للجاحظ : 1 / 68 و 150 [1 / 73 و 153]. (المؤلف)
2- مستدرک الحاکم : 3 / 287 [3 / 555 ح 6058] بإسناد صحّحه هو والذهبی. (المؤلف)
3- کذا فی لفظ ابن عبد البرّ فی الاستیعاب [القسم الأول / 345 رقم 507] ، وابن عساکر فی تاریخه : 4 / 126 [4 / 357 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 6 / 290] ، وفی لفظ مسلم فی الصحیح : 2 / 384 [5 / 86 ح 151 کتاب فضائل الصحابة] : فلحظ إلیه. وفی لفظ لأحمد فی مسنده : 5 / 222 [6 / 292 ح 21431] فقال : مه. (المؤلف)

وفهّمه بما هناک من الغایة الدینیّة المتوخّاة حین تعرّض لعبد الله بن رواحة ، لمّا کان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یطوف البیت علی بعیر ، وعبد الله آخذٌ بغرزه وهو یقول :

خلّوا بنی الکفّارِ عن سبیلهِ

خلّوا فکلُّ الخیر مع رسولهِ

نحن ضربناکمْ علی تنزیلهِ

ضرباً یُزیلُ الهامَ عن مقیلهِ

ویُذهلُ الخلیلَ عن خلیلهِ

یا ربِّ إنی مؤمنٌ بقیلهِ

فقال له عمر : أو هاهنا یا ابن رواحة أیضاً؟ فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «أو ما تعلمن ، أولا تسمع ما قال؟!».

وفی روایة أبی یعلی أنَّ النبیَّ قال : «خلِّ عنه یا عمر ، فو الذی نفسی بیده لکلامه أشدُّ علیهم من وقع النبل» (1).

وکان حسّان من المعروفین بالجبن ، ذکره ابن الأثیر فی أُسد الغابة (2) (2 / 6) وقال : کان من أجبن الناس. وعدّه الوطواط فی غرر الخصائص (3) (ص 355) من الجبناء وقال : ذکر ابن قتیبة فی کتاب المعارف (4) : أنّه لم یشهد مع رسول الله صلی الله علیه وسلم مشهداً قطُّ. قالت صفیّة بنت عبد المطّلب عمّة رسول الله : کان معنا حسّان فی حصن فارغ یوم الخندق مع النساء والصبیان ، فمرَّ بنا فی الحصن رجلٌ یهودیّ ، فجعل یطوف بالحصن - وقد حاربت بنو قریظة وقطعت ما بینها وبین رسول الله ، ولیس بیننا وبینهم أحدٌ یدفع عنّا ، ورسول الله والمسلمون فی نحور عدوِّهم لا یستطیعون أن ینصرفوا إلینا إن أتانا آتٍ. قالت : فقلت : یا حسّان أنا والله لا آمن أن یدلَّ علینا هذا الیهودیُّ أصحابه ، ورسول الله صلی الله علیه وسلم قد شغل عنّا ، فانزل إلیه واقتله. قال : یغفر الله لکِ (یا بنت عبد المطّلب) ما أنا بصاحب شجاعة.

2.

ص: 104


1- تاریخ ابن عساکر : 7 / 391 [9 / 207 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 12 / 154]. (المؤلف)
2- أُسد الغابة : 2 / 7 رقم 1153.
3- غرر الخصائص : ص 358.
4- المعارف : ص 312.

قالت : فلمّا قال لی ذلک ولم أر عنده شیئاً ، اعتجرت (1) ، ثمَّ أخذت عموداً ونزلت إلیه فضربته بالعمود حتی قتلته ، ثمّ رجعت إلی الحصن ، وقلت : یا حسّان انزل إلیه واسلبه ، فإنَّه لم یمنعنی من سلبه إلاّ أنَّه رجل.

فقال : مالی بسلبه من حاجة (یا بنت عبد المطّلب) (2) ، وکأن حسّان اقتدی فی فعله بهذا الشاعر فی قوله :

باتت تشجّعنی هندٌ وما علمتْ

أنَّ الشجاعةَ مقرونٌ بها العَطَبُ

لا والذی منعَ الأبصارَ رؤیتَهُ

ما یشتهی الموتَ عندی من له إربُ

للحربِ قومٌ أضلَّ اللهُ سعیهمُ

إذا دعتهمْ إلی نیرانها وثبوا

ولستُ منهمْ ولا أبغی فعالَهُمُ

لا القتلُ یعجبنی منهمْ ولا السلَبُ

قال الأمینی : هذا ما نقله الوطواط عن المعارف لابن قتیبة ، لکن أسفی علی مطابع مصر وعلی ید الطبع الأمینة فیها ، فإنّها تحرِّف الکلم عن مواضعها ، فأسقطت هذه القصّة عن المعارف کما حرّفت عنه غیرها.

ولد المترجَم قبل مولد النبیِّ القدسیِّ صلی الله علیه وآله وسلم بثمان سنین ، وعاش عند الجمهور مائة وعشرین سنة ، وقال ابن الأثیر : لم یختلفوا فی عمره. وفی المستدرک (3) (3 / 486) ، وأُسد الغابة (4) (2 / 7) : أربعة تناسلوا من صلب واحد ، عاش 3.

ص: 105


1- أی لبست المعجر. وفی سیرة ابن هشام : احتجزت. یقال : احتجزت المرأة أی شدّت وسطها. (المؤلف)
2- وإلی هنا ذکره ابن هشام فی سیرته : 3 / 246 [3 / 239] ، وابن عساکر فی تاریخه : 4 / 140 [4 / 384 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 6 / 303] ، وابن الاثیر فی أُسد الغابة : 2 / 6 [2 / 7 رقم 1153] ، والعبّاسی فی المعاهد : 1 / 74 [1 / 214 رقم 39] ، والجمل التی جعلناها بین القوسین من لفظ ابن هشام. (المؤلف)
3- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 554 ح 6057.
4- أُسد الغابة : 2 / 7 رقم 1153.

کلٌّ منهم مائة وعشرین سنة ، وهم : حسان بن ثابت بن المنذر بن حرام.

یُکنّی بأبی الولید ، وأبی المضرب ، وأبی حسام ، وأبی عبد الرحمن ، والأوّل أشهر ، وکان یقال له : الحسام. وذلک لکثرة دفاعه عن حامیة الإسلام المقدَّس بشعره.

وروی الحاکم (1) عن مصعب [بن عبد الله الزبیری] (2) أنَّه قال : عاش حسّان ستّین فی الجاهلیّة وستّین فی الإسلام ، وذهب بصره وتُوفّیَ علی قول سنة (55) (3) أعمی البصر والبصیرة ، کما نصَّ علیه الصحابیُّ الکبیر سیِّد الخزرج قیس بن سعد بن عبادة ، لمّا عزله أمیر المؤمنین علیه السلام من ولایة مصر ، ورجع إلی المدینة ، فإنَّه حینما قدمها جاءه حسّان شامتاً به ، وکان عثمانیّا بعد ما کان علویّا ، فقال له : نزعک علیُّ بن أبی طالب وقد قتلت عثمان ، فبقی علیک الإثم ولم یحسن لک الشکر. فزجره قیسٌ ، وقال : یا أعمی القلب وأعمی البصر ، والله لو لا أن أُلقی بین رهطی ورهطک حرباً لضربت عنقک ، ثمَّ أخرجه من عنده (4). ف)

ص: 106


1- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 553 ح 6054.
2- ما بین المعقوفین أثبتناه من المستدرک.
3- هذا أحد القولین فی المستدرک : وقد کثر الخلاف فی وفاته ، وصحّح ابن کثیر فی تاریخه [8 / 51] : سنة (54). (المؤلف)
4- تاریخ الطبری : 5 / 231 [4 / 555 حوادث سنة 36 ه] ، شرح النهج لابن أبی الحدید : 2 / 25 [6 / 64 خطبة 66]. (المؤلف)

3 - قیس الأنصاری

اشارة

قلتُ لمّا بغی العدوُّ علینا

حسبُنا ربُّنا ونِعْمَ الوکیلُ

حسبُنا ربُّنا الذی فتحَ البص

رةَ بالأمسِ والحدیثُ طویلُ

ویقول فیها :

وعلیٌّ إمامنا وإمامٌ

لسوانا أتی به التنزیلُ

یومَ قال النبیُّ من کنتُ مولا

هُ فهذا مولاهُ خطبٌ جلیلُ

إنَّ ما قاله النبیُّ علی الأمّةِ

حتمٌ ما فیه قالٌ وقیلُ

*ما یتبع الشعر

هذه الأبیات أنشدها الصحابیُّ العظیم سیِّد الخزرج قیس بن سعد بن عبادة بین یدی أمیر المؤمنین علیه السلام بصفّین ، رواها شیخنا المفید معلّمُ الأمّة المتوفّی (413) فی الفصول المختارة (1) (2 / 87) ، وقال بعد ذکرها : إنَّ هذه الأشعار مع تضمّنها الاعتراف بإمامة أمیر المؤمنین ، فهی دلائل علی ثبوت سلف الشیعة وإبطال عناد المعتزلة فی إنکارهم ذلک.

وذکرها فی رسالته فی معنی المولی (2) ، وقال فیها : قصیدة قیس التی لا یشکُ 0.

ص: 107


1- الفصول المختارة : ص 236.
2- رسالة فی معنی المولی ، المطبوع ضمن مصنّفات الشیخ المفید : 8 / 20.

أحدٌ من أهل النقل فیها ، والعلم بها من قوله کالعلم بنصرته لأمیر المؤمنین وحربه أهل البصرة وصفّین معه ، وهی التی أوّلها :

قلتُ لمّا بغی العدوُّ علینا

حسبُنا ربُّنا ونعمَ الوکیلُ

فشهد هکذا شهادةً قطعیّةً بإمامة أمیر المؤمنین علیه السلام من جهة خبر یوم الغدیر ، صرّح بأنَّ القول فیه یوجب رئاسته علی الکلِّ ، وإمامته علیهم.

ورواها سیِّدنا الشریف الرضیُّ المتوفّی (406) فی خصائص الأئمّة (1) ، وقال : اتّفق حملة الأخبار علی نقل شعر قیس وهو ینشده بین یدی أمیر المؤمنین علیه السلام بعد رجوعهم من البصرة ، فی قصیدته التی أوّلها :

قلتُ لمّا بغی العدوُّ علینا

حسبُنا ربُّنا ونعمَ الوکیلُ

وهذان الشاعران - قیس وحسّان - صحابیّان ، شهدا بالإمامة لأمیر المؤمنین ، شهادة من حضر المشهد ، وعرف المصدر والمورد.

وأخرجها العَلَم الحجّة الشیخ عبید الله السدابادی فی المقنع (2) - الموجود عندنا - فقال : قالوا : ومن الدلیل علی أنّ أمیر المؤمنین هو الإمام المنصوص علیه ، قول قیس ابن سعد بن عبادة ، وهذا من خیار الصحابة یشهد له بالإمامة ، وأنَّه منصوصٌ علیه ، وأنَّه خولف ، وقال الکمیت بن زید یصدِّق قول قیس بن سعد وحسّان بن ثابت ... ورواها العلاّمة الکراجکی المتوفّی (449) فی کنز الفوائد (3) (ص 234) فقال : إنَّه ممّا حُفظ عن قیس بن سعد بن عبادة ، وإنَّه کان یقوله بین یدی أمیر المؤمنین علیه السلام بصفّین ومعه الرایة. 8.

ص: 108


1- خصائص الأئمّة : ص 42 ، خصائص أمیر المؤمنین : ص 7.
2- المقنع فی الإمامة : ص 133 - 136.
3- کنز الفوائد : 2 / 98.

وأخرجها أبو المظفَّر سبط ابن الجوزی الحنفیُّ المتوفّی (654) فی التذکرة (1) (ص 20) فقال : إنَّ قیساً أنشدها بین یدی علیٍّ بصفّین.

ورواها (2) سیِّدنا هبة الله الموسوی فی المجموع الرائق - الموجود عندنا - والمفسِّر الکبیر الشیخ أبو الفتوح الرازی فی تفسیره (2 / 193) ، وشیخ السرَویّ الآتی شیخنا الشهید الفتّال فی روضة الواعظین (ص 90) ، وسیِّدنا القاضی نور الله المرعشیّ الشهید (1019) فی مجالس المؤمنین (ص 101) ، والعلاّمة المجلسی المتوفّی (1111) فی البحار (9 / 245) ، والسیِّد علیّ خان المتوفّی (1120) فی الدرجات الرفیعة - الموجود عندنا - فی ذکر وقعة صفّین ، وشیخنا صاحب الحدائق البحرانی المتوفّی (1186) فی کشکوله (2 / 318). وجمع آخر من متأخِّری أعلام الطائفة.

*الشاعر

أبو القاسم - وقیل : أبو الفضل (3) - قیس بن سعد بن عبادة بن دلیم (4) بن حارثة بن أبی حزیمة - بالحاء المهملة المفتوحة - (5) بن ثعلبة بن ظریف بن الخزرج بن ساعدة بن کعب بن الخزرج الأکبر (6) بن حارثة بن ثعلبة. إلی آخر النسب المذکور (ص 62).

أمّه فکیهة بنت عبید بن دلیم بن حارثة. ف)

ص: 109


1- تذکرة الخواص : ص 33.
2- المجموع الرائق : ص 217 ، تفسیر أبی الفتوح الرازی : 4 / 279 ، روضة الواعظین : ص 103 ، مجالس المؤمنین : 1 / 238 ، بحار الأنوار : 37 / 150 ، الدرجات الرفیعة : ص 345.
3- وقیل : أبو عبد الله. وقیل : أبو عبد الملک. (المؤلف)
4- فی تهذیب التهذیب [8 / 353 رقم 702] : دلیهم. (المؤلف)
5- وقیل : حارثة بن خزیم بن أبی خُزیمة - بالمعجمة المضمومة - تاریخ الخطیب : 1 / 177 [رقم 17]. (المؤلف)
6- هنا یتّحد المترجم مع حسّان فی النسب. (المؤلف)

هو ذلک الصحابیّ العظیم ، کان یُعدُّ من أشراف العرب ، وأُمرائها ، ودهاتها ، وفرسانها ، وأجوادها ، وخطبائها ، وزهّادها ، وفضلائها ، ومن عمد الدین ، وأرکان المذهب.

أمّا شرفه :

فکان هو سیِّد الخزرج وابن سادتها ، وقد حاز بیته الشرف والمجد جاهلیّةً وإسلاماً ، قال سلیم بن قیس الهلالی فی کتابه (1) : إنَّ قیس بن سعد کان سیِّد الأنصار وابن سیِّدها.

وفی کامل المبرّد (2) (1 / 309) : کان شجاعاً جواداً سیِّداً. وقال أبو عمرو الکشّی فی رجاله (3) (ص 73) : لم یزل قیس سیِّداً فی الجاهلیّة والإسلام ، وأبوه وجدُّه وجدُّ جدِّه لم یزل فیهم الشرف ، وکان سعد یُجیر فیُجار وذلک له لسؤدده ، ولم یزل هو وأبوه أصحاب إطعام فی الجاهلیّة والإسلام ، وقیس ابنه بعده علی مثل ذلک.

وفی الاستیعاب (4) (2 / 538) : کان قیس شریف قومه غیر مدافع هو وأبوه وجدُّه. وفی أُسد الغابة (5) (4 / 215) : کان شریف قومه غیر مدافع ، ومن بیت سیادتهم. وقال ابن کثیر فی تاریخه (6) (8 / 99) : کان سیِّداً مطاعاً ، کریماً ، ممدّحاً ، شجاعاً.

وقال المترجَم له فی أبیات له : .

ص: 110


1- کتاب سلیم بن قیس : ص 2 / 778 ح 26.
2- الکامل فی اللغة والأدب : 1 / 419.
3- رجال الکشّی : 1 / 327 رقم 177.
4- الاستیعاب : القسم الثالث / 1289 رقم 2134.
5- أُسد الغابة : 4 / 425 رقم 4348.
6- البدایة والنهایة : 8 / 107 حوادث سنة 59 ه.

وإنّی من القومِ الیمانینَ سیِّدٌ

وما الناسُ إلاّ سیِّدٌ ومَسُودُ

وَبزَّ جمیعَ الناسِ أصلی ومنصبی

وجسمٌ به أعلو الرجالَ مدیدُ

وکان والده أحد النقباء الاثنی عشر الذین ضمنوا لرسول الله صلی الله علیه وسلم إسلام قومهم. والنقیب : الضمین. راجع تاریخ ابن عساکر (1) (1 / 86).

وأمّا إمارته :

ففی العهد النبویِّ کان من النبیِّ صلی الله علیه وآله وسلم بمنزلة صاحب الشرطة من الأمیر ، یلی ما یلی من أموره (2). وکان حامل رایة الأنصار مع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی بعض الغزوات ، واستعمله علی الصدقة ، وکان من ذوی الرأی من الناس (3) ، وبعده ولاّه أمیر المؤمنین علیه السلام مصر ، وکان أمیرها الطاهر.

کان قیس من شیعة علیٍّ علیه السلام ومناصحیه ، بعثه علیٌّ أمیراً علی مصر فی صفر (سنة 36) ، وقال له : «سر إلی مصر فقد ولَّیتُکَها ، واخرج إلی ظاهر المدینة ، واجمع إلیک ثقاتک ومن أحببت أن یصحبک ، حتی تأتی مصر ومعک جند ، فإنَّ ذلک أرعب لعدوِّک ، وأعزُّ لولیِّک ، فإذا أنت قدمتها إن شاء الله فأحسن إلی المحسن ، واشدد علی المریب ، وارفق بالعامّة والخاصّة ، فإنَّ الرفق یُمْنٌ».

فقال قیس : رحمک الله یا أمیر المؤمنین ، قد فهمتُ ما ذکرتَ ، فأمّا الجند فإنّی أدَعُهُ لک ، فإذا احتجتَ إلیهم کانوا قریباً منک ، وإن أردتَ بعثتهم إلی وجه من ف)

ص: 111


1- تاریخ مدینة دمشق : 7 / 112 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 9 / 236 ، 238.
2- صحیح الترمذی : 2 / 317 [5 / 648 ح 3850] ، سنن البیهقی : 8 / 155 ، مصابیح البغوی : 2 / 51 [3 / 13 ح 2783] ، الاستیعاب : 2 / 538 [القسم الثالث / 1289 رقم 2134] ، أُسد الغابة : 4 / 215 [4 / 425 رقم 4348] ، الإصابة : 5 / 354 [3 / 249 رقم 7177] ، تهذیب التهذیب : 6 / 394 [8 / 353 رقم 702] ، مجمع الزوائد : 9 / 345. (المؤلف)
3- تاریخ ابن عساکر [14 / 452 ، 459 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 21 / 102] ، تاریخ ابن کثیر : 8 / 99 [8 / 107 حوادث سنة 59 ه]. (المؤلف)

وجوهک کان لک عدّة ، ولکنّی أسیر إلی مصر بنفسی وأهل بیتی ، وأمّا ما أوصیتنی به من الرفق والإحسان ، فالله تعالی هو المستعان علی ذلک.

فخرج قیس فی سبعة نفر من أهله ، حتی دخل مصر مستهل ربیع الأوّل ، فصعد المنبر فجلس علیه خطیباً ، فحمد الله وأثنی علیه ، وقال : الحمد للهِ الذی جاء بالحقِّ ، وأمات الباطل ، وکبت الظالمین. أیّها الناس ، إنّا بایعنا خیر من نعلم بعد نبیِّنا محمد صلی الله علیه وآله وسلم ، فقوموا فبایعوا علی کتاب الله وسنّة رسوله ، فإن نحن لم نعمل لکم بذلک فلا بیعة لنا علیکم.

فقام الناس فبایعوا واستقامت مصر وأعمالها لقیس ، وبعث علیها عمّاله ، إلاّ أنَّ قریةً منها یقال لها : خربتا (1) قد أعظم أهلها قتل عثمان ، وبها رجل من بنی کنانة یقال له : یزید بن الحارث ، فبعث إلی قیس : إنّا لا نأتیک ، فابعث عمّالک ، فالأرض أرضک ، ولکن أقرّنا علی حالنا حتی ننظر إلی ما یصیر أمر الناس.

ووثب محمد بن مسلمة بن مخلّد بن صامت الأنصاری ، فنعی عثمان ودعا إلی الطلب بدمه ، فأرسل إلیه قیس : ویحک أعلیَّ تثب؟ والله ما أحبُّ أنَّ لی ملک الشام ومصر وأنَّی قتلتک! فَاحْقِنْ دَمَکَ. فأرسل إلیه مسلمة : إنّی کافٌّ عنک ما دمت أنت والی مصر. وکان قیس له حزمٌ ورأیٌ (2).

خرج أمیر المؤمنین علیه السلام إلی الجمل وقیس علی مصر ، ورجع من البصرة إلی الکوفة وهو بمکانه ، وولیها أربعة أشهر وخمسة أیّام ، دخلها کما مرَّ فی مستهلِّ ربیع الأوّل ، وصرف منها لخمس خلون من رجب ، کما فی الخطط للمقریزی (3) ، فما فی 6.

ص: 112


1- بفتح الخاء وکسرها وکسر الراء المهملة ثمّ الموحَّدة الساکنة. (المؤلف)
2- تاریخ الطبری : 5 / 227 [4 / 549 550 حوادث سنة 36 ه] ، کامل ابن الأثیر : 3 / 106 [2 / 354 حوادث سنة 36 ه] ، شرح ابن أبی الحدید : 2 / 23 [6 / 59 خطبة 67] نقلاً عن کتاب الغارات لإبراهیم بن محمد الثقفی [ص 127 - 130]. (المؤلف)
3- الخطط والآثار : 2 / 336.

الاستیعاب (1) وغیره : أنَّه شهد الجمل الواقع فی جمادی الآخرة سنة (36) فی غیر محلّه. نعم ؛ یظهر من التاریخ شهوده (2) فی مقدِّمات الجمل.

وولاّه علیٌّ أمیر المؤمنین آذربیجان کما فی تاریخ الیعقوبی (3) (2 / 178) ، وکتب إلیه وهو علیها :

أمّا بعد : فأقبل علی خراجک بالحقّ ، وأحسن إلی جندک بالإنصاف ، وعلّم من قِبلک ممّا علّمک الله ، ثمَّ إنَّ عبد الله بن شبیل الأحمسی سألنی الکتاب إلیک فیه بوصایتک به خیراً ، فقد رأیته وادعاً متواضعاً ، فألن حجابک ، وافتح بابک ، واعمد إلی الحقِّ ، فإنَّ من وافق الحقَّ ما یحبو أسرّه ، (وَلا تَتَّبِعِ الْهَوی فَیُضِلَّکَ عَنْ سَبِیلِ اللهِ إِنَّ الَّذِینَ یَضِلُّونَ عَنْ سَبِیلِ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِیدٌ بِما نَسُوا یَوْمَ الْحِسابِ) (4).

قال غیاث : وَلمّا أجمع علیٌّ علی القتال لمعاویة ، کتب أیضاً إلی قیس :

«أمّا بعد : فاستعمل عبد الله بن شبیل الأحمسی خلیفةً لک وأقبل إلیّ ؛ فإنَّ المسلمین قد أجمع ملَؤهم وانقادت جماعتهم ، فعجِّل الإقبال ، فأنا سأحضرَنّ إلی المحلّین عند غرّة الهلال إن شاء الله ، وما تأخّری إلاّ لک ، قضی الله لنا ولک بالإحسان فی أمرنا کلِّه».

وروی الطبری فی تاریخه (5) (6 / 91) ، وابن کثیر فی تاریخه (6) (8 / 14) عن الزهری ، أنَّه قال : جعل علیٌّ علیه السلام قیس بن سعد علی مقدِّمته من أهل العراق إلی قِبل آذربیجان وعلی أرضها ، وشرطة الخمیس التی ابتدعتها العرب وکانوا أربعین ألفاً

.

ص: 113


1- الاستیعاب : القسم الثالث / 1290 رقم 2134.
2- الظاهر أنَّه قدس سره ضمّن (شهد) معنی (حضر) فعدّاه ب (فی).
3- تاریخ الیعقوبی : 2 / 202.
4- سورة ص : 26.
5- تاریخ الأُمم والملوک : 5 / 158 حوادث سنة 40 ه.
6- البدایة والنهایة : 8 / 16 حوادث سنة 40 ه.

بایعوا علیّا علیه السلام علی الموت ، ولم یزل قیس یُداری ذلک البعث حتی قُتل علیٌّ علیه السلام واستخلف أهل العراق الحسن بن علیّ علیهما السلام علی الخلافة.

حدیث دهائه :

یجد القارئ شواهد قویَّة علی ذلک من مواقفه العظیمة فی المغازی ، ونظراته العمیقة فی الحروب ، وآرائه المتَّبعة فی مهمّات القضایا ، وأفکاره العالیة فی إمارته ، وإعظام الإمام أمیر المؤمنین محلّه من الدهاء ، وإکباره رأیه فی حکومته ، فإنَّه لَمّا قدم قیس من ولایة مصر علی علیٍّ ، وأخبره الخبر الجاری بینه وبین رجال مصر ومعاویة ، علم أنَّه کان یقاسی أموراً عظاماً من المکایدة ، فعظم محلّ قیس عنده ، وأطاعه فی الأمر کلّه. تاریخ الطبری (1) (5 / 231).

فعندها تجد سیِّد الخزرج قیساً فی الطبقة العلیا من أصحاب الرأی ، ومن مقدِّمی رجالات النُّهی والحجا ، وتشاهد هناک آیات عقله المطبوع والمکتسب ، وتعدُّه أعظم دهاة العرب حین ثارت الفتن ، وسعرت نار الحرب ، إن لم نقل : أعظم دهاة العالم ، ونری له التقدُّم فی الفضیلة علی الخمسة (2) الذین عدّوه منهم ، وأولاهم بالعقلیّة الناضجة ، وتجد دون محلّه الشامخ ما فی الاستیعاب (3) (2 / 538) وغیره (4) من أنَّه أحد الفضلاء الجلّة من دهاة العرب ، من أهل الرأی والمکیدة فی الحرب ، مع النجدة والسخاء والشجاعة. ف)

ص: 114


1- تاریخ الأُمم والملوک : 4 / 555 حوادث سنة 36 ه.
2- هم : معاویة ، عمرو بن العاص ، قیس بن سعد ، المغیرة بن شعبة ، عبد الله بن بُدیل. راجع تاریخ الطبری : 6 / 94 [5 / 164 حوادث سنة 41 ه] ، کامل ابن الأثیر : 3 / 143 [2 / 448 حوادث سنة 41 ه] ، أُسد الغابة : 4 / 215 [4 / 425 رقم 4348]. (المؤلف)
3- الاستیعاب : القسم الثالث / 1289 رقم 2134.
4- أُسد الغابة : 4 / 215 [4 / 425 رقم 4348] ، الإصابة : 3 / 249 [رقم 7177] ، تهذیب التهذیب : 8 / 395 [8 / 354 رقم 702] ، السیرة الحلبیّة : 3 / 93 [3 / 82]. (المؤلف)

قال الحلبی فی سیرته : من وقف علی ما وقع بینه وبین معاویة لرأی العجب من وفور عقله.

وقال ابن کثیر فی البدایة (1) (8 / 99) : ولاّه علیٌّ نیابةَ مصر وکان یقاوم بدهائه وخدیعته وسیاسته لمعاویة وعمرو بن العاص.

وکان الإمام السبط الحسن یوصی أمیر عسکره عبد الله بن العبّاس وهو أمیر اثنی عشر ألفاً من فرسان العرب ، وقرّاء مصر ، بمشاورة قیس بن سعد والمراجعة إلیه فی مهامِّ الحرب مع معاویة ، والأخذ برأیه فی سیاسة الجیش ، کما یأتی حدیثه.

وکان ثقیلاً جدّا علی معاویة وأصحابه ، ولمّا قدم قیس إلی المدینة من مصر ، أخافه مروان والأسود بن أبی البختری ، فظهر قیس إلی علیٍّ علیه السلام فکتب معاویة إلی مروان والأسود یتغیّظ علیهما ، ویقول : أمددتما علیّا بقیس بن سعد ورأیه ومکایدته ، فو الله لو أنَّکما أمددتماه بمائة ألف مقاتل ، ما کان ذلک بأغیظ إلیَّ من إخراجکما قیس ابن سعد إلی علیّ. تاریخ الطبری (2) (6 / 53).

وعالج معاویة قلوب أصحابه ، وأمّنهم من ناحیة قیس ، بافتعال کتاب علیه وقراءته علی أهل الشام ، کما یأتی تفصیله.

وکان قیس یری نفسه فی المکیدة والدهاء فوق الکلّ وأولی الجمیع ، ویقول : لو لا أنِّی سمعت رسول الله صلی الله علیه وسلم یقول : «المکر والخدیعة فی النار» لکنت من أمکر هذه الأمّة (3) ، ویقول : لو لا الإسلام لمکرت مکراً لا تطیقه العرب (4). ف)

ص: 115


1- البدایة والنهایة : 8 / 107 حوادث سنة 59 ه.
2- تاریخ الأُمم والملوک : 5 / 94 حوادث سنة 38 ه.
3- أُسد الغابة : 4 / 215 [4 / 426 رقم 4348] ، تاریخ ابن کثیر : 8 / 101 [8 / 109 حوادث سنة 59 ه]. (المؤلف)
4- الدرجات الرفیعة [ص 335] ، الإصابة : 3 / 249 [رقم 7177]. (المؤلف)

فشهرته بالدهاء مع تقیّده المعروف بالدین ، وکلاءته حمی الشریعة ، والتزامه البالغ فی إعمال الرأی بما یوافق رضا مولاه سبحانه ، وکفِّه نفسه عمّا یخالف ربّه ، تثبت له الأولویّة والتقدّم والبروز بین دهاة العرب ، ولا یعادله من الدهاة الخمسة المشهورین أحدٌ إلاّ عبد الله بن بُدیل وذلک لاشتراکهما فی المبدأ ، والتزامهما بالدین الحنیف ، والکفِّ عن الهوی ، والوقوف عند مُضلاّت الفتن.

وکلامه لمالک الأشتر - مالک وما مالک؟! - ینمّ عن غزارة عقله ، وحسن تدبیره ، واستقامة رأیه ، وقوّة إیمانه ، وهو من غُرر الکَلِم ، ودُرر الحِکَم ، رواه شیخ الطائفة فی أمالیه (1) (ص 86) فی حدیث طویل فقال : قال الأشتر لعلیٍّ علیه السلام : دعنی یا أمیر المؤمنین أوقع بهؤلاء الذین یتخلّفون عنک. فقال له : «کفَّ عنّی».

فانصرف الأشتر وهو مغضب! ثمّ إنَّ قیس بن سعد لقی مالکاً فی نفر من المهاجرین والأنصار ، فقال : یا مالک کلّما ضاق صدرک بشیء أخرجته ، وکلّما استبطأت أمراً استعجلته ، إنَّ أدب الصبر التسلیم ، وأدب العجلة الأناة ، وإنَّ شرّ القول ما ضاهی العیب ، وشرّ الرأی ما ضاهی التهمة ، فإذا ابتلیت فاسأل ، وإذا أُمرت فأطع ، ولا تسأل قبل البلاء ، ولا تکلّف قبل أن ینزل الأمر ، فإنَّ فی أنفسنا ما فی نفسک ، فلا تشقَّ علی صاحبک.

ولمّا بویع أمیر المؤمنین بلغه أنّ معاویة قد وقف من إظهار البیعة له ، وقال : إن أقرّنی علی الشام وأعمالی التی ولاّنیها عثمان بایعته. فجاء المغیرة إلی أمیر المؤمنین فقال له : یا أمیر المؤمنین إنَّ معاویة من قد عرفت ، وقد ولاّه الشام من کان قبلک ، فولّه أنت کیما تتّسق عُری الأمور ، ثمّ اعزله إن بدا لک.

فقال أمیر المؤمنین : «أتضمن لی عمری یا مغیرة فیما بین تولیته إلی خلعه؟». قال : لا. قال : «لا یسألنی الله عزّ وجلّ عن تولیته علی رجلین من المسلمین لیلة 8.

ص: 116


1- أمالی الطوسی : ص 717 ح 1518.

سوداء أبداً ، (وَما کُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّینَ عَضُداً) (1) ، لکن أبعث إلیه وأدعوه إلی ما فی یدی من الحقِّ ، فإن أجاب فرجلٌ من المسلمین ، له مالهم ، وعلیه ما علیهم ، وإن أبی حاکمته إلی الله». فولّی المغیرة وهو یقول : فحاکمه إذاً ، فحاکمه إذاً ، وأنشأ یقول :

نصحتُ علیّا فی ابن حربٍ نصیحةً

فردَّ فما منّی لهُ الدَهرَ ثانیهْ

ولم یقبلِ النصحَ الذی جئتهُ بهِ

وکانت له تلک النصیحةُ کافیهْ

وقالوا له ما أخلصَ النُّصحَ کلّهُ

فقلت له إنَّ النصیحة غالیهْ

فقام قیس بن سعد فقال : یا أمیر المؤمنین إنَّ المغیرة أشار علیک بأمر لم یُرد الله به ، فقدّمَ فیه رِجلاً وأَخّر فیه أخری ؛ فإن کان لک الغلبة تقرَّب إلیک بالنصیحة ، وإن کانت لمعاویة تقرَّب إلیه بالمشورة. ثمّ أنشأ یقول :

یکاد ومن أرسی ثبیراً مکانَهُ

مُغیرةُ أن یقوی علیک معاویهْ

وکنتَ بحمدِ اللهِ فینا موفَّقاً

وتلک التی أرآکها غیر کافیهْ

فسبحانَ من علاّ السماء مکانَها

وأرضاً دحاها فاستقرّت کما هیهْ

فکان هو صاحب الرأی الوحید بعین الإمام الطاهر ، تجاه تلک الآراء التعسة الفارغة عن النزعات الروحیّة ، فی کلِّ مَنحسة ومَتعسة ، بین حاذف وقاذف (2).

فروسیّته :

إنَّ الباحث لا یقف علی ایّ معجم یُذکر فیه قیس إلاّ ویجد فی طیِّه جمل الثناء متواصلة علی حماسته وشجاعته ، ویقرأ له دروساً وافیة حول فروسیّته ، وبأسه فی الحروب ، وشدّته فی المواقف الهائلة ، فما عسانی أن أکتب عن فارس سجّل له التاریخ ف)

ص: 117


1- الکهف : 51.
2- مثل یضرب لمن هو بین شرّین : الحاذف بالعصا ، والقاذف بالحصی. (المؤلف)

أنّه کان سیّاف النبیِّ الأعظم ، وأشدّ الناس فی زمانه بعد أمیر المؤمنین؟ (1)

وما عسانی أن أقول فی باسلٍ کان أثقل خلق الله علی معاویة ، جبّن أصحابه الشجاع والجبان ، وکان أشدَّ علیه من جیش عرام ، وکتائب تحشد مائة ألف مقاتل؟ وکان یوم صفّین یقول : والله إنَّ قیساً یرید أن یفنینا غداً إن لم یحبسه عنّا حابس الفیل (2)

تُعرب عن هذه الناحیة مواقفه فی العهدین : النبویِّ والعلویِّ.

أمّا مواقفه علی العهد النبویِّ فتجد نبأها العظیم فی صحائف بدر ، وفتح [مکة] ، وحُنین ، وأُحد ، وخیبر ، والنضیر ، والأحزاب ، وهو یعدُّ مواقفه هذه کلّها فی شعره ، ویقول :

إنَّنا إنَّنا الذین إذا الفتحَ

شهدنا وخیبراً وحُنینا

بعد بدرٍ وتلک قاصمةُ الظهرِ

وأُحدٍ وبالنضیرِ ثَنَیْنَا

وقال سیِّدنا صاحب الدرجات الرفیعة (3) : إنَّه شهد مع النبیِّ المشاهد کلّها ، وکان حامل رایة الأنصار مع رسول الله ، أخذ النبی صلی الله علیه وآله وسلم یوم الفتح الرایة من أبیه سعد ودفعها إلیه. وقال الخطیب فی تاریخه (1 / 177) : إنّه حمل لواء رسول الله فی بعض مغازیه. وفی تاریخَی الطبری (4) وابن الأثیر (5) (3 / 106) : إنّه کان صاحب رایة الأنصار مع رسول الله صلی الله علیه وسلم وکان من ذوی الرأی والبأس. وفی الاستیعاب (6) : إنّه کان ف)

ص: 118


1- إرشاد القلوب للدیلمی : 2 / 201 [ص 380]. (المؤلف)
2- یأتی ذکر مصادر هذه کلّها إن شاء الله تعالی. (المؤلف)
3- الدرجات الرفیعة : ص 334.
4- تاریخ الأُمم والملوک : 4 / 552 حوادث سنة 36 ه.
5- الکامل فی التاریخ : 2 / 354.
6- الاستیعاب : 2 / 537 [القسم الثالث / 1289 رقم 2134] ، السیرة الحلبیّة : 3 / 93 [3 / 82] وهامشها سیرة زینی دحلان : 2 / 265 [السیرة النبویّة 2 / 87]. (المؤلف)

حامل رایة النبیّ فی فتح مکّة إذْ نزعها من أبیه ، وأرسل علیّا رضی الله عنه أن ینزع اللواء منه ویدفعه لابنه قیس ، ففعل.

وأمّا مواقفه علی العهد العلویِّ : فکان یحضُّ أمیر المؤمنین علی قتال معاویة ، ویحثّه علی محاربة مناوئیه ویقول : یا أمیر المؤمنین ما علی الأرض أحدٌ أحبُّ إلینا أن یقیم فینا منک ؛ لأنّک نجمنا الذی نهتدی به ، ومفزعنا الذی نصیر إلیه ، وإن فقدناک لَتَظلَمنَّ أرضنا وسماؤنا ، ولکن والله لو خلّیتَ معاویة للمکر لیرومَنَّ مصر ، ولیُفسدَنَّ الیمن ، ولیطمعنَّ فی العراق ، ومعه قومٌ یمانیّون قد أُشربوا قتل عثمان ، وقد اکتفوا بالظنِّ عن العلم ، وبالشکِّ عن الیقین ، وبالهوی عن الخیر ، فسر بأهل الحجاز وأهل العراق ثمّ ارمه بأمرٍ یضیق فیه خناقه ، ویقصّر له من نفسه.

فقال : «أحسنت والله یا قیس وأجملت» (1).

فأرسله علیُّ علیه السلام مع ولده الحسن الزکیِّ وعمّار بن یاسر إلی الکوفة ، ودعوة أهلها إلی نصرته ، فخطب الحسن علیه السلام هناک وعمّار ، وبعدهما قام قیس ، فحمد الله وأثنی علیه ، ثمَّ قال : أیّها الناس إنَّ هذا الأمر لو استقبلنا به الشوری ، لکان علیٌّ أحقَّ الناس به ، فی سابقته ، وهجرته ، وعلمه ، وکان قتل مَن أبی ذلک حلالاً ، وکیف ، والحجَّة قامت علی طلحة والزبیر ، وقد بایعاه وخلعاه حسداً؟

فقام خطباؤهم ، وأسرعوا إلی الردِّ بالإجابة ، فقال النجاشی (2) :

رَضِینا بِقَسْمِ اللهِ إذ کان قَسْمُنا

علیّا وأبناءَ النبیِّ محمد

وقلنا له أهلاً وسهلاً ومرحباً

نُقبّل یدیهِ من هویً وتودّدِ

).

ص: 119


1- أمالی شیخ الطائفة : ص 85 [ص 716 ح 1518]. (المؤلف)
2- هو قیس بن عمرو ، شاعر مخضرم ، أصله من الیمن ، انتقل إلی الحجاز واستقرّ فی الکوفة ، وکانت أمّه من الحبشة فنسب إلیها ، توفّی سنة (40 ه).

فمرنا بما ترضی نُجِبْکَ إلی الرضا

بصُمِّ العوالی والصفیحِ المهنَّدِ (1)

وتسویدِ من سوّدتَ غیرَ مدافعٍ

وإن کان من سوّدتَ غیرَ مسوَّدِ

فإن نلتَ ما تهوی فذاک نریدُهُ

وإن تَخْطَ ما تهوی فغیر تعمّدِ

وقال قیس بن سعد حین أجاب أهل الکوفة :

جزی الله أهلَ الکوفةِ الیوم نصرةً

أجابوا ولم یأبَوا بخذلانِ من خذلْ

وقالوا علیٌّ خیرُ حافٍ وناعلٍ

رضینا به من ناقضی العهد من بدلْ

هما أبرزا زوج النبیِّ تعمّداً

یسوق بها الحادی المنیخ علی جملْ

فما هکذا کانت وَصاةُ نبیِّکمْ

وما هکذا الإنصافُ أعظمْ بذا المَثَلْ

فهل بعد هذا من مقالٍ لقائلٍ

ألا قبّحَ اللهُ الأمانی والعللْ

هذا لفظ شیخ الطائفة فی أمالی ولده (2) (ص 87 و 94) ، ورواه شیخنا المفید فی النصرة لسیِّد العترة (3) ، ونسب الأبیات الدالیّة إلی قیس بن سعد بتغییر وزیادة ، وهذا لفظه :

فلمّا قدم الحسن علیه السلام وعمّار وقیس الکوفة ، مستنفرین لأهلها - إلی أن قال - : ثمّ قام قیس بن سعد رحمه الله فقال : أیّها الناس إنَّ هذا الأمر لو استقبلنا فیه شوری لکان أمیر المؤمنین أحقَّ الناس به ، لمکانه من رسول الله ، وکان قتال من أبی ذلک حلالاً ، فکیف فی الحجّة علی طلحة والزبیر؟ وقد بایعاه طوعاً ثمّ خلعاه حسداً وبغیاً ، وقد جاءکم علیٌّ فی المهاجرین والأنصار ، ثمَّ أنشأ یقول :

رَضِینا بِقَسْمِ اللهِ إذ کان قَسْمُنا

علیّا وأبناءَ النبیِّ محمد

3.

ص: 120


1- صمّ الرجل بحجر : ضربه به. السیف المصمم : الماضی. العوالی جمع العالیة : ما یلی السنان من القناة. ویطلق علی الرمح. الصفیح جمع الصفیحة : السیف العریض. (المؤلف)
2- أمالی الطوسی : ص 719 720 ح 1518.
3- النصرة فی حرب البصرة (کتاب الجَمل) : ص 133.

وقلنا لهم أهلاً وسهلاً ومرحباً

نمدُّ یدینا من هویً وتودُّدِ

فما للزبیرِ الناقضِ العهدِ حرمةٌ

ولا لأخیه طلحةَ الیوم من یدِ

أتاکم سلیلُ المصطفی ووصیُّهُ

وأنتم بحمدِ اللهِ عارٍ من الهَدِّ (1)

فمن قائم یُرجی بخیل إلی الوغی

وصُمِّ العوالی والصفیحِ المُهنَّدِ

یسوِّد من أدناه غیرَ مدافعٍ

وإن کان ما نقضیه غیرَ مسوَّدِ

فإن یأتِ ما نهوی فذاک نریدُهُ

وإن یخطَ ما نهوی فغیر تعمّدِ

وکان یسیر فی تلک المواقف بکلِّ عظمة وجلال بهیئة فخمة ، ترهب القلوب ، وترعب الفوارس ، وترعد الفرائص.

قال المنذر بن الجارود یصف مواکب المجاهدین مع أمیر المؤمنین وقد رآهم فی الزاویة (2) : ثمَّ مرَّ بنا فارسٌ علی فرس أشقر ، علیه ثیاب بیض ، وقلنسوة بیضاء ، وعمامة صفراء ، متنکِّبٌ قوساً ، متقلّدٌ سیفاً ، تخطُّ رجلاه فی الأرض ، فی ألف من الناس ، الغالب علی تیجانهم الصفرة والبیاض ، معه رایة صفراء ، قلت : مَن هذا؟ قیل : هذا قیس بن سعد بن عبادة فی الأنصار وأبنائهم ، وغیرهم من قحطان. مروج الذهب (3) (2 / 8).

ولمّا أراد أمیر المؤمنین المسیر إلی أهل الشام ، دعا إلیه من کان معه من المهاجرین والأنصار ، فحمد الله وأثنی علیه ، وقال :

«أمّا بعد : فإنّکم میامین الرأی ، مراجیح الحلم ، مقاویل بالحقِّ ؛ مبارکو الفعل والأمر ، وقد أردنا المسیر إلی عدوِّنا وعدوِّکم ، فأشیروا علینا برأیکم».

فقام قیس بن سعد فحمد الله وأثنی علیه ، ثمّ قال : یا أمیر المؤمنین 7.

ص: 121


1- الهدِّ : الضعیف والجبان. (المؤلف)
2- موضع قرب البصرة ، وقریة بین واسط والبصرة علی شاطئ دجلة. (المؤلف)
3- مروج الذهب : 2 / 377.

انکمش (1) بنا إلی عدوِّنا ، ولا تُعَرِّج (2) ، فو الله لجهادهم أحبُّ إلیّ من جهاد الترک والروم لادّهانهم فی دین الله ، واستذلالهم أولیاء الله من أصحاب محمد صلی الله علیه وآله وسلم من المهاجرین والأنصار ، والتابعین بالإحسان ، إذا غضبوا علی رجل حبسوه ، أو ضربوه ، أو حرموه ، أو سیّروه ، وفیؤنا لهم فی أنفسهم حلالٌ ، ونحن لهم فیما یزعمون قطینٌ. قال : یعنی رقیق. کتاب صفّین (3) (ص 50).

قال صعصعة بن صوحان : لمّا عقد علیّ بن أبی طالب الألویة لأجل حرب صفّین ، أخرج لواء رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ولم یُرَ ذلک اللواء منذُ قبض رسول الله ، فعقده علیٌّ ، ودعا قیس بن سعد بن عبادة فدفعه إلیه ، واجتمعت الأنصار وأهل بدر ، فلمّا نظروا إلی لواء رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بکوا ، فأنشأ قیس بن سعد یقول :

هذا اللواءُ الذی کنّا نَحُفُّ بهِ

مع النبیِّ وجبریلٌ لنا مددُ

ما ضرَّ من کانتِ الأنصارُ عیبتَهُ

أن لا یکونَ له من غیرِهم أحدُ

قومٌ إذا حاربوا طالتْ أکفُّهمُ

بالمشرفیّةِ حتی یُفتحَ البلدُ

ابن عساکر فی تاریخه (4) (3 / 245) ، وابن عبد البرّ فی الاستیعاب (5) (2 / 539) ، وابن الأثیر فی أُسد الغابة (6) (4 / 216) ، والخوارزمی فی المناقب (7) (ص 122) (8).

ولمّا تعاظمت الأمور علی معاویة دعا عمرو بن العاص ، وبُسر بن أرطاة ، ف)

ص: 122


1- انکمش الرجل : أسرع. (المؤلف)
2- من عرّج : وقف ولبث. (المؤلف)
3- وقعة صفّین : ص 93.
4- تاریخ مدینة دمشق : 3 / 346.
5- الاستیعاب : القسم الثالث / 1292 رقم 2134.
6- أُسد الغابة : 4 / 426 رقم 4348.
7- المناقب : ص 195 ح 235.
8- ذکر الأبیات له شیخنا المفید فی یوم الجمل [النصرة فی حرب البصرة (کتاب الجَمل) : ص 183] ، وهو فی غیر محلّه. (المؤلف)

وعبید الله بن عمر بن الخطاب ، وعبد الرحمن بن خالد بن الولید ، فقال لهم : إنَّه قد غمّنی رجال من أصحاب علیٍّ منهم : سعید بن قیس فی همدان ، والأشتر فی قومه ، والمرقال - هاشم بن عتبة - ، وعدیّ بن حاتم ، وقیس بن سعد فی الأنصار ، وقد وقتکم یمانیّتکم بأنفسها ، حتی لقد استحییتُ لکم وأنتم عُددتم من قریش ، وقد أردت أن یعلم الناس أنَّکم أهل غنی ، وقد عبّأت لکلِّ رجل منهم رجلاً منکم ، فاجعلوا ذلک إلیَّ. فقالوا : ذلک إلیک : قال : فأنا أکفیکم سعید بن قیس وقومه غداً. وأنت یا عمرو لأعور بنی زهرة - المرقال - ، وأنت یا بُسر لقیس بن سعد ، وأنت یا عبید الله للأشتر النخعی ، وأنت یا عبد الرحمن بن خالد لأعور طیّ - یعنی عدیّ بن حاتم -. ثمَّ لیردّ کلّ رجل منکم عن حماة الخیل ، فجعلها نوائب فی خمسة أیّام ، لکلِّ رجل منهم یوماً.

وإنَّ بُسر بن أرطاة غدا فی الیوم الثالث فی حماة الخیل ، فلقی قیس بن سعد فی کماة الأنصار ، فاشتدّت الحرب بینهما ، وبرز قیس کأنَّه فنیق (1) مقرم (2) وهو یقول :

أنا ابن سعد زانه عُباده

والخزرجیّون رجالٌ ساده

لیس فراری بالوغی بِعاده

إنَّ الفرار للفتی قلاده

یا ربِّ أنت لقِّنی الشهادة (3)

والقتل خیرٌ من عِناق غاده

حتی متی تُثنی لیَ الوساده

فطعن خیل بُسر ، وبرز له بعد ملیٍّ وهو یقول :

أنا ابن أرطاة عظیم القدرِ

مراود فی غالب بن فهرِ

لیس الفرار من طباع بُسرِ

إن یرجع الیوم بغیر وترِ

ف)

ص: 123


1- فنیق - کشریف - : الفحل المکرم لا یؤذی ولا یرکب لکرامته. (المؤلف)
2- أقرم الفحل : ترک عن الرکوب والعمل للفِحْلة. (المؤلف)
3- فی مناقب ابن شهرآشوب [3 / 203] : یا ذا الجلال لقّنی الشهادة. (المؤلف)

وقد قضیت فی عدوّی نذری

یا لیت شعری ما بقی من عمری

وجعل یطعن بُسر قیساً ، فیضربه قیس بالسیف فیردّه علی عقبیه ، ورجع القوم جمیعاً ولقیس الفضل. کتاب صفّین (1) (ص 226).

وروی نصر فی کتابه (2) (ص 227 - 240) : إنَّ معاویة دعا النعمان بن بشیر بن سعد الأنصاری ، ومسلمة بن مخلَّد الأنصاری ولم یکن معه من الأنصار غیرهما ، فقال : یا هذان لقد غمّنی ما لقیت من الأوس والخزرج ، صاروا واضعی سیوفهم علی عواتقهم یدعون إلی النزال ، حتی والله جبّنوا أصحابی : الشجاع والجبان ، وحتی والله ما أسأل عن فارس من أهل الشام إلاّ قالوا : قتلته الأنصار ، أما والله لألقینّهم بحدّی وحدیدی ، ولأُعَبِّئنَّ لکل فارس منهم فارساً ینشب (3) فی حلقه ، ثمّ لَأَرْمِیَنّهم بأعدادهم من قریش رجالاً لم یغذُهم التمر والطُفیشل (4). یقولون : نحن الأنصار ، قد والله آووا ونصروا ولکن أفسدوا حقّهم بباطلهم!

فغضب النعمان ، فقال : یا معاویة لا تلومنَّ الأنصار بسرعتهم فی الحرب ، فإنَّهم کذلک کانوا فی الجاهلیّة ، فأمّا دعاؤهم إلی النزال فقد رأیتهم مع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، وأمّا لقاؤک إیّاهم فی أعدادهم من قریش ، فقد علمتَ ما لَقِیَتْ قریش منهم ، فإن أحببت أن تری فیهم مثل ذلک آنفاً ، فافعل ، وأمّا التمر والطُفیشل : فإنَّ التمر کان لنا فلمّا أن ذقتموه شارکتمونا فیه ، وأمّا الطُفیشل : فکان للیهود فلمّا أکلناه غلبناهم علیه کما غلبت قریشٌ علی سَخینة (5) ثمَّ تکلّم مسلمة بن مخلد - إلی أن قال : ف)

ص: 124


1- وقعة صفّین : ص 428.
2- وقعة صفّین : ص 445 - 450.
3- نشب الشیء فی الشیء : علق فیه. (المؤلف)
4- کسُمَیدَع : نوع من المرق. (المؤلف)
5- طعام یتّخذ من دقیق وسَمن ، کانت قریش تکثر من أکلها ، فعُیّرت بها وسمّیت : قریش السخینة. (المؤلف)

وانتهی الکلام إلی الأنصار ، فجمع قیس بن سعد الأنصاری الأنصار ، ثمّ قام خطیباً فیهم فقال : إنَّ معاویة قد قال ما بلغکم وأجاب عنکم صاحبکم ، فلعمری لئن غظتم معاویة الیوم لقد غظتموه بالأمس ، وإن وَتَرْتموه فی الإسلام لقد وَتَرْتموه فی الشرک ، وما لکم إلیه من ذنب أعظم من نصر هذا الدین الذی أنتم علیه ، فجدّوا الیوم جدّا تنسونه به ما کان أمس ، وجدّوا غداً جدّا تنسونه به ما کان الیوم ، وأنتم مع هذا اللواء الذی کان یقاتل عن یمینه جبرئیل وعن یساره میکائیل ، والقوم مع لواء أبی جهل والأحزاب ، وأمّا التمر فإنّا لم نغرسه ولکن غَلَبنا علیه من غرسه ، وأمّا الطُفیشل فلو کان طعامنا لَسُمّینا به کما سُمّیت قریش : السخینة. ثمّ قال قیس بن سعد فی ذلک :

یا ابن هندٍ دعِ التوثّبَ فی الحر

بِ إذا نحنُ فی البلادِ نأینا (1)

نحن من قد رأیتَ فادنُ إذا

شئتَ بمن شئتَ فی العَجاجِ إلینا

إن برَزْنا بالجمعِ نلقَکَ فی الجم

عِ وإن شئتَ محضةً أسْرَیْنَا

فالْقَنا فی اللفیفِ نَلْقَکَ فی الخز

رجِ تدعو فی حربنا أبَوَینا

أیَّ هذین ما أردتَ فَخُذْهُ

لیس منّا ولیس منک الهُوینا

ثمَّ لا یُنزعُ العجاجةُ حتی

تنجلی حربُنا لنا أو علینا

لیتَ ما تطلبُ الغَداةَ أتانا

أنعمَ الله بالشهادةِ عَیْنا

إنَّنا إنَّنا الذینَ إذا الفت

حَ شَهِدْنا وخیبراً وحُنینا

بعد بدرٍ وتلک قاصمةُ الظّهرِ

وأُحدٍ وبالنضیرِ ثنینا

یومَ الاحزابِ فیه قد علم النا

سُ شُفینا من قبلکمْ واشتفینا

فلمّا بلغ معاویة شعره ، دعا عمرو بن العاص ، فقال : ما تری فی شتم الأنصار؟ قال : أری أن توعد ولا تشتم ، ما عسی أن تقول لهم؟ إذا أردت ذمّهم ، ذُمّ ف)

ص: 125


1- ذکر ابن أبی الحدید فی شرحه : 2 / 297 [8 / 86 خطبة 124] ستّة من هذه الأبیات ، مع اختلاف فیها. (المؤلف)

أبدانهم ولا تذمَّ أحسابهم.

قال معاویة : إنَّ خطیب الأنصار قیس بن سعد یقوم کلَّ یوم خطیباً وهو والله یرید أن یفنینا غداً إن لم یحبسه عنّا حابس الفیل ، فما الرأی؟ قال : الرأی التوکّل والصبر.

فأرسل معاویة إلی رجال من الأنصار فعاتبهم ، منهم : عقبة بن عمرو ، وأبو مسعود ، والبراء بن عازب ، وعبد الرحمن بن أبی لیلی ، وخزیمة بن ثابت ، وزید بن أرقم ، وعمرو بن عمرو ، والحجّاج بن غُزیّة. وکانوا هؤلاء یُلقون فی تلک الحرب ، فبعث معاویة بقوله : لتأتوا قیس بن سعد. فمشوا بأجمعهم إلی قیس ، فقالوا : إنَّ معاویة لا یرید شتمنا فکُفَّ عن شتمه. فقال : إنَّ مثلی لا یَشْتُمْ ، ولکنّی لا أکفُّ عن حربه حتی ألقی الله.

وتحرّکت الخیل غُدوةً ، فظنَّ قیس بن سعد أنَّ فیها معاویة ، فحمل علی رجل یشبهه فقنّعه بالسیف ، فإذا غیر معاویة ، وحمل الثانیة علی آخر یشبهه أیضاً فضربه ، ثمَّ انصرف وهو یقول :

قولوا لهذا الشاتمی معاویه

إنْ کلُّ ما أوعدتَ ریحٌ هاویه

خوّفتنا أکْلُبَ قومٍ عاویه

إلیَّ یا ابن الخاطئین الماضیه

تُرقِلُ إرقالَ العجوزِ الخاویه (1)

فی أثَرِ الساری لیالی الشاتیه

فقال معاویة : یا أهل الشام ، إذا لقیتم هذا الرجل فأَخبروه بمساویه.

(فلمّا تحاجز الفریقان شتمه معاویة شتماً قبیحاً وشتم الأنصار) (2) ، فغضب النعمانُ ومَسلمة علی معاویة ، فأرضاهما بعد ما همّا أن ینصرفا إلی قومهما. ف)

ص: 126


1- أرقل : أسرع. الخاویة : الساقطة. (المؤلف)
2- هذه الجملة من لفظ شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید [8 / 87 خطبة 124]. (المؤلف)

ثمَّ إنَّ معاویة سأل النعمان أن یخرج إلی قیس فیعاتبه ویسأله السلم ، فخرج النعمان حتی وقف بین الصفَّین فقال : یا قیس أنا النعمان بن بشیر. فقال قیس : هیه یا ابن بشیر ، فما حاجتک؟

فقال النعمان : یا قیس إنَّه قد أنصفکم من دعاکم إلی ما رضی لنفسه ، ألستم معشر الأنصار تعلمون أنَّکم أخطأتم فی خذل عثمان یوم الدار؟ وقتلتم أنصاره یوم الجمل؟ وأقحمتم خیولکم علی أهل الشام بصفِّین؟ فلو کنتم إذ خذلتم عثمان خذلتم علیّا لکان واحدة بواحدة ، ولکنَّکم خذلتم حقّا ونصرتم باطلاً ، ثمَّ لم ترضوا أن تکونوا کالناس حتی أَعلمتم فی الحرب ، ودعوتم إلی البراز ، ثمَّ لم ینزل بعلیٍّ أمرٌ (1) قط إلاّ هوّنتم علیه المصیبة ، ووعدتموه الظفر ، وقد أخذت الحرب منّا ومنکم ما قد رأیتم ، فاتّقوا الله فی البقیّة.

فضحک قیس ثمَّ قال : ما کنت أراک یا نعمان تجترئ علی هذه المقالة ، إنَّه لا ینصح أخاه من غشَّ نفسه ، وأنت والله الغاشُّ الضالُّ المضلُّ.

أمّا ذکرک عثمان ، فإن کانت الأخبار تکفیک فخذ منّی واحدة ، قتل عثمان من لستَ خیراً منه ، وخذله من هو خیر منک. أمّا أصحاب الجمل فقاتلناهم علی النکث. وأمّا معاویة فو الله لو اجتمعت علیه العرب لقاتلته الأنصار.

وأمّا قولک : إنّا لسنا کالناس ، فنحن فی هذه الحرب کما کنّا مع رسول الله ، نتّقی السیوف بوجوهنا والرماح بنحورنا ، حتی جاء الحقُّ وظهر أمر الله وهم کارهون ، ولکن انظر یا نعمان هل تری مع معاویة إلاّ طلیقاً أو أعرابیّا أو یمانیّا مستدرجاً بغرور؟ انظر أین المهاجرون والأنصار والتابعون لهم بإحسانٍ الذین رضی الله عنهم؟ ثمّ انظر هل تری مع معاویة غیرک وصویحبک؟ ولستما والله ببدریَّینِ ولا أُحدیَّینِ ولا

ف)

ص: 127


1- فی شرح النهج [8 / 88 خطبة 124] : خطب. (المؤلف)

لکما سابقةٌ فی الإسلام ، ولا آیةٌ فی القرآن؟ (1) ولعمری لئن شغبت علینا لقد شغب علینا أبوک. ثمَّ قال قیس فی ذلک :

والراقصاتِ بکلِّ أشعثَ أَغْبَرٍ

خُوصِ العیونِ تحثُّها الرکبانُ

ما ابنُ المخلّدِ ناسیاً أسیافَنا

عمّن نحاربُه ولا النعمانُ

ترکا العیانَ وفی العیانِ کفایةٌ

لو کان ینفعُ صاحبیه عیانُ

ثمَّ إنَّ علیاً علیه السلام دعا قیس بن سعد فأثنی علیه خیراً وسوّده علی الأنصار (2).

وخرج قیس فی النهروان إلی الخوارج ، فقال لهم : عباد الله ، أخرجوا إلینا طَلِبَتَنا منکم ، وادخلوا فی هذا الأمر الذی خرجتم منه ، وعودوا بنا إلی قتال عدوِّنا وعدوِّکم ، فإنَّکم رکبتم عظیماً من الأمر ، تشهدون علینا بالشرک ، والشرک ظلمٌ عظیم ، تسفکون دماء المسلمین ، وتعدّونهم مشرکین.

فقال له عبد الله بن شجرة السلَمی : إنَّ الحقَّ قد أضاء لنا ؛ فلسنا متابعیکم أو تأتونا بمثل عمر. فقال قیس : ما نعلمه فینا غیر صاحبنا فهل تعلمونه فیکم؟. قالوا : لا. قال : نشدتکم الله فی أنفسکم أن تهلکوها ، فإنّی لا أری الفتنة إلاّ وقد غلبتْ علیکم (3)

أمّا موقفه بعد العهدین فکان مع الإمام السبط المجتبی - سلام الله علیه - ، ولمّا وجّه عسکره إلی قتال أهل الشام دعا علیه السلام عبید الله بن العبّاس بن عبد المطّلب ، فقال له :

«یا ابن عمّ إنّی باعث إلیک اثنی عشر ألفاً من فرسان العرب وقرّاء مضر ، ف)

ص: 128


1- وإلی هنا رواه ابن قتیبة أیضاً فی الإمامة والسیاسة : 1 / 94 [1 / 97 - 98]. (المؤلف)
2- إلی هنا تنتهی روایة نصر بن مزاحم فی کتاب صفّین [ص 449]. (المؤلف)
3- تاریخ الطبری : 6 / 47 [5 / 83 حوادث سنة 37 ه] ، کامل ابن الأثیر : 3 / 137 [2 / 404 حوادث سنة 37 ه]. (المؤلف)

الرجل منهم یرید الکتیبة ، فَسِرْ بهم ، وألن لهم جانبک ، وابسطْ لهم وجهک ، وافرِشْ لهم جناحک ، وأَدْنِهِمْ فی مجلسک ؛ فإنَّهم بقیّة ثقات أمیر المؤمنین ، وسِر بهم علی شطِّ الفرات حتی تقطع بهم الفرات حتی تسیر بمسکن (1) ، ثمّ امض حتی تستقبل بهم معاویة ، فإن أنت لقیته فاحبسه حتی آتیک ، فإنِّی علی أثرک وشیکاً ، ولیکن خبرک عندی کلَّ یوم ، وشاور هذین - یعنی : قیس بن سعد وسعید بن قیس - وإذا لقیت معاویة فلا تقاتله حتی یقاتلک ، فإن فعل فقاتله ، وإن أُصبتَ فقیس بن سعد ، وإن أُصیب قیس بن سعد فسعید بن قیس علی الناس فسار عبید الله ...».

فأمّا معاویة فإنَّه وافی حتی نزل قریة یقال لها : الحیوضة - بمسکن - وأقبل عبید الله بن عبّاس حتی نزل بإزائه ، فلمّا کان من غدٍ وجّه معاویة بخیل إلی عبید الله فی من معه ، فضربهم حتی ردّهم إلی معسکرهم ، فلمّا کان اللیل أرسل معاویة إلی عبید الله بن عبّاس أنّ الحسن قد راسلنی فی الصلح ، وهو مسلّم الأمر إلیَّ ، فإن دخلت فی طاعتی الآن کنت متبوعاً ، وإلاّ دخلت وأنت تابع ، ولک إن أجبتنی الآن أن أعطیک ألف ألف درهم ، أعجِّل لک فی هذا الوقت نصفها ، وإذا دخلت الکوفة النصف الآخر.

فأقبل عبید الله إلیه لیلاً فدخل عسکر معاویة ، فوفی له بما وعده ، وأصبح الناس ینتظرون عبید الله أن یخرج حتی أصبحوا ، فطلبوه فلم یجدوه ، فصلّی بهم قیس ابن سعد بن عبادة ، ثمّ خطبهم فثبّتهم ، وذکر عبید الله فنال منه ، ثمّ أمرهم بالصبر والنهوض إلی العدوّ ، فأجابوه بالطاعة وقالوا له : انهض بنا إلی عدوّنا علی اسم الله.

فنزل فنهض بهم ، وخرج إلیه بُسر بن أرطاة ، فصاح إلی أهل العراق : ویحکم هذا أمیرکم عندنا قد بایع ، وإمامکم الحسن قد صالح ، فعلامَ تقتلون أنفسکم؟! ف)

ص: 129


1- بفتح المیم ثمّ السکون ثمّ الکسر : موضع قریب من أوانا ناحیة الدجیل ، بینه وبین بغداد عدّة فراسخ من جهة تکریت. (المؤلف)

فقال لهم قیس بن سعد : اختاروا إحدی اثنتین : إمّا القتال مع غیر إمام ، وإمّا أن تبایعوا بیعة ضلال. فقالوا : بل نقاتل بلا إمام ، فخرجوا فضربوا أهل الشام حتی ردّوهم إلی مصافّهم ، فکتب معاویة إلی قیس بن سعد یدعوه ویمنِّیه ، فکتب إلیه قیس : لا والله لا تلقانی أبداً إلاّ بینی وبینک الرمح.

شرح بن أبی الحدید (1) (4 / 14).

قال الیعقوبی فی تاریخه (2) (2 / 191) : إنَّه وجّه الحسن علیه السلام بعبید الله بن العبّاس فی اثنی عشر ألفاً لقتال معاویة ، ومعه قیس بن سعد بن عبادة الأنصاری ، وأمر عبید الله أن یعمل بأمر قیس ورأیه ، فسار إلی ناحیة الجزیرة ، وأقبل معاویة لمّا انتهی إلیه الخبر بقتل علیّ ، فسار إلی الموصل بعد قتل علیّ بثمانیة عشر یوماً ، والتقی العسکران ، فوجّه معاویة إلی قیس بن سعد یبذل له ألف ألف درهم علی أن یصیر معه أو ینصرف عنه ، فأرسل إلیه بالمال وقال : تخدعنی عن دینی؟

فیقال : إنّه أرسل إلی عبید الله بن عبّاس وجعل له ألف ألف درهم ، فصار إلیه فی ثمانیة آلاف من أصحابه ، وأقام قیس علی محاربته ، وکان معاویة یدسّ إلی عسکر الحسن من یتحدّث أنّ قیس بن سعد قد صالح معاویة وصار معه ، ووجّه إلی عسکر قیس من یتحدّث أنّ الحسن قد صالح معاویة وأجابه.

وفی الاستیعاب (3) (2 / 225) عن عروة قال : کان قیس مع الحسن بن علیٍّ علی مقدِّمته ، ومعه خمسة آلاف قد حلقوا رءوسهم بعد ما مات علیٌّ وتبایعوا علی الموت ، فلمّا دخل الحسن فی بیعة معاویة أبی قیس أن یدخل ، وقال لأصحابه : ما شئتم ، إن شئتم جالدت بکم حتی یموت الأعجل منّا ، وإن شئتم أخذت لکم أماناً؟ 4.

ص: 130


1- شرح نهج البلاغة : 16 / 42 - 43 کتاب 31.
2- تاریخ الیعقوبی : 2 / 214.
3- الاستیعاب : القسم الثالث / 1291 رقم 2134.

فقالوا : خُذ لنا أماناً! فأخذ لهم إنَّ لهم کذا وکذا ، وأن لا یعاقَبوا بشیء ، وأنَّه رجلٌ منهم ، ولم یأخذ لنفسه خاصّة شیئاً. ثمَّ ارتحل نحو المدینة ومضی بأصحابه.

حدیث جوده :

لا یسعنا بسط المقال فی أخبار قیس من هذه الناحیة لکثرتها ، غیر أنَّا نورد لک شیئاً من ذلک الکثیر الطیّب ، وحسبک من القلادة ما أحاط بالعنق (1) ، وکانت هذه الخلّة من هذا البیت علی عنق الدهر - أی قدیماً - وکان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول : «الجود من شیمة أهل ذلک البیت» (2).

باع قیس مالاً من معاویة بتسعین ألفاً ، فأمر منادیاً فنادی فی المدینة : من أراد القرض فلیأت منزل سعد ، فأقرض أربعین أو خمسین وأجاز الباقی ، وکتب علی من أقرَّ له صکّا ، فمرض مرضاً قلَّ عُوّاده ، فقال لزوجته قُریبة بنت أبی قحافة - أخت أبی بکر - : یا قُریبة لِم تَرین قلَّ عُوَّادی؟ قالت : للّذی لک علیهم من الدین. فأرسل إلی کلِّ رجل بصکّه المکتوب علیه ، فوهبه مالَهُ علیهم (3).

قال جابر : خرجنا فی بعثٍ کان علیهم قیس بن سعد ، ونحرَ لهم تسع رکائب ، فلمّا قدموا علی رسول الله صلی الله علیه وسلم ذکروا له من أمر قیس ، فقال : «إنّ الجودَ من شیمة أهل ذلک البیت».

ولمّا ارتحل من العراق نحو المدینة ومضی بأصحابه ، جعل ینحر لهم کلَّ یوم جزوراً حتی بلغ (4). ف)

ص: 131


1- مثل یضرب : أی حسبک بالقلیل من الکثیر [مجمع الأمثال : 1 / 348 رقم 1035]. (المؤلف)
2- الإصابة : 4 / 254 [3 / 249 رقم 7177]. (المؤلف)
3- تاریخ الخطیب البغدادی : 1 / 177 [رقم 17] ، تاریخ ابن کثیر : 8 / 69 [8 / 108 حوادث سنة 59 ه]. (المؤلف)
4- الاستیعاب : 2 / 525 [القسم الثالث / 1290 رقم 2134] ، تهذیب التهذیب : 8 / 398 [8 / 354 رقم 702]. (المؤلف)

روی عبد الله بن المبارک عن جویریة قال : کتب معاویة إلی مروان : أن اشتر دار کثیر بن الصلت منه فأبی علیه ، فکتب معاویة إلی مروان : أن خذه بالمال الذی علیه ، فإن جاء به وإلاّ بع علیه داره. فأرسل إلیه مروان فأخبره. قال : إنّی أؤجِّلک ثلاثاً ، فإن جئت بالمال وإلاّ بعت علیک دارک.

قال : فجمعها إلاّ ثلاثین ألفاً. فقال : مَن لی بها؟ ثمَّ ذکر قیس بن سعد ، فأتاه فطلبها منه فأقرضه ، فجاء بها إلی مروان ، فلمّا رآه قد جاء بها ردّها إلیه وردَّ علیه داره ، فردَّ کثیر الثلاثین ألفاً علی قیس ، فأبی أن یقبلها (1).

روی المبرّد فی کامله (2) (1 / 309) : أنَّ عجوزاً شکت إلی قیس أن لیس فی بیتها جرذ. فقال : ما أحسن ما سألت! أمّا والله لأُکثرنَّ جرذان بیتک. فملأ بیتها طعاماً وودکاً وإداماً ، وقال ابن عبد البرّ (3) : هذه القصّة مشهورة صحیحة.

فی کامل المبرّد (1 / 309) : إنَّه توفّی أبوه عن حمل لم یعلم به ، فلمّا وُلد وقد کان سعد رضی الله عنه قسم ماله فی حین خروجه من المدینة بین أولاده ، فکلّم أبو بکر وعمر فی ذلک قیساً ، وسألاه أن ینقض ما صنع سعد من تلک القسمة. فقال : نصیبی للمولود ولا أُغیّر ما صنع أبی ولا أنقضه. وذکره ابن عبد البرّ فی الاستیعاب (4) (2 / 525) وقال : صحیحٌ من روایة الثقات.

ومن مشهور أخبار قیس : أنَّه کان له مال کثیر دیوناً علی الناس ، فمرض واستبطأ عوّاده ، فقیل له : إنّهم یستحیون من أجل دَینک. فقال : أخزی الله مالاً یمنع الإخوان من العیادة. فأمر منادیاً ینادی : من کان لقیس علیه مال فهو فی حلٍّ ، فأتاه ق.

ص: 132


1- الاستیعاب : 2 / 525 [القسم الثالث / 1292 رقم 2134]. الإصابة : 5 / 254 [3 / 249 رقم 7177]. (المؤلف)
2- الکامل فی اللغة والأدب : 1 / 419.
3- الاستیعاب : القسم الثالث / 1291 رقم 2134.
4- المصدر السابق.

الناس حتی هدموا درجةً کانوا یصعدون علیها إلیه ، وفی لفظ : فما أمسی حتی کُسِرت عتبة بابه من کثرة العوّاد (1).

کان قیس فی سریّة فیها أبو بکر وعمر ، فکان یستدین ویطعم الناس ، فقال أبو بکر وعمر : إن ترکنا هذا الفتی أهلک مال أبیه ، فمشیا فی الناس ، فلمّا سمع سعد قام خلف النبیِّ ، فقال : من یعذرنی من ابن أبی قحافة وابن الخطّاب یبخِّلان علیَّ ابنی. أسد الغابة (2) (4 / 215).

وفی لفظ : کان قیس مع أبی بکر وعمر فی سفر فی حیاة رسول الله صلی الله علیه وسلم ، فکان ینفق علیهما وعلی غیرهما ویفضل ، فقال له أبو بکر : إنّ هذا لا یقوم به مال أبیک فأمسک یدک ، فلمّا قدموا من سفرهم قال سعد بن عبادة لأبی بکر : أردت أن تبخِّل ابنی ؛ إنّا لقوم لا نستطیع البخل (3).

حکی ابن کثیر فی تاریخه (4) (8 / 99) : أنَّه کانت لقیس صحفة یُدار بها حیث دار ، وکان ینادی له منادٍ : هلمّوا إلی اللحم والثرید. وکان أبوه وجدّه من قبله یفعلان کفعله.

قال الهیثم بن عدی : اختلف ثلاثة عند الکعبة فی أکرم أهل زمانهم ، فقال أحدهم : عبد الله بن جعفر. وقال الآخر : قیس بن سعد. وقال الآخر : عُرابة الأوسی. فتمارَوا فی ذلک حتی ارتفع ضجیجهم عند الکعبة ، فقال لهم رجل : فلیذهب کلُّ رجل منکم إلی صاحبه الذی یزعم أنَّه أکرم من غیره ، فلینظر ما یعطیه ولیحکم علی العیان. .

ص: 133


1- ربیع الأبرار للزمخشری [4 / 91] ، الاستیعاب : 2 / 526 [القسم الثالث / 1293 رقم 2134] ، البدایة والنهایة : 8 / 100 [8 / 108 حوادث سنة 59 ه]. (المؤلف)
2- أسد الغابة : 4 / 425 رقم 4348.
3- الدرجات الرفیعة [ص 335] ، نقلاً عن کتاب الغارات لإبراهیم بن سعید الثقفی [ص 139]. (المؤلف)
4- البدایة والنهایة : 8 / 108 حوادث سنة 59 ه.

فذهب صاحب عبد الله بن جعفر إلیه ، فوجده قد وضع رجله فی الغَرْز (1) لیذهب إلی ضیعة له ، فقال له : یا ابن عمّ رسول الله ابن سبیل ومنقطَعٌ به. قال : فأخرج رجله من الغَرْز ، وقال : ضع رجلک واستوِ علیها ، فهی لک بما علیها ، وخذ ما فی الحقیبة (2) ولا تُخْدَعَنَّ فی السیف فإنَّه من سیوف علیٍّ. فرجع إلی أصحابه بناقة عظیمة ، وإذا فی الحقیبة أربعة آلاف دینار ومطارف من خزّ وغیر ذلک ، وأجلُّ ذلک سیف علیّ بن أبی طالب.

ومضی صاحب قیس إلیه فوجده نائماً ، فقالت له الجاریة : ما حاجتک إلیه؟ قال : ابن سبیل ومنقطَعٌ به. قالت : فحاجتک أیسر من إیقاظه ، هذا کیسٌ فیه سبعمائة دینار ، ما فی دار قیس مالٌ غیره الیوم ، واذهب إلی مولانا فی معاطن الإبل فخذ لک ناقةً وعبداً ، واذهب راشداً. فلمّا استیقظ قیس من نومه أخبرته الجاریة بما صنعت ، فأعتقها شکراً علی صنیعها ذلک ، وقال : هلاّ أیقظتنی حتی أُعطیه ما یکفیه أبداً ، فلعلّ الذی أعطیتِه لا یقع منه موقع حاجته.

وذهب صاحب عُرابة الأوسی إلیه ، فوجده وقد خرج من منزله یرید الصلاة وهو یتوکّأ علی عبدین له - وکان قد کُفَّ بصره - فقال له : یا عُرابة ، فقال : قل. فقال : ابن سبیل ومنقطَعٌ به. قال : فخلّی عن العبدین ثمّ صفّق بیدیه ، بالیمنی علی الیسری ، ثمّ قال : أوّه أوّه ، والله ما أصبحت ولا أمسیت وقد ترکت الحقوق من مال عُرابة شیئاً ، ولکن خذ هذین العبدین. قال : ما کنت لأفعل. فقال : إن لم تأخذهما فهما حرّان ، فإن شئت فاعتق ، وإن شئت فخذ. وأقبل یلتمس الحائط بیده ، قال : فأخذهما وجاء بهما إلی صاحبیه.

قال فحکم الناس علی أنَّ ابن جعفر قد جاد بمال عظیم ، وأنّ ذلک لیس ف)

ص: 134


1- الغرز - بالفتح ثمّ السکون - : رکاب من جلد. (المؤلف)
2- الحقیبة - بفتح المهملة - : ما یحمل علی الفرس خلف الراکب. (المؤلف)

بمستنکر له ، إلاّ أنّ السیف أجلّه. وإنّ قیساً أحد الأجواد ، حکمت مملوکته فی ماله بغیر علمه ، واستحسن فعلها ، وعتقها شکراً لها علی ما فعلت. وأجمعوا علی أنّ أسخی الثلاثة عُرابة الأوسی ، لأنَّه جاد بجمیع ما یملکه ، وذلک جهد من مقلّ.

البدایة والنهایة (1) (8 / 100).

*حدیث خطابته :

إنَّ تقدُّم سیِّد الأنصار فی المعالم الدینیّة ، وتضلّعه فی علمی الکتاب والسنّة ، وعرفانه بمعاریض القول ومخاریق القیل وسقطات الرأی ، وتحلّیه بما یحتاج إلیه مدارِه الکلام ومشیخة الخطابة من العلم الکثار ، والأدب الجمّ ، وربط الجأش ، وقوّة العارضة ، وحسن التقریر ، وجودة السرد ، وبلاغة المنطق ، وطلاقة اللسان ، ومعرفة مناهج الحِجاج والمناظرة ، وأسالیب إلقاء المحاضرة ، کلّها براهین واضحة علی حظِّه الوافر وقسطه البالغ من هذه الخُلّة ، وإنَّه أعلی الناس ذا فوق (2) ، علی أنّ فیما مرّ وما یأتی من کلمه وخطبه خُبراً یصدِّق الخبر ، وشاهد صدق علی أنَّه أحد أمراء الکلام ، کما کان فی مقدَّم أمراء السیف. فهو خطیب الأنصار المفوَّه ، واللسِنُّ الفذّ من الخزرج ، ومتکلِّم الشیعة الأکبر ، ولسان العترة الطاهرة الناطق ، والمجاهد الوحید دون مبدئه المقدَّس بالسیف واللسان ، أخطب من سحبان وائل ، وأنطق من قُسّ الأیادی ، وأصدق فی مقاله من قطاة (3).

وناهیک بقول معاویة بن أبی سفیان لقومه یوم صفِّین : إنّ خطیب الأنصار قیس بن سعد یقوم کلّ یوم خطیباً ، وهو والله یرید أن یفنینا غداً إن لم یحبسه عنّا ف)

ص: 135


1- البدایة والنهایة : 8 / 108 حوادث سنة 59 ه.
2- مثل یضرب : أی أعلی الناس سهماً. (المؤلف)
3- أصدق من قطاة : مثل مشهور [یضرب للصدق ، لانّ القطاة لها صوت واحد لا یتغیّر. انظر : مجمع الأمثال : 2 / 247 رقم 2173]. (المؤلف)

حابس الفیل. مرّ (ص 81) ، وفی قول أمیر المؤمنین علیه السلام له عند بعض مقاله کما مرّ (ص 76): «أحسنت والله یا قیس وأجملت» لغنیً وکفایة عن أیّ إطراء وثناء علیه.

حدیث زهده :

لا نحاول فی البحث عن هذه النواحی ، فی أیّ من التراجم ، سرد تاریخ أمّة غابرة ، أو ذکریات أماثل الأمّة أو حثالتها فی القرون الخالیة فحسب ، بل إنّما نخوض فیها بما فیها من عظات دینیّة ، وفلسفة أخلاقیّة ، وحِکَم عملیّة ، ومعالم روحیّة ، ومصالح اجتماعیّة ، ودستور فی مناهج السیر إلی المولی سبحانه ، وبرنامج فی إصلاح النفس ، ودروس فی التحلّی بمکارم الأخلاق ، التی بُعث لإتمامها نبیُّ الإسلام.

وهناک نماذج من نفسیّات شیعة العترة الطاهرة ، وما لهم دون مناوئیهم من خلاق من المکارم والفضائل والقداسة والنزاهة ، یحقُّ بذلک کلّه أن یکون کلٌّ من نظراء قیس قدوةً للبشر فی السلوک إلی المولی ، وقادةً للخلق فی تهذیب النفس ، ومؤدِّباً للأمّة بالخلائق الکریمة ، ومُصلحاً للمجتمع بالنفسیّات الراقیة ، والروحیّات السلیمة ، فلن تجد فیهم (جُرفٌ مُنهال ، ولا سحابٌ مُنجال) (1).

ففی وسع الباحث أن یستخرج من تاریخ تلکم النفوس القدسیّة ، من قیس ومن یصافقه فی المبدأ الدینیِّ ، ومن ترجمة من یضادُّهم فی التشیّع لآل الله ، من عمرو ابن العاص ومن یشاکله ، حقیقة راهنة دینیّة ، أثمن وأغلی من معرفة حقائق الرجال ، والوقوف علی تاریخ الأجیال الماضیة ، ویمکنه أن یقف بذلک علی غایة کلٍّ من الحزبین العلویِّ والأمویِّ مهما یکن القارئ شریف النفس ، حرّا فی تفکیره ، غیر مقلّد ولا إمّعة ، مهما حداه التوفیق إلی اتّباع الحقّ ، والحقُّ أحقُّ أن یُتَّبع ، غیر ناکبٍ عن الطریقة المثلی فی البخوع للحقائق ، والجنوح إلیها. ف)

ص: 136


1- مثل یُضرب. جرف منهال : أی لا حزم عنده ولا عقل. سحاب منجال : أی لا یطمع فی خیره [مجمع الأمثال : 1 / 316 رقم 946]. (المؤلف)

فخذ قیس بن سعد وعمرو بن العاص مثالاً من الفریقین ، وقس بینهما ، وضع یدک علی أیّ مأثرة تحاولها : من طهارة مولد ، وإسلام ، وعقل ، وحزم ، وعفّة ، وحیاء ، وشَمم ، وإباء ، ومنعة ، وبذخ ، وصدق ، ووفاء ، ووقار ، ورزانة ، ومجد ، ونجدة ، وشجاعة ، وکرم ، وقداسة ، وزهد ، وسداد ، ورشد ، وعدل ، وثبات فی الدین ، وورع عن محارم الله ، إلی مآثر أخری لا تُحصی ؛ تجد الأوّل منهما حامل عبء کلٍّ منها ، بحیث لو تجسّم أیٌّ من تلکم الصفات لَیکونُ هو مثاله وصورته.

وهل تری الثانی کذلک؟! اللهمَّ لا. بل کلٌّ منها فی ذاته محکوم بالسلب ؛ أضف إلی مخازٍ فی المولد ، والمَحْتِد ، والدین ، والفروسیّة ، والأخلاق ، والنفسیّات کلّها ، وسنلمسک کلّ هذه بیدیک عن قریب إن شاء الله تعالی.

عندئذٍ یعرف المنقّب نفسیّة کلٍّ من إمامی الحزبین - إذ الناس علی دین ملوکهم ، ویکون علی بصیرة من أمرهما ، وحقیقة دعوة أیٍّ منهما ، وتکون أمثلتهما نصب عینیه ، إن لم یتّبع الهوی ، ولا تضلّه تعمیة من یروقه جهل الأمّة الإسلامیّة بالحقائق ، بقوله فی مقاتلی أمیر المؤمنین والخارجین علیه : إنَّهم کانوا مجتهدین مخطئین ولهم أجر واحدٌ ، أو بقوله : الصحابة کلّهم عدول ، وإن فعل أحدهم ما فعل ، وجنت یداه ما جنت ، وخرج عن طاعة الإمام العادل ، وسنَّ لعنه ، وسبّه ، وحاربه ، وقاتله ، وقتله.

فالناظر إلی هذه التراجم بعین النصفة ، إذا أمعن فیها بما فیها من المغازی المذکورة ، یعتقد بأنّ (1)) «أفضل عباد الله عند الله إمام عادل هُدی وهَدی ، فأقام سنّةً معلومةً وأمات بدعةً مجهولة ، وإنَّ السُنَن لنیِّرة لها أعلام ، وإنَّ البدع لظاهرةٌ لها أعلامٌ ، وإنَّ شرَّ الناس عند الله إمامٌ جائرٌ ضلَّ وأُضِلَّ به ، فأمات سنّةً مأخوذةً ، وأحیا بدعةً متروکةً» وصدَّق بقول النبیِّ الطاهر : «یؤتی یوم القیامة بالإمام الجائر ، ولیس ف)

ص: 137


1- من هنا إلی آخر الکلمة لمولانا أمیر المؤمنین ، إلاّ کلمتی : صدّق والطاهر. (المؤلف)

معه نصیرٌ ولا عاذرٌ ، فَیُلقی فی نار جهنّم ، فیدور فیها کما تدور الرحی ، ثمَّ یرتبط فی قعرها» (1).

لعلَّ الباحث لا یمرُّ علی شیء من خطب سیِّد الخزرج ، وکتبه ، وکَلِمه ، ومحاضراته ، إلاّ ویجده طافحاً بقداسة جانبه عن کلِّ ما یلوِّث ویدنّس من اتِّباع الهوی ، وبزهادته عن حطام الدنیا ، معرباً عن ورعه عن محارم الله وخشونته فی ذات ربِّه ، وتعظیمه شعائر الدین ، وقیامه بحقِّ النبیِّ الأعظم ، ورعایته فی أهل بیته وذویه بکلِّ حول وطول ، وبذل النفس والنفیس دون کلاءة دینه ، وإعلاء کلمة الحقِّ ، وإرحاض معرّة الباطل ، وإصلاح الفاسد ، وکسر شوکة المعتدین ، وبعد الیأس عن صلاح أمّته ، والعجز عن الدعوة إلی الحقِّ ، لزم عقر داره بالمدینة المشرّفة بقیّة حیاته ، وأقبل علی العبادة ، حتی أدرکه أجله المحتوم. کما ذکره ابن عبد البرّ فی الاستیعاب (2)(2 / 524).

وأوفی کلمة فی زهده وعبادته ، ما قاله المسعودی فی مروج الذهب (3) (2 / 63) قال : کان قیس بن سعد من الزهد ، والدیانة ، والمیل إلی علیٍّ ، بالموضع العظیم ، وبلغ من خوفه لله وطاعته إیّاه ، أنَّه کان یصلّی ، فلما أهوی للسجود ، إذا فی موضع سجوده ثعبانٌ عظیم مطرق ، فمال علی الثعبان برأسه ، وسجد إلی جانبه ، فتطوّق الثعبان برقبته ، فلم یقصر من صلاته ، ولا نقص منها شیئاً حتی فرغ ، ثمَّ أخذ الثعبان فرمی به. کذلک ذکر الحسن بن علیّ بن عبد الله بن المغیرة ، عن معمر بن خلاّد ، عن أبی الحسن - الإمام - علیّ بن موسی الرضا علیه السلام. انتهی.

والحدیث الرضویّ هذا رواه الکشّی ، بإسناده عنه علیه السلام فی رجاله (4) (ص 63) 1.

ص: 138


1- نهج البلاغة : ص 234 خطبة 164.
2- الاستیعاب : القسم الثالث / 1290 رقم 2134.
3- مروج الذهب : 3 / 27.
4- رجال الکشّی : 1 / 309 رقم 151.

وکان ذلک الخشوع والإقبال إلی الله فی العبادة وإفراغ القلب بکلّه إلی الصلاة من وصایا والده الطاهر له ، قال : یا بنیَّ أوصیک بوصیّة فاحفظها ، فإذا أنت ضیّعتَها فأنت لغیرها من الأمر أضیع ، إذا توضّأت فَأَتِمَّ الوضوء ، ثمّ صلِّ صلاة امرئٍ مودِّع یری أنَّه لا یعود ، وأظهرِ الیأس من الناس فإنّه غنی ، وإیّاک وطلب الحوائج إلیهم ؛ فإنّه فقر حاضر ، وإیّاک وکلّ شیء تعتذر منه. تاریخ ابن عساکر (1) (6 / 90).

وکان من دعاء سیِّدنا المترجَم ، کما فی الدرجات الرفیعة (2) ، وتاریخ الخطیب (3) وغیرهما قوله : اللهمَّ ارزقنی حمداً ومجداً ، فإنَّه لا حمدَ إلاّ بفعالٍ ، ولا مجدَ إلاّ بمال. اللهمَّ وسِّع علیَّ ، فإنَّ القلیل لا یسعنی ولا أسعه.

وفی البدایة والنهایة (4) (8 / 100) : کان قیس یقول : اللهمَّ ارزقنی مالاً وفعالاً ، فإنَّه لا تصلح الفعال إلاّ بالمال.

ومعلوم أنَّ طلب المال غیر منافٍ للزهادة ؛ فإنّ حقیقة الزهد أن لا یملکک المال ، لا أن لا تملک المال.

*حدیث فضله :

إنّ خطابات قیس ، وکتاباته ، ومحاضراته ، ومقالاته ، المبثوثة فی طیّات الکتب ومعاجم السِیَر ، شواهد صادقة علی تضلّعه فی المعارف الإلهیّة ، وأشواطه البعیدة فی علمی الکتاب والسنّة ، وفی خدمته النبیَّ الأعظم مدّة عشر سنین (5) ، ف)

ص: 139


1- تاریخ مدینة دمشق : 7 / 125 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 9 / 245.
2- الدرجات الرفیعة : ص 335.
3- تاریخ بغداد : 1 / 179 رقم 17.
4- البدایة والنهایة : 8 / 108 حوادث سنة 59 ه.
5- البدایة والنهایة : 8 / 99 [8 / 107 حوادث سنة 59 ه] ، الإصابة : 5 / 254 [3 / 249 رقم 7177]. (المؤلف)

أو مدّة غیر محدودة ، وقد کان أبوه دفعه إلی النبیِّ صلی الله علیه وآله وسلم لیخدمه ، کما فی أسد الغابة (1) (4 / 215) ومسامرته له صلی الله علیه وآله وسلم سفراً وحضراً طول عمره ، مع ما کان له من العقل ، والحزم ، والرأی السدید ، والشوق المؤکّد إلی تهذیب نفسه ، والولع التامّ إلی تکمیل روحیّاته ، لَغنیً وکفایة عن أیِّ ثناء علی علمه المتدفِّق ، وفضله الکثار ، وتقدّمه فی علمی الکتاب والسنّة.

ومن الفضول أن نتعرَّض لإحصاء شواهد حسن تعلیم النبیِّ صلی الله علیه وآله وسلم إیاه ، وأنَّه کان یجید تربیته ، ویعلّمه معالم دینه ، ویفیض علیه من نمیر فضله ، ویلقِّنه بما یحتاج إلیه الإنسان الکامل من المعارف الدینیّة ، وإنّ ملازمته لصاحب الرسالة ، وهو سیِّد الخزرج وابن سادتها لم تکن خدمةً بسیطةً ، کما هو الشأن فی الخدم والأتباع من الناس ، وإنّما هی کخدمة تلمیذ لأستاذه للتعلّم وأخذ المعارف الدینیّة ، والاقتباس من أنوار علمه ، وممّا لا شکّ فیه أنَّ النبیَّ صلی الله علیه وآله وسلم کان یعلّمه معالم دینه فی کلِّ حال یجده ، وکان قیس یغتنم الفرص ویظهر الشوق إلیه ، وینمُّ عن ذلک ما رواه ابن الأثیر فی أسد الغابة (2) (4 / 215) عن قیس ، قال : مرَّ بی النبیُّ صلی الله علیه وسلم وقد صلّیت وقال : «ألا أدلّک إلی باب من أبواب الجنّة؟». قلت : نعم. قال : «لا حول ولا قوّة إلاّ بالله».

وسماعه بعد وفاة النبیِّ صلی الله علیه وآله وسلم عن أمیر المؤمنین باب مدینة العلم النبویِّ ، وأخذه منه علمی الکتاب والسنّة ، کما قاله لمعاویة فی حدیث یأتی ، لمّا جرت بینهما مناظرة ، واحتجَّ قیس علیه بکلّ آیة نزلت فی علیّ ، وبکلِّ حدیث ورد فی فضله ، حتی قال معاویة : یا ابن سعد : عمّن أخذت هذا ، وعمَّن رویته؟ وعمّن سمعته؟ أبوک أخبرک بذلک؟ وعنه أخذته؟

قال قیس : سمعته وأخذته ممّن هو خیر من أبی ، وأعظم حقّا من أبی. قال : من؟ قال : علیّ بن أبی طالب علیه السلام عالم هذه الأمّة وصدّیقها. 8.

ص: 140


1- أسد الغابة : 4 / 425 رقم 4348.
2- أسد الغابة : 4 / 425 رقم 4348.

کلّ هذه آیةٌ محکمةٌ ، تدلّ علی اطِّلاعه الغزیر فی المعالم الدینیّة ، وبرهنة واضحة تثبت طول باعه فی العلوم الإلهیّة ، ومثل قیس إذا کان أخذه ، وسماعه ، وروایته ، عن مثل مولانا أمیر المؤمنین علیه السلام ینحسر البیان عن استکناه فضله ، ویقصر التعریف عن درک مداه.

ومن شواهد غزارة علمه : إسلامه الراسخ ، وإیمانه المستقرّ ، وعرفانه بأولیاء الأمر بعد نبیِّه ، وتهالکه فی ولائهم ، وتفانیه فی نصرتهم إلی آخر نفَسٍ لفَظه ، وعدم اکتراثه بلومة أیِّ لائم. وکان هناک قوم حنّاق علیه ، من أهل النفاق وحملة الحقد والضغینة ، یعیِّرونه بولاء العترة الطاهرة ، وعدم إیثاره علی دینه عوامل النهمة ، وعدم تأثّره ببواعث الفخفخة أو دواعی الجشع ، وعدم انتظاره منهم فی دولتهم لرتبة ولا راتب ، وعدم إرادته منهم علی ولائه جزاءً عاجلاً ولا شکوراً ، ویشفُّ عن ذلک ما وقع بینه وبین حسّان بن ثابت ، لمّا عزله أمیر المؤمنین عن ولایة مصر ، ورجع إلی المدینة ، فإنَّه حینما قدمها جاءه حسّان شامتاً به ، وکان عثمانیّا ، فقال له : نزعک علیُّ ابن أبی طالب ، وقد قتلت عثمان فبقی علیک الإثم ، ولم یحسن لک الشکر!. فزجره قیس وقال : یا أعمی القلب وأعمی البصر! والله لو لا أن ألقی بین رهطی ورهطک حرباً ، لضربت عنقک ، ثمَّ أخرجه من عنده (1).

ولولا أنّ قیساً مستودع العلوم والمعارف ، ومستقی معالم الدین ، ومعقد جمان الفضیلة ، کما کانت له الشهرة الطائلة فی الدهاء والحزم ، لمَا ولاّه أمیر المؤمنین علیه السلام مصر لإدارة شئونها الدینیّة والمدنیّة ، کما فوّض إلیه إقامة أمورها السیاسیّة والإداریّة والعسکریّة ، ولما کتب إلیه بما مرَّ (ص 71) من کلامه علیه السلام : «وعَلّمْ مِن قِبلک ممّا علّمک الله». فإنّ عامل الخلیفة هو مرجع تلکم الشؤون کلّها فی الوسط الذی استعمل به ، وموئل أمّته فی کلّ مشکلة دینیّة ، کما أنّ له إمامة الجمعة والجماعة ، وما کان للخلیفة ف)

ص: 141


1- تاریخ الطبری : 5 / 131 [4 / 555 حوادث سنة 36 ه] ، شرح ابن أبی الحدید : 2 / 25 [6 / 64 خطبة 67]. (المؤلف)

من مُنتدح عن استعمال من له الکفایة لذلک کلّه.

قال الماوردی فی الأحکام السلطانیّة (1) (ص 24) : إذا قلّد الخلیفة أمیراً علی إقلیم أو بلد ، کانت إمارته علی ضربین : عامّة وخاصّة.

فأمّا العامة علی ضربین : إمارة استکفاء بعقدٍ عن اختیار ، وإمارة استیلاء بعقدٍ عن اضطرار.

فأمّا إمارة الاستکفاء التی تنعقد عن اختیاره ، فتشتمل علی عمل محدود ، ونظر معهود ، والتقلید فیها أن یفوّض إلیه الخلیفة إمارة بلد أو إقلیم ، ولایةً علی جمیع أهله ، ونظراً فی المعهود من سائر أعماله ، فیصیر عامّ النظر فیما کان محدوداً من عمل ، ومعهوداً من نظر ، فیشتمل نظره فیه علی سبعة أمور :

1 - النظر فی تدبیر الجیوش ، وترتیبهم فی النواحی ، وتقدیر أرزاقهم ، إلاّ أن یکون الخلیفة قدّرها فیدرّها علیهم.

2 - النظر فی الأحکام وتقلید القضاة والحکّام.

3 - جبایة الخراج ، وقبض الصدقات ، وتقلید العمّال فیهما ، وتفریق ما استحقّ منهما.

4 - حمایة الدین ، والذبّ عن الحریم ، ومراعاة الدین من تغییر أو تبدیل.

5 - إقامة الحدود فی حقِّ الله ، وحقوق الآدمیِّین.

6 - الجُمع والجماعات ، حتی یؤمَّ بها أو یَستخلفَ علیها.

7 - تسییر الحجیج من عمله.

فإن کان هذا الإقلیم ثغراً متاخماً للعدوِّ اقترن بها ثامنٌ ، وهو : جهاد مَن یلیه من الأعداء ، وقَسْمُ غنائمهم فی المقاتلة ، وأخذ خمسها لأهل الخمس. وتعتبر فی هذه الإمارة الشروط المعتبرة فی وزارة التفویض. 6.

ص: 142


1- الأحکام السلطانیة : 2 / 30 ، 22 ، 6.

وقال فی (ص 20) : یعتبر فی تقلید وزارة التفویض شروط الإمامة إلاّ النسب. وذکر الشروط المعتبرة فی الإمامة (ص 4) وقال : إنّها سبعة :

1 - العدالة علی شروطها الجامعة.

2 - العلم المؤدّی إلی الاجتهاد فی النوازل والأحکام.

3 - سلامة الحواسّ من السمع ، والبصر ، واللسان.

4 - سلامة الأعضاء من نقص یمنع عن استیفاء الحرکة.

5 - الرأی المفضی إلی سیاسة الرعیّة وتدبیر المصالح.

6 - الشجاعة والنّجدة المؤدِّیة إلی حمایة البیضة وجهاد العدوِّ.

7 - النسب وهو أن یکون من قریش.

إذا عرفتَ معنی التقلید بالولایة علی المسلمین ومغزاها ، ووقفتَ علی الأمور الثمانیة التی ینظر إلیها کلّ أمیر بالاستکفاء بعقد عن اختیار ، کأمیر الإسلام الکبیر قیس بن سعد ، واطّلعتَ علی ما یُعتبر فیها من الشروط الستّة المعتبرة فی الإمامة ووزارة التفویض ، فحدِّث عن فضل قیس ولا حرج.

کلمتنا الأخیرة عن قیس : إنّه من عَمَد الدین وأرکان المذهب.

لعلّک بعد ما تلوناه علیک من فضائل المترجَم له وفواضله ، وعلومه ومعارفه ، وحزمه وسداده ، وصلاحه وإصلاحه ، وتهالکه فی نصرة إمامه الطاهر ، وإقامته علم الدین منذ عهد النبوّة وعلی العهد العلویِّ الناصع ، وثباته عند تخاذل الأیدی وتدابر النفوس علی العهد الحسنیِّ ، ومصارحته بکلمة الحقِّ فی کلِّ محتشد إلی آخر حیاته ، وعدم انخداعه ببهرجة الباطل ، وزبرجة الإلحاد السفیانیِّ ، وثراء معاویة الطائل الهاطل علیه لخدعه عن دینه ، حینما بذل له ألف ألف درهم علی أن یصیر معه أو ینصرف عنه کما مرّ (ص 84) ، أنَّک لا تشکّ بعد ذلک کلّه ، فی أنَّ قیساً من عَمد الدین ، وأرکان المذهب ، وعظماء الأمّة ، ودعاة الحق ، فدون مقامه الباذخ ما فی

ص: 143

المعاجم والکتب من جمل الثناء علیه ، مهما بالغوا فیها.

ولولا مثل قیس فی آل سعد ، لما قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وهو رافعٌ یدیه : «اللهمّ اجعل صلواتک ورحمتک علی آل سعد بن عبادة». وما کان یقول فی غزوة ذی قَرَد (1) : «اللهمّ ارحم سعداً وآل سعد ، نعم المرء سعد بن عبادة». وما کان یقول لمّا أکل طعاماً فی منزل سعد : «أکلَ طعامکم الأبرار ، وصلّت علیکم الملائکة ، وأفطر عندکم الصائمون». وما کان یقول لسعد وقیس ، لمّا أتیا بزاملة تحمل زاداً یوم ضلّت زاملة النبیِّ :

«بارک الله علیکما یا أبا ثابت (2) ابشر فقد أفلحت ، إنَّ الإخلاف بید الله فمن شاء أن یمنحه منها خلفاً صالحاً منحه ، ولقد منحک الله خلفاً صالحاً» (3).

فلینظر القارئ فی قیس بن سعد إلی آثار رحمة الله ، ومظاهر صلواته ، ومجالی فضله ، وما أثّرت فیه تلک الدعوة النبویّة ، وما ظهر فیه وفی آله من برکاتها ، وقد حفّت به الصلوات والرحمة الإلهیّة صلوات الله علیه ورحمته وبرکاته.

ولقیس محاضرة ومناظرة مع الشیخین فی قصّة طوق خالد ، ذکرها أبو محمد الدیلمی الحسن بن أبی الحسن فی إرشاد القلوب (4) (2 / 201) ، أفاضها بلسان ذلق ، وإیمان مستقرٍّ ، وجنان ثابت ، نضرب عنها صفحاً ، تحرِّیاً للإیجاز.

*مشایخ قیس والرواة عنه

یروی سیِّد الخزرج عن النبیِّ صلی الله علیه وآله وسلم وصنوه الطاهر ، وعن والده السعید سعد ، 4.

ص: 144


1- ذو قرد : ماء علی لیلتین من المدینة بینها وبین خیبر.
2- کنیة سعد والد المترجَم له. (المؤلف)
3- توجد هذه الأحادیث فی إمتاع المقریزی : ص 263 ، 515 ، تاریخ ابن عساکر : 6 / 82 ، 88 [7 / 119 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 9 / 242] ، السیرة الحلبیّة : 3 / 8 [3 / 7]. (المؤلف)
4- إرشاد القلوب : 2 / 378 - 384.

کما فی الإصابة وتهذیب التهذیب.

ومن روایاته عن والده ما أخرجه الحافظ محمد بن عبد العزیز الجنابذی الحنبلیّ ، فی کتاب معالم العترة ، مرفوعاً إلی قیس ، عن أبیه : أنَّه سمع علیّا رضی الله عنه یقول :

«أصابتنی یوم أُحد ستّ عشرة ضربة ، سقطت إلی الأرض فی أربع منهنّ ، فجاء رجل حسن الوجه ، طیّب الریح ، فأخذ بضَبعی فأقامنی ، ثمّ قال : أقبل علیهم فإنّک فی طاعة الله وطاعة رسوله ، وهما عنک راضیان.

قال علیٌّ : فأتیت النبیَّ صلی الله علیه وآله وسلم فأخبرته فقال : یا علیُّ أقرَّ الله عینک ذاک جبریل». کفایة الطالب طبعة مصر (ص 37) ، نور الأبصار (1) (ص 87).

ویروی عن عبد الله بن حنظلة بن الراهب الأنصاری ، المقتول یوم الحرّة (سنة 63) وکانت الأنصار قد بایعته یومئذٍ ، ذکر روایته عنه ابن حجر فی تهذیب التهذیب (2) (2 / 193 و 5 / 193 و 8 / 396).

ویروی عن سیِّدنا قیس زرافات من الصحابة والتابعین ، ذکر منهم فی حلیة الأولیاء (3) وأُسد الغابة (4) (4 / 215) ، والإصابة (3 / 249) ، وتهذیب التهذیب (5) (8 / 396):

1 - أنس بن مالک الأنصاری ، خادم رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم.

2 - بکر بن سوادة. یروی عن قیس حدیثاً فی الملاهی ، کما فی السنن الکبری للبیهقی. (10 / 222). 2.

ص: 145


1- نور الأبصار : ص 177.
2- تهذیب التهذیب : 5 / 169 رقم 332 ، 8 / 354 رقم 702.
3- حلیة الأولیاء : 6 / 179 رقم 366.
4- أُسد الغابة : 4 / 426 رقم 4348.
5- تهذیب التهذیب : 8 / 354 رقم 702.

3 - ثعلبة بن أبی مالک القرظی.

4 - عامر بن شراحیل الشعبیّ : المتوفّی (104).

5 - عبد الرحمن بن أبی لیلی الأنصاری ، خاصّة أمیر المؤمنین وصاحب رایته یوم الجمل ، ضربه الحجّاج حتی اسودّ کتفاه علی سبِّ علیّ فما فعل. کان أصحاب رسول الله یسمعون لحدیثه ، وینصتون له.

قال عبد الله بن حارث : ما ظننت أنَّ النساء ولدن مثله. ووثّقه ابن معین والعجلی (1) وغیرهما ، تُوفّی (81 ، 82 ، 83 ، 86) ، ترجمه ابن خلّکان (2) (1 / 296) وکثیرٌ من أرباب المعاجم.

6 - عبد الله بن مالک الجیشانی : المتوفّی (77).

ترجمه ابن حجر فی تهذیبه (3) (5 / 380) ، وحکی عن جمع ثقته ، وعن مرثد : کان أعبد أهل مصر ، یروی عن أمیر المؤمنین ، وعمر ، وأبی ذرّ ، ومعاذ بن جبل ، وعقبة.

7 - أبو عبد الله عروة بن الزبیر بن العوّام الأسدی ، المدنی.

8 - أبو عمار عَریب بن حمید الهمدانی.

یروی عن أمیر المؤمنین ، وحذیفة ، وعمار ، وأبی میسرة ، وثّقه أحمد وغیره. راجع تهذیب التهذیب (4) (7 / 191).

9 - أبو میسرة عمرو بن شرحبیل الهمدانی ، الکوفی : المتوفّی (63).

أثنی علیه شیخنا الشهید الثانی فی درایته (5) وقال : تابعیّ فاضل من أصحاب 5.

ص: 146


1- تاریخ الثقات : ص 298 رقم 978.
2- وفیات الأعیان : 3 / 126 رقم 360.
3- تهذیب التهذیب : 5 / 332 رقم 649.
4- تهذیب التهذیب : 7 / 172 رقم 364.
5- الدرایة : ص 135.

محمد بن مسعود. وترجمه ابن حجر فی الإصابة (3 / 114) ، وفی تهذیبه (1) (8 / 47) وقال : ذکره ابن حبّان فی الثقات (2) وقال : کان من العبّاد ، وکانت رکبته کَرُکبة البعیر من کثرة الصلاة.

10 - عمرو بن الولید السهمی المصری : المتوفّی سنة (103) مولی عمرو بن العاص ، یروی عن جمع من الصحابة منهم : المترجم له - قیس - کما فی تهذیب التهذیب (3) (8 / 116) ، ومن أحادیثه عنه : حدیثٌ فی الملاهی ، أخرجه من طریقه البیهقی فی السنن (10 / 222).

11 - أبو نصر میمون بن أبی شبیب الربعی الکوفی : المتوفّی (83) ویقال : الرقِّی.

یروی عن أمیر المؤمنین وعمر ومعاذ بن جبل وأبی ذر والمقداد وابن مسعود.

ترجمه ابن حجر فی تهذیبه (4).

12 - هُزیل بن شرحبیل الأزدی الکوفی. کما فی حلیة الأولیاء (5 / 24) ، والإصابة (3 / 619).

13 - الولید بن عَبَدة - بفتح الباء - مولی عمرو بن العاص. یروی عن المترجَم له کما فی تهذیب ابن حجر (5) (11 / 141) ، ولعلّه عمرو بن الولید المذکور ، کما یظهر من کلام الدارقطنی (6).

14 - أبو نجیح یسار الثقفی ، المکّی : المتوفّی (109). 6.

ص: 147


1- تهذیب التهذیب : 8 / 42 رقم 78.
2- الثقات : 5 / 168.
3- تهذیب التهذیب : 8 / 102 رقم 193.
4- تهذیب التهذیب : 10 / 347 رقم 700.
5- تهذیب التهذیب : 11 / 124 رقم 235.
6- المؤتلف والمختلف : 3 / 1516.

حکی ابن حجر فی تهذیبه (1) عن جمع ثقته ، وروی ابن الأثیر فی أُسد الغابة (2) (4 / 215) عنه ، عن قیس ، عن النبیّ صلی الله علیه وسلم قوله : «لو کان العلم متعلّقاً بالثریّا لناله ناس من فارس». وأخرجه أبو بکر الشیرازی : المتوفّی (407) فی الألقاب ، کما فی تبییض الصحیفة (ص 4).

معاویة وقیس قبل وقعة صفّین

ذکر غیر واحد من رجال التاریخ فی معاجمهم (3) : أنَّه لمّا قرب یوم صفِّین ، خاف معاویة علی نفسه أن یأتیه علیّ بأهل العراق ، وقیس بأهل مصر ، فیقع بینهما ، ففکَّر فی استدراج قیس واختداعه فکتب إلیه :

أمّا بعد : فإنّکم إن کنتم نقمتم علی عثمان فی أثَرَة رأیتموها ، أو ضربة سوط ضربها ، أو فی شتمه رجلاً ، أو تسییره أحداً ، أو فی استعماله الفتیان من أهله ، فقد عَلِمْتُمْ أنَّ دمه لم یحلَّ لکم بذلک ، فقد رکبتم عظیماً من الأمر ، وجئتم شیئاً إدّا ، فتب یا قیسُ إلی ربِّک إن کنتَ من الُمجْلبین علی عثمان إن کانت التوبة من قتل المؤمن تغنی شیئاً.

فأمّا صاحبک ؛ فإنّا استیقنّا أنَّه الذی أغری الناس ، وحَملَهم حتی قتلوه ، وأنَّه لم یسْلَم من دمه عظیم قومک ، فإن استطعتَ أن تکون ممّن یطلب بدم عثمان ، فبایعنا علی علیّ فی أمرنا ، ولک سلطان العِراقَیْن إن أنا ظفرتُ ما بقیت ، ولمن أحببتَ من أهل بیتک سلطان الحجاز ما دام لی سلطان ، وسلنی غیر هذا ما تحبّ. ف)

ص: 148


1- تهذیب التهذیب : 11 / 331 رقم 636.
2- أُسد الغابة : 4 / 426 رقم 4348.
3- ذکره الطبری فی تاریخه : 5 / 228 [4 / 550 حوادث سنة 36 ه] ، وابن الأثیر فی کامله : 3 / 107 [2 / 355 حوادث سنة 36 ه] ، وابن أبی الحدید فی شرح النهج : 2 / 23 [6 / 60 خطبة 67] نقلاً عن کتاب الغارات لابراهیم الثقفی : المتوفّی (283) [ص 131]. (المؤلف)

فکتب إلیه قیس :

أمّا بعد : فقد وصل إلیّ کتابک ، وفهمتُ الذی ذکرتَ من أمر عثمان ، وذلک أمرٌ لم أُقاربه ، وذکرتَ أنَّ صاحبی هو الذی أغری الناس بعثمان ، ودسّهم إلیه حتی قتلوه ، وهذا أمرٌ لم أطّلِع علیه ، وذکرتَ لی أنّ عظم عشیرتی لم تسلم من دم عثمان ، فلعمری إنَّ أولی الناس کان فی أمره عشیرتی. وأمّا ما سألتنی من مبایعتک علی الطلب بدم عثمان ، وما عرضته علیَّ ، فقد فهمتُه ، وهذا أمر لی فیه نظر وفکر ، ولیس هذا ممّا یُعجل إلی مثله ، وأنا کافّ عنک ، ولیس یأتیک من قبلی شیء تکرهه ، حتی تری ونری.

فکتب إلیه معاویة :

أمّا بعد : فقد قرأتُ کتابکَ ، فلم أرَکَ تدنو فأعدّک سِلماً ، ولم أرک تتباعد فأعدّک حرباً ، أراک کحبل الجزور ، ولیس مثلی یُصانَعُ بالخداع ، ولا یُخدعُ بالمکاید ، ومعه عدد الرجال ، وبیده أعنّة الخیل ، فإن قبلتَ الذی عرضتُ علیک فلک ما أعطیتُک ، وإن أنت لم تفعل ، ملأتُ علیک خیلاً ورجلاً ، والسلام.

فکتب إلیه قیس :

أمّا بعد : فالعجب من استسقاطک رأیی والطمع فی أن تسومنی لا أبا لغیرک - الخروج عن طاعة أولی الناس بالأمر ، وأقوَلهم للحقِّ ، وأهداهم سبیلاً ، وأقربهم من رسول الله وسیلةً ، وتأمرنی بالدخول فی طاعتک ، طاعة أبعد الناس من هذا الأمر ، وأقوَلهم للزور ، وأضلّهم سبیلا ، وأبعدهم من رسول الله وسیلة ، ولدیک قوم ضالّون مضلّون ، طاغوت من طواغیت إبلیس. وأمّا قولک : إنَّک تملأ علیَّ مصر خیلاً ورجلاً ، فلئن لم أُشغلک عن ذلک حتی یکون منک ، إنَّک لذو جدّ ، والسلام.

وفی لفظ الطبری : فو الله إن لم أُشغلک بنفسک حتی تکون نفسک أهمَّ إلیک ، إنَّک لذو جدّ.

ص: 149

فلما أیس معاویة منه کتب إلیه (1) :

أمّا بعد : فإنک یهودیّ ابن یهودیّ ، إن ظفر أحبّ الفریقین إلیک عَزَلَک ، واستبدل بک ، وإن ظفر أبغضهما إلیک قتلَکَ ونکّل بک ، وکان أبوک وتر قوسَه ، ورمی غیر غرضه ، فأکثر الحزّ ، وأخطأ المِفْصَل ، فخذله قومه ، وأدرکه یومه ، ثمّ مات طریداً بحوران. والسلام.

فکتب إلیه قیس :

أمّا بعد : فإنّما أنت وثن ابن وثن ، دخلت فی الإسلام کرهاً ، وخرجت منه طوعاً ، لم یَقْدُمْ إیمانک ، ولم یحدُثْ نفاقک ، وقد کان أبی وتر قوسه ، ورمی غرضه ، وشغب علیه من لم یبلغ کعبه ، ولم یشقّ غباره ، ونحن أنصار الدین الذی خرجتَ منه ، وأعداء الدین الذی دخلتَ فیه. والسلام.

راجع (2) : کامل المبرّد (1 / 309) ، البیان والتبیین (2 / 68) ، تاریخ الیعقوبی (2 / 163) ، عیون الأخبار لابن قتیبة (2 / 213) ، مروج الذهب (2 / 62) ، مناقب الخوارزمی (ص 173) ، شرح ابن أبی الحدید (4 / 15).

لفظ الجاحظ فی کتاب التاج (3) (ص 109) : کتب قیس إلی معاویة :

یا وثن ابن وثن ، تکتب إلیّ تدعونی إلی مفارقة علیِّ بن أبی طالب والدخول فی طاعتک ، وتخوِّفنی بتفرّق أصحابه عنه ، وإقبال الناس علیک وإجفالهم إلیک ، فو الله الذی لا إله غیره ، لو لم یبقَ له غیری ، ولم یبقَ لی غیره ، ما سالمتک أبداً وأنت حربه ، 4.

ص: 150


1- من هنا کلام الجاحظ فی البیان والتبیّین : 2 / 68 [2 / 58] والکتب المذکورة توجد فی تعلیق البیان : 2 / 48. (المؤلف)
2- الکامل فی اللغة والأدب : 1 / 419 ، تاریخ الیعقوبی : 2 / 186 - 187 ، مروج الذهب : 3 / 26 ، المناقب : ص 258 ح 240 ، شرح نهج البلاغة : 16 / 43 خطبة 31.
3- التاج فی أخلاق الملوک : ص 114.

ولا دخلت فی طاعتک وأنت عدوّه ، ولا اخترت عدوَّ الله علی ولیِّه ، ولا حزب الشیطان علی حزب الله. والسلام.

کتاب مفتعل :

فلمّا أیس معاویة من قیس أن یتابعه علی أمره ، شقَّ علیه ذلک ، وثقل علیه مکانه ، لما کان یعرف من حزمه وبأسه ، ولم تنجح حیلة فیه تکاده من قِبل علیّ ، فقال لأهل الشام : إنَّ قیساً قد تابعکم فادعوا الله له ولا تسبّوه ، ولا تدعوا إلی غزوه ، فإنّه لنا شیعة ، قد تأتینا کتبه ونصیحته سرّا ، ألا ترون ما یفعل بإخوانکم الذین عنده من أهل - خربتا - یجری علیهم عطایاهم وأرزاقهم ویحسن إلیهم.

واختلق کتاباً ونسبه إلی قیس ، فقرأه علی أهل الشام وهو :

بسم الله الرحمن الرحیم. للأمیر معاویة بن أبی سفیان من قیس بن سعد :

سلامٌ علیک ، فإنّی أحمد إلیکم الله الذی لا إله إلاّ هو ، أمّا بعد :

فإنّی لمّا نظرت لنفسی ودینی فلم أرَ یسعنی مظاهرة قوم قتلوا إمامهم مسلماً محرَّماً برّا تقیّا ، فنستغفر الله لذنوبنا ، ونسأله العصمة لدیننا ، ألا وإنِّی قد ألقیت إلیکم بالسلم ، وإنِّی أجبتک إلی قتال قتلة عثمان رضی الله عنه إمام الهدی المظلوم ، فعوِّل علیَّ فیما أحببت من الأموال والرجال ، أُعجّل علیک. والسلام (1).

إنَّ شنشنة التقوُّل والافتعال غریزة ثابتة فی سجایا معاویة ، ومنذ عهده شاعت الأحادیث المزوَّرة فیما یعنیه من فضل بنی أمیّة ، والوقیعة فی بنی هاشم ، عترة الوحی وأنصاره ، یوم کان یَهبُ القناطیر المقنطرة من الذهب والفضّة لأهل الجباه السود ، فیضعون له فی ذلک روایات معزوّة إلی صاحب الرسالة صلی الله علیه وآله وسلم ؛ فإنّه بذل لسمرة بن ف)

ص: 151


1- تاریخ الطبری : 5 / 229 [4 / 553 حوادث سنة 36 ه] ، کامل ابن الأثیر : 3 / 117 [2 / 356 حوادث سنة 36 ه] ، شرح ابن أبی الحدید 2 / 24 [6 / 62 خطبة 67]. (المؤلف)

جندب مائة ألف درهم لیروی أنّ قوله تعالی : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ یَشْرِی نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ) (1) نزل فی ابن ملجم أشقی مراد. وقوله تعالی : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ یُعْجِبُکَ قَوْلُهُ فِی الْحَیاةِ الدُّنْیا وَیُشْهِدُ اللهَ عَلی ما فِی قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ) (2) الآیة. نزل فی علیّ أمیر المؤمنین. فلم یقبل ، فبذل له مائتی ألف درهم فلم یقبل ، فبذل له أربعمائة ألف درهم فقبل (3) ، وله من نظائر هذا شیءٌ کثیرٌ.

فلیس من البِدع اختلاقه علی قیس ، وهو یفتعل علی سیِّده النبیِّ الأطهر ما لم یقله ، وعلی أمیر المؤمنین ما لم یکن ، وعلی سروات المجد من بنی هاشم الأطیبین ما هم عنه بُعداء. فهو مبتدع هذه الخزایات العائدة علیه وعلی لفیفه فی عهد ملوکیّته المظلم ، وعلی هذا کان دینه ودیدنه ، ثمَّ تمرّنت رواة السوء من بعده علی روایة الموضوعات ، وشاعت وکثرت ، إلی أن ألقت العلماء وحفظة الحدیث فی جهود متعبة بالتألیف ، فی تمییز الموضوع من غیره ، والخبیث من الطیِّب.

لم یزل معاویة دائباً علی ذلک متهالکاً فیه ، حتی کبر علیه الصغیر ، وشاخ الکهل ، وهرم الکبیر ، فتداخل بغض أهل البیت علیهم السلام فی قلوب ران علیها ذلک التمویه ، فتسنّی له لعن أمیر المؤمنین علیه السلام وسبّه فی أعقاب الصلوات فی الجمعة والجماعات! وعلی صهوات المنابر فی شرق الأرض وغربها ، حتی فی مهبط وحی الله المدینة المنوّرة.

قال الحموی فی معجم البلدان (4) (5 / 38) : لُعن علیُّ بن أبی طالب رضی الله عنه علی منابر الشرق والغرب ، ولم یُلعن علی منبر سجستان إلاّ مرّة ، وامتنعوا علی بنی أمیَّة حتی زادوا فی عهدهم : وأن لا یُلعن علی منبرهم أحدٌ. وأی شرف أعظم من امتناعهم 1.

ص: 152


1- البقرة : 207.
2- البقرة : 204.
3- شرح ابن أبی الحدید : 1 / 361 [4 / 73 خطبة 56]. (المؤلف)
4- معجم البلدان : 3 / 191.

من لعن أخی رسول الله صلی الله علیه وسلم علی منبرهم ، وهو یُلعن علی منابر الحرمین - مکّة والمدینة. انتهی.

لمّا مات الحسن بن علی علیهما السلام حجّ معاویة فدخل المدینة ، وأراد أن یلعن علیّا علی منبر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فقیل له : إنَّ هاهنا سعد بن أبی وقّاص ، ولا نراه یرضی بهذا ، فابعث إلیه وخذ رأیه. فأرسل إلیه وذکر له ذلک فقال : إن فعلت لأخرجنَّ من المسجد ، ثمّ لا أعود الیه. فأمسک معاویة عن لعنه حتی مات سعد ، فلمّا مات لعنه علی المنبر ، وکتب إلی عمّاله : أن یلعنوه علی المنابر. ففعلوا.

فکتبت أمّ سلمة زوج النبیِّ صلی الله علیه وآله وسلم إلی معاویة : إنَّکم تلعنون الله ورسوله علی منابرکم! وذلک أنَّکم تلعنون علیَّ بن أبی طالب ومن أحبه ، وأنا أشهد أنّ الله أحبه ورسوله. فلم یلتفت إلی کلامها (1).

قال الجاحظ فی کتاب الردِّ علی الإمامیّة : إنَّ معاویة کان یقول فی آخر خطبته : اللهم إنَّ أبا تراب ألحد فی دینک ، وصدَّ عن سبیلک ، فالعنه لعناً وبیلاً ، وعذِّبه عذاباً ألیما. وکتب بذلک إلی الآفاق ، فکانت هذه الکلمات یشادبها علی المنابر إلی أیّام عمر ابن عبد العزیز. وإنَّ قوماً من بنی أمیّة قالوا لمعاویة : یا أمیر المؤمنین إنَّک قد بلغت ما أمّلت ، فلو کففتَ عن هذا الرجل. فقال : لا والله حتی یربو علیه الصغیر ، ویهرم علیه الکبیر ، ولا یذکر له ذاکرٌ فضلاً. وذکره ابن أبی الحدید فی شرحه (2) (1 / 356).

قال الزمخشری فی ربیع الأبرار (3) - علی ما یعلق بالخاطر والحافظ السیوطی : إنّه کان فی أیّام بنی أمیّة أکثر من سبعین ألف منبر ، یُلعن علیها علیّ بن أبی طالب ، بما سنّه لهم معاویة من ذلک. وفی ذلک یقول العلاّمة الشیخ أحمد الحفظی 6.

ص: 153


1- العقد الفرید : 2 / 300 [4 / 159]. (المؤلف)
2- شرح نهج البلاغة : 4 / 56 ، 57 خطبة 56.
3- ربیع الأبرار : 2 / 186.

الشافعی فی أُرجوزته :

وقد حکی الشیخ السیوطی أنَّه

قد کان فیما جعلوهُ سُنَّهْ

سبعون ألف منبرٍ وَعشَرهْ

من فوقهنّ یلعنون حیدرَهْ

وهذه فی جنبها العظائمُ

تَصْغُرُ بل تُوجّهُ اللوائمُ

فهل تری من سنّها یعادی

أم لا وهل یُستَرُ أو یهادی

أو عالمٌ یقول عنه نسکتُ

أجب فإنّی للجواب مُنصتُ

ولیت شعری هل یقالُ اجتهدا

کقولهم فی بغیِهِ أم ألحدا

ألیس ذا یؤذیه أم لا فاسمَعنْ

إنَّ الذی یؤذیه من ومن ومن

بل جاء فی حدیثِ أمّ سلمهْ

هل فیکمُ الله یُسبُّ مه لِمَهْ

عاون أخا العرفان بالجوابِ

وعادِ من عادی أبا ترابِ

وکان أمیر المؤمنین یخبر بذلک کلّه ویقول : «أما إنّه سیظهر علیکم بعدی رجلٌ رَحْب البلعوم ، مُنْدَحِق البطن (1) یأکل ما یجد ، ویطلب ما لا یجد ، فاقتلوه ولن تقتلوه ، ألا وإنَّه سیأمر کم بسبّی والبراءة منّی». نهج البلاغة (2).

ونحن لو بسطنا القول فی المقام ، لخرج الکتاب عن وضعه ، إذ صحائف تاریخ معاویة السوداء ومن لفَّ لفّه من بنی أمیّة ، إنّما تُعدّ بالآلاف لا بالعشرات والمئات.

الصلح بین قیس ومعاویة

أَمّرت شرطة الخمیس قیس بن سعد علی أنسهم - وکان یعرف بصاحب شرطة الخمیس کما فی الکشّی (3) (ص 72) - وتعاهد هو معهم علی قتال معاویة ، 7.

ص: 154


1- مندحق البطن : واسعها. کان معاویة موصوفاً بالنهم وکثرة الأکل. (المؤلف)
2- نهج البلاغة : ص 92 خطبة 57.
3- رجال الکشّی : 1 / 326 رقم 177.

حتی یشترط لشیعة علیّ ولمن کان اتّبعه علی أموالهم ودمائهم ، وما أصابوا فی الفتنة ، فأرسل معاویة إلی قیس یقول : علی طاعة من تُقاتل ، وقد بایعنی الذی أعطیته طاعتک؟ فأبی قیس أن یلین له ، حتی أرسل الیه معاویة بسجلّ قد ختم علیه فی أسفله ، وقال : اکتب فی هذا ما شئت فهو لک. فقال عمرو بن العاص لمعاویة : لا تعطه هذا وقاتله.

فقال معاویة : علی رسلک فإنّا لا نخلص إلی قتلهم حتی یقتلوا أعدادهم من أهل الشام ، فما خیر العیش بعد ذلک؟! فإنّی والله لا أقاتله أبداً حتی لا أجد من قتاله بُدّا.

فلمّا بعث إلیه معاویة ذلک السجل ، اشترط قیس له ولشیعة علیّ أمیر المؤمنین علیه السلام الأمان علی ما أصابوا من الدماء والأموال ، ولم یسأل فی سجلّه ذلک مالاً ، وأعطاه معاویة ما سأل ، ودخل قیس ومن معه فی طاعته (1).

قال أبو الفرج (2) : فأرسل معاویة إلیه یدعوه إلی البیعة ، فلمّا أرادوا إدخاله إلیه ، قال إنّی حلفت أن لا ألقاه إلاّ بینی وبینه الرمح أو السیف. فأمر معاویة برمح وسیف فوضعا بینهما لیبرَّ یمینه ، فلمّا دخل قیس لیبایع ، وقد بایع الحسن علیه السلام فأقبل علی الحسن علیه السلام فقال : أفی حلٍّ أنا من بیعتک؟. فقال : «نعم». فأُلقی له کرسیٌّ ، وجلس معاویة علی سریر والحسن معه ، فقال له معاویة : أتبایع یا قیس؟ قال : نعم. ووضع یده علی فخذه ولم یمدّها إلی معاویة ، فجاء معاویة من سریره ، وأکبّ علی قیس حتی مسح یده ، وما رفع إلیه قیس یده (3). ف)

ص: 155


1- تاریخ الطبری : 6 / 94 [5 / 164 حوادث سنة 41 ه] ، کامل ابن الأثیر : 3 / 163 [2 / 448 حوادث سنة 41 ه]. (المؤلف)
2- مقاتل الطالبیّین : ص 79.
3- شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید : 4 / 17 [16 / 48 کتاب 31]. (المؤلف)

قال الیعقوبی فی تاریخه (1) (2 / 192) : بویع معاویة بالکوفة فی ذی القعدة سنة (40) وأحضر الناس لبیعته ، وکان الرجل یحضر فیقول : والله یا معاویة إنّی لأُبایعک وإنّی لکارهٌ لک. فیقول : بایع فإنَّ الله قد جعل فی المکروه خیراً کثیراً ، ویأتی الآخر فیقول : أعوذ بالله من شرّ نفسک.

وأتاه قیس بن سعد بن عبادة ، فقال : بایع قیس. قال : إنّی کنت لأکرهُ مثل هذا الیوم یا معاویة. فقال له : مَه رحمک الله. فقال : لقد حرصت أن أفرّق بین روحک وجسدک قبل ذلک ، فأبی الله یا ابن أبی سفیان إلاّ ما أحبَّ. قال : فلا یُردّ أمر الله.

قال : فأقبل قیس علی الناس بوجهه فقال : یا معشر الناس لقد اعتضتم الشرّ من الخیر ، واستبدلتم الذلّ من العزّ ، والکفر من الإیمان ، فأصبحتم بعد ولایة أمیر المؤمنین ، وسیّد المسلمین ، وابن عمّ رسول ربّ العالمین ، وقد وَلیَکم الطلیق ابن الطلیق ، یسومکم الخسف ، ویسیر فیکم بالعسف ، فکیف تجهل ذلک أنفسکم؟ أم طبع الله علی قلوبکم وأنتم لا تعقلون؟

فجثا معاویة علی رکبته ، ثمّ أخذ بیده ، وقال : أقسمت علیک. ثمَّ صفق علی کفّه ونادی الناس : بایعَ قیس. فقال : کذبتم والله ما بایعتُ. ولم یبایع لمعاویة أحدٌ إلاّ أُخذ علیه الأَیْمان ، فکان أوّل من استحلف علی بیعته.

أخرج الحافظ عبد الرزّاق ، عن ابن عُیینة ، قال : قدم قیس بن سعد علی معاویة ، فقال له معاویة : وأنت یا قیس ، تُلْجِمُ علیَّ مع من ألجم؟ أما والله لقد کنت أُحبُّ أن لا تأتینی هذا الیوم إلاّ وقد ظفر بک ظفر من أظافری موجع. فقال له قیس : وأنا والله قد کنت کارهاً أن أقوم فی هذا المقام ، فأحیّیک بهذه التحیّة. فقال له معاویة : ولِمَ؟ وهل أنتَ إلاّ حبر من أحبار الیهود؟ فقال له قیس : وأنت یا معاویة کنت صنماً من أصنام الجاهلیّة ، دخلت فی الإسلام کارهاً ، وخرجت منه طائعاً ، فقال 6.

ص: 156


1- تاریخ الیعقوبی : 2 / 216.

معاویة : اللهمّ غفراً ، مُدَّ یدک. فقال له قیس : إن شئت زدتُ وزدت. تاریخ ابن کثیر (1) (8 / 99).

قیس ومعاویة فی المدینة بعد الصلح بینهما :

دخل قیس بن سعد بعد وقوع الصلح فی جماعة من الأنصار علی معاویة ، فقال لهم معاویة : یا معشر الأنصار بِم تطلبون ما قِبلی؟ فو الله لقد کنتم قلیلاً معی کثیراً علیَّ ، ولَفَلَلْتم حدِّی یوم صفِّین ، حتی رأیت المنایا تلظّی فی أسنّتکم ، وهجوتمونی فی أسلافی بأشدّ من وقع الأسنّة ، حتی إذا أقام الله ما حاولتم میله ، قلتم : ارعَ فینا وصیة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم. هیهات یأبی الحقین العِذْرة.

فقال قیس : نطلب ما قبلک بالإسلام الکافی به الله لا بما نَمّتْ به إلیک الأحزاب ، وأمّا عداوتنا لک فلو شئتَ کففتَها عنک ، وأمّا هجاؤُنا إیّاک فقول یزول باطله ویثبت حقّه ، وأمّا استقامة الأمر فعلی کُرهٍ کان منّا ، وأمّا فَلّنا حدّک یوم صفّین ، فإنّا کنّا مع رجل نری طاعة الله طاعته ، وأمّا وصیّة رسول الله بنا فمن آمن به رعاها بعده ، وأمّا قولک : یأبی الحقین العِذرة ، فلیس دون الله ید تحجزک منّا یا معاویة ، فدونک أمرک یا معاویة ، فإنّما مثلک کما قال الشاعر :

یا لکِ من قُبّرةٍ بمَعمرِ

خلا لکِ الجوّ فبیضی واصفری

فقال معاویة یموِّه : ارفعوا حوائجکم. العقد الفرید (2) (2 / 121) ، مروج الذهب (3) (2 / 63) ، الإمتاع والمؤانسة (3 / 170).

بیان : قول معاویة : یأبی الحقین العِذْرة (4) مثل سائر ، أصله : أنّ رجلاً نزل بقوم

0.

ص: 157


1- البدایة والنهایة : 8 / 107 حوادث سنة 59 ه.
2- العقد الفرید : 3 / 219.
3- مروج الذهب : 3 / 26.
4- مجمع الأمثال : 1 / 69 رقم 160.

فاستسقاهم لبناً ، فاعتلّوا علیه وزعموا أن لا لبن عندهم ، وکان اللبن محقوناً فی وطاب عندهم. یُضرب به للکاذب الذی یعتذر ولا عذر له ، یعنی : أنّ اللبن المحقون لدیکم یکذّبکم فی عذرکم. فما فی مروج الذهب من : یأبی الحقیر العذرة. وفی العقد الفرید : أبی الخبیر العذر. فهو تصحیف.

قیس ومعاویة فی المدینة

روی التابعیُّ الکبیر أبو صادق سلیم بن قیس الهلالی فی کتابه (1) ، قال :

قدم معاویة حاجّا فی أیّام خلافته بعد ما مات الحسن بن علیّ علیهما السلام ، فاستقبله أهل المدینة ، فنظر فإذا الذین استقبلوه عامّهم قریش ، فالتفت معاویة إلی قیس بن سعد بن عبادة ، فقال : ما فعلت الأنصار ، وما بالها ما تستقبلنی؟ فقیل : إنَّهم محتاجون لیس لهم دواب. فقال معاویة : فأین نواضحهم؟

فقال قیس بن سعد : أفنوها یوم بدر وأُحد وما بعدهما من مشاهد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم حین ضربوک وأباک علی الإسلام ، حتی ظهر أمر الله وأنتم کارهون.

فقال معاویة : اللهم اغفر. فقال قیس : أما إنَّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قال : «سترون بعدی أثرة». فقال معاویة : فما أمرکم به؟ قال : أمرنا أن نصبر حتی نلقاه. قال : فاصبروا حتی تَلْقوه.

ثمّ قال : یا معاویة تعیِّرنا بنواضحنا؟ والله لقد لقیناکم علیها یوم بدر وأنتم جاهدون علی إطفاء نور الله ، وأن تکون کلمة الشیطان هی العلیا ؛ ثمَّ دخلتَ أنت وأبوک کرهاً فی الإسلام الذی ضربناکم علیه.

فقال معاویة : کأنّک تمنّ علینا بنصرتکم إیّانا ، فلله ولقریش بذلک المنّ والطول. ألستم تمنّون علینا یا معشر الأنصار بنصرتکم رسول الله؟ وهو من قریش 6.

ص: 158


1- کتاب سلیم بن قیس : 777 / ح 26.

وهو ابن عمّنا ومنّا ، فلنا المنّ والطَّول أن جعلکم الله أنصارنا وأتباعنا فهداکم بنا.

فقال قیس : إنَّ الله بعث محمداً صلی الله علیه وآله وسلم رحمةً للعالمین ، فبعثه إلی الناس کافّة ، وإلی الجنّ ، والإنس ، والأحمر ، والأسود ، والأبیض ، اختاره لنبوّته ، واختصّه برسالته ، فکان أوّل من صدّقه وآمن به ابن عمّه علیّ بن أبی طالب علیه السلام وأبو طالب یذبُّ عنه ویمنعه ، ویحول بین کفّار قریش وبین أن یردعوه أو یؤذوه ، وأمره أن یبلِّغ رسالة ربِّه ، فلم یزل ممنوعاً من الضیم والأذی حتی مات عمّه أبو طالب ، وأمر ابنه بموازرته ، فوازره ونصره ، وجعل نفسه دونه فی کلِّ شدیدة ، وکلِّ ضیق ، وکلِّ خوف ، واختصَّ الله بذلک علیّا علیه السلام من بین قریش ، وأکرمه من بین جمیع العرب والعجم ، فجمع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم جمیع بنی عبد المطّلب ، فیهم أبو طالب وأبو لهب ، وهم یومئذ أربعون رجلاً ، فدعاهم رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وخادمه علیّ علیه السلام ورسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی حجر عمِّه أبی طالب ، فقال : «أیّکم ینتدب أن یکون أخی ، ووزیری ، ووصیّی ، وخلیفتی فی أمّتی ، وولیّ کلِّ مؤمن بعدی؟».

فسکت القوم حتی أعادها ثلاثاً ، فقال علیٌّ علیه السلام : «أنا یا رسول الله صلّی الله علیک» فوضع رأسه فی حجره ، وتفل فی فیه ، وقال : «اللهمّ املأ جوفه علماً وفهماً وحکماً». ثمّ قال لأبی طالب : «یا أَبا طالب اسمع الآن لابنک وأطع فقد جعله الله من نبیِّه بمنزلة هارون من موسی» وآخی صلی الله علیه وآله وسلم بین علیّ وبین نفسه. فلم یدع قیس شیئاً من مناقبه إلاّ ذکره واحتجَّ به.

وقال : منهم : جعفر بن أبی طالب الطیّار فی الجنّة بجناحین ، اختصّه الله بذلک من بین الناس ، ومنهم : حمزة سیِّد الشهداء ، ومنهم : فاطمة سیِّدة نساء أهل الجنّة. فإذا وضعتَ من قریش رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وأهل بیته وعترته الطیِّبین ، فنحن - والله - خیرٌ منکم یا معشر قریش ، وأحبّ إلی الله ورسوله وإلی أهل بیته منکم ، لقد قُبض رسول الله فاجتمعت الأنصار إلی أبی ، ثمّ قالوا : نبایع سعداً ، فجاءت قریش فخاصمونا بحجّة علیّ وأهل بیته ، وخاصمونا بحقّه وقرابته ، فما یعدو قریشاً أن

ص: 159

یکونوا ظلموا الأنصار وظلموا آل محمد ، ولعمری ما لأحد من الأنصار ولا لقریش ولا لأحد من العرب والعجم فی الخلافة حقٌّ مع علیّ بن أبی طالب وولده من بعده.

فغضب معاویة ، وقال : یا ابن سعد عمّن أخذت هذا؟ وعمّن رویته؟ وعمّن سمعته؟ أبوک أخبرک بذلک وعنه أخذته؟

فقال قیس : سمعته وأخذته ممّن هو خیر من أبی ، وأعظم علیَّ حقّا من أبی. قال : مَن؟ قال : علیُّ بن أبی طالب ، عالم هذه الأمّة ، وصدّیقها الذی أنزل الله فیه : (قُلْ کَفی بِاللهِ شَهِیداً بَیْنِی وَبَیْنَکُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْکِتابِ) (1) - فلم یدع آیة نزلت فی علیّ إلاّ ذکرها.

قال معاویة : فإنَّ صدّیقها أبو بکر ، وفاروقها عمر ، والذی عنده علم الکتاب عبد الله بن سلام.

قال قیس : أحقّ هذه الأسماء وأولی بها الذی أنزل الله فیه : (أَفَمَنْ کانَ عَلی بَیِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَیَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ) (2) والذی نصبه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بغدیر خُمّ فقال : «من کنت مولاه أولی به من نفسه ، فعلیٌّ أولی به من نفسه» وقال فی غزوة تبوک : «أنت منّی بمنزلة هارون من موسی إلاّ أنَّه لا نبیَّ بعدی».

کلّ ما ذکره قیس فی هذه المناظرة من الآیات النازلة فی أمیر المؤمنین ، والأحادیث النبویّة المأثورة فی فضله ، أخرجها الحفّاظ والعلماء فی المسانید والصحاح ، نذکر کُلاّ منها فی محلّه إن شاء الله ، کما مرّ بعضها.

قیس فی خلقته :

إنَّ للأشکال والهیئات دخلاً فی مواقع الأبّهة والإکبار ، فإنَّها هی التی تملأ 7.

ص: 160


1- الرعد : 43.
2- هود : 17.

العیون بادئ بدء ، وهی أوّل ما یقع علیه النظر من الإنسان قبل کلّ ما انحنت علیه أضالعه ، من جأشٍ رابط ، وبطولة وبسالة ، ودهاء وحزم ، ولذلک قیل : إنَّ للهیئة قسطاً من الثمن ، وهذا فی الملوک والأمراء ، وذوی الشؤون الکبیرة آکد ، فإنَّ الرعیّة تتفرّس فی العظیم فی جثّته عِظماً فی معنویّاته ، وتترسّم منه کبر نفسیّاته ، وشدّة أمره ، ونفوذ عزائمه ، وترضخ له قَبل الضئیل ، الذی یحسب أنَّه لا حول له ولا طَول ، وأَنَّه یضعف دون إدارة الشؤون طوقه وأوقه (1) ، ولذلک إنَّ الله سبحانه لمّا عرّف طالوت لبنی إسرائیل مَلِکاً عرّفه بأنّه أوتی بسطة فی العلم والجسم ، فبعلمه یدیر شئون الشعب الدینیّة والمدنیّة ، ویکون ما أُوتی من البسطة فی الجسم ، من مؤکّدات الأبَّهة والهیبة ، التی هی کقوّة تنفیذیّة. لموادِّ العلم وشؤونه.

إنَّ سیِّد الأنصار قیساً ، لمّا لم یدع الله سبحانه شیئاً من صفات الفضیلة ظاهرةً وباطنةً إلاّ وجمعه فیه ، من علم وعمل ، وهدی وورع ، وحزم ، وسَداد ، وعقل ، ورأی ودهاء ، وذکاء ، وإمارة ، وحکومة ، ورئاسة ، وسیاسة ، وبسالة ، وشهامة ، وسخاء ، وکرم ، وعدل ، وصلاح ، لم یشأ أنْ یخلیه عن هذه الخاصّة المُرْبیة بمقام العظماء.

فقال شیخنا الدیلمی فی إرشاده (2) (2 / 325) : إنَّه کان رجلاً طوله ثمانیة عشر شبراً فی عرض خمسة أشبار ، وکان أشدَّ الناس فی زمانه بعد أمیر المؤمنین.

وقال أبو الفرج (3) : کان قیس رجلاً طُوالاً ، یرکب الفرس المُشرف ورجلاه تخطّان فی الأرض. ومرَّ (ص 77) عن المنذر بن الجارود أنَّه رآه فی الزاویة علی فرس أشقر ، تخطُّ رجلاه فی الأرض. 9.

ص: 161


1- الأوْق : الثقل.
2- إرشاد القلوب : ص 380.
3- مقاتل الطالبیّین : ص 79.

وقال أبو عمرو الکشّی فی رجاله (1) (ص 73) : کان قیس من العشرة الذین لحقهم النبیّ صلی الله علیه وسلم من العصر الأوّل ، ممّن کان طولهم عشرة أشبار بأشبار أنفسهم ، وکان قیس وأبوه سعد طولهما عشرة أشبار بأشبارهم. وعن کتاب الغارات (2) لإبراهیم الثقفی أنَّه قال : کان قیس طُوالاً ، أطول الناس وأمدّهم قامة ، وکان سِناطاً (3) ، أصلع شیخاً ، شجاعاً ، مجرّباً ، مناصحاً لعلیّ ولولده ، ولم یزل علی ذلک إلی أن مات.

عدَّ الثعالبی فی ثمار القلوب (4) (ص 480) من الأمثال الدائرة ، والمضافات المعروفة ، والمنسوب السائر : سراویل قیس. وقال : إنَّه یُضرب مثلاً لثوب الرجل الضخم الطویل.

وکان قیصر بعث إلی معاویة بعلج من علوج الروم ، طویل جسیم ، معجباً بکمال خِلقَته ، وامتداد قامته ، فعلم معاویة أَنَّه لیس لمطاولته ومقاومته إلاّ قیس بن سعد بن عبادة ، فإنَّه کان أجسم الناس وأطولهم. فقال له یوماً وعنده العلج : إذا أتیتَ رَحْلَکَ فابعث إلیَّ بسراویلک. فعلم قیس مُراده ، فنزعها ورمی بها إلی العلج والناس ینظرون ، فلبِسها العِلج فطالت إلی صدره ، فعجب الناس ، وأطرق الرومی مغلوباً ، ولِیمَ قیس علی ما فعل بحضرة معاویة ، فأنشد یقول :

أردتُ لکیما یعلمَ الناسُ أنَّها

سراویلُ قیسٍ والوفودُ شهودُ

وأن لا یقولوا غابَ قیسٌ وهذه

سراویلُ عادٍ قد نَمتْهُ ثمودُ

وإنّی من القوم الیمانینَ سیِّدٌ

وما الناسُ إلاّ سیِّدٌ ومسودُ

وبزَّ جمیعَ الناس أصلی ومنصبی

وجسمٌ به أعلو الرجالَ مدیدُ

9.

ص: 162


1- رجال الکشّی : 1 / 327 رقم 177.
2- الغارات : ص 139.
3- السناط : الذی لا لحیة له ، وقیل : هو الذی لا شعر فی وجهه البتّة.
4- ثمار القلوب : ص 601 رقم 999.

ورواها ابن کثیر فی البدایة والنهایة (1) (8 / 103) بتغییر فیها ، ثمّ قال : وفی روایة : إنَّ ملک الروم بعث إلی معاویة برجلین من جیشه ، یزعم أنّ أحدهما أقوی الروم والآخر أطول الروم ، فانظر هل فی قومک من یفوقهما فی قوّةهذا وطول هذا؟ فإن کان فی قومک من یفوقهما ، بعثت إلیکَ من الأساری کذا وکذا ، ومن التحف کذا وکذا ، وإن لم یکن فی جیشک من هو أقوی وأطول منهما ، فهادنّی ثلاث سنین.

فلمّا حضروا عند معاویة قال : من لهذا القویِّ؟ فقالوا : ما له إلاّ أحد رجلین : إمّا محمد بن الحنفیّة أو عبد الله بن الزبیر ، فجیء بمحمد بن الحنفیّة - وهو ابن علیّ بن أبی طالب - فلمّا اجتمع الناس عند معاویة ، قال له معاویة : أتعلم فیمَ أرسلتُ إلیک؟ قال : لا. فذکر له أمر الرومیِّ ، وشدّة بأسه.

فقال للرومیِّ : إمّا أن تجلسَ لی أو أجلسَ لک ، وتناولنی یدک أو أُناولک یدی ، فأیّنا قدر علی أن یقیم الآخر من مکانه غلبه ، وإلاّ فقد غُلب. فقال له : ما ذا ترید ، تجلس أو أجلس؟ فقال له الرومیُّ : بل اجلس أنت.

فجلس محمد بن الحنفیّة وأعطی الرومیّ یده ، فاجتهد الرومیّ بکلّ ما یقدر علیه من القوّة أنْ یزیله من مکانه ، أو یحرِّکه لیقیمه ، فلم یقدر علی ذلک ولا وجد إلیه سبیلاً ، فغُلب الرومیُّ عند ذلک ، وظهر لمن معه من الوفود من بلاد الروم أنَّه قد غُلب.

ثمَّ قام محمد بن الحنفیّة ، فقال للرومیِّ : اجلس لی. فجلس وأعطی محمداً یده ، فما أمهله أن أقامه سریعاً ، ورفعه فی الهواء ثمّ ألقاه علی الأرض ، فَسُرَّ بذلک معاویة سروراً عظیماً ، ونهض قیس بن سعد فتنحّی عن الناس ، ثمّ خلع سراویله وأعطاها لذلک الرومیّ الطویل ، فبلغت إلی ثدییه وأطرافها تخطُّ بالأرض ، فاعترف الرومیُّ بالغَلَب ، وبعث ملکهم ما کان التزمه لمعاویة. .

ص: 163


1- البدایة والنهایة : 8 / 109 حوادث سنة 59 ه.

یستفید القارئ من أمثال هذه الموارد من التاریخ ، أنَّ أهل البیت علیهم السلام وشیعتهم ، کانوا هم المرجع لحلِّ المشکلات من کلِّ الوجوه ، کما أنّ مولاهم أمیر المؤمنین علیه السلام کان هو المرجع الفذّ فیها لدی الصدر الأوّل.

وفاته :

قال الواقدی ، وخلیفة بن خیّاط (1) ، والخطیب البغدادی فی تاریخه (1 / 179) وابن کثیر فی تاریخه (2) (8 / 102) وغیرهم بکثیر : إنّه تُوفّی بالمدینة فی آخر خلافة معاویة. فإن عُدّت سنة وفاة معاویة من سنیّ خلافته ، فالمترجَم له تُوفّی فی سنة ستِّین ، وإلاّ ففی تسع وخمسین ، ولعلَّ هذا منشأ تردُّد ابن عبد البرّ فی الاستیعاب (3) ، وابن الأثیر فی أُسد الغابة (4) ، فی تاریخ وفاته بین السنتین ، ففی الأوّل : إنَّه توفّی سنة ستِّین ، وقیل تسع وخمسین فی آخر خلافة معاویة. وفی الثانی بالعکس ، وذکر ابن الجوزی (5) سنة (59) وتبعه ابن کثیر فی تاریخه ، وهناک قول لابن حبّان (6) متروکٌ ، قال : إنَّه هرب من معاویة ومات سنة (85) فی خلافة عبد الملک. ذکره ابن حجر فی الإصابة (3 / 249) ، واستصوب قول خلیفة ومن وافقه.

بیت قیس :

کان فی العصور المتقادمة آل قیس من أشرف بیوتات الأنصار ، وما زال مُنْبَثَقَ أنوار العلم والمجد فی أدواره ، بین زعیم ، وحافظ ، وعالم ، ومحدِّث ، ومشفوع بالصلاح 9.

ص: 164


1- کتاب الطبقات : ص 167 رقم 604.
2- البدایة والنهایة : 8 / 110 حوادث سنة 59 ه.
3- الاستیعاب : القسم الثالث / 1290 رقم 2134.
4- أُسد الغابة : 4 / 426 رقم 4348.
5- المنتظم : 5 / 318 رقم 399.
6- الثقات : 3 / 339.

والقداسة ، منهم : أبو یعقوب إسحاق بن إبراهیم بن عمّار بن یحیی بن العبّاس بن عبد الرحمن بن سالم بن قیس بن سعد بن عبادة الخزرجی الأنصاری. ترجم له السمعانی فی الأنساب (1) وقال : من أشرف بیت فی الأنصار ، ومن أوحد مشایخ نیسابور فی الثروة ، والعدالة ، والورع ، والقبول ، والإتقان فی الروایة ، وأکثرهم طلباً للحدیث ، والفهم والمعرفة ، سمع بنیسابور محمد بن رافع ، وإسحاق بن منصور ، وعبد الرحمن بن بشیر بن الحکم. وبالعراق عمر بن شبّه النمیریّ ، والحسن بن محمد ابن الصباح ، ومحمد بن إسماعیل الأحمسی ، وأحمد بن سنان القطّان. وبالحجاز بحر بن نصر الخولانی. وبالریّ أبا زرعة ، ومحمد بن مسلم بن واره.

روی عنه أبو إسحاق إبراهیم بن عبدوس ، ومحمد بن شریک الأسفرایینی ، وأبو أحمد إسماعیل بن یحیی بن زکریّا ، مات فی جمادی الآخرة سنة (317) بنیسابور.

ومنهم : أبو بکر محمد بن أبی نصر أحمد بن العبّاس بن الحسن بن جبلة بن غالب بن جابر بن نوفل بن عِیاض بن یحیی بن قیس بن سعد الأنصاری ، الشهیر بالعیاضی - بکسر العین - ذکره السمعانی فی الأنساب (2) ، وقال : من أهل سمرقند ، کان فقیهاً جلیلاً ، من رؤساء البلدة ، والمنظور إلیهم ، روی عن أبی علیّ محمد بن محمد بن الحرث الحافظ السمرقندی ، لقیه أبو سعد الإدریسی (3) ولم یکتب عنه شیئاً (4).

ومنهم : أبو أحمد بن أبی نصر العیاضی أخو أبی بکر العیاضی المذکور. ف)

ص: 165


1- الأنساب : 2 / 360.
2- الأنساب : 4 / 267.
3- أبو سعد عبد الرحمن بن محمد الاسترابادی ، نزیل سمرقند والمتوفّی بها فی سلخ ذی الحجّة سنة (405). (المؤلف)
4- وذکره وأخاه محیی الدین بن أبی الوفاء فی الجواهر المُضیّة : ص 13 [3 / 36 رقم 1169]. (المؤلف)

ومنهم : ابن المطَریّ أبو محمد عبد الله بن محمد بن أحمد بن خلف بن عیسی بن عسّاس بن یوسف بن بدر بن عثمان الأنصاری الخزرجی العبادی ، المدنی.

قال أبو المعالی السلامی فی المختار کما فی منتخبه (ص 72) : إنَّه من ولد قیس ابن سعد بن عبادة. کان حافظ وقته ، حسن الأخلاق ، کثیر العبادة ، جمیل العِشرة مع العلماء وروّاد العلم ، ارتحل فی سماع الحدیث إلی الشام ومصر والعراق ، ورأی فی حیاته کوارث ، نُهبت داره سنة (742) وحُبس مدّة ثمّ أُطْلِقَ ، له کتاب الإعلام فی من دخل المدینة من الأعلام ، سمع الحدیث بالمدینة المشرَّفة من أبی حفص عمر بن أحمد السودانی ، وبالقاهرة من أبی الحسن علیّ بن عمر الوانی ، ویوسف بن عمر الختنی ، ویوسف بن محمد الدبابیسی ، وبالإسکندریّة من عبد الرحمن بن مخلوف بن جماعة ، وبدمشق من أحمد بن أبی طالب بن الشحنة ، والقاسم بن عساکر ، وأبی نصر ابن الشیرازی ، وببغداد من محمد بن عبد المحسن الدوالیبی. توفِّی بالمدینة المشرَّفة فی ربیع الأوّل سنة (765) (1).

ومنهم : أبو العبّاس أحمد بن محمد بن عبد المعطی بن أحمد بن عبد المعطی بن مکّی بن طرد بن حسین بن مخلوف بن أبی الفوارس بن سیف الإسلام (2) بن قیس بن سعد بن عبادة الأنصاری ، المکّی المالکیّ النحوی ، المولود سنة (709) والمتوفّی فی المحرّم سنة (808) (3) ، ترجم له السیوطی فی بغیة الوعاة (4) (ص 161).

(الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلی عِبادِهِ الَّذِینَ اصْطَفی) (5) 9.

ص: 166


1- أخذناها من منتخب المختار : ص 72 ، الدرر الکامنة : 2 / 284 [رقم 2201]. (المؤلف)
2- أحسب هنا سقطاً فی النسب کما لا یخفی. (المؤلف)
3- فی الدرر الکامنة : 1 / 277 رقم 709 : أنَّه توفّی سنة (788 ه) وقد جاوز السبعین.
4- بغیة الوعاة : 1 / 372 رقم 728.
5- النمل : 59.

4 - عمرو بن العاص

المتوفّی سنة (43)

معاویةُ الحالَ لا تجهلِ

وعن سُبُلِ الحَقِّ لا تعدِلِ

نسیتَ احتیالیَ فی جِلّقٍ (1)

علی أهلِها یوم لُبْسِ الحُلِی

وقد أقبلوا زُمَراً یُهْرَعونَ

مهالیعَ کالبقرِ الجُفَّلِ (2)

وقولی لهم إنَّ فرضَ الصلاةِ

بغیرِ وجودِکَ لمْ تُقبلِ

فَوَلَّوا ولم یعبئوا بالصلاةِ

ورمت النفار الی القَسْطَلِ (3)

ولَمّا عصیتَ إمام الهدی

وفی جیشِهِ کلُّ مُستفحلِ

أَبالْبَقر البُکْمِ أهلِ الشآمِ

لأهلِ التقی والحجا أَبتلی؟

فقلت نعم قم فإنّی أری

قتالَ المُفضَّل بالأفضلِ

فبی حاربوا سیِّدَ الأوصیاءِ

بقولی دمٌ طُلَّ مِن نعثلِ (4)

وکدتُ لهمْ أنْ أقاموا الرماحَ

علیها المصاحفُ فی القَسْطَلِ

وعلّمتُهمْ کشفَ سوآتِهم

لردِّ الغَضَنفَرَةِ المُقبلِ

فَقامَ البغاةُ علی حیدرٍ

وکفّوا عن المِشعَلِ المصطلی

ف)

ص: 167


1- جِلّق : دمشق.
2- أهرع : أسرع. الهلع : الجزع. الجفل : النفر والشرد. (المؤلف)
3- القسطل : الغبار الساطع.
4- طلّ الدم : هدر أو لم یثأر له ، فهو طلیل ، ومطلول ، ومطل. (المؤلف)

نسیتَ محاورةَ الأشعریِ

ونحنُ علی دَوْمَةِ الجَنْدَلِ

ألینُ فیطمعُ فی جانبی

وسهمیَ قد خاضَ فی المَقْتَلِ

خلعتُ الخلافةَ من حیدرٍ

کخَلعِ النعالِ من الأرجلِ

وألبستُها فیک بعد الإیاس

کَلُبس الخواتیمِ بالأنمُلِ

ورقّیتُکَ المنبرَ المُشْمَخِرَّ

بلا حدِّ سیفٍ ولا مُنصِلِ

ولو لم تکن أنت من أهلِهِ

وربِّ المقام ولم تَکْمُلِ

وسیّرتُ جیشَ نفاقِ العراقِ

کَسَیْرِ الجَنوبِ مع الشمأَلِ

وسیّرتُ ذِکرَک فی الخافقینِ

کَسَیرِ الحَمیرِ مع المحملِ

وجهلُکَ بی یا ابنَ آکلةِ ال

کبودِ لأَعظَمُ ما أبتلی

فلو لا موازرتی لم تُطَعْ

ولولا وجودیَ لمْ تُقبَلِ

ولولایَ کنتَ کَمِثْلِ النساءِ

تعافُ الخروجَ من المنزلِ

نصرناک من جَهْلِنا یا ابن هندٍ

علی النبإ الأعظمِ الأفضلِ

وحیث رفعناک فوقَ الرؤوسِ

نَزَلْنا إلی أسفلِ الأسفَلِ

وکمْ قد سَمِعْنا من المصطفی

وَصایا مُخصّصةً فی علی

وفی یومِ خُمٍّ رقی منبراً

یُبلّغُ والرکبُ لم یرحلِ (1)

وفی کفِّهِ کفُّهُ معلناً

یُنادی بأمرِ العزیزِ العلی

ألستُ بکم منکمُ فی النفوسِ

بأولی فقالوا بلی فافعلِ

فَأَنْحَلهُ إمرَةَ المؤمنینَ

من اللهِ مُستخلف المُنحِلِ

وقال فمن کنتُ مولیً لَهُ

فهذا له الیومَ نعمَ الولی

فوالِ مُوالیهِ یا ذا الجلا

لِ وعادِ مُعادی أخی المُرْسَلِ

ولا تَنْقضُوا العهدَ من عِترتی

فقاطِعُهُمْ بیَ لم یُوصِلِ

فَبخْبَخَ شیخُکَ لَمّا رأی

عُری عَقْدِ حیدر لم تُحْلَلِ

ف)

ص: 168


1- فی بعض النسخ : وبلّغ والصحب لم تَرحل. (المؤلف)

فقالَ ولیُّکُم فاحفظوهُ

فَمَدْخَلُهُ فیکمُ مَدْخَلی

وإنّا وما کان من فعلِنا

لفی النارِ فی الدرَکِ الأسفلِ

وما دَمُ عثمانَ مُنْجٍ لنا

من اللهِ فی الموقفِ الُمخجِلِ

وإنَّ علیّا غداً خصمُنا

ویعتزُّ باللهِ والمرُسَلِ (1)

یُحاسبُنا عن أمورٍ جَرَتْ

ونحنُ عن الحقِّ فی مَعْزلِ

فما عُذْرُنا یومَ کشفِ الغطا

لکَ الویلُ منه غداً ثمّ لی

ألا یا ابن هندٍ أبِعتَ الجِنانَ

بعهدٍ عهدتَ ولم تُوفِ لی

وأخسرتَ أُخراک کیما تنالَ

یَسیرَ الحُطامِ من الأجزلِ

وأصبحتَ بالناسِ حتی استقام

لک الملکُ من ملِکٍ محولِ

وکنتَ کمُقتنصٍ فی الشراکِ (2)

تذودُ الظِّماءَ عن المنهلِ

کأنَّکَ أُنسِیتَ لیلَ الهریرِ

بصفِّینَ مَعْ هولِها المُهْولِ

وقد بتَّ تذرقُ ذَرقَ النعامِ

حذاراً من البطل المُقبلِ

وحین أزاحَ جیوشَ الضلالِ

وافاک کالأسد المُبسلِ

وقد ضاق منکَ علیکَ الخناقُ

وصارَ بکَ الرحبُ کالفلفلِ (3)

وقولک یا عمرو أین المفَرُّ

من الفارسِ القَسْوَرِ المُسبلِ

عسی حیلةٌ منک عن ثنیِهِ

فإنَّ فؤادیَ فی عسعلِ

وشاطرتنی کلَّ ما یستقیمُ

من المُلْکِ دهرَکَ لم یکملِ

فقمتُ علی عَجْلَتی رافعاً

وأکشِفُ عن سوأتی أَذْیُلِی

فستّرَ عن وجهِهِ وانثنی

حیاءً وروعُکَ لم یعقلِ

وأنتَ لخوفِکَ من بأسِهِ

هناک مُلئت من الأفکلِ (4)

ف)

ص: 169


1- فی روایة الخطیب التبریزی : سیحتجّ بالله والمرسل. (المؤلف)
2- اقتنص الطیر أو الظبی : اصطاده. (المؤلف)
3- الفلفل : القرب بین الخطوات. (المؤلف)
4- الأفکل : الرعدة من الخوف. (المؤلف)

ولَمّا ملکتَ حُماة الأنامِ

ونالتْ عصاک یدَ الأوّلِ

منحتَ لِغیریَ وزنَ الجبالِ

ولم تُعْطِنی زِنةَ الخردلِ

وأَنْحَلْتَ مصراً لعبد الملک (1)

وأنت عن الغیِّ لم تَعدِلِ

وإن کنتَ تطمعُ فیها فقدْ

تخلّی القَطا من یَدِ الأجدلِ

وإن لم تسامحْ إلی ردِّها

فإنّی لحَوبِکمُ مُصطلی

بِخَیْلٍ جیادٍ وشُمِّ الأُنوفِ

وبالمُرهَفات وبالذبّلِ

وأکشفُ عنک حجابَ الغرورِ

وأوقظُ نائمةَ الأثکلِ

فإنَّک من إمرةِ المؤمنینَ

ودعوی الخلافةِ فی مَعْزلِ

ومالک فیها ولا ذرّةٌ

ولا لِجدُودک بالأوّل

فإن کانَ بینکما نِسْبةٌ

فأینَ الحُسامُ من المِنجلِ

وأین الحصی من نجوم السما

وأین معاویةٌ من علی

فإن کنتَ فیها بلغتَ المُنی

ففی عُنقی عَلَقُ الجلجلِ (2)

*ما یتبعُ الشعر

هذه القصیدة المسمّاة بالجلجلیّة ، کتبها عمرو بن العاص إلی معاویة بن أبی سفیان ، فی جواب کتابه إلیه یطلب خراج مصر ویعاتبه علی امتناعه عنه ، توجد منها نسختان فی مجموعتین فی المکتبة الخدیویّة بمصر ، کما فی فهرستها المطبوع سنة (1307) (4 / 314). وروی جملةً منها ابن أبی الحدید فی شرح نهج البلاغة (3) (2 / 522) ، وقال : رأیتها بخطّ أبی زکریّا یحیی (4) بن علیّ الخطیب التبریزیّ : المتوفّی (502).

ف)

ص: 170


1- عبد الملک بن مروان والد الخلفاء الأمویین. (المؤلف)
2- مثل یضرب [لِمن یُشهر نفسه ویخاطر بها بین القوم] ، راجع مجمع الأمثال للمیدانی : ص 195 [3 / 209 رقم 3694]. (المؤلف)
3- شرح نهج البلاغة : 10 / 56 خطبة 178.
4- أحد أئمة اللغة والنحو ، قال ابن ناصر : کان ثقة فی النقل وله المصنّفات الکثیرة. کذا ترجم له ابن کثیر فی تاریخه : 12 / 171 [12 / 211 حوادث سنة 502 ه]. (المؤلف)

وقال الإسحاقی فی لطائف أخبار الدول (1) (ص 41) : کتب معاویة إلی عمرو بن العاص : أنَّه قد تردّد کتابی إلیک بطلب خراج مصر ، وأنت تمتنع وتدافع ولم تسیِّره ، فسیِّره إلیَّ قولاً واحداً ، وطلباً جازماً ، والسلام.

فکتب إلیه عمرو بن العاص جواباً ، وهی القصیدة الجلجلیّة المشهورة التی أوّلها :

معاویةُ الفضلَ لا تنسَ لی

وعن نهجِ الحقِّ لا تَعْدِلِ

نَسِیتَ احتیالیَ فی جِلِّقٍ

علی أهلِها یومَ لُبْس الحُلی

وقد أقبلوا زُمَرَاً یُهْرَعون

ویأتون کالبَقَر المُهّلِ

ومنها أیضاً :

ولولایَ کنتَ کمثِلِ النساءِ

تَعافُ الخروجَ من المنزلِ

نسیتَ مُحاورةَ الأشعریِ

ونحنُ علی دَومةِ الجَندلِ

وأَلْعَقْتُهُ عَسَلاً بارداً

وأمزجتُ ذلکَ بالحنظلِ (2)

ألینُ فیطمعُ فی جانبی

وسهمیَ قَدْ غابَ فی المِفْصلِ

وأخلعتُها منهُ عن خُدعةٍ

کَخَلْع النَعالِ من الأرجلِ

وألبستُها فیک لمّا عَجزْتَ

کَلُبس الخواتیمِ فی الأَنْمُلِ

ومنها أیضاً :

ولم تکُ واللهِ من أهلِها

وربِّ المقامِ ولم تَکمُلِ

وسیّرتُ ذِکْرَکَ فی الخافقینِ

کَسَیْرِ الجنوبِ مع الشمألِ

نصرناکَ من جهلِنا یا ابن هندٍ

علی البطلِ الأعظمِ الأفضلِ

ف)

ص: 171


1- لطائف أخبار الدول : ص 61.
2- فی روایة الخطیب التبریزی : [ ] فألمظه عسلاً بارداً [ ] وأخبئ من تحته حنظلی [ ] (المؤلف)

وکنتَ ولم تَرَها فی المنامِ

فزُفّتْ إلیکَ ولا مهر لی

وحیثُ تَرکنا أعالی النفوسِ

نَزَلْنا إلی أسفلِ الأرجلِ

وکم قد سَمِعْنا من المصطفی

وصایا مُخَصَّصَةً فی علی

ومنها أیضاً :

وإن کانَ بینکما نِسبةٌ

فأین الحسامُ من المِنجلِ

وأین الثریّا وأین الثری

وأین معاویةٌ من علی

فلمّا سمع معاویة هذه الأبیات ، لم یتعرّض له بعد ذلک. انتهی.

وذکر الشیخ محمد الأزهری فی شرح مغنی اللبیب (1 / 82) هذه الأبیات برمّتها حرفیّا ، نقلاً عن تاریخ الإسحاقی (1) ، غیر أنَّه حذف قوله :

وحیث ترکنا أعالی النفوس

نزلنا إلی أسفل الأرجلِ

وذکر منها ثلاثة عشر بیتاً ابن شهرآشوب فی المناقب (2) (3 / 106).

وأخذ منها السیِّد الجزائری فی الأنوار النعمانیّة (3) (ص 43) عشرین بیتاً.

وذکرها برمّتها الزنوزی فی الروضة الثانیة من ریاض الجنّة وقال : هذه القصیدة تسمّی بالجلجلیّة لما فی آخرها : وفی عنقی عَلَقُ الجلجلِ.

وخمّسها بطولها الشاعر المُفْلِق الشیخ عبّاس الزیوری البغدادی ، وقفت علیه فی دیوانه المخطوط المصحَّح بقلمه ، ویوجد التخمیس فی إحدی نسختی المکتبة الخدیویّة بمصر.

(یَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَیْسَ فِی قُلُوبِهِمْ وَاللهُ أَعْلَمُ بِما یَکْتُمُونَ) (4)

7.

ص: 172


1- لطائف أخبار الدول : ص 61.
2- مناقب آل أبی طالب : 3 / 216.
3- الأنوار النعمانیة : 1 / 121.
4- آل عمران : 167.

مهمّات مصادر ترجمة عمرو بن العاص

اشارة

صحیح البخاری.

صحیح مسلم [1 / 154 ح 192 کتاب الإیمان].

سنن أبی داود.

سنن الترمذی.

سنن النسائی.

کتاب سُلیم بن قیس [ص 216 ، 218 219].

السیرة النبویّة لابن هشام [3 / 289].

عیون الأخبار لابن قتیبة [1 / 37 ، 2 / 169 ، 3 / 284].

المعارف لابن قتیبة [ص 285].

الإمامة والسیاسة لابن قتیبة [1 / 95].

المحاسن والأضداد للجاحظ [ص 79].

البیان والتبیین للجاحظ [2 / 206].

الأنساب لأبی عبیدة.

أنساب الأشراف للبلاذری [2 / 282 290].

بلاغات النساء لابن أبی طاهر طیفور [ص 43].

الکامل للمبرّد [1 / 219 221].

المثالب للکلبی.

تاریخ الیعقوبی [2 / 29].

الإمتاع والمؤانسة لأبی حیّان [3 / 181 ، 183].

الأغانی لأبی الفرج [9 / 69].

الطبقات لابن سعد [4 / 254].

ص: 173

العقد الفرید لابن عبد ربّه [1 / 225].

مروج الذهب للمسعودی [2 / 371].

المستدرک للحاکم النیسابوری [3 / 512 ح 5904].

المحاسن والمساوئ للبیهقی [ص 52 54].

الاستیعاب لابن عبد البرّ [القسم الثالث / 1184 رقم 1931].

تاریخ الطبری [4 / 558 حوادث سنة 36 ه].

تاریخ دمشق لابن عساکر [13 / 493 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 1 / 232].

ربیع الأبرار للزمخشری [1 / 690 ، 2 / 19 ، 3 / 548].

الخصائص للوطواط [ص 331].

التفسیر الکبیر للفخر الرازی [32 / 132].

الترغیب والترهیب للمنذری [2 / 163 ح 4 کتاب الحج].

شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید [6 / 281 خطبة 83].

الکامل لابن الأثیر [2 / 358 حوادث سنة 36 ه].

البدایة والنهایة لابن کثیر [8 / 28 حوادث سنة 43 ه].

تمییز الطیِّب من الخبیث لابن الدیبع.

تذکرة الخواص لسبط ابن الجوزی [ص 201].

ثمرات الأوراق لابن حجّة [ص 62].

السیرة النبویّة للحلبی [2 / 201].

تاریخ روض المناظر لابن شحنة [1 / 229].

نور الأبصار للشبلنجی [ص 192].

جمهرة خطب العرب لأحمد زکی صفوت [2 / 25 رقم 18].

جمهرة رسائل العرب لأحمد زکی صفوت [1 / 388].

دائرة المعارف لفرید وجدی [6 / 741].

ص: 174

*الشاعر

عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم بن سُعید - بالتصغیر - بن سهم بن عمرو ابن هصیص بن کعب بن لؤی القرشی ، أبو محمد وأبو عبد الله.

أحد دُهاة العرب الخمسة ، منه بدأت الفتن وإلیه تعود. وتقحّمه فی البوائق والمخاریق ثابت مشهور تضمّنته طیّات الکتب ، وتناقلته الآثار والسِیَر ، وإذا استرسلتَ فی الکلام عن الجور ، والفجور ، فحدِّث عنه ولا حرج ، کما تجده فی کلمات الصحابة الأوّلین ، فالبغل نغل وهو لذلک أهل (1) ، ویقع الکلام فی ترجمته علی نواحٍ شتّی.

*نسبه :

أبوه هو الأبتر بنصِّ الذکر الحمید : (إِنَّ شانِئَکَ هُوَ الْأَبْتَرُ) (2) وعلیه أکثر أقوال المفسِّرین والعلماء (3).

وفی بعض التفاسیر ، وإن جاء تردیدٌ بینه وبین أبی جهل وأبی لهب وعقبة بن أبی معیط وغیرهم ، إلاّ أنّ القول الفصل ما ذکره الفخر الرازی من : أنّ کُلاّ من أُولئک کانوا یَشنَئون رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، إلاّ أنّ ألهجهم به ، وأشدّهم شنأةً العاص بن وائل. فالآیة تشملهم أجمع ، وتخصُّ اللعین بخزیٍ آکد ، ولذلک اشتهر بین المفسِّرین أنَّه هو المراد.

قال الرازی فی تفسیره (4) (8 / 503) : رُوی أنّ العاص بن وائل کان یقول : إنَ 3.

ص: 175


1- مثل یضرب لمن لؤم أصله ، فخبث فعله [مجمع الأمثال : 1 / 185 رقم 533]. (المؤلف)
2- الکوثر : 3.
3- راجع الطبقات لابن سعد : 1 / 115 [1 / 133] ، والمعارف لابن قتیبة : ص 124 [ص 285] ، وتاریخ ابن عساکر : 7 / 330 [13 / 493 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 19 / 232]. (المؤلف)
4- التفسیر الکبیر : 32 / 132 ، 133.

محمداً أبتر لا ابن له یقوم مقامه بعده ، فإذا مات انقطع ذکره ، واسترحتم منه ، وکان قد مات ابنه عبد الله من خدیجة ، وهذا قول ابن عبّاس ، ومقاتل ، والکلبی ، وعامّة أهل التفسیر. وقال (ص 504) بعد نقل الأقوال الأُخَر : ولعلّ العاص بن وائل کان أکثرهم مواظبةً علی هذا القول ، فلذلک اشتهرت الروایات بأنَّ الآیة نزلت فیه.

وروی التابعیُّ الکبیر سلیم بن قیس الهلالی فی کتابه (1) : أنَّ الآیة نزلت فی المترجَم نفسه ، کان أحد شانئی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لمّا مات ولده إبراهیم ، فقال : إنَّ محمداً قد صار أبتر لا عقب له. وذکّره بذلک أمیر المؤمنین فی أبیات له تأتی ، فقال :

إن یَقرِنوا وصیَّهُ والأبترا

شانی الرسولِ واللعینَ الأخزرا

وذکّره بذلک عمّار بن یاسر یوم صفِّین وعبد الله بن جعفر ، فی حدیثیهما الآتیین. فالمترجَم له هو الأبتر ابن الأبتر ، وبذلک خاطبه أمیر المؤمنین علیه السلام فی کتاب له یأتی بقوله : «من عبد الله أمیر المؤمنین ، إلی الأبتر ابن الأبتر عمرو بن العاص ، شانئ محمد وآل محمد فی الجاهلیّة والإسلام».

تُعرِّفنا الآیة الکریمة المذکورة أنَّ کلَّ معزوٍّ إلی العاص من الولد من ذکر أو أنثی ، من المترجم له أو غیره لیسوا لرشدة ، فمن هنا تعرف فضیلة عمرو من ناحیة النسب ، أضف إلی ذلک حدیث أمِّه لیلی العنزیّة الجلاّنیّة.

کانت أمّه لیلی أشهر بغیٍّ بمکّة ، وأرخصهنَّ أُجرةً ، ولمّا وضعته ادّعاه خمسة ، کلّهم أتوها ، غیر أنّ لیلی ألحقته بالعاص لکونه أقرب شبهاً به ، وأکثر نفقةً علیها ، ذکرت ذلک أروی بنت الحارث بن عبد المطّلب ، لمّا وفدت إلی معاویة ، فقال لها : مرحباً بک یا عمّة؟ فکیف کنت بعدنا؟

فقالت : یا ابن أخی ، لقد کفرتَ ید النعمة ، وأسأت لابن عمِّک الصحبة ، 2.

ص: 176


1- کتاب سلیم بن قیس : 2 / 737 ح 22.

وتسمَّیت بغیر اسمک ، وأخذت غیر حقِّک ، من غیر بلاء کان منک ولا من آبائک ، ولا سابقة فی الإسلام ، ولقد کفرتم بما جاء به محمد صلی الله علیه وآله وسلم فأتعسَ الله منکم الجدود ، وأصعرَ منکم الخدود ، حتی ردّ الله الحقَّ إلی أهله ، وکانت کلمة الله هی العلیا ، ونبیّنا محمد صلی الله علیه وآله وسلم هو المنصور علی من ناوأه ولو کره المشرکون ، فکنّا أهل البیت أعظم الناس فی الدین حظّا ، ونصیباً ، وقدراً ، حتی قبض الله نبیّه صلی الله علیه وآله وسلم مغفوراً ذنبه ، مرفوعاً درجته ، شریفاً عند الله مرضیّا ، فصرنا - أهل البیت - منکم بمنزلة قوم موسی من آل فرعون ، یُذبِّحون أبناءهم ویستحیون نساءهم ، وصار ابن عمِّ سیِّد المرسلین فیکم بعد نبیِّنا بمنزلة هارون من موسی حیث یقول : (قالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِی وَکادُوا یَقْتُلُونَنِی) (1) ولم یجمع بعد رسول الله لنا شملٌ ، ولم یَسهُلْ لنا وعرٌ ، وغایتنا الجنّة ، وغایتکم النار.

فقال لها عمرو بن العاص : أیّتها العجوز الضالَّة اقصری من قولکِ ، وغضِّی من طرفک.

قالت : ومن أنت ، لا أمَّ لک؟ قال : عمرو بن العاص.

قالت : یا ابن اللخناء النابغة ، تتکلّم وأمّک کانت أشهر امرأة بمکّة ، وآخذهن لأُجرة ، اربَع علی ظَلعک (2) وَاعْنَ بشأن نفسک ، فو الله ما أنت من قریش فی اللُّباب من حسبها ، ولا کریم منصبها ، ولقد ادّعاک ستّة (3) نفرٍ من قریش ، کلّهم یزعم أنَّه أبوک ، فسئلت أمُّک عنهم ، فقالت : کلّهم أتانی ، فانظروا أشبههم به فألحقوه به ، فغلب علیک شَبَه العاص بن وائل ، فَلَحِقت به ، ولقد رأیت أمّک أیّام منی بمکّة مع کلّ عبدٍ ف)

ص: 177


1- الأعراف : 150.
2- مثل یضرب لمن یتوعّد. ربع فی المکان أی أقام به. الظلع ، العرج : یقال : ظلع البعیر أی غمز فی مشیته. فالمعنی : لا تجاوز حدّک فی وعیدک ، وأبصر نقصک وعجزک عنه [المستقصی فی أمثال العرب : 1 / 138 رقم 533]. (المؤلف)
3- فی العقد الفرید : [1 / 225] ، وروض المناظر:[1 / 229 حوادث سنة 60 ه]: خمسة.(المؤلف)

عاهر ، فائتمّ بهم ، فإنّک بهم أشبه (1).

وقال الإمام السبط الحسن الزکی - سلام الله علیه - بمحضر من معاویة وجمع آخر : «أمّا أنت یا ابن العاص فإنَّ أمرک مشترک ، وضعتک أمّک مجهولاً من عِهرٍ وسِفاح ، فتحاکم فیک أربعة (2) من قریش ، فغلب علیک جزّارُها ، ألأمُهم حَسَباً ، وأخبثُهم منصباً ، ثمّ قام أبوک فقال : أنا شانئ محمد الأبتر ، فأنزل الله فیه ما أنزل» (3).

وعدّه الکلبی أبو المنذر هشام : المتوفّی (204 ، 206) فی کتابه مثالب العرب - الموجود عندنا - ممّن یدین بسفاح الجاهلیّة ، وقال فی باب تسمیة ذوات الرایات : وأمّا النابغة أمّ عمرو بن العاص فإنّها کانت بغیّا من طوائف مکّة ، فقدمت مکّة ومعها بنات لها ، فوقع علیها العاص بن وائل فی الجاهلیّة فی عدّة من قریش منهم : أبو لهب ، وأمیّة بن خلف ، وهشام بن المغیرة ، وأبو سفیان بن حرب ، فی طهر واحد ، فولدت عمراً ، فاختصم القوم جمیعاً فیه ، کلٌّ یزعم أنَّه ابنه. ثمَّ إنَّه أضرب عنه ثلاثة وأکبَّ علیه اثنان : العاص بن وائل ، وأبو سفیان بن حرب ، فقال أبو سفیان : أنا والله وضعته فی حِر أمِّه. فقال العاص : لیس هو کما تقول ، هو ابنی ، فحکّما أمّه فیه ، فقالت : للعاص. فقیل لها بعد ذلک : ما حملکِ علی ما صنعتِ وأبو سفیان أشرف من العاص؟ فقالت : إنَّ العاص کان ینفق علی بناتی ، ولو ألحقته بأبی سفیان لم ینفق علیَّ العاص شیئاً ، وخفتُ الضیعة ، وزعم ابنها عمرو بن العاص أنّ أمّه امرأة من عنزة بن ف)

ص: 178


1- بلاغات النساء : ص 27 [ص 43] ، العقد الفرید : 1 / 164 [1 / 225] ، روض المناظر : 8 / 4 [1 / 229 حوادث سنة 60 ه] ، ثمرات الأوراق : 1 / 132 [ص 152] ، دائرة المعارف لفرید وجدی : 1 / 215 ، جمهرة الخطب : 2 / 363 [2 / 382 رقم 370]. (المؤلف)
2- فی لفظ الکلبی وسبط ابن الجوزی [تذکرة الخواص : ص 201] : خمسة. (المؤلف)
3- أخذنا هذه الجملة من حدیث المهاجاة الطویلة ، الواقعة بین الإمام الحسن بن علیّ وبین عمرو بن العاص ، والولید بن عقبة ، وعتبة بن أبی سفیان ، والمغیرة بن شعبة ، فی مجلس معاویة. رواه ابن أبی الحدید فی شرحه : 2 / 101 [6 / 291 خطبه 83] نقلاً عن کتاب المفاخرات للزبیر بن بکّار ، وذکره سبط ابن الجوزی فی التذکرة : ص 114 [ص 201]. (المؤلف)

أسد بن ربیعة.

کان الزناة الذین اشتهروا بمکّة جماعة منهم هؤلاء المذکورون ، وأمیّة بن عبد شمس ، وعبد الرحمن بن الحکم بن أبی العاص أخو مروان بن الحکم ، وعتبة بن أبی سفیان أخو معاویة ، وعقبة بن أبی مُعیط (1).

وعدّه الکلبی من الأدعیاء فی باب - أدعیاء الجاهلیّة - وقال : قال الهیثم : ومن الأدعیاء عمرو بن العاص ، وأمّه النابغة حبشیّةٌ ، وأخته لأمِّه أُریْنب - بضم الألف - وکانت تُدعی لعفیف بن أبی العاص ، وفیها قال عثمان لعمرو بن العاص : لمن کانت تُدعی أختک أُریْنب یا عمرو؟ فقال : لعفیف بن أبی العاص. قال عثمان : صدقت. انتهی.

وروی أبو عبیدة معمر بن المثنّی المتوفّی (209 ، 211) فی کتاب الأنساب : أنّ عمراً اختصم فیه یوم ولادته رجلان : أبو سفیان والعاص ، فقیل : لتحکم أمّه ، فقالت : إنّه من العاص بن وائل. فقال أبو سفیان : أما إنّی لا أشکّ أنَّنی وضعته فی رحم أمِّه ، فأبت إلاّ العاص ، فقیل لها : أبو سفیان أشرف نسباً! فقالت : إنَّ العاص بن وائل کثیر النفقة علیَّ ، وأبو سفیان شحیحٌ. ففی ذلک یقول حسّان بن ثابت لعمرو بن العاص ، حیث هجاه مکافأةً له عن هجاء رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم :

أبوک أبو سفیان لا شکّ قد بدَتْ

لنا فیکَ منهُ بیِّناتُ الدلائلِ

ففاخِر به إمّا فخرتَ ولا تکنْ

تفاخرُ بالعاص الهجین ابن وائلِ

وإنَ التی فی ذاک یا عمرو حُکِّمتْ

فقالت رجاءً عندَ ذاکَ لنائلِ

من العاص عمروٌ تُخبرُالناس کلّما

تجمّعتِ الأقوامُ عند المحاملِ (2)

وقال الزمخشری فی ربیع الأبرار (3) : کانت النابغة أمّ عمرو بن العاص أمة 9.

ص: 179


1- وإلی هنا ذکره سبط ابن الجوزی فی تذکرته : ص 117 [ص 205] عن المثالب. (المؤلف)
2- شرح ابن أبی الحدید : 2 / 101 [6 / 285 خطبة 83]. (المؤلف)
3- ربیع الأبرار : 3 / 548 و 2 / 19.

لرجل من عنزة - بالتحریک - فَسُبیتْ ، فاشتراها عبد الله بن جذعان التیمیّ بمکّة ، فکانت بغیّا. ثمّ ذکر نظیر الجملة الأولی من کلام الکلبی ، ونسب الأبیات المذکورة إلی أبی سفیان بن الحارث بن عبد المطّلب. وقال : جُعل لرجل ألف درهم علی أن یسأل عمرو بن العاص عن أمِّه ولم تکن بمنصب مرضیٍّ ، فأتاه بمصر أمیراً علیها ، فقال : أردت أن أعرف أمَّ الأمیر. فقال : نعم ؛ کانت امرأة من عَنزة ، ثمّ من بنی جلاّن ، تُسمّی لیلی ، وتُلقّب النابغة ، اذهب وخذ ما جُعل لک (1).

وقال الحلبی فی سیرته (2) (1 / 46) فی نکاح البغایا ونکاح الجمع من أقسام نکاح الجاهلیّة :

الأوّل : أن یطأ البغیّ جماعة متفرِّقین واحداً بعد واحد ، فإذا حملت وولدت أُلحِقَ الولد بمن غلب علیه شبهه منهم.

الثانی : أن تجتمع جماعة دون العشرة ، ویدخلون علی امرأة من البغایا ذوات الرایات کلّهم یطؤها ، فإذا حملت ووضعت ، ومرّ علیها لیالٍ بعد أن تضع حملها ، أرسلت إلیهم ، فلم یستطع رجل أن یمتنع حتی یجتمعوا عندها ، فتقول لهم : قد عرفتم الذی کان من أمرکم ، وقد ولدت ، وهو ابنک یا فلان. تسمّی من أحبّت منهم ، فیلحق به ولدها ، لا یستطیع أن یمتنع منهم الرجل إن لم یغلب شبهه علیه ، وحینئذٍ یحتمل أن تکون أمُّ عمرو بن العاص رضی الله عنه من القسم الثانی ، فإنّه یقال : إنّه وطئها أربعة وهم : العاص ، وأبو لهب ، وأمیّة ، وأبو سفیان ، وادّعی کلّهم عمراً ، فألحقَتْهُ بالعاص لإنفاقه علی بناتها. ویُحتمل أن یکون من القسم الأوّل ، ویدلُّ علیه ما قیل : إنّه أُلحِقَ بالعاص لغلبة شبهه علیه ، وکان عمرو یُعیَّرُ بذلک ، عیّره علیّ ، وعثمان ، والحسن ، 3.

ص: 180


1- ورواه المبرّد فی الکامل [2 / 83] ، ابن قتیبة فی عیون الأخبار : 1 / 284 ، ابن عبد البر فی الاستیعاب [القسم الثالث / 1184 رقم 1931] ، وذُکر فی شرح النهج لابن أبی الحدید : 2 / 100 [6 / 284 خطبة 83] ، جمهرة الخطب : 2 / 19 [2 / 25 - 26 رقم 18]. (المؤلف)
2- السیرة الحلبیّة : 1 / 43.

وعمّار بن یاسر ، وغیرهم من الصحابة وسیأتی ذلک فی قصّة قتل عثمان ، عند الکلام علی بناء مسجد المدینة (1).

*عبد الله [بن جعفر] وعمرو :

روی الحافظ ابن عساکر فی تاریخ الشام (2) (7 / 330) : أنّ عمرو بن العاص قال لعبد الله بن جعفر الطیّار ، ذی الجناحین ، فی مجلس معاویة : یا ابن جعفر - یرید تصغیره! - فقال له : لئن نسبتنی إلی جعفر فلستُ بدعیٍّ ، ولا أبتر ، ثمّ ولّی وهو یقول :

تعرّضتَ قرنَ الشمس وقتَ ظهیرةٍ

لتَستُرَ منه ضوءَهُ بظلامِکا

کفرتَ اختیاراً ثمّ آمنتَ خِیفةً

وبغضُکَ إیّانا شهیدٌ بذلکا

*عبد الله [بن أبی سفیان] وعمرو :

أخرج الحافظ ابن عساکر فی تاریخه (3) (7 / 438) : أنّ عبد الله بن أبی سفیان بن الحارث بن عبد المطّلب الهاشمیّ ، قدم علی معاویة وعنده عمرو ، فجاء الآذن ، فقال : هذا عبد الله ، وهو بالباب. فقال : ائذن له.

فقال عمرو : یا أمیر المؤمنین لقد أذنتَ لرجل کثیر الخلوات للتلهّی ، والطَرَبات للتغنّی ، صدوفٌ عن السنان ، محبٌّ للقیان ، کثیرٌ مزاحُهُ ، شدیدٌ طِماحه ، ظاهر الطیش ، لیِّنُ العیش ، أخّاذٌ للسلف ، صفّاقٌ للشرف.

فقال عبد الله : کذبت یا عمرو ، وأنت أهله ، لیس کما وصفت ، ولکنّه : للهِ 8.

ص: 181


1- ذکر قتل عثمان عند الکلام علی بناء المسجد : 2 / 72 - 88 [2 / 76 - 78] ولم یوجد هناک شیء ممّا أوعز إلیه. (المؤلف)
2- تاریخ مدینة دمشق : 9 / 66 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 12 / 78.
3- تاریخ مدینة دمشق : 9 / 367 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 12 / 238.

ذکور ، ولبلائه شکور ، وعن الخنا زجور ، سیِّد کریم ، ماجد صمیم ، جواد حلیم ، إن ابتدأ أصاب ، وإن سُئل أجاب ، غیرُ حَصِرٍ ولا هیّاب ، ولا فاحش عَیّاب ، کذلک قضی الله فی الکتاب ، فهو کاللیثِ الضرغام ، الجریء المقدام ، فی الحسب القمقام ، لیس بدعیٍّ ولا دنیٍّ ، کمن اختصم فیه من قریش شرارُها ، فغلب علیه جزّارها ، فأصبح ینوء بالدلیل ، ویأوی فیها إلی القلیل ، مذبذَب بین حیّین ، کالساقط بین المهدین ، لا المعتزی إلیهم قبلوه ، ولا الظاعن عنهم فقدوه ، فلیت شعری بأیّ حسَب تنازل للنضال؟ أم بأیِّ قدیم تَعرّض للرجال؟ أبنفسک؟ فأنت الخوّار الوغد الزنیم. أم بمن تنتمی إلیه؟ فأنت أهل السفه والطیش والدناءة فی قریش ، لا بشرف فی الجاهلیّة شُهِر ، ولا بقدیم فی الإسلام ذُکر ، غیر أنَّک تنطقُ بغیر لسانک ، وتنهَضُ بغیر أرکانک ، وایمُ الله إن کان لأسهل للوعث (1) وألمّ للشعث (2) أن یکعمَکَ (3) معاویة علی ولوعک بأعراض قریش کِعام الضبع فی وجاره (4) ، فأنت لست لها بکفیٍّ ، ولا لأعراضها بوفیٍّ.

قال : فتهیّأ عمرو للجواب ، فقال له معاویة : نشدتک الله إلاّ ما کففت. فقال عمرو : یا أمیر المؤمنین دعنی أنتصر فإنّه لم یدع شیئاً. فقال معاویة : أمّا فی مجلسک هذا فدع الانتصار ، وعلیک بالاصطبار.

وأشار إلی هذه القصّة ابن حجر فی الإصابة (2 / 320).

*إسلامه :

إنَّ الذی حدانا إلیه یقین لا یخالجه شکٌّ ، بعد الأخذ بمجامع ما یُؤثر عن الرجل ف)

ص: 182


1- الوعث - بالفتح - : العسر الغلیظ. (المؤلف)
2- یقال : لمّ الله شعثهم : أی جمع أمرهم. (المؤلف)
3- یقال : - کعم البعیر : أی شدَّ فمه لئلا یعضّ أو یأکل. (المؤلف)
4- الوجار - بکسر الواو وفتحها - : جحر الضبع ، وغیرها. (المؤلف)

فی شئونه وأطواره ، أنَّه لم یعتنق الدین اعتناقاً ، وإنّما انتحله انتحالاً وهو فی الحبشة ، نزل بها مع عمارة بن الولید لاغتیال جعفر وأصحابه رُسل النبیِّ الأعظم ، تنتهی إلیه الأنباء عن أمر الرسالة ، ویبلغه التقدّم والنشور له ، وسمع من النجاشی قوله : أتسألنی أن أعطیک رسول رجل یأتیه الناموس الأکبر الذی کان یأتی موسی لتقتله؟ فقال : أیّها الملک أکذلک هو؟ فقال : ویحک یا عمرو أطعنی واتّبعه ، فإنّه والله لعلی الحقِّ ، ولیظهرنَّ علی من خالفه ، کما ظهر موسی علی فرعون وجنوده (1).

فَرَاقَهُ التزلّفُ إلی صاحب الرسالة بالتسلیم له ، فلم ینکفئ إلی الحجاز إلاّ طمعاً فی رتبة ، أو وقوفاً علی لُماظة من العیش ، أو فرَقاً من البطش الإلهی بالسلطة النبویّة. فنحن لا نعرفه فی غضون هاتیک المُدَد التی کان یداهِن فیها المسلمین ویصانعهم إبقاءً لحیاته ، واستدراراً لمعاشه ، إلاّ کما نعرفه یوم کان یهجو رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بقصیدة ذات سبعین بیتاً ، فلعنه صلی الله علیه وآله وسلم عدد أبیاته.

وهو کما قال أمیر المؤمنین : «متی ما کان للفاسقین ولیّا ، وللمسلمین عدوّا؟! وهل یشبه إلاّ أمّه التی دفعت به» (2) وکان کما یأتی عن أمیر المؤمنین ، من قوله : «والذی فلق الحبّة وبرأ النسمة ، ما أسلموا ولکن استسلموا ، وأسرّوا الکفر ، فلمّا وجدوا أعواناً ، رجعوا إلی عداوتهم منّا».

قال ابن أبی الحدید فی الشرح (3) (1 / 137) : قال شیخنا أبو القاسم البلخی رحمه الله : قول عمرو بن العاص لمعاویة - لمّا قال له معاویة : یا أبا عبد الله إنّی لأکره لک أن تتحدّث العرب عنک إنّک إنّما دخلت فی هذا الأمر لغرض الدنیا - : دعنا عنک. کنایةٌ عن الإلحاد بل تصریحٌ به ، أی : دع هذا الکلام لا أصل له ، فإنَّ اعتقاد الآخرة وإنّها لا تُباع بعرض الدنیا من الخرافات ، وما زال عمرو بن العاص ملحداً ما تردّد قطُّ فی 2.

ص: 183


1- سیرة ابن هشام : 3 / 319 [3 / 289] وغیر واحد من کتب السیرة النبویّة والتاریخ. (المؤلف)
2- تذکرة خواص الأمّة : ص 56 [ص 97] ، السیرة الحلبیّة : [3 / 20] وغیرها. (المؤلف)
3- شرح نهج البلاغة : 2 / 65 خطبة 26 ، 6 / 321 و 325 خطبة 83 ، 7 / 58 خطبة 92.

الإلحاد والزندقة ، وکان معاویة مثله.

وقال فی (2 / 113) : ونقلت أنا من کتب متفرِّقة ، کلمات حکمیّة ، تُنسب إلی عمرو بن العاص ، استحسنتها وأوردتها لأنّی لا أجحد لفاضل فضله ، وإن کان دینه عندی غیر مرضیٍّ.

وقال فی (ص 114) : قال شیخنا أبو عبد الله : أوّل من قال بالإرجاء المحض معاویة وعمرو بن العاص ، کانا یزعمان أنَّه لا یضرّ مع الإیمان معصیة ، ولذلک قال معاویة لمن قال : حاربت من تعلم. وارتکبت ما تعلم ، فقال : وثقت بقوله تعالی : (إِنَّ اللهَ یَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِیعاً) (1).

وقال فی (2 / 179) : وأمّا معاویة : فکان فاسقاً مشهوراً بقلّة الدین ، والانحراف عن الإسلام ، وکذلک ناصره ومظاهره علی أمره عمرو بن العاص ، ومن تبعهما من طغام أهل الشام وأجلافهم وجهّال الأعراب ، فلم یکن أمرهم خافیاً فی جواز محاربتهم واستحلال قتالهم.

وهناک کلماتٌ ذُکرت فی مصادر وثیقة تُمثِّل الرجل بین یدی القارئ بروحیّاته وحقیقته ، وتخبره بعُجره وبُجره (2) ، وإلیک نماذج منها :

1 - کلمة النبیّ الأعظم صلی الله علیه وآله وسلم

دخل زید بن أرقم علی معاویة ، فإذا عمرو بن العاص جالسٌ معه علی السریر ، فلمّا رأی ذلک زید ، جاء حتی رمی بنفسه بینهما ، فقال له عمرو بن العاص : أما وجدتَ لک مجلساً إلاّ أن تقطعَ بینی وبین أمیر المؤمنین؟ ف)

ص: 184


1- الزمر : 53.
2- العُجر : العروق المتعقّدة فی الظَهر. البُجر : العروق المتعقّدة فی البطن. مثل یضرب لمن یُخبَر بجمیع عیوبه [مجمع الأمثال : 1 / 420 رقم 1258]. (المؤلف)

فقال زید : إنَّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم غزا غزوة وأنتما معه فرآکما مجتمعَین ، فنظر إلیکما نظراً شدیداً ، ثمّ رآکما الیوم الثانی والیوم الثالث ، کلّ ذلک یدیم النظر إلیکما ، فقال فی الیوم الثالث : «إذا رأیتم معاویة وعمرو بن العاص مجتمعَینِ ففرِّقوا بینهما ، فإنّهما لن یجتمعا علی خیر».

کذا أخرجه ابن مزاحم فی کتاب صفِّین (1) (ص 112) ، ورواه ابن عبد ربِّه فی العقد الفرید (2) (2 / 290) عن عبادة بن الصامت ، وفیه : إنّه صلی الله علیه وآله وسلم قاله فی غزوة تبوک ولفظه : «إذا رأیتموهما اجتمعا ففرِّقوا بینهما ، فإنّهما لا یجتمعان علی خیر».

2 - کلمة أمیر المؤمنین علیه السلام

روی أبو حیّان التوحیدی فی الإمتاع والمؤانسة (3 / 183) قال : قال الشعبی : ذکر عمرو بن العاص علیّا ، فقال : فیه دُعابة. فبلغ ذلک علیّا ، فقال :

«زعم ابن النابغة أنَّی تلعابة ، تمراحة ، ذو دُعابة ، أعافس ، وأمارس. هیهات یمنع من العِفاس والمِراس (3) ، ذکر الموت وخوف البعث والحساب ، ومن کان له قلب ، ففی هذا من هذا له واعظ وزاجر ، أما وشرُّ القول الکذب ، إنَّه لَیَعِدُ فیُخلف ، ویحدِّث فیکذب ، فإذا کان یوم البأس ، فإنّه زاجر وآمر ، ما لم تأخذِ السیوفُ بهامِ الرجال ، فإذا کان ذاک ، فأعظمُ مکیدتِهِ فی نفسه ، أن یمنح القومَ استه».

ورواه بهذا اللفظ شیخ الطائفة فی أمالیه (4) (ص 82) من طریق الحافظ ابن عقدة. 8.

ص: 185


1- وقعة صفّین : ص 218.
2- العقد الفرید : 4 / 145.
3- العفاس - بالکسر - : الفساد. المراس : العبث واللعب. (المؤلف)
4- أمالی الطوسی : ص 131 ح 208.

*صورةٌ أخری علی روایة الشریف الرضی :

«عجباً لابن النابغة! یزعم لأهل الشام أنّ فیَّ دُعابة ، وأنّی امرؤ تلعابة ، أعافس وأمارس ، لقد قال باطلاً ، ونطق آثماً ، أما وشرُّ القول الکذب ، إنّه لیقول فیکذب ، ویَعِدُ فیخلِف ، ویسأل فیلحِف ، ویُسأل فیَبخَل ، ویخونُ العهد ، ویقطع الإلّ ، فإذا کان عند الحرب فأیُّ زاجر وآمر هو ما لم تأخذ السیوف مآخذها؟! فإذا کان ذلک ، کان أکبر مکیدته أن یمنح القِرْمَ سُبّتَهُ ، أما والله إنّی لَیمنعُنی من اللّعبِ ذکر الموت ، وإنّه لَیمْنَعُهُ من قول الحقِّ نسیان الآخرة ، وإنّه لم یُبایع معاویة حتی شرط له أن یؤتیه أَتیّةً ، ویرضَخَ له علی ترک الدین رضیخة (1)». نهج البلاغة (2) (1 / 145).

*صورةٌ أخری علی روایة ابن قتیبة :

قال زید بن وهب : قال لی علیّ بن أبی طالب رضی الله عنه :

«عجباً لابن النابغة! یزعم أنَّی تَلْعابة ، أعافس وأمارس ، أما وشرُّ القول أکذبه ، إنّه یسأل فیُلحِف ، یُسأل فیبخل ، فإذا کان عند البأس فإنّه امرؤٌ زاجرٌ ، ما لم تأخذ السیوف مآخذها من هام القوم ، فإذا کان کذلک ، کان أکبر همِّه أن یُبرقِط (3) ویمنح الناس استه ، قبّحه الله وترّحه». - عیون الأخبار (1 / 164).

*صورةٌ أخری علی روایة ابن عبد ربِّه :

ذُکر عمرو بن العاص عند علیّ بن أبی طالب ، فقال فیه علیٌّ :

«عجباً لابن الباغیة! یزعم أنَّی بلقائه أعافس وأمارس ، ألا وشرُّ القول أکذبه ، إنّه یسأل فیلحف ، ویُسأل فیَبخل ، فإذا احمرَّ البأس ، وحَمِی الوطیس ، وأخذت السیوف ً.

ص: 186


1- یقال : رضخ له من ماله رضیخة ، أی : قلیلاً من کثیر. (المؤلف)
2- نهج البلاغة : ص 115 خطبة 84.
3- برقط : فرّ هارباً ، وولّی متلفّتاً.

مآخذها من هام الرجال ، لم یکن له همٌّ إلاّ غرقة ثیابه (1) ، ویمنح الناس استه ، فضَّه الله وترّحه». - العقد الفرید (2) (2 / 287).

3 - کلمة أخری له علیه السلام

لمّا رفع أهل الشام المصاحف علی الرماح یوم صفِّین ، یدعون إلی حکم القرآن ، قال علیٌّ علیه السلام :

«عباد الله : أنا أحقُّ من أجاب إلی کتاب الله ، ولکنّ معاویة ، وعمرو بن العاص ، وابن أبی مُعَیط ، وحبیب بن مَسلَمة ، وابن أبی سَرْح ، لیسوا بأصحاب دین ولا قرآن ، إنّی أعْرَفُ بهم منکم ، صَحِبتُهمْ أطفالاً ، وصَحِبتهم رجالاً ، فکانوا شرَّ أطفال ، وشرَّ رجال ، إنّها کلمة حقّ یراد بها الباطل ، إنّهم والله ما رفعوها ، إنّهم یعرفونها ولا یعملون بها ، وما رفعوها لکم إلاّ خدیعة ومکیدة». - کتاب صفّین لابن مزاحم (3) (ص 264).

4 - کلمة أخری له علیه السلام

قال أبو عبد الرحمن المسعودی : حدّثنی یونس بن أرقم بن عوف ، عن شیخ من بکر بن وائل ، قال : کنّا مع علیّ بصفّین ، فرفع عمرو بن العاص شقّة خمیصةٍ (4) فی رأس رمح ، فقال ناسٌ : هذا لواء عقده له رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، فلم یزالوا کذلک حتی بلغ علیّا.

ن.

ص: 187


1- فی المصدر : إلاّ نزعة ثیابه.
2- العقد الفرید : 4 / 141.
3- وقعة صفّین : ص 489.
4- الخمیصة : کساء أسود مربّع له علمان.

فقال علیٌّ : «هل تدرون ما أمر هذا اللواء؟ إنَّ عدوّ الله عمرو بن العاص أخرج له رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم هذه الشِّقَّة ، فقال : من یأخذها بما فیها؟ فقال عمرو : وما فیها یا رسول الله؟.

قال : فیها أن لا تُقاتل به مسلماً ، ولا تقرِّبه من کافر. فأخذها ، فقد والله قرّبه من المشرکین ، وقاتل به الیوم المسلمین ، والذی فلق الحبّة وبرأ النسمة ، ما أسلموا ولکن استسلموا وأسرّوا الکفر ، فلمّا وجدوا أعواناً رجعوا إلی عداوتهم منّا ، إلاّ أنَّهم لم یدعوا الصلاة». کتاب صفّین لابن مزاحم (1) (ص 110).

5 - کتاب أمیر المؤمنین إلی عمرو

«من عبد الله علیّ أمیر المؤمنین إلی الأبتر ابن الأبتر ، عمرو بن العاص بن وائل ، شانئ محمد وآل محمد فی الجاهلیّة والإسلام. سلام علی من اتّبع الهدی.

أمّا بعد : فإنّک ترکتَ مروءتَک لامرئ فاسق مهتوک سترُهُ ، یَشینُ الکریمَ بمجلسه ، ویسفِّهُ الحلیمَ بخَلْطَتِهِ ، فصار قلبُکَ لقلبه تَبَعاً ، کما قیل : وافق شنٌّ طبقة (2) ، فسلَبکَ دینَکَ ، وأمانتَک ، ودنیاک ، وآخرتَک ، وکان علمُ الله بالغاً فیک ، فصرتَ کالذئب یتبعُ الضرغام إذا ما اللیل دجا ، أو أتی الصبح ، یلتمسُ فاضلَ سؤرِه ، وحوایا فریستِه ، ولکن لا نجاةَ من القدر ، ولو بالحقِّ أخذت لأدرکتَ ما رجوتَ ، وقد رشدَ من کانَ الحقُّ قائده ، فإن یمکّنِ اللهُ منک ومن ابن آکلةِ الأکباد ، ألحقتُکما بمن قتلَه الله من ظَلَمَة قریش علی عهد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، وإن تُعْجِزا وتبقیا بعدی ، فالله حسبکما ، وکفی بانتقامه انتقاماً ، وبعقابه عقاباً. والسلام». ف)

ص: 188


1- وقعة صفّین : ص 215.
2- مثل سائر له قصّة یستفاد منها. شنّ : اسم رجل. طبقة : اسم امرأة. راجع مجمع الأمثال للمیدانی : 2 / 321 [3 / 418 رقم 4340]. (المؤلف)

*فائدةٌ

هذا الکتاب بهذه الصورة ، ذکرها ابن أبی الحدید (1) فی شرحه (2) (4 / 61) نقلاً عن کتاب صفِّین لنصر بن مزاحم ، ولم نجده فیه ، فمن أمعن النظر فی جلِّ ما نقله ابن أبی الحدید عن هذا الکتاب یعلم بأنَّ المطبوع منه هو مختصره لا أصله ، وهو أکبر من الموجود بکثیر.

*صورة أخری له :

«فإنَّک قد جعلتَ دینَک تبعاً لدنیا امرئٍ ظاهرٍ غیّهُ ، مهتوکٍ سترُهُ ، یشینُ الکریم بمجلسه ، ویسفِّهُ الحلیم بخلطَتِهِ ، فاتّبعتَ أثرَهُ وطلبتَ فضلَهُ اتِّباعَ الکلبِ للضرغامِ یلوذُ بمخالبهِ ، وینتظرُ ما یُلقی إلیه من فضلِ فریستهِ ، فأَذهبَ دنیاک وآخرتَکَ ، ولو بالحقِّ أخذتَ أدرکتَ ما طلبتَ ، فإن یمکّنِ اللهُ منک ومن ابن أبی سفیان ، أَجْزِکُما بما قدّمتما ، وإن تُعْجِزا وتبقیا فما أمامکما شرٌّ لکما. والسلام». نهج البلاغة (3) (2 / 64).

6 - خطبة أمیر المؤمنین بعد التحکیم

لمّا خرجت الخوارج وهرب أبو موسی إلی مکّة ، وردّ علیٌّ علیه السلام ابن عبّاس إلی البصرة ، قام فی الکوفة خطیباً ، فقال :

«الحمد لله ، وإن أتی الدهرُ بالخَطْبِ الفادح ، والحدثِ الجلیل ، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شریک له ، لیس معه إلهٌ غیره ، وأنّ محمداً عبده ورسوله صلی الله علیه وآله وسلم.

9.

ص: 189


1- وذکره عنه الدکتور أحمد زکی صفوت فی جمهرة الرسائل : 1/486 (رقم 454). (المؤلف).
2- شرح نهج البلاغة : 16/163 کتاب 39.
3- نهج البلاغة : ص 411 کتاب 39.

أمّا بعد : فإنَّ معصیة الناصح الشفیق ، العالم المجرِّب ، تُورِثُ الحسرة ، وتُعقِبُ الندامة ، وقد کنت أَمَرتُکُم فی هذه الحکومة أمری ، ونحلتُ لکم مخزون رأیی ، لو کان یُطاع لقصیر أمر(1) ، فأبیتم علیَّ إباء المخالفین الجفاة ، والمنابذین العصاة ، حتی ارتاب الناصح بنصحه ، وضنَّ الزَّنْدُ بقدحه ، فکنت أنا وإیّاکم کما قال أخو هوازن(2) :

أمرتکُمُ أمری بمنعرج اللِّوی

فلم تستبینوا النصحَ إلاّ ضحی الغدِ

ألا إن هذین الرجلین عمرو بن العاص وأبا موسی الأشعری اللذین اخترتموهما حَکَمین ، قد نبذا حکم القرآن وراء ظهورهما ، وأحیَیَا ما أمات القرآن ، وأماتا ما أحیا القرآن ، واتّبع کلّ واحد منهما هواه بغیر هدیً من الله ، فَحَکَما بغیر حجّة بیِّنة ، ولا سُنّةٍ ماضیة ، واختلفا فی حکمهما ، وکلاهما لم یَرشُد(3) ، فبرئ الله منهما ورسولُه وصالحُ المؤمنین ، واستعِدّوا وتأهّبوا للمسیر إلی الشام».

الإمامة والسیاسة(4) (1 / 119) ، تاریخ الطبری(5) (6 / 45) ، مروج الذهب(6) (2 / 35) ، نهج البلاغة(7) (1 / 44) ، کامل ابن الأثیر(8) (3 / 146).

ذکر ابن کثیر فی تاریخه (9) (7 / 286) هذه الخطبة ، ولمّا لم یعجبه ذکر أهل العبث -.

ص: 190


1- قصیر هو مولی جذیمة الأبرش وکان قد أشار علی سیّده أن لا یأمن الزبّاء ملکة الجزیرة وقد دعته إلیها لیتزوّجها فخالفه وقصد فقتلته فقال فصیر لا یطاع لقصیر أمر فذهب مثلا (مجمع الأمثال : 3/198 رقم 3646). المؤلف
2- درید بن الصمّة (المؤلف)
3- فی الإمامة والسیاسة: لم یرشد هما الله (المؤلف)
4- الإمامة والسیاسة : 1/123.
5- تاریخ الأمم والملوک : 5/77 حوادث سنة 37 ه-.
6- مروج الذهب : 2/421.
7- نهج البلاغة : ص 79 خطبة 35.
8- الکامل فی التاریخ : 2/400 حوادث سنة 37 ه-.
9- البدایة والنهایة : 7/317 حوادث سنة 37 ه-.

والفساد بما هم علیه ، أو لم یره صادراً من أهله فی محلِّه ، أو لم یرض أن تطّلع الأمّة الإسلامیّة علی حقیقة عمرو بن العاص وصُویحبه بتر الخطبة ، وذکرها إلی آخر البیت فقال : ثمّ تکلّم فیما فعله الحکمان فردّ علیهما ما حکما به وأنّبهما ، وقال ما فیه حطٌّ علیهما. انتهی.

وهناک لأمیر المؤمنین علیه السلام فی خطبه کلمات کثیرة حول الرجل ، مثل قوله : «قد سار إلی مصر ابن النابغة عدوُّ الله ، وولیُّ مَن عادی الله». وقوله : «إنَّ مصر افتتحها الفجرة أولو الجور والظلم الذین صدّوا عن سبیل الله ، وبغوا الإسلام عوجاً» (1). نضرب عنها صفحاً روماً للاختصار.

7 - قنوت أمیر المؤمنین بلعن عمرو

أخرج أبو یوسف القاضی فی الآثار (ص 71) ، من طریق إبراهیم قال : إنَّ علیّا رضی الله عنه قنت یدعو علی معاویة رضی الله عنه حین حاربه ، فأخذ أهل الکوفة عنه ، وقنت معاویة یدعو علی علیّ ، فأخذ أهل الشام عنه.

وروی الطبری فی تاریخه (2) (6 / 40) قال : کان علیٌّ إذا صلّی الغداة یقنتُ فیقول : «اللهم العن معاویة ، وعمراً ، وأبا الأعور السلَمی ، وحبیباً ، وعبد الرحمن بن خالد ، والضحّاک بن قیس ، والولید».

فبلغ ذلک معاویة ، فکان إذا قنت لعن علیّا ، وابن عبّاس ، والأشتر ، وحسناً ، وحسیناً.

ورواه نصر بن مزاحم فی کتاب صفِّین (3) (ص 302) وفی طبعة مصر(ص 636) 2.

ص: 191


1- تاریخ الطبری 6/11 و 62 (5/107 و 108 حوادث سنة 38 ه-). (المولف)
2- المصدر السابق 5/71 حوادث سنة 37 ه-.
3- وقعة صفّین : ص 552.

وفیه : کان علیٌّ إذا صلّی الغداة والمغرب وفرغ من الصلاة یقول : اللهمّ العن معاویة ، وعمراً ، وأبا موسی ، وحبیب بن مسلمة ...».

إلی آخر الحدیث باللفظ المذکور ، غیر أنّ فیه : قیس بن سعد مکان الأشتر.

وقال ابن حزم فی المحلّی (4 / 145): کان علیٌّ یقنت فی الصلوات کلّهنّ ، وکان معاویة یقنت أیضاً ، یدعو کلُّ واحد منهما علی صاحبه.

ورواه الوطواط فی الخصائص (1) (ص 330) وزاد فیه : ولم یزل الأمر علی ذلک برهةً من ملک بنی أمیّة ، إلی أن ولی عمر بن عبد العزیز الخلافة ، فمنع من ذلک. وذکره ابن الأثیر فی الکامل (2) (3 / 144) بلفظ الطبری.

وقال أبو عمر فی الاستیعاب) (3) - فی الکنی - فی ترجمة أبی الأعور السلمی : کان هو وعمرو بن العاص مع معاویة بصفِّین ، وکان من أشدّ من عنده علی علیّ رضی الله عنه ، وکان علیٌّ رضی الله عنه یذکره فی القنوت فی صلاة الغداة ، یقول : «اللهمّ علیک به» مع قوم یدعو علیهم فی قنوته. وذکره علی لفظ الطبری ، أبو الفداء فی تاریخه (1 / 179).

وقال الزیلعی فی نصب الرایة (2 / 131) : قال إبراهیم : وأهل الکوفة إنّما أخذوا القنوت عن علیٍّ ، قنت یدعو علی معاویة حین حاربه ، وأهل الشام أخذوا القنوت عن معاویة ، قنت یدعو علی علیٍّ.

ورواه أبو المظفّر سبط ابن الجوزی الحنفیّ فی تذکرته (4) (ص 59) بلفظ الطبری حرفیّا إلی قنوت معاویة ، وزاد فیه : محمد بن الحنفیّة ، وشریح بن هانی. وذکره ابن أبی الحدید فی شرح نهج البلاغة(5) (1 / 200) نقلاً عن کتابی صفِّین لابن دیزیل

5.

ص: 192


1- غرّر الخصائص : ص 333.
2- الکامل فی التاریخ : 2/397 حوادث سنة 37 ه-.
3- الاستیعاب : القسم الرابع /1600 رقم 2849.
4- تذکرة الخواص : ص 102.
5- شرح نهج البلاغة : 2/260 خطبة 35.

المترجم له (1 / 73) ونصر بن مزاحم. وذکره الشبلنجی فی نور الأبصار(1)(ص 110).

8 - دعاء عائشة علی عمرو

لمّا بلغ عائشة قتل محمد بن أبی بکر ، جزعت علیه جزعاً شدیداً ، وجعلت تقنت وتدعو فی دُبُر الصلاة علی معاویة وعمرو بن العاص.

رواه الطبری فی تاریخه (2) (6 / 60) ، ابن الأثیر فی الکامل (3) (3 / 155) ، ابن کثیر فی تاریخه (4) (7 / 314) ، ابن أبی الحدید فی شرح النهج (5) (2 / 33).

9 - الإمام الحسن الزکیّ وعمرو

روی الزبیر بن بکّار فی کتاب المفاخرات قال : اجتمع عند معاویة عمرو بن العاص ، والولید بن عقبة بن أبی مُعَیْط ، وعتبة بن أبی سفیان بن حرب ، والمغیرة بن شعبة ، وقد کان بلغهم عن الحسن بن علیّ علیه السلام قوارص (6) ، وبلغه عنهم مثل ذلک ، فقالوا : یا أمیر المؤمنین إنَّ الحسن قد أحیا أباه وذِکره ، وقال فصُدِّق ، وأمر فأُطیع ، وخفقتْ له النعال ، وإنَّ ذلک لرافعه إلی ما هو أعظم منه ، ولا یزال یبلغنا عنه ما یسوؤنا. قال معاویة : فما تریدون؟

قالوا : ابعث علیه فلیحضر لِنَسُبَّه ونَسُبَّ أباه! ونعیِّره ، ونوبِّخه ، ونخبره أنَّ أباه

ف)

ص: 193


1- نور الأبصار : ص 220.
2- تاریخ الأمم والملوک : 5/105 حوادث سنة 38 ه-.
3- الکامل فی التاریخ : 2/413 حوادث سنة 38 ه-.
4- البدایة والنهایة : 7/349 حوادث سنة 38 ه-.
5- شرح نهج البلاغة : 6/88 خطبة 67.
6- الکلمة القارضة : التی تنغض وتؤلم والجمع قوارص (المؤلف)

قتل عثمان ، ونقرّره بذلک ، ولا یستطیع أن یغیِّر علینا شیئاً من ذلک. قال معاویة : إنّی لا أری ذلک ولا أفعله. قالوا : عزمنا علیک یا أمیر المؤمنین لَتفعلَنَّ. فقال : ویْحَکم لا تفعلوا ، فو الله ما رأیته قطُّ جالساً عندی إلاّ خفتُ مقامه وعیبه لی. قالوا : ابعث إلیه علی کلِّ حال. قال : إن بعثتُ إلیه لأُنصِفَنَّه منکم. فقال عمرو بن العاص : أتخشی أن یأتی باطله علی حقِّنا؟! أو یربی قوله علی قولنا؟ قال معاویة : أما إنّی إن بعثتُ إلیه لآمرنَّه أن یتکلّم بلسانه کلّه. قالوا : مُره بذلک. قال : أمّا إذا عصیتمونی وبعثتم إلیه وأبیتم إلاّ ذلک ، فلا تمرضوا له فی القول ، واعلموا أنَّهم أهل بیت لا یعیبهم العائب ، ولا یَلصقُ بهم العار ، ولکن اقذفوه بحجره ، تقولون له : إنَّ أباک قتل عثمان ، وکره خلافة الخلفاء من قبله.

فبعث إلیه معاویة ، فجاءه رسوله ، فقال : إنَّ أمیر المؤمنین یدعوک. قال : «من عنده؟» فسمّاهم ، فقال الحسن علیه السلام : «ما لهم؟ خرَّ علیهم السقف مِن فوقهم وأتاهم العذاب من حیث لا یشعرون». ثمّ قال : «یا جاریة ابغینی ثیابی ، اللهمّ إنّی أعوذ بک من شرورهم ، وأدرأ بک فی نحورهم ، وأستعین بک علیهم ، فاکْفِنیهم کیف شئت ، وأنّی شئت ، بحول منک وقوّة یا أرحم الراحمین».

ثمّ قام فدخل علی معاویة. إلی أن قال : فتکلّم عمرو بن العاص ، فحمد الله وصلّی علی رسوله ، ثمّ ذکر علیّا علیه السلام فلم یترک شیئاً یعیبه به إلاّ قاله ، وقال : إنّه شتم أبا بکر ، وکره خلافته ، وامتنع من بیعته ثمّ بایعه مکرهاً ، وشرک فی دم عمر ، وقتل عثمان ظلماً ، وادّعی من الخلافة ما لیس له. ثمّ ذکر الفتنة یعیِّره بها ، وأضاف إلیه مساوئ. وقال : إنّکم یا بنی عبد المطّلب لم یکن الله لیعطیکم الملک علی قتلکم الخلفاء ، واستحلالکم ما حرّم الله من الدماء ، وحِرصِکم علی المُلک ، وإتیانِکم ما لا یَحِلُّ! ثمّ إنّک یا حسن تحدِّث نفسک أنّ الخلافةَ صائرةٌ إلیک ، ولیس عندک عقلُ ذلک ولا لبُّه ، کیف تری الله سبحانه سلبک عقلک ، وترکک أحمق قریش ، یُسخَرُ منک ویُهزَأُ بک! وذلک لسوء عمل أبیک ، وإنّما دعوناک لِنَسُبّک وأباک. فأمّا أبوک فقد تفرّد

ص: 194

الله به وکفانا أمره ، وأمّا أنت فإنَّک فی أیدینا نختار فیک الخصال ، ولو قتلناک ما کان علینا إثمٌ من الله ، ولا عیبٌ من الناس ، فهل تستطیع أن تردَّ علینا وتکذِّبنا؟ فإن کنت تری لأنّا کذبنا فی شیء فاردُدْهُ علینا فیما قلنا ، وإلاّ فاعلم أنَّک وأباک ظالمان.

فتکلّم الحسن بن علیّ علیهما السلام فحمد الله وأثنی علیه وصلّی علی رسوله - إلی أن قال لعمرو بعد جُمل ذکرت (ص 122) - :

«وقاتلتَ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی جمیع المشاهد ، وهجوتَه وآذیتَه بمکّة ، وکِدْتَه کَیْدَک کلّه ، وکنت من أشدِّ الناس له تکذیباً وعداوةً ، ثمَّ خرجتَ ترید النجاشیَّ مع أصحابِ السفینة ، لتأتی بجعفر وأصحابه إلی أهل مکّة ، فلمّا أخطأکَ ما رجوتَ ، ورجعک الله خائباً ، وأکذَبَک واشیاً. جعلتَ حسدَکَ علی صاحبک عمارة بن الولید ، فوشیتَ به إلی النجاشی ، حسداً لما ارتکب من حلیلته ، ففضحکَ الله وفضحَ صاحبک ، فأنت عدوُّ بنی هاشم فی الجاهلیّة والإسلام ، ثمّ إنّک تعلم ، وکلُّ هؤلاء الرهط یعلمون : أنَّک هجوت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بسبعین بیتاً من الشعر ، فقال رسول الله : اللهمّ إنّی لا أقول الشعر ولا ینبغی لی ، اللهمّ العنه بکلِّ حرف ألف لعنة. فعلیک إذن من الله ما لا یُحصی من اللعن.

وأمّا ما ذکرت من أمر عثمان ، فأنت سعّرت علیه الدنیا ناراً ، ثمَّ لحقتَ بفلسطین ، فلمّا أتاک قتله قلت : أنا أبو عبد الله إذا نکأتُ - أی : قشرت - قرحةً أدمیتها. ثمّ حبستَ نفسک إلی معاویة ، وبعتَ دینک بدنیاه ، فلسنا نلومک علی بغض ، ولا نعاتبک علی وُدّ ، وبالله ما نصرتَ عثمان حیّا ، ولا غضبت له مقتولاً.

ویحک یا ابن العاص ألست القائل فی بنی هاشم لمّا خرجت من مکّة إلی النجاشی :

تقول ابنتی أین هذا الرحیلُ

وما السیرُ منِّی بمُسْتَنکَرِ

ص: 195

فقلتُ ذَرِینی فإنّی امرؤٌ

أرید النجاشیّ فی جعفرِ

لِأکْوِیَهُ عندَهُ کَیّةً

أُقیم بها نخوةَ الأصعرِ(1)

وشانئُ أحمد من بینهم

وأقْوَلُهمْ فیه بالمُنکرِ

وأجری إلی عتبةَ جاهداً

ولو کان کالذهبِ الأحمرِ

ولا أنثنی عن بنی هاشمٍ

وما اسطعتُ فی الغَیْبِ والمحضرِ

فإن قَبِلَ العَتبَ منّی له

وإلاّ لویتُ له مِشفری»(2)

تذکرة سبط ابن الجوزی) (3) (ص 14) ، شرح ابن أبی الحدید(4) (2 / 103) ، جمهرة الخطب(5) (2 / 12).

*بیان :

قوله علیه السلام : «لتأتی بجعفر وأصحابه إلی مکّة» یشیر إلی هجرته الثانیة إلی الحبشة وقد هاجر إلیها من المسلمین نحو ثلاثة وثمانین رجلاً وثمانی عشرة امرأة. وکان من الرجال جعفر بن أبی طالب ، ولمّا رأت قریش ذلک ، أرسلت فی أثرهم عمرو بن العاص ، وعمارة بن الولید بهدایا إلی النجاشیِّ وبطارقته لیسلّم المسلمین ، فرجعا خائبین ، وأبی النجاشیُّ أن یَخفِر ذمّته.

قوله علیه السلام : «لما ارتکب من حلیلته». ذلک : أنّ عمراً وعمارة رکبا البحر إلی الحبشة ، وکان عمارة جمیلاً وسیماً تهواه النساء ، وکان مع عمرو بن العاص امرأته ، فلمّا صاروا فی البحر لیالی أصابا من خمر معهما ، فانتشی عمارة ، فقال لامرأة عمرو : قبِّلینی. فقال لها عمرو : قبِّلی ابن عمِّک. فقبّلته ، فَهَوِیَها عمارة وجعل یراودها عن 8.

ص: 196


1- الأصعر : المتکبر.
2- لوی الحبل : لوت الناقة بذنبها وألوت : حرّکته السفر: الشدّة والمنعة.(المؤلف)
3- تذکرة الخواص : ص 200.
4- شرح نهج البلاغة : 6/291 خطبة 83.
5- جمهرة خطب العرب : 2/27 رقم 18.

نفسها ، فامتنعت منه ، ثمّ إنَّ عمراً جلس علی منجاف (1) السفینة یبول ، فدفعه عمارة فی البحر ، فلمّا وقع عمرو سبح حتی أخذ بمنجاف السفینة ، وضغن علی عمارة فی نفسه ، وعلم أنَّه کان أراد قتله ، ومضیا حتی نزلا الحبشة ، فلمّا اطمأنّا بها لم یلبث عمارة أن دبّ لامرأة النجاشیِّ فأدخلته ، فاختلف إلیها ، وجعل إذا رجع من مدخله ذلک یخبر عمراً بما کان من أمره ، فیقول عمرو : لا أصدِّقک أنَّک قدرت علی هذا! إنَّ شأن هذه المرأة أرفع من ذلک.

فلمّا أکثر علیه عمارة بما کان یخبره ، ورأی عمرو من حاله وهیئته ومبیته عندها ، حتی یأتی إلیه من السحر ما عرف به ذلک ، قال له : إن کنت صادقاً فقل لها : فلتدهنک بدهن النجاشیِّ الذی لا یَدّهِنُ به غیره ، فإنّی أعرفه ، وآتنی بشیء منه حتی أصدِّقک. قال : أفعل. فسألها ذلک ، فدهنته منه ، وأعطته شیئاً فی قارورة. فقال عمرو : أشهد أنَّک قد صدقت ، لقد أصبت شیئاً ما أصاب أحدٌ من العرب مثله قطُّ : امرأة الملک! ما سمعنا بمثل هذا. ثمَّ سکت عنه حتی اطمأن ، ودخل علی النجاشی فأعلمه شأن عمارة ، وقدّم إلیه الدهن. فلمّا أثبت أمره ، دعا بعمارة ، ودعا نسوة أُخر ، فجرّدوه من ثیابه ، ثمّ أمرهنَّ ینفخن فی إحلیله ، ثمّ خلّی سبیله ، فخرج هارباً.

عیون الأخبار لابن قتیبة (1 / 37) ، الأغانی (2) (9 / 56) ، شرح النهج لابن أبی الحدید (3) (2 / 107) ، قصص العرب (4) (1 / 89) (5). بن

ص: 197


1- منجاف السفینة : سکانها الذی تعدل به (المولف)
2- الأغانی : 9 / 69.
3- شرح نهج البلاغة : 6 / 304 خطبة 83.
4- قصص العرب : 1 / 98 رقم 35.
5- وهناک روایة أخری رواها الرواة بإیجاز واختصار وحذفوا منها الکثیر ، رواها ابن سعد بإسناده فی کتاب الطبقات فی ترجمة الإمام الحسن 7 برقم 136 وهی : لمّا بایع الحسن بن علی 7 معاویة ، قال له عمرو بن العاص وأبو الأعور السلمی - عمرو بن سفیان - : لو أمرت الحسن فصعد المنبر فتکلّم عیی عن المنطق! فیزهد فیه الناس. فقال معاویة : لا تفعلوا ، فو الله لقد رأیت رسول الله صلی الله علیه وسلّم یمصّ لسانه وشفتیه ، ولن یعیا لسان مصّه النبیّ صلی الله علیه وسلّم أو شفتان ، فأبوا علی معاویة ... فقالا : لو دعوته فاستنطقته. فقال : مهلاً ، فأتوا فدعوه فأجابهم ، فأقبل علیه عمرو بن العاص فقال له الحسن : أمّا أنت فقد اختلف فیک رجلان : رجل من قریش ، وجزّار أهل المدینة ، فادّعیاک فلا أدری أیّهما أبوک!. وأقبل علیه أبو الأعور السلمی - عمرو بن سفیان - فقال له الحسن : ألم یلعن رسول الله صلی الله علیه وسلّم رعلاً وذکوان وعمرو بن سفیان؟! ثم أقبل معاویة یعین القوم! فقال الحسن 7 : أما علمت أنَّ رسول الله صلی الله علیه وسلّم لعن قائد الأحزاب وسائقهم وکان أحدهما أبو سفیان ، والأخر أبو الأعور السلمی؟ أخرجه الطبرانی فی المعجم الکبیر فی ترجمة الإمام الحسن 7 : 3 / 72 ح 2699 بأوجز ممّا مرّ ، ورواه فی ح 2698 بلفظ آخر. ورواه : ابن عساکر فی تاریخ دمشق فی ترجمة أبی الأعور السلمی. ورواه الذهبی فی تاریخ الإسلام ترجمة الإمام الحسن 7 : 4 / 39 ، مجمع الزوائد : 1 / 113 و 9 / 178. (الطباطبائی)

10 - کتاب ابن عبّاس إلی عمرو

کتب ابن عبّاس مجیباً عمرو بن العاص :

أمّا بعد : فإنّی لا أعلم رجلاً من العرب أقلَّ حیاءً منک ، إنّه مال بک معاویة إلی الهوی ، وبعته دینک بالثمن الیسیر ، ثمّ خبطَتَ بالناس فی عَشْوةٍ طمعاً فی الملک ، فلمّا لم ترَ شیئاً ، أعظمتَ الدنیا إعظام أهل الذنوب ، وأظهرتَ فیها نزاهة أهل الورع ، لا ترید بذلک إلاّ تمهید الحرب وکسر أهل الدین ، فإن کنتَ ترید اللهَ بذلک فدعْ مصر ، وارجع إلی بیتک ، فإنَّ هذه الحرب لیس فیها معاویة کعلیّ ، بدأها علیٌّ بالحقِّ ، وانتهی فیها إلی العُذرِ ، وبدأها معاویة بالبغی ، وانتهی فیها إلی السرَف ، ولیس أهل العراق فیها کأهل الشام ، بایع أهل العراق علیّا وهو خیرٌ منهم ، وبایع أهل الشام معاویة وهم خیرٌ منه ، ولستُ أنا وأنت فیها بسواء ، أردتُ الله ، وأردتَ أنت مصر ، وقد عرفت الشیء الذی باعدک منِّی ، وأعرفُ الشیء الذی قرّبک من معاویة ، فإن تُرد

ص: 198

شرّا لا نسبقک به ، وإن تُرد خیراً لا تسبقنا إلیه.

ثمّ دعا الفضل بن عبّاس فقال له : یا ابن أمّ أجب عمراً ، فقال الفضل :

یا عمرو حسبُکَ من خدعٍ ووسواسٍ

فاذهبْ فلیس لداءِ الجهل من آسِ (1)

إلاّ تواتر طعنٍ فی نحورِکُمُ

یُشجی النفوسَ ویشفی نخوةَ الراسِ

هذا الدواءُ الذی یشفی جماعتَکمْ

حتی تطیعوا علیّا وابن عبّاسِ

أمّا علیٌّ فإنَّ الله فضّلَهُ

بفضلِ ذی شرفٍ عالٍ علی الناسِ

إن تعقِلوا الحربَ نعقْلها مخیّسةً (2)

أو تبعثوها فإنّا غیرُ أنکاسِ

قد کان منّا ومنکم فی عجاجتِها

ما لا یُردّ وکلٌّ عُرضةُ الباسِ

قتلی العراقِ بقتلی الشامِ ذاهبةٌ

هذا بهذا وما بالحقِّ من باسِ

لا بارک اللهُ فی مصرٍ لقد جلبتْ

شرّا وحظُّک منها حسوةُ الکاسِ (3)

یا عمرو إنَّکَ عارٍ من مغانمِها

والراقصاتِ ومن یوم الجزا کاسی

الإمامة والسیاسة (4) (1 / 95) ، کتاب صفّین (5)) (ص 219) ، شرح ابن أبی الحدید (6) (2 / 288).

وهناک أبیاتٌ تُعزی إلی حَبر الأمّة ابن عبّاس فی کتاب صفِّین لابن مزاحم (7) (ص 300) ذکر فیها عمراً بکلِّ قول شائن. 0.

ص: 199


1- أسا أسواً ، وأسا الجرح : داواه. (المؤلف)
2- خیّس : ذلّل. یقال : خیّس الجمل : راضه وذلّله بالرکوب. (المؤلف)
3- الحسوة ، المرّة من حسا : الجرعة الواحدة ، الجمع : حسوات. (المؤلف)
4- الإمامة والسیاسة : 1 / 99.
5- وقعة صفّین : ص 412.
6- شرح نهج البلاغة : 8 / 64 خطبة 124.
7- وقعة صفّین : ص 550.

11 - ابن عبّاس وعمرو

حجَّ عمرو بن العاص ، فمرَّ بعبد الله بن عبّاس فحسده مکانه وما رأی من هیبة الناس له ، وموقعه من قلوبهم ، فقال له : یا ابن عبّاس ما لَکَ إذا رأیتَنی ولّیتنی قصَرة (1) ، کأنّ بین عینیک دَبَرة (2) وإذا کنت فی ملأ من الناس کنتَ الهَوهاة (3) الهُمَزَة (4).

فقال ابن عبّاس : لأنّک من اللئام الفجرة ، وقریشٌ من الکرام البررة ، لا ینطقون بباطلٍ جهلوه ، ولا یکتمون حقّا علموه ، وهم أعظم الناس أحلاماً ، وأرفع الناس أعلاماً ، دخلتَ فی قریش ولست منها ، فأنت الساقطُ بین فراشین ، لا فی بنی هاشم رحلُکَ ، ولا فی بنی عبدِ شمس راحلتُک ، فأنت الأثیم الزنیمُ ، الضالُّ المضلُّ ، حملک معاویة علی رقاب الناس ، فأنت تسطو بحلمه ، وتسمو بکرمه. فقال عمرو : أما والله إنّی لمسرورٌ بک فهل ینفعنی عندک؟ قال ابن عبّاس : حیث مال الحقُّ مِلْنا ، وحیث سلک قصدنا. العقد الفرید (5) (2 / 136)

12 - ابن عبّاس وعمرو

حضر عبد الله بن جعفر مجلس معاویة وفیه عبد الله بن عبّاس وعمرو بن العاص ، فقال عمرو : قد جاءکم رجلٌ کثیرُ الخلوات بالتمنّی ، والطرَبات بالتغنّی ، محبٌ 3.

ص: 200


1- القصَر والقصَرة - بفتح الصاد - : الکسل. (المؤلف).
2- الدَبَرة - بفتح المهملة والموحّدة - : قرحة الدابّة تحدث من الرحل ونحوه ، والجمع دَبَرٌ وأدْبار. (المؤلف).
3- الهوهاة : ضعیف القلب ، الأحمق. (المؤلف).
4- همز الشیطان الإنسان : همس فی قلبه وسواساً. (المؤلف).
5- العقد الفرید : 3 / 203.

للقیان ، کثیرٌ مزاحه ، شدیدٌ طماحه ، صدودٌ عن الشبان (1) ، ظاهر الطیش ، رخیّ العیش ، أخّاذٌ بالسلف ، منفاق بالسرف.

فقال ابن عبّاس : کذبت والله أنت ، ولیس کما ذکرت ، ولکنّه : لله ذَکورٌ ، ولنعمائه شکورٌ ، وعن الخنا زجورٌ ، جوادٌ کریمٌ ، سیِّدٌ حلیمٌ ، إذا رمی أصاب ، وإذا سُئل أجاب ، غیر حَصِرٍ ولا هیّاب ، ولا عیّابة مغتاب ، حلَّ من قریش فی کریم النصاب ، کالهِزَبْر الضرغام ، الجریء المقدام ، فی الحسب القَمقام ، لیس بدعیٍّ ولا دنیء ، لا کمن اختصم فیه من قریش شرارُها ، فغلبَ علیه جزّارُها ، فأصبح ألأمَها حسباً ، وأدناها منصباً ، ینوء منها بالذلیل ، ویأوی منها إلی القلیل ، مُذَبذَبٌ بین الحیَّین ، کالساقط بین المهدین ، لا المضطرُّ فیهم عرفوه ، ولا الظاعن عنهم فقدوه ، فلیت شعری بأیِّ قَدْرٍ تتعرّض للرجال؟ وبأیِّ حسَب تَعْتَدُّ به تبارز عند النضال؟ أبنفسِک؟ وأنت الوغد اللئیم ، والنکِدُ الذمیم ، والوضیعُ الزنیم ، أم بمن تُنمی إلیهم؟ وهم أهلُ السفه والطیش ، والدناءة فی قریش ، لا بشرفٍ فی الجاهلیّة شُهروا ، ولا بقدیمٍ فی الإسلام ذُکروا ، جعلتَ تتکلّمُ بغیرِ لسانِکَ ، وتنطِقُ بالزورِ فی غیر أقرانِک ، والله لَکانَ أبینَ للفضلِ ، وأبعدَ للعدوانِ أن ینزلَکَ معاویةُ منزلةَ البعیدِ السحیقِ ، فإنّه طالما سلسَ داؤک ، وطمحَ بک رجاؤک إلی الغایة القصوی التی لم یخضرَّ فیها رعیُک ، ولم یورِق فیها غصنُکَ.

فقال عبد الله بن جعفر : أقسمتُ علیک لمّا أمسکت ، فإنّک عنّی ناضلتَ ، ولی فاوضت. فقال ابن عبّاس : دعنی والعبدَ ، فإنّه قد یهدرُ خالیاً إذ لا یجدُ مرامیاً ، وقد أُتیح له ضیغمٌ شرس ، للأقرانِ مفترس ، وللأرواح مختلس. فقال عمرو بن العاص : دعنی یا أمیر المؤمنین أنتصف منه ، فو الله ما ترکَ شیئاً. قال ابن عبّاس : دعه فلا یبقی المبقی إلاّ علی نفسه ، فو الله إنَّ قلبی لشدید ، وإنَّ جوابی لعتید ، وبالله الثقة ، وإنِّی لَکَما ن.

ص: 201


1- کذا فی المحاسن والأضداد ، وفی المحاسن والمساوئ : السِّنان.

قال نابغة بنی ذبیان :

وقِدماً قد قَرَعْتُ وقارعونی

فما نَزَرَ الکلامُ ولا شَجانی

یصدُّ الشاعرُ العرّافُ عنّی

صدودَ البِکر عن قرمٍ هِجانِ

هذا الحدیث : أخرجه الجاحظ فی المحاسن والأضداد (1) (ص 101) ، والبیهقی فی المحاسن والمساوئ (2) (1 / 68).

وقد مرَّ (ص 125) عن ابن عساکر (3) لعبد الله بن أبی سفیان نحوه ، وفی بعض ألفاظه تصحیفٌ یُصحّح بهذا.

13 - معاویة وعمرو

لمّا علم معاویة أنَّ الأمر لا یتمّ له إن لم یبایعه عمرو ، فقال له : یا عمرو اتّبعنی. قال : لما ذا ، للآخرة؟ فو الله ما معک آخرة ، أم للدنیا؟ فو الله لا کان حتی أکون شریکک فیها. قال : فأنت شریکی فیها. قال : فاکتب لی مصر وکورَها. فکتب له مصر وکورَها ، وکتب فی آخر الکتاب : وعلی عمرو السمع والطاعة. قال عمرو : واکتب : إنَّ السمع والطاعة لا ینقصانِ من شرطِه شیئاً. قال معاویة : لا ینظرُ الناس إلی هذا. قال عمرو : حتی تکتب. قال : فکتب ، وو الله ما یجد بُدّا من کتابتها.

ودخل عتبة بن أبی سفیان علی معاویة وهو یکلّم عمراً فی مصر ، وعمرو یقول له : إنّما أبایعک بها دینی. فقال عتبة : ائتمن الرجل بدینه ، فإنّه صاحبٌ من أصحاب محمد. وکتب عمرو إلی معاویة : 9.

ص: 202


1- المحاسن والأضداد : ص 87.
2- المحاسن والمساوئ : ص 90.
3- تاریخ مدینة دمشق : 9 / 367 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 12 / 239.

معاویَ لا أُعطیکَ دینی ولم أنَلْ

به منک دنیاً فانظرَنْ کیف تصنعُ

ومَا الدینُ والدنیا سواءٌ وإنّنی

لآخذُ ما تُعطی ورأسی مُقَنَّعُ

فإن تُعطنی مصراً فأربحُ صفقةٍ

أخَذْتَ بها شیخاً یَضُرُّ وینفُعُ

العقد الفرید (1) (2 / 291)

14 - معاویة وعمرو

*بصورة مفصّلة :

کتب أمیر المؤمنین علیه السلام إلی معاویة بن أبی سفیان یدعوه إلی بیعته ، فاستشار معاویة أخاه عتبة بن أبی سفیان ، فقال له : استعن بعمرو بن العاص ، فإنّه من قد علمتَ فی دهائهِ ورأیهِ ، وقد اعتزل أمر عثمان فی حیاته ، وهو لأمرِکَ أشدُّ اعتزالاً ، إلاّ أن تُثْمِنَ له بدینه فسیبیعک ، فإنّه صاحب دنیا. فکتب إلیه معاویة وهو بالسبع من فلسطین :

أمّا بعدُ : فإنّه قد کان من أمر علیٍّ وطلحة والزبیر ما قد بلغک ، وقد سقط إلینا مروان بن الحکم فی رافضة (2) أهل البصرة ، وقدم علینا جریر بن عبد الله فی بیعة علیّ ، وقد حبستُ نفسی علیک حتی تأتینی ، أقبِلْ أُذاکِرْک أمراً.

فلمّا قرأ الکتاب ، استشار ابنیه عبد الله ومحمداً ، فقال لهما : ما تریان؟ فقال عبد الله : أری أنَّ نبیّ الله صلی الله علیه وآله وسلم قُبض وهو عنک راضٍ ، والخلیفتان من بعده ، وقُتل عثمان وأنت عنه غائبٌ ، فَقرَّ فی منزلک فلستَ مجعولاً خلیفة ، ولا ترید أن تکون حاشیةً لمعاویة علی دنیاً قلیلة أوشک أن تهلک فتشقی فیها. ف)

ص: 203


1- العقد الفرید : 4 / 144.
2- الرافضة : کلّ جند ترکوا قائدهم. (المؤلف)

وقال محمد : أری أنَّک شیخ قریش وصاحب أمرها ، وإنْ تَصَرّمَ هذا الأمر وأنت فیه خاملٌ تصاغر أمرک ، فالحق بجماعة أهل الشام فکن یداً من أیدیها ، واطلب بدم عثمان ، فإنّک قد استنمت فیه إلی بنی أمیّة.

فقال عمرو : أمّا أنت یا عبد الله ، فأمَرتَنی بما هو خیرٌ لی فی دینی ، وأمّا أنت یا محمد فأمرتنی بما هو خیرٌ لی فی دنیای ، وأنا ناظرٌ فیه. فلمّا جنّه اللیل رفع صوته وأهله ینظرون إلیه :

تطاولَ لیلی للهمومِ الطوارقِ

وخوفِ التی تجلو وجوهَ العوائقِ

وإنَّ ابنَ هندٍ سائلی أنْ أزورَهُ

وتلک التی فیها بناتُ البوائقِ

أتاه جریرٌ من علیٍّ بخُطّةٍ

أمرّت علیه العیش ذات مضائقِ

فإن نالَ منّی ما یُؤمّلُ ردّهُ

وإن لم یَنَلْهُ ذَلَّ ذُلَّ المطابِقِ (1)

فو الله ما أدری وما کنتُ هکذا

أکونُ ومهما قادنی فهو سائقی

أُخادعُهُ إنَّ الخداعَ دنیّةٌ

أم اعطیهِ من نفسی نصیحةَ وامقِ

أم اقعُدُ فی بیتی وفی ذاکَ راحةٌ

لشیخٍ یخافُ الموتَ فی کلِّ شارقِ

وقد قال عبدُ الله قولاً تعلّقتْ

به النفسُ إن لم تقتطعنی عوائقی

وخالفَهُ فیهِ أخوه محمد

وإنّی لَصَلْبُ العود عند الحقائقِ

فقال عبد الله : رحل الشیخ. وفی لفظ الیعقوبی : بال الشیخ علی عقبیه وباع دینه بدنیاه.

فلمّا أصبح دعا عمرو غلامه وردان وکان داهیاً مارداً ، فقال : ارحل یا وردان ، ثمّ قال : حطَّ یا وردان ، ثمّ قال : ارحل یا وردان ، حطَّ یا وردان!

فقال له وردان : خلطت أبا عبد الله! أما إنّک إن شئتَ أنبأتک بما فی نفسک. قال : د.

ص: 204


1- المطابقة : المشی فی القید.

هات ویحک ، قال : اعترکت الدنیا والآخرة علی قلبک ، فقلتَ : علیٌّ معه الآخرة فی غیر دنیا ، وفی الآخرة عوض من الدنیا. ومعاویة معه الدنیا بغیر آخرة ، ولیس فی الدنیا عوض من الآخرة ، فأنت واقفٌ بینهما.

قال : فإنّک والله ما أخطأت ، فما تری یا وردان؟ قال : أری أن تقیم فی بیتک ، فإن ظهر أهل الدین عشت فی عفو دینهم ، وإن ظهر أهل الدنیا لم یستغنوا عنک. قال : الآن لمّا شهدت العرب مسیری إلی معاویة ، فارتحل وهو یقول :

یا قاتلَ اللهُ ورداناً وفطنَتهُ

أبدی لَعَمْرُکَ ما فی النفسِ وردانُ

لمّا تعرّضتِ الدنیا عرضتُ لها

بحرص نفسی وفی الأطباع إدهانُ

نفسٌ تَعِفُّ وأخری الحرصُ یقلبُها (1)

والمرء یأکلُ تِبناً وهو غَرثانُ (2)

أمّا علیٌّ فدینٌ لیس یَشرَکُهُ

دنیا وذاک له دنیاً وسلطانُ

فاخترتُ من طمعی دنیاً علی بصرٍ

وما معی بالذی أختار برهانُ

إنّی لأعرفُ ما فیها وأُبصرُهُ

وفیَّ أیضاً لما أهواهُ ألوانُ

لکنَّ نفسی تُحبُ العیشَ فی شَرَفٍ

ولیس یرضی بذُلِّ العیش إنسانُ

عمروٌ لعمرُ أبیه غیرُ مُشتبهٍ

والمرءُ یعطسُ والوَسنان وسنانُ

فسار حتی قدم علی معاویة ، وعرف حاجة معاویة إلیه ، فباعده من نفسه ، وکاید کلُّ واحد منهما صاحبه.

فلمّا دخل علیه قال : یا أبا عبد الله طَرَقَتْنا فی لیلتنا هذه ثلاثة أخبار لیس فیها وِرْدٌ ولا صدرٌ. قال : وما ذاک؟ قال : ذاک أنّ محمد بن أبی حذیفة قد کسر سجن مصر ، فخرج هو وأصحابه ، وهو من آفات هذا الدین. ومنها أنّ قیصر زحف بجماعة الروم إلیَّ لیتغلّب علی الشام. ومنها : أنّ علیّا نزل الکوفة متهیِّئاً للمسیر إلینا. ف)

ص: 205


1- فی شرح ابن أبی الحدید [2 / 63 خطبة 26] : یغلبها. (المؤلف)
2- غرث غرثاً : جاع. فهو غرثان. والجمع غرثی وغراث وغراثی. (المؤلف)

قال : لیس کلّ ما ذکرت عظیماً ، أمّا ابن أبی حذیفة ، فما یتعاظمک من رجل خرج فی أشباهه ، أن تبعث إلیه خیلاً تقتله أو تأتیک به ، وإن فاتک لا یضرُّک.

وأمّا قیصر : فاهدِ له من وصفاء (1) الروم ووصائفها ، وآنیة الذهب والفضّة ، وسله الموادعة ، فإنّه إلیها سریع.

وأمّا علیٌّ : فلا والله یا معاویة! ما تسوّی العرب بینک وبینه فی شیء من الأشیاء ، إنَّ له فی الحرب لَحَظّا ما هو لأحد من قریش ، وإنّه لصاحب ما هو فیه إلاّ أن تظلمه.

وفی روایة أخری : قال معاویة : یا أبا عبد الله إنّی أدعوک إلی جهاد هذا الرجل الذی عصی ربّه ، وقتل الخلیفة ، وأظهر الفتنة ، وفرّق الجماعة ، وقطع الرحم.

قال عمرو : إلی مَن؟ قال : إلی جهاد علیّ.

فقال عمرو : والله یا معاویة ما أنت وعلیٌّ بعِکمی (2) بعیر ، ما لَکَ هجرتُه ، ولا سابقته ، ولا صحبته ، ولا جهاده ، ولا فقهه ، ولا علمه ، والله إنَّ له مع ذلک حدّا وحدوداً ، وحظّا وحظوةً ، وبلاءً من الله حسناً ، فما تجعل لی إن شایعتک علی حربه؟ وأنت تعلم ما فیه من الغرر والخطر. قال : حکمک. قال : مصر طعمة. فتلکّأ علیه (3).

وفی حدیث ، قال له معاویة : إنّی أکره لک أن یتحدّث العرب عنک ، إنّک إنّما دخلتَ فی هذا الأمر لغرض الدنیا. قال : دعنی عنک (4). قال معاویة : إنّی لو شئت أن أُمنّیک وأخدعک لفعلتُ. قال عمرو : لا لعمر الله ما مثلی یُخدع ، لأنا أکیس من ذلک.

ف)

ص: 206


1- الوصیف : الغلام دون المراهق ، الجمع وصفاء ، مؤنّثه : الوصیفة ، والجمع وصائف. (المؤلف)
2- العکم - بالکسر - : العدل - بالکسر. (المؤلف)
3- تلکّأ عن الأمر : أبطأ وتوقّف. (المؤلف)
4- مرّ تحلیل هذه الکلمة : ص 126. (المؤلف)

قال له معاویة : أُدنُ منّی برأسک أُسارّک. قال : فدنا منه عمرو یسارّه ، فعضّ معاویة أُذنه ، وقال : هذه خدعة ، هل تری فی البیت أحداً غیری وغیرک؟ فأنشأ عمرو یقول :

معاویَ لا أُعطیک دینی ولم أنَلْ

بذلک دنیا فانظُرَنْ کیف تصنعُ

فإن تُعطنی مصراً فأرْبِحْ بصفقةٍ

أخذتَ بها شیخاً یضُرُّ وینفُعُ (1)

وما الدینُ والدنیا سواءٌ وإنّنی

لآخذ ما تُعطی ورأسی مقنَّعُ

ولکنَّنی أُغضی الجفون وإنّنی

لأخدَعُ نفسی والمخادِع یُخدَعُ

وأُعطیک أمراً فیه للمُلک قوّةٌ

وإنّی به إن زلّتِ النعلُ أصرعُ

وتمنعنی مصراً ولیست برغبةٍ (2)

وإنّی بذا الممنوعِ قِدماً لَمُولَعُ

قال : أبا عبد الله ، ألم تعلم أنّ مصر مثل العراق؟ قال : بلی. ولکنّها إنّما تکون لی إذا کانت لک ، وإنّما تکون لک إذا غلبتَ علیّا علی العراق ، وقد کان أهلها بعثوا بطاعتهم إلی علیٍّ.

قال : فدخل عتبة بن أبی سفیان ، فقال لمعاویة : أما ترضی أن تشتری عَمْراً بمصر إن هی صفت لک؟ لیتک لا تُغْلَبُ علی الشام. فقال معاویة : یا عتبة بت عندنا اللیلة.

فلمّا جُنَّ علی عتبة اللیل ، رفع صوته لیُسمع معاویة ، وقال :

أیّها المانع سیفاً لم یُهزّ

وإنّما مِلْتَ علی خزٍّ قزّ

إنّما أنت خروفٌ ماثلٌ

بین ضَرْعَینِ وصوفٍ لم یُجزْ

أعطِ عَمْراً إنَّ عَمْراً تارکٌ

دینَهُ الیوم لدنیاً لم تُحَزْ

ف)

ص: 207


1- البیتان یوجدان فی عیون الأخبار لابن قتیبة : 1 / 181. (المؤلف)
2- الرغبة - بکسر المهملة وفتحها - : العطاء الکثیر. (المؤلف)

یا لک الخیرُ فَخُذْ من دَرّهِ

شَخْبَهُ الأولی وأبعِدْ ما غرزْ (1)

واسحبِ الذیْلَ وبادر فُوقَها (2)

وانتهزها إنَّ عمراً یُنتهز (3)

أعطه مصراً وزده مثلها

إنّما مصرُ لِمنْ عَزَّ فَبَزّ (4)

واتْرکِ الحِرْصَ علیها ضَلّةً

واشبُبِ النارَ لمقرور یَکزّ (5)

إنَّ مصراً لعلیٍّ أو لنا

یُغلَبُ الیومَ علیها من عَجَز

فلمّا سمع معاویة قول عتبة ، أرسل إلی عمرو فأعطاه مصر ، فقال له عمرو : لی الله علیک بذلک شاهدٌ؟. قال له معاویة : نعم لک الله علیَّ بذلک ، لئن فتح الله علینا الکوفة. قال عمرو : واللهُ علی ما نقُولُ وکیل.

فخرج عمرو من عنده ، فقال له ابناه : ما صنعت؟ قال : أعطانا مصر. قالا : وما مصر فی ملک العرب. قال : لا أشبع الله بطونکما إن لم یشبعکما مصر.

وکتب معاویة علی أن لا ینقُضَ شرطٌ طاعةً. وکتب عمرو علی أن لا ینقض طاعةٌ شرطاً. فکاید کلُّ واحد منهما صاحبه.

کتاب صفّین لابن مزاحم (ص 20 - 24) ، کامل المبرّد (1 / 221) ، شرح ابن أبی الحدید (1 / 136 - 138) ، تاریخ الیعقوبی (2 / 161 - 163) ، رغبة الآمل من کتاب الکامل (3 / 108) ، قصص العرب (2 / 362) (6).

9.

ص: 208


1- الشخب : ما یخرج من تحت ید الحالب. الشخبة : الدفعة منه ، الجمع شخاب. غرز الغنم : ترک حلبها لتسمن. (المؤلف)
2- الفُوق : الطریق الأول.
3- یقال : جاء یسحب ذیله : أی یمشی متبختراً. انتهز : ابتدر واغتنم. (المؤلف)
4- بزّه : غلبه. بزّ الشیء منه : أخذه بجفاء وقهر. (المؤلف)
5- الکزاز : داء یأخذ من شدة البرد وتعتری منه رعدة.
6- وقعة صفّین : ص 34 - 40 ، شرح نهج البلاغة : 2 / 61 - 67 خطبة 26 ، تاریخ الیعقوبی : 2 / 184 - 186 ، رغبة الآمل من کتاب الکامل : مج 2 / ج 3 / 210 ، قصص العرب : 2 / 368 رقم 149.

15 - عمّار بن یاسر وعمرو

اجتمع عمّار بن یاسر مع عمرو بن العاص فی المعسکر یوم صفّین ، فنزل عمّار والذین معه فاحتبوا بحمائل سیوفهم ، فتشهّد عمرو بن العاص - یعنی قال : أشهد أن لا إله إلاّ الله -. فقال عمّار : اسکت فقد ترکتها فی حیاة محمد ومن بعده ، ونحن أحقُّ بها منک ، فإن شئت کانت خصومة فیدفع حقّنا باطلک ، وإن شئت کانت خطبة ، فنحن أعلم بفصل الخطاب منک ، وإن شئت أخبرتک بکلمة تفصل بیننا وبینک ، وتکفرک قبل القیام ، وتشهد بها علی نفسک ، ولا تستطیع أن تکذِّبنی.

قال عمرو : یا أبا الیقظان ، لیس لهذا جئت ، إنّما جئت لأنّی رأیتک أطوع أهل هذا العسکر فیهم ، أُذکرک الله إلاّ کففتَ سلاحهم ، وحقنت دماءهم ، وحرّضتَ علی ذلک ، فعلامَ تقاتلنا؟! أولسنا نعبد إلهاً واحداً؟ ونصلّی قبلتکم؟ وندعو دعوتکم؟ ونقرأ کتابکم؟ ونؤمن برسولکم؟

قال عمّار : الحمد لله الذی أخرجها من فیک ، إنّها لی ولأصحابی : القبلة ، والدین ، وعبادة الرحمن ، والنبیّ ، والکتاب ، من دونک ودون أصحابک ، الحمد للهِ الذی قرّرک لنا بذلک دونک ودون أصحابک ، وجعلک ضالاّ مضلاّ ، لا تعلم هادٍ أنت أم ضالّ ، وجعلک أعمی ، وسأخبرک علی ما قاتلتک علیه أنت وأصحابک ؛ أمرنی رسول الله أن أقاتل الناکثین ، وقد فعلتُ ، وأمرنی أن أقاتل القاسطین ، فأنتم هم ، وأمّا المارقون ، فما أدری أدرکهم أم لا؟

أیّها الأبتر ألستَ تعلم أنّ رسول الله قال لعلیّ : «من کنت مولاه فعلیٌّ مولاه ، اللهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه؟!» وأنا مولی الله ورسوله وعلیّ من بعده ، ولیس لک مولی.

قال له عمرو : لِمَ تشتمنی یا أبا الیقظان! ولست أشتمک؟ قال عمّار : وبِمَ

ص: 209

تشتمنی؟ أتستطیع أن تقول : إنّی عصیت الله ورسوله یوماً قطّ. قال له عمرو : إنَّ فیک لمسبّاتٍ سوی ذلک. قال عمّار : إنَّ الکریم مَن أکرمه الله ، کنتُ وضیعاً فرفعنی الله ، ومملوکاً فأعتقنی الله ، وضعیفاً فقوّانی الله ، وفقیراً فأغنانی الله. قال له عمرو : فما تری فی قتل عثمان؟ قال : فتح لکم باب کلِّ سوء. قال عمرو : فعلیٌّ قتله. قال عمّار : بل الله ربُّ علیّ قتله (1).

وروی نصر فی کتابه (2) (ص 165) فی حدیث : فلمّا دنا عمّار بن یاسر رحمه الله بصفّین من عمرو بن العاص ، قال : یا عمرو بعتَ دینک بمصر ، تبّا لک ، وطالما بغیتَ الإسلام عوجاً.

ورواه سبط ابن الجوزی فی تذکرته (3) (ص 53) وزاد : والله ما قصدُک وقصدُ عدوِّ الله ابن عدوِّ الله بالتعلّل بدم عثمان إلاّ الدنیا.

16 - أبو نوح الحمیری وعمرو

أتی أبو نوح الحمیری الکلاعی یوم صفین مع ذی الکلاع إلی عمرو بن العاص ، وهو عند معاویة وحوله الناس ، وعبد الله بن عمر (4) یحرِّض الناس علی الحرب ، فلمّا وقفا علی القوم ، قال ذو الکلاع لعمرو : یا أبا عبد الله هل لک فی رجل ناصح لبیب شفیق ، یخبرک عن عمّار بن یاسر ، لا یکذبک؟ قال عمرو : ومَن هو؟ قال ذو الکلاع : ابن عمّی هذا ، وهو من أهل الکوفة. فقال عمرو : إنّی لأری علیک ن.

ص: 210


1- کتاب صفّین لنصر بن مزاحم : ص 176 [ص 337] ، شرح ابن أبی الحدید : 2 / 373 [8 / 21 خطبة 124]. (المؤلف)
2- وقعة صفّین : ص 320.
3- تذکرة الخواص : ص 92.
4- کذا فی شرح النهج ، وفی کتاب صفّین : عبد الله بن عمرو ، وهو الصحیح ؛ لأنّ عبد الله بن عمر لم یشهد صفِّین.

سیما أبی تراب. قال أبو نوح : علیَّ سیما محمد صلی الله علیه وآله وسلم وأصحابه ، وعلیک سیما أبی جهل وسیما فرعون.

کتاب صفِّین (1) (ص 174) ، شرح النهج لابن أبی الحدید (2).

17 - أبو الأسود الدؤلی وعمرو

قدم أبو الأسود (3) الدؤلی علی معاویة بعد مقتل علیّ رضی الله عنه ، وقد استقامت لمعاویة البلاد ، فأدنی مجلسه ، وأعظم جائزته ، فحسده عمرو بن العاص ، فقدم علی معاویة ، فاستأذن علیه فی غیر وقت الإذن ، فأذن له ، فقال له معاویة : یا أبا عبد الله ما أعجلک قبل وقت الإذن؟ فقال : یا أمیر المؤمنین أتیتک لأمر قد أوجعنی وأرّقنی وغاظنی ، وهو من بعد ذلک نصیحةٌ لأمیر المؤمنین. قال : وما ذاک یا عمرو. قال : یا أمیر المؤمنین إنَّ أبا الأسود رجلٌ مفوّهٌ ، له عقلٌ وأدبٌ ، من مثله للکلام یُذکر؟ وقد أذاع بمصرک من الذکر لعلیّ والبغض لعدوِّه ، وقد خشیت علیک أن یُتری (4) فی ذلک حتی یُؤخذ بعنقک ، وقد رأیت أن ترسل إلیه ، وترهبه ، وترعبه ، وتَسبره ، وتَخبره ، فإنّک من مسألته علی إحدی خِبرتین ، إمّا أن یبدی لک صفحته فتعرف مقالته ، وإمّا أن یستقبلک فیقول ما لیس من رأیه ، فیحتمل ذلک عنه فیکون لک فی ذلک عاقبة صلاح إن شاء الله تعالی. فقال له معاویة : إنّی امرؤٌ - والله - لقلّما ترکت رأیاً لرأی امرئٍ قطُّ إلاّ کنت فیه بین أن أری ما أکره وبین بین ، ولکن إن أرسلتُ إلیه فسألته فخرج من مساءلتی بأمرٍ لا أجد علیه مقدما ، ویملئونی غیظاً لمعرفتی بما یرید ، وإنَّ الأمر فیه أن یُقبل ما أبدی من لفظه ، فلیس لنا أن نشرح عن صدره وندع ما وراء ف)

ص: 211


1- وقعة صفّین : ص 334.
2- شرح نهج البلاغة : 8 / 18 خطبة 124.
3- ظالم بن عمرو التابعی الکبیر المتوفّی سنة (69) وهو ابن خمس وثمانین سنة. (المؤلف)
4- تری تریاً فی الأمر : تراخی فیه. (المؤلف)

ذلک یذهب جانباً. فقال عمرو : أنا صاحبک یوم رفع المصاحف بصفّین ، وقد عرفت رأیی ، ولست أری خلافی وما آلوک خیراً ، فأرسل إلیه ، ولا تفرش مهاد العجز فتتّخذه وطیئاً.

فأرسل معاویة إلی أبی الأسود ، فجاء حتی دخل علیه فکان ثالثاً ، فرحّب به معاویة وقال : یا أبا الأسود خلوتُ أنا وعمرو فتناجزنا (1) فی أصحاب محمد صلی الله علیه وسلم ، وقد أحببت أن أکون من رأیک علی یقین. قال : سل یا أمیر المؤمنین عمّا بدا لک.

فقال : یا أبا الأسود أیّهم کان أحبَّ إلی رسول الله صلی الله علیه وسلم؟ فقال : أشدّهم حبّا لرسول الله صلی الله علیه وسلم وأوقاهم له بنفسه.

فنظر معاویة إلی عمرو وحرّک رأسه ، ثمّ تمادی فی مسألته ، فقال : یا أبا الأسود فأیّهم کان أفضلهم عندک؟ قال : أتقاهم لربِّه وأشدُّهم خوفاً لدینه.

فاغتاظ معاویة علی عمرو ، ثمّ قال : یا أبا الأسود فأیّهم کان أعلم؟ قال : أقولهم للصواب وأفصلهم للخطاب. قال : یا أبا الأسود فأیّهم کان أشجع؟ قال : أعظمهم بلاءً ، وأحسنهم عناءً وأصبرهم علی اللقاء. قال : فأیّهم کان أوثق عنده؟ قال : من أوصی إلیه فیما بعده. قال : فأیّهم کان للنبیِّ صلی الله علیه وسلم صدیقاً؟ قال : أوّلهم به تصدیقاً.

فأقبل معاویة علی عمرو ، وقال : لا جزاک الله خیراً ، هل تستطیع أن تردَّ ممّا قال شیئاً؟

فقال أبو الأسود : إنّی قد عرفت من أین أُتیت ، فهل تأذن لی فیه؟. فقال : نعم ؛ فقل ما بدا لک. فقال : یا أمیر المؤمنین إنَّ هذا الذی تری هجا رسول الله صلی الله علیه وسلم بأبیات من الشعر ، فقال رسول صلی الله علیه وسلم : «اللهمّ إنّی لا أحسن أن أقول الشعر ، فالعن عمراً بکلِ ف)

ص: 212


1- ناجزه : خاصمه. والمناجزة فی الحرب : المبارزة. (المؤلف)

بیت لعنة» أفتراه بعد هذا نائلاً فلاحاً؟ أو مدرکاً رباحاً؟ وایم الله إنَّ امرءاً لم یُعرف إلاّ بسهم أُجیل علیه فجال ، لحقیقٌ أن یکون کلیل اللسان ، ضعیف الجنان ، مستشعراً للاستکانة ، مقارناً للذلِّ والمهانة ، غیر ولوج فیما بین الرجال ، ولا ناظر فی تسطیر المقال ، إن قالت الرجال أصغی ، وإن قامت الکرام أقعی (1) ، متعیّصٌ لدینه لعظیم دینه (2) ، غیر ناظر فی أُبّهة الکرام ولا منازع لهم ، ثمّ لم یزل فی دجّة ظلماء مع قلّة حیاء ، یعامل الناس بالمکر والخداع ، والمکر والخداع فی النار.

فقال عمرو : یا أخا بنی الدؤل ، والله إنَّک لأنت الذلیل القلیل ، ولولا ما تمتُّ به من حسب کنانة ، لاختطفتک من حولک اختطاف الأجدل الحدیّة (3) ، غیر أنَّک بهم تطول ، وبهم تصول ، فلقد استطبت مع هذا لساناً قوّالاً ، سیصیر علیک وبالاً ، وایم الله إنّک لأعدی الناس لأمیر المؤمنین قدیماً وحدیثاً ، وما کنت قطُّ بأشدّ عداوةً له منک الساعة ، وإنّک لتوالی عدوّه ، وتعادی ولیّه ، وتبغیه الغوائل ، ولئن أطاعنی لیقطعنّ عنه لسانک ، ولیخرجنَّ من رأسک شیطانک ، فأنت العدوُّ المطرق له إطراق الأُفعوان (4) فی أصل الشجرة.

فتکلّم معاویة فقال : یا أبا الأسود أغرقت فی النزع ولم تدع رجعة لصلحک. وقال لعمرو : فلم تغرق کما أغرقت ، ولم تبلغ ما بلغت ، غیر أنَّه کان منه الابتداء والاعتداء ، والباغی أظلم ، والثالث أحلم ، فانصرِفا عن هذا القول إلی غیره ، وقوما غیر مطرودین ، فقام عمرو وهو یقول :

لعمری لقد أعیا القرون التی مضت

لغشٍّ ثوی بین الفؤاد کمینِ

ف)

ص: 213


1- أقعی الکلب : جلس علی استه. (المؤلف)
2- کذا فی المصدر ، وفی مختصر تاریخ دمشق : مبصبِص بذَنَبه لعظیم ذنبه.
3- الأجدل : الصقر. والحدأة - بکسر الحاء - : طائر من الجوارح. والعامّة تسمّیه الحدیّة. (المؤلف)
4- الأُفعوان - بضمّ الأوّل - : ذکر الأفعی. (المؤلف)

وقام أبو الأسود وهو یقول :

ألا إنَّ عمراً رامَ لیثَ خفیّةٍ (1)

وکیف ینالُ الذئبُ لیثَ عرینِ

تاریخ ابن عساکر (2) (7 / 104 - 106)

18 - حدیث أبی جعفر وزید

قال أبو جعفر وزید بن الحسن : طلب معاویة إلی عمرو بن العاص یوم صفِّین أن یسوّی صفوف أهل الشام ، فقال له عمرو : علی أنَّ لی حکمی إن قتل الله ابن أبی طالب ، واستوسقت لک البلاد؟ فقال : ألیس حکمک فی مصر؟ قال : وهل مصر تکون عوضاً عن الجنّة؟ وقتل ابن أبی طالب ثمناً لعذاب النار الذی لا یفتّر عنهم وهم فیه مبلسون؟ فقال معاویة : إنَّ لک حکمک أبا عبد الله إن قتل ابن أبی طالب ، رویداً لا یسمع أهل الشام کلامک. فقال لهم عمرو : یا معشر أهل الشام سوّوا صفوفکم ، أعیروا ربّکم جماجمکم ، واستعینوا بالله إلهکم ، وجاهدوا عدوَّ الله وعدوّکم ، واقتلوهم قتلهم الله وأبادهم (وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ یُورِثُها مَنْ یَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِینَ) (3). کتاب صفِّین لابن مزاحم (4) (ص 123) ، شرح ابن أبی الحدید (5).

هذه أکبر کلمة تدلُّ علی ضئولة الرجل فی دینه ، لأنَّها تنمُّ عن عرفانه بحقِّ أمیر المؤمنین علیه السلام ومغبّة أمر من ناواه ، ومع ذلک فهو یحرِّض الناس علی قتاله ، ویموِّه علیهم ، وهی تردُّ قول من یبرِّر عمله باجتهاده أو بعدله. 5.

ص: 214


1- الخفیّة : الغیضة الملتفّة. (المؤلف)
2- تاریخ مدینة دمشق : 8 / 606 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 11 / 221.
3- الأعراف : 128.
4- وقعة صفّین : ص 237.
5- شرح نهج البلاغة : 5 / 189 خطبة 65.

19 - عمرو وابن أخیه

کان لعمرو بن العاص ابن أخ (1) أریب من بنی سهم جاءه من مصر ، فقال له : ألا تخبرنی یا عمرو بأیِّ رأی تعیش فی قریش؟ أعطیت دینک ، وتمنّیت دنیا غیرک ، أتری أهل مصر وهم قَتَلة عثمان یدفعونها إلی معاویة وعلیٌّ حیٌّ؟ وتراها إن صارت إلی معاویة لا یأخذها بالحرف الذی قدّمه فی الکتاب (2)؟

فقال عمرو : یا ابن أخی إنَّ الأمر لله دون علیّ ومعاویة. فقال الفتی :

ألا یا هندُ أُختَ بنی زیادٍ

رُمی عمروٌ بداهیةِ البلادِ

رُمی عمروٌ بأعورَ عَبْشَمیٍ

بعیدِ القعر محشیِّ الکبادِ (3)

له خُدعٌ یَحارُ العقلُ فیها

مزخرفةٌ صوائدُ للفؤادِ

فشرّطَ فی الکتابِ علیه حرفاً

یُنادیه بخدعته المنادی

وأثبت مثلَهُ عمروٌ علیه

کلا المرأین حیّةُ بطنِ وادی

ألا یا عمرو ما أحرزت مصراً

وما مِلْت الغداة إلی الرشاد

وبعت الدین بالدنیا خساراً

فأنت بذاک من شرِّ العبادِ

فلو کنتَ الغداةَ أخذتَ مصراً

ولکن دونها خرطُ القتادِ

وفدتَ إلی معاویةَ بنِ حربٍ

فکنتَ بها کوافدِ قومِ عادِ

وأُعطیتَ الذی أعطیتَ منها

بِطَرْسٍ فیه نضحٌ من مدادِ

ألم تعرف أبا حسنٍ علیّا

وما نالتْ یداه من الأعادی

عدلتَ به معاویةَ بنَ حربٍ

فیا بُعد البیاضِ من السوادِ

ف)

ص: 215


1- فی شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید : ابن عم. (المؤلف)
2- یعنی کتاباً کتبه معاویة لعمرو بمصر ، وجعلها طعمة له. (المؤلف)
3- یعنی معاویة. یقال فی النسبة إلی عبد شمس : عبشمی. حشا حشواً : ملأ. احتشی : امتلأ. (المؤلف)

ویا بُعد الأصابعِ من سُهیلٍ

ویا بُعد الصلاحِ من الفسادِ

أتأمنُ أن تراه علی خِدَبٍ

یحثُّ الخیل بالأُسُلِ الحِدادِ (1)

ینادی بالنزالِ وأنت منهُ

قریبٌ فانظرَنْ مَن ذا تُعادی

فقال عمرو : یا ابن أخی لو کنت مع علیّ وسعنی بیتی ، ولکنّی الآن مع معاویة. فقال له الفتی : إنّک إن لم تُرد معاویة لم یُردک. ولکنّک ترید دنیاه ویرید دینک.

وبلغ معاویة قول الفتی ، فطلبه فهرب ، فلحق بعلیٍّ ، فحدّثه بأمر عمرو ومعاویة.

قال : فَسَرَّ ذلک علیّا وقرّبه.

قال : وغضب مروان وقال : ما بالی لا أُشْتری کما اشتُرِیَ عمرو؟ فقال معاویة : إنّما یُشتری الرجال لک!.

قال : فلمّا بلغ علیّا ما صنع معاویة وعمرو ، قال :

یا عجباً لقد سمعتُ مُنکرا

کَذِباً علی اللهِ یُشیبُ الشعرا

یسترقُ السمعَ ویُغشی البصرا

ما کان یرضی أحمدٌ لو أُخبرا

أن یقرِنوا وصیَّهُ والأبترا

شانی الرسولِ واللعینَ الأخزرا (2)

کلاهما فی جُندِهِ قد عسکرا

قد باعَ هذا دینَه فأفجرا

من ذا بدنیا بیعِهِ قد خَسرا

بمُلْکِ مصرٍ إن أصابَ الظفرا

إنّی إذا الموتُ دَنا وحَضرا

شمّرتُ ثوبی ودعوتُ قنبرا

قدِّم لوائی لا تؤخِّرْ حذَرا

لن ینفع الحذارُ ممّا قُدِّرا

لمّا رأیتُ الموتَ موتاً أحمرا

عبّأتُ هَمْدانَ وعَبّوا حِمْیَرا

ف)

ص: 216


1- خِدَبّ - بالکسر وتشدید الموحّدة : سنام البعیر الضخم. الأُسُل : الرماح. (المؤلف)
2- الخزر : ضیق العین. الخزرة بالضم : انقلاب الحدقة نحو اللحاظ ، وهو أقبح الحول. (المؤلف)

حیٌّ یمانٍ یُعْظِمُون الخَطَرا

قِرنٌ إذا ناطحَ قِرناً کَسَرا

قل لابن حربٍ لا تَدِبَّ الحمرا

أَرْوِدْ قلیلاً أبْدِ منک الضجرا (1)

لا تحسبنّی یا ابن حرب غَمَرا (2)

وسَلْ بنا بدراً معاً وخیبرا

کانت قریشٌ یوم بدرٍ جزرا

إذ وردوا الأمر فذمّوا الصَدَرا (3)

لو أنَّ عندی یا ابن حرب جعفرا

أو حمزةَ القِرمَ الهُمامَ الأزهرا

رأت قریشٌ نجمَ لیلٍ ظُهُرا

الإمامة والسیاسة (1 / 84) ، کتاب صفِّین لابن مزاحم (ص 24) ، شرح ابن أبی الحدید (1 / 138) (4).

20 - غانمة بنت غانم وعمرو

بلغ غانمة بنت غانم سبُّ معاویة وعمرو بن العاص بنی هاشم وهی بمکّة ، فقالت : یا معشر قریش والله ما معاویة بأمیر المؤمنین ، ولا هو کما یزعم ، هو والله شانیء رسول الله صلی الله علیه وسلم ، إنّی آتیةٌ معاویة وقائلةٌ له بما یعرق منه جبینه ، ویکثر منه عویله.

فکتب عامل معاویة إلیه بذلک ، فلمّا بلغه أنَّ غانمة قد قَرُبَتْ منه ، أمر بدار ضیافة فنظّفت ، وأُلقی فیها فرش ، فلمّا قربت من المدینة استقبلها یزید فی حَشَمه 6.

ص: 217


1- أدبّ الصبی : سَیّره. أرود فی السیر : رفق وتمهّل. الضجر - بفتح الضاد والجیم : القلق من غم وضیق نفس. (المؤلف)
2- الغَمَر : من لم یجرّب الأمور.
3- الجزرة : الشاة التی تذبح ، والجمع جزر - بالفتح وقد تکسر. الصدر - بالتحریک : رجوع المسافر من مقصده ، والشاربة من الورد. (المؤلف)
4- الإمامة والسیاسة : 1 / 88 ، وقعة صفِّین : ص 41 - 44 ، شرح نهج البلاغة : 2 / 68 خطبة 26.

وممالیکه ، فلمّا دخلت المدینة أتت دار أخیها عمرو بن غانم ، فقال لها یزید : إنَّ أبا عبد الرحمن یأمرک أن تصیری إلی دار ضیافته ، وکانت لا تعرفه.

فقالت : من أنت کلأک الله؟ قال : یزید بن معاویة. قالت : فلا رعاک الله یا ناقص لست بزائد. فتمعّر لون یزید ، فأتی أباه فأخبره ، فقال : هی أسنُّ قریش وأعظمهم. فقال یزید : کم تعدُّ لها یا أمیر المؤمنین؟ قال : کانت تعدُّ علی عهد رسول الله صلی الله علیه وسلم أربعمائة عام ، وهی من بقیّة الکرام.

فلمّا کان من الغد ، أتاها معاویة فسلّم علیها. فقالت : علی المؤمنین السلام وعلی الکافرین الهوان. ثمَّ قالت : من منکم ابن العاص (1)؟ قال عمرو : ها أنا ذا. فقالت : وأنت تسبُّ قریشاً وبنی هاشم؟ وأنت أهل السبِّ ، وفیک السبُّ ، وإلیک یعود السبُّ ، یا عمرو إنّی والله لعارفةٌ بعیوبک وعیوب أمِّک ، وإنّی أذکر لک ذلک عیباً عیباً : وُلدت من أمة سوداء ، مجنونة حمقاء ، تبول من قیام ، وتعلوها اللئام ، إذا لامسها الفحل کانت نطفتها أنفذ من نطفته ، رکبها فی یوم واحد أربعون رجلاً ، وأمّا أنت فقد رأیتک غاویاً غیر راشد ، ومفسداً غیر صالح ، ولقد رأیتَ فحل زوجتک علی فراشک ، فما غرت ولا أنکرت ، وأمّا أنت یا معاویة فما کنت فی خیر ولا رُبِّیت فی خیر ، فمالک ولبنی هاشم؟ أنساء بنی أمیّة کنسائهم؟ .. الحدیث. وهو طویلٌ وقد حذفنا من أوّله مقدار ما ذکر ، راجع المحاسن والأضداد للجاحظ (2) (ص 102 - 104) ، وفی طبعةٍ (118 - 121) ، والمحاسن والمساوئ للبیهقی (3) (1 / 69 - 71).

هذه حقیقة الرجل ونفسیّاته وروحیّاته منذ العهد الجاهلیِّ ، وفی دور النبوّة وبعده إلی ما أثاره من فتن التقت بها حلقتا البطان فی أیّام أمیر المؤمنین علیه السلام ، یوم تحیّزه إلی ابن آکلة الأکباد لدحض الحقِّ وأهله ، وما کان یتحرّی فیها من الغوائل 4.

ص: 218


1- فی لفظ الجاحظ : أفیکم عمرو بن العاص؟ (المؤلف)
2- المحاسن والأضداد : ص 88 90.
3- المحاسن والمساوئ : ص 91 94.

وبعدها ، إلی أن اصطلمه القدر الحاتم ، واخترمته منیّته یوم خابت أمنیّته ، فطفق یتقلقل بین أطباق الجحیم ، وتضربه زبانیتها بمقامع من حدید ، ولعلّنا ألمسناک هذه الحقیقة بالید ، فلن تجد فی تضاعیف هاتیک الأعوام له مأثرةً یتبجّح بها ابن أنثی ، خلا ما تقوّله زبائنه من أعداء أهل البیت علیهم السلام ، وما عسی أن یکون مقیلها من ظلِّ الحقِّ؟ بعد ما أثبتناه من الحقیقة الراهنة ، ووقفنا علیه من أحوال رواة السوء وشناشنهم فی افتعال المدائح للزعانفة المؤتلفة معهم فی النزعات الباطلة.

وأمّا تأمیره فی غزوة ذات السلاسل فلا یجدیه نفعاً بعد ما علمناه من أنَّه کان یتظاهر بالإسلام ، ویبطن النفاق فی طیلة حیاته ، وما کان الصالح العامّ والحکمة الإلهیّة یحدوان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم علی العمل بالبواطن ، وإنّما یجاری القوم مجاری ظواهرهم ؛ لأنَّهم حدیثو عهد بالجاهلیّة ، والإسلام لمّا یتحکّم فی أفئدتهم ، فلو کاشفهم علی السرائر لانتکصوا علی أعقابهم ، وتقهقروا إلی جاهلیّتهم الأولی ، فکان یسایرهم علی هذا الظاهر ، لعلّهم یتمرّنون باعتناق الدین ، ویأخذ من قلوبهم محلّه ؛ ولذلک إنَّه صلی الله علیه وآله وسلم کان یعلم بنفاق کثیر من أصحابه کما أخبره الله تعالی بقوله (وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِینَةِ مَرَدُوا عَلَی النِّفاقِ) (1) إلی غیرها من الآیات الکریمة ، لکنَّه یستر علیهم رعایة لما أبرمه حذار الانتکاث ، فکان تأمیر عمرو - مع علمه بنفاقه - لتلک الحکمة البالغة ، غیر ملازم لحسن حاله علی ما عرفته من کلام مولانا أمیر المؤمنین ، من أنَّه صلی الله علیه وآله وسلم لمّا عقد له الرایة شرط علیه شرطاً قد أخلفه.

ویُعرب عن حقیقة ما نرتئیه قول أبی عمرو وغیره : إنَّ عمرو بن العاص ادّعی علی أهل الإسکندریّة أنّهم قد نقضوا العهد الذی کان عاهدهم ، فعمد إلیها فحارب أهلها وافتتحها ، وقتل المقاتلة ، وسبی الذریّة ، فنقم ذلک علیه عثمان ، ولم یصحّ عنده نقضهم العهد ، فأمر بردّ السبی الذی سبوا من القری إلی مواضعهم ، وعزل عمراً عن 1.

ص: 219


1- التوبة : 101.

مصر ، وولّی عبد الله بن سعد بن أبی سرح العامری مصراً بدله ، فکان ذلک بدء الشرِّ بین عمرو بن العاص وعثمان بن عفان ، فلمّا بدا بینهما من الشرّ ما بدا ، اعتزل عمرو فی ناحیة فلسطین بأهله ، وکان یأتی المدینة أحیاناً ویطعن علی عثمان (1). وسعّر علیه الدنیا ناراً ، ولما أتاه قتله قال : أنا أبو عبد الله إذا نکأت (2) قرحة أدمیتها.

وولّی عمر عمرو بن العاص علی مصر ، وبقی والیاً علیها إلی أوّل خلافة عثمان ، ثمَّ إنَّ عثمان عزله عن الخراج واستعمله علی الصلاة ، واستعمل علی الخراج عبد الله بن سعد بن أبی سرح ، ثمَّ جمعهما لعبد الله بن سعد وعزل عمراً ، فلمّا قدم عمرو المدینة جعل یطعن علی عثمان ، فأرسل إلیه یوماً عثمان خالیاً به. فقال : یا ابن النابغة ما أسرع ما قمل جربّان (3) جُبّتک؟ إنَّما عهدک بالعمل عام أوّل ، أتطعن علیَّ وتأتینی بوجه وتذهب عنّی بالآخر؟ والله لو لا أکلة ما فعلت ذلک.

فقال عمرو : إنَّ کثیراً ممّا یقول الناس وینقلون إلی ولاتهم باطل ، فاتِّق الله یا أمیر المؤمنین فی رعیّتک. فقال عثمان : والله لقد استعملتک علی ظَلعِک (4) ، وکثرة القالة فیک. فقال عمرو : قد کنت عاملاً لعمر بن الخطاب ففارقنی وهو عنّی راضٍ. فقال عثمان : وأنا والله لو أخذتک بما أخذک به عمر لاستقمت ، ولکنّی لنتُ لک فاجترأت علیَّ.

فخرج عمرو من عند عثمان وهو محتقدٌ علیه ، یأتی علیّا مرّة فیؤلّبه علی عثمان ، ویأتی الزبیر مرّة فیؤلّبه علی عثمان ، ویأتی طلحة مرّة فیؤلّبه علی عثمان ، ویعترض الحاجّ فیخبرهم بما أحدث عثمان. ف)

ص: 220


1- الاستیعاب : 2 / 435 [القسم الثالث / 1187 رقم 1931] ، شرح ابن أبی الحدید : 2 / 112 [6 / 320 خطبة 83]. (المؤلف)
2- نکأ القرحة : قشرها قبل أن تبرأ. (المؤلف)
3- جربّان الجبّة - بضم الجیم والراء وکسرهما وتشدید الباء : جیبها. (المؤلف)
4- أی علی ما فیک من عیب ومیل. والظلع - فی الاصل : غمز البعیر فی مشیه. (المؤلف)

ولمّا قصد الثوّار إلی المدینة ، أخرج لهم عثمان علیّا ، فکلّمهم فرجعوا عنه ، وخطب عثمان الناس فقال : إنَّ هؤلاء القوم من أهل مصر کان بلغهم عن إمامهم أمرٌ ، فلمّا تیقّنوا أنّه باطلٌ ما بلغهم عنه رجعوا إلی بلادهم. فناداه عمرو بن العاص من ناحیة المسجد : اتَّق الله یا عثمان فإنَّک قد رکبت نهابیر (1) ورکبناها معک ، فتب إلی الله نتب ، فناداه عثمان فقال : وإنّک هناک یا ابن النابغة ، قَمَلت والله جبّتک منذ ترکتک من العمل. وفی لفظ البلاذری فی الأنساب (2) : یا ابن النابغة وإنّک ممّن تُؤلّب علیَّ الطغام ، لأنّی عزلتک عن مصر.

فلمّا کان حصر عثمان الأوّل ، خرج عمرو من المدینة حتی انتهی إلی أرض له بفلسطین یقال لها : السبع ، فنزل بها ، وکان یقول : أنا أبو عبد الله إذا حککت قرحةً نکأتها ، والله إن کنت لألقی الراعی فأحرِّضه علیه. وفی لفظ البلاذری : وجعل یحرِّض الناس علی عثمان حتی رعاة الغنم.

فبینما هو بقصره بفلسطین ، إذ مرَّ به راکب من المدینة ، فسأله عمرو عن عثمان ، فقال : ترکته محصوراً. قال عمرو : أنا أبو عبد الله قد یضرط العیر والمکواة فی النار ، فلمّا بلغه مقتل عثمان ، قال عمرو : أنا أبو عبد الله ، قتلته وأنا بوادی السباع ، من یلی هذا الأمر من بعده؟ إن یله طلحة فهو فتی العرب سیباً ، وإن یله ابن أبی طالب فلا أراه إلاّ سیستنظف الحقَ (3) ، وهو أکره من یلیه إلیَّ.

فلمّا بلغه أنَّ علیاً قد بویع له ، اشتدّ علیه وتربّص لینظر ما یصنع الناس ، ثمَّ نمی إلیه أنَّ معاویة بالشام یأبی أن یبایع علیّا ، وأنّه یُعظِمُ قتل عثمان ، ویحرِّضُ علی الطلب بدمه ، فاستشار ابنیه عبد الله ومحمداً فی الأمر ، وقال : ما تریان؟ أمّا علیٌّ فلا ف)

ص: 221


1- جمع نهبورة بالضم : المهلکة. (المؤلف)
2- أنساب الاشراف : 2 / 282 رقم 360.
3- استنظف الشیءَ : أخذ کلّه. (المؤلف)

خیر عنده وهو رجلٌ یَدِلُ (1) بسابقته ، وهو غیرُ مشرکی فی شیء من أمره. فقال عبد الله بن عمرو : توفّی النبیّ صلی الله علیه وسلم وهو عنک راضٍ ، وتوفّی أبو بکر رضی الله عنه وهو عنک راضٍ ، وتوفّی عمر رضی الله عنه وهو عنک راضٍ ، أری أن تکفَّ یدک وتجلس فی بیتک ، حتی یجتمع الناس علی إمام فتبایعه. وقال محمد بن عمرو : أنت نابٌ من أنیاب العرب ، فلا أری أن یجتمع هذا الأمر ولیس لک فیه صوت ولا ذکر.

قال عمرو : أمّا أنت یا عبد الله فأمرتنی بالذی هو خیر لی فی آخرتی وأسلم فی دینی ، وأمّا أنت یا محمد فأمرتنی بالذی أنبه لی فی دنیای وأشرّ لی فی آخرتی.

ثمَّ خرج عمرو بن العاص ومعه ابناه حتی قدم علی معاویة ، فوجد أهل الشام یحضّون معاویة علی الطلب بدم عثمان ، فقال عمرو بن العاص : أنتم علی الحقِّ ، اطلبوا بدم الخلیفة المظلوم. ومعاویة لا یلتفت إلی قول عمرو ، فقال ابنا عمرو لعمرو : ألا تری إلی معاویة لا یلتفت إلی قولک؟! انصرف إلی غیره ، فدخل عمرو علی معاویة ، فقال : والله لعجب لک إنّی أرفدک بما أرفدک وأنت معرضٌ عنّی؟ أَم والله إن قاتلنا معک نطلب بدم الخلیفة ، إنَّ فی النفس من ذلک ما فیها ، حیث نقاتلُ من تعلمُ سابقته وفضله وقرابته ، ولکنّا إنّما أردنا هذه الدنیا. فصالحه معاویة ، وعطف علیه.

أنساب الأشراف للبلاذری (5 / 74 ، 87) ، تاریخ الطبری (5 / 108 - 111 و 224) ، کامل ابن الأثیر (3 / 68) ، تذکرة السبط (ص 49) ، جمهرة رسائل العرب (1 / 388) (2).

وکان بعد تلک المساومة المشؤومة یحرِّض الناس علی قتل الإمام أمیر المؤمنین ، 7.

ص: 222


1- أدلّ وتدلّل : انبسط واجترأ. (المؤلف)
2- أنساب الاشراف : 2 / 282 - 286 رقم 360 364 ، تاریخ الأُمم والملوک : 4 / 356 - 361 حوادث سنة 35 ه ، وص 560 حوادث سنة 36 ه ، الکامل فی التاریخ : 2 / 358 حوادث سنة 36 ه ، تذکرة الخواص : ص 86 - 87.

کما فعله علی عثمان حتی قتله ، وافتخر به بقوله : أنا أبو عبد الله قتلته وأنا بوادی السباع. ثمّ جعل قمیصه وسیلة النیل إلی الرتبة والراتب ، وقام بطلب دمه ، قائلاً : إنَّ فی النفس من ذلک ما فیها.

وممّن حثّهم علی أمیر المؤمنین وألّبهم علیه حریثٌ مولی معاویة بن أبی سفیان. قال ابن عساکر فی تاریخه (1) (4 / 113) : قال معاویة لحریث : اتَّق علیّا ثمَّ ضع رمحک حیث شئت. فقال له عمرو بن العاص : إنَّک والله یا حریث لو کنت قرشیّا لأحبّ معاویة أن تقتل علیّا ، ولکن کره أن یکون لک حظّها! فإن رأیت منه فرصة فاقتحم علیه.

ولمّا قُتل أمیر المؤمنین علیه السلام استبشر بذلک ، وبشّره به سفیان بن عبد شمس بن أبی وقّاص. قال ابن عساکر فی تاریخه (2) (6 / 181) : لمّا طُعن أمیر المؤمنین علیُّ بن أبی طالب رضی الله عنه ، ذهب سفیان یبشّر معاویة وعمرو بن العاص بقتله ، فکتب معاویة إلی عمرو وهو یقول :

وَقَتْکَ وأسبابُ المنونِ کثیرةٌ

منیّةُ شیخٍ من لؤیِّ بنِ غالبِ

فیا عمرو مهلاً إنّما أنت عمُّهُ

وصاحبُه دون الرجالِ الأقاربِ

نجوتَ وقد بلَّ المرادیُّ سیفَهُ

من ابن أبی شیخِ الأباطحِ طالبِ

ویضربُنی بالسیفِ آخرُ مثلُهُ

فکانت علیه تلک ضربة لازبِ

وأنت تناغی کلَّ یوم ولیلةٍ

بمصرک بیضاً کالظِباء الشوازبِ (3)

هذه نفسیّة الرجل وتمام حقیقته اللائحة علی تجارته البائرة ، وصفقته الخاسرة ، وبضاعته المزجاة من الدین المبطّن بالإلحاد والمکتنف بالنفاق ، ولو لم یکن ت.

ص: 223


1- تاریخ مدینة دمشق : 4 / 330 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 6 / 275.
2- المصدر السابق : 7 / 376 ، تهذیب تاریخ دمشق : 6 / 183 ترجمة سفیان بن عبد شمس.
3- الشوازب : المضمّرات.

کذلک لما اقتنع بتلک المساومة ، وهو یعرف الثمن والمثمن ، ویعلم سابقة أمیر المؤمنین ، وفضله ، وقرابته ، ویقول : إن یَلِهِ ابن أبی طالب فلا أراه إلاّ سیستنظف الحقَّ. ومع ذلک یظهر بغضه وعداءه بقوله : وهو أکره من یلیه إلیَّ ، ویعترف بالحقِّ ویتحیّز إلی خلافه ، ویعرف الموضع الصالح للخلافة ، ثمَّ یمیل مع الهوی ویقول : إنّما أردنا هذه الدنیا. فیبیع دینه لمعاویة بثمن بخس - مصر وکورها - ویؤلّب الناس علی الإمام الطاهر بنصِّ الکتاب العزیز ، ویُسَرُّ بقتله. ولقد صارح بکلِّ ذلک صراحة لا تقبل التأویل ، وهی مستفادةٌ من نصوصه ونصوص الصحابة الأوّلین ، وبها عُرف فی التاریخ الصحیح ، کما سمعت من دون أیِّ استنباط أو تحویر ، فلا بارک الله فی صفقة یمینه ، ولا غار له بخیر.

*حدیث شجاعته :

لم نعهد لابن النابغة موقفاً مشهوداً فی المغازی والحروب ، سواءٌ فی ذلک العهد الجاهلیّ ودور النبوّة. وأمّا وقعة صفِّین فلم یُؤثر عنه سوی مخزاة سوأته مع أمیر المؤمنین وفراره من الأشتر ، وقد بقی علیه عار الأولی مدی الحقب والأعوام ، وجری بها المثل ، وغنّی بها أهل الحجاز ، وجاء فی شعر عتبة بن أبی سفیان :

سوی عمروٍ وَقَتْهُ خصیتاهُ

نجا ولقلبِهِ منهُ وجیبُ (1)

وفی شعر معاویة بن أبی سفیان یذکر عمراً وموقفه ، کما یأتی :

فقد لاقی أبا حسنٍ علیّا

فآب الوائلیُّ مآب خازی

فلو لم یُبدِ عورتَهُ لَلاقی

به لیثاً یذلِّلُ کلَّ غازی

وفی شعر الحارث بن نصر السهمیِّ : 8.

ص: 224


1- سیأتی أنّ البیت من قصیدة للولید بن عقبة قالها فی عمرو بن العاص بعد فراره أمام أمیر المؤمنین (ع) ، کما ذکر ذلک نصر بن مزاحم فی وقعة صفّین : ص 418.

فقولا لعمروٍ وابنِ أرطاةَ أبْصِرا

سبیلَکما لا تَلْقیا اللیثَ ثانیهْ

ولا تحمدا إلاّ الحیا وخصاکما

هما کانتا للنفس واللهِ واقیهْ

وفی شعر الأمیر أبی فراس :

ولا خیرَ فی دفعِ الردی بمذلّةٍ

کما ردّها یوماً بسوأته عمرو

وفی شعر الزاهی البغدادی :

وصدَّ عن عمروٍ وبُسْرٍ کَرَماً

إذ لقیا بالسوأتین من شخصْ

وقال آخر :

ولا خیرَ فی صَوْن الحیاة بِذِلّةٍ

کما صانَها یوماً بذلّتِهِ عمرو

وقال عبد الباقی الفاروقی العمری :

ولیلةالهریرِ قد تکشّفتْ

عن سوأةِ ابنِ العاصِ لمّا غُلبا

فحاد عنهُ مُغْضِباً حیدرةٌ

وعفَّ والعفوُ شِعارُ النُّجَبَا

ولو یشأ رکّبَ فیهِ زَجّةً

ترکیبَ مزجیٍّ کمعدی کربا

وکان قد تکرّر منه هذا العمل المخزی کما سیأتی ، ولو کان للرجل شیءٌ من البسالة لَجَبَهَ مُعیِّریه بتعداد مشاهده ، وسَلَقَهم بلسانٍ حدید ، وهو ذلک الصلِف المُفَوّه ، وفیما أُمِّر من الحروب کان الزحف للجیش الباسل دونه ، فلم یسطُ أمامه ، وإنّما کان رئیّا فی أمرهم یدیر وجه الحیلة فیه ، کما أنَّه کان فی صفِّین کذلک ، لم یبارح سرادق معاویة ، وطفق یبدیه دهاءه إلاّ فی موقفین سیوافیک تفصیلهما ، ولذلک کلّه اشتهر بالدهاء دون الشجاعة.

قال البیهقی فی المحاسن والمساوئ (1) (1 / 39) : قال عمرو بن العاص لابنه عبد الله یوم صفّین : تبیّنْ لی هل تری علیَّ بن أبی طالب رضی الله عنه؟ قال عبد الله : فنظرت 4.

ص: 225


1- المحاسن والمساوئ : ص 54.

إلیه فرأیته ، فقلت : یا أبه ها هو ذاک علی بغلة شهباء ، علیه قباءٌ أبیض وقلنسوةٌ بیضاء. قال : فاسترجع وقال : والله ما هذا بیوم ذات السلاسل ولا بیوم الیرموک ولا بیوم أجنادین ، وددت أنَّ بینی وبین موقفی بُعد المشرقین.

هذا هو الذی عرفه منه معاصروه ، وستقف علی أحادیثهم ، نعم جاء ابن عبد البرّ بعد لأیٍ من عمر الدهر ، فتهجّس فی الاستیعاب (1) فعدّه من فرسان قریش وأبطالهم فی الجاهلیّة ، مذکوراً بذلک فیهم. ولعلّ ابن منیر (2) المولود بعد ابن عبد البرّ بعشر سنین وقف علی کلامه فی الاستیعاب وحکمه ببطولة الرجل ، فقال فی قصیدته التتریّة :

وأقول إن أخطا معا

ویةٌ فما أخطا القَدَرْ

هذا ولم یَغْدُرْ معا

ویةٌ ولا عمروٌ مَکَرْ

بطلٌ بسوأتهِ یقاتلُ

لا بصارمِهِ الذَکَرْ

فإلیک ما یُؤثر فی مواقفه ، حتی تری عیَّه عن القُحوم إلی الفوارس فی مضمار النضال ، والدنوّ من نقع الحومة ، وتقف علی حقیقته من هذه الناحیة أیضاً ، وتعرف قیمة کلام ابن حجر فی الإصابة (3 / 2) : من أنَّ النبیّ صلی الله علیه وسلم کان یقرِّبه ویدنیه ، لمعرفته وشجاعته. ولا نسائله متی قرّبه وأدناه.

أمیر المؤمنین وعمرو فی معترک القتال بصفّین

کان عمرو بن العاص عدوّا للحرث بن النضر الخثعمی ، وکان من أصحاب علیٍّ علیه السلام ، وکان علیٌّ قد تهیّبته فرسان الشام ، وملأ قلوبهم بشجاعته ، وامتنع کلٌ

ص: 226


1- الاستیعاب : القسم الثالث / 1188 رقم 1931.
2- أحد شعراء الغدیر فی القرن السادس ، تأتی هناک [فی الجزء الرابع] قصیدته التتریة ، وترجمته. (المؤلف)

منهم من الإقدام علیه ، وکان عمرو ما جلس مجلساً إلاّ ذکر فیه الحرث بن النضر الخثعمیّ وعابه ، فقال الحرث :

لیس عمروٌ بتارکٍ ذکره الحربَ

مدی الدهر أو یلاقی علیّا

واضعَ السیفِ فوقَ مَنْکبِهِ الأی

- منِ لا یحسِبُ الفوارسَ شیّا

لیت عمراً یلقاهُ فی حومةِ النَقْ

- عِ وقد أمستِ السیوفُ عِصِیّا

حیث یدعو البراز حامیةُ القومِ

إذا کان بالبرازِ ملیّا

فوق شُهْبٍ مثلِ السَحُوق (1) من النَخ

- لِ ینادی المبارزین إلیّا

ثمَّ یا عمرو تستریحُ من الفخر

وتلقی به فتیً هاشمیّا

فالقَهُ إن أردت مَکرُمة الدهر

أو الموتَ کلّ ذاک علیّا

فشاعت هذه الأبیات حتی بلغت عمراً ، فأقسم بالله لَیَلْقَیَنَّ علیّا ولو مات ألف موتة ، فلمّا اختلطت الصفوف لقیه فحمل علیه برمحه ، فتقدّم علیٌّ وهو مخترطٌ سیفاً ، معتقلٌ رمحاً ، فلمّا رَهَقَه هَمَزَ فرسه لیعلو علیه ، فألقی عمرو نفسه عن فرسِهِ إلی الأرض شاغراً برجلیه ، کاشفاً عورته ، فانصرف عنه علیٌّ لافتاً وجهه مستدبراً له ، فعدَّ الناس ذلک من مکارم علیٍّ وسؤدده ، وضرب بها المثل.

کتاب صفّین لابن مزاحم (2) (ص 224) ، شرح ابن أبی الحدید (3) (2 / 110)

وقال ابن قتیبة فی الإمامة والسیاسة (4) (1 / 91) : ذکروا أنَّ عمراً قال لمعاویة : أتجبن عن علیٍّ وتتّهمنی فی نصیحتی إلیک؟ والله لأُبارِزَنَّ علیّا ولو متُّ ألف موتة فی أوّل لقائه ، فبارزه عمرو فطعنه علیٌّ فصرعه ، فاتّقاه بعورته ، فانصرف عنه علیٌ 5.

ص: 227


1- سحقت النخل : طالت. فهی سحوق - بالفتح - والجمع سُحُق - بالضم. (المؤلف)
2- وقعة صفّین : ص 423.
3- شرح نهج البلاغة : 6 / 313 خطبة 83.
4- الإمامة والسیاسة : 1 / 95.

وولّی بوجهه دونه ، وکان علیّ رضی الله عنه لم ینظر قطُّ إلی عورة أحد حیاءً وتکرّماً وتنزّهاً عمّا لا یحلُّ ولا یجلُّ بمثله - کرّم الله وجهه.

وقال المسعودی فی مروج الذهب (1) (2 / 25) : إنَّ معاویة أقسم علی عمرو لمّا أشار علیه بالبراز إلاّ أن یبرز إلی علیٍّ ، فلم یجد عمرو من ذلک بُدّا فبرز ، فلمّا التقیا عرفه علیٌّ ، وشال السیف لیضربه به ، فکشف عمرو عن عورته وقال : مکرهٌ أخوک لا بطل. فحوّل علیٌّ وجهه وقال : «قبحت» ورجع عمرو إلی مصافّه.

اجتمع عند معاویة فی بعض لیالی صفِّین عمرو بن العاص ، وعتبة بن أبی سفیان ، والولید بن عقبة ، ومروان بن الحکم ، وعبد الله بن عامر ، وابن طلحة الطلحات الخزاعی ، فقال عتبة : إنَّ أمرنا وأمر علیِّ بن أبی طالب لعجیب ، ما فینا إلاّ موتورٌ مجتاحٌ ، أمّا أنا فقتل جدّی عتبة بن ربیعة ، وأخی حنظلة ، وشرک فی دم عمّی شیبة یوم بدر ، وأمّا أنت یا ولید فقتل أباک صبراً ، وأمّا أنت یا ابن عامر فصرع أباک وسلب عمّک ، وأمّا أنت یا ابن طلحة فقتل أباک یوم الجمل ، وأیتم إخوتک ، وأمّا أنت یا مروان فکما قال الشاعر (2).

وأفلتهنَّ علباءَ جریضاً

ولو أدرکته صفر الوطاب (3)

فقال معاویة : هذا الإقرار ، فأیَّ غُیُر غیَّرت (4)؟ قال مروان : وأیَّ غُیُر ترید؟ قال : أرید أن تشجُروه بالرماح. قال : والله یا معاویة ما أراک إلا هاذیاً أو هازئاً ، وما ر؟

ص: 228


1- مروج الذهب : 2 / 405.
2- البیت لامرئ القیس. (المؤلف)
3- أفلته : خلّصه وأطلقه. أفلت : تخلّص. علباء من علب اللحم : تغیّرت رائحته بعد اشتداده. الجریض : المشرف علی الهلاک. الصفر - بالحرکات الثلاث : الخالی. الوطب : سقاء اللبن ، والجمع وطاب. [قوله : صفر الوطاب : مثل یضرب لمن مات أو قتل. مجمع الأمثال : 2 / 222 رقم 2109]. (المؤلف)
4- فی شرح نهج البلاغة ووقعة صفّین : فأین الغُیُر؟

أرانا إلاّ ثَقُلنا علیک. فقال ابن عقبة :

یقول لنا معاویةُ بنُ حرب

أما فیکم لواترِکمْ طَلُوبُ

یشدُّ علی أبی حسنٍ علیٍ

بأسمرَ لاتُهجِّنهُ العَکوبُ (1)

فیهتک مجمَع اللّباتِ منه

ونقع القومِ مُطَّرِد یثوبُ

فقلتُ لهُ أتلعبُ یا ابن هندٍ

کأنَّک بیننا رجلٌ غریبُ

أتُغرینا بحیّةِ بطنِ وادٍ

إذا نهشَتْ فلیس لها طبیبُ

وما ضَبُعٌ یدِبُّ ببطن وادٍ

أُتیح (2) له بهِ أسدٌ مهیبُ

بأضعف حیلةً منّا إذا ما

لقیناه ولقیاه عجیبُ

دعا للقاهُ فی الهیجاءِ لاقٍ

فأخطا نفسَه الأجلُ القریبُ

سوی عمرو وَقَتْهُ خصیتاهُ

نجا ولقلبِهِ منه وجیبُ

کأنّ القومَ لمّا عاینوهُ

خلالَ النقع لیس لهم قُلوبُ

لعمر أبی معاویة بنِ حربٍ

وما ظنّی ستلحقه العیوبُ

لقد ناداه فی الهیجا علیٌ

فأسمعه ولکن لا یُجیبُ

فغضب عمرو ، وقال : إن کان الولید صادقاً فَلْیَلْقَ علیّا ، أو فلیقف حیث یسمع صوته ، وقال عمرو :

یُذکّرنی الولید دعا علیٍ

وبطن المرء یملؤه الوعیدُ

متی تذکُرْ مشاهده قریشٌ

یَطِر من خوفه القلبُ الشدیدُ

فأمّا فی اللقاءِ فأین منهُ

معاویةُ بن حرب والولیدُ

وعیّرنی الولیدُ لقاء لیثٍ

إذا ما زار (3) هابتْهُ الأُسودُ

ف)

ص: 229


1- هجّنه الأمر : قبّحه وعابه. العَکوب - بالفتح : الغبار. (المؤلف)
2- تاح تیحاً وتوحاً : قدر وتهیّأ. رجل متیح : أی لا یزال یقع فی بلیّة. (المؤلف)
3- من الزئیر : صوت الاسد. (المؤلف)

لقیتُ ولست أجهلُهُ علیّا

وقد بلَّت من العَلَقِ اللُبودُ (1)

فأطعنُهُ ویطعنُنی خلاساً (2)

وما ذا بعد طعنتهِ أُریدُ

فرُمها أنت یا ابن أبی مُعَیْطٍ

وأنت الفارسُ البطلُ النَجیدُ (3)

وأقسم لو سمعت ندا علیٍ

لطارَ القلبُ وانتفخ الوریدُ

ولو لاقیتَهُ شُقَّتْ جیوبٌ

علیکَ ولُطّمتْ فیک الخدودُ (4)

وفی روایة سبط ابن الجوزی (5) : ثمَّ التفت الولید إلی عمرو بن العاص وقال : إن لم تصدِّقونی فسلوا. أراد تبکیت عمرو.

قال هشام بن محمد : ومعنی هذا الکلام : أنَّ علیّا خرج یوماً من أیام صفِّین ، فرأی عمرو بن العاص فی جانب العسکر ولم یعرفه ، فطعنه فوقع ، فبدت عورته ، فاستقبل علیّا فأعرض عنه ، ثمَّ عرفه فقال : «یا ابن النابغة أنت طلیق دبرک أیّام عمرک» وکان قد تکرّر منه هذا الفعل.

روایة ابن عبّاس :

روی نصر (6) بإسناده عن ابن عبّاس قال : تعرّض عمرو بن العاص لعلیّ یوماً من أیّام صفِّین ، وظنَّ أنَّه یطمع منه فی غرّة - أی : فی غفلة - فیصیبه ، فحمل علیه علیٌّ علیه السلام فلمّا کاد أن یخالطه أذری - أی : ألقی - نفسه عن فرسه ، ورفع ثوبه ، وشغر (7)

ف)

ص: 230


1- اللبد - بالکسر : الشعر المجتمع بین کتفی الأسد. ما یجعل علی ظهر الفرس تحت السرج ، الجمع : لبود وألباد. (المؤلف)
2- یقال : الرجلان یتخالسان : أی یروم کلّ منهما قتل صاحبه. (المؤلف)
3- النجید : الشجاع الماضی فیما یعجز غیره. (المؤلف)
4- کتاب صفّین : ص 222 [ص 417 - 418] ، شرح ابن أبی الحدید : 2 / 110 [6 / 314 - 315 خطبة 83] ، تذکرة السبط : ص 51 [ص 89 - 90]. (المؤلف)
5- تذکرة الخواص : ص 90.
6- وقعة صفّین : ص 407 - 408.
7- شغر الکلب : رفع إحدی رجلیه فبال. (المؤلف)

برجله فبدت عورته ، فصرف علیه السلام وجهه عنه ، وقام معفَّراً بالتراب ، هارباً علی رجلیه ، معتصماً بصفوفه ، فقال أهل العراق : یا أمیر المؤمنین أفلت الرجل. فقال : «أتدرون من هو؟». قالوا : لا. قال : «إنَّه عمرو بن العاص ، تلقّانی بسوأته فذکّرنی بالرَحِم ، - لفظ ابن کثیر - فصرفت وجهی عنه».

ورجع عمرو إلی معاویة فقال : ما صنعت یا أبا عبد الله؟ فقال : لقینی علیٌّ فصرعنی. قال : احمد الله وعورتک - وفی لفظ ابن کثیر : احمد الله واحمد استک - والله إنّی لأظنّک لو عرفته لما اقتحمت علیه. وقال معاویة فی ذلک :

ألا لله من هفواتِ عمروٍ

یعاتبُنی علی ترکی برازی

فقد لاقی أبا حسنٍ علیّا

فآب الوائلیُّ مآب خازی

فلو لم یُبدِ عورتَهُ للاقی

به لیثاً یُذلِّل کلَّ غازی

له کفٌّ کأنَّ براحتیها

منایا القوم یخطفُ خطفَ بازی

فإن تکن المنیّةُ أخطأتهُ

فقد غنّی بها أهل الحجازِ

فغضب عمرو وقال : ما أشدّ تعظیمک علیّا فی کسری هذا - وفی لفظ ابن أبی الحدید : ما أشدَّ تغبیطک أبا تراب فی أمری (1) - هل أنا إلاّ رجل لقیه ابن عمِّه فصرعه؟! أَفَتُری السماء قاطرةً لذلک دماً؟! قال : لا ، ولکنَّها مُعقبة لک خزیاً.

کتاب صفّین (2) (ص 216) ، شرح ابن أبی الحدید (3) (2 / 287) ، تاریخ ابن کثیر (4) (7 / 263). .

ص: 231


1- فی لفظ نصر : ما أشدّ تغبیطک علیّا فی أمری ، وفی لفظ ابن أبی الحدید : ما أشدّ تعظیمک أبا تراب فی أمری.
2- وقعة صفّین : ص 406 - 408.
3- شرح نهج البلاغة : 8 / 60 - 61 خطبة 124.
4- البدایة والنهایة : 7 / 292 حوادث سنة 37 ه.

*معاویة وعمرو

استأذن عمرو بن العاص علی معاویة بن أبی سیان ، فلمّا دخل علیه استضحک معاویة ، فقال عمرو : ما أضحکک یا أمیر المؤمنین؟ أدام الله سرورک. قال : ذکرتُ ابن أبی طالب وقد غَشِیَکَ بسیفه فاتّقیته وولّیتَ. فقال : أتشمتُ بی یا معاویة؟ وأعجب من هذا یوم دعاک إلی البراز ، فالتمع لونک ، وأَطّتْ (1) أضالعک ، وانتفخ منخرُک ، والله لو بارزته لأوجعَ قذالک (2) ، وأیتم عیالک ، وبزّک سلطانک ، وأنشأ عمرو یقول :

معاویَ لا تَشمَتْ بفارس بُهمةٍ

لقی فارساً لا تعتریه الفوارسُ

معاویَ إنْ أبصرتَ فی الخیلِ مُقبلاً

أبا حسنٍ یهوی دَهَتْکَ الوساوسُ

وأیقنتَ أنَّ الموتَ حقٌّ وأنَّهُ

لنفسِک إنْ لم تمضِ فی الرکض حابسُ

فإنَّکَ لو لاقیتَهُ کنت بومةً (3)

أُتیحَ لها صقرٌ من الجوِّ رایسُ (4)

وما ذا بقاءُ القومِ بعد اختباطِهِ؟

وإنَّ امرأً یلقی علیّا لآیسُ

دعاکَ فصمّت دونه الأُذنُ هارباً

فنفسُکَ قد ضاقت علیها الأمالسُ (5)

وأیقنت أنَّ الموتَ أقربُ موعدٍ

وأنَّ الذی ناداک فیها الدهارسُ (6)

وتشمتُ بی أن نالنی حدُّ رمحِهِ

وعضّضنی نابٌ من الحربِ ناهسُ (7)

أبی اللهُ إلاّ أنَّهُ لیثُ غابةٍ

أبو أشبُلٍ تُهدی إلیه الفرائس

ف)

ص: 232


1- أطّ [الأطیط] : صوت الإبل : حنّت. (المؤلف)
2- القذال : بین الأُذنین من مؤخر الرأس ، والجمع قُذل ، وأقذلة. (المؤلف)
3- البوم والبومة : طائر یسکن الخراب. یضرب به المثل فی الشؤم. (المؤلف)
4- من راس یریس : مشی متبختراً. یقال راس القوم : اعتلی علیهم وغلبهم. (المؤلف)
5- الأمالس والامالیس ، جمع إملیس : الفلاة التی لیس فیها نبات. (المؤلف)
6- الدهرس : الشدّة والبلیّة. (المؤلف)
7- نهس اللحم نهساً - بفتح العین وکسره - : أخذه ونتفه ومدّه بالفم. (المؤلف)

وأیُّ امرئٍ لاقاه لم یُلْفَ شِلْوُه

بمعترکٍ تسفی علیه الروامسُ (1)

فإن کنتَ فی شکٍّ فأرهجْ عَجاجَهُ

وإلاّ فتلک التُرّهاتُ البسابسُ (2)

فقال معاویة : مهلاً یا أبا عبد الله؟ ولا کلّ هذا. قال : أنت استدعیته.

وفی لفظ ابن قتیبة فی عیون الأخبار (1 / 169) : رأی عمرو بن العاص معاویة یوماً یضحک ، فقال له : مِمَّ تضحک یا أمیر المؤمنین؟ أضحک الله سنّک. قال : أضحک من حضور ذهنک عند إبدائک سوأتک یوم ابن أبی طالب ، أما والله لقد وافقته منّاناً کریماً ، ولو شاء أن یقتلک لقتلک.

قال عمرو : یا أمیر المؤمنین ، أما والله إنّی لعن یمینک ، حین دعاک إلی البراز فاحْوَلّتْ عیناک ، وربا سَحرُک (3) ، وبدا منک ما أکره ذکره لک ، فمن نفسک فاضحک أو دَع.

وفی لفظ البیهقی فی المحاسن والمساوئ (4) (1 / 38) : دخل عمرو بن العاص علی معاویة وعنده ناسٌ ، فلمّا رآه مقبلاً استضحک ، فقال : یا أمیر المؤمنین أضحک الله سنّک وأدام سرورک وأقرَّ عینک ، ما کلُّ ما أری یوجب الضحک.

فقال معاویة : خطر ببالی یوم صفّین یوم بارزت أهل العراق ، فحمل علیک علیُّ بن أبی طالب رضی الله عنه فلمّا غَشِیَک طرحت نفسک عن دابّتک وأبدیت عورتک ، کیف حضرک ذهنک فی تلک الحال؟ أما والله لقد وافقت هاشمیّا منافیّا ، ولو شاء أن یقتلک لقتلک. 3.

ص: 233


1- الرمس : الستر والتغطیة. ویقال لما یحثی علی القبر من التراب : رمس. (المؤلف)
2- کتاب صفّین : ص 253 [ص 473] ، أمالی الشیخ : ص 84 ، [ص 134 ح 217] تذکرة السبط : ص 52 [ص 91]. (المؤلف)
3- ربا ربواً : انتفخ. السَحر - بفتح السین وضمّه - : الرئة. (المؤلف)
4- المحاسن والمساوئ : ص 53.

فقال عمرو : یا معاویة إن کان أضحکک شأنی فمن نفسک فاضحک ، أما والله لو بدا له من صفحتک مثل الذی بدا له من صفحتی لأوجع قذالک ، وأیتم عیالک ، وأنهب مالک ، وعزل سلطانک ، غیر أنَّک تحرّزت منه بالرجال فی أیدیها العوالی ، أما إنّی قد رأیتک یوم دعاک إلی البراز فاحولّت عیناک ، وأزبد شدقاک ، وتنشّر منخراک ، وعرق جبینک ، وبدا من أسفلک ما أکره ذکره!. فقال معاویة : حسبک حیث بلغت لم نرد کلّ هذا.

وفی لفظ الواقدی : قال معاویة یوماً لعمرو بن العاص : یا أبا عبد الله لا أراک إلاّ ویغلبنی الضحک. قال : بما ذا؟ قال : أذکر یوم حمل علیک أبو تراب فی صفِّین ، فأذریت نفسک فرَقاً من شبا سنانه ، وکشفت سوأتک له. فقال عمرو : أنا منک أشدُّ ضحکاً ؛ إنّی لأذکر یوم دعاک إلی البراز فانتفخ سَحرک ، وربا لسانک فی فمک ، وعصب ریقک ، وارتعدت فرائصک ، وبدا منک ما أکره ذکره لک. فقال معاویة : لم یکن هذا کلّه ، وکیف یکون؟ ودونی عکٌّ والأشعریّون. قال : إنَّک لَتعلم أنَّ الذی وصفتُ دون ما أصابک ، وقد نزل ذلک بک ودونک عک والأشعریّون ، فکیف کانت حالک لو جمعکما مأقط الحرب؟ قال : یا أبا عبد الله خض بنا الهزل إلی الجدّ ؛ إنَّ الجبن والفرار من علیٍّ لا عار علی أحد فیهما. شرح ابن أبی الحدید (1) (2 / 111).

قال نصر فی کتابه (2) (ص 229) : وکان معاویة لم یزل یشمت عمراً ، ویذکر یومه المعهود ویضحک ، وعمرو یعتذر بشدّة موقفه بین یدی أمیر المؤمنین ، فشمت به معاویة یوماً وقال : لقد أنصفتکم إذ لقیت سعید بن قیس وفررتم ، وإنَّک لجبان ، فغضب عمرو ثمَّ قال : والله لو کان علیّا ما قحمتَ علیه ، یا معاویة فهلاّ برزت إلی علیٍّ إذ دعاک إن کنت شجاعاً کما تزعم؟ وقال عمرو فی ذلک : 2.

ص: 234


1- شرح نهج البلاغة : 6 / 317 خطبة 83.
2- وقعة صفّین : ص 432.

تسیر إلی ابن ذی یزنٍ سعیدٍ

وتترک فی العجاجةِ من دعاکا

فهل لک فی أبی حسن علیٍ

لعلّ الله یُمکنُ من قفاکا

دعاک إلی النزال فلم تُجِبهُ

ولو نازلتَهُ تَرِبت یداکا

وکنت أصمَّ إذ ناداک عنهُ

وکان سکوتُه عنه مناکا

فآب الکبشُ قد طحنتْ رحاه

بنجدتِهِ ولم تطحن رحاکا

فما أنصفت صحبک یا ابن هندٍ

أتفرقه وتغضبُ من کفاکا

فلا والله ما أضمرتَ خیراً

ولا أظهرتَ لی إلاّ هواکا

أشار عمرو بن العاص فی هذه الأبیات إلی ما رواه نصر فی کتاب صفّین (1) (ص 140) وغیره من المؤرخین : من أنَّ علیّا علیه السلام - قام یوم صفّین بین الصفَّین ، ثمَّ نادی : «یا معاویة». یکرِّرها فقال معاویة : اسألوه ما شأنه؟ قال : «أحبُّ أن یظهر لی فأکلّمه کلمة واحدة» فبرز معاویة ومعه عمرو بن العاص ، فلمّا قارباه لم یلتفت إلی عمرو ، وقال لمعاویة : «ویحک علام یقتتل الناس بینی وبینک ، ویضرب بعضهم بعضاً؟ ابرز إلیَّ ، فأیّنا قتل صاحبه فالأمر له». فالتفت معاویة إلی عمرو ، فقال : ما تری یا أبا عبد الله فیما هاهنا ، أُبارزه؟! فقال عمرو : لقد أنصفک الرجل! واعلم أنّه إن نکلتَ عنه لم تزل سبّة علیک وعلی عقبک ما بقی عربیٌّ. فقال معاویة : یا عمرو لیس مثلی یخدع عن نفسه ، والله ما بارز ابن أبی طالب رجلاً قطُّ إلاّ سقی الأرض من دمه. ثمَّ انصرف معاویة راجعاً حتی انتهی إلی آخر الصفوف ، وعمرو معه.

خرج علیٌّ علیه السلام ذات یوم فی صفّین منقطعاً من خیله ومعه الأشتر ، یتسایران رویداً یطلبان التلَّ لیقفا علیه ، وعلیٌّ یقول :

إنّی علیٌّ فسلوا لتخبروا

ثمَّ ابرزوا إلی الوغی أو ادبروا

سیفی حسامٌ وسِنانی أزهرُ

منّا النبیُّ الطیِّبُ المطهَّرُ

4.

ص: 235


1- وقعة صفّین : ص 274.

وحمزةُ الخیرِ ومنّا جعفرُ

له جناحٌ فی الجنانِ أخضرُ

ذا أسدُ الله وفیه مفخَرُ

هذا بهذا وابن هند محجرُ

مذبذبٌ مطَّردٌ مؤخَّرُ

إذ برز له بُسر بن أرطاة مقنَّعاً فی الحدید لا یُعرف ، فناداه : أبرز إلیَّ أبا حسن! فانحدر إلیه علی تُؤدةٍ (1) غیر مکترثٍ به ، حتی إذا قاربه طعنه وهو دارعٌ ، فألقاه علی الأرض ، ومنع الدرع السنان أن یصل إلیه ، فاتّقاه بُسر بعورته ، وقصد أن یکشفها یستدفع بأسه ، فانصرف عنه علیه السلام مستدبراً له ، فعرفه الأشتر حین سقط ، فقال : یا أمیر المؤمنین هذا بُسر بن أرطاة ، هذا عدوّ الله وعدوّک. فقال : «دعه علیه لعنة الله ، أبعد أن فعلها؟» فحمل ابن عمّ لِبُسر شابّ علی علیٍّ وهو یقول :

أردیتَ بُسراً والغلام ثائره

أردیتَ شیخاً غاب عنه ناصره

وکلّنا حامٍ لبُسرٍ واترهْ

فحمل علیه الأشتر وهو یقول :

أکلَّ یوم رجلُ شیخ شاغره

وعورةٌ تحت العَجاج ظاهره

تُبرزها طعنة کفٍّ واتره

عمروٌ وبُسر رُمیا بالفاقره

فطعنه الأشتر فکسر صلبه ، وقام بُسر من طعنة علیٍّ ، وولّت خیله ، وناداه علیٌّ : یا بسر معاویة کان أَحقَّ بهذا منک. فرجع بُسر إلی معاویة ، فقال له معاویة : ارفع طرفک قد أدال (2) الله عمراً منک. فقال فی ذلک الحارث بن نضر السهمی (3) : ث.

ص: 236


1- أی تأنٍّ وتمهّل. (المؤلف)
2- أدال الشیء : جعله متداولا. یقال أدال الله زیداً من عمرو ، أی نزع الدولة من عمرو وحوّلها إلی زید. (المؤلف)
3- فی وقعة صفّین : النضر بن الحارث.

أفی کلِّ یوم فارسٌ تندبونه

له عورةٌ تحتَ العجاجةِ بادیهْ

یکفُّ بها عنه علیٌّ سِنانَهُ

ویضحکُ منها فی الخلاءِ معاویهْ

بدتْ أمسِ من عمروٍ فقنّع رأسَهُ

وعورةُ بُسر مثلُها حَذْوَ حاذیهْ

فقولا لعمرو وابن أرطاةَ أَبصِرا

سبیلکما لا تَلقیا اللیثَ ثانیهْ

ولا تحمدا إلاّ الحیا وخُصاکُما

هما کانتا للنفس والله واقیهْ

فلولاهما لم تَنْجُوَا من سنانِه

وتلک بما فیها عن العَوْدِ ناهیهْ

متی تلقیا الخیل المشیجةَ صیحةً (1)

وفیها علیٌّ فاترکا الخیلَ ناحیهْ

وکونا بعیداً حیث لا تبلغ القنا

ونار الوغی إنَّ التجارب کافیهْ

وإن کان منه بعدُ فی النفس حاجةٌ

فعودوا إلی ما شئتما هی ما هیهْ

کتاب صفِّین (2) (ص 246) ، الاستیعاب (3) (1 / 67) ، شرح ابن أبی الحدید (4) (2 / 300) ، مطالب السؤول (ص 43) ، تاریخ ابن کثیر (5) (4 / 20) ، نور الأبصار (6) (ص 95).

ینبئنا التاریخ أنَّ عمراً لیس بأوّل رجل کشف عن سوأته من بأس أمیر المؤمنین ، وإنّما قلّد طلحة بن أبی طلحة ؛ فإنَّه لمّا حمل علیه أمیر المؤمنین یوم أحد ورأی أنَّه مقتولٌ لا محالة ، استقبله بعورته وکشف عنها. راجع تاریخ ابن کثیر (4 / 20) وذکره الحلبی فی سیرته (7) (2 / 247) ثمَّ قال : وقع لسیِّدنا علیّ - کرّم الله وجهه - مثل ذلک فی یوم صفِّین مرّتین : الأولی : حمل علی بُسر بن أرطاة ، والثانیة : حمل علی 3.

ص: 237


1- فی وقعة صفّین : المشیحة صبحة.
2- وقعة صفّین : ص 461.
3- الاستیعاب : القسم الأوّل / 165 رقم 174.
4- شرح نهج البلاغة : 8 / 95 خطبة 124.
5- البدایة والنهایة : 4 / 23 حوادث سنة 3 ه.
6- نور الأبصار : ص 192 - 193.
7- السیرة الحلبیّة : 2 / 223.

عمرو بن العاص ، فلمّا رأی أنَّه مقتولٌ کشف عن عورته ، فانصرف عنه علیٌّ - کرّم الله وجهه.

*الأشتر وعمرو بن العاص فی معترک القتال بصفِّین

إن معاویة دعا یوماً بصفّین مروان بن الحکم ، فقال : إنَّ الأشتر قد غمّنی وأقلقنی ، فاخرج بهذه الخیل فی یحصب والکلاعیِّین ، فالقه ، فقاتل بها. فقال مروان : أُدع لها عمراً فإنَّه شعارک دون دثارک. قال : وأنت نفسی دون وریدی. قال : لو کنت کذلک ألحقتنی به فی العطاء ، أو ألحقته بی فی الحرمان ، ولکنّک أعطیته ما فی یدک ، ومنّیته ما فی ید غیرک ، فإن غَلبتَ طاب له المقام ، وإن غُلبتَ خفَّ علیه الهرب. فقال معاویة : سیُغنی الله عنک. قال : أمّا إلی الیوم فلم یغنِ.

فدعا معاویة عمراً وأمره بالخروج إلی الأشتر. فقال : أما إنّی لا أقول لک ما قال مروان. قال : فکیف تقول؟ وقد قدّمتک وأخّرته ، وأدخلتک وأخرجته. قال : أما والله إن کنتَ فعلتَ لقد قدّمتنی کافیاً ، وأدخلتنی ناصحاً ، وقد أکثر القوم علیک فی أمر مصر وإن کان لا یرضیهم إلاّ أخذها فخذها. ثمَّ قام فخرج فی تلک الخیل ، فلقیه الأشتر أمام القوم وهو یقول :

یا لیت شعری کیف لی بعمرِو

ذاک الذی أوجبتُ فیه نَذری

ذاک الذی أطلبُهُ بوِتْرِی

ذاک الذی فیه شفاءُ صدری

ذاک الذی إن ألقَهُ بعُمری

تغلی به عند اللقاءِ قِدری

أجعله فیه طعام النسر

أو لا فربّی عاذری بعذری

فلما سمع عمرو هذا الرجز وعرف أنَّه الأشتر ، فشل وجبن ، واستحیا أن یرجع ، وأقبل نحو الصوت ، وقال :

ص: 238

یا لیت شعری کیف لی بمالکِ

کم جاهلٍ خیّبتُه وحارکِ (1)

وفارسٍ قتلتُهُ وفاتکِ

ومُقدمٍ آبَ بوجهٍ حالکِ (2)

ما زلت دهری عرضة المهالکِ

فغشیه الأشتر بالرمح فزاغ عنه عمرو فلم یصنع الرمح شیئاً ، ولوی عمرو عنان فرسه ، وجعل یده علی وجهه ، وجعل یرجع راکضاً نحو عسکره ، فنادی غلامٌ من یحصب : یا عمرو علیک العفا ما هبّت الصبا!.

کتاب صفّین (3) (ص 233) ، شرح ابن أبی الحدید (4) (2 / 295).

ینبئک صدر هذا الحدیث عن نفسیّات أولئک المناضلین عن معاویة ، الدّعاة إلی إمامته ، ویعرب عن غایات تلک الفئة الباغیة بنصِّ النبیِّ الأطهر ، إماماً ومأموماً فی تلک الحرب الزبون ، فما ینبغی لی أن أکتب عن إمام یکون مثل عمرو بن العاص شعاره ، ومثل مروان بن الحکم نفسه؟ وما یحقُّ لک أن تعتقد فی مأموم هذه محاوراته فی معترک القتال مع إمامه المفترضة علیه طاعته - إن صحّت الأحلام - ومشاغبته دون الرتبة والراتب؟!

*ابن عبّاس وعمرو :

حجَّ عمرو بن العاص وقام بالموسم ، فأطری معاویة وبنی أمیّة وتناول بنی هاشم ، ثمَّ ذکر مشاهده بصفّین ، فقال ابن عبّاس : یا عمرو إنَّک بعتَ دینک من معاویة ، فأعطیته ما فی یدک ومنّاک ما فی ید غیره ، فکان الذی أخذ منک فوق الذی 4.

ص: 239


1- حَرَکَ : امتنع من الحق الذی علیه. غلام حرک : خفیف ذکی. (المؤلف)
2- حلک : اشتد سواده ، فهو حالک وحلک. (المؤلف)
3- وقعة صفّین : ص 440.
4- شرح نهج البلاغة : 8 / 80 خطبة 124.

أعطاک ، وکان الذی أخذت منه دون ما أعطیته ، وکلٌّ راض بما أخذ وأعطی ، فلمّا صارت مصر فی یدک تتبعک فیها بالعزل والتنقّص ، حتی لو أنَّ نفسک فی یدک لألقیتها إلیه ، وذکرت یومک مع أبی موسی فلا أراک فخرت إلاّ بالغدر ، ولا منّیت إلاّ بالفجور والغشِّ ، وذکرت مشاهدک بصفّین فو الله ما ثَقُلَتْ علینا وطأتُکَ ، ولقد کشفتَ فیها عورتک ، ولا نَکَتنا فیها حربک ، ولقد کنت فیها طویل اللسان ، قصیر السنان ، آخر الحرب إذا أقبلت ، وأوّلها إذا أدبرت ، لک یدان : یدٌ لا تبسطها إلی خیر ، ویدٌ لا تقبضها من شرّ ، ووجهان : وجهٌ مؤنسٌ ووجهٌ موحشٌ ، ولعمری إنَّ من باع دینه بدنیا غیره لحریٌّ أن یطول حزنه علی ما باع واشتری ، لک بیانٌ وفیک خطل ، ولک رأیٌ وفیک نکد ، ولک قدرٌ وفیک حسد ، فأصغر عیب فیک أعظم عیب غیرک.

فقال عمرو : أما والله ما فی قریش أحدٌ أثقل وطأةً علیَّ منک ، ولا لأحد من قریش قدر عندی مثل قدرک.

البیان والتبیین (1) (2 / 239) ، العقد الفرید (2) (2 / 136) ، شرح ابن أبی الحدید (3) (1 / 196) نقلاً عن البلاذری.

*ابن عبّاس وعمرو فی حفلة أخری :

روی المدائنی قال : وفد عبد الله بن عبّاس علی معاویة مرّة وعنده ابنه یزید ، وزیاد بن سمیّة ، وعتبة بن أبی سفیان ، ومروان بن الحکم ، وعمرو بن العاص ، والمغیرة ابن شعبة ، وسعید بن العاص ، وعبد الرحمن بن أمِّ الحکم ، فقال عمرو بن العاص : هذا والله یا أمیر المؤمنین نجوم أوّل الشرِّ وأُفول آخر الخیر ، وفی حسمه قطع مادّته ، فبادره بالحملة ، وانتهز منه الفرصة ، واردع بالتنکیل به غیره ، وشرِّد به من خلفه.

5.

ص: 240


1- البیان والتبیین : 2 / 206.
2- العقد الفرید : 3 / 204.
3- شرح نهج البلاغة : 2 / 247 خطبة 35.

فقال ابن عبّاس : یا ابن النابغة ضلَّ والله عقلک ، وسفه حلمک ، ونطقَ الشیطانُ علی لسانک ، هلاّ تولّیت ذلک بنفسک یوم صفِّین حین دُعیت نَزالِ (1) ، وتکافح الأبطال ، وکثر الجراح ، وتقصّفت (2) الرماح ، وبرزت إلی أمیر المؤمنین مصاولاً ، فانکفأ نحوک بالسیف حاملاً ، فلمّا رأیت الکواثر من الموت ، أعددت حیلة السلامة قبل لقائه ، والانکفاء عنه بعد إجابة دعائه ، فمنحته رجاء النجاة عورتک ، وکشفت له خوف بأسه سوأتک ، حَذَراً أنْ یصطلمک بسطوته ، أو یلتهمَک (3) بحملته ثمَّ أشرتَ علی معاویة کالناصح له بمبارزته ، وحسّنت له التعرّض لمکافحته ، رجاء أن تکتفی مؤونته ، وتعدم صورته ، فعلِمَ غِلَّ صدرک ، وما انحنت علیه من النفاق أضلعک ، وعرف مقرَّ سهمک فی غرضِک ، فاکفف غربَ لسانک ، واقمع عوراء لفظک ، فإنَّک بین أسدٍ خادر ، وبحر زاخر ، إن تبرّزت للأسد افترسک ، وإن عُمت فی البحر قمسک - أی : غمسک وأغرقک. شرح ابن أبی الحدید (4) (2 / 105) ، جمهرة الخطب (5) (2 / 93).

*عبد الله المرقال وعمرو :

کان فی نفس معاویة من یوم صفِّین إحنٌ علی هاشم بن عتبة بن أبی وقّاص المرقال وولده عبد الله ، فلمّا استعمل معاویة زیاداً علی العراق کتب إلیه :

أمّا بعد : فانظر عبد الله بن هاشم ، فشُدَّ یده إلی عنقه ، ثمَّ ابعث به إلیَّ ، فحمله زیاد من البصرة مقیَّداً مغلولاً إلی دمشق ، وقد کان زیاد طرقه باللیل فی منزله 6.

ص: 241


1- نَزالِ : اسم فعل بمعنی : إنزل : أی حین قال الأبطال بعضهم لبعض : انزل. (المؤلف)
2- تقصّفت : تکسّرت. (المؤلف)
3- التهم الشیء : ابتلعه بمرّة. (المؤلف)
4- شرح نهج البلاغة : 6 / 298 خطبة 83.
5- جمهرة خطب العرب : 2 / 102 رقم 95 ، 96.

بالبصرة ، فأُدخل إلی معاویة وعنده عمرو بن العاص ، فقال معاویة لعمرو بن العاص : هل تعرف هذا؟ قال : لا. قال : هذا الذی یقول أبوه یوم صفِّین :

إنّی شریتُ النفسَ لمّا اعتلاّ

وأکثر اللوم وما أقلاّ

أعورُ یبغی أهلَهُ مَحَلاّ

قد عالج الحیاة حتی ملاّ

لا بدَّ أن یَفُلَّ أو یُفلاّ

أَسُلُّهمْ بذی الکعوب سلاّ

لا خیر عندی فی کریمٍ ولّی فقال عمرو متمثِّلاً :

وقد ینبتُ المرعی علی دِمَنِ الثری

وتبقی حزازاتُ النفوس کماهیا

وإنه لهو ، دونک یا أمیر المؤمنین الضبَّ المضبَ (1) ، فاشخب أوداجه علی أسباجه - أثباجه - ولا ترجعه إلی أهل العراق فإنَّهم أهل فتنة ونفاق ، وله مع ذلک هویً یردیه وبطانةٌ تغویه ، فوالذی نفسی بیده لئن أفلت من حبائلک لَیُجَهِّزَنَّ إلیک جیشاً تکثر صواهله لشرِّ یوم لک.

فقال عبد الله وهو المقیَّد : یا ابن الأبتر هلاّ کانت هذه الحماسة عندک یوم صفِّین؟ ونحن ندعوک إلی البراز ، وأنت تلوذ بشمائل الخیل کالأَمَة السوداء والنعجة القوداء ، أما إنَّه إن قتلنی قتل رجلاً کریم المخبرة ، حمید المقدرة ، لیس بالحبس المنکوس ، ولا الثَلِب (2) المرکوس (3). فقال عمرو : دع کیت وکیت ، فقد وقعت بین لحیی لهذم (4) فَروس للأعداء ، یسعطک إسعاط (5) الکودن (6) الملجَم. ف)

ص: 242


1- من أضبّ یضبّ : أی صاح وتکلّم ، وغاض وحقد. (المؤلف)
2- الثلب : المعیب المهان. (المؤلف)
3- المرکوس : الضعیف. (المؤلف)
4- اللهذم : الحادّ القاطع من السیوف والأسنّة والأنیاب. (المؤلف)
5- الإسعاط : إدخال الدواء فی الأنف. یقال : أسعطه الرمح : أی طعنه به فی أنفه. (المؤلف)
6- الکودن : البرذون الهجین ، الفیل. الجمع کوادن. (المؤلف)

قال عبد الله : أکثر إکثارک ، فإنّی أَعلَمُکَ بَطِراً فی الرخاء ، جباناً فی اللقاء ، عیّابة عند کفاح الأعداء ، تری أن تقی مهجتک بأن تبدی سوأتک ، أنسیت صفِّین وأنت تدعی إلی النزال؟ فتحید عن القتال ، خوفاً أن یغمرک رجال لهم أبدان شداد ، وأسنّة حداد ، ینهبون السرح ، ویذلّون العزیز. فقال عمرو : لقد علم معاویة أنَّی شهدت تلک المواطن ، فکنت فیها کمدرة الشوک ، ولقد رأیت أباک فی بعض تلک المواطن تخفق أحشاؤه ، وتنقّ أمعاؤه. قال : أما والله لو لقیک أبی فی ذلک المقام ، لارتعدت منه فرائصک ، ولم تسلم منه مهجتک ، ولکنَّه قاتل غیرک ، فقُتل دونک. فقال معاویة : ألا تسکت؟! لا أمَّ لک. فقال : یا ابن هند أتقول لی هذا؟ والله لئن شئت لأُعرقنَّ جبینک ، ولأُقیمنّک وبین عینیک وسمٌ یلین له خدعاک ، أبأکثر من الموت تخوّفنی؟ فقال معاویة : أَوَتکفّ یا ابن أخی؟ وأمر بإطلاق عبد الله ، فقال عمرو لمعاویة :

أمرتُکَ أمراً حازماً فعصیتَنی

وکان من التوفیق قتلُ ابن هاشمِ

ألیس أبوهُ یا معاویةُ الذی

أعانَ علیّا یوم حزِّ الغلاصمِ (1)

فلم ینثنی حتی جرت من دمائنا

بصفِّین أمثالُ البحور الخضارمِ (2)

وهذا ابنه والمرءُ یُشبه شیخَهُ (3)

ویوشک أن تقرع به سنَّ نادمِ

فقال عبد الله یُجیبه :

معاوِیَ إنَّ المرءَ عَمْراً أبت لهُ

ضغینةُ صدرٍ غِشُّها غیر نائمِ

یری لک قتلی یا ابن هندٍ وإنّما

یری ما یری عمرو ملوک الأعاجمِ

علی أنَّهم لا یقتلُون أسیرَهم

إذا کان منهُ بیعةٌ للمسالمِ

ف)

ص: 243


1- جمع غلصمة : اللحم بین الرأس والعنق. یعنی : أیام الحرب. (المؤلف)
2- الخضرم - بالکسر - : البحر العظیم الماء. (المؤلف)
3- فی کامل المبرّد : عیصه ، یعنی : أصله. (المؤلف)

وقد کان منّا یوم صفِّین نقرةٌ

علیک جناها هاشمٌ وابن هاشمِ

قضی ما انقضی منها ولیس الذی مضی

ولا ما جری إلاّ کأضغاث حالمِ

فإن تعفُ عنّی تعفُ عن ذی قرابةٍ

وإن تَرَ قَتلی تَسْتَحِلَّ محارمی

فقال معاویة :

أری العفو عن علیا قریش وسیلةً

إلی الله فی الیوم العصیب القُماطر (1)

ولست أری قتل العداة ابن هاشم

بإدراک ثاری فی لؤیٍّ وعامرِ

بل العفو عنه بعد ما بان جُرْمُهُ

وزلّت به إحدی الجدود العواثرِ

فکان أبوه یوم صفّین جمرةً

علینا فأردته رماحُ النهابر (2)

کتاب صفّین لابن مزاحم (3) (ص 182) ، کامل المبرّد (4) (1 / 181) ، مروج الذهب (5) (2 / 57 - 59) ، شرح ابن أبی الحدید (6) (2 / 176).

*درس دین وأخلاق

لعلَّ الباحث لا یخفی علیه أنَّ کلَّ سوأة وعورة ذُکر بها المترجَم له فی التاریخ الصحیح ، وما یعزی إلیه وعُرِف به من المساوئ فی طیّات تلکم الکلمات الصادقة المذکورة ، من الوضاعة ، والغوایة ، والغدر ، والمکر ، والحیلة ، والخدعة ، والخیانة ، والفجور ، ونقض العهد ، وکذب القول ، وخلف الوعد ، وقطع الإلّ ، والحقد ، والوقاحة ، والحسد ، والریاء ، والشحّ ، والبذاء ، والسفه ، والوغادة ، والجور ، 4.

ص: 244


1- القماطر - بالضم - : الشدید. (المؤلف)
2- النهابر والنهابیر : المهالک. والواحدة : نهبرة ، نهبور ، نهبورة. (المؤلف)
3- وقعة صفّین : ص 348.
4- الکامل فی اللغة والأدب : 1 / 219.
5- مروج الذهب : 3 / 17 20.
6- شرح نهج البلاغة : 8 / 30 31 خطبة 124.

والظلم ، والمِراء ، والدناءة ، واللؤم ، والمَلَق ، والجلافة ، والبخل ، والطمع ، واللّدد ، وعدم الغیرة علی حلیلته ، إلی غیر ذلک من المعایر النفسیّة وأضداد مکارم الأخلاق ، لیست هذه کلّها إلاّ من علائم النفاق ، ومن رشحات عدم الإسلام المستقرِّ ، وانتفاء الإیمان بالله وبما جاء به النبیُّ الأقدس ؛ إذ الإسلام الصحیح هو المصلح الوحید للبشر ، ومهذِّب النفس بمکارم الأخلاق ، ومجتمع الفضائل ، وأساس کلِّ فضل وفضیلة ، وأصل کلِّ محمدة ومکرمة ، وبه یتأتّی الصلاح فی النفوس مهما سری الإیمان من عاصمة مملکة البدن - القلب - إلی سائر الأعضاء والجوارح واحتلّها واستقرّ بها.

وذلک أنَّ مثَل الإیمان فی المملکة البدنیّة الجامعة لشتات آحاد الجوارح والأعضاء کمثل دستور الحکومات فی الممالک الجامعة لأفراد الأشخاص ، فکما أنَّ القوانین المقرَّرة فی الحکومات والدول مبثوثة فی الأفراد ، وکلُّ فرد من المجتمع له تکلیفٌ یخصُّ به ، وواجبٌ یحقُّ علیه أن یقوم به ، وحدٌّ محدودٌ یجب علیه رعایته ، وبصلاح الأفراد وقیام کلِّ فرد منهم بواجبه یتمُّ صلاح المجتمع ، ویحصل التقدّم والرقیُّ فی الحکومات ، کذلک الإیمان فی المملکة البدنیّة فإنَّه قوانین مبثوثة فی الأعضاء والجوارح العاملة فیها ، ولکلّ منها بنصِّ الذکر الحکیم تکلیفٌ یخصُّ به ، وحدٌّ معیَّنٌ فی السنّة یجب علیه رعایته والتحفّظ به ، وأخذ کلٍّ بما وجب علیه هو إیمانه وبه یحصل صلاحه ، فواجب القلب غیر فریضة اللسان ، وفریضته غیر واجب الأُذن ، وواجبها غیر ما کلّف به البصر ، وفرضه غیر واجب الیدین وواجبهما غیر تکلیف الرجلین وهکذا وهکذا ، وإنَّ السمع والبصر والفؤاد کلُّ أولئک کان عنه مسؤولاً ، وهذا البیان یُستفاد من قول النبیِّ صلی الله علیه وآله وسلم فیما أخرجه الحافظ ابن ماجة فی سننه (1) (1 / 35): «الإیمان معرفةٌ بالقلب ، وقولٌ باللسان ، وعملٌ بالأرکان» (2).

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «الإیمان بضع وسبعون شعبة ، فأفضلها لا إله إلاّ الله ، وأدناها ف)

ص: 245


1- سنن ابن ماجة 1 / 25 ح 65.
2- وبهذا اللفظ یروی عن أمیر المؤمنین کما فی نهج البلاغة [ص 508 حکمة 227]. (المؤلف)

إماطة الأذی عن الطریق ، والحیاء شعبة من الإیمان» (1).

ومن هنا یقبل الإیمان ضعفاً وقوّةً ، وزیادةً ونقصاً ، ویتّصف الإنسان فی آن واحد بطرفی السلب والإیجاب باعتبارین ، فیثبت له الإیمان من جهة وینفی عنه بأخری ، ومن هنا یعلم معنی قوله صلی الله علیه وآله وسلم : «لا یزنی الزانی حین یزنی وهو مؤمن ، ولا یسرق السارق حین یسرق وهو مؤمن ، ولا یشرب الخمر حین یشربها وهو مؤمنٌ» (2).

فلا یتأتّی صلاح المملکة البدنیَّة إلاّ بالسلم العامّ وقیام جمیع أجزائها بواجبها ، وامتثال کلِّ فرد منها فیما فُرض علیه ، ولا یکمل الإیمان إلاّ بتحقّق شُعَبه.

وکما أنَّ انتفاء الإیمان عن کلِّ عضو وجارحة مکلّفة یکشف عن ضعف إیمان القلب وتضعضع حکومة الإسلام فیه ، اذ هو أمیرالبدن ولا ترد الجوارح ولا تصدر إلاّ عن رأیه وأمره ، کذلک الصفات النفسیّة ؛ فإنَّ منها ما هو الکاشف عن قوّة الإیمان القلبی وضعفه کما ورد فی النبویّ الشریف ، فیما أخرجه الحافظ المنذری فی الترغیب والترهیب (3) (3 / 171): «إنَّ المرء لَیَکون مؤمناً وإنَّ فی خلقه شیئاً فیُنقص ذلک من إیمانه».

ومنها ما یلازم النفاق ولا یفارقه ولا یجتمع مع شیء من الإیمان وإن صلّی صاحبه وصام ، وبه عُرِّف المنافق فی القرآن العزیز. 6.

ص: 246


1- أخرجه البخاری [صحیح البخاری : 1 / 12 ح 9 وفیه : الإیمان بضع وستون] ، مسلم [صحیح مسلم : 1 / 92 ح 57 کتاب الإیمان] ، أبو داود [سنن أبی داود : 4 / 219 ح 4676] ، الترمذی [سنن الترمذی : 5 / 12 ح 2614] ، النسائی [السنن الکبری 6 / 532 ح 11736] ، ابن ماجة [سنن ابن ماجة : 1 / 22 ح 57]. (المؤلف)
2- أخرجه مسلم [صحیح مسلم 1 / 108 ح 100 کتاب الإیمان] وغیره. (المؤلف)
3- الترغیب والترهیب : 3 / 411 ح 36.

فإلیک ما ورد عن النبیِّ الأقدس فی کثیر من الصفات المذکورة المعزوّة إلی المترجَم له ، حتی تکون علی بصیرة من الأمر ، فلا یغرّنّک تقلّب الذین طغوا فی البلاد وأکثروا فیها الفساد.

1 - «آیة المنافق ثلاثٌ : إذا حدّث کذب. وإذا وعد أخلف. وإذا ائتُمن خان».

أخرجه : البخاری ومسلم ، وفی روایة مسلم : «وإن صام وصلّی وزعم أنَّه مسلم» (1).

2 - «أربع من کنَّ فیه کان منافقاً خالصاً ، ومن کانت فیه خصلةٌ منهنَّ کانت فیه خصلة من النفاق حتی یدعها : إذا ائتُمن خان ، وإذا حدّث کذب ، وإذا عاهد غدر ، وإذا خاصم فجر».

أخرجه : البخاری ، ومسلم ، أبو داود ، الترمذی ، النسائی (2).

3 - «لا إیمان لمن لا أمانة له ، ولا دین لمن لا عهد له».

أخرجه : أحمد ، البزّار ، الطبرانی ، ابن حبّان ، أبو یعلی ، البیهقی (3).

4 - «المسلم من سلم المسلمون من یده ولسانه». متّفق علیه.

5 - «الکذب مجانبٌ للإیمان». ابن عدیّ ، والبیهقی (4).

6 - «المکر والخدیعة فی النار». الدیلمی (5) ، القضاعی. 8.

ص: 247


1- صحیح البخاری : 1 / 21 ح 33 ، صحیح مسلم : 1 / 111 ح 107 کتاب الإیمان.
2- صحیح البخاری : 1 / 21 ح 34 ، صحیح مسلم : 1 / 110 ح 106 کتاب الإیمان ، سنن أبی داود : 4 / 221 ح 4688 ، سنن الترمذی : 5 / 20 ح 2632 ، السنن الکبری للنسائی : 6 / 535 ح 11751.
3- مسند أحمد بن حنبل : 3 / 594 ح 11975 ، المعجم الکبیر : 10 / 227 ح 10553 ، صحیح ابن حبّان : 1 / 422 ح 194 ، مسند أبی یعلی : 5 / 247 ح 2863 ، السنن الکبری للبیهقی : 6 / 288.
4- الکامل فی ضعفاء الرجال : 1 / 29 ، شعب الإیمان : 4 / 206 ح 4804.
5- الفردوس : 4 / 217 ح 6658.

7 - «المؤمن لیس بحقود». الغزالی ، ابن الدیبع (1).

8 - «لا إیمان لمن لا حیاء له». ابن حبّان ، ابن الدیبع (2).

9 - «الحسد یفسد الإیمان کما یفسد الصبرُ العسل». الدیلمی ، ابن الدیبع (3).

10 - «الغیرة من الإیمان والبذاء من النفاق». الدیلمی ، القضاعی ، ابن الدیبع (4)

11 - «الیسیر من الریاء شرکٌ ، ومن عادی أولیاء الله فقد بارز الله بالمحاربة». ابن ماجة ، الحاکم ، البیهقی (5).

12 - «من أرضی سلطاناً بما یسخط به ربّه خرج من دین الله». الحاکم (6).

13 - «الحیاء من الإیمان».

البخاری ، مسلم ، أبو داود ، الترمذی ، النسائی ، ابن ماجة (7).

14 - «سبابُ المسلم فسوق ، وقتاله کفر».

البخاری ، مسلم ، الترمذی ، النسائی ، ابن ماجة (8).

15 - «لا یجتمع فی جوفِ عبدٍ الإیمان والحسد». ابن حبّان ، البیهقی (9). 9.

ص: 248


1- إحیاء علوم الدین : 3 / 173 ، تمییز الطیب من الخبیث : ص 198 ح 1510.
2- تمییز الطیّب من الخبیث : ص 209 ح 1586.
3- تمییز الطیّب من الخبیث : ص 79 ح 528.
4- الفردوس : 3 / 117 ح 4326 ، تمییز الطیّب من الخبیث : ص 127 ح 912.
5- سنن ابن ماجة : 2 / 1321 ح 3989 ، المستدرک علی الصحیحین : 1 / 44 ح 4 ، شعب الإیمان : 5 / 328 ح 6812.
6- المستدرک علی الصحیحین : 4 / 116 ح 7071.
7- صحیح البخاری : 1 / 17 ح 24 ، صحیح مسلم : 1 / 93 ح 59 کتاب الإیمان ، سنن أبی داود : 4 / 219 ح 4676 ، سنن الترمذی : 4 / 321 ح 2009 ، السنن الکبری للنسائی : 6 / 537 ح 11764 ، سنن ابن ماجة : 2 / 1400 ح 4184.
8- صحیح البخاری : 1 / 27 ح 48 ، صحیح مسلم : 1 / 114 ح 116 کتاب الإیمان ، السنن الکبری للنسائی : 2 / 313 ح 3570 ، سنن ابن ماجة : 1 / 27 ح 69.
9- صحیح ابن حبان : 10 / 466 ح 4606 ، شعب الإیمان : 5 / 267 ح 6609.

16 - «الشحُّ والعجزُ والبذاءُ من النفاق». الطبرانی ، أبو الشیخ (1).

17 - «لا یجتمع شحٌّ وإیمانٌ فی قلب عبدٍ أبداً». النسائی ، ابن حبّان ، الحاکم (2)

18 - «خصلتان لا یجتمعان فی مؤمن : البخلُ ، وسوءُ الخلق». البخاری ، الترمذی وغیرهما (3).

19 - «المؤمن غرٌّ کریم ، والفاجر خبٌ (4) لئیم». أبو داود ، الترمذی ، أحمد (5)

20 - «إنَّ الرجل لا یکون مؤمناً حتی یکون قلبُهُ مع لسانه سواءً ، ویکون لسانهُ مع قلبه سواء ، ولا یخالف قوله عمله». الأصبهانی (6).

21 - «الحیاء والإیمان قُرناء جمیعاً ، فإذا رُفع أحدهما رُفع الآخر». الحاکم ، الطبرانی (7).

22 - «إنَّ الله إذا أراد أن یُهلک عبداً نزع منه الحیاء ، فإذا نزع منه الحیاء لم تلقه إلاّ مقیتاً ممقتاً نُزعت منه الأمانة ، فإذا نُزعت منه الأمانة لم تلقهُ إلاّ خائناً مخوناً ، فإذا لم تلقهُ إلاّ خائناً مخوناً نُزعت منه الرحمة ، فإذا نزعت منه الرحمة لم تلقهُ إلاّ رجیماً مُلعناً ، فإذا لم تلقه إلاّ رجیماً مُلعناً نُزعت منه ربقة الإسلام» ابن ماجة ، والمنذری (8). 4.

ص: 249


1- المعجم الکبیر : 19 / 30 ح 63.
2- السنن الکبری : 3 / 10 ح 4319 ، صحیح ابن حبّان : 8 / 43 ح 3251 ، المستدرک علی الصحیحین : 2 / 82 ح 2395.
3- سنن الترمذی : 4 / 302 ح 1962.
4- الخبّ : الخداع. (المؤلف)
5- سنن أبی داود : 4 / 251 ح 4790 ، سنن الترمذی : 4 / 303 ح 1964 ، مسند أحمد بن حنبل : 3 / 103 ح 8874.
6- الترغیب والترهیب : 3 / 236 ح 9 ، نقلاً عن الاصبهانی.
7- المستدرک علی الصحیحین : 1 / 73 ح 58 ، المعجم الصغیر : 1 / 223 وفیه بلفظ : الحیاء والإیمان مقرونان لا یفترقان إلاّ جمیعاً.
8- سنن ابن ماجة : 2 / 1347 ح 4054 ، الترغیب والترهیب : 3 / 400 ح 14.

*وفاته :

توفّی لیلة الفطر سنة (43) علی ما هو الأصح عند المؤرِّخین ، وقیل غیر ذلک ، وعاش نحو تسعین سنة ، وقال العجلی عاش تسعاً وتسعین سنة. قال الیعقوبی فی تاریخه (1) (2 / 198) : لمّا حضرت عمراً الوفاة قال لابنه : لودَّ أبوک أنَّه کان مات فی غزاة ذات السلاسل ؛ إنّی قد دخلت فی أمور لا أدری ما حجّتی عند الله فیها. ثمَّ نظر إلی ماله فرأی کثرته ، فقال : یا لیته کان بعراً ، یا لیتنی متُّ قبل هذا الیوم بثلاثین سنة ، أصلحت لمعاویة دنیاه وأفسدت دینی ، آثرت دنیای وترکت آخرتی ، عَمِی علیَّ رشدی حتی حضرنی أجلی ، کأنّی بمعاویة قد حوی مالی وأساء فیکم خلافتی.

قال ابن عبد البرّ فی الاستیعاب (2) (2 / 436) : دخل ابن عبّاس علی عمرو بن العاص فی مرضه فسلّم علیه ، وقال : کیف أصبحت یا أبا عبد الله؟ قال : أصبحت وقد أصلحت من دنیای قلیلاً ، وأفسدت من دینی کثیراً ، فلو کان الذی أصلحت هو الذی أفسدت ، والذی أفسدت هو الذی أصلحت لفُزت ، ولو کان ینفعنی أن أطلب طلبت ، ولو کان ینجینی أن أهرب هربت ، فصرت کالمنخنق بین السماء والأرض ، لا أرقی بیدین ولا أهبط برجلین ، فعظنی بعظة أنتفع بها یا ابن أخی.

فقال له ابن عبّاس : هیهات یا أبا عبد الله صار ابن أخیک أخاک ، ولا تشاء أن تبکی إلاّ بکیت ، کیف یؤمن برحیل من هو مقیمٌ؟ فقال عمرو : وعلی حینها (3) حین ابن بضع وثمانین سنة تقنطنی من رحمة ربّی؟ اللهمَّ إنَّ ابن عبّاس یقنطنی من رحمتک ، فخذ منّی حتی ترضی. قال ابن عبّاس : هیهات یا أبا عبد الله أخذت جدیداً وتعطی خَلقَاً! فقال عمرو : مالی ولک یا ابن عبّاس؟ ما أرسلت کلمة إلاّ أرسلت نقیضها.

قال عبد الرحمن بن شماسة : لمّا حضرت عمرو بن العاص الوفاة بکی ، فقال له ف)

ص: 250


1- تاریخ الیعقوبی : 2 / 222.
2- الاستیعاب : القسم الثالث / 1189 رقم 1931.
3- یعنی حین الوفاة. (المؤلف)

ابنه عبد الله : لِمَ تبکی أجزعاً من الموت؟ قال : لا والله ولکن لما بعده. فقال له : قد کنت علی خیر. فجعل یُذَکّرُه صحبة رسول الله صلی الله علیه وسلم وفتوحه الشام ، فقال له عمرو : ترکت أفضل من ذلک : شهادة أن لا إله إلاّ الله. إنّی کنت علی ثلاثة أطباق لیس منها طبقٌ إلاّ عرفت نفسی فیه ، کنت أوّل شیء کافراً فکنت أشدَّ الناس علی رسول الله صلی الله علیه وسلم ، فلو متُّ یومئذ وجبت لی النار. فلمّا بایعتُ رسول الله صلی الله علیه وسلم کنت أشدَّ الناس حیاءً منه فما ملأت عینی من رسول الله صلی الله علیه وسلم حیاءً منه ، فلو متُّ یومئذ قال الناس : هنیئاً لعمرو أسلم وکان علی خیر ، ومات علی خیر أحواله ، فترجی له الجنّة. ثمَّ بُلیت بعد ذلک بالسلطان وأشیاء فلا أدری أعلیَّ أم لی؟! فإذا متُّ فلا تبکینَّ علیَّ باکیةٌ ، ولا یتبعنی مادح ولا نار ، وشدّوا علیّ إزاری فإنّی مخاصم ، وشنّوا علیَّ التراب [شنّا] (1) ، فإنَّ جنبی الأیمن لیس بأحقّ بالتراب من جنبی الأیسر.

فائدة :

یوجد اسم والد المترجَم له فی کثیر من کلمات الأصحاب العاصی بالیاء ، وکذا ورد فی شعر أمیر المؤمنین :

لأُوردنَّ العاصیَ ابن العاصی

سبعین ألفاً عاقدی النواصی

وفی رجز الأشتر :

ویحک یا ابن العاصی

تنحَّ فی القواصی

ویُذکر بالیاء فی کتب غیر واحد من الحفّاظ ، وقال الحافظ النووی فی تهذیب الأسماء واللغات (2) (2 / 30) : وعلیه الجمهور وهو الفصیح عند أهل العربیّة. ثمَّ قال : ویقع فی کثیر من کتب الحدیث والفقه أو أکثرها بحذف الیاء وهی لغة ، وقد قُری فی السبع نحوه کالکبیر المتعال ، والداع. 8.

ص: 251


1- ما بین المعقوفین أثبتناه من المصدر.
2- تهذیب الأسماء واللغات : 2 / 30 رقم 18.

5 - محمد الحمیری

بحقِّ محمدٍ قولوا بحقٍ

فإنَّ الإفک من شِیَم اللئامِ

أبعدَ محمدٍ بأبی وأمّی

رسول الله ذی الشرف التهامی

ألیس علیٌّ أفضلَ خلقِ ربِّی

وأشرفَ عند تحصیل الأنامِ

ولایتُهُ هی الإیمانُ حقّا

فذَرْنی من أباطیلِ الکلامِ

وطاعةُ ربِّنا فیها وفیها

شفاءٌ للقلوبِ مِن السقامِ

علیٌّ إمامُنا بأبی وأمّی

أبو الحسنِ المطهَّرُ من حرامِ

إمامُ هدیً أتاهُ الله عِلماً

به عُرِفَ الحلالُ من الحرامِ

ولو أنَّی قَتلْتُ النفسَ حُبّا

له ما کان فیها من أثامِ

یحِلُّ النارَ قومٌ أبغضوهُ

وإن صلّوا وصاموا ألفَ عامِ

ولا والله لا تزکو صلاةٌ

بغیر ولایةِ العدلِ الإمامِ

أمیرَ المؤمنین بک اعتمادی

وبالغُرِّ المیامینِ اعتصامی

فهذا القولُ لی دینٌ وهذا

إلی لقیاکَ یا ربّی کلامی

برئت من الذی عادی علیّا

وحاربه من اولادِ الطغامِ

تناسوا نصبَهُ فی یوم خمٍ

من الباری ومن خیر الأنامِ

برغم الأنفِ من یشنأ کلامی

علیٌّ فضلُهُ کالبحر طامی

وأَبرأُ من أُناسٍ أخّروهُ

وکان هو المقدَّمَ بالمقامِ

ص: 252

علیٌّ هزّم الأبطالَ لمّا

رأوا فی کفِّهِ بَرْقَ الحُسامِ

*ما یتبع الشعر

هذه القصیدة رواها شیخ الإسلام الحمّوئی فی الباب الثامن والستّین من فرائد السمطین (1) ، بإسناده عن الحافظ الکبیر أبی عبد الله محمد بن أحمد بن علیّ بن أحمد بن محمد بن إبراهیم النطنزی ، مصنِّف کتاب الخصائص العلویّة علی سائر البریّة ، قال : أنبأنا أبو الفضل جعفر بن عبد الواحد بن محمد بن محمود الثقفی بقراءتی علیه ، قال : أنبأنا أبو طاهر محمد بن أحمد بن عبد الرحیم ، قال : أنبأنا أبو الشیخ ، قال : حدّثنا محمد بن أحمد بن معدان ، حدّثنا محمد بن زکریّا ، حدّثنا عبد الله بن الضحّاک ، حدّثنا هشام بن محمد ، عن أبیه ، قال :

اجتمع الطرمّاح الطائی ، وهشام المرادی ، ومحمد بن عبد الله الحمیری عند معاویة بن أبی سفیان ، فأخرج بدرةً فوضعها بین یدیه ، وقال : یا معشر شعراء العرب قولوا قولکم فی علیِّ بن أبی طالب ، ولا تقولوا إلاّ الحقَّ ، وأنا نفیٌّ من صخر بن حرب إن أعطیت هذه البدرة إلاّ من قال الحقَّ فی علیّ.

فقام الطرمّاح وتکلّم فی علیّ ووقع فیه ، فقال له معاویة : اجلس فقد عرف الله نیّتک ، ورأی مکانک. ثمّ قام هشام المرادی فقال أیضاً ووقع فیه ، فقال له معاویة : اجلس مع صاحبک فقد عرف الله مکانکما. فقال عمرو بن العاص لمحمد بن عبد الله الحمیری وکان خاصّا به : تکلّم ولا تقل إلاّ الحقَّ ، ثمَّ قال : یا معاویة قد آلیتَ أن لا تعطی هذه البدرةَ إلاّ من قال الحقَّ فی علیّ. قال : نعم ، أنا نفیٌّ من صخر بن حرب إن أعطیتُها منهم إلاّ من قال الحقَّ فی علیّ. فقام محمد بن عبد الله فتکلّم ثمّ قال : بحقّ محمد قولوا بحقّ ... القصیدة.

فقال معاویة : أنت أصدقهم قولاً ، فخذ هذه البدرة. 5.

ص: 253


1- فرائد السمطین : 1 / 375 ح 305.

ورواها شیخنا الفقیه الکبیر عماد الدین أبو جعفر محمد بن أبی القاسم بن محمد الطبری الآملی ، فی الجزء الأوّل من بشارة المصطفی لشیعة المرتضی (1) ، قال : أخبرنا الشیخ أبو عبد الله أحمد بن محمد بن شهریار الخازن بمشهد مولانا أمیر المؤمنین علیه السلام فی شوال سنة اثنتی عشرة وخمسمائة ، قال : حدّثنی الشیخ أبو عبد الله محمد بن محسن الخزاعی ، قال : حدّثنا أبو الطیِّب علیّ بن محمد بن بنان ، قال : حدّثنا أبو القاسم الحسن بن محمد السکری من کتابه ، قال : حدّثنا أبو العبّاس أحمد بن محمد بن مسروق ببغداد من کتابه ، قال : حدّثنا محمد بن دینار الضبِّی ، قال : حدّثنا عبد الله بن الضحّاک ... إلی آخر السند والمتن.

وذکرها صاحب ریاض العلماء (2) فی ترجمة الشریف المرتضی نقلاً عن شیخ الإسلام الحمّوئی.

*الشاعر

محمد بن عبد الله الحمیری زمیل عمرو بن العاص ، أحسبه ابن القاضی عبد الله ابن محمد الحمیری الذی قلّده معاویة بن أبی سفیان دیوان الخاتم ، وکان قاضیاً کما ذکره الجهشیاری فی کتاب الوزراء والکتّاب (3) (ص 15) قال : کان معاویة أوّل من اتّخذ دیوان الخاتم ، وکان سبب ذلک : أنّه کتب لعمرو بن الزبیر بمائة ألف درهم إلی زیاد وهو عامله علی العراق ، ففضّ عمرو الکتاب وجعلها مائتی ألف درهم ، فلمّا رفع زیاد حسابه قال معاویة : ما کتبت له إلاّ بمائة ألف. وکتب إلی زیاد بذلک وأمره أن یأخذ المائة ألف منه ، فحبسه بها فاتّخذ معاویة دیوان الخاتم وقلّده عبد الله بن محمد الحمیری وکان قاضیاً ... انتهی. 4.

ص: 254


1- بشارة المصطفی لشیعة المرتضی : ص 10 - 11.
2- ریاض العلماء : 4 / 59.
3- الوزراء والکتّاب : ص 24.

ویُحتمل قویّا أن یکون صاحب الشعر هو القاضی عبد الله نفسه ، ووقع الاشتباه بتقدیم الوالد علی الولد.

وأمّا دیوان الخاتم فقد اخترعه معاویة ، قال ابن الطقطقی فی الآداب السلطانیة (1) (ص 78) : وممّا اخترع معاویة من أمور الملک دیوان الخاتم ، وهذا دیوانٌ معتبرٌ من أکابر الدواوین ، لم تزل السنّة جاریة به إلی أواسط دولة بنی العبّاس فأُسقط ، ومعناه : أن یکون دیوانٌ وبه نوّابٌ ، فإذا صدر توقیعٌ من الخلیفة بأمر من الأمور أُحضر التوقیع إلی ذلک الدیوان ، وأُثبتت نسخته فیه ، وحُزم بخیط وخُتم بشمع ، کما یُفعل فی هذا الزمان بکتب القضاة. وخُتم بختم صاحب ذلک الدیوان. 7.

ص: 255


1- الآداب السلطانیة : ص 107.

شعراء الغدیر فی القرن الثانی

اشارة

1. الکمیت بن زید.

2. السید إسماعیل بن محمد الحمیری.

3. العبدی سفیان بن مصعب الکوفی

ص: 256

1 - أبو المستهلّ الکمیت

المولود (60)

المتوفّی (126)

نفی عن عینکَ الأرقُ الهجوعا

وهمٌّ یمتری منها الدموعا

دخیلٌ فی الفؤادِ یهیجُ سُقماً

وحزناً کان من جَذَلٍ (1) منوعا

وتوکافُ (2) الدموع علی اکتئابٍ

أحلَّ الدهر موجَعَهُ الضلوعا

ترقرق أسحماً دَرَراً وسکباً

یشبّه سحّها غرباً هَموعا (3)

لفقدانِ الخضارمِ من قریشٍ

وخیرِ الشافعین معاً شفیعا

لدی الرحمن یصدعُ بالمثانی

وکان له أبو حسنٍ قَریعا (4)

حَطوطاً فی مسرّته ومولی

إلی مرضاة خالقِهِ سریعا

وأصفاه النبیُّ علی اختیارٍ

بما أعیا الرفوض له المذیعا

ویوم الدوحِ دَوحِ غدیرِ خمٍ

أبان له الولایةَ لو أُطیعا

ولکنَّ الرجالَ تبایعوها

فلم أَرَ مثلها خَطَراً مبیعا

ف)

ص: 257


1- الجذل : الفرح. (المؤلف)
2- وکَفَ الدمع : سال.
3- رقرقت العین : أجرت دمعها. الأسحم : السحاب. یقال أسحمت السماء : صبّت ماءها. السحّ : الصبّ. الغرب : الدلو العظیمة. الهموع : السیّال. (المؤلف)
4- القریع : السیِّد. الرئیس. (المؤلف)

فلم أبلغْ بها لعناً ولکنْ

أساءَ بذاک أوّلُهم صنیعا

فصار بذاک أقربَهم لعدلٍ

إلی جور وأحفظهم مضیعا

أضاعوا أمرَ قائدِهم فضلّوا

وأقومهم لدی الحدثانِ ریعا

تناسَوا حقّه وبَغَوا علیه

بلا تِرةٍ وکان لهم قریعا

فقل لبنی أمیّة حیثُ حَلُّوا

وإن خفتَ المُهنّد والقطیعا

ألا أُفٍّ لدهرٍ کنتُ فیه

هدانا طائعاً لکمُ مُطیعا

أجاع الله من أشبعتموهُ

وأشبع من بجورکُمُ أُجیعا

ویلعنُ فَذَّ أمّته جهاراً

إذا ساسَ البریّة والخلیعا

بمرضیِّ السیاسةِ هاشمیٍ

یکون حَیاً (1) لأمّته ربیعا

ولیثاً فی المشاهد غیر نکْس

لتقویمِ البریّةِ مستطیعا

یُقیم أمورها ویذبُّ عنها

ویترک جدبَها أبداً مَریعا

ما یتبع الشعر

هذه من غرر قصائد الکمیت - الهاشمیّات - المقدَّرة بخمسمائة وثمانیة وسبعین بیتاً کما نصَّ به صاحب الحدائق الوردیّة (2) ، غیر أنَّه عاثت فی طبعها ید النشر الأمینة علی ودائع العلم ، فنقّصت منها شیئاً کثیراً لا یُستهان به مثل ما اجترحت فی طبع دیوان حسّان والفرزدق وأبی نؤاس وغیرها کما مرّ (ص 41) ، وقد آنَ لِیَدِ التنقیب أن تمیط الستار عن تلکم الجنایات المخبّأة ، فالمطبوع منها فی لیدن سنة (1904) یتضمّن (536) بیتاً. والمشروحة بقلم الاستاذ محمد شاکر الخیاط (560) بیتاً. والمشروحة بقلم الاستاذ الرافعی (458) بیتاً علی هذا الترتیب.

من لقلبٍ متیَّمٍ مُستهامِ

غیرَ ما صبوةٍ ولا أحلامِ

0.

ص: 258


1- الحَیَا : المطر.
2- الحدائق الوردیّة : 2 / 200.

طبع لیدن والخیّاط (103) بیتاً ، ومشروحة الرافعی (102) [بیتاً].

طربتُ وما شوقاً إلی البیضِ أطرَبُ

ولا لعباً منّی وذو الشیب یلعبُ

طبع لیدن والخیّاط (140) [بیتاً] ، ومشروحة الرافعی (138) [بیتاً].

أنّی ومن أین آبَکَ الطربُ

من حیثُ لا صبوةٌ ولا رِیَبُ

طبع لیدن (133) [بیتاً] ، مشروحة الخیّاط (132) [بیتاً] ، مشروحة الرافعی (67) بیتاً.

ألا هل عمٍ فی رأیه متأمِّلُ

وهل مدبرٌ بعد الإساءة مقبلُ

طبع لیدن والخیّاط (111) [بیتاً] ، مشروحة الرافعی (89) بیتاً.

طربت وهل بکَ من مطربِ

ولمْ تتصابَ ولم تلعبِ

طبع لیدن والخیّاط (33) [بیتاً] ، مشروحة الرافعی (28) بیتاً.

نفی عن عینکَ الأرقُ الهجوعا

وهمٌّ یمتری منها الدموعا

طبع لیدن (20) [بیتاً] ، ومشروحة الخیّاط (21) [بیتاً] ، والرافعی (19) بیتاً.

سل الهمومَ لقلب غیرِ مَتبولِ

ولا رهینٍ لدی بیضاءَ عُطبولِ (1)

طبع لیدن والخیّاط (7) أبیات ، وذکر الرافعی منها (5) أبیات.

أهوی علیّا أمیرَ المؤمنین ولا

أرضی بشتم أبی بکر ولا عمرا

طبع لیدن والخیّاط (7) أبیات ، وحذف الرافعی منها بیتاً [واحداً]. ف)

ص: 259


1- تبله الحب أو الدهر فهو متبول : أسقمه. العطبول : المرأة الجمیلة ، الفتیّة الطویلة العنق. (المؤلف)

ستّة أبیات فائیّة وقافیّة ونونیّة ولم یذکر الرافعی البیتین النونیّین ، فلمّا کانت العینیّة التی أثبتناها من الهاشمیّات نذکر أوّلاً ما یخصُّ بها ، ثمَّ نورد ما یرجع إلی الهاشمیّات جملة واحدة ، ونردفه بما ورد فی بعض قصائدها غیر العینیّة.

العینیّة من الهاشمیات :

قال شیخنا المفید فی رسالته فی معنی المولی (1) : الکمیت ممّن استُشهد بشعره فی کتاب الله ، وأجمع أهل العلم علی فصاحته ومعرفته باللغة ، ورئاسته فی النظم ، وجلالته فی العرب ، حیث یقول :

ویوم الدوح دَوحِ غدیرِ خمٍ

أبان له الولایة لو أُطیعا

أوجب له الإمامة بخبر الغدیر ، ووصفه بالرئاسة من جهة المولی ، ولیس یجوز علی الکمیت مع جلالته فی اللغة والعربیّة وضع عبارة علی معنیً لم توضع علیه قطُّ فی اللغة ، ولا استعملها قبله أحدٌ من أهل العربیّة ، ولا عرفها بشیء کما وصف أحدٌ منهم ، لأنَّه لو جاز علیه جاز علی غیره ممّن هو مثله وفوقه ودونه ، حتی تفسد اللغة بأسرها ، ولا یکون لنا طریقٌ إلی معرفة لغة العرب علی الحقیقة ، وینغلق الباب فی ذلک. انتهی.

وروی الکراجکی فی کنز الفوائد (2) (ص 154) بإسناده عن هنّاد (3) بن السریّ قال : رأیت أمیر المؤمنین علیَّ بن أبی طالب فی المنام ، فقال لی : یا هنّاد. قلت : لبّیک یا أمیر المؤمنین ، قال : أنشدنی قول الکمیت : ف)

ص: 260


1- رسالة فی معنی المولی ، المطبوع ضمن مصنّفات الشیخ المفید : 8 / 18.
2- کنز الفوائد : 1 / 333.
3- یروی عنه البخاری وجمع کثیر ، وثّقه النسائی وغیره ، وصدّقه أبو حاتم [الجرح والتعدیل 9 / 119 رقم 501] ، ولد (152) ، وتوفّی (243) ، راجع تهذیب التهذیب : 11 / 71 [11 / 62 - 63 رقم 109]. (المؤلف)

ویوم الدوحِ دَوحِ غدیر خُمّ

أبان له الولایة لو أُطیعا

قال : فأنشدته ، فقال لی : خذ إلیک یا هنّاد ؛ فقلت : هات یا سیِّدی. فقال علیه السلام :

ولم أرَ مثل ذاک الیوم یوماً

ولم أرَ مثله حقّا أُضیعا

وقال الشیخ أبو الفتوح فی تفسیره (1) (2 / 193) : رُوی عن الکمیت ، قال : رأیت أمیر المؤمنین علیه السلام فی المنام فقال :

أنشدنی قصیدتک العینیّة ، فأنشدته حتی انتهیت إلی قولی فیها :

ویوم الدوح دَوح غدیر خُمّ

أبان له الولایة لو أُطیعا

فقال - صلوات الله علیه - : صدقت. ثمّ أَنشد علیه السلام :

ولم أرَ مثلَ ذاک الیومِ یوماً

ولم أرَ مثله حقّا أُضیعا

ورواه السیِّد فی الدرجات الرفیعة (2) ، والعقیلی نقلاً عن منهاج الفاضلین للحموی ، ومرآة الزمان لابن الجوزی ، ورواه سبط ابن الجوزی الحنفیّ فی تذکرته (3) (ص 20) عن شیخه عمرو بن صافی الموصلی ، عن بعض.

وقال المرزبانی فی معجم الشعراء (4) (ص 348) : مذهب الکمیت فی التشیّع ومدح أهل البیت علیهم السلام فی أیام بنی أمیّة مشهور ، ومن قوله فیهم :

فقل لبنی أمیّة حیث حَلُّوا

وإن خفتَ المهنّدَ والقطیعا

أجاعَ اللهُ من أشبعتموهُ

وأشبع من بجورِکُمُ أُجیعا

ص: 261


1- تفسیر أبی الفتوح الرازی : 4 / 280.
2- الدرجات الرفیعة : ص 579.
3- تذکرة الخواص : ص 33 - 34.
4- معجم الشعراء : ص 239.

ویُروی : أنّ أبا جعفر محمد بن علیّ ، الإمام الطاهر رضی الله عنه لمّا أنشده الکمیت هذه القصیدة دعا له. انتهی.

وفی الصراط المستقیم للبیاضی العاملی (1) : أنّه روی ابن الکمیت : أنَّه رأی النبیَّ صلی الله علیه وآله وسلم فی النوم فقال : أنشدنی قصیدة أبیک العینیّة ، فلمّا وصل إلی قوله :

ویوم الدوح دَوح غدیر خمِ

أبان له الولایة لو أُطیعا

بکی بکاءً شدیداً ، وقال : صدق أبوک رحمه الله ، إی والله لم أرَ مثله حقّا أُضیعا.

الهاشمیّات :

ذکرها له المسعودی فی مروج الذهب (2) (2 / 194) ، وقال أبو الفرج (3) والسیِّد العبّاسی (4) : قصائد الکمیت الهاشمیّات من جیِّد شعره ومختاره. وقال الآمدی (5) وابن عمر البغدادی (6) : للکمیت بن زید فی أهل البیت الأشعار المشهورة ، وهی أجود شعره. وقال السندوبی (7) : کان الکمیت من خیرة شعراء الدولة الأمویّة ، وکان عالماً بلغات العرب وأیّامهم ، ومن خیر شعره وأفضله الهاشمیّات ، وهی القصائد التی ذکر فیها آل بیت الرسول بالخیر.

روی أبو الفرج فی الأغانی (8) (15 / 124) بإسناده عن محمد بن علیّ النوفلی ، 0.

ص: 262


1- الصراط المستقیم : 1 / 310.
2- مروج الذهب : 3 / 253.
3- فی الأغانی : 3 / 113 [17 / 3]. (المؤلف)
4- فی معاهد التنصیص : 2 / 26 [3 / 94 رقم 148]. (المؤلف)
5- فی المؤتلف والمختلف : ص 170 [رقم 572]. (المؤلف)
6- خزانة الأدب : 1 / 144. (المؤلف)
7- فی تعلیقه علی البیان والتبیین للجاحظ : 1 / 54. (المؤلف)
8- الأغانی : 17 / 30.

قال : سمعت أبی یقول : لمّا قال الکمیت بن زید الشعر ، کان أوّل ما قال الهاشمیّات فسترها ، ثمَّ أتی الفرزدق بن غالب ، فقال له : یا أبا فراس إنَّک شیخ مضر وشاعرها ، وأنا ابن أخیک الکمیت بن زید الأسدی : فقال له : صدقت أنت ابن أخی ، فما حاجتک؟ قال : نفث علی لسانی فقلت شعراً ، فأحببتُ أن أعرضه علیک ، فإن کان حسناً أمرتنی بإذاعته ، وإن کان قبیحاً أمرتنی بستره ، وکنت أولی من ستره علیَّ.

فقال له الفرزدق : أمّا عقلک فحسنٌ ، وإنّی لأرجو أن یکون شعرک علی قدر عقلک ، فأنشدنی ما قلت ، فأنشده :

طربتُ وما شوقاً إلی البیض أطربُ

قال : فقال لی : فیمَ تطرب یا ابن أخی؟ فقال :

ولا لعباً منّی وذو الشیب یلعبُ

فقال : بلی یا ابن أخی فالعب فإنَّک فی أوان اللعب. فقال :

ولم یُلهِنی دارٌ ولا رسمُ منزلٍ

ولم یتطرّبنی بنانٌ مخضَّبُ

فقال : مایطربک یا ابن أخی؟ فقال :

ولا السانحاتُ البارحاتُ عشیّةً

أَمرَّ سلیمُ القَرنِ أم مرّ أعضَبُ

فقال : أجل لا تتطیّر. فقال :

ولکن إلی أهل الفضائل والتقی

وخیر بنی حوّاء والخیرُ یُطلبُ

فقال : ومَن هؤلاء ویحک؟ قال :

إلی النفر البیض الذین بحبِّهم

إلی الله فیما نابنی أتقرّبُ

قال : أرحنی ویحک من هؤلاء؟ قال :

ص: 263

بنی هاشم رهطِ النبیِّ فإنَّنی

بهم ولهم أرضی مراراً وأغضبُ

خفضت لهم منّی جناحی مودّةً

إلی کنف عطفاه أهلٌ ومرحبُ

وکنت لهم من هؤلاء وهؤلا

محبّا علی أنّی أُذمُّ وأُغضبُ

وأُرمی وأرمی بالعداوة أهلها

وإنّی لأوذی فیهمُ وأُؤنَّبُ

فقال له الفرزدق : یا ابن أخی ، أذع ثمّ أذع ، فأنت والله أشعر من مضی وأشعر من بقی.

ورواه المسعودی فی مروجه (1) (2 / 194) والعبّاسی فی المعاهد (2 / 26) (2).

روی الکشّی فی رجاله (3) (ص 134) بإسناده عن أبی المسیح عبد الله بن مروان الجوانی قال : کان عندنا رجلٌ من عباد الله الصالحین ، وکان راویة شعر الکمیت - یعنی الهاشمیّات - وکان یُسمع ذلک منه ، وکان عالماً بها ، فترکه خمساً وعشرین سنة لا یستحلُّ روایته وإنشاده ، ثمَّ عاد فیه ، فقیل له : ألم تکن زهدت فیها وترکتها؟! فقال : نعم ، ولکنّی رأیت رؤیا دعتنی إلی العود لها. فقیل له : وما رأیت؟. قال : رأیت کأنّ القیامة قد قامت ، وکأنَّما أنا فی المحشر ، فدفعت إلیَّ مجلّة.

قال أبو محمد : فقلت لأبی المسیح : وما المجلّة؟ قال : الصحیفة. قال : نشرتها فإذا فیها : بسم الله الرحمن الرحیم. أسماء من یدخل الجنّة من محبِّی علیّ بن أبی طالب. قال : فنظرت فی السطر الأوّل فإذا أسماء قوم لم أعرفهم ، ونظرت فی السطر الثانی فإذا هو کذلک ، ونظرت فی السطر الثالث والرابع فإذا فیها : والکمیت بن زید الأسدی. قال : فذلک دعانی إلی العود فیه.

قال البغدادی فی خزانة الأدب (4) (1 / 87) : بلغ خالد القسری خبر هذه 0.

ص: 264


1- مروج الذهب : 3 / 253.
2- معاهد التنصیص : 3 / 94 95 رقم 148.
3- رجال الکشّی : 2 / 468 رقم 367.
4- خزانة الأدب : 1 / 180.

القصیدة - یعنی قصیدة الکمیت - المسماة بالمذهَّبة التی أوّلها : ألا حیِّیت عنّا یا مدینا ... فقال : والله لأقتلنَّه ، ثمّ اشتری ثلاثین جاریة فی نهایة الحسن ، فروّاهن القصائد - الهاشمیّات - للکمیت ، ودسّهنَّ مع نخّاس إلی هشام بن عبد الملک فاشتراهنَّ ، فأنشدنه یوماً القصائد المذکورة ، فکتب إلی خالد. وکان یومئذٍ عامله بالعراق : أن ابعث إلیَّ برأس الکمیت. فأخذه خالدٌ وحبسه ، فوجّه الکمیت إلی امرأته ولبس ثیابها وترکها فی موضعه وهرب من الحبس ، فلمّا علم خالدٌ ، أراد أن یُنَکِّل بالمرأة ، فاجتمعت بنو أسد إلیه وقالوا : ما سبیلک علی امرأة لنا خُدعت؟ فخافهم وخلّی سبیلها (1).

قال الثعالبی فی ثمار القلوب (2) (ص 171) : عهدی بالخوارزمی یقول : من روی حولیّات زهیر ، واعتذارات النابغة ، وأهاجی الحطیئة ، وهاشمیّات الکمیت ، ونقائض جریر والفرزدق ، وخمریّات أبی نواس ، وزهدیّات أبی العتاهیة ، ومراثی أبی تمّام ، ومدائح البحتری ، وتشبیهات ابن المعتزّ ، وروضیّات الصنوبری ، ولطائف کشاجم ، وقلائد المتنبی ، ولم یتخرّج فی الشعر فلا أشبَّ الله تعالی قرنه.

خمّس الهاشمیّات غیر واحد من الشعراء منهم : الشیخ ملاّ عبّاس الزیوری البغدادیّ ، والعلاّمة الشیخ محمد السماوی ، والسیِّد محمد صادق آل صدر الدین الکاظمی ، وشرحها الاستاذ محمد محمود الرافعی المصری وأحسن فیه وفی مقدِّمته وترجمة الکمیت ، وأجاد ، وقال : الهاشمیّات هی من مختار الکلام ، ومن رائق الشعر وشیّقه ، وجیِّد القول وطریفه ، أحسن فیه کلَّ الإحسان ، وأجاد کلَّ الإجادة. وشرحها الاستاذ محمد شاکر الخیّاط النابلسی.

المیمیّة من الهاشمیّات :

من لقلبٍ متیَّمٍ مُستهامِ

غیر ما صبوةٍ ولا أحلام

8.

ص: 265


1- سیأتیک عن الأغانی تفصیل القصة إن شاء الله تعالی. (المؤلف)
2- ثمار القلوب : ص 216 رقم 288.

قال صاعد مولی الکمیت : دخلنا علی أبی جعفر محمد بن علیّ علیهما السلام فأنشده الکمیت قصیدته هذه ، فقال : «اللهمَّ اغفر للکمیت ، اللهمَّ اغفر للکمیت». الأغانی (1) (15 / 123).

قال نصر بن مزاحم المنقری : إنَّه رأی النبیَّ صلی الله علیه وآله وسلم فی النوم ، وبین یدیه رجلٌ ینشده

من لِقَلْبٍ مُتیَّمٍ مُستهامِ

غیر ما صبوةٍ ولا أحلام

قال : فسألت عنه فقیل لی : هذا الکمیت بن زید الأسدی.

قال : فجعل النبیُّ صلی الله علیه وسلم یقول : جزاک الله خیراً ، وأثنی علیه. الأغانی (2) (15 / 124) ، المعاهد (3) (2 / 27).

روی الکشّی فی رجاله (4) (ص 136) بإسناده عن زرارة ، قال : دخل الکمیت علی أبی جعفر علیه السلام وأنا عنده فأنشده :

من لقلبٍ متیَّمٍ مُستهامِ

غیر ما صبوةٍ ولا أحلام

فلمّا فرغ منها ، قال للکمیت : «لا تزال مؤیّداً بروح القدس ما دمت تقول فینا»

وروی فی (ص 135) بإسناده عن یونس بن یعقوب ، قال : أنشد الکمیت أبا عبد الله علیه السلام شعره :

أخلص الله فی هوای فما أغر

ق نزعاً وما تطیش سهامی

2.

ص: 266


1- الأغانی : 17 / 27.
2- الأغانی : 17 / 29.
3- معاهد التنصیص : 3 / 95 رقم 148.
4- رجال الکشّی : 2 / 467 رقم 366 وص 461 رقم 362.

فقال أبو عبد الله علیه السلام : «لا تقل هکذا ولکن قل : قد أغرق نزعاً».

ورواه ابن شهرآشوب فی المناقب (1) ، وفی لفظه : فقلت : یا مولای أنت أشعر منّی بهذا المعنی. وروی الحدیثین الطبرسی فی إعلام الوری (2) (ص 158).

قال المسعودی فی مروج الذهب (3) (2 / 195): قدم الکمیت المدینة ، فأتی أبا جعفر محمد بن علیّ بن الحسین بن علی فأذن له لیلاً وأنشده ، فلمّا بلغ المیمیّة قوله :

وقتیلٌ بالطفِّ غودر منهم

بین غوغاء أمّةٍ وطغامِ

بکی أبو جعفر ثمَّ قال : «یا کمیت لو کان عندنا مالٌ لأعطیناک ، ولکن لک ما قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لحسّان بن ثابت : لا زلت مؤیَّداً بروح القدس ما ذببتَ عنّا أهل البیت».

فخرج من عنده فأتی عبد الله بن الحسن بن علیٍّ ، فأنشده فقال : یا أبا المستهلّ إنَّ لی ضیعة أُعطیت فیها أربعة آلاف دینار ، وهذا کتابها ، وقد أشهدت لک بذلک شهوداً ، وناوله إیّاه. فقال : بأبی أنت وأمّی ، إنّی کنت أقول الشعر فی غیرکم أرید بذلک الدنیا ، ولا والله ما قلت فیکم إلاّ لله ، وما کنت لآخذ علی شیء جعلته لله مالاً ولا ثمناً ، فألحَّ عبد الله علیه وأبی من إعفائه ، فأخذ الکمیت الکتاب ومضی ، فمکث أیّاماً ، ثمّ جاء إلی عبد الله فقال : بأبی أنت وأمّی یا ابن رسول الله إنَّ لی حاجة. قال : وما هی؟ وکلُّ حاجة لک مقضیَّة. قال : وکائنة ما کانت؟ قال : نعم. قال : هذا الکتاب تقبله وترتجع الضیعة. ووضع الکتاب بین یدیه ، فَقَبِلهُ عبد الله.

ونهض عبد الله بن معاویة بن عبد الله بن جعفر بن أبی طالب ، فأخذ ثوباً 4.

ص: 267


1- مناقب آل أبی طالب : 4 / 224.
2- إعلام الوری : ص 265.
3- مروج الذهب : 3 / 254.

جلداً ، فدفعه إلی أربعة من غلمانه ، ثمَّ جعل یدخل دور بنی هاشم ، ویقول : یا بنی هاشم ، هذا الکمیت قال فیکم الشعر حین صمت الناس عن فضلکم ، وعرّض دمه لبنی أمیّة ، فأثیبوه بما قدرتم. فیطرح الرجل فی الثوب ما قدر علیه من دنانیر ودراهم. وأعلم النساء بذلک ، فکانت المرأة تبعث ما أمکنها ، حتی إنَّها لَتَخلع الحُلیَّ عن جسدها ، فاجتمع من الدنانیر والدراهم ما قیمته مائة ألف درهم ، فجاء بها إلی الکمیت فقال : یا أبا المستهلّ أتیناک بجهد المقلِّ ، ونحن فی دولة عدوِّنا ، وقد جمعنا هذا المال وفیه حلیُّ النساء کما تری ، فاستعن به علی دهرک ، فقال : بأبی أنت وأمی قد أکثرتم وأطیبتم ، وما أردت بمدحی إیّاکم إلاّ الله ورسوله ، ولم أکُ لآخذَ لذلک ثمناً من الدنیا ، فاردده إلی أهله.

فجهد به عبد الله أنْ یقبله بکلِّ حیلة فأبی ، فقال : إن أبیت أن تقبل فإنّی رأیت أن تقول شیئاً تُغضب به بین الناس ، لعلَّ فتنة تحدث فیخرج من بین أصابعها بعض ما تحبّ. فابتدأ الکمیت وقال قصیدته التی یذکر فیها مناقب قومه من مضر بن نزار بن معد ، وربیعة بن نزار ، وأیاد وأنمار ابنی نزار ، ویکثر فیها من تفضیلهم ، ویطنب فی وصفهم ، وأنَّهم أفضل من قحطان ، فغضب بها بین الیمانیّة والنزاریّة فیما ذکرناه ، وهی قصیدته التی أوّلها :

ألا حُیّیت عنّا یا مَدِینا

وهل ناسٌ تقول مسلّمینا

قال ابن شهرآشوب فی المناقب (1) (5 / 12): بلغنا أنَّ الکمیت أنشد الباقر علیه السلام :

من لقلبٍ مُتیَّمٍ مُستهام

غیر ما صبوةٍ ولا أحلام

فتوجّه الباقر علیه السلام إلی الکعبة فقال : «اللهمَّ ارحم الکمیت واغفر له - ثلاث مرّات - ثمّ قال : یا کمیت هذه مائة ألف قد جمعتها لک من أهل بیتی». 4.

ص: 268


1- مناقب آل أبی طالب : 4 / 123 - 214.

فقال الکمیت : لا والله لا یعلم أحدٌ أنّی آخذ منها حتی یکون الله الذی یکافئنی ، ولکن تکرمنی بقمیص من قُمُصِک ، فأعطاه.

وذکره العبّاسی فی المعاهد (1) (2 / 27) وفیه : فأمر له أبو جعفر بمالٍ وثیابٍ ، فقال الکمیت : والله ما أحببتکم للدنیا ، ولو أردت الدنیا لأتیت من هی فی یدیه ، ولکنَّنی أحببتکم للآخرة ، فأمّا الثیاب التی أصابت أجسامکم فأنا أقبلها لبرکاتها ، وأمّا المال فلا أقبله ، فردّه وقبل الثیاب.

قال البغدادی فی خزانة الأدب (2) (1 / 69): حکی صاعد مولی الکمیت قال : دخلت مع الکمیت علی علیِّ بن الحسین رضی الله عنه فقال : إنّی قد مدحتک بما أرجو أن یکون لی وسیلةً عند رسول الله صلی الله علیه وسلم ثمَّ أنشده قصیدته التی أوّلها :

مَن لقلبٍ مُتیَّمٍ مُستهامِ

غیر ما صَبوةٍ ولا أحلامِ

فلمّا أتی علی آخرها ، قال له : «ثوابک نعجز عنه ، ولکن ما عجزنا عنه فإنَّ الله لا یعجز عن مکافأتک ، اللهمّ اغفر للکمیت». ثمَّ قسّط له علی نفسه وعلی أهله أربعمائة ألف درهم ، وقال له : «خُذ یا أبا المستهلّ» فقال له : لو وصلتنی بدانق لکان شرفاً لی ، ولکن إن أحببتَ أن تحسن إلیَّ فادفع إلیَّ بعض ثیابک التی تلی جسدک أتبرّک بها. فقام فنزع ثیابه ودفعها إلیه کلّها ، ثمَّ قال : «اللهمّ إنَّ الکمیت جادَ فی آل رسولک وذریّة نبیِّک بنفسه حین ضنَّ الناس ، وأظهر ما کتمه غیره من الحقّ ، فَأَحیِه سعیداً ، وأَمِتْه شهیداً ، وأره الجزاء عاجلاً ، وأجزل له جزیل المثوبة آجلاً ، فإنّا قد عجزنا عن مکافأته». قال الکمیت : ما زلت أعرف برکة دعائه.

قال محمد بن کناسة : لمّا أُنشد هشام بن عبد الملک قول الکمیت : 5.

ص: 269


1- معاهد التنصیص : 3 / 96 رقم 148.
2- خزانة الأدب : 1 / 145.

فبهم صرتُ للبعیدِ ابنَ عمٍ

واتّهمتُ القریبَ أیَّ اتِّهامِ (1)

مُبدیاً صفحتی علی الموقف المع

لم باللهِ قوّتی واعتصامی (2)

قال : استقتل المرائی. الأغانی (3) (15 / 127).

البائیّة من الهاشمیّات :

طربتُ وما شوقاً إلی البیض أطربُ

ولا لعباً منّی وذو الشیب یلعبُ

روی أبو الفرج فی الأغانی (4) (15 / 124) بإسناده عن إبراهیم بن سعد الأسدی ، قال : سمعت أبی یقول : رأیت رسول الله صلی الله علیه وسلم فی المنام فقال : من أیّ الناس أنت؟ قلت : من العرب. قال : أعلم ، فمن أیِّ العرب؟ قلت : من بنی أسد. قال : من أسد بن خزیمة؟. قلت : نعم. قال : أهِلالیٌّ أنت؟ قلت : نعم. قال : أتعرف الکمیت بن زید؟ قلت : یا رسول الله عمّی ومن قبیلتی. قال : أتحفظ من شعره؟ قلت : نعم. قال أنشدنی :

طربتُ وما شوقاً إلی البیض أطربُ

ولا لعباً منّی وذو الشیب یلعبُ

قال : فأنشدته ، حتی بلغت إلی قوله :

فما لیَ إلاّ آلَ أحمدَ شیعةٌ

وما لیَ إلاّ مَشْعبَ الحقِّ مَشْعبُ

فقال لی : إذا أصبحت فاقرأ علیه السلام ، وقل له : قد غفر الله لک بهذه القصیدة. وذکره العبّاسی فی معاهد التنصیص (5) (2 / 27) وغیره. 8.

ص: 270


1- هو البیت الثمانون من القصیدة. (المؤلف)
2- هو البیت الخامس والثمانون من القصیدة. (المؤلف)
3- الأغانی : 17 / 36.
4- الأغانی : 17 / 29.
5- معاهد التنصیص : 3 / 95 رقم 148.

وفی الأغانی (1) (15 / 124) : عن دعبل بن علی الخزاعی قال : رأیت النبیّ صلی الله علیه وسلم فی النوم ، فقال لی : «ما لَکَ وللکمیت بن زید؟». فقلت : یا رسول الله ما بینی وبینه إلاّ کما بین الشعراء.

فقال : «لا تفعل ، ألیس هو القائل :

فلا زلتُ فیهم حیث یتّهموننی

ولا زلتُ فی أشیاعکم أتقلّبُ

فإنَّ الله قد غفر له بهذا البیت». قال : فانتهیت عن الکمیت بعدها.

هذا البیت من أبیات حرّفتها ید النشر المصریّة عن القصیدة بعد قوله :

وقالوا تُرابیٌّ هواهُ ورأیُهُ

بذلک أُدعی فیهمُ وأُلقَّبُ

قال السیوطی فی شرح شواهد المغنی (2) (ص 13) : أخرج ابن عساکر (3) بإسناده عن محمد بن عقیر (4) : کانت بنو أَسد تقول : فینا فضیلةٌ لیست فی العالم ، لیس منزل منّا إلاّ وفیه برکة وراثة الکمیت ، لأنّه رأی النبیَّ صلی الله علیه وسلم فی النوم فقال له : أنشدنی :

طربتُ وما شوقاً إلی البیض أطربُ

ولا لعباً منّی وذو الشیب یلعبُ

فأنشده فقال له : بورکتَ ، وبورک قومک.

وفی شرح الشواهد (5) أیضاً (ص 14) : أخرج ابن عساکر (6) ، عن أبی عکرمة الضبّی ، عن أبیه قال : أدرکت الناس بالکوفة ، من لم یرو : 1.

ص: 271


1- الأغانی : 17 / 28 - 29.
2- شرح شواهد المغنی : 1 / 38 رقم 6.
3- تاریخ مدینة دمشق : 14 / 597.
4- فی غیر شرح الشواهد : عقبة. (المؤلف)
5- شرح شواهد المغنی : 1 / 39 رقم 6.
6- تاریخ مدینة دمشق : 14 / 601.

طربت وما شوقاً إلی البیض أطربُ

ولا لعباً منّی وذو الشیب یلعبُ

فلیس بهاشمیّ. ورواه السیِّد فی الدرجات الرفیعة (1) ، وفیها : فلیس بشیعیّ.

وقال السیوطی فی الشرح (2) (ص 14) : أخرج ابن عساکر (3) ، عن محمد بن سهل ، قال : قال الکمیت : رأیت فی النوم وأنا مُختفٍ رسول الله صلی الله علیه وسلم ، فقال : «مِمَّ خوفک؟» قلت : یا رسول الله من بنی أمیّة وأنشدته :

ألم ترنی من حبِّ آل محمد

أروح وأغدو خائفاً أترقّبُ (4)

فقال : «اظهر ، فإنَّ الله قد أمّنک فی الدنیا والآخرة».

وقال فی (ص 14) : أخرج ابن عساکر (5) ، عن الجاحظ قال : ما فتح للشیعة الحِجاج إلاّ الکمیت بقوله :

فإن هی لم تصلح لحیٍّ سواهُمُ

فإنَّ ذوی القربی أحقُّ وأوجبُ

یقولون لم یورِثْ ولولا تراثُهُ

لقد شرکَتْ فیها بَکیلٌ وأرحبُ (6)

وذکر کلام الجاحظ الشیخ المفید کما فی الفصول المختارة (7) (2 / 84) ، ولعلَّ الجاحظ لم یقف علی مواقف احتجاج الشیعة بنفس هذه الحجّة وغیرها ، المتکثرة منذ عهدهم المتقادم المتّصل بالعهد النبویِّ. أو أنَّه یرمی بکلمته إلی إنکار سلف الشیعة فی الصدر الأوّل ، لکن فضحه تاریخهم المجید ، والمأثورات فی فضلهم عن صاحب 2.

ص: 272


1- الدرجات الرفیعة : ص 567.
2- شرح شواهد المغنی : 1 / 38 رقم 6.
3- تاریخ مدینة دمشق : 14 / 598 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 21 / 214.
4- هو البیت الخامس والسبعون من القصیدة. (المؤلف)
5- تاریخ مدینة دمشق : 14 / 599 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 21 / 215.
6- بَکِیل وأرحب : بطنان من قبیلة همْدان.
7- الفصول المختارة : ص 232.

الرسالة وهلمَّ جرّا ، وإنَّک تجد الاحتجاج بما ذکر وغیره فی کثیر من شعر الصحابة والتابعین لهم بإحسان ، وفی کلماتهم المنثورة ، قبل أن تنعقد نطفة الکمیت ، کخزیمة بن ثابت ذی الشهادتین ، وعبد الله بن عبّاس ، والفضل بن عبّاس ، وعمّار بن یاسر ، وأبی ذرّ الغفاری ، وقیس بن سعد الأنصاری ، وربیعة بن الحارث بن عبد المطّلب ، وعبد الله ابن أبی سفیان بن الحارث بن عبد المطّلب ، وزفر بن زید بن حذیفة ، والنجاشی بن الحرث بن کعب ، وجریر بن عبد الله البجلی ، وعبد الرحمن بن حنبل حلیف بنی جُمع ، وآخرین کثیرین.

وقد فتح لهم هذا الباب بمصراعیه أمیر المؤمنین علیّ - صلوات الله علیه - فی کتبه وخطبه الطافحة بذلک ، المبثوثة فی طیّات الکتب ومعاجم الخطب والرسائل.

قال شیخنا المفید کما فی الفصول (1) (2 / 85) : إنّما نظم الکمیت معنی کلام أمیر المؤمنین علیه السلام فی منثور کلامه فی الحجَّة علی معاویة ، فلم یزل آل محمد علیهم السلام بعد أمیر المؤمنین یحتجّون بذلک ، ومتکلّمو الشیعة قبل الکمیت وفی زمانه وبعده ، وذلک موجودٌ فی الأخبار المأثورة والروایات المشهورة ، ومن بلغ إلی الحدِّ الذی بلغه الجاحظ فی البهت سقط کلامه.

اللامیّة من الهاشمیّات :

ألا هل عمٍ فی رأیه مُتأمِّلُ

وهل مدبرٌ بعد الإساءة مُقبلُ

روی أبو الفرج فی الأغانی (2) (15 / 126) بالإسناد عن أبی بکر الحضرمی ، قال : استأذنت للکمیت علی أبی جعفر محمد بن علی علیهما السلام فی أیَّام التشریق بمنی فأذن له ، فقال له الکمیت : جعلت فداک إنّی قلت فیکم شعراً أحبُّ أن أُنشدَکَهُ. 3.

ص: 273


1- الفصول المختارة : ص 233.
2- الأغانی : 17 / 33.

فقال : «یا کمیت اذکر الله فی هذه الأیّام المعلومات ، وفی هذه الأیّام المعدودات». فأعاد علیه الکمیت القول ، فرقَّ له أبو جعفر علیه السلام فقال : «هات». فأنشده قصیدته حتی بلغ :

یُصیبُ به الرامون عن قوسِ غیرهمْ

فیا آخرٌ أسدی له الغیَّ أوّلُ

فرفع أبو جعفر علیه السلام یدیه إلی السماء وقال : «اللهمَّ اغفر للکمیت».

وعن محمد بن سهل - صاحب الکمیت - قال : دخلت مع الکمیت علی أبی عبد الله الصادق جعفر بن محمد علیه السلام فقال له : جعلت فداک ألا أنشدک؟

قال : «إنّها أیّامٌ عظامٌ». قال : إنَّها فیکم. قال : «هات». وبعث أبو عبد الله علیه السلام إلی بعض أهله فقرب ، فأنشده فکثر البکاء ، حتی أتی علی هذا البیت :

یُصیب به الرامون عن قوس غیرهم

فیا آخرٌ أسدی له الغیَّ أوّلُ

فرفع أبو عبد الله علیه السلام یدیه ، فقال : «اللهمَّ اغفر للکمیت ما قدّم وما أخّر ، وما أسرَّ وما أعلن ، وأَعطه حتی یرضی». الأغانی (1) (15 / 123) ، المعاهد (2) (2 / 27).

ورواه البغدادی فی خزانة الأدب (3) (1 / 70) وفیه بعد قوله : فکثر البکاء وارتفعت الأصوات ، فلمّا مرَّ علی قوله فی الحسین رضی الله عنه :

کأنَّ حسیناً والبهالیلُ حولَهُ

لأسیافهم ما یختلی المتبتّلُ

وغاب نبیُّ الله عنهم وفقده

علی الناس رزءٌ ما هناک مُجلّلُ

فلم أرَ مخذولاً لأجلِ مصیبةٍ

وأوجب منه نصرةً حین یخذلُ

5.

ص: 274


1- الاغانی : 17 / 26.
2- معاهد التنصیص : 3 / 96 رقم 148.
3- خزانة الأدب : 1 / 145.

فرفع (1) جعفر الصادق رضی الله عنه یدیه وقال : «اللهمَّ اغفر للکمیت ما قدّم وأخّر ، وما أسرَّ وأعلن ، وأَعطه حتی یرضی». ثمّ أعطاه ألف دینار وکسوة ، فقال له الکمیت : والله ما أحببتکم للدنیا ولو أردتها لأتیتُ من هی فی یدیه ، ولکنَّنی أحببتکم للآخرة ، فأمّا الثیاب التی أصابت أجسادکم فإنّی أقبلها لبرکتها ، وأمّا المال فلا أقبله.

روی أبو الفرج فی الأغانی (2) (15 / 119) عن علیّ بن محمد بن سلیمان ، عن أبیه ، قال : کان هشام بن عبد الملک قد اتّهم خالد بن عبد الله ، وکان یُقال : إنَّه یرید خلعک ، فوجد بباب هشام یوماً رقعةً فیها شعرٌ ، فدخل بها علی هشام فقرئت علیه :

تألّقَ برقٌ عندنا وتقابَلَتْ

أَثافٍ لِقدْرِ الحَربِ أخشی اقتبالها

فدونَک قِدرَ الحربِ وهی مُقِرَّةٌ

لکفّیک واجعل دون قِدرٍ جعالها

ولن تنتهی أو یبلغَ الأمرُ حدّهُ

فَنلْها برسْلٍ قبل أن لا تنالها

فتجْشَمَ منها ما جَشَمْتَ مِنَ التی

بسوراء هرّت نحو حالکَ حالها

تلافَ أمورَ الناس قبل تفاقُمٍ

بعَقدَةِ حَزْمٍ لا یُخاف انحلالها

فما أبرمَ الأقوامُ یوماً لحیلةٍ

من الأمر إلاّ قلَّدوک احتیالها

وقد تُخبِرُ الحربُ العوانُ بسرّها

وإن لم یَبُحْ مَن لا یریدُ سؤالها

فأمر هشام أن یجتمع له من بحضرته من الرواة فَجُمِعوا ، فأمر بالأبیات فقرِئت علیهم ، فقال : شعر من تشبه هذه الأبیات؟ فأجمعوا جمیعاً من ساعتهم أنَّه کلام الکمیت بن زید الأسدی. فقال هشام : نعم هذا الکمیت ینذرنی بخالد بن عبد الله.

ثمَّ کتب إلی خالد یخبره ، وکتب إلیه بالأبیات ، وخالد یومئذ بواسط ، فکتب خالد إلی والیه بالکوفة یأمره بأخذ الکمیت وحبسه ، وقال لأصحابه : إنَّ هذا یمدح بنی هاشم ویهجو بنی أمیّة ، فأتونی من شعر هذا بشیء ، فأُتی بقصیدته اللامیّة التی أوّلها : 8.

ص: 275


1- کذا فی المصدر بالفاء.
2- الأغانی : 17 / 18.

ألا هل عمٍ فی رأیهِ متأمِّلُ

وهل مدبرٌ بعد الإساءة مقبلُ

فکتبها وأدرجها فی کتاب إلی هشام ، یقول : هذا شعر الکمیت ، فإن کان قد صدق فی هذا فقد صدق فی ذاک. فلمّا قرئت علی هشام اغتاظ ، فلمّا سمع قوله :

فیا ساسةً هاتوا لنا من جوابکم

ففیکم لعمری ذو أفانین مقولُ

اشتدَّ غیظه ، فکتب إلی خالد یأمره أن یقطع یدی الکمیت ورجلیه ، ویضرب عنقه ، ویهدم داره ، ویصلبه علی ترابها. فلمّا قرأ خالد الکتاب کره أن یستفسد عشیرته ، وأعلن الأمر رجاء أن یتخلّص الکمیت ، فقال : کتب إلیَّ أمیر المؤمنین وإنّی لأکره أن استفسد عشیرته ، وسمّاه ، فعرف عبد الرحمن بن عنبسة بن سعید ما أراد ، فأخرج غلاماً له مولّداً ظریفاً ، فأعطاه بغلة له شقراء فارهة من بغال الخلیفة ، وقال : إن أنت وردت الکوفة فأنذرت الکمیت لعلّه أن یتخلّص من الحبس فأنت حرٌّ لوجه الله ، والبغلة لک ، ولک علیَّ بعد ذلک إکرامک والإحسان إلیک.

فرکب البغلة فسار بقیّة یومه ولیلته من واسط إلی الکوفة فصبّحها ، فدخل الحبس متنکّراً ، فخبّر الکمیت بالقصّة ، فأرسل الی امرأته وهی ابنة عمّه یأمرها أن تجیئه ومعها ثیاب من لباسها وخفّان ، ففعلت. فقال : ألبسینی لبسة النساء ، ففعلت. ثمّ قالت له : أقبل فأقبل ، وأدبر فأدبر ، فقالت : ما أدری إلاّ یبساً فی منکبیک ، اذهب فی حفظ الله. فمرَّ بالسجّان فظنَّ أنَّه المرأة فلم یعرض له ، فنجا وأنشأ یقول :

خرجت خروجَ القِدحِ قِدحِ ابن مقبلِ

علی الرغم من تلک النوابح والمُشْلی (1)

علیَّ ثیابُ الغانیاتِ وتحتَها

عزیمةُ أمرٍ أشبهت سَلَّةَ النصْلِ

وورد کتاب خالد إلی والی الکوفة یأمره فیه بما کتب به إلیه هشام ، فأرسل د.

ص: 276


1- النوابح : کلاب الصید ، کنّی بها عمّن یتعقبه. والمشلی : من أشلی ، یشلی ، إذا أغری الکلب ودعاه إلی الصید.

إلی الکمیت لیؤتی به من الحبس فَیُنفِذ فیه أمر خالد ، فدنا من باب البیت (1) ، فکلّمتهم المرأة وخبّرتهم أنَّها فی البیت ، وأنَّ الکمیت قد خرج. فکتب بذلک إلی خالد فأجابه : حرّة کریمة افتدت ابن عمِّها بنفسها. وأمر بتخلیتها ، فبلغ الخبر الأعور الکلبی بالشام ، فقال قصیدته التی یرمی فیها امرأة الکمیت بأهل الحبس ویقول :

أسودینا وأحمرینا

فهاج الکمیت ذلک حتی قال :

ألا حیّیت عنّا یا مدینا

وهل ناسٌ تقول مسلّمینا

وهی ثلاثمائة بیت.

وقال فی (ص 114) (2) : إنَّ خالد بن عبد الله القسری روّی جاریةً حسناء قصائد الکمیت - الهاشمیّات - وأعدّها لیهدیها إلی هشام ، وکتب إلیه بأخبار الکمیت وهجائه بنی أمیّة ، وأنفذ إلیه قصیدته التی یقول فیها :

فیا ربّ هل إلاّ بک النصرُ یُبتغی

ویا ربّ هل إلاّ علیک المعوَّلُ

وهی طویلة یرثی فیها زید بن علیّ وابنه الحسین بن زید ، ویمدح بنی هاشم ، فلمّا قرأها أکبرها ، وعظمت علیه واستنکرها ، وکتب إلی خالد یقسم علیه أن یقطع لسان الکمیت ویده. فلم یشعر الکمیت إلاّ والخیل محدقة بداره ، فأُخذ وحُبس فی المحبس ، وکان أبان بن الولید عاملاً علی واسط ، وکان الکمیت صدیقه ، فبعث إلیه بغلام علی بغل وقال له : أنت حرٌّ ... إلی آخر ما یأتی إن شاء الله تعالی.

وللکمیت فی حدیث الغدیر من قصیدة قوله : 6.

ص: 277


1- المقصود بالبیت هنا السجن.
2- الأغانی : 17 / 6.

علیٌّ أمیرُ المؤمنینَ وحقُّهُ

من اللهِ مفروضٌ علی کلِّ مسلمِ

وأنَّ رسول اللهِ أوصی بحقِّهِ

وأشرکه فی کلِّ حقٍّ مقسَّمِ

وزوّجهُ صدّیقةً لم یکنْ لها

مُعادلةٌ غیرُ البتولة مریمِ

وردّم أبوابَ الذین بنی لهمْ

بیوتاً سوی أبوابه لم یُرَدِّمِ

وأوجبَ یوماً بالغدیر ولایةً

علی کلِّ برٍّ من فصیحٍ وأعجمِ

تفسیر أبی الفتوح (1) (2 / 193)

الشاعر

أبو المستهلّ الکمیت بن زید بن خنیس بن مخالد (2) بن وهیب بن عمرو بن سُبیع ابن مالک بن سعد بن ثعلبة بن دودان بن أسد بن خزیمة بن مدرکة بن إلیاس بن مضر ابن نزار.

قال أبو الفرج : شاعر مقدَّم عالمٌ بلغات العرب ، خبیر بأیّامها ، من شعراء مضر وألسنتها ، والمتعصِّبین علی القحطانیّة ، المقارنین المقارعین لشعرائهم ، العلماء بالمثالب والأیّام ، المفاخرین بها ، وکان فی أیّام بنی أمیّة ، ولم یدرک الدولة العبّاسیّة ومات قبلها ، وکان معروفاً بالتشیّع لبنی هاشم ، مشهوراً بذلک.

سئل معاذ الهرّاء : من أشعر الناس؟ قال : أمن الجاهلیِّین أم من الإسلامیِّین؟ قالوا : بل من الجاهلیِّین. قال : امرؤ القیس ، وزهیر ، وعبید بن الأبرص. قالوا : فمن الإسلامیِّین؟. قال : الفرزدق ، وجریر ، والأخطل ، والراعی.

قال : فقیل له : یا أبا محمد ما رأیناک ذکرت الکمیت فیمن ذکرت. قال : ذاک أشعر الأوّلین والآخرین (3).

ف)

ص: 278


1- تفسیر أبی الفتوح : 4 / 280.
2- وقیل : مخالد بن ذویبة بن قیس بن عمرو. (المؤلف)
3- الأغانی : 15 / 115 و 127 [17 / 3 ، 35]. (المؤلف)

وقد مرَّ (ص 168) قول الفرزدق له : أنت والله أشعر من مضی وأشعرمن بقی. وکان مبلغ شعره حین مات خمسة آلاف ومائتین وتسعة وثمانین بیتاً علی ما فی الأغانی (1) والمعاهد (2) (2 / 31) ، أو أکثر من خمسة آلاف قصیدة کما فی کشف الظنون (3) ، نقلاً عن عیون الأخبار لابن شاکر (1 / 397) وقد جمع شعره الأصمعی وزاد فیه ابن السکّیت ، ورواه جماعة ، عن أبی محمد عبد الله بن یحیی المعروف بابن کناسة الأسدی المتوفّی (207) ، ورواه ابن کناسة ، عن الجزّی ، وأبی الموصل ، وأبی صدقة الأسدیِّین ، وألّف کتاباً أسماه سرقات الکمیت من القرآن وغیره (4).

ورواه ابن السکّیت عن أستاذه نصران ، وقال نصران : قرأت شعر الکمیت علی أبی حفص عمر بن بکیر ، وعمل شعره السکّری أبو سعید الحسن بن الحسین المتوفّی (275) ، کما فی فهرست ابن الندیم (5) (ص 107 و 225) وصاحب شعره محمد بن أنس ، کما فی تاریخ ابن عساکر (6) (4 / 429).

وحکی یاقوت فی معجم الأدباء (7) (1 / 410) عن ابن النجّار ، عن أبی عبد الله أحمد بن الحسن الکوفی النسّابة ، أنّه قال : قال ابن عبدة النسّاب : ما عرف النسّاب أنساب العرب علی حقیقة حتی قال الکمیت النزاریّات فأظهر بها علماً کثیراً ، ولقد نظرت فی شعره فما رأیت أحداً أعلم منه بالعرب وأیّامها ، فلمّا سمعت هذا جمعت شعره ، فکان عونی علی التصنیف لأیّام العرب. 8.

ص: 279


1- الأغانی : 17 / 31.
2- معاهد التنصیص : 3 / 95 رقم 148.
3- کشف الظنون : 1 / 808.
4- التعبیر بالسرقة لا یخلو من مسامحة ، فإنّها لیست إلاّ أخذاً بالمعنی ، أو تضمیناً لکلم من القرآن ، وحسب الکمیت - وأیّ شاعر - أن یقتصّ أثر الکتاب الکریم. (المؤلف)
5- الفهرست : ص 78 و 179.
6- تاریخ مدینة دمشق : 14 / 603.
7- معجم الأدباء : 3 / 8.

وقال بعضهم : کان فی الکمیت عشر خصال لم تکن فی شاعر : کان خطیب أسد ، فقیه الشیعة ، حافظ القرآن العظیم ، ثَبْتَ الجَنان ، کاتباً حسن الخطّ ، نسّابة جدلاً ، وهو أوّل من ناظر (1) فی التشیّع ، رامیاً لم یکن فی أسد أرمی منه ، فارساً شجاعاً ، سخیّا دَیِّناً. خزانة الأدب (2) (1 / 69) ، شرح الشواهد (3) (ص 13).

ولم تزل عصبیّته للعدنانیّة ومهاجاته شعراء الیمن متصلةً ، والمناقضة بینه وبینهم شائعة فی حیاته ، وفی إثرها ناقض دعبل وابن عُیینة قصیدته المذهَّبة بعد وفاته ، وأجابهما أبو الزلفاء البصری مولی بنی هاشم ، وکان بینه وبین حکیم الأعور الکلبی مفاخرة ومناظرة تامّة.

فائدة :

حکیم الأعور المذکور ، أحد الشعراء المنقطعین إلی بنی أمیّة بدمشق ، ثمَّ انتقل إلی الکوفة.

جاء رجلٌ إلی عبد الله بن جعفر ، فقال له : یا ابن رسول الله هذا حکیم الأعور ینشد الناس هجاءکم بالکوفة.

فقال : هل حفظت شیئاً؟.

قال : نعم وأنشد :

صَلَبْنا لکم زیداً علی جذع نخلةٍ

ولم نرَ مهدیّا علی الجذع یُصلَبُ

وقِستمْ بعثمانٍ علیّا سَفاهةً

وعثمانُ خیرٌ من علیٍّ وأطیبُ

فرفع عبد الله یدیه إلی السماء وهما تنتفضان رعدة ، فقال : اللهمّ إن کان کاذباً 6.

ص: 280


1- مرّ فساد هذه النسبة الی المترجم له : ص 191. (المؤلف)
2- خزانة الأدب : 1 / 144.
3- شرح شواهد المغنی : 1 / 38 رقم 6.

فسلّط علیه کلباً ، فخرج حکیم من الکوفة فأدلج (1) ، فافترسه الأسد. معجم الأدباء (2) (4 / 132)

الکمیت وحیاته المذهبیة

یجد الباحث فی خلال السِیَر وزُبُر الحدیث ، شواهد واضحة علی أنَّ الرجل لم یتّخذ شاعریّته وما کان یتظاهر به من التهالک فی ولاء أهل البیت علیهم السلام وسیلةً لما یقتضیه النهمة ، وموجبات الشره من التلمّظ بما یستفیده من الصِّلات والجوائز ، أو تحرّی مُسانحات وجرایات ، أو الحصول علی رتبةٍ أو راتب ، أنّی وآل رسول الله کما یقول عنهم دعبل الخزاعی :

أری فیْأهم فی غیرهم مُتَقَسَّماً

وأیدِیَهُمْ من فیئهم صَفِراتِ

وهم - سلام الله علیهم - فضلاً عن شیعتهم :

مشرّدون نفوا عن عُقرِ دارِهمُ

کأنّهم قد جَنوا ما لیس یُغتَفرُ

وقد انهالت الدنیا - قضّها بقضیضها - علی أضدادهم یوم ذاک من طغمة الأمویّین ، ولو کان المتطلّب یطلب شیئاً من حطام الدنیا ، أو حصولاً علی مرتبة ، أو زلفةً تربی به ، لطلبها من أولئک المتغلّبین علی عرش الخلافة الإسلامیّة.

فرجلٌ یلوی بوجهِهِ عنهم إلی أُناس مضطهدین مقهورین ، ویقاسی من جرّاء ذلک الخوف والاختفاء ، تتقاذف به المفاوز والحزون ، مفترعاً ربوة طوراً ، ومسفّا إلی الأحضّة تارة ، ووراءه الطلب الحثیث ، وبمطلع الأکمة النطع والسیف ، لیس من الممکن أن یکون ما یتحرّاه إلاّ خاصّة فی من یتولاّهم ، لا توجد عند غیرهم ، وهذا هو شأن الکمیت مع أئمّة الدین علیهم السلام ، فقد کان یعتقد فیهم أنّهم وسائله إلی المولی 8.

ص: 281


1- أدلج القوم : ساروا اللیل کلّه ، أو فی آخره. (المؤلف)
2- معجم الأدباء : 10 / 248.

سبحانه ، وواسطة نجاحه فی عقباه ، وأنَّ مودّتهم أجر الرسالة الکبری.

روی الشیخ الأکبر الصفّار فی بصائر الدرجات (1) بإسناده عن جابر ، قال : دخلت علی الباقر علیه السلام فشکوت إلیه الحاجة فقال : «ما عندنا درهمٌ» ، فدخل الکمیت فقال : جعلت فداک أنشدک؟ فقال : انشد ، فأنشده قصیدة. فقال : «یا غلام أخرِج من ذلک البیت بَدرةً فادفعها إلی الکمیت». فقال : جعلت فداک ، أُنشدک أخری؟ فأنشده. فقال : «یا غلام أخرج بدرةً فادفعها إلیه». فقال : جعلت فداک ، أُنشدک أخری؟ فأنشده. فقال : «یا غلام أخرج بدرةً فادفعها إلیه» فقال جعلت فداک ، والله ما أحبّکم لعَرَض الدنیا ، وما أردت بذلک إلاّ صلة رسول الله وما أوجب الله علیَّ من الحقِّ ، فدعا له الباقر علیه السلام فقال : «یا غلام رُدّها إلی مکانها». فقلت : جعلت فداک ، قلت لی : لیس عندی درهم ، وأمرت للکمیت بثلاثین ألفاً! (2).

فقال : «ادخل ذلک البیت» ، فدخلت فلم أجد شیئاً ، فقال : «ما سترنا عنکم أکثر ممّا أظهرنا». الحدیث.

قال صاعد : دخلنا مع الکمیت علی فاطمة بنت الحسین علیه السلام ، فقالت : هذا شاعرنا أهل البیت. وجاءت بقَدَحٍ فیه سَویقٌ ، فحرّکته بیدها ، وسقت الکمیت فشربه ، ثمَّ أمرت له بثلاثین دیناراً ومرکب ، فهملت عیناه وقال : لا والله لا أقبلها ؛ إنّی لم أحبّکم للدنیا. الأغانی (3) (15 / 123).

وللکمیت فی ردِّه الصلات الطائلة علی سروات المجد من بنی هاشم ، مکرمةٌ ومحمدةٌ عظیمةٌ ، أبقت له ذکری خالدة ، وکلٌّ من تلکم المواقف شاهد صدق علی خالص ولائه وقوّة إیمانه ، وصفاء نیّته ، وحسن عقیدته ، ورسوخ دینه ، وإباء نفسه ، 7.

ص: 282


1- بصائر الدرجات : ص 376 ح 5.
2- فی مناقب ابن شهرآشوب : 5 / 7 [4 / 203] : خمسین ألف درهم. (المؤلف)
3- الأغانی : 17 / 27.

وعلوِّ همّته ، وثباته فی مبدئه العلویِّ المقدَّس ، وصدق مقاله للإمام السجّاد زین العابدین علیه السلام : إنّی قد مدحتک أن یکون لی وسیلة عند رسول الله.

ویعرب عن ذلک کلّه صریح قوله للإمام الباقر محمد بن علیّ علیهما السلام : والله ما أحبّکم لعَرَض الدنیا ، وما أردت بذلک إلاّ صلة رسول الله وما أوجب الله علیَّ من الحقِّ. وقوله الآخر له علیه السلام : لا والله لا یعلم أحدٌ أنَّی آخذٌ منها حتی یکون الله الذی یکافئنی. وقوله للإمامین الصادقین علیهما السلام : والله ما أحببتکم للدنیا ، ولو أردتها لأتیت من هی فی یدیه ، ولکنّی أحببتکم للآخرة. وقوله لعبد الله بن الحسن ابن علیّ علیهما السلام : والله ما قلت فیکم إلاّ لله ، وما کنت لآخذ علی شیء جعلته لله مالاً ولا ثمناً. وقوله لعبد الله الجعفری : ما أردت بمدحی إیّاکم إلاّ الله ورسوله ، ولم أک لآخذ لذلک ثمناً من الدنیا ، وقوله لفاطمة بنت الإمام السبط : والله إنّی لم أحبّکم للدنیا. وهذا شأن الشیعة سلفاً وخلفاً ، وشیمة کلِّ شیعیٍّ صمیم ، وأدب کلّ متضلّع بالنزعات العلویّة ، وروح کلِّ علویٍّ جعفریٍّ ، وهذا شعار التشیّع لیس إلاّ ، وبمثل هذا فلیعمل العاملون.

وکان أئمّة الدین ورجالات بنی هاشم یلحّون فی أخذ الکمیت صلاتهم ، وقبوله عطایاهم ، مع إکبارهم محلّه من ولائه ، واعتنائهم البالغ بشأنه ، والاحتفاء والتبجیل له ، والاعتذار منه بمثل قول الإمام السجّاد - صلوات الله علیه - له : «ثوابک نعجز عنه ، ولکن ما عجزنا عنه فإنَّ الله لا یعجز عن مکافأتک». وهو مع ذلک کلّه کان علی قدمٍ وساق من إبائه واستعفائه ، إظهاراً لولائه المحض لآل الله ، وقد مرّ أنّه ردَّ علی الإمام السجّاد علیه السلام أربعمائة ألف درهم ، وطلب من ثیابه التی تلی جسده لیتبرّک بها ، وردّ علی الإمام الباقر مائة ألف مرّة وخمسین ألفاً أخری ، وطلب قمیصاً من قُمُصه وردَّ علی الإمام الصادق ألف دینار وکسوة ، واستدعی منه أن یکرمه بالثوب الذی مسَّ جلده. وردَّ علی عبد الله بن الحسن ضیعته التی أعطی له کتابها ،

ص: 283

وکانت تسوی بأربعة (1) آلاف دینار ، وردَّ علی عبد الله الجعفری ما جمع له من بنی هاشم ما کان یقدَّر بمائة ألف درهم.

فکل من هذه خُبرٌ یصدِّق الخبر ؛ بأنَّ مدح الکمیت عترة نبیِّه الطاهر وولاءه لهم ، وتهالکه بکلّه فی حبِّهم ، وبذله النفس والنفیس دونهم ، ونیله من مناوئیهم ، ونصبه العداء لمخالفیهم ، لم یکن إلاّ لله ولرسوله فحسب ، وما کان له غرضٌ من حطام الدنیا وزخرفها ، ولا مرمیً من الثواب العاجل دون الآجل ، وکلُّ واقف علی شعره یراه کالباحث بظلفه عن حتفه ، ویجده مستقتلاً بلسانه ، قد عرّض لبنی أمیّة دمه ، مستقبلاً صوارمهم ، کما نصَّ علیه الإمام زین العابدین علیه السلام ، وقال : «اللهمّ إنَّ الکمیت جاد فی آل رسولک وذریّة نبیِّک نفسه حین ضنَّ الناس ، وأظهر ما کتمه غیره».

وقال عبد الله الجعفری لبنی هاشم : هذا الکمیت قال فیکم الشعر حین صمت الناس عن فضلکم ، وعرّض دمه لبنی أمیّة.

وخالد القسری لمّا أراد قتله رأی فی شعره غنیً وکفایة عن أیِّ حیلة وسعایة علیه ، فاشتری جاریةً وعلَّمها الهاشمیّات وبعثها إلی هشام بن عبد الملک ، وهو لمّا سمعها منها ، قال : استقتل المرائی. وکتب إلی خالد بقتله وقطع لسانه ویده.

فکان الکمیت منذ غضاضة من شبیبته التی نظم فیها الهاشمیّات خائفاً یترقّب طیلة عمره ، مختفیاً فی زوایا الخمول ، إلی أن أقام بقریضه الحجّة ، وأوضح به المحجّة ، وأظهر به الحقَّ ، وأتمَّ به البرهنة ، وبلغ ضالّته المنشودة من بثِّ الدعایة إلی العترة الطاهرة ، فلمّا دوّخ صیت شعره الأقطار ، وقرّطت به الآذان ، ودارت علی الألسن ، استجاز الإمام أبا جعفر الباقر علیه السلام أن یمدح بنی أمیّة صوناً لدمه فأجاز له. رواه أبو الفرج فی الأغانی (2) (15 / 126) بإسناده عن ورد بن زید أخی الکمیت قال : أرسلنی 5.

ص: 284


1- الظاهر أنّه قدس سره ضمّن «تسوی» معنی «تقدّر» فعدّاه بالباء.
2- الأغانی : 17 / 33 ، 35.

الکمیت إلی أبی جعفر علیه السلام فقلت له : إنَّ الکمیت أرسلنی إلیک وقد صنع بنفسه ما صنع ، فتأذن له أن یمدح بنی أمیّة؟

قال : نعم. هو فی حلٍّ ، فلیقل ما شاء ، فنظم قصیدته الرائیة التی یقول فیها :

فالآن صرتُ إلی أمیّ

ة والأمور إلی المصائر

ودخل علی أبی جعفر علیه السلام فقال له : «یا کمیت أنت القائل :

فالآن صرتُ إلی أمیّ

ة والأمور إلی المصائر؟»

قال : نعم. قد قلت ، ولا والله ما أردت به (1) إلاّ الدنیا ، ولقد عرفت فضلکم ، قال : «أمّا إن قلت ذلک ، إنَّ التقیّة لَتَحِلّ».

وروی الکشّی فی رجاله (2) (ص 135) بإسناده عن درست بن أبی منصور ، قال : کنت عند أبی الحسن موسی علیه السلام وعنده الکمیت بن زید ، فقال للکمیت : «أنت الذی تقول :

فالآن صرتُ إلی أمیّ

ة والأمور إلی المصائر»

قال : قد قلت ذلک فو الله ما رجعت عن إیمانی ، وإنّی لکم لمُوالٍ ، ولعدوِّکم لقالٍ ، ولکنّی قلته علی التقیّة.

قال : أما لئن قلت ذلک ، إنَّ التقیّة تجوز فی شرب الخمر.

لفت نظر :

أحسب أنَّ الإمام المذکور فی حدیث الکشّی هو أبو عبد الله الصادق علیه السلام ، ولا یتمُّ ما فیه من أبی الحسن موسی علیه السلام ؛ إذ الکمیت توفّی بلا اختلاف أجده سنة (126) 4.

ص: 285


1- أی أراد بقوله : صرت ، مصیر الدنیا إلیهم لا الخلافة. (المؤلف)
2- رجال الکشّی : 2 / 465 رقم 364.

قبل ولادة أبی الحسن موسی بسنتین أو ثلاث. کما لا یتمُّ القول باتّحاده مع حدیث أبی الفرج المرویِّ عن الإمام أبی جعفر ، إذ درست بن أبی منصور لا یروی عنه علیه السلام ، ولیس من تلک الطبقة.

الکمیت ودعاء الأئمّة له

من الواضح أنَّ أدعیة ذوی النفوس القدسیّة ، والألسنة الناطقة بالمشیئة الإلهیّة المعبِّرة عن الله ، من الذین یوحی إلیهم ربّهم ، ولا یتکلّمون إلاّ بإذنه ، وما ینطقون عن الهوی ، ولا یشفعون إلاّ لمن ارتضی ، لیست مجرّد شفاعة لأیِّ أحد ، ومسألة خیرٍ من المولی لکلِّ إنسان کائناً من کان ، بل فیها إیعاز بأنَّ المدعوَّ له من رجال الدین ، وحلفاء الخیر والصلاح ، ودعاة الأمّة إلیهما ، وممّن قیّضه المولی للدعوة إلیه ، والأخذ بناصر الهدی ، رغماً علی أباطیل الحیاة وأهوائها الضالَّة ، إلی فضائل لا تُحصی علی اختلاف المدعوِّ لهم فیها.

وقلّما دُعی لأحدٍ مثلما دُعی للکمیت ، وقد أکثر النبیُّ الأعظم والأئمّة من أولاده - صلوات الله علیه وعلیهم - دعاءهم له ، فاسترحم له النبیُّ صلی الله علیه وآله وسلم مرّة کما مرّ فی حدیث البیاضی ، واستجزی له بالخیر ، وأثنی علیه أخری کما فی منام نصر بن مزاحم ، وقال له ثالثة : «بورکت وبورک قومک» کما فی حدیث السیوطی ، ودعا له الإمام السجّاد زین العابدین علیه السلام بقوله : «اللهمَّ أحیه سعیداً وأَمْتهُ شهیداً ، وأرِهِ الجزاء عاجلاً ، وأجزل له جزیل المثوبة آجلاً». ودعا له أبو جعفر الباقر علیه السلام فی مواقف شتّی فی مثل أیام التشریق بمنی وغیرها ، متوجِّهاً إلی الکعبة بالاسترحام والاستغفار له غیر مرّة ، وبقوله : «لا تزال مؤیّداً بروح القدس» تارةً أخری ، ومن دعائه علیه السلام له فی أیّام البیض ما رواه الشیخ الأقدم أبو القاسم الخزّاز القمّی فی کفایة الأثر فی النصوص علی الأئمّة الاثنی عشر (1) بإسناده عن الکمیت ، أنَّه قال : دخلت علی 8.

ص: 286


1- کفایة الأثر : ص 248.

سیِّدی أبی جعفر محمد بن علیّ الباقر ، فقلت : یا ابن رسول الله إنّی قد قلت فیکم أبیاتاً ، أفتأذن لی فی إنشادها؟ فقال : «[إنّها] (1) أیّام البیض». قلت : فهو فیکم خاصّة. قال : «هات». فأنشأت أقول :

أضحکنی الدهرُ وأبکانی

والدهرُ ذو صرفٍ وألوانِ

لتسعةٍ بالطفِّ قد غُودروا

صاروا جمیعاً رَهْنَ أکفانِ

فبکی علیه السلام ، وبکی أبو عبد الله علیه السلام ، وسمعت جاریة تبکی من وراء الخباء ، فلمّا بلغت إلی قولی :

وستّةٌ لا یُتجاری بهم

بنو عقیلٍ خیرُ فرسانِ

ثمَّ علیُّ الخیرِ مولاهُمُ

ذکرهمُ هَیّجَ أحزانی

فبکی ، ثمَّ قال علیه السلام : «ما من رجل ذکرَنا أو ذُکرنا عنده یخرج من عینیه ماءٌ ولو مثل جناح البعوضة إلاّ بنی الله له بیتاً فی الجنّة ، وجعل ذلک الدمع حجاباً بینه وبین النار». فلمّا بلغت إلی قولی :

من کان مسروراً بما مسّکمْ

أو شامتاً یوماً من الآنِ

فقد ذللتم بعد عزّ فما

أدفع ضیماً حین یغشانی

أخذ بیدی ثمَّ قال : «اللهمَّ اغفر للکمیت ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر».

فلمّا بلغت إلی قولی :

متی یقوم الحقّ فیکم متی

یقومُ مهدیُّکمُ الثانی

قال : «سریعاً إن شاء الله سریعاً». ثمَّ قال : «یا أبا المستهلّ إنَّ قائمنا هو التاسع من ولد الحسین ، لأنَّ الأئمّة بعد رسول الله اثنا عشر ، الثانی عشر هو القائم».

ر.

ص: 287


1- ما بین المعقوفین أثبتناه من المصدر.

قلت : یا سیِّدی فمن هؤلاء الاثنا عشر؟ قال : «أوّلهم علیُّ بن أبی طالب ، وبعده الحسن والحسین ، وبعد الحسین علیّ بن الحسین ، وبعده أنا ، ثمَّ بعدی هذا ، ووضع یده علی کتف جعفر». قلت : فمَن بعد هذا؟

قال : «ابنه موسی ، وبعد موسی ابنه علیّ ، وبعد علیّ ابنه محمد ، وبعد محمد ابنه علیّ ، وبعد علیّ ابنه الحسن ، وهو أبو القائم الذی یخرج فیملأ الدنیا قسطاً وعدلاً کما ملئت ظلماً وجوراً ، ویشفی صدور شیعتنا». قلت : فمتی یخرج یا ابن رسول الله؟ قال : «لقد سُئل رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم عن ذلک فقال : إنَّما مثله کمثل الساعة لا تأتیکم إلاّ بغتة».

وناهیک به فضلاً دعاء الإمام الصادق علیه السلام له فی مواقفه المشهودة فی أشرف الأیّام رافعاً یدیه قائلاً : «اللهمَّ اغفر للکمیت ما قدّم وأخّر ، وما أسرَّ وأعلن ، وأعطه حتی یرضی». وینمُّ عن إجابة تلک الأدعیة الصالحة ، الصادرة من النفوس الطاهرة بالألسنة الصادقة ، أمر النبیِّ صلی الله علیه وآله وسلم أبا إبراهیم سعد الأسدی فی منامه بقراءة سلامه علیه ، وإنبائه بأنَّ الله قد غفر له. وکذلک نهیه صلی الله علیه وآله وسلم دعبل الخزاعی فی الطیف عن معارضة الکمیت ، وقوله له : إنَّ الله قد غفر له. وکان بنو أسد - قبیلة الکمیت - یحسّون برکة دعاء النبیِّ له ولهم بقوله : «بورکت وبورک قومک». ویشاهدون آثار الإجابة فیهم ، ویجدون فی أنفسهم نفحاتها ، وکانوا یقولون : إنَّ فینا فضیلةً لیست فی العالم ، لیس منّا إلاّ وفیه برکة وراثة الکمیت (1).

ومن تلک الأدعیة المستجابة التی شوهدت آثارها ، وأبقت للکمیت فضیلة مع الأبد ، ما رواه شیخنا قطب الدین الراوندی فی الخرائج والجرائح (2) : أنَّ محمد بن علیّ الباقر علیه السلام دعا للکمیت لمّا أراد أعداء آل محمد أخذه وهلاکه وکان متواریاً ، فخرج فی 1.

ص: 288


1- مرّ الحدیث : ص 190. (المؤلف)
2- الخرائج والجرائح : 2 / 941.

ظلمة اللیل هارباً ، وقد أقعدوا علی کلِّ طریق جماعة لیأخذوه إذا ما خرج فی خفیة ، فلمّا وصل الکمیت إلی الفضاء وأراد أن یسلک طریقاً جاء أسدٌ یمنعه من أن یسری منها ، فسلک جانباً آخر فمنعه منه أیضاً ، کأنَّه أشار إلی الکمیت أن یسلک خلفه ، ومضی الأسد فی جانب الکمیت ، إلی أن أمِن وتخلّص من الأعداء.

وفی معاهد التنصیص (1) (2 / 28) : قال المستهلّ : أقام الکمیت مدّة متواریاً ، حتی إذا أیقن أنَّ الطلب خفَّ عنه خرج لیلاً فی جماعة من بنی أسد علی خوف ووجل ، وفیمن معه صاعد غلامه ، وأخذ الطریق علی القطقطانة ، وکان عالماً بالنجوم مهتدیاً بها ، فلمّا صار سحیراً صاح بنا : هوِّموا (2) یا فتیان. فهوّمنا ، وقام فصلّی. قال المستهلّ : فرأینا شخصاً ، فتضعضعت له. فقال : ما لک؟ قلت : أری شخصاً مقبلاً. فنظر إلیه ، فقال : هذا ذئب قد جاء یستطعمکم ، فجاء الذئب فربض ناحیةً ، فأطعمناه ید جزور فتعرّقها ، ثمَّ أهوینا له بإناء فیه ماء فشرب منه ، فارتحلنا ، وجعل الذئب یعوی ، فقال الکمیت : ماله ویله ، ألم نطعمه ونسقه؟! وما أعرفنی بما یرید ، هو یدلّنا أنّا لسنا علی الطریق! تیامنوا یا فتیان. فتیامنّا ، فسکن عواؤه ، فلم نزل نسیر حتی جئنا الشام ، فتواری فی بنی أسد وبنی تمیم.

وهذا جانب عظیم من نواحی مکرمات الکمیت وفضائله ، لو أُضیف إلی ما یظهر من کلماته المعربة عن نفسیّاته ، ومواقفه الکاشفة عن خلائقه الکریمة ، وما قیل فیه وفی مآثره الجمّة یمثّله بین یدی القارئ بمظاهر روحیّاته ، ونصب عینیه مجالی نفسیّاته ، وأمثلة مکارم أخلاقه ، وما کان یحمله بین جنبیه من العلم ، والفقه ، والأدب ، والإباء ، والشمم ، والحماسة ، والهمّة ، واللباقة ، والفصاحة ، والبلاغة ، والخلق الکامل ، وقوّة القلب ، والدین الخالص ، والتشیّع الصحیح ، والصلاح المحض ، والرشد والسداد ، إلی فضائل تکسبه فوز النشأتین لا تُحصی. ف)

ص: 289


1- معاهد التنصیص : 3 / 98 رقم 148.
2- هَوّم تهویماً : نام قلیلاً. (المؤلف)

الکمیت وهشام بن عبد الملک

کان خالد بن عبد الله القسری قد أُنشِدَ قصیدة الکمیت التی یهجو فیها الیمن ، وهی التی أوّلها :

ألا حُیّیتِ عنّا یا مَدِینا

وهل ناسٌ تقولُ مسلّمینا

فقال : والله لأقتلنّه. ثمَّ اشتری ثلاثین جاریة بأغلی ثمن ، وتخیّرهنّ نهایةً فی الحسن والکمال والأدب ، فروّاهنّ الهاشمیّات ، ودسّهنّ مع نخّاس إلی هشام بن عبد الملک فاشتراهنَّ جمیعاً ، فلمّا أنس بهنّ واستنطقهنَّ ، رأی منهنَّ فصاحةً وأدباً ، فاستقرأهنّ القرآن فقرأن ، واستنشدهنَّ الشعر فأنشدن قصائد الکمیت - الهاشمیّات - فقال هشام : ویلکنَّ من قائل هذا الشعر؟ قلن : الکمیت بن زید الأسدی. قال : فی أیِّ بلد هو؟ قلن : بالعراق ثمَّ بالکوفة.

فکتب إلی خالد عامله فی العراق : ابعث إلیَّ برأس الکمیت بن زید. فلم یشعر الکمیت إلاّ والخیل محدقةٌ بداره ، فأُخذ وحبس فی الحبس.

وکان أبان بن الولید عاملاً علی واسط ، وکان الکمیت صدیقه ، فبعث إلیه بغلام علی بغل ، وقال له : أنت حرٌّ إنْ لحقته والبغل لک. وکتب له :

أمّا بعد : فقد بلغنی ما صرتَ إلیه وهو القتل ، إلاّ أن یدفع الله ، وأری لک أن تبعث إلی حُبّی - یعنی زوجة الکمیت وکانت ممّن تتشیّع أیضاً - فإذا دخلت علیک ، تنقّبت نقابها ، ولبست ثیابها وخرجت ، فإنّی أرجو الأوبة لک.

قال : فرکب الغلام البغل ، وسار بقیّة یومه ولیلته من واسط إلی الکوفة فصبّحها ، فدخل الحبس متنکّراً ، وأخبر الکمیت بالقصّة ، فبعث إلی امرأته وقصَّ علیها القصّة ، وقال لها : أی ابنة عمّ إنَّ الوالی لا یقدم علیکِ ولا یسلمکِ قومکِ ، ولو خِفتُ علیکِ ما عَرّضْتُکِ له. فألبَسَتهُ ثیابها وإزارها وخمّرته ، وقالت له : أقبل وأدبر ،

ص: 290

ففعل ، فقالت : ما أُنکر منک شیئاً إلاّ یَبَساً فی کتفیک ، فاخرج علی اسم الله تعالی. وأخرجت معه جاریتین لها.

فخرج وعلی باب السجن أبو الوضّاح حبیب بن بُدیر ومعه فتیان من أسد فلم یُؤبه له ، ومشی الفتیان بین یدیه إلی سکّة شبیب بناحیة الکناس ، فمرَّ بمجلس من مجالس بنی تمیم ، فقال بعضهم : رجل ورب الکعبة ، وأمر غلامه فأتبعه ، فصاح به أبو الوضّاح یا کذا وکذا أراک تتبع هذه المرأة منذ الیوم ، وأومأ إلیه بنعله فولّی العبد مدبراً ، وأدخله أبو الوضّاح منزله.

ولمّا طال علی السجّان الأمر نادی الکمیت فلم یجبه ، فدخل لیعرف خبره ، فصاحت به المرأة : وراءک ، لا أمَّ لک. فشقَّ ثوبه ومضی صارخاً إلی باب خالد ، فأخبر الخبر ، فأحضر المرأة ، فقال لها : یا عدوَّة الله احْتَلْت علی أمیر المؤمنین وأخرجتِ عدوَّ أمیر المؤمنین ، لأُنَکِلَنَّ بک ، ولأصنعنَّ ، ولأفعلنَّ. فاجتمعت بنو أسد علیه ، وقالوا له : ما سبیلک علی امرأة منّا خُدعت. فخافهم ، فخلّی سبیلها.

وسقط غراب علی الحائط ونعب ، فقال الکمیت لأبی الوضّاح : إنّی لمأخوذ ، وإنَّ حائطک لساقطٌ. فقال : سبحان الله! هذا ما لا یکون إن شاء الله تعالی ، وکان الکمیت خبیراً بالزجر - الکهانة - فقال له : لا بدَّ أن تحوِّلنی. فخرج به إلی بنی علقمة - وکانوا یتشیّعون - فأقام فیهم ، ولم یصبح حتی سقط الحائط الذی سقط علیه الغراب.

قال المستهلّ : وأقام الکمیت مدّةً متواریاً ، حتی إذا أیقن أنَّ الطلب خفَّ عنه ، خرج لیلاً فی جماعة من بنی أسد وبنی تمیم ، وأرسل إلی أشراف قریش ، وکان سیِّدهم یومئذ عنبسة بن سعید بن العاص ، فمشت رجالات قریش بعضها إلی بعض وأتوا عنبسة فقالوا : یا أبا خالد هذه مکرمة أتاک بها الله تعالی ، هذا الکمیت بن زید لسان مضر ، وکان أمیر المؤمنین قد کتب فی قتله ، فنجا حتی تخلّص إلیک وإلینا. قال :

ص: 291

فمروه أن یعوذ بقبر معاویة بن هشام بدیر حنیناء.

فمضی الکمیت فضرب فسطاطه عند قبره ، ومضی عنبسة فأتی مسلمة بن هشام ، فقال : یا أبا شاکر مکرمة أتیتک بها تبلغ الثریّا إن اعتقدتَها ، فإن علمتَ أنَّک تفی بها وإلاّ کتمتها. قال : وما هی؟ فأخبره الخبر ، وقال : إنّه قد مدحکم عامّة وإیّاک خاصّة بما لم یُسمع بمثله ، فقال : علیَّ خلاصه.

فدخل علی أبیه هشام وهو عند أمّه فی غیر وقت دخول ، فقال له هشام : أجئت لحاجة؟ قال : نعم. قال : هی مقضیّةٌ إلاّ أن تکون الکمیت. فقال : ما أُحبُّ أن تستثنی علیَّ فی حاجتی ، وما أنا والکمیت! فقالت أمّه : والله لَتَقْضِیَنَّ حاجته کائنةً ما کانت ، قال : قد قضیتها ولو أحاطت بما بین قُطْرَیْها. قال : [هی الکمیت] (1) یا أمیر المؤمنین! وهو آمنٌ بأمان الله وأمانی ، وهو شاعر مضر ، وقد قال فینا قولاً لم یُقل مثله. قال : قد أمّنته ، وأجزت أمانک له ، فاجلس له مجلساً یُنْشدک فیه ما قال فینا ، فعقد مجلساً وعنده الأبرش الکلبی ، فتکلّم بخطبة ارتجلها ما سُمع بمثلها قطُّ ، وامتدحه بقصیدته الرائیَّة ، ویقال : إنّه قالها ارتجالاً ، وهی قوله :

قف بالدیار وقوف زائر

فمضی فیها حتی انتهی إلی قوله :

ما ذا علیک من الوقو

ف بها وإنَّک غیر صاغرْ

درجَتْ علیک الغادیا

تُ الرائحاتُ من الأعاصرْ

ویقول فیها :

فالآن صرت إلی أمیّ

ة والأمور إلی المصائرْ

ص.

ص: 292


1- أثبتنا الزیادة من معاهد التنصیص.

فجعل هشام یغمز مسلمة بقضیب فی یده فیقول : اسمع ، اسمع.

ثمّ استأذنه فی مرثیّة ابنه معاویة ، فأذن له فیها ، فأنشده قوله :

سأبکیک للدنیا وللدین إنَّنی

رأیت ید المعروف بعدک شَلّتِ

أدامت علیکم بالسلام تحیّةً

ملائکةُ الله الکرامُ وصلّتِ

فبکی هشام بکاءً شدیداً ، فوثب الحاجب فسکّته.

ثمَّ جاء الکمیت إلی منزله آمناً ، فحشدت له المضریّة بالهدایا ، وأمر له مسلمة بعشرین ألف درهم ، وأمر له هشام بأربعین ألف درهم ، وکتب إلی خالد بأمانه وأمان أهل بیته ، وأنَّه لا سلطان له علیهم. قال : وجمعت له بنو أمیّة فیما بینها مالاً کثیراً ، ولم یجمع من قصیدته تلک یومئذٍ إلاّ ما حفظه الناس منها فأُلف ، وسُئل عنها فقال : ما أحفظ منها شیئاً ، إنّما هو کلام ارتجلته.

وفی روایة : إنّه لمّا أجاره مسلمة بن هشام وبلغ ذلک هشاماً ، دعا به ، وقال له : أَتُجیر علی أمیر المؤمنین بغیر أمره؟ فقال : کلاّ ولکنّی انتظرت سکون غضبه. قال : احضرنیه الساعة فإنّه لا جوار لک. فقال مسلمة للکمیت : یا أبا المستهلّ إنَّ أمیر المؤمنین قد أمرنی بإحضارک. قال : أتسلمنی یا أبا شاکر؟ قال : کلاّ ، ولکنّی أحتال لک ، ثمَّ قال له : إنَّ معاویة بن هشام مات قریباً ، وقد جزع علیه جزعاً شدیداً ، فإذا کان من اللیل فاضرب رواقک علی قبره ، وأنا أبعث إلیک بنیه یکونون معک فی الرواق ، فإذا دعا بک تقدّمتَ إلیهم أن یربطوا ثیابهم بثیابک ، ویقولون : هذا استجار بقبر أبینا ونحن أحقُّ بإجارته.

فأصبح هشام علی عادته متطلّعاً من قصره إلی القبر ، فقال : ما هذا؟ فقالوا : لعلّه مستجیرٌ بالقبر. فقال : یُجار من کان إلاّ الکمیت ، فإنّه لا جوار له. فقیل فإنَّه الکمیت. فقال : یُحضر أعنف إحضار.

ص: 293

فلمّا دُعی به ربط الصبیان ثیابهم بثیابه ، فلمّا نظر هشام إلیهم اغرورقت عیناه واستعبر ، وهم یقولون : یا أمیر المؤمنین استجار بقبر أبینا وقد مات ومات حظّه من الدنیا ، فاجعله هبةً له ولنا ، ولا تفضحنا فی من استجار به.

فبکی هشام حتی انتحب ، ثمَّ أقبل علی الکمیت فقال له : یا کمیت أنت القائل :

وإلاّ فقولوا غیرها تتعرّفوا

نواصِیَها تُروی بنا وهی شُزَّب (1)

فقال : لا والله ، ولا أتان من أُتن الحجاز وحشیّة. فقال الکمیت : الحمد لله. قال هشام : نعم الحمد لله ، ما هذا؟

قال الکمیت : مبتدئ الحمد ومبتدعه ، الذی خصَّ بالحمد نفسه ، وأمر به ملائکته ، وجعله فاتحة کتابه ، ومنتهی شکره ، وکلام أهل جنّته ، أحمدُ حمدَ مَن علم یقیناً ، وأبصر مستبیناً ، وأشهد له بما شهد لنفسه ، قائماً بالقسط وحده لا شریک له ، وأشهد أنَّ محمداً عبده العربی ، ورسوله الأمّیّ ، أرسله والناس فی هفوات حیرة ، ومُدلهمّات ظلمة ، عند استمرار أبّهة الضلال ، فبلّغ عن الله ما أُمر به ، ونصح لأمّته ، وجاهد فی سبیله ، وعبد ربّه حتی أتاه الیقین صلی الله علیه وسلم. ثمّ تکلّم واعتذر عن هجائه بنی أمیّة ، وأنشد أبیاتاً من رائیّته فی مدحهم.

فقال له هشام : ویلک یا کمیت من زیَّن لک الغوایة ، ودلاّک فی العمایة؟ قال : الذی أخرج أبانا من الجنّة ، وأنساه العهد فلم یجد له عزماً. فقال له : إیهٍ یا کمیت ألستَ القائل؟ :

فیا مُوقِداً ناراً لغیرک ضوؤها

ویا حاطباً فی غیر حبلِک تحطبُ

فقال : بل أنا القائل : ف)

ص: 294


1- تروی : أی ترمی. تشازب القوم علی الأمر : أی کان لکلّ واحد منهم حظّ ینتظره. یقال : هم متشازبون. (المؤلف)

إلی آل بیتِ أبی مالکٍ

مناخٌ هو الأرحب الأسهلُ

نَمُتُّ بأرحامِنا الداخلا

ت من حیث لا یُنکر المدخَلُ

بمرّة والنضر والمالکی

ن رهطٌ هم الأنبل الأنبلُ

وجدنا قریشاً قریشَ البطاحِ

علی ما بنی الأوّلُ الأوّلُ

بهم أصلح الله بعد الفساد

وحیص من الفتق ما رعبلوا (1)

قال له : وأنت القائل :

لا کعبد الملیک أو کولیدٍ

أو سلیمانَ بَعْدُ أو کهشامِ

من یمتْ لا یمت فقیداً ومن یح

یَ فلا ذو إلٍّ ولا ذو ذمامِ

ویلک یا کمیت جعلتنا ممّن لا یرقب فی مؤمن إلاّ ولا ذمّة.

فقال : بل أنا القائل یا أمیر المؤمنین :

فالآن صرتُ إلی أمیّ

ة والأمورُ إلی المصائرْ

والآن صرتُ بها إلی الم

صیب کمهتدٍ بالأمس حائرْ

فقال : إیه فأنت القائل :

فقل لبنی أمیّة حیث حلّوا

وإن خفتَ المهنَّدَ والقطیعا

أجاع اللهُ من أشبعتموهُ

وأشبع من بجورِکمُ أُجیعا

بمرضیِّ السیاسة هاشمیٍ

یکون حیاً لأمّته ربیعا

فقال : لا تثریب یا أمیر المؤمنین إنْ رأیت أن تمحو عنّی قولی الکاذب. قال : بما ذا؟ قال : بقولی الصادق :

أورَثَتْهُ الحصانُ أمُّ هِشامٍ

حَسَباً ثاقباً ووجهاً نضیرا

ص: 295


1- حاص حیصاً : عدل وحاد. رعبلوا : مزّقوا. (المؤلف)

وتعاطی به ابن عائشة البد

رَ فأمسی له رقیباً نظیراً

وکساه أبو الخلائف مروا

نُ سناءَ المکارمِ المأثورا

لم تَجهّمْ (1) له البِطاحُ ولکنْ

وجدْتها له مَعاناً (2) ودورا

وکان هشام متّکئاً فاستوی جالساً ، وقال : هکذا فلیکن الشعر. یقولها لسالم ابن عبد الله بن عمر وکان إلی جانبه.

ثمَّ قال : قد رضیت عنک یا کمیت! فقبّل یده وقال : یا أمیر المؤمنین إن رأیت أن تزید فی تشریفی فلا تجعل لخالد علیَّ إمارة. قال : قد فعلت ، وکتب بذلک. وأمر له بأربعین ألف درهم وثلاثین ثوباً هشامیّة ، وکتب إلی خالد : أن یخلّی سبیل امرأته ، ویعطیها عشرین ألف درهم وثلاثین ثوباً. ففعل ذلک. الأغانی (3) (15 / 115 - 119) ، العقد الفرید (4) (1 / 189).

کان هشام بن عبد الملک مشغوفاً بجاریة له یقال لها صدوف مدنیّة ، اشتُریت له بمال جزیل ، فعتب علیها ذات یوم فی شیء وهجرها ، وحلف أن لا یبدأها بکلام ، فدخل علیه الکمیت وهو مغمومٌ بذلک ، فقال : مالی أراک مغموماً یا أمیر المؤمنین لا غمّک الله؟ فأخبره هشام بالقصّة ، فأطرق الکمیت ساعةً ، ثمَّ أنشأ یقول :

أعتبتَ أمْ عتبتْ علیک صدوفُ

وعتابُ مثلِکَ مثلَها تشریفُ

لا تقعُدَنَّ تلوم نفسک دائباً

فیها وأنت بحبِّها مشغوفُ

إنَّ الصریمةَ لا یقوم بثقلها

إلاّ القویُّ بها وأنت ضعیفُ

فقال هشام : صدقتَ والله ، ونهض من مجلسه فدخل إلیها ، ونهضت إلیه 7.

ص: 296


1- تجهّم له : استقبله بوجهٍ عبوس کریه. (المؤلف)
2- المَعان بفتح المیم : المنزل یقال : هم منک بمعان أی : بحیث تراهم بعینک. (المؤلف)
3- الأغانی : 17 / 12 - 17.

فاعتنقته ، وانصرف الکمیت ، فبعث إلیه هشام بألف دینار ، وبعثت إلیه بمثلها. الأغانی (1) (15 / 122)

الکمیت ویزید بن عبد الملک

حدّث حُبیش بن الکمیت قال : وفد الکمیت علی یزید بن عبد الملک ، فدخل علیه یوماً وقد اشتُریت له سلاّمة القس ، فأُدخلت إلیه والکمیت حاضرٌ ، فقال له : یا أبا المستهلّ هذه جاریةٌ تُباع ، أفتری أن نبتاعها؟ فقال : إی والله یا أمیر المؤمنین وما أری أنَّ لها مثیلاً فلا تفوتنّک. قال : فصفها لی فی شعر حتی أقبل رأیک. فقال الکمیت :

هی شمس النهار فی الحسن إلاّ

أنَّها فُضِّلت بفتک الطرافِ

غضّةٌ بضّةٌ رخیمٌ لعوبٌ

وعثةُ المتنِ ثُخْنَةُ الأطرافِ (2)

زانها دَلُّها وثغرٌ نقیٌ

وحدیثٌ مرتّلٌ غیر جافی

خُلِقَتْ فوق مُنیة المتمنّی

فاقبلِ النصحَ یا ابن عبد منافِ

قال : فضحک یزید ، وقال : قد قبلنا نصحک یا أبا المستهلّ. فأمر له بجائزة سنیّة. الأغانی (3) (15 / 122)

وللکمیت مع خالد بن عبد الله القسری أخبارٌ عند قدومه الکوفة ، منها : أنَّه مرَّ یوماً وقد تحدّث الناس بعزله عن العراق ، فلمّا جاز تمثّل الکمیت ، وقال :

أراها وإن کانت تُحَبُّ کأنّها

سحابةُ صیفٍ عن قلیل تَقَشّعُ

5.

ص: 297


1- الأغانی : 17 / 24.
2- الغضّ : الطریّ الناعم. یقال : شباب غضّ ، أی ناضر. البضّة : رقیقة الجلد ، ناعمة فی السمن. الرخیم ، من رخمت الجاریة : صارت سهلة المنطق ، فهی رخیمة ورخیم. الوعث : الهزال. ثخن : غلظ. (المؤلف)
3- الأغانی : 17 / 25.

فسمعه خالد فرجع ، وقال : أما والله لا تنقشع حتی یغشاک منها شؤبوب بَرَد ، ثمَّ أمر به فجرِّد وضُرب مائة سوط ، ثمَّ خلّی عنه ومضی. رواه ابن حبیب. الأغانی (1) (15 / 119)

ومن مُلَح الکمیت : أنَّ الفرزدق مرَّ به وهو ینشد ، والکمیت یومئذ صبیّ ، فقال له الفرزدق : أیسرُّک أنّی أبوک؟. فقال : لا ، ولکن یسرُّنی أن تکون أمّی! فَحَصِرَ الفرزدق فأقبل علی جلسائه ، وقال : ما مرَّ بی مثل هذا قطٌّ. الأغانی (2) (15 / 123)

ولادته وشهادته :

وُلد الکمیت فی سنة ستِّین - عام شهادة الإمام السبط الشهید صلوات الله علیه - وعاش عیشة مرضیّة سعیداً فی دنیاه ، باذلاً کلّه فی سبیل ما اختاره له ربّه ، داعیاً إلی سنن الهدی ، حتی أُتیحت له الشهادة ببرکة دعاء الإمام زین العابدین علیه السلام له بها ، وبعین الله ما هُریق من دمه الطاهر ، وذلک بالکوفة فی خلافة مروان بن محمد سنة (126).

وکان سبب موته ما حکاه حجر بن عبد الجبّار قال : خرجت الجعفریّة (3) علی خالد القسری وهو یخطب علی المنبر ولا یعلم بهم ، فخرجوا فی التبابین (4) ینادون : لبّیک جعفر ، لبّیک جعفر ، وعرف خالد خبرهم وهو یخطب ، فدهش بهم ، فلم یعلم ما یقول فزعاً فقال : اطعمونی ماءً! ثمَّ خرج الناس إلیهم فأُخذوا ، فجعل یجیء بهم إلی المسجد ، ویُؤخذ طنُّ قصب فیُطلی بالنفط ، ویُقال للرجل منهم : احتضنه. ویُضرب حتی یفعل. ثمَّ یحرق ، فحرقهم جمیعاً ، فلمّا عزل خالدٌ عن العراق وولیه ط.

ص: 298


1- الأغانی : 17 / 17.
2- الأغانی : 17 / 26.
3- هم : المغیرة بن سعید وبیان وأصحابهما الستّة ، وکانوا یسمّون : الوصفاء. (المؤلف)
4- التبابین : جمع تُبّان ، وهو سراویل صغیر مقدار شبر یستر العورة فقط.

یوسف بن عمر دخل علیه الکمیت ، وقد مدحه بعد قتله زید بن علیّ ، فأنشده قوله فیه :

خرجت لهم تمشی البراح ولم تکن

کمن حصنه فیه الرتاج المضبَّبُ

وما خالدٌ یستطعم الماء فاغراً

بعدلک والداعی إلی الموت ینعبُ

قال : والجند قیامٌ علی رأس یوسف بن عمر - وهم ثمانیة - فتعصّبوا لخالد ، فوضعوا نعال سیوفهم فی بطن الکمیت ، فوجؤوه بها وقالوا : أتنشد الأمیر ولم تستأمره؟ فلم یزل ینزف الدم حتی مات. الأغانی (1) (15 / 121)

وحدّث المستهل (2) بن الکمیت قال : حضرت أبی عند الموت وهو یجود بنفسه ، وأُغمی علیه ثمَّ أفاق ، ففتح عینیه ثمَّ قال : اللهمَّ آل محمد ، اللهمَّ آل محمد ، اللهمّ آل محمد - ثلاثاً -. ثمّ قال : یا بُنیَّ وددت أنّی لم أکن هجوت نساء بنی کلب بهذا البیت وهو :

مع العُضروطِ والعُسفاء ألْقَوْا

برادعَهُنَّ غیر مُحصَّنینا (3)

فعمّمتهنَّ قذفاً بالفجور ، والله ما خرجت لیلاً قطُّ إلاّ خشیت أن أُرمی بنجوم السماء لذلک.

ثمّ قال : یا بنیَّ إنّه بلغنی فی الروایات أنّه یُحفر بظهر الکوفة خندقٌ ، ویُخرج فیه الموتی من قبورهم ، ویُنبشون منها فیُحوَّلون إلی قبور غیر قبورهم ؛ فلا تدفنّی فی الظهر ، ولکن إذا متُّ فامض بی إلی موضع یقال له مکران ، فادفنّی فیه ، فدفن فی ذلک الموضع ، وکان أوّل من دُفن فیه ، وهو مقبرةُ بنی أسد إلی الساعة. الأغانی (4) (15 / 130) ، المعاهد (5) (2 / 131). 8.

ص: 299


1- الأغانی : 17 / 22.
2- کان المستهل من الشعراء المعروفین وله دیوان ، کما فی فهرست ابن الندیم : ص 233. (المؤلف)
3- العضروط : الخادم علی طعام بطنه. والعسیف : الأجیر.
4- الأغانی : 17 / 43.
5- معاهد التنصیص : 3 / 106 رقم 148.

ص: 300

2 - السیّد الحمیری

المتوفّی (173)

- 1 -

یا بائعَ الدین بدنیاهُ

لیس بهذا أَمَرَ اللهُ

من أین أبغضتَ علیَّ الوصیَ

وأحمدٌ قد کان یرضاهُ

من الذی أحمدُ من بینهم

یوم غدیر الخُمِّ ناداهُ

أقامَهُ من بین أصحابِه

وهم حوالیهِ فسماهُ

هذا علیُّ بن أبی طالبٍ

مولیً لمن قد کنتُ مولاهُ

فوالِ من والاهُ یا ذا العلا

وعادِ من قد کان عاداهُ

- 2 -

هلاّ وقفتَ علی المکانِ المُعشِبِ

بین الطُّوَیْلعِ فاللّوی من کَبْکَبِ

ویقول فیها :

وبخُمٍّ اذ قال الإلهُ بعزمهِ

قم یا محمدُ فی البریّةِ فاخطُبِ

وانصبْ أبا حسنٍ لقومک إنّه

هادٍ وما بلّغتَ إنْ لم تَنْصِبِ

فدعاهُ ثمَّ دعاهُمُ فأقامَهُ

لهُمُ فبینَ مصدِّقٍ ومکذِّبِ

جعل الولایةَ بعده لمُهذَّبٍ

ما کان یجعلُها لغیرِ مهذَّبِ

ص: 301

وله مناقبُ لا تُرامُ متی یُرِدْ

ساعٍ تناول بعضها بتذبذبِ

إنّا نَدین بحبِّ آلِ محمدٍ

دیناً ومن یُحبِبهمُ یستوجبِ

منّا المودّة والولاء ومن یُرِدْ

بدلاً بآل محمدٍ لا یُحببِ

ومتی یَمُت یَرِدِ الجحیمَ ولا یَرِدْ

حوضَ الرسولِ وإن یَرِدْهُ یُضرَبِ

ضربَ الُمحاذِرِ أنْ تعرَّ رِکابهُ

بالسوط سالفة البعیر الأجربِ

وکأنَّ قلبی حین یَذکرُ أحمداً

ووصیَّ أحمدٍ نیطَ من ذی مخلبِ

بذُری القوادم من جَناح مصعّدٍ

فی الجوِّ أو بذُری جناحٍ مصوبِ

حتی یکادَ من النزاع إلیهما

یَفری الحجابَ عن الضلوع القُلَّبِ

هبةٌ وما یهب الإله لعبده

یزدد ومهما لا یَهبْ لا یُوهَبِ

یمحو ویُثبتُ ما یشاءُ وعنده

علمُ الکتابِ وعلمُ ما لم یُکتبِ

هذه القصیدة ذات (112) بیتاً تسمّی بالمذهَّبة ، شرحها سیِّد الطائفة الشریف المرتضی (1) ، علم الهدی ، وطبعت بمصر (1313) ، وقال فی شرح قوله :

وانصبْ أبا حسنٍ لقومِکَ إنَّهُ

هادٍ وما بَلّغتَ إنْ لم تَنصبِ

هذا اللفظ - یعنی النصب - لا یلیق إلاّ بالإمامة والخلافة دون المحبّة والنصرة ، وقوله : جعل الولایة بعده لمهذَّب صریحٌ فی الإمامة ؛ لأنَّ الإمامة هی التی جُعلت له بعده ، والمحبّة والنصرة حاصلتان فی الحال وغیر مختصّتین بعد الوفاة.

وشرحها أیضاً الحافظ النسّابة الأشرف ابن الأغرّ المعروف بتاج العُلی الحسینی المتوفّی (610).

ی)

ص: 302


1- طبع فی القاهرة سنة (1313 ه) مع مسار الشیعة للشیخ المفید ، وطبع وحده فی بیروت سنة (1970 م) من منشورات دار الکتاب الجدید وتحقیق محمد الخطیب تحقیقاً أخرج الکتاب عن طابعه الشیعی! وطبع فی قم سنة (1410 ه) ضمن سلسلة رسائل الشریف المرتضی / المجموعة الرابعة : ص 132. (الطباطبائی)

- 3 -

خف یا محمدُ فالقَ الإصباح

وأَزِل فساد الدینِ بالإصلاحِ

أتسُبُّ صِنْوَ محمدٍ ووصیّه

ترجو بذاک الفوزَ بالإنجاحِ

هیهاتَ قد بعدا علیک وقرّبا

منک العذابَ وقابضَ الأرواحِ

أوصی النبیُّ له بخیرِ وصیّةٍ

یومَ الغدیرِ بأَبْیَنِ الإفصاحِ

مَن کنتُ مولاهُ فهذا واعلموا

مولاهُ قولَ إشاعةٍ وصُراحِ

قاضی الدیونِ ومرشدٌ لکُمُ کما

قد کنتُ أرشُد من هدیً وفلاحِ

أغویتَ أمِّی وهی جِدُّ ضعیفةٍ

فَجَرَت بقاعِ الغیِّ جَرْیَ جِماحِ

بالشتم للعَلَمِ الإمامِ ومن لهُ

إرثُ النبیِّ بأوْکدِ الإیضاحِ

إنّی أخافُ علیکما سَخَطَ الذی

أرسی الجبالَ بسبسبٍ صَحْصَاحِ

أبویَّ فاتّقیا الإله وأَذْعِنا

للحقِ (1)

هذه الأبیات رواها المرزبانی (2) ، کتبها السیِّد إلی والدیه یدعوهما إلی التشیّع وولاء أمیر المؤمنین ، وینهاهما عن سبّه ، وکانا إباضیّین.

- 4 -

إذا أنا لم أحفظ وَصَاةَ محمدٍ

ولا عهده یومَ الغدیر المؤکّدا

فإنّی کمن یشری الضلالة بالهدی

تنصّر من بعد الهدی أو تهوّدا

وما لی وتیماً أو عَدِیّا وإنّما

أولو نعمتی فی اللهِ من آلِ أحمدا

تتِمُّ صلاتی بالصلاةِ علیهمُ

ولیستْ صلاتی بعد أن أتشهّدا

بکاملةٍ إن لم أُصلِّ علیهمُ

وأدعُ لهم ربّا کریماً ممجَّدا

5.

ص: 303


1- هکذا وجدناه بیاضا فی الأصل [وفی الطبعة التی بین أیدینا توجد هذه العبارة مکان البیاض : تعتصما بحبل نجاح]. (المؤلف)
2- أخبار السیِّد الحمیری : ص 155.

بذلتُ لهم وُدّی ونصحی ونصرتی

مدی الدهر ما سُمِّیتُ یا صاحِ سَیِّدا

وإنَّ امرأً یُلحی علی صدقِ ودِّهم

أحقُّ وأولی فیهمُ أن یُفنَّدا

فإن شئتَ فاختر عاجلَ الغمِّ ضلّةً

وإلاّ فأمسِک کی تُصانَ وتُحمدا

هذه القصیدة یوجد منها (25) بیتاً. روی أبو الفرج فی الأغانی (1) (7 / 262):

إنَّ أبا الخلاّل العتکی دخل علی عقبة بن سَلْم ، والسیِّد عنده وقد أمر له بجائزة ، وکان أبو الخلاّل شیخ العشیرة وکبیرها ، فقال له : أیّها الأمیر أتعطی هذه العطایا رجلاً ما یفتر من سبِّ أبی بکر وعمر؟ فقال له عقبة : ما علمتُ ذاک ، وما أعطیته إلاّ علی العِشرة والمودّة القدیمة ، وما یوجبه حقُّه وجواره مع ما هو علیه من موالاة قوم یلزمنا حقّهم ورعایتهم. فقال له أبو الخلاّل : فَمُرْهُ إن کان صادقاً أن یمدح أبا بکر وعمر حتی نعرف براءته ممّا یُنسب إلیه من الرفض. فقال : قد سمعک فإن شاء فعل. فقال السیِّد :

إذا أنا لم أحفظ وَصَاة محمد

ولا عهده یومَ الغدیر المؤکّدا

إلی آخر الأبیات ، ثمَّ نهض مغضباً.

فقام أبو الخلاّل إلی عقبة فقال : أَعذنی من شرِّهِ أعاذک الله من السوء أیُّها الأمیر ، قال : قد فعلتُ علی أن لا تَعرِضَ له بعدها.

- 5 -

قد أطلتم فی العذلِ والتنقیدِ

بهوی السیِّد الإمامِ السدیدِ

یقول فیها :

یوم قام النبیُّ فی ظلِّ دَوحٍ

والوری فی وَدیقةٍ صیخودِ (2)

ف)

ص: 304


1- الأغانی : 7 / 282.
2- الودیقة : شدّة الحرّ. والصّیخود : شدیدُ الحرّ ، یقال : یوم صیخود وصخدان. (المؤلف)

رافعاً کفّه بیمنی یدیه

بائحاً باسمه بصوتٍ مدیدِ

أیُّها المسلمون هذا خلیلی

ووزیری ووارثی وعقیدی

وابنُ عمّی ألا فمن کنتُ مولاهُ

فهذا مولاهُ فارعَوا عهودی

وعلیٌّ منّی بمنزل هارونَ

بن عمرانَ من أخیه الودودِ

- 6 -

أجدَّ بآل فاطمةَ البُکورُ

فدمعُ العینِ مُنْهَلٌّ غزیرُ

یقول فیها :

لقد سمعوا مقالتهُ بخُمٍ

غداةَ یضمُّهمُ وهو الغدیرُ

فمن أولی بکمْ منکمْ فقالوا

مقالةَ واحدٍ وهُمُ الکثیرُ

جمیعاً أنت مولانا وأولی

بنا منّا وأنت لنا نذیرُ

فإنَّ ولیّکم بعدی علیٌ

ومولاکم هو الهادی الوزیرُ

وزیری فی الحیاة وعند موتی

ومن بعدی الخلیفةُ والأمیرُ

فوالی اللهُ من والاهُ منکمْ

وقابله لدی الموتِ السرورُ

وعادی اللهُ من عاداهُ منکم

وحلَّ به لدی الموت الثبورُ

- 7 -

ألا الحمد للهِ حمداً کثیرا

ولیِّ المَحامدِ ربّا غفورا

هدانی إلیه فوحّدتُهُ

وأخلصتُ توحیدَهُ المستنیرا

ویقول فیها :

لذلک ما اختاره ربُّهُ

لخیر الأنام وَصیّا ظهیرا

فقام بخُمٍّ بحیثُ الغدیرُ

وحطَّ الرحالَ وعافَ المسیرا

وقُمَّ له الدوحُ ثمَّ ارتقی

علی منبرٍ کان رحلاً وکورا

ص: 305

ونادی ضحیً باجتماع الحجیجِ

فجاءوا إلیه صغیراً کبیرا

فقال وفی کفِّه حیدرٌ

یُلیحُ إلیه مُبیناً مُشیرا

ألا إنَّ من أنا مولیً لهُ

فمولاه هذا قَضاً لن یجورا

فهل أنا بلّغتُ قالوا نعم

فقال اشهدوا غُیَّباً أو حضورا

یبلّغ حاضرُکمْ غائباً

وأُشهد ربِّی السمیعَ البصیرا

فقوموا بأمر مَلیکِ السما

یبایعْهُ کلٌّ علیه أمیرا

فقاموا لبیعته صافقینَ

أکفّا فأوجس منهم نکیرا

فقال إلهیَ والِ الولیَ

وعادِ العدوَّ له والکفورا

وکن خاذلاً للأُلی یخذلون

وکن للأُلی ینصرون نصیرا

فکیف تری دعوة المصطفی

مجاباً بها أو هباءً نثیرا

أُحبّک یا ثانیَ المصطفی

ومن أشهدَ الناسَ فیه الغدیرا

وأشْهدُ أنَّ النبیَّ الأمینَ

بلّغ فیک نداءً جهیرا

وأنَّ الذین تعادَوا علیک

سیُصلَون ناراً وساءت مصیرا

- 8 -

قف بالدیار وحَیِّهنَّ دیارا

واسقِ الرسومَ المَدمعَ المِدرارا

کانت تحِلُّ بها النوارُ وزینبٌ

فرعی إلهی زینباً ونَوارا

قل للذی عادی وصیَّ محمدٍ

وأبان لی من لفظه إنکارا

یقول فیها :

من خاصفٌ نعلَ النبیِّ محمدٍ

یُرضی بذاک الواحدَ الغفّارا

فیقول فیهِ معلناً خیرُ الوری

جهراً وما ناجی به إسرارا

هذا وصیّی فیکمُ وخلیفتی

لا تجهلوهُ فترجعوا کفّارا

وله بیوم الدوحِ أعظمُ خطبةٍ

أدّی بها وحیَ الإلهِ جَهارا

ص: 306

- 9 -

بلغ سوّار بن عبد الله العَنْبَریّ قاضی البصرة قول شاعرنا السیِّد الحمیری فی حدیث الطائر المشویِّ المتّفق علیه :

لمّا أتی بالخبرِ الأنبلِ

فی طائرٍ أُهدی إلی المرسَلِ

فی خبرٍ جاء أبانٌ بهِ

عن أنسٍ فی الزمن الأوّلِ

هذا وقیسُ الحَبْرُ یرویه عنْ

سفینةٍ ذی القُلّب الحُوَّلِ

سفینةٌ یمکن من رشده

وأَنسٌ خان ولم یَعدِلِ

فی ردِّه سیِّدَ کلِّ الوری

مولاهمُ فی المُحْکم المنزلِ

فصدّه ذو العرش عن رشده

وشانه بالبَرَصِ الأنکلِ

فقال سوّار : ما یدع هذا أحداً من الصحابة إلاّ رماه بشعر یُظهر عواره ، وأمر بحبسه ، فاجتمع بنو هاشم والشیعة ، وقالوا له : والله لئن لم تخرجه وإلاّ کسرنا الحبس وأخرجناه ، أیمتدحک شاعرٌ فتثیبه ویمتدح أهل البیت شاعرٌ فتحبسه؟ فأطلقه علی مضض ، فقال یهجوه :

قولا لسوّارٍ أبی شملةٍ

یا واحداً فی النَوْک والعارِ

ما قلتُ فی الطیرِ خلافَ الذی

رویتَهُ أنت بآثارِ

وخبرُ المسجد إذ خصّه

محلّلاً من عَرْصَة الدارِ

إن جُنُباً کان وإن طاهراً

فی کلِّ إعلانٍ وإسرارِ

وأخرج الباقین منه معاً

بالوحی من إنزال جبّارِ

حَبَا علیّا وحسیناً معاً

والحسنَ الطُّهْرَ لأطهارِ

وفاطماً أهلَ الکساءِ الأُلی

خُصّوا بإکرامٍ وإیثارِ

فمبغض الله یری بغضَهمُ

یصیر للخزی وللنارِ

علیه من ذی العرش فی فعلِهِ

وسمٌ یراه العائبُ الزاری

ص: 307

وأنتَ یا سوّارُ رأسٌ لهمْ

فی کلِّ خزیٍ طالب الثارِ

تعیبُ من آخاه خیرُ الوری

من بین أطهارٍ وأخیارِ

وقال فی خُمٍّ له معلناً

ما لم یُلقّوه بإنکارِ

من کنت مولاهُ فهذا له

مولیً فکونوا غیر کفّارِ

فعوِّلوا بعدی علیه ولا

تبغُوا سَراب المَهْمَهِ الجاری (1)

وقال یهجو سوّار القاضی بعد موته (2) :

یا من غدا حاملاً جُثمان سوّارِ

من داره ظاعناً منها إلی النارِ

لا قدّس الله روحاً کان هیکلَها

لقد مضت بعظیمِ الخزی والعارِ

حتی هوت قعرَ بُرهوتٍ معذَّبةً

وجسمُه فی کنیفٍ بین أقذارِ

لقد رأیتُ من الرحمن معجبةً

فیه وأحکامُهُ تجری بمقدارِ

فاذهب علیکَ من الرحمن بَهلتُه (3)

یا شرَّ حیٍّ یراه الواحد الباری

یا مبغضاً لأمیر المؤمنین وقد

قال النبیُّ له من دون إنکارِ

یومَ الغدیر وکلُّ الناس قد حضروا

من کنت مولاهُ فی سرٍّ وإجهارِ

هذا أخی ووصیِّی فی الأمور ومن

یقوم فیکم مقامی عند تذکاری

یا ربِّ عادِ الذی عاداهُ من بشرٍ

وأَصْلِهِ فی جحیمٍ ذاتِ إسعارِ

وأنت لا شکَّ عادیتَ الإلهَ بهِ

فیا جحیمُ ألا هُبِّی لِسوّارِ

- 10 -

لأمِّ عمروٍ باللوی مَرْبَعُ

طامسةٌ أعلامُها بلقعُ

تروع عنها الطیرَ وحشیّةً

والوحشُ من خِیفته تفزعُ

ة.

ص: 308


1- أعیان الشیعة : 3 / 415.
2- الأغانی : 7 / 288 وذکر منها خمسة أبیات.
3- البهلة : اللعنة.

رُقشٌ یخافُ الموت من نفثها

والسمُّ فی أنیابها مُنقَعُ

برسمِ دارٍ ما بها مؤنسٌ

إلاّ صلالٌ فی الثری وُقَّعُ

لمّا وقفتُ العیسَ فی رسمِها

والعینُ من عِرفانِه تدمعُ

ذکرتُ من قد کنتُ ألهو به

فبِتُّ والقلبُ شجٍ موجعُ

کأنَّ بالنار لِما شَفّنی

من حُب أَروی کبدی تُلْذعُ

عجبتُ من قومٍ أَتَوا أَحمداً

بخُطّةٍ لیس لها موضعُ

قالوا له لو شئتَ أَعلَمْتَنا

إلی منِ الغایةُ والمفزعُ

إذا تُوفِّیتَ وفارقتَنا

وفیهمُ فی المُلک من یطمعُ

فقال لو أعْلَمْتُکُمْ مَفزَعاً

کنتمْ عَسَیتُم فیه أنْ تصنعوا

صنیعَ أهل العِجْلِ إذ فارقوا

هارونَ فالتّرک له أَوسعُ

وفی الذی قال بیانٌ لمن

کان إذا یعقلُ أو یسمعُ

ثمَّ أَتتهُ بعد ذا عَزْمةٌ

من ربِّه لیس لها مَدفعُ

بلّغ وإلاّ لم تکن مُبْلِغاً

واللهُ منهم عاصمٌ یمنَعُ

فعندها قامَ النبیُّ الذی

کان بما یؤمرُ به یَصدعُ

یخطِبُ مأموراً وفی کفِّهِ

کفُّ علیٍّ ظاهرٌ تلمعُ

رافعها أکرم بکفِّ الذی

یرفع والکفُّ التی ترفعُ

یقول والأملاک من حوله

والله فیهم شاهدٌ یسمعُ

من کنت مولاه فهذا له

مولیً فلم یرضَوا ولم یقنعوا

فاتّهموهُ وحَنَتْ فیهمُ

علی خلاف الصادق الأضلعُ

وضلَّ قومٌ غاظهم فعلُهُ

کأنَّما آنافهم تُجدعُ

حتی إذا وارَوْهُ فی لَحدِهِ

وانصرفوا عن دفنه ضیّعوا

ما قال بالأمس وأوصی به

واشتروا الضرَّ بما ینفعُ

القصیدة (54) بیتاً

ص: 309

ما یتبع الشعر

عن فضیل الرسّان قال : دخلت علی جعفر بن محمد علیه السلام أُعزّیه عن عمِّه زید ، ثمَّ قلت : ألا أنشدک شعر السیِّد؟ فقال : «أنشد» ، فأنشدته قصیدة یقول فیها :

فالناسُ یومَ البعث رایاتهمْ

خمسٌ فمنها هالکٌ أربعُ

قائدها العجلُ وفِرعَونهمْ

وسامریُّ الأمّة المفْظعُ

ومارقٌ من دینه مخرَجٌ

أسودُ عبدٌ لُکَع أوکعُ

ورایةٌ قائدها وجهه

کأنَّه الشمس إذا تطلعُ

فسمعت نحیباً من وراء الستور ، فقال : «من قائل هذا الشعر؟». فقلت : السیِّد. فقال : «رحمه الله». فقلت : جعلت فداک ، إنّی رأیته یشرب الخمر. فقال : «رحمه الله فما ذنبٌ علی الله أن یغفره لآل علیّ ، إنَّ محبَّ علیٍّ لا تزلُّ له قدمٌ إلاّ تثبت له أخری». الأغانی (1) (7 / 251).

ورواه أیضاً فی الأغانی (2) (7 / 241) وفیه : فسألنی لمن هی؟ فأخبرته أنَّها للسیِّد ، وسألنی عنه فعرّفته وفاته (3). فقال : «رحمه الله». قلت : إنّی رأیته یشرب النبیذ فی الرستاق. قال : «أتعنی الخمر؟». قلت : نعم. قال : «وما خطرُ ذنبٍ عند الله أن یغفره لُمحبِّ علیٍّ علیه السلام؟».

وروی الحافظ المرزبانی فی أخبار السیِّد (4) ، عن فُضیل ، قال : دخلت علی أبی عبد الله علیه السلام بعد قتل زید ، فجعل یبکی ویقول : «رحم الله زیداً إنّه لَلعالم الصدوق ، 9.

ص: 310


1- الأغانی : 7 / 272.
2- الأغانی : 7 / 261.
3- هذه الکلمة دخیلة لا تتمُّ. إذ الحمیری توفّی بعد وفاة الإمام الصادق علیه السلام بسنین. ولا توجد هی فی روایة المرزبانی والکشّی. (المؤلف)
4- أخبار السیِّد الحمیری : ص 159.

ولو ملک أمراً لعرف أین یضعه».

فقلت : أنشدک شعر السیِّد؟ فقال : «أمهل قلیلاً». وأمر بستور فسدلت ، وفتحت أبوابٌ غیر الأولی ، ثمَّ قال : «هات ما عندک». فأنشدته :

لأُمّ عمرو باللّوی مربعُ

طامسةٌ أعلامُها بلقعُ

وذکر (13) بیتاً.

فسمعت نحیباً من وراء الستور ونساء یبکین ، فجعل یقول : «شکراً لک یا إسماعیل قولک». فقلت له : یا مولای إنّه یشرب نبیذ الرساتیق. فقال : «یلحق مثله التوبة ، ولا یکبُرُ علی الله أن یغفر الذنوب لمحبّنا ومادحنا».

ورواه الکشّی فی رجاله (1) (ص 184) بتغییر یسیر فی بعض ألفاظه.

وروی أبو الفرج فی الأغانی (2) (7 / 251) عن زید بن موسی بن جعفر علیهما السلام أنَّه قال : رأیت رسول الله صلی الله علیه وسلم فی النوم ، وقدّامه رجلٌ جالس علیه ثیاب بیض ، فنظرت إلیه فلم أعرفه ، إذ التفت إلیه رسول الله فقال : یا سیِّد أنشدنی قولک :

لأُمِّ عمرو باللّوی مربعُ

طامسةٌ أعلامُها بلقعُ

فأنشده إیّاها کلَّها ما غادر منها بیتاً واحداً ، فحفظتُها عنه کلّها فی النوم. قال أبو إسماعیل : وکان زید بن موسی لحّانة ردیء الإنشاد ، فکان إذا أنشد هذه القصیدة لم یتتعتع فیها ولم یلحن ، وهذا الحدیث رواه الحافظ المرزبانی فی أخبار السیِّد (3).

وفی الأغانی (4) (7 / 279) عن أبی داود المسترقّ عن السیِّد : أنّه رأی النبیّ صلی الله علیه وسلم 5.

ص: 311


1- رجال الکشّی : 2 / 570 رقم 505.
2- الأغانی : 7 / 271.
3- أخبار السیِّد الحمیری : ص 161.
4- الأغانی : 7 / 295.

فی النوم فاستنشده فأنشد قوله :

لأُمّ عمرو باللّوی مربعُ

طامسةٌ أعلامها بَلْقَعُ

حتی انتهی إلی قوله :

قالوا له لو شئت أعلمتنا

إلی مَنِ الغایة والمفزعُ

فقال : حسبک. ثمَّ نفض یده وقال : قد والله أَعْلَمْتُهمْ.

وقال الشریف الرضی فی خصائص الأئمّة (1) : حُکی أنَّ زید بن موسی بن جعفر بن محمد علیهم السلام رأی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی المنام کأنّه جالسٌ مع أمیر المؤمنین علیه السلام فی موضعٍ عالٍ شبیه بالمُسَنّاة وعلیها مَراقٍ ، فإذا منشد ینشد قصیدة السیِّد بن محمد الحمیری هذه ، وأوّلها :

لأُمِّ عمرو باللّوی مَرْبَعُ

طامسةٌ أعلامها بلقعُ

حتی انتهی إلی قوله :

قالوا له لو شئتَ أعلمتنا

إلی من الغایةُ والمفزعُ

قال : فنظر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إلی أمیر المؤمنین علیه السلام وتبسّم وقال : أَوَلَمْ أُعلِمهم؟ أَوَلَم أُعلِمْهم؟ أَوَلَم أُعلِمْهم؟ ثمَّ قال لزید : إنَّک تعیش بعدد کلِّ مرقاة رَقَیتَها سنةً واحدة.

قال : فعددت المراقی وکانت نیّفاً وتسعین مرقاة ، فعاش زید نیّفاً وتسعین سنة ، وهو الملقّب بزید النار.

قال العلاّمة المجلسی فی بحار الأنوار (2) (11 / 150) : وجدت فی بعض تألیفات

3.

ص: 312


1- خصائص الأئمة : ص 44 - 45 ، خصائص أمیر المؤمنین : ص 9 - 11.
2- بحار الأنوار : 47 / 328 - 333.

أصحابنا أنَّه روی بإسناده عن سهل بن ذبیان ، قال : دخلت علی الإمام علیِّ بن موسی الرضا علیه السلام فی بعض الأیّام قبل أن یدخل علیه أحدٌ من الناس ، فقال لی : «مرحباً بک یا ابن ذبیان ، الساعة أراد رسولنا أن یأتیک لتحضر عندنا». فقلت : لما ذا یا ابن رسول الله؟ فقال : «لمنام رأیتُهُ البارحة ، وقد أزعجنی وأرّقنی». فقلت : خیراً یکون إن شاء الله تعالی. فقال : «یا ابن ذبیان ، رأیت کأنّی قد نُصِب لی سُلَّمٌ فیه مائة مرقاة فصعدت إلی أعلاه». فقلت : یا مولای ، أُهنِّیک بطول العمر ، وربما تعیش مائة سنة. فقال علیه السلام : «ما شاء الله کان».

ثمَّ قال : «یا ابن ذبیان ، فلمّا صعدت إلی أعلی السلّم رأیت کأنّی دخلت فی قبّة خضراء یُری ظاهرها من باطنها ، ورأیت جدّی رسول الله جالساً وإلی یمینه وشماله غلامان حَسَنان یشرق النور من وجههما ، ورأیت امرأة بهیّة الخلقة ، ورأیت بین یدیه شخصاً بهیَّ الخلقة جالساً عنده ، ورأیت رجلاً واقفاً بین یدیه وهو یقرأ :

لأُمِّ عمرو باللوی مربع

طامسةٌ أعلامها بَلْقَعُ

فلمّا رآنی النبیُّ قال لی : مرحباً بک یا ولدی یا علیَّ بن موسی الرضا ، سلِّم علی أبیک علیّ. فسلّمت علیه ، ثمَّ قال لی : سلِّم علی أمِّک فاطمة الزهراء علیها السلام ، فسلّمت علیها ، فقال لی : فسلّم علی أبویک الحسن والحسین. فسلّمت علیهما ، ثمّ قال لی : وسلّم علی شاعرنا ومادحنا فی دار الدنیا السیِّد إسماعیل الحمیری. فسلّمت علیه وجلست ، فالتفت النبیُّ إلی السیِّد إسماعیل ، وقال له : عُد إلی ما کنّا فیه من إنشاد القصیدة ، فأنشد یقول :

لأمِّ عمرو باللوی مربعُ

طامسةٌ أعلامها بَلْقَعُ

فبکی النبیُّ صلی الله علیه وآله وسلم ، فلمّا بلغ إلی قوله :

ووجهه کالشمس إذ تطلعُ

ص: 313

بکی النبیُّ وفاطمة ومن معه ، ولمّا بلغ إلی قوله :

قالوا له لو شئتَ أَعْلَمتَنا

إلی منِ الغایةُ والمفزعُ

رفع النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم یدیه ، وقال : إلهی أنت الشاهد علیَّ وعلیهم أَنِّی أَعلَمتهم أنَّ الغایة والمفزع علیُّ بن أبی طالب ، وأشار بیده إلیه وهو جالسٌ بین یدیه.

قال علیُّ بن موسی الرضا : فلمّا فرغ السیِّد إسماعیل الحمیری من إنشاد القصیدة التفتَ النبیُّ إلیَّ وقال لی : یا علیّ بن موسی احفظ هذه القصیدة ومُرْ شیعتنا بحِفظها وأَعلِمْهم أنَّ من حفظها وأَدمَن قراءتها ضَمِنْتُ له الجنّة علی الله تعالی.

قال الرضا : ولم یزل یکرِّرها علیَّ حتی حفظتها منه ، والقصیدة هذه. ثمَّ ذکرها برمّتها».

قال الأمینی : هذا المنام ذکره القاضی الشهید المرعشی فی مجالس المؤمنین (1) (ص 436) نقلاً عن رجال الکشّی ، ولم یوجد فی المطبوع منه. ولعلّ القاضی وقف علی أصل النسخة الکاملة ووجده فیه ، ونقله الشیخ أبو علیّ فی رجاله منتهی المقال (2) (ص 143) عن عیون الأخبار لشیخنا الصدوق ، وتبعه الشیخ المعاصر فی تنقیح المقال (3) (1 / 59). والسیِّد الأمین فی أعیان الشیعة (13 / 170) ، ولم نجده فی نسخ العیون المخطوطة والمطبوعة.

ورواه شیخنا المولی محمد قاسم الهزارجریبی فی شرح القصیدة ، والسیِّد الزنوزی فی الروضة الأولی من کتابه الضخم الفخم ریاض الجنّة ، والسیِّد محمد مهدی فی آخر کتابه ریاض المصائب (4). 9.

ص: 314


1- مجالس المؤمنین : 2 / 508 - 509.
2- منتهی المقال : ص 122.
3- تنقیح المقال : 1 / 143.
4- ریاض المصائب : ص 475 - 479.

شروح القصیدة :

شرح هذه العینیّة جمعٌ من أعلام الطائفة منهم :

1 - الشیخ حسین بن جمال الدین الخوانساری : المتوفّی (1099).

2 - میرزا علی خان الگلپایگانی تلمیذ العلاّمة المجلسی.

3 - المولی محمد قاسم الهزارجریبی : المتوفّی بعد سنة (1112) وقد صنّف فیها کتابه التحفة الأحمدیّة ، ویوجد هذا الشرح فی النجف الأشرف.

4 - بهاء الدین محمد بن تاج الدین الحسن الأصبهانی ، الشهیر بالفاضل الهندی المولود (1062) والمتوفّی (1135).

5 - الحاج المولی محمد حسین القزوینی : المتوفّی فی القرن الثانی عشر.

6 - الحاج المولی صالح بن محمد البرغانی.

7 - الحاج میرزا محمد رضا القراجة داغی التبریزی ، فرغ منه سنة (1289) وطبع فی تبریز سنة (1301).

8 - السیِّد محمد عبّاس ابن السیّد علی أکبر الموسوی : المتوفّی (1306) ، أحد شعراء الغدیر فی القرن الرابع عشر ، یأتی هناک شعره وترجمته.

9 - الحاج المولی حسن ابن الحاج محمد إبراهیم ابن الحاج محتشم الأَرْدَکانی : المتوفّی (1315).

10 - الشیخ بخش علی الیزدی الحائریّ : المتوفی (1320).

11 - میرزا فضل علیّ ابن المولی عبد الکریم الإیروانی التبریزی : المتوفّی سنة نیّف و (1330) مؤلِّف حدائق العارفین (1).

12 - الشیخ علیّ بن علی رضا الخوئی : المتوفّی (1350).

13 - السیِّد أنور حسین الهندی : المتوفّی (1350).

14 - السیّد علی أکبر ابن السیِّد رضیّ الرضوی القمّی : المولود سنة (1317). 7.

ص: 315


1- فی الذریعة إلی تصانیف الشیعة : 6 / 289 رقم 1554 : أنّه توفّی سنة 1337.

15 - الحاج المولی علیّ التبریزی مؤلِّف وقائع الأیّام المطبوع (1).

وخمّسها جمعٌ من العلماء والأدباء منهم : شیخنا الحُرّ العاملی صاحب الوسائل وحفیده الشیخ عبد الغنی العاملی نزیل البصرة والمتوفّی بها ، ومطلع تخمیسه :

جویً به کأس الأسی أَجرَعُ

صِرْفاً وأجفانی حَیَاً (2) تَدْمَعُ

فاسمع حدیثاً بالأسی مسمعُ

لأُمِّ عمروٍ باللّوی مربعُ

ومنهم : الشیخ حسن بن مُجلّی الخطّی ، وأوّل تخمیسه :

لا تنکروا إنْ جِیرَتی أزمعوا

هَجْراً وحبلَ الوصل قد قطّعوا

کم دِمنةٍ خاویةٍ تجزعُ

لأُمِّ عمروٍ باللّوی مربعُ

کانت بأهلِ الوُدّ إنسیّةً

تزهو بزَهرِ الروض موشیّةً

فأصبحت بالرغم منسیّةً

تروع عنها الطیر وحشیّةً

ومنهم : سیِّدنا السیِّد علیّ النقی النقوی الهندی ، الآتی شعره وترجمته فی القرن الرابع عشر ، ومستهلُّ تخمیسه :

أتنطوی فوق الأسی الأضلعُ

صبراً وترقا منِّیَ الأدمعُ؟

وذاک حیث الظعن قد أزمعوا

لأُمِّ عمروٍ باللّوی مربعُ

قد ذاکرَتهُ السُحْبُ وسْمیّةً

ولاعبَتْهُ الریحُ شرقیّةً

لأَرْسُمٍ أصبحنَ منسیّةً

تروع عنها الطیر وحشیّةً

ومن غدیریّات السیِّد الحمیری :

- 11 -

هبَّ علیَّ بالمَلامِ والعَذَلْ

وقال کم تذکرُ بالشعر الأُوَلْ

ر.

ص: 316


1- هذه الشروح وقفت علی بعضها ، ونقلت جملة منها عن الذریعة لشیخنا الرازی. (المؤلف)
2- الحیا : المطر.

کُفَّ عن الشرِّ فقلت لا تقل

ولا تخل أکفُّ عن خیر العملْ

إنّی أُحبُّ حیدراً مُناصِحاً

لمن قفا مُواثِباً لمن نَکَلْ

أُحبُّ من آمن بالله ولم

یُشرکْ به طَرفة عینٍ فی الأَزَلْ

ومن غدا نفسَ الرسول المصطفی

صلّی علیهِ اللهُ عند المُبْتَهلْ

وثانیَ النبیِّ فی یوم الکِسا

إذ طهّرَ اللهُ به منِ اشتملْ

وقال خلّفْتُ لکمْ کتابَهُ

وعترتی وکلُّ هذین ثَقَلْ

فلیت شعری کیف تُخلفوننی

فی ذا وذا إذا أردتُ المرتحلْ؟

وجاء من مکّةَ والحجیجُ قدْ

صاحبَهُ من کلِّ سَهْلٍ وجَبَلْ

حتی إذا صار بخُمٍّ جاءَهُ

جبریلُ بالتبلیغِ فیهم فنزلْ

وقُمَّ ذاک الدوحُ فاستوی علی

رَحْلٍ ونادی بعلیٍّ فارتحلْ

وقال هذا فیکمُ خلیفتی

ومن علیه فی الأمور المتّکلْ

نحن کهاتین وأومأ باصبَعٍ

من کفِّه عن إصبَعٍ لم تنفصِلْ

لا تبتغوا بالطّهر عنهُ بَدَلاً

فلیس فیکم لعلیٍّ مِن بَدلْ

ثمَّ أدارَ کفّهُ لکفِّهِ

یرفعُها منه إلی أعلی مَحَلْ

فقال بایعوا له وسلّموا ال

- أمرَ إلیه واسلموا من الزللْ

ألست مولاکم فذا مولیً لکم

واللهُ شاهدٌ بذا عزَّ وجلْ

یا ربِّ والِ من یوالی حیدراً

وعادِ من عاداهُ واخذُلْ من خَذَلْ

یا شاهدی بلّغتُ ما أنزلهُ

إلیَّ جبریلُ وعنهُ لم أَحُلْ

فبایَعُوا وهنَّئوا وبَخْبَخوا

والصدرُ مطویٌّ لهُ علی دَغلْ

فقل لمن ینقِمُ منه ما رأی؟

وقل لمن یَعدِلُ عنه لِمْ عدلْ؟

- 12 -

أَعلِمانی أیَّ برهانٍ جَلِی

فتقولان بتفضیل علی؟

بعد ما قام خطیباً مُعْلِناً

یوم خُمٍّ باجتماعِ المحفلِ

ص: 317

أَحمدُ الخیر ونادی جاهراً

بمقالٍ منه لم یفْتَعِلِ

قال إنَّ الله قد أخبَرنی

فی معاریضِ الکتابِ المُنْزَلِ

إنَّه أکملَ دیناً قیِّماً

بعلیٍّ بعد أن لم یَکْمُلِ

وهو مولاکمْ فویلٌ للذی

یتولّی غیرَ مولاه الولی

وهو سیفی ولسانی ویدی

ونصیری أبداً لم یَزَلِ

وهو صنوی وصفیِّی والذی

حُبُّهُ فی الحشر خیرُ العملِ

نوره نوری ونوری نوره

وهو بی متّصِلٌ لم یُفْصَلِ

وهو فیکم من مقامی بَدَلٌ

وَیْلُ من بَدَّلَ عهدَ البدلِ

قولُهُ قولی فمَنْ یأمرهُ

فلیُطعْهُ فیهِ ولَیمتثلِ

إنَّما مولاکُمُ بعدی إذا

حان موتی ودنا مُرتحلی

ابن عمّی ووصیِّی وأخی

ومُجیبی فی الرعیل الأوَّلِ

وهو بابٌ لعلومی فسقوا

ماءَ صبر بنقیع الحنظلِ

قطّبوا فی وجهِهِ وائتمروا

بینهم فیهِ بأمرٍ مُعْضِلِ

- 13 -

أَشهدُ باللهِ وآلائهِ

والمرءُ عمّا قاله یُسألُ

أنَّ علیَّ بنَ أبی طالبٍ

خلیفةُ الله الذی یَعدِلُ

وأنَّه قد کان من أحمدٍ

کمِثلِ هارونَ ولا مرسَلُ

لکن وصیٌّ خازنٌ عندهُ

عِلمٌ من الله به یعملُ

قد قام یوم الدوحِ خیرُ الوری

بوجهِهِ للناس یستقبلُ

وقال من قد کنت مولیً له

فذا لهُ مولیً لکم موئلُ

لکنْ تواصوا بعلیِّ الهدی

أن لا یُوالوه وأن یخذلوا

- 14 -

قام النبیُّ یوم خُمٍّ خاطباً

بجانب الدوحاتِ أو حیالها

ص: 318

فقال منْ کنت له مولیً فذا

مولاه ربِّی اشهدْ مراراً قالَها

قالوا سمعنا وأطعنا کلُّنا

وأسرعوا بالألسنِ اشتغالها

وجاءه مشیخَةٌ یقدمهمْ

شیخٌ یُهنّی حیدراً مثالها

قال له بخٍ بخٍ من مثلُکا

أصبحتَ مولی المؤمنین یا لَها

یا عجباً وللزمان عجبٌ

تلقی ذوو الفکرِ به ضلالَها

إنَّ رجالاً بایَعَتْهُ إنَّما

بایعتِ اللهَ ، فما بدا لها؟

وکیف لم تشهد رجالٌ عندما

استَشْهَدَ فی خطبتهِ رجالَها؟

وناشد الشیخَ فقال إنَّنی

کَبُرتُ حتی لم أجد أمثالَها

فقال والکاذبُ یُرمی بالتی

لیس تواری عِمّة تنالها

أشار فی الأبیات الأخیرة إلی ما مرّ (1 / 166 - 185 و 191 - 195) من حدیث مناشدة أمیر المؤمنین علیه السلام فی الرحبة بحدیث الغدیر لمّا نُوزعَ فی خلافته ، وکتمان أنس ابن مالک شهادته له ، وإصابة دعوته علیه السلام علیه.

- 15 -

لمن طَللٌ کالوشم لم یتکلّمِ

وَنُؤیٌ وآثارٌ کترقیش معجمِ؟

ألا أیُّها العانی الذی لیس فی الأذی

ولا اللوم عندی فی علیٍّ بمحجمِ

ستأتیک منّی فی علیٍّ مقالةٌ

تسوؤک فاستأخرْ لها أو تقدّمِ

علیٌّ له عندی علی من یَعیبُه

من الناس نصرٌ بالیدینِ وبالفمِ

متی ما یُرِدْ عندی مُعادیه عیبَهُ

یجدْ ناصراً من دونِهِ غیرَ مفحَمِ

علیٌّ أحبُّ الناس إلاّ محمداً

إلیَّ فدعنی من ملامِک أو لُمِ

علیٌّ وصیُّ المصطفی وابنُ عمِّهِ

وأوّلُ من صلَّی ووحّد فاعلمِ

علیٌّ هو الهادی الإمام الذی به

أنارَ لنا من دیننا کلَّ مظلِمِ

علیٌّ ولیُّ الحوض والذائد الذی

یُذبِّب عن أرجائه کلَّ مجرمِ

ص: 319

علیٌّ قسیمُ النار من قولِهِ لها

ذَری ذا وهذا فاشربی منه واطعَمی

خذی بالشوی ممّن یُصیبُکِ منهمُ

ولا تَقربی من کان حزبی فتظلِمی

علیٌّ غداً یُدعی فیکسوه ربُّهُ

ویُدنیه حقّا من رفیقٍ مکرَّمِ

فإن کنتَ منه یوم یُدنیه راغماً

وتُبدی الرضا عنه من الآن فارغمِ

فإنّک تلقاه لدی الحوض قائماً

مع المصطفی الهادی النبیِّ المعظَّمِ

یُجیزانِ من والاهُما فی حیاتِهِ

إلی الروحِ والظلِّ الظَّلیل المُکمَّمِ

علیٌّ أمیرُ المؤمنین وحقُّهُ

من الله مفروضٌ علی کلِّ مسلمِ

لأنَّ رسول الله أوصی بحقِّه

وأشرَکَهُ فی کلِّ فیءٍ ومَغنمِ

وزوجته صِدِّیقةٌ لم یکن لها

مُقارِنةٌ غیر البتولةِ مریمِ

وکان کهارونَ بن عمرانَ عندَهُ

من المصطفی موسی النجیبِ المکلَّمِ

وأوجب یوماً بالغدیر ولاءَهُ

علی کلِّ بَرٍّ من فصیحٍ وأعجمِ

لدی دَوحِ خُمٍّ آخذاً بیمینه

ینادی مبیناً باسمه لم یُجَمْجِمِ

أما والذی یهوی إلی رکن بیته

بِشُعْثِ النواصی کلُّ وجناءَ عَیْهمِ (1)

یُوافینَ بالرکبانِ من کلِّ بلدةٍ

لقد ضلَّ یوم الدوح من لم یُسلِّمِ

وأوصی إلیه یوم ولّی بأمره

ومیراث علم من عُری الدین محکَمِ

القصیدة یوجد منها (42) بیتاً

قال الحافظ المرزبانی فی أخبار السیِّد (2) : إنَّ السیِّد الحمیری کتب بهذه القصیدة إلی عبد الله بن إباض رأس الإباضیة ، لمّا بلغه أنَّه یعیبُ علی علیّ علیه السلام ویتهدّد السیِّد بذکره عند المنصور بما یوجب قتله ، فلمّا وصلت إلی ابن إباض امتعض منها جدّا ، وأجلب فی أصحابه وسعی به إلی الفقهاء والقرّاء ، فاجتمعوا وصاروا إلی المنصور وهو بدجلة البصرة ، فرفعوا قصّته فأحضرهم ، وأحضر السیِّد فسألهم عن 3.

ص: 320


1- ناقة عَیْهم : أی سریعة.
2- أخبار السیِّد الحمیری : ص 172 - 173.

دعواهم ، فقالوا : إنَّه یشتم السلف ، ویقول بالرجعة ، ولا یری لک ولا لأهلک إمامة. فقال لهم : دعونی أنا واقصدوا لما فی أنفسکم.

ثمَّ أقبل علی السیِّد فقال : ما تقول فیما یقولون؟ فقال : ما أشتم أحداً ، وأنّی لأترحّم علی أصحاب رسول الله صلی الله علیه وسلم ، وهذا ابن إباض قل له یترحّم علی علیٍّ وعثمان وطلحة والزبیر.

فقال له : ترحّم علی هؤلاء. فَتَلَوّی - تثاقل - ساعة فخذفه المنصور بعُود کان بین یدیه ، وأمر بحبسه فمات فی الحبس ، وأمر بمن کان معه فضُربوا بالمقارع ، وأمر للسیِّد بخمسة آلاف درهم.

- 16 -

یا لقَومی للنبیِّ المصطفی

ولما قد نالَ من خیرِ الأُممْ

جحَدوا ما قالهُ فی صنوِه

یومَ خُمٍّ بین دوحٍ مُنتظمْ

أیُّها الناس فمن کنتُ لهُ

والیاً یوجب حقّی فی القِدمْ

فعلیٌّ هو مولاهُ لمنْ

کنتُ مولاهُ قضاءً قد حُتِمْ

أفلا ینفُذُ فیهم حکمُه

عجباً یولعُ فی القلب الضرَمْ

- 17 -

ألا إنَّ الوصیّةَ دون شک

لخیرِ الخلقِ من سامٍ وحامِ

وقال محمدٌ بغدیر خُمٍ

عن الرحمن یَنْطِقُ باعتزامِ

یصیحُ وقد أشار إلیه فیکمْ

إشارةَ غیرِ مُصغٍ للکلامِ

ألا من کنت مولاهُ فهذا

أخی مولاه فاستمعوا کلامی

فقال الشیخُ یقدِمُهمْ إلیه

وقد حُصِدت یداه من الزحامِ

ینادی أنت مولای ومولی ال

أنام فَلِمْ عصی مولی الأنامِ؟

وقد ورِث النبیَّ رِداهُ یوماً

وبُردتَه ولائِکةَ اللجامِ

ص: 321

- 18 -

علی آل الرسول وأقربیه

سلامٌ کلّما سجع الحمامُ

ألیسوا فی السماء هُمُ نجومٌ

وهم أعلام عزٍّ لا یُرامُ

فیا من قد تحیّرَ فی ضلالٍ

أمیرُ المؤمنین هو الإمامُ

رسولُ الله یومَ غدیر خُمٍ

أنافَ به وقد حَضَر الأنَامُ

تأتی القصیدة بتمامها فی ترجمته.

قال ابن المعتز فی طبقاته (1) (ص 8) : حَکَوا عن بعضهم أنّه قال : رأیت حمّالاً علیه حِملٌ ثقیلٌ وقد جهده ، فقلت : ما هذا؟ فقال : میمیّات السیِّد.

- 19 -

نفسی فداءُ رسول الله یوم أتی

جبریلُ یأمر بالتبلیغ إعلانا

إن لم تُبلّغْ فما بلّغتَ فانتصبَ

النبیُّ مُمتَثِلاً أمراً لِمَنْ دانا

وقال للناس منْ مَولاکُمُ قبلاً

یومَ الغدیر فقالوا أنت مولانا

أنت الرسولُ ونحن الشاهدون علی

أن قد نَصَحْتَ وقد بیّنتَ تِبیانا

هذا ولیُّکمُ بعدی أُمرتُ بهِ

حَتْماً فکونوا له حِزباً وأعوانا

هذا أبرُّکُمُ بِرّا وأکثرکمْ

علماً وأوّلُکم بالله إیمانا

هذا له قُربةٌ منّی ومنزلةٌ

کانت لهارون من موسی بنِ عمرانا

- 20 -

أتی جبرئیلٌ والنبیُّ بضَحْوةٍ

فقال أقم والناس فی الوَخْد (2) تُمْحَنُ

وبلّغْ وإلاّ لم تُبلّغْ رسالةً

فَحطَّ وحَطَّ الناسُ ثَمَّ ووطّنوا

علی شجراتٍ فی الغدیرِ تقادمتْ

فقام علی رَحلٍ ینادی ویُعلنُ

ل.

ص: 322


1- طبقات الشعراء : ص 36.
2- الوَخْد : ضرب من سیر الإبل.

وقال ألا من کنتُ مولاه منکُمُ

فمولاهُ من بعدی علیٌّ فأذعِنوا

فقال شقیٌّ منهمُ لقرینِهِ

وکم من شقیٍّ یستزلُّ ویفتِنُ

یمدُّ بِضَبْعَیهِ علیّا وإنَّهُ

لما بالذی لم یُؤتَهُ لَمُزیِّنُ

کأن لم یکن فی قلبه ثقةٌ به

فیا عجباً أنَّی ومن أینَ یُؤمِنُ؟!

- 21 -

منحتُ الهوی المحضَ منّی الوصیّا

ولا أمنحُ الوُدَّ إلاّ علیَّا

دعانی النبیُّ علیه السلام

إلی حبِّهِ فأجبتُ النبیَّا

فعادیتُ فیه ووالیتُهُ

وکنتُ لمولاهُ فیه ولیَّا

أقام بخُمٍّ بحیثُ الغدیرُ

فقال فأسمعَ صوتاً نَدیَّا

ألا ذا إذا متُّ مولاکمُ

فأفْهَمَهُ العُرْبَ والأعجمیَّا

- 22 -

به وصّی النبیُّ غَداةَ خُمٍ

جمیعَ الناس لو حَفِظوا النبیَّا

وناداهمُ ألست لکم بمولی

عبادَ الله فاستمعوا إلیَّا

فقالوا أنتَ مولانا وأولی

بنا منّا فضَمَّ له علیَّا

وقال لهم بصوتٍ جَهْوَرِیٍ

وأسمَع صوتَه منْ کان حیَّا

فمن أنا کنتُ مولاهُ فإنّی

جعلت له أبا حسنٍ ولیَّا

فعادی اللهُ من عاداهُ منکمْ

وکان بمن تولاّه حفیَّا

- 23 -

وقام محمدٌ بغدیر خُمٍ

فنادی مُعلِناً صَوتاً نَدِیَّا

لمن وافاهُ من عُربٍ وعُجْمٍ

وحفُّوا حول دوحته حنیَّا

ألا مَن کنتُ مولاه فهذا

له مولیً وکان به حفیَّا

ص: 323

إلهی عادِ من عادی علیّا

وکُن لِولیِّهِ ربِّی ولیَّا (1)

الشاعر

أبو هاشم وأبو عامر إسماعیل بن محمد بن یزید بن وداع الحمیری ، الملقَّب بالسیِّد.

نسبه : ذکر أبو الفرج الأصبهانی (2) وکثیرٌ من المؤرِّخین أنَّه حفید یزید بن ربیعة مفرِّغ أو ابن مفرِّغ الحمیری الشاعر المشهور ، الذی هجا زیاداً وبنیه ونفاهم عن آل حرب ، وحبسه عبید الله بن زیاد لذلک وعذّبه ثم أطلقه معاویة. لکنَّ المرزبانی نسبه إلی یزید بن وداع ، وقال فی کتاب أخبار الحمیری (3)) : أمّه من حُدّان (4) ، تزوّج بها أبوه لأنَّه کان نازلاً فیهم ، وأمُّ هذه المرأة بنت یزید بن ربیعة بن مفرِّغ الحمیری الشاعر المعروف ، ولیس لیزید بن مفرِّغ عقبٌ من وَلَد ذکر ، ولقد غلط الأصمعیّ فی نسبة السیِّد إلی یزید بن مفرِّغ من جهة أبیه ، لأنّه جدُّه من جهة أمّه. انتهی.

وذکر المرزبانی له فی معجم الشعراء :

إنّی امرؤٌ حِمْیَریٌّ حین تَنسبُنی

جدّی رَعینٌ وأخوالی ذوو یَزَنِ

ثمَّ الولاءُ الذی أرجو النجاة به

یومَ القیامة للهادی أبی الحسنِ (5)

یُکنّی بأبی هاشم ، وقال شیخ الطائفة (6) : بأبی عامر ، وکان یلقَّب منذ صغر 8.

ص: 324


1- أعیان الشیعة : 3 / 430.
2- الأغانی : 7 / 248.
3- أخبار السیِّد الحمیری : ص 151.
4- حُدّان - بضمّ المُهْمَلة - إحدی مَحالّ البصرة القدیمة ، یقال لها : بنو حدّان. سمّیت باسم قبیلة أبوها حدّان بن شمس بن عمرو بن الأزد. (المؤلف)
5- البیتان من أبیات له تأتی قصّتها. (المؤلف)
6- رجال الطوسی : ص 148 رقم 108.

سنِّه بالسیِّد ، قال أبو عمرو الکشّی فی رجاله (1) (ص 186): رُوی أنَّ أبا عبد الله علیه السلام لقی السیِّد بن محمد الحمیری وقال : «سمّتک أمّک سیِّداً ، وفِّقت فی ذلک ، وأنت سیّد الشعراء». ثمّ أنشد السیّد فی ذلک :

ولقد عجبتُ لقائلٍ لی مرّةً

علاّمةٍ فَهْمٍ من الفقهاءِ

سماک قومک سیِّداً صدقوا به

أنت الموفَّقُ سیِّدُ الشعراءِ

ما أنت حین تَخُصُّ آل محمدٍ

بالمدح منک وشاعرٌ بسواءِ

مَدَحَ الملوکَ ذوی الغنی لعطائِهمْ

والمدحُ منک لهم بغیر عَطاءِ

فابشر فإنَّک فائزٌ فی حُبِّهم

لو قد وردتَ علیهمُ بجزاءِ

ما یعدِلُ الدنیا جمیعاً کلّها

من حوض أحمدَ شربةً من ماءِ

أبواه وقصّته معهما :

روی أبو الفرج فی الأغانی (2) (7 / 230) بإسناده عن سلیمان بن أبی شیخ : أنَّ أبَوَی السیِّد کانا إباضیَّین (3) ، وکان منزلهما بالبصرة فی غرفة بنی ضَبَّة ، وکان السیِّد یقول : طالما سُبَّ أمیر المؤمنین فی هذه الغرفة ، فاذا سئل عن التشیّع من أین وقع له؟ قال : غاصت علیَّ الرحمة غوصاً. وروی عن السیِّد : أنَّ أبویه لمّا علما بمذهبه هَمّا بقتله ، فأتی عُقبة بن سَلْم الهنائی فأخبره بذلک ، فأجاره وبوّأه منزلاً وهبه له ، فکان فیه حتی ماتا فورثهما.

وروی المرزبانی فی أخبار السیِّد (4) بإسناده عن إسماعیل بن الساحر راویة 3.

ص: 325


1- رجال الکشّی : 2 / 573 رقم 507.
2- الأغانی : 7 / 249.
3- الإباضیة ، بکسر الهمزة : أصحاب عبد الله بن إباض الذی خرج فی أیام مروان بن محمد ، وهم قوم من الحَرُوریة زعموا أنَّ مخالفهم کافر ، وکفّروا علیّا أمیر المؤمنین علیه السلام وأکثر الصحابة. (المؤلف)
4- أخبار السیِّد الحمیری : ص 153.

السیِّد قال : کنت أتغدّی مع السیِّد فی منزله ، فقال لی : طال والله ما شتم أمیرُ المؤمنین علیه السلام ولعن فی هذا البیت. قلت : ومن فعل ذلک؟ قال : أبوای کانا إباضیَّین. قلت : فکیف صرت شیعیّا؟ قال : غاصت علیَّ الرحمة فاستنقذتنی.

روی المرزبانی (1) أیضاً عن حردان الحفّار ، عن أبیه وکان أصدق الناس أنَّه قال : شکا إلیَّ السیِّد أنَّ أمّه توقظه باللیل وتقول : إنّی أخاف أن تموت علی مذهبک فتدخل النار ؛ فقد لَهِجتَ بعلیٍّ وولده فلا دنیا ولا آخرة. ولقد نغّصَتْ علیَّ مطعمی ومشربی ، وقد ترکت الدخول إلیها ، وقلت أنشد قصیدة منها :

إلی أهل بیتٍ ما لِمنْ کان مؤمناً

من الناسِ عنهمْ فی الولایةِ مذهبُ

وکم من شقیقٍ لامنی فی هَواهمُ

وعاذلةٍ هبّتْ بلیلٍ تؤنِّبُ

تقول ولم تقصد وتعتب ضلّةً

وآفةُ أخلاقِ النساءِ التعتّبُ

وفارقت جیراناً وأهلَ مودّةٍ

ومن أنت منه حینَ تدعی وتُنسبُ

فأنت غریبٌ فیهمُ متباعدٌ

کأنَّک ممّا یتَّقونکَ أجربُ

تَعیبُهمُ فی دینهمْ وهُمُ بما

تدینُ به أزری علیک وأعیبُ

فقلتُ دعینی لن أُحبِّر مِدحةً

لغیرهمُ ما حجَّ للهِ أرکُبُ

أَتَنْهَیْنَنی عن حبِّ آل محمدٍ

وحبُّهمُ ممّا به أتقرَّبُ

وحبّهمُ مثلُ الصلاة وإنَّه

علی الناس من بعد الصلاة لأوجبُ (2)

وقال المرزبانی (3) : أخبرنی محمد بن عبید الله البصری عن محمد بن زکریّا الغلابی ، قال : حدّثتنی العبّاسة بنت السیِّد قالت : قال لی أبی : کنت وأنا صبیٌّ أسمع أَبَویَّ یَثلبانِ أمیر المؤمنین علیه السلام فأَخرجُ عنهما وأبقی جائعاً ، وأُوثر ذلک علی الرجوع 4.

ص: 326


1- أخبار السیّد الحمیری : ص 154.
2- فی بعض النسخ : من بعض الصلاة لأوجبُ. وحقّ المقام أن یقول : من قبلِ الصلاة. (المؤلف)
3- أخبار السیِّد الحمیری : ص 154.

إلیهما ، فأبیت فی المساجد جائعاً لحبّی فراقهما وبغضی إیّاهما ، حتی إذا أَجهدنی الجوع رجعتُ فأکلتُ ثمَّ خرجتُ ، فلمّا کبُرتُ قلیلاً وعقلت وبدأت أقول الشعر قلت لأبویَّ : إنَّ لی علیکما حقّا یصغُر عند حقِّکما علیَّ ، فجنِّبانی إذا حضرتُکما ذِکر أمیر المؤمنین علیه السلام بسوء ، فإنَّ ذلک یزعجنی وأَکرهُ عقوقکما بمقابلتکما ، فتمادیا فی غیِّهما فانتقلت عنهما ، وکتبت إلیهما شعراً وهو :

خفْ یا محمدُ فالقَ الإصباحِ

وأَزل فساد الدین بالإصلاحِ

أَتسبُّ صنوَ محمدٍ ووصیَّهُ

ترجو بذلک فوزة الإنجاحِ؟

هیهات قد بَعُدا علیک وقرّبا

منک العذاب وقابضَ الأرواحِ

أوصی النبیُّ له بخیرِ وصیّةٍ

یومَ الغدیرِ بِأَبْیَنِ الإفصاحِ

إلی آخر الأبیات المذکورة فی غدیریّاته. فتواعدنی بالقتل ، فأتیت الأمیر عُقبة ابن سَلْم فأخبرته خبری ، فقال لی : لا تقربْهما ، وأعدَّ لی منزلاً أمرَ لی فیه بما أحتاج إلیه ، وأجری علیَّ جرایة تَفْضُل علی مؤونتی.

وقال (1) : کان أبواه یُبغضان علیّا علیه السلام فسمعهما یسبّانِهِ بعد صلاةِ الفجر! فقال :

لعن اللهُ والدیَّ جمیعاً

ثمَّ أصلاهما عذابَ الجحیمِ

حَکما غَدوةً کما صلّیا الفج

رَ بِلَعْنِ الوصیِّ بابِ العلومِ

لعنا خیرَ من مشی فوق ظهر ال

أرضِ أو طاف مُحرِماً بالحَطیمِ

کَفَرا عند شَتْمِ آل رسول ال

لّهِ نسلِ المُهذَّبِ المعصومِ

والوصیِّ الذی به تثبتُ الأر

ضُ ولولاه دُکدِکَتْ کالرمیمِ

وکذا آلُهُ أولو العلمِ والفه

مِ هداةٌ إلی الصراط القویمِ

خلفاء الإله فی الخَلْقِ بالعد

ل وبالقسط عند ظُلْم الظلومِ

6.

ص: 327


1- أخبار السیّد الحمیری : ص 176.

صلوات الإله تَتْری علیهمْ

مُقْرَناتٍ بالرحبِ والتسلیمِ

ورواها ابن شاکر فی الفوات (1) (1 / 19).

عظمته والمؤلّفون فی أخباره :

لم تفتأ الشیعة تبجِّل کلَّ مُتهالک فی ولاء أئمّة أهل البیت ، وتقدِّر له مکانة عظیمة ، وتُکْبر منه ما أکبره الله سبحانه ورسوله من منصّة العظمة. أضف إلی ذلک ما کان بمرأی منهم ومسمع فی حقّ السیِّد خاصّة من تکریم أئمّة الحقّ - صلوات الله علیهم - مثواه ، وتقریبهم لمحلّه منهم ، وإزلافهم إیَّاه ، وتقدیرهم لسعیه المشکور فی الإشادة بذکرهم والذبِّ عنهم ، والبثِّ لفضائلهم ، وتظاهره بموالاتهم ، وإکثاره من مدائحهم ، مع ردِّه الصلات تجاه هاتیک العقود الذهبیّة ؛ لأنَّ ما کان یصدر منه من تلکم المظاهر لم تکن إلاّ تزلّفاً منه إلی المولی سبحانه ، وأداءً لأجر الرسالة ، وصلةً للصادع بها صلی الله علیه وآله وسلم ، ولقد کاشف فی ذلک کلّه أبویه الناصبیَّین الخارجیَّین ، فکان معجزة وقته فی التلفّع بهذه المآثر کلّها ، والتظاهر بهذا المظهر الطاهر ، ومنبته ذلک المنبت الخبیث ، فما کان الشیعیُّ یومذاک وهلمّ جرّا یجد من واجبه الدینیِّ إلاّ إکباره وخفض الجناح عند عظمته.

قال ابن عبد ربّه فی العقد الفرید (2) (2 / 289) : السیِّد الحمیری وهو رأس الشیعة ، وکانت الشیعة من تعظیمها له تلقی له وسادة بمسجد الکوفة.

وفی حدیث شیخ الطائفة الآتی : قال جعفر بن عفّان الطائی للسیِّد : یا أبا هاشم أنت الرأس ونحن الأذناب.

ولیس ذلک ببدعٍ من الشیعة بعد ما أزلفه الإمام الصادق علیه السلام وأراه من دلائل الإمامة ما أبقی له مکرمة خالدة حفظها له التاریخ کحدیث انقلاب الخمر لبناً ، والقبر ، 4.

ص: 328


1- فوات الوفیات : 1 / 188 رقم 72.
2- العقد الفرید : 4 / 144.

وإطلاق لسانه فی مرضه وغیرها ، واستفاض الحدیث بترحُّمه علیه السلام علیه والدعاء له والشکر لمساعیه ، وبلغهم قوله علیه السلام لعُذّاله فیه : «لو زَلّت له قدمٌ فقد ثبتت الأخری». وقد أخبره بالجنّة.

وکان یستنشد الإمام علیه السلام شعره ویحتفل به ، وقد أنشده إیّاه فُضیل الرسّان وأبو هارون المکفوف ، والسیِّد نفسه.

روی أبو الفرج عن علیّ بن إسماعیل التمیمی عن أبیه قال : کنت عند أبی عبد الله جعفر بن محمد علیه السلام إذ استأذن آذنه للسیِّد فأمره بإیصاله ، وأقعد حُرَمَه خلف ستر ، ودخل فسلّم وجلس ، فاستنشده فأنشد قوله :

أُمرر علی جَدَثِ الحسی

ن فقل لأعظُمِه الزکیَّه

یا أَعْظُماً لا زلتِ من

وَطْفَاءَ (1) ساکبةٍ رَوِیَّه

فإذا مَررتَ بقبرِهِ

فأَطِلْ به وَقْفَ المطیَّه

وابْکِ المطهَّرَ للمطهَّ

رِ والمطهَّرةِ النقیَّه

کبُکاءِ مُعْولةٍ أَتَتْ

یوماً لواحدها المنیَّه (2)

قال : فرأیت دموع جعفر بن محمد تتحدّرُ علی خدَّیه ، وارتفع الصراخ والبکاء من داره ، حتی أمره بالإمساک ، فأمسک. قال : فحدّثت أبی بذلک لمّا انصرفت ، فقال لی : ویلی علی الکیسانیِّ الفاعل ابن الفاعل یقول :

فإذا مررت بقبرِهِ

فأَطِلْ به وَقْفَ المَطیَّه

فقلت : یا أبت وما ذا یصنع؟ قال : أولا ینحر؟! أولا یقتُل نفسه؟! فثکلته أمّه. الأغانی (3) (7 / 240). 0.

ص: 329


1- وطف المطر : انهمر. یقال : سحابة وطفاء ؛ أی مسترخیة لکثرة مائها. (المؤلف)
2- یوجد من القصیدة (23) بیتاً. (المؤلف)
3- الأغانی : 7 / 260.

وهذه القصیدة أنشدها أبو هارون المکفوف الإمامَ الصادق علیه السلام. روی شیخنا ابن قولویه فی الکامل (ص 104 - 106 باب 33) عن أبی هارون ، قال : قال أبو عبد الله علیه السلام : «یا أبا هارون أنشدنی فی الحسین علیه السلام».

قال : فأنشدته فبکی. فقال : «أنشدنی کما تنشدون» یعنی بالرقّة. قال : فأنشدته :

أُمررْ علی جَدَثِ الحسی

ن فقل لأَعظُمِهِ الزکیَّه

[قال : فبکی] (1) ثمّ قال : «زدنی». قال : فأنشدته القصیدة الأخری. وفی لفظه الآخر : فأنشدته :

یا مریمُ قومی اندُبی مولاکِ

وعلی الحسین فأسعدی ببکاکِ

قال : فبکی وسمعت البکاء من خلف الستر. الحدیث.

ورواه شیخنا الصدوق فی ثواب الأعمال (2).

وهناک منامات صادقة تنمُّ عن تزلُّف السیِّد عند النبیِّ الأعظم صلی الله علیه وآله وسلم مرّت جملة منها (ص 221 - 224) ، وروی أبو الفرج عن إبراهیم بن هاشم العبدی أنّه قال : رأیت النبیَّ صلی الله علیه وسلم وبین یدیه السیِّد الشاعر وهو ینشد :

أجَدَّ بآلِ فاطمةَ البُکُورُ

فدمعُ العین مُنْهمرٌ غزیرُ

حتی أنشده إیّاها علی آخرها وهو یسمع قال : فحدَّثت هذا الحدیث رجلاً جمعتنی وإیّاه طوس عند قبر علیّ بن موسی الرضا ، فقال لی : والله لقد کنت علی خلاف ، فرأیت النبیَّ صلی الله علیه وسلم فی المنام وبین یدیه رجلٌ ینشد : 3.

ص: 330


1- الزیادة من المصدر.
2- ثواب الأعمال : ص 83.

أجدَّ بآل فاطمةَ البُکُورُ

فدمعُ العین مُنْهمرٌ غزیرُ

إلی آخر القصیدة.

فاستیقظت من نومی ، وقد رسخ فی قلبی من حبِّ علیِّ بن أبی طالب رضی الله عنه ما کنت أعتقده. الأغانی (1) (7 / 246)

هذه مکرمةٌ للسیِّد تشفُّ عن عظمة محلّه ، وحسن عقیدته ، وخلوص نیّته ، وسلامة مذهبه ، وطهارة ضمیره ، وصدق موقفه. ومهما عرف أعلام الأمّة مسیس حاجة المجتمع إلی سرد تاریخ مثل السیِّد من رجالات الفضیلة سلفاً وخلفاً ، أفرد جمعٌ منهم تآلیف فی أخبار السیِّد وشعره ، فمنهم :

1 - أبو أحمد عبد العزیز الجلودی الأزدی البصری : المتوفّی (332).

2 - الشیخ صالح بن محمد الصرمی ، شیخ أبی الحسن الجندی.

3 - أبو بکر محمد بن یحیی الکاتب الصولی : المتوفّی (335).

4 - أبو بشر أحمد بن إبراهیم العمّی البصری ، ذکر له شیخ الطائفة فی فهرسته (ص 30) کتاب أخبار السیِّد وشعره ، وفی معجم الأدباء (2 / 226) : کتاب أخبار السیِّد ، ویظهر من رجال النجاشی (ص 70) ومعالم العلماء أنّه ألّف کتاباً فی أخباره وکتاباً فی شعره.

5 - أبو عبد الله أحمد بن عبد الواحد ، المعروف بابن عبدون شیخ النجاشی.

6 - أبو عبید الله محمد بن عمران المرزبانی : المتوفّی (378) ، له کتاب أخبار السیِّد ، وقفنا علی بعض أجزائه ، وهو جزء من کتابه أخبار الشعراء المشهورین المکثرین فی عشرة آلاف ورقة کما فی فهرست ابن الندیم (2).

7 - أبو عبد الله أحمد بن محمد بن عیّاش الجوهری : المتوفّی (401). 6.

ص: 331


1- الأغانی : 7 / 266.
2- الفهرست : ص 146.

8 - إسحاق بن محمد بن أحمد بن أبان النخعی.

9 - المستشرق الفرنسوی بربیه دی مینار ، جمع أخباره فی مائة صحیفة ، طبعت فی پاریس.

فهرست النجاشی (ص 53 ، 63 ، 64 ، 70 ، 141 ، 171) ، فهرست ابن الندیم (ص 215) ، فهرست شیخ الطائفة (ص 30) ، معالم العلماء (ص 16) ، الأعلام (1 / 112) (1).

الثناء علی أدبه وشعره :

کان السیّد فی مقدَّمی المکثرین المجیدین وأحد الشعراء الثلاثة الذین عُدّوا أکثر الناس شعراً فی الجاهلیّة والإسلام ، وهم : السیِّد ، وبشّار ، وأبو العتاهیة.

قال أبو الفرج (2) : لا یُعلَم أنَّ أحداً قدر علی تحصیل شعر أحد منهم أجمع. وقال المرزبانی (3) : لم یُسمَع أن أحداً عمل شعراً جیِّداً وأکثر غیر السیِّد ، وروی عن عبد الله بن إسحاق الهاشمی قال : جمعت للسیِّد ألفی قصیدة وظننت أنَّه ما بقی علیَّ شیءٌ ، فکنت لا أزال أری من ینشدنی ما لیس عندی ، فکتبت حتی ضجرت ثمَّ ترکت.

وقال : سُئل أبو عبیدة من أشعرُ المولَّدین؟ قال : السیِّد وبشّار. ونقل عن الحسین بن الضحّاک أنَّه قال : ذاکرنی مروان بن أبی حفصة أمر السیِّد بعد موته ، وأنا أحفظ الناس لشعر بشّار والسیِّد ، فأنشدته قصیدته المذهَّبة التی أوّلها (4) : ف)

ص: 332


1- رجال النجاشی : ص 199 رقم 528 ، ص 87 رقم 211 ، ص 85 رقم 207 ، ص 96 رقم 239 ، ص 73 رقم 177 ، ص 244 رقم 640 ، فهرست ابن الندیم : ص 146 ، معالم العلماء : ص 18 رقم 81 ، ص 118 رقم 786 ، الأعلام : 5 / 214.
2- الأغانی : 7 / 249.
3- أخبار السیِّد الحمیری : ص 152 ، 153.
4- مرّ أول القصیدة : ص 213 ، والبیتان هما البیت الخامس عشر والسادس عشر منها. (المؤلف)

أین التطرُّب بالولاء وبالهوی

أإلی الکواذب من بروق الخلَّبِ

أإلی أمیّة أم إلی شِیَع التی

جاءت علی الجملِ الخِدَبِّ الشوقَبِ

حتی أتی علی آخرها ، فقال لی مروان : ما سمعت قطُّ شعراً أکثر معانی وألخص منه وعدّد ما فیه من الفصاحة. وکان یقول لکلِّ بیت منها : سبحان الله ، ما أعجب هذا الکلام. وروی عن التوَّزی أنَّه قال : لو أنَّ شعراً یستحقُّ أن لا یُنشَد إلاّ فی المساجد لحسنه لکان هذا ، ولو خطب به خاطبٌ علی المنبر فی یوم الجمعة لأتی حَسَناً ولحاز أجراً.

وقال أبو الفرج (1) : کان شاعراً متقدّماً مطبوعاً ، وله طرازٌ من الشعر ومذهبٌ قلَّما یُلحقُ فیه أو یُقارَبُه. وروی عن لَبطة بن الفرزدق قال : تذاکرنا الشعراء عند أبی فقال : إنَّ هاهنا لرجلین لو أخذا فی معنی الناس لما کنّا معهما فی شیء. فسألناه من هما؟ فقال : السیِّد الحمیری وعمران بن حطّان السدوسی ، ولکنَّ الله قد شغل کلَّ واحد منهما بالقول فی مذهبه (2). الأغانی (3) (7 / 231)

وعن التوَّزی : قال : رأی الأصمعی جزءً فیه من شعر السیِّد ، فقال : لمن هذا؟ فسترته عنه لعلمی بما عنده فیه ، فأقسم علیَّ أن أخبره فأخبرته ، فقال : أَنشدنی قصیدةً منه ، فأنشدته قصیدةً ثمَّ أخری وهو یستزیدنی ، ثمَّ قال : قبّحه الله ما أسلکه لطریق الفحول لو لا مذهبه! ولولا ما فی شعره ما قدّمت علیه أحداً من طبقته. وفی لفظه الآخر : لما تقدّمه من طبقته أحدٌ. وعن أبی عبیدة أنَّه قال : أشعر الُمحدَثینَ السیِّد

ص: 333


1- الأغانی : 7 / 249 - 252.
2- کذا فی الأغانی وهو بعید ؛ لأنّ الفرزدق توفی سنة (110 ه) ، فی حین أنَّ ولادة السیِّد الحمیری کانت فی سنة (105 ه) ، أی أنَّ عمره یومذاک کان خمس سنوات فقط!. ومن المستبعد أن یقول الإنسان الشعر المحکم فی هذه السنّ المبکّرة ، فضلاً عن أن یکون له رأی وعقیدة ویزاحم فحول الشعراء.
3- الأغانی : 7 / 249 ، 251.

الحمیری وبشّار. الأغانی (1) (7 / 232 ، 236)

وقف السیِّد علی بشّار وهو ینشد الشعر فأقبل علیه وقال :

أیُّها المادحُ العبادَ لیُعطی

إنَّ للهِ ما بأیدی العبادِ

فاسأل اللهَ ما طلبت إلیهمْ

وارجُ نفع المنزِّل العوَّادِ

لا تقل فی الجوادِ ما لیس فیهِ

وتسمِّی البخیلَ باسم الجوادِ

قال بشّار : من هذا؟ فعُرِّفَهُ. فقال : لو لا أنَّ هذا الرجل قد شُغل عنّا بمدح بنی هاشم لشغَلَنا ، ولو شارَکَنا فی مذهبنا لأَتْعَبَنا. الأغانی (2) (7 / 237)

وعن غانم الورّاق قال : خرجت إلی بادیة البصرة ، فصرت إلی عمرو بن تمیم ، فجلسوا إلیّ فأنشدتهم للسیِّد :

أتعرف رسماً بالسویَّینِ قد دَثَرْ

عَفَتْهُ أهاضیبُ السحائب والمطرْ

وجرّتْ به الأذیالَ رِیحانِ خِلْفَةً

صَبَاً ودَبُورٌ بالعَشِیّاتِ والبُکَرْ

منازلُ قد کانت تکون بجوِّها

هضیم الحشا ریّا الشوی سحرها النظرْ

قَطُوف الخُطا خَمْصانةٌ بَخْتَریّةٌ

کأنَّ مُحیّاها سنا دارةِ القمرْ

رَمَتنی ببُعدٍ بعدَ قربٍ بها النوی

فبانت ولمّا أقضِ من عندها الوَطَرْ

ولمّا رأتنی خَشْیةَ البینِ مُوجَعاً

أُکفکِفُ منِّی أدمُعاً فیضها دَررْ

أشارت بأطرافٍ إلیَّ ودمعُها

کنَظْمِ جُمانٍ خانه السلکُ فانتثرْ

وقد کنتُ ممّا أحدثَ البینُ حاذراً

فلم یُغنِ عنّی منه خوفیَ والحذرْ

قال : فجعلوا یُمرِّقون (3) لإنشادی ویطربون وقالوا : لمن هذا؟ فأَعلمتهُم.

ه.

ص: 334


1- الأغانی : 7 / 252 ، 255.
2- الأغانی : 7 / 256.
3- التمریق : الغناء ، وقیل : هو رفع الصوت به.

فقالوا : هو والله أحد المطبوعین ، لا والله ما بقی فی هذا الزمان مثله. الأغانی (1) (7 / 238)

عن الزبیر بن بکّار قال : سمعت عمّی یقول : لو أنَّ قصیدة السیِّد التی یقول فیها :

إنَّ یوم التطهیر یومٌ عظیمٌ

خُصَّ بالفضل فیه أهلُ الکساءِ

قُرِئت علی منبر ما کان فیها بأس ، ولو أنَّ شعره کلّه کان مثله لرویناه وما عِبناه.

وروی عن الحسین بن ثابت قال : قَدِم علینا رجلٌ بدویٌّ وکان أروی الناس لجریر ، فکان ینشدنی الشیء من شعره ، فأُنشد فی معناه للسیِّد حتی أکثرت ، فقال لی : ویحک من هذا؟ هو والله أشعر من صاحبنا. الأغانی (2) (7 / 239)

ویروی عن إسحاق بن محمد قال : سمعت العُتْبیَ (3) یقول : لیس فی عصرنا هذا أحسن مذهباً فی شعره ولا أنقی ألفاظاً من السیِّد ، ثمَّ قال لبعض من حضر : أنشدنا قصیدته اللامیَّة التی أنشدتناها الیوم ؛ فأنشده قولَه :

هل عند من أحببتَ تَنویلُ

أم لا فإنَّ اللوم تضلیلُ

أم فی الحشا منک جویً باطنٌ

لیس تُداویهِ الأباطیلُ

عَلِقْتَ یا مغرورُ خدّاعةً

بالوعد منها لک تَخْییلُ

ریّا رداح النوم خمصانة

کأنّها أدماءُ عُطبُولُ

یشفیک منها حین تخلو بها

ضَمٌّ إلی النحر وتقبیلُ

ف)

ص: 335


1- الأغانی : 7 / 257.
2- الأغانی : 7 / 258 ، 259.
3- أبو عبد الرحمن محمد بن عبید الله الأموی الشاعر البصری : المتوفّی (228) ینسب الی جدِّهِ عتبة ابن أبی سفیان. (المؤلف)

وذَوقُ ریقٍ طیِّبٍ طعمُهُ

کأنّهُ بالمسکِ معلولُ

فی نسوةٍ مثلِ المَها خُرَّدٍ

تضِیق عنهنَّ الخلاخیلُ

یقول فیها :

أُقسمُ بالله وآلائهِ

والمرءُ عمّا قال مسؤولُ

إنَّ علیَّ بنَ أبی طالبٍ

علی التقی والبِرِّ مجبولُ (1)

فقال العُتْبیّ : أحسن والله ما شاء ، هذا والله الشعرُ الذی یهجمُ علی القلب بلا حجاب. الأغانی (2) (7 / 247)

وقبل هذه کلّها حسْبُهُ ثناءً علیه قول الإمام الصادق علیه السلام : «أنت سیِّد الشعراء» فینمُّ عن مکانته الرفیعة فی الأدب ، یقصُرُ الوصف عن استکناهها ، ولا یُدرِک البیانُ مداها. فکان یُعدُّ من شعرائه علیه السلام وولده الطاهر الکاظم ، کما فی نور الأبصار للشبلنجی (3).

إکثاره فی آل الله :

کان السیِّد بعید المَنْزَعة ، ولعاً بإعادة السهم إلی النزعَة ، وقد أشفَّ وفاق کثیرین من الشعراء بالجدِّ والاجتهاد فی الدعایة إلی مبدئه القویم ، والإکثار فی مدح العترة الطاهرة ، وساد الشعراء ببذل النفس والنفیس فی تقویة روح الإیمان فی المجتمع وإحیاء میِّت القلوب ببثِّ فضائل آل الله ، ونشر مثالب مناوئیهم ومساوئ أعدائهم قائلاً :

أیا ربِّ إنّی لم أُرِدْ بالذی به

مدحتُ علیّا غیرَ وجهِک فارحَمِ

4.

ص: 336


1- تأتی بقیة القصیدة فی ذکر أخبار المترجم له ومُلَحِهِ. (المؤلف)
2- الأغانی : 7 / 267.
3- نور الأبصار : ص 294.

وصدّق بشعره رؤیاه التی رواها عنه أبو الفرج والمرزبانی فی أخباره ؛ أنَّه قال : رأیت النبیَّ صلی الله علیه وسلم فی النوم وکأنَّه فی حدیقة سَبِخَةٍ فیها نخلٌ طوال ، وإلی جانبها أرضٌ کأنَّها الکافور لیس فیها شیءٌ ، فقال : أتدری لمن هذا النخل؟ قلت : لا یا رسول الله. قال : لامرئ القیس بن حجر ، فاقلعها واغرسها فی هذه الأرض ، ففعلت. وأتیت ابن سیرین فَقَصَصْتُ رؤیای علیه. فقال : أتقول الشعر؟ قلت : لا. قال : أما إنَّک ستقول شعراً مثل شعر امرئٍ القیس ، إلاّ أنَّک تقوله فی قوم بَرَرَةٍ أطهار.

وکان کما قال أبو الفرج : لا یخلو شعره من مدح بنی هاشم أو ذمِّ غیرهم ممّن هو عنده ضدٌّ لهم. وروی عن الموصلیّ عن عمِّه قال : جمعت للسیِّد فی بنی هاشم ألفین وثلاثمائة قصیدة ؛ فخِلتُ أن قد استوعبتُ شعره ، حتی جلس إلیَّ یوماً رجلٌ ذو أطمار رثّة ، فسمعنی أنشد شیئاً من شعره ، فأنشدنی به ثلاث قصائد لم تکن عندی. فقلت فی نفسی : لو کان هذا یعلم ما عندی کلّه ثمّ أنشدنی بعده ما لیس عندی لکان عجباً ، فکیف وهو لا یعلم وإنّما أنشد ما حضره! وعرفتُ حینئذ أنَّ شعره لیس ممّا یُدرک ، ولا یمکن جمعه کلّه. الأغانی (1) (7 / 236 ، 237).

قال أبو الفرج : کان السیّد یأتی الأعمش سلیمان بن مهران الکوفی : المتوفّی (148) ، فیکتب عنه فضائل علیٍّ أمیر المؤمنین - سلام الله علیه - ویخرج من عنده ویقول فی تلک المعانی شعراً. فخرج ذات یوم من عند بعض أمراء الکوفة وقد حمله علی فرس وخلع علیه ؛ فوقف بالکُناسة ثمَّ قال : یا معشر الکوفیِّین من جاءنی منکم بفضیلة لعلیِّ بن أبی طالب لم أقل فیها شعراً أعطیته فرسی هذا وما علیّ. فجعلوا یحدِّثونه وینشدهم ، حتی أتاه رجلٌ منهم ، وقال : إنَّ أمیر المؤمنین علیَّ بن أبی طالب - سلام الله علیه - عزم علی الرکوب فلبس ثیابه وأراد لُبسَ الخُفِّ فلبِس أحدَ خُفّیه ، ثمّ أهوی إلی الآخر لیأخذه ، فانقضَّ عقابٌ من السماء ، فحلّقَ به ، ثمَّ ألقاه فسقط منه 6.

ص: 337


1- الأغانی : 7 / 257 ، 256.

أسود وانساب فدخل جُحراً ، فلبس علیٌّ علیه السلام الخفّ. قال : ولم یکن قال فی ذلک شیئاً ، ففکّر هُنیهة ثمَّ قال :

ألا یا قومِ للعَجَب العُجابِ

لخُفِّ أبی الحسین وللحُبابِ

عدوٌّ من عِداة الجنِّ وغدٌ

بعیدٌ فی المرادةِ من صوابِ

أتی خفّا له وانساب فیهِ

لِیَنْهشَ رِجلَهُ منه بنابِ

لیَنْهشَ خیرَ من رکبَ المطایا

أمیر المؤمنین أبا ترابِ

فخرَّ من السماء له عُقابٌ

من العِقبان أو شِبهُ العقابِ

فطار به فحلّقَ ثمَّ أَهْوی

به للأرض من دون السحابِ

فصکَّ بخُفِّه وانسابَ منه

وولّی هارباً حَذَر الحِصابِ

إلی جُحرٍ له فانساب فیهِ

بعیدِ القَعْر لم یُرتَجْ ببابِ

کریهُ الوجه أسودُ ذو بَصیصٍ

حدیدُ النابِ أزرقُ ذو لُعابِ

یهلُّ له الجریُّ إذا رآهُ

حثیثُ الشدِّ محذورُ الوَثابِ

تأخّر حَیْنُهُ ولقد رماهُ

فأخطاهُ بأحجارٍ صِلابِ

ودوفِعَ عن أبی حسن علیٍ

نقیعُ سِمَامِهِ بعد انسیابِ (1)

قال المرزبانی : ثمَّ حرّک فرسه وثناها ، وأعطی ما کان معه من المال والفرس للذی روی له الخبر ، وقال : إنِّی لم أکن قلت فی هذا شیئاً. وذکر المرزبانی من تشبیبها أحد عشر بیتاً لم یروِ أبو الفرج منه إلاّ مستهلّها :

صبوتُ إلی سلیمی والربابِ

وما لأخی المشیب ولِلتصابی

قال أبو الفرج : أما العقاب الذی انقضَّ علی خُفِّ علیِّ بن أبی طالب رضی الله عنه فحدّثنی بخبره أحمد بن محمد بن سعید الهمدانیّ ، قال : حدّثنی جعفر بن علیِّ بن نُجَیح قال : حدّثنا أبو عبد الرحمن المسعودی عن أبی داود الطَهَوی ، عن أبی الزِّغْل المرادی ف)

ص: 338


1- الأغانی : 7 / 257 [7 / 277] ، أخبار السیّد للمرزبانی [ص 171]. (المؤلف)

قال : قام علیُّ بن أبی طالب رضی الله عنه فتطهّر للصلاة ، ثمَّ نزع خُفّه فانساب فیه أفعی ، فلمّا عاد لیَلبَسه انقضّت عقابٌ فأخذته ، فحلّقت به ثمَّ ألقته فخرج الأفعی منه. وقد رُوی مثل هذا لرسول الله صلی الله علیه وسلم.

وقال ابن المعتز فی طبقاته (1) (ص 7) : کان السیِّد أحذق الناس بسوق الأحادیث والأخبار والمناقب فی الشعر ، لم یترک لعلیِّ بن أبی طالب فضیلةً معروفةً إلاّ نقلها إلی الشعر. وکان یُملُّه الحضور فی مُحتَشَدٍ لا یُذکر فیه آل محمد - صلوات الله علیهم - ولم یأنس بحفلة تخلو عن ذکرهم.

وروی أبو الفرج عن الحسن بن علیِّ بن حرب بن أبی الأسود الدؤلی قال : کنّا جلوساً عند أبی عمرو بن العلاء فتذاکرنا السیِّد ، فجاء فجلس ، وخُضنا فی ذکر الزرع والنخلِ ساعة فنهض. فقلنا : یا أبا هاشم ممَّ القیام؟ فقال :

إنّی لأَکرَهُ أن أُطیل بمجلسٍ

لا ذِکْرَ فیه لفضل آلِ محمدِ

لا ذِکْرَ فیه لأحمدٍ ووصیِّهِ

وبَنِیه ذلک مجلسٌ نَطِفٌ رَدی (2)

إنَّ الذی ینساهُمُ فی مجلسٍ

حتی یُفارقَهُ لَغیرُ مسدَّدِ

وکان إذا استُنْشِدَ شیئاً من شعره لم یبدأ بشیء إلاّ بقوله :

أجدَّ بآل فاطمة البُکورُ

فدمع العین منهمرٌ غزیرُ

الأغانی (3) (7 / 246 - 266)

رواة شعره وحفّاظُه :

1 - أبو داود سلیمان بن سفیان المسترق الکوفی المنشد : المتوفّی سنة (230) 6.

ص: 339


1- طبقات الشعراء : ص 32.
2- النطف : النجس. (المؤلف)
3- الأغانی : 7 / 286.

عن (70) عاماً ، کان راویة شعره کما فی الأغانی (1) ، وفهرست الکشّی (2) (ص 205).

2 - إسماعیل بن الساحر : کان راویته کما فی الأغانی (3) فی غیر موضع.

3 - أبو عبیدة معمر بن المثنّی : المتوفّی (209) ، کان یروی شعره کما فی الأغانی (4) ، ولسان المیزان (5) (1 / 437).

4 - السِّدْری : کان راویته کما فی طبقات ابن المعتز (6) (ص 7).

5 - محمد بن زکریّا الغلابی الجوهری البصری : المتوفّی (298) ، کان یحفظ شعر السیِّد ویقرؤه علی العبّاسة بنت السیِّد ، ویصحِّحه علیها کما فی أخبار السیِّد (7) للمرزبانی.

6 - جعفر بن سلیمان الضبعیّ البصریّ : المتوفّی (178) ، کان ینشد شعر السیِّد کثیراً ، فمن أنکره علیه لم یحدِّثه کما فی الأغانی (8) ، ولسان المیزان (9) (1 / 437).

7 - یزید بن محمد بن عمر بن مذعور التمیمیّ ، کان یروی للسیِّد ویعاشرُهُ کما فی أخبار السیِّد (10) للمرزبانی ، وقال أبو الفرج (11) : کان یحفظ شعر السیِّد وینشده لأبی بُجَیر الأسدی. 2.

ص: 340


1- الأغانی : 7 / 266.
2- رجال الکشّی : 2 / 608 رقم 577.
3- الأغانی : 7 / 249.
4- الأغانی : 7 / 255.
5- لسان المیزان : 1 / 488 رقم 1359.
6- طبقات الشعراء : ص 33.
7- أخبار السیّد الحمیری : ص 157.
8- الأغانی : 7 / 256.
9- لسان المیزان : 1 / 488 رقم 1359.
10- أخبار السیّد الحمیری : ص 156. وفیه : یزید بن محمد بن عمران.
11- الأغانی : 7 / 292.

8 - فضیل بن الزبیر الرسّان الکوفیّ ، کان ینشد شعر السیِّد ، وقد أَنشده للإمام الصادق علیه السلام وقد مرَّ بعض حدیثه.

9 - الحسین بن الضحّاک ، قال المرزبانی (1) : کان أحفظ الناس لشعره.

10 - الحسین بن ثابت ، کان یروی کثیراً من شعره.

11 - العبّاسة بنت السیِّد ، کانت حافظة لشعر أبیها ، وکانت الرواة یقرؤون علیها شعر السیِّد وتصحِّحه لهم ، کما ذکره المرزبانی فی أخبار السیِّد (2).

وکانت للسیِّد کریمتان أُخریان تحفظان شعره ، وفی بعض المعاجم کانت کلّ واحدة تحفظ ثلاثمائة قصیدة. وقال ابن المعتزّ فی طبقات الشعراء (3) (ص 8) : حُکی عن السدریّ أنَّه قال : کان له أربع بنات ، وأنّه کان حفَّظَ کلَّ واحدة منهنَّ أربعمائة قصیدة من شعره.

12 - عبد الله بن إسحاق الهاشمیّ ، جمع شعره کما مرَّ عن المرزبانی (4).

13 - عمُّ الموصلی ، جمع شعره فی بنی هاشم کما مرَّ عن الأغانی (5).

14 - الحافظ أبو الحسن الدارقطنی علیّ بن عمر : المتوفّی (385) کان یحفظ دیوان السیِّد کما فی تاریخَی الخطیب البغدادی (12 / 35) ، وابن خلّکان (6) (1 / 359) ، وتذکرة الحفّاظ (7) (3 / 200). 5.

ص: 341


1- أخبار السیّد الحمیری : ص 152.
2- أخبار السیّد الحمیری : ص 157.
3- طبقات الشعراء : ص 36.
4- أخبار السیّد الحمیری : ص 153.
5- الأغانی : 7 / 256.
6- وفیات الأعیان : 3 / 297 رقم 434.
7- تذکرة الحفّاظ : 3 / 992 رقم 925.

مذهبه وکلمات الأعلام حوله

عاش السیِّد ردحاً من الزمن علی الکیسانیّة (1) ، یقول بإمامة محمد بن الحنفیَّة وغیبته ، وله فی ذلک شعر ، ثمَّ أدرکته سعادة ببرکة الإمام الصادق علیه السلام وشاهد منه حُجَجَه القویّة وعرف الحقَّ ، ونبذَ ما کان علیه من سفاسف الکیسانیّة عندما نزل الإمام علیه السلام الکوفة عند مُنصَرفه من عند المنصور أو ملاقاته إیّاه فی الحجِّ.

ولعبد الله بن المعتز المتوفّی (296) ، وشیخ الأمّة الصدوق المتوفّی (381) ، والحافظ المرزبانی المتوفّی (384) ، وشیخنا المفید المتوفّی (413) ، وأبی عمرو الکشّی ، والسروی المتوفّی (588) ، والإربِلی المتوفّی (692) وغیرهم حول مذهبه کلمات ضافیة یکتفی بواحدة منها فی إثبات الحقِّ فضلاً عن جمیعها ، فإلیک نصوصها.

1 - کلمة ابن المعتز : قال فی طبقات الشعراء (2) (ص 7) : حدّثنی محمد بن عبد الله قال : قال السدری راویة السیِّد : کان السیِّد أوَّل زمانه کیسانیّا یقول برجعة محمد ابن الحنفیّة ، وأنشدنی فی ذلک :

حتی متی وإلی متی ومتی المدی

یا ابن الوصیِّ وأنت حیٌّ ترزقُ

والقصیدة مشهورةٌ. وحدّثنی محمد بن عبد الله قال : قال السِّدریّ : ما زال السیِّد یقول بذلک حتی لقی الصادق علیه السلام بمکّة أیّام الحجِّ ، فناظره وألزمه الحجّة ، فرجع عن ذلک ، فذلک قوله فی ترکه تلک المقالة ورجوعه عمّا کان علیه ، ویذکر الصادق : 3.

ص: 342


1- هم أصحاب المختار بن أبی عُبید ، یقال فی تسمیتهم بذلک : إنَّ المختار کان یلقّب بکَیْسان ، مأخوذاً ممّا رواه الکشّی فی رجاله : ص 84 [1 / 341 رقم 201] من قول أمیر المؤمنین 7 له : یا کیّس یا کیّس وقیل : إنَّ کیسان اسم صاحب شرطته ، ویکنّی بأبی عَمْرة کما فی رجال الکشّی [1 / 342 رقم 204] والفِصَل لابن حزم [4 / 94]. وقیل : إنَّ کیسان هو مولی أمیر المؤمنین ، وهو الذی حمل المختار علی الطلب بدم الحسین السبط 7 ودَلَّ علی قَتَلَتِهِ ، وکان صاحب سرّه والغالب علی أمره کما ذکره الکشّی. (المؤلف)
2- طبقات الشعراء : ص 33.

تجعفرتُ باسم الله واللهُ أکبرُ

وأیقنتُ أنّ الله یعفو ویغفرُ

ویثبت مهما شاء ربِّی بأمره

ویمحو ویقضی فی الأمور ویقدرُ

2 - کلمة الصدوق : قال فی کمال الدین (1) (ص 20) : فلم یزل السیِّد ضالاّ فی أمر الغیبة یعتقدها فی محمد بن الحنفیّة ؛ حتی لقی الصادق جعفر بن محمد علیه السلام ورأی منه علامات الإمامة وشاهد منه دلالات الوصیّة ، فسأله عن الغَیبة فذکر له أنَّها حقٌّ ، ولکنّها تقع بالثانی عشر من الأئمّة علیهم السلام وأخبره بموت محمد بن الحنفیّة ، وأنَّ أباه محمد ابن علیِّ بن الحسین بن علیِّ علیهم السلام شاهد دفنه ، فرجع السیِّد عن مقالته واستغفر من اعتقاده ، ورجع إلی الحقِّ عند اتِّضاحه له ودان بالإمامة.

حدّثنا عبد الواحد بن محمد العطّار رضی الله عنه قال : حدّثنا علیُّ بن محمد بن قتیبة النیسابوری قال : حدّثنا حمدان بن سلیمان عن محمد بن إسماعیل بن بزیع عن حیّان السرّاج قال : سمعت السیِّد بن محمد الحمیری یقول : کنت أقول بالغلو ، واعتقد غیبة محمد بن علیِّ الملقّب بابن الحنفیّة قد ضللتُ فی ذلک زماناً ، فمنَّ الله علیَّ بالصادق جعفر بن محمد علیهما السلام وأنقذنی به من النار ، وهدانی إلی سواء الصراط ، فسألته بعد ما صحَّ عندی بالدلائل التی شاهدتها (2) منه أنّه حجّة الله علیَّ وعلی جمیع أهل زمانه ، وأنّه الإمام الذی فرض الله طاعته ، وأوجب الاقتداء به فقلت له : یا ابن رسول الله قد رُوی لنا أخبار عن آبائک علیهم السلام فی الغَیبة وصحّة کونها فأخبرنی بمن تقع؟ فقال علیه السلام : «إنَّ الغیبة ستقع بالسادس من ولدی ، وهو الثانی عشر من الأئمّة الهداة بعد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، أوّلهم أمیر المؤمنین علیُّ بن أبی طالب ، وآخرهم القائم بالحقِّ بقیّة الله فی الأرض وصاحب الزمان. والله لو بقی فی غیبته ما بقی نوحٌ فی قومه ، لم یخرج من الدنیا حتی یظهر ، فیملأ الارض قسطاً وعدلاً کما مُلئت جوراً وظلماً». ف)

ص: 343


1- کمال الدین : ص 33.
2- ستقف علی بعض تِلکُم الدلائل. (المؤلف)

قال السیّد : فلمّا سمعت ذلک من مولای الصادق جعفر بن محمد علیهما السلام تُبت إلی الله تعالی ذکره علی یدیه ، وقلت قصیدتی التی أوّلها :

ولمّا رأیتُ الناسَ فی الدینِ قد غَوَوْا

تجعفرتُ باسم الله فیمن تجعفروا

ونادیتُ باسمِ اللهِ واللهُ أکبرُ

وأیقنتُ أنَّ الله یعفو ویغفرُ

ودِنتُ بدینٍ غیر ما کنتُ دائناً

به ونهانی سیّدُ الناس جعفرُ

فقلت فهبنی قد تهوّدتُ بُرهةً

وإلاّ فدینی دین من یتنصّرُ

وإنّی إلی الرحمن من ذاک تائبٌ

وإنّیَ قد أسلمتُ واللهُ أکبرُ

فلستُ بغالٍ ما حَییتُ وراجعٍ

إلی ما علیهِ کنت أُخفی وأُضمِرُ

ولا قائلاً حیٌّ برضوی محمدٌ (1)

وإن عاب جُهّالٌ مقالی فأکثروا

ولکنَّه ممّا مضی لسبیلهِ

علی أفضل الحالات یُقفی ویخبرُ

مع الطیّبین الطاهرین الأُلی لهم

من المصطفی فرعٌ زکیٌّ وعنصرُ

إلی آخر القصیدة وهی طویلةٌ. وقلت بعد ذلک قصیدة أخری :

أَیا راکباً نحو المدینة جَسرةً

عُذافِرَةً یُطوی بها کلُّ سَبسبِ (2)

إذا ما هداک الله عاینتَ جعفراً

فقل لولیِّ الله وابن المهذَّبِ

ألا یا أمینَ الله وابن أمینهِ

أتوبُ إلی الرحمن ثمَّ تأوُّبی

إلیک من الأمر الذی کنت مُطنباً

أحارب فیهِ جاهداً کلَّ معربِ

وما کان قولی فی ابن خولة مُبطِناً

معانَدَةً منّی لنسلِ المُطیَّبِ

ولکن رُوینا عن وصیِّ محمدٍ

وما کان فیما قال بالمتکذِّبِ

بأنّ ولیَّ الأمر یُفقدُ لا یُری

ستیراً (3) کفعل الخائف المترقّبِ

فیقسم أموال الفقید کأنَّما

تعیّبه بین الصفیح المنصّبِ

ف)

ص: 344


1- فی لفظ ابن شهرآشوب : ولا قائلاً قولاً بکیسان بعدها. (المؤلف)
2- الجسرة : العظیمة من الإبل. والعُذافِرَةُ : الشدیدة منها. (المؤلف)
3- فی لفظ المرزبانی والمفید [فی الإرشاد : 2 / 207] : سنین. (المؤلف)

فیمکث حیناً ثمّ ینبَعُ نبعةً

کنبعة جَدِّیٍّ من الأُفق کوکبِ (1)

یسیر بنصر الله من بیت ربِّه

علی سؤدد منه وأمرٍ مُسبَّبِ

یسیر إلی أعدائه بلوائِهِ

فیقتُلُهمْ قتلاً کحرّانَ مغضبِ

فلمّا رُوی أنَّ ابن خولة غائبٌ

صَرَفنا إلیهِ قولنا لم نکذِّبِ

وقلنا هو المهدیُّ والقائمُ الذی

یعیش به من عدلِهِ کلُّ مُجدِبِ (2)

فإن قلت لا فالحقّ قولُکَ والذی

أمرت فحتمٌ غیر ما متعصّبِ

وأُشهِدُ ربِّی أنَّ قولَکَ حُجّةٌ

علی الخلقِ طُرّا من مُطیعٍ ومُذْنبِ

بأنَّ ولیَّ الأمر والقائمَ الذی

تَطَلّعُ نفسی نحوَه بتطرُّبِ

له غَیْبَةٌ لا بدَّ من أن یغیبها

فصلّی علیه اللهُ من متغیِّبِ

فَیَمْکثُ حیناً ثمَّ یَظهَرُ حینَه

فیملأ عدلاً کلَّ شرقٍ ومَغْربِ

بذاک أمین الله سرّا وجهرةً

ولستُ وإن عوتبتُ فیه بمُعَتّبِ

وکان حیّان السرّاج الراوی لهذا الحدیث من الکیسانیّة ، ورواه الإربِلی فی کشف الغُمَّة (3).

3 - کلمة المرزبانی : قال فی أخبار السیِّد (4) : کان السیّد ابن محمد رحمه الله بلاشک کیسانیّا ، یذهب إلی أنَّ محمد بن الحنفیّة رضی الله عنه هو القائم المهدی وأنّه مقیمٌ فی جبال رضوی ، وشعره فی ذلک یدلُّ علی أنّه کان کما ذکرنا کیسانیّا ، فمن قوله :

یا شِعْبَ رضوی ما لمن بک لا یُری

وبنا إلیه من الصبابة أولقُ (5)

ف)

ص: 345


1- وفی روایة المرزبانی : [ ] ویمکث حیناً ثم یُشرِق شخصه [ ] مضیئاً بنور العدل إشراق کوکبِ [ ] (المؤلف)
2- فی روایة الحافظ المرزبانی : یعیش بجدوی عدله کلُّ مجدِب. (المؤلف)
3- کشف الغمّة : 2 / 393.
4- أخبار السیّد الحمیری : ص 164.
5- الأولق : الجنون أو مسّ منه. (المؤلف)

حتی متی وإلی متی وکم المدی

یا ابن الوصیّ وأنت حیٌّ تُرزقُ

إنّی لآمُلُ أن أراک وإنَّنی

من أن أموتَ ولا أراک لأفْرقُ

غیر أنَّه رحمه الله رجع عن ذلک وذهب إلی إمامة الصادق علیه السلام وقال :

تجعفرتُ باسم الله والله أکبرُ

وأیقنتُ أنَّ الله یعفو ویغفرُ

ومن زعم أنَّ السیِّد أقام علی الکیسانیّة فهو بذلک کاذبٌ علیه وطاعنٌ فیه. ومن أوضح ما دلّ علی بطلان ذلک دعاء الصادق له علیه السلام وثناؤه علیه ، فمن ذلک ما أخبرنا به محمد بن یحیی قال : حدّثنا أبو العینا قال : حدّثنی علیُّ بن الحسین بن علیّ ابن عمر بن علیّ بن الحسین بن علیّ بن أبی طالب - صلوات الله علیهم - قال : قیل لأبی عبد الله علیه السلام وذکر عنده السیِّد : بأنَّه ینال من الشراب. فقال علیه السلام : «إنَّ کان السیِّد زلّت به قدمٌ فقد ثبتت له أخری».

وبإسناده عن عبّاد بن صهیب قال : کنت عند أبی عبد الله جعفر بن محمد علیهما السلام فذکر السیِّد فدعا له فقال له : یا ابن رسول الله أتدعو له وهو یشرَب الخمر ، ویشتم أبا بکر وعمر ، ویوقن بالرجعة؟ فقال : «حدّثنی أبی عن أبیه علیّ بن الحسین أنَّ محبّی آل محمد صلی الله علیه وآله وسلم لا یموتون إلاّ تائبین وإنّه قد تاب». ثمَّ رفع رأسه وأخرج من مصلّی علیه کتاباً من السیِّد یتوب فیه ممّا کان علیه (1) ، وفی آخر الکتاب :

أیا راکباً نحو المدینة جَسرةً

عُذافرةً یُطوی بها کلُّ سَبسبِ

إلی آخر الأبیات کما مرّت.

وروی بإسناده عن خلف الحادی قال : قدم السیِّد من الأهواز بمال ورقیق ف)

ص: 346


1- فی الأغانی : 7 / 277 [7 / 297] أخرج کتاباً من السیِّد یُعرِّفه فیه : أنَّه قد تاب ویسأله الدعاء له. (المؤلف)

وکراع ، فجئته مهنِّئاً له ، فقال : إنَّ أبا بُجیر (1) إمامیٌّ وکان یُعیّرنی بمذهبی ویأمل منّی تحوّلاً إلی مذهبه فکتبت أقول له : قد انتقلت إلیه ، وقلت :

أیا راکباً نحو المدینة جَسرةً

عُذافرةً یُطوی بها کلُّ سَبسبِ

وذکر الأبیات إلی آخرها کما مرَّت.

ثمَّ قال : فقال له أبو بُجیر یوماً : لو کان مذهبک الإمامة لقلت فیها شعراً. فأنشدته هذه القصیدة فسجد وقال : الحمد لله الذی لم یذهب حبّی لک باطلاً. ثمَّ أمر لی بما تری.

وروی بإسناده عن خلف الحادی قال : قلت للسیّد : ما معنی قولک :

عجبتُ لکرِّ صروف الزمانِ

وأمرِ أَبی خالدٍ ذی البیانِ

ومن ردِّه الأَمرَ لا ینثنی

إلی الطیّب الطهر نورِ الجنانِ

علیٍّ وما کان من عمِّهِ

بردّ الإمامةِ عطفَ العنانِ

وتحکیمه حجراً أسوداً

وما کان من نُطقه المُستبانِ

بتسلیم عمٍّ بغیر امتراءٍ

إلی ابن أخٍ منطقاً باللسانِ

شهدتُ بذلک صدقاً کما

شهدت بتصدیق آی القُرانِ

علیٌ إمامیَ لا أَمتَری

وخلّیت قولی بکانٍ وکانِ

قال لی : کان حدّثنی علیّ بن شجرة عن أبی بُجیر عن الصادق أبی عبد الله علیه السلام : أنَّ أبا خالد الکابلی کان یقول بإمامة ابن الحنفیّة ، فقدم من کابُل شاه إلی المدینة فسمع محمداً یخاطب علیّ بن الحسین فیقول : یا سیّدی ، فقال أبو خالد : أتخاطبُ ابن أخیک بما لا یخاطبک بمثله؟ فقال : إنَّه حاکمنی إلی الحجر الأسود وزعم أنَّه یُنطِقُه ، فصرت معه إلیه فسمعت الحجر یقول : یا محمد سلّم الأمر إلی ابن أخیک فإنّه أَحقُّ منک!. ف)

ص: 347


1- هو أبو بُجیر عبد الله بن النجاشی ، الأسدی والی الأهواز للمنصور. (المؤلف)

فقلت شعری هذا. قال : وصار أبو خالد الکابلی إمامیّا. قال : فسألت بعض الإمامیّة عن هذا ، فقال لی : لیس بإمامیٍّ من لا یعرف هذا. فقلت للسیِّد : فأنت علی هذا المذهب أو علی ما أعرف؟ فأنشدنی بیت عُقَیل بن عَلَفة :

خُذا جَنْبَ هَرْشَی (1) أوقَفاه فإنّه

کلا جانبی هَرْشَی لهنَّ طریقُ

وممّا رواه المرزبانی (2)) له فی مذهبه قوله :

صحَّ قولی بالإمامهْ

وتعجّلتُ السلامهْ

وأزالَ الله عنّی

إذ تجعفرتُ الملامهْ

قلتُ من بعد حسینٍ

بعلیٍّ ذی العَلامهْ

أصبح السجّادُ للإ

سلام والدین دَعامهْ

قد أرانی الله أمراً

أسأل اللهَ تمامهْ

کی أُلاقیه به فی

وقتِ أهوالِ القیامهْ

4 - کلمة المفید : قال فی الفصول المختارة (3)) (ص 93) : وکان من الکیسانیّة أبو هاشم إسماعیل بن محمد الحمیری الشاعر رحمه الله وله فی مذهبهم أشعارٌ کثیرةٌ ، ثمّ رجع عن القول بالکیسانیّة وتبرَّأ منه ودان بالحقِّ ؛ لأنَّ أبا عبد الله جعفر بن محمد علیهما السلام دعاه إلی إمامته وأبان له عن فرض طاعته ، فاستجاب له فقال بنظام الإمامة وفارق ما کان علیه من الضلالة ، وله فی أیضاً ذلک شعر معروف.

ومن بعض قوله فی إمامة محمد - رضوان الله علیه - ومذهب الکیسانیَّة قوله :

ألا حیِّ مُقیماً شِعْبَ رَضوی

وأهدِ لهُ بمَنزلِه السلاما

1.

ص: 348


1- ثَنِیّة فی طریق مکة قریبة من الجُحفة ولها طریقان یفضیان إلی موضع واحد. (المؤلف)
2- أخبار السیّد الحمیری : ص 176.
3- الفصول المختارة : ص 241.

إلی أن قال : وله عند رجوعه إلی الحقِّ وفراقه الکیسانیّة :

تجعفرت باسمِ اللهِ واللهُ أکبرُ

وأیقنتُ أنَّ اللهَ یعفو ویغفرُ

ودِنْتُ بدینٍ غیر ما کنت دائناً

به ونهانی سیّدُ الناسِ جعفرُ

إلی آخر ما مرَّ باختلاف یسیر.

وقال فی الإرشاد (1) : فصلٌ : وفیه - یعنی الإمام الصادق علیه السلام - یقول السیِّد إسماعیل بن محمد الحمیری رحمه الله وقد رجع عن قوله بمذهب الکیسانیّة ، لمّا بلغه إنکار أبی عبد الله علیه السلام مقاله ، ودعاؤه له إلی القول بنظام الإمامة :

أیا راکباً نحو المدینة جَسرةً

عُذافِرةً یُطوی بها کلُّ سبْسَبِ

وذکر منها (13) بیتاً ثمَّ قال : وفی هذا الشعر دلیلٌ علی رجوع السیِّد رحمه الله عن مذهب الکیسانیّة وقوله بإمامة الصادق علیه السلام ، ووجوه الدعوة ظاهرة من الشیعة فی أیّام أبی عبد الله إلی إمامته والقول بغیبة صاحب الزمان علیه السلام وأنّها إحدی علاماته ، وهو صریحُ قول الإمامیّة الاثنی عشریّة.

5 - کلمة ابن شهرآشوب : روی فی المناقب (2) (2 / 323) عن داود الرقّی قال : بلغ السیِّد الحمیری أنَّه ذُکِرَ عند الصادق علیه السلام فقال : «السیِّد کافر» فأتاه وسأل : یا سیِّدی ، أنا کافرٌ مع شدّة حبِّی لکم ومعاداتی الناس فیکم؟

قال : «وما ینفعک ذاک وأنت کافر بحجّة الدهر والزمان؟» ثمّ أخذ بیده وأدخله بیتاً ، فإذا فی البیت قبرٌ فصلّی رکعتین ، ثمَّ ضرب بیده علی القبر فصار القبر قِطعاً ، فخرج شخصٌ من قبره ینفض التراب عن رأسه ولحیته ، فقال له الصادق : «من أنت؟» قال : أنا محمد بن علیّ المسمّی بابن الحنفیّة. فقال : «فمن أنا؟» فقال : 6.

ص: 349


1- الإرشاد : 2 / 206.
2- مناقب آل أبی طالب : 4 / 266.

جعفر بن محمد ، حجّة الدهر والزمان (1) فخرج السیِّد یقول :

تَجَعْفرتُ باسم اللهِ فی من تَجَعْفَرا

وأیقنتُ أنَّ اللهَ یعفو ویغفرُ

الی آخر الأبیات.

وفی أخبار السیّد : أنَّه ناظره مؤمن الطاق فی ابن الحنفیّة فغلبه علیه فقال :

ترکتُ ابن خَولةَ لا عن قِلیً

وإنّی لَکَالْکَلِفِ الوامِقِ

وإنّی له حافظٌ فی المغیبِ

أدینُ بما دان فی الصادقِ

هو الحَبرُ حَبرُ بنی هاشمٍ

ونورٌ من المَلِکِ الرازقِ

به یُنعِشُ اللهُ جمعَ العبادِ

ویجری البلاغة فی الناطقِ

أتانیَ برهانه معلناً

فَدِنْتُ ولم أکُ کالمائِقِ

کمن صدَّ بعد بیان الهدی

إلی حَبْترٍ وأبی حامقِ

فقال الطائی : أحسنت ، الآن أوتیت رُشْدَک ، وبلغت أشُدَّک ، وتبوَّأتَ من الخیر موضعاً ومن الجنّة مقعداً ، وأنشأ السیِّد یقول :

تجعفرت باسم الله واللهُ أکبرُ

وأیقنت أنَّ الله یعفو یغفرُ (2)

ذکر منها خمسة أبیات ثمَّ ذکر من بائیّته المذکورة ستّة أبیات فقال : وأنشد فیه - یعنی الصادق علیه السلام - :

امدَحْ أبا عبد الإل

- ه فتی البریّة فی احتمالهْ

سبط النبی محمدٍ

حبلٌ تفرّع من حبالهْ

تغشی العیونُ الناظراتُ

إذا سَمَون إلی جلالهْ

7.

ص: 350


1- هذه من علامات الإمامة التی مرّ الإیعاز إلیها فی کلمة الصدوق. (المؤلف)
2- مناقب آل أبی طالب : 4 / 267.

عَذْبُ الموارد بحرُهُ

یروی الخلائقَ من سجالهْ

بحرٌ أطلَّ علی البحو

ر یمدُّهنَّ ندی بلالهْ (1)

سَقَتِ العبادَ یمینُهُ

وسقی البلادَ ندی شِمالهْ

یحکی السحاب یمینهُ

والوَدْقُ یخرجُ من خلالهْ

الأرض میراثٌ له

والناس طُرّا فی عیالهْ

یا حجّةَ الله الجلیلِ

وعینَهُ وزعیمَ آلهْ

وابنَ الوصیِّ المصطفی

وشبیهَ أحمدَ فی کمالِهْ

أنت ابنُ بنت محمدٍ

حذواً خُلقتَ علی مثالهْ

فضیاءُ نورِک نورُهُ

وظِلال روحک من ظلالهْ

فیک الخلاص عن الردی

وبک الهدایة من ضَلالهْ

أُثنی ولستُ ببالغٍ

عُشْر الفَریدة من خصالهْ

6 - الإربِلی : قال فی کشف الغمّة (2) (ص 124) : السیِّد الحمیری رحمه الله کان کیسانیّا یقول برجعة أبی القاسم محمد بن الحنفیّة ، فلما عرّفه الإمام جعفر بن محمد الصادق علیهما السلام الحقَّ والقول بمذهب الإمامیّة الاثنی عشریّة ترک ما کان علیه ورجع إلی الحقّ وقال به ، وشعره رحمه الله فی مذهبه مشهور لا حاجة إلی ذکره لاشتهاره.

وینبئک عن مذهبه الحقِّ الصحیح قوله :

علی آل الرسول وأقربیه

سلامٌ کلّما سجَعَ الحمامُ

ألیسوا فی السماء هُمُ نجومٌ

وهمْ أَعلام عزٍّ لا یُرامُ

فیا من قد تحیّر فی ضلالٍ

أمیر المؤمنین هو الإمامُ

رسول اللهِ یومَ غَدیرِ خُمٍ

أنافَ به وقد حضر الأَنامُ

0.

ص: 351


1- کذا فی النسخة وأحسبه : نواله. (المؤلف)
2- کشف الغمّة : 2 / 40.

وثانی أَمره الحسنُ المرجّی

له بیتُ المشاعر والمقامُ

وثالثهُ الحسینُ فلیس یخفی

سنا بدرٍ إذا اختلط الظلامُ

ورابعُهم علیٌّ ذو المساعی

به للدین والدنیا قِوامُ

وخامسُهمْ محمدٌ ارتضاهُ

له فی المأثُراتِ إذن مَقامُ

وجعفرُ سادسُ النجباء بدرٌ

ببهجتِهِ زها البدرُ التمامُ

وموسی سابعٌ وله مقامٌ

تقاصَرُ عن أدانیهِ الکرامُ

علیٌّ ثامنٌ والقبرُ منه

بأرضِ الطوسِ إن قَحَطوا رِهامُ (1)

وتاسعُهمْ طریدُ بنی البغایا

محمدٌ الزکیُّ له حُسامُ

وعاشرُهمْ علیٌّ وهو حصنٌ

یحِنُّ لفقده البلدُ الحرامُ

وحادی العَشْر مصباحُ المعالی

منیرُ الضوء الحسنُ الهمامُ

وثانی العَشْر حان له القیامُ

محمدٌ الزکیُّ به اعتصامُ

أولئک فی الجِنان بهم مَساغی

وجیرتیَ الخوامس والسلامُ

نقد أو إصحار بالحقیقة :

قال الدکتور طه حسین المصری فی ذکری أبی العلاء (2) (ص 358) : التناسخ معروف عند العرب منذ أواخر القرن الأول ، والشیعة تدین به وببعض المذاهب التی تقرب منه کالحلول والرجعة ، ولیس بین أهل الأدب من یجهل ما کان من سخافات الحمیری وکثیر فی ذلک. انتهی.

کنت لا أعجب لو کان هذا العزو المختلق صادراً ممّن تقدّم طه حسین من بسطاء الأعصُر الخرافیّة الذین قالوا وهم لا یشعرون ، وجمعوا من غیر تمییز ، وألّفوا لا عن تنقیب ، وعزَوا من دون درایة. لکن عجبی کلّه من مثل هذا الذی یری نفسه 3.

ص: 352


1- الرِّهْمة : المطر الخفیف الدائم والجمع رهم ورهام. (المؤلف)
2- ذکری أبی العلاء ، المطبوع ضمن المجموعة الکاملة : 10 / 293.

منقِّباً ویحسبه فذّا من أفذاذ هذا العصر الذهبیِّ ، عصر النور ، عصر البحث والتنقیب الذی مُنی بمثل هذا الدکتور وأمثاله من جمال مستنوقة (1) یُسرّون حَسْواً فی ارتغاء (2) یریدون أن یفخِّذوا أمّةً کبیرةً تُعدُّ بالملایین عن الأمّة الإسلامیّة بنسبة الإلحاد إلیهم من تناسخ وحلول فیلعن هؤلاء أولئک لاعتقادهم بکفرهم ، ویغضب أولئک علی هؤلاء عندما یقفون علی مثل هذا الإفک الشائن ، فیقع مالا تحمد مغبّته من شقِّ العصا وتفریق الکلمة ، وذلک مُنیة من قیّض طه حسین لمثل هذه المعرّة وأثابه علیها.

ألم یسائل هذا الرجل باحثٌ عن مصدر هاتین الفریَتین؟ هل قرأهما فی کتاب من کتب الشیعة؟ أم سمعهما من شیعیّ؟ أو بلغه الخبر عن عالم من علماء الإمامیّة؟ وهؤلاء الشیعة وکتبهم منذ العصور المتقادمة حتی الیوم تحکم بکفر من یقول بالتناسخ والحلول وتدین بالبراءة منه ، فهلاّ راجع الدکتور هاتیک الکتب قبل أن یرمی لا عن سَدَد؟ وتخطّ یمینه لا عن رَشَد؟ نعم سبقه فی نسبة التناسخ إلی السیِّد ، ابن حزم الأندلسی فی الفِصَل (3) ، وقد عرفت ابن حزم ونزعاته فی الجزء الأوّل (ص 323 - 339).

وأمّا القول بالرجعة فلیس من سنخ القول بالتناسخ والحلول ، وقد نطق بها الکتاب والسنّة کما فُصِّل فی طیّات الکتب الکلامیّة وتضمّنته التآلیف التی أفردها أعلام الإمامیّة فیها ، وقد عرف من وقف علی أخبار السیِّد وشعره وحجاجه براءته من کلِّ ما نبذه به من سخافة ، إن لم یکن الدکتور ممّن یری أنَّ التهالک فی موالاة أهل 2.

ص: 353


1- مثل سائر [یضرب لمن یکون فی حدیث ثم ینتقل إلی غیره ویخلطه به. انظر : المستقصی فی أمثال العرب : 1 / 158 رقم 625]. (المؤلف)
2- مثل یضرب [لمن یریک أنَّه یُعینک ، وإنّما یجرُّ النفع إلی نفسه. انظر : مجمع الأمثال : 3 / 525 رقم 4680]. (المؤلف)
3- الفصل فی الملل والأهواء والنحل : 4 / 182.

البیت ومودّتهم ومدحهم والذبّ عنهم سخافة!.

حدیثه مع من لم یتشیّع :

لم یکن یری السیِّد لمناوئی العترة الطاهرة - صلوات الله علیهم - حُرمةً وقدراً ، وکان یشدّد النکیر علیهم فی کلِّ موقف ویلفظهم بألسنة حِداد بکلِّ حول وطول ، وله فی ذلک أخبارٌ ، منها :

1 - عن محمد بن سهل الحمیری عن أبیه قال (1) : انحدر السیِّد الحمیری فی سفینة إلی الأهواز ، فماراهُ رجلٌ فی تفضیل علیِّ علیه السلام وباهله علی ذلک ، فلمّا کان اللیل قام الرجل لیبول علی حرف السفینة ، فدفعه السیِّد فغرّقه ، فصاح الملاّحون : غرق والله الرجل. فقال السیّد : دعوه فإنّه باهلی (2).

2 - إن السیِّد کان بالأهواز ، فمرّت به امرأة من آل الزبیر تُزَفُّ إلی إسماعیل بن عبد الله بن العبّاس ، وسمع الجلبة فسأل عنها فأُخبر بها ، فقال :

أَتتْنا تُزَفُّ علی بغلةٍ

وفوق رِحالتها قُبّه

زبیریّةٌ من بنات الذی

أحلَّ الحرام من الکعبه (3)

تُزَفُّ إلی ملکٍ ماجدٍ

فلا اجتمعا وبها الوَجْبه

فدخلت فی طریقها إلی خَرِبةٍ للخلاء فنَهشَتْها أفعی فماتت ، فکان السیِّد یقول : لحقتها دعوتی (3).

3 - عن عبد الله بن الحسین بن عبد الله بن إسماعیل بن جعفر قال : خرج أهل 0.

ص: 354


1- الأغانی : 7 / 272.
2- الظاهر : باهلنی. (المؤلف)
3- الأغانی : 7 / 270.

البصرة یستسقون ، وخرج فیهم السیِّد وعلیه ثیابُ خزٍّ وجُبّةٌ ومِطرفٌ وعمامةٌ فجعل یجرُّ مِطرفه ویقول :

اهبِط إلی الأرض فَخُذ جَلْمداً

ثمَّ ارمهم یا مُزنُ بالجَلْمدِ

لا تَسقِهم من سَبَلٍ قطرةً

فإنّهم حربُ بنی أحمدِ (1)

4 - حدّثنی أبو سلیمان الناجی قال : جلس المهدیّ یوماً یعطی قریشاً صلاتٍ لهم وهو ولیُّ عهد ، فبدأ ببنی هاشم ثمّ بسائر قریش ، فجاء السیِّد فرفَع إلی الربیع - حاجب المنصور - رقعة مختومة وقال : إنَّ فیها نصیحة للأمیر فأَوصِلها إلیه. فأَوصلها ، فإذا فیها :

قل لابن عبّاس سمیِّ محمدٍ

لا تُعْطِیَنَّ بنی عَدِیٍّ دِرْهما

احْرِم بنی تَیْم بن مُرّةَ إنَّهمْ

شرُّ البَرِیّة آخراً ومُقدَّما

إنْ تُعطِهم لا یشکروا لک نِعْمةً

ویکافئوک بأن تُذَمَّ وتُشتَما

وإنِ ائتمنتهمُ أَو استعمَلتهمْ

خانُوک واتّخذوا خراجک مَغنما

ولئن مَنَعْتَهُمُ لقد بدءوکمُ

بالمنع إذ ملکوا وکانوا أظلما

منعوا تُراثَ محمدٍ أعمامَهُ

وابنیْه وابنتَه عدیلةَ مریما

وتأمّروا من غیر أن یُستَخلَفوا

وکفی بما فعلوا هنالک مأثَما

لم یشکروا لمحمدٍ إنعامَهُ

أَفَیَشْکرون لغیرهِ إنْ أنعما

واللهُ منَّ علیهمُ بمحمدٍ

وهداهمُ وکسا الجُنوبَ وأطعما

ثمَّ انْبَروا لوصیِّه وولیِّه

بالمنکرات فجرّعوه العلقما

قال : فرمی بها إلی أبی عبید الله معاویة بن یسار الکاتب للمهدی ثمّ قال : اقطع العطاء. فقطعه ، وانصرف الناس ، ودخل السیِّد إلیه ، فلما رآه ضحک وقال : قد 0.

ص: 355


1- الأغانی : 7 / 270.

قبلنا نصیحتک یا إسماعیل. ولم یُعطِهم شیئاً (1).

5 - عن سُوَید بن حمدان بن الحُصَین قال : کان السیِّد یختلف إلینا ویغشانا ، فقام من عندنا ذات یوم ، فخلفه رجلٌ وقال : لکم شرفٌ وقدرٌ عند السلطان ، فلا تجالسوا هذا فإنّه مشهورٌ بشرب الخمر وشتم السلف. فبلغ ذلک السیِّد فکتب إلیه :

وصَفْتُ لک الحوض یا ابنَ الحُصَین

علی صفةِ الحارث الأعورِ (2)

فإن تُسقَ منه غداً شَربةً

تَفُز من نصیبک بالأوفرِ

فما لیَ ذنبٌ سوی أنّنی

ذکرتُ الذی فرَّ عن خیبرِ

ذکرتُ امرأً فرَّ عن مرحبٍ

فرارَ الحمارِ من القَسْوَرِ

فأنکرَ ذاک جلیسٌ لکم

زنیمٌ أخو خُلُقٍ أعورِ

لحانی بحبِّ إمامِ الهدی

وفاروقِ أمَّتنا الأکبرِ

سأحلِقُ لحیَتَهُ إنَّها

شهودٌ علی الزور والمُنکَرِ

قال : فهجر والله مشایخنا جمیعاً ذلک [الرجل] (3) ولزموا محبّة السیِّد ومجالسته. الأغانی (4) (7 / 250 - 254).

6 - عن معاذ بن سعید الحمیری قال : شهد السیِّد إسماعیل بن محمد الحمیری رحمه الله عند سوّار القاضی بشهادة ، فقال له : ألست إسماعیل بن محمد الذی یُعرَفُ بالسیِّد؟ فقال : نعم. فقال له : کیف أَقدَمْتَ علی الشهادة عندی وأنا أعرف عداوتک للسلف؟ فقال السیِّد : قد أعاذنی الله من عداوة أولیاء الله وإنّما هو شیء 4.

ص: 356


1- الأغانی : 7 / 263.
2- هو الحارث الأعور الهمدانی : المتوفّی سنة (65) من مُقَدّمی أصحاب أمیر المؤمنین ، یأتی ذکره [فی الجزء الحادی عشر] فی ترجمة والد شیخنا البهائی فی شعراء القرن العاشر. (المؤلف)
3- ما بین المعقوفین أثبتناه من المصدر.
4- الأغانی : 7 / 273 - 274.

لزمنی. ثمَّ نهض فقال له : قم یا رافضیّ ، فو الله ما شَهدتَ بحقّ. فخرج السیِّد رحمه الله وهو یقول :

أبوک ابن سارق عَنْزِ النبیِ

وأنت ابن بنت أبی جَحْدَرِ

ونحن علی رَغمِکَ الرافضو

ن لأهل الضلالة والمنکرِ

ثمّ عمل شعراً وکتبه فی رقعة وأَمَر من ألقاها فی الرقاع بین یدی سَوّار.

قال : فأخذ الرقعة سوّار ، فلما وقف علیها خرج إلی أبی جعفر المنصور وکان قد نزل الجسر الأکبر لیستعدیَ علی السیِّد ، فسبقه السیِّد إلی المنصور فأنشأ قصیدته التی یقول فیها (1) :

یا أمینَ الله یا من

صورُ یا خَیرَ الوُلاةِ

إنَّ سوّارَ بنَ عبدِ اللّ

هِ من شرّ القضاةِ

نَعثلیٌ (2) جملیٌ

لکمُ غیرُ مواتی

جدّه سارقُ عَنزٍ

فجرةً من فَجَراتِ

لرسولِ الله والقا

ذِفُهُ بالمُنْکراتِ (3)

والذی کان یُنادی

من وراء الحُجُراتِ (4)

یا هناةُ اخرج إلینا

إنَّنا أهلُ هَناتِ

فاکفنیه لا کفاهُ اللّ

هُ شرَّ الطارقاتِ

ف)

ص: 357


1- أوّلها : [ ] قم بنا یا صاحِ واربَع [ ] فی المغانی الموحِشات [ ] (المؤلف)
2- قال الاستاذ العدویّ فی تعلیقه علی الأغانی : 7 / 261 : نعثل فی الاصل : اسم رجل یهودی من أهل المدینة ، وقیل : نعثل رجل لحیانی (طویل اللحیة) من أهل مصر. کان یُشَبَّهُ به عثمان رضی الله عنه إذا نِیلَ منه. (المؤلف)
3- أخذنا هذا البیت من الأغانی : 7 / 261 [7 / 281] ، والطبقات لابن المعتز : ص 8 [ص 34]. (المؤلف)
4- إشارة إلی نزول آیة الحُجُرات فی بنی العنبر أجداد القاضی سوّار. (المؤلف)

سَنَّ فینا سُنَناً کا

نت مواریثَ الطغاةِ

فهجوناه ومن یهجو

یُصِب بالفاقراتِ (1)

قال : فضحک أبو جعفر المنصور وقال : نصبتک قاضیاً فامدحه کما هجوته ، فأنشد رحمه الله یقول :

إنِّی امرؤٌ من حِمیرٍ أُسرَتی

بحیث تحوی سَروها حِمیرُ

آلیتُ لا أمدَح ذا نائلٍ

له سناءٌ وله مفخرُ

إلاّ مِن الغُرِّ بنی هاشمٍ

إنَّ لهم عندی یداً تُشکرُ

إنَّ لهم عندی یداً شکرها

حقٌّ وإن أنکرَها مُنکرُ

یا أحمدَ الخیرِ الذی إنّما

کان علینا رحمةً تُنشرُ

حمزة والطیّار فی جَنّةٍ

فحیث ما شاء دعا جعفرُ

منهم وهادینا الذی نحن مِن

بعد عَمانا فیه نستبصرُ

لمّا دجا الدینُ ورقَّ الهدی

وجارَ أهل الأرض واستکبروا

ذاک علیُّ بن أبی طالبٍ

ذاک الذی دانتْ له خیبرُ

دانت وما دانت له عَنوةً

حتی تدهدی عرشه الأکبرُ

ویوم سَلْعٍ إذ أتی عاتباً

عمرو بن عبدٍ مُصلِتاً یخطُرُ

یخطُرُ بالسیف مُدِلاّ کما

یخطُر فَحلُ الصِّرْمةِ الدَّوسرُ (2)

إذ جلَّل السیفَ علی رأسه

أبیض عضباً حدُّه مُبتِرُ

فخرَّ کالجذع وأوداجهُ

ینصبُّ منها حَلَبٌ أحمرُ

وکان أیضاً ممّا جری له مع سَوّار ؛ ما حدّث به الحرث بن عبید الله الربیعی ، قال : کنت جالساً فی مجلس المنصور وهو بالجسر الأکبر وسوّار عنده والسیِّد ینشده : ف)

ص: 358


1- الفاقرة : الدّاهیة الشدیدة. هذا البیت أخذناه من طبقات ابن المعتز : ص 7 [ص 34]. (المؤلف)
2- الصِّرمة بالکسر : القطعة من الإبل. الدّوسر : الضخم الشدید. (المؤلف)

إنَّ الاله الذی لا شیء یشبهُهُ

آتاکُمُ المُلْکَ للدنیا وللدینِ

آتاکمُ اللهُ مُلکاً لا زوال له

حتی یُقادَ إلیکم صاحبُ الصینِ

وصاحب الهند ماخوذٌ برُمّته

وصاحب الترک محبوسٌ علی هونِ

حتی أتی [علی] القصیدة والمنصور یضحک ، فقال سوّار : هذا والله یا أمیر المؤمنین یُعطیک بلسانه ما لیس فی قلبه ، والله إنَّ القوم الذین یدین بحبِّهم لَغیرُکم ، وإنَّه لَیَنطوی فی عداوتکم.

فقال السیِّد : والله إنَّه لکاذب وإنَّنی فی مدیحکم لصادقٌ ، ولکنَّه حمله الحسد إذ رآک علی هذه الحال ، وإنَّ انقطاعی ومودّتی لکم أهل البیت لعِرقٌ لی فیها عن أبویَّ ، وإنَّ هذا وقومه لأعداؤکم فی الجاهلیّة والإسلام ، وقد أنزل الله علی نبیِّه - علیه وآله السلام - فی أهل بیت هذا (1) (إِنَّ الَّذِینَ یُنادُونَکَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَکْثَرُهُمْ لا یَعْقِلُونَ) سورة الحجرات : (4). فقال المنصور : صدقت. فقال سوّار : یا أمیر المؤمنین إنّه یقول بالرجعة ، ویتناول الشیخین بالسبِّ والوقیعة فیهما. فقال السیّد : أمّا قوله : بأنّی أقول بالرجعة فإنَّ قولی فی ذلک علی ما قال الله تعالی : (وَیَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ کُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ یُکَذِّبُ بِآیاتِنا فَهُمْ یُوزَعُونَ) سورة النمل : (83).

وقد قال فی موضع آخر : (... وَحَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً) سورة الکهف (47) ، فعلمت أنَّ هاهُنا حشرَین ؛ أحدهما عامٌّ والآخر خاصٌّ. وقال سبحانه (رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَیْنِ وَأَحْیَیْتَنَا اثْنَتَیْنِ فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا فَهَلْ إِلی خُرُوجٍ مِنْ سَبِیلٍ) سورة غافر (11). وقال الله تعالی : (فَأَماتَهُ اللهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ) سورة البقرة (259). وقال الله تعالی : (أَلَمْ تَرَ إِلَی الَّذِینَ خَرَجُوا مِنْ دِیارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقالَ لَهُمُ اللهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْیاهُمْ) سورة البقرة (243).

فهذا کتاب الله ، وقد قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «یُحْشَرُ المتکبِّرون فی صُوَرِ

ف)

ص: 359


1- راجع تفسیر الخازن : 4 / 174 [4 / 165]. (المؤلف)

الذرِّ یومَ القیامة» (1) ، وقال صلی الله علیه وآله وسلم : «لم یَجْرِ فی بنی إسرائیل شیءٌ إلاّ ویکون فی أمّتی مثلُهُ حتی المسخُ والخَسْف والقذف» (2) ، وقال حذیفة : والله ما أبعد أن یمسخ الله کثیراً من هذه الأمّة قردةً وخنازیر (3). فالرجعة التی نذهب إلیها هی ما نطق به القرآن وجاءت به السنّة. وإنّنی لأعتقد أنَّ الله تعالی یَرُدُّ هذا - یعنی سوّاراً - الی الدنیا کلباً أو قرداً أو خنزیراً أو ذرَّة ، فإنّه والله متجبِّرٌ متکبِّرٌ کافرٌ.

قال : فضحک المنصور ، وأنشد السیِّد یقول :

جاثیتُ سَوّاراً أبا شَمْلَةٍ

عند الإمام الحاکم العادلِ

فقال قولاً خطأً کلّه

عند الوری الحافی والناعلِ

ما ذبَّ عمّا قلتُ من وَصْمَةٍ

فی أَهلِهِ بل لجَّ فی الباطلِ

وبان للمنصور صِدقی کما

قد بان کذبُ الأَنْوَکِ الجاهلِ

یُبغضُ ذا العرشِ ومن یصطفی

من رُسْلِه بالنیِّر الفاضلِ

ویَشْنَأُ الحَبرَ الجوادَ الذی

فُضِّلَ بالفضلِ علی الفاضلِ

ویعتدی بالحُکمِ فی مَعشَرٍ

أَدَّوا حقوق الرسلِ للراسلِ

فبیّنَ اللهُ تزاویقَه

فصارَ مِثْلَ الهائمِ الهائلِ

قال : فقال المنصور : کُفَّ عنه. فقال السیِّد : یا أمیر المؤمنین ، البادی أظلم ، یکُفّ عنّی حتی أَکُفَّ عنه. فقال المنصور لسوّار : تکلّم بکلام فیه نصفَةٌ ، کُفَّ عنه حتی لا یهجوک. الفصول المختارة (4) (1 / 61 - 64). 3.

ص: 360


1- أخرجه الترمذی [4 / 565 ح 2492] ، والنسائی ، والمنذری فی الترغیب والترهیب : 3 / 225 [3 / 567 ح 30] ، وابن الدیبع فی تیسیر الوصول : 4 / 151 [4 / 182 ح 5]. (المؤلف)
2- راجع سنن ابن ماجة : 2 / 503 [2 / 1350 ح 4062]. (المؤلف)
3- راجع سنن ابن ماجة : 2 / 489 [2 / 1333 ح 4020] ، والترغیب والترهیب : 3 / 107 [3 / 11]. (المؤلف)
4- الفصول المختارة : ص 59 - 63.

وروی أبو الفرج للسیِّد مما أنشده المنصور فی سوّار القاضی قوله :

قل للإمام الذی یُنجی بطاعتِهِ

یوم القیامة من بُحبوحة النارِ

لا تستعینَنْ جزاک الله صالحةً

یا خیر من دَبَّ فی حُکْمٍ بسوّارِ

لا تَسْتَعِنْ بخبیث الرأی ذی صَلَفٍ

جمِّ العُیوبِ عظیمِ الکِبر جبّارِ

تُضحی الخصومُ لدیهِ من تَجَبُّرِهِ

لا یرفعون إلیه لَحْظ أبصارِ

تیهاً وکبراً ولولا ما رفعتَ له

من ضَبْعه کان عین الجائع العاری

فدخل سوّار ، فلمّا رآه المنصور تبسّم وقال أما بلغک خبر إیاس بن معاویة (1) حیث قَبِل شهادة الفرزدق واستزاد فی الشهود؟ فما أحوجک للتعریض للسیِّد ولسانه؟ ثمّ أمر السیِّد بمصالحته وأمَرهُ بأن یصیر إلیه معتذراً ففعل فلم یعذره ، فقال :

أتَیْتُ دَعِیَّ بنی العنبرِ

أرومُ اعتذاراً فلم أُعْذَرِ

فقلتُ لنفسی وعاتبتُها

علی اللؤمِ فی فعلها : أقْصِری

أیعتذرُ الحرُّ ممّا أتی

إلی رجل من بَنی العَنْبَرِ

أبوک ابن سارقِ عَنْزِ النبیِ

وأمُّکَ بنتُ أبی جَحْدَرِ

ونحنُ علی رغْمِک الرافضو

نَ لأهل الضلالةِ والمُنْکرِ

قال : وبلغ السیِّد أنّ سوّاراً قد أعدّ جماعة یشهدون علیه بسرقةٍ لیقطعه ، فشکاه إلی أبی جعفر ، فدعا بسوّار وقال له : قد عزلتک عن الحکم للسیِّد أو علیه ، فما تعرّضَ له بسوء حتی مات (2).

7 - عن إسماعیل بن الساحر قال : تلاحی رجلان من بنی عبد الله بن دارم فی 2.

ص: 361


1- هو إیاس بن معاویة بن قُرَّة المُزَنی البصری ، ولاّه عمر بن عبد العزیز قضاء البصرة ، تُوفّی سنة (122) ، وحدیث قبوله شهادة الفرزدق یوجد فی الأغانی : 11 / 50 [7 / 275] ، و 19 / 50 طبع بولاق. (المؤلف)
2- الأغانی : 7 / 281 - 282.

المفاضلة بعد رسول الله صلی الله علیه وسلم فرضیا بحکم أوّل من یطلع فطلع السیِّد ، فقاما إلیه وهما لا یعرفانه ، فقال له مفضِّل علیّ بن أبی طالب علیه السلام منهما : إنّی وهذا اختلفنا فی خیر الناس بعد رسول الله صلی الله علیه وسلم فقلت : علیّ بن أبی طالب. فقطع السیِّد کلامه ثمّ قال : وأیّ شیء قال هذا الآخر ابن الزانیة؟! فضحک من حضر ، ووجم الرجل ، ولم یَحِر جواباً.

الأغانی (1) (7 / 241) ، وطبقات الشعراء لابن المعتز (2) (ص 7) عن محمد بن عبد الله السّدوسی عن السیِّد نفسه.

8 - فی کتاب الحیوان للجاحظ (3) (1 / 91) : شبّه السیِّد بن محمد الحمیری عائشة فی نصبها الحرب یوم الجمل لقتالِ بنیها بالهرّة حین تأکل أولادها ، فقال :

جاءت مع الأشْقَیْنِ فی هَودَجٍ

تُزْجی إلی البصرة أجنادَها

کأنّها فی فِعلها هِرَّةٌ

تُرید أنْ تأکُلَ أولادَها

أخبارُه ومُلَحه :

روی أبو الفرج وغیره شطراً وافیاً من أخبار السیِّد ومُلَحه ونوادره ، لو جمعت لأتی کتاباً ، ونحن نضرب عن ذکر جمیعها صفحاً ، ونقتصر منها بنبذة یسع لذکرها المجال.

1 - روی أبو الفرج فی الأغانی (4) (7 / 250) بإسناده عن رجل قال : کنت أختلف إلی ابنَی قیس ، وکانا یرویانِ عن الحسن (5) ؛ فلقینی السیِّد یوماً وأنا منصرفٌ

ف)

ص: 362


1- الأغانی : 7 / 261.
2- طبقات الشعراء : ص 33.
3- کتاب الحیوان : 1 / 197.
4- الأغانی : 7 / 271.
5- هو أبو سعید الحسن بن أبی [الحسن] یَسَار البصری : المتوفّی (110) ، قال ابن أبی الحدید [فی شرح نهج البلاغة : 4 / 95 خطبة 56] : کان ممّن قیل إنّه یبغض علیّا علیه السلام ویذمّه. (المؤلف)

من عندهما ، فقال : أرِنی ألواحک أکتُب فیها شیئاً وإلاّ أخذتُها فمحوت ما فیها. فأعطیته ألواحی فکتب فیها :

لشربَةٌ من سَوِیقٍ عند مَسْغبةٍ

وأکلَةٍ من ثریدٍ لحمُه واری

أشدُّ ممّا روی حُبّا إلیَّ بنو

قیسٍ وممّا روی صَلْتُ بنُ دینارِ

ممّا رواهُ فلانٌ عن فُلانِهمُ

ذاک الذی کان یدعوهم إلی النارِ

2 - جلس السیِّد یوماً إلی قوم فجعل یُنشدُهم وهم یلغطُون. فقال :

قد ضیّع الله ما جمّعتُ من أدبٍ

بین الحمیر وبین الشاءِ والبقرِ

لا یسمعون إلی قولٍ أجیء به

وکیف تستمعُ الأنعامُ للبشرِ

أقول ما سکتوا إنسٌ فإن نَطَقوا

قلتُ الضفادعُ بین الماء والشجرِ (1)

3 - اجتمع السیِّد فی طریقه بامرأة تمیمیّة إباضیّة ، فأعجبها وقالت : أرید أن أتزوّج بک ونحن علی ظهر الطریق. قال : یکون کنکاح أمِّ خارجة قبل حضور ولیٍّ وشهود ، فاستضحکت وقالت : ننظر فی هذا ، وعلی ذلک فمن أنت؟ فقال :

إن تسألینی بقومی تسألی رجلاً

فی ذرْوةِ العزِّ من أحیاءِ ذی یمنِ

حولی بها ذو کلاع فی منازلها

وذو رُعیْنٍ وهَمْدانٌ وذو یَزَنِ

والأزْدُ أزْدُ عُمانَ الأکرمونَ إذا

عُدَّتْ مآثُرهمْ فی سالِف الزمنِ

بانت کریمتُهمْ عنّی فدارُهُمُ

داری وفی الرحبِ من أوطانهِمْ وطنی

لی منزلانِ بلَحجٍ منزلٌ وَسَطٌ

منها ولی منزلٌ للعزّ فی عدنِ

ثمّ الوَلاءُ الذی أرجو النجاة به

من کبّة النار للهادی أبی حسنِ

فقالت : قد عرفناک ولا شیء أعجب من هذا : یمانٍ وتمیمیّة ؛ ورافضیٌّ وإباضیّة ، فکیف یجتمعان؟. فقال : بحُسن رأیک فیَّ تسخو نفسک ، ولا یذکر أحدُنا 3.

ص: 363


1- الأغانی : 7 / 273.

سَلَفاً ولا مذهباً. قالت : أفلیس التزویج إذا عُلِم انکشف معه المستور ، وظهرت خفیّات الأمور؟ قال : أعرِضُ علیکِ أخری. قالت : ما هی؟ قال : المتعة التی لا یعلم بها أحدٌ. قالت : تلک أخت الزنا. قال : أعیذکِ باللهِ أن تکفری بالقرآن بعد الإیمان. قالت : فکیف؟ قال : قال الله تعالی : (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِیضَةً وَلا جُناحَ عَلَیْکُمْ فِیما تَراضَیْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِیضَةِ) (1).

فقالت : ألا تستخیر الله وأقلِّدک إن کنت صاحب قیاس؟

قال : قد فعلت. فانصرَفَتْ معه وبات مُعرِّساً بها ، وبلَغَ أهلها من الخوراج أمرها ، فتوعّدوها بالقتل وقالوا : تزوّجتِ بکافر. فجحدَتْ ذلک ولم یعلموا بالمتعة. فکانت مدّة تختلف إلیه علی هذه السبیل من المتعة وتواصلهُ حتی افترقا (2).

قول السیِّد فی صدر القصّة : یکون کنکاح أمّ خارجة : إیعازٌ إلی المَثل السائر : أسرعُ من نکاح أمِّ خارِجة ، یُضرَبُ به فی السرعة. وأمُّ خارجة هی عَمْرَة بنت سعد ابن عبد الله بن قدار بن ثعلبة ، کان یأتیها الخاطب فیقول : خِطب. فتقول : نِکحْ فیقول : انزلی فتقول : أنِخْ.

قال المبرّد : ولَدتْ أمُّ خارجة للعرب فی نیّف وعشرین حیّا من آباء متفرقة ، وکانت هی إحدی النساء اللاّتی إذا تزوّجت واحد الرجل فأصبحت عنده کان أمرُها إلیها إن شاءت أقامت وإن شاءت ذهبت ، وعلامة ارتضائها للزوج أن تعالج له طعاماً إذا أصبح (3)

4 - قال علیُّ بن المغیرة : کنت مع السیِّد علی باب عقبة بن سَلم ، ومعنا ابنٌ لسلیمان بن علیٍّ ننتظره وقد أُسرِجَ له لیرکب ، إذ قال ابن سلیمان بن علیّ یعرّض 1.

ص: 364


1- النساء : 24.
2- الأغانی : 7 / 283 - 285.
3- راجع مجمع الأمثال : 2 / 132 رقم 1871.

بالسیِّد : أشعر الناس والله الذی یقول :

محمد خیر من یمشی علی قَدَمٍ

وصاحباه وعثمانُ بنُ عفّانا

فوثب السیِّد وقال : أشعر والله منه الذی یقول :

سائل قُریشاً إذا ما کنت ذا عَمَهٍ

من کان أثبتَها فی الدین أوتادا؟

من کان أعلَمَها علماً وأحلمَها

حلماً وأصدقها قولاً ومیعادا؟

إن یُصدِقوک فلن یَعْدوا أبا حسنٍ

إن أنت لم تلقَ للأبرار حُسّادا

ثمّ أقبل علی الهاشمیِّ فقال : یا فتی نِعمَ الخَلَفُ أنت لشرفِ سلفک ، أراک تَهدِمُ شرفک ، وتثلِبُ سلفک ، وتسعی بالعداوة علی أهلک ، وتفضِّل من لیس أصلُکَ من أصلِه علی من فضلکَ من فضلِهِ ، وسأُخبر أمیرَ المؤمنین عنک بذا حتی یَضَعَک. فوثب الفتی خَجِلاً ولم ینتظر عُقبة بن سَلم. وکتب إلیه صاحبُ خبره بما جری عند الرَّکوبة حتی خرجت الجائزة للسیِّد (1).

5 - روی أبو سلیمان الناجی : أنّ السیِّد قَدِمَ الأهواز وأبو بُجیر بن سِماک الأسدی یتولاّها وکان له صدیقاً ، وکان لأبی بُجیر مولیً یقال له یزید بن مذعور یحفَظ شعر السیِّد وینشده أبا بُجیر ، وکان أبو بُجیر یتشیّع فذهب السیِّد إلی قومٍ من إخوانه بالأهواز فنزل بهم وشرب عندهم ؛ فلمّا أمسی انصرف ، فأخذه العَسَس (2) فحُبِس. فکتب من غدهِ الأبیات وبعث بها إلی یزید بن مذعور. فدخل علی أبی بُجیر وقال : قد جنی علیک صاحب عَسَسِک ما لا قِوام لک به. قال : وما ذلک؟ قال : اسمع هذه الأبیات کتبها السیِّد من الحبس ، فأنشده یقول :

قفْ بالدیار وحیِّها یا مربعُ

واسأل وکیف یجیبُ من لا یَسمعُ

ف)

ص: 365


1- الأغانی : 7 / 285.
2- جمع العاس ، من عسَّ عسّا : طاف باللیل یحرُسُ الناس. (المؤلف)

إنَّ الدیار خَلَتْ ولیس بجوِّها

إلاّ الضوابحُ والحَمامُ الوُقَّعُ

ولقد تکون بها أوانسُ کالدُّمی (1)

جُمْلٌ وعزّةُ والربابُ وبَوْزَعُ

حُورٌ نواعمُ لا تری فی مثلها

أمثالهنَّ من الصیانة أربعُ

فَعَرِینَ بعد تألُّفٍ وتَجمُّعٍ

والدهر - صاح - مُشَتِّت ما تجمعُ

فاسلم فإنّک قد نزلتَ بمنزلٍ

عند الأمیر تضُرُّ فیه وتنفَعُ

تُؤتی هواک إذا نطقت بحاجةٍ

فیه وتشفع عنده فَیُشَفِّعُ

قُلْ للأمیر إذا ظفِرتَ بخلوةٍ

منه ولم یکُ عنده من یَسْمعُ

هب لی الذی أحببته فی أحمدٍ

وبنیهِ إنّک حاصدٌ ما تزرعُ

یختصُّ آلَ محمد بمحبةٍ

فی الصدر قد طُوِیَتْ علیها الأضلُعُ (2)

ویقول فیها :

قم یا ابن مذعور فأَنشِد نکّسوا

خُضُعَ الرقاب بأعینٍ لا تُرْفعُ

لو لا حِذار أبی بُجیر أظهروا

شنآنهم وتفرّقوا وتصدّعوا

لا تجزَعوا فلقد صبَرنا فاصبروا

سبعین عاماً والأُنوف تُجدَّعُ

إذ لا یزال یقوم کلَّ عَرُوبةٍ (3)

منکم بصاحبنا خطیبٌ مِصْقَعُ

مُسحنفِرٌ (4) فی غیِّه متتابعٌ

فی الشتم مثّله بخیلٌ یسجعُ

لیَسُرَّ مخلوقاً ویُسخِطَ خالقاً

إنَّ الشقیَّ بکلِّ شرٍّ مُولَعُ

فلمّا سمعها أبو بُجیر دعا صاحب عَسَسه فشتمه ، وقال : جنیتَ علیَّ ما لا یَدَ لی به ، اذهب صاغراً إلی الحبس وقل : أیُّکم أبو هاشم؟ ؛ فإذا أجابک فأخرِجه واحمله ع.

ص: 366


1- الدّمی جمع دُمیَة : الصورة المُزَیّنة فیها حمرة کالدم. (المؤلف)
2- الأغانی : 7 / 286.
3- یوم الجمعة کان یُسمّی قدیماً : یوم عَرُوبة ویوم العَرُوبة. والأفصح عدم ادخال الأَلف واللام. (المؤلف)
4- المسحَنْفر : المسرع.

علی دابّتک وامشِ معه صاغراً حتی تأتیَنی به. ففعل ، فأبی السیِّد ولم یُجبه إلی الخروج إلاّ بعد أن یُطلِق له کلَّ من أُخذ معه ، فرجع إلی أبی بُجیر فأخبره ، فقال : الحمد لله الذی لم یقل أخْرِجهم وأعطِ کلَّ واحد منهم مالاً. فما کنّا نقدر علی خلافه ، افعل ما أحبَّ برغم أنفک الآن ، فمضی فخلّی سبیله وسبیل کلّ من کان معه ممّن أُخِذ فی تلک اللیلة ، وأُتی به إلی أبی بُجیر : فتناوله بلسانه وقال : قَدِمتَ علینا فلم تأتِنا وأتیتَ بعض أصحابک الفُسّاق ، وشَرِبت ما حُرِّم علیک حتی جری ما جری. فاعتذر من ذلک إلیه ، فأمَر له أبو بُجیر بجائزةٍ سنیّة وحمله وأقام عنده مدّة (1).

6 - قال أبو الفرج فی الأغانی (2) (7 / 259) : أخبرنی أحمد بن عبد العزیز الجوهری قال : حدّثنا عمر بن شَبّة قال : حدّثنا حاتم بن قَبیصة قال : سمع السیِّد محدِّثاً یحدِّث : أنّ النبیَّ صلی الله علیه وسلم کان ساجداً فرکب الحسن والحسین علی ظهره ، فقال عمر رضی الله عنه : نِعْمَ المَطیُّ مطیُّکما.

فقال النبیُّ صلی الله علیه وسلم : «ونِعْمَ الراکبان هما». فانصرف السیِّد من فوره فقال فی ذلک :

أتی حَسنٌ والحسینُ النبیَ

وقد جلسا حَجْرةً یلْعبانِ

ففدّاهما ثمّ حیّاهما

وکانا لدیه بذاک المکانِ

فراحا وتحتهما عاتقاهُ

فنعمَ المطیّةُ والراکبانِ

وَلِیدانِ أمُّهما بَرّةٌ

حَصانٌ مُطهّرةٌ للحَصَانِ

وشیخُهما ابنُ أبی طالبٍ

فَنِعْمَ الولیدانِ والوالدانِ

خلیلیَّ لا تُرْجیا واعلما

بأنّ الهدی غیرُ ما تزعمانِ

وأنّ عَمَی الشک بعد الیقینِ

وضعفَ البصیرةِ بعد العیانِ

ضلالٌ فلا تَلجَجَا فیهما

فبئست لعَمرُکما الخصلتانِ

8.

ص: 367


1- الأغانی : 7 / 291.
2- الأغانی : 7 / 278.

أیُرجی علیٌّ إمام الهدی

وعثمانُ ما أَعنَدَ المرجیانِ

ویُرجی ابنُ حربٍ وأشیاعُهُ

وهُوجُ الخوارجِ بالنهروانِ

یکون إمامُهمْ فی المعاد

خبیثَ الهوی مؤمنَ الشیصبانِ (1)

وذکر ابن المعتز فی طبقاته (2) (ص 8) أبیاتاً من دون ذکر الحدیث وهی :

أتی حَسَناً والحسینَ الرسولُ

وقد برزا ضحوةً یلعبانِ

وضمّهما وتفَدّاهما

وکانا لدیه بذاک المکانِ

وطأطأَ تحتهما عاتِقَیهِ

فَنِعْمَ المطیّةُ والراکبانِ

وذکر المرزبانی فی أخبار السیِّد ستّة أبیات منها ، ولم یذکر الحدیث وزاد :

جزی الله عنّا بنی هاشمٍ

بإنعامِ أحمدَ أعلی الجِنانِ

فکلّهمُ طیِّبٌ طاهرٌ

کریمُ الشمائِلِ حُلو اللسانِ

قال الأمینی : هذه القصیدة تتضمّن أحادیث وردت فی الإمامین السبطین ، وقد تَلفَت جملةٌ من أبیاتها ، فقوله :

أتی حسنٌ والحسینُ النبیَ

وقد جلسا حَجرةً یلعبانِ

إشارةٌ إلی ما أخرجه الطبرانی (3) وابن عساکر فی تاریخه (4) (4 / 314) عن أبی أیّوب الأنصاری قال : دخلت علی رسول الله صلی الله علیه وسلم والحسن والحسین یلعبان بین یدیه وفی حجره فقلت : یا رسول الله أتحبّهما؟ فقال : «کیف لا أحبّهما ، وهما ریحانتای من الدنیا أشمّهما». 1.

ص: 368


1- الشیْصَبَان : اسم الشیطان. (المؤلف)
2- طبقات الشعراء : ص 35.
3- المعجم الکبیر : 4 / 156 ح 3990.
4- تاریخ مدینة دمشق : 5 / 22 ، وفی ترجمة الإمام الحسین علیه السلام - الطبعة المحقّقة - : رقم 61.

وعن جابر قال : دخلت علی رسول الله صلی الله علیه وسلم وهو حامل الحسن والحسین علی ظهره ، وهو یمشی بهما فقلت : نِعْمَ الجمل جملکما. فقال : «نعْمَ الراکبان هما». وفی لفظ : دخلت علیه والحسن والحسین علی ظهره ، وهو یمشی بهما علی أربع یقول صلی الله علیه وسلم : «نعْمَ الجملُ جملکما ونعْمَ العدلان أنتما». أخرجه ابن عساکر فی تاریخ الشام (1) (4 / 207).

وقوله :

أتی حسناً والحسینَ الرسولُ

وقد برزوا ضحوةً یلعبان

وبعده من أبیات إشارة إلی ما أخرجه الطبرانی (2) عن یعلی بن مُرّة وسلمان قالا :

کنّا حول النبیّ صلی الله علیه وسلم فجاءت أمُّ أیمَن فقالت : یا رسول الله ، لقد ضلَّ الحسن والحسین ، وذلک رأد النهار - یقول : ارتفاع النهار - فقال رسول الله صلی الله علیه وسلم : «قوموا فاطلبوا ابنیَّ» ، وأخذ کلُّ رجل تجاه وجهة ، وأخذت نحو النبیِّ صلی الله علیه وسلم ، فلم یزل حتی أتی سفح جبل ، وإذا الحسن والحسین یلتزق کلُّ واحد منهما صاحبه ، وإذا شجاعٌ علی ذَنَبِهِ یخرجُ من فیه شبه النار ، فأسرعَ إلیه رسول الله صلی الله علیه وسلم فالتفت مخاطباً لرسول الله صلی الله علیه وسلم ثمّ انساب فدخل بعض الأجحرة ، ثمّ أتاهما فأفرق بینهما ومسح وجوههما ، وقال : «بأبی وأمّی أنتما ما أکرمکما علی الله!» ثمّ حمل أحدهما علی عاتقه الأیمن والآخر علی عاتقه الأیسر ، فقلت : طوبی لکما نِعْمَ المطیّة مطیّتکما ، فقال رسول الله صلی الله علیه وسلم : «ونعْمَ الراکبان هما! وأبوهما خیرٌ منهما». الجامع الکبیر للسیوطی کما فی ترتیبه (3) (7 / 106). وأخرج ابن عساکر فی تاریخه (4) (4 / 317) عن عمر قال : رأیت الحسن والحسین علی عاتقَی 8.

ص: 369


1- تاریخ مدینة دمشق : 4 / 512 ، وفی ترجمة الإمام الحسن علیه السلام - الطبعة المحقّقة - : رقم 158.
2- المعجم الکبیر : 3 / 65 ح 2677.
3- کنز العمّال : 13 / 662 ح 37685.
4- تاریخ مدینة دمشق : 5 / 39 ، وفی ترجمة الإمام الحسین علیه السلام - الطبعة المحقّقة - : رقم 148.

النبیِّ ، فقلت : نِعْمَ الفَرَسُ راحلتکما - وفی لفظ ابن شاهین فی السنّة : نِعْمَ الفَرَسُ تحتکما -. فقال النبیّ صلی الله علیه وسلم : «ونِعْمَ الفارسان هما».

7 - عن سلیمان بن أرقم قال : کنت مع السیِّد فمرَّ بقاصٍّ علی باب أبی سفیان بن العلاء وهو یقول : یوزَنُ رسول الله صلی الله علیه وسلم یوم القیامة فی کِفّة بأمّته أجمع فیرجَحُ بهم ، ثمّ یُؤتی بفلان فیوزنُ بهم فیرجحُ ، ثمّ یؤتی بفلان فیوزَنُ بهم فیرجَحُ ، فأقبل علی أبی سفیان فقال : لعمری إنَّ رسول الله صلی الله علیه وسلم لیرجح علی أمّته فی الفضل ، والحدیث حقٌّ ؛ وإنّما رجح الآخران الناس فی سیِّئاتهم ؛ لأنّ من سنَّ سنّةً سیئةً فعُمِل بها بعده کان علیه وزرُها وَوِزر من عمل بها (1).

قال : فما أجابه أحدٌ ، فمضی فلم یبق أحدٌ من القوم إلاّ سبّه. الأغانی (2) (7 / 271).

8 - عن محمد بن کُناسة قال : أهدی بعض ولاة الکوفة إلی السیِّد رداءاً عَدَنیّا ، فکتب إلیه السیِّد ، فقال :

وقد أتانا رداءٌ من هَدیّتکمْ

فلا عَدِمتُکَ طولَ الدهر من والِ

هو الجمالُ جزاک اللهُ صالحةً

لو أنَّه کان موصولاً بسربالِ

فبعث إلیه بخلعة تامّة وفرس جواد ، وقال : یُقطَعُ عتاب أبی هاشم واستزادته إیّانا (3)

9 - روی المرزبانی (4) مسنداً عن الحرث بن عبید الله بن الفضل قال : کنّا عند 8.

ص: 370


1- أخرج حدیث : من سنَّ ، ابن ماجة فی سننه : 1 / 90 [1 / 75 ح 207] ، ومسلم [فی صحیحه : 5 / 228 ح 15 کتاب العلم] ، والترمذی [فی سننه : 5 / 42 ح 2675] ، والنسائی [فی السنن الکبری : 2 / 40 ح 2335] وغیرهم [کأحمد فی مسنده : 5 / 483 ح 18178 ، والهیثمی فی مجمع الزوائد : 1 / 168]. (المؤلف)
2- الأغانی : 7 / 290.
3- الأغانی : 7 / 290.
4- أخبار السیِّد الحمیری : ص 158.

المنصور ، فأمر بإحضار السیِّد فحضر. قال : أنشدنی مَدْحَک لنا فی قصیدتک المیمیّة التی أوّلها :

أتعرفُ داراً عَفی رَسْمُها

ودع التشبیب. فأنشده وقال :

فَدَعْ ذا وقُلْ فی بنی هاشمٍ

فإنّک باللهِ تستعصمُ

بنی هاشم حبُّکمُ قُربَةٌ

وحبُّکمُ خیر ما یُعلَمُ

بکمْ فتَحَ اللهُ بابَ الهدی

کذاک غداً بکمُ یَختِمُ

أُلامُ وألقی الأذی فیکمُ

ألا لائمی فیکمُ ألوَمُ

وما لیَ ذنبٌ یعدّونهُ

سوی أنَّنی بکمُ مغْرَمُ

وإنّی لکمْ وامقٌ ناصحٌ

وإنّی بحبِّکم مُعْصَمُ (1)

فأصبحتُ عندهمُ مأثمی

مآثرُ فرعون أوَ اعظمُ

فلا زلتُ عندکمُ مرتضی

کما أنا عندهمُ مُتْهمُ

جعلت ثنائی ومدحی لکم

علی رَغمِ أنفِ الذی یُرغَمُ

فقال له المنصور : أظنُّک أودَیتَ فی مدحنا کما أودی (2) حسّان بن ثابت فی مدح رسول الله صلی الله علیه وسلم ، وما أعرف هاشمیّا إلاّ ولک علیه حقٌّ. والسیِّد یشکره ، وهو یکلّمه بکلام من وصفه ما سمعته یقول لأحد مثله.

10 - روی المرزبانی فی أخبار السیِّد (3) بإسناده عن جعفر بن سلیمان ، قال :

کنّا عند المنصور فدخل علیه السیِّد ، فقال له : أنشدنی قصیدتک التی تقول فیها : 2.

ص: 371


1- فی المصدر : بحبلکم بدلاً من بحبّکم.
2- أودی به العمر : أی ذهب به وطال ، والمراد : أنّه کثیر المدح لبنی هاشم. وفی أخبار السیِّد : أوذیتَ ... کما أُوذی.
3- أخبار السیِّد الحمیری : ص 162.

ملَکَ ابنُ هندٍ وابن أروی قبلَهُ

مُلْکاً أمرَّ بحلِّه الإبرامُ

[فأنشدها حتی بلغ إلی قوله :] (1)

وأضاف ذاک إلی یزیدٍ مُلْکَهُ

إثمٌ علیه فی الوری وغَرامُ

أخزی الإله بنی أمیّةَ إنّهمْ

ظلموا العباد بما أتوهُ وحامُوا

نامت جدودُهمُ وأُسقِطَ نَجْمُهمْ

والنجمُ یسقطُ والجدودُ تنامُ

جَزَعَتْ أمیّةُ من ولایة هاشمٍ

وبَکَتْ ومنهمْ قد بکی الإسلامُ

إن یجزعوا فلقد أتتهُمْ دَوْلةٌ

وبها تدوم علیکمُ الأیّامُ

فَلَکمْ یکونُ بکلِّ شَهرٍ أشهرٌ

وبکلِّ عامٍ واحدٍ أعوامُ

یا رهطَ أحمدَ إنَّ مَن أعطاکُمُ

مُلکَ الوری وعطاؤه أقسامُ

ردَّ الوراثة والخلافة فیکمُ

وبنو أمیّة صاغرون رِغامُ

لَمُتَمِّمٌ لکمُ الذی أعطاکُمُ

ولکم لدیه زیادةٌ وتمامُ

أنتم بنو عمِّ النبیِّ علیکمُ

من ذی الجلال تحیّةٌ وسلامُ

وورثتموهُ وَکنتمُ أولی به

إنَّ الولاء تحوزُهُ الأرحامُ

ما زلت أعرفُ فضلَکم ویُحبُّکمْ

قلبی علیه وإنّنی لَغُلامُ

أُوذی وأُشتَمُ فیکمُ ویُصیبنی

من ذی القرابة جفوةٌ وملامُ

حتی بلغتُ مدی المشیب فأصبحتْ

منّی القرونُ کأنّهنّ ثَغامُ (2)

قال : فرأیت المنصور یلقمه من کلِّ شیء کان بین یدیه ویقول : شکراً لله ولک یا إسماعیل حبّک لأهل البیت - صلّی الله علیهم - ومدحک لهم ، وجزاک عنّا خیراً. یا ربیع ادفع إلی إسماعیل فرساً وعبداً وجاریةً وألف درهم ، واجعل الألف له فی کلّ شهر. ف)

ص: 372


1- أثبتنا الزیادة من المصدر.
2- الثَّغام : شجر أبیض الزهر ، واحدته : ثغامة. یقال : صار الرأس ثاغماً ، أی أبیض. (المؤلف)

11 - عن الجاحظ عن إسماعیل الساحر قال : کنت أسقی السیِّد الحمیری وأبا دُلامة ، فسکر السیِّد ، وغمّض عینیه حتی حسبناه نام ، فجاءت بنتٌ لأبی دُلامة قبیحة الصورة ، فضمّها إلیه ورقّصها وهو یقول :

ولَمْ تُرضعْکِ مریمُ أمُّ عیسی

ولم یَکفلْکِ لقمانُ الحکیمُ

ففتح السیِّد عینه وقال :

ولکن قد تضمّک أمّ سوءٍ

إلی لبّاتها وأبٌ لئیمُ

لسان المیزان (1) (1 / 438)

12 - روی شیخ الطائفة ، کما فی أمالی ولده (2) (ص 124) بإسناده عن محمد بن جبلة الکوفی قال : اجتمع عندنا السیِّد بن محمد الحمیری وجعفر بن عفّان الطائی (3) ، فقال له السیِّد : ویحَک أتقول فی آل محمد علیهم السلام شرّا :

ما بال بیتِکمُ یُخَرّب سقفُهُ

وثیابُکم من أرذل الأثوابِ

فقال جعفر : فما أنکرتَ من ذلک؟ فقال له السیِّد : إذا لم تُحسن المدح فاسکت. أَیُوصَفُ آل محمد بمثل هذا؟ ولکنّی أعذِرُک ، هذا طبعک وعلمک ومنتهاک ، وقد قلتُ أمحو عنهم عار مدحک :

أُقسِمُ بالله وآلائه

والمرء عمّا قال مسؤولُ

إنَّ علیَّ بن أبی طالب

علی التقی والبرِّ مجبولُ

وإنّه کان الإمامَ الذی

له علی الأمّة تفضیلُ

ف)

ص: 373


1- لسان المیزان : 1 / 489 رقم 1359.
2- أمالی الطوسی : ص 198 ح 339.
3- أبو عبد الله المکفوف من شعراء الکوفة ، له فی أهل البیت مراثٍ استنشدها الإمام الصادق - صلوات الله علیه -. (المؤلف)

یقول بالحقِّ ویعنی به

ولا تُلَهّیه الأباطیلُ

کان إذا الحربُ مَرَتها القنا

وأحجمت عنها البهالیلُ

یمشی إلی القِرن وفی کفِّه

أبیض ماضی الحَدِّ مصقولُ

مشی العَفَرْنی (1) بین أشباله

أبرزَهُ لِلقَنَصِ (2) الغِیلُ (3)

ذاک الذی سَلّم فی لیلةٍ

علیه میکالٌ وجبریلُ

میکالُ فی ألفٍ وجبریلُ فی

ألفٍ ویتلوهُمُ سرافیلُ

لیلةَ بدرٍ مَدَداً أُنزلوا

کأنّهمْ طیرٌ أبابیلُ

فسلّموا لمّا أتَوا حَذْوَهُ

وذاک إعظامٌ وتبجیلُ

کذا یُقال فیه یا جعفر ، وشعرک یُقال مثله لأهل الخصاصة والضعف. فقبّل جعفر رأسه ، وقال : أنت والله الرأس یا أبا هاشم ونحن الأذناب.

وهذا الحدیث رواه أبو جعفر الطبری فی الجزء الثانی من بشارة المصطفی (4) عن الشیخ أبی علیّ ابن شیخ الطائفة عن أبیه بإسناده.

خلفاء عصره :

أدرک السیِّد عشراً من الخلفاء : خمسة من بنی أمیّة وخمسة من بنی العبّاس ، وهم :

1 - هشام بن عبد الملک : المتوفّی (125) عن خلافة (19) سنة و (9) أشهر. وُلد السیِّد فی أوّل خلافته.

2 - الولید بن یزید بن عبد الملک : المقتول (126).

3 - یزید بن الولید : المتوفّی (126) عن مُلک ستّة أشهر. 3.

ص: 374


1- یقال : أسد عَفَرْنی ، أی شدید. (المؤلف)
2- قَنَص الطیر قنصاً : صاده. والقَنَص - بفتح القاف والنون - : المصیدَة. (المؤلف)
3- الغیل : الأجمة. موضع الأسد ، والجمع أغیال وغیول. (المؤلف)
4- بشارة المصطفی : ص 53.

4 - إبراهیم بن الولید : المتوفّی (127) عن مُلک ثلاثة أشهر.

5 - مروان بن محمد بن مروان بن الحکم : المقتول (132) وبه انقرضت دولتهم.

6 - السفّاح : أوّل من تسنّم المُلک من بنی العبّاس سنة (132) توفِّی (136) وللسیِّد فیه شعرٌ یوجد فی الأغانی (1) ، وفوات الوفیات (2) ، وشرح النهج لابن أبی الحدید (3) (2 / 214) ، وکانت جرایة السیِّد منه کلّ سنة جاریةً ومن یخدمها ، وبدرة 3 دراهم وحاملها ، وفرساً وسائسها ، وتختاً من صنوف الثیاب وحامله.

7 - المنصور : المتوفّی (158) وکان حسن الحال عنده یطلق لسانه بما أراد ، وکانت جرایته للسیِّد کلّ شهر ألف درهم.

8 - المهدی بن المنصور : المتوفّی (169) تورّع عنه السیِّد فی أوّل خلافته وهجاه ، فأُخذ واعتذَر ، فرضی عنه فمدحه. مرّ بعض أخباره معه.

9 - الهادی بن المهدی : المتوفّی (170).

10 - الرشید : المتوفّی (193) بعد مُلک (23) عاماً ، مدحه السیِّد بقصیدتین ، فأمر له ببدرتین ففرّقهما ، فبلغ ذلک الرشید فقال : أحسب أبا هاشم تورّع عن قبول جوائزنا.

قال المرزبانی فی أخبار السیِّد (4) : لمّا ولی الرشید رُفع إلیه فی السیِّد أنَّه رافضیٌّ فأحضره ، فقال : إن کان الرافضیُّ هو الذی یحبُّ بنی هاشم ویقدّمهم علی سائر الخلق فما أعتذر منه ولا أزول عنه ، وإن کان غیر ذلک فما أقول به ثمّ أنشد :

شجاک الحیُّ إذ بانوا

فدمعُ العینِ هَتّانُ

کأنّی یومَ ردّوا العیس

للرِّحلةِ نَشوانُ

3.

ص: 375


1- الأغانی : 7 / 259.
2- فوات الوفیات : 1 / 192 رقم 72.
3- شرح نهج البلاغة : 7 / 158 خطبة 104.
4- أخبار السیِّد الحمیری : ص 163.

وفوق العیس إذ ولَّوا

بها حورٌ وغزلانُ

إذا ما قمْن فالأعجا

ز فی التشبیهِ کُثبانُ

وما جاوزَ للأعلی

فأقمارٌ وأغصانُ

ومنها :

علیُّ وأبو ذرٍّ

ومقداد وسلمانُ

وعبّاسٌ وعمّارٌ

وعبد الله إخوانُ

دُعوا فاستودِعوا علماً

فأدَّوهُ وما خانوا

أدینُ اللهَ ذا العزّةِ

بالدین الذی دانوا

وعندی فیهِ إیضاحٌ

عن الحقِّ وبُرهانُ

وما یَجحدُ ما قد قل

تُ فی السبطین إنسانُ

وإن أنکر ذو النصب

فعندی فیهِ عِرفانُ

وإن عَدَّوهُ لی ذنباً

وحال الوصل هجرانُ

فلا کان لهذا الذنبِ

عند القوم غفرانُ

وکم عُدَّت إساءاتٌ

لقومٍ وهی إحسانُ

وسرِّی فیه یا داعیَ

دینِ اللهِ إعلانُ

فحُبِّی لکَ إیمانٌ

ومَیلی عنک کُفرانُ

فعدَّ القومُ ذا رفضاً

فلا عَدُّوا ولا کانوا

قال : فألطف له الرشید ووصله جماعةٌ من بنی هاشم.

صفته فی خلقته :

کان السیِّد الحمیری أسمر ، تامَّ القامة ، أشنب (1) ذا وَفرَةٍ (2) ، جمیل الوجه ، ف)

ص: 376


1- الشنب : البیاض والبریق والتحدید فی الأسنان. (المؤلف)
2- الوَفرة : ما جاوز شحمة الأُذنین من الشعر. (المؤلف)

رحیب الجبهة ، عریض ما بین السالفتین ، حسن الألفاظ ، جمیل الخطاب ، إذا تحدّث فی مجلس قوم أعطی کلَّ رجل فی المجلس نصیبه من حدیثه ، وکان من أظرف الناس.

قال شیبان بن محمد الحرّانی - وکان یُلقّب بعُوضة [وصار] (1) من سادات الأزد - : کان السیِّد جاری وکان أدلَم ، وکان ینادم فتیاناً من فتیان الحیِّ فیهم فتیً مثلُه أدلَم غلیظ الأنف والشفتین مُزنّج الخِلقة. وکان السیّد من أنتَنِ الناس إبطین ، وکانا یتمازحان ، فیقول له السیِّد : أنت زنجیُّ الأنف والشفتین. ویقول الفتی للسیِّد : أنت زنجیُّ اللون والإبطین. فقال السیِّد :

أعارَکَ یومَ بِعناهُ رَبَاحٌ (2)

مشافرَهُ وأنفک ذا القبیحا

وکانت حصّتی إبطَیَّ منه

ولوناً حالکاً أمسی فضُوحا

فهل لک فی مُبادَلَتیک إبطی

بأنفک تَحمدُ البیع الربیحا

فإنّک أقبحُ الفتیانِ أنفاً

وإبطی أنتنُ الآباطِ ریحا

الأغانی (3) (7 / 331) ، أمالی ابن الشیخ (4) (ص 43).

ولادته ووفاته :

وُلِد سیِّد الشعراء الحمیری سنة (105) بعُمان (5) ، ونشأ فی البصرة فی حضانة والدیه الإباضیَّین ، إلی أن عَقَل وشعر فهاجرهما ، واتّصل بالأمیر عقبة بن سَلم وتزَلّف لدیه حتی مات والداهُ فورثهما کما مرّ (ص 232 - 234) ، ثمّ غادر البصرة إلی الکوفة وأخذ فیها الحدیث عن الأعمش وعاش متردِّداً بینهما. ف)

ص: 377


1- الزیادة من الأغانی.
2- من أسماء العبید. (المؤلف)
3- الأغانی : 7 / 251 ، 289.
4- أمالی الطوسی : ص 627 ح 1293.
5- لسان المیزان : 1 / 438 [1 / 488 رقم 1359]. (المؤلف)

وتوفِّی فی الرُّمَیلة ببغداد فی خلافة الرشید ، وهذا هو المتسالم علیه ، وکُفِّن بأکفان وجّهها الرشید بأخیه ، وصلّی علیه أخوه علیّ بن المهدی (1) وکبّر خمساً علی طریق الإمامیّة ، ووقف علی قبره إلی أن سُطح بأمر من الرشید ودُفن فی جنینة (2) ناحیة من الکرخ ممّا یلی قَطیعة الربیع (3).

أمّا سنة وفاته فقد أرّخها المرزبانی (4) بسنة (173) ، ونقلها القاضی المرعشی فی مجالسه (5) عن خطِّ الکفعمی (6). وقال ابن حجر (7) بعد نقل التاریخ المذکور عن أبی الفرج : أرَّخه غیره سنة (178) وأرَّخه ابن الجوزی (8) سنة تسع.

روی المرزبانی (9) بإسناده عن ابن أبی حردان قال : حضرت السیِّد ببغداد عند موته ، فقال لغلام له : إذا متُّ فأتِ مجمع البصریِّین وأعلِمهم بموتی ، وما أظُنُّه یجیء منهم إلاّ رجلٌ أو رجلان ؛ ثمّ اذهب إلی مجمع الکوفیِّین فأعلمهم بموتی وأَنشدهم :

یا أهل کوفانَ إنِّی وامقٌ لکمُ

مُذ کنت طفلاً إلی السبعین والکِبَرِ

أهواکمُ وأُوالیکمْ وأمدحُکمْ

حتماً علیَّ کمحتومٍ من القَدَرِ

لحبِّکم لوصیِّ المصطفی وکفی

بالمصطفی وبه من سائر البشرِ

والسیِّدین أُولی الحسنی ونَجلِهُمُ

سَمِیُّ من جاء بالآیات والسورِ

0.

ص: 378


1- فما فی مجالس المؤمنین وبعض المعاجم - صلّی علیه المهدی - فیه تصحیف ؛ إذ المهدی توفّی (169) قبل المترجم بسنین. (المؤلف)
2- الجنینة تصغیر جنّة ، وهی الحدیقة والبستان. (المؤلف)
3- تنسب إلی الربیع بن یونس حاجب المنصور. (المؤلف)
4- أخبار السیِّد الحمیری : ص 152.
5- مجالس المؤمنین : 2 / 517.
6- أحد شعراء الغدیر فی القرن العاشر ، تأتی هناک [فی الجزء الحادی عشر] ترجمته. (المؤلف)
7- لسان المیزان : 1 / 488 رقم 1359.
8- المنتظم : 9 / 39 رقم 961.
9- أخبار السیِّد الحمیری : ص 169 - 170.

هو الإمام الذی نرجو النجاةَ بهِ

من حرّ نارٍ علی الأعداءِ مُسْتَعِرِ

کتبتُ شِعری إلیکمْ سائلاً لکمُ

إذ کنتُ أُنقَلُ من دارٍ إلی حُفَرِ

أن لا یَلینی سواکم أهل بَصرَتِنا

الجاحدون أو الحاوون للبِدَرِ

ولا السلاطین إنَّ الظلمَ حالَفَهمْ

فَعُرفُهمْ صائرٌ لا شکّ للنُکُرِ

وکفِّنونی بیاضاً لا یخالطُهُ

شیء من الوشی أو من فاخر الحبِرِ

ولا یُشیِّعنی النُّصّابُ إنّهمُ

شرُّ البریّة من أُنثی ومن ذَکَرِ

عسی الإلهُ یُنَجِّینی برحمتِهِ

ومَدحیَ الغُرُرَ الزاکین من سَقَرِ

فإنّهم لیسارعون إلیَّ ویُکبّرون (1).

فلمّا مات فعل الغلام ذلک ، فما أتی من البصریِّین إلاّ ثلاثة معهم ثلاثة أکفان وعِطر ، وأتی من الکوفیِّین خلقٌ عظیم معهم سبعون کفناً ، ووجَّه الرشید ، بأخیه علیٍّ وبأکفانٍ وطیب ، فرُدَّت أکفان العامّة علیهم وکُفِّن فی أکفان الرشید ، وصلّی علیه علیُّ ابن المهدی وکبّر خمساً ووقف علی قبره إلی أن سُطح ومضی ، کلُّ ذلک بأمر الرشید.

وروی مجیء الکوفیِّین بسبعین کفناً عن أبی العینا (2) عن أبیه وزاد : فلمّا مات دفن بناحیة الکرخ ممّا یلی قطیعة الربیع.

وفی حدیث موته له مکرمةٌ خالدةٌ تُذکر مدی الدهر ، وتُقرأ فی صحیفة التاریخ مع الأبد. قال بشیر بن عمّار : حضرت وفاة السیِّد فی الرمیلة ببغداد ، فوجّه رسولاً إلی صفِّ الجزّارین الکوفیِّین یُعلمهم بحاله ووفاته ، فغلط الرسول فذهب إلی صفِّ السموسین (کذا) فشتموه ولعنوه ، فعَلِم أنّه قد غلط ، فعاد إلی الکوفیِّین یُعْلِمهم بحاله ووفاته فوافاه سبعون کفناً. قال : وحضرنا جمیعاً وإنّه لیتحسّر تحسّراً شدیداً وإنَّ وجهه لأسودُ کالقار وما یتکلّم ، إلی أن أفاق إفاقة وفتح عینیه فنظر إلی ناحیة القبلة ف)

ص: 379


1- لعله : ویکثرون.
2- أبو عبد الله محمد بن القاسم بن خلاّد البصری : المتوفّی (283). (المؤلف)

- جهة النجف الأشرف - ثمّ قال : یا أمیر المؤمنین ، أتفعل هذا بولیِّک؟ قالها ثلاث مرّات مرّةً بعد أخری.

قال : فَتَجلّی والله فی جبینه عرقُ بیاض ، فما زال یتّسع ویلبس وجهه حتی صار کلّه کالبدر ، وتوفِّی فأخذنا فی جهازه ودفنّاه فی الجنینة ببغداد ، وذلک فی خلافة الرشید. الأغانی (1) (7 / 277).

وقال أبو سعید محمد بن رشید الهروی : إنَّ السیِّد اسودَّ وجهه عند الموت ، فقال : هکذا یُفعل بأولیائکم یا أمیر المؤمنین؟ قال : فابیضَّ وجهه کأنّه القمر لیلة البدر ، فأنشأ یقول :

أُحِبُّ الذی من مات من أهل وُدِّهِ

تَلَقّاهُ بالبُشری لدی الموتِ یَضحکُ

ومن مات یهوی غیره من عدوِّهِ

فلیس له إلاّ إلی النار مسلَکُ

أبا حسنٍ أفدیک نفسی وأُسرتی

وما لی وما أصبحتُ فی الأرض أملِکُ

أبا حسنٍ إنّی بفضلک عارفٌ

وإنّی بحبلٍ من هواک لممسِکُ

وأنت وصیُّ المصطفی وابن عمِّهِ

فإنّا نُعادی مُبغضیک ونترُکُ

ولاحٍ لَحانی فی علیٍّ وحزبِهِ

فقلتُ : لحاک الله إنّک أعفَکُ

مُوالیکَ ناجٍ مؤمنٌ بَیِّنُ الهدی

وقالیکَ معروفُ الضلالةِ مشرکُ

رجال الکشّی (2) (ص 185) ، أمالی ابن الشیخ (3) (ص 31) ، بشارة المصطفی (4).

وقال الحسین بن عون : دخلت علی السیِّد الحمیری عائداً فی علّته التی مات فیها ، فوجدته یُساق به ، ووجدت عنده جماعة من جیرانه وکانوا عثمانیّة ، وکان 6.

ص: 380


1- الأغانی : 7 / 297.
2- رجال الکشّی : 2 / 571 رقم 506.
3- أمالی الطوسی : ص 49 ح 63.
4- بشارة المصطفی : ص 76.

السیِّد جمیل الصورة رحیب الجبهة عریض ما بین السالفَتین ، فَبَدَت فی وجهه نُکتة سوداء مثل النقطة من المِداد ، ثمّ لم تَزَلْ تزید وتنمی حتی طَبّقتْ وجهه - یعنی اسوداداً - فاغتمَّ لذلک من حضره من الشیعة ، فظهر من الناصبة سرورٌ وشماتةٌ ، فلم یَلبَثْ بذلک إلاّ قلیلاً حتی بدتْ فی ذلک المکان من وجهه لمعة بیضاء ، فلم تزل تزید بیاضاً وتنمی حتی أسفَر وجهه وأشرق ، وافترّ السیِّد ضاحکاً ، وأنشأ یقول :

کَذَبَ الزاعمون أنّ علیّا

لن یُنَجِّی مُحبّه من هناتِ

قد وربِّی دخلتُ جنّة عدنٍ

وعَفا لی الإله عن سیّئاتی

فابشروا الیومَ أولیاء علیٍ

وتَوَلَّوا علیَّ حتی المماتِ

ثمّ من بعده تَولَّوا بنِیه

واحداً بعد واحدٍ بالصفاتِ

ثمّ أتبعَ قوله هذا : أشهد أن لا إله إلاّ الله حقّا حقّا ، وأشهد أنّ محمداً رسول الله حقّا حقّا (1) ، وأشهد أنّ علیّا أمیر المؤمنین حقّا حقّا. أشهد أن لا إله إلاّ الله. ثمّ غمّض عینیه لنفسه فکأنّما کانت روحه ذبالة (2) طفئت أو حصاة سقطت.

أمالی الشیخ (3) (ص 43) ، مناقب السروی (4) (2 / 20) ، کشف الغمّة (5) (ص 124).

تضلُّعُه فی العلم والتاریخ :

إنَّ من یقف علی موارد حِجاج السیِّد الحمیری والمعانی التی طرقها فی شعره ومحاوراته مع من عاصره من رجال الفریقین ، جدّ علیم بما له من الخطوات الواسعة والشوط البعید فی فهم مغازی الکتاب الکریم وفقه السنّة الشریفة ، وأنَّ تهالکه فی 0.

ص: 381


1- فی لفظ السرَوی : صدقاً صدقاً. وأشهد أن علیّا ولیُّ الله رفقاً رفقاً. (المؤلف)
2- الذبالة : الفتیلة ، والجمع ذبال. (المؤلف)
3- أمالی الطوسی : ص 627 ح 1293.
4- مناقب آل أبی طالب : 3 / 258.
5- کشف الغمّة : 2 / 40.

ولاء أهل البیت علیهم السلام کان علی بصیرة من أمره عن علم متدفّق ومعرفة ناضجة لا کمَن یتلقّی المبدأ عن تقلید بحت ومدرک بسیط ، ویغلب علی فکره الجلبة والصخب.

فمن نماذج علمه ما مرَّ (ص 258) من حِجاجه مع القاضی سوّار فی مجلس المنصور حول القول بالرجعة وإفحامه إیّاه بالکتاب والسنّة. وما مرّ (ص 264).

قال المرزبانی فی أخبار السیِّد (1) : قیل : إنَّ السیِّد حجَّ أیام هشام فَلَقی الکمیت فسلَّم علیه ، وقال : أنت القائل :

ولا أقولُ إذا لم یُعطیا فدَکاً

بنتَ الرسول ولا میراثه کَفَرا

الله یعلمُ ما ذا یأتیانِ به

یومَ القیامة من عُذرٍ إذا حضرا

قال : نعم قلته تقیّة من بنی أمیّة ، وفی مضمون قولی شهادةٌ علیهما أنّهما أخذا ما کان فی یدها.

فقال السیِّد : لو لا إقامة الحُجّة لوسِعَنی السکوت ، لقد ضَعُفتَ یا هذا عن الحقِّ. یقول رسول الله صلی الله علیه وسلم : «فاطمة بضعةٌ منّی یریبنی ما رابها ، وإنَّ الله یغضب لغضبها ویرضی لرضاها» فخالفت رسول الله صلی الله علیه وسلم. وهب لها فدکاً بأمر الله له ، وشهد لها أمیر المؤمنین والحسن والحسین وأمُّ أیمَن ، بأنّ رسول الله صلی الله علیه وسلم أقطَع فاطمة فَدَکاً فلم یحکما لها بذلک ، والله تعالی یقول : (یَرِثُنی ویَرِثُ من آل یعقوب) (2). ویقول : (وورِثَ سلیمانُ داودَ) (3)). وهم یجعلون سبب مصیر الخلافة إلیهم الصلاة وشهادة المرأة لأبیها ؛ أنّ رسول الله صلی الله علیه وسلم قال : «مروا فلاناً بالصلاة بالناس» فصُدِّقت المرأة لأبیها ولا تصدّق فاطمة وعلیٌّ والحسن والحسین وأمُّ أیمن فی مثل فَدَک ، وتُطالبُ مثل فاطمة بالبیِّنة علی ما ادَّعت لأبیها ، وتقول أنت مثل هذا القول. 6.

ص: 382


1- أخبار السیِّد الحمیری : ص 178.
2- مریم : 6.
3- النمل : 16.

وبعد : فما تقول فی رجل حَلَف بالطلاق أنّ الذی طلبت فاطمة علیها السلام هو حقٌّ ، وأنّ علیّا والحسن والحسین وأمّ أیمن ما شهدوا إلاّ بحقّ ، ما تقول فی طلاقه؟ قال : ما علیه طلاق. قال : فإن حَلَف بالطلاق إنّهم قالوا غیر الحقّ؟ قال : یقع الطلاق لأنّهم لم یقولوا إلاّ الحقّ. قال : فانظر فی أمرک. فقال الکمیت : أنا تائبٌ إلی الله ممّا قلت ، وأنت یا أبا هاشم أعلم وأفقه منّا.

وهو - مع تضلّعه فی علمَی الکتاب والسنّة ومعرفته بالحجج الدینیّة وبصیرته بمناهج الحِجَاج فی المذهب وإقامة الحجّة علی من یُضادُّه فی المبدإ - کان له یدٌ غیر قصیرة فی التاریخ ، وله کتاب تاریخ الیمن ، ذکره له الصفدی فی الوافی بالوفیات (1 / 49).

وفی شعره الطافح بمعانی الکتاب والسنّة شهادة صادقة علی إحاطته بما فیها من مرامٍ وإشارات ونصوص وتصریحات. وکلّما ازدادت الفضیلة قوّةً والبرهان وضوحاً ، وکانت الحجّة بالغة کان اعتناؤه بسرد القریض فیها أکثر کحدیث الغدیر والمنزلة والتطهیر والرایة والطیر وأمثالها ، ومنها : حدیث العشیرة الوارد فی قوله تعالی : (وأَنْذِرْ عَشیرَتَکَ الأَقْرَبِینَ) (1) فی بدء الدعوة النبویّة ، فقد أشار إلیه فی عدّة قصائد منها قوله :

بأبی أنت وأمِّی

یا أمیر المؤمنینا

بأبی أنت وأُمّی

وبرهطی أجمعینا

وبأهلی وبمالی

وبناتی والبنینا

وفدتکَ النفسُ منّی

یا إمامَ المتّقینا

وأمینَ الله والوا

رثَ علم الأوّلینا

ووصیَّ المصطفی

أحمدَ خیرِ المرسلینا

4.

ص: 383


1- الشعراء : 214.

وولیَّ الحوضِ والذا

ئدَ عنه المُحدِثینا

أنت أولی الناس بالنا

سِ وخیرُ الناس دینا

کنتَ فی الدنیا أخاه

یوم یدعو الأقربینا

لیُجیبوهُ إلی اللّ

هِ فکانوا أربعینا

بین عمٍّ وابن عمٍ

حوله کانوا عرینا

فورثت العلمَ منه

والکتابَ المُستَبِینا

طِبْتَ کهلاً وغلاماً

ورضیعاً وجَنِینا

ولدی المیثاق طیناً

یوم کان الخلقُ طینا

کنت مأموناً وجیهاً

عند ذی العرشِ مَکینا

فی حجاب النور حیّا

طیِّباً للطاهرینا (1)

وقوله من قصیدة لم نقف علی تمامها :

من فضلِهِ أنّهُ قد کان أوّل من

صلّی وآمن بالرحمنِ إذ کفروا

سنین سبعاً وأیّاماً محرّمةً

مع النبیِّ علی خوفٍ وما شعروا

ویومَ قالَ له جبریلُ قد علموا

أنذِرْ عشیرتَکَ الأدنَیْنَ إن بَصرُوا

فقامَ یدعوهمُ من دون أمّتهِ

فما تخلّفَ عنهُ منهمُ بَشَرُ

فمنهم آکلٌ فی مجلس جَذَعاً

وشاربٌ مثل عُسٍ (2) وهو مُحْتَضَرُ

فَصَدَّهم عن نواحی قَصْعةٍ شُبُعاً

فیها من الحَبِّ صاعٌ فوقه الوَذَرُ (3)

فقال یا قوم إنَّ اللهَ أرسلنی

إلیکمُ فأجیبوا اللهَ وادَّکِروا

فأیُّکمْ یجتبی قولی ویؤمنُ بی

أنِّی نبیٌّ رسولٌ فانبری غُدَرُ

فقال تبّا أتدعونا لتَلفِتَنا

عن دیننا ثمّ قام القومُ فاشتمروا

ف)

ص: 384


1- أعیان الشیعة : 3 / 427.
2- العُسُّ - بضم العین - : القدح أو الإناء الکبیر ، والجمع عساس وأعساس. (المؤلف)
3- الوَذْرَةُ من اللحم : القطعة الصغیرة منه ، والجمع وذْر ووذَر. (المؤلف)

من الذی قال منهمْ وهو أحدثُهمْ

سِنّا وخیرهم فی الذِّکْر إذ سُطِروا

آمنتُ بالله قد أُعطیتَ نافلةً

لم یُعطَها أحدٌ جِنٌّ ولا بشرُ

وإنَّ ما قلتَهُ حقٌّ وإنّهمُ

إن لم یُجیبوا فقد خانوا وقد خسروا

ففاز قِدْماً بها والله أکرَمهُ

وکان سبّاقَ غایاتٍ إذا ابتدروا (1)

وقوله من قصیدة لم توجد بتمامها :

علیٌّ علیهِ رُدَّتِ الشمسُ مرّةً

بِطَیْبَةَ یومَ الوحی بعدَ مغیبِ

ورُدَّت له أخری ببابلَ بعدَ ما

عفت وتدلّت عینُها لغرُوبِ

وقیلَ لهُ أنْذِر عشیرتَکَ الأولی

وهم من شبابٍ أربعین وشِیبِ

فقال لهم إنّی رسولٌ إلیکمُ

ولست أرانی عندکمْ بکَذوبِ

وقد جئتُکم من عند ربٍّ مُهیْمنٍ

جزیلِ العطایا للجزیلِ وَهوبِ

فأیُّکمُ یقفو مقالی فأمسَکوا

فقال : ألا من ناطقٍ فمجیبی

ففاز بها منهم علیٌّ وسادَهُمْ

وما ذاک من عاداتهِ بغریبِ

حدیث بدء الدعوة

ص السنّة والتاریخ والأدب

أخرجه غیر واحد من الأئمّة وحفّاظ الحدیث من الفریقین فی الصحاح والمسانید ، ومرَّ علیه آخرون منهم ممّن یُعتدّ بقوله وتفکیره مخبتین له من دون أیِّ غمزٍ فی الإسناد أو توقّف فی متنه.

وتلقّاه المؤرِّخون من الأمّة الإسلامیّة وغیرها بالقبول ، وأُرسِل فی صحیفة التاریخ إرسال المُسَلَّم ، وجاء منظوماً فی أسلاک الشعر والقریض ، وسیوافیک فی شعر الناشئ الصغیر المتوفّی (365) وغیره. 3.

ص: 385


1- أعیان الشیعة : 3 / 423.

لفظ الحدیث :

أخرج الطبری فی تاریخه (1) (2 / 216) عن ابن حمید قال : حدّثنا سلمة قال : حدّثنی محمد بن إسحاق ، عن عبد الغفّار بن القاسم ، عن المنهال بن عمرو ، عن عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطّلب ، عن عبد الله بن العبّاس ، عن علیّ بن أبی طالب قال :

«لمّا نزلت هذه الآیة علی رسول الله صلی الله علیه وسلم : (وَأَنْذِرْ عَشِیرَتَکَ الْأَقْرَبِینَ) دعانی رسول الله صلی الله علیه وسلم فقال : یا علیُّ ، إنَّ الله أمرنی أنْ أنذر عشیرتی الأقربین ، فضِقْتُ بذلک ذَرعاً ، وعرفت أنّی متی أُبادئهم بهذا الأمر أرَ منهم ما أکره ، فَصَمَتُّ علیه حتی جاء جبریل فقال : یا محمد إنّک إلاّ تفعلْ ما تُؤمرُ به یُعذِّبک ربُّک. فاصنع لنا صاعاً من طعام واجعل علیه رِجْل شاة واملأ لنا عُسّا من لبن ثمّ اجمع لی بنی عبد المطّلب حتی أکلِّمهم وأبلِّغهم ما أُمِرت به.

ففعلتُ ما أمرنی به ثمّ دعوتهم له وهم یومئذٍ أربعون رجلاً یزیدون رجلاً أو ینقصونه ، فیهم أعمامه أبو طالب وحمزة والعبّاس وأبو لهب ... فلمّا اجتمعوا إلیه دعانی بالطعام الذی صنعت لهم فجئت به ، فلمّا وضعته تناول رسول الله صلی الله علیه وسلم حِذْیةً من اللحم فشقّها بأسنانه ثمّ ألقاها فی نواحی الصُّحفَة ثمّ قال : خذوا بسم الله. فأکل القوم حتی ما لهم بشیء حاجة وما أری إلاّ موضع أیدیهم ، وایمُ الله الذی نفس علیّ بیده وإن کان الرجل الواحد منهم لَیأکلُ ما قدّمتُ لجمیعهم ، ثمّ قال : اسقِ القوم. فجئتهم بذلک العُسِّ فشربوا حتی رووا منه جمیعاً ، وایمُ الله إن کان الرجل الواحد منهم لَیَشرَبُ مثله ، فلمّا أراد رسول الله صلی الله علیه وسلم أن یکلّمهم بَدَرهُ أبو لهب إلی الکلام ، فقال : لَقِدْماً سحرکم صاحبُکم. فتفرّق القوم ولم یکلِّمهم رسول الله صلی الله علیه وسلم فقال : الغد یا علیُّ ؛ إنَّ هذا الرجل سبقنی إلی ما قد سمعت من القول فتفرّق القوم قبل أن أُکلِّمهم ، فعُدْ لنا 9.

ص: 386


1- تاریخ الأُمم والملوک : 2 / 319.

من الطعام بمثل ما صنعت ثمّ اجمعهم إلیَّ.

قال : ففعلت ثمّ جمعتهم ثمّ دعانی بالطعام فقرَّبته لهم ، ففعل کما فعل بالأمس ، فأکلوا حتی ما لهم بشیء حاجة. ثمّ قال : اسقهم ، فجئتهم بذلک العُسّ فشربوا حتی روُوا منه جمیعاً.

ثمّ تکلّم رسول الله صلی الله علیه وسلم فقال : یا بنی عبد المطّلب ، إنّی والله ما أعلم شابّا فی العرب جاء قومه بأفضل ممّا قد جئتکم به ، إنّی قد جئتکم بخیر الدنیا والآخرة ، وقد أمرنی الله تعالی أن أدعوَکم إلیه ، فأیُّکم یوازرُنی علی هذا الأمر علی أن یکون أخی ووصیِّی وخلیفتی فیکم؟

قال : فأحجم القوم عنها جمیعاً وقلت - وإنّی لأحدثهم سنّا ، وأرمصهم عیناً ، وأعظمهم بطناً ، وأحمشهم ساقاً - : أنا یا نبیَّ الله أکون وزیرک علیه. فأخذ برقبتی ثمّ قال : إنَّ هذا أخی ووصیِّی وخلیفتی فیکم فاسمعوا له وأطیعوا.

قال : فقام القوم یضحکون ویقولون لأبی طالب : قد أمرک أن تسمع لابنک وتطیع». وبهذا اللفظ أخرجه أبو جعفر الإسکافی المتکلّم المعتزلی البغدادی : المتوفّی (240) فی کتابه نقض العثمانیّة (1) وقال : إنّه رُوی فی الخبر الصحیح (2)). ورواه الفقیه برهان الدین (3) فی أنباء نجباء الأبناء (ص 46 - 48) ، وابن الأثیر فی الکامل (4) (2 / 24) ، وأبو الفدا عماد الدین الدمشقی فی تاریخه (1 / 116) ، وشهاب الدین الخفاجی فی شرح الشفا (5) للقاضی عیاض (3 / 37) - وبتر آخره - وقال : ذکر فی 5.

ص: 387


1- راجع شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید : 3 / 263 [13 / 244 خطبة 238]. (المؤلف)
2- نقض العثمانیة : ص 303.
3- محمد بن محمد بن محمد بن ظفر المکّی المغربی المولود (497) والمتوفّی (565 ، 567). (المؤلف)
4- الکامل فی التاریخ : 1 / 487.
5- نسیم الریاض : 3 / 35.

دلائل البیهقی (1) وغیره بسند صحیح ، والخازن علاء الدین البغدادی فی تفسیره (2) (ص 390) ، والحافظ السیوطی فی جمع الجوامع کما فی ترتیبه (3) (6 / 392) نقلاً عن الطبری وفی (ص 397) عن الحفّاظ الستّة : ابن إسحاق ، وابن جریر ، وابن أبی حاتم ، وابن مردویه ، وأبی نعیم ، والبیهقی ، وابن أبی الحدید فی شرح نهج البلاغة (4) (3 / 254). وذکره المؤرِّخ جرجی زیدان فی تاریخ التمدّن الإسلامی (5) (1 / 31) والأستاذ محمد حسین هیکل فی حیاة محمد (ص 104) من الطبعة الأولی.

ورجال السند کلّهم ثقاتٌ إلاّ أبا مریم عبد الغفّار بن القاسم ، فقد ضعّفه القوم ولیس ذلک إلاّ لتشیّعه ، فقد أثنی علیه ابن عقدة وأطراه وبالغ فی مدحه کما فی لسان المیزان (6) (4 / 43) ، وأسند إلیه وروی عنه الحفّاظ المذکورون وهم أساتذة الحدیث ، وأئمّة الأثر ، والمراجع فی الجرح والتعدیل ، والرفض والاحتجاج ، ولم یقذِف أحدٌ منهم الحدیث بضعف أو غمز لمکان أبی مریم فی إسناده ، واحتجّوا به فی دلائل النبوّة والخصائص النبویّة.

وصحّحه أبو جعفر الإسکافی وشهاب الدین الخفاجی کما سمعت ، وحکی السیوطی فی جمع الجوامع کما فی ترتیبه (7) (6 / 396) تصحیح ابن جریر الطبری له. علی أنّ الحدیث ورد بسندٍ آخر رجاله کلّهم ثقات کما یأتی ، أخرجه أحمد فی مسنده (8) (1 / 111) بسند رجاله کلهم من رجال الصحاح بلا کلام وهم : شریک ، 5.

ص: 388


1- دلائل النبوّة : 2 / 178 - 180.
2- تفسیر الخازن : 3 / 371.
3- کنز العمّال : 13 / 128 ح 36408 ، ص 131 ح 36419.
4- شرح نهج البلاغة : 13 / 210 خطبة 238.
5- مؤلّفات جرجی زیدان الکاملة - تاریخ التمدّن الإسلامی - : 11 / 45.
6- لسان المیزان : 4 / 51 رقم 5229.
7- کنز العمّال : 13 / 128 ح 36408.
8- مسند أحمد : 1 / 178 ح 885.

الأعمش ، المنهال ، عبّاد.

ولیس من العجیب ما هملج به ابن تیمیّة من الحکم بوضع الحدیث فهو ذلک المتعصِّب العنید ، وإنَّ من عادته إنکار المسلّمات ، ورفض الضروریات ، وتحکّماته معروفةٌ ، وعرف منه المنقِّبون أنّ مدار عدم صحّة الحدیث عنده هو تضمّنه فضائل العترة الطاهرة.

صورة أخری :

«جمع رسول الله صلی الله علیه وسلم أو : دعا رسول الله صلی الله علیه وسلم بنی عبد المطّلب فیهم رهطٌ کلُّهم یأکل الجَذَع ویشرب الفَرَق (1) ، قال : فصنع لهم مدّا من طعام فأکلوا حتی شَبِعوا قال : وبقی الطعام کما هو کأنّه لم یُمس ، ثمّ دعا بغُمَر (2) فشربوا حتی روُوا وبقی الشراب کأنّه لم یُمسّ. أو : لم یُشرب. ثمّ قال : یا بنی عبد المطّلب ، إنّی بُعثت إلیکم خاصّة وإلی الناس عامّة وقد رأیتم من هذا الأمر ما رأیتم ، فأیُّکم یبایعنی علی أن یکون أخی وصاحبی ووارثی؟ فلم یقُم إلیه أحدٌ ، فقمتُ إلیه وکنتُ أصغر القوم ، قال : فقال : إجلس. قال : ثمّ قال ثلاث مرّات ، کلّ ذلک أقوم إلیه فیقول لی : إجلس. حتی کان فی الثالثة فضرب بیده علی یدی».

أخرجه الإمام أحمد فی مسنده (3) (1 / 159) عن عفّان بن مسلم الثقة المترجَم له [فی] (4) (1 / 86) ، عن أبی عوانة الثقة المترجم له [فی] (5) (1 / 78) ، عن عثمان بن المغیرة الثقة ، عن أبی صادق مسلم الکوفی الثقة ، عن ربیعة بن ناجذ التابعیِّ الکوفی الثقة ، عن علیٍّ أمیر المؤمنین. ق.

ص: 389


1- الفَرَق : مکیال واسع یُکال به اللبن. (المؤلف)
2- الغُمَر : القدح.
3- مسند أحمد : 1 / 257 ح 1375.
4- ما بین المعقوفتین زیادة یقتضیها السیاق.
5- ما بین المعقوفتین زیادة یقتضیها السیاق.

وبهذا السند والمتن أخرجه الطبری فی تاریخه (1) (1 / 217) ، والحافظ النسائی فی الخصائص (2) (ص 18) ، وصدر الحفّاظ الکنجی الشافعی فی الکفایة (3) (ص 89) ، وابن أبی الحدید فی شرح النهج (4) (3 / 255) ، والحافظ السیوطی فی جمع الجوامع کما فی ترتیبه (5) (6 / 408).

صورة ثالثة :

عن أمیر المؤمنین قال : «لمّا نزلت هذه الآیة : (وَأَنْذِرْ عَشِیرَتَکَ الْأَقْرَبِینَ) دعا بنی عبد المطّلب وصنع لهم طعاماً لیس بالکثیر فقال : کلوا باسم الله من جوانبها فإنَّ البرکة تنزل من ذروتها. ووضع یده أوّلَهم فأکلوا حتی شَبِعوا ، ثمّ دعا بقدح فشرب أوّلهم ثمّ سقاهم فشربوا حتی روُوا ، فقال أبو لهب : لَقِدْماً سحرکم!.

وقال : یا بنی عبد المطّلب إنّی جئتکم بما لم یجئ به أحدٌ قطُّ ، أدعوکم إلی شهادة أن لا إله إلاّ الله وإلی الله وإلی کتابه. فنفروا وتفرَّقوا ، ثمّ دعاهم الثانیة علی مثلها ، فقال أبو لهب کما قال المرّة الأولی ، فدعاهم ففعلوا مثل ذلک ، ثمّ قال لهم ومدَّ یده : من یبایعنی علی أن یکون أخی وصاحبی وولیّکم من بعدی؟ فمددت یدی وقلت : أنا أُبایعک ، وأنا یومئذٍ أصغر القوم عظیم البطن ، فبایعنی علی ذلک. قال : وذلک الطعام أنا صنعته».

أخرجه الحافظ ابن مردویه بإسناده ، ونقله عنه السیوطی فی جمع الجوامع کما فی الکنز (6) (6 / 401). 5.

ص: 390


1- تاریخ الأُمم والملوک : 2 / 321.
2- خصائص أمیر المؤمنین : ص 83 ح 66 ، وفی السنن الکبری : 5 / 125 ح 8451.
3- کفایة الطالب : ص 206.
4- شرح نهج البلاغة : 13 / 210 خطبة 238.
5- کنز العمّال : 13 / 174 ح 36520.
6- کنز العمّال : 13 / 149 ح 36465.

صورة رابعة :

بعد ذکر صدر الحدیث :

«ثمّ قال رسول الله صلی الله علیه وسلم : یا بنی عبد المطّلب إنَّ الله قد بعثنی إلی الخلق کافّة وبعثنی إلیکم خاصّة ، فقال : (وَأَنْذِرْ عَشِیرَتَکَ الْأَقْرَبِینَ) وأنا أدعوکم إلی کلمتین خفیفتین علی اللسان ثقیلتین فی المیزان : شهادة أن لا إله إلاّ الله ، وأنّی رسول الله. فمن یُجیبنی (1) إلی هذا الأمر ویوازرنی یکن أخی ووزیری ووصیّی ووارثی وخلیفتی من بعدی. فلم یُجِبْه أحدٌ منهم ، فقام علیٌّ وقال : أنا یا رسول الله. قال : اجلس. ثمّ أعاد القول علی القوم ثانیاً فَصَمَتوا ، فقام علیٌّ وقال : أنا یا رسول الله. فقال : اجلس. ثمّ أعاد القول علی القوم ثالثاً فلم یُجبه أحدٌ منهم فقام علیٌّ فقال : أنا یا رسول الله. فقال : اجلس فأنت أخی ووزیری ووصیّی ووارثی وخلیفتی من بعدی».

أخرج الحافظان ابن أبی حاتم والبغوی ، ونقله عنهما ابن تیمیّة فی منهاج السنّة (4 / 80) وعنه الحلبی فی سیرته (2) (1 / 304).

صورة خامسة :

مرَّ (ص 107) فی حدیث قیس ومعاویة فیما رواه التابعیُّ الکبیر أبو صادق الهلالی فی کتابه (3) عن قیس : فجمع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم جمیع بنی عبد المطّلب فیهم : أبو طالب وأبو لهب وهم یومئذٍ أربعون رجلاً فدعاهم رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وخادمه علیٌّ علیه السلام ورسول الله فی حِجر عمِّه أبی طالب.

فقال : «أیُّکم ینتَدِبُ أن یکون أخی ووزیری ووصیِّی وخلیفتی فی أمّتی وولیَ 6.

ص: 391


1- کذا فی منهاج السنّة بالرفع وإثبات الیاء ، وحقّه الجزم وحذف الیاء لالتقاء الساکنین ؛ لأنّه فعل الشرط الجازم.
2- السیرة الحلبیة : 1 / 286.
3- کتاب سلیم بن قیس : 2 / 779 ح 26.

کلِّ مؤمن بعدی؟ فسکتَ القوم حتی أعادها ثلاثاً ، فقال علیٌّ : أنا یا رسول الله صلّی الله علیک ، فوضع رأسه فی حِجره وتَفَل فی فیه ، وقال : اللهمّ املأ جوفه علماً وفهماً وحُکماً. ثمّ قال لأبی طالب : یا أبا طالب اسمع الآن لابنک وأطِع ؛ فقد جعله الله من نبیِّه بمنزلة هارون من موسی».

صورة سادسة :

أخرج أبو إسحاق الثعلبی المتوفّی (427 ، 437) المترجم له (1 / 109) فی تفسیره الکشف والبیان (1) ، عن الحسین بن محمد بن الحسین قال : حدَّثنا موسی بن محمد ، حدّثنا الحسن بن علیِّ بن شعیب (2) العمری ، حدّثنا عبّاد بن یعقوب ، حدّثنا علیّ بن هاشم عن صباح بن یحیی المُزَنی عن زکریا بن میسرة عن أبی إسحاق عن البراء بن عازب قال :

«لمّا نزلت هذه الآیة : (وَأَنْذِرْ عَشِیرَتَکَ الْأَقْرَبِینَ) ، جمع رسول الله صلی الله علیه وسلم بنی عبد المطّلب ، وهم یومئذٍ أربعون رجلاً ، الرجل منهم یأکل المُسِنَّة ویشرب العُسَّ ، فأمر علیّا برِجْل شاة فأدَمَها ثمّ قال : ادنوا بسم الله. فدنا القوم عشرةً عشرةً فأکلوا حتی صدروا ، ثمّ دعا بقَعبٍ من لبنٍ فجرع منه جرعة ، ثمّ قال لهم : اشربوا باسم الله. فشربوا حتی رووا. فَبَدرهم أبو لهب فقال : هذا ما سَحَرکم به الرجل!. فسکت یومئذٍ ولم یتکلّم. ثمّ دعاهم من الغد علی مثل ذلک من الطعام والشراب ثمّ أنذَرَهُم رسول الله فقال : یا بنی عبد المطّلب إنّی أنا النذیر إلیکم من الله عزّ وجلّ والبشیر ، فأسلِموا وأطیعونی تهتدوا. ثمّ قال : من یُؤاخینی ویوازرُنی ویکون ولیّی ووصیّی بعدی وخلیفتی فی أهلی یقضی دینی؟ فسکت القوم فأعادها ثلاثاً ، کلُّ ذلک یسکت القوم ویقول علیٌّ : أنا. فقال فی المرّة الثالثة : أنت. فقام القوم وهم یقولون لأبی ف)

ص: 392


1- الکشف والبیان : الورقة 163 سورة الشعراء : آیة 214.
2- فی کفایة الکنجی : شبیب. (المؤلف)

طالب : أطع ابنک ؛ فقد أُمِّر علیک».

وبهذا السند والمتن أخرجه صدر الحفّاظ الکنجی الشافعی فی الکفایة (1) (ص 89) ، وجمال الدین الزرَندی فی نظم درر السمطین بتغییر یسیر فی لفظه.

صورة سابعة :

أخرج أبو إسحاق الثعلبی فی الکشف والبیان (2) عن أبی رافع وفیه : «ثمّ قال : إنَّ الله تعالی أمَرنی أن أُنذِرَ عشیرتی الأقربین ، وأنتم عشیرتی ورهطی ، وإنَّ الله لم یبعث نبیّا إلاّ جعل له من أهله أخاً ووزیراً ووارثاً ووصیّاً وخلیفةً فی أهله ، فأیُّکم یقوم فیبایعنی علی أنّه أخی ووزیری ووصیِّی ویکون منّی بمنزلة هارون من موسی إلاّ أنّه لا نبیّ بعدی؟ فسکت القوم فقال : لَیَقومنَّ قائمُکم أو لَیَکونَنَّ فی غیرکم ثمّ لَتَندَمُنَّ. ثمّ أعاد الکلام ثلاث مرّات ، فقام علیٌّ فبایعه وأجابه ثمّ قال : ادنُ منّی. فدنا منه ففتح فاه ومجَّ فی فیه من ریقه وتَفَل بین کتفیه وثدییه ، فقال أبو لهب : فبئس ما حَبَوْتَ به ابن عمِّک أن أجابک فملأت فاه ووجهه بُزاقاً. فقال صلی الله علیه وسلم : ملأتهُ حکمةً وعلماً».

وفی کتاب الشهید الخالد الحسین بن علیّ ، تألیف الاستاذ حسن أحمد لطفی ، قال فی (ص 9): إنَّ النبیَّ ، علی ما رواه کثیرون ، لمّا جمع أعمامهُ وأُسرتَه لیُنذِرَهم قال لهم : «فأیُّکم یوازِرُنی علی هذا الأمر علی أن یکون أخی ووصیّی وخلیفتی فیکم؟. فأحجم الجمیع إلاّ علیّا وکان أصغرهم. فقال : أنا یا نبیَّ الله أکون وزیرک علیه.

فأخذ الرسول صلی الله علیه وآله وسلم برقبته ثمّ قال : هذا أخی ووصیّی وخلیفتی فیکم فاسمعوا له وأطیعوا». 4.

ص: 393


1- کفایة الطالب : ص 204 - 205.
2- الکشف والبیان : الورقة 163 سورة الشعراء : آیة 214.

وفی کتاب محمد (1) تألیف توفیق الحکیم (ص 50): «ما أعلم إنساناً فی العرب جاء قومه بأفضل ممّا جئتکم به ، قد جئتکم بخیر الدنیا والآخرة ، وقد أمرنی ربِّی أن أدعوَکم إلیه ، فأیُّکم یُوازِرُنی علی هذا الأمر ، وأن یکون أخی ووصیِّی وخلیفتی فیکم؟» قریش : لا أحد ، لا أحد. أعرابیٌّ : نعم لا أحد یُوازرک علی هذا حتی ولا کلب الحیِّ!. علیٌّ : «أنا یا رسول الله عونُک ، أنا حربٌ علی من حاربتَ».

وذکر الحدیث الصحافیّ القدیر عبد المسیح الأنطاکیّ المصریّ (2) فی تعلیقه علی علویّته المبارکة (ص 76) ولفظ الحدیث فیه : «فمن یُجیبنی إلی هذا الأمر ویوازرنی علی القیام به یکن أخی ووزیری وخلیفتی من بعدی». فلم یُجِبه أحدٌ من بنی عبد المطّلب إلاّ علیّ ، وکان أحدثهم سنّا.

فقال : «أنا یا رسول الله. فقال المصطفی : اجلس. ثمّ أعاد القول ثانیاً فصمت القوم ، وأجاب علیٌّ : أنا یا رسول الله. فقال المصطفی : اجلس ، ثمّ أعاد القول ثالثاً فلم یکن فی بنی عبد المطّلب من یُجیبه غیر علیٍّ. فقال : أنا یا رسول الله.

حینئذٍ قال المصطفی - علیه الصلاة والسلام - : اجلس فأنت أخی ووزیری ووصیِّی ووارثی وخلیفتی من بعدی. فمضی القوم».

ونظم هذه الإثارة بقوله من قصیدته المذکورة :

وتلک بِعثَتُه الزهراءُ علیه صلا

ةُ الله للخلْقِ عَربِیها وعَجمِیها

فصار یدعو إلیها من توسَّمَ فی

ه الخیر سِرّا وخوفُ الشر یُخفیها

بذا ثلاثةَ أعوامٍ قضی وله

قد دان بعض قریشٍ واهتدَوا فیها

وبعدَها جاءَهُ جبریلُ یأمرُهُ

بأن یُجاهِرَ بالإسلامِ مُجریها

وقال فاصدع بأمرِ اللهِ إنکَ مب

عوثٌ لتدعو إلیهِ الناسَ تَهدیها

ف)

ص: 394


1- کتاب محمد رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم : ص 27.
2- أحد شعراء الغدیر فی القرن الرابع عشر ، تأتی هناک ترجمته. (المؤلف)

أنْذِرْ عَشیرتَکَ الدنیا بشِرْعَتِک ال

غرّا وأظهرْ لها أسنی معانیها

وَمُذْ تُبَلَّغُ أمرَ اللهِ هِمَّ به

بهمّةٍ ما اعتدا الکفّارِ یَثنیها

ولم یَجِدْ عَضُداً کی یستعینَ به

علی مُجاهرةٍ قد کان خاشیها

إلاّ العلیَّ فناداهُ وأخبرَه

ببغیةٍ حسبَ أمرِ اللهِ باغیها

وقال هیِّئ لنا فی الحال مأدُبةً

وَلْیُتْقِنَنَّ لها الألوانَ طاهیها

فَرِجْلُ شاةٍ علی صاع الطعام وأع

ساسٌ لها اللبنُ النوقیُّ یُملیها

وادعُ الهواشمَ باسمی کی أُشافِهَها

بأمرِ ربِّیَ باریّ وباریها

قام العلیُّ بأمرِ المصطفی ودعا

إلی ولیمتِهِ أکرِمْ بداعیها

أبناءَ هاشم هم کانوا عشیرتَهُ

ولم یکنْ فیهمُ إلاّ مُلَبِّیها

وعَدُّهمْ کان عند الأربعین وهمْ

رجّالة العُرْبِ فی إحصاءِ مُحصیها

هذی عشیرة طه بل قرابتُهُ ال

دنیا التی کان للإسلامِ راجیها

وإذ أتتْهُ تلقّاها علی رَحِبٍ

ببِشرِهِ وانثنی صفواً یُحیّیها

حتی إذا ما استوی فیها المقامُ لها

مدَّ السِّماط وفیه ما یُشهِّیها

فأقبلتْ ورسول الله یخدمُها

علی الطعامِ ویُعنی کی یُهنِّیها

حتی إذا أکَلتْ ذاک الطعامَ ومِن

ألبانِهِ سُقِیَتْ واللهُ کافیها

ظلَّ الطعامُ کما قد کان وهو وای

مُ اللهِ ما کان یکفی مُستجیعیها

وتلک معجزةٌ للمصطفی وبها

قام العلیُّ وعنه نحن نَروِیها

وثَمَّة ابتدرَ القومَ الرسولُ بذک

ری یُمْنِ بعثتهِ یُبدِی خَوافیها

وإذ أبو لَهَبٍ فی الحالِ قاطَعَه

وموّه الحقّ بالتضلیل تمویها

وقال یا ناس طه جاء یسحرکم

بذا الطعامِ احذروا الإضلال والتِّیها

هیّا انهضوا ودعوهُ أن یَغُشَّ نفو

س الغیرِ فی هذه الدعوی ویُصبِیها

وهکذا ارْفَضَّ ذاک الاجتماعُ وأن

فسَ الجَمْع داجی الکفر غاشیها

وعادَ طه إلی تِکرارِ دعوَتِهِ

وکان حیدرةُ المِقْدامُ راعیها

ص: 395

حتی إذا اجتمعت للأکلِ ثانیةً

علی الخِوان انثنی طه یُفاهیها

فقال ما جاء قبلی قومَهُ أحَدٌ

بمثلما جئت من نعماءَ أُسدیها

لکمْ بها الخیرُ فی دنیا وآخِرةٍ

إذا انضویتُمْ إلی زاهی مَغانِیها

فَمَنْ یوازرُنی منکم فذاکَ أخی

وذاکَ یُخلِفُنی فی رَعی نامِیها

فلم یَجِدْ من لبیبٍ راحَ مقتنعاً

بصدْقِ بعثتِهِ أو راحَ راضیها

وکلّما ازدادَ تِبیاناً لبعثتِهِ ال

زهراءِ زادتْهُ تکذیباً وتَسْفیها

وثَمَّ بو لَهَبٍ ناداهُ : ویْلَکَ لم

یَجئْ فتیً قومه ما جِئْتَنا إیها

تَبَّتْ یداهُ فإنَّ الجهل توّههُ

والکفرَ فی درکات النار تتویها

وکرَّرَ المصطفی أقوالَهُ عَلَناً

وقد توسَّعَ إنذاراً وتنبیها

فما رأی غیرَ ألبابٍ مُحَجَّرَةٍ

هیهاتَ لیس یُلینُ النُّصحُ قاسِیها

وأنْفُساً عن کتاب الله مُعْرِضةً

والکفر قد کانَ والإشراک مُعْمِیها

وأحْجَمَتْ کُلُّها عن فَیْضِ رحمتِهِ

مع یُمْنِ دعوتِهِ فالکلُّ آبیها

إلاّ العلیَّ فنادی دونها : فأنا

نُعْماک یا هادیَ الأکوانِ باغیها

نادی أن اجلسْ ثلاثاً وهو یَعرِضُ دع

واهُ علی القومِ یَبغی مُسْتَجیبیها

حتی إذا باتَ مأیوساً ومُنزعجاً

من الهواشم معییً عن ترضِّیها

عنها تولّی إلی حیثُ العلیّ مُنَوِّ

هاً بهِ بین ذاک الجَمْع تنویها

وکانَ ماسِکَهُ من طَوْقِ رَقْبَتِهِ

یقول : هذا لها واللهُ یَحْمیها

وقال هذا أخی ذا وارثی وخلی

فتی علی أمّتی یَحْمی مراعیها

وقال فرضٌ علیکمْ حُسْنُ طاعتِهِ

بعدی وإمرتُه ویلٌ لعاصیها

فارْفضَّ جَمْعُهمُ والهُزءُ آخِذُهُمْ

إلی الغِوایةِ فی أدجی دیاجیها

وهم یقولون أحکامُ الغلام عل

یٍّ یا أبا طالبٍ کن من مطیعیها

کذاک حیدرةٌ ماشی النبوّة مُذْ

نادی بها المصطفی لَبّی مُنادیها

وشارک المصطفی من یوم أن وَضَع الأ

ساسَ حتی انتهتْ عُلْیا مَبانیها

ص: 396

کلمة الإسکافی حول الحدیث

فی کتابه - النقض علی العثمانیة -

قل بعد ذکر الحدیث باللفظ المذکور (ص 278) : فهل یُکَلَّفُ عملَ الطعام ودُعاءَ القوم صغیرٌ غیر ممیِّز وغِرٌّ غیر عاقل؟ وهل یؤتمَن علی سرِّ النبوَّة طفلٌ ابن خمس سنین أو ابن سبع سنین؟ وهل یُدعی فی جملة الشیوخ والکهول إلاّ عاقلٌ لبیبٌ؟ وهل یضع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یده فی یده ویُعطیه صَفقة یمینِهِ بالأخوَّة والوصیّة والخلافة إلاّ وهو أهلٌ لذلک ، بالغ حدّ التکلیف ، محتملٌ لولایة الله وعداوة أعدائه؟

وما بالُ هذا الطفل لم یأنس بأقرانه؟ ولم یلصق بأشکاله؟ ولم یُرَ مع الصبیان فی ملاعبهم بعد إسلامه ، وهو کأحدِهم فی طبقته ، کبعضهم فی معرفته؟ وکیف لم ینزَع إلیهم فی ساعةٍ من ساعاته؟ فیقال : وعاه بعضُ الصّبا ، وخاطرٌ من خواطر الدنیا ، وحملته الغِرَّة والحدْثة علی حضور لهوهم والدخول فی حالهم ، بل ما رأیناه إلاّ ماضیاً علی إسلامه ، مصمِّماً فی أمره ، محقّقاً لقوله بفعله ، قد صدَّق إسلامه بعَفافه وزهده ، ولصق برسول الله صلی الله علیه وآله وسلم من بین جمیع من بحضرته ، فهو أمینهُ وألیفُه فی دنیاه وآخرته ، وقد قهر شهوته ، وجاذب خواطره ، صابراً علی ذلک نفسه ، لِما یرجو من فوز العاقبة وثواب الآخرة ، وقد ذکر هو علیه السلام فی کلامه وخطبه بدء حاله وافتتاح أمره ، حیث أسلم لمّا دعا رسول الله صلی الله علیه وسلم الشجرة فأقبلت تَخِد الأرض ، فقالت قریش : ساحرٌ خفیف السحر.

فقال علیٌّ علیه السلام : «یا رسول الله؟ أنا أوّل من یُؤمن بک ، آمنتُ بالله ورسوله وصدَّقتُک فیما جئتَ به ، وأنا أشهدُ أنّ الشجرة فعلتْ ما فعلتْ بأمر الله تصدیقاً لنبوّتک وبُرهاناً علی دعوتک».

فهل یکون إیمانٌ قطُّ أصحّ من هذا الإیمان وأوثق عقدة وأحکم مِرَّة؟ ولکن حَنَق العثمانیّة وغیظهم وعصبیّة الجاحظ وانحرافه ممّا لا حیلة فیه.

ص: 397

جنایات علی الحدیث

منها : ما ارتکبه الطبری فی تفسیره (1) (19 / 74) فإنّه بعد روایته له فی تاریخه کما سمعت ، قلب علیه ظهر المِجنِّ فی تفسیره فأثبته برمّته حرفیّا متناً وإسناداً ، غیر أنّه أجملَ القول فیما لهج به رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی فضل من یبادر إلی تلقّی الدعوة بالقبول ، قال : فقال : «فأیُّکم یوازرنی علی هذا الأمر علی أن یکون أخی وکذا وکذا؟».

وقال فی کلمته صلی الله علیه وآله وسلم الأخیرة : ثمّ قال : «إنَّ هذا أخی وکذا وکذا». وتبعه علی هذا التقلّب ابن کثیر الشامی فی البدایة والنهایة (2) (3 / 40) وفی تفسیره (3 / 351) فعل ابن کثیر هذا ، وثقل علیه ذکر الکلمتین وبین یدیه تاریخ الطبری وهو مصدره الوحید فی تاریخه وقد فصّل فیه الحدیث تفصیلاً. لأنّه لا یروق له إثبات النصّ لأمیر المؤمنین بالوصیّة والخلافة الدینیّة ، والدلالة علیه والإشارة إلیه. وهل هذه الغایة مقصد الطبری حینما حرَّف الکلم عن مواضعه فی التفسیر بعد ما جاء به صحیحاً فی التاریخ علی حین غفلة عنها؟ أنا لا أدری ، لکن الطبری یدری!. وأحسبک أیّها القارئ جدَّ علیم بذلک.

ومنها : خزایة فاضحة تحمّلها محمد حسین هیکل حیث أثبت الحدیث کما أوعزنا إلیه فی الطبعة الأولی من کتابه حیاة محمد (3) (ص 104) بهذا اللفظ :

ونزل الوحی (وَأَنْذِرْ عَشِیرَتَکَ الْأَقْرَبِینَ* وَاخْفِضْ جَناحَکَ لِمَنِ اتَّبَعَکَ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ) ، (وَقُلْ إِنِّی أَنَا النَّذِیرُ الْمُبِینُ) (4) ، (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِکِینَ). ودعا محمد عشیرته إلی طعام فی بیته ، وحاول أن یُحدِّثهم داعیاً إیّاهم ة.

ص: 398


1- جامع البیان : مج 11 / ج 19 / 122.
2- البدایة والنهایة : 3 / 53.
3- حیاة محمد : ص 158.
4- الحِجر : 89. وفی الطبعات اللاحقة یثبت هیکل الآیة (216) من سورة الشعراء مکان هذه الآیة.

إلی الله فقطع عمّه أبو لهب حدیثه ، واستنفر القوم لیقوموا. ودعاهم محمد فی الغداة کرّة أخری.

فلمّا طعموا قال لهم : «ما أعلم إنساناً فی العرب جاء قومه بأفضل ممّا جئتکم به. قد جئتکم بخیر الدنیا والآخرة ، وقد أمرنی ربّی أن أدعوکم إلیه فأیّکم یوازرنی علی هذا الأمر وأن یکون أخی ووصیّی وخلیفتی فیکم؟». فأعرضوا عنه وهمّوا بترکه ، لکنّ علیّا نهض وما یزال صبیّا دون الحُلُم وقال : «أنا یا رسول الله عونک. أنا حرب علی من حاربت». فابتسم بنو هاشم وقهقهَ بعضهم وجعل نظرهم یتنقّلُ من أبی طالب إلی ابنه ثمّ انصرفوا مستهزئین. انتهی.

فإنّه أسقط من الحدیث أوّلاً ما فرّع به رسول الله صلی الله علیه وسلم کلامه من قوله لعلیّ : «فأنت أخی ووصیّی ووارثی». ثمّ نسب إلی أمیر المؤمنین ثانیاً أنّه قال : «أنا یا رسول الله عونک. أنا حربٌ علی من حاربت». لیته دلَّنا علی مصدر هذه النسبة فی لفظ أیِّ مُحدّث أو مؤرِّخ من السلف؟ وراقه أن یحکم فی الحضور فی تلک الحفلة بتبسُّم بنی هاشم وقهقهة بعضهم ، ولم نجد لهذا التفصیل مصدراً یُعَوَّل علیه.

ومهما لم یجد هیکل وراءه من یأخذه بمقاله ، ولم یرَ هناک من یُناقشه الحساب فی تقوُّلاته وتصرُّفاته أسقط منه ما یرجع إلی أمیر المؤمنین علیه السلام فی الطبعة الثانیة سنة (1354) (ص 139) ، ولعلّ السرَّ فیه لفتة منه إلی غایة ابن کثیر وأمثاله بعد النشر ، أو أنّ اللغط والصخب حول القول قد کثرا علیه هناک من مناوئی العترة الطاهرة ، فأخذته أمواج اللوم والعتب حتی اضطرّته إلی الحذف والتحریف. أو أنّ العادة المطّردة فی جملة من المطابع عاثت فی الکتاب فغضَّ عنها الطرف صاحبه لاشتراکه معها فی المبدأ أو عجزه عن دفعها. وعلی أیٍّ فحیّا الله الشعور الحیَّ ، والأمانة الموصوفة ، والحقَّ المضاع المأسوف علیه.

أسفی علی بسطاء الأمّة الإسلامیّة واعتنائهم بمثل هذه الکتب المشحونة بزُخرف

ص: 399

القول وأباطیل الکَلِم المموّهة وقد جاءت بذات الرعد والصلیل (1) ، وسیل بالأمّة وهی لا تدری (2). ثمّ أسفی علی مصر وحملة علمها المتدفّق ، وعلی تآلیفها القیِّمة ، وکتّابها النزهاء ، فإنّها راحت ضحیّة تلکم الشهوات والمیول ، ضحیّة تلکم النفوس الخائرة ، ضحیّة تلکم الکفریّات المبیدة للمجتمع ، ضحیّة تلکم الأقلام المستأجرة وقد اتّخذت الباطل دَغَلاً ، وشَغَرَتْ لها الدنیا برجلها (3).

(قُلْ هَلْ نُنَبِّئُکُمْ بِالْأَخْسَرِینَ أَعْمالاً* الَّذِینَ ضَلَّ سَعْیُهُمْ فِی الْحَیاةِ الدُّنْیا)

(وَهُمْ یَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ یُحْسِنُونَ صُنْعاً) (4) 4.

ص: 400


1- مثل یضرب لمن جاء بشرّ وعْر [مجمع الأمثال : 1 / 314 رقم 939]. (المؤلف)
2- مثل یضرب للساهی الغافل [مجمع الأمثال : 2 / 123 رقم 1831]. (المؤلف)
3- یضربُ لمن ساعدته الدنیا فنال منها حَظَّه [مجمع الأمثال : 2 / 179 رقم 2020]. (المؤلف)
4- الکهف : 103 - 104.

8 - العبدی الکوفی

هل فی سؤالِک رسمَ المنزلِ الخَرِبِ

بُرءٌ لقلبک من داءِ الهوی الوَصِبِ

أمْ حَرُّهُ یوم وَشْکِ البَیْنِ یُبْرِدُهُ

ما اسْتَحْدَثَتْه النوی من دمعِک السَرِبِ

هیهات أن ینفدَ الوجد المثیر له

نأی الخلیط الذی ولّی ولم یَؤُبِ

یا رائد الحیِّ حسبُ الحیِّ ما ضَمِنَتْ

له المدامعُ من ماءٍ ومن عُشُبِ

ما خِلتُ من قبل أن حالت نویً قَذَفٌ

أنّ العیون لهم أهمی (1) من السُحُبِ

بانوا فَکم أطْلَقوا دمعاً وکم أسَرُوا

لُبّا وکم قَطَعوا للوصلِ من سَبَبِ

من غادرٍ لم أکن یوماً أسِرُّ له

غَدْراً وما الغدر من شأن الفتی العربی

وحافظُ العهدِ یُبدی صَفْحَتَی فَرَحٍ

للکاشحین (2) ویُخفی وجْدَ

مُکتَئِبِ

بانوا قِباباً وأحباباً تصونُهُمُ

عن النواظر أطرافُ القنا السلبِ

وخلّفوا عاشقاً مُلقیً رمی خَلَساً

بطرفه خِدْرَ مَنْ یهوی فلم یُصِبِ

لهفی لما استودِعَتْ تلک القبابُ وما

حَجَبْنَ من قُضُبٍ عنّا ومن کُثُبِ

من کلِّ هیفاءِ أعطافٍ هضیمِ حَشاً

لعساءِ (3) مرتَشَفٍ غَرّاءِ مُنتقِبِ

کأنّما ثَغرُها وهناً وریقَتُها

ما ضمَّتِ الکاسُ من راحٍ ومن حَبَبِ

ف)

ص: 401


1- همی یهمی همیاً : سال. هَمَت العین : صَبَّت دمعتها. (المؤلف)
2- کاشح فلاناً کِشاحاً ومکاشحة ، وکشح له کَشْحاً : عاداه. (المؤلف)
3- اللعْس : سوادُ مستحسن فی الشفة. (المؤلف)

وفی الخدورِ بدورٌ لو بَرَزن لنا

برّدن کلّ حشاً بالوَجْدِ مُلتهبِ

وفی حشای غلیلٌ بات یَضرِمُهُ

شوقٌ إلی بَرْد ذاک الظَلْم والشنَبِ (1)

یا راقد اللوعةِ اهبُبْ (2) من کَراکَ

فقدْ

بان الخلیط ویا مُضنی الغَرامِ ثُبِ

أما وعصرِ هویً دبَّ العزاء له

ریب المنون وغالته ید النُوَبِ

لأشرَقَنَ (3) بدمعی إن نأتْ

بِهُمُ

دارٌ ولم أقضِ ما فی النفس من إربِ

لیس العجیب بأن لم یبقَ لی جَلَدٌ

لکنْ بقائی وقد بانوا من العجبِ

شِبْتُ ابنَ عشرین عاماً والفراقُ لهُ

سهمٌ متی ما یُصِبْ شملَ الفتی یَشِبِ

ما هزّ عَطْفیَ من شوقٍ إلی وطنی

ولا اعتَرانیَ من وَجْدٍ ومن طَرَبِ

مثل اشتیاقیَ من بُعْدٍ ومُنتزَحٍ

إلی الغریِّ وما فیهِ من الحَسَبِ

أزکی ثریً ضَمَّ أزکی العالمین فذا

خیرُ الرجال وهذا أشرفُ التُرُبِ

إن کان عن ناظری بالغَیْبِ محتجباً

فإنّه عن ضمیری غیرُ محتجِبِ

إلی أن یقول :

یا راکباً جَسْرةً تطوی مناسِمها

مَلاءَة البِید بالتقریب والجَنَبِ (4)

تُقَیِّدُ المُغْزِلَ الأدْماءَ فی صَعَدٍ

وتطلَح الکاسر الفَتْخاء فی صَبَبِ (5)

تُثنی الریاح إذا مرّت بغایتها

حسری الطلائح بالغِیطان والخَرِبِ

بلّغ سلامیَ قبراً بالغَرِیِّ حوی

أوفی البَرِیَّةِ من عُجمٍ ومن عَرَبِ

ف)

ص: 402


1- الظَلْم بالفتح : ماء الأسنان وبریقها. الشنَب : بیاض الأسنان وحُسنها. (المؤلف)
2- أهَبّهَ من نومِه : أیقظه. (المؤلف)
3- أشْرَقَه بریقه : أی أغصَّهَ ومنَعَه التنفس. (المؤلف)
4- جنبه جنْباً جنَباً : أبعده ونحّاه. (المؤلف)
5- المُغْزِل : من أغزَلت الظبیة إذا ولَدَت الغزال. الأدم من الظِّباء : البیض تعلوهن طرائق فیهن غُبرة. طَلَح : أتعَب وأعیا. الکاسر : العُقاب. الفتخاء : اللیّنة الجناح. الصَّبَبَ : ما انحدر من الأرض. (المؤلف)

وأجعلْ شِعارَکَ للهِ الخشوعَ بهِ

ونادِ خیرَ وصیٍّ صِنْو خیرِ نبی

اسمع أبا حسنٍ إنَّ الأُلی عَدَلوا

عن حُکْمک انقلبوا عن شرِّ مُنقَلَبِ

ما بالُهمْ نکبوا نهجَ النجاة وقد

وضَّحتَهُ واقْتَفَوا نهجاً من العَطَبِ (1)

ودافعوک عن الأمر الذی اعْتَلَقَتْ

زِمامَهُ من قُریشٍ کَفُّ مُغتصِبِ

ظلّت تُجاذبها حتی لقد خَرَمتْ

خَشَاشها تَرِبَتْ من کفِّ مُجتذِبِ (2)

وکان بالأمس منها المُستقیل فَلِمْ

أرادَها الیوم لو لم یأتِ بالکَذِبِ

وأنتَ توسِعُهُ صَبْراً علی مَضَضٍ

والحِلْمُ أحسَنُ ما یأتی مع الغَضَبِ

حتی إذا الموتُ ناداهُ فأسْمَعَهُ

والموتُ داعٍ متی یَدْعُ امرءاً یُجبِ

حَبَا بِها آخَراً فاعتاض محتقِباً (3)

منه بأفظع محمولٍ ومحتقِبِ

وکان أوّل من أوصی ببیعته

لک النبیُّ ولکن حال من کَثَبِ

حتی إذا ثالثٌ منهمْ تَقَمَّصَها

وقد تبدَّلَ منها الجدُّ باللعبِ

عادت کما بُدِئت شوهاءَ جاهلةً

تَجُرُّ فیها ذِئابٌ أکْلَةَ الغَلَبِ

وکان عنها لهم فی خُمّ مُزْدَجَرٌ

لمّا رَقَی أحمدُ الهادی علی قَتَبِ

وقال والناسُ من دانٍ إلیه ومن

ثاوٍ لدیه ومن مُصْغٍ ومرْتَقِبِ

قُمْ یا علیُّ فإنّی قدْ أُمرتُ بأنْ

أُبلّغ الناس والتبلیغُ أجدَرُ بی

إنّی نصبتُ علیّا هادیاً عَلَماً

بعدی وإنَّ علیّا خیرُ مُنتصَبِ

فبایعوک وکلٌّ باسطٌ یدَهُ

إلیک من فوق قلبٍ عنکَ مُنقَلِبِ

عافُوک لا مانعٌ طَولاً ولا حَصِرٌ

قولاً ولا لَهجٌ بالغِشِّ والریَبِ

وکنتَ قُطْبَ رحی الإسلامِ دونَهمُ

ولا تدور رحیً إلاّ علی قُطُبِ

ولا تُماثِلُهمْ فی الفضلِ مرتبةً

ولا تُشابههُمْ فی البیتِ والنَسَبِ

ف)

ص: 403


1- العَطَبَ : الهلاک. (المؤلف)
2- خَرَم الخرزة : فَصَمها ، شق وترة الأنف. الخشاشة : عود یجعل فی أنف الجمل. (المؤلف)
3- اعتاض : أخذ بَدَلاً وخَلَفا. احتقب : أرکبه وراءه. (المؤلف)

إن تلْحَظِ القِرْنَ والعَسَّالُ فی یدِهِ

یَظَلَّ مضطرباً فی کفِّ مُضطربِ

وإن هَزَزْتَ قناةً ظَلْتَ تُورِدُها

وریدَ ممتنعٍ فی الرَوع مُجتنبِ

ولا تَسُلُّ حُساماً یومَ مَلحَمةٍ

إلاّ وتحجُبُه فی رأسِ محتجبِ

کیومِ خیبرَ إذ لمْ یمتنعْ زُفَرٌ

عن الیهودِ بغیر الفَرِّ والهرَبِ

فأغضبَ المصطفی إذ جرَّ رایتَهُ

علی الثری ناکِصاً یهوی علی العَقِبِ

فقال إنّی سأُعطیها غداً لفتیً

یُحِبُّهُ اللهُ والمبعوثُ مُنْتَجَبِ

حتی غدوتَ بها جذلانَ تَحمِلُها

تِلقاءَ أرعنَ من جَمْعِ العدی لَجِبِ (1)

جَمُّ الصلادمِ والبیضِ الصوارم و

الزرق اللهاذِم والماذیّ والیَلَبِ (2)

فالأرضُ من لاحقیّاتٍ مُطَهَّمةٌ

والمستظلُّ مَثارُ القَسْطَلِ الهَدِبِ

وعارَض الجیش من نقعٍ بوارقه

لمع الأسنَّةِ والهندیّة القُضُبِ

أقدمتَ تضربُ صبراً تحتَهُ فغدا

یُصَوِّبُ مُزْناً ولو أحجمتَ لم یُصِبِ

غادرتَ فرسانَهُ من هاربٍ فَرِقٍ

أو مُقعصٍ (3) بدمِ الأوداجِ

مُختضبِ

لک المناقب یعیا الحاسبون بها

عَدّا ویعجِزُ عنها کلُّ مُکتتِبِ

کرجعةِ الشمسِ إذ رُمتَ الصلاةَ وقد

راحَتْ تَواری عن الأبصارِ بالحُجُبِ

رُدَّتْ علیک کأنّ الشُّهْبَ ما اتّضَحَتْ

لناظرٍ وکأنّ الشمسَ لم تَغِبِ

وفی براءةَ أنباءٌ عجائبُها

لم تُطوَ عن نازحٍ یوماً ومُقتربِ

ولیلةَ الغارِ لمّا بتَّ ممتلئاً

أمْناً وغیرُک ملآنٌ من الرُعُبِ

ما أنتَ إلاّ أخو الهادی وناصرُهُ

ومُظْهِرُ الحقِّ والمنعوتُ فی الکُتُبِ

وزوجُ بَضعتِهِ الزهراءِ یَکنُفُها (4)

دون الوری وأبو أبنائه النُّجُبِ

ف)

ص: 404


1- جَذِل وجذلان : فَرِح وفرحان. أرعن : أحمق. جیش لَجِب : ذو کثرة وجَلْبة. (المؤلف)
2- الصلدم : الصلب ، الأسد. الزرق : یکنّی به عن الأسِنَّة والنصال لما فی لونها من الزرقة. اللهاذم جمع لهذم : الحادّ القاطع. الماذی : کلّ سلاح من الحدید. الیَلَبُ : الفولاذ وخالص الحدید. (المؤلف)
3- قَعَصَهُ وأقعَصَه : قتله مکانه. (المؤلف)
4- کنَفَ الشیء : صانه وحفظه وحاطه وضمّه إلیه. (المؤلف)

من کلِّ مجتهدٍ فی الله مُعْتضِدٍ

بالله معتقدٍ للهِ مُحتسبِ

هادینَ للرُشدِ إن لیلُ الضَّلالِ دَجا

کانوا لطارقهم أهدی من الشُهُبِ

لُقِّبتُ بالرفض لمّا إن منحتُهمُ

وُدِّی وأحسنُ ما أُدعی به لقبی

صلاة ذی العرشِ تَتْری کلَّ آونةٍ

علی ابن فاطمةَ الکشّافِ للکُرَبِ

وابنیه من هالکٍ بالسُمِّ مُخْتَرمٍ

ومن معفَّر خدٍّ فی الثری تَربِ

والعابدِ الزاهد السجّاد یتبعُهُ

وباقر العلم دانی غایةِ الطَلَبِ

وجعفرٌ وابنه موسی ویتبعُهُ ال

برُّ الرضا والجواد العابد الدئبُ (1)

والعسکریَّینِ والمهدیَّ قائمهمْ

ذی الأمر لابس أثوابِ الهدی القُشُبِ

مَنْ یملأُ الأرضَ عدلاً بعد ما مُلِئَتْ

جوراً ویَقْمَعُ أهل الزَیْغِ والشَّغبِ

القائدُ البُهَمَ الشوسَ الکماة إلی

حربِ الطغاة علی قبِّ الکلا الشَّزِبِ (2)

أهلُ الهدی لا أُناسٌ باع بائعُهُمْ

دینَ المُهَیمنِ بالدنیا وبالرُتبِ

لو أنّ أضغانهم فی النارِ کامنةٌ

لأغْنَتِ النار عن مُذْکٍ ومحتطِبِ

یا صاحبَ الکوثر الرقراقِ زاخرةً

ذُدِ النواصِبَ عن سَلساله العَذِبِ

قارعتُ منهم کُماةً فی هواکَ بما

جرَّدتُ من خاطرٍ أو مِقْوَلٍ ذَرِبِ

حتی لقد وَسَمَتْ کَلْماً جباهَهمُ

خواطری بمُضاء الشعرِ والخُطَبِ

صَحِبْتُ حبّکَ والتقوی وقد کَثُرَتْ

لیَ الصحابُ فکانا خیرَ مُصْطَحِبِ

فاستَجْلِ من خاطرِ العبدیِّ آنسةً

طابتْ ولَو جاوَزَتْکَ الیوم لم تَطِبِ

جاءتْ تَمایلُ فی ثَوْبَیْ حَیاً وهدیً

إلیک حالیةً بالفضلِ والأدبِ

أتعَبتُ نفسیَ فی مدْحِیکَ عارفةً

بأنّ راحتَها فی ذلک التَعبِ

وذکر ابن شهرآشوب فی المناقب (3) (1 / 181) طبع إیران للعبدیِّ قوله : 5.

ص: 405


1- فی البیت إقواء.
2- البُهم : جمع البُهمة : الشجاع. الشوس : الشدید الجریء فی القتال. القبّ : القطع [الشَزِب : الیابس]. (المؤلف)
3- مناقب آل أبی طالب : 2 / 75.

ما لعلیٍّ سوی أخیه

محمد فی الوری نظیرُ

فداهُ إذ أقبلتْ قُرَیشٌ

علیه فی فرشِهِ الأمیرُ

وافاه فی خُمٍّ وارتضاه

خلیفةً بعدَهُ وزیرُ

الشاعر

3- أبو محمد سفیان بن مُصعب العبدیّ الکوفیّ

أبو محمد سفیان بن مُصعب العبدیّ الکوفیّ ، من شعراء أهل البیت الطاهر المتزلّفین إلیهم بولائه وشعره ، المقبولین عندهم لصدق نیّته وانقطاعه إلیهم ؛ وقد ضَمَّن شعره غیر یسیر من مناقب مولانا أمیر المؤمنین الشهیرة ، وأکثَر من مدحه ومدح ذریَّته الأطیبین وأطاب ، وتفجّ

استنشده الإمام الصادق - صلوات الله علیه - شعره کما فی روایة ثقة الإسلام الکلینی فی روضة الکافی (1) بإسناده عن أبی داود المسترقّ عنه قال :

دخلت علی أبی عبد الله علیه السلام فقال : «قولوا لأمِّ فَروَة تجیء فتسمع ما صُنِع بجدّها». قال : فجاءت فقعدت خلف الستر. ثمّ قال : أنْشِدْنا. قال : فقلت :

فَرْوَ جودی بدمعکِ المسکوبِ

قال : فصاحت وصِحْنَ النساء ، فقال أبو عبد الله علیه السلام : الباب [الباب] (2) فاجتمع أهل المدینة علی الباب ، قال : فبعث إلیهم أبو عبد الله : صبیٌّ لنا غُشی علیه فَصِحْنَ النساء.

واستنشد شعرَهُ الإمامُ أبا عمارة المنشد کما فی الکامل لابن قولویه (ص 105) بإسناده عن أبی عمارة قال : قال لی أبو عبد الله علیه السلام : «یا أبا عمارة أنشدنی للعبدیِّ فی

ر.

ص: 406


1- روضة الکافی : 8 / 215 ح 263.
2- أثبتنا الزیادة من المصدر.

الحسین علیه السلام». قال : فأنشدته فبکی ، ثمّ أنشدته فبکی ، ثمّ أنشدته فبکی. قال : فو الله ما زِلتُ أنشِدُه ویبکی حتی سمعت البکاء من الدار. الحدیث.

عدّه شیخ الطائفة فی رجاله (1) من أصحاب الإمام الصادق ، ولم یک صحبته مجرّد أُلفة معه ، أو محض اختلاف إلیه ، أو أنّ عصراً واحداً یجمعهما ، لکنّه حظی بزُلفة عنده منبعثة عن صمیم الوُدّ وخالص الولاء ، وإیمان لا یشوبه أیُّ شائبة حتی أمر الإمام علیه السلام شیعته بتعلیم شعره أولادهم وقال : «إنّه علی دین الله» ، کما رواه الکشّی فی رجاله (2) (ص 254) بإسناده عن سماعة قال : قال أبو عبد الله علیه السلام : «یا معشر الشیعة علّموا أولادکم شعر العبدیِّ فإنّه علی دین الله».

ویَنِمُّ عن صدق لهجته ، واستقامة طریقته فی شعره ، وسلامة معانیه عن أیِّ مغمز ، أمر الإمام علیه السلام إیّاه بنظم ما تنوح به النساء فی المأتم ، کما رواه الکشّی فی رجاله (ص 254).

وکان یأخذ الحدیث عن الصادق علیه السلام فی مناقب العترة الطاهرة فینظمه فی الحال ثمّ یعرضه علیه ، کما رواه ابن عیّاش فی مقتضب الأثر (3) عن أحمد بن زیاد الهمدانی قال : حدّثنی علیُّ بن إبراهیم بن هاشم قال : حدّثنی أبی عن الحسن بن علیّ سجاده ، عن أبان بن عمر خَتَن آل میثم قال : کنت عند أبی عبد الله علیه السلام فدخل علیه سفیان بن مصعب العبدی قال : جعلنی الله فداک ما تقول فی قوله تعالی ذکره : (وَعَلَی الْأَعْرافِ رِجالٌ یَعْرِفُونَ کُلًّا بِسِیماهُمْ) (4).

قال : «هم الأوصیاء من آل محمد الاثنی عشر ، لا یعرف الله إلاّ من عَرَفهم وعرفوه». قال : فما الأعراف جُعِلتُ فداک؟ قال : «کثائب من مِسْک ، علیها رسول 6.

ص: 407


1- رجال الطوسی : ص 213 رقم 165.
2- رجال الکشّی : 2 / 704 رقم 748.
3- مقتضب الأثر : ص 48.
4- الأعراف : 46.

الله والأوصیاء یعرفون کلاّ بسیماهم». فقال سفیان : أفلا أقول فی ذلک شیئاً؟ فقال من قصیدة :

أیا رَبْعَهُمْ هل فیک لی الیومَ مَربَعُ

وهل للیالٍ کنَّ لی فیک مرجعُ

یقول فیها :

وأنتم وُلاةُ الحَشْرِ والنَشْرِ والجَزا

وأنتمْ لیوم المفزَعِ الهوْلِ مفزَعُ

وأنتم علی الأعرافِ وهی کثائبٌ

من المِسْکِ ریّاها بکمْ یَتَضوَّعُ

ثمانیةٌ بالعرش إذ یحملونَهُ

ومن بعدهمْ فی الأرضِ هادونَ أربَعُ (1)

والقارئ إذا ضمّ بعض ما ذکرنا من حدیث المترجم له إلی الآخر یقف علی رتبة عظیمة له من الدین یقصُرُ دون شأوها الوصف بالثقة ، ویُشاهَدُ له فی طیّات الحدیث والتاریخ حسن حال وصحّة مذهب تفوق شئون الحسان ، فلا مجال للتوقّف فی ثقته کما فعله العلاّمة الحلّی (2) ، ولا لعدِّه من الحسان کما فعله غیره (3) ، ولا یبقی لنسبته إلی الطیّارة - أی الغلوّ والارتفاع فی المذهب - وزنٌ کما رآه أبو عمرو الکشّی (4) فی شعره ، ولم نجد فی شعره البالغ إلینا إلاّ المذهب الصحیح ، والولاء المحض لعترة الوحی ، والتشیّع الخالص عن کلِّ شائبة سوء.

ویزیدک ثقةً به واعتماداً علیه روایة مثل أبی داود المنشد سلیمان بن سفیان المُستَرقّ المتسالم علی ثقته عنه ، وأبو داود هو شیخ الأثبات الأجلّة نظراء الحسن بن محبوب ، ومحمد بن الحسین بن أبی الخطّاب ، وعلیّ بن الحسن بن فضّال.

کما أنّ إفراد مثل الحسین بن محمد بن علیٍّ الأزدی الکوفی المجمع علی ثقته 8.

ص: 408


1- أعیان الشیعة : 7 / 268.
2- رجال الحلّی : ص 82.
3- تنقیح المقال : 2 / 40.
4- رجال الکشّی : 2 / 704 رقم 748.

وجلالته ، تألیفاً فی أخبار المترجم له وشعره کما عدّه النجاشی فی فهرسته (1) (ص 49) من کتبه یُؤذن بموقفه الشامخ عند أعاظم المذهب ، وینبئ عن إکبارهم محلّه من العلم والدین.

نبوغه فی الأدب والحدیث :

إنَّ الواقف علی شعر شاعرنا العبدیّ وما فیه من الجودة والجزالة والسهولة والعذوبة والفخامة والحلاوة والمتانة ، یشهد بنبوغه فی الشعر وتضلّعه فی فنونه ، ویعترف له بالتقدُّم والبروز ، ویری ثناء الحمیری سیّد الشعراء علیه بأنّه أشعر الناس من أهله فی محلّه. روی أبو الفرج فی الأغانی (2) (7 / 22) عن أبی داود المسترقّ سلیمان بن سفیان : أنّ السیّد والعبدیّ اجتمعا ، فأنشد السیِّد :

إنّی أدینُ بما دانَ الوصیُّ بهِ

یومَ الخریبةِ (3) من قَتْلِ

المُحلّینا

وبالذی دانَ یومَ النهْرَوانِ بهِ

وشارکَتْ کفَّه کفِّی بصفّینا

فقال له العبدی : أخطأت ؛ لو شارکت کفُّکَ کفَّه کنت مثله ، ولکن قل : تابعت کفّه کفّی ، لتکون تابعاً لا شریکاً. فکان السیِّد بعد ذلک یقول : أنا أشعر الناس إلاّ العبدی.

والمتأمِّل فی شعره یری موقفه العظیم فی مقدَّمی رجال الحدیث ومکثری حمَلته ، ویجده فی الرعیل الأوّل من جامعی شتاته ، وناظمی شوارده ، ورواة نوادره ، وناشری طُرَفِه ، ویَشهَدُله بکثرة الدرایة والروایة ، ویُشاهِد همّته العالیة وولعه الشدید فی بثِّ الأخبار المأثورة فی آل بیت العصمة - صلوات الله علیهم - وستقف علی ذلک کلّه فی ذکر نماذج شعره. ف)

ص: 409


1- رجال النجاشی : ص 65 رقم 154.
2- الأغانی : 7 / 293.
3- الخریبة : موضع بالبصرة کانت به واقعة الجمل. (المؤلف)

ولادته ووفاته :

لم نقف علی تأریخَی ولادةِ المترجم له ووفاتِه ، ولم نعثر علی ما یقرِّبنا إلاّ ما سمعت من روایته عن الإمام جعفر بن محمد علیه السلام واجتماعه مع السیِّد الحمیری المولود سنة (105) والمتوفّی سنة (178) ومع أبی داود المسترق ، وملاحظة تأریخَی ولادة أبی داود المسترق الراوی عنه ووفاته تؤذننا بحیاة شاعرنا العبدیِّ إلی حدود سنة وفاة الحمیری. فإنَّ أبا داود تُوفِّی (231) کما فی فهرست النجاشی (1) أو فی (230) کما فی رجال الکشّی (2) ، وعاش سبعین سنة کما ذکره الکشّی ، فیکون ولاة أبی داود سنة (161) علی قول النجاشی و (160) علی اختیار الکشّی ، وبطبع الحال کان له من عمره حین روایته عن المترجم أقلّ ما تستدعیه الروایة ، فیستدعی بقاء المترجم أقلاّ (3) إلی أواخر أیّام الحمیری ، فما فی أعیان الشیعة (4) (1 / 370) من کون وفاة المترجم فی حدود سنة (120) قبل ولادة الراوی عنه أبی داود المسترق بأربعین سنة ، خالٍ عن کلِّ تحقیق وتقریب.

ومن نماذج شعره :

إنّا روینا فی الحدیث خَبَرا

یعرفُهُ سائرُ من کان روی

إنَّ ابن خطّابٍ أتاهُ رجلٌ

فقال کم عِدَّة تطلیقِ الإما

فقال یا حیدرُ کم تطلیقةً

للأمَةِ اذکرهُ فأومی المرتضی

7.

ص: 410


1- رجال النجاشی : ص 183 رقم 485.
2- ما فی نسخ الکشّی [2 / 609 رقم 577] من ذکر تاریخ وفاة أبی داود برقم (130) تصحیف (230) ، ویشهد بالتصحیف روایة طبقة أصحاب الإمامین الرضا والجواد علیهما السّلام عنه ، وکذلک روایة الحسن بن محبوب المولود سنة (149) والمتوفّی سنة (224) ، وروایة محمد بن الحسین بن أبی الخطّاب المتوفّی سنة (262). (المؤلف)
3- کذا.
4- أعیان الشیعة : 7 / 267.

بإصْبعیه فثنی الوَجه إلی

سائلهِ قال اثنتانِ وانثنی

قال له تعرف هذا قال لا

قال له هذا علیّ ذو العلا

وقد رَوی عِکْرمةٌ فی خَبرٍ

ما شَکَّ فیه أحدٌ ولا امتری

مرَّ ابن عبّاسٍ علی قومٍ وقد

سبّوا علیّا فاستراعَ وبکی

وقال مغتاظاً لهم أیُّکمُ

سبَّ إلهَ الخَلقِ جلَّ وعلا

قالوا معاذ اللهِ قال أیُّکمْ

سبَّ رسول الله ظُلماً واجتَرا

قالوا معاذ اللهِ قال أیُّکمْ

سبَّ علیّا خیر من وَطی الحَصَی

قالوا نعم قد کان ذا فقال قد

سمعتُ واللهِ النبیَّ المجتبی

یقول من سَبَّ علیاً سبَّنی

وسبَّتی سبُّ الإله واکتفی

محمد وصنوُهُ وابنتهُ

وابناه خیرُ من تحفّی واحتذی

صلّی علیهم ربُّنا باری الوری

ومُنْشیء الخَلق علی وجه الثری

صفّاهُمُ الله تعالی وارتضی

واختارهم من الأنام واجتبی

لولاهُمُ اللهُ ما رفَعَ السما

ولا دحی الأرضَ ولا أنشا الوری

لا یقبلُ اللهُ لعبدٍ عَمَلاً

حتی یُوالیهم بإخلاص الولا

ولا یتِمُّ لامرئٍ صلاتهُ

إلاّ بذکراهمْ ولا یزکو الدُعا

لو لم یکونوا خیر من وَطأ الحصی

ما قال جبریلُ لهم تحت العبا

هل أنا منکم شرفاً ثمّ علا

یُفاخر الأملاک إذ قالوا بلی

لو أنّ عبداً لقی الله بأع

مال جمیع الخلق بِرّا وتُقی

ولم یکن والی علیّا حَبِطتْ

أعمالُه وکُبَّ فی نار لظی

وإنَّ جبریلَ الأمینَ قال لی

عن مَلَکَیْهِ الکاتبینِ مذ دنا

إنّهما ما کتبا قطُّ علی ال

طهرِ علیٍّ زلَّةً ولا خَنَا (1)

0.

ص: 411


1- أعیان الشیعة : 7 / 270.

بیان ما حوته الأبیات من الحدیث

ممّا أخرجه أعلام العامّة

قوله :

إنّا روینا فی الحدیث خَبَراً

یعرفُهُ سائرُ من کان روی

أخرج الحافظ الدارقطنی وابن عساکر (1) : أنّ رجلین أتیا عمر بن الخطّاب وسألاه عن طلاق الأمَة ، فقام معهما فمشی حتی أتی حَلْقَةً فی المسجد فیها رجلٌ أصلع فقال : أیّها الأصلع ما تری فی طلاق الأمَة؟ فرفع رأسه إلیه ثمّ أومأ إلیه بالسبّابة والوسطی ، فقال لهما عمر : تطلیقتان.

فقال أحدهما : سبحان الله ، جئناک وأنت أمیر المؤمنین فمشیتَ معنا حتی وقفت علی هذا الرجل فسألته فرضیتَ منه أن أومأ إلیک. فقال لهما : تدریان من هذا؟ قالا : لا.

قال : هذا علیُّ بن أبی طالب ، أشهدُ علی رسول الله صلی الله علیه وسلم لَسَمِعْتُهُ وهو یقول : «إنَّ السماوات السبع والأرضین السبع لو وُضِعتا فی کَفَّةٍ ثُم وُضِعَ إیمانُ علیٍّ فی کَفّةٍ لرجحَ إیمان علیّ بن أبی طالب».

وفی لفظ الزمخشری : جئناک وأنت الخلیفة فسألناک عن طلاقٍ فجئت إلی رجل فسألته ، فو الله ما کلَّمک.

فقال له عمر : ویلَک أتدری من هذا؟

ونقله عن الحافظین - الدارقطنی وابن عساکر - الکنجی فی الکفایة (2) (ص 129) وقال : هذا حسنٌ ثابتٌ. ورواه من طریق الزمخشری خطیب الحرمین 2.

ص: 412


1- تاریخ مدینة دمشق : 12 / 296 ، وفی ترجمة الإمام علیّ بن ابی طالب علیه السلام : رقم 871.
2- کفایة الطالب : ص 258 باب 62.

الخوارزمی فی المناقب (1) (ص 78) ، والسیِّد علیّ الهمدانی فی مودّة القربی (2). وحدیث المیزان رواه عن عمر محبّ الدین الطبری فی الریاض (3) (1 / 244) ، والصفوری فی نزهة المجالس (4) (2 / 240).

قوله :

وقد روی عکرمةٌ فی خبرٍ

ما شکَّ فیه أحدٌ ولا امتری

أخرج أبو عبد الله الملاّ فی سیرته (5) عن ابن عبّاس : أنّه مرّ بعد ما کُفَّ بصره علی قوم یسبّون علیّا ، فقال لقائده : ما سمعتَ هؤلاء یقولون؟ قال : سَبّوا علیاً. قال : رُدّنی إلیهم. فردّه فقال : أیُّکم السابُّ للهِ؟ قالوا : سبحان الله! من سبَّ الله فقد أشرک. قال : فأیُّکم السابّ لرسول الله؟ قالوا : سبحان الله ، ومن سبَّ رسول الله فقد کفر. قال : أیُّکم السابُّ علیَّ بن أبی طالب؟ قالوا : أمّا هذا فقد کان.

قال : فأنا أشهد بالله وأشهد أنّی سمعت رسول الله صلی الله علیه وسلم یقول : «من سبَّ علیّا فقد سبّنی ، ومن سبّنی فقد سبَّ الله ، ومن سبَّ الله کبّه الله علی منخریه فی النار». ثمّ ولّی عنهم فقال لقائده : ما سمعتهم یقولون؟ قال : ما قالوا شیئاً. قال : فکیف رأیت وجوههم إذ قلتُ ما قلتُ؟ قال :

نظروا إلیکَ بأعْیُنٍ مُحْمرَّةٍ

نظرَ التیوسِ إلی شِفارِ الجازِرِ

قال : زدنی فداک أبوک. قال :

خُزْرُ العیونِ نواکِسٌ أبصارُهمْ

نظرَ الذلیلِ إلی العزیزِ القاهرِ

6.

ص: 413


1- المناقب : ص 130 ح 145.
2- المودّة السابعة.
3- الریاض النضرة : 3 / 181.
4- نزهة المجالس : 2 / 207.
5- وسیلة المتعبِّدین : مج 5 / ق 2 / 176.

قال : زدنی فداک أبوک. قال : ما عندی غیر هذا ، قال : لکن عندی :

أحیاؤهم عارٌ علی أمواتِهمْ

والمیِّتون فضیحةٌ للغابرِ

وأخرجه محبّ الدین الطبری فی الریاض (1 / 166) ، والکنجی فی الکفایة (ص 27) ، وشیخ الإسلام الحمّوئی فی الفرائد فی الباب السادس والخمسین ، وابن الصبّاغ المالکی فی الفصول (ص 126) (1).

قوله :

محمدٌ وصنوه وابنته

وابناه خیرُ من تحفّی واحتذی

عن أبی هریرة عن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم أنّه قال : «لمّا خلق الله تعالی آدم أبا البشر ونفخ فیه من روحه التفت آدم یمنة العرش فإذا فی النور خمسةُ أشباح سُجّداً ورکّعاً. قال آدم : هل خلقتَ أحداً من طین قبلی؟ قال : لا یا آدم. قال : فمَن هؤلاء الخمسة الأشباح الذین أراهم فی هیئتی وصورتی؟

قال : هؤلاء خمسة من ولدک لولاهم ما خلقتک ، هؤلاء خمسةٌ شَقَقْت لهم خمسة أسماء من أسمائی لولاهم ما خلقتُ الجنّة والنار ، ولا العرش ولا الکرسیّ ، ولا السماء ولا الأرض ، ولا الملائکة ولا الإنس ولا الجنّ ، فأنا المحمود وهذا محمد ، وأنا العالی وهذا علیّ ، وأنا الفاطر وهذه فاطمة ، وأنا الإحسان وهذا الحسن ، وأنا المحسن وهذا الحسین ، آلیت بعزّتی أن لا یأتینی أحدٌ بمثقال ذرّة من خردل من بُغض أحدهم إلاّ أدخله ناری ولا أبالی ، یا آدم هؤلاء صفوتی بهم أنجیهم وبهم أهلِکُهم ، فإذا کان لک إلیّ حاجة فبهؤلاء توسّل.

فقال النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم : نحن سفینة النجاة من تعلّق بها نجا ، ومن حادَ عنها هلک ، 5.

ص: 414


1- الریاض النضرة : 3 / 110 ، کفایة الطالب : ص 82 - 84 باب 10 ، فرائد السمطین : 1 / 302 ح 241 ، الفصول المهمّة : ص 125.

فمن کان له إلی الله حاجة ، فلیسأل بنا أهل البیت».

أخرجه شیخ الإسلام الحمّوئی فی الباب الأوّل من فرائد السمطین (1). وروی قریباً منه الخطیب الخوارزمی فی المناقب (2) (ص 252) ، وحدیث السفینة رواه الحاکم فی المستدرک (3) (3 / 151) عن أبی ذرّ وصحّحه بلفظ : «مثَلُ أهلِ بیتی فیکم مَثَلُ سفینةِ نوحٍ من رکِبها نجا ومن تخلّف عنها غرِق». وأخرجه الخطیب فی تاریخه (12 / 91) عن أنس. والبزّار عن ابن عبّاس ، وابن الزبیر. وابن جریر ، والطبرانی (4) عن أبی ذرّ وأبی سعید الخدری. وأبو نعیم (5) ، وابن عبد البرّ ، ومحبّ الدین الطبری (6). وکثیرون آخرون.

وأشار إلیه الإمام الشافعیّ بقوله المأثور عنه فی رشفة الصادی (ص 24):

ولمّا رأیتُ الناس قد ذَهَبَتْ بهمْ

مذاهبهُمْ فی أبْحُرِ الغیِّ والجَهلِ

رکِبتُ علی اسم الله فی سُفُنِ النجا

وهم أهلُ بیت المصطفی خَاتَم الرسلِ

وأمْسکتُ حبلَ الله وهو ولاؤهم

کما قد أُمِرنا بالتمسّکِ بالحبلِ (7)

قوله :

لا یقبلُ الله لعبدٍ عَمَلاً

حتی یُوالیهم بإخلاصِ الوَلا

عن ابن عبّاس فی حدیث عن النبیِّ صلی الله علیه وآله وسلم : «لو أنّ رجلاً صَفَنَ (8) بین الرکن ف)

ص: 415


1- فرائد السمطین : 1 / 36 ح 1.
2- المناقب : ص 318 ح 320.
3- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 163 ح 4720.
4- المعجم الکبیر : 3 / 45 ح 2636.
5- حلیة الأولیاء : 4 / 306 رقم 282.
6- ذخائر العقبی : ص 20.
7- یأتی شرح هذا البیت الأخیر فی محلّه إن شاء الله تعالی. (المؤلف)
8- صَفَنَ الرجل : صفَّ بین قدمیه. (المؤلف)

والمقام فصلّی وصام ، ثمَّ لقی الله وهو مُبغضٌ لأهل بیت محمد دخل النار». أخرجه الحاکم فی المستدرک (1) (3 / 149) وصحّحه الذهبی فی تلخیصه.

وأخرج الطبرانی فی الأوسط (2) من طریق أبی لیلی عن الإمام السبط الشهید عن جدّه رسول الله صلی الله علیه وسلم أنّه قال : «الزَموا مودّتنا أهل البیت فإنَّهُ من لقی الله وهو یودّنا دخل الجنة بشفاعتنا ، والذی نفسی بیده لا ینفع عبداً عملُه إلاّ بمعرفة حقِّنا». وذکره الهیثمی فی المجمع (9 / 172) ، وابن حجر فی الصواعق (3) ، ومحمد سلیمان محفوظ فی أعجب ما رأیت (1 / 8) ، والنبهانی فی الشرف المؤبَّد (4) (ص 96) ، والحضرمی فی رشفة الصادی (ص 43).

وأخرج الحافظ السمان فی أمالیه بإسناده عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «لو أنَّ عبداً عَبدَ الله سبعة آلاف سنة ، وهو عمر الدنیا ، ثمّ أتی الله یبغض علیّ بن أبی طالب جاحداً لحقِّه ناکثاً لولایته لَأتعسَ الله خیرَه وجدَعَ أنفه». وذکره القرشی فی شمس الأخبار (5) (ص 40).

وأخرج الخوارزمی فی المناقب (6) (ص 39) عن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم أنّه قال لعلیّ : «یا علیُّ لو أنّ عبداً عبَدَ الله مثل ما قام نوحٌ فی قومه ، وکان له مثل أُحدٍ ذهباً فأنفقهُ فی سبیل الله ، ومُدَّ فی عمره حتی حجَّ ألف عام علی قدمیه ، ثمّ قُتِل بین الصفا والمروة مظلوماً ، ثمّ لم یُوالِک یا علیُّ ، لم یَشمَّ رائحة الجنّة ولم یدخلها».

عن أمِّ سلمة عن رسول الله صلی الله علیه وسلم أنّه قال : «یا أمّ سلمة أتعرفینه؟ قلت : نعم هذا 0.

ص: 416


1- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 161 ح 12 / 47 ، وکذا فی تلخیصه.
2- المعجم الأوسط : 3 / 122 ح 2251.
3- الصواعق المحرقة : ص 232.
4- الشرف المؤبّد : ص 201.
5- مسند شمس الأخبار : 1 / 107. وذکره عن سلوة العارفین ولیس عن أمالی السمان.
6- المناقب : ص 67 ح 40.

علیُّ بن أبی طالب. قال : صَدقتِ ، سَجیّتُه سَجیّتی ودمه دمی وهو عَیبة علمی فاسمعی واشهدی ؛ لو أنّ عبداً من عباد الله عبَدَ الله ألف عام بین الرکن والمقام ثمَّ لقی الله مبغضاً لعلیِّ بن أبی طالب وعترتی أکبّهُ الله تعالی علی منخَرِهِ یوم القیامة فی نار جهنّم». أخرجه الحافظ الکنجی (1) بإسناده من طریق الحافظ أبی الفضل السلامی ، ثمّ قال : هذا حدیثٌ سنده مشهورٌ عند أهل النقل.

وأخرج ابن عساکر فی تاریخه (2) مسنداً عن جابر بن عبد الله عن رسول الله صلی الله علیه وسلم فی حدیث : «یا علیُّ ، لو أنّ أمّتی صاموا حتی یکونوا کالحنایا ، وصلّوا حتی یکونوا کالأوتار ، ثمّ أبغضوک لأَکبّهم الله فی النار». وذکره الکنجی فی الکفایة (3) (ص 179) وأخرجه الفقیه ابن المغازلی فی المناقب (4) ونقله عنه القرشی فی شمس الأخبار (5) (ص 33). ورواه شیخ الإسلام الحمّوئی فی الفرائد (6) فی الباب الأوّل.

وهناک أخبارٌ کثیرةٌ تضاهی هذه فی ولاء أمیر المؤمنین وعترته لا یسعنا ذکرها.

قوله :

ولا یتمُّ لامرئً صلاته

إلاّ بذکراهم ولا یزکو الدعا

أشار إلی کون الصلاة علیهم مأموراً بها فی الصلاة ، وفی المقام أخبار کثیرة وکلمات ضافیة توجد فی طیّات کتب الفقه والتفسیر والحدیث. 6.

ص: 417


1- کفایة الطالب : ص 312 باب 86.
2- تاریخ مدینة دمشق : 12 / 143 ، وفی ترجمة الإمام علیّ بن أبی طالب علیه السلام - الطبعة المحقّقة - : رقم 179.
3- کفایة الطالب : ص 318 باب 87.
4- مناقب علیّ بن أبی طالب : ص 297 ح 340.
5- مسند شمس الأخبار : 1 / 90.
6- فرائد السمطین : 1 / 51 ح 16.

ذکر ابن حجر فی الصواعق (1) (ص 87) قوله تعالی : (إِنَّ اللهَ وَمَلائِکَتَهُ یُصَلُّونَ عَلَی النَّبِیِّ یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَیْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِیماً) (2). وروی جملة من الأخبار الصحیحة الواردة فیها ، وأنَّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم قرنَ الصلاة علی آله بالصلاة علیه لمّا سُئل عن کیفیّة الصلاة والسلام علیه ، ثمّ قال : وهذا دلیل ظاهر علی أنّ الأمر بالصلاة علی أهل بیته وبقیّة آله مراد من هذه الآیة ، وإلاّ لم یسألوا عن الصلاة علی أهل بیته وآله عَقِب نزولها ولم یُجابوا بما ذُکر ، فلمّا أُجیبوا به دلَّ علی أنّ الصلاة علیهم من جملة المأمور به ، وأنّه صلی الله علیه وسلم أقامهم فی ذلک مقام نفسه ؛ لأنّ القصد من الصلاة علیه مزید تعظیمه ومنه تعظیمهم ، ومن ثمّ لمّا دخل من مرّ فی الکساء قال : «اللهمّ إنّهم منّی وأنا منهم فاجعل صلاتک ورحمتک ومغفرتک ورضوانک علیَّ وعلیهم» (3). وقضیّة استجابة هذا الدعاء : أنّ الله صلّی علیهم معه فحینئذٍ طلب من المؤمنین صلاتهم علیهم معه.

ویُروی : «لا تُصلّوا علیَّ الصلاة البتراء». فقالوا : وما الصلاة البتراء؟

قال : «تقولون اللهمَّ صلِّ علی محمد وتُمسِکون ، بل قولوا : اللهمَّ صلِّ علی محمد وعلی آل محمد». ثمّ نقل عن الإمام الشافعی قوله :

یا أهلَ بیتِ رسولِ اللهِ حبُّکُمُ

فرضٌ من الله فی القرآنِ أنزلهُ

کفاکُمُ من عظیمِ القدرِ أنّکمُ

من لم یُصَلِّ علیکم لا صلاةَ لهُ (4)

فقال : فیُحتمل لا صلاة له صحیحةً فیکون موافقاً لقوله بوجوب الصلاة علی الآل ، ویُحتمل لا صلاة کاملة فیوافق أظهر قولیه. ف)

ص: 418


1- الصواعق المحرقة : ص 146.
2- الأحزاب : 56.
3- أخرجه أحمد فی مسنده : 6 / 323 [7 / 455 ح 26206]. (المؤلف)
4- ونسبهما إلی الإمام الشافعی الزرقانی فی شرح المواهب : 7 / 7 وجمع آخرون [کابن حجر فی صواعقه : ص 148]. (المؤلف)

وقال (ص 139) من الصواعق (1) : أخرج الدارقطنی والبیهقی حدیث : «من صلّی صلاةً ولم یُصلِّ فیها علیَّ وعلی أهل بیتی لم تُقبل منه». وکأنّ هذا الحدیث هو مستند قول الشافعی رضی الله عنه : إنّ الصلاة علی الآل من واجبات الصلاة کالصلاة علیه صلی الله علیه وسلم لکنّه ضعیفٌ ؛ فمستنده الأمر فی الحدیث المتّفق علیه : «قولوا : اللهمّ صلِّ علی محمد وعلی آل محمد». والأمر للوجوب حقیقة علی الأصحّ.

وقال الرازی فی تفسیره (2) (7 / 391) : إنّ الدعاء للآل منصبٌ عظیمٌ ؛ ولذلک جُعل هذا الدعاء خاتمة التشهّد فی الصلاة وقوله : اللهمّ صلِّ علی محمد وعلی آل محمد ، وارحم محمداً وآل محمد. وهذا التعظیم لم یوجد فی حقِّ غیر الآل ، فکلُّ ذلک یدلُّ علی أنّ حُبَّ آل محمد واجبٌ.

وقال : أهل بیته صلی الله علیه وسلم ساوَوْهُ فی خمسة أشیاء : فی الصلاة علیه وعلیهم فی التشهّد ، وفی السلام ، والطهارة ، وفی تحریم الصدقة ، وفی المحبّة.

وقال النیسابوری فی تفسیره (3) عند قوله تعالی : (قُلْ لا أَسْئَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبی) : کفی شرفاً لآل رسول الله صلی الله علیه وسلم وفخراً خَتْمُ التشهّد بذکرهم والصلاة علیهم فی کلِّ صلاة.

وروی محبُّ الدین الطبری فی الذخائر (ص 19) عن جابر رضی الله عنه أنّه کان یقول : لو صلّیتُ صلاةً لم أُصلِّ فیها علی محمد وعلی آل محمد ما رأیت أنّها تُقبل.

وأخرج القاضی عیاض فی الشفا (4) عن ابن مسعود مرفوعاً : «من صلّی صلاةً لم یُصلِّ علیَّ فیها وعلی أهل بیتی لم تُقبلْ منه». 7.

ص: 419


1- الصواعق المحرقة : ص 233 - 234.
2- التفسیر الکبیر : 27 / 166.
3- غرائب القرآن : مج 11 / ج 25 / 35.
4- الشفا بتعریف حقوق المصطفی : 2 / 147.

وللقاضی الخفاجی الحنفی فی شرح الشفا (3 / 500 - 505) فوائد جمّة حول المسألة ، وذکر مختصر ما صنّفه الإمام الخیصری فی المسألة سماه زهر الریاض فی ردّ ما شنّعه القاضی عیاض.

وصور الصلوات المأثورة علی النبیِّ وآله مذکورة فی شفاء السقام لتقیِّ الدین السبکی (1) (ص 181 - 187) ، وأورد جملةً منها الحافظ الهیثمی فی مجمع الزوائد (10 / 163) وأوّل لفظ ذکره عن بریدة قال : قلنا : یا رسول الله قد علمنا کیف نسلِّم علیک ، فکیف نصلّی علیک؟ قال : «قولوا اللهمّ اجعل صلواتک ورحمتک وبرکاتک علی محمد وآل محمد کما جعلتها علی آل إبراهیم إنّک حمیدٌ مجیدٌ».

قوله : ولا یزکو الدعا. إشارة إلی ما أخرجه الدیلمی (2) أنّه صلی الله علیه وسلم قال : «الدعاء محجوبٌ حتی یُصلّی علی محمد وأهل بیته. اللهمّ صلِّ علی محمد وآله». ورواه عنه ابن حجر فی الصواعق (3) (ص 88).

وأخرج الطبرانی فی الأوسط (4) عن علیّ أمیر المؤمنین علیه السلام : «کلُّ دعاء محجوبٌ حتی یُصلّی علی محمد وآل محمد». وذکره الحافظ الهیثمی فی مجمع الزوائد (10 / 160) وقال : رجاله ثقات.

وأخرج البیهقی (5) وابن عساکر وغیرهما عن علیّ علیه السلام مرفوعاً ما معناه : الدعاء والصلاة معلّقٌ بین السماء والأرض لا یصعد إلی الله منه شیءٌ حتی یُصلّی علیه صلی الله علیه وسلم وعلی آل محمد. شرح الشفا للخفاجی (3 / 506). 6.

ص: 420


1- شفاء السقام : ص 241 - 247.
2- الفردوس بمأثور الخطاب : 3 / 255 ح 4754.
3- الصواعق المحرقة : ص 148.
4- المعجم الأوسط : 1 / 408 ح 725.
5- شعب الإیمان : 2 / 216 ح 1575 ، 1576.

قوله :

لو لم یکونوا خیرَ من وطِئَ الحصی

ما قال جبریلٌ لهمْ تحت العبا

أشار إلی ما ورد فی لفظ بعض رواة حدیث الکساء الصحیح المتواتر المتّفق علیه من : أنّه صلی الله علیه وآله وسلم أدرج معهم جبرئیل ومیکائیل. ذکره الشبلنجی فی نور الأبصار (1) (ص 112) ، والصبّان فی الإسعاف - هامش نور الأبصار - (ص 107).

قوله :

وإنّ جبریلَ الأمینَ قال لی

عن مَلَکیهِ الکاتبینِ مُذْ دَنا

أخرج الحافظ الخطیب البغدادی فی تاریخه (14 / 49) عن عمّار بن یاسر قال : قال رسول الله صلی الله علیه وسلم : «إنّ حافِظَی علیِّ بن أبی طالب لَیفخران علی سائر الحَفَظَة لکینونتهما مع علیِّ بن أبی طالب ؛ وذلک أنّهما لم یصعدا إلی الله تعالی بعمل یسخطه». وفی لفظه الآخر : «قطُّ». وأخرجه الفقیه ابن المغازلی فی المناقب ، والخوارزمی فی المناقب (ص 251) ، والقرشی فی شمس الأخبار (ص 36) (2).

ومن شعر العبدی :

آلُ النبیِّ محمدٍ

أهلُ الفضائل والمناقبْ

المرشدون من العَمی

والمنقذون من اللوازبْ (3)

الصادقون الناطقون

السابقون إلی الرغائبْ

فولاهمُ فرضٌ من الر

حمنِ فی القرآنِ واجبْ

د.

ص: 421


1- نور الأبصار : ص 226.
2- مناقب علیّ بن أبی طالب : ص 127 ح 168 ، المناقب : ص 315 - 316 ح 315 ، مسند شمس الأخبار : 1 / 97.
3- اللوازب : الشدائد.

وهمُ الصراط فمستقیمٌ

فوقه ناجٍ وناکبْ

صِدّیقةٌ خُلِقَت لصدِّ

یقٍ شریفٍ فی المناسِبْ

إختارَه واختارَها

طُهْرَینِ من دَنَس المعایبْ

إسماهما قُرِنا علی

سَطْرٍ بظلِّ العَرشِ راتبْ

کان الإلهُ ولیَّها و

أمینُهُ جبریلُ خاطبْ

والمَهرُ خُمسُ الأرضِ مَوْ

هِبةٌ تعالت فی المواهبْ

ونهابها من حِمْلِ طوبی

طُیِّبَتْ تلک المناهبْ (1)

بیان ما ضُمِّنَتْهُ الأبیات من الحدیث :

قوله : الصادقون : إشارةٌ إلی ما روی فی قوله تعالی : (یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَکُونُوا مَعَ الصَّادِقِینَ) (2) من طریق الحافظ أبی نعیم وابن مردویه وابن عساکر (3) وآخرین کثیرین عن جابر وابن عبّاس : أی کونوا مع علیِّ بن أبی طالب. ورواه الکنجی الشافعی فی الکفایة (4) (ص 111) ، والحافظ السیوطی فی الدرّ المنثور (5) (3 / 290) ، وقال سبط ابن الجوزی الحنفی فی تذکرته (6) (ص 10) : قال علماء السیر : معناه : کونوا مع علیّ وأهل بیته ، قال ابن عبّاس : علیٌّ سیِّد الصادقین.

قوله : السابقون إلی الرغائب. إشارةٌ إلی قوله تعالی : (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ* أُولئِکَ الْمُقَرَّبُونَ) (7) وأنّها نزلت فی علیٍّ علیه السلام.

1.

ص: 422


1- أعیان الشیعة : 7 / 270.
2- التوبة : 119.
3- تاریخ مدینة دمشق : 12 / 307 ، وفی ترجمة الإمام علیّ بن أبی طالب علیه السلام - الطبعة المحقّقة - : رقم 930.
4- کفایة الطالب : ص 236 باب 62.
5- الدرّ المنثور : 4 / 316.
6- تذکرة الخواص : ص 16.
7- الواقعة : 10 - 11.

أخرج ابن مردویه عن ابن عبّاس : أنّها نزلت فی حزقیل مؤمن آلِ فرعون ، وحبیب النجّار الذی ذُکِر فی یس ، وعلیِّ بن أبی طالب. وکلّ رجلٍ منهم سابق أمّته ، وعلیٌّ أفضلهم. وفی لفظ ابن أبی حاتم : یوشع بن نون بدل حزقیل.

وأخرج الدیلمی (1) عن عائشة. والطبرانی (2) ، وابن الضحّاک ، والثعلبی ، وابن مردویه ، وابن المغازلی (3) ، عن ابن عبّاس : أنّ النبی صلی الله علیه وسلم قال : «السُّبَّق - وفی لفظ : السُّبّاق - ثلاثة : السابق إلی موسی یوشع بن نون ، وصاحب یاسین إلی عیسی ، والسابق إلی محمد علیُّ بن أبی طالب». وزاد الثعالبی فی لفظه : «فهم الصدّیقون ، وعلیٌّ أفضلهم».

ورواه محبُّ الدین الطبری فی ریاضه (4) (1 / 157) ، والهیثمی فی المجمع (9 / 102) ، والکنجی فی الکفایة (5) (ص 46) بلفظ : «سُبّاق الأمم ثلاثةٌ ، لم یُشْرکوا بالله طرفة عین : علیُّ بن أبی طالب ، وصاحب یاسین ، ومؤمن آل فرعون. فهم الصدِّیقون ، وعلیٌّ أفضلهم». ثمّ قال : هذا سندٌ اعتمد علیه الدارقطنی واحتجَّ به.

ورواه باللفظ الأوّل الحافظ السیوطی فی الدرّ المنثور (6 / 154) ، وابن حجر فی الصواعق (ص 74) ، وسبط ابن الجوزی فی التذکرة (ص 11) (6).

قوله :

فوِلاهُمُ فَرْضٌ من الر

حمنِ فی القرآن واجبْ

7.

ص: 423


1- الفردوس بمأثور الخطاب : 2 / 421 ح 3866.
2- المعجم الکبیر : 11 / 77 ح 11152.
3- مناقب علیّ بن أبی طالب : ص 320 ح 365.
4- الریاض النضرة : 3 / 99.
5- کفایة الطالب : ص 123 باب 24.
6- الدرّ المنثور : 8 / 6 ، الصواعق المحرقة : ص 125 ، تذکرة الخواص : ص 17.

أشار به إلی قوله تعالی : (قُلْ لا أَسْئَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبی وَمَنْ یَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِیها حُسْناً) (1). توجد فی الکتب والمعاجم أحادیث وکلمات ضافیة حول الآیة الشریفة لا یَسعُنا بسط المقال فیها ، غیر أنّا نقتصر (2) بجملة منها :

1 - أخرج أحمد فی المناقب ، وابن المنذر ، وابن أبی حاتم ، والطبرانی ، وابن مردویه ، والواحدی ، والثعلبی ، وأبو نعیم ، والبغوی فی تفسیره ، وابن المغازلی فی المناقب بأسانیدهم عن ابن عبّاس قال : لمّا نزلت هذه الآیة قیل : یا رسول الله من قرابتُک هؤلاء الذین وجبتْ علینا مودّتهم؟ قال : «علیٌّ وفاطمة وابناهما» (3).

ورواه (4) محبُّ الدین الطبری فی الذخائر (ص 25) ، والزمخشریّ فی الکشّاف (2 / 339) ، والحمّوئی فی الفرائد ، والنیسابوری فی تفسیره ، وابن طلحة الشافعی فی مطالب السؤول (ص 8) وصحّحه ، والرازی فی تفسیره ، وأبو السعود فی تفسیره - هامش تفسیر الرازی - (7 / 665) ، وأبو حیّان فی تفسیره (7 / 516) ، والنسفی فی تفسیره - هامش تفسیر الخازن - (4 / 99) ، والحافظ الهیثمی فی المجمع (9 / 168) ، وابن الصبّاغ المالکی فی الفصول المهمّة (ص 12) ، والحافظ الکنجی فی الکفایة (ص 31) ، والقسطلانی فی المواهب ، وقال : ألزم الله مودّة قُرباه کافّة بریّتِهِ ، وفرض محبّة جملةِ أهل بیته المعظّم وذریّته فقال تعالی : (قُلْ لا أسألُکُم عَلیهِ أجْراً إلاّ المَودّةَ فی القُرْبَی). 8.

ص: 424


1- الشوری : 23.
2- الظاهر أنّه قدس سره ضمّن «نقتصر» معنی «نکتفی» فعدّاه بالباء.
3- مناقب علیّ : ص 187 ح 263 ، المعجم الکبیر : 11 / 351 ح 12259 ، الکشف والبیان : الورقة 46 سورة الشوری : آیة 23 ، مناقب علیّ بن أبی طالب : ص 307 - 309 ح 352.
4- تفسیر الکشّاف : 4 / 219 - 220 ، فرائد السمطین : 2 / 13 ح 359 باب 2 ، غرائب القرآن : مج 11 / ج 25 / 35 ، التفسیر الکبیر : 27 / 166 ، تفسیر أبی السعود : 8 / 30 ، تفسیر النسفی : 4 / 105 ، الفصول المهمّة : ص 27 ، کفایة الطالب : ص 91 باب 11 ، المواهب اللدنیّة : 3 / 358.

ورواه الزرقانی فی شرح المواهب (7 / 3 و 21) ، وابن حجر فی الصواعق (1) (ص 101 و 135) والسیوطی فی إحیاء المیت - هامش الإتحاف - (ص 239) ، والشبلنجی فی نور الأبصار (2) (ص 112) ، والصبّان فی الإسعاف - هامش نور الأبصار - (ص 105).

2 - أخرج الحافظ أبو عبد الله الملاّ فی سیرته (3) : أنَّ رسول الله صلی الله علیه وسلم قال :

«إنّ الله جعل أجری علیکم المودّة فی أهل بیتی وإنّی سائلکم غداً عنهم». ورواه محبّ الدین الطبری فی الذخائر (ص 25) ، وابن حجر فی الصواعق (4) (ص 102 و 136) ، والسمهودی فی جواهر العقدین (5).

3 - قال جابر بن عبد الله :

جاء أعرابیٌّ إلی النبیِّ صلی الله علیه وسلم وقال : «یا محمد اعرض علیَّ الإسلام. فقال : تشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شریک له ، وأنّ محمداً عبده ورسوله. قال : تسألنی علیه أجراً؟ قال : لا إلاّ المودّة فی القربی. قال : قرابتی أو قرابتک؟ قال : قرابتی. قال : هات أُبایعک ، فعلی مَن لا یحبُّک ولا یحبّ قرابتک لعنة الله. فقال النبیُّ صلی الله علیه وسلم : آمین». أخرجه الحافظ الکنجی فی الکفایة (6) (ص 31) من طریق الحافظ أبی نعیم عن محمد بن أحمد ابن مخلد عن الحافظ ابن أبی شیبة بإسناده.

4 - أخرج الحافظ الطبری وابن عساکر (7) والحاکم الحسکانی فی شواهد 9.

ص: 425


1- الصواعق المحرقة : ص 170 و 227.
2- نور الأبصار : ص 227.
3- وسیلة المتعبدین : مج 5 / ق 2 / 199.
4- الصواعق المحرقة : ص 171 و 228.
5- جواهر العقدین : الورقة 245.
6- کفایة الطالب : ص 90 باب 11.
7- تاریخ مدینة دمشق : 12 / 143 ، وفی ترجمة الإمام علیّ بن أبی طالب علیه السلام : رقم 178 و 179.

التنزیل لقواعد التفضیل (1) بعدّة طرق عن أبی أُمامة الباهلی قال : قال رسول الله صلی الله علیه وسلم :

«إنّ الله خلق الأنبیاء من أشجارٍ شتّی وخلقنی من شجرةٍ واحدة ، فأنا أصلها وعلیٌّ فرعها وفاطمة لقاحها والحسن والحسین ثمرها ، فمن تعلّقَ بغصن من أغصانها نجا ومن زاغ عنها هوی ، ولو أنّ عبداً عبدَ الله بین الصفا والمروة ألف عام ثمّ ألف عام ثمّ ألف عام ثمّ لم یُدرک صحبتنا کبّه الله علی منخریه فی النار». ثمّ تلا : (قُلْ لا أَسْئَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبی) وذکره الکنجی فی الکفایة (2) (ص 178).

5 - أخرج أحمد (3) وابن أبی حاتم عن ابن عبّاس فی قوله تعالی : (وَمَنْ یَقْتَرِفْ حَسَنَةً ...) قال : المودّة لآل محمد.

رواه الثعلبی فی تفسیره مسنداً ، وابن الصبّاغ المالکی فی الفصول (ص 13) ، وابن المغازلی فی المناقب ، وابن حجر فی الصواعق (ص 101) ، والسیوطی فی الدرّ المنثور (6 / 7) ، وإحیاء المیت - هامش الإتحاف - (ص 239) ، والحضرمی فی الرشفة (ص 23) ، والنبهانی فی الشرف المؤبَّد (ص 95) (4).

6 - أخرج أبو الشیخ ابن حیان فی کتابه الثواب من طریق الواحدی عن علیّ علیه السلام قال : «فینا فی آل حم آیةٌ لا یحفظ مودّتنا إلاّ کلّ مؤمن». ثمّ قرأ (قُلْ لا أَسْئَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبی) وذکره ابن حجر فی الصواعق (5) (ص 101 و 136) ، والسمهودی فی جواهر العقدین (6). 8.

ص: 426


1- شواهد التنزیل : 2 / 203 ح 837.
2- کفایة الطالب : ص 317 باب 87.
3- فضائل الصحابة : 2 / 669 ح 1141.
4- الکشف والبیان : الورقة 46 سورة الشوری : آیة 23 ، الفصول المهمّة : ص 27 ، مناقب علیّ بن أبی طالب : ص 316 ، الصواعق المحرقة : ص 170 ، الدرّ المنثور : 7 / 348 ، الشرف المؤبّد : ص 199.
5- الصواعق المحرقة : ص 170 و 228.
6- جواهر العقدین : الورقة 238.

7 - عن أبی الطفیل قال : خطبنا الحسن بن علیِّ بن أبی طالب ، فحمد الله وأثنی علیه وذکر أمیر المؤمنین علیّا رضی الله عنه خاتم الأوصیاء ووصیَّ الأنبیاء وأمین الصدّیقین والشهداء ثمّ قال :

«أیّها الناس لقد فارقکم رجلٌ ما سبقه الأوّلون ولا یدرکه الآخرون. لقد کان رسول الله صلی الله علیه وسلم یعطیه الرایة فیقاتل جبریل عن یمینه ومیکائیل عن یساره فما یرجع حتی یفتح الله علیه ، ولقد قبضه الله فی اللیلة التی قُبض فیها وصیُّ موسی وعُرِج بروحه فی اللیلة التی عُرِج فیها بروح عیسی بن مریم ، وفی اللیلة التی أنزل الله فیها الفرقان ، واللهِ ما ترکَ ذهباً ولا فضّة ، وما فی بیت مالهِ إلاّ سبعمائة وخمسون درهماً فضلت من عطائه أراد أن یشتری بها خادماً لأمِّ کلثوم.

ثمّ قال : من عرَفنی فقد عرَفنی ومن لم یعرفنی فأنا الحسن بن محمد. ثمّ تلا هذه الآیة قول یوسف : (وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِی إِبْراهِیمَ وَإِسْحاقَ وَیَعْقُوبَ) (1). ثمّ أخذ فی کتاب الله.

ثمّ قال : أنا ابن البشیر ، وأنا ابن النذیر ، أنا ابن النبیِّ ، أنا ابن الداعی إلی الله بإذنه ، وأنا ابن السراج المنیر ، وأنا ابن الذی أُرسِل رحمةً للعالمین ، وأنا من أهل البیت الذین أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهیراً ، وأنا من أهل البیت الذین افترض الله مودّتهم وولایتهم ، فقال فیما أنزلَ علی محمد : (قُلْ لا أَسْئَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبی) ...».

وفی لفظ الحافظ الزرَندی فی نظم درر السمطین (2) : «وأنا من أهل البیت الذین کان جبریل علیه السلام ینزِلُ فینا ویصعَد من عندنا ، وأنا من أهل البیت الذین افترضَ الله تعالی مودّتهم علی کلِّ مسلم وأنزل الله فیهم (قُلْ لا أَسْئَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِی 8.

ص: 427


1- یوسف : 38.
2- نظم درر السمطین : ص 148.

الْقُرْبی وَمَنْ یَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِیها حُسْناً) واقتراف الحَسَنة مودّتُنا أهل البیت».

أخرجه (1) البزّار والطبرانی فی الکبیر ، وأبو الفرج فی مقاتل الطالبیّین ، وابن أبی الحدید فی شرح النهج (4 / 11) ، والهیثمی فی مجمع الزوائد (9 / 146) ، وابن الصبّاغ المالکی فی الفصول (ص 166) وقال : رواه جماعةٌ من أصحاب السیر وغیرهم. والحافظ الکنجی فی الکفایة (ص 32) من طریق ابن عقدة عن أبی الطفیل ، والنسائی عن هبیرة ، وابن حجر فی الصواعق (ص 101 و 136) ، والصفوری فی نزهة المجالس (2 / 231) ، والحضرمی فی الرشفة (ص 43).

8 - أخرج الطبری فی تفسیره (2) (24 / 16) بإسناده عن السدِّی عن أبی الدیلم قال : لمّا جیء بعلیِّ بن الحسین الإمام السجّاد علیهما السلام أسیراً فأُقیم علی درَج دمشق قام رجلٌ من أهل الشام فقال : الحمد للهِ الذی قتلکم واستأصَلَکم وقطع قَرْنَی الفتنة. فقال له علیُّ بن الحسین رضی الله عنه : «أقرأتَ القرآن؟ فقال : نعم. قال : فقرأتَ آل حم؟ قال : قرأتُ القرآنَ ولم أقرأ آل حم. قال : ما قرأت : (قُلْ لا أَسْئَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبی). قال : وإنّکم لأنتم هم؟ قال : نعم».

ورواه الثعلبی فی تفسیره (3) بإسناده ، وأشار إلیه أبو حیّان فی تفسیره (7 / 516)

وأخرجه السیوطی فی الدرّ المنثور (4) (6 / 7) ، وابن حجر فی الصواعق (5) (ص 101 و 136) عن الطبرانی ، والزرقانی فی شرح المواهب (7 / 20). 8.

ص: 428


1- المعجم الکبیر : 3 / 79 - 80 ح 2717 - 2725 ، والمعجم الأوسط : 3 / 888 ح 1276 ، مقاتل الطالبیّین : ص 62 ، شرح نهج البلاغة : 16 / 30 خطبة 31 ، الفصول المهمّة : ص 158 - 159 ، کفایة الطالب : ص 93 باب 11 ، السنن الکبری : 5 / 112 ح 8408 ، الصواعق المحرقة : ص 170 و 228.
2- جامع البیان : مج 13 / ج 25 / 25.
3- الکشف والبیان : الورقة 44 سورة الشوری : آیة 23.
4- الدرّ المنثور : 7 / 348.
5- الصواعق المحرقة : ص 170 و 288.

9 - روی الطبری فی تفسیره (1) (24 / 16 و 17) عن سعید بن جبیر وعمرو بن شعیب أنّهما قالا : هی قربی رسول الله صلی الله علیه وسلم. ورواه عنهما وعن السدّی أبو حیّان فی تفسیره والسیوطی فی الدرّ المنثور.

قال الفخر الرازی فی تفسیره (2) (7 / 390) : وأنا أقول : آل محمد صلی الله علیه وسلم هم الذین یؤول أمرُهم إلیه ، فکلُّ من کان أمرهم إلیه أشدّ وأکمل کانوا هم الآل ، ولا شکّ أنّ فاطمة وعلیّا والحسن والحسین کان التعلّق بینهم وبین رسول الله صلی الله علیه وسلم أشدّ التعلّقات ، وهذا کالمعلوم بالنقل المتواتر ، فوجب أن یکونوا هم الآل.

وقال المناوی : قال الحافظ الزرندی (3) : لم یکن أحدٌ من العلماء المجتهدین والأئمّة المهتدین إلاّ وله فی ولایة أهل البیت الحظّ الوافر والفخر الزاهر کما أمر الله بقوله : (قُلْ لا أَسْئَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبی).

وقال ابن حجر فی الصواعق (4) (ص 89) : أخرج الدیلمی عن أبی سعید الخدری أنّ النبیّ صلی الله علیه وسلم قال : «وقِفُوهم إنّهم مسؤولون عن ولایة علیٍّ».

وکأنّ هذا هو مراد الواحدی بقوله : رُوی فی قوله تعالی : (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ) (5) أی عن ولایة علیّ وأهل البیت ؛ لأنّ الله أمر نبیّه صلی الله علیه وسلم أن یعرِّف الخَلْق أنّه لا یسألُهم علی تبلیغ الرسالة أجراً إلاّ المودّة فی القربی. والمعنی أنّهم یُسألون : هل والوهم حقَّ الموالاة کما أوصاهم النبیُّ صلی الله علیه وسلم أم أضاعوها وأهملوها فتکون علیهم المطالبة والتّبعة؟.

وذکر فی الصواعق (6) (ص 101) للشیخ شمس الدین بن العربی قوله :

(5) الصافّات : 24.

(6) الصواعق المحرقة : ص 170.

ص: 429


1- جامع البیان : مج 13 / ج 25 / 25.
2- التفسیر الکبیر : 27 / 166.
3- نظم درر السمطین : ص 109.
4- الصواعق المحرقة : ص 149.

رأیتُ ولائی آلَ طه فریضةً

علی رغمِ أهل البُعد یورثنی القُرْبا

فما طلَبَ المبعوثُ أجراً علی الهُدی

بتبلیغهِ إلاّ المودّةَ فی القربی

وذکر ابن الصبّاغ المالکی فی الفصول (1) (ص 13) لقائل :

همُ العروةُ الوثقی لمُعْتَصمٍ بها

مناقبُهمْ جاءتْ بوحیٍ وإنزالِ

مناقبُ فی شوری وسورة هل أتی

وفی سورة الأحزاب یعرفها التالی

وهمْ آلُ بیتِ المصطفی فوِدادهُمْ

علی الناسِ مفروضٌ بحکمٍ وإسجالِ

وذکَرَ لآخر :

همُ القومُ من أصفاهمُ الوُدَّ مخلصاً

تمسّکَ فی أُخراهُ بالسببِ الأقوی

هُمُ القومُ فاقوا العالمینَ مناقِباً

محاسنهمْ تُجلی وآثارُهم تُروی

موالاتهم فرضٌ وحُبُّهمُ هُدیً

وطاعتُهمْ وُدٌّ ووُدُّهمُ تقوی

وذکر الشبلنجی فی نور الأبصار (2) (ص 13) لأبی الحسن بن جبیر :

أحبُ النبیَ المصطفی وابنَ عمِّهِ

علیّا وسبطیه وفاطمة الزهرا

همُ أهلُ بیتٍ أذهبَ الرِّجسَ عنهُمُ

وأطلَعَهمْ أُفقُ الهدی أنجماً زُهرا

موالاتهم فرضٌ علی کلِّ مسلمٍ

وحبُّهمُ أسنی الذخائر للأخری

وما أنا للصحبِ الکرامِ بمُبغضٍ

فإنّی أری البغضاءَ فی حقِّهمْ کفرا

قوله :

وهُمُ الصراط فمستقیمٌ

فوقه ناجٍ وناکبْ

أخرج الثعلبی فی الکشف والبیان (3) فی قوله تعالی : (اهْدِنَا الصِّراطَ

6.

ص: 430


1- الفصول المهمّة : ص 27 - 28.
2- نور الأبصار : ص 232 - 233.
3- الکشف والبیان : الورقة 9 سورة الحمد : آیة 6.

المُسْتَقِیمَ) قال مسلم بن حیّان : سمعت أبا بریدة یقول : صراط محمد وآله.

وفی تفسیر وکیع بن الجرّاح ، عن سفیان الثوری ، عن السدِّی ، عن أسباط ومجاهد ، عن عبد الله بن عبّاس فی قوله تعالی : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِیمَ) قال : قولوا معاشر العباد أرشدنا إلی حبِّ محمد وأهل بیته.

وأخرج الحمّوئی فی الفرائد (1) بإسناده عن أصبغ بن نباتة عن علیّ علیه السلام فی قوله تعالی : (وَإِنَّ الَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّراطِ لَناکِبُونَ) (2) قال : «الصراط ولایتنا أهل البیت».

وأخرج الخوارزمی فی المناقب : الصراط صراطان : صراطٌ فی الدنیا وصراطٌ فی الآخرة. فأمّا صراط الدنیا فهو علیُّ بن أبی طالب ، وأمّا صراط الآخرة فهو جسر جهنم. من عرف صراط الدنیا جاز علی صراط الآخرة.

ویوضح معنی هذا الحدیث ما أخرجه ابن عدی (3) والدیلمی کما فی الصواعق (4) (ص 111) عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قال : «أثْبتُکمْ علی الصِراط أشدُّکم حبّا لأهل بیتی ولأصحابی».

وأخرج شیخ الإسلام الحمّوئی بإسناده فی فرائد السمطین (5) فی حدیث عن الإمام جعفر الصادق قوله : «نحن خیرةُ الله ونحن الطریق الواضح والصراط المستقیم إلی الله».

فهم الصراط إلی الله فمن تمسّک بهم فقد اتّخذ إلی ربِّه سبیلاً ، کما ورد فیما أخرجه 8.

ص: 431


1- فرائد السمطین : 2 / 300 ح 556.
2- المؤمنون : 74.
3- الکامل فی ضعفاء الرجال : 6 / 302 رقم 1791.
4- الصواعق المحرقة : ص 187.
5- فرائد السمطین : 2 / 254 ح 523 باب 48.

أبو سعد فی شرف النبوّة (1) بإسناده عن رسول الله صلی الله علیه وسلم قال :

«أنا وأهل بیتی شجرةٌ فی الجنّة وأغصانها فی الدنیا ، فمن تمسّک بنا اتّخذ إلی ربِّه سبیلاً». ذخائر العقبی (ص 16).

قوله : صِدِّیقةٌ.

یعنی به فاطمة بنت النبی صلی الله علیه وآله وسلم سماها به أبوها ، فیما أخرجه أبو سعید فی شرف النبوّة عن رسول الله صلی الله علیه وسلم أنّه قال لعلیّ : «أوتیتَ ثلاثاً لم یُؤتَهنَّ أحدٌ ولا أنا : أوتِیتَ صهراً مثلی ولم أُوتَ أنا مثلی (2). وأوتیتَ زوجة صدِّیقة مثل ابنتی ولم أوتَ مثلها زوجة. وأوتِیتَ الحسن والحسین من صلبک ولم أُوت من صلبی مثلهما ، ولکنّکم منّی وأنا منکم». الریاض النضرة (3) (2 / 202).

وعن عائشة أمِّ المؤمنین قالت : ما رأیت أحداً کان أصدق لهجةً من فاطمة إلاّ أن یکون الذی ولدها صلی الله علیه وآله وسلم. حلیة الأولیاء (2 / 42) ، الاستیعاب (4) (4 / 377 - 378) ، ذخائر العقبی (ص 44) ، تقریب الأسانید وشرحه (1 / 150) ، مجمع الزوائد (9 / 201) وقال : رجاله رجال الصحیح.

قوله : لصدّیق.

یعنی به أمیر المؤمنین - صلوات الله علیه - وهو صدّیقُ هذه الأمّة وذلک لقبه الخاص. قال محبُّ الدین الطبری فی ریاضه (5) : إنّ رسول الله صلی الله علیه وسلم سماه صدِّیقاً. وقال فی (ص 155) : قال الخجندی : وکان یُلَقَّبُ بیعسوب الأمّة وبالصدِّیق الأکبر. وهناک 5.

ص: 432


1- شرف النبوّة : ص 251.
2- فی المصدر : مثلک.
3- الریاض النضرة : 3 / 152.
4- الاستیعاب : القسم الرابع / 1896 رقم 4057.
5- الریاض النضرة : 3 / 94 ، 95.

أخبارٌ کثیرةٌ نذکر بعضها :

1 - أخرج ابن النجّار وأحمد فی المناقب (1) عن ابن عبّاس عن رسول الله صلی الله علیه وسلم : «الصدِّیقون ثلاثةٌ : حزقیل مؤمن آل فرعون ، وحبیب النجّار صاحب آل یاسین ، وعلیُّ بن أبی طالب». وأخرجه أبو نعیم فی المعرفة (2) وابن عساکر (3) عن أبی لیلی ، وزادا فی لفظهما : «وهو أفضلهم».

وأخرجه (4) محبُّ الدین الطبری فی الریاض (2 / 154) ، والکنجی فی الکفایة (ص 47) بلفظ أبی لیلی ، والسیوطی فی جمع الجوامع کما فی ترتیبه (6 / 152) ، وابن حجر فی الصواعق (ص 74) بلفظ ابن عبّاس ، و (ص 75) بلفظ أبی لیلی.

2 - عن رسول الله صلی الله علیه وسلم : «إنّ هذا أوّل من آمن بی ، وهو أوّل من یصافحنی یوم القیامة ، وهو الصدِّیق الأکبر ، وهذا فاروق هذه الأمّة ، یَفْرُقُ بین الحقِّ والباطل ، وهذا یعسوب المؤمنین».

أخرجه (5) الطبرانی عن سلمان وأبی ذر ، والبیهقی والعدنی عن حذیفة ، والهیثمی فی المجمع (9 / 102) ، والحافظ الکنجی فی الکفایة (ص 79) من طریق الحافظ ابن عساکر وفی آخره «وهو بابی الذی أُوتی منه وهو خلیفتی من بعدی». وذکره باللفظ الأوّل المتّقی الهندی فی إکمال کنز العمّال (6 / 56). 0.

ص: 433


1- مناقب علیّ : ص 131 ح 194.
2- معرفة الصحابة : 1 / 302.
3- تاریخ مدینة دمشق : 12 / 131 ، وفی ترجمة الإمام علیّ بن أبی طالب علیه السلام - الطبعة المحقّقة - : رقم 812.
4- الریاض النضرة : 3 / 94 ، کفایة الطالب : ص 124 باب 24 ، کنز العمال : 11 / 601 ح 32897 ، الصواعق المحرقة : ص 125.
5- المعجم الکبیر : 6 / 269 ح 6184 ، کفایة الطالب : ص 187 باب 44 ، تاریخ مدینة دمشق : 12 / 130 ، کنز العمال : 11 / 616 ح 32990.

3 - عن ابن عبّاس وأبی ذرّ قالا : «سمعنا النبیَّ صلی الله علیه وآله وسلم یقول لعلیّ : أنت الصدّیق الأکبر ، وأنت الفاروق الذی یَفْرُقُ بین الحقِّ والباطل».

أخرجه محبُّ الدین فی الریاض (1) (2 / 155) وقال : وفی روایة : «وأنت یعسوب الدین» عن الحاکمی (2). والقرشی فی شمس الأخبار (3) (ص 35) وفیه : «وأنت یعسوب المؤمنین». ورواه مع الزیادة شیخ الإسلام الحمّوئی فی الفرائد (4) فی الباب الرابع والعشرین. وابن أبی الحدید عن أبی رافع فی شرح النهج (5) (3 / 257) ولفظه : قال أبو رافع : أتیت أبا ذر بالربذة أُودِّعهُ ، فلمّا أردتُ الانصراف قال لی ولأُناس معی : ستکون فتنةٌ فاتّقوا الله وعلیکم بالشیخ علیِّ بن أبی طالب فاتّبعوه ؛ فإنّی سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول له : «أنت أوّل من آمن بی ، وأوّل من یصافحنی یوم القیامة ، وأنت الصدِّیق الأکبر ، وأنت الفاروق الذی یَفْرُق بین الحقِّ والباطل ، وأنت یعسوب المؤمنین ، والمال یعسوب الکافرین ، وأنت أخی ووزیری ، وخیر من أترک بعدی ، وتنجزُ موعدی».

وذکره القاضی الإیجی فی المواقف (6) (3 / 276) ، والصفوری فی نزهة المجالس (2 / 205).

4 - عن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم قال : «قال لی ربّی لیلةَ أُسری بی : من خَلَّفْتَ علی أمّتک یا محمد؟ قال : قلت : یا ربّ أنت أعلم. 9.

ص: 434


1- الریاض النضرة : 3 / 96.
2- الحاکمی أحمد بن إسماعیل الطالقانی فی الأربعین المنتقی : ح 28 باب 21 ، وفیه قبله : أنت أوّل مَن آمن بی وصدّقنی وأنت أوّل من یصافحنی یوم القیامة وأنت الصدّیق ... وأنت یعسوب المؤمنین. (الطباطبائی)
3- مسند شمس الأخبار : 1 / 94.
4- فرائد السمطین : 1 / 140 ح 102 ، 103.
5- شرح نهج البلاغة : 13 / 228 خطبة 238.
6- المواقف : ص 409.

قال : یا محمد انتجبتک (1) برسالتی ، واصطفیتک لنفسی ، وأنت نبیّی وخیرتی من خلقی ، ثمّ الصدِّیقُ الأکبر الطاهر المطَهّر الذی خلقتُه من طینتک وجعلتُه وزیرک وأبا سبطَیک السیِّدین الشهیدین الطاهرین المطهَّرین سیِّدَی شباب أهل الجنّة وزوّجته خیر نساء العالمین ، أنت شجرةٌ وعلیٌّ أغصانها وفاطمة ورقها والحسن والحسین ثمارها ، خلقتُهما من طینة عِلِّیِّین وخلقتُ شیعتَکم منکم ، إنَّهم لو ضُربوا علی أعناقِهم بالسیوف ما ازدادوا لکم إلاّ حبّا. قلت : یا ربّ ومن الصدِّیق الأکبر؟

قال : أخوک علیٌّ بن أبی طالب». أخرجه القرشی فی شمس الأخبار (2) (ص 33)

5 - عن علیّ علیه السلام أنّه قال : «أنا عبد الله وأخو رسوله وأنا الصدِّیق الأکبر لا یقولها بعدی إلاّ کذّاب مُفترٍ ، لقد صلّیتُ قبلَ الناس سبعَ سنین».

أخرجه ابن أبی شیبة بسند صحیح ، والنسائی فی الخصائص (ص 3) بسند رجاله ثقات ، وابن أبی عاصم فی السنّة ، والحاکم فی المستدرک (3 / 112) وصحّحه ، وأبو نعیم فی المعرفة ، وابن ماجة فی سننه (1 / 57) بسند صحیح ، والطبری فی تاریخه (2 / 213) بإسناد صحیح ، والعقیلی ، والخلعی ، وابن الأثیر فی الکامل (2 / 22) ، وابن أبی الحدید فی شرح النهج (3 / 257) ، ومحبّ الدین الطبری فی الذخائر (ص 60) ، والریاض (2 / 155 ، 158 ، 167) ، والحمّوئی فی الفرائد فی الباب التاسع والأربعین ، والسیوطی فی الجمع کما فی ترتیبه (6 / 394) ، وفی طبقات الشعرانی (2 / 55) : قال علیٌّ رضی الله عنه : «أنا الصدِّیقُ الأکبر لا یقولُها بعدی إلاّ کاذب» (3). مم

ص: 435


1- فی المصدر : إنّنی اجتبیتک.
2- مسند شمس الأخبار : 1 / 89.
3- المصنّف : 12 / 65 ح 12133 ، خصائص أمیر المؤمنین : ص 25 ح 7 ، وفی السنن الکبری : 5 / 107 ح 8395 ، السنّة لابن أبی عاصم : ص 584 ح 1324 ، المستدرک علی الصحیحین : 3 / 121 ح 4584 ، معرفة الصحابة : 1 / 301 ، سنن ابن ماجة : 1 / 44 ح 120 ، تاریخ الأمم

6 - عن معاذة قالت : سمعت علیّا ، وهو یخطب علی منبر البصرة ، یقول : «أنا الصدِّیق الأکبر ، آمنتُ قبل أن یؤمن أبو بکر وأسلمتُ قبل أن یُسلِمَ أبو بکر».

أخرجه ابن قتیبة فی المعارف (ص 73) ، وابن أیّوب ، والعقیلی ، ومحبُّ الدین فی الذخائر (ص 58) ، والریاض (2 / 155 ، 157) ، وذکره ابن أبی الحدید فی شرح النهج (3 / 251 ، 257) ، والسیوطی فی جمع الجوامع کما فی ترتیبه (6 / 405) (1)

قوله :

إسماهما قُرِنا علی سَطْرٍ

بظلِّ العرش راتبْ

أشار إلی حدیث کتابة أسماء فاطمة وأبیها وبعلها وبنیها فی ظلِّ العرش وقد کتبت علی باب الجنّة ، کما أخرجه الخطیب البغدادی فی تاریخه (1 / 259) عن ابن عبّاس قال : قال رسول الله صلی الله علیه وسلم : «لیلة عُرِج بی إلی السماء رأیتُ علی باب الجنّة مکتوباً لا إله إلاّ الله ، محمدٌ رسول الله ، علیٌّ حبیب الله ، والحسن والحسین صَفْوَةُ الله ، فاطمةُ خِیرة الله ، علی مبغضیهم لعنة الله». ورواه الخطیب الخوارزمی فی مناقبه (2) (ص 240).

قوله :

کان الإلهُ ولیَّها

وأمینُه جبریلُ خاطبْ

إشارةٌ إلی أنَّ الله تعالی هو زوَّج فاطمةَ علیّا ، وکان ولیّ أمرها ، وخطب فیه 7.

ص: 436


1- المعارف : ص 169 ، الضعفاء الکبیر : 2 / 131 رقم 616 ، الریاض النضرة : 3 / 95 و 99 ، شرح نهج البلاغة : 13 / 200 و 228 خطبة 238 ، کنز العمال : 13 / 164 ح 36498.
2- المناقب : ص 302 ح 297.

الأمین جبرئیل علیه السلام کما ورد عن جابر بن سَمُرة ، قال : قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «أیّها الناس ، هذا علیُّ بن أبی طالب أنتم تزعمون أنَّنی أنا زوّجته ابنتی فاطمة ، ولقد خطبَها إلیَّ أشراف قریش فلم أُجِب ، کلُّ ذلک أتوقّع الخبر من السماء حتی جاءنی جبرئیل لیلة أربع وعشرین من شهر رمضان فقال : یا محمد ، العلیُّ الأعلی یقرأ علیک السلام ، وقد جمع الروحانیِّین والکرّوبیِّین فی وادٍ یُقال له : الأفْیَح. تحت شجرة طُوبی وزوّج فاطمة علیّا ، وأمرنی فکنت الخاطب ، والله تعالی الولیّ». کفایة الطالب (1) (ص 164).

وأخرج محبُّ الدین الطبری فی الذخائر (ص 31) عن علیٍّ قال :

قال رسول الله صلی الله علیه وسلم : «أتانی مَلَکٌ فقال : یا محمد ، إنَّ الله تعالی یقرأ علیک السلام ویقول لک : إنّی قد زوّجت فاطمة ابنتک من علیِّ بن أبی طالب فی الملأ الأعلی فزوِّجها منه فی الأرض».

وأخرج الغسّانی والخطیب فی تاریخه (4 / 129) بالإسناد عن عبد الله بن مسعود رضی الله عنه قال : «أصاب فاطمة بنت رسول الله صلی الله علیه وسلم صبیح العُرس رِعْدة ، فقال لها رسول الله صلی الله علیه وسلم : یا فاطمة ، إنّی زوّجتُکِ سیِّداً فی الدنیا وإنَّه فی الآخرة لمن الصالحین.

یا فاطمة إنّی لمّا أردت أن أُمْلِکَکِ لعلیٍّ أمر الله جبریل فقام فی السماء الرابعة فصفَّ الملائکة صفوفاً ثمّ خطب علیهم جبریل فزوّجک من علیّ ، ثمّ أمَرَ شجَر الجِنان فحملت الحُلِیَّ والحُلَل ثمّ أمرَها فنثرتْهُ علی الملائکة ، فمن أخذَ منهم یومئذٍ أکثر ممّا أخذ صاحبه أو أحسن افتخر به إلی یوم القیامة.

قالت أمُّ سلمة : فلقد کانت فاطمة تَفخَرُ علی النساء ، حیث أوّلُ من خطب علیها جبریل».

وذکره الکنجی فی الکفایة (2) (ص 165) ثمّ قال : حدیثٌ حسنٌ عالٍ رُزِقناه

0.

ص: 437


1- کفایة الطالب : ص 300 باب 79.
2- المصدر السابق : ص 301 باب 80.

عالیاً. ومحبُّ الدین فی الذخائر (ص 32).

وروی الصفوری فی نزهة المجالس (2 / 225) عن جبرئیل أنّه قال لرسول الله صلی الله علیه وسلم :

إنَّ الله أمَر رضوان أن یَنصِب منبر الکرامة علی باب البیت المعمور ، وأمر ملکاً یُقال له راحیل أن یصعده ، فعلا المنبر وحمد الله وأثنی علیه بما هو أهله فارتجّت السماوات فرحاً وسروراً ، وأوحی الله إلیَّ : أنِ اعقِدْ عُقدةَ النکاح ، فإنّی زوّجتُ علیّا بفاطمة أمَتی بنت محمد رسولی ، فعقدتُ وأشهدتُ الملائکةَ وکتبت شهادتهم فی هذه الحریرة ، وإنّی أُمرت أن أعرِضَها علیک ، وأَخْتِمَها بخاتَم مسکٍ أبیض ، وأدفعها إلی رضوان خازن الجنان. وهناک فی هذا المعنی أخبارٌ کثیرةٌ.

قوله :

والمهر خُمس الأرض مو

هبةٌ تعالت فی المواهبْ

أشار به إلی ما أخرجه شیخ الإسلام الحمّوئی فی فرائد السمطین (1) فی الباب الثامن عشر عن رسول الله صلی الله علیه وسلم أنّه قال لعلیِّ : «یا علیُّ إنَّ الأرض لله یورِثُها من یَشاءُ من عباده ، وإنَّه أوحی إلیَّ أن أزوِّجَکَ فاطمة علی خمس الأرض ، فهی صداقها ، فمن مشی علی الأرض وهو لکم مُبْغِضٌ فالأرض حرامٌ علیه أن یمشی علیها».

قوله :

ونهابها من حِمْلِ طوبی

طُیِّبت تلک المناهبْ

أشار إلی حدیث النثار المرویِّ عن بلال بن حمامة قال : «طلع علینا رسول الله صلی الله علیه وسلم ذات یوم متبسِّماً ضاحکاً ووجهه مسرورٌ کدارَةِ القمر ، فقام إلیه عبد الرحمن بن عوف فقال : یا رسول الله ما هذا النور؟ 4.

ص: 438


1- فرائد السمطین : 1 / 95 ح 64.

قال : بِشارةٌ أتَتنی من ربِّی فی أخی وابن عمّی بأنّ الله زوّج علیّا من فاطمة ، وأمر رضوان خازن الجنان فهزَّ شجرة طوبی فحملتْ رِقاعاً - یعنی صِکاکاً - بعدد محبّی أهل البیت ، وأنشأ تحتها ملائکةً من نور ودفع إلی کلِّ ملک صِکاکاً ، فإذا استوت القیامة بأهلها نادت الملائکة فی الخلائق ، فلا یبقی مُحِبٌّ لأهل البیت إلاّ دفعت له صکّا فیه فکاکُهُ من النار ، فصار أخی وابن عمّی وابنتی فُکّاک رقاب رجال ونساء من أمّتی من النار».

أخرجه (1) الخطیب فی تاریخه (4 / 210) ، وابن الأثیر فی أسد الغابة (1 / 206) ، وابن الصبّاغ المالکی فی الفصول المهمّة ، وأبو بکر الخوارزمی فی المناقب ، وابن حجر فی الصواعق (ص 103) ، والصفوری فی نزهة المجالس (2 / 225) ، والحضرمی فی رشفة الصادی (ص 28).

وأخرج أبو عبد الله الملاّ فی سیرته (2) عن أنس قال : بینما رسول الله صلی الله علیه وسلم فی المسجد إذ قال لعلیّ : «هذا جبریلُ یخبرُنی أنّ الله زوَّجَکَ فاطمة وأشْهَدَ علی تزویجها أربعین ألف مَلَک ، وأوحی إلی شجرة طوبی : أن انثری علیهم الدرّ والیاقوت ، فنثرت علیهم الدرّ والیاقوت ، فابتدرت إلیه الحور العین یلتقطنَ من أطباق الدرّ والیاقوت ، فهم یتهادَونَهُ بینهم إلی یوم القیامة». ورواه محبُّ الدین فی الذخائر (ص 32) ، وفی الریاض (3) (2 / 184) ، والصفوری فی نزهة المجالس (2 / 223).

ومن شعر العبدی :

یا سادتی یا بَنِی علیٍ

یا آلَ طه وآلَ صادِ

0.

ص: 439


1- أسد الغابة : 1 / 242 رقم 492 ، الفصول المهمّة : ص 26 ، المناقب : ص 341 ح 361 ، الصواعق المحرقة : ص 173.
2- وسیلة المتعبدین : مج 5 / ق 2 / 164.
3- الریاض النضرة : 3 / 130.

مَن ذا یُوازیکمُ وأنتمْ

خلائفُ الله فی البلادِ

أنتم نجومُ الهدی اللواتی

یهدی بها اللهُ کلَّ هادِ

لو لا هُداکمْ إذاً ضَلَلْنا

والتبسَ الغیُّ بالرشادِ

لا زلتُ فی حُبِّکمْ أُوالی

عمری وفی بُغْضِکم أُعادی

وما تزوَّدتُ غیرَ حبِّی

إیّاکمُ وهو خیر زادِ

وذاک ذُخری الذی علیهِ

فی عَرْصَةِ الحَشْر اعتمادی

وَلاکُمُ والبراءُ ممّنْ

یشنأکُمُ اعتقادی

وللعبدیِّ قوله :

وزُوِّجَ فی السماءِ بأمر ربِّی

بفاطمةَ المهذَّبةِ الطَهُورِ

وصُیِّر مَهْرُها خُمساً بأرضٍ

لما تحویهِ من کَرْمٍ وحورِ

فذا خیرُ الرجالِ وتلک خیر ال

- نساء وَمَهْرُها خیر المُهورِ (1)

وله :

إذ أتَتْهُ البتولُ فاطمُ تبکی

وتُوالی شهیقَها والزفیرا

اجتمعن النساءُ عندی وأقبلنَ

یُطِلْنَ التقریعَ والتعییرا

قُلْنَ إنَّ النبیَّ زَوَّجَکِ الیومَ

علیّا بَعْلاً مُعیلاً فقیرا

قال یا فاطمُ اصبری واشکری لل

- لهِ قد نِلْتِ منه فضلاً کبیرا

أمر اللهُ جبرئیلَ فنادی

مُعلناً فی السماءِ صوتاً جَهیرا

اجتمعن الأملاکُ حتی إذا ما

وَردُوا بیتَ ربِّنا المعمورا

قام جبریلُ خاطباً یُکثِر ال

- تحمیدَ للهِ جَلَّ والتکبیرا

خُمسُ أرضی لها حلالٌ فصیّر

هُ علی الخَلْقِ دونَها مَبرورا

9.

ص: 440


1- أعیان الشیعة : 7 / 269.

نثرت عند ذاک طوبی علی الحور

من المِسْکِ والعبیر نثیرا (1)

بیانٌ :

إذ أتته البتولُ فاطمُ تبکی

وتُوالی شهیقها والزفیرا

إشارة إلی ما أخرجه الحافظ عبد الرزاق عن معمر عن ابن أبی نجیح عن مجاهد عن ابن عبّاس والخطیب بإسناده فی تاریخه (4 / 195) عن ابن عبّاس قال : لَمّا زوَّج النبیُّ صلی الله علیه وسلم فاطمة من علیّ قالت فاطمة : «یا رسول الله زوَّجتَنی من رجل فقیر لیس له شیء. فقال النبی صلی الله علیه وسلم : أما ترضین؟ إنَّ الله اختار من أهل الأرض رجلین ؛ أحدهما أبوک والآخر زوجک». وذکره الحاکم فی المستدرک (2) (3 / 129) وصحَّحه. والهیثمی فی المجمع (9 / 112) ، والسیوطی فی الجمع کما فی ترتیبه (3)) (6 / 391) ، والصفوری فی النزهة (2 / 226).

وفی نزهة المجالس (2 / 226) عن العقائق : إنّ فاطمة بکت لیلة عُرْسِها فسألها النبیُّ صلی الله علیه وسلم عن ذلک فقالت له : «تعلمُ أنّی لا أُحِبُّ الدنیا ولکنْ نظرتُ إلی فقری فی هذه اللیلة فخشیت أن یقول لی علیٌّ : بأیّ شیء جئت؟. فقال النبیُّ صلی الله علیه وسلم : لکِ الأمان ؛ فإنَّ علیّا لم یزل راضیاً مرضیّا».

ثمَّ بعد ذلک تزوّجت امرأة من الیهود ، وکانت کثیرة المال ، فدعت النساء إلی عُرسِها فلبسْن أفخر ثیابهنَّ ثمَّ قلن : نُرید أن ننظر إلی بنت محمد وفقرها. فدعونها ، فنزل جبریل بحُلّة من الجنّة ، فلمّا لبستْها واتّزرت وجلستْ بینهنَّ رفعت الإزار فلمعت الأنوار فقالت النساء : من أین لکِ هذا یا فاطمة؟ فقالت : من أبی. فقلن : من 5.

ص: 441


1- سیأتی فی الجزء الرابع أنَّ هذه الأبیات جزء من قصیدة طویلة لعلیّ بن حمّاد العبدی ولیست للمترجم له.
2- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 140 ح 4645.
3- کنز العمال : 13 / 108 ح 36355.

أین لأبیکِ؟ قالت : من جبریل. قلن : من أین لجبریل؟ قالت : من الجنّة. فقلن : نشهد أن لا إله إلاّ الله وأنَّ محمداً رسول الله ، فمن أسلم زوجُها استمرّت معه وإلاّ تزوّجت غیره.

مرَّ بیان ما فی بقیّة الأبیات من الحدیث المأثور. وللعبدیّ قوله من قصیدة یمدح بها علیّا علیه السلام :

وکان یقول یا دنیای غرِّی

سوای فلستُ من أهلِ الغرورِ

ومن أخری :

لم تشتمل قلبَهُ الدنیا بزُخْرُفِها

بل قال غرِّی سوای کلّ محتقَرِ (1)

أشار بهما إلی ما فی حدیث ضِرار بن ضمرة الکِنانی ، لمّا وصف أمیر المؤمنین لمعاویة بن أبی سفیان قال : لقد رأیته فی بعض مواقفه وقد أرخی اللیل سُدولَه ، وغارت نجومُهُ ، قابضاً علی لحیته ، یتململ تَملمُلَ السلیم ویبکی بکاء الحزین ، ویقول : «یا دنیا یا دنیا ، غرّی غیری ، إلیَّ تعرّضتِ؟ أم إلیَّ تشوّقتِ؟ هیهات هیهات قد باینتُکِ ثلاثاً لا رجعة فیها ، فعمرُکِ قصیرٌ ، وعیشُکِ حقیرٌ ، وخَطَرُکِ یسیرٌ». الحدیث.

أخرجه أبو نعیم فی الحلیة (1 / 84) ، وابن عبد البرّ فی الاستیعاب (2) ، وابن عساکر فی تاریخه (3) (7 / 35) وکثیرون آخرون من الحفّاظ والمؤرِّخین.

وله قوله :

لَما أتاهُ القومُ فی حُجُراتِهِ

والطُّهْرُ یخصِفُ نعلَهُ ویُرَقِّعُ

8.

ص: 442


1- أعیان الشیعة : 7 / 269.
2- الاستیعاب : القسم الثالث / 1108 رقم 1855.
3- تاریخ مدینة دمشق : 8 / 474 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 11 / 158.

قالوا له إن کان أمرٌ من لنا

خَلَفٌ إلیهِ فی الحوادثِ نرجِعُ

قال النبیُّ خلیفتی هو خاصفُ

النعلِ الزکیُّ العالمُ المتورِّعُ (1)

أشار بهذه الأبیات إلی حدیث أمّ سلمة قالت لعائشة أمّ المؤمنین فی بدء واقعة الجمل :

أُذْکِرُکِ کنت أنا وأنت مع رسول الله صلی الله علیه وسلم فی سفر له ، وکان علیٌّ یتعاهد نعلَی رسول الله صلی الله علیه وسلم فیخصفها ویتعاهد أثوابه فیغسلها ، فنُقبت له نعلٌ فأخذها یومئذٍ یخصفها وقعد فی ظلِّ سمرة ، وجاء أبوکِ ومعه عمر فاستأذنا علیه فقمنا إلی الحجاب ، ودخلا یُحدِّثانه فیما أرادا ، ثمّ قالا : یا رسول الله إنّا لا ندری قَدْر ما تصحبنا فلو أعلَمْتنا مَن یُستخلَف علینا لیکون لنا بعدک مفزعاً.

فقال لهما : «أما إنّی قد أری مکانه ولو فعلتُ لتفرّقتم عنه کما تفرّقت بنو إسرائیل عن هارون بن عمران» فسکتا ثمّ خرجا ، فلمّا خرجنا إلی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قلتِ له وکنتِ أجرأ علیه منّا : من کنت یا رسول الله مستخلفاً علیهم؟ فقال : «خاصف النعل». فنزلنا فلم نرَ أحداً إلاّ علیّا ، فقلتِ : یا رسول الله ما أری إلاّ علیّا ، فقال : «هو ذاک». فقالت عائشة : نعم أذکرُ ذلک. فقالت : فأیَّ خروجٍ تخرجین بعد هذا؟ فقالت : إنّما أخرج للإصلاح بین الناس ، وأرجو فیه الأجر إن شاء الله.

فقالت : أنتِ ورأیک. شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید (2) (2 / 78).

ولشاعرنا العبدیِّ قوله یمدح به أمیر المؤمنین علیه السلام :

یا من شکَتْ شوقَهُ الأملاکُ إذ شُغِفَتْ

بحُبِّهِ وهواهُ غایةَ الشغَفِ

فصاغ شِبْهَکَ ربُّ العالمین فما

ینفکُّ من زائرٍ منها ومُعتکفِ

9.

ص: 443


1- أعیان الشیعة : 7 / 269.
2- شرح نهج البلاغة : 6 / 218 خطبة 79.

وله فی مدحه - صلوات الله علیه - :

صوّرَ اللهُ لأملاکِ العُلی

مِثْلَهَ أعظمه فی الشرفِ

وهی ما بین مُطیفٍ زائرٍ

ومُقیمٍ حَولَهُ مُعتکفِ

هکذا شاهدَهُ المبعوثُ فی

لیلةِ المعراجِ فوق الرَفْرَفِ (1)

فی هذه الأبیات إشارة إلی حدیث الحافظ المتقن الکبیر ، الثقة یزید بن هارون عن حمید الطویل الثقة ، عن أنس بن مالک ، قال :

قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «مررت لیلة أُسرِیَ بی إلی السماء ، فإذا أنا بمَلَکٍ جالس علی منبر من نور والملائکة تُحْدِقُ به. فقلت : یا جبرئیل من هذا المَلَک؟ قال : أُدنُ منه وسلّم علیه. فدنوت منه وسلّمتُ علیه ، فإذا أنا بأخی وابن عمّی علیِّ بن أبی طالب.

فقلت : یا جبرئیل سبقنی علیٌّ إلی السماء الرابعة؟ فقال لی : یا محمد لا ، ولکنَّ الملائکة شَکَتْ حُبّها لعلیّ ، فخلق الله تعالی هذا الملک من نورٍ علی صورة علیّ ، فالملائکة تزوره فی کلِّ لیلة جمعة ویوم جمعة سبعین ألف مرّة ، یسبِّحون الله ویقدِّسونه ویُهدون ثوابه لُمحبِّ علیٍّ». أخرجه الحافظ الکنجی فی الکفایة (2) (ص 51) وقال : هذا حدیثٌ حسنٌ عال لم نکتبه إلاّ من هذا الوجه.

ومن شعر العبدیِّ قوله :

وزوّجَهُ بفاطم ذو المعالی

علی الأرغام من أهل النفاقِ

وخُمسُ الأرض کان لها صَداقاً

ألا للهِ ذلکَ من صَداقِ (3)

0.

ص: 444


1- أعیان الشیعة : 7 / 271.
2- کفایة الطالب : ص 132 باب 26.
3- أعیان الشیعة : 7 / 270.

وقوله یمدح به أمیر المؤمنین :

وکم غمرةٍ للموتِ فی الله خاضَها

ولُجّةِ بحرٍ فی الحُکوم أقامها

وکم لیلةٍ لیلاء للهِ قامها

وکم صبحةٍ مشجورةِ الحرِّ صامها

وقوله فی مدحه علیه السلام :

أنت عین الإله والجَنْبُ من ف

- رّط فیه یصلی لَظیً مذموما

أنتَ فُلْکُ النجاةِ فینا وما زل

- تَ صِراطاً إلی الهدی مستقیما

وعلیک الورودُ تَسقی من الحو

ض ومن شئت ینثنی محروما

وإلیک الجواز تُدْخِلُ مَن شئتَ

جِناناً ومَن تشاءُ جحیما (1)

مرَّ بیان ما فی بعض هذه الأبیات.

قوله :

وعلیک الورودُ تسقی من الحو

ض ومن شئت ینثنی محروما

فیه إیعازٌ إلی أنَّ سقایة الحوض - الکوثر - یوم القیامة بید علیّ أمیر المؤمنین ، یسقی منه محبّیه وموالیه ویذود عنه المنافقین والکفّار ، وورد فی ذلک أحادیث فی الصحاح والمسانید ونحن نذکر بعضها :

1 - أخرج الطبرانی (2) بإسناد رجاله ثقاتٌ عن أبی سعید الخدری قال : قال النبیُّ صلی الله علیه وسلم : «یا علیُّ معک یوم القیامة عصا من عُصِیِّ الجنة تذود بها المنافقین عن الحوض». الذخائر (ص 91) ، الریاض (3) (2 / 211) ، مجمع 3.

ص: 445


1- أعیان الشیعة : 7 / 269.
2- المعجم الصغیر : 2 / 89.
3- الریاض النضرة : 3 / 163.

الزوائد (9 / 135) ، الصواعق (1) (ص 104).

2 - أخرج أحمد فی المناقب (2) بإسناده عن عبد الله بن إجارة قال :

سمعت أمیر المؤمنین علیّ بن أبی طالب وهو علی المنبر یقول : «أنا أذودُ عن حوض رسول الله بیدیَّ هاتین القصیرتین الکفّار والمنافقین کما تذود السقاة غریبةَ الإبل عن حِیاضهم».

ورواه الطبرانی فی الأوسط. وذکر فی مجمع الزوائد (9 / 135) ، والریاض النضرة (3) (2 / 211) ، وکنز العمال (4) (6 / 403).

3 - أخرج ابن عساکر فی تاریخه (5) بإسناده عن ابن عبّاس عن رسول الله صلی الله علیه وسلم قال لعلیّ : «أنت أمامی یوم القیامة ، فیدفعُ إلیَّ لواء الحمد فأدْفعُه إلیک ، وأنت تذود الناس عن حوضی». وذکره السیوطی فی الجمع کما فی ترتیبه (6) (6 / 400) وفی (ص 393) عن ابن عبّاس عن عمر فی حدیث طویل عنه صلی الله علیه وسلم : «وأنت تتقدَّمنی بلواءِ الحمد وتذودُ عن حوضی».

4 - أخرج أحمد فی المناقب (7) بإسناده عن أبی سعید الخدری قال : قال رسول الله صلی الله علیه وسلم : «أُعطیت فی علیٍّ خَمساً هو أحبُّ إلیَّ من الدنیا وما فیها ، أمّا واحدة : فهو تُکَأتی بین یدی الله حتی یفرغ من الحساب. وأمّا الثانیة : فلواء 7.

ص: 446


1- الصواعق المحرقة : ص 174.
2- مناقب علیّ : ص 200 ح 279 ، وفی فضائل الصحابة : ح 1157.
3- الریاض النضرة : 3 / 163.
4- کنز العمّال : 13 / 157 ح 36484.
5- تاریخ مدینة دمشق : 10 / 155 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 15 / 13.
6- کنز العمّال : 13 / 145 ح 36455 ، ص 117 ح 36378.
7- مناقب علیّ : ص 182 ح 255 ، وفی فضائل الصحابة : ح 1127.

الحمد بیده ، آدم ومن ولده تحته. وأمّا الثالثة : فواقفٌ علی عُقْرِ حوضی یَسقی من عرَف من أمّتی». الحدیث.

وذکر فی الریاض النضرة (1) (2 / 203) ، وکنز العمّال (2) (6 / 403).

5 - أخرج شاذان الفضیلی بإسناده عن أمیر المؤمنین قال :

قال رسول الله صلی الله علیه وسلم : «یا علیّ سألت ربّی فیک خمس خصال فأعطانی.

أمّا الأولی : فإنّی سألت ربِّی أن تنشقَّ عنّی الأرض وأنْفُضَ التراب عن رأسی وأنت معی ، فأعطانی. وأمّا الثانیة : فسألتُهُ : أن یوقفنی عند کفَّة المیزان وأنت معی ، فأعطانی. وأمّا الثالثة : فسألته : أن یجعلک حامل لوائی وهو لواء الله الأکبر علیه المفلحون والفائزون بالجنّة ، فأعطانی. وأمّا الرابعة : فسألتُ ربِّی أن تسقی أمّتی من حوضی ، فأعطانی. وأمّا الخامسة : فسألتُ ربّی : أن یجعلک قائدَ أمّتی إلی الجنّة ، فأعطانی. فالحمد للهِ الذی منَّ به علیَّ».

وتجده فی المناقب للخطیب الخوارزمی (ص 203) ، وفرائد السمطین فی الباب الثامن عشر ، وکنز العمّال (6 / 402) (3).

6 - أخرج الطبرانی فی الأوسط عن أبی هریرة فی حدیث قال :

قال رسول الله صلی الله علیه وسلم : «کأنّی بک یا علیُّ وأنت علی حوضی تذود عنه الناس ، وإنّ علیه لأباریقَ مثل عدد نجوم السماء ، وإنّی وأنت والحسن والحسین وفاطمة وعقیل وجعفر فی الجنَّة إخواناً علی سُرُرٍ متقابلین ، أنت معی وشیعتک فی الجنّة». مجمع الزوائد (9 / 173). 6.

ص: 447


1- الریاض النضرة : 3 / 152 - 153.
2- کنز العمّال : 13 / 154 ح 36479.
3- المناقب : ص 293 ح 280 ، فرائد السمطین : 1 / 106 ح 75 ، کنز العمّال : 13 / 152 ح 36476.

7 - عن جابر بن عبد الله فی حدیث عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قال :

«یا علیُّ والذی نفسی بیده إنَّک لذائدٌ عن حوضی یوم القیامة ، تذود عنه رجالاً کما یُذادُ البعیر الضالُّ عن الماء بعصاً لک من عَوْسَج ، وکأنّی أنظر إلی مقامک من حوضی». مناقب الخطیب (1) (ص 65).

8 - أخرج الحاکم فی المستدرک (2) (3 / 138) بإسناده وصحَّحه عن علیّ بن أبی طلحة قال :

حَجَجْنا فمررنا علی الحسن بن علیّ بالمدینة ومعنا معاویة بن حُدیج - بالتصغیر - فقیل للحسن : إنّ هذا معاویة بن حُدیج السابّ لعلیّ. فقال : «علیَّ به. فأُتی به. فقال : أنت السابُّ لعلیّ؟ فقال : ما فعلتُ.

فقال : والله إن لَقِیته ، وما أحسَبُک تلقاه یوم القیامة لَتجده قائماً علی حوض رسول الله صلی الله علیه وسلم یذود عنه رایات المنافقین ، بیده عصاً من عوسج ، حدّثنیه الصادق المصدوق صلی الله علیه وسلم وقد خاب من افتری».

وأخرجه الطبرانی (3) وفی لفظه : «لَتَجِدَنّه مُشَمِّراً حاسراً عن ذراعیه ، یذود الکفّار والمنافقین عن حوض رسول الله صلی الله علیه وسلم قول الصادق المصدوق محمد». 8.

ص: 448


1- المناقب : ص 109 ح 116.
2- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 148 ح 4669. ورواه ابن سعد فی کتاب الطبقات الکبیر فی ترجمة الإمام الحسن علیه السلام : ح 144 ، والبلاذری فی أنساب الأشراف فی ترجمة الإمام الحسن علیه السلام : 3 / 10 ح 9 ، والطبرانی فی المعجم الکبیر : 3 / 81 ، 91 ح 727 ، 22758. وأخرجه أبو نعیم فی کتاب صفة النفاق ، وأبو القاسم الخرْفی فی أمالیه ، وأخرجه ابن عساکر فی تاریخه فی ترجمة معاویة بن حدیج بأربعة طرق ، وأورده العصامی فی سمط النجوم العوالی : 2 / 495. (الطباطبائی)
3- المعجم الکبیر : 3 / 91 ح 2758.

قوله :

وإلیک الجواز تُدخل من شئت

جِناناً ومَن تشاءُ جحیما

أشار به إلی معنیً ورد فی أخبار کثیرة ، نقتصر بذکر بعضها :

1 - أخرج الحافظ ابن السمان فی الموافقة عن قیس بن حازم ، قال :

التقی أبو بکر الصدّیق وعلیّ بن أبی طالب فتبسّم أبو بکر فی وجه علیّ ، فقال له : ما لک تبسّمت؟ قال : سمعت رسول الله صلی الله علیه وسلم یقول : «لا یجوز أحدٌ الصراط إلاّ من کَتَبَ له علیٌّ الجواز». وذُکر فی الریاض النضرة (1) (2 / 177 و 244) ، والصواعق (2) (ص 75) ، وإسعاف الراغبین (ص 161).

2 - عن مجاهد عن ابن عبّاس قال :

قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «إذا کان یوم القیامة أقام الله جبریل ومحمداً علی الصراط ، فلا یجوز أحدٌ إلاّ من کان معه براءةٌ من علیِّ بن أبی طالب». أخرجه الخطیب الخوارزمی فی المناقب (3) (ص 253) ، والفقیه ابن المغازلی فی المناقب (4) بلفظ : «علیٌّ یوم القیامة علی الحوض ، لا یَدْخلُ إلاّ من جاء بجواز من علیِّ بن أبی طالب». وذکره القرشیُّ فی شمس الأخبار (5) (ص 36).

3 - أخرج الحاکمی (6) عن علیّ قال :

قال رسول الله صلی الله علیه وسلم : «إذا جمع الله الأوّلین والآخرین یوم القیامة ، ونصب

3.

ص: 449


1- الریاض النضرة : 3 / 122 و 203.
2- الصواعق المحرقة : ص 126.
3- المناقب : ص 319 ح 324.
4- مناقب علیّ بن أبی طالب : ص 119 ح 156.
5- مسند شمس الأخبار : 1 / 97 باب 6.
6- أبو الخیر أحمد بن إسماعیل الطالقانی فی الأربعین المنتقی فی فضائل علی المرتضی : ج 40 باب 33.

الصراط علی جسر جهنم ما جازها أحدٌ ، حتی کانت (1) معه براءة بولایة علیِّ بن أبی طالب». وذُکر فی فرائد السمطین (2) فی الباب الرابع والخمسین ، والریاض النضرة (3) (2 / 172).

4 - عن الحسن البصری عن عبد الله قال :

قال رسول الله صلی الله علیه وسلم : «إذا کان یوم القیامة یقعد علیُّ بن أبی طالب علی الفردوس ، وهو جبلٌ قد علا علی الجنّة وفوقه عرش ربِّ العالمین ، ومن سفحه یتفجّرُ أنهار الجنّة وتتفرّق فی الجنان ، وهو جالسٌ علی کرسیّ من نور یجری بین یدیه التسنیم ، لا یجوز أحدٌ الصراط إلاّ ومعه براءة بولایته وولایة أهل بیته ، یُشرِف علی الجنَّة ، فیُدْخِلُ محبّیه الجنَّة ومبغضیه النار». أخرجه الخوارزمی فی المناقب (4) (ص 42) ، والحمّوئی فی فرائد السمطین (5) فی الباب الرابع والخمسین.

5 - أخرج القاضی عیاض فی الشفا (6) عن النبیِّ صلی الله علیه وسلم أنّه قال :

«معرفة آل محمد براءةٌ من النار ، وحبُّ آل محمد جوازٌ علی الصراط ، والولایة لآل محمد أمانٌ من العذاب». ویوجد فی الصواعق (7) (ص 139) ، والإتحاف (ص 15) ، ورشفة الصادی (ص 459).

6 - أخرج الخطیب فی تاریخه (3 / 161) عن ابن عبّاس قال :

قلت للنبیّ صلی الله علیه وسلم : یا رسول الله للنار جواز؟ قال : «نعم. قلت : وما هو؟ قال : 2.

ص: 450


1- کذا فی الریاض النضرة ، وفی فرائد السمطین : إلاّ من کانت.
2- فرائد السمطین : 1 / 289 ح 228.
3- الریاض النضرة : 3 / 116.
4- المناقب : ص 71 ح 48.
5- فرائد السمطین : 1 / 292 ح 230.
6- الشفا بتعریف حقوق المصطفی : 2 / 105.
7- الصواعق المحرقة : ص 232.

حبُّ علیِّ بن أبی طالب». ویأتی حدیث : «علیٌّ قسیم الجنّة والنار» فی محلّه إن شاء الله تعالی.

ومن شعر العبدیِّ یمدح أمیر المؤمنین :

وعلَّمَکَ الذی عَلِمَ البرایا

وألهَمَکَ الذی لا یعلمونا

فزادَک فی الوری شَرَفاً وعِزّا

ومجداً فوق وَصْفِ الواصفینا

لقد أُعطِیتَ ما لم یُعطِ خلقاً

هنیئاً یا أمیر المؤمنینا

إلیکَ اشتاقتِ الأملاکُ حتی

تحنَّتْ من تشوُّقِها حنینا

هناکَ برا لها الرحمنُ شخصاً

کشِبْهِکَ لا یُغادرُهُ یقینا (1)

أشار بالبیت الأوّل إلی حدیث مرّ (ص 41) ومرَّ بیان بقیّة الأبیات (ص 288). ومن شعره :

لأنتُمْ علی الأعرافِ أعرفُ عارفٍ

بسیما الذی یهواکمُ والذی یَشْنا (2)

أئمّتُنا أنتمْ سنُدعی بِکمْ غداً

إذاما إلی ربِّ العبادِ مَعاً قُمْنا

بجدِّکُم خیرِ الوری وأبیکمُ

هُدینا إلی سُبُلِ النجاةِ وأُنقذْنا

ولولاکمُ لم یَخْلُقِ اللهُ خَلقَهُ

ولا لقَّبَ الدنیا الغَرورَ ولا کُنّا

ومن أجلکم أنشا الإلهُ لِخلقِهِ

سماءً وأرضاً وابتلی الإنس والجِنّا

تَجِلُّونَ عن شِبْهٍ من الناس کلِّهمْ

فشأنکُمُ أعلی وقدرکُمُ أسنی

إذا مسَّنا ضُرٌّ دَعَونا إلهَنا

بموضِعکمْ منهُ فیکشفُه عنّا

وإن دَهَمَتَنا غُمّةٌ أو مُلِمَّةٌ

جعلناکُمُ منها ومن غیرها حصنا

وإن ضامَنا دهرٌ فعُذنا بعزِّکمْ

فیبعد عنّا الضیم لمّا بکم عُذنا

ض.

ص: 451


1- أعیان الشیعة : 7 / 271.
2- یشنأ : یبغض.

وإن عارضتنا خِیفةٌ من ذنوبنا

بَراةٌ لنا منها شفاعتکم أمنا (1)

البیت الأوّل إشارةٌ إلی قوله تعالی فی سورة الأعراف (2) : (وَعَلَی الْأَعْرافِ رِجالٌ یَعْرِفُونَ کُلًّا بِسِیماهُمْ) وما ورد فیه.

أخرج الحاکم بن الحذّاء الحسکانی (3) ، المترجم (1 / 112) بإسناده عن أصبغ ابن نباتة ، قال : کنت جالساً عند علیّ فأتاه ابن الکوّاء فسأله عن قوله تعالی : (وَعَلَی الْأَعْرافِ رِجالٌ ...). فقال : «ویحک یا ابن الکوّاء نحن نوقَفُ یوم القیامة بین الجنّة والنار ، فمن نَصَرَنا عَرَفناه بسیماه فأدخلناه الجنّة ، ومن أبغَضَنا عَرَفناه بسیماه فأدخلناه النار».

وأخرج أبو إسحاق الثعلبی فی الکشف والبیان (4) فی الآیة الشریفة عن ابن عبّاس أنّه قال : الأعراف موضعٌ عالٍ من الصراط ، علیه العبّاس وحمزة وعلیُّ بن أبی طالب وجعفر ذو الجناحین ، یعرفون محبّیهم ببیاض الوجوه ومبغضیهم بسواد الوجوه.

ورواه ابن طلحة الشافعی فی مطالب السؤول (ص 17) ، وابن حجر فی الصواعق (5) (ص 101) ، والشوکانی فی فتح القدیر (6) (2 / 198).

والبیت الثانی إشارةٌ إلی قوله تعالی : (یَوْمَ نَدْعُوا کُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ) (7). وأئمّة الشیعة هم العترة الطاهرة یُدعَونَ بهم ویُحشَرون معهم ، إذ «المرء - کما قال النبیُ 1.

ص: 452


1- أعیان الشیعة : 7 / 269.
2- الآیة : 46.
3- شواهد التنزیل : 1 / 263 ح 256.
4- الکشف والبیان : الورقة 206 سورة الاعراف : آیة 46.
5- الصواعق المحرقة : ص 169.
6- فتح القدیر : 2 / 208.
7- الإسراء : 71.

الأقدس - مع من أحبَّ» (1). «ومن أحبَّ قوماً حُشِر معهم» (2). «ومن أحبَّ قوماً حَشَرَهُ الله فی زُمرتهم» (3).

وبقیّة الأبیات بعضها واضحةٌ وبعضها مرَّ بیانه. ف)

ص: 453


1- أخرجه البخاری [صحیح البخاری : 5 / 2283 ح 5816] ، وأبو داود [سنن أبی داود : 4 / 333 ح 5127] ، والترمذی [سنن الترمذی : 4 / 513 ح 2385] ، والنسائی ، وأحمد عن أنس [مسند أحمد 4 / 56 ح 12655] وابن مسعود [1 / 648 ح 3710]. (المؤلف)
2- أخرجه الحاکم فی المستدرک [4 / 426 ح 8161] ، وابن الدیبع فی تمییز الطیّب من الخبیث : ص 153 [ص 176 ح 1315]. (المؤلف)
3- أخرجه الطبرانی [فی المعجم الکبیر : 3 / 19 ح 2519] ، والضیاء عن أبی قرصافة ، وصحّحه السیوطی فی الجامع الصغیر : 2 / 488 [2 / 553 ح 8317]. (المؤلف)

العبدیّ معاصر العبدیّ

عاصرالمترجم من شعراء الشیعة مشارکه فی کنیته ولقبه وبیئة نشأته ومذهبه ، ألا وهو أبو محمد یحیی بن بلال العبدیُّ الکوفیُّ ، فنذکره لکثرة وقوع الاشتباه بینهما وقلّة ذکره.

قال المرزبانی فی معجمه (1) (ص 499) : إنّه کوفیٌّ نزل همدان ، وهو شاعرٌ محسنٌ یتشیّع وله فی الرشید مدائح حسنة وهو القائل :

ولَلموتُ خیرٌ من حیاةٍ زهیدةٍ

ولَلْمنعُ خیرٌ من عطاءٍ مُکَدَّرِ

فعش مُثریاً أو مُکْدیاً من عطیّةٍ

تُمنّی وإلاّ فسألِ اللهِ واصبرِ

وله :

لَعَمْری لَئِن جارت أمیّة واعتَدَتْ

لَأوّلُ من سَنَّ الضلالةَ أجوَرُ

وأنشد العبدیُّ هذا عبد الله بن علیّ بن العبّاس (2) بنهر أبی فُطْرُس (3) وله فیه خبر : ن.

ص: 454


1- معجم الشعراء : ص 488.
2- أحد أعمام أبی العبّاس السفّاح ، کان من رجال الدهر حزماً ورأیاً ودهاءً وشجاعةً ، انهدم علیه الحبس سنة (147) وکان قد حبسه المنصور سرّا ، وقیل : إنّه قُتِل سرّا وهُدِم علیه الحبس قصداً. قال الوطواط [فی غرر الخصائص : ص 405] : إنّه جلس یوم الجمعة فی جامع دمشق وقتل من بنی أمیّة خمسین ألفاً. (المؤلف)
3- اسم نهر قرب الرملة بفلسطین.

أمّا الدعاةُ إلی الجِنان فهاشمٌ

وبنو أمیّةَ من دُعاة النارِ

أأُمیَّ ما لَکِ من قرارٍ فالحقی

بالجنِّ صاغرةً بأرضِ وَبارِ

فلئن رحلتِ لَتَرْحَلِنَّ ذمیمةً

وإذا أقمتِ بذلَّةٍ وصغارِ

وخبر العبدیِّ هذا وإنشاده الشعر المذکور عبد الله العبّاسی ذکره ابن قتیبة فی عیون الأخبار (1 / 207) ، والیعقوبی فی تاریخه (1) (3 / 91) ، وابن رشیق فی العمدة (2) (1 / 48). وأحسب أنّ من علّق علی هذه الکتب لم یقف علی ترجمة الشاعر ، فضرب عن ترجمته صفحاً وسکت عن تعریفه.

فقال ابن قتیبة : ولمّا افتتح المنصور الشام وقتل مروان قال (3) لأبی عون ومن معه من أهل خراسان : إنَّ لی فی بقیّة آل مروان تدبیراً فتأهّبوا یوم کذا وکذا فی أکمل عدّة ، ثمّ بعث إلی آل مروان فی ذلک الیوم فجُمِعوا وأعلَمهم أنّه یفرض لهم فی العطاء ، فحضر منهم ثمانون رجلاً فصاروا إلی بابه ومعهم رجل من کلب قد ولَّدهم (4) ، ثمّ أُذِنَ لهم فدخلوا ، فقال الآذن للکلبی : ممّن أنت؟ قال : من کَلب وقد وَلَّدْتُهم. قال : فانصرف ودعِ القوم فأبی أن یفعل ، وقال : إنِّی خالهم ومنهم.

فلمّا استقرَّ بهم المجلس خرج رسول المنصور وقال بأعلی صوته : أین حمزة بن عبد المطّلب؟ لیدخل ، فأیقن القوم بالهلکة. ثمّ خرج الثانیة فنادی : أین الحسین بن علیّ؟ لیدخل. ثمّ خرج الثالثة فنادی : أین زید بن علیّ بن الحسین؟ ثمّ خرج الرابعة م.

ص: 455


1- تاریخ الیعقوبی : 2 / 355.
2- العمدة : 1 / 63.
3- الظاهر أنّ فی العبارة سقطاً ؛ إذ القصة وقعت مع عبد الله بن علیّ [بن عبد الله بن عبّاس] وکان أمیراً علی الشام من قِبل المنصور ، کما فی ذیل العبارة ، ومعجم المرزبانی [ص 488] ، وتاریخَی الیعقوبی [2 / 355] ، وابن الأثیر [الکامل فی التاریخ : 3 / 502 حوادث سنة 132 ه] ، وعمدة ابن رشیق [1 / 63]. (المؤلف)
4- ربّاهم.

فقال : أین یحیی بن زید؟

ثمّ قیل : ائذنوا لهم ، فدخلوا وفیهم الغَمْر بن یزید ، وکان له صدیقاً فأومأ إلیه : أن ارتفع فأجلسه معه علی طنفسته ، وقال للباقین : اجلسوا ، وأهل خراسان قیامٌ بأیدیهم العُمُد.

فقال : أین العبدیّ؟ فقام وأخذ فی قصیدته التی یقول فیها :

أمّا الدعاة إلی الجِنانِ فهاشمٌ

وبنو أمیّة من دعاةِ النارِ

فلمّا أنشد أبیاتاً منها قال الغمر : یا ابن الزانیة؟ فانقطع العبدی وأطرق عبد الله ساعة ، ثمّ قال : امض فی نشیدک. فلمّا فرغ رمی إلیه بصرّة فیها ثلاثمائة دینار ثمّ تمثّل بقول القائل :

ولقد ساءنی وساء سوایَ

قُربُهمْ من منابرٍ وکراسی

أنزِلوها بحیثُ أنزلَها الله

بدارِ الهوانِ والإتعاسِ

لا تُقیلَنَّ عبدَ شمسٍ عِثاراً

واقطعوا کلَّ نخلةٍ وغِراسِ

واذکروا مصرع الحسین وزیدٍ

وقتیلاً بجانبِ المهراسِ (1)

ثمّ قال لأهل خراسان : دهید (2) فشُدِخوا بالعُمُد حتی سالت أدمغتهم ، وقام الکلبی فقال : أیّها الأمیر ، أنا رجلٌ من کلب لستُ منهم ، فقال :

ومُدْخلٍ رأسَهُ لم یُدْنِهِ أَحَدٌ

بین الفریقینِ حتی لزَّه القَرَنُ

ثمّ قال : دهید. فشُدخ الکلبی معهم ثمّ التفت إلی الغمر فقال : لا خیر لک فی الحیاة بعدهم. قال : أجل. فَقُتِل ، ثمّ دعا ببراذع (3) فألقاها علیهم وبسط علیها ف)

ص: 456


1- المهراس : ماء بجبل أُحد. ویعنی بالقتیل : حمزة بن عبد المطّلب - رضوان الله علیه.
2- کلمة فارسیة. (المؤلف)
3- البرذعة : کساء یُلقی علی ظهر الدابة. (المؤلف)

الأنطاع ودعا بغدائه فأکل فوقهم ، وإنَّ أنین بعضهم لم یهدأ حتی فرغ. ثمّ قال : ما تهنَّأت بطعام منذ عقلت مقتل الحسین إلاّ یومی هذا. وقام فأمر بهم فجرّوا بأرجلهم ، وأغنمَ أهل خراسان أموالهم ثمّ صُلبوا فی بستانه.

وکان یأکل یوماً ، فأمر بفتح باب من الرُواق إلی البستان ، فإذا رائحة الجِیَف تملأ الأنوف ، فقیل له : لو أمرتَ أیّها الأمیر بردِّ هذا الباب.

فقال : والله لرائحتُها أحبُّ إلیَّ وأطیب من رائحة المسک. ثمّ قال :

حَسِبَتْ أمیّةُ أن سترضی هاشمٌ

عنها ویذهب زیدُها وحسینُها

کلاّ وربِّ محمد وإلهِهِ

حتی تُباحَ سُهُولُها وحُزُونُها

وتَذِلَّ ذُلَّ حلیلةٍ لحلیلِها

بالمَشْرَفیِّ وتُستردّ دیونُها

وقال الیعقوبی (1) : وانصرف عبد الله بن علیّ إلی فلسطین فلمّا صار بنهر أبی فُطْرُس بین فلسطین والأردن جمع إلیه بنی أمیّة ، ثمّ أمرهم أن یَغْدُوا علیه لأخذ الجوائز والعطایا ، ثمّ جلس من غد وأذِنَ لهم ، فدخل علیه ثمانون رجلاً من بنی أمیّة ، وقد أقام علی رأس کلِّ رجل منهم رجلین بالعُمُد ، وأطرق ملیّا ، ثمّ قام العبدیُّ فأنشد قصیدته التی یقول فیها :

أمّا الدعاةُ إلی الجِنانِ فهاشمٌ

وبنو أمیّة من دعاةِ النارِ

وکان النعمان بن یزید بن عبد الملک جالساً إلی جنب عبد الله بن علیّ ، فقال له : کذبت یا ابن اللخناء. فقال له عبد الله بن علیّ : بل صدقتَ یا أبا محمد ، فامضِ لقولک. ثمّ أقبل علیهم عبد الله بن علیّ ، فذکر لهم قتل الحسین علیه السلام وأهل بیته ، ثمّ صفق بیده فضرب القوم رءوسهم بالعُمُد حتی أتوا علیهم ، فناداه رجلٌ من أقصی القوم : 5.

ص: 457


1- تاریخ الیعقوبی : 2 / 355.

عَبْدُ شَمْسٍ أبوکَ وَهوَ أبونا

لا نُنادیک من مکانٍ بعیدِ

فالقراباتُ بیننا واشجاتٌ

مُحکَماتُ القُوی بِعَقْدٍ شدیدِ

فقال : هیهات قطع ذلک قتل الحسین. ثمّ أمرَ بهم فسُحبوا فطرحت علیهم البسط وجلس علیها ، ودعا بالطعام فأکل ، فقال : یومٌ کیوم الحسین بن علیّ ولا سواء ، وکان قد دخل معهم رجلٌ من کلب ، قال : رجوتُ أن ینالوا خیراً فأنالَ معهم.

فقال عبد الله بن علیّ : اضربوا عنقه.

ومُدْخلٍ رأسَه لم یُدْنهِ أحدٌ

بین الفریقین حتی لزَّه القَرَنُ

ص: 458

شعراء الغدیر فی القرن الثالث

اشارة

1. أبو تمام حبیب بن أوس الطائی

2. دعبل بن علی بن زرین الخزاعی

ص: 459

ص: 460

1 - أبو تَمام الطائی المتوفّی سنة (231 ه)

أظبیةُ حیث استنّتِ الکُثُب العُفرُ

رُوَیدَکِ لا یغتالکِ اللومُ والزجرُ (1)

أسرّی حِذاراً لم تُقیِّدْک رِدّةٌ

فیحسِرُ ماءً من محاسنِکِ الهذرُ

أراکِ خلالَ الأمر والنهی بوّةً (2)

عَداکِ الردی ما أنتِ والنهیُ والأمرُ

أتُشْغلُنی عمّا هُرِعتُ لمثلِهِ

حوادثُ أشجانٍ لصاحِبها نُکْرُ

ودهرٌ أساءَ الصُّنْعَ حتی کأنّما

یُقَضِّی نذوراً فی مساءتیَ الدهرُ

له شجراتٌ خَیّمَ المجدُ بینها

فلا ثَمَرٌ جانٍ ولا ورقٌ نَضْرُ

وما زِلتُ ألقی ذاک بالصبرِ لابساً

رداءَیهِ حتی خِفْتُ أن یَجزَعَ الصبرُ

وإنَّ نکیراً أن یضَیقَ بمن لهُ

عشیرةُ مِثلی أو وسیلتُهُ مِصْرُ

وما لامرئٍ من قائلٍ یومَ عثْرةٍ

لعاً (3) وَخَدِیناهُ الحداثةُ والفقرُ

وإن کانتِ الأیّامُ آضَتْ وما بها

لذی غُلَّةٍ وِردٌ ولا سائلٍ خُبْرُ

همُ الناسُ سارَ الذمُّ والحربُ بینهمْ

وحمّرَ أن یغشاهُمُ الحمدُ والأجرُ

صَفِیُّکِ منهمْ مُضمِرٌ عُنجهیّةً (4)

فقائدهُ تَیْهٌ وسائِقُهُ کِبْرُ

ف)

ص: 461


1- استنَّت : عَدَت إقبالاً وإدباراً. الکُثُب : الجماعات. العُفر : الظباء التی یعلو بیاضها حُمرة.
2- البوّة : الحمقاء.
3- لعاً : کلمة یدعی بها للعاثر ، ومعناها الارتفاع.
4- العُنجُهیّة - بضمّ العَین والجیم - : الکِبْر. (المؤلف)

إذا شام برقَ الیُسرِ فالقُربُ شأنُهُ

وأنأی من العَیّوقِ إن نالهَ عُسْرُ

أرینی فتیً لم یَقْلِهِ الناسُ أو فتیً

یصحُّ له عَزْمٌ ولیس له وَقْرُ

تَرَی کلَّ ذی فضلٍ یطولُ بفضلِهِ

علی مُعتفیهِ والذی عنده نَزْرُ

وإنَّ الذی أحذانیَ الشیبَ لَلَّذی

رأیتِ ولم تَکْمُلْ له السبعُ والعشرُ

وأخری إذا استودعتُها السرَّ بیّنَتْ

به کَرَهاً ینهاض من دونها الصدرُ

طغی من علیها واستبدَّ برأیهمْ

وقولِهمُ إلاّ أقلَّهمُ الکفرُ

وقاسَوا دُجی أمْرَیْهِمُ وکلاهما

دلیلٌ لهمْ أولی به الشمسُ والبدرُ

سَیَحْدوکُمُ استستقاؤکمْ حَلَبَ الردی

إلی هُوّةٍ لا الماءُ فیها ولا الخمرُ

سَئِمتم عبور الضحل خوضاً فأیَّةً

تعدّونها لو قد طغی بکمُ البحرُ

وکنتم دماءً تحتَ قِدرٍ مفارةٍ

علی جهلِ ما أمست تفورُ به القِدرُ

فهلاّ زجرتمْ طائرَ الجهل قبل أن

یجیءَ بما لا تبسئون (1) به الزجرُ

طَوَیْتُمْ ثنایا تخبئون عُوارَها

فأین لکمْ خِبءٌ وقد ظهر النشرُ

فعلتمْ بأبناءِ النبیِّ ورهطِهِ

أفاعیلَ أدناها الخیانةُ والغدرُ

ومن قبله أخلفتمُ لوصیِّهِ

بداهیةٍ دهیاءَ لیس لها قَدرُ

فجئتم بها بِکراً عَواناً ولم یَکُنْ

لها قبلَها مِثْلٌ عَوانٌ ولا بِکرُ

أخوه إذا عُدّ الفَخارُ وصِهْرُهُ

فلا مثلُهُ أخٌ ولا مثلُه صِهْرُ

وشُدَّ به أزْرُ النبیِّ محمدٍ

کما شُدَّ من موسی بهارونِهِ الأزْرُ

وما زال کشّافاً دیاجیرَ غَمْرَةٍ

یُمزِّقُها عن وجهِهِ الفتحُ والنصرُ

هو السیفُ سیفُ اللهِ فی کلِّ مشهدٍ

وسیفُ الرسولِ لا ددانٌ ولا دثرُ (2)

فأیُّ یدٍ للذمِّ لم یَبْرِ زَنْدَها

ووجهِ ضلالٍ لیس فیه له أثرُ

ثوی ولأهلِ الدینِ أمنٌ بحدّهِ

وللواصمین الدینَ فی حدِّه ذُعْرُ

ئ.

ص: 462


1- بسأ بالشیء : أنسَ به ومرنَ علیه.
2- الدَدَان : الکلیل الضعیف. الدثر : الصدئ.

یسدُّ به الثغرَ المخوفَ من الردی

ویعتاضُ من أرض العدوِّ به الثغرُ

بأُحْدٍ وبدرٍ حین ماجَ بِرَجْلِهِ

وفُرسانه أُحدٌ وماجَ بهم بدرُ

ویوم حُنینٍ والنضیرِ وخیبرٍ

وبالخندق الثاوی بعقوتِهِ عمرو (1)

سما للمنایا الحُمْر حتی تکشّفتْ

وأسیافُه حمرٌ وأرماحُهُ حُمْرُ

مشاهدُ کان الله کاشفَ کَرْبِها

وفارجَه والأمرُ ملتبسٌ إمْرُ

ویوم الغدیر استوضح الحقَّ أهلُهُ

بضحیاء (2) لا فیها حجابٌ ولا سترُ

أقام رسول الله یدعوهمُ بها

لیقربَهمْ عُرْفٌ وینآهمُ نُکْرُ

یَمُدُّ بضبعیه ویُعلِمُ (3) أنَّه

ولیٌّ ومولاکمْ فهل لکُمُ خُبْرُ

یروحُ ویغدو بالبیانِ لِمَعْشرٍ

یروح بهم غَمْرٌ ویغدو بهمْ غَمْرُ (4)

فکان لهم جَهْرٌ بإثباتِ حقِّهِ

وکان لهم فی بَزِّهِمْ حقَّهُ جَهْرُ

أثَمَّ جعلتمْ حظَّهُ حدَّ مُرْهَفٍ

من البیضِ یوماً حظُّ صاحبهِ القبرُ

بکفَّیْ شقیٍّ وجَّهَتْهُ ذنوبُهُ

إلی مرتعٍ یُرعَی به الغَیُّ والوِزرُ

القصیدة (73) بیتاً توجد فی دیوانه (ص 143).

ما یتبع الشعر

لا أجد لذی لبٍّ مُنتدَحاً عن معرفة یوم الغدیر ، لا سیّما وبین یدیه کتب الحدیث والسِیَرِ ومدوّنات التاریخ والأدب ، کلٌّ یومی إلیه بسَبّابته ، ویوعز إلیه ببنانه ، کلٌّ یُلْمِسُ یدی القارئ حقیقة یوم الغدیر ، فلا یدع له ذکراً خالیاً منه ، ولا مخیّلة تعدوه ، ولا أضالع إلاّ وقد انحنت علیه ، فکأنّه وهو یتلقّی خبره بعد لأیٍ من م.

ص: 463


1- العقوة : الساحة.
2- وفی نسخة : بفیحاء. (المؤلف)
3- من أفعل. ویظهر من الدکتور ملحم ، شارح دیوان أبی تمّام أنّه قرأه مجرّداً من (عَلِمَ) لا مزیداً من (أعلم) کما قرأناه ، ومختارنا هو الصحیح الذی لا یعدوه الذوق العربی. (المؤلف)
4- الغَمْر : الکریم.

الدهر یرنو إلیه من کثب ، ویستشفُّ أمره علی أمَمٍ (1) ، ولعلّ الواقف علی کتابنا هذا من البدء إلی الغایة یجد فیه نماذج ممّا قلناه.

إذاً فهلمَّ معی وأعجب من الدکتور ملحم إبراهیم الأسود شارح دیوان شاعرنا المترجم حیث یقول عند قوله :

ویوم الغدیر استوضح الحقَّ أهلُهُ

بضحیاء لا فیها حجابٌ ولا سترُ

یوم الغدیر واقعة حرب معروفة. وذکر بعده فی قوله :

یمدُّ بضبعیه ویعلم أنّه

ولیٌّ ومولاکمْ فهل لکُمُ خُبْرُ

ما یکشف عن أنّها کانت من المغازی النبویّة ، قال (ص 381) : یمدُّ بضبعیه یساعده وینصره ، والهاء راجعة إلی الإمام علیّ ، أی : کان رسول الله صلی الله علیه وسلم ینصره ویعلم أنّه ولیّ ، کان العَضُد والمساعد الوحید للنبیِّ صلی الله علیه وسلم فی الغدیر ، والرسول نفسه کان ینصره عالماً أنّه سیکون ولیّا علی شعبه بعده وخلیفةً له ، وهذه هی الحقیقة ، فهل تعلمون؟ انتهی.

ألا مسائل هذا الرجل عن مصدر هذه الفتوی المجرّدة؟ أهل وجد هاتیک الغزوة فی شیء من السِیَر النبویّة؟ أو نصَّ علیها أحدٌ من أئمّة التاریخ؟ أم أنّ تلک الحرب الزبون (2) وحدها قد توسّع بنقلها المتوسِّعون من نقلة الحدیث؟. دع ذلک کلّه ، هل وجد قصّاصاً یقصّها؟ أو شاعراً یصوِّرها بخیاله؟

ألا من یُسائله عن أنّ هذه الغزوة متی زیدت علی الغزوات النبویّة المحدودة؟ المعلومة بکمِّها وکیفها ، المدوَّنة أطوارها وشؤونها ، ولیس فیها غزوة یوم الغدیر ، متی زیدت هذه علی ذلک العدد الثابت بواحدة ، فکان فیها علیٌّ والنبیُّ یتناصران ، ویعضُد

س.

ص: 464


1- الامم : القرب.
2- حرب زبون : ای شدیدة تصدم الناس.

کلٌّ صاحبه ، ویدفع کلٌّ عن الآخر ، کما یحسبه هذا الکاتب؟

وإنّک لتجد الکاتب عَیّا عن جواب هذه الأسئلة ، لکنّه حبّذت له بواعثه أن یستر حقیقة الغدیر بذیل أمانته ، وهو یحسب أنّه لا یقف علی ذلک التعلیق إلاّ الدهماء ، أو أنّ البحّاثة یمرّون علیه کراماً ، لکنَّ المحافظة علی حقیقة دینیّة أولی من التحفّظ علی اعتبار هذا الکاتب الذی یکتب ولا یبالی بما یکتب ، ویری الکذب حقیقة راهنة.

نعم ، کان فی الجاهلیّة یوم أغار فیه دُرید بن الصمّة - المقتول کافراً بعد فتح مکّة - علی غطفان [بعد مقتل أخیه عبد الله] (1) یطالبهم بدمه ، فاستقراهم حیّا حیّا ، وقتل من بنی عبس ساعدة بن مرّ ، وأسَر ذؤاب بن أسماء الجُشَمی. فقالت بنو جُشَم : لو فادیناه. فأبی ذلک دُرید علیهم ، وقتله بأخیه عبد الله ، وأصاب جماعة من بنی مرّة ومن بنی ثعلبة ومن أحیاء غطفان. قال فی الأغانی (2) (9 / 6) : وذلک فی یوم الغدیر. وذکر لدُرید شعراً فی ذلک.

وعدَّ فی العقد الفرید (3) (3 / 71) من حروب الجاهلیّة یوم - غدیر قلیاد - قال : قال أبو عبیدة : فاصطلح الحیّان إلاّ بنی ثعلبة بن سعد ، فإنّهم أبوا ذلک وقالوا : لا نرضی حتی یُودوا قتلانا أو یُهدَر دم من قتلها ، فخرجوا من قطن (4) ، حتی وردوا - غدیر قلیاد - فسبقهم بنو عبس إلی الماء ، فمنعوهم حتی کادوا یموتون عطشاً ودوابّهم ، فأصلَحَ بینهم عوف ومَعْقل ابنا سُبَیْع من بنی ثعلبة ، وإیّاهما یعنی زهیرٌ بقوله : ف)

ص: 465


1- الزیادة یقتضیها السیاق ، اثبتناها من الاغانی.
2- الاغانی : 10 / 14 - 15 /.
3- العقد الفرید : 5 / 99.
4- یوم قطن من حروب الجاهلیه راجع العقد الفرید : 3 / 6 [5 / 99]. (المؤلف)

تدارکتُما عَبْساً وذُبیانَ بعدَ ما

تفانَوا ودَقُّوا بینهمَ عِطْر مَنْشِمِ

وقلیاد فی الکلام المذکور مصحَّف - قلهی - کما یظهر من معجم البلدان (1) (7 / 154) ، وبلوغ الإرب (2 / 73) ، وفی الأخیر عدّه من أیّام العرب المشهورة.

هذا کلُّ ما رُوی فی حدیث هذا الیوم الذی لم یکن لرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ولا لأحد من الهاشمیِّین فیه حِلٌّ ولا مُرْتَحَلٌ ولا لوصیِّه أمیر المؤمنین علیه السلام فیه صولةٌ أو جولةٌ ، فالحدیث لیس فیه أیّ صلة بهما ، أفَمِن المعقول إذن أن یریده أبو تمام المادح للوصیِّ الأعظم ، ویعدَّه مأثرةً له؟ علی أنّ الشعر نفسه یأبی أن یکون المراد به واقعة حرب دامیة ؛ فإنَّ الشاعر بعد أن عدَّ مواقف أمیر المؤمنین علیه السلام فی الغزوات النبویّة ، وذکر منها غزاة أُحد وبدر وحُنین والنضیر وخیبر والخندق وختمها بقوله :

مشاهدُ کان الله کاشفَ کربِها

وفارجَهُ والأمر ملتبسٌ إمرُ

أخذ فی ذکر منقبة ناءَ بها اللسان دون السیف والسنان فقال : - ویوم الغدیر - وأنت تری أنّه یوعز إلی قِصَّةٍ فیها قیامٌ ودعوةٌ وإعلامٌ وبیانٌ ومجاهرةٌ بإثبات الحقِّ لأهله.

الشاعر

أبو تمام حبیب بن أوس بن الحارث بن قیس بن الأشج بن یحیی بن مُزینا بن سهم بن ملحان بن مروان بن دفافة بن مرّ بن سعد بن کاهل بن عمرو بن عدی بن عمرو بن الحارث بن طیئ جلهم بن أُدَد بن زید بن یشجب بن عَریب بن کهلان بن سبأ بن یشجب بن یعرب بن قحطان. تاریخ الخطیب (8 / 248).

أحد رؤساء الإمامیّة کما قال الجاحظ (2) والأوحد من شیوخ الشیعة فی الأدب ف)

ص: 466


1- معجم البلدان : 4 / 393.
2- فهرست النجاشی : ص 102 [ص 141 رقم 367]. (المؤلف)

فی العصور المتقادمة ، ومن أئمّة اللغة ، ومنتجع الفضیلة والکمال ، کان یُؤخذ عنه الشعر وأسالیبه ، وینتهی إلیه السیر ، ویُلقی لدیه المقالد ، ولم یختلف اثنان فی تقدُّمه عند حلبات القریض ، ولا فی تولّعه بولاء آل الله الأکرمین - صلوات الله علیهم - وکان آیةً فی الحفظ والذکاء حتی قیل : إنّه کان یحفظ أربعة آلاف دیوان من الشعر غیر ألف أرجوزة للعرب غیر المقاطیع والقصائد (1) ، وفی معاهد التنصیص (2) أنّه کان یحفظ أربعة عشر ألف أرجوزة للعرب غیر المقاطیع والقصائد. وفی التکملة أنّه أخمَلَ فی زمانه خمسمائة شاعر کلُّهم مجید.

المترجم له شامیُّ الأصل وُلد بقریة جاسم من قری الجیدور من أعمال دمشق ، وإنَّ أباه کان یُقال له : ندوس (3) العطّار فجعلوه أوساً ، وفی دائرة المعارف الإسلامیة (4) أنَّ المترجم هو الذی بدّله وکان أبوه نصرانیّا.

نشأ المترجم بمصر وفی حداثته کان یسقی الماء فی المسجد الجامع ، ثمّ جالس الأدباء فأخذ عنهم وتعلّم منهم ، وکان فطناً فهماً ، وکان یحبُّ الشعر ، فلم یزل یعانیه حتی قال الشعر وأجاد ، وشاع ذکره ، وسار شعره ، وبلغ المعتصم خبره ، فحمله إلیه وهو بِسُرَّ مَن رأی ، فعمل أبو تمام فیه قصائد عدَّة وأجازه المعتصم وقدَّمه علی شعراء وقته ، وقدم إلی بغداد ، وتجوَّل فی العراق وإیران ، ورآه محمد بن قدامة بقزوین ، فجالس بها الأدباء وعاشر العلماء ، وکان موصوفاً بالظرف وحسن الأخلاق وکرم النفس.

قال الحسین بن إسحاق : قلت للبحتری : الناس یزعمون أنّک أشعر من أبی تمام. فقال : والله ما ینفعنی هذا القول ولا یضرّ أبا تمّام ، والله ما أکلت الخبز إلاّ به ، ولودَدتُ أنّ الأمر کما قالوا ، ولکنّی والله تابعٌ له لائذٌ به آخذٌ منه ، نسیمی یرکُد عند 0.

ص: 467


1- مرآة الجنان : 2 / 102 [وفیات سنة 231 ه]. (المؤلف)
2- معاهد التنصیص : 1 / 38 رقم 6.
3- لهذا الاسم قراءات مختلفة : تدوس. تدرس. ندوس. ثدوس. ثادوس. ثیودوس. (المؤلف)
4- دائرة المعارف الإسلامیة : 1 / 320.

هوائه ، وأرضی تنخفض عند سمائه. تاریخ الخطیب (8 / 248).

کان البحتری أوّل أمره فی الشعر ونباهته فیه أنّه سار إلی أبی تمام وهو بحمص ، فعرض علیه شعره ، وکانت الشعراء تقصده لذلک ، فلمّا سمع شعر البحتری أقبل علیه وترک سائر النّاس ، فلمّا تفرَّقوا قال له : أنت أشعر من أنشدَنی ، فکیف حالک؟ فشکا إلیه القلّة. فکتب أبو تمام إلی أهل مَعَرَّة النعمان ، وشَهِدَ له بالحَذَق ، وشفع له إلیهم ، وقال له : امتدحهم. فسار إلیهم فأکرموه بکتاب أبی تمام ، ووظّفوا أربعة آلاف درهم فکانت أوّل مال أصابه ، ثمّ أقبل علیه أبو تمام یصف شعره ویمدحه ، فلزمه البحتری بعد ذلک ، وقیل للبحتری : أنت أشعر أم أبو تمام؟ قال : جیِّده خیرٌ من جیِّدی ، وردیّی خیرٌ من ردیئه.

وقیل : سُئل أبو العلاء المعرّی : من أشعر الثلاثة؟ أبو تمام أم البحتری أم المتنبی؟ فقال : المتنبی وأبو تمام حکیمان ، وإنّما الشاعر البحتری.

وقیل : أنشد البحتری أبا تمام شیئاً من شعره ، فقال له : أنت أمیر الشعراء بعدی. قال البحتری : هذا القول أحبّ إلیَّ من کلِّ ما نلته.

وقال ابن المعتز (1) : شعره کلّه حسنٌ. وذکر اعتناءه البالغ بشعر مسلم بن الولید صریع الغوانی وأبی نواس.

وعن عمارة بن عقیل فی حدیث نقله عنه ابن عساکر فی تاریخه (2) (4 / 22) : أنَّه لمّا سمع قوله :

وطول مقام المرءِ بالحیِّ مُخلِقٌ

لدیباجَتَیهِ فاغتَرِبْ تَتَجَدّدِ

فإنّی رأیت الشمسَ زیدت محبّةً

إلی الناس أن لیست علیهم بسرمدِ

1.

ص: 468


1- طبقات الشعراء : ص 284.
2- تاریخ مدینة دمشق : 4 / 157 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 6 / 181.

قال : إن کان الشعر بجودة اللفظ ، وحسن المعانی ، واطّراد المراد ، واستواء الکلام ، فهی لأبی تمام ، وهو أشعر الناس ، وإن کان بغیرها فلا أدری. وکان فی لسانه حُبْسَة ، وفی ذلک یقول ابن المعذّل أو أبو العُمَیثل :

یا نبیَّ الله فی الشعر ویا عیسی بنَ مریم

أنتَ من أشعرِ خَلْقِ اللهِ ما لم تتکلّمْ

مدح الخلفاء والأمراء فأحسن ، وحدّث عن صهیب بن أبی الصهباء الشاعر ، والعطّاف بن هارون ، وکرامة بن أبان العدوی ، وأبی عبد الرحمن الأموی ، وسلامة ابن جابر النهدی ، ومحمد بن خالد الشیبانی.

وروی عنه خالد بن شرید الشاعر ، والولید بن عبادة البُحتری ، ومحمد بن إبراهیم بن عتّاب ، والعبدویّ البغدادی. تاریخ ابن عساکر (1) (4 / 18).

روی أنَّه لمّا مدح الوزیر محمد بن عبد الملک الزیّات بقصیدته التی یقول فیها :

دِیمةٌ سَمْحَةُ القِیادِ سَکُوبٌ

مستغیثٌ بها الثری المکروبُ

لو سعَتْ بُقعةٌ لإعظام أخری

لَسَعی نحوها المکان الجَدیبُ

قال له ابن الزیّات : یا أبا تمام ، إنَّک لتُحَلّی شعرک من جواهر لفظک ودُرَر معانیک ما زید حسناً علی بهیّ الجواهر فی أجیاد الکواعب ، وما یُدَّخَرُ لک شیء من جزیل المکافأة إلاّ ویَقْصُر عن شعرک فی الموازرة ، وکان بحضرته الکندی الفیلسوف فقال له : إنَّ هذا الفتی یموت شابّا.

فقیل له : من أین حکمتَ علیه بذلک؟

فقال : رأیت فیه من الحِدَّة والذکاء والفطنة مع لطافة الحسّ وجودة الخاطر ما علمت به أنَّ النفس الروحانیَّة تأکل جسمه کما یأکل السیف المهنّد غمده. 8.

ص: 469


1- تاریخ مدینة دمشق : 4 / 152 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 6 / 178.

تاریخ ابن خلّکان (1) (1 / 132).

ذکر الصولی (2) : أنَّ المترجم امتدح أحمد بن المعتصم أو ابن المأمون بقصیدة سینیّة ، فلمّا انتهی إلی قوله :

إقدام عمروٍ فی سماحة حاتمٍ

فی حِلْمِ أحنفَ فی ذکاء إیاسِ

قال له الکندی الفلیسوف وکان حاضراً : الأمیر فوق ما وصفت. فأطرق قلیلاً ثمَّ رفع رأسه فأنشد :

لا تنْکروا ضَربی له من دونَهُ

مَثَلاً شَروداً فی الندی والباسِ

فاللهُ قد ضربَ الأقلَّ لنورِهِ

مثلاً من المشکاةِ والنِّبراسِ

فَعَجِبوا من سرعة فطنته.

دیوان شعر أَبی تمام

: قد یقال : إنَّ المترجم لم یُدوِّن شعره ، لکنَّ الظاهر من قراءة عثمان بن المثنّی القرطبی المتوفّی (273) دیوانه علیه کما فی بغیة الوعاة (3) (ص 324) ، أنَّ شعره کان مدوّناً فی حیاته ، واعتنی بعده جمعٌ من الأعلام والأدباء بترتیبه وتلخیصه وشرحه وحفظه ، ومنهم :

1 - أبو الحسن محمد بن إبراهیم بن کیسان : المتوفّی (320) ، له شرحه.

2 - أبو بکر محمد بن یحیی الصولی : المتوفّی (335 ، 336) ، رتَّبه علی حروف المعجم فی نحو ثلاثمائة ورقة.

3 - علیّ بن حمزة الأصبهانی ، رتّبه علی الأنواع. 4.

ص: 470


1- وفیات الأعیان : 2 / 16 رقم 147.
2- أخبار أبی تمّام : ص 231.
3- بغیة الوعاة : 2 / 136 رقم 1634.

4 - أبو منصور محمد بن أحمد الأزهری الشافعیّ : المتوفّی (380) ، له شرحه.

5 - أبو القاسم الحسن بن بِشر الآمدی : المتوفّی (371) ، له شرحه.

6 - الخالع حسین بن محمد الرافقی : کان حیّا فی حدود (380) (1) ، له شرحه.

7 - الوزیر حسین بن علیّ المغربیّ : المتوفّی (418) ، له کتاب اختیار شعره.

8 - أبو ریحان محمد بن أحمد البیرونی : المتوفّی (340) ، له شرحه ، رآه الحَمَوی بخطّه.

9 - أبو العلاء أحمد بن عبد الله المعرّی : المتوفّی (449) ، له تلخیصه المسمّی بذکری حبیب وشرحه.

10 - أبو زکریا یحیی بن علیّ الخطیب التبریزی : المتوفّی (502) ، له شرحه.

11 - أبو البرکات ابن المستوفی مبارَک الإربِلی : المتوفّی (637) ، له شرحه فی عشر مجلّدات.

12 - أبو الفتح ضیاء الدین نصر بن محمد : المتوفّی (637) ، کان یحفظه.

13 - أبو الحجّاج یوسف بن محمد الأنصاری : المتوفّی (672) ، کان یحفظه ویحفظ الحماسة.

14 - محیی الدین الخیّاط ، له شرحه.

15 - الدکتور ملحم إبراهیم أسود ، له شرحه المطبوع بمصر.

والظاهر أنَّ النسخة المطبوعة من دیوان أبی تمام هو ترتیب الصولی ؛ لأنّها مرتَّبة علی الحروف ، إلاّ أنَّ فیها سقطاً کثیراً من شعره ؛ لأنَّ النجاشی قال فی فهرسته (2) (ص 102) : له شعرٌ فی أهل البیت کثیرٌ. وذکر أحمد بن الحسین رحمه الله أنَّه رأی 7.

ص: 471


1- فی لسان المیزان : 2 / 379 رقم 2796 : أنّه توفّی سنة 422 ه.
2- رجال النجاشی : ص 141 رقم 367.

نسخةً عتیقةً ، ولعلّها کُتِبت فی أیّامه أو قریباً منه ، وفیها قصیدةٌ یذکر فیها الأئمّة ، حتی انتهی إلی أبی جعفر الثانی علیه السلام لأنَّه توفّی فی أیّامه. انتهی.

ولا یوجد فی الدیوان المطبوع شیء من ذلک الکثیر عدا رائیَّته المذکورة فی هذا الکتاب ، فإمّا أنَّ ید الأمانة فی طبع الکتب حذفت تلکم القصائد عند تمثیل الدیوان إلی عالم الطباعة کما صنعت مع غیره أیضاً ، أو أنَّها لم تصل إلیها عند النشر ، أو أنَّ المطبوع اختصار أبی العلاء المعرّی المذکور.

دیوان الحماسة وشروحه :

ولأبی تمام ممّا أفرغه فی قالب التألیف دیوان الحماسة الذی سار به الرکبان واستفادت به الأجیال بعده ، جمع فیه عیون الشعر ووجوهه من کلام العرب ، جمعه بدار أبی الوفاء بن سَلَمة بهمَدان ، عندما اضطرّته الثلوج إلی الالتجاء إلی هذه المدینة أثناء أوبتِه من زیارة عبد الله بن طاهر ، ورتّبه علی عشرة أبواب ، خصَّ کلَّ باب بفنّ ، وقد اعتنی بشرحه جمع کثیرٌ من أعلام الأدب منهم :

1 - أبو عبد الله محمد بن القاسم ماجیلویه البرقی.

2 - أبو الحسن علیّ بن محمد السُمَیْساطی (1) : المتوفّی أواسط المائة الرابعة.

3 - أبو الحسین أحمد بن فارس بن زکریّا اللغویّ الرازی : المتوفّی (369).

4 - أبو عبد الله الحسین بن علیّ بن عبد الله النمِری : المتوفّی (385) ، ولأبی محمد الأسود الحسن الغندجانی ردٌّ علی النمری هذا فی شرح الحماسة کما فی معجم الأدباء (2) (3 / 24).

5 - أبو الفتح عثمان بن جنّی : المتوفّی (392) ، له المنهج فی اشتقاق أسماء شعراء 5.

ص: 472


1- نسبة إلی سُمَیساط بالمهملتین بضم أوله وفتح ثانیه ، فما فی کثیر من المعاجم «الشمشاطی» بالمعجمتین تصحیف. (المؤلف)
2- معجم الأدباء : 7 / 265.

الحماسة ، وشرح مستغلق الحماسة.

6 - أبو الحسن علیّ بن زید البیهقی.

7 - أبو هلال الحسن بن عبد الله بن سعید العسکری ، کان حیّا إلی سنة (395).

8 - أبو المظفّر محمد بن آدم بن کمال الهروی النحوی : المتوفّی (414).

9 - الشیخ أبو علیّ أحمد بن محمد المرزوقی الأصبهانی : المتوفّی (421).

10 - أبو العلاء أحمد بن عبد الله المعرّی التنوخیّ : المتوفّی (449).

11 - أبو الحسن علیّ بن أحمد بن سیده الأندلُسی : المتوفّی (458).

12 - أبو الحسین عبد الله بن أحمد بن الحسین الشاماتی : المتوفّی (475).

13 - أبو القاسم زید بن علیّ بن عبد الله الفارسی : المتوفّی (467).

14 - أبو حکیم عبد الله بن إبراهیم بن عبد الله الخَبْرِیّ : المتوفّی (476).

15 - أبو الحجّاج یوسف بن سلمان الشنتمری : المتوفّی (476) ، شرحها شرحاً کبیراً ورتّبها علی الحروف.

16 - أبو زکریّا یحیی بن علیّ الخطیب التبریزی : المتوفّی (502) ، له شروحها الثلاثة.

17 - أبو الحسن علیّ بن عبد الرحمن الإشبیلیّ : المتوفّی (514).

18 - أبو المحاسن مسعود بن علیّ البیهقی : المتوفّی (544).

19 - أبو البرکات عبد الرحمن بن محمد الأنباری : المتوفّی (577).

20 - أبو إسحاق إبراهیم بن محمد الحضرمی الإشبیلیّ : المتوفّی (584).

21 - أبو محمد القاسم بن محمد الدیمرتی الأصبهانی.

22 - الشیخ علیّ بن الحسن الشمیم الحلّی : المتوفّی (601).

23 - أبو البقاء عبد الله بن الحسین بن عبد الله العُکْبَری البغدادی : المتوفّی (616)

24 - أبو علیّ الحسن بن أحمد الاسترابادی اللغویّ النحویّ.

25 - المولوی فیض حسین ، شرحها مختصراً وأسماه بالفیضی.

26 - الشیخ لقمان.

ص: 473

27 - الشیخ سیّد بن علیّ المرصفی الأزهری المعاصر.

راجع فهرست النجاشی ، فهرست ابن الندیم ، معجم الأدباء ، بغیة الوعاة ، الذریعة.

دواوین الحماسة :

تبع أبا تمام فی صناعة الحماسة کثیرون ، منهم :

1 - البحتری أبو عبادة الولید بن عبیدة : المتوفّی (284).

2 - أبو الحسین أحمد بن فارس اللغویِّ الرازی : المتوفّی (369).

3 - الخالدیّان ابنا هاشم : أبو بکر محمد ، وأبو عثمان سعید : المتوفّی (371).

4 - أبو هلال الحسن بن عبد الله العسکریّ ، النحویّ.

5 - أبو الحجّاج یوسف بن سلیمان الشنتمری : المتوفّی (476).

6 - أبو حصین محمد بن علیّ الاصبهانی الدیمرتی.

7 - أبو دماش ، عدّه ابن الندیم من النحویّین اللغویّین.

8 - أبو العبّاس محمد بن خلف بن المرزبانی.

9 - أبو السعادات هبة الله بن علیّ المعروف بابن الشجری : المتوفّی (542).

10 - الشیخ علیّ بن الحسن الشمیم الحلّی : المتوفّی (601).

11 - أبو الحجّاج یوسف بن محمد الأندلسی : المتوفّی (653).

12 - صدر الدین علیّ بن أبی الفَرَج البصری : المقتول (659).

13 - أبو الحجّاج یوسف بن محمد الأنصاری : المتوفّی (672) (1).

ومن آثار أبی تمام الأدبیّة : الاختیارات من شعر الشعراء ، الاختیار من شعر القبائل ، اختیار المقطّعات ، المختار من شعر المحدَثین ، نقائض جریر والأخطل ، الفحول وهو مختارات من قصائد شعراء الجاهلیّة والإسلام تنتهی بابن هرمة ، ذکرها ف)

ص: 474


1- فهرست ابن الندیم ، معجم الأدباء ، بغیة الوعاة. (المؤلف)

له ابن الندیم فی فهرسته (1) (ص 235) وغیره.

المؤلّفون فی أخبار أبی تمام :

لقد جمع أخباره وما یؤثر عنه غضون حیاته من نوادر وظرف ونُکَت وأدب وشعر جماعةٌ ، منهم :

1 - أبو الفضل أحمد بن أبی طاهر : المتوفّی (280) ، له کتاب سرقات النحویِّین من أبی تمام.

2 - أبو بکر محمد بن یحیی الصولی : المتوفّی (336) ، له أخبار أبی تمام. طبع مع فهرسته فی (340) صحیفة.

3 - أبو القاسم الحسن بن بِشْر الآمُدی البصری : المتوفّی (371) ، له کتاب الموازنة بین أبی تمام والبحتری فی عشرة أجزاء. ولیاقوت الحموی فی معجم الأدباء (2) خطّأ فیه أبا تمام.

4 - الخالدیّان ابنا هاشم : أبو بکر محمد ، وأبو عثمان سعید : المتوفّی (371) ، لهما کتاب أخبار أبی تمام ومحاسن شعره.

5 - أبو علیّ أحمد بن محمد المرزوقی الأصبهانی : المتوفّی (421) ، له کتاب الانتصار من ظَلَمَةِ أبی تمام ، دَفَعَ عنه ما انتُقِد به.

6 - أبو عبید الله محمد بن عمران المرزبانی : المتوفّی (444) ، له کتاب أخبار أبی تمام فی نحو من مائة ورقة.

7 - أبو الحسین علیّ بن محمد العَدَوی السُمَیْساطی ، له کتاب أخبار أبی تمام والمختار من شعره ، وله کتاب تفضیل أبی نواس علی أبی تمام.

8 - أبو ضیاء بشر بن یحیی النصیبی ، له کتاب سرقات البحتری من أبی تمام. 5.

ص: 475


1- فهرست ابن الندیم : ص 190.
2- معجم الأدباء : 8 / 85.

9 - أحمد بن عبید الله القطربلی المعروف بالفرید ، صنّف فی أخطاء أبی تمام فی الإسلام وغیره.

10 - الشیخ یوسف البدیعی القاضی بالموصل : المتوفّی (1073) ، له کتاب هبة الأیّام فیما یتعلّق بأبی تمام فی (309) صحیفة طبع بمصر سنة (1352).

11 - الشیخ محمد علیّ بن أبی طالب الزاهدی الجیلانی : المتوفّی ببنارس الهند سنة (1181).

12 - سیّدنا المحسن الأمین العاملی مؤلِّف أعیان الشیعة.

13 - عمر فرّوخ من کتّاب العصر الحاضر ، له تألیفٌ فی المترجم طُبع ببیروت فی مائة صحیفة.

وتوجد ترجمته فی (1) طبقات ابن المعتزّ (ص 133) ، فهرست ابن الندیم (ص 235) ، تاریخ الطبری (11 / 9) ، فهرست النجاشی (ص 102) ، تاریخ الخطیب (8 / 248) ، مروج الذهب (2 / 283 و 357) ، معجم البلدان (3 / 37) ، تاریخ ابن عساکر (4 / 18 - 27) ، نزهة الألبّاء (ص 213) ، تاریخ ابن خلّکان (1 / 131) ، رجال ابن داود ، خلاصة العلاّمة ، مرآة الجنان (2 / 102) ، معاهد التنصیص (1 / 14) ، شذرات الذهب (2 / 72) ، مجالس المؤمنین (ص 458) ، کشف الظنون (1 / 501) ، ریاض الجنّة للزنوزی فی الروضة الرابعة ، أمل الآمل (ص 8) ، منتهی المقال (ص 96) ، منهج المقال (ص 92) ، تکملة أمل الآمل لسیّدنا الصدر الکاظمی ، 6.

ص: 476


1- طبقات الشعراء : ص 282 ، الفهرست لابن الندیم : ص 190 ، تاریخ الأمم والملوک : 9 / 124 حوادث سنة 228 ه ، رجال النجاشی : ص 141 رقم 367 ، مروج الذهب : 4 / 77 ، معجم البلدان : 2 / 94 ، تاریخ مدینة دمشق : 4 / 152 - 163 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 6 / 178 ، نزهة الألبّاء : ص 155 رقم 45 ، وفیات الأعیان : 2 / 11 رقم 147 ، رجال ابن داود : ص 69 رقم 376 ، رجال العلاّمة الحلّی : ص 61 باب 13 ، معاهد التنصیص : 1 / 38 رقم 6 ، شذرات الذهب : 3 / 143 حوادث سنة 231 ه ، مجالس المؤمنین : 2 / 540 ، کشف الظنون : 1 / 770 ، ریاض الجنة : 1 / 375 رقم 61 ، أمل الآمل : 1 / 50 رقم 41 ، منتهی المقال : ص 150 ، تکملة أمل الآمل : ص 260 رقم 226.

دائرة المعارف للبستانی (2 / 56) ، دائرة المعارف الإسلامیّة (1 / 320) ، دائرة المعارف لفرید وجدی (2 / 685 - 693) ، وغیرها.

ولادته ووفاته :

لم نجزم فیهما بشیء ممّا فی المعاجم لتکثّر الاختلاف فیها ، وکان الحقیق أن یؤخذ بالمنقول عن ابنه تمام ، إذ أهل البیت أدری بما فیه ، لکنّ اختلاف المعاجم فی المنقول عنه یسلب الثقة به ، فمجموع الأقوال : إنَّه وُلِد سنة (172 ، 188 ، 190 ، 192) وتوفّی سنة (228 ، 231 ، 232) بالموصل ، ودفن بها وبنی علیه أبو نهشل بن حُمَید الطوسی قبّة خارج باب المیدان علی حافّة الخندق ، ورثاه علیُّ بن الجهم (1) بقوله :

غاضت بدائع فِطنةِ الأوهامِ

وغدت علیها نکبةُ الأیّامِ

وغدا القریضُ ضئیلَ شخصٍ باکیاً

یشکو رزیّتهُ إلی الأقلامِ

وتأوّهتْ غُرَرُ القوافی بعدَهُ

ورمی الزمانُ صحیحها بسِقامِ

أودی مثقِّفها ورائدَ صعبِها

وغدیرَ روضتِها أبا تمامِ

وقال الحسن بن وهب یرثیه :

فُجِع القریضُ بخاتم الشعراءِ

وغدیرِ روضتها حبیبِ الطائی

ماتا معاً فتجاورا فی حُفرَةٍ

وکذاک کانا قبلُ فی الأحیاءِ

قد یعزی البیتان إلی دیک الجنِّ. ورثاه الحسن بن وهب أیضاً بقوله من قصیدة :

سقی بالموصلِ القبرَ الغریبا

سحائبُ ینتحبنَ له نحیبا

إذا أظلَلنَهُ أظلَلْنَ فیهِ

شَعِیبَ المُزْنِ یتبعُها شَعِیبا

1.

ص: 477


1- دیوان علی بن الجهم : ص 181.

ولطّمْنَ البُروقُ به خدوداً

وأشققن الرعودُ به جُیوبا

فإنَّ ترابَ ذاک القبرِ یحوی

حبیباً کان یُدعی لی حبیبا

ورثاه محمد بن عبد الملک الزیّات وزیر المعتصم ، وقیل : إنَّه لأبی الزِّبْرِقان عبد الله بن الزِّبْرِقان الکاتب مولی بنی أمیّة بقوله :

نبأٌ أتی من أعظم الأنباءِ

لمّا أَلمَّ مُقَلقِلُ الأحشاءِ

قالوا حبیبٌ قد ثوی فأجبتُهُمْ

ناشدتُکمْ لا تجعلوه الطائی

سُئل شرف الدین أبو المحاسن محمد بن عنین عن معنی قوله :

سقی اللهُ روحَ الغوْطتین ولا ارتوتْ

من الموصل الحدباءِ إلاّ قبورُها

لِمَ حرَمها وخصَّ قبورها؟ فقال : لأجل أبی تمام.

خلف المترجم ولده الشاعر تمام ، قصد بعد موت أبیه عبد الله بن طاهر ، فاستنشده فأنشده :

حیّاک ربُّ الناس حیّاکا

إذ بجمالِ الوجهِ رَوّاکا

بغدادُ من نورِکَ قد أشرقتْ

وأورقَ العودُ بجدواکا

فأطرق عبد الله ساعة ثمَّ قال :

حیّاک ربُّ الناس حیّاکا

إنَّ الذی أمّلْتَ أخطاکا

أتیتَ شخصاً قد خلا کیسُهُ

ولو حوی شیئاً لأعطاکا

فقال : أیّها الأمیر؟ إنَّ بیع الشعر بالشعر ربا ؛ فاجعل بینهما فضلاً من المال. فضحک منه وقال : لئن فاتک شعر أبیک فما فاتک ظَرفه ، فأمر له بصلة.

غرر الخصائص لوطواط (1) (ص 259). 2.

ص: 478


1- غرر الخصائص : ص 262.

الجواد قد یکبو :

لا ینقضی العجب وکیف ینقضی من مِثل أبی تمام العریق فی المذهب والعارف بنوامیسه ، والبصیر بأحوال رجالاته ، وما لهم من مآثر جمَّة ، وجهود مشکورة ، وهو جدُّ علیم بما لأضدادهم من تَرْکاض وهَمْلجة فی تشویه سمعتهم ، وإعادة تاریخهم المجید المملوء بالأوضاح والغرَر ، إلی صورة ممقوتة ، محفوفة بِشِیَةِ العار ، مشفوعة کلّ هاتیک بجلبةٍ ولغط ، وقد انطلت لدیه أمثلة من تلکم السفاسف حول رجل الهدی ، الناهض المجاهد والبطل المغوار ، المختار بن أبی عبید الثقفی ؛ فحسب ما قذَفتهُ به خصماؤه الألدّاء فی دینه وحدیثه ونهضته حقائق راهنة ، حتی قال فی رائیّته المثبّتة فی دیوانه (1) (ص 114):

والهاشمیّون استقلّت عِیرُهُمْ

من کربلاءَ بأَوثقِ الأوتارِ

فَشَفاهُمُ المختارُ منه ولم یَکُنْ

فی دینِه المختارُ بالمختارِ

حتی إذا انکشفت سرائرُهُ اغتدَوْا

منهُ بُراءَ السمعِ والأبصارِ

ومن عطف علی التاریخ والحدیث وعلم الرجال نظرةً تشفعها بصیرة نفّاذة ، علم أنَّ المختار فی الطلیعة من رجالات الدین والهدی والإخلاص ، وأنَّ نهضته الکریمة لم تکن إلاّ لإقامة العدل باستئصال شأفة الملحدین ، واجتیاح جذوم (2) الظلم الأموی ، وأنَّه بمنتزح من المذهب الکیسانی ، وأنَّ کل ما نَبزوهُ من قذائف وطامّات لا مُقیلَ لها من مستوی الحقیقة والصدق ، ولذلک ترحّم علیه الأئمّة الهداة سادتنا ، السجّاد والباقر والصادق - صلوات الله علیهم - ، وبالغ فی الثناء علیه الإمام الباقر علیه السلام ، ولم یزل مشکوراً عند أهل البیت الطاهر هو وأعماله. ل.

ص: 479


1- دیوان أبی تمام : ص 135.
2- جمع جذمة ، وهی الأصل.

وقد أکبره ونزّهَهُ العلماء الأعلام منهم (1) : سیِّدنا جمال الدین بن طاووس فی رجاله ، وآیة الله العلاّمة فی الخلاصة ، وابن داود فی الرجال ، والفقیه ابن نما فیما أفرد فیه من رسالته المسماة بذَوب النضار ، والمحقِّق الأردبیلی فی حدیقة الشیعة ، وصاحب المعالم فی التحریر الطاووسی ، والقاضی نور الله المرعشی فی المجالس. وقد دافع عنه الشیخ أبو علیّ فی منتهی المقال ، وغیرهم.

وقد بلغ من إکبار السلف له أنَّ شیخنا الشهید الأوّل ذکر فی مزاره زیارةً تُخَصُّ به ، ویُزار بها ، وفیها الشهادة الصریحة بصلاحه ونصحه فی الولایة وإخلاصه فی طاعة الله ومحبّة الإمام زین العابدین ، ورضا رسول الله وأمیر المؤمنین - صلوات الله علیهما وآلهما - عنه ، وأنَّه بذل نفسه فی رضا الأئمّة ونصرة العترة الطاهرة والأخذ بثأرهم.

والزیارة هذه توجد فی کتاب مُراد المُرید ، وهو ترجمة مزار الشهید للشیخ علیّ ابن الحسین الحائری ، وصحّحها الشیخ نظام الدین الساوجی مؤلِّف نظام الأقوال ، ویظهر منها أنَّ قبر المختار فی ذلک العصر المتقادم کان من جملة المزارات المشهورة عند الشیعة ، وکانت علیه قُبّةٌ معروفةٌ کما فی رحلة ابن بطوطة (2) (1 / 138).

ولقد تصدّی لتدوین أخبار المختار وسیرته وفتوحه ومعتقداته وأعماله جماعةٌ من الأعلام ، فمنهم :

1 - أبو مخنف لوط بن یحیی الأَزدی : المتوفّی (157) ، له کتاب أخذ الثار فی المختار.

2 - أبو المفضل نصر بن مزاحم المنقَری الکوفی العطّار : المتوفّی (212) ، له أخبار المختار.

0.

ص: 480


1- التحریر الطاووسی : ص 558 رقم 418 ، رجال العلاّمة الحلّی : ص 168 رقم 2 ، رجال ابن داود : ص 277 رقم 493 ، ذوب النضار - المطبوع فی بحار الأنوار - : 45 / 346 ، حدیقة الشیعة : 2 / 30 ، التحریر الطاووسی : ص 558 رقم 418 ، مجالس المؤمنین : 2 / 245 ، منتهی المقال : ص 364.
2- رحلة ابن بطوطة : ص 220.

3 - أبو الحسن علیّ بن عبد الله بن أبی سیف المدائنی : المتوفّی (215 ، 225) ، له أخبار المختار.

4 - أبو إسحاق إبراهیم بن محمد الثقفی الکوفی : المتوفّی (283) ، له أخبار المختار.

5 - أبو أحمد عبد العزیز بن یحیی الجلودی : المتوفّی (302) ، له أخبار المختار.

6 - أبو جعفر محمد بن علیّ بن بابویه القمّی الصدوق : المتوفّی (381) ، له کتاب المختار.

7 - أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسی : المتوفّی (469) ، له مختصر أخبار المختار.

8 - أبو یعلی محمد بن الحسن بن حمزة الجعفری الطالبی خلیفة شیخنا المفید ، له أخبار المختار.

9 - الشیخ أحمد بن المتوّج له الثارات أو قصص الثار منظومة.

10 - الفقیه نجم الدین جعفر الشهیر بابن نما : المتوفّی (645) ، له ذوب النضار فی شرح الثار ، طُبِع برُمّته فی المجلد العاشر من البحار.

11 - الشیخ علیّ بن الحسن العاملی المروزی ، له قرّة العین فی شرح ثارات الحسین ، فرغ منه (20) رجب سنة (1127).

12 - الشیخ أبو عبد الله عبد بن محمد ، له قرَّة العین فی شرح ثار الحسین ، طبع مع نور العین ومثیر الأحزان.

13 - السیِّد إبراهیم بن محمد تقی ، حفید العلاّمة الکبیر السیِّد دلدار علیّ النقوی النصیرآبادی ، له نور الأبصار فی أخذ الثار.

14 - المولی عطاء الله بن حسام الهَرَوی ، له روضة المجاهدین ، طبع سنة (1303)

15 - المولی محمد حسین ابن المولی عبد الله الأرجستانی ، له «حمله مختاریّة».

16 - الکاتب الهندی نوّاب علی نزیل لکهنو ، له «نظاره انتقام» طبع فی جزءین.

17 - الحاج غلام علیّ بن إسماعیل الهندی ، له «مختار نامه».

18 - سیّدنا السیِّد محسن الأمین العاملی ، له أصدق الأخبار فی قصّة الأخذ بالثار مطبوع.

ص: 481

19 - السیّد حسین الحکیم الهندی ، له ترجمة ذوب النضار لابن نما.

20 - السیِّد محمد حسین ابن السیِّد حسین بخش الهندی : المولود (1290) ، له تحفة الأخیار فی إثبات نجاة المختار.

21 - الشیخ میرزا محمد علیّ الأوردبادی ، له سبیک النُّضار أو شرح حال شیخ الثار فی مائتین وخمسین صحیفة ، وقد أدّی فیه حقَّ المقال ، وأغرق نزعاً فی التحقیق ، ولم یُبقِ فی القوس منزعاً ، قرأت کثیراً منه ووجدته فریداً فی بابه لم یؤلَّف مثله ، جزاه الله عن الحقِّ والحقیقة خیراً. وله فی المختار قصیدةٌ علی رویِّ قصیدة أبی تمام ، عطف فیها علی مدیحه إطراء صاحبه ومُشاطرهِ فی الفضیلة إبراهیم بن مالک الأشتر ، وهی :

یَهْنِیکَ یا بَطَلَ الهُدی والثارِ

ما قد حَویتَ بمُدرکِ الأوتارِ

لک عند آل محمدٍ کمْ من یدٍ

مشکورةٍ جلّت عن الإکبارِ

عَرَفَتْکَ مُقْبِلةُ الخطوبِ مُحَنَّکاً

فیهِ جَنانُ مهذّب مغوارِ

أَضرمتَ للحرب العَوانِ لظیً بها

أضْحَتْ بنو صخرٍ وقودَ النارِ

وأَذَقْتَ نَغْلَ سُمیّةٍ بأسَ الهُدی

وأُمیّةً کأسَ الردی والعارِ

فَرَأَوا هواناً عند ضَفّة خازرٍ

بمهنَّدٍ عند الکریهةِ وارِ

فرّقتَ جمعَهمُ العرمرمَ عَنوةً

یوم الهِیاج بفَیلقٍ جَرّارِ

وفوارسٍ من حزبِ آلِ المصطفی

أُسدِ الوَغی خوّاضةِ الأخطارِ

وبواسلٍ لم تُغْرِهمْ وَثَباتُهُمْ

إلاّ بکلِّ مُدَجَّجٍ ثوّارِ

لم یعرفوا إلاّ الإمام وثارَهُ

فَتشادقوا فیها بیا لَلثارِ

فتَفَرّقَتْ فِرَقاً عُلوجُ أمیّةٍ

من کلِّ زَنّاءٍ إلی خَمّارِ

وأخذتَ ثاراً قبلَهُ لم تکتحلْ

عَلَویّةٌ مُذْ أُرزِئتْ بالثارِ

وعَمَرْتَ دوراً هُدِّمَتْ منذ العدی

بالطفِّ قد أودَتْ بربِّ الدارِ

عَظُمَ الجِراحُ فلمْ یُصِبْ أعماقَهُ

إلاّک یا حُیّیت من مِسبارِ

ص: 482

فی نجدَةٍ ثَقَفِیّةٍ یسطو بها

فی الروعِ من نَخَعٍ هِزَبْرٌ ضاری

النَدبُ (1) إبراهیمُ من

رَضَخَتْ لهُ

الصیدُ الأُباةُ بملتقی الآصارِ

من زانَهُ شرفُ الهُدی فی سؤددٍ

وعُلاً یفوحُ بها أریجُ نِجارِ

حَشوُالدروع أخو حجیً من دُونه

هِضَبُ الرواسی الشُمِّ فی المِقدارِ

إنْ یَحْکِهِ فاللیثُ فی حَمَلاتِهِ

والغیثُ فی تَسْکابه المدرارِ

أو یَحوِهِ فقلوبُ آلِ محمدٍ

المُصْطَفَیْنَ السادةِ الأبرارِ

ما إن یَخُضْ عند اللقا فی غَمرَةٍ

إلاّ وأرسَبَ من سَطا بغِمارِ

أو یمَّمَ الجُلّی بعزمٍ ثاقبٍ

إلاّ وَرَدَّ شُواظَها بأُوارِ

المرتدی حُلَلَ المدیحِ مَطارِفاً

والممتطی ذُلُلاً لکلِّ فَخارِ

وعلیه کُلُّ الفضلِ قصرٌ مثلما

کلُّ الثنا قَصْرٌ علی المختارِ

عن مجده أَرِجَ الکُبا (2) وحدیثهُ

زهتِ الروابی عنه بالأزهارِ

ومآثرٌ مثلُ النجوم عِدادُها

قد شُفِّعت بمحاسنِ الآثارِ

وکفاه آلُ محمدٍ ومدیحُهمْ

عمّا یُنضَّدُ فیه من أشعارِ

أسفی علی أن لم أکُنْ من حِزبِهِ

وکمثلِهمْ عند الکفاحِ شِعاری

فهناک إمّا مَوتَةٌ أرجو بها

أجرَ الشهادةِ فی ثناءٍ جاری

أو أنَّنی أحظی بنَیلِ المُبتغی

من آل حربٍ مُدرکاً أوتاری

وأخوضُ فی الأوساطِ منهم ضارباً

ثَبَجَ العِدی بالمِقضَب البتّارِ

ولأثکِلَنَّ أراملاً فی فِتیةٍ

نشأوا علی الإلحاد فی استهتارِ

وَمَشِیخةٍ قد أورثوا کلّ الخنا

والعار أجریة من الکفّارِ

لکن علی ما فیَ من مضَضِ الجَوی

إذ لم أکن أحمی هناک ذِماری

لم تَعدُنی تلک المواقفُ کلُّها

إذْ أنَّ ما فعلوا بها مُختاری

ص: 483


1- الندب : من یسارع فی الإجابة إذا نُدبَ الی أمر.
2- الکُبا : جمع کِباء ، وهو ضربٌ من العود یُتبخّر به.

فلقد رَضیتُ بما أراقوا من دمٍ

فیها لکلِّ مُذَمَّمٍ کفّارِ

وَلأَشْفِیَنَّ النفسَ منهمْ فی غَدٍ

عند اشتباکِ الجحفلِ الموّارِ

یوم ابنُ طه عاقدٌ لبنودِهِ

وجنودُهُ تلتاحُ (1) فی إعصارِ

تشوی الوجوهَ لظیً به نزّاعةً

لشوی الکُماةِ بأنْصُلٍ وشِفارِ

فهنالکَ الظَفَرُ المُریحُ جَوی الحشا

من رازحٍ فی کَربهِ بأسارِ

ویَتِمُّ فیه القصدُ من عُصَب الولا

لبنی الهدی کالسیِّد المختارِ

یا أیّها النَّدبُ المؤجَّج عزمُهُ

وأَمینَ آلِ المصطفی الأطهارِ

یا نجعةَ الخَطب المُلِمِّ وآفةَ ال

کَربِ المُهمِّ وندحَةَ (2) الأوزارِ

لا غَرْوَ إن جَهِلَتْ عُلاک عصابةٌ

فالقوم فی شُغُلٍ عن الإبصارِ

فلقد بَزَغتَ ذُکاً وهل یُزری بها

أن تَعشَ عنها نظرةُ الأبصارِ

لک حیث مُرْتَبَع الفَخار مباءةٌ

ولمن قَلاک مزلَّةُ الأغرارِ

ومبوَّأٌ لک فی جِوارِ محمدٍ

وملاذ عِترته حُماةِ الجارِ

فَلَئِن رَمَوکَ بمُحفِظٍ من إفکِهم

فالطودُ لا یُلوی بعصف الذاری

أو یَجْحَدُوکَ مناقباً مأثورةً

مشکورةً فی الوِرْدِ والإصدارِ

فَلَکَ الحقیقةُ والوقیعة لم تَزَلْ

عن قُدسِ مجدکَ فی شفیرٍ هارِ

فَتهَنِّ مُحتبیاً بسؤددک الذی

تَزْوَرُّ عنهُ جَلْبةُ المِهذارِ

خذها إلیک قصیدةً منضودةً

من جوهرٍ أو من سبیکِ نُضارِ

لم یَحکِها نَجمُ السماء لأنَّها

بَزَغَتْ بشارقةٍ من الأقمارِ

کلاّ ولا ضاهی محاسنَ نَظمِها

ما عن حُطَیئَةَ جاء أو بشّارِ

هی غادةٌ زُفَّتْ إلیکَ ولم یُشَنْ

إقبالها بدعارةٍ ونِفارِ

هبّت علیک نسائمٌ قدسیّةٌ

حیَّت ثراکَ برحمةٍ ویَسارِ

ة.

ص: 484


1- اللتح : ضرب الوجه والجسد بالحصی حتی یؤثّر فیه.
2- الندح : الکثرة والسعة.

وسقی لإبراهیم مُضطَجَعَ الهدی

وَدْقُ الغَمامِ المُرزمِ المکثارِ

ما نافح الروض النسیم مشفَّعاً

سَجع البلابل فیه شَدو هَزارِ

یتلو کما یُتلی بکلِّ صحیفةٍ

مَرَّ العَشیِّ وکرَّةَ الإبکارِ

ص: 485

ص: 486

2 - دعبل الخزاعی

الشهید (246)

تجاوبنَ بالإرنان والزفراتِ

نوائحُ عُجمُ اللفظِ والنطقاتِ

یُخَبِّرنَ بالأنفاسِ عن سِرِّ أنفُسٍ

أُساری هویً ماض وآخرَ آتِ

فأسعدن أو أسعفن حتی تقوّضت (1)

صفوف الدجی بالفجر منهزماتِ

علی العرصاتِ الخالیاتِ من المَها

سلام شجٍ صبٍّ علی العَرَصاتِ (2)

فعهدی بها خُضْر المعاهد مألفاً

من العَطِرات البیضِ والخَفِراتِ (3)

لیالیَّ یعدینَ الوصال علی القِلی

ویعدی تدانینا علی الغُرُباتِ

وإذ هُنَّ یَلْحَظنَ العیون سوافراً

ویَستُرْنَ بالأیدی علی الوَجناتِ

وإذ کلَّ یومٍ لی بلحظیَ نشوةٌ

یبیتُ بها قلبی علی نشواتِ

فکم حسراتٍ هاجها بمُحَسِّرٍ (4)

وقُوفیَ یوم الجمع من عَرَفاتِ

ألم تر للأیّام ما جرَّ جورُها

علی الناس من نقصٍ وطولِ شتاتِ

ومن دُوَلِ المستهزئین ومن غدا

بهم طالباً للنور فی الظلماتِ

فکیف ومن أنّی بطالبِ زُلفَةٍ

إلی الله بعد الصومِ والصلواتِ

ف)

ص: 487


1- تَقَوّضت الصفوف : انتقضت وتفرّقت. (المؤلف)
2- المها : البقرة الوحشیة. الصبّ : العاشق وذو الولع الشدید. (المؤلف)
3- خَفِرت الجاریة : استحیت أشد الحیاء. (المؤلف)
4- وادی محسِّر بکسر السین المشدّدة : حدُّ مِنی إلی جهة عَرَفة. (المؤلف)

سوی حبِّ أبناء النبیِّ ورهطِهِ

وبُغضِ بنی الزرقاء والعَبَلاتِ

وهندٍ وما أدّت سُمیّةُ وابنُها

أولو الکفرِ فی الإسلامِ والفَجَراتِ

هُمُ نقضوا عهدَ الکتاب وفرضَهُ

ومُحْکَمَهُ بالزورِ والشبُهاتِ

ولم تکُ إلاّ محنةٌ کَشَفتْهُمُ

بدعوی ضلال من هنٍ وهَناتِ

تراثٌ بلا قربی وملکٌ بلا هدی

وحکمٌ بلا شوری بغیر هُداةِ

رزایا أَرَتنا خُضرةَ الأفقِ حُمرةً

ورَدّتْ أُجاجاً طعمَ کلِّ فراتِ

وما سَهّلَتْ تلک المذاهبَ فیهمُ

علی الناس إلاّ بیعةُ الفلَتاتِ (1)

وما قیل أصحاب السقیفة جهرةً

بدعوی تُراثٍ فی الضلال نتاتِ (2)

ولو قلّدوا الموصی إلیه أمورَها

لزَمّتْ بمأمونٍ عن العثراتِ

أخی خاتَمِ الرُّسلِ المصفّی من القذی

ومُفْتَرِسِ الأبطالِ فی الغَمَراتِ

فإن جَحَدوا کان الغدیرُ شهیدَهُ

وبدرٌ وأُحدٌ شامخُ الهضباتِ

وآیٌ من القرآن تُتلی بفضلِهِ

وإیثاره بالقوتِ فی اللزباتِ

وغُرُّ خِلالٍ أدرکتْهُ بِسبقِها

مناقبُ کانت فیهِ مؤتنفاتِ (3)

القصیدة (121) بیتاً (4)

ما یتبع الشعر

من کلمات أعلام العامّة :

1 - قال أبو الفرج فی الأغانی (5) (18 / 29) : قصیدة دعبل : 2.

ص: 488


1- قوله : بیعة الفلتات ، إشارة الی قول عمر : کانت بیعة أبی بکر فلتةً وقی الله المسلمین شرّها.
2- کذا ، وفی أعیان الشیعة : بتاتِ.
3- أنف کل شیء : أوّله. وروض أنُف : ما لم یَرْعَهُ أحد : کاس أُنُف : لم یُشْرَب بها. المستأنف : ما لم یسبق إلیه. (المؤلف)
4- توجد القصیدة بتمامها فی أعیان الشیعة : 6 / 418.
5- الأغانی : 20 / 132 و 162.

مدارسُ آیاتٍ خلت من تِلاوةٍ

ومنزلُ وحیٍ مُقفرُ العَرَصاتِ (1)

من أحسن الشعر وفاخر المدائح المقولة فی أهل البیت علیهم السلام ، قصد بها علیّ بن موسی الرضا علیه السلام بخراسان ، قال : دخلت علی علیِّ بن موسی الرضا علیه السلام ، فقال لی : «أنشدنی شیئاً ممّا أحدثت» ، فأنشدتُه :

مدارسُ آیاتٍ خَلَتْ من تِلاوةٍ

ومنزلُ وَحیٍ مُقفِرُ العَرَصاتِ

حتی انتهیتُ إلی قولی :

إذا وُتِروا مَدّوا إلی واتریهمُ

أَکُفّا عن الأوتار مُنقبضاتِ

قال : فبکی حتی أُغمی علیه ، وأومأ إلیَّ خادم کان علی رأسه : أن اسکت فسکتُّ ، فمکث ساعة ثمَّ قال لی : «أعِدْ» فأعدتُ حتی انتهیتُ إلی هذا البیت أیضاً ، فأصابه مثل الذی أصابه فی المرّة الأولی ، وأومأ الخادم إلیَّ : أن اسکت فسکتُّ ، فمکث ساعة أخری ثمَّ قال لی : «أعِدْ» ، فأعدتُ حتی انتهیت إلی آخرها ، فقال لی : «أحسنتَ» - ثلاث مرّات - ثمَّ أمر لی بعشرة آلاف درهم ممّا ضُرِبَ باسمه ، ولم تکن دُفِعَت إلی أحد بعدُ ، وأمر لی من فی منزله بحلیٍ کثیر أخرجه إلیَّ الخادم ، فقدمتُ العراق ، فبعتُ کلَّ درهم منها بعشرة دراهم ، اشتراها منّی الشیعة ، فحصل لی مائة ألف درهم ، فکان أوّل مال اعتقدته (2).

قال ابن مهرویه : وحدّثنی حذیفة بن محمد : أنَّ دعبلاً قال له : إنّه استوهب من الرضا علیه السلام ثوباً قد لبسه لیجعله فی أکفانه ، فخلع جُبَّة کانت علیه فأعطاه إیّاها ، وبلغ أهل قم خبرها ، فسألوه أن یبیعهم إیّاها بثلاثین ألف درهم ، فلم یفعل ، فخرجوا ف)

ص: 489


1- هو البیت الثلاثون من القصیدة وتُسمّی به. (المؤلف)
2- فی معاهد التنصیص : 1 / 205 [2 / 199 رقم 115] ، عیون أخبار الرضا : ص 280 [2 / 296 ح 34]. (المؤلف)

علیه فی طریقه فأخذوها منه غصباً ، وقالوا له : إن شئتَ أن تأخذ المال فافعل ، وإلاّ فأنت أعلم ، فقال لهم : إنّی والله لا أعطیکم إیّاها طوعاً ولا تنفعکم غصباً وأشکوکم إلی الرضا علیه السلام فصالحوه علی أن أَعطَوه الثلاثین ألف درهم وفرد کُمٍّ من بِطانتها ، فرضی بذلک ، فأعطوه فرد کُمٍّ فکان فی أکفانه ، وکتب قصیدته :

مدارسُ آیاتٍ خلَتْ من تلاوةٍ

ومنزلُ وحیٍ مُقفِرُ العرصاتِ

فیما یقال علی ثوب وأحرم فیه وأمر بأن یکون فی أکفانه (1).

وروی فی (ص 39) (2) عن دعبل قال : لمّا هربتُ من الخلیفة بتُّ لیلةً بنیسابور وحدی ، وعزمتُ علی أن أعمل قصیدة فی عبد الله بن طاهر فی تلک اللیلة ، فإنّی لفی ذلک إذ سمعت والباب مردودٌ علیَّ : السلام علیکم ورحمة الله ، انجُ یرحمک الله ، فاقشَعَرَّ بدنی من ذلک ونالنی أمرٌ عظیمٌ ، فقال لی : لا تُرَع عافاک الله ، فإنّی رجلٌ من إخوانک من الجنِّ من ساکنی الیمن ، طرأ إلینا طارئ من أهل العراق فأنشدنا قصیدتک :

مدراسُ آیاتٍ خلَتْ من تِلاوةٍ

ومنزلُ وحیٍ مُقفِرُ العرصات

فأحببتُ أن أسمعها منک ، قال فأنشدته إیّاها فبکی حتی خرَّ ، ثمَّ قال : رَحِمَک الله ألا أُحدِّثُکَ حدیثاً یزید فی نیّتک ویعینک علی التمسّکِ بمذهبک؟ قلت : بلی.

قال : مکثتُ حیناً أسمع بذکر جعفر بن محمد علیه السلام فصرتُ إلی المدینة فسمعته یقول : حدّثنی أبی عن أبیه عن جدِّه أنَّ رسول الله صلی الله علیه وسلم قال : «علیٌّ وشیعته هم الفائزون». ثمّ ودّعنی لینصرف فقلت له : یرحمک الله إن رأیت ، أن تُخبرنی باسمک فافعل. قال : أنا ظبیان بن عامر (3). ف)

ص: 490


1- وذکر فی معجم الأدباء : 4 / 196 [11 / 103] ، ومعاهد التنصیص : 1 / 205 [2 / 199 رقم 115] ، وعصر المأمون : 3 / 255. (المؤلف)
2- الأغانی : 20 / 155.
3- وذکره صاحب معاهد التنصیص : 1 / 205. (المؤلف)

2 - قال أبو إسحاق القیروانی الحصری المتوفّی سنة (413) فی زهر الآداب (1) (1 / 86) : کان دعبل مدّاحاً لأهل البیت علیهم السلام کثیر التعصّب لهم والغلوِّ فیهم ، وله المرثیة المشهورة ، وهی من جیِّد شعره ، وأوّلها :

مدارسُ آیاتٍ خَلَتْ من تلاوةٍ

ومنزلُ وَحیٍ مُقفِرُ العَرَصاتِ

لآلِ رسول الله بالخَیفِ من منی

وبالبیت والتعریف والجَمَراتِ

دیارُ علیٍّ والحسینِ وجعفرٍ

وحمزةَ والسجّادِ ذی الثفَناتِ

قفا نسألِ الدارَ التی خَفَّ أهلُها

متی عهدها بالصومِ والصلواتِ

وأین الأُلی شطّت بهم غُربَةُ النوی

أفانینَ فی الآفاق مفترِقاتِ

أُحبُّ قَصیَّ الدار من أجل حُبِّهم

وأهجرُ فیهم أُسرتی وثِقاتی

3 - قال الحافظ ابن عساکر فی تاریخه (2) (5 / 234) : ثمّ إنّ المأمون لمّا ثبتت قدمه فی الخلافة ، وضرب الدنانیر باسمه ، أقبل یجمع الآثار فی فضائل آل الرسول ، فتناهی إلیه فیما تناهی من فضائلهم قول دعبل :

مدارسُ آیاتٍ خَلَتْ من تِلاوةٍ

ومنزلُ وحیٍ مقفرُ العرَصاتِ

لآلِ رسول الله بالخَیْفِ من منی

وبالبیت والتعریف والجمراتِ

فما زالت تردَّدُ فی صدر المأمون حتی قدم علیه دعبل (3) ، فقال له : أنشدنی قصیدتک التائیّة ولا بأس علیک ولک الأمان من کلِّ شیء فیها ؛ فإنّی أعرفها وقد رُوِیتُها ، إلاّ أنّی أُحبُّ أن أسمعَها من فیک.

قال : فأنشده حتی صار إلی هذا الموضع : ف)

ص: 491


1- زهر الآداب وثمر الألباب : 1 / 134.
2- تاریخ مدینة دمشق : 6 / 77 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 8 / 182.
3- ومن هنا یوجد فی الأغانی : 18 / 58 [20 / 195] ، وزهر الآداب : 1 / 86 [1 / 134] ، ومعاهد التنصیص : 1 / 205 [2 / 198 رقم 115] ، والإتحاف : ص 165. (المؤلف)

ألم ترَ أنّی مُذْ ثلاثین حِجّةً

أروحُ وأغدو دائمَ الحَسَراتِ

أری فیئَهم فی غیرِهمْ مُتَقَسَّماً

وَأیْدِیَهُمْ من فَیْئِهِمْ صَفِراتِ

فآلُ رسول الله نُحْفٌ جسومُهمْ

وآلُ زیادٍ غُلّظُ القَصَرَاتِ

بناتُ زیادٍ فی الخدورِ مصونةٌ

وبنتُ رسولِ اللهِ فی الفلواتِ

إذا وُتروا مَدّوا إلی واتریهمُ

أکفّا عن الأوتارِ مُنْقبضاتِ

فلو لا الذی أرجوه فی الیوم أو غدٍ

تقطّع نفسی إثْرَهمْ حَسَراتی

فبکی المأمون حتی اخضلّت لحیته وجرت دموعه علی نحره ، وکان دعبل أوّل داخل علیه وآخر خارج من عنده.

4 - قال یاقوت الحموی فی معجم الأدباء (1) (4 / 196) : قصیدته التائیّة فی أهل البیت من أحسن الشعر وأسنی المدائح ، قصد بها علیَّ بن موسی الرضا علیه السلام بخراسان (وذکر حدیث البردة وقصّتها المذکورة ثمّ قال) : ویقال : إنّه کتب القصیدة فی ثوب وأحرم فیه ، وأوصی بأن یکون فی أکفانه. ونُسَخُ هذه القصیدة مختلفةٌ ، فی بعضها زیادات یُظنّ (2) أنّها مصنوعةٌ ألحقها بها أناسٌ من الشیعة ، وإنّا موردون ما صحَّ منها :

مدارسُ آیاتٍ خَلَتْ من تلاوةٍ

ومنزلُ وحیٍ مُقفِرُ العرصَاتِ

لآل رسول الله بالخَیْفِ من منی

وبالرکنِ والتعریفِ والجمراتِ

دیار علیٍّ والحسینِ وجعفرٍ

وحمزةَ والسجّادِ ذی الثفناتِ

دیارٌ عفاها کلُّ جَونٍ مبادرٍ

ولم تَعْفُ للأیّام والسنواتِ

قفا نسألِ الدار التی خفَّ أهلها

متی عهدُها بالصومِ والصلواتِ

وأین الأُلی شطّت بهم غربةُ النوی

أفانینَ فی الآفاق مُفْترقاتِ

همُ أهلُ میراثِ النبیِّ إذا اعتَزَوا

وهم خیرُ قاداتٍ وخیرُ حُماةِ

ف)

ص: 492


1- معجم الأدباء : 11 / 102 - 110.
2- یأتی فی آخر ما یتبع الشعر أنّ هذا الظنّ إثم ، ولا یغنی من الحقّ شیئاً. (المؤلف)

وما الناس إلاّ حاسدٌ ومکذِّبٌ

ومضطغنٌ ذو إحْنةٍ وَتِراتِ

إذا ذَکروا قتلی ببدرٍ وخیبرٍ

ویومَ حُنینٍ أسبلوا العَبَراتِ

قبورٌ بکوفانٍ وأخری بطَیْبَةٍ

وأخری بفَخٍّ نالَها صلواتی

وقبرٌ ببغدادٍ لنفسٍ زکیّةٍ

تَضَمَنَّها الرحمنُ فی الغُرُفاتِ

فأمّا المُصِماتُ (1) التی لستُ بالغاً

مبالِغَها منّی بکُنهِ صِفاتِ

إلی الحشرِ حتی یبعثَ اللهُ قائماً

یفرِّجُ منها الهمّ والکُرباتِ

نفوسٌ لدی النهرین من أرض کربلا

مُعَرَّسُهمْ فیها بشطِّ فراتِ

تقسّمهم رَیْبُ الزمان کما تری

لهم عُقرةٌ (2) مغشیّةُ الحجراتِ

سوی أنّ منهم بالمدینة عُصْبةً

مدی الدهر أنضاءً من الأزماتِ

قلیلةُ زوّارٍ سوی بعض زُوَّرٍ

من الضبع والعِقبان والرخَماتِ

لهم کلَّ حینٍ نومةٌ بمضاجعٍ

لهم فی نواحی الأرضِ مختلفاتِ

وقد کان منهم بالحجازِ وأهلها

مغاویرُ یُختارون فی السرواتِ

تنکّبَ لَأْواء (3) السنینَ جوارَهمْ

فلا تَصْطَلیهِمْ جمرةُ الجَمَراتِ

إذا وَرَدُوا خَیْلاً تشمَّسَ (4) بالقَنَا

مَساعرُ جمرِ الموتِ والغَمَراتِ

وإنْ فَخَروا یوماً أتَوا بمحمدٍ

وجبریلَ والفرقانِ ذی السُّوَراتِ

ملامَک فی أهلِ النبیِّ فإنّهمْ

أحبّایَ ما عاشوا وأهلُ ثِقاتی

تخیّرْتُهمْ رُشْداً لأمری فإنّهمْ

علی کلِّ حالٍ خیرةُ الخِیَرَاتِ

فیا ربِّ زدنی من یقینی بصیرةً

وزد حبَّهم یا ربِّ فی حسناتی

بنفسیَ أنتمْ من کهولٍ وفتیةٍ

لفکِّ عُناة أو لحمل دِیاتِ

أُحبُّ قَصیَ الرحْم من أجل حبِّکمْ

وأهجرُ فیکم أُسرتی وبناتی

ب.

ص: 493


1- المصمات : الدواهی والأمور العظیمة.
2- فی معجم الأدباء : عُمْرة.
3- اللأواء : الشدّة وضیق المعیشة.
4- تشمّس : امتنع بسلاحه عن العدو ، یقال فرس شموس إذا منعت ظهرها وأبت الرکوب.

وأکتمُ حُبِّیکم مخافةَ کاشح

عنیدٍ لأهلِ الحقِّ غیر مواتِ

لقد حفّتِ الأیّامُ حولی بشَرِّها

وإنّی لأرجو الأمْنَ بعد وفاتی

ألم ترَ أنّی مُذ ثلاثین حِجّةً

أروحُ وأغدوا دائمَ الحسَرَاتِ

أری فَیْئَهَمْ فی غیرهم متقسَّماً

وأیدِیَهُمْ من فَیْئِهمْ صَفِراتِ

فآلُ رسولِ اللهِ نُحْفٌ جُسُومُهمْ

وآلُ زیاد حُفَّلُ القَصَراتِ (1)

بناتُ زیادٍ فی القصورِ مصونةٌ

وآلُ رسولِ اللهِ فی الفَلَواتِ

إذا وُتِروا مدّوا إلی أهل وترهم

أکُفّا من الأوتارِ منقبضاتِ

فلو لا الذی أرجوهُ فی الیوم أو غدٍ

لقطّعَ قلبی إثرَهم حسراتی

خروجُ إمامٍ لا محالة خارجٍ (2)

یقوم علی اسم الله والبرکاتِ

یمیِّز فینا کل حقٍّ وباطلٍ

ویَجزی علی النعْماءِ والنّقِماتِ

سَأقْصُرُ نفسی جاهداً عن جِدالِهِمْ

کفانیَ ما ألقی من العَبَراتِ

فیا نفسُ طِیبی ثمّ یا نفسُ أبْشِری

فغیرُ بعیدٍ کلُّ ما هو آتِ

فإن قرّب الرحمنُ من تلک مُدّتی

وأخّرَ من عمری لطول حیاتی

شُفِیتُ ولم أترکْ لنفسی رزیّةً

ورَوّیت منهم مُنْصُلی وقناتی

أُحاول نقلَ الشمس من مستقرِّها

وأُسْمِعُ أحجاراً من الصلِداتِ

فمن عارفٍ لم ینتفعْ ومعاندٍ

یمیلُ مع الأهواء والشبهاتِ

قصارای منهم أن أموتَ بِغُصّةٍ

تَرَدّدُ بین الصدر واللَهَواتِ

کأنّک بالأضلاعِ قد ضاق رَحْبُها

لِما ضُمِّنَتْ من شدّة الزفراتِ

5 - أخرج شیخ الإسلام أبو إسحاق الحمّوئی المترجم له (1 / 123) عن أحمد بن زیاد عن دعبل الخزاعی ، قال : أنشدت قصیدة لمولای علیّ الرضا رضی الله عنه :

مدارسُ آیاتٍ خَلَتْ من تِلاوةٍ

ومنزلُ وحیٍ مُقفرُ العرصاتِ

ع.

ص: 494


1- الحُفّل من الحافل : الممتلئ. القَصَرات جمع قَصَرة : أصل العنق. (المؤلف)
2- خارج : صفة للإمام ، وخبر «لا» محذوف تقدیره واقع.

قال لی الرضا : «أفلا أُلحِقُ البیتین بقصیدتک؟». قلت : بلی یا ابن رسول الله ، فقال :

«وقبر بطوسٍ یا لها من مصیبةٍ

ألحّت بها الأحشاءُ بالزفراتِ

إلی الحشر حتی یبعث الله قائماً

یفرِّج عنّا الهمَّ والکرباتِ (1)»

قال دعبل : ثمّ قرأت باقی القصیدة فلمّا انتهیت إلی قولی :

خروجُ إمامٍ لا محالة واقعٌ

یقوم علی اسم الله والبرکاتِ

بکی الرضا بکاء شدیداً ثمّ قال : «یا دعبل نطق روح القدُس بلسانک ، أتعرف من هذا الإمام؟» قلت : لا ، إلاّ أنّی سمعت خروج إمام منکم یملأ الأرض قسطاً وعدلاً.

فقال : «إنّ الإمام بعدی ابنی محمد ، وبعد محمد ابنه علیّ ، وبعد علیّ ابنه الحسن ، وبعد الحسن ابنه الحجّة القائم ، وهو المنتظر فی غیبته ، المُطاع فی ظهوره ، فیملأ الأرض قسطاً وعدلاً کما مُلئت جوراً وظلماً ، وأمّا متی یقوم فإخبارٌ عن الوقت. لقد حدَّثنی أبی عن آبائه عن رسول الله صلی الله علیه وسلم قال : مَثَلُه کَمَثل الساعة لا تأتیکم إلاّ بغتة». ویأتی هذا الحدیث عن الشبراوی أیضاً.

6 - قال أبو سالم بن طلحة الشافعی المتوفّی (652) فی مطالب السؤول(ص 85):

قال دعبل : لمّا قلت مدارس آیات قصدت بها أبا الحسن علیَّ بن موسی الرضا وهو بخراسان ولیّ عهد المأمون ، فأحضرنی المأمون وسألنی عن خبری ثمّ قال لی : یا دعبل أنشدنی مدارس آیات خلت من تلاوة ، فقلت : ما أعرفُها یا أمیر المؤمنین ، ف)

ص: 495


1- ألحقها الإمام علیه السلام بعد قول دعبل : [ ] وقبر ببغدادٍ لنفسٍ زکیّةٍ [ ] تضمّنها الرحمنُ فی الغُرُفاتِ [ ] (المؤلف)

فقال : یا غلام أحضر أبا الحسن علیّ بن موسی الرضا علیه السلام. فلم یکن إلاّ ساعة حتی حضر ، فقال له : یا أبا الحسن ، سألت دعبلاً عن مدارس آیات خَلَتْ من تلاوة فذکَرَ أنّه لا یعرفها. فقال لی أبو الحسن : «یا دعبل أنشِدْ أمیر المؤمنین». فأخذت فیها فأنشدتها ، فاستَحْسَنها فأمر لی بخمسین ألف درهم. وأمر لی أبو الحسن الرضا بقریب من ذلک.

فقلت : یا سیِّدی إن رأیتَ أن تَهَبَنی شیئاً من ثیابک لیکون کفنی. فقال : «نعم». ثمّ دفع لی قمیصاً قد ابتذله ومِنْشفة لطیفة ، وقال لی : «احفظ هذا تُحْرَسْ به» ثمّ دفع لی ذو الریاستین أبو العبّاس الفضل بن سهل وزیر المأمون صلةً ، وحَمَلَنی علی برذون أصفر خراسانیّ ، وکنت أُسایره فی یوم مطیر وعلیه ممطر خزّ وبُرْنُس ، فأمر لی به ودعا بغیره جدید ولبسه ، وقال : إنّما آثرتک باللبیس لأنّه خیر الممطرین ، قال : فأُعطِیتُ به ثمانین دیناراً فلم تَطِبْ نفسی ببیعه ، ثمّ کَرَرْتُ راجعاً إلی العراق ، فلمّا صِرتُ فی بعض الطریق خرج علینا الأکراد فأخذونا ، فکان ذلک الیوم یوماً مطیراً ، فبقیتُ فی قمیصٍ خَلقٍ وضُرٍّ شدید ، متأسِّفاً ، من جمیع ما کان معی ، علی القمیص والمنشفة ومفکّراً فی قول سیّدی الرضا ، إذ مرَّ بی واحدٌ من الأکراد الحرامیّة تحته الفرس الأصفر الذی حملنی علیه ذو الریاستین وعلیه الممطر ، ووقف بالقرب منّی لیجتمع إلیه أصحابه وهو ینشد - مدارس آیات خلت من تلاوة - ویبکی ، فلمّا رأیت ذلک عَجِبْتُ من لصّ من الأکراد یتشیّعُ ، ثمّ طمعتُ فی القمیص والمنشفة فقلت : یا سیِّدی ، لمن هذه القصیدة؟ فقال : وما أنت وذاک؟ ویلک!. فقلت : لی فیه سببٌ أُخبرک به ، فقال : هی أشهر بصاحبها من أن تُجهلَ. فقلت : من؟ قال : دعبل بن علیّ الخزاعی شاعر آل محمد جزاه الله خیراً. قلت له : یا سیِّدی فأنا والله دعبل وهذه قصیدتی ، الحدیث.

وقال (ص 86) بعد ذکر الحدیث ما لفظه : فانظر إلی هذه المنقبة وما أعلاها وما أشرفها ، وقد یقف علی هذه القصّة بعض الناس ممّن یطالع هذا الکتاب ویقرؤه

ص: 496

فتدعوه نفسه إلی معرفة هذه الأبیات المعروفة ب - مدارس آیات - ویشتهی الوقوف علیها ، وینسبُنی فی إعراضی عن ذکرها إمّا أنّنی لم أعرفها ، أو : أنّنی جَهِلتُ میل النفوس حینئذٍ إلی الوقوف علیها ، فأحببتُ أن أُدخِلَ راحةً علی بعض النفوس ، وأن أدفعَ عنّی هذا النقص المتطرِّق إلی بعض الظنون ، فأوردت منها ما یناسب ذلک ، وهی :

ذکرتُ محلَّ الرَّبعِ من عرفاتِ

وأرسلتُ دمعَ العینِ بالعبراتِ

وفلَّ عُری صبری وهاج صَبابتی

رسومُ دیارٍ أقفرَتْ وعِراتِ

مدارسُ آیاتٍ خَلَتْ من تلاوةٍ

ومَهبطُ وحی مُقفِرُ العرصاتِ

لآلِ رسولِ اللهِ بالخَیْفِ من منی

وبالبیتِ والتعریفِ والجَمَراتِ

دیارُ علیٍّ والحسینِ وجعفرٍ

وحمزةَ والسجّادِ ذی الثفناتِ (1)

دیارٌ عفاها جَوْرُ کلِّ مُنابذٍ

ولم تَعْفُ بالأیّام والسنواتِ

ودارٌ لعبد الله والفضلِ صنوهِ

سلیلِ (2) رسولِ الله ذی الدعواتِ

منازلُ کانت للصّلاة وللتّقی

وللصومِ والتطهیرِ والحسناتِ

منازلُ جبریلُ الأمینُ یحلُّها

من الله بالتسلیمِ والزکواتِ

منازلُ وحیِ اللهِ مَعدِنِ علمِهِ

سبیلِ رشادٍ واضحِ الطُرقاتِ

منازلُ وحی الله ینزلُ حولَها

علی أحمد الروحات والغدواتِ

فأین الأُلی شطّت بهم غُربةُ النّوی

أفانینَ فی الأقطار مفترقاتِ

هُمُ آلُ میراث النبیِّ إذا انتموا

وهمْ خیرُ ساداتٍ وخیرُ حُماةِ

ه.

ص: 497


1- ذکر الثعالبی فی ثمار القلوب : ص 233 [ص 291 رقم 439] بیتین من القصیدة ، أحدهما : مدارس آیات. والثانی هذا البیت ، وقال : (ذو الثفنات) کان یقال لکلّ من علیّ بن الحسین بن علیّ علیهم السلام وعلیّ بن عبد الله بن عبّاس : ذو الثفنات ، لِما علی أعضاء السجود منهما من السجدات الشبیهة بثفنات الإبل ؛ وذلک لکثرة صلاتهما. (المؤلف)
2- فی الدیوان : نجیِّ رسول الله.

مطاعیمُ فی الإعسارِ فی کلِّ مشهدٍ

لقد شُرِّفوا بالفضلِ والبَرکاتِ

إذا لم نُناجِ اللهَ فی صَلواتِنا

بذکرِهمُ لم یَقْبَلِ الصّلواتِ

أئمّةُ عَدْلٍ یُقتدی بفعالِهم

وتُؤمَنُ منهم زَلّةُ العَثَراتِ

فیا ربِّ زِدْ قلبی هدیً وبصیرةً

وَزِدْ حبَّهم یا ربِّ فی حسناتی

دیارُ رسول الله أصبحنَ بلقعاً

ودار زیادٍ أصبحتْ عمراتِ

وآل رسول الله غُلَّت رقابُهمْ

وآل زیادٍ غُلّظُ القَصَرَاتِ

وآل رسول الله تَدمی نحورُهُمْ

وآل زیاد زیَّنوا الحَجَلاتِ (1)

وآل رسول الله تُسبی حریمُهم

وآلُ زیاد آمِنوا السَرباتِ

وآل زیاد فی القصور مصونةٌ

وآل رسولِ اللهِ فی الفلواتِ

فیا وارثی علمِ النبیِّ وآلَهُ

علیکم سلامٌ دائمُ النَفَحاتِ

لقد آمنتْ نفسی بکمْ فی حیاتِها

وإنّی لأرجو الأمنَ بعد مماتی

7 - ذکر شمس الدین سبط ابن الجوزی الحنفی : المتوفّی (654) فی تذکرته (2) (ص 130) من القصیدة (29) بیتاً ، وفیها ما لم یذکره الحموی فی معجم الأدباء. وذُکرت فی هامش التذکرة القصیدة من أوَّلها إلی - مدارس آیات.

8 - ذکر صلاح الدین الصفدی : المتوفّی (764) فی الوافی بالوفیات (3) (1 / 156) طریق روایة القصیدة عن عبید الله (4) بن جخجخ النحوی عن محمد بن جعفر بن لنکک أبی الحسن البصری النحوی عن أبی الحسین العبادانی عن أخیه عن دعبل. وهذا الطریق ذکره جلال الدین السیوطی فی بغیة الوعاة (5) (ص 94). 6.

ص: 498


1- الحَجَلاتِ : جمع حَجَلَة ، وهی بیت یزیّن بالثیاب والأسرّة والستور.
2- تذکرة الخواص : ص 227.
3- الوافی بالوفیات : 14 / 14 رقم 12.
4- قال یاقوت الحموی : کان ثقة صحیح الکتابة [وذکره السیوطی فی بغیة الوعاة : 2 / 126 رقم 1607]. (المؤلف)
5- بغیة الوعاة : 1 / 219 رقم 396.

9 - روی الشبراوی الشافعی : المتوفّی (1172) فی الإتحاف (ص 165) عن الهروی ، قال : سمعت دعبلاً یقول : لمّا أنشدت مولای الرضا قصیدتی التی أوّلها :

مدارسُ آیاتٍ خَلَتْ من تِلاوةٍ

ومهبطُ وحیٍ مقفرُ العَرَصاتِ

فلمّا انتهیت إلی قولی :

خروجُ إمامٍ لا محالةَ خارجٍ

یقوم علی اسم الله والبرکاتِ

یمیِّز فینا کلَّ حقٍّ وباطلٍ

ویُجزی علی النعماء والنقماتِ

بکی الرضا علیه السلام بکاءً شدیداً ثمَّ رفع رأسه إلیّ فقال لی : «یا خزاعیُّ نطق روحُ القُدُس علی لسانِک بهذین البیتین ، فهل تدری من هذا الإمام؟ ومتی یقوم؟». فقلت : لا یا سیِّدی؟ إلاّ أنّی سَمِعْتُ بخروجِ إمامٍ منکم ، إلی آخر ما مرَّ عن الحمّوئی (1).

وفی الإتحاف (ص 161) : نقل الطبری فی کتابه عن أبی الصلت الهَرَوی قال : دخل الخزاعیُّ علی علیِّ بن موسی الرضا بمرو ، فقال : یا ابن رسول الله ، إنّی قلت فیکم أهلَ البیتِ قصیدة ، وآلیتُ علی نفسی أن لا أُنشِدَها أحداً قبلک ، وأُحبُّ أن تسمعها منّی ، فقال له علیُّ الرضا : «هات قل» ، فأنشأ یقول :

ذکرتُ محلَّ الربعِ من عَرَفاتِ

فَأجْرَیتُ دمعَ العینِ بالعَبَراتِ

وفلَّ عُری صَبری وهاجَتْ صبابتی

رسومُ دیارٍ أقْفَرتْ وَعِراتِ

مدارسُ آیاتٍ خَلَتْ من تِلاوةٍ

ومَهْبطُ وَحیٍ مُقفِرُ العَرَصاتِ

لآل رسول اللهِ بالخَیْفِ من منی

وبالبیتِ والتعریفِ والجمراتِ

دیار علیٍّ والحسینِ وجعفرٍ

وحمزةَ والسجّادِ ذی الثفَناتِ

ف)

ص: 499


1- وذکره الصدوق فی العیون : ص 370 [2 / 296 ح 35 باب 66] ، وکمال الدین : ص 372 ، والطبرسی فی إعلام الوری : ص 192 [ص 318]. (المؤلف)

دیارٌ لعبدِ الله والفضلِ صِنوِهِ

نَجیِّ رسول اللهِ فی الخَلواتِ

منازلُ کانت للصلاة وللتقی

وللصوم والتطهیر والحَسَناتِ

منازلُ جبریلُ الأمینُ یَحِلُّها

من الله بالتعلیم والرحماتِ

منازلُ وحیِ الله معدنِ علمهِ

سبیلِ رشادٍ واضحِ الطرقاتِ

قفا نسألِ الدارَ التی خَفَّ أهلُها

متی عهدُها بالصومِ والصلواتِ

وأین الأُلی شطّتْ بهم غُربةُ النوی

فأمْسَیْنَ فی الأقطار مُفترقاتِ

أُحبُّ قضاء الله من أجل حبِّهمْ

وأهجرُ فیهم أُسرتی وثِقاتی

همُ أهلُ میراثِ النبیِّ إذا انتموا

وهمْ خیرُ سادات وخیرُ حُماةِ

مطاعیمُ فی الإعسار فی کلِّ مشهدٍ

لقد شُرِّفوا بالفضلِ والبرکاتِ

أئمّةُ عَدلٍ یُقتدَی بفعالِهم

وتُؤْمَنُ منهمْ زلَّةُ العَثَراتِ

فیا ربِّ زِدْ قلبی هدیً وبصیرةً

وزد حبّهم یا ربِّ فی حسناتی

لقد آمنتْ نفسی بهمْ فی حیاتِها

وإنّی لأرجُو الأمنَ بعد وَفاتی

ألم تَرَ أنّی مُذْ ثلاثینَ حِجّةً

أروحُ وأغدو دائمَ الحَسَراتِ

أری فیئَهم فی غیرِهمْ مُتَقَسَّماً

وأیدِیَهمْ من فَیْئِهِمْ صَفِراتِ

إذا وُتِروا مَدّوا إلی أهلِ وِتْرِهِمْ

أکُفّا عن الأوتارِ منقبضاتِ

وآلُ رسول الله نُحْفٌ جُسُومُهمْ

وآلُ زیاد غُلَّظ القَصَراتِ

سأبکیهمُ ما ذَرَّ فی الأُفق شارقٌ

ونادی منادی الخیر بالصلواتِ

وما طلعت شمسٌ وحان غُروبها

وباللیلِ أبکیهمْ وبالغَدَواتِ

دیارُ رسولِ اللهِ أصبحْنَ بَلْقَعاً

وَآلُ زیادٍ تسکُن الحُجُراتِ

وَآلُ زیادٍ فی القصورِ مصونةٌ

وآلُ رسولِ اللهِ فی الفَلَواتِ

فلو لا الذی أرجوه فی الیومِ أو غدٍ

تقطّعُ نفسی إثرهم حسراتی

خروجُ إمامٍ لا محالةَ خارجٍ

یقوم علی اسمِ اللهِ بالبرکاتِ

یُمیِّز فینا کلَّ حُسنٍ وباطلٍ

ویَجزی عن النعماء والنَقِماتِ

فیا نفسُ طیبی ثمّ یا نفسُ فاصبری

فغیرُ بعید کلُّ ما هو آتِ

ص: 500

وهی قصیدةٌ طویلةٌ عدّة أبیاتها مائةٌ وعشرون بیتاً. ولمّا فرغ دعبل من إنشادها نهض أبو الحسن الرضا وقال : «لا تبرح» فأنفذ إلیه صُرّة فیها مائة دینار واعتذر إلیه. فردّها دعبل وقال : والله ما لهذا جئتُ وإنّما جئت للسلام علیه والتبرُّک بالنظر إلی وجهه المیمون ، وإنّی لفی غنیً ، فإن رأی أن یعطینی شیئاً من ثیابه للتبرُّک فهو أحبُّ إلیَّ ، فأعطاه الرضا جبّة خَزّ وردَّ علیه الصُرَّة وقال للغلام : «قل له : خذْها ولا تَرُدّها ؛ فإنّک ستصرفها أَحوَجَ ما تکونُ إلیها». فأخذها وأخذ الجبَّة. إلی آخر حدیث اللصوص المذکور.

10 - ذکر الشبلنجی فی نور الأبصار (1) (ص 153) ما مرَّ عن الشبراوی برُمّته حرفیّا.

أمّا أعلام الطائفة :

فقد ذکر القصیدة وقصّة الجُبّة واللصوص جمعٌ کثیرٌ [منهم] لا نطیل المقال بذکر کلماتهم ، بل نقتصر منها علی ما لم یُذکر فی الکلمات المذکورة.

روی شیخنا الصدوق فی العیون (2) (ص 368) والإکمال (3) عن الهروی قال : دخل دعبل علی أبی الحسن الرضا علیه السلام بمرو فقال له : یا ابن رسول الله ، إنِّی قد قلتُ فیکم قصیدة وآلیتُ علی نفسی أن لا أُنْشِدَها أحداً قبلک ، فقال علیه السلام : «هاتها» ، فأنشده ، فلمّا بلغ إلی قوله :

أری فیْئَهُمْ فی غیرهم مُتَقَسَّماً

وَأیْدِیَهُمْ من فَیْئِهِمْ صَفِراتِ

بکی أبو الحسن علیه السلام وقال له : «صدقْتَ یا خزاعِیُّ» ، فلمّا بلغ إلی قوله : 5.

ص: 501


1- نور الأبصار : ص 310.
2- عیون أخبار الرضا : 2 / 294 ح 34 باب 66.
3- کمال الدین : ص 373 - 376 باب 35.

إذا وُتِروا مَدّوا إلی واتریهمُ

أکُفّا عن الأوتارِ مُنقبضاتِ

جعل أبو الحسن علیه السلام یُقَلِّب کفَّیه ویقول : «أجل والله منقبِضات» ، فلمّا بلغ إلی قوله :

لقد خِفْتُ فی الدنیا وأیّامِ سعیها

وإنّی لأرجو الأمنَ بعد وفاتی

قال الرضا : «آمنک الله یوم الفزع الأکبر». فلمّا انتهی إلی قوله :

وقبرٌ ببغدادٍ لنفسٍ زَکیّةٍ

تضمّنها الرحمنُ فی الغُرُفاتِ

قال له الرضا : «أفَلا أُلْحِق لکَ بهذا الموضع بیتین بهما تمام قصیدتک؟».

فقال : بلی یا ابن رسول الله ، فقال علیه السلام :

«وقبرٌ بطوسٍ یا لها من مصیبةٍ

تَوَقّدُ فی الأحشاءِ بالحُرُقاتِ

إلی الحشر حتی یبعثَ اللهُ قائماً

یُفرِّج عنّا الهمَّ والکُرُباتِ»

فقال دعبل : یا ابن رسول الله هذا القبر الذی بطوس قبر من هو؟

فقال الرضا : «قبری ، ولا تنقضی الأیّام واللیالی حتی تصیر طوس مُختلَف شیعتی وزوّاری ، ألا فمن زارنی فی غربتی بطوس کان معی فی دَرَجَتی یوم القیامة مغفوراً له». ثمّ نهض الرضا علیه السلام وأمر دعبل أن لا یبرح من موضعه ، فذکر قصّة الجبّة واللصوص ثمّ قال :

کانت لدعبل جاریةٌ لها من قِبَلِهِ محلٌّ ، فَرَمَدَتْ عینُها رَمَداً عظیماً ، فأُدخِل أهل الطبِّ علیها فنظروا إلیها فقالوا : أمّا العین الیمنی فلیس لنا فیها حیلةٌ وقد ذهبت ، وأمّا الیسری فنحن نعالجها ونجتهد ونرجو أن تَسلمَ. فاغتَمَّ لذلک دعبل غمّا شدیداً وجزع علیها جزعاً عظیماً ، ثمّ إنّه ذکر ما کان معه من وُصْلَة الجُبّة ، فَمَسَحَها علی عَیْنی الجاریة وعصبها بعصابة منها من أوّل اللیل ، فأصبحت وعیناها أصحّ ممّا کانتا قبلُ

ص: 502

ببرکة أبی الحسن الرضا علیه السلام (1).

فی مشکاة الأنوار (2) ومؤجِّج الأحزان (3) : رُوی أنّه لمّا قرأ دعبل قصیدته علی الرضا علیه السلام وذکر الحجّة - عجَّل الله فرجه - بقوله :

فلو لا الذی أرجوهُ فی الیومِ أو غدٍ

تُقطِّعُ نفسی إثْرَهُمْ حَسَراتی

خروجُ إمامٍ لا محالةَ خارجٍ

یقوم علی اسمِ الله والبرکاتِ

وضع الرضا علیه السلام یَدَهُ علی رأسه ، وتواضع قائماً ودعا له بالفَرَج. وحکاه عن المشکاة صاحب الدمعة الساکبة (4) وغیره.

ولهذه التائیّة عدّة شروح لأعلام الطائفة منها :

شرح العلاّمة الحجّة السیِّد نعمة الله الجزائری : المتوفّی (1112).

شرح العلاّمة الحجّة کمال الدین محمد بن محمد الفَسَوی الشیرازی.

شرح العلاّمة الحاج میرزا علیّ العلیاری التبریزی : المتوفّی (1327).

لفت نظر

إنَّ مستهلَّ هذه القصیدة لیس کلّ ما ذکروه ؛ فإنّها مبدوءةٌ بالنسیب ومطلعها :

تجاوبن بالإرنان والزفراتِ

نوائحُ عُجْمُ اللفظِ والنطقاتِ

قال ابن الفتّال فی روضته (5) (ص 194) ، وابن شهرآشوب فی المناقب (6) 6.

ص: 503


1- وذکره الطبرسی فی إعلام الوری : ص 191 [ص 316] ، والإربِلی فی کشف الغُمّة : ص 275 [3 / 112]. (المؤلف)
2- تألیف الشیخ محمد بن عبد الجبّار البحرانی. (المؤلف)
3- تألیف الشیخ عبد الرضا بن محمد الأوالی البحرانی. (المؤلف)
4- الدمعة الساکبة للنبهانی : 7 / 365.
5- روضة الواعظین : 1 / 227.
6- مناقب آل أبی طالب : 4 / 366.

(2 / 394) : رُوی أنّ دعبل أنشدها الإمام علیه السلام من قوله : مدارس آیاتٍ ، ولیس هذا البیت رأس القصیدة ، ولکن أنشدها من هذا البیت فقیل له : لِمَ بدأت بمدارس آیات؟ قال : استحییت من الإمام علیه السلام أن أُنشدَه التشبیب ، فأنشدته المناقب ورأس القصیدة :

تجاوبن بالإرنان والزفراتِ

نوائحُ عُجْمُ اللفظِ والنطقاتِ

ذکرها (1) برمّتها وهی مائة وعشرون بیتاً الإربِلی فی کشف الغمّة ، والقاضی فی المجالس (ص 451) ، والعلاّمة المجلسی فی البحار (12 / 75) ، والزنوزی فی الروضة الأولی من ریاض الجنّة ، ونصَّ علی عددها المذکور الشبراوی والشبلنجی کما مرَّ. فما قدّمناه عن الحموی من أنّ نُسَخَ هذه القصیدة مختلفةٌ ، فی بعضها زیاداتٌ یُظنُّ أنّها مصنوعةٌ ألحَقَها بها أناسٌ من الشیعة ، وإنّا موردون هنا ما صحَّ منها من بعض الظنِّ الذی هو إثمٌ ، وقد ذکر هو فی معجم البلدان ما هو خارجٌ عمّا أثبته فی معجم الأدباء من الصحیح عنده فحسب ، راجع (2 / 28) ، وذکر المسعودی فی مروج الذهب (2 / 239) وغیره بعض ما ذکره فی معجم البلدان. وأثبت سبط ابن الجوزی فی التذکرة ، وابن طلحة فی المطالب ، والشبراوی فی الاتحاف ، والشبلنجی فی نور الأبصار زیادات لا توجد فیما استصحّه الحَمَوی ، ولیس من الممکن قذف هؤلاء الأعلام بإثبات المفتعل.

وبما أنّ العلم تدریجیُّ الحصول ؛ فمن المحتمل أنّ الحموی یوم تألیفه معجم الأدباء لم یَقِفْ به البحث علی أکثر ممّا ذَکَر ، ثمّ لمّا توسّع فی العلوم ثبت عنده غیره أیضاً فأدرجه فی معجم البلدان الذی هو متأخّرٌ فی التألیف ، ولذلک یُحیل فیه علی معجم الأدباء فی أکثر مجلّداته. راجع (2 / 45 ، 117 ، 135 ، 186 و 3 / 117 ، 184 6.

ص: 504


1- کشف الغمّة : 3 / 112 - 117 ، مجالس المؤمنین : 2 / 520 - 524 ، بحار الأنوار : 49 / 244 ، الإتحاف بحبّ الأشراف : ص 161 ، نور الأبصار : ص 310 ، معجم الأدباء : 11 / 103 ، معجم البلدان : 1 / 316 ، مروج الذهب : 3 / 327 ، تذکرة الخواص : ص 227 ، مطالب السؤول : ص 86.

و 4 / 228 ، 400 و 5 / 187 ، 289 و 6 / 177) وغیرها ، لکنّ سوء ظنِّه بالشیعة حداه إلی نسبة الافتعال إلیهم عند تدوین الترجمة ، ونحن لا نناقشه الحساب فی هذا التظنِّی ؛ فإنَّ الله لهم بالمرصاد وهو نعم الرقیب والحسیب.

الشاعر

أبو علیّ - أبو جعفر - دعبل بن علیّ بن رَزِین (1) بن عثمان بن عبد الرحمن بن عبد الله بن بُدیل بن ورقاء بن عمرو بن ربیعة بن عبد العزّی بن ربیعة بن جزی بن عامر بن مازن بن عدی بن عمرو بن ربیعة الخزاعی.

أخذناه من (2) فهرست النجاشی (ص 116) ، وتاریخ الخطیب (8 / 382) ، وأمالی الشیخ (ص 239) ، وتاریخ ابن عساکر (5 / 227) ، ومعجم الأدباء للحموی (11 / 100) وقال : وعلی هذا الأکثر ، والإصابة لابن حجر (1 / 141).

بیت رزین :

بیت علم وفضل وأدب. وإن خصّه ابن رشیق فی عمدته (3) (2 / 290) بالشعر ، فإنَّ فیهم محدِّثین وشعراء ، وفیهم السؤدد والشرف ، وکلّ الفضل والفضیلة ببرکة دعاء النبیِّ الأطهر لجدِّهم الأعلی بُدیل بن ورقاء ، لمّا أوقفه العبّاس بن عبد المطّلب یوم الفتح بین یدی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وقال : یا رسول الله ، هذا یوم قد شرّفتَ فیه قوماً 2.

ص: 505


1- فی الأغانی : 8 / 29 [20 / 131] ابن سلیمان بن تمیم بن نهشل بن خداش بن خالد بن عبد بن دعبل بن أنس بن خزیمة بن سلامان بن أسلم بن أقصی بن حارثة بن عمرو بن عامر بن مزیقیا. (المؤلف)
2- رجال النجاشی : ص 161 رقم 428 ، أمالی الطوسی : ص 376 ح 805 ، تاریخ مدینة دمشق : 6 / 86 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 8 / 172.
3- العمدة : 2 / 307 باب 102.

فما بال خالک بُدیل بن ورقاء وهو قعید حبّه (1)؟ قال النبیُّ صلی الله علیه وآله وسلم : «احسِرْ عن حاجبیک یا بُدیل» ؛ فحَسَر عنهما وحدَر لثامه ، فرأی سواداً بعارضه فقال : «کم سنوک یا بُدیل؟» فقال : سبعٌ وتسعون یا رسول الله ، فتبسّم النبی صلی الله علیه وآله وسلم وقال : «زادک الله جمالاً وسواداً وأمتعک وولدک» (2).

ومؤسِّس شرفهم الباذخ البطل العظیم عبد الله بن بُدیل بن ورقاء الذی کان هو وأخواه عبد الرحمن ومحمد رُسل رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إلی الیمن کما فی رجال الشیخ. وکانوا هم وأخوهم عثمان من فرسان مولانا أمیر المؤمنین الشهداء فی صفِّین (3) ، وأخوهم الخامس نافع بن بُدیل استشهد علی عهد النبیِّ صلی الله علیه وآله وسلم ورثاه ابن رواحة بقوله :

رَحِمَ اللهُ نافعَ بنَ بُدیلٍ

رحمةَ المبتغی ثوابَ الجهادِ

صابراً صادقَ الحدیثِ إذا ما

أکثَرَ القومُ قال قولَ السدادِ (4)

فحسب هذا البیت شرفاً أنّ فیه خمسةَ شهداء ، وهم بعین الله ومع ابن عمّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، وکان عبد الله من متقدِّمی الشجعان ، والمتبرّز فی الفروسیّة ، والمتحَلّی بأعلی مراتب الإیمان ، وعدّه الزُّهری من دُهاة العرب الخمسة کما فی الإصابة (2 / 281) قال له أمیر المؤمنین یوم صفِّین : «احمل علی القوم». فحمل علیهم بمن معه من أهل المیمنة وعلیه یومئذٍ سیفان ودرعان ، فجعل یضرب بسیفه قدماً ویقول :

لم یبقَ غیرُ الصبر والتوکّلِ

والتُرسِ والرمحِ وسیفٍ مصقلِ

ثمَّ التمشِّی فی الرعیل الأوّلِ

مشی الجِمال فی حیاضِ المنهلِ

ف)

ص: 506


1- کذا فی النسخة المخطوطة من الأمالی ، وفی الطبعة المحقّقة : قعید حیِّه.
2- أمالی الشیخ : ص 239 [ص 376 ح 805] ، الإصابة : 1 / 141 [رقم 614]. (المؤلف)
3- صفّین لابن مزاحم : ص 126 [ص 245] ، خصال الصدوق ، شرح النهج : 1 / 486 [5 / 196 خطبة 65] ، الإصابة : 3 / 371 [رقم 7758]. (المؤلف)
4- الإصابة : 3 / 543 [رقم 8650]. (المؤلف)

فلم یزل یحمل حتی انتهی إلی معاویة والذین بایعوه علی الموت ، فأمرهم أن یصمدوا لعبد الله بن بُدیل ، وبعث إلی حبیب بن مَسلَمة الفهری وهو فی المیسرة ، أن یحمل علیه بجمیع من معه ، واختلط الناس واضطرم الفیلقان ؛ میمنة أهل العراق ومیسرة أهل الشام ، وأقبل عبد الله بن بُدیل یضرب الناس بسیفه قُدُماً ، حتی أزال معاویة عن موقفه وجعل ینادی : یا ثارات عثمان! وإنّما یعنی أخاً له قُتل ، وظنَّ معاویة وأصحابه أنّه یعنی : عثمان بن عفان ، وتراجع معاویة عن مکانه القهقری کثیراً ، وأرسل إلی حبیب بن مسلَمة مرّة ثانیة وثالثة یستنجده ویستصرخه ، ویحمل حبیب حملة شدیدة بمیسرة معاویة علی میمنة العراق ، فکشفها حتی لم یبق مع ابن بُدیل إلاّ نحو مائة إنسان من القرّاء ، فاستند بعضهم إلی بعض یحمون أنفسهم ، ولجَّ ابن بُدیل فی الناس ، وصمّم علی قتل معاویة ، وجعل یطلب موقفه ، ویصمد نحوه حتی انتهی إلیه ، ومع معاویة عبد الله بن عامر واقفاً ، فنادی معاویة بالناس : وَیْلَکم ؛ الصخر والحجارة إذا عجزتم عن السلاح. فرضخه الناس بالصخر والحجارة ، حتی أثخنوه فسقط ، فأقبلوا علیه بسیوفهم فقتلوه.

وجاء معاویة وعبد الله بن عامر حتی وقفا علیه ؛ فأمّا عبد الله بن عامر فألقی عمامته علی وجهه وترحّم علیه وکان له من قبلُ أخاً وصدیقاً ، فقال معاویة : اکشف عن وجهه. فقال : لا والله لا یُمثَّل به وفیَّ روح ، فقال معاویة : اکشف عن وجهه فإنّا لا نُمثِّل به ؛ قد وهبناه لک. فکشف ابن عامر عن وجهه فقال معاویة : هذا کبش القوم وربّ الکعبة ، اللهمّ أظفِرنی بالأشتر النخعی والأشعث الکندی! والله ما مثل هذا إلاّ کما قال الشاعر (1)

أخو الحرب إن عضّت به الحربُ عضّها

وإن شمّرَتْ عن ساقِها الحربُ شمّرا

ویحمی إذا ما الموت کان لقاؤه

قِدی الشِّبْر (2) یحمی الأنف أن

یتأخّرا

ه.

ص: 507


1- هو حاتم الطائی من قصیدة فی دیوانه : ص 121 [ص 49] ، ولم یُرْوَ فیه البیت الثالث. (المؤلف)
2- قِدی الشبر : قدره.

کلیثٍ هزبرٍ کان یحمی ذمارَهُ

رَمَتْهُ المنایا قَصْدَها فتقطَّرا (1)

ثمّ قال : إنّ نساء خزاعة لو قدَرَت علی أن تقاتلنی فضلاً عن رجالها لفَعَلَتْ (2).

ومرّ بعبد الله بن بُدیل وهو بآخر رمق من حیاته الأسود بن طَهْمان الخزاعی ، فقال له : عزَّ علیَّ والله مصرعک! أما والله لو شَهدْتُک لآسیتُک ولدافعت عنک ، ولو رأیت الذی أشعرک لأحببتُ أن لا أُزایله ولا یزایلنی حتی أقتله أو یلحقنی بک. ثمّ نزل إلیه فقال : رحمک الله یا عبد الله ، إن کان جارُک لیَأمنُ بوائقک ، وإن کنت لمن الذاکرین الله کثیراً. أوصنی رحمک الله. قال : أُوصیک بتقوی الله ، وأن تناصح أمیر المؤمنین ، وتقاتل معه حتی یظهر الحقّ أو تلحق بالله ، وأبلغ أمیر المؤمنین عنّی السلام ، وقل له : قاتل علی المعرکة حتی تجعلَها خلف ظهرک ؛ فإنّه من أصبح والمعرکة خلف ظهره کان الغالب. ثمّ لم یلبث أن مات ، فأقبل الأسود إلی علیّ علیه السلام فأخبره فقال : «رحمه الله جاهد معنا عدوّنا فی الحیاة ونصح لنا فی الممات» (3).

وینمُّ عن عظمة عبد الله بن بُدیل بین الصحابة العلویّة قول ابن عدی بن حاتم (4) - رضوان الله علیه - یوم صفِّین :

أبعد عمّارٍ وبعدَ هاشمِ

وابن بُدیلٍ فارسِ الملاحمِ

نرجو البقاءَ مثل حُلْم الحالمِ

وقد عضَضْنا أمسِ بالأباهمِ

وقول سلیمان بن صُرَد الخزاعیّ (5) یوم صفِّین : 0.

ص: 508


1- تقطّر : سقط صریعاً. (المؤلف)
2- کتاب صفِّین لابن مزاحم : ص 126 [ص 246] ، شرح النهج لابن أبی الحدید : 1 / 486 [5 / 196 خطبة 65]. (المؤلف)
3- کتاب صفِّین لابن مزاحم : ص 243 طبع إیران ، ص 52 [ص 456] طبع مصر ، شرح ابن أبی الحدید : 2 / 299 [8 / 92 خطبة 124]. (المؤلف)
4- وقعة صفِّین : ص 403.
5- وقعة صفِّین : ص 400.

یا لَکَ یوماً کاسفاً عَصَبْصَبا (1)

یا لکَ یوماً لا یُواری کوکبا

یا أیّها الحیُّ الذی تذبذبا

لسنا نخاف ذا ظُلَیْمٍ حَوْشَبا

لأنّ فینا بطلاً مُجرَّبا

ابنُ بُدیلٍ کالهِزَبْرِ مُغْضَبا

أمسی علیٌّ عندنا مُحَبَّبا

نفدیه بالأمّ ولا نُبقی أبا

وقول الشنّی (2) فی أبیات له :

فإن یکُ أهلُ الشامِ أوْدَوا بهاشمٍ

وأوْدَوا بعمّارٍ وأبْقَوا لنا ثُکْلا

وبابنَی بُدیلٍ فارِسَیْ کلِّ بُهْمَةٍ

وغیثٍ خزاعیٍّ به ندفعُ المَحْلا (3)

وأمّا أبو المترجم علیُّ بن رزین فکان من شعراء عصره ، ترجمه المرزبانی فی معجم الشعراء (4) (1 / 283) ، وجدّه رزین کان مولی عبد الله بن خلف الخزاعیّ أبی طلحة الطلحات ، کما ذکره ابن قتیبة فی الشعر والشعراء (5).

وعمّ المترجم عبد الله بن رزین ، أحد الشعراء کما ذکره ابن رشیق فی العمدة (6).

وابن عمِّه أبو جعفر محمد أبو الشیص بن عبد الله المذکور ، شاعرٌ له دیوان عمله الصولی فی مائة وخمسین ورقة ، توجد ترجمته فی البیان والتبیین (3 / 83) ، الشعر 2.

ص: 509


1- العصبصب : الشدید.
2- وقعة صفّین : ص 405.
3- البُهْمة بالضم : الجیش. المحْل : الخدیعة والکید. الشدّة. الجدب. (المؤلف)
4- معجم الشعراء : ص 136.
5- جدّ المترجَم له هو رزین بن عثمان بن عبد الرحمن بن عبد الله بن بُدیل بن ورقاء وهو خزاعی دماً لا ولاءً. وأمّا ما فی الشعر والشعراء : ص 576 من أنَّ جدّه کان مولی لعبد الله بن خلف الخزاعی ، فالمقصود به طاهر بن الحسین أحد قوّاد المأمون واسم جده رُزَیق ، وبه افتخر دعبل فی قصیدته التی خاطب بها المأمون بقوله : إنّی من القوم الذین سیوفُهُمْ قتلت أخاک وشرّفوک بمقعدِ
6- العمدة : 2 / 307 باب 102.

والشعراء (1) (ص 346) ، الأغانی (2) (15 / 108) ، فوات الوفیات (3) (2 / 25) ، وغیرها.

وترجمه ابن المعتز فی طبقاته (4) (ص 26 - 33) وذکر له قصائد طویلة ، غیر أنّه عکس فی اسمه واسم أبیه وذکره بعنوان : عبد الله بن محمد ، والصحیح : محمد بن عبد الله ، وعبد الله بن أبی الشیص المذکور ، شاعرٌ له دیوانٌ فی نحو سبعین ورقة ، وذکره أبو الفرج فی الأغانی (5) (15 / 108) وقال : إنّه شاعرٌ صالح الشعر وکان منقطعاً إلی محمد بن طالب ، فأخذ منه جامع شعر أبیه ، ومن جهته خرج إلی الناس ، وترجمه ابن المعتز فی طبقاته (6) (ص 173).

أبو الحسن علیّ أخو دعبل :

کان شاعراً له دیوان شعر فی نحو خمسین ورقة کما فی فهرست ابن الندیم (7) ، سافر مع أخیه المترجم إلی أبی الحسن الرضا - سلام الله علیه - سنة (198) وحظیا بحضرته الشریفة مدّة طویلة.

قال أبو الحسن علیٌّ هذا : رحلنا أنا ودعبل سنة (198) إلی سیِّدی أبی الحسن علیِّ بن موسی الرضا ، فأقمنا عنده إلی آخر سنة مائتین وخرجنا إلی قمٍّ بعد أن خلع سیِّدی أبو الحسن الرضا علی أخی دعبل قمیصاً خزّا أخضر وخاتماً فُصُّه عقیق ، ودفع إلیه دراهم رضویّة ، وقال له : «یا دعبل صِرْ إلی قم ؛ فإنّک تفید بها». وقال له : «احتفظ بهذا القمیص ؛ فقد صلّیتُ فیه ألفَ لیلةٍ ألفَ رکعة ، وختمت فیه القرآن ألفَ 3.

ص: 510


1- الشعر والشعراء : ص 571.
2- الأغانی : 16 / 432.
3- فوات الوفیات : 3 / 402 رقم 469.
4- طبقات الشعراء : ص 72.
5- الأغانی : 16 / 432.
6- طبقات الشعراء : ص 364.
7- فهرست ابن الندیم : ص 183.

ختمة» (1). ولد سنة (172) وتوفّی (283).

وخلّف أبا القاسم إسماعیل بن علیّ الشهیر بالدعبلی المولود (257) ، یروی کثیراً عن والده أبی الحسن ، کان مقامه بواسط وَوَلِی الحِسْبة (2) بها ، له کتاب تاریخ الأئمّة وکتاب النکاح.

رَزین أخو دعبل

وأخوه هذا أحد شعراء هذا البیت ، ولدعبل فیه أبیات فی تاریخ ابن عساکر (3) (5 / 139).

وقال الأزدی : وخرج إبراهیم بن العبّاس ، ودعبل ورزین ابنا علیّ رجّالةً إلی بعض البساتین - أو : إلی زیارة أبی الحسن الرضا علیه السلام کما فی روایة العیون (4)) - فلقوا جماعة من أهل السواد من حُمّال الشوک ، فأعطَوْهم شیئاً ورکبوا حمیرهم ، فقال إبراهیم :

أُعیدت بعد حمل الشو

ک أحمالاً من الخَزفِ

نشاوی لا من الخمرةِ

بل من شِدَّة الضَّعفِ

ثمّ قال لرزین : أجِزْها ، فقال :

فلو کنتمْ علی ذاک

تصیرون إلی القَصْفِ

تساوَتْ حالکمْ فیهِ

ولا تَبقوا علی الخَسْفِ

7.

ص: 511


1- فهرست النجاشی : ص 197 [ص 276 رقم 727] ، أمالی الشیخ : ص 229 [ص 359 ح 749]. (المؤلف)
2- یأتی کلامنا فی الحسبة فی الجزء الرابع عند ترجمة ابن الحجّاج البغدادی. (المؤلف)
3- تاریخ مدینة دمشق : 6 / 81 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 8 / 189.
4- عیون أخبار الرضا : 2 / 153 ح 7.

ثمّ قالا لدعبل : أجِزْ یا أبا علیّ فقال :

فإذْ فاتَ الذی فاتَ

فکونوا من ذوی الظرفِ

وخفّوا نقصف الیومَ

فإنّی بائعٌ خُفِّی

بدائع البداءة (2 / 210)

أمّا المترجَم

فهو دعبل (1) یکنّی أبا علیّ عند الجمیع ، وعن ابن أیّوب (2) : أبو جعفر. وفی الأغانی عن ابن أیّوب : إنَّ اسمه محمد ، وفی تاریخ الخطیب (8 / 383) : زعم أحمد بن القاسم أنّ اسمه الحسن ، وقال ابن أخیه إسماعیل : اسمه عبد الرحمن. وقال غیرهما : محمد ، وعن إسماعیل : إنّما لقَّبَتْهُ دایتُه بدعبل لدعابة کانت فیه ، فأرادت ذعبلاً فقلبت الذال دالاً.

یُقال : أصله کوفیٌّ کما فی کثیر من المعاجم ، وقیل : من قرقیسیا. وکان أکثر مقامه ببغداد ، وخرج منها هارباً من المعتصم لمّا هجاه وعاد إلیها بعد ذلک ، وجوَّل فی الآفاق ، فدخل البصرة ودمشق ومصر علی عهد المطّلب بن عبد الله بن مالک المصریّ وولاّه أسوان ، فلمّا بلغ هجاؤه إیّاه عزله ، فأنفذ إلیه کتاب العزل مع مولی له ، وقال : انتظره حتی یصعد المنبر یوم الجمعة ، فإذا علاه فأوصل الکتاب إلیه ، وامنعه من الخطبة ، وأنزله عن المنبر واصعد مکانه. فلمّا أن علا المنبر وتنحنح لیخطب ناوله الکتاب ، فقال له دعبل : دعنی أخطِب فإذا نزلتُ قرأته. قال : لا ، قد أمرنی أن أمنعک الخطبة حتی تقرأه ، فقرأه وأنزله عن المنبر معزولاً وخرج منها إلی المغرب إلی بنی ف)

ص: 512


1- الدعبل : الناقة التی معها ولدها ، البعیر المسنّ ، الشیء القدیم - الأغانی [20 / 134 ، 135]. (المؤلف)
2- فی الأغانی ، ومعاهد التنصیص [2 / 190 رقم 115] ، ونهایة الأرب [3 / 91]. (المؤلف)

الأغلب. الأغانی (1) (18 / 48)

سافر إلی الحجاز مع أخیه رزین ، وإلی الری وخراسان مع أخیه علیّ ، وقال أبو الفرج (2)) : کان دعبل یخرج فیغیب سنین یدور الدنیا کلّها ، ویرجع وقد أفاد وأثری ، وکانت الشراة والصعالیک یلقَونه ولا یُؤذونه ، ویواکلونه ویشاربونه ویَبرُّونه ، وکان إذا لَقِیَهم وضع طعامه وشرابه ودعاهم إلیه ، ودعا بغلامیه : ثقیف وشعف ، وکانا مغنِّیین فأقعدهما یغنِّیان ، وسقاهم وشرب معهم ، وأنشدهم ، فکانوا قد عرفوه وألِفُوه لکثرة أسفاره وکانوا یواصلونه ویَصِلونه ، وأنشد دعبل لنفسه فی بعض أسفاره :

حللتُ محلاّ یقصُرُ البرقُ دونَهُ

ویعجِزُ عنه الطیفُ أن یتجشَّما

وقال ابن المعتز فی طبقاته (3) (ص 125) : وکان یجتاز بقُمّ ، فیقیم عند شیعتها فیقسطون له فی کلِّ سنة خمسة آلاف درهم.

یقع البحث فی ترجمته من نواحٍ أربع :

1 - تهالکه فی ولاء أهل بیت العصمة - صلوات الله علیهم.

2 - نبوغه فی الشعر والأدب والتاریخ ، وتآلیفه.

3 - روایته للحدیث والرواة عنه ، ومن یَروی هو عنه.

4 - سیره مع الخلفاء ، ثمّ مُلَحُهُ ونوادره ثمّ ولادته ووفاته.

أمّا الأولی :

فجلیّة الحال فیها غنیّةٌ عن البرهنة علیها ، فما ظنّک برجل کان یُسمع منه وهو یقول : أنا أحمل خشبتی علی کتفی منذ خمسین سنة لست أجد أحداً یصلبنی علیها. 5.

ص: 513


1- الأغانی : 20 / 176.
2- فی الأغانی : 18 / 36 [20 / 149]. (المؤلف)
3- طبقات الشعراء : ص 265.

وقیل للوزیر محمد بن عبد الملک الزیّات : لِمَ لا تُجیب دعبلاً عن قصیدته التی هجاک فیها؟ قال : إنَّ دِعبلاً جعل خشبته علی عنقه یدور بها ، یطلبُ من یصلبه بها منذ ثلاثین سنة وهو لا یُبالی (1).

کلُّ ذلک من جرّاء ما کان ینافح ویناطح ویناضل وینازل فی الذبِّ عن البیت النبویِّ الطاهر ، والتجاهر بموالاتهم ، والوقیعة فی مناوئیهم ، لا یَقِرُّ به قرارٌ ، فلا یُقلّه مأمنٌ ولا یُظلّه سقفُ منتَجَعٍ (2) ، وما زالت تتقاذف به أجواز الفلا فَرَقاً من خلفاء الوقت ، وأعداء العترة الطاهرة ، ومع ذلک کلّه فقصائده السائرة تلهَجُ بها الرکبان ، وتزدان بها الأندیة ، وهی مسرّات للمُوالین ، ومُحفِظاتٌ للأعداء ، ومثیرات للعِهَن (3) والضغائن حتی قُتل علی ذلک شهیداً.

وما یُنقم من المترجم له من التوغّل فی الهجاء فی غیر واحد من المعاجم ، فإنّ نوع ذلک الهجو والسباب المُقذغ فیمن حَسِبَهم أعداءً للعترة الطاهرة وغاصبی مناصبهم ، فکان یتقرّب به إلی الله وهو من المُقَرِّبات إلیه سبحانه زلفی ، وإنَّ الولایة لا تکون خالصةً إلاّ بالبراءة ممّن یُضادُّها ویعاندها کما تبرّأ الله ورسوله من المشرکین ، وما جعل الله لرجل من قلبین فی جوفه ، غیر أنّ أکثر أرباب المعاجم من الفئة المتحیِّزة إلی أعداء هذا البیت الطاهر ، حسبوا ذلک منه ذنباً لا یُغفر کما هو عادتهم فی جُلِّ رجالات الشیعة.

أمّا نبوغه فی الأدب :

فأیّ برهنة له أوضح من شعره السائر؟ الذی تلهج به الألسن ، وتتضمّنه طیّات الکتب ، ویُستشهد به فی إثبات معانی الألفاظ وموادِّ اللغة ، ویُهتف به فی ب.

ص: 514


1- طبقات الشعراء لابن المعتز : ص 125 [ص 265]. (المؤلف)
2- الانتجاع : طلب الخصب والکلإ. والمنتجَع : المنزل فی طلب الکلأ.
3- العِهَن : جمع عِهْنة وهی لغة فی الإحنة ، ومعناها الحقد والغضب.

مجتمعات الشیعة آناء اللیل وأطراف النهار ، ذلک الشعر السهل الممتنع الذی یحسب السامع لأوّل وهلة أنّه یأتی بمثیله ، ثمّ لمّا خاض غماره ، وطفق یرسب ویَطفُّ بین أواذیِّه ، علم أنّه قصیر الباع ، قصیر الخُطی ، قصیر المقدرة عن أن یأتی بما یدانیه فضلاً عمّا یساویه.

کان محمد بن القاسم بن مهرویه یقول : سمعت أبی یقول : خُتم الشعر بدعبل. وقال البحتری : دعبل بن علیّ أشعر عندی من مسلم بن الولید ، فقیل له : کیف ذلک؟ قال : لأنّ کلام دعبل أدخل فی کلام العرب من کلام مسلم ، ومذهبه أشبه بمذاهبهم ، وکان یتعصّب له (1).

وعن عمرو بن مسعدة قال : حضرت أبا دُلَف عند المأمون وقد قال له المأمون : أیَّ شیءٍ تروی لأخی خزاعة یا قاسم؟ فقال : وأیّ أخی خزاعةَ یا أمیر المؤمنین؟ قال : ومَن تعرف فیهم شاعراً؟ فقال : أمّا مِن أنفُسِهم فأبو الشیص ودعبل وابن أبی الشیص وداود بن أبی رزین ، وأمّا من موالیهم فطاهر وابنه عبد الله.

فقال : ومن عسی فی هؤلاء أن یُسأَل عن شعره سوی دعبل؟ هات أیّ شیء عندک فیه.

وقال الجاحظ : سمعت دعبل بن علیّ یقول : مکثت نحو ستّین سنة لیس من یوم ذرَّ شارقه إلاّ وأنا أقول فیه شعراً (2) ، ولمّا أنشد دعبل أبا نواس شعره :

أینَ الشبابُ؟ وأیّةً سَلَکا؟

لا أینَ یُطلبُ؟ ضلَّ بل هَلَکا

لا تعجبی یا سَلْمُ من رَجُلٍ

ضَحِکَ المشیبُ برأسه فبکی

فقال : أحسنت ملء فیک وأسماعنا. قال محمد بن یزید : کان دعبل والله ف)

ص: 515


1- الأغانی : 18 / 18 ، 37 [20 / 135 ، 149]. (المؤلف)
2- الأغانی : 18 / 44 [20 / 165]. (المؤلف)

فصیحاً (1)). وهناک کلمات ضافیة حول أدبه والثناء علیه لا یهمّنا ذکرها.

أخذ الأدب عن صریع الغوانی مسلم بن الولید (2) ، واستقی من بحره ، وقال : ما زلت أقول الشعر وأعرضه علی مسلم فیقول لی : اکتم هذا حتی قلت :

أینَ الشبابُ؟ وأیَّةً سَلَکا؟

لا أینَ یُطلَبُ؟ ضلَّ بل هلکا

فلمّا أنشدته هذه القصیدة قال : اذهب الآن فأظهر شعرک کیف شئت لمن شئت.

وقال أبو تمام : ما زال دعبل مائلاً إلی مسلم بن الولید مُقِرّا بأستاذیَّته ، حتی ورد علیه جرجان ، فجفاه مسلم وکان فیه بخلٌ ، فهجره دعبل وکتب إلیه :

أبا مَخْلَدٍ کنّا عَقیدَیْ مودّةٍ

هوانا وقلبانا جمیعاً معاً معا

أحُوطکَ بالغیبِ الذی أنت حائطی

وأیْجعُ إشفاقاً لأن تتوجّعا

فصیّرْتَنی بعد انتحائِکَ مُتْهِماً

لنفسی ، علیها أرهَبُ الخَلْقَ أجمعا

غَشَشْتَ الهوی حتی تداعتْ أصولُهُ

بنا وابتذلْتَ الوَصْلَ حتی تَقَطّعا

وأنزلتَ من بینِ الجوانحِ والحشا

ذخیرةَ وُدٍّ طالما قد تمنّعا

فلا تَعْذِلَنِّی لیس لی فیک مَطمعٌ

تخرّقْتَ حتی لمْ أجِدْ لَکَ مَرْقَعا

فَهَبْکَ یمینی استأْکَلَتْ فَقَطَعْتُها

وجَشَّمتُ قلبی صبرَهُ فتشجّعا (3)

ویروی عنه فی الأدب محمد بن یزید ، والحمدَوی الشاعر ، ومحمد بن القاسم ابن مهرویه ، وآخرون.

ف)

ص: 516


1- تاریخَی ابن خلّکان [وفیات الأعیان : 2 / 268 رقم 227] وابن عساکر [تاریخ مدینة دمشق : 6 / 76 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 8 / 180]. (المؤلف)
2- کان شاعراً متصرِّفاً فی فنون القول حسن الأسلوب أستاذ الفن ، ویقال : إنّه أوّل من قال الشعر المعروف بالبدیع ووَسّعه ، وتَبِعَه فیه أبو تمام وغیره ، تُوفّی بجُرجان سنة (208). (المؤلف)
3- ویروی : وحَمّلت قلبی فقدها. الأغانی : 18 / 47 [20 / 173]. (المؤلف)

آیات نبوغه :

له کتاب الواحدة فی مناقب العرب ومثالبها ، وکتاب طبقات الشعراء ، وهو من التآلیف القیِّمة والأصول المعوَّل علیها فی الأدب والتراجم ، ینقل عنه کثیراً المرزبانی فی معجم الشعراء (ص 227 ، 240 ، 245 ، 267 ، 361 ، 434 ، 478) ، والخطیب البغدادی فی تاریخه (2 / 342 و 4 / 143) ، وابن عساکر فی تاریخه (7 / 46 ، 47) ، وابن خلّکان فی تاریخه (2 / 166) ، والیافعی فی المرآة (2 / 123) ، وأکثر النقل عنه ابن حجر فی الإصابة (1 / 69 ، 132 ، 172 ، 370 ، 411 ، 525 ، 527 و 2 / 99 ، 103 ، 108 و 3 / 91 و 119 ، 123 ، 270 ، 565 ، 4 / 74 ، 565) وغیرها.

وأحسب أنّه کتابٌ ضخمٌ مبوَّبٌ علی البلدان کیتیمة الدهر للثعالبی ففیه :

أخبار شعراء البصرة ، وبهذا العنوان ینقل عنه الآمدی فی المؤتلف والمختلف (ص 67) ، وابن حجر فی الإصابة (3 / 270).

أخبار شعراء الحجاز ، وبهذا الاسم ینقل عنه ابن حجر فی الإصابة (4 / 74 ، 163) ویقول : ذَکَر دعبل فی طبقات الشعراء فی أهل الحجاز.

أخبار شعراء بغداد ، ینقلُ عنه باسم کتاب شعراء بغداد الآمدیّ فی المؤتلف (ص 67).

وله دیوان شعر مجموع کما فی تاریخ ابن عساکر. وقال ابن الندیم (1) : عمله الصولی نحو ثلاثمائة ورقة ، وعدَّ فی فهرسته (2) (ص 210) من تآلیف أبی الفضل أحمد ابن أبی طاهر : کتاب اختیار شعر دعبل.

ومن آیات نبوغه قصیدته فی ذکر مناقب الیمن وفضائلها من ملوکها وغیرهم 4.

ص: 517


1- فهرست ابن الندیم : ص 183.
2- فهرست ابن الندیم : ص 164.

علی نحو ستمائة بیتٍ ، کما فی نشوار المحاضرة للتنوخی (1) (ص 176) ، مطلعها :

أفیقی من مَلامِکِ یا ظعینا

کفاکِ اللومَ مَرُّ الأربعینا

یردُّ بها علی الکمیت فی قصیدته التی یمتدح بها نزاراً ، وهی ثلاثمائة بیت أوّلها :

ألا حُیّیت عنّا یا مَدِینا

وهل ناسٌ تقول مسلّمینا

قالها الکمیت ردّا علی الأعور الکلبی فی قصیدته التی أوّلها :

أسودینا وأحمرینا

فرأی دعبل النبیَّ صلی الله علیه وسلم فی النوم ، فنهاه عن ذکر الکمیت بسوء. ولم یزل دعبل عند الناس جلیل القدر حتی ردّ علی الکمیت فکان ممّا وضعه (2) ، وردّ علیه أبو سعد المخزومی بقصیدة. وعلی أثر هذه المناجزة والمشاجرة افتخرت نزار علی الیمن وافتخرت الیمن علی نزار ؛ وأدلی کلُّ فریق بما له من المفاخر ، وتحزّبت الناس ، وثارت العصبیّة فی البدو والحضر ، فنتج بذلک أمر مروان بن محمد الجعدی وتعصّبه لقومه من نزار علی الیمن ، وانحرف الیمن عنه إلی الدعوة العبّاسیّة ، وتغلغل الأمر إلی انتقال الدولة عن بنی أمیّة إلی بنی هاشم ، ثمّ ما تلا ذلک من قصّة معن بن زائدة بالیمن ، وقتله أهلها تعصّباً لقومه من ربیعة وغیرها من نزار ، وقطعه الحلف الذی کان بین الیمن وربیعة فی القدم ، إلی آخر ما فی مروج الذهب (3) (2 / 197).

أمّا روایته فی الحدیث :

فعدّه ابن شهرآشوب فی المعالم (4) (ص 139) من أصحاب الکاظم والرضا علیهما السلام 1.

ص: 518


1- نشوار المحاضرة : 2 / 140 رقم 73.
2- الأغانی : 18 / 29 ، 31 [20 / 131 ، 135]. (المؤلف)
3- مروج الذهب : 3 / 257.
4- معالم العلماء : ص 151.

وحکی النجاشی فی فهرسته (1) (ص 198) عن ابن أخیه أنَّه رأی موسی بن جعفر ولقی أبا الحسن الرضا ، وقد أدرک الإمام محمد بن علیِّ الجواد علیه السلام ولقیه ،

وروی الحمیری فی الدلائل وثقة الإسلام الکلینی فی أصول الکافی (2) : أنّه دخل علی الرضا علیه السلام فأعطاه شیئاً فلم یحمد الله تعالی ، فقال : «لِمَ لم تحمد الله تعالی؟» ثمّ دخل علی الجواد فأعطاه فقال : الحمد لله. فقال علیه السلام : «تأدّبتَ».

ویروی شاعرنا عن جماعة منهم :

1 - الحافظ شعبة بن الحجّاج : المتوفّی (160) (3) ، وبهذا الطریق یُروی عنه الحدیث فی کتب الفریقین کما فی أمالی الشیخ (4) (ص 240) وتاریخ ابن عساکر (5) (5 / 228).

2 - الحافظ سفیان الثوری : المتوفّی (161). تاریخ ابن عساکر (5 / 228).

3 - إمام المالکیّة مالک بن أنس : المتوفّی (179). تاریخ ابن عساکر (5 / 228).

4 - أبو سعید سالم بن نوح البصری : المتوفّی بعد المائتین. تاریخ ابن عساکر (5 / 228).

5 - أبو عبد الله محمد بن عمرو الواقدی : المتوفّی (207). تاریخ ابن عساکر (5 / 228).

6 - الخلیفة المأمون العبّاسی : المتوفّی (218). تاریخ الخلفاء (6) (ص 204).

7 - أبو الفضل عبد الله بن سعد الزهری البغدادی : المتوفّی (260) ، یروی عنه ، عن ضَمرة ، عن ابن شوذب ، عن مطر ، عن ابن حوشب ، عن أبی هریرة حدیث صوم الغدیر المذکور (1 / 401) (7).

ف)

ص: 519


1- رجال النجاشی : ص 277 رقم 727.
2- أصول الکافی : 1 / 496 ح 8.
3- یروی عنه وعن الثوری وهو لم یبلغ الحُلُم. (المؤلف)
4- أمالی الطوسی : ص 377 ح 807.
5- تاریخ مدینة دمشق : 6 / 69 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 8 / 173.
6- تاریخ الخلفاء : ص 284.
7- بشارة المصطفی لشیعة المرتضی : ج 2 [ص 98]. (المؤلف)

8 - محمد بن سلامة. یروی عنه بطریقه شیخ الطائفة فی أمالیه (1) (ص 237) عن أمیر المؤمنین علیه السلام خطبته الشهیرة بالشقشقیّة التی أوّلها : «والله لقد تقمّصها ابن أبی قحافة ، وإنّه لَیَعْلمُ أنّ محلّی منها محلُّ القُطْبِ من الرحی ؛ ینحدر عنّی السیلُ ولا یرقی إلیَّ الطیر ، ولکنّی سَدَلتُ عنها ثوباً ، وطَوَیْتُ عنها کشْحاً».

9 - سعید بن سفیان الأسلمی المدنی. أمالی الشیخ (ص 237).

10 - محمد بن إسماعیل - مشترک -. أمالی الشیخ (ص 237).

11 - مجاشع بن عمر. یروی عنه عن میسرة عن الجَزَری عن ابن جُبیر عن ابن عبّاس أنّه سُئل عن قول الله عزّ وجلّ : (وَعَدَ اللهُ الَّذِینَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِیماً) (2) الحدیث ، أمالی الشیخ (3) (ص 240).

12 - موسی بن سهل الراسبی. ذکره ابن حجر فی تهذیب التهذیب (4) (10 / 348) شیخاً للمترجم له ولم یُعَرّفه.

وعدَّ ابن عساکر فی تاریخه (5) (5 / 228) ممّن یُقال بروایة المترجم عنه : یحیی بن سعید الأنصاری ، وخفی علیه أنّ یحیی الأنصاری تُوفّی (143) قبل ولادة المُتَرجَم بسنین.

والرواة عن المترجَم هم :

1 - أبو الحسن علیّ أخوه ، کما فی کثیر من کتب الحدیث والمعاجم.

2 - موسی بن حمّاد الیزیدی. فهرست النجاشی (6) (ص 117). 8.

ص: 520


1- أمالی الطوسی : ص 372 ح 803.
2- الفتح : 29.
3- أمالی الطوسی : ص 378 ح 810.
4- تهذیب التهذیب : 10 / 310 رقم 619.
5- تاریخ مدینة دمشق : 6 / 69.
6- رجال النجاشی : ص 162 رقم 428.

3 - أبو الصلْت الهَرَوی : المتوفّی (236). فی مصادر کثیرة.

4 - هارون بن عبد الله المهلّبی. فی الأمالی والعیون (1).

5 - علیّ بن الحکیم. فی أصول الکافی.

6 - عبد الله بن سعید الأشقری. الأغانی (2) وغیره.

7 - موسی بن عیسی المروزی. الأغانی (3) وغیره.

8 - ابن المنادی أحمد بن أبی داود : المتوفّی (272). تاریخ ابن عساکر (4).

9 - محمد بن موسی البُریری. تاریخ ابن عساکر.

أمّا سیره مع الخلفاء والوزراء :

فهذه ناحیةٌ واسعة النطاق ، طویلة الذیل ، یجد الباحث فی طیّات کتب التاریخ ومعاجم الأدب المفصَّلة حولها کراریس مسطَّرة ، فیها لغو الحدیث ، نضرب عنها صَفحاً ونقتطف منها النزر الیسیر.

1 - عن یحیی بن أکثم قال : إنَّ المأمون أقدم دعبلاً رحمه الله وآمنه علی نفسه ، فلمّا مثل بین یدیه وکنت جالساً بین یدی المأمون ، قال له : أنشدنی قصیدتک الرائیّة ، فجحَدها دعبل وأنکر معرفتها ، فقال له : لک الأمان علیها کما أمِنتک علی نفسک. فأنشده :

تأسّفَتْ جارتی لَمّا رأت زَوَرِی

وعَدّتِ الحِلْمَ ذنباً غیرَ مُغْتَفَرِ

ف)

ص: 521


1- الأمالی للصدوق : ص 526 ح 16 ، وعیون أخبار الرضا : 2 / 281 ح 2.
2- الأغانی : 20 / 155.
3- الأغانی : 20 / 162.
4- تاریخ دمشق : 5 / 228 [6 / 69 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 8 / 673 ، 184]. وابن المُنادی فی المعاجم : محمد بن عبید الله [انظر : تاریخ بغداد : 2 / 326 رقم 816 ، والثقات لابن حبّان : 9 / 132]. (المؤلف)

ترجو الصِّبا بعد ما شابت ذوائبُها

وقد جَرَتْ طَلَقاً فی حِلبةِ الکِبَرِ

أجارتی إنَّ شیبَ الرأس یُعلمنی

ذِکرَ المعاد وأرضانی عن القدَرِ

لو کنت أرکنُ للدنیا وزینتِها

إذاً بَکَیت علی الماضین من نفرِ

أخنی الزمان علی أهلی فصدّعهمْ

تصدُّع الشعب لاقی صدمةَ الحجرِ

بعضٌ أقام وبعضٌ قد أصات به

داعی المنیّةِ والباقی علی الأثرِ

أمّا المقیمُ فأخشی أن یُفارقَنی

ولستُ أَوبةَ من وَلّی بمُنتظِرِ

أصبحتُ أُخبَرُ عن أهلی وعن وَلَدی

کحالمٍ قَصَّ رؤیاً بعد مُدَّکرِ

لو لا تَشَاغلُ عینی بالأُلی سَلَفُوا

من أهل بیت رسول الله لم أقِرِ

وفی موالیک للمحزون مشغلةٌ

من أن تبیت لمشغولٍ علی أثرِ

کم من ذراعٍ لهم بالطفِّ بائنةٍ

وعارض بصعید التُّرْب مُنعفرِ

أمسی الحسینُ ومسراهم لمقتلهِ

وهم یقولون : هذا سیِّدُ البشرِ

یا أمَّةَ السوءِ ما جازیتِ أحمدَ فی

حُسْن البلاء علی التنزیل والسوَرِ

خَلَفتموه علی الأبناء حین مضی

خلافةَ الذئب فی أبقار ذی بقرِ

قال یحیی : وأنفذنی المأمون فی حاجة ، فقمتُ فعدت إلیه وقد انتهی إلی قوله :

لم یبق حیٌّ من الأحیاء نعلمُهُ

من ذی یمانٍ ولا بکرٍ ولا مُضَرِ

إلاّ وهم شُرَکاءٌ فی دمائِهمُ

کما تَشَارک أیسارٌ (1) علی جُزُرِ

قتلاً وأسراً وتخویفاً ومَنْهَبَةً

فِعلَ الغزاة بأرض الرومِ والخَزَرِ

أری أمیّة معذورین إن قتلوا

ولا أری لبنی العبّاس من عُذُرِ

قومٌ قتلتمْ علی الإسلام أوّلَهمْ

حتی إذا استمکنوا جازَوا علی الکُفُرِ

أبناءُ حربٍ ومروانٍ وأُسرتُهمْ

بنو مُعَیْطٍ ولاةُ الحقدِ والزَعرِ (2)

ه.

ص: 522


1- الأیسار : جمع یَسَر ، وهو الذی یتولی قسمة الجزور.
2- الزَعر : سوء الخلق وشراسته.

اربَعْ (1) بطُوسٍ علی قبر الزکیِّ بها

إن کنتَ تربَعُ من دِینٍ علی وَطَرِ

قبرانِ فی طوسَ : خیرُ النّاسِ کلِّهُمُ

وقبرُ شَرِّهمُ هذا من العِبَرِ

ما ینفع الرِّجسَ من قبرِ الزکیِّ ولا

علی الزکیِّ بقُرْبِ الرِّجسِ من ضَرَرِ

هیهات کلُّ امرئٍ رهنٌ بما کَسَبَتْ

له یداه ، فخذ ما شئت أو فَذَرِ

قال : فضرب المأمون عمامته الأرض ، وقال : صدقت والله یا دعبل (2).

روی شیخنا الصدوق فی أمالیه (3) (ص 390) بإسناده عن دعبل أنّه قال : جاءنی خبر موت الرضا علیه السلام وأنا مقیمٌ بقم فقلت القصیدة الرائیّة ، ثمّ ذکر أبیاتاً منها.

2 - دخل إبراهیم بن المهدی علی المأمون فشکا إلیه حاله ، وقال : یا أمیر المؤمنین إنَّ الله سبحانه وتعالی فضّلک فی نفسک علیَّ ، وألهمک الرأفة والعفو عنّی ، والنسب واحدٌ ، وقد هجانی دعبل فانتقم لی منه ، فقال : وما قال؟ لعلّ قوله :

نعَرَ ابنُ شَکْلةَ بالعراقِ وأهلِهِ

فهفا إلیهِ کلُّ أطلسَ مائقِ

وأنشده الأبیات فقال : هذا من بعض هجائه ، وقد هجانی بما هو أقبح من هذا ، فقال المأمون : لک أُسوةٌ بی فقد هجانی واحتملته ، وقال فیَ (4) :

أیسومُنی المأمون خطّة جاهلٍ

أوَ ما رأی بالأمس رأسَ محمدِ

إنّی من القومِ الذین سیوفُهمْ

قَتَلَتْ أخاک وشَرّفَتْکَ بمقعَدِ (5)

ف)

ص: 523


1- أی قف وانتظر.
2- الأغانی : 18 / 57 [20 / 194] ، تاریخ ابن عساکر : 5 / 233 [6 / 76 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 8 / 180] ، أمالی المفید [ص 324 ح 10] ، أمالی الشیخ : ص 61 [ص 100 ح 156]. (المؤلف)
3- الأمالی : ص 526 ح 16.
4- أوّل القصیدة : أخذ المشیبُ من الشباب الأغْیَدِ والنائباتُ من الأنامِ بمرصَدِ (المؤلف)
5- أشار إلی قضیة طاهر الخزاعی وقتله الأمین محمد بن الرشید ، وبذلک ولی المأمون الخلافة. (المؤلف)

شادُوا بذکرِکَ بعد طُولِ خُموله

واستنقذوک من الحضیضِ الأوْهدِ

فقال إبراهیم : زادک الله حلماً یا أمیر المؤمنین وعلماً ، فما ینطقُ أحدُنا إلاّ عن فضل علمک ، ولا یحلم إلاّ اتِّباعاً لحلمک (1).

3 - حدّث میمون بن هارون (2) ، قال : قال إبراهیم بن المهدی للمأمون قولاً فی دعبل یحرِّضه علیه ، فضحک المأمون ، وقال : إنّما تحرِّضنی علیه لقوله فیک :

یا معشر الأجنادِ لا تَقْنَطوا

وارضَوا بما کانَ ولا تسخطوا

فسوف تُعطَوْنَ حُنینیّةً

یلتذُّها الأمردُ والأشمطُ

والمعبدِیّاتُ (3) لقُوّادِکمْ

لا تدخلُ الکیس ولا تُربطُ

وهکذا یَرْزُقُ قُوّادَهُ

خلیفةٌ مُصْحَفُهُ البَربطُ (4)

فقال له إبراهیم : فقد والله هجاک أنت یا أمیر المؤمنین ، فقال : دع هذا عنک ، فقد عفوتُ عنه فی هجائه إیّای لقوله هذا وضحک. ثمّ دخل أبو عبّاد ، فلمّا رآهُ المأمون من بُعْد قال لإبراهیم : دعبل یجسر علی أبی عبّاد بالهجاء ولا یُحجم عن أحد. فقال له : وکأنّ أبا عبّاد أبسط یداً منک؟ قال : لا ، ولکنّه حدیدٌ جاهلٌ لا یُؤمَن ، وأنا أحلم وأصفح ، والله ما رأیت أبا عبّاد مقبلاً إلاّ أضحکنی قول دعبل فیه :

أولی الأمور بضَیْعَةٍ وفسادِ

أمرٌ یُدبِّره أبو عبّاد (5)

4 - حدّث أبو ناجیة (6) قال : کان المعتصم یبغض دعبلاً لطول لسانه ، وبلغ 8.

ص: 524


1- وفیات الأعیان : 2 / 267 رقم 227.
2- الأغانی : 20 / 133.
3- المعبدیّات : الأغانی المنسوبة الی معبد المغنّی.
4- البَربَط : العود.
5- توجد بقیّة الأبیات فی الأغانی : 18 / 39 [20 / 154]. (المؤلف)
6- الأغانی : 20 / 157 - 158.

دعبلاً أنّه یرید اغتیاله وقتله ، فهرب إلی الجبل ، وقال یهجوه :

بکی لشَتاتِ الدینِ مکتئبٌ صَبُ

وفاض بفَرْطِ الدمعِ من عینِهِ غَرْبُ (1)

وقام إمامٌ لم یکن ذا هدایةٍ

فلیس له دینٌ ولیس له لُبُ

وما کانت الأنباءُ تأتی بمثلِهِ

یُملَّکُ یوماً أو تَدینُ له العُرْبُ

ولکن کما قال الذین تتابعوا

من السلَفِ الماضین إذ عظُم الخَطْبُ

ملوکُ بنی العبّاس فی الکُتْبِ سَبْعَةٌ

ولم تأتِنا عن ثامنٍ لهمُ کُتْبُ

کذلک أهلُ الکهفِ فی الکهفِ سبعةٌ

خِیارٌ إذا عُدّوا وثامنُهمْ کلبُ

وإنّی لأُعلی کلبَهمْ عنک رِفعةً

لأنّک ذو ذَنْبٍ ولیس لهُ ذَنْبُ

لقد ضاع مُلکُ الناسِ إذْ ساس مُلکَهمْ

وصیفٌ وأشناسٌ وقد عَظُم الکَربُ (2)

وفضلُ بنُ مروانٍ یُثَلِّمُ ثَلْمةً

یَظَلُّ لها الإسلامُ لیس لهُ شَعبُ (3)

5 - حدّث میمون بن هارون قال : لمّا مات المعتصم قال محمد بن عبد الملک الزیّات یَرثیه :

قد قلْتُ إذْ غیّبوهُ وانصرفوا

فی خیرِ قبر لخیرِ مدفونِ

لن یَجْبُرَ اللهُ أمَّةً فَقَدَتْ

مثلَکَ إلاّ بمثلِ هارونِ

فقال دعبل یعارضه :

قَدقُلتُ إذ غیّبوهُ وانصرفوا

فی شَرِّ قبرٍ لشرِّ مدفونِ

اذهبْ إلی النارِ والعذاب فما

خِلْتُکَ إلاّ من الشیاطینِ

ما زلتَ حتی عَقَدْتَ بیعةَ مَنْ

أضرَّ بالمسلمین والدینِ (4)

8.

ص: 525


1- الغَرْب : عِرْق فی مجری الدمع یسقی ولا ینقطع.
2- وصیف وأشناس : من قوّاد المعتصم.
3- شَعب : إصلاح.
4- الأغانی : 20 / 158.

6 - حدّث محمد بن قاسم بن مهرویه قال : کنت مع دعبل بالصیمرة وقد جاء نعی المعتصم وقیام الواثق ، فقال لی دعبل : أمعک شیء تکتب فیه؟ فقلت : نعم ، وأخرجت قرطاساً ، فأملی علیَّ بدیهاً :

ألحمدُ للهِ لا صبرٌ ولا جَلَدُ

ولا عزاءٌ إذا أهل البلا رَقدوا

خلیفةٌ ماتَ لم یَحزنْ له أحدٌ

وآخرٌ قام لم یفرحْ به أَحدُ (1)

7 - حدّث محمد بن جریر قال : أنشدنی عبید الله بن یعقوب هذا البیت وحده لدعبل یهجو به المتوکّل ، وما سمعت له غیره فیه :

ولستُ بقائلٍ قَذْعاً ولکنْ

لأمرٍ ما تعبّدک العبیدُ

قال : یرمیه فی هذا البیت بالأُبنَة.

8 - دخل عبد الله بن طاهر علی المأمون فقال له المأمون : أیَّ شیءٍ تحفَظُ یا عبد الله لدعبل؟ فقال : أحفظ أبیاتاً له فی أهل بیت أمیر المؤمنین. قال : هاتها ویحک ، فأنشده عبد الله قول دعبل :

سقیاً ورعیاً لأیّامِ الصباباتِ

أیّامَ أرفُلُ فی أثواب لذّاتی

أیّامَ غُصنی رطیبٌ من لَیانتِهِ

أصبو إلی غیر جاراتٍ وکنّاتِ

دع عنک ذکرَ زمانٍ فات مطلبُهُ

واقذِفْ برجلِکَ عن متنِ الجهالاتِ

واقصد بکلِّ مدیحٍ أنت قائلُهُ

نحو الهداةِ بنی بیتِ الکراماتِ

فقال المأمون : إنّه قد وجد والله مقالاً ، ونال ببعید ذکرهم ما لا یناله فی وصف غیرهم. ثمّ قال المأمون : لقد أحسن فی وصف سَفر سافره ، فطال ذلک السفر علیه ، فقال فیه : 0.

ص: 526


1- الأغانی : 20 / 160.

ألَمْ یَأنِ للسفْرِ الذین تحمّلوا

إلی وطنٍ قبل المماتِ رجوعُ

فقلت ولم أملکْ سوابق عَبرةٍ

نطقنَ بما ضُمَّت علیه ضلوعُ

تَبَیَّنْ فکم دارٍ تفرّقَ شملُها

وشملٍ شتیتٍ عادَ وهو جمیعُ

کذاک اللیالی صرفُهنَّ کما تری

لکلِّ أناسٍ جَدْبةٌ وربیعُ

ثمّ قال : ما سافرت قطُّ إلاّ کانت هذه الأبیات نُصبَ عینیَّ فی سفری ، وهجِّیری (1)) ومُسَلّیتی حتی أعود (2).

9 - حدّث میمون بن هارون قال : کان دعبل قد مدح دینار بن عبد الله وأخاه یحیی فلم یرضَ ما فعلاه ، فقال یهجوهما :

ما زال عصیاننا للهِ یُرذِلُنا

حتّی دُفعنا إلی یحیی ودینارِ

وَغْدَینِ عِلجَین لم تُقطَعْ ثمارُهما

قد طال ما سجدا للشمس والنارِ

قال : وفیهما وفی الحسن بن سهل والحسن بن رجاء وأبیه یقول دعبل :

ألا فاشتروا منّی ملوک المخزمِ

أبِعْ حسَناً وابنَی رجاءٍ بدرهمِ

وأُعْطِ رجاءً فوق ذاک زیادةً

وأسمحْ بدینارٍ بغیر تندُّمِ

فإن رُدَّ من عیبٍ علیَّ جمیعُهم

فلیس یَردُّ العیبَ یحیی بن أکثمِ (3)

مُلَح ونوادر :

1 - حدّث أحمد بن خالد قال : کنّا یوماً بدار صالح بن علیّ من عبد القیس ببغداد ومعنا جماعةٌ من أصحابنا ، فسقط علی کنینَةٍ فی سطحه دیکٌ طار من دار دعبل ، فلمّا رأیناه قلنا : هذا صیدنا ، فأخذناه. فقال صالح : ما نصنع به؟ قلنا : نذبحه ، 1.

ص: 527


1- هجّیری : دأبی وعادتی.
2- الأغانی : 20 / 167 - 168.
3- الأغانی : 20 / 171.

فذبحناه وشویناه. فخرج دعبل وسأل عن الدیک فعرَف أنّه سقط فی دار صالح ، فطلبه منّا فجحدناه ، وشربنا یومنا. فلمّا کان من الغد خرج دعبل فصلّی الغداة ، ثمّ جلس علی المسجد ، وکان ذلک المسجد مجمع الناس ، یجتمع فیه جماعةٌ من العلماء وینتابهم الناس ، فجلس دعبل علی المسجد وقال :

أسَرَ المؤذِّنَ صالحٌ وضیوفُهُ

أسْرَ الکمیِّ هفا خلال الماقطِ (1)

بعثوا علیه بَنیهمُ وبناتِهمْ

من بین ناتفةٍ وآخرَ سامطِ

یتنازعون کأنّهم قد أوثقوا

خاقان أو هزموا کتائب ناعطِ (2)

نَهشوهُ فانتُزِعتْ لهُ أسنانهُمْ

وتهشّمتْ أقفاؤهمْ بالحائطِ

فکتبها الناس عنه ومضوا. فقال لی أبی وقد رجع إلی البیت : ویحکم ، ضاقت علیکم المآکل ، فلم تجدوا شیئاً تأکلونه سوی دیک دعبل؟ ثمّ أنشدنا الشعر ، وقال لی : لا تَدَعْ دیکاً ولا دجاجةً تقدر علیه إلاّ اشتریتَه ، وبعثتَ به إلی دعبل ، وإلاّ وقعنا فی لسانه ؛ ففعلتُ ذلک (3).

2 - عن إسحاق النخعی قال : کنت جالساً مع دعبل بالبصرة وعلی رأسه غلامه ثقیف ، فمرَّ به أعرابیٌّ یرفل فی ثیابِ خَزّ ، فقال لغلامه : أُدع لی هذا الأعرابی ، فأومأ الغلام إلیه ، فجاء ، فقال له دعبل : ممّن الرجل؟ قال : من بنی کلاب ، قال : من أیِّ ولد کلاب أنت؟ قال : من ولد أبی بکر ، فقال دعبل : أتعرف القائل؟ :

ونُبِّئْتُ کلباً من کلابٍ یَسبُّنی

ومحضُ کلابٍ یقطعُ الصلواتِ

فإنْ أنا لم أُعلمْ کِلاباً بأنَّها

کلابٌ وأنّی باسلُ النقِماتِ

1.

ص: 528


1- الماقط : المضیق فی الحرب.
2- ناعط : قبیلة من هَمْدان. وأصله جبل نزلوا به فنُسِبوا إلیه. (المؤلف)
3- الأغانی : 20 / 141.

فکان إذاً من قیسِ عَیلانَ والدی

وکانت إذاً أمّی من الحبَطاتِ (1)

قال : وهذا الشعر لدعبل یقوله فی عمرو بن عاصم الکلابی. فقال له الأعرابیُّ : ممّن أنت؟ فکره أن یقول من خزاعة فیهجوهم ، فقال : أنا أنتمی إلی القوم الذین یقول فیهم الشاعر :

أناسٌ علیُّ الخیرِ منهمْ وجعفرٌ

وحمزةُ والسجّادُ ذو الثفناتِ

إذا فخروا یوماً أتَوا بمحمّدٍ

وجبریلَ والفرقانِ والسُّوَراتِ

فوثب الأعرابیُّ وهو یقول : ما لی إلی محمدٍ وجبریل والفرقان والسوَرات مرتقی (2).

3 - حدَّث الحسین بن أبی السُّری قال : غَضِبَ دعبل علی أبی نصر بن جعفر ابن محمد بن الأشعث - وکان دعبل مؤدِّبه قدیماً - لشیء بلغه عنه ، فقال یهجو أباه :

ما جعفرُ بن محمدِ بن الأشعثِ

عندی بخیرٍ أبوّةً من عَثْعَثِ

عبثاً تمارسَ بی تمارسُ حیّةً

سوّارةً إن هجتَها لم تَلبَثِ

لو یعلمُ المغرورُ ما ذا حازَ من

خِزیٍ لوالدِهِ إذاً لم یَعْبَثِ

قال : فلقیه عَثعث ، فقال له : أیّ شیءٍ کان بینی وبینک حتی ضربتَ بی المَثَل فی خِسَّة الآباء؟ ، فضحک دعبل ، وقال : لا شیء والله إلاّ اتِّفاق اسمک واسم ابن الأشعث فی القافیة ، أوَلا ترضی أن أجعل أباک وهو أسود خیراً من آباء الأشعث بن قیس (3)؟

4 - عن الحسین بن دعبل قال : قال أبی فی الفضل بن مروان :

نَصَحْتُ فأخْلَصتُ النصیحةَ للفضلِ

وقلتُ فسیّرتُ المقالةَ فی الفضلِ

1.

ص: 529


1- الحبَطات : أولاد الحارث بن مالک بن عمرو بن تمیم.
2- الأغانی : 20 / 156 - 157.
3- المصدر السابق : 20 / 161.

ألا إنَّ فی الفضلِ بنِ سهلٍ لَعِبْرَةً

إن اعتَبَر الفضلُ بنُ مروانَ بالفضلِ

وللفضلِ فی الفضلِ بن یحیی مواعظٌ

إذا فکّر الفضلُ بنُ مروانَ فی الفضلِ

فأبْقِ حمیداً من حدیثٍ تَفُزْ بِهِ

ولا تَدَعِ الإحسانَ والأخذَ بالفضلِ

فإنّک قد أصبحتَ لِلمُلْکِ قَیِّماً

وصرتَ مکانَ الفضل والفضلِ والفضلِ

ولم أرَ أبیاتاً من الشعر قبلَها

جمیعُ قوافیها علی الفضلِ والفضلِ

ولیس لها عیبٌ إذا هی أُنشِدَتْ

سوی أنّ نصحی الفضلَ کان من الفضلِ

فبعث إلیه الفضل بن مروان بدنانیر ، وقال له : قد قبلتُ نُصحَک ، فاکفنی خَیرَک وشرَّک (1).

نماذج من شعر دعبل فی المذهب

قال فی رثاء الإمام السبط الشهید علیه السلام :

أتَسْکُبُ دمعَ العینِ بالعبراتِ

وبتَّ تُقاسی شِدّة الزفَراتِ؟

وتبکی لآثارٍ لآلِ محمدٍ

فقد ضاقَ منک الصدرُ بالحسراتِ

ألا فابکهمْ حَقّا وبُلَّ علیهمُ

عُیوناً لرَیْبِ الدهر مُنسَکباتِ

ولا تنسَ فی یومِ الطفوفِ مُصابَهمْ

وداهیةً من أعظمِ النکَباتِ

سقی اللهُ أجداثاً علی أرضِ کربلا

مرابیعَ أمطارٍ من المُزُناتِ

وصلّی علی روح الحسینِ حبیبهِ

قتیلاً لدی النهرین بالفَلَواتِ

قتیلاً بلا جُرمٍ فُجِعنا بفقدِهِ

فریداً ینادی : أینَ أینَ حُماتی

أنا الظامئُ العطشانُ فی أرضِ غربةٍ

قتیلاً ومظلوماً بغیر تِراتِ

وقد رفعوا رأسَ الحسینِ علی القنا

وساقوا نساءً وُلَّهاً خَفِراتِ

فقل لابن سعدٍ عذَّبَ اللهُ روحَهُ

ستلقی عذابَ النارِ باللعناتِ

ف)

ص: 530


1- الأغانی : 18 / 33 ، 38 ، 39 ، 42 [20 / 153]. (المؤلف)

سأقنُتُ طولَ الدهرِ ما هبَّتِ الصبا

وأقنُتُ بالآصالِ والغَدواتِ

علی معشرٍ ضَلّوا جمیعاً وضَیّعوا

مقالَ رسول اللهِ بالشبهاتِ

ویمدح أمیر المؤمنین علیه السلام ویذکر تصدُّقه بخاتمه للسائل فی الصلاة ونزول قوله تعالی : (إِنَّما وَلِیُّکُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِینَ آمَنُوا الَّذِینَ یُقِیمُونَ الصَّلاةَ وَیُؤْتُونَ الزَّکاةَ وَهُمْ راکِعُونَ) فیه (1) بقوله :

نَطَقَ القرآنُ بفضلِ آلِ محمدٍ

وولایةٍ لعلیِّهِ لم تُجحَدِ

بولایةِ المختارِ مَن خیر الذی (2) بعد النبیِّ الصادق المتودّدِ

إذ جاءَهُ المسکینُ حالَ صلاتِهِ

فامتدَّ طوعاً بالذراعِ وبالیدِ

فتناولَ المسکینُ منهُ خاتَماً

هِبةَ الکریم الأجودِ بن الأجودِ

فاختصّهُ الرحمنُ فی تنزیلِهِ

منْ حازَ مثلَ فَخارِهِ فلیَعْدُدِ

إنَّ الإلهَ وَلیُّکمْ ورسولَهُ

والمؤمنین فَمَنْ یَشَأ فَلْیجحَدِ

یکنِ الإلهُ خصیمَهُ فیها غداً

واللهُ لیس بمُخْلِفٍ فی الموعدِ

وله یمدح أمیر المؤمنین - صلوات الله علیه - :

سقیاً لبیعةِ أحمدٍ ووصیِّهِ

أعنی الإمامَ ولیَّنا المحسودا

أعنی الذی نصَرَ النبیَّ محمداً

قبلَ البریّةِ ناشئاً وولیدا

أعنی الذی کَشَفَ الکروبَ ولم یکنْ

فی الحربِ عند لقائهِ رِعدیدا

أعنی المُوَحِّدَ قبلَ کلِّ مُوَحِّدٍ

لا عابداً وَثناً ولا جلمودا

وله یرثی الإمام السبط شهید الطفّ - سلام الله علیه - :

إن کنتَ محزوناً فمالکَ ترقُدُ

هلاّ بَکَیْتَ لمن بَکاهُ محمدُ

ی.

ص: 531


1- راجع ما مرّ صفحة 47 من هذا الجزء. (المؤلف)
2- کذا فی مناقب آل أبی طالب : 3 / 11 ، وفی الدیوان : من خیر الوری.

هلاّ بَکَیْتَ علی الحسینِ وأهلِهِ

إنَّ البکاءَ لِمثلِهمْ قد یُحمَدُ

لِتَضَعْضُع الإسلامِ یوم مُصابهِ

فالجودُ یبکی فقدَهُ والسؤددُ

فلقدْ بَکَتْهُ فی السماءِ ملائک

زُهْرٌ کرامٌ راکعون وسُجَّدُ

أنَسِیتَ إذ صارتْ إلیه کتائبٌ

فیها ابن سعدٍ والطغاةُ الجُحَّدُ

فَسَقَوْهُ من جُرَعِ الحُتوفِ بمشهدٍ

کَثُرَ العِداةُ به وقَلَّ المُسعِدُ

لم یَحفظوا حقَّ النبیِّ محمدٍ

إذْ جَرّعوهُ حرارةً ما تبردُ

قتلوا الحسینَ فأثکلوهُ بسبطِهِ

فالثُّکْلُ من بعد الحسین مُبَرَّدُ

کیف القرارُ وفی السبایا زینبٌ

تدعو بفَرْطِ حرارةٍ : یا أحمدُ

هذا حسینٌ بالسیوفِ مُبضَّعٌ

مُتلطّخٌ بدمائه مُسْتَشْهَدُ

عارٍ بلا ثوبٍ صریعٌ فی الثری

بین الحوافرِ والسنابک یُقْصَدُ

والطیِّبونَ بَنوکَ قتلی حولَهُ

فوقَ التُّرابِ ذبائحٌ لا تُلْحَدُ

یا جدُّ قد مُنِعوا الفراتَ وقُتِّلوا

عَطَشاً فلیسَ لهمْ هنالکَ موردُ

یا جدُّ من ثُکْلی وطولِ مُصیبتی

ولِما أُعانیهِ أقومُ وأقعدُ

وله من قصیدة طویلة فی رثاء الشهید السبط علیه السلام قوله :

جاءوا من الشامِ المَشُومةِ أهلُها

للشومِ یَقدِمُ جُنْدَهمْ إبلیسُ

لُعِنوا وقد لُعِنوا بقتلِ إمامِهمْ

تَرکوهُ وهو مبضَّعٌ مخموسُ

وسَبَوا فوا حَزَنی بناتِ محمدٍ

عبری حواسرَ ما لهنَّ لبوسُ

تبّا لکمْ یا ویلکمْ أرضِیتمُ

بالنّارِ ذَلَّ هنالکَ المحبُوسُ

بِعتم بدنیا غیرِکمْ جَهْلاً بکمْ

عِزَّ الحیاةِ وإنَّهُ لنفیسُ

أخْزی بها من بیعةٍ أمویّةٍ

لُعِنت وحظُّ البائعین خسیسُ

بؤساً لمن بایعتمُ وکأنّنی

بإمامکمْ وَسْطَ الجحیمِ حَبیسُ

یا آل أحمدَ ما لقیتمْ بعدَهُ

من عُصْبةٍ هم فی القیاسِ مجوسُ

کم عَبرةٍ فاضتْ لکم وتقطّعتْ

یومَ الطفوف علی الحسین نفوسُ

ص: 532

صبراً مَوالینا فسوف نُدیلُکمْ

یوماً علی آل اللعین عَبوسُ (1)

ما زلتُ متّبعاً لکمْ ولأمرِکُمْ

وعلیه نفسی ما حَیِیتُ أسوسُ

وذکر له یاقوت الحموی فی معجم الأدباء (11 / 110) فی رثاء الإمام السبط علیه السلام قوله :

رأسُ ابن بنت محمدٍ ووصیِّهِ

یا للرجالِ علی قناةٍ یُرفعُ

والمسلمونَ بمنظرٍ وبمَسْمَعٍ

لا جازعٌ من ذا ولا مُتَخَشِّعُ

أیقظتَ أجفاناً وکنتَ لها کریً

وأنمتَ عیناً لم تکن بکَ تهجَعُ

کُحِلَتْ بمنظرِکَ العیون عمایةً

وأصمَّ نعیُکَ کلَّ أُذنٍ تسمعُ

ما روضةٌ إلاّ تمنّت أنّها

لک مضجعٌ ولخطِّ قبرک موضعُ

وله فی مدح الإمام الطاهر علیِّ بن أبی طالب - صلوات الله علیه - :

أبو ترابٍ حیدرَه

ذاک الإمامُ القَسْورَه

مُبیدُ کلِّ الکفَرَه

لیس له مناضلُ

مبارزٌ ما یهبُ

وضیغمٌ ما یُغلَبُ

وصادقٌ لا یکذِبُ

وفارسٌ محاولُ

سیفُ النبیِّ الصادقِ

مُبیدُ کلِّ فاسقِ

بمُرْهفٍ ذی بارقِ

أخلصَهُ الصیاقلُ

وله یرثی الإمام السبط - صلوات الله علیه - :

ص: 533


1- کذا.

منازلُ بین أکنافِ الغَرَیِ

إلی وادی المیاه إلی الطویِ

لقد شغلَ الدموعَ عن الغوانی

مُصابُ الأکرمین بنی علیِ

أتی أسفی علی هفواتِ دهری

تضاءل فیه أولاد الزکیِ

ألمْ تَقِفِ البکاءَ علی حسینٍ

وذکرک مصرعَ الحَبْر التقیِ

ألم یُحزِنْکَ أنَّ بنی زیادٍ

أصابوا بالترات بنی النبیِ

وأَنَّ بنی الحَصَانِ یمرُّ فیهمْ

علانیةً سیوفُ بنی البغیِ

ولادته ووفاته :

وُلد سنة (148) واستشهد ظلماً وعدواناً وهو شیخ کبیر سنة (246) فعاش سبعاً وتسعین سنة وشهوراً من السنة الثامنة. یُقال : إنّه هجا مالک بن طوق بأبیات ، وبلغت مالکاً ، فطلبه فهرب ، فأتی البصرة وعلیها إسحاق بن العبّاس العبّاسی ، وکان بلغه هجاء دعبل نزاراً ، فلمّا دخل البصرة بعث من قبض علیه ، ودعا بالنطع والسیف لیضرب عنقه ، فحلف بالطلاق علی جَحْدها ، وبکلِّ یمین تبرّئ من الدم أنّه لم یقُلها ، وأنّ عدوّا له قالها ؛ إمّا أبو سعید أو غیره ونسبها إلیه لیُغریَ بدمه ، وجعل یتضرّع إلیه ویقبِّل الأرض ویبکی بین یدیه ، فرقَّ له فقال : أمّا إذا أعفیتک من القتل فلا بدّ من أن أشهرَک ، ثمّ دعا بالعصا فضربه حتی سلح ، وأمر به وأُلقی علی قفاه ، وفُتِح فمه فردَّ سَلحه فیه والمقارع تأخذ رجلیه ، وهو یحلف أن لا یکفَّ عنه حتی یستوفیه ویبلعَه أو یقتله. فما رُفِعت عنه حتی بلع سلَحه کلّه ، ثمّ خلاّه فهرب إلی الأهواز ، وبعث مالک ابن طوق رجلاً حصیفاً (1) مِقداماً وأمره أن یغتاله کیف شاء ، وأعطاه علی ذلک عشرة آلاف درهم ، فلم یزل یطلبه حتی وجده فی قریة من نواحی السوس ، فاغتاله فی وقت من الأوقات بعد صلاة العُتمة ، فضرب ظهر قدمه بعُکّاز (2) لها زِجٌّ مسمومٌ ،

ص: 534


1- الحصیف : الجیّد الرأی مُحکم العقل. (المؤلف)
2- العُکّاز - بالعین المضمومة والکاف المشدّدة - : عصا ذات زِجّ فی أسفلها یُتَوکَّأُ علیها. (المؤلف)

فمات من غد ، ودفن بتلک القریة.

وقیل : بل حُمل إلی السوس ودُفن بها (1). وفی تاریخ ابن خلّکان (2) : قُتل بالطیب ، وهی بلدةٌ بین واسط العراق وکور الأهواز. وقال الحموی (3) : وبزَوِیلَة (4) قبرُ دعبل بن علیّ الخزاعی ، قال بکر بن حمّاد :

الموت غادَرَ دِعبلاً بَزَوِیلَةٍ

فی أرض برقة أحمد بن خصیبِ

لا یخفی علی الباحث أنّ تردّد ابن عساکر فی تاریخه (5) (5 / 242) بعد ذکر وفاة المترجَم سنة (246) وقوله : قیل : إنّه هجا المعتصم فقتله. وقیل : إنّه هجا مالکاً فأرسل إلیه من سمَّه بالسوس تردّدٌ بلا تأمّل ، ونقلٌ بلا تدبّر ؛ إذ المعتصم توفّی (227) قبل شهادة المترجَم بتسع عشرة سنة. کما أنّ ما ذکره الحموی فی معجم البلدان (4 / 418) من أنّ دعبلاً لمّا هجا المعتصم أهدر دمه ، فهرب إلی طوس واستجار بقبر الرشید ، فلم یُجِرْهُ المعتصم وقتله صبراً فی سنة (220) ، خلاف ما اتّفق علیه المؤرِّخون وعلماء الرجال من شهادته سنة (246).

کان البحتری صدیقاً للمترجَم وأبی تمام المتوفّی قبله ، فرثاهما بقوله :

قد زادَ فی کَلَفِی وأوْقَدَ لَوْعتی

مثوی حبیبٍ یومَ مات ودعبلِ

أَخوَیَّ لا تزلِ السماءُ مَخِیلةً (6)

تغشاکما بسماءِ مُزْنٍ مُسْبلِ

جدثٌ علی الأهوازِ یبعدُ دونَهُ

مسری النَّعیِّ ورمسُهُ بالموصلِ

ص: 535


1- الأغانی : 18 / 60 [20 / 200] ، معاهد التنصیص : 1 / 208 [2 / 206 رقم 115]. (المؤلف)
2- وفیات الأعیان : 2 / 270 رقم 227.
3- معجم البلدان : 4 / 418 [3 / 160]. (المؤلف)
4- أوّل حدود بلاد السودان. (المؤلف)
5- تاریخ مدینة دمشق : 6 / 84 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 8 / 194.
6- خیل السحاب : رعد وبرق وتهیّأ للمطر. (المؤلف)

قال أبو نصر محمد بن الحسن الکرخی الکاتب : رأیت علی قبر دعبل مکتوباً :

أعدَّ للهِ یومَ یَلْقاهُ

دعبل : أن لا إلهَ إلاّ هُو

یقولها مُخْلِصاً عساهُ بها

یرحمُهُ فی القیامة اللهُ

اللهُ مولاه والرسول ومنْ

بعدِهما فالوصیُّ مولاهُ

خلف المترجَم ولداه : عبد الله وحسین الشاعر ، ذکر ابن الندیم (1) للثانی منهما دیواناً فی نحو مائتی ورقة ، وترجمه ابن المعتز فی طبقات الشعراء (2) (ص 193) وذکر نماذج من شعره ، وقال : الدعبلیّ ملیح الشعر جدّا.

آخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمین

هنا ینتهی الجزء الثانی ویتلوه الجزء الثالث ویبدأ ببقیّة

شعراء القرن الثالث

أوّلهم أبو إسماعیل العلویّ

والله المستعان وعلیه التکلان

ص: 536


1- فهرست ابن الندیم : ص 183.
2- طبقات الشعراء : ص 408.

محتویات الکتاب

شکر علی تقدیر............................................................. 9

الشعر والشعراء............................................................ 13

الشعر والشعراء فی السّنة والکتاب........................................... 17

الهواتف بالشعر............................................................. 27

موکب الشعراء............................................................ 37

الشعر والشعراء عند الأئمّة.................................................. 43

الشعر والشعراء عند اعلام الدین............................................. 47

شعراء الغدیر فی القرن الأول

51 - 263

أمیر المؤمنین علیه السلام.............................................. 53 - 64

ما یتبع الشعر.............................................................. 54

تصحیح غلط.............................................................. 61

شکر ونقد................................................................. 62

ویروی لأمیر المؤمنین علیه السلام............................................ 63

ترجمة الإمام أمیر المومنین علیه السلام......................................... 64

حسّان بن ثابت.................................................... 65 - 111

ما یتبع الشعر.............................................................. 65

رواة شعر حسّان........................................................... 65

دیوان حسّان.............................................................. 76

شعر حسّان فی أمیر المؤمنین وشرحه......................................... 77

نزول آیة: (أفمن شرح الله صدره للإسلام) فی علی علیه السلام................. 78

حدیث (امتحن الله قلبه بالایمان) فی مولانا علی علیه السلام.................... 79

أحادیث فی علم علیّ علیه السلام............................................ 79

نزول آیة : (أفمن کان مؤمناً) فی علیّ علیه السلام............................ 82

حدیث لیلة المبیت.......................................................... 85

نزول آیة : (من الذی أیدک بنصره وبالمؤمنین) فی علی علیه السلام.............. 87

نزول آیة: (یا أیّها النبیّ حسبک الله ومن اتّبعک) فی علی علیه السلام............ 90

نزول آیة: (من المؤمنین رجال صدقوا) فی علی علیه السلام..................... 90

نزول آیة : (إنّما ولیُّکُمُ الله ورسوله والّذین آمنوا) فی علیّ علیه السلام.......... 91

نزول آیة : (أجعلتم سقایة الحاج) فی علی علیه السلام......................... 93

نزول آیة : (سیجعل لهم الرّحمن وُدا) فی علی علیه السلام...................... 96

نزول آیة : (أم حسب الّذین اجترحوا) فی علی علیه السلام.................... 98

نزول آیة : (إنّ الّذین آمنوا وعملوا الصّالحات أولئک هم خیرُ البریّة)............ 98

نزول آیة : (والعصر إنّ الانسان لفی خسر إلّا الّذین آمنوا)................... 101

حدیث (لا فتی إلّا علیّ)................................................... 102

حدیث (فاطمة أحصنت فرجها)........................................... 106

الشاعر.................................................................. 107

تحریف کتاب المعارف لابن قتیبة........................................... 110

قیس الأنصاری................................................... 113 - 172

ما یتبع الشعر............................................................. 113

الشاعر.................................................................. 115

شرفه.................................................................... 116

إمارته................................................................... 117

حدیث دهائه............................................................. 120

فروسیّته................................................................. 123

حدیث جوده............................................................ 137

حدیث خطابته........................................................... 141

حدیث زهده............................................................. 142

حدیث فضله............................................................. 145

مشایخ قیس والرواة عنه................................................... 150

معاویة وقیس قبل وقعة صفّین.............................................. 154

کتاب مفتعل............................................................. 157

الصلح بین قیس ومعاویة.................................................. 160

قیس ومعاویة فی المدینة بعد الصلح بینهما................................... 163

قیس ومعاویة فی المدینة.................................................... 164

قیس فی خلقته............................................................ 166

وفاته.................................................................... 170

بیت قیس................................................................ 170

عمرو بن العاص.................................................. 173 - 262

ما یتبع الشعر............................................................. 176

مهمّات مصادر ترجمة عمرو بن العاص..................................... 179

الشاعر.................................................................. 181

نسبه.................................................................... 181

عبد الله بن جعفر وعمرو.................................................. 187

عبدالله بن أبی سفیان وعمرو............................................... 187

إسلامه.................................................................. 188

کلمة النبیّ الأعظم صلی الله علیه واله....................................... 190

کلمة أمیر المؤمنین علیه السلام............................................. 191

کلمة اُخری له علیه السلام................................................ 193

کتاب أمیر المؤمنین إلی عمرو.............................................. 194

فائدة.................................................................... 195

خطبة أمیر المؤمنین بعد التحکیم............................................ 195

قنوت أمیرالمؤمنین بلعن عمرو.............................................. 197

دعاء عائشة علی عمرو.................................................... 199

الإمام الحسن الزکّی وعمرو............................................... 199

بیان..................................................................... 202

کتاب ابن عبّاس إلی عمرو................................................ 204

أبن عبّاس وعمرو......................................................... 206

معاویة وعمرو............................................................ 208

معاویة وعمرو بصورة مفصّلة.............................................. 209

عمّاد بن یاسرو عمرو..................................................... 215

أبو نوح الحمیری وعمرو.................................................. 216

أبو الأسود الدولی وعمرو................................................. 217

حدیث أبی جعفر وزید.................................................... 220

عمرو وابن اخیه.......................................................... 221

غانمة بنت غانم وعمرو.................................................... 223

حدیث شجاعته.......................................................... 230

أمیر المؤمنین وعمرو فی صفّین.............................................. 232

روایة ابن عباسّ........................................................... 236

معاویة وعمرو............................................................ 238

الأشتر وعمرو بن العاص فی صفّین......................................... 244

ابن عبّاس وعمرو......................................................... 245

ابن عبّاس وعمرو فی حلقة اُخری.......................................... 246

عبدالله المرقال وعمرو..................................................... 247

درس دین وأخلاق........................................................ 250

وفاته.................................................................... 256

فائدة.................................................................... 257

محمد الحمیری.................................................... 259 - 262

ما یتبع الشعر............................................................. 260

الشاعر.................................................................. 261

شعراء الغدیر فی القرن الثانی

263 - 467

أبو المستهلّ الکمیت.............................................. 265 - 307

ما یتبع الشعر............................................................. 266

الیعینیّة من الهاشمیات...................................................... 268

الهاشمیّات................................................................ 270

المیمیّة من الهاشمیّات....................................................... 273

البائیة من الهاشمیات....................................................... 278

اللامیّة من الهاشمیات...................................................... 281

الشاعر.................................................................. 286

فائدة.................................................................... 288

الکمیت وحیاتهت المذهبیة................................................. 289

الکمیت ودعاء الأئمة له.................................................. 294

الکمیت وهشام بن عبدالملک.............................................. 298

الکمیت ویزید بن عبد الملک............................................... 305

ولادته وشهادته.......................................................... 306

السیّد الحمیری................................................... 309 - 408

ما یتبع الشعر............................................................. 318

شروح القصیدة........................................................... 323

من غدیریات السیّد الحمیری............................................... 324

الشاعر.................................................................. 332

أبواه وقصّته معهما........................................................ 333

عظمته والمؤلّفون فی أخباره................................................ 336

الثناء علی أدبه وشعره..................................................... 340

إکثاره فی آل الله......................................................... 344

رواة شعره وحفّاظُه....................................................... 347

مذهبه وکلمات الأعلام حوله............................................. 350

نقد أو إصحار بالحقیقة.................................................... 360

حدیثه مع من لم یتشیّع.................................................... 362

أخباره وملحه............................................................ 370

خلفاء عصره............................................................. 382

صفته فی خلفته........................................................... 384

ولادته ووفاته............................................................ 385

تضلعه فی العلم والتاریخ................................................... 389

حدیث بد الدعوة فی السنّة والتاریخ والأدب................................ 392

لفظ الحدیث............................................................. 394

صورة اُخری............................................................. 397

صورة ثالثة............................................................... 398

صورة خامسة............................................................ 399

صورة رابعة.............................................................. 399

صورة سادسة............................................................ 400

صورة سابعة............................................................. 401

کلمة الإسکال فی حول الحدیث فی کتابه النقض علی العثمانیة............... 405

جنایات علی الحدیث..................................................... 406

العبدی الکوفی.................................................... 409 - 466

الشاعر.................................................................. 414

نبوغة فی الأدب والحدیث................................................. 417

ولادته ووفاته............................................................ 418

بیان ما حوته الأبیات من الحدیث ممّا أخرجه أعلام العامّة..................... 420

بیان..................................................................... 449

العبدیّ معاصر العبدیّ................................................... 462

شعراء الغدیر فی القرن الثالث

469 - 493

أبو تّمام الطائی............................................................. 471

ما یتبع الشعر............................................................. 471

الشاعر.................................................................. 474

دیوان شعر أبی تمام........................................................ 478

دیوان الحماسة وشروحه................................................... 480

دواوین الحماسة.......................................................... 482

المؤلّفون فی أخبار أبی تمام.................................................. 483

ولادته ووفاته............................................................ 485

الجواد قد یکبو........................................................... 487

دعبل الخزاعی.................................................... 495 - 544

ما یتبع الشعر............................................................. 496

من کلمات أعلام العامّة................................................... 496

أعلام الطائفة............................................................. 509

الشاعر.................................................................. 513

أبو الحسن علیّ اخو دعبل................................................. 518

المترجم له................................................................ 520

نبوغه فی الادب.......................................................... 522

آیات نبوغه.............................................................. 525

روایته فی الحدیث......................................................... 526

سیره مع الخلفاء والوزراء.................................................. 529

ملح ونوادر.............................................................. 535

نماذج من شعر دعبل فی المذهب............................................ 538

ولادته ووفاته............................................................ 542

ص: 537

شعر حسّان فی أمیر المؤمنین وشرحه......................................... 77

نزول آیة: (أفمن شرح الله صدره للإسلام) فی علی علیه السلام................. 78

حدیث (امتحن الله قلبه بالایمان) فی مولانا علی علیه السلام.................... 79

أحادیث فی علم علیّ علیه السلام............................................ 79

نزول آیة : (أفمن کان مؤمناً) فی علیّ علیه السلام............................ 82

حدیث لیلة المبیت.......................................................... 85

نزول آیة : (من الذی أیدک بنصره وبالمؤمنین) فی علی علیه السلام.............. 87

نزول آیة: (یا أیّها النبیّ حسبک الله ومن اتّبعک) فی علی علیه السلام............ 90

نزول آیة: (من المؤمنین رجال صدقوا) فی علی علیه السلام..................... 90

نزول آیة : (إنّما ولیُّکُمُ الله ورسوله والّذین آمنوا) فی علیّ علیه السلام.......... 91

نزول آیة : (أجعلتم سقایة الحاج) فی علی علیه السلام......................... 93

نزول آیة : (سیجعل لهم الرّحمن وُدا) فی علی علیه السلام...................... 96

نزول آیة : (أم حسب الّذین اجترحوا) فی علی علیه السلام.................... 98

نزول آیة : (إنّ الّذین آمنوا وعملوا الصّالحات أولئک هم خیرُ البریّة)............ 98

نزول آیة : (والعصر إنّ الانسان لفی خسر إلّا الّذین آمنوا)................... 101

حدیث (لا فتی إلّا علیّ)................................................... 102

حدیث (فاطمة أحصنت فرجها)........................................... 106

الشاعر.................................................................. 107

تحریف کتاب المعارف لابن قتیبة........................................... 110

قیس الأنصاری................................................... 113 - 172

ما یتبع الشعر............................................................. 113

الشاعر.................................................................. 115

شرفه.................................................................... 116

إمارته................................................................... 117

حدیث دهائه............................................................. 120

فروسیّته................................................................. 123

حدیث جوده............................................................ 137

ص: 538

حدیث خطابته........................................................... 141

حدیث زهده............................................................. 142

حدیث فضله............................................................. 145

مشایخ قیس والرواة عنه................................................... 150

معاویة وقیس قبل وقعة صفّین.............................................. 154

کتاب مفتعل............................................................. 157

الصلح بین قیس ومعاویة.................................................. 160

قیس ومعاویة فی المدینة بعد الصلح بینهما................................... 163

قیس ومعاویة فی المدینة.................................................... 164

قیس فی خلقته............................................................ 166

وفاته.................................................................... 170

بیت قیس................................................................ 170

عمرو بن العاص.................................................. 173 - 262

ما یتبع الشعر............................................................. 176

مهمّات مصادر ترجمة عمرو بن العاص..................................... 179

الشاعر.................................................................. 181

نسبه.................................................................... 181

عبد الله بن جعفر وعمرو.................................................. 187

عبدالله بن أبی سفیان وعمرو............................................... 187

إسلامه.................................................................. 188

کلمة النبیّ الأعظم صلی الله علیه واله....................................... 190

کلمة أمیر المؤمنین علیه السلام............................................. 191

کلمة اُخری له علیه السلام................................................ 193

کتاب أمیر المؤمنین إلی عمرو.............................................. 194

فائدة.................................................................... 195

خطبة أمیر المؤمنین بعد التحکیم............................................ 195

قنوت أمیرالمؤمنین بلعن عمرو.............................................. 197

ص: 539

دعاء عائشة علی عمرو.................................................... 199

الإمام الحسن الزکّی وعمرو............................................... 199

بیان..................................................................... 202

کتاب ابن عبّاس إلی عمرو................................................ 204

أبن عبّاس وعمرو......................................................... 206

معاویة وعمرو............................................................ 208

معاویة وعمرو بصورة مفصّلة.............................................. 209

عمّاد بن یاسرو عمرو..................................................... 215

أبو نوح الحمیری وعمرو.................................................. 216

أبو الأسود الدولی وعمرو................................................. 217

حدیث أبی جعفر وزید.................................................... 220

عمرو وابن اخیه.......................................................... 221

غانمة بنت غانم وعمرو.................................................... 223

حدیث شجاعته.......................................................... 230

أمیر المؤمنین وعمرو فی صفّین.............................................. 232

روایة ابن عباسّ........................................................... 236

معاویة وعمرو............................................................ 238

الأشتر وعمرو بن العاص فی صفّین......................................... 244

ابن عبّاس وعمرو......................................................... 245

ابن عبّاس وعمرو فی حلقة اُخری.......................................... 246

عبدالله المرقال وعمرو..................................................... 247

درس دین وأخلاق........................................................ 250

وفاته.................................................................... 256

فائدة.................................................................... 257

محمد الحمیری.................................................... 259 - 262

ما یتبع الشعر............................................................. 260

الشاعر.................................................................. 261

ص: 540

شعراء الغدیر فی القرن الثانی

263 - 467

أبو المستهلّ الکمیت.............................................. 265 - 307

ما یتبع الشعر............................................................. 266

الیعینیّة من الهاشمیات...................................................... 268

الهاشمیّات................................................................ 270

المیمیّة من الهاشمیّات....................................................... 273

البائیة من الهاشمیات....................................................... 278

اللامیّة من الهاشمیات...................................................... 281

الشاعر.................................................................. 286

فائدة.................................................................... 288

الکمیت وحیاتهت المذهبیة................................................. 289

الکمیت ودعاء الأئمة له.................................................. 294

الکمیت وهشام بن عبدالملک.............................................. 298

الکمیت ویزید بن عبد الملک............................................... 305

ولادته وشهادته.......................................................... 306

السیّد الحمیری................................................... 309 - 408

ما یتبع الشعر............................................................. 318

شروح القصیدة........................................................... 323

من غدیریات السیّد الحمیری............................................... 324

الشاعر.................................................................. 332

أبواه وقصّته معهما........................................................ 333

عظمته والمؤلّفون فی أخباره................................................ 336

الثناء علی أدبه وشعره..................................................... 340

إکثاره فی آل الله......................................................... 344

ص: 541

رواة شعره وحفّاظُه....................................................... 347

مذهبه وکلمات الأعلام حوله............................................. 350

نقد أو إصحار بالحقیقة.................................................... 360

حدیثه مع من لم یتشیّع.................................................... 362

أخباره وملحه............................................................ 370

خلفاء عصره............................................................. 382

صفته فی خلفته........................................................... 384

ولادته ووفاته............................................................ 385

تضلعه فی العلم والتاریخ................................................... 389

حدیث بد الدعوة فی السنّة والتاریخ والأدب................................ 392

لفظ الحدیث............................................................. 394

صورة اُخری............................................................. 397

صورة ثالثة............................................................... 398

صورة خامسة............................................................ 399

صورة رابعة.............................................................. 399

صورة سادسة............................................................ 400

صورة سابعة............................................................. 401

کلمة الإسکال فی حول الحدیث فی کتابه النقض علی العثمانیة............... 405

جنایات علی الحدیث..................................................... 406

العبدی الکوفی.................................................... 409 - 466

الشاعر.................................................................. 414

نبوغة فی الأدب والحدیث................................................. 417

ولادته ووفاته............................................................ 418

بیان ما حوته الأبیات من الحدیث ممّا أخرجه أعلام العامّة..................... 420

بیان..................................................................... 449

العبدیّ معاصر العبدیّ................................................... 462

ص: 542

محتویات الکتاب

شکر علی تقدیر............................................................. 9

الشعر والشعراء............................................................ 13

الشعر والشعراء فی السّنة والکتاب........................................... 17

الهواتف بالشعر............................................................. 27

موکب الشعراء............................................................ 37

الشعر والشعراء عند الأئمّة.................................................. 43

الشعر والشعراء عند اعلام الدین............................................. 47

شعراء الغدیر فی القرن الأول

51 - 263

أمیر المؤمنین علیه السلام.............................................. 53 - 64

ما یتبع الشعر.............................................................. 54

تصحیح غلط.............................................................. 61

شکر ونقد................................................................. 62

ویروی لأمیر المؤمنین علیه السلام............................................ 63

ترجمة الإمام أمیر المومنین علیه السلام......................................... 64

حسّان بن ثابت.................................................... 65 - 111

ما یتبع الشعر.............................................................. 65

رواة شعر حسّان........................................................... 65

دیوان حسّان.............................................................. 76

شعر حسّان فی أمیر المؤمنین وشرحه......................................... 77

نزول آیة: (أفمن شرح الله صدره للإسلام) فی علی علیه السلام................. 78

حدیث (امتحن الله قلبه بالایمان) فی مولانا علی علیه السلام.................... 79

أحادیث فی علم علیّ علیه السلام............................................ 79

نزول آیة : (أفمن کان مؤمناً) فی علیّ علیه السلام............................ 82

حدیث لیلة المبیت.......................................................... 85

نزول آیة : (من الذی أیدک بنصره وبالمؤمنین) فی علی علیه السلام.............. 87

نزول آیة: (یا أیّها النبیّ حسبک الله ومن اتّبعک) فی علی علیه السلام............ 90

نزول آیة: (من المؤمنین رجال صدقوا) فی علی علیه السلام..................... 90

نزول آیة : (إنّما ولیُّکُمُ الله ورسوله والّذین آمنوا) فی علیّ علیه السلام.......... 91

نزول آیة : (أجعلتم سقایة الحاج) فی علی علیه السلام......................... 93

نزول آیة : (سیجعل لهم الرّحمن وُدا) فی علی علیه السلام...................... 96

نزول آیة : (أم حسب الّذین اجترحوا) فی علی علیه السلام.................... 98

نزول آیة : (إنّ الّذین آمنوا وعملوا الصّالحات أولئک هم خیرُ البریّة)............ 98

نزول آیة : (والعصر إنّ الانسان لفی خسر إلّا الّذین آمنوا)................... 101

حدیث (لا فتی إلّا علیّ)................................................... 102

حدیث (فاطمة أحصنت فرجها)........................................... 106

الشاعر.................................................................. 107

تحریف کتاب المعارف لابن قتیبة........................................... 110

قیس الأنصاری................................................... 113 - 172

ما یتبع الشعر............................................................. 113

الشاعر.................................................................. 115

شرفه.................................................................... 116

إمارته................................................................... 117

حدیث دهائه............................................................. 120

فروسیّته................................................................. 123

حدیث جوده............................................................ 137

حدیث خطابته........................................................... 141

حدیث زهده............................................................. 142

حدیث فضله............................................................. 145

مشایخ قیس والرواة عنه................................................... 150

معاویة وقیس قبل وقعة صفّین.............................................. 154

کتاب مفتعل............................................................. 157

الصلح بین قیس ومعاویة.................................................. 160

قیس ومعاویة فی المدینة بعد الصلح بینهما................................... 163

قیس ومعاویة فی المدینة.................................................... 164

قیس فی خلقته............................................................ 166

وفاته.................................................................... 170

بیت قیس................................................................ 170

عمرو بن العاص.................................................. 173 - 262

ما یتبع الشعر............................................................. 176

مهمّات مصادر ترجمة عمرو بن العاص..................................... 179

الشاعر.................................................................. 181

نسبه.................................................................... 181

عبد الله بن جعفر وعمرو.................................................. 187

عبدالله بن أبی سفیان وعمرو............................................... 187

إسلامه.................................................................. 188

کلمة النبیّ الأعظم صلی الله علیه واله....................................... 190

کلمة أمیر المؤمنین علیه السلام............................................. 191

کلمة اُخری له علیه السلام................................................ 193

کتاب أمیر المؤمنین إلی عمرو.............................................. 194

فائدة.................................................................... 195

خطبة أمیر المؤمنین بعد التحکیم............................................ 195

قنوت أمیرالمؤمنین بلعن عمرو.............................................. 197

دعاء عائشة علی عمرو.................................................... 199

الإمام الحسن الزکّی وعمرو............................................... 199

بیان..................................................................... 202

کتاب ابن عبّاس إلی عمرو................................................ 204

أبن عبّاس وعمرو......................................................... 206

معاویة وعمرو............................................................ 208

معاویة وعمرو بصورة مفصّلة.............................................. 209

عمّاد بن یاسرو عمرو..................................................... 215

أبو نوح الحمیری وعمرو.................................................. 216

أبو الأسود الدولی وعمرو................................................. 217

حدیث أبی جعفر وزید.................................................... 220

عمرو وابن اخیه.......................................................... 221

غانمة بنت غانم وعمرو.................................................... 223

حدیث شجاعته.......................................................... 230

أمیر المؤمنین وعمرو فی صفّین.............................................. 232

روایة ابن عباسّ........................................................... 236

معاویة وعمرو............................................................ 238

الأشتر وعمرو بن العاص فی صفّین......................................... 244

ابن عبّاس وعمرو......................................................... 245

ابن عبّاس وعمرو فی حلقة اُخری.......................................... 246

عبدالله المرقال وعمرو..................................................... 247

درس دین وأخلاق........................................................ 250

وفاته.................................................................... 256

فائدة.................................................................... 257

محمد الحمیری.................................................... 259 - 262

ما یتبع الشعر............................................................. 260

الشاعر.................................................................. 261

شعراء الغدیر فی القرن الثانی

263 - 467

أبو المستهلّ الکمیت.............................................. 265 - 307

ما یتبع الشعر............................................................. 266

الیعینیّة من الهاشمیات...................................................... 268

الهاشمیّات................................................................ 270

المیمیّة من الهاشمیّات....................................................... 273

البائیة من الهاشمیات....................................................... 278

اللامیّة من الهاشمیات...................................................... 281

الشاعر.................................................................. 286

فائدة.................................................................... 288

الکمیت وحیاتهت المذهبیة................................................. 289

الکمیت ودعاء الأئمة له.................................................. 294

الکمیت وهشام بن عبدالملک.............................................. 298

الکمیت ویزید بن عبد الملک............................................... 305

ولادته وشهادته.......................................................... 306

السیّد الحمیری................................................... 309 - 408

ما یتبع الشعر............................................................. 318

شروح القصیدة........................................................... 323

من غدیریات السیّد الحمیری............................................... 324

الشاعر.................................................................. 332

أبواه وقصّته معهما........................................................ 333

عظمته والمؤلّفون فی أخباره................................................ 336

الثناء علی أدبه وشعره..................................................... 340

إکثاره فی آل الله......................................................... 344

رواة شعره وحفّاظُه....................................................... 347

مذهبه وکلمات الأعلام حوله............................................. 350

نقد أو إصحار بالحقیقة.................................................... 360

حدیثه مع من لم یتشیّع.................................................... 362

أخباره وملحه............................................................ 370

خلفاء عصره............................................................. 382

صفته فی خلفته........................................................... 384

ولادته ووفاته............................................................ 385

تضلعه فی العلم والتاریخ................................................... 389

حدیث بد الدعوة فی السنّة والتاریخ والأدب................................ 392

لفظ الحدیث............................................................. 394

صورة اُخری............................................................. 397

صورة ثالثة............................................................... 398

صورة خامسة............................................................ 399

صورة رابعة.............................................................. 399

صورة سادسة............................................................ 400

صورة سابعة............................................................. 401

کلمة الإسکال فی حول الحدیث فی کتابه النقض علی العثمانیة............... 405

جنایات علی الحدیث..................................................... 406

العبدی الکوفی.................................................... 409 - 466

الشاعر.................................................................. 414

نبوغة فی الأدب والحدیث................................................. 417

ولادته ووفاته............................................................ 418

بیان ما حوته الأبیات من الحدیث ممّا أخرجه أعلام العامّة..................... 420

بیان..................................................................... 449

العبدیّ معاصر العبدیّ................................................... 462

شعراء الغدیر فی القرن الثالث

469 - 493

أبو تّمام الطائی............................................................. 471

ما یتبع الشعر............................................................. 471

الشاعر.................................................................. 474

دیوان شعر أبی تمام........................................................ 478

دیوان الحماسة وشروحه................................................... 480

دواوین الحماسة.......................................................... 482

المؤلّفون فی أخبار أبی تمام.................................................. 483

ولادته ووفاته............................................................ 485

الجواد قد یکبو........................................................... 487

دعبل الخزاعی.................................................... 495 - 544

ما یتبع الشعر............................................................. 496

من کلمات أعلام العامّة................................................... 496

أعلام الطائفة............................................................. 509

الشاعر.................................................................. 513

أبو الحسن علیّ اخو دعبل................................................. 518

المترجم له................................................................ 520

نبوغه فی الادب.......................................................... 522

آیات نبوغه.............................................................. 525

روایته فی الحدیث......................................................... 526

سیره مع الخلفاء والوزراء.................................................. 529

ملح ونوادر.............................................................. 535

نماذج من شعر دعبل فی المذهب............................................ 538

ولادته ووفاته............................................................ 542

ص: 543

المجلد 3

اشارة

سرشناسه:امینی، عبدالحسین، 1281 - 1349.

عنوان و نام پدیدآور:الغدیر فی الکتاب و السنه و الادب: کتاب دینی ،علمی، فنی،.../ عبدالحسین احمد الامینی النجفی؛ تحقیق مرکز الغدیر للدراسات الاسلامیه.

مشخصات نشر:قم: مرکز الغدیر للدراسات الاسلامیه، 1416ق.-= 1995م.-= 1374-

وضعیت فهرست نویسی:برونسپاری

یادداشت:عربی.

یادداشت:ج.2 (چاپ اول: 1375).

یادداشت:ج. 3، 6 و 8 (چاپ اول: 1416ق. = 1376).

یادداشت:ج. 13 (چاپ اول: 1422ق. = 2002م. = 1380).

یادداشت:کتابنامه.

موضوع:علی بن ابی طالب (ع)، امام اول، 23 قبل از هجرت - 40ق -- اثبات خلافت

موضوع:غدیر خم

شناسه افزوده:موسسه دایرةالمعارف فقه اسلامی بر مذهب اهل بیت (ع). مرکز الغدیر للدراسات الاسلامیه

رده بندی کنگره:BP223/54/الف8غ4 1374

رده بندی دیویی:297/452

شماره کتابشناسی ملی:م 75-8389

ص: 1

اشارة

ص: 2

الغدیر فی الکتاب و السنه و الادب

عبدالحسین احمد الامینی النجفی

تحقیق مرکز الغدیر للدراسات الاسلامیه

ص: 3

ص: 4

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 5

حَمدکَ اللهمَّ یَا ذَا المِنَن السابِغَةِ ، عَلَی مَا أنعَمْتَ بِهِ عَلَینا مِن ولَایَتِکَ وَولَایةِ مُحمَّدٍ سیّدِ رُسُلِکَ ، وَعِترتِهِ الأطهَارِ ولَاةِ أَمْرِکَ ، وَأسأَلکَ اللهمَّ أَنْ تُصَلّی عَلَی مُحمَّدٍ وَآلِهِ ، وتُصلِح لَنا خَبیئَةَ أسْرارِنا ، وَتستَعْملنا بِحُسنِ الإیمانِ ، وَأنْ تأخُذَ بیَدِی فی خِدمَتی للمُجتَمَعِ ، والدعوَةِ إلَی الحقّ ، والسّیرِ وراءَ الصالحِ العام ، وإعلاءِ کلِمةِ التّوحیدِ ، وَبثّ مآثرِ رجَالاتِ الأُمّةِ وَسَاداتِهِم ، وَمَا توفیقی إلاّ بِکَ ، عَلیکَ توکّلتُ ، وإلیکَ أَنَبْتُ.

عبد الحسین أحمد

الأمینی

ص: 6

بقیة شعراء الغدیر فی القرن الثالث

ص: 7

ص: 8

بقیة شعراء الغدیر فی القرن الثالث

1 - أبو إسماعیل العلوی

2 - الوامق النصرانی

3 - ابن الرومی

4 - الحمّانی الأفوه

ص: 9

ص: 10

11 - أبو إسماعیل العلوی

اشارة

وجدّی وزیرُ المصطفی وابنُ عمّهِ

علیٌّ شهابُ الحربِ فی کلِّ مَلْحمِ

ألیس ببدرٍ کان أوّلَ قاحمٍ

یُطیرُ بحدّ السیف هامَ المقحّمِ

وأوّلَ من صلّی ووحّد ربَّهُ

وأفضلَ زُوّارِ الحطیمِ وزمزمِ

وصاحبَ یومِ الدوحِ إذ قام أحمدٌ

فنادی برفع الصوتِ لا بِتَهمهُمِ

جعلتُکَ منّی یا علیُّ بمنزلٍ

کهارونَ من موسی النجیبِ المکلّمِ

فصلّی علیه اللهُ ما ذرّ شارقٌ

وأوفتْ حجورَ البیت أرکُبُ مُحرِمِ (1)

الشاعر

أبو إسماعیل محمد بن علیّ بن عبد الله بن العبّاس بن الحسن بن عبید الله بن العبّاس ابن الإمام أمیر المؤمنین علیّ بن أبی طالب - صلوات الله علیهم.

هو من فروع دوح الخلافة ، ومن مفاخر العترة الطاهرة ، کان یرفل فی حُلّة المجد الضافیة ، طافحاً علیه الشرف الظاهر ، والسؤدد المعلوم ، بین حسب زاکٍ ، ونسب وضیءٍ ، أحمدیُّ المأثرة ، علویُّ المنقبة ، عبّاسیُّ الشهامة ، إلی فضائل کثیرة ینحسر عنها البیان. ف)

ص: 11


1- معجم الشعراء للحافظ المرزبانی : ص 435 [ص 382]. (المؤلف)

قال المرزبانی فی معجم الشعراء (1) (ص 435) : شاعرٌ یُکثر الافتخار بآبائه - رضوان الله علیهم - وکان فی أیّام المتوکّل وبقی بعده دهراً ، وهو القائل :

وإنّی کریمٌ من أکارمِ سادةٍ

أکفّهمُ تندی بجزل المواهبِ

هُم خیرُ من یحفی وأفضلُ ناعلٍ

وذروةُ هُضْبِ العُربِ من آل غالبِ

هُم المنُّ والسلوی لدانٍ بودِّهمْ

وکالسمّ فی حَلْقِ العدوِّ المجانبِ

وله :

بعثتُ إلیهم ناظری بتحیّةٍ

فأبدتْ لیَ الإعراضَ بالنظرِ الشزرِ

فلمّا رأیتُ النفسَ أوفتْ علی الردی

فزعتُ إلی صبری فأسلمنی صبری

أمّا إذا افتخر أبو إسماعیل بآبائه ، فأیُّ أحد یولده أولئک الأکارم من آل هاشم ، فلا یکون حقّا له أن یطأ السماء برجله؟!

وأیّ شریف یکون المحتبی بفناء بیته قمر بنی هاشم أبو الفضل ثمّ لا تخضع له قمّة الفلک مجداً وخطراً؟!

فإن افتخر المترجَم بهؤلاء فقد تبجّح بنجوم الأرض ، وأعلام الهدی ، ومنار الفضل ، وسُوی الإیمان.

من تلقَ منهم تلقَ کهلاً أو فتیً

علَمَ الهدی بحرَ الندی المورودا

وهذا جدُّه أبو الفضل العبّاس الثانی کان ، کما قال الخطیب فی تاریخ بغداد (12 / 136) : عالماً ، شاعراً ، فصیحاً ، من رجال بنی هاشم لساناً وبیاناً وشعراً ، ویزعم أکثر العلویّة أنَّه أشعر ولد أبی طالب ؛ وکان فی صحابة هارون ، ومن شعره یذکر إخاء أبی طالب عمّ النبیّ لعبد الله أبی النبیّ لأبیه وأمّه من بین إخوته : 1.

ص: 12


1- معجم الشعراء : ص 381.

إنّا وإنّ رسول الله یجمعنا

أبٌ وأمٌّ وجَدٌّ غیر موصومِ

جاءت بنا ربّة من بین أسرتهِ

غرّاءُ من نسلِ عمرانَ بنِ مخزومِ

حُزنا بها دون من یسعی لیُدرکَها

قرابةً من حَواها غیرُ مسهومِ

رزقاً من الله أعطانا فضیلتَهُ

والناس من بین مرزوقٍ ومحرومِ

جاء إلی باب المأمون فنظر إلیه الحاجب ثمّ أطرق ، فقال له : لو أُذِنَ لنا لدخلْنا ، ولو اعتُذر إلینا لقبلنا ، ولو صُرِفنا لانصرفنا ، فأمّا اللفتة بعد النظرة لا أعرفها (1) ، ثمّ أنشد :

وما عن رضی کان الحمارُ مطیّتی

ولکنّ من یمشی سیرضی بما رکبْ

ومن درر کلمه الحکمیّة قوله :

اعلم أنّ رأیک لا یتّسع لکلِّ شیء ففرِّغه للمهمِّ ، وأنّ مالک لا یغنی الناس کلّهم فخصّ به أهل الحقّ ، وأنّ کرامتک لا تطیق العامّة فتَوَخَّ بها أهل الفضل ، وأنّ لیلک ونهارک لا یستوعبان حاجتک ، وإن دأبت فیهما ، فأحسن قسمتهما بین عملک ودعتک من ذلک ؛ فإنّ ما شغلک من رأیک فی غیر المهمّ إزراءٌ بالمهمّ. وما صرفت من مالک فی الباطل فقدته حین تریده للحقّ ، وما عمدت من کرامتک إلی أهل النقص أضرّ بک فی العجز عن أهل الفضل ، وما شغلک من لیلک ونهارک فی غیر الحاجة أزری بک فی الحاجة.

وأخو العبّاس هذا : الفضل بن الحسن الذی یؤبّن جدّه أبا الفضل شهید الطفّ - سلام الله علیه - بقوله :

أحقُّ الناس أن یُبکی علیه

فتیً أبکی الحسینَ بکربلاءِف)

ص: 13


1- هذه الجملة حکیت عن تاریخ الخطیب فی تذکرة السبط : ص 32 [ص 55] بغیر هذه الصورة. (المؤلف)

أخوهُ وابنُ والدِهِ علیٍ

أبو الفضلِ المضرّجُ بالدماءِ

ومن واساهُ لا یَثنیهِ شیءٌ

وجادَ له علی عطشٍ بماءِ

ذکرها له المؤرّخ الهندی أشرف علیّ فی کتابه المطبوع روض الجنان فی نیل مشتهی الجنان ، وشطّرها زمیلنا العلاّمة المتضلّع الشیخ محمد علیّ الأوردبادی - حیّاه الله - فقال :

أحقُّ الناسِ أن یُبکی علیه

بدمعٍ شابَهُ علَقُ الدماءِ

بجنب العلقمیِّ سریّ فهرٍ

فتیً أبکی الحسین بکربلاءِ

أخوه وابن والده علیٍ

هزبر الملتقی ربُّ اللواءِ

صریعاً تحت مُشتَبکِ المواضی

أبو الفضل المضرّجُ بالدماءِ

ومن واساه لا یثنیه شیءٌ

عن ابن المصطفی عند البلاءِ

وقد ملک الفراتَ فلم یَذُقْهُ

وجاد له علی عطشٍ بماءِ

وکان شاعرنا المترجَم من رجاحة العقل ، ورصافة العارضة ، فی جانب عظیم مثیل جدّه ، تجری کلماته مجری الحِکَم والأمثال ، منها قوله فی رجل من أهله :

إنّی لأکره أن یکون لعلمه فضلٌ علی عقله ، کما أکره أن یکون للسانه فضلٌ علی علمه (1). ف)

ص: 14


1- کامل المبرّد : 1 / 56 [1 / 68]. (المؤلف)

12 - الوامق النصرانی

اشارة

ألیس بخمٍّ قد أقام محمدٌ

علیّا بإحضار الملا فی المواسمِ

فقال لهم من کنتُ مولاه منکُمُ

فمولاکمُ بعدی علیُّ بنُ فاطمِ

فقال إلهی کن ولیّ ولیّهِ

وعادِ أعادیه علی رغم راغمِ

ویقول فیها :

أما رَدَّ عمراً یوم سَلعٍ بباترٍ

کأنّ علی جنبیهِ لطخَ العنادمِ (1)

وعاد ابن معدی نحو أحمدَ خاضعاً

کشاربِ أثلٍ فی خطامِ الغمائمِ (2)

وعادیتَ فی اللهِ القبائل کلّها

ولم تخشَ فی الرحمن لومةَ لائمِ

وکنتَ أحقّ الناس بعد محمدٍ

ولیس جهول القوم فی حکم عالمِ (3)

ما یتبع الشعر

ربّما یستغرب القارئ ما یجده من مدائح النصاری لأمیر المؤمنین علیه السلام وهم لا یعتنقون الإسلام ، فضلاً عن الاعتقاد بالخلافة الإسلامیة ، ولا غرابة فی ذلک فإنَّه ف)

ص: 15


1- سلع : جبل بالمدینة [معجم البلدان : 3 / 236]. العندم : الدم والبقم. (المؤلف)
2- أثل : شجر عظیم لا ثمر له ، جمع أثلة. الخطام : کل ما وضع فی فم البعیر لیقتاد به. الغمائم جمع الغمامة : خریطة فم البعیر. کنایة عن نهایة الذلّة والخضوع. (المؤلف)
3- مناقب ابن شهرآشوب : 1 / 286 ، 532 [3 / 40 ، 2 / 83]. (المؤلف)

جریٌ منهم مع الحقائق الراهنة ، وسیرٌ مع التاریخ الصحیح ، فإنّ المنصف مهما اعتنق مبدأً غیر الإسلام فإنّه لا یسعه إنکار ما اکتنف مولانا من الفضائل : من نفسیّات کریمة ، وعلوم جمّة ، وخوارق لا تحصی ، وبطولة وبسالة ، وما قال فیه نبیُّ الإسلام الذی لا یعدو عند غیر المسلم أن یکون عظیماً من عظماء العالم ، وحکیماً من حکمائه ، بل أعظم رجالات الدهر کلّهم ، لا یرمی القول علی عواهنه ، فلا بدّ أن یکون من یثبت له هو صلی الله علیه وآله وسلم تلک الفضائل عظیماً کمثله أو دونه بمرقاة.

کما أنَّک تجد الثناء المتواصل علی النبیّ الأعظم أو وصیِّه فی کتب لفیف من النصاری والیهود ، ککتاب :

1 - أقوال محمد

تألیف المستر ستنلی لین بول

2 - محمد والقرآن

تألیف المستر جون وانتبورت

3 - محمد والقرآن

تألیف الأستاذ مونته

4 - عقیدة الإسلام

تألیف غولدسیهر

5 - العالم الإسلامی

تألیف ماکس مایرهوف

6 - تاریخ العرب

تألیف الأستاذ هوار

7 - مفکّرو الإسلام

تألیف کادوادوفو الفرنسی

8 - مهد الإسلام

تألیف الأب لامنس

9 - خلاصة تاریخ العرب

تألیف سدیو الفرنسی

10 - حیاة محمد

تألیف السیر ویلیام میور الإنکلیزی

11 - سیرة محمد

تألیف السیر ولیم مویر

12 - مدنیّات الشرق

تألیف المسیو غروسه

13 - الکیاسة الاجتماعیّة

تألیف الدکتور اوغسطون کرسطا الإیطالی

14 - محمد والإسلام

تألیف حنادا قنبرت

ص: 16

15 - حیاة محمد

تألیف المستر دکالون سل

16 - محمد والإسلام

تألیف المستر بوسرت أسمت

17 - عرب إسبانیا

تألیف المسیو دوزی

18 - عن الشرع الدولی

تألیف الدکتور نجیب أرمنازی

19 - المعلّم الأکبر

تألیف المستر هربرت وایل

20 - الأبطال

تألیف توماس کارلیل الإنکلیزی

21 - الإسلام خواطر وسوانح

تألیف هنری دی کاستری الفرنسی

22 - حاضر العالم الإسلامی

تألیف لوتروب ستودارد الأمیرکی

23 - حکم النبی محمد

تألیف تولستوی الروسی

24 - مصیر المدنیّة الإسلامیّة

تألیف هوکنیک الفیلسوف الأمیرکی

25 - سیر تطوّر الإسلام

تألیف غوستاف لوبون الفرنسی

26 - الآراء والمعتقدات

تألیف غوستاف لوبون الفرنسی

27 - الحضارات

تألیف غوستاف لوبون الفرنسی

28 - التمدّن الإسلامی (1)

تألیف غوستاف لوبون الفرنسی

29 - الإسلام ومحمد

تألیف والافتنرت

30 - محمد والحضارة (2)

تألیف عبد المسیح أفندی وزیر

وغیر ذلک مئات من کتبهم حول الإسلام أو نبیّه ، وما ذلک إلاّ أنّ ما وصفوه من صفات الفضیلة حقائق ناصعة لا یسترها التمویه ، ولا یأتی علی ذکرها الحدثان ، وذکریات خالدة یحدّث بها الملَوان ، ما قام للدهر کیان ، وبما أنّ حدیث الغدیر من هاتیک الحقائق ، تجد الناس إلباً واحداً فی روایته ، یهتف به الموالی ، ویعترف به الناصب ، وینشده المسلم ، ویشدو به الکتابیّ. ف)

ص: 17


1- طبعت ترجمته بالفارسیة بطهران فی 804 صفحات. (المؤلف)
2- مقال نشر فی جریدة الاستقلال سنة 1927. (المؤلف)

الشاعر

بُقراط بن أشوط الوامق الأرمینی النصرانی ، بطریق (1) بطارقة أرمینیة ، وقائدهم الأکبر ، وأمیرهم المقدّم فی القرن الثالث ، عدّه ابن شهرآشوب فی معالم العلماء (2) من مقتصدی المادحین لأهل البیت علیهم السلام.

قال الیعقوبی فی تاریخه (3) (3 / 213) وابن الأثیر فی الکامل (4) (7 / 20) : إنّه وثب فی سنة (237) أهل أرمینیة بعاملهم یوسف بن محمد فقتلوه ، وکان سبب ذلک أنّ یوسف لمّا سار إلی أرمینیة ، خرج إلیه بطریق یقال له بقراط بن أشوط - ویقال له بطریق البطارقة - یطلب الأمان ، فأخذه یوسف وابنه نعمة فسیّرهما إلی باب الخلیفة المتوکّل ، فاجتمع بطارقة أرمینیة مع ابن أخی بقراط بن أشوط وتحالفوا علی قتل یوسف ، ووافقهم علی ذلک موسی بن زرارة - وهو صهر بقراط علی ابنته - فأتی الخبر یوسف ، ونهاه أصحابه عن المقام بمکانه فلم یقبل ، فلمّا جاء الشتاء ونزل الثلج مکثوا حتی سکن الثلج ، ثمّ أتوه وهو بمدینة طرون (5) فحصروه بها ، فخرج إلیهم من المدینة فقاتلهم فقتلوه وکلّ من قاتل معه ، وأمّا من لم یقاتل معه فقالوا له : انزع ثیابک وانج بنفسک عریاناً ، ففعلوا ومشوا حفاةً عراةً ، فهلک أکثرهم من البرد ، وسقطت أصابع کثیر منهم ونجوا ، وکان ذلک فی رمضان ، وکان یوسف قبل ذلک قد فرّق أصحابه فی رساتیق عمّاله ، فوجّه إلی کلّ طائفة منهم طائفة من البطارقة فقتلوهم فی یوم واحد ، فلمّا بلغ المتوکّل خبره وجّه بُغا الکبیر إلیهم طالباً بدم یوسف ، فسار إلیهم علی الموصل والجزیرة ، فبدأ بأرزن (6) وبها موسی بن زرارة وله إخوته : إسماعیل ، ف)

ص: 18


1- البطریق : القائد الحاذق بالحرب وشؤونها (معرّب). (المؤلف)
2- معالم العلماء : ص 151.
3- تاریخ الیعقوبی : 2 / 489.
4- الکامل فی التاریخ : 4 / 320 حوادث سنة 237 ه.
5- موضع بأرمینیة. (المؤلف)
6- أرزن : مدینة من أرباض أرمینیة [معجم البلدان : 1 / 150]. (المؤلف)

وسلیمان ، وحمد ، وعیسی ، ومحمد ، وهارون ، فحمل بُغا موسی بن زرارة إلی المتوکّل وأباح قَتلَة یوسف ، فقتل منهم زهاء ثلاثین ألفاً وسبی منهم خلقاً کثیراً ، فباعهم.

وهناک جمع آخرون من النصاری مدحوا أمیر المؤمنین علیه السلام منهم : شاعرهم زینبا (1) بن إسحاق الرسعنی الموصلی النصرانی.

ذکر له البیهقی فی المحاسن والمساوئ (2) (1 / 50) ، والزمخشری فی ربیع الأبرار (3) ، وأبو حیّان فی تفسیره البحر المحیط (6 / 221) ، وأبو العبّاس القسطلانی فی المواهب اللدنیّة (4) ، وأبو عبد الله الزرقانی المالکی فی شرح المواهب (7 / 14) ، والمقری المالکی فی نفح الطیب (5) (1 / 505) والشیخ محمد الصبّان فی إسعاف الراغبین (ص 117) نقلاً عن إمامهم أبی عبد الله محمد بن علیّ بن یوسف الأنصاری الشاطبی (6) قوله (7) :

عدیٌّ وتیمٌ لا أحاولُ ذِکرَها

بسوءٍ ولکنّی محبٌّ لهاشمِ

وما تعترینی فی علیٍّ ورهطِهِ

إذا ذکروا فی الله لومةُ لائمِ

یقولون ما بال النصاری تحبُّهم

وأهل النهی من أعرُبٍ وأعاجمِ

فقلت لهم إنّی لأَحسبُ حبَّهمْ

سری فی قلوب الخلق حتی البهائمِف)

ص: 19


1- فی نفح الطیب 3 / 137 : زینب بنت إسحاق ، وفی إسعاف الراغبین : زبیتا بن إسحاق ، وفی ربیع الأبرار 1 / 487 : زبینا النصرانی.
2- المحاسن والمساوئ : ص 69.
3- ربیع الأبرار : 1 / 487.
4- المواهب اللدنیّة : 3 / 366.
5- نفح الطیب : 3 / 137 رقم 169.
6- رضیّ الدین المولود 601 والمتوفّی 684 ، والمترجم فی نفح الطیب : 1 / 505 [3 / 135 رقم 169]. (المؤلف)
7- وذکره له شیخنا الفتّال فی روضة الواعظین : ص 143 [ص 167] ، وابن شهرآشوب فی المناقب : 2 / 237 [4 / 144]. (المؤلف)

وذکر الخطیب الخوارزمی فی المناقب (1) (ص 28) ، وابن شهرآشوب فی مناقبه (2) (1 / 361) ، والإربِلی فی کشف الغمّة (3) (ص 20) لبعض النصاری قوله :

علیٌّ أمیرُ المؤمنین صریمةً

وما لسواهُ فی الخلافة مطمعُ

له النسب الأعلی وإسلامه الذی

تقدّم فیهِ والفضائلُ أجمعُ

بأنّ علیاً أفضلُ الناسِ کلّهم

وأورعُهم بعد النبیّ وأشجعُ

فلو کنتُ أهوی ملّةً غیرَ ملّتی

لما کنتُ إلاّ مسلماً أتشیّعُ

وذکر شیخنا عماد الدین الطبری فی الجزء الثانی من کتابه بشارة المصطفی (4) لأبی یعقوب النصرانی قوله :

یا حبّذا دوحةٌ فی الخُلدِ نابتةٌ

ما فی الجِنان لها شِبهٌ من الشجرِ

المصطفی أصلُها والفرعُ فاطمةٌ

ثمّ اللقاحُ علیٌّ سیّدُ البشرِ

والهاشمیّان سبطاه لها ثَمرٌ

والشیعةُ الورقُ الملتفُّ بالثمرِ

هذا مقالُ رسول الله جاءَ بهِ

أهلُ الروایات فی العالی من الخَبرِ

إنّی بحبّهم أرجو النجاة غداً

والفوزَ مع زمرةٍ من أحسنِ الزمَرِ

أشار بها إلی ما أخرجه الحفّاظ (5) عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أنَّه قال : «أنا الشجرة ، وفاطمة فرعها ، وعلیّ لقاحها ، والحسن والحسین ثمرتها ، وشیعتنا ورقها ، وأصل الشجرة فی جنّة عدن ، وسائر ذلک فی سائر الجنّة». ف)

ص: 20


1- المناقب : ص 48 ح 10.
2- مناقب آل أبی طالب : 2 / 201 - 202.
3- کشف الغمّة : 1 / 65.
4- بشارة المصطفی : ص 41.
5- الحاکم فی المستدرک : 3 / 160 [3 / 174 ح 4755] ، وابن عساکر فی تاریخه : 4 / 318 [5 / 43 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 7 / 123] ، ومحبّ الدین فی الریاض : 2 / 253 ، وابن الصبّاغ فی الفصول : ص 11 [ص 25] ، والصفوری فی نزهة المجالس : 2 / 222. (المؤلف)

هذا لفظه عند العامّة ، وأمّا عند مشایخنا فهو : «خُلق الناس من أشجارٍ شتّی وخُلِقتُ أنا وعلیُّ بن أبی طالب من شجرة واحدة ، فما قولکم فی شجرة أنا أصلُها ، وفاطمةُ فرعها ، وعلیٌّ لقاحها ، والحسن والحسین ثمارها ، وشیعتنا أوراقها؟ فمن تعلّق بغصن من أغصانها ساقته إلی الجنّة ، ومن ترکها هوی فی النار».

وممّن مدحه علیه السلام من متأخِّری النصاری عبد المسیح الأنطاکی المصری ، بقصیدته العلویّة المبارکة ذات (5595) بیتاً ، ومنها قوله (ص 547) فیما نحن فیه :

للمرتضی رتبةٌ بعد الرسولِ لدی

أهلِ الیقین تناهت فی تعالیها

ذو العلمِ یعرفُها ذو العدلِ ینصِفُها

ذو الجهل یَسرِفها ذو الکفر یکمیها (1)

وإنّ فی ذاک إجماعاً بغیر خلا

فٍ فی المذاهب مع شتّی مناحیها

وإن أقرّ بها الإسلامُ لا عجبٌ

فإنّه منذُ بدءِ الوحی داریها

وإن تنادی جموعُ المسلمین بها

فقد وعت قدرَها من هدی هادیها

بل جاوزتهم إلی الأغیارِ فانصرفتْ

نفوسهم نحوها بالحمدِ تُطریها

وذی فلاسفةُ الجحّادِ مُعجبةٌ

بها وقد أکبرت عجباً تسامیها

وردّدتْ بین أهل الأرض مِدحتَها

فیه وقد صدقت وصفاً وتشبیها

کذا النصاری بحبّ المرتضی شُغِفَتْ

ألبابُها وشَدت فیهِ أغانیها

فلستَ تسمعُ منها غیر مدحته ال

غرّاءِ ما ذَکَرَتهُ فی نوادیها

فارجع لقُسّانها بین الکنائس مع

رُهبانِها وهی فی الأدیار تأویها

تَجدْ محبّتهُ بالاحترامِ أتتْ

نفوسُها وله أبدت تَصبّیها

وانظر إلی الدیلمِ الشُجعانِ خائضةَ ال

حروب والترکِ فی شتّی مغازیها

تُلفِ استعاذتَها بالمرتضی ولَقَد

زانت بصورته الحسنا مواضیهاا.

ص: 21


1- سرف الشیء سَرَفاً : أغفله وأخطأه وجهله. کمی الشیء وتکمّاه : ستره ، وکمی الشهادة یکمیها : کتمها وقمعها.

وآمنت أنّ ترصیعَ السیوف بصو

رةِ الوصیِّ یُنیلُ النصر مُنضیها

وفی الآونة الأخیرة نظم الأستاذ بولس سلامة قاضی أمّة المسیح ببیروت بعد ما قرأ کتابنا هذا - الغدیر - قصیدته العصماء تحت عنوان عید الغدیر فی (3085) بیتاً ، وفیها تحلیلٌ وتدقیق ، وإعرابٌ عن حقائق ناصعة ، وجریٌ مع التاریخ الصحیح ، طبعت فی (317) صفحة.

ص: 22

نعرات الجاهلیة الأولی

(إِنَّ الَّذِینَ ارْتَدُّوا عَلی أَدْبارِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَیَّنَ لَهُمُ الْهُدَی)

(الشَّیْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلی لَهُمْ) (1)

ربّما یجد الباحث فی بعض تآلیف المستشرقین فی التاریخ الإسلامی رمزاً من النزاهة فی الکتابة والأمانة فی النقل ، وخلوّ کلّ محکیٍّ عن أیِّ مصدر - هبه غیر وثیق - من التحریف والتصرُّف فیه ، وتجرّده عن سوء صنیع الکتبة ، وبعده من الاستهتار ، وهذا جمال کلّ تألیف وشأن کلّ مؤلّف مهما کان شریف النفس ، وهو حقُّ کلّ رائد ، والرائد لا یکذب أهله.

غیر أنّ فی القوم من ألَّف وسخف ، (فَما أَغْنی عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَیْءٍ إِذْ کانُوا یَجْحَدُونَ بِآیاتِ اللهِ وَحاقَ بِهِمْ ما کانُوا بِهِ یَسْتَهْزِؤُنَ) (2). فکأنّ الجهل لم یمت بعد وقد مات أبو جهل ، ولهب الضلال لم یخمد بعدُ وقد اتّقد أبو لهب فی درک الجحیم ، وکأنّ الدنیا ترجع إلی ورائها القهقری ، وعاد الإسلام کشمس کادت تکون صلاءً (3). ف)

ص: 23


1- محمد : 25.
2- الأحقاف : 26.
3- مثل یضرب فی قلّة الانتفاع بالشیء [مجمع الأمثال : 3 / 50 رقم 3124]. (المؤلف)

جاء من القوم بعد لأی من الدهر من یدعو الناس إلی الجاهلیّة الأولی ، وإلی حمیّتها البائدة ، ولا بُقیا للحمیّة بعد الحرائم (1) ، نهض یبشِّر عن مسیح مرکّب من طبیعتین : إلهیّة وبشریّة ، ویحسب نفسه قد أبهر فی تألیفه وأتی بأمر جدید ، فأخذ کالمتفلسف یتتعتع ویتلعثم ، ویحرِّف الکلم عن مواضعه ، ویؤوِّل الکتاب الکریم برأیه الضئیل ، ویتحکّم فی الحدیث بفکرته الخائرة ، ویری النبیّ الأعظم من المبشِّرین بنصرانیّته الصحیحة التی لیست هی إلاّ الضلال المحض ، وهو مع ذلک مائن (2) فی نقله ، خائنٌ فی حکایته ، غاشٌّ فی نصحه ، مدلّس فی کتابته ، مهاجم قدس صاحب الرسالة ، مجانب عن الحقّ والحقیقة ، کلّ ذلک باسم کتاب : حیاة محمد.

ألا وهو الأستاذ إمیل درمنغم.

إنَّ الرجل لمّا شاهد أنّ الإسلام علا هتافه الیوم ، ودوّخ أرجاء العالم صیته ، وأطلّت سماؤه علی الأرض کلّها شرقاً وغرباً ، وشعّ نوره فی کلّ طلل ووهد ، وعمّت أشعّته کلّ طارف وتلید ، وملأ الکون صراخ قومه بالثناء البالغ علی الإسلام المقدّس ونبیّه الأقدس ، وکثر إعجابهم بکتابه السماوی ، وقانونه الاجتماعی ، وشرعه السوی ، وحکمه السیاسی ، ودستوره الإصلاحی ، ومشعبه الحقّ المشعب.

عزّ علیه کما عزّ علی سلفه الغوغاء أن یشاهد هذا السلطان العالمی العظیم ، وهذه السیطرة الباهرة ، وهذه الشرعة العادلة الجبّارة القاهرة للأکاسرة ، والتبابعة ، والقیاصرة ، والفراعنة الحاکمة علی آراء الأقباط ، والأقسّة ، وآباء الکنائس ، وزعماء البِیَع ومعتقداتهم.

عزّ علیه أن یری فی بیئته الغربیّة بزوغ الإسلام الشرقی ، وتنوّر أفکار المثقّفین من قومه بلمعات القرآن العربی المجید ، وانتشار معارف الإسلام الخالدة فی عواصم ب.

ص: 24


1- الحریمة : ما فات من کلّ مطموع فیه [مجمع الأمثال : 3 / 192 رقم 3620]. (المؤلف)
2- المین : الکذب.

أوربا کالسیل الجارف لأصول الضلال ، وأهواء الغرب ، وما هناک من فساد الخلائق ، ومضلاّت البدع.

عزّ علیه أن یسمع بأذنیه من قلب العالم الأوربی بألسنة فلاسفتها نداء : أنّ محمداً قاوم الوثنیّة بعزم واحد طول الحیاة ، ولم یتردّد لحظة واحدة بینها وبین عبادة الواحد الأحد (1).

أو أن یسمع عن آخر منهم وهو ینادی : إنّ القرآن هو القانون العام لا یأتیه الباطل من بین یدیه ولا من خلفه ، فهو صالحٌ لکلِّ مکان وزمان (2).

أو أن یسمع عن ثالث من قومه ، وقد ملأ الدنیا صوته ، وهو یقول : استقرّت قواعد الإسلام علی أساس مکین من الآیات البیِّنات التی أُنزلت تباعاً وکان ختامها : (الْیَوْمَ أَکْمَلْتُ لَکُمْ دِینَکُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَیْکُمْ نِعْمَتِی وَرَضِیتُ لَکُمُ الْإِسْلامَ دِیناً) (3).

أو أن یسمع بأذنیه القرآن العزیز وهو یُتلی فی الإذاعات کلّ یوم بکرةً وعشیّا ، وتقرع آیه مسامع خلق الدنیا دون کتاب قومه وکتاب أیّ ملّة.

ونادی لسانُ الکونِ فی الأرض رافعاً

عقیرتَهُ فی الخافقین ومنشدا

أَعُبّادَ عیسی إنّ عیسی وحزبَهُ

وموسی جمیعاً یخدمونَ محمدا (4)

فهناک تعصّب الرجل وتشزّر ، وشزر إلی الإسلام وکتابه ونبیّه ، ونظر إلیها بصدر عینه (5) وتشذّر (6) للدفاع عن نحلته ، والذبِّ عن مبدئه الباطل ؛ فعلا ة.

ص: 25


1- کلمة الکونت هنری دی کاستری. (المؤلف)
2- کلمة مسیو سنایس. (المؤلف)
3- کلمة الدکتور نجیب الأرمنازی. (المؤلف)
4- من أبیات للشاعر المفلق أبی الوفاء راجح الحلّی المتوفّی 627. (المؤلف)
5- مثل مشهور یضرب. (المؤلف)
6- تشذّر : تشمّرَ وتهیّأ للحملة.

نحیمه (1) بصدرٍ واغرٍ علی الحقِّ ، وهو یشوب ولا یروب (2) وشرع یدعو إلی النصرانیّة باسم الإسلام وحیاة محمد (3) ، ویری النبیّ محمداً جاء بکتاب عربیّ کما لو کان نصرانیّا ، ذاکراً أنَّه واحد من الأنبیاء (ص 100).

ویری للنصرانیّة أثراً فی محمد ، ویزعم أنّ النصاری قد أیقظت شعور النبیِّ الدینیَّ قبل بعثه (ص 100) ، ویجد فی القرآن أصول النصرانیّة (ص 106).

ویری تأیید روح القدس لعیسی ذاتیّا دون موسی ومحمد.

ویعتقد لعیسی من العصمة ما لم تکن لمحمد ، ویراه قد جاء فی القرآن (4).

ویری النصرانیّة تشمل الإسلام وتضیف إلیه بعض الشیء (ص 118).

ویری المسیح ابن الله الوحید بمعنیً عرفانیٍّ یلائم الذوق الخرافیّ (ص 110).

ویری القرآن یدعو إلی النصرانیّة الصحیحة ، وهو القول بألوهیّته وبشریّته ، وکون الطبیعتین فی شخص واحد (ص 107 ، 112).

ویعزو آراءه السخیفة جلّها إلی القرآن المقدّس ، ویری القرآن لم یُحط بکلّ ما هو حقٌّ فی الأمر (ص 109).

ویری آخر مصحف اعتُمِدَ علیه صنع الحجّاج بن یوسف الثقفی ، وإمکان تلاوة المصحف الشریف علی غیر ما هو علیه.

ویری علماء التوحید قائلین بأُلوهیّة المسیح (ص 109).

ویری الهوّة بین المسلمین والنصاری نتیجة سوء التفاهم. ف)

ص: 26


1- النحیم : الزحیر والتنحنح ، وهو صوت یخرج من الجوف.
2- الشوب : الخلط. والروب : الإصلاح. مثل یضرب [لمن یخلط الصدق بالکذب. مجمع الأمثال : 3 / 495 رقم 4586]. (المؤلف)
3- حیاة محمد لإمیل درمنغم : ص 124 - 143.
4- لیته دلّنا علی الآیة الدالّة علیه. (المؤلف)

ویری التباعد بین الملّتین من فکرة مفسِّری القرآن وعلماء الإسلام.

ویری العقل والتاریخ یستغربان عدم صلب المسیح.

ویری اعتقاد المسلمین بعدم صلب المسیح باطلاً ، والآیة الدالّة علیه غامضة (ص 111).

ویؤوّل قوله تعالی : (وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلکِنْ شُبِّهَ لَهُمْ) (1) بما یلائم تعالیم النصرانیّة (ص 112).

ویعدّ من ضلال جزیرة العرب إنکار ألوهیّة المسیح والقول ببشریّته فحسب (ص 113) ، ویری النبیّ قد وضع نفسه فوق جمیع المعتقدات مادام علی غیر علم بالنصرانیّة الصحیحة (ص 114).

ویعبّر عن النبیّ الأعظم بالبدوی الحَمِس (2)! (ص 115).

فهذه جملةٌ من خرافاته الراجعة إلی التبشیر والدعوة إلی النصرانیّة ، وبها یقف الباحث علی غایة الکاتب وقیمة کتابه ، ویعرف أنّه یحطّ فی هواه ، ویحطب فی حبله (3) ، جاهلاً بأنّ حماة الدین - دین البدویّ الحَمِس - نابهون یحومون حول الحِمی ، ویعرفون حول الصلبان الزمزمة (4) ویدافعون عن بیضة الإسلام المقدّسة کلّ سَخَبٍ (5) ، وصخبٍ ، ولغطٍ ، وکذبٍ ، وإفکٍ ، وقول زور ؛ وینزّهون ساحته عن أرجاس الجاهلیّة وأنجاسها (إِنَّما یَفْتَرِی الْکَذِبَ الَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ بِآیاتِ اللهِ وَأُولئِکَ هُمُ الْکاذِبُونَ) (6)5.

ص: 27


1- النساء : 157.
2- الحمس : الشدید المتعصب.
3- مثل سائر یضرب لمن یجیء ویذهب فی منفعته. مجمع الأمثال : 3 / 490 رقم 4576.
4- مثل یضرب لمن یروم الشیء ولا یظهر مرامه [مجمع الأمثال : 1 / 366 رقم 1091]. (المؤلف)
5- السخَب والصخب بمعنی واحد ، وهو الصیاح.
6- النحل : 105.

ولو أردت الوقوف علی الحقیقة فی کلّ ما لفّقه الرجل من إفک شائن ، فعلیک بکتاب الهدی إلی دین المصطفی ، وکتاب الرحلة المدرسیّة وغیرهما ، من تألیف شیخنا العلم المجاهد الحجّة الشیخ محمد جواد البلاغی النجفی ، وما ألَّفه غیره من أعلام الأمّة.

تسافل الشرق أو انحطاط العرب

لا أحسب أنّ بسطاء الأمّة الإسلامیّة ، فضلاً عن أعلامها ، تخفی علیهم الغایات المتوخّاة فی أمثال هذه الکتب المزوّرة ، ولا تأمرهم أحلامهم قطُّ بنشر ما خطّته تلکم الأقلام المستأجرة لزعانفة الجاهلیّة ، ولا یحسب أیُّ حامل حساسات الحیا بین جنبیه أنّ فی تلکم التآلیف فائدة طائلة قصرت عنها ید الشرق التی هی عاصمة علم الدنیا ومرتکز لواء کلّ فضیلة ومحمدة اجتماعیّة.

ولا یهجس فی خلد أیّ محنّک أنّ فی طیِّ تلکم الکلم مقیلاً من ظلِّ الحقیقة ، أو أنّ أحداً من أولئک الأساتذة المستشرقین قد أتی بفکرة صالحة جدیدة فی إصلاح المجتمع من شئون اجتماعیّة ، وأخلاقیّة ، وسیاسیّة ، وأدبیّة ، وروحیّة لم یأت بها نبیُّ الإسلام فی کتابه وسنّته ، حاشا نبیّ الإصلاح المبعوث لتتمیم مکارم الأخلاق.

فما حاجة الأمّة العربیّة الآخذة بناصیة الشرق إلی ترجمة هذه التآلیف الفارغة عن أدب الدین ، وأدب العلم ، وأدب النزاهة ، وأدب العفّة ، وأدب الصدق والأمانة ، وأدب الحقّ والحقیقة؟!

وما هذا الانحطاط والتسافل البالغ فی العروبة ، وقد أصبحت - والعیاذ بالله - فی مسیس الحاجة إلی هذه الکتب المخزیة ، تألیف کلّ خائرٍ بائرٍ ، تألیف من صَفِرت یداه عن کلّ خیر ، والضلال سجیّته وقرواه (1)؟! ة.

ص: 28


1- القرْو والقَرِیّ : کلّ شیء علی طریق واحد ، یقال : رأیت القوم علی قروٍ واحد أی علی طریقة واحدة.

کیف تفتقر الأمّة الإسلامیّة - ولا تفتقر ولن تفتقر - إلی تلک الکتب ولها کتابها العربیّ المقدّس ، کتابها الاجتماعیّ الذی لا یأتیه الباطل من بین یدیه ولا من خلفه ، کتابها الذی لا ریب فیه ، هدیً للمتّقین ، کتابها الباحث عن الآداب الاجتماعیّة وشؤون الصالح العام التی قوامها الحکمة ، وأساسها العدل والإحسان ، وجامعها العفّة والقداسة والحنان؟!

وکیف تفتقر وهی حاملة السنّة النبویّة؟! تلک السنّة الطافحة بغرر الحکم الاجتماعیّة ، والأحکام الحقوقیّة ، والجزائیّة ، والمدنیّة ، والدفاعیّة ، وما به انتظام الکون فی قمع المظالم ، وصیانة الحقوق ، ودستور المعاش والمعاد ، وحفظ الصحّة ، والمصالح العامّة ، ومبانی الترقّی ، ومنقذات البشر من مخالب الجهل والضلال ، ودروس التقدّم فی عالم الرشد والصلاح.

تلک السنّة المؤسِّسة للحیاة السیاسیّة ، وروح الوحدة الاجتماعیّة ، والجوامع الأخلاقیّة ، والفضائل النفسیّة ، والحقوق النوعیّة والشخصیّة التی علیها مدار نظام حیاة النوع الإنسانی ، وتدبیر شئون المجتمع البشریّ فی جمیع أدوار الدنیا وقرونها المتکثّرة.

وکیف تفتقر؟! وبین یدیها برنامج الإصلاح الحیویّ المشتمل لموجبات الأمن ، والدعة ، والسلام ، والوئام ، والنزوع إلی کلّ صالح ، والانحیاز عن کلّ ما یفکّک عُری المدنیّة الصحیحة ، والحضارة الراقیة ، والدین المبین ، ألا وهو کتاب نهج البلاغة للإمام أمیر المؤمنین تألیف الشریف الرضی ، الذی تراه فلاسفة الدنیا دون کلام الخالق وفوق کلام المخلوق.

یا أمَّهُ اثکلیه

هلمّ معی أیّها الشرقیُّ الإسلامیُّ نسائل أستاذ فلسطین محمد عادل زعیتر وهو

ص: 29

یدبُّ مع القراد (1) ، وقد أساء القول وأساء العمل عن ترجمة هذا الکتاب - حیاة محمد - الطافح بالضلال.

نسائله عن جنایته الکبیرة علی الأمّة العربیّة بقوله فی مقدّمة ترجمته : قد تجنّی المستشرقون علی الحقائق فی سیرة الرسول الأعظم لا ریب ، وقد کان تجنّیهم هذا عاملاً فی زهد کتّاب العرب عن نقل ما ألَّفوه إلی العربیّة علی ما یحتمل ، ولکنّ عطل اللغة العربیّة من ذلک یُعدُّ نقصاً فی حرکتنا العلمیّة علی کلّ حال.

کیف أنّ عطل اللغة العربیّة ممّا جنته ید الجاهلیّة - وقد تجنّت علی الحقائق - یُعدّ نقصاً فی حرکتنا العلمیّة التی تدور مع الکتاب والسنّة؟ وهما مدار علم العالم ، وبصیرة کلّ متنوّر ، ومرمی کلّ مثقّف ، وضالّة کلّ حکیم ، ومقصد کلّ فیل سوف شرقیّ أو غربیّ. وهذا نفس المؤلّف یقول فی مقدّمة الکتاب : وأهمّ المصادر لتبیان حیاة محمد هو القرآن وکتب الحدیث والسیرة ، والقرآن أصحّ هذه المصادر وإن کان أوجزها.

لیته کان یتبع کتّاب العرب فی زهدهم عن نقل ما ألَّفته ید الضلال إلی العربیّة ، ویتوقّی قلمه عن نشر کَلِم الفساد فی المجتمع الإسلامیّ من دون أیّ تعلیق علیها ، وأیّ تنبیه للقارئ بفسادها وهو یقول : لا یظنّ القارئ أنَّنی أشاطر المؤلّف جمیع ما ذهب إلیه من الأمور التی أری الحقیقة غابت عنه فی کثیر منها.

اثکلیه یا أمّه ؛ بأیّ ثمن بخس أو خطیر باع شرف أمّته ، وعزّ نِحلته ، وعظمة قومه ، وقداسة کتابه وسنّته؟!

ولأیّ مرمیً بعید جعل نفسه مع إمیل درمنغم فی بُردة أخماس (2)؟! وجاء یعاند الإسلام بنشر تلکم الأباطیل والأضالیل المضادّة مع نحلته ، ویشوّه سمعة مصره ف)

ص: 30


1- مثل یضرب للرجل الشرّیر [مجمع الأمثال : 3 / 486 رقم 4557]. (المؤلف)
2- ضرب من بُرود الیمن. وهو مثل یضرب للرجلین تحابّا وتقاربا وفعلا فعلاً واحداً [مجمع الأمثال : 3 / 493 رقم 4581]. (المؤلف)

العزیزة ، وجامعها الأزهر ، وأساتذتها النزهاء ، وکتّابها القادرین ، بنشر تلک التافهات المضلّة فی مطابعها المأسوف علیها ، وهو یقول فی المقدّمة : المؤلّف مع ما ساده من حسن النیّة لم تخلُ سوانحه وآراؤه من زلاّت.

لیتنی أدری وقومی : ما حاجتنا إلی حسن نیّة مؤلّه المسیح - عیسی بن مریم - وجاعله ابن الله الوحید؟! وما الذی یعرب عن حسن نیّته وکلّ صحیفة من کتابه أهلک من ترّهات البسابس (1)؟! وقلّت صحیفة لیست فیها هنات تنمّ عن سوء طویّته ، وفساد نیّته ، وخبث رأیه.

نعم والذی أراه - والمؤمن ینظر بنور الله - أنّ المترجم راقه ما فی الکتاب من الأکاذیب والمخاریق المعربة عن النزعات والأهواء الأمویّة ، فبذلک غدا الذئب للضبع (2) ، وجاء وقد أدبر غریره وأقبل هریره (3) ، ووافق شنٌّ طَبَقة.

نعم راقه سلقه أهل بیت النبیّ الطاهر بسقطات القول ، وکذب الحدیث ، وسرد تاریخ مفتعل یمسُّ کرامة النبیّ الأقدس ، وناموس عترته ، ممّا یلائم الروح الأمویّة الخبیثة ، ویمثّل آل الله للملإ بصورة مصغّرة ، ویشوّه سمعتهم بما لا یتحمّله ناموس الطبیعة وشرف الإنسانیّة من شراسة الخلق ، وسیّئ العشرة ، وقبح المداراة. قال :

کانت فاطمة عابسةً ، دون رقیّة جمالاً ، ودون زینب ذکاءً ، ولم تدر فاطمة حینما أخبرها أبوها من وراء الستر أنّ علیّ بن أبی طالب ذکر اسمها ، وکانت فاطمة تعدُّ ف)

ص: 31


1- الترّهات : الطرق الصغار. البسابس جمع بسبس : الصحراء الواسعة [مثل یضرب لمن أخذ فی غیر قصد وسلک فی الطریق الذی لا ینتفع به. المستقصی فی أمثال العرب : 1 / 443 رقم 1875]. (المؤلف)
2- مثل یضرب لقرینَی السوء. (المؤلف)
3- الغریر : الخلق الحسن. الهریر : ما یکره من سوء الخلق [مثل سائر یضرب للشیخ إذا ساء خلقه. مجمع الأمثال : 1 / 475 رقم 1422]. (المؤلف)

علیّا دمیماً محدوداً ، مع عظیم شجاعته ، وما کان علیٌّ أکثر رغبة فیها من رغبتها فیه مع ذلک (ص 197).

وکان علیٌّ غیر بهیّ الوجه لعینیه الکبیرتین الفاترتین ، وانخفاض قصبة أنفه ، وکبر بطنه وصلعه ، وذلک کلّه إلی أنّ علیّا کان شجاعاً ، تقیّا ، صادقاً ، وفیّا ، مخلصاً ، صالحاً مع توانٍ وتردّد ....

وکان علیٌّ ینهت (1) فیستقی الماء لنخیل أحد الیهود فی مقابل حفنة تمر ، فکان إذا ما عاد بها قال لزوجته عابساً : کُلی وأطعمی الأولاد ....

وکان علیٌّ یحرد بعد کلّ منافرة ویذهب لینام فی المسجد ، وکان حموه یُربِّته علی کتفه ویعظه ، ویوفّق بینه وبین فاطمة إلی حین ، وممّا حدث أن رأی النبیّ ابنته فی بیته ذات مرّة وهی تبکی من لکم علیّ لها.

إنّ محمداً مع امتداحه قدم علیّ فی الإسلام إرضاءً لابنته کان قلیل الالتفات إلیه ، وکان صهرا النبیّ الأمویّان - عثمان الکریم وأبو العاصی - أکثر مداراة للنبیّ من علیّ.

وکان علیٌّ یألم من عدم عمل النبیّ علی سعادة ابنته ، ومن عدّ النبیّ له غیر قوّام بجلیل الأعمال ، فالنبیّ وإن کان یفوّض إلیه ضرب الرقاب کان یتجنّب تسلیم قیادة إلیه (ص 199).

وأسوأ من ذلک ما کان یقع عند مصاقبة علیٍّ وفاطمة لعدوّاتهما أزواج النبیّ ، وتنازع الفریقین ، فکانت فاطمة تعتب علی أبیها متحسّرة لأنّه کان لا ینحاز إلی بناته.

إلی غیر ذلک من جنایات تاریخیّة سوّد بها الرجل صحیفة کتابه. ة.

ص: 32


1- النهیت والنهات : هو الصوت من الصدر عند المشقّة.

ما أساء من أعقب

أنا لا ألوم المؤلّف - جدع الله مسامعه - وإن جاء بأذنی عَناق (1) ، إذ هو من قوم حُنّاق علی الإسلام ، وهو مع ذلک جرفٌ منهال وسحابٌ منجال (2) ، ینمُّ کتابه عن عُجره وبُجره. وإنّما العتب کلّ العتب علی المترجم الجانی علی الإسلام والشرق والعرب وهو یحسب نفسه منها ، نعم جَدْب السوء یُلجئُ إلی نُجعة سوء (3) ، والجنس إلی الجنس یمیل.

کلّ ما فی الکتاب من تلکم الأقوال المختلقة ، والنسب المفتعلة إن هی إلاّ کلم الطائش ، تخالف التاریخ الصحیح ، وتضادّ ما أصفقت علیه الأمّة الإسلامیّة ، وما أخبر به نبیّها الأقدس.

هل تناسب تقوّلاته فی فاطمة مع قول أبیها صلی الله علیه وآله وسلم : «فاطمة حوراء إنسیّة ، کلّما اشتقتُ إلی الجنّة قبّلتها» (4)؟

أو قوله صلی الله علیه وآله وسلم : «ابنتی فاطمة حوراء آدمیّة» (5)؟

أوقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «فاطمة هی الزهرة» (6)؟

أو قول أمّ أنس بن مالک : کانت فاطمة کالقمر لیلة البدر أو الشمس کفر غماماً - إذا خرج من السحاب - بیضاء مشربة حمرة ، لها شعر أسود ، من أشدّ الناس برسول الله صلی الله علیه وسلم شبهاً ، والله کما قال الشاعر : ف)

ص: 33


1- أی جاء بالکذب والباطل ، مثل سائر [مجمع الأمثال : 1 / 290 رقم 851]. (المؤلف)
2- مثل یضرب ، یراد أنّه لا یطمع فی خیره [مجمع الأمثال : 1 / 316 رقم 946]. (المؤلف)
3- مثل دائر ، یعنی أنّ الأمور کلّها تتشاکل فی الجودة والرداءة [مجمع الأمثال : 1 / 316 رقم 947]. (المؤلف)
4- تاریخ الخطیب البغدادی : 5 / 87 [رقم 2481]. (المؤلف)
5- الصواعق : ص 96 [ص 160] ، إسعاف الراغبین : ص 172 نقلاً عن النسائی. (المؤلف)
6- نزهة المجالس : 2 / 222. (المؤلف)

بیضاءُ تَسحبُ من قیامٍ شعرَها

وتغیبُ فیه وهو جَثلٌ أسحمُ (1)

فکأنّها فیه نهارٌ مشرقٌ

وکأنّه لیلٌ علیها مظلمُ (2)

ولقبها الزهراء المتسالم علیه یکشف عن جلیّة الحال.

وهل یساعد تلک التحکّمات فی ذکاء فاطمة وخلقها قول أمّ المؤمنین خدیجة : کانت فاطمة تحدّث فی بطن أمّها ، ولمّا ولدت وقعت حین وقعت علی الأرض ساجدة ، رافعةً إصبعها (3)؟

أو یلائمها قول عائشة : ما رأیت أحداً أشبه سمتاً ، ودَلاّ ، وهدیاً ، وحدیثاً ، برسول الله فی قیامه وقعوده من فاطمة ، وکانت إذا دخلت علی رسول الله قام إلیها فقبّلها ورحّب بها ، وأخذ بیدها وأجلسها فی مجلسه (4)؟

وفی لفظ البیهقی فی السنن (7 / 101): ما رأیت أحداً أشبه کلاماً وحدیثاً من فاطمة برسول الله صلی الله علیه وسلم. الحدیث.

وهل توافق مخاریقه فی الإمام علیّ - صلوات الله علیه - وعدم بهاء وجهه ، وعدُّ فاطمة له دمیماً وکونه عابساً ، مع ما جاء فی جماله البهیّ : أنّه کان حسن الوجه کأنّه قمر لیلة البدر ، وکأنّ عنقه إبریق فضّة (5) ، ضحوک السنِ (6) فإن تبسّم فعن مثل ف)

ص: 34


1- جثل الشعر : کثر والتفّ واسودّ ، فهو جثل. سحم فهو أسحم : أسود. (المؤلف)
2- مستدرک الحاکم : 3 / 161 [3 / 176 ح 4759]. (المؤلف)
3- سیرة الملاّ : [ج 5 / ق 2 / 211] ، ذخائر العقبی : ص 45 ، نزهة المجالس : 2 / 227.(المؤلف)
4- أخرجه الحافظ ابن حبّان [فی صحیحه : 15 / 403 ح 6953] کما فی ذخائر العقبی : ص 40 ، والحافظ الترمذی وحسّنه : [سنن الترمذی : 5 / 657 ح 3872] ، والحافظ العراقی فی التقریب کما فی شرحه له ولابنه : 1 / 150 ، وابن عبد ربّه فی العقد الفرید : 2 / 3 [3 / 7] ، وابن طلحة فی مطالب السؤول : ص 7 ، إسعاف الراغبین : ص 171. (المؤلف)
5- کتاب صفّین : ص 262 [ص 233] ، الاستیعاب : 2 / 469 [القسم الثالث / 1123 رقم 1855] ، الریاض النضرة : 2 / 155 [3 / 97] ، نزهة المجالس : 2 / 204. (المؤلف)
6- تهذیب الأسماء واللغات للإمام النووی [1 / 349 رقم 429]. (المؤلف)

اللؤلؤ المنظوم (1)؟!

وأین هی من قول أبی الأسود الدؤلی من أبیات له :

إذا استقبلتَ وجه أبی ترابِ

رأیتَ البدر حار الناظرینا (2)

نعم :

حسدوا الفتی إذ لم ینالوا فضلَهُ

فالناسُ أعداءٌ له وخصومُ

کضرائرِ الحسناءِ قلنَ لوجهها

حسداً وبغضاً إنّه لدمیمُ

أوَیخبرک ضمیرک الحرّ فی علیّ ما سلقه الرجل به من التوانی والتردُّد؟ وعلیٌّ ذلک المتقحّم فی الأهوال ، والضارب فی الأوساط والأعراض فی المغازی والحروب ، وهو الذی کشف الکرب عن وجه رسول الله فی کلّ نازلة وکارثة منذ صدع بالدین الحنیف إلی أن بات علی فراشه وفداه بنفسه إلی أن سکن مقرّه الأخیر.

ألیس علیٌّ هو ذلک المجاهد الوحید الذی نزل فیه قوله تعالی : (أَجَعَلْتُمْ سِقایَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ کَمَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْیَوْمِ الْآخِرِ وَجاهَدَ فِی سَبِیلِ اللهِ) (3) ، وقوله تعالی : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ یَشْرِی نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ) (4) (5) ارجاع دارد؟

فمتی خلا علیٌّ عن مقارعة الرجال والذبِّ عن قدس صاحب الرسالة حتی یصحّ أن یُعزی إلیه توانٍ أو تردّد فی أمر من الأمور؟ غیر أنّ القول الباطل لاحدّ له ولا أمد. ف)

ص: 35


1- حلیة الأولیاء : 1 / 84 [رقم 4] ، تاریخ ابن عساکر : 7 / 35 [8 / 473 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 11 / 158] ، المحاسن والمساوئ : 1 / 32 [ص 47]. (المؤلف)
2- تذکرة السبط : ص 104 [ص 181]. (المؤلف)
3- التوبة : 19.
4- البقرة : 207.
5- راجع الجزء الثانی من کتابنا : ص 47 ، 53. (المؤلف)

وهل یُتصوّر فی أمیر المؤمنین تلک العِشرة السیّئة مع حلیلته الطاهرة؟ والنبیّ یقول له : «أشبهت خَلْقی وخُلُقی وأنت من شجرتی التی أنا منها» (1).

وکیف یراه النبیُّصلی الله علیه وآله وسلم أفضل أمّته ، وأعظمهم حلماً ، وأحسنهم خلقاً ، ویقول : «علیٌّ خیر أمّتی ، أعلمهم علماً ، وأفضلهم حلماً» (2)؟

ویقول لفاطمة : «إنّی زوّجتکِ أقدم أمّتی سلماً ، وأکثرهم علماً ، وأعظمهم حلماً» (3).

ویقول لها : «زوّجتکِ أقدمهم سلماً ، وأحسنهم خُلقاً» (4).

یقول هذه کلّها وعشرته تلک کانت بمرأیً منه ومسمع ، أفک الدجّالون ، کان علیٌّ علیه السلام کما أخبر به النبیُّ الصادق الأمین.

وهل یقبل شعورک ما قذف به الرجل - فضّ الله فاه - علیّا من لَکم فاطمة بضعة المصطفی؟ وعلیٌّ هو ذاک المقتصّ أثر الرسول ، وملء مسامعه قوله صلی الله علیه وآله وسلم لفاطمة : «إنّ الله یغضب لغضبکِ ، ویرضی لرضاکِ» (5).رة

ص: 36


1- تاریخ بغداد للخطیب : 11 / 171 [رقم 5870]. (المؤلف)
2- الطبری ، الخطیب ، الدولابی [الذرّیة الطاهرة : ص 93 رقم 83] کما فی کنز العمّال : 6 / 153 ، 392 ، 398 [11 / 605 ح 32926 ، 13 / 114 ح 36370 ، ص 135 ح 36423].(المؤلف)
3- مسند أحمد : 5 / 26 [5 / 662 ح 19796] ، الریاض النضرة : 2 / 194 [3 / 141] ، ذخائر العقبی : ص 78 ، مجمع الزوائد : 9 / 101 ، 114 ، وصحّحه ووثّق رجاله. (المؤلف)
4- أخرجه أبو الخیر الحاکمی کما فی الریاض النضرة : 2 / 182 [3 / 128]. (المؤلف) أبو الخیر الحاکمی هو أحمد بن إسماعیل الطالقانی المتوفّی سنة 590 ، أخرجه فی کتابه الأربعون المنتقی فی فضائل علیّ المرتضی ، فی الباب 28 ح 35 من طریق الحاکم النیسابوری بإسناده عن أنس وفیه : «قد زوّجتکِ أقدمهم إسلاماً وأعظمهم حلماً وأحسنهم خلقاً وأعلمهم بالله علماً». (الطباطبائی)
5- مستدرک الحاکم : 3 / 154 [3 / 167 ح 4730] وصحّحه ، ذخائر العقبی : ص 39 ، تذکرة

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم وهو آخذ بیدها : «من عرف هذه فقد عرفها ، ومن لم یعرفها فهی بَضعةٌ منّی ، هی قلبی وروحی التی بین جنبیّ ، فمن آذاها فقد آذانی» (1).

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «فاطمة بَضعةٌ منّی ، یریبنی ما رابها ، ویؤذینی ما آذاها» (2).

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «فاطمة بَضعةٌ منّی ، فمن أغضبها فقد أغضبنی» (3).

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «فاطمة بَضعهٌ منّی ، یقبضنی مایقبضها ، ویبسطنی ما یبسطها» (4).

وهل یقصر امتداح النبیّ علیّا بقدم إسلامه ، حتی یتفلسف فی سرّه ویکون ذلک إرضاءً لابنته؟ علی أنّ امتداحه بذلک لو کان لتلک المزعمة لکان یقتصر صلی الله علیه وآله وسلم علی قوله لفاطمة فی ذلک ، وکان یتأتّی الغرض به ، فلماذا کان یأخذ صلی الله علیه وآله وسلم بید علیّ فی ف)

ص: 37


1- الفصول المهمّة : ص 150 [ص 144] ، نزهة المجالس : 2 / 228 ، نور الأبصار : ص 45 [ص 96]. (المؤلف)
2- صحاح : البخاری [5 / 2004 ح 4932] ، ومسلم [5 / 53 ح 93 کتاب فضائل الصحابة] ، والترمذی [5 / 655 ح 3867] ، ومسند أحمد : 4 / 328 [5 / 430 ح 18447] ، والخصائص للنسائی : ص 35 [خصائص أمیر المؤمنین : ص 146 ح 133 ، وفی السنن الکبری : 5 / 97 ح 8370 کتاب المناقب] ، الإصابة : 4 / 378 [رقم 830]. (المؤلف)
3- صحیح البخاری [3 / 1361 ح 3510] ، خصائص النسائی : ص 35 [خصائص أمیر المؤمنین : ص 147 ح 135 ، وفی السنن الکبری : 5 / 97 ح 8371 کتاب المناقب]. (المؤلف)
4- مسند أحمد : 4 / 323 ، 332 [5 / 423 ح 18428 ، ص 435 ح 18451] ، الصواعق : ص 112 [ص 188]. (المؤلف)

الملأ الصحابیّ تارةً ویقول : «إنّ هذا أوّل من آمن بی ، وهذا أوّل من یصافحنی یوم القیامة»؟

ولما ذا کان یخاطب أصحابه أخری بقوله : «أوّلکم وارداً علیَّ الحوض ، أوّلکم إسلاماً : علیّ بن أبی طالب»؟

وکیف خفی هذا السرّ المختلق علی الصحابة الحضور والتابعین لهم بإحسان ، فطفقوا یمدحونه علیه السلام بهذه الأثارة ، کما یروی عن سلمان الفارسی ، أنس بن مالک ، زید ابن أرقم ، عبد الله بن عبّاس ، عبد الله بن حجل ، هاشم بن عتبة ، مالک الأشتر ، عبد الله بن هاشم ، محمد بن أبی بکر ، عمرو بن الحمق ، أبی عمرة عدیّ بن حاتم ، أبی رافع ، بُریدة ، جندب بن زهیر ، وأمّ الخیر بنت الحریش (1)؟

وهل القول بقلّة التفات النبیّ إلی علیّ یساعده القرآن الناطق بأنّه نفس النبیّ الطاهر؟ أو جعل مودّته أجر رسالته؟

أو قوله صلی الله علیه وآله وسلم فی حدیث الطیر المشویّ ، الصحیح المرویّ فی الصحاح والمسانید : «اللهمّ ائتنی بأحبّ خلقک إلیک لیأکل معی»؟

أو قوله صلی الله علیه وآله وسلم لعائشة : «إنّ علیّا أحبّ الرجال إلیّ ، وأکرمهم علیَّ ، فاعرفی له حقّه وأکرمی مثواه» (2)؟

أو قوله صلی الله علیه وآله وسلم : «أحبّ الناس إلیّ من الرجال علیٌّ» (3)؟

أو قوله صلی الله علیه وآله وسلم : «علیٌّ خیر من أترکه بعدی» (4)؟ ف)

ص: 38


1- سیأتی فی هذا الجزء نصّ کلماتهم. (المؤلف)
2- أخرجه الحافظ الخجندی کما فی الریاض : 2 / 161 [3 / 104] ، وذخائر العقبی : ص 62. (المؤلف)
3- وفی لفظ : أحبّ أهلی. من حدیث أسامة. (المؤلف)
4- مواقف الإیجی : 3 / 276 [ص 409] ، مجمع الزوائد : 9 / 113. (المؤلف)

أو قوله صلی الله علیه وآله وسلم : «خیر رجالکم علیُّ بن أبی طالب ، وخیر نسائکم فاطمة بنت محمد» (1)؟

أو قوله صلی الله علیه وآله وسلم : «علیٌّ خیر البشر فمن أبی فقد کفر» (2)؟

أو قوله صلی الله علیه وآله وسلم : «من لم یقل علیٌّ خیر الناس فقد کفر» (3)؟

أو قوله صلی الله علیه وآله وسلم فی حدیث الرایة المتّفق علیه : «لأُعطینّ الرایة غداً رجلاً یحبّه الله ورسوله ، ویحبّ الله ورسوله»؟

أو قوله صلی الله علیه وآله وسلم : «علیٌّ منّی بمنزلة الرأس (رأسی) من بدنی(أو جسدی)» (4)؟

أو قوله صلی الله علیه وآله وسلم : «علیٌّ منّی بمنزلتی من ربّی» (5)؟

أو قوله صلی الله علیه وآله وسلم : «علیٌّ أحبّهم إلیّ ، وأحبّهم إلی الله» (6)؟

أو قوله صلی الله علیه وآله وسلم : «أنا منک وأنت منّی. أو : أنت منّی وأنا منک» (7)؟

أو قوله صلی الله علیه وآله وسلم : «علیٌّ منّی وأنا منه ، وهو ولیُّ کلّ مؤمن بعدی» (8)؟ف)

ص: 39


1- تاریخ بغداد للخطیب : 4 / 392 [رقم 2280]. (المؤلف)
2- تاریخ الخطیب عن جابر [7 / 421 رقم 3984] ، کنوز الحقائق هامش الجامع الصغیر : 2 / 16 ، کنز العمّال : 6 / 159 [11 / 625 ح 33045]. (المؤلف)
3- تاریخ الخطیب البغدادی : 3 / 192 [رقم 1234] عن مسعود ، کنز العمّال : 6 / 159 [11 / 625 ح 33046]. (المؤلف)
4- تاریخ الخطیب : 7 / 12 [رقم 3475] ، الریاض النضرة : 2 / 162 [3 / 105] ، الصواعق : ص 75 [ص 125] ، الجامع الصغیر للسیوطی [2 / 177 ح 5596] ، شرح العزیزی : 2 / 417 [السراج المنیر : 2 / 459] ، فیض القدیر : 4 / 357 [ح 5596] ، نور الأبصار : ص 80 [ص 163] ، مصباح الظلام : 2 / 56 [2 / 135 ح 405]. (المؤلف)
5- الریاض النضرة : 2 / 163 [3 / 106] ، السیرة الحلبیة : 3 / 391 [3 / 362]. (المؤلف)
6- تاریخ الخطیب : 1 / 160 [رقم 10]. (المؤلف)
7- مسند أحمد : 5 / 204 [6 / 265 ح 21270] ، خصائص النسائی : ص 36 ، ص 51 [خصائص أمیر المؤمنین : ص 87 ح 70 ، ص 149 ح 138 ، وفی السنن الکبری : 5 / 127 ح 8455]. (المؤلف)
8- مسندأحمد : 5 / 356 [6 / 489 ح 22503] ، وأخرجه جمع من الحفّاظ بإسناد صحیح یأتی. (المؤلف)

أو قوله صلی الله علیه وآله وسلم فی حدیث البعث بسورة البراءة المجمع علی صحّته : «لا یذهب بها إلاّ رجل منّی وأنا منه» (1)؟

أو قوله صلی الله علیه وآله وسلم : «لحمک لحمی ، ودمک دمی ، والحقّ معک» (2)؟

أو قوله صلی الله علیه وآله وسلم : «مامن نبیٍّ إلاّ وله نظیر فی أمّته ، وعلیٌّ نظیری» (3)؟

أو ما صحّحه الحاکم وأخرجه الطبرانی عن أمّ سلمة ، قالت : کان رسول الله إذا أُغضب ، لم یجترئ أحدٌ أن یکلّمه غیر علیّ (4)؟

أو قول عائشة : والله ما رأیت أحداً أحبّ إلی رسول الله من علیّ ، ولا فی الأرض امرأة کانت أحبّ إلیه من امرأته (5)؟

أو قول بریدة وأُبیّ : أحبُّ الناس إلی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم من النساء فاطمة ، ومن الرجال علیٌ (6)؟

أو حدیث جُمیع بن عمیر ، قال : دخلت مع عمّتی علی عائشة ، فسألت : أیّ ف)

ص: 40


1- خصائص النسائی : ص 8 [خصائص أمیر المؤمنین : ص 49 ح 24 ، وفی السنن الکبری : 5 / 113 ح 8409] ، راجع : 1 / 48 من کتابنا. (المؤلف)
2- المحاسن والمساوئ : 1 / 31 [ص 44] ، کفایة الطالب : ص 135 [ص 265 باب 62] ، مناقب الخوارزمی : ص 76 ، 83 ، 87 [ص 129 ح 143 ، ص 142 ح 163 ، ص 145 ح 170] ، فرائد السمطین [1 / 43 باب 2 ح 7 ، ص 332 باب 61 ح 257]. (المؤلف)
3- الریاض النضرة : 2 / 164 [3 / 108]. (المؤلف)
4- مستدرک الحاکم : 3 / 130 [3 / 141 ح 4647] ، الصواعق : ص 73 [ص 123] ، تاریخ الخلفاء للسیوطی : ص 116 [ص 161]. (المؤلف)
5- مستدرک الحاکم : 3 / 154 [3 / 167 ح 4731] وصحّحه ، العقد الفرید : 2 / 275 [4 / 123] ، خصائص النسائی : ص 29 [خصائص أمیر المؤمنین : ص 127 ح 111 ، وفی السنن الکبری : 5 / 139 ح 8496] ، الریاض النضرة : 2 / 161 [3 / 104]. (المؤلف)
6- خصائص النسائی : ص 29 [خصائص أمیر المؤمنین : ص 128 ح 113 ، وفی السنن الکبری : 5 / 140 ح 8498] ، مستدرک الحاکم : 3 / 155 [3 / 168 ح 4735 ، وکذا فی تلخیصه] صحّحه هو والذهبی ، جامع الترمذی : 2 / 227 [5 / 655 ح 3868]. (المؤلف)

الناس أحبّ إلی رسول الله؟ قالت : فاطمة. فقیل : من الرجال؟ قالت : زوجها ، إن کان ما علمت صوّاماً قوّاماً (1)؟

وکیف کان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقدّم الغیر علی علیّ فی الالتفات إلیه؟ وهو أوّل رجل اختاره الله بعده من أهل الأرض لمّا اطّلع علیهم ، کما أخبر به صلی الله علیه وآله وسلم لفاطمة بقوله : «إنّ الله اطّلع علی أهل الأرض فاختار منهم أباک فبعثه نبیّا ، ثمّ اطّلع الثانیة فاختار بعلک ، فأوحی إلیّ ، فأنکحتُهُ واتخذته وصیّاً» (2).

وبقوله صلی الله علیه وآله وسلم «إنّ الله اختار من أهل الأرض رجلین : أحدهما أبوکِ والآخر زوجکِ» (3).

وإنّی لا یسعنی المجال لتحلیل کلمة الرجل : وکان صهرا النبیّ الأمویّان ... إلخ. وحسبک فی مداراة عثمان الکریم حدیث أنس عن رسول الله لمّا شهد دفن رقیّة ابنته العزیزة وقعد علی قبرها ، ودمعت عیناه فقال : «أیّکم لم یُقارف اللیلة أهله؟» فقال أبو طلحة : أنا. فأمره أن ینزل فی قبرها.

قال ابن بطّال : أراد النبیُّ صلی الله علیه وسلم أن یحرم عثمان النزول فی قبرها ، وقد کان أحقّ الناس بذلک لأنّه کان بعلها ، وفقد منها علقاً لا عوض منه ، لأنّه حین قال علیه السلام : «أیّکم لم یُقارف اللیلة أهله؟» سکت عثمان ولم یقل : أنا ؛ لأنّه قد قارف لیلة ماتت بعض نسائه! ولم یشغله الهمُّ بالمصیبة وانقطاع صهره من النبیّ صلی الله علیه وسلم عن المقارفة ، فحُرِم بذلک ما کان حقّا له ، وکان أولی به من أبی طلحة وغیره. وهذا بیّنٌ فی معنی الحدیث ، ف)

ص: 41


1- جامع الترمذی : 2 / 227 [5 / 658 ح 3874] طبع الهند ، مستدرک الحاکم : 3 / 157 [3 / 167 ح 4731] ، وجمع آخر. (المؤلف)
2- أخرجه الطبرانی عن أبی أیوب الأنصاری [المعجم الکبیر 4 / 171 ح 4046] کما فی إکمال کنز العمّال : 6 / 153 [11 / 604 ح 32923] ، أخرجه الهیثمی فی مجمع الزوائد : 9 / 165 عن علیّ الهلالی. (المؤلف)
3- المواقف للإیجی : ص 8 [ص 410] ، راجع کتابنا : 2 / 318. (المؤلف)

ولعلّ النبیّ صلی الله علیه وسلم قد کان علم ذلک بالوحی ، فلم یقل له شیئاً لأنّه فعل فعلاً حلالاً ، غیر أنّ المصیبة لم تبلغ منه مبلغاً یشغله حتی حُرِم ما حُرِم من ذلک بتعریض غیر صریح. الروض الأُنف (1) (2 / 107).

وما عسانی أن أقول فی أبی العاص الذی کان علی شرکه إلی عام الحدیبیّة ، وأُسر مع المشرکین مرّتین ، وفرّق الإسلام بینه وبین زوجته زینب بنت النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ستّ سنین ، وهاجرت مسلمةً وترکته لشرکه ، ولم ترد قط بعد إسلامه کلمة تعرب عن صلته مع النبیّ ومداراته له ، فضلاً عن مقایسته بعلیّ أبی ذریّته وسیّد عترته.

وقد اتّهم الرجل نبیّ الإسلام بعدم العمل علی سعادة ابنته الطاهرة المطهّرة بنصّ الکتاب العزیز ، ویقذف علیّا بالتألّم من ذلک ، وکان صلی الله علیه وآله وسلم إذا أصبح أتی باب علیّ وفاطمة وهو یقول : «یرحمکم الله إنّما یرید الله لیذهب عنکم الرجس أهل البیت ویطهّرکم تطهیراً».

وکان لم یزل یقول : «فاطمة أحبّ الناس إلیّ».

ویقول : «أحبُّ الناس إلیّ من النساء فاطمة».

ویقول : «أحبُّ أهلی إلیّ فاطمة».

وکان عمر یقول لفاطمة : والله ما رأیت أحداً أحبّ إلی رسول الله منکِ (2).

وما أقبح الرجل فی تقوّله علی النبیِّ صلی الله علیه وآله وسلم بعدّه لعلیٍّ غیر قوّام بجلیل الأعمال. وقد وازره وناصره وعاضده بتمام معنی الکلمة ، بکلِّ حول وطَول من بدء دعوته إلی آخر نفس لفظه ، فصار بذلک له نفساً ، وأخاً ، ووزیراً ، ووصیّاً ، وخلیفةً ، ووارثاً ، وولیّاً بعده ، وکان قائده الوحید فی حروبه ومغازیه ، وهو ذلک الملقّب بقائد الغرِّ ف)

ص: 42


1- الروض الأُنف : 5 / 362.
2- مستدرک الحاکم : 3 / 150 [3 / 168 ح 4736] وصحّحه. (المؤلف)

المحجّلین ، وحیاً من الله العزیز فی لیلة أسری بنبیِّه من المسجد الحرام إلی المسجد الأقصی (1).

وأسوأ من ذلک کلّه عدُّ الرجل أزواج النبیّ عدوّات علیّ وفاطمة ، وقد ذکر تنازع عائشة معهما وأمّ سلمة ، وبسط القول فی ذلک بنقل حادثة موضوعة ، وشکّل هناک حزبین منهنّ ، دمقراطی ورستودمقراطی ، وتقوّل بما یمسُّ ناموس النبیّ وکرامة أزواج ه أمّهات المؤمنین ویمثّل آل الله بکلِّ جلافة وصلافة.

لیت شعری کیف یروق المترجم عدُّ عائشة عدوّة لفاطمة وهی تقول : مارأیت أحداً قطّ أفضل من فاطمة غیر أبیها. أخرجه الطبرانی فی الأوسط (2) بسند صحیح علی شرط الشیخین ، کما فی شرح المواهب (3 / 202) ، والشرف المؤبّد (3) (ص 58)

وهی کانت تقبّل رأس فاطمة وتقول : یالیتنی شعرة فی رأسک. نزهة المجالس (2 / 227).

وکیف یرتضی قومه نشر هذه القارصة والقرآن أوجب علی الأمّة مودّة العترة النبویّة (4) ، ومن المتسالم علیه بین المسلمین أنّ آیة الإیمان والنفاق فی شرعة النبیّ المحبوب : حبُّ علیّ وبغضه کما یأتی حدیثه.

وقد اتّفقت الأمّة علی ما مرّ فی حدیث الغدیر من قول رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی علیّ : «اللهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه». وصحّ عن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم قوله : «من أحبّ علیّا فقد أحبّنی ، ومن أبغض علیّا فقد أبغضنی ، ومن آذی علیّا فقد آذانی ومن آذانی ف)

ص: 43


1- مستدرک الحاکم : 3 / 138 [3 / 148 ح 4668] وصحّحه ، الریاض النضرة : 2 / 177 [3 / 122] ، شمس الأخبار : ص 39 [1 / 105 باب 7] ، أُسد الغابة : 1 / 69 [1 / 84 رقم 92] ، مجمع الزوائد : 9 / 121. (المؤلف)
2- المعجم الأوسط : 3 / 349 ح 2742.
3- الشرف المؤبّد : ص 124.
4- راجع کتابنا : 2 / 306 - 311. (المؤلف)

فقد آذی الله» (1).

وأخبر صلی الله علیه وآله وسلم عن جبرئیل أنّه أخبره بأنّ : «السعید کلّ السعید من أحبّ علیّا فی حیاتی وبعد مماتی ، ألا وإنّ الشقیّ کلّ الشقیّ من أبغض علیّا فی حیاتی وبعد مماتی» (2).

وکیف خفی علی هذا الرجل أنّ عزو عداء سیّد العترة وسیّدتها إلی زوجات النبیّ قذفٌ مقذعٌ ، وسبٌّ شائنٌ ، إن عُرض علی محکمة العدل الإسلامیّ وأخذ بقوله صلی الله علیه وآله وسلم فی عترته : «لا یحبّهم إلاّ سعید الجدّ طیّب المولد ، ولا یبغضهم إلاّ شقیّ الجدّ ردیء الولادة» (3)؟

أو بما ورد من طریق الثقات من : «أنّ علیّا لا یبغضه أحدٌ قطُّ إلاّ وقد شارک إبلیس أباه فی رحم أمّه» (4)؟

أو بما أخرجه الحافظ الجزری عن عبادة بن الصامت قال : کنّا نبور (5) أولادنا بحبِّ علیّ بن أبی طالب رضی الله عنه ، فإذا رأینا أحدهم لا یحبُّ علیّ بن أبی طالب علمنا أنّه لیس منّا وأنّه لغیر رشدة (6)؟ ثمّ قال الحافظ : وهذا مشهورٌ من قدیم وإلی الیوم أنّه ما یبغض علیّا رضی الله عنه إلاّ ولد زنا. أسنی المطالب (7) (ص 8).

هذه نُبَذٌ من مخاریق کتاب حیاة محمد وکم لها من نظیر حول القرآن وتحریفه ، 8.

ص: 44


1- 20
2- الریاض النضرة : 3 / 215 [3 / 167] ، الفصول المهمّة : ص 124 [ص 123] ، مجمع الزوائد : 9 / 132 ، کنز العمّال : 6 / 400 [13 / 145 ح 36458] ، نزهة المجالس : 2 / 207. (المؤلف)
3- الریاض : 2 / 189 [3 / 136]. (المؤلف)
4- تاریخ الخطیب : 3 / 289 [رقم 1376]. (المؤلف)
5- نبور : نختبر ونمتحن.
6- یقال : هذا ولد رِشْدة ، إذا کان لنکاح صحیح.
7- أسنی المطالب : ص 57 - 58.

وهناک قذف الشیعة بما هی بریئةٌ منه ، والعجب أنّ عادل زعیتر یحسب نفسه معذوراً فی بثِّ هذه الأباطیل المضلّة فی المجتمع بقوله فی مقدّمة الکتاب : وقد کنت أودُّ أن أعلِّق علیها بعض حواشٍ لو لم أرَ أنّ ذلک یخرجنی عن دائرة الترجمة.

أمن العدل سقایة روح الملأ الدینیِّ بهذه السموم القتّالة والاعتذار بمثل هذا التافه؟ أهکذا خُلق الإنسان ظلوماً جهولاً؟

(إِنَّ الَّذِینَ یُحِبُّونَ أَنْ تَشِیعَ الْفاحِشَةُ فِی الَّذِینَ آمَنُوا)

(لَهُمْ عَذابٌ أَلِیمٌ فِی الدُّنْیا وَالْآخِرَةِ) (1) 9.

ص: 45


1- النور : 19.

ص: 46

حادث شوّه صحائف التألیف

هناک فکرةٌ غیر صالحة ، وإن شئت قلت بدعةٌ سیّئةٌ فتَحت علی الأمّة باب التقوّل بمصراعیه ، وعنها تتشعّب شُجنة (1) الإفک فی الحدیث ، وینبعث القول المزوّر ، وإلیها یستند کلُّ بهرجة وسفسطة ، ألا وهی : هذه الخطّة الحدیثة فی التألیف ، واتّخاذ هذا الأسلوب الحدیث الذی یروق بسطاء الأمّة ویسمّونه تحلیلاً ، ویرونه حسناً فی الکتابة.

هذه الفکرة هی التی خفّت بها وطأة التألیف - وطأة حزونته - وکثر بذلک المؤلِّفون ، فجاء لفیفٌ من الناس یؤلّف وکلٌّ منهم سلک وادی تُضُلّل (2) ، ولا یخنق علی جِرَّته (3) ویرمی القول علی عواهنه ، وینشر فی الملأ ما لیس للمجتمع فیه درک ، فیتحکّم فی آرائه ، ویکذب فی حدیثه ، ویخون فی نقله ، ویحرّف الکلم عن مواضعه ، ویقذف من خالف نحلته ، وینسبه إلی ما شاءه هواه ، ویسلقه بالبذاء ، ولا یکفف عنه لغبه (4). د.

ص: 47


1- الشجنة - بکسر الشین وضمّها - : شعبة من غصن من غصون الشجرة.
2- مثل یضرب لمن عمل شیئاً فأخطأ فیه [مجمع الأمثال : 2 / 122 رقم 1827]. (المؤلف)
3- مثل یضرب لمن یعجز عن کتمان ما فی نفسه [مجمع الأمثال : 3 / 168 رقم 3541 ، والجِرّة : ما یخرجه البعیر وکلّ ذی کرش یجترّ من بطنه لیمضغه ثم یبلعه]. (المؤلف)
4- اللغب : الکلام السیّئ الفاسد.

هذه الفکرة هی التی جرّت علی الأمّة شیة العار ووصمة الشنار ، ورمتها بثالثة الأثافی ، ومدّت ید الفحشاء علی التألیف ، وأبدت فی صفحاته وصمات سوء ، فراح شرف الإسلام ، وأدب الدین ، وأمانة النقل ، ومکانة الصدق ، ضحیّة المیول والشهوات ، ضحیّة الأهواء والنزعات الباطلة ، ضحیّة الأقلام المستأجرة.

هذه الفکرة هی التی شوّهت وجه التألیف ، وجنت بها الأقلام ، وولّدت فی القلوب ضغائن ، فجاء المفسّر یؤوّل القرآن برأیه ، والمحدّث یختلق حدیثاً یوافق ذوقه ، والمتکلّم یذکر فِرَقاً مفتعلة ، والفقیه یفتی بما یحبّذه ، والمؤرّخ یضع فی التاریخ ما یرتضیه ، کلّ ذلک قولاً بلا دلیل ، وتحکّماً بلا بیّنة ، وتکلّماً بلا مأخذ ، ودعوی بلا برهان ، وتقوّلاً بلا مصدر ، وکذباً بلا مبالاة ، وإفکاً بلا تحاش.

(فَوَیْلٌ لَهُمْ مِمَّا کَتَبَتْ أَیْدِیهِمْ وَوَیْلٌ لَهُمْ مِمَّا یَکْسِبُونَ) (1).

والقارئ یجد مثال هذه کلّها نصب عینیه فی طیّ کتاب الصراع بین الإسلام والوثنیّة ، والوشیعة فی الردّ علی الشیعة ، وفجر الإسلام وضحاه وظهره ، والجولة فی ربوع الشرق الأدنی ، والمحاضرات للخضری ، والسنّة والشیعة ، والإسلام الصحیح ، والعقیدة فی الإسلام ، وخلفاء محمد ، وحیاة محمد لهیکل ، وفی مقدّمها کتاب حیاة محمد لإمیل درمنغم.

فخلوُّ تألیف الشرقیِّ المسلم عن ذکر المصادر نسایةٌ للکتاب والسنّة ، وإضاعةٌ لأصول العلم ، وجنایةٌ علی السلف ، وتفویتٌ لمآثر الإسلام ، وعملٌ مُخْدج (2) ، وسعیٌ أبتر ، ولیس من صالح الأمّة ولا من صلاح المجتمع الإسلامی ، وسیأتیه یومٌ وهو یقرع سنّ نادم.

وإنّ تألیفاً هو هکذا لا یمثّل فی علومه ومعارفه إلاّ نفسیّة مؤلِّفه وأنظاره ، ولا ن.

ص: 48


1- البقرة : 79.
2- الخداج : النقصان.

یراه القارئ إلاّ کروایة لا تقوم إلاّ بقائلها.

خذ إلیک فی موضوع واحد کتابین هما مثالان لأکثر ما ارتأینا فی هذا البحث ، ألا وهما :

1 - کتاب الإمام علیّ ، تألیف الأستاذ أبی نصر عمر.

2 - کتاب الإمام علیّ ، تألیف الأستاذ عبد الفتاح عبد المقصود.

فهما علی وحدة الموضوع ، والنزعة ، والبیئة ، والدراسة ، والهوی السائد ، طالما اختلفا فی الأبحاث والنظریّات ، فهذا الأستاذ أبو نصر أخذ آراء الخضری الأمویّة ومن یضاهیه فیها ، وصبّها فی بوتقة تألیفه ، فجاء فی کتابه بکلِّ شنآء شوهاء التقت بها حلقتا البطان (1).

وأمّا الأستاذ عبد الفتّاح فإنّه جدّ وثابر علی جهود جبّارة ، وأخذ زبدة المخض من الحقائق الناصعة ، غیر أنَّه ضیّع أتعابه بإهمال المصادر ، فلم یأت کتابه إلاّ کنظریّة شخصیّة ، ولو ازدان تألیفه بذکرها فی التعالیق ، وإرداف ذلک النقل الواضح بما ارتآه من الرأی السدید ، لکان أبلغ فی تمثیل أفکار الجامعة ، والإعراب عن نظریّات الملأ الدینیِّ ، وإن کان ما ثابره الآن مشفوعاً بشکر جزیل.

(وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما یُوعَظُونَ بِهِ لَکانَ خَیْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِیتاً) (2) 6.

ص: 49


1- مثل یضرب فی الحادثة إذا بلغت النهایة. أنظر : مجمع الأمثال : 3 / 102 رقم 3293.
2- النساء : 66.

ص: 50

13 - ابن الرومی

اشارة

المتوفّی (283)

یا هندُ لم أعشق ومثلیَ لا یری

عشقَ النساء دیانةً وتحرُّجا

لکنّ حبّی للوصیّ مخیّمٌ

فی الصدر یسرحُ فی الفؤاد تولّجا

فهو السراجُ المستنیرُ ومن بهِ

سببُ النجاةِ من العذاب لمن نجا

وإذا ترکتُ له المحبّة لم أجدْ

یومَ القیامةِ من ذنوبی مَخرجا

قل لی أأترکُ مستقیمَ طریقِهِ

جهلاً وأتّبعُ الطریقَ الأعوجا

وأراهُ کالتّبرِ المُصفّی جوهراً

وأری سواه لناقدیهِ مبهرجا

ومَحِلُّهُ من کلِّ فضلٍ بیّنٌ

عالٍ محلّ الشمسِ أو بدر الدجی

قال النبیُّ له مقالاً لم یکنْ

یوم الغدیرِ لسامعیه مُمجمجا (1)

من کنتُ مولاهُ فذا مولیً له

مثلی وأصبحَ بالفَخارِ متوّجا

وکذاک إذْ منعَ البتولَ جماعةً

خطبوا وأکرمَهُ بها إذ زوّجا

وله عجائبُ یومَ سارَ بجیشِهِ

یبغی لقصرِ النهروانِ المخرجا

رُدّت علیهِ الشمسُ بعد غروبِها

بیضاءَ تلمعُ وقدةً وتأجُّجا (2)

الشاعر

أبو الحسن علیّ بن عبّاس بن جریج (3) مولی عبید الله بن عیسی بن جعفر ف)

ص: 51


1- مجمجَ الرجل فی حدیثه : لم یبیّنه.
2- مناقب ابن شهرآشوب : 1 / 531 طبع إیران [3 / 38]. (المؤلف)
3- کذا فی فهرست الندیم [ص 190] ، وتاریخ الخطیب [12 / 23 رقم 6387] ، وکثیرا من المعاجم. وفی مروج الذهب : سریج [فی الطبعة التی بین أیدینا 4 / 301 : جریج]. وفی معجم المرزبانی [ص 145] : جورجس. وفی تاریخ ابن خلّکان [3 / 358 رقم 463] : قیل : جورجیس. وفی بعض المعاجم : جرجیس. (المؤلف)

البغدادی ، الشهیر بابن الرومی. مفخرةٌ من مفاخر الشیعة ، وعبقریٌ من عباقرة الأمّة ، وشعره الذهبیُّ الکثیر الطافح برونق البلاغة قد أربی علی سبائک التّبر حسناً وبهاءً ، وعلی کثر النجوم عدداً ونوراً. برع فی المدیح ، والهجاء ، والوصف ، والغزل من فنون الشعر ، فقصر عن مداه الطامحون ، وشخصت إلیه الأبصار ، فجلّ عن الندّ کما قصر عن مزایاه العدُّ.

وله فی مودّة ذوی القربی من آل الرسول - صلوات الله علیه وعلیهم - أشواط بعیدة ، واختصاصه بهم ومدائحه لهم ودفاعه عنهم من أظهر الحقائق الجلیّة ، وقد عدّه ابن الصبّاغ المالکی المتوفّی (855) فی فصوله المهمّة (1) (ص 302) ، والشبلنجی فی نور الأبصار (2) (ص 166) من شعراء الإمام الحسن العسکری - صلوات الله علیه.

وکان مجموع شعره غیر مرتّب علی الحروف ، رواه عنه المسیِّبی علیّ بن عبید الله بن المسیِّب ؛ ومثقال - غلام ابن الرومی - فی مائة ورقة ، ورواه عن مثقال أبو الحسن علیّ بن العصب الملحی ، وکتب أحمد بن أبی قسر الکاتب من شعره مائة ورقة ، وخالد الکاتب کذلک ، فرتّبه الصولی علی الحروف فی مائتی ورقة. جمع شعره أبو الطیّب ورّاق بن عبدوس من جمیع النسخ فزاد علی کلّ نسخة ممّا هو علی الحروف وغیرها نحو ألف بیت.

وللخالدیَّین أبی بکر محمد وأبی عثمان سعید کتابٌ فی أخبار شعر المترجم (3) ، وانتخب ابن سینا دیوانه ، وشرح مشکلات شعره کما فی کشف الظنون (4) (1 / 498) ، 6.

ص: 52


1- الفصول المهمّة : ص 281.
2- نور الأبصار : ص 338.
3- راجع فهرست الندیم : ص 235 ، 241 [ص 190 ، 195]. (المؤلف)
4- کشف الظنون : 1 / 766.

وعن ابن سینا : أنّ ممّا کلّفنی أستاذی فی الأدب حفظ دیوان ابن الرومی ، فحفظته مع عدّة کتب فی ستّة أیّام ونصف یوم.

ویروی بعض شعره : أبو الحسین علیّ بن جعفر الحمدانی ، وإسماعیل بن علیّ الخزاعیّ ، وأبو الحسن جُحظة ، الذی مدحه ابن الرومی بقصیدة توجد فی دیوانه (1) (ص 168).

تجد ذکره والثناء علیه فی (2) فهرست ابن الندیم (ص 235) ، تاریخ بغداد (12 / 23) ، معجم الشعراء (ص 289 ، 453) ، أمالی الشریف المرتضی (2 / 101) ، مروج الذهب (2 / 495) ، العمدة لابن رشیق (1 / 56 ، 61 ، 91) ، معالم العلماء لابن شهرآشوب ، وفیات الأعیان (1 / 385) ، مرآة الجنان للیافعی (2 / 198) ، شذرات الذهب (2 / 188) ، معاهد التنصیص (1 / 38) ، کشف الظنون (1 / 498) ، روضات الجنّات (ص 473) ، نسمة السحر فیمن تشیّع وشعر ، دائرة المعارف للبستانی (1 / 494) ، دائرة المعارف الإسلامیّة (1 / 181) ، الأعلام للزرکلی (2 / 675) ، الشیعة وفنون الإسلام (ص 105) ، مجلّة الهدی العراقیّة الجزء السادس (ص 223 - 227).

وعُنیَ بجمع آثاره وکتابة أخباره وروایتها جمعٌ منهم :

1 - أبو العباس أحمد بن محمد بن عبید الله بن عمّار : المتوفّی (319) ، قال ابن المسیّب : لمّا مات ابن الرومی عمل کتاباً (3) فی تفضیله ومختار شعره ، وجلس یملیهف)

ص: 53


1- دیوان ابن الرومی : 1 / 175.
2- فهرست الندیم : ص 190 ، معجم الشعراء : ص 145 ، ص 410 ، مروج الذهب : 4 / 301 ، العمدة : ص 69 ، 72 ، 110 ، معالم العلماء : ص 151 ، وفیات الأعیان : 3 / 358 رقم 463 ، شذرات الذهب : 3 / 352 حوادث سنة 284 ه ، معاهد التنصیص : 1 / 108 رقم 18 ، کشف الظنون : 1 / 766 ، روضات الجنّات : 5 / 201 رقم 485 ، نسمة السحر : مج 8 / ج 2 / 358 ، الأعلام : 4 / 297 ، الشیعة وفنون الإسلام : ص 137.
3- ینقل الحموی عنه ترجمة أحمد بن محمد بن عمّار فی معجم الأدباء [3 / 240]. (المؤلف)

علی الناس ، کما فی فهرست ابن الندیم (1) (ص 212) ومعجم الأدباء (1 / 227).

2 - أبو عثمان الناجم. ترجمه فی کتاب مقصور علیه.

3 - أبو الحسن علیّ بن عبّاس النوبختی : المتوفّی (327). جمع أخباره فی کتاب مفرد ، کما فی معجم المرزبانی (2) (ص 295) ومعجم الأدباء (3) (5 / 229).

وأفرد من الکتّاب المتأخّرین الأستاذ عبّاس محمود العقّاد کتاباً (4) فی ترجمته فی (392) صفحة ونحن نأخذ منه ما هو المهمّ ملخّصاً بلفظه. قال :

قد أدرک ابن الرومی فی حیاته ثمانیة خلفاء ، هم : الواثق ، المتوکّل ، المنتصر ، المستعین ، المعتز ، المهتدی ، المعتمد ، المعتضد المتوفّی بعد ابن الرومی.

أثنی علیه العمیدی صاحب الإبانة (5) ، وابن رشیق صاحب العمدة (6) وقال : أکثر المولّدین اختراعاً وتولیداً فیما یقول الحذّاق : أبو تمام وابن الرومی. وأطراه ابن سعید المغربی المتوفّی (673) فی کتابه : عنوان المرقصات والمطربات (7).

ویظهر أنّ أبا عثمان سعید بن هاشم الخالدی - من أدباء القرن الرابع - توسّع فی ترجمته ، إمّا فی کتابه حماسة المحدثین ، أو فی کتاب مقصور علیه. ولکنّ أخباره هذه ذهبت کلّها ولم یبق منها أثر إلاّ متفرّقات فی الکتب ، لا تغنی فی ترجمة وافیة ولا شبیهة بالوافیة ، فنحن ننقلها کما هی :

ولد یوم الأربعاء بعد طلوع الفجر للیلتین خلتا من رجب (221) ببغداد ، فی 0.

ص: 54


1- فهرست الندیم : ص 166.
2- معجم الشعراء : ص 155.
3- معجم الأدباء : 13 / 267.
4- طبع أخیراً ضمن المجموعة الکاملة لمؤلّفات العقّاد : المجلد 15.
5- الإبانة : ص 24.
6- العمدة : 1 / 265 باب 35.
7- المرقصات والمطربات : ص 50.

الموضع المعروف بالعقیقة (1) ودرب الختلیّة ، فی دار بإزاء قصر عیسی بن جعفر بن منصور (2).

کان ابن الرومی مولیً لعبد الله بن عیسی ، ولا یشکّ أنَّه رومیّ الأصل ، فإنّه یذکره ویؤکّده فی مواضع من دیوانه ، واسم جدّه مع هذا : جریج - أو جرجیس - اسم یونانیّ لا شبهة فیه ؛ فلا ینبغی الالتفات إلی من قال : إنّه سمّی بابن الرومی لجماله فی صباه.

وکان أبوه صدیقاً لبعض العلماء والأدباء منهم : محمد بن حبیب الراویة الضلیع فی اللغة والأنساب ، فکان الشاعر یختلف إلیه لهذه الصداقة ، وکان محمد ابن حبیب یخصّه لما یراه من ذکائه وحدّة ذهنه ، وحدّث الشاعر عنه فقال : إنّه کان إذا مرّ به شیء یستغربه ویستجیده یقول لی : یا أبا الحسن ضع هذا فی تامورک (3).

وقد علمنا أنّ أمّه کانت فارسیّة من قوله : الفرس خُؤولی والروم أعمامی ، وقوله : فلم یلدنی أبو السوّاس ساسان. بعد أن رفع نسبه إلی یونان من جهة أبیه ، وربّما کانت أمّه من أصل فارسیّ ، ولم تکن فارسیّة قحّا لأبیها وأمّها - وهذا هو الأرجح - لأنّ علمه بالفارسیّة لم یکن علم رجل نشأ فی حجر أمّ تتکلّم هذه اللغة ، ولا تحسن الکلام بغیرها ، وماتت أمّه وهو کهل أو مکتهل کما یقول فی رثائها :

أقول وقد قالوا أتبکی لفاقدٍ

رضاعاً وأین الکهلُ من راضعِ الحَلَمْ

هی الأمُّ یا لَلناسِ جزّعت فقدها

ومن یَبْکِ أمّا لم تُذمْ قطُّ لا یُذَمْ

وکانت أمّه تقیّة ، صالحة ، رحیمة ، کما یُؤخذ من أبیاته فی رثائها. ه.

ص: 55


1- فی معجم الشعراء [ص 145] : فی الجانب الغربی بالعتیقة. وهذا هو الصحیح. (المؤلف)
2- أخذه من أبی عثمان الخالدی. (المؤلف)
3- تامور الرجل : قلبه وعقله.

قال الأمینی : أُمّه حسنة بنت عبد الله السجزی کما فی معجم المرزبانی (1) ، وسِجز بلدةٌ من بلاد الفرس من أرباض خراسان ، فهی فارسیّة قحّ.

أخوه وشقیقه محمد المکنّی بأبی جعفر ، وهو أکبر من المترجَم ، وتوفّی قبله ، وکان یتفجّع بذکراه ورثاه ، ومات أخوه وهو یعمل فی خدمة عبید الله بن عبد الله بن طاهر أحد أرکان بیت بنی طاهر ، ویظهر من دیوان المترجَم أنَّه کان أدیباً کاتباً أیضاً.

ولم یبق لابن الرومی بعد موت أخیه أحدٌ یعوّل علیه من أهله أو من یحسبون فی حکم أهله ، إلاّ أناسٌ من موالیه الهاشمیّین العبّاسیّین ، کانوا یبرّونه حیناً ویتناسونه أحیاناً ، وکان لعهد الهاشمیّین الطالبیّین أحفظ منه لعهد الهاشمیّین العبّاسیّین ، کما یظهر ممّا یلی. أمّا ابن عمِّه الذی أشار إلیه فی قوله :

لیَ ابنُ عمٍّ یَجُرُّ الشرّ مجتهداً

إلیّ قِدْماً ولا یصلی له نارا

یجنی فأصلی بما یجنی فیخذلنی

وکلّما کان زنداً کنت مِسعارا

فلا ندری أهو ابن عمّ لحّ ، أو ابن عمّ کلالة؟ ومبلغ ما بینهما من صلة المودّة ظاهرٌ من البیتین.

أولاده :

رُزق ابن الرومی ثلاثة أبناء وهم : هبة الله ، ومحمد ، وثالث لم یذکر اسمه فی دیوانه ، ماتوا جمیعاً فی طفولتهم ، ورثاهم بأبلغ وأفجع ما رثی به والدٌ أبناءه ، وقد سبق الموت إلی أوسطهم محمد ، فرثاه بدالیّة مشهورة ، یقول فیها :

توخّی حِمامُ الموتِ أوسطَ صِبْیَتی

فللهِ کیف اختارَ واسطةَ العِقدِ

علی حینَ شِمتُ الخیرَ فی لمحاتِهِ

وآنستُ من أفعالِهِ آیةَ الرشدِ5.

ص: 56


1- معجم الشعراء : ص 145.

ومنها فی وصف مرضه :

لقد قلّ بین المهدِ واللحدِ لَبثُهُ

فلم ینسَ عهدَ المهدِ إذ ضُمَّ فی اللحدِ

أَلَحّ علیه النزفُ حتی أحالَهُ

إلی صُفرةِ الجادیِ (1) عن حمرةِ الوردِ

وظلَّ علی الأیدی تَساقطُ نفسُهُ

ویذوی کما یذوی القضیبُ من الرندِ (2)

ویذکر فیها أخویه الآخرین :

محمدُ ما شیء تُوهّم سلوةً

لقلبیَ إلاّ زاد قلبی من الوجْدِ

أری أخویک الباقیینِ کلیهما

یکونان للأحزان أوری من الزنْدِ

إذا لعبا فی ملعبٍ لکَ لذّعا

فؤادی بمثل النارِ عن غیر ما عمْدِ

فما فیهما لی سلوةٌ بل حزازةٌ

یُهیجانها دونی وأشقی بها وحدی

أمّا ابنه هبة الله فقد ناهز الشباب علی ما یُفهم من قوله فی رثائه :

یا حسرتا فارقْتَنی فَنَنَاً

غَضّا ولم یُثْمِرْ لیَ الفَنَنُ

أبُنیّ إنّکَ والعزاءَ معاً

بالأمسِ لُفّ علیکما کَفنُ

وفی الدیوان أبیات یرثی بها ابناً لم یذکر اسمه ، وهی :

حماه الکری هَمٌّ سَری فتأوَّبا

فباتَ یراعی النجمَ حتی تصوَّبا

أعینیَّ جودا لی فقد جُدتُ للثری

بأکثرَ ممّا تمنعانِ وأطیبا

بُنیّ الذی أهدیتُهُ أمسِ للثری

فلله ما أقوی قناتی وأصلبا

فإن تمنعانی الدمعَ أرجِعْ إلی أسیً

إذا فترتْ عنه الدموعُ تلهّبا

وهی علی الأرجح رثاؤه لأصغر أبنائه الذی لم یذکر اسمه ، ولا ندری هل مات ف)

ص: 57


1- الجادی : الزعفران. (المؤلف)
2- یذوی من ذوی النبات وذوی : ذبل ونشف ماؤه. الرند : نبات من شجر البادیة طیّب الرائحة یشبه الآس. (المؤلف)

قبل أخیه أو بعده ، ولکن یخیّل إلینا من المقابلة بین هذه المراثی أنّ الأبیات البائیّة کانت آخر ما رثی به ولداً ، لأنّها تنمُّ عن فجیعة رجل راضه الحزن علی فقد البنین ، حتی جمدت عیناه ولم یبق عنده من البکاء إلاّ الأسی الملتهب فی الضلوع ، وإلاّ العجب من أن یکون قد عاش وصلبت قناته لکلّ هذه الفجائع ، وقد کان رثاؤه لابنه الأوسط صرخة الضربة الأولی ، ففیها ثورةٌ لاعجةٌ تحسّ من خلل الأبیات ، ثمّ حلّ الألم المریر محل الألم السوّار فی مصیبته الثانیة ، فوجم وسکن واستعبر ، ثمّ کانت الخاتمة فهو مستسلمٌ یعجب للحزن کیف لم یقضِ علیه ، ویحسّ وقدة المصاب فی نفسه ولا یحسّه فی عینیه ، ولقد غشیت غبرة الموت حیاته کلّها ، وماتت زوجته بعد موت أبنائه جمیعاً ، فتمّت بها مصائبه وکبر علیه الأمر ... إلخ.

تعلیمه

ذلک کلّ ما استطعنا أن نجمعه من الأخبار النافعة عن نشأة الشاعر وأهله ، ولا فائدة من البحث فی المصادر التی بین أیدینا عن أیّام صباه وتعلیمه ومن حضر علیهم وتتلمذ له من العلماء والرواة ، فإنّ هذه المصادر خلوٌ ممّا یُفید فی هذا المقام إلاّ ما جاء عرضاً فی الجزء السادس من الأغانی (1) ، حیث یروی ابن الرومی عن أبی العبّاس ثعلب ، عن حمّاد بن المبارک ، عن الحسین بن الضحّاک. وحیث یروی فی موضع آخر عن قتیبة ، عن عمر السکونی بالکوفة ، عن أبیه ، عن الحسین بن الضحّاک ، فیصح أن تکون الروایة هنا روایة تلمیذ عن أستاذ ، لأنّ ثعلباً ولد سنة مائتین ، فهو أکبر من الشاعر بإحدی وعشرین سنة. أمّا قتیبة - والمفهوم أنَّه أبو رجاء قتیبة بن سعید بن جمیل الثقفی المحدّث العالم المشهور - فجائز أن یکون ممّن أمْلَوا علیه وعلّموه ، لأنَّه مات وابن الرومی یناهز العشرین.

وقد مرّ بنا أنَّه کان یختلف إلی محمد بن حبیب الراویة النسّابة الکبیر ، وسنری 4.

ص: 58


1- الأغانی : 7 / 194.

هنا أنَّه کان یرجع إلیه فی بعض مفرداته اللغویّة ، فیذکر شرحها فی دیوانه معتمداً علیه ، قال بعد قوله :

وأصْدَقُ المدح مدحُ ذی حسدٍ

ملآنَ من بغضَةٍ ومن شَنَفِ

قال لی محمد بن حبیب : الشنف ما ظهر من البغضة فی العینین ، وأشار إلیه بعد بیت آخر وهو :

بانوا فبانَ جمیلُ الصبرِ بعدهُمُ

فللدموعِ من العینینِ عینانُ

إذ فسّر کلمة (عینان) ، فروی عن ابن حبیب أنّه قال : عان الماء یعین عیناً وعیناناً إذا ساح. فهؤلاء ثلاثة من أساتذة ابن الرومی علی هذا الاعتبار ، ولا علم لنا بغیرهم فیما راجعناه ، وحسبنا مع هذا أنّ الرجل - کیفما کان تعلیمه وأیّا کان معلّموه - قد نشأ علی نصیب وافٍ من علوم عصره ، وساهم فی القدیم والحدیث منها بقسط وافر فی شعره ، فلو لم یقل المعرّی : إنّه کان یتعاطی الفلسفة ، والمسعودی : إنّ الشعر کان أقلّ آلاته لعلمنا ذلک من شواهد شتّی فی کلامه ، فهی هناک کثیرةٌ متکرّرةٌ لا یلمّ المتصفِّح ببعضها إلاّ جزم باطّلاع قائلها علی الفلسفة ، ومصاحبة أهلها ، واشتغاله بها ، حتی سَرَت فی أسلوبه وتفکیره ، وما کان متعلّم الفلسفة فی تلک الأیّام یصنع أکثر من ذلک لیتعلّمها أو لِیُعَدّ من متعلّمیها ، فأنت لا تقرأ لرجل غیر مشتغل أو ملمّ بالفلسفة والقیاس المنطقیّ والنجوم کلاماً کهذا الکلام :

لِما تؤذنُ الدنیا به من صروفها

یکونُ بکاءُ الطفلِ ساعةَ یولَدُ

وإلاّ فما یُبکیه منها وأنّها

لأرحبُ ممّا کان فیه وأرغدُ

وذکر (1) شواهد کثیرة علی إلمامه بالعلوم ومعرفته بمصطلحاتها ، غضضنا الطرف عنها اختصاراً. ی.

ص: 59


1- أی العقّاد فی کتابه عن ابن الرومی.

رسائل ابن الرومی

وقد وردت فی أبیاته الهمزیّة إشارة إلی حذقه فی الکتابة ، ومشارکته فی البلاغة المنثورة ، تعزّزها إشارة مثلها فی هذا البیت :

ألَمْ تَجدونی آلَ وهبٍ لمدحِکمْ

بشعری ونثری أخطلاً ثمّ جاحظا

فلا بدّ أنَّه کان یکتب ویمارس الصناعة النثریّة ، إلاّ أنَّ ما استجمعناه من منثوراته لا یعدو نبذاً معدودة موجزة ، منها :

1 - رسالة إلی القاسم بن عبید الله یقول فیها متنصِّلاً :

ترفّع عن ظلمی إن کنت بریئاً ، وتفضّل بالعفو إن کنت مسیئاً ، فو الله إنّی لأطلب عفو ذنب لم أجنِه ، وألتمس الإقالة ممّا لا أعرفه ، لتزداد تطوّلاً ، وأزداد تذلّلاً ، وأنا أعیذ حالی عندک بکرمک من واشٍ یکیدها ، وأحرسها بوفائک من باغٍ یحاول إفسادها ، وأسأل الله تعالی أن یجعل حظّی منک بقدر ودّی لک ، ومحلّی من رجائک بحیث أستحقُّ منک. والسلام.

2 - رسالة کتبها یعود صدیقاً :

أذن الله فی شفائک ، وتلقّی داءک بدوائک ، ومسح بید العافیة علیک ، ووجّه وفد السلامة إلیک ، وجعل علّتک ماحیة لذنوبک ، مضاعفة لثوابک.

3 - کتب إلی صدیق له قَدِم من سیراف (1) ، فأهدی إلی جماعة من إخوانه ونسیه

أطال الله بقاءک ، وأدام عزّک وسعادتک ، وجعلنی فداءک ، لو لا أنّی فی حیرة من ف)

ص: 60


1- سیراف : مدینة جلیلة علی ساحل بحر فارس ، منها إلی شیراز ستّون فرسخاً [معجم البلدان 3 / 294]. (المؤلف)

أمری ، وشغل من فکری لما افترقنا ، وشوقی - علم الله - فغالبٌ ، وظمئی فشدیدٌ ، وإلی الله الرغبة فی أن یجعل القدرة علی اللقاء حسب المحبّة ، إنّه قادرٌ جوادٌ.

ومکاننا من جمیل رأیک - أیّدک الله - یبعثنا علی تقاضی حقوقنا قِبَلک ، وکریم سجایاک وأخلاقک یشجّعنا علی إمضاء العزم فی ذلک ، وما تطوّلت به من الإیناس یؤنسنا بک ، ویَبسُطنا إلیک ، وآثار یدیک تدلّنا علیک ، وتشهد لنا بسماحتک ، والله یطیل بقاءک ، ویدیم لنا فیک وبک السعادة.

وبلغنی أدام الله عزّک أنّ سحابة من سحائب تفضّلک أمطرت منذ أیّام مطراً عمّ إخوانک ، بهدایا مشتملة علی حسن وطیب ، فأنکرت علی عدلک وفضلک خروجی منها مع دخولی فی جملة من یعتدّک ، ویعتقدک ، وینحوک ، ویعتمدک ، وسبق إلی قلبی من ألم سوء الظنِّ برأیک أضعاف ما سبق إلیه من الألم بفوت الحظّ من لطفک ، فرأیت مداواة قلبی من ظنّه ، وقلبک من سهوه ، واستبقاء الودِّ بیننا بالعتاب الذی یقول فیه القائل : ویبقی الودّ ما بقی العتابُ ، وفیما عاتبت کفایةٌ عند من له أذنک الواعیة ، وعینک الر اعیة.

4 - وقال فی تفضیل النرجس علی الورد :

النرجس یشبه الأعین والمضاحک ، والورد یشبه الخدود ، والأعین والمضاحک أشرف من الخدود ، وشبیه الأشرف أشرف من شبیه الأدنی ، والورد صفةٌ لأنَّه لونٌ ، والنرجس یضارعه فی هذا الاسم ، لأنَّ النرجس هو الریحان الوارد ، أعنی أنَّه أبداً فی الماء ، والورد خجل والنرجس مبتسم ، وانظر أدناهما شبهاً بالعیون فهو أفضل.

هذه نماذج من منثوراته لا نعرف غیرها فیما بین أیدینا ، وخلیقٌ بمن یکتب بهذا الأسلوب أن یُعدّ فی بُلغاء الکتّاب ، وإن لم یُعدّ فی أبلغهم ، علی أنّ ابن الرومی لم یکن یحسب نفسه إلاّ مع الشعراء إذا اختلفت الطوائف ، فإنّه یقول عن نفسه وهو یمدح أبا

ص: 61

الحسین کاتب ابن أبی الاصبع :

ونحن معاشر الشعراءِ ننمی

إلی نسبٍ من الکتّابِ دانِ

وإن کانوا أحقّ بکلّ فضلٍ

وأبلغَ باللسانِ وبالبیانِ

أبونا عند نسبتنا أبوهم

عطاردٌ السماویُّ المکانِ

أمّا حظّه من علوم العربیة والدین ، فمن المفضول أن نتعرّض لإحصاء الشواهد علیه فی کلامه ، لأنَّه أبین من أن یحتاج إلی تبیین. وندر فی قصائده المطوّلة أو الموجزة قصیدة تقرأها ولا تخرج منها وأنت موقنٌ باستبحار ناظمها فی اللغة ، وإحاطته الواسعة بغریب مفرداتها ، وأوزان اشتقاقها ، وتصریفها ، وموقع أمثالها ، وأسماء مشاهیرها ، وما یصحب ذلک من أحکام فی الدین ، ومقتبسات من أدب القرآن ، فلیس فی شعر العربیّة من تبدو هذه الشواهد فی کلامه بهذه الغزارة والدقّة غیر شاعرین اثنین : أحدهما صاحبنا والثانی المعرّی ، وقد کان یمدح الرؤساء والأدباء أمثال : عبید الله بن عبد الله ، وعلیّ بن یحیی ، وإسماعیل بن بلبل ، فیفسّر غریب کلماته فی القرطاس الذی یثبت فیه قصائده ، کأنَّه کان یشفق أن تفوتهم دقائق لفظه وأسرار لغته ، ثمّ یعود إلی الاعتذار من ذلک إذا أنِسَ منهم الجفوة والتغیّر :

لم أفسِّر غریبها لکَ لکنْ

لامرئٍ یجهلُ الغریبَ سواکا

لغیرِکَ لا لکَ التفسیرُ أنّی

یُفسَّرُ لابن بَجدَتِها الغریبُ

وکانوا لشهرته باللغة ، وعلم أسرارها ، ولطیف نکاتها ، یختلقون له الکلمات النافرة ، یسألونه عنها لیعبثوا به أو یعجزوه ، وقصّة الجرامض إحدی هذه المعابثات التی تدلّ علی غیرها من قبیلها ، فقد سأله بعضهم فی مجلس القاسم بن عبید الله : ما الجرامض؟ فارتجل مجیباً :

وسألت عن خبرِ الجرا

مضِ طالباً علمَ الجرامضْ

ص: 62

وهو الخزاکل والغوا

مض قد تفسّر بالغوامضْ

وهو السلجکلُ شئت ذ

لک أم أبیت بفرض فارضْ

وکلّها کلمات من مادّة الجرامض لا معنی لها ولا وجود.

وإذا صحّ استقراؤنا ، وکان من أساتذته أمثال ثعلب وقتیبة فضلاً عن الأستاذیّة الثابتة لابن حبیب فلا جرم یصیر ذلک علمه بالغریب والأنساب والأخبار ، هؤلاء کلّهم من نخبة النخبة فی هذه المطالب ، ولا سیّما إذا أعانهم تلمیذٌ ذو فطنة متوقّدة الفهم وذاکرة سریعة الحفظ کهذا التلمیذ ، فقد مرّ بک أنَّه کان یحفظ الأبیات الخمسة من قراءة واحدة ، فهب فی الروایة بعض المبالغة التی تتعرّض لها أمثال هذه الروایات ، فهو بعدُ سریع الحفظ ، وهذا ممّا یعینه علی تحصیل اللغة وتعلیق المفردات.

عاش ابن الرومی حیاته کلّها فی بغداد ، لا یفارقها قلیلاً حتی یعود سریعاً ، وقد نازعه إلیها الشوق وغلبه نحوها حنین ، وکانت بغداد یومئذ عاصمة الدنیا غیر مدافع ، وکان صاحب ضیْعَة ومالک دارین وثراء وتحف موروثة ، منها قدح زعم أنَّه کان للرشید ، ووصفه فی شعره لمّا أهداه إلی علیّ ابن المنجّم یحیی :

قدحٌ کان للرشید اصطفاهُ

خلفٌ من ذکوره غیر خلفِ

کفم الحِبِّ فی الحلاوة بل أحلی

وإن کان لا یناغی بحرفِ

صِیغ من جوهرٍ مصفّی طِباعاً

لا علاجاً بکیمیاءِ مصفِ

تنفُذُ العینُ فیه حتی تراها

أخطأتهُ من رِقّة المستشفِ

کهواه بلا هباءٍ مشوبٍ

بضیاءٍ ارقِق بذاک وأصفِ

ثمّ استوعب الکلام فی البحث عن مزاجه ، وأخلاقه ، ومعیشته ، وما کانت تملکه یده ، وذکری مطایباته ومفاکهاته ، وهجائه وفشله وطیرته من (ص 102) إلی (ص 203) فشرع فی بیان عقیدته - وهناک مواقع للنظر - وقال :

ص: 63

عقیدته :

تقدّم فی الکلام عن الحالة الدینیّة فی القرن الثالث للهجرة أنَّه کان عصراً کثرت فیه النحل والمذاهب ، وقلّ فیه من لا یری فی العقائد رأیاً یفسّر به إسلامه ، وبخاصّة بین جماعة الدارسین وقرّاء العلوم الحدیثة.

فابن الرومی واحدٌ من هؤلاء القرّاء ، لا ننتظر أن تمرّ به هذه المباحث التی کان یدرسها ، ویحضر مجالسها ، ویسمع من أهلها ، بغیر أثر محسوس فی تفسیر العقیدة ، فکان مسلماً صادق الإسلام ، ولکنّه کان شیعیّا معتزلیّا قدریّا یقول بالطبیعتین ، وهی أسلم النحل التی کانت شائعة فی عهده من حیث الإیمان بالدین.

وقد قال المعرّی فی رسالة الغفران (1) : إنّ البغدادیّین یدّعون أنَّه متشیّع ، ویستشهدون علی ذلک بقصیدته الجیمیّة. ثمّ عقّب علی ذلک فقال : ما أراه إلاّ علی مذهب غیره من الشعراء.

ولا ندری لما ذا شکَّ المعرّی فی تشیّعه لأنّه علی مذهب غیره من الشعراء ، فإنّ الشعراء إذا تشیّعوا کانوا شیعة حقّا کغیرهم من الناس ، وربّما أفرطوا فزادوا فی ذلک علی غیرهم من عامّة المتشیّعین ، وإنّما نعتقد أنّ المعرّی لم یطّلع علی شعره کلّه ، فخفیت عنه حقیقة مذهبه ، ولولا ذلک لما کان بهذه الحقیقة من خفاء.

علی أنّ القصیدة الجیمیّة وحدها کافیهٌ فی إظهار التشیّع الذی لا شکّ فیه ، لأنّ الشاعر نظمها بغیر داعٍ یدعوه إلی نظمها من طمع أو مداراة ، بل نظمها وهو یستهدف للخطر الشدید من ناحیة بنی طاهر وناحیة الخلفاء ، فقد رثی بها یحیی بن عمر بن الحسین بن زید بن علیّ الثائر فی وجه الخلافة ووجه أبناء طاهر ولاة خراسان ، وقال فیها یخاطب بنی العبّاس ویذکر ولاة السوء من أبناء طاهر : 4.

ص: 64


1- رسالة الغفران : ص 244.

أجِنّوا بنی العبّاس من شنآنکم

وأوکوا علی ما فی العیابِ وأشرجوا (1)

وخلّوا ولاة السوء منکم وغیَّهم

فأحری بهم أن یغرقوا حیث لجّجوا

نظارٍ لکم أن یُرجِعَ الحقَّ راجعٌ

إلی أهله یوماً فتَشجُوا کما شَجوا

علی حین لا عُذری لمعتذریکمُ

ولا لکم من حُجّةِ اللهِ مخرجُ

فلا تُلقحوا الآنَ الضغائنَ بینکم

وبینهمُ إنّ اللواقحَ تنتجُ

غُرِرتم لئن صَدّقتمُ أنّ حالةً

تدوم لکم والدهرُ لونان أخرجُ (2)

لعلّ لهم فی منطوی الغیبِ ثائراً

سیسمو لکم والصبحُ فی اللیل مولَجُ

فما ذا یقول الشیعیُّ لبنی العبّاس أقسی وأصرح فی التربّص بدولتهم وانتظار دولة العلویّین من هذا الکلام؟ فقد أنذر بنی العبّاس بزوال الملک وکاد یتمنّی - أو تمنّی - لبنی علیّ یوماً یهزمون فیه أعداءهم ، ویرجعون فیه حقّهم ، ویطلبون تراثهم ، وینکّلون بمن نکّل بهم ، وهواه ظاهرٌ من العلویّین لا مداجاة فیه کهوی کلّ شیعیّ فی هذا المقام.

علی أنَّه کان أظهر من هذا فی النونیّة التی تمنّی فیها هلاک أعدائهم ، ولام نفسه علی التقصیر فی بذل دمه لنصرتهم :

إن یوالی الدهرُ أعداءً لکمْ

فلهم فیه کمینٌ قد کَمَنْ

خلعوا فیه عِذارَ المعتدی

وغدوا بین اعتراضٍ وأرَنْ (3)

فاصبروا یُهلِکْهُمُ الله لکمْ

مثل ما أهلکَ أذواءَ الیمنْ

قَرُبَ النصرُ فلا تستبطِئوا

قَرُبَ النصرُ یقیناً غیرَ ظنْة.

ص: 65


1- أوکی القربة : ربطها وشدّ رأسها. العیاب : جمع عیبة ، وهی وعاء یکون فیه المتاع ، والعرب تکنّی عن الصدور والقلوب التی تحتوی علی الضمائر المخفاة بالعیاب ، وأشرج العیبة : عقد عراها وأدخل بعضها فی بعض. والمقصود : اخفوا یا بنی العبّاس ما فی صدورکم من بغض لآل علیّ.
2- الأخرج : ذو اللونین ، ومؤنّثه خرجاء. یقال : جبل أخرج ونعجة خرجاء.
3- الأَرَن : النشاط وإظهار القوة.

ومن التقصیرِ صونی مهجتی

فِعلَ من أضحی إلی الدنیا رکنْ

لا دمی یُسفکُ فی نُصرتِکمْ

لا ولا عِرضیَ فیکم یُمْتَهنْ

غیر أنّی باذلٌ نفسی وإنْ

حقنَ الله دمی فیما حقنْ

لیت أنّی غَرضٌ من دونکمْ

ذاک أو دِرعٌ یقیکمْ ومِجَنْ

أتلقّی بجبینی من رمی

وبنحری وبصدری من طَعَنْ

إنّ مبتاع الرضا من ربّه

فیکمُ بالنفس لا یخشی الغَبَنْ

ولیس یجوز الشکّ فی تشیّع من یقول هذا القول ویشعر هذا الشعور ، فإنّه یعرّض نفسه للموت فی غیر طائل حبّا لبنی علیّ ، وغضباً لهم ، وإشهاراً لهم لعاطفة لا تفیده ولا تفیدهم ، وقد کان لا یذکر یحیی بن عمر إلاّ بلقب الشهید کما ذکره فی القصیدة الجیمیّة وفی خاطرة أخری مفردة نظمها فی هذین البیتین :

کسته القنا حلّةً من دمٍ

فأضحتْ لدی الله من أُرجوانِ

جزته معانقةُ الدارع

- ین معانقةَ القاصراتِ الحسانِ

وبعض هذا یکفی فی الدلالة علی تشیّعه للطالبیّین ، واتّخاذه التشیّع مذهباً فی الخلافة کمذهب الشعراء أو غیر الشعراء ، ولا سیّما التشیّع المعتدل الذی یقول أهله بجواز إمامة المفضول مع وجود الأفضل ، ویستنکرون لعن الصحابة الذین عارضوا علیّا فی الخلافة ، ومعظم هؤلاء من الزیدیّة الذین خرجوا فی جند یحیی بن عمر لقتال بنی العبّاس ، فهم لا یقولون فی نصرة آل علیّ أشدّ ممّا قال ابن الرومی ، ولا یتمنّون لهم أکثر ممّا تمنّاه.

ویلوح لنا أنّ ابن الرومی ورث التشیّع وراثة من أمّه وأبیه ، لأنّ أمّه کانت فارسیّة الأصل فهی أقرب إلی مذهب قومها الفرس فی نصرة العلویّین ، ولأنّ أباه سمّاه علیّا وهو من أسماء الشیعة المحبوبة التی یتجنّبها المتشدّدون من أنصار الخلفاء ، ولا حرج علی أبی الشاعر أن یتشیّع وهو فی خدمة بیت من بیوت العبّاسیّین ، لأنّ موالیه

ص: 66

کانوا أناساً بعیدین من الخلافة وولایة العهد ، وهما علّة البغضاء الشدیدة بین العبّاسیّین والعلویّین ، وقد اتّفق لبعض الخلفاء وولاة العهد أنفسهم أنّهم کانوا یکرمون علیّا وأبناءه ، کما کان مشهوراً عن المعتضد الخلیفة الذی أکثر ابن الرومی من مدحه ، وکما کان مشهوراً عن المنتصر ولیّ العهد الذی قیل إنّه قتل أباه المتوکّل جریرة ملاحاة وقعت بینهما فی الذبّ عن حرمة علیّ وآله.

ثمّ قال بعد استظهار تشیّع بنی طاهر (ص 207 - 209) : وإنّ أحقّ عقیدة أن یجدّ المرء فیها لعقیدةٌ تُجرّئه إذا خاف ، وتبسط له العذر والعزاء إذا سخط من صروف الحوادث ، وتمهّد له الأمل فی مقبلٍ خیرٍ من الحاضر ، وأدنی منه إلی کشف الظلامات وردّ الحقوق ، وکلّ أولئک کان ابن الرومی واجده علی أوفاه فی التشیّع للعلویّین أصحاب الإمامة المنتظرة فی عالم الغیب ، علی العباسیّین أصحاب الحاضر الممقوت المتمنّی زواله ، فلهذا کان متشیّعاً فی الهوی ، متشیّعاً فی الرجاء ، وکان علی مذهب غیره من الشعراء وعلی مذهب غیره من سائر المتشیّعین.

أمّا الاعتزال فابن الرومی لا یکتمه ولا یماری فیه ، بل یظهره إظهار معتزٍّ به ، حریصٍ علیه ، فمن قوله فی ابن حریث :

معتزلیٌّ مسرُّ کفرٍ

یُبدی ظهوراً لها بطونُ

أأرفضُ الاعتزال رأیاً

کلاّ لأنِّی به ظنینُ

لو صحّ عندی له اعتقادٌ

ما دنتُ ربّی بما یدینُ

وکان مذهبه فی الاعتزال مذهب القدریّة الذین یقولون بالاختیار ، وینزّهون الله عن عقاب المُجبَر علی ما یفعل ، وذلک واضح من قوله یخاطب العبّاس بن القاشی ویناشده صلة المذهب :

إن لا یکنْ بیننا قربی فآصرةٌ

للدین یقطع فیها الوالدُ الولدا

ص: 67

مقالةُ العدلِ والتوحیدِ تجمعُنا

دون المضاهین من ثنّی ومن جحدا

وبین مستطرِفَی غَیٍّ مرافقةٌ

تُرعی فکیف اللذان استطرفا رشدا

کن عند أخلاقِک الزُّهرِ التی جُعِلَتْ

علیکَ موقوفةً مقصورةً أبدا

ما عذرُ معتزلیٍّ مُوسرٍ مَنعَتْ

کفّاهُ معتزلیّا مُقتراً صفدا

أیزعمُ القدرُ المحتومُ ثبّطَه

إن قال ذاک فقد حلّ الذی عقدا

أم لیس مستأهلاً جدواه صاحبُهُ

أنّی وما جار عن قصدٍ ولا عَنَدا

أم لیس یُمکِنُهُ ما یرتضیه له

یکفی أخاً من أخ میسورُ ما وجدا

لا عذرَ فیما یُرینی الرأی علّمهُ

للمرء مثلُکَ ألاّ یأتیَ السددا

فواضحٌ من کلامه هذا أنَّه معتزلیٌّ ، وأنَّه من أهل العدل والتوحید ، وهو الاسم الذی تسمّی به القدریّة ، لأنّهم ینسبون العدل إلی الله ، فلا یقولون بعقوبة العبد علی ذنب قضی له وسبق إلیه ، ولأنّهم یوحّدون الله فیقولون : إنّ ال قرآن من خلقه ، ولیس قدیماً مضاهیاً له فی صفتَی الوجود والقدم ، وقد اختاروا لأنفسهم هذا الاسم لیردّوا به علی الذین سمّوهم القدریّة ، ورووا فیهم الحدیث : القدریّة مجوس هذه الأمّة. فهم یقولون : ما نحن بالقدریّة ؛ لأنّ الذین یعتقدون القدَر أولی بأن ینسبوا إلیه ، إنّما نحن من أهل العدل والتوحید ، لأنَّنا ننزّه الله عن الظلم وعن الشریک.

وواضحٌ کذلک من کلامه أنَّه یعتقد حرّیة الإنسان فیما یأتی من خیر وشرّ ، ویحتجُّ علی زمیله بهذه الحجّة فیقول له : لِمَ لا تثیبنی؟ إن قلتَ : إنّ القدر یمنعک فقد حللت ما اعتقدت من اختیار الإنسان فی أفعاله ، وإن قلتَ : إنّک لا ترید فقد ظلمت الصداقة وأخللت بالمروءة.

وله عدا هذا أبیات صریحة فی اعتقاد الاختیار وخلق الإنسان لأفعاله ، کقوله :

لو لا صروفُ الاختیارِ لأعنقُوا

لهویً کما اتّسقت جمالُ قِطارِ

ص: 68

وقوله :

أنّی تکون کذا وأنت مخَیّرٌ

متصرّفٌ فی النقضِ والإمرارِ

وقوله :

الخیرُ مصنوعٌ بصانعِهِ

فمتی صنعتَ الخیرَ أعقبَکا

والشرُّ مفعولٌ بفاعِلهِ

فمتی فعلتَ الشرّ أعطَبَکا

إلاّ أنَّه کان یقول بالقدَر فی تقسیم الأرزاق وأنّ :

الرزق آتٍ بلا مطالبةٍ

سیّانَ مدفوعهُ ومجتَذبُه

ویقول :

أما رأیتَ الفجاجَ واسعةً

واللهَ حیّا والرزقَ مضمونا

قال الأمینی : هذا فی الرزق الذی یطلبک لا فی الرزق الذی تطلبه کما فصّله الحدیث (1).

ولا تناقض عند القدریّة فی هذا ، لأنّهم یقولون بالاختیار فیما یُعاقب علیه الإنسان ویُثاب ، لا فیما یناله من الرزق وحظوظ الحیاة.

أمّا القول بالطبیعتین فأوضح ما یکون فی قوله :

فینا وفیکَ طبیعةٌ أرضیّةٌ

تهوی بنا أبداً لشرِّ قرارِ

هبطتْ بآدمَ قبلَنا وبزوجِهِ

من جنّةِ الفِردوس أفضلِ دارِ

فتعوّضا الدنیا الدنیّة کاسمِها

من تلکمُ الجنّاتِ والأنهارِد.

ص: 69


1- إلی هنا تنتهی عبارة المصنّف قدس سره التی استدرک بها علی ابن الرومی ، وما یلیها استئناف لحدیث العقّاد.

بئست لَعَمرُ الله تلکَ طبیعةٌ

حَرَمَت أبانا قُربَ أکرِم جارِ

واستأسرت ضَعفَی بنیهِ بعدَه

فهمُ لها أسری بغیر إسارِ

لکنّها مأسورةٌ مقصورةٌ

مقهورةُ السلطانِ فی الأحرارِ

فجسومُهم من أجلِها تهوی بهم

ونفوسُهم تسمو سموّ النارِ

لو لا منازعةُ الجسومِ نفوسَهم

نفروا بِسَورَتِها من الأقطارِ

أو قصّروا فتناولوا بأکفّهمْ

قمرَ السماءِ وکلَّ نجمٍ سارِ

قال الأمینی : لقد عزی الکاتب هاهنا إلی المترجَم هنات لا مقیل لها فی مستوی الحقیقة ، ومنشأ ذلک بُعده عن علم الأخلاق ، وعدم تعقّله معنی الشعر ، فَحَسِبَهُ منافیاً للتوحید الذی جاء به نبیّ الإسلام ، لکن العارف بأسالیب الکلام ، العالم بما جبل به الإنسان من الغرائز المختلفة ، لا یکاد یشکّ فی صحّة معنی الشعر ، وهو یعرب عن إلمام ابن الرومی بالأخلاق ، والمتکفّل لتفصیل هذه الجملة کتب الأخلاق وما یضاهیها ، ولخروج البحث عن موضوع الکتاب ضربنا عنه صفحاً.

قال : وابن الرومی کان مفطوراً علی التدیّن لأنَّه کان مفطوراً علی التهیّب والاعتماد علی نصیر ، وهما منفذان خفیّان من منافذ الإیمان والتصدیق بالعنایة الکبری فی هذا الوجود ، ومن ثمّ کان مؤمناً بالله خوفاً من الشکّ ، مقبلاً علی ال تسلیم ، بسیطاً فی تسلیمه بساطة من یهرب من القلق ویؤثر السکینة علی أیّ شیء. وبلغ من بساطته أنَّه کان ینکر علی الحکماء الذین یشکّون فی حفظ أجساد الأتقیاء بعد الموت ویحسبونه من فعل الدواء والحنوط ، فقال لابن أبی ناظرة حین تذوّق بعض الأجساد لیعلم ما فیها من عوامل البقاء :

یاذائق الموتی لیعلمَ هل بقوا

بعد التقادمِ منهمُ بدواءِ

بیّنتَ عن رعة وصدقِ أمانة

لو لا اتّهامُک خالقَ الأشیاءِ

أحسِبتَ أنّ الله لیس بقادرٍ

أن یجعلَ الأمواتَ کالأحیاءِ

وظننتَ ما شاهدتَ من آیاته

بلطیفةٍ من حیلةِ الحکماءِ

ص: 70

ومات وهو یقول فی ساعاته الأخیرة :

ألا إنّ لقاء اللهِ

هولٌ دونه الهولُ

وما کانت الطِیَرة عنده إلاّ شعبة من ذلک التهیّب الدینیّ الغریزیّ فیه ، فهو یتفلسف ویری الآراء فی الدین ، ولکن فی حدودٍ من الشعور لا فی حدود من التفکیر ، ولهذا کان الفنّان ولم یکن الفیلسوف.

قال الأمینی : الطِیَرة لیست من شعب الدین ، ولا یرکن إلیها أیُّ خاضع له وملء مسامعه قول الصادع به صلی الله علیه وآله وسلم : «لا طِیَرة ولا حام». وإنّما هی من ضعف النفس غیر المتقوّیة بنور الیقین ، والتوکّل علی الله فی ورد وصدر ، ولذا کانت شائعة فی الجاهلیّة ونفاها الإسلام.

قال : ولیس من الاجتراء أنَّه قال بالاختیار ، ورأی له فی الدین رأیاً غیر ما اصطلح علیه السواد ، فإنّه کان یحیل الذنب علی الإنسان ، وینفی الظلم عن القدر فی العقاب والثواب ، ویتصوّر الله علی أحسن ما یتصوّر المتفلسف مثله إلهه ، فکأنّما جاءه هذا الرأی من محاباة عالم الغیب لا من الاجتراء علیه ، وإنّما دفع به إلی رأی المعتزلة مخاوف الشکوک التی کانت تخامره ، فلا یستریح حتی یسکن فیها إلی قرار ، وینتهی فیها إلی برّ الأمان ، ولذلک کان یأوی إلی الأصدقاء یکاشفهم بما فی صدره ، ویستعین بهم علی تفریج غمّته :

ویدمجُ أسبابَ المودّة بیننا

مودّتُنا الأبرارَ من آلِ هاشمِ

وإخلاصُنا التوحیدَ لله وحدهُ

وتَذبیبُنا عن دینهِ فی المقاومِ

بمعرفة لا یقرع الشکُّ بابَها

ولا طعنُ ذی طعنٍ علیها بهاجمِ

وإعمالنا التفکیر فی کلِّ شبهة

بها حجّة تُعیی دُهاة التراجمِ

یبیت کلانا فی رضی الله ماحضاً

لحجّته صدراً کثیر الهماهمِ

بید أنّ الإیمان شیءٌ وأداء الفرائض الدینیّة شیءٌ آخر ، فقصاری الإیمان عنده أنَّه یؤمّنه بقرب آل البیت ، وتنزیه ربّه ، والاطمئنان إلی عدله ورحمته ، ثمّ یدَعُ له سبیله یلعب ویمرح کلّما لذّ له اللعب والمرح ، ولا أهلاً بالصیام إذا قطع علیه ما اشتهی من لذّة وأرب :

فلا أهلاً بمانعِ کلِّ خیرٍ

وأهلاً بالطعامِ وبالشراب

بل لا حرج علیه إذا قضی لیلة فی السرور أن یشبّهَها بلیلة المعراج :

رَفَعَتْنا السعودُ فیها إلی الفو

زِ فکانت کلیلةِ المعراجِ

ذلک أنّه کان فی تقواه طوع الإحساس الحاضر ، کما کان فی کلّ حالة من حالاته. یلعب فلا یبالی أن یتماجن حیث لا یلیق مجونٌ ، ویستحضر التقوی والخشوع فلا یُباریه أحدٌ من المتعبّدین ، ویخیّل إلیک أنَّک تستمع إلی متعبّد عاش عمره فی الصوامع حین تستمع إلیه یقول :

تتجافی جنوبُهم

عن وَطء المضاجعِ

کلّهم بین خائفٍ

مستجیرٍ وطامعِ

ترکوا لذّةَ الکری

للعیونِ الهواجعِ

ورَعَوا أنجُمَ الدجی

طالعاً بعد طالعِ

لو تراهم إذا همُ

خَطَروا بالأصابعِ

وإذا هم تأوّهوا

عند مرّ القوارعِ

وإذا باشروا الثری

بالخدودِ الضوارعِ

واستهلّت عیونُهمْ

فائضاتِ المدامعِ

ودعوا یا ملیکَنا

یا جمیلَ الصنائعِ

اعفُ عنّا ذنوبَنا

للوجوهِ الخواشعِ

اعفُ عنّا ذنوبَنا

للعیونِ الدوامعِ

ص: 72

أنت إن لم یکن لنا

شافعٌ خیرُ شافعِ

فَأُجیبوا إجابةً

لم تقع فی المسامِعِ

لیس ما تصنعونَهُ

أولیائی بضائعِ

ابذلوا لی نفوسَکم

إنّها فی ودائعِ

وله من طراز هذا الشعر الخاشع کثیرٌ لا تسمعه من ابن الفارض ولا محیی الدین.

قال الأمینی : لیس ما ارتآه ابن الرومی فی باب الاختیار نتیجة مخامرة الشُبَه والشکوک کما یراه المترجِم ، وإنّما هی ولیدة البرهنة الصادقة ، وإنّه لم یعطِ القدر حقّه محاباةً له ، لکنّ الحجج الدامغة ألجأته إلی ذلک ، وکذلک ما یقوله فی باب الأرزاق ، فهی تقادیر محضة غیر أنّ الإنسان کلف بتحرّی الأسباب الظاهریّة جریاً علی النوامیس الإلهیّة المطّردة فی النظام العالمیّ الأتمّ ، وهذه مسائل کلامیّة لا یروقنا الخوض فیها إلاّ هنالک.

وأمّا اعتماد ابن الرومی علی العدل والرحمة وتنزیه ربّه ، فهو شأن کلّ مؤمن بالله ، عارف بکمال قدسه وصفاته الجمالیة الجلالیّة ، ولیس قرب أهل البیت الطاهر علیهم السلام إلاّ نتیجة مودّتهم التی هی أجر الرسالة بنصّ من الذکر الحکیم ، وإنّما مثلهم کمثل سفینة نوح من رکبها نجا ومن تخلّف عنها غرق ، وهم عِدل الکتاب ، وقد خلّفهما رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بعده وقال : «ما إن تمسّکتم بهما لن تضلّوا بعدی» ، فأحرِ بهم أن یکون القرب منهم مؤمّناً للإنسان نشأته الأخری ، وأمّا ما عزاه إلیه من مظاهر المجون ، فهی معانٍ شعریّة لا یؤاخذ بها القائل ، وکم للشعراء الأعفّاء أمثالها.

هجاؤه

أخرج القرن الثالث للهجرة شاعرین هجّاءین ، هما أشهر الهجّائین فی أدب

ص: 73

العصور الإسلامیّة عامّة ، أحدهما ابن الرومی ، والآخر دعبل الخزاعی هاجی الخلفاء والأمراء وهاجی الناس جمیعاً والقائل :

إنّی لأَفتحُ عینی حین أفتحُها

علی کثیرٍ ولکن لا أری أحدا

وقد جمع المعرّی بینهما فی بیت واحد ، وضرب بهما المثل لهجاء الدهر لبنیه ، فقال

لو أنصفَ الدهرُ هجا أهلَهُ

کأنَّه الرومیُّ أو دعبلُ

ولیس للمؤرّخ الحدیث أن یضیف اسماً جدیداً إلی هذین الاسمین ، فإنّ العصور التالیة للقرن الثالث لم تخرج من یضارعهما فی قوّة الهجاء والنفاذ فی هذه الصناعة ، وکلاهما مع هذا نوع فذٌّ فی الهجاء یظهر متی قُرن بالآخر.

فدعبل کما قلنا فی غیر هذا الکتاب ... (لا یهمّنا ما ذکره فی دعبل) (1).

أمّا ابن الرومی فلم یکن مطبوعاً علی النفرة من الناس ، ولم یکن قاطع طریق علی المجتمع فی عالم الأدب ، ولکنّه کان فنّاناً بارعاً أُوتی ملکة التصویر ، ولطف التخیّل والتولید ، وبراعة اللعب بالمعانی والأشکال ، فإذا قصد شخصاً أو شیئاً به جاء صوّب إلیه (مصوّرته) الواعیة ، فإذا ذلک الشخص أو ذلک الشیء صورةٌ مهیّأةٌ فی الشعر تهجو نفسها بنفسها ، وتعرض للنظر مواطن النقص من صفحتها کما تنطبع الأشکال فی المرایا المعقوفة والمحدّبة ، فکلّ هجوه تصویرٌ مستحضرٌ لأشکاله ، أو لعبٌ بالمعانی علی حساب من یستثیره.

وابن الرومی یسلب مهجوّه الفطنة والکیاسة والعلم ، ویلصق به کلّ عیوب الحضارة التی یجمعها التبذّل والتهالک علی اللذّات ، فإذا حذفت من هجوه کلّ ه.

ص: 74


1- ما بین القوسین للمؤلّف رحمة الله.

ما أوجبته الحضارة والخلاعة الفاشیة فی تلک الحضارة فقد حذفت منه شرّ ما فیه ، ولم یبقَ منه إلاّ ما هو من قبیل الفکاهة والتصویر.

وکان لصاحبنا فنٌّ واحد من الهجاء ، لا ترتاب فی أنَّه کان یختاره ویکثر منه ولو لم تحمله الحاجة وتلجئه النقمة إلیه ، ونعنی به فنّ التصویر الهزلیّ والعبث بالأشکال المضحکة والمناظر الفکاهیّة والمشابهات الدقیقة ، فهو مطبوعٌ علی هذا کما یطبع المصوّر علی نقل ما یراه ، وإعطاء التصویر حقّه من الإتقان والاختراع ، وما نراه کان یقع عنه فی شعره ، ولو بطلت ضروراته وحسنت مع الناس علاقاته ، لکنّ هذا الفنّ أدخلُ فی التصویر منه فی الهجاء ، وهو حسنة ولیس بسیّئة ، وقدرةٌ تُطلب ولیس بخَلّة تُنبذ ، وأنت لا یغضبک أن تری ابنک الذی تهذِّبه وتهدیه ماهراً فیه ، خبیراً بمغامزه وخوافیه ، وإن کان یغضبک أن تراه یشتم المشتوم ، ویهین المهین ، ویهجو من یستهدف عرضه للهجاء ؛ لأنَّک إذا منعته أن یفطن إلی الصور الهزلیّة وأن یفتنّ فی إدراک معانیها وتم ثیل مشابهاتها منعت ملکة فیه أن تنمو ، وأبیتَ علی حاسّته الصادقة فیه أن تصدقه وتفقه ما تقع علیه ، أمّا إذا منعت الهجاء وبواعثه ، فإنّک تمنع خُلُقاً یستغنی عنه ، ومیلاً لا بدّ له من التقویم.

ذلک هو فنُّ ابن الرومی الذی لا عذر له منه ولا موجب للاعتذار ، فأمّا ما عدا ذلک من هجائه فهو مسوقٌ فیه لا سائق ، ومدافعٌ لا مهاجم ، ومستثارٌ عن عمد فی بعض الأحیان لا مستثیرٌ ، وإنّک لتقرأ له قوله :

ما استبّ قطُّ اثنانِ إلاّ غلبا

شرّهما نفساً وأمّا وأبا

فلا تصدّق أنّ قائله هو ابن الرومیّ هجّاء اللغة العربیّة وقاذف المهجوّین بکلّ نقیصة ، لکنّ الواقع هو هذا ، والواقع کذلک أنَّه کان یسکن إلی رشده أحیاناً ، فیسأم الهجاء ویعافه ویودُّ الخلاص منه حتی لوکان مهجوّا معدوّا علیه،ویع تزم التوبة عن الهجاء مقسماً :

ص: 75

آلیتُ لا أهجو طوا

لَ الدهرِ إلاّ من هجانی

لا بل سأطّرحُ الهجا

ءَ وإن رمانی من رمانی

أمنَ الخلائقُ کُلُّهم

فلیأخذوا منّی أمانی

حِلْمی أعزُّ علیَّ من

غضبی إذا غضبی عَرانی

أولی بجهلی بعد ما

مکّنتُ حلمی من عِنانی

وهذا أشبه بابن الرومی لأنَّه فی صمیمه خُلِق مسالماً سهلاً ، ولم یُخلق شریراً مطویّا علی الشکس والعداوة ، بل هو لو کان شرّیراً لما اضطرّ إلی کلّ هذا الهجاء ، أو هو لو کان أکثر شرّا لکان أقلّ هجاءً ، لأنَّه کان یأمن من جانب العدوان فلا یقابله بمثله ، وما کان الهجاء عنده کما قلنا إلاّ سلاح دفاع لا سلاح هجوم ، وما کان هجاؤه یشفُّ عن الکید والنکایة وما شابههما من ضروب الشرّ المستقرّ فی الغریزة ، کما کان یشفُّ عن الحرج والتبرّم والشعور بالظلم الذی لا طاقة له باحتماله ولا باتّقائه ، وکثیرٌ من الأشرار الذین یقتلون ویعتدون ویفسدون فی الأرض ، یقضون الحیاة دون أن تسمع منهم کلمة ذمٍّ فی إنسان ، وکثیرٌ من الناس یذمّون ویتسخّطون لأنّهم علی ذلک مطبوعون.

ومن قرأ مراثی ابن الرومی فی أولاده ، وأمّه ، وأخیه ، وزوجته ، وخالته ، وبعض أصدقائه ، علم منها أنّها مراثی رجل مفطور علی الحنان ورعایة الرحم والأنس بالأصدقاء والإخوان ، فمراثیه هی التی تدلُّ علیه الدلالة المنصفة ولیست مدائحه التی کان یملیها الطمع والرغبة ، أو أهاجیه التی کان یملیها الغیظ وقلّة الصبر علی خلائق الناس. ففی هذه المراثی تظهر لنا طبیعة الرجل لا تشوبها المطامع والضرورات ، ونری فیه الولد البارّ ، والأخ الشفیق ، والوالد الرحیم ، والزوج الودود ، والقریب الرؤوف ، والصدیق المحزون ، ولا یکون الرجل کذلک ثمّ یکون مع ذلک شرّیراً مغلق الفؤاد ، مطبوعاً علی الکید والإیذاء.

ص: 76

وإذا اختلف القولان بینه وبین أبناء عصره فأحجی بنا أن نصدّق کلامه هو فی أبناء عصره قبل أن نصدّق کلامهم فیه ، لأنّهم کانوا یستبیحون إیذاءه ، ویستسهلون الکذب علیه لغرابة أطواره ، وتعوّد الناس أن یصدّقوا کلّ ما یُرمی به غریبُ الأطوار من التهم والأعاجیب ، فی حین أنَّه کان یتحاشی عن تلک التهم ، ویغفر الإساءة بعد الإساءة مخافةً من کثرة الشکایة وعلماً منه بقلّة الإنصاف :

أتانی مقالٌ من أخٍ فاغتفرتُهُ

وإن کان فیما دونه وجهُ معتب

وذکّرتُ نفسی منه عند امتعاضِها

محاسنَ تعفو الذنبَ عن کلِّ مُذنب

ومثلی رأی الحُسنی بعینٍ جلیّةٍ

وأغضی عن العوراءِ غیرَ مؤنّب

فیا هارباً من سُخطنا متنصِّلاً

هربتَ إلی أنجی مفرٍّ ومهرب

فعذرُکَ مبسوطٌ لدینا مقدَّمٌ

وودُّک مقبولٌ بأهلٍ ومرحب

ولو بلَّغَتْنی عنک أذنی أقمتُها

لدیّ مقام الکاشحِ المتکذِّب

ولستُ بتقلیبِ اللسانِ مصارماً

خلیلی إذا ما القلبُ لم یتقلّب

فالرجل لم یکن شرّیراً ، ولا ردیء النفس ، ولا سریعاً إلی النقمة ، فلما ذا إذن کثر هجاؤه ، واشتدّ وقوعه فی أعراض مهجوّیه؟ نظنُّ أنَّه کان کذلک لأنَّه کان قلیل الحیلة ، طیّب السریرة ، خالیاً من الکید والمراوغة والدسیسة ، وما شابه هذه الخلائق من أدوات العیش فی مثل عصره ، فکان مستغرقاً فی فنّه یحسب أنّ الشعر والعلم والثقافة وحدها کفیلةٌ بنجاحه وارتقائه إلی مراتب الوزارة والرئاسة ، لأنَّه کان فی زمن یتولّی فیه الوزارة الکتّاب والرواة ، ویجمعون فی مناصبهم ألوف الألوف ، ویحظوْن بالزلفی عند الأمراء والخلفاء ، وقد کان هو شاعراً کاتباً ، وکان خطیباً واسع الروایة ، مشارکاً فی المنطق والفلَک واللغة ، وکلّ ما تدور علیه ثقافة زمان ، أو کما قال المسعودی : کان الشعر أقلّ أدواته.

وکان الشعر وحده کافیاً لجمع المال وبلوغ الآمال ؛ فما ذا بعد أن یعرف الناس

ص: 77

أنَّه شاعرٌ ، وأنَّه کاتبٌ ، وأنَّه راویةٌ مطّلعٌ علی الفلسفة والنجوم إلاّ أن تجیئه الوزارة ساعیة إلیه تخطب ودّه ، کما جاءت إلی أناس کثیرین لا یعلمون علمه ، ولا یبلغون فی البلاغة مکانه؟! ألم یصل ابن الزیّات إلی الوزارة بکلمة واحدة فسّرها للمعتصم وفصّل له تفسیرها ، وهی کلمة الکلأ التی یعرفها عامّة الأدباء؟ بلی ، وابن الرومی کان یعرف من غرائب اللغة ما لم یکن یعرفه شعراء عصره ولا أدباؤه ، فما أولاه إذن بالوزارة! وما أظلم الدنیا إن هی ضنّت علیه بحقّه من المناصب والثراء!

فإذا لم تکن الوزارة ، فهل أقل من الکتابة أو العمالة لبعض الوزراء والکتّاب المبرّزین؟ فإذا لم یکن هذا ولا ذاک ، فهل غبنٌ أصعب علی النفس من هذا الغبن؟ وهل تقصیرٌ من الزمان ألأم من هذا التقصیر؟

ونبوءة أبیه ورجاؤه فی مستقبله وقوله : أنت للشرف ، أیذهب هذا کلّه هباءً لا یقبض منه الیدین علی شیء؟ تلک النبوءات التی تنطبع علی أفئدة الصغار بمثل النار ، ولا تزال غرارة الطفولة وأحلام الصبا تزخرفها وتوشّیها وتعمّق فی الضمیر أغوارها ، أیأتی الشباب وهی محوٌ لغوٌ مطموسٌ لا یبین ، أَوَلا یبین منه إلاّ ما ینقلب إلی الأضداد ، وتترجمه الأیّام بالسقم والفقر والکساد؟ وکیف یُمحی إلاّ وقد مُحی القلب الذی طبعت فیه؟ وکیف ینعکس معناه إلاّ وقد انعکس فی القلب کلّ قائم والتوی فیه کلّ قویم؟ ذلک صعبٌ علی النفوس ولیس بالسهل ، إلاّ علی من یلهو به وهو بعیدٌ.

وهکذا کان ابن الرومی یسأل نفسه مرّة بعد مرّة ویوماً بعد یوم :

ما لی أُسَلُّ من القرابِ وأُغمَدُ

لِمْ لا أُجرَّدُ والسیوفُ تُجرَّدُ

لِمْ لا أُجرَّبُ فی الضرائبِ مرّةً

یا لَلرجالِ وإنّنی لَمهنّدُ

ولا یدری کیف یجیب نفسه علی سؤاله ، لأنَّه لم یکن یدری أنّ فضائله کلّها لا تساوی فتیلاً بغیر الحیلة والعلم بأسالیب الدخول بین الناس ، وأنّ الحیلة وحدها

ص: 78

قد تغنی عن فضائله جمیعاً ولو کان صاحبها لا ینظم شعراً ، ولا ینظر فی کتب الفلسفة والروایة والنجوم.

حسن ، إذن ندع الوزارة والولایة والعمالة بعد یأس مضیض یسهل علینا هنا أن نسطّره فی کلمة عابرة ، ولکنّه لا یسهل علی من یعالجه ویشقی بمحنته فی کلّ ساعة من ساعات حیاته ، ندع الوزارة والولایة والعمالة ، ونقنع بالمثوبة من الوزراء والولاة والعمّال ، إن کانوا یثیبون المادحین ، فهل تراهم یفعلون؟

لا! لأنّ الحیلة لازمةٌ فی استدرار الجوائز والمثوبات لزومها فی کلّ غرض من أغراض المعاش ، ولا سیّما فی ذلک الزمان الذی شاعت فیه الفتن والسعایات ، وما کانت تنقضی منه سنةٌ واحدةٌ بغیر مکیدة خبیثة تؤدی بحیاة خلیفة ، أو أمیر ، أو وزیر ، وربما کانت مصانعة الحجّاب ، والتماس مواقع الهوی من نفوس الحاشیة والندمان ، واللعب بمغامز النفوس الخفیّة ، وإضحاک هؤلاء وهؤلاء ، أجدی علی الشاعر فی هذا الباب من بلاغة شعره وغزارة علمه.

وبسط الکلام فی الموضوع إلی (ص 235) فقال :

هو وشعراء عصره

عاصر ابن الرومی فی بیئته کثیرٌ من الشعراء ، أشهرهم فی عالم الشعر : الحسین ابن الضحّاک ، ودعبل الخزاعی ، والبحتری ، وعلیُّ بن الجهم ، وابن المعتزّ ، وأبو عثمان الناجم.

ولیس لهؤلاء ولا لغیرهم ممّن عاصروه وعرفوه أو لم یعرفوه أثر یُذکر فی تکوینه غیر اثنین فیما نظنّ ، هما الحسین بن الضحّاک ودعبل الخزاعی.

قال الأمینی : وکان بین ابن الرومی والشاعر المفلق ابن الحاجب محمد بن أحمد صلة ومودّة ، وجرت بینهما نوادر ، منها : أنّ ابن الحاجب سأله ابن الرومی زیارته فی

ص: 79

یوم معلوم ، فصاروا إلیه فلم یجدوه ، فقال ابن الرومی فیه شعراً أوّله :

نجّاک یا ابن الحاجب الحاجبُ

ولیس ینجو منّیَ الهاربُ

وأجابه ابن الحاجب بأبیات توجد فی معجم المرزبانی (1) (ص 453).

قال (2) : فکان ابن الرومی معجباً بالحسین بن الضحاک ، یروی شعره ، ویستملح أخباره ، ویذکرها لأصحابه ، وکان ابن الرومی یافعاً یحضر مجالس الأدب ویتلقّی دروسه ، والحسین فی أوج شهرته یتناشد أشعاره أدباء الکوفة وبغداد ومدن العراق. ثمّ ذکر بعض ما رواه ابن الرومیّ من شعر ابن الضحّاک نقلاً عن الأغانی فقال : وقد مات الحسین بن الضحّاک وابن الرومی فی التاسعة والعشرین ، ولم نرَ فی تاریخه ولا فی تاریخ الحسین ما یشیر إلی تلاقیهما فی بغداد حیث عاش ابن الرومی معظم حیاته ، أو فی غیر بغداد حیث کان یرحل ابن الضحّاک.

أمّا دعبل فابن الرومی عارضه فی موضعین : أحدهما القصیدة الطائیّة التی نظمها دعبل حین اتّهم خالداً بسرقة دیکه وإطعامه لضیوفه ، وقال فی مطلعها :

أسر المؤذّنَ خالدٌ وضیوفُهُ

أسْرَ الکمیِّ هفا خلال الماقط (3)

والآخر فی قصیدة لدعبل مطلعها :

أتیتُ ابنَ عمروٍ فصادفتُهُ

مریضَ الخلائقِ مُلتاثَها

وکان دعبل عدا ذلک متشیّعاً لآل علیّ غالیاً فی تشیّعه (4) ، فجذب ذلک کلّه نفس ابن الرومی الفتی نحوه ، وحبّب إلیه محاکاته ومجاراته ، وربما کانت الرغبة فی ف)

ص: 80


1- معجم الشعراء : ص 410.
2- أی العقّاد فی کتابه المذکور.
3- راجع من کتابنا : 2 / 379. (المؤلف)
4- عزو باطل لا یشوّه به قدس تشیّع مثل دعبل. (المؤلف)

مجاراته إحدی دواعیه إلی الهجاء ، ومات دعبل وابن الرومی فی الخامسة والعشرین ، ولا نعلم أنّهما تعارفا أو کان بینهما لقاء.

وأمّا البحتری وأبو عثمان الناجم فالثابت أنّ ابن الرومی کان علی معرفة وصحبة معهما ، عرف البحتری فی بیت الناجم ، وکان هذا صدیقاً له بقی علی صداقته إلی یوم موته.

قال الأمینی : لابن الرومی قصیدة فی البحتری وأدبه وشعره ، توجد منها أبیات فی ثمار القلوب للثعالبی (1) (ص 200 و 342).

وأمّا علیّ بن الجهم المتوفّی (249) فقد کان بینه وبین ابن الرومی برزخ واسع من اختلاف المذهب فی الدین والشعر ، فابن الرومی متشیّع ، وابن الجهم ناصب یذمُّ علیّا وآله ، ولا یلتقی الشیعی والناصب کما یقول ابن الرومی. وکان ابن الجهم شدید النقمة علی المعتزلة وعلی أهل العدل والتوحید منهم خاصّة ، یهجوهم ویدسُّ لهم ، ویقول فی زعیمهم أحمد بن أبی دؤاد :

ما هذه البدعُ التی سمّیتَها

بالجهل منک العدلَ والتوحیدا (2)

وابن الرومی کما مرّ بک من هذه الجماعة ، فمذهبه فی الدین ینفّره من ابن الجهم ولا یرغّبه فی مجاراته ولو تشابها فیما عدا ذلک من المزاج والنزعة. لقد یهون هذا الفارق ویسهل علی ابن الرومی الإغضاء عنه ، وهو ناشئٌ یتلمّس القدوة ، ویخطو فی سبیل الشهرة ، ولکنّک تقرأ شعر ابن الجهم فی فخره ومزاحه فیخیّل إلیک أنَّک تقرأ کلام جندیٍّ یتنفّج أو یعربد لخلوّه من کلِّ عاطفة غیر عواطف الجند الذین یقضون أوقاتهم بین الفخر والضجیج واللهو والسکر ، ولیس بین هذه الطبیعة وطبیعة ابن الرومی مسرب للقدوة أو للمقاربة فی المیل والإحساس. 5.

ص: 81


1- ثمار القلوب : ص 250 رقم 341 ، ص 431 رقم 690.
2- دیوان علیّ بن الجهم : ص 125.

وأمّا ابن المعتز فقد ولد فی سنة سبع وأربعین ومائتین ، فلمّا أیفع وبلغ السنّ التی یقول فیها الشعر کان ابن الرومی قد جاوز الأربعین أو ضرب فی حدود الخمسین ، ولمّا بلغ واشتهر له کلام یروی فی مجالس الأدباء کان ابن الرومی قد أوفی علی الستّین وفرغ من التعلّم والاقتباس ، ولو انعکس الأمر وکان ابن المعتزّ هو السابق فی المیلاد لما أخذ منه ابن الرومی شیئاً ، أو لکان أفسد سلیقته بالأخذ عنه ، لأنّ ابن المعتزّ إنّما امتاز بین شعراء بغداد فی عصره بمزایاه الثلاث ، وهی البدیع والتوشیح والتشبیه بالتحف والنفائس. وابن الرومی لم یُرزق نصیباً معدوداً من هذه المزایا ، ولم یکن قطُّ من أصحاب البدیع وأصحاب التوشیح أو أصحاب التشبیهات التی تدور علی الزخرف ، وتستفید نفاستها من نفاسة المشبّهات.

تاریخ وفاته :

قال ابن خلّکان (1) : توفّی یوم الأربعاء للیلتین بقیتا من جمادی الأولی سنة ثلاث وثمانین. وقیل ست وسبعین ومائتین ، ودفن فی مقبرة باب البستان.

والذین جاءوا بعد ابن خلّکان تابعوه فی هذا الشکّ ، ولا مسوّغ لهذا الشکّ لأمور (2).

الأوّل : قوله :

طربتُ ولم تطرب علی حین مطربِ

وکیف التصابی بابن ستّینَ أشیبِ

فبملاحظة تاریخ ولادته المتسالم علیه بین أرباب المعاجم یوافق ستّین مع سنة (281) ، فهو لم یمت فی سنة (276) علی التحقیق. ولا یُظنّ أنّ الستّین هنا تقریبیّة لضرورة الشعر ، فإنّه ذکر الخمس والخمسین فی موضع آخر ، حیث قال : ف)

ص: 82


1- وفیات الأعیان : 3 / 361 رقم 463.
2- نحن نذکر ملخّصها. (المؤلف)

کَبرتَ وفی خمس وخمسین مکبرُ

وشِبتَ فألحاظُ المها عنک نُفّر (1)

الثانی : ما فی مروج الذهب (2) (2 / 488) للمسعودی : من أنّ قطر الندی بنت خمارویه وصلت إلی مدینة السلام مع ابن الجصّاص فی ذی الحجّة سنة إحدی وثمانین ، ففی ذلک یقول ابن الرومی :

یا سیّدَ العربِ الذی زُفّتْ له

بالیُمنِ والبرکاتِ سیّدةُ العجم

قال الأمینی : قال الطبری فی تاریخه (3) (11 / 345) : کان دخولهم بغداد یوم الأحد للیلتین خلتا من المحرّم سنة (282).

الثالث : مقطوعاته التی نظمها الشاعر فی العرس الذی احتفل به الخلیفة سنة اثنتین وثمانین.

قال الأمینی : وممّا ینفی الشکّ عن عدم وقوع وفاة المترجم سنة (270) قصیدته التی یمدح بها المعتضد بالله أبا العبّاس أحمد فی أیّام خلافته ، وقد بویع له فی شهر رجب بعد عمّه المعتمد سنة (279) قال فیها :

هنیئاً بنی العبّاس إنّ إمامَکمْ

إمامُ الهدی والبأسِ والجودِ أحمدُ

کما بأبی العبّاس أنشئ ملککمْ

کذا بأبی العبّاس أیضاً یُجدّدُ

قال العقّاد : وأمّا التاریخان الآخران ، أی سنتا ثلاث وأربع وثمانین فعندنا تاریخ الیوم والشهر من أولاهما ولیس عندنا مثل ذلک من الثانیة ، وهذا ممّا یرجّح وفاته فی سنة ثلاث وثمانین دون أربع وثمانین.

قال الأمینی : لم نعرف وجه الترجیح بذکر تاریخ الیوم والشهر لمجرّده ، مع قطع .

ص: 83


1- ذکر الخمس والخمسین فی هذا البیت لا ینافی تقریبیة الستّین فی سابقه. (المؤلف)
2- مروج الذهب : 4 / 289.
3- تاریخ الأمم والملوک : 10 / 39 حوادث سنة 282 ه.

النظر عمّا ذکره بعدُ من مضاهاة التاریخ بقوله :

ویقوّی هذا الترجیح أنّ مضاهاة التواریخ تُثبت لنا أنّ جمادی الأخری من سنة ثلاث وثمانین بدأت یوم جمعة ، فیکون یوم الأربعاء قد جاء للیلتین بقیتا من جمادی الأولی فی تلک السنة کما جاء فی تاریخ الوفاة.

وقد ضاهینا هذا الیوم علی التاریخ الافرنجی فوجدناه یوافق الرابع عشر من شهر یونیو ، أی یوافق إبّان الصیف فی العراق ، وابن الرومی مات فی الصیف کما یؤخذ من قول الناجم : أنَّه دخل علیه فی مرضه الذی مات فیه وبین یدیه ماءٌ مثلوجٌ ، فیجوز لنا علی هذا أن نجزم بأنّ أصحّ التواریخ هو التاریخ الأوّل ، وهو یوم الأربعاء للیلتین بقیتا من جمادی الأولی سنة ثلاث وثمانین.

شهادته :

الأقوال بعد ذلک مجمعة علی موت ابن الرومی بالسمّ ، وأنّ الذی سمّه هو القاسم بن عبید الله أو أبوه. قال ابن خلّکان فی وفیات الأعیان (1) (1 / 386) : إنّ الوزیر أبا الحسین القاسم بن عبید الله بن سلیمان بن وهب وزیر الإمام المعتضد کان یخاف من هجوه وفلتات لسانه بالفحش ، فدسّ علیه ابن فراس فأطعمه خشکنانجة (2) مسمومة وهو فی مجلسه ، فلمّا أکلها أحسَّ بالسمّ ، فقام فقال له الوزیر : إلی أین تذهب؟ فقال : إلی الموضع الذی بعثتنی إلیه. فقال له : سلّم علی والدی. فقال له : ما طریقی علی النار.

وقال الشریف المرتضی فی أمالیه (2 / 101) : إنّه قد اتّصل بعبید الله بن سلیمان بن وهب أمر علیّ بن العبّاس الرومی وکثرة مجالسته لأبی الحسین القاسم ، فقال لأبی ر.

ص: 84


1- وفیات الأعیان : 3 / 361 رقم 463.
2- الخشکنانجة : نوع من الخبز المحلّی بالسکّر.

الحسین : قد أحببت أن أری ابن رومیّک هذا. فدخل یوماً عبید الله إلی أبی الحسین وابن الرومی عنده ، فاستنشده من شعره فأنشده وخاطبه ، فرآه مضطرب العقل جاهلاً. فقال لأبی الحسین بینه وبینه : إنّ لسان هذا أطول من عقله ، ومن هذه صورته لا تؤمن عقاربه عند أوّل عتب ، ولا یفکّر فی عاقبته ، فأخرجه عنک. فقال : أخاف حینئذٍ أن یعلن ما یکتمه فی دولتنا ، ویذیعه فی تمکّننا. فقال : یا بنیّ إنّی لم أُرد بإخراجک له طرده. فاستعمل فیه بیت أبی حیّة النمیری :

فقلن لها سرّا فَدیناکِ لا یَرُحْ

سلیماً وإلاّ تقتلیه فأَلممی

فحدّث القاسمُ ابنَ فراس بما جری وکان أعدی الناس لابن الرومی وقد هجاه بأهاجٍ قبیحة ، فقال له : الوزیر أعزّه الله أشار بأن یغتال حتی یستراح منه ، وأنا أکفیک ذلک. فسمّه فی الخشکنانج فمات. قال الباقطانی : والناس یقولون : ما قتله ابن فراس وإنّما قتله عبید الله.

ثمّ ضعّف (1) الروایة الأولی بأنّ عبید الله بن سلیمان مات سنة (288) بعد وفاة ابن الرومی فلا معنی لقول القاسم له : سلّم علی والدی ، ووالده بقید الحیاة.

واستشکل فی الروایة الثانیة : بأنّ عبید الله کانت له سوابق معرفة مع ابن الرومی ، فلا یتمُّ ما فیها من طلبه رؤیته.

وأنت تری أنّ التضعیف الثانی لیس فی محلّه ، إذ الرؤیة المطلوبة لعبید الله کما یظهر من نفس الروایة رؤیة اختبار لا مجرّد رؤیة حتی تنافی التعارف والاجتماع قبلها ، فیحتمل عندئذٍ أنّ عبید الله هو القائل : سلّم علی والدی لا ابنه ، والله العالم. ر.

ص: 85


1- أی العقّاد فی کتابه المذکور.

ص: 86

14 - الحِمّانی الأفوه

اشارة

14 - الحِمّانی الأفوه (1)

المتوفّی (301)

ابن الذی رُدّت علیه الشم

سُ فی یوم الحجابِ

وابنُ القسیمِ النارَ فی

یومِ المواقفِ والحسابِ

مولاهمُ یومَ الغدیرِ

برغمِ مرتابٍ وآبی (2)

وله :

قالوا أبو بکرٍ له فضلُهُ

قلنا لهم هنّأهُ اللهُ

نسیتمُ خطبةَ خمٍّ وهل

یُشبَّهُ العبدُ بمولاهُ

إنّ علیّا کان مولیً لمنْ

کان رسولُ اللهِ مولاهُ (3)

الشاعر

أبو الحسین علیّ بن محمد بن جعفر بن محمد بن محمد بن زید بن علیّ بن الحسین بن علیّ بن أبی طالب علیهم السلام الکوفی الحمّانی المعروف بالأَفوه.ف)

ص: 87


1- تبعاً للمؤرخین ذکرناه فی هذا القرن. (المؤلف) وحکی فی المجدی ص 185 وفاته سنة 270.(الطباطبائی)
2- امتدح بها بعض أهل البیت الطاهر ، ذکرها ابن شهرآشوب فی المناقب : 1 / 462 [2 / 357 - 358]. (المؤلف)
3- ذکرها البیاضی فی صراطه المستقیم [2 / 72]. (المؤلف)

وفی لباب الأنساب (1) : یُلقّب هو ووالده محمد بالحمّال ، ویقال لأولاده بنو الحمّال.

حِمّان - بکسر المهملة وتشدید المیم - محلّة بالکوفة ، والنسبة إلی حِمّان قبیلة من تمیم ، وهم بنو حِمّان بن عبد العزیز بن کعب بن سعد بن زید مناة بن تمیم. واسم حمّان : عبد العزّی. وقد سکن هذه المحلّة من نسب إلیها وإن لم یکن منها (2) ، فما فی بعض المعاجم ضبطه بالمعجمة تصحیفٌ.

المترجَم له فی الرعیل الأوّل من فقهاء العترة ومدرّسیهم فی عاصمة التشیّع بالعراق فی القرون الأولی - الکوفة - وفی السنام الأعلی من خطباء بنی هاشم وشعرائهم المفْلقین ، وقد سار بذکره وبشعره الرکبان ، وعرفه القریب والبعید بحسن الصیاغة وجودة السرد ، أضف إلی ذلک علمه الغزیر ، ومجده الأثیل ، وسؤدده الباهر ، ونسبه العلویّ المیمون ، وحسبه الوضّاح ، إلی فضائل جمّة تسنّمت به إلی ذروة الخطر المنیع.

سأل المتوکّل ابن الجهم : من أشعر الناس؟ فذکر شعراء الجاهلیّة والإسلام ، ثمّ إنّه سأل أبا الحسن الإمام علیّ بن محمد الهادی فقال : «الحِمّانی ، حیث یقول :

لقد فاخرتْنا من قریشٍ عصابةٌ

بمطّ خُدودٍ وامتدادِ أصابعِ

فلمّا تنازعنا المقالَ قضی لنا

علیهم بما یهوی نداءُ الصوامعِ

ترانا سکوتاً والشهیدُ بفضلِنا

علیهم جهیرُ الصوتِ فی کلِّ جامعِ

فإنّ رسول الله أحمدَ جدُّنا

ونحن بنوهُ کالنجومِ الطوالعِ»ف)

ص: 88


1- الذی فی لباب الأنساب 1 / 248 - الطبعة الأولی سنة 1410 - : (الحِمّانی) هو محمد وابنه علیّ الشاعر ... له أولاد ، یقال لهم بنو الحِمّانی ، أکثر أولاده بالکوفة ، ولعلیّ دیوان شعر. (الطباطبائی)
2- معجم البلدان : 3/335 (2/300) اللباب 1/316 (1/248) (المولف)

قال : وما نداء الصوامع یا أبا الحسن؟ قال : «أشهد أن لا إله إلاّ الله ، وأشهد أنّ محمداً رسول الله ، جدّی أم جدّک؟» فضحک المتوکّل ، ثمّ قال : هو جدُّک لا ندفعک عنه.

هذا الحدیث ذکره الجاحظ فی المحاسن والأضداد (1) (ص 104) ، والبیهقی فی المحاسن والمساوئ (2) (1 / 74) غیر أنّ فیها : الرضی مکان أبی الحسن ، وأحسبه تصحیف المرتضی ، وهو لقب الإمام الهادی - سلام الله علیه.

ورواه شیخ الطائفة فی أمالیه (3) (ص 180) ، وبهاء الدین فی تاریخ طبرستان (4) (ص 224) ، وابن شهرآشوب فی المناقب (5) (5 / 118) طبعة الهند.

وأثنی علیه المسعودی فی مروج الذهب (6) (2 / 322) فی کلام یأتی له ، وقال : کان علیّ بن محمد الحِمّانی مفتیهم بالکوفة ، وشاعرهم ومدرّسهم ولسانهم ، ولم یکن أحدٌ بالکوفة من آل علیّ بن أبی طالب یتقدّمه فی ذلک الوقت.

وذکره النسّابة العمری فی المجدی (7) وأطراه بما ملخّصه : کان مشهوراً بالشعر ، رثی یحیی بن عمر ، وکان أشعر ولد أبیه یکنّی أبا الحسین. وقال فی ترجمة الشریف الرضی : هو أشعر قریش إلی وقتنا ، وحسبک أن یکون قریش فی أوّلها الحارث بن هشام ، والعبلی ، وعمر بن أبی ربیعة ، وفی آخرها بالنسبة إلی زمانه محمد بن صالح الموسوی ، وعلیّ بن محمد الحِمّانی. 6.

ص: 89


1- المحاسن والأضداد : ص 90.
2- المحاسن والمساوئ : ص 99.
3- أمالی الطوسی : ص 287 ح 557.
4- تاریخ طبرستان : ص 225.
5- مناقب آل أبی طالب : 4 / 437 - 438.
6- مروج الذهب : 4 / 163.
7- المجدی : ص 185 ، 126.

وذکره الرفاعی فی صحاح الأخبار (ص 40) وقال : کان شهماً ، شجاعاً ، شاعراً ، مفلقاً ، وخطیباً مصقعاً. وأثنی علیه بالعلم وجودة الشعر سهل بن عبد الله البخاری النسّابة فی سرّ السلسلة (1) ، وصاحب بحر الأنساب المشجّر ، والبیهقی فی لباب الأنساب (2) ، وابن المهنّا فی عمدة الطالب (3) (ص 269) ، وذکر الأخیر أنّ له دیوان شعر مشهوراً.

وقال الحموی فی معجم الأدباء (4) (5 / 285) فی ترجمة محمد بن أحمد الحسنی العلوی - بعد ما أثنی علیه - بأنَّه شاعر مفلق ، وعالم محقّق ، شائع الشعر ، نبیه الذکر ، لیس فی ولد الحسن من یشبهه ، بل یقاربه علیّ بن محمد الأفوه.

وحکی صاحب نسمة السحر (5) عن الحموی أنَّه قال : کان المترجم فی العلویّة من الشهرة والأدب والطبع کعبد الله بن المعتز فی العبّاسیّة ، وکان یقول : أنا شاعرٌ ، وأبی شاعرٌ ، وجدّی شاعرٌ إلی أبی طالب.

کان سیّدنا الحِمّانی فی جانب عظیم من الإباء ، والحماسة ، وقوّة القلب ، ورباطة الجأش ، وصراحة اللهجة ، والجرأة علی مناوئیه ، کلّ ذلک وراثة من سلفه الطاهر وبیته الرفیع. قال المسعودی : لمّا دخل الحسن بن إسماعیل الکوفة وهو صاحب الجیش الذی لقی یحیی بن عمر الشهید سنة (250) ، قعد عن سلامه ولم یمضِ إلیه ، ولم یتخلّف عن سلامه أحدٌ من آل علیّ بن أبی طالب الهاشمیّین ، وکان علیّ بن محمد الحِمّانی مفتیهم بالکوفة - إلی أن قال - : فتفقّده الحسن بن إسماعیل ، وسأل عنه ، وبعث بجماعة فأحضروه ، فأنکر الحسن تخلّفه ، فأجابه علیّ بن محمد بجواب مستقتلٍ آیسٍ 5.

ص: 90


1- سرّ السلسلة : ص 67.
2- لباب الأنساب : 1 / 248.
3- عمدة الطالب : ص 300.
4- معجم الأدباء : 17 / 143.
5- نسمة السحر : مج 8 / ج 2 / 385.

من الحیاة. فقال : أردتُ أن آتیک مهنّئاً بالفتح ، وداعیاً بالظفر.

وأنشد شعراً لا یقوم علی مثله من یرغب فی الحیاة :

قتلتَ أعزَّ من رَکِبَ المطایا

وجئتکَ أَستلینُکَ فی الکلامِ

وعزَّ علیَّ أن ألقاک إلاّ

وفیما بیننا حدُّ الحُسامِ

ولکنَّ الجناحَ إذا أُهیضتْ

قوادمُه یرفُّ علی الأکامِ

فقال له الحسن بن إسماعیل : أنت موتورٌ فلست أنکر ما کان منک. وخلع علیه وحمله إلی منزله (1).

حبسه أبو أحمد الموفّق بالله المتوفّی (278) مرّتین مرّة لکفالته بعض أهله ، ومرّة لسعایة علیه من أنَّه یرید الخروج علی الخلیفة ، فکتب إلیه من الحبس :

قد کان جدُّک عبدُ الله خیرَ أبٍ

لابنَی علیٍّ حسینِ الخیرِ والحسنِ

فالکفّ یوهنُ منها کلَّ أنملةٍ

ما کان من أختها الأخری من الوهنِ

فلمّا وصل إلیه الشعر کفل وخلّی سبیله ، فلقیه أبو علیّ وقال له : قد عدت إلی وطنک الذی تلذّه ، وإخوانک الذین تحبّهم.

فقال : یا أبا علی ذهب الأتراب والشباب والأصحاب ، وأنشد :

هبنی بقیتُ علی الأیّام والأبدِ

ونلتُ ما شئتُ من مالٍ ومن وَلَدِ

من لی برؤیة من قد کنت آلَفُهُ

وبالشباب الذی ولّی ولم یَعُدِ

لا فارقَ الحزنُ قلبی بعد فرقتِهمْ

حتی یفرّقَ بین الروحِ والجسدِ (2)ف)

ص: 91


1- مروج الذهب : 2 / 322 ، وفی طبعة : ص 411 [4 / 163]. (المؤلف)
2- مروج الذهب : 2 / 323 ، وفی طبعة : ص 414 [4 / 164] ، أنوار الربیع : ص 481 [4 / 147]. (المؤلف)

ومن نماذج شعره قوله :

بین الوصیِّ وبین المصطفی نسبٌ

تختال فیه المعالی والمحامیدُ

کانا کشمس نهارٍ فی البروج کما

أدارها ثمّ إحکام وتجویدُ

کَسَیرها انتقلا من طاهرٍ علَمٍ

إلی مطهّرةٍ آباؤها صیدُ

تفرّقا عند عبد الله واقترنا

بعد النبوّة توفیقٌ وتسدیدُ

وذرّ ذو العرش ذرّا طابَ بینهما

فانبثّ نورٌ له فی الأرض تخلیدُ

نورٌ تفرّع عند البعثِ فانشعبتْ

منهُ شعوبٌ لها فی الدین تمهیدُ

هم فتیةٌ کسیوفِ الهندِ طال بهم

علی المطاولِ آباءٌ مناجیدُ

قومٌ لماءِ المعالی فی وجوهِهمُ

عند التکرّمِ تصویبٌ وتصعیدُ

یدعونَ أحمدَ إن عُدّ الفخارُ أباً

والعودُ یُنسَبُ فی أفنائه العودُ

والمنعمونَ إذا ما لم تکن نِعَمٌ

والذائدون إذا قلَّ المذاویدُ

أوفَوا من المجدِ والعلیاءِ فی قُلَلٍ

شُمٍّ قواعدُهنّ الفضلُ والجودُ

ما سوّد الناسَ إلاّ من تمکّن فی

أحشائِهِ لهمُ ودٌّ وتسویدُ

سُبطُ الأکفِّ إذا شیمت مخایلُهمْ

أُسدُ اللقاءِ إذا صیدَ الصنادیدُ

یزهو المطافُ إذا طافوا بکعبتِهِ

وتشرئبّ (1) لهم منها القواعیدُ

فی کلّ یومٍ لهم بأسٌ یُعاشُ به

وللمکارم من أفعالهمْ عیدُ

محسّدون ومن یعقدْ بحبِّهمُ

حبلَ المودّة یضحی وهو محسودُ (2)

لا یُنکرُ الدهرُ إن ألوی بحقّهمُ

فالدهر مُذ کان مذمومٌ ومحمودُ (3)ف)

ص: 92


1- اشرأب للشیء وإلیه : مدّ عنقه لینظره ، والاسم منه الشُّرأْبیبة ، کالطمأنینة. (المؤلف)
2- فی نهایة الأَرب [3 / 188] : () مُحسّدونَ ومن یعلق بحبلهم () من البریّةِ یُصبحْ وهو محمودُ. () (المؤلف)
3- الفصول المختارة : 1 / 19 ، مناقب ابن شهرآشوب : 5 / 21 [4 / 236] ، نهایة الأرب : 3 / 184 [3 / 188] ، مجالس المؤمنین : ص 468 [2 / 568] نقلاً عن الشریف المرتضی. (المؤلف)

ولعلّ قوله : محسّدون. إشارة إلی قوله تعالی : (أَمْ یَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلی ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) (1) وقد ورد فیها أنّهم الأئمّة من آل محمد.

قال ابن أبی الحدید فی شرح النهج (2) (2 / 236): إنّها نزلت فی علیّ علیه السلام وما خصّ به من العلم.

وأخرج ابن حجر فی الصواعق (3) (ص 91) عن الباقر علیه السلام أنّه قال فی هذه الآیة : «نحن الناس والله».

حَسَدوا الفتی إذ لم ینالوا سعیَهُ

فالناسُ أعداءٌ له وخصومُ

کضرائرِ الحسناءِ قُلنَ لوجهِها

حسداً وبغضاً إنّه لدمیمُ

وأخرج الفقیه ابن المغازلی فی المناقب (4) ، عن ابن عبّاس : إنّ الآیة نزلت فی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وعلیّ رضی الله عنه.

وقال الصبّان فی إسعاف الراغبین هامش نور الأبصار (ص 109) : أخرج بعضهم عن الباقر فی قوله تعالی (أَمْ یَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلی ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) أنَّه قال : «أهل البیت هم الناس».

وذکر أبو الفرج فی المقاتل (5) (ص 420) للحِمّانی قوله یرثی به یحیی الشهید :

فإن یکُ یحیی أدرکَ الحتفَ یومهُ

فما ماتَ حتی ماتَ وهو کریمُ

وما مات حتی قال طلاّبُ نفسِه

سقی اللهُ یحیی إنّه لصمیمُ

فتیً آنستْ بالبأسِ والروعِ نفسه

ولیس کما لاقاه وهو سؤومُ

إلی آخر الأبیات. 4.

ص: 93


1- النساء : 54.
2- شرح نهج البلاغة : 7 / 220 خطبة 108.
3- الصواعق المحرقة : ص 152.
4- أنظر : مناقب أمیر المؤمنین 7 لابن المغازلی : ص 267 ح 314 بإسناده عن الباقر 7 قال : «نحن الناس». (الطباطبائی)
5- مقاتل الطالبیّین : ص 520 رقم 64.

وذکر له المسعودی (1) وأبو الفرج فی رثاء یحیی أیضاً قوله :

تضوّعَ مِسکاً جانبُ النهر إذ ثوی

وما کان إلاّ شِلوُهُ یتضوّعُ

مصارع أقوامٍ کرامٍ أعزّةٍ

أُبیح لیحیی الخیرِ فی القومِ مصرعُ

وذکر المسعودی فی مروج الذهب قوله فی یحیی بن عمر أیضاً :

یا بقایا السلَفِ الصا

لحِ والبحرِ الربیحِ

نحن للأیّامِ من بین

قتیلٍ وجریحِ

خابَ وجه الأرض کمْ

غَیّبَ من وجهٍ صبیحِ

آهِ من یومِک ما أو

راه (2) للقلب القریحِ

وفی المروج للمسعودی (3) ، وربیع الأبرار للزمخشری (4) ، قوله :

إنّی وقومیَ من أَحساب قومِکمُ

کمسجد الخیفِ من بُحبوحة الخیفِ

ما علّق السیف منّا بابن عاشرةٍ

إلاّ وهمّته أمضی من السیفِ

وله فی رثاء یحیی قوله کما فی مروج الذهب :

لعمری لئن سُرّت قُریشٌ بِهُلکِهِ

لما کانَ وقّافاً غداةَ التوقّفِ

فإن ماتَ تلقاءَ الرماحِ فإنّه

لَمن معشرٍ یشنونَ (5) موت التترُّفِ

فلا تَشمتُوا فالقومُ من یبق منهمُ

علی سننٍ منهم مقام المخلفِ

لهم معکم إمّا جدعتم أنوفَکمْ

مقاماتُ ما بین الصفا والمعَرّفِ (6)ة.

ص: 94


1- مروج الذهب : 4 / 162.
2- أوری القلب : أخرج ناره ، وفی مروج الذهب : ما أوداه.
3- مروج الذهب : 4 / 163.
4- ربیع الأبرار : 3 / 416.
5- یشنون : یکرهون.
6- الصفا والمعرّف : جبلان بمکّة.

تراثٌ لهم من آدمٍ ومحمدٍ

إلی الثقَلَینِ من وصایا ومصحفِ

وله فی یحیی بن عمر أیضاً قوله :

قد کان حین علا الشباب به

یَققَ السوالفِ (1) حالکَ الشعرِ

وکأنّه قمرٌ تمنطقَ فی

أُفْقِ السماءِ بدارةِ البدرِ

یا ابن الذی جُعِلتْ فضائلُهُ

فَلَکَ العلا وقلائدَ السوَرِ

من أسرةٍ جُعِلتْ مخایلُهمْ

للعالمین مخایلَ النظرِ

تتهیّبُ الأقدارُ قدرَهمُ

فکأنّهم قدرٌ علی قدَرِ

والموتُ لا تُشوی (2) رَمیّتُهُ

فَلَکَ العُلا ومواضعَ الغررِ

وله فی رثاء أخیه لأمّه إسماعیل العلویّ شعرٌ کثیرٌ ، ومنه قوله :

هذا ابن أمّی عدیل الروح فی جسدی

شقَّ الزمانُ به قلبی إلی کبدی

فالیوم لم یبقَ شیءٌ أستریحُ به

إلاّ تفتُّتُ أعضائی من الکَمَدِ

أو مقلةٌ بحیاءِ الهمّ باکیةٌ

أو بیتُ مرثیّةٍ تبقی علی الأبدِ

تُری أناجیک فیها بالدموعِ وقد

نامَ الخلیُّ ولم أهجع ولم أکَدِ

من لی بمثلک یا نورَ الحیاة ویا

یُمنی یَدَیَّ التی شُلّتْ من العضُدِ

من لی بمثلکَ أدعوهُ لحادثةٍ

تُشکی إلیه ولا أشکو إلی أحَدِ

قد ذُقتُ أنواعَ ثُکْلٍ کُنْتَ أبلغَها

علی القلوبِ وأجناها علی کبدی

قل للردی لا تُغادر بعدهُ أحداً

وللمنیّةِ من أحببتِ فاعتمدی

إنّ الزمانَ تَقَضّی بعدَ فُرقَتِه

والعیشَ آذنَ بالتفریقِ والنکدِ

وقال فی نسب علیّ بن الجهم السامی أحد الشعراء المنحرفین عن علیّ أمیر المؤمنین علیه السلام ، وکان ممّن یظهر عداءه ، وقد طعن علی نسبه من طعن ، وقال أناس : من ً.

ص: 95


1- یقق السوالف : أبیضها.
2- أشوی السهم : أخطأ رمیّتَه ولم یصب مقتلاً.

عقب سامة بن لؤی بن غالب :

وسامةُ منّا فأمّا بنوهُ

فأمرهمُ عندنا مظلمُ

أناسٌ أتَونا بأنسابهم

خرافةُ مضطجعٍ یحلُمُ

وقلتُ لهم مثلَ قولِ النبیّ

وکلُّ أقاویله محکمُ

إذا ما سُئلتَ ولم تدرِ ما

تقولُ فقل ربُّنا أعلمُ

وقال فیه أیضاً :

لو اکتنفتَ النضرَ أو معدّا

أو اتّخذتَ البیتَ کفّا مهدا

وزمزماً شریعةً ووِردا

والأخشَبَینِ (1) مَحضراً ومبدا

ما ازددتَ إلاّ فی قریش بُعدا

أو کنت إلاّ مصقلیّا وغدا (2)

وذکر له الثعالبی فی ثمار القلوب (3) (ص 223) قوله :

ویومٍ قد ظللتُ قریرَ عینٍ

بهِ فی مثل نعمةِ ذو رعینِ (4)

تُفکِّهُنی أحادیثُ الندامی

وتطربُنی مثقّفةُ الیدینِ

فلو لا خوفُ ما تجنی اللیالی

قبضتُ علی الفتوّة بالیدینِ

وذکر له قوله فی بنی طاهر لمّا مرّ علی دورهم وقد سلبها الدهر البهجة ، ونزل بها من غدره رجّة :

مررتُ بدورِ بنی طاهرٍ

بدورِ السرور ودور الفرحْ

فشبّهتُ سرعةَ أیّامِهمْ

بسرعةِ قوسٍ یُسمّی قُزَحْف)

ص: 96


1- الأَخشبان : جبلان بمکّة. معجم البلدان : 1 / 122.
2- معجم الشعراء : ص 286 [ص 140] ، مروج الذهب : 2 / 386 [4 / 123]. (المؤلف)
3- ثمار القلوب : ص 279 رقم 425.
4- من أذواء الیمن ، یضرب به المثل فی النعمة. (المؤلف)

تألّقَ معترضاً فی السماءِ

قلیلاً وما دامَ حتی مصحْ (1)

وذکر البیهقی فی المحاسن والمساوئ (2) (1 / 75) قوله :

عَصَیتُ الهوی وهجرتُ النساء

وکنت دواءً فأصبحتُ داءَ

وماأنسَ لا أنسَ حتی المماتِ

نزیبَ (3) الظباءِ تُجیبُ الظباءَ

دعینی وصبری علی النائباتِ

فبالصبرِ نلتُ الثری والثواءَ

وإن یکُ دهری لوی رأسَهُ

فقد لقیَ الدهرُ منّی التواءَ

ونحن إذا کان شُرب المدام

شَرِبنا علی الصافنات الدماءَ

بلغنا السماءَ بأنسابِنا

ولولا السماءُ لجزنا السماءَ

فحسبُکَ من سؤددٍ أنَّنا

بحُسنِ البلاءِ کَشفْنا البلاءَ

یطیبُ الثناءُ لآبائنا

وذکرُ علیٍّ یَزینُ الثناءَ

إذا ذُکِرَ الناسُ کنّا مُلوکاً

وکانوا عبیداً وکانوا إماءَ

هجانیَ قومٌ ولم أهجُهُمْ

أبی اللهُ لی أن أقولَ الهجاءَ

وذکر له النسّابة العمری فی المجدی (4) قوله :

هبنی حننتُ إلی الشبابِ

فطمستُ شَیْبی باختضابی

ونفقتُ عند الغانیاتِ

بحیلتی وجهلت ما بی

من لی بما وقف المشیبُ

علیه من ذُلِّ الخِضابِ

ولقد تأمّلتُ الحیاةَ

بُعیدَ فقدانِ التصابی

فإذا المصیبةُ بالحیاةِ

هی المصیبةُ بالشبابِ5.

ص: 97


1- توجد فی أنوار الربیع : ص 250 [2 / 333] ، ونسمة السحر [مج 8 / ج 2 / 386] نقلاً عن الثعالبی. (المؤلف)
2- المحاسن والمساوئ : ص 99.
3- نزیب الظباء : أی صوتها. (المؤلف)
4- المجدی فی أنساب الطالبیّین : ص 185.

ومن شعره ما ذکره الزمخشری فی ربیع الأبرار (1) فی الباب (34) وهو :

لَعمرُکَ لَلْمشیبُ علیَّ ممّا

فقدْتُ من الشبابِ أشدُّ فوتا

تملّیتُ (2) الشبابَ فصارَ

شیباً

وأبلَیتُ المشیبَ فصار موتا

وذکر له الحموی فی معجم البلدان (3) (7 / 266) قوله :

فیا أسفی علی النجفِ المعرّی

وأودیةٍ منوَّرةِ الأقاحی

وما بسطَ الخورنقُ من ریاضٍ

مفجّرةٍ بأفنیةٍ فساحِ

ووا أسفاً علی القنّاص تغدو

خرائطُها علی مجری الوشاحِ

ولعلّ من هذه القصیدة ما ذکره ابن شهرآشوب (4) له :

وإذ بیتی علی رغم المُلاحی

هو البیتُ المقابلُ للضراحِ

ووالدیَ المُشارُ به إذا ما

دعا الداعی بحیَّ علی الفلاحِ

ومن شعره فی عمدة الطالب (5) (ص 269) قوله :

لنا من هاشمٍ هَضَباتُ عِزٍّ

مطنّبةٌ بأبراجِ السماءِ

تطوف بنا الملائکُ کلَّ یومٍ

ونُکفَلُ فی حُجورِ الأنبیاءِ

ویهتزُّ المقامُ لنا ارتیاحاً

ویلقانا صَفاهُ بالصفاءِ

وذکر له ابن شهرآشوب فی المناقب (6) (4 / 39) طبعة الهند قوله : 5.

ص: 98


1- ربیع الأبرار : 2 / 442.
2- من الملاوة : أی البرهة من الدهر ، یقال : عشت مع الشباب ملاوة. (المؤلف)
3- معجم البلدان : 5 / 271.
4- مناقب آل أبی طالب : 3 / 272.
5- عمدة الطالب : ص 301.
6- مناقب آل أبی طالب : 3 / 444 ، 445.

یا ابن من بیته من الدین والإس

- لام بین المقام والمنبرینِ

لک خیر البیتینِ من مسجدَی جدّ

ک والمَنشأین والمسکنینِ

والمساعی من لدن جدّک اسما

عیل حتی أُدرِجْتَ فی الریطتینِ

یوم نیطت بک التمائمُ ذاتُ ال

ریشِ من جبرئیلَ فی المنکبینِ

ومنها :

أنتما سیّدا شباب الجنا

ن یوم الفوزین والروعتینِ

یا عدیل القرآن من بین ذا الخل

- ق ویا واحداً من الثقلینِ

أنتما والقرآن فی الأرض مذ أ

زلٍ مثلُ السماء والفرقدینِ

فهما من خلافةِ الله فی الأر

ضِ بحقّ مقامِ مستخلفینِ

قاله الصادقُ الحدیثِ ولن

یفترقا دون حوضهِ واردینِ

أشار إلی ما صحّ عند أئمّة فرق الإسلام من قول النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فی خطبة له : «إنّی تارکٌ - أو مخلّفٌ - فیکم الثقلین - أو الخلیفتین - کتاب الله وعترتی أهل بیتی ، وإنّهما لن یفترقا حتی یردا علیّ الحوض».

وله فی حدیث الثقلین کما فی المناقب (1) (5 / 18) قوله :

یا آل حامیمَ الذین بحبّهم

حُکمُ الکتاب منزّلٌ تنزیلا

کان المدیحُ حُلی الملوکِ وکنتُمُ

حُللَ المدائح غُرّةً وحجولا

بیتٌ إذا عدّ المآثرَ أهلُه

عدّوا النبیَّ وثانیاً جبریلا

قومٌ إذا اعتدلوا الحمائل أصبحوا

متقسّمین خلیفةً ورسولا

نشأوا بآیات الکتاب فما انثنوا

حتی صدرنَ کهولةً وکهولا

ثقلانِ لن یتفرّقا أو یُطفیا

بالحوضِ من ظمأ الصدور غلیلا7.

ص: 99


1- مناقب آل أبی طالب : 4 / 226 ، 3 / 27 ، 2 / 215 ، 247.

وخلیفتان علی الأنامِ بقولهِ

الحقّ أصدقُ من تکلّم قیلا

فأتوا أکفّ الآیسین فأصبحوا

ما یعدلون سوی الکتاب عدیلا

وله قوله :

وأنزله منه علی رَغمةِ العدی

کهارونَ من موسی علی قِدم الدهرِ

فمن کانَ فی أصحاب موسی وقومِهِ

کهارونَ لا زلتم علی ظلل الکفرِ

وآخاهمُ مثلاً لمثلٍ فأصبحتْ

أخوّتُهُ کالشمسِ ضُمّت إلی البدرِ

فآخی علیّا دونکمْ وأصارَهُ

لکم عَلَماً بین الهدایة والکفرِ

وأنزله منه النبیُّ کنفسهِ

روایة أبرارٍ تأدّت إلی البشرِ

فَمن نفسُهُ منکم کنفسِ محمدٍ

ألا بأبی نفسَ المطهّر والطهرِ (1)

کلّ هذه الأبیات مأخوذةٌ من الأحادیث النبویّة الصحیحة من حدیث الثقَلَین وحدیث المنزلة وحدیث المؤاخاة الآتیة فی محلّها ، وأشار بالبیتین الأخیرین إلی ما أخرجه الحافظ النسائی فی خصائصه (2) (ص 19) بإسناده عن أبی ذر ، قال : قال رسول الله صلی الله علیه وسلم : «لَیَنتَهیَنّ بنو ولیعة أو لأبعثنَّ علیهم رجلاً کنفسی یُنفِذ فیهم أمری ...».

وله فی المناقب (3) ، قوله فی العترة الطاهرة :

همُ صفوةُ اللهِ التی لیس مثلها

وما مثلهم فی العالمین بدیلُ

خیارُ خیارِ الناسِ من لا یحبّهم

فلیس له إلاّ الجحیمُ مَقیلُ1.

ص: 100


1- هذان البیتان الأخیران ذکرهما له البیاضی فی الصراط المستقیم [1 / 252 باب 8 ، وفی أوّلهما : البرّ ، بدلاً من البشر]. (المؤلف)
2- خصائص أمیر المؤمنین : ص 89 ح 72 ، وفی السنن الکبری : 5 / 127 ح 8457 ، وأخرجه أحمد فی فضائل الصحابة ح 966 وفی کتاب مناقب علیّ ح 90 بسند صحیح رجاله ثقات.
3- مناقب آل أبی طالب : 4 / 301.

وذکر له أبو نصر المقدسی فی الظرائف واللطائف (1) (ص 123) قوله فی صدیق له ولدت له بنت فسخطها :

قالوا له ما ذا رزقتَ

فأصاخ ثَمّة قال بنتا

وأجلُّ من وَلَدَ النسا

ءُ أبو البناتِ فَلِمْ جَزعتا

إنّ الذین تَوَدُّ من

بین الخلائقِ ما استطعتا

نالوا بفضل البنتِ ما

کَبَتوا به الأعداءَ کَبتا

وذکر له المقدسی أیضاً قوله :

إنّ صدرَ النهارِ أنضرُ شَطر

یه کما نضرةُ الفتی فی فتائه

ویوجد له فی مجموعة المعانی (2) (ص 59):

کان یُبکینی الغِناءُ سروراً

فأرانی أبکی لهُ الیومَ حُزنا

قد مضی ما مضی فلیس یُرجّی

وبقی ما بقی فما فیه مَغنی

وله فی (ص 82):

لا تکتسی النورَ الریاضُ إذا

لم یَرْوِهنّ مخایلُ المطرِ (3)

والغیثُ لا یُجدی إذا ذرفتْ

آماقُ مدمعِه علی حَجَرِ

وکذاک لو نیلَ الغنی بیدٍ

لم تجتذب بسواعدِ القدرِ

وله فی أنوار الربیع (4) (ص 456) قوله :

یا شادناً أُفرِغَ من فضّه

فی خدّه تفّاحةٌ غَضّه2.

ص: 101


1- الظرائف واللطائف : ص 92 باب 85 ، ص 106 باب 97.
2- مجموعة المعانی : 1 / 269 رقم 422 ، ص 382 رقم 607.
3- مخایل : جمع مخیلة ، وهی السحابة التی یُخال فیها المطر.
4- أنوار الربیع : 4 / 92 ، 146 ، 262.

کأنما القُبلةُ فی خدّهِ

للحُسنِ من رقّته عضّه

یهتزُّ أعلاه إذا ما مشی

وکلّه فی یمنه قبضه

ارحم فتیً لمّا تملّکتَهُ

أقرّ بالرقّ فلم تَرضَه

وله فی الأنوار (ص 480) قوله :

بأبی فمٌ شهد الضمیرُ لهُ

قبل المذاقِ بأنّه عَذْبُ

کشهادتی للهِ خالصةً

قبلَ العیان بأنّه الربُ

والعینُ لا تُغنی بنظرتِها

حتی یکونَ دلیلَها القلبُ

وله فی (ص 481) قوله :

کأنّ همومَ الناسِ فی الأرض کلّها

علیَّ وقلبی بینهم قلبُ واحدِ

ولی شاهدا عدلٍ سُهادٌ وعَبرةٌ

وکم مدّعٍ للحقّ من غیر شاهدِ

وله فی (ص 528) قوله :

وجهٌ هو البدر إلاّ أنّ بینهما

فضلاً تحیّر عن حافاته النورُ

فی وجهِ ذاکَ أخالیطٌ مُسوّدةٌ

وفی مضاحِکِ هذا الدرُّ منثورُ

وذکر له فی نشوة السکران (ص 79) قوله :

عَریتُ عن الشبابِ وکنتُ غضّا

کما یعری عن الورقِ القضیبُ

ونُحتُ علی الشبابِ بدمعِ عینی

فما نفعَ البکاءُ ولا النحیبُ

ألا لیتَ الشبابَ یعود یوماً

فأخبرَهُ بما فعلَ المشیبُ (1)

ولادته ووفاته :

لم نقف علی تاریخ ولادة المترجَم سیّدنا الحِمّانی ، غیر أنّ المستفاد من وفاته ف)

ص: 102


1- توجد هذه الأبیات بتغییر یسیر فی دیوان أبی العتاهیة : ص 23. (المؤلف)

سنة (301) ، ووفاة والده سنة ستّ بعد المائتین فی خلافة المعتمد (1) ، کما فی مروج الذهب (2) (2 / 413) : هو أنّ السیّد کان من المعمَّرین ، أدرک القرن الثالث من أوّله إلی آخره.

وأمّا وفاته فقد اختلف فی تاریخها. قال النسّابة العمری فی المجدی (3) ما ملخّصه : ذکر شیخنا أبو الحسن بن [أبی] جعفر أنّ الحِمّ انی مات سنة (270) بعد مخرجهِ من المحبس ، وقال ابن حبیب صاحب التاریخ فی اللوامع : إنّه مات سنة (301) ، وهذا هو الصحیح. انتهی.

وقال ابن الأثیر فی الکامل (4) (7 / 90) : إنّه توفّی سنة (260) والله أعلم.

ونحن نری الصحیح ما صحّحه النسّابة صاحب المجدی ، لمکان أبیاته المذکورة فی بنی طاهر بن مصعب بعد ما حکم علیهم الدهر ، وانقرضت حکومتهم بعد موت آخر رئیسهم عبید الله بن عبد الله بن طاهر المتوفّی فی الثانی عشر من شوّال سنة (300) ، فشعره فیهم یقتضی بقاءه إلی هذا التاریخ (301).

ولسیّدنا المترجَم ذریّة کریمة وأحفاد علماء أئمّة أعلام ، فیهم من هو فی الطلیعة من الشعراء والأدباء والخطباء ، وإلیه ینتهی نسب الأسرة الشهیرة القزوینیّة العریقة فی العلم والفضل والأدب ، النازلین فی مدن العراق ، کما أن له آباءً أعلاماً نالوا سنام المجد وذروة الشرف ، فمن أولئک جدُّه الأعلی زید الشهید ، ویهمّنا الآن بیان مجمل اعتقاد الشیعة فیه لإماطة الستر عمّا هناک من الجنایات المخبّأة والنسب المختلقة..

ص: 103


1- کانت خلافة المعتمد بین عامی 256 و 279 ه. وأمّا کلمة (ست) المذکورة فی المتن فهی منقولة عن إحدی النسخ الخطّیة لمروج الذهب ، وهی تصحیف لکلمة (ستّین) السنة التی ذکرها المسعودی تاریخاً لوفاة الشاعر نفسه لا والده.
2- مروج الذهب : 4 / 153.
3- المجدی فی أنساب الطالبیّین : ص 185 ، وفیه کما أثبتناه بین المعقوفتین.
4- الکامل فی التاریخ : 4 / 453 حوادث سنة 260 ه.

ص: 104

زید الشهید والشیعة الإمامیّة الاثنا عشریّة

هو أحد أُباة الضیم ، ومن مقدّمی علماء أهل البیت ، قد اکتنفته الفضائل من شتّی جوانبه ، علم متدفّق ، وورع موصوف ، وبسالة معلومة ، وشدّة فی البأس ، وشَمم یخضعُ له کلُّ جامح ، وإباء یکسح عنه أیَّ ضیم ، کلُّ ذلک موصولٌ بشرف نبویّ ، ومجد علویّ ، وسؤدد فاطمیّ ، وروح حسینیّ.

والشیعة علی بکرة أبیها لا تقول فیه إلاّ بالقداسة ، وتری من واجبها تبریر کلّ عمل له من جهاد ناجع ، ونهضة کریمة ، ودعوة إلی الرضا من آل محمد ، تشهد لذلک کلّه أحادیث أسندوها إلی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وأئمّتهم علیهم السلام ، ونصوص علمائهم ، ومدائح شعرائهم وتأبینهم له ، وإفراد مؤلّفیهم أخباره بالتدوین.

أمّا الأحادیث فمنها قول رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم للحسین السبط : «یخرج من صلبک رجلٌ یقال له زید ، یتخطّی هو وأصحابه رقاب الناس ، یدخلون الجنّة بغیر حساب» (1)

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم فیه : «إنّه یخرج ویُقتل بالکوفة ، ویُصلب بالکناسة ، یُخرج من ف)

ص: 105


1- عیون أخبار الرضا لشیخنا الصدوق فی الباب 25 [1 / 226 ح 2] ، وکفایة الأثر [ص 304]. (المؤلف)

قبره نبشاً ، وتُفتح لروحه أبواب السماء ، وتبتهج به أهل السموات والأرض» (1).

وقول أمیر المؤمنین علیه السلام وقد وقف علی موضع صلبه بالکوفة ، فبکی وبکی أصحابه ، فقالوا له : ما الذی أبکاک؟ قال : «إنّ رجلاً من ولدی یُصلب فی هذا الموضع ، من رضی أن ینظر إلی عورته کبّه الله علی وجهه فی النار» (2).

وقول الإمام الباقر محمد بن علیّ علیهما السلام : «اللهمّ اشدد أزری بزید».

وکان إذا نظر إلیه یتمثّل :

لعمرک ما إن أبو مالکٍ

بواهٍ ولا بضعیفٍ قواهُ

ولا بالألدّ له وازعٌ

یُعادی أخاهُ إذا ما نهاهُ

ولکنّه هیّنٌ لیّنٌ

کعالیةِ الرمحِ عَردٌ نَساهُ

إذا سُدْتَهُ سُدْتَ مطواعةً

ومهما وکلتَ إلیه کفاهُ

أبو مالک قاصرٌ فقرَهُ

علی نفسِهِ ومشیعٌ غناهُ (3)

ودخل علیه زید فلمّا رآه تلا : (یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا کُونُوا قَوَّامِینَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ) (4) ثمّ قال : «أنت والله یا زید من أهل ذلک» (5).

وقول الصادق علیه السلام : «إنّه کان مؤمناً ، وکان عارفاً ، وکان عالماً ، وکان صدوقاً ، أما إنّه لو ظفر لَوفی ، أما إنّه لو ملک لعرف کیف یضعها» (6).

وقوله الآخر لمّا سمع قتله : «إنّا لله وإنّا إلیه راجعون ، عند الله أحتسب عمّی إنّه ف)

ص: 106


1- عیون أخبار الرضا لشیخنا الصدوق [1 / 227 ح 4]. (المؤلف)
2- کتاب الملاحم لسیّدنا ابن طاووس فی الباب 31 [ص 84]. (المؤلف)
3- الأغانی : 20 / 127 [24 / 95]. (المؤلف)
4- النساء : 135.
5- الروض النضیر : 1 / 55 (المؤلف).
6- رجال الکشّی : ص 184 [2 / 570 رقم 505]. (المؤلف)

کان نعم العمّ ، إنّ عمّی کان رجلاً لدنیانا وآخرتنا ، مضی والله عمّی شهیداً کشهداء استشهدوا مع رسول الله وعلیٍّ والحسین ، مضی والله شهیداً» (1).

وقوله الآخر : «إنّ زیداً کان عالماً ، وکان صدوقاً ، ولم یدْعُکم إلی نفسه وإنّما دعاکم إلی الرضا من آل محمد ، ولو ظفر لَوفی بما دعاکم إلیه ، وإنّما خرج إلی سلطان مجتمع لینقضه» (2).

وقوله الآخر فی حدیث : «أمّا الباکی علی زید فمعه فی الجنّة ، وأمّا الشامت فشریکٌ فی دمه».

وقول الرضا - سلام الله علیه - : «إنّه کان من علماء آل محمد ، غضب لله ، فجاهد أعداءه حتی قُتل» (3).

والأحادیث فی ذلک کثیرةٌ ، وإنّما اقتصرنا علی المذکور تحرّیاً للإیجاز.

وأمّا نصوص العلماء (4) ، فدونک کلمة الشیخ المفید فی إرشاده ، والخزّاز القمّی فی کفایة الأثر ، والنسّابة العمری فی المجدی ، وابن داود فی رجاله ، والشهید الأوّل فی قواعده ، والشیخ محمد ابن الشیخ صاحب المعالم فی شرح الاستبصار ، والأسترابادی فی رجاله ، وابن أبی جامع فی رجاله ، والعلاّمة المجلسی فی مرآة العقول ، ومیرزا عبد الله الأصبهانی فی ریاض العلماء ، والشیخ عبد النبیّ الکاظمی فی تکملة الرجال ،2.

ص: 107


1- عیون أخبار الرضا [1 / 228 ح 6]. (المؤلف)
2- الکافی [روضة الکافی : 8 / 264 ح 381]. (المؤلف)
3- عیون الأخبار لشیخنا الصدوق [1 / 225 ح 1]. (المؤلف)
4- الإرشاد : 2 / 171 - 175 ، کفایة الأثر : ص 301 ، المجدی : ص 156 ، رجال ابن داود : ص 100 رقم 663 ، القواعد والفوائد : 2 / 207 ، رجال الاسترابادی : ص 154 ، مرآة العقول : 14 / 162 ، ریاض العلماء : 2 / 318 ، تکملة الرجال : 1 / 421 ، خاتمة الوسائل : 20 / 202 رقم 511 ، منتهی المقال (رجال أبی علی) : ص 206 ، خاتمة المستدرک : ص 599 الفائدة الخامسة ، تنقیح المقال : 1 / 467 رقم 4442.

والشیخ الحرّ العاملی فی خاتمة الوسائل ، والسیّد محمد جدّ آیة الله بحر العلوم فی رسالته ، والشیخ أبی علیّ فی رجاله ، وشیخنا النوری فی خاتمة المستدرک ، وشیخنا المامقانی فی تنقیح المقال. إلی کثیرین من أمثالهم ، فقد اتّفقوا جمیعاً علی معنیً واحد هو تنزیه ساحة زید عن أیّ عابٍ وشیة ، وإنّ دعوته کانت إلهیّة ، وجهاده فی سبیل الله.

ویعرب عن رأی الشیعة جمعاء قول شیخهم بهاء الملّة والدین العاملی فی رسالة إثبات وجود الإمام المنتظر : إنّا معشر الإمامیّة لا نقول فی زید بن علیّ إلاّ خیراً ، والروایات عن أئمّتنا فی هذا المعنی کثیرةٌ.

وقال العلاّمة الکاظمیّ فی التکملة (1) : اتّفق علماء الإسلام علی جلالة زید وورعه وفضله.

وأمّا شعراء الشیعة فللکمیت من هاشمیّاته قصیدةٌ یرثی بها زید بن علیّ وابنه الحسین ، ویمدح بنی هاشم مطلعها :

ألا هل عمٍ فی رأیهِ متأمّلُ

وهل مدبرٌ بعد الإساءةِ مقبلُ

وله قوله فی زید :

یَعزّ علی أحمدَ بالذی

أصاب ابنَهُ أمسِ من یوسفِ (2)

خبیثٌ من العصبةِ الأخبثینَ

وإن قلتُ زانین لم أقذفِ

وقال سدیف بن میمون فی قصیدة له :

لا تُقیلنَّ عبدَ شمسٍ عثارا

واقطعوا کلَّ نخلةٍ وغِراسِ

واذکروا مصرعَ الحسین وزیدٍ

وقتیلاً بجانب المهراسِ (3)ف)

ص: 108


1- تکملة الرجال : 1 / 421.
2- یوسف بن عمر الثقفی عامل هشام علی العراق ، وهو قاتل زید. (المؤلف)
3- ماء بجبل أحد ، والقتیل بجنبه حمزة بن عبد المطّلب - سلام الله علیهما. (المؤلف)

وقال أبو محمد العبدیّ الکوفیّ المترجم فی کتابنا (2 / 326 - 329):

حَسِبتْ أمیّةُ أن سترضی هاشمٌ

عنها ویذهبُ زیدُها وحسینُها

کلاّ وربِّ محمدٍ وإلهِهِ

حتی تُباحَ سهولُها وحزونُها

وتَذِلَّ ذُلَّ حلیلةٍ لحلیلها

بالمشرفیّ وتُستردَّ دیونُها

وقال السیّد الحمیری المترجم (2 / 213 - 289) کما فی تاریخ الطبری (1) (8 / 278):

بتُّ لیلی مُسَهّدا

ساهرَ الطرف مقصدا

ولقد قلتُ قولةً

وأطلت التبلّدا

لعنَ الله حوشَباً

وخراشاً ومزیدا

ویزیداً فإنّه

کان أعتی وأعندا

ألف ألف وألف أل

- فٍ من اللعن سرمدا

إنّهم حاربوا الإلهَ

وآذوا محمدا

شَرکوا فی دم المط

- هّرِ زیدٍ تعنّدا

ثمّ عالوه فوق جذ

عٍ صریعاً مجرّدا

یا خراش بن حوشبٍ (2)

أنت أشقی الوری غدا

ورثاه الفضل بن عبد الرحمن بن ربیعة بن الحارث بن عبد المطّلب المتوفّی (129) بقصیدة أوّلها :

ألا یا عین لا ترقی وَجُودی

بدمعک لیس ذا حینَ الجمودِ

غداة ابنُ النبیّ أبو حسینٍ

صلیبٌ بالکُناسةِ فوق عودِف)

ص: 109


1- تاریخ الأمم والملوک : 7 / 190 حوادث سنة 122 ه.
2- یقال : إنّ خراش بن حوشب هو الذی أخرج جسد زید الشهید من مدفنه الشریف. (المؤلف)

وأبو ثمیلة صالح بن ذبیان الراوی عن زید بقصیدة مستهلّها :

أأبا الحسین أَعار فقدُکَ لوعةً

من یَلقَ ما لاقیتَ منها یکمَدِ

والوزیر الصاحب بن عبّاد (1) ، بمقطوعةٍ أوّلها :

بدا من الشیبِ فی رأسی تفاریقُ

وحانَ للهوِ تمحیقٌ وتطلیقُ

هذا فلا لهوَ من همٍّ یعوّقنی

بیومِ زیدٍ وبعضُ الهمّ تعویقُ

وقال أبو الحسن بن حمّاد فی أبیات له تأتی :

ودلیلُ ذلک قولُ جعفر عندما

عُزّی بزیدٍ قال کالمستعبرِ

لو کان عمّی ظافراً لَوفی بما

قد کان عاهدَ غیرَ أن لم یظفَرِ

وللشیخ صالح الکوّاز (2) فی قصیدة یرثی بها الإمام السبط قوله :

وزید وقد کان الإباءُ سجیّةً

لآبائِهِ الغرِّ الکرامِ الأطایبِ

کأنّ علیه أُلقی الشَّبحُ الذی

تشکّلَ فیهِ شِبهُ عیسی لصالبِ

وقال الشیخ یعقوب النجفی المتوفّی (1329):

یبکی الإمامُ لزیدٍ حین یذکُرهُ

وإنّ زیداً بسهمٍ واحدٍ ضُرِبا

فکیف حالُ علیّ بن الحسینِ وقد

رأی ابنَهُ لنبالِ القومِ قد نُصِبا

وللشیخ میرزا محمد علیّ الأوردبادی قصیدة فی مدحه ورثائه ، أوّلها :

أبت علیاؤه إلاّ الکرامه

فلم تُقبر له نفسٌ مضامه

(25) بیتاً

وللسیّد مهدی الأعرجی قصیدةٌ فی رثائه ، مطلعها : 3.

ص: 110


1- دیوان الصاحب بن عبّاد : ص 245.
2- دیوان الشیخ صالح الکوّاز الحلی : ص 23.

خلیلیّ عوجا بی علی ذلکَ الربعِ

لأسقیه إن شحّ الحیا هاطلَ الدمعِ

(19) بیتاً

ورثاهُ السیّد علیّ النقی النقوی اللکهنوی بقصیدة استهلّها :

أبی اللهُ للأشرافِ من آل هاشمِ

سوی أن یموتوا فی ظلال الصوارمِ

(22) بیتاً

وللشیخ جعفر النقدی قصیدةٌ فی رثائه ، أوّلها :

یا منزلٌ بالبلی غُیّبن أرسمُهُ

یبکیه شجواً علی بُعدٍ متیّمُهُ

(31) بیتاً

وأفرد غیر واحد من أعلام الإمامیّة تألیفاً فی زید وفضله ومآثره ، فمنهم :

1 - إبراهیم بن سعید بن هلال الثقفی : المتوفّی (283) ، له کتاب أخبار زید.

2 - محمد بن زکریّا مولی بنی غلاّب : المتوفّی (298) ، له کتاب أخبار زید.

3 - الحافظ أحمد بن عقدة : المتوفّی (333) ، له کتاب من روی أخبار زید ومسنده.

4 - عبد العزیز بن یحیی الجلودی : المتوفّی (368) ، له کتاب أخبار زید.

5 - محمد بن عبد الله الشیبانی : المتوفّی (372) ، له کتاب فضائل زید.

6 - الشیخ الصدوق أبو جعفر القمّی : المتوفّی (381) ، له کتاب فی أخباره.

7 - میرزا محمد الاسترابادی ، صاحب الرجال الکبیر.

8 - السید عبد الرزاق المقرّم (1) أحد أعلام العصر المنقدین المکثرین من التألیف فی المذهب ، علی تضلّعه فی العلم ، وقدمه فی الشرف ، واحتوائه للمآثر الجلیلة ، ومن مهمات تآلیفه وأوفرها فائدة : کتاب الإمام السبط المجتبی ، وکتاب حیاة.

ص: 111


1- ولد 1316 ه ، وتوفّی 1391 ه.

الإمام السبط الشهید ومقتله ، وکتاب السیّدة سکینة ، ورسالة فی علیّ بن الحسین الأکبر ، وکتاب زید الشهید ، وکتاب فی تنزیه المختار بن أبی عبید الثقفی طبع مع کتاب زید ، وکتاب أبی الفضل العبّاس ابن أمیر المؤمنین. إلی غیرها من کتابات ورسائل قد جمع فیها وأوعی ، وأتی بما خلت عنه زبر الأوّلین ، فحیّاه الله ووفّقه للخیر کلّه.

القول الفصل

هذا زید ومقامه وقداسته عند الشیعة جمعاء ، فلست أدری أین یکون إذاً مقیل قول ابن تیمیّة من مستوی الحقیقة : إنّ الرافضة رفضوا زید بن علیّ بن الحسین ومن والاه ، وشهدوا علیه بالکفر والفسق؟! (1)

وتبعه علی هذه الهفوة السیّد محمود الآلوسی فی رسالته المطبوعة فی کتاب السنّة والشیعة (ص 52) وقال : الرافضة مثلهم کمثل الیهود ، الرافضة یبغضون کثیراً من أولاد فاطمة - رضی الله عنها - بل یسبّونهم کزید بن علیّ ، وقد کان فی العلم والزهد علی جانب عظیم. وأخذ عنه القصیمی هذه الأکذوبة ، وذکرها فی کتابه الصراع بین الإسلام والوثنیّة.

ذکر هؤلاء عزوهم المختلق هذا إلی الشیعة فی عداد مساوئهم ، فشنّوا علیهم الغارات. ألا من یسائلهم عن أنّ الشیعة متی لهجت بهذه؟ ومن ذا الذی حکاها؟ وعلی أیّ کتاب تستند مزعمتهم؟ ومَن ذا الذی شافههم بها حیث خلت عنها الکتب؟ نعم ، لم یقصدوا إلاّ إسقاط محلّ الشیعة بهذه السفاسف ، فکشفوا عن سوأة إفکهم.

وإذا کان الکاتب عن أیّ أمّة لا یعرف شیئاً من معالمهم وأحوالهم ، أو یعرفها ثمّ ف)

ص: 112


1- منهاج السنّة : 2 / 126. (المؤلف)

یقلبها ظهراً لبطن ، یکون مثل هؤلاء الکتبة مورداً للمثَل : حَنّ قِدحٌ لیس منها (1).

وکأنّ هؤلاء المدافعین عن ساحة قدس زید یحسبون القرّاء جهلاء بالتاریخ الإسلامی ، وأنّهم لا یعرفون شیئاً منه ، وتخفی علیهم حقیقة هذا القول المزوّر.

ألا من مُسائل هؤلاء عن أنّ زیداً ، إن کان عندهم وعند قومهم فی جانب عظیم من العلم والزهد ، فبأیّ کتاب أم بأیّة سنّة حاربه أسلافهم ، وقاتلوه ، وقتلوه ، وصلبوه ، وأحرقوه ، وداروا برأسه فی البلاد؟!

ألیس منهم ومن قومهم أمیر مناوئیه وقاتله یوسف بن عمر؟

أوَلیس منهم صاحب شرطته العبّاس بن سعد؟

أوَلیس منهم قاطع رأسه الشریف ابن الحکم بن الصلت؟

أوَلیس منهم مبشّر یوسف بن عمر بقتله الحجّاج بن القاسم؟

أوَلیس منهم خراش بن حوشب الذی أخرج جسده من قبره؟

أوَلیس من خلفائهم الآمر بإحراقه الولید أو هشام بن عبد الملک؟

أوَلیس منهم حامل رأسه إلی هشام زهرة بن سلیم؟

أوَلیس من خلفائهم هشام بن عبد الملک ، وقد بعث رأس زید إلی مدینة الرسول ، فنصب عند قبر النبیّ یوماً ولیلة؟

أوَلیس هشام بن عبد الملک ، کتب إلی خالد القسری یقسم علیه أن یقطع لسان الکمیت شاعر أهل البیت ویده ، بقصیدة رثی بها زید بن علیّ وابنه ، ومدح بنی هاشم؟ 8.

ص: 113


1- مثل یُضرَب للرجل یفتخر بقبیلةٍ لیس هو منها ، أو یتمدّح بما لا یوجد فیه. مجمع الأمثال : 1 / 341 رقم 1018.

أوَلیس عامل خلیفتهم بالمدینة محمد بن إبراهیم المخزومی کان یعقد حفلات بها سبعة أیّام ، ویخرج إلیها ویحضر الخطباء فیها ، فیلعنون هناک علیّا والحسنین وزیداً وأشیاعهم؟

أوَلیس من شعراء قومهم الحکیم الأعور؟ وهو القائل :

صَلَبنا لکم زیداً علی جذعِ نخلةٍ

ولم نَرَ مهدیّا علی الجِذعِ یُصلَبُ

وقِستُم بعثمانٍ علیّا سفاهةً

وعثمانُ خیرٌ من علیٍّ وأطیبُ!!

أوَلیس سَلَمةُ بن الحرّ بن الحکم شاعرهم هو القائل فی قتل زید؟ :

وأهلکنا جَحاجحَ من قریشٍ

فأمسی ذکرُهم کحدیثِ أمسِ

وکنّا أُسّ ملکِهمُ قدیماً

وما ملکٌ یقومُ بغیرِ أُسِ

ضمنّا منهمُ نکلاً وحزناً

ولکن لا محالةَ من تأسِ

أوَلیس منهم من یقول بحیال رأس زید وهو مصلوبٌ بالمدینة؟ :

ألا یا ناقض المیثا

قِ أبشر بالّذی ساکا

نقضتَ العهدَ والمیثا

قَ قِدماً کان قُدماکا

لقد أخلف إبلیسُ ال

ذی قد کان منّاکا

هذه حقیقة الحال ، فاقضِ ما أنت قاضٍ.

(أَفَمِنْ هذَا الْحَدِیثِ تَعْجَبُونَ* وَتَضْحَکُونَ وَلا تَبْکُونَ* وَأَنْتُمْ سامِدُونَ) (1)1.

ص: 114


1- النجم : 59 - 61.

نقدٌ وإصلاح حول الکتب والتآلیف المزوّرة

اشارة

وإذ لم تکن هذه الفریة الشائنة علی الشیعة - حول زید الشهید - مجرّدة عن أمثالها الکثیرة فی کتب القوم قدیماً وحدیثاً - وهی بذرة کلّ شرّ وفساد ، تُحیی فی النفوس نعرات الطائفیّة ، وتفرّق جمع الإسلام ، وتُشتّت شمل الأمّة ، وتُضادّ الصالح العام.

یهمّنا أن نذکر جملةً منها عن عدّة من الکتب ، لیقف القارئ علی ما لهم من هوسٍ وهیاج فی تخذیل عواطف المجتمع عن الشیعة ، ولیعرف محلّهم من الصدق والأمانة ، ولیتّخذ به المتکلّم دروساً عالیة فی معرفة الآراء والمعتقدات ، ویظهر للمفسّر ما حرّفته ید التأویل من آی الکتاب العزیز عن مواضعها ، وللفقیه ما لعبت به أیدی الهوی من أحکام الله ، وللمحدِّث ما ضیّعته الأهواء المضِلّة من السنّة النبویّة ، وللأخلاقیّ مصارع الهوی ومساقط الاستهتار ، وبذلک کلّه یتّخذ المؤلّف دستوراً صحیحاً ، وخطّةً راقیةً ، وأسلوباً صالحاً ، وأدباً بارعاً فی التألیف.

(وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَکَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّکَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِینَ) (1)5.

ص: 115


1- البقرة : 145.

1 - العقد الفرید

1 - العقد الفرید(1)

قد یحسب القارئ لأوّل وهلة أنَّه کتاب أدب لا کتاب مذهب ، فیری فیه نوعاً من النزاهة ، غیر أنَّه متی أنهی سیره إلی مناسبات المذهب تجد مؤلّفه ذلک المهوس المهملج ، ذلک الأفّاک الأثیم ، قال (2) (1 / 269):

1 - الرافضة یهود هذه الأمّة ، یبغضون الإسلام کما یبغض الیهود النصرانیّة!

الجواب : کیف یرتضی القارئ هذه الکلمة القارصة؟ وبین یدیه القرآن المجید وفیه قوله تعالی : (إِنَّ الَّذِینَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِکَ هُمْ خَیْرُ الْبَرِیَّةِ) (3).

وقد ثبت فیها عن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم قوله لعلیّ : «هم أنت وشیعتک» (4). وکیف یرتضیها وهو یقرأ فی الحدیث قول الرسول الأمین صلی الله علیه وآله وسلم لعلیّ علیه السلام : «أنت وشیعتک فی الجنّة»؟ تاریخ بغداد (12 / 289).

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «إذا کان یوم القیامة دُعی الناس بأسمائهم وأسماء أمّهاتهم إلاّ هذا - یعنی علیّا - وشیعته. فإنّهم یُدعَون بأسمائهم وأسماء آبائهم لصحّة ولادتهم» (5).

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم لعلیّ : «یا علیّ إنّ الله قد غفر لک ، ولذریّتک ، ولولدک ، ولأهلک ، وشیعتک ، ولمحبّی شیعتک» (6).

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «إنّک ستقدم علی الله أنت وشیعتک راضین مرضیّین» (7).ف)

ص: 116


1- تألیف شهاب الدین بن عبد ربّه المالکی : المتوفّی 328. (المؤلف)
2- العقد الفرید : 2 / 104.
3- البیّنة : 7.
4- راجع الجزء الثانی من کتابنا : ص 57. (المؤلف)
5- مروج الذهب : 2 / 51 [3 / 7]. (المؤلف)
6- الصواعق : ص 96 ، 139 ، 140 [ص 161 ، 232 ، 235]. (المؤلف)
7- نهایة ابن الأثیر : 3 / 276 [4 / 106]. (المؤلف)

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «أنت أوّل داخل الجنّة من أمّتی ، وأنّ شیعتک علی منابر من نور ، مسرورون مبیضّة وجوههم حولی ، أشفع لهم فیکونون غداً فی الجنّة جیرانی» (1).

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «أنا الشجرة ، وفاطمة فرعها ، وعلیٌّ لقاحها ، والحسن والحسین ثمرتها ، وشیعتنا ورقها ، وأصل الشجرة فی جنّة عدن وسائر ذلک فی سائر الجنّة» (2).

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «یا علیُّ إنّ أوّل أربعة یدخلون الجنّة : أنا وأنت والحسن والحسین ، وذرارینا خلف ظهورنا ، وأزواجنا خلف ذرارینا ، وشیعتنا عن أیماننا وعن شمائلنا» (3).

وفی لفظ : «أما ترضی أنّک معی فی الجنّة ، والحسن والحسین وذریّتنا خلف ظهورنا؟» (4).

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «إنّ هذا - یعنی علیّا - وشیعته هم الفائزون یوم القیامة» (5)

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم فی خطبة له : «أیّها الناس من أبغضنا - أهل البیت - حشره الله یوم القیامة یهودیّا» فقال جابر بن عبد الله : یا رسول الله وإن صام وصلّی؟! قال : «وإن صام وصلّی ، وزعم أنَّه مسلم ، احتجر بذلک من سفک دمه وأن یؤدّی الجزیة عن ید وهم صاغرون. مُثّل لی أمّتی فی الطین فمرّ بی أصحاب الرایات ، فاستغفرت لعلیّ وشیعته». أخرجه الهیثمی فی مجمع الزوائد (9 / 172). ف)

ص: 117


1- مجمع الزوائد : 9 / 131 ، کفایة الطالب : ص 135 [ص 265 باب 62]. (المؤلف)
2- راجع من هذا الجزء : ص 8. (المؤلف)
3- أخرجه الطبرانی [فی المعجم الکبیر : 1 / 319 ح 950] عن أبی رافع ، وابن عساکر عن علیّ علیه السلام فی تاریخه : 4 / 318 [5 / 43 ، وفی ترجمة الإمام الحسین علیه السلام : رقم 165] ، ویوجد فی الصواعق : ص 96 [ص 161] ، ومجمع الزوائد : 9 / 131 ، وکنوز الحقائق هامش الجامع الصغیر : 2 / 16. (المؤلف)
4- أخرجه أبو سعد فی شرف النبوّة کما فی الریاض النضرة : 2 / 209 [3 / 160]. (المؤلف)
5- راجع من کتابنا : 2 / 57 ، 58 وتذکرة السبط : ص 31 [ص 54]. (المؤلف)

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «شفاعتی لأمّتی ، من أحبّ أهل بیتی ، وهم شیعتی». تاریخ الخطیب (2 / 146).

2 - قال : محنة الرافضة محنة الیهود ، قالت الیهود : لا یکون الملک إلاّ فی آل داود. وقالت الرافضة : لا یکون الملک إلاّ فی آل علیّ بن أبی طالب.

الجواب : إن کانت فی قول الرافضة تبعةٌ فهی علی مخلّف آل علیّ صلی الله علیه وآله وسلم بقوله الصحیح الثابت المتواتر المتسالم علیه ، المرویّ عن بضع وعشرین صحابیّا ، کما فی الصواعق (1)) (ص 136): «إنّی تارکٌ - أو مخلّفٌ - فیکم الثقلین - أو الخلیفتین - ما إنْ تمسّکتم به لن تضلّوا بعدی ، کتاب الله وعترتی أهل بیتی ، وإنّهما لن یفترقا حتی یردا علیَّ الحوض».

فقد خطب به الصادع بالحقِّ علی رءوس الأشهاد ، فی ملأ من الصحابة تبلغ عدّتهم مائة ألف أو یزیدون ، وأنبأ فی ذلک المحتشد الحافل عن خلافة آل بیته الطاهر ، وعلیٌّ سیّدهم وأبوهم.

وهذا الإمام الزرقانی المالکی یحکی فی شرح المواهب (7 / 8) عن العلاّمة السمهودی أنَّه قال : هذا الخبر یُفهم وجود من یکون أهلاً للتمسّک به من عترته فی کلّ زمن إلی قیام الساعة ، حتی یتوجّه الحثُّ المذکور علی التمسّک به ، کما أن الکتاب کذلک ، فلذا کانوا أماناً لأهل الأرض ، فإذا ذهبوا ذهب أهل الأرض. انتهی.

فأیُّ رجل یسعه أن یسمع قوله صلی الله علیه وآله وسلم فی لفظ من حدیث الثقلین : «إنّی قد ترکت فیکم ما إن أخذتم به لن تضلّوا بعدی : الثقلین» (2).

أو یقرأ قوله صلی الله علیه وآله وسلم فی لفظه الآخر : «أیّها الناس إنّی تارکٌ فیکم أمرین لن ف)

ص: 118


1- الصواعق المحرقة : ص 228.
2- أخرجه الترمذی [فی سننه : 5 / 621 ح 3786] ، وأحمد [فی مسنده : 3 / 463 ح 11167] ، وجمع کثیر من الحفّاظ والأئمّة. (المؤلف)

تضلّوا إن اتّبعتموهما ، وهما : کتاب الله وأهل بیتی عترتی».

أو یقرع سمعه قوله صلی الله علیه وآله وسلم فی لفظه الثالث : «فسألت ذلک لهما - الثقلین - ربّی ، فلا تقدموهما فتهلکوا ، ولا تقصروا عنهما فتهلکوا ، ولا تعلّموهما فهم أعلم منکم». (1)

أو یقف علی قوله صلی الله علیه وآله وسلم فی لفظه الرابع : «وناصرهما لی ناصرٌ ، وخاذلهما لی خاذلٌ ، وولیّهما لی ولیٌّ ، وعدوّهما لی عدوٌّ» (2).

ثمّ لا یتّبع آل علیّ ولا یتّخذهم إلی الله سبل السلام ، أو یقتدی بغیرهم ویضلّ عن سبیل الله - حاش لله - (إِنَّا هَدَیْناهُ السَّبِیلَ إِمَّا شاکِراً وَإِمَّا کَفُوراً) (3).

وما ذنب الشیعة بعد قول نبیّهم صلی الله علیه وآله وسلم : «من سرّه أن یحیا حیاتی ، ویموت مماتی ، ویسکن جنّة عدن غرسها ربّی ، فلیوالِ علیّا من بعدی ، ولیوالِ ولیّه ، ولیقتدِ بأهل بیتی من بعدی ، فإنّهم عترتی خُلقوا من طینتی ، ورُزقوا فهمی وعلمی ، فویلٌ للمکذّبین بفضلهم من أمّتی ، القاطعین فیهم صلتی ، لا أنالهم الله شفاعتی» (4).

ونحن نقول : آمین ، ورحم الله من قال : آمینا.

وما ذا علی الشیعة فی قولهم بعد قوله صلی الله علیه وآله وسلم : «فی کلّ خلوفٍ من أمّتی عدولٌ من أهل بیتی ینفون من هذا الدین تحریف الغالین ، وانتحال المبطلین ، وتأویل ف)

ص: 119


1- أخرجه الحافظ الطبرانی فی المعجم الکبیر ، وعنه السیوطی فی الدرّ المنثور : 2 / 60 ، والسخاوی فی استجلاب ارتقاء الغرف : ق 21 / ب ، والسمهودی فی جواهر العقدین : ق 84 / ب ، وابن حجر فی الصواعق : ص 89. (الطباطبائی)
2- راجع فی هذه الألفاظ الجزء الأول من کتابنا : ص 31 - 38. (المؤلف)
3- الإنسان : 3.
4- أخرجه أبو نعیم فی الحلیة : 1 / 86 [رقم 4] ، والطبرانی [فی المعجم الکبیر : 5 / 194 ح 5067] والرافعی کما فی ترتیب جمع الجوا : 6 / 217 [کنز العمّال : 12 / 103 ح 34198]. (المؤلف)

الجاهلین ، ألا إنّ أئمّتکم وفدکم إلی الله عزّ وجلّ ، فانظروا من توفدون» (1).

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «إنّما مثلی ومثل أهل بیتی کسفینة نوح ، من رکبها نجا ، ومن تخلّف عنها غرق» (2). (3) :

ص: 120


1- أخرجه الملاّ [فی وسیلة المتعبدین : ج 5 / ق 2 / 200] ، کما فی ذخائر العقبی : ص 17 ، الصواعق : ص 141 [ص 236]. (المؤلف)
2- أخرجه الخطیب البغدادی فی تاریخه : 12 / 91 [رقم 6507] ، والحاکم فی المستدرک : 3 / 151 [3 / 163 ح 4720] وصحّحه. (المؤلف)
3- وممّن أخرج حدیث السفینة هذا ابن قتیبة فی عیون الأخبار : 1 / 211 ، والبزّار فی مسنده (کشف الأستار : 2613 و 2614 و 2615) ، والفسوی فی المعرفة والتاریخ : 2 / 42 ، والفاکهی فی أخبار مکّة : 3 / 134 برقم 1904. وأخرجه الحافظ أبو یعلی ، وعنه البوصیری فی إتحاف السادة وأخرجه الطبری وعنه السیوطی فی جمع الجوامع ، والمتّقی فی کنز العمّال : 12 / 94 ، 98 ح 34144 ، 34169 ، 34170 ، وأخرجه الدولابی فی الکنی والأسماء : 2 / 76. وأخرجه الطبرانی فی معاجمه الثلاثة فی المعجم الصغیر : 1 / 139 وفی الأوسط : ح 3502 وفی الکبیر : 3 / 37 ح 2636 و 2637 و 2638 وفی 12 / 34 ح 12388. وأخرجه الدارقطنی فی العلل : 6 / 236 سؤال 1098 ، والحاکم فی المستدرک : 2 / 343 ، والمقدسی فی البدء والتاریخ : 3 / 22 ، وابن عبد البرّ فی الإنباه علی قبائل الرواه : ص 67 ، والخرکوشی فی شرف المصطفی مخطوطة الظاهریة : 1887 / ق 172 / ب ، عن ابن عباس. وأخرجه ابن المغازلی فی کتاب مناقب أمیر المؤمنین علیه السلام بالأرقام : 173 - 177 ، والقاضی القضاعی فی الشهاب ومسند الشهاب : 2 / 273 ، والدیلمی فی الفردوس : 4 / 423 ، وابنه فی مسند الفردوس مخطوطة لاله لی : رقم 648 / ق 228 / ب ، بثلاثة طرق عن عبد الله بن الزبیر وأبی ذر ، قال : وفی الباب أبو سعید ، وقال أیضاً : وفی الباب عن ابن عباس. وأخرجه القاضی أبو بکر محمد بن عبد الله الأنصاری فی مشیخته مخطوطة فیض الله : رقم 533 / ق 3 عن أبی محمد الجوهری عن القطیعی بإسناده عن أبی ذر. وأخرجه الخوارزمی فی مقتل الحسین علیه السلام : 1 / 104 والملاّ فی سیرته وسیلة المتعبدین : ج 2 / ق 2 / ص 234 وج 5 / ق 2 / ص 199 ، وابن الأبار فی المعجم : ص 87 ، وابن الأثیر فی النهایة : 2 / 298 باب (زخ). وسبط ابن الجوزی فی تذکرة خواص الأمّة : ص 323 ، والمحب الطبری فی ذخائر العقبی :

فأهل بیتٍ مثلُهم فی الأمّة کمثل النبیّ الطاهر ، کیف لا تقول الشیعة بالخلافة فیهم؟ وکیف یُری موقفهم فی حبّهم موقف الیهود؟ وإلی من تُوَجّه هذه القارصة؟ وهل ابن عبد ربّه عزب عنه قوله صلی الله علیه وآله وسلم : «النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق ، وأهل بیتی أمانٌ لأمّتی من الاختلاف ، فإذا خالفها قبیلةٌ اختلفوا فصاروا حزب إبلیس» (1).

اللهم لا ، بل طُبع علی قلبه وهو ألدّ الخصام.

فأهل بیت هم للأمّة نجوم الهدایة ، ونجوم الأمن من الضلال والخلاف ، کیف لا یُقتدی بهم؟ وما عذر من عدل عنهم؟ وإلامَ مصیر من لا یهتدی بهم؟ وما قیمة تلک الحیاة ، وتلک الروح ، وتلک النزعة ، وتلک النشأة؟

وإنّ خیرة الله لم تقع علی هذه الأسرة الکریمة إلاّ بعد کلّ جدارة للولایة المطلقة ، وحذق فی تدبیر الشؤون فی کلّ وقت لو انتهت إلیهم قیادة البشر ، وثنیت لهم الوسادة ، غیر أنّ مناوئیهم زحزحوها عن ساحتهم حسداً أو نزولاً علی حکم النهمة والشرَه ، إنّما هی الخلافة الإلهیّة لا الملک کما حسبه المغفّل ، وقد نصّ بها الشعبی ، کما ف)

ص: 121


1- أخرجه الحاکم فی المستدرک : 3 / 149 [3 / 162 ح 4715] وصحّحه. (المؤلف)

ذکره ابن تیمیّة فی منهاجه (1 / 7) وقال : محنة الرافضة محنة الیهود. قالت الیهود : لا یصلح الملک إلاّ فی آل داود ، وقالت الرافضة : لا تصلح الإمامة إلاّ فی ولد علیٍّ.

3 - قال : الیهود یؤخّرون صلاة المغرب حتی تشتبک النجوم ، وکذلک الرافضة.

الجواب : یجب أوّلاً أن یحفی السؤال (1) عن خبر هذه المسألة الیهود ، هل هم یعرفون شیئاً منها ، ومن بقیّة المسائل المعزوّة إلیهم؟

ولیت شعری هل کتب الرجل هذه الکلمة بعد مراجعته لفقه الشیعة وأحادیث أئمّتهم ، وفیها قول الصادق علیه السلام : «من ترک صلاة المغرب عامداً إلی اشتباک النجوم ، فأنا منه بریء».

وقیل له علیه السلام : إنّ أهل العراق یؤخّرون المغرب حتی تشتبک النجوم ، فقال : «هذا من عمل عدوّ الله أبی الخطّاب».

وقال علیه السلام : «من أخَّر المغرب حتی تشتبک النجوم - من غیر علّة - فأنا إلی الله منه بریءٌ».

وقال علیه السلام : «وقت المغرب حین تجب الشمس إلی أن تشتبک النجوم».

وقال علیه السلام : «وقت المغرب من حین تغیب الشمس إلی أن تشتبک النجوم».

وقال علیه السلام وقد سُئل عن وقت المغرب : «فإذا تغیّرت الحمرة فی الأفق وذهبت الصُفرة ، وقبل أن تشتبک النجوم».

وقال له علیه السلام ذریحٌ : إنّ أناساً من أصحاب أبی الخطّاب یمسون بالمغرب حتی تشتبک النجوم. قال : «أبرأ إلی الله ممّن فعل ذلک متعمّداً».

وقال علیه السلام : «ملعونٌ ملعونٌ من أخّر المغرب طلباً لفضلها» (2).ف)

ص: 122


1- أحفاه السؤال : ألحّ علیه السؤال والطلب.
2- راجع من لا یحضره الفقیه [1 / 220 ح 661] ، وتهذیب شیخ الطائفة [2 / 33 ح 100 ، 102] واستبصاره [1 / 263 ح 948 ، ص 268 ح 970] وغَیبتهِ [ص 271 ح 236]. (المؤلف)

فلما ذا یکذب الرجل فی نقله؟ أو أنَّه کتب قبل أن یراجع ، رجماً بالغیب ، فحیّا الله الأمانة والتنقیب!

ولعلّه قرع سمعه عن بعض الفرق الضالّة ، وهم الخطّابیّة - أصحاب أبی الخطّاب - إلزاماً بذلک ، لکن أین هم من الشیعة؟ والشیعة علی بکرة أبیها تکفّر هؤلاء وتضلّلهم ، وأحادیث أئمّتهم کسحت معرّة (1) عیث هؤلاء ، فمن الإفک الشائن عزو هاتیک الشبه إلی الشیعة ، وهم وأئمّتهم عنها برآء.

4 - قال : الیهود لا تری الطلاق الثلاث شیئاً ، وکذا الرافضة.

الجواب : الشیعة لا تری ملتحداً عن البخوع للقرآن الکریم ، وفی أعلی هتافه : (الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساکٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِیحٌ بِإِحْسانٍ) إلی قوله تعالی : (فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّی تَنْکِحَ زَوْجاً غَیْرَهُ) (2) إلخ.

ومن جلیّة الحقائق أنّ تحقّق المرّتین أو الثلاث یستدعی تکرّر وقوع الطلاق ، کما یستدعی تخلّل الرجعة بینهما أو النکاح ، فلا یقال للمطلّقة مرّتین بکلمة واحدة أو فی مجلس واحد إنّها طُلّقت مراراً ، کما إذا کان زید أعطی درهمین لعمرو بعطاء واحد ، لا یقال إنّه أعطی درهمین مرّتین ، وهذا معنیً یعرفه کلّ عربیّ صمیم.

ثمّ إنّ سیاق الآیة وإن کان خبریّا ، غیر أنَّه متضمّنٌ معنی الإنشاء الأمریّ ، کقوله تعالی : (وَالْوالِداتُ یُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَیْنِ کامِلَیْنِ) وقوله تعالی : (وَالْمُطَلَّقاتُ یَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) (3) وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «الصلاة مثنی مثنی ، والتشهّد فی کلّ رکعتین ، وتسکّن وخشوع» ولو کان إخباراً لما تخلّف عنه خارجه ، ونحن نری أنّ فی الناس من یطلّق طلقة واحدة ، والقرآن لا یتسرّب إلیه شیءٌ من الکذب. 8.

ص: 123


1- المعرّة : الإثم.
2- البقرة : 229 ، 230.
3- البقرة : 233 ، 228.

فعدم الاعتداد بطلاق الثلاث علی نحو الجمع عند الشیعة مأخوذٌ من القرآن الکریم ، ولهذه الجملة مزید توضیح فی أحکام القرآن لأبی بکر الجصّاص الحنفی (1) (1 / 447) ، وهذه الفتوی هی المنقولة عن کثیر من أئمّة أهل السنّة والجماعة ، بل المخالف الوحید فی المسألة هو الشافعیّ ، وقد بسط القول فی الردّ علیه أبو بکر الجصّاص فی أحکام القرآن (2) (4 / 449).

وقال الإمام العراقیّ فی طرح التثریب (7 / 93) : وممّن ذهب إلی أنّ جمع الطلقات الثلاث بدعةٌ : مالک ، والأوزاعی ، وأبو حنیفة ، واللیث ، وبه قال داود وأکثر أهل الظاهر.

وقال أبو بکر الجصّاص فی أحکام القرآن (3) (4 / 459) : کان الحجّاج بن أرطاة یقول : الطلاق الثلاث لیس بشیء. ومحمد بن إسحاق کان یقول : الطلاق الثلاث تُردُّ إلی الواحدة.

هذا ما نعرفه من الشیعة ، فإن کان هذا شبهاً بینهم وبین الیهود فهم وأولئک الأئمّة فی ذلک شرعٌ سواء ، لکنَّ الأندلسی یحترم جانب أصحابه ، فشبّه الشیعة بالیهود ، فهو إمّا جاهلٌ بفقه قومه - فضلاً عن فقه الشیعة - ولم یعرف شیئا ممّا عندهم فی المسألة ، أو یعلم ویتعمّد الکذب ، أو یرید معنیً غیر ما ذکر ، ونحن لا نعرفه ولا نعرف قائلاً به من الشیعة.

وما تقرأ أو تسمع فی المسألة غیر ما یقوله الشیعة ، فهو من البدع الحادثة بعد النبیّ الأعظم ، لم یأت به الکتاب والسنّة ، بل أحدثته أهواءٌ مضلّةٌ ، وحبّذته أناسٌ ، وجاؤوا به من عند أنفسهم ، وأمضاه علیهم عمر بن الخطاب ، وهذا صریح ما أخرجه 8.

ص: 124


1- أحکام القرآن : 1 / 378.
2- أحکام القرآن : 1 / 380.
3- أحکام القرآن : 1 / 388.

مسلم فی صحیحه (1) (1 / 574) ، وأبو داود فی سننه (2) (1 / 344) ، وأحمد فی مسنده (3) (1 / 314) عن ابن عبّاس قال : کان الطلاق علی عهد رسول الله وأبی بکر وسنتین من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة ، فقال عمر بن الخطاب : إنّ الناس قد استعجلوا فی أمر قد کانت لهم فیه أناةٌ ، فلو أمضیناه علی هم! فأمضاه علیهم.

وأخرج مسلم (4) وأبو داود (5) ، بإسناده عن ابن طاووس عن أبیه : أنّ أبا الصهباء قال لابن عبّاس : أتعلم إنّما کانت الثلاث تجعل واحدةً علی عهد النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وأبی بکر وثلاثاً من إمارة عمر؟ فقال ابن عبّاس : نعم.

وأخرج مسلم (6) بإسناد آخر : أنّ أبا الصهباء قال لابن عبّاس : هات من هناتک ، ألم یکن طلاق الثلاث علی عهد رسول الله صلی الله علیه وسلم وأبی بکر واحدة؟ فقال : قد کان ذلک ، فلمّا کان عهد عمر تتابع الناس فی الطلاق ، فأجازه علیهم.

وللشرّاح فی المقام کلمات متضاربة ، وآراء واهیة ، وتوجیهات باردة بعیدة عن العلم والعربیّة ، وعدّه القسطلانی (7) من الأحادیث المشکلة - ولعمری مشکلة جدّا لا یسعنا بسط الکلام فی ذلک کلّه.

5 - قال : الیهود لا تری علی النساء عدّة ، وکذلک الرافضة!

الجواب : الشیعة تری علی النساء من العدّة ما حکم به الکتاب والسنّة. فالمطلّقاتُ یتربّصنَ بأنفسهنّ ثلاثة قروء إن کنّ ذوات الأقراء ، وتعتدُّ ذوات الشهور 8.

ص: 125


1- صحیح مسلم : 3 / 276 ح 15 کتاب الطلاق.
2- سنن أبی داود : 2 / 261 ح 2199.
3- مسند أحمد : 1 / 517 ح 2870.
4- صحیح مسلم : 3 / 277 ح 16 کتاب الطلاق.
5- سنن أبی داود : 2 / 261 ح 2200.
6- صحیح مسلم : 3 / 277 ح 17 کتاب الطلاق.
7- إرشاد الساری : 12 / 16 - 18.

ثلاثة أشهر. (وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ یَضَعْنَ حَمْلَهُنَ) (1).

واللاّتی توفّی عنهنّ أزواجهن یتربّصن بأنفسهنّ أربعة أشهر وعشراً إذا کانت حائلاً ، والحامل تعتدُّ بأبعد الأجلین من العدّة والوضع جمعاً بین عموم الآیتین.

والإماء تعتدُّ قرءین من طلاق إن کنّ ذوات الأقراء ، وإلاّ فشهراً ونصفاً.

وتعتدُّ من الوفاة شهرین وخمسة أیّام إن کانت حائلاً ، والحامل عدّتها أبعد الأجلین.

وأمّ الولد لمولاها عدّتها أربعة أشهر وعشراً.

والمتمتّع بها إذا انقضی أجلها بعد الدخول أو أعرض عنها الزوج ، فعدّتها حیضتان فی ذوات الأقراء ، وخمسة وأربعون یوماً فی غیرهنّ.

وتعتدُّ من الوفاة بأربعة أشهر وعشرة أیّام إن کانت حائلاً أو لم یدخل بها ، وبأبعد الأجلین إن کانت حاملاً ، ولو کانت أمة فعدّتها - حائلاً - شهران وخمسة أیّام.

هذا ما عند الشیعة من العدّة ، وهذه کتب القوم الفقهیّة والتفسیریّة - قدیمة وحدیثة - طافحة بما ذکرناه ، فهل وجد عزوه المختلق فی شیء منها؟ اللهم لا. بل إنّه لا یکترث بالمباهتة وهی شأنه فی کثیر من الموارد.

6 - قال : الیهود تستحلُّ دم کلّ مسلم ، وکذلک الرافضة!

الجواب : هل یعرف الرجل مصدر هذه النسبة من کتب الشیعة وعلمائهم وأعلامهم ، بل من ساقتهم وذوی المراتب الواطئة منهم؟ والشیعة هم الذین یتلون الکتاب العزیز فی آناء اللیل وأطراف النهار ، مخبتین بأنّ ما بین دفّتیه وحیٌ منزلٌ من الله إلی سیّد رسله صلی الله علیه وآله وسلم ، وفیه آیات التحذیر عن قتل المؤمن ، والإیعاز بالخلود فی 4.

ص: 126


1- الطلاق : 4.

جهنّم من جرّائه ، وفیه آیة القصاص. والسنّة النبویّة وأحادیث أئمّتهم مشحونةٌ بالنهی عنه والعقوبات علیه والأحکام المرتّبة علیه من قصاص ودیات ، ومن المطّرد فی فقههم عقد کتابین فیهما. فبذلک کلّه تعلم أنّ هذه النسبة لا مصدر لها إلاّ الخیال المتوهّم الصادر عن العداء المحتدم والعصبیّة الحمقاء.

7 - قال : الیهود حرّفوا التوراة ، وکذلک الرافضة حرّفت القرآن!

الجواب : إنّ مصدر الشیعة فی التفسیر والتأویل ، وفی کلّ حکم أو تعلیم لیس إلاّ أحادیث معتبرة صادرة عن رجالات بیت الوحی بعد مشرِّفهم الأعظم صلی الله علیه وآله وسلم وأهل البیت أدری بما فیه ، ولیس ما یُروی عنهم من الشئون مستعصیاً علی العقل والمنطق ولا الأصول المسلّمة فی الدین ، ولیس بمأخوذ من مثل قتادة ، والضحّاک ، والسدّی ، وأمثالهم ، المفسّرین بالرأی ، البعیدین عن مستقی العلم النبویّ.

فإذا أردت تحریف الکلم عن مواضعه والنظر إلیه ، فإلیک بکتب القوم وتفاسیرهم تجد هناک التعلیلات الباردة ، والتحکّمات الفارغة ، والعلل التافهة ، والآراء السخیفة ، وإنکار المسلّمات ، وحسبک ما یأتی من نماذجها نقلاً عن کتاب منهاج السنّة لا بن تیمیّة وغیره. إذن فألق الشبه بین الیهود وأیّ فرقة شئت.

8 - قال : الیهود تبغض جبرئیل وتقول : هو عدوُّنا من الملائکة ، وکذلک الرافضة تقول : غلط جبرئیل فی الوحی إلی محمد بترک علیّ بن أبی طالب!

الجواب : لعلّ الرجل یحسب فی أحلامه الطائشة أنَّه یحدّث عن أمّة بائدة قد أکل علیها الدهر وشرب ، فلم یبق لها من یدافع عن شرفها ، وما کان یحسب أنّ المستقبل الکشّاف سوف یُقیّض من یُسائله قائلاً : کیف یعادی جبرئیل من یتلو فی کتابه المقدّس قوله تعالی : (مَنْ کانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِکَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِیلَ وَمِیکالَ فَإِنَّ اللهَ عَدُوٌّ لِلْکافِرِینَ) (1)؟!8.

ص: 127


1- البقرة : 98.

ومتی خالج شیعیّا الشکُّ فی نبوّة محمد صلی الله علیه وآله وسلم؟ أو هجس فی خلد أیّ منهم نبوّة أمیر المؤمنین علیّ علیه السلام؟ حتی یحکم بغلط جبریل وهو یقرأ آناء اللیل وأطراف النهار قوله تعالی : (وَما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ) (1).

وقوله تعالی : (ما کانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِکُمْ وَلکِنْ رَسُولَ اللهِ وَخاتَمَ النَّبِیِّینَ) (2).

وقوله تعالی : (وَآمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلی مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ) (3).

وقوله تعالی : (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ) (4).

وقوله تعالی : (وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ یَأْتِی مِنْ بَعْدِی اسْمُهُ أَحْمَدُ) (5).

وکیف یری شیعیٌّ أنّ جبریل قد غلط فی الوحی؟ وهو یتشهّد بالرسالة فی کلّ فریضة ونافلة ، وفی الأذان والإقامة ، وفی دعوات کثیرة مأثورة عن أئمّتهم - صلوات الله علیهم - وتشهد بذلک کلّه مؤلّفاتهم فی الفقه ، والحدیث ، والکلام ، والعقائد ، والملل والنحل.

وهل من الممکن أن تزعم الشیعة - علی هذه الفریة - أنّ الله سبحانه أمضی ذلک الغلط لمجرّد اشتباه جبریل وهو یرید أن یبعث أمیر المؤمنین؟! وهل یقول بهذا معتوهٌ دهش ، أو بربریٌّ عزبت عنه العلوم والمعارف کلّها فضلاً عن الشیعة ، وهم هم؟! (فَما لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ لا یَکادُونَ یَفْقَهُونَ حَدِیثاً) (6).

والعجب کلّ العجب أنَّه یکتب کاتب مصر الیوم وعالمها ، ردّا علی الشیعة 8.

ص: 128


1- آل عمران : 144.
2- الأحزاب : 40.
3- محمد : 2.
4- الفتح : 29.
5- الصف : 6.
6- النساء : 78.

ویسلقهم بهذا التافه الخرافیّ.

(فَلا یَصُدَّنَّکَ عَنْها مَنْ لا یُؤْمِنُ بِها وَاتَّبَعَ هَواهُ فَتَرْدی) (1).

9 - قال : الیهود لا تأکل لحم الجزور ، وکذلک الرافضة.

الجواب : إقرأ واضحک ، أو اقرأ وابکِ.

وإذا تحرّیت الوقاحة والصلف فإلی صاحب هذه الکلمة ، فإن کنت لا تعلم کیف یکذب المائن ، ویبهت الخائن ، فالأندلسیُّ یوقفک علیه فی کتابه.

لیت شعری ما ذنب الجزور المخرج حکمه ممّا یؤکل لحمه من الحیوانات؟ أو ما کرامته علی الشیعة حتی أربوا به عن الذبح؟!

أنا لا أعلم شیئاً من ذلک ، ولعلّ عند مفتعل الروایة فلسفة راقیة تؤول إلی تلک الفریة الشائنة.

والحکم الفاصل فی هذه المعضلة مجازر القصّابین وسواطیرهم وحوانیتهم فی بلاد الشیعة من أقطار العالم.

أُضحوکة

10 - قال : قال أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ : أخبرنی رجلٌ من رؤساء التجّار قال : کان معنا فی السفینة شیخٌ شرس الأخلاق ، طویل الإطراق ، وکان إذا ذُکر له الشیعة غضب واربدَّ وجهه ، وزوی من حاجبیه ، فقلت له یوماً : یرحمک الله ما الذی تکرهه من الشیعة؟ فإنّی رأیتک إذا ذُکروا غضبتَ وقبضتَ. قال : ما أکره منهم إلاّ هذه الشین فی أوّل اسمهم ، فإنّی لم أجدها قطُّ إلاّ فی کلّ شرٍّ ، وشؤمٍ ، وشیطانٍ ، وشغبٍ ، وشقاءٍ ، وشفارٍ ، وشررٍ ، وشَیْنٍ ، وشَوکٍ ، وشکوی ، وشهرةٍ ، وشتمٍ ، وشُحٍّ. قال أبو عثمان : فما ثبت للشیعیّ بعدها قائمة. 6.

ص: 129


1- طه : 16.

عجباً من سفاهة الشیخ - شرس الأخلاق - وضؤولة رأیه ، حیث لم یجد فی الشیعة ما یزری بهم ، لکنّ عداءه المحتدم حداه إلی أن یتّخذ لهم عیباً منحوتاً من السفاسف ، فطفق یؤاخذهم بالاسم لمحض اطّراد حرف من حروفه فی أشیاء من أسماء الشرّ ، ولو اطّرد هذا لتسرّب إلی کثیر من الأسماء المقدّسة ، وإلی کتاب الله العزیز وفیه قوله تعالی : (وَإِنَّ مِنْ شِیعَتِهِ لَإِبْراهِیمَ) (1). وآیٌ أخری جاءت فیها لفظة الشیعة.

وأسخف من الشیخ أبو عثمان الذی یحسب أنَّه لم تثبت للشیعة بعد تلک الکلمة التافهة قائمة ، فکأنّ صاعقة أصابتهم ، أو أنّها خسفَت الأرض من تحت أرجلهم ، أو دکدکت علیهم الجبال فأهلکتهم ، أو أنّ برهاناً قاطعاً دحض حجّتهم ففضحهم ، ولم یعقل أنّ الشیخ کشف بقوله عن سوأته ، وأقام حجّةً علی شراسة أخلاقه ، فاقتدی به أبو عثمان بعقلیّته الضئیلة.

ولم یبعد عنهما ابن عبد ربّه حیث أورده فی کتابه مرتضیاً له ، ولِمَ لم یَرُق الشیخ الشرس أن یحبّ من الشیعة هذه الشین الموجودة فی الشریعة ، والشمس ، والشروق ، والشعاع ، والشهد ، والشفاعة ، والشرف ، والشباب ، والشکر ، والشهامة ، والشأن ، والشجاعة ، والشفق؟ وقد جاءت غیر واحدة من تلکم الألفاظ کلفظة الشیعة فی القرآن.

وکیف تجد الشیخ فی أکذوبته بأنّه لم یجد الشین إلاّ فی تلک الألفاظ دون هذه؟ ولعلّه کان أعور فلا یبصر ما یحاذی عینه العوراء.

أوَلیس فی وسع الشیعی أن یقول علی وتیرة الشیخ : إنّی ما أکره من السنِّی إلاّ هذه السین فی أوّل اسمه التی أجدها فی السام ، والسأم ، والسعر ، والسقر ، والسبی ، والسقم ، والسمّ ، والسموم ، والسوأة ، والسهم ، والسهو ، والسرطان ، والسرقة ، والسفه ، والسفل ، والسخب ، والسخط ، والسخف ، والسقط ، والسلّ ، والسلیطة ، والسماجة.

لکنّ الشیعة عقلاء حکماء لا یعتمدون علی التافهات ، ولا یخدشون العواطف 3.

ص: 130


1- الصافّات : 83.

بالسفاسف ، ولا یشوّهون سمعة أیّ مبدأ بمثل هذه الخرافات.

هذه نبذة من مخاریق ابن عبد ربّه ، وکم لها من نظیر ، ولو ذهبنا إلی استیعاب ما هناک لجاء کتاباً حافلاً ، وهناک له سقطات تاریخیّة کقوله فی زید الشهید : إنّه خرج بخراسان!! فقتل وصُلب (1) ، نخرج بنقدها عن موضوع البحث ولا یهمّنا الإیعاز إلیها.

وذکر ابن تیمیّة فی منهاج السنّة (2) هذه النسب والإضافات المفتعلة ، وراقه أن یُری للمجتمع أنَّه أقدر فی تنسیق الأکاذیب من سلفه ، وأنَّه أبعد منه عن أدب الصدق والأمانة فزاد علیها :

الیهود لا یخلصون السلام علی المؤمنین ، إنّما یقولون : السام علیکم - السام : الموت - وکذلک الرافضة.

الیهود لا یرون المسح علی الخفّین ، وکذلک الرافضة.

الیهود یستحلّون أموال الناس کلّهم ، وکذلک الرافضة.

الیهود تسجد علی قرونها فی الصلاة ، وکذلک الرافضة.

الیهود لا تسجد حتی تخفق برءوسها مراراً تشبیهاً بالرکوع ، وکذلک الرافضة.

الیهود یرون غشّ الناس ، وکذلک الرافضة.

وأمثال هذه من الخرافات والسفاسف ، وحسبک فی تکذیب هذه التقوّلات المعزوّة إلی الشیعة شعورک الحرُّ ، وحیطتک بفقههم ، وکتبهم ، وعقائدهم ، وأعمالهم ، وما عُرف منهم قدیماً وحدیثاً. فإلی الله المشتکی.

(وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ الَّذِی جاءَکَ مِنَ الْعِلْمِ ما لَکَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِیٍّ وَلا نَصِیرٍ) (3)0.

ص: 131


1- العقد الفرید : 2 / 146 ، 355 ، 3 / 41 [3 / 217 ، 4 / 234 ، 5 / 55]. (المؤلف)
2- منهاج السنّة : 1 / 7 - 8.
3- البقرة : 120.

2 - الانتصار

2 - الانتصار (1)

إنک غیر مائن لو سمّیته بمصدر الأکاذیب ، ولو عُزی إلیه علی عدد صفحاته (173) أکذوبة لما کذب القائل. ولو جُست خلال صحائفه لأوقفک الفحص علی العجب العجاب من کذب شائن ، وتحکّم بارد ، وتهکّم ممضّ ، ونِسَب مفتعلة ، وإنّا نرجئ إیقافک علیها إلی ظفرک بالکتاب نفسه ، فإنّه مطبوع بمصر منشور ، ولا نسوّد جبهات صحائف کتابنا بنقل هاتیک الأساطیر کلّها ، وإنّما نذکر لک نماذج منها لتعرف مقدار توغّله فی القذائف ، وتهالکه دون الطامّات ، وتغلغل الحقد فی ضمیره الدافع له إلی تشویه سمعة أمَّة کبیرة ، کریمة ، نزیهة عن کلّ ما تقوّله علیها. قال :

1 - الرافضة تعتقد أنّ ربّها ذو هیئة وصورة ، یتحرّک ، ویسکن ، ویزول ، وینتقل ، وأنّه کان غیر عالم فعلِم - إلی أن قال - : هذا توحید الرافضة بأسرها ، إلاّ نفراً منهم یسیراً صحبوا المعتزلة واعتقدوا التوحید ، فنفتهم الرافضة عنهم وتبرّأت منهم ، فأمّا جملتهم ومشایخهم مثل : هشام بن سالم ، وشیطان الطاق ، وعلیّ بن میثم ، وهشام بن الحکم ، وعلیّ بن منصور ، والسکّاک ، فقولهم ما حکیت عنهم (ص 5) (2).

2 - الرافضة تقول وهی معتقدةٌ : إنّ ربّها جسمٌ ذو هیئة وصورة ، یتحرّک ، ویسکن ، ویزول ، وینتقل ، وإنّه کان غیر عالم ثمّ علم (ص 7) (3).

3 - فهل علی وجه الأرض رافضیٌّ إلاّ وهو یقول : إنّ الله صورةٌ ، ویروی فی ذلک الروایات ، ویحتجّ فیه بالأحادیث عن أئمّتهم؟ إلاّ من صحب المعتزلة منهم قدیماً فقال بالتوحید ، فنفته الرافضة عنها ولم تقرّ به (ص 144) (4). 4.

ص: 132


1- تألیف أبی الحسین عبد الرحیم الخیّاط المعتزلی. (المؤلف)
2- الانتصار : ص 36.
3- الانتصار : ص 41.
4- الانتصار : ص 214.

4 - یرون الرافضة أن یطأ المرأة الواحدة فی الیوم الواحد مائة رجل من غیر استبراء ، ولا قضاء عدّة ، وهذا خلاف ما علیه أمّة محمد (ص 89) (1).

ستتضح جلیّة الحال فی هذه کلّها ، وأنّ الشیعة بریئةٌ منها من أوّل یومها.

(وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَکَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّکَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِینَ) (2)

3 - الفرق بین الفِرَق

تألیف أبی منصور عبد القاهر بن طاهر البغدادیّ

المتوفّی (429) فی (355) صفحة

لم یترک هذا المؤلّف فی قوس إفکه منزعاً لم یرمِ به الشیعة ، إنّما قحمه فی هذه المهلکة حسبانه فی (ص 309) (3) أنَّه لم یکن فی الروافض قطُّ إمامٌ فی الفقه ، ولا إمامٌ فی روایة الحدیث ، ولا إمامٌ فی اللغة والنحو ، ولا موثوقٌ به فی نقل المغازی والسیَر والتواریخ ، ولا إمامٌ فی التأویل والتفسیر ، وإنّما کان أئمّة هذه العلوم علی الخصوص والعموم أهل السنّة والجماعة.

وحمد الله علی ذلک ، وکأنّ هذه المزعمة عنه کانت عامّة حتی للأجیال القادمة نظراً إلی الغیب من وراء ستر رقیق ، وبذلک أمِن أن یکون من بعده من یکشف عورته ، ویطعن فی أمانته فی العزو ، أو أنّ کتب الشیعة وعلماءها المضادّة لهاتیک النسب تکذّبه بأنفسها.

وإن تعجب فعجبٌ أنَّه کان نصب عینی الرجل فی بیئته - بغداد - رجالات من 5.

ص: 133


1- الانتصار : ص 142.
2- البقرة : 145.
3- الفرق بین الفِرق : ص 247 باب 5.

الشیعة لا یُطعن فی إمامتهم فی کلّ ما ذکره من العناوین ، وکانت بیدهم أزمّة الزعامة ، کشیخ الأمّة ومعلّمها محمد بن محمد بن النعمان المفید ، وعلم الهدی سیّدنا المرتضی ، والشریف الرضی ، وأبی الحسین النجاشی ، والشیخ أبی الفتح الکراجکی ، والشریف أبی یعلی ، وسلاّر الدیلمی ، ونظرائهم ؛ فهو إمّا أنَّه لم یحسّ بهم لخلل فی حسّه المشترک ، أو أنَّه مندفعٌ إلی الإنکار بدافع الحَنَق ، وأیّا ما کان فنحن لا نبالی بما هو فیه ، وکلّ قصدنا تنبیه القارئ إلی خطّة الرجل ، حتی لا یغترّ بما له من صخب وترکاض.

ولعلّک تعرف شیئاً ممّا حوته صفحات هذا الکتاب المزوّر من الکذب ، والزور ، والبهت ، والتدجیل ، والتمویه ، عندما تقف علی کلماتنا حول ما یضاهیه من الکتب المزوّرة.

(وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ ما جاءَکَ مِنَ الْعِلْمِ ما لَکَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِیٍّ وَلا واقٍ) (1)

4 - الفِصَل فی الملل والنحل

4 - الفِصَل فی الملل والنحل (2)

یجب علی من یکتب فی الملل والنحل قبل کلّ شیء الالتزام بالصدق والأمانة أکثر ممّن یؤلّف فی التاریخ والأدب ، حتی یأمن بوائق هذا الفنّ من قذف الأمم من غیر استناد إلی رکن وثیق ، وتشویه سمعة الأبریاء بمجرّد الوهم أو الخیال ، فلا یخطّ إلاّ وهو متثبّت فی النقل ، معتمد علی أوثق المصادر ، حتی یکون ذلک مُعذِّراً له عند المولی سبحانه ، فلا یؤاخذ بالبَهت علی الناس والوقیعة فیهم.

غیر أنّ ابن حزم لم یلتزم بهذا الواجب ، بل التزم بضدّه فی کلّ ما یکتب ، ف)

ص: 134


1- الرعد : 37.
2- تألیف ابن حزم الظاهری الأندلسی : المتوفّی 456. راجع : 1 / 323. (المؤلف)

فطفق ینسّق الأقاویل ، ویروقه تکثیر المذاهب ، وقذف من یخالفه فی المبدأ. فإلیک نماذج من تحکّماته ، قال :

1 - إنّ الروافض لیسوا من المسلمین ، إنّما هی فِرَقٌ حدث أوّلها بعد موت النبیّ صلی الله علیه وسلم بخمس وعشرین سنة ، وکان مبدؤها إجابةً ممّن خذله الله لدعوة من کاد الإسلام ، وهی طائفةٌ تجری مجری الیهود والنصاری فی الکذب والکفر (1).

الجواب : لعمر الحقّ إنّ هذه جملٌ قارصة تندی منها جبهة الإنسانیّة ، ولو کان الظاهریُّ یحملها لوجب أن یتصبّب عرقاً ولکن ...

ولیت شعری! کیف یمکن سلب الإسلام عن قوم یستقبلون القبلة فی فرائضهم ، ویلهجون بالشهادتین فیها ، ویحملون القرآن ویعملون به ، ویتّبعون سنّة النبیّ الأقدس؟ وملء الدنیا کتبهم فی العقائد والأحکام ، فهی شهیدةٌ لهم علی ما قلناه بعد أعمال هم الخارجیّة.

وکیف یسع الرجل هذا الحکم الباتّ ، وآلافٌ من الشیعة هم مشایخ أعلام السنّة ورواة الحدیث فی صحاحهم الستّة وغیرها من المسانید ، وهی مراجع قومه فی معتقداتهم وأحکامهم وآرائهم؟ نظراء :

أبان بن تغلب الکوفی

إبراهیم بن یزید الکوفی

أبو عبد الله الجدلی

أحمد بن المفضّل الحفری

إسماعیل بن أبان الکوفی

إسماعیل بن خلیفة الکوفی

إسماعیل بن زکریّا الکوفی

إسماعیل بن عبد الرحمن

إسماعیل بن موسی الکوفی

تلید بن سلیمان الکوفی

ثابت أبو حمزة الثمالی

ثُویر بن أبی فاختة الکوفی

جابر بن یزید الجعفی

جریربن عبد الحمید الکوفی

جعفر بن زیاد الکوفی

جعفر بن سلیمان البصری

جُمیع بن عُمیر الکوفی

الحارث بن حصیرة الکوفی

الحارث بن عبد الله الهمدانی

حبیب بن أبی ثابت الکوفی

الحسن بن حیّ الهمدانی 8.

ص: 135


1- الفصَل : 2 / 78.

حکم بن عُتیبة الکوفی

حمّاد بن عیسی الجهنی

خالد بن مخلد القطوانی

أبوالجَحّاف[داود]بن

أبی

عوف

زبید بن الحارث الکوفی

زید بن الحباب الکوفی

سالم بن أبی الجعد الکوفی

سالم بن أبی حفصة الکوفی

سعد بن طریف الکوفی

سعید بن خثیم الهلالی

سلمة بن الفضل الأبرش

سلمة بن کهیل الحضرمی

سلیمان بن صرد الکوفی

سلیمان بن طرخان البصری

سلیمان بن قرم الکوفی

سلیمان بن مهران الکوفی

شعبة بن الحجّاج البصری

صعصعة بن صوحان العبدی

طاووس بن کیسان الهمدانی

ظالم بن عمرو الدؤلی

أبو الطفیل عامر المکّی

عبّاد بن یعقوب الکوفی

عبد الله بن داود الکوفی

عبد الله بن شداد الکوفی

عبد الله بن عمر الکوفی

عبد الله بن لهیعة الحضرمی

عبد الله بن میمون القدّاح

عبد الرحمن بن صالح الأزدی

عبد الرزاق بن همام الحمیری

عبد الملک بن أعین

عبید الله بن موسی الکوفی

عثمان بن عُمیر الکوفی

عدیّ بن ثابت الکوفی

عطیّة بن سعد الکوفی

العلاء بن صالح الکوفی

علقمة بن قیس النخعی

علیّ بن بزیمة

علیّ بن الجعد الجوهری

علیّ بن زید البصری

علیّ بن صالح

علیّ بن غراب الکوفی

علیّ بن قادم الکوفی

علیّ بن المنذر الطرایقی

علیّ بن هاشم الکوفی

عمّار بن معاویة الکوفی

عمّار بن زُریق الکوفی

عمرو بن عبد الله السبیعی

عوف بن أبی جمیلة البصری

فضل بن دکین الکوفی

فضیل بن مرزوق الکوفی

فطر بن خلیفة الکوفی

مالک بن إسماعیل الکوفی

محمد بن حازم الکوفی

محمد بن عبید الله المدنی

محمد بن فضیل الکوفی

محمد بن مسلم الطائفی

محمد بن موسی المدنی

محمد بن عمّار الکوفی

معروف بن خربوذ الکرخی

منصور بن المعتمر الکوفی

نوح بن قیس الحدّانی

هارون بن سعد الکوفی

هاشم بن البرید الکوفی

هُبیرة بن یریم الحمیری

هشام بن زیاد البصری

هشام بن عمّار الدمشقی

وکیع بن الجرّاح الکوفی

یحیی بن الجزّار الکوفی

یزید بن أبی زیاد الکوفی (1)ف)

ص: 136


1- راجع فی ترجمة هؤلاء وتفصیل حدیثهم ، المراجعات لسیّدنا المجاهد حجّة الإسلام شرف الدین : ص 41 - 105 [ص 70 - 126]. (المؤلف)

أضف إلیهم رجال الشیعة من الصحابة الأکرمین ، والتابعین الأوّلین ، وأعلام البیت العلویّ الطاهر من الذین یُحتجُّ بهم وبحدیثهم ، وأنهی أئمّة أهل السنّة إلیهم الإسناد فی الصحاح والسنن والمسانید ، وهم مصرّحون بثقتهم وعدالتهم.

فلو کانت الشیعة - کما زعمه ابن حزم - خارجین عن الإسلام ، فما قیمة تلک الصحاح ، وتلک المسانید ، وتلک السنن؟ وما قیمة مؤلّفیها أولئک المشایخ ، وأولئک الأئمّة ، وأولئک الحفّاظ؟ وما قیمة تلکم المعتقدات والآراء المأخوذة ممّن لیسوا من المسلمین؟ اللهمّ غفرانک وإلیک المصیر ، وأنت القاضی بالحق.

نعم ؛ ذنبهم الوحید الذی لا یُغفر عند ابن حزم أنّهم یُوالون علیّا أمیر المؤمنین علیه السلام وأولاده الأئمّة الأمناء - صلوات الله علیهم - اقتداءً بالکتاب والسنّة ، ومن جرّاء ذلک یستبیح صاحب الفصَل من أعراضهم ما لا یُستباح من مسلم ، والله هو الحکم الفاصل.

وأمّا ما حسبه من أنّ مبدأ التشیّع کان إجابةً ممّن خذله الله لدعوة من کاد الإسلام ، وهو یرید عبد الله بن سبأ الذی قتله أمیر المؤمنین علیه السلام إحراقاً بالنار علی مقالته الإلحادیّة ، وتبعته شیعته علی لعنه والبراءة منه.

فمتی کان هذا الرجس من الحزب العلویّ حتی تأخذ الشیعة منه مبدأها القویم؟ وهل تجد شیعیّا فی غضون أجیالها وأدوارها ینتمی إلی هذا المخذول ویمتُّ إلیه؟ لکنّ الرجل أبی إلاّ أن یقذفهم بکلّ مائنة شائنة ، ولو استشفّ الحقیقة لعلم بحقّ الیقین أنّ ملقی هذه البذرة - التشیّع - هو مشرّع الإسلام صلی الله علیه وآله وسلم یوم کان یُسمّی من یوالی علیّا علیه السلام بشیعته ، ویضیفهم إلیه ویطریهم ، ویدعو أمَّته إلی موالاته واتّباعه. راجع (ص 78).

ولتفاهة هذه الکلمة لا نسهب الإفاضة فی ردّه ، ونقتصر علی کلمة ذهبیّة للأستاذ محمد کرد علی فی خطط الشام (6 / 251) قال : أمّا ما ذهب إلیه بعض الکتّاب

ص: 137

من أنّ مذهب التشیّع من بدعة عبد الله بن سبأ المعروف بابن السوداء ، فهو وهمٌ وقلّة علم بتحقیق مذهبهم ، ومن علم منزلة هذا الرجل عند الشیعة وبراءتهم منه ومن أقواله وأعماله ، وکلام علمائهم فی الطعن فیه بلا خلاف بینهم فی ذلک ، علم مبلغ هذا القول من الصواب. انتهی.

2 - قال : کذب من قال : بأنّ علیّا کان أکثر الصحابة علماً (4 / 136) ، ثمّ بسط القول فی تقریر أعلمیّة أبی بکر وتقدّمه علی علیّ فی العلم ببیانات تافهة ، إلی أن قال : علم کلُّ ذی حظّ من العلم أنّ الذی کان عند أبی بکر من العلم أضعاف ما کان عند علیّ منه.

وقال فی تقدّم عمر علی علیّ فی العلم : علم کلُّ ذی حسّ علماً ضروریّا أنّ الذی کان عند عمر من العلم أضعاف ما کان عند علیّ من العلم! - إلی أن قال - : فبطل قول هذه الوقّاح الجهّال ، فإن عاندنا معاند فی هذا الباب جاهل أو قلیل الحیاء لاح کذبه وجهله ، فإنّا غیر مهتمّین علی حطّ أحد من الصحابة عن مرتبته.

الجواب : أنا لست أدری أأضحک من هذا الرجل جاهلاً؟ أم أبکی علیه مغفّلاً ، أم أسخر منه معتوهاً؟ فإنّ ممّا لا یدور فی أیّ خلد الشکّ فی أنّ أمیر المؤمنین علیّا علیه السلام کان یربو بعلمه علی جمیع الصحابة ، وکانوا یرج عون إلیه فی القضایا والمشکلات ، ولا یرجع إلی أحد منهم فی شیء ، وإنّ أوّل من اعترف له بالأعلمیّة نبیّ الإسلام صلی الله علیه وآله وسلم بقوله لفاطمة :

«أما ترضین أنّی زوّجتک أوّل المسلمین إسلاماً ، وأعلمهم علماً» (1).

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : لها : «زوّجتک خیر أمّتی ، أعلمهم علماً ، وأفضلهم حلماً ، وأوّلهم سِلماً» (2). ف)

ص: 138


1- مستدرک الحاکم : [3 / 140 ح 4645] ، کنز العمّال : 6 / 13 [11 / 605 ح 32925]. (المؤلف)
2- أخرجه الخطیب فی المتّفق ، السیوطی فی جمع الجوامع کما فی ترتیبه : 6 / 398 [کنز العمّال : 11 / 605 ح 32926]. (المؤلف)

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : لها : «إنّه لأوّل أصحابی إسلاماً - أو أقدم أمّتی سلماً - ، وأکثرهم علماً ، وأعظمهم حلماً» (1).

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «أعلم أمّتی من بعدی علیُّ بن أبی طالب» (2).

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «علیٌّ وعاء علمی ووصیّی وبابی الذی أوتی منه» (3).

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «علیٌّ باب علمی ومبیّن لأمّتی ما أُرسلتُ به من بعدی» (4).

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «علیٌّ خازن علمی» (5).

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «علیٌّ عیبة علمی» (6).

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «أقضی أمّتی علیّ» (7). ف)

ص: 139


1- مسند أحمد : 5 / 26 [5 / 662 ح 19796] ، الاستیعاب : 3 / 36 [القسم الثالث / 1099 رقم 1855] ، الریاض النضرة : 2 / 194 [3 / 141] ، مجمع الزوائد : 9 / 101 و 114 بطریقین ، صحّح أحدهما ووثّق رجال الآخر ، المرقاة فی شرح المشکاة : 5 / 569 [10 / 470 ح 6096] ، کنز العمّال : 6 / 153 [11 / 605 ح 32924] ، السیرة الحلبیة : 1 / 285 [1 / 268] ، سیرة زینی دحلان : 1 / 188 [1 / 91] هامش الحلبیة. (المؤلف)
2- أخرجه الدیلمی عن سلمان ، وذکره الخوارزمی فی المناقب : ص 49 [ص 82 ح 67] ، ومقتل الحسین : 1 / 43 ، المتّقی فی کنز العمّال : 6 / 153 [11 / 614 ح 32977]. (المؤلف)
3- شمس الأخبار : ص 39 [1 / 106 باب 7] ، کفایة الکنجی : ص 70 ، 93 [ص 168 باب 37]. (المؤلف)
4- أخرجه الدیلمی [فی الفردوس بمأثور الخطاب : 3 / 65 ح 4181] عن أبی ذرّ کما فی کنز العمّال : 6 / 156 [11 / 614 ح 32981] ، کشف الخفاء : 1 / 204 [ح 618]. (المؤلف)
5- شرح النهج لابن أبی الحدید : 2 / 448 [9 / 165 خطبة 154]. (المؤلف)
6- شرح النهج لابن أبی الحدید : 2 / 448 ، الجامع الصغیر للسیوطی [2 / 177 ح 5593] وجمع الجوامع له کما فی ترتیبه : 6 / 153 [کنز العمّال : 11 / 603 ح 32911 وفیه : عتبة بدل عیبة] ، شرح العزیزی : 2 / 417 [2 / 458] ، حاشیة شرح العزیزی للحفنی : 2 / 417 [2 / 458] ، مصباح الظلام : 2 / 56 [2 / 136 ح 405]. (المؤلف)
7- مصابیح البغوی : 2 / 277 [4 / 180 ح 4787] ، الریاض النضرة : 2 / 198 [3 / 147] ، مناقب الخوارزمی : ص 50 [ص 81 ح 66] ، فتح الباری : 8 / 136 [8 / 167] ، بغیة الوعاة : ص 447 [2 / 406 رقم 21]. (المؤلف)

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «أقضاکم علیّ» (1).

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «یا علیُّ أخصِمُکَ بالنبوّة ولا نبوّة بعدی ، وتَخصِم بسبعٍ - إلی أن عدّ منها - وأعلمهم بالقضیّة» وفی لفظ : «وأبصرهم بالقضیّة» (2).

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «قُسّمت الحکمة عشرة أجزاء ، فأُعطی علیٌّ تسعة أجزاء ، والناس جزءاً واحداً» (3).

وکیف کان صلی الله علیه وآله وسلم یقول لمّا یقضی علیٌّ فی حیاته : «الحمد للهِ الذی جعل الحکمة فینا أهل البیت» (4).

وإذا کان علیٌّ باب مدینة علم رسول الله وحکمته (5) ارجاع دارد بالنصوص المتواترة ق.

ص: 140


1- الاستیعاب : 3 / 38 هامش الإصابة [الاستیعاب : القسم الثالث / 1102 رقم 1855] ، مواقف القاضی الإیجی : 3 / 276 [ص 411] ، شرح ابن أبی الحدید : 2 / 235 [7 / 219 خطبة 108] ، مطالب السؤول : ص 23 ، تمییز الطیّب من الخبیث : ص 25 [ص 34 ح 184] ، کفایة الشنقیطی : ص 46. (المؤلف)
2- حلیة الأولیاء : 1 / 66 [رقم 4] ، الریاض النضرة : 2 / 198 [3 / 147] عن الحاکمی ، مطالب السؤول : ص 34 ، تاریخ ابن عساکر [12 / 139 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 17 / 315] ، کفایة الکنجی : ص 139 [ص 226 باب 59] ، کنز العمّال : 6 / 153 [11 / 617 ح 32994]. (المؤلف)
3- حلیة الأولیاء : 1 / 65 [رقم 4]، أسنی المطالب للحافظ الجزری : ص 14 [ص 71]. (المؤلف)
4- أخرجه أحمد فی المناقب [ص 168 ح 235] ، محبّ الدین الطبری فی الریاض : 2 / 194 [3 / 149]. (المؤلف)
5- ویأتی هذا الحدیث : «أنا مدینة العلم وعلیّ بابها» ومصادره والکلام علیه مشبعاً فی الجزء السادس ، فراجع. وقد ألّف فیه السیوطی جزءاً مفرداً (دلیل مخطوطات السیوطی وأماکن وجودها ص 52 رقم 138). وألّف فیه العلاّمة المحدّث أحمد بن محمد بن الصدیق أبو الفیض الغماری المغربی المتوفّی سنة 1380 کتاباً سمّاه فتح الملک العلی بصحة حدیث أنا مدینة العلم وبابها علی ، ولقد أجاد وأفاد وصحّح الحدیث بما لا مزید علیه وطبع فی مصر والعراق.

عنه صلی الله علیه وآله وسلم (1) فأیُّ أحد یُوازیه أو یُضاهیه أو یقرب منه فی شیء من العلم؟ وهذا الحدیث ممّا لا شکَّ فی صدوره عن مصدر النبوّة ، وقد أفرده بتدوین طرقه غیر واحد فی مؤلَّفات مستقلّة.

وبعده صلی الله علیه وآله وسلم عائشة ، فإنَّها قالت : علیٌّ أعلم الناس بالسنّة (2).

وعمر بقوله : علیٌّ أقضانا (3).

وقوله : أقضانا علیٌ (4).ف)

ص: 141


1- أخرجه کثیر من الحفّاظ بعدّة طرق ، وصحّحه الطبری ، وابن معین [فی معرفة الرجال : 1 / 79 رقم 231] ، والحاکم [فی المستدرک علی الصحیحین : 3 / 137 ح 4637] ، والخطیب [فی تاریخ بغداد : 11 / 48 رقم 5728] ، والسیوطی [فی تاریخ الخلفاء : ص 159] وغیرهم. (المؤلف)
2- الاستیعاب : 3 / 40 هامش الإصابة [الاستیعاب : القسم الثالث / 1104 رقم 1855] ، الریاض النضرة : 2 / 193 [3 / 141] ، مناقب الخوارزمی : ص 54 [ص 91 ح 84] ، الصواعق : ص 76 [ص 127] ، تاریخ الخلفاء : ص 115 [ص 160]. (المؤلف)
3- حلیة الأولیاء : 1 / 65 [رقم 4] ، طبقات ابن سعد : ص 459 ، 460 ، 461 [2 / 339 ، 340] الاستیعاب : 4 / 38 ، 39 هامش الإصابة [الاستیعاب : القسم الثالث / 1102 رقم 1855] ، تاریخ ابن کثیر : 7 / 359 [7 / 397 حوادث سنة 40 ه] وقال : ثبت عن عمر ، أسنی المطالب للجزری : ص 14 [ص 72] ، تاریخ الخلفاء للسیوطی : ص 115 [ص 160]. (المؤلف)
4- طبقات ابن سعد : ص 860 [2 / 339] ، الاستیعاب : 3 / 41 [القسم الثالث / 1104 رقم 1855] ، تاریخ ابن عساکر : 2 / 325 [12 / 330] ، مطالب السؤول : ص 30 ، الریاض النضرة : 2 / 198 ، 244 [3 / 147 ، 204]. (المؤلف)

ولعمر کلماتٌ مشهورةٌ تعرب عن غایة احتیاجه فی العلم إلی أمیر المؤمنین ، منها قوله غیر مرّة : لو لا علیٌّ لهلک عمر (1).

وقوله : اللهمَّ لا تبقنی لمعضلة لیس لها ابن أبی طالب (2).

وقوله : لا أبقانی الله بأرض لستَ فیها أبا الحسن (3).

وقوله : لا أبقانی الله بعدک یا علیُ (4).

وقوله : أعوذ بالله من معضلة ولا أبو حسن لها (5).

وقوله : أعوذ بالله أن أعیش فی قوم لستَ فیهم یا أبا الحسن (6).

وقوله : أعوذ بالله أن أعیش فی قومٍ لیس فیهم أبو الحسن (7).

وقوله : اللهمّ لا تنزل بی شدیدة إلاّ وأبو الحسن إلی جنبی (8). ف)

ص: 142


1- أخرجه أحمد والعقیلی وابن السمّان ، ویوجد فی الاستیعاب : 3 / 39 [القسم الثالث / 1103 رقم 1855] ، الریاض : 2 / 194 [3 / 142] ، تفسیر النیسابوری فی سورة الأحقاف [مج 11 / ج 26 / 10] ، مناقب الخوارزمی : ص 48 [ص 80 ح 65] ، شرح الجامع الصغیر للشیخ محمد الحفنی : ص 417 هامش السراج المنیر [2 / 459] ، تذکرة السبط : ص 87 [ص 147] ، مطالب السؤول : ص 13 ، فیض القدیر : 4 / 357. (المؤلف)
2- تذکرة السبط : ص 87 [ص 148] ، مناقب الخوارزمی : ص 58 [ص 97 ح 98] ، مقتل الخوارزمی : 1 / 45. (المؤلف)
3- إرشاد الساری : 3 / 195 [4 / 136]. (المؤلف)
4- الریاض النضرة : 2 / 197 [4 / 146] ، مناقب الخوارزمی : ص 60 [ص 101 ح 104] تذکرة السبط : ص 88 [ص 148] ، فیض القدیر : 4 / 357. (المؤلف)
5- تاریخ ابن کثیر : 7 / 359 [7 / 397 حوادث سنة 40 ه] ، الفتوحات الإسلامیة : 2 / 306. (المؤلف)
6- الریاض النضرة : 2 / 197 [3 / 146] ، منتخب کنز العمّال هامش مسند أحمد : 2 / 352 [منتخب کنز العمّال : 2 / 400]. (المؤلف)
7- فیض القدیر : 4 / 357 ، قال : أخرج الدارقطنی عن أبی سعید : أنّ عمر کان یسأل علیّا عن شیءٍ فأجابه. فقال عمر : أعوذ بالله ... إلخ. (المؤلف)
8- أخرجه ابن البختری کما فی الریاض : 2 / 194 [3 / 142]. (المؤلف)

وقوله : لا بقیت لمعضلة لیس لها أبو الحسن.

ترجمة علیّ بن أبی طالب (ص 79).

وقوله : لا أبقانی الله إلی أن أدرک قوماً لیس فیهم أبو الحسن (1).

حاشیة شرح العزیزی (2 / 417) ، مصباح الظلام (2 / 56).

وقال سعید بن المسیّب : کان عمر یتعوّذ بالله من معضلة لیس لها أبو الحسن (2).

وقال معاویة : کان عمر إذا أشکل علیه شیءٌ أخذه منه (3).

ولمّا بلغ معاویة قتل الإمام قال : لقد ذهب الفقه والعلم بموت ابن أبی طالب! أخرجه أبو الحجّاج البلوی فی کتابه ألف باء (1 / 222).

ثمّ الإمام السبط الحسن الزکیّ ، فإنَّه قال فی خطبة له : «لقد فارقکم رجلٌ بالأمس لم یسبقه الأوّلون ، ولا یدرکه الآخرون بعلم» (4).

وقال ابن عبّاس حبر الأمّة : والله لقد أُعطی علیُّ بن أبی طالب تسعةَ أعشار ف)

ص: 143


1- حاشیة السراج المنیر للشیخ محمد الحفنی : 2 / 458 ، مصباح الظلام وبهجة الأنام للجردانی : 2 / 136.
2- أخرجه أحمد فی المناقب [ص 155 ح 222] ، ویوجد فی الاستیعاب هامش الإصابة : 3 / 39 [الاستیعاب : القسم الثالث / 1102 رقم 1855] ، صفة الصفوة : 1 / 121 [1 / 314] ، الریاض النضرة : 2 / 194 [3 / 142] ، تذکرة السبط : ص 85 [ص 144] ، طبقات الشافعیة للشیرازی : ص 10 [طبقات الفقهاء : ص 42] ، الإصابة : 2 / 509 [رقم 5688] ، الصواعق : ص 76 [ص 127] ، فیض القدیر : 4 / 357 ، ألف باء : 1 / 222. (المؤلف)
3- مناقب أحمد [ص 155 ح 222] ، الریاض النضرة : 2 / 195 [3 / 143]. (المؤلف)
4- أخرجه أحمد [فی مسنده : 1 / 328 ح 1721] کما فی تاریخ ابن کثیر : 7 / 332 [7 / 368 حوادث سنة 40 ه] ، وأبو نعیم فی الحلیة : 1 / 65 [رقم 4] ، وابن أبی شیبة [فی المصنّف : 12 / 68 ح 12143] کما فی ترتیب جمع الجوامع : 6 / 412 [کنز العمّال : 13 / 192 ح 3674] ، وأبو الفرج ابن الجوزی فی صفة الصفوة : 1 / 121 [1 / 313]. (المؤلف)

العلم ، وایم الله لقد شارککم فی العشر العاشر (1).

وقال : ما علمی وعلم أصحاب محمد فی علم علیٍّ رضی الله عنه إلاّ کقطرة فی سبعة أبحر (2)).

وقال : العلم ستّة أسداس ، لعلیٍّ من ذلک خمسة أسداس وللناس سدسٌ ، ولقد شارکنا فی السدس حتی لَهو أعلم به منّا (3).

وقال ابن مسعود : قسّمت الحکمة عشرة أجزاء ، فأُعطی علیٌّ تسعة أجزاء والناس جزءاً واحداً ، وعلیٌّ أعلمهم بالواحد منها (4).

وقال : أعلم أهل المدینة بالفرائض علیّ بن أبی طالب (5).

وقال : کنّا نتحدّث أنَّ أقضی أهل المدینة علیٌ (6).

وقال : أفرض أهل المدینة وأقضاها علیٌ (7).

وقال : إنَّ القرآن أُنزل علی سبعة أحرف ، ما منها حرفٌ إلاّ وله ظهرٌ وبطنٌ ، ف)

ص: 144


1- الاستیعاب : 3 / 40 [القسم الثالث / 1104 رقم 1855] ، الریاض : 2 / 194 [3 / 141] ، مطالب السؤول : ص 30. (المؤلف)
2- راجع الجزء الثانی من کتابنا : ص 44 ، 45. (المؤلف)
3- مناقب الخوارزمی : ص 55 [ص 92 ح 88 ، 89] ، فرائد السمطین فی الباب ال 68 بطریقین [1 / 369 ح 298]. (المؤلف)
4- کنز العمّال : 5 / 156 ، 401 [11 / 615 ح 32982 ، 13 / 146 ح 36461] نقلاً عن غیر واحد من الحفّاظ. (المؤلف)
5- الاستیعاب : 3 / 41 [القسم الثالث / 1105 رقم 1855] ، الریاض : 2 / 194 [3 / 141]. (المؤلف)
6- مستدرک الحاکم : 3 / 135 [3 / 145 ح 4656] وصحّحه ، الاستیعاب : 3 / 41 [القسم الثالث / 1105 رقم 1855] ، أسنی المطالب للجزری : ص 14 [ص 127] ، تمییز الطیِّب من الخبیث لابن الدیبع : ص 25 [ص 34 ح 184] ، الصواعق : ص 76 [ص 127]. (المؤلف)
7- مستدرک الحاکم [3 / 145 ح 4656] ، الریاض : 2 / 198 [3 / 141] ، الصواعق : ص 76 [ص 127] ، تاریخ الخلفاء للسیوطی : ص 115 [ص 160]. (المؤلف)

وإنَّ علیّ بن أبی طالب عنده منه الظاهر والباطن. مفتاح السعادة ((1) 1 / 400).

وقال هشام بن عتیبة فی علیّ علیه السلام : هو أوّل من صلّی مع رسول الله ، وأفقهه فی دین الله ، وأَولاه برسول الله (2).

وسُئل عطاء : أکان فی أصحاب محمد أحد أعلم من علیّ؟ قال : لا والله ما أعلمه (3).

وقال عدیّ بن حاتم فی خطبة له : والله لئن کان إلی العلم بالکتاب والسنّة ، إنَّه - یعنی علیّا - لأعلم الناس بهما ، ولئن کان إلی الإسلام ، إنَّه لأخو نبیِّ الله والرأس فی الإسلام ، ولئن کان إلی الزهد والعبادة ، إنَّه لأظهر الناس زهداً وأنهکهم عبادةً ، ولئن کان إلی العقول والنحائز (4) ، إنَّه لأشدُّ الناس عقلاً ، وأکرمهم نحیزةً (5).

وقال عبد الله بن حجل فی خطبة له : أنت أعلمنا بربِّنا ، وأقربنا بنبیِّنا ، وخیرنا فی دیننا (6).

وقال أبو سعید الخدری : أقضاهم علیّ. وأخرج عبد الرزاق (7) عن قتادة مثله. فتح الباری (8) (8 / 136).

وقد امتدح جمعٌ من الصحابة أمیر المؤمنین علیه السلام فی شعرهم بالأعلمیّة ، کحسّان 7.

ص: 145


1- مفتاح السعادة : 2 / 56.
2- کتاب صفّین لنصر بن مزاحم : ص 403 [ص 355]. (المؤلف)
3- الاستیعاب : 3 / 40 [القسم الثالث / 1104 رقم 1855] ، الریاض النضرة : 2 / 194 [3 / 141] ، ألف باء : 1 / 222 ، الفتوحات الإسلامیة : 2 / 337. (المؤلف)
4- النحائز - جمع النحیزة - : الطبیعة. (المؤلف)
5- جمهرة خطب العرب : 1 / 202 [1 / 379 رقم 267]. (المؤلف)
6- جمهرة الخطب : 1 / 203 [1 / 380 رقم 268]. (المؤلف)
7- المصنّف : 11 / 225 ح 20387.
8- فتح الباری : 8 / 167.

ابن ثابت ، وفضل بن عبّاس ، وتبعهم فی ذلک أمّة کبیرة من شعراء القرون الأولی ، لا نطیل بذکرهم المقام.

والأمّة بعد أولئک کلّهم مجمعةٌ علی تفضیل أمیر المؤمنین علیه السلام علی غیره بالعلم ، إذ هو الذی ورث علم النبیِّ صلی الله علیه وآله وسلم وقد ثبت عنه بعدّة طرق قوله صلی الله علیه وآله وسلم : إنَّه وصیّه ووارثه. وفیه قال علیٌّ : «وما أرث منک یا نبیَّ الله؟ قال : ما ورّث الأنبیاء من قبلی. قال : وما ورّث الأنبیاء من قبلک؟ قال : کتاب الله وسنّة نبیِّهم».

قال الحاکم فی المستدرک (1) (3 / 126) فی ذیل حدیث وراثته النبیَّ دون عمِّه العبّاس ما نصّه : لا خلاف بین أهل العلم أنَّ ابن العمّ لا یرث مع العمِّ ، فقد ظهر بهذا الإجماع أنَّ علیّا ورث العلم من النبیِّ دونهم.

وبهذه الوراثة الثابتة صحَ عن علیّ علیه السلام قوله : «والله إنّی لأخوه ، وولیّه ، وابن عمِّه ، ووارث علمه ، فمن أحقُّ به منّی؟» (2).

وهذه الوراثة هی المتسالم علیها بین الصحابة ، وقد وردت فی کلام کثیر منهم. وکتب محمد بن أبی بکر إلی معاویة فیما کتب : یا لک الویل ، تعدل نفسک بعلیّ ، وهو وارث رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ووصیّه (3)!

فلینظر الرجل الآن إلی من یوجّه قوارصه وقذائفه؟ وما حکم من یقول ذلک ، ومن المفضّلین النبیُّ الأعظم صلی الله علیه وآله وسلم؟ وأمّا حکم من یقع فی الصحابة ، وفیمن یقع فی الإمام السبط الحسن ، وعائشة ، وعمر بن الخطاب ، وحبر الأمّة ابن عبّاس ونظرائهم ، فالمرجع فیه زملاء الرجل وعلماء مذهبه. ف)

ص: 146


1- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 136 ح 4634.
2- خصائص النسائی : ص 18 [ص 83 ح 65 ، وفی السنن الکبری : 5 / 125 ح 8450] ، مستدرک الحاکم : 3 / 126 [3 / 136 ح 4635 ، وکذا فی تلخیصه] صحّحه هو والذهبی. (المؤلف)
3- کتاب صفّین لنصر بن مزاحم : ص 133 [ص 119] ، مروج الذهب : 2 / 59 [3 / 21]. (المؤلف)

3 - قال : من قول الإمامیّة کلّها قدیماً وحدیثاً : إنَّ القرآن مبدَّلٌ ، زید فیه ما لیس منه ، ونقص منه کثیرٌ ، وبُدّل منه کثیرٌ ، حاشا علیّ بن الحسن (1) بن موسی بن محمد ، وکان إمامیّا یظاهر بالاعتزال مع ذلک ، فإنَّه کان ینکر هذا القول ویکفِّر من قاله.

الجواب : لیت هذا المجترئ أشار إلی مصدر فریته من کتاب للشیعة موثوق به ، أو حکایة عن عالم من علمائهم تقیم له الجامعة وزناً ، أو طالبٍ من روّاد علومهم ولو لم یعرفه أکثرهم ، بل نتنازل معه إلی قول جاهل من جهّالهم ، أو قرویّ من بسطائهم ، أو ثرثار کمثل هذا الرجل یرمی القول علی عواهنه.

لکن القارئ إذا فحص ونقّب لا یجد فی طلیعة الإمامیّة إلاّ نُفاة هذه الفریة ، کالشیخ الصدوق فی عقائده (2) ، والشیخ المفید (3) ، وعلم الهدی الشریف المرتضی (4) الذی اعترف له الرجل بنفسه بذلک ، ولیس بمتفرّد عن قومه فی رأیه کما حسبه المغفَّل ، وشیخ الطائفة الطوسی فی التبیان (5) ، وأمین الإسلام الطبرسی فی مجمع البیان (6) وغیرهم.

فهؤلاء أعلام الإمامیّة وحملة علومهم ، الکالئون لنوامیسهم وعقائدهم قدیماً وحدیثاً ، یوقفونک علی مَین الرجل فیما یقول ، وهذه فرق الشیعة وفی مقدَّمهم الإمامیّة مجمعة علی أنَّ ما بین الدفّتین هو ذلک الکتاب الذی لا ریب فیه ، وهو المحکوم بأحکامه لیس إلاّ. 8.

ص: 147


1- کذا فی الفصَل [4 / 182] والمحکی عنه فی کتب العامّة ، والصحیح : علیّ بن الحسین ، وهو الشریف علم الهدی المرتضی. (المؤلف)
2- الاعتقادات فی دین الإمامیّة : ص 59 باب 33.
3- أوائل المقالات : ص 93 - 95.
4- أمالی السید المرتضی : 2 / 84.
5- التبیان فی تفسیر القرآن : 1 / 3 المقدّمة.
6- مجمع البیان : 6 / 508.

وإن دارت بین شدقی أحد من الشیعة کلمة التحریف فهو یرید التأویل بالباطل بتحریف الکلم عن مواضعه ، لا الزیادة والنقیصة ، ولا تبدیل حرف بحرف ، کما یقول التحریف بهذا المعنی هو وقومه ، ویرمون به الشیعة. کما مرَّ (ص 80).

4 - قال : من الإمامیّة من یجیز نکاح تسع نسوة ، ومنهم من حرّم الکُرُنْب لأنَّه نبت علی دم الحسین ، ولم یکن قبل ذلک. (4 / 182).

الجواب : کنت أودّ أن لا یکتب هذا الرجل عزوه المختلق فی النکاح قبل مراجعة فقه الإمامیّة ، حتی یعلم أنَّهم جمعاء - من غیر استثناء أحد - لا یبیحون نکاح أکثر من أربع ، فإنّ النکاح بالتسع من مختصّات النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ولیس فیه أیّ خلاف بینهم وبین العامّة.

ولولا أنَّ هذه نسبة مائنة إلی بعض الإمامیّة لدلَّ القارئ علیه ونوّه باسمه أو بکتابه ، لکنه لم یعرفه ولا قرأ کتابه ولا سمعت أذناه ذکره ، غیر أنّ حقده المحتدم أبی إلاّ أن یفتری علی بعضهم ، حیث لم تسعه الفریة علی الجمیع.

کما کنت أودّ أن لا یُملی عن الکُرُنب حدیثاً یفتری به قبل استطراقه بلاد الشیعة ، حتی یجدهم کیف یزرعون الکُرُنب ویستمرءون أکله مزیجاً بمطبوخ الأرز ومقلیّ القمح - البُرغُل - یفعل ذلک علماؤهم والعامّة منهم ، وأعالیهم وساقتهم ، وما سمعت أذنا أحد منهم کلمة حظر عن أحد منهم ، ولا نقل عن محدّث ، أو مؤرخ ، أو لغویّ ، أو قصّاص ، أو خضروی ، بأنَّه نبت علی دم الحسین علیه السلام ولم یکن قبل ذلک.

لکن الرجل لیس بمنتأیً عن الکذب ، وإن طرق البلاد وشاهد ذلک کلّه بعینه ، لأنّه أراد فی خصوص المقام تشویه سمعة القوم بکذب لا یشارکه فیه أحدٌ من قومه.

5 - قال : وجدنا علیّا رضی الله عنه تأخّر عن البیعة ستّة أشهر ، فما أکرهه أبو بکر علی البیعة حتی بایع طائعاً مراجعاً غیر مکره (ص 96). وقال (ص 97) : وأظرف من هذا کلّه بقاء علیّ ممسکاً عن بیعة أبی بکر رضی الله عنه ستّة أشهر ، فما سُئِلها ولا أُجبر علیها

ص: 148

ولا کُلّفها ، وهو متصرّفٌ بینهم فی أموره ، فلو لا أنَّه رأی الحقَّ فیها واستدرک أمره ، فبایع طالباً حظَّ نفسه فی دینه راجعاً إلی الحقّ لما بایع.

دعا الأنصار إلی بیعة سعد بن عبادة ، ودعا المهاجرون الی بیعة أبی بکر ، وقعد علیّ رضی الله عنه فی بیته لا إلی هؤلاء ولا إلی هؤلاء ، لیس معه أحد غیر الزبیر بن العوام ، ثمَّ استبان الحقّ للزبیر رضی الله عنه فبایع سریعاً ، وبقی علیّ وحده لا یرقب علیه.

الجواب : أنا لا أحوم حول هذا الموضوع ، ولا أولّی وجهی شطر هذه الأکاذیب الصریحة ، ولا أقابل هذا التدجیل والتمویه علی الحقیقة والجنایة علی الإسلام وتاریخه ، لکنّی أقول : إقرأ هذا ثمّ انظر إلی ما ذکره الأستاذ الفذّ عبد الفتّاح عبد المقصود فی کتابه - الإمام علیّ بن أبی طالب (1) (ص 225) - فإنَّه زبدة المخض ، قال :

واجتمعت جموعهم آونة فی الخفاء وأخری علی ملأ یدعون إلی ابن أبی طالب ، لأنَّهم رأوه أولی الناس بأن یلی أمور الناس ، ثمَّ تألّبوا حول داره یهتفون باسمه ویدعونه أن یخرج إلیهم لیردّوا علیه تراثه المسلوب ، ... فإذا المسلمون أمام هذا الحدث مخالف أو نصیر ، وإذا بالمدینة حزبان ، وإذا بالوحدة المرجوّة شقّان أوشکا علی انفصال ، ثمَّ لا یعرف غیر الله ما سوف تؤول إلیه بعد هذا الحال ، ... فهلاّ کان علیّ کابن عبادة حریّا فی نظر ابن الخطّاب بالقتل حتی لا تکون فتنة ولا یکون انقسام؟

کان هذا أولی بعنف عمر إلی جانب غیرته علی وحدة الإسلام ، وبه تحدّث الناس ولهجت الألسن کاشفة عن خلجات خواطر جرت فیها الظنون مجری الیقین ، فما کان لرجل أن یجزم أو یعلم سریرة ابن الخطّاب ، ولکنَّهم جمیعاً ساروا وراء الخیال ، ولهم سند ممّا عرف عن الرجل دائماً من عنف ومن دفعات ، ولعلَّ فیهم من 1.

ص: 149


1- المجموعة الکاملة للإمام علیّ بن أبی طالب علیه السلام : مج 1 / ج 1 / 189 - 191.

سبق بذهنه الحوادث علی متن الاستقراء ، فرأی بعین الخیال قبل رأی العیون ثبات علیّ أمام وعید عمر لو تقدّم هذا منه یطلب رضاءه وإقراره لأبی بکر بحقّه فی الخلافة ، ولعلّه تمادی قلیلاً فی تصوّر نتائج هذا الموقف وتخیّل عقباه ، فعاد بن تیجة لازمة لا معدی عنها ، هی خروج عمر عن الجادّة ، وأخذه هذا المخالف العنید بالعنف والشدّة!

وکذلک سبقت الشائعات خطوات ابن الخطّاب ذلک النهار ، وهو یسیر فی جمع من صحبه ومعاونیه إلی دار فاطمة ، وفی باله أن یحمل ابن عمّ رسول الله - إن طوعاً وإن کرهاً - علی إقرار ما أباه حتی الآن. وتحدّث أناس بأنَّ السیف سیکون وحده متن الطاعة! ... وتحدّث آخرون بأنَّ السیف سوف یلقی السیف! ... ثمَّ تحدّث غیر هؤلاء وهؤلاء بأنّ النار هی الوسیلة المثلی إلی حفظ الوحدة وإلی الرضا والإقرار! ... وهل علی ألسنة الناس عقال یمنعها أن تروی قصّة حطب أمر به ابن الخطّاب فأحاط بدار فاطمة ، وفیها علیٌّ وصحبه ، لیکون عدة الإقناع أو عدة الإیقاع؟

علی أنَّ هذه الأحادیث جمیعها ومعها الخطط المدبَّرة أو المرتجلة کانت کمثل الزبد ، أسرع إلی ذهاب ومعها دفعة ابن الخطّاب ... أقبل الرجل محنقاً مندلع الثورة علی دار علیّ ، وقد ظاهره معاونوه ومن جاء بهم فاقتحموها أو أوشکوا علی اقتحام ، فإذا وجهٌ کوجه رسول الله یبدو بالباب حائلاً من حزن ، علی قسماته خطوط آلام ، وفی عینیه لمعات دمع ، وفوق جبینه عبسة غضب فائر وحنق ثائر ...

وتوقّف عمر من خشیة وراحت دفعته شعاعاً ، وتوقّف خلفه أمام الباب صحبه الذین جاء بهم ، إذ رأوا حیالهم صورة الرسول تطالعهم من خلال وجه حبیبته الزهراء ، وغضّوا الأبصار من خزیٍ أو من استحیاء ، ثمَّ ولّت عنهم عزمات القلوب وهم یشهدون فاطمة تتحرّک کالخیال وئیداً وئیداً بخطوات المحزونة الثکلی ، فتقترب من ناحیة قبر أبیها ... وشخصت منهم الأنظار وأرهفت الأسماع إلیها ، وهی ترفع

ص: 150

صوتها الرقیق الحزین النبرات ، تهتف بمحمد الثاوی بقربها ، تنادیه باکیة مریرة البکاء :

یا أبت رسول الله! ... یا أبت رسول الله! ...

فکأنَّما زلزلت الأرض تحت هذا الجمع الباغی من رهبة النداء ...

وراحت الزهراء ، وهی تستقبل المثوی الطاهر ، تستنجد بهذا الغائب الحاضر :

یا أبت رسول الله! ... ما ذا لقینا بعدک من ابن الخطّاب وابن أبی قحافة؟

فما ترکت کلماتها إلاّ قلوباً صدعها الحزن ، وعیوناً جرت دمعاً ، ورجالاً ودّوا لو استطاعوا أن یشقّوا مواطئ أقدامهم لیذهبوا فی طوایا الثری مغیَّبین. انتهی.

قال الأمینی : راجع (1) الإمامة والسیاسة (1 / 13) ، تاریخ الطبری (3 / 198) ، العقد الفرید (2 / 257) ، تاریخ أبی الفداء (1 / 165) ، تاریخ ابن شحنة فی حوادث سنة (11) ، شرح ابن أبی الحدید (2 / 19).

6 - قال : الرافضة تجیز إمامة المرأة والحمل فی بطن أمّه (ص 110).

الجواب : هل تری هذا الرجل عند کتابته هذه الکلمة ، وکذلک عند بقیّة فتاواه المجرَّدة عن أیِّ مصدر ، وقف علی شیء من کتب الشیعة فی الکلام والعقائد وخصوص مبحث الإمامة ، ووجد هذا الاختلاق مثبتاً فی شیء منها؟ بل یمکننا أن نتنازل معه إلی سواد علی بیاضٍ خطّته یمین أیِّ شیعیّ جاهلٍ فضلاً عن علمائهم جاء فیه هذا البهتان العظیم.

لقد عرف الشیعة بأنَّ الإمامیّة منهم یحصرون الإمامة فی اثنی عشر رجلاً 6.

ص: 151


1- الإمامة والسیاسة : 1 / 19 ، تاریخ الأمم والملوک : 3 / 202 حوادث سنة 11 ه ، العقد الفرید : 4 / 86 ، 87 ، تاریخ ابن شحنة : 1 / 189 ، شرح نهج البلاغة : 6 / 46 خطبة 66.

لیست فیهم امرأة ، ویفنّدون کلّ خارج عن هذا العدد ، وأمّا الفرق الأخری منها من الزیدیّة ، والإسماعیلیّة ، وحتی المنقرضة من فرقها کالکیسانیّة وأشباههم فینهون الإمامة إلی أناس معیَّنین کلّهم من الرجال ، غیر ما اختلقه الشهرستانی فی الملل والنحل من الاختلاف الواقع فی أمر فاطمة بنت الإمام الهادی ، وستقف علی تفنیده وأنَّه علیه السلام لم یخلّف بنتاً اسمها فاطمة ، ولو کانت الشیعة تجوّز الإمامة لامرأة لما عَدَتْ بها عن الصدّیقة الطاهرة فاطمة - وهی هی - ولکنّها لا تقول لها فیها.

لم یلتفت الرجل إلی شیء من هذه ، لکنّه حسب عند تألیف هذا الکتاب أنّ الأجیال الآتیة لا تلدُ منقّبین یناقشونه الحساب ، یمیّزون بین الحقائق والأوهام ، ویوقظون الأمّة للفصل بین الصحیح والسقیم ، فطفق یأفک ویمین (1) غیر مکترث بما سوف یلاقیه من سوء الحساب.

ولیت شعری بما ذا یجیب الرجل إذا سئل عن أنَّ الشیعة متی جوّزت إمامة الحمل فی بطن أمِّه؟

وأیّ أحد من أیّ فرقة منهم ذهب إلی إمامة حمل لم یولد بعد؟

وأیّ حمل قالوا بإمامته؟

ومتی کان ذلک؟

ومن ذا الذی نقله عنه؟

وممّن سمعه؟

نعم ؛ إنَّ الشیاطین لیوحون إلی أولیائهم.

7 - قال : إنَّ محبّة النبیّ علیه السلام لمن أحبّ لیس فضلاً ، لأنَّه قد أحبَّ عمّه وهو کافر (ص 123).

وقال فی (ص 124) : وإن کان رسول الله صلی الله علیه وسلم أحبَّ أبا طالب فقد حرّم الله تعالیب.

ص: 152


1- من المَیْن وهو الکذب.

علیه بعد ذلک ونهاه عن محبّته ، وافترض علیه عداوته.

الجواب : النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وإن أکّد علی صلة الأرحام ، لکنَّه کان یری الکفر حاجزاً عنها وإن تأکّدت معه وشائج الرحم ، ولذلک قلی أبا لهب وهتف بالبراءة منه بسورة مستقلّة ، ولم یرفع قید الأسار عن عمِّه العبّاس وابن عمّه عقیل إلاّ بعد تظاهرهما بالإسلام ، وأجری علیهما حکم الفدیة مع ذلک ، وفرّق بین ابنته زینب وزوجها أبی العاص طیلة مقامه علی الکفر حتی أسلم وسلم.

فلم یکن محبّة النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم لمن یحبّه إلاّ لثباته فی الإیمان ورسوخ کلمة الحقّ وتمکّنه من فؤاده ، فهو إذا أحبَّ أحداً کان ذلک آیة تضلّعه فی الدین وتحلّیه بالیقین ، وهذه قضیّة قیاسها معها ، وهی مرتکزة فی القلوب جمعاء ، حتی أنّ ابن حزم نفسه احتجّ بأفضلیّة عائشة علی جمیع الأمّة بعد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بحدیث باطل رواه ، من أنَّه صلی الله علیه وآله وسلم قال لها : أنتِ أحبّ الناس إلیَّ.

وأمّا أبو طالب فقد اعترف الرجل بمحبّة النبیّ له أوّلاً ، ونحن نصدّقه علی ذلک ونراه فضلاً له وأیَّ فضل.

وأمّا دعواه تحریم المحبّة بعد ذلک ، ونهی الله عنها ، وأمره بعداوته ، فغیر مقرونة بشاهد ، وهل یسعه دعوی الفرق بین یومی النبیّ معه قبل التحریم وبعده؟

وهل یمکنه تعیین الیوم الذی قلاه فیه أو السنة التی هجره فیها وافترضت علیه عداوته؟

التاریخ خلو من ذلک کلّه ، بل یُعلمنا الحدیث والسیرة أنَّه صلی الله علیه وآله وسلم لم یفارقه حتی قضی أبو طالب نحبه ، فطفق یؤبّنه وقال لعلیّ : «اذهب فاغسله وکفّنه وواره ، غفر الله له ورحمه» (1) ، ورثاه علیّ بقوله : ف)

ص: 153


1- طبقات ابن سعد : 1 / 105 [1 / 124]. (المؤلف)

أبا طالبٍ عِصمةَ المستجیر

وغیثَ الُمحول ونورَ الظُّلَمْ

لقد هدَّ فقدُک أهلَ الحفاظِ

فصلّی علیکَ ولیُّ النعمْ

ولقّاک ربّک رضوانَهُ

فقد کنت للطهْرِ من خیر عمْ (1)

فمن أراد الوقوف علی الحقیقة فی ترجمة شیخ الأبطح أبی طالب فعلیه بکتاب العلاّمة البرزنجیّ الشافعیّ وتلخیصه الموسوم بأسنی المطالب لمفتی الشافعیّة السیّد أحمد زینی دحلان (2).

8 - قال : لسنا من کذب الرافضة فی تأویلهم (وَیُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلی حُبِّهِ مِسْکِیناً وَیَتِیماً وَأَسِیراً) (3) وأنَّ المراد بذلک علیٌّ رضی الله عنه بل هذا لا یصحُّ ، بل الآیة علی عمومها وظاهرها لکلِّ من فعل ذلک (4 / 146).

الجواب : إن الواقف علی هذه الأضحوکة یعرف موقع الرجل من التدجیل ، لحسبانه أنَّ فی مجرَّد عزو هذا التأویل إلی الرافضة فحسب ، وقذفهم بالکذب ، وإتباع ذلک بعدم الصحّة حطّا فی کرامة الحدیث الوارد فی الآیة الشریفة ، وهو یعلم أنَّ أمّة کبیرة من أئمّة التفسیر والحدیث یروون ذلک ، ویثبتونه مسنداً فی مدوّناتهم. وإن کان لا یدری فتلک مصیبةٌ.

وهذا الحافظ أبو محمد العاصمی أفرد ذلک کتاباً فی مجلّدین أسماه زین الفتی فی تفسیر سورة هل أتی ، وهو کتابٌ ضخمٌ فخمٌ ممتعٌ ، ینمّ عن فضل مؤلّفه وسعة إحاطته بالحدیث ، وتعالی مقدرته فی الکلام والتنقیب ، مع أنَّ فی غضونه سقطات تلائم مذهبه وخطّة قومه. 8.

ص: 154


1- تذکرة السبط : ص 6 [ص 9]. (المؤلف)
2- سیوافیک البحث عن إیمان أبی طالب علیه السلام مفصّلاً فی الجزء السابع والثامن من کتابنا هذا. (المؤلف)
3- الإنسان : 8.

أو یزعم المغفَّل أنَّ أولئک أیضاً من الرافضة؟ أو یحسبهم جهلاء بشرائط صحّة الحدیث؟ أم أنّه لا یعتدُّ بکلّ ما وافق الرافضة وإن کان مخرجاً بأصحّ الأسانید؟ وکیف ما کان فقد رواه :

1 - أبو جعفر الإسکافی : المتوفّی (240). قال فی رسالته (1) التی ردَّ بها علی الجاحظ : لسنا کالإمامیّة الذین یحملهم الهوی علی جحد الأمور المعلومة ، ولکنّنا ننکر تفضیل أحد من الصحابة علی علیّ بن أبی طالب ، ولسنا ننکر غیر ذلک - إلی أن قال - : وأمّا إنفاقه فقد کان علی حسب حاله وفقره ، وهو الذی أطعم الطعام علی حبّه مسکیناً ویتیماً وأسیراً ، وأنزلت فیه وفی زوجته وابنیه سورة کاملة من القرآن.

2 - الحکیم أبو عبد الله محمد بن علیّ الترمذی : کان حیّا فی سنة (285). ذکره فی نوادر الأصول (2) (ص 64).

3 - الحافظ محمد بن جریر الطبری ، أبو جعفر : المتوفّی (310). ذکره فی سبب نزول - هل أتی - کما فی الکفایة (3).

4 - شهاب الدین بن عبد ربّه المالکیّ : المتوفّی (328). ذکر فی العقد الفرید (4) (3 / 42 - 47) حدیث احتجاج المأمون الخلیفة العبّاسی علی أربعین فقیهاً،وفیه :

قال : یا إسحاق ، هل تقرأ القرآن؟ قلت : نعم.

قال : اقرأ علیَّ : (هَلْ أَتی عَلَی الْإِنْسانِ حِینٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ یَکُنْ شَیْئاً مَذْکُوراً) فقرأت منها حتی بلغت : (یَشْرَبُونَ مِنْ کَأْسٍ کانَ مِزاجُها کافُوراً) إلی قوله : 9.

ص: 155


1- نقض العثمانیة : ص 318.
2- نوادر الأصول : 1 / 154 الأصل 44.
3- کفایة الطالب : ص 345 باب 97.
4- العقد الفرید : 5 / 59.

(وَیُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلی حُبِّهِ مِسْکِیناً وَیَتِیماً وَأَسِیراً) (1). قال : علی رسلک ، فی من أنزلت هذه الآیات؟ قلت : فی علیّ. قال : فهل بلغک أنّ علیّا حین أطعم المسکین والیتیم والأسیر قال : إنَّما نطعمکم لوجه الله؟ وهل سمعت الله وصف فی کتابه أحداً بمثل ما وصف به علیّا؟ قلت : لا. قال : صدقت لأنّ الله - جلَّ ثناؤه - عرف سیرته.

یا إسحاق ألست تشهد أنَّ العشرة فی الجنّة؟ قلت : بلی یا أمیر المؤمنین. قال : أرأیت لو أنَّ رجلاً قال : والله ما أدری هذا الحدیث صحیح أم لا ، ولا أدری إن کان رسول الله قاله أم لم یقله ، أکان عندک کافراً؟ قلت : أعوذ بالله. قال : أرأیت لو أنَّه قال : ما أدری هذه السورة من کتاب الله أم لا ، کان کافراً؟ قلت : نعم. قال : یا إسحاق أری بینهما فرقاً.

5 - الحاکم أبو عبد الله النیسابوری : المتوفّی (405). ذکره فی مناقب فاطمة - سلام الله علیها - کما فی الکفایة (2).

6 - الحافظ ابن مردویه أبو بکر الأصبهانی : المتوفّی (416). أخرجه فی تفسیره ، حکاه عنه جمع ، وقال الآلوسی فی روح المعانی (3) بعد نقله عنه : والخبر مشهور.

7 - أبو إسحاق الثعلبی : المتوفّی (427 ، 437) : فی تفسیره الکشف والبیان (4).

8 - أبو الحسن الواحدی النیسابوری : المتوفّی (468). فی تفسیره البسیط ، وأسباب النزول (5) (ص 331). 6.

ص: 156


1- الإنسان : 1 و 5 و 8.
2- کفایة الطالب : ص 348.
3- روح المعانی : 29 / 157.
4- الکشف والبیان : الورقة 219 ، 266 سورة الإنسان.
5- أسباب النزول : ص 296.

9 - الحافظ أبو عبد الله محمد بن فتوح الأزدی الأندلسی ، الشهیر بالحمیدی : المتوفّی (488). ذکره فی فوائده.

10 - أبو القاسم الزمخشری : المتوفّی (538). فی الکشّاف (1) (2 / 511)

11 - أخطب الخطباء الخوارزمی : المتوفّی (568). فی المناقب (2) (ص 180).

12 - الحافظ أبو موسی المدینی : المتوفّی (581). فی الذیل ، کما فی الإصابة (3).

13 - أبو عبد الله فخر الدین الرازی : المتوفّی (606). فی تفسیره (4) (8 / 276).

14 - أبو عمرو عثمان بن عبد الرحمن المعروف بابن الصلاح الشهرزوری الشرخانی : المتوفّی (643) کما یأتی عنه فی الکفایة (5).

15 - أبو سالم محمد بن طلحة الشافعیّ : المتوفّی (652). ذکره فی مطالب السؤول (ص 31) وقال : رواه الإمام أبو الحسن علیّ بن أحمد الواحدی وغیره من أئمّة التفسیر. ثمّ قال : فکفی بهذه عبادةً ، وبإطعام هذا الطعام مع شدّة حاجتهم إلیه منقبةً ، ولولا ذلک لما عظمت هذه القصّة شأناً وعلت مکاناً ، ولما أنزل الله تعالی فیها علی رسول الله قرآناً. وله فی (ص 8) قوله :

همُ العروةُ الوثقی لمعتصمٍ بها

مناقبهُمْ جاءت بوحیٍ وإنزالِ

مناقبُ فی الشوری وسورةِ هل أتی

وفی سورةِ الأحزابِ یعرفُها التالی

وهم أهلُ بیتِ المصطفی فودادُهمْ

علی الناسِ مفروضٌ بحکمٍ وإسجالِ8.

ص: 157


1- تفسیر الکشّاف : 4 / 670.
2- المناقب : ص 267 - 280 ح 250 - 252.
3- الإصابة : 4 / 387 رقم 875.
4- التفسیر الکبیر : 30 / 244.
5- کفایة الطالب : ص 348.

16 - أبو المظفّر سبط ابن الجوزی الحنفیّ : المتوفّی (654). رواه فی تذکرته (1) من طریق البغوی والثعلبی ، وردَّ علی جدِّه ابن الجوزی فی إخراجه فی الموضوعات ، وقال بعد تنزیه سنده عن الضعف : والعجب من قول جدّی وإنکاره ، وقد قال فی کتاب المنتخب : یا علماء الشرع أعلمتم لِمَ آثر علیٌّ وفاطمة وترکا الطفلین - الحسنین - علیهما أثر الجوع؟ أتراهما خفی عنهما سرُّ ذلک (2))؟ ما ذاک إلاّ لأنَّهما علما قوّة صبر الطفلین ، وأنَّهما غصنان من شجرة الظلّ عند ربّی ، وبعض من جملة فاطمة بضعةٌ منّی ، وفرخ البطّ سابح (3).

17 - عزّ الدین عبد الحمید الشهیر بابن أبی الحدید المعتزلیّ : المتوفّی (655). فی شرح نهج البلاغة (4) (3 / 257).

18 - الحافظ أبو عبد الله الکنجی الشافعیّ : المتوفی (658) فی الکفایة (5) (ص 201) وقال بعد ذکر الحدیث : هکذا رواه الحافظ أبو عبد الله الحمیدی فی فوائده ، ورواه الحاکم أبو عبد الله فی مناقب فاطمة ، ورواه ابن جریر الطبری أطول من هذا فی سبب نزول هل أتی.

وقد سمعت الحافظ العلاّمة أبا عمرو عثمان بن عبد الرحمن المعروف بابن الصلاح فی درس التفسیر فی سورة هل أتی ، وذکر الحدیث وقال فیه : إنَّ السؤّال کانوا ملائکة من عند ربّ العالمین ، وکان ذلک امتحاناً من الله عزّ وجلّ لأهل بیت رسول الله صلی الله علیه وسلم.

وسمعت بمکّة - حرسها الله تعالی - من شیخ الحرم بشیر التبریزی ، فی درس 7.

ص: 158


1- تذکرة الخواص : ص 313 - 316.
2- فی المصدر : أتراهما خفی عنهما سرّ : ابدأ بمن تعول؟
3- فی النسخة تصحیف. (المؤلف)
4- شرح نهج البلاغة : 13 / 276 خطبة 238.
5- کفایة الطالب : ص 348 باب 97.

التفسیر : أنَّ السائل الأوّل کان جبرئیل ، والثانی میکائیل ، والثالث کان إسرافیل علیهم السلام.

19 - القاضی ناصر الدین البیضاوی : المتوفّی (685). فی تفسیره (1) (2 / 571).

20 - الحافظ محبّ الدین الطبری : المتوفّی (694). فی الریاض النضرة (2) (2 / 207 ، 227) وقال : وهذا قول الحسن وقتادة.

21 - الحافظ أبو محمد بن أبی جمرة الأزدی الأندلسی : المتوفّی (699). فی بهجة النفوس (4 / 225).

22 - حافظ الدین النسفی : المتوفّی (701 ، 710). فی تفسیره (3) هامش تفسیر الخازن (4 / 458) ، رواه فی سبب نزول الآیة ، ولم یرو غیره.

23 - شیخ الإسلام أبو إسحاق الحمّوئی : المتوفّی (722) فی فرائد السمطین (4)

24 - نظام الدین القمّی النیسابوری : فی تفسیره (5) ، هامش الطبری (29 / 112) وقال : ذکر الواحدی فی البسیط ، والزمخشری فی الکشّاف ، وکذا الإمامیّة أطبقوا علی أنَّ السورة نزلت فی أهل بیت النبیّ صلی الله علیه وسلم ولا سیّما فی هذه الآی - ثمَّ ذکر حدیث الإطعام فقال : - ویروی أنَّ السائل فی اللیالی : جبرئیل ، أراد بذلک ابتلاءهم بإذن الله سبحانه.

25 - علاء الدین علیّ بن محمد الخازن البغدادی : المتوفّی (741). فی تفسیره (6) (4 / 358) ذکر أوّلاً نزولها فی علیّ علیه السلام وأخرج حدیثه ، ثمَّ قال : وقیل : الآیة9.

ص: 159


1- تفسیر البیضاوی : 2 / 552.
2- الریاض النضرة : 3 / 183.
3- تفسیر النسفی : 3 / 318.
4- فرائد السمطین : 2 / 53 ح 383 باب 21.
5- غرائب القرآن : مج 12 / ج 29 / 112.
6- تفسیر الخازن : 4 / 339.

عامّة فی کلّ من أطعم ، موعزاً إلی ضعف بقیل ، مع أنَّ القول بالعموم لا ینافی نزولها فی أمیر المؤمنین علیه السلام کما لا یخفی لانحصار المصداق به.

26 - القاضی عضد الإیجی : المتوفّی (756). فی المواقف (1) (3 / 278).

27 - الحافظ ابن حجر : المتوفّی (852). فی الإصابة (4 / 387) من طریق أبی موسی فی الذیل ، والثعلبی فی تفسیر سورة - هل أتی - عن مجاهد ، عن ابن عبّاس.

28 - الحافظ جلال الدین السیوطی : المتوفّی (911). فی الدرّ المنثور (2) (6 / 299) من طریق ابن مردویه.

29 - أبو السعود العمادی محمد بن محمد الحنفی : المتوفّی (982). فی تفسیره (3) هامش تفسیر الرازی (8 / 318).

30 - الشیخ إسماعیل البروسوی : المتوفّی (1137). فی تفسیره روح البیان (10 / 268 - 269).

31 - الشوکانی : المتوفّی (1173). فی تفسیره فتح القدیر (4) (5 / 338)

32 - الأستاذ محمد سلیمان محفوظ : فی أعجب ما رأیت (1 / 10) وقال : رواه أهل التفسیر.

33 - السیّد الشبلنجی : فی نور الأبصار (5) (ص 12 - 14).

34 - السیّد محمود القراغولی البغدادیّ الحنفیّ : فی جوهرة الکلام (ص 56) 9.

ص: 160


1- المواقف : ص 411.
2- الدرّ المنثور : 8 / 371.
3- تفسیر أبی السعود : 9 / 73.
4- فتح القدیر : 5 / 349.
5- نور الأبصار : ص 227 - 229.

لفظ الحدیث

قال ابن عبّاس رضی الله عنه : إنَّ الحسن والحسین مرضا فعادهما رسول الله صلی الله علیه وسلم فی ناسٍ معه ، فقالوا : یا أبا الحسن ، لو نذرت علی ولَدَیک. فنذر علیّ ، وفاطمة ، وفضّة - جاریة لهما - إن برئا ممّا بهما أن یصوموا ثلاثة أیّام. فشفیا وما معهم شیء ، فاستقرض علیّ من شمعون الخیبریّ الیهودیّ ثلاثة أصوع من شعیر ، فطحنت فاطمة صاعاً ، واختبزت خمسة أقراص علی عددهم ، فوضعوها بین أیدیهم لیفطروا ، فوقف علیهم سائل فقال : السلام علیکم أهل بیت محمد ، مسکین من مساکین المسلمین أطعمونی ، أطعمکم الله من موائد الجنّة. فآثروه وباتوا لم یذوقوا إلاّ الماء وأصبحوا صیّاماً. فلمّا أمسوا ووضعوا الطعام بین أیدیهم وقف علیهم یتیم فآثروه ، ووقف علیهم أسیر فی الثالثة ففعلوا مثل ذلک. فلمّا أصبحوا أخذ علی رضی الله عنه بید الحسن والحسین وأقبلوا إلی رسول الله صلی الله علیه وسلم ، فلمّا أبصرهم - وهم یرتعشون کالفراخ من شدّة الجوع - قال : «ما أشدّ ما یسوؤنی ما أری بکم!» وقام فانطلق معهم ، فرأی فاطمة فی محرابها قد التصق ظهرها ببطنها ، وغارت عیناها ، فساءه ذلک فنزل جبریل وقال : خذها یا محمد ، هنّأک الله فی أهل بیتک ، فأقرأه السورة.

هذا لفظ جمع من الأعلام المذکورین ، وهناک لفظ آخر ضربنا عنه صفحاً.

9] - قال : قال رسول الله صلی الله علیه وسلم : لو کنت متّخذاً خلیلاً لاتّخذت أبا بکر خلیلاً ، ولکن أخی وصاحبی. وهذا الذی لا یصحُّ غیره ، وأمّا أخوّة علیّ فلا تصحُّ إلاّ مع سهل بن حنیف (1).

الجواب : أنا لا أروم الکلام حول حدیث رآه صحیحاً ، ولا أناقش فی صدوره ، ولا أزیّفه بما زیّف عمر بن الخطّاب حدیث الکتف والدواة ، إذ هذا لدة ذاک 7.

ص: 161


1- الفِصَل : 4 / 147.

صدرا فی مرض وفاته صلی الله علیه وآله وسلم کما فی الصحیحین (1) ، ولا أقول بما قال ابن أبی الحدید فی شرحه (2) (3 / 17) من أنَّه موضوع وضعته البکریّة فی مقابلة حدیث الإخاء.

وأنا لا أبسط القول فی مفاده بما یستفاد من کلام ابن قتیبة فی تأویل مختلف الحدیث (3) (ص 51) من أنَّ الأخوّة هناک منزّلة بالأخوّة الإسلامیّة العامّة الثابتة بقوله تعالی : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) (4) نظیر ما ورد عنه صلی الله علیه وآله وسلم من قوله لعمر : یا أخی (5) ، ولزید : أنت أخونا (6) ، ولأسامة : یا أخی (7). وإنَّما یفسّر تلک الأخوّة لفظ البخاری (8) ، ومسلم (9)) ، والترمذی (10) : «لو کنت متّخذاً خلیلاً لاتّخذت أبا بکر خلیلاً ، ولکن أخوّة الإسلام ومودّته». کما أنَّ الخلّة المنتفیة فیه هی الخلّة بالمعنی الخاصّ ، لا الخلّة العامّة الثابتة بقوله تعالی : (الْأَخِلاَّءُ یَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِینَ) (11).

فلم تکن هی تلک الأخوّة بالمعنی الخاص التی تمّت یومی المؤاخاة (12) بوحی من الله العزیز ، وکانت علی أساس الم شاکلة والمماثلة بین کلّ اثنین فی الدرجات النفسیّة ، کما ستسمعه عن غیر واحد من الأعلام ، ووقعت المؤاخاة فیهما بین أبی بکر ف)

ص: 162


1- صحیح البخاری : 4 / 1612 ح 4168 و 4169 ، صحیح مسلم : 3 / 455 ح 22 کتاب الوصیّة.
2- شرح نهج البلاغة : 11 / 49 خطبة 203.
3- تأویل مختلف الحدیث : ص 63.
4- الحجرات : 10.
5- الریاض النضرة : 2 / 6 [2 / 272]. (المؤلف)
6- خصائص النسائی : ص 19 [ص 205 ح 194 ، وفی السنن الکبری : 5 / 169 ح 8579]. (المؤلف)
7- تاریخ ابن عساکر : 6 / 9 [6 / 623 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 9 / 139]. (المؤلف)
8- صحیح البخاری : 3 / 1338 ح 3457.
9- صحیح مسلم : 5 / 8 ح 3 کتاب فضائل الصحابة.
10- سنن الترمذی : 5 / 569 ح 3661.
11- الزخرف : 67.
12- وقعت المؤاخاة مرّتین : إحداهما قبل الهجرة ، وأخری بعدها بخمسة أشهر کما یأتی. (المؤلف)

وعمر ، وبین عثمان وعبد الرحمن بن عوف ، وبین طلحة والزبیر ، وبین أبی عبیدة بن الجرّاح وسالم مولی أبی حذیفة ، وبین أُبیّ بن کعب وابن مسعود ، وبین معاذ وثوبان ، وبین أبی طلحة وبلال ، وبین عمّار وحذیفة ، وبین أبی الدرداء وسلمان ، وبین سعد بن أبی وقّاص وصهیب ، وبین أبی ذرّ والمقداد بن عمرو ، وبین أبی أیّوب الأنصاری وعبد الله بن سلام ، وبین أسامة وهند - حجّام النبی - وبین معاویة والحباب المجاشعی ، وبین فاطمة بنت النبیّ وأمّ سلمة ، وبین عائشة وامرأة أبی أیّوب (1).

وأخّر صلی الله علیه وآله وسلم علیّا لنفسه قائلاً له : «والذی بعثنی بالحق ، ما أخّرتک إلاّ لنفسی ، أنت أخی ووارثی ، أنت أخی ورفیقی ، أنت أخی فی الدنیا والآخرة».

بل أقول عجباً للصلافة التی تحدو الإنسان لأن یقول : لا یصحّ غیر حدیث حسبه صحیحاً ، ویجهل مفاده أو یعلم ویحبّ أن یغری الأمّة بالجهل ، ثمَّ یعطف علی حدیث اعترفت به الأمّة جمعاء ، وجاء مثبتاً فی الصحاح والمسانید ویراه باطلاً.

أهکذا حبّ الشیء یعمی ویصمّ؟

أهکذا خلق الإنسان ظلوماً جهولاً؟

هذه الأخوّة بالمعنی الخاص الثابتة لأمیر المؤمنین ممّا یختص به علیه السلام ولا یدّعیها بعده إلاّ کذّاب ، علی ما ورد فی الصحیح کما یأتی ، وکانت مطّردة بین الصحابة کلقب یعرف به ، تداولته الأندیة ، وحوته المحاورات ، ووقع الحجا ج به ، وتضمّنه الشعر السائر ، ولو ذهبنا إلی جمع شوارد هذا الباب لجاء منه کتاب ضخم ، غیر أنّا نختار منها نبذاً : ف)

ص: 163


1- سیرة ابن هشام [2 / 108 ، 109] ، تاریخ ابن عساکر : 6 / 90 ، 200 [12 / 136 ، وفی ترجمة الإمام علیّ بن أبی طالب علیه السلام : - الطبعة المحقّقة - : رقم 146] ، أُسد الغابة : 2 / 221 [2 / 277 رقم 1822] ، مطالب السؤول : ص 18 ، إرشاد الساری للقسطلانی : 6 / 227 [8 / 467] ، شرح المواهب : 1 / 373. (المؤلف)

1 - آخی رسول الله صلی الله علیه وسلم بین أصحابه ، فآخی بین أبی بکر وعمر ، وفلان وفلان ، فجاءه علیّ رضی الله عنه فقال : «آخیت بین أصحابک ولم تؤاخِ بینی وبین أحد». فقال رسول الله صلی الله علیه وسلم : «أنت أخی فی الدنیا والآخرة».

ینتهی سند هذا الحدیث إلی :

أمیر المؤمنین علیّ ، عمر بن الخطّاب ، أنس بن مالک ، زید بن أبی أوفی ، عبد الله بن أبی أوفی ، ابن عبّاس ، محدوج بن زید ، جابر بن عبد الله ، أبی ذرّ الغفاری ، عامر بن ربیعة ، عبد الله بن عمر ، أبی أمامة ، زید بن أرقم ، سعید بن المسیّب (1).

راجع (2) : جامع الترمذی (2 / 213) ، مصابیح البغوی (2 / 199) ، مستدرک الحاکم (3 / 14) ، الاستیعاب (2 / 460) وعدّ حدیث المؤاخاة من الآثار الثابتة ، تیسیر الوصول (3 / 271) ، مشکاة المصابیح - هامش المرقاة - (5 / 569) ، الریاض النضرة (2 / 167) ، وقال فی (ص 212):

ومن أدلّ دلیل علی عظم منزلة علیّ من رسول الله صلی الله علیه وسلم صنیعه فی المؤاخاة ، فإنَّه صلی الله علیه وسلم جعل یضمّ الشکل إلی الشکل یؤلّف بینهما ، إلی أن آخی بین أبی بکر وعمر ، وادّخر علیّا لنفسه ، وخصّه بذلک ، فیا لها مفخرة وفضیلة. 0.

ص: 164


1- هذا الحدیث بوحدته متواتر علی رأی ابن حزم فی التواتر. (المؤلف)
2- سنن الترمذی : 5 / 595 ح 3720 ، مصابیح السنّة : 4 / 173 ح 4769 ، المستدرک علی الصحیحین : 3 / 16 ح 4289 ، الاستیعاب : القسم الثالث / 1098 رقم 1855 ، تیسیر الوصول : 3 / 315 ح 2 ، مشکاة المصابیح : 3 / 356 ح 6093 ، الریاض النضرة : 3 / 111 ، 164 ، فرائد السمطین : 1 / 116 ح 81 ، الفصول المهمّة : ص 37 ، تذکرة الخواص : ص 24 ، کفایة الطالب : ص 194 باب 47 ، السیرة النبویة : 1 / 264 - 365 ، البدایة والنهایة : 7 / 371 حوادث سنة 40 ه ، أسنی المطالب : ص 60 ، الصواعق المحرقة : ص 122 ، تاریخ الخلفاء : ص 159 ، المواقف : ص 410 ، الطبقات الکبری لابن سعد : 2 / 60 ، أخبار الدول : 1 / 306 ، السیرة الحلبیة : 2 / 20 ، 90 ، السیرة النبویة : 1 / 155 ، الإمام علیّ بن أبی طالب للأستاذ محمد رضا : ص 6 ، الإمام علیّ بن أبی طالب علیه السلام للأستاذ عبد الفتاح عبد المقصود : مج 1 / ج 1 / 60.

فرائد السمطین فی الباب العشرین ، الفصول المهمّة (ص 22 و 29) ، تذکرة السبط (ص 13 و 15) وحکی عن الترمذی أنَّه صحّحه ، کفایة الکنجی (ص 82) وقال : هذا حدیث حسنٌ عالٍ صحیح ، فإذا أردت أن تعلم قرب منزلة علیّ من رسول الله .. إلی آخر ما مرّ عن الریاض النضرة.

السیرة النبویّة لابن سیّد الناس (1 / 200 - 203) وصرّح بأنَّ هذه هی المؤاخاة قبل الهجرة ، ثمّ قال :

وقال ابن إسحاق : آخی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بین أصحابه من المهاجرین والأنصار فقال : «تواخوا فی الله أخوین». ثمَّ أخذ بید علیّ بن أبی طالب فقال : هذا أخی ، فکان رسول الله وعلیّ أخوین.

تاریخ ابن کثیر (7 / 335) ، أسنی المطالب للجزری (ص 9) ، مطالب السؤول (ص 18) وقال : فعقد الأخوّة بین اثنین منهم حثّا علی التناصر والتعاضد ، وجعل کلّ واحد مؤاخیاً لمن تقرب منه درجته فی المماثلة والمساواة.

الصواعق (ص 73 ، 75) ، تاریخ الخلفاء (ص 114) ، الإصابة (2 / 507) ، المواقف (3 / 276) ، شرح المواهب (1 / 373) ، طبقات الشعرانی (2 / 55) ، تاریخ القرمانی - هامش الکامل - (1 / 216) ، السیرة الحلبیّة (2 / 23 ، 101) ، وفی هامشها السیرة النبویة لزینی دحلان (1 / 325) ، کفایة الشنقیطی (ص 34) ، الإمام علیّ بن أبی طالب للأستاذ محمد رضا (ص 21) ، الإمام علیّ بن أبی طالب للأستاذ عبد الفتّاح عبد المقصود ، وقال فی (ص 73):

ولئن کان أبو بکر من نبیّ الله وزیره الصادق ، فإنَّ علیّا کان منه الظلّ اللاصق ، لم ینأَ عنه ولم یبعد ، إلاّ کما أرسله محمد لیکون له علی أعدائه عیناً أو لرجاله طلیعة ، حتی فی بدء ذلک الوقت الذی أخذ رسول الله یکوّن فیه ملکه الصغیر ، ویربط بین المهاجرین والأنصار بالمدینة ، لم یفته أن یؤثر بإخائه علیّا دون الباقین. آخی بین

ص: 165

صحبه الخارجین من دیارهم معه وبین أصحاب البلدة الذین آووا ، فتخیّر أن یکون علیّ أخاه فی دین ، لم یؤاخ أبا بکر ، ولم یؤاخ عمر ، ولم یؤاخ حمزة - أسده وأسد الله - ولکنه اصطفی لهذه الأخوّة المعنویّة بعد أخوّة الدم فتاه الربیب ، فآثره علی کلّ حبیب بعید وقریب.

وقد أصفقت هذه المصادر کلّها أنّه صلی الله علیه وآله وسلم آخی بین أبی بکر وعمر ، ولیس فیها من مزعمة ابن حزم عین ولا أثر.

2 - زید بن أبی أوفی ، قال : لمّا آخی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم بین أصحابه ، وآخی بین عمر وأبی بکر - إلی أن قال - : فقال علیّ : «لقد ذهب روحی وانقطع ظهری حین رأیتک فعلت بأصحابک ما فعلت غیری ، فإن کان هذا من سخطٍ علیَّ فلک العتبی والکرامة.

فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : والذی بعثنی بالحقّ ما أخّرتک إلاّ لنفسی ، وأنت منّی بمنزلة هارون من موسی غیر أنّه لا نبیَّ بعدی ، وأنت أخی ووارثی.

قال : وما أرث منک یا رسول الله؟ قال : ما ورّث الأنبیاء من قبلی. قال : ما ورّث الأنبیاء من قبلک؟

قال : کتاب ربّهم وسنّة نبیّهم ، وأنت معی فی قصری فی الجنّة مع فاطمة ابنتی ، وأنت أخی ورفیقی». ثمَّ تلا رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : (إِخْواناً عَلی سُرُرٍ مُتَقابِلِینَ) (1)

مناقب أحمد بن حنبل ، الریاض النضرة (2 / 209) ، تاریخ ابن عساکر (6 / 201) ، تذکرة السبط (ص 14) وصحّحه وقال : رجاله ثقات ، کنز العمّال (6 / 390) ، کفایة الشنقیطی (ص 35 ، 44) (2). 5.

ص: 166


1- الحجر : 47.
2- مناقب علیّ لأحمد بن حنبل : ص 94 ح 141 ، الریاض النضرة : 3 / 160 ، تاریخ مدینة دمشق : 12 / 136 ، وفی ترجمة الإمام علیّ بن أبی طالب علیه السلام - الطبعة المحقّقة - : رقم 148 ، تذکرة الخواص : ص 24 ، کنز العمّال : 13 / 106 ح 36345.

3 - جابر بن عبد الله وسعید بن المسیّب ، قالا : إنَّ رسول الله صلی الله علیه وسلم آخی بین أصحابه ، فبقی رسول الله صلی الله علیه وسلم وأبو بکر وعمر وعلیّ ، فآخی بین أبی بکر وعمر ، وقال لعلیّ : «أنت أخی وأنا أخوک ، فإن ناکرک أحدٌ فقل : أنا عبد الله وأخو رسول الله ، لا یدّعیها بعدک إلاّ کذّاب».

مناقب أحمد ، تاریخ ابن عساکر ، کفایة الکنجی (ص 82 ، 83) ، تذکرة السبط (ص 14) وصحّحه ، وردّ علی جدّه فی تضعیفه سنده ، المرقاة فی شرح المشکاة (5 / 569) (1)).

وفی لفظ أمیر المؤمنین ویعلی بن مرّة : فقال رسول الله صلی الله علیه وسلم : «إنّما ترکتک لنفسی ، أنت أخی وأنا أخوک ، فإن حاجّک أحد فقل : أنا عبد الله وأخو رسول الله ، لا یدّعیها بعدک إلاّ کذّاب».

کنز العمّال (2) (6 / 154 ، 399) عن الحافظ أبی یعلی فی مسنده (3).

4 - قال محمد بن إسحاق : وآخی رسول الله بین أصحابه من المهاجرین والأنصار ، فقال فیما بلغنا ونعوذ بالله أن نقول علیه ما لم یقل : «تآخوا فی الله أخوین أخوین». ثمَّ أخذ بید علیّ بن أبی طالب ، فقال : «هذا أخی». فکان رسول الله صلی الله علیه وسلم سیّد المرسلین ، وإمام المتّقین ، ورسول ربّ العالمین الذی لیس له خطیر ولا نظیر من العباد ، وعلیّ بن أبی طالب رضی الله عنه أخوین.

تاریخ ابن هشام (4) (2 / 123) ، تاریخ ابن کثیر (5) (3 / 226) ، السیرة .

ص: 167


1- مناقب علیّ لأحمد بن حنبل : ص 78 ح 117 ، تاریخ مدینة دمشق : 12 / 136 ، کفایة الطالب : ص 194 باب 47 ، تذکرة الخواص : ص 22 ، المرقاة فی شرح المشکاة : 10 / 465 ح 6093.
2- کنز العمّال : 11 / 608 ح 32939 و 13 / 140 ح 36440.
3- مسند أبی یعلی : 1 / 347 ح 445.
4- السیرة النبویة : 2 / 150.
5- البدایة والنهایة : 3 / 277 حوادث سنة 1 ه.

الحلبیّة (1) (2 / 101) ، الفتاوی الحدیثیّة (ص 42).

5 - أمیر المؤمنین ، قال : قال رسول الله صلی الله علیه وسلم : «أنت أخی ، وصاحبی ، ورفیقی فی الجنّة». تاریخ الخطیب (12 / 268) ، کنز العمّال (2) (6 / 402).

6 - أمیر المؤمنین ، قال : «آخی رسول الله بین عمر وأبی بکر ، وبین حمزة بن عبد المطلب وزید بن حارثة - إلی أن قال - : وبینی وبین نفسه».

أخرجه الخلعی فی الخلعیّات وسعید بن منصور فی سننه کما فی کنز العمّال (3) (6 / 394).

7 - ابن عبّاس فی حدیث ، وقال صلی الله علیه وسلم لعلیّ رضی الله عنه : «أنت أخی وصاحبی».

مسند أحمد (4) (1 / 230) ، الاستیعاب (5) (2 / 460) ، الإمتاع للمقریزی (ص 340) ، کنز العمّال (6) (6 / 391).

8 - أسماء بنت عمیس ، قالت : سمعت رسول الله صلی الله علیه وسلم یقول : «اللهم إنّی أقول کما قال أخی موسی : اللهم اجعل لی وزیراً من أهلی أخی علیّا اشدد به أزری ، وأشرکه فی أمری ، کی نسبّحک کثیراً ونذکرک کثیراً ، إنّک کنت بنا بصیراً»

مناقب أحمد بن حنبل (7). الریاض النضرة (8) (2 / 163). 6.

ص: 168


1- السیرة الحلبیة : 2 / 90.
2- کنز العمّال : 13 / 150 ح 36468.
3- کنز العمّال : 13 / 120 ح 36384.
4- مسند أحمد بن حنبل : 1 / 381 ح 2041.
5- الاستیعاب : القسم الثالث / 1098 رقم 1855.
6- کنز العمّال : 13 / 109 ح 36356.
7- مناقب علیّ لأحمد بن حنبل : ص 202 ح 280.
8- الریاض النضرة : 3 / 106.

9 - ابن عبّاس فی حدیث احتجاجه علی الرجل الشامیّ ، وهو حدیث طویل کثیر الفائدة ، ومنه : وقال رسول الله : «یا أمّ سلمة هل تعرفین هذا؟ قالت : نعم ، هذا علیّ بن أبی طالب.

فقال رسول الله صلی الله علیه وسلم : نعم هذا علیّ سیط لحمه بلحمی ، ودمه بدمی ، وهو منّی بمنزلة هارون من موسی ، إلاّ أنَّه لا نبیَّ بعدی ، یا أمّ سلمة هذا علیٌّ سیّد مبجَّل ، ومأمل المسلمین ، وأمیر المؤمنین ، وموضع سرّی وعلمی ، وبابی الذی یؤوی إلیه ، وهو الوصیّ علی أهل بیتی ، وعلی الأخیار من أمّتی ، وهو أخی فی الدنیا والآخرة».

المحاسن والمساوئ (1) (1 / 31) ، مرَّ حدیث أمّ سلمة هذا بلفظ آخر ، ومصادره فی (1 / 337 ، 338).

10 - مرّ قوله صلی الله علیه وآله وسلم لعلیّ علیه السلام فی حدیث بدء الدعوة : «أنت أخی ووصیّی وخلیفتی من بعدی». راجع (2 / 278 - 286).

11 - مرّ فی (1 / 215) من طریق الطبری قوله صلی الله علیه وآله وسلم یوم غدیر خمّ : «إنَّ علیّ ابن أبی طالب أخی ، ووصیّی ، وخلیفتی». وقوله : «معاشر الناس هذا أخی ، ووصیّی ، وواعی علمی ، وخلیفتی علی من آمن بی».

ویظهر من کلام النویری (2) الذی أسلفناه فی (1 / 288) أنَّ مؤاخاة النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم علیّا علیه السلام یوم غدیر خمّ کانت مشهورة فی العصور المتقادمة.

12 - جابر بن عبد الله الأنصاری ، قال : قال رسول الله صلی الله علیه وسلم : «مکتوب علی باب الجنّة : لا إله إلاّ الله ، محمد رسول الله ، علیّ أخو رسول الله ، قبل أن تخلق السماوات والأرض بألفی عام». 4.

ص: 169


1- المحاسن والمساوئ : ص 44.
2- نهایة الأرب : 1 / 184.

مناقب أحمد ، تاریخ الخطیب (7 / 387) ، الریاض النضرة (2 / 168) ، تذکرة السبط (ص 14) ، مجمع الزوائد (9 / 111) ، مناقب الخوارزمی (ص 87) ، شمس الأخبار (ص 35) عن مناقب الفقیه ابن المغازلی ، کنز العمّال (6 / 399) عن ابن عساکر ، فیض القدیر (4 / 355) ، کفایة الشنقیطی (ص 34) ، مصباح الظلام (2 / 56) نقلاً عن الطبرانی (1).

13 - أمیر المؤمنین علیه السلام ، قال : «طلبنی النبیّ صلی الله علیه وسلم فوجدنی فی حائط نائماً ، فضربنی برجله ، وقال : قم فو الله لأُرضینّک ، أنت أخی وأبو ولدی ، تقاتل علی سنّتی».

مناقب أحمد ، الریاض النضرة (2 / 167) ، الصواعق (ص 75) ، کنز العمّال (6 / 404) ، کفایة الشنقیطی (ص 24) (2).

14 - محدوج بن زید الذهلی ، قال : إنَّ النبیّ صلی الله علیه وسلم قال لعلیّ : «أما علمت یا علیّ أنَّ أوّل من یُدعی به یوم القیامة بی؟ - إلی أن قال - : ثمَّ ینادی منادٍ من تحت العرش : نعم الأب أبوک إبراهیم ، ونعم الأخ أخوک علیّ».

مناقب أحمد ، مناقب الفقیه ابن المغازلی ، الریاض النضرة (2 / 201) ، مناقب الخوارزمی (ص 83 و 234 و 238) ، شمس الأخبار (ص 32) ، تذکرة السبط (ص 13) (3) ، 1.

ص: 170


1- مناقب علیّ لأحمد بن حنبل : ص 182 ح 254 ، الریاض النضرة : 3 / 112 ، تذکرة الخواص : ص 22 ، المناقب : ص 144 ح 168 ، مسند شمس الأخبار : 1 / 96 ، مناقب علیّ بن أبی طالب : ص 91 ح 134 ، کنز العمّال : 11 / 624 ح 44043 ، تاریخ مدینة دمشق : 12 / 139 ، وفی ترجمة الإمام علیّ بن أبی طالب علیه السلام - الطبعة المحقّقة - : رقم 162 ، مصباح الظلام : 2 / 135 ح 405.
2- مناقب علیّ لأحمد بن حنبل : ص 183 ح 256 ، الریاض النضرة : 3 / 111 ، الصواعق المحرقة : ص 126 ، کنز العمّال : 13 / 159 ح 36491.
3- مناقب علیّ لأحمد بن حنبل : ص 207 ح 285 ، مناقب علیّ بن أبی طالب : ص 43 ح 65 ، الریاض النضرة : 3 / 150 ، المناقب : ص 140 ح 159 ، ص 294 ح 282 ، ص 301 ح 296 ، مسند شمس الأخبار : 1 / 86 ، تذکرة الخواص : ص 21.

وردّ علی من ضعّفه لمکان میسرة والحکم فی طریق الحافظ الدارقطنی ، فقال : الحدیث الذی رواه أحمد فی الفضائل لیس فیه میسرة ولا الحکم ، وأحمد مقلّدٌ فی الباب ، متی روی حدیثاً وجب المصیر إلی روایته ، لأنَّه إمام زمانه ، وعالم أوانه ، والمبرَّز فی علم النقل علی أقرانه ، والفارس الذی لا یجاری فی میدانه.

15 - أبو برزة ، قال : قال رسول الله صلی الله علیه وسلم : «إنّ الله تعالی عهد إلیَّ عهداً فی علیّ ، فقلت : یا ربّ بیِّنه لی. فقال : اسمع. فقلت : سمعت. فقال : إنَّ علیّا رایة الهدی ، وإمام أولیائی ، ونور من أطاعنی ، وهو الکلمة التی ألزمتها المتّقین ، من أحبّه أحبّنی ، ومن أبغضه أبغضنی ، فبشّره بذلک.

فجاء علیٌّ فبشّرته ، فقال : یا رسول الله ، أنا عبد الله وفی قبضته ، فإن یعذِّبنی فبذنبی ، وإن یتمّ لی الذی بشّرتنی به فالله أولی بی.

قال : قلت : اللهم اجلُ قلبه واجعل ربیعه الإیمان. فقال الله : قد فعلت به ذلک. ثمَّ إنَّه رفع إلیَّ أنَّه سیخصّه من البلاء بشیء لم یخصّ به أحدٌ من أصحابی. فقلت : یا ربّ ، أخی وصاحبی. فقال : إنّ هذا شیءٌ قد سبق ، إنَّه مبتلی ومُبتلیً به».

حلیة الأولیاء (1 / 67) ، شرح ابن أبی الحدید (2 / 449) ، فرائد السمطین فی الباب ال (30 و 50) بطریقین ، مناقب الخوارزمی (ص 245) ، کفایة الکنجی (ص 95) ، نزهة المجالس (2 / 241) (1).

16 - فی خطبة للنبیّ صلی الله علیه وسلم : «أیّها الناس : أوصیکم بحبّ ذی قرباها أخی وابن عمّی علیّ بن أبی طالب ، لا یحبّه إلاّ مؤمن ولا یبغضه إلاّ منافق ، من أحبّه فقد أحبّنی ، ومن أبغضه فقد أبغضنی ، ومن أبغضنی عذّبه الله».

مناقب أحمد ، تذکرة السبط (ص 17) ، شرح ابن أبی الحدید (2 / 451) ، 8.

ص: 171


1- شرح نهج البلاغة : 9 / 167 خطبة 154 ، فرائد السمطین : 1 / 151 ح 114 ، المناقب : ص 303 ح 299 ، کفایة الطالب : ص 215 باب 59 ، نزهة المجالس : 2 / 208.

الریاض النضرة (2 / 212) ، ذخائر العقبی (ص 91) (1).

17 - فی حدیث مفاخرة علیّ وجعفر وزید وتحاکمهم إلی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ثمَّ قال صلی الله علیه وآله وسلم لعلیّ «أنت أخی وخالصتی».

شرح ابن أبی الحدید (2) (3 / 39) وقال : اتّفق علیه المحدِّثون.

18 - أبو ذرّ الغفاری ، قال فی حدیث : فإنّی سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول لعلیّ : «وأنت أخی ووزیری ، وخیر من أترک بعدی».

مرَّ تمام الحدیث ومصادره (2 / 313). راجع.

19 - سلمان الفارسی ، قال : إنّه سمع النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم یقول : «إنَّ أخی ووزیری ، وخیر من أخلفه بعدی علیّ بن أبی طالب». مناقب الخوارزمی (3) (ص 67).

20 - بلال بن حمامة ، فی حدیث زواج علیّ وفاطمة - سلام الله علیهما وآلهما - قال صلی الله علیه وآله وسلم : «بشارة أتتنی من ربّی فی أخی وابن عمّی - وفیه - : فصار أخی وابنتی فُکّاک رقاب رجال ونساء من أمّتی من النار». راجع (2 / 316).

21 - عبد الله بن عمر ، قال فی حدیث عنه صلی الله علیه وآله وسلم : إنَّه قال : «اللهمّ اشهد لهم ، اللهمّ قد بلّغت ، هذا أخی وابن عمّی وصهری وأبو ولدی ، اللهمّ کبّ من عاداه فی النار».

کنز العمّال (4) (6 / 154) نقلاً عن ابن النجّار والشیرازی فی الألقاب. 7.

ص: 172


1- مناقب علیّ لأحمد بن حنبل : ص 45 ح 71 ، تذکرة الخواص : ص 28 ، شرح نهج البلاغة : 9 / 172 خطبة 154 ، الریاض النضرة : 3 / 166.
2- شرح نهج البلاغة : 11 / 117 خطبة 211.
3- المناقب : ص 112 ح 121.
4- کنز العمّال : 11 / 609 ح 32947.

22 - عبد الله بن عمر ، قال فی حدیث : قال صلی الله علیه وآله وسلم : «ألا أرضیک یا علیّ؟ قال : بلی یا رسول الله. قال : أنت أخی ووزیری ، تقضی دینی ، وتنجز موعدی».

مجمع الزوائد (9 / 121) عن الطبرانی (1) ، و (ص 122) عن أبی یعلی (2) ، کنز العمّال (3) (6 / 155).

23 - فی حدیث الإسراء عنه صلی الله علیه وآله وسلم : «فلمّا أن رجعت ، نادی منادٍ من وراء الحجاب : نعم الأب أبوک إبراهیم ، ونعم الأخ أخوک علیّ ، فاستوصِ به خیراً».

فرائد السمطین فی الباب العشرین (4) ، کنز العمّال (5) (6 / 161).

24 - قال أمیر المؤمنین علیه السلام فی حدیث : قال صلی الله علیه وآله وسلم : «لیس فی القیامة راکب غیرنا ونحن أربعة - إلی أن قال - : وأخی علیّ علی ناقة من نوق الجنّة ، بیده لواء الحمد».

تاریخ بغداد (11 / 112) ، کفایة الحفّاظ الکنجی (6) (ص 77) ، کنز العمّال (7) (6 / 402).

25 - ابن عبّاس ، فی حدیث زواج علیّ وفاطمة - سلام الله علیهما - قال : فجاء رسول الله صلی الله علیه وسلم فدقّ الباب ، فخرجت إلیه أمّ أیمن فقال : «أعلمی أخی». قالت : وکیف یکون أخاک وقد زوّجته ابنتک؟! قال : «إنَّه أخی».

خصائص النسائی (ص 32) ، الریاض (2 / 181) ، الصواعق (ص 84) (8) 2.

ص: 173


1- المعجم الکبیر : 12 / 321 ح 13549.
2- مسند أبی یعلی : 1 / 402 ح 528.
3- کنز العمّال : 11 / 610 ح 32955.
4- فرائد السمطین : 1 / 109 ح 77.
5- کنز العمّال : 11 / 634 ح 33088 ، 13 / 235 ح 36706.
6- کفایة الطالب : ص 183 باب 42.
7- کنز العمّال : 13 / 153 ح 36478.
8- خصائص أمیر المؤمنین : ص 139 ح 125 ، وفی السنن الکبری : 5 / 144 ح 8510 ، الریاض النضرة : 3 / 127 ، الصواعق المحرقة : ص 142.

26 - مرَّ فی حدیث لیلة المبیت : «فأوحی الله إلی جبریل ومیکائیل : أفلا کنتما مثل علیّ بن أبی طالب آخیت بینه وبین محمد؟» راجع (2 / 48).

27 - فی حدیث الإسراء ، عن النسفی وغیره ، عن جبرئیل أنَّه قال : «إنَّ الله تعالی اطّلع إلی الأرض فاختارک من خلقه ، وبعثک برسالته ، ثمّ اطّلع إلیها ثانیة ، فاختار لک أخاً ووزیراًو صاحباً ، فزوّجه ابنتک فاطمة. فقلت : یا جبریل من هذا الرجل؟ قال : أخوک فی الدارین وابن عمّک فی النسب علیّ بن أبی طالب».

نزهة المجالس (2 / 223).

28 - أخرج الطبرانی (1) بإسناده عنه صلی الله علیه وآله وسلم أنَّه قال لعلیّ علیه السلام : «أما ترضی أنّک أخی وأنا أخوک». مجمع الزوائد (9 / 1 31).

29 - عبد الله بن عمر ، قال : إنَّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قال فی مرضه : «ادعوا لی أخی» فدعوا له أبا بکر فأعرض عنه ، ثمَّ قال : «ادعوا لی أخی». فدعوا له عمر فأعرض عنه ، ثمَّ قال : «ادعوا لی أخی». فدعوا له عثمان فأعرض عنه ، ثمَّ قال : ادعوا لی أخی. فدُعی له علیُّ بن أبی طالب ، فستره بثوب وأکبَّ علیه ، فلمّا خرج من عنده قیل له : ما قال؟ قال : «علّمنی ألف باب ، یفتح کلّ باب إلی ألف باب».

أخرجه الحافظ ابن عدی (2) ، عن أبی یعلی ، عن کامل بن طلحة ، عن ابن لهیعة إلی آخر السند ، وذکره ابن کثیر فی تاریخه (3) (7 / 359) ، وحکی تضعیفه عن ابن عدی لمکان ابن لهیعة فی سنده ،ذاهلاً عمّا قال أحمد بن حنبل فی حقّه. راجع (1 / 77).

30 - عبد الله بن عمر ، عن رسول الله صلی الله علیه وسلم : «علیّ أخی فی الدنیا والآخرة»..

ص: 174


1- المعجم الکبیر : 1 / 319 ح 949.
2- الکامل فی ضعفاء الرجال : 2 / 450 رقم 562.
3- البدایة والنهایة : 7 / 396 حوادث سنة 40 ه.

أخرجه الطبرانی ، والسیوطی فی الجامع الصغیر (1) (2 / 140) وحسّنه. وقال المناوی فی فیض القدیر (4 / 355) بعد ذکره : کیف وقد بُعث رسول الله صلی الله علیه وسلم یوم الإثنین فأسلم - علیّ - وصلّی یوم الثلاثاء ، فمکث یصلّی مستخفیاً سبع سنین کما رواه الطبرانی (2) عن أبی رافع. یرید بذلک بیان المشاکلة والمماثلة فی الأخوّة بینهما - صلّی الله علیهما وآلهما.

31 - قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی حدیث : «اشتقَّ الله تعالی لنا من أسمائه أسماءً : فالله عزَّ وجلَّ محمود ، وأنا محمد. والله الأعلی ، وأخی علیّ».

أخرجه شیخ الإسلام الحمّوئی فی فرائده فی الباب الثانی (3) من طریق أبی نعیم والنطنزی.

32 - أنس بن مالک ، قال : صعد رسول الله صلی الله علیه وسلم المنبر فذکر قولاً کثیراً ، ثمَّ قال : «أین علیّ بن أبی طالب؟ فوثب إلیه فقال : ها أنا ذا یا رسول الله ، فضمّه إلی صدره ، وقبّل بین عینیه ، وقال بأعلی صوته : معاشر المسلمین هذا أخی وابن عمّی وختنی ، هذا لحمی ودمی وشعری ، هذا أبو السبطین الحسن والحسین سیّدی شباب أهل الجنّة ، هذا مفرِّج الکروب عنّی ، هذا أسد الله وسیفه فی أرضه علی أعدائه ، علی مبغضه لعنة الله ولعنة اللاعنین ، والله منه بریء وأنا منه بریء».

أخرجه أبو سعد فی شرف النبوّة ، کما فی ذخائر العقبی (ص 92).

33 - عن الزهری ، فی حدیث حول حرب الجمل : فقالت عائشة لرجل من ضبّة وهو آخذ بخطام جملها أو بعیرها : أین تری علیَّ بن أبی طالب رضی الله عنه؟ قال : ها هو ذا واقف رافع یده إلی السماء ، فنظرت فقالت : ما أشبهه بأخیه! قال الضبّی : ومن 5.

ص: 175


1- الجامع الصغیر : 2 / 176 ح 5589.
2- المعجم الکبیر : 1 / 320 ح 952.
3- فرائد السمطین : 1 / 41 ح 5.

أخوه؟ قالت : رسول الله صلی الله علیه وسلم! قال : فلا أرانی أقاتل رجلاً هو أخو رسول الله - علیه الصلاة والسلام - فنبذ خطام راحلتها من یده ومال إلیه. المحاسن والمساوئ (1) (1 / 35).

34 - عبّاد بن عبد الله الأسدی ، قال : قال علیّ رضی الله عنه : «أنا عبد الله وأخو رسول الله ، وأنا الصدّیق الأکبر ، لا یقولها بعدی إلاّ کاذب ، آمنت قبل الناس بسبع سنین - وفی لفظ جمع من الحفّاظ : لا یقولها بعدی إلاّ کذّاب مفترٍ - ولقد صلّیت قبل الناس سبع سنین».

خصائص النسائی (ص 3) ، السنّة لابن أبی عاصم ، سنن ابن ماجة (1 / 57) ، المعرفة لأبی نعیم ، العقد الفرید (3 / 275) ، تاریخ الطبری (2 / 312) ، الریاض النضرة (2 / 155) ، الاستیعاب (2 / 460) ، شرح ابن أبی الحدید (3 / 257) من طریق الحافظ ابن أبی شیبة مسنداً ، فرائد السمطین فی الباب ال (49) ، مطالب السؤول (ص 19) وقال : کان یقولها فی کثیر من الأوقات ، تاریخ ابن عساکر ، تاریخ ابن کثیر (7 / 335) ، کنز العمّال (6 / 394) عن ابن أبی شیبة ، والنسائی ، وابن أبی عاصم ، والعقیلی ، والحاکم ، وأبی نعیم (2).

35 - زید بن وهب ، قال : سمعت علیّا علیه السلام علی المنبر وهو یقول : «أنا عبد الله وأخو رسوله ، لم یقلها أحدٌ قبلی ولا یقولها أحدٌ بعدی إلاّ کذّاب أو مفترٍ». فقام إلیه 4.

ص: 176


1- المحاسن والمساوئ : ص 49.
2- خصائص أمیر المؤمنین : ص 24 ح 7 ، وفی السنن الکبری : 5 / 106 ح 8395 ، السنّة لابن أبی عاصم : ص 854 ح 1324 ، سنن ابن ماجة : 1 / 44 ح 120 ، العقد الفرید : 4 / 123 ، تاریخ الأمم والملوک : 2 / 310 ، الریاض النضرة : 3 / 100 ، الاستیعاب : القسم الثالث / 1098 رقم 1855 ، شرح نهج البلاغة : 13 / 228 خطبة 238 ، المصنّف : 12 / 62 ح 12128 ، ص 65 ح 12133 ، فرائد السمطین : 1 / 248 ح 192 باب 48 ، تاریخ مدینة دمشق : 12 / 140 ، وفی ترجمة الإمام علیّ ابن أبی طالب علیه السلام - الطبعة المحقّقة - : رقم 168 : وفیه عن عبّاد بن یعقوب ، البدایة والنهایة : 7 / 371 حوادث سنة 40 ه ، کنز العمّال : 13 / 122 ح 36389 ، الضعفاء الکبیر : 3 / 137 رقم 1120 ، المستدرک علی الصحیحین : 3 / 121 ح 4584.

رجلٌ فقال : أنا أقول کما یقول هذا. فضرب به الأرض ، فجاءه قومه فغشّوه ثوباً ، فقیل لهم : أکان هذا فیه قبل؟ قالوا : لا.

فرائد السمطین فی الباب ال (44) (1) ، کنز العمّال (2) (6 / 396) عن أبی یحیی من طریق الحافظ العدنی ، وفیه : فقالها رجلٌ فأصابته جنّة. الاستیعاب (2 / 460) من دون ذیله ، وقال : رویناه من وجوه ، آخی رسول الله صلی الله علیه وسلم بین المهاجرین ، ثمَّ آخی بین المهاجرین والأنصار ، وقال فی کلّ واحدة منهما لعلیّ : «أنت أخی فی الدنیا والآخرة».

فلذلک کان هذا القول وما أشبهه من علیّ رضی الله عنه.

36 - معاذة عن علیّ علیه السلام : إنّه قال علی رءوس الأشهاد خطیباً : «أنا عبد الله وأخو رسوله ، وأنا الصدّیق الأکبر ، والفاروق الأعظم ، صلّیت قبل الناس سبع سنین ، وأسلمت قبل إسلام أبی بکر ، وآمنت قبل إیمانه».

شرح ابن أبی الحدید (3) (3 / 257) ، راجع الجزء الثانی من کتابنا (ص 313).

37 - حیّان ، قال : سمعت علیّا یقول : «لأقولنَّ قولاً لم یقله أحدٌ قبلی ، ولا یقوله بعدی إلاّ کذّاب : أنا عبد الله وأخو رسوله ، وزیر نبیّ الرحمة ، نکحت سیّدة نساء هذه الأمّة ، وأنا خیر الوصیّین». فرائد السمطین (4) الباب ال (57).

38 - إنّ علیّا کرّم الله وجهه أُتی به إلی أبی بکر وهو یقول : «أنا عبد الله وأخو رسول الله».

فقیل له : بایع أبا بکر. فقال : «أنا أحقُّ بهذا الأمر منکم ، لا أبایعکم وأنتم أولی بالبیعة لی». الإمامة والسیاسة (5) (ص 12 ، 13). 8.

ص: 177


1- فرائد السمطین : 1 / 227 ح 177.
2- کنز العمّال : 13 / 129 ح 36410.
3- شرح نهج البلاغة : 13 / 228 خطبة 238.
4- فرائد السمطین : 1 / 311 ح 249.
5- الإمامة والسیاسة : 1 / 18.

39 - أبو الطفیل عامر بن واثلة ، فی حدیث مناشدة أمیر المؤمنین علیه السلام یوم الشوری ، قال : قال : «أنشدکم الله ، أفیکم أحدٌ آخی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بینه وبین نفسه حیث آخی بین المسلمین غیری؟». فقالوا : اللهمّ لا.

أخرج ابن عبد البرّ خصوص هذه الفقرة من حدیث المناشدة فی الاستیعاب (1) (2 / 460) ، وهی ممّا صحّحه ابن أبی الحدید فی شرحه (2) (2 / 61) من فقرات الحدیث ، وعدّها ممّا استفاض فی الروایات ، وقد أسلفنا طرق الحدیث فی (1 / 159 - 163).

40 - أخرج الحافظ الدارقطنی : أنَّ عمر سأل عن علیّ ، فقیل له : ذهب إلی أرضه. فقال : اذهبوا بنا إلیه. فوجدوه یعمل ، فعملوا معه ساعة ، ثمَّ جلسوا یتحدّثون ، فقال له علیّ : «یا أمیر المؤمنین أرأیت لو جاءک قوم من بنی إسرائیل ، فقال لک أحدهم : أنا ابن عمِّ موسی صلی الله علیه وسلم أکانت له عندک أثرة علی أصحابه؟ قال : نعم. قال : فأنا والله أخو رسول الله صلی الله علیه وسلم وابن عمّه».

قال : فنزع عمر رداءه فبسطه ، فقال : لا والله لا یکون لک مجلس غیره حتی نفترق. فلم یزل جالساً علیه حتی تفرّقوا. الصواعق (3) (ص 107).

41 - عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی حدیث عن حوریّة من الجنّة ، قال : «قالت : أنا الراضیة المرضیّة ، خلقنی الجبّار من ثلاثة أصناف : أعلای من عنبر ، ووسطی من کافور ، وأسفلی من مسک ، وعجننی بماء الحیوان ، ثم قال : کونی فکنت ، خلقنی لأخیک وابن عمِّک علیّ بن أبی طالب». ذخائر العقبی (ص 90).

42 - مرّ فی کتاب لأمیر المؤمنین علیه السلام کتبه إلی معاویة بن أبی سفیان قوله : 9.

ص: 178


1- الاستیعاب : القسم الثالث / 1098 رقم 1855.
2- شرح نهج البلاغة : 6 / 167 خطبة 73.
3- الصواعق المحرقة : ص 179.

محمدٌ النبیُّ أخی وصنوی

وحمزة سیّد الشهداء عمّی

راجع (2 / 25 - 30).

43 - قال جابر بن عبد الله الأنصاری : سمعت علیّا علیه السلام ینشد ، ورسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یسمع شعره :

«أنا أخو المصطفی لا شک فی نسبی

رُبِّیتُ مَعْهُ وسبطاهُ هما ولدی

جدّی وجدُّ رسول الله منفردٌ

وزوجتی فاطمٌ لا قول ذی فندِ

صدّقتُهُ وجمیع الناس فی بُهُمٍ (1)

من الضلالة والإشراک والنکدِ

الحمد لله شکراً لا شریکَ لهُ

البرّ بالعبد والباقی بلا أمدِ

فقال له النبیُّ صلی الله علیه وآله وسلم : صدقت یا علیّ».

فرائد السمطین فی الباب ال (44) ، نظم درر السمطین للزرندی ، کفایة الکنجی (ص 84) ، مناقب الخوارزمی (ص 95) ، تاریخ ابن عساکر ، کنز العمّال (2) (6 / 398).

44 - قال ابن عبّاس : إنَّ علیّا کان یقول فی حیاة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «إنَّ الله تعالی یقول : (أَفَإِن ماتَ أو قُتِلَ) (3) لأقاتلنَّ علی ما قاتل علیه حتی أموت ، والله إنّی لأخوه وولیّه ووارثه - وارث علمه - وابن عمِّه ، فمن أحقُّ به منّی؟».

مناقب أحمد ، خصائص النسائی (ص 18) ، مستدرک الحاکم (3 / 126) وصحّحه هو والذهبی ، الریاض النضرة (2 / 226) ، ذخائر العقبی (ص 100) ، فرائد السمطین 4.

ص: 179


1- البُهُم : جمع بهیم وهو الأسود.
2- فرائد السمطین : 1 / 226 ح 176 ، نظم درر السمطین : ص 96 ، کفایة الطالب : ص 196 باب 47 ، المناقب : ص 157 ح 186 ، تاریخ مدینة دمشق : 12 / 397 ، وفی ترجمة الإمام علیّ بن أبی طالب علیه السلام - الطبعة المحقّقة - : رقم 1329 ، کنز العمّال : 3 / 137 ح 36434 ، مطالب السؤول : ص 11.
3- آل عمران : 144.

الباب ال (44) ، مجمع الزوائد (9 / 134) من طریق الطبرانی وقال : رجاله رجال الصحیح (1).

45 - قال عدیّ بن حاتم فی خطبة له : لئن کان إلی الإسلام ، إنَّه لأخو نبیِّ الله والرأس فی الإسلام. جمهرة الخطب (2) (1 / 202).

46 - قال الثعلبی فی العرائس (3) (ص 149) : قال أهل التفسیر وأصحاب الأخبار : إنّ الله أهبط تابوتاً علی آدم علیه السلام من الجنّة حین أهبط إلی الأرض ، فیه صور الأنبیاء من أولاده ، وفیه بیوتٌ بعدد الرسل منهم ، وآخر البیوت بیت محمد ، من یاقوتة حمراء - إلی أن قال - : وبین یدیه علیُّ بن أبی طالب - کرّم الله وجهه - شاهرٌ سیفه علی عاتقه ، ومکتوبٌ علی جبهته : هذا أخوه وابن عمِّه ، المؤیَّد بالنصر من عند الله.

47 - فی کتاب لمحمد بن أبی بکر إلی معاویة : فکان أوّل من أجاب وأناب ، وآمن وصدّق ، وأسلم وسلّم ، أخوه وابن عمِّه علیّ بن أبی طالب.

کتاب صفّین لابن مزاحم (4) (ص 133) ، مروج الذهب (5) (2 / 59).

48 - قال أبان بن أبی عیّاش : سألت الحسن البصری عن علیّ علیه السلام فقال : ما أقول فیه؟ کانت له السابقة ، والفضل ، والعلم ، والحکمة ، والفقه ، والرأی ، والصحبة ، والنجدة ، والبلاء ، والزهد ، والقضاء ، والقرابة - إلی أن قال - : وقد قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لفاطمة علیها السلام : «زوّجتک خیر أمّتی». فلو کان فی أمّته خیر منه لاستثناه ، 1.

ص: 180


1- مناقب علیّ لأحمد بن حنبل : ص 116 ح 232 ، خصائص أمیر المؤمنین : ص 83 ح 65 ، وفی السنن الکبری : 5 / 125 ح 8450 ، المستدرک علی الصحیحین : 3 / 136 ح 4635 ، الریاض النضرة : 3 / 181 ، فرائد السمطین : 1 / 225 ح 175 ، المعجم الکبیر : 1 / 107 ح 176.
2- جمهرة خطب العرب : 1 / 379 رقم 267.
3- عرائس المجالس : ص 266.
4- وقعة صفّین : ص 118.
5- مروج الذهب : 3 / 21.

ولقد آخی رسول الله بین أصحابه ، فآخی بین علیّ ونفسه ، فرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم خیر الناس نفساً وخیرهم أخاً. شرح ابن أبی الحدید (1) (1 / 369).

49 - فی خطبة لعمّار بن یاسر فی البصرة قوله : أیّها الناس ، أخو نبیّکم وابن عمّه یستنفرکم لنصر دین الله. شرح ابن أبی الحدید (2) (3 / 293).

50 - مرّ فی (1 / 201) من کتاب لعمرو بن العاص إلی معاویة بن أبی سفیان قوله : وأمّا ما نسبت أبا الحسن - أخا رسول الله ووصیَّه - إلی البغی والحسد علی عثمان ، وسمّیت الصحابة فسَقَةً ، وزعمت أنَّه أشلاهم (3) علی قتله ، فهذا کذب وغوایة.

ولشهرة هذه الأثارة وثبوتها لأمیر المؤمنین ، ولأهمیّتها الکبری عند الأمّة ، وإعرابها عن المماثلة والمشاکلة فی الفضیلة بینه وبین رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أخذها رجال القریض من الصحابة والتابعین کحسّان بن ثابت ، والنجاشی ، وتبعهم شعراء القرون من الفریقین حتی الیوم فصبّوها فی بوتقة النظم ، ونحن نصفح عن کلّ ذلک النظم الرائق روماً للاختصار ، غیر أنَّ القارئ یقف علی شیء کثیر منه فی طیّ أجزاء کتابنا. راجع الجزء الثانی (ص 40 ، 43 ، 115 ، 218 ، 226 ، 229 ، 286 ، 291 ، 292 ، 293 ، 330 ، 350) و (3 / 66).

10 - قال : جمهور متکلّمی الرافضة کهشام بن الحکم الکوفی وتلمیذه أبی علیّ الصکّاک (4) وغیرهما یقول : إنَّ علم الله تعالی محدث ، وإنَّه لم یکن یعلم شیئاً حتی أحدث لنفسه علماً. وهذا کفر صریح ، وقد قال هشام هذا فی عین مناظرته ی)

ص: 181


1- شرح نهج البلاغة : 4 / 96 خطبة 56.
2- شرح نهج البلاغة : 14 / 14 کتاب 1.
3- أشلاهم : أغراهم.
4- کذا فی الفِصَل ، وصوابه : أبو جعفر السکاک ، وهو محمد بن خلیل البغدادی من أعلام متکلّمی الشیعة فی القرن الثالث ، راجع فهرست الندیم : ص 225 ، فهرست الطوسی : رقم 596 ، فهرست النجاشی : رقم 889. (الطباطبائی)

لأبی الهذیل العلاّف : إنّ ربَّه سبعة أشبار بشبر نفسه. وهذا کفر صریح ، وکان داود الجوازی من کبار متکلّمیهم ، یزعم أنَّ ربّه لحم ودم علی صورة الإنسان (1).

الجواب : أمّا جمهور متکلّمی الشیعة فلن تجد هذه المزعمة فی شیء من مؤلّفاتهم الکلامیّة ، بل فیها نقیض هذه کلّها ودحض شبه الزاعمین خلافهم ، ضع یدک علی أیّ من تلک الکتب مخطوطها ومطبوعها ، حتی تألیف هشام نفسه ومن قصدهم الرجل بالقذف المائن ، تجده علی حد ما وصفناه.

وأما هشام فأوّل من نسب إلیه هذه الفریة الجاحظ (2) ، عن النظّام ، ورآها ابن قتیبة فی مختلف الحدیث (3) (ص 59) والخیّاط فی الانتصار (4) ، وکلّ منهم هو العدوّ الألدُّ للرجل ، لا یؤتمن علیه فیما ینقله ممّا یشوّه سمعة هشام ، فهو لا یزال یتحرّی الوقیعة فیه وفی نظرائه من أیّ الوسائل کانت صادقة أو مکذوبة ، والمذاهب والعقائد یجب أن تؤخذ من أفواه المعتنقین لها أو من کتبهم الثابتة نسبتها إلیهم ، أو ممّن یؤتمن علیه فی نقلها ، وهذه النسب المفتعلة لم یتسنَّ لها الحصول علی شیء من الحالة ، وإنَّما الحالة فیها کما وصفناها.

ثمّ تبع أولئک فی العصور المتأخِّرة أهل الهوس والهیاج حنقاً علی هشام ومبدئه ومن حذا حذوه ، کابن حزم وأمثاله ، ولم یقنع الرجل تفرید هشام بهاتیک الشائنة المائنة ، حتی شرّکه فیها جمهور متکلّمی الرافضة وهم برآء ، والرجل غیر مکترث لما أعدَّ الله لکلّ أفّاک أثیم. 6.

ص: 182


1- الفِصَل : 4 / 182.
2- قال أبو جعفر الإسکافی : إنَّ الجاحظ لیس علی لسانه من دینه وعقله رقیب ، وهو من دعوی الباطل غیر بعید ، فمعناه نزر ، وقوله لغو ، ومطلبه سجع ، وکلامه لعب ولهو ، یقول الشیء وخلافه ، ویحسن القول وضدّه ، لیس له من نفسه واعظ ، ولا لدعواه حدّ قائم. شرح ابن أبی الحدید : 3 / 267 [13 / 253 خطبة 238]. (المؤلف)
3- تأویل مختلف الحدیث : ص 68.
4- الانتصار : ص 36.

وهؤلاء متکلّمو الشیعة لا یعترفون بشیء من ذلک ، وفیما کتبه علم من أعلامهم ألا وهو علم الهدی الشریف المرتضی فی الشافی (1) (ص 12) مقنع وکفایة فی الدفاع عن هشام ، علی أنَّ نصَّ مناظرة هشام مع أبی الهذیل المذکورة فی الملل والنحل للشهرستانی (2) لیس فیه إلاّ إلزام من یناظره بلازم قوله : من أنَّه تعالی جسم لا کالأجسام. وأین هو من الاعتقاد به؟

وبقیّةالنسب المعزوَّة إلی غیر هشام من رجالات الشیعة من التجسیم وغیره ممّا ذکر لدة ما یُنسب إلی هشام ، بعیدة عن مستوی الصدق.

11 - قال : الرافضة لا یختلفون فی أنَّ الشمس رُدَّت علی علیّ بن أبی طالب مرّتین ، أفیکون فی صفاقة الوجه ، وصلابة الخدّ ، وعدم الحیاء ، والجرأة علی الکذب ، أکثر من هذا علی قرب العهد وکثرة الخلق (3)؟

وقال (5 / 3) بعد نقل جملة من الخرافات : لا فرق بین من ادّعی شیئاً ممّا ذکر ، وبین دعوی الرافضة ردَّ الشمس علی علیّ بن أبی طالب مرّتین.

وقال (2 / 78) : وأقلّ الروافض غلوّا یقولون : إنَّ الشمس رُدّت علی علیّ بن أبی طالب مرّتین.

الجواب : ربّما یحسب قارئ هذه القوارص أنَّ القول بردّ الشمس علی أمیر المؤمنین علیه السلام من خاصّة الشیعة لیس إلاّ. وأنَّ الحدیث به منکر وقول زور ، لا یری الإسلام لقائله قدراً ولا حرمة ، بل یحقّ بکلّ ذلک السباب والقذف المقذع ، ولا یتصوّر أن تکون هذه الوقیعة والتحامل من الرجل دون حقیقة راهنة ، وقول صحیح ، ورأی ثابت بالسنّة. 2.

ص: 183


1- الشافی فی الإمامة : 1 / 83.
2- الملل والنحل : 1 / 164.
3- الفِصَل : 4 / 182.

فأدب الشیعة وإن یمنعنا عن السباب والتقابل بالمثل ، غیر أنّا نمثِّل بین یدی القارئ تلک الحقیقة ونوقفه علی حقِّ القول وقائلیه ومحدِّثیه ، فیری عندئذٍ نصب عینیه مثال صفاقة الوجه ، وصلابة الخد ، وعدم الحیاء ، والجرأة علی الکذب فنقول :

إنَّ حدیث ردّ الشمس أخرجه جمع من الحفّاظ الأثبات بأسانید جمّة ، صحّح جمع من مهرة الفنِّ بعضها ، وحکم آخرون بحسن آخر ، وشدّد جمع منهم النکیر علی من غمز فیه وضعّفه ، وهم الأبناء الأربعة حملة الروح الأمویّة الخبیثة ، ألا وهم : ابن حزم ، ابن الجوزی ، ابن تیمیّة ، ابن کثیر.

وجاء آخرون من الأعلام وقد عظم علیهم الخطب بإنکار هذه المأثرة النبویّة ، والمکرمة العلویّة الثابتة ، فأفردوها بالتألیف ، وجمعوا فیه طرقها وأسانیدها ، فمنهم :

1 - أبو بکر الورّاق : له کتاب من روی ردَّ الشمس ، ذکره له ابن شهرآشوب فی المناقب (1) (1 / 458).

2 - أبو الحسن شاذان الفضلی : له رسالة فی طرق الحدیث ، ذکر شطراً منها الحافظ السیوطی فی اللآلئ المصنوعة (2) (2 / 175) وقال : أورد طرقه بأسانید کثیرة وصحّحه بما لا مزید علیه ، ونازع ابن الجوزی فی بعض من طعن فیه من رجاله.

3 - الحافظ أبو الفتح محمد بن الحسین الأزدی الموصلی : له کتاب مفرد فیه ، ذکره له الحافظ الکنجی فی الکفایة (3).

4 - أبو القاسم الحاکم ابن الحذّاء الحسکانی النیسابوری الحنفی : المترجم (1 / 112). له رسالة فی الحدیث أسماها مسألة فی تصحیح ردّ الشمس وترغیم 0.

ص: 184


1- مناقب آل أبی طالب : 2 / 353.
2- اللآلئ المصنوعة : 1 / 338.
3- کفایة الطالب : ص 383 باب 100.

النواصب الشُّمْس (1) ، ذکر شطراً منها ابن کثیر فی البدایة والنهایة (2) (6 / 80) ، وذکرها له الذهبی فی تذکرته (3) (3 / 368).

5 - أبو عبد الله الجعل الحسین بن علیّ البصری ثمّ البغدادی : المتوفّی (399) ، ذلک الفقیه المتکلّم. له کتاب جواز ردّ الشمس ، ذکره له ابن شهرآشوب (4).

6 - أخطب خوارزم أبو المؤیّد موفّق بن أحمد : المتوفّی (568) المترجم فی الجزء الرابع من کتابنا هذا. له کتاب ردّ الشمس لأمیر المؤمنین ، ذکره له معاصره ابن شهرآشوب (5).

7 - أبو علیّ الشریف محمد بن أسعد بن علیّ بن المعمر الحسنی النقیب النسّابة : المتوفّی (588). له جزء فی جمع طرق حدیث ردّ الشمس لعلیّ ، أورد فیه أحادیث مستغربة. لسان المیزان (6) (5 / 76).

8 - الحافظ جلال الدین السیوطی : المتوفّی (911). له رسالة فی الحدیث أسماها کشف اللبس عن حدیث ردّ الشمس.

9 - أبو عبد الله محمد بن یوسف الدمشقی الصالحی تلمیذ السیوطی : المتوفّی (942). له جزء : مزیل اللبس عن حدیث ردّ الشمس ، ذکره له برهان الدین الکورانی المدنی فی کتابه الأمم لإیقاظ الهمم (ص 63) کما یأتی لفظه.

ولا یسعنا ذکر تلکم المتون وتلکم الطرق والأسانید ، إذ یحتاج إلی تألیف 1.

ص: 185


1- جمع شَموس ، وهو العسِر فی عداوته ، الشدید الخلاف علی من عانده.
2- البدایة والنهایة : 6 / 88.
3- تذکرة الحفّاظ : 3 / 1200 رقم 1032.
4- مناقب آل أبی طالب : 3 / 353.
5- مناقب آل أبی طالب : 2 / 360.
6- لسان المیزان : 5 / 85 رقم 7031.

ضخم یُخصُّ به ، غیر أنّا نذکر نماذج ممّن أخرجه من الحفّاظ والأعلام ، بین من ذکره من غیر غمز فیه ، وبین من تکلّم حوله وصحّحه ، وفیها مقنعٌ وکفایة :

1 - الحافظ أبو الحسن عثمان بن أبی شیبة العبسی الکوفی : المتوفّی (239). رواه فی سننه.

2 - الحافظ أبو جعفر أحمد بن صالح المصریّ : المتوفّی (248) ، شیخ البخاری فی صحیحه ونظرائه المجمع علی ثقته. رواه بطریقین صحیحین عن أسماء بنت عمیس ، وقال : لا ینبغی لمن کان سبیله العلم التخلّف عن حفظ حدیث أسماء الذی روی لنا عنه صلی الله علیه وسلم ؛ لأنَّه من أجلِّ علامات النبوّة (1).

3 - محمد بن الحسین الأزدی : المتوفّی (277). ذکره فی کتابه فی مناقب علی رضی الله عنه وصحّحه ، کما ذکره ابن الندیم والکورانی وغیرهما. راجع لسان المیزان (2) (5 / 140).

قال الأمینی : أحسب أنّ کتاب المناقب للأزدی غیر ما أفرده فی حدیث ردّ الشمس.

4 - الحافظ أبو بشر محمد بن أحمد الدولابی : المتوفّی (310). أخرجه فی کتابه الذریّة الطاهرة (3) ، وسیأتی لفظه وإسناده.

5 - الحافظ أبو جعفر أحمد بن محمد الطحاوی : المتوفّی (321) ، فی مشکل الآثار (2 / 11). أخرجه بلفظین وقال : هذان الحدیثان ثابتان ورواتهما ثقات.

قال الأمینی : تواتر نقل هذا التصحیح والتثبیت عن أبی جعفر الطحاوی فی کتب القوم کالشفاء للقاضی ، وستقف علی نصوص أقوالهم ، غیر أنَّ ید الطبع الأمینة 6.

ص: 186


1- حکاه عنه الحافظ الطحاوی فی مشکل الآثار : 2 / 11 وتبعه جمع آخرون کما یأتی. (المؤلف)
2- لسان المیزان : 5 / 158 رقم 7250.
3- الذریّة الطاهرة : ص 129 ح 156.

علی ودائع الإسلام حرّفته عن مشکل الآثار. حیّا الله الأمانة!!

6 - الحافظ أبو جعفر محمد بن عمرو العقیلی (1) : المتوفّی (322) والمترجم (1 / 161).

7 - الحافظ أبو القاسم الطبرانی : المتوفّی (360) والمترجم (1 / 105). رواه فی معجمه الکبیر (2) ، وقال : إنَّه حسن.

8 - الحاکم أبو حفص عمر بن أحمد الشهیر بابن شاهین : المتوفّی (385). ذکره فی مسنده الکبیر.

9 - الحاکم أبو عبد الله النیسابوری : المتوفّی (405) والمترجم (1 / 107). رواه فی تاریخ نیسابور ، فی ترجمة عبد الله بن حامد الفقیه الواعظ.

10 - الحافظ ابن مردویه الأصبهانی : المتوفّی (416) والمترجم (1 / 108). أخرجه فی المناقب بإسناده عن أبی هریرة.

11 - أبو إسحاق الثعلبی : المتوفّی (427 ، 437) والمترجم (1 / 109). رواه فی تفسیره وقصص الأنبیاء الموسوم بالعرائس (3) (ص 139).

12 - الفقیه أبو الحسن علیّ بن حبیب البصری البغدادی الشافعی الشهیر بالماوردی : المتوفّی (450). عدّه من أعلام النبوّة فی کتابه أعلام النبوّة (4) (ص 79) ، ورواه من طریق أسماء.

13 - الحافظ أبو بکر البیهقی : المتوفّی (458) والمترجم (1 / 110). رواه فی 2.

ص: 187


1- الضعفاء الکبیر : 3 / 327 رقم 1328.
2- المعجم الکبیر : 24 / 145 ح 382.
3- عرائس المجالس : ص 249.
4- أعلام النبوّة : ص 132.

الدلائل ، کما فی فیض القدیر للمناوی (5 / 440).

14 - الحافظ الخطیب البغدادی : المتوفّی (463) والمترجم (1 / 111). ذکره فی تلخیص المتشابه (1) والأربعین.

15 - الحافظ أبو زکریّا الأصبهانی الشهیر بابن مندة : المتوفّی (512) والمذکور (1 / 113). أخرجه فی کتابه المعرفة.

16 - الحافظ القاضی عیاض أبو الفضل المالکی الأندلسی إمام وقته : المتوفّی (544). رواه فی کتابه الشفا (2) وصحّحه.

17 - أخطب الخطباء الخوارزمی : المتوفّی (568) أحد شعراء الغدیر فی القرن السادس ، یأتی شعره وترجمته فی الجزء الرابع من کتابنا. رواه فی المناقب (3).

18 - الحافظ أبو الفتح النطنزی ، المترجم (1 / 115). رواه فی الخصائص العلویّة.

19 (4) - أبو المظفّر یوسف قزأوغلی الحنفیّ : المتوفّی (654) رواه فی التذکرة (5) (ص 30) ثمّ ردّ علی جدّه ابن الجوزی فی حکمه بأنّه موضوعٌ وروایته مضطربة ، لمکان أحمد بن داود ، وفضیل بن مرزوق ، وعبد الرحمن بن شریک ، والمتّهم هو ابن عقدة فإنَّه کان رافضیّا ، فقال ما ملخّصه : قول جدّی بأنَّه موضوع دعوی بلا دلیل ، وقدحه فی رواته لا یرِد لأنّا رویناه عن العدول الثقات الذین لا مغمز فیهم ، ولیس فی إسناده أحد ممّن ضعّفه ، وقد رواه أبو هریرة أیضاً ، أخرجه عنه 9.

ص: 188


1- تلخیص المتشابه : 1 / 225 رقم 353.
2- الشفا بتعریف حقوق المصطفی : 1 / 548.
3- المناقب : ص 306 ح 301.
4- وممّن رواه الإمام أحمد بن إسماعیل بن یوسف الطالقانی : المتوفّی 590 ه فی کتابه الأربعین المنتقی فی فضائل علیّ المرتضی. (الطباطبائی)
5- تذکرة الخواص : ص 49.

ابن مردویه ، فیحتمل أنَّ الذین أشار إلیهم فی طریقه (1).

واتّهام جدّی بوضعه ابن عقدة من باب الظنّ والشکّ لا من باب القطع والیقین ، وابن عقدة مشهور بالعدالة ، کان یروی فضائل أهل البیت ویقتصر علیها ، ولا یتعرّض للصحابة - رضی الله عنهم - بمدح ولا بذمّ ، فنسبوه إلی الرفض.

والمراد منه حبسها ووقوفها عن سیرها المعتاد لا الردّ الحقیقی ، ولو رُدَّت علی الحقیقة لم یکن عجباً ، لأنَّ ذلک یکون معجزة لرسول الله صلی الله علیه وسلم وکرامة لعلیّ علیه السلام ، وقد حُبست لیوشع بالإجماع ، ولا یخلو إمّا أن یکون ذلک معجزةً لموسی أو کرامة لیوشع ، فإن کان لموسی فنبیّنا صلی الله علیه وسلم أفضل منه ، وإن کان لیوشع فعلیّ علیه السلام أفضل من یوشع ، قال صلی الله علیه وسلم : «علماء أمّتی کأنبیاء بنی إسرائیل». وهذا فی حقّ الآحاد ، فما ظنّک بعلیّ علیه السلام؟ ثمّ استدلَّ علی فضل علیّ علیه السلام علی أنبیاء بنی إسرائیل ، وذکر شعر الصاحب بن عبّاد فی ردّ الشمس ، فقال :

وفی الباب حکایة عجیبة حدّثنی بها جماعة من مشایخنا بالعراق قالوا : شهدنا أبا منصور المظفّر بن أردشیر العبادی الواعظ وقد جلس بالتاجیّة مدرسة بباب أبرز محلّة ببغداد ، وکان بعد العصر ، وذکر حدیث ردّ الشمس لعلیّ علیه السلام وطرّزه بعبارته ونمّقه بألفاظه ، ثمّ ذکر فضائل أهل البیت علیهم السلام فنشأت سحابة غطّت الشمس حتی ظنَّ الناس أنّها قد غابت ، فقام أبو منصور علی المنبر قائماً وأومأ إلی الشمس وأنشد :

لا تغربی یا شمس حتی ینتهی

مدحی لآلِ المصطفی ولنجلِهِ

واثنی عِنانَکِ إن أردت ثناءَهمْ

أنسیتِ أن کان الوقوفُ لأجلِهِ

إن کان للمولی وقوفُکِ فلیکنْ

هذا الوقوفُ لخیلِهِ ولرجلِهِ

قالوا : فانجاب السحاب عن الشمس وطلعت. ة.

ص: 189


1- أی فی طریق أبی هریرة.

قال الأمینی : حکی ابن النجار (1) نحو هذه القضیّة لأبی الوفاء عبید الله بن هبة الله القزوینی الحنفی الواعظ : المتوفّی (585) قال : أنشدنی أبو عبد الله الحسین بن عبید الله بن هبة الله القزوینی بأصبهان ، أنشدنی والدی ببغداد علی المنبر فی المدرسة التاجیّة مرتجلاً لنفسه وقد دانت الشمس للغروب ، وکان ساعتئذ شرع فی مناقب علیّ رضی الله عنه :

لا تعجلی یا شمسُ حتی ینتهی

مدحی لفضلِ المرتضی ولنجلهِ

یثنی عنانَکِ إن غَرَبتِ ثناؤه

أنسیتِ یوماً قد رُددتِ لأجلهِ

وذکره محیی الدین بن أبی الوفاء القرشی الحنفی فی الجواهر المضیّة فی طبقات الحنفیّة (2) (1 / 342).

20 - الحافظ أبو عبد الله محمد بن یوسف الکنجی الشافعی : المتوفّی (658). جعل فی کتابه کفایة الطالب (3) (ص 237 - 244) فصلاً فی حدیث ردّ الشمس ، وتکلّم فیه من حیث الإمکان تارة ، ومن حیث صحّة النقل أخری ، فلا یری للمتشرّع وسعاً فی إنکاره من ناحیة الإمکان لحدیث ردّ الشمس لیوشع المتّفق علی صحّته. وقال فی الکلام عن صحّته ما ملخّصه : فقد عدّه جماعة من العلماء فی معجزاته صلی الله علیه وسلم ومنهم : ابن سبع ذکره فی شفاء الصدور وحکم بصحّته ، ومنهم : القاضی عیاض فی الشفاء ، وحکی عن الطحاوی من طریقین صحیحین ، ونقل کلام أحمد بن صالح المصری.

وقد شفی الصدور الإمام الحافظ أبو الفتح محمد بن الحسین الأزدی الموصلی فی جمع طرقه فی کتاب مفرد ، ثمَّ رواه من طریق الحاکم فی تاریخه ، والشیخ أبی الوقت فی الجزء الأوّل من أحادیث الأمیر أبی أحمد. ثمّ ردَّ علی من ضعّفه إمکاناً ووقوعاً ، سنداً 0.

ص: 190


1- ابن النجّار فی ذیل تاریخ بغداد : 2 / 154 رقم 390 من طبعة الهند سنة 1398. (الطباطبائی)
2- الجواهر المضیّة : 2 / 502 رقم 909.
3- کفایة الطالب : ص 381 - 388 باب 100.

ومتناً ، وذکر مناشدة أمیر المؤمنین علیه السلام به یوم الشوری ، فقال :

أخبرنا الحافظ أبو عبد الله محمد بن محمود المعروف بابن النجّار ، أخبرنا أبو محمد عبد العزیز بن الأخضر ، قال : سمعت القاضی محمد بن عمر بن یوسف الأرموی یقول : جلس أبو منصور المظفّر بن أردشیر العبادی الواعظ. وذکر إلی آخر ما مرّ عن سبط ابن الجوزی ، ثمّ ذکر شعر الصاحب بن عبّاد فی حدیث ردّ الشمس.

21 - أبو عبد الله شمس الدین محمد بن أحمد الأنصاری الأندلسی : المتوفّی (671) قال فی التذکرة بأحوال الموتی وأمور الآخرة (1) : إنّ الله تعالی ردَّ الشمس علی نبیّه بعد مغیبها حتی صلّی علیّ. ذکره الطحاوی وقال : إنّه حدیث ثابت ، فلو لم یکن رجوع الشمس نافعاً ، وأنّه لا یتجدّد الوقت ، لَما ردّها علیه.

22 - شیخ الإسلام الحمّوئی : المتوفّی (722) والمترجم (1 / 123). رواه فی فرائد السمطین (2).

23 - الحافظ ولیّ الدین أبو زرعة العراقی : المتوفّی (826). أخرجه فی طرح التثریب (3) (7 / 247) من طریق الطبرانی فی معجمه الکبیر (4) وقال : حسن.

24 - الإمام أبو الربیع سلیمان السبتی الشهیر بابن سبع : ذکره فی کتابه شفاء الصدور وصحّحه.

25 - الحافظ ابن حجر العسقلانی : المتوفّی (852) والمترجم (1 / 130). ذکره فی فتح الباری (5) (6 / 168) وقال : روی الطحاوی ، والطبرانی فی الکبیر ، والحاکم ، 2.

ص: 191


1- التذکرة بأحوال الموتی وأمور الآخرة : ص 14.
2- فرائد السمطین : 1 / 183 ح 146 باب 37.
3- هذا الکتاب وإن کان مشترکاً بینه وبین والده ، غیر أنّ إخراج هذا الحدیث یعزی إلیه فی کتب القوم. (المؤلف)
4- المعجم الکبیر : 24 / 145 ح 382.
5- فتح الباری : 6 / 222.

والبیهقی فی الدلائل ، عن أسماء بنت عمیس : أنَّه صلی الله علیه وسلم دعا لمّا نام علی رکبة علیّ ففاتته صلاة العصر ، فرُدَّت الشمس حتی صلّی علیّ ، ثمَّ غربت. وهذا أبلغ فی المعجزة ، وقد أخطأ ابن الجوزی بإیراده له فی الموضوعات ، وهکذا ابن تیمیّة فی کتاب الردّ علی الروافض فی زعم وضعه ، والله أعلم.

26 - الإمام العینی الحنفی : المتوفّی (855) والمترجم (1 / 131). قال فی عمدة القاری شرح صحیح البخاری (1) (7 / 146) : وقد وقع ذلک أیضاً للإمام علیّ رضی الله عنه ، أخرجه الحاکم ، عن أسماء بنت عمیس - وذکر الحدیث - ثمَّ قال : وذکره الطحاوی فی مشکل الآثار - ثمَّ ذکر کلام أحمد بن صالح المذکور - فقال : وهو حدیثٌ متّصلٌ ورواته ثقات ، وإعلال ابن الجوزی هذا الحدیث لا یلتفت إلیه.

27 - الحافظ السیوطی : المتوفّی (911) والمترجم (1 / 133). رواه فی جمع الجوامع کما فی ترتیبه (2) (5 / 277) عن علیّ علیه السلام فی عدّ معجزات النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ، وقال فی الخصائص الکبری (3) (2 / 183) : أوتی یوشع حبس الشمس حین قاتل الجبّارین ، وقد حبست لنبیّنا صلی الله علیه وآله وسلم فی الإسراء ، وأعجب من ذلک ردّ الشمس حین فات عصر علیّ رضی الله عنه.

ورواه فی اللآلئ المصنوعة (4) (2 / 174 - 177) عن أمیر المؤمنین ، وأبی هریرة ، وجابر الأنصاری ، وأسماء بنت عمیس ، من طریق ابن مندة ، والطحاوی ، والطبرانی ، وابن أبی شیبة ، والعقیلی ، والخطیب ، والدولابی ، وابن شاهین ، وابن عقدة. وذکر شطراً من رسالة أبی الحسن الفضلی فی الحدیث ، وقال فی (2 / 174) : الحدیث صرّح جماعة من الأئمّة والحفّاظ بأنّه صحیح. 1.

ص: 192


1- عمدة القاری : 15 / 43.
2- کنز العمّال : 12 / 349 ح 35353.
3- الخصائص الکبری : 2 / 310.
4- اللآلئ المصنوعة : 1 / 336 - 341.

وروی فی اللآلئ (1) (2 / 176) من غیر غمز فی سنده ، عن أبی ذرّ أنّه قال : قال علیّ یوم الشوری : «أنشدکم بالله : هل فیکم من رُدّت له الشمس غیری حین نام رسول الله وجعل رأسه فی حجری؟ ...».

وقال فی نشر العلَمین (ص 13) بعد ذکر کلام القرطبی المذکور : قلت : وهو فی غایة التحقیق ، واستدلاله علی تجدّد الوقت بقصّة رجوع الشمس فی غایة الحسن ، ولهذا حکم بکون الصلاة أداء ، وإلاّ لم یکن لرجوعهافائدة ؛ إذ کان یصحّ قضاء العصر بعد الغروب.

وذکر هذا الاستدلال والاستحسان فی التعظیم والمنّة (ص 8).

28 - نور الدین السمهودی الشافعی : المتوفّی (911) والمترجم (1 / 133). قال فی وفاء الوفا (2) (2 / 33) فی ذکر مسجد الفضیخ المعروف بمسجد الشمس : قال المجد : لا یظنّ ظانّ أنَّه المکان الذی أعیدت الشمس فیه بعد الغروب لعلیّ رضی الله عنه ؛ لأنَّ ذلک إنَّما کان بالصهباء من خیبر.

ثمّ روی حدیث القاضی عیاض وکلمته وکلمة الطحاوی فقال : قال المجد : فهذا المکان أولی بتسمیته بمسجد الشمس دون ما سواه ، وصرّح ابن حزم بأنَّ الحدیث موضوع ، وقصّة ردّ الشمس علی علیّ رضی الله عنه باطلة بإجماع العلماء ، وسفّه قائله. قلت : والحدیث رواه الطبرانی بأسانید. قال الحافظ نور الدین الهیثمی : رجال أحدها رجال الصحیح غیر إبراهیم بن الحسن وهو ثقة ، وفاطمة بنت علیّ بن أبی طالب لم أعرفها!

وأخرجه ابن مندة وابن شاهین من حدیث أسماء بنت عمیس ، وابن مردویه من حدیث أبی هریرة ، وإسنادهما حسن ، وممّن صحّحه الطحاوی وغیره. وقال 2.

ص: 193


1- اللآلئ المصنوعة : 1 / 341.
2- وفاء الوفا : 3 / 822.

الحافظ ابن حجر فی فتح الباری (1) بعد ذکر روایة البیهقی له : وقد أخطأ ابن الجوزی بإیراده فی الموضوعات.

29 - الحافظ أبو العبّاس القسطلانی : المتوفّی (923) والمترجم (1 / 134). ذکره فی المواهب اللدنیّة (2) (1 / 358) من طریق الطحاوی ، والقاضی عیاض ، وابن مندة ، وابن شاهین ، والطبرانی ، وأبی زرعة من حدیث أسماء بنت عمیس ، ومن طریق ابن مردویه من حدیث أبی هریرة.

30 - الحافظ ابن الدیبع : المتوفّی (944) والمترجم (1 / 134). رواه فی تمییز الطیّب من الخبیث (3) (ص 81) وذکر تضعیف أحمد وابن الجوزی له ، ثمّ استدرکه بتصحیح الطحاوی وصاحب الشفاء ، فقال : وأخرجه ابن مندة ، وابن شاهین وغیرهما من حدیث أسماء بنت عمیس وغیرها.

31 - السیّد عبد الرحیم بن عبد الرحمن العبّاسی : المتوفّی (963). ذکر فی معاهد التنصیص (4) (2 / 190) من مقصورة ابن حازم (5) :

فیا لها من آیةٍ مبصرةٍ

أبصرها طرفُ الرقیبِ فامتری

واعتورتْهُ شبهةٌ فضلَّ عن

تحقیقِ ما أبصرَهُ وما اهتدی

وظنَّ أنَّ الشمسَ قد عادتْ له

فانجاب جنحُ اللیل عنها وانجلی

والشمس ما رُدَّت لغیرِ یوشعٍ

لمّا غزا ولعلیٍّ إذ غفا

ثمَّ ذکر الحدیث بلفظ الطحاوی من طریقیه ، وأردفه بذکر قصّة أبی منصور ف)

ص: 194


1- فتح الباری : 6 / 222.
2- المواهب اللدنیّة : 2 / 528.
3- تمییز الطیّب من الخبیث : ص 96 ح 663.
4- معاهد التنصیص : 4 / 198 رقم 215.
5- شرحها الشریف أبو عبد الله السبتی : المتوفّی 760 ، والشیخ جلال الدین المحلّی : المتوفّی 864. (المؤلف)

المظفَّر الواعظ المذکورة.

32 - الحافظ شهاب الدین ابن حجر الهیتمی : المتوفّی (974) والمترجم (1 / 134). عدّه فی الصواعق (1) (ص 76) کرامةً باهرةً لأمیر المؤمنین علیه السلام وقال : وحدیث ردِّها صحّحه الطحاوی والقاضی فی الشفاء وحسّنه شیخ الإسلام أبو زرعة وتبعه غیره ، وردّوا علی جمعٍ قالوا : إنَّه موضوع. وزعم فوات الوقت بغروبها فلا فائدة لردِّها (2) فی محلّ المنع ، بل نقول : کما أنَّ ردّها خصوصیةٌ کذلک إدراک العصر الآن أداءً خصوصیة وکرامة. ثمَّ ذکر قصّة أبی منصور المظفَّر بن أردشیر العبادی المذکورة.

وقال فی شرح همزیّة البوصیری (3) (ص 121) فی حدیث شقّ القمر : ویناسب هذه المعجزة ردّ الشمس له صلی الله علیه وسلم بعد ما غابت حقیقة لمّا نام صلی الله علیه وسلم - إلی أن قال - : فرُدَّت لیصلّی - علیّ - العصر أداءً کرامة له صلی الله علیه وسلم ، وهذا الحدیث اختلف فی صحّته جماعة ، بل جزم بعضهم بوضعه ، وصحّحه آخرون وهو الحقّ. ثمَّ صرّح بأنّ إحدی روایتی أسماء صحیحة والأخری حسنة.

33 - الملاّ علیّ القاری : المتوفّی (1014) قال فی المرقاة شرح المشکاة (4 / 287) : أمّا ردُّ الشمس لحکمه صلی الله علیه وسلم فروی عن أسماء. ثمَّ ذکر الحدیث وقال بعد ذکر کلام العسقلانی المذکور : وبهذا یعلم أنَّ ردَّ الشمس بمعنی تأخیرها ، والمعنی أنَّها کادت أن تغرب فحبسها ، فیندفع بذلک ما قال بعضهم : ومن تغفّل واضعه أنَّه نظر إلی صورة فضیلة ولم یلمح إلی عدم الفائدة فیها ، فإنّ صلاة العصر بغیبوبة الشمس تصیر قضاءً ورجوع الشمس لا یعیدها أداء. انتهی. مع أنَّه یمکن حمله علی الخصوصیّات وهو أبلغ فی باب المعجزات ، والله أعلم بتحقیق الحالات. 3.

ص: 195


1- الصواعق المحرقة : ص 128.
2- زعمه ابن الجوزی [فی کتاب الموضوعات : 1 / 355]. (المؤلف)
3- شرح همزیة البوصیری : ص 133.

قیل : یعارضه قوله فی الحدیث الصحیح : لم تحبس الشمس علی أحد إلاّ لیوشع.

ویُجاب : بأنّ المعنی لم تحبس علی أحد من الأنبیاء غیری إلاّ لیوشع (1).

34 - نور الدین الحلبی الشافعی : المتوفّی (1044) والمترجم (1 / 139) ، قال فی السیرة النبویّة (2) (1 / 413) : وأمّا عَوْد الشمس بعد غروبها فقد وقع له صلی الله علیه وسلم فی خیبر ، فعن أسماء بنت عمیس - وذکر الحدیث ثمَّ قال - : قال بعضهم : لا ینبغی لمن سبیله العلم أن یتخلّف عن حفظ هذا الحدیث لأنَّه من أجلّ أعلام النبوّة ، وهو حدیث متّصل ، وقد ذکر فی الإمتاع : أنَّه جاء عن أسماء من خمسة طرق وذکرها ، وبه یُردُّ ما تقدّم عن ابن کثیر (3) : بأنَّه تفرّدت بنقله امرأة من أهل البیت مجهولة لا یعرف حالها ، وبه یردّ علی ابن الجوزی حیث قال فیه : إنَّه حدیث موضوع بلا شکّ.

ثمَّ ذکر عن الإمتاع خامس أحادیثه ، وحکی عن سبط ابن الجوزی قصّة أبی منصور المظفَّر الواعظ فی (ص 412).

35 - شهاب الدین الخفاجیّ الحنفیّ : المتوفّی (1069) والمترجم (1 / 140) ، قال فی شرح الشفا (3 / 11) : ورواه الطبرانی بأسانید مختلفة ، رجال أکثرها ثقات. وقال [فی] (ص 12) : اعترض علیه بعض الشرّاح وقال : إنَه موضوع ، ورجاله مطعون فیهم ، کذّابون ووضّاعون. ولم یدرِ أنَّ الحقّ خلافه ، والذی غرّه کلام ابن الجوزی ولم یقف علی أنَّ کتابه أکثره مردود ، وقد قال خاتمة الحفّاظ السیوطی وکذا السخاوی : إنَّ ابن الجوزی فی موضوعاته تحامل تحاملاً کثیراً حتی أدرج فیه کثیراً من الأحادیث الصحیحة ، کما أشار إلیه ابن الصلاح. ف)

ص: 196


1- هذا الجمع ذکره جمع من الحفّاظ والأعلام. (المؤلف)
2- السیرة الحلبیّة : 1 / 386.
3- ذکر کلام ابن کثیر : ص 411 [ص 385]. (المؤلف)

وهذا الحدیث صحّحه المصنّف رحمه الله وأشار إلی أنَّ تعدّد طرقه شاهد صدق علی صحّته ، وقد صحّحه قبله کثیر من الأئمّة کالطحاوی ، وأخرجه ابن شاهین ، وابن مندة ، وابن مردویه ، والطبرانی فی معجمه وقال : إنَّه حسن ، وحکاه العراقیّ فی التقریب - ثمَّ ذکر لفظه فقال - : وإنکار ابن الجوزی فائدة ردّها مع القضاء لا وجه له ؛ فإنَّها فاتته بعذر مانع عن الأداء وهو عدم تشویشه علی النبیّ صلی الله علیه وسلم ، وهذه فضیلة - أیّ فضیلة - فلمّا عادت الشمس حاز فضیلة الأداء أیضاً - إلی أن قال - :

إنَّ السیوطی صنّف فی هذا الحدیث رسالة مستقلّة سمّاها کشف اللبس عن حدیث ردّ الشمس. وقال : إنَّه سبق بمثله لأبی الحسن الفضلی ، أورد طرقه بأسانید کثیرة وصحّحه بما لا مزید علیه ، ونازع ابن الجوزی فی بعض من طعن فیه من رجاله.

وقال فی قول الطحاوی - لأنَّه من علامات النبوّة - : وهذا مؤیِّدٌ لصحّته ، فإنَّ أحمد (1)) هذا من کبار أئمّة الحدیث الثقات ، ویکفی فی توثیقه أنَّ البخاری روی عنه فی صحیحه فلا یلتفت إلی من ضعّفه وطعن فی روایته.

وبهذا أیضاً سقط ما قاله ابن تیمیّة وابن الجوزی من أنّ هذا الحدیث موضوع. فإنَّه مجازفةٌ منهما. وما قیل : من أنَّ هذه الحکایة لا موقع لها بعد نصِّهم علی وضع الحدیث ، وإنَّ کونه من علامات النبوّة لا یقتضی تخصیصه بالحفظ ، خلط وخبط لا یعبأ به بعد ما سمعت. وذکر من الهمزیّة :

رُدَّت الشمسُ والشروقُ علیه

لعلیٍّ حتی یتمَّ الأداءُ

ثمَّ ولّت لها صریرٌ وهذا

لفراقٍ له الوصالُ دواءُ (2)

وذکر (ص 15) قصّة أبی منصور الواعظ وشعره. ف)

ص: 197


1- یعنی أحمد بن صالح المصری. (المؤلف)
2- لا یوجد هذان البیتان فی همزیّة البوصیری. (المؤلف)

36 - أبو العرفان الشیخ برهان الدین إبراهیم بن حسن بن شهاب الدین الکردی الکورانی ثمّ المدنی : المتوفّی (1102). ذکره فی کتابه الأمم لإیقاظ الهمم (ص 63) عن الذرّیة الطاهرة للحافظ أبی بشر الدولابی (1) ، قال : قال : حدّثنی إسحاق بن یونس ، حدّثنا سُوید بن سعید ، عن مطّلب بن زیاد ، عن إبراهیم بن حیّان ، عن عبد الله بن الحسین ، عن فاطمة بنت الحسین ، عن الحسین بن علیّ - رضی الله عنهما - قال : «کان رأس رسول الله صلی الله علیه وسلم فی حجر علیٍّ وکان یوحی إلیه ، فلمّا سُرّی عنه قال له : یا علیُّ صلّیت الفرض؟ قال : لا. قال : اللهم إنَّک تعلم أنَّه کان فی حاجتک وحاجة رسولک ، فردَّ علیه الشمس» فردّها علیه ، فصلّی وغابت الشمس.

ثمَّ رواه من طریق الطبرانی عن أسماء بنت عمیس بلفظها الآتی ، ثمَّ قال : قال الحافظ جلال الدین السیوطی فی جزء کشف اللبس فی حدیث ردّ الشمس : إنَّ حدیث ردّ الشمس معجزةٌ لنبیِّنا محمد صلی الله علیه وسلم ، صحّحه الإمام أبو جعفر الطحاوی وغیره ، وأفرط الحافظ أبو الفرج ابن الجوزی فأورده فی کتاب الموضوعات. وقال تلمیذه (2) المحدِّث أبو عبد الله محمد بن یوسف الدمشقی الصالحی فی جزء مزیل اللبس عن حدیث ردّ الشمس : اعلم أنَّ هذا الحدیث رواه الطحاوی فی کتابه شرح مشکل الآثار عن أسماء بنت عمیس من طریقین ، وقال : هذان الحدیثان ثابتان ورواتهما ثقات. ونقله القاضی عیاض فی الشفاء والحافظ ابن سیّد الناس فی بشری اللبیب والحافظ علاء الدین مغلطای فی کتاب الزهر الباسم ، وصحّحه الحافظ ابن الفتح (3) الأزدی ، وحسّنه الحافظ أبو زرعة ابن العراقیِ (4) ، وشیخنا الحافظ جلال الدین السیوطی فی الدرر المنتثرة فی الأحادیث المشتهرة (5) ، وقال الحافظ أحمد بن صالح 9.

ص: 198


1- الذرّیة الطاهرة : ص 129 ح 156.
2- أی تلمیذ السیوطی.
3- کذا والصحیح : أبو الفتح. (المؤلف)
4- طرح التثریب : 7 / 247.
5- الدرر المنتثرة : ص 152 ح 489.

- وناهیک به - : لا ینبغی لمن سبیله العلم التخلّف عن حدیث أسماء لأنَّه من أجلِّ علامات النبوّة.

وقد أنکر الحفّاظ علی ابن الجوزی إیراده الحدیث فی کتاب الموضوعات ، فقال الحافظ أبو الفضل بن حجر فی باب قول النبی صلی الله علیه وسلم : «أُحلّت لکم الغنائم» من فتح الباری ، بعد أن أورد الحدیث : أخطأ ابن الجوزی بإیراده له فی الموضوعات. انتهی. ومن خطّه نقلت. ثمَّ قال : إنَّ هذا الحدیث ورد من طریق أسماء بنت عمیس ، وعلیّ ابن أبی طالب ، وابنه الحسین ، وأبی سعید ، وأبی هریرة (1). ثمَّ ساقها وتکلّم علی رجالها ثمَّ قال - : قد علمت ممّا أسلفناه من کلام الحفّاظ فی حکم هذا الحدیث وتبیّن حال رجاله أنَّه لیس فیه متّهمٌ ولا من أُجمع علی ترکه ، ولاح لک ثبوت الحدیث وعدم بطلانه ، ولم یبق إلاّ الجواب عمّا أُعلّ به ، وقد أُعلّ بأمور فساقها ، وأجاب عن الأمور التی أُعلّ بها بأجوبة شافیة.

37 - أبو عبد الله الزرقانی المالکی : المتوفّی (1122) والمترجم (1 / 142). صحّحه فی شرح المواهب (5 / 113 - 118) وقال : أخطأ ابن الجوزی فی عدِّه من الموضوعات. وبالغ فی الردِّ علی ابن تیمیّة وقال : العجب العجاب إنّما هو من کلام ابن تیمیّة. وقال بعد نقل نفی صحّته عن أحمد وابن الجوزی : قال الشامی (2) : والظاهر أنَّه وقع لهم من طریق بعض الکذّابین ولم یقع لهم من الطرق السابقة ، وإلاّ فهی یتعذّر معها الحکم علیه بالضعف فضلاً عن الوضع ، ولو عرضت علیهم أسانیدها لاعترفوا بأنَّ للحدیث أصلاً ولیس بموضوع. قال : وما مهّدوه من القواعد وذِکْر جماعة من الحفّاظ له فی کتبهم المعتمدة وتقویة من قوّاه یردُّ علی من حکم بالوضع.

وقال : وبهذا الحدیث أیضاً بانَ أنَّ الصلاة لیست قضاء بل یتعیّن الأداءُ وإلاّ لم س.

ص: 199


1- فالحدیث متواتر أخذاً بما ذهب إلیه جمع من أعلام القوم فی التواتر. (المؤلف)
2- أی شمس الدین الدمشقی الصالحی مؤلّف مزیل اللبس.

یکن للدعاء فائدةٌ - ثمّ قال - : ومن القواعد أنّ تعدّد الطریق فیه یفید أنَّ للحدیث أصلاً ، ومن لطائف الاتِّفاقات الحسنة أنَّ أبا منصور المظفّر الواعظ ... وذکر القصّة کما مرّت.

38 - شمس الدین الحفنی الشافعی : المتوفّی (1181) والمترجم (1 / 144). قال فی تعلیقه علی الجامع الصغیر للسیوطی (1) (2 / 293) فی قوله صلی الله علیه وآله وسلم : «ما حُبست الشمس علی بشر إلاّ علی یوشع بن نون» : لا یعارض هذا حدیث ردِّ الشمس لسیِّدنا علیٍّ رضی الله عنه ؛ لأنّ ذلک ردٌّ لها بعد غروبها ، وما هنا حبسٌ لها لا ردٌّ لها بعد الغروب ، والمراد : ما حُبست علی بشر غیر یوشع فیما مضی من الزمان ؛ لأنّ (حُبس) فعل ماض ، فلا ینافی وقوع الحبس بعد ذلک لبعض أولیاء الله تعالی.

39 - میرزا محمد البَدَخشی : المذکور فی (1 / 143). قال فی نُزُل الأبرار (2)) (ص 40) : الحدیث صرّح بتصحیحه جماعة من الأئمّة الحفّاظ : کالطحاوی والقاضی عیاض وغیرهما ، وقال الطحاوی : هذا حدیث ثابت رواته ثقات. ثمَّ نقل کلام الطحاوی ، وذکر حکایة أبی منصور المظفّر الواعظ ، وقال : إنَّ للحافظ السیوطی جزءاً فی طرق هذا الحدیث وبیان حاله.

40 - الشیخ محمد الصبّان : المتوفّی (1206) والمترجم (1 / 145). عدّه فی إسعاف الراغبین (ص 62) من معجزات النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ، وفی (ص 162) من کرامات أمیر المؤمنین علیه السلام وذکر الحدیث ، ثمّ قال : وصحّحه الطحاوی والقاضی فی الشفاء ، وحسّنه شیخ الإسلام أبو زرعة وتبعه غیره ، وردّوا علی جمع قالوا : إنَّه موضوعٌ ، وزعم فوات الوقت بغروبها فلا فائدة لردّها فی محلّ المنع لعود الوقت بعودها کما ذکره ابن العماد واعتمد غیره وإن اقتضی کلام الزرکشی خلافه. وعلی تسلیم عدم عود الوقت نقول : 9.

ص: 200


1- حاشیة السراج المنیر - شرح الجامع الصغیر - : 3 / 267.
2- نُزُل الأبرار : ص 79.

کما أنَّ ردّها خصوصیة ، کذلک إدراک العصر أداء خصوصیّة.

41 - الشیخ محمد أمین بن عمر الشهیر بابن عابدین الدمشقی إمام الحنفیّة فی عصره : المتوفّی (1252). قال - فی حاشیته (1) (1 / 252) عند قول المصنّف : لو غربت الشمس ثمّ عادت هل یعود الوقت؟ الظاهر : نعم - : بحث لصاحب النهر حیث قال : ذکر الشافعیّة أنَّ الوقت یعود لأنّه - علیه الصلاة والسلام - نام فی حجر علیّ رضی الله عنه حتی غربت الشمس ، فلمّا استیقظ ذکر له أنَّه فاتته العصر. فقال : «اللهمَّ إنَّه کان فی طاعتک وطاعة رسولک فارددها علیه». فردّت حتی صلّی العصر ، وکان ذلک بخیبر. والحدیث صحّحه الطحاوی وعیاض ، وأخرجه جماعة منهم الطبرانی بسند صحیح ، وأخطأ من جعله موضوعاً کابن الجوزی ، وقواعدنا لا تأباه.

ثمَّ قال : قلت : علی أنَّ الشیخ إسماعیل ردّ ما بحث فی النهر تبعاً للشافعیّة بأنَّ صلاة العصر بغیبوبة الشمس تصیر قضاء ورجوعها لا یعیدها أداءً ، وما فی الحدیث خصوصیّةٌ لعلیٍّ کما یعطیه قوله علیه السلام : «إنَّه کان فی طاعتک وطاعة رسولک».

42 - السیّد أحمد زینی دحلان الشافعی : المتوفّی (1304) والمترجم (1 / 147). قال فی السیرة النبویّة (2) هامش السیرة الحلبیّة (3 / 125) : ومن معجزاته صلی الله علیه وسلم ردّ الشمس له. روت أسماء بنت عمیس ... وذکر الحدیث وروایة الطحاوی وکلام أحمد ابن صالح المصری ، فقال : أحمد بن صالح من کبار أئمّة الحدیث الثقات ، وحسبه أنّ البخاری روی عنه فی صحیحه. ولا عبرة بإخراج ابن الجوزی لهذا الحدیث فی الموضوعات ، فقد أطبق العلماء علی تساهله فی کتاب الموضوعات حتی أدرج فیه کثیراً من الأحادیث الصحیحة ، قال السیوطی (3) : 2.

ص: 201


1- تسمّی بردّ المحتار علی الدرّ المختار ، شرح تنویر الأبصار فی فقه الحنفیة [1 / 241]. (المؤلف)
2- السیرة النبویّة : 2 / 201.
3- ألفیّة السیوطی فی علم الحدیث : ص 92.

ومن غریبِ ما تراهُ فاعلَمِ

فیه حدیثٌ من صحیحِ مسلمِ

ثمّ ذکر کلام القسطلانی فی المواهب اللدنیّة (1) ، وجملة من مقال الزرقانی فی شرحه (2) ، ومنها قصّة أبی منصور الواعظ وشعره ، ثمَّ حکی عن الحافظ ابن حجر نفی التنافی بین هذا الحدیث وبین حدیث : لم تُحبس الشمس علی أحدٍ إلاّ لیوشع بن نون ؛ بأنَّ حبسها لیوشع کان قبل الغروب وفی قصّة علیّ کان حبسها بعد الغروب. ثمَّ قال : قیل : کان علم النجم صحیحاً قبل ذلک ، فلمّا وقفت الشمس لیوشع علیه السلام بطل أکثره ، ولمّا رُدّت لعلیّ رضی الله عنه بطل جمیعه.

43 - السیّد محمد مؤمن الشبلنجی : عدّه فی نور الأبصار (3) (ص 28) من معجزات رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم.

لفظ الحدیث

عن أسماء بنت عمیس : أنَّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم صلّی الظهر بالصهباء من أرض خیبر ، ثمّ أرسل علیّا فی حاجة فجاء وقد صلّی رسول الله العصر ، فوضع رأسه فی حجر علیّ ولم یحرِّکه حتی غربت الشمس ، فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «اللهمَّ إنَّ عبدک علیّا احتبس نفسه علی نبیِّه فرُدَّ علیه شرقها».

قالت أسماء : فطلعت الشمس حتی رفعت علی الجبال ، فقام علیّ فتوضّأ وصلّی العصر ، ثمَّ غابت الشمس.

وهناک لفظٌ آخر نصفح عنه روماً للاختصار.

ویعرب عن شهرة هذه الأثارة بین الصحابة الأقدمین ، احتجاج الإمام 3.

ص: 202


1- المواهب اللدنیّة : 2 / 528 - 530.
2- شرح المواهب : 5 / 116.
3- نور الأبصار : ص 63.

أمیر المؤمنین بها علی الملأ یوم الشوری بقوله : «أنشدکم الله أفیکم أحدٌ رُدّت علیه الشمس بعد غروبها حتی صلّی العصر غیری؟». قالوا : لا (1).

وأخرج الخوارزمی فی المناقب (2)) (ص 260) عن مجاهد ، عن ابن عبّاس ، قال : قیل له : ما تقول فی علیِّ بن أبی طالب؟ فقال : ذکرت والله أحد الثقلین ، سبق بالشهادتین ، وصلّی بالق بلتین ، وبایع البیعتین ، وأُعطی السبطین ، وهو أبو السبطین الحسن والحسین ، ورُدّت علیه الشمس مرّتین بعد ما غابت عن الثقلین.

ووردت فی شعر کثیر من شعراء القرون الأولی حتی الیوم ، یوجد منه شطر مهمّ فی غضون کتابنا. راجع (2 / 293 و 3 / 29 ، 57).

فبهذه کلّها نعرف قیمة ابن حزم وقیمة کتابه ، ونحن لا یسعنا إیقاف القارئ علی کلِّ ما فی الفِصَل من الطامّات ولا علی شطرٍ مهمٍّ منه ، إذ جمیع أجزائه - ولا سیّما الجزء الرابع - مشحونٌ بالتحکّم والتقوّل والتحریف والتدجیل والإفک والزور ، وهناک مذاهب مختلقة لا وجود لها إلاّ فی عالم خیال مؤلِّفه.

وأمّا ما فیه من القذف والسباب المقذع فلا نهایة له ، بحیث لو أردنا استیفاءه لکلّفنا ذلک جزءاً ، ولا یسلم أحدٌ من لدغ لسانه لا فی فِصَله ولا فی بقیّة تآلیفه حتی نبیُّ العظمة ، قال فی الإحکام (3) (5 / 171) : قد غاب عنهم - یعنی الشیعة - أنّ سیِّد الأنبیاء هو ولد کافر وکافرة.

أیساعده فی هذه القارصة أدب الدین ، أدب التألیف ، أدب العلم ، أدب العفّة؟ (أَأُلْقِیَ الذِّکْرُ عَلَیْهِ مِنْ بَیْنِنا بَلْ هُوَ کَذَّابٌ أَشِرٌ* سَیَعْلَمُونَ غَداً مَنِ الْکَذَّابُ الْأَشِرُ) (4) 6.

ص: 203


1- مرّ الإیعاز إلی حدیث المناشدة یوم الشوری : 1 / 159 - 163. (المؤلف)
2- المناقب : ص 329 ح 349.
3- الإحکام فی أصول الأحکام : 5 / 160.
4- القمر : 25 - 26.

5 - الملل والنحل

5 - الملل والنحل (1)

هذا الکتاب وإن لم یکن یضاهی الفِصَل فی بذاءة المنطق ، غیر أنّ فی غضونه نسباً مفتعلة ، وآراء مختلقة ، وأکاذیب جمّة ، لا یجد القارئ ملتحداً عن تفنیدها ، فإلیک نماذج منها :

1 - قال : قال هشام بن الحکم متکلّم الشیعة : إنّ الله جسم ذو أبعاض فی سبعة أشبار بشبر نفسه ، فی مکان مخصوص وجهة مخصوصة (2).

2 - قال فی حقِّ علیٍّ : إنّه إله واجب الطاعة (3).

3 - وقال هشام بن سالم : إنّ الله علی صورة إنسان ، أعلاه مجوّف ، وأسفله مصمت ، وهو نور ساطع یتلألأ ، وله حواسّ خمس وید ورجل وأنف وأُذن وعین وفم ، وله وفرة سوداء ، وهو نور أسود لکنّه لیس بلحم ولا دم ، وإنّ هشاماً هذا أجاز المعصیة علی الأنبیاء مع قوله بعصمة الأئمّة (4).

4 - وقال زرارة بن أعین : لم یکن الله قبل خلق الصفات عالماً ، ولا قادراً ، ولا حیّا ، ولا بصیراً ، ولا مریداً ، ولا متکلّماً (5).

5 - قال أبو جعفر محمد بن النعمان : إنّ الله نور علی صورة إنسان ، ویأبی أن یکون جسماً (6).

6 - وزعم یونس بن عبد الرحمن القمّی أنَّ الملائکة تحمل العرش ، والعرش یحمل الربّ ، وهو من مشبِّهة الشیعة وصنّف لهم فی ذلک کتباً (7). 8.

ص: 204


1- تألیف الفیلسوف الأشعری أبی الفتح محمد بن عبد الکریم الشهرستانی : المتوفّی 548. (المؤلف)
2- فی المطبوع فی هامش الفِصَل : 2 / 25 [الملل والنحل : 1 / 164]. (المؤلف)
3- الملل والنحل : 1 / 165.
4- الملل والنحل : 1 / 165.
5- الملل والنحل : 1 / 165.
6- الملل والنحل : 1 / 167.
7- الملل والنحل : 1 / 168.

الجواب : هذه عقائد باطلة ، عزاها إلی رجالات الشیعة المقتصّین أثر أئمّتهم علیهم السلام اقتصاص الظلِّ لذیه ، فلا یعتنقون عقیدة ، ولا ینشرون تعلیماً ، ولا یبثّون حکماً ، ولا یرون رأیاً إلاّ ومن ساداتهم الأئمّة علی ذلک برهنة دامغة ، أو بیانٍ شافٍ ، أو فتویً سدیدة ، أو نظر ثاقب.

علی أنَّ أحادیث هؤلاء کلّهم فی العقائد والأحکام والمعارف الإلهیّة مبثوثة فی کتب الشیعة ، تتداولها الأیدی ، وتشخص إلیها الأبصار ، وتهشّ إلیها الأفئدة ، فهی وما نسب إلیهم من الأقاویل علی طرفی نقیض ، وهاتیک کتبهم وآثارهم الخالدة لا ترتبط بشیء من هذه المقالات ، بل إنَّما هی تدحرها وتضادُّها بألسنة حداد.

وإطراء أئمّة الدین علیهم السلام لهم بلغ حدَّ الاستفاضة ، ولو کانوا یعرفون من أحدهم شیئاً من تلکم النسب لشنّوا علیهم الغارات ، کلاءةً لمَلَئهم عن الاغترار بها ، کما فعلوا ذلک فی أهل البدع والضلالات.

وهؤلاء علماء الرجال من الشیعة بسطوا القول فی تراجمهم ، وهم بقول واحد ینزِّهونهم عن کلِّ شائنة معزوَّة إلیهم ، وهم أعرف بالقوم من أضدادهم البعداء عنهم ، الجهلاء بهم وبترجمتهم ، غیر مجتمعین معهم فی حلّ أو مرتحل.

ولیس فی الشیعة منذ القدم حتی الیوم من یعترف أو یعرف بوجود هذه الفرق : هشامیة ، زراریّة ، یونسیّة ، المنتمیة عند الشهرستانی ونظرائه إلیهم ککثیر من الفرق التی ذکرها للشیعة ، وقد نفاها الشیخ العلاّمة أبو بکر بن العتایقی الحلّی فی رسالة له فی النحل الموجودة بخطّ یمینه ، وحکم سیّدنا الشریف المرتضی علم الهدی فی الشافی (1) ، والسیّد العلاّمة المرتضی الرازی فی تبصرة العوام (2) ، بکذب ما عزوه إلی القوم جمیعاً ، وأنَّها لا توجد إلاّ فی کتب المخالفین لهم فی المبدأ إهباطاً لمکانتهم عند الملأ ، لکنّ 4.

ص: 205


1- الشافی فی الإمامة : 1 / 83 - 87.
2- تبصرة العوام : ص 46 - 54.

الشیعة الذین هم ذووهم وأعرف الناس بمبادئهم لا یعرفون هاتیک المفتریات ، ولا یعترفون بها ، ولا یوجد شیءٌ منها فی کتبهم ، وإنَّما الثابت فیها خلاف ذلک کلّه ، کما لا یعتمد علی تحقیق شیء من هاتیک الفرق آیة الله العلاّمة الحلّی فی مناهج الیقین ، وغیرهم من أعلام الشیعة.

فهل فی وسع الرجل أن یخصم الإمامیّة بحجّة مثبتة لتلکم الدعاوی؟ لاها الله.

وهل نُسب فی کتب الکلام والتاریخ قبل خلق الشهرستانی إلی هشام القول بأُلوهیة علیّ؟ لاها الله.

وهل رأت عین بشر أو سمعت أُذناه شیئاً ، ولو کلمة ، من تلکم الکتب المعزوّة إلی یونس بن عبد الرحمن المصنّفة فی التشبیه؟ لاها الله. والشهرستانی أیضاً لم یره ولم یسمعه ، وإن تعجب فعجبٌ قوله :

7 - اختلف الشیعة بعد موت علیّ بن محمد العسکری أیضاً ، فقال قوم بإمامة جعفر بن علیّ ، وقال قوم بإمامة الحسن بن علیّ ، وکان لهم رئیس یقال له علیّ بن فلان الطاحن ، وکان من أهل الکلام قوّی أسباب جعفر بن علیّ وأمال الناس إلیه ، وأعانه فارس بن حاتم بن ماهویه ، وذلک أنَّ محمداً قد مات وخلّف الحسن العسکریّ ، قالوا : امتحنّا الحسن ولم نجد عنده علماً. ولقّبوا من قال بإمامة الحسن (الحماریة) ، وقوّوا أمر جعفر بعد موت الحسن ، واحتجّوا بأنَّ الحسن مات بلا خلف ، فبطلت إمامته لأنَّه لم یعقب ، والإمام لا یکون إلاّ ویکون له خلف وعقب ، وحاز جعفر میراث الحسن بعد دعوی ادّعاها علیه أنَّه فعل ذلک من حبل فی جواریه وغیره ، وانکشف أمرهم عند السلطان والرعیّة وخواصّ الناس وعوامّهم ، وتشتّتت کلمة من قال بإمامة الحسن وتفرّقوا أصنافاً کثیرة ، فثبتت هذه الفرقة علی إمامة جعفر ، ورجع إلیهم کثیر ممّن قال بإمامة الحسن ، منهم : الحسن بن علیّ بن فضّال ، وهو من أجلّ أصحابهم وفقهائهم ، کثیر الفقه والحدیث. ثمّ قالوا بعد جعفر بعلیّ

ص: 206

ابن جعفر ، وفاطمة بنت علیّ أخت جعفر ، وقال قومٌ بإمامة علیّ بن جعفر دون فاطمة السیّدة. ثمَّ اختلفوا بعد موت علیّ وفاطمة اختلافاً کثیراً (1).

الجواب : إنَّ الرجل یدخل المراقص والمسارح لینظر إلی المفرحات والمضحکات ، أو یسمع أشیاء سارّة ولو من بعض النواحی ، وقد غفل عن أنَّ کتاب الشهرستانی أوفی بمقصده من تلک المنتدیات.

غیر أنَّه إن کان مضحکاً بجهل صاحبه فهو مُبکٍ من ناحیة أن یوجد فی بحّاثة المسلمین من تروقه الوقیعة فی أممٍ من قومه ، لکنَّه لا یعرف کیف یقع ، فیثبت ما یتراوح بین جهلٍ شائنٍ ، وإفک مفتریً ، ولیته قبل أن یکتب فحص عن أحوال القوم وعقائدهم وتاریخ رجالهم ، فلا یتحمّل إثم ما افتعله ، ولا یخبط فی ذلک خبط عشواء ، ولا یُثبت ما لا یعرف.

فإن کان لا یدری فتلک مصیبةٌ

وإن کان یدری فالمصیبة أعظمُ

لیت شعری متی وقع الخلاف فی الإمامة بین الإمام الحسن العسکری علیه السلام وبین أخیه جعفر الذی ادّعی الإمامة بعد وفاة أخیه؟

ومن هو علیّ بن فلان الطاحن الذی قوّی أسباب جعفر وأمال الناس إلیه؟ ومتی خُلق؟ ومتی مات؟ ولست أدری أیّ هَیّ بن بَیّ هو (2)؟ وهل وجد لنفسه مقیلاً فی مستوی الوجود؟ أنا لا أدری ، والشهرستانی لا یدری ، والمنجّم أیضاً لا یدری!

وکیف أعان جعفراً فارس بن حاتم بن ماهویه ، وقد قتله جُنید بأمر والده الإمام علیّ الهادی علیه السلام؟ ه.

ص: 207


1- الملل والنحل : 1 / 151.
2- یقال : هیّ بن بیّ وهیّان بن بیّان : أی لا یعرف هو ولا یعرف أبوه.

ومن هو محمد الذی خلف الإمام الحسن العسکری؟ أهو الإمام محمد الجواد ولم یخلّف إلاّ ابنه الإمام الهادی - سلام الله علیه -؟ أو هو أبو جعفر محمد بن علیّ صاحب البقعة المعظّمة بمقربة من بلد وقد مات بحیاة أبیه الطاهر ، والإمامة مستقرّة لوالده؟ ومتی کان إماماً أو مدّعیاً للإمامة حتی یخلّف غیره علیها؟

ومن هؤلاء الذین امتحنوا الحسن الزکیّ العسکریّ فلم یجدوا عنده علماً؟ ثمَّ وجدوه فی جعفر الذی لم یُعرف منه شیء غیر أنَّه ادّعی الإمامة باطلاً بعد أخیه وقصاری ما عندنا أنَّه أدرکته التوبة ، ولم یوجد له ذکر بعلم أو ترجمة فیها فضیلة فی أیٍّ من الکتب ، ولا نشرت عنه کتب الأحادیث شیئاً من علومه المدّعاة له عند الشهرستانی لو صدقت الأحلام ، وهذا الحسن العسکری علیه السلام تجده فی التراجم والمعاجم من الفریقین مذکوراً بالعلم والثقة ، وملء کتب العلم والحدیث تعالیمه ومعارفه.

ومن هم الذین لقّبوا أتباع الحسن علیه السلام بالحماریّة؟ نعم أهل بیت النبوّة محسودون فی کلِّ وقت ، فکان یحصل لکلّ منهم فی وقته من یسبّه حسداً ویسبُّ أتباعه ، لکن لا یذهب ذلک لقباً له أو لأشیاعه ، وإنَّما یتدهور فی مهوی الضعة.

ومتی کان الحسن بن علیّ بن فضّال فی عهد الإمام الحسن العسکری؟ حتی یرجع عنه إلی جعفر ، وقد توفّی ابن فضّال سنة (221) ونطفة الحسن وجعفر بعدُ لم تنعقد ، وقبل أن یبلغ الحلم والدهما الطاهر الإمام الهادی المتولّد سنة (212).

ومن ذا الذی ذکر للإمام علیّ الهادی بنتاً اسمها فاطمة حتی یقول أحدٌ بإمامتها؟ فإنَّ الإمام علیه السلام لم یخلّف من الذکور إلاّ الحسن والحسین وجعفراً ، ومن الإناث إلاّ علیّة ، باتّفاق المؤرخین.

هذا کلّ ما فی علبة الشهرستانی من جهل وفریة سوّد بهما صحیفة من کتابه

ص: 208

أو صحیفة من تاریخ حیاته ، وکم له من لداتها صحائف ، ولم یُدهوره إلی تلک الهوّة إلاّ عدم معرفته بما یقول ، حتی إنّه یقول فی الإمام الهادی الذی خبط فیه وفی ولده هذا الخبط العظیم : إنَّ مشهده بقم (1) ، وهذه سامرّاء المشرّفة تزدهی بمرقده الأطهر ، وإلی جنبه ولده الإمام الزکیّ منذ دُفنا فیه قبل الشهرستانی وبعده ، وتلک قبّته الذهبیة تحکّ السماء بذخاً ، وتفوق ذُکاء سناءً ، وهذه المعاجم والتواریخ مفعمة بتعیین هذا المرقد الأقدس له ولولده ، لکنّ الشهرستانی یجهل ذلک کلّه.

8 - خاصّة الشیعة عند الشهرستانی.

قال : ومن خصائص الشیعة : القول بالتناسخ ، والحلول ، والتشبیه (2 / 25) (2).

الجواب : (هَلْ أُنَبِّئُکُمْ عَلی مَنْ تَنَزَّلُ الشَّیاطِینُ* تَنَزَّلُ عَلی کُلِّ أَفَّاکٍ أَثِیمٍ* یُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَکْثَرُهُمْ کاذِبُونَ) (3).

لیس بینک وبین عقائد الشیعة حجز وهی مدوّنة فی مؤلّفاتهم الکلامیّة قدیماً وحدیثاً ، فلن تجد من یضرب علی یدک إذا مددتها إلی أیٍّ منها ، أو من یغشی علی بصرک إذا نظرت فیها ، فأمعن فیها بصرک وبصیرتک ، أو سل من شئت من علماء الشیعة وعارفیها ، وأتنازل معک إلی جهّالها عن هذه العقائد المعزوَّة إلی الشیعة علی لسان الشهرستانی فی القرون الوسطی ، وعلی لسان طه حسین وأمثاله فی القرن الأخیر ، وسلْهم : أنَّهم هل یرون لمعتنقی هاتیک العقائد مقیلاً فی مستوی الدین؟ أو مُبوَّأً علی باحة الإسلام؟ أما وإنَّک لا تجد فرداً من أفراد الشیعة إلاّ وهو یقول بکفر من یکون هذا معتقده ، إذن فاعرف قیمة کتاب الشهرستانی ومحلّه من الأمانة فی النقل. 3.

ص: 209


1- هامش الفِصَل : 2 / 5 [الملل والنحل : 1 / 150]. (المؤلف)
2- الملل والنحل : 1 / 147.
3- الشعراء : 221 - 223.

أنا لم أجد فی قاموس البیان ما یعرب عن حقیقة الشهرستانی وکتابه ، وکلّ ما ذکر من تقوّلاته وتحکّماته یقصر عن استکناه بُجره وعُجره (1)) ، غیر أنَّ لمعاصره أبی محمد الخوارزمی کما فی معجم البلدان (2) (5 / 315) کلاماً ینمُّ عن روحیّاته وإلیک نصّه. قال بعد ذکر مشایخه فی الفقه وأصوله والحدیث :

ولولا تخبّطه فی الاعتقاد ومیله إلی هذا الإلحاد لکان هو الإمام ، وکثیراً ما کنّا نتعجّب من وفور فضله وکمال عقله ، وکیف مال إلی شیءٍ لا أصل له ، واختار أمراً لا دلیل علیه لا معقولاً ولا منقولاً ، ونعوذ بالله من الخذلان والحرمان من نور الإیمان ، ولیس ذلک إلاّ لإعراضه عن نور الشریعة ، واشتغاله بظلمات الفلسفة ، وقد کان بیننا محاورات ومفاوضات ، فکان یبالغ فی نصرة مذاهب الفلاسفة والذبِّ عنهم ، وقد حضرت عدّة مجالس من وعظه فلم یکن فیها لفظ : قال الله ، ولا قال رسول الله صلی الله علیه وسلم ولا جواب من المسائل الشرعیّة ، والله أعلم بحاله.

(أَفَرَأَیْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلی عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلی سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ)

(وَجَعَلَ عَلی بَصَرِهِ غِشاوَةً فَمَنْ یَهْدِیهِ مِنْ بَعْدِ اللهِ أَفَلا تَذَکَّرُونَ) (3) 3.

ص: 210


1- أی أموره کلّها بادیها وخافیها. وأصل العُجرة نفخة فی الظهر ، فإذا کانت فی السرّة فهی بُجرة.
2- معجم البلدان : 3 / 376.
3- الجاثیة : 23.

6 - منهاج السنّة

6 - منهاج السنّة (1)

إذا أردت أن تنظر إلی کتاب سمّی بضدّ معناه فانظر إلی هذا الکتاب الذی استعیر له اسم منهاج السنّة وهو الحریّ بأن یسمّی : منهاج البدعة. وهو کتاب حشوه ضلالات وأکاذیب وتحکّمات ، وإنکار المسلّمات ، وتکفیر المسلمین ، وأخذ بناصر المبدعین ، ونصب وعداء محتدم علی أهل بیت الوحی : ، فلیس فیه إلاّ تدجیل محض ، وتمویه علی الحقائق ، وتحریف الکلم عن مواضعه ، وقول بالبذاء ، ورمی بالمقذِعات ، وقذف بالفواحش ، وتحکّک بالوقیعة ، وتحرّش بالسباب. وإلیک نماذج منها :

1 - قال : من حماقات الشیعة أنَّهم یکرهون التکلّم بلفظ العشرة أو فعل شیء یکون عشرة ، حتی فی البناء لا یبنون علی عشرة أعمدة ولا بعشرة جذوع ونحو ذلک لبغضهم العشرة المبشّرة إلاّ علیَّ بن أبی طالب ، ومن العجب أنَّهم یوالون لفظ التسعة وهم یبغضون التسعة من العشرة (1 / 9).

وقال فی (2 / 143) : من تعصّب الرافضة أنَّهم لا یذکرون اسم العشرة بل یقولون : تسعةٌ وواحدٌ ، وإذا بنوا أعمدة أو غیرها لا یجعلونها عشرة ، وهم یتحرَّون ذلک فی کثیر من أمورهم.

الجواب : أولیس عاراً علی من یسمّی نفسه شیخ الإسلام أن ینشر بین المسلمین فی کتابه مثل هذه الخزایة ویکرِّرها فی طیّه؟ کأنَّه جاء بتحقیق أنیق ، أو فلسفة راقیة ، أو حکمة بالغة تحیی الأمّة!

وإن تعجب فعجبٌ أنَّ رجلاً ینسب نفسه إلی العلم والفضیلة ثمَّ إذا قال قولاً کذب ، أو إذا نسب إلی أحد شیئاً مان ، وکان ما یقوله أشبه شیء بأقاویل رعاة ف)

ص: 211


1- تألیف ابن تیمیّة أحمد بن عبد الحلیم الحرّانی الحنبلی : المتوفّی فی محبس مراکش 728. (المؤلف)

المعزی ، لا بل هو دونهم وقوله دون ما یقولون ، وکأنَّ الرجل ینقل عن الشیعة شیئاً یحدّث به عن أمّة بائدة لم تُبقِ منها صروف العبر من یعرف نوامیسها ، ویدافع عنها ، ویدرأ عنها القول المختلق.

هذا وأدیم الأرض یزدهی بملایین من هذه الفرقة ، والمکتبات مفعمةٌ بکتبهم ، فعند أیِّ رجل منهم ، وفی أیٍّ من هاتیک الکتب تجد هذه المهزأة؟ نعم فی قرآن الشیعة (تِلْکَ عَشَرَةٌ کامِلَةٌ) (1) (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها) (2) (وَالْفَجْرِ* وَلَیالٍ عَشْرٍ) (3) (فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ) (4) وأمثالها ، وهی ترتّلها عند تلاوته فی آناء اللیل وأطراف النهار ، وهذا دعاء العشرات یقرأه الشیعة فی کلّ جمعة ، وهذه الصلوات المندوبة التی تکرَّر فیها السورة عشر مرّات ، وهذه الأذکار المستحبّة التی تُقرأ بالعشرات ، وهذه مباحث العقول العشرة ومباحث الجواهر والأعراض العشرة فی کتبهم.

وهذا قولهم : إنّ أسماء النبیّ عشرة.

وقولهم : إنّ الله قوّی العقل بعشرة.

وقولهم : عشر خصال من صفات الإمام.

وقولهم : کانت لعلیٍّ من رسول الله عشر خصال.

وقولهم : بُشِّر شیعة علیّ بعشر خصال.

وقولهم : عشر خصال من مکارم الأخلاق.

وقولهم : لا تقوم الساعة حتی تکون عشر آیات.

وقولهم : لا یکون المؤمن عاقلاً إلاّ بعشر خصال. 3.

ص: 212


1- البقرة : 196.
2- الأنعام : 160.
3- الفجر : 1 - 2.
4- هود : 13.

وقولهم : لا یُؤکل عشرة أشیاء.

وقولهم : عشرة أشیاء من المیتة ذکیّة.

وقولهم : عشرة مواضع لا یُصلّی فیها.

وقولهم : الإیمان عشر درجات.

وقولهم : العافیة عشرة أجزاء.

وقولهم : الزهد عشرة أجزاء.

وقولهم : الشهوة عشرة أجزاء.

وقولهم : البرکة عشرة أجزاء.

وقولهم : الحیاء عشرة أجزاء.

وقولهم : فی الشیعة عشر خصال.

وقولهم : الإسلام عشرة أسهم.

وقولهم : فی السواک عشر خصال.

وهذه قصور الشیعة المشیّدة ، وأبنیتهم العامرة ، وحصونهم المنیعة کلّها تکذِّب ابن تیمیّة ، ولا یخطر علی قلب أحدٍ من بانیها ما لفّقه ابن تیمیّة من المخاریق.

هذا والشیعة لا تری للعدد قیمة بمجرّده ، ولا یوسم أحدٌ منهم بحبّه وبغضه مهما کان المعدود مبغوضاً له أو محبوباً ، ولم تسمع أذن الدنیا من أحدهم فی العشرة : تسعةٌ وواحد. نعوذ بالله من هذه المجهلة.

2 - قال : ومن حماقاتهم - یعنی الشیعة - أنّهم یجعلون للمنتظر عدّة مشاهد ینتظرونه فیها ، کالسرداب الذی بسامرّاء یزعمون أنَّه غائبٌ فیه ، ومشاهد أُخر ، وقد یقیمون هناک دابّة إمّا بغلةً وإمّا فرساً وإمّا غیر ذلک لیرکبها إذا خرج ، ویقیمون هناک إمّا فی طرفی النهار وإمّا فی أوقات أُخر من ینادی علیه بالخروج : یا مولانا اخرج ، ویشهرون السلاح ولا أحد هناک یقاتلهم ، وفیهم من یقوم فی أوقاته دائماً لا یصلّی

ص: 213

خشیة أن یخرج وهو فی الصلاة ، فیشتغل بها عن خروجه وخدمته ، وهم فی أماکن بعیدة عن مشهده کمدینة النبیِّ صلی الله علیه وسلم إمّا فی العشرة الأواخر من شهر رمضان ، وإمّا غیر ذلک یتوجّهون إلی المشرق وینادونه بأصوات عالیة یطلبون خروجه (1).

3 - قال : ومن حماقاتهم : اتّخاذهم نعجةً ، وقد تکون نعجة حمراء لکون عائشة تُسمّی حمیراء ، یجعلونها عائشة ، ویعذّبونها بنتف شعرها وغیر ذلک ، ویرون أنَّ ذلک عقوبة لعائشة (2).

4 - واتّخاذهم حَیْساً (3) مملوءً سمناً ، ثمَّ یشقّون بطنه فیخرجون السمن فیشربونه ، ویقولون : هذا مثل ضرب عمر وشرب دمه.

5 - ومثل تسمیة بعضهم لحمارین من حمر الرحی أحدهما بأبی بکر والآخر بعمر ، ثمّ عقوبة الحمارین جعلاً منهم تلک العقوبة عقوبةً لأبی بکر وعمر. وکرّر هذه النسب الثلاث فی (2 / 145).

6 - قال : وتارهً یکتبون أسماءهم علی أسفل أرجلهم ، حتی إنَّ بعض الولاة جعل یضرب رِجل من فعل ذلک ویقول : إنّما ضربت أبا بکر وعمر ، ولا أزال أضربهما حتی أعدمهما.

7 - ومنهم من یسمِّی کلابه باسم أبی بکر وعمر ، ویلعنهما (1 / 11).

الجواب : کنّا نُربئ بکتابنا هذا عن أن نسوِّد شیئاً من صحائفه بمثل هذه الخزایات التی سوّد بها ابن تیمیّة جبهة کتابه وسوّد بها صحیفة تاریخه بل صحیفة تاریخ قومه. لکنّی ، خشیة أن تنطلی علی أناس من السذّج ، آثرت نقلها وإردافها بأنَّ أمثالها ممّا هو خارج عن الأبحاث العلمیّة ومباحث العلماء ، وإنّما هی قذائف تترامی ن.

ص: 214


1- منهاج السنّة : 1 / 24 - 30.
2- منهاج السنّة : 2 / 145.
3- حلوی تتّخذ من التمر المخلوط بالسویق والسمن.

بها ساقة الناس وأوباشهم ، ولعلَّ فی الساقة من تندی جبهة إنسانیّته عند التلفّظ بها ، لأنّها مخاریق مقیلها قاعة الفریة ، لیس لها وجود ماثل إلاّ فی مخیّلة ابن تیمیّة وأوهامه.

یختلق هذه النسب المفتعلة ، ویتعمّد فی تلفیق هذه الأکاذیب المحضة ، ثمَّ جاء یسبّ ویشتم ویکفِّر ویکثر من البذاء علی الشیعة ، ولا یراعی أدب الدین ، أدب العلم ، أدب التألیف ، أدب الأمانة فی النقل ، أدب النزاهة فی الکتابة ، أدب العفّة فی البیان.

ولا یحسب القارئ أنَّ هذه النسب المختلقة کانت فی القرون البائدة ربّما تنشأ عن الجهل بمعتقدات الفرق للتباعد بین أهلیها ، وذهبت کحدیث أمس الدابر ، وأمّا الیوم فالعقول علی الرقیّ والتکامل ، والمواصلات فی البلاد أکیدة جدّا ، ومعتقدات کلِّ قوم شاعت وذاعت فی الملأ ، فالحریُّ أن لا یوجد هناک فی هذا العصر - الذی یسمّیه المغفَّل عصر النور - من یرمی الشیعة بهذه الخزایات أو یری رأی السلف.

نعم : إنّ أقلام کتّاب مصر الیوم تنشر فی صحائف تآلیفها هذه المخاریق نفسها ، وتزید علیها تافهات شائنة أخری أهلک من تُرَّهات البسابس (1)) أخذاً بناصر سلفهم ، وسنوقفک علی نصِّ تلکم الکلم ، ونعرِّفک بأنَّ کاتب الیوم أکثر فی الباطل تحوّراً ، وأقبح آثاراً ، وأکذب لساناً ، وأقول بالزور والفحشاء من سلفه الصلف وشیخه المجازف ، وهم مع ذلک یدعون الأمّة إلی کلمة التوحید ووحدة الکلمة!

8 - قال : إنَّ العلماء کلّهم متّفقون علی أنَّ الکذب فی الرافضة أظهر منه فی سائر طوائف أهل القبلة ، حتی إنّ أصحاب الصحیح کالبخاری لم یروِ عن أحد من قدماء الشیعة مثل : عاصم بن ضمرة ، والحارث الأعور ، وعبد الله بن سلمة وأمثالهم ، مع أنّ هؤلاء من خیار الشیعة (1 / 15). ل.

ص: 215


1- البسابس : جمع بسبس ، وهو القفر ، وترّهات البسابس : الکذب والباطل.

الجواب : إنّ هذه الفتوی المشفوعة بنقل اتِّفاق العلماء تعطی خُبراً عن أنَّ للعلماء بحثاً ضافیاً فی کتبهم حول مسألة : أنّ أیّ طوائف أهل القبلة أکذب؟ فکانت نتیجة ذلک البحث والتنقیب : أنّ الکذب فی الرافضة ... وعلیه حصل إجماع العلماء ، فطفق ابن تیمیّة یرقص ویزمّر لما هنالک من مُکاءٍ وتصدیة ، وعلیه فکلٌّ من کتب القوم شاهدُ صدقٍ علی کذب الرجل فیما یقول ، وإنَّ مراجعة کتاب منهاج السنّة والفِصَل وما یجری مجراهما فی المخزی تعطینا برهنةً صادقةً علی : أیّ الفریقین أکذب.

ومن أعجب الأکاذیب قوله : حتی إنَّ أصحاب الصحیح ... فإنَّک تجد الصحاح الستّ مفعمةً بالروایة عن قدماء الشیعة : من الصحابة والتابعین لهم بإحسان وممّن بعدهم من مشایخهم ، کما فصّلناها فی هذا الجزء (ص 92 - 94).

9 - قال : أصول الدین عند الإمامیّة أربعة : التوحید ، والعدل ، والنبوّة ، والإمامة هی آخر المراتب ، والتوحید والعدل والنبوّة قبل ذلک ، وهم یدخلون فی التوحید نفی الصفات والقول بأنَّ القرآن مخلوقٌ ، وأنَّ الله لا یُری فی الآخرة ، ویدخلون فی العدل التکذیب بالقدرة ، وأنَّ الله لا یقدر أن یهدی من یشاء ، ولا یقدر أن یضلَّ من یشاء ، وأنَّه قد یشاء ما لا یکون ویکون ما لا یشاء ، وغیر ذلک ، فلا یقولون : إنَّه خالق کلّ شیء ، ولا إنَّه علی کلِّ شیء قدیر ، ولا إنَّه ما شاء الله کان وما لم یشأ لم یکن. (1 / 23).

الجواب : بلغ من جهل الرجل أنَّه لم یفرِّق بین أصول الدین وأصول المذهب ، فیعدّ الإمامة التی هی من تالی القسمین فی الأوّل ، وأنَّه لا یعرف عقائد قوم هو یبحث عنها ، ولذلک أسقط المعاد من أصول الدین ، ولا یختلف من الشیعة اثنان فی عدِّه منها.

علی أنّ أحداً لو عدَّ الإمامة من أصول الدین فلیس بذلک البعید عن مقاییس البرهنة ، بعد أن قرن الله سبحانه ولایة مولانا أمیر المؤمنین علیه السلام بولایته وولایة الرسول صلی الله علیه وآله وسلم بقوله : (إِنَّما وَلِیُّکُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِینَ آمَنُوا). الآیة. وخصَ

ص: 216

المؤمنین بعلیّ علیه السلام ، کما مرَّ الایعاز إلیه فی الجزء الثانی صفحة (52) وسیوافیک حدیثه مفصّلاً بُعید هذا.

وفی آیة کریمة أخری جعل المولی سبحانه بولایته کمال الدین ، بقوله : (الْیَوْمَ أَکْمَلْتُ لَکُمْ دِینَکُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَیْکُمْ نِعْمَتِی وَرَضِیتُ لَکُمُ الْإِسْلامَ دِیناً). ولا معنی لذلک إلاّ کونها أصلاً من أصول الدین لولاها بقی الدین مخدجاً (1) ، ونعم الله علی عباده ناقصة ، وبها تمام الإسلام الذی رضیه ربّ المسلمین لهم دیناً.

وجعل هذه الولایة بحیث إذا لم تُبلَّغ کان الرسول صلی الله علیه وآله وسلم ما بلّغ رسالته ، فقال : (یا أَیُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَیْکَ مِنْ رَبِّکَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ یَعْصِمُکَ مِنَ النَّاسِ). ولعلّک تزداد بصیرةً فیما قلناه لو راجعت الأحادیث الواردة من عشرات الطرق فی الآیات الثلاث ، کما فصّلناها فی الجزء الأوّل (ص 214 - 223 و 230 - 238) وفی هذا الجزء.

وبمقربة من هذه کلّها ما مرَّ فی الجزء الثانی (ص 301 ، 302) من إناطة الأعمال کلّها بصحّة الولایة ، وقد أُخذت شرطاً فیها ، وهذا هو معنی الأصل ، کما أنَّه کذلک بالنسبة إلی التوحید والنبوّة ، ولیس فی فروع الدین حکمٌ هو هکذا.

ولعلَّ هذا الذی ذکرناه کان مسلّماً عند الصحابة الأوّلین ، ولذلک یقول عمر بن الخطّاب لمّا جاءه رجلان یتخاصمان عنده : هذا مولای ومولی کلِّ مؤمن ، ومن لم یکن مولاه فلیس بمؤمن. راجع الجزء الأوّل صفحة (382).

وستوافیک فی هذا الجزء زرافةٌ من الأحادیث المستفیضة الدالّة علی أنَّ بغضه - صلوات الله علیه - سمة النفاق وشارة الإلحاد ، ولولاه علیه السلام لما عُرف المؤمنون بعد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، ولا یبغضه أحد إلاّ وهو خارجٌ من الإیمان ، فهی تدلّ علی تنکّب الحائد عن الولایة عن سویِّ الصراط کمن حاد عن التوحید والنبوّة ، فلترتّب کثیر ص.

ص: 217


1- مخدج : ناقص.

من أحکام الأصلین علی الولایة یقرب عدُّها من الأصول ، ولا ینافی ذلک شذوذها عن بعض أحکامها لما هنالک من الحِکم والمصالح الاجتماعیّة کما لا یخفی.

وأمّا نفی الصفات فإن کان بالمعنی الذی تحاوله الشیعة من نفیها زائدة علی الذات بل هی عینها فهو عین التوحید ، والبحث فی ذلک تتضمنه کتب الکلام ، وإن کان بالمعنی الذی ترمی إلیه المعطّلة فالشیعة منه برآء.

وکذلک القول بأنَّ القرآن مخلوق ، فإنَّه لیس مع الله سبحانه أزلیٌّ یضاهیه فی القِدَم ، کما أثبتته البرهنة الصادقة المفصّلة فی کتب العقائد. وأمّا نفی الرؤیة فلنفی الجسمیّة عنه ، والمنطق الصحیح معتضداً بالکتاب والسنّة یشهد بذلک ، فراجع مظانَّ البحث فیه. وأمّا بقیّة ما عزاه إلیهم فهی أکاذیب محضة ، لا تشکُّ الشیعة قدیماً وحدیثاً فی ضلالة القائل بها.

10 - قال : تجد الرافضة یعطِّلون المساجد التی أمر الله أن تُرفع ویُذکر فیها اسمه ، فلا یصلّون فیها جمعةً ولا جماعةً ، ولیس لها عندهم کبیر حرمة ، وإن صلّوا فیها صلّوا فیها وُحداناً ، ویعظِّمون المشاهد المبنیّة علی القبور ، فیعکفون علیها مشابهةً للمشرکین ، ویحجّون إلیها کما یحجُّ الحاجُّ إلی البیت العتیق ، ومنهم من یجعل الحجّ إلیها أعظم من الحجِّ إلی الکعبة ، بل یسبّون من لا یستغنی بالحجّ إلیها عن الحجّ الذی فرضه الله تعالی علی عباده ، ومن لا یستغنی بها عن الجمعة والجماعة ، وهذا من جنس دین النصاری والمشرکین (1 / 130).

وقال فی (2 / 39) : الرافضة یعمرون المشاهد التی حرّم الله ورسوله بناءها ، ویجعلونها بمنزلة دور الأوثان ، ومنهم من یجعل زیارتها کالحجِّ ، کما صنّف المفید کتاباً سمّاه مناسک حجِّ المشاهد ، وفیه من الکذب والشرک ما هو جنس شرک النصاری وکذبهم.

الجواب : إنَّ المساجد العامرة ماثلةٌ بین ظهرانیِّ الشیعة فی أوساطها

ص: 218

وحواضرها ومدنها وحتی فی القری والرساتیق ، تحتفی بها الشیعة ، وتری حرمتها من واجبها ، وتقول بحرمة تنجیسها وبوجوب إزالة النجاسة عنها ، وبعدم صحّة الصلاة بعد العلم بها وقبل تطهیرها ، وعدم جواز مکث الجنب والحائض والنفساء فیها ، وعدم جواز إدخال النجس فیها إن کان هتکاً ، وتکره فیها المعاملة والکلام بغیر الذِّکر والعبادة من أمور الدنیا ، ومن فعل ذلک یُضرب علی رأسه ویقال له : فضَّ الله فاک.

وتروی عن النبیّ وأئمّتها أنَّه لا صلاة لجار المسجد إلاّ فی المسجد. إلی غیرها من الحرمات التی یتضمّنها فقه الشیعة ، وینوءُ بها عملهم ، وما یقام فیها من الجماعات ، وهذه کلّها أظهر من أن تخفی علی من جاسَ خلال دیارهم أو عرف شیئاً من أنبائهم.

وأمّا تعظیمهم المشاهد فلیس تشبّهاً منهم بالمشرکین فإنَّهم لا یعبدون من فیها ، وإنّما یتقرّبون إلی المولی سبحانه بزیارتهم والثناء علیهم والتأبین لهم ، لأنَّهم أولیاء الله وأحبّاؤه ، ویروون فی ذلک أحادیث عن أئمتهم ، وفیما یُتلی هنالک من ألفاظ الزیارات شهادة واعتراف بأنَّهم (... عِبادٌ مُکْرَمُونَ* لا یَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ یَعْمَلُونَ) (1).

وأمّا السبُّ علی ما ذکر فهو من أکذب تقوّلاته ؛ فإنَّ الشیعة علی بکرة أبیها تروی عن أئمّتها علیهم السلام أنَّ الإسلام بُنی علی خمس : الصلاة والزکاة والحجّ والصوم والولایة ، وأحادیثهم بذلک متضافرة. وتعتقد بأنَّ تأخیر حجّة الإسلام عن سنتها کبیرة موبقة ، وإنّه یُقال لتارکها عند الموت : مُت إن شئت یهودیّا وإن شئت نصرانیّا.

أفمن المعقول أن تسبَّ الشیعة ، مع هذه العقائد والأحادیث وفتاوی العلماء المطابقة لها المستنبطة من الکتاب والسنّة ، من لا یستغنی عن الحجِّ بالزیارة؟ 7.

ص: 219


1- الأنبیاء : 26 ، 27.

وأمّا کتاب الشیخ المفید فلیس فیه إلاّ أنَّه أسماه - منسک الزیارات - وما المنسک إلاّ العبادة وما یؤدّی به حقّ الله تعالی ، ولیست له حقیقة شرعیّة مخصوصة بأعمال الحجِّ وإن تخصّص بها فی العرف والمصطلح ، فکلُّ عبادةٍ مرضیّةٍ لله سبحانه فی أیِّ محلٍّ وفی أیّ وقت یجوز إطلاقه علیها ، وإذا کانت زیارة المشاهد والآداب الواردة والأدعیة والصلوات المأثورة فیها من تلکم النسک المشروعة من غیر سجود علی قبرٍ ، أو صلاة إلیه ، ولا مسألةٍ من صاحبه أوّلاً وبالذات ، وإنَّما هو توسّل به إلی الله تعالی لزلفته عنده وقربه منه ، فما المانع من إطلاق لفظ المنسک علیه؟

وقوله عمّا فیه من کذب وشرک فهو لدة سائر ما یتقوّل غیر مکترث لِوَباله ، والکتاب لم یعدم بعدُ وهو بین ظهرانینا ، ولیس فیه إلاّ ما یضاهیه ما فی غیره من کتب المزار ، ممّا ینزِّل الأئمّة الطاهرین عمّا لیس لهم من المراتب ، ویثبت لهم العبّاس بودیّة والخضوع لسلطان المولی سبحانه ، مع ما لهم من أقرب الزلف إلیه ، فما لهؤلاء القوم لا یفقهون حدیثاً؟

11 - قال : قد وضع بعض الکذّابین حدیثاً مفتریً : أنّ هذه الآیة (إِنَّما وَلِیُّکُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِینَ آمَنُوا الَّذِینَ یُقِیمُونَ الصَّلاةَ وَیُؤْتُونَ الزَّکاةَ وَهُمْ راکِعُونَ) نزلت فی علیّ لمّا تصدّق بخاتمه فی الصلاة ، وهذا کذب بإجماع أهل العلم بالنقل (1 / 155). ثمَّ استدلَّ علی کذب القول به بأوهام وتافهات طالما یکرِّر أمثالها تجاه النصوص ، کما سبق منه فی حدیث ردِّ الشمس ویأتی عنه فی آیة التطهیر و (قُلْ لا أَسْئَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبی) وفی حدیث المؤاخاة وأمثالها من الصحاح التی تأتی.

الجواب : ما کنت أدری أنَّ القحّة تبلغ بالإنسان إلی أن ینکر الحقائق الثابتة ، ویزعم أنَّ ما خرّجته الأئمّة والحفّاظ وأنهوا أسانیده إلی مثل أمیر المؤمنین ، وابن عبّاس ، وأبی ذرّ ، وعمّار ، وجابر الأنصاری ، وأبی رافع ، وأنس بن مالک ، وسلمة

ص: 220

ابن کهیل ، وعبد الله بن سلام ، ممّا قام الإجماع علی کذبه ، فهو کبقیّة إجماعاته المدّعاة لیس له مقیل من مستوی الصدق.

لیت شعری کیف یعزو الرجل إلی أهل العلم إجماعهم علی کذب الحدیث وهم یستدلّون بالآیة الشریفة وحدیثها هذا علی أنَّ الفعل القلیل لا یبطل الصلاة ، وأنَّ صدقة التطوّع تُسمّی زکاةً ، ویعدّونها بذلک من آیات الأحکام (1) ، وذلک ینمُّ عن اتِّفاقهم علی صحّة الحدیث.

ویشهد لهذا الاتِّفاق أنَّ من أراد المناقشة فیه من المتکلّمین قصرها علی الدلالة فحسب من دون أیِّ غمزٍ فی السند ، وفیهم من أسنده إلی المفسّرین عامّة مشفوعاً بما عنده من النقد الدلالی. فتلک دلالة واضحة علی إطباق المفسِّرین والمتکلّ مین والفقهاء علی صدور الحدیث ..

أضف إلی ذلک إخراج الحفّاظ وحملة الحدیث له فی مدوّناتهم مخبتین إلیه وفیهم من نصّ علی صحّته ، فانظر إذن أین یکون مستوی إجماع ابن تیمیّة؟ وأین استقلَّ أولئک المجمعون من أدیم الأرض؟ ولک الحکم الفاصل ، وإلیک أسماء جمع ممّن أخرج الحدیث أو أخبت إلیه ، وهم :

1 - القاضی أبو عبد الله محمد بن عمر المدنی الواقدی : المتوفی (207). کما فی ذخائر العقبی (ص 102).

2 - الحافظ أبو بکر عبد الرزّاق الصنعانی : المتوفّی (211). کما فی تفسیر ابن کثیر (2 / 71) وغیره ، عن عبد الوهاب بن مجاهد ، عن مجاهد ، عن ابن عبّاس.

3 - الحافظ أبو الحسن عثمان بن أبی شیبة الکوفی : المتوفّی (239). فی تفسیره. ف)

ص: 221


1- کما فعله الجصّاص فی أحکام القرآن [2 / 446] ، وغیره [کالنسفی فی تفسیره : 1 / 289 ، والکیا الطبری فی أحکام القرآن : 3 / 84]. (المؤلف)

4 - أبو جعفر الإسکافی المعتزلی : المتوفّی (240). فی رسالته التی ردَّ بها علی الجاحظ (1).

5 - الحافظ عبد بن حمید الکشّی أبو محمد : المتوفّی (249). فی تفسیره کما فی الدرّ المنثور (2).

6 - أبو سعید الأشجّ الکوفی : المتوفّی (257). فی تفسیره عن أبی نعیم فضل بن دکین ، عن موسی بن قیس الحضرمی ، عن سلمة بن کهیل ، والطریق صحیح رجاله کلّهم ثقات.

7 - الحافظ أبو عبد الرحمن النسائی صاحب السنن : المتوفّی (303). فی صحیحه.

8 - ابن جریر الطبری : المتوفّی (310). فی تفسیره (3) (6 / 186) بعدّة طرق.

9 - ابن أبی حاتم الرازی : المتوفّی (327). کما فی تفسیر ابن کثیر ، والدرّ المنثور ، وأسباب النزول للسیوطی (4). أخرجه بغیر طریق ، ومن طرقه : أبو سعید الأشجّ بإسناده الصحیح الذی أسلفناه.

10 - الحافظ أبو القاسم الطبرانی : المتوفّی (360). فی معجمه الأوسط (5).

11 - الحافظ أبو الشیخ أبو محمد عبد الله بن محمد الأنصاری : المتوفّی (369). فی تفسیره.

12 - الحافظ أبو بکر الجصّاص الرازی : المتوفّی (370). فی أحکام 8.

ص: 222


1- نقض العثمانیة : ص 319.
2- الدرّ المنثور : 3 / 105.
3- جامع البیان : مج 4 / ج 6 / 288.
4- لباب النقول فی أسباب النزول : ص 81.
5- المعجم الأوسط : 7 / 130 ح 6228.

القرآن (1) (2 / 542). رواه من عدّة طرق.

13 - أبو الحسن علیُّ بن عیسی الرمّانی : المتوفّی (382 ، 384). فی تفسیره.

14 - الحاکم ابن البیِّع النیسابوری : المتوفّی (405). فی معرفة أصول الحدیث (ص 102).

15 - الحافظ أبو بکر الشیرازی : المتوفّی (407 ، 411). فی کتابه : فی ما نزل من القرآن فی أمیر المؤمنین.

16 - الحافظ أبو بکر بن مردویه الأصبهانی : المتوفّی (416). من طریق سفیان الثوری ، عن أبی سنان سعید بن سنان البرجمی ، عن الضحّاک ، عن ابن عبّاس. إسناد صحیح ، رجاله کلّهم ثقات. ورواه بطریق آخر وقال : إسنادٌ لا یُقدح به. وأخرجه بطرق أخری عن أمیر المؤمنین ، وعمّار ، وأبی رافع.

17 - أبو إسحاق الثعلبی النیسابوری : المتوفّی (427). فی تفسیره (2) عن أبی ذرّ کما مرّ بلفظه (2 / 52).

18 - الحافظ أبو نعیم الأصبهانی : المتوفّی (430). فی ما نزل من القرآن فی علیٍّ ، عن عمّار ، وأبی رافع ، وابن عبّاس ، وجابر ، وسلمة بن کهیل.

19 - أبو الحسن الماوردی الفقیه الشافعیّ : المتوفّی (450). فی تفسیره (3).

20 - الحافظ أبو بکر البیهقی : المتوفّی (458). فی کتابه المصنَّف.

21 - الحافظ أبو بکر الخطیب البغدادیّ الشافعیّ : المتوفّی (463). فی المتّفق.

22 - أبو القاسم زین الإسلام عبد الکریم بن هوازن النیسابوری : المتوفّی (465) 9.

ص: 223


1- أحکام القرآن : 2 / 446.
2- الکشف والبیان : الورقة 180 سورة المائدة : آیة 55.
3- تفسیر الماوردی المسمّی بالنکت والعیون : 2 / 49.

فی تفسیره.

23 - الحافظ أبو الحسن الواحدیّ النیسابوریّ : المتوفّی (468). فی أسباب النزول (1) (ص 148).

24 - الفقیه ابن المغازلیّ الشافعیّ : المتوفّی (483). فی المناقب (2) من خمسة طرق.

25 - شیخ المعتزلة أبو یوسف عبد السلام بن محمد القزوینی : المتوفّی (488). فی تفسیره الکبیر ، قال الذهبی : إنّه یقع فی ثلاثمائة جزء.

26 - الحافظ أبو القاسم الحاکم الحسکانی (3) : المتوفّی (490). عن ابن عبّاس ، وأبی ذرّ ، وعبد الله بن سلام.

27 - الفقیه أبو الحسن علیّ بن محمد الکیا الطبری الشافعیّ : المتوفّی (504). فی تفسیره (4)) ، واستدلَّ به علی عدم بطلان الصلاة بالفعل القلیل ، وتسمیة صدقة التطوّع بالزکاة ، کما فی تفسیر القرطبی (5).

28 - الحافظ أبو محمد الفرّاء البغوی الشافعیّ : المتوفّی (516). فی تفسیره معالم التنزیل (6) هامش الخازن (2 / 55).

29 - أبو الحسن رزین العبدریّ الأندلسیّ : المتوفّی (535). فی الجمع بین الصحاح الست ، نقلاً عن صحیح النسائی. 7.

ص: 224


1- أسباب النزول : ص 133.
2- مناقب علیّ بن أبی طالب : ص 311 - 314 ح 354 - 358.
3- شواهد التنزیل : 1 / 231 رقم 235.
4- أحکام القرآن : 3 / 84.
5- الجامع لأحکام القرآن : 6 / 143.
6- معالم التنزیل : 2 / 47.

30 - أبو القاسم جار الله الزمخشریّ الحنفیّ : المتوفّی (538). فی الکشّاف (1) (1 / 422) وقال : فإن قلت : کیف صحَّ أن یکون لعلیٍّ رضی الله عنه واللفظ لفظ جماعة؟ قلت : جیء به علی لفظ الجمع ، وإن کان السبب فیه رجلاً واحداً لیرغب الناس فی مثل فعله ، فینالوا مثل ثوابه.

31 - الحافظ أبو سعد السمعانیّ الشافعیّ : المتوفّی (562). فی فضائل الصحابة ، عن أنس بن مالک.

32 - أبو الفتح النطنزی : المولود (480). فی الخصائص العلویّة عن ابن عبّاس ، وفی الإبانة عن جابر الأنصاری.

33 - الإمام أبو بکر بن سعدون القرطبی (2) : المتوفّی (567). فی تفسیره (6 / 221).

34 - أخطب الخطباء الخوارزمی : المتوفّی (568). فی المناقب (3) (ص 178) بطریقین ، وذکر لحسّان فیه شعراً أسلفناه (2 / 58).

35 - الحافظ أبو القاسم بن عساکر الدمشقیّ : المتوفّی (571). فی تاریخ الشام (4) بعدّة طرق.

36 - الحافظ أبو الفرج ابن الجوزیّ الحنبلیّ : المتوفّی (597) کما فی الریاض (5) (2 / 227) وذخائر العقبی (ص 102). 2.

ص: 225


1- تفسیر الکشّاف : 1 / 649.
2- القرطبی محمد بن أحمد أبو عبد الله الأنصاری المتوفّی سنة 671 فی تفسیره الجامع لأحکام القرآن المشتهر بتفسیر القرطبی : 6 / 221 و 222. (الطباطبائی)
3- المناقب : ص 264 ، 266 ح 246 ، 248.
4- تاریخ مدینة دمشق : 12 / 305 ، وفی ترجمة الإمام علیّ بن أبی طالب علیه السلام - الطبعة المحقّقة - : رقم 915. وفی ترجمة عمر بن علیّ.
5- الریاض النضرة : 3 / 182.

37 - أبو عبد الله فخر الدین الرازیّ الشافعیّ : المتوفّی (606). فی تفسیره (1) (3 / 431) عن عطا عن عبد الله بن سلام ، وابن عبّاس ، وأبی ذرّ.

38 - أبو السعادات مبارک بن الأثیر الشیبانیّ الجزریّ الشافعیّ : المتوفّی (606). فی جامع الأصول (2) ، من طریق النسائی.

39 - أبو سالم محمد بن طلحة النصیبی الشافعی : المتوفّی (662). فی مطالب السؤول (ص 31) بلفظ أبی ذرّ.

40 - أبو المظفّر سبط ابن الجوزی الحنفی : المتوفّی (654). فی التذکرة (3) (ص 9) عن السدّی ، وعتبة ، وغالب بن عبد الله.

41 - عز الدین بن أبی الحدید المعتزلی : المتوفّی (655). فی شرح نهج البلاغة (4) (3 / 275).

42 - الحافظ أبو عبد الله الکنجی الشافعی : المتوفّی (658). فی کفایة الطالب (5) (ص 106) من طریق عن أنس بن مالک ، وفیه أبیات لحسّان بن ثابت ، رویناها [فی] (2 / 58) ، ورواه فی (ص 122) من طریق ابن عساکر ، والخوارزمی ، وحافظ العراقین ، وأبی نعیم ، والقاضی أبی المعالی ، وذکر لحسّان شعراً غیر الأبیات المذکورة ، ذکرناه [فی] (2 / 47) نقلاً عن سبط ابن الجوزی.

43 - القاضی ناصر الدین البیضاوی الشافعیّ : المتوفّی (685). فی تفسیره (6) (1 / 345) وفی مطالع الأنظار (ص 477 ، 479). 2.

ص: 226


1- التفسیر الکبیر : 12 / 26.
2- جامع الأصول : 9 / 478 ح 6503.
3- تذکرة الخواص : ص 15.
4- شرح نهج البلاغة : 13 / 277 خطبة 238.
5- کفایة الطالب : ص 229 باب 61 ، ص 250 باب 62.
6- تفسیر البیضاوی : 1 / 272.

44 - الحافظ فقیه الحرم أبو العبّاس محبّ الدین الطبری المکی الشافعی : المتوفّی (694). فی الریاض النضرة (2 / 227) وذخائر العقبی (ص 102) من طریق الواحدی ، والواقدی ، وابن الجوزی ، والفضائلی.

45 - حافظ الدین النسفی : المتوفّی (701 ، 710). فی تفسیره (1) (1 / 496) هامش تفسیر الخازن.

46 - شیخ الإسلام الحمّوئی : المتوفّی (722). فی فرائد السمطین (2) ، وذکر شعر حسّان فیه.

47 - علاء الدین الخازن البغدادیّ : المتوفّی (741). فی تفسیره (3) (1 / 496).

48 - شمس الدین محمود بن أبی القاسم عبد الرحمن الأصبهانی : المتوفّی (746 ، 749). فی شرح التجرید الموسوم بتسدید (4) العقائد. وقال بعد تقریر اتفاق المفسِّرین علی نزول الآیة فی علیّ : قول المفسِّرین لا یقتضی اختصاصها به واقتصارها علیه.

49 - جمال الدین محمد بن یوسف الزرندی : المتوفّی (750). فی نظم درر السمطین (5).

50 - أبو حیّان أثیر الدین الأندلسی : المتوفّی (754). فی تفسیره البحر المحیط (3 / 514).

51 - الحافظ محمد بن أحمد بن جُزَیّ الکلبی : المتوفّی (758). فی تفسیره التسهیل لعلوم التنزیل (1 / 181). 6.

ص: 227


1- تفسیر النسفی : 1 / 289.
2- فرائد السمطین : 1 / 190 ح 150 باب 39.
3- تفسیر الخازن : 1 / 475.
4- وقد یقال بالمعجمة. (المؤلف)
5- نظم درر السمطین : ص 86.

52 - القاضی عضد الإیجی الشافعیّ : المتوفّی (756). فی المواقف (1) (3 / 276).

53 - نظام الدین القمّی النیسابوری. فی تفسیره غرائب القرآن (2) (3 / 461)

54 - سعد الدین التفتازانی الشافعیّ : المتوفّی (791). فی المقاصد وشرحه (3) (2 / 288) ، وقال بعد تقریر إطباق المفسِّرین علی نزول الآیة فی علیٍّ : قول المفسِّرین : إنَّ الآیة نزلت فی حقِّ علیٍّ رضی الله عنه لا یقتضی اختصاصها به واقتصارها علیه.

55 - السیِّد الشریف الجرجانی : المتوفّی (816). فی شرح المواقف (4).

56 - المولی علاء الدین القوشجی : المتوفّی (879). فی شرح التجرید (5) ، وقال بعد نقل الاتِّفاق عن المفسِّرین علی أنَّها نزلت فی أمیر المؤمنین : وقول المفسِّرین : إنَّ الآیة نزلت فی حقِّ علیٍّ ، إلی آخر کلام التفتازانی.

57 - نور الدین ابن الصبّاغ المکیُّ المالکی : المتوفّی (855). فی الفصول المهمّة (6) (ص 123).

58 - جلال الدین السیوطی الشافعیُّ : المتوفّی (911). فی الدرّ المنثور (7) (2 / 293) من طریق الخطیب ، وعبد الرزاق ، وعبد بن حمید ، وابن جریر ، وأبی الشیخ ، وابن مردویه عن ابن عبّاس. ومن طریق الطبرانی ، وابن مردویه عن عمّار بن یاسر. ومن طریق أبی الشیخ ، والطبرانی عن علیٍّ علیه السلام. ومن طریق ابن أبی حاتم ، وأبی الشیخ ، وابن عساکر عن سلمة بن کهیل. ومن طریق ابن جریر عن 5.

ص: 228


1- المواقف : ص 411.
2- غرائب القرآن : مج 4 / ج 6 / 167.
3- شرح المقاصد : 5 / 272.
4- شرح المواقف : 8 / 360.
5- شرح التجرید : ص 477.
6- الفصول المهمّة : ص 122.
7- الدرّ المنثور : 3 / 105.

مجاهد والسدّی وعتبة بن حکیم. ومن طریق الطبرانی ، وابن مردویه ، وأبی نعیم ، عن أبی رافع.

ورواه فی أسباب نزول القرآن (1)) (ص 55) من غیر واحد من هذه الطرق ، ثمّ قال : فهذه شواهد یقوّی بعضها بعضاً. وذکره فی جمع الجوامع کما فی ترتیبه (2) (6 / 391) من طریق الخطیب عن ابن عبّاس ، و (ص 405) من طریق أبی الشیخ ، وابن مردویه عن أمیر المؤمنین علیه السلام.

59 - الحافظ ابن حجر الأنصاری الشافعیّ : المتوفّی (974). فی الصواعق (3) (ص 24).

60 - المولی حسن چلبی : فی شرح المواقف (4).

61 - المولی مسعود الشروانی : فی شرح المواقف.

62 - القاضی الشوکانی الصنعانی : المتوفّی (1250). فی تفسیره (5).

63 - شهاب الدین السیِّد محمود الآلوسیّ الشافعیّ : المتوفّی (1270). فی تفسیره (6) (2 / 329).

64 - الشیخ سلیمان القندوزیّ الحنفی : المتوفّی (1293). فی ینابیع المودّة (7) (ص 212). 6.

ص: 229


1- أسباب النزول : ص 81.
2- کنز العمّال : 13 / 108 ح 36354 ، ص 165 ح 36501.
3- الصواعق المحرقة : ص 41.
4- شرح المواقف : 8 / 360.
5- فتح القدیر : 2 / 53.
6- روح المعانی : 6 / 167.
7- ینابیع المودّة : 2 / 37 باب 56.

65 - السیِّد محمد مؤمن الشبلنجی : فی نور الأبصار (1) (ص 77).

66 - الشیخ عبد القادر بن محمد السعید الکردستانی : المتوفّی (1304). فی تقریب المرام فی شرح تهذیب الکلام للتفتازانی (2 / 329) طبع مصر ، وتکلّم فیه کبقیّة المتکلّمین مخبتاً إلی اتِّفاق المفسِّرین علی أنَّها نزلت فی أمیر المؤمنین (2).

وأمّا الکلام فی الدلالة فلا یخالج الشکُّ فیها أیَّ عربیٍّ صمیم مهما غالط وجدانه ، وإنَّما الخلاف فیها نشأ من الدخلاء المتطفِّلین علی موائد العربیّة ، وبسط القول یتکفّله کتب أصحابنا فی التفسیر والکلام.

لفظ الحدیث

عن أنس بن مالک : أنَّ سائلاً أتی المسجد وهو یقول : من یقرض الملیَّ الوفیّ؟ وعلیٌّ علیه السلام راکعٌ یقول بیده خلفه للسائل ، أی اخلع الخاتم من یدی.

قال رسول الله : «یا عمر وجبت». قال : بأبی أنت وأمّی یا رسول الله ما وجبت؟ قال : «وجبت له الجنّة والله ، وما خلعه من یده حتی خلعه الله من کلِّ ذنب ومن کلِّ خطیئة».

قال : فما خرج أحدٌ من المسجد حتی نزل جبرئیل بقوله عزَّ وجلَّ : (إِنَّما وَلِیُّکُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِینَ آمَنُوا الَّذِینَ یُقِیمُونَ الصَّلاةَ وَیُؤْتُونَ الزَّکاةَ وَهُمْ راکِعُونَ) فأنشأ حسّان بن ثابت یقول :

أبا حسنٍ تَفدیکَ نفسی ومهجتی

وکلُّ بطیءٍ فی الهدی ومسارعِ

أیذهبُ مدحی والمحبّین ضائعاً

وما المدحُ فی ذات الإلهِ بضائعِف)

ص: 230


1- نور الأبصار : ص 158.
2- توجد ترجمة کثیر من هؤلاء الأعلام فی الجزء الأوّل من کتابنا. راجع باعتبار القرون. (المؤلف)

فأنت الذی أعطیتَ إذ أنت راکعٌ

فدتکَ نفوسُ القوم یا خیرَ راکعِ

بخاتمِکَ (1) المیمونِ یا خیرَ

سیّدٍ

ویا خیرَ شارٍ ثمَّ یا خیرَ بائعِ

فأنزل فیک اللهُ خیرَ ولایةٍ

وبیَّنها فی مُحکمات الشرائعِ

وهناک ألفاظ أخری نقتصر علی هذا روماً للاختصار ، وقد أسلفناه بلفظ أبی ذرّ (2 / 52).

إشکال مزیَّف

قال السیّد حمید الدین عبد الحمید الآلوسی فی کتابه نثر اللآلی علی نظم الأمالی (ص 169) عند ذکره آیة الولایة : إنَّ الآیة لیس نزولها فی حقّ علیّ خاصّة کما زعموا ، بل نزلت فی المهاجرین والأنصار وهو من جملتهم ، فإنّ قوله : (الَّذِینَ) صیغة جمع ، فلا یکون علیٌّ هو المراد وحده.

قال الأمینی : کأنَّ الرجل یضرب فی قوله هذا علی وتر ابن کثیر الدمشقی وینسج علی نوله ، ویمتح من قلیبه ، حیث قال فی تاریخه حول الآیة - کما یأتی بُعید هذا (2) : ولم ینزل فی علیٍّ شیءٌ من القرآن بخصوصیّته ...

وقد عزب عن المغفَّلین أنّ إصدار الحکم علی الجهة العامّة ، بحیث یکون مصبّه الطبیعة - حتی یکون ترغیباً فی الإتیان بمثله ، أو تحذیراً عن مثله - ثمَّ تقیید الموضوع بما یخصِّصه بفرد معیّن حسب الانطباق الخارجیِّ ، أبلغ وآکد فی صدق القضیّة من توجیهه إلی ذلک الفرد رأساً ، وما أکثر له من نظیر فی لسان الذکر الحکیم ، وإلیک نماذج منه :

1 - (الَّذِینَ قالُوا إِنَّ اللهَ فَقِیرٌ وَنَحْنُ أَغْنِیاءُ) (3).1.

ص: 231


1- کذا.
2- عند البحث عن مخاریق کتابه البدایة والنهایة. (المؤلف)
3- آل عمران : 181.

ذکر الحسن : أنّ قائل هذه المقالة هو حیی بن أخطب. وقال عکرمة والسدّی ومقاتل ومحمد بن إسحاق : هو فنحاص بن عازوراء. وقال الخازن : هذه المقالة وإن کانت قد صدرت من واحد من الیهود لکنّهم یرضون بمقالته هذه ، فنسبت إلی جمیعهم.

راجع تفسیر القرطبی (1) (4 / 294) ، تفسیر ابن کثیر (1 / 434) ، تفسیر الخازن (2) (1 / 322).

2 - (وَمِنْهُمُ الَّذِینَ یُؤْذُونَ النَّبِیَّ وَیَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ) (3).

نزلت فی رجل من المنافقین : أمّا فی الجلاّس بن سوید ، أو : فی نبتل بن الحارث أو : عتّاب بن قشیر.

راجع تفسیر القرطبی (4) (8 / 192) ، تفسیر الخازن (5) (2 / 253) ، الإصابة (3 / 549).

3 - (وَالَّذِینَ یَبْتَغُونَ الْکِتابَ مِمَّا مَلَکَتْ أَیْمانُکُمْ فَکاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِیهِمْ خَیْراً) (6).

نزلت فی صبیح مولی حویطب بن عبد العزّی ، قال : کنت مملوکاً لحویطب فسألته الکتابة ، ففیَّ أنزلت (وَالَّذِینَ یَبْتَغُونَ الْکِتابَ).

أخرجه ابن مندة ، وأبو نعیم ، والقرطبی کما فی تفسیره (7) (12 / 244) ، أسد 2.

ص: 232


1- الجامع لأحکام القرآن : 4 / 187.
2- تفسیر الخازن : 1 / 310.
3- التوبة : 61.
4- الجامع لأحکام القرآن : 8 / 122.
5- تفسیر الخازن : 2 / 241.
6- النور : 33.
7- الجامع لأحکام القرآن : 12 / 162.

الغابة (1) (3 / 11) ، الإصابة (2 / 176).

4 - (إِنَّ الَّذِینَ یَأْکُلُونَ أَمْوالَ الْیَتامی ظُلْماً إِنَّما یَأْکُلُونَ فِی بُطُونِهِمْ ناراً) (2)

قال مقاتل بن حیّان : نزلت فی مرثد بن زید الغطفانی.

تفسیر القرطبی (3) (5 / 53) ، الإصابة (3 / 397).

5 - (لا یَنْهاکُمُ اللهُ عَنِ الَّذِینَ لَمْ یُقاتِلُوکُمْ فِی الدِّینِ وَلَمْ یُخْرِجُوکُمْ مِنْ دِیارِکُمْ) (4).

نزلت فی أسماء بنت أبی بکر ، وذلک أنّ أمّها قتیلة بنت عبد العزّی قدمت علیها المدینة بهدایا وهی مشرکة ، فقالت أسماء : لا أقبل منک هدیّة ، ولا تدخلی علیّ بیتاً حتی أستأذن رسول الله صلی الله علیه وسلم.

فسألته ، فأنزل الله تعالی هذه الآیة ، فأمرها رسول الله صلی الله علیه وسلم أن تدخلها منزلها ، وأن تقبل هدیّتها ، وتکرمها وتحسن إلیها.

أخرجه (5) البخاری ، ومسلم ، وأحمد ، وابن جریر ، وابن أبی حاتم ، کما فی تفسیر القرطبی (18 / 59) ، تفسیر ابن کثیر (4 / 349) ، تفسیر الخازن (4 / 272).

6 - (یا أَیُّهَا الرَّسُولُ لا یَحْزُنْکَ الَّذِینَ یُسارِعُونَ فِی الْکُفْرِ مِنَ الَّذِینَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ) (6). 1.

ص: 233


1- أُسد الغابة : 3 / 8 رقم 2478.
2- النساء : 10.
3- الجامع لأحکام القرآن : 5 / 36.
4- الممتحنة : 8.
5- صحیح البخاری : 2 / 924 ح 2477 ، صحیح مسلم : 2 / 391 ح 50 کتاب الزکاة ، مسند أحمد : 7 / 483 ح 26375 ، جامع البیان : مج 14 / ج 28 / 66 ، الجامع لأحکام القرآن : 18 / 40 ، تفسیر الخازن : 4 / 258 ...
6- المائدة : 41.

ذکر المکّی فی تفسیره : أنّها نزلت فی عبد الله بن صوریا. تفسیر القرطبی (1) (6 / 177) ، الإصابة (2 / 326).

7 - (وَقالَ الَّذِینَ لا یَعْلَمُونَ لَوْ لا یُکَلِّمُنَا اللهُ أَوْ تَأْتِینا آیَةٌ) (2).

نزلت فی رافع بن حریملة ، وأخرج محمد بن إسحاق عن ابن عبّاس قال : قال رافع لرسول الله صلی الله علیه وسلم : یا محمد إن کنت رسولاً من الله کما تقول فقل لله ، فیکلّمنا حتی نسمع کلامه ، فأنزل الله فی ذلک الآیة. تفسیر ابن کثیر (1 / 161)

8 - (وَالَّذِینَ هاجَرُوا فِی اللهِ مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِی الدُّنْیا حَسَنَةً) (3). أخرج ابن عساکر فی تاریخه (4) (7 / 133) من طریق عبد الرزاق ، عن داود بن أبی هند : أنّ الآیة نزلت فی أبی جندل بن سهیل العامری. وذکره القرطبی فی تفسیره (5) (10 / 107) من جملة الأقوال الواردة فیها.

9 - (إِنَّ الَّذِینَ یَتْلُونَ کِتابَ اللهِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ) (6). نزلت فی حصین [بن الحارث] بن المطّلب بن عبد مناف ، کما فی الإصابة (1 / 336).

10 - (وَالْعَصْرِ* إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِی خُسْرٍ). السورة.

عن أُبیّ بن کعب قال : قرأت علی رسول الله صلی الله علیه وسلم سورة والعصر ، فقلت : یا رسول الله بأبی وأمّی أفدیک ما تفسیرها؟

قال : والعصر : قسمٌ من الله بآخر النهار. إنَّ الإنسان لفی خسر : أبو جهل 9.

ص: 234


1- الجامع لأحکام القرآن : 6 / 115.
2- البقرة : 118.
3- النحل : 41.
4- تاریخ مدینة دمشق : 8 / 668 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 11 / 244.
5- الجامع لأحکام القرآن : 10 / 71.
6- فاطر : 29.

ابن هشام. إلاّ الذین آمنوا : أبو بکر الصدِّیق. وعملوا الصالحات : عمر بن الخطّاب. وتواصوا بالحقِّ : عثمان بن عفّان. وتواصوا بالصبر : علیّ بن أبی طالب. الریاض النضرة (1) (1 / 34).

قال الأمینی : نحن لا نصافق القوم علی هذه التأویلات المحرّفة المزیّفة ، غیر أنّا نسردها لإقامة الحجّة علیهم بما ذهبوا إلیه.

11 - (إِنَّ الَّذِینَ یَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَیْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِیلاً أُولئِکَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِی الْآخِرَةِ) (2).

نزلت فی عیدان بن أسوع الحضرمی ، قاله مقاتل فی تفسیره. الإصابة (3 / 51)

12 - (یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا أَطِیعُوا اللهَ وَأَطِیعُوا الرَّسُولَ وَأُولِی الْأَمْرِ مِنْکُمْ) (3).

أخرج (4) البخاری فی صحیحه فی کتاب التفسیر (7 / 60) ، وأحمد فی مسنده (1 / 337) ، ومسلم فی صحیحه کما فی تاریخ ابن عساکر (7 / 352) ، وتفسیر القرطبی (5 / 260) وغیرهم (5)) : أنَّها نزلت فی عبد الله بن حذافة السهمی.

13 - (یَقُولُونَ هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَیْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ کُلَّهُ لِلَّهِ یُخْفُونَ فِی أَنْفُسِهِمْ ما لا یُبْدُونَ لَکَ یَقُولُونَ لَوْ کانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَیْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا) (6).

القائل هو عبد الله بن أُبیّ بن سلول رأس المنافقین وفیه نزلت الآیة. وأخرج 4.

ص: 235


1- الریاض النضرة : 1 / 49 ، 50.
2- آل عمران : 77.
3- النساء : 59.
4- صحیح البخاری : 4 / 1674 ح 4308 ، مسند أحمد : 1 / 555 ح 3114 ، صحیح مسلم : 4 / 113 ح 31 کتاب الإمارة ، تاریخ مدینة دمشق : 9 / 112 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 12 / 104 ، الجامع لأحکام القرآن : 5 / 168.
5- انظر : الدرّ المنثور : 2 / 573.
6- آل عمران : 154.

ابن أبی حاتم عن طریق الزبیر : أنَّها نزلت فی معتّب بن قشیر.

تفسیر القرطبی (1) (4 / 262) ، تفسیر ابن کثیر (1 / 418) ، تفسیر الخازن (2) (1 / 306).

14 - (الَّذِینَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَکُمْ) (3).

المراد من الناس الأوّل : هو نعیم بن مسعود الأشجعی. قال النسفی فی تفسیره (4) : هو جمع أُرید به الواحد ، أو : کان له أتباع یثبطون مثل تثبیطه. وقال الخازن : فیکون اللفظ عامّا أُرید به الخاصّ.

وأخرج ابن مردویه بإسناده عن أبی رافع : أنّ النبیَّ صلی الله علیه وسلم وجّه علیّا فی نفر معه فی طلب أبی سفیان ، فلقیهم أعرابیٌّ من خزاعة ، فقال : إنَّ القوم قد جمعوا لکم ، فقالوا : حسبنا الله ونعم الوکیل ، فنزلت فیهم هذه الآیة.

تفسیر القرطبی (5) (4 / 279) ، تفسیر ابن کثیر (1 / 430) ، تفسیر الخازن (6) (1 / 318).

15 - (یَسْتَفْتُونَکَ قُلِ اللهُ یُفْتِیکُمْ فِی الْکَلالَةِ) (7).

نزلت فی جابر بن عبد الله الأنصاری وهو المستفتی ، وکان یقول : أُنزلت هذه الآیة فیَّ.

تفسیر القرطبی (6 / 28) ، تفسیر الخازن (1 / 447) ، تفسیر النسفی هامش 6.

ص: 236


1- الجامع لأحکام القرآن : 4 / 156.
2- تفسیر الخازن : 1 / 294.
3- آل عمران : 173.
4- المطبوع فی هامش تفسیر الخازن : 1 / 318 [تفسیر النسفی : 1 / 195]. (المؤلف)
5- الجامع لأحکام القرآن : 4 / 178.
6- تفسیر الخازن : 1 / 306.
7- النساء : 176.

الخازن (1 / 447) (1).

16 - (یَسْئَلُونَکَ ما ذا یُنْفِقُونَ قُلْ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَیْرٍ) (2).

نزلت فی عمرو بن الجموح ، وکان شیخاً کبیراً ذا مال ، فقال : یا رسول الله بما ذا نتصدّق؟ وعلی من ننفق؟ فنزلت الآیة.

تفسیر القرطبی (3) (3 / 36) ، تفسیر الخازن (4) (1 / 148).

17 - (وَهُمْ یَنْهَوْنَ عَنْهُ وَیَنْأَوْنَ عَنْهُ) (5).

ذهب القوم إلی أنَّها نزلت فی أبی طالب ، وقد فصّلنا القول فیها فی الجزء الثامن (ص 3 - 8).

18 - (لا تَجِدُ قَوْماً یُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْیَوْمِ الْآخِرِ یُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ) (6).

نزلت فی أبی عبیدة بن الجرّاح حین قتل أباه یوم بدر ، أو فی عبد الله بن [عبد الله بن] أُبیّ.

تفسیر القرطبی (7) (17 / 307) ، نوادر الأصول للحکیم الترمذی (8) (ص 157).

19 - (وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَیِّئاً) (9).2.

ص: 237


1- الجامع لأحکام القرآن : 6 / 20 ، تفسیر الخازن : 1 / 428 ، تفسیر النسفی : 1 / 267.
2- البقرة : 215.
3- الجامع لأحکام القرآن : 3 / 26.
4- تفسیر الخازن : 1 / 143.
5- الأنعام : 26.
6- المجادلة : 22.
7- الجامع لأحکام القرآن : 17 / 199.
8- نوادر الأصول : 1 / 338 الأصل 123.
9- التوبة : 102.

نزلت فی أبی لبابة الأنصاری خاصّة.

تفسیر القرطبی (1) (8 / 242) ، الروض الأُنُف (2) (2 / 196).

20 - (یَحْلِفُونَ بِاللهِ لَکُمْ لِیُرْضُوکُمْ) (3).

إنّ رجلاً من المنافقین قال : والله إنَّ هؤلاء لَخیارُنا وأشرافنا ، وإن کان ما یقول محمدٌ حقّا لهم شرٌّ من الحمیر. فسمعها رجلٌ من المسلمین فقال : والله إنَّ ما یقول محمدٌ لحقٌّ ولأنت أشرُّ من الحمار ، فسعی بها الرجل إلی النبیِّ صلی الله علیه وسلم فأخبره ، فأرسل إلی الرجل فدعاه ، فقال : ما حملک علی الذی قلت؟ فجعل یلتعن ویحلف بالله بأنَّه ما قال ذلک ، وجعل الرجل المسلم یقول : اللهمّ صدِّق الصادق ، وکذّب الکاذب. فأنزل الله الآیة.

تفسیر القرطبی (4) (8 / 193) ، تفسیر ابن کثیر (2 / 366).

12 - قال : إنّ الرافضیَّ لا یمکنه أن یثبت إیمان علیٍّ وعدالته ، وأنَّه من أهل الجنّة فضلاً عن إمامته إن لم یثبت ذلک لأبی بکر وعمر وعثمان ، وإلاّ فمتی أراد إثبات ذلک لعلیٍّ وحده لم تساعده الأدلّة ، کما أنَّ النصرانیَّ إذا أراد إثبات نبوّة المسیح دون محمد لم تساعده الأدلّة. (1 / 162).

وقال (ص 163) : الرافضة تعجز عن إثبات إیمان علیٍّ وعدالته مع کونهم علی مذهب الرافضة ، ولا یمکنهم ذلک إلاّ إذا صاروا من أهل السنّة ، فإن احتجّوا بما تواتر من إسلامه ، وهجرته ، وجهاده ، فقد تواتر ذلک عن هؤلاء بل تواتر إسلام معاویة ویزید وخلفاء بنی أمیّة وبنی العبّاس ، وصلاتهم ، وصیامهم ، وجهادهم للکفّار. 8.

ص: 238


1- الجامع لأحکام القرآن : 8 / 154.
2- الروض الأنف : 6 / 328.
3- التوبة : 62.
4- الجامع لأحکام القرآن : 8 / 138.

الجواب : ما عشت أراک الدهر عجباً.

لیت شعری متی احتاج إیمان علیّ وعدالته إلی البرهنة؟! ومتی کفر هو حتی یؤمن؟ وهل کان فی بدء الإسلام للنبیِّ أخ ومؤازر غیره؟

علی حین أنَّ من سمّاهم لم یسلموا بعدُ ، وهل قام الإسلام إلاّ بسیفه وسنانه؟ وهل هزمت جیوش الشرک إلاّ صولته وجولته؟ وهل هتک ستور الشبه والإلحاد غیر بیانه وبرهانه؟ وهل طهّر الله الکعبة - البیت الحرام - من دنس الأوثان إلاّ بیده الکریمة؟ وهل طهّر الله فی القرآن الکریم بیتاً عن الرجس غیر بیت هو سید أهله بعد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم؟ وهل کان أحد نفس رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم غیره بنصّ الذکر الحکیم؟ وهل أحد شری نفسه ابتغاء مرضاة الله لیلة المبیت غیره؟ وهل أحد من المؤمنین أولی بهم من أنفسهم کرسول الله غیره؟ لاها الله.

إنّ أحادیث الشیعة فی کلِّ هذه متواترة ، وهی التی ألزمتهم بالإخبات إلی هذه المآثر کلّها ، غیر أنَّهم إذا خاصموا غیرهم احتجّوا بأحادیث أهل السنّة ، لأنّ الحجّة یجب أن تکون ملزمةً للخصم من دون حاجة لهم إلیها فی مقام الثبوت ، وهذا طریق الحجاج المطّرد لا ما یراه علماء القوم ؛ فإنّهم بأسرهم یحتجّون فی کلِّ موضوع بکتب أعلامهم وأحادیثهم ، وهذا خروج عن أصول الحجاج والمناظرة.

ولیتنی أدری ما الملازمة بین إیمان علیٍّ وعدالته وإیمان من ذکرهم ، هل یحسبهم وعلیّا أمیر المؤمنین نفساً واحدة لا یُتصوّر التبعیض فیها؟ أو یزعم أنَّ روحاً واحدة سرت فی الجمیع فأخذت بمفعولها من إیمان وکفر؟ وهل خفیت هذه الملازمة المخترعة - ولیدة ابن تیمیّة - علی الصحابة والتابعین الشیعیِّین ، وبعدهم علی أئمّة الشیعة وعلمائهم وأعلامهم فی القرون الخالیة فی حجاجهم ومناشداتهم ومناظراتهم المذهبیة المتکثرة فی الأندیة والمجتمعات؟ أو ذهل عنها مخالفوهم فی الذبِّ عنهم والمدافعة عن مبدئهم؟

ص: 239

لم یکن ذلک کلّه ، ولکن یروق الرجل أن یشبِّه الرافضة بالنصاری ، ویقرن بین إیمان علیٍّ علیه السلام وإیمان معاویة الدهاء ویزید الفجور والماجنین من جبابرة بنی أمیّة والمتهتّکین من العبّاسیّین ، وهذا مبلغ علمه ودینه وورعه وأدبه.

13 - وفی (2 / 99) قذف شیخ الأمّة نصیر الملّة والدین الطوسی وأتباعه والرافضة کلّهم بأنواع من التهتّک والاستهتار : من إضاعة الصلوات ، وارتکاب المحرّمات واستحلالها ، وعدم التجنّب عن الخمر والفواحش حتی فی شهر رمضان ، وتفضیل الشرک بالله علی عبادة الله ، ویراها حال الرافضة دائماً ، إلی غیرها ممّا علمت البحّاثة أنَّها أکاذیب وطامّات أُرید بها إشاعة الفحشاء فی الذین آمنوا بتشویه سمعتهم ، والله تعالی هو الحَکم الفصل یوم تُنصب الموازین ، ویُسأل کلّ أحدٍ عمّا لفظه من قول و (ما یَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَیْهِ رَقِیبٌ عَتِیدٌ) (1).

14 - قال : أشهر الناس بالردّة خصوم أبی بکر الصدِّیق رضی الله عنه وأتباعه کمسیلمة الکذّاب وأتباعه وغیرهم ، وهؤلاء تتولاّهم الرافضة کما ذکر ذلک غیر واحد من شیوخهم ، مثل هذا الإمامیّ - یعنی العلاّمة الحلّی - وغیره ، ویقولون : إنّهم کانوا علی الحقِّ ، وإنّ الصدّیق قاتلهم بغیر حقٍّ (2 / 102).

الجواب : لیت هناک مُسائلاً هذا الرجل عمّن أخبره بتولّی الرافضة لمسیلمة ونظرائه ، وهم لا یفتئون یُسمّونه بالکذّاب ، ویروون الفضائح من أعماله ، وکتبهم مفعمة بمخاریقه ، وهم لا یحصرون النبوّة إلاّ بخاتمها محمد سید الأنبیاء - صلوات الله علیه وآله وعلیهم - ویکفِّرون من یدّعیها غیره.

ولیته دلّنا علی أولئک الشیوخ الذین نقل عنهم ذلک القول المائن ، أو هل شافهوه بعقیدتهم؟ فِلمَ لم یذکر أسماءهم؟ ولِمَ لم یسمّ أشخاصهم؟ علی أنَّه غیر مؤتمن فی النقل عنهم ، وهو لا یزال یتحرّی الوقیعة فیهم ، أو أنَّه وجده فی کتبهم؟ فما 8.

ص: 240


1- سورة ق : 18.

هی تلک الکتب؟ وأین هی ، ولمن هی؟ وأمّا شیخهم الأکبر العلاّمة الحلّی فهذه کتبه الکلامیّة وفی العقائد بین مخطوط ومطبوع ، ففی أیٍّ منها توجد هذه الفریة؟ نعم لا توجد إلاّ فی علبة عداء ابن تیمیّة ، وفی عیبة مخازیه ، أو فی کتاب مفتریاته ، اللهمَّ إلیک المشتکی.

15 - قال : ذکر - العلاّمة الحلّی - أشیاء من الکذب تدلُّ علی جهل ناقلها ، مثل قوله : نزل فی حقِّهم - فی حقِّ أهل البیت - هل أتی ، فإنّ هل أتی مکّیّةٌ باتِّفاق العلماء ، وعلیٌّ إنّما تزوّج فاطمة بالمدینة بعد الهجرة ، وولد الحسن والحسین بعد نزول هل أتی ، فقوله : إنّها نزلت فیهم من الکذب الذی لا یخفی علی من له علمٌ بنزول القرآن ، وأحوال هذه السادة الأخیار. (2 / 117).

الجواب : إنّ الرجل لا ینحصر جهله بباب دون باب ، فهو کما أنَّه جاهلٌ فی العقائد ، جاهلٌ فی الفِرَق ، جاهلٌ فی السیرة ، جاهلٌ فی الأحکام ، جاهلٌ فی الحدیث ، کذلک جاهلٌ فی علوم القرآن ، حیث لم یعلم أوّلاً أنّ کون السورة مکّیة لا یُنافی کون بعض آیاتها مدنیّة وبالعکس ، وقد اطّرد ذلک فی السور القرآنیة کما مرَّ (1 / 255 - 258) ، وهذا معنی قول ابن الحصّار : إنّ کلّ نوع من المکّی والمدنیِّ منه آیات مستثناة (1).

وثانیاً : إنّ أوثق الطرق إلی کون السورة أو الآیة مکّیة أو مدنیّة هو ما تضافر النقل به فی شأن نزولها بأسانید مستفیضة دون الأقوال المنقطعة عن الإسناد ، وقد أسلفنا فی (ص 106 - 111) من هذا الجزء شطراً مهمّا ممّن خرّج هذا الحدیث وأخبت إلیه ، فلیس هو من کذب الرافضة حتی یدلَّ علی جهل ناقله ، ولا علی شیخنا العلاّمة الحلّی من تبعة فی نقله ، فإن کان فی نقله شائبة سوء فالعلاّمة ومشایخ قومه علی شرع سواء.

وثالثاً : إنّ القول بأنَّها مکّیةٌ لیس ممّا اتّفق علیه العلماء بل الجمهور علی ف)

ص: 241


1- الإتقان : 1 / 23 [1 / 38]. (المؤلف)

خلافه ، کما نقله الخازن فی تفسیره (1) (4 / 356) عن مجاهد وقتادة والجمهور.

وروی أبو جعفر النحّاس فی کتابه الناسخ والمنسوخ (2)) ، من طریق الحافظ أبی حاتم ، عن مجاهد ، عن ابن عبّاس حدیثاً فی تلخیص آی القرآن المدنی من المکّی ، وفیه : والمدّثِّر إلی آخر القرآن إلاّ إذا زلزلت ، وإذا جاء نصر الله ، وقل هو الله أحد ، وقل أعوذ بربِّ الفلق ، وقل أعوذ بربِّ الناس ، فإنّهنّ مدنیّات وفیها سورة هل أتی. وقال السیوطی فی الإتقان (3) (1 / 15) بعد نقل الحدیث : هکذا أخرجه بطوله ، وإسناده جید ، رجاله کلّهم ثقات من علماء العربیّة المشهورین.

وأخرج الحافظ البیهقی فی دلائل النبوّة (4) ، بإسناده عن عکرمة والحسین بن أبی الحسن حدیثاً فی المکّی والمدنی من السوَر وعدّ من المدنیّات هل أتی. الإتقان (5) (1 / 16).

ویروی ابن الضریس فی فضائل القرآن عن عطا [عن ابن عباس] عدّ سورة الإنسان من المدنیّات (6) ، کما فی الإتقان (1 / 17).

وعدّها الخازن فی تفسیره (7) (1 / 9) من السوَر النازلة بالمدینة.

وهذه مصاحف الدنیا بأجمعها ، مخطوطها ومطبوعها یخبرک عن جلیّة الحال ، 8.

ص: 242


1- تفسیر الخازن : 4 / 337.
2- الناسخ والمنسوخ : ص 260.
3- الإتقان : 1 / 25.
4- دلائل النبوّة : 7 / 143.
5- الإتقان : 1 / 26.
6- فضائل القرآن لابن الضریس المتوفّی سنة 294 ، ص 33 - 34 من طبعة دار الفکر بدمشق سنة 1408 ه. رواه بإسناده عن عطاء عن ابن عباس. وعدّها الزُّهری أیضاً فی کتابه تنزیل القرآن : ص 30 من السور المدنیات برقم 13 ، طبعة الدکتور صلاح الدین المنجّد ، بیروت سنة 1963. (الطباطبائی)
7- تفسیر الخازن : 1 / 8.

فإنّها مجمعة علی أنَّها مدنیّة ، فهل الأمّة أجمعت فیها علی خلاف ما اتّفق علیه العلماء ، إن صحّت مزعمة ابن تیمیّة؟ (فَما مِنْکُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِینَ* وَإِنَّهُ لَتَذْکِرَةٌ لِلْمُتَّقِینَ* وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْکُمْ مُکَذِّبِینَ) (1).

ورابعاً : إنَّ القائلین بأنَّ فیها آیة أو آیات مکّیة کالحسن ، وعکرمة ، والکلبی ، وغیرهم مصرِّحون بأنَّ الآیات المتعلّقة بقصّة الإطعام مدنیّة.

وخامساً : لا ملازمة بین القول بمکّیتها وبین نزولها قبل الهجرة ، إذ من الممکن نزولها فی حجّة الوداع ، بعد صحّة إرادة عموم قوله : وأسیراً للمؤمن الداخل فیه المملوک ، کما قاله : ابن جبیر ، والحسن ، والضحّاک ، وعکرمة ، وعطاء ، وقتادة ، واختاره ابن جریر وجمعٌ آخرون.

16 - قال : قوله - یعنی العلاّمة الحلّی - : إیجاب مودّة أهل البیت بقوله تعالی : (قُلْ لا أَسْئَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبی) (2) غلط ، وممّا یدلُّ علی هذا أنَّ الآیة مکّیةٌ ، ولم یکن علیٌّ بعدُ قد تزوّج بفاطمة ولا ولد لهما أولاد (2 / 118).

وقال فی (ص 250) : أمّا قوله - یعنی العلاّمة - : وأنزل الله فیهم : (قُلْ لا أَسْئَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبی) فهذا کذبٌ ، فإنَّ هذه الآیة فی سورة الشوری وهی مکّیةٌ بلا ریب ، نزلت قبل أن یتزوّج علیّ بفاطمة ، وقبل أن یولد له الحسن والحسین - إلی أن قال - : وقد ذکر طائفة من المصنِّفین من أهل السنّة والجماعة ، والشیعة من أصحاب أحمد وغیرهم حدیثاً عن النبیِّ صلی الله علیه وسلم : إنَّ هذه الآیة لمّا نزلت قالوا : یا رسول الله من هؤلاء؟ قال : «علیٌّ وفاطمة وابناهما». وهذا کذبٌ باتِّفاق أهل المعرفة بالحدیث ، وممّا یبیِّن ذلک أنَّ هذه الآیة نزلت بمکّة باتِّفاق أهل العلم ، فإنَّ سورة الشوری جمیعها مکّیةٌ ، بل جمیع آل حمیم کلّهن مکّیات.3.

ص: 243


1- الحاقّة : 47 49.
2- الشوری : 23.

ثمَّ فصّل تاریخ ولادة السبطین الحسنین إثباتاً لاطِّلاعه وعلمه بالتاریخ.

الجواب : لو لم یکن فی کتاب الرجل إلاّ ما فی هذه الجمل من التدجیل والتمویه علی أجر صاحب الرسالة ، والقول المزوّر ، والفریة الشائنة ، والکذب الصریح ، لکفی علیه عاراً وشناراً.

لم یصرِّح أحدٌ بأنَّ الآیة مکّیة فضلاً عن الاتِّفاق المکذوب علی أهل العلم ، وإنَّما حسب الرجل ذلک من إطلاق قولهم : إنّ السورة مکّیة. فحقُّ المقال فیه ما قدّمناه (1 / 255 - 258) وفی هذا الجزء (ص 169 - 171).

ودعوی کون جمیع سورة الشوری مکّیة یکذِّبها استثناؤهم قوله تعالی : (أَمْ یَقُولُونَ افْتَری عَلَی اللهِ کَذِباً) إلی قوله : (خَبِیرٌ بَصِیرٌ) وهی أربع آیات ، واستثناء بعضهم قوله تعالی : (وَالَّذِینَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْیُ) إلی قوله : (مِنْ سَبِیلٍ) وهی عدّة آیات (1). فضلاً عن آیة المودّة.

ونصَّ القرطبی فی تفسیره (2) (16 / 1) ، والنیسابوری فی تفسیره (3) ، والخازن فی تفسیره (4) (4 / 49) ، والشوکانی فی فتح القدیر (5) (4 / 510) وغیرهم ، عن ابن عبّاس وقتادة علی أنَّها مکّیة إلاّ أربع آیات ، أوّلها : (قُلْ لا أَسْئَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْراً)

وأمّا حدیث : إنَّ الآیة نزلت فی علیٍّ وفاطمة وابنیهما وإیجاب مودّتهم بها ، فلیس مختصّا بآیة الله العلاّمة الحلّی ولا بأمّته من الشیعة ، بل أصفق المسلمون علی ذلک إلاّ شذّاذاً من حملة الروح الأمویّة نظراء ابن تیمیّة وابن کثیر ، ولم یقف القارئ ولن یقف - علی شیءٍ من الاتّفاق المکذوب علی أهل المعرفة بالحدیث ، لیت الرجل4.

ص: 244


1- تفسیر الخازن : 4 / 49 [4 / 90] ، الإتقان : 1 / 27 [1 / 44]. (المؤلف)
2- الجامع لأحکام القرآن : 16 / 3.
3- غرائب القرآن : مج 11 / ج 25 / 35.
4- مرّ تخریجه آنفاً.
5- فتح القدیر : 4 / 524.

دلّنا علی بعض من أولئک المجمعین ، أو علی شیءٍ من تآلیفهم ، أو علی نزرٍ من کلماتهم. وقد أسلفنا فی (2 / 306 - 311) ما فیه بُلغة وکفایة ، نقلاً عن جمع من الحفّاظ المفسِّرین من أعلام القوم وهم :

الإمام أحمد ، ابن المنذر ، ابن أبی حاتم ، الطبری ، الطبرانی ، ابن مردویه ، الثعلبی ، أبو عبد الله الملاّ ، أبو الشیخ ، النسائی ، الواحدی ، أبو نعیم ، البغوی ، البزّار ، ابن المغازلی ، الحسکانی ، محبّ الدین ، الزمخشری ، ابن عساکر ، أبو الفرج ، الحمّوئی ، النیسابوری ، ابن طلحة ، الرازی ، أبو السعود ، أبو حیّان ، ابن أبی الحدید ، البیضاوی ، النسفی ، الهیثمی ، ابن الصبّاغ ، الکنجی ، المناوی ، القسطلانی ، الزرندی ، الخازن ، الزرقانی ، ابن حجر ، السمهودی ، السیوطی ، الصفوری ، الصبّان ، الشبلنجی ، الحضرمی ، النبهانی.

وقول الإمام الشافعی فی ذلک مشهورٌ ، قال :

یا أهلَ بیت رسولِ اللهِ حبُّکمُ

فرضٌ من اللهِ فی القرآنِ أنزلهُ

کفاکمُ من عظیمِ القدرِ أنّکمُ

من لم یصلِّ علیکم لا صلاةَ لهُ

ذکرهما له ابن حجر فی الصواعق (1) (ص 87) ، الزرقانی فی شرح المواهب (7 / 7) ، الحمزاوی المالکی فی مشارق الأنوار (2) (ص 88) ، الشبراوی فی الإتحاف (3) (ص 29) ، الصبّان فی الإسعاف (ص 119).

وقال العجلونی (4) فی کشف الخفاء (1 / 19) : وفی هذا مع زیادة قلت : ف)

ص: 245


1- الصواعق المحرقة : ص 148.
2- مشارق الأنوار : 1 / 188.
3- الإتحاف بحبّ الأشراف : ص 83 باب 4.
4- الشیخ إسماعیل بن محمد العجلونی الجرّاحی المتوفّی 1162 ، توجد ترجمته فی سلک الدرر للمرادی [1 / 259 - 272]. (المؤلف)

لقد حاز آلُ المصطفی أشرفَ الفخرِ

بنسبتهِمْ للطاهرِ الطیِّبِ الذکرِ

فحبّهمُ فرضٌ علی کلِّ مؤمنٍ

أشار إلیه اللهُ فی مُحْکمِ الذکرِ

ومن یدّعی من غیرِهم نسبةً له

فذلک ملعونٌ أتی أقبحَ الوزرِ

وقد خُصَّ منهم نسلُ زهراءَ الاشرفُ

بأطرافِ تیجانٍ من السُندسِ الخُضرِ

ویُغنیهمُ عن لُبسِ ما خصّهمْ بهِ

وجوهٌ لهم أبهی من الشمس والبدرِ

ولم یمتنعْ من غیرهم لبس أخضرٍ

علی رأی من یعزی لأسیوطِ ذی الخبرِ

وقد صحّحوا عن غیره حرمة الذی

رآه مباحاً فاعلمِ الحکمَ بالسبرِ

وأمّا أنّ تزویج علیّ بفاطمة علیهما السلام کان من حوادث العهد المدنیِّ ، وقد ماشینا الرجل علی نزول الآیة فی مکّة ، فإنَّه لا ملازمة بین إطباق الآیة بهما وبأولادهما وبین تقدّم تزویجهما علی نزولها ، کما لا منافاة بینه وبین تأخّر وجود أولادهما علی فرضه ، فإنَّ ممّا لا شبهة فیه کون کلّ منهما من قربی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بالعمومة والبنوّة. وأمّا أولادهما فکان من المقدّر فی العلم الأزلیّ أن یُخلقوا منهما ، کما أنَّه کان قد قضی بعلقة التزویج بینهما ، ولیس من شرط ثبوت الحکم بملاک عام یشمل الحاضر والغابر وجود موضوعه الفعلیِّ ، بل إنَّما یتسرّب إلیه الحکم مهما وُجد ، ومتی وُجد ، وأنّی وُجد.

علی أنَّ من الممکن أن تکون قد نزلت بمکّة فی حجّة الوداع ، وعلیٌّ قد تزوّج بفاطمة ووُلد الحسنان ، ولا ملازمة بین نزولها بمکّة وبین کونه قبل الهجرة.

(وَیَرَی الَّذِینَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِی أُنْزِلَ إِلَیْکَ مِنْ رَبِّکَ هُوَ الْحَقَ) (1).

17 - قال : أمّا حدیث المؤاخاة - إنَّ علیّا آخاه رسول الله - فباطل موضوع ؛ فإنَّ النبیَّ لم یُؤاخ أحداً ، ولا آخی بین المهاجرین بعضهم من بعض ، ولا بین الأنصار بعضهم من بعض ، ولکن آخی بین المهاجرین والأنصار ، کما آخی بین سعد بن الربیع 6.

ص: 246


1- سبأ : 6.

وعبد الرحمن بن عوف ، وآخی بین سلمان الفارسی وأبی الدرداء ، کما ثبت ذلک فی الصحیح (2 / 119).

الجواب : إنَّ حکم الرجل ببطلان حدیث المؤاخاة الثابت بین المسلمین علی بکرة أبیهم یکشف عن جهله المطبق بالحدیث والسیرة ، أو عن حنقه المحتدم علی أمیر المؤمنین علیه السلام فلا یسعه أن ینال منه إلاّ بإنکار فضائله ، فکأنَّه آلی علی نفسه أن لا یمرَّ بفضیلة إلاّ وأنکرها وفنّدها ولو بالدعوی المجرّدة. فقد أوضحنا فی (ص 112 - 125) أنّ قصّة المؤاخاة وقعت بین أفراد الصحابة قبل الهجرة مرّة وبین المهاجرین والأنصار بعدها مرّة أخری ، وفی کلٍّ منهما آخی هو صلی الله علیه وآله وسلم أمیر المؤمنین علیه السلام ، وحسب الرجل ما فی فتح الباری (1) (7 / 217) للحافظ ابن حجر العسقلانی ، قال بعد بیان کون المؤاخاة مرّتین وذکر جملة من أحادیثهما : وأنکر ابن تیمیّة فی کتاب الردّ (2) علی ابن المطهَّر الرافضی فی المؤاخاة بین المهاجرین وخصوصاً مؤاخاة النبیِّ لعلیٍّ ، قال : لأنَّ المؤاخاة شُرّعت لإرفاق بعضهم بعضاً ، ولتألیف قلوب بعضهم علی بعض ، فلا معنی لمؤاخاة النبیِّ لأحدٍ منهم ، ولا لمؤاخاة مهاجریٍّ لمهاجریٍّ. وهذا ردٌّ للنصِّ بالقیاس وإغفالٌ عن حکمة المؤاخاة ، لأنَّ بعض المهاجرین کان أقوی من بعض بالمال والعشیرة والقوی ، فآخی بین الأعلی والأدنی لیرتفقنّ الأدنی بالأعلی ، ویستعین الأعلی بالأدنی ، وبهذا نظر فی مؤاخاته لعلیّ لأنَّه هو الذی کان یقوم به من عهد الصبا من قبل البعثة واستمرَّ ، وکذا مؤاخاة حمزة وزید بن حارثة ؛ لأنَ زیداً مولاهم ، فقد ثبّت أخوّتهما وهما من المهاجرین ، وسیأتی فی عمرة القضاء قول زید بن حارثة : إنَّ بنت حمزة بنت أخی.

وأخرج الحاکم (3)) ، وابن عبد البرّ (4) بسند حسن عن أبی الشعثاء ، عن 8.

ص: 247


1- فتح الباری : 7 / 271.
2- هو کتاب منهاج السنّة الذی نتکلّم حوله. (المؤلف)
3- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 355 ح 5372.
4- الاستیعاب : القسم الثانی / 511 رقم 808.

ابن عبّاس : آخی النبیّ صلی الله علیه وسلم بین الزبیر وابن مسعود وهما من المهاجرین.

قلت : وأخرجه الضیاء فی المختارة من المعجم الکبیر للطبرانی (1) ، وابن تیمیّة یصرِّح بأنَّ أحادیث المختارة أصحّ وأقوی من أحادیث المستدرک وقصّة المؤاخاة الأولی ، ثمَّ ذکر حدیثها الصحیح من طریق الحاکم الذی أسلفناه.

وذکر العلاّمة الزرقانی فی شرح المواهب (1 / 373) جملةً من الأحادیث والکلمات الواردة فی کلتا المرّتین من المؤاخاة ، وقال : وجاءت أحادیث کثیرة فی مؤاخاة النبیِّ صلی الله علیه وسلم لعلیٍّ. ثمّ أوعز إلی مزعمة ابن تیمیّة وردَّ علیه بکلام الحافظ ابن حجر المذکور. (اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَیْکُمْ مِنْ رَبِّکُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِیاءَ) (2)).

18 - قال : الحدیث الذی ذکر - العلاّمة - عن النبیّ صلی الله علیه وسلم «إنَّ فاطمة أحصنت فرجها فحرَّمها الله وذرّیتها علی النار» کذبٌ باتِّفاق أهل المعرفة بالحدیث. ویظهر کذبه لغیر أهل الحدیث أیضاً ، فإنَّ قوله : إن فاطمة أحصنت فرجها ... باطل قطعاً ، فإنَّ سارة أحصنت فرجها ولم یحرِّم الله جمیع ذرِّیّتها علی النار ، وأیضاً فصفیّة عمّة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أحصنت فرجها ومن ذرِّیّتها محسنٌ وظالمٌ ، وفی الجملة : اللواتی أحصنَّ فروجهنّ لا یُحصی عددهنَّ إلاّ الله ، ومن ذرِّیتهن البرّ والفاجر والمؤمن والکافر. وأیضاً ففضیلة فاطمة ومزیّتها لیست بمجرّد إحصان الفرج ، فإنَّ هذا تشارک فیه فاطمة وجمهور نساء المؤمنین (2 / 126).

الجواب : عجباً لهذا الرجل وهو یحسب أنَّ الإجماعات والاتِّفاقات طوع إرادته ، فإذا لم یرقه تأویل آیة أو حدیث أو مسألة أو اعتقاد یقول فی کلٍّ منها للملإ العلمی : اتَّفقوا! فتُلبِّیه الأحیاء والأموات ، ثمَّ یحتجُّ باتِّفاقهم. ولعمر الحقِّ لو لم یکن الإنسان منهیّا عن الکذب ولغو الحدیث لما یأتی منهما فوق ما أتی به الرجل. 3.

ص: 248


1- المعجم الکبیر : 12 / 139 ح 12816.
2- الأعراف : 3.

لیت شعری کیف یکون هذا الحدیث متَّفقاً علی بطلانه وکذبه وقد اخرجته جماعة من الحفّاظ وصحّحه غیر واحدٍ من أهل المعرفة بالحدیث؟ ولیته أوعز إلی من شذَّ منهم بالحکم بکذبه ، ودلّنا علی تآلیفهم وکلماتهم ، غیر أنَّه لم یجد أحداً منهم ، فکوَّن الاتِّفاق بالإرادة کما قلناه. وقد خرّجه :

الحاکم ، الخطیب البغدادی ، البزّار ، أبو یعلی ، العقیلی ، الطبرانی ، ابن شاهین ، أبو نعیم ، المحبّ الطبری ، ابن حجر ، السیوطی ، المتّقی الهندی ، الهیثمی ، الزرقانی ، الصبّان ، البَدَخشی. (1)ی)

ص: 249


1- حدیث : «إنّ فاطمة أحصنت فرجها فحرّمها الله وذرّیتها علی النار». أخرجه البزّار فی مسنده : 5 / 223 ح 1829 وأبو یعلی فی مسنده الکبیر کما فی المطالب العالیة : 4 / 70 ح 3987 والطبرانی فی المعجم الکبیر : 22 / 406 ح 1018. وأخرجه الحافظ ابن شاهین فی کتاب فضائل فاطمة بثلاثة طرق : ح 10 و 11 و 12 ، ولیس فی الأخیرین عمر بن غیاث ، وأخرجه فی کتاب السنّة کما یأتی من السیوطی. وأخرجه الدارقطنی فی العلل : 5 / 65 سؤال 710 ، والحاکم فی المستدرک : 3 / 152 ، وأخرجه تمام الرازی فی فوائده بثلاثة طرق (الروض البسام : 4 / 315 - 318 رقم 1492 ، 1493 ، 1494) ، وأبو نعیم فی حلیة الأولیاء : 4 / 188 ، والمهروانی فی فوائده کما فی الروض البسام : 4 / 317 و 318. وأخرجه الخطیب البغدادی فی تاریخ بغداد : 3 / 54 ، وابن المغازلی فی کتاب مناقب أمیر المؤمنین 7 : ص 353 ح 403 ، والخطیب الخوارزمی فی مقتل الحسین 7 : 1 / 55 ، والحافظ ابن عساکر فی تاریخه : ج 5 ق 23 / ب وج 17 ق 386 / ب. وأخرجه المزّی فی تهذیب الکمال : 35 / 251 ، والمحب الطبری : ص 26 و 48 ، والکنجی فی کفایة الطالب : ص 222 من الطبعة الأولی وص 366 من الطبعة الثانیة ، والزرندی فی نظم درر السمطین : ص 180 ، والذهبی فی تذهیب تهذیب الکمال فی ترجمتها 3 ، والخزرجی فی خلاصته : 3 / 389 ، والحافظ العسقلانی فی زوائد مسند البزّار وفی المطالب العالیة النسخة المسندة : ق 155 / ب ، والسیوطی فی الثغور الباسمة : ص 46 ، وفی إحیاء المیت : ح 38 قال : أخرج البزّار وأبو یعلی والعقیلی وابن شاهین فی السنّة. والمتّقی فی کنز العمّال : ح 34220 ، والزرقانی فی شرح المواهب اللدنیّة : 3 / 203 ، والصبّان فی إسعاف الراغبین : ص 120 ، والشبلنجی فی نور الأبصار : ص 41 ، والدوسری فی الروض البسام : 4 / 315. (الطباطبائی)

إذا ثبتت صحّة الحدیث ، فأیُّ وزن یُقام للمناقشة فیه بأوهام وتشکیکات ، واستحسانات واهیة ، واستبعادات خیالیّة؟ کما هو دأب الرجل فی کلِّ ما لا یرتضیه من فضائل أهل البیت علیهم السلام ، وأیّ ملازمة بین إحصان الفرج وتحریم الذرِّیة علی النار؟ حتی یُردّ بالنقض بمثل سارة وصفیّة والمؤمنات ، غیر أنَّ هذه فضیلةٌ اختصّت بها سیِّدة النساء فاطمة ، وکم لها من فضائل تخصّ بها ولم تحظَ بمثلها فُضلیات النساء من سارة إلی مریم إلی حواء وغیرهنَّ ، فلا غضاضة إذا تفرّد ذرِّیتها بفضیلة لم یحوها غیرهم ، وکم لهم من أمثالها.

وقال العلاّمة الزرقانی المالکی فی شرح المواهب (3 / 203) فی نفی هذه الملازمة الموهومة : الحدیث أخرجه أبو یعلی ، والطبرانی ، والحاکم ، وصحّحه عن ابن مسعود وله شواهد ، وترتیب التحریم علی الإحصان من باب إظهار مزیّة شأنها فی ذلک الوصف ، مع الإلماح ببنت عمران ولمدح وصف الإحصان ، وإلاّ فهی محرّمة علی النار بنصّ روایات أُخر (1).

ویؤیَّد هذا الحدیث بأحادیث أخری ، منها حدیث ابن مسعود : إنَّما سُمِّیت فاطمة لأنَّ الله قد فطمها وذرِّیتها من النار یوم القیامة (2).

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم لفاطمة : «إنَّ الله غیر معذِّبکِ ولا أحداً من ولدِک» (3).

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم لعلیّ : «إنَّ الله قد غفر لک ولذرِّیتک». راجع (ص 78).

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «وعدنی ربّی فی أهل بیتی من أقرَّ منهم بالتوحید ولی بالبلاغ ف)

ص: 250


1- یأتی تمام کلام الزرقانی فی النقد علی کتاب : الصراع بین الإسلام والوثنیّة. (المؤلف)
2- تاریخ ابن عساکر [17 / 770 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 26 / 286] ، الصواعق : ص 96 [ص 160] ، المواهب اللدنیّة [2 / 64] کما فی شرحه للزرقانی : 3 / 203. (المؤلف)
3- أخرجه الطبرانی [فی المعجم الکبیر : 11 / 210 ح 11685] بسند رجاله ثقات ، وابن حجر صحّحه فی الصواعق : ص 96 ، 140 [ص 160 ، 235]. (المؤلف)

أنَّه لا یعذِّبهم» (1).

19 - قال : حدیث أنَّ رسول الله صلی الله علیه وسلم قال : «علیٌّ مع الحقِّ ، والحقُّ معه یدور حیث دار ، ولن یفترقا حتی یردا علیَّ الحوض» من أعظم الکلام کذباً وجهلاً ، فإنَّ هذا الحدیث لم یروه أحدٌ عن النبیِّ صلی الله علیه وسلم لا بإسناد صحیح ولا ضعیف ، وهل یکون أکذب ممّن یروی - یعنی العلاّمة الحلّی - عن الصحابة والعلماء أنَّهم رووا حدیثاً ، والحدیث لا یُعرف عن أحد منهم أصلاً؟ بل هذا من أظهر الکذب ، ولو قیل : رواه بعضهم وکان یمکن صحّته لکان ممکناً ، وهو کذبٌ قطعاً علی النبیِّ صلی الله علیه وسلم فإنَّه کلامٌ ینزَّه عنه رسول الله (ص 167 و 168).

الجواب : أمّا الحدیث فأخرجه جمعٌ من الحفّاظ والأعلام منهم :

الخطیب فی التاریخ (14 / 321) من طریق یوسف بن محمد المؤدّب ، قال : حدّثنا الحسن بن أحمد بن سلیمان السرّاج ، حدّثنا عبد السلام بن صالح ، حدّثنا علیّ بن هاشم بن البرید ، عن أبیه ، عن أبی سعید التمیمی ، عن أبی ثابت مولی أبی ذرّ ، قال : دخلت علی أمِّ سلمة فرأیتها تبکی وتذکر علیّا ، وقالت : سمعت رسول الله صلی الله علیه وسلم یقول : «علیٌّ مع الحقِّ والحقُّ مع علیٍّ ، ولن یفترقا حتی یردا علیَّ الحوض یوم القیامة».

هذه أمّ المؤمنین أمّ سلمة سیِّدة صحابیّة ، وقد نفی الرجل أن یکون أحد الصحابة قد رواه ، کما نفی أن یکون أحدٌ من العلماء یرویه ، إلاّ أن یقول : إنّ الخطیب - وهو هو - لیس من العلماء ، أو لم یعتبر أمّ المؤمنین صحابیّة ، وهذا أقرب إلی مبدأ ابن تیمیّة لأنَّها علویّة النزعة ، علویّة الروح ، علویّة المذهب.

وحدیث أمّ سلمة سمعه سعد بن أبی وقّاص فی دارها ، قال : سمعت ف)

ص: 251

رسول الله صلی الله علیه وسلم یقول : «علیٌّ مع الحقِّ - أو الحقُّ مع علیٍّ - حیث کان». قاله فی بیت أمّ سلمة ، فأرسل أحدٌ إلی أمِّ سلمة فسألها ، فقالت : قد قاله رسول الله فی بیتی.

فقال الرجل لسعد : ما کنتَ عندی قطُّ ألوم منک الآن. فقال : وَلِمَ؟ قال : لو سمعتُ من النبیِّ صلی الله علیه وسلم لم أزل خادماً لعلیٍّ حتی أموت.

أخرجه الحافظ الهیثمی فی مجمع الزوائد (7 / 236) وقال : رواه البزّار ، وفیه سعد بن شعیب ولم أعرفه ، وبقیّة رجاله رجال الصحیح.

قال الأمینی : الرجل الذی لم یعرفه الهیثمی هو سعید بن شعیب الحضرمی ، قد خفی علیه لمکان التصحیف ، ترجمه غیر واحد بما قال شمس الدین إبراهیم الجوزجانی : إنّه کان شیخاً صالحاً صدوقاً. کما فی خلاصة الکمال (1) (ص 118) ، وتهذیب التهذیب (2) (4 / 48).

وکیف یحکم الرجل بأنّ الحدیث لم یروه أحدٌ من الصحابة والعلماء أصلاً؟ وهذا الحافظ ابن مردویه فی المناقب والسمعانی فی فضائل الصحابة أخرجا بالإسناد عن محمد بن أبی بکر عن عائشة أنَّها قالت : سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول : «علی مع الحقِّ والحقُّ مع علیٍّ ، لن یفترقا حتی یردا علیَّ الحوض».

وأخرج ابن مردویه فی المناقب والدیلمی فی الفردوس : أنَّه لما عقر جمل عائشة ودخلت داراً بالبصرة ، أتی إلیها محمد بن أبی بکر فسلّم علیها ، فلم تکلّمه ، فقال لها : أَنشُدُکِ الله أتذکرین یوم حدّثتنِی عن النبیِّ صلی الله علیه وسلم أنَّه قال : «الحقُّ لن یزال مع علیٍّ وعلیٌّ مع الحقِّ ، لن یختلفا ولن یفترقا»؟ فقالت : نعم.

وروی ابن قتیبة فی الإمامة والسیاسة (3) (1 / 68) عن محمد بن أبی بکر : أنَّه 3.

ص: 252


1- خلاصة الخزرجی : 1 / 382 رقم 2479.
2- تهذیب التهذیب : 4 / 42.
3- الإمامة والسیاسة : 1 / 73.

دخل علی أخته عائشة قال لها : أما سمعت رسول الله صلی الله علیه وسلم یقول : «علیٌّ مع الحقِّ ، والحقُّ مع علیّ» ثمّ خرجتِ تُقاتلینه؟

وروی الزمخشری فی ربیع الأبرار (1) ، قال : استأذن أبو ثابت مولی علیّ علی أمّ سلمة فقالت : مرحباً بک یا أبا ثابت ، أین طار قلبک حین طارت القلوب مطائرها؟ قال : تبع علیَّ بن أبی طالب. قالت : وُفّقت ، والذی نفسی بیده لقد سمعت رسول الله صلی الله علیه وسلم یقول : «علیٌّ مع الحقِّ والقرآن ، والحقُّ والقرآن مع علیٍّ ، ولن یفترقا حتی یردا علیَّ الحوض».

وبهذا اللفظ أخرجه أخطب الخطباء الخوارزمی فی المناقب (2) ، من طریق الحافظ ابن مردویه. وکذا شیخ الإسلام الحمّوئی فی فرائد السمطین (3) فی الباب (37) من طریق الحافظین أبی بکر البیهقی والحاکم أبی عبد الله النیسابوری.

وأخرج ابن مردویه فی المناقب عن أبی ذرّ أنَّه سُئل عن اختلاف الناس فقال : علیک بکتاب الله والشیخ علیِّ بن أبی طالب علیه السلام فإنّی سمعت النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم یقول : «علیٌّ مع الحقِّ والحقُّ معه وعلی لسانه ، والحقُّ یدور حیثما دار علیٌّ».

ویوقف القارئ علی شهرة الحدیث عند الصحابة احتجاج أمیر المؤمنین به یوم الشوری بقوله : «أنشُدُکم بالله أتعلمون أنّ رسول الله صلی الله علیه وسلم قال : الحقُّ مع علیٍّ وعلیٌّ مع الحقِّ یزول الحقُّ مع علیٍّ کیفما زال؟» قالوا : اللهمَّ نعم (4).

وهنا نسائل الرجل عن أنّ هذا الکلام لما ذا لا یمکن صحّته؟ أفیه شیء من المستحیلات العقلیّة کاجتماع النقیضین أو ارتفاعهما؟ أو اجتماع الضدّین أو المثلین؟ ف)

ص: 253


1- ربیع الأبرار : 1 / 828.
2- المناقب : ص 176 ح 214.
3- فرائد السمطین : 1 / 177 ح 140.
4- مرّ الکلام فی حدیث المناشدة 1 / 159 - 163. (المؤلف)

وکأنَّ الرجل یزعم أنّ الحقیقة العلویّة غیر قابلة لأن تدور مع الحقِّ ، وأن یدور الحقُّ معها! (کَبُرَتْ کَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ) (1).

وقد مرَّ (1 / 305 ، 308) من طریق الطبرانی وغیره بإسناد صحیح قول رسول الله صلی الله علیه وسلم یوم غدیر خمّ : «اللهمَّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه - إلی قوله - : وأدرِ الحقَّ معه حیث دار» (2).

وصحَّ عنه صلی الله علیه وآله وسلم قوله : «رحم الله علیّا ، اللهمَّ أدر الحقَّ معه حیث دار» (3).

وقال الرازی فی تفسیره (4) (1 / 111) : وأمّا أنّ علیَّ بن أبی طالب رضی الله عنه کان یجهر بالتسمیة فقد ثبت بالتواتر. ومن اقتدی فی دینه بعلیِّ بن أبی طالب فقد اهتدی ، والدلیل علیه قوله علیه السلام : «اللهمَّ أدر الحقَّ مع علیٍّ حیث دار».

وحکی الحافظ الکنجی فی الکفایة (5) (ص 135) وأخطب خوارزم فی المناقب (6) (ص 77) عن مسند زید قوله صلی الله علیه وآله وسلم لعلیٍّ : «إنَّ الحقَّ معک ، والحقُّ علی لسانک وفی قلبک وبین عینیک ، والإیمان مخالطٌ لحمک ودمک کما خالط لحمی ودمی».

وأخرج غیر واحد ، عن أبی سعید الخدری ، عنه صلی الله علیه وآله وسلم أنَّه قال مشیراً إلی علیٍّ : «الحقُّ مع ذا ، الحقُّ مع ذا» (7). وفی لفظ ابن مردویه عن عائشة عنه صلی الله علیه وآله وسلم : ف)

ص: 254


1- الکهف : 5.
2- وبهذا اللفظ رواه الشهرستانی فی نهایة الإقدام : ص 493. (المؤلف)
3- مستدرک الحاکم : 3 / 125 [3 / 135 ح 4629] ، جامع الترمذی : 2 / 213 [5 / 592 ح 3714] ، الجمع بین الصحاح لابن الأثیر [جامع الأصول : 9 / 420 ح 6372] ، کنز العمّال : 6 / 157 [11 / 642 ح 33124]. (المؤلف).
4- التفسیر الکبیر : 1 / 205.
5- کفایة الطالب : ص 265 باب 62.
6- المناقب : ص 129 ح 143.
7- مسند أبی یعلی [2 / 318 ح 1052] ، سنن سعید بن منصور [2 / 171] ، نُزُل الأبرار : ص 24 [ص 58] مجمع الزوائد للحافظ الهیثمی : 7 / 35 وقال : رواه أبو یعلی ، ورجاله ثقات. (المؤلف)

«الحقُّ مع ذا یزول معه حیثما زال».

وأخرج ابن مردویه ، والحافظ الهیثمی فی مجمع الزوائد (9 / 134) عن أمِّ سلمة أنَّها کانت تقول : کان علیٌّ علی الحقِّ ، من اتّبعه اتّبع الحقَّ ، ومن ترکه ترک الحقَّ ، عهداً معهوداً قبل یومه هذا (1).

ومرَّ فی (1 / 166) من طریق شیخ الإسلام الحمّوئی قوله صلی الله علیه وآله وسلم فی أوصیائه : «فإنَّهم مع الحقِّ ، والحقُّ معهم لا یزایلونه ولا یزایلهم».

ولیت شعری هذا الکلام لما ذا یُنزَّه عنه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم؟! لاشتماله علی کلمة إلحادیّة؟ أو إشراک بالله العظیم؟ أو أمر خارج عن نوامیس الدین المبین؟

أنا أقول عنه لما ذا : لأنَّه فی فضل مولانا أمیر المؤمنین ، والرجل لا یروقه شیء من ذلک. ونعم الحَکَم الله ، والخصیم محمد.

ولا یذهب علی القارئ أنَّ هذا الحدیث عبارة أخری لما ثبتت صحّته عن أمّ سلمة ، من قوله صلی الله علیه وآله وسلم : «علیٌّ مع القرآن والقرآن معه ، لا یفترقان حتی یردا علیَّ الحوض» (2).

وکلا الحدیثین یرمیان إلی مغزی الصحیح المتواتر الثابت عنه صلی الله علیه وآله وسلم من قوله : «إنّی تارکٌ - أو مخلّفٌ - فیکم الثقلین - أو الخلیفتین - : کتاب الله وعترتی أهل بیتی ، لن یفترقا حتی یردا علیَّ الحوض».

فإذا کان ما یراه ابن تیمیّة غیر ممکن الصدور عن مبدأ الرسالة ، فهذه ف)

ص: 255


1- فی لفظ الهیثمی : عهد معهود. (المؤلف)
2- مستدرک الحاکم : 3 / 124 [3 / 134 ح 4628] صحّحه هو وأقرّه الذهبی ، المعجم الأوسط للطبرانی [5 / 455 ح 4877] وحسّن سنده ، الصواعق : ص 74 ، 75 [ص 124 ، 126] ، الجامع الصغیر : 2 / 140 [2 / 177 ح 5594] ، تاریخ الخلفاء للسیوطی : ص 116 [ص 162] ، فیض القدیر : 4 / 356. (المؤلف)

الأحادیث کلّها ممّا یغزو مغزاه یجب أن ینزَّه صلی الله علیه وآله وسلم عنها ، ولا أحسب أنَّ أحداً یقتحم ذلک الثغر المخوف إلاّ من هو کمثل ابن تیمیّة لا یبالی بما یتهوّر فیه ، فدعه وترکاضه. (وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِینَ لا یَعْلَمُونَ) (1).

20 - قال : حدیث أنّ النبیّ صلی الله علیه وسلم قال : «یا فاطمة إنّ الله یغضب لغضبک ویرضی لرضاک» فهذا کذبٌ منه ، ما رووا هذا عن النبیّ صلی الله علیه وسلم ولا یُعرف هذا فی شیء من کتب الحدیث المعروفة ، ولا الإسناد معروف عن النبیّ صلی الله علیه وسلم لا صحیح ولا حسن. (2 / 170).

الجواب : لیتنی عرفت هل المقحم للرجل فی أمثال هذه الورطة جهله المطبق وضیق حیطته عن الوقوف علی کتب الحدیث؟ ثمَّ إنَّ الرعونة تحدوه إلی تکذیب ما لم یجده تکذیباً باتّا! أو أنّ حقده المحتدم لآل بیت الوحی یتدهور به إلی هوّة المناوأة لهم بتفنید فضائلهم ومناقبهم. أحسب أنّ کلا الداءین لا یعدوانه.

أمّا الحدیث فله إسناد معروف عند الحفّاظ والأعلام ، صحّحه بعضهم وحسّنه آخر ، وأنهوه إلی النبیِّ الأقدس - صلوات الله علیه وآله - وممّن أخرجه :

1 - الإمام أبو الحسن الرضا - سلام الله علیه - فی مسنده کما فی الذخائر (ص 39).

2 - الحافظ أبو موسی بن المثنی البصری : المتوفّی (252). کما فی معجمه.

3 - الحافظ أبو بکر بن أبی عاصم : المتوفّی (287). کما فی الإصابة (2) وغیره.

4 - الحافظ أبو یعلی الموصلی : المتوفّی (307). فی سننه.

5 - الحافظ أبو القاسم الطبرانی : المتوفّی (360). فی معجمه (3).

6 - الحافظ أبو عبد الله الحاکم النیسابوری : المتوفّی (405). فی المستدرک (4) (3 / 154) وصحّحه. 0.

ص: 256


1- الجاثیة : 18.
2- الإصابة : 4 / 378 رقم 830.
3- المعجم الکبیر : 1 / 108 ح 182.
4- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 167 ح 4730.

7 - الحافظ أبو سعید الخرکوشی : المتوفّی (406). فی مؤلّفه (1).

8 - الحافظ أبو نعیم الأصبهانی : المتوفّی (430). فی فضائل الصحابة.

9 - الحافظ أبو القاسم بن عساکر : المتوفّی (571). فی تاریخ الشام (2).

10 - الحافظ أبو المظفّر سبط ابن الجوزی : المتوفّی (654). فی تذکرته (3) (ص 175).

11 - الحافظ أبو العبّاس محبّ الدین الطبری : المتوفّی (694). فی الذخائر (ص 39).

12 - الحافظ أبو الفضل بن حجر العسقلانی : المتوفّی (852). فی الإصابة (4 / 378).

13 - الحافظ شهاب الدین بن حجر الهیتمی : المتوفّی (954). فی الصواعق (4) (ص 105).

14 - أبو عبد الله الزرقانی المالکی : المتوفّی (1122). فی شرح المواهب (3 / 202).

15 - أبو العرفان الصبّان : المتوفّی (1206). فی إسعاف الراغبین (ص 171) وقال : رواه الطبرانی وغیره بإسناد حسن.

16 - البَدَخشی صاحب مفتاح النجا. فی نُزُل الأبرار (5) (ص 47).

21 - قال : حدیث رسول الله صلی الله علیه وسلم فی علیٍّ : «هذا فاروق أمّتی ، یفرق بین أهل الحقِّ والباطل» ، وقول ابن عمر : ما کنّا نعرف المنافقین علی عهد النبیِّ صلی الله علیه وسلم إلاّ ببغضهم 9.

ص: 257


1- الخرکوشی فی کتابه شرف المصطفی فی الورقه 172 / أمن مخطوطة المکتبة الظاهریة رقم 1887 علیها سماع بسنة 597. (الطباطبائی)
2- تاریخ مدینة دمشق : 1 / 434 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 2 / 269.
3- تذکرة الخواص : ص 310.
4- الصواعق المحرقة : ص 175.
5- نُزُل الأبرار : ص 89.

علیّا. فلا یستریب أهل المعرفة بالحدیث أنَّهما حدیثان موضوعان مکذوبان علی النبیّ صلی الله علیه وسلم ولم یُروَ واحدٌ منهما فی کتب العلم المعتمدة ، ولا لواحد منهما إسنادٌ معروفٌ (2 / 179).

الجواب : إنَّ أجمع کلمة تنطبق علی هذا المغفَّل هو ما قیل فی غیره قبل زمانه : أُعطی مقولاً ولم یعط معقولاً. فتراه فی أبحاث کتابه یقول ولا یعقل ما یقول ، ویردّ غیر القول الذی قد قیل له ، فهذا آیة الله العلاّمة الحلّی یروی عن ابن عمر قوله : ما کنّا نعرف المنافقین ... وهذا یقول : إنّه حدیث مکذوب علی النبیِّ صلی الله علیه وسلم ولم یعقل أنَّ راویه لم یعزُه إلی النبیِّ صلی الله علیه وآله وسلم ، فکان حقّ المقام أن یفنِّد نسبته إلی ابن عمر ، علی أنَّ ابن عمر لم یتفرّد بهذا القول وإنّما أصفق معه علی ذلک لفیف من الصحابة منهم

1 - أبو ذرّ الغفاری ، فإنّه قال : ما کنّا نعرف المنافقین علی عهد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إلاّ بثلاث : بتکذیبهم الله ورسوله ، والتخلّف عن الصلاة ، وبغضهم علیَّ بن أبی طالب.

أخرجه الخطیب فی المتّفق ، محبّ الدین الطبری فی الریاض (1) (2 / 215) ، الجزری فی أسنی المطالب (2) (ص 8) وقال : وحُکی عن الحاکم تصحیحه ، السیوطی فی الجامع الکبیر کما فی ترتیبه (3) (6 / 390).

2 - أبو سعید الخدری قال : کنّا نعرف المنافقین - نحن معشر الأنصار - ببغضهم علیّا.

وفی لفظ الزرندی : ما کنّا نعرف المنافقین علی عهد رسول الله صلی الله علیه وسلم إلاّ ببغضهم علیّا.

جامع الترمذی (2 / 299) ، حلیة الأولیاء (6 / 295) ، الفصول المهمّة (ص 126) ، 6.

ص: 258


1- الریاض النضرة : 3 / 167.
2- أسنی المطالب : ص 57.
3- کنز العمّال : 13 / 106 ح 36346.

أسنی المطالب للجزری (ص 8) ، مطالب السؤول (ص 17) ، نظم الدرر للزرندی ، الصواعق (ص 73) (1).

3 - جابر بن عبد الله الأنصاری قال : ما کنّا نعرف المنافقین إلاّ ببغض - أو ببغضهم - علیِّ بن أبی طالب.

أخرجه أحمد فی المناقب (2) ، ابن عبد البرّ فی الاستیعاب (3) (3 / 46) هامش الإصابة ، الحافظ محبّ الدین فی الریاض (4) (2 / 214) ، الحافظ الهیثمی فی مجمع الزوائد (9 / 132).

4 - أبو سعید محمد بن الهیثم قال : إن کنّا لنعرف المنافقین - نحن معشر الأنصار - إلاّ ببغضهم علیَّ بن أبی طالب.

أخرجه الحافظ الجزری فی أسنی المطالب (5) (ص 8).

5 - أبو الدرداء قال : إن کنّا نعرف المنافقین - معشر الأنصار - إلاّ ببغضهم علیَّ بن أبی طالب.

أخرجه الترمذی کما فی تذکرة سبط ابن الجوزی (6) (ص 17).

ولم تکن هذه الکلمات دعاوی مجرّدة من القوم ، وإنَّما هی مدعومة بما وعوه عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی علیٍّ علیه السلام وإلیک نصوصه : 8.

ص: 259


1- سنن الترمذی : 5 / 593 ح 3717 ، الفصول المهمّة : ص 123 ، أسنی المطالب : ص 56 ، نظم درر السمطین : ص 102 ، الصواعق المحرقة : ص 122.
2- مناقب علیّ لأحمد بن حنبل : ص 143 ح 208.
3- الاستیعاب : القسم الثالث / 1110 رقم 1855.
4- الریاض النضرة : 3 / 167.
5- أسنی المطالب : ص 56.
6- تذکرة الخواص : ص 28.

1 - عن أمیر المؤمنین أنَّه قال : «والذی فلق الحبّة وبرأ النسمة ، إنَّه لعهد النبیّ الأمّی إلیَّ : أنَّه لا یحبّنی إلاّ مؤمن ، ولا یبغضنی إلاّ منافق»

مصادره :

أخرجه (1) مسلم فی صحیحه کما فی الکفایة ، الترمذی فی جامعه (2 / 299) من غیر قَسَم ، وقال : حسنٌ صحیحٌ ، أحمد فی مسنده (1 / 84) ، ابن ماجة فی سننه (1 / 55) النسائی فی سننه (8 / 117) ، وفی خصائصه (ص 27) ، أبو حاتم فی مسنده ، الخطیب فی تاریخه (2 / 255) ، البغوی فی المصابیح (2 / 199) ، محبّ الدین الطبری فی ریاضه (2 / 214) ، ابن عبد البرّ فی الاستیعاب (3 / 37) ، ابن الأثیر فی جامع الأصول کما فی تلخیصه تیسیر الوصول (3 / 272) عن مسلم والترمذی والنسائی ، سبط ابن الجوزی فی تذکرته (ص 17) ، ابن طلحة فی مطالب السؤول (ص 17) ، ابن کثیر فی تاریخه (7 / 354) عن الحافظ عبد الرزاق وأحمد ومسلم وعن سبعة أخری وقال : هذا هو الصحیح ، شیخ الإسلام الحمّوئی فی فرائده فی الباب ال (22) بطرق أربعة ، الجزری فی أسنی المطالب (ص 7) وصحّحه ، ابن الصبّاغ المالکی فی الفصول (ص 124) ، ابن حجر الهیتمی فی الصواعق (ص 73) ، ابن حجر العسقلانی فی فتح الباری (7 / 57) ، 2.

ص: 260


1- صحیح مسلم : 1 / 120 ح 131 کتاب الإیمان ، کفایة الطالب : ص 68 باب 3 ، سنن الترمذی : 5 / 601 ح 3736 ، مسند أحمد : 1 / 135 ح 643 ، سنن ابن ماجة : 1 / 42 ح 114 ، السنن الکبری : 5 / 47 ح 8153 ، خصائص أمیر المؤمنین : ص 118 ح 100 ، مصابیح السنّة : 4 / 171 ح 4763 ، الریاض النضرة : 3 / 166 ، الاستیعاب : القسم الثالث / 1100 رقم 1855 ، جامع الأصول : 9 / 473 ح 6488 ، تیسیر الوصول : 3 / 316 ح 6 ، تذکرة الخواص : ص 48 ، البدایة والنهایة : 7 / 391 حوادث سنة 40 ه ، فرائد السمطین : 1 / 130 - 133 ح 92 - 95 ، أسنی المطالب : ص 54 ، الفصول المهمّة : ص 123 ، الصواعق المحرقة : ص 122 ، فتح الباری : 7 / 72 ، کنز العمّال : 13 / 120 ح 36385 ، المصنّف : 12 / 77 ح 12163 ، صحیح ابن حبّان : 15 / 367 ح 2924 ، حلیة الأولیاء : 4 / 185 رقم 274 ، سنن ابن أبی عاصم : ص 584 ح 1325 ، أخبار الدول للقرمانی : 1 / 306 ، الدرر الکامنة : 4 / 306 رقم 832.

السیوطی فی جمع الجوامع کما فی ترتیبه (6 / 394) عن الحمیدی وابن أبی شیبة وأحمد والعدنی والترمذی والنسائی وابن ماجة وابن حبّان فی صحیحه وأبی نعیم فی الحلیة وابن أبی عاصم فی سننه ، القرمانی فی تاریخه هامش الکامل (1 / 216) ، الشنقیطی فی الکفایة (ص 35) وصحّحه ، والعجلونی فی کشف الخفاء (2 / 382) عن مسلم والترمذی والنسائی وابن ماجة ، وقد صدّقه بدر الدین بن جماعة حین قال له ابن حیّان أبو حیّان الأندلسی : قد روی علیّ قال : «عهد إلیّ النبیُّ ...». هل صدق فی هذه الروایة؟! فقال له ابن جماعة : نعم. فقال : فالذین قاتلوه وسلّوا السیوف فی وجهه کانوا یحبّونه أو یبغضونه؟! الدرر الکامنة (4 / 208)

صورة أخری

عن أمیر المؤمنین : «لعهد النبیّ صلی الله علیه وسلم إلیَّ : لا یحبّک إلاّ مؤمن ، ولا یبغضک إلاّ منافق»

مصادرها :

أخرجه (1) أحمد فی مسنده (1 / 95 ، 138) ، الخطیب فی تاریخه (14 / 426) ، النسائی فی سننه (8 / 117) وفی خصائصه (ص 27) ، أبو نعیم فی الحلیة (4 / 185) بعدّة طرق ، وفی إحدی طرقه : «والذی فلق الحبّة وبرأ النسمة وتردّی بالعظمة ، إنَّه لعهد النبیّ الأمِّی صلی الله علیه وسلم إلیّ ...». وقال : هذا حدیث صحیح متّفق علیه ، ابن عبد البرّ فی الاستیعاب (3 / 37) وقال : روته طائفة من الصحابة ، ابن أبی الحدید فی شرحه (4 / 2 46) وقال : هذا الخبر مرویٌّ فی الصحاح. 8.

ص: 261


1- مسند أحمد : 1 / 153 ح 733 ، ص 207 ح 1065 ، السنن الکبری : 5 / 137 ح 8487 ، خصائص أمیر المؤمنین : ص 119 ح 102 ، الاستیعاب : القسم الثالث / 1100 رقم 1855 ، شرح نهج البلاغة : 18 / 173 موعظة 43 ، و 4 / 83 خطبة 56 ، فرائد السمطین : 1 / 133 ح 95 ، کنز العمّال : 11 / 598 ح 32878.

وقال فی (1 / 364) : قد اتّفقت الأخبار الصحیحة التی لا ریب فیها عند المحدِّثین علی أنَّ النبیّ قال له : «لا یبغضک إلاّ منافق ولا یحبّک إلاّ مؤمن» ، شیخ الإسلام الحمّوئی فی الباب ال (22) ، الهیثمی فی مجمع الزوائد (9 / 13 3) ، السیوطی فی جامعه الکبیر کما فی ترتیبه (6 / 152 ، 408) من عدّة طرق ، ابن حجر فی الإصابة (2 / 509).

صورة ثالثة

قال أمیر المؤمنین علیه السلام : «لو ضربتُ خیشوم المؤمن بسیفی هذا علی أن یبغضنی ما أبغضنی ، ولو صببت الدنیا بجَمّاتها (1) علی المنافق علی أن یحبّنی ما أحبّنی ، وذلک أنَّه قضی فانقضی علی لسان النبیِّ الأمّی صلی الله علیه وآله وسلم أنَّه قال : یا علیُّ لا یبغضک مؤمنٌ ، ولا یحبّک منافقٌ».

تجدها فی نهج البلاغة (2) ، وقال ابن أبی الحدید فی شرحه (4 / 264) : مراده علیه السلام من هذا الفصل إذکار الناس ما قاله فیه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم.

صورة رابعة

فی خطبة لأمیر المؤمنین علیه السلام : «قضاء قضاه الله عزَّ وجلَّ علی لسان نبیّکم النبیّ الأمّی أن لا یحبّنی إلاّ مؤمن ولا یبغضنی إلاّ منافق».

أخرجه الحافظ ابن فارس ، وحکاه عنه الحافظ محبّ الدین فی الریاض (3) (2 / 214) ، وذکره الزرندی فی نظم درر السمطین (4) وفی آخره : وقد خاب من افتری. 2.

ص: 262


1- جمّات : وهو - من السفینة - الموضع الذی یجتمع فیه الماء الراشح من ألواحها. ومعنی الجمّ : الکثیر. والمراد : لو صببت علیه الدنیا بما فیها.
2- نهج البلاغة : ص 477 حکمة 45 ، شرح نهج البلاغة : 18 / 275 حکمة 108.
3- الریاض النضرة : 3 / 167.
4- نظم درر السمطین : ص 102.

صدر الحدیث : عن أبی الطفیل قال : سمعت علیّا علیه السلام وهو یقول :

«لو ضربت خیاشیم المؤمن بالسیف ما أبغضنی ، ولو نثرت علی المنافق ذهباً وفضّةً ما أحبّنی ، إنّ الله أخذ میثاق المؤمنین بحبّی ومیثاق المنافقین ببغضی ، فلا یبغضنی مؤمن ، ولا یحبّنی منافقٌ أبداً».

صورة أخری

عن حبّة العرنی ، عن علیّ علیه السلام أنّه قال : «إنّ الله عزَّ وجلَّ أخذ میثاق کلِّ مؤمن علی حبّی ، ومیثاق کلِّ منافق علی بغضی ، فلو ضربت وجه المؤمن بالسیف ما أبغضنی ، ولو صببت الدنیا علی المنافق ما أحبّنی».

شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید (1) (1 / 364).

2 - عن أمّ سلمة قالت : کان رسول الله صلی الله علیه وسلم یقول : «لا یحبّ علیّا منافق ولا یبغضه مؤمن» (2).

الترمذی فی جامعه (2 / 213) وصحّحه ، ابن أبی شیبة ، الطبرانی ، البیهقی فی المحاسن والمساوئ (1 / 29) ، محبّ الدین فی ریاضه (2 / 214) ، سبط ابن الجوزی فی تذکرته (ص 15) ، ابن طلحة فی مطالب السؤول (ص 17) ، الجزری فی أسنی المطالب (ص 7) ، السیوطی فی الجامع الکبیر کما فی ترتیبه (6 / 152 ، 158).

صورة أخری

عن أمّ سلمة قالت : إنّ رسول الله صلی الله علیه وسلم قال لعلیٍّ : «لا یبغضک مؤمن ولا یحبّک منافق». 6.

ص: 263


1- شرح نهج البلاغة : 4 / 83 خطبة 56.
2- سنن الترمذی : 5 / 594 ح 3717 ، مصنّف ابن أبی شیبة : 12 / 77 ح 12163 ، المعجم الکبیر : 23 / 375 ح 886 ، المحاسن والمساوئ : ص 41 ، الریاض النضرة : 3 / 166 ، تذکرة الخواص : ص 28 ، أسنی المطالب : ص 55 ، کنز العمّال : 11 / 599 ح 32884 ، ص 622 ح 33026.

الإمام أحمد فی المناقب ، محبّ الدین فی الریاض (2 / 214) ، ابن کثیر فی تاریخه (7 / 355) (1).

صورة ثالثة

أخرج ابن عدی فی کامله (2) ، عن البغوی بإسناد عن أمّ سلمة قالت : سمعت رسول الله صلی الله علیه وسلم یقول فی بیتی لعلیّ : «لا یحبّک إلاّ مؤمن ولا یبغضک إلاّ منافق».

3 - فی خطبة للنبیِّ صلی الله علیه وآله وسلم : «یا أیّها الناس أوصیکم بحبِّ ذی قرنَیها ، أخی وابن عمّی علیِّ بن أبی طالب ، فإنّه لا یحبّه إلاّ مؤمن ولا یبغضه إلاّ منافقٌ» (3).

مناقب أحمد ، الریاض النضرة (2 / 214) ، شرح ابن أبی الحدید (2 / 451) ، تذکرة السبط (ص 17).

4 - عن ابن عبّاس قال : نظر رسول الله صلی الله علیه وسلم إلی علیٍّ فقال : «لا یحبّک إلاّ مؤمن ولا یبغضک إلاّ منافق».

أخرجه الحافظ الهیثمی فی مجمع الزوائد (9 / 133).

وهذا الحدیث ممّا احتجَّ به أمیر المؤمنین علیه السلام یوم الشوری فقال : «أَنشُدُکم بالله هل فیکم أحدٌ قال له صلی الله علیه وآله وسلم : لا یحبّک إلاّ مؤمن ولا یبغضک إلاّ منافق غیری؟». قالوا : اللهمّ لا (4).

هذا ما عثرنا علیه من طرق هذا الحدیث ولعلّ ما فاتنا منها أکثر ، ولعلّک بعد ف)

ص: 264


1- مناقب علیّ لأحمد بن حنبل : ص 122 ح 181 ، وابن أبی الدنیا فی مقتل أمیر المؤمنین علیه السلام : ح 12. الریاض النضرة : 3 / 166 ، البدایة والنهایة : 7 / 391 حوادث سنة 40 ه.
2- الکامل فی ضعفاء الرجال : 4 / 226 رقم 1042.
3- مناقب علیّ لأحمد بن حنبل : ص 214 ح 292 ، الریاض النضرة : 3 / 166 ، شرح نهج البلاغة : 9 / 172 خطبة 154 ، تذکرة الخواص : ص 28.
4- راجع حدیث المناشدة : 1 / 159 - 163. (المؤلف)

هذه کلّها لا تستریب فی أنّه لو کان هناک حدیث متواتر یقطع بصدوره عن مصدر الرسالة فهو هذا الحدیث ، أو أنّه من أظهر مصادیقه ، کما أنّک لا تستریب بعد ذلک کلّه أنَّ أمیر المؤمنین علیه السلام بحکم هذا الحدیث الصادر میزان الإیمان ومقیاس الهدی بعد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، وهذه صفة مخصوصة به علیه السلام وهی لا تبارحها الإمامة المطلقة ، فإنّ من المقطوع به أنّ أحداً من المؤمنین لم یتحلَّ بهذه المکرمة ، فلیس حبُّ أیِّ أحد منهم شارة إیمان ولا بغضه سمة نفاق ، وإنّما هو نقص فی الأخلاق وإعواز فی الکمال ما لم تکن البغضاء لإیمانه ، وأمّا إطلاق القول بذلک مشفوعاً بتخصیصه بأمیر المؤمنین فلیس إلاّ میزة الإمامة ، ولذلک قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «لولاک یا علیّ ما عُرف المؤمنون بعدی» (1).

وقال : «والله لا یبغضه أحد من أهل بیتی ، ولا من غیرهم من الناس ، إلاّ وهو خارج من الإیمان» (2).

ألا تری کیف حکم عمر بن الخطّاب بنفاق رجل رآه یسبُّ علیّا؟! وقال : إنّی أظنّک منافقاً. أخرجه الحافظ الخطیب البغدادی فی تاریخه (7 / 453).

وحینئذٍ یحقّ لابن تیمیّة أن ینفجر برکان حقده علی هذا الحدیث ، فیرمیه بأثقل القذائف ، ویصعّد فی تحویر القول ویصوِّب.

وأمّا الحدیث الأوّل فینتهی إسناده إلی : ابن عبّاس ، وسلمان ، وأبی ذرّ ، وحذیفة بن الیمان ، وأبی لیلی الغفاری.

أخرج عن هؤلاء جمع کثیر من الحفّاظ والأعلام منهم :

الحاکم ، أبو نعیم ، الطبرانی ، البیهقی ، العدنی ، البزّار ، العقیلی ، المحاملی ، الحاکمی ، ابن عساکر ، الکنجی ، محبّ الدین ، الحمّوئی ، القرشی ، الإیجی ، ابن أبیف)

ص: 265


1- مناقب ابن المغازلی [ص 70 ح 101] ، شمس الأخبار : ص 37 [1 / 100 باب 6] ، الریاض النضرة : 2 / 202 [3 / 152] ، کنز العمّال : 6 / 402 [13 / 152 ح 36477]. (المؤلف)
2- شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید : 2 / 78 [6 / 217 خطبة 79]. (المؤلف)

الحدید ، الهیثمی ، السیوطی ، المتّقی الهندی ، الصفوری.

ولفظ الحدیث عندهم (1) :

«ستکون بعدی فتنة فإذا کان ذلک فالزموا علیّ بن أبی طالب ، فإنّه أوّل من یصافحنی یوم القیامة ، وهو الصدّیق الأکبر ، وهو فاروق هذه الأمّة یفرق بین الحقِّ والباطل ؛ وهو یعسوب المؤمنین ، والمال یعسوب المنافقین» (2).

وبعد هذا کلّه تعرف قیمة ما یقوله أو یتقوّله ابن تیمیّة : من أنَّ الحدیثین لم یُروَ واحد منهما فی کتب العلم المعتمدة ، ولا لواحد منهما إسناد معروف. فإذا کان لا یری الصحاح والمسانید من کتب العلم المعتمدة ، وما أسنده الحفّاظ والأئمّة وصحّحوه إسناداً معروفاً ، فحسبه ذلک جهلاً شائناً ، وعلی قومه عاراً وشناراً ، ولیت شعری علی أیِّ شیءٍ یعتمد هو وقومه فی المذهب بعد هاتیک العقیدة السخیفة؟

(یا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِکُمْ سَبِیلَ الرَّشادِ) (3)

22 - قال : علیّ رضی الله عنه لم یکن قتاله یوم الجمل وصفّین بأمر من رسول الله صلی الله علیه وسلم وإنّما کان رأیاً رآه (2 / 231).

الجواب : إنِّی لا أعجب من جهل هذا الإنسان الذی خُلق جهولاً بشؤون الإمامة ، وأنَّ حامل أعبائها کیف یجب أن یکون فی ورده وصدره ، فإنَّه فی منتأیً عن معنی الإمامة التی نرتئیها ، ولا أعجب من جهله بموقف مولانا أمیر المؤمنین علیه السلام وأنّه کیف کان قید الأمر ورهن الإشارة من مخلّفه النبیِّ الأعظم ، فإنّه لم تُتَحْ له الحیطة بمکانته وفواضله ومجاری علمه وعمله ، فإنّ النصب المُردی قد أعشی بصره ، ورماه عن الحقِّ فی مرمیً سحیقٍ ، وإنَّما کلُّ عجبی من جهله بما أخرجه الحفّاظ والأئمّة فی 8.

ص: 266


1- باختلاف یسیر عند بعضهم لا یضرّ المغزی. (المؤلف)
2- راجع : 2 / 312 ، 313 من کتابنا. (المؤلف)
3- غافر : 38.

ذلک ، ولکنَّه من قوم لهم أعین لا یُبصرون بها.

ونحن نعلم ما یوسوس به صدره. غایة الرجل من هذا الحکم الباتِّ تغریر الأمّة والتمویه علی الحقیقة ، وجعل تلک الحروب الدامیة نتیجة رأی واجتهاد من الطرفین ، حتی یسع له القول بالتساوی بین أمیر المؤمنین ومقاتلیه فی الرأی والاجتهاد ، وأن کلاّ منهما مجتهد وله رأیه مصیباً کان أو مخطئاً ، غیر أنَّ للمصیب أجرین وللمخطئ أجراً واحداً.

ذاهلاً عن أنَّ المنقِّب لا یخفی علیه هذا التدجیل ، وید التحقیق توقظ نائمة الأثکل ، وقلم الحقِّ لا یترک الأمّة سدیً ، وینبئهم عن أنّ اجتهاد القوم - إن صحّت الأحلام - اجتهاد فی مقابلة النصِّ النبویِّ الأغرِّ.

ولیت شعری کیف یخفی الأمر علی أیِّ أحد؟ أو کیف یسع أن یتجاهل أیُّ أحد وبین یدی الملأ العلمی قول رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لزوجاته : «أیتکنَّ صاحبة الجمل الأدبب - وهو کثیر الشعر - تخرج فینبحها کلاب الحوأب ، یُقتل حولها قتلی کثیر ، وتنجو بعد ما کادت تُقتل؟» (1).

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم لهنَّ : «کیف بإحداکنَّ إذا نبح علیها کلاب الحوأب؟» (2).ف)

ص: 267


1- أخرجه البزّار ، أبو نعیم ، ابن أبی شیبة [15 / 265 ح 19631] ، الماوردی فی الأعلام : ص 82 [أعلام النبوّة : ص 136] ، الزمخشری فی الفائق : 1 / 190 [1 / 408] ، ابن الأثیر فی النهایة : 2 / 10 [2 / 96] ، الفیروزآبادی فی القاموس : 1 / 65 [ص 106] ، الکنجی فی الکفایة : ص 71 [ص 171 باب 37] ، القسطلانی فی المواهب اللدنیّة : 2 / 195 [3 / 566] ، شرح الزرقانی : 7 / 216 ، الهیثمی فی مجمع الزوائد : 1 / 234 وقال : رواه البزّار ورجاله ثقات ، السیوطی فی جمع الجوامع کما فی الکنز : 6 / 83 [11 / 333 ح 31667] ، الحلبی فی سیرته : 3 / 313 [3 / 285] ، زینی دحلان فی سیرته : 3 / 193 هامش الحلبیة [السیرة النبویّة : 2 / 233] ، الصبّان فی الإسعاف : ص 67. (المؤلف)
2- أخرجه أحمد فی مسنده : 6 / 52 [7 / 78 ح 23733] ، وابن أبی شیبة [فی المصنّف : 15 / 260 ح 19617] ، نعیم بن حمّاد فی الفتن ، وعن الأخیرین : السیوطی فی جمع الجوامع ، کما فی الکنز : 6 / 84 [11 / 334 ح 31668]. (المؤلف)

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم لهنَّ : «أیتکنَّ التی تنبح علیها - تنبحها - کلاب الحوأب؟» (1)

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم لهنَّ : «لیت شعری أیتکنَّ تنبحها کلاب الحوأب ، سائرةً إلی الشرق فی کتیبة ...» معجم البلدان (2) (3 / 356).

وفی لفظ الخفاجی فی شرح الشفا (3 / 166): «لیت شعری أیتکنَّ صاحبة الجمل الأزبّ (3) تنبحها کلاب الحوأب؟».

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم لعائشة : «وکأنِّی بإحداکنَّ قد نبحها کلاب الحوأب ، وإیّاکِ أن تکونی أنت یا حمیراء!» (4).

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم لها : «یا حمیراء کأنَّی نِّی بکِ تنبحکِ کلاب الحوأب ، تقاتلین علیّا وأنت له ظالمة!» (5).

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم لها : «انظری یا حمیراء أن لا تکونی أنتِ!» (6).

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم لعلیّ : «إن وُلّیتَ من أمرها شیئاً فارفق بها» (7).بة

ص: 268


1- مسند أحمد : 6 / 97 [7 / 140 ح 24133] ، تاریخ الطبری : 5 / 178 [4 / 469 حوادث سنة 36 ه] ، کفایة الکنجی : ص 71 [ص 171 باب 37] ، جمع الجوامع کما فی ترتیبه : 6 / 83 ، 84 [کنز العمّال : 11 / 334 ح 31668 و 31671] وصحّحه ، مجمع الزوائد 7 / 234 وقال : رواه أحمد وأبو یعلی [فی مسنده : 8 / 282 ح 4868] ، ورجال أحمد رجال الصحیح ، تذکرة السبط : ص 39 [ص 66] ، السیرة الحلبیة : 3 / 313 [3 / 285] وفی هامشها سیرة زینی دحلان : 3 / 193 [السیرة النبویة : 1 / 233] ، إسعاف الراغبین : ص 67. (المؤلف)
2- معجم البلدان : 2 : 314.
3- الأزبّ : کثیر شعر الوجه. (المؤلف)
4- الإمامة والسیاسة : 1 / 56 [1 / 60] ، تاریخ الیعقوبی : 2 / 157 [2 / 181] ، جمع الجوامع کما فی ترتیبه : 6 / 84 [کنز العمّال : 11 / 334 ح 31671] وصحّحه. (المؤلف)
5- العقد الفرید : 2 / 283 [4 / 135]. (المؤلف)
6- أخرجه الحاکم فی المستدرک : 3 / 119 [3 / 129 ح 4610] ، والبیهقی عن أم سلمة [فی دلائل النبوّة : 6 / 411] ، وراجع مناقب الخوارزمی : ص 107 [ص 176 ح 213] ، الإجابة

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «سیکون بعدی قوم یقاتلون علیّا ، علی الله جهادهم فمن لم یستطع جهادهم بیده فبلسانه ، فمن لم یستطع بلسانه فبقلبه ، لیس وراء ذلک شیء».

أخرجه الطبرانی (1) کما فی مجمع الزوائد (9 / 134) ، وکنز العمّال (2)) (6 / 155) ، وفی (7 / 305) نقلاً عن الطبرانی ، وابن مردویه ، وأبی نعیم.

وقیل لحذیفة بن الیمان : حدِّثنا ما سمعت من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، قال : لو فعلت لرجمتمونی! قلنا : سبحان الله. قال : لو حدّثتکم أنَّ بعض أمهاتکم تغزوکم فی کتیبة تضربکم بالسیف ما صدّقتمونی. قالوا : سبحان الله ، ومن یصدِّقک بهذا؟ قال : أتتکم الحمیراء فی کتیبة تسوق بها أعلاجها (3).

وأخرج الطبری وغیره (4) : لمّا سمعت عائشة نباح الکلاب ، فقالت : أیّ ماء هذا؟ فقالوا : الحوأب : فقالت : إنّا لله وإنّا إلیه راجعون ، إنّی لَهیه! قد سمعت رسول الله صلی الله علیه وسلم یقول وعنده نساؤه : «لیت شعری أیتکنَّ تنبحها کلاب الحوأب؟». فأرادت الرجوع فأتاها عبد الله بن الزبیر ، فزعم أنّه قال : کذب من قال : إنّ هذا الحوأب. ولم یزل حتی مضت.

وقال العرنی - صاحب جمل عائشة - : لمّا طرقنا ماء الحوأب فنبحتنا کلابها ، قالوا : أیّ ماء هذا؟ قلت : ماء الحوأب. قال : فصرخت عائشة بأعلی صوتها ، ثمّ ضربت عضد بعیرها فأناخته ، ثمّ قالت : أنا والله صاحبة کلاب الحوأب طروقاً ، ف)

ص: 269


1- المعجم الکبیر : 1 / 321 ح 955.
2- کنز العمّال : 11 / 613 ح 32971 ، و 15 / 102 ح 40266.
3- مستدرک الحاکم : 4 / 471 [4 / 518 ح 8453] ، الخصائص : 2 / 137 [الخصائص الکبری للسیوطی : 2 / 233]. (المؤلف)
4- تاریخ الطبری : 5 / 178 [4 / 469 حوادث سنة 36 ه] ، تاریخ أبی الفداء : 1 / 173. (المؤلف)

ردّونی - تقول ذلک ثلاثاً - فأناخت وأناخوا حولها ، وهم علی ذلک وهی تأبی ، حتی کانت الساعة التی أناخوا فیها من الغد ، قال : فجاءها ابن الزبیر فقال : النجاء النجاء فقد أدرککم والله علیّ بن أبی طالب. قال : فارتحلوا وشتمونی (1).

وفی حدیث قیس بن أبی حازم ، قال : لمّا بلغت عائشة - رضی الله عنها - بعض دیار بنی عامر ، نبحت علیها الکلاب ، فقالت : أیّ ماء هذا؟ قالوا : الحوأب ، قالت : ما أظنّنی إلاّ راجعة ، فقال الزبیر : لابَعْدُ تقدّمی ویراکِ الناس ویصلح الله ذات بینهم. قالت : ما أظنّنی إلاّ راجعة ، سمعت رسول الله صلی الله علیه وسلم یقول : «کیف بإحداکنّ إذا نبحتها کلاب الحوأب؟» (2).

وفی معجم البلدان (3) (3 / 356) : فی الحدیث : أنّ عائشة لمّا أرادت المضیَّ إلی البصرة فی وقعة الجمل مرّت بهذا الموضع - یعنی الحوأب - فسمعت نباح الکلاب فقالت : ما هذا الموضع؟ فقیل لها : هذا موضع یقال له الحوأب ، فقالت : إنّا لله ، ما أرانی إلاّ صاحبة القصّة! فقیل لها : وأیّ قصّة؟ قالت : سمعت رسول الله صلی الله علیه وسلم یقول وعنده نساؤه : «لیت شعری أیتکنَّ تنبحها کلاب الحوأب ، سائرةً إلی الشرق فی کتیبة». وهمّت بالرجوع فغالطوها وحلفوا لها أنّه لیس بالحوأب.

قال الأمینی : (وَما کانَ اللهُ لِیُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّی یُبَیِّنَ لَهُمْ ما یَتَّقُونَ) (4) ، (لِیَهْلِکَ مَنْ هَلَکَ عَنْ بَیِّنَةٍ وَیَحْیی مَنْ حَیَّ عَنْ بَیِّنَةٍ وَإِنَّ اللهَ لَسَمِیعٌ عَلِیمٌ) (5) ، (وَکانَ الْإِنْسانُ أَکْثَرَ شَیْءٍ جَدَلاً) (6) ، (بَلِ الْإِنْسانُ عَلی نَفْسِهِ بَصِیرَةٌ* 4.

ص: 270


1- تاریخ الطبری : 5 / 171 [4 / 457 حوادث سنة 36 ه]. (المؤلف)
2- مستدرک الحاکم 3 / 120 [3 / 130 ح 4613]. (المؤلف)
3- معجم البلدان : 2 / 314.
4- التوبة : 115.
5- الأنفال : 42.
6- الکهف : 54.

وَلَوْ أَلقَی مَعَاذِیرَهُ) (1).

وقد صحَّ عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قوله للزبیر : «إنَّک تقاتل علیّا وأنت ظالم له».

وبهذا الحدیث احتجَّ أمیر المؤمنین علیه السلام علی الزبیر یوم الجمل ، وقال : «أتذکر لمّا قال لک رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : إنَّک تقاتلنی وأنت ظالم لی؟» فقال : اللهمَّ نعم. الحدیث.

أخرجه (2) الحاکم فی المستدرک (3 / 366) وصحّحه هو والذهبی ، والبیهقی فی الدلائل ، وأبو یعلی ، وأبو نعیم ، والطبری فی تاریخه (5 / 200 ، 204) ، وأبو الفرج فی الأغانی (16 / 131 ، 132) ، وابن عبد ربّه فی العقد الفرید (2 / 279) ، والمسعودی فی مروج الذهب (2 / 10) ، والقاضی فی الشفا ، وذکره ابن الأثیر فی الکامل (3 / 102) ، ابن طلحة فی المطالب (ص 41) ، محبّ الدین فی الریاض (2 / 273) ، الهیثمی فی المجمع (7 / 235) ، ابن حجر فی فتح الباری (13 / 46) ، القسطلانیّ فی المواهب (2 / 195) ، الزرقانی فی شرح المواهب (3 / 318 و 7 / 217) ، السیوطی فی الخصائص (2 / 137) نقلاً عن جمعٍ من الحفّاظ بطرقهم عن : أبی الأسود وأبی جروة وقیس وعبد السلام ، الحلبی فی سیرته (3 / 315) ، الخفاجی فی شرح الشفا (3 / 165) ، والشیخ علی القاری فی شرحه هامش شرح الخفاجی (3 / 165).

وهذه کلمات الصحابة مبثوثة فی طیّات الکتب والمعاجم ، وهی تعرب عن أنَّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم کان یحثّ أصحابه إلی نصرة أمیر المؤمنین فی تلک الحروب ، 6.

ص: 271


1- القیامة : 14 - 15.
2- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 413 ح 5574 و 5575 ، وکذا فی تلخیصه ، دلائل النبوّة : 6 / 414 ، مسند أبی یعلی : 2 / 30 ح 666 ، تاریخ الأمم والملوک : 4 / 502 ، 509 حوادث سنة 36 ه ، الأغانی : 18 / 60 ، 62 ، العقد الفرید : 4 / 129 ، مروج الذهب : 2 / 380 ، الشفا بتعریف حقوق المصطفی : 1 / 659 ، الکامل فی التاریخ : 2 / 335 حوادث سنة 36 ه ، الریاض النضرة : 4 / 248 ، فتح الباری : 13 / 55 ، المواهب اللدنیّة : 3 / 567 ، الخصائص الکبری : 2 / 233 ، السیرة الحلبیة : 3 / 287 ، شرح الشفا للقاری : 1 / 686.

ویدعوهم إلی القتال معه ، ویأمر عیون أصحابه بقتال الناکثین والقاسطین والمارقین. منهم :

1 - أبو أیّوب الأنصاری ، ذلک الصحابیُّ العظیم. قال أبو صادق : قدم أبو أیّوب العراق ، فأهدت له الأزد جُزُراً ، فبعثوا بها معی ، فدخلت إلیه فسلّمت علیه ، وقلت له : قد أکرمک الله بصحبة نبیِّه ونزوله علیک ، فما لی أراک تستقبل الناس تقاتلهم؟! تستقبل هؤلاء مرّة ، وهؤلاء مرّة فقال : إنَّ رسول الله صلی الله علیه وسلم عهد إلینا أن نقاتل مع علیٍّ الناکثین ، فقد قاتلناهم ، وعهد إلینا أن نقاتل معه القاسطین ، فهذا وجهنا إلیهم - یعنی معاویة وأصحابه - وعهد إلینا أن نقاتل مع علیٍّ المارقین ، فلم أرهم بعدُ (1).

وروی علقمة والأسود ، عن أبی أیّوب أنّه قال : إنَّ الرائد لا یکذب أهله ، وإنّ رسول الله صلی الله علیه وسلم أمرنا بقتال ثلاثة مع علیٍّ : بقتال الناکثین ، والقاسطین ، والمارقین. الحدیث (2).

وقال عتاب بن ثعلبة : قال أبو أیّوب الأنصاری فی خلافة عمر بن الخطّاب :

أمرنی رسول الله صلی الله علیه وسلم بقتال الناکثین والقاسطین والمارقین مع علیٍّ.

ورواه عنه أصبغ بن نباتة غیر أنَّ فیه : أمرنا (3). ف)

ص: 272


1- تاریخ ابن عساکر : 5 / 41 [1 / 369 ، وفی ترجمة الإمام علیّ بن أبی طالب علیه السلام - الطبعة المحقّقة - رقم 1217] ، أربعین الحاکم ولفظه یقرب من هذا ، تاریخ ابن کثیر : 7 / 306 [7 / 339 حوادث سنة 37 ه] ، کنز العمّال : 6 / 88 [11 / 352 ح 31720 ، وراجع شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید : 3 / 207 خطبة 48]. (المؤلف)
2- تاریخ الخطیب البغدادی : 13 / 187 [رقم 7165] ، کفایة الکنجی : ص 70 [ص 169 باب 37] ، تاریخ ابن کثیر : 7 / 306. (المؤلف)
3- أخرجه الحافظ ابن حبّان والطبری کما ذکره السیوطی ، ورواه الحاکم فی أربعینه وابن عبد البرّ فی الاستیعاب : 3 / 53 [القسم الثالث / 1117 رقم 1855]. (المؤلف)

2 - أبو سعید الخدری ، قال : أمرنا رسول الله صلی الله علیه وسلم بقتال الناکثین والقاسطین والمارقین قلنا : یا رسول الله أمرتنا بقتال هؤلاء فمع من؟ قال : «مع علیِّ بن أبی طالب» (1).

3 - أبو الیقظان عمّار بن یاسر ، قال : أمرنی رسول الله صلی الله علیه وسلم بقتال الناکثین والقاسطین والمارقین. أخرجه الطبرانی ، وفی لفظه الآخر من طریق آخر : أمرنا.

أخرجه الطبرانی وأبو یعلی (2) ، وعنهما الهیثمی فی مجمع الزوائد (7 / 238).

وأمّا کون قتال أمیر المؤمنین نفسه بأمر من رسول الله ، وأنَّه لم یکن رأیاً یخصُّ به ، فتوقفک علی حقِّ القول فیه عدّة أحادیث :

1 - خلید العصریّ ، قال : سمعت أمیر المؤمنین علیّا یقول یوم النهروان : «أمرنی رسول الله صلی الله علیه وسلم بقتال الناکثین والقاسطین والمارقین» (3).

2 - أبو الیقظان عمّار بن یاسر ، قال : قال رسول الله صلی الله علیه وسلم : «یا علیُّ ستقاتلک الفئة الباغیة وأنت علی الحقِّ ، فمن لم ینصرک یومئذٍ فلیس منّی» (4).

3 - ومن کلام لعمّار بن یاسر خاطب به أبا موسی : أما إنّی أشهد أنَّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أمر علیّا بقتال الناکثین ، وسمّی لی فیهم من سمّی ، وأمره بقتال القاسطین ، وإن شئت لأقیمنَّ لک شهوداً یشهدون أنَّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إنَّما نهاکَ ف)

ص: 273


1- اخرجه الحاکم فی اربعینه کما ذکره السیوطی ، والحافظ الکنجی فی الکفایة ص 72 [ص 173 باب 38] ، وابن کثیر فی تاریخه : 7 / 305 [7 / 339 حوادث سنة 37 ه]. (المؤلف)
2- مسند أبی یعلی : 3 / 194 ح 1623.
3- الخطیب فی تاریخه : 8 / 340 [رقم 4447] ، وابن کثیر فی تاریخه : 7 / 305 [7 / 338 حوادث سنة 37 ه]. (المؤلف)
4- أخرجه ابن عساکر فی تاریخه [12 / 370 ، وفی ترجمة الإمام علیّ بن أبی طالب علیه السلام : - الطبعة المحقّقة - رقم 1220] ، والسیوطی فی جمع الجوامع کما فی ترتیبه : 6 / 155 [کنز العمّال : 11 / 613 ح 32970] ، وحکاه الزرقانی عن ابن عساکر فی شرح المواهب : 3 / 317. (المؤلف)

وحدک وحذّرک من الدخول فی الفتنة. شرح ابن أبی الحدید (1) (3 / 293.

4 - أبو أیّوب الأنصاریّ ، قال فی خلافة عمر بن الخطّاب : أمر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم علیّا بقتال الناکثین والقاسطین والمارقین (2).

5 - عبد الله بن مسعود ، قال : أمر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم علیّا. الحدیث (3).

6 - علیّ بن ربیعة الوالبیّ ، قال : سمعت علیّا یقول : «عهد إلیَّ النبیُّ صلی الله علیه وآله وسلم أن أقاتل بعده القاسطین والناکثین والمارقین» (4).

7 - أبو سعید مولی رباب ، قال : سمعت علیّا یقول : «أُمرت بقتال الناکثین والقاسطین والمارقین» (5).

8 - سعد بن عبادة ، قال : قال علیٌّ علیه السلام : «أُمرت بقتال الناکثین والقاسطین والمارقین» (6).ف)

ص: 274


1- شرح نهج البلاغة : 14 / 15 کتاب 1.
2- أخرجه الحاکم فی المستدرک : 3 / 139 [3 / 150 ح 4674] ، وذکره السیوطی فی الخصائص : 2 / 138 [2 / 235]. (المؤلف)
3- أخرجه الطبرانی [فی المعجم الکبیر : 10 / 91 ح 10054] ، والحاکم فی أربعینه من طریقین ، وأبو عمر فی الاستیعاب : 3 / 53 هامش الإصابة [الاستیعاب : القسم الثالث / 1117 رقم 1855] ، والهیثمی فی مجمع الزوائد : 7 / 238. (المؤلف)
4- أخرجه البزّار [فی مسنده : 3 / 26 ح 774] والطبرانی فی الأوسط ، والحافظ الهیثمی فی المجمع : 7 / 238 وقال : أحد إسنادَی البزّار رجاله رجال الصحیح غیر الربیع بن سعید ، ووثّقه ابن حبّان [فی الثقات : 6 / 297] ، وأخرجه أبو یعلی [فی مسنده : 1 / 397 ح 519] کما فی تاریخ ابن کثیر : 7 / 304 [7 / 338 حوادث سنة 37 ه] ، وشرح المواهب للزرقانی : 3 / 317 وقال : سند جیّد. (المؤلف)
5- إیضاح الإشکال للحافظ عبد الغنی بن سعید ، المناقب للخوارزمی : ص 106 [ص 175 ح 212] من طریق الحافظ ابن مردویه. (المؤلف)
6- أخرجه جمع من الحفّاظ من غیر طریق. راجع تاریخ ابن کثیر : 7 / 305 [7 / 338 حوادث سنة 37 ه] ، کنز العمّال : 6 / 72 [11 / 292 ح 31553]. (المؤلف)

9 - أخرج ابن عساکر من طریق زید الشهید ، عن علیّ أنّه قال : «أمرنی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بقتال الناکثین والقاسطین والمارقین».

تاریخ ابن کثیر (1) (7 / 305) ، کنز العمّال (2) (6 / 392).

10 - أنس بن عمرو ، عن أبیه ، عن علیّ ، قال : «أُمرت بقتال ثلاثة : المارقین والقاسطین والناکثین». أخرجه ابن عساکر (3)) کما فی تاریخ ابن کثیر (4) (7 / 305).

11 - عبد الله بن مسعود ، قال : خرج رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فأتی منزل أمّ سلمة ، فجاء علیٌّ ، فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «یا أمّ سلمة هذا والله قاتل القاسطین والناکثین والمارقین من بعدی» (5).

12 - ابن عبّاس ، قال : قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لأمّ سلمة فی حدیث مرّ (1 / 338) یصف علیّا بأنَّه یقتل القاسطین والناکثین والمارقین.

13 - أمیر المؤمنین علیه السلام ، قال : «قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : یا علیُّ أنت فارس العرب ، وقاتل الناکثین والمارقین والقاسطین ، وأنت أخی ، ومولی کلّ مؤمن ومؤمنة». شمس الأخبار (6) (ص 38).

14 - أبو أیّوب الأنصاریّ ، قال : سمعت النبیَّ صلی الله علیه وآله وسلم یقول لعلیِّ بن أبی طالب : 7.

ص: 275


1- البدایة والنهایة : 7 / 339 حوادث سنة 37 ه.
2- کنز العمّال : 13 / 112 ح 36367.
3- تاریخ مدینة دمشق : 12 / 367 ، وفی ترجمة الإمام علیّ بن أبی طالب علیه السلام - الطبعة المحقّقة - : رقم 1210.
4- البدایة والنهایة : 7 / 338 حوادث سنة 37 ه.
5- أربعین الحاکم ، الریاض النضرة : 2 / 240 [3 / 198] ، تاریخ ابن کثیر : 7 / 305 [7 / 339 حوادث سنة 37 ه] ، مطالب السؤول : ص 24 نقلاً عن مصابیح البغوی ، فرائد السمطین [1 / 283 ح 223] الباب ال 53 ، کنز العمّال : 6 / 391 [13 / 110 ح 36361]. (المؤلف)
6- مسند شمس الأخبار : 1 / 103 باب 7.

«تقاتل الناکثین والقاسطین والمارقین». مستدرک الحاکم (1) (3 / 140).

15 - قال ابن أبی الحدید فی شرحه (2) (3 / 245): قد ثبت عن النبیِّ صلی الله علیه وآله وسلم أنَّه قال لعلیّ علیه السلام : «تقاتل بعدی الناکثین والقاسطین والمارقین».

16 - وبهذا الحدیث احتجَّ أمیر المؤمنین علیه السلام یوم الشوری ، وقال : «أنشدُکم الله هل فیکم أحدٌ یقاتل الناکثین والقاسطین والمارقین علی لسان النبیِّ غیری؟» قالوا : اللهمَّ لا.

17 - أبو رافع ، قال : إنَّ رسول الله صلی الله علیه وسلم قال لعلیِّ : «سیکون بینک وبین عائشة أمرٌ. قال : أنا یا رسول الله؟ قال : نعم. قال : أنا؟ قال : نعم. قال : فأنا أشقاهم یا رسول الله ، قال : لا ، ولکن إذا کان ذلک فارددها إلی مأمنها».

أخرجه أحمد فی مسنده (3) (6 / 393) ، والهیثمی فی مجمع الزوائد (7 / 234) ، وقال : رواه أحمد والبزّار والطبرانی (4) ، ورجاله ثقات. ویوجد فی کنز العمّال (5) (6 / 37) ، والخصائص الکبری (6) (2 / 137).

18 - أخرج أبو نعیم ، عن الحارث ، قال : کنت مع علیّ بصفّین ، فرأیت بعیراً من إبل الشام جاء وعلیه راکبه وثقل ، فألقی ما علیه ، وجعل یتخلّل الصفوف إلی علیّ ، فجعل مشفره فیما بین رأس علیّ ومنکبه وجعل یحرِّکها بجرانه ، فقال علیٌّ : «والله إنَّها لَلعلامة التی بینی وبین رسول الله صلی الله علیه وسلم». الخصائص الکبری (7) (2 / 138). 4.

ص: 276


1- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 150 ح 4675.
2- شرح نهج البلاغة : 13 / 183 خطبة 283.
3- مسند أحمد : 7 / 539 ح 26657.
4- المعجم الکبیر : 1 / 332 ح 995.
5- کنز العمّال : 11 / 196 ح 31205.
6- الخصائص الکبری : 2 / 233.
7- الخصائص الکبری : 2 / 234.

23 - قال : قال الرافضیُّ - یعنی العلاّمة الحلّی - : وعن عمرو بن میمون ، قال : لعلیِّ بن أبی طالب عشر فضائل لیست لغیره : قال النبیُّ صلی الله علیه وسلم : «لأبعثنَّ رجلاً لا یخزیه الله أبداً ، یحبُّ الله ورسوله ، ویحبّه الله ورسوله».

فاستشرف إلیها من استشرف ، فقال : «أین علیُّ بن أبی طالب؟» قالوا : هو أرمد فی الرحی یطحن - وما کان أحدهم یطحن! - قال : فجاء وهو أرمد لا یکاد أن یبصر. قال : فنفث فی عینیه. ثمّ هزَّ الرایة ثلاثاً وأعطاها إیّاه ، فجاء بصفیّة بنت حییّ. قال : ثمّ بعث أبا بکر بسورة براءة ، فبعث علیّا خلفه فأخذها منه ، وقال : «لا یذهب بها إلاّ رجلٌ هو منّی وأنا منه».

وقال لبنی عمِّه : «أیّکم یوالینی فی الدنیا والآخرة؟». قال : وعلیٌّ جالس معهم فأبوا ، فقال علیٌّ : «أنا أوالیک فی الدنیا والآخرة». قال : فترکه ثمَّ أقبل علی رجل رجل منهم ، فقال : «أیّکم یوالینی فی الدنیا والآخرة؟» فأبوا ، فقال علیٌّ : «أنا أوالیک فی الدنیا والآخرة». فقال : «أنت ولیّی فی الدنیا والآخرة».

قال : وکان علیٌّ أوّل من أسلم من الناس بعد خدیجة. قال : وأخذ رسول الله صلی الله علیه وسلم ثوبه فوضعه علی علیّ وفاطمة والحسن والحسین ، فقال : (إِنَّما یُرِیدُ اللهُ لِیُذْهِبَ عَنْکُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَیْتِ وَیُطَهِّرَکُمْ تَطْهِیراً).

قال : وشری علیٌّ نفسه ولبس ثوب رسول الله صلی الله علیه وسلم ثمّ نام مکانه ، وکان المشرکون یرمونه بالحجارة.

وخرج رسول الله صلی الله علیه وسلم بالناس فی غزاة تبوک ، فقال له علیٌّ : «أخرج معک؟ فقال : لا». فبکی علیٌّ. فقال له : «أما ترضی أن تکون منّی بمنزلة هارون من موسی إلاّ أنَّک لستَ بنبیّ؟ لا ینبغی أن أذهب إلاّ وأنت خلی فتی». وقال رسول الله صلی الله علیه وسلم : «أنت ولیّی فی (1) کلِّ مؤمن بعدی». ف)

ص: 277


1- کذا. والصحیح المحفوظ فی أصول الحدیث : «أنت ولیُّ کلّ مؤمن بعدی». (المؤلف)

قال : وسدَّ أبواب المسجد إلاّ باب علیّ. قال : وکان یدخل المسجد جنباً وهو طریقه لیس له طریق غیره. وقال له : «من کنت مولاه فعلیٌّ مولاه» (3 / 8).

ثمّ قال ما ملخّصه :

الجواب : إنّ هذا لیس مسنداً بل هو مرسلٌ لو ثبت عن عمرو بن میمون. وفیه ألفاظ هی کذبٌ علی رسول الله صلی الله علیه وسلم کقوله : «لا ینبغی أن أذهب إلاّ وأنت خلیفتی». فإنّ النبیّ صلی الله علیه وسلم ذهب غیر مرّة وخلیفته علی المدینة غیر علیٍّ - ثمّ ذکر عدّة من ولاته علی المدینة - فقال : وعام تبوک ما کان الاستخلاف إلاّ علی النساء والصبیان ، ومن عذر الله ، وعلی الثلاثة الذین خُلّفوا ، أو متَّهم بالنفاق ، وکانت المدینة آمنةً لا یخاف علی أهلها ، ولا یحتاج المستخلف إلی جهاد.

وکذلک قوله : وسدَّ الأبواب کلّها إلاّ باب علیّ. فإنَّ هذا ممّا وضعته الشیعة علی طریق المقابلة ، فإنَّ الذی فی الصحیح عن أبی سعید ، عن النبیِّ صلی الله علیه وسلم أنَّه قال فی مرضه الذی مات فیه : إنَّ أمَنَّ الناس علیَّ فی ماله وصحبته أبو بکر ، ولو کنت متّخذاً خلیلاً غیر ربِّی لاتّخذت أبا بکر خلیلاً ، ولکن أخوّة الإسلام ومودّته ، لا یبقینَّ فی المسجد خوخة إلاّ سُدّت إلاّ خوخة أبی بکر. ورواه ابن عباس أیضاً فی الصحیحین.

ومثل قوله : «أنت ولیّی فی کلِّ مؤمن بعدی» : فإنّ هذا موضوعٌ باتِّفاق أهل المعرفة بالحدیث.

ثمّ أردفه بخرافات وتافهات فی بیان عدم اختصاص علیٍّ بهذه المناقب.

الجواب : کان الأحری بالرجل أن یحرِّج علی العلماء النظر فی کتابه ، فیختصّ خطابه بالرعرة الدهماء ممّن لا یعقل أیّ طرفیه أطول ؛ لأنَّ نظر العلماء فیه یکشف عن سوأته ، ویوضّح للملإ إعوازه فی العلم وانحیازه عن الصدق والأمانة ، ویظهر تدجیله وتزویره وتمویهه علی الحقائق ، ومن المحتمل جدّا أنَّه قد غالی فی عظمة نفسه یوم خوطب بشیخ الإسلام ، فحسب أنَّ الأمّة تأخذ ما یقوله کأصول مسلّمة

ص: 278

لا تناقشه فیه الحساب ، وإذ أخفق ظنّه وأکدی (1) أمله ، فهلمَّ معی نمعن النظرة فی هملجته حول هذا الحدیث ، وما له فیه من جلبة وسخب (2).

فأوّل ما یتقوّل فیه : إنّه مرسل ولیس بمسند.

فکأنَّ عینیه فی غشاوة عن مراجعة المسند لإمام مذهبه أحمد بن حنبل ، فإنَّه أخرجه (3) فی (1 / 331) عن یحیی بن حمّاد ، عن أبی عوانة ، عن أبی بلج ، عن عمرو ابن میمون ، عن ابن عبّاس (4). ورجال هذا السند رجال الصحیح غیر أبی بلج ، وهو ثقة عند الحفّاظ ، کما مرّت فی ترجمته (1 / 71).

وأخرجه (5) بسند صحیح رجاله کلّهم ثقات الحافظ النسائی فی الخصائص (ص 7) ، والحاکم فی المستدرک (3 / 132) وصحّحه هو والذهبی ، والطبرانی کما فی المجمع للحافظ الهیثمی وصحّحه ، وأبو یعلی کما فی البدایة والنهایة ، وابن عساکر فی الأربعین الطوال ، وذکره ابن حجر فی الإصابة (2 / 509) ، وجمعٌ آخرون أسلفناهم فی الجزء الأوّل (ص 51).

فما عذر الرجل فی نسبة الإرسال إلی مثل هذا الحدیث وإنکار سنده المتّصل الصحیح الثابت؟ أهکذا یُفعل بودائع النبوّة؟ أهکذا تلعب ید الأمانة بالسنّة والعلم والدین؟

والأعجب أنَّه عطف بعد ذلک علی فقرات من الحدیث وهو یحاول تفنیدها .

ص: 279


1- أکدی : انقطع.
2- السخب والصخب بمعنی واحد ، وهو الصیاح.
3- مسند أحمد : 1 / 544 ح 3052.
4- مر بلفظه : 1 / 50. (المؤلف)
5- خصائص أمیر المؤمنین : ص 47 ح 24 ، وفی السنن الکبری : 5 / 112 ح 8409 ، المستدرک علی الصحیحین : 3 / 143 ح 4652 وکذا فی تلخیصه ، المعجم الکبیر : 12 / 77 ح 12593 ، مجمع الزوائد : 9 / 119 ، البدایة والنهایة : 7 / 374 حوادث سنة 40 ه.

ویحسبها من الأکاذیب ، منها : قوله صلی الله علیه وآله وسلم : «لا ینبغی أن أذهب إلاّ وأنت خلیفتی». فارتآه کذباً ، مستدلاّ بأنّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ذهب غیر مرّة وخلیفته علی المدینة غیر علیّ.

ومن استشفَّ الحقیقة من هذا الموقف علم أنّها قضیّة شخصیّة لا تعدو قصّة تبوک ، لِما کان صلی الله علیه وآله وسلم یعلمه من عدم وقوع الحرب فیها ، وکانت حاجة المدینة إلی خلافة مثل أمیر المؤمنین علیها مسیسة ، لِما تداخل القوم من عظمة ملک الروم - هرقل - وتقدّم جحفله الجرّار ، وکانوا یحسبون أنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وحشده الملتفَّ به لا قِبل لهم به ، ومن هنا تخلّف المتخلّفون من المنافقین ، فکان أقرب الحالات فی المدینة بعد غَیبة النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم أن یرجف بها المنافقون للفتِّ فی عضد صاحب الرسالة ، والتزلّف إلی عامل بلاد الروم الزاحف ، فکان من واجب الحالة عندئذٍ أن یخلف علیها أمیر المؤمنین علیه السلام المهیب فی أعین القوم ، والعظیم فی النفوس الجامحة ، وقد عرفوه بالبأس الشدید ، والبطش الصارم ، اتّقاء بادرة ذلک الشرِّ المترقَّب. وإلاّ فأمیر المؤمنین علیه السلام لم یتخلّف عن مشهدٍ حضره رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إلاّ تبوک (1) ، وعلی هذا اتّفق علماء السیر کما قال سبط ابن الجوزی فی التذکرة (2) (ص 12).

وفی وسع الباحث أن یستنتج ما بینّاه من قوله صلی الله علیه وآله وسلم لعلیّ : «کذبوا ولکن خلّفتک لما ورائی». فیما أخرجه ابن إسحاق ، بإسناده عن سعد بن أبی وقّاص قال :

لمّا نزل رسول الله الجرف طعن رجال من المنافقین فی إمرة علیٍّ ، وقالوا : إنّما خلّفه استثقالاً ، فخرج علیٌّ فحمل سلاحه حتی أتی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم بالجرف ، فقال : «یا رسول الله ما تخلّفت عنک فی غزاة قطُّ قبل هذه ، قد زعم المنافقون أنَّک خلّفتنی 9.

ص: 280


1- الاستیعاب : هامش الإصابة : 3 / 34 [الاستیعاب : القسم الثالث / 1097 رقم 1855] ، شرح التقریب : 1 / 85 ، الریاض النضرة : 2 / 163 [3 / 105] ، الصواعق : ص 72 [ص 120] ، الإصابة : 2 / 507 [رقم 5688] ، السیرة الحلبیة : 3 / 148 [3 / 133] ، الإسعاف : ص 149. (المؤلف)
2- تذکرة الخواص : ص 19.

استثقالاً. فقال : کذبوا ولکن خلّفتک لما ورائی». الحدیث (1). وممّا صحَّ عنه صلی الله علیه وآله وسلم حین أراد أن یغزو أنّه قال : «ولا بدَّ من أن أقیم أو تقیم». فخلّفه (2).

إذا عرفت ذلک کلّه فلا یذهب علیک أنَ قوله صلی الله علیه وآله وسلم : «لا ینبغی أن أذهب إلاّ وأنت خلیفتی». لیس له مغزی إلاّ خصوص هذه الواقعة ، ولیس فی لفظه عموم یستوعب کلّ ما غاب صلی الله علیه وآله وسلم عن المدینة ، فمن الباطل نقض الرجل باستخلاف غیره علی المدینة فی غیر هذه الواقعة ، حیث لم تکن فیه ما أوعزنا إلیه من الإرجاف ، وکانت حاجة الحرب أمسّ إلی وجود أمیر المؤمنین علیه السلام حیث لم یکن غیره کمثله یکسر صولة الأبطال ، ویغیر فی وجوه الکتائب. فکان صلی الله علیه وآله وسلم فی أخذ أمیر المؤمنین معه إلی الحروب واستخلافه فی مغیبه یتبع أقوی المصلحتین.

ثمّ إنّ الرجل حاول تصغیراً لصورة هذه الخلافة ، فقال : وعام تبوک ما کان الاستخلاف ... إلخ. غیر أنَّ نظّارة التنقیب لا تزال مکبِّرة لها من شتّی النواحی :

الأولی : قوله : «أما ترضی أن تکون منّی بمنزلة هارون من موسی؟». وهو یعطی إثبات کلِّ ما للنبیِّ صلی الله علیه وآله وسلم من رتبة ، وعمل ، ومقام ، ونهضة ، وحکم ، وإمارة ، وسیادة لأمیر المؤمنین عدا ما أخرجه الاستثناء من النبوّة ، کما کان هارون من موسی کذلک. فهو خلافة عنه صلی الله علیه وآله وسلم ، وإنزال لعلیٍّ علیه السلام منزلة نفسه لا محض استعمال کما یظنّه الظانّون ، فقد استعمل صلی الله علیه وآله وسلم قبل هذه علی البلاد أناساً ، وعلی المدینة آخرین ، وأمّر علی السرایا رجالاً لم یقل فی أحد منهم ما قاله فی هذا الموقف ، فهی منقبةٌ تخصّ أمیر المؤمنین فحسب. ف)

ص: 281


1- الریاض النضرة : 2 / 162 [3 / 105] ، الإمتاع للمقریزی : ص 449 ، عیون الأثر : 2 / 217 [2 / 254] ، السیرة الحلبیة : 3 / 148 [3 / 132] ، شرح المواهب للزرقانی : 3 / 69 ، سیرة زینی دحلان : 2 / 338 [2 / 126]. (المؤلف)
2- أخرجه الطبرانی [فی المعجم الکبیر : 5 / 203 ح 5094] بطریق صحیح ، کما فی مجمع الزوائد : 9 / 111. (المؤلف)

الثانیة : قوله صلی الله علیه وآله وسلم فیما مرّ عن سعد بن أبی وقّاص : «کذبوا ولکن خلّفتک لِما ورائی». لمّا طعن رجال من المنافقین فی إمرة علیٍّ علیه السلام ، ولا یوعز صلی الله علیه وآله وسلم به إلاّ إلی ما أشرنا إلیه من خشیة الإرجاف بالمدینة عند مغیبه ، وأنَّ إبقاءه کان لإبقاء بیضة الدین عن أن تنتهک ، وحذارَ أن یتّسع خرقها بهملجة المنافقین ، لو لا هناک من یطأ فورتهم بأخمص بأسه وحجاه ، فکان قد خلّفه لمهمّة لا ینوء بها غیره.

الثالثة : قوله صلی الله علیه وآله وسلم لعلیّ علیه السلام فی حدیث البراء بن عازب وزید بن أرقم ، قالا : قال حین أراد صلی الله علیه وآله وسلم أن یغزو : «إنّه لا بدَّ من أن أقیم أو تقیم» فخلّفه (1). وهو یدلّ علی أنَّ بقاء أمیر المؤمنین علیه السلام علی حدٍّ بقاء رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی کلاءة بیضة الدین وإرحاض معرّة المفسدین ، فهو أمر واحد یقام بکلّ منهما علی حدٍّ سواء ، وناهیک به من منزلة ومقام.

الرابعة : ما صحَّ عن سعد بن أبی وقّاص من قوله : والله لَأن یکون لی واحدة من خلاله الثلاث أحبُّ إلیَّ من أن یکون لی ما طلعت علیه الشمس ، لَأن یکون قال لی ما قال له حین ردّه من تبوک : «أما ترضی أن تکون منّی بم نزلة هارون من موسی؟ إلاّ أنَّه لا نبیَّ بعدی». أحبّ إلیَّ من أن یکون لی ما طلعت علیه الشمس (2).

وقال المسعودی فی المروج (2 / 61) بعد ذکر الحدیث : ووجدت فی وجه آخر من الروایات ، وذلک فی کتاب علیِّ بن محمد بن سلیمان النوفلی فی الأخبار عن ابن عائشة وغیره : أنَّ سعداً لمّا قال هذه المقالة لمعاویة ونهض لیقوم ضرط له معاویة!! وقال له : اقعد حتی تسمع جواب ما قلت ، ما کنتَ عندی قطُّ ألأم منک الآن ، فهلاّ ف)

ص: 282


1- أخرجه الطبرانی [فی المعجم الکبیر : 5 / 203 ح 5094] بإسنادین : أحدهما رجاله رجال الصحیح إلاّ میمون البصری ، وهو ثقة ، وثّقه ابن حبّان [فی الثقات : 5 / 418] کما فی مجمع الزوائد : 9 / 111 ، راجع ما مرّ فی الجزء الأوّل : ص 71. (المؤلف)
2- خصائص النسائی : ص 32 [خصائص أمیر المؤمنین : ص 37 ح 11 ، وفی السنن الکبری : 5 / 107 ح 8399] ، مروج الذهب : 2 / 61 [3 / 24]. (المؤلف)

نصرته؟ ولِمَ قعدتَ عن بیعته؟ فإنّی لو سمعت من النبیِّ صلی الله علیه وسلم مثل الذی سمعت فیه ، لکنت خادماً لعلیٍّ ما عشت! فقال سعد : والله إنّی لأحقّ بموضعک منک. فقال معاویة : یأبی علیک [ذلک] (1) بنو عذرة ، وکان سعد فیما یقال لرجل من بنی عذرة.

وصحَّ عند الحفّاظ الأثبات أنَّ معاویة أمر سعداً فقال : ما منعک أن تسبَّ أبا تراب؟ قال : أمّا ما ذکرت ثلاثاً قالهنَّ رسول الله صلی الله علیه وسلم فلن أسبّه ، لَأن تکون لی واحدة منهنَّ أحبُّ إلیَّ من حمر النعم ، سمعت رسول الله صلی الله علیه وسلم یقول لعلیّ وخلفه فی تبوک ، فقال له علیٌّ : «یا رسول الله تخلفنی مع النساء والصبیان؟ فقال له رسول الله صلی الله علیه وسلم : أما ترضی أن تکون منّی بمنزلة هارون من موسی؟ إلاّ أنّه لا نبیَّ بعدی» (2).

وورد فی حدیث أنَّ سعداً دخل علی معاویة فقال له : مالک لم تقاتل معنا؟ فقال : إنّی مرّت بی ریح مظلمة فقلت : أخ أخ. فأنخت راحلتی حتی انجلت عنّی ، ثمَّ عرفت الطریق فسرت. فقال معاویة : لیس فی کتاب الله أخ أخ ، ولکن قال الله تعالی : (وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَیْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَی الْأُخْری فَقاتِلُوا الَّتِی تَبْغِی حَتَّی تَفِیءَ إِلی أَمْرِ اللهِ) (3). فو الله ما کنت مع الباغیة علی العادلة ، ولا مع العادلة علی الباغیة. فقال سعد : ما کنت لأقاتل رجلاً قال له رسول الله صلی الله علیه وسلم : «أنت منّی بمنزلة هارون من موسی غیر أنَّه لا نبیَّ بعدی».

فقال معاویة : من سمع هذا معک؟ فقال : فلان وفلان وأمّ سلمة. فقال معاویة : 9.

ص: 283


1- الزیادة من المصدر.
2- جامع الترمذی : 2 / 213 [5 / 596 ح 3724] ، مستدرک الحاکم : 3 / 108 [3 / 117 ح 4575] وصحّحه وأقرّه الذهبی ، وأخرجه باللفظ المذکور مسلم فی صحیحه [5 / 23 ح 32 کتاب فضائل الصحابة] ، ونقله عنه الحافظ الکنجی فی الکفایة : ص 28 [ص 85 باب 10] ، والبَدَخشانی فی نُزُل الأبرار : ص 15 [ص 47] عن مسلم والترمذی ، وذکره بهذا اللفظ ابن حجر فی الإصابة : 2 / 509 [رقم 5688] عن الترمذی ، والمیرزا مخدوم الجرجانی ، فی الفصل الثانی من - نواقض الروافض - نقلاً عن مسلم والترمذی. (المؤلف)
3- الحجرات : 9.

أما إنّی لو سمعته منه صلی الله علیه وسلم لما قاتلت علیّا. تاریخ ابن کثیر (1) (8 / 77)

فإنَّ هذا الذی کان یستعظمه سعدٌ فی عداد حدیث الرایة والتزویج بالصدّیقة الطاهرة بوحی من الله العزیز اللذین هما من أربی الفضائل ، ویراه معاویة : لو کان سمعه فیه لما قاتل علیّا ، ولکان یخدم علیّا ما عاش ، لا بدَّ وأن یکون علی حدِّ ما وصفناه حتی یتسنّی لسعد تفضیله علی ما طلعت علیه الشمس ، أو حُمر النعم ، ولمعاویة إیجاب الخدمة له ، دون الاستخلاف علی العائلة لینهض بشؤون حیاتها کما هو شأن الخدم ، أو یُنصب عیناً علی المنافقین فحسب لیتجسّس أخبارهم ، کما هو وظیفة الطبقة الواطئة من مستخدمی الحکومات.

الخامسة : قول سعید بن المسیّب ، بعد ما سمع الحدیث عن إبراهیم أو عامر ابنی سعد بن أبی وقّاص : فلم أرض فأحببت أن أشافه بذلک سعداً ، فأتیته فقلت : ما حدیث حدّثنی به ابنک عامر؟ فأدخل إصبعیه فی أذنیه وقال : سمعت من رسول الله وإلاّ فاستکّتا (2). فما ذا کان سعید یستعظمه من الحدیث حتی طفق یستحفی خبره من نفس سعد بعد ما سمعه من ابنه ، فأکّد له سعد ذلک التأکید ، غیر أنَّه فهم من مؤدّاه ما ذکرناه من العظمة؟

السادسة : قول الإمام أبی بسطام شعبة بن الحجّاج فی الحدیث : کان هارون أفضل أمّة موسی علیه السلام فوجب أن یکون علیٌّ علیه السلام أفضل من کلِّ أمّة محمد صلی الله علیه وسلم صیانةً لهذا النصّ الصحیح الصریح ، کما قال موسی لأخیه هارون : (اخْلُفْنِی فِی قَوْمِی وَأَصْلِحْ) (3) (4). ف)

ص: 284


1- البدایة والنهایة : 8 / 83 حوادث سنة 55 ه.
2- أخرجه النسائی فی الخصائص بعدّة طرق : ص 15 [خصائص أمیر المؤمنین : ص 70 - 72 ح 49 - 51 ، وفی السنن الکبری : 5 / 121 - 122 ح 8434 - 8436]. (المؤلف)
3- الأعراف : 142.
4- أخرجه الحافظ الکنجی فی الکفایة : ص 150 [ص 283 باب 70]. (المؤلف)

السابعة : قال الطیبی : (منّی) خبر المبتدأ ، و (من) اتِّصالیّة ، ومتعلّق الخبر خاصّ والباء زائدة ، کما فی قوله تعالی : (فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ) (1) ، أی فإن آمنوا إیماناً مثل إیمانکم ، یعنی أنت متّصل ونازل منّی بمنزلة هارون من موسی ، وفیه تشبیه ، ووجه الشَبَه مبهم بیّنه بقوله : «إلاّ أنَّه لا نبیَّ بعدی». فعرف أنَّ الاتّصال المذکور بینهما لیس من جهة النبوّة بل من جهة ما دونها وهی الخلافة (2).

وممّا کذّبه الرجل من الحدیث قول : وسدّ الأبواب إلاّ باب علیٍّ ، وقال : فإنَّ هذا ممّا وضعته الشیعة علی طریق المقابلة ....

الجواب : لا أجد لنسبة وضع هذا الحدیث إلی الشیعة دافعاً إلاّ القحّة والصلف ، ودفع الحقائق الثابتة بالجلبة والسخب ، فإنَّ نصب عینی الرجل کتب الأئمّة من قومه وفیها مسند إمام مذهبه أحمد قد أخرجوه فیها بأسانید جمّة صحاح وحسان ، عن جمع من الصحابة تربو عدّتهم علی عدد ما یحصل به التواتر عندهم ، منهم :

1 - زید بن أرقم ، قال : کان لنفر من أصحاب رسول الله صلی الله علیه وسلم أبوابٌ شارعة فی المسجد ، قال : فقال یوماً : «سدّوا هذه الأبواب إلاّ باب علیٍّ». قال : فتکلّم فی ذلک الناس! قال : فقام رسول الله صلی الله علیه وسلم فحمد الله وأثنی علیه ، ثمَّ قال :

«أمّا بعد : فإنّی أُمرت بسدّ هذه الأبواب غیر باب علیّ ، فقال فیه قائلکم! وإنّی ما سددت شیئاً ولا فتحته ، ولکنّی أُمرت بشیءٍ فاتّبعته».

سند الحدیث فی مسند الإمام أحمد (3) (4 / 369):

حدّثنا محمد بن جعفر ، حدّثنا عوف ، عن میمون أبی عبد الله ، عن زید بن 1.

ص: 285


1- البقرة : 137.
2- شرح المواهب للعلاّمة الزرقانی : 3 / 70. (المؤلف)
3- مسند أحمد : 5 / 496 ح 18801.

أرقم. رجاله رجال الصحیح ، غیر أبی عبد الله میمون وهو ثقةٌ ، فالحدیث بنصِّ الحفّاظ صحیح رجاله ثقات.

وأخرجه النسائی فی السنن الکبری والخصائص (1) (ص 13) عن الحافظ محمد ابن بشّار بندار الذی انعقد الإجماع علی الاحتجاج به.

قاله الذهبی بالإسناد المذکور ، والحاکم فی المستدرک (3 / 125) وصحّحه ، والضیاء المقدسی فی المختارة ممّا لیس فی الصحیحین ، والکلاباذی فی معانی الأخبار کما فی القول المسدَّد (ص 17) ، وسعید بن منصور فی سننه ، ومحبّ الدین الطبری فی الریاض (2 / 192) ، والخطیب البغدادی من طریق الحافظ محمد بن بشّار ، والکنجی فی الکفایة (ص 88) ، وسبط ابن الجوزی فی التذکرة (ص 24) ، وابن أبی الحدید فی شرحه (2 / 451) ، وابن کثیر فی تاریخه (7 / 342) ، وابن حجر فی القول المسدَّد (ص 17) وقال : أورده ابن الجوزی فی الموضوعات من طریق النسائی وأعلّه بمیمون ، وأخطأ فی ذلک خطأً ظاهراً ، ومیمون وثّقه غیر واحد وتکلّم بعضهم فی حفظه ، وقد صحّح له الترمذی حدیثاً غیر هذا.

ورواه فی فتح الباری (7 / 12) وقال : رجاله ثقات ، والسیوطی فی جمع الجوامع کما فی الکنز (6 / 152 ، 157) ، والهیثمی فی مجمع الزوائد (9 / 114) ، والعینی فی عمدة القاری (7 / 592) ، والبَدَخشی فی نُزُل الأبرار ، وقال : أخرجه أحمد والنسائی والحاکم والضیاء بإسناد رجاله ثقات (2).1.

ص: 286


1- السنن الکبری : 5 / 118 ح 8423 ، وفی خصائص أمیر المؤمنین : ص 59 ح 38.
2- میزان الاعتدال : 3 / 490 رقم 7269 ، المستدرک علی الصحیحین : 3 / 135 ح 4631 ، القول المسدّد : ص 21 ، الریاض النضرة : 3 / 139 ، کفایة الطالب : ص 203 باب 50 ، تذکرة الخواص : ص 41 ، شرح نهج البلاغة : 9 / 173 خطبة 154 ، البدایة والنهایة : 7 / 379 حوادث سنة 40 ه ، القول المسدّد : ص 20 ، 21 ، الموضوعات : 1 / 363 ، فتح الباری : 7 / 14 ، کنز العمّال : 11 / 598 ح 32877 ، ص 618 ح 33004 ، عمدة القاری : 16 / 176 ، نُزُل الأبرار : ص 71.

2 - عبد الله بن عمر بن الخطّاب ، قال : لقد أوتی ابن أبی طالب ثلاث خصال ، لَأَن تکون لی واحدة منهنَّ أحبُّ إلیَّ من حمر النعم : زوّجه رسول الله صلی الله علیه وسلم ابنته فولدت له ، وسدّ الأبواب إلاّ بابه فی المسجد ، وأعطاه الرایة یوم خیبر.

سند الحدیث فی مسند أحمد (1) (2 / 26):

حدّثنا وکیع ، عن هشام بن سعد ، عن عمر بن أسید ، عن ابن عمر.

قال الحافظ الهیثمی فی مجمع الزوائد (9 / 120) : رواه أحمد وأبو یعلی (2) ، ورجالهما رجال الصحیح.

وأخرجه (3) ابن أبی شیبة ، وأبو نعیم ، ومحبّ الدین فی الریاض (2 / 192) ، وشیخ الإسلام الحمّوئی فی الفرائد فی الباب ال (41) ، وابن حجر فی فتح الباری (7 / 12) ، والصواعق (ص 76) ، وصحّحه فی القول المسدَّد (ص 20) وقال : حدیث ابن عمر أعلّه ابن الجوزی به شام بن سعد من رجال مسلم ، صدوق تکلّموا فی حفظه ، وحدیثه یقوی بالشواهد.

ورواه النسائی بسند صحیح ، والسیوطی فی جمع الجوامع کما فی الکنز (4) (6 / 391). والبَدَخشی فی نُزُل الأبرار (5) (ص 35) وقال : إسناد جیِّد.

3 - عبد الله بن عمر بن الخطّاب ، قال له العلاء بن عرار : أخبرنی عن علیٍّ وعثمان. قال : أمّا علیٌّ فلا تسأل عنه أحداً ، وانظر إلی منزله من رسول الله صلی الله علیه وسلم فإنَّه2.

ص: 287


1- مسند أحمد : 2 / 104 ح 4782.
2- مسند أبی یعلی : 9 / 452 ح 5601.
3- المصنّف : 12 / 70 ح 12148 ، ذکر أخبار أصبهان لأبی نعیم الأصفهانی : 2 / 210 ، الریاض النضرة : 3 / 139 ، فرائد السمطین : 1 / 208 ح 163 ، فتح الباری : 7 / 15 ، الصواعق المحرقة : ص 127 ، القول المسدّد : ص 25.
4- کنز العمّال : 13 / 110 ح 36359.
5- نُزُل الأبرار : ص 72.

سدَّ أبوابنا فی المسجد وأقرَّ بابه.

أخرجه الحافظ النسائی (1) ، من طریق أبی إسحاق السبیعی ، قال ابن حجر فی القول المسدَّد (2) (ص 18) وفتح الباری (7 / 12) : سند صحیح ، ورجاله رجال الصحیح ، إلاّ العلاء وهو ثقة ، وثّقه یحیی بن معین وغیره.

وأخرجه الکلاباذی فی معانی الأخبار کما فی القول المسدَّد (ص 18) ، والهیثمی فی مجمع الزوائد (9 / 115) ، والسیوطی فی اللآلئ (3) (1 / 181) عن ابن حجر ، مع تصحیحه وکلامه المذکور ، والبَدَخشی فی نُزُل الأبرار (4) (ص 35) وصحّحه مثل ما مرَّ عن ابن حجر.

4 - البراء بن عازب ، رواه بلفظ زید بن أرقم المذکور ، قال أحمد (5) : رواه أبو الأشهب جعفر بن حیّان البصری عن عوف ، عن میمون أبی عبد الله ، عن البراء. راجع تاریخ ابن کثیر (6) (7 / 342) ، والإسناد صحیح ، رجاله کلّهم ثقات.

5 - عمر بن الخطّاب ، قال أبو هریرة : قال عمر : لقد أُعطی علیُّ بن أبی طالب ثلاث خصال ، لَأن تکون لی خصلة منها أحبّ إلیَّ من أن أُعطی حمر النعم.

قیل : وما هنَّ یا أمیر المؤمنین؟

قال : تزوّجه فاطمة بنت رسول الله ، وسکناه المسجد مع رسول الله یحلُّ له فیه ما یحلُّ له ، والرایة یوم خیبر. .

ص: 288


1- خصائص أمیر المؤمنین : ص 123 ح 106 ، وفی السنن الکبری : 5 / 138 ح 8491.
2- القول المسدّد : ص 23.
3- اللآلئ المصنوعة : 1 / 349.
4- نُزُل الأبرار : ص 73.
5- مناقب علیّ لأحمد بن حنبل : ص 72 ح 109.
6- البدایة والنهایة : 7 / 379 حوادث سنة 40 ه.

أخرجه (1) الحاکم فی المستدرک (3 / 125) وصحّحه ، وأبو یعلی فی الکبیر ، وابن السمّان فی الموافقة ، والجزری فی أسنی المطالب (ص 12) من طریق الحاکم ، وذکر تصحیحه له ، ومحبّ الدین فی الریاض (2 / 192) ، والخوارزمی فی المناقب (ص 261) ، والهیثمی فی مجمع الزوائد (9 / 120) ، والسیوطی فی تاریخ الخلفاء (ص 116) ، والخصائص الکبری (2 / 243) ، وابن حجر فی الصواعق (ص 76).

6 - عبد الله بن عبّاس ، قال : إنَّ النبیَّ صلی الله علیه وسلم أمر بسدِّ الأبواب فسُدّت إلاّ باب علیٍّ. وفی لفظ له : أمر رسول الله صلی الله علیه وسلم بأبواب المسجد فسُدّت إلاّ باب علیٍّ.

أخرجه الترمذی فی جامعه (2) (2 / 214) عن محمد بن حمید وإبراهیم بن المختار ، کلاهما عن شعبة ، عن أبی بلج یحیی بن سلیم ، عن عمرو بن میمون ، عن ابن عبّاس. والإسناد صحیح ، رجاله کلّهم ثقات.

وأخرجه (3) النسائی فی الخصائص (ص 13) ، أبو نعیم فی الحلیة (4 / 153) بطریقین ، محبّ الدین فی الریاض (2 / 192) ، الکنجی فی الکفایة (ص 87) وقال : حدیث حسن عال ، سبط ابن الجوزی فی تذکرته (ص 25) ، ابن حجر فی القول المسدَّد (ص 17) ، وفی فتح الباری (7 / 12) وقال : رجاله ثقات ، الحلبی فی السیرة (3 / 373) ، البدخشی فی نُزُل الأبرار (ص 35) وقال : أخرجه أحمد والنسائی 1.

ص: 289


1- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 135 ح 4632 ، أسنی المطالب : ص 65 ، الریاض النضرة : 3 / 139 ، المناقب : ص 332 ح 354 ، تاریخ الخلفاء : ص 161 ، الخصائص الکبری : 2 / 424 ، الصواعق المحرقة : ص 127. وانظر أیضاً فضائل الصحابة لأحمد : ح 1120 وفی مناقب علیّ له : ح 245 من زیادات القطیعی ، البدایة والنهایة 7 / 241 وقال : وقد روی عن عمر من غیر وجه.
2- سنن الترمذی : 5 / 599 ح 3732.
3- خصائص أمیر المؤمنین : ص 63 ح 42 ، وفی السنن الکبری : 5 / 119 ح 8427 ، الریاض النضرة : 3 / 139 ، کفایة الطالب : ص 202 باب 50 ، تذکرة الخواص : ص 41 ، القول المسدّد : ص 21 ، فتح الباری : 7 / 15 ، السیرة الحلبیة : 3 / 346 ، نُزُل الأبرار : ص 71.

بإسناد رجاله ثقات.

7 - عبد الله بن عبّاس ، قال : أمر رسول الله صلی الله علیه وسلم بسدِّ أبواب المسجد غیر باب علیٍّ ، فکان یدخل المسجد وهو جُنبٌ لیس له طریقٌ غیره.

أخرجه النسائی فی الخصائص (1) (ص 14) قال : أخبرنا محمد بن المثنّی ، قال : حدّثنا یحیی بن حماد ، قال : حدّثنا أبو وضّاح (2) ، قال : أخبرنا یحیی ، حدّثنا عمر وابن میمون ، قال : قال ابن عبّاس : أمر رسول الله صلی الله علیه وسلم. إلخ. والإسناد صحیح ، رجاله کلّهم ثقات.

ورواه ابن حجر فی فتح الباری (3) (7 / 12) وقال : رجاله ثقات ، والقسطلانی فی إرشاد الساری (4) (6 / 81) عن أحمد والنسائی ووثّق رجاله. ویوجد فی نُزُل الأبرار (5) (ص 35).

وفی لفظ لابن عبّاس : قال : قال رسول الله صلی الله علیه وسلم : «سدّوا أبواب المسجد کلّها إلاّ باب علیّ». أخرجه الکلاباذی فی معانی الأخبار ، وأبو نعیم وغیرهما.

8 - عبد الله بن عبّاس ، قال : قال رسول الله صلی الله علیه وسلم لعلیٍّ : «إنَّ موسی سأل ربّه أن یطهِّر مسجده لهارون وذرّیته ، وإنّی سألت الله أن یطهِّر لک ولذرّیتک من بعدک» ، ثمَّ أرسل إلی أبی بکر : أن سدّ بابک ، فاسترجع وقال : سمعاً وطاعة ، فسدَّ بابه. ثمَّ إلی عمر کذلک. ثمَّ صعد المنبر فقال : «ما أنا سددت أبوابکم ولا فتحت باب علیٍّ ولکنّ2.

ص: 290


1- خصائص أمیر المؤمنین : ص 64 ح 43 ، وفی السنن الکبری : 5 / 119 ح 8428.
2- کذا فی النسخة ، والصحیح : أبو عوانة وضّاح [کما فی الطبعات المحقّقة] ، وثّقه أحمد [أنظر تذکرة الحفّاظ : 1 / 236 رقم 223] وأبو حاتم [فی الجرح والتعدیل : 9 / 40 رقم 173]. راجع : 1 / 78. (المؤلف)
3- فتح الباری : 7 / 15.
4- إرشاد الساری : 8 / 167.
5- نُزُل الأبرار : ص 72.

الله سدَّ أبوابکم وفتح باب علیٍّ». أخرجه النسائی کما ذکره السیوطی (1).

9 - عبد الله بن عبّاس ، قال : لمّا أخرج أهل المسجد وترک علیّا ، قال الناس فی ذلک! فبلغ النبیَّ صلی الله علیه وسلم فقال : «ما أنا أخرجتکم من قِبَل نفسی ولا أنا ترکته ، ولکنّ الله أخرجکم وترکه ، إنّما أنا عبد مأمور ، ما أُمرت به فعلتُ ، إن اتّبع إلاّ ما یوحی إلیَّ».

أخرجه الطبرانی (2) ، والهیثمی فی المجمع (9 / 115) ، والحلبی فی السیرة (3) (3 / 374).

10 - أبو سعید الخدریّ سعد بن مالک ، قال عبد الله بن الرقیم الکنانی : خرجنا إلی المدینة زمن الجمل ، فلقینا سعد بن مالک بها ، فقال : أمر رسول الله صلی الله علیه وسلم بسدِّ الأبواب الشارعة فی المسجد وترک باب علیٍّ.

أخرجه الإمام أحمد (4) ، عن حجّاج ، عن فطر ، عن عبد الله بن الرقیم.

قال الهیثمی فی المجمع (9 / 114) : إسناد أحمد حسن ، ورواه أبو یعلی والبزّار والطبرانی فی الأوسط وزاد : قالوا : یا رسول الله سددت أبوابنا کلّها إلاّ باب علیٍّ. قال : «ما أنا سددت أبوابکم ولکنّ الله سدّها».

11 - سعد بن مالک أبو سعید الخدریّ ، قال : إنَّ علیَّ بن أبی طالب أُعطی ثلاثاً لَأن أکون أُعطیت إحداهنَّ أحبُ إلیَّ من الدنیا وما فیها ، لقد قال له رسول الله صلی الله علیه وسلم یوم غدیر خمّ بعد حمد الله والثناء علیه - إلی أن قال - : جیء به یوم خیبر وهو أرمد ما یبصر ، - إلی أن قال - : وأخرج رسول الله عمّه العبّاس وغیره من المسجد ، فقال له العبّاس : تخرجنا ونحن عصبتک وعمومتک وتُسکن علیّا؟! فقال : «ما أنا أخرجتکم 4.

ص: 291


1- جامع الأحادیث : 16 / 274 ح 7931.
2- المعجم الکبیر : 12 / 114 ح 12722.
3- السیرة الحلبیة : 3 / 346.
4- مسند أحمد : 1 / 285 ح 1514.

وأسکنته ، ولکنَّ الله أخرجکم وأسکنه».

أخرجه الحاکم فی المستدرک (1) (3 / 117).

12 - أبو حازم الأشجعیّ ، قال : قال رسول الله صلی الله علیه وسلم : «إنَّ الله أمر موسی أن یبنی مسجداً طاهراً لا یسکنه إلاّ هو وهارون ، وإنَّ الله أمرنی أن أبنی مسجداً طاهراً لا یسکنه إلاّ أنا وعلیّ وابنا علیّ».

رواه السیوطی فی الخصائص (2) (2 / 243).

13 - جابر بن عبد الله ، قال : سمعت رسول الله صلی الله علیه وسلم یقول : «سدّوا الأبواب کلّها إلاّ باب علیّ» ، وأومأ بیده إلی باب علیٍّ.

أخرجه (3) الخطیب البغدادی فی تاریخه (7 / 205) ، ابن عساکر فی تاریخه ، الکنجی فی الکفایة (ص 87) ، السیوطی فی الجمع کما فی ترتیبه (6 / 398).

14 - جابر بن سمرة ، قال : أمر رسول الله صلی الله علیه وسلم بسدِّ الأبواب کلّها غیر باب علیٍّ. فقال العبّاس : یا رسول الله قدر ما أدخل أنا وحدی وأخرج. قال : «ما أُمِرت بشیء من ذلک». فسدّها غیر باب علیٍّ. قال : وربّما مرَّ وهو جُنبٌ.

أخرجه (4) الحافظ الطبرانی فی الکبیر ، عن إبراهیم بن نائلة الأصبهانی ، عن إسماعیل بن عمرو البجلی ، عن ناصح ، عن سماک بن حرب ، عن جابر. والإسناد حسن إن لم یکن صحیحاً لمکان ناصح. والهیثمی فی مجمع الزوائد (9 / 115) ، وابن 2.

ص: 292


1- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 126 ح 4601.
2- الخصائص الکبری : 2 / 424.
3- تاریخ مدینة دمشق : 12 / 184 ، کفایة الطالب : ص 201 باب 50 ، کنز العمّال : 13 / 137 ح 36432.
4- المعجم الکبیر : 2 / 246 ح 2031 ، القول المسدّد : ص 23 ، فتح الباری : 7 / 15 ، إرشاد الساری : 8 / 167 ، السیرة الحلبیة : 3 / 346 ، نُزُل الأبرار : ص 72.

حجر فی القول المسدَّد (ص 18) ، وفتح الباری (7 / 12) ، والقسطلانی فی إرشاد الساری (6 / 81) ، والحلبی فی السیرة (3 / 374) ، والبَدَخشی فی نُزُل الأبرار (ص 35).

15 - سعد بن أبی وقّاص ، قال : أمرنا رسول الله صلی الله علیه وسلم بسدِّ الأبواب الشارعة فی المسجد ، وترک باب علیٍّ.

أخرجه أحمد فی المسند (1) (1 / 175) ، وقال ابن حجر فی فتح الباری (2) (7 / 11) : أخرجه أحمد والنسائی وإسناده قویّ. وذکره العینی فی عمدة القاری (3) (7 / 592) وقوّی إسناده.

16 - سعد بن أبی وقّاص ، قال : إنَّ رسول الله صلی الله علیه وسلم سدَّ أبواب المسجد وفتح باب علیٍّ ، فقال الناس فی ذلک! فقال : «ما أنا فتحته ولکنَّ الله فتحه»

أخرجه أبو یعلی (4) ، قال : حدّثنا موسی بن محمد بن حسّان ، حدّثنا محمد بن إسماعیل بن جعفر بن الطحّان ، حدّثنا غسّان بن بُسر الکاهلی ، عن مسلم ، عن خیثمة ، عن سعد. حکاه عنه ابن کثیر فی تاریخه (5) (7 / 342) من دون غمز فی الإسناد.

17 - سعد بن أبی وقّاص ، قال الحارث بن مالک : أتیت مکّة فلقیت سعد بن أبی وقّاص ، فقلت : هل سمعت لعلیِّ بن أبی طالب منقبة؟ قال : کنّا مع رسول الله صلی الله علیه وسلم فنودی فینا لیلاً : لیخرج من فی المسجد إلاّ آل رسول الله. فلمّا أصبح أتاه عمّه ، فقال : یا رسول الله ، أخرجت أصحابک وأعمامک وأسکنت هذا الغلام! فقال : «ما أنا الذی أمرت بإخراجکم ولا بإسکان هذا الغلام ، إنَّ الله هو أمر به». .

ص: 293


1- مسند أحمد : 1 / 285 ح 1514.
2- فتح الباری : 7 / 14.
3- عمدة القاری : 16 / 176.
4- مسند أبی یعلی : 2 / 61 ح 703.
5- البدایة والنهایة : 7 / 379 حوادث سنة 40 ه.

أخرجه النسائی فی الخصائص (1) (ص 13) ، وأخرج بإسناد آخر عنه وفیه : إنَّ العبّاس أتی النبیَّ صلی الله علیه وسلم فقال : سددتَ أبوابنا إلاّ باب علیّ! فقال : «ما أنا فتحتها ولا أنا سددتها».

18 - سعد بن أبی وقّاص ، قال : أمر رسول الله صلی الله علیه وسلم بسدِّ الأبواب إلاّ باب علیٍّ ، فقالوا : یا رسول الله سددت أبوابنا کلّها إلاّ باب علیّ. فقال : «ما أنا سددت أبوابکم ولکنَّ الله تعالی سدّها».

أخرجه أحمد ، والنسائی ، والطبرانی فی الأوسط (2) ، عن معاویة بن المیسر بن شریج ، عن الحکم بن عتیبة ، عن مصعب بن سعد ، عن أبیه. والإسناد صحیح ، رجاله کلّهم ثقات.

راجع (3) : القول المسدّد (ص 18) ، فتح الباری (7 / 11) وقال : رجال الروایة ثقاتٌ ، إرشاد الساری (6 / 81) وقال : وقع عند أحمد والنسائی إسنادٌ قویٌّ ، وفی روایة الطبرانی برجال ثقات ، نُزُل الأبرار (ص 34) وقال : أخرجه أحمد والنسائی والطبرانی بأسانید قویّة ، عمدة القاری (7 / 592).

19 - أنس بن مالک ، قال : لمّا سدَّ النبیُّ صلی الله علیه وسلم أبواب المسجد أتته قریشٌ فعاتبوه ، فقالوا : سددتَ أبوابنا وترکتَ باب علیٍّ. فقال : «ما بأمری سددتها ولا بأمری فتحتها».

أخرجه الحافظ العقیلی (4) ، عن محمد بن عبدوس ، عن محمد بن حمید ، عن تمیم ابن عبد المؤمن ، عن هلال بن سوید ، عن أنس. 3.

ص: 294


1- خصائص أمیر المؤمنین : ص 62 ح 40 ، وفی السنن الکبری : 5 / 118 ح 8425.
2- المعجم الأوسط : 4 / 553 ح 3942.
3- القول المسدّد : ص 22 ، فتح الباری : 7 / 14 ، إرشاد الساری : 8 / 167 ، نُزُل الأبرار : ص 71 ، عمدة القاری : 16 / 176.
4- الضعفاء الکبیر : 4 / 346 رقم 1953.

20 - بُریدة الأسلمیّ ، قال : أمر رسول الله صلی الله علیه وسلم بسدِّ الأبواب ، فشقَّ ذلک علی أصحابه ، فلمّا بلغ ذلک رسول الله صلی الله علیه وسلم دعا الصلاة جامعة ، حتی إذا اجتمعوا صعد المنبر ولمن سمع لرسول الله صلی الله علیه وسلم تحمیداً وتعظیماً فی خطبة مثل یومئذٍ ، فقال : «یا أیّها الناس ما أنا سددتها ولا أنا فتحتها بل الله فتحها وسدّها» ثمَّ قرأ : (وَالنَّجْمِ إِذا هَوی * ما ضَلَّ صاحِبُکُمْ وَما غَوی * وَما یَنْطِقُ عَنِ الْهَوی * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْیٌ یُوحی) (1).

فقال رجلٌ : دع لی کوّةً فی المسجد. فأبی وترک باب علیٍّ مفتوحاً ، فکان یدخل ویخرج منه وهو جُنب. أخرجه أبو نعیم فی فضائل الصحابة.

21 - أمیر المؤمنین علیه السلام ، قال : «لمّا أمر رسول الله صلی الله علیه وسلم بسدِّ الأبواب التی فی المسجد ، خرج حمزة یجرُّ قطیفة حمراء وعیناه تذرفان یبکی ، فقال : ما أنا أخرجتک وما أنا أسکنته ولکنَّ الله أسکنه». أخرجه الحافظ أبو نعیم فی فضائل الصحابة.

22 - أمیر المؤمنین علیه السلام ، قال : «أخذ رسول الله صلی الله علیه وسلم بیدی ، فقال : إنَّ موسی سأل ربّه أن یطهِّر مسجده بهارون ، وإنّی سألت ربّی أن یطهِّر مسجدی بک وبذرّیتک ، ثمَّ أرسل إلی أبی بکر : أن سدّ بابک. فاسترجع ، ثمَّ قال : سمعاً وطاعة. فسدَّ بابه ، ثمَّ أرسل إلی عمر ، ثمَّ أرسل إلی العبّاس بمثل ذلک ، ثمَّ قال رسول الله صلی الله علیه وسلم : ما أنا سددت أبوابکم وفتحت باب علیٍّ ، ولکنَّ الله فتح باب علیٍّ وسدَّ أبوابکم».

أخرجه الحافظ البزّار (2). راجع : مجمع الزوائد (9 / 115) ، کنز العمّال (3) (6 / 408) ، السیرة الحلبیّة (4) (3 / 374).

23 - أمیر المؤمنین علیه السلام ، قال : «قال رسول الله صلی الله علیه وسلم : انطلق فمرهم فلیسدّوا 6.

ص: 295


1- النجم : 1 - 4.
2- مسند البزّار : 2 / 144 ح 506.
3- کنز العمّال : 13 / 175 ح 36521.
4- السیرة الحلبیّة : 3 / 346.

أبوابهم. فانطلقت ، فقلت لهم ففعلوا إلاّ حمزة ، فقلت : یا رسول الله ، فعلوا إلاّ حمزة. فقال رسول الله : قل لحمزة : فلیحوِّل بابه. فقلت : إنَّ رسول الله یأمرک أن تحوِّل بابک. فحوّله ، فرجعت إلیه وهو قائمٌ یصلّی ، فقال : ارجع إلی بیتک».

أخرجه البزّار (1) بإسناد رجاله ثقات. ورواه الهیثمی فی مجمع الزوائد (9 / 115) ، والسیوطی فی جمع الجوامع کما فی الکنز (2) (6 / 408) وضعّفه لمکان حبّة العرنی ، وقد مرَّ (1 / 24) : أنَّه ثقةٌ ، والحلبی فی السیرة (3 / 374).

وأنت إذا أحطتَ خُبراً بهذه الأحادیث وإخراج الأئمّة لها بتلک الطرق الصحیحة ، وشفعتها بقول ابن حجر فی فتح الباری (3) ، والقسطلانی فی إرشاد الساری (4) (6 / 81) من : أنَّ کلَّ طریق منها صالحٌ للاحتجاج فضلاً عن مجموعها. فهل تجد مساغاً لما یحسبه ابن تیمیّة من أنَّ الحدیث من موضوعات الشیعة؟ فهل فی هؤلاء أحد من الشیعة؟ أو أنَّ من المحتمل الجائز الذی یرتضیه أصحاب الرجل أن یکون فی هذه الکتب شیء من موضوعات الشیعة؟ وهل ینقم علی الشیعة موافقتهم للقوم فی إخراجهم الحدیث بطرقهم المختصّة بهم؟

وأنا لا أحتمل أنَّ الرجل لم یقف علی هذه کلّها ، غیر أنّ الحنق قد أخذ بخناقه فلم یدع له سبیلاً إلاّ قذف الحدیث بما قذف غیر مکترث لما سیلحقه من جرّاء ذلک الإفک من نقد ومناقشة ، والمساءلة غداً عند الله أشدّ وأخزی. وتبعه تلمیذه المغفّل ابن کثیر فی تفسیره (1 / 501) فقال بعد ذکر - سدّوا کلَّ خوخة فی المسجد إلاّ خوخة أبی بکر - : ومن روی إلاّ باب علیّ - کما فی بعض السنن - فهو خطأ ، والصواب ما ثبت فی الصحیح.7.

ص: 296


1- مسند البزّار : 2 / 318 ح 750.
2- کنز العمّال : 13 / 175 ح 36522.
3- فتح الباری : 7 / 15.
4- إرشاد الساری : 8 / 167.

وقد بلغ من إخبات العلماء إلی حدیث سدِّ الأبواب أنَّهم تحرّوا (1) وجه الجمع - وإن لم یکن مرضیّا عندنا - بینه وبین الحدیث الذی أورده فی أبی بکر ، ولم یقذفه أحد غیر ابن الجوزی - شقیق ابن تیمیّة فی المخاریق - بمثل ما قذفه ابن تیمیّة.

وهناک لأئمّة القوم وحفّاظهم کلمات ضافیة حول الحدیث وصحّته والبخوع له ، لا یسعنا ذکر الجمیع ، غیر أنّا نقتصر منها علی کلمات الحافظ ابن حجر. قال فی فتح الباری (2) (7 / 12) - بعد ذکر ستّة من الأحادیث المذکورة - : هذه الأحادیث یقوّی بعضها بعضاً ، وکلُّ طریق منها صالحة للاحتجاج فضلاً عن مجموعها ، وقد أورد ابن الجوزی هذا الحدیث فی الموضوعات ، أخرجه من حدیث سعد بن أبی وقّاص ، وزید ابن أرقم ، وابن عمر ، مقتصراً علی بعض طرقه عنهم ، وأعلّه ببعض من تکلّم فیه من رواته ولیس ذلک بقادح لما ذکرت من کثرة الطرق ، وأعلّه أیضاً بأنّه مخالف للأحادیث الصحیحة الثابتة فی باب أبی بکر ، وزعم أنّه من وضع الرافضة قابلوا به الحدیث الصحیح فی باب أبی بکر. انتهی. وأخطأ فی ذلک خطأً شنیعاً ، فإنَّه سلک فی ذلک ردَّ الأحادیث الصحیحة بتوهّمه المعارضة - بینها وبین ما ورد فی أبی بکر - ، مع أنَّ الجمع بین القصّتین ممکن ، وقد أشار إلی ذلک البزّار فی مسنده ، فقال : ورد من روایات أهل الکوفة بأسانید حسان فی قصّة علیٍّ ، وورد من روایات أهل المدینة فی قصّة أبی بکر ، فإن ثبتت روایات أهل الکوفة فالجمع بینهما بما دلَّ علیه حدیث أبی سعید الخدری (3) ، یعنی الذی أخرجه الترمذی (4) : أن النبیَّ صلی الله علیه وسلم قال : «لا یحلُّ لأحد أن یطرق هذا المسجد جُنباً غیری وغیرک». والمعنی : أنَّ باب علیٍّ کان إلی جهة 7.

ص: 297


1- منهم : أبو جعفر الطحاوی فی مشکل الآثار ، ابن کثیر فی تاریخه [7 / 379 حوادث سنة 40 ه] ، ابن حجر فی غیر واحد من کتبه [فتح الباری : 7 / 15] ، السیوطی فی اللآلئ [1 / 346 - 351] ، القسطلانی فی إرشاد الساری [8 / 167] ، العینی فی عمدة القاری [16 / 176]. (المؤلف)
2- فتح الباری : 7 / 15.
3- مسند البزّار : 4 / 36 ح 1197.
4- سنن الترمذی : 5 / 597 ح 3727.

المسجد ولم یکن لبیته بابٌ غیره ، فلذلک لم یُؤمر بسدِّه ، ویؤیِّد ذلک ما أخرجه إسماعیل القاضی فی أحکام القرآن ، من طریق المطّلب بن عبد الله بن حنطب : أنَّ النبیَّ صلی الله علیه وسلم لم یأذن لأحد أن یمرَّ فی المسجد وهو جُنبٌ إلاّ لعلیِّ بن أبی طالب ، لأنَّ بیته کان فی المسجد.

ومحصَّل الجمع : أنَّ الأمر بسدِّ الأبواب وقع مرّتین : ففی الأولی استُثنی علیٌّ لما ذُکر ، وفی الأخری استُثنی أبو بکر ، ولکن لا یتمّ ذلک إلاّ بأن یُحمل ما فی قصّة علیٍّ علی الباب الحقیقیِّ ، وما فی قصّة أبی بکر علی الباب المجازی ، والمراد به الخوخة کما صرّح به فی بعض طرقه ، وکأنَّهم لمّا أُمروا بسدِّ الأبواب سدّوها وأحدثوا خوخاً یستقربون الدخول إلی المسجد منها ، فأُمروا بعد ذلک بسدِّها ، فهذه طریقةٌ لا بأس بها فی الجمع بین الحدیثین ؛ وبها جمع بین الحدیثین المذکورین : أبو جعفر الطحاویّ فی مشکل الآثار ، وهو فی أوائل الثلث الثالث منه ، وأبو بکر الکلاباذی فی معانی الأخبار ، وصرّح بأنَّ بیت أبی بکر کان له بابٌ من خارج المسجد وخوخة إلی داخل المسجد ، وبیت علیٍّ لم یکن له بابٌ إلاّ من داخل المسجد. والله أعلم.

وقال فی القول المسدَّد (1) (ص 16) : قول ابن الجوزی فی هذا الحدیث : إنَّه باطلٌ وإنَّه موضوعٌ دعوی لم یستدلّ علیها إلاّ بمخالفة الحدیث الذی فی الصحیحین ، وهذا إقدامٌ علی ردِّ الأحادیث الصحیحة بمجرّد التوهّم ، ولا ینبغی الإقدام علی الحکم بالوضع إلاّ عند عدم إمکان الجمع ، ولا یلزم من تعذّر الجمع فی الحال أنَّه لا یمکن بعد ذلک ، إذ فوق کلّ ذی علم علیم ، وطریق الورع مثل هذا أن لا یُحکم علی الحدیث بالبطلان ، بل یُتوقّف فیه إلی أن یظهر لغیره ما لم یظهر له.

وهذا الحدیث من هذا الباب هو حدیث مشهور ، له طرق متعدِّدة ، کلُّ طریق منها علی انفراده لا تقصر عن رتبة الحسن ، ومجموعها ممّا یُقطع بصحّته علی طریقة 4.

ص: 298


1- القول المسدّد : ص 19 و 23 ، 24.

کثیر من أهل الحدیث ، وأمّا کونه معارضاً لما فی الصحیحین فغیر مسلّم ، لیس بینهما معارضة.

وقال فی (ص 19) : هذه الطرق المتظافرة بروایات الثقات تدلُّ علی أنَّ الحدیث صحیح دلالة قویّة ، وهذه غایة نظر المحدِّث.

وقال فی (ص 19) بعد الجمع بین القصّتین : وظهر بهذا الجمع أن لا تعارض ، فکیف یُدَّعی الوضع علی الأحادیث الصحیحة بمجرّد هذا التوهّم؟ ولو فُتح الباب لردِّ الأحادیث لادُّعی فی کثیر من الأحادیث الصحیحة البطلان ، لکن یأبی الله ذلک والمؤمنون. انتهی.

وأمّا ما استصحّه من حدیث الخلّة والخوخة فهو موضوعٌ تجاه هذا الحدیث کما قال ابن أبی الحدید فی شرحه (1) (3 / 17) : إنَّ سدَّ الأبواب کان لعلیٍّ علیه السلام فقلبته البکریّة إلی أبی بکر ، وآثارالوضع فیه لائحةٌ لا تخفی علی المنقِّب.

منها : أنَّ الأخذ بمجامع هذه الأحادیث یعطی خُبراً بأنَّ سدَّ الأبواب الشارعة فی المسجد کان لتطهیره عن الأدناس الظاهریّة والمعنویّة ، فلا یمرُّ به أحدٌ جُنباً ولا یجنب فیه أحدٌ.

وأمّا ترک بابه صلی الله علیه وآله وسلم وباب أمیر المؤمنین علیه السلام فلطهارتهما عن کلِّ رجس ودنس بنصِّ آیة التطهیر ، حتی إنَّ الجنابة لا تحدث فیهما من الخبث المعنویِّ ما تحدث فی غیرهما ، کما یعطی ذلک التنظیر بمسجد موسی الذی سأل ربّه أن یطهِّره لهارون وذرّیته ، أو أنَّ ربّه أمره أن یبنی مسجداً طاهراً لا یسکنه إلاّ هو وهارون ، ولیس المراد تطهیره من الأخباث فحسب ، فإنَّه حکم کلِّ مسجد.

ویعطیک خبراً بما ذکرناه ما مرَّ فی الأحادیث من : أنَّ أمیر المؤمنین علیه السلام کان 3.

ص: 299


1- شرح نهج البلاغة : 11 / 49 خطبة 203.

یدخل المسجد وهو جُنب (1) ، وربما مرَّ وهو جُنبٌ (2) ، وکان یدخل ویخرج منه وهو جُنبٌ (3) ، وما ورد عن أبی سعید الخدری من قوله صلی الله علیه وآله وسلم : «لا یحلُّ لأحد أن یجنب فی هذا المسجد غیری وغیرک» (4).

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «ألا إنَّ مسجدی حرامٌ علی کلِّ حائض من النساء ، وکلِّ جُنُبٍ من الرجال ، إلاّ علی محمد وأهل بیته : علیّ ، وفاطمة ، والحسن ، والحسین» (5).

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «ألا لا یحلُّ هذا المسجد لجُنب ولا لحائض إلاّ لرسول الله ، وعلیّ ، وفاطمة ، والحسن ، والحسین ، ألا قد بیّنت لکم الأسماء أن لا تضلّوا». سنن البیهقی (7 / 65).

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم لعلیٍّ : «أمّا أنت فإنَّه یحلُّ لک فی مسجدی ما یحلُّ لی ، ویحرم علیک ما یحرم علیَّ». فقال له حمزة بن عبد المطّلب : یا رسول الله أنا عمّک وأنا أقرب إلیک من علیٍّ. قال : «صدقت یا عمّ ، إنَّه والله ما هو عنّی ، إنَّما هو عن الله تعالی» (6). ف)

ص: 300


1- راجع حدیث ابن عباس : ص 205. (المؤلف)
2- راجع لفظ جابر بن سمرة : ص 206. (المؤلف)
3- راجع ما مرّ من بریدة الأسلمی : ص 208. (المؤلف)
4- أخرجه الترمذی فی جامعه : 2 / 214 [5 / 597 ح 3727] ، البیهقی فی سننه : 7 / 66 ، البزّار [فی مسنده : 4 / 36 ح 1197] ، ابن مردویه ، ابن منیع فی مسنده ، البغوی فی المصابیح : 2 / 267 [4 / 175 ح 4774] ، ابن عساکر فی تاریخه [12 / 185 ، وفی ترجمة الإمام علیّ بن أبی طالب علیه السلام - الطبعة المحقّقة - : رقم 331] ، محبّ الدین فی الریاض : 2 / 193 [3 / 140] ، ابن کثیر فی تاریخه : 7 / 342 [7 / 379 حوادث سنة 40 ه] ، سبط ابن الجوزی فی التذکرة : ص 25 [ص 42] ، ابن حجر فی الصواعق [ص 123] ، ابن حجر فی فتح الباری : 7 / 12 [7 / 15] ، السیوطی فی تاریخ الخلفاء : ص 115 [ص 161] ، البَدَخشی فی نُزُل الأبرار : ص 37 [ص 74] ، الحلبی فی السیرة : 3 / 374 [3 / 347]. (المؤلف)
5- البیهقی فی سننه : 7 / 65 ، الحلبی فی السیرة : 3 / 375 [3 / 347]. (المؤلف)
6- أخرجه أبو نعیم فی فضائل الصحابة ، ومن طریقه الحمّوئی فی الفرائد [1 / 206 ح 161] فی الباب 41. (المؤلف)

وقول المطّلب بن عبد الله بن حنطب : إنَّ النبیَّ صلی الله علیه وسلم لم یکن أذِن لأحد أن یمرَّ فی المسجد ولا یجلس فیه وهو جُنبٌ ، إلاّ علیّ بن أبی طالب لأنَّ بیته کان فی المسجد (1).

أخرجه الجصّاص بالإسناد ، فقال : فأخبر فی هذا الحدیث بحظر النبیِّ صلی الله علیه وسلم الاجتیاز کما حظر علیهم القعود ، وما ذکر من خصوصیّة علیّ رضی الله عنه فهو صحیحٌ ، وقول الراوی : لأنّه کان بیته فی المسجد ظنٌّ منه ؛ لأنَّ النبیَّ صلی الله علیه وسلم قد أمر فی الحدیث الأوّل بتوجیه البیوت الشارعة إلی غیره ، ولم یبح لهم المرور لأجل کون بیوتهم فی المسجد ، وإنَّما کانت الخصوصیّة فیه لعلیّ رضی الله عنه دون غیره ، کما خصّ جعفر بأنَّ له جناحین فی الجنّة دون سائر الشهداء ، وکما خصّ حنظلة بغسل الملائکة له حین قُتل جُنباً ، وخصّ دحیة الکلبی بأنَّ جبریل کان ینزل علی صورته ، وخصّ الزبیر بإباحة ملبس الحریر لَمّا شکا من أذی القمّل ، فثبت بذلک أنَّ سائر الناس ممنوعون من دخول المسجد مجتازین وغیر مجتازین. انتهی.

فزبدة المخض من هذه کلّها : أنَّ إبقاء ذلک الباب والإذن لأهله بما أذِن الله لرسوله - ممّا خصّ به - مبتنٍ علی نزول آیة التطهیر النافیة عنهم کلَّ نوع من الرجاسة.

ویشهد لذلک حدیث مناشدة یوم الشوری ، وفیه قال أمیر المؤمنین علیه السلام : «أفیکم أحد یطهِّره کتاب الله غیری حتی سدَّ النبیُّ صلی الله علیه وآله وسلم أبواب المهاجرین جمیعاً وفتح بابی إلیه حتی قام إلیه عمّاه حمزة والعبّاس ، وقالا : یا رسول الله سددت أبوابنا وفتحت باب علیّ ، فقال النبیُّ صلی الله علیه وآله وسلم : ما أنا فتحت بابه ولا سددت أبوابکم ، بل الله فتح بابه وسدَّ أبوابکم؟». فقالوا : لا. ف)

ص: 301


1- أخرجه الجصّاص فی أحکام القرآن : 2 / 248 [2 / 402] ، والقاضی إسماعیل المالکی فی أحکام القرآن کما فی القول المسدّد لابن حجر : ص 19 [ص 24] وقال : مرسل قویّ ، ویوجد فی تفسیر الزمخشری : 1 / 366 [الکشّاف : 1 / 514] ، وفتح الباری : 7 / 12 [7 / 15] ، ونُزُل الأبرار : ص 37 [ص 74]. (المؤلف)

ولم یکن أبو بکر من أهل هذه الآیة حتی یُفتح له بابٌ أو خوخةٌ ، فالفضل مخصوصٌ بمن طهَّره الکتاب الکریم.

ومنها : أنَّ مقتضی هذه الأحادیث أنَّه لم یبقَ بعد قصّة سدِّ الأبواب بابٌ یُفتح إلی المسجد سوی باب الرسول العظیم وابن عمِّه ، وحدیث خوخة أبی بکر یصرِّح بأنَّه کانت هناک أبوابٌ شارعة ، وسیوافیک البعد الشاسع (1) بین القصّتین.

وما ذکروه من الجمع بحمل الباب فی قصّة أمیر المؤمنین علیه السلام علی الحقیقة وفی قصّة أبی بکر علی التجوّز بإطلاقه علی الخوخة ، وقولهم : کأنَّهم (2) لمّا أُمروا بسدِّ الأبواب سدّوها ، وأحدثوا خوَخاً یستقربون الدخول إلی المسجد منها ، فأُمروا بعد ذلک بسدِّها ، تبرُّعیّ (3) لا شاهد له ، بل یکذِّبه أنَّ ذلک ما کان یتسنّی لهم نصب عین النبیِّ ، وقد أمرهم بسدِّ الأبواب لئلاّ یدخلوا المسجد منها ، ولا یکون لهم ممرٌّ به ، فکیف یمکنهم إحداث ما هو بمنزلة الباب فی الغایة المبغوضة للشارع؟ ولذلک لم یترک لعمّیه حمزة والعبّاس ممرّا یدخلان منه وحدهما ویخرجان منه ، ولم یترک لمن أراد کوّةً یشرف بها علی المسجد ، فالحکم الواحد لا یختلف باختلاف أسماء الموضوع مع وحدة الغایة ، وإرادة الخوخة من الباب لا تبیح المحظور ولا تغیِّر الموضوع.

ومنها : ما مرّ (ص 204) من قول عمر بن الخطّاب فی أیّام خلافته : لقد أُعطی علیُّ بن أبی طالب ثلاث خصال لَأن تکون لی خصلةٌ منها أحبّ إلیَّ من أن أُعطی حُمر النعم. الحدیث.

ومثله قول عبد الله بن عمر فی صحیحته التی أسلفناها بلفظه (ص 203). فتراهما یعدّان هذه الفضائل الثلاث خاصّة لأمیر المؤمنین لم یحظ بهنّ غیره ، لا سیّما ه.

ص: 302


1- یأتی أنّ الأوّل فی أوّل الأمر ، والآخر فی مرضه حین بقی من عمره ثلاثة أیّام أو أقل. (المؤلف)
2- تجد هذه العبارة فی فتح الباری : 7 / 12 [7 / 15] ، عمدة القاری : 7 / 592 [16 / 176] ، نُزُل الأبرار : ص 37 [ص 74]. (المؤلف)
3- خبر لقوله السابق : وما ذکروه. والجمع التبرّعی هو الجمع الاستحسانی الذی لا دلیل علیه.

أنّ ابن عمر یری فی أوّل حدیثه أنّ خیر الناس بعد رسول الله : أبو بکر ثمَّ أبوه ، لکنَّه مع ذلک لا یشرک أبا بکر مع أمیر المؤمنین علیه السلام فی حدیث الباب ولا الخوخة.

فلو کان لحدیث أبی بکر مقیلٌ من الصحّة فی عصر الصحابة المشافهین لصاحب الرسالة صلی الله علیه وآله وسلم والسامعین حدیثه لَما تأتّی منهما هذا السیاق.

علی أنَّ هذه الکلمة علی فرض صدورها منه صلی الله علیه وآله وسلم صدرت أیّام مرضه ، فما الفرق بینها وبین حدیث الکتف والدواة المرویِّ فی الصحاح والمسانید؟ فلما ذا یؤمن ابن تیمیّة ببعض ویکفر ببعض؟

وشتّان بین حدیث الکتف والدواة وبین فتح الخوخة لأبی بکر ، فإنَّ الأوّل کما هو المتسالم علیه وقع یوم الخمیس ، وحدیث ابن عبّاس : یوم الخمیس وما یوم الخمیس؟! لا یخفی علی أیِّ أحد. فأجازوا حوله ما قیل فیه والنبیُّ یخاطبهم ویقول : «لا ینبغی عندی تنازعٌ ، دعونی فالذی أنا فیه خیرٌ ممّا تدعوننی إلیه». وأوصی فی یومه ذلک بإخراج المشرکین من جزیرة العرب ، وإجازة الوفد بنحو ما کان یجیزهم (1) ، فلم یقولوا فی ذلک کلّه ما قیل فی حدیث الکتف والدواة.

وأمّا حدیث سدِّ الخَوخات ففی اللمعات : لا معارضة بینه وبین حدیث أبی بکر ، لأنَّ الأمر بسدِّ الأبواب وفتح باب علیٍّ کان فی أوّل الأمر عند بناء المسجد ، والأمر بسدِّ الخَوخات إلاّ خَوخة أبی بکر کان فی آخر الأمر فی مرضه حین بقی من عمره ثلاثة أو أقل (2).

وقال العینی فی عمدة القاری (3) (7 / 592) : إنّ حدیث سدِّ الأبواب کان فی آخر حیاة النبیِّ ، فی الوقت الذی أمرهم أن لا یؤمّهم إلاّ أبو بکر. والمتَّفق علیه من یوم 6.

ص: 303


1- طبقات ابن سعد : ص 763 [2 / 242]. (المؤلف)
2- راجع هامش جامع الترمذی : 2 / 214. (المؤلف)
3- عمدة القاری : 16 / 176.

وفاة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یوم الإثنین ، فعلی هذا یقع حدیث الخَوخة یوم الجمعة أو السبت ، وبطبع الحال إنَّ مرضه صلی الله علیه وآله وسلم کان یشتدّ کلّما توغّل فیه ، فما بال حدیث الخوخة لم یحظَ بقسطٍ ممّ أحظی به حدیث الکتف والدواة عند المقدِّسین لمن قال قوله فیه؟ أنا أدری لِمَ ذلک ، والمنجِّم یدری ، والمغفَّل أیضاً یدری ، وابن عبّاس أدری به حیث یقول : الرزیّة کلُّ الرزیّة ما حال بین رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وبین أن یکتب لهم ذلک الکتاب ، من اختلافهم ولغطهم.

وممّا کذّبه ابن تیمیّة (1) من الحدیث ، قوله صلی الله علیه وآله وسلم : «أنت ولیُّ کلِّ مؤمن بعدی». قال : فإنَّ هذا موضوع باتِّفاق أهل المعرفة بالحدیث.

الجواب : کان حقّ المقام أن یقول الرجل : إنَّ هذا صحیح باتِّفاق أهل المعرفة ، غیر أنّه راقه أن یموِّه علی صحّته ویشوِّهه ببهرجته کما هو دأبه ، أفهل یحسب الرجل أنَّ من أخرج هذا الحدیث من أئمّة فنِّه لیسوا من أهل المعرفة بالحدیث؟ وفیهم إمام مذهبه أحمد بن حنبل (2) ، أخرجه بإسناد صحیح ، رجاله کلّهم ثقات ، قال : حدّثنا عبد الرزاق ، حدّثنا جعفر بن سلیمان ، حدّثنی یزید الرشک ، عن مطرف بن عبد الله ، عن عمران بن حصین ، قال : بعث رسول الله سریّة وأمّر علیها علیَّ بن أبی طالب ، فأحدث شیئاً فی سفره ، فتعاقد أربعة من أصحاب محمد أن یذکروا أمره إلی رسول الله صلی الله علیه وسلم.

قال عمران : وکنّا إذا قدمنا من سفر بدأنا برسول الله فسلّمنا علیه ، قال : فدخلوا علیه فقام رجلٌ منهم ، فقال : یا رسول الله إنَّ علیّا فعل کذا وکذا فأعرض عنه. ثمَّ قام الثانی فقال : یا رسول الله إنَّ علیّا فعل کذا وکذا فأعرض عنه. ثمَّ قام الثالث فقال : یا رسول الله إنَّ علیّا فعل کذا وکذا. ثمّ قام الرّابع فقال : یا رسول الله إنَّ علیّا فعل کذا وکذا. 6.

ص: 304


1- منهاج السنّة : 4 / 103.
2- مسند أحمد : 5 / 606 ح 19426.

قال : فأقبل رسول الله علی الرابع وقد تغیّر وجهه وقال : «دعوا علیّا ، دعوا علیّا ، دعو علیّا ، إنّ علیّا منّی وأنا منه ، وهو ولیُّ کلِّ مؤمن بعدی».

وأخرجه الحافظ أبو یعلی الموصلی (1) ، عن عبید الله بن عمر القواریری ، والحسن بن عمر الجرمی ، والمعلّی بن مهدی ، کلّهم عن جعفر بن سلیمان.

وأخرجه (2) ابن أبی شیبة ، وابن جریر الطبری وصحّحه ، وأبو نعیم الأصبهانی فی حلیة الأولیاء (6 / 294) ، ومحبّ الدین الطبری فی الریاض النضرة (2 / 171) ، والبغوی فی المصابیح (2 / 275) ولم یذکر صدره ، وابن کثیر فی تاریخه (7 / 344) ، والسیوطی ، والمتّقی فی الکنز (6 / 154 ، 300) وصحّحه ، والبَدَخشی فی نُزُل الأبرار (ص 22).

صورة أخری :

«ما تریدون من علیٍّ؟! ما تریدون من علیٍّ؟! ما تریدون من علیٍّ؟! إنَّ علیّا منّی وأنا منه ، وهو ولیُّ کلِّ مؤمن بعدی».

أخرجه بهذا اللفظ (3) : الترمذی فی جامعه (2 / 222) بإسناد صحیح رجاله کلّهم ثقات ، وکذلک النسائی فی الخصائص (ص 23) ، الحاکم النیسابوری فی المستدرک (3 / 111) (4) وصحّحه وأقرّه الذهبی ، أبو حاتم السجستانی ، محبّ الدین فی ف)

ص: 305


1- مسند أبی یعلی : 1 / 293 ح 355.
2- المصنّف : 12 / 80 ح 12170 ، الریاض النضرة : 3 / 116 ، مصابیح السنّة : 4 / 172 ح 4766 ، البدایة والنهایة : 7 / 381 حوادث سنة 40 ه ، جامع الأحادیث : 4 / 352 ح 12101 ، کنز العمّال : 11 / 608 ح 32940 ، نُزُل الأبرار : ص 56.
3- سنن الترمذی : 5 / 590 ح 3712 ، خصائص أمیر المؤمنین : ص 109 ح 89 ، وفی السنن الکبری : 5 / 132 ح 8474 ، المستدرک علی الصحیحین : 3 / 119 ح 4579 ، وکذا فی تلخیصه ، الریاض النضرة : 3 / 115 ، کنز العمّال : 11 / 599 ح 32883 ، نُزُل الأبرار : ص 55.
4- لفظة : ما تریدون من علیّ ، فی لفظ الحاکم غیر مکرّرة. (المؤلف)

الریاض (2 / 71) ، ابن حجر فی الإصابة (2 / 509) وقال : إسنادٌ قویٌّ ، السیوطی فی الجمع کما فی ترتیبه (6 / 152) ، البَدَخشی فی نُزُل الأبرار (ص 22).

إسناد آخر :

أخرج (1) أبو داود الطیالسی ، عن شعبة ، عن أبی بلج ، عن عمرو بن میمون ، عن ابن عبّاس : أنّ رسول الله صلی الله علیه وسلم قال لعلیٍّ : «أنت ولیُّ کلِّ مؤمن بعدی». تاریخ ابن کثیر (7 / 345) ، والإسناد کما مرَّ غیر مرّة صحیح ، رجاله کلّهم ثقات.

فإن کان هؤلاء الحفّاظ والأعلام خارجین عن أهل المعرفة بالحدیث فعلی إسلام ابن تیمیّة السلام ، وإن کانوا غیر داخلین فی الاتِّفاق فعلی معرفته العفاء. وإن کان لم یُحِط خُبراً بإخراجهم الحدیث حین قال ما قال ، فَزِهْ بطول باعه فی الحدیث. وإن لم یکن لا ذاک ولا هذا فمرحباً بصدقه وأمانته علی ودائع النبوّة.

هذه نبذة یسیرة من مخاریق ابن تیمیّة ، ولو ذهبنا إلی استیفاء ما فی منهاج بدعته من الضلالات ، والأکاذیب ، والتحکّمات ، والتقوّلات ، فعلینا أن نعید استنساخ مجلّداته الأربع ونردفها بمجلّدات فی ردِّها ، ولم أجد بیاناً یعرب عن حقیقة الرجل ویمثِّلها للملإ العلمیِّ ، غیر أنّی أقتصر علی کلمة الحافظ ابن حجر فی کتابه الفتاوی الحدیثیة (2) (ص 86) قال : ابن تیمیّة عبدٌ خذله الله وأضلّه وأعماه وأصمّه وأذلّه ، وبذلک صرّح الأئمّة الذین بیّنوا فساد أحواله وکذب أقواله ، ومن أراد ذلک فعلیه بمطالعة کلام الإمام المجتهد المتَّفق علی إمامته وجلالته وبلوغه مرتبة الاجتهاد أبی الحسن السبکی وولده التاج والشیخ الإمام العزّ بن جماعة ، وأهل عصرهم وغیرهم من الشافعیّة والمالکیّة والحنفیّة ، ولم یقصر اعتراضه علی متأخِّری الصوفیّة ، بل اعترض علی مثل عمر بن الخطّاب وعلیِّ بن أبی طالب رضی الله عنهما. 4.

ص: 306


1- مسند أبی داود الطیالسی ص 360 ح 2752 ، البدایة والنهایة : 7 / 381 حوادث سنة 40 ه.
2- الفتاوی الحدیثیة : ص 114.

والحاصل : أن لا یُقام لکلامه وزنٌ بل یُرمی فی کلِّ وعرٍ وحزَن ، ویُعتقد فیه أنَّه مبتدعٌ ضالٌّ مضلٌّ غالٍ ، عامله الله بعدله ، وأجارنا من مثل طریقته وعقیدته وفعله ، آمین. إلی أن قال : إنَّه قائلٌ بالجهة ، وله فی إثباتها جزءٌ ، ویلزم أهل هذا المذهب الجسمیّة والمحاذاة والاستقرار ، أی فلعلّه فی بعض الأحیان کان یصرِّح بتلک اللوازم فنُسبت إلیه ، سیّما ومن نسب إلیه ذلک من أئمّة الإسلام المتَّفق علی جلالته وإمامته ودیانته ، وإنَّه الثقة العدل المرتضی المحقِّق المدقِّق ، فلا یقول شیئاً إلاّ عن تثبّت وتحقّق ومزید احتیاطٍ وتحرٍّ ، سیّما إن نسب إلی مسلم ما یقتضی کفره وردّته وضلاله وإهدار دمه.

(وَیْلٌ لِکُلِّ أَفَّاکٍ أَثِیمٍ* یَسْمَعُ آیاتِ اللهِ تُتْلی عَلَیْهِ ثُمَّ یُصِرُّ مُسْتَکْبِراً کَأَنْ لَمْ یَسْمَعْها فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِیمٍ) (1)

7 - البدایة والنهایة

7 - البدایة والنهایة (2)

لا تنسَ ما لهذا الکتاب من التولّع فی الفریة والتهالک دون القذائف والشتائم والطعن من غیر مبرّر ، وإنَّ رمیّة (3) کلّ هاتیک الطامّات الشیعة لا غیرهم ؛ وبذلک أخرج کتابه من بساطة التاریخ إلی هملجة التحامل ، والنعرات القومیة (4) ، والنزول علی حکم العاطفة ، إلی غیرها مما یوجب تعکیر الصفو وإقلاق السلام وتفریق الکلمة.

زد علی ذلک محادّته لأهل البیت علیهم السلام ونصبه العداء لهم ، حتی إذا وقف علی فضیلة ة.

ص: 307


1- الجاثیة : 7 ، 8.
2- تألیف الحافظ عماد الدین أبی الفداء بن کثیر الدمشقی : المتوفّی 774. (المؤلف)
3- الرمیّة : هی ما یکون هدفاً للرامی.
4- مراد المؤلف قدس سره من ذلک التعصّب للرأی الذی یجتمع علیه القوم أو الجماعة.

صحیحة لأحدهم ، أو جری ذکر أوحدیّ منهم ، قذف الأولی بالطعن والتکذیب وعدم الصحّة ، وشنّ علی الثانی غارة شعواء ، کلّ ذلک بعد نزعته الأمویّة الممقوتة. وإلیک نماذج ممّا ذکر :

1 - قال : ذکر ابن إسحاق وغیره من أهل السیر والمغازی : أنَّ رسول الله صلی الله علیه وسلم آخی بینه - یعنی علیّا - وبین نفسه ، وقد ورد فی ذلک أحادیث کثیرة لا یصحُّ شیء منها لضعف أسانیدها ورکّة بعض متونها ، قاله فی (1) (7 / 223) ، وقال فی (ص 335) - بعد روایته من طریق الحاکم - : قلت : وفی صحّة هذا الحدیث نظر.

الجواب : إنَّ القارئ إذا ما راجع ما مرّ فی (ص 112 - 125 و 174) ، ووقف هناک علی طرق الحدیث الکثیرة الصحیحة ، وثقة رجالها ، وإطباق الأئمّة والحفّاظ وأرباب السیر علی إخراجه وتصحیحه ، یعرف قیمة کلمة الرجل ومحلّه من الصدق ، ویعلم أن لا وجه للنظر فیه إلاّ بواعث ابن کثیر ، واندفاعه إلی مناوأة أهل البیت ، الناشئ عن نزعته الأمویّة ، والمتربّی فی عاصمة الأمویِّین ، المتأثِّر بنزعاتهم الأهوائیّة ، لا ینقطع عن الوقیعة فی مناقب سیّد هذه الأمّة بعد نبیِّها المتسالم علیها ، فدعه وترکاضه مع الهوی.

2 - ذکر حدیث الطیر المتواتر الصحیح ، الذی خضع لتواتره وصحّته أئمّة الحدیث ، ثمَّ تخلّص منه بقوله (2) (ص 353) : وبالجملة ففی القلب من صحّة هذا الحدیث نظرٌ وإن کثرت طرقه ، والله أعلم.

الجواب : هذا قلبٌ طبع الله علیه ، وإلاّ فما وجه ذلک النظر بعد تمام شرائط الصحّة فیه؟! ولیس من البدع أن یکون أیُّ أحدٍ من الناس أحبَّ الخلق إلی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ولیس لأحد حقّ النقد ولا الاعتراض علیه ، فکیف بمثل أمیر المؤمنین علیه السلام.

ص: 308


1- البدایة والنهایة : 7 / 250 حوادث سنة 35 ه ، ص 371 حوادث سنة 40 ه.
2- البدایة والنهایة : ص 390 حوادث سنة 40 ه.

الذی لا تُنکر سابقته وفضائله ، وهو نفسه ، وابن عمِّه ، وأخوه من دون الناس ، وزُلفته إلیه ، وقربه منه ، ومکانته واختصاصه به ، وتهالکه دون دینه الحنیف ، کلّها من الواضح الذی لا یجلّله أیُّ ستار. وسنوقفک علی الحدیث وطرقه المتکثّرة الصحیحة ، ونعرِّفک هناک أنَّ النظر فی صحّته شارة الأمویّة ، وسمة رَیْن (1) القلب ، واتِّباع الهوی.

3 - قال : وما یتوهّمه بعض العوام بل هو مشهورٌ بین کثیر منهم : أنّ علیّا هو الساقی علی الحوض فلیس له أصلٌ ، ولم یجئ من طریق مرضیٍّ یُعتمد علیه ، والذی ثبت : أنّ رسول الله صلی الله علیه وسلم هو الذی یسقی الناس (2) (7 / 355).

الجواب : لا یحسب القارئ أنّ هذا وهمٌ من رأی العوام فحسب ، وقد أفک الرجل فی حکمه الباتّ ، وقد جاء الحدیث بطریق مرضیٍّ یُعتمد علیه ، وأخرجه الحفّاظ الأثبات مخبتین إلیه ، راجع الجزء الثانی من کتابنا (ص 321).

4 - ذکر فی (3) (7 / 334) حدیثاً صحیحاً بإسناد الإمام أحمد والترمذی فی إسلام أمیر المؤمنین ، وأنَّه أوّل من أسلم وصلّی ، ثمَّ أردفه بقوله : وهذا لا یصحُّ من أیِّ وجهٍ کان روی عنه. وقد ورد فی أنَّه أوّل من أسلم من هذه الأمّة ، أحادیث کثیرة لا یصحّ منها شیءٌ .. إلخ.

الجواب : ألا مُسائل هذا الرجل لِمَ لا یصحُّ شیء منها من أیّ وجهٍ کان ، والطرق صحیحة ، والرجال ثقات ، والحفّاظ حکموا بصحّته ، وأرباب السیر أطبقوا علیه ، وکان من المتسالم علیه بین الصحابة الأوّلین والتابعین لهم بإحسان؟

ونحن لو نقتصر علی کلمتنا هذه یحسبها القارئ دعوی مجرّدة لدة دعوی ابن کثیر - أعاذنا الله من مثلها - وتخفی علیه جلیّة الحال ، فیهمّنا ذکر نزْر ممّا یدلُّ علی 0.

ص: 309


1- الرَّیْن : الدنس یغشی القلب.
2- البدایة والنهایة : 7 / 392 حوادث سنة 40 ه.
3- البدایة والنهایة : ص 370.

المدَّعی ، وإن لم یسعنا إیراد کثیر منه روماً للاختصار.

النصوص النبویّة :

1 - قال صلی الله علیه وآله وسلم : «أوّلکم وارداً - وروداً - علیَّ الحوض أوّلکم إسلاماً ، علیُّ بن أبی طالب».

أخرجه (1) الحاکم فی المستدرک (3 / 136) وصحّحه ، والخطیب البغدادی فی تاریخه (2 / 81) ، ویوجد فی الاستیعاب (2 / 457) ، شرح ابن أبی الحدید (3 / 258).

وفی لفظ : «أوّل هذه الأمّة وروداً علی الحوض أوّلها إسلاماً ، علیُّ بن أبی طالب رضی الله عنه» ، السیرة الحلبیّة (1 / 285) ، سیرة زینی دحلان (1 / 188) هامش الحلبیّة.

وفی لفظ : «أوّل الناس وروداً علی الحوض أوّلهم إسلاماً ، علیُّ بن أبی طالب». مناقب الفقیه ابن المغازلی ، مناقب الخوارزمی.

2 - قال صلی الله علیه وآله وسلم لفاطمة : «زوّجتکِ خیر أمّتی ، أعلمهم علماً ، وأفضلهم حلماً ، وأوّلهم سلما». راجع ما مرَّ (ص 95).

3 - قال صلی الله علیه وآله وسلم لفاطمة : «إنَّه لأوّل أصحابی إسلاماً - أو : أقدم أمّتی سلماً -».

حدیث صحیحٌ. راجع (ص 95)

4 - أخذ صلی الله علیه وآله وسلم بید علیٍّ ، فقال : «إنَّ هذا أوّل من آمن بی ، وهذا أوّل من یصافحنی یوم القیامة ، وهذا الصدِّیق الأکبر». راجع الجزء الثانی (ص 313 ، 314)

5 - عن أبی أیّوب ، قال : قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «لقد صلّت الملائکة علیَ 5.

ص: 310


1- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 147 ح 4662 ، الاستیعاب : القسم الثالث / 1091 رقم 1855 ، شرح نهج البلاغة : 13 / 229 خطبة 238 ، السیرة الحلبیة : 1 / 268 ، السیرة النبویّة : 1 / 91 ، مناقب علیّ بن أبی طالب لابن المغازلی : ص 16 ح 22 ، المناقب للخوارزمی : ص 52 ح 15.

وعلی علیٍّ سبع سنین ، لأنَّا کنّا نصلّی ولیس معنا أحدٌ یصلّی غیرنا» (1).

مناقب الفقیه ابن المغازلی بإسنادین ، أُسد الغابة (4 / 18) ، مناقب الخوارزمی وفیه : ولِمَ ذلک یا رسول الله؟ قال : «لم یکن معی [من أسلم] من الرجال غیره». کتاب الفردوس للدیلمی ، شرح ابن أبی الحدید عن رسالة الإسکافی (3 / 258) ، فرائد السمطین الباب ال (47).

6 - ابن عبّاس ، قال : قال النبیُّ صلی الله علیه وسلم : «إنَّ أوّل من صلّی معی علیّ».

فرائد السمطین (2) الباب ال (47) بأربع طرق.

7 - معاذ بن جبل ، قال : قال رسول الله صلی الله علیه وسلم : «یا علیُّ ، أخصمک بالنبوّة ولا نبوّة بعدی ، وتخصم الناس بسبع ولا یحاجّک فیها أحدٌ من قریش : أنت أوّلهم إیماناً بالله ، وأوفاهم بعهد الله ، وأقوَمهم بأمر الله ...» الحدیث. حلیة الأولیاء (1 / 66).

8 - أبو سعید الخدریّ ، قال : قال رسول الله صلی الله علیه وسلم لعلیٍّ - وضرب بین کتفیه - : «یا علیُّ ، لک سبع خصال لا یُحاجّک فیهنَّ أحدٌ یوم القیامة : أنت أوّل المؤمنین بالله إیماناً ، وأوفاهم بعهد الله ، وأقوم هم بأمر الله ...» الحدیث. حلیة الأولیاء (1 / 66).

9 - من حدیث أبی بکر الهذلیّ وداود بن أبی هند الشعبی عن رسول الله صلی الله علیه وسلم أنَّه قال لعلیٍّ علیه السلام : «هذا أوّل من آمن بی وصدّقنی وصلّی معی». شرح ابن أبی الحدید (3) (3 / 256).

10 - إنَّ أبا بکر وعمر خطبا فاطمة فردّهما رسول الله صلی الله علیه وسلم وقال 5.

ص: 311


1- مناقب علیّ بن أبی طالب : ص 14 ح 17 و 19 ، أُسد الغابة : 4 / 94 رقم 3783 ، المناقب : ص 53 ح 17 ، الفردوس بمأثور الخطاب : 3 / 433 ح 5331 ، شرح نهج البلاغة : 13 / 230 خطبة 238 ، فرائد السمطین : 1 / 242 ح 187.
2- فرائد السمطین : 1 / 245 ح 190.
3- شرح نهج البلاغة : 13 / 225.

«لم أؤمر بذلک» ، فخطبها علیٌّ فزوّجه إیّاها ، وقال لها : «زوّجتکِ أقدم الأمّة إسلاماً».

روی هذا الحدیث جماعة من الصحابة ، منهم : أسماء بنت عمیس ، وأمّ أیمن ، وابن عبّاس ، وجابر بن عبد الله. شرح ابن أبی الحدید (1) (3 / 257).

کلمات أمیر المؤمنین علیه السلام :

1 - قال علیه السلام : «أنا عبد الله ، وأخو رسول الله ، وأنا الصدّیق الأکبر ، لا یقولها بعدی إلاّ کاذبٌ مُفترٍ ؛ ولقد صلّیت مع رسول الله قبل الناس بسبع سنین ، وأنا أوّل من صلّی معه». إسناده من طریق ابن أبی شیبة (2) ، والنسائی (3) ، وابن ماجة (4) ، والحاکم (5) ، والطبری (6) ، صحیح رجاله ثقات ، راجع الجزء الثانی من کتابنا (ص 314).

2 - قال علیه السلام : «أنا أوّل رجل أسلم مع رسول الله صلی الله علیه وسلم». أخرجه أبو داود بإسناده الصحیح ، کما فی شرح ابن أبی الحدید (7) (3 / 258).

3 - قال علیه السلام : «أنا أوّل من أسلم مع النبیّ صلی الله علیه وسلم». أخرجه الخطیب البغدادی فی تاریخه (4 / 233).

4 - قال علیه السلام : «أنا أوّل من صلّی مع رسول الله صلی الله علیه وسلم». أخرجه أحمد ، والحافظ الهیثمی فی مجمع الزوائد (8) ، وقال : رجاله رجال الصحیح غیر حبّة العرنی وقد وُثّق ، 3.

ص: 312


1- شرح نهج البلاغة : 13 / 228 خطبة 238.
2- المصنّف : 12 / 65 ح 12133.
3- خصائص أمیر المؤمنین : ص 25 ح 7 ، وفی السنن الکبری : 5 / 107 ح 8395.
4- سنن ابن ماجة : 1 / 44 ح 120.
5- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 121 ح 4584.
6- فی تاریخه : 2 / 213 [2 / 310]. (المؤلف)
7- شرح نهج البلاغة : 13 / 228 خطبة 238.
8- مجمع الزوائد : 9 / 103.

وأخرجه أبو عمر فی الاستیعاب (1) (2 / 458) ، وابن قتیبة فی المعارف (2) (ص 74) من طریق أبی داود ، عن شعبة ، عن سلمة بن کهیل ، عن حبّة عنه علیه السلام. والإسناد صحیح رجاله ثقات.

5 - قال علیه السلام : «أسلمت قبل أن یسلم الناس بسبع سنین». الریاض النضرة (3) (2 / 158).

6 - قال علیه السلام : «عبدت الله مع رسول الله صلی الله علیه وسلم سبع سنین ، قبل أن یعبده أحد من هذه الأمّة». مستدرک الحاکم (4) (3 / 112).

7 - عن حکیم مولی زاذان قال : سمعت علیّا یقول : «صلّیت قبل الناس سبع سنین ، وکنّا نسجد ولا نرکع ، وأوّل صلاة رکعنا فیها صلاة العصر». شرح ابن أبی الحدید (5) (3 / 258).

8 - قال علیه السلام : «عبدت الله قبل أن یعبده أحد من هذه الأمّة خمس سنین». الاستیعاب (6) (2 / 448) ، الریاض النضرة (7) (2 / 158) ، السیرة الحلبیّة (8) (1 / 288).

9 - قال علیه السلام : «آمنت قبل الناس سبع سنین». خصائص النسائی (9) (ص 3).

10 - قال علیه السلام : «ما أعرف أحداً من هذه الأمّة عبَدَ الله بعد نبیّنا غیری ، عبدت ت.

ص: 313


1- الاستیعاب : القسم الثالث / 1095 رقم 1855.
2- المعارف : ص 169.
3- الریاض النضرة : 3 / 100.
4- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 121 ح 4585.
5- شرح نهج البلاغة : 13 / 229 خطبة 238.
6- الاستیعاب : القسم الثالث 3 / 1095 رقم 1855.
7- الریاض النضرة : 3 / 100.
8- السیرة الحلبیة : 1 / 271.
9- خصائص أمیر المؤمنین : ص 29 ح 6 ، طبعة دار الکتاب العربی - بیروت.

الله قبل أن یعبده أحد من هذه الأمّة تسع سنین». خصائص النسائی (1) (ص 3).

11 - من خطبة له علیه السلام یوم صفِّین : «وابن عمِّ نبیِّکم معکم بین أظهرکم ، یدعوکم إلی طاعة ربِّکم ، ویعمل بسنّة نبیِّکم - صلّی الله علیه - ، فلا سواء من صلّی قبل کلِّ ذَکَر ، لم یسبقنی بصلاتی مع رسول الله». کتاب نصر (2) (ص 355) ، شرح ابن أبی الحدید (3) (1 / 503).

12 - قال علیه السلام : «اللهمَّ لا أعرف عبداً من هذه الأمّة عَبَدَک قبلی غیر نبیِّک - قاله ثلاث مرّات - ثمَّ قال : لقد صلّیت قبل أن یصلّی الناس - وفی لفظ - : قبل أن یصلّی أحدٌ». أخرجه أحمد (4) ، أبو یعلی ، البزّار ، الطبرانی (5)) ، الهیثمی فی المجمع (9 / 102) وقال : إسناده حسنٌ ، شیخ الإسلام الحمّوئی فی الفرائد (6) الباب ال (48)

13 - من کتاب له علیه السلام کتبه إلی معاویة : «إنَّ أولی الناس بأمر هذه الأمّة قدیماً وحدیثاً أقربها من رسول الله ، وأعلمها بالکتاب ، وأفقهها فی الدین ، وأوّلها إسلاماً ، وأفضلها جهادا». کتاب صفِّین لابن مزاحم (7) (ص 168) طبع مصر.

14 - فی حدیث عنه علیه السلام : «لا والله إن کنت أوّل من صدّق به فلا أکون أوّل من کذب علیه». المحاسن والمساوئ (8) (1 / 36) ، تاریخ القرمانی (9) هامش الکامل لابن الأثیر (1 / 218).8.

ص: 314


1- خصائص أمیر المؤمنین : ص 27 ح 8 ، وفی السنن الکبری : 5 / 107 ح 8396.
2- وقعة صفّین : ص 314.
3- شرح نهج البلاغة : 5 / 248 خطبة 65.
4- مسند أحمد : 1 / 160 ح 778.
5- المعجم الأوسط : 2 / 444 ح 1767.
6- فرائد السمطین : 1 / 247 ح 191.
7- وقعة صفّین : ص 150.
8- المحاسن والمساوئ : ص 50.
9- أخبار الدول : 1 / 308.

15 - قال علیه السلام : «بُعث رسول الله صلی الله علیه وسلم یوم الإثنین ، وأسلمت یوم الثلاثاء». مجمع الزوائد (9 / 102) ، تاریخ القرمانی (1) (1 / 215) ، الصواعق (2) (ص 72) ، تاریخ الخلفاء للسیوطی (3) (ص 112) ، إسعاف الراغبین (ص 148).

16 - من کتاب کتبه علیه السلام إلی معاویة : «إنَّ محمداً صلی الله علیه وسلم لمّا دعا إلی الإیمان بالله والتوحید ، کنّا أهل البیت أوّل من آمن به ، وصدّق بما جاء به ، فلبثنا أحوالاً مجرَّمة - أی کاملة - وما یعبد الله فی رَبع ساکن من العرب غیرنا». کتاب صفِّین لابن مزاحم (4) (ص 100).

17 - قال علیه السلام یوم صفِّین مخاطباً أصحاب معاویة : «وَیْحَکم أنا أوّل من دعا إلی کتاب الله ، وأوّل من أجاب إلیه». کتاب نصر (5) (ص 561).

18 - قالت معاذة بنت عبد الله العدویّة : سمعت علیَّ بن أبی طالب علی منبر رسول الله صلی الله علیه وسلم یقول : «أنا الصدّیق الأکبر ، آمنت قبل أن یؤمن أبو بکر ، وأسلمت قبل أن یسلم أبو بکر». راجع الجزء الثانی (ص 314).

19 - قال علیه السلام فی خطبة خطبها فی معسکر صفِّین : «أتعلمون أنّ الله فضّل فی کتابه السابق علی المسبوق ، وأنَّه لم یسبقنی إلی الله ورسوله أحد من الأمّة؟». قالوا : نعم. راجع الجزء الأوّل (ص 195).

20 - قال علیه السلام : «صلّیت مع رسول الله صلی الله علیه وسلم ثلاث سنین ، قبل أن یصلّی معه أحدٌ من الناس». أخرجه أحمد بإسنادین. 0.

ص: 315


1- أخبار الدول : 1 / 305.
2- الصواعق المحرقة : ص 120.
3- تاریخ الخلفاء : ص 156.
4- وقعة صفّین : ص 89.
5- وقعة صفّین : ص 490.

21 - قال علیه السلام یوم الشوری فی حدیث أسلفناه : «أمنکم أحد وحّد الله قبلی؟». قالوا : لا. [قال :] «أمِنکم أحدٌ صلّی القبلتین غیری؟» قالوا : لا. راجع (1 / 159 - 163) ، وهذه الفقرة من الحدیث عدّها ابن أبی الحدید ممّا استفاضت به الروایات.

22 - مرَّ فی الجزء الثانی (ص 25) فی أبیات له علیه السلام کتبها إلی معاویة :

سبقتکمُ إلی الإسلام طرّا

غلاماً ما بلغت أوان حلمی

23 - ذکر ابن طلحة الشافعی فی مطالب السؤول (ص 11) له علیه السلام :

أنا أخو المصطفی لا شکَّ فی نسبی

به ربیت (1) وسبطاه هما ولدی

صدّقتُهُ وجمیعُ الناسِ فی بُهُمٍ

من الضلالةِ والإشراک والنکدِ

قال : قال جابر : سمعت علیّا ینشد بهذا ورسول الله یسمع ، فتبسّم رسول الله وقال : «صدقت یا علیّ».

کلمة الإمام السبط الحسن علیه السلام :

24 - من خطبة للإمام الحسن علیه السلام فی مجلس معاویة ، قوله : «أنشدُکُم الله أیّها الرهط : أتعلمون أنَّ الذی شتمتموه منذ الیوم صلّی القبلتین کلتیهما؟ وأنت یا معاویة بهما کافرٌ ، تراها ضلالة ، وتعبد اللات والعزّی غوایة. وأنشُدُکم الله : هل تعلمون أنَّه بایع البیعتین کلتیهما ؛ بیعة الفتح وبیعة الرضوان؟ وأنت یا معاویة بإحداهما کافر ، وبالأخری ناکث. وأنشُدُکم الله : هل تعلمون أنَّه أوّل الناس إیماناً؟ وأنّک یا معاویة وأباک من المؤلّفة قلوبهم». شرح ابن أبی الحدید (2) (2 / 101). 3.

ص: 316


1- کذا فی المصدر ، وفی فرائد السمطین : 1 / 226 ح 176 باب 44 ، ومناقب الخوارزمی : ص 157 ح 186 : رُبّیت معْه.
2- شرح نهج البلاغة : 6 / 288 خطبة 83.

25 - وفی خطبة له علیه السلام مرّت (1 / 198): «فلمّا بعث الله محمداً للنبوّة ، واختاره للرسالة ، وأنزل علیه کتابه ، ثمَّ أمره بالدعاء إلی الله ، فکان أبی أوّل من استجاب لله ولرسوله ، وأوّل من آمن وصدّق الله ورسوله صلی الله علیه وسلم ، وقد قال الله فی کتابه المنزل علی نبیِّه المرسل : (أَفَمَنْ کانَ عَلی بَیِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَیَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ) (1) ، فجدّی الذی علی بیِّنةٍ من ربِّه ، وأبی الذی یتلوه وهو شاهدٌ منه».

رأی الصحابة والتابعین فی أوّل من أسلم :

1 - أنس بن مالک ، قال : نُبِّئ - بُعث - النبیُّ صلی الله علیه وسلم یوم الإثنین ، وأسلم علیٌّ یوم الثلاثاء - وفی لفظ له - : بُعث رسول الله صلی الله علیه وسلم یوم الإثنین وصلّی علیٌّ یوم الثلاثاء.

أخرجه (2) : الترمذی فی جامعه (2 / 214) ، الطبرانی ، الحاکم فی المستدرک (3 / 112) ، ابن عبد البرّ فی الاستیعاب (3 / 32) ، ابن الأثیر فی جامع الأصول کما فی تلخیصه تیسیر الوصول (3 / 271) ، الحمّوئی فی فرائد السمطین الباب ال (47) ، وأوعز إلیه العراقی فی التقریب (1 / 85) ، ویوجد فی شرح ابن أبی الحدید (3 / 258) ، تذکرة السبط (ص 63) ، السراج المنیر شرح الجامع الصغیر (2 / 424) ، شرح المواهب (1 / 241).

2 - بُریدة الأسلمیّ ، قال : أُوحیَ إلی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یوم الإثنین ، وصلّی علیٌّ یوم الثلاثاء. أخرجه الحاکم فی المستدرک (3) (3 / 112) وصحّحه هو وأقرّه الذهبی. ه.

ص: 317


1- هود : 17.
2- سنن الترمذی : 5 / 598 ح 3728 ، المستدرک علی الصحیحین : 3 / 121 ح 4587 ، الاستیعاب : القسم الثالث / 1095 رقم 1855 ، جامع الأصول : 9 / 467 ح 6472 ، تیسیر الوصول : 3 / 315 ح 1 ، فرائد السمطین : 1 / 244 ح 189 ، شرح نهج البلاغة : 13 / 229 خطبة 238 ، تذکرة الخواص : ص 108 ، السراج المنیر : 2 / 458.
3- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 121 ح 4586 ، وکذا فی تلخیصه.

3 - زید بن أرقم قال : أوّل من أسلم مع رسول الله علیّ بن أبی طالب.

تاریخ الطبری بإسنادین صحیحین رجالهما ثقات ، مسند أحمد (4 / 368) ، مستدرک الحاکم (3 / 136) وصحّحه هو وأقرّه الذهبی ، الکامل لابن الأثیر (2 / 22) (1).

4 - زید بن أرقم ، قال : أوّل من صلّی مع رسول الله صلی الله علیه وسلم علیٌّ.

أخرجه أحمد (2) والطبرانی (3) کما فی مجمع الهیثمی (9 / 103) وقال : رجال أحمد رجال الصحیحین ، أبو عمر فی الاستیعاب (4) (2 / 459).

5 - زید بن أرقم ، قال : أوّل من آمن بالله بعد رسول الله صلی الله علیه وسلم علیُّ بن أبی طالب. الاستیعاب (2 / 459).

6 - عبد الله بن عبّاس ، قال : أوّل من صلّی علیٌّ.

جامع الترمذی (2 / 215) ، تاریخ الطبری (2 / 241) بإسناد صحیح ، الکامل لابن الأثیر (2 / 22) ، شرح ابن أبی الحدید (3 / 256) (5).

7 - عبد الله بن عبّاس ، قال : لعلیٍّ أربع خصال لیست لأحد : هو أوّل عربیٍّ وأعجمیٍّ صلّی مع رسول الله صلی الله علیه وسلم ...

مستدرک الحاکم (6) (3 / 111) ، الاستیعاب (7) (2 / 457). 5.

ص: 318


1- تاریخ الأمم والملوک : 2 / 310 ، مسند أحمد : 5 / 495 ح 18795 ، المستدرک علی الصحیحین : 3 / 147 ح 4663 وکذا فی تلخیصه ، الکامل فی التاریخ : 1 / 484.
2- مسند أحمد : 5 / 495 ح 18798.
3- المعجم الکبیر : 5 / 176 ح 5002.
4- الاستیعاب : القسم الثالث / 1095 رقم 1855.
5- سنن الترمذی : 5 / 600 ح 3734 ، تاریخ الأمم والملوک : 2 / 310 ، الکامل فی التاریخ : 1 / 484 ، شرح نهج البلاغة : 13 / 224 خطبة 238.
6- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 120 ح 4582.
7- الاستیعاب : القسم الثالث / 1090 رقم 1855.

8 - عبد الله بن عبّاس ، قال مجاهد : إنّه قال : أوّل من رکع مع النبیِّ صلی الله علیه وآله وسلم علیُّ ابن أبی طالب ، فنزلت فیه هذه الآیة : (وَأَقِیمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّکاةَ وَارْکَعُوا مَعَ الرَّاکِعِینَ) (1). تذکرة السبط (2) (ص 8).

9 - عبد الله بن عبّاس ، قال فی خطبة له : إن ابن آکلة الأکباد قد وجد من طغام أهل الشام أعواناً علی علیِّ بن أبی طالب ، ابن عمّ رسول الله وصهره ، وأوّل ذَکَرٍ صلّی معه.

کتاب صفِّین لابن مزاحم (ص 360) ، شرح ابن أبی الحدید (1 / 504) ، جمهرة الخطب (1 / 175) (3).

10 - عبد الله بن عبّاس ، قال : فرض الله تعالی الاستغفار لعلیّ فی القرآن علی کلّ مسلم ، بقوله تعالی : (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِینَ سَبَقُونا بِالْإِیمانِ) (4). فکلُّ من أسلم بعد علیٍّ فهو یستغفر لعلیٍّ. شرح ابن أبی الحدید (5) (3 / 256).

11 - عبد الله بن عبّاس ، قال : أوّل من أسلم علیُّ بن أبی طالب.

الاستیعاب (6) (2 / 458) ، مجمع الزوائد (9 / 102).

12 - عبد الله بن عبّاس ، قال : کان علیٌّ أوّل من آمن من الناس بعد خدیجة.

الاستیعاب (7) (2 / 457) وقال : قال أبو عمر رحمه الله : هذا إسنادٌ لا مطعن فیه 1.

ص: 319


1- البقرة : 43.
2- تذکرة الخواص : ص 13.
3- وقعة صفّین : ص 318 ، شرح نهج البلاغة : 5 / 251 خطبة 65 ، جمهرة خطب العرب : 1 / 351 رقم 238.
4- الحشر : 10.
5- شرح نهج البلاغة : 13 / 224 خطبة 238.
6- الاستیعاب : القسم الثالث / 1094 رقم 1855.
7- الاستیعاب : ص 1091.

لأحد ، لصحّته وثقة نَقَلَته. وصحّحه الزرقانی فی شرح المواهب (1 / 242).

13 - کان ابن عبّاس بمکّة یحدِّث علی شفیر زمزم ونحن عنده ، فلمّا قضی حدیثه قام إلیه رجلٌ ، فقال : یا ابن عبّاس ، إنّی امرؤٌ من أهل الشام من أهل حمص ، إنَّهم یتبرَّون من علیّ بن أبی طالب - رضوان الله علیه - ویلعنونه. فقال : بل لعنهم الله فی الدنیا والآخرة وأعدَّ لهم عذاباً مهیناً ، ألِبُعد قرابته من رسول الله صلی الله علیه وسلم وأنَّه لم یکن أوّل ذکران العالمین إیماناً بالله ورسوله؟ وأوّل من صلّی ورکع وعمل بأعمال البرّ؟ قال الشامی : إنَّهم والله ما یُن کرون قرابته وسابقته ، غیر أنَّهم یزعمون أنّه قتل الناس.

المحاسن والمساوئ للبیهقی (1) (1 / 30).

14 - عفیف ، قال : جئت فی الجاهلیّة إلی مکّة وأنا أرید أن ابتاع لأهلی من ثیابها وعطرها ، فأتیت العبّاس بن عبد المطّلب وکان رجلاً تاجراً. فأنا عنده جالسٌ حیث أنظر إلی الکعبة ، وقد حلّقت الشمس فی السماء فارتفعت وذهبت ، إذ جاء شابٌّ فرمی ببصره إلی السماء ، ثمَّ قام مستقبل الکعبة ، ثمَّ لم ألبث إلاّ یسیراً حتی جاء غلامٌ فقام علی یمینه ، ثمَّ لم یلبث إلاّ یسیراً حتی جاءت امرأةٌ فقامت خلفهما ، فرکع الشابُّ ، فرکع الغلام والمرأة ، فرفع الشابُّ فرفع الغلام والمرأة ، فسجد الشابُّ فسجد الغلام والمرأة.

فقلت : یا عبّاس أمر عظیم. قال العبّاس : أمرٌ عظیمٌ ، أتدری من هذا الشابُّ؟ قلت : لا. قال : هذا محمد بن عبد الله ابن أخی ، أتدری من هذا الغلام؟ هذا علیٌّ ابن أخی ، أتدری من هذه المرأة؟ هذه خدیجة بنت خویلد زوجته ، وإنَّ ابن أخی هذا أخبرنی أنَّ ربّه ربّ السماء والأرض أمره بهذا الدین الذی هو علیه ، ولا والله ما علی الأرض کلّها أحدٌ علی هذا الدین غیر هؤلاء الثلاثة.

خصائص النسائی (ص 3) ، تاریخ الطبری (2 / 212) ، الریاض النضرة (2 / 158) ، 3.

ص: 320


1- المحاسن والمساوئ : ص 43.

الاستیعاب (2 / 459) ، عیون الأثر (1 / 93) ، الکامل لابن الأثیر (2 / 22) ، السیرة الحلبیّة (1 / 288) (1).

15 - سلمان الفارسیّ ، قال : أوّل هذه الأمّة وروداً علی نبیّها الحوض أوّلها إسلاماً علیّ بن أبی طالب رضی الله عنه.

الاستیعاب (2 / 457) ، مجمع الزوائد (9 / 102) وقال : رجاله ثقات. وعدّه الإسکافی فی رسالته علی العثمانیة ، وأبو عمر فی الاستیعاب ، والعراقیّ فی شرح التقریب (1 / 85) ، والقسطلانی فی المواهب (1 / 45) ممّن روی أنّ علیّا أوّل من أسلم (2).

16 - أبو رافع ، قال : صلّی النبیُّ صلی الله علیه وسلم أوّل یوم الإثنین ، وصلّت خدیجة آخره ، وصلّی علیٌّ یوم الثلاثاء من الغد.

أخرجه (3) الطبرانی کما فی شرح المواهب (1 / 240) ، عیون الأثر (1 / 92) ، وتجده وسابقه فی الریاض النضرة (2 / 158) ، شرح ابن أبی الحدید (3 / 258).

17 - أبو رافع ، قال : مکث علیٌّ یصلّی مستخفیاً سبع سنین وأشهراً قبل أن یصلّی أحدٌ.

أخرجه (4) الطبرانی ، الهیثمی فی المجمع (9 / 103) ، الحمّوئی فی الفرائد الباب ال (47). 8.

ص: 321


1- خصائص أمیر المؤمنین : ص 23 ح 6 ، وفی السنن الکبری : 5 / 106 ح 8394 ، تاریخ الأمم والملوک : 2 / 311 ، الریاض النضرة : 3 / 100 ، الاستیعاب : القسم الثالث / 1096 رقم 1855 ، عیون الأثر : 1 / 125 ، الکامل فی التاریخ : 1 / 484 ، السیرة الحلبیّة : 1 / 270.
2- الاستیعاب : القسم الثالث / 1090 رقم 1855 ، شرح نهج البلاغة : 13 / 229 خطبة 238 ، المواهب اللدنیّة : 1 / 216.
3- المعجم الکبیر : 1 / 320 ح 952 ، عیون الأثر : 1 / 124 ، الریاض النضرة : 3 / 99 ، شرح نهج البلاغة : 13 / 229 خطبة 238.
4- المعجم الکبیر : 1 / 320 ح 952 ، فرائد السمطین : 1 / 243 ح 188.

18 - أبو ذرّ الغفاریّ ، عُدَّ ممّن روی أنّ علیّ بن أبی طالب أوّل من أسلم.

الاستیعاب (2 / 456) ، التقریب وشرحه (1 / 85) ، المواهب اللدنیّة (1 / 45) (1).

19 - خبّاب بن الأرتّ ، قال : رأیت علیّا یصلّی قبل الناس مع النبیِّ وهو یومئذٍ بالغٌ مستحکم البلوغ.

رسالة الإسکافی (2) ، وعُدّ ممّن روی أنَّ علیّا أوّل من أسلم فی الاستیعاب (3) (2 / 4 56) ، والمواهب اللدنیّة (4) (1 / 45).

20 - المقداد بن عمرو الکندیّ ، ممّن روی أنَّ علیّا أوّل من أسلم کما فی الاستیعاب (2 / 456) ، والتقریب وشرحه (1 / 85) ، والمواهب اللدنیّة (1 / 45).

21 - جابر بن عبد الله الأنصاریّ ، قال : بُعث النبیُّ صلی الله علیه وسلم یوم الإثنین ، وصلّی علیٌّ یوم الثلاثاء.

الطبری (2 / 211) ، الکامل لابن الأثیر (2 / 22) ، شرح ابن أبی الحدید (3 / 258) ، وعدّه أبو عمر والعراقی والقسطلانی ممّن روی أنَّ علیّا أوّل من أسلم (5).

22 - أبو سعید الخدریّ ، روی أنَّ علیَّ بن أبی طالب أوّل من أسلم.

الاستیعاب (2 / 456) ، شرح التقریب (1 / 85) ، المواهب اللدنیّة (1 / 45).

23 - حذیفة بن الیمان ، قال : کنّا نعبد الحجارة ونشرب الخمر ، وعلیٌّ من أبناء 6.

ص: 322


1- الاستیعاب : القسم الثالث / 1090 رقم 1855 ، المواهب اللدنیّة : 1 / 216.
2- شرح نهج البلاغة : 12 / 234 ، خطبة 238.
3- الاستیعاب : القسم الثالث / 1090 رقم 1855.
4- المواهب اللدنیّة : 1 / 216.
5- تاریخ الأمم والملوک : 2 / 310 ، الکامل فی التاریخ : 1 / 484 ، شرح نهج البلاغة : 13 / 229 خطبة 238 ، الاستیعاب : القسم الثالث / 1090 رقم 1855 ، طرح التثریب فی شرح التقریب : 1 / 85 ، المواهب اللدنیّة : 1 / 216.

أربع عشرة سنة قائمٌ یصلّی مع النبیّ لیلاً ونهاراً ، وقریش یومئذٍ تسافه رسول الله صلی الله علیه وسلم ما یذبُّ عنه إلاّ علیٌّ. شرح ابن أبی الحدید (1) (3 / 260).

24 - عمر بن الخطّاب ، قال عبد الله بن عبّاس : سمعت عمر وعنده جماعةٌ ، فتذاکروا السابقین إلی الإسلام ، فقال عمر : أمّا علیّ فسمعت رسول الله یقول فیه ثلاث خصال ، لوددت أن تکون لی واحدة منهنَّ ، وکانت أحبَّ إلیَّ ممّا طلعت علیه الشمس ، کنت أنا وأبو عبیدة وأبو بکر وجماعة من أصحابه إذ ضرب النبیُّ صلی الله علیه وسلم علی منکب علیٍّ رضی الله عنه فقال له : «یا علیُّ ، أنت أوّل المؤمنین إیماناً ، وأوّل المسلمین إسلاماً ، وأنت منّی بمنزلة هارون من موسی».

رسالة الإسکافی ، مناقب الخوارزمی (2) ، شرح ابن أبی الحدید (3) (3 / 258).

25 - عبد الله بن مسعود ، قال : أوّل حدیث علمته من أمر رسول الله صلی الله علیه وسلم أنّی قدمت مکّة مع عمومة لی. وذکر مثل حدیث عفیف المذکور (ص 226). رسالة الإسکافی (4).

26 - أبو أیّوب الأنصاریّ ، أخرج الطبرانی عنه أنَّه قال : أوّل الناس إسلاماً علیُّ بن أبی طالب.

شرح التقریب (1 / 85) ، شرح الزرقانی (1 / 242).

27 - أبو مرازم یعلی بن مرّة ، عدّه الزرقانی فی شرح المواهب (1 / 242) ممّن قال : إنَّ علیّا أوّل الناس إسلاماً.

28 - هاشم بن عتبة المرقال ، قال : أنت یا أمیر المؤمنین أقرب الناس من 5.

ص: 323


1- شرح نهج البلاغة : 13 / 234 خطبة 238.
2- المناقب : ص 55.
3- شرح نهج البلاغة : 13 / 230 خطبة 238.
4- شرح نهج البلاغة : ص 225.

رسول الله رحماً ، وأفضل الناس سابقة وقدماً.

کتاب نصر (1) (ص 125) ، جمهرة الخطب (2) (1 / 151).

29 - فی کلام لهاشم بن عتبة یوم صفِّین : إنَّ صاحبنا هو أوّل من صلّی مع رسول الله ، وأفقهه فی دین الله ، وأولاه برسول الله.

کتاب نصر (ص 403) ، تاریخ الطبری (6 / 24) ، الکامل لابن الأثیر (3 / 135) (3). وقال هاشم یوم صفِّین :

مع ابنِ عمّ أحمدَ المعلّی

فیه الرسول بالهدی استهلاّ

أوّلُ من صدّقه وصلّی

فجاهدَ الکفّارَ حتی أبلی (4)

30 - مالک بن الحارث الأشتر ، قال فی خطبة له : معنا ابن عمّ نبیِّنا ، وسیفٌ من سیوف الله علیُّ بن أبی طالب ، صلّی مع رسول الله ولم یسبقه إلی الصلاة ذَکَر ، حتی کان شیخاً لم یکن له صبوة ولا نبوة ولا هفوة ، فقیه فی دین الله ، عالم بحدود الله.

کتاب نصر (ص 268) ، شرح ابن أبی الحدید (1 / 484) ، جمهرة الخطب (1 / 183) (5).

31 - عدیّ بن حاتم ، قال فی خطبة له مخاطباً معاویة : ندعوک إلی أفضل الأمّة سابقة ، وأحسنها فی الإسلام آثاراً. 7.

ص: 324


1- وقعة صفّین : ص 112.
2- جمهرة خطب العرب : 1 / 323 رقم 212.
3- وقعة صفّین : ص 355 ، تاریخ الأمم والملوک : 5 / 44 حوادث سنة 37 ه ، الکامل فی التاریخ : 2 / 384 حوادث سنة 37 ه.
4- کتاب صفّین لابن مزاحم : ص 371 [ص 327] طبع مصر. (المؤلف)
5- وقعة صفّین : ص 238 ، شرح نهج البلاغة : 5 / 190 خطبة 65 ، جمهرة خطب العرب : 1 / 359 رقم 247.

کتاب نصر (ص 221) ، تاریخ الطبری (6 / 2) ، شرح ابن أبی الحدید (1 / 344) (1). وفی لفظ ابن الأثیر فی الکامل (2) (3 / 124) : إنَّ ابن عمِّک سیِّد المسلمین أفضلها سابقةً.

32 - عدیّ بن حاتم ، قال فی خطبة أخری له : إن کان له - لعلیٍّ - علیکم فضلٌ فلیس لکم مثله ، فسلّموا وإلاّ فنازعوا علیه ، والله لئن کان إلی العلم بالکتاب والسنّة ، إنَّه لأعلم الناس بهما ، ولئن کان إلی الإسلام ، إنّه لأخو نبیِّ الله والرأس فی الإسلام.

الإمامة والسیاسة (3) (1 / 103).

33 - محمد بن الحنفیّة ، قال سالم بن أبی الجعد : قلت له : أبو بکر کان أوّلهم إسلاماً؟ قال : لا. الاستیعاب (4) (2 / 458).

إذا ثبت أنَّ أبا بکر لم یکن أوّل الناس إسلاماً فعلیٌّ علیه السلام هو المتعیِّن سبق إسلامه.

34 - طارق بن شهاب الأحمسیّ - فی کلام له - : ثمَّ قلت : أَأَدَعُ علیّا وهو أوّل المؤمنین إیماناً بالله ، وابن عمّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ووصیّه؟! هذا أعظم.

شرح ابن أبی الحدید (5) (1 / 76).

35 - عبد الله بن هاشم المرقال ، قال فی خطبة له : یا أیّها الناس ، إنّ هاشماً جاهد فی طاعة ابن عمّ رسول الله ، وأوّلِ من آمن به ، وأفقهِهم فی دین الله.

کتاب نصر (6) (ص 405). 6.

ص: 325


1- وقعة صفّین : ص 197 ، تاریخ الأمم والملوک : 5 / 5 حوادث سنة 37 ه ، شرح نهج البلاغة : 4 / 21 خطبة 54.
2- الکامل فی التاریخ : 2 / 367 حوادث سنة 37 ه.
3- الإمامة والسیاسة : 1 / 106.
4- الاستیعاب : القسم الثالث / 1095 رقم 1855.
5- شرح نهج البلاغة : 1 / 226 خطبة 6.
6- وقعة صفّین : ص 356.

36 - عبد الله بن حجل ، قال : یا أمیر المؤمنین ، أنت أوّلنا إیماناً ، وآخرنا بنبیِّ الله عهداً.

الإمامة والسیاسة (1) (1 / 103) ، کتاب نصر.

37 - أبو عمرة بشیر بن محصن ، قال فی جمع من أصحاب علیٍّ ومعاویة : إنَّ صاحبی أحقُّ البریّة کلّها بهذا الأمر ، فی الفضل والدین والسابقة فی الإسلام والقرابة من رسول الله.

کتاب نصر (2) (ص 210).

38 - عبد الله بن خبّاب بن الأرتّ ، قال ابن قتیبة : إنّ الخارجة التی خرجت علی علیٍّ ، بینما هم یسیرون ، فإذا هم برجل یسوق امرأته علی حمار له ، فعبروا إلیه الفرات ، فقالوا له : من أنت؟ قال : أنا رجلٌ مؤمنٌ ، قالوا : فما تقول فی علیِّ بن أبی طالب؟ قال : أقول : إنَّه أمیر المؤمنین ، وأوّل المسلمین إیماناً بالله ورسوله. قالوا : فما اسمک؟ قال : وأنا عبد الله بن خبّاب بن الأرتّ صاحب رسول الله صلی الله علیه وسلم.

الإمامة والسیاسة (3) (1 / 122).

39 - عبد الله بن بریدة ، قال : أوّل الرجال إسلاماً علیُّ بن أبی طالب ، ثمّ الرهط الثلاث : أبو ذرّ ، وبریدة ، وابن عمّ لأبی ذرّ.

أخرجه محمد بن إسحاق المدنی فی الجزء الأوّل من المغازی (4).

40 - محمد بن أبی بکر ، کتب إلی معاویة کتاباً ، منه : فکان أوّل من أجاب وأناب ، وصدّق ووافق ، وأسلم وسلّم ، أخوه وابن عمِّه علیُّ بن أبی طالب - إلی أن 8.

ص: 326


1- الإمامة والسیاسة : 1 / 107.
2- وقعة صفّین : ص 187.
3- الإمامة والسیاسة : 1 / 126.
4- سیرة ابن إسحاق : ص 138.

قال - : أوّل الناس إسلاماً ، وأصدق الناس نیّة - إلی قوله - یا لک الویل ، تعدل نفسک بعلیٍّ وهو وارث رسول الله ، ووصیّه وأبو ولده ، وأوّل الناس له اتِّباعاً ، وآخرهم به عهداً ، یخبره بسرِّه ، ویشرکه فی أمره.

نصر فی کتاب صفِّین (1) (ص 133).

41 - عمرو بن الحمق ، قال لعلیٍّ : أحببتک لخصال خمس : إنَّک ابن عمِّ رسول الله ، وأوّل من آمن به - وفی لفظ : وأسبق الناس إلی الإسلام - ، وأبو الذرّیة التی بقیت فینا من رسول الله ، وأعظم رجل من المهاجرین سهماً فی الجهاد.

کتاب صفِّین (2) (ص 115) ، جمهرة الخطب (3) (1 / 149).

42 - سعید بن قیس الهمدانیّ ، یرتجز فی صفِّین بقوله (4) :

هذا علیٌّ وابن عمِّ المصطفی

أوّل من أجابه ممّن دعا

هذا الإمام لا یبالی من غوی

43 - عبد الله بن أبی سفیان ، قال مجیباً الولید :

وإنَّ ولیَّ الأمرِ بعدَ محمدٍ

علیٌّ وفی کلِّ المواطن صاحبهُ

وصیُّ رسول الله حقّا وصنوه

وأوّل من صلّی ومن لان جانبهُ

رسالة الإسکافی (5) ، وذکرهما الحافظ الکنجی فی الکفایة (6) (ص 48) للفضل 5.

ص: 327


1- وقعة صفّین : ص 118.
2- وقعة صفّین : ص 103.
3- جمهرة خطب العرب : 1 / 321 رقم 210.
4- رسالة الإسکافی ، کما فی شرح ابن أبی الحدید : 3 / 259 [13 / 232 خطبة 238] ، وذکره غیره لقیس بن سعد بن عبادة. (المؤلف)
5- شرح نهج البلاغة : 13 / 231 خطبة 238.
6- کفایة الطالب : ص 127 باب 25.

ابن العبّاس.

44 - خزیمة بن ثابت الأنصاریّ ، عدّه العراقی فی شرح التقریب (1 / 85) ، والزرقانی فی شرح المواهب (1 / 242) ممّن قال : بأنَّ علیّا أوّل الناس إسلاماً. وقالا : أنشد المرزبانی له فی علیٍّ :

ألیس أوّلَ من صلّی لقبلتکم

وأعلمَ الناس بالقرآن والسننِ

وذکر له الإسکافی فی رسالته کما فی شرح ابن أبی الحدید (1) (3 / 259):

وصیُّ رسول الله من دونِ أهلِهِ

وفارسُهُ مذ کان فی سالفِ الزمنْ

وأوّل من صلّی من الناس کلّهم

سوی خیرة النسوان والله ذو المننْ

وذکرهما له الحاکم فی المستدرک (2) (3 / 114) ، وذکر قبلهما :

إذا نحن بایعنا علیّا فحسبُنا

أبو حسنٍ ممّا نخافُ من الفتنْ

وجدناه أولی الناسِ بالناسِ إنَّه

أطبّ قریش بالکتاب وبالسننْ (3)

45 - کعب بن زهیر ، ذکر الزرقانی فی شرح المواهب (1 / 242) له من قصیدة یمدح بها أمیر المؤمنین علیه السلام :

إنّ علیّا لمیمونٌ نقیبتُهُ (4)

بالصالحاتِ من الأفعالِ مشهورُ

صِهرُ النبیِّ وخیرُ الناس کلِّهمُ

فکلُّ من رامَهُ بالفخر مفخورُ

صلّی الصلاةَ مع الأمِّی أوّلهمْ

قبل العباد وربُّ الناس مکفورُ (5)ف)

ص: 328


1- شرح نهج البلاغة : 13 / 231 خطبة 238.
2- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 124 ح 4595.
3- ولهذه الأبیات بقیّة توجد فی الفصول المختارة : 2 / 67 [ص 216]. (المؤلف)
4- رجل میمون النقیبة : مبارک النفس مظفّر بما یحاول.
5- فی النسخة تصحیف ، ذکرناها صحیحة. (المؤلف)

46 - ربیعة بن الحارث بن عبد المطّلب ، ذکر جمع من الأعلام له أبیاتاً وذکرها آخرون لغیره ، وهی :

ما کنت أحسبُ أنّ الأمر منصرفٌ

عن هاشمٍ ثمَّ منها عن أبی حسنِ

ألیس أوّلَ من صلّی لقبلتهمْ

وأعلمَ الناسِ بالآیاتِ والسننِ

وآخرَ الناسِ عهداً بالنبیِّ ومن

جبریلُ عونٌ له فی الغُسْلِ والکَفَنِ

من فیه ما فیهمُ ما تمترون بهِ

ولیس فی القوم ما فیهِ من الحَسَنِ

ما ذا الذی ردّکم عنهُ فنعلمَهُ

ها إنّ بیعتَکمْ من أوّل الفتنِ

وذکر الإسکافی فی رسالته البیتین الأوّلین منها ، ونسبهما إلی أبی سلیمان بن حرب بن أمیّة بن عبد شمس حین بویع أبو بکر. شرح ابن أبی الحدید (1) (3 / 259).

47 - الفضل بن أبی لهب ، قال ردّا علی قصیدة الولید بن عقبة :

ألا إنّ خیرَ الناس بعد محمدٍ

مهیمنه التالیه فی العُرفِ والنکرِ

وخیرتُه فی خیبرٍ ورسولهُ

بنبْذِ عهودِ الشرکِ فوق أبی بکرِ

وأوّلُ من صلّی وصنوُ نبیِّهِ

وأوّلُ من أردی الغُواةَ لدی بدرِ

فذاک علیُّ الخیر من ذا یفوقُهُ

أبو حسنٍ حلفُ القرابةِ والصهرِ

48 - مالک بن عبادة الغافقیّ حلیف حمزة بن عبد المطّلب ، قال :

رأیتُ علیّا لا یلبّثُ قِرْنهُ

إذا ما دعاه حاسراً أو مُسْربَلا

فهذا وفی الإسلام أوّلُ مسلمٍ

وأوّلُ من صلّی وصام وهلّلا

49 - أبو الأسود الدؤلیّ ، یهدِّد طلحة والزبیر بقوله :

وإنّ علیّا لکمُ مصحرٌ

یماثله الأسدُ الأسودُ8.

ص: 329


1- شرح نهج البلاغة : 13 / 232 خطبة 238.

أما إنّه أوّلُ العابدین

بمکّةَ واللهُ لا یُعبدُ (1)

50 - جندب بن زهیر ، کان یرتجز یوم صفِّین بقوله :

هذا علیٌّ والهدی حقّا مَعَهْ

یا ربّ فاحفظْهُ ولا تضیِّعَهْ

فإنّه یخشاکَ ربّی فارفعَهْ

نحن نصرناهُ علی من نازعَهْ

صهرُ النبیِّ المصطفی قد طاوعَهْ

أوّل من بایَعَهُ وتابعَهْ (2)

51 - زُفَر بن یزید (3) بن حذیفة الأسدیّ ، قال :

فحوطوا علیّا وانصروه فإنّه

وصیٌّ وفی الإسلامِ أوّلُ أوّلُ

وإن تخذلوهْ والحوادثُ جمّةٌ

فلیس لکمْ عن أرضکم مُتَحوّلُ (4)

52 - النجاشی بن الحارث بن کعب ، قال :

فقل للمضلّلِ من وائلٍ

ومن جعلَ الغَثَّ یوماً سمینا

جعلتَ ابنَ هندٍ وأشیاعَهُ

نظیرَ علیٍّ أما تستحونا

إلی أوّل الناسِ بعد الرسول

أجابَ النبیَّ من العالمینا

وصهرِ الرسولِ ومنْ مثلُه

إذا کان یومٌ یشیبُ القرونا (5)

53 - جریر بن عبد الله البجلیّ ، قال :

فصلّی الإلهُ علی أحمدٍ

رسولِ الملیکِ تمامَ النعَمْ

وصلّی علی الطهرِ من بعدِهِ

خلیفتنا القائم المُدَّعمْف)

ص: 330


1- رسالة الإسکافی ، کما فی شرح ابن أبی الحدید : 3 / 259 [13 / 232 خطبة 238 ، وفیه نسبة البیتین إلی أبی سفیان بن حرب]. (المؤلف)
2- کتاب نصر بن مزاحم : ص 453 [ص 398]. (المؤلف)
3- فی بعض المصادر : زفیر بن زید. (المؤلف)
4- رسالة الإسکافی ، کما فی شرح ابن أبی الحدید : 3 / 259 [13 / 232 خطبة 238]. (المؤلف)
5- کتاب صفّین لنصر بن مزاحم : ص 66 [ص 59]. (المؤلف)

علیّا عنیتُ وصیَّ النبیِ

یجالدُ عنه غُواةَ الأممْ

له الفضلُ والسبْقُ والمکرُما

تُ وبیتُ النبوّةِ لا المهتضمْ

54 - عبد الله بن حکیم التمیمیّ ، قال :

دعانا الزبیرُ إلی بیعةٍ

وطلحةُ من بعد أن أثقلا

فقلنا : صَفَقْنا بأَیْمانِنا

فإن شئتما فخُذا الأشملا

نکثتم علیّا علی بیعةٍ

وإسلامُهُ فیکمُ أوّلا

55 - عبد الرحمن بن حنبل - جعل - الجمحیّ حلیف بنی جُمَح ، قال :

لَعمری لئن بایعتمُ ذا حفیظةٍ

علی الدینِ معروفَ العفافِ موفَّقا

عفیفاً عن الفحشاءِ أبیضَ ماجداً

صدوقاً وللجبّارِ قِدماً مُصدِّقا

أبا حسنٍ فارضَوا به وتبایعوا

فلیس کمَنْ فیهِ یری العیب منطقا

علیٌّ وصیُّ المصطفی ووزیرُهُ

وأوّلُ من صلّی لذی العرش واتّقی (1)

56 - أبو عمرو عامر الشعبیّ الکوفیّ ، قال : أوّل من أسلم من الرجال علیُّ بن أبی طالب وهو ابن تسع سنین.

رسالة الإسکافی کما فی شرح ابن أبی الحدید (2) (3 / 260).

57 - أبو سعید الحسن البصریّ ، قال : علیٌّ أوّل من أسلم بعد خدیجة.

أخرجه أحمد (3) عن عبد الرزاق ، عن معمر ، عن قتادة ، عنه. ورواه الإسکافی فی رسالته ، عن عبد الرزاق کما فی شرح ابن أبی الحدید (4) (3 / 260). 8.

ص: 331


1- کفایة الطالب للحافظ الکنجی : ص 48 [ص 127 باب 25]. (المؤلف)
2- شرح نهج البلاغة : 13 / 235 خطبة 238.
3- فضائل الصحابة : 2 / 589 ح 998.
4- شرح نهج البلاغة : 13 / 234 خطبة 238.

وقال الحجّاج للحسن - وعنده جماعةٌ من التابعین ، وذکر علیّ بن أبی طالب - : ما تقول أنت یا حسن؟ فقال : ما أقول؟ هو : أوّل من صلّی إلی القبلة ، وأجاب دعوة رسول الله ، وإنَّ لعلیٍّ منزلةً من ربِّه وقرابةً من رسوله ، وقد سبقت له سوابق لا یستطیع ردّها أحدٌ. فغضب الحجّاج غضباً شدیداً ، وقام عن سریره فدخل بعض البیوت.

وقال رجل للحسن : ما لنا لا نراک تثنی علی علیٍّ وتقرظه؟ قال : کیف وسیف الحجّاج یقطر دماً؟ إنَّه أوّل من أسلم ، وحسبکم بذلک. رسالة الإسکافی کما فی شرح ابن أبی الحدید (1) (3 / 258).

58 - الإمام محمد بن علیّ الباقر علیه السلام ، قال : «أوّل من آمن بالله علیٌّ بن أبی طالب ، وهو ابن إحدی عشرة سنة». شرح ابن أبی الحدید (2) (3 / 260).

59 - قتادة بن دعامة الأکمه البصریّ ، قال : علیٌّ أوّل من أسلم بعد خدیجة.

أخرجه أحمد کما سمعت ، والقسطلانی عدّه ممّن قال به فی المواهب (3) (1 / 45) ، وأقرّه الزرقانی فی شرحه (1 / 242).

60 - محمد بن مسلم المعروف بابن شهاب (4) [الزُّهْریّ] ، عدّه القسطلانی فی المواهب (1 / 45) ، وأقرّه الزرقانی فی شرحه (1 / 242) من القائلین بأنَّ علیّا أوّل من أسلم.

61 - أبو عبد الله محمد بن المنکدر (5) المدنیّ ، قال : علیٌّ أوّل من أسلم. ر.

ص: 332


1- شرح نهج البلاغة : 13 / 231 خطبة 238.
2- شرح نهج البلاغة : ص 235.
3- المواهب اللدنیّة : 1 / 216.
4- نسبة إلی جدّ جدّه. (المؤلف)
5- فی الکامل لابن الأثیر : ابن المنذر.

تاریخ الطبری (1) (2 / 213) ، الکامل لابن الأثیر (2) (2 / 22).

62 - أبو حازم سلمة بن دینار المدنیّ ، قال : علیٌّ أوّل من أسلم.

تاریخ الطبری (2 / 213) ، الکامل لابن الأثیر (2 / 22).

63 - أبو عثمان ربیعة بن أبی عبد الرحمن المدنیّ ، قال : علیٌّ أوّل من أسلم.

تاریخ الطبری (2 / 213) ، الکامل لابن الأثیر (2 / 22).

64 - أبو النضر محمد بن السائب الکلبیّ ، قال : علیٌّ أوّل من أسلم ، أسلم وهو ابن تسع سنین.

تاریخ الطبری (2 / 213) ، الکامل لابن الأثیر (2 / 22).

65 - محمد بن إسحاق ، قال : کان أوّل ذَکَر آمن برسول الله صلی الله علیه وسلم وصلّی معه وصدّقه بما جاءه من عند الله علیُّ بن أبی طالب ، وهو یومئذٍ ابن عشر سنین (3) ، وکان ممّا أنعم الله به علی علیِّ بن أبی طالب أنَّه کان فی حجر رسول الله صلی الله علیه وسلم قبل الإسلام.

وقال : وذکر بعض أهل العلم أنَّ رسول الله صلی الله علیه وسلم کان إذا حضرت الصلاة خرج إلی شعاب مکّة ، وخرج معه علیُّ بن أبی طالب ، مستخفیاً من عمِّه أبی طالب وجمیع أعمامه وسائر قومه ، فیصلّیان الصلوات فیها ، فإذا أمسیا رجعا فمکثا کذلک ما شاء الله أن یمکثا ، ثمَّ إنَّ أبا طالب عثر علیهما یوماً وهما یصلِّیان ، فقال لرسول الله صلی الله علیه وسلم : یا ابن أخی ما هذا الدین؟ ....

تاریخ الطبری (2 / 213) ، سیرة ابن هشام (1 / 264 ، 265) ، سیرة ابن سیِّد ف)

ص: 333


1- تاریخ الأمم والملوک : 2 / 312.
2- الکامل فی التاریخ : 1 / 484.
3- فی الکامل لابن الأثیر : 2 / 22 : إحدی عشرة سنة. نقلاً عن ابن إسحاق. (المؤلف)

الناس (1 / 93) ، الکامل لابن الأثیر (2 / 22) ، شرح ابن أبی الحدید (3 / 260) ، السیرة الحلبیّة (1 / 287) (1).

66 - جُنید بن عبد الرحمن ، قال : أتیت من حوران إلی دمشق لآخذ عطائی ، فصلّیت الجمعة ثمَّ خرجت من باب الدرج ، فإذا علیه شیخٌ یقال له أبو شیبة القاصّ یقصُّ علی الناس ، فرغّب فرغبنا ، وخوّف فبکینا ، فلمّا انقضی حدیثه قال : اختموا مجلسنا بلعن أبی تراب. فلعنوا أبا تراب علیه السلام فالتفت إلیَّ مَن علی یمینی ، فقلت له : فمن أبو تراب؟ فقال : علیُّ بن أبی طالب ، ابن عمِّ رسول الله ، وزوج ابنته ، وأوّل الناس إسلاماً ، وأبو الحسن والحسین ، فقلت : ما أصاب هذا القاصّ؟! فقمت إلیه وکان ذا وفرة ، فأخذت وفرته بیدی ، وجعلت ألطم وجهه وأنطح برأسه الحائط ، فصاح فاجتمع أعوان المسجد ، فوضعوا ردائی فی رقبتی وساقونی حتی أدخلونی علی هشام ابن عبد الملک وأبو شیبة یقدمنی ، فصاح یا أمیر المؤمنین قاصّک وقاصّ آبائک وأجدادک أتی إلیه الیوم أمرٌ عظیمٌ. قال : من فعل بک؟ فقال : هذا.

فالتفت إلیَّ هشام وعنده أشراف الناس ، فقال : یا أبا یحیی متی قدمت؟ فقلت : أمس ، وأنا علی المصیر إلی أمیر المؤمنین فأدرکتنی صلاة الجمعة فصلّیت وخرجت إلی باب الدرج ، فإذا هذا الشیخ قائمٌ یقصّ ، فجلست إلیه فقرأ فسمعنا ، فرغّب من رغّب ، وخوّف من خوّف ؛ ودعا فأمّنا ، وقال فی آخر کلامه : اختموا مجلسنا بلعن أبی تراب ، فسألت : مَن أبو تراب؟ فقیل : علیُّ بن أبی طالب ، أوّل الناس إسلاماً ، وابن عمِّ رسول الله ، وأبو الحسن والحسین ، وزوج بنت رسول الله. فو الله یا أمیر المؤمنین لو ذکر هذا قرابة لک بمثل هذا الذکر ولعنه بمثل هذا اللعن لأحللت به الذی أحللت ، فکیف لا أغضب لصهر رسول الله وزوج ابنته؟ فقال هشام : بئس ما صنع. 0.

ص: 334


1- السیرة النبویّة : 1 / 262 ، 263 ، عیون الأثر : 1 / 125 ، شرح نهج البلاغة : 13 / 235 خطبة 238 ، السیرة الحلبیة : 1 / 270.

تاریخ ابن عساکر (1) (3 / 407).

هذه جملةٌ من النصوص النبویّة والکلم المأثورة عن أمیر المؤمنین والصحابة والتابعین ، فی أنّ علیّا أوّل من أسلم ، وهی تربو علی مائة کلمة ، أضف إلیها ما مرَّ [فی] (2 / 306) من أنَّ أمیر المؤمنین سبّاق هذه الأمّة ، وأشفع الجمیع بما أسلفناه [فی] (2 / 312) من أنَّه - صلوات الله علیه - صدِّیق هذه الأمّة ، وهو الصدِّیق الأکبر.

فهل تجد عندئذٍ مساغاً لمکابرة ابن کثیر تجاه هذه الحقیقة الراهنة ، وقوله : وهذا لا یصحّ من أیّ وجه کان روی فیه؟ وهل تری مقیلاً من الصدق فی قوله : وقد ورد فی أنَّه أوّل من أسلم .. إلخ؟ فإذا لا یصحُّ مثل هذه ، فما الذی یصحّ؟ وإن کان لا یصحّ شیءٌ منها ، فما قیمة تلک الکتب المشحونة بها؟

(کَلاَّ إِنَّها کَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلی یَوْمِ یُبْعَثُونَ) (2).

وأنت تری الرجل یزیّف هذه الکلم والنصوص الکثیرة الصحیحة بحکم الحفّاظ الأثبات بکلمة واحدة قارصة ، ویعتمد فی إثبات أیِّ أمرٍ یروقه فی تاریخه علی المراسیل والمقاطیع والآحاد ، ونقل المجاهیل وأفناء الناس.

تذییل

قال المأمون فی حدیث احتجاجه علی أربعین فقیهاً ومناظرته إیّاهم فی أنّ أمیر المؤمنین أولی الناس بالخلافة : یا إسحاق أیُّ الأعمال کان أفضل یوم بعث الله رسوله؟ قلت : الإخلاص بالشهادة. قال : ألیس السبق إلی الإسلام؟ قلت : نعم. قال : اقرأ ذلک فی کتاب الله یقول : (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ* أُولئِکَ الْمُقَرَّبُونَ) (3) إنّما 1.

ص: 335


1- تاریخ مدینة دمشق : 4 / 27 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 6 / 117.
2- المؤمنون : 100.
3- الواقعة : 10 - 11.

عنی من سبق إلی الإسلام ، فهل علمت أحداً سبق علیّا إلی الإسلام؟ قلت : یا أمیر المؤمنین إنَّ علیّا أسلم وهو حدیث السنِّ لا یجوز علیه الحکم ، وأبو بکر أسلم وهو مستکملٌ یجوز علیه الحکم. قال : أخبرنی أیّهما أسلم قبلُ ، ثمَّ أناظرک من بعده فی الحداثة والکمال. قلت : علیٌّ أسلم قبل أبی بکر علی هذه الشریطة. فقال : نعم ، فأخبرنی عن إسلام علیٍّ حین أسلم ، لا یخلو من أن یکون رسول الله صلی الله علیه وسلم دعاه إلی الإسلام أو یکون إلهاماً من الله. قال : فأطرقت ، فقال لی : یا إسحاق لا تقل إلهاماً فتقدِّمه علی رسول الله صلی الله علیه وسلم ؛ لأنَّ رسول الله لم یعرف الإسلام حتی أتاه جبریل عن الله تعالی. قلت : أجل بل دعاه رسول الله إلی الإسلام. قال : یا إسحاق ، فهل یخلو رسول الله صلی الله علیه وسلم حین دعاه إلی الإسلام من أن یکون دعاه بأمر الله أو تکلّف ذلک من نفسه؟ قال : فأطرقت. فقال : یا إسحاق لا تنسب رسول الله إلی التکلّف ؛ فإنَّ الله یقول : (وَما أَنَا مِنَ الْمُتَکَلِّفِینَ) (1) ، قلت : أجل یا أمیر المؤمنین ، بل دعاه بأمر الله. قال : فهل من صفة الجبّار - جلَّ ذکره - أن یکلّف رسله دعاء من لا یجوز علیه حکمٌ؟ قلت : أعوذ بالله. فقال : أفَتَراه فی قیاس قولک یا إسحاق : أنّ علیّا أسلم صبیّا لا یجوز علیه الحکم ، قد تکلّف رسول الله صلی الله علیه وسلم من دعاء الصبیان ما لا یطیقون؟ فهل یدعوهم الساعة ویرتدّون بعد ساعة ، فلا یجب علیهم فی ارتدادهم شیءٌ ، ولا یجوز علیهم حکم الرسول علیه السلام؟ أتری هذا جائزاً عندک أن تنسبه إلی رسول الله صلی الله علیه وسلم؟ قلت : أعوذ بالله.

العقد الفرید (2) (3 / 43).

وقال أبو جعفر الإسکافیّ المعتزلیّ : المتوفّی (240) فی رسالته (3) : قد روی الناس کافّة افتخار علیّ علیه السلام بالسبق إلی الإسلام ، وأنَّ النبیَّ صلی الله علیه وآله وسلم استُنبئ یوم الإثنین وأسلم علیٌّ یوم الثلاثاء ، وأنَّه کان یقول : «صلّیت قبل الناس سبع سنین» ، وأنَّه 8.

ص: 336


1- سورة ص : 86.
2- العقد الفرید : 5 / 58.
3- شرح نهج البلاغة : 13 / 244 خطبة 238.

ما زال یقول : «أنا أوّل من أسلم». ویفتخر بذلک ویفتخر له به أولیاؤه ومادحوه وشیعته فی عصره وبعد وفاته ، والأمر فی ذلک أشهر من کلِّ شهیر ، وقد قدّمنا منه طرفاً وما علمنا أحداً من الناس فیما خلا استخفَّ بإسلام علیٍّ علیه السلام ولا تهاون به ، ولا زعم أنَّه أسلم إسلام حدث غریر وطفل صغیر ، ومن العجب أن یکون مثل العبّاس وحمزة ینتظران أبا طالب وفعله لیصدرا عن رأیه ، ثمَّ یخالفه علیٌّ ابنه لغیر رغبة ولا رهبة ، یؤثر القلّة علی الکثرة ، والذلَّ علی العزّة ، من غیر علم ولا معرفة بالعاقبة ، وکیف ینکر الجاحظ والعثمانیّة أنَّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم دعاه إلی الإسلام وکلّفه التصدیق؟

ورُوی فی الخبر الصحیح (1) أنَّه کلّفه فی مبدأ الدعوة قبل ظهور کلمة الإسلام وانتشارها بمکّة أن یصنع له طعاماً ، وأن یدعو له بنی عبدا لمطّلب. فصنع له الطعام ودعاهم له ، فخرجوا ذلک الیوم ولم ینذرهم صلی الله علیه وآله وسلم لکلمة قالها عمّه أبو لهب ، فکلّفه الیوم الثانی أن یصنع مثل ذلک الطعام ، وأن یدعوهم ثانیة. فصنعه ودعاهم ، فأکلوا ثمَّ کلّمهم صلی الله علیه وآله وسلم فدعاهم إلی الدین ودعاه معهم لأنّه من بنی عبد المطّلب ، ثمَّ ضمن لمن یوازره منهم وینصره علی قوله أن یجعله أخاه فی الدین ، ووصیّه بعد موته ، وخلیفته من بعده ، فأمسکوا کلّهم وأجابه هو وحده ، وقال : «أنا أنصرک علی ما جئت به ، وأوازرک وأبایعک».

فقال لهم لمّا رأی منهم الخذلان ومنه النصر ، وشاهد منهم المعصیة ومنه الطاعة ، وعاین منهم الإباء ومنه الإجابة : «هذا أخی ووصیّی وخلیفتی من بعدی». فقاموا یسخرون ویضحکون ، ویقولون لأبی طالب : أطع ابنک فقد أمّره علیک.

فهل یکلّف عمل الطعام ودعاء القوم صغیرٌ غیر ممیِّز ، وغرٌّ غیر عاقل؟ وهل یؤتمن علی سرِّ النبوّة طفلٌ ابن خمس سنین أو ابن سبع؟ وهل یُدعی فی جملة الشیوخ والکهول إلاّ عاقلٌ لبیبٌ؟ وهل یضع رسول الله صلی الله علیه وسلم یده فی یده ویعطیه صفقة یمینهف)

ص: 337


1- مرّ هذا الحدیث الصحیح بألفاظه وطرقه فی : 2 / 278 - 284. (المؤلف)

بالأخوّة والوصیّة والخلافة ، إلاّ وهو أهلٌ لذلک ، بالغٌ حدَّ التکلیف ، ومحتملٌ لولایة الله وعداوة أعدائه؟ (1)

وقال الحاکم النیسابوری صاحب المستدرک علی الصحیحین فی کتاب المعرفة (ص 22) : ولا أعلم خلافاً بین أصحاب التواریخ أنّ علیَّ بن أبی طالب رضی الله عنه أوّلهم إسلاماً ، وإنّما اختلفوا فی بلوغه.

وقال ابن عبد البرّ فی الاستیعاب (2) (2 / 457) : اتّفقوا علی أنَّ خدیجة أوّل من آمن بالله ورسوله ، وصدّقه فیما جاء به ثمَّ علیٌّ بعدها.

وقال المقریزی فی الإمتاع (ص 16) ما ملخّصه : وأمّا علیُّ بن أبی طالب فلم یشرک بالله قطُّ ، وذلک أنَّ الله تعالی أراد به الخیر فجعله فی کفالة ابن عمّه سیّد المرسلین محمد صلی الله علیه وسلم ، فعند ما أتی رسول الله صلی الله علیه وسلم الوحیُ ، وأخبر خدیجة وصدّقت ، کانت هی وعلیّ بن أبی طالب وزید بن حارثة یصلّون معه - إلی أن قال - : فلم یحتج علیٌّ رضی الله عنه أن یُدعی ، ولا کان مشرکاً حتی یوحِّد فیقال : أسلم ، بل کان عندما أوحی الله إلی رسوله صلی الله علیه وسلم عمره ثمانی سنین ، وقیل : سبع ، وقیل : إحدی عشرة سنة ، وکان مع رسول الله صلی الله علیه وسلم فی منزله بین أهله کأحد أولاده ، یتبعه فی جمیع أحواله .. إلخ.

وأنت تجد أوّلیة أمیر المؤمنین فی الإسلام فی شعر کثیر من السلف ، مثل قول مسلم بن الولید الأنصاری :

أذکرتَ سیفَ رسول الله سنّته

وسیفَ أوّلِ من صلّی ومن صاما

قال أبو الفلاح الحنبلی ، فی شذراته (3) (1 / 308) : یعنی علیّا رضی الله عنه إذ کان هو الضرّاب به - بسیف النبیِّ. .

ص: 338


1- مرّت جملة من بقیّة الکلام : 2 / 287. (المؤلف)
2- الاستیعاب : القسم الثالث / 1092 رقم 1855.
3- شذرات الذهب : 2 / 384 حوادث سنة 185 ه.

هذا ما اقتضته المسالمة مع القوم فی تحدید مبدأ إسلامه علیه السلام ، وأمّا نحن فلا نقول : إنّه أوّل من أسلم بالمعنی الذی یحاول ابن کثیر وقومه ؛ لأنَّ البدأة به تستدعی سبقاً من الکفر ، ومتی کفر أمیر المؤمنین حتی یسلم؟ ومتی أشرک بالله حتی یؤمن؟ وقد انعقدت نطفته علی الحنیفیّة البیضاء ، واحتضنه حِجْر الرسالة ، وغذّته ید النبوّة ، وهذّبه الخُلُق النبویُّ العظیم ، فلم یزل مقتصّا أثر الرسول قبل أن یصدع بالدین الحنیف وبعده ، فلم یکن له هویً غیر هواه ، ولا نزعة غیر نزعته ، وکیف یمکن الخصم أن یقذفه بکفر قبل الدعوة؟ وهو یقول - وإن لم نر صحّة ما یقول - : إنَّه کان یمنع أمّه من السجود للصنم وهو حملٌ (1).

أیکون إمام الأمّة هکذا فی عالم الأجنّة ، ثمّ یدنِّسه درن الکفر فی عالم التکلیف؟ فلقد کان - صلوات الله علیه - مؤمناً : جنیناً ، ورضیعاً ، وفطیماً ، ویافعاً ، وغلاماً ، وکهلاً ، وخلیفةً.

ولولا أبو طالبٍ وابنُهُ

لما مَثُلَ الدینُ شخصاً وقاما

بل نحن نقول : إنَّ المراد من إسلامه وإیمانه وأوّلیّته فیهما وسبقه إلی النبیِّ فی الإسلام هو المعنی المراد من قوله تعالی عن إبراهیم الخلیل علیه السلام : (وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِینَ) (2). وفیما قال سبحانه عنه : (إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِینَ) (3). وفیما قال سبحانه عن موسی علیه السلام : (وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِینَ) (4) : وفیما قال تعالی عن نبیِّه الأعظم : (آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَیْهِ مِنْ رَبِّهِ) (5). وفیما قال : (قُلْ إِنِّی5.

ص: 339


1- ذکر حدیثه فی السیرة الحلبیّة : 1 / 285 [1 / 268] ، سیرة زینی دحلان [1 / 91] ، نور الأبصار : ص 76 [ص 156] ، نزهة المجالس : 2 / 210. (المؤلف)
2- الأنعام : 163.
3- البقرة : 131.
4- الأعراف : 143.
5- البقرة : 285.

أُمِرْتُ أَنْ أَکُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ) (1)) وفی قوله : (وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِینَ) (2).

وفی وسع الباحث أن یتّخذ دروساً راقیة حول ما نرتئیه من خطبةٍ لأمیر المؤمنین علیه السلام وقد ذکرها الشریف الرضی فی نهج البلاغة (3) (1 / 392) ألا وهی :

«أنا وضعت فی الصغر بکلا کل العربِ ، وکسرت نواجم قرون ربیعة ومضر ، وقد علمتم موضعی من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بالقرابة القریبة ، والمنزلة الخصیصة ، وضعنی فی حِجره وأنا ولید ، یضمّنی إلی صدره ، ویَکنُفُنی فی فراشه ، ویُمسُّنی جسدَه ، ویُشمّنی عَرفه ، وکان یمضغ الشیء ثمَّ یُلقِمُنیه ، وما وجد لی کَذْبَةً فی قول ، ولا خَطلةً فی فعل ، ولقد قرن الله به صلی الله علیه وآله وسلم من لدن أن کان فطیماً ، أعظمَ مَلَکٍ من ملائکته ، یسلُکُ به طریق المکارم ، ومحاسن أخلاق العالَم ، لیله ونهاره ، ولقد کنتُ أتّبعه اتِّباع الفصیل أَثَر أمِّه ، یرفع لی فی کلّ یوم من أخلاقه عَلَماً ، ویأمرنی بالاقتداء به ، ولقد کان یجاور فی کلِّ سنة بحِراء ، فأراهُ ولا یراه غیری ، ولم یجمع بیت واحد یومئذ فی الإسلام غیر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وخدیجة وأنا ثالثهما ، أری نور الوحی والرسالة ، وأشمُّ ریحَ النبوّة ، ولقد سمعت رَنّة الشیطان حین نزل الوحی علیه صلی الله علیه وآله وسلم فقلت : یا رسول الله ما هذه الرنّة؟ فقال : هذا الشیطان قد أیس من عبادته ، إنَّک تسمع ما أسمع ، وتری ما أری ، إلاّ أنَّکَ لستَ بنبیٍّ ، ولکنَّک لَوزیرٌ ؛ وإنَّک لعلی خیرٍ».

وأمّا الکلام فی إسلام أبی بکر فلا یسعنی أن أحوم حول هذا الموضوع ، وبین یدیَّ صحیحة محمد بن سعد بن أبی وقّاص التی أخرجها الطبری فی تاریخه (4) (2 / 215) بإسناد صحیح رجاله ثقات ، قال ابن سعد : قلت لأبی : أکان أبو بکر أوّلکم إسلاماً؟ فقال : لا. ولقد أسلم قبله أکثر من خمسین ، ولکن کان أفضلنا إسلاماً. 6.

ص: 340


1- الأنعام : 14.
2- غافر : 66.
3- نهج البلاغة : ص 300 خطبة 192.
4- تاریخ الأمم والملوک : 2 / 316.

وما عسانی أن أقول وأبو جعفر الإسکافی المعتزلی - البعید عن عالم التشیّع - یقول (1) : أمّا ما احتجَّ به الجاحظ لإمامة أبی بکر بکونه أوّل الناس إسلاماً ، فلو کان هذا احتجاجاً صحیحاً لاحتجَّ به أبو بکر یوم السقیفة وما رأیناه صنع ذلک ، لأنّه أخذ بید عمر وید أبی عبیدة بن الجرّاح ، وقال للناس : قد رضیت لکم أحد هذین الرجلین فبایعوا منهما مَن شئتم. ولو کان هذا احتجاجاً صحیحاً لما قال عمر : کانت بیعة أبی بکر فلتةً وقی الله شرّها. ولو کان احتجاجاً صحیحاً لادّعی واحدٌ من الناس لأبی بکر الإمامة فی عصره أو بعد عصره بکونه سبق إلی الإسلام ، وما عرفنا أحداً ادّعی له ذلک. علی أنّ جمهور المحدِّثین لم یذکروا أنّ أبا بکر أسلم إلاّ بعد عدّة من الرجال منهم : علیّ بن أبی طالب ، وجعفر أخوه ، وزید بن حارثة ، وأبو ذرّ الغفاری ، وعمرو بن عنبسة السلمی ، وخالد بن سعید بن العاص ، وخبّاب بن الأرتّ ، وإذا تأمّلنا الروایات الصحیحة والأسانید القویّة الوثیقة ، وجدناها کلّها ناطقةً بأنَّ علیّا علیه السلام أوّل من أسلم.

فأمّا الروایة عن ابن عبّاس أنّ أبا بکر أوّلهم إسلاماً. فقد روی عن ابن عبّاس خلاف ذلک بأکثر ممّا رووا وأشهر ، فمن ذلک ما رواه یحیی بن حمّاد - ثمَّ ذکر أحادیث صحیحة ممّا مرَّ عن ابن عبّاس ، فقال : فهذا قول ابن عبّاس فی سبق علیّ علیه السلام إلی الإسلام ، وهو أثبت من حدیث الشعبی وأشهر ، علی أنَّه قد روی عن الشعبی خلاف ذلک من حدیث أبی بکر الهذلی. ثمَّ ذکر حدیثه وأحادیث أخری ، ممّا ذکر نقلاً عن الکتب الصحاح والأسانید الموثوق بها (2). هذا (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَری عَلَی اللهِ کَذِباً أَوْ کَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُ) (3). 8.

ص: 341


1- شرح نهج البلاغة : 13 / 224 خطبة 238.
2- مرّت بقیّة الکلام : 2 / 287 ، وللإسکافی فی المقام کلمات ضافیة نحیل الحیطة بها إلی رسالته فی الردّ علی الجاحظ. (المؤلف)
3- العنکبوت : 68.

لفت نظر

لعلَّ الباحث یری خلافاً بین کلمات أمیر المؤمنین المذکورة (ص 221 - 224) فی سنیّ عبادته وصلاته مع رسول الله ، بین ثلاث ، وخمس ، وسبع ، وتسع سنین.

فنقول : أمّا ثلاث سنین : فلعلَّ المراد منه ما بین أوّل البعثة إلی إظهار الدعوة من المدّة ، وهی ثلاث سنین (1) ، فقد أقام صلی الله علیه وآله وسلم بمکّة ثلاث سنین من أوّل نبوّته مستخفیاً ، ثمَّ أعلن فی الرابعة.

وأمّا خمس سنین : فلعلَّ المراد منها سنتا (2) فترة الوحی من یوم نزول : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّکَ الَّذِی خَلَقَ) إلی نزول (یا أَیُّهَا الْمُدَّثِّرُ) ، وثلاث سنین من أوّل بعثته بعد الفترة إلی نزول قوله : (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِکِینَ) (3) وقوله : (وَأَنْذِرْ عَشِیرَتَکَ الْأَقْرَبِینَ) (4) سنوّ الدعوة الخفیّة التی لم یکن فیها معه صلی الله علیه وآله وسلم إلاّ خدیجة وعلیّ. وأحسب أن هذا مراد من قال : إنَّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم کان مستخفیا أمره خمس سنین. کما فی الإمتاع (ص 44).

وأمّا سبع سنین : فإنَّها مضافاً إلی کثرة طرقها وصحّة أسانیدها معتضدة بالنبویّة المذکورة (ص 220) وبحدیث أبی رافع المذکور (ص 227) وهی سنوّ الدعوة النبویّة من أوّل بعثته صلی الله علیه وآله وسلم إلی فرض الصلاة المکتوبة.

وذلک أنَّ الصلاة فُرضت بلا خلاف لیلة الإسراء ، وکان الإسراء کما قال محمد ابن شهاب الزهری قبل الهجرة بثلاث سنین ، وقد أقام صلی الله علیه وآله وسلم فی مکّة عشر سنین ، فکان أمیر المؤمنین خلال هذه المدّة - السنین السبع - یعبد الله ویصلّی معه صلی الله علیه وآله وسلم 4.

ص: 342


1- تاریخ الطبری : 2 / 216 ، 218 [2 / 318 ، 322] ، سیرة ابن هشام : 1 / 274 [1 / 280] ، طبقات ابن سعد : ص 200 [3 / 21] ، الإمتاع : ص 15 ، 21. (المؤلف)
2- عدّهما المقریزی أحد الأقوال فی أیّام فترة الوحی فی الإمتاع : ص 14. (المؤلف)
3- الحجر : 94.
4- الشعراء : 214.

فکانا یخرجان ردحاً من الزمن إلی الشِّعْب ، وإلی حراء للعبادة ، ومکثا علی هذا ما شاء الله أن یمکثا (1) ، حتی نزل قوله تعالی : (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِکِینَ) وقوله : (وَأَنْذِرْ عَشِیرَتَکَ الْأَقْرَبِینَ). وذلک بعد ثلاث سنین من مبعثه الشریف ، فتظاهر علیه السلام بإجابة الدعوة فی منتدی الهاشمیّین المعقود لها ، ولم یلبِّها غیره ، ومن یوم ذاک اتّخذه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أخاً ووصیّاً ، وخلیفةً ، ووزیراً (2) ثمَّ لم یُلبِّ الدعوة إلی مدّة إلاّ آحاد ، هم بالنسبة إلی عامّة قریش والناس المرتطمین فی تمرّدهم فی حیِّز العدم.

علی أنَّ إیمان من آمن وقتئذٍ لم یکن معرفةً تامّةً بحدود العبادات حتی تدرّجوا فی المعرفة والتهذیب ، وإنّما کان خضوعاً للإسلام ، وتلفّظاً بالشهادتین ، ورفضاً لعبادة الأوثان. لکن أمیر المؤمنین خلال هذه المدّة کان مقتصّا أثر الرسول من أوّل یومه ، فیشاهده کیف یتعبّد ، ویتعلّم منه حدود الفرائض ، ویقیمها علی ما هی علیه ، فمن الحقِّ الصحیح إذن توحیده فی باب العبادة الکاملة ، والقول بأنّه عَبَدَ الله وصلّی قبل الناس بسبع سنین.

ویحتمل أن یراد السنین السبع الواردة فی حدیث ابن عبّاس ، قال : إنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أقام بمکّة خمس عشرة سنة ، سبع سنین یری الضوء والنور ویسمع الصوت ، وثمانی سنین یوحی إلیه (3) ، وأمیر المؤمنین کان معه من أوّل یومه ، یری ما یراه صلی الله علیه وسلم ویسمع ما یسمع ، إلاّ أنَّه لیس بنبیٍّ کما مرّ فی (ص 240). فإن تعجب فعجبٌ قول الذهبی فی تلخیص المستدرک (4) (3 / 112) : إنّ النبیّ من أوّل ما أوحی إلیه آمن 5.

ص: 343


1- تاریخ الطبری : 2 / 213 [2 / 313] ، سیرة ابن هشام : 1 / 265 [1 / 263] ، راجع : ص 235 من هذا الجزء. (المؤلف)
2- راجع الجزء الثانی من کتابنا : ص 278 - 284. (المؤلف)
3- طبقات ابن سعد : ص 209 طبع مصر [1 / 224]. (المؤلف)
4- تلخیص المستدرک علی الصحیحین : 3 / 121 ح 4585.

به : خدیجة ، وأبو بکر ، وبلال ، وزید مع علیّ قبله بساعات أو بعده بساعات وعبدوا الله مع نبیِّه ، فأین السبع السنین؟

قال الأمینی : هذه السنین السبع ، ولکن أین تلک الساعات المزعومة عند الذهبی؟ ومن ذا الذی یقولها؟ ومتی خُلق قائلها؟ وأین هو؟ وأیُّ مصدرٍ ینصُّ علیها؟ وأیُّ راوٍ رواها؟ بل نتنازل معه ونرضی بقصّیص یقصّها ، غیر ما فی علبة مفکّرة الذهبی أو عیبة أوهامه ، ومتی کان أبو بکر من تلک الطبقة؟ وقد مرّ فی صحیحة الطبری (1) (ص 240) : أنَّه أسلم بعد أکثر من خمسین رجلاً. فکأنّ الرجل قرویٌّ من البعداء عن تاریخ الإسلام ، أوأنَّه عارفٌ به غیر أنَّه یروقه الإفک والزور.

وأمّا تسع سنین : فیمکن أن یُراد منها سنتا الفترة والسنین السبع من البعثة إلی فرض الصلوات المکتوبة. والمبنیُّ فی هذه کلّها علی التقریب لا علی الدقّة والتحقیق کما هو المطّرد فی المحاورات ، فالکلُّ صحیحٌ لا خلاف بینها ولا تعارض هناک.

5 - ذکر (2) فی (7 / 357) حدیث تصدّق أمیر المؤمنین بخاتمه فی الصلاة وهو راکعٌ ، ونزول آیة (إِنَّما وَلِیُّکُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِینَ آمَنُوا) الآیة. من طریق أبی سعید الأشجّ الذی أسلفناه (ص 157) ثمّ أردفه بقوله : وهذا لا یصحُّ بوجهٍ من الوجوه لضعف أسانیده ، ولم ینزل فی علیٍّ شیءٌ من القرآن بخصوصیّته ، وکلّ ما یریدونه (3) فی قوله تعالی : (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِکُلِّ قَوْمٍ هادٍ) (4) وقوله : (وَیُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلی حُبِّهِ مِسْکِیناً وَیَتِیماً وَأَسِیراً) (5). وقوله : (أَجَعَلْتُمْ سِقایَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ 8.

ص: 344


1- تاریخ الأمم والملوک : 2 / 316.
2- البدایة والنهایة : 7 / 395 حوادث سنة 40 ه.
3- کذا فی النسخة ولعلّه : یروونه. (المؤلف)
4- الرعد : 7.
5- الإنسان : 8.

الحَرَامِ کَمَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالیَومِ الآخِرِ) (1). وغیر ذلک من الآیات والأحادیث الواردة فی أنَّها نزلت فی علیٍّ ، لا یصحُّ شیءٌ منها.

الجواب : (کَبُرَتْ کَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ إِنْ یَقُولُونَ إِلاَّ کَذِباً) (2). کیف یحکم الرجل بعدم صحّة نزول آیة (إِنَّما وَلِیُّکُمُ اللهُ) فی علیّ علیه السلام ، ویستدلُّ بضعف أسانیده ، وهو بنفسه یرویه فی تفسیره (2 / 71) من طریق ابن مردویه ، عن الکلبی ویقول : قال : هذا إسنادٌ لا یُقدح به؟ ونحن أوقفناک (ص 157) : علی أنّ حدیث أبی سعید الأشجّ الذی ذکره صحیح ، رجاله ثقات.

ثمّ إن کان ما ورد فی هذه الآیات وغیرها من الآیات الکریمة المتکثِّرة من نزولها فی مولانا أمیر المؤمنین علیه السلام ، أو أنّها مؤوّلة به ، أو أنَّه علیه السلام أحد المصادیق الظاهرة لعمومها کما حسبه المغفّل ممّا لا یصحُّ شیءٌ منها ، فمن واجب الباحث أن یشطب علی هذه التفاسیر المعتمد علیها ، والصحاح والمسانید ومدوّنات الحدیث المعتبرة بقلمٍ عریضٍ یمحو ما سطّروه فیها ، وما تکون عندئذٍ قیمة هاتیک الکتب المشحونة بما لا یصحّ؟ وما غَناء هؤلاء العلماء الذین یعتمدون علی الأب اطیل وهم یقضون أعمارهم فی جمعها ، ویدّخرونها للأمّة لتعمل بها وتخبت إلی مفادها؟ وإذا ذهبت هذه ضحیّة هوی ابن کثیر ، فأیُّ کتاب یحقُّ أن یکون مرجعاً لروّاد العلم ، ومَوئلاً یقصده الباحث؟

نعم هذه الکتب هی المصدر والمَوئل لا غیرها وابن کثیر نفسه لا یرد إلاّ إلیها ، ولا یصدر إلاّ منها فی کلِّ مورد إلاّ فی باب فضائل أمیر المؤمنین ، فعندها تغلی مراجل حقده ، فیؤمّها بلسانٍ بذیّ وقلم جریء.

ونحن قد أوقفناک علی مصادر نزول هذه الآیات الکریمة فی کتابنا هذا (2 / 52 - 55 5.

ص: 345


1- التوبة : 19.
2- الکهف : 5.

و 3 / 106 - 111 ، 156 - 163) وسنوقفک علی حقِّ القول فی قوله تعالی : (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِکُلِّ قَوْمٍ هادٍ). فإلی الملتقی.

6 - ذکر (1) فی (7 / 358) عن الإمام أحمد (2) ، عن وکیع ، عن إسرائیل ، عن أبی إسحاق ، عن زید بن یُثیع ، عن أبی بکر حدیث البراءة ثمَّ أردفه بقوله : وفیه نکارةٌ من جهة أمره بردِّ الصدِّیق ، فإنَّ الصدِّیق لم یرجع بل کان هو أمیر الحجّ .. إلخ.

الجواب : إقرأ واضحک من هذا الاجتهاد البارد فی مقابل النصِّ الثابت الصحیح المجمع علی صحّته ، وسیوافیک الحدیث بطرقه المتکثِّرة.

7 - ذکر (3) فی (7 / 343) من طریق الإمام أحمد (4) عن ابن نمیر ، عن الأجلح الکندی ، عن عبد الله بن بریدة حدیثاً فیه : فقال رسول الله صلی الله علیه وسلم : «لا تقع فی علیٍّ فإنَّه منّی وأنا منه وهو ولیّکم بعدی». ثمَ أردفه بقوله : هذه اللفظة منکرة والأجلح شیعیٌّ ، ومثله لا یُقبل إذا تفرّد بمثلها. وقد تابعه فیها من هو أضعف منه والله أعلم ، والمحفوظ فی هذا روایة أحمد ، عن وکیع ، عن الأعمش ، عن سعد بن عبیدة ، عن عبد الله بن بریدة ، عن أبیه قال : قال رسول الله صلی الله علیه وسلم : «من کنت مولاه ، فعلیٌّ ولیّه» (5).

الجواب : هل یری عربیٌّ غیر أمویّ فی هذه اللفظة نُکراً؟ وهو ذلک القول العربیُّ المبین السهل الممتنع.

أو هل یری عربیٌّ لم تَشُبْهُ عوامل العصبیّة فی معناه شیئاً منکراً؟ وهو ذلک المعنی الصحیح الثابت الصادر من مصدر الوحی بأسانید صحیحة ، المدعوم بما فی ی)

ص: 346


1- البدایة والنهایة : 7 / 394 حوادث سنة 40 ه.
2- مسند أحمد : 1 / 7 ح 4.
3- البدایة والنهایة : 7 / 380 حوادث سنة 40 ه.
4- مسند أحمد : 6 / 489 ح 22503.
5- لم أهتدِ إلی الفرق بین الحدیثین حتی یکون أحدهما منکراً والآخر محفوظاً ، لا فی اللفظ ولا فی المؤدّی. (الطباطبائی)

معناه من الأحادیث الکثیرة الصحاح (1) ، وهل النکر الذی حسبه ابن کثیر فی إسناده إلی قائله صلی الله علیه وآله وسلم ، وهو لا یفتأ یشید بأمثال هذا الذکر الحکیم؟ أم فی المقول فیه صلوات الله علیه فیراه غیر لائق بمثل هذه الکلمة؟ إذن فما ذا یصنع ابن کثیر بأمثالها المتکثِّرة التی ملأت بین المشرق والمغرب ، وهی لا تُدفع بغمز فی إسنادٍ أو بوقیعةٍ فی دلالة؟

وهل سمعت أذناک من محدِّثٍ دینیٍّ ردَّ ما أخرجه أئمّة الحدیث فی الصحاح والمسانید ، وفی مقدَّمها الصحیحان إذا تفرّد به شیعیٌّ؟ وما ذنب الشیعی إذا کان ثقةً عند أئمّة الحدیث کالأجلح؟ فقد وثّقه مثل ابن معین (2).

والحدیث أخرجه (3) أحمد فی المسند (5 / 355) بالإسناد المذکور ، والترمذی باختصار ، والنسائی فی الخصائص (ص 24) ، وابن أبی شیبة کما فی کنز العمّال (6 / 154) ، ومحبّ الدین الطبری فی الریاض النضرة (2 / 171) ، والحافظ الهیثمی فی مجمع الزوائد (9 / 128) وغیرهم ، وإسناد أحمد المذکور صحیح ، رجاله رجال الصحیح إلاّ الأجلح ، وهو ثقة کما سمعت.

وقول الرجل : والمحفوظ فی هذا روایة أحمد. یکشف عن قصور باعه فی الحدیث ، وحسبانه الحدیثین واحداً لانتهاء سندهما إلی بریدة ، وإفادة کلیهما الولایة ، وعدم معرفته بأنّ حدیث - لا تقع - قضیّةٌ فی واقعة شخصیّة لدة قصّة عمران بن الحصین المذکورة (ص 215). وأمّا «من کنت مولاه» فهو لفظ حدیث الغدیر العامّ ، ولیس هو محفوظ هذه القضیّة ، کما لا یخفی علی النابه البصیر. 5.

ص: 347


1- راجع حدیث الغدیر فی الجزء الأوّل من کتابنا ، وفی هذا الجزء : ص 215 ، 216. (المؤلف)
2- التاریخ : 3 / 270 رقم 1276.
3- مسند أحمد : 6 / 489 ح 22503 ، سنن الترمذی : 5 / 591 ح 3712 ، خصائص أمیر المؤمنین : ص 110 ح 90 ، وفی السنن الکبری : 5 / 133 ح 8475 ، المصنّف : 12 / 80 ح 12170 ، کنز العمّال : 11 / 608 ح 32942 ، الریاض النضرة : 3 / 115.

8 - یعزو إلی الشیعة (1) فی (8 / 196) مشفوعاً ذلک بالتکذیب منه أنَّ منهم من زعم أنَّ الإبل البخاتی إنَّما نبتت لها الأسنمة من ذلک الیوم - یوم سبی عقائل بیت الوحی یوم کربلاء - لتستر عوراتهنَّ من قُبلهنَّ ودُبرهنّ.

الجواب : لا أحسب أنَّ فی الشیعة معتوهاً یزعم أنَّ الأسنمة الموجودة فی الإبل بخاتیّها وعرابیّها منذ کُوّنت ، حدثت بعد واقعة الطفّ. الشیعة لا تقول ذلک وإنَّما یأفک بهم من أفک ، وهو یرید الوقیعة فیهم بإسناد التافهات إلیهم ، ولا یعتقد الشیعیُّ أنّ حرائر النبوّة وإن سُلِبْنَ الحلیّ ، والحلل ، والأُزُر ، والأخمرة ، مضین فی السبی عاریات ؛ واستقبلهنّ شیءٌ من مظاهر الخزی ، فإنَّ عطف المولی لهنَّ کان یأبی ذلک کلّه.

نعم ؛ انتابتهنّ محن ونوائب وکوارث وشدائد فی سبیل جهادهنَّ ، کما انتابت رجالهنَّ فی سبیل جهادهم ، وکلّ ما ینتاب المجاهد بعین الله وفی سبیله فهی مأثرة له لا مخزاة ؛ فإنَّهن شارکن الرجال فی تلک النهضة المقدّسة التی أسفرت عن فضیحة الأمویِّین ومکائدهم ونوایاهم السیِّئة علی الدین والمسلمین ، وإضمارهم إرجاع الملأ الدینیِّ إلی الجاهلیّة الأولی.

لکن حسین الدین والهدی المفوَّض إلیه کلاءة دین جدِّه عن عادیة أعدائه ، الناظر إلی هاتیک الأحوال من أَمَم ، وقف هو وآله وأصحابه ونساؤه ذلک الموقف الرهیب ، فأنهوا إلی الجامعة الدینیّة (2) مقاصد القوم ، وأبصروهم المعاول الهدّامة لتدمیر الشریعة فی أیدی آل أمیّة ، وإنَّ ذلک المقعی علی أنقاض الخلافة الإسلامیّة لا صلة له برسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، ولا نصیب له من الخلافة عنه ، ولم یزل علیه السلام یتل وهاتیک الصحیفة السوداء لبنی صخر ، حتی لفظ نفسه الأخیر فی مشهد یوم الطفّ ، وحتی انتهی السیر بنسائه وذراریه إلی الشام. ی.

ص: 348


1- البدایة والنهایة : 8 / 213 حوادث سنة 61 ه.
2- یرید قدس سره بذلک المجتمع الإسلامی.

هنالک مجّت النفوس آل حرب وأشیاعهم ، وتعاقبت علیهم الثورات ، حتی اکتسح الله سبحانه معرّتهم عن أدیم الأرض أیّام مروان الحمار ، ذلک بما کَسَبتْ أیدیهم وما الله بظلاّمٍ للعبید. وهذا مغزی ما یُقال من أنَّ دین الإسلام کما أنَّه محمدیُّ الحدوث فهو حسینیُّ البقاء.

هذه حقیقةٌ راهنةٌ مدعمةٌ بالبراهین ، ولکنّ ابن کثیر ونظراءه من حَمَلَة الروح الأمویّة لا ینقطعون عن تحاملهم علی شیعة الحسین علیه السلام بنسبة الأکاذیب إلیهم وقذفهم بالقوارص.

هذه نماذج یسیرة من جنایات ابن کثیر علی العلم وودائع الإسلام ، وتمویهه الحقائق ، ولا یسعنا استیعاب ما أودع فی طیِّ کتابه من عُجره وبُجره. ولو أردنا أن نسرد کلّ ما فیه أو جلّه من المخاریق والتافهات والإضافات المفتعلة إلی الأبریاء ، والسباب المقذع لرجال الشیعة عند ذکر تاریخهم من دون أیِّ مبرِّر ، والتحامل علیهم بما یستقبحه الوجدان والعقل السلیم ، لجاء منه کتاب حافل ، لکنّا نمرُّ علیها کراماً.

(وَمَنْ یُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَیَّنَ لَهُ الْهُدی وَیَتَّبِعْ غَیْرَ سَبِیلِ الْمُؤْمِنِینَ

نُوَلِّهِ ما تَوَلَّی وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِیراً) (1) 5.

ص: 349


1- النساء : 115.

قال الأمینی :

هذه نماذج ممّا فی الکتب من التافهات ، ولم نقصد استقصاءها ؛ لأنَّه یکلّفنا تألیف مجلّدات ضخمة ، وإنَّما أردنا إیقاظ شعور الأمّة إلی عوامل الحقد والإحن الممتزجَین بنفسیّات ناصبی العداوة لأهل البیت علیهم السلام وأتباعهم ، حتی لا تکبو بتلک المدوَّنات المزخرفة تجاه هذه الطائفة الکبیرة - شیعة آل الله - مثل ما کبا أولئک المهملجون إلی البهرجة والضلال.

وإذا عرف القارئ هذه النزعة منهم ففی وسعه أن یتفحّص عن بقیّة ما هنالک من المخازی والطامّات والقذائف ، والحریّ بنا الآن أن نوعز إلی شیءٍ ممّا جاء به متأخِّرو القوم من مؤلّفی الیوم ممّن اقتصّوا أثر قدمائهم فی العصبیّة العمیاء التی فرّقت الکَلِم ، وشتّتت جمع الأمم ، وأحدثت فی القلوب ضغائن ، وأورثت فی الأفئدة نار العداء ، وأثمرت الفتن ، وأوجدت الکوارث ، وجرّت علی الأمّة کلّ سوء ، وفتحت علیها باب الضعة بمصراعیه ، وألبستها شیة العار ووسمة الشنار ، فأصبحت والأخلاّء یومئذٍ بعضهم لبعضٍ عدوٌّ إلاّ المتّقین (إِنَّما یُرِیدُ الشَّیْطانُ أَنْ یُوقِعَ بَیْنَکُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ) (1) (وَاللهُ یَدْعُوا إِلی دارِ السَّلامِ) (2).

(یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِی السِّلْمِ کَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّیْطانِ إِنَّهُ لَکُمْ عَدُوٌّ مُبِینٌ) (3) (إِنَّ الَّذِینَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّیْطانِ تَذَکَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ) (4). 1.

ص: 350


1- المائدة : 91.
2- یونس : 25.
3- البقرة : 208.
4- الأعراف : 201.

8 - محاضرات تاریخ الأمم الإسلامیة

تألیف الشیخ محمد

الخضری

لقد أخرج الرجل هذا الکتاب بصفة التاریخ ، لکنه لم یجرِ علی بساطته ، وإنّما أودع فیه نزعاته الأمویّة ، فتری فی کلّ ثنیة منه هملجة ، وفی کل فجوة منه ترکاضاً ، فلا هو کتاب تاریخ یسکن إلی نقله ، ولا کتاب عقیدة ینظر فی نقده ، وإنّما هو هیاج ولغط یعکّر الصفو ، ویقلق الطمأنینة ، فکان الأحری بنا الإعراض عنه وعن أغلاطه ، لکن لم نجد بُدّا من لفت القارئ إلی نزر من سقطاته.

1 - قال فی (2 / 67) : وممّا یزید الأسف أنّ هذه الحرب - صفِّین - لم یکن المراد منها الوصول إلی تقریر مبداً دینیٍّ ، أو رفع حیفٍ حلَّ بالأمّة ، وإنَّما کانت لنصرة شخص علی شخص.

فشیعة علیٍّ تنصره لأنّه ابن عمِّ رسول الله صلی الله علیه وسلم وأحقُّ الناس بولایة الأمر ، وشیعة معاویة تنصره لأنّه ولیُّ عثمان ، وأحقُّ الناس بطلب دمه المسفوک ظلماً ، ولا یرون أنَّه ینبغی لهم مبایعة من آوی إلیه قتلته.

الجواب : لیت الرجل بیّن لنا المبادئ الدینیة عنده حتی ننظر فی انطباقها علی هذه الحرب ، وحیث لم یبیِّن فنحن نقول :

أیُّ مبداً دینیٍّ هو أقوی من أن تکون الحرب والمناصرة لتنفیذ کلمة رسول الله یوم أمر أمیر المؤمنین علیه السلام بقتال القاسطین وهم أصحاب معاویة وأمر أصحابه بمناصرته یومئذٍ (1) ، ورأی من واجبهم جهاد مقاتلیه وقال : «سیکون بعدی قومٌ یقاتلون علیّا علی الله جهادهم ، فمن لم یستطع جهادهم بیده فبلسانه ، فمن لم یستطع ف)

ص: 351


1- راجع : ص 188 - 195. (المؤلف)

بلسانه فبقلبه ، لیس وراء ذلک شیءٌ» (1)؟

وأیّ مبداً دینیٍّ هو أقوی من نصرة الرجل من یراه أولی الناس بالأمر ، کما یلهج به الخضری نفسه؟

وأیّ مبداً دینیٍّ هو أقوی من مناصرة أمیر المؤمنین الذی قال رسول الله فیه وفی آله وذویه : «حربکم حربی» (2) ، وقال له : «یا علیُّ ستقاتلک الفئة الباغیة وأنت علی الحقِّ ، فمن لم ینصرک یومئذٍ فلیس منّی» (3)؟ وهل یسع المسلم التقاعد عن نصرته علیه السلام بعد ما سمع قول نبیِّه صلی الله علیه وآله وسلم؟

وأیّ مبداً دینیٍّ هو أقوی من مقاتلة الفئة الباغیة بنصٍّ من الرسول الأمین یوم قال لعمّار : «تقتلک الفئة الباغیة» (4) ، ویوم قال : «ویح عمّار تقتله الفئة الباغیة یدعوهم إلی الجنّة ویدعونه إلی النار» (5)؟

وأیّ مبداً دینیٍّ هو أقوی من المقاتلة تحت رایة خلیفة الوقت الذی انعقدت له بیعة أهل الحلِّ والعقد ، وتمّت شروطها عند من یری الخلافة بالاختیار ، وثبت له النصُّ الجلیُّ ، وتواتر عند من لا یختار إلاّ المنصوص علیه؟ وبطبع الحال أنَّ الخارج ف)

ص: 352


1- أخرجه الطبرانی [فی المعجم الکبیر : 1 / 320 ح 955] وابن مردویه وأبو نعیم ، کما مرّ فی : ص 190. (المؤلف)
2- راجع الجزء الأوّل من کتابنا : ص 336. (المؤلف)
3- راجع ص 193 من هذا الجزء. (المؤلف)
4- راجع الجزء الأوّل : ص 329 ، 331. قال السیوطی فی الخصائص : 2 / 140 [2 / 239] : هذا الحدیث متواتر رواه من الصحابة بضعة عشر ، کما بیّنت ذلک فی الأحادیث المتواترة. وستوافیک فی الجزء التاسع من کتابنا هذا ألفاظه وطرقه ، وهی خمسة وعشرون طریقاً. (المؤلف)
5- قال العلاّمة الزرقانی فی شرح المواهب : 1 / 366 : رواه البخاری [فی صحیحه : 1 / 172 ح 436] فی بعض نسخه ، ومسلم [فی صحیحه : 5 / 431 ح 73 کتاب الفتن] ، والترمذی [فی السنن : 6 / 628 ح 3800] وغیرهم. ویوجد فی تاریخ الطبری : 11 / 357 [10 / 59 حوادث سنة 284 ه]. (المؤلف)

علیه خارج علی إمام الوقت ، باغٍ علیه ، یجب مقاتلته بنصٍّ من الکتاب المبین ، حیث قال : (وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَیْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَی الْأُخْری فَقاتِلُوا الَّتِی تَبْغِی حَتَّی تَفِیءَ إِلی أَمْرِ اللهِ) (1).

ولیت شعری أیّ حیف یحلّ بالأمّة أعظم من تغلّب مثل معاویة علی بیضة الإسلام ورئاسة أهله واستحوازه الخلافة التی لیست له ، لا بنصٍّ ولا بیعة ممّن تقرِّر بیعتُهُ الخلیفة؟ فلم یُعقد له إجماعٌ ، ولا أثبتته شوری أو وصیّة ، ولا هو ولیُّ دم عثمان حتی ینهض بثاره إن لم نقل هو المثبِّط جند الشام ، والمتثاقل عن نصره حتی قُتل ، ولم یکن له سابقة فی الإسلام تشرِّفه ، ولا علم یسدّده ، ولا تقوی تکبحه عن مساقط الشهوات ، وإنّما هی ملوکیّةٌ ارتادها لیملک الأزمّة وتُلقی عنده الأعنّة ، ویحتنک أمر الأمّة ، وفی الأخیر تمَّ له ذلک تحت رواعد الإرهاب ولوائح الأطماع فی منتأیً عن الدین والإصلاح ، فثبّت عرش ملوکیّته بین مهراق الدماء ، ومنتهک الشرائع ، ومضلاّت الفتن ، ولو لم یکن له بائقةٌ إلاّ استخلاف یزید الفجور علی الأمّة بالترهیب والإطماع ، لکفاه حیفاً یجب أن یکتسح عن مستوی الإسلام وبلاد المسلمین.

2 - قال : أمّا معاویة فإنَّه بدون ریب یری نفسه عظیماً من عظماء قریش ؛ لأنّه ابن شیخها أبی سفیان بن حرب ، وأکبر ولد أمیّة بن عبد شمس بن عبد مناف ، کما أنَّ علیّا أکبر ولد هاشم بن عبد مناف ، فهما سیّان فی الرفعة النسبیّة (2 / 67).

الجواب : ما ذا أقول لمغفَّل یری عنصر النبوّة وآصرة القداسة المنتقلة بین أصلاب طاهرة وأرحامٍ زکیّة من نبیٍّ إلی وصیٍّ إلی ولیٍّ إلی حکیمٍ إلی عظیمٍ إلی شریفٍ ، إلی خاتم الرسالة ، إلی وصیِّه صاحب الولایة الکبری ، لدة العنصر العبشمی (2) ، ویراهما فی الرفعة والشرف سیّان؟ وشتّان بین الشجرتین : شجرة طیّبة ن.

ص: 353


1- الحجرات : 8.
2- نسبةً إلی عبد شمس بن عبد مناف الجدّ الأعلی لمعاویة بن أبی سفیان.

أصلها ثابت وفرعها فی السماء ، وشجرة خبیثة اجتُثّت من فوق الأرض مالها من قرار. وما أبعد ما بین الشجرتین! شجرة مبارکة زیتونة ، والشجرة الملعونة فی القرآن (1) بتأویل من النبیِّ الأعظم (2) ، بلا اختلاف بین اثنین فی أنَّهم هم المراد من الشجرة الملعونة کما فی تاریخ الطبری (11 / 356).

وکیف یراهما الرجل سیّان؟ والنبیُّ الأعظم یقول : «إنَّ الله اختار من بنی آدم العرب ، واختار من العرب مضر ، واختار من مضر قریشاً ، واختار من قریش بنی هاشم ، واختارنی من بنی هاشم» (3).

وکیف یراهما سیّان؟ وقد استاء رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم من ثمار هذه الشجرة الملعونة طیلة حیاته ، فما رؤی ضاحکاً من یوم رأی فی منامه أنَّهم ینزون علی منبره نزو القردة والخنازیر (4). فأنزل الله : (وَما جَعَلْنَا الرُّؤْیَا الَّتِی أَرَیْناکَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ) (5).

وکیف یراهما سیّان؟ وبنو أمیّة هم الذین اتّخذوا عباد الله خِوَلا ، ومال الله 0.

ص: 354


1- الإسراء : 60.
2- تاریخ الطبری 11 / 356 [10 / 58 حوادث سنة 284 ه] ، تاریخ الخطیب : 3 / 343 [رقم 1451] ، تفسیر القرطبی : 10 / 286 [10 / 183] ، تفسیر النیسابوری : 15 / 55 هامش تفسیر الطبری. (المؤلف)
3- أخرجه البیهقی [فی سننه : 7 / 134] ، ابن عدی [الکامل فی ضعفاء الرجال : 7 / 246 رقم 2146] ، الحکیم [سنن الترمذی : 5 / 5544 ح 3605] ، الطبرانی ، ابن عساکر [تاریخ مدینة دمشق 5 / 45 ، وفی ترجمة الإمام الحسین علیه السلام : رقم 171] ، راجع کنز العمّال : 6 / 204 [12 / 43 ح 33918]. (المؤلف)
4- تفسیر الطبری : 15 / 77 [مج 9 / ج 15 / 112] ، تاریخ الطبری : 11 / 356 [10 / 58 حوادث سنة 284 ه] ، تاریخ الخطیب : 9 / 44 [رقم 4627] و 8 / 280 [رقم 4377] ، تفسیر النیسابوری هامش الطبری : 15 / 55 ، تفسیر القرطبی : 10 / 283 [10 / 183] ، النزاع والتخاصم : ص 52 [ص 79] ، أُسد الغابة : 2 / 14 [رقم 1165] من طریق الترمذی ، الخصائص الکبری : 2 / 118 [2 / 200] عن الترمذی والحاکم والبیهقی ، تفسیر الخازن : 3 / 177 [3 / 169]. (المؤلف)
5- الإسراء : 60.

نحلا ، وکتاب الله دغلا (1) ، کما أخبر به النبیُّ الصادق الأمین (2).

وکیف یری أبا سفیان شیخ قریش؟ وهو عارها وشنارها ، وهو الملعون بنصِّ النبیِّ الأعظم بقوله : «اللهمَّ العن التابع والمتبوع ، اللهمَّ علیک بالأقیعس» (3) یوم رأی أبا سفیان ومعه معاویة. وبقوله : «اللهمَّ العن القائد والسائق والراکب» یوم نظر إلیه وهو راکب ومعه معاویة وأخوه ، أحدهما قائد والآخر سائق (4).

وکیف یراه شیخ قریش لدة شیخ الأبطح؟! وفیه قال علقمة :

إنَّ أبا سفیانَ من قبلِهِ

لم یکُ مثلَ العُصبة المسلمهْ

لکنَّه نافقَ فی دینِهِ

من خشیةِ القتلِ علی المرغمهْ

بُعداً لصخرٍ مَعَ أشیاعِهِ

فی جاحمِ النارِ لدی المضرمهْ (5)

ولیت الخضری یقرأ کلمة المقریزی فی النزاع والتخاصم (6) (ص 28) وهی :

أبو سفیان قائد الأحزاب ، الذی قاتل رسول الله صلی الله علیه وسلم یوم أحد ، وقتل من خیار أصحابه سبعین ما بین مهاجریٍّ وأنصاریٍّ ، منهم : أسد الله حمزة بن عبد المطّلب بن هاشم ، وقاتل رسول الله صلی الله علیه وسلم فی یوم الخندق أیضاً ، وکتب إلیه : باسمک اللهمّ أحلف باللاّت والعزّی وساف ونائلة وهُبَل ، لقد سرت إلیک أرید استئصالکم ، فأراک قد اعتصمت بالخندق ، فکرهت لقائی ، ولک منّی کیوم أحد.

وبعث بالکتاب مع أبی سلمة الجشمی ، فقرأه للنبیِّ صلی الله علیه وسلم أُبیّ بن کعب رضی الله عنه فکتب 2.

ص: 355


1- أی یخدعون الناس ، من قولهم : أدغلت فی الأمر إذا أدخلت فیه ما یخالطه ویفسده.
2- النزاع والتخاصم : ص 52 ، 54 [ص 81] ، الخصائص الکبری : 2 / 118 [2 / 200]. (المؤلف)
3- قال البراء بن عازب : یعنی معاویة. (المؤلف)
4- کتاب نصر بن مزاحم فی حرب صفّین : ص 244 ، 248 [ص 218 ، 220] ، تاریخ الطبری : 11 / 357 [10 / 58 حوادث سنة 284 ه]. (المؤلف)
5- کتاب نصر : ص 219 [ص 195]. (المؤلف)
6- النزاع والتخاصم : ص 52.

إلیه رسول الله صلی الله علیه وسلم : «قد أتانی کتابک ، وقدیماً غرّک - یا أحمق بنی غالب وسفیههم - بالله الغرور ، وسیحول الله بینک وبین ما ترید ، ویجعل لنا العاقبة ، ولیأتینَّ علیک یوم أکسر فیه اللاّت والعزّی وساف ونائلة وهبل یا سفیه بنی غالب».

ولم یزل یُحادُّ الله ورسوله ، حتی سار رسول الله صلی الله علیه وسلم لفتح مکّة ، فأتی به العبّاس ابن عبد المطّلب رضی الله عنه رسول الله صلی الله علیه وسلم وقد أردفه ، وذلک أنَّه کان صدیقه وندیمه فی الجاهلیّة ، فلمّا دخل به علی رسول الله صلی الله علیه وسلم سأله أن یؤمّنه ، فلمّا رآه رسول الله صلی الله علیه وسلم قال له : «ویلک یا أبا سفیان ألم یأنِ لک أن تعلمَ أن لا إله إلاّ الله؟» ، فقال : بأبی أنت وأمّی ما أوصلک وأجملک وأکرمک! والله لقد ظننت أنّه لو کان مع الله غیره لقد أغنی عنّی شیئاً. فقال : «یا أبا سفیان ألم یأنِ لک أن تعلم أنّی رسول الله؟» ، فقال : بأبی أنت وأمّی ما أوصلک وأجملک وأکرمک ، أمّا هذه ففی النفس منها شیءٌ! فقال له العبّاس : ویلک اشهد بشهادة الحقّ قبل أن تُضرب عنقک ، فشهد وأسلم.

فهذا حدیث إسلامه کما تری ، واختلف فی حسن إسلامه فقیل : إنَّه شهد حنیناً مع رسول الله صلی الله علیه وسلم ، وکانت الأزلام معه یستقسم بها ، وکان کهفاً للمنافقین ، وإنّه کان فی الجاهلیّة زندیقاً ، وفی خبر عبد الله بن الزبیر : إنَّه رآه یوم الیرموک ، قال : فکانت الروم إذا ظهرت ، قال أبو سفیان : إیهٍ بنی الأصفر! فإذا کشفهم المسلمون قال أبو سفیان :

وبنو الأصفر الملوک ملوک الر

وم لم یبق منهمُ مذکورُ (1)

فحدّث به ابن الزبیر أباه ، فلمّا فتح الله علی المسلمین ، قال الزبیر : قاتله الله یأبی إلاّ نفاقاً ، أوَلَسنا خیراً من بنی الأصفر؟

وذکر المدائنی ، عن أبی زکریّا العجلانی ، عن أبی حازم ، عن أبی هریرة ، قال : ف)

ص: 356


1- هذا البیت من جملة أبیات النعمان بن امرئ القیس. (المؤلف)

حجَّ أبو بکر رضی الله عنه ومعه أبو سفیان بن حرب ، فکلّم أبو بکر أبا سفیان فرفع صوته ، فقال أبو قحافة : اخفض صوتک یا أبا بکر عن ابن حرب. فقال أبو بکر : یا أبا قحافة إنَّ الله بنی بالاسلام بیوتاً کانت غیر مبنیّة ، وهدم به بیوتاً کانت فی الجاهلیّة مبنیّة ، وبیت أبی سفیان ممّا هدم. انتهی.

وکان یوم بویع أبو بکر یثیر الفتن ، ویقول : إنّی لأری عجاجة لا یطفئها إلاّ دم ، یا آل عبد مناف فیمَ أبو بکر من أمورکم؟ أین المستضعفان؟ أین الأذلاّن علیٌّ وعبّاسٌ؟ ما بالُ هذا الأمر فی أقلِّ حیٍّ من قریش؟ ثمَّ قال لعلیّ : ابسط یدک أبایعک ، فو الله لئن شئت لأملأنّها علیه خیلاً ورجلاً. فأبی علیٌّ علیه السلام علیه ، فتمثّل بشعر المتلمّس (1) :

ولن یقیمَ علی خَسْفٍ یُراد بهِ

إلاّ الأذلاّنِ عیرُ الحیِّ والوتدُ

هذا علی الخَسْفِ مربوطٌ برمّتِهِ

وذا یُشَجُّ فلا یبکی له أحدُ

فزجره علیٌّ ، وقال : «والله ما أردتَ بهذا إلاّ الفتنة ، وإنّک والله طالما بغیت للإسلام شرّا ، لا حاجة لنا فی نصحک» (2). وجعل یطوف فی أزقّة المدینة ، ویقول :

بنی هاشمٍ لا تُطْمِعوا الناس فیکمُ

ولا سیّما تیم بن مرّة أو عدی

فما الأمر إلاّ فیکمُ وإلیکمُ

ولیس لها إلاّ أبو حسنٍ علی

فقال عمر لأبی بکر : إنَّ هذا قد قدم وهو فاعلٌ شرّا ، وقد کان النبی صلی الله علیه وسلم یستألفه علی الإسلام فدع له ما بیده من الصدقة. ففعل ، فرضی أبو سفیان وبایعه (3).

وقد سبق الخضری فی رأیه هذا معاویة ، فقال فیما کتب إلی علیٍّ أمیر المؤمنین : ف)

ص: 357


1- هو جریر بن عبد المسیح من بنی ضبیعة ، توجد ترجمته فی الشعر والشعراء لابن قتیبة [ص 99] ، ومعجم الشعراء. (المؤلف)
2- الکامل لابن الأثیر : 2 / 135 [2 / 11 حوادث سنة 11 ه]. (المؤلف)
3- العقد الفرید : 2 / 249 [4 / 85]. (المؤلف)

نحن بنو عبد مناف ، لیس لبعضنا علی بعض فضل. فأجاب عنه أمیر المؤمنین ، بقوله : «لعمری إنّا بنو أبٍ واحدٍ ، ولکن لیس أمیّة کهاشم ، ولا حربٌ کعبد المطّلب ، ولا أبو سفیان کأبی طالب ، ولا المهاجرُ کالطلیق ، ولا الصریح کاللصیق ، ولا المحقُّ کالمبطل ، ولا المؤمن کالمدغل ، ولبئس الخلف خلَفٌ یتبع سلفاً هوی فی نار جهنّم ، وفی أیدینا بعدُ فضل النبوّة» (1).

قال الأمینی :

(أَلَمْ یَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ) (2) (قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِیمٌ* أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ) (3).

3 - قال : نقول إنَّ فکر معاویة فی اختیار الخلیفة بعده حسن جمیل ، وإنَّه ما دام لم توضع قاعدة لانتخاب الخلفاء ، ولم یعیِّن أهل الحلِّ والعقد الذین یُرجع إلیهم ، فأحسن ما یُفعل هو أن یختار الخلیفة ولیَّ عهده قبل أن یموت ؛ لأنَّ ذلک یبعد الاختلاف الذی هو شرٌّ علی الأمّة من جور إمامها (2 / 119).

وقال : وممّا انتقد الناس معاویة أنّه اختار ابنه للخلافة ، وبذلک سنَّ فی الإسلام سنّة الملک المنحصرة فی أسرة معیّنة ، بعد أن کان أساسه الشوری ویختار من عامّة قریش ، وقالوا : إنَّ هذه الطریقة التی سنّها معاویة تدعو فی الغالب إلی انتخاب غیر الأفضل الألیق من الأمّة ، وتجعل فی أسرة الخلافة الترف ، والانغماس فی الشهوات والملاذ ، والرفعة علی سائر الناس.

أمّا رأینا فی ذلک فإنَّ هذا الانحصار کان أمراً حتماً لا بُدَّ منه لصلاح أمر 8.

ص: 358


1- کتاب صفّین لابن مزاحم : ص 538 ، 539 [ص 471] ، الإمامة والسیاسة : 1 / 100 [1 / 104] ، مروج الذهب : 2 / 61 [3 / 23] ، نهج البلاغة : 2 / 12 [ص 375 کتاب 17] ، شرح ابن أبی الحدید : 3 / 424 [15 / 117 کتاب 17] ، ربیع الأبرار للزمخشری : باب 66 [3 / 470]. (المؤلف)
2- التوبة : 70.
3- سورة ص : 67 - 68.

المسلمین وأُلفتهم ولَمِّ شعثهم ، فإنّه کلّما اتّسعت الدائرة التی منها یُختار الخلیفة کثر الذین یرشِّحون أنفسهم لنیل الخلافة ، وإذا انضمَّ إلی ذلک اتِّساع المملکة الإسلامیّة ، وصعوبة المواصلات بین أطرافها ، وعدم وجود قوم معیَّنین یرجع إلیهم الانتخاب ، فإنّ الاختلاف لا بُدَّ واقع. ونحن نشاهد أنَّه مع تفوّق بنی عبد مناف علی سائر قریش ، واعتراف الناس لهم بذلک وهم جزء صغیر من قریش ، فإنَّهم تنافسوا الأمر وأهلکوا الأمّة بینهم ، فلو رضی الناس عن أسرةٍ ودانوا لها بالطاعة ، واعترفوا باستحقاق الولایة ، لکان هذا خیر ما یُفعل لضمِّ شعث المسلمین.

إنَّ أعظم من ینتقد معاویة فی تولیة ابنه هم الشیعة ، مع أنّهم یرون انحصار ولایة الأمر فی آل علیّ ، ویسوقون الخلافة فی بنیه ، یترکها الأب منهم للابن ، وبنو العبّاس أنفسهم ساروا علی هذه الخطّة (2 / 120).

الجواب : لم ینتقد معاویة من ینتقده لمحض اختیاره ، وإنّما انتقده من ناحیتین :

الأولی : عدم لیاقته للتفرّد ، وهو کما قال أمیر المؤمنین فی کلام له : «لم یجعل الله - عزَّ وجلَّ - له سابقة فی الدین ، ولا سلف صدق فی الإسلام ، طلیق ابن طلیق ، حزبٌ من هذه الأحزاب ، لم یزل لله - عزَّ وجلَّ - ولرسوله صلی الله علیه وسلم وللمسلمین عدوّا هو وأبوه حتی دخلا فی الإسلام کارهین» (1) ، وفی الأمّة أهل الحلِّ والعقد الذین اختاروا خلافة أبی بکر ، ثمَ وافقوا علی الوصیّة إلی عمر وأقرّوها ، وأصفقوا مع أهل الشوری علی خلافة عثمان ، وأطبقوا علی البیعة طوعاً ورغبةً لمولانا أمیر المؤمنین ، فثبتت خلافته ، ووجبت طاعته ، ولزمت معاویة بیعته ، فکان هؤلاء موجودین بأعیانهم أو بنظرائهم وهم الذین نقموا علی معاویة ذلک العقد المشؤوم.

الثانیة : عدم لیاقة من عیّنه من بعده ، وهو ذلک الماجن المتخلّع المتظاهر بالفجور ، إن لم نقل بالکفر والإلحاد. ف)

ص: 359


1- تاریخ الطبری : 6 / 4 [5 / 8 حوادث سنة 37 ه]. (المؤلف)

أمّا عدم تعیین أهل الاختیار ، فإن أراد عدم تعیّنهم فذلک بهتان عظیم ؛ لأنَّ الموجودین فی الصدر الأوّل فی عاصمة الإسلام المدینة المنوّرة الذین تصدَّوا لتعیین الخلیفة هم أهل الحلِّ والعقد ، وکان أکثرهم موجودین إلی ذلک العهد ، وأمّا من توفّی منهم فقد قیّضت الظروف من بعدهم من یسدُّ مسدّهم ، فإن یکن هؤلاء مفوَّضاً إلیهم أمر الخلافة بادئ بدء ، فهم المفوَّض إلیهم أمرها مهما تناقلت الخلافة ، فلیس لأحد أن یختار من دون رضاً منهم ، وإنَّ هؤلاء القوم تعیِّنهم الظروف والأحوال والمقتضیات المکتنفة بهم ، ولا یعیِّنهم نصٌّ من الکتاب أو السنّة.

وإن أراد عدم تعیین هؤلاء الخلیفة من بعد معاویة ، فإنَّ ظرف التعیین ساعة موت الخلیفة لا قبله. نعم ؛ قد تنعقد الضمائر علی انتخاب من یرون له الأهلیّة فی إبّان الانتخاب ، وما أدری معاویة أنَّهم سوف یهملون أمر الأمّة ساعة هلاکه؟ ولما ذا تفرّد بالانتخاب من دون رضاً منهم؟ ولما ذا خضّع أفراداً من القوم بالتخویف وآخرین بالتطمیع؟ ومتی أبعد انتخابه الاختلاف الذی هو شرٌّ علی الأمّة؟ وفی الملأ الدینیِّ أممٌ ینقمون منه ذلک ، وجموعٌ ینتقدونه ، وشراذم یضمرون السخط ولا یتظاهرون به حذار بادرته. نعم ؛ هناک زعانفةٌ اشتروا رضا المخلوق بسخط الخالق ، وأعمتهم الصرر والبِدر ، فأبدوا الرضا.

ولو کانت هذه الفکرة حسنةً جمیلةً ، فلما ذا فاتت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم حین دنت منه الوفاة؟ فلم یرحض عن أمّته معرّة الخلاف ، وترک المراجل تغلی حتی الیوم. وهل تُری لو کان أوصی إلی معیَّن من أمّته بالخلافة یوجد هناک لأحد مطمع غیر المنصوص علیه؟ ودعا سعد بن عبادة إلی نفسه؟ وقال قائل الأنصار : منّا أمیرٌ ، ومنکم أمیرٌ؟ وهتف هاتفٌ : أنا جُذیلها المحکّک (1) وعُذیقها المرجّب (2)؟ وازدلف ه.

ص: 360


1- الجُذَیل : الأصل من الشجرة تحتکّ به الإبل فتشتفی به ، وعنی بذلک أنّ له رأیاً وعلماً یشتفی بهما.
2- عُذیقها المرجّب : العذیق مصغّر عذق وهو النخلة بحملها. والمرجّب : ما یسند بالخشب ونحوه لیمنعه من السقوط. وهذا القول هو للحباب بن المنذر قاله یوم السقیفة ، وهو یرید أنّ له عشیرةً تمنعه وتحمیه.

المهاجرون إلی أبی بکر؟ واجتمع ناسٌ إلی العبّاس؟ وبنو هاشم ومن یمتُّ بهم وینتمی إلیهم یقولون : إنَّها لأمیر المؤمنین - صلوات الله علیه؟

هذه أسئلة حافلة لیس للخضری عنها جوابٌ ، إلاّ أن یدّعی أنَّ معاویة کان أشفق بالأمّة من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم.

وأیّ خلاف رفعه تعیین یزید وعلی عهده کانت واقعة الطفِّ ، وتلاها فاجعة الحرّة ، وأعقبهما أمر ابن الزبیر وقصّة البیت المعظّم؟ کلُّ ذلک من جرّاء ذلک الاختیار ، وثمرة تلک الفکرة الفاسدة ، وفی الناقمین سبط النبوّة حسین العظمة - صلوات الله علیه - وبقیّة بنی عبد مناف ، وعامّة المهاجرین والأنصار فی المدینة المنوّرة.

ثمّ إن کان معاویة لم یجد بدّا من الاختیار ، فلما ذا لم یختر صالحاً من صلحاء الصحابة؟ وفی مقدّمهم سبط رسول الله الإمام الطاهر ، ولا معدل عنه فی حنکة أو علم أو تقوی أو شرف.

وکیف راق الخضری أن یری هذا الاختیار حسناً جمیلاً صالح الأمّة ، ولم یره حیفاً وجنایةً علیها وعلی إسلامها ورسولها وکتابها وسنّتها؟ ورسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یوقظ شعور أمّته قبل ذلک بأعوام بقوله : «إنّ أوّل من یبدِّل سنّتی رجل من بنی أمیّة». وقوله : «لا یزال هذا الأمر معتدلاً قائماً بالقسط ، حتی یثلمه رجل من بنی أمیّة یقال له یزید» (1).

وأخرج ابن أبی شیبة (2) وأبو یعلی : إنّ یزید لمّا کان أبوه أمیر الشام غزا المسلمون فحصل لرجل جاریة نفیسة فأخذها منه یزید ، فاستعان الرجل بأبی ذرّ ، 6.

ص: 361


1- الخصائص الکبری : 2 / 139 [2 / 236] ، تطهیر الجنان فی هامش الصواعق : ص 145 [ص 64] وقال : مسند رجاله رجال الصحیح ، إلاّ أنّ فیه انقطاعاً. (المؤلف)
2- المصنّف : 14 / 102 ح 17726.

فمشی معه إلیه وأمره بردِّها ثلاث مرّات وهو یتلکّأ ، فقال : أما والله لئن فعلت ، فقد سمعت رسول الله صلی الله علیه وسلم یقول : «أوّل من یبدِّل سنّتی لَرجل من بنی أمیّة» ثمّ ولّی ، فتبعه یزید فقال : أُذکرک بالله أنا هو؟ فقال : لا أدری ، وردّها یزید.

قال ابن حجر فی تطهیر الجنان هامش الصواعق (1) (ص 145) : لا ینافی هذا الحدیث المذکور المصرِّح بیزید ، إمّا لأنّه بفرض کلام أبی ذرّ علی حقیقته لکون أبی ذرّ لم یعلم بذلک المبهم ، فقوله : لا أدری أی فی علمی وقد بیّن إبهامه فی الروایة الأولی ، والمفسِّر یقضی علی المبهم. وإمّا لأنَّ أبا ذرّ علم أنَّه یزید ولکنّه لم یصرِّح له بذلک خشیة الفتنة ، لا سیّما وأبو ذرّ کان بینه وبین بنی أمیّة أمور تحملهم علی أنَّهم ینسبونه إلی التحامل علیهم.

وأمّا رأیه فی حصر الخلافة بأسرة فإنّا لا نناقشه إلاّ من عدم جدارة الأُسرة التی یجنح إلیها الخضری للخلافة. نعم ؛ لا بأس به إذا حُصرت بأسرةٍ کریمةٍ تتحلّی باللیاقة والحذق من الناحیة الدینیّة والسیاسیّة ، ونحن لا نقول بلزوم الحصر المذکور مع عدم اللیاقة ، فإنَّه غیر وافٍ لقمِّ جذور الفساد ، وقمع جذوم الاختلاف ، فالأمّة متی وجدت من خلیفتها الحیف والجنف تثور علیه وتخلعه ، وبطبع الحال یطمع فی الخلافة عندئذٍ من هو أزکی منه نفساً ، وأطیب أرومةً ، وأکرم خلقاً ، وحتی من یساویه فی الغرائز ، فأیّ مفسدةٍ اکتسحها حصر الخلافة والحالة هذه؟

جَیْر (2) ؛ إذا حصرت بمن ذکرناه وشاهدت الأمّة منهم التأهّل ، فإنَّ فیه منقطع أطماع الخارجین عن الأسرة من ناحیة خروجهم عن البیت المعیَّن لها ، ودحض معاذیر الثوّار والمشاغبین من ناحیة عدم وجود أحداث توجب الثورة والخروج ، وعندئذٍ یتأکّد خضوع الأمّة لخلیفة شأنه ما ذکرناه ، فتعظم شوکته ، وتتّسق أموره ، م.

ص: 362


1- تطهیر الجنان : ص 64.
2- حرف جواب بمعنی نعم.

وتمتثل أوامره ، فلا یدع معرّة إلاّ اکتسحها ، ولا صلاحاً إلاّ بثّه ، والشیعة لا تقول بحصر الخلافة فی آل علیٍّ : إلاّ بعد إخباتها إلی سریان ناموس العصمة فی رجالات بیتهم المعیّنین للخلافة المدعومة بالنصوص النبویّة المتواترة. راجع (ص 79 - 82) من هذا الجزء.

4 - قال : وعلی الجملة فإنَّ الحسین أخطأ خطأً عظیماً فی خروجه هذا ، الذی جرّ علی الأمّة وبال الفرقة والاختلاف ، وزعزع عماد أُلفتها إلی یومنا هذا ، وقد أکثر الناس من الکتابة فی هذه الحادثة لا یریدون بذلک إلاّ أن تشتعل النیران فی القلوب ، فیشتدُّ تباعدها. غایة ما فی الأمر أنّ الرجل طلب أمراً لم یُهیّأ له ، ولم یعدّ له عدّته ، فحیل بینه وبین ما یشتهی وقُتل دونه ، وقبل ذلک قُتل أبوه ، فلم یجد من أقلام الکاتبین ومن یبشّع أمر قتله ویزید به نار العداوة تأجیجاً ، وقد ذهب الجمیع إلی ربِّهم یحاسبهم علی ما فعلوا ، والتاریخ یأخذ من ذلک عبرةً وهی : أنَّه لا ینبغی لمن یرید عظائم الأمور أن یسیر إلیها بغیر عدّتها الطبیعیّة ، فلا یرفع سیفه إلاّ إذا کان معه من القوّة ما یکفل النجاح أو یقرب من ذلک ، کما أنَّه لا بدّ أن تکون هناک أسباب حقیقیّة لمصلحة الأمّة ، بأن یکون جور ظاهر لا یحتمل ، وعسف شدید ینوء الناس بحمله ، أمّا الحسین فإنّه خالف یزید وقد بایعه الناس ، ولم یظهر منه ذلک الجور ولا العسف عند إظهار هذا الخلاف (2 / 129 - 130). وقبل هذه الجمل یبرِّئ ساحة یزید عن الظلم والجور ، ویراه قرّب علیَّ بن الحسین إلیه وأکرمه ونعّمه.

الجواب : لیت الرجل کتب ما کتب بعد الحیطة بشؤون الخلافة الإسلامیّة وشروطها ، وما یجب أن یکتنفه الخلیفة من حنکة لتدبیر الشؤون ، وملکة لتهذیب النفوس ، ونزاهة عن الرذائل لیکون قدوة للأمّة ، ولا ینقض ما یدعو إلیه ببوائقه ، إلی أمثالها من غرائز یجب أن یکون حامل ذلک العبء الثقیل متحلّیاً بها ، لکنّه کتب وهو یجهل ذلک کلّه ، وکتبه علی حین أنَّه لم یحمل إلاّ نفساً ضئیلة تقتنع بما یحسبه دعةً تحت نیر الاضطهاد ، وعلی حین أنّ ضعف الرأی ودقّة الخطر یحبِّذان له راحةً مزعومةً فی

ص: 363

ظلِّ الاستعباد ، فلا نفس کبیرة تدفعه إلی الهرب من حیاة الذلِّ ، ولا عقلٌ سلیمٌ یعرِّفه مناخ الضعة ، ولا إحاطة بتعالیم الإسلام تلقِّنه دروس الإباء والشهامة ، ولا معرفة بعناصر الرجال لیعلم من نفسیّاتهم الکمّ والکیف ، فلا عرف یزید الطاغیة حتی یعلم أنَّه لا مقیل له فی مستوی الخلافة ، ولا عرف حسین السؤدد والشرف والإباء والشهامة ، حسین المجد والإمامة ، حسین الدین والیقین ، حسین الفضل والعظمة ، حسین الحقِّ والحقیقة ، حتی یخبت إلی أنّ من یحمل نفساً کنفسه لا یمکنه البخوع لیزید الخلاعة والمجون ، یزید الاستهتار والفسوق ، یزید النهمة والشره ، یزید الکفر والإلحاد.

لم ینهض بضعة المصطفی إلاّ بواجبه الدینیِّ ، فإنّ کلّ معتنقٍ للحنیفیّة البیضاء یری فی أوّل فرائضه أن یدافع عن الدین بجهاد من یرید أن یعبث بنوامیسه ، ویعیث فی طقوسه ، ویبدِّل تعالیمه ، ویعطِّل أحکامه ، وإنّ أظهر مصادیق کلّیٍّ تنطبق علیه هذه الجمل هو یزید الجور والفجور والخمور ، الذی کان یُعرف بها علی عهد أبیه ، کما قال مولانا الحسین علیه السلام لمعاویة لمّا أراد أخذ البیعة له : «ترید أن توهم الناس ، کأنّک تصف محجوباً ، أو تنعت غائباً ، أو تخبر عمّا کان ممّا احتویته بعلم خاصّ ، وقد دلّ یزید من نفسه علی موقع رأیه ، فخذ یزید فیما أخذ به من استقرائه الکلاب المهارشة (1) عند التحارش ، والحمام السبّق لأترابهنَّ ، والقینات ذوات المعازف (2) وضروب الملاهی ، تجده ناصراً ، دع عنک ما تحاول ، فما أغناک أن تلقی الله بوزر هذا الخلق بأکثر ممّا أنت لاقیه» (3).

وقال علیه السلام لمعاویة أیضاً : «حسبک جهلک! آثرت العاجل علی الآجل». فقال معاویة : وأمّا ما ذکرت من أنَّک خیر من یزید نفساً ، فیزید - والله - خیر لأمّة محمد ف)

ص: 364


1- المهارشة : تحریش بعضها علی بعض. (المؤلف)
2- المعازف جمع معزف : آلات یضرب بها کالعود. (المؤلف)
3- الإمامة والسیاسة : 1 / 153 [1 / 161]. (المؤلف)

منک. فقال الحسین : «هذا هو الإفک والزور ، یزید شارب الخمر ومشتری اللهو خیر منّی؟» (1).

وفی کتاب المعتضد الذی تُلی علی رءوس الأشهاد فی أیّامه ، ما نصّه :

ومنه : إیثاره - یعنی معاویة - بدین الله ، ودعاؤه عباد الله إلی ابنه یزید المتکبِّر الخِمِّیر ، صاحب الدیوک والفهود والقرود ، وأخذه البیعة له علی خیار المسلمین بالقهر ، والسطوة ، والتوعید ، والإخافة ، والتهدّد ، والرهبة ، وهو یعلم سفهه ، ویطّلع علی خبثه ورهقه ، ویعاین سَکَرَانَهُ وفجوره وکفره. فلمّا تمکّن منه ما مکّنه منه ، ووطّأه له وعصی الله ورسوله فیه ، طلب بثارات المشرکین وطوائلهم عند المسلمین ، فأوقع بأهل الحرّة الوقیعة التی لم یکن فی الإسلام أشنع منها ، ولا أفحش ممّا ارتکب من الصالحین فیها ، وشفی بذلک عبد نفسه وغلیله ، وظنَّ أن قد انتقم من أولیاء الله ، وبلغ النوی لأعداء الله ، فقال مجاهراً بکفره ومظهراً لشرکه :

لیت أشیاخی ببدرٍ شهدوا

جَزَعَ الخزرجِ من وَقْع الأسلْ (2)

قد قتلنا القَرْمَ من ساداتِهمْ

وعدلنا میلَ بدرٍ فاعتدلْ

فأهلّوا واستهلّوا فرحاً

ثمَّ قالوا یا یزیدُ لا تشلْ

لستُ من خندفَ إن لم أنتقمْ

من بنی أحمدَ ما کان فعلْ

لعبت هاشمُ بالملکِ فلا

خبرٌ جاء ولا وحیٌ نزلْ

هذا هو المروق من الدین ، وقول من لا یرجع إلی الله وإلی دینه ، ولا إلی کتابه ، ولا إلی رسوله ، ولا یؤمن بالله ولا بما جاء من عند الله.

ثمَّ من أغلظ ما انتهک وأعظم ما اخترم سفکه دم الحسین بن علیّ ، وابن فاطمة بنت رسول الله صلی الله علیه وسلم ، مع موقعه من رسول الله صلی الله علیه وسلم ومکانه منه ، ومنزلته من ل.

ص: 365


1- الإمامة والسیاسة : 1 / 155 [1 / 163]. (المؤلف)
2- الأسل : الرماح ، وقد یطلق علی النبل.

الدین والفضل ، وشهادة رسول الله له ولأخیه بسیادة شباب أهل الجنّة ، اجتراءً علی الله وکفراً بدینه وعداوةً لرسوله ومجاهدةً لعترته واستهانةً بحرمته ، فکأنَّما یقتل به وبأهل بیته قوماً من کفّار أهل الترک والدیلم ، لا یخاف من الله نقمةً ، ولا یرقب منه سطوةً ، فبتر الله عمره ، واجتثَّ أصله وفرعه ، وسلبه ما تحت یده ، وأعدَّ له من عذابه وعقوبته ما استحقّه بمعصیته .. إلخ.

راجع تاریخ الطبری (1) (11 / 358).

وقبل هذه کلّها ما مرَّ (ص 257) من قول رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم من أنّ أوّل من یبدِّل سنّته رجل من بنی أمیّة ، و «لا یزال هذا الأمر معتدلاً قائماً بالقسط حتی یثلمه رجل من بنی أمیّة یقال له یزید».

وإلی مثل هذه کان یرمی کلَّ من ینقم بیعة یزید ، فخلافة مثله وهو علی هذه الحالة خطر عظیم علی الدین والمسلمین من شتّی النواحی :

1 - فقومٌ تتضعضع ضمائرهم عن الدین لما تمرکز فی الأدمغة من أنّ الخلیفة یجب أن یکون مسانخاً لمن یتخلّف عنه ، والناشئة الذین لم یدرکوا عصر النبوّة ولم تکهربهم التعالیم الصحیحة فی العصور المظلمة ، تخالجهم هذه الشبهة بأسرع ما یکون ، فیحسبون أنَّ قداسة النبیِّ الأعظم کانت ملوّثة - العیاذ بالله - بأمثال هذه الأدناس ، من دون علم بأنَّ الرجل خلیفة أبیه لا خلیفة رسول الله ، وإنَّما سنّمه ذلک العرش المطامع والشره من جانب ، والتخویف والإرهاب من جانب.

2 - قومٌ یروقهم اقتصاص أثر الخلیفة فی تهتّکه لمیل النفوس إلی الاستهتار ورفض القیود تارة ، ومن جهة حبُّ التشبّه بالعظماء والساسة طوراً - والناس علی دین ملیکهم - والناس إذا استهوتهم الشهوات لا یقفون علی حدّ ، فتکثر فیهم الموبقات ، وتشیع الفواحش ، فمن فجورٍ إلی مثله ، ومن فاحشةٍ إلی أخری ، فلا یمرُّ .

ص: 366


1- تاریخ الأمم والملوک : 10 / 60 حوادث سنة 284 ه.

یسیرٌ من الزمن إلاّ ومملکة الإسلام مباءة للمنکرات ، ومستویً للفواحش ، حتی لا تبقی من نوامیس الدین عین ولا أثر.

3 - وهناک أقوامٌ ینکرون هذه المظاهر ، وقد أفلتت من أیدیهم المظاهر الدینیّة ، فهم بین حائر لا یدری أین یولّی وجهه وممّن یأخذ معالم دینه ، وبین من تتسرّب إلیه الشبه خلال هاتیک الظلمات الدامسة ، فلا یشعر حتی یری نفسه فی هلکة الجاهلیّة الأولی.

4 - إذا سادت الخلاعة بین أیِّ أمّة من ملوکها وسوقتها وأمرائها وزعمائها ، فهی بطبع الحال تلتهی عن الشؤون الاجتماعیّة والإداریّة ودحض الفوضی ومقاومة القلاقل الداخلیّة ، فهنالک یسود فیها الضعف اختلال نظامها ، فتنبو عن الدفاع عن ثغورها واستقلالها ، فتطمع فیها الأجانب ، وتکثر علیها الهجمات ، فلا یمرُّ علیها ردح قصیر من الزمن إلاّ وهی فریسة الضاری ، وأکلة الجشع ، وطعمة کلِّ مخالف.

5 - إنَّ نوامیس الإسلام کانت بطبع الحال تبلغ إلی أممٍ نائیةٍ عن مملکته فیروقها جمالها البهیج ، وحکمتها البالغة ، وموافقتها العقل والمنطق ، وأعمال رجالها المخلصین فیکون فیهم من یتأثّر بجاذبیّتها ، أو یکون علی وشک من اعتناقها ، ولا أقلَّ من الحبّ الممتزج لنفسیّاتهم ، لکن بینما القوم علی هذه الحالة ، إذا تعاقب تلک الأنباء ما یضادّها من عادات هذا الدور الجدید الحالک ، وأخبارها الموحشة تحت رایة تلک الخلافة الجائرة ، وبلغهم أنَّ هاتیک التعالیم الوضیئة قد هجرت ، والمطّرد فی مملکة الإسلام غیرها بشهوة من الخلیفة ، وانهماک من القوّاد ، وتهالک من الزعامة ، وتفانٍ من السوقة ، فسرعان ما تعود تلک السمعة مشوّهة ، ویعود ذلک الحبّ بغضاً ، من غیر تمییز بین الأصیل والدخیل من الأعمال ، فتکون الحالة معثرة فی سبیل سیر الإسلام وتسرّیه إلی الأجانب.

6 - أضف إلی هذه کلّها ما کان یظهر من فلتات ألسنة الأمویّین ، ویُری فی

ص: 367

فجوات أعمالهم من نوایاهم السیِّئة علی الدین والمسلمین ، وقد علمنا من ذلک أنَّهم لم یقلعهم عن دینهم الوثنیِّ الأوّل إلاّ خشیة السیف والطمع فی الزعامة ، فأقلّ شیءٍ یُنتظر منهم علی ذلک عدم اهتمامهم بنشر معالم الدین ، إن لم ترد الأمّة عن سیرها الدینیِ القهقری ، فتبقی مرتطمة بین هذه وبین تهالکها فی الفجور وسیِّئ الخلق ، فتعود دولة قیصریّة ومملکة جاهلیّة.

ثمَّ إنَّ نفس الخلیفة إذا شاهد من استحوذ علیهم من الأمم علی هذه الأحوال ، وعلم أنَّه قد ملک الرقاب ولا منکر علیه من بینهم ، علی مآثم یرتکبها أو سیِّئات یجترحها ، فإنّه بالطبع یتوغّل فی غلوائه ، ویزداد فی انهماکه ، ویشتدُّ فی التفرعن والاستعباد.

فأیّ خطرٍ أیّها الخضری أعظم علی المجتمع الدینیِّ من هذه الأحوال؟ وأیّ مصلحة أعظم من اکتساح هذه المعرّة تدفع کلّ دینیّ غیور إلی النهوض فی وجه هذه السلطة القاسیة؟ وأیّ عسف شدید ینوء الناس بحمله ، أو جور ظاهر لا یحتمل أشدّ ممّا ذکرنا ، الذی یترک کلّ متدیِّن أن یری من واجبه الإنکار علیه ، والنهضة تجاهه ولو بمفرده؟ وإن عَلِم أنَّه مقتول لا محالة ، فإنّه وإن یُقتل فی یومه لکن حیاته الأبدیّة فی سبیل الدین والشریعة لا تزال مضعضعة لأرکان الدولةالظالمة ، وهو فیها یتلو علی الملأ صحیفة صاحبها السوداء ، وأنَّه کان مغتصباً ذلک العرش المقدّس ، وأنّه إنَّما وأد هذا الإنسان دون إنکاره علی جرائمه ، ویتّخذ الملأ الواقف علی حدیثه درساً راقیاً من التضحیة والمفاداة للمبدإ الصحیح ، فیقتصّون أثره ، ویحصل هناک قوم یرقّون لهذا المضحّی فینهضون لثاراته ، وفی الأمّة بقیّة ساخطة لمآثم المتغلّب وفتکه بالمنکر علیه ، فتلتقی الروحان : الثائرة والساخطة ، فتنهک هذه قوی الدولة الغاشمة ، وتتثبّط الأخری عن مناصرتها ، فیکون هناک بوار الظلم وظهور الصالح العام.

وهکذا أثّرت نهضة الحسین المقدّسة حتی أجهزت علی دولة الأمویِّین أیّام

ص: 368

حمارهم ، وهکذا علّمت الأمّة دروسها الراقیة ، لکنَّ الخضریّ ومن یلفُّ لفّه قد أعشی الجهل أبصار بصائرهم.

لم یکن حسین التضحیة یرید ملکاً عضوضاً ، حتی کان خروجه قبل الأُهبة خطأً عظیماً کما یحسبه الخضریُّ ، فیقول بملء فمه : فحیل بینه وبین ما یشتهی وقُتل دونه! ... وإنَّما أراد الفادی الکریم والمجاهد الظافر التضحیة فی سبیل الدین ؛ لیُعْلِم الأمّة بفظاظة الأمویِّین وقسوة سیاستهم ، وابتعادهم عن الناموس البشریِّ فضلاً عن الناموس الدینیِّ ، وتوغّلهم فی الغلظة الجاهلیّة وعادات الکفر الدفین ؛ لیُعلِم الملأ الدینیّ کیف أنَّهم لم یوقّروا کبیراً ولم یرحموا صغیراً ، ولم یرقّوا علی رضیع ، ولم یعطفوا علی امرأة ، فقدّم إلی ساحات المفاداة أغصان الرسالة وأوراد النبوّة وأنوار الخلافة ، ولم یُبقِ جوهرة من هاتیک الجواهر الفردة ، فلم یعتم هو ولا هؤلاء إلاّ وهم ضحایا فی سبیل تلک الطلبة الکریمة.

سل کربلا کم من حشاً لمحمدٍ

نُهِبَتْ بها وکم استُجذّت من یدِ

أقمارُ تمٍّ غالها خسفُ الردی

واغتالها بصروفِهِ الزمنُ الردی

وما کان حسین العظمة بالذی تذهب أعماله أدراج الریاح ، لما هو المعلوم بین أمّة جدِّه من شموخ مکانته ، ورفعة مقامه ، وعلمه المتدفِّق ، ورأیه الأصیل ، وعدله الواضح ، وتقواه المعلومة ، وأنَّه ریحانة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم المستقی من تیّار فضله ، فلن تجد بین المسلمین من ینکر علیه شیئاً من هذه المآثر وإن کان ممّن لا یدین بخلافته ، فما کانت الأمّة تفوه بشیءٍ حول نهضته القدسیّة قبل التنقیب والنظر ، وقد نقّبوا وتروّوا فیها ، فوجدوها طبقاً لصالح المجتمع ، فلم یُسمع من أحدهم غیر تقدیس أو إکبار ، ولذلک لم تسمع أذن الدهر من أیّ أحدٍ ما تجرّأ به الخضریُّ بقوله : أخطأ.

(إِنَّهُمْ لَیَقُولُونَ مُنْکَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً) (1). 2.

ص: 369


1- المجادلة : 2.

فالذی نستفیده من تاریخ السبط المفدّی هو وجوب النهوض فی وجه کلِّ باطلٍ ومناصرة کلِّ حقٍّ ، ولإبقاء هیکل الدین ونشر تعالیمه وبثِّ أخلاقه. نعم ، یُعلّمنا هذا التاریخ المجید النزوع إلی إیثار الخلود فی البقاء ولو باعتناق المنیّة علی الحیاة المخدَجة تحت نیر الاستعباد ، والمبادرة إلی الانتهال من مناهل الموت لتخلیص الأمّة من مخالب الجور والفجور ، ویلزمنا بسلوک سنن المفاداة دون الحنیفیّة البیضاء ، والنزول علی حکم الإباء دون مهاوی الذلِّ. هذا غیض من فیض من دروس سیِّدنا الحسین علیه السلام التی ألقاها علی أمّة جدِّه ، لا ما جاء فی مزعمة الخضریِّ من أن التاریخ .. إلخ.

وللخضریِّ من ضرائب ما ذُکر بوائق جمّة ضربنا عنها صفحاً ، وإنَّما أردنا إیقاظ شعور الباحث بما ذکر إلی سنخ آرائه الأمویّة.

(یَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا یَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ یُبَیِّتُونَ ما لا یَرْضی مِنَ الْقَوْلِ

(وَکانَ اللهُ بِما یَعْمَلُونَ مُحِیطاً) (1)

9 - السنَّة والشیعة

بقلم السیِّد محمد رشید رضا صاحب المنار

لم یقصد صاحب هذه الرسالة نقداً نزیهاً أو حجاجاً صحیحاً ، وإن کان قد صبغها بصبغة الردّ علی العلاّمة الحجّة فی علویّة الشیعة السیّد محسن الأمین العاملی - حیاه الله وبیّاه - لکنّه لم یتهجّم علی حصونه المنیعة إلاّ بسباب مقذع ، أو إهانة قبیحة ، أو تنابز بالألقاب ، أو هتک شائن ، ومعظم قصده إغراء الدول الثلاث العربیة : العراقیة ، والحجازیة ، والیمانیة بالشیعة ، بأکاذیب وتمویهات ، وعلیه فلیس من خطّة الباحث نقد أمثالها ، غیر أنّه لم نجد منتدحاً من الإیعاز إلی شیءٍ من الأکاذیب8.

ص: 370


1- النساء : 108.

والمخاریق المودعة فیها من ولیدة فکرته أو ما نقله عن غیره متطلّباً من علماء الشیعة تخطئة ما یرونه فیها خطأ ، وهو یعلم أنّ الإعراض عنها هو الحزم ، لما فیه من السیاسة الدولیة الخارجة عن محیط العلم والعلماء.

1 - بدأ رسالته بتاریخ التشیّع ومذاهب الشیعة ، فجعل مبتدع أصوله عبد الله ابن سبأ الیهودی ، ورأی خلیفة السبئیِّین فی إدارة دعایة التفرّق بین المسلمین بالتشیّع والغلوِّ زنادقة الفرس ، وعدَّ من تعالیم غلاة الشیعة بدعة عصمة الأئمّة ، وتحریف القرآن ، والبدع المتعلّقة بالحجّة المنتظر ، والقول بألوهیّة بعض الأئمّة والکفر الصریح.

وقسّم الإمامیّة علی المعتدلة القریبة من الزیدیّة ، والغلاة القریبة من الباطنیّة ، وقال : هم الذین لُقّحوا ببعض تعالیمهم الإلحادیّة کالقول بتحریف القرآن ، وکتمان بعض آیاته ، وأغربها فی زعمهم سورة خاصّة بأهل البیت یتناقلونها بینهم ، حتی کتب إلینا سائحٌ سنِّیّ مرّةً : أنَّه سمع بعض خطبائهم فی بلد من بلاد إیران یقرأها یوم الجمعة علی المنبر ، وقد نقلها عنهم بعض دعاة النصرانیّة المبشِّرین ، فهؤلاء الإمامیّة الاثنا عشریّة ، ویلقّبون بالجعفریّة درجات.

وعدَّ من الإمامیّة بدعة البابیّة ثمَّ البهائیّة الذین یقولون بألوهیّة البهاء ، ونسخه لدین الإسلام وإبطاله لجمیع مذاهبه. ومن وراء هذه الکلم المثیرة للفتن والإحن یری نفسه الساعی الوحید فی توحید الکلمة والإصلاح بعد السیِّد جمال الدین الأفغانی ، ثمَّ بسط القول الخرافیَّ والکلم القارصة.

والباحث یجد جواب کثیر ممّا لفّقه من المخاریق فیما مرَّ من هذا الجزء من کتابنا ، والسائح السنِّی الذی أخبر صاحب المنار عن خطیب إیران لم یولد بعدُ ، ومثله الخطیب الذی کان یهتف بتلک السورة المختلقة فی الجمعات ، ولا أنَّ الشیعة تقیم لتلک السورة المزعومة وزناً ، ولا تراها بعین الکتاب العزیز ، ولا تجری علیها أحکامه ،

ص: 371

ویا لیت الرجل راجع مقدّمات تفسیر العلاّمة البلاغی - آلاء الرحمن (1) - وما قاله فی حقِّ هذه السورة وهو لسان الشیعة وترجمان عقائدهم ، ثمَّ کتب ما کتب حولها.

ونحن نرحِّب بهذا الحِجاج الذی یستند فیه إلی المبشِّر النصرانیِّ ، ومن جهله الشائن عدُّ البابیّة والبهائیّة من فرق الشیعة ، والشیعة علی بکرة أبیها لا تعتقد إلاّ بمروقهم عن الدین ، وبکفرهم وضلالهم ونجاستهم ، والکتب المؤلّفة فی دحض أباطیلهم لعلماء الشیعة أکثر من أن تُحصی ، وأکثرها مطبوع منشور.

2 - قال : اختلال العراق دائماً إنّما هو من الأرفاض ، فقد تهرّی أدیمهم من سمِّ ضلالهم ، ولم یزالوا یفرحون بنکبات المسلمین حتی إنّهم اتّخذوا یوم انتصار الروس علی المسلمین عیداً سعیداً ، وأهل إیران زیّنوا بلادهم یومئذٍ فرحاً وسروراً (ص 51) (2).

الجواب : عجباً للصلافة! أیحسب هذا الانسان أنَّ البلاد العراقیّة والإیرانیّة غیر مطروقةٍ لأحد؟ أو أنَّ أخبارهم لا تصل إلی غیرهما؟ أو أنَّ الأکثریّة الشیعیّة فی العراق قد لازمها العمی والصمم عمّا تفرّد برؤیته أو سماعه هذا المتقوِّل؟ أو أنَّهم معدودون من الأمم البائدة الذین طحنهم مرُّ الحقب والأعوام؟ فلم یبق لهم من یدافع عن شرفهم ، ویناقش الحساب مع من یبهتهم ، فیسائل هذا المختلق عن أولئک النفر الذین یفرحون بنکبات المسلمین ، أهم فی عراقنا هذا مجری الرافدین؟ أم یرید قارّة لم تُکتشف تُسمّی بهذا الاسم؟ ویعید علیه هذا السؤال بعینه فی إیران.

أمّا المسلمون القاطنون فی تَیْنِکَ المملکتین ومن طرقهما من المستشرقین والسوّاح والسفراء والموظّفین ، فلا عهد لهم بهاتیک الأفراح ، والشیعة جمعاء تحترم نفوس المسلمین ودماءهم وأعراضهم وأموالهم مطلقاً من غیر فرق بین السنّیِ ف)

ص: 372


1- آلاء الرحمن : ص 24.
2- نقلها وما بعدها عن الآلوسی فی کتاب نسبه إلیه ، کتبها إلی الشیخ جمال الدین القاسمی الدمشقی. (المؤلف)

والشیعیِّ ، فهی تستاء إذا ما انتابت أیَّ أحد منهم نائبةٌ ، ولم تقیِّد الأخوّة الإسلامیّة المنصوص علیها فی الکتاب الکریم بالتشیّع. ویُساءَل الرجل أیضاً عن تعیین الیوم ، أیُّ یوم هو هذا العید؟ وفی أیِّ شهر هو؟ وأیُّ مدینة ازدانت لأجله؟ وأیُّ قوم ناءوا بتلک المخزاة؟

لا جواب للرجل ، إلاّ الاستناد إلی مثل ما استند إلیه صاحب الرسالة من سائح سنِّیّ مجهول أو مبشِّر نصرانیّ.

3 - قال تحت عنوان : بغض الروافض لبعض أهل البیت :

إنَّ الروافض کالیهود یؤمنون ببعض ویکفرون ببعض - إلی أن قال - : ویبغضون کثیراً من أولاد فاطمة - رضی الله عنها - بل یسبّونهم : کزید بن علیِّ بن الحسین. وکذا یحیی ابنه ، فإنّهم أیضاً یبغضونه.

وکذا إبراهیم وجعفر ابنا موسی الکاظم - رضی الله عنهم - ولقّبوا الثانی بالکذّاب ، مع أنّه کان من أکابر الأولیاء ، وعنه أخذ أبو یزید البسطامی.

ویعتقدون أنَّ الحسن بن الحسن المثنّی وابنه عبد الله المحض وابنه محمد الملقّب بالنفس الزکیّة ارتدّوا - حاشاهم - عن دین الإسلام.

وهکذا اعتقدوا فی إبراهیم بن عبد الله ، وزکریّا بن محمد الباقر ، ومحمد بن عبد الله بن الحسین بن الحسن ، ومحمد بن القاسم بن الحسن ، ویحیی بن عمر ، الذی کان من أحفاد زید بن علیِّ بن الحسین.

وکذلک فی جماعة - حسنیِّین وحسینیِّین - کانوا قائلین بإمامة زید بن علیّ بن الحسین ، إلی غیر ذلک ممّا لا یسعه المقام ، وهم حصروا حبّهم بعدد منهم قلیل ، کلّ فرقة منهم تخصُّ عدداً وتلعن الباقین. هذا حبّهم لأهل البیت والمودّة فی القربی المسؤول عنها (ص 52 - 54).

ص: 373

الجواب : هذه سلسلة أوهام حسبها الآلوسی حقائق ، أو أنَّه أراد تشویه سمعة الشیعة ولو بأشیاء مفتعلة ، فذکر أحکاماً بعضها باطل بانتفاء موضوعه ، وجملة منها لأنَّها أکاذیب.

أمّا زید بن علیّ الشهید فقد مرَّ الکلام فیه وفی مقامه وقداسته عند الشیعة جمعاء. راجع (ص 69 - 76).

وأمّا یحیی بن زید الشهید ابن الشهید ، فحاشا أن یبغضه شیعیٌّ وهو ذلک الإمامیّ البطل المجاهد ، یروی عن أبیه الطاهر : أنَّ الأئمّة اثنا عشر ، وسمّاهم بأسمائهم وقال : إنَّه عهد معهود عهده إلینا رسول الله (1). ورثاه شاعر الإمامیّة دعبل الخزاعی فی تائیّته السائرة ، وقرأها للإمام علیِّ بن موسی الرضا علیه السلام.

ولم توجد للشیعة حوله کلمة غمز فضلاً عن بغضه ، وغایة نظر الشیعة فیه کما فی کتاب زید الشهید (ص 175) : أنَّه کان معترفاً بإمامة الإمام الصادق ، حسن العقیدة ، متبصِّراً بالأمر ، وقد بکی علیه الصادق علیه السلام واشتدَّ وجده له ، وترحّم له. فسلام الله علیه وعلی روحه الطاهرة.

وفی وسع الباحث أن یستنتج ولاء الشیعة لیحیی بن زید ، ممّا أخرجه أبو الفرج فی مقاتل الطالبیّین (2) (ص 62) طبع إیران ، قال : لَمّا أُطلق یحیی بن زید وفُکَّ حدیده ، صار جماعة من میاسیر الشیعة إلی الحدّاد الذی فکَّ قیده من رجله ، فسألوه أن یبیعهم إیّاه ، وتنافسوا فیه وتزایدوا حتی بلغ عشرین ألف درهم ، فخاف أن یشیع خبره فیُؤخذ منه المال ، فقال لهم : اجمعوا ثمنه بینکم. فرضوا بذلک وأعطوه المال ، فقطّعه قطعةً قطعةً وقسّمه بینهم ، فاتّخذوا منه فصوصاً للخواتیم یتبرّکون بها.

وقد أقرّت الشیعة هذا فی أجیالها المتأخِّرة وحتی الیوم ، ولم ینقم ذلک أحد منهم. 8.

ص: 374


1- مقتضب الأثر فی الأئمة الاثنی عشر. (المؤلف)
2- مقاتل الطالبیّین : ص 148.

وأمّا إبراهیم بن موسی الکاظم ، فلیتنی أدری وقومی بغض أیِّ إبراهیم یُنسب إلینا؟

هل إبراهیم الأکبر أحد أئمّة الزیدیّة؟ الذی ظهر بالیمن أیّام أبی السرایا ، والشیعة تروی عن الإمام الکاظم أنَّه أدخله فی وصیّته وذکره فی مقدّم أولاده المذکورین فیها ،

وقال : «إنّما أردت بإدخال الذین أدخلتهم معه - یعنی الإمام علیّ بن موسی - من ولدی ، التنویه بأسمائهم والتشریف لهم» (1).

وترجمه شیخنا الأکبر المفید فی الإرشاد (2) ، بالشیخ الشجاع الکریم ، وقال : ولکلِّ واحدٍ من ولد أبی الحسن موسی علیه السلام فضل ومنقبة مشهورة ، وکان الرضا المقدَّم علیهم فی الفضل. وقال سیِّدنا تاج الدین بن زهرة فی غایة الاختصار (3) : کان سیِّداً أمیراً جلیلاً نبیلاً عالماً فاضلاً ، یروی الحدیث عن آبائه علیهم السلام.

وفذلکة رأی الشیعة فیه ما فی تنقیح المقال (1 / 34 و 35) : أنّه فی غایة درجة التقوی ، وهو خیِّرٌ دیِّنٌ.

أَم إبراهیم الأصغر الملقَّب بالمرتضی؟ والشیعة تراه کبقیّة الذرّیة من الشجرة الطیِّبة ، وتتقرّب إلی الله بحبِّهم. وحکی سیِّدنا الحسن صدر الدین الکاظمی ، عن شجرة ابن المهنّا : أنَّ إبراهیم الصغیر کان عالماً عابداً زاهداً ، ولیس هو صاحب أبی السرایا ، وإنّی لم أجد لشیعیٍّ کلمة غمزٍ فیه لا فی کتب الأنساب ولا فی معاجم الرجال ، حتی یستشمّ منها بغض الشیعة إیّاه ، وهذا سیِّدنا الأمین العاملی عدّهما من أعیان الشیعة ، وترجمهما فی الأعیان (4) (5 / 474 - 482). فنسبة بغض أیٍّ منهما إلی الشیعة فریة واختلاق. 8.

ص: 375


1- أصول الکافی : ص 163 [1 / 317] فی باب الإشارة والنصّ علی الإمام أبی الحسن الرضا علیه السلام. (المؤلف)
2- الإرشاد : 2 / 246.
3- غایة الاختصار : ص 87.
4- أعیان الشیعة : 2 / 227 ، 228.

وأمّا جعفر بن موسی الکاظم ، فإنّی لم أجد فی تآلیف الشیعة بسط القول فی ترجمته ، ولم أقرأ کلمة غمز فیه حتی تکون آیة بغضهم إیّاه ، ولم أر قطُّ أحداً من الشیعة لقّبه بالکذّاب ، لیت المفتری دلّنا علی من ذکره ، أو علی تألیف یوجد فیه ، والشیعة إنَّما تلقّبه بالخواری وولده بالخواریِّین والشجریِّین کما فی عمدة الطالب (1) (ص 208). ولیتنی أدری ممّن أخذ عدّ جعفر من أکابر الأولیاء؟ ومن الذی ذکر أخذ أبی یزید البسطامیّ عنه؟

إنّما الموجود فی المعاجم تلمّذ أبی یزید البسطامیّ طیفور بن عیسی بن آدم المتوفّی (261) علی الإمام جعفر بن محمد الصادق ، وهذا اشتباه من المترجمین کما صرّح به المنقِّبون منهم ، إذ الإمام الصادق توفّی (148) وأبو یزید فی (261 - 264) ولم یعدّ من المعمّرین ، ولعلّه أبو یزید البسطامی الأکبر طیفور بن عیسی بن شروسان الزاهد (2) ، فالرجل خبط خبط عشواء فی فریته هذه.

وأمّا الحسن بن الحسن المثنّی ، فهو الذی شهد مشهد الطفِّ مع عمّه الإمام الطاهر ، وجاهد وأبلی وارتثّ بالجراح ، فلمّا أرادوا أخذ الرؤوس وجدوا به رمقاً ، فحمله خاله أبو حسّان أسماء بن خارجة الفزاری إلی الکوفة وعالجه حتی برأ ، ثمَّ لحق بالمدینة (3).

ویعرب عن عقیدة الشیعة فیه قول شیخهم الأکبر الشیخ المفید فی إرشاده : کان جلیلاً رئیساً فاضلاً ورعاً ، وکان یلی صدقات أمیر المؤمنین فی وقته ، وله مع الحجّاج خبرٌ ذکره الزبیر بن بکّار ....

وعدّه العلاّمة الحجّة السیِّد محسن الأمین العاملی - الذی ردَّ علیه الآلوسی ف)

ص: 376


1- عمدة الطالب : ص 218.
2- راجع معجم البلدان : 2 / 180 [1 / 421]. (المؤلف) معجم البلدان (بسطام) وراجع بقیة مصادر ترجمته فی (أعلام معجم البلدان للشبستری) ص 286.
3- إرشاد المفید [2 / 25] ، عمدة الطالب : ص 86 [ص 100]. (المؤلف)

بکلمته هذه - من أعیان الشیعة ، وذکر له ترجمة ضافیة فی (1) (21 / 166 - 184)

فالقول بأنّ الرافضة تعتقد بارتداده عن دین الإسلام قذفٌ بفریةٍ مُقذعةٍ تندی منها جبهة الإنسانیّة.

أمّا عبد الله المحض ابن الحسن المثنّی فقد عدّه شیخ الشیعة أبو جعفر الطوسی فی رجاله (2) من أصحاب الصادق علیه السلام ، وزاد ابن داود (3) الباقر علیه السلام.

وقال جمال الدین بن المهنّا فی العمدة (4) (ص 87) : کان یشبه رسول الله ، وکان شیخ بنی هاشم فی زمانه ، یتولّی صدقات أمیر المؤمنین بعد أبیه الحسن.

والأحادیث فی مدحه وذمِّه ، وإن تضاربت غیر أنّ غایة نظر الشیعة فیها ما اختاره سیِّد الطائفة السیِّد ابن طاووس فی إقباله (5) (ص 51) من صلاحه ، وحسن عقیدته ، وقبوله إمامة الصادق علیه السلام ، وذکر من أصل صحیحٍ کتاباً للإمام الصادق وصف فیه عبد الله بالعبد الصالح ودعا له ولبنی عمِّه بالأجر والسعادة ، ثمَّ قال :

وهذا یدلُّ علی أنّ الجماعة المحمولین - یعنی عبد الله وأصحابه الحسنیِّین - کانوا عند مولانا الصادق معذورین وممدوحین ومظلومین ، وبحقِّه عارفین ، وقد یوجد فی الکتب أنّهم کانوا للصادِقَین علیهما السلام مفارقین ، وذلک محتملٌ للتقیّة لئلاّ یُنسب إظهارهم لإنکار المنکر إلی الأئمّة الطاهرین ، وممّا یدلّک علی أنَّهم کانوا عارفین بالحقِّ وبه شاهدین ما رویناه. وقال بعد ذکر السند وإنهائه إلی الصادق : ثمّ بکی علیه السلام حتی علا صوته وبکینا ، ثمَّ قال : حدّثنی أبی ، عن فاطمة بنت الحسین ، عن أبیها أنَّه قال : 1.

ص: 377


1- أعیان الشیعة : 5 / 43 - 47.
2- رجال الطوسی : ص 222 ، وعدّه فی ص 127 من أصحاب الباقر علیه السلام.
3- رجال ابن داود : ص 118 رقم 849.
4- عمدة الطالب : ص 101 ، 103.
5- إقبال الأعمال : ص 579 - 581.

«یُقتل منک - أو یُصاب - نفرٌ بشطِّ الفرات ، ما سبقهم الأوّلون ولا یعدلهم الآخرون».

ثمَّ قال : أقول : وهذه شهادة صریحة من طرق صحیحة بمدح المأخوذین من بنی الحسن - علیه وعلیهم السلام - وأنّهم مضوا إلی الله جلَّ جلاله بشرف المقام ، والظفر بالسعادة والإکرام.

ثمَّ ذکر أحادیث تدلُّ علی حسن اعتقاد عبد الله بن الحسن ومن کان معه من الحسنیِّین ، فقال : أقول : فهل تراهم إلاّ عارفین بالهدی وبالحقِّ الیقین ، ولله متّقین؟ انتهی.

فأنت عندئذٍ جدُّ علیم بأنّ نسبة القول بردّته وردّة بقیّة الحسنیِّین إلی الشیعة بعیدة عن مستوی الصدق.

وأمّا محمد بن عبد الله بن الحسن الملقّب بالنفس الزکیّة ، فعدّه الشیخ أبو جعفر الطوسی فی رجاله من أصحاب الصادق علیه السلام ، وقال ابن المهنّا فی عمدة الطالب (1) (ص 91) : قُتل بأحجار الزیت ، وکان ذلک مصداق تلقیبه النفس الزکیّة ، لأنّه رُوی عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أنَّه قال : «تُقتل بأحجار الزیت من ولدی نفس زکیّة».

وذکر سیِّدنا ابن طاووس فی الإقبال (2) (ص 53) ، تفصیلاً برهن فیه علی حسن عقیدته ، وأنَّه خرج للأمر بالمعروف والنهی عن المنکر ، وأنَّه کان یعلم بقتله ویخبر به ، ثمَّ قال : کلُّ ذلک یکشف عن تمسّکهم بالله والرسول صلی الله علیه وآله وسلم.

هذا رأی الشیعة فی النفس الزکیّة ، وهم مخبتون إلی ما فی مقاتل الطالبیِّین (3) (ص 85) من أنّه أفضل أهل بیته ، وأکبر أهل زمانه فی علمه بکتاب الله وحفظه له ، وفقهه فی 7.

ص: 378


1- عمدة الطالب : ص 105.
2- إقبال الأعمال : ص 582.
3- مقاتل الطالبیّین : ص 207.

الدین ، وشجاعته ، وجوده ، وبأسه ، والإمامیّة حاشاهم عن قذفه بالردّة عن الدین ، والمفتری علیهم به قد احتمل بهتاناً وإثماً مبیناً.

وأمّا إبراهیم بن عبد الله قتیل باخمری المکنّی بأبی الحسن ، فعدّه شیخ الطائفة (1) من رجال الصادق ، وقال جمال الدین بن المهنّا فی العمدة (2) (ص 95) : کان من کبار العلماء فی فنون کثیرة. وذکره دعبل الخزاعی شاعر الشیعة فی تائیّته المشهورة ب - مدارس آیات - التی رثی بها شهداء الذرّیة الطاهرة بقوله :

قبورٌ بکوفانٍ وأخری بطیبةٍ

وأخری بفخٍّ نالَها صلواتی

وأخری بأرض الجوزجانِ محلُّها

وقبرٌ بباخمری لدی الغُرباتِ

فلو لا شهرة إبراهیم عند الشیعة بالصلاح وحسن العقیدة ، واستیائهم بقتله ، وکونه مرضیّا عند أئمّتهم - صلوات الله علیهم - لم یرثه دعبل ولم یقرأ رثاءه للإمام علیّ بن موسی - سلام الله علیه -. ونحن نقول بما قال أبو الفرج فی المقاتل (3) (ص 112) : کان إبراهیم جاریاً علی شاکلة أخیه محمد فی الدین والعلم والشجاعة والشدّة. وعدّه السیِّد الأمین العاملی من أعیان الشیعة ، وبسط القول فی ترجمته (4) (5 / 308 - 324). فنسبة القول بردّته عن الدین إلی الشیعة بهتان عظیم.

وأمّا زکریّا بن محمد الباقر ، فإنّه لم یولد بعدُ ، وهو من مخلوقات عالم أوهام الآلوسی ، إذ مجموع أولاد أبی جعفر محمد الباقر علیه السلام الذکور ستّة باتِّفاق الفریقین ، ولم نجد فیما وقفنا علیه من تآلیف العامّة والخاصّة غیرهم ، وهم : جعفر ، عبد الله ، إبراهیم ، علیّ ، زید ، عبید الله (5). فنسبة القول بردّة زکریّا إلی الشیعة باطلة بانتفاء الموضوع. ف)

ص: 379


1- رجال الطوسی : ص 143.
2- عمدة الطالب : ص 109.
3- مقاتل الطالبیّین : ص 273.
4- أعیان الشیعة : 2 / 177 - 181.
5- کذا فی المجدی [ص 94] للنسّابة العمری وجملة من المصادر ، وفی بعضها : عبد الله مع التعدّد. (المؤلف)

وأمّا محمد بن عبد الله بن الحسین بن الحسن ، فإن کان یرید حفید الحسین الأثرم ابن الإمام المجتبی ، فلم یذکر النسّابة فیه إلاّ قولهم : انقرض عقبه سریعاً ، ولم یسمّوا له ولداً ولا حفیداً. وإن أراد غیره فلم نجد فی کتب الأنساب له ذکراً ، حتی تکفِّره الشیعة أو تؤمن به ، ولم نجد فی الإمامیّة من یکفِّر شخصاً یسمّی بهذا الاسم حسنیّا کان أو حسینیّا.

وأمّا محمد بن القاسم بن الحسن ، فهو ابن زید بن الحسن بن علیّ بن أبی طالب علیه السلام یُلقّب بالبطحانی (1) ، عدّه شیخ الطائفة فی رجاله (2) من أصحاب الصادق - سلام الله علیه - ، وقال جمال الدین بن المهنّا فی العمدة (3) (ص 57) : کان محمد البطحانی فقیهاً. ولم نجد لشیعیٍّ کلمة غمزٍ فیه حتی تکون شاهداً للفریة المعزوّة إلی الشیعة.

أمّا یحیی بن عمر فهو أبو الحسین یحیی بن عمر بن یحیی بن الحسین بن زید ابن علیّ بن الحسین بن علیّ بن أبی طالب - سلام الله علیهم - ، أحد أئمّة الزیدیّة ، فحسبک فی الإعراب عن رأی الشیعة فیه ما فی عمدة الطالب لابن المهنّا (4) (ص 263) من قوله : خرج بالکوفة داعیاً إلی الرضا من آل محمد ، وکان من أزهد الناس ، وکان مثقل الظهر بالطالبیّات یجهد نفسه فی بِرِّهنَّ - إلی أن قال - : فحاربه محمد بن عبد الله ابن طاهر ، فقُتل ، وحُمل رأسه إلی سامرّاء ، ولمّا حُمل رأسه إلی محمد بن عبد الله بن طاهر جلس بالکوفة للهنا (کذا) ، فدخل علیه أبو هاشم داود بن القاسم الجعفری وقال : إنّک لتهنّأ بقتیلٍ لو کان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم حیّا لعزّی فیه (5) ، فخرج وهو یقول : ف)

ص: 380


1- یُروی بفتح الموحّدة منسوباً إلی البطحاء ، وبالضم منسوباً إلی بُطحان : وادٍ بالمدینة. عمدة الطالب : ص 57 [ص 72]. (المؤلف)
2- رجال الطوسی : ص 298.
3- عمدة الطالب : ص 72.
4- عمدة الطالب : ص 273.
5- وذکره الیعقوبی فی تاریخه : 3 / 221 [2 / 497]. (المؤلف)

یا بنی طاهرٍ کلوه مریئاً

إنَّ لحم النبیِّ غیرُ مریِ

إنَّ وتراً یکون طالبه اللَّ

ه لوترٌ بالفوت غیرُ حریِ

ورثاه جمعٌ من شعراء الشیعة الفطاحل منهم : أبو العبّاس ابن الرومی ، رثاه بقصیدتین إحداهما ذات (110) أبیات توجد فی عمدة الطالب (1) (ص 220) مطلعها

أمامَکَ فانظر أیّ نهجیکَ تنهجُ

طریقان شتّی مستقیمٌ وأعوجُ

وجیمیّةٌ أخری أوّلها :

حُیِّیتَ ربْعَ الصبا والخُرّدِ الدُعْجِ

الآنساتِ ذواتِ الدَّلِّ والغنْجِ

ومنهم : أبو الحسین علیُّ بن محمد الحِمّانی الأفوه ، رثاه بشعر کثیر مرّت جملة منه فی هذا الجزء (ص 61 ، 62).

هذا صحیح رأی الشیعة فی هؤلاء السادة الأئمّة ، ولم تقل الشیعة ولا تقول ولن تقول بارتداد أحدٍ منهم عن الدین ولا بارتداد الحسنیِّین والحسینیِّین القائلین بإمامة زید بن علیِّ بن الحسین المنعقدة علی الرضا من آل محمد - سلام الله علیهم.

(کَبُرَتْ کَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ إِنْ یَقُولُونَ إِلاَّ کَذِباً).

ونحن نسائل الرجل عن هؤلاء الذین یدافع عن شرفهم وجلالتهم ، من ذا الذی قتلهم ، واستأصل شأفتهم ، وحبسهم فی غیابة الجبِّ وأعماق السجون؟ أهم الشیعة الذین اتّهمهم بالقول برِدّتهم؟ أم قومه الذین یزعم أنّهم یعظِّمونهم؟

هلمَّ معی واقرأ صفحة التاریخ ، فهو نعم المجیب.

أمّا زید الشهید ، فعرّفناک قاتله وقاطع رأسه (ص 75). ه.

ص: 381


1- لم یرد ذکر لهذه القصیدة فی عمدة الطالب ، وتوجد بتمامها فی مقاتل الطالبیّین : ص 511 ، ولعلّ ما ورد فی المتن سهو من قلمه الشریف قدس سره.

وأمّا یحیی بن زید ، فقتله الولید بن یزید بن عبد الملک سنة (125) ، وقاتله سَلْم بن أحوز الهلالی ، وجهّز إلیه الجیش نصر بن سیّار ، ورماه عیسی مولی عیسی ابن سلیمان العنزی وسلبه (1).

والحسن بن الحسن المثنّی ، کتب الولید بن عبد الملک إلی عامله عثمان بن حیّان المرّی : أنظر إلی الحسن بن الحسن فاجلده مائة ضربة ، وقفه للناس یوماً ، ولا أرانی إلاّ قاتله ، فلمّا وصله الکتاب ، بعث إلیه فجیء به والخصوم بین یدیه فعلّمه علیُّ بن الحسین علیه السلام بکلمات الفرج ، ففرّج الله عنه وخلّوا سبیله (2). فخاف الحسن سطوة بنی أمیّة فأخفی نفسه ، وبقی مختفیاً إلی أن دسَّ إلیه السمّ سلیمان بن عبد الملک وقتله سنة (97) (3).

وعبد الله المحض ، کان المنصور یسمّیه عبد الله المذلّة ، قتله فی حبسه بالهاشمیّة سنة (145) لمّا حبسه مع تسعة عشر من ولد الحسن ثلاث سنین ، وقد غیّرت السیاط لون أحدهم وأسالت دمه ، وأصاب سوطٌ إحدی عینیه فسالت ، وکان یستسقی الماء فلا یُسقی ، فردم علیهم الحبس فماتوا (4). وفی تاریخ الیعقوبی (5) (3 / 106) : أنَّهم وُجدوا مُسمّرین فی الحیطان.

ومحمد بن عبد الله النفس الزکیّة ، قتله حمید بن قحطبة سنة (145) ، وجاء برأسه إلی عیسی بن موسی ، وحمله إلی أبی جعفر المنصور فنصبه بالکوفة ، وطاف به البلاد (6) ف)

ص: 382


1- تاریخ الطبری : 8 [7 / 230 حوادث سنة 125 ه] ، مروج الذهب : 2 [3 / 236] ، تاریخ الیعقوبی : 3 [2 / 332]. (المؤلف)
2- تاریخ ابن عساکر : 4 / 164 [4 / 433 ، وفی تهذیب تاریخ مدینة دمشق : 4 / 167 ترجمة الحسن بن الحسن بن علیّ بن أبی طالب علیه السلام]. (المؤلف)
3- الزینبیّات. (المؤلف)
4- تاریخ الطبری : 9 / 196 [7 / 542 حوادث سنة 144 ه] ، تذکرة سبط ابن الجوزی : ص 126 [ص 218 - 220] ، مقاتل الطالبیّین : ص 71 ، 84 طبع إیران [ص 171 ، 203].(المؤلف)
5- تاریخ الیعقوبی : 2 / 370.
6- تذکرة سبط ابن الجوزی : ص 129 [ص 224]. (المؤلف)

وأمّا إبراهیم بن عبد الله ، فندب المنصور عیسی بن موسی من المدینة إلی قتاله ، فقاتل بباخمری حتی قُتل سنة (145) ، وجیء برأسه إلی المنصور فوضعه بین یدیه ، وأمر به فنُصب فی السوق ، ثمَّ قال للربیع : احمله إلی أبیه عبد الله فی السجن ، فحمله إلیه (1). وقال النسّابة العمری فی المجدی (2) : ثمَّ حمل ابن أبی الکرام الجعفری رأسه إلی مصر.

ویحیی بن عمر ، أمر به المتوکِّل فضُرب دِرَراً ، ثمَّ حبسه فی دار الفتح بن خاقان ، فمکث علی ذلک ثمَّ أُطلق ، فمضی إلی بغداد ، فلم یزل بها حتی خرج إلی الکوفة فی أیّام المستعین ، فدعا إلی الرضا من آل محمد ، فوجّه المستعین رجلاً یقال له : کلکاتکین ، ووجّه محمد بن عبد الله بن طاهر بالحسین بن إسماعیل ، فاقتتلوا حتی قتل سنة (250) وحمل رأسه إلی محمد بن عبد الله فوضع بین یدیه فی تُرس ، ودخل الناس یهنّونه ، ثمَّ أمر بحمل رأسه إلی المستعین من غدٍ (3).

4 - قال : إنّ الروافض زعموا أنّ أصحَّ کتبهم أربعة : الکافی ، وفقه من لا یحضره الفقیه ، والتهذیب ، والإستبصار. وقالوا : إنّ العمل بما فی الکتب الأربعة من الأخبار واجبٌ ، وکذا بما رواه الإمامیّ ودوّنه أصحاب الأخبار منهم ، ونصَّ علیه المرتضی ، وأبو جعفر الطوسی ، وفخر الدین الملقّب عندهم بالمحقِّق المحلّی (4) (ص 55)

الجواب : تعتقد الشیعة أنّ هذه الکتب الأربعة أوثق کتب الحدیث ، وأمّا وجوب العمل بما فیها من الأخبار ، أو بکلِّ ما رواه إمامیٌّ ودوّنه أصحاب الأخبار ف)

ص: 383


1- تاریخ الطبری : 9 / 260 [7 / 646 حوادث سنة 145 ه] ، تاریخ الیعقوبی : 3 / 112 - 114 [2 / 376 - 379] ، تذکرة السبط : ص 130 [ص 226]. (المؤلف)
2- المجدی فی الأنساب : ص 42.
3- تاریخ الطبری : 11 / 89 [9 / 266 حوادث سنة 250 ه] ، تاریخ الیعقوبی : 3 / 221 [2 / 497]. (المؤلف)
4- فخر الدین لقب شیخنا محمد بن الحسن العلاّمة الحلّی. وأمّا المحقِّق فیلقّب بنجم الدین ، وینسب إلی الحلّة الفیحاء لا المحل. (المؤلف)

منهم فلم یقل به أحدٌ ، وعَلَم الهدی المرتضی ، وشیخ الطائفة أبو جعفر ، ونجم الدین المحقِّق الحلّی أبریاء ممّا قذفهم به ، وهذه کتبهم بین أیدینا لا یوجد فی أیٍّ منها هذا البهتان العظیم ، وأهل البیت أدری بما فیه.

ویشهد لذلک ردُّ علماء الشیعة لفریق ممّا رُوی من أحادیثهم لطعنٍ فی إسناد أو مناقشةٍ فی المتن ، ویشهد لذلک تنویعهم الأخبار علی أقسامٍ أربعة : الصحیح ، الحسن ، الموثّق ، الضعیف ، منذ عهد العلَمین جمال الدین السیِّد أحمد بن طاووس الحسنی وتلمیذه آیة الله العلاّمة الحلّی.

ولیت الرجل یقف علی شروح هذه الکتب ، وفی مقدَّمها مرآة العقول شرح الکافی للعلاّمة المجلسی ، ویشاهده کیف یحکم فی کلِّ سندٍ بما یؤدّی إلیه اجتهاده من أقسام الحدیث. أو کان یراجع الجزء الثالث من المستدرک للعَلم الحجّة النوریِّ ، حتی یرشده إلی الحقِّ ، ویعلّمه الصواب ، وینهاه عن التقوّل علی أمّة کبیرة - الشیعة - بلا علمٍ وبصیرةٍ فی أمرها.

ثمَّ زیّف الکتب الأربعة المذکورة بما فیها من الآحاد ، واشتمال بعض أسانیدها علی رجال قذفهم بأشیاء هم بُرآء منها ، وآخرین لا یقدح انحرافهم المذهبیّ فی ثقتهم فی الروایة ، وأحادیث هؤلاء من النوع الذی تسمِّیه الشیعة بالموثّق ، وهناک أناسٌ یُرمَون بالضعف لکن خصوص روایاتهم تلک مکتنفةٌ بأمارات الصحّة ، وعلی هذا عمل المحدِّثون من أهل السنّة والشیعة فی مدوّناتهم الحدیثیّة ، فالرجل جاهلٌ بدرایة الحدیث وفنونه ، أو راقه أن یتجاهل حتی یتحامل بالوقیعة ، ولو راجع مقدِّمة فتح الباری فی شرح صحیح البخاری لابن حجر ، وشرحه للقسطلانی ، وشرحه للعینی ، وشرح مسلم للنووی وأمثالها ، لوجد فیها ما یشفی غلّته ، وکفَّ عن نشر الأباطیل مَدّته (1). ف)

ص: 384


1- المَدّة : غمس القلم فی الدواة مرّة للکتابة. (المؤلف)

5 - قال : یروی الطوسی عن ابن المعلّم وهو یروی عن ابن مابویه الکذوب صاحب الرقعة المزوّرة ، ویروی عن المرتضی أیضاً. وقد طلبا العلم معاً وقرءا علی شیخهما محمد بن النعمان ، وهو أکذب من مسیلمة الکذّاب ، وقد جوّز الکذب لنصرة المذهب (ص 57).

الجواب : إنّ صاحب التوقیع الذی حسبه الرجل رقعةً مزوّرة ، هو علیُّ بن الحسین بن موسی بن بابویه - بالبائین الموحّدتین لا المصدّرة بالمیم - وهو الصدوق الأوّل : توفّی (329) قبل مولد الشیخ المفید ابن المعلّم بسبع أو تسع سنین ، فإنّه ولد سنة (336 ، 338) فلیس من الممکن روایته عنه ، نعم له روایة عن ولده الصدوق - أبی جعفر محمد بن علیّ - ولیس هو صاحب التوقیع.

ولیتنی علمت من ذا الذی أخبر الآلوسی بأنّ شیخ الأمّة المفید المدفون فی رواق الإمامین الجوادین صاحب القبّة والمقام المکین أکذب من مسیلمة الکذّاب الکافر بالله؟

ما أجرأه علی هذه القارصة الموبقة ، وکیف أحفّه (1)؟! وهذا الیافعی یعرِّفه فی مرآته (3 / 28) بقوله : کان عالم الشیعة وإمام الرافضة ، صاحب التصانیف الکثیرة ، شیخهم المعروف بالمفید وبابن المعلّم أیضاً ، البارع فی الکلام والجدل والفقه ، وکان یناظر أهل کلِّ عقیدةٍ مع الجلالة والعظمة فی الدولة البویهیّة ، وقال ابن أبی طیّ : کان کثیر الصدقات ، عظیم الخشوع ، کثیر الصلاة والصوم ، خشن اللباس.

وقول ابن کثیر فی تاریخه (2) (12 / 15) : کان مجلسه یحضره کثیرٌ من العلماء من سائر الطوائف ، ینمُّ عن أنّه شیخ الأمّة الإسلامیّة لا الإمامیّة فحسب ، فیجب إکباره علی أیِّ معتنق للدین. .

ص: 385


1- أحفّ الرجل : ذکره بالقبیح. (المؤلف)
2- البدایة والنهایة : 12 / 19 حوادث سنة 413 ه.

أهکذا أدب العلم والدین؟ أفی الشریعة والأخلاق مساغٌ للنَیل من أعراض العلماء والوقیعة فیهم والتحامل علیهم بمثل هذه القارصة؟ أفی ناموس الإسلام ما یُستباح به أن یُحطَّ بمسلم إلی حضیض یکون أخفض من الکافر کلّما شجر الخلاف واحتدم البغضاء؟ فضلاً عن مثل الشیخ المفید الذی هو من عُمُد الدین وأعلامه ، ومن دعاة الحقِّ وأنصاره ، وهو الذی أسّس مجد العراق العلمیّ وأیقظ شعور أهلیها ، وما ذا علیه؟ غیر أنَّه عرف المعروف الذی أنکره الآلوسی ، وتسنّم ذروة العلم والعمل التی تقاعس عنها المتهجِّم.

ولیته أشار إلی المصدر الذی أخذ عنه نسبة تجویز الکذب لنصرة المذهب إلی الشیخ المفید من کتبه أو کتب غیره ، أو إسناد متصل إلیه. أمّا مؤلّفاته فکلّها خالیةٌ عن هذه الشائنة ، ولا نسبها إلیه أحد من علمائنا ، وأمّا الإسناد فلا تجد أحداً أسنده إلیه متّصلاً کان أو مرسَلاً ، فالنسبة غیر صحیحة ، وتعکیر الصفو بالنسب المفتعلة لیس من شأن المسلم الأمِّی فضلاً عن مدّعی العلم.

6 - قال تحت عنوان تعبّد الإمامیّة بالرقاع الصادرة من المهدیِّ المنتظر : نعم ؛ إنّهم أخذوا غالب مذهبهم کما اعترفوا من الرقاع المزوّرة التی لا یشکُّ عاقل فی أنَّها افتراء علی الله ، والعجب من الروافض أنّهم سمّوا صاحب الرقاع بالصدوق وهو الکذوب ، بل إنّه عن الدین المبین بمعزل.

کان یزعم أنَّه یکتب مسألة فی رقعةٍ فیضعها فی ثقب شجرة لیلاً ، فیکتب الجواب عنها المهدیّ صاحب الزمان بزعمهم ، فهذه الرقاع عند الرافضة من أقوی دلائلهم وأوثق حججهم ، فتبّا ....

واعلم أنّ الرقاع کثیرةٌ منها : رقعة علیِّ بن الحسین بن موسی بن مابویه القمّی ، فإنّه کان یظهر رقعةً بخطِّ الصاحب فی جواب سؤاله ، ویزعم أنَّه کاتب أبا القاسم بن أبی الحسین بن روح أحد السفرة علی ید علیِّ بن جعفر بن الأسود ، أن

ص: 386

یوصل له رقعته إلی الصاحب - أی المهدیِّ - وأرسل إلیه رقعةً زعم أنَّها جواب صاحب الأمر له.

ومنها : رقاع محمد بن عبد الله بن جعفر بن حسین بن جامع بن مالک الحریری أبو جعفر القمّی ، کاتب صاحب الأمر سأله مسائل فی أبواب الشریعة قال : قال لنا أحمد بن الحسین : وقفت علی هذه المسائل من أصلها والتوقیعات بین السطور. ذکر تلک الأجوبة محمد بن الحسن الطوسی فی کتابه الغَیبة (1) ، وکتاب الاحتجاج (2).

والتوقیعات خطوط الأئمّة بزعمهم فی جواب مسائل الشیعة ، وقد رجّحوا التوقیع علی المرویِّ بإسناد صحیح لدی التعارض ، قال ابن مابویه فی الفقه - بعد ذکر التوقیعات الواردة من الناحیة المقدّسة فی باب الرجل یوصی إلی الرجلین - : هذا التوقیع عندی بخطِّ أبی محمد بن الحسن بن علیّ ، وفی الکافی للکلینی روایة بخلاف ذلک التوقیع عن الصادق ، ثمَّ قال : لا أفتی بهذا الحدیث بل أفتی بما عندی من خطِّ الحسن بن علیّ.

ومنها : رقاع أبی العبّاس جعفر بن عبد الله بن جعفر الحمیری القمّی.

ومنها : رقاع أخیه الحسین ورقاع أخیه أحمد.

وأبو العبّاس هذا قد جمع کتاباً فی الأخبار المرویّة عنه وسمّاه قرب الإسناد إلی صاحب الأمر.

ومنها : رقاع علیِّ بن سلیمان بن الحسین بن الجهم بن بکیر بن أعین أبو الحسن الرازی ، فإنَّه کان یدّعی المکاتبة أیضاً ویظهر الرقاع.

هذه نبذةٌ ممّا بنوا علیه أحکامهم ودانوا به ، وهی نغبة من دأماء (3) ، وقد تبیّن ف)

ص: 387


1- الغَیبة : ص 345 ح 295.
2- الاحتجاج : 2 / 563 - 603 ح 354 - 360.
3- النغبة : الجرعة. الدأماء : البحر. (المؤلف)

بها حال دعوی الرافضیِّ فی تلقّی دینهم عن العترة ... (ص 58 ، 61).

الجواب : کان حقّا علی الرجل نهی جمال الدین القاسمی عن أن یظهر کتابه إلی غیره ، کما کان علی السیِّد محمد رشید رضا أن یُحرّج علی الشیعة بل أهل النصفة من قومه أیضاً أن یقفوا علی رسالته ، إذ الأباطیل المبثوثة فی طیِّهما تکشف عن السوأة ، وتشوِّه السمعة ، ولا تخفی علی أیِّ مثقّفٍ ، ولا یسترها ذیل العصبیّة ، ولا تصلحها فکرة المدافع عنها ، مهما کان القارئ شریف النفس ، حرّا فی فکرته وشعوره.

کیف یخفی علی الباحث أنَّ الإمامیّة لا تتعبّد بالرقاع الصادرة من المهدیِّ المنتظر؟ وکلام الرجل ومن لفَّ لفّه کما یأتی عن القصیمی فی الصراع بین الإسلام والوثنیّة أوضح ما هناک من السرِّ المستسرِّ فی عدم تعبّدهم بها ، وعدم ذکر المحامدة الثلاثة (1) مؤلِّفی الکتب الأربعة التی هی عمدة مراجع الشیعة الإمامیّة فی تلکم التآلیف شیئاً من الرقاع والتوقیعات الصادرة من الناحیة المقدّسة ، وهذا یوقظ شعور الباحث إلی أنَّ مشایخ الإمامیّة الثلاثة کانوا عارفین بما یؤول إلیه أمر الأمّة من البهرجة وإنکار وجود الحجّة ، فکأنَّهم کانوا منهیِّین عن ذکر تلک الآثار الصادرة من الناحیة الشریفة فی تآلیفهم مع أنَّهم هم رواتها وحملتها إلی الأمّة ، وذلک لئلاّ یخرج مذهب العترة عن الجعفریة الصادقة إلی المهدویة ، حتی لا یبقی لرجال العصبیّة العمیاء مجال للقول بأنَّ مذهب الإمامیّة مأخوذ من الإمام الغائب الذی لا وجود له فی مزعمتهم ، وأنَّهم یتعبّدون بالرقاع المزوَّرة فی حسبانهم ، وهذا سرٌّ من أسرار الإمامة یؤکِّد الثقة بالکتب الأربعة والاعتماد علیها.

هذا ثقة الإسلام الکلینی ، مع أنَّ بیئته بغداد تجمع بینه وبین سفراء الحجّة المنتظر الأربعة ، ویجمعهم عصرٌ واحدٌ ، وقد توفِّی فی الغَیبة الصغری سنة (329) ، ف)

ص: 388


1- أبو جعفر محمد بن یعقوب الکلینی ، أبو جعفر محمد بن علیّ بن بابویه القمی ، أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسی. (المؤلف)

وألّف کتابه خلال عشرین سنة ، تراه لم یذکر قطُّ شیئاً من توقیعات الإمام المنتظر فی کتابه الکافی الحافل المشتمل علی ستّة عشر ألف حدیث ومائة وتسعة وتسعین حدیثاً ، مع أنَّ غیر واحد من تلک التوقیعات یروی من طرقه ، وهو یذکر فی کتابه کثیراً من توقیعات بقیّة الأئمّة من أهل بیت العصمة - سلام الله علیهم.

وهذا أبو جعفر بن بابویه الصدوق ، مع روایته عدّةً من تلک الرقاع الکریمة فی تألیفه إکمال الدین وعقده لها باباً فیه (1) (ص 266) ، لم یذکر شیئاً منها فی کتابه الحافل من لا یحضره الفقیه.

نعم ، فی موضع واحد منه - علی ما وقفت - یذکر حدیثاً فی مقام الاعتضاد من دون ذکر وتسمیة للإمام علیه السلام ، وذلک فی (2) (2 / 41) طبع لکهنو ، قال : الخبر الذی رُوی فیمن أفطر یوماً من شهر رمضان متعمِّداً أنَّ علیه ثلاث کفارات ، فإنّی أُفتی به فیمن أفطر بجماع محرَّم علیه أو بطعام محرَّم علیه ، لوجود ذلک فی روایات أبی الحسین الأسدی رضی الله عنه فیما ورد علیه من الشیخ أبی جعفر محمد بن عثمان العمری - قدّس الله روحه.

وبعدهما شیخ الطائفة أبو جعفر الطوسی ، فإنّه مع روایته توقیعات الأحکام الصادرة من الناحیة المقدّسة إلی محمد بن عبد الله بن جعفر الحمیری فی کتاب الغَیبة (3) (ص 184 - 214 و 243 - 258) ، لم یورد شیئاً منها فی کتابیه التهذیب والإستبصار اللذین یُعدّان من الکتب الأربعة عُمُد مصادر الأحکام.

ألا تراهم أجمعوا علی روایة توقیع إسحاق بن یعقوب عن الناحیة المقدّسة ، ورواه أبو جعفر الصدوق عن أبی جعفر الکلینی فی الإکمال (4) (ص 266) ، والشیخ أبو 3.

ص: 389


1- کمال الدین : ص 482.
2- من لا یحضره الفقیه : 2 / 118 ح 1892.
3- الغَیبة : ص 374 - 384.
4- کمال الدین : ص 483.

جعفر الطوسی بإسناده عن الکلینی أیضاً فی کتاب الغَیبة (1) (ص 188) ، وفیه أحکام مسائل ثلاث عنونوها فی کتبهم الأربعة ، واستدلّوا علیها بغیر هذا التوقیع ، ولیس فیها منه عینٌ ولا أثرٌ ألا وهی :

1 - حرمة الفقّاع

عنونها الکلینی فی الکافی (2 / 197) ، والشیخ فی التهذیب (2 / 313) ، وفی الاستبصار (2 / 245) ، وتوجد فی الفقیه (3 / 217 ، 361) ، ولها عنوان فی الوافی جمع الکتب الأربعة فی الجزء الحادی عشر (ص 88) ، وتوجد من أدلّة الباب خمسة توقیعات للإمامین : أبی الحسن الرضا وأبی جعفر الثانی. ولیس فیها عن التوقیع المهدویِّ ذکر (2).

2 - تحلیل الخمس للشیعة

عنونها الکلینی فی الکافی (1 / 425) ، والشیخ فی التهذیب (1 / 256 - 259) والإستبصار فی الجزء الثانی (ص 33 - 36) ، وذکرها الصدوق فی الفقیه فی الجزء الثانی (ص 14) ، وهی معنونةٌ فی الوافی الجزء السادس (ص 45 - 48) ، ومن أدلّة الباب مکاتبة الإمامین : أبی الحسن الرضا وأبی جعفر الجواد علیهما السلام. ولیس فیها ذکر عن توقیع الحجّة (3).

3 - ثمن المغنِّیة

المسألة معنونة فی الکافی (1 / 361) ، وفی التهذیب (2 / 107) ، وفی الاستبصار (2 / 36) ، 5.

ص: 390


1- الغَیبة : ص 290.
2- الکافی : 6 / 422 ، تهذیب الأحکام : 9 / 124 ، الاستبصار : 4 / 94 ، من لا یحضره الفقیه : 4 / 419 ح 5915 ، الوافی : مج 20 / ج 11 / 659.
3- الکافی : 1 / 546 ، تهذیب الأحکام : 4 / 136 - 143 ، الاستبصار : 2 / 57 - 62 ، من لا یحضره الفقیه : 2 / 43 - 45 ح 1654 - 1663 ، الوافی : مج 10 / ج 6 / 329 - 345.

وتوجد فی الفقیه (3 / 53) ، وهی معنونة فی جمعها الوافی فی الجزء العاشر (ص 32). ولا یوجد فیها إیعازٌ إلی توقیع الإمام المنتظر (1).

فکلمة الآلوسی هذه أرشدتنا إلی جانبٍ مهمٍّ ، وعرّفتنا بذلک السرِّ المکتوم ، وأرتنا ما هناک من حکمة صفح المشایخ عن تلکم الأحادیث الصادرة من الإمام المنتظر وهی بین أیدیهم وأمام أعینهم. فأنت جدُّ علیم بأنَّه لو کان هناک شیء مذکور منها فی تلکم الأصول المدوَّنة ، لکان باب الطعن علی المذهب الحقِّ - الإمامیّة - مفتوحاً بمصراعیه ، ولکان تطول علیهم ألسنة المتقوِّلین ، ویکثر علیهم الهوس والهیاج ممّن یروقه الوقیعة فیهم والتحامل علیهم.

إذن فهلمَّ معی نسائل الرجل عن همزه ولمزة بمخاریقه ، وتقوّلاته وتحکّماته وتحرّشه بالوقیعة ، نسائله متی أخذت الإمامیّة غالب مذهبهم من الرقاع وتعبّدوا بها؟ ومن الذی اعترف منهم بذلک؟ وأنّی هو؟ وفی أیِّ تألیفٍ اعترف؟ أم بأیّ راوٍ ثبت عنده ذلک؟

وأنّی للصدوق رقاعٌ؟ ومتی کتبها؟ وأین رواها؟ ومن ذا الذی نسبها إلیه؟ وقد جهل الرجل بأنَّ صاحب الرقعة هو والده الذی ذکره بقوله : منها رقعة علیِّ بن الحسین.

وما المسوِّغ لتکفیره وهو من حملة علم القرآن والسنّة النبویّة ، ومن الهداة إلی الحقِّ ومعالم الدین؟ دع هذه کلّها ولا أقلَّ من أنَّه مسلم یتشهّد بالشهادتین ، ویؤمن بالله ورسوله والکتاب الذی أُنزل إلیه والیوم الآخر ، أهکذا قرّر أدب الدین ، أدب العلم ، أدب العفّة ، أدب الکتاب ، أدب السنّة؟ أم تأمره به أحلامه؟ أبهذا السباب المقذع ، والتحرّش بالبذاء والقذف یتأتّی الصالح العام وتسعد الأمّة الإسلامیة وتجد 3 / 283 رشدها وهداها؟ 5.

ص: 391


1- الکافی : 5 / 119 ، تهذیب الأحکام : 6 / 356 ، الاستبصار : 3 / 61 ، من لا یحضره الفقیه : 3 / 172 ح 3649 ، الوافی : مج 17 / ج 10 / 205.

ثمَّ من الذی أخبره عن مزعمة الصدوق بنیل حاجته من ثقب الأشجار؟ والصدوق متی سأل؟ وعمّا ذا سأل؟ حتی یکتب ویضع فی ثقب شجرة أو غیرها لیلاً أو نهاراً ویجد جوابه فیها ، ومن الذی روی عنه تلک الأسئلة؟ ومن رأی أجوبتها؟ ومن حکاها؟ ومتی ثبتت عند الرافضة حتی تکون من أقوی دلائلهم وأوثق حججهم؟ نعم : فتبّا ....

ولیتنی أقف وقومی علی تلک الرقاع الکثیرة وقد جمعها العلاّمة المجلسی فی المجلّد الثالث عشر من البحار (1) فی اثنتی عشرة صحیفة من (ص 237 - 249) والتی ترجع منها إلی الأحکام إنَّما تُعدّ بالآحاد ولا تبلغ حدَّ العشرات ، فهل مستند تعبّد الإمامیّة من بدء الفقه إلی غایته هذه الصحائف المعدودة؟ أم یحقُّ أن تکون تلک المعدودة بالآحاد هی مأخذ غالب مذهبهم؟

أنا لا أدری لکن القارئ یدری ، (إِنَّما یَفْتَرِی الْکَذِبَ الَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ بِآیاتِ الله) (2).

ولیته کان یذکر رقعة علیِّ بن الحسین بن بابویه بنصِّها ، حتی تعرف الأمّة أنَّها رقعة واحدة لیست إلاّ ، ولیس فیها ذکر من الأحکام حتی تتعبّد بها الإمامیّة ، وإلیک لفظها بروایة الشیخ فی کتاب الغَیبة (3) :

کتب علیُّ بن الحسین إلی الشیخ أبی القاسم حسین بن روح علی ید علیِّ بن جعفر ، أن یسأل مولانا الصاحب أن یرزقه أولاداً فقهاء. فجاء الجواب : «إنّک لا تُرزق من هذه وستملک جاریةً دیلمیّةً وترزق منها ولدین فقیهین» (4).

أتری هذه الرقعة ممّا یؤخذ منه المذهب؟ أو فیها مسّةٌ بالتعبّد؟ ف)

ص: 392


1- بحار الأنوار : 53 / 150 - 198.
2- النحل : 105.
3- کتاب الغَیبة : ص 308 ح 261.
4- وقد وُلد له أبو جعفر محمد وأبو عبد الله الحسین من أمّ ولد. (المؤلف)

وأمّا رقاع محمد بن عبد الله بن جعفر الحمیری التی توجد فی کتابی الغَیبة (1) والاحتجاج (2) ، فلیست هی إلاّ رقاعاً أربعاً ، ذکر الشیخ فی الغَیبة منها اثنتین فی (ص 244 - 250) تحتوی إحداهما تسع مسائل والأخری خمسة عشر سؤالاً ، وزادهما الطبرسی فی الاحتجاج رقعتین ، ولو کان المفتری منصفاً لکان یشعر بأنَّ عدم إدخال الشیخ هذه المسائل فی کتابیه التهذیب والإستبصار إنّما هو لدحض هذه الشبهة وقطع هذه المزعمة.

وقد خفی علی الرجل أنَّ کتاب الاحتجاج لیس من تآلیف الشیخ الطوسی محمد بن الحسن ، وإنّما هو للشیخ أبی منصور أحمد بن علیِّ بن أبی طالب الطبرسی.

وفی قوله : والتوقیعات ... ، جنایة کبیرة وتمویه وتدجیل ؛ فإنّه بعد ما ادّعی علی الإمامیّة ترجیح التوقیع علی المرویّ بالإسناد الصحیح لدی التعارض ، استدلَّ علیه بقوله : قال ابن مابویه فی الفقه بعد ذکر التوقیعات الواردة من الناحیة المقدَّسة فی باب الرجل یوصی إلی رجل : هذا التوقیع عندی بخطِّ أبی محمد بن الحسن بن علیّ ، ....

فإنَّک لا تجد فی الباب المذکور من الفقیه توقیعاً واحداً ورد من الناحیة المقدَّسة فضلاً عن التوقیعات ، وإنَّما ذکر فی أوّل الباب توقیعاً واحداً عن الإمام أبی محمد الحسن العسکری ، وقد جعله الرجل أبا محمد بن الحسن لیوافق فریته ، ذاهلاً عن أنَّ کنیة الإمام الغائب أبو القاسم لا أبو محمد ، فلا صلة بما هناک لدعوی الرجل أصلاً ، وها نحن نذکر عبارة الفقیه حتی یتبیّن الرشد من الغیِّ.

قال فی الجزء الثالث (3) (ص 275) باب الرجلین یوصی إلیهما فینفرد کلُّ واحد منهما بنصف الترکة : 2.

ص: 393


1- کتاب الغَیبة : ص 374 - 384 ح 345 ، 346.
2- الاحتجاج : 2 / 563 - 590 ح 354 - 357.
3- من لا یحضره الفقیه : 4 / 203 ح 5471 ، 5472.

کتب محمد بن الحسن الصفّار رضی الله عنه إلی أبی محمد الحسن بن علیّ علیهما السلام : رجلٌ أوصی إلی رجلین أیجوز لأحدهما أن ینفرد بنصف الترکة والآخر بالنصف؟ فوقَّع علیه السلام : «لا ینبغی لهما أن یخالفا المیِّت ، ویعملان علی حسب ما أمرهما إن شاء الله». وهذا التوقیع عندی بخطِّه علیه السلام.

وفی کتاب محمد بن یعقوب الکلینی رحمه الله (1) عن أحمد بن محمد ، عن علیِّ بن الحسن المیثمی ، عن أخویه محمد وأحمد ، عن أبیهما ، عن داود بن أبی یزید ، عن برید ابن معاویة ، قال : إنَّ رجلاً مات وأوصی إلی رجلین ، فقال أحدهما لصاحبه : خذ نصف ما ترک وأعطنی النصف ممّا ترک. فأبی علیه الآخر ، فسألوا أبا عبد الله علیه السلام عن ذلک فقال : «ذاک له».

قال مصنِّف هذا الکتاب رحمه الله (2) : لست أفتی بهذا الحدیث ، بل أفتی بما عندی بخطّ الحسن بن علیٍّ علیه السلام. انتهی. إقرأ واحکم.

وأمّا رقاع أبی العبّاس والحسین وأحمد وعلیّ ؛ فإنّها لم توجد قطُّ فی مصادر الشیعة ، ولا یُذکر منها شیء فی أصول الأحکام ، ومراجع الفقه الإمامیّة ، ولعمری لو کان المفتری یجد فیها شیئاً منها لأعرب عنه بصراحة.

وأبو العبّاس هو کنیة عبد الله بن جعفر الحمیری وهو صاحب قرب الإسناد لا جعفر بن عبد الله کما حسبه المغفّل ، وإنَّما جعفر ومحمد الذی ذکره قبلُ - ولم یعرفه - والحسین وأحمد إخوان أربعة أولاد أبی العبّاس المذکور ، ولم یُرَ فی کتب الشیعة برمّتها لغیر محمد بن عبد الله المذکور أثر من الرقاع المنسوبة إلیهم ، ولم یحفظ التاریخ لهم غیر کلمة المؤلِّفین فی تراجمهم : إنَّ لهم مکاتبة.

هذه حال الرقاع عند الشیعة وبطلان نسبة ابتناء أحکامهم علیها.

وهناک أغلاطٌ للرجل فی کلمته هذه تکشف عن جهله المطبق وإلیک ما یلی : ه.

ص: 394


1- الکافی : 7 / 47.
2- أی الشیخ الصدوق قدس سره.

موسی بن مابویه - فی غیر موضع - والصحیح : موسی بن بابویه.

أبا القاسم بن أبی الحسین

والصحیح :

أبا القاسم الحسین

مالک الحریری. الفقه

والصحیح :

مالک الحمیری. الفقیه

أبی العبّاس جعفر بن عبد الله

والصحیح :

أبی العبّاس عبد الله

سلیمان بن الحسین

والصحیح :

سلیمان بن الحسن

أبو الحسن الرازی

والصحیح :

أبو الحسن الزراری

أبا القاسم بن أبی الحسین

والصحیح :

أبا القاسم الحسین

مالک الحریری. الفقه

والصحیح :

مالک الحمیری. الفقیه

عجباً للرجل حین جاء ینسب وینقد ویردّ ویفنِّد ، وهو لا یعرف شیئاً من عقائد القوم وتعالیم مذهبهم ومصادر أحکامهم وبرهنة عقائدهم ، ولا یعرف الرجال وأسماءهم ، ویجهل الکتب ونسبها ، ولا یفرِّق بین والدٍ ولا ولد ، ولا بین مولود وبین من لم یولد بعدُ ، ولو کان یروقه صیانة ماء وجهه لکفَّ القلم فهو أستر لعورته.

7 - ذکر فی (ص 64 ، 65) عدّةً من عقائد الشیعة ، جملةٌ منها مکذوبةٌ علیهم : کشتمهم جمهور أصحاب رسول الله ، وحکمهم بارتدادهم إلاّ العدد الیسیر ، وقولهم : بأنَّ الأئمّة یوحی إلیهم (1) ، وأنَّ موت الأئمّة باختیارهم ، وأنَّهم اعتقدوا بتحریف القرآن ونقصانه ، وأنّهم یقولون : بأنَّ الحجّة المنتظر إذا ذُکر فی مجلس حضر فیقومون له (2) ، وإنکارهم کثیراً من ضروریّات الدین.

قال الأمینی : نعم ؛ الشیعة لا یحکمون بعدالة الصحابة أجمع ، ولا یقولون إلاّ بما جاء فیهم فی الکتاب والسنّة ، وسنوقفک علی تفصیله فی النقد علی کتاب الصراع بین الإسلام والوثنیّة. وأمّا بقیّة المذکورات فکلّها تحاملٌ ومکابرةٌ بالإفک ، ثمَّ جاء بکلمة ف)

ص: 395


1- یأتی البحث عن هذا وما یلیه فی الجزء الخامس إن شاء الله تعالی. (المؤلف)
2- قیام الشیعة عند ذکر الإمام لیس لحضوره کما زعمه الآلوسی ، وإنّما هو لما جاء عن الإمامین الصادق والرضا علیهما السّلام من قیامهما عند ذکره وهو لم یولد بعد ، ولیس هو إلاّ تعظیماً له کالقیام عند ذکر رسول الله المندوب عند أهل السنّة کما فی السیرة الحلبیة : 1 / 90 [1 / 84]. (المؤلف)

عوراء وقارصة شوهاء ، ألا وهی قوله فی (ص 65 ، 66):

وما تکلّم - یعنی السیِّد محسن الأمین - به فی المتعة یکفی لإثبات ضلالهم ، وعندهم متعة أخری یسمّونها المتعة الدوریّة ویروون فی فضلها ما یروون ، وهی أن یتمتّع جماعة بامرأةٍ واحدةٍ ، فتکون لهم من الصبح إلی الضحی فی متعة هذا ، ومن الضحی إلی الظهر فی متعة هذا ، ومن الظهر إلی العصر فی متعة هذا ، ومن العصر إلی المغرب فی متعة هذا ، ومن المغرب إلی العشاء فی متعة هذا ، ومن العشاء إلی نصف اللیل فی متعة هذا ، ومن نصف اللیل إلی الصبح فی متعة هذا. فلا بدع ممّن جوّز مثل هذا النکاح أن یتکلّم بما تکلّم به ویسمّیه الحصون المنیعة ... (1).

نسبة المتعة الدوریّة وقل الفاحشة المبیّنة إلی الشیعة إفکٌ عظیمٌ تقشعرُّ منه الجلود ، وتکفهرُّ منه الوجوه ، وتشمئزُّ منه الأفئدة ؛ وکان الأحری بالرجل حین أفِک أن یتّخذ له مصدراً من کتب الشیعة ولو سواداً علی بیاض من أی ساقطٍ منهم ، بل نتنازل معه إلی کتاب من کتب قومه یسند ذلک إلی الشیعة ، أو سماعٍ عن أحدٍ لهج به ، أو وقوف منه علی عمل ارتکبه أُناسٌ ولو من أوباش الشیعة وأفنائهم ، لکنَّ المقام قد أعوزه عن کلِّ ذلک لأنّه أوّل صارخ بهذا الإفک الشائن ، ومنه أخذ القصیمی فی الصراع بین الإسلام والوثنیّة وغیره.

ولیت الشیعة تدری متی کانت هذه التسمیة؟ وفی أیِّ عصر وقعت؟ ومن أوّل من سمّاها؟ ولِمَ خَلت عنها کتب الشیعة برمّتها؟ أنا أقول - وعند جُهینة الخبر الیقین - : هو هذا العصر الذهبیّ ، عصر النور ، عصر الآلوسی ، وهو أوّل من سمّاها بعد أن اخترعها ، والشیعة لم تعلمها بعدُ.

ولیت الرجل ذکر شیئاً من تلک الروایات التی زعم أنَّ الشیعة ترویها فی فضل المتعة الدوریّة ، ولیته دلّنا علی من رواها ، وعلی کتابٍ أو صحیفةٍ هی مودعةٌ فیها ، ف)

ص: 396


1- یوافیک بسط القول فی المتعة فی الجزء السادس إن شاء الله تعالی. (المؤلف)

نعم ... الحقّ معه فی عدم ذکر ذلک کلّه ؛ لأنَّ الکذب لا مصدر له إلاّ القلوب الخائنة ، والصدور المملوکة للوسواس الخنّاس.

وأمّا العَلَم الحجّة سیِّدنا المحسن الأمین صاحب الحصون المنیعة الذی یزعم الرجل أنّه یجوِّز مثل هذا النکاح ، ففی أیٍّ من تآلیفه جوّز ذلک؟ ولِمَن شافهه به؟ ومتی قاله؟ وأنّی نوّه به؟ وها هو حیٌّ یرزق - مدَّ الله فی عمره - وهل هو إلاّ رجلٌ هَمٌ (1) عَلمٌ من أعلام الشریعة ، وإمامٌ من أئمّة الإصلاح ، لا یتنازل إلی الدنایا ، ولا یقول بالسفاسف ، ولا تُدنَّس ساحة قدسه بهذه القذائف والفواحش.

هذه نبذة یسیرة من الأفائک المودعة فی رسالة السنّة والشیعة وهی مع أنّها رسالةٌ صغیرةٌ لا تعدو صفحاتها (132) ولکن فیها من البوائق ما لعلَّ عدّتها أضعاف عدد الصفحات ، وحسبک من نماذجها ما ذکرناه.

(إِنَّ الَّذِینَ جاؤُ بِالْإِفْکِ عُصْبَةٌ مِنْکُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَکُمْ بَلْ هُوَ خَیْرٌ لَکُمْ لِکُلِّ امْرِئٍ)

(مِنْهُمْ مَا اکْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِی تَوَلَّی کِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِیمٌ) (2).

10 - الصراع بین الإسلام والوثنیّة

تألیف

عبد الله علی القصیمیّ نزیل القاهرة

لعلّ فی نفس هذا الاسم دلالة واضحة علی نفسیّات مؤلّفه وروحیّاته وما أودعه فی الکتاب من الخزایات ؛ فأوّل جنایته علی المسلمین عامّة تسمیته بالوثنیّة أُمَماً من المسلمین یُعدّ کلّ منها بالملایین ، وفیهم الأئمّة والقادة والعلماء والحکماء والمفسّرون والحفّاظ والأدلاّء علی دین الله الخالص ، وفی مقدّمهم أمّة من الصحابة 1.

ص: 397


1- أی ذو همّة یطلب معالی الأمور. (المؤلف)
2- النور : 11.

والتابعین لهم بإحسان.

فهل تری هذه التسمیة تدع بین المسلمین أُلفة؟ وتذر فیهم وئاماً؟ وتبقی بینهم مودّة؟ وهل تجد لو اطّردت أمثالها کلمة جامعة تتفیّأ الأمّة بظلّها الوارف؟ نعم ؛ هی التی تبذر بین الملأ الدینی بذور الفرقة ، وتبثّ فیهم روح النفرة ، تتضارب من جرّائها الآراء ، وتتباین الفِکَر ، وربّما انقلب الجدال جِلادا ، کفی الله المسلمین شرّها.

فإلی الدعة والسلام ، وإلی الإخاء والوحدة أیّها المسلمون جمیعاً من غیر اکتراث لصخب هذا المعکّر للصفو والمقلِق للسلام (إِنَّما یُرِیدُ الشَّیْطانُ أَنْ یُوقِعَ بَیْنَکُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ) (1) (لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّیْطانِ وَمَنْ یَتَّبِعْ خُطُواتِ الشَّیْطانِ فَإِنَّهُ یَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ وَالْمُنْکَرِ) (2).

وأمّا ما فی الکتاب من السباب المقذع والتهتّک والقذائف والطامّات والأکاذیب والنسب المفتعلة ، فلعلّها تربو علی عدد صفحاته البالغة (1600) ، وإلیک نماذج منها :

1 - قال : من الظرائف أنّ شیخاً من الشیعة اسمه بیان کان یزعم أنَّ الله یعنیه بقوله : (هذا بَیانٌ لِلنَّاسِ) (3) ، وکان آخر منهم یلقّب بالکسف ، فزعم هو وزعم له أنصاره أنَّه المعنیّ بقول الله : (وَإِنْ یَرَوْا کِسْفاً مِنَ السَّماءِ ...) (4). 1 / ع [من المقدمة و 538).

الجواب : إن هی إلاّ أساطیر الأوّلین التی اکتتبها قلم ابن قتیبة فی تأویل مختلف الحدیث (5) (ص 87) ، وإن هی إلاّ من الفرق المفتعلة التی لم یکن لها وجودٌ وما وجدت بعدُ ، وإنَّما اختلقتها الأوهام الطائشة ، ونسبتها إلی الشیعة ألسِنة حملة العصبیّة العمیاء 5.

ص: 398


1- المائدة : 91.
2- النور : 21.
3- آل عمران : 138.
4- الطور : 44.
5- تأویل مختلف الحدیث : ص 85.

نظراء ابن قتیبة والجاحظ والخیّاط ، ممّن شُوِّهت صحائف تآلیفهم بالإفک الفاحش ، وعرّفهم التاریخ للمجتمع بالاختلاق والقول المزوّر ، فجاء القصیمی بعد مضیِّ عشرة قرون علی تلک التافهات والنسب المکذوبة یجدِّدها ویردُّ بها علی الإمامیّة الیوم ، ویتّبع الذین (قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا کَثِیراً وَضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِیلِ) (1) (فَذَرْهُمْ وَما یَفْتَرُونَ) (2).

هب أنَّ للرجلین - بیان وکسف - وجوداً خارجیّا ومعتقداً کما یزعمه القائل ، وأنَّهما من الشیعة - وأنّی له بإثبات شیءٍ منها - فهل فی شریعة الحِجاج ، وناموس النصفة ، ومیزان العدل ، نقد أمّة کبیرةٍ بمقالة معتوهین یُشکُّ فی وجودهما أوّلاً ، وفی مذهبهما ثانیاً ، وفی مقالتهما ثالثاً ...؟

2 - قال : ذکر الأمیر الجلیل شکیب أرسلان فی کتاب حاضر العالم الإسلامی (3) ، أنَّه التقی بأحد رجال الشیعة المثقّفین البارزین ، فکان هذا الشیعیُّ یمقت العرب أشدَّ المقت ، ویُزری بهم أیّما إزراء ، ویغلو فی علیِّ بن أبی طالب وولده غلوّا یأباه الإسلام والعقل ، فعجب الأمیر الجلیل لأمره ، وسأله : کیف تجمع بین مقت العرب هذا المقت وحبّ علیٍّ وولده هذا الحبّ؟ وهل علیٌّ وولده إلاّ من ذروة العرب وسنامها الأشمّ؟ فانقلب الشیعیُّ ناصبیّا ، واهتاج وأصبح خصماً لعلیٍّ وبنیه ، وقال ألفاظاً فی الإسلام والعرب مستکرهة (1 / 14).

الجواب : هذا النقل الخرافیُّ یسفُّ بأمیر البیان إلی حضیض الجهل والضعة ، حیث حکم بثقافة إنسان وبروزه والی أناساً وغَلا فی حبِّهم ردحاً من الزمن وهو ف)

ص: 399


1- المائدة : 77.
2- الأنعام : 112.
3- کتاب یفتقر جدّا إلی نظارة التنقیب ، ینمّ عن قصور باع مؤلّفه ، وعدم عرفانه بمعتقدات الشیعة ، وجهله بأخبارهم وعاداتهم ، غیر ما لفّقه قومه من أباطیل ومخاریق ، فأخذه حقیقة راهنة وسوّد به صحائف کتابه بل صحائف تاریخه. (المؤلف)

لا یعرف عنصرهم ، أَوَکان یَحسب أنّهم من الترک أو الدیلم؟ وهل تجد فی المسلمین جاهلاً لا یعرف أنَّ محمداً وآله - صلوات الله علیه وعلیهم - من ذروة العرب وسنامها الأشمّ؟ وقد منَّ علیه الأمیر حیث لم یخبره بأنَّ مشرِّف العترة الرسول الأعظم هو المحتبی علی تلک الذروة وذلک السنام لئلاّ یرتدَّ المثقّف إلی المجوسیة ، ولا أری سرعة انقلاب المثقّف البارز إلاّ معجزة للأمیر فی القرن العشرین - لا القرن الرابع عشر.

هذا عند من یصدِّق القصیمیَّ - المصارع - فی نقله ، وأمّا المراجع کتاب الأمیر - حاضر العالم الإسلامی - فیجد فی الجزء الأوّل (ص 164) (1) ما نصّه :

کنت أحادث إحدی المرار رجلاً من فضلائهم - یعنی الشیعة - ومن ذوی المناصب العالیة فی الدولة الفارسیة ، فوصلنا فی البحث إلی قضیة العرب والعجم ، وکان محدِّثی علی جانب عظیم من الغلوِّ فی التشیّع إلی حدّ أنّی رأیت له کتاباً مطبوعاً مصدّراً بجملة : هو العلیُّ الغالب ، فقلت فی نفسی : لا شکَّ أنَّ هذا الرجل لشدّة غلوِّه فی آل البیت ، ولعلمه أنّهم من العرب ، لا یمکنه أن یکره العرب الذین آل البیت منهم ، لأنّه یستحیل الجمع بین البغض والحبِّ فی مکان واحدٍ (ما جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَیْنِ فِی جَوْفِهِ) (2) ، ولقد أخطأ ظنّی فی هذا أیضاً ، فإنّی عندما سُقت الحدیث إلی مسألة العربیّة والعجمیّة وجدته انقلب عجمیّا صرفاً ، ونسی ذلک الغلوّ کلّه فی علیّ علیه السلام وآله ، بل قال لی هکذا وکان یحدِّثنی بالترکیّة : إیران بر حکومت إسلامیّة دکلدر یالکزدین إسلامی اتخاذ ایتمش بر حکومتدر. أی إیران لیست بحکومة إسلامیّة وإنّما هی حکومةٌ اتخذت لنفسها دین الإسلام.

إقرأ وأعجب من تحریف الکلم عن مواضعه ، هکذا یفعل القصیمیُّ بکلمات قومه ، فکیف بما خطّته ید من یضادّه فی المبدأ. 4.

ص: 400


1- حاضر العالم الإسلامی : 1 / 162.
2- الأحزاب : 4.

والقارئ جِدُّ علیم بأنّ الأمیر شکیب أرسلان قد غلط أیضاً فی فهم ما صدَّر الشیعیُّ الفاضل به کتابه من جملة - هو العلیُّ الغالب - واتّخاذه دلیلاً علی الغلوِّ فی التشیّع ، فإنّها کلمةٌ مطّردة تُکتب وتُقال کقولهم : هو الواحدُ الأحد - وما یجری مجراه - تُقصد بها أسماء الله الحسنی ، وهی کالبسملة فی التیمّن بافتتاح القول بها.

وأنت لا تجد فی الشیعة من یبغض العروبة ، وهو یعتنق دیناً عربیّا صدع به عربیّ صمیم ، وجاء بکتاب عربیٍّ مبینٍ وفی طیِّه : (ءَ أَعْجَمِیٌّ وَعَرَبِیٌ) (1) وقد خلفه علی أمر الدین والأمّة سادات العرب ، ولا یستنبط أحکام الدین إلاّ بالمأثورات العربیّة عن أولئک الأئمّة الطاهرین - صلوات الله علیهم - المنتهیة علومهم إلی مؤسِّس الدعوة الإسلامیّة صلی الله علیه وآله وسلم ، وهو یدعو الله فی آناء اللیل وأطراف النهار بالأدعیة المأثورة عنهم بلغة الضاد ، ویطبع وینشر آلافاً من الکتب العربیّة فی فنونها ؛ فالشیعیُّ عربیٌّ فی دینه ، عربیٌّ فی هواه ، عربیٌّ فی مذهبه ؛ عربیٌّ فی نزعته ، عربیٌّ فی ولائه ، عربیٌّ فی خلائقه ، عربیٌّ عربیٌّ عربیٌّ ....

نعم ؛ یبغض الشیعیّ زعانفةً بخسوا حقوق الله ، وضعضعوا أرکان النبوّة ، وظلموا أئمّة الدین ، واضطهدوا العترة الطاهرة ؛ وخانوا العروبة - عرباً کانوا أو أعاجم - وهذه العقیدة شرعٌ سواءٌ فیها الشیعیُّ العربیُّ والعجمیُّ.

ولکن شاء الهوی ، ودفعت الضغائن أصحابه إلی تلقین الأمّة بأنَّ التشیّع نزعة فارسیّة ، والشیعیُّ الفارسیُّ یمقت العرب ، شقّا للعصا وتفریقاً للکلم وتمزیقاً لجمع الأمّة ، وأنا أری أنَّ القصیمیّ والأمیر قبله فی کلمات أخری یریدان ذلک کلِّه ، و (ما أُرِیکُمْ إِلاَّ ما أَری وَما أَهْدِیکُمْ إِلاَّ سَبِیلَ الرَّشادِ) (2).

3 - قال : إنَّ الشیعة فی إیران نصبوا أقواس النصر ، ورفعوا أعلام السرور 9.

ص: 401


1- فصّلت : 44.
2- غافر : 29.

والابتهاج فی کلِّ مکان من بلادهم لمّا انتصر الروس علی الدولة العثمانیّة فی حروبها الأخیرة (1 / 18).

الجواب : هذه الکلمة مأخوذةٌ من الآلوسی الآنف ذکره ، وذکر فریته والجواب عنها (ص 267) ، غیر أنَّ القصیمیّ کساها طلاءً مبهرجةً ، وکم ترک الأوّل للآخر!

4 - قال : الشیعة قائلون فی علیٍّ وبنیه قول النصاری فی عیسی بن مریم سواءً مثلاً ؛ من القول بالحلول والتقدیس والمعجزات ومن الاستغاثة به وندائه فی الضرّاء والسرّاء والانقطاع إلیه رغبةً ورهبةً وما یدخل فی هذا المعنی ، ومن شاهد مقام علیٍّ أو مقام الحسین أو غیرهما من آل البیت النبوی وغیرهم فی النجف وکربلاء وغیرهما من بلاد الشیعة ، وشاهد ما یأتونه من ذلک هنالک ، علم أنّ ما ذکرناه عنهم دُوَین الحقیقة ، وأنّ العبارة لا یمکن أن تفی بما یقع عند ذلک المشاهد من هذه الطائفة ، ولأجل هذا فإنّ هؤلاء لم یزالوا ولن یزالوا من شرِّ الخصوم للتوحید وأهل التوحید. (1 / 19).

الجواب : أمّا الغلو بالتألیه والقول بالحلول فلیس من معتقد الشیعة ، وهذه کتبهم فی العقائد طافحة بتکفیر القائلین بذلک والحکم بارتدادهم ، والکتب الفقهیّة بأسرها حاکمة بنجاسة أسآرهم.

وأمّا التقدیس والمعجزات فلیسا من الغلوِّ فی شیءٍ ؛ فإنّ القداسة بطهارة المولد ، ونزاهة النفس عن المعاصی والذنوب ، وطهارة العنصر عن الدنایا والمخازی ، لازمةُ منصّة (1) الأئمّة وشرط الخلافة فیهم کما یُشترط ذلک فی النبیِّ صلی الله علیه وآله وسلم.

وأمّا المعجزات فإنّها من مثبتات الدعوی ومتّمات الحجّة ، ویجب ذلک فی کلِّ مدَّعٍ للصلة بینه وبین ما فوق الطبیعة نبیّا کان أو إماماً ، ومعجز الإمام فی الحقیقة معجزٌ للنبیِّ الذی یخلفه علی دینه وکرامةٌ له ، ویجب علی المولی سبحانه فی باب ة.

ص: 402


1- أی النصّ علیهم بالإمامة.

اللطف أن یحقّق دعوی المحقِّ بإجراء الخوارق علی یدیه ، تثبیتاً للقلوب ، وإقامةً للحجّة ؛ حتی یقرِّبهم إلی الطاعة ویبعِّدهم عن المعصیة ، لدة ما فی مدّعی النبوّة من ذلک ، کما یجب أیضاً أن ینقض دعوی المبطل إذا تحدّی بتعجیزه ، کما یؤثر عن مسیلمة وأشباهه.

وإنَّ من المفروغ عنه فی علم الکلام کرامات الأولیاء ، وقد برهنت علیها الفلاسفة بما لا معدل عنه ویضیق عنه المقام ، فإذا صحَّ ذلک لکلِّ ولیٍّ ، فلما ذا یُعدُّ غلوّا فی حجج الله علی خلقه؟ وکتب أهل السنّة وتآلیفهم مفعمة بکرامات الأولیاء ، کما أنَّها معترفة بکرامات مولانا أمیر المؤمنین - صلوات الله علیه.

وأمّا الاستغاثة والنداء والانقطاع وما أشار إلیها فلا تعدو أن تکون توسّلاً بهم إلی المولی سبحانه ، واتِّخاذهم وسائل إلی نُجح طلباتهم عنده جلّت عظمته ، لقربهم منه وزلفتهم إلیه ومکانتهم عنده لأنَّهم عبادٌ مکرمون ، لا لأنَّ لذواتهم القدسیّة دخلاً فی إنجاح المقاصد أوّلاً وبالذات ، لکنّهم مجاری الفیض وحلقات الوصل ووسائط بین المولی وعبیده کما هو الشأن فی کلِّ متقرِّب من عظیم یُتوسَّل به إلیه ، وهذا حکم عامّ للأولیاء والصالحین جمیعاً وإن کانوا متفاوتین فی مراحل القرب ، کلّ هذا مع العقیدة الثابتة بأنَّه لا مؤثّر فی الوجود إلاّ الله سبحانه ، ولا تقع فی المشاهد المقدَّسة کلّها من وفود الزائرین إلاّ ما ذکرناه من التوسّل (1) ، فأین هذه من مضادّة التوحید؟ وأین هؤلاء من الخصومة معه ومع أهله؟ (فَذَرْهُمْ وَما یَفْتَرُونَ) (2) ، (إِنَّما یَفْتَرِی الْکَذِبَ الَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ بِآیاتِ اللهِ وَأُولئِکَ هُمُ الْکاذِبُونَ) (3).

5 - قال : تذهب الشیعة - تبعاً للمعتزلة - إلی إنکار رؤیة الله یوم القیامة ، وإنکار صفاته ، وإنکار أن یکون خالقاً أفعال العباد لشبهات باطلة معلومة ، وقد 5.

ص: 403


1- فصّلنا القول فی ذلک فی الجزء الخامس من کتابنا هذا. (المؤلف)
2- الأنعام : 112.
3- النحل : 105.

أجمع العلماء من أهل الحدیث والسنّة والأثر کالأئمّة الأربعة علی الإیمان بذلک کلِّه ، لیس بینهم خلافٌ فی أنَّ الله خالقُ کلِّ شیءٍ ، حتی العباد وأفعالهم ، ولا فی رؤیة الله یوم القیامة.

ومن عجب أن تنکر الشیعة ذلک خوف التشبیه ، وهم یقولون بالحلول والتشبیه الصریح ، وبتألیه البشر ، ووصف الله بصفات النقص ، وأهل السنّة یعدُّون الشیعة والمعتزلة مبتدعین غیر مهتدین فی جحدهم هذه الصفات (1 / 68).

الجواب : إنَّ الرجل قلّد فی ذات الله وصفاته ابن تیمیّة وتلمیذه ابن القیِّم ، ومذهبهما فی ذلک کما قال الزرقانی المالکی فی شرح المواهب (5 / 12) : إثبات الجهة والجسمیّة ، وقال : قال المناوی : أمّا کونهما من المبتدعة فمسلّم. والقصیمیّ یقدّسهما ورأیهما ویصرِّح بالجهة ویعیِّنها ، وله فیها کلمات کثیرة فی طیِّ کتابه ، ونحن لا نناقشه فی هذا الرأی الفاسد ، ونحیل الوقوف علی فساده إلی الکتب الکلامیّة من الفریقین ، والذی یهمّنا إیقاف القارئ علی کذبه فی القول ، واختلاقه فی النسب.

إنّ الشیعة لم تتّبع المعتزلة فی إنکار رؤیة الله یوم القیامة ، بل تتّبع برهنة تلک الحقیقة الراهنة من العقل والسمع ، وحاشاهم عن القول بالحلول ، والتشبیه ، وتألیه البشر ، وتوصیف الله بصفات النقص ، وإنکار صفات الله الثابتة له. بل إنَّهم یقولون جمعاء بکفر من یعتقد شیئاً من ذلک ، راجع کتبهم الکلامیّة قدیماً وحدیثاً ، ولیس فی وسع الرجل أن یأتی بشیءٍ ممّا یدلُّ علی ما باهتهم ، ولعمری لو وجد شیئاً من ذلک لصدح به وصدع.

نعم ؛ تنکر الشیعة أن تکون لله صفات ثبوتیّة زائدة علی ذاته وإنَّما هی عینها ، فلا یقولون بتعدّد القدماء معه سبحانه ، وإنّ لسان حالهم لیناشد من یخالفهم بقوله :

إخواننا الأدنین منّا ارفقوا

لقد رقیتمْ مرتقیً صعبا

إن ثلّثت قومٌ أقانیمهمْ

فإنَّکم ثمّنتمُ الربّا

ص: 404

وللمسألة بحثٌ ضافٍ مترامی الأطراف تتضمّنه کتب الکلام.

وأمّا أفعال العباد فلو کانت مخلوقةً لله سبحانه خلق تکوین لبطل الوعد والوعید والثواب والعقاب ، وإنَّ من القبیح تعذیب العاصی علی المعصیة وهو الذی أجبره علیها ، وهذه من عویصات مسائل الکلام ، قد أُفیض القول فیها بما لا مزید علیه ، وإنَّ من یقول بخلق الأفعال فقد نسب إلیه سبحانه القبیح والظلم غیر شاعر بهما ، وما استند إلیه القصیمیّ من الإجماع وقول القائلین لا یکاد یجدیه نفعاً تجاه البرهنة الدامغة.

وأمّا قذف أهل السنّة الشیعة والمعتزلة بما قذفوه وعدُّهم من المبتدعین ، فإنَّها شِنْشِنَةٌ أعرفها من أخزم (1).

6 - قال فی عدّ معتقدات الشیعة : وذرّیة النبیِّ جمیعاً محرّمون علی النار ، معصومون من کلِّ سوء. فی الجزء الثانی (ص 327) من کتاب منهاج الشریعة زعم مؤلِّفه أنّ الله حرّم جمیع أولاد فاطمة بنت النبیِّ علی النار ، وأنَّ من فاته منهم أوّلاً فلا بدَّ أن یوفَّق إلیه قبل وفاته. قال : ثمّ الشفاعة من وراء ذلک.

وقال فی أعیان الشیعة الجزء الثالث (ص 65) : إنَّ أولاد النبیِّ - علیه الصلاة والسلام - لا یخطئون ولا یذنبون ولا یعصون الله إلی قیام الساعة (2 / 20).

الجواب : إنَّ الشیعة لم تکسُ حلّة العصمة إلاّ خلفاء رسول الله الاثنی عشر من ذرّیته وعترته وبضعته الصدّیقة الطاهرة ، بعد أن کساهم الله تعالی بتلک الحلّة الضافیة بنصِّ آیة التطهیر فی خمسةٍ أحدهم نفس النبیِّ الأعظم ، وفی البقیّة بملاک الآیة والبراهین العقلیّة المتکثّرة والنصوص المتواترة ، وعلی هذا أصفق علماؤهم والأمّة الشیعیّة جمعاء فی أجیالهم وأدوارهم ، وإن کان هناک ما یوهم إطلاقاً أو عموماً فهو 3.

ص: 405


1- مثل یضرب لمن یکرّر عادة أسلافه ویعمل وفق طبیعتهم ، والشنشنة هی العادة والطبیعة. مجمع الأمثال : 2 / 155 رقم 1933.

منزَّل علی هؤلاء فحسب ، وإن کان فی رجالات أهل البیت غیرهم أولیاء صدّیقون أزکیاء لا یجترحون السیّئات إلاّ أنَّ الشیعة لا توجب لهم العصمة.

وأمّا ما استند إلیه الرجل من کلام صاحب منهاج الشریعة ، فلیس فیه أیّ إشارة إلی العصمة بل صریح القول منه خلافها ، لأنَّه یثبت أنَّ فیهم من تفوته ثمَّ یتدارک بالتوبة قبل وفاته ثمّ الشفاعة من وراء ذلک ، فرجل یقترف السیّئة ، ثمّ یوفّق للتوبة عنها ، ثمّ یُعفی عنها بالشفاعة لا یُسمّی معصوماً ، بل هذه خاصّة کلّ مؤمن یتدارک أمره بالتوبة ، وإنّما الخاصّة بالذرّیة التمکّن من التوبة علی أیّ حال.

قال القسطلانی فی المواهب (1) ، والزرقانی فی شرحه (3 / 203) : رُوی عن ابن مسعود رفعه : «إنّما سُمِّیت فاطمة» بإلهام من الله لرسوله إن کانت ولادتها قبل النبوّة ، وإن کانت بعدها فیحتمل بالوحی «لأنّ الله قد فطمها» من الفطم وهو المنع ومنه فطم الصبیّ «وذرّیتها من النار یوم القیامة» أی منعهم منها ، فأمّا هی وابناها فالمنع مطلق ، وأمّا من عداهم فالممنوع عنهم نار الخلود فلا یمتنع دخول بعضهم للتطهیر ، ففیه بشری لآله صلی الله علیه وسلم بالموت علی الإسلام ، وأنَّه لا یختم لأحد منهم بالکفر ، نظیره ما قاله الشریف السمهودی فی خبر الشفاعة لمن مات بالمدینة مع أنَّه یشفع لکلّ من مات مسلماً ، أو أنَّ الله یشاء المغفرة لمن واقع الذنوب منهم إکراماً لفاطمة وأبیها صلی الله علیه وسلم ، أو یوفّقهم للتوبة النصوح ولو عند الموت ویقبلها منهم. أخرجه الحافظ الدمشقی هو ابن عساکر (2).

وروی الغسّانی (3) والخطیب (4) وقال : فیه مجاهیل مرفوعاً : «إنَّما سُمِّیت فاطمة لأنَّ الله فطمها ومحبّیها عن النار» ففیه بشری عمیمة لکلّ مسلم أحبّها ، وفیه التأویلات المذکورة. 2.

ص: 406


1- المواهب اللدنیّة : 2 / 64.
2- تاریخ مدینة دمشق : 5 / 46 ، وفی ترجمة الإمام الحسین علیه السلام - الطبعة المحقّقة - : رقم 174.
3- معجم الشیوخ : ص 359 رقم 344.
4- تاریخ بغداد : 12 / 331 رقم 6772.

وأمّا ما رواه أبو نعیم والخطیب (1) : أنَّ علیّا الرضا بن موسی الکاظم بن جعفر الصادق سُئل عن حدیث : «إنَّ فاطمة أحصنت فرجها فحرّمها الله وذرّیتها علی النار». فقال : «خاصٌّ بالحسن والحسین» وما نقله الأخباریّون عنه من توبیخه لأخیه زید حین خرج علی المأمون ، وقوله : «ما أنت قائل لرسول الله؟ أغرّک قوله : إنَّ فاطمة أحصنت ...؟ إنّ هذا لِمن خرج من بطنها لا لی ولا لک ، والله ما نالوا ذلک إلاّ بطاعة الله ، فإن أردت أن تنال بمعصیته ما نالوه بطاعته ، إنَّک إذاً لأکرم علی الله منهم». فهذا من باب التواضع والحثّ علی الطاعات وعدم الاغترار بالمناقب وإن کثرت ، کما کان الصحابة المقطوع لهم بالجنّة علی غایةٍ من الخوف والمراقبة ، وإلاّ فلفظ ذرّیة لا یختصُّ بمن خرج من بطنها فی لسان العرب (وَمِنْ ذُرِّیَّتِهِ داوُدَ وَسُلَیْمانَ) (2). الآیة. وبینه وبینهم قرون کثیرة ، فلا یرید بذلک مثل علیِّ الرضا مع فصاحته ومعرفته لغة العرب ، علی أنَّ التقیید بالطائع یبطل خصوصیّة ذرّیتها ومحبّیها ، إلاّ أن یُقال : لله تعذیب الطائع فالخصوصیّة أن لا یُعذِّبه إکراماً لها. والله أعلم (3).

وأخرج الحافظ الدمشقی بإسناده عن علیٍّ رضی الله عنه قال : «قال رسول الله صلی الله علیه وسلم لفاطمة : یا فاطمة تدرین لِمَ سُمِّیتِ فاطمة؟ قال علیٌّ رضی الله عنه : لِمَ سُمِّیت؟ قال : إنَّ الله عزَّ وجلَّ قد فطمها وذرّیتها عن النار یوم القیامة».

وقد رواه الإمام علیّ بن موسی الرضا فی مسنده (4) ولفظه : «إنَّ الله فطم ابنتی فاطمة وولدها ومن أحبّهم من النار» (5). ف)

ص: 407


1- تاریخ بغداد : 3 / 54 رقم 997.
2- الأنعام : 84.
3- بقیّة العبارة مرّت ص 176. (المؤلف)
4- مسند الإمام الرضا : 1 / 143 ح 185.
5- عمدة التحقیق تألیف العبیدی المالکی المطبوع فی هامش روض الریاحین للیافعی : ص 15 [ص 26]. (المؤلف)

أیری القصیمیّ بعدُ أنَّ الشیعة قد انفردوا بما لم یقله أعلام قومه؟ أو رووا بحدیث لم یروه حفّاظ مذهبه؟ أو أتوا بما یخالف مبادئ الدین الحنیف؟ وهل یسعه أن یتّهم ابن حجر والزرقانی ونظراءهما من أعلام قومه ، وحفّاظ نِحلته المشارکین للشیعة فی تفضیل الذرّیة؟ ویرمیهم بالقول بعصمتهم؟ ویتحامل علیهم بمثل ما تحامل علی الشیعة؟

ولیس من البدع تفضّل المولی - سبحانه - علی قوم بتمکینه إیّاهم من النزوع عن الآثام ، والندم علی ما فرّطوا فی جنبه ، والشفاعة من وراء ذلک ، ولا ینافی شیئاً من نوامیس العدل ولا الأصول المسلّمة فی الدین ، فقد سبقت رحمته غضبه ووسعت کلّ شیء.

ولیس هذا القول المدعوم بالنصوص الکثیرة بأبدع من القول بعدالة الصحابة أجمع ، والله سبحانه یعرِّف فی کتابه المقدّس أناساً منهم بالنفاق وانقلابهم علی أعقابهم بآیات کثیرة رامیة غرضاً واحداً ، ولا تنس ما ورد فی الصحاح والمسانید ومنها ما فی صحیح البخاری من أنَّ أناساً من أصحابه صلی الله علیه وسلم یؤخذ بهم ذات الشمال ، فیقول : «أصحابی أصحابی ، فیقال : إنَّهم لم یزالوا مرتدّین علی أعقابهم منذ فارقتهم».

وفی صحیح آخر : «لیُرفَعَنَّ رجالٌ منکم ثمَّ لَیختلجُنَّ دونی ، فأقول : یا ربّ أصحابی ، فیقال : إنَّک لا تدری ما أحدثوا بعدک!».

وفی صحیح ثالث : «أقول : أُصَیْحابی ، فیقول : لا تدری ما أحدثوا بعدک!»

وفی صحیح رابع : «أقول : إنَّهم منّی ، فیقال : إنَّک لا تدری ما أحدثوا بعدک! فأقول سحقاً سحقاً لمن غیَّر بعدی».

وفی صحیح خامس : «فأقول : یا ربّ أصحابی ، فیقول : إنّک لا علم لک بما أحدثوا بعدک ، إنَّهم ارتدّوا علی أدبارهم القهقری!».

وفی صحیح سادس : «بینا أنا قائم إذا زمرة حتی إذا عرفتهم ، خرج رجل من

ص: 408

بینی وبینهم ، فقال : هلمَّ. فقلت : أین؟ قال : إلی النار والله.

قلت : وما شأنهم؟ قال : إنَّهم ارتدّوا علی أدبارهم القهقری. ثمَّ إذا زمرة حتی إذا عرفتهم خرج رجلٌ من بینی وبینهم فقال : هلمَّ. قلت : أین؟ قال : إلی النار والله. قلت : ما شأنهم؟ قال : إنَّهم ارتدّوا بعدک علی أدبارهم القهقری ، فلا أراه یخلص منهم إلاّ مثل هَمَل النعم» (1).

قال القسطلانی فی شرح صحیح البخاری (2) (9 / 325) فی هذا الحدیث : هَمَل بفتح الهاء والمیم : ضوالُّ الإبل ، واحدها : هامل. أو : الإبل بلا راعٍ. ولا یقال ذلک فی الغنم ، یعنی : أنّ الناجی منهم قلیلٌ فی قلّة النعم الضالّة ، وهذا یشعر بأنّهم صنفان : کفّار وعصاة. انتهی.

وأنت من وراء ذلک کلّه جِدُّ علیم بما شجر بین الصحابة من الخلاف الموجب للتباغض والتشاتم والتلاکم ، والمقاتلة القاضیة بخروج إحدی الفریقین عن حیّز العدالة ، ودع عنک ما جاء فی التاریخ عن أفراد منهم من ارتکاب المآثم والإتیان بالبوائق.

فإذا کان هذا التعدیل عنده وعند قومه لا یستتبع لوماً ولا یعقب هملجة ، فأیّ حزازةٍ فی القول بذلک التفضّل الذی هو من سنّة الله فی عباده؟ (فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَبْدِیلاً) (3).

وأمّا ما أردفه فی الاستناد إلی کلام سیّدنا الأمین فی أعیان الشیعة (4) (3 / 65) فإنّی ألفت نظر القارئ إلی نصّ عبارته حتی یعرف مقدار الرجل من الصدق والأمانة 0.

ص: 409


1- راجع صحیح البخاری : 5 / 113 و 9 / 242 - 247 [3 / 1222 ح 3171 و 5 / 2404 - 2407 ح 6205 ، 6211 - 6215]. (المؤلف)
2- إرشاد الساری : 13 / 686 ح 6587.
3- فاطر : 43.
4- أعیان الشیعة : 1 / 370.

فی النقل ، ویری محلّه من الإرجاف وقذف رجل عظیم من عظماء الأمّة بفاحشة مبیَّنة ، واتِّهامه بالقول بعصمة الذرّیة وهو ینصُّ علی خلافه ، قال بعد ذکر حدیث الثقلین (1) بلفظ مسلم (2) وأحمد (3) وغیرهما من الحفّاظ ما نصّه :

دلّت هذه الأحادیث علی عصمة أهل البیت من الذنوب والخطإ ، لمساواتهم فیها بالقرآن الثابت عصمته فی أنَّهم أحد الثقلین المخلَّفَین فی الناس ، وفی الأمر بالتمسّک بهم کالتمسّک بالقرآن ، ولو کان الخطأ یقع منهم لما صحَّ الأمر بالتمسّک بهم الذی هو عبارة عن جعل أقوالهم وأفعالهم حجّةً ، وفی أنَّ المتمسِّک بهم لا یضلُّ کما لا یضلُّ المتمسِّک بالقرآن ، ولو وقع منهم الذنب أو الخطأ لکان المتمسِّک بهم یضلُّ ، وأنَّ فی اتِّباعهم الهدی والنور کما فی القرآن ، ولو لم یکونوا معصومین لکان فی اتِّباعهم الضلال ، وأنَّهم حبل ممدود من السماء إلی الأرض کالقرآن ، وهو کنایةٌ عن أنَّهم واسطة بین الله تعالی وبین خلقه ، وأنَّ أقوالهم عن الله تعالی ، ولو لم یکونوا معصومین لم یکونوا کذلک ، وفی أنَّهم لن یفارقوا القرآن ولن یفارقهم مدّة عمر الدنیا ، ولو أخطأوا أو أذنبوا لفارقوا القرآن وفارقهم ، وفی عدم جواز مفارقتهم بتقدّمٍ علیهم بجعل نفسه إماماً لهم أو تقصیر عنهم وائتمام بغیرهم ، کما لا یجوز التقدّم علی القرآن بالإفتاء بغیر ما فیه أو التقصیر عنه باتِّباع أقوال مخالفیه ، وفی عدم جواز تعلیمهم وردِّ أقوالهم ، ولو کانوا یجهلون شیئاً لوجب تعلیمهم ولم یُنهَ عن ردِّ قولهم.

ودلّت هذه الأحادیث أیضاً علی أنَّ منهم من هذه صفته فی کلِّ عصر وزمانٍ ، بدلیل قوله صلی الله علیه وآله وسلم : «إنَّهما لن یفترقا حتی یردا علیَّ الحوض» ، وأنَّ اللطیف الخبیر أخبره بذلک ، وورود الحوض کنایة عن انقضاء عمر الدنیا ، فلو خلا زمانٌ من أحدهما لم یصدق أنَّهما لن یفترقا حتی یردا علیه الحوض. 8.

ص: 410


1- إنّی تارک فیکم الثقلین أو الخلیفتین : کتاب الله وعترتی أهل بیتی». (المؤلف)
2- صحیح مسلم : 5 / 26 - 27 ح 36 - 37 کتاب فضائل الصحابة.
3- مسند أحمد : 3 / 388 ، 393 ح 10720 ، 10747 و 5 / 492 ح 18780 و 6 / 232 ح 21068.

إذا عُلم ذلک ظهر أنَّه لا یمکن أن یراد بأهل البیت جمیع بنی هاشم ، بل هو من العامّ المخصوص بمن ثبت اختصاصهم بالفضل والعلم والزهد والعفّة والنزاهة من أئمّة أهل البیت الطاهر ، وهم الأئمّة الاثنا عشر وأمّهم الزهراء البتول ، للإجماع علی عدم عصمة من عداهم ، والوجدان أیضاً علی خلاف ذلک ؛ لأنَّ من عداهم من بنی هاشم تصدر منهم الذنوب ، ویجهلون کثیراً من الأحکام ، ولا یمتازون عن غیرهم من الخلق ، فلا یمکن أن یکونوا هم المجعولین شرکاء القرآن فی الأمور المذکورة ، بل یتعیّن أن یکونوا بعضهم لا کلّهم لیس إلاّ من ذکرنا ، أمّا تفسیر زید بن أرقم لهم بمطلق بنی هاشم (1) - إن صحّ ذلک عنه - فلا تجب متابعته علیه بعد قیام الدلیل علی بطلانه.

إقرأ واحکم ، حیّا الله الأمانة والصدق ، هکذا یکون عصر النور!!

7 - قال : من آفات الشیعة قولهم : إنَّ علیّا یذود الخلق یوم العطش ، فیسقی منه أولیاءه ویذود عنه أعداءه ، وإنَّه قسیم النار وإنّها تطیعه یخرج منها من یشاء (2 / 21)

الجواب : لقد أسلفنا فی الجزء الثانی (ص 321) أسانید الحدیث الأوّل عن الأئمّة والحفّاظ ، وأوقفناک علی تصحیحهم لغیر واحد من طرقه ، وبقیّتها مؤکِّدة لها ، فلیس هو من مزاعم الشیعة فحسب ، وإنّما اشترک معهم فیه حَمَلة العلم والحدیث من أصحاب الرجل ، لکنَّ القصیمیّ ، لجهله بهم وبما یروونه أو لحقده علی من رُوی الحدیث فی حقِّه ، یحسبه من آفات الشیعة.

وأمّا الحدیث الثانی فکالأوّل لیس من آفات الشیعة بل من غرر الفضائل عند أهل الإسلام ، فأخرجه الحافظ أبو إسحاق بن دیزیل المتوفّی (280 ، 281) عن الأعمش ، عن موسی بن طریف ، عن عبایة ، قال : سمعت علیّا وهو یقول : «أنا قسیم النار یوم القیامة ، أقول : خذی ذا ، وذری ذا». ف)

ص: 411


1- فیما أخرجه مسلم فی صحیحه [5 / 26 ح 36 کتاب فضائل الصحابة]. (المؤلف)

وذکره ابن أبی الحدید فی شرحه (1) (1 / 200) ، والحافظ ابن عساکر فی تاریخه (2) من طریق الحافظ أبی بکر الخطیب البغدادی.

وهذا الحدیث سُئل عنه الإمام أحمد ، کما أخبر به محمد بن منصور الطوسی ، قال : کنّا عند أحمد بن حنبل فقال له رجلٌ : یا أبا عبد الله ما تقول فی هذا الحدیث الذی یُروی : أنَّ علیّا قال : «أنا قسیم النار»؟

فقال أحمد : وما تنکرون من هذا الحدیث؟ ألیس رُوینا أنَّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم قال لعلیّ : «لا یحبّک إلاّ مؤمن ولا یبغضک إلاّ منافق»؟ قلنا : بلی. قال : فأین المؤمن؟ قلنا فی الجنّة. قال : فأین المنافق؟ قلنا : فی النار. قال : فعلیٌّ قسیم النار. کذا فی طبقات أصحاب أحمد وحکی عنه الحافظ الکنجی فی الکفایة (3) (ص 22) ، فلیت القصیمیّ یدری کلام إمامه.

هذه اللفظة أخذها - سلام الله علیه - من قول رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم له ، فیما رواه عنترة [عن الرضا علیه السلام] عنه صلی الله علیه وآله وسلم أنّه قال : «أنت قسیم الجنّة والنار فی یوم القیامة ، تقول للنار : هذا لی وهذا لک». وبهذا اللفظ رواه ابن حجر فی الصواعق (4)(ص 75).

ویعرب عن شهرة هذا الحدیث النبویِّ بین الصحابة احتجاج أمیر المؤمنین علیه السلام به یوم الشوری ، بقوله : «أنشدکم بالله هل فیکم أحدٌ قال له رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : یا علیُّ أنت قسیم الجنّة یوم القیامة غیری؟» قالوا : اللهمَّ لا.

والأعلام تری هذه الجملة من حدیث الاحتجاج صحیحاً. وأخرجه الدارقطنی کما فی الصواعق (ص 75) ، ویری ابن أبی الحدید استفاضة کلا الحدیثین 6.

ص: 412


1- شرح نهج البلاغة : 2 / 260 خطبة 35.
2- تاریخ مدینة دمشق : 12 / 271 ، وفی ترجمة الإمام علیّ بن أبی طالب علیه السلام - الطبعة المحقّقة - : رقم 761.
3- کفایة الطالب : ص 72 باب 3.
4- الصواعق المحرقة : ص 126.

النبویّ والمناشدة العلویّة ، فقال فی شرحه (1) (2 / 448):

فقد جاء فی حقّه الخبر الشائع المستفیض : أنّه قسیم النار والجنّة ، وذکر أبو عبید الهروی فی الجمع بین الغریبین : أنّ قوماً من أئمّة العربیّة فسّروه فقالوا : لأنّه لَمّا کان محبّه من أهل الجنّة ومبغضه من أهل النار ، کان بهذا الاعتبار قسیم النار والجنّة. قال أبو عبید : وقال غیر هؤلاء : بل هو قسیمها بنفسه فی الحقیقة ، یدخل قوماً إلی الجنّة وقوماً إلی النار ، وهذا الذی ذکره أبو عبید أخیراً هو ما یطابق الأخبار الواردة فیه : یقول للنار : هذا لی فدعیه ، وهذا لکِ فخذیه.

وذکره القاضی فی الشفا (2) : أنَّه قسیم النار. وقال الخفاجی فی شرحه (3 / 163) : ظاهر کلامه أنَّ هذا ممّا أخبر به النبیّ صلی الله علیه وسلم إلاّ أنّهم قالوا : لم یروه أحد من المحدِّثین إلاّ ابن الأثیر ، قال فی النهایة (3) : إلاّ أنَّ علیّا رضی الله عنه قال : «أنا قسیم النار» ، یعنی أراد أنّ الناس فریقان : فریق معی فهم علی هدی ، وفریق علیَّ فهم علی ضلال ، فنصف معی فی الجنّة ، ونصف علیَّ فی النار. انتهی. قلت : ابن الأثیر ثقة ، وما ذکره علیٌّ لا یُقال من قبل الرأی فهو فی حکم المرفوع ، إذ لا مجال فیه للاجتهاد ، ومعناه : أنا ومن معی قسیم لأهل النار ، أی مقابل لهم ، لأنّه من أهل الجنّة ، وقیل : القسیم : القاسم کالجلیس والسمیر ، وقیل : أراد بهم الخوارج ومن قاتله ، کما فی النهایة.

8 - قال : جاءت روایات کثیرة فی کتبهم - یعنی الشیعة - أنَّه - یعنی الإمام المنتظر - یهدم جمیع المساجد ، والشیعة أبداً هم أعداء المساجد ؛ ولهذا یقلّ أن یشاهد الضارب فی طول بلادهم وعرضها مسجداً (2 / 23).

الجواب : لم یقنع الرجل کلّ ما فی علبة مکره من زور واختلاق ، ولم یقنعه 1.

ص: 413


1- شرح نهج البلاغة : 9 / 165 خطبة 154.
2- الشفا بتعریف حقوق المصطفی : 1 / 657.
3- النهایة : 4 / 61.

إسناد ما یفتعله إلی روایةٍ واحدةٍ یسعه أن یُجابه المنکِر علیه بأنّه لم یقف علیه حتی عزاه إلی روایات کثیرة جاءت فی کتب الشیعة ، ولیته - إن کان صادقاً ، وأنّی وأین؟ - ذکر شیئاً من أسماء هاتیک الکتب ، أو أشار إلی واحدةٍ من تلک الروایات ، لکنَّه لم تسبق له لفتة إلی أن یفتعل أسماء ویضع أسانید قبل أن یکتب الکتاب فیذکرها فیه.

إنّ الحجّة المنتظر سیِّد من آمن بالله والیوم الآخر ، الذین یعمرون مساجد الله ، وأین هو عن هدمها؟ وإنَّ شیعیّا یعزو إلیه ذلک لم یُخلق بعدُ.

وأمّا ما ذکره عن بلاد الشیعة ، فلا أدری هل طرق هو بلاد الشیعة ، فکتب ما کتب ، وکذب ما کذب ، أو أنَّه کان رجماً منه بالغیب؟ أو استند - کصاحب المنار - إلی سائح سنِّی مجهولٍ ، أو مبشِّرٍ نصرانی لم یُخلقا بعدُ؟ وأیّا ما کان فهو مأخوذ بإفکه الشائن ، وقد عرف من جاس خلال دیار الشیعة ، وحلَّ فی أوساطهم وحواضرهم وحتی البلاد الصغیرة والقری والرساتیق ، ما هنالک من مساجد مشیَّدة صغیرة أو کبیرة ، وما فی کثیر منها من الفرش والأثاث والمصابیح ، وما تُقام فیها من جمعة وجماعة ، ولیس من شأن الباحث أن ینکر المحسوس ، ویکذب فی المشهود ، وینصر المبدأ بالتافهات.

9 - قال : قد استفتی أحد الشیعة إماماً من أئمّتهم - لا أدری أهو الصادق أم غیره؟ - فی مسألة من المسائل فأفتاه فیها ، ثمَّ جاءه من قابلٍ واستفتاه فی المسألة نفسها فأفتاه بخلاف ما افتاه عام أوّل ، ولم یکن بینهما أحد حینما استفتاه فی المرّتین ، فشکَّ ذلک المستفتی فی إمامه وخرج من مذهب الشیعة ، وقال : إن کان الإمام إنّما أفتانی تقیّة ، فلیس معنا من یُتّقی فی المرّتین ، وقد کنتُ مخلصاً لهم عاملاً بما یقولون ، وإن کان مأتیُّ هذا هو الغلط والنسیان ، فالأئمّة لیسوا معصومین إذن ، والشیعة تدّعی لهم العصمة ، ففارقهم وانحاز إلی غیر مذهبهم ، وهذه الروایة مذکورة فی کتب القوم (2 / 38).

الجواب : أنا لا أقول لهذا الرجل إلاّ ما یقوله هو لمن نسب إلی إمام من أئمّته

ص: 414

لا یشخّص هو أنّه أیٌّ منهم مسألةً فاضحةً مجهولةً لا یعرفها ، عن سائل هو أحد النکرات ، لا یُعرَّف بسبعین (ألف لام) ، وأسند ما یقول إلی کتب لم تؤلَّف بعدُ ، ثمَّ طفق یشنُّ الغارة علی ذلک الإمام وشیعته علی هذا الأساس الرصین ، فنحن لسنا نردُّ علی القصیمیِّ إلاّ بما یردُّ هو علی هذا الرجل. ولعمری لو کان المؤلِّف - القصیمیّ - یعرف الإمام أو السائل أو المسألة أو شیئاً من تلک الکتب لذکرها بهوس وهیاج ، لکنّه لا یعرف ذلک کلّه ، کما أنّا نعرف کذبه فی ذلک کلِّه ، ولا یخفی علی القارئ همزه ولمزة.

10 - قال : من نظر فی کتب القوم علم أنَّهم لا یرفعون بکتاب الله رأساً ، وذلک أنّه یقلُّ جدّا أن یستشهدوا بآیة من القرآن فتأتی صحیحةً غیر ملحونةٍ مغلوطةٍ ، ولا یصیب منهم فی إیراد الآیات إلاّ المخالطون لأهل السنّة ، العائشون بین أظهرهم ، علی أنَّ إصابة هؤلاء لا بدَّ أن تکون مصابة ، أمّا البعیدون منهم عن أهل السنّة فلا یکاد أحدٌ منهم یورد آیةً فتسلم عن التحریف والغلط ، وقد قال من طافوا فی بلادهم : إنّه لا یوجد فیهم من یحفظون القرآن ، وقالوا : إنّه یندر جدّا أن توجد بینهم المصاحف.

الجواب :

بلاءٌ لیس یُشبهُهُ بلاءُ

عداوةُ غیرِ ذی حسبٍ ودینِ

یبیحک منه عِرضاً لم یَصُنْهُ

ویرتعُ منک فی عِرضٍ مصونِ

لیتنی کنت أعلم أنّ هذه الکلمة متی کُتبت؟ أفی حال السکر أو الصحو؟ وأنَّها متی رُقمت؟ أعند اعتوار الخبل أم الإفاقة؟ وهل کتبها متقوِّلها بعد أن تصفّح کتب الشیعة فوجدها خلاءً من ذکر آیة صحیحة غیر ملحونة؟ أم أراد أن یصمهم فافتعل لذلک خبراً؟ وهل یجد المائن فی الطلیعة من أئمّة الأدب العربیّ إلاّ رجالاً من الشیعة ألّفوا فی التفسیر کتباً ثمینة ، وفی لغة الضاد أسفاراً کریمةً هی مصادر اللغة ، وفی الأدب زبُراً قیّمة هی المرجع للملإ العلمیّ والأدبیّ ، وفی النحو مدوَّنات لها وزنها العلمیّ ،

ص: 415

وإنَّک لو راجعت کتب الإمامیّة لوجدتها مفعمة بالاستشهاد بالآیات الکریمة ، کأنّها أفلاک لتلک الأنجم الطوالع ، غیر مغشّاة بلحن أو غلط.

وما کنّا نعرف حتی الیوم أنّ مقیاس التلاوة صحیحةً أو ملحونةً هو النزعات والمذاهب التی هی عقودٌ قلبیّة لا مدخل لها فی اللسان وما یلهج به ، ولا أنّ لها مساساً باللغة ، وسرد الکلمات ، وصیاغة الکلام ، وحکایة ما صیغ منها من قرآن أو غیره.

ولیت شعری ما حاجة الشیعة فی إصابة القرآن وتلاوته [تلاوة] (1) صحیحة إلی غیرهم؟ ألإعواز فی العربیة؟ أو لجهل بأسالیب القرآن؟ لاها الله لیس فیهم من یتّسم بتلک الشیة ، أمّا العربیُّ منهم فالتشیّع لم ینتأ بهم عن لغتهم المقدّسة ، ولا عن جبلّیّات عنصرهم ، أوَهل تری أنَّ بلاد العراق وعاملة وما یشابههما ، وهی مفعمةٌ بالعلماء الفطاحل والعباقرة والنوابغ ، أقلّ حظّا فی العربیّة من أعراب بادیة نجدٍ والحجاز أکّالة الضبِّ ، ومساورة الضباع؟! وأمّا غیر العربیّ منهم فما أکثر ما فیهم من أئمّة العربیة والفطاحل والکتّاب والشعراء ، ومن تصفّح السِّیَر علم أنّ الأدب شیعیّ ، والخطابة شیعیة ، والکتابة شیعیة ، والتجوید والتلاوة شیعیّان. ومن هنا یقول ابن خلّکان فی تاریخه فی ترجمة علیّ بن الجهم (2) (1 / 38) : کان مع انحرافه عن علیّ بن أبی طالب - علیه الصلاة والسلام - وإظهاره التسنّن مطبوعاً مقتدراً علی الشعر عذب الألفاظ. فکأنَّه یری أنَّ مطبوعیّة الشعر وقرضه بألفاظ عذبة خاصّة للشیعة وأنّه المطّرد نوعاً.

وهذه المصاحف المطبوعة فی إیران والعراق والهند منتشرة فی أرجاء العالم ، والمخطوطة منها التی کادت تُعَدُّ علی عدد من کان یحسن الکتابة منهم قبل بروز الطبع ، 2.

ص: 416


1- الزیادة یقتضیها السیاق.
2- وفیات الأعیان : 3 / 355 رقم 462.

وفیهم من یکتبه الیوم تبرّکاً به ، ففی أیٍّ منها یجد ما یحسبه الزاعم من الغلط الفاشی؟ أو خلّة فی الکتابة؟ أو رکّة فی الأسلوب؟ أو خروج عن الفنّ؟ غیر طفائف یزیغ عنه بصر الکاتب الذی هو لازم کلِّ إنسان شیعیّ أو سنّی ، عربیّ أو عجمیّ.

وأحسب أنَّ الذی أخبر القصیمیّ بما أخبر من الطائفین فی بلاد الشیعة لم یولد بعدُ ، لکنَّه صوّره مثالاً وحسب أنَّه یحدِّثه ، أو أنّه لمّا جاس خلال دیارهم لم یزد علی أن استطرق الأزقّة والجوادّ (1) فلم یجد مصاحف ملقاةً فیما بینهم وفی أفنیة الدور ، ولو دخل البیوت لوجدها موضوعة فی عیاب وعلب ، وظاهرة مرئیّة فی کلِّ رفٍّ وکوّة علی عدد نفوس البیت فی الغالب ، ومنها ما یزید علی ذلک ، وهی تُتلی آناء اللیل وأطراف النهار.

هذه غیر ما تتحرّز به الشیعة من مصاحف صغیرة الحجم فی تمائم الصبیان وأحراز الرجال والنساء ، غیر ما یحمله المسافر للتلاوة والتحفّظ عن نکبات السفر ، غیر ما یوضع منها علی قبور الموتی للتلاوة بکرةً وأصیلا وإهداء ثوابها للمیِّت ، غیر ما تحمله الأطفال إلی المکاتب لدراسته منذ نعومة الأظفار ، غیر ما یُحمل مع العروس قبل کلِّ شیء إلی دار زوجها ، ومنهم من یجعل ذلک المصحف جزءً من صداقها تیمّناً به فی حیاتها الجدیدة ، غیر ما یؤخذ إلی المساکن الجدیدة المتّخذة للسکنی قبل الأثاث کلِّه ، غیر ما یوضع منها إلی جنب النساء لتحصینها عن عادیة الجنِّ والشیاطین الذین یوحون إلی أولیائهم - ومنهم القصیمیّ مخترع الأکاذیب - زخرف القول غروراً.

أفهؤلاء الذین لا یرفعون بالقرآن رأساً؟ أفهؤلاء الذین یندر جدّا أن توجد بینهم المصاحف؟ وأمّا ما أخبر به الرجل شیطانه الطائف بلاد الشیعة من عدم وجود من یحفظ القرآن منهم ، فسل حدیث هذه الأکذوبة عن کتب التراجم ومعاجم السِّیَر ، ة.

ص: 417


1- الجوادّ : جمع جادّة.

وراجع کتاب کشف الاشتباه (1) فی ردّ موسی جار الله (ص 444 - 532) تجدهناک من حفّاظ الشیعة وقرّائهم مائة وثلاثة وأربعین.

11 - قال : هل یستطیع أن یجیء - الشیعیُّ - بحرف واحد من القرآن یدلُّ علی قول الشیعة بتناسخ الأرواح ، وحلول الله فی أشخاص أئمّتهم ، وقولهم بالرجعة وعصمة الأئمّة ، وتقدیم علیٍّ علی أبی بکر وعمر وعثمان؟ أو یدلُّ علی وجود علیٍّ فی السحاب ، وأنَّ البرق تبسّمه والرعد صوته کما تقول الشیعة الإمامیّة؟ (1 / 72).

الجواب : إن تعجب فعجبٌ أنَّ الرجل ومن شاکله من المفترین بهتوا الشیعة الإمامیّة بأشیاء هم براء منها علی حین تداخل الفرق ، وتداول المواصلات ، وسهولة استطراق الممالک والمدن بالوسائل النقلیّة البخاریّة فی أیسر مدّةٍ ، ومن المستبعد جدّا إن لم یکن من المتعذِّر جهل کلِّ فرقةٍ بمعتقدات الأخری ، فمحاول الوقیعة الیوم والحالة هذه علی أیِّ فرقة من الفرق قبل الفحص والتنقیب المتیسِّرین بسهولة مستعمل للوقاحة والصلافة ، وهو الأفّاک الأثیم عند من یطالع کتابه ، أو یصیخ إلی قیله.

ولو کان الرجل یتدبّر فی قوله تعالی : (ما یَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَیْهِ رَقِیبٌ عَتِیدٌ) (2) ، أو یصدِّق ما أوعد الله به کلَّ أفّاکٍ أثیمٍ همّاز مشّاء بنمیم ، لکفَّ مَدّته عن البهت ، وعرف صالحه ، ولکان هو المجیب عن سؤال شیطانه بأنَّ الشیعة الإمامیّة متی قالت بالتناسخ وحلول الله فی أشخاص أئمّتهم؟ ومن الذین ذهب منهم قدیماً وحدیثاً إلی وجود علیٍّ فی السحاب. إلخ. حتی یوجد حرف واحد منها فی القرآن؟

نعم ؛ علیّ فی السحاب کلمةٌ للشیعة تأسِّیاً بالنبیّ الأعظم صلی الله علیه وآله وسلم بالمعنی الذی مرّ فی الجزء الأوّل (ص 292) غیر أنّ قوّالة الإحنة حرّفتها عن موضعها ، وأوّلتها بما یشوِّه الشیعة الإمامیّة. 8.

ص: 418


1- [ص 172] تألیف العلم الحجّة شیخنا المحقّق الشیخ عبد الحسین الرشتی النجفی. (المؤلف)
2- سورة ق : 18.

ألیس عاراً علی الرجل وقومه أن یکذب علی أمّةٍ کبیرةٍ إسلامیّةٍ ولا یبالی بما یباهتهم ، وینسبهم إلی الآراء المنکرة أو التافهة ، ولا یتحاشی عن سوء صنیعه؟ ألیست کتب الشیعة الإمامیّة المؤلّفة فی قرونها الماضیة ویومها الحاضر وهی لسانهم المعرب عن عقائدهم مشحونة بالبراءة من هذه النسب المختلقة بألسنة مناوئیهم؟

فإن کان لا یدری فتلک مصیبةٌ

وإن کان یدری فالمصیبة أعظمُ

نعم ؛ له أن یستند فی أفائکه إلی شاکلته طه حسین ، وأحمد أمین ، وموسی جار الله ، رجال الفریة والبذاءة.

وقول الإمامیّة بالرجعة نطق به القرآن ، غیر أنَّ الجهل أعشی بصر الرجل کبصیرته ، فلم یره ولم یجده فیه ، فعلیه بمراجعة کتب الإمامیّة ، وقد أفردها بالتألیف جماهیر من العلماء ، فحبّذا لو کان الرجل یراجع شیئاً منها.

کما أنّ آیة التطهیر ناطقة بعصمة جمع ممّن تقول الإمامیّة بعصمتهم ، وفی البقیّة بوحدة الملاک والنصوص الثابتة ، وفیما أخرجه إمام مذهبه أحمد بن حنبل فی الآیة الشریفة فی مسنده (1) (1 / 331 و 3 / 285 و 4 / 107 و 6 / 296 ، 298 ، 304 ، 323) مقنعٌ وکفایةٌ.

وکیف لم یقدِّم القرآن علیّا علی غیره؟ وقد قرن الله ولایته بولایته وولایة نبیِّه بقوله العزیز : (إِنَّما وَلِیُّکُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِینَ آمَنُوا الَّذِینَ یُقِیمُونَ الصَّلاةَ وَیُؤْتُونَ الزَّکاةَ وَهُمْ راکِعُونَ). وقد مرَّ فی هذا الجزء (ص 156 - 162) : إطباق الفقهاء والمحدِّثین والمتکلّمین علی نزولها فی علیٍّ أمیر المؤمنین علیه السلام.

والباحث إن أعطی النصفة حقّها یجد فی کتاب الله آیاً تُعَدُّ بالعشرات نزلت فی 6.

ص: 419


1- مسند أحمد : 1 / 544 ح 3052 و 4 / 202 ح 13626 و 5 / 79 ح 16540 و 7 / 421 ح 26000 ، ص 423 ح 26010 ، ص 431 ح 26057 ، ص 455 ح 26206.

علیٍّ أمیر المؤمنین علیه السلام ، وهی تدلّ علی تقدیمه علی غیره ، ولا بدع وهو نفس النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم بنصّ القرآن ، وبولایته أکمل الله دینه ، وأتمَّ علینا نعمه ، ورضی لنا الإسلام دیناً.

ونحن نعید السؤال هاهنا علی القصیمیِّ فنقول : هل یستطیع أن یجیء هو وقومه بحرف واحدٍ من القرآن یدلُّ علی تقدیم أبی بکر وعمر وعثمان علی ولیّ الله الطاهر أمیر المؤمنین علیه السلام؟

12 - قال : والقوم - یعنی الإمامیّة - لا یعتمدون فی دینهم علی الأخبار النبویّة الصحیحة ، وإنّما یعتمدون علی الرقاع المزوَّرة المنسوبة کذباً إلی الأئمّة المعصومین فی زعمهم وحدهم (1 / 83).

الجواب : عرفت الحال فی التوقیعات الصادرة عن الناحیة المقدّسة ، والرجل قد أتی من شیطانه بوحی جدید ، فیری توقیعات بقیّة الأئمّة أیضاً مکذوبة علی الأئمّة ، ویری عصمتهم مزعومةً للشیعة فحسب ، إذ لم یجدها فی طامور أوهامه.

(فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِی شَیْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَی اللهِ وَالرَّسُولِ) (1).

13 - المتعة التی تتعاطاها الرافضه أنواع : صغری وکبری. فمن أنواعها : أن یتّفق الرجل والمرأة المرغوب فیها علی أن یدفع إلیها شیئاً من المال أو من الطعام والمتاع - وإن حقیراً جدّا - علی أن یقضی وطره منها ، ویشبع شهوته یوماً أو أقل أو أکثر حسب ما یتّفقان علیه ، ثمَّ یذهب کلٌّ منهما فی سبیله کأنَّما لم یجتمعا ولم یتعارفا ، وهذا من أسهل أنواع هذه المتعة.

وهناک نوع آخر أخبث من هذا یسمّی عندهم بالمتعة الدوریّة وهی أن یحوز جماعة امرأة واحدة فیتمتّع بها واحد من الصبح إلی الضحی ، ثمّ یتمتّع بها آخر من 9.

ص: 420


1- النساء : 59.

الضحی إلی الظهر ، ثمّ یتمتّع بها آخر من الظهر إلی العصر ، ثمّ آخر إلی المغرب ، ثمّ آخر إلی العشاء ، ثمّ آخر إلی نصف اللیل ، ثمّ آخر إلی الصبح ، وهم یعدّون هذا النوع دیناً لله یُثابون علیه ، وهو من شرِّ أنواع المحرّمات (1 / 119).

الجواب : إنّ المتعة عند الشیعة هی التی جاء بها نبیُّ الإسلام ، وجعل لها حدوداً مقرّرة ، وثبتت فی عصر النبیّ الأعظم وبعده إلی تحریم الخلیفة عمر بن الخطاب ، وبعده عند من لم یرَ للرأی المحدَث فی الشرع تجاه القرآن الکریم وما جاء به نبیُّ الإسلام قیمةً ولا کرامةً ، وقد أصفقت فِرَق الإسلام علی أصول المتعة وحدودها المفصَّلة فی کتبها ، ولم یختلف قطُّ اثنان فیها ، ألا وهی :

1 - الأجرة.

2 - الأجل.

3 - العقد المشتمل للإیجاب والقبول.

4 - الافتراق بانقضاء المدّة أو البذل.

5 - العدّة : أمةً وحرّة ، حائلاً وحاملاً.

6 - عدم المیراث.

وهذه الحدود هی التی نصَّ علیها أهل السنّة والشیعة.

راجع من تآلیف الفریق الأوّل : صحیح مسلم ، سنن الدارمی ، سنن البیهقی ، تفسیر الطبری ، أحکام القرآن للجصّاص ، تفسیر البغوی ، تفسیر ابن کثیر ، تفسیر الفخر الرازی ، تفسیر الخازن ، تفسیر السیوطی ، کنز العمّال (1).

ومن تآلیف الفریق الثانی (2) : من لا یحضره الفقیه (3 / 149) ، المقنع للصدوق25

ص: 421


1- یأتی تفصیل کلماتهم فی هذا الجزء بعید هذا. (المؤلف)
2- من لا یحضره الفقیه : 3 / 458 - 467 ح 4583 - 4616 ، المقنع : ص 152 ، الهدایة : ص 325 باب 142 ، الکافی : 5 / 448 ، الانتصار : ص 109 ، المراسم : ص 155 ، النهایة : ص 489 ، المبسوط : 4 / 246 ، تهذیب الأحکام : 7 / 249 ، الاستبصار : 3 / 141 ، الغنیة : 18 / 282 ، الوسیلة : ص 309 ، النهایة ونکتها : 2 / 372 ، تحریر الأحکام : 2 / 26 ، شرح اللمعة الدمشقیة : 5 / 245 ، مسالک الأفهام : 1 / 400 ، الحدائق الناضرة : 24 / 113 ، جواهر الکلام : 30 / 139.

کسابقه ، الهدایة له أیضاً ، الکافی (2 / 44) ، الانتصار للشریف علم الهدی المرتضی ، المراسم لأبی یعلی سلاّر الدیلمی ، النهایة للشیخ الطوسی ، المبسوط للشیخ أیضاً ، التهذیب له أیضاً (2 / 189) ، الاستبصار له (2 / 29) ، الغنیة للسیّد أبی المکارم ، الوسیلة لعماد الدین أبی جعفر ، نکت النهایة للمحقِّق الحلّی ، تحریر العلاّمة الحلّی (2 / 27) ، شرح اللمعة (2 / 82) ، المسالک ج 1 ، الحدائق (6 / 152) ، الجواهر (5 / 165).

والمتعة المعاطاة بین الأمّة الشیعیّة لیست إلاّ ما ذکرناه ، ولیس إلاّ نوعاً واحداً ، والشیعة لم ترَ فی المتعة رأیاً غیر هذا ، ولم تسمع أذن الدنیا أنواعاً للمتعة تقول بها فرقة من فرق الشیعة ، ولم تکن لأیِّ شیعیٍّ سابقة تعارف بانقسامها علی الصغری والکبری ، ولیس لأیِّ فقیه من فقهاء الشیعة ولا لعوامّهم من أوّل یومها إلی هذا العصر ، عصر الکذب والاختلاق ، عصر الفریة والقذف - عصر القصیمیّ - إلمامٌ بهذا الفقه الجدید المحدَث ، فقه القرن العشرین لا القرون الهجریّة.

وأمّا القصیمیُّ - ومن یشاکله فی جهله المطبق - فلا أدری ممّن سمع ما تخیّله من الأنواع؟ وفی أیّ کتابٍ من کتب الشیعة وجده؟ وإلی فتوی أیِّ عالم من علمائها یستند؟ وعن أیِّ إمام من أئمّتها یروی؟ وفی أیِّ بلدة من بلادها أو قریة من قراها أو بادیة من بوادیها وجد هذه المعاطاة المکذوبة علیها؟ ایم الله کلُّ ذلک لم یکن. لکنَّ الشیاطین یوحون إلی أولیائهم زخرف القول غروراً.

14 - قال : إنَّ أغبی الأغبیاء وأجمد الجامدین من یأتون بشاة مسکینة وینتفون شعرها ویعذِّبونها أفانین العذاب ، موحیاً إلیهم ضلالهم وجرمهم أنَّها السیّدة عائشة زوج النبیّ الکریم وأحبُّ أزواجه إلیه.

ص: 422

ومن یأتون بکبشین وینتفون أشعارهما ویعذِّبونهما ألوان العذاب ، مشیرین بهما إلی الخلیفتین أبی بکر وعمر ، وهذا ما تأتیه الشیعة الغالیة.

وإنَّ أغبی الأغبیاء وأجمد الجامدین هم الذین غیّبوا إمامهم فی السرداب ، وغیّبوا معه قرآنهم ومصحفهم ، ومن یذهبون کلَّ لیلة بخیولهم وحمیرهم إلی ذلک السرداب الذی غیّبوا فیه إمامهم ینتظرونه وینادونه لیخرج إلیهم ، ولا یزال عندهم ذلک منذ أکثر من ألف عام.

وإنَّ أغبی الأغبیاء وأجمد الجامدین هم الذین یزعمون أنَّ القرآن محرّف مزید فیه ومنقوص منه (1 / 374).

الجواب : یکاد القلم أن یرتج علیه القول فی دحض هذه المفتریات ، لأنّها دعاوی شهودیّة بأشیاء لم تظلّ علیها الخضراء ولا أقلّتها الغبراء ؛ فإنّ الشیعة منذ تکوّنت فی العهد النبویّ یوم کان صاحب الرسالة یلهج بذکر شیعة علیّ علیه السلام ، والصحابة تسمّی جمعاً منهم بشیعة علیّ إلی یومها هذا ، لم تسمع بحدیث الشاة والکبشین ، ولا أبصرت عیناها ما یُفعل بهاتیک البهائم البریئة من الظلم والقساوة ، ولا مدّت إلیها تلک الأیادی العادیة ، غیر أنَّهم شاهدوا القصیمیّ متّبعاً لابن تیمیّة یدنِّس برودهم النزیهة من ذلک الدَرَن.

ولیت الرجل یعرِّفنا بأحدٍ شاهد شیعیّا یفعل ذلک ، أو بحاضرة من حواضر الشیعة اطّردت فیها هذه العادة ، أو بصقع وقعت فیه مرّة واحدة ولو فی العالم کلّه.

ولیتنی أدری وقومی هل أفتی شیعیّ بجواز هذا العمل الشنیع؟ أو استحسن ذلک الفعل التافه؟ أو نوّه به ولو قصِّیص فی مقاله؟ نعم یوجد هذا الإفک الشائن فی کتاب القصیمیّ وشیخه ابن تیمیّة المشحون بأمثاله.

وفریة السرداب أشنع وإن سبقه إلیها غیره من مؤلِّفی أهل السنّة ، لکنّه زاد فی

ص: 423

الطنبور نغمات بضمِّ الحمیر إلی الخیول ، وادِّعائه اطِّراد العادة فی کلِّ لیلة واتِّصالها منذ أکثر من ألف عام ، والشیعة لا تری أنَّ غیبة الإمام فی السرداب ، ولا هم غیّبوه فیه ولا أنَّه یظهر منه ، وإنَّما اعتقادهم المدعوم بأحادیثهم أنَّه یظهر بمکّة المعظّمة تجاه البیت ، ولم یقل أحدٌ فی السرداب إنَّه مغیب ذلک النور ، وإنّما هو سرداب دار الأئمّة بسامرّاء ، وإنَّ من المطّرد إیجاد السرادیب فی الدور وقایةً من قائظ الحرّ ، وإنَّما اکتسب هذا السرداب بخصوصه الشرف الباذخ لانتسابه إلی أئمّة الدین ، وأنَّه کان مبوّأً لثلاثة منهم کبقیّة مساکن هذه الدار المبارکة ، وهذا هو الشأن فی بیوت الأئمّة علیهم السلام ومشرِّفهم النبیُّ الأعظم فی أیّ حاضرة کانت ، فقد أذن الله أن تُرفع ویذکر فیها اسمه.

ولیت هؤلاء المتقوّلین فی أمر السرداب اتّفقوا علی رأی واحد فی الأکذوبة ، حتی لا تلوح علیها لوائح الافتعال فتفضحهم ، فلا یقول ابن بطّوطة (1) فی رحلته (2) (2 / 198) : إنَّ هذا السرداب المنوّه به فی الحلّة ، ولا یقول القرمانی فی أخبار الدول (3) : إنّه فی بغداد. ولا یقول الآخرون : إنّه بسامرّاء ، ویأتی القصیمیّ من بعدهم فلا یدری أین هو ، فیطلق لفظ السرداب لیستر سوأته.

وإنّی کنت أتمنّی للقصیمیّ أن یحدِّد هذه العادة بأقصر من - أکثر من ألف عام - حتی لا یشمل العصر الحاضر والأعوام المتّصلة به ، لأنَّ انتفاءها فیه وفیها بمشهدٍ ومرأیً ومسمع من جمیع المسلمین ، وکان خیراً له لو عزاها إلی بعض القرون الوسطی حتی یجوِّز السامع وجودها فی الجملة ، لکنَّ المائن غیر متحفِّظ علی هذه الجهات.

وأمّا تحریف القرآن فقد مرّ حقُّ القول فیه (ص 85) وغیرها.

هذه نبذٌ من طامّات القصیمیّ وله مئاتٌ من أمثالها ، ومن راجع کتابه عرف 3.

ص: 424


1- وهکذا ابن خلدون فی مقدمة تاریخه : 1 / 359 [1 / 249] ، وابن خلّکان فی تاریخه : ص 581 [4 / 176 رقم 562]. (المؤلف)
2- رحلة ابن بطّوطة : ص 220.
3- أخبار الدول : 1 / 353.

موقفه من الصدق ، ومبوّأه من الأمانة ، ومقیله من العلم ، ومحلّه من الدین ، ومستواه من الأدب.

(الَّذِینَ یُجادِلُونَ فِی آیاتِ اللهِ بِغَیْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ کَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ الَّذِینَ آمَنُوا کَذلِکَ یَطْبَعُ اللهُ عَلی کُلِّ قَلْبِ مُتَکَبِّرٍ جَبَّارٍ) (1)

11 ، 12 ، 13 - فجر الإسلام. ضحی الإسلام. ظهر الإسلام

هذه الکتب ألَّفها الأستاذ أحمد أمین المصریّ لغایة هو أدری بها ، ونحن أیضاً لا یفوتنا عرفانها ، وهذه الأسماء الفخمة لا تغرُّ الباحث النابه مهما وقف علی ما فی طیّها من التافهات والمخازی ، فهی کاسمه - الأمین - لا تطابق المسمّی ، وایم الله إنَّه لو کان أمیناً لکان یتحفّظ علی ناموس العلم والدین والکتاب والسنّة ، وکفَّ القلم عن تسوید تلک الصحائف السوداء ، ولم یکن یشوّه سمعة الإسلام المقدّس قبل سمعة مصره العزیزة بلسانه اللسّابة (2) السلاّقة ، وکان لم یتّبع الهوی فیضلَّ عن السبیل ، ولم یطمس الحقائق ولم یظهرها للناس بغیر صورها الحقیقیة المبهجة ، ولم یحرِّف الکلم عن مواضعها ، ولم یقذف أمّةً کبیرةً بنسب مفتعلة ، ولم یتقوّل علیهم بما یدنِّس ذیل قدسهم.

کما أنّ تآلیفه هذه لو کانت إسلامیة - کما توهمها أسماؤها - لما کانت مشحونةً بالضلال والإفک وقول الزور ، ولما بعدت عن أدب الإسلام ، عن أدب العلم ، عن أدب العفّة ، عن أدب الإخاء الذی جاء به القرآن ، فالإسلام الذی جاء به أمین القرن العشرین - لا القرن الرابع عشر - ، یضادُّ نداء القرآن البلیغ ، نداء الإسلام الذی صدع به أمین وحی الله فی القرن الأوّل الهجریّ ، فإن کان الإسلام هذا کتابه وهذا أمینه غ.

ص: 425


1- غافر : 35.
2- صیغة مبالغة من : لسب یلسب ، بمعنی لدغ.

فعلی الإسلام السلام ، وإن کان الجامع المصریّ الأزهر هذا علمه وهذا عالمه فعلیه العفا.

وقد نوّه غیر واحدٍ من محقّقی الإمامیة (1) ، بما فیها من البهرجة والباطل فی تآلیفهم القیّمة ، وفی - تحت رایة الحقّ - (2) غنیً وکفایة لمرید الحقّ ، وإلی الله المشتکی.

(بَلْ کَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ فَهُمْ فِی أَمْرٍ مَرِیجٍ) (3)

14 - جولة فی ربوع الشرق الأدنی

تألیف

محمد ثابت المصری

مدرّس أوّل العلوم الاجتماعیة بمدرسة القبّة الثانویة

الناموس المطّرد فی السیّاح أنَّ أکثر ما یتحرّی مشاهدته فی البلاد والأصقاع یکون ملائماً لما انطبعت علیه نفسیّته ، ولذلک تراهم مختلفین فی النزعات ، فصاحب رحلة یکاد أن لا یذکر فیها سوی ما تلقّاه من العلماء والأدباء ، وآخر تجد فیه نزوعاً إلی الساسة ونظریّاتهم ، وثالث یبغی وصف البقاع من ناحیة المعیشة ، والاقتصاد ، والهواء الطلق ، والماء العذب النمیر ، وفواکه ممّا یشتهون ، وعارف یذکر بدائع الصنع وإتقان حکمة الباری سبحانه من مشهوداته ، وهناک ماجن لا یروقه إلاّ الشهوات والمخازی ؛ فیصف المواخیر ، ویلمُّ بحانات الخمور ، ویحدِّث عن المومسات ، وأفّاک أثیمٌ یَمینُ فی أکثر ما یحدِّث ، ویدنِّس بفاحش القول ساحة قدس من لم یحسن قِراه ، 5.

ص: 426


1- کالحجج الفطاحل السیّد شرف الدین ، والسیّد الأمین ، وشیخنا کاشف الغطاء. (المؤلف)
2- تألیف العلاّمة الشیخ عبد الله السبیتی. (المؤلف)
3- سورة ق : 5.

وإنَّ صاحب هذه الرحلة - الجولة - من القسمین الأخیرین ، وکان الحریّ بنا أن نشطب علی اسمه وعلی رحلته بقلم عریض ، لکنّا نُلمس القارئ ما ادّعیناه فیه بطفیفٍ ممّا شوّه به سمعة الرحلة والتاریخ.

1 - قال : یقول العلماء هناک - فی النجف - : إن المدافن فیها عشرة آلاف لا تزید ولا تنقص ؛ لأنَّ سیّدنا علیّا یرسل ما زاد من الجثث بعیداً فلا یعرف أحد مقرّها (ص 105).

کم من جثثٍ کانت تحملها السیّارات وافدة من کلِّ فجٍّ ، وبعد الغسل یطاف بها حول الحرم ، وبعد الصلاة علیها تُدفن ، وتظلُّ کذلک حتی یتراءی لسیّدنا علیّ أن یکشف عن مکنونها ، فتختفی ویُدفن فی مکانها غیرها (ص 106).

الجواب : لقد فتّشنا علب العطّارین ، وأوعیة أهل الحرف ، وجوالق المکارین ، ومدوّنات القصص الروائیة ، فلم تعطنا خُبراً بشیءٍ من هذه المفتریات ، ولا دلّنا أصحابنا إلی شیء من ذلک ، وإنّما قدّمناها وإیّاهم بالتفتیش والسؤال بعد الیأس عن العلماء وکتبهم ، فإنّهم یجلّون - کما أنّ کتبهم تجلُّ - عن الإشادة بالمخازی والأکاذیب ، ولیت السائح ذکر عالماً من أولئک العلماء الذین شافهوه بذلک الخیال ، أو ذکر طرقهم إلی آرائهم ، أو ذکر اللیلة التی أوحاه إلیه شیطانه فیها ، لکنّه لم یفعل کلّ ذلک تحفّظاً علی ناموس شیطانه ؛ فقال ولم یخجل :

من أین تخجلُ أَوجهٌ أمویّةٌ

سَکَبَتْ بلذّاتِ الفجورِ حیاءها

2 - قال : هی - النجف - مقرُّ أوّل خلیفةٍ للنبیِّ صلی الله علیه وسلم ، وفی زعم بعضهم - یعنی الشیعة - هی مقرّ من کان أحقُّ بالرسالة من النبیّ نفسه (ص 104).

الجواب : لیس فی الشیعة قدیماً وحدیثاً من یزعم أنّ أمیر المؤمنین أحقُّ بالرسالة من النبیّ ، وإنِّما هو إفکٌ مفتریً اختلقه أضداد الشیعة تشویهاً لسمعتها ،

ص: 427

ولذلک لا تجد فی أیّ من کتبهم ، ولا یُؤثر عن أیّ منهم إیعاز إلی هذه الشائنة فضلاً عن التصریح.

3 - قال : قُتل علیٌّ بید ابن ملجم ... بایع الناس الحسن بن علیّ ، وکان معاویة قد بویع فی الشام فزحف لقتال الحسن ، وتأهّب الحسن للقتال فی العراق ، ولکن ثار علیه جنوده وانفضّوا من حوله ، فهادن معاویة وتنازل عن الخلافة وفرّ وقُتل! ثمّ بایع الجمیع معاویة إلاّ الخوارج والشیعة - شیعة آل البیت أو آل علیّ - وقد اجتمعوا حول الحسین بن علیّ فی مکّة ، فقتله جنودُ معاویة فی کربلاء هو وأفراد أسرته وأتباعه جمیعاً إلاّ ابنٌ واحدٌ [کذا] للحسین أمکنه الهرب!!! (ص 110).

الجواب : هذا معرفة الرجل بالتاریخ الإسلامی وهو أستاذ العلوم الاجتماعیّة فی مدرسة القبّة الثانویّة بالقاهرة ، ولا أحسب أنّ المقام یستدعی ترسّلاً فی تصحیح أغلاطه التاریخیة ، وإنَّما أثبتناه فی هذا المقام لإیقاف القارئ علی مقدار علمه ، ولکنّنی أتمنّی أنّ سائلاً یسائله عن الموجب للکتابة فیما لا یعلم ، أهو بترجیح من طبیب؟ أم تحبیذ من مهندس؟ أم إشارة من سیاسیّ؟ أم أنّ الرعونة حدته إلی ذلک؟ وهو یحسب أنّه یحسن صنعاً ، ونحن لا نقابله هنا إلاّ بالسلام کما قال سبحانه تعالی : (وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً) (1).

وما أشبه أساطیر رحّالة مصر هذا فی کتابه بأساطیر الرحّالة الفرنسیة المنشورة فی مجلّة الأحرار البیروتیة (27 تشرین الثانی سنة 1930 م) ملخّصها : أنّ علی أساس ذبح علیّ وأولاده فی کربلاء - قرب بغداد - قامت الشیعة فی الإسلام ، ذلک لأنّ أقرباء علیّ وحلفاءه وتلامیذه وعلماء الشیعة وفلاسفتها لم یطیقوا خلافة عمر الذی بسببه أریق دم علیّ وأولاده ، فافترقوا عن السنّة واجتازوا جزیرة العرب إلی العجم ، تسیر فی طلیعتهم أرملة علیّ فاطمة!!! 3.

ص: 428


1- الفرقان : 63.

اقرأ واضحک.

هکذا فلیکن رحّالة مصر وفرنسا ، و (لِلذَّکَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَیَیْنِ) (1).

4 - قال : من فرق الشیعة من یقول : بأنَّ الصحابة کلّهم کفروا بعد موت النبیّ إذ جحدوا إمامة علیّ ، وإنَّ علیّا نفسه کفر لتنازله لأبی بکر ، لکنَّه عاد له إیمانه لمّا تولّی الإمامة ، وهذه فرقة الإمامیّة.

ومن الشیعة قسم أوجب النبوّة بعد النبیّ ، فقالوا : بأنَّ الشَبه بین محمد وعلیّ کان قریباً لدرجة أنَّ جبرئیل أخطأ ، وتلک فئة الغالیة أو الغلاة. ومنهم من قال بأنَّ جبریل تعمّد ذلک فهو إذن ملعون کافر (ص 110).

الجواب : الإمامیّة لا تقول فی الصحابة إلاّ بما قدّمناه فی هذا الجزء (ص 296 ، 297) عن صحیح البخاری وغیره ، وهی لا تزال توالی أمیر المؤمنین علیّا - صلوات الله علیه - وتقول بعصمته ، وتحقّق الإیمان بولائه منذ بدء خلقته إلی أن لفظ نفسه الأخیر ، وإلی أن یرث الله الأرض ومن علیها ، وإلی أمدٍ لا منتهی له ، وتقول بإمامته منذ قبض الله نبیّه الأمین إلیه ، سواء سُلّم إلیه الأمر أو ابتزَّ منه. وتقول أیضاً بشمول آیة التطهیر له منذ نزلت إلی آخر الأبد ، ولا یتزحزح الشیعیُّ عن هذه العقائد آناً ما فی أدوار الخلافة العلویّة سواءٌ تصدّی لها أو مُنع عنها ، وقد اتّفق علی ذلک علماء الشیعة ومؤلّفاتها ، وتطامنت علیه الأفئدة ، وانحنت علیه الأضالع ، وأخبتت إلیه القلوب ، فإن کانت هناک نسبة غیر هذا إلیهم فعزو مختلق من جاهلٍ بعقائدهم ، أو متحرٍّ بالوقیعة فیهم ، ولِدةُ هذا نسبة خطأ جبرئیل إلی بعضهم أو تعمّده إلی بعض آخر وما إلیها من المخازی.

5 - قد استرعی نظری فی النجف کثیر من الأطفال الذین یُلبسون آذانهم 1.

ص: 429


1- النساء : 11.

حلقات خاصّة ، وهی علامة أنَّهم من ذریّة زواج المتعة المنتشر بین الشیعة جمیعاً وبخاصّة فی بلاد فارس ، ففی موسم الحجّ (1) إذا ما حلّ زائر فندقاً لاقاه وسیط یعرض علیه أمر المتعة مقابل أجر معیّن ، فإن قبل أحضر له الرجل جمعاً من الفتیات لینتقی منهنّ ، وعندئذٍ یقصد معها إلی عالم لقراءة صیغة عقد الزواج وتحدید مدّته ، وهی تختلف بین ساعاتٍ وشهورٍ وسنواتٍ ، وللفتاة أن تتزوّج مرّات فی اللیلة الواحدة ، والعادة أن یدفع الزوج نحو خمسة عشر قرشاً للساعة ، وخمسة وسبعین قرشاً للیوم ، ونحو أربع جنیهات للشهر ، ولا عیب علی الجمیع فی ذلک العمل لأنّه مشروع ، ولا یلحق الذرّیة أیّ عار مطلقاً ، وعند انتهاء مدّة الزواج یفترق الزوجان ، ولا تنتظر المرأة أن تعتدّ بل تتزوّج بعد ذلک بیومٍ واحد ، فإن ظهر حملٌ فللوالد أن یدّعی الطفل له ویأخذه من أمِّه إذا بلغ السابعة. إلخ (ص 111 ، 112).

الجواب : لیتنی کنت أشافه الرجل فأسائله عن أنّه هل تفرّد هو بالهبوط إلی النجف الأشرف فی أجیالها المتطاولة؟ أو شارکه فی ذلک غیره من سوّاح وزوّار وسابلة؟

نعم ؛ هذه النجف الأعلی ، مهبط القداسة ، ومرقد سیّد الوصیّین أمیر المؤمنین - صلوات الله علیه - ، تأتیها فی کلِّ سنة آلاف مؤلَّفة من أقطار الدنیا للتزوّد من زورة ذلک المشهد المقدّس ، فیمکثون فیها أیّاماً ولیالی وأسابیع وأشهراً ، وفیهم البحّاثة والمنقِّبون ، فلِمَ لم یحدِّث أحدهم عن أولئک الأطفال الکثیرین فی مخیّلة هذا الزاعم؟ وعن الحلقات الخاصّة فی آذانهم ، وعن هاتیک الفنادق المختلقة (2) ، وعن ذلک الوسیط الموهوم ، وهاتیک الفتیات المعروضة علی الوافد ، وعن تلک العادة المفتراة الشائنة والأسعار المختلقة ، وعن تواصل المتع من دون تخلّل عدّة ، وجلُّ أولئک الوافدین یتحرَّون غرائب ما فی النجف من العادات والأطوار شأن کلِّ باحث یرد حاضرة من ف)

ص: 430


1- یعنی أیّام زیارة أمیر المؤمنین علیه السلام المخصوصة به. (المؤلف)
2- لم یکن یوم ورود الرجل النجف الأشرف أیّ فندق فیها ، وإنّما أسّست الفنادق بعد یومه. (المؤلف)

الحواضر المهمّة ، ولِمَ لم یشهد هذه الأحوال أحد من أهل النجف الذین وُلدوا فیها ، وفیها ینشأون ، وفیها یموتون ، وهی وفنادقها وأطفالها وزوّارها بمرأی منهم ومسمع؟ ولعلَّ الرائد الکذّاب یحسب أنَّ مشهوداته هذه لا تُدرک بعین البصر وإنَّما أدرکها بعین البصیرة ، فهلمَّ واضحک.

6 - قال : فهم - یعنی الإیرانیِّین - یبغضون أهل العراق ویطمحون إلی تملّک بلادهم یوماً ، وهم جمیعاً یمقتون العرب المقت کلّه ویتبرَّؤون منهم ، ویقولون بأنَّ العرب رغم أنّهم أدخلوا الإسلام فی بلادهم واحتلّوها طویلاً ، فإنّ فارس حافظت علی شخصیّتها ولغتها ، وهم ینظرون إلی العرب نظرة احتقارٍ ، ویفاخرون بأنّهم من أصل آریّ لا سامیّ (ص 136).

الجواب : لا أحسب - وایمن الله - إلاّ أنّ هذا الرجل یرید تفریق کلمة المسلمین وتفخیذ أمّةٍ عن أمّةٍ بأباطیله ، والواقف علی ما بین العراقیّین والإیرانیّین من الجوار وحقوقه المتبادلة بین الأمّتین ، واختلاف کلٍّ منهما إلی بلاد الأخری ، ونزول الإیرانیّ ضیفاً عند العراقیّ وعکسه کالنازل فی أهله ، وما یجری هنالک من الحفاوة والتبجیل ، وما جمع بینهما من الوحدة الدینیّة والجامعة المذهبیّة ، إلی غیرهما من أواصر الأُلفة والوداد ، ونظر الإیرانیّ إلی کلّ عراقیّ یرد بلاده من المشاهد المقدَّسة نظر تقدیس وإکبار ، فلا یستقبله إلاّ بالمصافحة والمعانقة والتقبیل ، وما یقدِّسه کلُّ مسلم - وفیهم الإیرانیّون - من لغة الضاد بما أنَّها لغة کتابهم العزیز ، جِدُّ (1) علیمٍ بأنَّ الرجل أکذب ناهضٍ لشقِّ عصا المسلمین ، ولعمری لم تسمع أُذنی ولا أذن أحدٍ غیری تلک المفاخرة التافهة من أیّ إیرانیّ عاقل.

7 - قال : السیّارات الکبیرة تمرُّ تباعاً بین طهران وخراسان ذهاباً ورجعةً فی کثرةٍ هائلةٍ ، کلّها تحمل جماهیر الحجّاج ، ویقولون بأنَّ هذا الخطّ علی وعورته أکثر ی.

ص: 431


1- خبر لقوله السابق : والواقف علی.

البلاد حرکةً فی نقل المسافرین ، لأنَّ مشهد خیر لدیهم من مکّة المکرّمة ، تغنیهم عن بیت الله الحرام فی زعمهم! (ص 152).

وقال (ص 162) : والذی شجّع الفرس علی اتِّخاذ مشهد کعبةً مقدّسةً الشاه عبّاس أکبر الصفویّین ، هناک صرف قومه عن زیارة مکّة المکرّمة لکراهتهم للعرب. ولکی یوفّر علی قومه ما کانوا ینفقون من أموال طائلة فی بلاد یکرهونها ، وکثیرٌ من الحجّاج کانوا من السراة ، فاتَّخذ مشهد کعبةً وجّه إلیها الشعب ، ولکی یزیدها قدسیّة حجَّ إلیها بنفسه ماشیاً علی قدمیه مسافة تفوق (1200) کیلو متر فتحوّل إلیها الناس جمیعاً ، ویندر من یزور الحجاز الیوم ، وهم یحترمون کلمة (مشهدی) عن کلمة (حجّی) لأنّ من زار مشهد لا شکَّ أکثر قدسیّةً واحتراماً ممّن زار مکّة.

الجواب : اللهمَّ ما أجرأ هذا - الکَذْبان - علی المفتریات التی لم تطرق سمع أحد من الشیعة ، ولا وقع علیها نظر أیٍّ منهم ولو فی أسطورة کاذبةٍ حتی وجدها فی کتاب هذا المائن ، ولیس فی الشیعة أحد یعتقد فی خراسان غیر أنّه مرقد خلیفة من خلفاء رسول الله ، ومثوی إمام من أئمّتهم ، ولذلک عاد مهبطاً للفیوض الإلهیّة ، وأمّا القول بإغنائه عن البیت الحرام وإنّ زیارته مسقطة للحجِّ فبهتان عظیم ، والشاه الصفویّ - المغفور له - لم یتِّخذه کعبةً ، ولا قصد زیارته ماشیاً إلاّ للتزلّف إلی المولی سبحانه بزیارة ولیّ من أولیائه والتوسّل إلیه بخلیفةٍ من خلفائه ، ولم یصرف قومه عن الحجِّ لذلک ، ولم یأتِ برأیٍ جدید یُضادّ رأی الشیعة من أوّل یومهم ، والشیعة إنّما تقصد زیارته بداعی الولاء للعترة الطاهرة الذی هو أجر الرسالة ، ورغبة فی المثوبات الجزیلة المأثورة عن أئمّتهم علیهم السلام.

ولم یکن الشاه ولا شعبه الإیرانیّون بالذین یشحّون علی الأموال دون الفرائض التی من أعظمها الحجُّ إلی الکعبة المعظّمة ، ولا یرون لهذه الفریضة أیَّ بدل من زیارة أو عبادة ، وهذه الحقب والأعوام تشهد لآلاف مؤلّفة من الإیرانیّین الذین کانوا یحجّون البیت فی کلِّ عام.

ص: 432

نعم ؛ فی السنین الأخیرة قلَّ عددهم لما هنالک من عدم الطمأنینة علی الأحکام والدماء ، فالشیعیُّ یری أنَّ أغلب الحجّاج غیر متمکِّنین من أداء المناسک کما ینبغی ، وغیر آمنین علی دمائهم بأدنی فریةٍ یفتریها عدوٌّ من أعداء الله ، ویشهد علیها آخرون أمثاله ، فیحکم علی إراقة دمه قاضٍ بالجور.

وإن ننسَ لا ننسی ما جری فی سنة (1362 ه) من إزهاق حاجّ مسلمٍ إیرانیّ یُسمّی أبا طالب بین الصفا والمروة ببهتان عظیم ، وهو یتشهّد الشهادتین ، وقد حجَّ البیت واعتمر وأتی بالفرائض کلّها ، فقُتل مظلوماً ، ولا مانع ولا وازع ولا زاجر ولا مدافع ، ودع عنک ما یلاقی الشیعة بأسرها - عراقیِّین وإیرانیِّین - من هتکٍ وهوان ، والخطاب بمثل قول الحجازیِّ إیّاهم : یا کافر ، یا مشرک ، وأمثالهما من الکلم القارصة ، وتحرّی الحجج التافهة لهذه المخازی کلِّها ولإراقة دمائهم ، فمن هنا خارت العزائم وقلّت الرغبات ، ومنعت الحکومة الإیرانیّة شعبها عن السفر إلی الحجاز کلاءةً لأمّتها مستندةً علی حکم دینیٍ لعدم التمکّن من أداء الفریضة غالباً ، لا لما أفرغه السائح المتحذلق فی بوتقة إفکه ممّا سطره من اتِّخاذ مشهد کعبةً ، ومن الکراهة المحتدمة بین الإیرانیّین والعرب ، ذینک الفریقین المتآخیین علی الدین والمذهب ، إلی جوامع کثیرة یعرفها من جاس خلال دیارهما بقلب طاهر متجرِّداً عن النعرات الطائفیّة ، غیر متحیِّز إلی فئة - لا کسائحنا الثابت علی غیِّه - وقد قدّمنا ما بین العرب والعجم المسلمین من التحابب والموادّة.

8 - قال : فی نیسابور قبّةٌ أنیقة عُنی بإقامتها ونقشها العنایة کلّها ، فدخلتها وإذا هی مدفن محمد المحروق من سلالة الحسین ، وقد أسموه بالمحروق لأنّه نزل ضیفاً علی أحد سراة القریة ، ولمّا أن خیّم اللیل اعتدی علی بنت مضیّفه ، فأحرقه الناس فی مکانه هذا ، ورغم جرمه هذا شیّد قبره وقدّسه الناس لأنَّه من سلالة طاهرةٍ (ص 155).

الجواب : لا ینقطع الرجل یرید الوقیعة علی أهل البیت الطاهر ، فیختلق لهم

ص: 433

قصصاً لا یوجد لها مصدر ولو من أضعف المصادر ، ویلفِّق لهم تاریخاً من عند نفسه لا یعلمه إلاّ شیطانه ، فإنّ ذلک المدفن قد یُنسب إلی محمد بن محمد بن زید بن علیّ الإمام زین العابدین علیه السلام. ترجمه أبو الفرج فی مقاتل الطالبیّین (1) وقال : بایعه أبو السرایا بالکوفة بعد موت محمد بن إبراهیم بن إسماعیل طباطبا واستولی علی العراقین وفرّق فیهما عمّاله من بنی هاشم ، إلی أن جهّز الحسن بن سهل ذو الریاستین له جیشاً مع هرثمة بن أعین ، فأُسر وحُمل إلی خراسان إلی المأمون فحبسه أربعین یوماً فی دار جعل له فیها فرشاً وخادماً فکان فیها علی سبیل الاعتقال ، [ثمّ] دسّ إلیه شربة سمٍّ ، فجعل یختلف کبده وحشوته حتی مات.

لکنَّ الرجل لم یستسهل أن یمرَّ علی هذا العلویِّ المظلوم ولا یخزه بشیء من وخزاته ، فجاء یقذفه بعد قرون من شهادته بهذه الشائنة والبهتان العظیم ، (وَسَیَعْلَمُ الَّذِینَ ظَلَمُوا أَیَّ مُنْقَلَبٍ یَنْقَلِبُونَ) (2).

9 - قال : إنَّ الحسین تزوّج شهربانو بنت آخر الملوک الساسانیِّین ، وبذلک ورث الحسین العظمة الإلهیّة التی ورثها من قِبَل الساسانیِّین (ص 208).

الجواب : حسین العظمة ورث ما ورثه من جدّه النبیّ الأعظم ، وإن کان فارس خیرة العجم ، والعائلة المالکة أشرف عائلات فارس ، وقد ازدادت شرفاً ومنزلةً بمصاهرة بیت الرسالة ، فإنَّ شرف النبوّة تندکُّ عنده الفضائل کلّها.

ولیت شعری ما الصلة بین مصاهرة الفرس والعظمة الإلهیّة ومؤسِّسها نبیُّ العظمة وقد ورثها منه آله العظماء؟ وملوک الفرس إن تمکّنوا بشیء من المنزلة والمکانة ، فعن قهر وتغلّب من دون دخل لها فی النفسیّات الراقیة والمنازل الإلهیّة والعظمة الروحیّة القدسیّة. 7.

ص: 434


1- مقاتل الطالبیّین : ص 446.
2- الشعراء : 227.

نعم ؛ هذا شأن کلِّ جاهلٍ ، فإنّه لمّا لم یعرف قدره ، ویتعدّی طوره ، هکذا یکثر لغبه ، ویطول لسانه ، ویُبتلی بفضول الکلام ، وهو یخبط خبط عشواء.

هنا نختم البحث عن عورات الرجل غیر أنَّها لا تنتهی ، وإنّا نضنُّ بالورق والیراع بعد الوقت الثمین عن إتلافها بذکر سقطاته التی تندی منها جبهة الإنسانیّة. راجع من کتابه (ص 125 ، 130 ، 132 ، 134 ، 141 ، 142 ، 150 ، 156 ، 157 ، 160 ، 162 ، 163 ، 166 ، 183 ، 206 ، 210).

والرجل قد تعلّم فی بلاد فارس ألفاظاً من لغتهم ، فجاء یذکرها فی کتابه مع ترجمة بعضها بالعربیّة إثباتاً لثقافته ، غیر أنَّ کلَّ ما تعلّمه کآرائه ومعتقداته غلط بعد غلط ، وإلیک نماذج منها مع ذکر صحیحها :

الصواب

الصواب

مدر : أُم

مادر

جرم : دافی

گرم

باد : ردیء

بَد

بسیتون

بی ستون

فاردا : غداً

فردا

الأنجور

انگور

دوک

دوغ

الداشت

دشت

جوهرشاه

گوهرشاد

الجوشت

گوشت

ناخیر

نه خیر

الملاه

ملاّ

الروغان

روغن

صبرکون

صبرکن

المولاه

ملاّ

صموار

سماور

یاخ

یخ

البازار

بازار

آلی قاپو

عالی قاپو

شربت باشا : شربت الأطفال

شربت بچه

دِر : باب

دَر

بردِن : یحمل

بردَن(بفتح الدال مصدر)

کرافان سرای - فی عدّة مواضع - کاروان سرای

ص: 435

الصواب

الصواب

زنده رود

زاینده رود

أنزبلی

انزلی

شارود

شاهرود

سابزوار

سبزوار

هیرات

هرات

بوشهر

ابوشهر

الفولجة

الفلوجة

تشهل ستون

چهل ستون

تشهل منار : أی ذات العماد الصواب : چهل منار : أربعون منارة

شهل ستون

چهل ستون

راحات

راحت

حظرة عبد العظیم - فی غیر موضع - الصواب حضرت عبد العظیم

انظر إلی ثقافته العربیّة!

وهذه الجمل تعطینا صورةً من تضلّعه بالعربیّة بإکثاره لإدخال اللام فی الألفاظ الفارسیّة.

(ما کَتَبْناها عَلَیْهِمْ إِلاَّ ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللهِ) (1)

15 - عقیدة الشیعة

تألیف

المستشرق دوایتم. رونلدسن

قد یحسب الباحث رمزاً من النزاهة فی هذا الکتاب ، وخلاءً من القذف والسباب المقذع ، غیر أنَّه مهما أمعن النظر فیه یراه معرباً عن جهل مؤلِّفه المطبق ، وقصر باعه فی آراء الشیعة ومعتقداتهم ، وعدم عرفانه برجالهم وتراجمهم وتآلیفهم ، ویجده مع ذلک : ذلک الأفّاک الأثیم ، ذلک الهمّاز المائن ، یخبط خبط عشواء ، أو کحاطب لیل لا یدری ما یجمع فی حزمته ، فجاء یکتب عن أمّة عظیمة کهذه ویبحث عن 7.

ص: 436


1- الحدید : 27.

عقائدهم ، ویستند فیها کثیراً إلی کتب قومه المشحونة بالطامّات والآراء الساقطة والمخازی التافهة ، والمشوَّهة بأساطیرهم المائنة ، أو إلی تآلیف أهل السنّة المؤلّفة بید أناس دجّالین محدثین ، الذین کتبوا بأقلامهم المسمومة ما شاءت لهم أهواؤهم وأغراضهم الاستعماریة ، فکشف عن سوآته بمثل قوله فی (ص 25):

یذکر Hughes فی کتابه قاموس الإسلام (ص 128) قضیّةً طریفةً عن عید الغدیر ، قال : وللشیعة عید فی الثامن عشر من ذی الحجّة یصنعون به ثلاثة تماثیل من العجین یملؤون بطونها بالعسل ، وهی تمثِّل أبا بکر وعمر وعثمان ، ثمَّ یطعنونها بالمُدی فیسیل العسل تمثیلاً لدم الخلفاء الغاصبین! ویُسمّی هذا العید بعید الغدیر.

وبمثل قوله فی (ص 158) : یذکر برتن Burton أنَّ الفرس تمکّنوا فی بعض الأحیان أن ینجِّسوا المکان الکائن قرب قبرَی أبی بکر وعمر بقذف النجاسة الملفوفة بقطعة من الشال ، یدلُّ ظاهرها علی أنّها هدیّة من الشبّاک.

وبمثل قوله فی (ص 161) : أمّا الشیعة الاثنا عشریة فیؤکّدون أنَّ الإمام جعفر الصادق نصَّ علی إمامة ابنه الأکبر إسماعیل بعده ، غیر أنَّ إسماعیل کان سکّیراً ، فنقلت الإمامة إلی موسی ، وهو الولید الرابع من بین سبعة أولاد ، وکان الخلاف الناجم عن ذلک سبباً فی حدوث انقسام کبیر بین الشیعة کما أشار إلی ذلک ابن خلدون (1).

وبمثل قوله فی (ص 128) : ادّعی عبد الله بن علیّ بن عبد الله بن الحسین (2) الإمامة ، ویُروی أن وفداً مؤلَّفاً من اثنین وسبعین رجلاً جاء إلی المدینة من خراسان ، ومعهم أموال یحملونها إلی الإمام وهم لا یعرفونه ، فذهبوا إلی عبد الله أوّلاً ، فأخرج ف)

ص: 437


1- مقدّمة ابن خلدون : 1 / 251.
2- لیته دلّنا علی مدّعی الإمامة هذا من ولد الحسین من هو؟ ومتی ولد؟ وأین ولد؟ وأین عاش؟ وأین مات؟ وأین دفن؟ ومتی کان دعواه؟ لم یکن ممّن عاصر الإمام الباقر من ولد جدّه الحسین غیر أخیه عبد الله بن علیّ بن الحسین ، وکان فقیهاً فاضلاً مخبتاً إلی إمامة أخیه الباقر ، فالقضیة بهذا الاسم سالبة بانتفاء الموضوع ، وفیها ما ینافی أصول الشیعة ، وقد خفی علی الواضع. (المؤلف)

لهم درع النبیِّ صلی الله علیه وسلم وخاتمه وعصاه وعمامته ، فلمّا خرجوا من عنده علی أن یرجعوا غداً لقیهم رجل من أتباع محمد الباقر فخاطبهم بأسمائهم ، ودعاهم إلی دار سیّده ، فلمّا حضروا کلّهم طلب الإمام محمد الباقر من ابنه جعفر أن یأتیه بخاتمه ، فأخذه بیده وحرّکه قلیلاً وتکلّم بکلمات فإذا بدرع الرسول وعمامته وعصاه تسقط من الخاتم ، فلبس الدرع ووضع العمامة علی رأسه وأخذ العصا بیده ، فاندهش الناس ، فلمّا رأوها نزع العمامة والدرع وحرّک شفتیه فعادت کلّها إلی الخاتم ، ثمّ التفت إلی زوّاره وأخبرهم أنّه لا إمام إلاّ وعنده مال قارون ، فاعترفوا بحقِّه فی الإمامة ودفعوا له الأموال.

وقال فی تعلیقه : أنظر دائرة المعارف الإسلامیّة (1) - مادّة قارون.

الجواب : سبحانک اللهمّ ما کنّا نحسب أنّ رجلاً یسعه أن یکتب عن أمّة کبیرة ویأخذ معتقداتها عمّن یُضادُّها فی المبدأ ، ویتقوّل علیها بمثل هذه الترّهات من دون أیِّ مصدر ، وینسب إلیها مثل هذه المخازی من دون أیّ مبرّر ، فما عسانی أن أکتب عن مؤلِّف حائر بائر ساح بلاد الشیعة ، وجاس خلال دیارهم ، وحضر فی حواضرهم ، وعاش بینهم - کما یقول فی مقدِّمة کتابه - ستّ عشرة سنة ، ولم یرَ منهم فی طیلة هذه المدّة أثراً ممّا تقوّل علیهم ، ولم یسمع منه رِکزاً (2) ، ولم یقرأه فی تآلیف أیّ شیعیّ ولو لم یکن فیهم وسیطاً (3) ، ولم یجده فی طامور قصّاص ، فجاء یفصم عری الأخوّة الإسلامیّة ، ویفرّق صفوف أهل القرآن ، بما لفّقته ید الإفک والزور من شاکلته ، ویبهت أرقی الأمم بما هم بعداء منه ، ویعزو إلیهم بما یکذّبه أدب الشیعة وتحرّمه مبادئهم الصحیحة ، ویقذفهم بما وضعته ید الإحن والشحناء من أمثال هذه الأفائک الشائنة ، فکأنَّ فی أذنیه وقراً ولم تسمع ذکراً ممّا ألّفه أعلام الشیعة قدیماً وحدیثاً فی أصول عقائدهم ، وکأنّ فی بصره غشاوة لم یرَ شیئاً من تلک التآلیف التی ملأت ف)

ص: 438


1- هذا الکتاب فیه من البهرجة والباطل شیء هائل ، یحتاج جداً إلی نظارة التنقیب. (المؤلف)
2- الرکز : الصوت الخفی.
3- وسیط القوم : أرفعهم مقاماً وأشرفهم نسباً. ومن هنا یقال : الحکمة الوسطی. (المؤلف)

مکتبات الدنیا. نعم : (وَالَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ فِی آذانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَیْهِمْ عَمًی) (1). فأتعس الله حظَّ مؤلِّف هذا شأنه ، وجدع أنفه ، ویریه وبال أمره فی الدنیا قبل عذاب الآخرة.

والخطب الفظیع أنّ هذا الکیذبان - ولید عالم التمدّن - مهما ینقل عن تألیف شیعیّ ، تجده تارةً یمین فی نقله کقوله فی ترجمة الکلینی (ص 284) : یقال إنّ قبره فُتح فوجد فی ثیابه وعلی هیئته لم یتغیّر وإلی جانبه طفلٌ کان قد دفن معه فبُنی علی قبره مصلّی. ویذکر فی التعلیق أنّه کذلک (ص 207) فهرست الطوسی (رقم 709) ، ولم یوجد فی فهرست الطوسی من هذه القیلة أثر.

وتارةً تراه یحرِّف الکلم عن مواضعها ویشوِّه صورتها ، کما فعل فیما ذکره من زیارة مولانا أمیر المؤمنین (ص 80) ناقلاً عن الکافی للکلینی (2) (2 (3) / 321) فإنَّه أدخل فیها من عند نفسه ألفاظاً لم توجد قطُّ فیها ، لا فیه ولا فی غیره من کتب الشیعة.

أضف إلی هذه فظیعة جهله برجال الشیعة وتاریخهم ، قال فی ترجمة الصحابیّ الشیعیّ العظیم سلمان الفارسیّ : یزور کثیر من الشیعة قبره عند عودتهم من کربلاء وهو فی قریة اسبندور من المدائن ، ویقول بعضهم (4) : إنّه دُفن فی جوار أصفهان.

وقال (ص 268) : والمقداد الذی تُوفّی فی مصر ودفن بالمدینة ، وحذیفة بن الیمان الذی قُتل مع أبیه وأخیه فی غزوة أحد ودُفن فی المدینة. وقال (ص 268) : إنّ الکلینی مات فی بغداد ودفن بالکوفة (5) ، وأکثر النقل عن تبصرة العوام للسیّد المرتضی الرازی أحد أعلام القرن السابع ، ونسبه فی ذلک کلِّه إلی السیّد الشریف علم الهدی المرتضی مؤرِّخاً وفاته (436). ف)

ص: 439


1- فصّلت : 44.
2- الکافی : 4 / 570.
3- والصحیح : ج 1. (المؤلف)
4- لیته دلّنا علی ذلک البعض. (المؤلف)
5- خفی علیه أنه باب الکوفة ، وهو من محلاّت بغداد. (المؤلف)

ولعلّنا نبسط القول حول ما فی طیّه من أباطیل ومخاریق بتألیف مفرد ونبرهن فساد ما هنالک فی (ص 20 ، 21 ، 24 ، 34 ، 36 ، 43 ، 47 ، 59 ، 60 ، 63 ، 72 ، 77 ، 80 ، 83 ، 91 ، 92 ، 100 ، 101 ، 110 ، 111 ، 114 ، 115 ، 122 ، 126 ، 128 ، 151 ، 158 ، 161 ، 170 ، 174 ، 185 ، 192 ، 208 ، 211 ، 235 ، 253 ، 268 ، 280 ، 282 ، 284 ، 295 ، 296 ، 304 ، 320 ، 329) وغیرها.

ولا یفوت المترجم عرفاننا بأنّ یده الأمینة علی ودائع العلم لعبت بهذا الکتاب وأنّه زاد شوهاً فی شوهه ، وبذل کلّه فی تحریفه ، وأخنی علیه ورمّجه (1) ، وقلب له ظهر المجن ، وأدخل فیه ما حبّذته نفسیّته الضئیلة ، فتعساً لمترجم راقه ما فی الکتاب من التحامل علی الشیعة والوقیعة فیهم ، فجاء یحمل أثقال أوزار الغرب وینشرها فی الملأ ، ولم یهمّه التحفّظ علی ناموس الإسلام ، وعصمة الشرق ، وکیان العرب ودینهم.

(وَلَیَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ وَلَیُسْئَلُنَّ یَوْمَ الْقِیامَةِ عَمَّا کانُوا یَفْتَرُونَ) (2)

16 - الوشیعة فی نقد عقائد الشیعة

اشارة

تألیف

موسی جار الله

کنت أودُّ أن لا أُحدث لهذا الکتاب ذکراً ، وأن لا یسمع أحد منه رِکزاً ؛ فإنَّه فی الفضائح أکثر منه فی عداد المؤلَّفات ، لکنّ طبع الکتاب وانتشاره حدانی إلی أن أُوقف المجتمع علی مقدار الرجل ، وعلی أنموذج ممّا سوّد به صحائفه ، وکلّ صحیفةٍ منه عار علی الأمّة وعلی قومه أشدّ شناراً.

لست أدری ما أکتب عن کتاب رجل نبذ کتاب الله وسنّة نبیِّه وراءه ظهریّا ، 3.

ص: 440


1- الترمیج : إفساد السطور بعد تسویتها وکتابتها.
2- العنکبوت : 13.

فجاء یحکم وینقد ، ویتحکّم ویفنِّد ، وینبر وینبز ، ویعبث بکتاب الله ویفسِّره برأیه الضئیل ؛ وعقلیّته السقیمة کیف شاء وأراد ، فکأنّ القرآن قد نزل الیوم ولم یسبقه إلی معرفته أحد ، ولم یأت فی آیه قولٌ ، ولم یُدوَّن فی تفسیره کتابٌ ، ولم یرد فی بیانه حدیث ، وکأنَّ الرجل قد أتی بشرعٍ جدید ، ورأی حدیث ، ودین مخترَع ، ومذهب مبتدع ، لا یساعده أیُّ مبدأ من مبادئ الإسلام ، ولا شیء من الکتاب أو السنّة.

ما قیمة مغفَّل وکتابه وهو یری الأمّة شریکة لنبیّها فی کلّ ما کان له ، وفی کلِّ فضیلة وکمال تستوجبها الرسالة ، وشریکة لنبیّها فی أخصّ خصائص النبوّة ، ویری رسالة الأمّة متّصلة تمام الاتصال برسالة نبیّها ، ویحسب سورة القدر سورة رسالة الأمة متصلة بسورة رسالة النبیِّ من غیر فصل ، ویستدلُّ علی رسالة الأمّة بقوله تعالی : (لَقَدْ جاءَکُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِکُمْ) (1). وبقوله : (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِینَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَی الْکُفَّارِ رُحَماءُ بَیْنَهُمْ) (2).

والکلام معه فی هذه الأساطیر کلّها یستدعی فراغاً أوسع من هذا ، ولعلّه یُتاح لنا فی المستقبل الکشّاف إن شاء الله تعالی ، وقد أغرق نزعاً فی تفنید أباطیله العلاّمة المبرور الشیخ مهدی الحجّار النجفی نزیل المعقل (3).

ولو لم یکن للرجل فی طیّ کتابه إلا أساطیره الراجعة إلی الأمّة لکفاه جهلاً وسوأة ، وإلیک نماذج منها ، قال :

1 - الأمّة معصومة عصمة نبیّها ، معصومة فی تحمّلها وحفظها ، وفی تبلیغها وأدائها ، حفظت کلَّ ما بلّغه النبیُّ مثل حفظ النبیِّ ، وبلّغت کلَّ ما بلّغه النبیُّ مثل تبلیغ النبیِّ ، حفظت کلّیات الدین وجزئیّات الدین أصلاً وفرعاً ، وبلّغت کلّیات الدین وجزئیّات الدین أصلاً وفرعاً. ف)

ص: 441


1- التوبة : 128.
2- الفتح : 29.
3- أحد شعراء الغدیر فی القرن الرابع عشر ، یأتی هناک شعره وترجمته. (المؤلف)

لم یضع من أصول الدین ومن فروع الدین شیء :

1 - حفظه الله.

2 - حفظه نبیّه محمد.

3 - حفظته الأمّة کافّة عن کافّة ، عصراً بعد عصر ، ولا یمکن أن یوجد شیء من الدین غفلت عنه أو نسیته الأمّة.

فالأمّة بالقرآن والسنّة أعلم من جمیع الأئمّة ، وأقرب من اهتداء الأئمّة ، وعلم الأمّة بالقرآن وسنن النبیّ الیوم أکثر وأکمل من علم علیّ ومن علوم کلِّ أولاد علیّ.

ومن عظیم فضل الله علی نبیّة ، ثمّ من عموم وعمیم فضل الله علی الأمّة أن جعل فی الأمّة من أبناء الأمّة کثیراً هم أعلم بکثیر من الأئمّة ومن صحابة النبیّ - صلی الله علیه وآله وسلم وصحبه وسلّم - لز.

وکلُّ حادثة إذا وقعت فالأمّة لا تخلو من حکم حقٍّ وصواب وجواب یریه الله الواحدَ من الأمّة التی ورثت نبیّها وصارت رشیدة ببرکة الرسالة ، وختمها أرشد إلی الهدایة وإلی الحق من کلّ إمام ، والأمّة مثل نبیّها معصومة ببرکة الرسالة وکتابها ، ومعصومة بعقلها العاصم.

الأمّة بلغت وصارت رشیدةً لا تحتاج إلی الإمام ، رشدها وعقلها یغنیها عن کلّ إمام. لح.

أنا لا أنکر علی الشیعة عقیدتها أنّ الأئمّة معصومة ، وإنّما أنکر علیها عقیدتها أنّ أمّة محمد لم تزل قاصرة ولن تزال قاصرة ، تحتاج إلی وصایة إمام معصوم إلی یوم القیامة ، والأمّة أقرب إلی العصمة والاهتداء من کلّ إمام معصوم ، وأهدی إلی الصواب والحقّ من کلّ إمام معصوم ، لأنّ عصمة الإمام دعوی ، أمّا عصمة الأمّة فبداهة وضرورة بشهادة القرآن. لط.

لیس یمکن فی العالم نازلة حادثة لیس لها جواب عند الأمّة ، وعقلنا لا یتصوّر

ص: 442

احتیاج الأمّة إلی إمام معصوم ، وقد بلغت رشدها ، ولها عقلها العاصم ، وعندها کتابها المعصوم ، وقد حازت بالعصوبة کلّ مواریث نبیّها ، وفازت بکلّ ما کان للنبیّ بالنبوّة.

الأمّة بعقلها وکمالها ورشدها بعد ختم النبوّة أکرم وأعزّ وأرفع من أن تکون تحت وصایة وصیّ تبقی قاصرة إلی الأبد. ما.

الجواب : هذه سلسلة أوهام وحلقة خرافات تبعد عن ساحة أیّ متعلّم متفقّه فضلاً عمّن یری نفسه فقیهاً ، فکأنّ الرجل یتکلّم فی الطیف فی عالم الأضغاث والأحلام.

ألا من یسائله عن أنَّ الأمّة إذا کانت معصومةً حافظة لکلّیات الدین وجزئیّاته أصلاً وفرعاً ، ومبلّغةً جمیع ذلک کافّة عن کافّة وعصراً بعد عصر ، ولم یوجد هناک شیء منسیّ أو مغفول عنه ، فما معنی أعلمیّتها من جمیع الأئمّة؟ وأقربیّة اهتدائها من اهتدائهم؟ أیراهم خارجین عن الأمّة غیر حافظین ولا مهتدین ، فی جانب عن الدین الذی حفظته الأمّة ، لا تشملهم عصمتها ولا حفظها ولا اهتداؤها ولا تبلیغها؟

وعلی ما یهمّ الرجل یجب أن لا یوجد فی الأمّة جاهلٌ ، ولا یقع بینها خلافٌ فی أمر دینیّ أو حکم شرعیّ ، وهؤلاء جهلاء الأمّة الذین سدّوا کلَّ فراغ بین المشرق والمغرب ، وتشهد علیهم أعمالهم وأقوالهم بأنّهم جاهلون - وفی مقدّمهم هو نفسه - وما شجر بین الأمّة من الخلاف منذ عهد الصحابة وإلی یومنا الحاضر ممّا لا یکاد یخفی علی عاقل ، وهل یُتصوَّر الخلاف إلاّ بجهل أحد الفریقین بالحقیقة الناصعة؟ لأنَّها وحدانیة لا تقبل التجزئة ، أیری من الدین الذی حفظته الأمّة وبلّغته جهل علیّ وأولاده من بینهم بالقرآن والسنن؟ أم یراهم أنَّهم لیسوا من الأمّة؟ فیقول : إنّ علم الأمّة بالقرآن وسنن النبیّ الیوم أکثر وأکمل من علم علیّ ومن علوم کلّ أولاد علیّ.

ص: 443

ومتی أحاط هو بعلم علیّ وأولاده علیهم السلام وبعلم الأمّة جمعاء؟ حتی یسعه هذا التحکّم الباتّ والفتوی المجرّدة؟

والعجب أنّه یری أنّ الأمّة إذا وقعت حادثة یُری الله لواحد منها الحکم وصواب الجواب ، وأنّها ورثت نبیّها ، ورشدت ببرکة الرسالة ، وبها وبکتابها ماثلت نبیّها فی العصمة ، وأنّها معصومة بعقلها العاصم ، فما بال الأئمّة - علیّ وأولاد علیّ - لا یکونون من أولئک الآحاد الذین یُریهم الله الحق والصواب؟ وما بالهم قصروا عن الوراثة المزعومة؟ ولیس لهم شرکة فی علم الأمّة؟ ولم تشملهم برکة الرسالة وکتابها؟ ولا یماثلون النبیّ فی العصمة؟ ولا یوجد عندهم عقل عاصم؟ وأعجب من هذه کلّها هتافُ الله بعصمتهم فی کتابه العزیز : (أَلا یَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِیفُ الْخَبِیرُ) (1) (أَمْ عَلی قُلُوبٍ أَقْفالُها) (2).

ولعلّی یسعنی أن أقول بأنّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم کان أبصر وأعرف بأمّته من صاحب هذه الفتاوی المجرّدة ، وأعلم بمقادیر علومهم وبصائرهم ، فهو بعد ذلک کلّه خلّف لهدایة أمّته من بعده الثقلین : کتاب الله وعترته - ویرید الأئمّة منهم - وقال : «ما إن تمسّکتم بهما لن تضلّوا بعدی ، وإنّهما لن یفترقا حتی یردا علیَّ الحوض» ، فحصْرُ الهدایة بالتمسّک بهما واقتصاص آثارهما إلی غایة الأمد یفیدنا أنّ عندهما من العلوم والمعارف ما تقصر عنها الأمّة ، وأنّه لیس فی حیّز الإمکان أن تبلغ الأمّة ، وهی غیر معصومة من الخطأ ولم تکشف لها حجب الغیب ، مبلغاً یستغنی به عمّن یرشدها فی مواقف الحیرة.

فأئمّة العترة أعدال الکتاب فی العلم والهدایة بهذا النصّ الأغرّ ، وهم مفسّروه والواقفون علی مغازیه ورموزه ، ولو کانت الأمّة أو أنّ فیها من یضاهیهم فی العلم والبصیرة 4.

ص: 444


1- الملک : 14.
2- محمد : 24.

- فضلاً عن أن یکون أعلم بکثیر منهم - لکان هذا النصّ الصریح مجازفة فی القول.

لا سیّما وأنّ الهتاف به کان له مشاهد ومواقف منها مشهد یوم الغدیر ، وقد ألقاه صاحب الرسالة علی مائة ألف أو یزیدون ، وهو أکبر مجتمع للمسلمین علی العهد النبویّ ، هنالک نعی نفسه وهو یری أمّته - وحقّا ما یری - قاصرةً - ولن تزال قاصرةً - عن درک مغازی الشریعة ، فیجبره ذلک بتعیین الخلیفة من بعده.

وهذا الحدیث من الثابت المتواتر الذی لا یعترض صدوره أیّ ریب ، وللعلاّمة السمهودی کلام حول هذا الحدیث أسلفناه (ص 80).

وکان یری صلی الله علیه وآله وسلم مسیس حاجة أمّته إلی الخلیفة من یوم بدء دعوته ، یوم أمر بإنذار عشیرته کما مرَّ حدیثه (2 / 278) (1) ، وممّا یماثل هذا النصّ حدیث سفینة نوح ، حیث شبّه فیه نفسه وأهل بیته - ویرید الأئمّة منهم - بسفینة نوح التی من رکبها نجا ومن تخلّف عنها غرق ، فحصر النجاة باتّباعهم المستعار له رکوب السفینة ، ولولا أنّ لهم علوماً وافیةً بإرشاد الأمّة ، وأنّها لا تهتدی إلیها إلاّ بالأخذ منهم ، لما استقام هذا التشبیه ولا اتّسق ذلک الکلام.

ومثله حدیث تشبیهه صلی الله علیه وآله وسلم أهل بیته بالنجوم ، فأهل بیته أعلامٌ وصویً (2) للهدایة یُهتدی بهم فی ظلمات الغیّ والخلاف ، کما أنّ النجوم یُهتدی بها فی غیاهب اللیل البهیم ، ولولا أنّهم أرکان العلم والهدایة لما یتمّ التمثیل.

ولو کان علم الأمّة الیوم بالقرآن والسنن أکثر وأکمل من علم علیّ ومن علوم کلّ أولاد علیّ - کما زعمه المسکین - فکیف خفی ذلک علی رسول الله ، فقال وکأنّه لم یعرف أمّته : «أعلم أمّتی من بعدی علیّ بن أبی طالب»؟

وکیف اتّخذه وعاء علمه وبابه الذی یُؤتی منه؟ ق.

ص: 445


1- فی الطبعة الثانیة. وصفحة 251 من الأولی. (المؤلف)
2- الصوی : جمع صوّة ، وهی العلامة یُستدلُّ بها علی الطریق.

وکیف رآه باب علمه ومبیِّن أمّته بما أرسل به من بعده؟

وکیف أخبر أمّته بأنّه خازن علمه وعیبته؟

وکیف خصّه بین أمّته بالوصیّة والوراثة لعلمه؟

وکیف صحّ عن أمیر المؤمنین قوله : «والله إنّی لأخوه وولیّه وابن عمّه ووارث علمه ، فمن أحقُّ به منّی»؟

وکیف حکم الحافظ النیسابوری بإجماع الأمّة علی أنّ علیّا ورث العلم من النبیّ دون الناس؟

وعلی هذه کلّها فلازم کون الأمّة أعلم من علیّ کونها أعلم من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لأنّه ورث علمه کلّه.

ثمَّ ، کیف کان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یری أنّ الله جعل الحکمة فی أهل بیته وفی الأمّة من هو أعلم منهم؟ وقد صحّ عنه صلی الله علیه وآله وسلم قوله : «أنا دار الحکمة وعلیٌّ بابها»؟

وکیف یأمر أمّته بالاقتداء بأهل بیته من بعده ، ویعرّفهم بأنّهم «خُلقوا من طینتی ، ورُزقوا فهمی وعلمی»؟

وکیف یراهم أئمّة أمّته ویقول : «فی کلِّ خلوف من أمّتی عدول من أهل بیتی ، ینفون من هذا الدین تحریف الغالین ، وانتحال المبطلین ، وتأویل الجاهلین ، ألا إنّ أئمّتکم وفدکم إلی الله فانظروا بمن توفدون» (1)؟

والأمّة إن کانت غیر قاصرة لا تحتاج إلی وصایة إمام معصوم إلی یوم القیامة کما زعمه المغفَّل ، ولا یتصوّر عقله احتیاجها إلی إمام معصوم ؛ فلما ذا أخّرت الأمّة تجهیز نبیّها صلی الله علیه وآله وسلم ودفنه ثلاثة أیّام؟ وهذه کتب القوم تنصُّ علی أنّ ذلک إنّما کان لاشتغالهم بالواجب الأهمّ ، ألا وهو أمر الخلافة وتعیین الخلیفة. ف)

ص: 446


1- راجع فی هذه الأحادیث المذکورة : ص 80 ، 81 ، 95 - 101 ، 123 من هذا الجزء. (المؤلف)

قال ابن حجر فی الصواعق (1) (ص 5) : اعلم أنّ الصحابة - رضوان الله علیهم - أجمعوا علی أنّ نصب الإمام بعد انقراض زمن النبوّة واجب ، بل جعلوه أهمّ الواجبات حیث اشتغلوا به عن دفن رسول الله صلی الله علیه وسلم ، واختلافهم فی التعیین لا یقدح فی الإجماع المذکور.

والباحث یجد نظیر هذه الکلمة فی غضون الکتب کثیراً ، فکیف یتصوّر عندئذٍ عقل الرجل مسیس حاجة الأمّة یوم ذاک إلی إمام غیر معصوم ، وهی لا تحتاج إلی إمام معصوم قطُّ إلی یوم القیامة؟

2 - بسط القول فی المتعة وملخّصه : أنّها من بقایا الأنکحة الجاهلیّة ، ولم تکن حکماً شرعیّا ، ولم تکن مباحةً فی شرع الإسلام ، ونسخها لم یکن نسخ حکم شرعیٍّ وإنّما کان نسخ أمر جاهلیٍّ ، ووقع الإجماع علی تحریمها ، ولم ینزل فیها قرآن ، ولا یوجد فی غیر کتب الشیعة قول لأحد أنّ : (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَ) نزل فیها ، ولا یقول به إلاّ جاهل یدّعی ولا یعی ، وکتب الشیعة ترفع القول به إلی الباقر والصادق ، وأحسن الاحتمالین أنّ السند موضوع ، وإلاّ فالباقر والصادق جاهلٌ (ص 32 - 166).

الجواب : هذه سلسلة جنایات علی الإسلام وکتابه وحکمه ، وتکذیب علی ما جاء به نبیّه وأقرَّ به السلف من الصحابة والتابعین والعلماء من فرق المسلمین بأسرهم. وقد فصّلنا القول فیها فی رسالة تحت نواحٍ خمس ، نأخذ منها فهرستها ألا وهو :

1 - المتعة فی القرآن :

(فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِیضَةً وَلا جُناحَ عَلَیْکُمْ فِیما تَراضَیْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِیضَةِ إِنَّ اللهَ کانَ عَلِیماً حَکِیماً) (2).4.

ص: 447


1- الصواعق المحرقة : ص 7.
2- النساء : 24.

ذُکر نزولها فی المتعة فی أوثق مصادر التفسیر ، منها (1) :

1 - صحیح البخاری.

2 - صحیح مسلم.

3 - مسند أحمد (4 / 436) ، بإسنادهم عن عمران بن حصین. وتجده فی تفسیر الرازی (3 / 200 ، 202) ، وتفسیر أبی حیّان (3 / 218).

4 - تفسیر الطبری (5 / 9) عن ابن عبّاس ، وأُبیِّ بن کعب ، والحکم ، وسعید بن جبیر ، ومجاهد ، وقتادة ، وشعبة ، وأبی ثابت.

5 - أحکام القرآن للجصّاص (2 / 178) حکاه عن عدّة.

6 - سنن البیهقی (7 / 205) رواه عن ابن عبّاس.

7 - تفسیر البغوی (1 / 423) عن جمع ، وحکی عن عامّة أهل العلم أنّها منسوخة.

8 - تفسیر الزمخشری (1 / 360).

9 - أحکام القرآن للقاضی (1 / 162) رواه عن جمع.

10 - تفسیر القرطبی (5 / 130) قال : قال الجمهور : إنّها فی المتعة.

11 - تفسیر الرازی (3 / 200) ذکر عن الصحیحین حدیث عمران : أنّها فی المتعة.

12 - شرح صحیح مسلم للنووی (9 / 181) عن ابن مسعود.

13 - تفسیر الخازن (1 / 357) عن قوم ، وقال : ذهب الجمهور أنّها منسوخة.

14 - تفسیر البیضاوی (1 / 269) یروم إثبات نسخها بالسنّة.

15 - تفسیر أبی حیّان (3 / 218) عن جمع من الصحابة والتابعین.

16 - تفسیر ابن کثیر (1 / 474) عن جمع من الصحابة والتابعین. 5.

ص: 448


1- صحیح البخاری : 4 / 1642 ح 4246 ، صحیح مسلم : 3 / 71 ح 172 کتاب الحج ، مسند أحمد : 5 / 603 ح 19406 ، التفسیر الکبیر : 10 / 49 ، 50 ، جامع البیان : مج 4 / ج 5 / 12 ، أحکام القرآن : 2 / 146 - 147 ، تفسیر البغوی : 1 / 413 ، تفسیر الکشّاف : 1 / 498 ، الجامع لأحکام القرآن : 5 / 86 ، شرح صحیح مسلم : 9 / 179 ، تفسیر الخازن : 1 / 343 ، تفسیر البیضاوی : 1 / 209 ، الدرّ المنثور : 2 / 484 ، تفسیر أبی السعود : 2 / 165.

17 - تفسیر السیوطی (2 / 140) رواه عن جمع من الصحابة والتابعین بطریق الطبرانی ، وعبد الرزاق ، والبیهقی ، وابن جریر ، وعبد بن حمید ، وأبی داود ، وابن الأنباری.

18 - تفسیر أبی السعود (3 / 251).

قال الأمینی : ألیست - أیّها الباحث - هذه الکتب مراجع علم القرآن عند أهل السنّة؟ أم لیسوا هؤلاء أعلامهم وأئمّتهم فی التفسیر؟ فأین مقیل قول الرجل : لم ینزل فیها قرآن ولا یوجد فی غیر کتب الشیعة؟ وهل یسع الرجل أن یقول فی هؤلاء الصحابة والتابعین والأئمّة بما قاله فی الباقر والصادق علیهما السلام ویسلقهم بذلک اللسان البذیء؟

2 - حدود المتعة فی الإسلام :

أسلفنا فی (ص 306) أنّ للمتعة حدوداً جاء بها الإسلام ، ولم یکن قطُّ نکاح فی الجاهلیّة معروفاً بتلک الحدود ، ولم یرَ أحد من السلف والخلف حتی الیوم أنّ المتعة من أنکحة الجاهلیّة ، ولا یمکن القول بذلک مع تلک الحدود ، ولا قیمة لفتوی الرجل عندئذٍ ، وهی مفصّلةٌ فی کتب کثیرة منها (1) :

1 - سنن الدارمی (2 / 140).

2 - صحیح مسلم (ج 1) فی باب المتعة.

3 - تفسیر الطبری (5 / 9) ذکر من حدودها : النکاح ، الأجل ، الفراق بعد انقضاء الأجل ، الاستبراء ، عدم المیراث.

4 - أحکام القرآن للجصّاص (2 / 178) ذکر من حدودها : العقد ، الأجرة ، الأجل ، العدّة ، عدم المیراث. 5.

ص: 449


1- صحیح مسلم : 3 / 194 ح 19 کتاب النکاح ، أحکام القرآن : 2 / 146 - 148 ، الجامع لأحکام القرآن : 5 / 87 ، شرح صحیح مسلم : 9 / 181 ، جامع الأحادیث للسیوطی : 6 / 422 ح 19685.

5 - سنن البیهقی (7 / 200) أخرج أحادیث فیها بعض الحدود.

6 - تفسیر البغوی (1 / 423) ذکر عدّة من الحدود.

7 - تفسیر القرطبی (5 / 132) ذکر عدّة من الحدود.

8 - تفسیر الرازی (3 / 200) ذکر عدّة من الحدود.

9 - شرح صحیح مسلم للنووی (9 / 181) ادّعی اتِّفاق العلماء علی الحدود.

10 - تفسیر الخازن (1 / 257) ذکر الحدود الستّ.

11 - تفسیر ابن کثیر (1 / 474) ذکر الحدود الستّ.

12 - تفسیر السیوطی (2 / 140) ذکر من حدودها خمسةً.

13 - الجامع الکبیر للسیوطی (8 / 295) ذکر من حدودها خمسةً.

وفی غیر واحد من کتب المذاهب الأربعة فی الفقه.

3 - أوّل من نهی عن المتعة :

وقفنا علی خمسة وعشرین حدیثاً فی الصحاح والمسانید تدرّسنا بأنّ المتعة کانت مباحةً فی شرع الإسلام ، وکان الناس تعمل بها فی عصر النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وأبی بکر وردحاً من خلافة عمر ، فنهی عنها عمر فی آخر أیّامه ، وعُرِف بأنّه أوّل من نهی عنها ، فعلی الباحث أن یراجع (1) :

صحیح البخاری باب التمتّع ، صحیح مسلم (1 / 395 ، 396) ، مسند أحمد (4 / 436 و 3 / 356) ، الموطّأ لمالک (2 / 30) ، سنن البیهقی (7 / 206) ، تفسیر الطبری (5 / 9) ، أحکام القرآن للجصّاص (2 / 178) ، النهایة لابن الأثیر (2 / 249) ، 4.

ص: 450


1- صحیح البخاری : 2 / 569 ح 1496 ، صحیح مسلم : 3 / 193 - 194 ح 15 - 17 کتاب النکاح ، مسند أحمد : 5 / 603 ح 19406 و 4 / 325 ح 14420 ، الموطّأ : 2 / 542 ح 42 ، جامع البیان : مج 4 / ج 5 / 13 ، أحکام القرآن : 2 / 152 ، النهایة : 2 / 488 ، الفائق فی غریب الحدیث : 2 / 255 ، وفیات الأعیان : 6 / 150 رقم 793 ، المحاضرات : مج 2 / ج 1 / 214 ، فتح الباری : 9 / 172 - 174 ، الدرّ المنثور : 2 / 486 ، 487 ، تاریخ الخلفاء : ص 128 ، شرح التجرید : ص 484.

الغریبین للهروی ، الفائق للزمخشری (1 / 331) ، تفسیر القرطبی (5 / 130) ، تاریخ ابن خلّکان (1 / 359) ، المحاضرات للراغب (2 / 94) ، تفسیر الرازی (3 / 201 ، 202) ، فتح الباری لابن حجر (9 / 141) ، تفسیر السیوطی (2 / 140) ، الجامع الکبیر للسیوطی (8 / 293) ، تاریخ الخلفاء له (ص 93) ، شرح التجرید للقوشجی فی مبحث الإمامة.

4 - الصحابة والتابعون :

ذهب جمع من الصحابة والتابعین إلی إباحة المتعة وعدم نسخها مع وقوفهم علی نهی عمر عنها ، ولهم ولرأیهم شأن فی الأمّة ، وفیهم من یجب علیها اتّباعه :

1 - أمیر المؤمنین علیّ علیه السلام

11 - الزبیر بن العوّام القرشی

2 - ابن عبّاس حبر الأمّة

12 - الحکم

3 - عمران بن الحصین الخزاعی

13 - خالد بن المهاجر المخزومی

4 - جابر بن عبد الله الأنصاری

14 - عمرو بن حریث القرشی

5 - عبد الله بن مسعود الهذلی

15 - أُبیّ بن کعب الأنصاری

6 - عبد الله بن عمر العدوی

16 - ربیعة بن أمیّة الثقفی

7 - معاویة بن أبی سفیان

17 - سعید بن جبیر

8 - أبو سعید الخدری الأنصاری

18 - طاووس الیمانی

9 - سلمة بن أمیّة الجمحی

19 - عطاء أبو محمد الیمانی

10 - معبد بن أمیّة الجمحی

20 - السدّی

قال ابن حزم (1) - بعد عدِّ جمع من الصحابة القائلین بالمتعة - : ومن التابعین : طاووس ، وسعید بن جبیر ، وعطاء ، وسائر فقهاء مکّة.

قال أبو عمر : أصحاب ابن عبّاس من أهل مکّة والیمن ، کلّهم یرون المتعة حلالاً. 4.

ص: 451


1- المحلّی : 9 / 520 ح 1854.

قال القرطبی فی تفسیره (1) (5 / 132) : أهل مکّة کانوا یستمتعونها کثیراً.

قال الرازی فی تفسیره (2) (3 / 200) فی آیة المتعة : اختلفوا فی أنَّها هل نُسخت أم لا؟ فذهب السواد الأعظم من الأمّة إلی أنّها صارت منسوخة ، وقال السواد منهم : إنّها بقیت مباحةً کما کانت.

قال أبو حیّان (3) بعد نقل حدیث إباحة المتعة : وعلی هذا جماعة من أهل البیت والتابعین.

قال الأمینی : فأین دعوی إجماع الأمّة علی حرمة المتعة ونسخ آیتها؟ وأین عزو القول بإباحتها إلی الباقر والصادق علیهما السلام فحسب؟ وهناک ناحیة خامسة فیها بیان أقوال أهل السنّة فی المتعة ونسخها وهی (22) قولاً ، یعرب هذا التضارب فی الآراء عن فوائد جمّة ، نحیل الوقوف علیها إلی درایة الباحث (4).

ونحن لا یسعنا بسط المقال فی طامّات هذا الکتاب ، إذ کلُّ صحیفة منه أهلک من ترّهات البسابس ، تعرب عن أنّ مؤلِّفه بعید عن أدب الإسلام ، بعید عن فقه القرآن والحدیث ، قصیر الباع عن کلّ علم ، قصیر الخطی عن کلّ ملکة فاضلة ، بذیّ اللسان لسّابة ، وهو یعدُّ نفسه مع ذلک فی کتابه من فقهاء الإسلام ، فإن کان الإسلام هذا فقهه وهذا فقیهه ، وهذا علمه وهذا عالمه ، وهذا کتابه وهذا کاتبه ، فإنّا لله وإنّا إلیه راجعون.

هذه غایة البحث عن الکتب المزوّرة. ف)

ص: 452


1- الجامع لأحکام القرآن : 5 / 88.
2- التفسیر الکبیر : 10 / 49.
3- البحر المحیط : 3 / 218.
4- ولنا القول الفصل فی البحث عن المتعة فی الجزء السادس من کتابنا هذا. (المؤلف)

الآن حصحص الحقّ

الآن حقّ علینا أن نمیط الستر عن خبیئة أسرارنا ، ونعرب عن غایتنا المتوخّاة من هذا البحث الضافی حول الکتب. الآن آن لنا أن ننوِّه بأنّ ضالّتنا المنشودة هی إیقاظ شعور الأمّة الإسلامیة إلی جانب مهمّ فیه الصالح العام والوئام والسلام والوحدة الاجتماعیة ، وحفظ ثغور الإسلام عن تهجّم سیل الفساد الجارف.

(یا قَوْمِ إِنْ کانَ کَبُرَ عَلَیْکُمْ مَقامِی وَتَذْکِیرِی بِآیاتِ اللهِ فَعَلَی اللهِ تَوَکَّلْتُ) (1) أنشدُکم بالله أیّها المسلمون : هل دعایة أقوی من هذه الکتب إلی تفریق صفوف المسلمین ، وتمزیق شملهم ، وفساد نظام المجتمع ، وذهاب ریح الوحدة العربیة ، وفصم عری الأخوّة الإسلامیّة ، وإثارة الأحقاد الخامدة ، وحشّ نیران الضغائن فی نفوس الشعب الإسلامیّ ، ونفخ جمرة البغضاء والعداء المحتدم بین فرق المسلمین؟

(یا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِکُمْ سَبِیلَ الرَّشادِ) (2) ..

هذه الکتب یضادُّ صراخها نداء القرآن البلیغ ..

هذه النعرات المشمرجة (3) تشیع الفحشاء والمنکر فی الملأ الدینیِّ ..

هذه الکلم الطائشة معاول هدّامة لأسِّ مکارم الأخلاق التی بعث لتتمیمها نبیُّ الإسلام صلی الله علیه وآله وسلم ..

هذه الألسنة السلاّقة اللسّابة البذّاءة ، مدرِّسات الأمّة بفاحش القول ، وسوء الأدب ، وقبح العشرة ، وضدّ المداراة ، وبالشراسة والقحّة والشیاص (4). ی.

ص: 453


1- یونس : 71.
2- غافر : 38.
3- الشمراج : المخلط من الکلام بالکذب. والشمرج : الباطل. (المؤلف)
4- الشیاص : الأذی.

هذه التعالیم الفاسدة فیها دَحْس (1) لنظام المجتمع ، ودَحل بین الفرق الإسلامیة ، وهتک لناموس الشرع المقدّس وعبث بسیاسة البلاد ، وصدع لتوحید العباد.

هذه الأقلام المسمومة تمنع الأمّة عن سعادتها ورقیِّها ، وتولد العراقیل فی مسیرها ومسربها ، وتمحو ما خطّته ید الإصلاح فی صحائف القلوب ، وتحیی فی النفوس ما عقمته داعیة الدین.

(یا أَیُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَتْکُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّکُمْ وَشِفاءٌ لِما فِی الصُّدُورِ) (2) إنّ الآراء الدینیة الإسلامیة اجتماعیة یشترک فیها کلُّ معتنق للإسلام ، إذ لا تمثَّل فی الملأ إلاّ باسم الدین الاجتماعیِّ ، فیَهُمُّ کلَّ إسلامیّ یحمل بین جنبیه عاطفةً دینیّةً أن یدافع عن شرف نِحلته ، وکیان ملّته ، مهما وجد هناک زلّةً فی رأی ، أو خطأً فی فکرةٍ ، ولا یسعه أن یفرِّق بین باءةٍ وأخری ، أو یخصَّ نفسه بحکومة دون غیرها (إِنْ هِیَ إِلاَّ أَسْماءٌ سَمَّیْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُکُمْ) (3) بل الأرض کلّها بیئة المسلم الصادق ، والإسلام حکومته وهو یعیش تحت رایة الحق ، وتوحید الکلمة ضالّته ، وصدق الإخاء شعاره ، أینما کان وحیثما کان.

هذا شأن الأفراد ، فکیف بالحکومات العزیزة الإسلامیة؟ التی هی شُعَبُ تلک الحکومة العالمیة الکبری ، ومفرداتُ ذلک الجمع الصحیح ، ومقطَّعات حروف تلک الکلمة الواحدة ، کلمة الصدق والعدل ، کلمة الإخلاص والتوحید ، کلمة العزّ والشرف ، کلمة الرقیّ والتقدّم.

فأنّی یسوغ لحکومة مصر العزیزة أن ترخّص لنشر هذه الکتب فی بلادها ، 3.

ص: 454


1- دحسَ بین القوم : أفسد بینهم.
2- یونس : 57.
3- النجم : 23.

وتشوّه سمعتها فی أرجاء الدنیا؟ وهی ثغر الإسلام المستحکم من أوّل یومه ، وهی مدرسة الشرق المؤسّسة تحت رایة الحقّ بید رجال العلم والدین.

ألیس عاراً علی مصر بعد ما مضت علیها قرون متطاولة بحسن السمعة أن تُعرف فی العالم بأناسٍ دجّالین ، وکتّابٍ مستأجرین ، وأقلام مسمومة ، وأن یُقال : إنّ فقیهها موسی جار الله ، وعالمها القصیمیّ ، ومصلحها أحمد أمین ، وعضو مؤتمرها محمد رشید رضا ، ودکتورها طه حسین ، ومؤرِّخها الخضری ، وأستاذ علوم اجتماعها محمد ثابت ، وشاعرها عبد الظاهر أبو السمح؟

ألیس عاراً علی مصر أن یتملّج (1) ویتلمّظ بشرفها الدخلاء من ابن نجد ودمشق ، فیؤلّف أحدهم کتاباً فی الردّ علی الإمامیّة ویسمّیه - الصراع بین الإسلام والوثنیّة - ویأتی آخر یقرِّظه بشعره لا بشعوره ، ویعرّف الشیعة الإمامیّة بقوله :

ویحملُ قلبهمْ بغضاً شنیعاً

لخیرِ الخلقِ لیس له دفاعُ

یقولون الأمینُ حبا بوحیٍ

وخانَ وما لَهمْ عن ذا ارتداعُ

فهل فی الأرض کفرٌ بعد هذا

وحرثهُمُ لمن یهوی متاعُ

فما للقوم دینٌ أو حیاءٌ

بحسبهمُ من الخزی (الصراعُ) (2)

(أَلَمْ یَأْنِ لِلَّذِینَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِکْرِ اللهِ) (3) أیحسب امرؤٌ مصریٌّ أنّ إشاعة هذه الکتب ، وبثَّ هذه المخاریق والنسب المفتعلة ، ونشر هذه التآلیف التافهة حیاة للأمّة المصریة ، وإیقاظ لشعور شعبها المثقّف ، وإبقاء لکیان تلک الحکومة العربیة العزیزة ، وتقدّم ورقیّ فی حرکاتها العلمیة ، والأدبیة ، والأخلاقیة ، والدینیة ، والاجتماعیة؟6.

ص: 455


1- ملج الصبی الثدی إذا رضعه.
2- الأبیات من قصیدة للشیخ عبد الظاهر أبی السمح إمام المسجد الحرام وخطیبه ، یثنی فیها علی القصیمیّ ویقرّظ کتابه المذکور.
3- الحدید : 16.

أسفاً علی أقلام مصر النزیهة ، وأعلامها المحنّکین ، ومؤلِّفیها المصلحین ، وکتّابها الصادقین ، وعباقرتها البارعین ، وأساتذتها المثقّفین ، ورجالها الأمناء علی ودائع العلم والدین.

أسفاً علی مصر وعلمها المتدفّق ، وأدبها الجمّ ، وروحها الصحیحة ، ورأیها الناضج ، وعقلها السلیم ، وحیاتها الدینیة ، وإسلامها القدیم ، وولائها الخالص ، وتعالیمها القیّمة ، ودروسها العالیة ، وخلائقها الکریمة ، وملکاتها الفاضلة.

أسفاً علی مصر وعلی تلکم الفضائل وهی راحت ضحیّة تلک الکتب المزخرفة ، ضحیّة تلک الأقلام المستأجرة ، ضحیّة تلک النزعات الفاسدة ، ضحیّة تلک الصحائف السوداء ، ضحیّة تلک النعرات الحمقاء ، ضحیّة تلک المطابع المأسوف علیها ، ضحیّة أفکار أولئک المحدثین المتسرِّعین (الَّذِینَ طَغَوْا فِی الْبِلادِ* فَأَکْثَرُوا فِیهَا الْفَسادَ) (1) (وَإِذا قِیلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِی الْأَرْضِ قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ* أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلکِنْ لا یَشْعُرُونَ) (2).

ألیست هذه الکتب بین یدی أعلام مصر ومشایخها المثقّفین؟ أم لم یوجد هناک من یحمل عاطفة دینیّة ، وشعوراً حیّا ، وفکرة صالحة یدافع عن ناموس مصره المحبوبة قبل ناموس الشرق کلّه؟

والعجب کلُّ العجب أنّ علاّمة مصر (3) ، یُری للمجتمع أنّه الناقد البصیر ، فیقرِّظ کتاباً (4) قیّماً لعربیٍّ صمیم ، عراقیٍّ یُعدُّ من أعلام العصر ومن عظماء العالم ، ویناقش دون ما فی طیّه من الأغلاط المطبعیّة ممّا لا یترتّب به علی الأمّة ولا علی فردٍ ف)

ص: 456


1- الفجر : 11 ، 12.
2- البقرة : 11 ، 12.
3- الأستاذ أحمد زکی. (المؤلف)
4- أصل الشیعة وأصولها : لشیخنا العلاّمة الشیخ محمد حسین آل کاشف الغطاء. (المؤلف)

منها أیّ ضرر وخسارة ، بمثل قوله : کلّما ، صوابه : کلّ ما. شرع ، صوابه : شرح. شیخنا ، صوابه : شیخا.

مرحباً بهذا الحرص والاستکناه فی الإصلاح والتغاضی عن تلکم الکوارث ، مرحباً بکلاءة ناموس لغة العرب والصفح عن دینه وصالح ملّته ، مرحباً بهذه العاطفة المصلِحة لتآلیف مشایخ الشیعة ، والتحامل علیهم بذلک السباب المقذع ، مرحباً مرحباً مرحباً!

لِمَ لم یرُق أمثال هذا النابه النیقد أن یأخذ بمیزان القسط ، وقانون العدل ، وناموس النَّصفة ، وشرعة الحقّ ، وواجب الخدمة للمجتمع ، ویلفت مؤلّف مصره العزیزة إلی تلکم الهفوات المخزیة فی تلکم التآلیف التی هی سلسلة بلاء ، وحلقات شقاء تنتهی إلی هلاک الأمّة ودمارها ، وتجرُّ علیها کلّ سوأة ، وتُسفّها إلی حضیض التعاسة؟

وإن تعجب فعجبٌ نشر هذه الکتب فی العراق وهی تمسُّ بکرامة ناموسها بعد ناموس الإسلام المقدّس ورجالها بعدُ أحیاء ، وشعبها بعدُ نابغ ، وشعورها بعدُ حیٌّ ، ودینها بعدُ مستقرّ ، وغیرة العرب بعدُ هی هی ، وشهامة الشبیبة بعدُ لم تهرم ، وجَلادة الشیوخ بعدُ لم تضعف ، وأزمّة حکومتها بعدُ بید آل هاشم.

یعزُّ علی أمّ العراق أن تسمع أذنها واعیة أنّ فی فنادق النجف وسیطاً یعرض جمعاً من فتیاتها إلی الوافد لینتقی منهنّ ، وفتاتها تتزوّج مرّات فی اللیلة الواحدة (1)!

کیف تسمع أذن العراق نداء أنّ النجفیّین هم الدجّالون والضالّون المضلّون ، قد تزیّوا بزیّ المسلمین وشارکوهم فی کثیر من الشعائر؟ - إلی آخر ما لا یصلح ذکره - وقبل هذه کلّها تلک الصرخة التی تمسُّ بکرامة رجالات البیت الهاشمی (2). ف)

ص: 457


1- راجع الجولة فی ربوع الشرق الأدنی : ص 112. (المؤلف)
2- راجع السنّة والشیعة : ص 48. (المؤلف)

أیحسب عراقیٌّ حاسّ أنّ فی طیِّ هذه الکتب صلاحاً لمجتمع العراق؟ أو حیاةً لروح أبنائها؟ أو درس أخلاق لأمّتها ، أو رقیّا وتقدّماً لشعبها؟ أو ثقافةً لرجالها؟ أو علماً لطلاّبها؟ أو أدباً لکتّابها؟ أو دیناً لمسلمیها؟ أو مادّة لمثریها؟ أو لها دخلٌ فی سیاسة حکومتها الإسلامیة المحبوبة؟

فواجب المسلم الصادق فی دعواه ، الحافظ لشرفه وعزّ نِحلته ، رفض أمثال هذه الکتب المبهرجة ، ولفظها بلسان الحقیقة ، والکفُّ عن اقتنائها وقراءتها ، وتجنّب الاعتقاد والتصدیق بما فیها ، والبعد عن الأخذ والبخوع بما بین دفوفه ، والإخبات إلی ما فیها قبل أن یعرضها إلی نظارة التنقیب ، وصیارفة النقد والإصلاح ، أو النظر إلیها بعین التنقیب وإردافها بالردِّ والمناقشة فیها إن کان من أهلها. (وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما یُوعَظُونَ بِهِ لَکانَ خَیْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِیتاً) (1).

وواجب رجال الدعایة والنشر فی الحکومات الإسلامیّة عرض کلِّ تألیفٍ مذهبیٍّ حول أیِّ فرقة من فرق الإسلام إلی أصولها ومبادئها الصحیحة المؤلّفة بید رجالها ومشایخها ، والمنع عمّا یضادُّها ویخالفها ، إذ هم عیون الأمّة علی ودائع العلم والدین ، وحفظة ناموس الإسلام ، وحرسة عُری العروبة ، إن عقلوا صالحهم ، وعلیهم قطع جذوم الفساد قبل أن یؤجّج المفسد نار الشحناء فی الملأ ثمّ یعتذر بعدم الاطّلاع وقلّة المصادر عنده ، کما فعل أحمد أمین بعد نشر کتابه فجر الإسلام فی ملأ من قومه ، والإنسان علی نفسه بصیرةٌ ولو ألقی معاذیره ، ولا عذر لأیّ أحد فی القعود عن واجبه الدینیّ الاجتماعیّ. (وَلْتَکُنْ مِنْکُمْ أُمَّةٌ یَدْعُونَ إِلَی الْخَیْرِ وَیَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَیَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْکَرِ وَأُولئِکَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (2).

ونحن نرحّب بکتاب کلّ مذهب وتألیف کلّ ملّة أُلّف بید الصدق والأمانة ، بید 4.

ص: 458


1- النساء : 66.
2- آل عمران : 104.

الثقة والرزانة ، بید التحقیق والتنقیب ، بید العدل والإنصاف ، بید الحبّ والإخاء ، بید أدب العلم والدین ، (لِیَهْلِکَ مَنْ هَلَکَ عَنْ بَیِّنَةٍ وَیَحْیی مَنْ حَیَّ عَنْ بَیِّنَةٍ) (1).

(ذلِکَ یُوعَظُ بِهِ مَنْ کانَ مِنْکُمْ یُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْیَوْمِ الْآخِرِ ذلِکُمْ أَزْکی لَکُمْ وَأَطْهَرُ) (2)2.

ص: 459


1- الأنفال : 42.
2- البقرة : 232.

ص: 460

شعراء الغدیر فی القرن الرابع

ص: 461

ص: 462

فهرس شعراء الغدیر فی القرن الرابع

340 - أبو الحسن بن طباطبا الأصبهانی المتوفّی 322

341 - أبو جعفر أحمد بن عَلّویه الأصبهانی المتوفّی 320

342 - أبو عبد الله محمد المفجّع البصری المتوفّی نیّف و 327

343 - أبو القاسم أحمد بن محمد الصنوبری المتوفّی 334

344 - أبو القاسم علیّ بن محمد التنوخی المتوفّی 342

345 - أبو القاسم علیّ بن إسحاق الزاهی المتوفّی 352

346 - أبو فراس أمیر الشعراء الحمدانی المتوفّی 357

347 - أبو الفتح محمود بن محمد کشاجم المتوفّی 350 ، 360

348 - أبو الحسن علیّ بن عبد الله الناشئ الصغیر المتوفّی 365

349 - أبو عبد الله الحسین البشنوی المتوفّی بعد 380

350 - أبو القاسم الوزیر الصاحب بن عبّاد المتوفّی 385

351 - أبو عبد الله بن الحجّاج البغدادی المتوفّی 391

352 - أبو العبّاس الوزیر أحمد الضبّی المتوفّی 398

353 - أبو حامد أحمد بن محمد الأنطاکی المتوفّی 399

354 - أبو النجیب شداد الظاهر الجزری (1) المتوفّی 401

355 - أبو محمد طلحة الغسّانی العونی

356 - أبو العلاء محمد بن إبراهیم السروی

357 - أبو الحسن علیّ الجوهری الجرجانی

358 - أبو الحسن علیّ بن حمّاد العبدی

359 - أبو الفرج بن هندو الرازی

[360 - جعفر بن حسین] س.

ص: 463


1- ستأتی ترجمته فی الجزء الرابع ضمن شعراء القرن الخامس.

ص: 464

17 - ابن طباطبا الأصبهانی

المتوفّی (322)

یا من یُسرُّ لیَ العداوةَ أَبْدِها

واعمدْ لمکروهی بجهدِک أو ذرِ

لله عندی عادةٌ مشکورةٌ

فیمن یعادینی فلا تتحیَّرِ

أنا واثقٌ بدعاء جدّی المصطفی

لأبی غداةَ غدیرِ خمٍّ فاحذرِ

والله أسعدنا بإرث دعائِهِ

فیمن یُعادی أو یُوالی فاصبرِ (1)

* الشاعر

أبو الحسن محمد بن أحمد بن [محمد بن أحمد بن] (2) إبراهیم طباطبا ابن إسماعیل بن إبراهیم بن الحسن ابن الإمام السبط الحسن ابن الإمام علیِّ بن أبی طالب - صلوات الله علیهم - ، الشهیر بابن طباطبا.

عالم ضلیع ، وشاعر مفلق ، وشیخ من شیوخ الأدب ، ذکر المرزبانی فی معجم الشعراء (3) (ص 463) : إنّ له کتباً ألَّفها فی الأشعار والآداب ، وذکر منها 7.

ص: 465


1- خاطب بها أبا علیّ الرستمی ، کما فی ثمار القلوب للثعالبی : ص 511 [ص 637 رقم 1068]. (المؤلف)
2- الزیادة فی عمدة الطالب : ص 173 ، المجدی : ص 74 ، معجم الأدباء : 17 / 143 ، أعیان الشیعة : 9 / 72 ، الأعلام : 5 / 308.
3- معجم الشعراء : ص 427.

أصحاب المعاجم (1) :

1 - کتاب سنام المعالی.

2 - کتاب عیار الشعر ، وفی فهرست ابن الندیم (2) (ص 221) : معیار الشعر. وقال الحموی فی معجم الأدباء (3) (3 / 58) : ألّف الآمدی الحسن بن بشر کتاباً فی إصلاح ما فیه.

3 - کتاب الشعر والشعراء.

4 - کتاب نقد الشعر.

5 - کتاب تهذیب الطبع.

6 - کتاب العروض. قال الحموی : لم یُسبق إلی مثله.

7 - کتاب فرائد الدرّ. کتب إلی صدیق له کان قد استعاره یسترجعه منه :

یا درُّ ردَّ فرائدَ الدرِّ

وارفق بعبدٍ فی الهوی حرِّ

8 - کتاب فی المدخل فی معرفة المعمّی من الشعر.

9 - کتاب فی تقریض الدفاتر.

10 - کتاب دیوان شعره.

11 - کتاب اختیاره دیوان شعره.

ذکره الحموی فی معجم الأدباء (4) وقال : إنّه کان مذکوراً بالذکاء والفطنة ، وصفاء القریحة ، وصحّة الذهن ، وجودة المقاصد ....

ذکر أبو عبد الله حمزة بن الحسن الأصبهانی قال : سمعت جماعة من رواة الأشعار ببغداد یتحدّثون عن عبد الله بن المعتزّ أنّه کان لهجاً بذکر أبی الحسن ، مقدِّماً له علی سائر أهله ویقول : ما أشبهه فی أوصافه إلاّ محمد بن یزید بن مسلمة بن عبد الملک ، 3.

ص: 466


1- راجع ثمار القلوب : ص 507 [ص 631 رقم 1055] ، فهرست ابن الندیم : ص 196 [ص 151] ، معجم الأدباء : 17 / 143 ، عمدة الطالب : ص 162 [ص 173]. (المؤلف)
2- فهرست الندیم : ص 172.
3- معجم الأدباء : 8 / 85.
4- معجم الأدباء : 17 / 143.

إلاّ أنّ أبا الحسن أکثر شعراً من المَسلَمیّ ، ولیس فی ولد الحسن من یشبهه ، بل یُقاربه علیّ بن محمد الأفوه (1).

قال : وحدّثنی أبو عبد الله بن عامر قال : کان أبو الحسن طول أیّامه مشتاقاً إلی عبد الله بن المعتزّ ، متمنّیاً أن یلقاه أو یری شعره ، فأمّا لقاؤه فلم یتّفق له ؛ لأنّه لم یفارق أصبهان قطُّ ، وأمّا ظفره بشعره فإنّه اتّفق له فی آخر أیّامه. وله فی ذلک قصّة عجیبة ، وذلک أنّه دخل إلی دار معمر وقد حُملت إلیه من بغداد نسخة من شعر عبد الله ابن المعتزّ ، فاستعارها فسوّف بها ، فتمکّن عندهم من النظر فیها ، وخرج وعدل إلیّ کالاّ معییاً کأنّه ناهض بحمل ثقیل ، فطلب محبرةً وکاغداً ، فأخذ یکتب عن ظهر قلبه مقطّعات من الشعر ، فسألته لمن هی؟ فلم یجبنی حتی فرغ من نسخها ، وملأ منها خمس ورقات من نصف المأمونی ، وأحصیت الأبیات فبلغ عددها مائة وسبعة وثمانین بیتاً تحفّظها من شعر ابن المعتزّ فی ذلک المجلس ، واختارها من بین سائرها.

یوجد فی معجم الحموی (2) شطر مهمٌّ من شعره ، منه قصیدة فی (39) بیتاً لیس فیها راء ولا کاف ، یمدح بها أبا الحسین محمد بن أحمد بن یحیی بن أبی البغل ، أوّلها :

یا سیّداً دانت له الساداتُ

وتتابعتْ فی فعلِهِ الحسناتُ

وتواصلت نعماؤه عندی فلی

منه هباتٌ خلفهنَّ هباتُ

نِعمٌ ثنتْ عنّی الزمانَ وخطبَهُ

من بعد ما هِیبتْ لهَ غَدَواتُ

ویصف قصیدته بقوله :

میزانُها عند الخلیل مُعَدّلٌ

متفاعلن متفاعلن فَعِلاتُ

وروی الثعالبی فی ثمار القلوب (3) (ص 518) له قوله : 9.

ص: 467


1- هو الحمّانی أحد شعراء الغدیر ، مرّت ترجمته فی هذا الجزء : ص 57 - 69. (المؤلف)
2- معجم الأدباء : 17 / 146.
3- ثمار القلوب : ص 645 رقم 1083 ، ص 548 رقم 897 ، ص 286 رقم 429.

أقولُ وقد أُوقظتُ من سِنَةِ الهوی

بعذلٍ یُحاکی لذعُهُ لذعةَ الهجرِ

دعونی وحُلمَ اللهوِ فی لیلةِ المُنی

ولا توقظونی بالملامِ وبالزجرِ

فقالوا لیَ استیقظْ فشیبُکَ لائحٌ

فقلتُ لهم طیبُ الکری ساعة الفجرِ

وذکر فی (ص 435) له یصف لیلة ممتعة :

ولیلةٍ أطربنی صبحُها

فَخِلْتُنی فی عُرُس الزنجِ (1)

کأنّما الجوزاءُ جنحَ الدجی

طبّالةٌ تضربُ بالصنْجِ

قائمةٌ قد حرّرت وصفها

مائلةُ الرأس من الغنجِ

وقال فی (ص 229) : دخل یوماً أبو الحسن بن طباطبا دار أبی علیّ بن رستم ، فرأی علی بابه عثمانیَّینِ أسودَینِ قد لبسا عمامتین حمراوین ، فامتحنهما فوجدهما من الأدب خالیین ، فلمّا تمکّن فی مجلس ابن رستم دعا بالدواة والقرطاس وکتب :

أری بباب الدارِ أسودینِ

ذَوَیْ عمامتینِ حمراوینِ

کجمرتینِ فوقَ فحمتینِ

قد غادرا الرفض قریری عینِ

جدّکما عثمانُ ذو النورینِ

فما لهُ أنسلَ ظُلمتینِ

یا قبحَ شینٍ صادرٍ عن زینِ

حدائدٍ تُطبَعُ من لُجَینِ

ما أنتما إلاّ غُرابا بَینِ

طِیرا فقد وقعتما لِلْحَیْنِ (2)

المُظهرینِ الحبَّ للشخصینِ

ذرا ذوی السنّة فی المصرینِ

وخلّیا الشیعة للسبطینِ

للحسن الطیِّب والحسینِ

ستُعطَیان فی مدی عامینِ

صکّا بخفّین إلی حنینِ (3)ف)

ص: 468


1- یضرب به المثل لاختصاص الزنج من بین الأمم بشدّة الطرب وحبّ الملاهی والأغانی ، والمثل سائر بإطرابهم. (المؤلف)
2- الحَیْن : الهلاک.
3- توجد فی معجم الأدباء : 17 / 154 بتغییر یسیر. (المؤلف)

فاستظرفها ابن رستم وتحفّظها الناس.

وله قوله یهجو به أبا علیّ بن رستم یرمیه بالدعوة (1) والبرص :

أنت أُعطیت من دلائل رُسْلِ الله

آیاً بها علوتَ الرؤوسا

جئت فرداً بلا أب وبیُمنا

کَ بیاضٌ فأنت عیسی وموسی

وله فی أبی علیِّ بن رستم لمّا هدم سور أصبهان لیزید به فی داره ، وأشار فیه إلی کون أصبهان من بناء ذی القرنین :

وقد کان ذو القرنین یبنی مدینةً

فأصبحَ ذو القرنینِ یهدمُ سورَها

علی أنّه لو کان فی صحنِ دارِهِ

بقرنٍ له سَیْناء زعزعَ طورَها

وله فی ابن رستم یذکر بناءه سور أصبهان :

یا رستمیُّ استعمل الجدّا

وکدنا فی حظِّنا کدّا

فإنّک المأمولُ والمرتجی

تهوِّنُ الخطبَ إذا اشتدّا

أحکمتَ من ذا السورِ ما لم تجدْ

واللهِ من إحکامِهِ بُدّا

فخلفَهُ نسلٌ کثیرٌ لمن

أصفت لأرز بونها الودّا (2)

وهمْ کَیأجوجَ ومأجوجَ إن

عدّدتهم لم تُحصِهِمْ عَدّا

وأنت ذو القرنینِ فی عصرِهِ

جعلتَهُ ما بینهم سدّا

وقال یهجو أبا علیّ الرستمی :

کفراً بعلمِکَ یا ابن رُسْتم طه

وبما حفظتَ سوی الکتابِ المُنزَلِ

لو کنتَ یونسَ فی دوائرِ نحوهِ

أو کنت قُطْربَ فی الغریبِ المُشکلِ

وحویتَ فقهَ أبی حنیفةَ کلَّهُ

ثمّ انتهیتَ لرستمٍ لم تَنْبُلِف)

ص: 469


1- أی ادّعاء النسب.
2- کنّی بالأرزبون عن غلامه. (المؤلف)

وله قوله :

لا تُنْکِرَنْ إهداءَنا لک منطقاً

منک استفدنا حسنَهُ ونظامَهْ

فالله عزّ وجلّ یشکر فعلَ من

یتلو علیه وحیَهُ وکلامَهْ

ویعاتب أبا عمرو بن جعفر بن شریک علی منعه إیّاه شعر دیک الجنِّ بقوله :

یا جواداً یمسی ویصبحُ فینا

واحداً فی الندی بغیرِ شریکِ

أنت من أسمحِ الأنامِ لشعر ال

ناس ما ذا اللجاجُ فی شعرِ دیکِ

یا حلیفَ السماحِ لو أنّ دیکَ ال

جنّ من نسلِ دیکِ عرشِ الملیکِ (1)

لم یکن فیه طائلٌ بعد أن ید

خلَهُ الذکْرُ فی عِدادِ الدیوکِ

وله قوله :

بأبی الذی نفسی علیه حبیسُ

مالی سواهُ من الأنامِ أنیسُ

لا تنکروا أبداً مقاربتی له

قلبی حدیدٌ وهو مغناطیسُ

وله :

یا طیبَ لیلٍ خلوتُ فیهِ بمن

أقصرُ عن وصفِ کُنْهِ وَجدی بهِ

لیلٌ کبَردِ الشباب حالکُهُ

نعمتُ فی ظلّهِ وفی طیبهِ

وله :

أتانی قریضٌ کنظم الجُمانِ

وروضِ الجنانِ وأَمْنِ الفؤادِ

وعهدِ الصِّبا ونسیمِ الصَّبا

وبَرْدِ الفؤاد وطیبِ الرقادِف)

ص: 470


1- حدیث دیک العرش رواه الجاحظ [فی کتاب الحیوان : 2 / 259] عن رسول الله صلّی الله علیه واله وسلّم قال : إنّ ممّا خلق الله لدیکاً عَرْفُهُ تحت العرش ، وبراثنه تحت الأرض السفلی ، وجناحه فی الهواء ، فإذا مضی ثُلُثا اللیل وبقی ثلثُهُ ضرب بجناحه قائلاً : سبحان الملک القدوس ، سبّوحٌ قدّوس ، ربُّ الملائکة والروح ، فعند ذلک تضرب الدیکَةُ وتصیح. (المؤلف)

وذکر المرزبانی فی معجم الشعراء (1) (ص 463) له یصف به القلم :

وله حسامٌ باترٌ فی کفِّهِ

یمضی لِنقضِ الأمر أو توکیدِهِ

ومترجمٌ عمّا یُجنُّ ضمیرُهُ

یجری بحکمتِه لدی تسویدهِ

قلمٌ یدور بکفِّه فکأنّهُ

فَلَکٌ یدور بنحسِه وسُعودهِ

وروی له فی المعجم أیضاً :

لا وأُنسی وفرحتی بکتابٍ

قد أتانی فی عیدِ أضحی وفِطرِ

ما دجا لیلُ وحشتی قطُّ إلاّ

کنتَ لی فیه طالعاً مثل بَدرِ

بحدیثٍ یقیم للأنس سوقاً

وابتسامٍ یَکفُّ لوعةَ صدری

وذکر له النویری فی نهایة الأرب (2) (3 / 97):

إنّ فی نیل المنی وَشْکَ الردی

وقیاسَ القصد عند السرَفِ

کسراجٍ دهنُهُ قوتٌ له

فإذا غرَّقته فیه طَفی

وقوله :

لقد قال أبو بکرٍ

صواباً بعد ما أنصتْ

فَرُحْنا لم نَصِدْ شیئاً

وما کانَ لنا أفلتْ

وذکر ابن خلّکان (3) نقلاً عن دیوانه قوله :

بانُوا وأبقَوا فی حَشای لبَیْنِهمْ

وجْداً إذا ظَعَنَ الخلیطُ أقاما

لله أیّامُ السرور کأنّما

کانت لسُرعةِ مَرِّها أحلاما3.

ص: 471


1- معجم الشعراء : ص 427.
2- نهایة الأرب : 3 / 101.
3- وفیات الأعیان : 1 / 130 رقم 53.

لو دامَ عیشٌ رحمةً لأخی هویً

لأقامَ لی ذاک السرورُ وداما

یا عیشَنا المفقودَ خُذْ من عمرِنا

عاماً ورُدّ من الصِّبا أیّاما

وله قوله :

یا من حکی الماءَ فرطُ رقّتِهِ

وقلبُهُ فی قساوةِ الحجرِ

یا لیت حظّی کحظِّ ثوبِکَ من

جسمِکَ یا واحدَ البشرِ

لا تعجبوا من بلی غِلالَتِهِ

قد زَرّ أزرارَهُ علی القمرِ

وُلد المترجَم کما فی المجدی (1) بأصبهان ، وتوفّی بها سنة (322) کما فی معاهد التنصیص ، فما فی نسمة السحر من أنّه ولد سنة (322) نقلاً عن المعاهد اشتباه نشأ عن فهم ما فی المعاهد من کلامه ، قال : مولده بأصبهان وبها مات سنة (322). فحسب التاریخ ظرف ولادته کما زعمه بعض المعاصرین وهو لا یقارف الصواب ، لأنّ أبا علیّ الرستمیّ الذی للمترجَم فیه شعر کثیر من رجال عهد المقتدر بالله المقتول سنة (320) ، وفی أیّامه أحدث الرستمی ما أحدث فی أصبهان فی سورها وجامعها وهجاه المترجَم ، ولأنّ المترجَم کما مرّ عن معجم الأدباء کان یتمنّی لقاء عبد الله بن المعتز ویشتاق إلیه ، وابن المعتزّ توفّی سنة (296).

توجد ترجمته والثناء علیه فی غایة الاختصار ، نسمة السحر فیمن تشیّع وشعر (2) (ج 2) ، معاهد التنصیص (3) (1 / 179).

نقل ابن خلّکان فی تاریخه (4) (1 / 42) فی ذیل ترجمة أبی القاسم بن طباطبا المتوفّی سنة (345) عن دیوان المترجم الأبیات المذکورة ، فقال : ولا أدری من هذا 3.

ص: 472


1- المجدی فی أنساب الطالبیّین : ص 74.
2- نسمة السحر : مج 9 / ج 2 / 485.
3- معاهد التنصیص : 2 / 129 رقم 22.
4- وفیات الأعیان : 1 / 130 رقم 53.

أبو الحسن ، ولا وجه النسب بینه وبین أبی القاسم المذکور ، والله أعلم. انتهی.

واشتبه علی سیّدنا الأمین العاملی فهم کلام ابن خلّکان هذا وذیله ، وأوقعه فی خلط عظیم ، فعقد ترجمة تحت عنوان - أبو الحسن الحسنی المصریّ - فی أعیان الشیعة فی الجزء السادس (ص 312) وجعله مصریّا بلا مستند ، وأخذ تاریخ وفاة أبی القاسم بن طباطبا وذکره لأبی الحسن ، وختم ترجمته بقوله : ولا دلیل لنا علی تشیّعه غیر أصالة التشیّع فی العلویّین. والعجب أنّه ذکر فی الجزء التاسع (1) (ص 305) أبا الحسن باسمه ونسبه وقال : هذا الذی قال ابن خلّکان : لا أدری من هذا أبو الحسن. لا عصمة إلاّ لله.

وللمترجَم عقبٌ کثیر بأصبهان ، فیهم علماء ، أدباء ، أشراف ، نقباء ، قال النسّابة العمری فی المجدی (2) : له ذیل طویل فیهم موجّهون ، منهم : أبو الحسن أحمد الشاعر الأصبهانی ، وأخوه أبو عبد الله الحسین وَلِیَ النقابة بها ، ابنا علیّ بن محمد الشاعر الشهیر. ومنهم : الشریف أبو الحسن محمد ببغداد ، یقال له : ابن بنت خصبة. 4.

ص: 473


1- أعیان الشیعة : 9 / 72.
2- المجدی فی أنساب الطالبیّین : ص 74.

ص: 474

18 - ابن عَلّویه الأصبهانی

المولود (212)

المتوفّی (320 ونیّف)

ما بالُ عینِکَ ثرّةَ (1) الأجفانِ

عبری اللحاظِ سقیمةَ الإنسانِ

صلّی الإلهُ علی ابن عمِّ محمدٍ

منهُ صلاةَ تغمّدٍ بحنانِ

وله إذا ذُکر الغدیرُ فضیلةٌ

لم ننسَها ما دامتِ المَلَوانِ (2)

قام النبیُّ له بشرحِ ولایةٍ

نزلَ الکتابُ بها من الدیّانِ

إذ قالَ بلّغْ ما أُمرتَ به وثقْ

منهم بعصمةِ کالئٍ حنّانِ

فدعا الصلاةَ جماعةً وأقامَهُ

عَلَماً بفضلِ مقالةٍ غرّانِ (3)

نادی أَلَسْتُ ولیَّکمْ قالوا بلی

حقّا فقال فذا الولیُّ الثانی

ودعا لهُ ولمن أجابَ بنصرِهِ

ودعا الإلهَ علی ذوی الخذلانِ

نادی ولم یکُ کاذباً بخٍّ أبا

حسنٍ ربیعَ الشِّیبِ والشبّانِ

أصبحتَ مولی المؤمنینَ جماعةً

مولی إناثِهمُ مع الذکرانِ

لمن الخلافةُ والوزارةُ هل هما

إلاّ لَهُ وعلیهِ یتّفقانِن.

ص: 475


1- ثرّة : غزیرة ، وإنسان العین : سوادها.
2- المَلَوان : اللیل والنهار.
3- کذا ، وفی أعیان الشیعة 3 / 24 : مقالةٍ وبیان.

أوَ ما هما فیما تلاه إلهُنا

فی مُحْکَمِ الآیاتِ مکتوبانِ

أُدلوا بحجّتِکمْ وقولوا قولَکُمْ

ودعوا حدیثَ فلانةٍ وفلانِ

هیهات ضلَّ ضلالکمْ أن تهتدوا

أو تفهموا لمقطّع السلطانِ

ما یتبع الشعر

هذه الأبیات من القصیدة المحبّرة لابن عَلّویه ، قال الحموی فی معجم الأدباء (4 / 76) : لأحمد بن عَلّویه قصیدة علی ألف قافیة شیعیّة ، عُرضت علی أبی حاتم السجستانی (1) [فأُعجب بها] (2) وقال : یا أهل البصرة غلبکم أهل أصفهان ، وأوّل القصیدة :

ما بال عینک ثرّةَ الأجفانِ

عبری اللِّحاظِ سقیمةَ الإنسانِ

وفی معالم العلماء لابن شهرآشوب (3)) ، وإیضاح الاشتباه للعلاّمة الحلّی (4) : له النونیّة المسمّاة بالألفیّة والمحبَّرة وهی ثمانمائة ونیّف وثلاثون بیتاً. إلی آخر ما ذکره الحموی. یوجد منها شطرٌ مهمٌّ فی مناقب ابن شهرآشوب (5) مبثوثاً فی أبوابه ، جمعه العلاّمة السماوی فی دیوان یحتوی علی (213) بیتاً ، وذکر منها سیِّدنا الحجّة الأمین فی أعیان الشیعة فی الجزء التاسع (6) (ص 71 - 82) نقلاً عن المناقب (211) بیتاً.

والقصیدة تتضمّن غرر فضائل أمیر المؤمنین المأثورة عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، 6.

ص: 476


1- سهل بن محمد الإمام فی علوم القرآن واللغة والشعر قرأ علی الأخفش ، وروی عن أبی عبیدة وأبی زید والأصمعی وجمع آخرین ، وعنه ابن درید وغیره. توفّی سنة (255) وقیل غیرها. (المؤلف)
2- الزیادة من المصدر.
3- معالم العلماء : ص 23 رقم 110.
4- إیضاح الاشتباه : ص 104 رقم 69.
5- مناقب آل أبی طالب : 2 / 148.
6- أعیان الشیعة : 3 / 22 - 26.

وهی لسان الکتاب والسنّة لا الصور الخیالیّة الشعریّة المطّردة ، وفیها الحِجاج والبرهنة الصادقة علی إمامة وصیّ النبیّ الأمین ، وإنّ ما فهمه من لفظ المولی وهو ذلک الفذُّ من علماء العربیّة ، والناقد البصیر من أئمّة اللغة ، والأوحد المفرد من رجال الأدب وصاغة الشعر ، لهو الحجّة القویّة علی ما ترتئیه الشیعة فی دلالة هذا اللفظ ، وإفادة الحدیث بذلک الولایة المطلقة لمولی المؤمنین - صلوات الله علیه.

الشاعر

أبو جعفر أحمد بن عَلّویه (1) الأصبهانی الکرانی الشهیر بابن الأسود ، هو أحد مؤلّفی الإمامیّة المطّرد ذکرهم فی المعاجم ، وذکر النجاشی فی فهرسته (2) وابن شهرآشوب فی معالم العلماء (3) له کتاباً أسماه الأوّل کتاب الاعتقاد فی الأدعیة والثانی دعاء الاعتقاد ، وفی المعالم : أنّ له کتاباً منها ذلک ، وقال الحموی فی معجم الأدباء (4) : له رسائل مختارة دوّنها أبو الحسین أحمد بن سعد فی کتابه المصنّف فی الرسائل ، وله ثمانیة کتب فی الدعاء من إنشائه ورسالة فی الشیب والخضاب ، وذکر ابن الندیم فی فهرسته (5) (ص 237) له دیواناً فی خمسین ورقة.

[و] المترجَم من أئمّة الحدیث ، ومن صدور حملته ، أخذ عنه مشایخ علماء الإمامیّة واعتمدوا علیه ، منهم :

شیخ القمیّین أبو جعفر محمد بن الحسن بن الولید القمّی المتوفّی (343) ، المعلوم 2.

ص: 477


1- بفتحتین وتشدید الیاء کما فی توضیح الاشتباه للساروی [ص 36 رقم 127] ، واشتبه علیه کلام النجاشی وعرّف المترجم بالرحال وضبطه وهو لقب محمد بن أحمد الراوی عن المترجم لا لقبه. [فی المعجم الموحد : 1 / 98 ، ولغت نامه : 3 / 1222 بفتح العین وتشدید اللام]. (المؤلف)
2- رجال النجاشی : ص 88 رقم 214.
3- معالم العلماء : ص 23 رقم 110.
4- معجم الأدباء : 4 / 73.
5- فهرست الندیم : ص 192.

حاله فی الثقة والتحرّز عن الروایة عن غیر الثقة وطعنه وإخراجه من روی عن الضعفاء من قمّ ، فقد روی عنه کتب إبراهیم بن محمد الثقفی المعتمد علیه عند الأصحاب ، کما فی مشیخة الفقیه (1) وفهرست شیخ الطائفة الطوسی (2).

وممّا رواه أبو جعفر القمّی عن المترجَم له عن إبراهیم بن محمد الثقفی ما أخرجه شیخنا الصدوق فی أمالیه (3) (ص 354) ، وما رواه أبو جعفر الطبری فی بشارة المصطفی فی أواخر الجزء الرابع بإسناد المترجَم له عن زید بن أرقم ، قال : قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «ألا أدلّکم علی ما إن استدللتم به لم تهلکوا ولم تضلّوا؟» قالوا : بلی یا رسول الله.

قال : «إنَّ إمامکم وولیّکم علیُّ بن أبی طالب ، فوازروه وناصحوه وصدِّقوه فإنَّ جبرئیل أمرنی بذلک».

ومنهم : فقیه الطائفة وشیخها ووجهها سعد بن عبد الله بن أبی خلف الأشعری المتوفّی (299 ، 300 ، 301) کما فی المجلس العشرین من مجالس شیخنا الأکبر محمد بن محمد بن نعمان المفید.

ومنهم : الحسین بن محمد بن عمران الأشعری القمّی الثقة ، الذی أکثر النقل عنه ثقة الإسلام الکلینی فی الکافی وابن قولویه فی الکامل ، کما جاء فی کامل الزیارة ورجال الشیخ الطوسی.

ومن أحادیث الأشعری عن المترجَم ما رواه ابن قولویه بإسناده (ص 186) 6.

ص: 478


1- مشیخة الفقیه : ص 131.
2- الفهرست : ص 6.
3- الأمالی : ص 386.

رفعه إلی الصادق علیه السلام أنَّه کان یقول عند غسل الزیارة إذا فرغ : «اللهمَّ اجعله لی نوراً وطهوراً». إلخ.

ومنهم : عبد الله بن الحسین المؤدّب ، أحد مشایخ الشیخ الصدوق ووالده المقدَّس کما فی مشیخة الفقیه (1) ، وممّا رواه المؤدّب عن المترجَم : ما رواه شیخنا الصدوق فی أمالیه (2) (ص 55) بإسناده عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله : «إنّ فی علیٍّ خصالاً لو کانت واحدة منها فی جمیع الناس لاکتفوا بها فضلاً».

و (ص 76) بإسناده عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أنّه قال : «یا علیُّ أنت أخی ، ووصیّی ، ووارثی ، وخلیفتی علی أمّتی فی حیاتی وبعد وفاتی ، محبّک محبّی ، ومبغضک مبغضی ، وعدوّک عدوّی ، وولیّک ولیّی».

وفی (ص 217) بإسناده من طریق المترجَم ، عن رسول الله أنّه قال : «إذا کان یوم القیامة یؤتی بک یا علیُّ ، علی نجیب من نور ، علی رأسک تاج قد أضاء نوره وکاد یخطف أبصار أهل الموقف».

وفی (ص 351) بإسناد المترجَم ، عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أنّه قال : «إنّ حلقة باب الجنّة من یاقوتة حمراء علی صفائح الذهب ، فإذا دقّت الحلقة علی الصفحة طنّت وقالت : یا علیّ».

وتوجد أحادیث أخری من طریق المؤدّب عن المترجم فی الأمالی (3) (ص 9 ، 152 ، 283 ، 286 ، 326 ، 375 ، 390).

ویروی عنه کتابه الاعتقاد فی الأدعیة ، محمد بن أحمد الرحّال کما فی فهرست النجاشی (4) (ص 64) ، وأحمد بن یعقوب الأصبهانی کما فی تهذیب الشیخ 4.

ص: 479


1- مشیخة الفقیه : ص 131.
2- الأمالی : ص 81 ، 108 ، 295 ، 479.
3- الأمالی : ص 21 ، 179 ، 381 ، 385 ، 440 ، 503 ، 522.
4- رجال النجاشی : ص 88 رقم 214.

الطوسی (1) (1 / 141) فی باب الدعاء بین الرکعات. وذکر النجاشی إسناده إلیه (ص 64) هکذا : عن ابن نوح ، عن محمد بن علیّ القمّی ، عن محمد بن أحمد الرحّال ، عنه.

وحَسبُ المترجَم جلالةً أن تکون أخباره مبثوثةً فی مثل الفقیه ، والتهذیب ، والکامل ، وأمالی الصدوق ، ومجالس المفید ، وأمثالها من عُمد کتب أصحابنا - رضوان الله علیهم - ، وحسبُنا آیةً لثقته اعتماد القمیِّین علیه مع تسرّعهم فی الوقیعة بأدنی غمیزة فی الرجل.

کان المترجم من علماء العربیة البارعین فیها بعد ما کان شیخاً فی الحدیث ، ولذلک ترجمه السیوطی فی بغیة الوعاة (2) ، وعدّه الثعالبی من کتّاب أصبهان وشعرائها فی یتیمة الدهر (3) (3 / 267) ، وقال الحموی فی معجم الأدباء (4) (2 / 3) الطبعة الأولی : کان صاحب لغة یتعاطی التأدیب ویقول الشعر الجیّد. وعرّفه شیخ الطائفة ومن یلیه من أصحاب المعاجم حتی الیوم بالکتابة.

وأمّا شاعریّته فهی فی الذروة والسنام من مراقی قرض الشعر ، فقد فاق نظمه بجزالة المعنی ، وفخامة اللفظ ، وحسن الصیاغة ، وقوّة الترکیب ، وبرع هو بفلج الحجّة ، وجودة الإفاضة ، والحصول علی البراهین الدامغة ، والوصول إلی مغازی التعبیرات ، فجاء شعره فی أئمّة الدین علیهم السلام کسیفٍ صارم لشُبَه أهل النصب ، أو المعول الهدّام لبیوت عناکب التمویهات ضدّ إمامة العترة الطاهرة ، وقصیدته المحبّرة التی اقتطفنا منها موضع الشاهد لکتابنا هذا لهی الشهیدة بکلّ ما أنبأناک عنه ، کما أنّها الحجّة القاطعة علی عبقریّته الشعریّة کما شهد به أبو حاتم السجستانی فیما عرفت عنه. 2.

ص: 480


1- تهذیب الأحکام : 3 / 86 ح 244.
2- بغیة الوعاة : 1 / 336 رقم 640.
3- یتیمة الدهر : 3 / 349.
4- معجم الأدباء : 4 / 72.

وُلد المترجم سنة (212) وتوفّی فی نیّف وعشرین وثلاثمائة ، وأنشد سنة (310) وله (98) عاماً من عمره قوله :

دنیاً مغبّةُ من أثری بها عدمُ

ولذّةٌ تنقضی من بعدِها ندمُ

وفی المنونِ لأهل اللُّبّ معتَبرٌ

وفی تزوّدهم منها التقی غنمُ

والمرءُ یسعی لفضلِ الرزق مجتهداً

وماله غیرُ ما قد خطّه القلمُ

کم خاشعٍ فی عیون الناس منظرُهُ

واللهُ یعلمُ منه غیرَ ما علموا

وقال بعد أن أتت علیه مائة سنة :

حنی الدهرُ من بعد استقامته ظهری

وأفضی إلی ضحضاحِ (1) غایتِهِ عمری

ودبَّ البلی فی کلّ عضو ومفصلٍ

ومن ذا الذی یبقی سلیماً علی الدهرِ

ومن شعره ما ذکره النویری فی نهایة الأرب فی فنون الأدب ، فی الجزء العاشر (ص 122) من قوله فی وصف البقر :

یا حبّذا مخضُها ورائبُها

وحبّذا فی الرجالِ صاحبُها

عجولةٌ (2) سمحةٌ مبارکةٌ

میمونةٌ طُفّحٌ محالبُها

تُقبِلُ للحلْبِ کلّما دُعیَتْ

ورامها للحِلابِ حالبُها

فتیّةٌ سنّها مهذّبةٌ

معنَّفٌ فی الندیِّ عائبُها

کأنّها لعبةٌ مزیَّنةٌ

یطیرُ عُجباً بها ملاعبُها

کأنّ ألبانَها جنی عسلٍ

یلذّها فی الإناءِ شاربُها

عروس باقورةٍ (3) إذا برزت

من بین أحبالها ترائبُها کأنّها

هضبةٌ إذا انتسبت

أو بکرةٌ قد أناف غاربُهاف)

ص: 481


1- یقال : ماء ضحضاح أی قریب القعر ، یرید أنّ عمره شارف علی نهایته.
2- أنثی العجول وهو : ولد البقرة. (المؤلف)
3- الباقورة والباقور : جماعة البقر. (المؤلف)

تزهی برَوْقین (1) کاللجین إذا

مسّهما بالبنان طالبُها

لو أنّها مُهرةٌ لما عدمت

من أن یضمَّ السرور راکبها

توجد ترجمة شاعرنا (2) فی فهرست النجاشی (ص 64) ، رجال شیخ الطائفة ، معالم العلماء (ص 19) ، معجم الأدباء (2 / 3) ، إیضاح الاشتباه للعلاّمة ، بغیة الوعاة (ص 146) ، جامع الأقوال ، توضیح الاشتباه للساروی ، جامع الرواة ، جامع المقال للطریحی ، هدایة المحدّثین المعروف بتمییز المشترکات ، منتهی المقال ، رجال الشیخ عبد اللطیف بن أبی جامع ، الشیعة وفنون الإسلام (ص 91) وفیه تاریخ وفاته المذکور ، تنقیح المقال (1 / 68) ، أعیان الشیعة الجزء التاسع (ص 67) ، التعالیق علی نهایة الأرب (10 / 122). (3)ی)

ص: 482


1- الرَّوْقان : مثنّی روْق ، وهو القَرْن.
2- رجال النجاشی : ص 88 رقم 214 ، رجال الطوسی : ص 447 رقم 56 ، معالم العلماء : ص 148 ، معجم الأدباء : 4 / 72 ، إیضاح الاشتباه : ص 104 رقم 69 ، بغیة الوعاة : 1 / 336 رقم 640 ، توضیح الاشتباه للساروی : ص 36 رقم 127 ، جامع الرواة : 1 / 54 ، جامع المقال : ص 54 و 96 ، هدایة المحدّثین : ص 15 ، منتهی المقال : ص 99 ، الشیعة وفنون الإسلام : ص 109 ، أعیان الشیعة : 3 / 22.
3- وتوجد ترجمته أیضاً فی رجال ابن داود : ص 40 رقم 103 ، الوافی بالوفیات للصفدی : 7 / 253 ، نضد الإیضاح : ص 32 ، روضات الجنات 1 / 211 ، خاتمة المستدرک : ص 549 ، هدیة العارفین : 1 / 57 ، نوابغ الرواة : ص 36 ، الجامع فی الرجال للزنجانی : 1 / 131 ، معجم المؤلفین : 1 / 314 ، مستدرکات علم الرجال : 1 / 366 ، تهذیب المقال : 3 / 411 رقم 212 ، المعجم الموحّد : 1 / 89 ، تاریخ التراث العربی لسزکین - مجلد الشعر - : ص 633 (وفی الترجمة العربیة : 4 / 244) ، الکنی والألقاب : 1 / 212 (ابن الأسود). (الطباطبائی)

19 - المفجَّع

المتوفّی (327)

أیّها اللاّئمی لحبّی علیّا

قُمْ ذمیماً إلی الجحیم خَزِیّا

أبخیرِ الأنامِ عرّضت لا زل

تَ مَذُوداً عن الهدی مَزْویّا

أشبه الأنبیاءَ کهلاً وزَوْلاً (1)

وفطیماً وراضعاً وغذِیّا

کان فی علمِهِ کآدمَ إذ عُل

لمَ شرحَ الأسماءِ والمکنیّا

وکنوحٍ نجا من الهُلْک من سُ

یِّرَ فی الفُلْکِ إذ علا الجودیّا

* * *

وعلیٌّ لمّا دعاهُ أخوهُ

سبقَ الحاضرین والبدویّا

وله من أبیه ذی الأیدی اسما

عیلَ شَبْهٌ ما کان عنّی خفیّا

إنّه عاونَ الخلیلَ علی الکع

بةِ إذ شادَ رکْنَها المبنیّا

ولقد عاون الوصیُّ حبیبَ الله

إذ یغسلانِ منها الصُّفیّا (2)

رام حَمْلَ النبیِّ کی یَقْلَعَ الأصن

امَ عن سطحها المثولَ الجُثیّا

فحناهُ ثقلُ النبوّةِ حتی

کاد ینآد (3) تحته مثنیّاء.

ص: 483


1- الزَّوْل : الغلام الظریف. (المؤلف)
2- الصُّفیّا : جمع صفاة ، وهی الحجر الصلد الضخم ، یرید بذلک الأصنام.
3- انآد : انحنی وناء.

فارتقی منکبَ النبیِّ علیٌ

صنوُهُ ما أجلّ ذاکَ رُقیّا

فأماطَا لأوثانَ عن ظاهرِ الکع

بة ینفی الأرجاسَ عنها نَفِیّا

ولو أنَّ الوصیَّ حاول مسَ النج

مِ بالکفِّ لم یجدْهُ قَصیّا

أفهل تعرفون غیرَ علیٍ

وابنِهِ (1) استرحلَ النبیَّ

مَطیّا

لم یکن أمرُه بدوحاتِ خمٍ

مشکلاً عن سبیله ملویّا

إنّ عهدَ النبیّ فی ثَقَلَیهِ

حُجّةٌ کنتُ عن سواها غنیّا

نَصَبَ المرتضی لهمْ فی مقامٍ

لم یکنْ خاملاً هناکَ دَنِیّا

عَلَماً قائماً کما صدعَ البد

رُ تماماً دُجُنَّة أو دُجیّا

قال هذا مولیً لمن کنت مولا

هُ جَهاراً یقولها جهوریّا

والِ یا ربِّ من یوالیه وانصر

هُ وعادِ الذی یعادی الوصیّا

إنّ هذا الدُعا لمنْ یتعدّی

راعیاً فی الأنامِ أم مرعیّا

لا یُبالی أماتَ موتَ یهودٍ

منْ قلاهُ أو مات نصرانیّا

من رأی وجهَهُ کمن عَبَدَ اللهَ

مُدیمَ القنوتِ رهبانیّا

کان سُؤْلَ النبیِّ لمّا تمنّی

حین أهدوه طائراً مشویّا

إذ دعا اللهَ أن یسوقَ أحبَ

الخلق طُرّا إلیه سوقاً وحیّا

فإذا بالوصیّ قد قرع البا

بَ یریدُ السلامَ ربّانیّا

فثناه عن الدخول مراراً

أَنَسٌ حین لم یکن خزرجیّا

وذخیراً لقومه وأبی الرح

- منُ إلاّ إمامَنا الطالبیّا

ورمی بالبیاضِ من صدَّ عنهُ

وحبا الفضل سیِّداً أریحیّا

القصیدة (160) بیتاً ف.

ص: 484


1- هو الإمام الحسن المجتبی علیه السلام حین اعتلی ظهر النبیّ وهو ساجد ، فأبطأ صلّی الله علیه واله وسلّم فی سجوده وأمهله حتی انصرف.

ما یتبع الشعر

هذه القصیدة من غرر الشعر ونفیسه توجد مقطّعةً فی الکتب ، ونحن عثرنا علیها مشروحةً بذکر الأحادیث المتضمِّنة لمفاد کلِّ فضیلةٍ لأمیر المؤمنین علیه السلام ، نظمها فی بیت أو بیتین أو أکثر ، یبلغ عدد أبیاتها (160) بیتاً ، غیر أنّ فیها أبیاتاً من الدخیل تنافی مذهب المفجَّع ومعتقده ألصقها بالقصیدة بعض أضداده ، وأدخل شرحها الملائم لمعنی الأبیات فی الشرح ، کما یذکرها فی سیِّد البطحاء أبی طالب علیه السلام والد مولانا أمیر المؤمنین علیه السلام ، وفی أبی إبراهیم الخلیل ممّا لا یقول به أحد من الأصحاب ، فکیف بالمفجَّع الذی هو من رجالات الشیعة وعلمائها وشعرائها المتبصّرین؟ وأظنُّ أنَّ هذا الشرح أیضاً له ، وأحسب أنّ کلمة شیخ الطائفة الطوسی فی الفهرست (1) ، والمرزبانی فی المؤتلف والمختلف ، والحموی فی معجم الأدباء ، عند تعداد کتبه ، وکتاب قصیدته فی أهل البیت توعز إلی ذلک الشرح.

وهذه القصیدة تُسمّی ب - الأشباه - قال الحموی فی معجم الأدباء (17 / 191) فی أوّل ترجمة المترجم : إنَّ له قصیدةً یسمّیها بالأشباه یمدح فیها علیّا. ثمّ قال فی (ص 200) : له قصیدته ذات الأشباه ، وسُمّیت بذات الأشباه لقصده فیما ذکره من

الخبر الذی رواه عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهری ، عن سعید بن المسیّب ، عن أبی هریرة ، قال : قال رسول الله صلی الله علیه وسلم وهو فی محفل من أصحابه : «إن تنظروا إلی آدم فی علمه ، ونوح فی همِّه ، وإبراهیم فی خُلقه ، وموسی فی مناجاته ، وعیسی فی سنّته (2) ، ومحمد فی هدیه وحلمه ، فانظروا إلی هذا المُقبل». فتطاول الناس فإذا هو علیُّ بن أبی طالب علیه السلام فأورد المفجّع ذلک فی قصیدته ، وفیها مناقب کثیرة أوّلها ... ثمّ ذکر منها (18) بیتاً. ف)

ص: 485


1- الفهرست : ص 150 رقم 639.
2- فی الأصل : فی سنّه. (المؤلف)

حدیث الأشباه

هذا الحدیث الذی رواه الحموی فی معجمه نقلاً عن تاریخ ابن بشران قد أصفق علی روایته الفریقان ، غیر أنّ له ألفاظاً مختلفة وإلیک نصوصها :

1 - أخرج إمام الحنابلة أحمد عن عبد الرزاق بإسناده المذکور بلفظ : «من أراد أن ینظر إلی آدم فی علمه ، وإلی نوح فی فهمه ، وإلی إبراهیم فی خُلقه ، وإلی موسی فی مناجاته ، وإلی عیسی فی سنّته ، وإلی محمد فی تمامه وکماله ، فلینظر إلی هذا الرجل المقبل». فتطاول الناس فإذا هم بعلیِّ بن أبی طالب کأنّما ینقلعُ من صَبَب ، وینحطُّ من جبل.

2 - أخرج أبو بکر أحمد بن الحسین البیهقیّ : المتوفّی (458) فی فضائل الصحابة بلفظ : «من أراد أن ینظر إلی آدم فی علمه ، وإلی نوح فی تقواه ، وإلی إبراهیم فی حلمه وإلی موسی فی هیبته ، وإلی عیسی فی عبادته ، فلینظر إلی علیِّ بن أبی طالب».

3 - أخرج الحافظ أحمد بن محمد العاصمیّ فی کتابه زین الفتی فی شرح سورة هل أتی بإسناده ، من طریق الحافظ عبید الله بن موسی العبسی عن أبی الحمراء قال : قال رسول الله صلی الله علیه وسلم : «من أراد أن ینظر إلی آدم فی علمه ، وإلی نوح فی فهمه ، وإلی إبراهیم فی حلمه ، وإلی موسی فی بطشه ، فلینظر إلی علیِّ بن أبی طالب».

وبإسناد آخر من طریق الحافظ العبسی أیضاً ، وزاد : «وإلی یحیی بن زکریّا فی زهده».

وأخرج بإسناد ثالث بلفظ أقصر من المذکور. ثمّ قال :

أمّا آدم علیه السلام فإنّه وقعت المشابهة بین المرتضی وبینه بعشرة أشیاء : أوّلها : بالخلق والطینة ، والثانی : بالمکث والمدّة ، والثالث : بالصاحبة والزوجة ، والرابع : بالتزویج والخلعة ، والخامس : بالعلم والحکمة ، والسادس : بالذهن والفطنة ، والسابع :

ص: 486

بالأمر والخلافة ، والثامن : بالأعداء والمخالفة ، والتاسع : بالوفاء والوصیّة ، والعاشر : بالأولاد والعترة. ثمّ بسط القول فی وجه هذه کلّها ، فقال :

ووقعت المشابهة بین المرتضی وبین نوح بثمانیة أشیاء : أوّلها : بالفهم ، والثانی : بالدعوة ، والثالث : بالإجابة ، والرابع : بالسفینة ، والخامس : بالبرکة ، والسادس : بالسلام ، والسابع : بالشکر ، والثامن : بالإهلاک. ثمّ بیّن وجه الشبه فی هذه کلّها إلی أن قال :

ووقعت المشابهة بین المرتضی وبین إبراهیم الخلیل بثمانیة أشیاء : أوّلها : بالوفاء ، والثانی : بالوقایة ، والثالث : بمناظرته أباه وقومه ، والرابع : بإهلاک الأصنام بیمینه ، والخامس : ببشارة الله إیّاه بالولدین اللّذین هما من أصول أنساب الأنبیاء علیهم السلام ، والسادس : باختلاف أحوال ذرّیته من بین محسن وظالم ، والسابع : بابتلاء الله تعالی إیّاه بالنفس والولد والمال ، والثامن : بتسمیة الله إیّاه خلیلاً حتی لم یؤثر شیئاً علیه. ثمّ فصّل وجه الشبه فیها إلی أن قال : ووقعت المشابهة بین المرتضی وبین یوسف الصدّیق بثمانیة أشیاء : أوّلها : بالعلم والحکمة فی صغره ، والثانی : بحسد الأخوة له ، والثالث : بنکثهم العهود فیه ، والرابع : بالجمع له بین العلم والملک فی کبره ، والخامس : بالوقوف علی تأویل الأحادیث ، والسادس : بالکرم والتجاوز عن إخوته ، والسابع : بالعفو عنهم وقت القدرة علیهم ، والثامن : بتحویل الدیار. ثمّ قال بعد بیان وجه الشبه فیها :

ووقعت المشابهة بین المرتضی وبین موسی الکلیم علیه السلام بثمانیة أشیاء : أوّلها : الصلابة والشدّة ، والثانی : بالمحاجّة والدعوة ، والثالث : بالعصا والقوّة ، والرابع : بشرح الصدر والفسحة ، والخامس : بالأخوّة والقربة ، والسادس : بالودّ والمحبّة ، والسابع : بالأذی والمحنة ، والثامن : بمیراث الملک والإمرة. وبیّن وجه التشبیه فیها ، ثمّ قال :

ووقعت المشابهة بین المرتضی وبین داود بثمانیة أشیاء : أوّلها : بالعلم والحکمة ،

ص: 487

والثانی : بالتقوی علی إخوانه فی صغر سنّه ، والثالث : بالمبارزة لقتل جالوت ، والرابع : بالقدر معه من طالوت إلی أن أورثه الله ملکه ، والخامس : بإلانة الحدید له ، والسادس : بتسبیح الجوامد معه ، والسابع : بالولد الصالح ، والثامن : بفصل الخطاب. وقال بعد بیان المشابهة فیها :

ووقعت المشابهة بین المرتضی وبین سلیمان بثمانیة أشیاء : أوّلها : بالفتنة والابتلاء فی نفسه ، والثانی : بتسلیط الجسد علی کرسیّه ، والثالث : بتلقین الله إیّاه فی صغره بما استحقّ به الخلافة ، والرابع : بردّ الشمس لأجله بعد المغیب ، والخامس : بتسخیر الهواء والریح له ، والسادس : بتسخیر الجنّ له ، والسابع : بعلمه منطق الطیر والجوامد وکلامه إیّاه ، والثامن : بالمغفرة ورفع الحساب عنه. ثمّ بیّن وجه التشبیه فقال :

ووقعت المشابهة بین المرتضی علیه السلام وبین أیّوب بثمانیة أشیاء : أحدها : بالبلایا فی بدنه ، والثانی : بالبلایا فی ولده ، والثالث : بالبلایا فی ماله ، والرابع : بالصبر علی الشدائد ، والخامس : بخروج الجمیع علیه ، والسادس : بشماتة الأعداء ، والسابع : بالدعاء لله تعالی فیما بین ذلک وترک التوانی فیها ، والثامن : بالوفاء للنذر والاجتناب عن الحنث. وقال بعد بیان وجه المشابهة فیها :

ووقعت المشابهة بین المرتضی وبین یحیی بن زکریّا بثمانیة أشیاء : أوّلها : بالحفظ والعصمة ، والثانی : بالکتاب والحکمة ، والثالث : بالتسلیم والتحیّة ، والرابع : ببرّ الوالدین ، والخامس : بالقتل والشهادة لأجل امرأة مفسدة ، والسادس : بشدّة الغضب والنقمة من الله تعالی علی قتله ، والسابع : بالخوف والمراقبة ، والثامن : بفقد السمیِّ والنظر له فی التسمیة. ثمّ قال بعد بسط الکلام حول التشبیه فیها :

ووقعت المشابهة بین المرتضی وبین عیسی بثمانیة أشیاء : أوّلها : بالإذعان لله الکبیر المتعال ، والثانی : بعلمه بالکتاب طفلاً ولم یبلغ مبلغ الرجال ، والثالث : بعلمه بالکتابة والخطابة ، والرابع : بهلاک الفریقین فیه من أهل الضلال ، والخامس : بالزهد

ص: 488

فی الدنیا ، والسادس : بالکرم والإفضال ، والسابع : بالإخبار عن الکوائن فی الاستقبال ، والثامن : بالکفاءة. ثمّ بیّن وجه الشبه فیها.

وهذا الکتاب من أنفس کتب العامّة ، فیه آیات العلم وبیِّنات العبقریّة ، وقد شُغل القوم عن نشر مثل هذه النفائس بالتافهات المزخرفة.

4 - أخرج أخطب الخطباء الخوارزمیّ المالکیّ : المتوفّی (568) بإسناده فی المناقب (1) (ص 49) من طریق البیهقی ، عن أبی الحمراء بلفظ : «من أراد أن ینظر إلی آدم فی علمه ، وإلی نوح فی فهمه ، وإلی یحیی بن زکریّا فی زهده ، وإلی موسی بن عمران فی بطشه ، فلینظر إلی علیّ بن أبی طالب».

وأخرج فی (ص 39) بإسناده من طریق ابن مردویه ، عن الحارث الأعور صاحب رایة علیِّ بن أبی طالب ، قال :

بلغنا أنّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم کان فی جمع من أصحابه فقال : «أُریکم آدم فی علمه ، ونوحاً فی فهمه ، وإبراهیم فی حکمته».

فلم یکن بأسرع من أن طلع علیٌّ علیه السلام ، فقال أبو بکر : یا رسول الله أَقِستَ رجلاً بثلاثة من الرسل؟! بخٍ بخٍ لهذا الرجل ، من هو یا رسول الله؟

قال النبیُّ : «أوَلا تعرفه یا أبا بکر؟» قال : الله ورسوله أعلم.

قال : «هو أبو الحسن علیُّ بن أبی طالب».

فقال أبو بکر : بخٍ بخٍ لک یا أبا الحسن ، وأین مثلک یا أبا الحسن؟

وروی فی (ص 245) بإسناده بلفظ : «من أراد أن ینظر إلی آدم فی علمه ، وإلی موسی فی شدّته ، وإلی عیسی فی زهده ، فلینظر إلی هذا المقبل ، فأقبل علی». وذکره.

5 - أبو سالم کمال الدین محمد بن طلحة الشافعیّ : المتوفّی (652) رواه فی 9.

ص: 489


1- المناقب : ص 83 ح 70 ، ص 88 ح 79 ، ص 310 ح 309.

مطالب السؤول (1) ، نقلاً عن کتاب فضائل الصحابة للبیهقی بلفظ : «من أراد أن ینظر إلی آدم فی علمه ، وإلی نوح فی تقواه ، وإلی إبراهیم فی حلمه ، وإلی موسی فی هیبته ، وإلی عیسی فی عبادته ، فلینظر إلی علیِّ بن أبی طالب». ثمّ قال :

فقد أثبت النبیُّ صلی الله علیه وسلم لعلیّ بهذا الحدیث علماً یشبه علم آدم ، وتقوی تشبه تقوی نوح ، وحلماً یشبه حلم إبراهیم ، وهیبةً تشبه هیبة موسی ، وعبادة تشبه عبادة عیسی ، وفی هذا تصریح لعلیّ بعلمه وتقواه وحلمه وهیبته وعبادته ، وتعلو هذه الصفات إلی أوج العلی حیث شبّهها بهؤلاء الأنبیاء المرسلین ، من الصفات المذکورة والمناقب المعدودة.

6 - عزُّ الدین بن أبی الحدید : المتوفّی (655) ، قال فی شرح نهج البلاغة (2) (2 / 236) : روی المحدِّثون عنه صلی الله علیه وآله وسلم أنّه قال : «من أراد أن ینظر إلی نوح فی عزّته ، وموسی فی علمه ، وعیسی فی ورعه ، فلینظر إلی علیِّ بن أبی طالب».

ورواه (3) فی (2 / 449) من طریق أحمد والبیهقی ، نقلاً عن مسند الأوّل وصحیح الثانی بلفظ : «من أراد أن ینظر إلی نوح فی عزمه ، وإلی آدم فی علمه ، وإلی إبراهیم فی حلمه ، وإلی موسی فی فطنته ، وإلی عیسی فی زهده ، فلینظر إلی علیِّ بن أبی طالب».

7 - الحافظ أبو عبد الله الکنجیّ الشافعیّ : المتوفّی (658) ، أخرجه فی کفایة الطالب (4) (ص 45) بإسناده عن ابن عبّاس ، قال : بینما رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم جالسٌ فی جماعة من أصحابه ، إذ أقبل علیٌّ علیه السلام فلمّا بصر به رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قال : «من أراد منکم أن ینظر إلی آدم فی علمه ، وإلی نوح فی حکمته ، وإلی إبراهیم فی حلمه ، فلینظر إلی علیّ بن أبی طالب» ، ثم قال : 3.

ص: 490


1- مطالب السؤول : ص 22.
2- شرح نهج البلاغة : 7 / 220 خطبة 108.
3- شرح نهج البلاغة : 9 / 168 خطبة 154.
4- کفایة الطالب : ص 122 باب 23.

قلت : تشبیهه لعلیّ بآدم فی علمه ؛ لأنّ الله علّم آدم صفة کلّ شیء کما قال : (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ کُلَّها) (1)) فما من شیء ولا حادثة إلاّ وعند علیّ فیها علم ،

وله فی استنباط معناها فهم.

وشبّهه بنوح فی حکمته ، وفی روایة : فی حکمه وکأنّه أصحُّ ؛ لأنّ علیّا کان شدیداً علی الکافرین ، رءوفاً بالمؤمنین ، کما وصفه الله تعالی فی القرآن بقوله : (وَالَّذِینَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَی الْکُفَّارِ رُحَماءُ بَیْنَهُمْ).

وأخبر الله عن شدّة نوح علی الکافرین بقوله : (رَبِّ لا تَذَرْ عَلَی الْأَرْضِ مِنَ الْکافِرِینَ دَیَّاراً) (2).

وشبّهه فی الحلم بإبراهیم خلیل الرحمن ، کما وصفه بقوله : (إِنَّ إِبْراهِیمَ لَأَوَّاهٌ حَلِیمٌ) (3) فکان متخلّقاً بأخلاق الأنبیاء ، متّصفاً بصفات الأصفیاء.

8 - الحافظ أبو العبّاس محبُّ الدین الطبریّ : المتوفّی (694) ، رواه فی الریاض النضرة (4) (2 / 218) بلفظ : «من أراد أن ینظر إلی آدم فی علمه ، وإلی نوح فی فهمه ، وإلی إبراهیم فی حلمه ، وإلی یحیی بن زکریّا فی زهده ، وإلی موسی بن عمران فی بطشه ، فلینظر إلی علیّ بن أبی طالب». قال : أخرجه القزوینی الحاکمی.

وأخرج عن ابن عبّاس بلفظ : «من أراد أن ینظر إلی إبراهیم فی حلمه ، وإلی نوح فی حکمه ، وإلی یوسف فی جماله ، فلینظر إلی علیّ بن أبی طالب». فقال : أخرجه الملاّ فی سیرته (5). 8.

ص: 491


1- البقرة : 31.
2- نوح : 26.
3- التوبة : 114.
4- الریاض النضرة : 3 / 172.
5- وسیلة المتعبّدین : 5 / ق 2 / 168.

9 - شیخ الإسلام الحمّوئیّ : المتوفّی (722) ، أخرجه فی فرائد السمطین (1) بعدّة أسانید من طرق الحاکم النیسابوری وأبی بکر البیهقی بلفظ محبّ الدین الطبری المذکور ، وما یقرب منه.

10 - القاضی عضد الدین الإیجیّ الشافعی : المتوفّی (756) ، رواه فی المواقف (2) (3 / 276) بلفظ : «من أراد أن ینظر إلی آدم فی علمه ، وإلی نوح فی تقواه ، وإلی إبراهیم فی حلمه ، وإلی موسی فی هیبته ، وإلی عیسی فی عبادته ، فلینظر إلی علیّ ابن أبی طالب».

11 - التفتازانی الشافعیّ : المتوفّی (792) ، فی شرح المقاصد (3) (2 / 299) بلفظ القاضی الإیجی المذکور.

12 - ابن الصبّاغ المالکیّ : المتوفّی (855) ، روی فی الفصول المهمّة (4) (ص 21) نقلاً عن فضائل الصحابة للبیهقی ، باللفظ المذکور.

13 - السیّد محمود الآلوسیّ : المتوفّی (1270) ، رواه فی شرح عینیّة عبد الباقی العمری (ص 27) بلفظ البیهقی.

14 - الصفوریّ ، قال فی نزهة المجالس (5) (2 / 240) قال النبیُّ صلی الله علیه وسلم : «من أراد أن ینظر إلی آدم فی علمه ، وإلی نوح فی فهمه ، وإلی إبراهیم فی حلمه ، وإلی موسی فی زهده ، وإلی محمد فی بهائه ، فلینظر إلی علیِّ بن أبی طالب». ذکره ابن الجوزی. وفی حدیث آخر ذکره الرازی فی تفسیره (6) : «من أراد أن یری آدم فی علمه ، ونوحاً فی 1.

ص: 492


1- فرائد السمطین : 1 / 170 ح 131 باب 35.
2- المواقف : ص 410.
3- شرح المقاصد : 5 / 296.
4- الفصول المهمّة : ص 120.
5- نزهة المجالس : 2 / 207.
6- التفسیر الکبیر : 8 / 81.

طاعته ، وإبراهیم فی خلّته ، وموسی فی هیبته ، وعیسی فی صفوته ، فلینظر إلی علیّ بن أبی طالب».

15 - السیّد أحمد القادین خانی ، فی هدایة المرتاب (ص 146) بلفظ البیهقی.

الشاعر

أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الله (1)) الکاتب النحویّ البصریّ الملقّب بالمفجّع ، أوحدیٌّ من رجالات العلم والحدیث ، وواسطة العقد بین أئمّة اللغة والأدب ، وبیت القصید فی صاغة القریض ، ومن المعدودین من أصحابنا الإمامیّة ، مدحوه بحسن العقیدة ، وسلامة المذهب ، وسداد الرأی ، وکان کلُّ جنوحه إلی أئمّة أهل البیت علیهم السلام ، وقد أکثر فی شعره من الثناء علیهم ، والتفجّع لما انتابهم من المصائب والفوادح ، فلم یزل علی ذلک حتی لقّبه مناوئوه المتنابزون بالألقاب بالمفجّع ، وإلیه یوعز بقوله :

إن یکن قیل لی المفجَّع نبزاً

فَلَعمْری أنا المفجَّعُ هَمّا

ثمّ صار لقباً له حتی عند أولیائه لذلک السبب المذکور ، کما قاله النجاشی والعلاّمة ، ولبیت قاله کما فی معجم الشعراء للمرزبانی (2) (ص 464) ، وکأنّه یرید البیت المذکور.

ثمّ إنّ المصرّح به فی معجمَی الشعراء والأدباء للمرزبانی والحموی (3) ، والوافی بالوفیات للصفدی (4) : أنّ المترجَم من المکثرین من الشعر ، وذکر ابن الندیم (5) أنّ 3.

ص: 493


1- عبید الله فی معجم الأدباء. (المؤلف)
2- معجم الشعراء : ص 430.
3- معجم الأدباء : 17 / 202.
4- الوافی بالوفیات : 1 / 130 رقم 43.
5- فهرست الندیم : ص 193.

شعره فی مائة ورقة ، ویؤکّده ما قاله النجاشی (1) والعلاّمة (2) من أنّ له شعراً کثیراً فی أهل البیت علیهم السلام ، وهو الذی یعطیه وصفهم له من أنّه کان کاتباً شاعراً ، بصیراً بالغریب کما فی مروج الذهب (3) ، ومن أنّه من وجوه أهل اللغة والأدب ، وقال أبو محمد بن بشران (4) :

کان شاعر البصرة وأدیبها ، وکان یجلس فی الجامع بالبصرة فیکتب عنه ویقرأ علیه الشعر واللغة والمصنّفات ، وشعره مشهور ، وکان أبو عبد الله الأکفانی راویته ، وکتب لی بخطّه من ملیح شعره شیئاً کثیراً ، وشعره کثیر حسن ، وله فی جماعة من کبار أهل الأهواز مدائح کثیرة وأهاجٍ ، وله قصیدة فی أبی عبد الله بن درستویه یرثیه فیها وهو حیٌّ ، یقول فیها ویلقّبه بدهن الآجر :

مات دُهْنُ الاجرّ فاخضرّت الأر

ضُ وکادت جبالُها لا تزولُ

ویصف أشیاء کثیرة فیها ، وکان یکثر عند والدی ویطیل المقام عنده ، وکنت أراه عنده وأنا صبیٌّ بالأهواز ، وله إلیه مراسلات ، وله فیه مِدَح کثیرة کنت جمعتها فضاعت أیّام دخول ابن أبی لیلی الأهواز ونهب روزناماتها (5) ، وکان منها قصیدةٌ بخطِّه عندی یقول فیها :

لو قیل للجود من مولاک قال نعم

عبدُ المجیدِ المغیرةُ بنُ بشْران

وأذکر له من قصیدة أخری :

یا من أطال یدی إذ هاضنی (6) زمنی

وصرت فی المصر مجفوّا ومطّرحای.

ص: 494


1- رجال النجاشی : ص 374 رقم 1021.
2- رجال العلاّمة : ص 160 رقم 146.
3- مروج الذهب : 4 / 342.
4- حکاه الحموی فی معجم الأدباء عن تاریخه ، ونحن نذکره ملخّصاً. (المؤلف)
5- جمع (روزنامه) فارسیة ، یعنی : الجریدة الیومیة. (المؤلف)
6- هاضنی : کسرنی.

أنقذْتَنی من أناسٍ عند دینهمُ

قتلُ الأدیب إذا ما علمه اتّضحا

لقی المفجّع ثعلباً وأخذ عنه وعن غیره ، وکان بینه وبین ابن درید مهاجاة کما فی فهرست ابن الندیم (1) ، والوافی بالوفیات للصفدی (2) ، ویقوّی القول ما فی مروج الذهب من أنّه صاحب الباهلیّ المصریّ الذی کان یناقض ابن درید ، غیر أنَّ الثعالبی ذکر فی الیتیمة (3) أنّه صاحب ابن درید ، وقام مقامه فی التألیف والإملاء ، ولعلّهما کانا فی وقتین من أمد تعاصرهما.

یروی عنه أبو عبد الله الحسین بن خالویه ، وأبو القاسم الحسن بن بشیر بن یحیی ، وأبو بکر الدوری. وکان ینادم ویعاشر أبا القاسم نصر بن أحمد البصری الخبز أرزی الشاعر المجید المتوفّی (327) ، وأبا الحسین محمد بن محمد المعروف بابن لنکک البصریّ النحویّ ، وأبا عبد الله الأکفائی الشاعر البصری.

آثاره القیّمة

1 - کتاب المنقذ من الإیمان. قال الصفدی فی الوافی بالوفیات (ص 130) : یشبه کتاب الملاحن لابن درید وهو أجود منه. ینقل عنه السیوطی فی شرح المغنی (4) فوائد أدبیّة.

2 - کتاب قصیدته فی أهل البیت علیهم السلام.

3 - کتاب الترجمان فی معانی الشعر. یحتوی علی ثلاثة عشر حدّا وهی : حدّ الإعراب ، حدّ المدیح ، حدّ البخل ، حدّ الحلم والرأی ، حدّ الهجاء ، حدّ اللغز ، حدّ المال ، حدّ الاغتراب ، حدّالمطایا ، حدّ الخطوب ، حدّ النبات ، حدّ الحیوان ، حدّ 4.

ص: 495


1- فهرست الندیم : ص 91.
2- الوافی بالوفیات : 1 / 129.
3- یتیمة الدهر : 2 / 424.
4- شرح شواهد المغنی : 2 / 633 رقم 394.

الغزل. قال النجاشی : لم یعمل مثله فی معناه.

4 - کتاب الإعراب.

5 - کتاب أشعار الجواری لم یتمّ.

6 - کتاب عرائس المجالس.

7 - کتاب غریب شعر زید الخیل الطائیّ.

8 - کتاب أشعار أبی بکر الخوارزمیّ.

9 - کتاب سعادة العرب.

ذکر المرزبانی للمفجّع فی مدح أبی الحسن محمد بن عبد الوهاب الزینبیّ الهاشمیّ من قصیدة قوله :

للزینبیِّ علی جلالةِ قدرِهِ

خُلُقٌ کطَعمِ الماءِ غیرُ مُزنَّدِ (1)

وشهامةٌ تُقصی اللیوثَ إذا سطا

وندیً یغرّقُ کلَّ بحرٍ مُزْبدِ

یحتلُّ بیتاً فی ذؤابةِ هاشمٍ

طالتْ دعائمُهُ محلَّ الفرقدِ

حرٌّ یروح المستمیحُ ویغتدی

بمواهبٍ منهُ تروحُ وتغتدی

فإذا تحیّفَ مالَهُ إعطاؤه

فی یومه نَهَکَ البقیَّةَ فی غدِ (2)

بضیاءِ سنّته المکارمُ تهتدی

وبجود راحتِهِ السحائبُ تقتدی

مقدارُ ما بینی وما بینَ الغنی

مقدارُ ما بینی وبین المربدِ (3)

وفی معجم الأدباء (4) نقلاً عن تاریخ أبی محمد عبد الله بن بشران أنّه قال : دخل المفجّع یوماً إلی القاضی أبی القاسم علیّ بن محمد التنوخی فوجده یقرأ معانی الشعر علی العبیسی ، فأنشد : 0.

ص: 496


1- أی غیر بخیل ولا ضیّق الحال. (المؤلف)
2- تحیّف : تنقص. ونهک : أفنی. (المؤلف)
3- المربد : فضاء وراء البیوت یرتفق به. (المؤلف)
4- معجم الأدباء : 17 / 198 - 200.

قد قَدِم العُجْبُ علی الرویسِ

وشارفَ الوهدُ أبا قُبَیْسِ (1)

وطاول البَقْلُ فروعَ المیسِ

وهبّت العنزُ لقرْعِ التیْسِ (2)

وادّعت الرومُ أباً فی قیسِ

واختلط الناسُ اختلاطَ الحَیْسِ (3)

إذْ قرأ القاضی حلیفُ الکَیْسِ

معانیَ الشعرِ علی العبیسی

وألقی ذلک إلی التنوخی وانصرف.

قال : ومدح أبا القاسم التنوخی فرأی منه جفاءً ، فکتب إلیه :

لو أعرضَ الناسُ کلُّهمْ وأَبَوا

لم یَنْقصوا رزقی الذی قُسما

کان ودادٌ فزالَ وانصرَما

وکان عهدٌ فبانَ وانهدما

وقد صَحبنا فی عصرنا أمماً

وقد فَقَدْنا من قبلهمْ أمما

فما هلکنا هزلاً ولا ساختِ ال

أرضُ ولم تَقْطُرِ السماءُ دما

فی اللهِ من کُلِّ هالکٍ خلفٌ

لا یرهبُ الدهرَ من به اعتصما

حرٌّ ظننّا به الجمیلَ فما

حقّقَ ظنّا ولا رعی الذِّمَما

فکان ما ذا ما کلُّ معتمدٍ

علیه یرعی الوفاءَ والکرما

غلطْتُ والناسُ یَغْلَطُون وهلْ

تعرفُ خلْقاً من غَلْطَةٍ سَلِما

من ذا إذا أُعطی السدادَ فلمْ

یُعرَفْ بذنبٍ ولم یَزِلْ قَدَما

شلّت یدی لِمْ جلستُ عن تفهٍ

أکتبُ شجوی وأمتطی القلما

یا لیتنی قبلها خَرِسْتُ فَلَمْ

أُعْمِلْ لِساناً ولا فتحتُ فما

یا زلّةً ما أُقِلْتُ عثرتَها

أَبقَتْ علی القلبِ والحشا ألما

من راعهُ بالهوانِ صاحبُهُ

فعادَ فیهِ فنفسَهُ ظَلَماف)

ص: 497


1- الرویس : تصغیر روس ، وهو السیء. یقال : رجل روس أی : رجل سوء. والتصغیر للتحقیر. الوهد : المنخفض من الأرض. (المؤلف)
2- المیس : نوع من الکرم. وهبّت : نشطت وأسرعت. (المؤلف)
3- الحیس : تمر یُخلط بسَمن وأَقْط فیعجن وربّما جعل فیه سویق فیمتزج. (المؤلف)

وله قوله :

لنا صدیقٌ ملیحُ الوجدِ مقتبلٌ

ولیس فی ودِّه نفعٌ ولا برکه

شبّهتهُ بنهار الصیفِ یوسعُنا

طولاً ویمنعُ منّا النوم والحرکه

وللمفجّع کما فی شرح ابن أبی الحدید (1) قوله :

إنْ کنتُ خنتکُمُ المودّةَ غادراً

أو حِلتُ عن سُنن المحبِّ الوامقِ

فمسحتُ فی قبح ابن طلحةَ إنّه

ما دلّ قطُّ علی کمالِ الخالقِ

وله فی معجم الأدباء (2) ما قاله حین دامت الأمطار وقطعت عن الحرکة :

یا خالقَ الخلقِ أجمعینا

وواهبَ المالِ والبنینا

ورافعَ السبعِ فوقَ سبعٍ

لم یَستعنْ فیهما مُعینا

ومن إذا قال کن لشیءٍ

لم تقعِ النونُ أو یکونا

لا تَسقنا العامَ صَوْبَ غیثٍ

أکثرَ من ذا فقد روینا

وله وقد سأل بعض أصدقائه أیضاً رقعةً وشعراً له یهنّئه فی مهرجان إلی بعض فقصّر حتی مضی المهرجان ، قوله :

إنّ الکتابَ وإن تضمّن طیُّهُ

کُنْهَ البلاغةِ کالفصیحِ الأخرسِ

فإذا أعانتْهُ عنایةُ حاملٍ

فجوابُهُ یأتی بنُجْحٍ مُنفسِ

وإذا الرسولُ وَنی وقصّر عامداً

کان الکتابُ صحیفةَ المتلمّسِ (3)

قد فاتَ یومُ المهرجانِ فذکرُهُ

فی الشعرِ أبردُ من سخاءِ المفلسِه.

ص: 498


1- شرح نهج البلاغة : 20 / 208 حکمة 475.
2- معجم الأدباء : 17 / 197.
3- مثل یُضرب للکتاب الذی یحمل الضرر. والمتلمّس شاعر جاهلی واسمه جریر بن عبد العزّی ، بعثه عمرو بن هند بکتاب مختوم الی عامله علی البحرین یأمره فیه بقتله ، فتوجّس المتلمّس ممّا فی الکتاب وفضّه ، فلمّا علم ما فیه ألقاه فی الماء وعاد أدراجه.

فسئل عن سخاء المفلس ، فقال : یَعدُ فی إفلاسه بما لا یفی به عند إمکانه.

ومن مُلَحه قوله لإنسان أهدی إلیه طبقاً فیه قصب السکر والأترنج والنارنج :

إنّ شیطانَکَ فی الظر

فِ لشیطانٌ مَریدُ

فلهذا أنتَ فیه

تبتدی ثمّ تُعیدُ

قد أتتْنا تحفةٌ من

- کَ علی الحسْنِ تزیدُ

طبقٌ فیه قدودٌ

ونهودٌ وخدودُ (1)

وذکر له الوطواط فی غرر الخصائص (2) (ص 270) قوله یستنجز به :

أیّها السیّدُ عش فی غبطةٍ

ما تغنّی طائرُ الأیْکِ الغَرِدْ

لیَ وعدٌ منک لا تنکرُهُ

فاقضِهِ أنجزَ حرٌّ ما وعدْ

أنتَ أحییتَ بمبذولِ الندی

سُنَنَ الجودِ وقد کان همدْ

فإذا صالَ زمانٌ أوسطا

فعلی مثلِکَ مثلی یعتمدْ

ذکر له النویری فی نهایة الأرب (3) (ص 77):

ظبیٌ إذا عَقْربَ أصداغَهُ

رأیتَ ما لا یحسنُ العقربُ

تفّاحُ خدّیه له نضرةٌ

کأنّه من دمعتی یشربُ

ولد المفجّع بالبصرة وتوفّی بها سنة (327) کما فی معجم الأدباء ، نقلاً عن تاریخ معاصره أبی محمد عبد الله بن بشران ، قال : کانت وفاته قبل وفاة والدی بأیّام یسیرة ، ومات والدی فی یوم السبت لعشر خلون من شعبان سنة سبع وعشرین وثلاثمائة. 2.

ص: 499


1- النهود جمع النهد : الثدی ، وأراد بها الأترنج لاستدارته. وخدود : جمع خدّ ، أراد بها النارنج. (المؤلف)
2- غرر الخصائص : ص 273.
3- نهایة الأرب : 2 / 92.

وقال المرزبانی : إنّه مات فی سنة قبل الثلاثین وثلاثمائة. وأرّخه الصفدی فی الوافی بالوفیات بسنة عشرین وثلاثمائة ، وکذلک القاضی فی المجالس ، والسیوطی فی البغیة ، وتبعهم آخرون. والمختار ما حکاه الحموی عن تاریخ أبی محمد بن بشران.

تجد ترجمة المفجّع (1) فی : فهرست ابن الندیم (ص 123) ، فهرست الشیخ (ص 150) ، معجم الشعراء للمرزبانی (ص 464) ، یتیمة الدهر (2 / 334) ، فهرست النجاشی (ص 264) ، مروج الذهب (2 / 519) ، معجم الأدباء (17 / 190 - 205) ، الوافی بالوفیات للصفدی (1 / 129) ، خلاصة الأقوال للعلاّمة ، بغیة الوعاة (ص 13) ، مجالس المؤمنین (ص 234) ، جامع الرواة للأردبیلی ، منهج المقال (ص 280) ، روضات الجنّات (ص 554) ، الکنی والألقاب (3 / 163) ، الأعلام للزرکلی (3 / 845) ، آثار العجم (ص 377). 8.

ص: 500


1- فهرست الندیم : ص 91 ، معجم الشعراء : ص 429 ، یتیمة الدهر : 2 / 424 ، رجال النجاشی : ص 374 رقم 1021 ، مروج الذهب : 4 / 342 ، رجال العلاّمة : ص 160 رقم 146 ، بغیة الوعاة : 1 / 31 رقم 51 ، مجالس المؤمنین : 1 / 562 ، جامع الرواة : 2 / 61 ، روضات الجنّات : 6 / 123 رقم 570 ، الکنی والألقاب : 3 / 197 ، الأعلام : 5 / 308.

20 - أبو القاسم الصنوبری

المتوفّی (334)

ما فی المنازلِ حاجةٌ نقضیها

إلاّ السلامُ وأدمعٌ نذریها

وتفجّعٌ للعینِ فیها حیث لا

عیشٌ أوازیه بعیشیَ فیها

أبکی المنازلَ وهی لو تدری الذی

بحثَ البکاءَ لکنتُ أستبکیها

بالله یا دمعَ السحائبِ اسقها

ولئن بَخِلتَ فأدمعی تسقیها

یا مغریاً نفسی بوصفِ عزیزةٍ

أغریتَ عاصیةً علی مغریها

لا خیرَ فی وصفِ النساءِ فأعفنی

عمّا تُکلّفُنیهِ من وصفیها

یا رُبَّ قافیةٍ حلا إمضاؤها

لم یَحلُ ممضاها إلی مُمضیها

لا تُطْمِعَنَّ النفسَ فی إعطائِها

شیئاً فتطلبَ فوق ما تُعطیها

حبُّ النبیِّ محمدٍ ووصیّهِ

مَعْ حبِّ فاطمةٍ وحبِّ بنیها

أهل الکساءِ الخمسة الغرر التی

یبنی العلا بعلاهمُ بانیها

کم نعمةٍ أوْلَیْتَ یا مولاهمُ

فی حبّهمْ فالحمدُ للمولیها

إنّ السَّفاهَ بشُغل مدحی عنهمُ

فیحقُّ لی أن لا أکونَ سفیها

هم صفوةُ الکرمِ الذی أصفاهمُ

وُدِّی وأصفیتُ الذی یُصفیها

أرجو شفاعتَهمْ فتلکَ شفاعةٌ

یلتذُّ بردَ رجائِها راجیها

صلّوا علی بنتِ النبیِّ محمدٍ

بعد الصلاةِ علی النبیِّ أبیها

ص: 501

وابکوا دماءً لو تشاهدُ سفکَها

فی کربلاءَ لَما وَنَتْ تَبکیها

تلک الدماءُ لَوَ انّها تُوقی إذن

کانتْ دماءُ العالمین تقیها

لو أنّ منها قطرةً تُفدی إذن

کنّا بنا وبغیرِنا نَفدیها

إنَّ الذینَ بغوا إراقتها بغوا

مشؤومةَ العُقْبی علی باغیها

قُتِل ابنُ من أوصی إلیهِ خیرُ مَن

أوصی الوصایا قطُّ أو یوصیها

رَفعَ النبیُّ یمینَهُ بیمینِه

لیری ارتفاعَ یمینِهِ رائیها

فی موضعٍ أضحی علیهِ مُنبّهاً

فیهِ وفیهِ یُبدئ التنبیها

آخاه فی خُمٍّ ونوّهَ باسمِهِ

لم یَألُ فی خیرٍ به تنویها

هو قالَ أفضلُکمْ علیٌّ إنّهُ

أمضی قضیّتَهُ التی یُمضیها

هو لی کهارونٍ لموسی حبّذا

تشبیهُ هارونٍ به تشبیها

یوماه یومٌ للعدی یرویهمُ

جوراً ویومٌ للقنا یرویها

یسع الأنامَ مثوبةً وعقوبةً

کلتاهما تمضی لِما یمضیها

إلی آخر القصیدة (42) بیتاً

وله من قصیدة ذکرها صاحب الدرِّ النظیم فی الأئمّة اللهامیم (1) :

هل أُضاخٌ کما عَهدنا أُضاخا (2)

حبّذا ذلک المناخُ مناخا

یقول فیها :

ذِکْرُ یومِ الحسینِ بالطفِّ أودی

بصماخی فلم یدع لی صِماخا

مُتْبِعاتٌ نساؤهُ النوحَ نوحاً

رافعاتٌ إثْرَ الصراخِ صراخا

منعوهُ ماءَ الفراتِ وظلّوا

یتعاطَونهُ زُلالاً نُقاخا (3)ف)

ص: 502


1- الدرّ النظیم فی الأئمة اللهامیم : 1 / 184.
2- أضاخ : جبل. یذکّر ویؤنّث. (المؤلف)
3- النقاخ : الماء البارد الصافی. (المؤلف)

بأبی عترةَ النبیّ وأمِّی

سدَّ عنهم معاندٌ أصماخا

خیرُ ذا الخَلْقِ صبیةً وشباباً

وکهولاً وخیرُهمْ أشیاخا

أخذوا صدرَ مفخَرِ العزِّ مُذ کا

نوا وخَلّوا للعالمین المِخاخا

النقیّونَ حیث کانوا جیوباً

حیث لا تأمنُ الجیوبُ اتِّساخا

یألفون الطِّوی إذا ألِفَ النا

سُ اشتواءً من فَیئِهمْ واطّباخا

خُلقوا أسخیاءَ لا مُتساخی

- ن ولیس السخیُّ من یَتَساخی

أهلُ فَضلٍ تناسخوا الفضلَ شیباً

وشباباً أکرمْ بذاک انتساخا

بهواهمْ یزهو ویشمخُ من قد

کان فی الناسِ زاهیاً شمّاخا

یا ابن بنت النبیّ أکرمْ به ابناً

وبأسناخِ جدِّهِ أسناخا

وابنَ من وازرَ النبیَّ ووالا

هُ وصافاهُ فی الغدیرِ وواخی

وابنَ من کان للکریهةِ رکّا

باً وفی وجهِ هولِها رسّاخا

للطُّلی (1) تحت قسطل الحرب

ضرّا

باً ولِلهامِ فی الوغی شَدّاخا

ذو الدماء التی یُطیل موالی

- یه اختضاباً بطیبِها والتطاخا

ما علیکم أناخَ کَلْکَلَهُ الده

- رُ ولکن علی الأنامِ أناخا

الشاعر

أبو القاسم وأبو بکر وأبو الفضل (2) أحمد بن محمد (3)) بن الحسن بن مرّار الجزریّ الرقِّی (4) الضبّی (5) الحلبیّ ، الشهیر بالصنوبریّ.

شاعرٌ شیعیٌّ مجیدٌ ، جمع شعره بین طرفی الرقّة والقوّة ، ونال من المتانة وجودة ف)

ص: 503


1- الطُّلی : جمع الطلاة ، وهی العنق.
2- کنّاه به کشاجم زمیله فی شعره. (المؤلف)
3- فی فهرست الندیم : ص 194 محمد بن أحمد.
4- نسبة إلی الرقّة : مدینة مشهورة بشط الفرات ، عمّرها هارون الرشید. (المؤلف)
5- نسبة إلی ضبّة أبی قبیلة. (المؤلف)

الأسلوب حظّه الأوفر ، ومن البراعة والظرف نصیبه الأوفی ، وتواتر فی المعاجم وصفه بالإحسان تارةً (1) وبه وبالإجادة أخری (2) وإنّ شعره فی الذروة العلیا ثالثة (3) وکان یُسمّی حبیباً الأصغر لجودة شعره (4)). وقال الثعالبی : تشبیهات ابن المعتز ، وأوصاف کشاجم ، وروضیّات الصنوبری ، متی اجتمعت اجتمع الظرف والطرف ، وسمع السامع من الإحسان العجب.

وله فی وصف الریاض والأنوار تقدّم باهر ، وذکر ابن عساکر : أنّ أکثر شعره فیه. وقال ابن الندیم فی فهرسته (5) : إنّ الصولی عمل شعر الصنوبری علی الحروف فی مائتی ورقة. انتهی. فیکون المدوّن علی ما التزم به ابن الندیم من تحدید کلّ صفحة من الورقة بعشرین بیتاً ثمانیة آلاف بیت ، وسمع الحسن بن محمد الغسّانی من شعره مجلّداً (6).

وله فی وصف حلب ومنتزهاتها قصیدة تنتهی إلی مائة وأربعة أبیات ، توجد فی معجم البلدان للحموی (7) (3 / 317 - 321) ، وقال البستانی فی دائرة المعارف (7 / 137) : هی أجود ما وصف به حلب ، مستهلّها :

إحبسا العیس احبساها

وسلا الدار سلاها

وأمّا نسبته إلی الصنوبر فقد ذکر ابن عساکر (8) عن عبد الله الحلبی الصفری أنّه 7.

ص: 504


1- تاریخ ابن عساکر : 1 / 456 [2 / 113 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 3 / 237]. (المؤلف)
2- أنساب السمعانی [3 / 560]. (المؤلف)
3- شذرات الذهب : 2 / 335 [4 / 185 حوادث سنة 334 ه]. (المؤلف)
4- عمدة ابن رشیق : 1 / 83 [1 / 101]. (المؤلف)
5- فهرست الندیم : ص 194.
6- أنساب السمعانی [3 / 560]. (المؤلف)
7- معجم البلدان : 2 / 286 - 289.
8- تاریخ مدینة دمشق : 2 / 113 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 3 / 237.

قال : سألت الصنوبریّ عن السبب الذی من أجله نسب جدّه إلی الصنوبر حتی صار معروفاً به ، فقال لی : کان جدّی صاحب بیت حکمة من بیوت حِکَم المأمون ، فجرت له بین یدیه مناظرة فاستحسن کلامه وحدّة مزاجه ، وقال له : إنّک لصنوبریُّ الشکل. یرید بذلک الذکاء وحدّة المزاج. انتهی.

وذکر له النویری فی نهایة الأرب (11 / 98) فی نسبته هذه قوله :

وإذا عُزینا إلی الصنوبرِ لم

نُعْزَ إلی خاملٍ من الخشبِ

لا بل إلی باسقِ الفروع علا

مناسباً فی أُرومةِ الحسبِ

مثلِ خیامِ الحریرِ تحملُها

أعمدةٌ تحتها من الذهبِ

کأنّ ما فی ذراه من ثمرٍ

طیرٌ وقوعٌ علی ذری القُضُبِ

باقٍ علی الصیف والشتاء إذا

شابت رءوسُ النباتِ لم یَشِبِ

محصّنُ الحَبِّ فی جَواشن (1) قد

أَمِنَ (2) فی لُبْسِها من الحَرَبِ

حَبٌّ حکی الحُبّ صِین فی قُرُبِ (3) ال

أصدافِ حتی بدا من القُرُبِ

ذو نَثّة (4) ما یُنال من عنبٍ

ما نیل من طِیبِها ولا رُطَبِ

یا شجراً حَبُّهُ حدانیَ أنْ

أفدی بأمّی محبّةً وأبی

فالحمد لله إنّ ذا لقبٌ

یزید فی حسنه علی النسبِ

وأمّا تشیّعه فهو الذی یطفح به شعره الرائق کما وقفت علی شطرٍ منه ، وستقف فیما یلی علی شطرٍ آخر ، ونصّ بذلک الیمانی فی نسمة السحر (5) ، وعدُّ ابن شهرآشوب (6) 4.

ص: 505


1- الجواشن : الدروع ، واحده جَوْشن.
2- أی حبّات الصنوبر.
3- القُرُب : جمع قراب ، وهو غِمد السیف.
4- النثّة : ما یرشح به من الدهن.
5- نسمة السحر : مج 6 / ج 1 / 21.
6- مناقب آل أبی طالب : 2 / 350 ، 3 / 28 و 274 ، 4 / 134.

له من مادحی أهل البیت علیهم السلام یؤذن بذلک. وأمّا دعوی صاحب النسمة أنّه کان زیدیّا واستظهاره ذلک من شعره فأحسب أنّها فتوی مجرّدة ؛ فإنّه لم یدعمها بدلیل ، وشعره الذی ذکره هو وغیره خالٍ من أیّ ظهورٍ ادّعاه ، وإلیک نبذا ممّا وقفنا علیه فی المذهب. قال فی قصیدة یمدح بها علیّا أمیر المؤمنین علیه السلام :

واخی حبیبی حبیبُ الله لا کذبٌ

وابناه للمصطفی المستخلصِ ابنانِ

صلّی إلی القبلتین المقتدی بهما

والناسُ عن ذاک فی صمٍّ وعمیانِ

ما مثلُ زوجتِهِ أخری یُقاسُ بها

ولا یُقاسُ علی سبطیهِ سبطانِ

فَمُضْمِرُ الحُبِّ فی نورٍ یخصُّ به

ومُضْمِرُ البُغضِ مخصوصٌ بنیرانِ

هذا غداً مالکٌ فی النارِ یَملکُهُ

وذاک رضوانُ یلقاهُ برُضوانِ

رُدّتْ له الشمسُ فی افلاکِها فقضی

صلاتَهُ غیرَ ما ساهٍ ولا وانِ

ألیس من حلّ منه فی أخوّتهِ

محلّ هارونَ من موسی بنِ عمرانِ

وشافعَ المَلَکِ الراجی شفاعتَهُ

إذ جاءه مَلَکٌ فی خَلْقِ ثُعبانِ

قال النبیُّ له أشقی البریّة یا

علیُّ إذ ذُکر الأشقی شَقیّانِ

هذا عصی صالحاً فی عَقْر ناقتِهِ

وذاک فیک سَیَلقانی بعِصیانِ

لَیَخضِبَنْ هذه من ذا أبا حسنٍ

فی حینَ یَخضِبها من أحمرٍ قانِ

ویرثی فیها أمیر المؤمنین وولده السبط الشهید بقوله :

نعم الشهیدان ربُّ العرش یشهد لی

والخلقُ أنّهما نِعْمَ الشهیدانِ

من ذا یعزّی النبیّ المصطفی بهما

من ذا یعزّیهِ من قاصٍ ومن دانِ

من ذا لفاطمةَ اللهفاءِ ینبئُها

عن بعلِها وابنها إنباءَ لهفانِ

عن قابضِ النفسِ فی المحرابِ منتصباً

وقابضِ النفس فی الهیجاءِ عطشانِ

نجمانِ فی الأرض بل بدرانِ قد أفلا

نَعَمْ وشمسانِ إمّا قلتَ شمسانِ

سیفانِ یُغْمَدُ سیفُ الحربِ إن برزا

وفی یمینیهِما للحربِ سیفانِ

ص: 506

وله یرثی الإمام السبط الشهید علیه السلام (1) :

یا خیر من لبسَ النب

- وّةَ من جمیعِ الأنبیاءِ

وَجْدِی علی سبطیک وج

- دٌ لیسَ یُؤذِنُ بانقضاءِ

هذا قتیلُ الأشقیا

ءِ وذا قتیلُ الأدعیاءِ

یومَ الحسین هرقتَ دم

- عَ الأرضِ بل دمعَ السماءِ

یومَ الحسینِ ترکتَ با

بَ العزِّ مهجورَ الفَناءِ

یا کربلاءُ خُلقتِ من

کَرْبٍ علیَّ ومن بَلاءِ

کم فیکِ من وجهٍ تشرّ

بَ ماؤه ماءَ البَهاءِ

نفسی فداءُ المصطلِی نارَ

الوغی أیّ اصطلاءِ

حیثُ الأسنّةُ فی الجوا

شنِ کالکواکبِ فی السماءِ

فاختارَ دِرْعَ الصبر حی

- ثُ الصبر من لُبْس السناءِ

وأبی إباءَ الأُسْدِ إنّ

الأُسدَ صادِقةُ الإباءِ

وقضی کریماً إذ قضی

ظمآنَ فی نفَرٍ ظِماءِ

منعوهُ طَعمَ الماء لا

وجدوا لماءٍ طعمَ ماءِ

من ذا لمعفورِ الجوا

دِ مُمالِ أعوادِ الخِباءِ

من للطریحِ الشلْو عُر

یاناً مخُلّیً بالعراءِ

من للمُحنّط بالترا

بِ وللمغسَّلِ بالدماءِ

من لابنِ فاطمةَ المغیَّ

- بِ عن عیونِ الأولیاءِ

ویؤکِّد ما ذکرنا للمترجم من المذهب شدّة الصلة بینه وبین کشاجم المُسلّم تشیّعه ، وتؤکّد المواخاة بینهما کما ستقف علیه فی ترجمة کشاجم ، ویعرب عن الولاء الخالص بینهما قول کشاجم فی الثناء علیه : ف)

ص: 507


1- مناقب ابن شهرآشوب : 2 / 232 [4 / 134]. (المؤلف)

لی من أبی بکرٍ أخی ثقةٍ

لم أسترِبْ بإخائِهِ قطُّ

ما حالَ فی قربٍ ولا بُعدٍ

سیّان فیه الثوبُ والشطُّ

جسمانِ والروحانِ واحدةٌ

کالنقطتین حواهما خطُّ

فإذا افتقرتُ فلی به جِدَةٌ (1)

وإذا اغتربتُ فلی به رَهْطُ

ذاکرْهُ أو حاوِلْهُ مختبراً

ترَ منه بحراً ما له شطُّ

فی نعمةٍ منه جلبْتُ بها

لا الشیبُ یبلغُها ولا القرطُ

وبدلةٍ بیضاءَ ضافیةٍ

مثلِ الملاءة حاکها القِبْطُ

متذلّلٌ سهلٌ خلائقُهُ

وعلی عدوّ صدیقِهِ سَلْطُ

ونتاجُ مغناهُ متمّمةٌ

ونتاجُ مغنی غیرِه سَقْطُ

وجِنانُ آدابٍ مُثمّرةٌ

ما شانها أَثَلٌ ولا خَمْطُ

وتواضع یزداد فیه علاً

والحُرُّ یعلو حین ینحطُّ

وإذا امرؤٌ شِیبَتْ خلائقُهُ

غدراً فما فی وُدِّه خَلطُ

وقصیدته الأخری وقد کتبها إلیه :

ألا أَبلغْ أبا بکرِ

مقالاً من أخٍ بَرِّ

ینادیکَ بإخلاصٍ

وإن ناداکَ عن عقرِ

أظنُّ الدهرَ أعداک

فاخلدتَ إلی الغدرِ

فما ترغبُ فی وصلٍ

ولا تُعرضُ من هَجْرِ

ولا تُخْطِرُنی منکَ

علی بالٍ من الذِّکرِ

أتنسی زمناً کنّا

به کالماءِ فی الخمرِ

ألیفینِ حلیفینِ

علی الإیسارِ والعُسْرِ

مکبّینِ علی اللذّا

تِ فی الصحْوِ وفی السکرِی.

ص: 508


1- الجِدة : الغنی.

نُری فی فَلَک الآدا

بِ کالشمسِ وکالبدرِ

کما ألّفتِ الحکم

- ةُ بین العودِ والزمرِ

فَألهتْکَ بساتینُ

- کَ ذاتُ النَّوْرِ والزهرِ

وما شیّدتَ للخلوَ

ةِ من دارٍ ومن قصْرِ

کان المترجَم یسکن حلب دمشق ، وبها أنشد شعره ، ورواه عنه أبو الحسن محمد بن أحمد بن جمیع الغسّانی ، کما فی أنساب السمعانی (1) ، وتوفّی فی سنة (334) کما أرّخه صاحب شذرات الذهب (2)) ، وغیره.

وعدّه ابن کثیر فی تاریخه (3) (11 / 119) ممّن توفّی فی حدود الثلاثمائة ، وهذا بعید عن الصحّة جدّا من وجوه ، منها : أنّه اجتمع (4) مع أبی الطیّب المتنبّی بعد ما نظم القریض ، وقد ولد بالکوفة سنة (303) ، ومنها : مدحه سیف الدولة الحمدانی وقد ولد سنة (303).

أعقب المترجَم ولده أبا علیّ الحسین ، حکی ابن جنّی (5) ، قال : حدّثنی أبو علیّ الحسین بن أحمد الصنوبری ، قال : خرجت من حلب أرید سیف الدولة ، فلمّا برزت من السور إذا أنا بفارس متلثّم قد أهوی نحوی برمح طویل ، وسدّده إلی صدری ، فکدت أطرح نفسی من الدابّة فَرَقاً ، فلمّا قرب منّی ثنی السنان وحسر لثامه ، فإذا المتنبّی - الشاعر المعروف - وأنشدنی :

نثرنا رءوساً بالأُحیدبِ منهمُ

کما نُثِرتْ فوق العروسِ الدراهمُ

ثمّ قال : کیف تری هذا القول؟ أَحَسن هو؟ فقلت له : ویحک! قد قتلتنی ف)

ص: 509


1- الأنساب : 3 / 560.
2- شذرات الذهب : 4 / 185 حوادث سنة 334 ه.
3- البدایة والنهایة : 11 / 135 حوادث سنة 300 ه.
4- عمدة ابن رشیق : 1 / 83 [1 / 101]. (المؤلف)
5- کما فی یتیمة الدهر : 1 / 97 [1 / 147]. (المؤلف)

یا رجل. قال ابن جنّی : فحکیت أنا هذه الحکایة بمدینة السلام لأبی الطیّب ، فعرفها وضحک لها.

وتوفّیت للصنوبری بنت فی حیاته ، رثاها زمیله کشاجم وعزّاه بقوله :

أتأسی یا أبا بکرِ

لموتِ الحُرّةِ البِکرِ

وقد زوّجتَها قَبْراً

وما کالقبرِ من صِهرِ

وعُوِّضتَ بها الأجرَ

وما للأجرِ من مَهْرِ

زفافٌ أُهدِیَتْ فیهِ

من الخِدْرِ إلی القبرِ

فتاةٌ أسبلَ اللهُ

علیها أسبغَ السترِ

ورده أشبه النعم

- ةَ فی الموقعِ والقَدْرِ

وقد یختارُ فی المکرو

هِ للعبدِ وما یدری

فقابلْ نعمةَ اللهِ ال

- تی أولاکَ بالشکرِ

وعزِّ النفسَ ممّا فا

ت بالتسلیمِ والصبرِ

وکتب المترجَم علی کلّ جانبٍ من جوانب قبّة قبرها الستّة بیتین ، توجد الأبیات فی تاریخ ابن عساکر (1) (1 / 456 ، 457).

حکایة

حدّث المترجَم له أبو بکر أحمد بن محمد الصنوبریّ ، قال : کان بالرُّها (2) ورّاقٌ یقال له سعد ، وکان فی دکّانه مجلس کلّ أدیب ، وکان حسن الأدب والفهم یعمل شعراً رقیقاً ، وما کنّا نفارق دکّانه أنا وأبو بکر المعوج الشامی الشاعر وغیرنا من شعراء الشام ودیار مصر ، وکان لتاجر بالرُّها نصرانیّ من کبار تجّارها ابن اسمه ف)

ص: 510


1- تاریخ مدینة دمشق : 2 / 113.
2- الرُّهاء بضمّ أوّله والمد والقصر : مدینة بین الموصل والشام ، استحدثها الرُّهاء بن البلندی فسمّیت باسمه. (المؤلف)

عیسی من أحسن الناس وجهاً ، وأحلاهم قدّا ، وأظرفهم طبعاً ومنطقاً ، وکان یجلس إلینا ویکتب عنّا أشعارنا ، وجمیعنا یحبّه ویمیل إلیه ، وهو حینئذٍ صبیٌّ فی الکتّاب ، فعشقه سعد الورّاق عشقاً مبرّحاً وأخذ یعمل فیه الأشعار ، فمن ذلک وقد جلس عنده فی دکّانه قوله :

اجعل فؤادی دواةً والمداد دَمی

وهاکَ فابرِ عظامی موضعَ القَلمِ

وصیِّرِ اللوحَ وجهی وامْحُهُ بیدٍ

فإنّ ذلکَ برءٌ لی من السقَمِ

تری المعلّم لا یدری بمن کَلَفی

وأنت أشهرُ فی الصبیان من علَمِ

ثمّ شاع بعشق الغلام فی الرُّها خبره ، فلمّا کبر وشارف الائتلاف ، أحبّ الرهبنة وخاطب أباه وأمّه فی ذلک ، وألحّ علیهما حتی أجاباه وخرجا به إلی دیر زکی بنواحی الرقّة (1) وهو فی نهایة حسنه ، فابتاعا له قلاّیة (2)) ودفعا إلی رأس الدیر جملة من المال عنها ، فأقام الغلام فیها وضاقت علی سعد الورّاق الدنیا بما رحبت ، وأغلق دکّانه ، وهجر إخوانه ، ولزم الدیر مع الغلام ، وسعد فی خلال ذلک یعمل فیه الأشعار ، فممّا عمل فیه وهو فی الدیر والغلام قد عمل شمّاساً (3) :

یا حُمّةً (4) عَلَتْ غصناً من

البانِ

کأنّ أطرافها أطرافُ ریحانِ

قد قایسوا الشمسَ بالشمّاسِ فاعترفوا

بأنّما الشمسُ والشمّاس سیّانِ

فقل لعیسی بعیسی کم هراقَ دماً

إنسانُ عینِک من عینٍ لإنسانِ

ثمّ إنّ الرهبان أنکروا علی الغلام کثرة إلمام سعد به ، ونهوهُ عنه وحرموه إن أدخله ، وتوعّدوه بإخراجه من الدیر إن لم یفعل ، فأجابهم إلی ما سألوه من ذلک. س.

ص: 511


1- الرقّة کلّ أرض منبسطة جانب الوادی یعلوها الماء وقت المد. ولا یظنّ أنّ الرقّة البلد الذی علی شاطئ الفرات ، فإنّ الرُّها بین الموصل والشام. (المؤلف)
2- القلاّیة : مسکن الأسقف.
3- کلمة سریانیة معناها : الخادم. (المؤلف)
4- الحُمّة : السواد ، یرید بذلک شعر الرأس.

فلمّا رأی سعد امتناعه منه شقّ علیه ، وخضع للرهبان ورفق بهم ، ولم یجیبوه وقالوا : فی هذا علینا إثم وعار ونخاف السلطان ، فکان إذا وافی الدیر أغلقوا الباب فی وجهه ، ولم یدعوا الغلام یکلّمه.

فاشتدّ وجده وازداد عشقه ، حتی صار إلی الجنون ، فخرق ثیابه ، وانصرف إلی داره فضرب جمیع ما فیها بالنار ، ولزم صحراء الدیر ، وهو عریان یهیم ، ویعمل الأشعار ویبکی.

قال أبو بکر الصنوبریّ : ثمّ عبرت یوماً أنا والمعوج من بستان بتنا فیه فرأیناه جالساً فی ظلّ الدیر ، وهو عریان وقد طال شعره ، وتغیّرت خلقته ، فسلّمنا علیه ، وعذلناه وعتبناه ، فقال : دعانی من هذا الوسواس ، أتریان ذلک الطائر علی هیکل؟ وأومأ بیده إلی طائر هناک. فقلنا : نعم. فقال : أنا وحقِّکما یا أخویَّ أناشده منذ الغداة أن یسقط فأحمِّله رسالة إلی عیسی. ثمّ التفت إلیَّ وقال : یا صنوبری معک ألواحک؟ قلت : نعم. قال : اکتب :

بدینِکِ یا حمامةَ دیرِ زَکّی

وبالإنجیلِ عندَکِ والصلیبِ

قِفی وتحمّلی عنّی سلاماً

إلی قمرٍ علی غُصْنٍ رَطیبِ

حَماهُ جماعةُ الرهبانِ عنّی

فقلبی ما یَقِرُّ من الوجیبِ

علیهِ مسوحُهُ (1) وأضاء فیها

وکان البدرُ فی حُلَل المغیبِ

وقالوا رابنا إلمامُ سعدٍ

ولا والله ما أنا بالمریبِ

وقولی سعدُکَ المسکینُ یشکو

لهیبَ جویً أحرَّ من اللهیبِ

فَصِلْهُ بنظرةٍ لکَ من بعیدٍ

إذا ما کنتَ تمنعُ من قریبِ

وإن أنا متُّ فاکتبْ حول قبری

محبٌّ ماتَ من هجر الحبیبِ

رقیبٌ واحدٌ تنغیصُ عیشٍ

فکیف بمن له ألفا رقیبِف)

ص: 512


1- المسوح : ما لبس من نسیج الشعر تقشّفاً وقهراً للبدن. جمع مِسح بکسر المیم. (المؤلف)

ثمّ ترکنا وقام یعدو إلی باب الدیر وهو مغلق دونه ، وانصرفنا عنه وما زال کذلک زماناً ، ثمّ وُجد فی بعض الأیّام میّتاً إلی جانب الدیر ، وکان أمیر البلد یومئذٍ العبّاس بن کیغلغ ، فلمّا اتّصل ذلک به وبأهل الرُّها خرجوا إلی الدیر ، وقالوا ما قتله غیر الرهبان. وقال لهم ابن کیغلغ : لا بدّ من ضرب رقبة الغلام وإحراقه بالنار ، ولا بدّ من تعزیر جمیع الرهبان بالسیاط ، وتعصّب فی ذلک ، فافتدی النصاری نفوسهم ودیرهم بمائة ألف درهم (1).ف)

ص: 513


1- توجد ملخّصة فی تزیین الأسواق : ص 170 [ص 354]. (المؤلف)

ص: 514

21 - القاضی التنوخی

المولود (278)

المتوفّی (342)

مِن ابن رسول الله وابنِ وصیِّهِ

إلی مُدْغِلٍ (1) فی عقبة الدینِ

ناصبِ

نشا بین طنبورٍ وزقٍّ ومِزْهَرٍ (2)

وفی حجْرِ شادٍ أو علی صدر ضاربِ

ومن ظهرِ سکرانٍ الی بطنِ قَیْنةٍ

علی شُبَهٍ فی مِلْکِها وشوائبِ

یَعیبُ علیّا خیرَ من وطئ الحصی

وأکرمَ سارٍ فی الأنام وساربِ

ویُزری علی السبطین سبطَی محمدٍ

فقل فی حضیضٍ رامَ نَیْلَ الکواکبِ

ویَنسِبُ أفعالَ القرامیطِ کاذباً

إلی عترة الهادی الکرام الأطائبِ

إلی معشرٍ لا یبرحُ الذمُّ بینهمْ

ولا تُزْدَری أعراضُهمْ بالمعایبِ

إذا ما انتدوا کانوا شموسَ بیوتهمْ

وإن رکبوا کانوا شموسَ المواکبِ

وإن عبَسوا یوم الوغی ضحِکَ الردی

وإن ضَحِکوا أبکَوا عیونَ النوادبِ

نَشَوا بین جبریلٍ وبین محمدٍ

وبین علیٍّ خیر ماشٍ وراکبِ

وزیرِ النبیّ المصطفی ووصیِّهِ

ومُشبهِهِ فی شیمه وضرائبِ

ومن قال فی یوم الغدیر محمدٌ

وقد خاف من غدرِ العِداةِ النواصبِب.

ص: 515


1- أدغل فی الأمر : أدخل فیه ما یفسده.
2- الطنبور والمِزهر : آلتان من آلات الطرب.

أما إنّنی أولی بکم من نفوسکمْ

فقالوا بلی قولَ المُریبِ الموارِبِ

فقال لهم من کنت مولاه منکمُ

فهذا أخی مولاهُ بعدی وصاحبی

أطیعوه طُرّا فهو منّی بمنزلٍ

کهارونَ من موسی الکلیمِ المخاطَبِ

القصیدة (83) بیتاً

ما یتبع الشعر

کان عبد الله بن المعتزّ العبّاسی المتوفّی سنة (296) ممّن ینصب العداء للطالبیّین ، ویتحرّی الوقیعة فیهم بما ینمُّ عن سوء سریرته ، ویشفُّ عن خبث طینته ، وکثیراً ما کان یفرغ ما ینفجر به برکان ضغائنه فی قوالب شعریّة ، فجاءت من ذلک قصائد خلّدت له السوأة والعار ، ولقد تصدّی غیر واحد من الشعراء لنقض حججه الداحضة ، منهم :

الأمیر أبو فراس الآتی ذکره وترجمته ، غیر أنّه أربی بنفسه الأبیّة عن أن تقابل ذلک الرجس بالموافقة فی البحر والقافیة ، فصاغ قصیدته الذهبیة الخالدة المیمیّة ینصر فیها العلویّین ، وینال من مناوئیهم العبّاسیّین ، ویوعز إلی فضائحهم وطامّاتهم التی لا تُحصی.

ومنهم : تمیم بن معد الفاطمی : المولود (237) والمتوفّی (374) ، ردّ علی قصیدة ابن المعتزّ الرائیّة أوّلها :

أیَّ ربع لآل هند ودار

وأوّل قصیدة ابن معد :

یا بنی هاشمٍ ولسنا سواءً

فی صِغارٍ من العلی وکبارِ

ومنهم : ابن المنجِّم (1)..

ص: 516


1- أبو الحسن علیّ بن هارون المتوفّی سنة 352 ه.

و [منهم] : أبو محمد المنصور بالله : المتوفّی (614) الآتی ذکره فی شعراء القرن السابع.

ومنهم : صفیُّ الدین الحلّی : المتوفّی (752) فقد ردّ علیه ببائیّته الرنّانة المنشورة فی دیوانه ، المذکورة فی ترجمته الآتیة فی شعراء القرن الثامن.

ومنهم : القاضی التنوخی المترجَم له ، فقد نظم هذه القصیدة التی ذکرنا منها شطراً ردّا علیه ، وهی مذکورة فی کتاب الحدائق الوردیّة (1)) (83) بیتاً ، وأَحسبها کما فی غیر واحد من المجامیع المخطوطة أنّها تمام القصیدة ، وذُکرت فی مطلع البدور (2) (74) بیتاً ، وذکر منها الیمانی فی نسمة السحر (3) (48) بیتاً ، والحموی (14) بیتاً فی معجم الأدباء (14 / 181) وقال : کان عبد الله بن المعتز قد قال قصیدةً یفتخر فیها ببنی العبّاس علی بنی أبی طالب أوّلها :

أبی الله إلاّ ما ترونَ فما لکمْ

غِضاباً علی الأقدار یا آلَ طالبِ

فأجابه أبو القاسم التنوخی بقصیدة نحلها بعض العلویّین ، وهی مثبتة فی دیوانه أوّلها

من ابن رسولِ اللهِ وابنِ وصیّهِ

إلی مُدْغلٍ فی عقدةِ الدینِ ناصبِ

نشا بین طنبور ودفٍّ ومِزْهرٍ

وفی حجرِ شادٍ أو علی صدرِ ضاربِ

ومن ظهر سَکرانٍ إلی بَطْنِ قَیْنَةٍ

علی شُبَهٍ فی مِلْکِها وشوائبِ

یقول فیها :

وقلتَ بنو حربٍ کَسَوْکُمْ عمائماً

من الضربِ فی الهامات حُمْرَ الذوائبِ2.

ص: 517


1- الحدائق الوردیّة : 2 / 211.
2- مطلع البدور : ص 136.
3- نسمة السحر : مج 8 / ج 2 / 372.

صَدَقْتَ منایانا السیوفُ وإنّما

تموتون فوق الفرش موتَ الکواعبِ

ونحن الأُلی لا یسرحُ الذمُّ بیننا

ولا تَدَّری (1) أعراضُنا بالمعایبِ

إذا ما انتدوا کانوا شموسَ ندیّهم

وإن رکبوا کانوا بدور الرکائبِ

وإن عبَسوا یوم الوغی ضحِکَ الردی

وإن ضحکوا بکّوا عیون النوائبِ

وما للغوانی والوغی فتعوّدوا

بقرعِ المثانی من قراعِ الکتائبِ

ویومَ حنینٍ قُلْتَ حُزْنا فَخَارَهُ

ولو کان یدری عدّها فی المثالبِ

أبوه منادٍ والوصیُّ مضاربٌ (2)

فَقُلْ فی منادٍ صیّتٍ ومُضاربِ

وجئتم مع الأولادِ تبغونَ إرثَهُ

فأبْعِدْ بمحجوبٍ بحاجبِ حاجبِ

وقلتمْ نهضنا ثائرینَ شعارُنا

بثاراتِ زیدِ الخیرِ عند التحاربِ

فهلاّ بإبراهیم کان شعارُکم

فترجعَ دعواکمْ تَعِلّةَ (3) خائبِ

ورواها عماد الدین الطبری فی الجزء العاشر من کتابه بشارة المصطفی لشیعة المرتضی (4) وقال : حدّثنا الحسین بن أبی القاسم التمیمی ، قال : أخبرنا أبو سعید السجستانی ، قال أنبأنا القاضی ابن القاضی أبو القاسم علیّ بن المحسن بن علیّ التنوخی ببغداد ، قال : أنشدنی أبی أبو علیّ المحسن ، قال : أنشدنی أبی أبو القاسم علیّ ابن محمد بن أبی الفهم التنوخی لنفسه من قصیدةٍ :

ومن قال فی یوم الغدیر محمدٌ

وقد خاف من غدرِ العِداةِ النواصبِ

أما أنا أَولی منکمُ بنفوسکمْ

فقالوا بلی قولَ المُریب الموارِبِ

فقال لهم من کنتُ مولاهُ منکمُ

فهذا أخی مولاهُ فیکمْ وصاحبی

أَطیعوهُ طُرّا فهو منّی کمنزلٍ

لهارونَ من موسی الکلیم المخاطَبِ8.

ص: 518


1- لا تدَّری : أی لا تجعل نفسها دریئة للمعایب.
2- یرید العبّاس وعلیّا أمیر المؤمنین علیه السلام. (المؤلف)
3- أی تعلّل. (المؤلف)
4- بشارة المصطفی : ص 268.

فقولا له : إن کنتَ من آلِ هاشمٍ

فما کلُّ نجمٍ فی السماءِ بثاقبِ

وروی القصیدة وأنّها فی ردّ عبد الله بن المعتز صاحب تاریخ طبرستان (ص 100) بهاء الدین محمد بن حسن ، وذکر منها خمسة عشر بیتاً ومنها :

فکم مثلِ زیدٍ قد أبادت سیوفُکمْ

بلا سببٍ غیرَ الظنونِ الکواذبِ

أما حملَ المنصورُ من أرضِ یثربٍ

بُدورَ هدیً تجلو ظلامَ الغیاهبِ

وقطّعتمُ بالبغیِ یومَ محمدٍ

قرائنَ أرحامٍ له وقرائبِ

وفی أرضِ باخمری (1) مصابیحُ قد ثَوَتْ

مترّبةَ الهاماتِ حُمْرَ الترائبِ

وغادرَ هادیکمْ بفخٍ (2) طوائفاً

یغادیهمُ بالقاعِ بُقْعُ النواعبِ (3)

وهارونُکمْ أودی بغیرِ جریرةٍ

نجومَ تقیً مثلَ النجومِ الثواقبِ

ومأمونُکمْ سمَّ الرضا بعد بیعةٍ

تَؤدُّ (4) ذری شمّ الجبال الرواسبِ

فهذا جوابٌ للذی قال ما لَکمْ

غِضاباً علی الأقدار یا آل طالبِ

الشاعر

أبو القاسم التنوخی علیّ بن محمد بن أبی الفهم داود بن إبراهیم بن تمیم بن جابر بن هانی بن زید بن عبید بن مالک بن مریط بن سرح بن نزار بن عمرو بن الحارث بن صبح بن عمرو بن الحرث بن عمرو بن الحارث بن عمرو - ملک تنوخ - ابن فهم بن تیم الله - وهو تنوخ - بن أسد بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن إلحاف بن قضاعة [بن] ملک بن حِمْیَر بن سبأ بن سحت بن یعرب بن قحطان بن ه.

ص: 519


1- موضع بین الکوفة وواسط ، وفیها قُتل إبراهیم بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علیّ بن أبی طالب : أیّام المنصور العبّاسی. معجم البلدان : 1 / 316.
2- وادٍ بمکة وفیه قتلت جیوش بنی العبّاس الحسین بن علیّ بن الحسن بن الحسن بن الحسن بن علیّ ابن أبی طالب علیهم السلام أیّام الهادی العبّاسی. معجم البلدان : 4 / 237.
3- أی الغربان.
4- أدّه الأمر یؤدّه إذا دهاه.

غابن بن شالح بن الشحد بن سام بن نوح النبیّ علیه السلام (1).

من أغزر عیالم العلم ، وملتقی الفضائل ، ومجتمع الفنون المتنوّعة ، مشارکاً فی علومٍ کثیرةٍ ، مقدَّماً فی الکلام ، متضلّعاً فی الفقه والفرائض ، حافظاً فی الحدیث ، قدوةً فی الشعر والأدب ، بصیراً بعلم النجوم والهیئة ، خبیراً بالشروط والمحاضر والسجلاّت ، أستاذاً فی المنطق ، متبحِّراً فی النحو ، واقفاً علی اللغة ، معلّماً فی القوافی ، عبقریّا فی العروض ، وکما أنّه من أعیان العلم فهو مفرد فی الکرم وحسن الشِّیَم ، فذٌّ فی الظرف والفکاهة ، دمث الخلائق ، لیّن الجانب.

ولادته ونشأته

وُلد بانطاکیة یوم الأحد لأربع لیالٍ بقین من ذی الحجّة سنة (278) ، ونشأ بها حتی غادرها فی حداثته سنة ستٍّ وثلاثمائة إلی بغداد ، وتفقّه بها علی مذهب أبی حنیفة ، وسمع الحدیث من الحسن بن أحمد بن حبیب الکرمانیّ صاحب مسدّد ، وأحمد ابن خلیل الحلبی صاحب أبی الیمان الحمصیّ ، وأحمد بن محمد بن أبی موسی الأنطاکی ، وأنس بن سالم الخولانیّ ، والحسن بن أحمد بن إبراهیم بن فیل ، والفضل ابن محمد العطّار الأنطاکیّین ، والحسین بن عبد الله القطّان الرقّی ، وأحمد بن عبد الله بن زیاد الجبلیّ ، ومحمد بن حصن بن خالد الآلوسی الطرسوسیّ ، والحسن بن الطیّب الشجاعیّ ، وعمر بن أبی غیلان الثقفیّ ، وأبی بکر محمد بن محمد الباغندیّ ، وحامد بن محمد بن شعیب البلخیّ ، وأبی القاسم البغوی ، وأبی بکر بن أبی داود. وقرأ فی النجوم علی البنّائی المنجّم ، صاحب الزیج.

یروی عنه : أبو حفص بن الآجریّ البغدادی ، وأبو القاسم بن الثلاّج ف)

ص: 520


1- النسب ذکره الخطیب البغدادی فی تاریخه [12 / 77 رقم 6487] نقلاً عن حفید المترجم أبی القاسم بن المحسن إلی قضاعة ، وذکر ما بعده السمعانی فی الأنساب [1 / 485] ، وإلی قضاعة بین الکتابین اختلاف فی بعض الأسماء. (المؤلف)

البغدادیّ ، وعمر بن أحمد بن محمد المقری ، وابنه أبو علی المحسن التنوخی.

وأوّل من قلّده القضاء بعسکر مکرم وتُستر وجندی سابور ، فی أیّام المقتدر بالله الخلیفة الذی ولی الخلافة من سنة (295) حتی قتل سنة (320) من قبل القاضی أبی جعفر أحمد بن إسحاق بن البهلول التنوخی ، وکتبه له أبو علی بن مقلة وکان ذلک سنة (310) فی السنة الثانیة والثلاثین من عمره ، ثمّ تقلّد القضاء بالأهواز وکورة واسط وأعمالها والکوفة وسقی الفرات ، وعدّة نواحٍ من الثغور الشامیّة ، وأرَّجان وکورة سابور مجتمعاً ومفترقاً ، وتولّی قضاء إیذج وجُنْدَ حِمص من قِبل المطیع لله الذی ولی الخلافة سنة (334) ، وکان المطیع لله قد عوّل علی أبی السائب عن قضاء القضاة وتقلیده إیّاه ، فأفسد ذلک بعض أعدائه ، وکان ابن مقلة قلّده المظالم بالأهواز ، واستخلفه أبو عبد الله البریدی بواسط علی بعض أمور النظر.

وقال الثعالبی (1)) : کان یتقلّد قضاء البصرة والأهواز بضع سنین ، وحین صرف عنه ورد حضرة سیف الدولة زائراً ومادحاً ، فأکرم مثواه وأحسن قِراه ، وکتب فی معناه إلی الحضرة ببغداد حتی أُعید إلی عمله ، وزِید فی رزقه ورتبته ، وکان المهلّبی الوزیر وغیره من رؤساء العراق یمیلون إلیه جدّا ، ویتعصّبون له ویعدّونه ریحانة الندماء ، وتاریخ الظرفاء ، ویعاشرون منه من تطیب عشرته ، وتکرم أخلاقه ، وتحسن أخباره.

حدیث حفظه وذکائه

کان المترجم آیةً فی الحفظ والذکاء ، قال ولده القاضی أبو علی المحسن فی نشوار المحاضرة (2) (ص 176) : حدّثنی أبی قال : سمعت أبی ینشد یوماً وسنّی إذ ذاک خمس عشرة سنة بعض قصیدة دعبل الطویلة التی یفتخر فیها بالیمن ویعدّد مناقبهم ، 0.

ص: 521


1- یتیمة الدهر : 2 / 393.
2- نشوار المحاضرة : 2 / 140.

ویردُّ علی الکمیت مناقبه بنزار أوّلها :

أفیقی من ملامک یا ظعینا

کفانی اللوم مرُّ الأربعینا

وهی نحو ستمائة بیت فاشتهیت حفظها لما فیها من مفاخر الیمن وأهلی ، فقلت : یا سیِّدی تخرجها إلیّ حتی أحفظها ، فدافعنی فألححت علیه فقال : کأنّی بک تأخذها فتحفظ منها خمسین بیتاً أو مائة بیت ثمّ ترمی بالکتاب وتخلقه علیّ. فقلت : ادفعها إلیَّ.

فأخرجها وسلّمها إلیّ وقد کان کلامه أثّر فیّ ، فدخلت حجرةً کانت برسمی من داره فخلوت فیها ولم أتشاغل یومی ولیلتی بشیءٍ غیر حفظها.

فلمّا کان فی السحر کنت قد فرغت من جمیعها وأتقنتها ، فخرجت إلیه غدوةً علی رسمی فجلست بین یدیه. فقال : هِی (1) ، کم حفظت من القصیدة؟ فقلت : قد حفظتها بأسرها. فغضب وقد رآنی قد کذبته وقال لی : هاتها.

فأخرجت الدفتر من کمِّی ، فأخذه ، وفتحه ، ونظر فیه وأنا أنشد ، إلی أن مضیت فی أکثر من مائة بیت. فصفّح منها عدّة أوراق وقال : أنشد من هاهنا. فأنشدت مقدار مائة بیت إلی آخرها ، فهاله ما رآه من حسن حفظی ، فضمّنی إلیه وقبّل رأسی وعینی ، وقال : بالله یا بُنیّ لا تخبر بها أحداً فإنّی أخاف علیک من العین.

وذکر ابن کثیر هذه القصّة ملخّصاً فی تاریخه (2) (11 / 227).

وقال أبو علیّ (3) أیضاً : حفّظنی أبی وحفظت بعده من شعر أبی تمام والبحتری سوی ما کنت أحفظ لغیرهما من المحدثین والقدماء مائتی قصیدة ، قال : وکان أبی 2.

ص: 522


1- کلمة تفید التلهّف.
2- البدایة والنهایة : 11 / 257 حوادث سنة 342 ه.
3- نشوار المحاضرة : 2 / 142.

وشیوخنا بالشام یقولون : من حفظ للطائیَّین (1)) أربعین قصیدة ولم یقل الشعر فهو حمار فی مسلاخ إنسان ، فقلت الشعر وسنّی دون العشرین ، وبدأت بعمل مقصورتی التی أوّلها

لو لا التناهی لمْ أُطِعْ نهیَ النهی

أیَّ مدیً یطلبُ من جازَ المَدی

وقال أبو علیّ (2) : کان أبی یحفظ للطائیَّین سبعمائة قصیدة ومقطوعة سوی ما یحفظ لغیرهم من المحدثین والمخضرمین والجاهلیّین ؛ ولقد رأیت له دفتراً بخطِّه - هو عندی - یحتوی علی رءوس ما یحفظه من القصائد مائتین وثلاثین (3) ورقة أثمان منصوری لطاف ، وکان یحفظ من النحو واللغة شیئاً عظیماً مع ذلک ، - إلی أن قال - : وکان مع ذلک یحفظ ویجیب فیما یفوق عشرین ألف حدیث ، وما رأیت أحدا أحفظ منه ، ولولا أنّ حفظه افترق فی جمیع هذه العلوم لکان أمراً هائلاً.

تآلیفه

إنّ تضلّع المترجم فی العلوم الجمّة ، وشهرته الطائلة فی جلِّ الفنون النقلیة والعقلیة والریاضیة ، وتجوّله فی الأقطار والأمصار ، تستدعی وجود تآلیف له قیِّمة ، کما قال ولده أبو علیّ : إنّ له فی علم العروض والفقه وغیرهما عدّة کتب مصنّفة ، وقال الحموی (4) : إنّ له تصانیف فی الأدب ، منها کتابٌ فی العروض ، قال الخالع : ما عمل فی العروض أجود منه ، وکتاب علم القوافی. وذکر السمعانی والیافعی وابن حجر وصاحب الشذرات له دیوان شعر ، واختار منه الثعالبی ما ذکر من شعره ، وسمعت فیما یتبع شعره فی الغدیر. نقل الحموی عن دیوانه بائیّته کغیرها ، وذکر المسعودی له 3.

ص: 523


1- هما أبو تمام والبحتری.
2- نشوار المحاضرة : 7 / 203.
3- فی المصدر : نیّف وثلاثین.
4- معجم الأدباء : 14 / 163.

قصیدته المقصورة التی عارض بها ابن درید ، یمدح فیها تنوخ وقومه من قضاعة أوّلها :

لو لا انتهائی لم أُطِعْ نهی النهی

مَدی الصِّبا نطلبُ من جاز المدی

إن کنتُ أقصرتُ فما أقصر قل

- بٌ دامیاً ترمیه ألحاظُ الدُّمی

ومقلةٌ إن مقلت أهلَ الفضا

أغضتْ وفی أجفانِها جمرُ الغضا

وفیها یقول :

وکم ظباءٍ رعیُها ألحاظَها

أسرعُ فی الأنفس من حدِّ الظُّبا

أسرعُ من حرفٍ إلی جرٍّ ومن

حبٍّ إلی حبّة قلبٍ وحشا

قضاعةٌ من مَلِکِ بنِ حِمْیَرٍ

ما بعده للمرتقین مرتقی

وقال أبو علیّ فی نشوار المحاضرة (1)) : إنّ ما ضاع من شعره أکثر ممّا حُفظ. انتهی. غیر أنّ هذه الکتب قد عصفت علیها عواصف الضیاع ، کما أنّ التصدِّی لمنصب القضاء عاقه عن الإکثار من التألیف علی قدر غزارة علمه.

مذهبه

من العویص جدّا البحث والتنقیب عن مذهب من نشأ فی مثل القرن الثالث والرابع ، عصر التحزّب للآراء والنزعات ، عصر تشتّت الاعتقادات ، عصر تکثّر النِّحَل ، وتوفّر الدواعی علی انتحال الرجل لما یخالف عقده القلبی ، وتظاهره بما لا یظهره سرّ جنانه ، وقد قضت الأیّام ، ومرّت الأعوام علی آثارهم ونتائج أفکارهم ممّا کان یمکننا منه استظهار المعتقدات ، وحکم الدهر علی منشور فلتات ألسن کانت تعرب عن مکنون الضمائر ، وتقرأ علینا دروس الحقیقة من جانب مذهب الغابرین. 4.

ص: 524


1- نشوار المحاضرة : 4 / 64.

واضطراب کلمات أرباب المعاجم حول مذهب شاعرنا التنوخی وولده أبی علیّ منذ عهدهم إلی الیوم ینمُّ عن أنّهم کانوا یخفون مختارهم من المذهب ، وکانوا یظهرون فی کلّ صقع وناحیة نزلوا ما یلائم مذهب أهلیها ، فقال الخطیب البغدادی فی تاریخه ، والسمعانی فی أنسابه ، وابن کثیر فی تاریخه ، وصاحب شذرات الذهب ، والسیّد العبّاسی فی المعاهد ، وشیخنا أبو الحسن الشریف فی ضیاء العالمین : إنّ المترجَم تفقّه علی مذهب أبی حنیفة. ونصّ الیافعی فی مرآة الجنان ، والذهبی فی میزان الاعتدال ، والسیوطی فی البغیة ، وأبو الحسنات فی الفوائد البهیّة بأنّه حنفیُّ المذهب. وقال الخطیب البغدادی فی تاریخه ، والسمعانی فی أنسابه : إنّه کان یعرف الکلام فی الأصول علی مذهب المعتزله. وفی کامل ابن الأثیر : کان عالماً بأصول المعتزلة. وفی لسان المیزان : إنّه یُرمی بالاعتزال ، وعدّه سیّدنا القاضی فی مجالس المؤمنین من قضاة الشیعة ، وبذلک نصّ صاحب مطلع البدور ، ونقل صاحب نسمة السحر عن المسوری الیمنی : أنَّه کان معتزلیّ الأصول ، متشیِّعاً جدّا ، حنفیّ المذهب.

والذی یجمع بین هذه الشتات أنّ الرجل کان معتزلیّ الأصول ، حنفیّ الفروع ، زیدیّ المذهب ، ویؤکِّد مذهبه هذا ما ذکره معاصره المسعودی فی مروج الذهب (1) (2 / 519) من قوله : إنّه فی وقتنا هذا - وهو سنة اثنتین وثلاثین وثلاثمائة - بالبصرة فی جملة الزیدیّین (2). انتهی. وقصیدته البائیّة التی ذکرنا شطراً منها ترجّح کفّة التشیّع فی میزانه ، کما أنّ غیر واحدة من قضایا ذکرها ولده أبو علیّ فی کتابه الفرج بعد الشدّة نقلاً عن المترجم تؤذن بذلک.

وفاته

توفّی فی عصر یوم الثلاثاء لسبع خلون من شهر ربیع الأوّل سنة (342) ف)

ص: 525


1- مروج الذهب : 4 / 341.
2- فی النسخة : الیزیدیّین. وهو تصحیف واضح. (المؤلف)

بالبصرة ، ودفن من الغد فی تربة اشتریت له بشارع المربد. قال ولده أبو علیّ فی نشوار المحاضرة (1)) : وفیما شاهدناه من صحّة أحکام النجوم کفایة ، هذا أبی حوّل مولد نفسه فی السنة التی مات فیها ، وقال لنا : هذه سنة قطع علی مذهب المنجّمین. وکتب بذلک إلی بغداد إلی أبی الحسن البهلول القاضی - صهره - ینعی نفسه ویوصیه.

فلما اعتلّ أدنی علّة وقبل أن تستحکم علّته أخرج التحویل ونظر فیه طویلاً ، وأنا حاضرٌ ، فبکی ثمّ أطبقه ، واستدعی کاتبه ، وأملی علیه وصیّته التی مات عنها ، وأشهد فیها من یومه.

فجاءه أبو القاسم غلام زُحل المنجِّم ، فأخذ یطیّب نفسه ، ویورد علیه شکوکاً. فقال له : یا أبا القاسم لستَ ممّن یخفی هذا علیه فأنسبک إلی غلط ، ولا أنا ممّن یجوز علیه هذا فتستغفلنی ، وجلس فوافقه علی الموضع الذی خافه وأنا حاضرٌ.

ثمّ قال له أبی : دعنی من هذا ، بیننا شکّ فی أنّه إذا کان یوم الثلاثاء العصر لسبع بقین من الشهر فهو ساعة قطع (2)) عندهم؟ فأمسک أب والقاسم غلام زُحل لأنّه کان خادماً لأبی ، وبکی طویلاً ، وقال : یا غلام الطست ، فجاءه به ، فغسل التحویل ، وقطّعه ، وودّع أبا القاسم تودیع مفارق. فلمّا کان فی ذلک الیوم العصر مات کما قال.

أخذنا ترجمته (3) من : یتیمة الدهر (2 / 309) ، نشوار المحاضرة ، تاریخ الخطیب 9.

ص: 526


1- نشوار المحاضرة : 2 / 329.
2- المقصود به القطع عند المنجّمین ، وهو قطع خطّ الحیاة بحادث یعرض للحیّ.
3- یتیمة الدهر : 2 / 393 ، وفیات الأعیان : 3 / 366 رقم 465 ، الأنساب : 1 / 485 ، فوات الوفیات : 3 / 60 رقم 348 ، الکامل فی التاریخ : 5 / 305 حوادث سنة 342 ه ، البدایة والنهایة : 11 / 257 حوادث سنة 342 ه ، لسان المیزان : 4 / 295 رقم 5909 ، معاهد التنصیص : 2 / 11 رقم 75 ، شذرات الذهب : 4 / 227 حوادث سنة 342 ه ، مجالس المؤمنین : 1 / 541 ، مطلع البدور : ص 136 ، الحدائق الوردیّة : 2 / 211 ، نسمة السحر : مج 8 / ج 2 / 369 ، روضات الجنّات : 5 / 216 رقم 489.

البغدادی (12 / 77) ، تاریخ ابن خلکان (1 / 288) ، معجم الأدباء (14 / 162) ، أنساب السمعانی ، فوات الوفیات (2 / 68) ، کامل ابن الأثیر (8 / 168) ، تاریخ ابن کثیر (11 / 227) ، مرآة الجن ان (2 / 334) ، لسان المیزان (4 / 256) ، معاهد التنصیص (1 / 136) ، شذرات الذهب (2 / 342) ، مجالس المؤمنین (ص 255) ، الفوائد البهیّة فی تراجم الحنفیة (ص 137) ، مطلع البدور ، الحدائق الوردیة ، نسمة السحر (ج 2) ، روضات الجنّات (ص 447 ، 47 7) ، تنقیح المقال (2 / 302).

قد یوجد الاشتباه فی غیر واحد من هذه المعاجم کمجالس المؤمنین ، ونسمة السحر ، وتنقیح المقال بین ترجمة المترجَم وبین ترجمة حفیده أبی القاسم علیِّ بن المحسن للاتحاد فی الاسم والکنیة والشهرة بالتنوخی ، فوقع الخلط بین الترجمتین. یطّلع علیه الباحث بمعونة ما ذکرناه.

خلف المترجَم علی علمه الجمّ وفضائله الکثیرة ولده أبو علیّ المحسن بن علیّ وهو کما قال الثعالبی (1) : هلال ذلک القمر ، وغصن هاتیک الشجر ، والشاهد العدل بمجد أبیه وفضله ، والفرع المثیل لأصله ، والنائب عنه فی حیاته ، والقائم مقامه بعد وفاته ، وفیه یقول أبو عبد الله بن الحجّاج الآتی ذکره :

إذا ذُکر القضاةُ وهم شیوخٌ

تخیّرْتُ الشبابَ علی الشیوخِ

ومن لم یرضَ لم أصفَعْه إلاّ

بحضرةِ سیِّدی القاضی التنوخی

له کتاب الفرج بعد الشدّة ، ونشوار المحاضرة ، والمستجاد من فعلات الأجواد ، دیوان شعره وهو أکبر من دیوان أبیه ، سمع بالبصرة من مشایخها ، ونزل بغداد وحدّث بها ، وأوّل سماعه بالحدیث سنة (333) ، وأوّل ما تقلّد القضاء بالقصر وبابل وأرباضهما فی سنة (349) ، ثمّ ولاّه المطیع لله بعسکر مکرم وإیذج ورامهرمز ، وتقلّد غیرها أعمالاً کثیرة فی شتّی الجهات. 5.

ص: 527


1- یتیمة الدهر : 2 / 405.

وُلد لیلة الأحد لأربع بقین من شهر ربیع الأوّل سنة (327) بالبصرة ، وتوفّی لیلة الإثنین لخمس بقین من المحرّم سنة (384) ببغداد ، وهو فی المذهب شبیه أبیه ، لکنّ شواهد التشیّع فیه أکثر وأوضح من أبیه.

وأعقب أبو علیّ المحسن أبا القاسم علیّا ، خلف أبیه وجدّه علی علمهما الکثار ، وأدبهما الغزیر ، کان یصحب الشریف المرتضی علم الهدی ویلازمه ، وکان من خاصّته ، وصحب أبا العلاء المعرّی وأخذ عنه ، وکانت بینه وبین الخطیب أبی زکریّا التبریزی صلة ومؤانسة ، وتقلّد قضاء المدائن وأعمالها ، ودرزنجان ، والبردان ، وقرمیسین وغیرها.

یروی عنه الخطیب البغدادی فی تاریخه (1) ، وترجمه وذکر مشایخه ، ویروی عنه أبو الغنائم محمد بن علیّ بن المیمون النرسی المعروف بأُبَیّ ، وهو یروی عن أبی الحسن علیِّ بن عیسی الرمّانی کما فی إجازة العلاّمة الحلّی الکبیرة لبنی زهرة (2) ، وعن أبی عبد الله المرزبانی المتوفّی (384) ، وأمره فی المذهب أوضح من والده وجدِّه ، وتشیّعه من المتسالم علیه عند أرباب المعاجم ، ولد فی منتصف شعبان سنة (370) بالبصرة ، وتوفّی لیلة الإثنین ثانی المحرّم سنة (447) ودفن بداره بدرب التلِّ.

حدّث الحموی فی معجم الأدباء عن القاضی أبی عبد الله ابن الدامغانی قال : دخلت علی القاضی أبی القاسم التنوخی - الصغیر - قبل موته بقلیل ، وقد علت سنّه ، فأخرج إلیَّ ولده من جاریته ، فلمّا رآه بکی ، فقلت : تعیش إن شاء الله وتربّیه ویقرُّ الله عینک به. فقال : هیهات والله ما یتربّی إلاّ یتیماً ، وأنشد :

أری وَلَدَ الفتی کَلّ علیهِ

لقد سعدَ الذی أمسی عقیما

فإمّا أن یُخلّفَهُ عدوّا

وإمّا أن یُربِّیَهُ یتیما1.

ص: 528


1- تاریخ بغداد : 12 / 115 رقم 6558.
2- انظر بحار الأنوار : 107 / 111.

ثمّ قال : أرید أن تزوِّجنی من أمّه فإنّنی قد اعتقتها علی صداق عشرة دنانیر. ففعلت ، وکان کما قال تربّی یتیماً ، وهو أبو الحسن محمد بن علیِّ بن المحسن. قبل القاضی أبو عبد الله شهادته ، ثمّ مات سنة أربع وتسعین وأربعمائة وانقرض بیته. بسط القول فی ترجمته الحموی فی معجم الأدباء (14 / 110 - 124).

ص: 529

ص: 530

22 - أبو القاسم الزاهی

المولود (318)

المتوفّی (352)

لا یهتدی إلی الرشادِ من فَحَصْ

إلاّ إذا والی علیّا وخلصْ

ولا یذوقُ شَربةً من حوضِهِ

من غمسَ الولا علیهِ وغمَصْ (1)

ولا یشمُّ الروحَ من جِنانِهِ

من قال فیه من عداهُ وانتقصْ

نفسُ النبیِّ المصطفی والصنوُ وال

- خلیفةُ الوارثُ للعلمِ بنصّ

من قد أجابَ سابقاً دعوتَهُ

وهو غلامٌ وإلی اللهِ شَخَصْ

ما عَرَفَ اللاتَ ولا العُزّی ولا ان

- ثنی إلیهما ولا حبّ ونصّ

من ارتقی متنَ النبیِّ صاعداً

وکسّرَ الأوثانَ فی أولی الفُرَصْ

وطهّرَ الکعبةَ من رجسٍ بها

ثمّ هوی للأرض عنها وقمصْ (2)

من قد فدی بنفسِهِ محمداً

ولم یکن بنفسهِ عنهُ حَرَصْ

وباتَ من فوقِ الفراشِ دونَهُ

وجادَ فیما قد غلا وما رخصْ

من کان فی بدرٍ ویومِ أُحُدٍ

قطَّ من الأعناقِ ما شاءَ وقصّ

فقال جبریل ونادی لا فتی

إلاّ علیٌّ عمّ فی القول وخصّب.

ص: 531


1- یقال : غمص النعمة غمصاً أی تهاون بها وکفرها وازدری بها.
2- قمص : وثب.

من قَدَّ عمرو العامریَّ سیفُهُ

فخرَّ کالفیلِ هوی وما فحصْ

وراء ما صاح أَلا مبارزٌ

فالتوَت الأعناقُ تشکو من وَقصْ (1)

من أُعطی الرایةَ یومَ خیبرٍ

من بعد ما بها أخو الدعوی نَکَصْ

وراح فیها مُبصراً مستبصراً

وکان أرمداً بعینیه الرمَصْ (2)

فاقتلعَ البابَ ونالَ فَتْحَهُ

ودکَّ طَودَ مرحبٍ لمّا قعصْ (2)

من کَسَحَ البصرةَ من ناکثِها

وقصّ رِجل عسکرٍ (3) بما رقصْ

وفرّق المالَ وقالَ خمسةٌ

لواحدٍ فساوت الجند الحصصْ

وقال فی ذی الیوم یأتی مددٌ

وعدّه فلم یَزِدْ وما نقصْ

ومن بصفِّینَ نضا حسامَهُ

فَفَلّق الهامَ وفرّق القَصصْ (4)

وصدّ عن عمرو وبُسْرٍ کرماً

إذ لَقیا بالسوأتین من شخصْ (5)

ومن أسالَ النهروانَ بالدِّما

وقطّع العرق الذی بها رهصْ

وکذّب القائل أن قد عَبَرُوا

وعدّ من یُحْصَدُ منهمْ ویُحَصْ (6)

ذاک الذی قد جمعَ القرآن فی

أحکامِهِ للواجباتِ والرُّخصْ

ذاک الذی آثر فی طعامِهِ

علی صیامِهِ وجادَ بالقُرَصْ

فأنزلَ اللهُ تعالی هل أتی

وذَکَر الجزاءَ فی ذاکَ وقَصّ (7)

ذاک الذی استوحشَ منه أنسٌ

أن یشهَدَ الحقّ فشاهدَ البَرَصْ (8)ف)

ص: 532


1- وقص العنق : کسرها وَدَقّها. (المؤلف) (2) الرمص : قذیً تلفظ به العین.
2- قعصه وأقعصه : قتله مکانه ، أجهز علیه. (المؤلف)
3- عسکر : اسم الجمل الذی کانت ترکبه عائشة یوم الجمل.
4- القص : الصدرُ أو عظمُه. (المؤلف)
5- مرّت قصّته علیه السلام مع عمرو وبُسْر فی الجزء الثانی : ص 158 ، 165. (المؤلف)
6- حص الشیء : قطع عنه. (المؤلف)
7- أسلفنا نزول هل أتی فی العترة الطاهرة وسیّدهم فی هذا الجزء : ص 107 - 111 ، 169.(المؤلف)
8- مرّ تفصیل قصّة أنس فی الجزء الأول : ص 191. (المؤلف)

إذ قال من یشهَدُ بالغدیرِ لی

فبادَرَ السامعُ وهو قد نکصْ

فقال أُنْسِیتُ فقال کاذبُ

سوف تری ما لا تُواریه القُمُصْ

یا ابنَ أبی طالبِ یا من هو من

خاتمِ الانبیاءِ فی الحکمةِ فُصْ

فضلُکَ لا یُنکَرُ لکنّ الولا

قد ساغَهُ بعضٌ وبعضٌ فیه غَصْ

فذکرُهُ عند مُوالیکَ شِفا

وذکرُهُ عند مُعادیک غُصصْ

کالطیر بعضٌ فی ریاضٍ أزهرَتْ

وابتسم الوردُ وبعضٌ فی قفصْ

وله فی ذکر خلافة أمیر المؤمنین علیه السلام وأنَّها له بنصّ حدیث الغدیر ، قوله :

قدّمتُ حیدرَ لی مولیً بتأمیرِ

لمّا علمتُ بتنقیبی وتنقیری

إنّ الخلافةَ من بعد النبیِّ لهُ

کانت بأمرٍ من الرحمن مقدورِ

من قال أحمدُ فی یوم الغدیر له

بالنقلِ فی خبرٍ بالصدقِ مأثورِ

قم یا علیُّ فکن بعدی لهم عَلَماً

واسعد بمنقلبٍ فی البعثِ محبورِ

مولاهمُ أنتَ والموفی بأمرِهمُ

نصٌّ بوحیٍ علی الأفهام مسطورِ

وذاک أنّ إلهَ العرش قال لهُ

بلّغْ وکن عند أمری خیرَ مأمورِ

فإن عَصَیْتَ ولم تفعل فإنّک ما

بلّغتَ أمری ولم تصدع بتذکیری

وله قوله یمدح أمیر المؤمنین علیه السلام ویذکر فرض ولائه بحدیث الغدیر :

دع الشناعاتِ أیّها الخُدَعَهْ (1)

وارکن إلی الحقِّ واغدُ متّبعَهْ

من وحّدَ اللهَ أوّلاً وأبی

إلاّ النبیَّ الأمیَّ واتّبعَهْ

من قال فیه النبیُّ کان مع ال

حقِّ علیٌّ والحقُّ کان معَهْ

من سلّ سیفَ الإلهِ بینهمُ

سیفاً من النور ذو العُلی طَبَعَهْ

من هزّم الجیش یومَ خیبرِهمْ

وهزّ بابَ القموصِ فاقتلعَهْ

من فَرَضَ المصطفی ولاهُ علی ال

خلقِ بیوم الغدیرِ إذ رفعَهًْ.

ص: 533


1- الخُدَعة : الذی یخدع الناس کثیراً.

أشهدُ أنّ الذی تقولُ به

یعلمُ بطلانَهَ الذی سَمِعَهْ

وقال یمدحه - صلوات الله علیه - :

أُقیمَ بخمٍّ للخلافةِ حیدرٌ

ومن قبلُ قال الطهرُ ما لیس یُنکرُ

غداةَ دعاهُ المصطفی وهو مُزمِعٌ

لقصدِ تبوکٍ وهو للسیرِ مُضْمِرُ

فقال : أَقِمْ عنّی بِطَیْبَةَ واعلَمَنْ

بأنّک للفُجّار بالحقِّ تقهرُ

ولمّا مضی الطهرُ النبیُّ تظاهرتْ

علیه رجالٌ بالمقالِ وأجهروا

فقالوا علیٌّ قد قلاه محمدٌ

وذاک من الأعداءِ إفکٌ ومنکرُ

فأتبعه دون المعرّسِ فانثنی

وقالوا علیٌّ قد أتی فتأخّروا

ولمّا أبانَ القولَ عمّن یقولُهُ

وأبدی له ما کانَ یُبدی ویُضمرُ

فقال أما ترضی تکونُ خلیفتی

کهارونَ من موسی وشأنک أکبرُ

وعلاّه خیرُ الخَلقِ قَدْراً وقُدرَةً

وذاک من الله العلیِّ مقدّرُ

وقال رسول الله هذا إمامکمْ

له الله ناجی أیّها المتحیِّرُ

الشاعر

أبو القاسم علیّ بن إسحاق بن خلف القطّان البغدادیّ النازل بالکرخ فی قطیعة الربیع (1) ، الشهیر بالزاهی (2)) ، شاعر عبقریّ تحیّز فی شعره إلی أهل بیت الوحی ، ودان بمذهبهم ، وأدّی بمودّتهم أجر الرسالة ، فکان أکثر شعره الواقع فی أربعة أجزاء فیهم مدحاً ورثاءً ، بحیث عُدّ فی معالم العلماء (3) فی طبقة المجاهرین من شعرائهم وصّافاً ، فلم یزل فیه یکافح عنهم ویناطح ، وینازل ویناضل ، ولذلک لم یُلْفِ نشوراً بین من کان یناوئهم أو لا یقول بأمرهم ، فحسبوه مُقلاّ من الشعر کما فی تاریخ8.

ص: 534


1- تنسب إلی الربیع بن یونس حاجب المنصور ومولاه ووالد وزیره الفضل بن الربیع. (المؤلف)
2- نسبة إلی (زاه) قریة من قری نیسابور. یقال فی النسبة إلیها : زاهی ، وإزاهی. (المؤلف)
3- معالم العلماء : ص 148.

بغداد (1) وغیره ، غیر أنّ جزالة شعره ، وجودة تشبیهه ، وحسن تصویره ، لم یدع لأرباب المعاجم منتدحاً من إطرائه.

وفی فهم المعنی الذی لا یبارح الخلافة والإمامة من لفظ المولی من مثل الزاهی العارف بمعاریض الکلام ، والمتسالم علی تضلّعه فی اللغة والأدب العربیّ ، وبثِّه فی نظمه لَحجّةٌ قویّةٌ علی الصواب الذی ترتئیه الشیعة فی الاستدلال بحدیث الغدیر علی إمامة أمیر المؤمنین علیه السلام.

وُلد الزاهی یوم الإثنین لعشر لیالٍ بقین من صفر سنة (318) کما نصّ به ابن خلّکان نقلاً عن طبقات الشعراء لعمید الدولة. وتُوفّی ببغداد یوم الأربعاء لعشر بقین من جمادی الأولی سنة (352) فی روایة عمید الدولة ، ودفن فی مقابر قریش. أو بعد سنة (360) فیما قاله الخطیب نقلاً عن التنوخی. وأرّخه السمعانی کذلک نقلاً عن الخطیب.

ولمّا لم یکن فی المعاجم عنایة بشعره المذهبیّ الراقی ، فنحن نذکر منه شطراً. فمن ذلک قوله یمتدح به أمیر المؤمنین علیه السلام :

یا سادتی یا آلَ یاسینَ فقطْ

علیکمُ الوحیُ من اللهِ هَبَطْ

لولاکمُ لم یُقْبَلِ الفرضُ ولا

رحنا لبحر العفو من أکرمِ شَطْ

أنتمْ وُلاةُ العهدِ فی الذرِّ ومنْ

هواهمُ اللهُ علینا قد شَرَطْ

ما أحدٌ قایسَکمْ بغیرِکم

ومازجَ السلسلَ بالشرب اللمَطْ (2)

إلاّ کمن ضاهی الجبال بالحصی

أو قایس الأبحرَ جهلاً بالنقَطْ

صنوُ النبیِّ المصطفی والکاشف ال

-غمّاء عنه والحسامُ المخترَطْر.

ص: 535


1- تاریخ بغداد : 11 / 350 رقم 6194.
2- اللمط : المضطرب العکِر.

أوّلُ من صامَ وصلّی سابقاً

إلی المعالی وعلی السبق غُبطْ

* * *

مکلّمُ الشمسِ ومن رُدّت لهُ

ببابلٍ والغربُ منها قد قبطْ (1)

وراکضُ الأرضِ ومن أنبعَ لل

- عسکرِ ماءَ العینِ فی الوادی القحطْ

بحرٌ لدیه کلُّ بحرٍ جدولٌ

یغرفُ من تیّاره إذا اغتمطْ

ولیثُ غابٍ کلُّ لیثٍ عنده

ینظره العقل صغیراً إذ فلطْ (2)

باسط علم الله فی الأرض ومن

بحبِّه الرحمن للرزق بسطْ

سیفٌ لَوَ انّ الطفل یلقی سیفه

بکفّه فی یوم حربٍ لَشَمطْ (3)

یخطو إلی الحرب بِه مدّرعاً

فکمْ به قد قدّ من رجْسٍ وقطْ

قوله : مکلّم الشمس.

أشار به إلی ما رُوی عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أنّه قال لعلیٍّ : «یا أبا الحسن کلّم الشمس فإنّها تکلّمک». قال علیٌّ علیه السلام : «السلام علیک أیّها العبد المطیع لله ورسوله».

فقالت الشمس : وعلیک السلام یا أمیر المؤمنین ، وإمام المتّقین ، وقائد الغرِّ المحجّلین ، یا علیُّ أنت وشیعتک فی الجنّة ، یا علیُّ أوّل من تنشقُّ عنه الأرض محمد ثمّ أنت ، وأوّل من یُحیا محمد ثمّ أنت ، وأوّل من یُکسی محمد ثمّ أنت.

فسجد علیٌّ علیه السلام لله تعالی وعیناه تذرفان بالدموع ، فانکبّ علیه النبیُّ فقال : «یا أخی وحبیبی ارفع رأسک فقد باهی الله بک أهل سبع سماوات».

أخرجه شیخ الإسلام الحمّوئی فی فرائد السمطین (4) الباب (38) ، والخوارزمی 7.

ص: 536


1- قُبط : جُمع.
2- فلط عن الشیء : دهش عنه.
3- شمط الشیء یشمطه : خلطه ، والشمط فی الشعر : اختلافه بالسواد والبیاض.
4- فرائد السمطین : 1 / 185 ح 147.

فی المناقب (1) (ص 68) ، والقندوزی فی الینابیع (2) (ص 140).

وقوله : ومَن رُدّت له ببابل.

حدیث ردِّ الشمس لعلیٍّ علیه السلام ببابل أخرجه نصر بن مزاحم فی کتاب صفِّین (3) (ص 152) طبع مصر - بإسناده عن عبد خیر (4) ، قال : کنت مع علیّ أسیر فی أرض بابل وحضرت الصلاة - صلاة العصر - قال : فجعلنا لا نأتی مکاناً إلاّ رأیناه أفیح من الآخر ، قال : حتی أتینا علی مکانٍ أحسن ما رأینا وقد کادت الشمس أن تغیب ، قال : فنزل علیٌّ ونزلت معه ، قال : فدعا الله فرجعت الشمس کمقدارها من صلاة العصر ، قال : فصلّینا العصر ثمّ غابت الشمس.

قوله : ومن أنبع للعسکر ماء العین.

أشار به إلی ما رواه نصر بن مزاحم فی کتاب صفِّین (5) (ص 162) ، بإسناده عن أبی سعید التیمی التابعیّ المعروف بعقیصا أنّه قال : کنّا مع علیّ فی مسیره إلی الشام ، حتی إذا کنّا بظهر الکوفة من جانب هذا السواد ، عطش الناس واحتاجوا إلی الماء ، فانطلق بنا علیٌّ حتی أتی بنا علی صخرة ضرس من الأرض کأنّها ربضة عنز ، فأمرنا فاقتلعناها فخرج لنا ماءٌ ، فشرب الناس منه وارتووا ، قال : ثمّ أمرنا فأکفأناها علیه.

قال : وسار الناس حتی إذا مضینا قلیلاً ، قال علیٌّ : «منکم أحدٌ یعلم مکان هذا الماء الذی شربتم منه؟». قالوا : نعم یا أمیر المؤمنین. قال : «فانطلقوا إلیه». قال : 5.

ص: 537


1- المناقب : ص 113 ح 123.
2- ینابیع المودّة : 1 / 140 باب 49.
3- وقعة صفّین : ص 136.
4- مرّت ترجمته وثقته فی : 1 / 67. (المؤلف)
5- وقعة صفّین : ص 145.

فانطلق منّا رجالٌ رکباناً ومشاةً ، فاقتصصنا الطریق حتی انتهینا إلی المکان الذی نری أنّه فیه.

قال : فطلبناها (1) فلم نقدر علی شیء ، حتی إذا عیل علینا انطلقنا إلی دیر قریب منّا فسألناهم : أین الماء الذی هو عندکم؟ قالوا : ما قربنا ماء. قالوا : بلی ، إنّا شربنا منه. قالوا : أنتم شربتم منه؟ قلنا : نعم. قال صاحب الدیر : ما بُنی هذا الدیر إلاّ بذلک الماء ، وما استخرجه إلاّ نبیٌّ أو وصیُّ نبیٍّ.

وأخرجه الخطیب فی تاریخه (12 / 305).

ومن قصیدته الطائیّة قوله :

وهو لکلّ الأوصیاء آخرُ

بضبطه التوحیدَ فی الخَلقِ انضبطْ

باطنُ علمِ الغیب والظاهرُ فی

کشفِ الإشارات وقطبُ المغتبطْ

أحیا بحدِّ سیفِهِ الدینَ کما

أماتَ ما أبدعَ أربابُ اللغَطْ

مفقّهُ الأمّةِ والقاضی الذی

أحاطَ من علمِ الهدی ما لم یُحَطْ

والنبأُ الأعظمُ والحجّةُ وال

-محنةُ والمصباحُ فی الخَطْبِ الورطْ (2)

حبلٌ إلی الله وبابُ الحطّةِ ال

-فاتحُ بالرشدِ مغالیقَ الخُطَطْ

والقدمُ الصدق الذی سیطَ به

قلبُ امرئٍ بالخطواتِ لم یسطْ

ونهرُ طالوتَ وجنبُ اللهِ وال

-عینُ التی بنورِها العقلُ خَبَطْ

والأُذُنُ الواعیةُ الصمّاءُ عن

کلِّ خنا یغلطُ فیه من غَلَطْ

حسنُ مآبٍ عند ذی العرشِ ومن

لو لا أیادیهِ لکنّا نختبطْ

قوله : الأذن الواعیة. رط

ص: 538


1- أی الصخرة. (المؤلف)
2- فی أعیان الشیعة : 8 / 164 ورد البیت هکذا : والنبأ الأعظم والحجّة والمصباح فی المحنة والخطب الورط

إشارة إلی ما أخرجه الحافظ أبو نعیم فی حلیة الأولیاء (1 / 62) عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أنّه قال :

«یا علیُّ إنّ الله عزّ وجلّ أمرنی أن أُدنیَک وأُعلّمَک لتعی - وأُنزلت هذه الآیة : (وَتَعِیَها أُذُنٌ واعِیَةٌ) (1)) - فأنت أُذُنٌ واعیةٌ لعلمی». وأخرجه جمعٌ من الحفّاظ.

وقال القاضی عضد الإیجی فی المواقف (2) (3 / 276) : أکثر المفسِّرین فی قوله تعالی : (وَتَعِیَها أُذُنٌ واعِیَةٌ) أنّه علیٌّ.

وله فی مدح مولانا أمیر المؤمنین علیه السلام قوله :

والِ علیّا واستضِئ مقباسَهُ

تدخلْ جِناناً ولتُسقی کاسهُ

فمن تولاّهُ نجا ومن عَدا

ما عَرَفَ الدینَ ولا أساسهُ

أوّلُ من قد وحّدَ الله وما

ثنی إلی الأوثانِ یوماً راسهُ

فدی النبیَّ المصطفی بنفسِهِ

إذ ضیّقتْ أعداؤهُ أنفاسهُ

باتَ علی فرشِ النبیِّ آمناً

واللیلُ قد طافَتْ به أحراسهُ

حتی إذا ما هجَمَ القومُ علی

مستیقظٍ بنصلِهِ أشماسهُ

ثار إلیهم فَتَوَلّوا مِزَقاً

یمنعُهمْ عن قربهِ حماسهُ

مُکسِّرُ الأصنامِ فی البیتِ الذی

أُزیح عن وجهِ الهدی غِماسهُ

رقی علی الکاهلِ من خیرِ الوری

والدینُ مقرونٌ به أنباسهُ

ونکّس اللاتَ وألقی هُبَلاً

مُهشّماً یقلبه انتکاسهُ

وقام مولایَ علی البیتِ وقد

طهّره إذ قد رمی أرجاسهُ

واقتلع الباب اقتلاعاً معجِزاً

یُسمعُ فی دویِّه ارتجاسهُ

کأنّه شرارةٌ لموقدٍ

أخرجها من نارِه مقباسهُ1.

ص: 539


1- الحاقّة : 12.
2- المواقف : ص 411.

من قد ثنی عمرَو بنَ وُدٍّ ساجیاً

إذ جزعَ الخندقَ ثمّ جاسهُ

من هبط الجبَّ ولم یخشَ الردی

والماءُ منحلُّ السقا فجاسهُ

من أحرقَ الجنّ برجمِ شُهبِهِ

أشواظَه یقدمُها نُحاسهُ

حتی انثنت لأمره مذعنةً

ومنهمُ بالعَوَذِ احتراسهُ

بیان : أشار بقوله : من هَبَط الجبّ ، إلی ما أخرجه الإمام أحمد فی المناقب (1) عن علیّ علیه السلام قال : «لمّا کان لیلة بدر قال رسول الله صلی الله علیه وسلم : من یستقی لنا من ماء؟» فأحجم الناس عنه ، فقام علیٌّ فاحتضن قربة ، ثمّ أتی بئراً بعیدة القعر مظلمة فانحدر فیها ، فأوحی الله إلی جبرائیل ومیکائیل وإسرافیل : أن تأهّبوا لنصر محمد وأخیه وحزبه. فهبطوا من السماء لهم لغطٌ یذعر من سمعه ، فلمّا حاذوا البئر سلّموا علیه من عند آخرهم ، إکراماً له وإجلالاً. شرح ابن أبی الحدید (2) (2 / 450).

وله فی مدحه - صلوات الله علیه - قوله :

هذا الذی أردی الولیدَ وعُتْبةً

والعامریّ وذا الخمارِ ومرحبا

هذا الذی هشمتْ یداهُ فوارساً

قسراً ولم یکُ خائفاً مترقِّبا

فی کلِّ منبتِ شعرةٍ من جسمِهِ

أسَدٌ یمدُّ إلی الفریسة مِخلَبا

وله فیه - سلام الله علیه - قوله :

أبا حسنٍ جعلتُکَ لی ملاذاً

ألوذُ به ویشملُنی الزماما

فکن لی شافعاً فی یومِ حشری

وتجعل دار قُدسک لی مقاما4.

ص: 540


1- حدیث رقم 171 وفی فضائل الصحابة : ح 1049 ، تاریخ ابن عساکر : رقم 868 وفی أمالیه الجزء 221 ، ذخائر العقبی : ص 68 ، تذکرة الخواص : ص 46 عن أحمد قال : وذکره أرباب المغازی ، جواهر المطالب : 1 / 91 ، سمط النجوم العوالی : 2 / 485 ، وأخرجه ابن شاهین کما فی جمع الجوامع للسیوطی : 2 / 78. (الطباطبائی)
2- شرح نهج البلاغة : 9 / 172 خطبة 154.

لأنّی لم أکن من نعثلیٍ

ولا أهوی عتیقَ ولا دماما

وله - مادحاً أهل البیت الطاهر - قوله :

یا لائمی فی الولا هل أنت تعتبرُ

بمن یُوالی رسولَ الله أو یذرُ

قومٌ لَوَ انَّ البحار تنزف بالأ

قلام مَشقاً (1) وأقلام الدُّنا

شجرُ (2)

والإنسُ والجنُّ کُتّابٌ لفضلِهمُ

والصحفُ ما احتوت الآصال والبکرُ

لم یکتبوا العُشْر بل لم یعدُ جهدُهمُ

فی ذلک الفضل إلاّ وهو محتقرُ

أهلُ الفَخَارِ وأقطابُ المدارِ ومن

أضحت لأمرهمُ الأیّامُ تأتمرُ

هم آلُ أحمدَ والصیدُ الجحاجِحةُ الز

هرُ الغطارفة العلویّة الغررُ (3)

والبیض من هاشم والأکرمون أولو ال

-فضل الجلیلِ ومن سادت بهم مضرُ

فافطن بعقلِکَ هل فی القدْر غیرهمُ

قومٌ یکاد إلیهم یرجعُ القدرُ

أُعطُوا الصفا نَهَلاً أُعطُوا النبوّة من

قبلِ المزاجِ فلم یلحق بهم کَدَرُ

وتُوِّجوا شرفاً ما مثلُهُ شرفٌ

وقُلّدوا خطراً ما مثلُه خطرُ

حسبی بهم حُججاً لله واضحةً

یجری الصلاةُ علیهم أینما ذکروا

هم دوحةُ المجدِ والأوراقُ شیعتهمْ

والمصطفی الأصلُ والذرّیةُ الثمرُ (4)

وله فی رثاء أهل البیت قوله :

یا آلَ أحمدَ ما ذا کان جرمُکُمُ

فکلُّ أرواحِکمْ بالسیفِ تُنتزَعُف)

ص: 541


1- مشق الخطَّ : مدّه ، وقیل : أسرع فیه.
2- أشار إلی ما ورد عن رسول الله صلّی الله علیه واله وسلّم من قوله : «لو أنّ الأشجار أقلام ، والبحر مداد ، والجنّ حسّاب ، والإنس کتّاب ما أحصوا فضائل علیّ بن أبی طالب». مناقب الخوارزمی : ص 2 ، 235 [ص 32 ح 1 ، 328 ح 341] ، کفایة الطالب : ص 123 [ص 251 باب 62] ، تذکرة السبط : ص 8 [ص 13]. (المؤلف)
3- الصِّید : جمع أصیَد ، وهو الذی یرفع رأسه کبراً ، والمراد أنّهم أباة أعزّة النفوس. الجحاجحة : جمع جحجاح ، وهو السیِّد الکریم ، الغطارفة : جمع غطریف ، وهو السیِّد.
4- فیه إیعاز إلی ما مرّ فی هذا الجزء : ص 8 ، 9. (المؤلف)

تُلفی جموعُکمُ شتّی مفرَّقةً

بین العبادِ وشملُ الناسِ مجتمعُ

وتُستباحون أقماراً مُنکَّسةً

تهوی وأرؤسُها بالسمرِ تُقتَرعُ

ألستمُ خیرَ من قامَ الرشادُ بکم

وقوِّضت سُننُ التضلیلِ والبدعُ

ووُحِّد الصمدُ الأعلی بهداکمُ

إذ کنتمُ عَلَماً للرشد یُتّبعُ

ما للحوادثِ لا تجری بظالمکم

ما للمصائب عنکم لیس ترتدعُ

منکم طریدٌ ومقتولٌ علی ظمأ

ومنکمُ دنفٌ بالسمرِ مُنصرعُ

وهاربٌ فی أقاصی الغربِ مغتربٌ

ودارعٌ بدمِ اللبّاتِ مندرعُ

ومقصدٌ من جدارٍ ظلّ مُنکدراً

وآخر تحت ردمٍ فوقه یقعُ

ومن محرّقِ جسمٍ لا یُزارُ له

قبرٌ ولا مشهدٌ یأتیه مرتدعُ

وإن نسیتُ فلا أنسی الحسینَ وقد

مالت إلیهِ جنودُ الشرکِ تقترعُ

فجسمُهُ لحوامی الخیل مطّردٌ

ورأسه لسنان السُّمر مرتفعُ

وله فی رثائهم - سلام الله علیهم - قوله :

بنو المصطفی تَفْنَوْن بالسیفِ عنوةً

ویُسلمنی طیفُ الهجوع فأهجعُ

ظُلِمتم وذبِّحتمْ وقُسِّمَ فیئُکمْ

وجارَ علیکمْ من لکمْ کانَ یخضعُ

فما بقعةٌ فی الأرض شَرقاً ومغرباً

وإلاّ لکمْ فیها قتیلٌ ومصرَعُ

وله فی رثاء الإمام السبط الشهید علیه السلام قوله :

أعاتبُ عینی إذا أقصرتْ

وأفنی دموعی إذا ما جَرَتْ

لذکراکمُ یا بنی المصطفی

دموعی علی الخطِّ قد سُطّرتْ

لکم وعلیکم جَفَتْ غَمْضَها

جفونی عن النومِ واستشعرتْ

أُمثِّل أجسادکم بالعراقِ

وفیها الأسنّةُ قد کُسِّرتْ

أُمثّلکم فی عراصِ الطفوفِ

بدوراً تکسّفُ إذ أقمرتْ

غدتْ أرضُ یثربَ من جمعکمْ

کخطِّ الصحیفةِ إذ أقفرتْ

ص: 542

وأضحی بکم کربلا مغرباً

کزهر النجوم إذا غوّرتْ

کأنّی بزینبَ حول الحسین

ومنها الذوائب قد نُشِّرتْ

تُمرِّغ فی نحرِهِ وجهَها

وتُبدی من الوجدِ ما أضمرتْ

وفاطمةٌ عقلُها طائرٌ

إذ السوطَ فی جنبها أبصرتْ

وللسبطِ فوق الثری جثّةٌ

بفیضِ دمِ النحرِ قد عُفِّرتْ

وفتیتُهُ فوق وجهِ الثری

کمثلِ الأضاحی إذا جُزِّرتْ

وأرؤسُهم فوقَ سُمرِ القنا

کمثلِ الغصونِ إذا أثمرتْ

ورأسُ الحسین أمام الرفاقِ

کغُرّةِ صُبحٍ إذا أسفرتْ

وله فی رثائه - صلوات الله علیه - قوله :

ابکی یا عین ابکی آلَ رسول ال

-لَّه حتی تُخدّ منکِ الخدودُ

وتقلّبْ یا قلبُ فی ضَرم الحزنِ

فما فی الشجا لهم تفنیدُ

فهمُ النخل باسقاتٌ کما قال

سوامٍ لهنّ طلعٌ نضیدُ

وهمُ فی الکتابِ زیتونةُ النور

وفیها لکلِّ نارٍ وقودُ

وبأسمائهم إذا ذُکِرَ اللهُ

بأسمائِهِ اقترانٌ أکیدُ

غادرتهمْ حوادثُ الدهرِ صرعی

کلُّ شهمٍ بالنفس منه یجودُ

لست أنسی الحسینَ فی کربلاءَ

وهو ظامٍ بین الأعادی وحیدُ

ساجدٌ یلثم الثری وعلیهِ

قُضُبُ الهندِ رُکّعٌ وسجودُ

یطلبُ الماءَ والفراتُ قریبٌ

ویری الماءَ وهو عنهُ بعیدُ

یا بنی الغدر من قتلْتُمْ لَعمری

قد قتلتمْ من قامَ فیه الوجودُ

وله فی أهل البیت الطاهر - سلام الله علیهم - :

قومٌ سماؤهمُ السیوفُ وأرضُهمْ

أعداؤهمْ ودمُ النحورِ بحورها

یستمطرونَ من العجاجِ سحائباً

صوبَ الحتوفِ علی الزحوف مطیرها

ص: 543

وحَنادسُ الفتنِ التی إن أظلمتْ

فشموسها آراؤهم وبُدورها

ملکوا الجنانَ بفضلهم فریاضُها

طرّا لهم وخیامُها وقُصورها

وإذا الذنوبُ تضاعفتْ فبحبِّهمْ

یُعطی الأمانَ أخا الذنوبِ غَفورُها

تلک النجومُ الزُّهرُ فی أبراجِها

ومن السنین بهم تتمُّ شهورها

أخذنا ترجمة الزاهی (1) من : تاریخ بغداد (11 / 350) ، یتیمة الدهر (1 / 198) ، أنساب السمعانی ، مناقب ابن شهرآشوب ومعالمه ، تاریخ ابن خلکان (1 / 390) ، مرآة الجنان (2 / 349) ، مجالس المؤمنین (ص 459) ، بحار الأنوار (10 / 255) ، الکنی والألقاب (2 / 257) ، دائرة المعارف للبستانی (9 / 161) ، الأعلام للزرکلی (2 / 659).3.

ص: 544


1- یتیمة الدهر : 1 / 289 ، الأنساب : 3 / 126 ، مناقب آل أبی طالب : 4 / 130 ، معالم العلماء : ص 148 ، وفیات الأعیان : 3 / 371 رقم 467 ، مجالس المؤمنین : 2 / 544 ، بحار الأنوار : 45 / 247 ، الکنی والألقاب : 2 / 287 ، الأعلام : 4 / 263.

23 - الأمیر أبو فراس الحمدانی

المولود (320 ، 321)

المتوفّی (357)

الحقُّ مُهتضمٌ والدینُ مُخترمُ

وفیءُ آلِ رسولِ الله مُقتسَمُ

والناسُ عندَکَ لا ناسٌ فیحفظَهمْ (1)

سَوْمُ الرعاةِ ولا شاءٌ ولا نَعَمُ

إنّی أبِیتُ قلیلَ النومِ أرّقنی

قلبٌ تَصارعَ فیه الهمُّ والهِمَمُ

وعزمةٌ لا ینامُ اللیلَ صاحبُها

إلاّ علی ظَفَرٍ فی طیِّهِ کَرَمُ

یُصان مُهری لأمرٍ لا أبوحُ به

والدرعُ والرمحُ والصمصامةُ الحذمُ (2)

وکلّ مائرةِ الضبعین مسرحُها

رِمْثُ الجزیرةِ والخذرافُ والعَنَمُ (3)

وفتیةٌ قلبهمْ قلبٌ إذا رکِبوا

ولیس رأیهمُ رأیاً إذا عزموا

یالَلرِّجالِ أما لله مُنتصرٌ

من الطغاةِ أما لله مُنتقمُ

بنو علیٍّ رعایا فی دیارهمُ

والأمرُ تملکه النسوان والخدمُف)

ص: 545


1- احفظه : اغضبه فغضب.
2- الحذم من السیوف ، بالحاء المهملة : القاطع. (المؤلف)
3- مار : تحرّک. الضبع : العضد ، کنایة عن السمن. الرِّمث - بکسر المهملة - : خشب یضمُّ بعضه إلی بعض ویسمّی : الطوف. الخذراف - بکسر الخاء ثمّ الذال المعجمتین - : نبات إذا أحسّ بالصیف یبس. العَنم - بفتح المهملة - : نبات له ثمرة حمراء یشبّهُ به البنان المخضوب. (المؤلف)

محلّؤون فأصْفَی شُرْبِهمْ وَشَلٌ

عند الورود وأوفی وُدّهِم لَمَمُ (1)

فالأرض إلاّ علی مُلاّکها

سعةٌ والمال إلاّ علی أربابهِ دِیَمُ

فما السعید بها إلاّ الذی ظَلموا

وما الغنی بها إلاّ الذی حرموا (2)

للمتّقین من الدنیا عواقبُها

وإن تعجّلَ منها الظالمُ الأثِمُ

أتفخرون علیهم لا أبا لکُمُ

حتی کأنّ رسولَ الله جدُّکمُ

وما توازن فیما بینکم شرفٌ

ولا تساوت لکم فی موطنٍ قدمُ

ولا لکم مثلُهم فی المجد متّصلٌ

ولا لجدِّکمُ معشار جدِّهمُ (3)

ولا لعرقِکمُ من عرقِهم شَبَهٌ

ولا نثیلتکم من أمِّهم أمَمُ (3)

قام النبیُّ بها یومَ الغدیر لهم

والله یشهدُ والأملاکُ والأممُ

حتی إذا أصبحتْ فی غیر صاحبِها

باتت تنازعها الذُّؤبان والرخمُ

وصیّروا أمرهم شوری کأنّهمُ

لا یعرفون ولاة الحقّ أیّهمُ

تالله ما جَهِلَ الأقوامُ موضعَها

لکنّهمْ ستروا وجهَ الذی علموا

ثمّ ادّعاها بنو العبّاس مُلکَهمُ

ولا لهم قَدَمٌ فیها ولا قِدمُ

لا یُذْکَرون إذاما معشرٌ ذُکِروا

ولا یُحَکَّمُ فی أمرٍ لهم حَکَمُ

ولا رآهم أبو بکرٍ وصاحبُهُ

أهلاً لِما طَلبوا منها وما زَعموا

فهل همُ مدّعوها غیرَ واجبةٍ

أم هل أئمّتُهمْ فی أخذِها ظلموا

أمّا علیٌّ فأدنی من قرابتکم

عند الولایة إن لم تُکفَرِ النِّعمُ

أیُنکِرُ الحَبْرُ عبد الله نعمتَهُ

أبوکمُ أم عبیدُ اللهِ أَم قَثَمُ

بئس الجزاءُ جَزَیتُمْ فی بنی حسنٍ

أباهُم العَلَمَ الهادی وأمّهمُف)

ص: 546


1- حلاّه عن الماء : طرده. الوشل : الماء القلیل. لمم : أی غبّ. (المؤلف)
2- الشطر الثانی فی الأصل : وما الشقیّ بها إلاّ الذی ظلموا. والصحیح ، بحسب المعنی والقواعد النحویة ، ما أثبتناه عن الدیوان : ص 256. (3) فی الدیوان وأعیان الشیعة : 4 / 341 : مسعاة جدّهم.
3- نثیلة : هی أمّ العبّاس بن عبد المطّلب. الأمم : القرب. (المؤلف)

لا بیعةٌ ردَعتکمْ عن دمائهمُ

ولا یمینٌ ولا قُربی ولا ذَممُ

هلاّ صفحتمْ عن الأسری بلا سببٍ

للصافحین ببدرٍ عن أسیرکمُ (1)

هلاّ کففتمْ عن الدیباجِ سوطَکُمُ (2)

وعن بناتِ رسولِ الله شتمَکم (3)

ما نُزِّهتْ لرسول الله مُهْجَتُهُ

عن السیاطِ فهلاّ نُزِّهَ الحَرَمُ

ما نالَ منهمْ بنو حربٍ وإن عظُمَتْ

تلکَ الجرائرُ إلاّ دون نَیْلِکمُ

کم غدرةٍ لکم فی الدین واضحةٍ

وکم دمٍ لرسول الله عندکمُ

أنتم له شیعةٌ (4) فیما ترونَ وفی

أظفارِکُم من بنیه الطاهرینَ دمُ

هیهاتَ لا قرّبتْ قُربی ولا رَحِمٌ

یوماً إذا أَقْصَتِ الأخلاقُ والشِّیَمُ

کانت مودّةُ سلمانٍ له رَحِماً

ولم یکن بین نوحٍ وابنه رَحِمُ

یا جاهداً فی مساویهم یکتِّمُها

غَدْرُ الرشیدِ بیحیی کیف یْنکَتِمُ (5)

لیس الرشیدُ کموسی فی القیاسِ ولا

مأمونُکُمْ کالرضا لو أنصفَ الحکمُ

ذاق الزبیری غِبّ الحنثِ وانکشفت

عن ابن فاطمةَ الأقوالُ والتُّهمُ (6)

باؤوا بقتل الرضا من بعد بیعتِهِ

وأبصروا بعضَ یومٍ رُشدَهم وعموا

یا عُصْبَةً شَقِیَتْ من بعد ما سعدتْ

ومَعْشَراً هلکوا من بعد ما سلِمواف)

ص: 547


1- أراد بالأسری : عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علیّ بن أبی طالب علیهم السلام ، وبأسیرهم ببدر : العبّاس بن عبد المطّلب رضی الله عنه.
2- الدیباج : هو محمد بن عبد الله العثمانیّ ، أخو بنی حسن لأمّهم فاطمة بنت الحسین السبط ، ضربه المنصور مائتین وخمسین سوطاً. (المؤلف)
3- 20
4- فی الدیوان وأعیان الشیعة : أأنتم آله.
5- أشار إلی غدر الرشید بیحیی بن عبد الله بن الحسن الخارج ببلاد الدیلم سنة 176 ، فإنّه أمّنه ثمّ غدره وحبسه ، ومات فی حبسه. (المؤلف)
6- الزبیری : هو عبد الله بن مصعب بن الزبیر ، باهله یحیی بن عبد الله بن حسن فتفرّقا ، فما وصل الزبیری إلی داره حتی جعل یصیح : بطنی بطنی ، ومات. (المؤلف)

لَبِئسما لَقِیَتْ منهم وإن بلیَتْ

بجانبِ الطفِّ تلکَ الأعظمُ الرممُ (1)

لاعن أبی مسلمٍ فی نُصْحِهِ صفحوا

ولا الهبیریَّ نجّا الحلفُ والقَسَمُ (2)

ولا الأمانُ لأهل الموصلِ اعتمدوا

فیه الوفاءَ ولا عن غیِّهم حَلِموا (3)

أبلغ لدیک بنی العبّاس مألُکةً (4)

لا یدّعوا ملکَها ملاّکُها العجمُ

أیّ المفاخرِ أمستْ فی منازلِکُمْ

وغیرُکُمْ آمرٌ فیها ومحتکِمُ

أنّی یَزیدُکمُ فی مفخرٍ عَلَمٌ

وفی الخلافِ علیکمْ یخفِقُ العَلَمُ

یا باعةَ الخمرِ کُفّوا عن مفاخرِکمْ

لمعشرٍ بَیعُهمْ یومَ الهِیاجِ دَمُ

خلّوا الفَخَار لعلاّمینَ إن سُئلوا

یومَ السؤالِ وعَمّالین إن عَلِموا

لا یغضبونَ لغیرِ الله إن غضبوا

ولا یُضیعُونَ حُکمَ الله إن حَکموا

تُنشی التلاوةُ فی أبیاتهم سَحَراً

وفی بیوتکُمُ الأوتارُ والنغَمُ

منکمْ عُلیّةُ أم منهم وکان لکمْ

شیخُ المغنِّین إبراهیمُ أم لَهُمُ (5)

إذا تلوا سورةً غنّی إمامُکمُ

قف بالطلولِ التی لم یعفها القِدمُ

ما فی بیوتهمُ للخمرِ مُعتصَرٌ

ولا بیوتکمُ للسوءِ مُعتَصَمُ

ولا تبیت لهم خُنْثَی تنادمهمْ

ولا یُری لهمُ قِرْدٌ ولا حَشَمُ (6)ف)

ص: 548


1- أشار إلی ما فعله المتوکّل بقبر الإمام الشهید. (المؤلف)
2- أبو مسلم : هو الخراسانی مؤسّس دولة بنی العبّاس ، قتله المنصور. والهبیریّ : هو یزید بن عمر ابن هبیرة ، أحد ولاة بنی أمیّة ، حاربه بنو العبّاس أیام السفّاح ثمّ أمّنوه ، فخرج إلی المنصور بعد المواثیق والأیمان ، فغدروا به وقتلوه سنة 132. (المؤلف)
3- استعمل السفّاح أخاه یحیی بن محمد علی الموصل فأمّنهم ونادی : من دخل الجامع فهو آمن. وأقام الرجال علی أبواب الجامع ، فقتلوا الناس قتلاً ذریعاً. قیل : إنّه قتل فیه أحد عشر ألفاً ممّن له خاتم ، وخلقاً کثیراً ممّن لیس له خاتم ، وأمر بقتل النساء والصبیان ثلاثة أیام وذلک فی سنة 132. (المؤلف)
4- المألُکة : الرسالة.
5- عُلیّة : بنت المهدی بن المنصور کانت عوّادة ، وإبراهیم أخوها کان مغنّیاً وعوّاداً. (المؤلف)
6- الخنثی : هو عبادة ندیم المتوکّل. والقرد کان لزبیدة. (المؤلف)

الرکن والبیتُ والأستارُ منزلهُمْ

وزمزمٌ والصفا والحِجرُ والحَرَمُ

ولیس من قَسَمٍ فی الذِکر نعرفهُ

إلاّ وهم غیرَ شکٍّ ذلکَ القَسَمُ

ما یتبع الشعر

توجد هذه القصیدة کما رسمناها (58) بیتاً فی دیوانه (1) المخطوط ، المشفوع بشرحه لابن خالویه النحوی المعاصر له المتوفّی بحلب فی خدمة بنی حمدان سنة (370) ، وخمّس منها العلاّمة الشیخ إبراهیم یحیی العاملی (54) بیتاً ، وذکر تخمیسه فی منن الرحمن (1 / 143) ، مستهلّه :

یا للرجال لجُرحٍ لیس یلتئمُ

عُمْرَ الزمانِ وداءٌ لیسَ ینحسمُ

حتی متی أیّها الأقوام والأممُ

الحقُّ مهتضمٌ

أودی هدی الناس حتی أن أحفظهم

للخیر صار بقولِ السوءِ ألفظهُم

فکیف توقظهم إن کنت موقظهمْ

والناس عندک .....

وهی التی شرحها أبو المکارم محمد بن عبد الملک بن أحمد بن هبة الله بن أبی جرادة الحلبی المتوفّی (565) ، وشرحها ابن أمیر الحاجّ بشرحه المعروف المطبوع ، وتوجد بتمامها فی الحدائق الوردیّة (2) المخطوط ، وذکرها القاضی فی مجالس المؤمنین (3) (ص 411) ، والسیّد میرزا حسن الزنوزی فی ریاض الجنّة فی الروضة الخامسة ستِّین بیتاً ، وهی التی شطّرها العلاّمة السید محسن الأمین العاملی. وإلیک نصّ البیتین الزائدین :

أمّن تُشاد له الألحان سائرةً

علیّهُمْ ذو المعالی أم علیّکمُ (4)ف)

ص: 549


1- دیوان أبی فراس : ص 255 ، طبعة دار صادر - بیروت.
2- الحدائق الوردیّة : 2 / 221 ، طبعة دار اسامة - دمشق.
3- مجالس المؤمنین : 2 / 413.
4- بعد البیت ال 53. (المؤلف)

صلّی الإلهُ علیهم کلّما سجعت

ورْقٌ فهم للوری کهفٌ ومعتصمُ (1)

وأسقط ناشر الدیوان منها أبیاتاً وذکرها (53) بیتاً ، وأحسب أنّه التقط أبیاتاً ما کان یروقه مفادها ، ودونک الإشارة إلیها :

1 - وکلّ مائرة الضبعین مسرحها ...

2 - وفتیةٌ قلبهم قلبٌ إذا رکبوا ...

3 - فما السعید بها إلاّ الذی ظلموا ...

4 - للمتّقین من الدنیا عواقبها ...

5 - لیس الرشید کموسی فی القیاس ولا ...

6 - یا باعة الخمر کفّوا عن مفاخرکم ...

7 - صلّی الإله علیهم کلّما سجعت (2) ...

هذه القصیدة تُعرف بالشافیة ، وهی من القصائد الخالدة التی تصافقت المصادر علی ذکرها ، أو ذکر بعضها (3) أو الإیعاز إلیها ، مطّردة متداولة بین الأدباء ، محفوظة عند الشیعة وقسمائهم منذ عهد نظمها ناظمها أمیر السیف والقلم وإلی الآن ، وستبقی خالدةً مع الدهر ، وذلک لما علیها من مسحة البلاغة ، ورونق الجزالة ، وجودة السرد ، وقوّة الحجّة ، وفخامة المعنی ، وسلاسة اللفظ ، ولمّا أنشد ناظمها الأمیر ، أمر خمسمائة سیفٍ وقیل أکثر أن تُشهر فی المعسکر (4)) ، نظمها لمّ أوقف علی قصیدة ابن سکرة العبّاسی ، التی أوّلها :

بنی علیٍّ دعوا مقالتکمْ

لا یُنقصُ الدرَّ وضعُ من وضعهف)

ص: 550


1- مختتم القصیدة. (المؤلف)
2- هذه الأبیات السبعة کلّها - إلاّ البیت السادس - موجودة فی الطبعة التی بین أیدینا من الدیوان ، ولعلّ المؤلف قدس سره یشیر إلی ناشر آخر.
3- ذکر سراج الدین السیّد محمد الرفاعی ، المتوفّی 885 فی صحاح الأخبار : ص 26 من القصیدة ثمانیة أبیات ، وقال : القصیدة طویلة لیس هذا محلّ ذکرها. (المؤلف)
4- کما ذکره الفتّونی فی کشکوله ، وأبو علیّ فی رجاله : ص 349 [ص 412]. (المؤلف)

وللأمیر أبی فراس هائیّة یمدح بها أهل البیت ، وفیها ذکر الغدیر وهی :

یومٌ بسفحِ الدارِ لا أنساهُ

أرعی له دهری الذی أولاهُ

یومٌ عمرتُ العُمْرَ فیه بفتیةٍ

من نورهمْ أخذَ الزمانُ بَهاهُ

فکأنّ أوجهَهمْ ضیاءُ نهاره

وکأنّ أوجهَهمْ نجومُ دجاهُ

ومُهفهفٍ کالغُصنِ حُسنُ قوامِهِ

والظبیِ منه إذا رنا عیناهُ

نازعتُهُ کأساً کأنّ ضیاءَها

لمّا تبدّت فی الظلامِ ضیاهُ

فی لیلةٍ حسُنتْ لنا بوصالِهِ

فکأنّما من حُسْنها إیّاهُ

وکأنّما فیها الثریّا إذ بدتْ

کفٌّ یشیرُ إلی الذی یهواهُ

والبدرُ منتصفُ الضیاء کأنَّهُ

متبسِّمٌ بالکفِّ یسترقاهُ

ظبیٌ لَوَ انَّ الدرّ مرّ بخدّه

من دون لحظة ناظرٍ أدماهُ

إن لم أکن أهواه أو أهوی الردی

فی العالمین لکلّ ما یهواهُ

فحُرِمْتُ قُرْبَ الوَصلِ منه مثلما

حُرِم الحسینُ الماءَ وهو یراهُ

إذ قال أسقونی فَعُوِّض بالقنا

من شُربِ عَذبِ الماء ما أرواهُ

فاجتُزّ رأسٌ طالما من حِجرِهِ

أدنتْهُ کفّا جدِّهِ ویداهُ

یومٌ بعینِ اللهِ کان وإنّما

یُملی لِظلمِ الظالمینَ اللهُ

وکذاک لو أردی عِداة نبیِّه

ذو العرش ما عرَفَ النبیّ عِداهُ

یومٌ علیهِ تغیّرتْ شمسُ الضحی

وبکتْ دماً ممّا رأتهُ سَماهُ

لا عُذرَ فیه لمهجةٍ لم تنفطرْ

أو ذی بکاءٍ لم تفض عیناهُ

تبّا لقوم تابعوا أهواءهم

فیما یسوؤهمُ غداً عُقباهُ

أتراهمُ لم یسمعوا ما خصّهُ

منه النبیُّ من المقال أباهُ

إذ قال یومَ غدیر خمٍّ معلناً

من کنتُ مولاه فذا مولاهُ

هذی وصیّته إلیهِ فافهموا

یا من یقول بأنّ ما أوصاهُ

أقروا من القرآن ما فی فضلِهِ

وتأمّلوه وافهموا فحواهُ

ص: 551

لو لم تُنزّلْ فیه إلاّ هل أتی

من دون کلِّ مُنزَّلٍ لکفاهُ

من کان أوّلَ من حوی القرآن من

لفظ النبیِّ ونطقِهِ وتلاهُ

من کان صاحبَ فتحِ خیبرَ من رمی

بالکفّ منهُ بابَهُ ودحاهُ

من عاضدَ المختارَ من دون الوری

من آزرَ المختارَ من آخاهُ

من بات فوق فراشِهِ متنکّراً

لمّا أطلّ فراشَهُ أعداهُ

من ذا أرادَ إلهُنا بمقالِهِ

الصادقون القانتون سواهُ

من خصّه جبریلُ من ربِّ العُلی

بتحیّةٍ من ربِّهِ وحبَاهُ

أظننتمُ أن تقتلوا أولادَهُ

ویُظِلُّکُمْ یومَ المعادِ لواهُ

أو تشربوا من حوضِهِ بیمینِهِ

کأساً وقد شربَ الحسینُ دماهُ

طوبی لمن ألفاهُ یوم أُوامِهِ (1)

فاستلّ یوم حیاته وسقاهُ

قد قال قبلی فی قریضٍ قائلٌ

ویلٌ لمن شفعاؤه خُصماهُ

أنسیتمُ یومَ الکساءِ وإنّهُ

ممّن حواهُ مع النبیِّ کِساهُ

یا ربِّ إنّی مهتدٍ بهداهمُ

لا أهتدی یوم الهدی بسواهُ

أهوی الذی یهوی النبیَّ وآلَهُ

أبداً وأشنأ کلّ من یشناهُ

وأقولُ قولاً یُستدلُّ بأنّه

مُستبصرٌ من قالَهُ ورواهُ

شعراً یودّ السامعون لَوَ انّه

لا ینقضی طولَ الزمانِ هُداهُ

یُغری الرواةَ إذا روتْهُ بحفظِهِ

ویروقُ حسنُ رویِّه معناهُ

الشاعر

أبو فراس الحارث بن أبی العلاء سعید بن حمدان بن حمدون بن الحارث بن لقمان بن راشد بن المثنّی بن رافع بن الحارث بن عطیف بن محربة بن حارثة بن مالک ابن عُبید بن عدیّ بن أسامة بن مالک بن بکر بن حبیب بن عمرو بن غُنْم بن تغلب الحمدانی التغلبی. ش.

ص: 552


1- الأُوام : شدّة العطش.

ربّما یرتج القول فی المترجَم وأمثاله ، فلا یدری القائل ما ذا یصف ، أیُطریه عند صیاغة القول؟ أو یصفه عند قیادة العسکر؟ وهل هو عند ذلک أبرع؟ أم عند هذا أشجع؟ وهل هو لِجُمَل القوافی أسبک؟ أم لأزِمّة الجیوش أملک؟ والخلاصة أنّ الرجل بارع فی الصفتین ، ومتقدِّمٌ فی المقامین ، جمع بین هیبة الملوک ، وظرف الأدباء ، وضمّ إلی جلالة الأمراء لطف مفاکهة الشعراء ، وجمع له بین السیف والقلم ؛ فهو حینما ینطق بفم کما هو عند ثباته علی قدم ، فلا الحرب تروعه ، ولا القافیة تعصیه ، ولا الروع یهزمه ، ولا روعة البیان تعدوه ، فلقد کان المقدّم بین شعراء عصره ، کما أنّه کان المتقدّم علی أمرائه ، وقد تُرجم بعض أشعاره إلی اللغة الألمانیّة ، کما فی دائرة المعارف الإسلامیّة.

قال الثعالبی فی یتیمة الدهر (1) (1 / 27) : کان فرد دهره ، وشمس عصره أدباً وفضلاً ، وکرماً ونبلاً ، ومجداً وبلاغةً وبراعةً ، وفروسیّةً وشجاعةً ، وشعره مشهور سائر بین الحسن والجودة ، والسهولة والجزالة ، والعذوبة والفخامة ، والحلاوة والمتانة ، ومعه رواء الطبع ، وسمة الظرف ، وعزّة الملک ، ولم تجتمع هذه الخلال قبله إلاّ فی شعر عبد الله بن المعتز ، وأبو فراس یُعدُّ أشعر منه عند أهل الصنعة ، ونَقَدَةِ الکلام ، وکان الصاحب یقول : بُدئ الشعر بملک وختم بملک ، یعنی امرأ القیس وأبا فراس.

وکان المتنبّی یشهد له بالتقدّم والتبریز ، ویتحامی جانبه ، فلا ینبری لمباراته ، ولا یجترئ علی مجاراته ، وإنّما لم یمدحه ومدح من دونه من آل حمدان تهیّباً له وإجلالاً ، لا إغفالاً وإخلالاً ، وکان سیف الدولة یعجب جدّا بمحاسن أبی فراس ، ویمیِّزه بالإکرام عن سائر قومه ، ویصطنعه لنفسه ، ویصطحبه فی غزواته ، ویستخلفه علی أعماله ، وأبو فراس ینثر الدرّ الثمین فی مکاتباته إیّاه ، ویوافیه حقّ سؤدده ، ویجمع بین أدبی السیف والقلم فی خدمته. انتهی. 7.

ص: 553


1- یتیمة الدهر : 1 / 57.

وتبعه فی إطرائه والثناء علیه (1) : ابن عساکر فی تاریخه (2 / 440) ، ابن شهرآشوب فی معالم العلماء ، ابن الأثیر فی الکامل (8 / 194) ، ابن خلّکان فی تاریخه (1 / 138) ، أبو الفداء فی تاریخه (2 / 114) ، الیافعی فی مرآة الجنان (2 / 369) ، ومؤلِّف شذرات الذهب (3 / 24) ، مجالس المؤمنین (ص 411) ، ریاض العلماء ، أمل الآمل (ص 266) ، منتهی المقال (ص 349) ، ریاض الجنّة فی الروضة الخامسة ، دائرة المعارف للبستانی (2 / 300) ، دائرة المعارف لفرید وجدی (7 / 150) ، روضات الجنّات (ص 206) ، قاموس الأعلام للزرکلی (1 / 202) ، کشف الظنون (1 / 502) ، تاریخ آداب اللغة (2 / 241) ، الشیعة وفنون الإسلام (ص 107) ، معجم المطبوعات ، دائرة المعارف الإسلامّة (1 / 387) ، وجمع شتات ترجمته وأوعی سیِّدنا المحسن الأمین فی (260) صحیفة فی أعیان الشیعة فی الجزء الثامن عشر (ص 29 - 298).

کان المترجَم یسکن منبج ، ویتنقل فی بلاد الشام فی دولة ابن عمِّه أبی الحسن سیف الدولة ، واشتهر فی عدّة معارک معه ، حارب بها الروم ، وأُسر مرّتین.

فالمرّة الأولی ب - مغارة الکحل - سنة (348) وما تعدّوا به خرْشَنَة (2)) ، وهی قلعةٌ ببلاد الروم ، والفرات یجری من تحتها ، وفیها یقال : إنّه رکب فرسه ورکضه برجله ، فأهوی به من أعلی الحصن إلی الفرات ، والله أعلم.

والمرّة الثانیة : أسرته الروم علی منبج ، وکان متقلِّداً بها فی شوّال سنة (351) ، 9.

ص: 554


1- تاریخ مدینة دمشق : 4 / 97 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 6 / 150 ، معالم العلماء : ص 149 ، الکامل فی التاریخ : 5 / 355 حوادث سنة 357 ه ، وفیات الأعیان : 2 / 58 رقم 153 ، المختصر فی تاریخ البشر : 2 / 108 حوادث سنة 357 ه ، شذرات الذهب : 4 / 300 حوادث سنة 357 ه ، مجالس المؤمنین : 2 / 412 ، ریاض العلماء : 5 / 489 ، أمل الآمل : 2 / 59 رقم 150 ، روضات الجنّات : 3 / 15 رقم 232 ، الأعلام : 2 / 155 ، کشف الظنون : 1 / 773 ، مؤلفات جرجی زیدان الکاملة - تاریخ آداب اللغة العربیة - : 14 / 78 ، الشیعة وفنون الإسلام : ص 140 ، معجم المطبوعات : 1 / 337 ، أعیان الشیعة : 4 / 307.
2- خَرْشَنَة : بلدة قرب مَلَطیة - بلدة تتاخم بلاد الشام - من بلاد الروم. معجم البلدان : 2 / 359.

أُسر وهو جریحٌ وقد أصابه سهمٌ بقی نصله فی فخذه ، وحُمِل مثخناً إلی خَرْشَنَة ثم إلی القسطنطینیة وأقام فی الأسر أربع سنین لتعذّر المفاداة ، واستفکّه من الأسر سیف الدولة سنة (355) ، وقد کانت تصدر أشعاره فی الأسر والمرض ، واستزادة سیف الدولة ، وفرط الحنین إلی أهله وإخوانه وأحبّائه ، والتبرّم بحاله ومکانه ، عن صدر حرج ، وقلب شجیٍّ ، تزداد رقّةً ولطافةً ، تُبکی سامعها ، وتعلق بالحفظ لسلاستها ، تُسمّی بالرومیّات.

قال ابن خالویه : قال أبو فراس : لمّا حملت إلی القسطنطینیة أکرمنی ملک الروم إکراماً لم یکرمه أسیراً قبلی ، وذلک أنّ من رسومهم أن لا یرکب أسیرٌ فی مدینة ملکهم دابّة قبل لقاء الملک ، وأن یمشی فی ملعب لهم یعرف بالبطوم مکشوف الرأس ، ویسجد فیه ثلاث سجدات أو نحوها ، ویدوس الملک رقبته فی مجمع لهم یعرف بالتوری ، فأعفانی من جمیع ذلک ونقلنی لوقتی إلی دار وجعل لی برطسان (1)) یخدمنی ، وأمر بإکرامی ، ونقل من أردته من أساری المسلمین إلیّ ، وبذل لی المفاداة مفرداً ، وأبیت بعد ما وهب الله لی من الکرامة ورُزقته من العافیة والجاه أن أختار نفسی علی المسلمین ، وشرعت مع ملک الروم بالفداء ، ولم یکن الأمیر سیف الدولة یستبقی أُساری الروم ، فکان فی أیدیهم فضل ثلاثة آلاف أسیر ممّن أُخذ من الأعمال والعساکر ، فابتعتهم بمائتی ألف دینار رومیّة علی أن یوقع الفداء وأشتری هذه الفضیلة ، وضمنت المال والمسلمین ، وخرجتُ بهم من القسطنطینیة ، وتقدّمتُ بوجوههم إلی خَرْشَنَةَ ، ولم یعقد قطُّ فداء مع أسیر ولا هدنة ، فقلت فی ذلک شعراً (2) :

ولله عندی فی الأسارِ وغیرِهِ

مواهبُ لم یُخْصَصْ بها أحدٌ قبلی

حَلَلْتُ عقوداً أعجزَ الناسَ حلُّها

وما زال عقدی لا یُذمُّ ولا حَلِّی7.

ص: 555


1- البرطسان : لفظ معرّب ، ومعناه الذی یکتری للناس الإبل والحمیر.
2- دیوان أبی فراس : ص 237.

إذا عایَنَتْنِی الرومُ کبّرَ صِیدُها

کأنّهمُ أسری لدیّ وفی کَبْلی (1)

وَأُوسَعُ أَیّاً ما حللتُ کرامةً

کأنّیَ من أهلی نُقِلتُ إلی أهلی

فَقُلْ لِبنی عمِّی وأبلِغْ بنی أبی

بأَنّی فی نَعْماءَ یشکرُها مِثلی

وما شاءَ ربّی غیرَ نَشْرِ محاسنی

وأنْ یعرفوا ما قد عرفتُمْ من الفضلِ

وقال یفتخر وقد بلغه أنّ الروم قالت : ما أَسَرْنا أحداً لم نسلب ثیابَه غیر أبی فراس (2) :

أراک عصیّ الدمعِ شیمتُک الصبرُ

أما للهوی نهیٌ لدیک ولا أمرُ

بلی أنا مشتاقٌ وعندیَ لوعةٌ

ولکنّ مثلی لا یُذاع له سرُّ

إذا اللیل أضوانی بسطتُ یدَ الهوی

وأذْلَلْتُ دَمْعاً من خلائقِهِ الکِبْرُ

تکادُ تضیءُ النارُ بین جوانحی

إذا هی أذکَتْها الصبابةُ والفِکْرُ

ویقول فیها :

أُسِرتُ وما صحبی بعُزلٍ لدی الوغی

ولا فَرَسِی مهرٌ ولا ربّهُ غَمْرُ

ولکن إذا حُمَّ القضاء علی امرئٍ

فلیس له بَرٌّ یَقِیهِ ولا بَحْرُ

وقال أُصَیْحابی الفِرارُ أو الردی

فقلتُ هما أمرانِ أحلاهُما المرُّ

ولکنّنی أمضی لما لا یَعیبُنی

وحسبُکَ من أمرینِ خیرُهما الأسرُ

یقولون لی بِعْتَ السلامةَ بالردی

فقلتُ لهم واللهِ ما نالنی خُسْرُ

هو الموتُ فاختر ما علا لک ذِکرُهُ

ولم یَمُتِ الإنسانُ ما حَیِیَ الذکرُ

ولا خَیْرَ فی ردِّ الردی بمذلّةٍ

کما ردّه یوماً بسوأته عَمْرو

یَمُنّونَ أن خَلّوْا ثیابی وإنّما

علیَّ ثیابٌ من دمائِهِمُ حُمْرُ

وقائمُ سیفی فیهمُ دُقَّ نَصْلُهُ

وأعقابُ رمحی منهمُ حُطّمَ الصدْرُ7.

ص: 556


1- الکبل : القید الضخم.
2- دیوان أبی فراس : ص 157.

سیذکرنی قومی إذا جدَّ جدُّهُمْ

وفی اللیلةِ الظلماءِ یُفْتَقَدُ البَدْرُ

فإنْ عشتُ فالطعنُ الذی یعرفونَهُ

وتلک القنا والبیضُ والضُمَّرُ الشقْرُ

وإن متُّ فالإنسانُ لا بدّ میّتٌ

وإن طالتِ الأیّامُ وانفسحَ العمرُ

ولو سدَّ غیری ما سددتُ اکتفَوا بهِ

وما کان یغلو التِّبرُ لو نفقَ الصُّفْرُ

ونحن أُناسٌ لا توسّطَ عندنا

لنا الصدرُ دون العالمین أو القبرُ

تهونُ علینا فی المعالی نفوسُنا

ومن خَطَبَ الحسناءَ لم یُغلِها المَهْرُ

أعَزُّ بنی الدنیا وأعلی ذوی العلا

وأکرمُ منْ فَوقَ الترابِ ولا فخرُ

وقال لمّا أُسر (1) :

ما للعبیدِ من الذی

یقضی به اللهُ امتناعُ

ذُدْتُ الأُسودَ عن الفَرا

ئسِ ثمّ تفرسُنی الضباعُ

وقال (2)):

قد عَذُبَ الموتُ بأفواهِنا

والموتُ خیرٌ من مقامِ الذلیلْ

إنّا إلی الله لما نابَنا

وفی سبیلِ اللهِ خیرُ السبیلْ

وقال لمّا ورد أسیراً بخَرْشَنَة (3) :

إن زُرْتُ خَرْشَنَةً أسیراً

فَلَکَمْ حَلَلْتُ بها مُغیرا

ولقد رأیتُ النارَ تن

-تهبُ المنازلَ والقُصورا

ولَقَدْ رأیتُ السبْیَ یُجْلَ

-بُ نَحْوَنا حُوّا (4) وَحُورا

من کان مثلی لم یَبتْ

إلاّ أمیراً أو أسیراة.

ص: 557


1- دیوان أبی فراس : ص 188.
2- دیوان أبی فراس : ص 246.
3- دیوان أبی فراس : ص 155.
4- الحُوّ : جمع حوّاء التی فی شفتها حوّة ، وهی سمرة مستحسنة.

لیستْ تَحِلُّ سراتُنا

إلاّ الصدورَ أو القبورا

ولمّا ثقل الجراح وآیس من نفسه وهو أسیر ، کتب إلی والدته یُعزِّیها بنفسه (1) :

مُصابی جلیلٌ والعزاءُ جمیلُ

وعلمی بأنّ اللهَ سوفَ یُدیلُ

وإنّی لَفی هذا الصباحِ لَصالِحُ

وَلی کلّما جنّ الظلامُ غَلیلُ

وما نالَ منّی الأسْرُ ما تریانِهِ

ولکنّنی دامی الجراحِ عَلیلُ

جِراحٌ تحاماهُ الأساة (2) مخافةً

وسقمانِ بادٍ منهما ودخیلُ

وأسرٌ أقاسیه ولیلٌ نجومُه

أری کلّ شیءٍ غیرهنّ یزولُ

تطول بیَ الساعات وهی قصیرةٌ

وفی کلِّ دهر لا یسرُّکَ طولُ

تناسانیَ الأصحابُ إلاّ عصابةً

ستَلحَقُ بالأُخری غداً وَتَحولُ

وإنّ الذی یبقی علی العهد منهمُ

وإن کَثُرَتْ دعواهمُ لقلیلُ

أقلّبُ طرفی لا أری غیرَ صاحبٍ

یمیلُ مع النعماءِ کیف تَمیلُ

وصرنا نَری أنّ المُتارکَ محسنٌ

وأنّ خلیلاً لا یضرُّ وَصولُ

ولیس زمانی وحده بِیَ غادرٌ

ولا صاحبی دون الرجال ملولُ

وما أَثَری یومَ اللقاءِ مُذَمّمٌ

ولا موقفی عند الأسارِ ذلیلُ

تصفّحتُ أقوالَ الرجالِ فلم یکن

إلی غیرِ شاکٍ للزمانِ وُصولُ

أکلُّ خلیلٍ هکذا غیرُ مُنصفٍ

وکلُّ زمانٍ بالکرامِ بخیلُ

نعمْ دَعَتِ الدنیا إلی الغدرِ دَعوةً

أجاب إلیها عالمٌ وجهولُ

وقبلیَ کان الغدرُ فی الناسِ شیمةً

وذُمَّ زمانٌ واسْتلَامَ خلیلُ

وفارقَ عمرو بن الزبیر شقیقَهُ

وخلّی أمیرَ المؤمنین عقیلُ

فیا حسرتا من لی بخِلٍّ موافقٍ

یقول بشجوی مرّةً وأقولُ

وإنّ وراء الستْرِ أمّا بکاؤها

علیَّ وإن طالَ الزمانُ طویلُب.

ص: 558


1- دیوان أبی فراس : ص 232. (2) الأساة : جمع آسٍ ، وهو الطبیب.

فیا أمّتا لا تَعْدَمی الصبرَ إنّه

إلی الخیر والنُّجْحِ القریبِ رسولُ

ویا أمّتا لا تحبطی الأجرَ إنّهُ

علی قَدَرِ الصبرِ الجمیلِ جزیلُ

ویا أمّتا صبراً فکلُّ مُلمّةٍ

تجلّی علی علاّتها وتزولُ

أما لکِ فی ذاتِ النطاقین أُسْوةٌ (1)

بمکّةَ والحربُ العَوانُ تجولُ

أراد ابنُها أخْذَ الأمانِ فلم یُجَبْ

وتعلمُ علماً إنَّه لَقتیلُ

تأسّیْ کفاکِ اللهُ ما تحذرینَهُ

فقد غالَ هذا الناسَ قبلَکِ غُولُ

وکونی کما کانت بأُحدٍ صفیّةٌ

ولم یُشْفَ منها بالبکاءِ غَلیلُ

فما ردّ یوماً حمزةَ الخیرِ حُزْنُها

إذا ما عَلَتها زَفرةٌ وعویلُ

لَقِیتُ نجومَ الأفقِ وهی صوارِمٌ

وخُضْتُ ظَلام اللیلِ وهو خیولُ

ولم أرْعَ للنفسِ الکریمةِ خِلّةً

عشیّةَ لم یَعطِفْ علیَّ خلیلُ

ولکن لَقِیتُ الموتَ حتی ترکته (2)

وفیهِ وفی حدِّ الحُسامِ فُلولُ

ومن لم یَقِ الرحمنُ فهو ممزَّقٌ

ومن لم یُعزّ اللهُ فهو ذلیلُ

ومن لم یُرِدْهُ اللهُ فی الأمرِ کلّهِ

فلیسَ لمخلوقٍ إلیه سبیلُ

وإن هو لم یَدْلُلْکَ فی کلِّ مسلکٍ

ظللت ولو أنّ السِّماکَ دلیلُ

إذا ما وقاکَ اللهُ أمراً تخافُهُ

فما لکَ ممّا تتّقیهِ مُقیلُ (2)

وإن هو لم یَنْصُرْکَ لم تَلْقَ ناصراً

وإن جَلّ أنصارٌ وعزّ قبیلُ (3)

وما دامَ سیفُ الدولةِ الملک باقیاً

فظلُّکَ فیّاحُ الجَناب ظلیلُ

قال ابن خالویه : وقال یصف أیّامه ومنازله بَمنبِج ، وکان ولایته وأقطاعه وداره بها ، ویعرِّض بقوم بلغه شماتتهم فیه وهو فی أسر الروم (4) : 9.

ص: 559


1- ذات النطاقین هی أسماء بنت أبی بکر. (المؤلف) (2) فی الدیوان : ترکتها.
2- هذا البیت والبیت الأخیر من القصیدة غیر موجودین فی الدیوان.
3- ورد فی الدیوان الشطر الثانی من البیت هکذا : وإن عزّ أنصار وجلّ قبیل.
4- دیوان أبی فراس : ص 239.

قِفْ فی رسومِ المستجابِ

ونادِ أکناف المصلّی

فالجوسقِ المیمونِ فالس

-قیاءِ فالنهرِ المُعلّی

أُوْطِنْتُها زمنَ الصِّبا

وجعلتُ مَنْبِجَ لی مَحِلاّ

حُرِمَ الوقوفُ بها علیَ

وکانَ قبلَ الیومِ حِلاّ

حیث التفتُّ وجدتُ ماءً

سائحاً وسکنتُ ظلاّ

تزداد وادٍ غیر قا

صٍ منزلاً رحباً مُطلاّ (1)

وتحلُّ بالجسرِ الجنان

وتسکنُ الحِصنَ المعلّی

تجلو عرائسَهُ لنا

بالبِشْر جنْبَ العیشِ سهلا

والماء یفصلُ بین زَهْ

-رِ الروضِ فی الشطّین فصلا

کبساط وشْیٍ جرّدتْ

أیدی القیونِ (2) علیه نَصْلا

من کان سُرّ بما عرا

نی فَلْیمُتْ ضُرّا وَهَزْلا

لم أخلُ فیما نابَنی

من أن أُعزّ وأن أُحلاّ

مثلی إذا لَقِیَ الأسا

رَ فلن یُضامَ ولن یذلاّ

رُعْتُ القلوبَ مَهابةً

وملأتها نُبلاً وفضلا

ما غضّ منّی حادثٌ

والقَرْمُ قَرمٌ حیث حَلاّ

أنّی حَلَلْتُ فإنّما

یدعونیَ السیفُ المحلّی

فَلَئِنْ خَلَصْتُ فإنّنی

غیظُ العِدی طفلاً وکهلا

ما کنت إلاّ السیفَ زا

دَ علی صُروفِ الدهرِ صَقْلا

ولئن قُتِلْتُ فإنَّما

موتُ الکرامِ الصِّیدِ قَتْلا

لا یَشْمتَنَّ بموتِنا

إلاّ فتیً یفنی ویبلی

یغترُّ بالدنیا الجهو

لُ ولیس فی الدنیا مُمَلاّد.

ص: 560


1- ورد هذا البیت فی الدیوان هکذا : (تَرَ دار وادی عین قا صرَ منزلاً رحباً مطلاّ
2- القیون : جمع قین ، وهو الحدّاد.

قال ابن خالویه (1) : تأخّرت کتب سیف الدولة عن أبی فراس فی أیّام أسره ، فذلک أنّه بلغه أنّ بعض الأُسراء قال : إن ثَقُلَ هذا المال علی الأمیر کاتبنا فیه صاحب خراسان وغیره من الملوک ، وخففت علینا الأسر ، وذکر أنّهم قرّروا مع الروم إطلاق أسراء المسلمین بما یحملونه ، فاتّهم سیف الدولة أبا فراس بهذا القول ، لضمانه المال للروم وقال : من أین تعرفه أهل خراسان؟ فقال أبو فراس هذه القصیدة ، وأنفذها إلی سیف الدولة.

قال الثعالبی (2)) : کتب أبو فراس إلی سیف الدولة : مفاداتی إن تعذّرتْ علیک فائذن لی فی مکاتبة أهل خراسان ومراسلتهم لیفادونی وینوبوا عنک فی أمری.

فأجابه سیف الدولة : من یعرفک بخراسان؟ فکتب إلیه أبو فراس (3) :

أَسَیْفَ الهُدی وقَریعَ العربْ

إلامَ الجفاءُ وفیمَ الغضبْ

وما بال کُتْبِکَ قد أصبحتْ

تَنَکّبُنی مَعَ هذی النکبْ (4)

وأنتَ الکریمُ وأنتَ الحلیمُ

وأنت العطوفُ وأنتَ الحَدِبْ (5)

وما زلتَ تَسبقُنی بالجمی

- ل وتُنْزِلُنی بالمکانِ الخَصِبْ

وإنّک لَلْجَبَلُ المُشْمَخِ

- رُّ إلیَّ بل لِقومِک بلِ للعربْ

وتدفعُ عن حوزتیَ الخطوبَ

وتکشفُ عن ناظریّ الکُرَبْ

عُلاً یُسْتفادُ وعافٍ یُعادُ

وعِزٌّ یشادُ ونعمی تُرَبْ (6)

وما غضَّ منِّیَ هذا الإسارُ

ولکن خَلَصْتُ خُلوصَ الذهبْد.

ص: 561


1- دیوان أبی فراس : ص 28.
2- یتیمة الدهر : 1 / 97.
3- دیوان أبی فراس : ص 28.
4- تنکّبنی - مخفّف تتنکّبنی - : تمیل عنّی وتتجنّبنی.
5- الحدب من حدب وتحدب علیه : تعطف. (المؤلف)
6- تربّ : تزاد.

ففیم یعرِّضنی بالخمولِ

مولیً به نِلْتُ أعلی الرتَبْ

وکان عتیداً لَدَیَّ الجوابُ

ولکن لهیْبَتِهِ لم أُجبْ

أتنکرُ أنّی شکوتُ الزمانَ

وأنّی عتبتُکَ فیمن عَتَبْ

وإلاّ رجعتَ فَأَعْتَبْتَنی

وَصیّرتَ لی ولقومی الغَلَبْ (1)

فلا تنسبنّ إلیّ الخمولَ

أقمتُ علیکَ فلم أغتربْ

وأصبحتُ منکَ فإن کان فضلٌ

وإن کان نقصٌ فأنتَ السبَبْ

وإنّ خراسانَ إن أنکرَتْ

عُلای فقد عَرَفَتها حَلَبْ

ومن أین ینکرنی الأبعدونَ

أمِن نقصِ جدٍّ أمِن نقصِ أبْ

ألست وإیّاک من أسرةٍ

وبینی وبینک عرق النسبْ

ودارٌ تناسَبُ فیها الکرامُ

وتربیَةٌ ومحلٌّ أشِبْ (2)

ونفسٌ تَکبّرُ إلاّ علیکَ

وترغبُ إلاّک عمّن رغبْ

فلا تَعْدِلَنّ فداک ابنُ عمِّکَ

لا بل غلامُک عمّا یجبْ

وأنصفْ فتاک فإنصافُهُ

من الفضلِ والشرفِ المُکْتَسَبْ

أکنتَ (3) الحبیبَ وکنتَ القریبَ

لیالیَ أدعوکَ من عن کَثَبْ

فلمّا بَعُدْتُ بَدَتْ جفوةٌ

ولاحَ من الأمر ما لا أحبْ

فلو لم أکن بکَ ذا خبرةٍ

لَقلْتُ صدیقُکَ مَن لم یَغِبْ

وکتب إلیه أیضاً (4) :

زمانی کلّه غَضَبٌ وعَتْبُ

وأنتَ علیَّ والأیّامُ إلبُ (5)ن.

ص: 562


1- فی الدیوان : ولقولی الغلب.
2- الأشِب : الحصین.
3- فی الدیوان : وکنتَ.
4- دیوان أبی فراس : ص 31.
5- تألبَّ : اجتمع ، والإلب : المجتمعون.

وعیشُ العالمینَ لدَیک سهلٌ

وعیشی وحدَهُ بِفناکَ صَعْبُ

القصیدة (18) بیتاً

وبلغ إلیه نعی أمِّه وهو فی الحبس ، فقال یرثیها (1) :

أیا أمَّ الأسیر بمن أنادی

وقدْ مُتِّ الأیادی والشعورُ (2)

إذا ابنکِ سار فی برٍّ وبحرٍ

فمن یدعو له أو یستجیرُ

حرامٌ أن یبیتَ قریرَ عینٍ

ولُؤْمٌ أن یُلِمَّ به السرورُ

وقد ذُقْتِ المنایا والرزایا

ولا ولدٌ لدیکِ ولا عشیرُ

وغاب حبیبُ قلبِکِ عن مکانٍ

ملائکةُ السماءِ به حضورُ

لِیَبکِکِ کلُّ یومٍ صُمْتِ فیه

مصابرةً وقد حَمِیَ الهجیرُ

لِیَبکِکِ کلُّ لیلٍ قُمْتِ فیهِ

إلی أن یبتدی الفجرُ المنیرُ

لِیَبکِکِ کُلُّ مضطَهَدٍ مَخوفٍ

أجرتیه وقد قلَّ المجیرُ

لِیَبکِکِ کلُّ مسکینٍ فقیرٍ

أعنتیه وما فی العَظْم ریرُ (3)

أیا أمّاهُ کم هولٍ طویلٍ

مَضَی بکِ لم یکن منه نَصیرُ

أیا أمّاهُ کم سرٍّ مصونٍ

بقلبکِ ماتَ لیس له ظهورُ

إلی من أشتکی وَلمن أناجی

إذا ضاقت بما فیها الصدورُ

بأیِّ دعاءِ داعیةٍ أُوَقَّی

بأیِّ ضیاءِ وَجْهٍ أستنیرُ

بمن یُستدفَعُ القَدَرُ المُرجّی

بمن یُستفتحُ الأمرُ العسیرُ

تسلّی عنکِ أنّا عن قلیلٍ

إلی ما صرتِ فی الأخری نصیرُف)

ص: 563


1- دیوان أبی فراس : ص 162.
2- ورد البیت فی الدیوان هکذا : (أیا أمّ الأسیر لمن تربّی قدْ مُتِّ الذوائبُ والشعورُ
3- مخٌّ رارٌ وریر : ذائب فاسد من الهزال. (المؤلف)

میلاده ومقتله

ولد المترجم سنة (320) وقیل (321) ویعیّن الأوّل ما حکاه ابن خالویه عن أبی فراس أنَّه قال له : إنّ فی سنة (339) کان سنّی (19) سنة ، وقتل یوم الأربعاء لثمان من ربیع الآخر (1) وعن الصابی فی تاریخه (2) : یوم السبت للیلتین خلتا من جمادی الأولی سنة (357) (3)) ، وذلک أنَّه لمّا مات سیف الدولة عزم أبو فراس علی التغلّب علی حمص وتطلّع إلیها وکان مقیماً بها ، فاتّصل خبره إلی ابن اخته أبی المعالی بن سیف الدولة وغلام أبیه قرعویه (4) ، وجرت بذلک بین أبی فراس وبین أبی المعالی وحشة ، فطلبه أبو المعالی فانحاز أبو فراس إلی صَدَد ، وهی قریة فی طریق البرّیة عند حمص ، فجمع أبو المعالی الأعراب من بنی کلاب وغیرهم وسیّرهم فی طلبه مع قرعویه فأدرکه بصَدَد ، فکبسوه فاستأمن أصحابه واختلط هو بمن استأمن معهم ، فقال قرعویه لغلام له : اقتله. فقتله وأخذ رأسه ، وترکت جثته فی البرّیة حتی دفنها بعض الأعراب.

قال الثعالبی (5) : دلّت قصیدة قرأتها لأبی إسحاق الصابی فی مرثیة أبی فراس ، علی أنّه قُتل فی وقعة کانت بینه وبین موالی أسرته.

وقال ابن خالویه : بلغنی أنّ أبا فراس أصبح یوم مقتله حزیناً کئیباً ، وکان قد 2.

ص: 564


1- کامل ابن الأثیر [5 / 355 حوادث سنة 357 ه] ، تاریخ أبی الفدا [2 / 108 حوادث سنة 357 ه]. (المؤلف)
2- حکاه عنه ابن خلکان فی تاریخه [2 / 61 رقم 153] ، وصاحب شذرات الذهب [4 / 301 حوادث سنة 357 ه]. (المؤلف)
3- أرّخه ابن عساکر فی تاریخه [4 / 100 ، وفی تهذیب تاریخ دمشق : 3 / 445] بسنة خمسین وثلاثمائة ، وهو لیس فی محلّه. (المؤلف)
4- فی کامل ابن الأثیر [3 / 355 حوادث سنة 357 ه] : قرغویه ، وفی الشذرات [4 / 301 حوادث سنة 357 ه] : فرغویه ، وفی تاریخ ابن عساکر [4 / 100 ، وفی تهذیب تاریخ دمشق : 3 / 445] : أبو قرعونه. (المؤلف)
5- یتیمة الدهر : 1 / 112.

قلق فی تلک اللیلة قلقاً عظیماً ، فرأته ابنته امرأة أبی العشائر کذلک ، فأحزنها حزناً شدیداً ثمّ بکت وهو علی تلک ، فأنشأ یقول کالذی ینعی نفسه وإن لم یقصد ، وهذا آخر ما قاله من الشعر (1) :

أبُنیَّتی لا تحزنی

کلُّ الأنامِ إلی ذهابِ

أبُنیَّتی صبراً جمیلاً

للجلیلِ من المصابِ

نُوحِی علیَّ بحسرةٍ

من خَلْفِ سترِکِ والحجابِ

قولی إذا نادیتِنی

فَعَیِیتُ عن ردِّ الجوابِ

زینُ الشبابِ أبو فرا

سٍ لم یُمَتّعْ بالشبابِ

وفی غیر واحد من المعاجم : أنّه لَمّا بلغ أخته أمّ أبی المعالی وفاته قلعت عینها ، وقیل : بل لطمت وجهها فقلعت عینها ، وقیل : قتله غلام سیف الدولة ولم یعلم أبو المعالی ، فلمّا بلغه الخبر شقّ علیه.

ومن شعره فی المذهب (2) :

لستُ أرجو النجاةَ من کلّ ما أخ

- شاه إلاّ بأحمدٍ وعلیِ

وببنتِ الرسول فاطمةَ الطهْ

- رِ وسبطیه والإمام علیِ

والتقیِّ النقیِّ باقر علمِ الله

فینا محمدِ بن علیِ

وأبی جعفرٍ وموسی ومولا

یَ علیٍّ أکرمْ به من علیِ

وابنه العسکریِّ والقائمِ المظ

- هرِ حَقَّیْ محمدٍ وعلیِ

بهمُ أرتجی بلوغَ الأمانی

یومَ عَرْضی علی الإله العلیِ

وله فی المعنی : 3.

ص: 565


1- دیوان أبی فراس : ص 55.
2- دیوان أبی فراس : ص 313.

شافعی أحمدُ النبیُّ ومولایَ

علیٌّ والبنتُ والسبطانِ

وعلیٌّ وباقرُ العلمِ والصا

دقُ ثمّ الأمینُ بالتبیانِ

وعلیٌّ ومحمدُ بنُ علیٍ

وعلیٌّ والعسکریُّ الدانی

والإمام المهدیُّ فی یومِ لا

ینفع إلاّ غفرانُ ذی الغفرانِ

ومن شعره فی الحکمة والموعظة (1) :

غنی النفس لمن یعق

-لُ خیرٌ من غِنی المالِ

وفضلُ الناسِ فی الأنف

-سِ لیس الفضلُ فی الحالِ

وقال (2) :

المرءُ نُصْبُ مصائبٍ لا تنقضی

حتی یواری جسمُهُ فی رِمِسهِ

فمؤجّلٌ یلفی الردی فی أهلِهِ

ومُعَجّلٌ یلقی الردی فی نفسهِ

وله (3) :

أَنفِقْ من الصبرِ الجمیل فإنّهُ

لم یخشَ فَقراً منفقٌ من صبرِهِ

والمرءُ لیس ببالغٍ فی أرضِهِ

کالصقرِ لیس بصائدٍ فی وَکرِهِ

(لَقَدْ کانَ فِی قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِی الْأَلْبابِ) (4)

انتهی الجزء الثالث من کتاب الغدیر ویتلوه الرابع ولله الحمد أوّلاً وآخراً 1.

ص: 566


1- دیوان أبی فراس : ص 247.
2- دیوان أبی فراس : ص 175.
3- دیوان أبی فراس : ص 143.
4- یوسف : 111.

محتویات الکتاب

بقیة شعراء الغدیر فی القرن الثالث

11 - 103

أبو إسماعیل العلوی................................................. 11 - 14

الشاعر............................................................. 11

الوامق النصرائی.................................................... 15 - 22

ما یتبع الشعر....................................................... 15

الشاعر............................................................. 18

من مدح أمیر المؤمنین من النصاری................................... 19

نعرات الجاهلیة الأولی (نقد کتاب حیاة محمد)............................... 23

تسافل الشرق أو انحطاط العرب...................................... 28

یا اُمّة اثکلیه........................................................ 29

ماأساء من أعقب................................................... 33

حادث شوّه صحائف التألیف............................................... 47

ابن الرومی......................................................... 51 - 85

الشاعر............................................................. 51

أولاده............................................................. 56

تعلیمه............................................................. 58

رسائل ابن الرومی.................................................. 60

عقیدته............................................................. 64

هجاؤه............................................................. 73

ابن الرومی وشعراء عصره........................................... 79

تاریخ وفاته......................................................... 82

شهادته............................................................ 84

الحمّانی الأفوه.................................................... 78 - 103

الشاعر............................................................. 87

نماذج من شعره..................................................... 92

ولادته ووفاته..................................................... 102

زید الشهید والشیعة الإمامیة الاثناء عشریة................................ 105

القول الفصل فی زید............................................... 112

نقد واصلاح حول الکتب والتألیف المزورة................................ 115

العقد الفرید.................................................... 116 - 131

فریة الرافضة یهو هذه الاُمة وجوابها................................. 116

محنة الرفضة محنة الیهود وجوابها..................................... 118

الرافضة تؤخّر صلاة المغرب وجوابها................................. 122

الرافضة لا تری طلاق الثلاث شیئاً وجوابها.......................... 123

الرافضة لا تری علی النساء عدّة وجوابها............................ 125

الرافضة تستحلّ دم کل مسلم وجوابها.............................. 126

الرافضة حرّفت القرآن وجوابها..................................... 127

الرافضة تبغض جبرائیل وجوابها..................................... 127

الرافضة لاتأکل لحم الجزور وجوابها................................. 129

أُضحوکة......................................................... 129

قذائف علی الشیعة................................................ 131

الانتصار........................................................ 132 - 133

الفرق بین الفرق................................................ 133 - 134

الفصل فی الملل والنحل.......................................... 134 - 203

الروافض لیسوا من المسلمین وجوابه................................. 135

رواة الشیعة فی الصحاح........................................... 135

أبو بکر وعمر کانا أعلم من أمیر المؤمنین وجوابه..................... 138

أربعون حدیثاً فی علم أمیر المؤمنین.................................. 138

الإجماع علی أنّ علیاً ورث علم النبی................................ 146

القرآن مبدل عند الامامیّة وجوابه................................... 147

من الامامیّة من یجیز نکاح تسعة من النساء.......................... 148

بیعة علی علیه السلام أبابکر وجوابها................................ 148

کلمة الأستاذ عبدالفتاح عبد المقصود................................ 149

الإمامیّة تجیز إمامة المرأة والحمل وجوابه............................. 151

حبّ النبی أحداً لیس بفضل وجوابه................................. 151

حبّ النبی أحداً لیس بفضل وجوابه................................. 152

تکذیب الرفضة فی تأویل (ویطعمون الطعام) وجوابه.................. 154

رواة نزول : (هل أتی) فی أهل البیت................................ 155

لفظ الحدیث...................................................... 161

نفی صحّة مؤاخاة النبی علیّاً وجوابه................................. 161

خمسون حدیثاً فی المؤاخاة.......................................... 164

النسب المفتعلة علی متکلّمی الشیعة وجوابها......................... 181

نفی صحّة حدیث رد الشمس وجوابه............................... 183

المؤلّفون فی حدیث رد الشمس..................................... 184

رواة حدیث رد الشمس من الأعلام وهم ثلاثة وأربعون.............. 186

الملل والنحل.................................................... 204 - 210

أراء مفتعلة علی الشیعة والجواب علیها.............................. 204

کذب علی الشیعة فی الإمامة وجوابه................................ 206

خصائص الشیعة عند الشهرستانی وجوابه............................ 209

کلمة الخوارزمی حول الشهرستانی.................................. 210

منهاج السنة.................................................... 211 - 307

الشیعة تکره لفظ الشعرة وجوابه.................................... 211

حماقات تعزی الی الشیعة وجوابها................................... 213

إجماع العلماء علی کذب الرافضة وجوابه........................... 215

الرافضة یعطّلون المساجد وجوابه.................................... 218

تکذیب نزول (إنما ولیکم الله ورسوله) فی علیّ وجوابه............... 220

لفظ الحدیث...................................................... 230

إشکال مزیّف علی نزول (إنما ولیّکم الله ورسوله) فی علیّ وجوابه..... 238

لفظ الحدیث...................................................... 230

إشکال مزیّف علی نزول (إنما ولیکم الله ورسوله) فی علیّ............ 231

لا یمکن للرافضی إثبات إیمان علیّ وجوابه........................... 238

قذائف علی الشیعة وعلی شیخها الطوسی وجوابها................... 240

تکذیب نزول هل آتی فی أهل البیت علیهم السلام................... 241

تزییف إیجاب مودةّ أهل البیت بأیة (قل لا أسالکم علیه أجرا) وجوابه.. 243

دعوی بطلان حدیث المؤاخاة وجوابها............................... 246

تکذیب حدیث (فاطمة احصنت فرجها) وجوابه..................... 248

تکذیب حدیث (علیُ مع الحق والحقُ معه یدور) وجوابها............. 251

تکذیب قوله صلی الله علیه واله وسلم لفاطمة (إنّ الله یغضب لفضبک) وجوابه 256

تکذیب حدیثی (علیُّ فارونی اُمّتی) وما (کنّا نعرف المنافقین علی عهد النبی إلّا ببغضهم علیّاً) وجوابه 257

دعوی أن حروب علی علیه السلام لم تکن بأمر من رسول الله وجوابها. 266

تکذیب حدیث المناقب العشر...................................... 277

الکلام حول حدیث المناقب العشر.................................. 277

الکلام حول حدیث المنزله......................................... 281

تکذیب حدیث سدّ الأبواب إلاّ باب علی علیه السلام وجوابه........ 285

تواتر حدیث سدّ الابواب وطرقه.................................... 285

بطلان حدیث الخلّة والخوخة....................................... 299

تکذیب حدیث (أنت ولیُّ کلّ مؤمن) وجوابه....................... 304

کلمة ابن حجر فی ابن تیمیّة........................................ 306

البدایة والنهایة.................................................. 307 - 349

تزییف حدیث الاخاء وجوابه....................................... 308

تزییف حدیث الطیر وجوابه........................................ 308

تزییف السقایة علی الحوض وجوابه................................. 309

تزییف حدیث (علیّ أوّل من أسلم) وجوابه......................... 309

مائة حدیث فی (أنّ علیاً أوّل من أسلم)............................. 310

النصوص النبوّیة................................................... 310

کلمات امیر المؤمنین علیه السلام.................................... 312

کلمة الامام السبط الحسن......................................... 316

تذییل............................................................ 335

رأی الصحابة والتابعین فی أوّل من أسلم............................. 317

لفت نظر حول کلمات أمیر المؤمنین علیه السلام فی إسلامه........... 342

تکذیب نزول آیات فی علیّ........................................ 344

جوابه............................................................ 345

اجتهاد فی مقابل نصّ حدیث البراءة وجوابه......................... 346

تنکیر حدیث (لا تقع فی علیّ) وجوابه.............................. 346

فریة علی الشیعة والجواب عنها..................................... 348

کلمة المؤلّف...................................................... 349

محاضرات تاریخ الاُمم الإسلامیة................................. 351 - 370

فریة أنّ حرب صفّین لم تکن دینیة وجوابها........................... 351

علیّ ومعاویة سیّان فی النسب وجوابه............................... 351

استحسان فکرة معاویة فی اختیار یزید وجوابها....................... 358

تخطئة الحسین علیه السلام فی نهضته وجوابها......................... 363

الکلام حول معاویة ویزید.......................................... 365

أضرار خلافة مثل یزید............................................. 366

نهضة الإمام المفدّی................................................ 368

السنة والشیعة.................................................. 370 - 397

عز والتشیّع إلی ابن سبأ وجوابه..................................... 371

فریة علی أهل العراق وایران وجوابها................................ 372

بغض الشیعة لبعض أهل البیت وجوابه.............................. 373

جنایات علی جملة العلویین......................................... 381

دعوی صحة جمیع ما فی الکتب الأربعة عند الشیعة وجوابها........... 383

قذف شیخنا الصدوق ومعلّم البشر المفید والفریة علیهما وجوابها...... 385

تعبّد الإمامیّة الرّقاع وجوابها........................................ 386

حرمة الفقّاع - تحلیل الخمس - ثمن المغنیّة.......................... 390

أفائک علی الشیعة وجوابها......................................... 395

الصراع بین الإسلام والوثنیة.................................... 397 - 425

أکاذیب علی الشیعة وجوابها....................................... 398

کلمة الامیر شکیب أرسلان والنظر فیها وجوابها..................... 399

نسب مفتعلة علی الشیعة وجوابها................................... 401

أفائک مزعومة علی الشیعة وجوابها.................................. 402

فریة القول باحلول والتشبیه وإنکار بعض صفات الله تعالی وجوابها.... 403

عزو عصمة ذریّة النبی صلی الله علیه واله وسلم إلی الشیعة وجوابها..... 405

کلمة القسطلانی والزرقانی حول حدیث تحریم الذریّة علی النار........ 406

الصحابة فی الکتاب والسنة......................................... 408

تحریف کلمة سیدنا (الامین) واتّهامه................................ 409

تکذیب حدیثی (أنّ علیّاً یذود الخلق یوم العطش) و (أنّه قسیم النار) وجوابها 411

مخازی ومخاریق مکذوبة علی الشیعة وجوابها......................... 413

فریة ومجهلة وجوابها............................................... 414

القرآن والشیعة ودعوی اللحن والتحریف وجوابها.................... 415

الشیعة والآراء المکذوبة علیها وجوابها............................... 418

الشیعة والرّقاع المزوّرة وجوابها..................................... 420

المتعة المبتدعة علی الشیعة وجوابها................................... 420

أکاذیب فاحشة علی الشیعة وجوابها................................ 422

فجر الإسلام ضحی الإسلام ظهر الإسلام........................ 425 - 426

جولة فی ریوع الشرق الأدنی.................................... 426 - 436

اُکذوبة علی الشیعة وعلمائها وجوابها............................... 427

أساطیر رحّالة مصر وفرنسا......................................... 427

فریة علی الإمامیّة مخزیة وجوابها..................................... 429

مزاعم حول فنادق النجف الأشرف فی موسم الحج وجوابها........... 429

فریة علی الایرانیّین وجوابها......................................... 431

اتخاذ الفرس مشهد الرضا کعبة للحج وجوابها........................ 431

فریة علی حسینیّ مظلوم بنیسابور وجوابها........................... 431

ادعا أنّ الحسین علیه السلام ورث العظمة الألهیة من زواج شهر بانوالفارسیّة وجوابه 434

ثقافة صاحب الجولة............................................... 435

عقیدة الشیعة................................................... 436 - 440

أفائک علی الشیعة وجوابها......................................... 437

کذب وتحریف.................................................... 439

الوشیعة فی نقد عقائد الشیعة.................................... 440 - 452

أساطیر حول الاُمیة فیها تشنیع علی الأئمة وجوابها................... 441

أکاذیب حول المتعة علی الشیعة وجوابها............................. 447

المتعة فی القرآن.................................................... 447

حدود المتعة فی الإسلام............................................ 447

أوّل من نهی عن المتعة.............................................. 450

الصحابة والتابعون القائلون بالمتعة................................... 451

کلمة المؤلّف (الان حصحص الحقّ)................................. 453

شعراء الغدیر فی القرن الرابع

461 - 566

ابن طباطبا الأصبهانی............................................ 465 - 473

الشاعر........................................................... 465

ابن علویة الأصبهانی............................................ 475 - 481

مایتبع الشعر...................................................... 476

المفجع......................................................... 483 - 500

ما یتبع الشعر..................................................... 485

حدیث الاشباه فی أمیر المؤمنین علیه السلام.......................... 486

کلمة العاصمی حول حدیث الأشباه................................ 486

الشاعر........................................................... 493

آثاره القیمة....................................................... 495

أبو القاسم الصنوبری........................................... 501 - 513

الشاعر........................................................... 493

حکایة........................................................... 510

القاضی التنوخی................................................ 515 - 529

ما یتبع الشعر..................................................... 516

الشاعر........................................................... 519

ولادته ونشأته..................................................... 520

حدیث حفظه وذکائه............................................. 521

تألیفه............................................................. 523

مذهبه............................................................ 524

وفاته............................................................. 525

أبو القاسم الزاهی............................................... 531 - 544

الشاعر........................................................... 534

شعر الزاهی فی المذهب............................................ 535

حدیث تکلّم أمیر المؤمنین مع الشمس............................... 536

حدیث رد الشمس لأمیر المؤمنین................................... 537

حدیث نبع أمیر المؤمنین الماء للعسکر................................ 537

نزول قوله تعالی : (وتعیها اُذن واعیة)............................... 539

أبو فراس الحمدانی.............................................. 545 - 566

ما یتبع الشعر..................................................... 549

الشاعر........................................................... 552

شعر الأمیر أبی فراس............................................... 556

میلاده ومقتله..................................................... 564

محتویات الکتاب......................................................... 567

ص: 567

أولاده............................................................. 56

تعلیمه............................................................. 58

رسائل ابن الرومی.................................................. 60

عقیدته............................................................. 64

هجاؤه............................................................. 73

ابن الرومی وشعراء عصره........................................... 79

تاریخ وفاته......................................................... 82

شهادته............................................................ 84

الحمّانی الأفوه.................................................... 78 - 103

الشاعر............................................................. 87

نماذج من شعره..................................................... 92

ولادته ووفاته..................................................... 102

زید الشهید والشیعة الإمامیة الاثناء عشریة................................ 105

القول الفصل فی زید............................................... 112

نقد واصلاح حول الکتب والتألیف المزورة................................ 115

العقد الفرید.................................................... 116 - 131

فریة الرافضة یهو هذه الاُمة وجوابها................................. 116

محنة الرفضة محنة الیهود وجوابها..................................... 118

الرافضة تؤخّر صلاة المغرب وجوابها................................. 122

الرافضة لا تری طلاق الثلاث شیئاً وجوابها.......................... 123

الرافضة لا تری علی النساء عدّة وجوابها............................ 125

الرافضة تستحلّ دم کل مسلم وجوابها.............................. 126

ص: 568

الرافضة حرّفت القرآن وجوابها..................................... 127

الرافضة تبغض جبرائیل وجوابها..................................... 127

الرافضة لاتأکل لحم الجزور وجوابها................................. 129

أُضحوکة......................................................... 129

قذائف علی الشیعة................................................ 131

الانتصار........................................................ 132 - 133

الفرق بین الفرق................................................ 133 - 134

الفصل فی الملل والنحل.......................................... 134 - 203

الروافض لیسوا من المسلمین وجوابه................................. 135

رواة الشیعة فی الصحاح........................................... 135

أبو بکر وعمر کانا أعلم من أمیر المؤمنین وجوابه..................... 138

أربعون حدیثاً فی علم أمیر المؤمنین.................................. 138

الإجماع علی أنّ علیاً ورث علم النبی................................ 146

القرآن مبدل عند الامامیّة وجوابه................................... 147

من الامامیّة من یجیز نکاح تسعة من النساء.......................... 148

بیعة علی علیه السلام أبابکر وجوابها................................ 148

کلمة الأستاذ عبدالفتاح عبد المقصود................................ 149

الإمامیّة تجیز إمامة المرأة والحمل وجوابه............................. 151

حبّ النبی أحداً لیس بفضل وجوابه................................. 151

حبّ النبی أحداً لیس بفضل وجوابه................................. 152

تکذیب الرفضة فی تأویل (ویطعمون الطعام) وجوابه.................. 154

رواة نزول : (هل أتی) فی أهل البیت................................ 155

لفظ الحدیث...................................................... 161

نفی صحّة مؤاخاة النبی علیّاً وجوابه................................. 161

ص: 569

خمسون حدیثاً فی المؤاخاة.......................................... 164

النسب المفتعلة علی متکلّمی الشیعة وجوابها......................... 181

نفی صحّة حدیث رد الشمس وجوابه............................... 183

المؤلّفون فی حدیث رد الشمس..................................... 184

رواة حدیث رد الشمس من الأعلام وهم ثلاثة وأربعون.............. 186

الملل والنحل.................................................... 204 - 210

أراء مفتعلة علی الشیعة والجواب علیها.............................. 204

کذب علی الشیعة فی الإمامة وجوابه................................ 206

خصائص الشیعة عند الشهرستانی وجوابه............................ 209

کلمة الخوارزمی حول الشهرستانی.................................. 210

منهاج السنة.................................................... 211 - 307

الشیعة تکره لفظ الشعرة وجوابه.................................... 211

حماقات تعزی الی الشیعة وجوابها................................... 213

إجماع العلماء علی کذب الرافضة وجوابه........................... 215

الرافضة یعطّلون المساجد وجوابه.................................... 218

تکذیب نزول (إنما ولیکم الله ورسوله) فی علیّ وجوابه............... 220

لفظ الحدیث...................................................... 230

إشکال مزیّف علی نزول (إنما ولیّکم الله ورسوله) فی علیّ وجوابه..... 238

لفظ الحدیث...................................................... 230

إشکال مزیّف علی نزول (إنما ولیکم الله ورسوله) فی علیّ............ 231

لا یمکن للرافضی إثبات إیمان علیّ وجوابه........................... 238

قذائف علی الشیعة وعلی شیخها الطوسی وجوابها................... 240

تکذیب نزول هل آتی فی أهل البیت علیهم السلام................... 241

ص: 570

تزییف إیجاب مودةّ أهل البیت بأیة (قل لا أسالکم علیه أجرا) وجوابه.. 243

دعوی بطلان حدیث المؤاخاة وجوابها............................... 246

تکذیب حدیث (فاطمة احصنت فرجها) وجوابه..................... 248

تکذیب حدیث (علیُ مع الحق والحقُ معه یدور) وجوابها............. 251

تکذیب قوله صلی الله علیه واله وسلم لفاطمة (إنّ الله یغضب لفضبک) وجوابه 256

تکذیب حدیثی (علیُّ فارونی اُمّتی) وما (کنّا نعرف المنافقین علی عهد النبی إلّا ببغضهم علیّاً) وجوابه 257

دعوی أن حروب علی علیه السلام لم تکن بأمر من رسول الله وجوابها. 266

تکذیب حدیث المناقب العشر...................................... 277

الکلام حول حدیث المناقب العشر.................................. 277

الکلام حول حدیث المنزله......................................... 281

تکذیب حدیث سدّ الأبواب إلاّ باب علی علیه السلام وجوابه........ 285

تواتر حدیث سدّ الابواب وطرقه.................................... 285

بطلان حدیث الخلّة والخوخة....................................... 299

تکذیب حدیث (أنت ولیُّ کلّ مؤمن) وجوابه....................... 304

کلمة ابن حجر فی ابن تیمیّة........................................ 306

البدایة والنهایة.................................................. 307 - 349

تزییف حدیث الاخاء وجوابه....................................... 308

تزییف حدیث الطیر وجوابه........................................ 308

تزییف السقایة علی الحوض وجوابه................................. 309

تزییف حدیث (علیّ أوّل من أسلم) وجوابه......................... 309

مائة حدیث فی (أنّ علیاً أوّل من أسلم)............................. 310

النصوص النبوّیة................................................... 310

کلمات امیر المؤمنین علیه السلام.................................... 312

ص: 571

کلمة الامام السبط الحسن......................................... 316

تذییل............................................................ 335

رأی الصحابة والتابعین فی أوّل من أسلم............................. 317

لفت نظر حول کلمات أمیر المؤمنین علیه السلام فی إسلامه........... 342

تکذیب نزول آیات فی علیّ........................................ 344

جوابه............................................................ 345

اجتهاد فی مقابل نصّ حدیث البراءة وجوابه......................... 346

تنکیر حدیث (لا تقع فی علیّ) وجوابه.............................. 346

فریة علی الشیعة والجواب عنها..................................... 348

کلمة المؤلّف...................................................... 349

محاضرات تاریخ الاُمم الإسلامیة................................. 351 - 370

فریة أنّ حرب صفّین لم تکن دینیة وجوابها........................... 351

علیّ ومعاویة سیّان فی النسب وجوابه............................... 351

استحسان فکرة معاویة فی اختیار یزید وجوابها....................... 358

تخطئة الحسین علیه السلام فی نهضته وجوابها......................... 363

الکلام حول معاویة ویزید.......................................... 365

أضرار خلافة مثل یزید............................................. 366

نهضة الإمام المفدّی................................................ 368

السنة والشیعة.................................................. 370 - 397

عز والتشیّع إلی ابن سبأ وجوابه..................................... 371

فریة علی أهل العراق وایران وجوابها................................ 372

بغض الشیعة لبعض أهل البیت وجوابه.............................. 373

ص: 572

جنایات علی جملة العلویین......................................... 381

دعوی صحة جمیع ما فی الکتب الأربعة عند الشیعة وجوابها........... 383

قذف شیخنا الصدوق ومعلّم البشر المفید والفریة علیهما وجوابها...... 385

تعبّد الإمامیّة الرّقاع وجوابها........................................ 386

حرمة الفقّاع - تحلیل الخمس - ثمن المغنیّة.......................... 390

أفائک علی الشیعة وجوابها......................................... 395

الصراع بین الإسلام والوثنیة.................................... 397 - 425

أکاذیب علی الشیعة وجوابها....................................... 398

کلمة الامیر شکیب أرسلان والنظر فیها وجوابها..................... 399

نسب مفتعلة علی الشیعة وجوابها................................... 401

أفائک مزعومة علی الشیعة وجوابها.................................. 402

فریة القول باحلول والتشبیه وإنکار بعض صفات الله تعالی وجوابها.... 403

عزو عصمة ذریّة النبی صلی الله علیه واله وسلم إلی الشیعة وجوابها..... 405

کلمة القسطلانی والزرقانی حول حدیث تحریم الذریّة علی النار........ 406

الصحابة فی الکتاب والسنة......................................... 408

تحریف کلمة سیدنا (الامین) واتّهامه................................ 409

تکذیب حدیثی (أنّ علیّاً یذود الخلق یوم العطش) و (أنّه قسیم النار) وجوابها 411

مخازی ومخاریق مکذوبة علی الشیعة وجوابها......................... 413

فریة ومجهلة وجوابها............................................... 414

القرآن والشیعة ودعوی اللحن والتحریف وجوابها.................... 415

الشیعة والآراء المکذوبة علیها وجوابها............................... 418

الشیعة والرّقاع المزوّرة وجوابها..................................... 420

ص: 573

المتعة المبتدعة علی الشیعة وجوابها................................... 420

أکاذیب فاحشة علی الشیعة وجوابها................................ 422

فجر الإسلام ضحی الإسلام ظهر الإسلام........................ 425 - 426

جولة فی ریوع الشرق الأدنی.................................... 426 - 436

اُکذوبة علی الشیعة وعلمائها وجوابها............................... 427

أساطیر رحّالة مصر وفرنسا......................................... 427

فریة علی الإمامیّة مخزیة وجوابها..................................... 429

مزاعم حول فنادق النجف الأشرف فی موسم الحج وجوابها........... 429

فریة علی الایرانیّین وجوابها......................................... 431

اتخاذ الفرس مشهد الرضا کعبة للحج وجوابها........................ 431

فریة علی حسینیّ مظلوم بنیسابور وجوابها........................... 431

ادعا أنّ الحسین علیه السلام ورث العظمة الألهیة من زواج شهر بانوالفارسیّة وجوابه 434

ثقافة صاحب الجولة............................................... 435

عقیدة الشیعة................................................... 436 - 440

أفائک علی الشیعة وجوابها......................................... 437

کذب وتحریف.................................................... 439

الوشیعة فی نقد عقائد الشیعة.................................... 440 - 452

أساطیر حول الاُمیة فیها تشنیع علی الأئمة وجوابها................... 441

أکاذیب حول المتعة علی الشیعة وجوابها............................. 447

المتعة فی القرآن.................................................... 447

حدود المتعة فی الإسلام............................................ 447

ص: 574

أوّل من نهی عن المتعة.............................................. 450

الصحابة والتابعون القائلون بالمتعة................................... 451

کلمة المؤلّف (الان حصحص الحقّ)................................. 453

شعراء الغدیر فی القرن الرابع

461 - 566

ابن طباطبا الأصبهانی............................................ 465 - 473

الشاعر........................................................... 465

ابن علویة الأصبهانی............................................ 475 - 481

مایتبع الشعر...................................................... 476

المفجع......................................................... 483 - 500

ما یتبع الشعر..................................................... 485

حدیث الاشباه فی أمیر المؤمنین علیه السلام.......................... 486

کلمة العاصمی حول حدیث الأشباه................................ 486

الشاعر........................................................... 493

آثاره القیمة....................................................... 495

أبو القاسم الصنوبری........................................... 501 - 513

الشاعر........................................................... 493

حکایة........................................................... 510

القاضی التنوخی................................................ 515 - 529

ما یتبع الشعر..................................................... 516

الشاعر........................................................... 519

ص: 575

بقیة شعراء الغدیر فی القرن الثالث

11 - 103

أبو إسماعیل العلوی................................................. 11 - 14

الشاعر............................................................. 11

الوامق النصرائی.................................................... 15 - 22

ما یتبع الشعر....................................................... 15

الشاعر............................................................. 18

من مدح أمیر المؤمنین من النصاری................................... 19

نعرات الجاهلیة الأولی (نقد کتاب حیاة محمد)............................... 23

تسافل الشرق أو انحطاط العرب...................................... 28

یا اُمّة اثکلیه........................................................ 29

ماأساء من أعقب................................................... 33

حادث شوّه صحائف التألیف............................................... 47

ابن الرومی......................................................... 51 - 85

الشاعر............................................................. 51

أولاده............................................................. 56

تعلیمه............................................................. 58

رسائل ابن الرومی.................................................. 60

عقیدته............................................................. 64

هجاؤه............................................................. 73

ابن الرومی وشعراء عصره........................................... 79

تاریخ وفاته......................................................... 82

شهادته............................................................ 84

الحمّانی الأفوه.................................................... 78 - 103

الشاعر............................................................. 87

نماذج من شعره..................................................... 92

ولادته ووفاته..................................................... 102

زید الشهید والشیعة الإمامیة الاثناء عشریة................................ 105

القول الفصل فی زید............................................... 112

نقد واصلاح حول الکتب والتألیف المزورة................................ 115

العقد الفرید.................................................... 116 - 131

فریة الرافضة یهو هذه الاُمة وجوابها................................. 116

محنة الرفضة محنة الیهود وجوابها..................................... 118

الرافضة تؤخّر صلاة المغرب وجوابها................................. 122

الرافضة لا تری طلاق الثلاث شیئاً وجوابها.......................... 123

الرافضة لا تری علی النساء عدّة وجوابها............................ 125

الرافضة تستحلّ دم کل مسلم وجوابها.............................. 126

الرافضة حرّفت القرآن وجوابها..................................... 127

الرافضة تبغض جبرائیل وجوابها..................................... 127

الرافضة لاتأکل لحم الجزور وجوابها................................. 129

أُضحوکة......................................................... 129

قذائف علی الشیعة................................................ 131

الانتصار........................................................ 132 - 133

الفرق بین الفرق................................................ 133 - 134

الفصل فی الملل والنحل.......................................... 134 - 203

الروافض لیسوا من المسلمین وجوابه................................. 135

رواة الشیعة فی الصحاح........................................... 135

أبو بکر وعمر کانا أعلم من أمیر المؤمنین وجوابه..................... 138

أربعون حدیثاً فی علم أمیر المؤمنین.................................. 138

الإجماع علی أنّ علیاً ورث علم النبی................................ 146

القرآن مبدل عند الامامیّة وجوابه................................... 147

من الامامیّة من یجیز نکاح تسعة من النساء.......................... 148

بیعة علی علیه السلام أبابکر وجوابها................................ 148

کلمة الأستاذ عبدالفتاح عبد المقصود................................ 149

الإمامیّة تجیز إمامة المرأة والحمل وجوابه............................. 151

حبّ النبی أحداً لیس بفضل وجوابه................................. 151

حبّ النبی أحداً لیس بفضل وجوابه................................. 152

تکذیب الرفضة فی تأویل (ویطعمون الطعام) وجوابه.................. 154

رواة نزول : (هل أتی) فی أهل البیت................................ 155

لفظ الحدیث...................................................... 161

نفی صحّة مؤاخاة النبی علیّاً وجوابه................................. 161

خمسون حدیثاً فی المؤاخاة.......................................... 164

النسب المفتعلة علی متکلّمی الشیعة وجوابها......................... 181

نفی صحّة حدیث رد الشمس وجوابه............................... 183

المؤلّفون فی حدیث رد الشمس..................................... 184

رواة حدیث رد الشمس من الأعلام وهم ثلاثة وأربعون.............. 186

الملل والنحل.................................................... 204 - 210

أراء مفتعلة علی الشیعة والجواب علیها.............................. 204

کذب علی الشیعة فی الإمامة وجوابه................................ 206

خصائص الشیعة عند الشهرستانی وجوابه............................ 209

کلمة الخوارزمی حول الشهرستانی.................................. 210

منهاج السنة.................................................... 211 - 307

الشیعة تکره لفظ الشعرة وجوابه.................................... 211

حماقات تعزی الی الشیعة وجوابها................................... 213

إجماع العلماء علی کذب الرافضة وجوابه........................... 215

الرافضة یعطّلون المساجد وجوابه.................................... 218

تکذیب نزول (إنما ولیکم الله ورسوله) فی علیّ وجوابه............... 220

لفظ الحدیث...................................................... 230

إشکال مزیّف علی نزول (إنما ولیّکم الله ورسوله) فی علیّ وجوابه..... 238

لفظ الحدیث...................................................... 230

إشکال مزیّف علی نزول (إنما ولیکم الله ورسوله) فی علیّ............ 231

لا یمکن للرافضی إثبات إیمان علیّ وجوابه........................... 238

قذائف علی الشیعة وعلی شیخها الطوسی وجوابها................... 240

تکذیب نزول هل آتی فی أهل البیت علیهم السلام................... 241

تزییف إیجاب مودةّ أهل البیت بأیة (قل لا أسالکم علیه أجرا) وجوابه.. 243

دعوی بطلان حدیث المؤاخاة وجوابها............................... 246

تکذیب حدیث (فاطمة احصنت فرجها) وجوابه..................... 248

تکذیب حدیث (علیُ مع الحق والحقُ معه یدور) وجوابها............. 251

تکذیب قوله صلی الله علیه واله وسلم لفاطمة (إنّ الله یغضب لفضبک) وجوابه 256

تکذیب حدیثی (علیُّ فارونی اُمّتی) وما (کنّا نعرف المنافقین علی عهد النبی إلّا ببغضهم علیّاً) وجوابه 257

دعوی أن حروب علی علیه السلام لم تکن بأمر من رسول الله وجوابها. 266

تکذیب حدیث المناقب العشر...................................... 277

الکلام حول حدیث المناقب العشر.................................. 277

الکلام حول حدیث المنزله......................................... 281

تکذیب حدیث سدّ الأبواب إلاّ باب علی علیه السلام وجوابه........ 285

تواتر حدیث سدّ الابواب وطرقه.................................... 285

بطلان حدیث الخلّة والخوخة....................................... 299

تکذیب حدیث (أنت ولیُّ کلّ مؤمن) وجوابه....................... 304

کلمة ابن حجر فی ابن تیمیّة........................................ 306

البدایة والنهایة.................................................. 307 - 349

تزییف حدیث الاخاء وجوابه....................................... 308

تزییف حدیث الطیر وجوابه........................................ 308

تزییف السقایة علی الحوض وجوابه................................. 309

تزییف حدیث (علیّ أوّل من أسلم) وجوابه......................... 309

مائة حدیث فی (أنّ علیاً أوّل من أسلم)............................. 310

النصوص النبوّیة................................................... 310

کلمات امیر المؤمنین علیه السلام.................................... 312

کلمة الامام السبط الحسن......................................... 316

تذییل............................................................ 335

رأی الصحابة والتابعین فی أوّل من أسلم............................. 317

لفت نظر حول کلمات أمیر المؤمنین علیه السلام فی إسلامه........... 342

تکذیب نزول آیات فی علیّ........................................ 344

جوابه............................................................ 345

اجتهاد فی مقابل نصّ حدیث البراءة وجوابه......................... 346

تنکیر حدیث (لا تقع فی علیّ) وجوابه.............................. 346

فریة علی الشیعة والجواب عنها..................................... 348

کلمة المؤلّف...................................................... 349

محاضرات تاریخ الاُمم الإسلامیة................................. 351 - 370

فریة أنّ حرب صفّین لم تکن دینیة وجوابها........................... 351

علیّ ومعاویة سیّان فی النسب وجوابه............................... 351

استحسان فکرة معاویة فی اختیار یزید وجوابها....................... 358

تخطئة الحسین علیه السلام فی نهضته وجوابها......................... 363

الکلام حول معاویة ویزید.......................................... 365

أضرار خلافة مثل یزید............................................. 366

نهضة الإمام المفدّی................................................ 368

السنة والشیعة.................................................. 370 - 397

عز والتشیّع إلی ابن سبأ وجوابه..................................... 371

فریة علی أهل العراق وایران وجوابها................................ 372

بغض الشیعة لبعض أهل البیت وجوابه.............................. 373

جنایات علی جملة العلویین......................................... 381

دعوی صحة جمیع ما فی الکتب الأربعة عند الشیعة وجوابها........... 383

قذف شیخنا الصدوق ومعلّم البشر المفید والفریة علیهما وجوابها...... 385

تعبّد الإمامیّة الرّقاع وجوابها........................................ 386

حرمة الفقّاع - تحلیل الخمس - ثمن المغنیّة.......................... 390

أفائک علی الشیعة وجوابها......................................... 395

الصراع بین الإسلام والوثنیة.................................... 397 - 425

أکاذیب علی الشیعة وجوابها....................................... 398

کلمة الامیر شکیب أرسلان والنظر فیها وجوابها..................... 399

نسب مفتعلة علی الشیعة وجوابها................................... 401

أفائک مزعومة علی الشیعة وجوابها.................................. 402

فریة القول باحلول والتشبیه وإنکار بعض صفات الله تعالی وجوابها.... 403

عزو عصمة ذریّة النبی صلی الله علیه واله وسلم إلی الشیعة وجوابها..... 405

کلمة القسطلانی والزرقانی حول حدیث تحریم الذریّة علی النار........ 406

الصحابة فی الکتاب والسنة......................................... 408

تحریف کلمة سیدنا (الامین) واتّهامه................................ 409

تکذیب حدیثی (أنّ علیّاً یذود الخلق یوم العطش) و (أنّه قسیم النار) وجوابها 411

مخازی ومخاریق مکذوبة علی الشیعة وجوابها......................... 413

فریة ومجهلة وجوابها............................................... 414

القرآن والشیعة ودعوی اللحن والتحریف وجوابها.................... 415

الشیعة والآراء المکذوبة علیها وجوابها............................... 418

الشیعة والرّقاع المزوّرة وجوابها..................................... 420

المتعة المبتدعة علی الشیعة وجوابها................................... 420

أکاذیب فاحشة علی الشیعة وجوابها................................ 422

فجر الإسلام ضحی الإسلام ظهر الإسلام........................ 425 - 426

جولة فی ریوع الشرق الأدنی.................................... 426 - 436

اُکذوبة علی الشیعة وعلمائها وجوابها............................... 427

أساطیر رحّالة مصر وفرنسا......................................... 427

فریة علی الإمامیّة مخزیة وجوابها..................................... 429

مزاعم حول فنادق النجف الأشرف فی موسم الحج وجوابها........... 429

فریة علی الایرانیّین وجوابها......................................... 431

اتخاذ الفرس مشهد الرضا کعبة للحج وجوابها........................ 431

فریة علی حسینیّ مظلوم بنیسابور وجوابها........................... 431

ادعا أنّ الحسین علیه السلام ورث العظمة الألهیة من زواج شهر بانوالفارسیّة وجوابه 434

ثقافة صاحب الجولة............................................... 435

عقیدة الشیعة................................................... 436 - 440

أفائک علی الشیعة وجوابها......................................... 437

کذب وتحریف.................................................... 439

الوشیعة فی نقد عقائد الشیعة.................................... 440 - 452

أساطیر حول الاُمیة فیها تشنیع علی الأئمة وجوابها................... 441

أکاذیب حول المتعة علی الشیعة وجوابها............................. 447

المتعة فی القرآن.................................................... 447

حدود المتعة فی الإسلام............................................ 447

أوّل من نهی عن المتعة.............................................. 450

الصحابة والتابعون القائلون بالمتعة................................... 451

کلمة المؤلّف (الان حصحص الحقّ)................................. 453

شعراء الغدیر فی القرن الرابع

461 - 566

ابن طباطبا الأصبهانی............................................ 465 - 473

الشاعر........................................................... 465

ابن علویة الأصبهانی............................................ 475 - 481

مایتبع الشعر...................................................... 476

المفجع......................................................... 483 - 500

ما یتبع الشعر..................................................... 485

حدیث الاشباه فی أمیر المؤمنین علیه السلام.......................... 486

کلمة العاصمی حول حدیث الأشباه................................ 486

الشاعر........................................................... 493

آثاره القیمة....................................................... 495

أبو القاسم الصنوبری........................................... 501 - 513

الشاعر........................................................... 493

حکایة........................................................... 510

القاضی التنوخی................................................ 515 - 529

ما یتبع الشعر..................................................... 516

الشاعر........................................................... 519

ولادته ونشأته..................................................... 520

حدیث حفظه وذکائه............................................. 521

تألیفه............................................................. 523

مذهبه............................................................ 524

وفاته............................................................. 525

أبو القاسم الزاهی............................................... 531 - 544

الشاعر........................................................... 534

شعر الزاهی فی المذهب............................................ 535

حدیث تکلّم أمیر المؤمنین مع الشمس............................... 536

حدیث رد الشمس لأمیر المؤمنین................................... 537

حدیث نبع أمیر المؤمنین الماء للعسکر................................ 537

نزول قوله تعالی : (وتعیها اُذن واعیة)............................... 539

أبو فراس الحمدانی.............................................. 545 - 566

ما یتبع الشعر..................................................... 549

الشاعر........................................................... 552

شعر الأمیر أبی فراس............................................... 556

میلاده ومقتله..................................................... 564

محتویات الکتاب......................................................... 567

ص: 576

المجلد 4

اشارة

سرشناسه:امینی، عبدالحسین، 1281 - 1349.

عنوان و نام پدیدآور:الغدیر فی الکتاب و السنه و الادب: کتاب دینی ،علمی، فنی،.../ عبدالحسین احمد الامینی النجفی؛ تحقیق مرکز الغدیر للدراسات الاسلامیه.

مشخصات نشر:قم: مرکز الغدیر للدراسات الاسلامیه، 1416ق.-= 1995م.-= 1374-

وضعیت فهرست نویسی:برونسپاری

یادداشت:عربی.

یادداشت:ج.2 (چاپ اول: 1375).

یادداشت:ج. 3، 6 و 8 (چاپ اول: 1416ق. = 1376).

یادداشت:ج. 13 (چاپ اول: 1422ق. = 2002م. = 1380).

یادداشت:کتابنامه.

موضوع:علی بن ابی طالب (ع)، امام اول، 23 قبل از هجرت - 40ق -- اثبات خلافت

موضوع:غدیر خم

شناسه افزوده:موسسه دایرةالمعارف فقه اسلامی بر مذهب اهل بیت (ع). مرکز الغدیر للدراسات الاسلامیه

رده بندی کنگره:BP223/54/الف8غ4 1374

رده بندی دیویی:297/452

شماره کتابشناسی ملی:م 75-8389

ص: 1

اشارة

ص: 2

الغدیر فی الکتاب و السنه و الادب

عبدالحسین احمد الامینی النجفی

تحقیق مرکز الغدیر للدراسات الاسلامیه

ص: 3

ص: 4

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 5

ص: 6

**شعراء الغدیر فی القرن الرابع و الخامس و السادس**

ص: 7

ص: 8

بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد لله علی ما عرّفنا من نفسه ، وألهمنا من شکره ، وفتح لنا من أبواب العلم بربوبیّته ، ودلّنا علیه من الإخلاص فی توحیده ، وجنّبنا من الإلحاد والنفاق والشقاق والشکِّ فی أمره ، ومنّ علینا بسیِّد رُسله صلی الله علیه وآله وسلم ، وأکرمنا بالثَّقلین خلیفتی نبیِّه : کتاب الله العزیز والعترة الطاهرة - سلام الله علیهم - وأسعد حظّنا بتواصل أشواطنا فی السعی وراء صالح المجتمع ، ووفّقنا للسیر فی سبیل الخدمة للملإ وفی مقدّمهم روّاد العلم والفضیلة ، وأثبت أقدامنا فی جَدَد الحقِّ والحقیقة ، وتعالی فی تلک الجدة جَدّنا ، وتوالت بسعد الجدّ صحائف أعمالنا وآثار یراعنا ، ونحن نستثبت فی الأمر ولا نتفوّه إلاّ بثبت ، والله ولیُّ التوفیق ، وهو نعم المولی ونعم النصیر.

عبد الحسین أحمد الأمینی

ص: 9

ص: 10

بقیّة شعراء الغدیر فی القرن الرابع

اشارة

1 - أبو الفتح کشاجم

7 - أبو العباس الضبی

2 - الناشئ الصغیر

8 - أبو الرقعمق الانطاکی

3 - البشنوی الکردی

9 - أبو العلاء السروی

4 - الصاحب بن عباد

10 - أبو محمد العونی

5 - الجوهری الجرجانی

11 - ابن حماد العبدی

6 - ابن الحجاج البغدادی

12 - أبو الفرج الرازی

1 - أبو الفتح کشاجم

7 - أبو العباس الضبی

2 - الناشئ الصغیر

8 - أبو الرقعمق الانطاکی

3 - البشنوی الکردی

9 - أبو العلاء السروی

4 - الصاحب بن عباد

10 - أبو محمد العونی

13 - جعفر بن حسین

ص: 11

ص: 12

22 - أبو الفتح کشاجم

المتوفّی (360)

له شغُلٌ عن سؤالِ الطللْ

أقام الخلیطُ به أم رحلْ

فما ضَمِنته لحاظُ الظّبا

تطالعُه من سجوفِ الکِلَلْ

ولا تستفزُّ حجاهُ الخدودُ

بمصفرّة واحمرار الخجلْ

کفاهُ کفاهُ فلا تعذلاهُ

کرُّ الجدیدین کرُّ العذلْ

طوی الغیّ مشتعلاً فی ذراه

فتطفی الصبابةُ لمّا اشتعلْ

له فی البکاءِ علی الطاهرین

مندوحةٌ عن بکاءِ الغزلْ

فکم فیهمُ من هلالٍ هوی

قُبیلَ التمامِ وبدرٍ أفلْ

همُ حُجَجُ اللهِ فی خلقِهِ

ویومَ المعادِ علی من خَذَلْ

ومن أنزلَ اللهُ تفضیلَهمْ

فردّ علی الله ما قد نَزَلْ

فجدُّهمُ خاتمُ الأنبیاءِ

ویعرِفُ ذاکَ جمیعُ المِلَلْ

ووالدُهمْ سیّدُ الأوصیاءِ

ومُعطی الفقیرِ ومُردی البطلْ

ومن علّم السمرَ طعن الحلیّ

لدی الروعِ والبیضَ ضربَ القللْ

ولو زالتِ الأرضُ یوم الهیاج

من تحت أخمُصه لم یزُلْ (1)

ومن صدّ عن وجهِ دنیاهمُ

وقد لبست حُلْیَها والحُلَلْف)

ص: 13


1- أخمص القدم : ما لا یصیب الأرض من باطنها ، ویراد به القدم کلّها. (المؤلف)

وکان إذا ما أُضیفوا إلیه

فأرفعُهم رتبةً فی المَثَلْ

سماءٌ أُضیف إلیها الحضیضُ

وبحرٌ قَرَنْتَ إلیه الوَشَلْ (1)

بجودٍ تعلّمَ منه السحابُ

وحِلمٍ تولّد منه الجبلْ

وکم شبهةٍ بهُداه جلا

وکم خطّةٍ بحِجاه فَصَلْ

وکم أطفأ اللهُ نار الضلالِ

به وهی ترمی الهدی بالشُّعَلْ

ومن ردَّ خالقُنا شمسَهُ

علیه وقد جَنَحَتْ للطَفَلْ (2)

ولو لم تعُدْ کان فی رأیِهِ

وفی وجهِه من سناها بَدَلْ

ومن ضربَ الناسَ بالمُرهفاتِ

علی الدینِ ضربَ عِرابِ الإبلْ

وقد علموا أنّ یومَ الغدیرِ

بغدرهمُ جرَّ یومَ الجَمَلْ

فیا معشرَ الظالمین الذینَ

أذاقوا النبیّ مضیضَ الثکلْ

إلی أن قال :

یُخالفکمْ فیه نصُّ الکتابِ

وما نصّ فی ذاک خیر الرسُلْ

نبذتمْ وصیّتَهُ بالعراءِ

وقلتمْ علیه الذی لم یَقُل

إلی آخر قصیدته الموجودة فی نسخ دیوانه المخطوط (47) بیتاً ، وقد أسقط ناشر دیوانه من القصیدة ما یخالف مذهبه ، ولیست هذه بأوّل ید حرّفت الکلم عن مواضعها.

الشاعر

أبو الفتح محمود بن محمد بن الحسین بن سندی بن شاهک الرملی (3) ، المعروف ف)

ص: 14


1- الوشل - کما مرّ - : الماء القلیل ، یتحلّب من صخر أو جبل. (المؤلف)
2- طفلت الشمس : دنت للغروب. مرّ حدیث ردّ الشمس فی الجزء الثالث : ص 126 - 141 (المؤلف)
3- نسبة إلی الرملة ، من أرباض فلسطین [معجم البلدان : 3 / 69]. (المؤلف)

بکشاجم. هو نابغةٌ من رجالات الأمّة ، وفذٌّ من أفذاذها ، وأوحدیٌّ من نیاقدها ، کان لا یُجاری ولا یُباری ، ولا یُساجَل ولا یُناضَل ، فکان شاعراً کاتباً متکلّماً منجِّماً منطقیّا محدِّثاً ، ومن نُطس الأواسیِّ محقِّقاً مدقِّقاً مجادلاً جواداً.

فهو جُماع الفضائل ، وإنّما لقّب نفسه بکشاجم إشارةً بکلِّ حرف منها إلی علم : فبالکاف إلی أنَّه کاتب ، وبالشین إلی أنَّه شاعر ، وبالألف إلی أدبه ، أو إنشاده ، وبالجیم إلی نبوغه فی الجدل أو جوده ، وبالمیم إلی أنَّه متکلّم أو منطقی أو منجِّمٌ ، ولمّا ولع فی الطبِّ وبرع فیه زاد علی ذلک حرف الطاء فقیل : طکشاجم ، إلاَّ أنّه لم یشتهر به.

هذا ما طفحت به المعاجم (1) فی تحلیل هذا اللقب علی الخلاف الذی أوعزنا إلیه فی الإشارة ، لکنَّ الرجل بارع فی جمیع ما ذکر من العلوم ، ولعلّه هو المنشأ للاختلاف فی التحلیل.

أدبه وشعره :

إنّ المترجَم قدوةٌ فی الأدب وأسوةٌ فی الشعر ، حتی إنّ الرفّاء السریّ الشاعر المفلق ، علی تقدّمه فی فنون الشعر والأدب کان مغریً بنسخ دیوانه ، وکان فی طریقه یذهب ، وعلی قالبه یضرب (2) ، ولشهرته بهذا الجانب قال بعضهم :

یا بؤسَ منْ یُمنی بدمعٍ ساجمِ

یهمی علی حُجُبِ الفؤادِ الواجمِ (3)

لو لا تعلّلُهُ (4) بکأسِ مُدامةٍ

ورسائلِ الصابیّ وشعرِ کشاجمِ (5)ف)

ص: 15


1- راجع شذرات الذهب : 3 / 37 [4 / 321 حوادث سنة 60 ه] ، والشیعة وفنون الإسلام : ص 108 [ص 140]. (المؤلف)
2- تاریخ ابن خلکان : 1 / 218 [2 / 360 رقم 257]. (المؤلف)
3- یمنی : یبتلی ویصاب. یهمی : یسیل. الواجم : العبوس من شدّة الحزن. (المؤلف)
4- علّل فلاناً بکذا : شغله أو ألهاه به. (المؤلف)
5- معجم الأدباء : 1 / 326 [2 / 27]. (المؤلف)

دوّن شعره أبو بکر محمد بن عبد الله الحمدونی ، ثمّ ألحق به زیادات أخذها من أبی الفرج بن کشاجم.

وشعره کما تطفح عنه شواهد تضلّعه فی اللغة والحدیث ، وبراعته فی فنون الأدب والکتاب والقریض ، کذلک یقیم له وزناً فی الغرائز الکریمة النفسیّة ، ویمثِّله بملکاته الفاضلة کقوله :

شهرت ندای مناصبٌ

لی فی ذری کِسری صریحهْ

وسجیّةٌ لی فی المکا

رمِ إنّنی فیها شحیحهْ

متحیِّزاً فیها مُعلّی المج

دِ مجتنباً منیحهْ

ولقد سننتُ من الکتا

بة للوری طُرُقاً فسیحهْ

وفضضتُ من عُذَرِ المعا

نی الغُرِّ فی اللغة الفصیحهْ

وشفعتُ مأثورَ الروا

یةِ بالبدیعِ من القریحهْ

ووصلتُ ذاک بهمّةٍ

فی المجدِ سائبةٍ طموحهْ

وعزیمةٍ لا بالکلیل

ةِ فی الخطوب ولا الطلیحهْ (1)

کلتاهما لی صاحبٌ

فی کلِّ دامیةٍ جموحهْ

ویحکی القارئ عن نبوغه وسرده المعانی الفخمة فی أسلاک نظمه ، ورقّة لطائفه ، وقوّة أنظاره ، ودقّة فکرته ، ومتانة رویّته ، قوله :

لو بحقٍّ تناولَ النجمَ خلقٌ

نلتُ أعلی النجومِ باستحقاقِ

أوَلیس اللسانُ منّیَ أمضی

من ظُباتِ المهنّداتِ الرقاقِ

ویدی تحمل الأناملُ منها

قلماً لیس دمعُهُ بالراقی (2)ع.

ص: 16


1- الطلیحة : المتعبة المعیاة.
2- یقال : رقأ الدمع أی جفّ وانقطع.

أفعواناً تهابُ منه الأعادی

حیّةً یستعیذُ منها الراقی (1)

وتراهُ یجودُ من حیث تجری

منه تلک السمومُ بالدریاقِ

مطرقاً یهلک العدوّ عقاباً

ویریش الولیّ ذا الإخفاقِ

وسطورٌ خططتُها فی کتابٍ

مثلُ غیمِ السحابةِ الرقراقِ

صُغتُ فیه من البیان حُلیّا

باختراعِ البعید لا الإشفاقِ

وقوافٍ کأنّهن عقودُ الدّ

رّ منظومةً علی الأعناقِ

غررٌ تَظهرُ المسامعُ تِیهاً

حین یسمعْنها علی الأحداقِ

ویَحارُ الفهمُ الرقیق إذا ما

جال منهنّ فی المعانی الرقاقِ

ثاویاتٌ معی وفکری قد س

یّرها فی نوازحِ الآفاقِ

وإذا ما ألمّ خطبٌ فرأسی

فیه مثلُ الشهابِ فی الأعناقِ

وإذا شئت کان شعریَ أحلی

من حدیثِ الفتیان والعشّاقِ

حلف مشمولة وزیر عوان

أسدٌ فی الحروب غیر مطاقِ

اصطباحی تنفیذ أمرٍ ونهیٍ

ومن الراح بالعشیِّ اغتباقی

ووقور الندی ولا أُخجل الشا

رب منهُ ولا أذمُّ الساقی

أنزع الکأسَ إن شربتُ وأسقی

-هِ دهاقاً صحبی وغیر دهاقِ

ومعدٌّ للصیدِ منتخباتٍ

من أصولٍ کریمةِ الأعراقِ

مضمراتٌ کأنّها الخیلُ تطوی

کلَّ یومٍ بطونها للسباقِ

رائقاتُ الشبابِ مکتسیاتٌ

حُلَلاً من صنیعةِ الخلاّقِ

تصفُ البیضَ والجفونَ إذا ما

أخرجتْ أَلْسُناً من الأشداقِ

وکأنّ المها إذا ما رأتها

حذرتْ واستطامنتْ فی وثاقِ

مَعْ ندامی کأنّهم والتصافی

خُلقوا من تآلفٍ واتِّفاقِة.

ص: 17


1- من الرُّقیة ، وهی العوذة.

والباحث یجد شاعرنا عند شعره معلِّماً أخلاقیّا فذّا بعد ما یری أمثلة خلائقه الکریمة ، ونفائس سجایاه ، وصدقه فی ولائه ، وقیامه بشؤون الإنسانیة نصب عینیه ، مهما وقف علی مثل قوله :

ولدینا لذی المودّةِ حِفظٌ

ووفاءٌ بالعهدِ والمیثاقِ

أتوخّی رضاهُ جَهدی فلمّا

مسّهُ الضُرُّ مسّهُ إرفاقی

تلک أخلاقُنا ونحنُ أُناسٌ

همّنا فی مکارمِ الأخلاقِ

وقوله :

أُناسٌ أعرضوا عنّا

بلا جُرمٍ ولا معنی

أساؤوا ظنّهم فینا

فهلاّ أحسَنوا الظنّا

وخَلَّوْنا ولو شاءوا

لَعادُوا کالذی کنّا

فإن عادوا لنا عُدْنا

وإن خانوا لمَا خُنّا

وإن کانوا قد اشتغلوا

فإنّا عنهمُ أغنی

وقوله من قصیدة یمدح بها ابن مقلة :

کم فیَّ من خلّةٍ لو أنَّها امتحنتْ

أدّت إلی غبطةٍ أو سدّت الخلّه

وهمّةٍ فی محلِّ النجم موقعُها

وعزمةٍ لم تکن فی الخطب منجلّه

وذلّةٍ أکسبتنی عزّ مکرمةٍ

وربّما یُستفاد العزُّ بالذلّه

صاحبتُ ساداتِ أقوامٍ فما عثروا

یوماً علی هفوةٍ منّی ولا زلّه

واستمتعوا بکفایاتی وکنت لهمْ

أوفی من الذرع أو أمضی من الأَلّة (1)

خطٌّ یروقُ وألفاظٌ مهذّبةٌ

لا وعرةُ النظمِ بل مختارةٌ سهله

لو أنَّنی مُنْهِلٌ منها أخا ظمأٍ

روّت صَداه فلم یَحْتَجْ إلی غلّهة.

ص: 18


1- الألّة : الحربة.

وکم سننتُ رسوماً غیرَ مشکلةٍ

کانت لمن أَمّها مُسترشداً قِبله

عمّتْ فلا منشئُ الدیوان مکتفیاً

منها ولم یغن عنها کاتب السلّه

وصاحبَتْنی رجالاتٌ بذلتُ لها

مالی فکان سماحی یقتضی بذلَه

فأعملَ الدهرُ فی خَتلی مکائدَهُ

والدهرُ یعمل فی أهل الهوی ختلَه

لکن قنعتُ فلم أرغب إلی أحدٍ

والحرُّ یحملُ عن إخوانه کَلَّه

وتراه متی ما أبعده الزمان عن أخلاّئه وحجبهم عنه ، عزّ علیه البین ، وعظمت علیه شقّته ، وثقل علیه عبئه ، فجاء فی شکواه یفزع ویجزع ، ویئنُّ ویحنُّ ، فیصوِّر علی قارئ شعره حنانه وحنینه ، ویمثِّل سجاح عینه لوعة وجده ، ولهب هواه بمثل قوله :

یا من لعینٍ ذَرَفَتْ

ومن لروحٍ تَلِفَتْ

مُنهلّةٌ عبرتُها

کأنّها قد طرفتْ (1)

إن أمِنَتْ فاضتْ وإن

خافتْ رقیباً وقَفَتْ

وإنّما بکاؤها

علی لیالٍ سَلَفَتْ

وقوله :

یا مُعرضاً لا یلتفتْ

بمثل لیلی لا تَبِتْ

بَرَّحَ هجرانُکَ بی

حتی رثی لی من شَمَتْ

علّقتَ قلبی بالمُنی

فأَحْیِهِ أو فَأَمِتْ

وبما کان - کشاجم - مجبولاً بالحنان ولین الجانب ، وسجاحة الخلائق ، وحسن الأدب ، مطبوعاً بالعطف والرأفة ، مفطوراً علی عوامل الإنسانیة والغرائز الکریمة ، ولم یکن شرّیراً ، ولا ردیء النفس ، ولا بذیء اللسان ، ولا مسارعاً فی الوقیعة فی أحد ، ف)

ص: 19


1- طرفت عینه : أصابها شیء فدمعت. (المؤلف)

کان یری الشعر إحدی مآثره الجمّة ، ویعدُّه من فضائله ، وما کان یتّخذه عدّة للمدح ، ولا جُنّةً فی الهجاء ، وما یهمّه التوجّه إلی الجانبین ، لم یر لأیٍّ منهما وزناً ، لعدم تحرِّیه التحامل علی أحد ، وعدم اتِّخاذه مکسباً لیدرّ له أخلاف الرزق ، ولا آلةً لدنیاه وجمع حطامها ، وکان یقول :

ولئن شعرتُ لَما قصد

تُ هجاءَ شخصٍ أو مدیحهْ

لکن وجدتُ الشعر لل

آدابِ ترجمةً فصیحهْ

هجاؤه :

أخرج القرن الرابع شعراء هجّائین ، قد اتّخذ کلُّ واحدٍ منهم طریقة خاصّة من فنون الهجاء ، وکلُّ فنّ مع هذه نوعٌ فذٌّ فی الهجاء ، یظهر میزه متی قُرِن بالآخر ، ومنهم مکثرٌ ومنهم من استقلّ ، وشاعرنا من الفرقة الثانیة ، وله فنٌّ خاصٌّ من الهجاء کان یختاره ویلتزم به فی شعره.

ولعلّک تجده فی فنِّه المختار مجبول خلائقه الحسنة ، ونفسیّاته الکریمة ، وملکاته الفاضلة ، فکأنّه قد خُمِرت بها فطرته ، ومُزِجت بها طینته ، أو جرت منه مجری الدم ، واستولت علی روحه ، وحکمت فی کلِّ جارحةٍ منه ، حتی ظهرت آیاتها فی هجائه النادر الشاذّ ، فیُخیَّل إلیک - مهما یهجو - أنَّه واعظ بارّ یخطب ، أو نصوحٌ یُودِّد ویعاتب ، أو مجادلٌ دون حقِّه یجامل ، لا أنَّه یغمز ویعیب ، ویغیظ فی الوقیعة ویناضل ، ویثور ویثأر لنفسه ، وتجده قد اتّخذ الهجاء شکّة دفاع له لا شکّة هجوم ، وتری کلّه جائه خلیّا عن لهجةٍ حادّة ، وسِبابٍ مُقذع ، عاریاً عن قبیح المقال وخبث الکلام ، بعیداً عن هتک مهجوِّه ، ونسبته إلی کلِّ فاحشة ، وقذفه بکلِّ سیِّئة ، غیر مستبیح إیذاء مهجوِّه ، ولا مستحلٍّ حرمته ، ولا مجوِّز علیه الکذب والتهمة ، خلاف ما جرت العادة بینک ثیر من أدباء العصور المتقادمة ، فعلیک النظر إلی قوله فی

ص: 20

بعض أبناء رؤساء عصره ، وقد أنفذ إلیه کتاباً فلم یجبه عنه :

ها قد کتبتُ فما رددتَ جوابی

ورجّعتَ مختوماً علیَّ کتابی

وأتی رسولاً مستکیناً یشتکی

ذُلَّ الحجابِ ونخوةَ البوّابِ

وکأنّنی بکَ قد کتبتَ معذِّراً

وظلمتنی بملامةٍ وعتابِ

فارجع إلی الإنصاف واعلم أنَّه

أولی بذی الآدابِ والأحسابِ

یا رحمةَ اللهِ التی قد أصبحتْ

دون الأنامِ علیَّ سوطَ عذابِ

بأبی وأمّی أنت من مستجمعٍ

تِیهَ القیانِ ورقّةَ الکتّابِ

وقوله الآخر فی هجاء جماعة من الرؤساء :

عدمتُ رئاسةَ قومٍ شَقُوا

شباباً ونالوا الغنی حین شابوا

حدیثٌ بنعمتهم عهدُهمْ

فلیس لهم فی المعالی نصابُ

یَرَوْن التکبّرَ مُستصوَباً

من الرأی والکبرُ لا یُستصابُ

وإن کاتبوا صارفوا فی الدعاء

کأنّ دعاءَهم مستجابُ

ومن لطیف شعره فی الهجاء قوله :

إنّ مظلومةَ التی

زُوّجتْ من أبی عمرْ

وَلَدَتْ لیلةَ الزفا

ف إلی بعلِها ذَکَرْ

قلت من أین ذا الغلا

مُ وما مسّها بشرْ

قال لی بعلُها ألمْ

یأتِ فی مسندِ الخبرْ

ولد المرءِ للفرا

شِ وللعاهر الحجَرْ

قلت هُنِّیتَهُ علی

رغم من أنکر الخبرْ

کشاجم والرئاسة :

وبما کان المترجَم - کما سمعت - مطبوعاً بسلامة النفس ، وقداسة النَفَس ،

ص: 21

وطیب السریرة ، متحلّیاً بمکارم الأخلاق ، خالیاً من المکیدة والمراوغة والدسیسة ، مزایلاً للبذاء والإیذاء والاعتساف ، کان رافعاً نفسه عن الرتبة وإشغال المنصّة فی أبواب الملوک والولاة ، وما کان له مطمعٌ فی شأن من الوزراء والولایة والکتابة والعمالة عند الأمراء والخلفاء ، وما اتّخذ فضائله الجمّة لها شرَکاً ، ولنیل الآمال وسیلةً ، وکان یری التقمّص بالرئاسة من مردیات النفس ویقول :

رأیت الرئاسةَ مقرونةً

بلبسِ التکبّرِ والنخوهْ

إذا ما تقمّصها لابسٌ

ترفّع فی الجهر والخلوهْ

ویقعدُ عن حقّ إخوانِهِ

ویطمع أن یُهْرَعوا نَحْوهْ

ویُنقِصهمْ من جمیلِ الدعاءِ

ویأملُ عندهم حظوهْ

فذلکَ إنْ أنا کاتبتُه

فلا یسمعُ اللهُ لی دعوهْ

ولستُ بآتٍ له منزلاً

ولو أنَّه یسکن المَروهْ

وکان بالطبع - والحال هذه - ینهی أولیاءه عن قبول الوظائف السلطانیة ، والتولّی لشیءٍ من المناصب عند الحکّام ، ویحذِّرهم عن التصدّی لوظیفةٍمن شئون الملک والمملکة ، ویمثِّل بین یدیهم شنعة الائتمار ، وینبِّههم بما یقتضیه الترؤس من الظلم والوقیعة فی النفوس ، ونصب العداء لمخالفیه ، وما یوجب من دحض الحقِّ ، وإضاعة الحقوق ، ورفض مکارم الأخلاق. وحسبک ما کتبه إلی صدیق له وکان قد تقلّد البرید من قوله :

صرتَ لی عاملَ البریدِ مقیتا

وقدیماً إلیَّ کنتَ حبیبا

کنت تستثقل الرقیبَ فقد صر

تَ علینا بما وَلِیتَ رقیبا

کرهَتْکَ النفوسُ وانحرفتْ عن

-کقلوبٌ وکنت تسبی القلوبا

أفلا یُعجَبُ الأنامُ بشخصٍ

صار ذئباً وکان ظبیاً ربیبا

حِکَمه ودرر کَلِمِه :

فیا له فی شعره من شواهد صادقة تمثِّله بهذا الجانب العظیم ، وتعرب عن قَدم

ص: 22

صدقه فی حثِّ أمّته إلی المولی سبحانه بالحکمة والموعظة الحسنة ، وبثِّ الدعوة إلیه بدُرَر الکلم وغُرَر الحِکَم ، وإصلاح أمّته ببیان الحقیقة ، وتشریح دعوة النفس الأمّارة بالسوء ، ومن حکمیّاته قوله :

لیس خلقٌ إلاَّ وفیه إذا ما

وقع الفحصُ عنه خیرٌ وشرُّ

لازمٌ ذاک فی الجبلّة لا ید

فعُهُ من له بذلک خُبْرُ

حکمةُ الصانعِ المدبِّرِ أن لا

شیءَ إلاَّ وفیه نفعٌ وضُرُّ

فاجتهد أن یکون أکبرُ قسمی

-کَ من النفعِ والأقلَّ الأضرُّ

وتحمّل مرارةَ الرأیِ واعلمْ

أنّ عُقبی هواکَ منه أَمَرُّ

رُض بفعلِ التدبیرِ نفسَک واقصر

ها علیه ففیهِ فضلٌ وفخرُ

لا تُطعها علی الذی تبتغیهِ

ولْیَرُعْها منک اعتسافٌ وقهرُ

إنّ من شأنها مجانبةَ الخی

-رِ وإتیانَ کلِّ ما قد یغرُّ

وقوله :

عجبی ممّن تعالتْ حالُهُ

وکفاه اللهُ زلاّتِ الطلبْ

کیف لا یقسمُ شَطْرَیْ عمرهِ

بین حالینِ نعیمٍ وأدبْ

فإذا ما نال دهراً حظَّهُ

فحدیثٌ ونشیدٌ وکتُبْ

مرّة جِدّا وأخری راحةً

فإذا ما غسقَ اللیلُ انتصبْ

یقتضی الدنیا نهاراً حقَّها

وقضی لله لیلاً ما یجبْ

تلک أقسامٌ متی یَعملْ بها

عاملٌ یَسْعَدْ ویرشُدْ ویُصِبْ

ومن کلمه الذهبیّة فی تحلیل معنی الرضا عن النفس ، وما یوجب ذلک من سخطها وجموحها ورفض الآداب قوله :

لم أرضَ عن نفسی مخافةَ سَخْطِها

ورضا الفتی عن نفسِهِ إغضابُها

ص: 23

لو أنَّنی عنها رَضِیتُ لَقَصّرَتْ

عمّا تُریدُ بمثلِها آدابُها

وببیننا آثارُ ذاک وأکثرتْ

عَذلی علیه وطالَ فیه عتابُها

ومن حِکَمه قوله :

بالحرص فی الرزقِ یَذِلُّ الفتی

والصبرُ فیه الشرفُ الشامخُ

ومستزیدٌ فی طِلابِ الغنی

یجمعُ لحماً ما لهُ طابخُ

یُضیع ما نال بما یرتجی

والنارُ قد یُطفِئها النافخُ

وقوله :

حُلَلُ الشبیبةِ مستعارهْ

فدع الصبا واهجرْ دیارهْ

لا یُشْغِلَنْکَ عن العُلی

خَوْدٌ (1) تُمنِّیک الزیارهْ

خَوْدٌ تطیّبُ طیبَها

ویزینُ ساعدَها سوارهْ

یحلو أوائلُ حبِّها

ویشوبُ آخرَه مرارهْ

ما عذرُ مثلِکَ خالعاً

فی سُکْرِ لذّتِهِ عِذارهْ

من بعد ما شدّ الأشدّ علی تلابیبهِ إزاره

من سادَ فی عصر الشبا

ب غدت لسؤددِهِ غفارهْ

ما الفخر أن یغدو الفتی

متشبِّعاً ضخمَ الحرارهْ

کَلِفاً بشُربِ الراح مش

-غوفاً بغزلانِ الستارهْ

مهجورةً عرصاتُه

لا تقربُ الأضیافُ دارهْ

الفخر أن یُشجی الفتی

أعداءه ویُعزُّ جارهْ

ویَذبُّ عن أعراضه

ویشبُّ للطرّاق نارهْ

ویروح إمّا للإما

رة سعیُهُ أو للوزارهْة.

ص: 24


1- الخَوْد : الشابّة الجمیلة.

فردُ الکتابةِ والخطا

بةِ والبلاغةِ والعبارهْ

متیقّظ العَزَماتِ یج

-تنبُ الکری إلاّ غرارهْ

فکأنّه من حدّةٍ

ونفاذِ تدبیرٍ شرارهْ

حتی یُخافَ ویُرتجی

ویُری له نَشَبٌ وشارَهْ

فی موکبٍ لَجِبٍ کأنّ

اللیلَ ألبسَه خِمارهْ

تزهی به عصبٌ تنفّ

-ضُ عن مناکبِهِ غُبارهْ

ویُطیل أبناء الرغا

ئبِ فی مشاکله انتظارهْ

فادأبْ لمجدٍ حادثٍ

أو سالفٍ یُعلی منارهْ

واعمر لنفسک فی العلی

حالاً وکن حَسَنَ العمارهْ

واقمر لها سوقاً یُنفِّ

-قها وتاجرُها تجارهْ

لا تَغدُ کَلّ واجتنب

أمراً یخاف الحرُّ عارهْ

وإذا عدمتَ عن المآ

کلِ خیرَها فَکُلِ الحِجارهْ

رحلة کشاجم :

غادر المترجم بیئة نشأته - الرملة - إلی الأقطار الشرقیة ، وساح فی البلاد ، ورحل رحلة بعد أخری إلی مصر وحلب والشام والعراق ، وکان کما قال فی قصیدته التی یمدح بها ابن مقلة بالعراق :

هذا علی أنَّنی لا أستفیقُ ولا

أُفیقُ من رِحلةٍ فی إثرِها رِحلَه

وما علی البدرِ نقصٌ فی إضاءتِهِ

أن لیس ینفکُّ من سیرٍ ومن نَقْلَه

وقال وهو فی مصر :

قد کان شوقی إلی مصرٍ یُؤرِّقنی

فالیومَ عُدْتُ وعادتْ مصرُ لی دارا

ص: 25

أغدو إلی الجیزةِ الفیحاءِ مُصطحباً

طوراً وطوراً أرجِّی السیَر أطوارا (1)

بینا أُسامی رئیساً فی رئاسته

إذْ رحتُ أُحسَبُ فی الحاناتِ خمّارا

فللدواوین إصباحی ومُنصرفی

إلی بیوتِ دُمیً یَعْلَمْن أوتارا

أمّا الشبابُ فقد صاحبتُ شِرّتَهُ

وقد قضیت لُباناتٍ وأوطارا

من شادنٍ من بنی الأقباطِ یعقِدُ ما

بین الکَثِیبِ وبین الخِصْرِ زُنّارا

وکأنّه فی بعض آناته یری نفسه بین مصر والعراق ، ویتذکّر أدواره فیهما ، وما ناله فی سفره إلیهما من سرّاء أو ضرّاء ، أو شدّة أو رخاء ، وما حظی من الأهلین من النعمة والنقمة ، والإکبار والاستحقار ، فیمدح هذا ویذمُّ ذلک فیقول :

یا هذه قلتِ فاسمعی لفتیً

فی حالِهِ عبرةٌ لمعتبره

أمرتِ بالصبرِ والسلوِّ ولوْ

عَشِقْتِ أُلْفِیتِ غیرَ مصطبره

مَنْ مبلغٌ إخوتی وإن بَعُدوا

أنَّ حیاتی لبعدهم کَدِره

قد هِمْتُ شوقاً إلی وجوهِهمُ

تلک الوجوه البهیّة النضره

أبناءُ مَلْکٍ عُلاهمُ بهمُ

علی العلی والفخار مفتخره

ترمی بهمْ نعمةٌ تُزیِّنها

مروءةٌ لم تکن تُری نَزِره

ما انفکّ ذا الخلقُ بین منتصرٍ

علی الأعادی بهم ومنتصره

جبالُ حِلمٍ بُدورُ أندیةٍ

أُسدُ وغیً فی الهیاج مُبتدره

بیضٌ کرامُ الفعالِ لا بُخُلُ ال

أیدی ولیست من الندی صَفِرَه

للناسِ منهم منافعٌ ولهمْ

منافعٌ فی الأنامِ مُشتهره

متی أرانی بمصر جارَهم

نَسبی بها کلُّ غادةٍ خَضِره

والنیلُ مستکملٌ زیادتَه

مثلَ دروعِ الکماةِ منتثره

تغدو الزواریقُ فیه مُصعِدَةً

بنا وطوراً تروحُ منحدرهف)

ص: 26


1- الجیزة : بلیدة فی غربی فسطاط مصر [معجم البلدان : 2 / 200]. (المؤلف)

والراحُ تسعی بها مذکّرةً

أردانُها بالعبیر مُختمره

بکرانِ لکن لهذه مائة

وتلک ثنتان واثنتا عشره

یا لیتنی لم أرَ العراقَ ولم

أسمعْ بذکرِ الأهواز والبصره

ترفعنی تارةً وتخفضنی

أخری فمن سهلة ومن وَعِره

فوق ظهرِ سلهبةٍ

قطانها والبدار مغتفره (1)

وتارةً فی الفراتِ طامیةً

أمواجُه کالخیالِ معتکره

حتی کأنّ العراقَ تعشقنی

أو طالبتْنی یدُ النوی بِتِرَه (2)

وکان یجتمع فی رحلاته مع الملوک والأمراء والوزراء ویحظی بجوائزهم ، ویستفید من صِلاتهم ، ویتّصل بمشیخة العلم والحدیث والأدب ، ویقرأ علیهم ، ویسمع عنهم ، ویأخذ منهم ، وجرت بینه وبینهم محاضرات ومناظرات ومکاتبات ، إلی أن تضلّع فی العلوم ، وحاز قصب السبق فی فنون متنوِّعة ، وتقدّم فی الکتابة والخطابة ، وحصل له من کلِّ فنّ حظّه الأوفی ، ونصیبه الأعلی حتی عرّفه المسعودی فی مروج الذهب (3) (2 / 523) بأنّه کان من أهل العلم والروایة والأدب.

عقیدته :

إنّ عصر المترجَم من العصور التی زاغت فیه النِّحل والمذاهب ، وشاعت فیه الأهواء والآراء ، وقلَّ فیه من لا یری فی العقائد رأیاً یفسِّر به إسلامه وهو ینصُّ به علی خبیئة قلبه تارةً ویضمرها أخری ، وأمّا شاعرنا فکان فی جانبٍ من ذلک إما میّا صادق التشیّع ، موالیاً لأهل بیت الوحی متفانیاً فی ولائهم ، ویجد الباحث فی خلال شعره بیِّنات تظاهره بالتهالک فی ولاء آل الله ، وبثِّه الدعوة إلیهم بحججه القویّة ، 8.

ص: 27


1- السلهبة : الجسیمة. (المؤلف)
2- الترة : الثأر.
3- مروج الذهب : 4 / 348.

والتفجّع فی مصابهم والذبِّ عنهم ، والنیل من مناوئیهم ، واعتقاده فیهم أنَّهم وسائله إلی المولی فی الحاضرة ، وواسطة نجاحه فی الآخرة.

وکان من مصادیق الآیة الکریمة (یُخْرِجُ الْحَیَّ مِنَ الْمَیِّتِ) (1) فإنّ نَصْب جدِّه السندی بن شاهک وعدائه لأهل البیت الطاهر ، وضغطه واضطهاده الإمام موسی بن جعفر - صلو ات الله علیه - فی سجن هارون ممّا سار به الرکبان ، وسوّدت به صحیفة تاریخه ، إلاّ أنّ حفیده هذا باینه فی جمیع نزعاته الشیطانیة ، فهو من شعراء أهل البیت المجاهرین بولائهم ، والمتعصِّبین لهم ، الذابِّین عنهم ، ولا بدع فإنّ الله هو الذی یخرج الدرَّ من بین الحصی ، وینبت الورد محتفّا بالأشواک ، فمن نماذج شعره فی المذهب قوله :

بکاءٌ وقلَّ غَناءُ البکاءِ

علی رُزءِ ذرّیةِ الأنبیاءِ

لِئن ذلَّ فیه عزیزُ الدموعِ

لقد عزّ فیه ذلیلُ العَزاءِ

أَعاذلتی إنّ بُردَ التقی

کسانیه حبّی لأهلِ الکِساءِ

سفینةُ نوحٍ فمن یعتلقْ

بحبِّهمُ یعتلقْ بالنجاءِ

لَعمری لقد ضلَّ رأی الهوی

بأفئدةٍ من هواها هوائی

وأوصی النبیُّ ولکن غدتْ

وصایاهُ مُنبذةً بالعراءِ

ومن قبلِها أُمِر المیِّتونَ

بردِّ الأمور إلی الأوصیاءِ

ولم ینشرِ القومُ غِلّ الصدو

ر حتی طواهُ الردی فی رداءِ

ولو سلَّموا لإمامِ الهدی

لقوبل معوجُّهم باستواءِ

هلالٌ إلی الرشد عالی الضیا

وسیفٌ علی الکفرِ ماضی المَضاءِ

وبحرٌ تدفّقَ بالمعجزاتِ

کما یتدفّق ینبوعُ ماءِ

علومٌ سماویةٌ لا تُنالُ

ومَن ذا ینالُ نجومَ السماءِ

لَعمری الأُلی جحدوا حقّه

وما کان أولاهمُ بالولاءِ9.

ص: 28


1- الروم : 19.

وکم موقفٍ کان شخصُ الحِمامِ

من الخوف فیه قلیلَ الخفاءِ

جلاه فإن أنکروا فضلَه

فقد عرفتْ ذاک شمسُ الضُّحاءِ

أراها العجاجَ قُبیل الصباحِ

ورُدَّتْ علیه بُعیدَ المساءِ

وإن وَتَر القومَ فی بدرِهمْ

لقد نقضَ القومُ فی کربلاءِ

مطایا الخطایا خذی فی الظلامِ

فما همَّ إبلیسَ غیرُ الحداءِ

لقد هُتِکتْ حُرَمُ المصطفی

وحلَّ بهنَّ عظیمُ البلاءِ

وساقوا رجالَهمُ کالعبیدِ

وحادوا نساءَهمُ کالإماءِ

فلو کان جدُّهمُ شاهداً

لَیَتبَعُ أظعانَهم بالبکاءِ

حُقودٌ تضرّمُ بدریّةٌ

وداءُ الحَقودِ عزیزُ الدواءِ

تراهُ مع الموتِ تحت اللوا

ء والله والنصر فوقَ اللواءِ

غداةَ خمیس إمام الهدی

وقد غاث فیهم هِزَبر اللقاءِ

وکم أنفسٍ فی سعیرٍ هوتْ

وهامٍ مُطَیَّرةٍ فی الهواءِ

بضربٍ کما انقدَّ جیبُ القمیصِ

وطعنٍ کما انحلّ عقْدُ السقاءِ

وخیرةُ ربّی من الخیرتینِ

وصفوةُ ربّی من الأصفیاءِ

طَهُرْتُمْ فکنتمْ مدیحَ المدیحِ

وکانَ سِواکمْ هجاءَ الهجاءِ

قَضَیْتُ بحبِّکمُ ما عَلیَ

إذا مادُعیتُ لفصلِ القضاءِ

وأیقنتُ أنّ ذنوبی بهِ

تَساقطُ عنّی سقوط الهَباءِ

فصلّی علیکم إلهُ الوری

صلاةً توازی نجومَ السماءِ

وقوله فی مدحهم - صلوات الله علیهم - :

آلَ النبیِّ فَضُلْتُمُ

فَضْلَ النجومِ الزاهره

وبهرتمُ أعداءَکمْ

بالمأثُراتِ السائره

ولکم مع الشرفِ البلا

غةُ والحُلومُ الوافره

ص: 29

وإذا تُفوخرَ بالعُلی

فبکمْ عُلاکم فاخره

هذا وکم أطفأتمُ

عن أحمدٍ من نائره

بالسمرِ تُخْضَبُ بالنج

-یعِ وبالسیوفِ الباتره (1)

تُشفی بها أکبادُکمْ

من کلِّ نفسٍ کافره

ورفضتمُ الدنیا لذا

فُزْتُم بحظِّ الآخره

وقوله فی ولاء أمیر المؤمنین علیه السلام مشیراً إلی ما رویناه (ص 26) فی الجزء الثالث ممّا ورد فی حبِّ أمیر المؤمنین :

حبُّ الوصیِّ مَبَرّةٌ وَصِلَه

وطهارةٌ بالأصلِ مکتفلَه

والناسُ عالمُهمْ یَدینُ به

حُبّا ویجهلُ حقَّه الجَهَلَه

ویری التشیّعَ فی سراتِهمُ

والنصْبَ فی الأرذالِ والسفَلَه

وقوله فی المعنی :

حبُّ علیٍّ عُلوُّ هِمّه

لأنّه سیِّدُ الأئمّه

مَیِّزْ مُحبِّیهِ هلْ تراهم

إلاّ ذوی ثروةٍ ونِعمه

بینَ رئیسٍ إلی أدیبٍ

قد أکملَ الطرفَ واستتمّه

وطیِّبُ الأصلِ لیس فیهِ

عند امتحانِ الأصولِ تُهمه

فهم إذا خَلُصوا ضیاءٌ

والنُّصَّبُ الظالمون ظُلْمه

هذه الأبیات ذکرها له الثعالبی فی ثمار القلوب (2)) (ص 136) فی وجه إضافة السواد إلی وجه الناصبی ، ویأتی مثله فی ترجمة الناشئ الصغیر.

ولکشاجم یرثی آل الرسول صلی الله علیه وآله وسلم قوله : 9.

ص: 30


1- النجیع : من الدم ما کان مائلاً إلی السواد. (المؤلف)
2- ثمار القلوب : ص 173 رقم 249.

أجلْ هو الرزءُ فادِحُه

باکرُهُ فاجعٌ ورائحُه

لا ربعُ دارٍ عفا ولا طللٌ

أوحشَ لمّا نأتْ ملاقحُه

فجَائعٌ لو دری الجنینُ بها

لَعَاد مُبیضَّةً مسالحُه

یا بُؤسَ دهرٍ علی آلِ رسو

لِ اللهِ تجتاحهمْ جوائحُه (1)

إذا تفکّرتُ فی مُصابِهمُ

أثقبَ زندَ الهمومِ قادحُه

فبعضهم قُرِّبتْ مصارعُه

وبعضُهمْ بُوعِدَتْ مطارحُه

أظْلَمَ فی کربلاءَ یومهُمُ

ثمّ تجلّی وهمْ ذبائحُه

لا یبرحُ الغیثُ کلَّ شارقةٍ

تهمی غوادیهِ أو روائحُه

علی ثری حلّة غریبُ رسو

ل اللهِ مجروحةٌ جوارحُه

ذلَّ حماهُ وقلَّ ناصرُهُ

ونال أقصی مناهُ کاشحُه

وسیق نسوانُه طلائحاً

أَحسنَ أن تهادی بهم طلائحُه (2)

وهنّ یُمْنَعن بالوعیدِ من الن

-وحِ والملأ الأعلی نوائحُه

عادی الأسی جدَّه ووالدَهُ

حین استغاثتْهما صوائحُه

لو لم یُرد ذو الجلالِ حربَهم

به لضاقَتْ بهمْ فسائحُه

وهو الذی اجتاح حینما عُقِر

تْ ناقتُه إذ دعاهُ صالحُه

یا شِیَعَ الغیِّ والضلال ومن

کلُّهمُ جمّةٌ فضائحُه

غششتمُ اللهَ فی أذیّة من

إلیکمُ أُدِّیتْ نصائحُه

عفّرتمُ بالثری جبینَ فتیً

جبریلُ قبل النبیِّ ما سحُه

سیّان عند الإلهِ کلُّکمُ

خاذلُه منکمُ وذابحُه

علی الذی فاتَهمْ بحقِّهمْ

لعنٌ یغادِیه أو یُراوحُهف)

ص: 31


1- جاحه وأجاحه واجتاحه : استأصله وأهلکه. جوائح جمع جائحة : البلیّة والداهیة العظیمة. (المؤلف)
2- طلائح : معیاة من السفر. (المؤلف)

جهلتمُ فیهمُ الذی عرف ال

-بیت وما قابلَتْ أباطحُه

إن تصمتوا عن دعائهم فلکمْ

یومُ وغیً لا یُجابُ صائحُه

فی حیث کبشُ الردی یُناطحُ من

أبصرَ کبشَ الوری یُناطحُه

وفی غدٍ یعرفُ المخالفُ مَن

خاسرُ دینٍ منکمُ ورابحُه

وبین أیدیکمُ حریقُ لظیً

یلفحُ تلک الوجوهَ لافحُه

إن عبتموهمْ بجهلکمْ سفَهاً

ما ضرَّ بدرَ السماءِ نائحُه

أو تکتموا الحقَّ فالقرآنُ مشکلُهُ

بفضلهمْ ناطقٌ وواضحُه

ما أشرقَ المجدُ من قبورِهم

إلا وسکّانُها مصابحُه

قومٌ أبی حدُّ سیفِ والدِهمْ

للدین أو یستقیمَ جامحُه

وهو الذی استأنسَ الزمانُ به

والدینُ مذعورةٌ مسارحُه

حاربَهُ القومُ وهو ناصرُهُ

قِدماً وغَشّوهُ وهو ناصحُه

وکم کسی منهمُ السیوفَ دماً

یومَ جِلادٍ یطیحُ طائحُه

ما صفحَ القومُ عندما قَدَروا

لمّا جنتْ فیهمُ صفائحُه

بل منحوهُ العنادَ واجتهدوا

أن یمنعوهُ واللهُ مانحُه

کانوا خِفافاً إلی أذیّتهِ

وهو ثقیلُ الوَقارِ راجحُه

وله قوله :

زعموا أنّ من أحبَّ علیّا

ظلَّ للفقرِ لابساً جِلبابا

کذبوا من أحبّهُ من فقیرٍ

یتحلّی من الغنی أثوابا

حرّفوامنطقَ الوصیِّ بمعنیً

خالفوا إذ تأوّلوهُ الصوابا

إنّما قال ارفضوا عنکم الد

نیا إذا کنتمُ لنا أحبابا (1)8.

ص: 32


1- مناقب آل أبی طالب : 2 / 138.

مشایخه وتآلیفه :

لم نقف فی المصادر التی بین أیدینا علی ما یفیدنا فی التنقیب عن أیّام صباه ، وکیفیّة تعلّمه ، وأساتذته فی فنونه ، ومشایخه فی علومه ؛ والمصادر برمّتها خالیةٌ من البحث عن هذا الجانب ، إلاّ أنّ شعره یفیدنا تَلَمُّذه علی الأخفش الأصغر ع لیِّ بن سلیمان المتوفّی سنة (315) فهو إمّا قرأ علیه فی مصر أیّام الأخفش بها ، وقد ورد الأخفش مصر سنة (287) وخرج منها إلی حلب سنة (306) ، وإمّا فی بغداد قبل أن غادرها الأخفش إلی مصر ؛ إذ یذکر قراءته علیه فی قصیدة یمدحه بها فی الشام ، حینما نزل بها الأخفش إمّا فی رواحه إلی مصر ، وإمّا فی أوبته عنها ، فقال :

فلمّا خُیِّل الصبحُ

ولمّا یُبْدِ تبلیجَه

وأتبعتُ العرا وجهاً

کسی البشرُ تباهیجَه

إلی کعبةِ آدابٍ

بأرضِ الشامِ محجوجَه

إلی معدنٍ بالحک

-مةِ والآدابِ ممزوجَه

سماعیٌّ قرائیٌ

له فی العلم مرجوجَه

ومن یعدلُ بالعلمِ

من المنآدِ تعویجَه (1)

إذ الأخبارُ حاجتُهُ

ثناها وهی محجوجَه

به تغدو من الشکِ

قلوبُ القومِ مثلوجَه

ویلقی طُرُقَ الحکمةِ

للأفهام منهوجَه

لکی یفرجَ عنّی الخطْ

-بَ لا أسطیع تفریجَه

وکی یمنحَنی تأدی

-به المحضَ وتخریجَه

ومن أولی بتقریبٍ

خلا من کنتُ ضرِّیجَه

ومن توّجنی من عل

-مِهِ أحسنَ تتویجَهء.

ص: 33


1- إنآد : انحنی وناء.

له :

1 - أدب الندیم ، کما فی فهرست ابن الندیم (1).

2 - کتاب الرسائل.

3 - دیوان شعره.

4 - کتاب المصائد والمطارد (2).

5 - خصائص الطرف.

6 - الصبیح.

7 - البَیْزَرة فی علم الصید.

ولادته ووفاته :

ما عثرنا فی الکتب والمعاجم علی ما یفیدنا تاریخ ولادته ، لکن یلوح من شعره الذی یذکر فیه شیبه وهرمه فی أوائل القرن الرابع أنّه ولد فی أواسط القرن الثالث ، قال من قصیدة :

وإنّ شیبیَ قد لاحتْ کواکبُهُ

فی ظلمةٍ من سوادِ اللمَّة الجَثْله

فهذه جملةٌ فی العذرِ کافیةٌ

تغنیک فاغنَ عن التفصیلِ بالجمله

وبان منّی شبابٌ کان یشفعُ لی

سقیاً له من شبابٍ بانَ سقیاً له

قد کان بابیَ للعافینَ مُنتجَعاً

ینتابه ثُلّةٌ من بعدها ثُلّه

وکنتُ طودَ المنی یُؤوی إلی کَنَفی

کحائطٍ مُشرفٍ من فوقِه ظُلّه

أفنی الکثیرَ فما إن زال ینقصنی

متی دفعت إلی الأفنان والقلّه

وقد غَنِیتُ وأشغالی تُبیِّن من

فضلی فقد ستَرَتْهُ هذه العَطْله

والسیفُ فی الغمد مجهولٌ جواهرُهُ

وإنّما یجتنیهِ عینُ من سلّهف)

ص: 34


1- الفهرست : ص 154.
2- ینقل عنه ابن خلّکان فی تاریخه : 2 / 379 [3 / 91 رقم 345 و 6 / 199 رقم 802].(المؤلف)

وهذه القصیدة یمدح بها أبا علیّ بن مقلة الوزیر ببغداد فی أیّام وزارته قبل حبسه ، وقد قبض علیه وحبس سنة (324) وتوفّی (328).

وأمّا وفاته ففی شذرات الذهب (1)) : أنّه توفِّی سنة (360) وتبعه تاریخ آداب اللغة العربیة (2). وفی کشف الظنون (3) ، وکتاب الشیعة وفنون الإسلام (4) ، والأعلام للزرکلی (5) ، أنّها فی سنة (350) وردّدها غیر واحد من المعاجم بین التاریخین ، وکلٌّ منهما یمکن أن یکون صحیحاً ، کما یقرب إلیهما ما فی مقدّمة دیوانه من أنّه توفّی سنة (330) وهو کما سمعت فی مدحه ابن مقلة کان یشکو هرمه قبل سنة (324).

لفت نظر :

ذکر المسعودی فی مروج الذهب (6) (2 / 523) لکشاجم أبیاتاً کتبها إلی صدیق له ، ویذمّ [فیها] النرد ، وذکر اسمه أبا الفتح محمد بن الحسن ، وأحسبه منشأ تردد سیِّدنا صدر الدین الکاظمی فی تأسیس الشیعة (7) فی اسمه واسم أبیه بین محمود ومحمد ، والحسین والحسن ، وذکر المسعودی صوابه فی مروجه (8) (2 / 545).

ولده :

أعقب المترجم ولدیه أبا الفرج وأبا نصر أحمد ، ویُکنّی کشاجم نفسه بالثانی 9.

ص: 35


1- شذرات الذهب : 4 / 321 حوادث سنة 360 ه.
2- مؤلّفات جرجی زیدان الکاملة - تاریخ آداب اللغة العربیة - : مج 14 / 81 ، وفیه أرّخ وفاته بسنة 350 ه.
3- کشف الظنون : 1 / 807.
4- الشیعة وفنون الإسلام : ص 140.
5- الأعلام : 7 / 167 ، وفیه : أنّه توفّی سنة 360 ه.
6- مروج الذهب : 4 / 348 وفیه ذکر المترجم باسم محمود بن الحسین.
7- تأسیس الشیعة : ص 204.
8- مروج الذهب : 4 / 383 ، 386 ، 389.

فی قوله :

قالوا أبو أحمدٍ یبنی فقلتُ لهم

کما بنت دودةٌ بُنیانَ السَّرَق

بنتهُ حتی إذا تمَّ البناءُ لها

کان التمامُ وَوشْکُ الخیرِ فی نَسق

ویثنی علیه ویصفه بقوله :

نفسی الفداءُ لمن إذا جَرَحَ الأسی

قلبی أَسَوْتُ به جروحَ أسائی

کبدی وتاموری وحَبّةُ ناظری

ومؤمَّلی فی شدّتی ورخائی (1)

ربّیتُهُ متوسِّماً فی وجهِهِ

ما قبلُ فیَّ توسّمَتْ آبائی

ورُزِقْتُهُ حَسَن القَبولِ مبیِّناً

فیهِ عطاءَ اللهِ ذی الآلاءِ

وغدوتُ مقتنیاً له عن أُمِّهِ

وهی النجیبةُ وابنةُ النجباءِ

وعمرتُ منه مجالسی ومسالکِی

وجمعتُ منه مآربی وهوائی

فأظلُّ أَبْهَجُ فی النهار بقربِهِ

وأریهِ کیف تناولُ العلیاءِ

وأُزیرهُ العلماءَ یأخذ عنهمُ

ولشذَّ من یغدو إلی العلماءِ

وإذا یجنُّ اللیلُ بات مسامِری

ومجاوری وممثِّلاً بإزائی

فأَبِیتُ أُدنی مهجتی من مهجتی

وأضمُّ أحشائی إلی أحشائی

وکان أبو نصر أحمد بن کشاجم شاعراً أدیباً ، ومن شعره یذمُّ به بخیلاً قوله (2) :

صدیقٌ لنا من أبرعِ الناسِ فی البخلِ

وأفضلِهم فیه ولیس بذی فضلِ

دعانی کما یدعو الصدیقُ صدیقَهُ

فجئتُ کما یأتی إلی مثلِهِ مثلی

فلمّا جلسْنا للطعامِ رأیتُهُ

یری أنّه من بعض أعضائهِ أکلی

ویغتاظُ أحیاناً ویشتُمُ عبدَهُ

وأعلم أنّ الغیظَ والشتمَ من أجلیف)

ص: 36


1- التامور : القلب.
2- یتیمة الدهر : 1 / 248 [1 / 351] ، نهایة الأرب : 3 / 318 [3 / 313]. (المؤلف)

فأقبلت أستلُّ الغِذاءَ مَخافةً

وألحاظُ عینیه رقیبٌ علی فِعلی

أمدُّ یدی سرّا لأسرقَ لقمةً

فیلحظُنی شَزراً فأعبثُ بالبقلِ

إلی أن جَنَت کفّی لحتفی جنایةً

وذلک أنّ الجوعَ أعدمنی عقلی

فجرّت یدی للحین رجلَ دجاجةٍ

فجرّتْ کما جرّت یدی رجلَها رجلی

وقدّم من بعد الطعامِ حلاوَةً

فلم أستطعْ فیها أمرّ ولا أحلی

وقمتُ لو انّی کنت بیّتُّ نیّةً

ربحتُ ثوابَ الصوم مع عدمِ الأکلِ

وذکر الثعالبی فی یتیمة الدهر (1) (1 / 247 - 251) من شعره ما یناهز الستّین بیتاً. وقال صاحب تعالیق الیتیمة (1 / 240) : لم نعثر فی دیوان کشاجم علی شیء من هذه المختارات ، ذاهلاً عن أنّ الدیوان المعروف هو لکشاجم لا لابنه أبی نصر أحمد الذی انتخب الثعالبی من شعره ، ویستشهد بشعره الوطواط فی غرر الخصائص (2).

خرج أبو الفضل جعفر بن الفضل بن الفرات الوزیر ، المتوفّی سنة (391) إلی بستانه بالمقس ، فکتب إلیه أبو نصر بن کشاجم علی تفّاحة بماء الذهب وأنفذها إلیه (3).

إذا الوزیرُ تخلّی

للنیل فی الأوقاتِ

فقد أتاه سَمِیّا

ه جعفرُ بنُ الفراتِ

ویوجد فی بدائع البدائه شیء من شعره راجع (1 / 157) ، وذکر من شعره ابن عساکر فی تاریخه (4) (4 / 149) ما نظمه سنة (356) بالرملة لمّا ورد إلیها أبو علیّ القرمطی القصیر. ی.

ص: 37


1- یتیمة الدهر : 1 / 350 - 355.
2- غرر الخصائص الواضحة : ص 162.
3- فی معجم الأدباء : 2 / 441 [7 / 174]. (المؤلف)
4- تاریخ مدینة دمشق : 13 / 6 رقم 1278 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 6 / 312. بدءاً من هذا الجزء اعتمدنا تاریخ مدینة دمشق فی طبعته البیروتیة الجدیدة بتحقیق علی شیری.

ویذکر محمد بن هارون بن الأکتمی ابنی کشاجم ، ویهجوهما بقوله (1) :

یا ابْنی کشاجمَ أنتما

مُستعملانِ مُجَرّبانِ

مات المشومُ أبوکما

فخلفتُماه علی المکانِ

وقُرِنتما فی عصرنا

ففعلتما فعل القرانِ

لغلاء أسعار الطعا

مِ ومیتةِ الملک الهجانِ].

ص: 38


1- یتیمة الدهر : 1 / 352 [1 / 475].

23 - الناشئ الصغیر

المولود (271)

المتوفّی (365)

یا آلَ یاسینَ من یحبّکمُ

بغیر شکٍّ لنفسِهِ نَصَحا

أنتمْ رشادٌ من الضلالِ کما

کلُّ فسادٍ بحبِّکمْ صَلحا

وکلُّ مستحسَنٍ لغیرِکمُ

إن قِیسَ یوماً بفضلکم قبُحا

ما مُحیتْ آیةُ النهارِ لنا

وآیةَ اللیل ذو الجلال محا

وکیف تُمحی أنوارُ رشدِکمُ

وأنتمُ فی دُجی الظلام ضحی

أبوکمُ أحمدٌ وصاحبُهُ

الممنوحُ من علم ربِّه منحا

ذاک علیُّ الذی تفرُّدُهُ

فی یوم خُمٍّ بفضله اتّضحا

إذ قال بین الوری وقامَ به

مُعتضداً فی القیام مُکتشحا

من کنتُ مولاه فالوصیُّ لهُ

مولیً بوحیٍ من الإله وحی

فبخبخوا ثمّ بایعوهُ ومَنْ

یُبایعِ اللهَ مخلصاً ربِحا

ذاک علیُّ الذی یقولُ له

جبریلُ یوم النزالِ مُمتدحا

لا سیفَ إلاَّ سیفُ الوصیِ ولا

فتیً سواهُ إنْ حادثٌ فَدَحا

لو وزنوا ضربَهُ لعمروٍ وأعما

لَ البرایا لَضَربُه رَجَحا

ذاک علیُّ الذی تراجع عن

فتحٍ سواه وسارَ فافتتحا

ص: 39

فی یوم حضَّ الیهودَ حین أقلّ الباب من حصنهم وحین دحا

لم یشهدِ المسلمون قطُّ رحی

حربٍ وألفوا سواه قطبَ رحی

صلّی علیه الإله تزکیةً

ووفّقَ العبدَ یُنشئ المِدَحا

وقال فی قصیدة یوجد منها (36) بیتاً :

ألا یا خلیفةَ خیرِ الوری

لقد کفرَ القومُ إذ خالفوکا

أدلُّ دلیلٍ علی أنّهم

أبَوْک وقد سمعوا النصّ فیکا

خلافُهمُ بعد دعواهمُ

ونکثهمُ بعدما بایعوکا

إلی أن قال :

فیا ناصرَ المصطفی أحمدٍ

تعلّمتَ نصرتَهُ من أبیکا

وناصبتَ نُصّابَهُ عنوةً

فلعنةُ ربّی علی ناصبیکا

فأنت الخلیفةُ دون الأنامِ

فما بالُهمْ فی الوری خلّفوکا

ولا سیّما حین وافیتَهُ

وقد سار بالجیشِ یبغی تبوکا

فقال أُناسٌ قلاهُ النبیُ

فصرتَ إلی الطهْر إذ خفّضوکا

فقال النبیُّ جواباً لما

یؤدّی إلی مسمعِ الطهرِ فوکا

ألمْ ترضَ أنّا علی رغمهمْ

کموسی وهارونَ إذ وافقوکا

ولو کان بعدی نبیٌّ کما

جُعِلْتَ الخلیفةَ کنتَ الشریکا

ولکنّنی خاتمُ المرسلینَ

وأنتَ الخلیفةُ إن طاوعوکا

وأنت الخلیفةُ یوم انتجاک

علی الکور حیناً وقد عاینوکا

یراک نجیّا له المسلمون

وکان الإله الذی ینتجیکا

علی فمِ أحمدٍ یوحی إلیک

وأهلُ الضغائن مُستشرفوکا

وأنت الخلیفةُ فی دعوةِ

العشیرةِ إذ کان فیهم أبوکا

ویومَ الغدیرِ وما یومُهُ

لیترُکَ عُذراً إلی غادریکا

ص: 40

لهم خَلفٌ نصروا قولَهمْ

لیبغوا علیکَ ولم ینصروکا

إذا شاهدوا النصّ قالوا لنا

توانی عن الحقِّ واستضعفوکا

فقلنا لهم نصُّ خیرِ الوری

یُزیلُ الظنونَ وینفی الشکوکا

وله یمدح آل الله قوله :

بآلِ محمدٍ عُرِف الصوابُ

وفی أبیاتِهمْ نَزَل الکتابُ

همُ الکلماتُ والأسماءُ لاحتْ

لآدمَ حین عزَّ لهُ المتابُ

وهم حُجج الإلهِ علی البرایا

بهمْ وبحکمهمْ لا یُسترابُ

بقیّةُ ذی العُلی وفروعُ أصلٍ

بحُسْنِ بیانِهمْ وضَحَ الخِطابُ

وأنوارٌ تُری فی کلِّ عصرٍ

لإرشادِ الوری فَهُمُ شِهابُ

ذراری أحمدٍ وبنو علیٍ

خلیفتِه فهمْ لبٌّ لبابُ

تناهَوا فی نهایةِ کلّ مجدٍ

فطهَّرَ خَلْقَهمْ وزکوا وطابوا

إذا ما أعوز الطلاّبَ علمٌ

ولم یوجدْ فعندهمُ یُصابُ

محبّتهمْ صراطٌ مستقیمٌ

ولکنْ فی مسالِکِهِ عِقابُ (1)

ولا سیّما أبو حسنٍ علیّ

له فی الحربِ مرتبةٌ تُهابُ

کأنّ سِنانَ ذابلِهِ ضمیرٌ

فلیسَ عن القلوبِ له ذِهابُ

وصارمهُ کبیعتِهِ بخمٍ

معاقدُها من القومِ الرقابُ

علیُّ الدرُّ والذهبُ المصفّی

وباقی الناس کلِّهمُ تُرابُ

إذا لم تَبرَ من أعدا علیٍ

فما لکَ فی محبّتِهِ ثوابُ (2)ف)

ص: 41


1- عِقاب جمع عَقَبة ، وهی ما یعرض للطریق من الصعوبة والشدة.
2- کذا فی تخمیس العلاّمة الشیخ محمد علی الأعسم. وفی کتاب الإکلیل ، والتحفة : (ومن لم یبرَ من أعدا علیٍ فلیس له النجاة ولا ثواب (المؤلف)

إذا نادتْ صوارمُهُ نفوساً

فلیس لها سوی نَعَمٍ جوابُ

فبینَ سِنانِهِ والدرعِ سِلْمٌ

وبین البیض والبیض اصطحابُ

هو البکّاءُ فی المحرابِ لیلاً

هو الضحّاکُ إن جدَّ الضرابُ

ومن فی خُفِّه طرحَ الأعادی

حُباباً کی یلسِّبَهُ الحُبابُ (1)

فحین أرادَ لُبسَ الخُفِّ وافی

یُمانعُهُ عن الخُفِّ الغُرابُ

وطار به فأکفأهُ وفیهِ

حُبابٌ فی الصعید له انسیابُ (2)

ومن ناجاهُ ثعبانٌ عظیمٌ

ببابِ الطهر ألقتهُ السحابُ

رآه الناس فانجفلوا برعبٍ

وأُغلِقتِ المسالکُ والرحابُ (3)

فلمّا أن دنا منهُ علیٌ

تدانی الناسُ واستولی العُجابُ

فکلّمه علیٌّ مُستطیلاً

وأقبلَ لا یخافُ ولا یَهابُ

ودنَّ لحاجر وانساب فیه

وقال وقد تغیّبه الترابُ (4)

أنا مَلَکٌ مُسِختُ وأنت مولیً

دُعاؤک إن مَننتَ به یُجابُ

أتیتُکَ تائباً فاشفعْ إلی مَن

إلیه فی مهاجرتی الإیابُ

فأقبلَ داعیاً وأتی أخوهُ

یؤمِّنُ والعیونُ لها انسکابُ

فلمّا أن أُجیبا ظلَّ یعلو

کما یعلو لدی الجدّ العقابُ

وأنبتَ ریشَ طاووسٍ علیهِ

جواهر زانها التِّبرُ المُذابُ

یقولُ لقد نجوتُ بأهلِ بیتٍ

بهم یُصلی لظیً وَبِهمْ یُثابُ

همُ النبأُ العظیمُ وفُلْکُ نوحٍ

وبابُ الله وانقطع الخطابُف)

ص: 42


1- لسبته الحیّة : لدغته. (المؤلف)
2- انسابت الحیّة : جرت وتدافعت. (المؤلف)
3- انجفل وتجفل القوم : هربوا مسرعین. (المؤلف)
4- ] دنّ : طأطأ وانحنی]. الحاجر : الأرض المرتفعة ووسطها منخفض. (المؤلف)

ما یتبع الشعر

الأصحّ أن هذه القصیدة للناشئ کما صرّح به ابن شهرآشوب فی المناقب (1) ، وروی ابن خلّکان (2) عن أبی بکر الخوارزمی : أنّ الناشئ مضی إلی الکوفة سنة (325) وأملی شعره بجامعها ، وکان المتنبّی وهو صبیٌّ یحضر مجلسه بها ، وکتب من إملائه لنفسه من قصیدة :

کأنّ سِنانَ ذابلِهِ ضمیرٌ

فلیسَ من القلوبِ له ذِهابُ

وصارمه کبیعتِهِ بخمٍ

مقاصدُها من الخلق الرقابُ

وذکرها له الحموی فی معجم الأدباء (3) (5 / 235) ، والیافعی فی مرآة الجنان (2 / 335) ، وجزم بذلک فی نسمة السحر (4)) ، وعزی من نسبها إلی عمرو بن العاص إلی أفحش الغلط ، وهؤلاء مهرة الفنِّ وإلیهم المرجع فی أمثال المقام.

فما تجده فی غیر واحد من المعاجم وکتب الأدب ککتاب الإکلیل (5) ، وتحفة الأحبّاء من مناقب آل العباء (6) من نسبتها إلی عمرو بن العاص علی وجوه متضاربة ممّا لا مُعوَّل علیه. قال صاحبا الإکلیل والتحفة : إنّ معاویة بن أبی سفیان قال یوماً لجلسائه : من قال فی علیٍّ فله هذه البَدرة ، فقال عمرو بن العاص هذه الأبیات طمعاً بالبَدرة. ف)

ص: 43


1- مناقب آل أبی طالب : 4 / 301.
2- وفیات الأعیان : 3 / 369 رقم 266.
3- معجم الأدباء : 13 / 290.
4- نسمة السحر : مج 8 / ج 2 / 375.
5- تألیف أبی محمد الحسن بن أحمد الهمدانیّ الیمنیّ. (المؤلف)
6- تألیف جمال الدین الشیرازی. (المؤلف)

وکذلک لا یصحُّ عزوها إلی ابن الفارض کما فی بعض المعاجم ، وکان ابن خلّکان والحموی معاصرَین لابن الفارض ، فما کان یخفی علیهما لو کان الشعر له ، علی أنّه کانت تتناقله الرواة قبل وجود ابن الفارض.

والذی أحسبه أنّ لجملة من الشعراء قصائد علویّة علی هذا البحر والقافیة مبثوثة بین الناس ، وربّما حُرّفت أبیات منها عن مواضعها فأُدرِجت فی قصیدة الآخر ، کما أنّک تجد أبیاتاً من شعر الناشئ فی خلال أبیات السوسی المذکورة فی مناقب ابن شهرآشوب ، وکذلک أبیاتاً من شعر ابن حمّاد فی خلال أبیات العونی ، وأبیاتاً من شعر الزاهی فی خلال شعر الناشئ ، وأبیاتاً من شعر العبدی فی خلال شعر ابن حمّاد ، وبذلک اشتبه الحال علی الرواة فُعزِی الشعر إلی هذا تارةً وإلی ذلک أخری.

خمّس جملةً من هذه القصیدة العلاّمة الحجّة الشیخ محمد علی الأعسم النجفی أوّله

بنو المختارِ هم للعلمِ بابُ

لهمْ فی کلِّ مُعضلةٍ جوابُ

إذا وقعَ اختلافٌ واضطرابُ

بآلِ محمدٍ عُرف الصوابُ

الشاعر

أبو الحسن (1) علیُّ بن عبد الله بن الوصیف الناشئ الصغیر - الأصغر - البغدادی من باب الطاق ، نزیل مصر ، المعروف بالحلاّء ، کان أبوه یعمل حلیة السیوف فسمّی حلاّءً ، ویقال له : الناشئ ؛ لأنّ الناشئ یقال لمن نشأ فی فنّ من فنون الشعر ، کما قال السمعانی فی الأنساب (2). 5.

ص: 44


1- فی فهرست الشیخ [ص 89 رقم 373] ورجال ابن داود [ص 142 رقم 1097] : أبو الحسین. (المؤلف)
2- الأنساب : 5 / 445.

کان أحد من تضلّع فی النظر فی علم الکلام ، وبرع فی الفقه ، ونبغ فی الحدیث ، وتقدّم فی الأدب ، وظهر أمره فی نظم القریض ، فهو جماع الفضائل ، وسمط جمان العلوم ، وفی الطلیعة من علماء الشیعة ومتکلّمیها ، ومحدِّثیها ، وفقهائها ، وشعرائها.

روی عنه الشیخ الإمام محمد بن النعمان المفید ، وبواسطته یروی عنه شیخ الطائفة أبو جعفر الطوسی کما فی فهرسته (ص 89) ، واحتمل فی ریاض العلماء (1)) روایة الشیخ الصدوق عنه أیضاً ، وقال : لعلّه الذی کان من مشایخ الصدوق.

وفی الوافی بالوفیات (2) ولسان المیزان (3) (4 / 238) : أنّ أبا عبد الله الخالع ، وأبا بکر بن زرعة الهمدانی ، وعبد الواحد العکبری ، وعبد السلام بن الحسن البصری اللغوی ، وابن فارس اللغوی ، وعبد الله بن أحمد بن محمد بن روزبه الهمدانی وغیرهم یروون عنه ، وأنّه یروی عن المبرّد ، وابن المعتزّ وغیرهما.

وذکر ابن خلّکان (4) : أنّه أخذ العلم عن أبی سهل إسماعیل بن علیِّ بن نوبخت ، وهو من أعاظم متکلّمی الشیعة.

وقال شیخ الطائفة فی فهرسته (ص 89) : وکان یتکلّم علی مذهب أهل الظاهر فی الفقه. وأهل الظاهر هم أصحاب أبی سلیمان داود بن علیّ بن خلف الأصبهانی المعروف بالظاهری المتوفّی (270) ، قال ابن الندیم فی الفهرست (5) (ص 303) : هو أوّل من استعمل قول الظاهر وأخذ بالکتاب والسنّة ، وألغی ما سوی ذلک من الرأی والقیاس. وقال ابن خلّکان فی تاریخه (6) (1 / 193) : کان أبو سلیمان صاحب مذهب 3.

ص: 45


1- ریاض العلماء : 4 / 137.
2- الوافی بالوفیات : 21 / 203.
3- لسان المیزان : 4 / 274 رقم 5850.
4- وفیات الأعیان : 3 / 369 رقم 466.
5- الفهرست : ص 271.
6- وفیات الأعیان : 2 / 255 رقم 223.

مستقلّ ، وتبعه جمع کثیر یُعرَفون بالظاهریة.

وفی رجال النجاشی (1) : أنّ للمترجم کتاباً فی الإمامة ، لکن الشیخ الطوسی یذکر له کتباً فی الفهرست. وفی تاریخ ابن خلّکان : أنّ له تصانیف کثیرة ، وفی الوافی بالوفیات : أنّ شعره مدوّنٌ ، وأنّ مدائحه فی أهل البیت علیهم السلام لا یحصی کثرة ، ولذلک عدّه ابن شهرآشوب فی معالم العلماء (2) من مجاهری شعراء أهل البیت علیهم السلام.

وفی معجم الأدباء (3) : قال الخالع : کان الناشئ یعتقد الإمامة ، ویناظر علیها بأجود عبارة ، فاستنفد عمره فی مدیح أهل البیت حتی عُرف بهم ، وأشعاره فیهم لا تُحصی کثرةً ، ومدح مع ذلک الراضی بالله وله معه أخبارٌ ، وقصد کافوراً الإخشیدی بمصر وامتدحه ، وامتدح ابن حنزابة وکان ینادمه ، وطرِیَ (4) إلی البریدیِّ بالبصرة ، وإلی أبی الفضل بن العمید بأرّجان.

وقال : قال ابن عبد الرحیم : حدّثنی الخالع قال : حدّثنی الناشئ ، قال : أدخلنی ابن رائق علی الراضی بالله - وکنتُ مدّاحاً لابن رائق ونافقاً علیه - فلمّا وصلتُ إلی الراضی قال لی : أنت الناشئ الرافضیّ؟ فقلت : خادم أمیر المؤمنین الشیعیّ. فقال : من أیِّ الشیعة؟ فقلت : شیعة بنی هاشم. فقال هذا خبث حیلة. فقلت : مع طهارة مولد. فقال : هات ما معک.

فأنشدته فأمر أن یُخلَع علیَّ عشر قطع ثیاباً ، وأُعطی أربعة آلاف درهم ، فأُخرِج إلیّ ذلک وتسلّمته وعُدت إلی حضرته فقبّلت الأرض وشکرته ، وقلت : أنا ممّن یلبس الطیلسان. فقال : ها هنا طیالس عدنیة أعطوه منها طیلساناً وأضیفوا إلیها عمامة خزٍّ ، ففعلوا.ل.

ص: 46


1- رجال النجاشی : ص 271 رقم 709.
2- معالم العلماء : ص 148.
3- معجم الأدباء : 13 / 281 - 284.
4- طرِیَ إلیه : أقبل.

فقال : أنشدنی من شعرک فی بنی هاشم ، فأنشدته :

بنی العبّاس إنّ لکم دماءً

أراقتها أُمیة بالذحولِ (1)

فلیس بهاشمیٍّ من یوالی

أُمیةَ واللعینَ أبا زبیلِ

فقال : ما بینک وبین أبی زبیل؟ فقلت : أمیر المؤمنین أعلم. فابتسم وقال : انصرف.

ویستفاد من غیر واحد من الأخبار أنّ الناشئ علی کثرة شعره فی أهل البیت علیهم السلام حظی منهم بالقبول والتقدیر ، وحسبُه ذلک مأثرةً لا یقابلها أیُّ فضیلة ، ومکرمةً خالدةً تکسبه فوز النشأتین.

روی الحموی فی معجم الأدباء (2) قال : حدّثنی الخالع ، قال :

کنتُ مع والدی فی سنة ستّ وأربعین وثلاثمائة وأنا صبیٌّ فی مجلس الکبوذی فی المسجد الذی بین الورّاقین والصاغة ، وهو غاصٌّ بالناس ، وإذا رجلٌ قد وافی وعلیه مرقعة وفی یده سطیحة ورکوة ومعه عکّاز ، وهو شعث ، فسلّم علی الجماعة بصوت یرفعه ، ثمّ قال :

أنا رسول فاطمة الزهراء علیها السلام فقالوا : مرحباً بک وأهلاً ورفعوه. فقال : أتعرِّفون لی أحمد المزوِّق النائح؟ فقالوا : ها هو جالسٌ.

فقال : رأیت مولاتنا علیها السلام فی النوم فقالت لی : امض إلی بغداد واطلبه وقل له : نُح علی ابنی بشعر الناشئ الذی یقول فیه :

بنی أحمدٍ قلبی بکمْ یتقطّعُ

بمثلِ مصابی فیکمُ لیس یُسمعُ3.

ص: 47


1- الذحل : الثأر ، العداوة ، الحقد جمعها ذحول. (المؤلف)
2- معجم الأدباء : 13 / 292 - 293.

وکان الناشئ حاضراً ، فلطم لطماً عظیماً علی وجهه وتبعه المزوِّق والناس کلّهم ، وکان أشدّ الناس فی ذلک الناشئ ثمّ المزوِّق ، ثمّ ناحوا بهذه القصیدة فی ذلک الیوم إلی أن صلّی الناس الظهر ، وتقوّض المجلس ، وجهدوا بالرجل أن یقبل شیئاً منهم ، فقال : والله لو أُعطیت الدنیا ما أخذتها ، فإنّنی لا أری أن أکون رسول مولاتی علیها السلام ثم آخذ عن ذلک عوضاً. وانصرف ولم یقبل شیئاً.

قال : ومن هذه القصیدة وهی بضعة عشر بیتاً :

عجبتُ لکم تفنون قتلاً بسیفِکم

ویسطو علیکم من لکم کان یخضعُ

کأنّ رسولَ الله أوصی بقتلِکمْ

وأجسامُکم فی کلِّ أرض تُوزَّعُ

قال الأمینی : أوّل هذه القصیدة :

بنی أحمدٍ قلبی لکم یتقطّعُ

بمثل مصابی فیکمُ لیس یُسمعُ

فما بقعةٌ فی الأرض شرقاً ومغرباً

ولیس لکم فیها قتیلٌ ومصرعُ

ظُلمتم وقُتِّلتمْ وقُسِّم فیئکم

وضاقت بکم أرضٌ فلم یَحمِ موضعُ

جسومٌ علی البوغاء تُرمی وأرؤسٌ

علی أرؤس اللُّدْن الذوابل تُرفعُ (1)

تُوارَوْن لم تَأْوِ فراشاً جنوبُکمْ

ویُسلمنی طیبُ الهجوعِ فأهجعُ

وقال الحموی (2) : حدّثنی الخالع قال : اجتزت بالناشئ یوماً ، وهو جالسٌ فی السرّاجین ، فقال لی : قد عملت قصیدةً وقد طُلبت وأُرید أن تکتبها بخطِّک حتی أُخرجها ، فقلت : أمضی فی حاجة وأعود ، وقصدت المکان الذی أردته وجلست فیه ، فحملتنی عینی فرأیت فی منامی أبا القاسم عبد العزیز الشطرنجی النائح ، فقال لی : أُحبُّ أن تقوم فتکتب قصیدة الناشئ البائیة فإنّا قد نُحنا بها البارحة بالمشهد ، 4.

ص: 48


1- البوغاء : التراب الناعم ، واللُّدْن الذوابل : هی الرماح.
2- معجم الأدباء : 13 / 293 - 294.

وکان هذا الرجل قد توفّی وهو عائدٌ من الزیارة ، فقمت ورجعت إلیه وقلت : هات البائیّة حتی أکتبها ، فقال : من أین علمت أنّها بائیة؟ وما ذکرت بها أحداً ، فحدّثته بالمنام فبکی ، وقال : لا شکّ أن الوقت قد دنا ، فکتبتها فکان أوّلها :

رجائی بعیدٌ والممات قریبُ

ویُخطئ ظنّی والمنونُ تُصیبُ

قال الأمینی : ومن البائیّة فی المدیح قوله :

أُناسٌ علوا أعلی المعالی من العلی

فلیس لهم فی الفاضلین ضریبُ

إذا انتسبوا جازوا التناهی لمجدِهمْ

فما لهمُ فی العالمین نسیبُ

همُ البحرُ أضحی درّه وعُبابه

فلیس له من منتفیه رسوبُ

تسیر به فُلکُ النجاةِ وماؤها

لشُرّابه عذبُ المذاق شروبُ

هوالبحر یُغنی من غدا فی جواره

وساحلُه سهلُ المجالِ رحیبُ

همُ سببٌ بین العباد وربِّهمْ

محبُّهمُ فی الحشر لیس یخیبُ

حَوَوا علم ما قد کان أو هو کائنٌ

وکلُّ رشادٍ یحتویه طلوبُ

وقد حفظوا کلَّ العلومِ بأسرِها

وکلُّ بدیعٍ یحتویه غیوبُ

همُ حسناتُ العالمینَ بفضلِهمْ

وهم للأعادی فی المعادِ ذنوبُ

وجمع العلاّمة السماوی شعر الناشئ فی أهل البیت علیهم السلام [وهو] یربو علی ثلاثمائة بیت.

ولادته ووفاته :

حکی الحموی فی معجم الأدباء (1) نقلاً عن الخالع أنّه قال : مولده علی ما أخبرنی به سنة (271) ، ومات یوم الإثنین لخمس خلون من صفر سنة (365) 2.

ص: 49


1- معجم الأدباء : 13 / 282.

وکنت حینئذٍ بالرّی ، فورد کتاب ابن بقیة (1) إلی ابن العمید یخبره. وقیل : إنّه تبع جنازته ماشیاً وأهل الدولة کلّهم ، ودُفن فی مقابر قریش ، وقبره هناک معروفٌ.

وهو ممّن نُبش قبره فی واقعة سنة (443) وأحرقت تربته (2). وقال ابن شهرآشوب فی المعالم (3) (ص 136) : حرّقوه بالنار. وظاهره أنّه استشهد حرقاً والله أعلم.

وهناک أقوال أُخَر لا تقارف الصحّة ؛ فقد أرّخ وفاته الیافعی فی مرآة الجنان (2 / 235) بسنة (342) ، وابن خلّکان (4) بسنة (360) ، وابن الأثیر فی الکامل (5) بسنة (366) ، وهو محکیُّ ابن حجر فی لسان المیزان (6) ، عن ابن النجار ، وبها أرّخ علاء الدین البهائی فی مطالع البدور (1 / 25) وذکر له :

لیس الحجابُ بآلة الأشرافِ

إنّ الحجابَ مجانبُ الإنصافِ

ولقلَّ ما یأتی فیُحْجَبُ مرّةً

فیعود ثانیةً بقلبٍ صافِ

وذکر له الثعالبی فی ثمار القلوب (7) (ص 136) فی نسبة السواد إلی وجه الناصبی قوله : 9.

ص: 50


1- أبو طاهر محمد بن بقیة ، کان وزیر عزّ الدولة ، ولما ملک عضد الدولة بغداد ودخلها طلب ابن بقیة وألقاه تحت أرجل الفِیَلة ، فلما قُتل صلبه بحضرة بیمارستان العضدی ببغداد سنة (367). ابن خلّکان : 2 / 175 [5 / 118 رقم 699]. (المؤلف)
2- سیوافیک فی هذا الجزء فی ترجمة المؤید [ص 2 / 4] ما وقع فی تلک الواقعة الهائلة من الطامّات والفظائع. (المؤلف)
3- معالم العلماء : ص 148.
4- وفیات الأعیان : 3 / 371 رقم 466.
5- الکامل فی التاریخ : 5 / 426 حوادث سنة 366 ه.
6- لسان المیزان : 4 / 275 رقم 5850.
7- ثمار القلوب : ص 173 رقم 249.

یا خلیلی وصاحبی

من لُؤیِّ بن غالبِ

حاکمُ الحبِّ جائرٌ

موجبٌ غیرُ واجبِ

لک صدغٌ کأنّما

لونه وجهُ ناصبی

یلدغُ الناسَ إذ تعق

-رب لدغ العقاربِ

لفت نظر :

توجد فی تنقیح المقال (2 / 313) ترجمة الناشئ ، وفیها : والظاهر أنّه هو علیُّ ابن عبد الله بن وصیف بن عبد الله الهاشمی الذی رُوی فی العیون عنه ، عن الکاظم علیه السلام النصّ علی الرضا. انتهی.

وهذا أعجب ما رأیت فی طیِّ هذا الکتاب القیِّم من العثرات.

مصادر ترجمة الناشئ

فهرست الشیخ

معالم العلماء

رجال ابن داود

رجال النجاشی

یتیمة الدهر

أنساب السمعانی

وفیات الأعیان

معجم الأدباء

میزان الاعتدال

الوافی بالوفیات

خلاصة الأقوال

نقد الرجال

الکامل لابن الأثیر

مجالس المؤمنین

لسان المیزان

شذرات الذهب

مطالع البدور

جامع الرواة

تلخیص الأقوال

منتهی المقال

نسمة السحر

أمل الآمل

خاتمة الوسائل

ریاض العلماء

ملخَّص المقال

الحصون المنیعة

الشیعة وفنون الإسلام

تلخیص المقال

تأسیس الشیعة

روضات الجنّات

تنقیح المقال

هدیة الأحباب

وفیات الأعلام

الطلیعة

بغیة الطالب

شهداء الفضیلة

ص: 51

ص: 52

24 - البشنوی الکردی

توفّی بعد (380)

وقد شهدوا عیدَ الغدیرِ وأسمعوا

مقالَ رسولِ اللهِ من غیر کتمانِ

ألستُ بکم أولی من الناسِ کلّهم

فقالوا : بلی یا أفضل الإنس والجانِ

فقام خطیباً بین أعوادِ منبرٍ

ونادی بأعلی الصوتِ جهراً بإعلانِ

بحیدرةٍ والقومُ خرسٌ أذلّةٌ

قلوبُهمُ ما بین خلفٍ وعینانِ (1)

فلبّی مُجیباً ثمّ أسرع مقبلاً

بوجهٍ کمثل البدرِ فی غُصُنِ البانِ

فلاقاه بالترحیب ثمّ ارتقی به

إلیه وصار الطهر للمصطفی ثانی

وشال بِعَضْدیه وقال وقد صغی

إلی القولِ أقصی القوم تالله والدانی

علیٌّ أخی لا فرقَ بینی وبینه

کهارونَ من موسی الکلیمِ ابنِ عمرانِ

ووارثُ علمی والخلیفةُ فی غدٍ

علی أمّتی بعدی إذا زُرت (2) جثمانی

فیا ربِّ من والی علیّا فوالِهِ

وعادِ الذی عاداه واغضب علی الشانی(3) نی

ص: 53


1- کذا ورد فی المصدر.
2- کذا فی المصدر ، وفی أعیان الشیعة 6 / 11 : رَثَّ.
3- فی الطبعة المعتمدة لدینا من مناقب آل أبی طالب : 3 / 44 ورد هذا الشطر هکذا : وعاد معاویة ولا تنصر الشانی

وله قوله من قصیدة :

أأترک مشهورَ الحدیثِ وصدقَهُ

غداةَ بخمٍّ قامَ أحمدُ خاطبا

ألستُ لکم مولیً ومثلی ولیُّکمْ

علیٌّ فوالوه وقد قلتُ واجبا

وله قوله :

یومُ الغدیر لذی الولایةِ عیدُ

ولدی النواصبِ فضلُه مجحودُ

یومٌ یُوسَّمُ فی السماءِ بأنّهُ

ألعهدُ فیه وذلک المعهودُ

والأرضُ بالمیراثِ أضحتْ وسمه

لو طاع موطودٌ (1) وکفَّ حسودُ

الشاعر

أبو عبد الله الحسین بن داود الکردی البشنوی ، من الشعراء المجاهرین فی مدائح العترة الطاهرة علیهم السلام ، کما عدّه ابن شهرآشوب منهم فی معالم العلماء (2) ، ویشهد لذلک شعره الکثیر فیهم المبثوث فی کتاب المناقب للسروی ، فهو فی الرعیل الأوّل من حاملی ألویة البلاغة ، وأحد شعراء الإمامیّة الناهضین بنشر الأدب ، وینمُّ عن مذهبه قوله

ألیّةَ ربّی بالهدی متمسِّکاً

بإثنی عشر بعد النبیِّ مَراقِبا

أبقی علی البیت المطهَّر أهله

بیوت قریش للدیانة طالبا (3)

وقوله :

یا مُصرف النصِّ جهلاً عن أبی حسنٍ

بابُ المدینةِ عن ذی الجهلِ مقفولُبا

ص: 54


1- کذا فی مناقب آل أبی طالب : 3 / 54 ، والصحیح ظاهراً : موتور ، کما فی أعیان الشیعة : 6 / 11.
2- معالم العلماء : ص 149.
3- مناقب آل أبی طالب : 1 / 380 ، وفی أعیان الشیعة : 6 / 11 ورد هکذا : ( أأبغی عن البیت المطهر أهله بیوت قریش للدنانیر طالبا

مدینةُ العلمِ ما عن بابها عوضٌ

لطالبِ العلمِ إذ ذو العلمِ مسؤولُ

مولی الأنامِ علیٌّ والولیُ (1) معاً

کما تفوّه عن ذی العرش جبریلُ

وقوله :

قد خان من قدّمَ المفضولَ خالقَهُ

وللإلهِ فبالمفضولِ لم أَخُنِ

وسیوافیک من شعره ما یظهر منه تضلّعه فی التشیّع ، وتمحّضه فی الولاء ، وانقطاعه إلی سادات الأئمّة صلوات الله علیهم ، فهو من شعرائهم ، وما کان یقال من أنّه شاعر بنی مروان کما فی کامل ابن الأثیر (2) (9 / 24) ، فالمراد بهم ملوک دیار بکر من أولاد أخت باذ الکردی ، أوّلهم أبو علیّ بن مروان ، استولی علی ما کان یحکم علیه خاله من دیار بکر ، وبعد قتله ملک أخوه ممهِّد الدولة ، وبعد قتله قام أخوه أبو نصر وبقی ملکه من سنة (420) إلی سنة (453) ، وخلفه ولدان : نصر وسعید ؛ أمّا نصر فملک میافارقین وتوفّی سنة (453) ، وملک بعده ابنه منصور ، أمّا سعید فاستولی علی آمد (3)

وکان البشنوی المترجَم له یستحثُّ الأکراد البشنویّة (4) - أصحاب قلعة فَنَک - لمؤازرة باذ الکردی - خال بنی مروان - المذکورین فی وقعة سنة (380) التی وقعت بینه وبین أبی طاهر والحسین - ابنی حمدان - لمّا ملکا بلاد الموصل سنة (379) ، وله فی ذلک قوله من قصیدة :

البشنویّةُ أنصارٌ لدولتِکمْ

ولیس فی ذا خفاً فی العُجْمِ والعَرَبِف)

ص: 55


1- کذا فی المناقب ، وفی أعیان الشیعة : 6 / 11 وردت : والوصی.
2- کذا فی الکامل فی التاریخ : 5 / 483 حوادث سنة 380 ه.
3- راجع تاریخ أبی الفداء : 2 / 133 ، 189 ، 204 [2 / 126 ، 180 ، 196]. (المؤلف)
4- کامل ابن الأثیر : 9 / 24 [5 / 483 حوادث سنة 380 ه]. (المؤلف)

فانتماء المترجَم إلی بنی مروان هؤلاء بعلاقة خالهم باذ المتّحد معه فی العنصر الکردی ؛ فعلی ما ذکرنا لا یکون لقول من قال (1) : إنّ البشنوی توفّی سنة (370) مقیلٌ من الحقیقة ؛ فإنّ التاریخ یشهد بحیاته بعدها بعشر سنین.

ذکر صاحب معالم العلماء (2) : للمترجَم کتاب الدلائل والرسائل البشنویّة ، وقال ابن الأثیر فی اللباب (1 / 127) : وله دیوان مشهور.

کانت فی العراق فی شرقی دجلة طوائف کثیرة من الأکراد ینتمون إلی حصون وقلاع وبلاد کانت لهم فی نواحی الموصل والإربل ، ومنهم :

البشنویّة :

ومنها شاعرنا المترجَم ، کانت تسکن هذه الطائفة فوق الموصل قرب جزیرة ابن عمر (3) ، وبینهما نحو من فرسخین ، وما کان یقدر صاحب الجزیرة ولا غیره - مع مخالطتهم للبلاد - علیها. قال یاقوت الحموی فی معجم البلدان (4) : وهی بید هؤلاء الأکراد منذ سنین کثیرة نحو الثلاثمائة سنة ، وفیهم مروّة وعصبیّة ، ویحمون من یلتجئ إلیهم ویحسنون إلیه. انتهی.

ولهذه الطائفة هناک قلاع منها قلعة برقة ، وقلعة بشیر ، وقلعة فنک ، ومن أمرائها صاحب قلعة فنک الأمیر أبو طاهر ، والأمیر إبراهیم ، والأمیر حسام الدین من أمراء القرن السادس. ومنهم : 8.

ص: 56


1- ذکره صاحب أعیان الشیعة : 1 / 387 [6 / 11]. (المؤلف)
2- معالم العلماء : ص 42 رقم 268.
3- جزیرة ابن عمر : بلدة فوق الموصل بینهما ثلاثة أیام ، ولها رستاق مخصب واسع الخیرات ، وأحسب أنّ أوّل من عمرها الحسن بن عمر بن الخطّاب التغلبی ، وهذه الجزیرة تحیط بها دجلة إلا من ناحیة واحدة شبه الهلال ، ثمّ عُمل هناک خندق أُجری فیه الماء فأحاط بها الماء من جمیع جوانبها ، ویقال فی النسبة إلیها : جزری. معجم البلدان [2 / 138]. (المؤلف)
4- معجم البلدان 4 / 278.

الزوزانیّة :

تُنسَب هذه الطائفة إلی الزوزان (1) - بفتح أوّله وثانیه - ناحیة واسعة من شرقی دجلة من جزیرة ابن عمر ، وأوّل حدودها من نحو یومین من الموصل إلی أول حدود خلاط ، وینتهی حدُّها إلی آذربایجان إلی عمل سلماس ، وفیها قلاع کثیرة حصینة للأکراد البشنویّة ، والزوزانیّة ، والبختیّة. ومنهم :

البختیّة :

لهم عدّة قلاع فی الزوزان منها قلعة جُرذقیل ، وهی أجلُّ قلعةٍ لهم وکرسیُّ ملکهم ، وقلعة آتیل ، وعلّوس ، وألقی ، وأروخ ، وباخوخة ، وبرخو ، وکنکور ، ونیروه ، وخوشب ، ومن زعمائهم الأمیر موسک بن المجلی.

الهَکّاریّة :

بالفتح وتشدید الکاف ، ینتمون إلی الهَکّاریّة (2)) ، قری فوق الموصل من جزیرة ابن عمر ، ومن أمرائهم بحلب عزّ الدین عمر بن علیّ ، وعماد الدین أحمد بن علیّ المعروف بابن المشطوب ، وکان أکبر أمیر فی مصر ، ومن علمائهم شیخ الإسلام أبو الحسن علیّ بن أحمد الهَکّاری المتوفّی سنة (486) ، والمترجَم فی تاریخ ابن خلکان (3) (1 / 377).

الجلاّنیّة :

بالفتح وتشدید اللام وکسر النون والیاء المشدّدة ، تنسب هذه الطائفة إلی 8.

ص: 57


1- معجم البلدان : 3 / 158.
2- معجم البلدان : 5 / 408.
3- وفیات الأعیان : 3 / 345 رقم 458.

الجلاّنیّة (1) ، وهی قلعةٌ من قلاع الهَکّاریة المذکورة.

الزوادیّة (2) :

وهم أشراف الأکراد ، ومنهم أسد الدین شیرکوه المتوفّی سنة (564) وأخوه نجم الدین أیّوب.

الشوانکاریّة :

وهم الذین التجأ إلیهم فی سنة (564) شملة ملک فارس صاحب خوزستان المتوفّی سنة (570).

الحمیدیّة :

کانت لهم قلاع حصینة تجاور الموصل.

الهذبانیّة :

لهم قلعة إربل وأعمالها.

الحکمیّة :

ومن أمرائهم الأمیر أبو الهیجاء الإربلی.

ومنهم : الأکراد المارانیّة ، والیعقوبیّة ، والجوزقانیّة ، والسورانیّة ، والکورانیّة ، والعمادیّة ، والمحمودیّة ، والجوبیّة ، والمهرانیّة ، والجاوانیّة ، والرضائیّة ، والسروجیّة ، والهارونیّة ، واللّریّة ، إلی غیر ذلک من القبائل التی لا تُحصی کثرةً.ف)

ص: 58


1- معجم البلدان : 2 / 149.
2- کذا فی الکامل [7 / 200 حوادث سنة 564 ه] وفی غیره : الروادیة. (المؤلف)

نبذة من شعره :

ومن شعر شاعرنا البشنوی فی المذهب ، قوله :

خیر الوصیِّین من خیر البیوت ومن

خیرِ القبائلِ معصومٌ من الزللِ

إذا نظرتَ إلی وجه الوصیِّ فقد

عبدتَ ربّک فی قولٍ وفی عملِ

أشار بالبیت الأخیر إلی ما رواه محبّ الدین الطبری فی ریاضه (1) (2 / 219) عن أبی بکر ، وعبد الله بن مسعود ، وعمرو بن العاص ، وعمران بن الحصین ، وعن غیرهم عن النبی صلی الله علیه وآله وسلم أنّه قال : «النظر إلی وجه علیٍّ عبادة».

ورواه الکنجی فی کفایة الطالب (2) (ص 64 و 65) عن ابن مسعود بطریقین ،

وقال : الحدیث الأوّل أحسن إسناداً من الثانی ، والحدیث الثانی روته الحفّاظ کأبی نعیم فی حلیته (3) ، والطبرانی فی معجمه (4) ، وهو حسن عالٍ جلیل غریب من هذا الوجه ، والحدیث الأوّل عالٍ حسن السیاق.

ورواه بطریق آخر عن معاذ بن جبل (5)) (ص 66) فقال : وأخرجه الحافظ الدمشقی فی تاریخه (6) عن غیر واحد من الصحابة ، منهم : أبو بکر ، وعمر ، وعثمان ، وجابر ، وثوبان ، وعائشة ، وعمران بن الحصین ، وأبو ذرّ ، وفی حدیث أبی ذرّ : قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : 8.

ص: 59


1- الریاض النضرة : 3 / 172.
2- کفایة الطالب : ص 156 - 158 باب 34.
3- حلیة الأولیاء : 5 / 58 رقم 295.
4- المعجم الکبیر : 10 / 76 ح 10006.
5- کفایة الطالب : ص 161 باب 34.
6- ترجمة الإمام علیّ بن أبی طالب علیه السلام من تاریخ ابن عساکر - الطبعة المحقّقة - : رقم 894 - 911 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 18 / 7 - 8.

«مثل علیٍّ فیکم - أو قال : فی هذه الأمّة - کمثل الکعبة المستورة ، النظر إلیها عبادةٌ ، والحجُّ إلیها فریضةٌ». ورواه (1) فی (ص 124) بطریق آخر عن علیٍّ علیه السلام.

وله قوله :

ولستُ أُبالی بأیِّ البلاد

قضی الله نحبی إذا ما قضاهُ

ولا أین خُطَّ إذاً مضجعی

ولا مَن جفاه ولا مَن قلاهُ

إذا کنتُ أشهدُ أن لا إلهَ

سوی اللهِ والحقُّ فیما قضاهُ

وأنّ محمداً المصطفی

نبیٌ وأنّ علیّا أخاهُ

وفاطمة الطهر بنت الرسولِ

رسولٌ هدانا إلی ما هداهُ

وإبناهما فهما سادتی

فطوبی لعبدٍ هما سیّداهُ

وله قوله :

یا ناصبی بکلِّ جهدِک فاجهدِ

إنّی علِقتُ بحبِّ آلِ محمدِ

الطیِّبین الطاهرین ذوی الهدی

طابوا وطابَ ولیُّهمْ فی المولدِ

والیتُهمْ وبرِئتُ من أعدائِهمْ

فاقللْ ملامَک لا أبا لک أو زِدِ

فهمُ أمانٌ کالنجومِ وإنّهمْ

سُفنُ النجاةِ من الحدیثِ المسندِ

وله قوله :

فقالَ کبیرُهم ما الرأیُ فیما

ترون یردّ ذا الأمرَ الجلیِ

سمعتمْ قولَهُ قولاً بلیغاً

وأوصی بالخلافة فی علیِ

فقالوا حیلةٌ نُصبت علینا

ورأیٌ لیس بالعقدِ الوفیِ

ندبّر غیر هذا فی أمورٍ

ننال بها من العیش السنیِ

سنجعلها إذا ما مات شوری

لتیمیٍّ هنالک أو عدیِ2.

ص: 60


1- کفایة الطالب : ص 252 باب 62.

وله قوله :

یا قارئَ القرآنِ مع تأویلِهِ

مع کلِّ محکمةٍ أتتْ فی حالِ

أعمارةُ البیتِ المحرّمِ مثلُهُ

وسقایةُ الحجّاجِ فی الأمثالِ

أم مثله التیمیُّ أو عدویُّهمْ

هل کان فی حالٍ من الأحوالِ

لا والذی فرضٌ علیَّ ودادُهُ

ما عندیَ العلماءُ کالجهّالِ

وله قوله :

فمدینةُ العلمِ التی هو بابُها

أضحی قسیمَ النارِ یوم مآبهِ

فعدوُّه أشقی البریّةِ فی لظیً

وولیُّهُ المحبوبُ یومَ حسابهِ

وله قوله :

خیرُ البریّة خاصفُ النعلِ الذی

شهدَ النبیُّ بحقِّه فی المشهدِ

وبعلمِهِ وقضائِهِ وبسیفِهِ

شهدَ الرسولُ مع الملائکِ فاشهدِ

وله فی الصدّیقة الزهراء علیها السلام قوله :

وقفَ الندا فی موضعٍ عبرتْ

فیه البتولُ : عیونَکمْ غضّوا

فتغضُ (1) والأبصارُ خاشعةٌ

وعلی بنانِ الظالمِ العضُ

تسوَدُّ حینئذٍ وجوهُهمُ

ووجوهُ أهلِ الحقِّ تبیَضُ

وله یمدح الإمام جعفر الصادق علیه السلام قوله :

سلیلُ أئمّةٍ سلکوا کراماً

علی منهاجِ جدِّهمُ الرسولِ

إذا ما مشکلٌ أعیا علینا

أتَوْنا بالبیانِ وبالدلیلُِ.

ص: 61


1- کذا فی المناقب ، وفی أعیان الشیعة 6 / 11 : فتمرُّ.

ص: 62

25 - الصاحب بن عبّاد

المولود (326)

المتوفّی (385)

قالت فمن صاحبُ الدینِ الحنیفِ أجبْ

فقلتُ أحمدُ خیرُ السادةِ الرسُلِ

قالت فمن بعده تُصفی الولاءَ له

قلتُ الوصیُّ الذی أربی علی زُحَلِ

قالت فمن بات من فوقِ الفراشِ فدیً

فقلتُ أثبتُ خلقِ اللهِ فی الوَهَلِ (1)

قالت فمن ذا الذی آخاه عن مقةٍ

فقلتُ من حاز ردَّ الشمس فی الطَّفَلِ (2)

قالت فمن زوَّجَ الزهراءَ فاطمةً

فقلتُ أفضلُ من حافٍ ومُنتعلِ

قالت فمن والدُ السبطینِ إذ فرعا

فقلتُ سابقُ أهلِ السبقِ فی مَهلِ

قالت فمن فاز فی بَدرٍ بمعجزها

فقلتُ أضربُ خلقِ اللهِ فی القُلَلِ

قالت فمن أسدُ الأحزابِ یفرسُها

فقلتُ قاتلُ عمروِ الضیغمِ البطلِ

قالت فیوم حُنین من فرا وبَرا

فقلتُ حاصدُ أهلِ الشرکِ فی عجَلِ

قالت فمن ذا دُعی للطیر یأکلُهُ

فقلتُ أقربُ مَرضیٍّ ومُنتحلِ

قالت فمن تِلْوُهُ یومَ الکساءِ أجبْ

فقلتُ أفضلُ مَکسوٍّ ومُشتمِلِ

قالت فمن سادَ فی یومِ الغدیرِ أَبِنْ

فقلتُ من کان للإسلامِ خیرَ ولیب.

ص: 63


1- الوَهَل : الفزع.
2- المقة : المحبّة. طفلت الشمس : مالت للغروب.

قالت ففی من أتی فی هل أتی شرفٌ

فقلتُ أبذلُ أهلِ الأرضِ للنفَلِ

قالت فمن راکعٌ زکّی بخاتمهِ

فقلتُ أطعنُهم مذ کان بالأَسَلِ

قالت فمن ذا قسیمُ النارِ یسهمُها

فقلتُ من رأیُه أذکی من الشُّعَلِ

قالت فمن باهَل الطهرُ النبیُّ به

فقلتُ تالیهِ فی حِلٍّ ومُرتحَلِ

قالت فمن شبهُ هارونَ لنعرفَه

فقلتُ من لم یَحُلْ یوماً ولم یَزُلِ

قالت فمن ذا غدا بابَ المدینةِ قل

فقلتُ من سألوهُ وهو لم یَسلِ

قالت فمَن قاتل الأقوامَ إذ نکثوا

فقلتُ تفسیرُهُ فی وقعةِ الجملِ

قالت فمَن حاربَ الأرجاسَ إذ قسطوا

فقلت صفِّین تُبدی صفحةَ العملِ

قالت فمَن قارعَ الأنجاسَ إذ مرَقوا

فقلت معناه یوم النهروانِ جَلی

قالت فمَن صاحبُ الحوضِ الشریفِ غداً

فقلت مَن بیتُهُ فی أشرفِ الحللِ

قالت فمَن ذا لواء الحمدِ یحملُه

فقلت مَن لم یکن فی الروعِ بالوجلِ

قالت أکلُّ الذی قد قلتَ فی رجلٍ

فقلت کلُّ الذی قد قلتُ فی رجلِ

قالت فمَن هو هذا الفردُ سِمهُ لنا

فقلت ذاک أمیرُ المؤمنین علی

وله من قصیدة :

یا کفوَ بنتِ محمدٍ لولاکَ ما

زُفّتْ إلی بشرٍ مدی الأحقابِ

یا أصلَ عترةِ أحمدٍ لولاکَ لم

یکُ أحمدُ المبعوثُ ذا أعقابِ

کان النبیُّ مدینةَ العلمِ التی

حَوَتِ الکمالَ وکنتَ أفضلَ بابِ

رُدّتْ علیکَ الشمسُ وهی فضیلةٌ

بهرتْ فلم تُستَر بلفِّ نقابِ

لم أحکِ إلاّ ما روتْهُ نواصبٌ

عادتکَ فهی مُباحةُ الأسلابِ

عوملتَ یا تِلْوَ النبیِّ وصنوَهُ

بأوابدٍ جاءَتْ بکلِّ عُجابِ

قد لقّبوک أبا ترابٍ بعدما

باعوا شریعتَهمْ بکفِّ ترابِ

لم تعلموا أنّ الوصیَّ هو الذی

آتی الزکاةَ وکان فی المحرابِ

لم تعلموا أنّ الوصیَّ هو الذی

حَکَمَ الغدیرُ له علی الأصحابِ

ص: 64

وله قوله :

وقالوا علیٌّ علا قلت لا

فإنّ العُلی بعلیٍّ عَلا

ولکن أقولُ کقولِ النبیِ

وقد جمعَ الخلقَ کلَّ الملا

ألا إنّ من کنتُ مولیً له

یُوالی علیاً وإلاّ فلا

وله من قصیدة قوله :

وکم دعوةٍ للمصطفی فیه حُقِّقَتْ

وآمالُ من عادی الوصیَّ خوائبُ

فمن رَمَدٍ آذاه جَلاّه داعیاً

لساعته والریحُ فی الحربِ عاصبُ

ومن سطوةٍ للحرِّ والبردِ دوفعت

بدعوتِهِ عنه وفیها عجائبُ

وفی أیِّ یومٍ لم یکن شمسُ یومِهِ

إذا قیل هذا یومُ تُقضی المآربُ

أفی خطبةِ الزهراءِ لمّا استخصَّهُ

کِفاءً لها والکلُّ من قبلُ طالبُ

أفی الطیرِ لمّا قد دعا فأجابَهُ

وقد ردّه عنه غبیٌّ مواربُ

أفی رفعِهِ یومَ التباهلِ قدرَهُ

وذلک مجدٌ ما علمت مواظبُ

أفی یومِ خمٍّ إذ أشاد بذکرِهِ

وقد سمع الإیصاءَ جاءٍ وذاهبُ

أیعسوبَ دینِ اللهِ صنوَ نبیِّه

ومن حبُّهُ فرضٌ من اللهِ واجبُ

مکانُکَ من فوقِ الفراقدِ لائحٌ

ومجدُک من أعلی السماک مَراقبُ

وسیفُکَ فی جیدِ الأعادی قلائدٌ

قلائدُ لم یعکفْ علیهنّ ثاقبُ

الشاعر

الصاحب کافی الکفاة أبو القاسم إسماعیل بن أبی الحسن عبّاد بن العبّاس بن عبّاد بن أحمد بن إدریس الطالقانی.

قد یرتج القول علی صاحبه بالرغم من بلوغ الغایة القصوی من القدرة فی تحلیل شخصیّات کبیرة أتتهم الفضائل من شتّی النواحی ، واکتنفتهم المزایا الفاضلة

ص: 65

من جهات متفرِّقة. ومن هاتیک النفسیّات الکبیرة التی أعیت البلیغ حدودها نفسیّة الصاحب ، فهی تستدعی الإفاضة فی تحلیلها من ناحیة العلم طوراً ، ومن ناحیة الأدب تارةً ، کما تسترسل القول من وجهة السیاسة مرّة ، ومن وجهة العظمة أخری ، إلی جود هامر ، وفضل وافر ، وشرف صمیم ، ومذهب قویم ، وفضائل لا تحصی ، ومهما هتفت المعاجم بشیءٍ من ذلک فإنّه بعض الحقیقة ، ولعلّ فی شهرته بهاتیک المآثر جمعاء غنیً عن الإطناب فی وصفه ، وإنّک لا تجد شیئاً من کتب التراجم إلاّ وفیه لمعٌ من محامده ، ومن أشهرها یتیمة الدهر (1)) للثعالبی وهو أبسط من کتب فیه من القدماء وقد استوعب فیه (91) صحیفة ، وإنّما ألّفها له ولشعرائه ، وأفرد غیر واحد من رجال التألیف کتاباً فی ترجمته ، منهم :

1 - مهذّب الدین محمد بن علیّ الحلّی المزیدی المعروف بأبی طالب الخیمی ، له کتاب الدیوان المعمور فی مدح الصاحب المذکور.

2 - الشیخ محمد علی ابن الشیخ أبی طالب الزاهدی الجیلانی ، المولود (1103) والمتوفّی (1181).

3 - السیِّد أبو القاسم أحمد بن محمد الحسنی الحسینی الأصبهانی ، له کتاب الإرشاد فی أحوال الصاحب بن عبّاد ، ألّفها سنة (1259).

4 - الأستاذ خلیل مردم بک ، له کتاب فی المترجَم طبع فی مطبعة الترقّی (252) صحیفة بدمشق ، وهو الجزء الرابع من أئّمة الأدب الأربعة فی أربعة أجزاء.

وبعد هذه الشهرة الطائلة فلیس علینا إلاّ سرد ترجمة بسیطة هی جُماع ما فی هذه الکتب.

وُلد الصاحب فی إحدی کور فارس بإصطخر أو بطالقان ، فی (16) ذی القعدة 7.

ص: 66


1- یتیمة الدهر : 3 / 225 - 337.

سنة (326) ، وأخذ العلم والأدب عن والده وأبی الفضل بن العمید ، وأبی الحسین أحمد بن فارس اللغوی ، وأبی الفضل العبّاس بن محمد النحوی الملقّب بعرام ، وأبی سعید السیرافی ، وأبی بکر بن مقسم ، والقاضی أبی بکر أحمد بن کامل بن شجرة ، وعبد الله بن جعفر بن فارس ، ویروی عن الأخیرین.

قال السمعانی (1) : إنّه سمع الأحادیث من الأصبهانیِّین والبغدادیِّین والرازیِّین ، وحدّث ، وکان یحثُّ علی طلب الحدیث وکتابته. وروی عن ابن مردویه أنّه سمع الصاحب یقول : من لم یکتب الحدیث لم یجد حلاوة الإسلام.

وکان یُملی الحدیث علی خلقٍ کثیر ، فکان المستملی الواحد ینضاف إلیه الستّة کلٌّ یبلّغ صاحبه ، فکتب عنه الناس الکثیر الطیّب ، منهم : القاضی عبد الجبّار ، والشیخ عبد القاهر الجرجانی ، وأبو بکر ابن المقری ، والقاضی أبو الطیِّب الطبری ، وأبو بکر بن علیِّ الذکوانی ، وأبو الفضل محمد بن محمد بن إبراهیم النسوی الشافعی.

ثمّ شاع نبوغه فی العلوم وتضلّعه فی فنون الأدب ، واعترف به الشاهد والغائب ، حتی عدّه شیخنا بهاء الملّة والدین فی رسالة غسل الرجلین ومسحهما من علماء الشیعة ، فی عداد ثقة الإسلام الکلینی ، والصدوق ، والشیخ المفید ، والشیخ الطوسی والشیخ الشهید ونظرائهم. ووصفه العلاّمة المجلسی الأوّل فی حواشی نقد الرجال بکونه من أفقه فقهاء أصحابنا المتقدِّمین والمتأخِّرین ، وعدّه فی مقام آخر : من رؤساء المحدِّثین والمتکلّمین. وأطراه شیخنا الحرُّ العاملی فی أمل الآمل (2) ، بأنّه محقِّقٌ متکلّمٌ عظیم الشأن ، جلیل القدر فی العلم.

کما أنّ الثعالبی فی فقه اللغة جعله أحد أئمّتها الذین اعتمد علیهم فی کتابه ، أمثال : اللیث ، والخلیل ، وسیبویه ، وخلف الأحمر ، وثعلب الأحمثی ، وابن الکلبی ، 6.

ص: 67


1- الأنساب : 4 / 30.
2- أمل الآمل : 2 / 34 رقم 96.

وابن درید. وعدّه الأنباری أیضاً من علماء اللغة ، فأفرد له ترجمة فی کتابه : طبقات الأدباء النحاة (1)) ، وکذلک السیوطی فی بغیة الوعاة فی طبقات اللغویِّین والنحاة (2) ، ورآه العلاّمة المجلسی فی مقدّمة البحار (3) علَماً فی اللغة والعروض والعربیّة من الإمامیّة.

وقال ابن الجوزی فی المنتظم (4) (7 / 180) : کان یخالط العلماء والأدباء ویقول لهم : نحن بالنهار سلطان وباللیل إخوان ، وسمع الحدیث وأملی ، وروی أبو الحسن علیّ بن محمد الطبری المعروف ب (کیا) قال : سمعت أبا الفضل زید بن صالح الحنفی یقول : لمّا عزم الصاحب إسماعیل بن عبّاد علی الإملاء - وکان حینئذٍ فی الوزارة - خرج یوماً متطلّساً متحنّکاً بزیِّ أهل العلم ، فقال : قد علمتم قدمی فی العلم ، فأقرّوا له بذلک. فقال : وأنا متلبِّسٌ بهذا الأمر وجمیع ما أنفقته من صغری إلی وقتی هذا من مال أبی وجدّی ، ومع هذا فلا أخلو من تبعات ، أشهد الله وأشهدکم أنِّی تائبٌ إلی الله من کلِّ ذنب أذنبته. واتّخذ لنفسه بیتاً وسمّاه بیت التوبة ، ولبث أسبوعاً علی ذلک ، ثمّ أخذ خطوط الفقهاء بصحّة توبته ، ثمّ خرج فقعد للإملاء وحضر الخلق الکثیر ، وکان المستملی الواحد ینضاف إلیه ستّة کلٌّ یبلِّغ صاحبه ، فکتب الناس حتی القاضی عبد الجبّار ، وکان الصاحب یُنفِذ کلَّ سنة إلی بغداد خمسة آلاف دینار تُفرَّق فی الفقهاء وأهل الأدب ، وکان لا تأخذه فی الله لومة لائم.

وإخباتاً إلی علمه وأدبه ألّف له غیر واحد من الأعلام الأفذاذ تآلیف قیِّمة ، منهم

1 - شیخنا الصدوق أبو جعفر القمّی ، ألّف له کتابه : عیون أخبار الرضا. 1.

ص: 68


1- نزهة الألبّاء فی طبقات الأدباء والنحاة : ص 325 رقم 128.
2- بغیة الوعاة : 1 / 449 رقم 918.
3- بحار الأنوار : 1 / 42.
4- المنتظم : 14 / 376 رقم 2911.

2 - الحسین بن علیّ بن الحسین بن موسی بن بابویه القمّی ، کتابه : نفی التشبیه ، کذا فی لسان المیزان (1) (2 / 306) نقلاً عن فهرست النجاشی (2) ، ویظهر من النجاشی (ص 50) أنّه غیره ولم یسمّه.

3 - الشیخ الحسن بن محمد القمّی ، ألّف له کتابه : تاریخ قم.

4 - أبو الحسن أحمد بن فارس الرازی اللغوی ، کتابه : الصاحبیّ.

5 - القاضی علیّ بن عبد العزیز الجرجانی ، کتابه : التهذیب.

6 - أبو جعفر أحمد بن أبی سلیمان داود الصوّاف المالکی ، ألّف للصاحب کتابه : الحجر ووجّهه إلیه ، فقال الصاحب : رُدّوا الحجر من حیث جاء. ثمّ قبله ووصله علیه ، ذکره ابن فرحون فی الدیباج المذهّب (3) (ص 36).

وللصاحب آثارٌ خالدةٌ فی العلم والأدب منها :

1 - کتاب : أسماء الله وصفاته.

2 - کتاب : نهج السبیل فی الأصول.

3 - کتاب : الإمامة فی تفضیل أمیر المؤمنین.

4 - کتاب : الوقف والابتداء.

5 - کتاب : المحیط فی اللغة ، فی عشر مجلّدات (4).

6 - کتاب : الزیدیّة.

7 - کتاب : المعارف فی التاریخ.

8 - کتاب : الوزراء. ف)

ص: 69


1- لسان المیزان : 2 / 374 رقم 2782.
2- رجال النجاشی : ص 68 رقم 163.
3- الدیباج المذهّب : 1 / 167 رقم 34.
4- کذا فی معجم الأدباء [6 / 260]. وفی کشف الظنون [2 / 1621] : فی سبع مجلدات. [طبع أخیراً فی عشر مجلدات وفهارس بتحقیق الشیخ محمد حسن آل یاسین]. (المؤلف)

9 - کتاب : القضاء والقدر.

10 - کتاب : الروزنامچه ، ینقل عنه الثعالبی فی یتیمة الدهر.

11 - کتاب : أخبار أبی العیناء.

12 - کتاب : تاریخ الملک واختلاف الدول.

13 - کتاب : الزیدیِّین.

14 - کتاب : جوهرة الجمهرة لابن دُرید.

15 - کتاب : الإقناع فی العروض.

16 - کتاب : نقض العروض.

17 - کتاب : دیوان رسائله ، فی عشر مجلّدات.

18 - کتاب : الکافی ، فی الرسائل وفنون الکتابة.

19 - کتاب : الأعیاد وفضائل النیروز.

20 - کتاب : دیوان شعره.

21 - کتاب : الشواهد.

22 - کتاب : التذکرة.

23 - کتاب : التعلیل.

24 - کتاب : الأنوار.

25 - کتاب : الفصول المهذِّبة للعقول.

26 - کتاب : رسالة الإبانة عن مذهب أهل العدل.

27 - کتاب فی الطبّ.

28 - کتاب فی الطبّ أیضاً.

29 - کتاب : الکشف عن مساوئ شعر المتنبّی ، طبع بمصر فی (26) صحیفة. قال الثعالبی فی الیتیمة (1) : ولمّا عمل الصاحب هذه الرسالة عمل القاضی أبو الحسن 5.

ص: 70


1- یتیمة الدهر : 4 / 4 - 5.

علیّ بن عبد العزیز الجرجانی کتابه الوساطة بین المتنبّی وخصومه فی شعره ، وقال فیه بعض أدباء نیسابور :

أیا قاضیاً قد دَنَتْ کُتْبُه

وإن أصبحتْ دارُهُ شاحطه (1)

کتابُ الوساطةِ فی حسنِهِ

لعِقدِ معالیک کالواسطه

30 - رسالةٌ فی فضل سیِّدنا عبد العظیم الحسنی ، المدفون بالریّ.

31 - کتاب : السفینة ، نسبها إلیه الثعالبی فی تتمّة الیتیمة (2).

32 - کتابٌ مفرد فی ترجمة الشافعی محمد بن إدریس - إمام الشافعیّة - کما فی الکواکب الدریّة (ص 263).

وشافهنی الأستاذ حسین محفوظ الکاظمی بأنّه رأی من تآلیف الصاحب ما یلی :

1 - الفصول الأدبیّة والمراسلات العبادیّة ، مرتّبة علی خمسة عشر باباً ، فی کلِّ باب خمسة عشر فصلاً ، والنسخة مؤرّخةٌ بسنة (628).

2 - رسالة فی الهدایة والضلالة ، مخطوطةٌ بالخطّ الکوفی ، نسخت من نسخة المؤلِّف وعلیها خطّه.

3 - الأمثال السائرة من شعر أبی الطیِّب المتنبّی ، وهی (372) بیتاً ، والنسخة بخطّ الباخرزی مؤرّخة بسنة (434).

والقارئ جِدُّ علیم بأنّ مؤلِّف هذه الکتب المتنوِّعة ، أحد أفذاذ العلم الذین لم یعدُهم أیُّ مقام منیع من الفنون ، فهو : فیلسوف ، متکلّم ، فقیه ، محدِّث ، مؤرِّخ ، لغویّ نحویّ ، أدیب ، کاتب ، شاعر ، فما ظنّک بمثله من نابغة جمع الشوارد ، وألّف بین7.

ص: 71


1- شاحطة : بعیدة.
2- تتمّة یتیمة الدهر : 5 / 37.

متفرِّقات العلوم ، وهل تجده إلاّ فی الذروة والسنام من الفضل الظاهر ، فحقَّ له هذا الصیت الطائر ، والذکر السائر مع الفلک الدائر.

کانت للصاحب مکتبة عامرة ، وقد نوّه بها لمّا أرسل إلیه صاحب خراسان الملک نوح بن منصور السامانی فی السیر یستدعیه إلی حضرته ویرغِّبه فی خدمته ، وبذل البذول السنیّة ، فکان من جملة أعذاره قوله : ثمّ کیف لی بحمل أموالی مع کثرة أثقالی ، وعندی من کتب العلم خاصّة ما یُحمل علی أربعمائة حمل أو أکثر؟

[و] فی معجم الأدباء (1)) قال أبو الحسن البیهقی : وأنا أقول : بیت الکتب الذی بالریّ دلیلٌ علی ذلک بعدما أحرقه السلطان محمود بن سبکتکین ، فإنّی طالعت هذا البیت فوجدت فهرست تلک الکتب عشر مجلّدات ، فإنَّ السلطان محموداً لمّا ورد إلی الریّ قیل له : إنّ هذه الکتب کتب الروافض وأهل البدع ، فاستخرج منها کلّ ما کان فی علم الکلام وأمر بحرقه.

یظهر من کلام البیهقی هذا ، أنّ عمدة الکتب التی أُحرقت هی خزانة کتب الصاحب ، وهکذا کانت تعبث ید الجور بآثار الشیعة وکتبهم ومآثرهم.

وکان خازن تلک المکتبة ومتولّیها : أبو بکر محمد بن إبراهیم بن علیّ المقری (2) المتوفّی (381) ، وأبو محمد عبد الله الخازن ابن الحسن الأصبهانی.

وزارته ، صِلاته ، مادحوه :

قال أبو بکر الخوارزمی : الصاحب نشأ من الوزارة فی حجرها ، ودبَّ ودرج من وکرِها ، ورضع أفاویق درّها ، وورثها عن آبائه. کما قال أبو سعید الرستمی فی حقِّه : ف)

ص: 72


1- معجم الأدباء : 6 / 259.
2- توجد ترجمته فی الوافی بالوفیات للصفدی : 1 / 342 [رقم 224]. (المؤلف)

ورث الوزارة کابراً عن کابرٍ

موصولة الأسناد بالأسنادِ

یروی عن العبّاسِ عبّادٌ وزا

رتَهُ وإسماعیلُ عن عبّادِ

وهو أوّل من لُقِّب بالصاحب من الوزراء ، لأنّه کان یصحب أبا الفضل بن العمید فقیل له : صاحب ابن العمید ، ثمّ أُطلق علیه هذا اللقب لمّا تولّی الوزارة وبقی عَلَماً علیه ، وذکر الصابی فی کتاب التاجی : أنّه إنّما قیل له الصاحب لأنّه صحب مؤیّد الدولة ابن بویه منذ الصبا ، وسمّاه الصاحب فاستمرَّ علیه هذا اللقب واشتهر به ، ثمّ سُمّی به کلُّ من ولی الوزارة بعده.

استکتبه مؤیِّد الدولة من (347) تقریباً إلی سنة (366) ، وسافر معه إلی بغداد سنة (347) حتی استوزره من سنة (366) إلی وفاة مؤیّد الدولة سنة (373) ثمّ استوزره أخوه فخر الدولة ، وسافر معه إلی الریّ عاصمة مملکته ، ولم یألُ الصاحب جهداً فی خدمة أمیره وتوسیع مملکته ، قال الحموی (1) : فتح الصاحب خمسین قلعة سلّمها إلی فخر الدولة ، لم یجتمع عشرٌ منها لأبیه ولا لأخیه.

وله أیّام وزارته عطاؤه الجزل ، وسَیْب یده المتدفِّق ، وبرُّه المتواصل إلی العلماء والشعراء. قال الثعالبی : حدّثنی عون بن الحسین ، قال : کنت یوماً فی خزانة الخلع للصاحب فرأیت فی ثبت حسابات کاتبها - وکان صدیقی - مبلغ عمائم الخزّ التی صارت تلک الشتوة للعلویِّین والفقهاء والشعراء خاصّة - غیر الخدم والحاشیة - ثمانمائة وعشرین ، وکان یُنفذ إلی بغداد فی السنة خمسة آلاف دینار تفرّق علی الفقهاء والأدباء ، وکانت صِلاته وصدقاته وقرباته فی شهر رمضان تبلغ مبلغ ما یطلق منها فی جمیع شهور السنة ، فکان لا یدخل علیه فی شهر رمضان أحدٌ کائناً من کان فیخرج من داره إلاَّ بعد الإفطار عنده ، وکانت داره لا تخلو فی کلِّ لیلةٍ من لیالیه من 1.

ص: 73


1- معجم الأدباء : 6 / 251.

ألف نفس مفطرة فیها. یتیمة الدهر (1) (3 / 174).

کان عهده أخصب عهد للعلم والأدب بتقریبه رجالات الفضیلة ، وتشویقه إیّاهم ، وتنشیطهم لنشر بضائعهم الثمینة حتی نفق سوقها ، وراج أمرها ، وکثرت طلاّبها ، ونبغت روّادها ، فکانت قلائد الدرر منها تُقابَل بالبِدَر والصرر ، فمدحه علی فضله المتوفِّر ، وجوده المدید الوافر خمسمائة شاعر ، تجد مدائحهم مبثوثةً فی الدواوین والمعاجم ، قال الحموی (2) : حدّث ابن بابک قال : سمعت الصاحب یقول : مُدحت - والعلم عند الله - بمائة ألف قصیدة شعراً عربیّة وفارسیّة. وقد خلّدت تلک القصائد له علی صفحة الدهر ذکراً لا یبلی ، وعظمةً لا یخلقها مرُّ الجدیدین. ومن أولئک الشعراء :

1 - أبو القاسم الزعفرانی عمر بن إبراهیم العراقی ، له قصائد فی الصاحب ، منها نونیّة مطلعها :

سواک یعدُّ الغنی واقتنی

ویأمره الحرصُ أن یخزنا

وأنت ابنُ عبّادٍ المرتجی

تعدُّ نوالَکَ نیلَ المنی

2 - أبو القاسم عبد الصمد بن بابک ، یمدح الصاحب بقصیدة أوّلها :

خلعتْ قلائدَها عن الجوزاءِ

عذراءُ رقّصَها لعابُ الماءِ

3 - أبو القاسم عبد العزیز بن یوسف الوزیر من آل بویه ، له قصیدة منها :

أقول وقلبی فی ذراک مخیِّمٌ

وجسمی جنیبٌ للصبا والجنائبِ

یُجاذب نحو الصاحبِ الشوقُ مِقْودی

وقد جاذبتنی عنه أیدی الشواذبِ

4 - الوزیر أبو العبّاس الضبّی : المتوفّی (398) أحد شعراء الغدیر الآتی شعره 3.

ص: 74


1- یتیمة الدهر : 3 / 227 ، 230.
2- معجم الأدباء : 6 / 263.

وترجمته ، له قصائد فی مدح المترجَم.

5 - الکاتب أبو القاسم علیّ بن القاسم القاشانی ، کتب إلی الصاحب بقصیدةٍ أوّلها :

إذا الغیومُ أرجفنَ باسقُها

وحفَّ أرجاءَها بوارقُها

6 - أبو الحسن محمد بن عبد الله السلامی العراقی : المتوفّی سنة (394) ، له فی الصاحب قصیدة أوّلها :

رُقی العذّالِ أم خُدَعُ الرقیبِ

سقتْ وردَ الخدودِ من القلوبِ

وله فیه أُرجوزةٌ منها :

فما تحلُّ الوزراءُ ما عقدْ

بجهدِهم ما قاله وما اجتهدْ

شتّان ما بین الأُسود والنَّقدْ

هل یستوی البحرُ الخضمُّ والثمدْ (1)

أمنیّتی من کلِّ خیرٍ مُستعدْ

أن یسلم الصاحبُ لی طول الأبدْ

7 - القاضی أبو الحسن علیّ بن عبد العزیز الجرجانی : المتوفّی سنة (392) ، له من قصیدة فی الصاحب قوله :

أوَ ما انثنیتَ عن الوداعِ بلوعةٍ

ملأتْ حشاکَ صبابةً وغلیلا

ومدامع تجری فیحسبُ أنّ فی

آماقِهنَّ بنانَ إسماعیلا

یا أیّها القرمُ الذی بعلوِّه

نال العلاءَ من الزمانِ السولا

قسمتْ یداک علی الوری أرزاقَها

فَکَنَوْکَ قاسمَ رزقها المسؤولا

وله فیه قصائد کثیرة أخری.

8 - أبو الحسن علیّ بن أحمد الجوهری الجرجانی ، أحد شعراء الغدیر یأتی ه.

ص: 75


1- الَثمَد : الماء القلیل الذی لا مادَّ له.

شعره وترجمته ، له قصائد کثیرة فی الصاحب همزیّة ، رائیّة ، فائیّة ، بائیّة ، وغیرها.

9 - أبو الفیّاض سعد بن أحمد الطبری ، له فی الصاحب قصائد منها میمیّة أوّلها :

الدمع یُعرِبُ ما لا یُعرِبُ الکلِمُ

والدمعُ عدلٌ وبعضُ القولِ متّهمُ

10 - أبو هاشم محمد بن داود بن أحمد بن داود بن أبی تراب علیّ بن عیسی ابن محمد البطحائی ابن القاسم بن الحسن بن زید بن الحسن بن علیّ بن أبی طالب علیه السلام المعروف بالعلوی الطبریّ ، له شعرٌ کثیر فی الصاحب ، وللصاحب فیه کذلک.

11 - أبو بکر محمد بن العبّاس الخوارزمی ، له قصائد فی الصاحب ، ومن قصیدة یمدحه :

ومن نصرَ التوحیدَ والعدلَ فعلُهُ

وأیقظ نوّامَ المعالی شمائلُه

ومن ترکَ الأخیار ینشد أهلهُ

أحل أیّها الربع الذی خفَّ آهلُه

12 - أبو سعد نصر بن یعقوب ، له قصیدة فی الصاحب مطلعها :

أبی لی أن أبالیَ باللیالی

وأخشی صِرفَها فیمن یُبالی

13 - السیِّد أبو الحسین علیّ (1) بن الحسین بن علیّ بن الحسین بن [الحسن البصری بن] القاسم بن محمد بن القاسم [بن الحسن بن زید] بن الحسن بن علیّ بن أبی طالب علیه السلام صهر الصاحب. له قصیدة تربو علی الستّین بیتاً ، یمدح بها الصاحب خالیة من حرف الواو ، ذکر الثعالبی فی یتیمة الدهر (2) منها (20) بیتاً ، ومؤلِّف 5.

ص: 76


1- المعروف بالأطروش الرئیس بهمدان. عمدة الطالب : ص 80.
2- یتیمة الدهر : 3 / 475.

الدرجات الرفیعة (1) (14) بیتاً أوّلها :

برقٌ ذکرتُ به الحبائبْ

لمّا بدا فالدمع ساکبْ

14 - أبو عبد الله الحسین بن أحمد الشهیر بابن الحجّاج البغدادی : المتوفّی (391) ، أحد شعراء الغدیر ، یأتی شعره وترجمته ، له فائیّة یمدح بها الصاحب أوّلها :

أیّها السائل عنّی

أنا فی حالٍ طریفه

وأخری مطلعها :

ساق علی حسنِ وجهِها تَلَفی

وسرّها ما رأته من دَنفی

وله نونیّةٌ فی مدحه أوّلها :

یا عذولی أمّا أنا

فسبیلی إلی العنا

وحدیثی من حقِّه

فی الزمان أن یُدوَّنا

15 - أبو الحسن علیّ بن هارون ابن المنجِّم ، له قصیدةٌ فی الصاحب یصف بها داره بقوله :

وأبوابها أثوابُها من نقوشِها

فلا ظلمَ إلاّ حین تُرخی ستورها

16 - الشیخ أبو الحسن بن أبی الحسن صاحب البرید ابن عمة الصاحب ، له قصیدةٌ یصف بها داراً بناها المترجَم بأصبهان وانتقل إلیها :

دارٌ علی العزِّ والتأیید مبناها

وللمکارم والعلیاء مغناها

17 - أبو الطیِّب الکاتب ، له فی وصف دار الصاحب بأصبهان قصیدةٌ مطلعها : 3.

ص: 77


1- الدرجات الرفیعة : ص 483.

ودارٍ تری الدنیا علیها مدارها

تحوز السماء أرضها ودیارها

18 - أبو محمد ابن المنجِّم ، له رائیّةٌ یصف بها دار الصاحب مستهلّها :

هجرتُ ولم أنوِ الصدودَ ولا الهجرا

ولا أضمرتْ نفسی الصروفَ ولا الغدرا

19 - أبو عیسی ابن المنجِّم ، یمدح الصاحب بقصیدة یصف داره ویقول :

هی الدارُ قد عمَّ الأقالیمَ نورُها

ولو قَدَرَتْ بغدادُ کانت تزورُها

20 - أبو القاسم عبید الله بن محمد بن المعلّی ، یصف دار الصاحب بقصیدة أوّلها

بی من هواها وإن أظهرت لی جلَدا

وجدٌ یذیب وشوقٌ یصدعُ الکبدا

21 - أبو العلاء الأسدی ، یمدحه بقصیدة ویصف داره ، مطلعها :

واسعد بدارِکَ إنّها الخلدُ

والعیشُ فیها ناعمٌ رغدُ

22 - أبو الحسین الغویری ، له قصائد فی الصاحب منها قصیدة یصف بها داره بأصبهان أوّلها :

دارٌ غدتْ للفضلِ داره

أفلاکُ أسعدِهِ مداره

23 - أبو سعید الرستمی محمد بن محمد بن الحسن الأصبهانی ، مدح الصاحب بقصائد منها بائیّة مستهلّها :

عقّنی بالعقیق ذاک الحبیبُ

فالحشی حشوه الجَوی والنحیبُ

وله من قصیدة لامیّة یمدح بها الصاحب قوله :

أفی الحقِّ أن یُعطی ثلاثون شاعراً

ویحرَمُ ما دون الرضا شاعرٌ مثلی

کما أُلحِقتْ واوٌ بعمروٍ زیادةً

وضُویِقَ باسم الله فی ألف الوصلِ

ص: 78

24 - أبو محمد عبد الله بن أحمد الخازن الأصبهانی ، له قصائد یمدح بها الصاحب ، أجودها قصیدةٌ مطلعها :

هذا فؤادُکَ نهبی بین أهواءِ

وذاک رأیُک شوری بین آراءِ

25 - أبو الحسن علیّ بن محمد البدیهی ، وهو الذی قال فیه صاحبنا المترجَم :

تقولُ البیتَ فی خمسین عاماً

فلمْ لقّبتَ نفسَکَ بالبدیهی

له قصائد یمدح بها الصاحب ، منها لامیّة أوّلها :

قد أطعتَ الغرامَ فاعصِ العُذولا

ما عسی عائبُ الهوی أن یقولا

26 - أبو إبراهیم إسماعیل بن أحمد الشاشی العامریُّ ، له قصائد صاحبیّة ، منها بائیّةٌ أوّلها :

سرَیْنا إلی العلیا فقیل کواکبُ

وثرنا إلی الجلّی فقیل قواضبُ

27 - أبو طاهر بن أبی الربیع عمرو بن ثابت ، له صاحبیّات منها جیمیّة أوّلها :

أما لصحابی بالعذیب معرّجُ

علی دِمَنٍ أکنافُها تتأرّجُ

28 - أبو الفرج الحسین بن محمد بن هندو ، له صاحبیّات ، منها قصیدةٌ أوّلها :

لها من ضلوعی أن یشبَّ وقودُها

ومن عبراتی أن تفضَّ عقودُها

29 - العمیری قاضی قزوین ، أهدی إلی الصاحب کتباً وکتب معها :

العمیریُّ عبدُ کافی الکفاةِ

وإن اعتدَّ فی وجوهِ القضاةِ

خدم المجلسَ الرفیعَ بکتبٍ

مفعماتٍ من حسنِها مترعاتِ

فوقّع الصاحب بقوله :

قد بلنا من الجمیعِ کتاباً

ورددنا لوقتِها الباقیاتِ

ص: 79

لستُ أستغنمُ الکثیرَ فطبعی

قولُ خذْ لیس مذهبی قولَ هاتِ

30 - أبو الرجاء الأهوازی ، مدح الصاحب لمّا ورد الصاحب الأهواز ، ومن قصیدته :

إلی ابن عبّادٍ أبی القاسمِ الصاحبِ إسماعیلَ کافی الکفاة

وتشرب الجندُ هنیئاً بها

من بعد ماءِ الریّ ماءَ الفرات (1)

31 - أبو منصور أحمد بن محمد اللجیمی الدینَوَری ، له شعر یمدح به الصاحب.

32 - أبو النجم أحمد الدامغانی المعروف ب - شصت کلّه - : المتوفّی سنة (432) ، له قصیدةٌ بالفارسیّة مدح بها الصاحب.

33 - الشریف الرضی أحد شعراء الغدیر یأتی شعره وترجمته ، مدح الصاحب بدالیّة سنة (375) ولم ینفذها إلیه ، وأخری سنة (385) قبل وفاة الصاحب بشهر ، وأنفذها إلیه.

34 - القاضی أبو بکر عبد الله بن محمد بن جعفر الأسکی ، له شعرٌ فی الصاحب ومنه قوله :

کلُّ برٍّ ونوالٍ وصِلَه

واصلٌ منک إلی معتزله

یا ابن عبّاد ستلقی ندماً

لفراقِ الجیرةِ المرتحله

35 - أبو القاسم غانم بن محمد بن أبی العلاء الأصبهانی ، له صاحبیّات مدحاً ورثاءً. قال الثعالبی فی تتمیم یتیمته (2) : کان یسایر الصاحب یوماً فرسم له وصف 9.

ص: 80


1- أعجب ما رأیت من تعالیق معجم الأدباء الطبعة الثانیة ، تعلیق [علی] هذا البیت فی : 6 / 254 جعل الأستاذ الرفاعی الشطر الثانی فی المتن : من بعد ماء الریّ ماء الصراة. وقال فی التعلیق : الصراة : نهر بالعراق. (المؤلف)
2- تتمّة یتیمة الدهر : 5 / 139.

فرس کان تحته ، فقال مرتجلاً :

طرفٌ تحاولُ شأوَهُ ریحُ الصبا

سفهاً فتعجز أن تشقَّ غباره

باری بشمسِ قمیصِهِ شمسَ الضحی

صبغاً ورضَّ حجارَه بحجاره

36 - أبو بکر محمد بن أحمد الیوسفی الزوزنی ، له صاحبیّة أوّلها :

أطلع الله للمعانی سعوداً

وأعاد الزمان غضّا جدیدا

ومنها :

بعث الدهرُ جندَهُ وبعثنا

نحوه دعوةَ الإله جنودا

یا عمیدَ الزمانِ إنّ اللیالی

کدنَ یترکن کلَّ قلبٍ عمیدا

حادثاتٌ أَردنَ إحداثَ هدمٍ

لعلاهُ فأحدثتْ تشییدا

وله من أخری قوله :

سلامٌ علیها إنّ عینی عندما

أشارت بلحظِ الطرفِ تخضبُ عَندما (1)

37 - أبو بکر یوسف بن محمد بن أحمد الجلودی الرازی ، له قصیدةٌ صاحبیّةٌ منها قوله :

ریاضٌ کأنّ الصاحبَ القرمَ جادَها

بأنوائِه أو صاغَها من طباعِه

یجلّی غیاباتِ الخطوبِ برأیهِ

کما صدع الصبحُ الدجی بشعاعِه

ومنها :

سحابٌ کیمناهُ ولیلٌ کبأسِه

وبرقٌ کماضیه وخرقٌ کباعِه

38 - أبو طالب عبد السلام بن الحسین المأمونی. قال فرید وجدی فی دائرةر.

ص: 81


1- العندم : شجر أحمر ، وقیل : صبغ أحمر.

المعارف (6 / 20) : مدح الصاحب بقصائد فأعجبه نظمه ، توفّی سنة (383)

39 - أبو منصور الجرجانی ، کتب إلی الصاحب قوله :

قل للوزیر المرتجی

کافی الکفاة الملتجی

إنّی رُزقتُ ولداً

کالصبح إذ تبلّجا

لا زال فی ظلّک ظ

-لِّ المکرمات والحجا

فسمِّه وکنِّه

مشرَّفاً متوَّجا

فوقّع الصاحب تحتها بقوله :

هُنِّئتَهُ هنِّئتَهُ

شمسَ الضحی بدرَ الدجی

فسمِّهِ محسِّناً

وکنِّه أبا الرجا

40 - الأوسی ، مدح الصاحب ببائیّة أنشدها بین یدیه فلمّا بلغ إلی قوله :

لمّا رکبتُ إلیک مُهری أُنعِلَتْ

بدرَ السماءِ وسُمِّرتْ بکواکب

قال له الصاحب : لِمَ أنّثتَ المهر؟ ولِم شبّهتَ النعل بالبدر ولا یشبهه؟ ولو شبّهته بالهلال لکان أحسن فإنّه علی هیئته ، فقال الأوسی : أمّا تأنیث المهر فلأ نّی عنیت المهرة ، وأمّا تشبیهی النعل ببدر السماء فلأنّی أردت النعل المطبقة.

41 - إبراهیم بن عبد الرحمن المعرّی ، مدح الصاحب بقصیدة منها :

قد ظهر الحقُّ وبانَ الهدی

لمن له عینانِ أو قلبُ

مثلَ ظهورِ الشمس فی حُجْبِها

إذ رُفِعتْ عن نورِها الحُجبُ

بالمَلک الأعظم مستبشرٌ

شرقُ بلادِ اللهِ والغربُ

42 - محمد بن یعقوب أحد أئمّة النحو ، کتب إلی الصاحب کما فی دمیة القصر (1 / 301):

ص: 82

قل للوزیرِ أدامَ اللهُ نعمتَهُ

مستخدماً لمجاری الدهر والقدرِ

أردت عبداً وقد أُعطِیتَهُ ولداً

فسمِّهِ باسم من بالعربِ مفتخرِ (1)

وإن وصلتَ له تشریفَ کنیتِهِ

جمعتَ بالطولِ بین الروضِ والمطرِ

لا زال ظلُّک ممدوداً ومنتشراً

فإنّه خیرُ ممدودٍ ومنتشرِ

هنّیتَهُ ابناً یشیع الأُنس فی البشَرِ

هُنِّیتَ مَقدِمَ هذا الصارمِ الذکَرِ

43 - محمد بن علیّ بن عمر أحد أعیان الریّ ، قرأ علی الصاحب ومدحه برائیّة.

والأدباء یعبِّرون عن المترجَم وأبی إسحاق الصابی بالصادین ، کما وقع فی قول الشیخ أحمد البربیر المتوفّی سنة (1226) فی کتابه الشرح الجلی (ص 283) یمدح کاتباً ملیحاً :

لله کاتباً الذی أنا رقُّهُ

وهو الذی لا زالَ قرّةَ عینی

فی میمِ مبسمهِ ولامِ عذارِهِ

ما بات ینسخُ بهجةَ الصادینِ

شعره فی المذهب :

وللصاحب مراجعات ومراسلات مع مادحیه تجدها فی الکتب والمعاجم ، وشعره کما سمعت کثیرٌ مدوّنٌ ، ونحن نقتصر من نظمه الذهبیِّ بما عقد سمط جمانه فی المذهب ، ذکر له الثعالبی فی یتیمة الدهر (2)) (3 / 247):

حبُّ علیّ بن أبی طالبٍ

هو الذی یهدی إلی الجنّه

إن کان تفضیلی له بدعةً

فلعنةُ اللهِ علی السنّه1.

ص: 83


1- کذا.
2- یتیمة الدهر : 3 / 321.

وذکر له فی الکتاب :

ناصبٌ قال لی معاویةٌ خا

لکَ خیرُ الأعمامِ والأخوال

فهو خالٌ للمؤمنین جمیعاً

قلت خالٌ لکن من الخیرِ خالی

وذکر له فقیه الحرمین الکنجی الشافعی المتوفّی سنة (658) فی کفایة الطالب (1)) (ص 81) ، والخوارزمی فی المناقب (2) (ص 69):

یا أمیرَ المؤمنین المرتضی

إنّ قلبی عندکم قد وقفا

کلّما جدّدتُ مدحی فیکمُ

قال ذو النصب نسیتَ السلَفا (3)

من کمولای علیٍّ زاهدٌ

طلّق الدنیا ثلاثاً ووفی

من دُعی للطیرِ أن یأکلَهُ

ولنا فی بعض هذا مکتفی

من وصیُّ المصطفی عندکمُ

ووصیّ المصطفی من یُصطفی

وذکر الفقیه الکنجی فی الکتاب (4) (ص 192) ، وسبط ابن الجوزی فی تذکرة خواصّ الأمّة (5) (ص 88) ، والخوارزمی فی المناقب (6) (ص 61):

حبُّ النبیِّ وأهل البیت معتمدی (7)

إنّ الخطوب أساءت رأیها فینا

أیا ابن عمِّ رسولِ اللهِ أفضلَ من

ساسَ الأنامَ وسادَ الهاشمیّینا

یا نُدرةَ الدینِ یا فردَ الزمانِ أصخْ

لمدحِ مولیً یری تفضیلَکمْ دینا

هل مثلُ سیفِک فی الإسلامِ لو عرفوا

وهذه الخصلةُ الغرّاءُ تکفیناف)

ص: 84


1- کفایة الطالب : ص 192 باب 46.
2- المناقب : ص 115 ح 125.
3- تسبّ السلفا. الخوارزمی. (المؤلف)
4- کفایة الطالب : ص 334 - 335 باب 94.
5- تذکرة الخواص : ص 148.
6- المناقب : ص 103.
7- هذه الأبیات المحکیّة عن الکتب الثلاثة لا یوجد فی أعیان الشیعة سوی ثلاثة منها. (المؤلف)

هل مثلُ علمِک إذ زالوا وإذ وهنوا

وقد هدیتَ کما أصبحتَ تهدینا

هل مثلُ جمعِک للقرآنِ نعرفُهُ

لفظاً ومعنیً وتأویلاً وتبیینا

هل مثلُ حالِک عند الطیرِ تحضرُهُ

بدعوةٍ نلتَها دون المصلّینا

هل مثلُ بَذْلِکَ للعانی الأسیرِ ولل

طفلِ الصغیر وقد أعطیتَ مسکینا

هل مثلُ صبرِک إذ خانوا وإذ ختروا

حتی جری ما جری فی یوم صفِّینا

هل مثلُ فتواک إذ قالوا مجاهرةً

لولا علیٌّ هلکنا فی فتاوینا

یاربِّ سهِّل زیاراتی مشاهدَهمْ

فإنّ روحیَ تهوی ذلک الطینا

یاربِّ صیِّر حیاتی فی محبّتهمْ

ومحشری معهم آمین آمینا

وذکر ابن شهرآشوب (1) من هذه القصیدة بعد البیت الثانی من أوّلها :

أنتَ الإمامُ ومنظورُ الأنامِ فمن

یردُّ ما قلتُه یُقْمَعْ براهینا

هل مثلُ فعلِکَ فی لیلِ الفراشِ وقد

فدیتَ بالروحِ ختّامَ النبیّینا

هل مثلُ فاطمةَ الزهراءِ سیّدةٌ

زُوِّجتها یا جمالَ الفاطمیّینا

هل مثلُ برِّک فی حالِ الرکوعِ وما

برٌّ کبرِّکَ برّا للمزکّینا

هل مثلُ فعلِکَ عند النعلِ تخصفُها

لو لم یکن جاحدو التفضیل لاهینا

هل مثلُ نجلیَکَ فی مجدٍ وفی کرمٍ

إذ کُوّنا من سلالِ المجدِ تکوینا

وله فی مناقب الخطیب الخوارزمی (2) (ص 105) ، وکفایة الطالب للکنجی الشافعی (3) (ص 243) ، وتذکرة خواصّ الأمّة (4) (ص 31) ، ومناقب ابن شهرآشوب (5) وغیرها قصیدةٌ ، ولوقوع الاختلاف فیها نجمع بین روایاتها ونشیر إلی 1.

ص: 85


1- مناقب آل أبی طالب : 2 / 73 ، 207 و 3 / 13 ، 19 ، 57.
2- المناقب : ص 174.
3- کفایة الطالب : ص 388.
4- تذکرة الخواص : ص 52 - 53.
5- مناقب آل أبی طالب : 2 / 147 و 3 / 141.

ما روته رجال العامّة ب (ع):

بلغتْ نفسی مُناها

بالموالی آلِ طه

برسولِ الله من حا

زَ المعالی وحواها

وببنت المصطفی من

أشبهتْ فضلاً أباها

(ع) من کمولای علیٍ

والوغی تحمی لظاها

(ع) من یصیدُ الصیدَ فیها

بالظبا حتی (1) انتضاها

یوم أمضاها علیهمْ

ثمّ أمضاها علیهم فارتضاها (2)

(ع) من له فی کلِّ یومٍ

وقعاتٌ لا تُضاهی

(ع) کم وکم حربٍ ضروسٍ

سدَّ بالمرهفِ فاها

(ع) أذکروا أفعال بدرٍ

لستُ أبغی ما سواها

(ع) أذکروا غزوةَ أُحدٍ

إنّه شمسُ ضُحاها

(ع) أذکروا حربَ حنینٍ

إنّه بدرُ دُجاها

(ع) أذکروا الأحزابَ قِدماً

إنّه لیثُ شراها

(ع) أذکروا مهجةَ عمروٍ

کیف أفناها شجاها

(ع) أذکروا أمر براءه

وأخبرونی من تلاها

(ع) أذکروا من زُوِّج الزه

-راءَ قد طاب ثراها (3)

(ع) أذکروا بکرةَ طیرٍ

فلقد طارَ ثناها

(ع) أذکروا لی قُلَلَ العل

-مِ ومن حلَّ ذُراهاف)

ص: 86


1- فی جمیع المصادر والدیوان : حین.
2- ورد هذا البیت فی الدیوان ص 115 هکذا : انتضاها ثم أمضا ها علیهم فارتضاها
3- فی لفظ أهل السنّة : أذکروا من زُوِّجَ الزه راءَ کیما تتباهی (المؤلف)

(ع) حالهُ حالةُ هارو

نَ لموسی فافهماها

(ع) أعلی حبِّ علیٍ

لامنی القومُ سفاها

(ع) أهملوا قرباه جهلاً

وتخطَّوا مُقتضاها

(ع) أوّلُ الناس صلاةً

جعل التقوی حُلاها

(ع) رُدّتِ الشمسُ علیه

بعدما غابَ سناها

(ع) حجّةُ اللهِ علی الخل

-قِ شقی من قد قلاها

وبحبّی (1) الحسنَ البا

لغَ فی العَلیا مداها

والحسینَ المرتضی یو

مَ المساعی إذ حواها

لیس فیهم غیرُ نجمٍ

قد تعالی وتناهی

عترةٌ أصبحتِ الدن

-یا جمیعاً فی حماها

ما تحدّت عُصَب البغ

-ی بأنواعِ عماها

أَردَتِ الأکبرَ بالس

-مِّ وما کان کفاها

وانبرتْ تبغی حسیناً

وعرَته وعراها

منعتْهُ شربةً والط

-یرُ قد أروتْ صداها

فأفاتتْ نفسه یا

لیت روحی قد فداها

بنتُهُ تدعو أباها

أُخته تبکی أخاها

لو رأی أحمدُ ما کا

ن دهاه ودهاها

لشکا الحالَ إلی اللهِ

وقد کان شکاها(2)

وله فی مناقبی ابن شهرآشوب (3) والخطیب والخوارزمی (4) (ص 233) قصیدة 4.

ص: 87


1- فی الدیوان : وبحبِّ.
2- غیر واحد من الأبیات لا یوجد فی أعیان الشیعة [3 / 359]. (المؤلف)
3- مناقب آل أبی طالب : 2 / 258.
4- المناقب : ص 334.

نجمع بینهما لاختلافهما فی عدد الأبیات ، ألا وهی :

ما لعلیِّ العُلی أشباهُ

لا والذی لا إله إلاّ هو

مبناه مبنی النبیِّ تعرفُهُ

وابناه عند التفاخر إبناهُ

إنّ علیّا علا إلی شرفٍ

لو رامَهُ الوهمُ ذلَ (1) مرقاهُ

أیا غداةَ الکساءِ لا تهِنی

عن شرح علیاه إذ تکسّاهُ (2)

یا ضحوةَ الطیرِ تنبَّئی (3) شرفاً

فاز به لا یُنال أقصاهُ

براءةُ استعملی بلاغَکِ مَن

أقعد عنه ومن تولاّهُ

یا مرحبَ الکفرِ قد أذاقَکَ مَن

من حدِّ ما قد کرهتَ ملقاهُ

یا عمرو من ذا الذی أنالَک من

حارة (4) الحتف حین تلقاهُ

لو طلبَ النجمَ ذاتُ أخمُصِهِ

علاه والفرقدانِ نعلاهُ

أما عرفتمْ سموّ منزلهِ

أما عرفتم علوَّ مثواهُ

أما رأیتمْ محمداً حدِباً

علیه قد حاطه وربّاهُ

واختصّه یافعاً وآثرَهُ

واعتامه مخلصاً وآخاهُ (5)

زوّجه بَضعْةَ النبوّة إذ

رآه خیر امرئٍ وأتْقاهُ

یا بأبی السیّدَ الحسینَ وقد

جاهد فی الدینِ یومَ بلواهُ

یا بأبی أهلَه وقد قُتِلوا

من حولِهِ والعیونُ ترعاهُ

یا قبّح اللهُ أمّةً خذلتْ

سیّدَها لا تریدُ مرضاهُ

یا لعنَ اللهُ جیفةً نجساً

یقرعُ من بغضِهِ ثنایاهُر.

ص: 88


1- فی الدیوان ص 61 : زلَّ.
2- هذا البیت وما بعده إلی أربعة أبیات لا توجد فی مناقب ابن شهرآشوب ، بل رواها الخوارزمی. (المؤلف)
3- فی الدیوان ص 63 : بیِّنی.
4- فی المناقب والدیوان ص 63 : صارمِهِ.
5- اعتام : اختار.

وله دالیّة ذکرها الخوارزمی فی المناقب (1) (ص 223) ، وابن شهرآشوب فی مناقبه (2) ، ونجمع بین الروایتین وهی :

هو البدرُ فی هیجاءِ بدرٍ وغیرُهُ

فرائصُهُ من ذکرِه السیفَ ترعدُ

علیٌّ له فی الطیرِ ما طارَ ذکرُهُ

وقامت به أعداؤه وهی تشهدُ

علیٌّ له فی هل أتی ما تلوتمُ

علی الرغمِ من آنافِکمْ فتفرّدوا

وکم خبرٍ فی خیبرٍ قد رویتمُ

ولکنّکم مثلُ النعام تشرّدوا

وفی أُحُدٍ ولّی رجالٌ وسیفُهُ

یسوِّد وجهَ الکفرِ وهو مسوّدُ

ویومَ حنینٍ حنَّ للغلِّ بعضُکمْ

وصارمُهُ عضبُ الغرارِ مهنّدُ

تولّی أمورَ الناسِ لم یستغلّهمْ

ألا ربّما یرتابُ من یتقلّدُ

ولم یکُ محتاجاً إلی علمِ غیرهِ

إذا احتاجَ قومٌ فی قضایا تبلّدوا

ولا سدَّ عن خیرِ المساجدِ بابَهُ

وأبوابُهمْ إذ ذاک عنه تُسدَّدُ

وزوجتُه الزهراءُ خیرُ کریمةٍ

لخیرِ کریمٍ فضلُها لیس یُجحدُ (3)

وبالحسنینِ المجدُ مدَّ رواقَه

ولولاهما لم یبقَ للمجدِ مشهدُ

تفرّعتِ الأنوارُ للأرضِ منهما

فلله أنوارٌ بدت تتجدّدُ

هم الحُجَجُ الغُرُّ التی قد توضّحتْ

وهم سُرُجُ اللهِ التی لیس تخمدُ

أُوالیکمُ یا آلَ بیتِ محمدٍ

فکلُّکمُ للعلمِ والدین فرقدُ

وأترکُ من ناواکمُ وهو هتکُهُ

یُنادی علیه مولدٌ لیس یُحمَدُ

وذکر له الحمّوئی صاحب فرائد السمطین (4) ، فی السمط الثانی فی الباب الأوّل : 8.

ص: 89


1- المناقب : ص 333 ح 355.
2- مناقب آل أبی طالب : 2 / 170 ، 207 ، 320 و 3 / 140 ، 428 و 4 / 90.
3- هذا البیت رواه الخوارزمی [فی المناقب : ص 334] ولا یوجد فیما جمع له السیّد فی أعیان الشیعة. (المؤلف)
4- فرائد السمطین : 2 / 12 ح 358.

منائحُ اللهِ عندی جاوزتْ أملی

فلیس یدرکُها شکری ولا عملی

لکنّ أفضلَها عندی وأکملَها

محبّتی لأمیر المؤمنین علی

وذکر العلاّمة المجلسی فی البحار (1) (10 / 264) نقلاً عن بعض الکتب القدیمة (2) من قصیدةٍ طویلةٍ له :

أجرَوا دماءَ أخی النبیِّ محمدٍ

فلتَجْرِ غزرُ دموعِنا ولتهملِ

ولتصدرِ اللّعناتُ غیرَ مزالةٍ

لعداهُ من ماضٍ ومن مُستقبلِ

وتجرّدوا لبنیهِ ثمّ بناتِهِ

بعظائمٍ فاسمعْ حدیثَ المقتلِ

منعوا الحسینَ الماءَ وهو مجاهدٌ

فی کربلاءَ فنُحْ کنوحِ المُعوِلِ

منعوهُ أعذبَ منهلٍ وهمُ غداً

یَرِدون فی النیرانِ أوخمَ منهلِ

أَیُحَزُّ رأسُ ابنِ النبیِّ وفی الوری

حیٌّ أمامَ رکابِهِ لم یُقتَلِ

وبنو السِّفاحِ تحکّموا فی أهل حیّ علی الفلاحِ بفرصةٍ وتعجّلِ

نکتَ الدعیُّ ابن البغیِّ ضواحکاً

هی للنبیّ الخیرِ خیرُ مُقبَّلِ (3)

تُمضی بنو هندٍ سیوفَ الهندِ فی

أوداجِ أولادِ النبیِّ وتعتلی

ناحتْ ملائکةُ السماءِ لقتلهمْ

وبکوا فقد أُسقوا (4) کؤوس الذُبَّلِ

فأری البکاءَ علی (5) الزمانِ محلّلاً

والضحکَ بعد الطفِّ غیرَ محلَّلِ

کم قلتُ للأحزانِ دومی هکذا

وتنزّلی فی القلب لا تترحّلی

هذه نبذة من شعره فی الأئمّة علیهم السلام ، وفی مناقب ابن شهرآشوب منه نبذ منثورة علی أبواب الکتاب جمعها السیّد فی أعیان الشیعة ، ولمثول الکتابین للطبع ی.

ص: 90


1- بحار الأنوار : 45 / 284.
2- هو کتاب مقتل الحسین علیه السلام للخوارزمی ، والقصیدة فیه : 1 / 141. (الطباطبائی)
3- لم یذکر سیّدنا الأمین فی أعیان الشیعة [3 / 360] من القصیدة إلاّ هذا البیت. (المؤلف)
4- فی البحار والدیوان ص 87 : سُقُّوا.
5- فی الدیوان : مدی.

وانتشارهما ، ضربنا عن ذکر جمیعها صفحاً ، ولم نذکر هاهنا إلاّ الخارج عن الکتابین ولو فی الجملة.

قال السیّد فی الدرجات الرفیعة (1) : إنّ الصاحب قال قصیدةً معرّاة من الألف - التی هی أکثر الحروف دخولاً فی المنثور والمنظوم - وأوّلها :

قد ظلَّ یجرح صدری

من لیس یعدوه فکری

وهی فی مدح أهل البیت علیهم السلام فی سبعین بیتاً ، فتعجّب الناس [منها] (2) ، وتداولتها الرواة فسارت مسیر الشمس فی کلّ بلدة ، وهبّت هبوب الریح فی البرّ والبحر ، فاستمرَّ الصاحب علی تلک الطریقة ، وعمل قصائد کلُّ واحدة منها خالیةٌ من حرفٍ واحدٍ من حروف الهجاء ، وبقیت علیه واحدة تکون خالیة من الواو ، فانبری صهره أبو الحسین علیّ لعملها وقال قصیدة لیس فیها واوٌ ، ومدح الصاحب بها ، وأوّلها :

برقٌ ذکرتُ به الحبائب

لمّا بدا فالدمعُ ساکب

کان للصاحب خاتمان ، نقش أحدهما هذه الکلمات :

علی الله توکّلتُ

وبالخَمسِ توسّلتُ

ونقش الآخر :

شفیعُ إسماعیلَ فی الآخره

محمدٌ والعترةُ الطاهره

ذکره الشیخ فی المجالس (3) ، وأشار إلیه شیخنا الصدوق فی أوّل عیون 9.

ص: 91


1- الدرجات الرفیعة لابن معصوم : ص 483.
2- الزیادة من المصدر.
3- مجالس المؤمنین : 2 / 449.

الأخبار (1).

الصاحب ومذهبه :

إنّ کون الصاحب من علّیّة الشیعة الإمامیّة ممّا لا یمتری فیه أیُّ أحد من علماء مذهبه الحقّ ، کما یشهد بذلک شعره الکثیر الوافر فی أئمّة أهل البیت علیهم السلام ونثره المتدفِّق منه لوائح الولایة والتفضیل وهو یهتف بقوله :

فکم قد دعونی رافضیّا لحبّکمْ

فلم یَثْنِنی عنکم طویلُ عوائِهم

وقد نصَّ علی مذهبه هذا السیّد رضیُّ الدین بن طاووس فی کتاب الیقین (2) ، وقد مرَّ عن المجلسی الأوّل أنّه من أفقه فقهاء أصحابنا ، واقتفی أثره ولده فی مقدِّمات البحار (3) فصرّح بأنّه کان من الإمامیّة ، وعدّه القاضی الشهید فی مجالسه (4) من وزراء الشیعة ، ویقول شیخنا الحرّ فی أمل الآمل (5) : إنّه کان شیعیّا إمامیّا ، وعدّه ابن شهرآشوب فی المعالم (6)) من شعراء أهل البیت المجاهرین ، وشیخنا الشهید الثانی (7) من أصحابنا ، وفی معاهد التنصیص (8) : إنّه کان شیعیّا جلداً کآل بویه معتزلیّا.

وقبل هذه الشهادات کلّها شهادة الشیخین العَلمین : رئیس المحدِّثین الصدوق 8.

ص: 92


1- عیون أخبار الرضا : 1 / 16.
2- الیقین فی إمرة أمیر المؤمنین : ص 457 باب 174.
3- بحار الأنوار : 1 / 42.
4- مجالس المؤمنین : 2 / 447.
5- أمل الآمل : 2 / 34 رقم 96.
6- معالم العلماء : ص 148.
7- الدرایة : ص 92.
8- معاهد التنصیص : 4 / 123 رقم 208.

فی عیون أخبار الرضا (1) ، وشیخنا المفید فیما حکاه عنه ابن حجر فی لسان المیزان (2) (1 / 413) ورسالته فی أحوال عبد العظیم الحسنی المندرجة فی خاتمة المستدرک (3) (3 / 614) ، من جملة الشواهد أیضاً ، وفی لسان المیزان (1 / 413) : کان الصاحب إمامیّ المذهب وأخطأ من زعم أنّه کان معتزلیّا ، وقد قال عبد الجبّار القاضی لمّا تقدّم للصلاة علیه (4) : ما أدری کیف أصلّی علی هذا الرافضیِّ. وعن ابن أبی طیّ : أنّ الشیخ المفید شهد بأنّ الکتاب الذی نُسب إلی الصاحب فی الاعتزال وُضع علی لسانه ونُسب إلیه ، ولیس هو له.

وهناک نُقولٌ متهافتةٌ یبطل بعضها بعضاً تفید اعتناق الصاحب مذهب الاعتزال تارةً وتمذهبه بالشافعیّة أخری ، وبالحنفیّة طوراً ، وبالزیدیّة مرّةً ، وفی القاذفین من یحمل علیه حقداً یرید تشویه سمعته بکلّ ما توحی إلیه ضغائنه ، کأبی حیّان التوحیدی (5) ومن حکی عنه طرفا نقیض کشیخنا المفید الذی ذکرنا حکایة ابن حجر عنه بوضع ما نُسب إلی الصاحب من الکتاب الذی یدلُّ علی الاعتزال ، ونقل عنه أیضاً نسبته إلی جانب الاعتزال.

وهذا التهافت فی النقل یسقط الثقة بأیِّ النقلین وإن کان النصُّ علی تشیّعه معتضداً بکلمات العلماء قبله وبعده ، والسیّد رضیُّ الدین الذی عرفت النصّ عنه بتشیّعه فی کتاب الیقین (6) ، فقد نُقل عنه حکایته عن الشیخ المفید وعلم الهدی نسبته إلی الاعتزال ، وأنت تعلم أنّ نصّه الأوّل هو معتقده وهذه حکایة محضة ، وقد عرفت 4.

ص: 93


1- عیون أخبار الرضا : 1 / 12.
2- لسان المیزان : 1 / 464 رقم 1300.
3- نقلاً عن نسخة بخطّ بعض بنی بابویه مؤرّخة بسنة (516). (المؤلف) وقد حقّقه الشیخ محمد حسن آل یاسین حفظه الله ونشره فی بغداد سنة 1374 ه. (الطباطبائی)
4- سیأتیک أن الذی صلّی علیه هو أبو العباس أحمد بن إبراهیم الضبیّ الذی تولّی الوزارة بعده.
5- الإمتاع والمؤانسة : 1 / 54 ، 55.
6- الیقین : ص 457 باب 174.

حال المحکیِّ عن الشیخ المفید. وأمّا السیّد المرتضی ، فالظاهر أنّ مُنتزع هذه النسبة إلیه هو ردُّه علی الصاحب فی تعصّبه للجاحظ الذی هو من أرکان المعتزلة ، غیر أنّا نحتمل أنّ هذا التعصّب کان لأدبه لا لمذهبه ، کتعصّب الشریف الرضیّ للصابی.

وما وقع إلینا فی المحکیِّ عن رسالة الإبانة للصاحب من إنکار النصِّ علی أمیر المؤمنین علیه السلام ، فهو حکایةٌ محضةٌ عمّن یقول بذلک ، بل ما فی الإبانة یکفی بمفرده فی إثبات کونه إمامیّا ، وإلیک نصّ کلامه مشفوعاً بمقاله فی التذکرة حول الإمامة.

قال فی الإبانة : زعمت العثمانیّة وطوائف الناصبیّة أنّ أمیر المؤمنین علیه السلام مفضولٌ فی أصحاب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم غیر فاضل ، واستدلّت بأنّ أبا بکر وعمر وُلّیا علیه.

وقالت الشیعة العدلیّة : فقد ولّی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم علیهما عمرو بن العاص فی غزوة ذات السلاسل فلیقولوا : إنّه خیرٌ منهما ، فقالت الشیعة : علیٌّ علیه السلام أفضل الناس بعد النبیّ فلذلک آخی بینه وبینه حین آخی بین أبی بکر وعمر ، فلم یکن لیختار لنفسه إلاّ الأفضل ، وقد ذکر ذلک بقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «أنت منّی بمنزلة هارون من موسی» ثمَّ إنّه لم یستثنِ إلاّ النبوّة وفیه قال : «اللهمّ آتنی بأحبِّ خلقک إلیک یأکل معی هذا الطیر». وقد قال : «من کنت مولاه فعلیٌّ مولاه ، اللهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه». إلی آخر الدعاء.

وبعدُ ، فالفضیلةُ تُستَحقُّ : بالمسابقة وهو أسبقهم إسلاماً وقد قال الله تعالی : (السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولئِکَ الْمُقَرَّبُونَ) (1).

وبالجهاد وهو لم یغمد حساماً ، ولم یقصر إقداماً ، کشّاف الکروب ، وفرّاج الخطوب ، ومسعر الحروب ، قاتل مرحب ، وقالع باب خیبر ، وصارع عمرو بن عبد ودّ ، ومن قال فیه النبیُّ صلی الله علیه وآله وسلم : «لأُعطینَّ الرایة غداً رجلاً یحبُّ الله ورسوله ، ویحبّه الله ورسوله ، کرّاراً غیر فرّار» ، وقد قال الله تعالی : (وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِینَ 1.

ص: 94


1- الواقعة : 10 - 11.

عَلَی القَاعِدِینَ أَجْراً عَظِیمَاً) (1).

وبالعلم والنبیُ قال : «أنا مدینة العلم وعلیٌّ بابها» وأثر ذلک بیِّنٌ ؛ لأنّه علیه السلام لم یسأل من الصحابة أحداً وقد سألوه ، ولم یستفتهم وقد استفتوه حتی إنّ عمر یقول : لو لا علیٌّ لهلک عمر ، ویقول : لا أعاشنی الله لمشکلة لیس لها أبو الحسن ، وقد قال الله تعالی : (قُلْ هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَالَّذِینَ لا یَعْلَمُونَ) (2).

وبالزهد والتقوی والبرِّ والحسنی ، فإذا کان أعلمهم فهو أتقاهم ، وقال الله تعالی : (إِنَّما یَخْشَی اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) (3).

وبعدُ : فهو الذی آثر المسکین والیتیم والأسیر علی نفسه مخرجاً قوته کلّ لیلة إلیهم عند فطره ، حتی أنزل الله تعالی : (وَیُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلی حُبِّهِ مِسْکِیناً وَیَتِیماً وَأَسِیراً) (4). فأخبر نبیّه وعده علیه الجنّة. والحدیث طویل وفضله کثیر ، وهو الذی تصدّق بخاتمه فی رکوعه حتی أنزل الله فیه : (إِنَّما وَلِیُّکُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ) (5).

وزعمت طائفةٌ من الشیعة ، ذاهلةً عن تحقیق الاستدلال ، أنّ علیّا علیه السلام کان فی تقیّة ، فلذلک ترک الدعوة إلی نفسه. وزعمت أنّ علیه نصّا جلیّا لا یحتمل التأویل ، وقالت العدلیّة : هذا فاسدٌ ، کیف تکون علیه التقیّة فی إقامة الحقّ وهو سیّد بنی هاشم؟ وهذا سعد بن عبادة نابذ المهاجرین وفارق الأنصار لم یخش مانعاً ودافعاً ، وخرج إلی حوران ولم یبایع. ولو جاز خفاء النصِّ الجلیِّ عن الأمّة فی مثل الإمامة لجاز أن یُتکتّم صلاة سادسة وشهر یُصام فیه غیر شهر رمضان فرضاً ، وکلّ ما أجمع علیه الأمّة من أمر الأئمّة الذین قاموا بالحقِّ وحکموا بالعدل صوابٌ ، وأمّا من نابذ 5.

ص: 95


1- النساء : 95.
2- الزمر : 9.
3- فاطر : 28.
4- الإنسان : 8.
5- المائدة : 55.

علیّا علیه السلام وحاربه وشهر سیفه فی وجهه ، فخارج عن ولایة الله إلاّ من تاب بعد ذلک وأصلح (إِنَّ اللهَ یُحِبُّ التَّوَّابِینَ وَیُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِینَ) (1). انتهی.

المراد علی ما یفهم من جواب العدلیّة ، أنّ دعوی تقیّة علیّ علیه السلام وترکه الدعوة إلی نفسه مع ادِّعاء النصِّ الجلیِّ علیه زعم فاسد ، وأنّ الاعتقاد بترک الدعوة لا یوافق مع القول بالنصِّ الجلیِّ إذ لو کان لأبان وما ترک الدعوة ، والمدّعی ذاهل عن تحقیق الاستدلال بما ذکر من الکتاب والسنّة ؛ فإنّه علیه السلام دعا إلی نفسه واحتجَّ بأدلة أوعزت إلیها ، فنسبة إنکار النصِّ الجلیِّ إلی المترجَم بهذه العبارة - کما فعله غیر واحد - فی غیر محلّه جدّا.

وقال فی ذیل کتابه التذکرة : ذکر الصاحب رحمه الله فی آخر کتاب نهج السبیل أنّ أمیر المؤمنین علیّا علیه السلام أفضل الصحابة بعد النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ، واستدلَّ علیه بأنّ الأفضلیّة تُستَحقُّ بالسابقة ، والعلم ، والجهاد ، والزهد فوق جمیعهم ، فلا شکّ أنَّه متقدّمهم وغیر متأخّر عنهم ، وقد سبقهم بمنازلة الأقران ، وقتل صنادید الکفّار وأعلام الضلالة ، وهو الذی آخی النبیُّ صلی الله علیه وآله وسلم بینه وبینه حین آخی بین أبی بکر وعمر ، ورضیه کفواً لسیّدة نساء العالمین فاطمة الزهراء علیها السلام ، ودعا الله أن یوالی من والاه ویعادی من عاداه ، وأخبرنا أنَّه منه بمنزلة هارون من موسی لفضل فیه.

وقال صلی الله علیه وآله وسلم : «اللهمّ ائتنی بأحبِّ الخلق إلیک یأکل معی هذا الطائر» ولا یکون أحبّهم إلی الله إلاّ أفضلهم ، وقال : «أنا مدینة العلم وعلیٌّ بابها» وقال : «أنا ما سألت الله شیئاً إلاّ سألت لعلیٍّ مثله حتی سألت له النبوّة فقیل : لا ینبغی لأحدٍ من بعدک» ولم یکن یسألها إلاّ لفضله ، ولهذا استثنی النبوّة فی حدیث : «أنت منّی بمنزلة هارون من موسی». فصبر علی المحن ، وثبت علی الشدائد ، ولم تزده أیّام تولیته إلاّ خشونةً 2.

ص: 96


1- البقرة : 222.

فی الدین ، وأکله للجشب (1) ولبساً للخشن ، یستقون من علمه ، وما یُستقی إلاّ ممّن هو أعلم ، خیر الأوّلین وخیر الآخرین.

عهد إلیه فی الناکثین والقاسطین والمارقین ، وقُتل بین یدیه عمّار بن یاسر المشهود له بالجنّة لبصیرته فی أمره ، وشبّهه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بعیسی بن مریم علیه السلام کما شبّهه بهارون ، لا تضرب الأمثال إلاّ بالأنبیاء ، وتصدّق بخاتمه فی رکوعه حتی أُنزل فیه : (إِنَّما وَلِیُّکُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ) الآیة ، وآثر المسکین والیتیم والأسیر علی نفسه حتی أُنزل فیه : (وَیُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلی حُبِّهِ مِسْکِیناً وَیَتِیماً وَأَسِیراً).

وقال تعالی : (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِکُلِّ قَوْمٍ هادٍ) (2). قال صلی الله علیه وآله وسلم : «أنا المنذر وأنت یاعلیّ الهادی» ، وقال تعالی : (وَتَعِیَها أُذُنٌ واعِیَةٌ) (3).

وقال صلی الله علیه وآله وسلم : «هی أُذن علیّ علیه السلام». وجعله الله فی الدنیا فصلاً بین الإیمان والنفاق ، حتی قیل : ما کنّا نعرف المنافقین علی عهد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إلاّ ببغضهم علیّا علیه السلام. وأخبر أنّه فی الآخرة قسیم الجنّة والنار.

وقال ابن عبّاس : ما أنزل الله فی القرآن یا أیّها الذین آمنوا إلاّ وعلیٌّ سیّدها وأمیرها وشریفها ، وأعلی من ذلک قوله صلی الله علیه وآله وسلم : «علیٌّ یعسوب المؤمنین».

وله لیلة الفراش حین نام علیه فی مکان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم صابراً علی ما کان یتوقّع من الذبح ، صحبة إسحاق ذبیح الله حین صبر علی ما ظنّ أنّه نازلٌ به من الذبح ، وقال فیه مثل عمر بن الخطّاب : لولا علیٌّ لهلک عمر ، ولا أعاشنی الله لمشکلةٍ لیس لها أبو الحسن. ودهره کلّه إسلام وزمانه أجمع إیمان ، لم یکفر بالله طرفة عین ، 2.

ص: 97


1- جشُب الطعام : غلُظ. (المؤلف)
2- الرعد : 7.
3- الحاقّة : 12.

عاش فی نصرة الإسلام حمیداً ، ومضی لسبیله شهیداً ، جعلنا الله ممّن آثر المحبّة فی القربی ، وهدانا للتی هی أحسن وأولی ، وحسبنا الله منزل الغیث وفاطر النَّسَم (1).

وقد أبان عن مذهبه الحقّ - الإمامیّة - فی شعره بقوله :

بالنصِّ فاعقد إن عقدت یمینا

کلُّ اعتقاد الإختیار رضینا

مکّن لقول إلهنا تمکینا

واختار موسی قومَه سبعینا

وقال فی قصیدته البائیّة التی مرّت :

لم تعلموا أنّ الوصیَّ هو الذی

آتی الزکاةَ وکان فی المحرابِ

لم تعلموا أنَّ الوصیَّ هو الذی

حکم الغدیرُ له علی الأصحابِ

وله قوله :

إنَّ المحبّة للوصیِّ فریضةٌ

أعنی أمیرَ المؤمنین علیّا

قد کلّفَ اللهُ البریّةَ کلَّها

واختاره للمؤمنین ولیّا

وما فی لسان المیزان (2) من اشتهاره بذلک المذهب - الاعتزال - وأنّه کان داعیة إلیه فیدفعه تخطئته أوّلاً من زعم أنّه من معتنقیه ، وما نقله عن القاضی عبد الجبّار من أنّه لمّا تقدّم للصلاة علیه قال : ما أدری کیف أصلّی علی هذا الرافضیِّ ، وما تکرّر فی شعره من قذف أعدائه له بالرفض ، إلاّ أن یرید ابن حجر الاشتهار المحض دون الحقیقة ، فیلتئم مع قوله الآخر.

والذی أرتئیه ویساعدنی فیه الدلیل أنّ الصاحب ، کغیره من أعلام الإمامیّة ، 0.

ص: 98


1- کلّ ما ذکره الصاحب من الأحادیث فی فضل مولانا أمیر المؤمنین ، ثابت وصحیح عند القوم ، مبثوث فی أجزاء کتابنا بأسانیده ، أخرجه بها الحفّاظ فی الصحاح والمسانید. (المؤلف)
2- لسان المیزان : 1 / 461 رقم 1300.

کان یوافق المعتزلة فی بعض المسائل کمسألة العدل التی تطابقت آراء الشیعة والمعتزلة فیها علی مجابهة الأشاعرة فی الجبر واستلزامه تجویر الحقِّ تعالی ، وإن افترقا من ناحیةٍ أخری فی باب التفویض وأمثال هذه ، فقد کان یصعب علی الباحث التمییز بین الفریقین فیُرمی کلُّ فریق باسم قسیمه ، ومن هنا أُتی الصاحب بهذه القذیفة کغیره من أعلام الطائفة ، مثل علم الهدی السیّد المرتضی وأخیه الشریف الرضی.

وأمّا نسبته إلی الشافعیّة فیدفعها عزوه إلی الحنفیّة ، ومن أبدع التناقض قول أبی حیّان فی کتاب الإمتاع (1 / 55) : إنّه کان یتشیّع لمذهب أبی حنیفة ومقالة الزیدیّة. وأمّا انتسابه إلی الزیدیّة فیدفعه تعداده الأئمة علیهم السلام فی شعره کقوله :

بمحمدٍ ووصیِّه وابنیهما

الطاهرینَ وسیِّدِ العبّادِ

ومحمدٍ وبجعفرِ بنِ محمدٍ

وسمیِّ مبعوثٍ بشاطی الوادی

وعلیٍّ الطوسیِّ ثمّ محمدٍ

وعلیٍّ المسمومِ ثمّ الهادی

حسنٍ وأتبعْ بعده بإمامةٍ

للقائم المبعوثِ بالمرصادِ

وقوله :

بمحمدٍ ووصیِّه وابنیهما

وبعابدٍ وبباقرین وکاظمِ

ثمّ الرضا ومحمدٍ ثمّ ابنِهِ

والعسکریِّ المتّقی والقائمِ

أرجو النجاة من المواقف کلِّها

حتی أصیرَ إلی نعیمٍ دائمِ

وقوله :

نبیٌّ والوصیُّ وسیِّدانِ

وزینُ العابدین وباقرانِ

وموسی والرضا والفاضلانِ

بهم أرجو خلودی فی الجنانِ

ص: 99

وقوله أرجوزة :

یا زائراً قد قصد المشاهدا

وقطعَ الجبالَ والفدافدا

فأبلغِ النبیَّ من سلامی

ما لا یبیدُ مدّة الأیّامِ

حتی إذا عدتَ لأرضِ الکوفة

البلدةِ الطاهرِة المعروفة

وصرتَ فی الغریّ فی خیرِ وطن

سلّم علی خیرِ الوری أبی الحسن

ثَمّةَ سرْ نحو بقیعِ الغرقدِ

مسلّماً علی أبی محمدِ

وعُد إلی الطفّ بکربلاءِ

إهدِ سلامی أحسنَ الإهداءِ

لخیر مَن قد ضمّه الصعیدُ

ذاک الحسینُ السیّدُ الشهیدُ

واجنب إلی الصحراء بالبقیعِ

فثَمَّ أرضُ الشرفِ الرفیعِ

هناک زینُ العابدین الأزهرِ

وباقرُ العلمِ وثمّ جعفرُ

أبلغهمُ عنّی السلامَ راهنا

قد ملأ البلادَ والمواطنا

واجنب إلی بغدادَ بعد العیسا

مسلّماً علی الزکیِّ موسی

واعجل إلی طوسٍ علی أهدی سکنِ

مبلّغاً تحیّتی أبا الحسنْ

وعُد لبغدادَ بطیرٍ أسعد

سلّم علی کنز التقی محمدِ

وأرضِ سامراءَ أرضِ العسکرِ

سلّم علی علیٍّ المطهّرِ

والحسن الرضیِّ فی أحوالِهِ

مَن منبعُ العلومِ فی أقواله

فإنّهم دون الأنامِ مفزعیِ

ومن إلیهم کلَّ یوم مرجعی

وله أُرجوزةٌ أخری یعدُّ فیها الأئمّة الهداة ویسمّیهم. وقصیدةٌ فی الإمام أبی الحسن الرضا ثامن الحجج - صلوات الله علیهم - تُذکر فی مقدِّمة عیون الأخبار (1) لشیخنا الصدوق ، وقصیدةٌ أخری فیه علیه السلام أیضاً ، ألا وهی :

یا زائراً قد نهضا

مُبتدراً قد رکضا4.

ص: 100


1- عیون أخبار الرضا : 1 / 14.

وقد مضی کأ نّه

البرقُ إذا ما أومضا

أبلغ سلامی زاکیاً

بطوسَ مولایَ الرضا

سبطَ النبیِّ المصطفی

وابنَ الوصیِّ المرتضی

من حاز عزّا أقعسا

وشاد مجداً أبیضا

وقل له عن مخلصٍ

یری الولا مفترضا

فی الصدر نفحُ حرقةٍ

تترکُ قلبی حَرَضا

من ناصبین غادروا

قلبَ الموالی مُمرَضا

صرّحتُ عنهم مُعرضاً

ولم أکن معرِّضا

نابذتهمْ ولم أُبَل

إن قیل قد ترفّضا

یا حبّذا رفضی لمن

نابَذَکم وأبغضا

ولو قدرتُ زرتُهُ

ولو علی جمرِ الغضا

لکنّنی معتقلٌ

بقیدِ خطبٍ عَرَضا

جعلتُ مدحی بدلا

من قصدِهِ وعوضا

أمانةً موردةً

علی الرضا لترتضی

رام ابن عبّادٍ بها

شفاعةً لن تُدحَضا

نوادر فیها المکارم :

1 - یُحکی أنّ الصاحب استدعی فی بعض الأیّام شراباً فأحضروا قدحاً ، فلمّا أراد أن یشربه ، قال له بعض خواصِّه : لا تشربه فإنّه مسمومٌ - وکان الغلام الذی ناوله واقفاً - فقال للمحذِّر : ما الشاهد علی صحّة قولک؟ فقال : تجرِّبه فی الذی ناولک إیّاه. قال : لا أستجیز ذلک ولا أستحلّه. قال : فجرِّبه فی دجاجة. قال : التمثیل بالحیوان لا یجوز. وردّ القدح وأمر بقلبه. وقال للغلام : انصرف عنّی ولا تدخل

ص: 101

داری ، وأمر بإقرار جرایته علیه ، وقال : لا یُدفَع الیقین بالشکّ ، والعقوبة بقطع الرزق نذالة (1).

2 - کتب إلیه بعض العلویّین یخبره بأنّه قد رُزق مولوداً ویسأله أن یسمِّیه ویکنِّیه ، فوقّع فی رقعته :

أسعدک الله بالفارس الجدید ، والطالع السعید ، فقد والله ملأ العین قرّة ، والنفس مسرّة مستقرّة ، والاسم علیٌّ لیعلی الله ذکره ، والکنیة أبو الحسن لیحسن الله أمره ، فإنّی أرجو له فضل جَدّه (2)) ، وسعادة جَدّه (3) ، وقد بعثتُ لتعویذه دیناراً من مائة مثقال ، قصدتُ به مقصد الفال ، رجاء أن یعیش مائة عام ، ویخلص خلاص الذهب الإبریز من نُوَب الأیّام ، والسلام (4).

3 - کتب بعض أصحاب الصاحب إلیه رقعةً فی حاجة فوقّع فیها ، ولمّا رُدّت إلیه لم یَرَ فیها توقیعاً ، وقد تواترت الأخبار بوقوع التوقیع فیها ، فعرضها علی أبی العبّاس الضبّی فما زال یتصفّحها حتی عثر بالتوقیع وهو ألِفٌ واحدة ، وکان فی الرقعة : فإن رأی مولانا أن ینعم بکذا ، فَعَلَ. فأثبت الصاحب أمام فَعَلَ ألفاً یعنی : أفعَلُ (5).

4 - کتب الصاحب إلی أبی هاشم العلویِّ ، وقد أهدی إلیه فی طبق فضّة عطراً :

العبدُ زارکَ نازلاً برواقکا

یستنبطُ الإشراقَ من إشراقِکا

فاقبل من الطیبِ الذی أهدیتهُ

ما یسرق العطّارُ من أخلاقِکا3.

ص: 102


1- معجم الأدباء : 6 / 185.
2- أی جدّه أمیر المؤمنین علّی علیه السلام.
3- الجَدّ : الحظّ.
4- یتیمة الدهر : 3 / 231.
5- یتیمة الدهر : ص 233.

والظرفُ یوجبُ أخذَهُ مع ظرفِهِ

فأضفْ به طبقاً إلی أطباقکا (1)

5 - نظر أبو القاسم الزعفرانی یوماً إلی جمیع من فیها (2) من الخدم والحاشیة علیهم الخزوز الفاخرة الملوّنة ، فاعتزل ناحیة وأخذ یکتب شیئاً ، فسأل الصاحب عنه ، فقیل : إنّه فی مجلس کذا یکتب. فقال : علیَّ به. فاستمهل الزعفرانیّ ریثما یکمل مکتوبه ، فأعجله الصاحب ، وأمر بأن یُؤخذ ما فی یده من الدرج ، فقام الزعفرانی إلیه وقال : أیّد الله الصاحب :

اسمعه ممّن قاله تزدد به

عجباً فحسنُ الوردِ فی أغصانه

قال : هات یا أبا القاسم ، فأنشده أبیاتاً منها :

سواک یعدُّ الغنی ما اقتنی

ویأمرُهُ الحرصُ أن یخزنا

وأنت ابنُ عبّادٍ المرتجی

تعدُّ نوالَکَ نیلَ المنی

وخیرُکَ من باسطِ کفّه

وممّن ثناها قریبُ الجنی

غمرتَ الوری بصنوف الندی

فأصغرُ ما ملکوه الغنی

وغادرتَ أشعرَهمْ مفحماً

وأشکرَهمْ عاجزاً ألکنا

أیا من عطایاهُ تُهدی الغنی

إلی راحَتَیْ من نأی أو دنا

کسوتَ المقیمینَ والزائرینَ

کُسیً لم یُخَلْ مثلُها ممکنا

وحاشیةُ الدارِ یمشون فی

ضروبٍ من الخزِّ إلاّ أنا

ولست أذکر لی جاریاً

علی العهد یحسنُ أن یحسنا

فقال الصاحب : قرأت فی أخبار معن بن زائدة أنّ رجلاً قال له : احملنی أیّها الأمیر ؛ فأمر له بناقة وفرس وبغلة وحمار وجاریة ، ثمّ قال له : لو علمت أنّ الله تعالی خلق مرکوباً غیر هذه لحملتک علیه ، وقد أمرنا لک من الخزِّ بجبّةٍ ، وقمیص ، ب.

ص: 103


1- یتیمة الدهر : 3 / 236.
2- أی : فی دار الصاحب.

ودُرّاعة ، وسراویل ، وعمامة ، ومندیل ، ومطرف ، ورداء ، وجورب ، ولو علمنا لباساً آخر یُتّخذ من الخزِّ لأعطیناکه ، ثمّ أمر بإدخاله الخزانة ، وصبِّ تلک الخلع علیه ، وتسلیم ما فضل عن لبسه فی الوقت إلی غلامه (1).

6 - کتب أبو حفص الورّاق الأصبهانی إلی الصاحب : لولا أنّ الذکری - أطال الله بقاء مولانا الصاحب الجلیل - تنفع المؤمنین ، وهزّة الصمصام تعین المصلتین ، لما ذکرت ذاکراً ، ولا هززت ماضیاً ، ولکنَّ ذا الحاجة لضرورته یستعجل النجح ، ویکدِّ الجواد السمح ، وحال عبد مولانا - أدام الله تأییده - فی الحنطة مختلفة ، وجرذان داره عنها منصرفة ، فإن رأی أن یخلط عبده بمن أخصب رحله ، ولم یشدّ رحله ، فَعَل إن شاء الله تعالی ، فوقّع الصاحب فیه :

أحسنت أبا حفص قولاً ، وسنُحسن فعلاً ، فبشِّر جرذان دارک بالخِصب ، وأمّنها من الجدب ، فالحنطة تأتیک فی الأسبوع ، ولستَ عن غیرها من النفقة بممنوع ، إن شاء الله تعالی (2).

7 - عن أبی الحسن العلویِّ الهمدانی الشهیر بالوصیِّ أنّه قال : لمّا توجّهتُ تلقاء الریّ فی سفارتی إلیها من جهة السلطان ، فکّرتُ فی کلامٍ ألقی به الصاحب ، فلم یحضرنی ما أرضاه ، وحین استقبلنی فی العسکر ، وأفضی عنانی إلی عنانه جری علی لسانی : (ما هذا بَشَراً إِنْ هذا إِلاَّ مَلَکٌ کَرِیمٌ) (3). فقال (إِنِّی لَأَجِدُ رِیحَ یُوسُفَ لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ) (4) ثمّ قال : مرحباً بالرسول ابن الرسول ، الوصیِّ ابن الوصیِ (5).7.

ص: 104


1- یتیمة الدهر : 3 / 227.
2- یتیمة الدهر : ص 232.
3- یوسف : 31.
4- یوسف : 94.
5- یتیمة الدهر : 3 / 237.

8 - مرض الصاحب فی الأهواز بإسهال ، فکان إذا قام عن الطست ترک إلی جانبه عشرة دنانیر ، حتی لا یتبرّم به الخدم ، فکانوا یودّون دوام علّته ، ولمّا عوفی تصدّق بنحو من خمسین ألف دینار (1).

9 - فی الیتیمة (2) : عن أبی نصر ابن المرزبان أنّه قال : کان الصاحب إذا شرب ماءً بثلج أنشد علی أثره :

قعقعةُ الثلجِ بماءٍ عذْبِ

تستخرجُ الحمدَ منَ اقصی القلبِ

ثمّ یقول : اللهمّ جدِّد اللّعن علی یزید.

10 - فی معجم الأدباء (3) : کان ابن الحضیری یحضر مجلس الصاحب باللیالی ، فغلبته عینه لیلة فنام وخرجت منه ریح لها صوت ، فخجل وانقطع عن المجلس ، فقال الصاحب : أبلغوه عنّی :

یا ابن الحضیریِّ لا تذهب علی خجلٍ

لحادثٍ کان مثلَ النایِ والعودِ

فإنّها الریحُ لا تسطیعُ تحبسُها

إذ لستَ أنتَ سلیمانَ بنَ داودِ5.

ص: 105


1- البدایة والنهایة : 11 / 360 حوادث سنة 385 ه.
2- یتیمة الدهر : 3 / 233.
3- معجم الأدباء : 6 / 255.

غرر کلم للصاحب تجری مجری الأمثال

من استماح البحر العذب ، استخرج اللؤلو الرطب.

من طالت یده بالمواهب ، امتدّت إلیه ألسِنة المطالب.

من کفر النعمة ، استوجب النقمة.

من نبت لحمه علی الحرام ، لم یحصده غیر الحسام.

من غرّته أیّام السلامة ، حدّثته ألسن الندامة.

من لم یهزّه یسیر الإشارة ، لم ینفعه کثیر العبارة.

رُبّ لطائف أقوال تنوب عن وظائف أموال.

الصدر یطفح بما جمعه ، وکلُّ إناء مؤدٍّ ما أودعه.

اللبیب تکفیه اللمحة ، وتغنیه اللحظة عن اللفظة.

الشمس قد تغیب ثمّ تشرق ، والروض قد یذبل ثمّ یورق.

البدر یأفل ثمّ یطلع ، والسیف ینبو ثمّ یقطع.

العلم بالتذاکر ، والجهل بالتناکر.

إذا تکرّر الکلام علی السمع ، تقرّر فی القلب.

الضمائر الصحاح أبلغ من الألسنة الفصاح.

الشیء یحسن فی إبّانه ، کما أنّ الثمر یُستطاب فی أوانه.

الآمال ممدودةٌ ، والعواری مردودةٌ.

الذکری ناجعةٌ ، وکما قال الله تعالی : نافعةٌ.

متن السیف لیّن ، ولکنَّ حدّه خشن ، ومتن الحیّة ألین ، ونابها أخشن.

عقد المنن فی الرقاب لا یُبلغ إلاّ برکوب الصعاب.

بعض الحلم مذلّة ، وبعض الاستقامة مزلّة.

ص: 106

کتاب المرء عنوان عقله بل عیار قدره ، ولسان فضله بل میزان علمه.

إنجاز الوعد من دلائل المجد ، واعتراض المَطل من أمارات البخل ، وتأخیر الإسعاف من قرائن الإخلاف.

خیر البرِّ ما صفا وضفا ، وشرُّه ما تأخّر وتکدّر.

فراسة الکریم لا تبطئ ، وقیافة الشرّ لا تخطئ.

قد ینبح الکلب القمر ، فلیُلقَمِ النابحُ الحجر.

کم متورّطٍ فی عثار رجاء أن یُدرک بثار.

بعض الوعد کنقع الشراب ، وبعضه کلمع السراب.

قد یبلغ الکلام حیث تقصر السهام.

ربما کان الإقرار بالقصور أنطق من لسان الشکور.

ربما کان الإمساک عن الإطالة أوضح فی الإبانة والدلالة.

لکلِّ أمریءٍ أمل ، ولکلّ وقت عمل.

إن نفع القول الجمیل ، وإلاّ نفع السیف الصقیل.

شجاعٌ ولا کعمرو ، مندوبٌ ولا کصخر.

لا یذهبنَّ علیک تفاوت ما بین الشیوخ والأحداث ، والنسور والبغاث.

کفران النعم عنوان النقم.

جحد الصنائع داعیة القوارع.

تلقِّی الإحسان بالجحود تعریض النعم للشرود.

قد یقوی الضعیف ، ویصحو النزیف ، ویستقیم المائد ، ویستیقظ الهاجد.

للصدر نفثة إذا أحرج ، وللمرء بثّةٌ إذا أحوج.

ما کلّ امرئٍ یستجیب للمراد ، ویطیع ید الارتیاد.

قد یُصلَی البریءُ بالسقیم ، ویُؤخذ البَرُّ بالأثیم.

ما کلُّ طالب حقٍّ یُعطاه ، ولا کلُّ شائمِ مُزْنٍ یسقاه.

ص: 107

وقد أکثر الثعالبی فی ذکر أمثال هذه الکلم الحکمیّة فی یتیمة الدهر (1) ، وذکرها برمّتها سیّدنا الأمین فی أعیان الشیعة (2).

هذا مثال الشیعة وهذه أمثلته ، هذا وزیر الشیعة وهذه حِکمه ، هذا فقیه الشیعة وهذا أدبه ، هذا عالم الشیعة وهذه کلمه ، هذا متکلّم الشیعة وهذا مقاله ، هؤلاء رجال الشیعة وهذه مآثرهم وآثارهم ، هکذا فلیکن شیعة آل الله وإلاّ فلا.

وفاته :

توفّی الصاحب لیلة الجمعة الرابع والعشرین من صفر سنة (385) بالریّ ، ولمّا توفّی عُطّلت المدینة وأسواقها ، واجتمع الناس علی باب قصره ینتظرون خروج جنازته ، وحضر فخر الدولة وسائر القوّاد ، وقد غیّروا بزّاتهم ، فلمّا خرج نعشه من الباب علی أکتاف حاملیه للصلاة علیه قام الناس بأجمعهم إعظاماً ، وصاحوا صیحةً واحدةً ، وقبّلوا الأرض ، وخرقوا ثیابهم ، ولطموا وجوههم ، وبلغوا فی البکاء والنحیب علیه جهدهم ، وصلّی علیه أبو العبّاس الضبّی ، ومشی فخر الدولة أمام الجنازة وقعد فی بیته للعزاء أیّاماً ، وبعد الصلاة علیه عُلِّقَ نعشه بالسلاسل فی بیتٍ إلی أن نُقل إلی أصفهان ، فدفن فی قبّة هناک تُعرف بباب دَرِیه (3).

قال ابن خلّکان (4)) : وهی عامرةٌ إلی الآن وو أولاد بنته یتعاهدونها بالتبییض. وقال السیّد فی روضات الجنّات (5) : قلت : بل وهی عامرةٌ إلی الآن ، وکان أصابها1.

ص: 108


1- یتیمة الدهر : 3 / 281.
2- أعیان الشیعة : 3 / 354 - 356.
3- بفتح الدال المهملة وکسر الراء ، کذا ضبطها السیّد فی أعیان الشیعة [3 / 329] ، وتجدها فی الیتیمة [4 / 471] وغیرها بالذال المعجمة ، کما یأتی بعید هذا فی شعر أبی منصور اللجیمی. (المؤلف)
4- وفیات الأعیان : 1 / 231 رقم 96.
5- روضات الجنّات : 2 / 41 - 42 رقم 131.

تشعّثٌ وانهدام ، فأمر الإمام العلاّمة محمد إبراهیم الکرباسی فی هذه الأیّام بتجدید عمارتها ، ولا یدع زیارتها مع ما به من العجز فی الأسبوع والشهر والشهرین ، وتُدعی فی زماننا بباب الطوقچی والمیدان العتیق ، والناس یتبرّکون بزیارته ، ویطلبون عند قبره الحوائج من الله تعالی.

قال الثعالبی فی الیتیمة (1) : لمّا کنّی المنجِّمون عمّا یعرض له فی سنة موته ، قال الصاحب :

یا مالکَ الأرواحِ والأجسامِ

وخالقَ النجومِ والأحکامِ

مدبِّرَ الضیاءِ والظلامِ

لا المشتری أرجوه للإنعامِ

ولا أخاف الضرَّ من بهرامِ

وإنّما النجومُ کالأعلامِ

والعلم عند الملِک العلاّمِ

یا ربِّ فاحفظنی من الأسقامِ

ووقِّنی حوادثَ الأیّامِ

وهجنةَ الأوزارِ والآثامِ

هبنی لحبِّ المصطفی المعتامِ (2)

وصنوه وآله الکرامِ

ورُثی الصاحب بقصائد کثیرة ، منها نونیّة أبی منصور أحمد بن محمد اللجیمی منها (3) :

أکافینا العظیمَ إذا وردنا

ومولِینا الجسیمَ إذا فقدنا

أردنا منک ما أبتِ اللیالی

فأبطلَ ما أرادتْ ما أردنا

شققتُ علیک جیبی غیرَ راضٍ

به لک فاتّخذتُ الوجد خِدنا

ولو أنّی قتلتُ علیک نفسی

لکان إلی قضاء الحقِّ أدنی

أفِدنا شرح أمرٍ فیه لبسٌ

فإنّا طالما کنّا استفدناف)

ص: 109


1- یتیمة الدهر : 3 / 327.
2- فی الدیوان : المغنام بدلاً من المعتام.
3- یتیمة الدهر : 4 / 375 [4 / 471]. (المؤلف)

ألم تکُ منصفاً عدلاً فإنّی

عمرتُ حفیرةً وقلبتُ مُدْنا

وکیف ترکت هذا الخلقَ حالت

خلائقُهم فلیس کما عهدنا

تملّکنا اللئامُ وصیّرونا

عبیداً بعدما کنّا عُبِدنا

لئن بلغتْ رزیّتُهُ قلوباً

فَذُبنَ وأَعیُناً منّا فجُدنا

لَما بلغت حقائقها ولکنْ

علی الأیّام نعرف من فقدنا

وله فی رثائه من قصیدة (1) :

مضی من إذا ما أعوز العلمُ والندی

أُصیبا جمیعاًمن یدیه وفیهِ

مضی من إذا أفکرتُ فی الخلقِ کلّهم

رجعتُ ولم أظفر له بشبیهِ

ثوی الجودُ والکافی معاً فی حفیرةٍ

لیأنس کلٌّ منهما بأخیهِ

هما اصطحبا حیّینِ ثمَّ تعانقا

ضجیعین فی قبرٍ بباب ذریهِ (2)

قد یُعزی بعض هذه الأبیات إلی أبی القاسم بن أبی العلاء الأصفهانی مع حکایة طیفٍ عنه.

ومنها نونیّة أبی القاسم بن أبی العلاء الأصفهانی ، ذکر منها الثعالبی فی یتیمة الدهر (3) (3 / 263) قوله :

یا کافیَ المُلکِ ما وفّیتُ حظّکَ من

وصفٍ وإن طال تمجیدٌ وتأبینُ

فُقتَ الصفاتِ فما یرثیکَ من أحدٍ

إلاّ وتزیینُهُ إیّاک تهجینُ

ما متَّ وحدکَ لکن مات من ولدتْ

حوّاءُ طرّا بل الدنیا بل الدینُ

هذی نواعی العلی مذ متَّ نادبةٌ

من بعد ما ندبتْکَ الخُرّدُ العینُ9.

ص: 110


1- یتیمة الدهر : 4 / 375 [4 / 471]. (المؤلف)
2- محلة فی أصفهان دفن فیها الصاحب بن عبّاد.
3- یتیمة الدهر : 3 / 329.

تبکی علیک العطایا والصلاتُ کما

تبکی علیک الرعایا والسلاطینُ

قام السعاة وکان الخوف أقعدهم

فاستیقظوا بعد ما متَّ الملاعینُ

لا یعجب الناسُ منهم إن همُ انتشروا

مضی سلیمانُ وانحلَّ الشیاطینُ

ومنها دالیّة أبی الفرج بن میسرة ، ذکر منها الثعالبی فی الیتیمة (1) (3 / 254) قوله :

ولو قُبِل الفداء لکان یُفدی

وإنْ جلَّ المصابُ علی التفادی

ولکنّ المنونَ لها عیونٌ

تکدّ لحاظها فی الإنتقادِ

فقل للدهر أنت أُصبتَ فالبس

برغمک دوننا ثوبَی حدادِ

إذا قدّمتَ خاتمةَ الرزایا

فقد عرّضتَ سوقَکَ للکسادِ

ومنها دالیّة لأبی سعید الرستمی ، ذکر الثعالبی (2) منها قوله :

أبعد ابن عبّاس (3) یهشُّ إلی السری

أخو أمل أو یُستماحُ جوادُ

أبی الله إلاّ أن یموتا بموته

فما لهما حتی المعادِ معادُ

ومنها لامیّة أبی الفیّاض سعید بن أحمد الطبری ، ذکرها الثعالبی فی الیتیمة (4) (2 / 254):

خلیلی کیف یقبلُکَ المقیلُ

ودهرُک لا یُقیلُ ولا یَقیلُ (5)

یُنادی کلَّ یومٍ فی بنیه

ألا هبّوا فقد جدَّ الرحیلُ

وهم رجلان منتظرٌ غفولٌ

ومُبتدرٌ إذا یُدعی عجولُا.

ص: 111


1- یتیمة الدهر : 3 / 329.
2- یتیمة الدهر : ص 330.
3- عباس هو جدّ المترجم.
4- یتیمة الدهر : 3 / 330.
5- یَقیل : من القیلولة وهی الاستراحة نصف النهار. وأقال یُقیلُ : صفح وعفا.

کأنّ مثالَ من یفنی ویبقی

رعیلٌ سوف یتلوهُ رعیلُ

فهم رکبٌ ولیس لهم رکابٌ

وهم سَفْرٌ ولیس لهم قُفولُ (1)

تدور علیهمُ کأسُ المنایا

کما دارت علی الشَّرب الشمولُ

ویحدوهم إلی المیعادِ حادٍ

ولکن لیس یقدمُهم دلیلُ

ألم ترَ من مضی من أوّلینا

وغالتهم من الأیّام غولُ

قد احتالوا فما دفعَ الحویلُ

وأعولْنا فما نفعَ العویلُ

کذاک الدهرُ أعمارٌ تزولُ

وأَحوالٌ تحولُ ولا تؤولُ

لنا منه وإن عفنا وخِفنا

رسولٌ لا یُصاب لدیه سولُ (2)

وقد وضحَ السبیلُ فما لخلقٍ

إلی تبدیله أبداً سبیلُ

لعمرک إنّه أمدٌ قصیرٌ

ولکن دونه أمدٌ طویلُ

أری الإسلام أسلمهُ بنوه

وأسلمهم إلی وَلهٍ یهولُ

أری شمسَ النهارِ تکادُ تخبو

کأنّ شعاعَها طرْفٌ کلیلُ

أری القمرَ المنیرَ بدا ضئیلاً

بلا نورٍ فأضناه النحولُ

أری زُهْرَ النجومِ محدّقاتٍ

کأنّ سراتَها عُورٌ وحُولُ

أری وجهَ الزمانِ وکلَّ وجهٍ

به ممّا یکابدُه فلولُ

أری شُمَّ الجبالِ لها وجیبٌ

تکادُ تذوبُ منه أو تزولُ

وهذا الجوُّ أکلَفُ مقشعِرٌّ

کأنّ الجوَّ من کمدٍ علیلُ (3)

وهذی الریح أطیبُها سمومٌ

إذا هبّت وأعذبُها بلیلُ

وللسحبِ الغزارِ بکلِّ فجٍ

دموعٌ لا یذادُ بها الُمحولُ

نعی الناعی إلی الدنیا فتاها

أمینَ الله فالدنیا ثکولُر.

ص: 112


1- السَّفْر : المسافرون.
2- مخفّف (سؤل) وهو الطلب والحاجة.
3- أکلف : تغیّر لونه وتکدّر.

نعی کافی الکفاة فکلُّ حرٍّ

عزیزٍ بعد مصرعه ذلیلُ

نعی کهفَ العُفاةِ فکلُّ عینٍ

بما تقذی العیون به کحیلُ

کأنّ نسیمَ تربتِهِ سحیراً

نسیمُ الروضِ تقبلُه القبولُ

إذا وافی أُنوفَ الرکبِ قالوا

سحیقُ المسکِ أم تُربٌ مَهیلُ

أیا قمرَ المکارمِ والمعالی

أبِن لی کیف عاجلَکَ الأُفولُ

أبِن لی کیف هالَکَ ما یهول

وغالَکَ بعد عزِّک ما یغولُ

ویا من ساس أشتات البرایا

وألجم من یقول ومن یصولُ

أَدَلتَ علی اللیالی من شکاها

وقد جارت علیک فمن یُدیلُ

بکاک الدینُ والدنیا جمیعاً

وأهلهما کما یُبکی الحمولُ (1)

بکتکَ البیضُ والسمْرُ المواضی

وکنتَ تعولها فیمن تعولُ

بکتک الخیلُ مُعوِلةً ولکن

بُکاها حین تندبُکَ الصهیلُ

قلوبُ العالمینَ علیکَ قلبٌ

وحظُّکَ من بکائهمُ قلیلُ

ولی قلبٌ لصاحبه وفیٌ

یسیلُ وتحتَهُ روحٌ تسیلُ

إذا نظمتْ یدی فی الطرسِ بیتاً

محاهُ منه منتظمٌ هَطُولُ

فإن یکُ رکَّ شعری من ذهولی

فذلک بعضُ ما یجنی الذهولُ

کتبتُ بما بکیتُ لأنّ دمعی

علیک الدهرَ فیّاضٌ هَمولُ

وکنتُ أَعُدُّ من روحی فداءً

لروحِکَ إن أُریدَ لها بدیلُ

أأحیا بعدَهُ وأقرُّ عیناً

حیاتی بعدَهُ هدرٌ غلولُ

حیاتی بعدَهُ موتٌ وَحِیٌ

وعیشی بعده سمٌّ قَتولُ (2)

علیک صلاةُ ربِّک کلَّ حینٍ

تهبُّ بها من الخلد القبولُع.

ص: 113


1- الحمول : المیت الذی یُحمَل.
2- الوَحیّ : السریع.

ومنها میمیّة أبی القاسم غانم بن محمد بن أبی العلاء الأصبهانی ، یقول فیها (1) :

مضی نجلُ عبّادٍ المُرتجی

فماتَ جمیعُ بنی آدمِ

أُوازی بقبرِکَ أهلَ الزمانِ

فیرجحُ قبرُک بالعالَمِ

وله من قصیدة أخری فی رثاء الصاحب (2) ، یقول فیها :

هی نفسٌ فرّقتها زفراتی

ودماءٌ أرّقتها عبراتی

لشبابٍ عذبِ المشارعِ ماضٍ

ومشیبٍ جذبِ المراتعِ آتِ

زمنٌ أذرتِ الجفونُ علیهِ

من شؤونی ما کان ذوبَ حیاتی

تتلاقی من ذکرِهِ فی ضلوعی

ودموعی مصائفٌ ومشاتی

جادَ تلک العهودَ کلُّ أجشّ ال

-ودقِ ثرِّ الأخلافِ جوْنِ السراتِ

بل ندی الصاحبِ الجلیلِ أبی القا

سم نجلِ الأمیرِ کافی الکفاةِ

تتباری کلتا یدیه عطایا

ومنایا حتماً لعافٍ وعاتِ

ضامناً سیبه لغُنمٍ مفادٍ

مؤذناً سیفُه بروحٍ مفاتِ

وارتیاحٌ یریک فی کلِّ عطفٍ

ألفَ ألفٍ کطلحة الطلحاتِ

ویدٌ لا تزال تحت شکورٍ

لاثمٍ ظهرها وفوق دواةِ

ومنها تائیةٌ رثاه بها صهره السیّد أبوالحسین علیُّ بن الحسین الحسنی ، أوّلها (3) :

ألا إنّها أیدی المکارم شَلّتِ

ونفس المعالی إثرَ فقدِکَ سُلّتِ

حرامٌ علی الظلماءِ إن هی قُوِّضتْ

وحَجْرٌ (4) علی شمس الضحی إن

تجلّتِف)

ص: 114


1- تتمّة یتیمة الدهر : 3 / 120 [5 / 139 - 140]. (المؤلف)
2- تتمّة یتیمة الدهر : 140.
3- ذکرها له الحموی فی معجم الأدباء [6 / 263] ، والسیّد فی الدرجات الرفیعة [ص 484]. (المؤلف)
4- الحَجْر : المنع. (المؤلف)

لتبکِ علی کافی الکفاة مآثرٌ

تباهی النجومَ الزهرَ فی حیثُ حلّتِ

لقد فدحتْ فیه الرزایا وأوجعتْ

کما عَظُمتْ منه العطایا وجلّتِ

ألا هل أتی الآفاقَ أیةُ غمّةٍ

أطلّت ونعمی أیِّ دهرٍ تولّتِ

وهل تعلمُ الغبراءُ ماذا تضمّنت

وأعواد ذاک النعشِ ماذا أقلّتِ

فلا أبصرتْ عینی تهلّلَ بارقٍ

یُحاکی ندی کفّیک إلاّ استهلّتِ

ولو قُبِلَتْ أرواحُنا عنک فدیةً

لَجُدْنا بها عند الفداء وقلّتِ

وقال السیّد أبو الحسن محمد بن الحسین الحسنی المعروف بالوصیّ الهمدانی ، المترجَم فی یتیمة الدهر فی رثائه :

مات الموالی والمحبُ

لأهلِ بیتِ أبی ترابِ

قد کان کالجبل المنیعِ

لهم فصارَ مع الترابِ (1)

وله فی رثائه (2) :

نومُ العیونِ علی الجفونِ حرامُ

ودموعُهنّ مع الدماءِ سجامُ

تبکی الوزیرَ سلیلَ عبّادِ العلی

والدینُ والقرآنُ والإسلامُ

تبکیه مکّةُ والمشاعرُ کلُّها

وحجیجُها والنسکُ والإحرامُ

تبکیه طَیبةُ والرسولُ ومن بها

وعقیقُها والسهلُ والأعلامُ

کافی الکفاةِ قضی حمیداً نحبَهُ

ذاک الإمامُ السیّدُ الضرغامُ

مات المعالی والعلومُ بموتِهِ

فعلی المعالی والعلومِ سلامُ

ورثاه سیّدنا الشریف الرضی - الآتی ذکره فی شعراء القرن الخامس - بقصیدة شرحها أبو الفتح عثمان بن جنّی المتوفّی (392) فی مجلّد واحد ، کما ذکره الحموی فی ].

ص: 115


1- / ذکرهما له فی ترجمته الثعالبی فی الیتیمة : 3 / 260 [3 / 336]. (المؤلف)
2- ذکرها له فی ترجمته الثعالبی فی الیتیمة : 3 / 260 [3 / 336].

معجم الأدباء (1) (5 / 31) ، ولنشر القصیدة فی دیوان ناظمه الشریف (2) وفی غیر واحد من المعاجم نضرب عنها صفحاً ، أوّلها :

أکذا المنونُ تقنطرُ الأبطالا

أکذا الزمانُ یُضعضعُ الأجبالا

أکذا تُصابُ الأسدُ وهی مُذلّةٌ

تحمی الشبولَ وتمنعُ الأغیالا

أکذا تُقام عن الفرائسِ بعدما

ملأت هماهمُها الوری أوجالا

أکذا تحطّ الزاهرات عن العلی

مِن بعدها شأتِ العیونُ منالا

القصیدة (112) بیتاً

ومرَّ أبو العبّاس الضبّی بباب الصاحب بعد وفاته ، فقال :

أیّها البابُ لِمْ علاکَ اکتئابُ

أین ذاک الحِجابُ والحُجّابُ

أین من کان یفزعُ الدهرُ منه

فهو الیومَ فی التراب ترابُ (3)

لا یذهب علی القارئ أنّ استدلال مثل الصاحب أحد عمد مراجع اللغة والأدب علی أفضلیّة أمیر المؤمنین نظماً ونثراً بحدیث الغدیر ، حجّةٌ قویّةٌ علی صحّة إرادة معنیً للمولی لا یُبارح الإمامة والخلافة کما أراد هو.

ص: 116


1- معجم الأدباء : 12 / 112.
2- دیوان الشریف الرضی : 2 / 201.
3- یتیمة الدهر : 3 / 336.

مصادر ترجمة الصاحب

یتیمة الدهر (3 / 169 - 267)

فهرست ابن الندیم (ص 194)

أنساب السمعانی

معالم العلماء محاسن أصبهان للمافرّوخی الأصبهانی

نزهة الألبّاء فی طبقات الأدباء

کامل ابن الأثیر (9 / 37)

معجم الأدباء (6 / 168 - 317)

المنتظم لابن الجوزی (7 / 179)

تجارب السلف لابن سنجر (ص 243)

تاریخ ابن خلّکان (1 / 78)

مرآة الجنان للیافعی (2 / 421)

تاریخ ابن کثیر (11 / 314)

شرح درایة الحدیث للشهید

نهایة الأرب (3 / 108)

شذرات الذهب (3 / 113)

معاهد التنصیص (2 / 162)

بغیة الوعاة للسیوطی (ص 196)

مجالس المؤمنین للقاضی (ص 324)

بحار الأنوار (10 / 264 - 267)

الدرجات الرفیعة للسیّد علی خان

أمل الآمل لشیخنا الحرّ العاملی

لسان المیزان لابن حجر (1 / 415)

تکملة الرجال للشیخ عبد النبی الکاظمی

منتهی المقال لأبی علیّ (ص 56)

روضات الجنّات

تنقیح المقال لشیخنا المامقانی (1 / 135)

أعیان الشیعة (ج 12) فی (240) صحیفة

سفینة البحار للقمّی (2 / 13)

الکنی والألقاب (2 / 365 - 371)

الطلیعة فی شعراء الشیعة (ج 1)

یتیمة الدهر (3 / 169 - 267)

فهرست ابن الندیم (ص 194)9.

ص: 117

قال الحموی فی معجم البلدان (1) (6 / 8) : ذکرتُ أخباره مستقصاة فی أخبار مردویه.

ولأبی حیّان التوحیدی المتوفّی (380) رسالة : مثالب الوزیرین ، ألّفها فی تعییر المترجَم الصاحب وأبی الفضل بن العمید ، نُشرت فی الإمتاع والمؤانسة (1 / 53 - 67) وقد سلب عنهما ما لهما من المآثر والفضائل ، وبالغ فی التعصّب علیهما ، وجاء بأمر خداج ، وأتی بمنکر من قول وزور ، وفاحشة مبیّنة ، وما أنصف وما أبرَّ بإجماع المؤرِّخین ، ولهتیکته هذه أسبابٌ تجد ذکرها فی أعیان الشیعة (2). 2.

ص: 118


1- معجم البلدان : 4 / 7.
2- أعیان الشیعة : 3 / 332.

26 - الجوهری الجرجانی

المتوفّی حدود (380)

أما أَخذتُ علیکمْ إذْ نزلتُ بکمْ

غدیرَ خمٍّ عقوداً بعد أیمانِ

وقد جذبتُ بضبعَیْ خیرِ من وَطِئَ ال

-بطحاءَ من مضرِ العلیا وعدنانِ

وقلتُ واللهُ یأبی أن أُقصِّر أو

أعفی الرسالةَ عن شرحٍ وتبیانِ

هذا علیٌّ لَمولی من بُعِثتُ له

مولی وطابقَ سرّی فیه إعلانی

هذا ابنُ عمّی ووالی منبری وأخی

ووارثی دون أصحابی وإخوانی

محلُّ هذا إذا قایستُ من بدنی

محلُّ هارونَ من موسی بنِ عمرانِ (1)

وله فی المناقب لابن شهرآشوب (2) (2 / 203) قوله :

وغدیرُ خمٍّ لیس یُنکِرُ فضلَهُ

إلاّ زنیمٌ فاجرٌ کفّارُ

من ذا علیه الشمسُ بعد مغیبِها

رُدّت ببابل فاستبن یا حارُ

وعلیه قد رُدّت لیومِ المصطفی

یوماً وفی هذا جرتْ أخبارُ

حاز الفضائلَ والمناقبَ کلَّها

أنّی تُحیطُ بمدحِهِ الأشعارُ5.

ص: 119


1- مناقب ابن شهرآشوب : 1 / 532 طبع إیران [3 / 40 طبع دار الأضواء - بیروت] ، والصراط المستقیم للبیاضی العاملی [1 / 311]. (المؤلف)
2- مناقب آل أبی طالب : 2 / 355.

الشاعر

أبو الحسن علیُّ بن أحمد الجرجانی ویُعرف بالجوهری ، کما ذکر ذلک فی غیر مورد من شعره ، مقیاسٌ من مقاییس الأدب ، وأحد أعضاد العربیّة ، ومن المفلقین فی صیاغة القریض ، کان من صنائع الوزیر الصاحب بن عبّاد وندمائه وشعرائه ، تعاطی صناعة الشعر فی ریعان من عمره وأولیات أمره ، وکان یرمی إلی المغازی البعیدة بلفظ قریب ، وترتیب سهل ، وکان فی إعطاء المحاسن إیّاه زمامها کما قیل : جَذعٌ یبنُّ علی المذاکی القُرّح (1).

وکان الصاحب یعجَب به أشدّ الإعجاب ، ویروقه مستحسن شعره المجانس لحسن روائه ، ومناسبة روحه وشمائله خفّةً وظرفاً ، وقد اصطنعه لنفسه واختاره للسفارة بینه وبین العمّال والأمراء ، فکان یمثِّله فی رسالاته أحسن تمثیل ، فیملأ العیون جمالاً ، والقلوب کمالاً ، وقد أطراه أبلغ إطراء فیما کتبه إلی أبی العبّاس الضبّی - أحد شعراء الغدیر - بأصبهان واستحثّه علی إکرامه وجلب مراضیه ، والکتاب مذکورٌ فی الیتیمة (2) (4 / 26) وها نحن نأخذ منه لبابه ، قال :

فإن یقل مولای : من ذا الذی هذا خَطبه وهذه خُطّته؟ أقل : من فضله برهان حقٍّ ، وشعره لسان صدقٍ ، ومن أطبق أهل جلدته علی أنّه معجزة بلدته ، فلا یُعدُّ لجرجان بعیداً ولا قریباً ، أو لأختها طبرستان قدیماً ولا حدیثاً مثله ، ومن أخذ برقاب النظم أخذه ، وملک رقّ القوافی ملکه ، ذاک علی اقتبال شبابه وریعان عمره ، 1.

ص: 120


1- الجَذَع - بالحرکتین - : صغیر البهائم ، والشاب الحدیث. یبنُّ من أبنَّ بالمکان : أقام به وثبت ولزم. المذاکی ، جمع المَذکی : من الخیل ما تمّ سنّه وکملت قوّته. القرّح ، جمع القارح : هو من ذی الحافر الذی شقَّ نابه وطلع. (المؤلف)
2- یتیمة الدهر : 4 / 31.

وقبل أن تحدثه الآداب ، وقیل جری المذکیات غلاب ، أبو الحسن الجوهری أیّده الله ، وبناؤه منذ حین وخصوصه بی کالصبح المبین ، إلاّ أنَّ لمشاهدة الحاضر ومعاینة الناظر ، مزیّةً لا یستقصیها الخبر ، وإن امتدَّ نفسه وطال عنانه ومرسه ، وقد ألف إلی هذه الفضیلة التی فرع بنیها (1)) ، وأوفی علی ذوی التجربة والتقدمة فیها ، نفاذاً فی أدب الخدمة ، ومعرفةً بحقِّ الندام والعشرة ، وقبولاً یملأ به مجلس الحفلة ، إنصاتاً للمتبوع إلاّ إذا وجب القول ، وإعظاماً للمخدوم إلاّ إذا خرج الأمر ، وظرفاً یشحن مجلس الخلوة ، وحدیثاً یسکت به العنادل ، ویطاول البلابل ، فإن اتّفق أن یفسح له فی الفارسیّة نظماً ونشراً طفح آذیّه ، وسال آتیّه ، فألسِنة أهل مصره - إلاّ الأفراد - بروقٌ إذا وطئوا أعقاب العجم ، وقیودٌ إذا تعاطوا لغات العرب ، حتی إنّ الأدیب منهم المقدّم والعلیم المسوّم یتلعثم إذا حاضر بمنطقه ، کأنّه لم یدرِ من عدنان ، ولم یسمع من قحطان ، ومن فضول أخینا أو فضله أنّه یدّعی الکتابة ، ویدارس البلاغة ، ویمارس الإنشاء ، ویهذی فیه ما شاء ، وکنت أخرجته إلی ناصر الدولة أبی الحسن محمد بن إبراهیم ، فوفّق التوفیق کلّه صیانةً لنفسه ، وأمانةً فی ودائع لسانه ویده ، وإظهاراً لنسک لم أعهده فی مسکه ، حتی خرج وسلم علی نقده ، وإنّ نقده لشدیدٌ لمثله ، ومولای یجریه بحضرته مجراه بحضرتی ، فطعامه ومنامه وقعوده وقیامه إمّا بین یدیّ ، أو بأقرب المجالس لدیّ ، ولا یقولنَّ : هذا أدیب وشاعر ، أو وافد وزائر ، بل یحسبه قد تخفّف بین یدیه أعواماً وأحقاباً ، وقضی فی التصرف لدیه صِباً وشباباً ، وهذا إنّما یحتاج إلی وسیط وشفیع ما لم ینشر بزّه ، ولم یظهر طرزه ، وإلاّ فسیکون بعدُ شفیع من سواه ، ووسیط من عداه ، فهناک بحمد الله درقه وحدقه (2) ، ووجنة مطرفه ، وما أکثر ما یفاخرنا بمناظر جرجان وصحاریها ورفارفها وحواشیها ، فلیملأ مولای عینه من منتزهات أصبهان ، فعسی طماحه أن یخفَّ وجماحه أن یقلَّ. ه.

ص: 121


1- فرع بنیها : علاهم شرفاً وجاهاً.
2- الدرق : الصلب من کلّ شیء ، ومنها الدرقة وهی الترس ، وحدقه : أی نظره وإحاطته.

والثعالبی لم یألُ جهداً فی الثناء علیه (1) ، وقال : عهدی به وقد ورد نیسابور رسولاً إلی الأمیر أبی الحسن فی سنة سبع وسبعین وثلاثمائة ، وذکر نبذاً راقیة من شعره فی مجلّدات الیتیمة ، وترجمه صاحب ریاض العلماء (2) ، ووصف فضله وشعره ، ومن قوله فی رثاء الإمام السبط الشهید علیه السلام.

وجدی بکوفان ما وجدی بکوفانِ

تهمی علیه ضلوعی قبل أجفانی

أرضٌ إذا نفختْ ریحُ العراق بها

أتت بشاشتُها أقصی خراسانِ

ومن قتیلٍ بأعلی کربلاء علی

جهد الصدی فتراه غیرَ صدیانِ

وذی صفائح یستسقی البقیعُ به

ریَّ الجوانح من رَوْحٍ ورضوانِ

هذا قسیمُ رسولِ اللهِ من آدمٍ

قُدّا معاً مثل ما قُدَّ الشراکانِ

وذاک سبطا رسولِ اللهِ جدّهما

وجهُ الهدی وهما فی الوجه عینانِ

وا خجلتا من أبیهم یومَ یشهدُهمْ

مضرّجین نشاوی من دمٍ قانِ

یقول یا أمّةً حفَّ الضلالُ بها

واستبدلتْ للعمی کفراً بإیمانِ

ماذا جنیتُ علیکم إذ أتیتکمُ

بخیرِ ما جاء من آیٍ وفرقانِ

ألم أُجرْکمْ وأنتمْ فی ضلالتِکمْ

علی شفا حفرةٍ من حرِّ نیرانِ

ألم أؤلِّف قلوباً منکمُ فرقاً

مثارةً بین أحقادٍ وأضغانِ

أما ترکتُ کتابَ اللهِ بینکمُ

وآیةُ العزِّ فی جمعٍ وقرآنِ

ألم أکن فیکمُ غوثاً لمضطهَدٍ

ألم أکن فیکمُ ماءً لظمآن

قتلتمُ ولدی صبراً علی ظمأٍ

هذا وترجون عند الحوض إحسانی

سَبیتمُ ثکِلتکمْ أمّهاتکمُ

بنی البتول وهم لحمی وجثمانی

مزّقتمُ ونکثتمْ عهدَ والدِهم

وقد قطعتمْ بذاک النکتِ أقرانی9.

ص: 122


1- یتیمة الدهر : 4 / 29.
2- ریاض العلماء : 3 / 339.

یا ربِّ خُذ لیَ منهم إذ همُ ظلموا

کرامَ رهطی وراموا هدمَ بنیانی

ما ذا تجیبون والزهراءُ خصمکمُ

والحاکمُ اللهُ للمظلوم والجانی

أهلَ الکساءِ صلاةُ الله ما نزلتْ

علیکم الدهرَ من مثنیً ووُحدانِ

أنتم نجومُ بنی حوّاءَ ما طلعتْ

شمسُ النهارِ وما لاح السماکانِ

مازلتُ منکم علی شوقٍ یهیّجُنی

والدهرُ یأمرنی فیه وینهانی

حتی أتیتُکَ والتوحیدُ راحلتی

والعدلُ زادی وتقوی الله إمکانی

هذی حقائقُ لفظٍ کلّما برقتْ

ردّتْ بلألائها أبصارَ عمیانِ

هی الحلی لبنی طه وعترتهمْ

هی الردی لبنی حربٍ ومروانِ

هی الجواهرُ جاء الجوهریُّ بها

محبّةً لکمُ من أرض جُرجانِ (1)

وله قصیدة یرثی بها الإمام الشهید قتیل الطف علیه السلام فی یوم عاشوراء ، ذکرها له الخوارزمی فی مقتله (2) ، وابن شهرآشوب فی مناقبه (3) ، والعلاّمة المجلسی فی المجلّد العاشر من البحار (4).

یا أهلَ عاشورَ یا لهفی علی الدینِ

خذوا حدادَکمُ یا آلَ یاسینِ

الیوم شُقِّقَ جیبُ الدین وانتُهبتْ

بناتُ أحمدَ نهبَ الروم والصینِ

الیومَ قامَ بأعلی الطفِّ نادبُهم

یقولُ من لِیتیمٍ أو لمسکین

الیوم خُضِّبَ جیبُ المصطفی بدمٍ

أمسی عبیرَ نحورِ الحورِ والعینِ

الیوم خرَّ نجوم الفخر من مضرٍ

علی مناخرِ تذلیلٍ وتوهینِ

الیومَ أُطفئ نورُ الله متَّقداً

وجرِّرتْ لهمُ التقوی علی الطینِ9.

ص: 123


1- أعیان الشیعة : 8 / 155.
2- مقتل الحسین : 2 / 136.
3- مناقب آل أبی طالب : 4 / 136.
4- بحار الأنوار : 45 / 253 ، 279.

الیوم هُتِّکَ أسبابُ الهدی مزقاً

وبُرقِعتْ غرّةُ الإسلامِ بالهونِ

الیوم زُعزِعَ قدسٌ من جوانبِهِ

وطاحَ بالخیلِ ساحاتُ المیادینِ

الیومَ نالَ بنو حربٍ طوائلَها

ممّا صلَوهُ ببدرٍ ثمّ صفِّینِ

الیوم جُدِّلَ سبطُ المصطفی شًرقا

من نفسه بنجیعٍ غیرِ مسنونِ

زادوا علیه بحبسِ الماء غلّتَهُ

تبّا لرأی فریقٍ منه مغبونِ

نالوا أزمّةَ دنیاهم ببغیهمُ

فلیتهمْ سمحوا منها بماعونِ

حتی یصیح بقنّسریَن (1) راهبُها

یا فرقة الغیِّ یا حزبَ الشیاطینِ

أتهزؤون برأسٍ باتَ منتصباً

رعلی القناةِ بدین الله یوصینی

آمنتُ ویحکمُ باللهِ مهتدیاً

روبالنبیّ وحبُّ المرتضی دینی

فجدّلوه صریعاً فوق جبهتِهِ

روقسّموهُ بأطرافِ السکاکینِ

وأوقروا صهواتِ الخیلِ من إحنٍ

علی أُساراهمُ فعلَ الفراعینِ

مصعّدین علی أقتاب أرحلِهمْ

رمحمولةً بین مضروب ومطعونِ

أطفالُ فاطمةَ الزهراءِ قد فُطموا

من الثدیّ بأنیاب الثعابینِ

یا أمّةً ولی الشیطانُ رایتَها

ومکّنَ الغیُّ منها کلّ تمکینِ

ما المرتضی وبنوه من معاویةٍ

رولا الفواطمُ من هندٍ ومیسونِ

آلُ الرسول عبادید (2) السیوف فمن

هامٍ علی وجهِهِ خوفاً ومسجونِ

یا عینُ لا تدّعی شیئاً لغادیةٍ

تهمی ولا تدّعی دمعاً لمحزونِ

قومی علی جدثٍ بالطفِّ فانتفضی

ربکلِّ لؤلؤِ دمعٍ فیکِ مکنونِ

یا آل أحمد إنّ الجوهریَّ لکم

سیفٌ یقطِّع عنکم کلَّ موضونِ

وذکر له الثعالبی کثیراً من شعره فی الیتیمة (2) (4 / 29 - 41) وممّا ذکر له من 8.

ص: 124


1- قنّسرین - بکسر أوّله وفتح ثانیه وتشدیده - : مدینة بینها وبین حلب مرحلة [معجم البلدان : 4 / 404]. (المؤلف) (2) العبادید : المتفرّقون.
2- یتیمة الدهر : 4 / 33 - 48.

قصیدة فی شریفٍ حسنیٍّ قوله :

لا عتب إن بذلتْ عینی بما أجِدُ

فقد بکی لیَ عوّادی لما عهدوا

لو أنّ لی جسداً یقوی لَطفتُ به

علی العزاء ولکن لیس لی جسدُ

تبعتهمْ بذماءٍ کان یمسکُهُ

تعلّلٌ بخیالٍ کلّما بعدوا

یا لیلةً غمضتْ عنّی کواکبُها

ترفّقی بجفونٍ غمضُها رمدُ

أهوی الصباحَ وما لی فیه منتصفٌ

من الظلام ولکن طالما أجدُ

لو أنّ لی أمداً فی الشوق أبلغه

صبرت عنک ولکن لیس لی أمدُ

بکیتُ بعد دموعی فی الهوی جلدی

وهل سمعتَ بباکٍ دمعُه جلدُ

تذوبُ نارُ فؤادی فی الهوی برداً

وهل سمعتَ بنارٍ ذوبها بردُ

قالوا ألفت رُبا جَیٍ (1) فقلت لهم

الحبُّ أهلٌ وإدراک المنی ولدُ

أندی محاسن جَیٍّ أنّه بلدٌ

طلْقُ النهارِ ولکن لیلُه نکدُ

إذا استُحبَّ بلادٌ للمعاشِ بها

فحیثما نعمتْ حالی به بلدُ

وللمکارمِ قومٌ لا خفاءَ بهم

هم یُعرَفون بسیماهم إذا شهدوا

لله معشرُ صدقٍ کلّما تُلیت

علی الوری سورةٌ من مجدِهم سجدوا

ذرّیةٌ أبهرت طه بجدِّهمُ

وهل أتی بأبیهم حین تنتقدُ (2)

وإن تُصُنِّعَ شعرٌ فی ذوی کرمٍ

یا ابن النبیّ فشعری فیک مقتصدُ

أصبتُ فیک رشادی غیرَ مجتهدٍ

ولیس کلّ مصیبٍ فیک مجتهدُ

بسطت عرضَ فناءِ الدهرِ مکرمةً

طرائقُ الحمد فی حافاتها قِدَدُ (3)

توفّی المترجَم بجرجان بعد سنة (377) وقبل سنة (385) ، فقد بعثه الصاحب ة.

ص: 125


1- جَیّ - بالفتح ثمّ التشدید - : مدینة بینها وبین أصبهان نحو میلین ، قال یاقوت فی المعجم [2 / 202] : وتسمّی الآن عند العجم : شهرستان ، وعند المحدثین : المدینة. (المؤلف)
2- أبهرت : أنارت. وطه : أی سورة طه.
3- قدد : متشعّبة.

ابن عبّاد رسولاً إلی الأمیر أبی الحسن ناصر الدولة سنة (377) ، ووجّهه بعدها إلی أبی العبّاس الضبّی إلی أصفهان ، ولمّا انقلب من أصبهان إلی جرجان لم تطل به الأیّام حتی أصبح مقبوراً ، کما ذکره الثعالبی (1) ، فوفاة المترجَم فی حیاة الصاحب المتوفّی (385) تستدعی وقوعها بین التاریخین حدود (380). 3.

ص: 126


1- یتیمة الدهر : 4 / 33.

27 - ابن الحجّاج البغدادی

المتوفّی (391)

یا صاحبَ القبّةِ البیضاءِ فی النجفِ

من زارَ قبرَکَ واستشفی لدیک شُفی

زوروا أبا الحسن الهادی لعلّکمُ

تحظَوْنَ بالأجرِ والإقبالِ والزُّلَفِ

زوروا لمن تُسمَعُ النجوی لدیه فمن

یزرْهُ بالقبر ملهوفاً لدیه کُفی

إذا وصلتَ فأحرمْ قبل تدخلَهُ

ملبّیاً واسْعَ سعیاً حوله وطُفِ

حتی إذا طفتَ سبعاً حول قبّتِهِ

تأمّل البابَ تلقی وجهه فقفِ

وقل سلامٌ من اللهِ السلامِ علی

أهلِ السلامِ وأهلِ العلمِ والشرفِ

إنّی أتیتک یا مولای من بلدی

مُستمسکاً من حبال الحقِّ بالطرفِ

راجٍ بأنّک یا مولای تشفعُ لی

وتسقِنی من رحیقٍ شافیِ اللهفِ

لأنّک العروةُ الوثقی فمن علِقَتْ

بها یداه فلن یشقی ولم یخفِ

وإنّ أسماءَک الحسنی إذا تُلیت

علی مریضٍ شُفی من سقمه الدنفِ

لأنّ شأنک شأنٌ غیرُ مُنتقصٍ

وإنّ نورَک نورٌ غیر منکسفِ

وإنّک الآیةُ الکبری التی ظهرتْ

للعارفین بأنواعٍ من الطرفِ

هذی ملائکةُ الرحمنِ دائمةً

یهبطنَ نحوکَ بالألطافِ والتحفِ

کالسطلِ والجامِ والمندیلِ جاء به

جبریلُ لا أحدٌ فیه بمختلفِ

کان النبیُّ إذا استکفاک معضلةً

من الأمور وقد أعیت لدیه کُفِی

ص: 127

وقصّةُ الطائر المشویِّ عن أنسٍ

تخبر بما نصّهُ المختارُ من شرفِ

والحَبُّ والقضبُ والزیتونُ حین أتوا

تکرُّماً من إله العرش ذی اللطفِ

والخیلُ راکعةٌ فی النقعِ ساجدةٌ

والمشرفیّاتُ قد ضجّت علی الحَجَفِ (1)

بعثتَ أغصانَ بانٍ فی جموعِهمُ

فأصبحوا کرمادٍ غیر منتسفِ

لو شئتَ مسخَهمُ فی دورِهمْ مُسِخوا

أو شئتَ قلتَ لهم یا أرض إنخسفی

والموتُ طوعُکَ والأرواحُ تملکُها

وقد حکمتَ فلم تظلِمْ ولم تحِفِ

لا قدَّس اللهُ قوماً قال قائلُهمْ

بخٍ بخٍ لک من فضلٍ ومن شرفِ

وبایعوک بخمٍّ ثمّ أکّدَها

محمدٌ بمقالٍ منه غیرِ خفی

عاقوک واطّرحوا قولَ النبیِّ ولم

یمنعهمُ قولُه هذا أخی خلَفی

هذا ولیُّکُمُ بعدی فمن علِقَتْ

به یداهُ فلن یخشی ولم یخفِ (2)

القصیدة تناهز (64) بیتاً ولها قصّة تأتی فی الترجمة إن شاء الله.

وله من قصیدة أجاب بها عن قصیدة ابن سکّرة (3) المتحامل بها علی آل الله وشاعرهم ابن الحجّاج - المترجَم - أخذناها من دیوانه المخطوط سنة (620) بقلم عمر بن إسماعیل بن أحمد الموصلی ، أوّلها :

لا أکذِبُ اللهَ إنّ الصدقَ یُنجینی

یدُ الأمیر بحمد الله تُحیینی

إلی أن قال :

فما وجدتَ شفاءً تستفیدُ به

إلاّ ابتغاءَک تهجو آلَ یاسینِ

کافاک ربُّکَ إذ أجرَتْکَ قدرتُهُ

بسبِّ أهلِ العُلی الغرِّ المیامینِف)

ص: 128


1- الحَجَف محرّکة : التروس من جلود بلا خشب ولا عقب. واحدتها : الحَجَفَة. (المؤلف)
2- ریاض العلماء : 2 / 14.
3- محمد بن عبد الله بن محمد الهاشمی البغدادی ، من ولد علیّ بن المهدی العبّاسی ، له دیوان شعر یربو علی خمسین ألف بیت ، توفّی سنة 385. (المؤلف)

فقرٌ وکفرٌ همیعٌ (1) أنت بینهما

حتی المماتِ بلا دنیاً ولا دینِ

فکان قولُکَ فی الزهراءِ فاطمةٍ

قولَ امرئٍ لَهِجٍ بالنصبِ مفتونِ

عیّرتَها بالرحا والزادِ تطحنُه

لا زال زادُک حَبّا غیرَ مطحونِ

وقلت إنّ رسول الله زوّجَها

مسکینةً بنتَ مسکینٍ لمسکینِ

کذبتَ یا ابن التی بابُ اسْتها سَلِسُ ال

أغلاقِ باللیلِ مفکوکُ الزرافینِ (2)

ستُّ النساء غداً فی الحشر یخدمُها

أهلُ الجنانِ بحورِ الخرّدِ العینِ

فقلتَ إنَّ أمیرَ المؤمنین بغی

علی معاویةٍ فی یومِ صفّینِ

وإنّ قتلَ الحسینِ السبطِ قامَ به

فی اللهِ عزمُ إمامٍ غیرِ موهونِ

فلا ابنُ مرجانةٍ فیه بمحتقب (3)

إثمَ المسیء ولا شمرٌ بملعونِ

وإنّ أجرَ ابنِ سعدٍ فی استباحته

آلَ النبوّةِ أجرٌ غیرُ ممنونِ

هذا وعُدتَ إلی عثمانَ تندبُهُ

بکلّ شعرٍ ضعیفِ اللفظِ ملحونِ

فصرتَ بالطعنِ من هذا الطریقِ إلی

ما لیس یخفی علی البله المجانینِ

وقلتَ أفضلُ من یومِ الغدیرِ إذا

صحّتْ روایتُه یومُ الشعانینِ

ویومُ عیدِک عاشورا تُعِدُّ له

ما یستعدّ النصاری للقرابینِ

تأتی بیوتَکمُ فیه العجوزُ وهل

ذکرُ العجوزِ سوی وحیِ الشیاطینِ

عاندتَ ربَّکَ مغترّا بنقمتِهِ

وبأسُ ربِّک بأسٌ غیرُ مأمونِ

فقال کن أنت قِرداً فی استه ذَنَبٌ

وأمرُ ربِّکَ بین الکافِ والنونِ

وقال کن لی فتیً تعلو مراتبُه

عند الملوک وفی دورِ السلاطینِ

والله قد مسخ الأدوار قبلک فی

زمان موسی وفی أیّامِ هارونِف)

ص: 129


1- أی لا تزال باکیاً. (المؤلف)
2- سلست الخشبة : نخرت وبلیت والسلس : اللیّن السهل. الغلق ما یغلق به الباب والجمع أغلاق. الزرفین واحدة الزرافین : الحلق الصغیرة للباب. (المؤلف)
3- احتقب الإثم : جمعه. (المؤلف)

بدون ذنبِکَ فالحقْ عندهم بهمُ

ودع لحاقَکَ بی إن کنت تنوینیِ

القصیدة (58) بیتاً.

وله من قصیدة قوله :

بالمصطفی وبصهرِهِ

ووصیِّه یومَ الغدیر

الشاعر

أبو عبد الله الحسین بن أحمد بن محمد بن جعفر بن محمد بن الحجّاج النیلی البغدادی ، أحد العمد والأعیان من علماء الطائفة ، وعبقریّ من عباقرة حملة العلم والأدب ، وقد عدّه صاحب ریاض العلماء (1) من کبراء العلماء ، کما عدّه ابن خلّکان (2) وأبو الفداء من کبار الشیعة ، والحموی فی معجم أدبائه (3) من کبار شعراء الشیعة ، وآخر من فحول الکتّاب ، فالشعر کان أحد فنونه ، کما أنّ الکتابة إحدی محاسنه الجمّة ، وله فی العلم قننٌ راسیة ، وقدمٌ راسخة ، غیر أنّ انتشار أدبه الفائق ، ومقاماته البدیعة فیه ، وتعریف الأدباء إیّاه بأدبه الباهر ، وقریضه الخسروانیّ والثناء علیه بأنّه ثانی معلّمیه کما فی نسمة السحر (4) ، أخفی صیت علمه الغزیر ، وغطّی ذکره العلمیّ ، ونحن نقوم بواجب الحقّین جمیعاً.

ینمُّ عن مقامه الرفیع فی العلوم الدینیّة وتضلّعه فیها وشهرته فی عصره بها تولّیه الحسبة (5) مرّةً بعد أخری فی عاصمة العالم فی ذلک الیوم - بغداد ، وهی من ،

ص: 130


1- ریاض العلماء : 2 / 11.
2- وفیات الأعیان : 2 / 171 رقم 192.
3- معجم الأدباء : 9 / 229.
4- نسمة السحر : مج 7 / ج 1 / 205.
5- کما فی تاریخ ابن خلّکان [2 / 168 رقم 192] ، تاریخ ابن کثیر [11 / 378 حوادث سنة 391 ه] ،

المناصب الرفیعة العلمیّة التی کانت یُخَصُّ تولّیها فی العصور المتقادمة بأئمّة الدین ، وزعماء الإسلام ، وکبراء الأمّة ، وهی کما قال الماوردی فی الأحکام السلطانیّة (1) (ص 224) : من قواعد الأمور الدینیّة ، وقد کان أئمّة الصدر الأوّل یباشرونها. انتهی.

الحسبة : هی الأمر بالمعروف ، والنهی عن المنکر بین الناس کافّة ، وممّن ولیها ببغداد قبل المترجَم : الفیلسوف الکبیر أحمد بن الطیّب السرخسی صاحب التآلیف القیّمة فی فنون متنوّعة المقتول سنة (283) وتولاّها بعد عزل المترجَم عنها فقیه الشافعیّة وإمامها أبو سعید الحسن بن أحمد الإصطخری المتوفّی سنة (328) ، علی ما یُقال کما فی تاریخ ابن خلّکان (2) ، ومرآة الجنان للیافعی (3) وغیرهما.

قال الماوردی فی الأحکام السلطانیّة (4) (ص 209) : فمن شروط والی الحسبة أن یکون حُرّا ، عدلاً ، ذا رأی وصرامة ، وخشونة فی الدین ، وعلم بالمنکرات الظاهرة.

واختلف الفقهاء من أصحاب الشافعیِّ : هل یجوز له أن یحمل الناس فیما ینکره من الأمور التی اختلف الفقهاء فیها علی رأیه واجتهاده أم لا؟

علی وجهین : أحدهما ، وهو قول أبی سعید الإصطخری ، أنّ له أن یحمل ذلک علی رأیه واجتهاده ، فعلی هذا یجب علی المحتسب أن یکون عالماً من أهل الاجتهاد فی أحکام الدین لیجتهد رأیه فیما اختلف فیه. انتهی. 0.

ص: 131


1- الأحکام السلطانیة : 2 / 258 باب 20.
2- وفیات الأعیان : 2 / 168 رقم 192.
3- مرآة الجنان : 2 / 444 وفیات سنة 391 ه.
4- الأحکام السلطانیة : 2 / 241 باب 20.

وقال رشید الدین الوطواط المتوفّی سنة (573) : إنّ أولی الأمور بأن تصرف أعنّة العنایة إلی ترتیب نظامه ، وتقصر الهمم علی مهمّة إتمامه ، أمرٌ یتعلّق به ثبات الدین ، ویتوقّف علیه صلاح المسلمین ، وهو أمر الاحتساب ، فإنّ فیه تثبیت الزائغین عن الحقّ ، وتأدیب المنهمکین فی الفسق ، وتقویة أعضاد أرباب الشرع وسواعدها ، وإجراء معاملات الدین علی قوانینها وقواعدها ، وینبغی أن یکون متقلّد هذا الأمر موصوفاً بالدیانة ، معروفاً بالصیانة ، معرضاً عن مراصد الریب ، بعیداً عن مواقف التهم والعیب ، لابساً مدارع السداد ، سالکاً مناهج الرشاد. معجم الأدباء (19 / 31).

ففی تولیة شاعرنا المترجَم الحسبة مرّةً بعد أخری ، غنیً وکفایة عن سرد جمل الثناء علی علمه وفقهه وإطراء عدله ورأیه ، واجتهاده فی جنب الله وصرامته ، وخشونته فی الدین ، ورشاده وسداده ، وقد تولاّها مرّتین فی بغداد : مرّة علی عهد الخلیفة العبّاسی المقتدر بالله کما سمعته من ابن خلّکان والیافعی ، وأخری أقامه علیها عزّ الدولة فی وزارة ابن بقیة الذی استوزره عزّ الدولة سنة (362) وتوفّی سنة (367) ، وقد کتب المترجَم إلیه فی وزارته قصیدة ، أوّلها :

أیّها ذا الوزیر إن أنت أنصف

-ت وإلاّ فقم مع الجیرانِ

ویقول فیها :

لیت شعری ألستُ محتسبَ النا

سِ فلِمْ لیس تعرفونَ مکانی

أمّا أدبه : فهو کما أوعزنا إلیه أحد نوابغ شعراء الشیعة ، والمقدّم بین کتّابها ، حتی قیل : إنّه کامرئ القیس فی الشعر (1) لم یکن بینهما من یضاهیهما ، ویقع دیوانه فی عشر مجلّدات ، والغالب علیه العذوبة والانسجام ، وتأتی المعانی البدیعة فی طریقته ف)

ص: 132


1- کما فی تاریخ ابن خلّکان [2 / 169 رقم 192] ، ومعجم الأدباء [9 / 206] ، وشذرات الذهب [4 / 487 حوادث سنة 391 ه]. (المؤلف)

إلی ألفاظ سهلة ، وأُسلوب حسن ، وسبک مرغوب فیه.

وفی نسمة السحر (1) : إنّه یُعدّ المعلّم الثانی ، والمعلّم الأوّل إمّا المهلهل بن وائل أو امرؤ القیس ، اخترع منهجاً لم یُسبَق إلیه وتبعه فیه الناس ، ومن أتباعه أبو الرقعمق وصریع الدلاء.

قال الثعالبی (2)) : سمعت به من أهل البصیرة فی الأدب وحسن المعرفة بالشعر ، علی أنّه فرد زمانه فی فنِّه الذی شُهِر به ، وأنّه لم یُسبَق إلی طریقته ، ولم یُلحَق شأوه فی نمطه ، ولم یُرَ کاقتداره علی ما یریده من المعانی التی تقع فی طرزه ، مع سلاسة الألفاظ وعذوبتها وانتظامها فی الملاحة والبلاغة. انتهی.

رتّب دیوانه البدیع الإسطرلابی هبة الله بن حسن المتوفّی سنة (534) علی واحد وأربعین ومائة باب ، وجعل کلّ باب فی فنٍّ من فنون الشعر وسمّاه : درّة التاج من شعر ابن الحجّاج (3) ، وهی محفوظة فی باریس (رقم 5913) وبها مقدِّمةٌ لابن الخشّاب النحوی.

وللشریف الرضی انتخاب ما استجوده من شعره سمّاه : الحسن من شعر الحسین (4)) ، ورتّبه علی الحروف ، وکان ذلک فی حیاة المترجَم ، وله فی ذلک شعر یوجد فی المجلّد الأخیر من دیوانه ، وهو قوله :

أتعرف شعری إلی من ضوی

فأضحی علی ملکه یحتوی

إلی البدر حُسناً إلی سیّدی

الشریف أبی الحسنِ الموسویف)

ص: 133


1- نسمة السحر : مج 7 / ج 1 / 205.
2- یتیمة الدهر : 3 / 35.
3- راجع معجم الأدباء [19 / 274] ، تاریخ ابن خلّکان [6 / 52 رقم 775] ، مرآة الجنان [3 / 261] ، کشف الظنون [1 / 739]. (المؤلف)
4- فی دائرة المعارف الإسلامیة [للشنتناوی : 1 / 130] : أنّه أسماه النظیف من السخیف. (المؤلف)

إلی من أعوِّذه کلّما

تلقّیته بالعزیز القوی

فتیً کنتُ مِسْخاً بشعری السخیفِ

وقد ردّنی فیه خَلقاً سوی

تأمّلتُه وهو طوراً یصح

وطوراً بصحّتهِ یلتوی

فمیّزَ معوجَّهُ والردیَ

فیه من الجیِّدِ المستوی

وصحّحَ أوزانَهُ بالعروضِ

وقرّرَ فیه حروفَ الروی

وأرشدَهُ لطریقِ السدادِ

فأصلحَ شیطانَ شعری الغوی

وبیّن موقع کفّ الصناعِ

فی نسج دیباجِهِ الخسروی

فأُقسمُ بالله والشیخُ فی

الیمینِ علی الحِنثِ لا ینطوی

لو أنّ زرادشتَ أصغی له

لأزری علی المنطقِ الفهلوی

وصادف زرعَ کلامی البلیغ

فیه شدیدَ الظما قد ذوی

فما زال یسقیه ماء الطرا

وماء البشاشة حتی روی

فلا زال یحیا وقلبُ الحسودِ

بالغیظِ من سیّدی مکتوی

له کبدٌ فوق جمر الغضا

علی النار مطروحةٌ تشتوی

قال الثعالبی (1) : إنّ دیوان شعره لا تنحطُّ قیمته عن ستین دیناراً لتنافسهم فی ملحه ووفور رغبتهم فیه ، وقال : ودیوان شعره أسْیَرُ فی الآفاق من الأمثال ، وأسری من الخیال ، وذکر فی الیتیمة شطراً مهمّا من فنون شعره فی (62) صحیفة فی الجزء الثالث.

والغالب علی شعره الهزل والمجون ، کأنّهما لازِمَا غریزته ، ومطبوعا قریحته ، وخمرتا طینته ، وکان إذا استرسل فیهما فلا یجعجع به حضور ملک أو هیبة أمیر ، ویأتی بما عنده غیر مکترث للسامعین ، فلا یستقبل منهم إلاّ عطفاً وقبولاً ، کما أنّ جلّ شعره یعرب عن ولائه الخالص لأهل البیت والوقیعة فی مناوئیهم. 6.

ص: 134


1- یتیمة الدهر : 3 / 40 ، 36.

خلفاء عصره وملوکه

أدرک ابن الحجّاج جمعاً من خلفاء بنی العبّاس وهم :

1 - المعتمد علی الله ابن المتوکّل : المتوفّی (279).

2 - المعتضد بالله أبو العبّاس : المتوفّی (289).

3 - المکتفی بالله : المتوفّی (295).

4 - المقتدر بالله : المتوفّی (320).

5 - الراضی بالله : المتوفّی (329).

6 - المستکفی بالله : المتوفّی (338).

7 - القاهر بالله : المتوفّی (339).

8 - المتّقی لله : المتوفّی (358).

9 - المطیع لله : المتوفّی (364).

10 - الطائع لله : المتوفّی (393).

وعاصر من ملوک آل بویه من الذین ملکوا العراق :

1 - معزّ الدولة فاتح العراق : المتوفّی سنة (356).

2 - عزّ الدولة أبا منصور بختیار ابن معزّ الدولة : المقتول (367).

3 - عضد الدولة فنا خسرو ابن رکن الدولة : المتوفّی (372).

4 - شرف الدولة ابن عضد الدولة : المتوفّی (379).

5 - صمصام الدولة ابن عضد الدولة : المقتول (388).

6 - بهاء الدولة أبا نصر ابن عضد الدولة : المتوفّی (403).

وکان ، کما قال الثعالبی (1) ، علی طول عمره یتحکّم علی وزراء الوقت ورؤساء6.

ص: 135


1- یتیمة الدهر : 3 / 36.

العصر ، تحکّم الصبیّ علی أهله ، ویعیش فی أکنافهم عیشة راضیة ، ویستثمر نعمة صافیة ضافیة.

ویوجد فی دیوانه شعر کثیر مدحاً ورثاءً وهجاءً فی رجالات عصره من الخلفاء والوزراء والأمراء والکتّاب والمثقّفین تربو عدّتهم فیما قرأناه من مجلّدات دیوانه علی ستّین ، منهم :

أبو عبد الله هارون ابن المنجِّم

المتوفّی (288)

أبو الفضل عبّاس بن الحسن

المتوفّی (296)

الوزیر أبو محمد المهلّبی

المتوفّی (352)

أبو الطیّب المتنبّی الشاعر

المتوفّی (354)

الوزیر أبو الفضل بن العمید

المتوفّی (360)

المطیع لله الخلیفة العبّاسی

المتوفّی (364)

أبو الفتح بن العمید

المتوفّی (366)

الوزیر أبو ریّان خلیفة عضد الدولة ببغداد

الوزیر أبو طاهر بن بقیة

المتوفّی (367)

عزّ الدولة بختیار بن بویه

المتوفّی (367)

عمران بن شاهین

المتوفّی (369)

الأمیر أبو تغلب غضنفر

المتوفّی (369)

عضد الدولة فناخسرو

المتوفّی (372)

أبو الفتح بن شاهین

المتوفّی (372)

أبو الفرج بن عمران بن شاهین

المتوفّی (373)

أبو المعالی بن محمد بن عمران

المتوفّی (373)

شرف الدولة بن بویه

المتوفّی (379)

أبو إسحاق إبراهیم الصابی

المتوفّی (384)

ص: 136

القاضی أبو علی التنوخی

المتوفّی (384)

الوزیرالصاحب بن عبّاد

المتوفّی (385)

ابن سکرة العبّاسی الشاعر

المتوفّی (385)

أبو علی محمد بن الحسن الحالتی

المتوفّی (388)

أبو القاسم عبد العزیز بن یوسف

المتوفّی (388)

الوزیر أبو نصر سابور بن أردشیر

المتوفّی (416)

الوزیر أبو منصور محمد المرزبان

المتوفّی (416)

أبو أحمد بن حفص ، عارض المترجَم فی أمور الحسبة.

الوزیر أبو الفرج محمد بن العبّاس بن فَسَانْجِس.

قال الثعالبی فی الیتیمة (1) (3 / 70) : کان الوزیر أبو الفرج والوزیر أبو الفضل - ابن العمید - قد خلوا فی الدیوان لعقوبة أصحاب المهلّبی - الوزیر أبی محمد الحسن - عقب موته ، وأمرا أن تُلوّث ثیاب الناس بالنفط إن قربوا من الباب ، وقد کان المهلبی فعل مثل هذا ، فحضر ابن الحجّاج فعجب وخاف النفط فانصرف ، فقال :

الصفعُ بالنفطِ فی الثیابِ

ما لم یکن قطُّ فی حسابی

لیس یقومُ الوصولُ عندی

مقامَ خیطینِ من ثیابی

یا ربَّ من کان سنَّ هذا

فزده ضعفاً من العذابِ

فی قعرِ حمراءَ لیس فیها

غیرُ بنی البظر والقحابِ

تفعل فی لحمِهِ المهْریّ (2)

ما یفعلُ الجمرُ بالکبابِ

فالقردُ عندی یجلُّ عمّن

یسنُّ هذا علی الکلابِ

أکثر المترجَم من مدائح أهل البیت علیهم السلام والنَّیْل من مناوئیهم نظراء مروان بن ف)

ص: 137


1- یتیمة الدهر : 3 / 91.
2- هری الثوب : صفره أی جعله أصفر [وهرأ اللحم هرءاً : أنضجه]. (المؤلف)

أبی حفصة ، حتی إنّه ربما کان یُنتقد علی تشدیده الوطء والنکیر المحتدم علی فظائع القوم - أعداء آل الله - بلهجةٍ حادّةٍ ، وسبابٍ مُقذعٍ ، غیر أنّ ذلک کلّه کان نفثة مصدور ، وأنّة متوجّع من الظلم الواقع علی ساداته أئمّة أهل البیت علیهم السلام ، لا ولعاً منه فی البذاء أو وقیعةً فی الأعراض لمحض الشهوة ومتابعة الهوی ، ولذلک وقع شعره مقبولاً عند موالیه - صلوات الله علیهم - وکانوا إذا مرّوا باللغو منه مرّوا کراماً.

حدّث (1) سیّدنا الأجلّ زین الدین علیّ بن عبد الحمید النیلی النجفی (2)) فی کتابه الدرّ النضید فی تعازی الإمام الشهید : أنّه کان فی زمان ابن الحجّاج رجلان صالحان یزدریان بشعره کثیراً ، وهما : محمد بن قارون السیبی وعلیّ بن زرزور السورائی ، فرأی الأوّل منهما لیلة فی الواقعة کأ نّه أتی إلی روضة الحسین علیه السلام وکانت فاطمة الزهراء علیها السلام حاضرة هناک ، مسندةً ظهرها إلی رکن الباب الذی هو علی یسار الداخل ، وسائر الأئمّة إلی مولانا الصادق علیه السلام أیضاً جلوسٌ فی مقابلها فی الزاویة بین ضریحی الحسین علیه السلام وولده علیّ الأکبر الشهید ، متحدِّثین بما لا یُفهَم ، ومحمد بن قارون المقدّم قائمٌ بین أیدیهم ، قال السورائی : وکنت أنا أیضاً غیر بعید عنهم ، فرأیت ابن الحجّاج مارّا فی الحضرة المقدّسة ، فقلت لمحمد بن قارون : ألا تنظر إلی الرجل کیف یمرّ فی الحضرة؟ فقال : أنا لا أحبّه حتی أنظر إلیه.

قال : فسمعت الزهراء بذلک ، فقالت له مثل المغضبة : أما تحبُّ أبا عبد الله؟ أحبّوه فإنّه من لا یحبّه لیس من شیعتنا. ثمّ خرج الکلام من بین الأئمّة علیهم السلام ، بأنّ من لا یحبُّ أبا عبد الله فلیس بمؤمن. قال الشیخ محمد بن قارون : ولم أدرِ من قاله منهم ، ثمّ انتبهت فزعاً مرعوباً ممّا فرّطت فی حقِّ أبی عبد الله من قبل ذلک. ف)

ص: 138


1- نقله عنه بحّاثة الطائفة میرزا عبد الله الأصبهانی فی ریاض العلماء [2 / 11] ، وسیّدنا فی روضات الجنّات : ص 39 [3 / 160 رقم 266] ، وشیخنا العلاّمة الحجّة النوری فی دار السلام : 1 / 148 [1 / 319] ، ونحن نلخّص ما فی ریاض العلماء. (المؤلف)
2- هو الفقیه الأوحد صاحب المقامات والکرامات ، أحد مشایخ العلم ، الحجّة ابن فهد الحلّی : المتوفّی (841). (المؤلف)

قال : ثمّ نسیت المنام ولم أذکره إلی أن أُتیح لی زیارة السبط الشهید - سلام الله علیه - فإذا بجماعة فی الطریق من أصحابنا یروون شعر ابن الحجّاج فلحقتهم ، فإذا فیهم علیُّ بن زرزور وسلّمت علیه ، وقلت : کنت تنکر روایة شعر ابن الحجّاج وتکرهها ، فما بالک الآن تسمعه وتصغی إلی إنشاده؟ فقال : أُحدّثک بما رأیت فیما یراه النائم ، فقصّ علیَّ بمثل ما رأیته فی الطیف حرفیّا وحکیته بما رأیت ، ثمّ اتّفقا علی مدح الرجل وإیراد أشعاره ، وبثِّ مآثره ونشر مناقبه.

وأیضاً : إنّ السلطان مسعود بن بابویه (1)) لمّا بنی سور المشهد الشریف ودخل الحضرة الشریفة وقبّل أعتابها وأحسن الأدب ، وقف أبو عبد الله المترجَم بین یدیه وأنشد قصیدته الفائیّة التی ذکرناها ، فلمّا وصل منها إلی الهجاء أغلظ له الشریف سیّدنا المرتضی ونهاه أن ینشد ذلک فی باب حضرة الإمام علیه السلام فقطع علیه فانقطع ، فلمّا جنّ علیه اللیل رأی ابن الحجّاج الإمام علیّا علیه السلام فی المنام وهو یقول : لا ینکسر خاطرک فقد بعثنا المرتضی علم الهدی یعتذر إلیک ، فلا تخرج إلیه حتی یأتیک. ثمّ رأی الشریف المرتضی فی تلک اللیلة النبیّ الأعظم صلی الله علیه وآله وسلم والأئمّة علیهم السلام حوله جلوسٌ ، فوقف بین أیدیهم وسلّم علیهم ، فحسّ منهم عدم إقبالهم علیه ، فعظم ذلک عنده وکبر لدیه ، فقال : یا موالیّ أنا عبدکم وولدکم وموالیکم فَبِمَ استحققت هذا منکم؟ فقالوا : بما کسرتَ خاطر شاعرنا أبی عبد الله بن الحجّاج ، فعلیک أن تمضی إلیه وتدخل علیه وتعتذر إلیه وتأخذه وتمضی به إلی مسعود بن بابویه وتعرِّفه عنایتنا به وشفقتنا علیه ، فقام السیّد من ساعته ومضی إلی أبی عبد الله فقرع علیه الباب ، فقال ابن الحجّاج : سیّدی الذی بعثک إلیَّ أمرنی أن لا أخرج إلیک ، وقال : إنّه سیأتیک ، فقال : نعم سمعاً وطاعةً لهم. ودخل علیه واعتذر إلیه ، ومضی به إلی السلطان وقصّا القصّة علیه کما رأیاه ، فأکرمه وأنعم علیه وخصّه بالرتب الجلیلة ، وأمر بإنشاد قصیدته.

ص: 139


1- کذا فی النسخة وأحسبه : عضد الدولة بن بویه. (المؤلف)

ولادته ووفاته :

لم یختلف اثنان فی تاریخ وفاة المترجَم له وأنّه توفّی فی جمادی الآخرة سنة (391) بالنیل ، وهی بلدةٌ علی الفرات بین بغداد والکوفة ، وحُمل إلی مشهد الإمام الطاهر - الکاظمیّة - ودُفن فیه ، وکان أوصی أن یُدفَن هناک بحذاء رجلی الإمام علیه السلام ویُکتَب علی قبره : (وَکَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَیْهِ بِالْوَصِیدِ) (1) ورثاه الشریف الرضی بقصیدة توجد فی دیوانه (2) (2 / 562) ، وذکر ابن الجوزی منها أبیاتاً فی المنتظم (3) (7 / 217).

ولم نقف فی طیّات الکتب والمعاجم علی تاریخ ولادته ، لکنّ الباحث عنها یقطع بأنّ الرجل وُلد فی المائة الثالثة وعاش عمراً طویلاً - حدود المائة والثلاثین - وهناک شواهد قویّة علی هذا منها :

1 - ما ذکر ابن شهرآشوب فی المعالم (4) من قراءته علی ابن الرومیّ المتوفّی (282).

2 - تولّیه الحسبة قبل الإمام الإصطخری المتوفّی (328) کما فی تاریخ ابن خلّکان (5)) ، ومرآة الجنان للیافعی (6) ، وغیرهما ، قالوا : إنّه تولّی حسبة بغداد وأقام مدّة ، ویُقال : إنّه عزل بأبی سعید الإصطخری ، وله فی عزله أبیات مشهورة. انتهی.

ص: 140


1- الکهف : 18.
2- دیوان الشریف الرضی : 2 / 441.
3- المنتظم : 15 / 29 رقم 2971.
4- معالم العلماء : ص 149.
5- وفیات الأعیان : 2 / 168 رقم 192.
6- مرآة الجنان : 2 / 444.

والإصطخری قد تولّی الحسبة بأمر المقتدر بالله سنة (320) کما فی شذرات الذهب (1) (2 / 312) وغیره.

3 - شعره الموجود فی دیوانه فی هجاء أبی عبد الله هارون بن علی بن أبی منصور المنجِّم المتوفّی (288) ، وقال فی دیوانه : قاله وهو حدَث السنّ.

4 - قصیدته الموجودة فی دیوانه فی أبی الفضل عبّاس بن الحسین وزیر المکتفی بالله المقتول سنة (296).

وقد ذکر کثیراً فی شعره المنظوم فی أواسط القرن الرابع شیخوخته ، منه أبیات یمدح بها أبا منصور بختیار ابن معزّ الدولة المقتول (367) منها :

قلتُ اقبلی رأیی

ورأی الشیخِ محمود موافق

وله فی الوزیر أبی طاهر بن بقیة المتوفّی (366) یطلب منه تنجّز جرایته ورزقاً لابنه فی دیوان - بادویا - أبیاتٌ منها قوله :

طلبتُ ما یطلبُهُ

مثلی الشیوخُ الفَسَقَه

وأنت لا تجد قطُّ شاعراً یذکر شیخوخته وهرمه فی شعره کابن الحجّاج ، کقوله فی أبی محمد یحیی بن فهد :

أیّها الشاعرُ الجدیدُ الذی

یعبثُ بالشاعر النفیسِ الخلیعِ

أنت مثلُ الثوبِ الجدیدِ

وشعری مثلُ قبّ الغلالةِ المرقوعِ (2)

أنا شیخٌ طبیعتی تنثر البَعْر

علی کلِّ شاعر مطبوعِ

وقوله فیما کتبه إلی أبی محمد بن فهد المذکور ، وقد ولد للمترجَم مولود : ف)

ص: 141


1- شذرات الذهب : 4 / 147 حوادث سنة 328 ه.
2- القبّ : ما یدخل فی جیب القمیص من الرقاع. الغلالة : شعار یلبس تحت الثوب. (المؤلف)

قولوا لیحیی بن فهد یا من

جُعِلتُ ممّا یخشی فداهُ

ألیس قد جاءنی غلامٌ

یجلبُ بالحسن من رآهُ

کالشمسِ والشمسُ فی ضحاها

والبدرِ والبدرُ فی دجاهُ

یفتننی ریُّه ویحنو

فی المهدِ قلبی علی خُصاهُ

کأنّنی مع وفورِ نسلی

لم أرَ من قبلِهِ سواهُ

ومن قصیدة ذات (129) بیتاً فی الوزیر أبی نصر التی أوّلها :

یا عاذلی کیف أصنعْ

ولیس فی الصبر مطمعْ

قوله :

خذها إلیک عروساً

لها من الحسن برقعْ

ألأذن لا العینُ منها

بحسنها تتمتّعْ

خطیبُها فیکَ شیخٌ

مهملَجُ الفکرِ مصقعْ

ویمدح عضد الدولة فنا خسرو المتوفّی (372) بقصیدة ذات (41) بیتاً ، ویذکر فیها شیبه وهرمه ، والباحث جِدُّ علیم بأنّه من المعمّرین ولید القرن الثالث مهما وقف علی قوله فی إحدی مقطوعاته :

وقائلة تعیش

مظلوماً بسیفِ (1)

فقلتُ لها أباکی ذاک حزنی

علی مائة فُجِعتُ بها ونیفِ

فبعد ذلک کلّه لا یبقی وزنٌ فی تضعیف ابن کثیر فی تاریخه (11 / 329) قول ابن خلّکان بأنّه عُزِل عن حسبة بغداد بأبی سعید الإصطخری المتوفّی (328) ، کما لا یبعد عندئذٍ ما فی المعالم من تلمّذه علی ابن الرومی المتوفّی (283) ؛ إذ تلمّذه علیه إنّما کان ف)

ص: 142


1- کذا وجدناه فی دیوانه وفیه سقط. (المؤلف)

فی الأدب فی الآلیات ، ومن الممکن أن یکون ذلک قبل أن یبلغ الحلم أیضاً ، کتلمّذ الشریف الرضیّ علی أستاذه السیرافی وله دون العشر من عمره کما یأتی فی ترجمته.

مصادر ترجمة ابن الحجّاج

یتیمة الدهر (3 / 25)

تاریخ الخطیب (8 / 14)

معجم الأدباء (4 / 6)

تاریخ ابن خلّکان (1 / 170)

معالم العلماء (ص 136)

الکامل لابن الأثیر (9 / 63)

المنتظم لابن الجوزی (7 / 216)

تاریخ ابن کثیر (1 / 329)

تاریخ أبی الفداء (3 / 242)

مرآة الجنان (2 / 444)

معاهد التنصیص (2 / 62)

مجالس المؤمنین (ص 459)

شذرات الذهب (3 / 136)

إیضاح المقاصد للبهائی ، مخطوط

کشف الظنون (1 / 498)

ریاض العلماء للمیرزا عبد الله ، مخطوط

أمل الآمل للشیخ الحُرّ

ریاض الجنّة للسیّد الزنوزی ، مخطوط

روضات الجنّات (ص 239)

نسمة السحر فیمن تشیّع وشعر ، مخطوط

سفینة البحار (1 / 225)

تتمیم الأمل لابن أبی شبانة ، مخطوط

الشیعة وفنون الإسلام (ص 106)

تنقیح المقال (1 / 318)

دائرة المعارف الإسلامیّة (1 / 130)

أعلام الزرکلی (1 / 245)

دائرة المعارف للبستانی (1 / 439)

دائرة المعارف لفرید وجدی (6 / 12)1.

ص: 143

ص: 144

28 - أبو العبّاس الضبّی

المتوفّی (398)

لعلیٍّ الطهرِ الشهیرِ

مجدٌ أناف علی ثَبیرِ

صنوُ النبیِّ محمدٍ

ووصیُّهِ یومَ الغدیرِ

وحلیلُ فاطمةٍ ووا

لدُ شبّرٍ وأبو شبیرِ (1)

ما یتبع الشعر

ثَبیر : - بفتح المثلّثة ثمّ الموحّدة المکسورة - من أعظم جبال مکّة بینها وبین عرفة ، سُمّی باسم رجل من هُذیل مات فی ذلک الجبل. أخرج أبو نعیم فی ما نزل من القرآن فی أمیر المؤمنین (2) ، والنطنزی فی الخصائص العلویّة عن شعبة بن الحکم ، عن ابن عبّاس قال : أخذ النبیُّ صلی الله علیه وآله وسلم ونحن بمکّة بیدی وبید علیّ فصعد بنا إلی ثبیر ، ثمّ صلّی بنا أربع رکعات ، ثمّ رفع رأسه إلی السماء فقال :

«اللهمّ إنّ موسی بن عمران سألک وأنا محمد نبیّک أسألک أن تشرح لی صدری ، وتیسِّر لی أمری ، وتحلل عقدة من لسانی یفقهوا قولی ، واجعل لی وزیراً 7.

ص: 145


1- مناقب ابن شهرآشوب : 1 / 550 طبع إیران [3 / 71 طبع بیروت]. (المؤلف)
2- ما نزل من القرآن فی علیّ : ص 138 ح 37.

من أهلی علیّ بن أبی طالب أخی ، اشدد به أزری وأشرکه فی أمری».

قال ابن عبّاس : فسمعت منادیاً ینادی : یا أحمد قد أُوتیتَ ما سألت.

الشاعر

الکافی الأوحد أبو العبّاس أحمد بن إبراهیم الضبّی - نسبة إلی ضبّة - الوزیر الملقّب بالرئیس ، أحد من ملک أزمّة السیاسة والأدب بعد الصاحب بن عبّاد ، وکان من ندمانه واختصَّ بالزلفة منه والتأدّب بآدابه ، والحظوة بقرباه ، حتی عاد منار الفضل والأدب ومفزع روّادهما ، وممّن یُشار إلیه ویُنصُّ علیه ، لم یفتأ کذلک حتی قضی الصاحب نحبه سنة (385) ، فخلفه علی الوزارة لمّا استوزره فخر الدولة البویهی ، وضمَّ إلیه أبا علیّ الملقّب بالجلیل ، وفی ذلک قال بعض ولد المنجِّم.

والله والله لا أفلحتمُ أبداً

بعد الوزیر ابن عبّاد بن عبّاس

إن جاء منکم جلیلٌ فاقطعوا أجلی

أو جاء منکم رئیسٌ فاقطعوا راسی

فالمترجَم کانت تحطُّ بفنائه الرحال ، وتنال منه الآمال ، وتفد إلیه القوافی من کلّ حدب ، ویسیر شعره مع الرکبان ، وکان نعم الخلیفة لسلفه الصاحب ، والموئل الفذّ لما کانت له من مراتب ، وله فی جامع أصبهان خانکات مرتفعة ، وخانات عامرة متّسعة ، قد وُقِفَت لأبناء السبیل ، وبحذائه دار الکتب وحجرها وخزانتها وقد بناهنَّ ونضد فیها من الکتب عیوناً ، وخلّدها من العلوم فنوناً ، یشتمل فهرستها علی ثلاث مجلّدات کبیرة کما فی محاسن أصبهان (ص 85) ، وکتب التراجم (1) تطفح بالثناء علیه ، ولشعراء عصره قصائد رنّانة فی مدحه ، ومنهم : ف)

ص: 146


1- راجع : یتیمة الدهر : 3 / 260 [3 / 339] ، معجم الأدباء : 1 / 65 [2 / 105] ، کامل ابن الأثیر : 9 / 73 [5 / 577 حوادث سنة 398 ه] ، معالم العلماء لابن شهرآشوب [ص 148] ، دیوان مهیار : 4 / 29 ، أعیان الشیعة : 8 / 77 [2 / 469] ، دائرة المعارف للبستانی : 11 / 120. (المؤلف)

1 - أبو عبد الله محمد بن حامد الخوارزمی ، له قصیدة فی إطرائه ، منها :

زمانٌ جدیدٌ وعیدٌ سعیدُ

ووقتٌ حمیدٌ فما ذا تریدُ

وأحسنُ من ذاک وجهُ الرئی

-سِ وقد طلعتْ من سناهُ السعودُ

وکم حلّةٍ خطّها قد غدتْ

علی بُردِ آلِ یزیدٍ تزیدُ

2 - أبو الحسن علیُّ بن أحمد الجوهریّ الجرجانی - السابق ذکره ، له قصائد فی المترجَم له ، منها قصیدةٌ فی میلاده وتحویل سنِّه ، ذکرها الثعالبی فی الیتیمة (1) (4 / 38) ، منها :

یومٌ تبرّجتِ العُلی

فیه ومزّقتِ الحُجُبْ

یومٌ أتاه المشتری

بشهابِ سعدٍ ملتهبْ

بسلالةِ المجدِ الفصیحِ

وصفوةِ المجدِ الزرِبْ

ملکٌ إذا ادّرع العلی

فالدهر مسلوبُ السلَبْ

وإذا تنمّر فی الخطو

ب فیا لنارٍ فی حطبْ

وإذا تبسّم للندی

مطرتْ سحائبُهُ الذهبْ

یاغُرّةَ الحسبِ الکری

-مِ وأین مثلُکَ فی الحسبْ

هذا صباحٌ حُلّیت

بسعودهِ عَطَلُ الحقبْ

میلادُکَ المیمونُ فی

-ه وهو میلادُ الأدبْ

عرِّج علیه بمجلسٍ

ریّانَ من ماءِ العنبْ

واضرب علیه سُرادقاً

للأُنس ممتدُّ الطنبْ

3 - مهیار الدیلمی - أحد شعراء الغدیر الآتی ذکره - مدح المترجَم بقصائد منها میمیّة (65) بیتاً ، توجد فی دیوانه (3 / 344) ، أوّلها : 4.

ص: 147


1- یتیمة الدهر : 4 / 44.

أجیرانَنا بالغورِ والرکبُ متهمُ

أیعلمُ خالٍ کیف باتَ المتیّمُ

رحلتمْ وعمرُ اللیلِ فینا وفیکمُ

سواءٌ ولکن ساهرون ونوّمُ

ومنها بائیّة (45) بیتاً فی دیوانه (1 / 15) ، مطلعها :

شفی الله نفساً لا تذلُّ لمطلبِ

وصبراً متی یسمعْ به الدهرُ یُعجَبِ

ودالیّة (61) بیتاً فی دیوانه (1 / 230) ، أوّلها :

إذا صاح وفدُ السحبِ بالریحِ أو حدا

وراح بها ملأی ثقالاً أو اغتدی

وبائیّة (37) بیتاً فی دیوانه (1 / 12) ، مستهلّها :

دواعی الهوی لک أن لا تجیبا

هجرْنا تُقیً ما وصلْنا ذنوبا

وعینیّة (40) بیتاً فی دیوانه (2 / 179) ، مطلعها :

علی أیِّ لائمةٍ أربعُ

وفی أیِّما سلوةٍ أطمعُ

وقد أخذَ العهدَ یومَ الرحیلِ

أمامیَ والعهدُ مستودعُ

ذولامیّة (52) بیتاً فی دیوانه (3 / 18) مستهلّها :

الیوم أُنجِزَ ماطلُ الآمالِ

فأتتک طائعةً من الإقبالِ

وقصیدة (69) بیتاً توجد فی دیوانه (4 / 30) نظمها سنة (392) ، أوّلها :

قالوا عساک مرجِّمٌ فتبیّنِ

هیهاتَ لیس بناظری إن غرّنی

هی تلک دارُهمُ وذلک ماؤهمْ

فاحبسْ وردْ وشرقتَ إن لم تسقِنی

ولقد أکادُ أضلُّ لولا عنبرٌ

فی التربِ من أرَجِ الحبائبِ دلَّنی

فَتَقوا به أنفاسَهنّ لطائماً (1)

وظعنَّ وهی مع الثری لم تظعنِف)

ص: 148


1- لطائم جمع لطیمة : وهی نافجة المسک. (المؤلف)

یا منزلاً لعبتْ به أیدی الصَّبا

لعبَ الشکوک وقد بدتْ بتیقّنی

إمّا تناشدنی العهودَ فإنّها

حُفِظتْ فکانت بئسَ ذخرُ المقتنی

سکنتْکَ بعدَهمُ الوحوشُ تشبّهاً

بهمُ ولیتَکَ آنفاً لم تُسکَنِ

لعیونهنَّ علامةٌ سحریّةٌ

عندی فما بالُ الظباءِ تغشّنی

ویقول فیها :

حاشا طلابی أن أَعُمَّ به وقد

خُصّ السماحُ بموضعٍ مُتعیّنِ

یا حظُّ قم فاهتف بناحیة الغنی

فی الریِّ وارحم کدّ من لم یفطنِ

وأعن علی إدراکها فبمثلِها

فرّقتُ بین موفَّق ومحیَّنِ

لمن الخلیطُ مشرِّقٌ وضمانُهُ

رزقٌ لنا فی غیره لم یُؤذنِ

اشتقتُ یا سُفنَ الفلاةِ فأبلغی

وطربت یا حادی الرکابِ فغنِّنی

وانهض فرحِّل یا غلامُ مذلِّلاً (1)

تتوعّر البیداء منه بمُدمنِ

یرضی بشمّ العُشب إمّا فاته

والسیرُ یأکلُ منه أکلَ الممعنِ

مرح الزمام یکاد یصعبُ ظهرُه

فتصیحُ فاغرةُ الرحال به لِنِ

الرزق والإنصاف قد فُقدا فلُذْ

بالریّ واستخرجهما من معدنِ

وإلی أبی العبّاس حافظِ ملکِها

سَهُلَ الأشدُّ ولانَ خُبْثُ الأخشَنِ

4 - أبو الفیّاض سعد بن أحمد الطبری ، له قصیدة فی مدح أبی العبّاس منها :

وإنّی وأقوافُ القریضِ أحوکُها

لِأَشعرَ من حاکَ القریض وأقدرا

کما تُضربُ الأمثالُ وهی کثیرةٌ

بمستبضِعٍ تمراً إلی أهلِ خیبرا

ولکنّنی أمّلتُ عندک مطلباً

أُنکّبه عمّن ورائی من الوری

ألم ترَ أنّ ابنَ الأمیرِ أجارنی

ولم یرضَ من إدرائِهِ لی سوی الذریف)

ص: 149


1- المذلِّل : الجمل یذلِّل الطریق ویعبّدها. (المؤلف)

5 - صاعد بن محمد الجرجانی ، کتب إلی المترجَم له بقوله :

ولو أنّنی حسبَ اشتیاقی ومنیتی

منحتُکَ شیئاً لم یکن غیرَ مقلتی

ولکنّنی أُهدی علی قدرِ طاقتی

وأحملُ دیواناً بخطِّ ابن مقلةِ

6 - أبو القاسم عبد الواحد بن محمد بن علیّ بن الحریش الأصبهانی ، قال فی المترجَم من قصیدةٍ کبیرةٍ :

بنفسی وأهلی شِعْب وادٍ تحلُّهُ

ودهر مضی لم یُجدِ إلاّ أقلُّهُ

وعطفة صدغٍ یهتدی فوق خدِّه

ویضربُهُ روحُ الصبا فیضلُّهُ

وطیب عناقی منه بدراً أضمُّه

إلیَّ وأهوی لثمه فأُجلُّهُ

وقفنا معاً واللّوم یصفقُ رعدُهُ

ومنّا سحابُ الدمعِ یسجمُ وبلُهُ

ترقُّ علی دیباجتیه دموعُهُ

کما غازلَ الوردَ المضرّجَ طلُّهُ

وینأی رقیبٌ عن مقامِ وداعنا

وتبلغُهُ أنفاسُنا فتذلُّهُ

یقلقلنی عتبُ الحبیب وعذرُهُ

ویقلقُنی جدُّ الرقیب وهزلُهُ

وکیف أقی قلبی مواقعَ رمیِهِ

ولست أری من أین ینثالُ نبلُهُ

یُولّی وبالأحداقِ تُفرَشُ أرضُهُ

ویفدی وبالأفواه ترشف رجلُهُ (1)

وبعد ردحٍ من تقلّده الوزارة کما وصفناه ، اتّهمته أمُّ مجد الدولة بأنّه سمَّ أخاه ، فطلبت منه مائتی ألف دینار لینفقها فی مأتم أخیه فأبی علیها ذلک ، فهرب عنها سنة (392) إلی بروجرد وهی من أعمال بدر بن حسنویه (2) ، فبذل بعد ذلک مائتی ألف ین

ص: 150


1- تتمّة یتیمة الدهر : 5 / 135.
2- من أمراء الجبل ، لقّبه القادر بناصر الدولة وعقد له لواءً ، وکان یبرّ العلماء والزهّاد والأیتام ، وکان یتصدّق کلَّ جمعة بعشرة آلاف درهم ، ویصرف إلی الأساکفة والحذّائین بین همَدان وبغداد لیقیموا للمنقطعین من الحاجّ الأحذیة ثلاثة آلاف دینار ، ویصرف إلی أکفان الموتی کلّ شهر عشرین ألف درهم ، واستحدث فی أعماله ثلاثة آلاف مسجد وخان للغرباء ، وکان ینقل للحرمین

دینار لیعود إلی عمله فلم یقبل منه ، ولم یبرح بها حتی مات سنة (398).

وقیل : إنّ أبا بکر بن رافع - أحد قوّاد فخر الدولة - واطأ أحد غلمانه فسقاه سمّا ، وأرسل ابنه تابوته إلی بغداد مع أحد حجّابه ، وکتب إلی أبی بکر الخوارزمی یعرّفه أنّه وصّی بدفنه فی مشهد الحسین علیه السلام بکربلاء المشرَّفة ، ویسأله القیام بأمره وابتیاع تربة بخمسمائة دینار ، فقیل للشریف أبی أحمد - والد السیّدین علم الهدی والشریف الرضی - أن یبیعه موضع قبره بخمسمائة دینار ، فقال : هذا رجل التجأ إلی جوار جدّی فلا آخذ لتربته ثمناً. وکتب نفسه الموضع الذی طُلب منه ، وأخرج التابوت إلی براثا ، وخرج الطاهر أبو أحمد ومعه الأشراف والفقهاء وصلّی علیه ، وأصحبه خمسین رجلاً من رجاله حتی أوصلوه ودفنوه هناک (1).

ورثاه مهیار الدیلمی - الآتی ذکره - بقصیدة (59) بیتاً ، ویعزّی ابنه سعداً وأنفذها إلی الدینَوَر ، توجد فی دیوانه (3 / 27) أوّلها :

ما للدسوتِ وللسروجِ تسائلُ

من قائمٌ عنهنّ أو من نازلُ

لِمَ سُدّ بابُ الملکِ وهو مواکبٌ

وخلتْ مجالسُهُ وهنّ محافلُ

ما للجیاد صوافناً وصوامتاً

نُکساً وهنَّ سوابقٌ وصواهلُ (2)

من قطّر الشجعانَ عن صهواتِها

وهمُ بها تحتَ الرماحِ أجادلُ (3)

ما للسماء علیلةٌ أنوارُها

لمَن السماءُ من الکواکب ثاکلُ

من لجلج الناعی یحدِّث أنّه

أودی فقیل أقائلٌ أم قاتلُ

المجدُ فی جدَثٍ ثوی أم کوکبُ ال

-دنیا هوی أم رکنُ ضبَّةَ مائلُف)

ص: 151


1- معجم الأدباء : 1 / 65 [2 / 109]. (المؤلف)
2- الصوافن من الخیل : الواقفة علی ثلاث قوائم وطرف حافر الرابعة. (المؤلف)
3- قطّر : ألقی. أجادل : جمع أجدل ، وهو الصقر. (المؤلف)

ما کنتُ فیهِ خائفاً أنّ الردی

من عزَّ جانبُهُ إلیه واصلُ

أَدَرَی الحِمام بمَن - وأُقسم ما دری -

تلتفُّ کُفّاتٌ له وحبائلُ (1)

خطبٌ أخلَّ الدهرُ فیه بعقله

والدهرُ فی بعض المواطن جاهلُ

یا غیثُ أرضِ الأرض سَقیاً واحتبی

بالروض یشکره المحلّ الماحلُ

ینهلُّ منحلّ المزادة موثقاً (2)

أنّ الثری الظمآنَ منه ناهلُ

یسمُ الصخورَ کأنّ کلّ مجودةٍ

لحظَ العلیقَ بها حصانٌ ناعلُ (2)

تمریه غبراءُ الإهاب کأنّما

قادت خزائمَها النعامُ الجافلُ (3)

حلفت لأفواهِ الرُّبی أخلافُها

أَیمانَ صدقٍ إنّهنّ حَوافلُ (4)

وَلِیت سیوفُ البرقِ قطعَ عروقِها

فبکلّ فجٍّ شاریانٌ سائلُ (5)

أبلغ أبا العبّاسِ أنّک فاحصٌ

حتی تبلَّ جوی ثراهُ فواغلُ (6)

مُنی وأطباقُ الصعیدِ حجابُهُ

عنّی فکیف تخاطبٌ وتراسلُ

سعدتْ جنادلُ أَلحفتْکَ علی البلی

لا مثل ما شقِیتْ علیک جنادلُ

أبکیک لی ولمرملینَ بنوهمُ ال

أیتامُ بعدک والنساءُ أراملُ (7)

ولمستجیرٍ والخطوبُ تنوشُهُ

مُستطعمٌ والدهرُ فیهِ آکلُ

مُتلوِّمُ العزماتِ لا هو قاطنٌ

فی دارِه قفراً ولا هو راحلُ (8)

أودی به التطوافُ ینشُدُ ناصراً

فیضلُّ أن یلقاه إلاّ خاذلُف)

ص: 152


1- الکُفّات جمع کُفّة - بضم الکاف - : وهی الحبالة. (المؤلف) (2) فی الدیوان : موقناً.
2- المجودة : الأرض جادها المطر. (المؤلف)
3- تمریه : تدرّ علیه. غبراء الإهاب : السحابة السوداء. (المؤلف)
4- أخلاف جمع خلف : وهو حلمة الضرع. حوافل : ممتلئة. (المؤلف)
5- شاریان : واحد الشرایین وهی العروق الرفیعة ، والمشهور فی هذه الکلمة : شریان.
6- الواغل : الداخل المتغلغل فی الشیء. (المؤلف)
7- المرمل : الذی نفد زاده ، وأصله من الرمل ، کأنّهم لصقوا بالرمل.
8- المتلوّم : المنتظر. (المؤلف)

حتی إذا الإقبال منک دنا به

أنساهُ عندک عامُ بؤسٍ قابلُ

ولمعشرٍ طَرْقُ العلومِ ذنوبُهمْ

فی الناس وهی لهم إلیک وسائلُ

کانوا عن الطلبِ الذلیلِ بمعزلٍ

ثقةً وأنت بما کفاهمْ کافلُ

قطع الجدا بهمُ وقد قطع الردی

بک أن یُظنَّ تزاورٌ وتواصلُ

وعصائبٌ هی إن رکبتَ مواکبٌ

تَسَعُ العیونَ وإن غضبتَ جحافلُ

تفری بأذرعِها الکعوبُ کأنّما

تحت الرماحِ علی الرماحِ عواملُ (1)

لو کان فی ثُعَلٍ بموتک ثأرُها

ما عاش من ثُعَلٍ علیک مُناضلُ (2)

نکروا حلومَک والمنونُ تسوقُها

حقّا وأنت مدافعٌ متثاقلُ

قعد البعیدُ وقام عنک متارکاً

ما جاء یقنُصکَ القریبُ الواصلُ

ولَجَ الحِمامُ إلیک باباً ما شکا

غیرَ الزحام علیک فیه داخلُ

مستبشراً بالوفد لم یُجْبَهْ به

ردٌّ ولم یُنهر علیه سائلُ

لم یغنِکَ الکرمُ العتیدُ ولا حمی

عنک السماحُ ولا کفاک النائلُ

کنت الذی مُرُّ الزمان وحلوُهُ

فیمن یُصابر عیشه ویُعاسلُ

فغدوتَ مالکَ فی عدوِّک حیلةٌ

تُغنی ولا لکَ من صدیقِکَ طائلُ

والموتُ أجورُ حاکمٍ وکأنّه

فی الناس قسماً بالسویّة عادلُ

لا اغترَّ بعدکَ بالحیاة مجرِّبٌ

عرَفَ الحقوقَ فلم یرُقْه الباطلُ

یا ثاویاً لم تقضِ حقّ مصابِهِ

کبدٌ محرَّقةٌ وجفنٌ هاملُ

أفدیکَ لو أنّ الردی بک قابلٌ

من مهجتی وذویَّ ها أنا باذلُ

ما بالُ أوقاتی بفقدِک هَجَّرتْ

ولقد تکون لدیک وهی أصائلُ


1- تفری - من الفری - : الشقّ. کعوب جمع کعب : العقدة. عوامل جمع عامل : وهو صدر الرمح الذی یلی السنان. (المؤلف)
2- ثُعَل : قبیلة مشهورة بالرمی. (المؤلف)

قد کنتُ ملتحفاً بمدحِک حلّةً

فخراً تجرُّ لها علیَّ ذلاذلُ (1)

ویقول فیها :

لا تحسبنَّ ، وسعدٌ ابنُکَ طالعٌ

یحتلُّ برجَک ، إنّ سعدَک آفلُ

ما أنکر الزوّار بعدک وجهَهُ

فی البدرِ من شمسِ النهارِ مخایلُ

أجمل له یا سعدُ واحمل وزرَهُ (2)

ما طالَ باعٌ أو أطاعَکَ کاهلُ

وأنا الذی یرضیک فیه باکیاً

ویسرُّه بک فی الذی هو قائلُ

ولشاعرنا أبی العبّاس الضبّی شعرٌ رقیقٌ ونظمٌ جیّدٌ ، ومنه قوله :

ترفّق أیّها المولی بعبدٍ

فقد فتنتْ لواحظُک النفوسا

وأسکرتَ العقولَ فلیس ندری

أسحراً ما تُسقّی أم کؤوسا

وله قوله وهو ممّا یُتغنّی به :

ألا یالیتَ شعری ما مرادُک

فقلبی قد أضرَّ به بِعادُک

وأیُّ محاسنٍ لک قد سبانی

جمالُک أم کمالُک أم ودادُک

وأیُّ ثلاثةٍ أوفی سواداً

أخالُکَ أم عذارُک أم فؤادُک

وله قوله :

قلتُ لمن أحضرنی زهرةً

ومجلسی بالأُنُسِ بسّامُ

وقرّة العینین نیلُ المُنی

عندی ولا سامٌ ولا حامُ

تجنّبِ النمّامَ لا تَجنِهِ

فإنّما النمّامُ نمّامُ

أخشی علینا العینَ من أعینٍ

یبعثُها بالسوء أقوامُف)

ص: 154


1- الذلاذل : أسافل القمیص الطویل. (المؤلف)
2- الوزر : الحمل الثقیل. (المؤلف)

وله قوله :

لا ترکننَّ إلی الفراقِ

فإنّه مرُّ المذاقِ

الشمسُ عند غروبها

تصفرُّ من فَرَقِ الفراقِ

وممّا کتب إلی الوزیر الصاحب بن عبّاد قوله :

أکافی کفاةِ الأرضِ ملکُکَ خالدٌ

وعزُّک موصولٌ فأعظمْ بها نعمی

نثرتَ علی القرطاس درّا مبدّداً

وآخرَ نظماً قد فرعت به النجما

جواهر لو کانت جواهرَ نُظِّمتْ

ولکنّها الأعراض لا تقبلُ النظما

وله فی الثریّا :

خلتُ الثریّا إذ بدتْ

طالعةً فی الحندسِ (1)

سنبلةً من لؤلؤٍ

أو باقةً من نرجسِ

وقوله فیها :

إذ الثریّا اعترضت

عند طلوعِ الفجرِ

حسِبتُها لامعةً

سنبلةً من دُرِّ

وقوله فی قصر اللیل :

ولیلةٍ أقصرُ من

فکریَ فی مقدارِها

بدت لعینی وانجلتْ

عذراءَ من قرارها

وقوله فی طول اللیل :

رُبَّ لیلٍ سهرتُهُ

مُفکراً فی امتدادِهف)

ص: 155


1- الحندس : الظلام. (المؤلف)

کلّما زدتُ رعیَه

زادنی من سوادِه

فتبیّنتُ أنّه

تائهٌ فی رقادِه

أو تفانت نجومُه

فبدا فی حِدادِه

وخلف المترجَم له علی مجده وفضله ولده أبوالقاسم سعد بن أحمد الضبّی ، تبع والده لمّا هرب إلی بروجرد ، وتوفّی بها بعد والده بشهور ، ولمهیار الدیلمی فی مدحه عدّة قصائد منها قصیدة (45) بیتاً أنشدها إیّاه وهو مقیم ببروجرد ، أوّلها :

ذکرتُ وما وفای بحیثُ أنسی

بدجلةَ کم صباحٍ لی وممسی

وأخری (45) بیتاً ، مستهلّها :

أشاقکَ من حسناءَ وهناً طروقُها

نعم کلُّ حاجات النفوس یشوقُها

ونونیّةٌ (44) بیتاً فی دیوانه (4 / 51) ، مطلعها :

ما أنتِ بعد البین من أوطانی

دارَ الهوی والدارُ بالجیرانِ

ویقول فیها :

کثرَ الحدیثُ عن الکرامِ وکلُّ من

جرّبتُ ألفاظٌ بغیر معانی

إلاّ بسعدٍ من تنبّه للعلی

هیهاتَ نُوّمُهمْ من الیقظانِ

مهلاً بنی الحسدِ الدخیلِ فإنّها

لا تُدرَکُ العلیاءُ بالأضغانِ

سعدُ بن أحمد أبیضٌ من أبیضٍ

فی المجدِ فانتسبوا بنی الألوانِ

بین الجبالِ الصُّمِّ بحرٌ ثامنٌ

یحوی جلامدَها وبدرٌ ثانی

من معشرٍ سبقوا إلی حاجاتِهمْ

شوطَ الریاحِ وقد جرتْ لرهانِ

قومٌ إذا وزروا الملوکَ برأیِهمْ

أمرتْ عمائمُهمْ علی التیجانِ

ضربوا بمدرجةِ السبیلِ قِبابَهم

یتقارعونَ بها علی الضیفانِ

ص: 156

ویکاد موقدُهمْ یجود بنفسِهِ

حبَّ القِری حطباً علی النیرانِ

أبناءُ ضبّةَ واسعون وفی الوغی

یتضایقون تضایقَ الأسنانِ

یا راکباً زُهرُ الکواکبِ قصدُهُ

قرِّب لعلّکَ عندها تلقانی

قف نادِ یا سعدَ الملوکِ رسالةً

من عبدِکَ القاصی بحبٍّ دانی

غالطتُ شوقی فیک قبلَ لقائنا

والقربُ ظنٌّ والمزارُ أمانی

حتی إذا ما الوصل أطفأ غُلّتی

بک کان أعطشَ لی من الهجرانِ

ولرُبَّ وجدِ تواصُفٍ ناهضتُه

وضعفتُ لمّا صارَ وجدَ عیانِ

ولقد عکستَ علیَّ ذاک لأنّنی

کنتُ الحبیبَ إلیک قبلَ ترانی

ومن العجائبِ والزمانُ ملوّنٌ

أنّ الدنوَّ هو الذی أقصانی

ص: 157

ص: 158

29 - أبو الرقعمق الأنطاکی

المتوفّی (399)

کتب الحصیرُ إلی السریرِ

أنّ الفصیلَ ابنُ البعیرِ

فلمثلها طرب الأم

-یر إلی طباهجة بقیرِ (1)

فلأمنعنَّ حمارتی

سنتین من علفِ الشعیرِ

لاهُمَّ إلاّ أن تط

-یرَ من الهزالِ مع الطیورِ

فلأخبرنّک قصّتی

فلقد وقعتَ علی الخبیرِ

إنّ الذین تصافعوا

بالقرعِ فی زمنِ القشورِ

أسفوا علیَّ لأنّهمْ

حضروا ولم أکُ فی الحضورِ

لو کنتُ ثَمَّ لقیلَ هل

من آخذٍ بیدِ الضریرِ

ولقد دخلتُ علی الصدی

-قِ البیتَ فی الیوم المطیرِ

متشمِّراً متبختراً

للصفع بالدلوِ الکبیرِ

فأدرتُ حین تبادروا

دلوی فکانَ علی المدیرِ

یا للرجالِ تصافعوا

فالصفعُ مفتاحُ السرورِ

لا تغفلوهُ فإنّه

یستلُّ أحقادَ الصدورِف)

ص: 159


1- الطباهجة : اللحم المشرّح [بقیر : مقطّع ومشقّق]. (المؤلف)

هو فی المجالسِ کالبخو

ر فلا تملّوا من بخورِ

ولأذکرنَّ إذا ذکرتُ

أحبّتی وقتَ السحورِ

ولأحزنَنَّ لأنّهم

لمّا دنا نضجُ القدورِ

رحلوا وقد خبزوا الفطی

-رَ ففاتهم أکلُ الفطیرِ

ما للإمامِ أبی علیٍ

فی البریّةِ من نظیرِ (1)

الشاعر

أبو حامد أحمد بن محمد الأنطاکی نزیل مصر المعروف بأبی الرقعمق ، أحدالشعراء المشاهیر المتصرِّفین فی فنون الشعر ، وله شوطه البعید فی أسالیب البیان غیر أنّه ربما خلط الجدّ بالهزل. نشأ بالشام ثمّ رحل إلی مصر وأخذ فیها شهرة طائلة ومکانة من الأدب عظیمة ، ومدح ملوکها وزعماءها ورؤساءها ، وممّن مدح : المعزّ أبو تمیم معدّ بن المنصور بن القائم بن المهدی عبید الله ، وابنه زفر عزیز مصر ، والحاکم ابن العزیز ، وجوهر القائد ، والوزیر أبو الفرج یعقوب بن کلس ونظراؤهم ، وصادف فیها جماعة من أهل ا لهزل والمجون فأوغل فیهما کلّ الإیغال حتی نبز بأبی الرقعمق ، وقد یقال : إنّه هو الذی سمّی نفسه بذلک ، وقد أعلن فی شعره أنّه حلیف الرقاعة ، بقوله :

أستغفر الله من عقلٍ نطقتُ به

ما لی وللعقل لیس العقل من شانی

لا والذی دون هذا الخلق صیّرنی

أحدوثةً وبحبِّ الحمق أغرانی

والبیتان من قصیدة له سجّل بها لیل تِنِّیس (2) وهی مدینةٌ مصریّة کان بها فی ف)

ص: 160


1- یتیمة الدهر : 1 / 284 [1 / 395 - 396]. (المؤلف)
2- تنّیس : بکسرتین وتشدید النون ویاء ساکنة وسین مهملة. (المؤلف)

بعض العهود خمسمائة صاحب محبرة یکتبون الحدیث ، ومطلع القصیدة :

لیلی بتنِّیسَ لیلُ الخائفِ العانی

تفنی اللیالی ولیلی لیس بالفانی

وینمُّ عن توغّله فی المجون قوله من قصیدة :

کفّی ملامَکِ یاذاتَ الملاماتِ

فما أرید بدیلاً بالرقاعاتِ

کأ نّنی وجنودُ الصقعِ تتبعنی

وقد تلوتُ مزامیرَ الرطاناتِ

قِسّیسُ دیرٍ تلا مزمارَهُ سحراً

علی القسوسِ بترجیعٍ ورنّاتِ

وقد مجنتُ وعلّمتُ المجونَ فما

أُدعی بشیء سوی ربِّ المجاناتِ

وذاک أنّی رأیت العقل مُطَّرَحاً

فجئتُ أهلَ زمانی بالحماقاتِ

وقوله من قصیدة :

ففیَّ ما شئتَ من حمقٍ ومن هوسٍ

قلیلُهُ لکثیر الحمقِ إکسیرُ

کم رامَ إدراکَهُ قومٌ فأعجزَهمْ

وکیف یُدرَکُ ما فیهِ قناطیرُ

لأشکرنَّ حماقاتی لأنّ بها

لواءَ حمقیَ فی الآفاقِ منشورُ

ولستُ أبغی بها خِلاّ ولا بدلاً

هیهاتَ غیری بترکِ الحمقِ معذورُ

لا عیبَ فیَّ سوی أنِّی إذا طربوا

وقد حضرتُ یُری فی الرأس تفجیرُ

وقوله من قصیدة :

فاسمعنْ منِّی ودعنی

من کثیرٍ وقلیلِ

وصغیرٍ وکبیرٍ

ودقیقٍ وجلیلِ

قد ربحنا بالحما

قاتِ علی أهل العقولِ

فرعی اللهُ ویُبقی

کلَّ ذی عقل قلیلِ

ما له فی الحمقِ والخف

فَةِ مثلی من عدیلِ

فمتی أُذکَرُ قالوا

شیخُنا طبلُ الطبولِ

ص: 161

شیخُنا شیخٌ ولکن

لیس بالشیخ النبیلِ

وأکثر شعره جیّد علی أسلوب صریع الدلاء والقصّار البصری کما قاله ابن خلّکان (1) ، ویُستشهد بشعره فی الأدب کما فی باب المشاکلة (2) من التلخیص وسائر کتب البیان ، وقد استشهد علیها بقوله :

قالوا اقترح شیئاً نجدْ لک طبخَهُ

قلت اطبخوا لی جبّةً وقمیصا

قال السیّد العبّاسی فی معاهد التنصیص (3) (1 / 225) : هو قول أبی الرقعمق ، یروی أنّه قال : کان لی إخوان أربعة وکنت أنادمهم أیّام الأستاذ کافور الأخشیدی ، فجاءنی رسولهم فی یوم بارد ولیست لی کسوة تحصننی من البرد ، فقال : إخوانک یقرأون علیک السلام ویقولون لک : قد اصطبحنا الیوم وذبحنا شاةً سمینة فاشتهِ علینا ما نطبخ لک منها ، قال : فکتبت إلیهم :

إخوانُنا قصدوا الصبوحَ بسحرةٍ

فأتی رسولُهمُ إلیّ خصوصا

قالوا اقترح شیئاً نجدْ لک طبخَهُ

قلت اطبخوا لی جبّةً وقمیصا

قال : فذهب الرسول بالرقعة ، فما شعرت حتی عاد ومعه أربع خلع وأربع صُرَر فی کلّ صُرّة عشرة دنانیر ، فلبست إحدی الخلع وسرت إلیهم.

ترجمه الثعالبی فی یتیمة الدهر (4) (1 / 269 - 296) وذکر من شعره أربعمائة وأربعة وتسعین بیتاً ، وقال : نادرة الزمان ، وجملة الإحسان ، وممّن تصرّف بالشعر الجزل فی أن واع الجدّ والهزل ، وأحرز قصد الفضل ، وهو أحد المُدّاح المجیدین 8.

ص: 162


1- وفیات الأعیان : 1 / 132 رقم 54.
2- هی ذکر الشیء بلفظ غیره لوقوعه فی صحبته ، کقول أبی الرقعمق : اطبخوا ، وإرادة خیطوا. (المؤلف)
3- معاهد التنصیص : 2 / 252 رقم 119.
4- یتیمة الدهر : 1 / 379 - 408.

والفضلاء المحسنین ، وهو بالشام کابن الحجّاج بالعراق. ولعلّ کونه کابن الحجّاج - السابق ذکره - ینمُّ عن تشیّعه ؛ فإنّ ذلک أظهر أوصاف ابن الحجّاج وأجلّ ما یُؤثر عنه ، فقد عرفه من عرفه بولائه الصلب لأهل بیت الوحی علیهم السلام والتجهّم أمام أضدادهم والوقیعة فیهم ، فقاعدة التشبیه تستدعی أن یکون شاعرنا المترجَم مثله أو قریباً منه ، علی أنّ صاحب نسمة السحر (1) عدّه ممّن تشیّع وشعر ، وعقد له ترجمةً ضافیة الذیول.

نعم ؛ ویشبه ابن الحجّاج فی تغلّب المجون علی شعره ، ولا یبعد جدّا أن یکون هذا مرمی کلام الثعالبی. ومن شعره قصیدة فی ممدوحٍ (2) له علویٍّ ، منها قوله (3):

وعجیبٌ والحسینُ له

راحةٌ بالجودِ تنسکبُ

إنّ شربی عنده رَنَقٌ

ولدیهِ مربعی جدِبُ

وله الوِردُ المُعاذُ به

والجنابُ المُمرِعُ الخصبُ

وهو الغیثُ المُلِثُّ إذا

أعوزتنا دَرَّها السحبُ (4)

وإلی الرسّیّ ملجؤنا

من صروف الدهر والهربُ

سیّدٌ شادتْ علاه له

فی العلا آباؤه النجبُ

وله بیتٌ تُمَدُّ له

فوق مجری الأنجمِ الطنبُ

حسبه بالمصطفی شرفاً

وعلیٍّ حین ینتسبُ

رتبةٌ فی العزِّ شامخةٌ

قصرتْ عن نَیلِها الرتبُع.

ص: 163


1- نسمة السحر : مج 6 / ج 1 / 30.
2- هو نقیب الأشراف بمصر ، أبو إسماعیل إبراهیم بن أحمد بن محمد بن إبراهیم بن إسماعیل بن ترجمان الدین أبی محمد القاسم بن إبراهیم بن إسماعیل بن إبراهیم بن الحسن المثنّی الرسّیّ المتوفّی سنة 365. راجع تاج العروس : 4 / 161. (المؤلف)
3- یتیمة الدهر : 1 / 389.
4- ألَثَّ المطر : أی دام أیّاماً لا ینقطع.

ذاک فخرٌ لیس تنکرُهُ

لکمُ عجمٌ ولا عربُ

ولأنتمْ من بفضلهمُ

جاءتِ الأخبارُ والکتبُ

وإلیکم کلُّ منقبةٍ

فی الوری تُعزی وتُنتسبُ

وبکم فی کلِّ معرکةٍ

تفخرُ الهندیّةُ القضُبُ

وبکم فی کلِّ عارفةٍ

تُرفعُ الأستارُ والحجبُ

وإذا سمرُ القنا اشتجرتْ

فبکمْ تُستکشَفُ الکُرَبُ

وله من قصیدة أوّلها :

باح وجداً بهواهُ

حین لم یُعطَ مُناهُ

مغرمٌ أغری به السق

-مُ فما یُرجی شفاهُ

کاد یُخفیهِ نحولُ ال

-جسمِ حتی لا تراهُ

لو ضناً یُخفی عن ال

-عین لأخفاه ضناهُ

ومنها قوله :

حبّذا الرسّیُّ مولیً

رضیَ الناسُ ولاهُ

جعلَ اللهُ أعادی

-هِ من السوءِ فداهُ

فلقد أیقنَ بالثر

وةِ من حلَّ ذراهُ

من رقی حتی تناهی

فی المعالی مرتقاهُ

فاق أن یبلغَ فی ال

-سؤددِ والمجدِ مداهُ

ملکٌ مذ کان بال

-سطوةِ ممنوعٌ حماهُ

بحرُ جودٍ لیس یُدری

أینَ منهُ منتهاهُ

لم یَضِعْ من کان إبرا

هیمُ فی الناس رجاهُ

لا ولا یفرقَ من

صرفِ زمانٍ إن عراهُ

ص: 164

من به استکفی أذی ال

أیّام والدهرَ کفاهُ

کیف لا أمدحُ من لم

یخلُ خلقٌ من نداهُ

ومن غرر محاسنه قوله یمدح من قصیدة ، أوّلها :

قد سمعنا مقالَه واعتذاره

وأقلناه ذنبَهُ وعِثاره

والمعانی لمن عنیتُ ولکن

بک عرّضتُ فاسمعی یا جاره

من مرادیه أنّه أبد الده

-ر تراه محلّلاً أزراره

عالمٌ أنّه عذابٌ من اللّ

-ه مباحٌ لأعینِ النظّاره

هتکَ اللهُ سترَهُ فَلَکَم ههت

تّک من ذی تستّرٍ أستار

سحرتنی ألحاظُه وکذا ک

-لُّ ملیحٍ ألحاظُه سحّاره

ما علی مؤثر التباعدِ والإ

عراضِ لو آثرَ الرضا والزیاره

وعلی أنّنی وإن کان قد عذّ

بَ بالهجرِ مؤثرٌ إیثاره

لم أزل لا عَدمتُه من حبیبٍ

أشتهی قربه وآبی نفاره

یقول فی مدحها :

لم یدَعْ للعزیزِ فی سائرِ الأر

ض عدوّا إلاّ وأخمدَ ناره

فلهذا اجتباه دون سوا

هُ واصطفاه لنفسِهِ واختاره

لم تشیِّد له الوزارةُ مجداً

لا ولا قیل رفّعَتْ مقداره

بل کساها وقد تخرّمها الده

-رُ جلالاً وبهجةً ونضاره

کلَّ یومٍ له علی نُوَب الده

-ر وکرِّ الخطوبِ بالبذلِ غاره

ذو یدٍ شأنُها الفرارُ من البُخ

-لِ وفی حومةِ الوغی کرّاره

هیَ فلّتْ عن العزیز عِداه

بالعطایا وکثّرتْ أنصاره

هکذا کلُّ فاضلٍ یدُه تُم

-سی وتُضحی نفّاعةً ضرّاره

فاستجرْهُ فلیس یأمنُ إلاّ

من تَفَیّا بظلّه واستجاره

ص: 165

فإذا ما رأیته مطرِقاً یُعْ

-مِلُ فیما یریدُهُ أفکاره

لم یدَعْ بالذکاءِ والذهنِ شیئاً

فی ضمیرِ الغیوب إلاّ أناره

لا ولا موضعاً من الأرضِ إلاّ

کان بالرأی مدرکاً أقطاره

زادهُ اللهُ بسطةً وکفاهُ

خوفَه من زمانِه وحذاره

وذکر النویری من شعره فی نهایة الأرب (1) فی الجزء الثالث (ص 190) قوله :

لو نیلَ بالمجدِ فی العلیاءِ منزلةٌ

لنال بالمجدِ أعناقَ السماواتِ

یرمی الخطوبَ برأیٍ یُستضاء به

إذا دجا الرأیُ من أهلِ البصیراتِ

فلیس تلقاهُ إلاّ عند عارفِهِ

أو واقفاً فی صدور السمهریّاتِ (2)

ترجمه ابن خلّکان فی تاریخه (3) (1 / 42) وقال بعد الثناء علیه ونقل کلام الثعالبی المذکور وذکر أبیاتٍ من شعره : وذکره الأمیر المختار المسبِّحی فی تاریخ مصر ، وقال : توفّی سنة تسع وتسعین وثلاثمائة ، وزاد غیره فی یوم الجمعة لثمان بقین من شهر رمضان ، وقیل : فی شهر ربیع الآخر ، وأظنّه توفّی بمصر.

وترجمه (4) الیافعی وأرّخ وفاته کما ذُکر فی مرآة الجنان (2 / 452) ، وابن العماد الحنبلی فی الشذرات (3 / 155) ، والسیّد العبّاسی فی معاهد التنصیص (1 / 226) ، والزرکلی فی الأعلام (1 / 74) ، وصاحب تاریخ آداب اللغة (2 / 264) 2.

ص: 166


1- نهایة الأرب : 3 / 194.
2- هذه أبیات من قصیدة ذکرها الثعالبی فی الیتیمة : 1 / 274 [1 / 385]. (المؤلف)
3- وفیات الأعیان : 1 / 131 رقم 54.
4- شذرات الذهب : 4 / 519 حوادث سنة 359 ه ، معاهد التنصیص : 2 / 253 رقم 119 ، الأعلام : 1 / 210 ، مؤلّفات جرجی زیدان الکاملة - تاریخ آداب اللغة العربیة - : مج 14 / 102.

30 - أبو العلاء السرَوی

علیٌّ إمامیَ بعدَ الرسولِ

سیشفعُ فی عَرصةِ الحقِّ لی

ولا أدّعی لعلیٍّ سوی

فضائلَ فی العقلِ لم یشکلِ

ولا أدّعی أنّه مرسَلٌ

ولکن إمامٌ بنصٍّ جلی

وقول الرسول له إذ أتی

له شبهُ الفاضل المفضلِ

ألا إنّ من کنتُ مولیً له

فمولاه من غیرِ شکٍّ علی (1)

الشاعر

أبو العلاء محمد بن إبراهیم السروی ، هو شاعر طبرستان الأوحد ، وعلم الفضیلة المفرد ، وله مساجلات ومکاتبات مع أبی الفضل بن العمید المتوفّی سنة (360) ، وله کتب وشعر رائع ومُلَح کثیرة ، ذکرت فی الیتیمة (2) منها جملةٌ صالحةٌ (4 / 48) ، وفی محاسن أصبهان (ص 52 و 56) ، وفی نهایة الأرب فی فنون الأدب (3) ، 8.

ص: 167


1- ذکرها ابن شهرآشوب فی المناقب : 1 / 531 طبع إیران [3 / 39] ، ویعبّر عن المترجم فی المناقب بأبی العلاء بلا قید زائد کما یظهر عنه عند نقله بعض أبیات قصیدته الفائیة فی : 2 / 139 [3 / 447]. (المؤلف)
2- یتیمة الدهر : 4 / 56.
3- نهایة الأرب : 2 / 38.

ومن شعره فی وصف طبرستان ما ذکره الحموی فی معجم البلدان (1) (6 / 18) وهو :

إذا الریحُ فیها جرّتِ الریحَ أعجلتْ

فواختَها فی الغصنِ أن تترنّما

فکم طیّرتْ فی الجوّ ورداً مُدنّراً

یقلِّبه فیه وورداً مُدرهَما (2)

وأشجارُ تفّاحٍ کأن ثمارَها

عوارضُ أبکارٍ یُضاحکنَ مُغرَما

فإن عقدَتها الشمسُ فیها حسبتَها

خدوداً علی القضبانِ فذّا وتوأما

تری خطباءَ الطیرِ فوق غصونِها

تبثُّ علی العشّاق وجداً مُعتّما

وله فی مدح أهل البیت علیهم السلام قوله - ذکره ابن شهرآشوب فی المناقب (3) (2 / 73) طبع إیران :

ضدّانِ جالا علی خدّیک فاتّفقا

من بعدما افترقا فی الدهر واختلفا

هذا بأعلامِ بیضٍ اغتدی فبَدا

وذا بأعلامِ سودٍ انطوی فعفا

أعجِبْ بما حکیا فی کتبِ أمرِهما

عن الشعارینِ فی الدنیا وما وصفا

هذا ملوکُ بنی العبّاس قد شرعوا

لبسَ السواد وأبقوه لهم شرفا

وذی کهولُ بنی السبطین رایتُهم

بیضاءُ تخفق إمّا حادثٌ أزفا

کم ظلَّ بین شبابٍ لا بقاءَ له

وبین شَیْبٍ علیهِ بالنهی عطفا

هل المشیبُ إلی جنبِ الشبابِ سوی

صبحٍ هنالک عن وجهِ الدجی کشفا

وهل یُؤدّی شبابٌ قد تعقّبه

شیبٌ سوی کدرٍ أعقبتَ منه صفا

لو لم یکنْ لبنی الزهراءِ فاطمةٍ

من شاهدٍ غیر هذا فی الوری لکفی

فرایةٌ لبنی العبّاس عابسةٌ

سوداءُ تشهد فیه التیهَ والسرفا

ورایةٌ لبنی الزهراءِ زاهرةٌ

بیضاءُ یَعرفُ فیها الحقَّ من عرفا0.

ص: 168


1- معجم البلدان : 4 / 14.
2- المدنّر : أی الشبیه بالدینار ، کنّی بذلک عن حمرة الورد ، وورد مدرهم : أی یشبه الدرهم فی بیاضه.
3- مناقب آل أبی طالب : 3 / 150 ، 345 ، 447 و 2 / 100.

شهادةٌ کشفت عن وجهِ أمرِهما

فبُح بها وانتصف إن کنتَ مُنتصِفا

حاز النبیُّ وسبطاه وزوجتُه

مکان ما أفنتِ الأقلامَ والصحفا

والفخر لو کان فیهم صورةً جسداً

عادت فضائلُهم فی أذنِهِ شنفا

وقد تناکرتِ الأحلامُ وانقلبتْ

فیهم فأصبحَ نورُ الله مُنکسفا

ألا أضاءَ لهم عنها أبو حسنٍ

بعلمِهِ وکفاهم حرَّها وشفا

وهل نظیرٌ له فی الزهدِ بینهمُ

ولو أصاخَ لدنیا أو بها کلفا

وهل أطاع النبیَّ المصطفی بشرٌ

من قبله وحذا آثارَهُ وقفا

وهل عرَفنا وهل قالوا سواه فتیً

بذی الفقارِ إلی أقرانِه زلَفا

یدعو النزال وعجلُ القومِ محتبسٌ

والسامریُّ بکفِّ الرعبِ قد نزفا

مفرِّجٌ عن رسولِ اللهِ کربتَهُ

یوم الطعانِ إذا قلبُ الجبانِ هفا

تَخالُهُ أسداً یحمی العرینَ إذا

یوم الهیاجِ بأبطالِ الوغی رجفا

یُظِلُّهُ النصرُ والرعبُ اللذان هما

کانا له عادةً إن سار أو وقفا

شواهدٌ فرضتْ فی الخلقِ طاعتَهُ

برغمِ کلِّ حسودٍ مالَ وانحرفا

ثمّ الأئمّةُ من أولادِه زُهُرٌ

مُتَوّجون بتیجانِ الهدی حُنُفا

من جالسٍ بکمال العلمِ مشتهرٍ

وقائمٍ بغرارِ السیف قد زحفا

مطهّرون کرامٌ کلُّهم عَلَمٌ

کمثل ما قیل کشّافون لا کُشُفا

وله فی یتیمة الدهر (1) (4 / 48).

مررنا علی الروض الذی قد تبسّمتْ

ذراه وأوداجُ الأبارقِ تُسفَکُ

فلم نَرَ شیئاً کان أحسن منظراً

من الروض یجری دمعُهُ وهو یضحکُ

وله فی النرجس :

حیِّ الربیعَ فقد حیّا بباکورِ

من نرجسٍ ببهاءِ الحسنِ مذکورِ7.

ص: 169


1- یتیمة الدهر : 4 / 56 ، 57.

کأنّما جفنُهُ بالغُنجِ منفتحاً

کأسٌ من التبرِ فی مندیلِ کافورِ

وله فی النرجس - ذکرها صاحبا الظرائف واللطائف (1) (ص 159) وحلبة الکمیت (ص 203):

انظر إلی نرجسٍ تبدّتْ

صبحاً لعینیکَ منه طاقه

واکتب أسامی مُشَبِّهیهِ

بالعینِ فی دفترِ الحماقه

وأیّ حُسنٍ یُری لطرفٍ

مع یَرقانٍ یحلُّ ماقه (2)

کرّاثةٌ رُکّبتْ علیها

صفرةُ بیضٍ علی رُقاقه

وکتب إلیه شاعرٌ غریبٌ یشکو إلیه حجّابه أبیاتاً منها :

جئتُ إلی الباب مراراً فما

إن زرتُ إلاّ قیلَ لی قد رکِبْ

وکان فی الواجب یا سیّدی

أن لا تُری عن مثلِنا تحتجِبْ

فأجابه علی ظهر رقعته :

لیس احتجابی عنک من جفوةٍ

وغفلةٍ عن حرمةِ المغتربْ

لکنْ لدهرٍ نَکِدٍ خائنٍ

مقصِّرٍ بالحرِّ عمّا یجبْ

وکنت لا أحجبُ عن زائرٍ

فالآن من ظلِّیَ قد أحتجب

وذکر الثعالبی فی ثمار القلوب (3) (ص 354) له قوله :

أما تری قُضُبَ الأشجارِ قد لبِستْ

أنوارَها تنثنی ما بین جُلاّسِ

منظومةً کسموطِ الدرِّ لابسةً

حسناً یُبیح دمَ العنقودِ للحاسی

وغرّدتْ خطباءُ الطیرِ ساجعةً

علی منابرَ من وردٍ ومن آسِ1.

ص: 170


1- الظرائف واللطائف : ص 118 باب 108.
2- ماق العین وموقها : مؤخرها.
3- ثمار القلوب : ص 447 رقم 721.

خطباء الطیر فی الشعر هی : الفواخت والقماری والرواشن والعنادل وما أشبهها.

قال الثعالبی : أظنُّ أوّل من اخترع هذه الاستعارة الملیحة أبو العلاء السروی فی قوله المذکور. وذکر له صاحب محاسن أصبهان (ص 52) فی الوصف قوله :

أَوَما تری البستانَ کیف تجاوبتْ

أطیارُهُ وزها لنا ریحانُهُ

وتضاحکت أنوارُهُ وتسلسلتْ

أنهارُهُ وتعارضتْ أغصانُهُ

وکأنّما یفترُّ غبَّ القطرِ عن

حُلَلٍ نشرنَ ریاضهُ وجنانهُ

وذکر له (ص 56) قوله :

کأنّ حمامَ الروضِ نشوانُ کلّما

ترنّمَ فی أغصانِه وترحّجا

فلاذ نسیمُ الجوِّ من طولِ سیرِهِ

حسیراً بأطرافِ الغصونِ مطلّجا

وللصاحب بن عبّاد أبیات کتبها إلی المترجَم له ، ذکرها المافرّوخی فی محاسن أصبهان (ص 14) وهی :

أبا العلاءِ ألا أبشرْ بمقدمِنا

فقد وردنا علی المهریّةِ القودِ

هذا وکان بعیداً أن أراجعَکمْ

علی التعاقبِ بین البیضِ والسودِ

من بعد ما قرُبتْ بغدادُ تطلبُنی

واستنجزْتنیَ بالأهوازِ موعودی

وراسلتنی بأن بادِرْ لتملکَنی

ویجریَ الماءُ ماءُ الجود فی العودِ

فقلتُ لا بدّ من جَیٍّ (1) وساکِنِها

ولو رددت شبابی خیر مردودِ

فإنّ فیها أودّائی ومعتمدی

وقربها خیرُ مطلوبٍ ومنشودِ

ألستُ أَشهدُ إخوانی ورؤیتُهم

تفی بملکِ سلیمانَ بنِ داودِ

کان المترجَم یتعصّب للعجم علی العرب ، فکتب إلیه ابن العمید رسالةً ینکر ة.

ص: 171


1- جَیّ : اسم مدینة ناحیة أصبهان القدیمة.

فیها تعصّبه بقوله : اقبل وصیّة خلیلک ، وامتثل شَوْرة نصیحک ، ولا تتمادَ فی میدان الجهل ینضّک ، ولا تتهافت فی إلحاحٍ یغرّک ، واخش یا سیّدی أن یُقال : التحمت حرب البسوس من دم ضرع (1) ، واشتبکت حرب غطفان من أجل بعیر قُرع ، وقُتل ألف فارسٍ برغیف الحولاء ، وصبَّ الله علی العجم سوط عذاب بمزاح أبی العلاء (2).

البیان :

حرب البسوس : البسوس بنت منقذ التمیمیّة ، زارت أختها أمّ جسّاس بن مرّة ، ومع البسوس جار لها من جرم یقال له سعد بن شمس ، ومعه ناقة له ، فرماها کلیب وائل لمّا رآها فی مرعیً قد حماه ، فأقبلت الناقة إلی صاحبها وهی ترغو وضرعها یش خب لبناً ودماً ، فلمّا رأی ما بها انطلق إلی البسوس فأخبرها بالقصّة ، فقالت :

وا ذلاّه وا غربتاه ، وأنشأت تقول أبیاتاً تسمّیها العرب أبیات الفناء ، وهی :

لعمریَ لو أصبحتُ فی دارِ مُنقذٍ

لما ضیم سعدٌ وهو جارٌ لأبیاتی

ولکنّنی أصبحتُ فی دارِ غربةٍ

متی یعدُ فیها الذئبُ یعدُ علی شاتی

فیا سعد لا تغرر بنفسک وارتحلْ

فإنّک فی قومٍ عن الجارِ أمواتِ

ودونک أذوادی فخذها وآتنی

بها حلّة لا یغدرون ببنیاتی (3)

فسمعها ابن اختها جسّاس فقال لها : أیّتها الحرّة اهدئی ، فوالله لأقتلنّ بلقحة (4) جارک کلیباً ، ثمّ رکب فخرج إلی کلیب فطعنه طعنة أثقلته فمات منها ، ووقعت الحرب بین بکر وتغلب ، فدامت أربعین سنة ، وجرت خطوب وصار شؤم البسوس مثلاً ، ونُسِبت الحرب إلیها وهی من أشهر حروب العرب. ف)

ص: 172


1- فی المصدر ضرعٍ دَمِیَ.
2- ذکرها الثعالبی فی ثمار القلوب : ص 248 [ص 310 رقم 468].
3- البنیات : الطرق الصغار ، ترید : عجّل السفر قبل أن یقطعوا الطریق علیَّ. (المؤلف)
4- اللقحة : الناقة الحامل. (المؤلف)

رغیف الحولاء : من أمثال العرب المشهورة : أشأم من رغیف الحولاء (1) ، کانت الحولاء خبّازة فی بنی سعد بن زید مناة ، فمرّت وعلی رأسها کارة خبز ، فتناول رجلٌ من ر أسها رغیفاً ، فقالت : والله مالک علیَّ حقّ ولا استطعمتنی ، فلِمَ أخذت رغیفی؟ أما إنّک ما أردت بهذا إلاّ فلاناً - تعنی رجلاً کانت فی جواره - فمرّت إلیه شاکیةً ، فثار وثار معه قومه إلی الرجل الذی أخذ الرغیف وقومه ، فقُتل بینهم ألف نفس ؛ وصار رغیف الحولاء مثلاً فی الشیء الیسیر یجلب الخطب الکبیر.

سوط عذاب : من استعارات الکتاب الکریم ، قال الله تعالی : (فَصَبَّ عَلَیْهِمْ رَبُّکَ سَوْطَ عَذابٍ) (2).

وذکر له النویری فی نهایة الأرب (3) (2 / 23).

حیّ شَیْباً أتی لغیرِ رحیلِ

وشباباً مضی لغیر إیابِ

أیُّ شیءٍ یکون أحسنَ من عا

جِ مشیبٍ فی آبنوسِ شبابِ8.

ص: 173


1- مجمع الأمثال : 2 / 193 رقم 2039.
2- الفجر : 13.
3- نهایة الأرب : 2 / 38.

ص: 174

31 - أبو محمد العونی

إمامی له یومَ الغدیرِ أقامَهُ

نبیُّ الهدی ما بین من أنکرَ الأمرا

وقامَ خطیباً فیهمُ إذ أقامَهُ

ومن بعد حمدِ اللهِ قالَ لهم جهرا

ألا إنّ هذا المرتضی بعلُ فاطمٍ

علیُّ الرضا صهری فأَکرمْ به صهرا

ووارثُ علمی والخلیفةُ فیکمُ

إلی الله من أعدائِه کلّهم أبرا

سمعتم؟ أطعتم؟ هل وعیتم مقالتی؟

فقالوا جمیعاً لیس نعدو له أمرا

سمعنا أطعنا أیّها المرتضی فکن

علی ثقةٍ منّا وقد حاولوا غدرا (1)

ومنها قوله مشیراً إلی حدیثٍ مرَّ فی الجزء الثانی (ص 320):

وفی خبرٍ صحّتْ روایتُهُ لهم

عن المصطفی لا شکَّ فیه فیستبرا

بأن قال لمّا أن عرجتُ إلی السما

رأیتُ بها الأملاکَ ناظرةً شزرا

إلی نحوِ شخصٍ حِیلَ بینی وبینه

لعُظمِ الذی عاینتُه منه لی خیرا

فقلت حبیبی جبرئیل من الذی

تلاحظه الأملاکُ قال لک البشری

فقلت ومن ذا قال علیُّ الرضا

وما خصّه الرحمنُ من نِعَمٍ فخرا

تشوّقتِ الأملاکُ إذ ذاک شخصَهُ

فصوّره الباری علی صورةٍ أُخری

فمال إلی نحو ابن عمٍّ ووارثٍ

علی جذلٍ منه بتحقیقِهِ خُبْرا (2)ب.

ص: 175


1- مناقب ابن شهرآشوب : 1 / 532 طبع إیران [3 / 40]. (المؤلف)
2- : 2 / 267 مناقب ابن شهرآشوب.

ومن شعره فی الغدیر کما فی المناقب لابن شهرآشوب (1) (1 / 537) - طبع إیران - قوله :

ألیس قامَ رسولُ اللهِ یخطبُهمْ

یومَ الغدیرِ وجمعُ الناسِ محتفلُ

وقال من کنتُ مولاه فذاک له

من بعدُ مولیً فواخاهُ وما فعلوا

لو سلّموها إلی الهادی أبی حسنٍ

کفی البرایا ولم تستوحشِ السبلُ

هذا یُطالبُه بالضعفِ محتقباً

وتلک یحدو بها فی سعیِها جملُ

وله من قصیدة فی المناقب (2) (1 / 538) - طبع إیران - قوله :

فقالَ رسولُ الله هذا لأمّتی

هو الیوم مولیً ربّ ما قلتُ فاسمعِ

فقام جَحودٌ ذو شقاقٍ منافقٌ

ینادی رسولَ اللهِ من قلب موجعِ

أعَن ربِّنا هذا أم انت اخترعتَهُ

فقالَ معاذَ الله لستُ بمُبدعِ

فقال عدوُّ الله لا همّ إن یکن

کما قال حقّا بی عذاباً فأوقعِ

فعوجل من أفقِ السماءِ بکفرِهِ

بجندلةٍ فانکبَّ ثاوٍ بمصرعِ

وله من قصیدة کبیرة یمدح بها أمیر المؤمنین علیه السلام ویسمّی الأئمّة المعصومین :

إنّ رسولَ اللهِ مصباحُ الهدی

وحجّةُ اللهِ علی کلِّ البشرْ

جاء بفرقانٍ مبینٍ ناطقٍ

بالحقِّ من عند ملیکٍ مقتدرْ

فکان من أوّلِ من صدّقَهُ

وصیُّهُ وهو بسنّ ما ثغرْ (3)

ولم یکنْ أشرکَ باللهِ ولا

دنّسَ یوماً بسجودٍ لحجَرْ

فذاکمُ أوّلُ من آمنَ بال

-له ومن جاهدَ فیهِ ونصرْف)

ص: 176


1- مناقب آل أبی طالب : 3 / 50.
2- : ص 51 مناقب آل أبی طالب.
3- ثغر الصبی : نبت ثغره ، والثغر ، مقدّم الأسنان. (المؤلف)

أوّلُ من صلّی من القومِ ومن

طاف ومَن حجَّ بنسکٍ واعتمرْ

من شارکَ الطاهرَ فی یومِ العبا

فی نفسه من شکَّ فی ذاک کفرْ

من جادَ بالنفسِ ومن ضنَّ بها

فی لیلةٍ عند الفراشِ المشتهرْ

من صاحبُ الدار الذی انقضَّ بها

نجمٌ من الجوّ نهاراً فانکدرْ

من صاحبُ الرایةِ لمّا ردّها

بالأمس بالذلِّ قبیعٌ وزُفَرْ

من خُصّ بالتبلیغِ فی براءةٍ

فتلک للعاقل من إحدی العِبَرْ

من کان فی المسجد طَلْقاً بابُهُ

حلاّ وأبوابُ أُناسٍ لم تُذرْ

من حاز فی خمٍّ بأمرِ اللهِ ذا

کَ الفضلَ واستولی علیهم واقتدرْ

من فازَ بالدعوةِ یومَ الطائرِال

-مشویِّ من خُصّ بذاک المفتخرْ

من ذا الذی أُسری به حتی رأی ال

-قدرةَ فی حندسِ لیلٍ معتکرْ

من خاصفُ النعلِ ومن خبّرکمْ

عنه رسولُ اللهِ أنواعَ الخبرْ

سائل به یوم حُنینٍ عارفاً

من صدقَ الحربَ ومن ولّی الدبُرْ

کلیمُ شمسِ اللهِ والراجعُها

من بعد ما انجابَ ضیاها واستترْ

کلیمُ أهلِ الکهفِ إذ کلّمهمْ

فی لیلةِ المسحِ فسلْ عنها الخبرْ

وقصّة الثعبان إذ کلّمه

وهو علی المنبرِ والقومُ زُمَرْ

والأسدُ العابسُ إذ کلّمَهُ

معترفاً بالفضلِ منه وأقرْ

بأنّه مستخلَفُ اللهِ علی الأ

مّةِ والرحمنُ ما شاء قَدَرْ

عیبةُ علمِ اللهِ والبابُ الذی

یُؤتی رسولُ اللهِ منه المشتهرْ (1)

له من قصیدة :

أیا أُمّةَ السوءِ التی ما تیقّظتْ

لما قد خلتْ فیها من المثُلاتِ

وقد وترتْ آلَ النبیِّ ورهطَهُ

علی قَدَر الأیّامِ أیَّ تراتِ5.

ص: 177


1- مناقب آل أبی طالب : 2 / 35 ، 3 / 335.

وقد غدرتْ بالمرتضی علمِ الهدی

إمامِ البرایا کاشفِ الکرباتِ

ببدرٍ وأُحدٍ والنضیر وخیبرٍ

ویوم حُنینٍ ساعة الهبواتِ (1)

وصاحب خُمٍّ والفراش وفضله

ومن خُصَّ بالتبلیغ عند براةِ (2)

وله من قصیدة یمدح بها أمیر المؤمنین علیه السلام :

والله ألبسه المهابة والحجا

وربا به أن یعبُدَ الأصناما

مازال یغذوه بدینِ محمدٍ

کهلاً وطفلاً ناشئاً وغلاما

أم من سواه إذا أُتی بقضیّةٍ

طردَ الشکوکَ وأخرسَ الحکّاما

فإذا رأی رأیاً یخالفُ رأیَهُ

قومٌ وإن کدّوا له الأفهاما

نزل الکتابُ برأیِهِ فکأنّما

عقد الإله برأیه الأحکاما

من ذا سواهُ إذا تشاجرتِ القنا

وأبی الکماةُ الکرَّ والإقداما

وتصلصلتْ حلَقُ الحدیدِ وأظهرتْ

فرسانُها التصجاجَ والإحجاما (3)

ورأیتَ من تحتِ العجاجِ لنقعِها

فوقَ المغافِرِ والوجوهِ قتاما

کشف الإلهُ بسیفهِ وبرأیِه

یُظمی الجوادَ ویرتوی الصمصاما

ووزیرُه جبریلُ یقحمُه الوغی

طوعاً ومیکالُ الوغی إقحاما

أم من سواه یقولُ فیهِ أحمدٌ

یومَ الغدیر وغیرَه أیّاما

هذا أخی مولاکمُ وإمامکمْ

وهو الخلیفةُ إن لقیتَ حِماما

منّی کما هارونَ من موسی فلا

تألوا (4) لحقِّ إمامکم إعظاما

إن کان هارونُ النبیُّ لقومِهِ

ما غابَ موسی سیّداً وإماماف)

ص: 178


1- الهبوات : جمع هبوة ، وهی الغَبرة.
2- مناقب آل أبی طالب : 3 / 237.
3- صلصل اللجام : صوّت. التصجاج - من الصجّ : صوت وقع الحدید علی الحدید. أحجم عن الحرب : نکص هیبة. (المؤلف)
4- ألا ألواً وألی تألیة وائتلاءً فی الأمر : قصّر وأبطأ. (المؤلف)

فهو الخلیفةُ والإمامُ وخیرُ من

أمضی القضاءَ وخفّفَ الأقلاما

حتی لقد قال ابن خطّابٍ له

لمّا تقوّضَ من هناک وقاما

أصبحتَ مولائی ومولی کلّ من

صلّی لربِّ العالمینَ وصاما

غصنٌ رسولُ اللهِ أثبتَ غرسَهُ

فعلا الغصونَ نضارةً ونظاما

حتی استوی عَلَماً کما قد شاءه

ربُّ السماء وسیّداً قمقاما

ما سامهُ فی أن یکون مؤمَّراً

لفتیً ولا ولّی علیه أُساما

فهو الأمیرُ حیاتَهُ ومماتَهُ

أمراً من الله العلیّ لزاما

صلّی علیه ذو الجلال کرامةً

وملائکٌ کانوا لدیه کراما

وله من قصیدة :

یا آلَ أحمدَ لولاکمْ لما طلعتْ

شمسٌ ولا ضحکتْ أرضٌ من العشبِ

یا آلَ أحمدَ لازال الفؤادُ بکم

صبّا بوادرُهُ تبکی من الندبِ

یا آلَ أحمدَ أنتمْ خیرُ منْ وخَدتْ

به المطایا فأنتمْ منتهی الإربِ

أبوکمُ خیرُ من یُدعی لحادثةٍ

فیستجیبُ بکشفِ الخطبِ والکربِ

عِدلُ القُران وصیُّ المصطفی وأبو ال

-سبطینِ أکرمْ به من والدٍ وأبِ

بعلُ المطهّرةِ الزهراءِ ذو الحسبِ ال

-طهرِ الذی ضمّه شفعاً إلی النسبِ

من قال أحمدُ فی یومِ الغدیرِ له

من کنتُ مولیً له فی العجمِ والعربِ

فإنّ هذا له مولیً ومنذرُهُ

یا حبّذا هو من مولیً ویا بأبی

من مثلُهُ وهو مولی الخلقِ أجمعِها

بأمر ربِّ الوری فی نصِّ خیرِ نبی

یأتی غداً ولواءُ الحمدِ فی یدِهِ

والناسُ قد سفروا عن أوجهٍ قطبِ

حتی إذا اصطکّتِ الأقدامُ زائلةً

عن الصراطِ فُویقَ النارِ مضطربِ

ص: 179

الشاعر

أبو محمد طلحة بن عبید الله بن أبی عون الغسّانی (1) العونی. لعلّ فی شهرة العونی وشعره السائر وطُرَفه ال مدوّنة فی الکتب ، غنیً عن تعریفه وذکر عبقریّته ، وتفوّقه فی سرد القریض ، ونبوغه فی نضد جواهر الکلام ، کما أنّ فیما دُوِّن من تاریخ حیاته وما یُؤثر عنه من جمل الشعر ومفصّلاته ، کفایة للباحث عن إدلاء الحجّة علی تشیّعه وتفانیه فی ولاء سادته وأئمّة دینه - صلوات الله علیهم.

لقد سری الرکبان بشعر العونی فطارت نبذه إلی مختلف الدیار ، ولهج بها الناس فی أماکن قصیّة ، وکان ینشدها المنشدون فی الأندیة والمجتمعات التی یُتحرّی فیها تشنیف الأسماع بذکر أهل البیت علیهم السلام وفضائلهم ، ومنهم الشاعر منیر والد الشاعر أحمد بن منیر المترجم فی شعراء القرن السادس ، کان ینشد شعر العونی فی أسواق طرابلس فیقرِّط آذان الناس بتلکم الفضائل ، لکن ابن عساکر (2) - أساء سمعاً وأساء جابه (3) - غاظه ذلک الهتاف بذکر أهل البیت علیهم السلام ، فأراد أن یسمَ الرجل بما یشوِّه سمعته ، فقال : إنّه کا ن یغنّی فی أسواق طرابلس بشعر العونی.

وجاء ابن خلّکان (4) بعد لأیٍ من عمر الدهر حتی وقف علی تلک الأنشودة ، فساءته أکثر ممّا ساءت ابن عساکر ، فزاد ضغثاً علی إبّاله (5) ، فطرح لفظة شعر العونی 2.

ص: 180


1- غسّان : ماء بالیمن تنسب إلیه قبائل ، وماء بالمُشَلَّل [اسم جبل] قریب من الجحفة. (المؤلف)
2- تاریخ مدینة دمشق : 6 / 32 رقم 274 ، وفی مختصر تاریخ دمشق 3 / 306.
3- مثل یُضرَب لمن لم یحسن سمع مقالک فما أصاب فی جوابه. المستقصی فی أمثال العرب : 1 / 153 رقم 036.
4- وفیات الأعیان : 1 / 156 رقم 64.
5- أی بلیّة علی أخری. مجمع الأمثال : 2 / 260 رقم 2202.

واکتفی بأنّ منیراً کان یغنّی فی الأسواق ، وللمحاسبة مع الرجلین موقف نؤجِّله إلی یوم الحساب ، فهنالک یستوفی منیر حقّه ، و (إِنَّ رَبَّکَ لَبِالْمِرْصادِ) (1).

وهذه کلّها والنبذ المدوّنة من شعره فی هذا الکتاب وفیها عدُّ الأئمّة الاثنی عشر ، آیات باهرة لبلوغ العونی الغایة القصوی من الموالاة والتشیّع ، حتی إنّ القاصرین أو الحانقین علیه رموه بالغلوِّ لِما ذکره ابن شهرآشوب فی المعالم (2) من أنّه نظم أکثر المناقب ، والواقف علی شعره جِدُّ علیم بأنّه کان یمشی علی الوسط بین الإفراط والتفریط ، فلا یُثبِت لأهل البیت علیهم السلام إلاّ ما حقَّ لهم من المراتب والمناقب أو ما هو دون مقامهم ، ولا ینظم إلاّ ما ورد فی أحادیث أئمّة الدین من مناقبهم ، وأمّا التهمة بالغلوّ فکلمة جاهل أو معاند.

وعلی أیٍّ فتشیّع العونی کان مشهوراً فی العصور المتقدِّمة ، علی عهده وبعد وفاته ، حتی إنّه لمّا وقعت الفتنة بین الشیعة والسنّة فی بغداد سنة (443) واحتدم بینهما القتال ، فکانت ممّا جاءت به ید الجور من الفظائع أنّهم نبشوا قبور جماعة من الشیعة وطرحوا النیران فی ترابهم ومنهم العونی المترجَم ، والناشئ علیّ بن وصیف الآنف ذکره (3) ، والشاعر المعروف الجذوعی (4).

کان العونی یتفنّن فی الشعر ، ویأتی بأسالیبه وفنونه وبحوره ، مقدرةً منه علی تحویر القول وصیاغة الجمل کیف ما شاء وأحبَّ.

قال ابن رشیق فی العمدة (5) (1 / 154) : ومن الشعر نوع غریب یسمّونه 3.

ص: 181


1- الفجر : 14.
2- معالم العلماء : ص 147.
3- أُنظر ترجمة الناشئ الصغیر : ص 39 من هذا الجزء.
4- ذکرها ابن الأثیر فی الکامل : 9 / 199 [6 / 158 حوادث سنة 443 ه] ، وابن العماد الحنبلی فی شذرات الذهب : 3 / 270 [5 / 191 حوادث سنة 443 ه]. (المؤلف)
5- العمدة : 1 / 178 باب 23.

القوادیسی تشبیهاً بالقوادیس السانیة ؛ لارتفاع بعض قوافیه فی جهةٍ وانخفاضها فی الجهة الأخری ، فأوّل من رأیته جاء به طلحة بن عبید الله العونی فی قوله - وهی من قصیدة له مشهورة طویلة :

کم للدمی الأبکار بال

-جنتینِ من منازلِ

بمهجتی للوجدِ من

تذکارِها منازلُ

معاهدٌ رعیلُها

مثعنجرُ الهواطلِ (1)

لمّا نأی ساکنها

فأدمعی هواطلُ

وللعونی معانی فخمة فی شعره استحسنها معاصروه ومن بعده ، فحذوا حذوه فی صیاغة تلک المعانی ، لکنّ الحقیقة تشهد بأنّ الفضل لمن سبق. قال أبو سعید محمد ابن أحمد العبیدی فی الإبانة عن سرقات المتنبّی (ص 22) : قال العونی :

مضی الربیعُ وجاءَ الصیفُ یقدمُه

جیشٌ من الحرِّ یرمی الأرضَ بالشررِ

کأنّ بالجو ما بی من جویً وهویً

ومن شحوبٍ فلا یخلو من الکدرِ

قال المتنبّی المقتول (354):

کأنّ الجوّ قاسی ما أقاسی

فصار سوادُهُ فیهِ شحوبا (2)

وقال فی (ص 64) : قال العونی :

یا صاحبیَّ بعُدْتما فترکتُما

قلبی رهینَ صبابةٍ ونصابِ

أبکی وفاءَکما وعهدَکما کما

یبکی المحبُّ معاهدَ الأحبابِف)

ص: 182


1- إثعنجر الماء : سال.
2- من قصیدة (42) بیتاً توجد فی دیوانه : 1 / 98 [1 / 267] یمدح بها علیّ بن محمد التمیمی. (المؤلف)

قال المتنبّی :

وفاؤکما کالربع أشجاه طاسمه (1)

بأن تُسعدا والدمع أشفاه ساجمه (2)

وقال فی (ص 66) : للعونی فی قصیدة له فی أهل البیت علیهم السلام :

ألا سیّدٌ یبکی بشجوی فإنّنی

لمستعذبٌ ماءَ البکاءِ ومُستحلی

أحبّ ابنَ بنتِ المصطفی وأزورُه

زیارةَ مهجورٍ یحنُّ إلی الوصلِ

وما قدمی فی سعیِهِ نحو قبرِهِ

بأفضلَ منه رتبةً مرکبُ العقلِ

قال المتنبّی (3):

خیرُ أعضائِنا الرؤوسُ ولکن

فضلتها بقصدِها الأقدامُ

قال الأمینی : وحذا حذو العونی فی المعنی سیّدنا الشهید السیّد نصرالله الحائری فی کافیّةٍ له فی تربة کربلاء المشرّفة ، وقال :

أقدام من زارَ مغناکِ الشریفَ غدتْ

تفاخرُ الرأسَ منه طابَ مثواکِ (4)

وشعره فی أهل البیت علیهم السلام مدحاً ورثاءً مبثوث فی المناقب لابن شهرآشوب ، وروضة الواعظین لشیخنا الفتّال ، والصراط المستقیم لشیخنا البیاضی ، وقد جمعنا من شعره ما یربو علی ثلاثمائة وخمسین بیتاً ، وجمعه ورتّبه العلاّمة السماوی فی دیوان ، وممّا رتّبه قصیدته المعروفة بالمذهّبة توجد فی مناقب ابن شهرآشوب ناقصة الأطراف : ف)

ص: 183


1- الطاسم : الدارس الذی امّحی أثره.
2- توجد القصیدة (42) بیتاً فی دیوانه : 2 / 232 [4 / 43] وهی أوّل ما أنشدت سنة (337) یمدح بها سیف الدولة. (المؤلف)
3- شرح دیوان المتنبّی : 4 / 223.
4- ولهذا البیت قصّة أدبیّة لطیفة تأتی فی ترجمة سیّدنا بحر العلوم ، فی شعراء القرن الثانی عشر (المؤلف)

وسائلٍ عن العلیّ الشانِ

هل نصّ فیه اللهُ بالقرآنِ

بأنّه الوصیُّ دون ثانِ

لأحمدَ المطهّرِ العدنانی

فاذکر لنا نصّا به جلیّا

أجبتُ یکفی خمُّ فی النصوصِ

من آیةِ التبلیغِ بالمخصوص

وجملةُ الأخبارِ والنصوصِ

غیر الذی انتاشت یدُ اللصوص

وکتّمته ترتضی أمیّا

أما سمعتَ یا بعید الذهنِ

ما قاله أحمدُ کالمهنّی

أنت کهارونَ لموسی منّی

إذ قال موسی لأخیه اخلفنی

فاسألهمُ لِمْ خالفوا الوصیّا

أما سمعتَ خبرَ المباهله

أما علمتَ أنّها مفاضله

بین الوری فهل رأی من عادله

فی الفضلِ عند ربّه وقابله

ولم یکن قرّبه نجیّا (1)

أما سمعتَ أنّه أوصاهُ

وکان ذا فقرٍ کما تراهُ

فخصّ بالدین الذی یرعاهُ

فإن عداهُ وهو ما عداهُ

غادر دیناً لم یکن مرعیّا

فقال هل من آیةٍ تدلُ

علی علیّ الطهرِ لا تُعلُ

بحیثُ فیها الطهرُ یستقلُ

تدنیه للفضلِ فیُقصی کلُ

ویغتدی من دونه مقصیّا

فقلتُ إنّ الله جلّ قالا

إذ شرّف الآباء والأنسالا

وآلُ إبراهیم فازوا آلا

إنّا وهبنا لهمُ إفضالا

لسانَ صدقٍ منهمُ علیّا 2.

ص: 184


1- مناقب آل أبی طالب : 3 / 422.

فکان إبراهیم ربّانیّا

ثمّ رسولاً منذراً رضیّا

ثمّ خلیلاً صفوةً صفیّا

ثمّ إماماً هادیاً مهدیّا

وکان عند ربّه مرضیّا

فعندها قال ومن ذریّتی

قال له لا لن ینالَ رحمتی

وعهدیَ الظالمَ من بریّتی

أبتْ لملکی ذاک وحدانیّتی

سبحانهُ لا زال وحدانیّا (1)

فالمصطفی الآمرُ فینا الناهی

وعادمُ الأمثالِ والأشباهِ

فالفعلُ منه والمقامُ الزاهی

لم یصدرا إلاّ بأمر اللهِ

لم یتقوّل أبداً فریّا

إن کان غیر ناطق عن الهوی

إلاّ بأمرٍ مبرمٍ من ذی القوی

فکیف أقصاهمْ وأدنی المجتوی (2)

إذن لقد ضلّ ضلالاً وغوی

ولم یکن حاشا له غَویّا (2)

لکنّما الأقوامُ فی السقیفه

قد نصبوا برأیِهم خلیفه

وکان فی شغلٍ وفی وظیفه

من غُسلِ تلک الدرّةِ النظیفه

وحزنه الذی له تهیّا

حتی إذا قضی الخلیفةُ انتخبْ

من عقدَ الأمرَ له بین العربْ

ثمّ قضی واختار منهم من أحبْ

وإن ت کن شوری فللشوری سببْ

إن کان ذا ترتیبهُ مقضیّا

ثمّ قضی ثالثُهم فانثالوا

له الرجال تتبعُ الرجالُ

فلم تسعْ غیرَ القبولِ الحالُ

فقام والرضا به محالُ

إذ کان کلٌّ یتمنّی شیّا 2.

ص: 185


1- مناقب آل أبی طالب : 1 / 307. (2) جَوِیَ الشیء : کرهه ، مناقب آل أبی طالب : 3 / 422.
2- جَوِیَ الشیء : کرهه ، مناقب آل أبی طالب : 3 / 422.

فغاضبتْ أوّلهم ذاتُ الجمَلْ

وقام معْها الرجلان فی العملْ

فردّهم سیفُ القضاءِ وفصلْ

ولم یکن قد سبقَ السیفُ العذلْ

فقد تأتّی حربهم ملیّا

وغاضب الشانی لأمرٍ سالفِ

فاجتاحه ب ذی الفقارِ القاصفِ

وأصبح الناصرُ کالمخالفِ

إذ شُکّتِ الرماحُ بالمصاحفِ

وأخذ الإنحدار والرقیّا (1)

وکان أن یردَّ للتسلیمِ

إذ ردّ للأحبشِ فی الهزیمِ

فأعمل الحیلةَ فی التحکیمِ

بأمر شیطانِهمُ الرجیمِ

ففی الرعاة حکّم الرعیّا

فلم یجد للکفّ من مناصِ

وأخذَ التحکیمَ بالنواصی

فجاء أهلُ الشامِ بابنِ العاصی

فاحتالَ فیها حیلةَ القنّاصِ

غرّ أبا موسی الاشعریّا

قام أبو موسی فویق المنبرِ

وقال إنّی خالعٌ لحیدرِ

کما خلعتُ خاتمی من خنصری

ثمّ جعلتها لنجلِ عمرِ

یا عمرو قم أنت اخلع الشامیّا

فقال عمرو أیّها الناس اشهدوا

أن خلعَ الذی له یعتمدُ

ثمّ اسمعوا قولی ولا تردّدوا

به فإنّی لابن هندٍ أعقِدُ

فاتّخذوه مذهباً عمریّا (2)

فما تری أنت بهذی الحالِ

من المقالِ ومن الأفعالِ

لا تُدخلِ المفتاحَ فی الأقفالِ

تفتحْ عن الأضغانِ والأذحالِ

وما یکون فی الحشا مطویّا 6.

ص: 186


1- کذا فی المصدر.
2- مناقب آل أبی طالب : 3 / 215 - 216.

إنّ علیّا عند أهل العلمِ

أوّل من سُمّی بهذا الإسمِ

قد ناله من ربّه فی الحکمِ

علی یدَی أخیه وابن العمِ

وحیاً قدیمَ الفضلِ عُدْمُلیّا (1)

وهو الذی سُمّی فی التوراةِ

عند الأُلی هادوا من الهداةِ

بالنصّ والتصریحِ فی البراةِ

برغمِ من سیءَ من العداةِ

من کلّ عیبٍ فی الوری بریّا

وهو الذی یُعرَفُ عند الکهنه

إذ جمعوا التوراةَ فی الممتحنه

فأخذوا من کلّ شیء حسنه

وهم لتوراة الکلیمِ الخزنه

لیوردوا الحقّ لهم بوریّا

وهو الذی یُعرَفُ فی الإنجیلِ

برتبة الإعظامِ والتبجیلِ

ومیزة الغرّةِ والتحجیلِ

وفوزةِ الرقیبِ للمجیلِ

وکان یُدعی عندهم ألیّا (2)

وهو الذی یُعرَفُ بالزبورِ

زبورِ داودَ حلیفِ النورِ

وذی العلی والعلَمِ المنشورِ

فی اسمِ الهزبرِ الأسد الهصورِ

لیث الوغی أعنی به آریّا

وهو الذی تدعوه ما بین الوری

أکابرُ الهندِ وأشیاخُ القری

ذوو العلومِ منهمُ بکنکرا

لأنّه کان عظیماً خطرا

وکنکرٌ کان له سمیّا

وهو الذی یُعرَفُ عند الرومِ

ببطرسِ القوّةِ والعلومِ

وصاحبِ السترِ لها المکتومِ

ومالکِ المنطوقِ والمفهومِ

ومن یکن ذا یُدعَ بطرسیّا 0.

ص: 187


1- العُدمُل : القدیم. مناقب آل أبی طالب : 3 / 132.
2- مناقب آل أبی طالب : 3 / 320.

وهو الذی یُعرَفُ عند الفرسِ

لدی التعالیم وعند الدرسِ

بغَرسنا وذاک إسمٌ قُدسی

معناه قابضٌ بکلّ نفسِ

کما دعوه عندهم باریّا

وهو الذی یُعرَف عند الترکِ

تیرا وذاک مشبهُ الَمحَکّ

وأنّه یرفع کلَّ شکّ

عن کلّ حاکٍ قولُه ومحکی

إذا عرفت المنطقَ الترکیّا

وهو الذی یدعونه فی الحبشِ

بتریکَ أی مدبّرٌ لا یختشی

لقدرةٍ به وبطشٍ مدهشِ

وینعتونه بأقوی قرشی

فاسأل به من یعرِفُ الحبشیّا

وهو الذی یُعرَفُ عند الزنجِ

بحنبنی أی مُهلکٌ ومُنجِ

وقاطع الطریق فی المحجِ

إلاّ بإذنٍ فی سلوک النهجِ

فإن أردتَ فاسأل الزنجیّا

وهو فریقٌ بلسانِ الأرمنِ

فاروقَة الحقِّ لکلّ مؤمنِ

تعرفُهُ أعلامهمْ فی الزمنِ

فاسأل به إن کنت ممّن یعتنی

تحقیقَهُ من کان أرمنیّا (1)

وهو الذی سمّته تلک الجوهره

إذ ولدت فی الکعبة المطهّره

وخرجتْ به فقال الجمهره

من ذا فقالتْ هو شبلی حیدره

ولدتُه مُطهّراً قدسیّا

هذا وقد لقّبه ظهیرا

أبوه إذ شاهدَهُ صغیرا

یصرع من إخوانه الکبیرا

مُشمّراً عن ساعدٍ تشمیرا

وکان عَبلاً فَتِلاً (2) قویّا ف)

ص: 188


1- مناقب آل أبی طالب : 3 / 320 - 321.
2- عبل : الضخم الغلیظ. فتل : من فتله ، وهی شدّة عصب الذراع. (المؤلف)

ولقّبته ظِئره (1) میمونا

إذ رأتِ السعدَ به مقرونا

فکان درّا عندها مکنونا

یحمی أخا رضاعه المنونا

ثمّ یدرّ ثدیها الأبیّا

واسم أخیه فی بنی هلالِ

معلّقُ المیمونِ بالحبالِ

یذکرُهُ فی سمرِ اللیالی

رجالُهم فاسمع من الرجالِ

موهبةً خصّ بها صبیّا

والاسمُ عند اللهِ فی العُلی علی

وهو الصحیحُ والصریحُ والجلی

إشتقّه من إسمه فی الأزلِ

کمثل ما اشتقّ لخیرِ الرسلِ

ومَنَحَ النبیّ والوصیّا

واتّفقت آراءُ أهلِ العلمِ

علی اسمه من دون معنی الإسمِ

فاختلفت فی قصدِهِ والفهمِ

له وکلٌّ لم یطشْ بسهمِ

إذ قد أصاب الغرضَ المرقیّا

فقال قومٌ قد عَلا برازا

أقرانَهُ وابتزّها ابتزازا

فما رآه القِرنُ إلاّ انحازا

وکان دوناً سافلاً فامتازا

فهو علیٌّ إذ علا العدیّا

وقال قومٌ قد عَلا مکانا

متنَ النبیِّ ورمی الأوثانا

إذ لم یَطِق حملَ نبیٍّ کانا

من ثقلِ الوحیِ حکی ثهلانا (2)

فنال منه المنزلَ العلیّا

وقال فرقةٌ علیُّ الدارِ

فی جنّة الخلد مع المختارِ

عَلاّه ذو العرش علی الأبرارِ

فی روضةٍ تزهو وفی أنهارِ

فنال منه المرتضی العلویّا (3) 2.

ص: 189


1- الظئر : المرضعة. (المؤلف) (2) ثهلان : جبل لبنی نمیر بن عامر ، طوله فی الأرض مسیرة لیلتین. معجم البلدان 2 / 88. (3) مناقب آل أبی طالب : 3 / 132.

وقال فرقةٌ عَلاهمْ علما

فکان أقضاهم لذاکَ حکما

ومن إلی القضاءِ قد تسمّی

یکون أعلی رفعةً وأسمی

فوالِ ذاک العالمَ السمیّا

ودَع تآویلَ الکتابِ والخبرْ

وخُذ بما بانَ لدیکَ وظهرْ

قد خاطبَ اللهُ به خیرَ البشرْ

لیفهموا الأحکامَ فی بادی النظرْ

ویعرفوا النبیَّ والوصیّا

فاستمسکنْ بالعروة الوثقی التی

لم تنفصمْ عنه ولم تنفلتِ

تمشِ علی الصراطِ لم تلتفتِ

فی قدمٍ راسٍ وقلبٍ مثبتِ

حتی تجوزَ سالماً سویّا

إلی جنان الخلدِ فی أعلی الرتبْ

إذ ینثنی کلُّ امرئٍ مع من أحبْ

موهبةً ممّن له الشکرُ وجبْ

فهو أبرُّ خالقٍ وخیرُ ربْ

عزّ وجلَّ مَلِکاً قویّا

یا ربّ عبدک الذی غمرتَهُ

بالفضلِ والإنعامِ مذ صیّرتهُ

وقد عصی جهلاً وقد أمرتهُ

إن تابَ فالذنبُ له غفرتهُ

قد تبتُ فاغفر ذنبیَ العدیّا

یا ربّ مالی عملٌ سوی الولا

لأحمدٍ وآلِهِ أهلِ العُلی

صنوِ الرسولِ والوصیِّ المبتلی

وفاطمٍ والحسنینِ فی المَلا

غُرّا تزینُ العرشَ والکرسیّا

ثمّ علیٍّ وابنه محمدِ

وجعفرِ الصدقِ وموسی المهتدی

ثمّ علیٍّ والجوادِ الأجودِ

محمدٍ ثمّ علیِّ الأمجدِ

والحسن الذی جلا المهدیّا

فأعطنی بهم جمالَ الدنیا

وراحةَ القبرِ زمانَ البُقیا

والأمنَ والسترَ بحشر المحیا

والریَّ من کوثرِ أهلِ السقیا

والحشرَ معْهم فی العلی سویّا

ص: 190

یا طلحُ إن تختم بهذا فی العملْ

لم یدنُ منک فزعٌ ولا وجلْ

وأنت طلحُ الخیرِ إنْ جاء الأجلْ

بالأجر من ربّ الوری عزّ وجلْ

کفی بربّی راحماً کفیّا

وله یمدح أمیر المؤمنین علیه السلام :

أنا مولیً لمن یقول رسول ال

-له فیه ما بین جمٍّ غفیرِ

سوف تأتی یومَ القیامةِ رکبٌ

خمسةٌ ما لغیرِنا من ظهورِ

أنا منهم علی البراقِ وبعدی

بَضعتی فاطمٌ تسیرُ مسیری

تحتها یوم ذاک ناقتیَ العض

-باءُ تطوی الفجاجَ طیَّ المُغیر

وأبی إبراهیمُ فوق ذلولٍ

عزَّ قدراً بنا علی الجمهورِ

وأخی صالحٌ علی ناقةِ الله

أمامی فی العالمِ المحشورِ

وعلیُّ علی أغرَّ من الجن

نَة ما خطبُ نعتِه بالیسیرِ (1)

فی یدیه من فوقِ رأسی لواءُ ال

-حمد للواحد الحمید الشکورِ

وعلیهِ تاجٌ بدیعٌ من النو

رِ یُزاهی بإکلیله المستدیرِ

قد أضاءت من نوره عرصة الحش

-ر فیا حُسنَ ذاک من منظورِ

ولتاجِ الوصیِّ سبعون رکناً

کلُّ رکنٍ کالکوکب المستنیرِ (2)

فلربّی الحمدُ الکثیرُ علی ما

قد حبانی من حبِّهِ بالکثیرِ

وله یرثی الإمام السبط المفدّی - صلوات الله علیه - :

یا قمراً غاب حین لاحا

أورثنی فقدُکَ المناحا

یا نُوَبَ الدهرِ لم یدعْ لی

صرفُکِ من حادثٍ صلاحاب.

ص: 191


1- مناقب آل أبی طالب : 3 / 267.
2- : 3 / 265 مناقب آل أبی طالب.

أبَعدَ یومِ الحسینِ ویحی

أستعذبُ اللهوَ والمزاحا

کربت کی تهتدی البرایا

به وتلقی به النجاحا

فالدینُ قد لفَّ بردتیهِ

والشرکُ ألقی لها جناحا

فصار ذاک الصباحُ لیلاً

وصار ذاک الدجی صباحا

فجاء إذ کاتبوه یسعی

لکی یُریها الهدی الصراحا

حتی إذا جاءهم تنحّوا

لا بل نَحوا قتلَه اجتیاحا

وأنبتوا البیدَ بالعوالی

والقُضْبِ واستعجلوا الکفاحا

فدافعتْ عنهُ أولیاهُ

وعانقوا البیضَ والرماحا

سبعون فی مثلِهم أُلوفاً

فأثخنوا بینهم جِراحا

ثمّ قَضَوا جملةً فلاقوا

هناک سهمَ القضا المتاحا

فشدَّ فیهم أبو علیٍ

وصافحت نفسُهُ الصفاحا

یا غیرةَ اللهِ لا تُغیثی

منهم صیاحاً ولا ضباحا (1)

ثمّ انثنی ظامئاً وحیداً

کما غدا فیهمُ وراحا

ولم یزل یرتقی إلی أن

دعاه داعی اللقا فصاحا

دونکمُ مهجتی فإنّی

دُعیت أن أرتقی الضراحا

فکلکلوا فوقَه فهذا

یقطعُ رأساً وذا جناحا

یا بأبی أنفساً ظِماءً

ماتت ولم تشربِ المُباحا

یا بأبی أوجهاً صِباحاً

باکرها حتفُها صَباحا

یا بأبی أجسماً تعرّتْ

ثمّ اکتست بالدماء وشاحا (2)

یا سادتی یا بنی علیٍ

بکی الهدی فقدکم وناحا

أوحشتمُ الحِجرَ والمساعی

آنستمُ القَفْرَ والبِطاحاف)

ص: 192


1- الضباح : الصیاح ، وهو فی الأصل صوت الثعلب.
2- الوشاح : شبه قلادة من نسیج عریض یرصَّع بالجوهر. (المؤلف)

أوحشتمُ الذکرَ والمثانی

والسُّوَر الطوَّلَ الفصاحا (1)

لا سامحَ اللهُ من قَلاکم

وزادَ أشیاعَکم سماحا

وله فی الإمام الصادق - صلوات الله علیه :

عُجْ بالمَطیِّ علی بقیع الغرقدِ

واقرَا التحیّة جعفرَ بنَ محمدِ

وقل : ابنَ بنت محمدٍ ووصیَّه

یا نورَ کلِّ هدایةٍ لم تجحدِ

یا صادقاً شهد الإلهُ بصدقِهِ

فکفی شهادةَ ذی الجلالِ الأمجدِ

یا ابن الهدی وأبا الهدی أنت الهدی

یا نورَ حاضرِ سرِّ کلِّ موحِّدِ

یا ابن النبیِّ محمدٍ أنت الذی

أوضحتَ قصد ولاءِ آلِ محمدِ

یا سادسَ الأنوار یا علمَ الهدی

ضلّ امرؤٌ بولائِکمْ لم یهتدِ (2)

وله من قصیدة یمدح بها أمیر المؤمنین - صلوات الله علیه - :

تخیّرهُ اللهُ من خلقِهِ

فحمّلَهُ الذکرَ وهو الخبیرُ

وأُنزِلَ بالسُّوَرِ المحکماتِ

علیه کتابٌ مبینٌ منیرُ

وأغشاه نوراً وناداه قمْ

وأنذرْ فأنتَ البشیرُ النذیرُ

فلاحَ الهدی واضمحلّ العمی

وولّی الضلالُ وعِیفَ الغرورُ

فوصّی علیّا فنعمَ الوصیُ

ونعمَ الولیُّ ونعمَ النصیرُ (3)

وله من قصیدة فی الأئمّة الطاهرین علیهم السلام قوله :

نصَّ علی ستٍّ وستٍّ بعدَهُ

کلٌّ إمامٌ راشدٌ برهانُهُ

صلّی علیه ذو العلی ولم یزل

یغشاه منه أبداً رضوانُهُف)

ص: 193


1- مناقب آل أبی طالب : 4 / 129.
2- مناقب آل أبی طالب 4 / 300.
3- مناقب آل أبی طالب] : 2 / 35] أشار بهذه الأبیات إلی حدیث العشیرة المذکور فی الجزء الثانی : ص 278 - 287. (المؤلف)

وله من قصیدة أخری :

وقلت براثا کان بیتاً لمریمِ

وذاک ضعیفٌ فی الأسانیدِ أعوجُ

ولکنّه بیتٌ لعیسی بن مریمِ

وللأنبیاءِ الزهرِ مثویً ومدرجُ

وللأوصیاءِ الطاهرین مقامُهم

علی غابرِ الأیّام والحقُّ أبلجُ

بسبعینَ موصیً بعد سبعینَ مرسلٍ

جباهُهمُ فیها سجودٌ تَشجّجُ

وآخرُهم فیها صلاةً إمامُنا

علیٌّ بذا جاءَ الحدیثُ المنهّجُ

وله من قصیدة کبیرة یمدح بها أهل البیت علیهم السلام :

ألستَ تری جبریلَ وهو مقرَّبٌ

له فی العلی من راحةِ القصدِ موقفُ

یقول لهم : أهلَ العبا أنا منکمُ

فمن مثلُ أهلِ البیتِ إن کنتَ تنصفُ

نعم آلُ طه خیرُ من وطأ الحصی

وأکرمُ أبصارٍ علی الأرض تطرفُ

هم الکلماتُ الطیّباتُ التی بها

یُتاب علی الخاطی فیُحبا ویُزلفُ

هم البرکاتُ النازلاتُ علی الوری

تعمُّ جمیعَ المؤمنین وتکنفُ

هم الباقیاتُ الصالحاتُ بذکرِها

لذا کرِها خیرُ الثوابِ المضعّفُ

هم الصلواتُ الزاکیاتُ علیهمُ

یدلُّ المنادی بالصلاةِ ویعکفُ

هم الحرمُ المأمونُ آمن أهلُهُ

وأعداؤه من حولِه تتخطّفُ

هم الوجهُ وجهُ اللهِ والجنبُ جنبُهُ

وهم فُلک نوحٍ خابَ عنه المخلّفُ

هم البابُ بابُ اللهِ والحبلُ حبلُه

وعروتُه الوثقی تواری وتکنفُ

وأسماؤه الحسنی التی من دعا بها

أُجیبَ فما للناسِ عنها تحرّفُ (1)

ذکر السمعانی فی الأنساب (2) : أنّ العونی کان شاعر الشیعة ، وذکر الصحابة وثلبهم فی قصیدة أوّلها : 0.

ص: 194


1- مناقب آل أبی طالب : 1 / 344 ، 2 / 300 ، 3 / 342 ، 453.
2- الأنساب : 4 / 260.

لیس الوقوف علی الأطلال من شانی

سمعت أنّ عمر بن عبد العزیز لمّا بلغه عنه سبُّ الصحابة ، أمر به فضرب بالعمود بالمدینة فمات فیه.

قال الأمینی : خفی علی السمعانی اسم العونی وعصره ومدفنه ، وأنّ القصیدة النونیة المذکورة إنّما هی لأبی محمد عبد الله بن عمّار البرقی أحد شعراء أهل البیت ، وُشی به إلی المتوکِّل وقُرئت له نونیّته ، فأمر بقطع لسانه وإحراق دیوا نه ، ففُعل به ذلک ومات بعد أیام ، وذلک سنة (245). ومن النونیّة قوله :

فهو الذی امتحنَ اللهُ القلوبَ به

عمّا یجمجمنَ من کفرٍ وإیمانِ

وهو الذی قد قضی اللهُ العلیُّ له

أن لا یکونَ له فی فضلِهِ ثانِ

وإنّ قوماً رجوا إبطال حقِّکمُ

أمسوا من الله فی سخطٍ وعصیانِ

لن یدفعوا حقَّکم إلاّ بدفعهمُ

ما أنزلَ اللهُ من آیٍ وقرآنِ

فقلِّدوها لأهل البیتِ إنّهمُ

صنوُ النبیّ وأنتمْ غیرُ صنوانِ

ص: 195

ص: 196

32 - ابن حمّاد العبدی

- 1 -

ألا قُل لسلطانِ الهوی کیف أعملُ

لقد جار من أهوی وأنتَ المؤمّلُ

أَأُبدی إلیک الیوم ما أنا مضمرٌ

من الوجدِ فی الأحشاءِ أم أتحمّلُ

وما أنا إلاّ هالکٌ إن کتمتُهُ

ولا شکّ کتمانُ الهوی سوف یقتلُ

فخذ بعضَ ما عندی وبعضٌ أصونُهُ

فإن رمتُ صونَ الکلّ فالحالُ مشکلُ

لقد کنتُ خلواً من غرامٍ وصبوةٍ

أبِیتُ وما لی فی الهوی قطُّ مدخلُ

إلی أن دعانی للصبابةِ شادنٌ

تحیّرُ فیه الواصفون وتذهلُ

بدیعُ جمالٍ لو یَری الحسنُ حسنَه

لقرَّ اختیاراً أنّه منه أجملُ

فسبحانَ من أنشاه فرداً بحسنِهِ

فلا تعجبوا فاللهُ ما شاء یفعلُ

دعانی فلم ألبث ولبّیتُ عاجلاً

وما کنت لولا ذلک الحسنُ أعجلُ

بذلتُ له روحی وما أنا مالکٌ

وفی مثله الأرواحُ والمالُ تُبذَلُ

وصرتُ له خِدناً ثلاثینَ حجّةً

أُعانق منه الشمسَ واللیلُ ألیلُ

بسمعیَ وَقرٌ إن لحا فیهِ کاشحٌ

کذاک به عن عذلِ من راح یعذلُ

إلی أن بدا شیبی ولاحَ بیاضُهُ

کما لاح قرنٌ من سنا الشمس مسدلُ

وبدّل وصلی بالجفا متعمِّداً

وما خلتُه للهجرِ والصدّ یفعلُ

فحاولته وصلاً فقال لیَ ابتدئ

وإلاّ یمیناً إنّه لیس یقبلُ

وفرَّ کما من حیدرٍ فرَّ قرنُهُ

وقد ثار من نقعِ السنابکِ قسطَلُ

ص: 197

غداةَ رأتهُ المشرکون وسیفُهُ

بکفّیه منه الموتُ یجری ویهطلُ

حسامٌ کصلّ الریمِ فی جنباتِهِ

دبیبٌ کما دبّت علی الصخرِ أنملُ

إذا ما انتضاه واعتزی وسطَ مأزقٍ

تزلزل خوفاً منه رضوی ویذبلُ

به مرحبٌ عضّ الترابَ معفّراً

وعمرو بن ودٍّ راح وهو مجدّلُ

وقام به الإسلامُ بعد اعوجاجه

وجاء به الدین الحنیف یُکمّلُ

إلی أن یقول فیها :

هو الضاربُ الهاماتِ والبطلُ الذی

بضربتِهِ قد ماتَ فی الحالِ نوفلُ

وعرّجَ جبریلُ الأمینُ مصرِّحاً

یکبِّرُ فی أُفق السما ویهلّلُ

أخو المصطفی یومَ الغدیرِ وصنوُهُ

ومُضجِعُهُ فی لحدِه والمغسِّلُ

له الشمس رُدّت حین فاتتْ صلاتُهُ

وقد فاته الوقتُ الذی هو أفضلُ

فصلّی فعادتْ وهی تهوی کأنّها

إلی الغربِ نجمٌ للشیاطین مُرسَلُ

أما قال فیهِ أحمدٌ وهو قائمٌ

علی منبرِ الأکوار والناسُ نُزّلُ (1)

علیٌّ أخی دون الصحابةِ کلِّهم

به جاءنی جبریلُ إن کنتَ تسألُ

علیٌّ بأمرِ الله بعدی خلیفةٌ

وصیّی علیکم کیف ما شاء یفعلُ

ألا إنّ عاصیهِ کعاصی محمدٍ

وعاصیه عاصی الله والحقُّ أجملُ

ألا إنّه نفسی ونفسیَ نفسُه

به النصُّ أنبا وهو وحیٌ منزّلُ

ألا إنّنی للعلمِ فیکمْ مدینةٌ

علیٌّ لها بابٌ لمن رام یدخلُ

ألا إنّه مولاکمُ وولیّکمْ

وأقضاکمُ بالحقِّ یقضی ویعدلُ

فقالوا جمیعاً قد رضیناه حاکماً

ویقطعُ فینا ما یشاءُ ویوصلُ

ویکفیکمُ فضلاً غداةَ مسیرِهِ

إلی یثربٍ والقومُ تعلو وتسفلُ

وقد عطشوا إذ لاحَ فی الدیرِ قائمٌ

لهم راهبٌ جمُّ العلوم مکمّلُف)

ص: 198


1- فی بعض المصادر : والجمع حُفَّلُ. (المؤلف)

فناداه من بُعدٍ وأعلا بصوتِهِ

فکاد علی خوفٍ من الرعبِ ینزلُ

فأشرف مذعوراً فقال : فهل تری

بقربِکَ ماءً أیّها المتبتِّلُ

فقال وأنّی بالمیاهِ وأرضُنا

جبالٌ وصخرٌ لا ترامُ وجندلُ

ولکنّ فی الإنجیلِ أنّ بِقُربِنا

علی فرسخینِ لا محالة منهلُ (1)

ولم یَره إلاّ نبیٌّ مطهّرٌ

وإلاّ وصیٌّ للنبیِّ مفضّلُ

فسار علی اسمِ اللهِ للماءِ طالباً

وراهبُ ذاک الدیر بالعین یأملُ

فأوقفَ والفرسانُ حول رکابِه

ونارُ الظما فی أنفسِ القومِ تشعلُ

فقال لهم یا قومِ هذا مکانکُمْ

فمن رامَ شربَ الماءِ للحفرِ ینزلُ

فما کان إلاّ ساعةً ثمّ أشرفوا

علی صخرةٍ صمّاء لا تتقلقلُ

لُجینیّةً مَلْساً کأنّ أدیمَها

أُذیب علیها التبر أو ریفَ منخلُ

فقال اقلبوها فاعتزوا عند أمرِهِ

علی ذاک کُلاّ وهی لا تتجلجلُ

فقالوا جمیعاً یا علیُّ فهذه

صفاتٌ بها تعیا الرجال وتذهلُ

فمدّ إلیها ما انحنی فوق سرجِهِ

یمیناً لها إلاّ غدت وهی أسفلُ

وزجَّ بها کالعود فی کفِّ لاهبٍ

فبان لهم عذبٌ من الماء سلسلُ

فأوردهم حتی اکتفوا ثمّ عادها

علی الجبِّ لا یعیا ولا یتململُ

فلمّا رآها الراهبُ انحطَّ مسرعاً

لکفّیهِ ما بین الأنام یُقبِّلُ

وأسلم لمّا أن رأوا هو قائلٌ

أظنّک آلیّا وما کنت أجهلُ

القصیدة (104) أبیات

- 2 -

من قصیدة یمدح بها أمیر المؤمنین - صلوات الله علیه - :

لَعمرُکَ یا فتی یومِ الغدیرِ

لأنت المرءُ أولی بالأمورِ

وأنت أخٌ لخیرِ الخلقِ طرّا

ونفسٌ فی مباهلةِ البشیرًِ.

ص: 199


1- کذا بالرفع ، والصواب نصبها : لأنّها اسم أنّ مؤخّراً.

وأنت الصنوُ والصهرُ المزکّی

ووالدُ شبّرٍ وأبو شبیرِ

وأنت المرءُ لم تحفلْ بدنیاً

ولیس له بذلک من نظیرِ

لقد نبعتْ له عینٌ فظلّتْ

تفورُ کأنّها عنقُ البعیرِ

فوافاه البشیرُ بها مغذّا

فقال علیُّ أبشر یا بشیری

لقد صیّرتُها وقفاً مُباحاً

لوجهِ اللهِ ذی العزِّ القدیرِ

وکان یقولُ یا دنیای غرّی

سوای فلستُ من أهلِ الغرورِ

وصابرَ مع حلیلتِهِ الأذایا

فنالا خیرَ عاقبةِ الصبورِ

وقالت أمُ أیمنَ جئتُ یوماً

إلی الزهراءِ فی وقتِ الهجیرِ

فلمّا أن دنوتُ سمعتُ صوتاً

وطحناً فی الرحاءِ بلا مُدیرِ

فجئتُ البابَ أقرعُهُ نغوراً

فما من سامعٍ لیَ فی نغوری

فجئت المصطفی وقصصتُ شأنی

وما أبصرتُ من أمرٍ زعورِ

فقال المصطفی شکراً لربٍ

بإتمام الحَباء لها جدیرِ

رآها اللهُ مُتعَبةً فألقی

علیها النوم ذو المنِّ الکثیرِ

ووکّل بالرحا مَلَکاً مُدیراً

فعدتُ وقد ملئتُ من السرورِ

تزوّجَ فی السماءِ بأمر ربّی

بفاطمةَ المهذّبةِ الطهورِ

وصیّر مهرها خمسَ الأراضی

بما تحویه من کَرَمٍ وخیرِ

فذا خیرُ الرجال وتلک خیرُ

النساءِ ومهرُها خیر المهورِ

وإبناها الأُلی فضلوا البرایا

بتنصیصِ اللطیفِ بها الخبیرِ

وصیّر ودّهم أجراً لطه

بتبلیغِ الرسالةِ فی الأجورِ

بیان : فی هذه القصیدة إیعاز إلی جملة من فضائل أمیر المؤمنین علیه السلام ، منها :

حدیث المؤاخاة الذی أسلفناه فی (3 / 112 - 125) ، وقصّة المباهلة وأنّه فیها

ص: 200

نفس النبیّ الأقدس بنصّ من الکتاب (1).

ومنها : حدیث نبعة العین ، أخرجه الحافظ ابن السمّان فی الموافقة ، وعنه محبّ الدین الطبری فی ریاضه (2) (2 / 228): أنّ عمر أقطع علیّا ینبع ، ثمّ اشتری أرضاً إلی جنب قطعته فحفر فیها عیناً ، فبینما هم یعملون فیها إذ انفجر علیهم مثل عنق الجزور من الماء ، فأُتی علیٌّ فبُشِّر بذلک ، فقال : بشِّروا الوارث ثمّ تصدّق بها (3).

وقال ابن أبی الحدید فی شرحه (4) (2 / 260):

جاء فی الأثر : أنّ أمیر المؤمنین علیه السلام جاءه مخبرٌ فأخبره أنّ مالاً له قد انفجرت فیه عینٌ خرّارةٌ یبشِّره بذلک. فقال : بشِّر الوارث ، بشِّر الوارث - یکرّرها - ثمّ وقف ذلک المال علی الفقراء ، وکتب به کتاباً فی تلک السا عة.

وإلی صدقات أمیر المؤمنین فی ینبع أشار الحموی فی معجم البلدان (5) (8 / 256) ، والسمهودی فی وفاء الوفاء (6) (2 / 393) وغیرهما.

ومنها : قوله علیه السلام : «یا دنیا غرّی غیری» أخرجه جمعٌ من الحفّاظ کما مرّفی (2 / 319).

ومنها : حدیث طحن الرحا بلا مدیر. أخرجه الحفّاظ بلفظ أبی ذرّ الغفاری ، قال : أرسله رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ینادی علیّا ، فرأی رحیً تطحن فی بیته ولیس معها 4.

ص: 201


1- فی قوله تعالی : (فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَکُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَکُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَکُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَی الْکاذِبِینَ). آل عمران : 61. (المؤلف)
2- الریاض النضرة : 3 / 183.
3- وبهذا اللفظ یوجد فی : الإمام علیّ ، تألیف الشیخ محمد رضا المصری : ص 17. (المؤلف)
4- شرح نهج البلاغة : 7 / 290 خطبة 119.
5- معجم البلدان : 5 / 450.
6- وفاء الوفا : 4 / 1334.

أحد ، فأخبر النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم بذلک فقال : «یا أبا ذر ، أما علمت أنّ لله ملائکةً سیّاحین فی الأرض قد وُکّلوا بمعاونة آل محمد صلی الله علیه وآله وسلم» (1).

ومنها : حدیث زواج الزهراء الصدّیقة ، ذکرناه فی (2 / 315 - 319 و 3 / 20).

ومنها : أنّ ودّ آل محمدأجر رسالته صلی الله علیه وآله وسلم ، وقد مرَّ تفصیله فی (2 / 306 - 311).

- 3 -

من قصیدة فی مدح أمیر المؤمنین علیه السلام :

أرضِ الإلهَ وأسخطِ الشیطانا

تُعطَ الرضا فی الحشرِ والرضوانا

وامحض ولاءَک للذین ولاؤهمْ

فرضٌ علی من یقرأ القرآنا

آلُ النبیّ محمدٍ خیرُ الوری

وأجلّهم عند الإله مکانا

قومٌ قوامُ الدینِ والدنیا بهمْ

إذ أصبحوا لهما معاً أرکانا

قومٌ إذا أصفی هواهم مؤمنٌ

یُعطی غداً ممّا یخافُ أمانا

قومٌ یطیعُ اللهَ طائعُ أمرِهمْ

وإذا عصاهُ فقد عصی الرحمانا

وهمُ الصراطُ المستقیمُ وحبُّهمْ

یومَ المعادِ یثقِّلُ المیزانا

واللهُ صیّرَهمْ لمحنةِ خلقِهِ

بین الضلالةِ والهدی فرقانا

حفظوا الشریعةَ قائمین بحفظِها

ینفون عنها الزورَ والبهتانا

وأتی القرانُ بفرضِ طاعتهمْ علی

کلِّ البریّةِ فاسمعِ القرآنا

وتوالتِ الأخبارُ أنّ محمداً

بولائهم وبحفظهم أوصانا

من سبّحت فی کفّه بیضُ الحصی

لیکونَ ذاک لصدقِهِ تبیاناف)

ص: 202


1- سیرة الملاّ ، الریاض النضرة : 2 / 223 [3 / 177] ، الصواعق المحرقة : ص 105 [ص 176] ، إسعاف الراغبین : ص 158 ، أعجب ما رأیت : 1 / 8 ، الإمام علیّ للشیخ محمد رضا : ص 18. (المؤلف)

من أنزلَ اللهُ الکتابَ علیه فی

کلِّ العلومِ لیغتدی برهانا

من بلّغ الدنیا بنصبِ وصیِّهِ

یومَ الغدیرِ لیکملَ الإیمانا

من ذا له یومَ الغدیرِ فضیلةٌ

إذ لا تطیقُ لفضلِهِ جحدانا

من آکلُ الطیرِ الذی لم یستطعْ

خلقٌ له جَحْداً ولا کتمانا

من آکلُ القطفِ الجنیّ علی حریً (1)

وإلیه أهدی ربّه رمّانا

من فیه أنزل هل أتی ربُّ العُلی

وجزاه حورَ العین والولدانا

من نصَّ أحمدُ فی مزایاه التی

لم یُعطِها ربُّ العلی إنسانا

من لا یوالیه سوی ابنُ نجیبةٍ

حفظت أباه وراعت الرحمانا

القصیدة (27) بیتاً

- 4 -

یمدح أمیر المؤمنین - صلوات الله علیه - یوم الغدیر :

یا عیدَ یومِ الغدیرِ

عُد بالهنا والسرورِ

ففیک أضحی علیٌ

أمیرَ کلِّ أمیرِ

غداةَ جبریلُ وافی

من السمیعِ البصیرِ

وقال یا أحمدُ انزل

بجنبِ هذا الغدیرِ

بلّغ وإلاّ فما کن

-ت قائماً بالأمورِ

فأنزلَ الجمعَ کُلاّ

ثمّ اعتلی فوق کورِ

وقال قد جاءَ أمرٌ

من اللطیفِ الخبیرِ

بأن أقیمَ علیّا

خلیفةً فی مسیری

فبایعوه فما فی ال

-وری له من نظیرِ

إمامُ کلِّ إمامٍ

مولیً لکلِّ کبیرِق.

ص: 203


1- الحَرَی : الجدارة والاستحقاق.

بابٌ إلی کلّ رشدٍ

نورٌ علا کلّ نورِ

وحجّةُ اللهِ بعدی

علی الجَحودِ الکفورِ

وبعده الغرّ منه

فَهُمْ کعدّ الشهورِ

أسماؤهم فی المثانی

کثیرةٌ للذکورِ

فی صُحفِ موسی وعیسی

مکتوبةٌ والزبورِ

ما زال فی اللوح سطراً

یلوح بین السطورِ

تزور أملاک ربّی

منهُ لخیرِ مزورِ

وأشهد الله فیما

أبدی وکلّ الحضورِ

فقام من حلَّ خُمّا

من بین جمّ غفیرِ

وبایعوه بأیدٍ

مخالفاتِ الضمیرِ

واللهُ یعلم ماذا

أخفوا بذاتِ الصدورِ

- 5 -

وله یمدحه - صلوات الله علیه - :

ما لعلیّ سوی أخیهِ

محمدٍ فی الوری نظیرُ (1)

فَداهُ إذ أقبلت قریشٌ

إلیه فی الفرش تستطیرُ

وکان فی الطائفِ انتجاه

فقال أصحابُه الحضورُ

أطلتَ نجواک من علیٍ

فقال ما لیس فیه زورُ

ما أنا ناجیتُهُ ولکن

ناجاه ذو العزّةِ الخبیرُ

وقال فی خمّ إنّ علیّا

خلیفةٌ بعده أمیرُ

وکان قد سدّ بابَ کلٍ

سواه فاستغرت الصدورُف)

ص: 204


1- أشار به إلی ما أخرجه الحافظ محبّ الدین الطبری فی ریاضه : 2 / 164 [3 / 108] عن أنس بن مالک ، قال : قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «ما من نبیّ إلاّ وله نظیر من أمّته ، وعلیّ نظیری». ورواه غیره من الحفّاظ. (المؤلف)

وأکثروا القول فی علیٍ

بذا ودبّت له الشرورُ

فقال ما تبتغون منه

وهو سمیعٌ لهم بصیرُ

ما أنا أوصدتُها ولکن

أوصدها الآمرُ القدیرُ

یا قوم إنّی امتثلتُ أمراً

أوحاه لی الراحمُ الغفورُ

فکان هذا له دلیلاً

بأنّه وحده الظهیرُ

- 6 -

وله من قصیدة کبیرة فی مدحه - صلوات الله علیه - :

وقال لأحمد بلّغ قریشاً

أکن لک عاصماً ان تستکینا

فإن لم تُبلغِ الأنباءَ عنّی

فما أنت المبلّغَ والأمینا

فأنزل بالحجیجِ غدیرَ خمّ

وجاء به ونادی المسلمینا

فأبرزَ کفَّه للناس حتی

تبیَّنها جمیعُ الحاضرینا

فأکرمْ بالذی رُفِعتْ یداه

وأکرم بالذی رفعَ الیمینا

فقال لهم وکلُّ القومِ مُصغٍ

لمنطقِهِ وکلٌّ یسمعونا

ألا هذا أخی ووصیُّ حقّ

وموفی العهد والقاضی الدیونا

ألا من کنت مولاه فهذا

له مولیً فکونوا شاهدینا

تولّی اللهُ من والی علیّا

وعادی مبغضیه الشانئینا

وجاء عن ابن عبد الله (1) أنّا

به کنّا نمیزُ المؤمنینا

فنعرفهم بحبّهمُ علیّا

وأنّ ذوی النفاقِ لَیُعرَفونا

ببغضهمُ الوصیَّ ألا فبُعداً

لهم ماذا علیهم ینقموناف)

ص: 205


1- ابن عبد الله : هو جابر الأنصاری. أخرج الحفّاظ حدیثه هذا کما مرّ فی الجزء الثالث : ص 182. (المؤلف)

وممّا قالت الأنصارُ کانت

مقالةَ عارفین مجرّبینا

ببغضهمُ علیّ الهادی عرَفنا

وحقّقنا نفاقَ منافقینا

- 7 -

من قصیدة له یمدحه - صلوات الله علیه - :

یومُ الغدیر لأشرفُ الأیّامِ

وأجلُّها قدراً علی الإسلامِ

یومٌ أقامَ اللهُ فیه إمامَنا

أعنی الوصیَّ إمامَ کلِّ إمامِ

قال النبیُّ بدوحِ خمّ رافعاً

کفَّ الوصیِّ یقولُ للأقوامِ

من کنتُ مولاه فذا مولیً له

بالوحی من ذی العزّة العلاّمِ

هذا وزیری فی الحیاة علیکمُ

فإذا قضیتُ فذا یقوم مقامی

یاربّ والِ من أقرَّ له الولا

وانزل بمن عاداه سوءَ حِمام

فتهافتت أیدی الرجالِ لبیعةٍ

فیها کمال الدین والإنعامِ

- 8 -

من قصیدة له یمدحه علیه السلام :

ترومُ فسادَ دلیلِ النصوصِ

ونصراً لإجماعِ ما قد جمعْ

ألم تستمعْ قولَه صادقاً

غداةَ الغدیرِ بماذا صدعْ

ألا إنّ هذا ولیٌّ لکمْ

أطیعوا فویلٌ لمن لم یُطِعْ

وقال له أنت منّی أخی

کهارونَ من صنوِهِ فاقتنعْ

وقال له أنت بابٌ إلی

مدینة علمی لمن ینتجِعْ

وقال لکم هو أقضاکمُ

وکلٌّ لمن قد مضی متّبعْ

ویومَ براءةَ نصَّ الإلهُ

جلَّ علیه فلا تختدعْ

وسمّاه فی الذکرِ نفسَ الرسولِ

یومَ التباهلِ لمّا خشعْ

ویومَ المواخاةِ نادی به

أخوک أنا الیوم بی فارتفعْ

ص: 206

ویومَ أتی الطیر لمّا دعا

النبیُّ الإلهَ وأبدی الضرعْ

أیا ربِّ إبعثْ أحبَّ الأنامِ

إلیک لنأکلَ فی مجتمعْ

فلم یستتمَّ النبیُّ الدعاءَ

إلاّ وقد جاء ثمّ ارتجعْ

ثلاثَ مرارٍ فلمّا انتهی

إلی الباب دافعهَ واقتلعْ

فقال النبیُّ له ادخل فقد

أطلتَ احتباسَک یا ذا الصلعْ

فخبّرهُ أنّه قد أتی

ثلاثاً ودافعه من دفعْ

فقطّبَ فی وجه من ردّه

وأنکر ما بأخیه صنعْ

ووارثَهُ بَرَصاً فاحشاً

فظلّ وفی الوجهِ منه بقعْ

ففیمَ تخیّرتمُ غیرَ من

تخیّره ربُّکم واصطنعْ

وکیف تعارضُ هذی النصوص

بإجماع ذی الحقد أو ذی الطمعْ

- 9 -

وله من قصیدة فی المدیح :

یا سائلی عن حیدرٍ أعییتنی

أنا لستُ فی هذا الجوابِ خلیقا

اللهُ سمّاه علیّا باسمهِ

فسما علوّا فی العلی وسموقا

واختاره دون الوری وأقامَهُ

عَلماً إلی سُبلِ الهدی وطریقا

أخذ الإلهُ علی البریّةِ کلِّها

عهداً له یومَ الغدیرِ وثیقا

وغداة واخی المصطفی أصحابَهُ

جعلَ الوصیَّ له أخاً وشقیقا

فرقَ الضلالَ عن الهدی فرقی إلی

أن جاوزَ الجوزاءَ والعیّوقا

ودعاه أملاکُ السماءِ بأمرِ من

أوحی إلیهم حیدرَ الفاروقا

وأجاب أحمدَ سابقاً ومصدِّقاً

ما جاء فیه فُسمّی الصدّیقا

فإذا ادّعی هذی الأسامی غیرُه

فلیأتِنا فی شاهدٍ توثیقا

أشار إلی ما مرّ فی (2 / 312 - 314 و 3 / 187) من أنّ علیّا هو صدّیق هذه

ص: 207

الأمّة وفاروقها بنصّ صحیح ثابت من النبیّ الأعظم صلی الله علیه وآله وسلم.

- 10 -

من قصیدة له یمدحه - صلوات الله علیه - :

یاراکباً أُجُداً (1) تخبُّ وتوضع (2)

فی سرعةٍ والشوقُ منها أسرعُ

للهِ ما أخطاک من رجلٍ له

عند الغریّ لبانةٌ لا تمنعُ

یُجلی علیک من الهدایةِ مشرقٌ

ومن الإمامةِ والولایةِ مطلعُ

جدثٌ به نورُ الهدی مستودعٌ

فی ضمنه العلَمُ البطینُ الأنزعُ

جدثٌ یدلّ علیهِ طیبُ نسیمِهِ

قبلَ الورودِ وضوءُ نورٍ یلمعُ

جدثٌ ربیعُ المؤمنین بربعِهِ

فقلوبُهمْ أبداً لهُ تتطلّعُ

جدثٌ به الرضوانُ والغفرانُ وال

إیمانُ والفضلُ الذی تتوقّعُ

جدثٌ تحجُّ إلیه أملاکُ السما

إذ فی جوانبِهِ المناسکُ أجمعُ

بعضٌ قیامٌ خاضعون لفضله

أبداً وبعضٌ ساجدون ورکّعُ

فإذا وصلتَ إلیهِ فالثمْ تربَهُ

فی مدمعٍ یجری وقلبٍ یخشعُ

وقلِ السلامُ علیک یا مولیً یری

عملی ویشهدُ ما أقولُ ویسمعُ

إنّی قصدتُکَ زائراً ومسلّماً

وموالیاً یا من یضرُّ وینفعُ

لتکون لی یوم القیامة شافعاً

وهواک یقدمُنی إلیک ویشفعُ

عجباً لعُمیٍ عن ولاک ونورُه

کالشمسِ طالعةً تضیءُ وتسطعُ

فکأنّهم لم یسمعوا ما قاله

فیک المهیمنُ فی الکتابِ ولم یَعوا

أولیس من یهدی إلی الحقّ الذی

یُنجی أحقّ بالاتّباعِ فیتبعُ

أولم یک السورَ الذی أضحی له

بابٌ وفیه للمحاول مقمعُب.

ص: 208


1- ناقة أُجُد : قویّة. (المؤلف)
2- الخبب : ضرب من العدْو. والوضع : ضرب من العدْو فوق الخبب.

والبابُ باطنُه المغیّبُ رحمةٌ

لکنّ ظاهرَهُ العذابُ الأفظعُ

ترکوا سبیلَ الرشدِ بعد نبیَّهم

سفهاً وتاهوا فی العمی وتسکّعوا

أنّی ینال مفاخرٌ فخر امرئٍ

ساد البریّةَ وهو طفلٌ یرضعُ

واللهِ ما قعدَ الوصیُّ لذلّةٍ

عنهم فإنّهمُ أذلُّ وأوضعُ

لکنْ أرادَ بأن یُقیمَ علیهمُ ال

-حُجَجَ التی أسبابُها لا تُدفعُ

غدروا به یومَ الغدیرِ ولم یفوا

ولعهدِهِ المسؤولِ منهم ضیّعوا

یا قاسمَ النیرانِ أقُسِمُ صادقاً

بهواکَ حلفةَ مؤمنٍ یتشیّعُ

أنت الصراطُ المستقیمُ علی لظیً

وإلیک منها یا علیُّ المفزعُ

والحوضُ حوضُک فیه ماءٌ باردٌ

فی البعثِ تسقی من تشاءُ وتمنعُ

ولک المفاتحُ أنت تُسکِنُ ذا لظیً

یصلی وهذا فی الجِنانِ یُمتّعُ

إنّی زرعتُ هواک فی أرضِ الحشا

والمرءُ یحصدُ فی غدٍ ما یزرعُ

- 11 -

من قصیدة له یمدح أمیر المؤمنین علیه السلام :

علیٌّ علیُّ القدرِ عند مَلیکِهِ

وإن أکثرتْ فیه الغواةُ ملامَها

وعروتُه الوثقی التی من تمسّکتْ

یداهُ بها لم یخشَ قطُّ انفصامَها

فکم لیلةٍ لیلاءَ للهِ قامها

وکم ضحوةٍ مسجورةِ الحرِّ صامَها

وکم غمرةٍ للموتِ فی اللهِ خاضَها

وأرکانِ دینٍ للنبیّ أقامَها

فواخاه من دونِ الأنامِ فیالَها

غنیمةَ فوزٍ ما أجلَّ اغتنامَها

وولاّه فی یومِ الغدیرِ علی الوری

فأصبح مولاها وکان إمامَها

هو المختلی فی بدر أرؤسَ صِیدِها

کما تختلی شهبُ البُزاةِ حَمامَها (1)ا.

ص: 209


1- إختلی الرؤوس : جمعها.

وصاحبُ یومِ الفتحِ والرایةِ التی

برجعتها أخزی الإله دَلامَها (1)

فقال سأعطیها غداً رجلاً بها

مُلبّا یُوفّی حقّها وذمامَها

وقال له خُذ رایتی وامضِ راشداً

فما أنا أخشی من یدیک انهزامَها

فمرَّ أمیرُ المؤمنینَ مشمِّراً

برایتِهِ والنصرُ یسری أمامَها

وزجّ ببابِ الحصنِ عن أهلِ خیبرٍ

وسقی الأعادی حتفَها وحمامَها

وجدّل فیها مرحباً وهو کبشُها

وأوسعَ آنافَ الیهودِ ارتغامَها

وسل عنه فی سلعٍ وعن عظمِ فعلِهِ

بعمروٍ ونارُ الحربِ تذکی اضطرامَها

وأفئدةُ الأبطالِ ترجفُ هیبةً

وقد أخفتَ الرعبُ الشدیدُ کلامَها

فقام إلیه من أقامَ بسیفِهِ

حلائلَهُ ثکلی تطیلُ التدامَها (2)

وقال علی تأویلِ ما اللهُ منزلٌ

تُقاتلُ بعدی یا علیُّ طِغامَها

فقاتلَ جیشَ الناکثین لعهدِهمْ

وأثکلَ یومَ القاسطین شآمَها

وأجری بیوم المارقین دماءَهم

وأخلی من الأجسامِ بالسیفِ هامَها

- 12 -

من قصیدة له یمدحه - صلوات الله علیه - :

ولاءُ المرتضی عُدَدی

لیومی فی الوری وغَدی

أمیرُ النحل مولی الخل

-قِ فی خُمٍّ علی الأبدِ

غداةَ یبایعون المر

تضی أمراً بمدِّ یدِ

شبیهُ المصطفی بالفض

-ل لم ینقص ولم یزدِ

وجنبُ الله فی الکتبِ

وعینُ الواحدِ الصمدِ

فلن تلدَ النسا شبهاً

له کَلاّ ولم تلدِة.

ص: 210


1- الدلام : السواد.
2- التدام النساء : ضربهن وجوههن وصدورهن فی النیاحة.

مجلّی الکربِ یومَ الحر

بِ فی بدرٍ وفی أُحدِ

وخیبرَ والنضیر کذا

وسل عن خندقِ البلدِ

إذ الهیجاءُ هاجَ لها

بقلبٍ غیرِ مرتعدِ

تری الأبطالَ باطلةً

لخوفِ الفارسِ الأسدِ

فأنفسُهمْ مودّعةٌ

لهمْ بتنفّس الصعدِ

وقد خفتوا لهیبتِهِ

فلستَ تحسُّ من أحدِ

فلم تسمعْ لغیرِ البی

-ضِ فوق البیضِ والزردِ (1)

ولشاعرنا العبدی غدیریّات أخری ، یأتی بعضها ونصفح عن بعضها.

الشاعر

أبو الحسن علیّ بن حمّاد بن عبید الله بن حمّاد العدویّ العبدیّ (2) البصریّ.

کان حمّاد والد المترجَم أحد شعراء أهل البیت علیهم السلام ، کما ذکره ولده شاعرنا فی شعره بقوله من قصیدة :

وإنّ العبدَ عبدُکمُ علیّا

کذا حمّاد عبدُکمُ الأدیبُ

رثاکمْ والدی بالشعرِ قبلی

وأوصانی به أن لا أغیبُ

والمترجَم له عَلَمٌ من أعلام الشیعة ، وفذٌّ من علمائها ، ومن صدور شعرائها ، ومن حفظةِ الحدیثِ المعاصرین للشیخ الصدوق ونظرائه ، وقد أدرکه النجاشی وقال فی رجاله (3) : قد رأیته. غیر أنّه یروی عنه کتب أبی أحمد الجلودی البصری المتوفّی 0.

ص: 211


1- الزرْد والزرَد : حلق المغفر والدرع. (المؤلف)
2- نسبة إلی عبد القیس ، کما یأتی فی شعر المترجم [ص 218]. (المؤلف)
3- رجال النجاشی : ص 244 رقم 640.

سنة (332) بواسطة الشیخ أبی عبد الله الحسین بن عبید الله الغضائری المتوفّی سنة (411) ، فهو من مشایخ هذا الشیخ المعظّم الواقعین فی سلسلة الإجازات ، والمعدودین من مشایخ الرواة ، وأساتذة حملة الحدیث ، وحسبه ذلک دلالةً علی ثق ته وجلالته ، وتضلّعه فی العلم والحدیث.

وأمّا الشعر فلا یشکّ أحدٌ أنّه من ناشری ألویته ، وعاقدی بنوده ، ومنظّمی صفوفه ، وقائدی کتائبه ، وسائقی مقانبه (1) ، وجامعی شوارده ، وقد اطّرد ذکره فی المعاجم (2) ، کما تداول شعره فی الکتب والمجامیع ، وهو من المکثرین فی أهل البیتعلیهم السلام مدحاً ورثاءً ، ولقد أکثر وأطاب ، وجاهر بمدیحهم وأذاع ، حتی عدّه ابن شهرآشوب فی المجاهرین من شعرائهم ، وجمع شعره فیهم - صلوات الله علیهم - مدحاً ورثاءً العلاّمة السماوی فی دیوان یربو علی (2200) بیت ، وجُلّ شعره یشفّ عن تقدّمه الظاهر فی الأدب ، وأشواطه البعیدة فی فنون الشعر ، وخطواته الواسعة فی صیاغة القریض ، کما أنّه ینمُّ عن علمه المتدفِّق ، وتضلّعه فی الحدیث ، وبذل کلّه فی بثّ فضائل آل الله ، وجمعِ شوارد الحقائق الراهنة فی المذهب الحقّ ، ونشر ما ورد منها فی الکتاب والسنّة ، وإقام ة الدعوة إلی سنن الهدی. فشعره بعید عن الصور الخیالیّة بل هو لسان حِجاج وبرهنة ، ونظم بیّنات ودلائل ، وبیانٌ قیّم لمذهبه العلوی.

قال نجم الدین العمری فی المجدی (3) - فی ذکر ولد زید بن علیّ - : أنشدنی أبو علیّ بن دانیال - وکان من ذی رحمی رحمه الله - من قصیدة أنشدها إیّاه الشیخ أبو رِ

ص: 212


1- المقانب : جمع مقنب ، وهی جماعة الخیل والفرسان.
2- کرجال النجاشی : ص 171 (ص 244 رقم 640] ، المجدی فی أنساب الطالبیین [ص 158] ، معالم العلماء [ص 147) ، إیضاح الاشتباه للعلاّمة الحلّی [ص 218] ، مجالس المؤمنین : ص 464 (2 / 558) ، ریاض العلماء [4 / 70] ، ریاض الجنّة فی الروضة الخامسة ، تنقیح المقا ل : 2 / 286 «المؤلف»
3- المجدی : ص 158 ، وفیه ورد البیت الأوّل هکذا : قال : ابن حمّاد؟ فقلت له أجل فَدَنا وقال جهلتُ قدرَک فاعذرِ

الحسن علیّ بن حمّاد بن عبید العبدی الشاعر البصری ؛ لنفسه :

قال ابن حمّاد وقال له فتیً

قد جاءَ یسألُه جهلتُکَ فاعذرِ

قد کنت أصبو أن أراک فأقتدی

بصحیحِ رأیِک فی الطریقِ الأنورِ

وأرید أسأل مستفیداً قلتُ سلْ

واسمع جواباً قاهراً لم یقهرِ

قال الإمامةُ کیف صحّت عندکمْ

من دون زیدٍ والأنامِ لجعفرِ

قلتُ النصوصُ علی الأئمّةِ جاءَنا

حتماً من اللهِ العلیِّ الأکبرِ

إنّ الأئمّة تسعةٌ وثلاثةٌ

نقلاً عن الهادی البشیر المنذرِ

لا زائدٌ فیهم ولیس بناقصٍ

منهم کما قد قیل عدّ الأشهرِ

مثل النبوّة صُیّرت فی معشرٍ

فکذا الإمامةُ صُیِّرت فی معشرِ

قال نجم الدین : هذا کلام حسن ، وحجّة قویّة ، لأنّ حاجة الناس إلی الإمام - أعنی الخلیفة - کحاجتهم إلی النبی صلی الله علیه وآله وسلم ؛ لإنّه القائم بإعلاء سنّته السنیّة فی کلّ زمان.

رجع إلی کلام أبی الحسن بن حمّاد رحمه الله :

قال الإمامة لا تتمّ لقائمٍ

ما لم یجرّ بسیفه ویُشهّرِ

فلذاک زیدٌ حازها بقیامِهِ

من دون جعفرَ فادّکر وتدبَّرِ

قال نجم الدین : هکذا أنشدنی بفتح الراء من جعفر ، وهو رأی الکوفیّین ، أعنی منعه من الصرف :

قلت الوصیُّ علی قیاسِکَ لم ینلْ

حظَّ الخلافةِ بل غدت فی حبترِ

إذ کان لم یدعُ الأنامَ بسیفِهِ

قطعاً فیا لک فریةً من مفتری

وکذلک الحسنُ الشهیدُ بترکِهِ

بطلتْ إمامتُه بقولِکَ فانظرِ

والعابدُ السجّادُ لم یُرَ داعیاً

ومشهّراً للسیف إذ لم یُنصَرِ

أفکانَ جعفرُ یستثیر عداتَهُ

ویُذیع دعوته ولمّا یُؤمرِ

ص: 213

قال نجم الدین : یرید أنّ المأمور کان زیداً لا جعفراً :

ودلیلُ ذلک قولُ جعفر عندما

عُزّی بزیدٍ قال کالمستعبرِ

لو کان عمّی ظافراً لَوَفی بما

قد کان عاهدَ غیرَ أن لم یظفرِ

أشار ابن حمّاد بهذین البیتین إلی ما مرّ عن الحافظ المرزبانی والکشّی فی (2 / 221) و (3 / 70).

ولادته ووفاته :

لم نقف علی تاریخ ولادة ابن حمّاد ووفاته ، غیر أنّ النجاشی الذی أدرکه ورآه ولم یروِ عنه وُلد فی صفر سنة (372) ، وشیخه الذی یروی عنه وهو الجلودی البصری توفّی (17) ذی الحجّة سنة (332) فیستدعی التاریخان أنّ المترجَم وُلد فی أوا ئل القرن الرابع وتوفّی فی أواخره.

وقفنا لابن حمّاد علی قصیدةٍ فی مجموعة عتیقة مخطوطة فی العصور المتقادمة ، وقد ذکر ابن شهرآشوب بعض أبیاتها ونسبه إلی العبدی - سفیان بن مصعب - المترجَم له فی (2 / 294) ، وتبعه البیاضی فی الصراط المستقیم وغیره ، والقصیدة للمترجَم له وهی :

أسائلتی عمّا ألاقی من الأسی

سلی اللیلَ عنّی هل أُجَنُّ إذا جَنّا

لیخبرکِ أنّی فی فنونٍ من الجوی

إذا ما انقضی فنّ یوکّل بی فنّا

وإن قلتِ إنّ اللیلَ لیس بناطقٍ

قفی وانظری واستخبری الجسدَ المضنی

وإن کنتِ فی شکٍّ فدیتُکِ فاسألی

دموعی التی سالتْ وأقرحتِ الجفنا

أحبّتنا لو تعلمون بحالنا

لَما کانتِ اللّذاتُ تشغلُکمْ عنّا

تشاغلتمُ عنّا بصحبةِ غیرِنا

وأظهرتمُ الهجرانَ ما هکذا کنّا

وآلیتمُ أن لا تخونوا عهودَنا

فقد وحیاةِ الحبِّ خُنتمْ وما خُنّا

ص: 214

غدرتمْ ولم نغدُر وخُنتم ولم نخُنْ

وحُلتمْ عن العهدِ القدیمِ وما حُلنا

وقلتم ولم توفوا بصدقِ حدیثِکمْ

ونحن علی صدقِ الحدیثِ الذی قلنا

أیَهْنا لکمْ طیبُ الکری وجفونُنا

علی الجمرِ لا تهنا ولا بعدکمْ نُمنا

أنخنا بمغناکم لتحیا نفوسُنا

فما زادنا إلاّ جویً ذلک المغنی

سنرحلُ عنکم إن کرهتمْ مقامَنا

ونصبرُ عنکم مثل ما صبرُکم عنّا

ونأخذُ من نهوی بدیلاً سواکمُ

ونجعلُ قطعَ الوصلِ منکم ولا منّا

تعالوا إلی الإنصاف فیما ادّعیتمُ

ولا تفرطوا بل صحّحوا اللفظ والمعنی

ألیتکمُ ناصفتمونا فریضةً

بأنّ لکم نصفاً وأنّ لنا ثُمنا

إذا طلعت شمسُ النهارِ ذکرتکمْ

وإن غربتْ جدّدتُ ذکرکمُ حُزنا

وإنّی لأرثی للغریب وإنّنی

غریب الهوی والقلب والدار والمغنی

لقد کان عیشی بالأحبّةِ صافیاً

وما کنتُ أدری أنّ صحبتَنا تفنی

زمانٌ نعِمنا فیه حتی إذا مضی

بکینا علی أیّامه بدمٍ أقنی

فوالله ما زال اشتیاقی إلیکمُ

ولا برح التسهیدُ لی بعدکم جفنا

ولا ذقتُ طعمَ الماءِ عذباً ولا صفتْ

مواردُه حتی نعودَ کما کنّا

ولا بارحتْنی لوعةُ الفکرِ والجوی

ولا زلتُ طولَ الدهرِ مقترعاً سنّا

وما رحلوا حتی استحلّوا نفوسَنا

کأنّهمُ کانوا أحقَّ بها منّا

تری منجدی فی أرضِ بغدادَ واهناً

لزهدِکمُ فینا وبُعدکمُ عنّا

أیزعم أن أسلو ویُشغَلَ خاطری

بغیرکمُ مُستبدلاً بئس ما ظنّا

أیا ساکنی نجدٍ سلامی علیکمُ

ظننّا بکم ظنّا فاخلفتمُ الظنّا

أُمثِّلُ مولای الحسینَ وصحبَهُ

کأنجمِ لیلٍ بینها البدرُ أو أسنی

فلمّا رأته أختُهُ وبناتُهُ

وشمرٌ علیه بالمهنّد قد أحنی

تعلّقنَ بالشمرِ اللعینِ وقلنَ دَعْ

حسیناً فلا تقتلْهُ یا شمرُ واذبحنا

فحزّ وریدیه ورکّبَ رأسَهُ

علی الرمحِ مثلَ الشمسِ فارقت الدجنا

ص: 215

فنادت بطولِ الویلِ زینبُ أختُهُ

وقد صبغتْ من نحرِهِ الجیبَ والردنا

ألا یا رسولَ الله یا جدَّنا اقتضتْ

أمیّةُ منّا بعدکَ الحقدَ والضغنا

سُبینا کما تُسبی الإماءُ بذلّةٍ

وطیفَ بنا عرضَ البلادِ وشُتِّتنا

ستفنی حیاتی بالبکاءِ علیهمُ

وحزنی لهم باقٍ مدی الدهر لا یفنی

ألا لعنَ اللهُ الذی سنَّ ظلمَهمْ

وأخزی الذی أملی له وبه استنّا

سأمدحُکمْ یا آلَ أحمدَ جاهداً

وأمنحُ من عاداکم السبَّ واللعنا

ومن منکمُ بالمدح أولی لأنّکمْ

لَأکرمُ من لبّی ومن نحرَ البُدنا

بجدّکمُ أسری البُراقُ فکان من

إله البرایا قابَ قوسینِ أو أدنی

وشخصُ أبیکم فی السماءِ تزورُهُ

ملائکُ لا تنفکّ صبحاً ولا وهنا

أبوکمْ هو الصدّیقُ آمن واتّقی

وأعطی وما أکدی وصدّق بالحسنی

وسمّاه فی القرآن ذو العرش جنبَهُ

وعروتَهُ والعینَ والوجهَ والأذنا

وشدّ به أزرَ النبیِّ محمدٍ

وکان له فی کلّ نائبةٍ رکنا (1)

وأفرده بالعلمِ والبأسِ والندی

فمن قدرِهِ یسمو ومن فعِله یُکنی

هو البحرُ یعلو العنبرُ المحضُ فوقَه

کما الدرُّ والمرجانُ من قعرِهِ یُجنی

إذا عُدّ أقرانُ الکریهةِ لم نجدْ

لحیدرةٍ فی القومِ کفواً ولا قِرنا

یخوض المنایا فی الحروبِ شجاعةً

وقد مُلئت منه لیوثُ الشری جبنا

یری الموتَ من یلقاه فی حومة الوغی

ینادیه من هنّا ویدعوه من هنّا

إذا استعرت نار الوغی وتغشمرت (2)

فوارسَها واستخلفوا الضربَ والطعنا

وأهدت إلی الأحداق کحلاً معصفراً

وألقت علی الأشداقِ أردیةً دُکْنا

وخلتَ بها زرْقَ الأسنّةِ أنجماً

ومن فوقها لیلاً من النقعِ قد جَنّا

فحین رأت وجهَ الوصیّ تمزّقتْ

کثلّةِ ظأنٍ أبصرت أسداً شنّاة.

ص: 216


1- فی بعض النسخ : حصنا. (المؤلف)
2- تغشمره : أخذه بالعنف والشدة.

فتیً کفُّهُ الیسری حِمامٌ بحربِهِ

کذاک حیاةُ السلم فی کفّه الیمنی

فکم بطلٍ أردی وکم مرهبٍ أودی

وکم مُعدمٍ أغنی وکم سائلٍ أقنی (1)

یجود علی العافین عفواً بماله

ولا یُتبعُ المعروفَ من مَنّه مَنّا

ولو فُضّ بین الناسِ معشارُ جودِهِ

لما عرفوا فی الناسِ بخلاً ولا ضَنّا

وکلُّ جوادٍ جادَ بالمال إنّما

قصاراه أن یستنّ فی الجود ما سنّا

وکلُّ مدیحٍ قلتُ أو قال قائلٌ

فإنّ أمیرَ المؤمنین به یُعنی

سیخسرُ من لم یعتصمْ بولائِهِ

ویَقرعُ یومَ البعثِ من ندمٍ سنّا

لذلک قد والیتُه مخلصَ الولا

وکنتُ علی الأحوالِ عبداً له قِنّا

علیکم سلامُ اللهِ یا آلَ أحمدٍ

متی سجعتْ قُمْریّةٌ وعلَتْ غصنا

مودتّکمْ أجرُ النبیّ محمدٍ

علینا فآمنّا بذاک وصدّقنا

وعهدُکمُ المأخوذُ فی الذرِّ لم نقل

لآخذِهِ کلاّ ولا کیف أو أنّی

قبلنا وأوفینا به ثمّ خانکمْ

أُناسٌ وما خُنّا وحالوا وما حُلنا

طهرتم فطُهِّرنا بفاضل طهرِکمْ

وطبتمْ فمن آثارِ طیبِکم طبنا

فما شئتمُ شئنا ومهما کرهتمُ

کرِهنا وما قلتمْ رضِینا وصدّقنا

فنحن موالیکم تحنُّ قلوبُنا

إلیکم إذا إلفٌ إلی إلفه حنّا

نزورکمُ سعیاً وقلَّ لحقّکمْ

لوَ انّا علی أحداقنا لکمُ زُرنا

ولو بُضِّعت أجسادُنا فی هواکمُ

إذن لم نحلْ عنه بحالٍ ولا زلنا

وآباؤنا منهم ورثنا ولاءکمْ

ونحن إذا متنا نورِّثه الأبنا

وأنتم لنا نِعم التجارةُ لم نکن

لنحذرَ خسراناً علیها ولا غَبنا

وما لیَ لا أثنی علیکم وربُّکمْ

علیکم بحسنِ الذکرِ فی کتْبه أثنی

وإنّ أباکم یقسم الخلقَ فی غدٍ

فیُسکِنُ ذا ناراً ویُسکِن ذا عَدنا

وأنتم لنا غوثٌ وأمنٌ ورحمةٌ

فما منکمُ بُدٌّ ولا عنکمُ مغنیب.

ص: 217


1- أقنی : اکتسب.

ونعلمُ أن لو لم ندِنْ بولائِکمْ

لما قُبلت أعمالُنا أبداً منّا

وأنّ إلیکم فی المعادِ إیابَنا

إذا نحن من أجداثِنا سُرّعاً قمنا

وأنّ علیکم بعد ذاک حسابَنا

إذا ما وفدنا یوم ذاک وحوسبنا

وأنّ موازینَ الخلائقِ حبُّکم (1)

فأسعدُهم من کان أثقلَهم وزنا

وموردُنا یومَ القیامةِ حوضُکمْ

فیظما الذی یُقصی ویروی الذی یُدنی

وأمرُ صراطِ اللهِ ثَمَّ إلیکمُ

فطوبی لنا إذ نحنُ عن أمرِکم جُزنا

وما ذنبُنا عند النواصبِ ویلهمْ

سوی أنّنا قومٌ بما دِنتمُ دِنّا

فإن کان هذا ذنبَنا فتیقّنوا

بأنّا علیه لا انثنینا ولا نثنی

ولمّا رفضنا رافضیکم ورهطَکم

رُفضنا وعودینا وبالرفض نُبّزنا

وإنّا اعتقدنا العدلَ فی الله مذهباً

ولله نزّهنا وإیّاه وحّدنا

وهم شبّهوا الله العلیَّ بخلقه

فقالوا خُلقنا للمعاصی وأُجبرنا

فلو شاء لم نکفرْ ولو شاء أکفرنا

ولو شاء لم نُؤمن ولو شاء آمنّا

وقالوا رسولُ اللهِ ما اختار بعدَه

إماماً لنا لکن لأنفسِنا اخترنا

فقلنا إذن أنتم إمامُ إمامِکم

بفضلٍ من الرحمن تِهتمْ وما تِهنا

ولکنّنا اخترنا الذی اختار ربُّنا

لنا یومَ خُمّ لا ابتدعنا ولا جُرنا

سیجمعُنا یومَ القیامةِ ربُّنا

فتُجزَوْن ما قلتم ونُجزی بما قلنا

هدمتم بأیدیکم قواعدَ دینِکمْ

ودینٌ علی غیرِ القواعد لا یُبنی

ونحن علی نورٍ من اللهِ واضحٍ

فیا ربِّ زدنا منک نوراً وثبِّتنا

وظنُّ ابنِ حمّادٍ جمیلٌ بربِّه

وأحری به أن لا یخیبَ له ظنّا

بنی المجدَ لی شَنُّ بن أقصی فحزْتُه

تُراثاً جزی الرحمنُ خیراً أبی شَنّا

وحسبی بعبد القیسِ فی المجد والدی

ولی حسب عبد القیس مرتبةٌ تبنی

وخالی تمیمٌ تمّ مجدی بفخره

فنلت بذا مجداً ونلتُ بذا أمناف)

ص: 218


1- وأنّ موازین القصاص ولاؤکم. کذا فی بعض النسخ. (المؤلف)

ودونک لا ما للقلائدِ هذّبتْ

مدیحاً فلم تترک لذی مطعنٍ طعنا

ولا ظلّ أو أضحی ولا راح واغتدی

تأمّل لا عینٌ تراه ولا لحنا

فصاحةُ شعری مذ بدتْ لذوی الحجی

تمثّلتِ الأشعارُ عندهمُ لکنا

وخیرُ فنونِ الشعرِ ما رقّ لفظُهُ

وجلّتْ معانیهِ فزادتْ بها حسنا

وللشعرِ علمٌ إن خلا منه حرفُهُ

فذاک هذاءٌ فی الرؤوسِ بلا معنی

إذا ما أدیبٌ أنشدَ الغثَّ خلتَهُ

من الکربِ والتنغیصِ قد أدخلَ السجنا

إذا ما رأوها أحسنَ الناسِ منطقاً

وأثبتَهم حدثاً وأطیبَهم لحنا

تلذُّ بها الأسماعُ حتی کأنّها

ألذُّ من ایّام الشبیبة أو أهنا

وفی کلِّ بیتٍ لذّةٌ مستجدّةٌ

إذا ما انتشاه قیل یا لیته ثنّی

تقبّلها ربّی ووفّی ثوابَها

وثقّلَ میزانی بخیراتِها وزنا

وصلّی علی الأطهارِ من آلِ أحمدٍ

إلهُ السما ما عسعسَ اللیلُ أو جَنّا

وله یمدح أمیر المؤمنین علیه السلام :

حدّثنا الشیخ الثقه

محمدٌ عن صدقه

روایةً متّسقه

عن أنسٍ عن النبی

رأیته علی حِرا

مع علیٍّ ذی النهی

یقطف قطفاً فی الهوی

شیئاً کمثلِ العنَبِ

فأکلا منه معا

حتی إذا ما شبعا

رأیته مرتفعا

فطال منه عجبی

کان طعامَ الجنّةِ

أنزله ذو العزّةِ

هدیّةً للصفوةِ

من الهدایا النُّخَبِ

ص: 219

أشار بهذه الأبیات إلی ما أخرجه محمد بن جریر الطبری بإسناده عن أنس ، قال :

إنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم رکب یوماً إلی جبل کداء ، فقال : «یا أنس خذ البغلة وانطلق إلی موضوع کذا تجد علیّا جالساً یسبِّح بالحصی فاقرأه منّی السلام واحمله علی البغلة وائت به إلیّ».

فقال : فلمّا ذهبت وجدت علیّا کذلک ، فقلت : إنّ رسول الله یدعوک. فلمّا أتی رسول الله قال له : «اجلس فإنّ هذا موضعٌ جلس فیه سبعون نبیّا مرسلاً ، ما جلس فیه من الأنبیاء أحدٌ إلاّ وأنا خیرٌ منه وقد جلس مع کلّ نبیّ أخٌ له ما جلس من الأخوة أحدٌ إلاّ وأنت خیرٌ منه». قال : فرأیت غمامة بیضاء وقد أظلّتهما فجعلا یأکلان منه عنقود عنب ، وقال : «کل یا أخی فهذه هدیّةٌ من الله إلیّ ثمّ إلیک» ، ثمّ شربا ثمّ ارتفعت الغمامة ، ثمّ قال : «یا أنس والذی خلق ما یشاء ، لقد أکل من الغمامة ثلاثمائة وثلاثة عشر نبیّا وثلاثمائة وثلاثة عشر وصیّاً ، ما فیهم نبیٌّ أکرم علی الله منّی ولا وصیٌّ أکرم علی الله من علیٍّ».

ولابن حمّاد العبدی یمدح أمیر المؤمنین - صلوات الله علیه - قوله علی رویِ نونیّة العونی المذکور :

ما لابن حمّادٍ سوی من حمدت

آثاره وأبهجت غرّانُه (1)

ذاک علیُّ المرتضی الطهرُ الذی

بفخرِهِ قد فخرتْ عدنانُه

صنوُ النبیِّ هدیُه کهدیِهِ

إذ کلُّ شیءٍ شکلُه عنوانُه

وصیُّهُ حقّا وقاضی دَینِهِ

إذ اقتضی دیونَه دیّانُهف)

ص: 220


1- غرّان جمع الغریر : الخلق الحسن ومنه المثل : أدبر غریره وأقبل هریره ، أی أدبر حسنه وجاء سیّئه [مجمع الأمثال : 1 / 475 رقم 1422]. (المؤلف)

ناصحُه الناصرُ حقّا إذ غدا

سواه ضدَّ سرِّه إعلانُه

وارثُهُ علَمُ الهدی أمینه

فی أهِله وزیره خلصانُه

ذاک الفتی النجدُ الذی إذا بدا

بمعرکٍ ألقت له فتیانُه

لیثٌ لو اللیثُ الجریءُ خالَهُ

لطار من هیبتِهِ جَنانُه

صقرٌ ولکن صیدُه صِیدُ الوغی

لیثٌ ولکن فَرْسُهُ فرسانُه

ذاک الشجاعُ إن بدا بمعرکٍ

تفرّقت من خوفِه شجعانُه

تبکی الطلی إن ضحکت أسیافُه

وترتوی إن عطشتْ سنانُه (1)

تری سباعَ البیدِ تقفو أثره

لأنّها یومَ الوغی ضِیفانُه

یقرنُ أرواحَ الکماةِ بالردی

لذاک حاصتْ دونه أقرانُه

وکم کمیّ قد قراه فی الوغی

فلیس تخبو أبداً نیرانُه

یشهدُ فی ذا بدرُهُ وأحدُهُ

وطیبةٌ ومکّةٌ أوطانُه

وخیبرٌ والبصرةُ التی بها ال

-نکثُ وصفِّینٌ ونهروانُه

کذا الذی قد ضمن المدحَ له

من ربِّه ربِّ العلی قرآنُه

فقوله ولیُّکمْ فإنّما

یخصُّ فیها هو لا فلانُه

ثلاثةٌ اللهُ والرسولُ وال

-ذی تزکّی راکعاً برهانُه

وقوله الأُذن فذاک حیدرٌ

واعیةٌ لقوله آذانُه

وقد دعا له النبیُّ أنّه

یحفظ ما یُملی له لسانُه

وقوله المیزانُ بالقسطِ وما

غیرُ علیّ فی غدٍ میزانُه

فویلُ من خفَّ لدیه وزنُه

وفوزُ من أسعدَهُ رجحانُه

ذاک أمیرُ المؤمنینَ رتبةً

من الإله الفردِ جلَّ شانُه

ذادوه عن سلطانِهِ وحقِّهِ

من بعد ما بان لهم سلطانُه

فکفُّ مولای الإمامُ کفُّهُ

إذ قلّ فی حقوقِهِ أعوانُهق.

ص: 221


1- الطلی - جمع طُلاة - : الأعناق.

ولم یَقُمْ معْهُ سوی أربعةٍ

وهم لَعَمرُ ربِّهم أرکانُه

یتبعُهُ المقدادُ وابنُ یاسرٍ

عمّارُه وسِلمُه سلمانُه

والصادقُ اللهجةِ أعنی جُندباً

فلم یُخالف أمرَه إیمانُه

ولو یشا أهلکهمْ لکنّه

أبقی لیبقی ناسلاً إنسانُه

وله یرثی بها الإمام السبط الشهید - صلوات الله علیه - :

لله ما صنعتْ فینا یدُ البینِ

کم من حشا أُقْرِحَتْ منّا ومن عینِ

مالی وللبین لا أهلاً بطلعتِهِ

کم فرّقَ البینُ قِدماً بین إلفینِ

کانا کغصنینِ فی أصلٍ غذاؤهما

ماءُ النعیم وفی التشبیه شکلینِ

کأنّ روحیهما من حسنِ إلفِهما

روحٌ وقد قُسِّمت ما بین جسمینِ

لا عذلَ بینهما فی حفظِ عهدِهما

ولا یُزیلُهما لومُ العذولینِ

لا یطمعُ الدهرُ فی تغییرِ ودِّهما

ولا یمیلان من عهدٍ إلی مَینِ

حتی إذا أبصرت عینُ النوی بهما

خِلّین فی العیشِ من همّ خلیّینِ

رماهما حسداً منهُ بداهیةٍ

فأصبحا بعد جمعِ الشملِ ضدّینِ

فی الشرقِ هذا وذا فی الغربِ منتئیاً

مشرَّدَینِ علی بُعدٍ شجیّینِ

والدهرُ أحسدُ شیءٍ للقریبینِ

یرمی وصالهما بالبُعدِ والبَینِ

لا تأمنِ الدهرَ إنّ الدهر ذو غِیَرٍ

وذو لسانینِ فی الدنیا ووجهینِ

أخنی علی عترةِ الهادی فشتّتهمْ

فما تری جامعاً منهم بشخصینِ

کأنّما الدهرُ آلی أن یبدِّدَهم

کعاتبٍ ذی عنادٍ أو کذی دَیْنِ

بعضٌ بطیْبَةَ مدفونٌ وبعضُهمُ

بکربلاءَ وبعضٌ بالغریّینِ

وأرض طوسٍ وسامرّا وقد ضُمنتْ

بغدادُ بدرینِ حَلاّ وسط قبرینِ

یا سادتی ألمن أبکی أسیً ولمن

أبکی بجفنین من عینی قریحینِ

أبکی علی الحسنِ المسمومِ مضطلماً

أم الحسین لقیً بین الخمیسینِ

ص: 222

أبکی علیه خضیبَ الشیبِ من دمِهِ

معفّرَ الخدِّ محزوزَ الوریدینِ

وزینبٌ فی بناتِ الطهرِ لاطمةٌ

والدمعُ فی خدِّها قد خدَّ خدّینِ

تدعوه یا واحداً قد کنتُ آملُه

حتی استبدّت به دونی ید البینِ

لا عشتُ بعدَکَ ما إن عشتُ لا نعمتْ

روحی ولا طعمتْ طعمَ الکری عینی

أُنظر إلیَّ أخی قبلَ الفراقِ لقد

أذکی فراقُکَ فی قلبی حریقینِ

أُنظر إلی فاطم الصغری أخی ترَها

لِلیُتم والسبیِ قد خصّت بذلّینِ

إذا دنتْ منک ظلَّ الرجسُ یضربُها

فتتّقی الضربَ منها بالذراعینِ

وتستغیثُ وتدعو : عمّتا تلفت

روحی لرزءینِ فی قلبی عظیمینِ

ضربٌ علی الجسد البالی وفی کبدی

للثکلِ ضربٌ فما أقوی لضربینِ

أُنظر علیّا أسیراً لا نصیرَ له

قد قیّدوه علی رغمٍ بقیدینِ

وا رحمتا یا أخی من بعد فقدِکَ بل

وا رحمتا للأسیرینِ الیتیمینِ

والسبطُ فی غمراتِ الموتِ مُشتغلٌ

ببسطِ کفّینِ أو تقبیضِ رجلینِ

لا یستطیعُ جواباً للنداء سوی

یومی بلحظینِ من تکسیر جفنینِ

لازلتُ أبکی دماً ینهلُّ منسجماً

للسیّدین القتیلین الشهیدینِ

السیّدینِ الشریفینِ اللذین هما

خیر الوری من أبٍ مجدٍ وجدّینِ

الضارعَینِ إلی اللهِ المنیبینِ

المسرعَینِ إلی الحقّ الشفیعینِ

العالمَینِ بذی العرش الحکیمَینِ

العادلَینِ الحلیمَینِ الرشیدَینِ

الصابرَینِ علی البلوی الشکورَینِ

المُعرضَینِ عن الدنیا المنیبَینِ

الشاهدَین علی الخلقِ الإمامینِ

الصادقَینِ عن الله الوفیّینِ

العابدَینِ التقیَّین الزکیَّینِ

المؤمنَینِ الشجاعَینِ الجریَّینِ

الحجّتَینِ علی الخلقِ الأمیرینِ

الطیِّبَینِ الطهورَینِ الزکیَّینِ

نورَینِ کانا قدیماً فی الظلالِ کما

قال النبیُّ لعرش اللهِ قرطینِ

تفّاحتی أحمدَ الهادی وقد جُعلا

لفاطمٍ وعلیِّ الطهرِ نسلَینِ

ص: 223

صلّی الإلهُ علی روحیهما وسقا

قبرَیهما أبداً نَوْءَ السماکینِ

إلی أن یقول فیها :

ما لابن حمّادٍ العبدیِّ من عملٍ

إلاّ تمسّکُهُ بالمیمِ والعینِ

فالمیمُ غایةُ آمالی محمدُها

والعینُ أعنی علیّا قرّةَ العینِ

صلّی الإلهُ علیهمْ کلما طلعتْ

شمسٌ وما غربت عند العشاءینِ

القصیدة وهی (57) بیتاً

وله فی رثاء الإمام السبط الشهید - صلوات الله علیه - قوله یذکر فیه حدیث الغدیر :

حیِّ قبراً بکربلا مستنیرا

ضمَّ کنز التقی وعلماً خطیرا

وأَقم مأتمَ الشهیدِ وأذرف

منک دمعاً فی الوجنتین غزیرا

والتثمْ تربةَ الحسین بشجوٍ

وأَطِل بعدَ لثمِکَ التعفیرا

ثمّ قل یا ضریحَ مولای سُقِّی

-ت من الغیث هامیاً جمهریرا

تِهْ علی سائرِ القبورِ فقد أص

-بحتَ بالتیهِ والفخارِ جدیرا

فیک ریحانةُ النبیِّ ومن حلَ

من المصطفی محلاّ أثیرا

فیک یا قبرُ کلُّ حلمٍ وعلمٍ

وحقیقٌ بأن تکون فخورا

فیک من هدَّ قتلُه عمدَ الدی

-ن وقد کان بالهدی معمورا

فیک من کان جبرئیلُ یُناغی

-ه ومیکالُ بالحباء صغیرا

فیک من لاذ فطرسٌ فترقّی

بجناحی رضاً وکان حسیرا

یوم سارتْ إلیه جیشُ ابنِ هندٍ

لذحولٍ أمست تحلُّ الصدورا

آهِ وا حسرتی له وهو بالسی

-فِ نحیرٌ أفدیتُ ذاک النحیرا

آهِ إذ ظلَّ طرفُه یرمقُ الفس

-طاطَ خوفاً علی النساءِ غیورا

آهِ إذ أقبلَ الجوادُ علی النس

-وانِ ینعاه بالصهیلِ عفیرا

ص: 224

فتبادرنَ بالعویلِ وهتَّک

-نَ الأقراطَ بارزاتِ الشعورا

وتبادرن مسرعاتٍ من الخد

ر ومن قبلُ مُسبلات الستورا

ولطَّمن الخدودَ من أَلَمِ الثکلِ

وغادرن بالنیاحِ الخدورا

وبدا صوتُهنّ بین عداهنّ

وعفنَ الحجابَ والتخفیرا

بارزاتُ الوجوهِ من بعد ما غو

درنَ صُونَ الوجوه والتخفیرا

ثمّ لمّا رأینَ رأسَ حسینٍ

فوق رمحٍ حکی الهلالَ المنیرا

صحن بالذلّ أیّها الناس لِمْ نُس

-بی ولم نأتِ فی الأنامِ نکیرا

ما لنا لا نری لآلِ رسو

لِ اللهِ فیکم یا لاءِ نصیرا

فعلی ظالمیهمُ سخطُ اللّ

-هِ ولعنٌ یبقی ویفنی الدهورا

قل لمن لامَ فی ودادی بنی أح

-مد لازلتَ فی لظیً مدحورا

أعلی حبِّ معشرٍ أنت قد کن

-تَ عذولاً ولا تکون عذیرا

وأبوهم أقامه اللهُ فی خُ

-مّ إماماً وهادیاً وأمیرا

حین قد بایعوه أمراً عن

اللهِ فسائل دوحاتِهِ والغدیرا

وأبوهمْ أفضی النبیُّ إلیه

علمَ ما کان أوّلاً وأخیرا

وأبوهمْ علا علی العرشِ لمّا

قد رقی کاهلَ النبیِّ ظهیرا

وأماطَ الأصنامَ کلاّ عن الکع

-بةِ لمّا هوی بها تکسیرا

قال لو شئت ألمس النجمَ بالکفِ

إذن کنتُ عند ذاک قدیرا

وأبوهمْ قد ردّ للشمسِ بیضاً

وهی کادت لوقتها أن تغورا

وقضی فرضَهُ أداءً وعادت

لغروب وکوّرت تکویرا

وأبوهم یروی علی الحوض من وا

لاهمُ ویردُّ عنه الکفورا

وأبوهم یقاسمُ النارَ والجنّةَ

فی الحشرِ عادلاً لن یجورا

وأبوهم بری الإله له شبْ

-هاً لأملاکِهِ سمیعاً بصیرا

فإذا اشتاقت الملائکُ زارت

-هُ فناهیک زائراً ومزورا

ص: 225

وأبوهم أحیا لمیت بصرصر

بعدما کان فی الثری مقبورا

وأبوهم قال النبیُّ له قو

لاً بلیغاً مکرّراً تکریرا

أنت خدنی وصاحبی ووزیری

بعد موتی أکرمْ بذاک وزیرا

أنت منّی کمثلِ هارونَ من مو

سی ولم أبتغی سواه ظهیرا

وأبوهم أودی بعمروِ بن ودٍّ

حین لاقاه فی العجاجِ أسیرا

وأبوهم لبابِ خیبرَ أضحی

قالعاً لیس عاجزاً بل جسورا

حاملُ الرایة التی ردّها بال

أمسِ من لم یزلْ جباناً فرورا

خصّه ذو العلی بفاطمةٍ عر

ساً ثمّ أعطاه شبّراً وشبیرا

وهمُ باب ذی الجلال علی آ

دمَ فارتدَّ ذنبُهُ مغفورا

وبهم قامتِ السماءُ ولو لا

همْ لکادت بأهلِها أن تمورا

وبهم باهَلَ النبیُّ فقل لی

أَلَهُمْ فی الوری عرفتَ نظیرا

فیهمُ أنزلَ المهیمن قرآ

ناً عظیماً وذاک جمّا خطیرا

فی الطواسین والحوامیم والرح

-من آیاً ما کان فی الذکرِ زورا

وخلقناه نطفةً نبتلیه

فجعلناه سامعاً وبصیرا

لبیانٍ إذا تأمّله العا

رف یُبدی له المقامَ الکبیرا

ثمّ تفسیر هل أتی فیه یا صا

حِ قل إن کنت تفهم التفسیرا

إنّ الابرارَ یشربون بکأسٍ

کان عندی مزاجها کافورا

فلهم أنشأ المهیمنُ عیناً

فجّروها لدیهمُ تفجیرا

وهداهم وقال یوفون بالنذ

رِ فمن مثلُهم یوفّی النذورا

ویخافون بعد ذلک یوماً

شرُّه کان فی الوری مستطیرا

فوقاهم إلهُهم ذلک الیو

مَ ویلقونَ نضرةً وسرورا

وجزاهم بأنّهم صبروا فی الس

-رِّ والجَهر جنّةً وحریرا

فاتّکوا من علی الأرائک لا یل

-قونَ فیها شمساً ولا زمهریرا

ص: 226

وأوانٍ وقد أُطیفت علیهمْ

سلسبیلٌ مقدّرٌ تقدیرا

وبأکوابِ فضّةٍ وقواری

-رَ قدّروها علیهمُ تقدیرا

وبکأسٍ قد مازجت زنجبیلا

لذّة الشاربین تشفی الصدورا

وإذا ما رأیت ثَمّ نعیماً

دائماً عندهم وملکاً کبیرا

وعلیهم فیها ثیابٌ من السند

سِ خضرٌ فی الحشر تلمع نورا

ویُحلَّونَ بالأساورِ فیها

وسقاهمْ ربّی شراباً طهورا

وروی لی عبدُ العزیزِ الجلودیُّ (1)

وقد کان صادقاً مبرورا

عن ثقاتِ الحدیث أعنی الغلابی

هو أکرِمْ بذا وذا مذکورا

أسندوه عن ابن عبّاسِ یوماً

قال کنّا عند النبیِّ حضورا

إذ أتته البتولُ فاطمُ تبکی (2)

وتوالی شهیقَها والزفیرا

قال مالی أراکِ تبکین یا فا

طم قالت وأخفت التعبیرا

اجتمعنَ النساءُ نحوی واقبل

-نَ یُطِلْنَ التقریعَ والتعییرا

قلن إنّ النبیَّ زوَّجکِ الیو

م علیّا بعلاً عدیماً فقیرا

قال یا فاطمُ اسمعی واشکری

الله فقد نلتِ منه فضلاً کبیرا

لم أزوِّجکِ دون إذنٍ من

الله وما زال یحسنُ التدبیرا

أمرَ اللهُ جبرئیل فنادی

رافعاً فی السماءِ صوتاً جهیرا

وأتاه الأملاکُ حتی إذا ما

وردوا بیتَ ربِّنا المعمورا

قام جبریلُ قائماً یکثر التح

-میدَ للهِ جلّ والتکبیرا

ثمّ نادی زوّجتُ فاطمَ یاربّ

علیَّ الطهرَ الفتی المذکورا

قال ربُّ العلی جعلت لها المه

-رَ لها خالصاً یفوق المهوراف)

ص: 227


1- أبو أحمد بن یحیی البصری أحد مؤلّفی الإمامیة الثقات الأثبات ، له فی الفقه والحدیث والتاریخ تآلیف قیّمة ، توفّی (17) ذی الحجة سنة (332). (المؤلف)
2- هذه الأبیات ذکرها ابن شهرآشوب فی المناقب [3 / 393] للعبدی ، فحسبناه سفیان بن مصعب العبدی فذکرناها فی ترجمته : 2 / 318 ، ثمّ وقفنا علی تمام القصیدة فعرفنا أنّها للمترجَم. (المؤلف)

خُمس أرضی لها ونهری وأوجب

-ت علی الخلق ودَّها المحصورا

نثرتْ عند ذاک طوبی علی الحو

ر من المسکِ والعبیر نثیرا (1)

وروینا عن نبیِّ حدیثاً

فی البرایا مصحَّحاً مأثورا

أنّه قال بینما الناس فی ال

جنّة إذ عاینوا ضیاءً ونورا

کاد أن یخطفَ العیونَ فنادَوا

أیُّ شیءٍ هذا وأبدَوا نکورا

أوَ لیس الإله قال لنا لا

شمس فیها تُری ولا زمهریرا

وإذا بالنداء یا ساکنی ال

جنّة مهلاً أمنتم التغییرا

ذا علیُّ الولیُّ قد داعب الزه

راءَ مولاتَکم فأبدتْ سرورا

فبدا إذ تبسّمتْ ذلک النو

ر فزیدوا إکرامَه وحبورا

یا بنی أحمدٍ علیکمْ عمادی

واتِّکالی إذا أردتُ النشورا

وبکم یسعد الموالی ویشقی

من یعادیکمُ ویصلی سعیرا

أنتمُ لی غداً وللشیعة الأب

رار ذخرٌ أکرمْ به مذخورا

فاستمعها کالدرِّ لیس تری فی

ها ملاهی کلاّ ولا تعییرا

صاغ أبیاتها علیُّ بن حمّا

دٍ فزانتْ وحُبّرت تحبیرا

وقفنا للمترجَم فی طیّات المجامیع العتیقة فی النجف الأشرف والکاظمیّة علی قصائد جمّة وإلیک فهرستها :

عدد

القصائد

مطلع

القصیدة

عدد

الأبیات

یا یوم عاشورا أطلت بکائی

وترکتنی وقفاً علی البرحاءِ 46

2 - هَنِّ بالعید إن أردت سوائی

أیُّ عیدٍ لمُستباحِ العزاءِ37

إنّ فی مأتمی عن العیدِ شغلاً

فَالْهُ عنیّ وخلِّنی بشجائی].

ص: 228


1- راجع فی الأحادیث المذکورة فی هذه الأبیات ، الجزء الثانی من کتابنا : ص 318. (المؤلف) [صححنا هذا البیت وفق ما أورده المصنّف فی : 2 / 449].

عدد

القصائد

مطلع

القصیدة

عدد

الأبیات

فإذا عیّدَ الوری بسرورٍ

کان عیدی بزفرةٍ وبکاءِ

وإذا جدّدوا ثیابهمُ جدّ

دتُ ثوبی من لوعتی وضنائی

وإذا أدمنوا الشرابَ فشُربی

من دموعٍ ممزوجةٍ بدماءِ

وإذا استشعروا الغناءَ فنَوْحی

وعویلی علی الحسینِ غنائی

وقلیلٌ لو متُّ همّا ووجداً

لمصابِ الغریبِ فی کربلاءِ

أَفَیَهْنا بعیدِهِ مَن موالی

-ه أبادتهمُ ید الأعداءِ

آهِ یا کربلاءُ کم فیکِ من کر

بٍ لنفسٍ شجیّةٍ وبلاءِ

أألذُّ الحیاةَ بعد قتی

لِ الطفّ ظلماً إذن لقلَّ حیائی

کیف ألتذُّ شربَ ماءٍ وقد جُرِّ

عَ کأسَ الردی بکربِ الظماءِ

کیف لا أُسلَبُ العزاءَ إذا

مثّلتُه عاریاً سلیبَ الرداءِر

کیف لا تسکب الدموعَ عیونی

بعد تضریجِ شیبهِ بالدماءِ

تطأ الخیلُ جسمَهُ فی ثری الط

-فِّ وجسمی یلتذُّ لین الوطاءِ

بأبی زینباً وقد سُبِیت ب

الذلِّ من خدرها کَسَبْیِ الإماءِر

فإذا عایَنَتْهُ مُلقیً علی التر

بِ مُعرّیً مجدّلاً بالعراءِ

أقبلتْ نحوه فیسمعُها الشم

-رُ فتدعو فی خِیفةٍ وخَفاءِ

أیّها الشمر خلّنی أتزوّدْ

نظرةً منه فهی أقصی مُنائی

أفما للرسول حقٌّ فلِم تن

-ظرنی جاهراً بسوء المراءِ

ثم تدعو الحسین لِمْ یاشقیقی

وابنَ أمّی خلّفتنی بشقائی

یا أخی یومُکَ العظیم بری عظمی

وأضنی جسمی وأوهی قوائی

یا أخی کنتُ أرتجیک لموتی

وحیاتی فخاب منّی رجائی

یا أخی لو فُدی من الموت شخصٌ

کنتُ أفدیک بی وقلَّ فدائی

ص: 229

عدد

القصائد

مطلع

القصیدة

عدد

الأبیات

یا أخی لا حبیبَ بعدک بل لا

عشتُ إلاّ بمقلةٍ عمیاءِ

آهِ وا حسرتی لفاطمةَ الصغ

ری وقد أُبرِزتْ بذلِّ السباءِ

کفُّها فوق رأسِها من جوی الثک

لِ وکفٌّ أخری علی الأحشاءِ

فإذا أبصرتْ أباها صریعاً

فاحصاً بالیدین فی الرمضاءِ

لم تطقْ نهضةً إلیه من الضع

ف فنادته فی خفیِّ النداءِ

یا أبی من تری لِیُتمی وضعفی

أو تراه لمحنتی وابتلائی

فإذا لم تجد جواباً لها إلاّ

بکسر الجفونِ والإیماءِ

أقبلت نحو عمّتیها وقالتْ

ما أری والدی من الأحیاءِ

فإذا کان لِمْ جفانی وما کا

نَ له قطُّ عادةٌ بالجفاءِ

یا بنی أحمدَ السلامُ علیکمْ

ما أنارت کواکبُ الجوزاءِ

أنتمُ صفوةُ الإلهِ من الخل

ق ومن بعد خاتمِ الأنبیاءِ

ونجومُ الهدی بنورکمُ تُه

دی البرایا فی حندس الظلماءِ

أنا مولاکمُ ابن حمّاد أعدد

تکمُ فی غدٍ لیوم جزائی

ورجائی أن لا أخیبَ لدیکمْ

واعتقادی بکم بلوغُ الرجاءِ

3 - شجاک نوی الأحبّةِ کیف شاءا

بداءٍ لا تصیبُ له دواءا 75

4 - أیفرحُ من له کبدٌ یذوبُ

وقلبٌ من صبابتِهِ کئیبُ 28

5 - ویکِ یا عینُ سحّی دمعاً سکوبا

ویکَ یا قلبُ کن حزیناً کئیبا 68

6 - أتلعاباً وقد لاحَ المشیبُ

وشیبُ الرأسِ منقصةٌ وعیبُ 74

7 - دعوت الدمعَ فانسکب انسکابا

ر ونادیت السلوَّ فما أجابا 67

ویقول فیها :

وإنْ یکُ حبُّ أهلِ البیتِ ذنبی

فلستُ بمبتغٍ عنه منابا

ص: 230

عدد

القصائد

مطلع

القصیدة

عدد

الأبیات

أحبُّهمُ وأمنحهمْ مدیحاً

وأمنحُ من یسبُّهمُ سبابا

ولم أمدحهُمُ قطُّ اکتساباً

ولکنّی مدحتهمُ ارتغابا

ولن یرجو ابنُ حمّادٍ علیٌ

بحسنِ مدیحِهم إلاّ الثوابا

8 - هل لجسمی من السقامِ طبیبُ

أم لعینی من الرقادِ نصیبُ 26

9 - یا أهلَ بیتِ رسول الله إنکُمُ

لأشرفُ الخلقِ جَدّا غاب أو أبی 30

10 - الدهرُ فیه طرائفٌ وعجائبُ

تتری وفیه فوائدٌ ومصائبُ 60

11 - أیا من لقلبٍ دائمِ الحسراتِ

ومن لجفونٍ تسکبُ العبراتِ 34

وهی علی رویِّ تائیة دعبل ، یقول فی آخرها :

إلیک أمینَ اللهِ نظمَ قصیدةٍ

إمامیّةٍ تزهو بحسنِ صفاتِ

علیُّ بنُ حمّادٍ دعاها فأقبلتْ

وهمّتُهُ من أعظمِ الهمماتِ

شبیهٌ لما قال الخزاعیُّ دعبلٌ

تضمّنه الرحمنُ بالغرفاتِ

مدارسُ آیاتٍ خلتْ من تلاوةٍ

ومهبطُ وحیٍ مقفرُ العرصاتِ

12 - بقاعٌ فی البقیعِ مقدّساتُ

ر وأکنافٌ بطیبةَ طیّباتُ 95

13 - دعنی أنوح وأُسعد النوّاحا

مثلی بکی یومَ الحسینِ وناحا 28

14 - أری الصبرَ یفنی والهمومَ تزید

وجسمیَ یبلی والسقامُ جدیدُ 23

15 - ما ضرّ عهدَ الصبا لو أنَّه عادا

یوماً یزوِّدنی من طیبةٍ زادا 86

جاری بها السیّد إسماعیل الحمیری فی قصیدة له أوّلها :

طافَ الخیالُ علینا منک عبّادا

فقال العبدیُّ فی آخر قصیدته :

وازنتُ ما قال إسماعیلُ مبتدئاً

طافَ الخیالُ علینا منک عبّادا

ص: 231

عدد

القصائد

مطلع

القصیدة

عدد

الأبیات

16 - ابکِ ما عشت بالدموعِ الغزارِ

لذراری محمد المختارِ 37

17 - أآمرتی بالصبرِ أسرفتِ فی أمری

أیُؤمرُ مثلی لا أبا لک بالصبرِ 29

18 - سلامی علی قبرٍ تضمّن حیدرا

سلام مشوقٍ ما یطیقُ التصبّرا 60

ویقول فی آخرها :

ولا أغلُ فی دینی کمن کان قد غلا

وما کنتُ فی حبِّ الوصیّ مقصِّرا

بذلک یلقی الله فی یومِ بعثِه

علیُّ بن حمّادٍ إذا هو أُنشرا

19 - یالائمی دع ملامی فی الهوی وذرِ

فإنّ حبَّ علیٍّ قام فی عذری 28

20 - دعا قلبَهُ داعی الوعیدِ فأسمعا

وداعٍ لبادی شیبِهِ فتورّعا 62

21 - فرّقتَ یا بینُ شملاً کان مجتمعا

أبعدتَ عنّی حبیبی والسرورَ معا 77

22 - خلیلی عُجْ بنا نُطِلِ الوقوفا

علی مَن نورُهُ شملَ الطفوفا 25

23 - خواطرُ فکری فیِ الحشاءِ تجولُ

وحزنی علی آلِ النبیِّ یطولُ 52

24 - أهجرتِ یا ذاتَ الجمالِ دلالا

وجعلتِ جسمی للصدودِ خیالا 58

25 - ألا إنّ زینَ المرءِ فی عمرِهِ العقلُ

ونهجُ هدیً ما فیه زُحلوقة زلُّ 27

26 - یا علیَّ بن أبی طالب یا ابنَ المفضلِ

یا حجابَ اللهِ والبابَ القدیمِ الأزلی 21

27 - ناجتْکَ أعلامُ الهدایةِ فاعلمِ

وأقمتَ فیها بالطریقِ الأقومِ 51

فانظر بعین العقل فی عقبی الهوی

واسأل عن الدارینِ إن لم تعلمِ

28 - النومُ بعدَکمُ علیّ حرامُ

من فارقَ الأحبابَ کیف ینامُ 55

29 - أرضِ الإلهَ وأسخطِ الشیطانا

تُعْطَ الرضا فی الحشر والرضوانا 27

یقول فیها وهی ناقصة الآخر :

من أنزلَ اللهُ الکتابَ علیه فی

کلِّ العلوم لیفتدی برهانا

من بلّغ الدنیا بنصبِ وصیِّه

یومَ الغدیر لیکملَ الإیمانا

ص: 232

وهناک قصائد تُعزی إلی شاعرنا ابن حمّاد العبدی فی بعض المجامیع وهی لابن حمّاد محمد المتأخّر عن المترجَم له بقرون (1) ، منها قصیدةٌ مطلعها :

لغیرِ مصابِ السبطِ دمعُک ضائعُ

ولا أنت ذا سلوٍ عن الحزن جازعُ

وقفنا علی تمام هذه القصیدة وفی آخرها :

لعلّ ابنَ حمّادٍ محمدَ عبدَکم

له فی غدٍ خیرُ البریّة شافعُ0.

ص: 233


1- هو محمد بن سلمان أبو غالب العلوی الموسوی من أهل مرو توفّی 558 ه. أنظر مستدرکات أعیان الشیعة : 3 / 230.

ص: 234

33 - أبو الفرج الرازی

تجلّی الهدی یومَ الغدیرِ عن الشُّبَه

وبرّز إبریز البیانِ عن الشبه

وأکملَ ربُّ العرشِ للناسِ دینَهم

کما نزّلَ القرآنَ فیهِ فأعربه

وقامَ رسولُ اللهِ فی الجمعِ رافعاً

بضبعِ علیٍّ ذی التعالی علی الشَّبَه

وقال ألا من کنتُ مولیً لنفسِهِ

فهذا له مولیً فیا لکِ منقبه (1)

الشاعر

أبو الفرج محمد بن هندو الرازی.

آل هندو : من أسر الإمامیّة الناهضین بنشر العلم والأدب ، وفیهم جمعٌ ممّن تحلّوا بفنون الفضائل ، ولهم فی الکتابة والقریض قِدمٌ وقَدمٌ ، طفحت بذکرهم المعاجم ، منهم : أبو الفرج محمد بن هندو مؤسّس شرف بیتهم ، عدّه ابن شهرآشوب فی معالم العلماء (2) من شعراء أهل البیت علیهم السلام المتّقین.

ومنهم : أبو الفرج الحسین بن محمد بن هندو ، ترجمه الثعالبی فی 2.

ص: 235


1- مناقب ابن شهرآشوب : 1 / 531 طبع إیران [3 / 37] ، والصراط المستقیم للبیاضی [1 / 311]. (المؤلف)
2- معالم العلماء : ص 152.

الیتیمة (1) (3 / 362) وعدّه من أصحاب الوزیر الصاحب بن عبّاد وذکر شطراً من شعره ، وقال : مُلَحُه کثیرة ، ولا یسع هذا الباب إلاّ هذا الأنموذج منها ، وممّا ذکر له قوله

لا یوحشنّک من مجدٍ تَباعدُه

فإنّ للمجدِ تدریجاً وتدریبا

إنّ القناةَ التی شاهدتَ رفعتَها

تنمی فتصعدُ أنبوباً فأنبوبا

وقوله :

یقولون لی ما بالُ عینِک مذ رأتْ

محاسنَ هذا الظبی أدمعُها هُطلُ

فقلت زنتْ عینی بطلعةِ وجهِهِ

فکان لها من صوبِ أدمعِها غُسلُ

ومنهم : أبو الفرج علیّ بن الحسین بن محمد بن هندو ، توجد ترجمته فی جملة من کتب التراجم (2) ، وفی کلّها ثناءٌ علیه بتضلّعه فی الحکمة والفلسفة والطبّ والکتابة والشعر والأدب ، وتبرُّزه فی ذلک کلّه. له کتاب مفتاح الطبّ ، المقالة المشوِّقة فی المد خل إلی علم الفلک ، الکلم الروحانیّة من الحکم الیونانیّة ، الوساطة بین الزناة واللاطة - هزلیّة ، دیوان شعره ، توفّی بجرجان سنة (420).

ومن شعر أبی الفرج علیّ فی معانٍ بدیعة ، قوله :

حللتُ وقاریَ فی شادنٍ

عیونُ الأنام به تعقدُ

غدا وجهُهُ کعبةً للجمالِ

وفی قلبِهِ الحَجَرُ الأسودُ

وله قوله :

قولوا لهذا القمرِ البادی

مالکَ إصلاحی وإفسادیف)

ص: 236


1- یتیمة الدهر : 3 / 459.
2- طبقات الأطبّاء : 1 / 323 [ص 429] ، دمیة القصر : ص 113 [1 / 608] ، فوات الوفیات : 2 / 45 [3 / 13 رقم 337] ، معجم الأدباء : 13 / 136 ، محبوب القلوب للأشکوری [1 / 139] ، نسمة السحر [مج 8 / ج 2 / 362]. (المؤلف)

زوِّد فؤاداً راحلاً قبلَهُ

لا بدّ للراحلِ من زادِ

وله قوله :

قالوا اشتغل عنهمُ یوماً بغیرهمُ

وخادعِ النفسَ إنّ النفسَ تنخدعُ

قد صیغَ قلبی علی مقدارِ حبِّهمُ

فما لحبِّ سواه فیه مُتّسعُ

وله قوله :

وحقِّکَ ما أخّرتُ کُتْبیَ عنکمُ

لقالةِ واشٍ أو کلامِ محرِّشِ

ولکنّ دمعی إن کتبتُ مشوِّشٌ

کتابی وما نفعُ الکتابِ المشوَّشِ

وله قوله :

ما للمعیلِ وللمعالی إنّما

یسمو إلیهنّ الوحیدُ الفاردُ

فالشمس تجتابُ السماءَ فریدةً

وأبو بناتِ النعش فیها راکدُ

وله قوله :

قوِّض خیامَکَ من أرضٍ تضامُ بها

وجانبِ الذلّ إنّ الذلَّ یُجتنَبُ

وارحلْ إذا کانتْ الأوطانُ منقصةً

فصندلُ الهندِ فی أوطانِهِ حطبُ

لا یذهب علی القارئ أنّ ترجمة أبی الفرج علیّ بن هندو تُعزی فی عیون الأنباء ، وفوات الوفیات ، ومحبوب القلوب إلی یتیمة الدهر ، وکتاب الیتیمة خلوٌ منها ، والمترجم فیه هو والده المذکور الحسین.

نعم ؛ ترجمه الثعالبی فی تتمّة الیتیمة (1) (ص 134 - 143) وأثنی علیه بقوله : هو من ضربه فی الآداب والعلوم بالسهام الفائزة ، وملکه رقّ البراعة فی البلاغة ، فرد الدهر فی ا لشعر ، وأوحد أهل الفضل فی صید المعانی الشوارد ، ونظم القلائد 5.

ص: 237


1- تتمّة یتیمة الدهر : 5 / 155.

والفرائد ، مع تهذیب الألفاظ البلیغة ، وتقریب الأغراض البعیدة ، وتذکیر الذین یسمعون ویروون ، (أَفَسِحْرٌ هذا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ) (1) ، وکنت ضمّنتُ کتاب الیتیمة نبذاً من شعره (2) لم أظفر بغیره ، وهذا مکان ما وقع إلیّ بعد ذلک من وسائط عقوده ، وفوارد أبیاته بل معجزاته.

ثم ذکر صحائف من شعره وفصلاً من رسالته الهزلیّة - الوساطة.

ومنهم : أبو الشرف بن أبی الفرج علیّ بن حسین بن محمد بن هندو ، ذکره صاحب دمیة القصر (3) (ص 113) فی ذیل ترجمة أبیه.

قد تُعزی الأبیات الغدیریّة المذکورة إلی أبی الفرج سلامة بن یحیی الموصلی (4) وهو لا یتمُّ ؛ لأنّ الواقف علی مناقب ابن شهرآشوب ومعالمه جدُّ علیمٍ بأنّه یذکر أبا الفرج الموصلی فی کتابیه باسمه والمترجم بکنیته ، والله أعلم. ].

ص: 238


1- الطور : 15.
2- یتیمة الدهر : 3 / 212 [3 / 460]. (المؤلف)
3- دمیة القصر : 1 / 618.
4- راجع یتیمة الدهر : 1 / 82 [1 / 129]. (المؤلف) [وکذا عزاها إلیه السید الأمین فی أعیان الشیعة : 7 / 275].

34 - جعفر بن حسین

قل للذی بفجورِه

فی شعرِه ظهرتْ علامه

ویبیعُ جهلاً دینَهُ

لمضلّلٍ یرجو حطامه

من أین أنت لُعِنتَ أو

من أینَ أسرارُ الإمامه

أظننتَها إرثَ النب

یِّ فما أصبتَ ولا کرامه

إنّ الإمامةَ بالنصو

صِ لمن یقومُ بها مقامه

کمقالِهِ فی یومِ خمّ

لحیدرٍ لمّا أقامه

من کنتُ مولاه فذا

مولاه یُسمِعُهمْ کلامه

سل عنه ذا خبرٍ به

فلتذهبنّ إذاً ندامه

فهو الذی بحسامه

للنقع قد جلّی قتامه

فی یوم بدرٍ إذ شکا

سادات مالکِکم صدامه

وأنین والدِهم وقد

منَع النبیّ به منامه

إنّ الإمام لدیننا

من شاده وبنی دعامه

فی کلّ معترکٍ إذا

شبَّ الوغی أطفا ضرامه

فتّاحُ خیبرَ بعد ما

فرَّ الذی طلبَ السلامه

تالله لو وُزِنَ الجمی

عُ لما وفوا منه القلامه

حکی القاضی أبو المکارم محمد بن عبد الملک بن أحمد بن هبة الله بن أبی

ص: 239

جرادة الحلبی المتوفّی سنة (565) فی شرح قصیدة أبی فراس المیمیّة المعروفة بالشافیة عن مروان بن أبی حفصة ، أنَّه قال : أنشدت المتوکّل شعراً ذکرتُ فیه الرافضة ، فعقد لی علی البحرین والیمامة ، وخلع علیَّ أربع خلع فی دار العامّة ، والشعر هو هذا :

لکمُ تراثُ محمدٍ

وبعدلِکمْ تُنفی الظلامه

یرجو التراثَ بنو البنا

ت وما لهم فیه قلامه

والصهرُ لیس بوارثٍ

والبنتُ لا ترثُ الإمامه

ما للذین تنحّلوا

میراثَکمْ إلاّ الندامه

أخذَ الوراثةَ أهلُها

فعلام لومُکمُ علامه

لو کان حقّکمُ لها

قامت علی الناس القیامه

لیس التراثُ لغیرِکم

لا والإلهِ ولا کرامه

أصبحتُ بین محبّکم

والمبغضین لکم علامه

فردّ علیه رجلٌ یقال له جعفر بن حسین بقوله : قل للذی بفجوره. إلخ (1).

قال الأمینی : زعماً بأنّ الشاعر من أولاد أبی عبد الله حسین بن الحجّاج البغدادی أو ممّن عاصروه ، ذکرناه فی هذا القرن ولم نقف علی شیءٍ من ترجمته.

وقد وقفنا علی عدّة قصائد غدیریّة لغیر واحد من شعراء القرن الرابع ، غیر أنّا لم نعرف شیئاً من أحوالهم وتاریخ حیاتهم فضربنا عنها صفحاً. ف)

ص: 240


1- راجع أعیان الشیعة : 18 / 446 [4 / 93]. (المؤلف)

شعراء الغدیر فی القرن الخامس

اشارة

1 - أبو النجیب

الطاهر

2 - الشریف الرضی

3 - أبو محمد الصوری

4 - مهیار الدیلمی

5 - الشریف المرتضی

6 - أبو علی البصیر

7 - أبو العلاء

المعری

8 - المؤید فی الدین

ص: 241

ص: 242

35 - أبو النجیب الطاهر

المتوفّی (401)

عَیّدَ فی یومِ الغدیرِ المسلمُ

وأنکرَ العیدَ علیه المجرمُ

یا جاحدی الموضعِ والیومِ وما

فاهَ به المختارُ تبّا لکمُ

فأنزل الله تعالی جَدُّه

ألیومَ أکملتُ لکم دینکمُ

والیوم أتممتُ علیکمْ نعمتی

وإنّ من نصبِ الإمامِ النِعمُ (1)

الشاعر

أبو النجیب شدّاد بن إبراهیم بن حسن الملقّب بالطاهر الجزری ، من شعراء أهل البیت علیهم السلام نظم فی فنون الشعر ، وغرّد علی أفانینه ، بنظم رقیق الحاشیة ، متّسق الألفاظ ، جزل المعانی ، له دیوان شعر عدّه ابن شهرآشوب فی معالم العلماء (2) عداد المجاهرین من شعراء أهل البیت علیهم السلام ، وفی معجم الأدباء (3) (4 / 261) : شاعرٌ من شعراء عضد الدولة بن بویه ، ومدح المهلّبی ، کان رقیق الشعر ، لطیف الأسلوب مات سنة (401) ، ومن شعره : 0.

ص: 243


1- مناقب ابن شهرآشوب : 1 / 528 [3 / 32]. (المؤلف)
2- معالم العلماء : ص 149.
3- معجم الأدباء : 11 / 270.

إذا المرُء لم یرضَ ما أمکنه

ولم یأتِ من أمرِهِ أحسنَه

فدعه فقد ساءَ تدبیرُهُ

سیضحکُ یوماً ویبکی سنَه

ومنه :

أیا جیل التصوّفِ شرَّ جیلِ

لقد جئتم بأمرٍ مستحیلِ

أفی القرآنِ قالَ لکم إلهی

کلوا مثلَ البهائمِ وارقصوا لی

وقال :

قلتُ للقلب ما دهاک أَبِنْ لی

قال لی بائع الفرانی فرانی

ناظراه فیما جنت ناظراه

أو دعانی أمُتْ بما أودعانی

وقال :

بلادُ اللهِ واسعةٌ فضاها

ورزقُ الله فی الدنیا فسیحُ

فقلْ للقاعدین علی هوانٍ

إذا ضاقتْ بکم أرضٌ فسیحوا

وقال :

أفسدتمُ نظری علیّ فما أری

مذ غبتمُ حَسناً إلی أن تقدموا

فدعوا غرامی لیس یمکن أن تری

عینُ الرضا والسخطُ أحسنَ منکمُ

وقال فی (3 / 194) : حدّث أبو النجیب ، قال : کنت کثیر الملازمة للوزیر أبی محمد المهلّبی المتوفّی (352) ، فاتّفق أن غسلت ثیابی وأنفذ إلیّ من یدعونی ، فاعتذرت بعذر فلم یقبله وألحّ فی استدعائه ، فکتبت إلیه :

عبدُک تحت الحبلِ عریانُ

کأنّه لا کان شیطانُ

یغسل أثواباً کأنّ البلا

فیها خلیطٌ وهی أوطانُ

أرقَّ من دینیَ إن کان لی

دینٌ کما للناس أدیانُ

ص: 244

کأنّها حالیَ من قبل أن

یصبحَ عندی لکَ إحسانُ

یقولُ من یبصرُنی معرضاً

فیها وللأقوالِ برهانُ

هذا الذی قد نُسِجتْ فوقَهُ

عناکب الحیطان إنسانُ

فأنفذ لی جبّة وعمامة وسراویل وکیساً فیه خمسمائة درهم (1).

وترجمه الکتبی فی فوات الوفیات (2) (ص 167) وقال : شاعر مدح المهلّبی وزیر معزّ الدولة ومدح عضد الدولة وکانت وفاته فی حدود الأربعمائة. وذکر أبیاتاً من شعره. ونقل (3) فی (ص 132) فی ترجمة الوزیر المهلّبی ما حکیناه عن معجم الأدباء من حدیث غسل الثیاب. وتوجد ترجمته فی دائرة المعارف للبستانی (2 / 360).

وقد أصفقت المصادر الثلاثة الأخیرة علی أنّ أبا النجیب کنیة شدّاد بن إبراهیم المترجَم الملقّب بالطاهر ، فهو رجل واحد لا کما حسبه سیّدنا الأمین فی أعیان الشیعة (4) من التعدّد ، فذکر فی (1 / 389) - المترجَم باسمه شدّاد ، وقال : إنّه توفّی فی حدود (400) وذکر فی (1 / 411) أبا النجیب الطاهر الجزری ، وعدّه ممّن لم یحدَّد عصره من الشعراء.

وذکر صاحب دمیة القصر (5) للمترجَم فی (ص 50) قوله :

أُنظر إلی حظّ ابن شبلٍ فی الهوی

إذ لا یزالُ لکلّ قلبٍ شائقا4.

ص: 245


1- معجم الأدباء : 9 / 140.
2- فوات الوفیات : 2 / 45 رقم 163.
3- فوات الوفیات : 1 / 356 رقم 127.
4- أعیان الشیعة : 7 / 333 ، وقد صحّحه فی هذه الطبعة ، حیث جمع بین الکنیة والاسم واعتبرهما واحداً.
5- دمیة القصر : 1 / 154.

شغل النساءَ عن الرجال وطالما

شغل الرجالَ عن النساءِ مراهقا

عشقوه أمرد والتحی فعشقتُه

اللهُ أکبُر لیس یعدمُ عاشقا

وذکره الثعالبی فی تتمیم یتیمته (1) (1 / 46) ، وذکر له من قصیدة فی سیف الدولة علیّ بن عبد الله المتوفّی (356):

وحاجةٌ قیل لی نبّه لها عمرا

ونَم فقلت علیٌّ قد تنبّه لی

حسبی علیّانِ إن نابَ الزمانُ وإن

جاءَ المعادُ بما فی القولِ والعملِ

فلی علیُّ بنُ عبدِ الله منتجعٌ

ولی علیٌّ أمیر المؤمنین ولی

وله :

ألیسَ تری الجوّ مستعبراً

یُضاحکه برقه الخلّبُ

وقد لاح من قُزَحٍ قوسُه

بعیداً وتحسبُه یقربُ

کطاقَی عقیقٍ وفیروزجٍ

وبینهما آخرٌ مذهبُ

وذکر ابن خلکان شطراً من شعره فی تاریخه (2) (2 / 236) نقلاً عن دمیة القصر ، وأثنی علیه. 5.

ص: 246


1- تتمّة یتیمة الدهر : 5 / 59 - 60.
2- وفیات الأعیان : 5 / 266 رقم 735.

36 - الشریف الرضی

المولود (359)

المتوفّی (406)

نطقَ اللسانُ عن الضمیرِ

والبشرُ عنوانُ البشیرِ

ألآن أعْفَیْتَ القلو

بَ من التقلقلِ والنفورِ

وانجابتِ الظلماءُ عن

وضَحِ الصباح المستنیرِ

إلی أن قال :

غدرَ السرورُ بنا وکا

ن وفاؤه یومَ الغدیرِ

یومٌ أطافَ به الوص

-یُّ وقد تلقّبَ بالأمیرِ

فتسلَّ فیه ورُدَّ عا

ریةَ الغرامِ إلی المعیرِ

وابتزّ أعمارَ الهمومِ

بطولِ أعمارِ السرورِ

فلِغَیرِ قلبِکَ من یعلّلُ

همَّهُ نُطَفُ الخمورِ

لا تقنعَنْ عندَ المطا

لب بالقلیلِ من الکثیرِ

فتبرّضُ الأطماعِ مثل

تبرّض (1) الثَمَدِ الجرورِ (2)ر.

ص: 247


1- التبرّض - من تَبرّضَ - : إذا تبلّغ بالقلیل من العیش. (المؤلف)
2- الثمَد : الماء القلیل. الجرور : البعید القعر.

هذا أوان تطاول الحا

جاتِ والأملِ القصیرِ

فانفحْ لنا من راحتی

-کَ بلا القلیلِ ولا النزورِ

لا تحوجنَّ إلی العصا

ب وأنت فی الضرْعِ الدرورِ

آثارُ شکرِکَ فی فمی

وسماتُ ودِّک فی ضمیری

وقصیدةٌ عذراءُ مث

-لُ تألّقِ الروضِ النضیرِ

فرحتْ بمالِکِ رِقِّها

فرحَ الخَمیلةِ (1) بالغدیر (2)

الشاعر

الشریف الرضی - ذو الحسبین - أبو الحسن محمد بن أبی أحمد الحسین بن موسی بن محمد بن موسی بن إبراهیم ابن الإمام أبی إبراهیم موسی الکاظمعلیه السلام.

أمّه السیّدة فاطمة بنت الحسین بن أبی محمد الحسن الأطروش بن علیّ بن الحسن بن علیّ بن عمر بن علیّ بن أبی طالب علیه السلام.

والده أبو أحمد کان عظیم المنزلة فی الدولتین العبّاسیّة والبویهیّة ، لقّبه أبو نصر بهاء الدین بالطاهر الأوحد ، وولی نقابة الطالبیّین خمس مرّات ، ومات وهو النقیب وذهب بصره ، ولولا استعظام عضد الدولة أمره ما حمله علی القبض علیه وحمله إلی قلعة بفارس ، فلم یزل بها حتی مات عضد الدولة فأطلقه شرف الدولة ابن العضد ، واستصحبه حین قدم بغداد ، وله فی خدمة الملّة والمذهب خطوات بعیدة ، ومساعٍ مشکورة ، وقَدم وقِدم ، ولد سنة (304) وتوفّی لیلة السبت (25) جمادی الأولی ف)

ص: 248


1- الخمیلة : الشجر الکثیر الملتفّ ، الموضع الکثیر الشجر المنهبط من الأرض. (المؤلف)
2- توجد فی دیوانه : 1 / 327 [1 / 427] یمدح بها أباه فی یوم الغدیر ، ویذکر ردّ أملاکه علیه فی سنة (396). (المؤلف)

سنة (400) (1) ، ورثته الشعراء بمراثٍ کثیرة ، وممّن رثاه ولداه المرتضی والرضیّ ومهیار الدیلمی ، ورثاه أبو العلاء المعرّی بقصیدة توجد فی کتابه سقط الزند (2).

وسیّدنا الشریف الرضی هو مفخرة من مفاخر العترة الطاهرة ، وإمام من أئمّة العلم والحدیث والأدب ، وبطل من أبطال الدین والعلم والمذهب ، هو أوّل فی کلّ ما ورثه سلفه الطاهر من علم متدفّق ، ونفسیّات زاکیة ، وأنظار ثاقبة. وإباء وشمم ، وأدب بارع ، وحسب نقیٍّ ، ونسب نبویٍّ ، وشرف علویٍّ ، ومجد فاطمیٍّ ، وسؤدد کاظمیٍّ ، إلی فضائل قد تدفّق سیلها الأتیّ ، ومآثر قد التطمت أواذیّها الجارفة ، ومهما تشدّق الکاتب فإنَّ فی البیان قصوراً عن بلوغ مداه ، وللتنقیب تقاعساً عن تحدید غایته ، وللوصف انحساراً عن استکناه حقیقته ، وإنَّ دون ما تحلّی به من مناقبه الجمّة ، وضرائبه الکریمة ، کلّ ما سردوه فی المعاجم من ثناء وإطراء مثل : فهرست النجاشی (ص 283) ، یتیمة الدهر (3 / 116) ، الأنساب للعمری ، تاریخ بغداد (3 / 246) ، کامل ابن الأثیر (9 / 89) ، معالم العلماء (ص 138) ، دمیة القصر (ص 73) ، تاریخ ابن خلّکان (2 / 106) ، المنتظم لابن الجوزی (7 / 279) ، خلاصة العلاّمة (ص 81) ، صحاح الأخبار (ص 61) ، الأنساب لأبی نصر البخاری ، عمدة الطالب (ص 183) ، تحفة الأزهار لابن شدقم ، تاریخ ابن کثیر (12 / 3) ، مرآة الجنان (3 / 18) ، الشذرات (3 / 182) ، شرح ابن أبی الحدید (1 / 10) ، غایة الاختصار ، الدرجات الرفیعة للسیّد [علی خان الحسینی الشیرازی] ، مجالس المؤمنین (ص 210) ، جامع الأقوال ، نسمة السحر للیمنی ، لسان المیزان (4 / 223) ، ریاض الجنّة للزنوزی ، الروضة البهیّة للسیّد [محمد شفیع ابن علی أکبر الجابلقی] ، ملخّص المقال ، رجال ابن أبی جامع ، الإجازة للسماهیجی ، ن.

ص: 249


1- صحاح الأخبار : ص 60 ، والدرجات الرفیعة [ص 458] ، وعدّة أخری من الکتب والمعاجم. (المؤلف)
2- سقط الزند : ص 250 القصیدة الستون.

الإتقان (ص 121) ، منهج المقال (ص 293) ، تأسیس الشیعة (ص 107) ، سمیر الحاضر للشیخ علیّ ، تنقیح المقال (3 / 107) ، الیتیمة للعاملی (ص 18) ، تاریخ آداب اللغة (2 / 257) (1) ، أعلام الزرکلی (3 / 889) ، دائرة المعارف للبستانی (10 / 458) ، دائرة المعارف لفرید وجدی (4 / 251) ، مجلّة الهدی العراقیّة فی الجزء الثالث من السنة الأولی (ص 106) ، معجم المطبوعات (2).

وتجد تحلیل نفسیّة الشریف الرضیّ الکریمة فی :

1 - ما ألَّفه العلاّمة الشیخ عبد الحسین الحلّی النجفی کمقدِّمة للجزء الخامس المطبوع من تفسیره ، فطبع معه فی (112) صحیفة.

2 - وما نضد عقد جمانه الکاتب الشهیر زکی مبارک فی مجلّدین ضخمین مطبوعین ، أسماه : عبقریّة الشریف الرضیّ.

3 - وقبلهما ما کتبه العلاّمة الشیخ محمد رضا ابن شیخنا الحجّة الشیخ هادی کاشف الغطاء.

4 - وأفرد زمیلنا السیّد علی أکبر البرقعی القمی کتاباً فی ترجمته ، أسماه : کاخ دلاویز.9.

ص: 250


1- اشتبه فی تألیف المترجَم وبیئة نشأته وتاریخ وفاته. (المؤلف)
2- رجال النجاشی : ص 398 رقم 1065 ، یتیمة الدهر : 3 / 155 ، المجدی فی الأنساب : ص 126 ، الکامل فی التاریخ : 5 / 613 حوادث سنة 406 ه ، معالم العلماء : ص 51 رقم 336 ، دمیة القصر : 1 / 292 ، وفیات الأعیان : 4 / 414 رقم 667 ، المنتظم : 15 / 115 رقم 3065 ، رجال العلاّمة الحلّی : ص 164 رقم 176 ، عمدة الطالب : ص 207 ، البدایة والنهایة : 12 / 4 حوادث سنة 406 ه ، شذرات الذهب : 5 / 43 حوادث سنة 406 ه ، شرح نهج البلاغة : 1 / 31 ، غایة الاختصار : ص 77 - 80 ، الدرجات الرفیعة : ص 466 ، مجالس المؤمنین : 1 / 503 ، نسمة السحر : مج 8 / ج 2 / 459 ، لسان المیزان : 5 / 159 رقم 7252 ، تأسیس الشیعة الکرام لعلوم الإسلام : ص 213 ، مؤلّفات جرجی زیدان الکاملة - تاریخ آداب اللغة - : مج 14 / 92 ، الأعلام : 6 / 329.

قال الأمینی : کان البرقعی محمود السیرة ، میمون النقیبة ، من روّاد الفضیلة والأدب ، غیر أنّه تحزّب فی الآونة الأخیرة بفئة ضالّة ساقطة ، وأُصیب - العیاذ بالله - بمتعسة أزالته عن مکانته ، وأسفّته إلی هوّة البوار ، عصمنا الله من الزلل ، وآمننا من الخطل ، وحفظنا من خاتمة سوء.

5 - وکتب الدکتور محفوظ ترجمته فی (250) صحیفة سمّاها ب (الشریف الرضی) طبعت فی بیروت بمطبعة الریحانی.

6 - ولولدنا محمد هادی الأمینی کتاب فی ترجمته.

وهناک من کتب (1) فی عبقریّته من المتطفّلین علی موائد الکتابة من الشباب الزائف فی مصر ، غیر أنَّه کشف عن سوأة نفسه وخلّد لها شیة العار علی مرّ الدهور ، فطفق ینحو فیما حسبه خدمةً للرضی ونشراً لعبقریّته النَّیل من سلفه الطاهر ، وأخذ ینشر ما فی علبة عدائه علی أهل البیت النبویّ المقدّس بالوقیعة فی سیّدهم سیّد الوصیّین وأمیر المؤمنین علیّ بن أبی طالب علیه السلام ، هنالک أبدی ضئولة رأیه ، وسخف أنظاره ، وخبث عنصره ، فجاء کالباحث عن حتفه بظلفه.

وهب أنّه من قوم حناق علی آل الرسول - صلوات الله علیهم - لکنّه لم یسلم من نعراته حتی أئمّة مذهبه ، فقد جاثاهم وسلقهم بلسان حدید ، أنا لا أحاول نقد کلماته حرفیّا فإنّها أسقط من ذلک ، وإنّ صاحبها أقلّ من أن ینوَّه به فی الکتب ، ولکن أسفی علی مصر أن یشوِّه سمعتها الذنابی ، أسفی علی جامعتها أن لا تنفی عنها ما یدنِّس مطارف فضلها القشیبة ، أسفی علی مطابعها أن تنشر السفاسف المخزیة ، أسفی أسفی أسفی .. ف)

ص: 251


1- هو محمد سیّد الکیلانی ، أفرد فی المترجَم کتاباً فی (159) صفحة وسمّاه ب «الشریف الرضیّ». (المؤلف)

أساتذته ومشایخه :

1 - أبو سعید الحسن بن عبد الله بن المرزبان النحوی المعروف بالسیرافی المتوفّی (368) : تلمّذ علیه فی النحو وهو طفلٌ لم یبلغ عمره عشر سنین ، ذکره ابن خلّکان (1) ، والیافعی (2) ، وصاحب الدرجات الرفیعة (3) ، نقلاً عن أبی الفتح بن جنّی شیخ المترجَم.

2 - أبو علیّ الحسن بن أحمد الفارسی النحوی المتوفّی (377) : وله منه إجازة ، یروی عنه فی کتابه المجازات النبویّة.

3 - أبو عبد الله محمد بن عمران المرزبانی المتوفّی (384 وقیل : 378).

4 - أبو محمد الشیخ الأقدم هارون بن موسی التلعکبری المتوفّی (385).

5 - أبو الفتح عثمان بن جنّی الموصلی المتوفّی (392) : وقد أکثر النقل عنه فی المجازات النبویّة.

6 - أبو یحیی عبد الرحیم بن محمد المعروف بابن نباته صاحب الخطب المتوفّی (394).

7 - الشیخ الأکبر شیخنا المفید ، أبو عبد الله ابن المعلّم محمد بن نعمان المتوفّی (413) : قرأ علیه هو وأخوه علم الهدی المرتضی.

قال صاحب الدرجات الرفیعة (4) : کان المفید رأی فی منامه فاطمة الزهراء 9.

ص: 252


1- وفیات الأعیان : 4 / 416 رقم 667.
2- مرآة الجنان : 3 / 19 وفیات سنة 146 ه.
3- الدرجات الرفیعة : ص 468.
4- الدرجات الرفیعة : ص 459.

بنت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم دخلت إلیه وهو فی مسجده بالکرخ ومعها ولداها الحسن والحسین علیهما السلام صغیرین ، فسلّمتهما إلیه وقالت له : علّمهما الفقه.

فانتبه متعجِّباً من ذلک ، فلمّا تعالی النهار فی صبیحة تلک اللیلة التی رأی فیها الرؤیا دخلت إلیه المسجد فاطمة بنت الناصر ، وحولها جواریها وبین یدیها ابناها علیّ المرتضی ومحمد الرضی صغیرین ، فقام إلیها وسلّم علیها ، فقالت له : أیّها الشیخ هذان ولدای قد أحضرتهما إلیک لتعلّمهما الفقه. فبکی الشیخ وقصّ علیها المنام وتولّی تعلیمهما ، وأنعم الله تعالی علیهما وفتح لهما من أبواب العلوم والفضائل ما اشتهر عنهما فی آفاق الدنیا وهو باقٍ ما بقی الدهر. وذکرها ابن أبی الحدید فی شرحه (1) (1 / 13).

8 - أبو الحسن علیّ بن عیسی الربعی النحوی البغدادی المتوفّی (420) : کما فی المجازات النبویّة (ص 250) ، وقال المترجَم فی تفسیر قوله تعالی (رَبِّ إِنِّی وَضَعْتُها أُنْثی وَاللهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ) (2) قال لی شیخنا أبو الحسن علیُّ بن عیسی النحوی صاحب أبی علی الفارسی : وهذا الشیخ کنتُ بدأتُ بقراءة النحو علیه قبل شیخنا أبی الفتح عثمان بن جنّی ؛ فقرأتُ علیه مختصر الجرمی ، وقطعة من کتاب الإیضاح لأبی علیّ الفارسی ، ومقدّمة أملاها علیّ کالمدخل إلی النحو ، وقرأت علیه العروض لأبی إسحاق الزجّاج ، والقوافی لأبی الحسن الأخفش (3).

9 - القاضی عبد الجبّار أبو الحسن بن أحمد الشافعیّ المعتزلی : قرأ علیه کما فی المجازات النبویّة (4).0.

ص: 253


1- شرح نهج البلاغة : 1 / 41.
2- آل عمران : 36.
3- حقائق التأویل : ص 207.
4- المجازات النبویّة : ص 180 رقم 140.

10 - أبو بکر محمد بن موسی الخوارزمی : قرأ علیه فی الفقه کما فی المجازات (1) (ص 92).

11 - أبو حفص عمر بن إبراهیم بن أحمد الکنانی : یروی عنه الحدیث کما فی المجازات (2) (ص 155).

12 - أبو القاسم عیسی بن علیّ بن عیسی بن داود بن الجرّاح : شیخه فی الحدیث کما فی المجازات (3) (ص 153).

13 - أبو محمد عبد الله بن محمد الأسدی الأکفانی.

14 - أبو إسحاق إبراهیم بن أحمد بن محمد الطبری الفقیه المالکی : تلمذ علیه فی عنفوان شبابه ، کما فی المنتظم لابن الجوزی (4) وغیره.

تلامذته والرواة عنه :

ویروی عنه جمعٌ من أعیان الطائفة وأعلام العامّة منهم :

1 - شیخ الطائفة أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسی (5) : المتوفّی (460).

2 - الشیخ جعفر بن محمد الدوریستی.

3 - الشیخ أبو عبد الله محمد بن علیّ الحلوانی : کما فی الإجازات. ی)

ص: 254


1- المجازات النبویّة : ص 145 رقم 108.
2- المجازات النبویّة : ص 243 رقم 197.
3- المجازات النبویّة : ص 241 رقم 195.
4- المنتظم : 15 / 38 رقم 2978.
5- ولا زال الریب یخالجنی فی أمر الشیخ الطوسی الذی قدم بغداد سنة 408 کیف یروی عن الرضی الذی توفی سنة 406! علی أنّه ورد فی أسانیدنا متعدداً. (الطباطبائی)

4 - القاضی أبو المعالی أحمد بن علیّ بن قدامة المتوفّی (486) : کما فی کثیر من إجازات أعلام الدین.

5 - أبو زید السیّد عبد الله بن علیّ کیابکی ابن عبد الله الحسینی الجرجانی : کما فی إجازة الشهید الثانی لوالد شیخنا البهائی العاملی ، وإجازة مولانا المجلسی الأوّل لولده العلاّمة المجلسی.

6 - أبو بکر أحمد بن الحسین بن أحمد النیسابوریّ الخزاعیّ : وهو من أجلاّء تلامذة المترجَم وأخیه الشریف المرتضی کما فی المقابیس للعلاّمة الحجّة التستری.

7 - أبو منصور محمد بن أبی نصر محمد بن أحمد بن الحسین بن عبد العزیز العکبری المعدّل : کما فی قصص الأنبیاء للراوندی (1).

8 - القاضی السیّد أبو الحسن علیّ بن بندار بن محمد الهاشمی : یروی عن المترجَم وأخیه علم الهدی المرتضی ، کما فی إجازة الشیخ عبد الله السماهیجی الکبیرة للشیخ یاسین ، وإجازته للشیخ ناصر الجارودی سنة (1128).

9 - الشیخ المفید عبد الرحمن بن أحمد بن الحسین النیسابوری (2) ، یروی عن المترجَم وأخیه علم الهدی جمیع مصنّفاتهما بلا واسطة ، کما فی إجازة الشیخ عبد الله السماهیجی الکبیرة المذکورة.ی)

ص: 255


1- قصص الأنبیاء : ص 96 ح 89.
2- ترجم له الشیخ منتجب الدین فی الفهرست برقم 219 وقال : (شیخ الاصحاب بالریّ ، حافظ ، واعظ ، ثقة سافر فی البلاد شرقاً وغرباً وسمع الأحادیث من المؤالف والمخالف ، وله تصانیف ، منها ... وقد قرأ علی السیدین علم الهدی المرتضی وأخیه الرضی ، والشیخ أبی جعفر الطوسی ...). أقول : وممّن روی عن الشریف الرضی : 10 - أبو نصر عبد الکریم بن محمد الدیباجی المعرف بسبط بشر الحافی. 11 - السیّدة تقیة بنت أخیه الشریف المرتضی علم الهدی. (الطباطبائی)

تآلیفه وکتبه :

1 - نهج البلاغة : کان یهتمّ بحفظه حملة العلم والحدیث فی العصور المتقادمة حتی الیوم ویتبرّکون بذلک کحفظ القرآن الشریف ، وعُدّ من حفظته فی قرب عهد المؤلّف القاضی جمال الدین محمد بن الحسین بن محمد القاسانی ، فإنّه کان یکتب نهج البلاغة من حفظه کما ذکره الشیخ منتجب الدین فی فهرسته (1).

ومن حفّاظه فی القرون المتقادمة : الخطیب أبو عبد الله محمد الفارقی المتوفّی (564) ، کما ذکره ابن کثیر فی تاریخه (2) (12 / 260) ، وابن الجوزی فی المنتظم (3) (10 / 229).

ومن حفظة المتأخّرین له : العلاّمة الورع السیّد محمد الیمانی المکّی الحائری المتوفّی فی الحائر المقدّس سنة (1280) فی (28) ربیع الأوّل.

ومنهم : العالم المؤرِّخ الشاعر الشیخ محمد حسین مروّة الحافظ العاملی ، حکی سیّدنا صدر الدین الکاظمی (4) ، عن العلاّمة الشیخ موسی شرارة : أنّه کان یحفظ تمام قاموس اللغة ، وشرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید ، وأربعین ألف قصیدة. انتهی.

ونقل بعض الأعلام أنّه کان حافظاً لکامل ابن الأثیر من أوّله إلی آخره. (ذلِکَ فَضْلُ اللهِ یُؤْتِیهِ مَنْ یَشاءُ) (5).

وقد توالت علیه الشروح منذ عهد قریب من عصر المترجَم له بما یربو علی 4.

ص: 256


1- فهرست منتجب الدین : ص 176 رقم 437.
2- البدایة والنهایة : 12 / 323 حوادث سنة 564 ه.
3- المنتظم : 18 / 186 رقم 4280.
4- فی تکملة أمل الآمل : ص 376 رقم 364.
5- الجمعة : 4.

السبعین شرحاً ، وممّن شرحه :

1 - السیّد علیّ بن الناصر المعاصر لسیّدنا الشریف الرضی ، شرحه وأسمی شرحه ب - (أعلام نهج البلاغة) ، وهو أوّل الشروح وأقدمها.

2 - أحمد بن محمد الوبری ، من أعلام القرن الخامس.

3 - ضیاء الدین أبو الرضا فضل الله الراوندی ، علّق علیه سنة (511).

4 - أبو الحسن علیُّ بن أبی القاسم زید بن أمیرک محمد بن أبی علیّ الحسین ابن أبی سلیمان فندق بن أیّوب بن الحسن بن أحمد بن عبد الرحمن بن عبید الله بن عمر ابن الحسن بن عثمان بن أیّوب بن خُزیمة بن عمر بن خُزیمة بن ثابت ذی الشهادتین صاحب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم البیهقی النیسابوری ، من مشایخ ابن شهرآشوب ، قرأ نهج البلاغة علی الشیخ الحسن بن یعقوب القارئ سنة (516) وشرحه وأسماه ب (معارج نهج البلاغة). ولد یوم السبت سابع وعشرین شعبان فی سبزوار ومات سنة (565) (1).

5 - أبو الحسین سعید بن هبة الله قطب الدین الراوندی المتوفّی (573) ، أسمی شرحه ب (منهاج البراعة).

6 - الشیخ أبو الحسین محمد بن الحسین بن الحسن البیهقی النیسابوری ، الشهیر بقطب الدین الکیدری ، له شرحه الموسوم ب - حدائق الحقائق - فرغ من تألیفه سنة (576).

7 - أفضل الدین الحسن بن علیّ بن أحمد الماهابادی ، أحد مشایخ صاحب ف)

ص: 257


1- ترجمه الحموی فی معجم الأدباء : 5 / 208 [13 / 219] نقلاً عن کتابه مشارب التجارب ، وعدّ شرح النهج من تآلیفه ، فما فی کاخ دلاویز : ص 116 من نفی صحّة نسبة الشرح إلیه ردّا علی ابن یوسف الشیرازی فی غیر محلّه ، کما اشتبه علیه فی قوله : إنّ البیهقی أوّل شارح للکتاب. (المؤلف)

الفهرست الشیخ منتجب الدین المتوفّی بعد سنة (585) (1).

8 - القاضی عبد الجبّار ، المردّد بین جمعٍ (2) مقارنین بعصر شیخ الطائفة ، ذکره العلاّمة النوری فی المستدرک (3).

9 - الفخر الرازی محمد بن عمر الطبری الشافعیّ المتوفّی (606) ، کما صرّح به القفطی فی تاریخ الحکماء (4).

10 - أبو حامد عزُّ الدین عبد الحمید الشهیر بابن أبی الحدید المعتزلی المدائنی المتوفّی سنة (655) ، له شرحه الدائر الذی اختصره المولی سلطان محمود الطبسی الآتی ذکره.

11 - السیّد رضی الدین أبو القاسم علیُّ بن موسی بن طاووس الحسینی المتوفّی سنة (664).

12 - أبو طالب تاج الدین المعروف بابن الساعی علیّ بن أنجب بن عثمان بن عبد الله البغدادی المتوفّی (674) ، صاحب التآلیف الکثیرة منها شرح نهج البلاغة ، کما فی منتخب المختار (ص 138).

13 - کمال الدین الشیخ میثم بن علیّ بن میثم البحرانی المتوفّی (679) ، له شرحه الکبیر والمتوسط والصغیر.

14 - الشیخ أحمد بن الحسن النهاوندی ، من أعلام القرن السابع تلمیذ الشیخ 3.

ص: 258


1- اسم الشارح : أفضل الدین الحسن لا أبو الحسن ، کما فی بعض المعاجم. (المؤلف)
2- ألا وهم الفقهاء الأفذاذ : القاضی رکن الدین عبد الجبّار بن علیّ الطوسی ، والقاضی عبد الجبّار بن فضل الله ، وعبد الجبّار بن منصور ، والشیخ عبد الجبّار بن أحمد ، والشیخ عبد الجبّار بن عبد الله المقری الرازی ، وعبد الجبّار بن محمد الطوسی ، وأبو علیّ عبد الجبّار بن الحسین. (المؤلف)
3- مستدرک الوسائل : 3 / 496.
4- تاریخ الحکماء : ص 396 رقم 283.

جمال الدین الورامینی ، له حواشٍ کثیرة علی نهج البلاغة من تقریرات أستاذه المذکور.

15 - العلاّمة الحلّی ، جمال الدین أبو منصور الحسن بن یوسف بن المطهّر المتوفّی (726).

16 - الشیخ کمال الدین عبد الرحمن بن محمد بن إبراهیم العتائقی الحلّی ، أحد أعلام القرن الثامن ، له شرحه الکبیر فی أربع مجلّدات.

17 - یحیی بن حمزة العلوی الیمنی من أئمّة الزیدیّة المتوفّی (749) ، اقتصر فی شرحه علی حلّ عویصاته اللغویّة.

18 - سعد الدین مسعود بن عمر بن عبد الله التفتازانی الشافعیّ المتوفّی (791 ، 792 ، 793).

19 - السیّد أفصح الدین محمد بن حبیب الله بن أحمد الحسینی ، فرغ من شرحه فی شهر صفر سنة (881) (1).

20 - المولی قوام الدین یوسف بن حسن الشهیر بقاضی بغداد المتوفّی حدود سنة (927).

21 - أبو الحسن علیّ بن الحسن الزواری ، من تلمذة المحقِّق الکرکی ، شرحه بالفارسیة وأسماه ب (روضة الأبرار) فرغ منه سنة (947).

22 - المولی جلال الدین الحسین ابن خواجة شرف الدین عبد الحقّ الأردبیلی المعروف بالإلهی المتوفّی (950) ، شرحه بالفارسیة ویسمّی ب (منهج الفصاحة). ف)

ص: 259


1- ذکر البحّاثة ابن یوسف الشیرازی فی ترجمة ما هو نهج البلاغة شرحین ، أحدهما فی ص 17 للسیّد أفصح الدین المذکور ، والآخر فی ص 26 للسیّد أفصح الدین الآخر ، ولم یُعرّف مؤلّفه ، وهو اشتباه واضح ولیس هناک إلاّ شرح واحد لرجل واحد. (المؤلف)

23 - المولی فتح الله ابن المولی شکر الله القاشانی المتوفّی (988) ، له شرحه الفارسی المطبوع الموسوم ب (تنبیه الغافلین وتذکرة العارفین).

24 - عزُّ الدین علیُّ بن جعفر شمس الدین الآملی ، من تلمذة الشیخ علیّ بن هلال الجزائری ، له شرحه بالفارسیة.

25 - المولی عماد الدین علیّ القاری الأسترآبادیّ أحد أعلام القرن العاشر ، له تعلیق علی الکتاب.

26 - المولی شمس بن محمد بن مراد ، ترجم شرح ابن أبی الحدید المعتزلی سنة (1013).

27 - شیخنا البهائیّ العاملی المتوفّی (1031) ، له شرح نهج البلاغة ولم یتمّ ، ذکره البرقعی فیما کتبه إلینا.

28 - الشیخ الرئیس أبو الحسن میرزا القاجاری ، له شرحه لم یتمّ ، کتبه إلینا السیّد البرقعی.

29 - الشیخ نور محمد ابن القاضی عبد العزیز ابن القاضی طاهر محمد المحلّی ، شرحه فارسیّا سنة (1028).

30 - المولی عبد الباقی الخطّاط الصوفی التبریزی المتوفّی (1039) ، شرحه بالفارسیة وسمّاه ب (منهاج الولایة) (1).

31 - المولی نظام الدین علیّ بن الحسن الجیلانی ، یسمّی شرحه ب (أنوار الفصاحة) ، فرغ من أوّل مجلّداته الثلاث 4 ربیع الأوّل سنة (1053). ف)

ص: 260


1- ذکر البحّاثة ابن یوسف الشیرازی فی ترجمة ما هو نهج البلاغة ص 19 شرحاً للمولی عبد الباقی ولم یسمّه ، وذکر فی ص 25 الشرح - منهاج الولایة - ولم یعرّف مؤلّفه. (المؤلف)

32 - الشیخ حسین بن شهاب الدین بن الحسین العاملی الکرکی المتوفّی (1076) عن (68) سنة.

33 - فخر الدین عبد الله ابن المؤیّد بالله ، لخّص شرح ابن أبی الحدید وأسماه (العقد النضید المستخرج من شرح ابن أبی الحدید) ، توجد منه نسخة مؤرّخة بسنة (1080).

34 - السیّد ماجد بن محمد البحرانی المتوفّی (1097) لم یتمّ شرحه.

35 - الشیخ محمد مهدی بن أبی تراب السهندی ، شرحه باللغة الفارسیة وفرغ منه فی شهر رمضان سنة (1097).

36 - میرزا علاء الدین محمد گلستانه المتوفّی (1100) ، یُسمّی شرحه ب (حدائق الحقائق) ، وشرحه الآخر الصغیر ب (بهجة الحدائق).

37 - السیّد حسن بن مطهّر بن محمد الیمنی الجرموزی الحسنی المولود (1044) والمتوفّی (1110) ، له شرحه ذکره له الشوکانی فی البدر الطالع (1 / 211).

38 - المولی تاج الدین حسن المعروف بملاّ تاجا والد شیخنا الفاضل الهندی المتوفّی (1137) له شرح فارسیّ یوجد فی أصبهان.

39 - المولی محمد صالح بن محمد باقر الروغنی القزوینی ، من أعلام القرن الحادی عشر ، شرحه فارسیّا طبع بإیران (1).

40 - السیّد نعمة الله بن عبد الله الجزائری التستری المتوفّی (1112) ، له شرحه فی ثلاث مجلّدات. ف)

ص: 261


1- خفی مؤلّف هذا الشرح علی صاحب وقائع الأیّام ، وذکره للحاج المولی صالح البرغانی القزوینی ، وتبعه البرقعی فی کاخ دلاویز ، والبحّاثة ابن یوسف الشیرازی فی ترجمة ما هو نهج البلاغة. (المؤلف)

41 - المولی سلطان محمود بن غلام علیّ الطبسی القاضی ، من تلمذة العلاّمة المجلسی.

42 - المولی محمد رفیع بن فرج الجیلانی المتوفّی بالمشهد الرضوی حدود (1160)

43 - الشیخ محمد علیّ ابن الشیخ أبی طالب الزاهدی الجیلانی الأصبهانی المتوفّی فی الهند (1181) ، له شرح بعض خطبه.

44 - السیّد عبد الله بن محمد رضا الشبّر الحسینی الکاظمی المتوفّی (1242) ، له شرحان.

45 - الأمیر محمد مهدی الخاتون آبادی الأصبهانی المتوفّی (1263) ، له شرحه بالفارسیة.

46 - الحاج السیّد محمد تقی ابن الأمیر محمد مؤمن الحسینی القزوینی المتوفّی (1270) ، له شرحه بالفارسیة.

47 - میرزا باقر النوّاب بن محمد بن محمد اللاهجی الأصبهانی ، کتب له شرحاً بالفارسیة بأمر السلطان فتح علیّ شاه القاجار ، وطبع بإیران.

48 - الحاج نصر الله بن فتح الله الدزفولی ، ترجم شرح ابن أبی الحدید للفارسیة ، وزاد علیه تحقیقاته بأمر السلطان ناصر الدین شاه القاجار ، وفرغ منه سنة (1292).

49 - السیّد صدر الدین بن محمد باقر الموسوی الدزفولی ، من تلمذة آقا محمد البیدآبادی.

50 - السیّد مفتی عبّاس المتوفّی (1306) ، أحد شعراء الغدیر فی القرن الرابع عشر ، عدّه البرقعی فیما کتبه إلینا من شرّاحه.

ص: 262

51 - المولی أحمد بن علیّ أکبر المراغی ، نزیل تبریز المتوفّی 5 محرّم سنة (1310) ، علّق علی مشکلاته.

52 - الشیخ بهاء الدین محمد ، أحد شعراء الغدیر فی القرن الرابع عشر ، له شرحه ، ذکره البرقعی فیما کتبه إلینا.

53 - الأستاذ محمد حسن نائل المرصفی ، شرح مشکلات لغاته ، طُبع بمصر تعلیقاً علیه سنة (1328).

54 - الشیخ محمد عبده المتوفّی سنة (1323).

55 - الحاج میرزا حبیب الله الموسوی الخوئی المتوفّی حدود (1326) ، له شرحه الکبیر الموسوم ب (منهاج البراعة).

56 - الشیخ جواد الطارمی ابن الحاج المولی محرم علی الزنجانی المتوفّی سنة (1325) ، له شرحه الموسوم ب (شرح الاحتشام علی نهج بلاغة الإمام).

57 - الحاج میرزا إبراهیم الخوئی الشهید سنة (1325) ، له شرحه المسمّی ب (الدرّة النجفیة) طُبع فی تبریز سنة (1293).

58 - جهانگیر خان القشقائی المتوفّی بأصبهان سنة (1328).

59 - السیّد أولاد حسن بن محمد حسن الهندی المتوفّی سنة (1338) ، یُسمّی شرحه ب (الإشاعة).

60 - الشیخ محمد حسین بن محمد خلیل الشیرازی ، المتوفّی (1340).

61 - السیّد علی أطهر الکهجوی الهندی ، المتوفّی فی شعبان سنة (1352).

62 - الأستاذ محیی الدین الخیّاط ، نزیل بیروت ، طُبع شرحه فی ثلاث مجلّدات.

ص: 263

63 - السیّد ذاکر حسین أختر الدهلوی المعاصر ، شرحه بلغة أردو.

64 - الأستاذ محمد بن عبد الحمید المصری ، زاد علی شرح الشیخ محمد عبده بعض إفاداته وطُبع.

65 - السیّد ظفر مهدی اللکهنوی ، له شرحه بلغة أردو.

66 - السیّد هبة الدین محمد علیّ الشهرستانی ، له شرحه الموسوم ب (بلاغ النهج).

67 - الشیخ محمد علیّ بن بشارة الخیقانی ، له شرحه ذکره له الشیخ أحمد النحوی فی قصیدة یمدحه بها ، فقال :

ولقد کسی نهج البلاغة فکره

شرحاً فأظهر کلّ خافٍ مضمرِ

وکتب إلینا البرقعی من شرّاحه :

68 - میرزا محمد تقی الألماسی حفید العلاّمة المجلسی ، قال : له شرحه بالفارسیة لم یتمّ.

69 - الشیخ عبد الله البحرانی ، صاحب العوالم.

70 - الشیخ عبد الله بن سلیمان البحرانی السماهیجی.

71 - الحاج المولی علیّ العلیاری التبریزی.

72 - الشیخ ملاّ حبیب الله الکاشانی ، صاحب التآلیف القیّمة.

73 - السیّد عبد الحسین الحسینی آل کمّونة البروجردی.

74 - میرزا محمد علی بن محمد نصیر چهاردهی الگیلانی ، له شرحه فی ثلاث مجلّدات.

ص: 264

75 - میرزا محمد علی قراجه داغی التبریزی.

76 - الأستاذ محمد محیی الدین عبد الحمید المدرس فی کلّیة اللغة العربیة بالأزهر ، زاد علی شرح الشیخ محمد عبده زیادات هامّة ، طُبعت مع الأصل والشرح بمصر فی مطبعة الاستقامة (1).

ووقفنا علی آثار قیّمة أو مآثر خالدة حول نهج البلاغة لجمع ممّن عاصرناهم ، ألا وهم :

77 - الحاج میرزا خلیل الصیمری الکمرئی الطهرانی ، شرح النهج وأطنب فی أربعة وعشرین مجلّداً ، طُبع بعض تلکم الأجزاء الضخمة الفخمة القیّمة بطهران.

78 - السیّد محمود الطالقانی ، شرحه فی عدّة مجلّدات طُبع غیر واحد منها.

79 - الحاج السیّد علیّ النقیّ فیض الإسلام الأصبهانی ، ترجمه فی ست مجلّدات ، طُبعت فی طهران بأجود خطّ وأحسن ورق.

80 - الحاج میرزا محمد علی الأنصاری القمّی ، ترجمه نظماً ونثراً للفارسیة فی عدّة مجلّدات وقفت علی ثلاث منها مطبوعة بأجمل هیئة وأبهی صورة.

81 - جواد فاضل ، ترجم جملة من خطبه للفارسیة بأسلوب بدیع وبیان ملیح.

مؤلِّف نهج البلاغة

کلّ هؤلاء الأعلام لا یشکّون فی أنّ الکتاب من تآلیف الشریف الرضی ، وتصافِقُهم علی ذلک معاجم الشیعة جمعاء ، فلن تجد من ترجمه من أربابها إلاّ ناصّا علی صحّة النسبة وجازماً باستقامة النسب منذ عصر المؤلّف وإلی الیوم الحاضر ، ی)

ص: 265


1- هذا هو الذی تقدّم برقم 64. (الطباطبائی)

أنظر فهرست أبی العبّاس النجاشی (1) المتوفّی (450) ، وفهرست الشیخ منتجب الدین (2) المتوفّی (5 85) و .. و .. و (3).

وتُنبئ القارئ عن صحّة النسبة إجازات حملة العلم والحدیث لأصحابهم منها :

1 - إجازة الشیخ محمد بن علیّ بن أحمد بن بندار للشیخ الفقیه أبی عبد الله الحسین ، بروایة الکتاب - نهج البلاغة - فی جمادی الأخری سنة (499).

2 - إجازة الشیخ علیّ بن فضل الله الحسینی لعلیّ بن محمد بن الحسین المتطبّب ، بروایة الکتاب فی رجب سنة (589).

3 - إجازة الشیخ نجیب الدین یحیی بن أحمد بن یحیی الحلّی للسیّد عزّ الدین الحسن بن علیّ المعروف بابن الأبرز ، بروایة الکتاب فی شعبان سنة (655).

4 - إجازة العلاّمة الحلّی لبنی زهرة فی سنة (723).

5 - إجازة السیّد محمد بن الحسن بن أبی الرضا العلوی لجمال الدین بن أبی المعالی سنة (730).

6 - إجازة فخر الدین محمد ابن العلاّمة الحلّی لابن مظاهر فی سنة (741).

7 - إجازة شیخنا الشهید الأوّل للشیخ ابن نجدة سنة (770).

8 - إجازة الشیخ علیّ بن محمد بن یونس البیاضی صاحب الصراط المستقیم للشیخ ناصر بن إبراهیم البویهی الحساوی سنة (852).

9 - إجازة الشیخ علیّ المحقّق الکرکی للمولی حسین الأسترآبادیّ فی سنة (907). 8.

ص: 266


1- رجال النجاشی : ص 398 رقم 1065.
2- فهرست منتجب الدین : ص 176 رقم 437.
3- أنظر : تنقیح المقال : 3 / 107 ، روضات الجنّات : 6 / 194 رقم 578.

10 - إجازة الشیخ المحقّق الکرکی للشیخ إبراهیم سنة (934).

11 - إجازة المحقّق الکرکی للقاضی صفیّ الدین عیسی سنة (937).

12 - إجازة الشهید الثانی للشیخ حسین بن عبد الصمد العاملی فی سنة (941).

13 - إجازة الشیخ حسن ابن الشهید الثانی الکبیرة.

14 - إجازة الشیخ أحمد بن نعمة الله بن خاتون للمولی عبد الله التستری فی سنة (988).

15 - إجازة الشیخ محمد بن أحمد بن نعمة الله بن خاتون للسیّد ظهیر الدین الهمدانی فی سنة (1008).

16 - إجازة العلاّمة المجلسی الأوّل لتلمیذه آقا حسین الخونساری سنة (1062).

17 - إجازة العلاّمة المجلسی الأوّل الکبیرة لولده العلاّمة المجلسی المؤرّخة بسنة (1068).

18 - إجازة الشیخ صالح بن عبد الکریم للمولی محمد هادی بن محمد تقی الشولستانی سنة (1080).

19 - إجازة المجلسی الثانی للسیّد میرزا إبراهیم النیسابوری سنة (1088).

20 - إجازة العلاّمة المجلسی للسیّد نعمة الله الجزائری سنة (1096).

وغیرها من الإجازات.

وقبل هذه کلّها نصوص الشریف الرضی نفسه فی کتبه بذلک ، فقال فی الجزء الخامس من تفسیره (1) (ص 167) : ومن أراد أن یعلم زمان ما أشرنا إلیه من ذلک 7.

ص: 267


1- حقائق التأویل : ص 287.

فلیمعن النظر فی کتابنا الذی ألَّفناه وو سمناه بنهج البلاغة ، وجعلناه یشتمل علی مختار جمیع الواقع إلینا من کلام أمیر المؤمنین علیه السلام ، فی جمیع الأنحاء والأغراض والأجناس والأنواع ، من خطب وکتب ومواعظ وحکم ، وبوّبناه أبواباً ثلاثة. إلخ.

وقال فی کتابه المجازات النبویّة (1) (ص 223) : وقد ذکرنا ذلک فی کتابنا الموسوم بنهج البلاغة الذی أور دنا فیه مختار جمیع کلامه.

وقال فی (ص 41) من المجازات : وقد ذکرنا ذلک فی کتابنا الموسوم بنهج البلاغة.

وقال فی (ص 161) : قد ذکرنا الکلام فی کتابنا الموسوم بنهج البلاغة.

وقال فی (ص 252) : قد ذکرناه فی جملة کلامه علیه السلام لکمیل بن زیاد النخعی فی کتاب نهج البلاغة (2).

وقال فی أواخر نهج البلاغة (3) ، فی شرح قوله علیه السلام : «العین وکاء السَّهِ» قال الرضیّ : وقد تکلّمنا فی هذه الاستعارة فی کتابنا الموسوم بمجازات الآثار النبویّة.

وقال فی دیباجة نهج البلاغة (4) : فإنّی کنت فی عنفوان السنّ وغضاضة الغصن ، ابتدأت بتألیف کتاب فی خصائص الأئمّة علیهم السلام ، یشتمل علی محاسن أخبارهم وجواهر کلامهم. إلخ. وکتاب الخصائص المذکور موجود بین أیدینا ، ولم یختلف فیه اثنان أنَّه للشریف الرضی.

فما تورّط به بعض الکتبة من نسبة الکتاب إلی أخیه علم الهدی واتّهامه ی.

ص: 268


1- کون المجازات النبویة للشریف الرضی من المتسالم علیه لم یختلف فیه اثنان. (المؤلف)
2- المجازات النبویّة : ص 39 رقم 20 ، ص 67 رقم 39 ، ص 199 رقم 155 ، ص 251 رقم 200.
3- نهج البلاغة : ص 557 من غریب کلامه رقم 466.
4- نهج البلاغة : ص 33 مقدمة الشریف الرضی.

بوضعه (1) أو وضع بعض ما فیه علی لسان أمیر المؤمنین علیه السلام ، والدعوی المجرّدة ببطلان أکثر ما فیه وعزو ذلک إلی سیّدنا الشریف الرضی (2) الذی عرفت موقفه العظیم من الثقة والعلم والجلالة ، أو التردید فیمن وضعه وجمعه بینهما (3) ممّا لا یُقام له فی سوق الحقائق وزن ، ولیس له مناخٌ إلاّ حیث تربض فیه العصبیّة العمیاء ، ویکشف عن جهل أولئک المؤلّفین برجال الشیعة وتآلیفهم ، وأعجب ما رأیت کلمة الذهبی فی طبقاته (4) (3 / 289) : وفیها - یعنی سنة (436) - توفّی شیخ الحنفیّة العلاّمة الم حدِّث أبو عبد الله الحسین بن موسی الحسینی الشریف الرضی (5) ، واضع کتاب نهج البلاغة.

قال ابن أبی الحدید (6) (2 / 546) بعد ذکر خطبة ابن أبی الشحماء العسقلانی الکاتب : هذه أحسن خطبة خطبها هذا الکاتب ، وهی کما تراها ظاهرة التکلّف بیِّنة التولید ، تخطب علی نفسها ، وإنّما ذکرت هذا لأنّ کثیراً من أرباب الهوی یقولون : إنّ کثیراً من نهج البلاغة کلام محدث صنعه قوم من فصحاء الشیعة ، وربما عزوا بعضه إلی الرضیّ أبی الحسن وغیره ، وهؤلاء قوم أعمت العصبیّة أعینهم ، فضلّوا عن النهج الواض ح ، ورکبوا بیِّنات الطریق ضلالاً ، وقلّة معرفة بأسالیب الکلام ، وأنا أوضّح لک بکلام مختصر ما فی هذا الخاطر من الغلط فأقول : لا یخلو إمّا أن یکون کلّ نهج البلاغة مصنوعاً منحولاً أو بعضه. 4.

ص: 269


1- میزان الاعتدال : 2 / 223 [3 / 124 رقم 5827] ، ودائرة المعارف للبستانی : 10 / 459 ، وتاریخ آداب اللغة : 2 / 288 [مؤلّفات جرجی زیدان الکاملة : مج 14 / 138]. (المؤلف)
2- کما فی میزان الاعتدال [3 / 124 رقم 5827] ، ولسان المیزان : 4 / 223 [4 / 256 رقم 5797]. (المؤلف)
3- تاریخ ابن خلّکان : 1 / 365 [3 / 313 رقم 443] ، مرآة الجنان للیافعی : 3 / 55. (المؤلف)
4- تذکرة الحفّاظ : 3 / 1109 رقم 998.
5- فی المصدر : المرتضی.
6- شرح نهج البلاغة : 10 / 127 خطبة 184.

والأوّل باطل بالضرورة ؛ لأنّا نعلم بالتواتر صحّة إسناد بعضه إلی أمیر المؤمنین علیه السلام ، وقد نقل المحدِّثون کلّهم أو جلّهم والمؤرِّخون کثیراً منه ، ولیسوا من الشیعة لینسبوا إلی غرضٍ فی ذلک.

والثانی یدلّ علی ما قلناه ؛ لأنّ من قد أنس بالکلام والخطابة ، وشدا طرفاً من علم البیان ، وصار له ذوق فی هذا الباب ، لا بدّ أن یفرّق بین الکلام الرکیک والفصیح ، وبین الفصیح والأفصح ، وبین الأصیل والمولّد ، وإذا وقف علی کرّاسٍ واحدٍ یتضمّن کلاماً لجماعة من الخطباء أو لاثنین منهم فقط فلا بدّ أن یفرِّق بین الکلامین ، ویمیِّز بین الطریقتین ، ألا تری أنّا مع معرفتنا بالشعر ونقده لو تصفّحنا دیوان أبی تمام ، فوجدناه قد کتب فی أثنائه قصائد أو قصیدة واحدة لغیره ، لعرفنا بالذوق مباینتها لشعر أبی تمام ونَفَسه وطریقته ومذهبه فی القریض ، ألا تری أنّ العلماء بهذا الشأن حذفوا من شعره قصائد کثیرة منحولة إلیه لمباینتها لمذهبه فی الشعر ، وکذلک حذفوا من شعر أبی نواس شیئاً کثیراً لما ظهر لهم أنّه لیس من ألفاظه ولا من شعره ، وکذلک غیرهما من الشعراء ، ولم یعتمدوا فی ذلک إلاّ علی الذوق خاصّة.

وأنت إذا تأمّلت نهج البلاغة وجدته کلّه ماءً واحداً ، ونَفَساً واحداً ، وأسلوباً واحداً ، کالجسم البسیط الذی لیس بعض من أبعاضه مخالفاً لباقی الأبعاض فی الماهیّة ، وکالقرآن العزیز أوّله کأوسطه وأوسطه کآخره ، وکلُّ سورة منه وکلّ آیة مماثلةٌ فی المأخذ والمذهب والفنّ والطریق والنظم لباقی الآیات والسور ، ولو کان بعض نهج البلاغة منحولاً وبعضه صحیحاً لم یکن ذلک کذلک ، فقد ظهر لک بهذا البرهان الواضح ضلال من زعم أنّ هذا الکتاب أو بعضه منحول إلی أمیر المؤمنین علیه السلام.

واعلم أنّ قائل هذا القول یطرق علی نفسه ما لا قِبَل له به ، لأنّا متی فتحنا

ص: 270

هذا الباب وسلّطنا الشکوک علی أنفسنا فی هذا النحو لم نثق بصحّة کلام منقول عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أبداً ، وساغ لطاعن أن یطعن ویقول : هذا الخبر منحول ، وهذا الکلام مصنوع ، وکذلک ما نُقل عن أبی بکر وعمر من الکلام والخطب والمواعظ والأدب وغیر ذلک ، وکلّ أمر جعله هذا الطاعن مستنداً له فیما یرویه عن النبی صلی الله علیه وآله وسلم والأئمّة الراشدین والصحابة والتابعین والشعراء والمترسّلین والخطباء ، فلناصری أمیر المؤمنین علیه السلام أن یستندوا إلی مثله فیما یروونه عنه من نهج البلاغة وغیره ، وهذا واضحٌ. انتهی.

وقال (1) فی (1 / 69) فی آخر الخطبة الشقشقیّة : حدّثنی شیخی أبو الخیر مصدّق بن شبیب الواسطی فی سنة ثلاث وستمائة ، قال : قرأت علی الشیخ أبی محمد عبد الله بن أحمد المعروف بابن الخشّاب المتوفّی (568) هذه الخطبة - یعنی الشقشقیّة ، فلمّا انتهیت إلی هذا الموضع - یعنی قول ابن عبّاس : فو الله ما أسفت. إلخ - قال لی : لو سمعت ابن عبّاس یقول هذا لقلت له : وهل بقی فی نفس ابن عمّک أمر لم یبلغه فی هذه الخطبة لتتأسّف أن لا یکون بلغ من کلامه ما أراد؟! والله ما رجع عن الأوّلین ولا عن الآخرین ولا بقی فی نفسه أحدٌ لم یذکره إلاّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم.

قال مصدّق : وکان ابن الخشّاب صاحب دعابة وهزل ، قال : فقلت له : أتقول إنّها منحولةٌ؟! فقال : لا والله وإنّی لأعلم أنّها کلامه کما أعلم أنّک مصدّق. قال : فقلت له : إنّ کثیراً من الناس یقولون : إنّها من کلام الرضیّ - رحمه الله تعالی. فقال : أنّی للرضیّ ولغیر الرضیّ هذا النَفَس وهذا الأسلوب؟! قد وقفنا علی رسائل الرضی وعرفنا طریقته وفنّه فی الکلام المنثور ، وما یقع من هذا الکلام فی خلّ ولا خمر.

ثم قال : والله لقد وقفت علی هذه الخطبة فی کتب صُنّفت قبل أن یُخلَق الرضیّ بمائتی سنة ، ولقد وجدتها مسطورة بخطوط أعرفها وأعرف خطوط من هو من 3.

ص: 271


1- شرح نهج البلاغة : 1 / 205 خطبه 3.

العلماء وأهل الأدب قبل أن یُخلَق النقیب أبو أحمد والد الرضیّ.

قلت : وقد وجدت أنا کثیراً من هذه الخطبة فی تصانیف شیخنا أبی القاسم البلخیّ إمام البغدادیّین من المعتزلة وکان فی دولة المقتدر قبل أن یُخلَق الرضیّ بمدّة طویلة. ووجدت أیضاً کثیراً منها فی کتاب أبی جعفر بن قبة أحد متکلّمی الإمامیّة وهو الکتاب المشهور المعروف بکتاب الإنصاف ، وکان أبو جعفر هذا من تلامذة الشیخ أبی القاسم البلخیّ رحمه الله ، ومات فی ذلک العصر قبل أن یکون الرضی رحمه الله موجوداً. انتهی.

وقد أفرد العلاّمة الشیخ هادی آل کاشف الغطاء کتاباً فی (66) صحیفة حول الکتاب ودفع الشبهات عنه بعد نقلها ، وقد جمع فأوعی ، وتبسّط فأجاد (1).

وألقی الشیخ محمد عبده حول الکتاب کلمات ضافیة فی شرحه ، وأطال البحث عنه وعن اعتباره الأستاذ حسین بستانه أستاذ الأدب العربی فی الثانویّة المرکزیّة سابقاً ، تحت عنوان : أدب الإمام علیّ ونهج البلاغة وتعرّض الأوهام الحائمة حول النهج ، نُشر فی العدد الرابع من أعداد السنة الخامسة من مجلّة الاعتدال النجفیّة الغرّاء ، وللعلاّمة السیّد هبة الدین الشهرستانی تألیف حول اعتبار ما فی النهج ومحلّه من الرفعة والبذخ عند العالمین تحت عنوان : ما هو نهج البلاغة ، طُبع فی صیدا وترجمه إلی الفارسیّة أحد فضلاء إیران فی عاصمتها طهران ، وزاد علیه بعض الفوائد.

ومن تآلیف سیّدنا الرضی :

2 - خصائص الأئمّة : ذکره مؤلِّفه فی صدر نهج البلاغة وأطراه ، وعندنا منه نسخة ، وقد شرح فیه بعض کلمات أمیر المؤمنین علیه السلام ، وذکر اسمه فی غیر موضع ف)

ص: 272


1- طبع مع کتابه مستدرک نهج البلاغة فی النجف الأشرف. (المؤلف)

واحد ، والعجب من العلاّمة الحلّی وکلامه حوله ، قال : توجد فی العراق نسخ باسمه تشبهه فی المنهج لکن لم تصحّ نسبتها.

3 - مجازات الآثار النبویّة : طبع ببغداد سنة (1328).

4 - تلخیص البیان عن مجاز القرآن : ذکره فی مواضع من کتابه المجازات النبویّة (1) (ص 2 ، 3 ، 9 ، 145).

5 - حقائق التأویل فی متشابه التنزیل : وهو تفسیره ذکره فی کتابه المجازات النبویّة ، یعبِّر عنه تارةً بحقاق التأویل ، وأخری بالکتاب الکبیر فی متشابه القرآن ، وعبّر عنه النجاشی (2) بحقائق التنزیل ، وصاحب عمدة الطالب (3) بکتاب المتشابه فی القرآن.

6 - معانی القرآن : وهو کتابه الثالث فی القرآن ، ذکره له ابن شهرآشوب فی المعالم (4) (ص 44) وقال : یتعذّر وجود مثله ، وقال النسّابة العمری فی المجدی (5) : شاهدت له جزءاً مجلّداً من تفسیر منسوب إلیه فی القرآن ملیح حسن ، یکون بالقیاس فی کبر تفسیر أبی جعفر الطبری أو أکبر ، وقال ابن خلّکان (6) : یتعذّر وجود مثله ، دلّ علی توسّعه فی علم النحو واللغة. ولعلّ الممدوح هو تفسیره السابق.

7 - تعلیق خلاف الفقهاء.

8 - تعلیقه علی إیضاح أبی علیّ الفارسی. 7.

ص: 273


1- المجازات النبویّة : ص 9 - 11 ، 429 رقم 346.
2- رجال النجاشی : ص 398 رقم 1065.
3- عمدة الطالب : ص 207.
4- معالم العلماء : ص 51 رقم 336.
5- المجدی فی الأنساب : ص 126.
6- وفیات الأعیان : 4 / 416 رقم 667.

9 - الحسن من شعر الحسین : انتخب فیه شعر ابن الحجّاج المترجَم له فی شعراء القرن الرابع (1).

10 - الزیادات فی شعر ابن الحجّاج المذکور.

11 - الزیادات فی شعر أبی تمام : المترجَم له فی شعراء القرن الثالث (2).

12 - مختار شعر أبی إسحاق الصابی.

13 - ما دار بینه وبین أبی إسحاق من الرسائل شعراً (3).

وذکر له فی عمدة الطالب (4):

14 - کتاب رسائله : فی ثلاث مجلّدات ، ولأبی إسحاق الصابی المتوفّی قبل سنة (380) کتاب مراسلات الشریف الرضی ، کما ذکره ابن الندیم فی الفهرست (5) (ص 194).

15 - أخبار قضاة بغداد.

16 - سیرة والده الطاهر : ألَّفه سنة (379) وذلک قبل وفاة والده بإحدی وعشرین سنة.

وذکر له فی تاریخ آداب اللغة (6):

17 - کتاب انشراح الصدر فی مختارات من الشعر. 3.

ص: 274


1- راجع ص 127 - 144 من هذا الجزء.
2- راجع الجزء الثانی ص 469.
3- ذکرت هذه الکتب له فی فهرست النجاشی [ص 398 رقم 1065]. (المؤلف)
4- عمدة الطالب : ص 208.
5- فهرست الندیم : ص 149.
6- مؤلّفات جرجی زیدان الکاملة - تاریخ آداب اللغة - : مج 14 / 93.

أقول : هو لبعض الأدباء ، اختاره من دیوان المترجَم له ، کما فی کشف الظنون (1) (1 / 513).

18 - طیف الخیال : مجموعة تنسب إلیه.

أقول : هو من تآلیف أخیه الشریف المرتضی ، لا له.

19 - وله دیوان شعره السائر المطبوع ، قال ابن خلّکان (2) : وقد عُنی بجمع دیوان الرضی جماعةٌ ، وآخر (3) ما جُمع الذی جمعه أبو حکیم الخَبْری (4). انتهی.

وأنفذ الصاحب بن عبّاد - المترجَم له فی شعراء القرن الرابع من کتابنا (5) - إلی بغداد من ینسخ له دیوانه وکتب إلیه بذلک سنة (385) - وهی سنة وفاته - وعند ما ء.

ص: 275


1- کشف الظنون : 1 / 182.
2- وفیات الأعیان : 4 / 416 رقم 667.
3- فی المصدر : وأجود.
4- قال الأمینی : قال العلاّمة الشیخ عبد الحسین الحلّی فی ترجمة الشریف الرضی فی مقدّمة الجزء الخامس من حقائق التأویل المطبوع : لا نعرف من هو أبو حکیم ومتی کان وما اسمه؟ انتهی. وهذا ممّا یقضی منه العجب ، فإنّ أبا حکیم أعرف من أن یخفی علی أیّ مترجم ، فهو أبو حکیم المعلّم عبد الله بن إبراهیم بن عبد الله بن حکیم الخبری - بفتح الخاء وسکون الموحدة - أحد أساتذة العلوم العربیة ، کان معلّماً ببغداد حسن الخطّ تفقّه علی الشیخ أبی إسحاق الشیرازی وبرع فی الفرائض والحساب ، وصنّف فیهما ، وشرح الحماسة ودیوان البحتری وعدّة دواوین ، وسمع الحدیث من أبی محمد الجوهری وجماعة ، توفّی یوم الثلاثاء الثانی والعشرین [من] ذی الحجّة سنة (476) وکانت له بنتان محدّثتان : الکبری - رابعة - سمعت أبا محمد الجوهری شیخ والدها ، والصغری - أمّ الخیر فاطمة - سمعت أبا جعفر محمد بن أحمد المعدّل وجمعاً آخر ، وقرأ علیها السمعانی صاحب الأنساب ببغداد أکثر کتاب الموفّقیّات للزبیر بن بکّار ، ماتت فی رجب سنة (534). وسبط أبی حکیم من کریمته الکبری أبو الفضل محمد بن ناصر بن علیّ السلامی الحافظ ، یروی عن أبی محمد الجوهری. راجع أنساب السمعانی [2 / 319] ومعجم الأدباء [12 / 46] وبغیة الوعاة [2 / 29 رقم 1352]. (المؤلف)
5- راجع ص 63 - 118 من هذا الجزء.

سمع المترجَم له به وأنفذه ، مدحه بقصیدة منها قوله :

بینی وبینک حرمتانِ تلاقتا

نثری الذی بک یقتدی وقصیدی

ووصائلُ الأدبِ التی تصلُ الفتی

لا باتّصالِ قبائلٍ وجدودِ

إن أهدِ أشعاری إلیک فإنّها

کالسردِ أعرضُهُ علی داودِ

وأنفذت تقیّة بنت سیف الدولة التی توفّیت سنة (399) من مصر من ینسخ دیوان الشریف الرضی لها ، وهی لا تری هدیّةً أنفس منه یوم حُمل إلیها ، ویعرب ذلک عن عنایة الشریف بشعره وجمعه فی حیاته ، ولعلّ جمعه کجمع أخیه الشریف المرتضی لدیوانه ، کان علی ترتیب سنیّ نظمه المتمادیة.

شعره وشاعریته :

من الواضح أنّ الواقف علی نفسیّات سیّدنا الشریف - المترجَم - ومواقفه العظیمة من العلم والسؤدد والمکانة الرفیعة ، یری الشعر دون قدر الشریف ، ویجد نفسه أعلی من أنفس الشعراء وأرفع ، ویری الشعر لا یمهِّد للشریف کیاناً علی کیانه ، ولا یؤثّر فی ترفّعه وشممه ، ولا یولِّد له العظمة ، ولا یأخذ بضبعه إلی التطوّل ، وقد نظم وشعر فی صباه وهو لم یبلغ عمره عشر سنین ، ومن شعره فی صباه وله عشر سنین قوله من قصیدة :

المجد یعلم أنّ المجد من أربی

ولو تمادیتُ فی غیٍّ وفی لعبِ

إنّی لمن معشر إن جُمّعوا لِعُلیً

تفرّقوا عن نبیٍّ أو وصیِّ نبی

إذا هممتُ ففتِّش عن شبا هممی

تجده فی مهجات الأنجمِ الشهبِ

وإن عزمتُ فعزمی یستحیل قذیً

تدمی مسالکه فی أعینِ النوَبِ

ومعرکٍ صافحتْ أیدی الحِمامِ به طُلی

الرجالِ علی الخُرصانِ من کثبِ (1)ح.

ص: 276


1- الخرصان : قنا الرماح.

حلّت حُباها المنایا فی کتائبِه

بالضربِ فاجتثّت الأجسادَ بالقضبِ

تلاقت البیضُ فی الأحشاء فاعتنقتْ

والسمهریّ من الماذیِّ والیلبِ (1)

بکتْ علی الأرض دمعاً من دمائهمُ

فاستعربتْ من ثغور النَّوْرِ والعشبِ

ویحدّثنا شعره أنّه ما کان یَعدُّ الشعر لنفسه فضیلةً ومأثرةً ، بل کان یتّخذه وسیلة إلی غرضه فیقول :

وما الشعر فخری ولکنّما

أطولُ به همّة الفاخرِ

أنزِّههُ عن لقاءِ الرجالِ

وأجعلُه تحفةَ الزائرِ

فما یتهدّی إلیه الملو

ک إلاّ من المثَلِ السائرِ

وإنّی وإن کنتُ من أهلِهِ

لتنکرُ فی حرفةَ الشاعرِ

ویقول :

وما قولیَ الأشعارَ إلاّ ذریعةً

إلی أملٍ قد آن قَوْدُ جنیبهِ

وإنّی إذا ما بلّغ اللهُ غایةً

ضمنتُ له هجرَ القریضِ وحوبهِ

ویقول :

مالک ترضی أن یقال شاعرٌ

بُعداً لها من عددِ الفضائلِ

کفاک ما أورقَ من أغصانِه

وطالَ من أعلامِهِ الأطاولِ

فکم تکونُ ناظماً وقائلاً

وأنت غبَّ القولِ غیرُ فاعلِ

وهو فی شعره یری نفسه أشعر الأمم تارة ، ویری شعره فوق شعر البحتری ومسلم بن الولید أخری ، ویتواضع طوراً ویجعل نفسه زمیل الفرزدق أو جریر ، ویری نفسه ضریباً لزهیر ، ومرّة یتفوّه بالحقّ وینظر إلی شعره بعین الرضا ویری کلامه فوق کلام الرجال ، وقد أجمع الأکثرون أنَّه أشعر قریش. ف)

ص: 277


1- الماذی : الدرع اللیّنة السهلة ، والسلاح کلّه. والیلب : الدروع من الجلود. (المؤلف)

قال الخطیب البغدادی فی تاریخه (2 / 246) : سمعت أبا عبد الله محمد بن عبد الله الکاتب بحضرة أبی الحسین بن محفوظ - وکان أحد الرؤساء - یقول : سمعت جماعةً من أهل العلم بالأدب یقولون : الرضی أشعر قریش. فقال ابن محفوظ : هذا صحیح ، وقد کان فی قریش من یجید القول إلاّ أنّ شعره قلیل ، فأمّا مجید مکثر فلیس إلاّ الرضی.

وجمل الثناء علی أدبه وشعره کبقیّة مآثره وفضائله وملکاته الفاضلة ، متواترة فی المعاجم یضیق عن جمعها المجال ، فنضرب عنها صفحاً روماً للاختصار ، ونقتصر بذکر نبذةٍ یسیرةٍ ، منها :

1 - قال النسّابة العمری فی المجدی (1) : إنّه نقیب نقباء الطالبیّین ببغداد ، وکانت له هیبة وجلالة ، وفیه ورع وعفّة وتقشّف ، ومراعاة للأهل وغیرة علیهم وعسف بالجانی منهم ، وکان أحد علماء الزمان ، قد قرأ علی أجلاّء الرجال ، وشاهدت له جزءاً مجلّداً من تفسیر منسوب إلیه فی القرآن ، ملیح حسن یکون بالقیاس فی کبر تفسیر أبی جعفر الطبری أو أکبر ، وشعره أشهر من أن یُدَلَّ علیه ، وهو أشعر قریش إلی وقتنا ، وحسبک أن یکون قریش فی أوّلها الحرث بن هشام ، والعبلی ، وعمر بن أبی ربیعة ، وفی آخرها بالنسبة إلی زمانه محمد بن صالح الموسوی الحسنی ، وعلیّ بن محمد الحِمّانی (2) ، وابن طبا طبا الأصبهانی (3).

2 - قال الثعالبی فی الیتیمة (4) : هو الیوم أبدع أبناء الزمان ، وأنجب سادة العراق ، یتحلّی مع محتده الشریف ومفخره المنیف ، بأدب ظاهر ، وفضل باهر ، وحظٍّ5.

ص: 278


1- المجدی فی الأنساب : ص 126.
2- أحد شعراء الغدیر فی القرن الثالث ، مرّت ترجمته : 3 / 57 - 69. (المؤلف)
3- أحد شعراء الغدیر فی القرن الرابع ، مرّت ترجمته : 3 / 340 - 347. (المؤلف)
4- یتیمة الدهر : 3 / 155.

من جمیع المحاسن وافر ، ثمّ هو أشعر الطالبیّین من مضی منهم ومن غبَر ، علی کثرة شعرائهم المفلقین : کالحِمّانی وابن طباطبا وابن الناصر وغیرهم ، ولو قلت : إنّه أشعر قریش لم أبعد عن الصدق ، وسیشهد بما أجریه من ذکره شاهد عدل من شعره العالی القِدح ، الممتنع عن القَدح ، الذی یجمع إلی السلاسة متانةً ، وإلی السهولة رصانةً ، ویشتمل علی معانٍ یقرب جناها ، ویبعد مداها ، وکان أبوه یتولّی نقابة نقباء الطالبیّین ویحکم فیهم أجمعین ، والنظر فی المظالم والحجِّ بالناس ، ثمّ ردّت هذه الأعمال کلّها إلی ولده الرضی سنة (388) وأبوه حیٌّ.

3 - قال ابن الجوزی فی المنتظم (1) (7 / 279) : کان الرضی نقیب الطالبیّین ببغداد ، حفظ القرآن فی مدّة یسیرة بعد أن جاوز ثلاثین سنة ، وعرف من الفقه والفرائض طرفاً قویّا ، وکان عالماً فاضلاً وشاعراً مترسِّلاً ، عفیفاً عالی الهمّة متدیّناً ، اشتری فی بعض الأیّام جزازاً من امرأة بخمسة دراهم ، فوجد جزءاً بخطّ أبی علیّ بن مقلة ، فقال للدلاّل : احضر المرأة ، فأحضرها ، فقال : قد وجدت فی الجُزاز جزءاً بخطِّ ابن مقلة ، فإن أردتِ الجزء فخذیه وإن اخترتِ ثمنه فهذه خمسة دراهم. فأخذتها ودعت له وانصرفت ، وکان سخیّا جواداً.

4 - قال ابن أبی الحدید فی شرح نهج البلاغة (2) : حفظ الرضی القرآن بعد أن جاوز ثلاثین سنة فی مدّة یسیرةٍ ، وعرف من الفقه والفرائض طرفاً قویّا ، وکان عالماً أدیباً ، وشاعراً مفلقاً ، فصیح النظم ضخم الألفاظ ، قادراً علی القریض ، متصرِّفاً فی فنونه ، إن قصد الرقّة فی النسیب أتی بالعجب العجاب ، وإن أراد الفخامة وجزالة الألفاظ فی المدح وغیره أتی بما لا یشقّ فیه غباره ، وإن قصد فی المراثی جاء سابقاً والشعراء منقطع أنفاسها علی أثره ، وکان مع هذا مترسِّلاً ذا کتابةٍ ، وکان عفیفاً 3.

ص: 279


1- المنتظم : 15 / 115 رقم 3065.
2- شرح نهج البلاغة : 1 / 33.

شریف النفس عالی الهمّة ، ملتزماً بالدین وقوانینه ، ولم یقبل من أحد صلةً ولا جائزةً حتی إنّه ردَّ صلات أبیه.

5 - قال الباخرزی فی دمیة القصر (1) (ص 69) : له صدر الوسادة بین الأئمّة والسادة ، وأنا إذا مدحته کنت کمن قال لذکاءٍ : ما أنورک! ولخضارةٍ (2) : ما أغزرک! وله شعر إذا افتخر به أدرک من المجد أقاصیه ، وعقد بالنجم نواصیه ، وإذا نسب انتسب رقّة الهواء إلی نسیبه ، وفاز بالقدح المعلّی فی نصیبه ، حتی إذا أنشد الراوی غزلیّاته بین یدی العزهاة (3) ، لقال له من العزّ : هات ، وإذا وصف فکأنّه فی الأوصاف أحسن من الوصائف والوصاف ، وإن مدح تحیّرت فیه الأوهام بین مادحٍ وممدوحٍ ، له بین المتراهنین فی الحلبتین سبق سابق مروح ، وإن نثر حمدت منه الأثر ، ورأیت هناک خرزات من العقد تنفضّ ، وقطرات من المزن ترفضّ ، ولعمری إنّ بغداد قد أنجبت به فبوّأته ظلالها ، وأرضعته زلالها ، وأنشقته شمالها ، وورد شعره دجلتها فشرب منها حتی شرق ، وانغمس فیها حتی کاد یقال : غرق ، فکلّما أُنشِدت محاسنه تنزّهت بغداد فی نضرة نعیمها ، واستنشقت من أنفاس الهجیر بمراوح نسیمها.

6 - قال الرفاعی فی صحاح الأخبار (ص 61) : کان أشعر قریش ، وذلک لأنّ الشاعر المجید من قریش لیس بمکثر ، والمکثر لیس بمجید ، والرضی جمع بین فضلی الإکثار والإجادة ، وکان صاحب ورع وعفّة وعدل فی الأقضیة وهیبة فی النفوس.

ألقابه ومناصبه :

لقّبه بهاء الدولة سنة (388) بالشریف الأجلّ ، وفی سنة (392) بذی ء.

ص: 280


1- دمیة القصر : 1 / 292.
2- خضارة : البحر.
3- العزهاة والعزهاء : العازف عن اللهو والنساء.

المنقبتین ، وفی سنة (398) (1) بالرضی ذی الحسبین ، وفی سنة (401) أمر أن تکون مخاطباته ومکاتباته بعنوان الشریف الأجلّ ، وهو أوّل من خوطب بذلک من الحضرة الملوکیّة.

إنّ المناصب والولایات کانت متکثِّرة علی عهد سیّدنا الشریف من الوزارة التنفیذیّة والتفویضیّة ، والإمارة علی البلاد بقسمیها العامّة والخاصّة. والعامّة بضربیها : استکفاء بعقد عن اختیار ، واستیلاء بعقد عن اضطرار. والإمارة علی جهاد المشرکین بقسمیها : المقصورة علی سیاسة الجیش وتدبیر الحرب ، والمفوّض معها إلی الأمیر جمیع أحکامها من قسم الغنائم وعقد الصلح. والإمارة علی قتال أهل الردّة ، وقتال أهل البغی ، وقتال المحاربین ، وولایة القضاء وولایة المظالم ، وولایة النقابة بقسمیها : العامّة والخاصّة ، وولایة إمامة الصلوات ، وإمارة الحجّ ، وولایة الدواوین بأقسامها ، وولایة الحسبة ، وغیرها من الولایات.

فمنها ما کان یخصُّ بالکتّاب والأدباء ، وآخر بالثقات ورجال العدل والنصفة ، وثالث بالأماجد والأشراف والمترفین ، ورابع بأُباة الضیم وأصحاب البسالة والفروسیّة ، وخامس بذوی الآراء والفکرة القویّة والدهاة ، وسادس بأعاظم العلویّین وأعیان العترة النبویّة ، وسابع بالفقهاء وأئمّة العلم والدین.

وهناک ما یخصُّ بجامع تلکم الفضائل ، ومجتمع هاتیک المآثر کسیّدنا الشریف ، ذلک المثل الأعلی فی الفضائل کلّها ، فعلی الباحث عن مواقفه ومقاماته ونفسیّاته الکریمة ، أن یقرأ ولو بصورة مصغّرة دروس المناصب التی کان یتولاّها الشریف ، فعندئذٍ یجد صورة مکبّرة تجاه عینیه ممثّلة من العلم ، والفقه ، والحکمة ، والثقة ، والسداد ، والأنفة ، والفتوّة ، والهیبة ، والعظمة ، والجلال ، والروعة ، والوفاء ، وعزّة النفس ، والرأی ، والحزم ، والعزم ، والبسالة ، والعفّة ، والسؤدد ، والکرم ، والإباء ، ف)

ص: 281


1- فی البدایة والنهایة : 11 / 335 : سنة 396 [11 / 385]. (المؤلف)

والغنی عن أیّ أحد ، قد حلّیت بالأدب والشعر ، ولا یراها إلاّ مثال الشریف الرضی.

تولّی الشریف نقابة الطالبیّین ، وإمارة الحاجّ والنظر فی المظالم سنة (380) وهو ابن (21) عاماً علی عهد الطائع ، وصدرت الأوامر بذلک من بهاء الدولة وهو بالبصرة سنة (397) ، ثمّ عهد إلیه فی (16) محرّم سنة (403) بولایة أمور الطالبیّین فی جمیع البلاد ، فدُعی - نقیب النقباء - ویقال : إنّ تلک المرتبة لم یبلغها أحد من أهل البیت إلاّ الإمام علیّ بن موسی الرضا علیه السلام ، الذی کانت له ولایة عهد المأمون ، وأُتیحت للشریف الخلافة علی الحرمین علی عهد القادر کما فی المجلّد الأوّل من شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید (1) ، وکان هو والولایات کما قیل :

لم تُشیِّدله الولایاتُ مجداً

لا ولا قیلَ رفّعتْ مقداره

بل کساها وقد تحزّمها الده

-رُ جلالاً وبهجةً ونضاره

وذکر تحلیل المناصب التی تولاّها سیّدنا الشریف وشروطها فی تآلیف علماء السلف وأفردوا فیها کتباً ، ونحن نأخذ مختصر ما فی الأحکام السلطانیّة للماوردی ، المتوفّی سنة (450).

النقابة :

النقابة موضوعة علی صیانة ذوی الأنساب الشریفة عن ولایة من لا یکافئهم فی النسب ، ولا یساویهم فی الشرف ؛ لیکون علیهم أحنی وأمره فیهم أمضی ، وهی علی ضربین : خاصّة وعامّة ، وأمّا الخاصّه فهو أن یقتصر بنظره علی مجرّد النقابة من غیر تجاوز لها إلی حکم وإقامة حدّ ، فلا یکون العلم معتبراً فی شروطها ، ویلزمه فی النقابة علی أهله من حقوق النظر اثنا عشر حقّا :

1 - حفظ أنسابهم من داخل فیها ولیس هو منها ، أو خارج عنها وهو منها ، 8.

ص: 282


1- شرح نهج البلاغة : 1 / 38.

فیلزمه حفظ الخارج منها کما یلزمه حفظ الداخل فیها ؛ لیکون النسب محفوظاً علی صحّته ، معزوّا إلی جهته.

2 - تمییز بطونهم ومعرفة أنسابهم ؛ حتی لا یخفی علیه منهم بنو أب ، ولا یتداخل نسب فی نسب ، ویثبتهم فی دیوانه علی تمییز أنسابهم.

3 - معرفة من وُلد منهم من ذکر أو أنثی فیثبته ، ومعرفة من مات منهم فیذکره ؛ حتی لا یضیع نسب المولود إن لم یثبته ، ولا یدّعی نسب المیّت غیره إن لم یذکره.

4 - أن یأخذهم من الآداب بما یضاهی شرف أنسابهم وکرم محتدهم ؛ لتکون حشمتهم فی النفوس موقورة ، وحرمة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فیهم محفوظة.

5 - أن ینزّههم عن المکاسب الدنیئة ، ویمنعهم من المطالب الخبیثة ؛ حتی لا یستقلَّ منهم مبتذل ، ولا یستضام منهم متذلّل.

6 - أن یکفّهم عن ارتکاب المآثم ، ویمنعهم من انتهاک المحارم ؛ لیکونوا علی الدین الذی نصره أغیر ، وللمنکر الذی أزالوه أنکَر ؛ حتی لا ینطق بذمِّهم لسان ، ولا یشنأهم إنسان.

7 - أن یمنعهم من التسلّط علی العامّة لشرفهم والتشطّط علیهم لنسبهم ، فیدعوهم ذلک إلی المقت والبغض ، ویبعثهم علی المناکرة والبعد ، ویندبهم إلی استعطاف القلوب وتألّف النفوس ؛ لیکون المیل إلیهم أوفی ، والقلوب لهم أصفی.

8 - أن یکون عوناً لهم فی استیفاء الحقوق حتی لا یضعفوا عنها ، وعوناً علیهم فی أخذ الحقوق منهم حتی لا یمنعوا منها ؛ لیصیروا بالمعونة لهم منتصفین ، وبالمعونة علیهم منصفین.

9 - أن ینوب عنهم فی المطالبة بحقوقهم العامّة فی سهم ذوی القربی فی الفیء

ص: 283

والغنیمة الذی لا یخصُّ به أحدهم ، حتی یقسم بینهم بحسب ما أوجبه الله لهم.

10 - أن یمنع أیاماهم أن یتزوّجن إلاّ من الأکفاء لشرفهنّ علی سائر النساء ، صیانة لأنسابهنّ ، وتعظیماً لحرمتهنّ ، أن یزوّجهنّ غیر الولاة ، أو ینکحهنّ غیر الکفاة.

11 - أن یقوّمَ ذوی الهفوات منهم فیما سوی الحدود بما لا یبلغ به حدّا ، ولا ینهر (1) به دماً ، ویقیل ذا الهیئة منهم عثرته ، ویغفر بعد الوعظ زلّته.

12 - مراعاة وقوفهم بحفظ أصولها وتنمیة فروعها ، وإذا لم یرد إلیه جبایتها راعی الجباة لها فیما أخذوه ، وراعی قسمتها إذا قسموه ، ومیّز المستحقّین لها إذا خصّت ، وراعی أوصافهم فیها إذا شرطت ؛ حتی لا یخرج منهم مستحقّ ، ولا یدخل فیها غیر محقّ.

النقابة العامة :

فعمومها أن یُرَدّ إلی النقیب فی النقابة علیهم - مع ما قدّمناه من حقوق النظر - خمسة أشیاء :

1 - الحکم بینهم فیما تنازعوا فیه.

2 - الولایة علی أیتامهم فیما ملکوه.

3 - إقامة الحدود علیهم فیما ارتکبوه.

4 - تزویج الأیامی اللاّتی لا یتعیّن أولیاؤهن ، أو قد تعیّنوا فعضلوهنّ.

5 - إیقاع الحجر علی من عته منهم أو سفه ، وفکّه إذا أفاق ورشد.

فیصیر بهذه الخمسة عامّ النقابة ، فیعتبر حینئذٍ فی صحّة نقابته وعقد ولایته أن ه.

ص: 284


1- أنهَرَ الدم : أساله.

یکون عالماً من أهل الاجتهاد ، لیصحَّ حکمه ، وینفذ قضاؤه .. إلی آخر ما فی الأحکام السلطانیّة (1) (ص 82 - 86) وهذه النقابة هی التی کانت ولایتها لسیّدنا المترجَم.

ولایة المظالم :

نظر المظالم : هو قود المتظالمین إلی التناصف بالرهبة ، وزجر المتنازعین عن التجاحد بالهیبة ، فکان من شروط الناظر فیها أن یکون جلیل القدر ، نافذ الأمر ، عظیم الهیبة ، ظاهر العفّة ، قلیل الطمع ، کثیر الورع ؛ لأنّه یحتاج فی نظره إلی سطوة الحماة ، وثبت القضاة ، فیحتاج إلی الجمع بین صفات الفریقین ، وأن یکون بجلالة القدر نافذ الأمر فی الجهتین ، فإن کان ممّن یملک الأمور العامّة کالوزراء والأمراء ، لم یحتج النظر فیها إلی تقلید وکان له بعموم ولایته النظر فیها ، وإن کان ممّن لم یفوّض إلیه عموم النظر احتاج إلی تقلید وتولیة إذا اجتمعت فیه الشروط المتقدّمة ، وهذا إنّما یصحّ فیمن یجوز أن یُختار لولایة العهد ، أو لوزارة التفویض ، أو لإمارة الأقالیم ، إذا کان نظره فی المظالم عامّا ، فإن اقتصر به علی تنفیذ ما عجز القضاة عن تنفیذه ، وإمضاء ما قصرت یدهم عن إمضائه ، جاز أن یکون دون هذه الرتبة فی القدر والخطر بعد أن لا تأخذه فی الحقِّ لومة لائم ، ولا یستشفّه الطمع إلی رشوة .. إلی آخر ما فی الأحکام السلطانیة (2) (ص 64 - 82).

الولایة علی الحج :

الولایة علی الحجِّ ضربان :

أحدهما : أن تکون علی تسییر الحجیج. 5.

ص: 285


1- الأحکام السلطانیة : 2 / 96 - 97.
2- الأحکام السلطانیة : 2 / 77 - 95.

والثانی : علی إقامة الحجّ.

فأمّا تسییر الحجیج ، فهو ولایة سیاسة وزعامة وتدبیر.

والشروط المعتبرة فی المولّی : أن یکون مطاعاً ، ذا رأی وشجاعة ، وهیبة وهدایة ، والذی علیه فی حقوق هذه الولایة عشرة أشیاء :

1 - جمع الناس فی مسیرهم ونزولهم ؛ حتی لا یتفرّقوا فیخاف علیهم التَّوی (1) والتغریر.

2 - ترتیبهم فی المسیر والنزول بإعطاء کلّ طائفة منهم مقاداً ؛ حتی یعرف کلُ فریق منهم مقاده إذا سار ، ویألف مکانه إذا نزل ، فلا یتنازعون فیه ولا یضلّون عنه.

3 - یرفق بهم فی السیر ، حتی لا یعجز عنه ضعیفهم ، ولا یضلَّ عنه منقطعهم ،

وروی عن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم أنّه قال : «الضعیف أمیر الرفقة».

یرید أنّ من ضعفت دوابّه کان علی القوم أن یسیروا بسیره.

4 - أن یسلک بهم أوضح الطرق وأخصبها ، ویتجنّب أجدبها وأوعرها.

5 - أن یرتاد لهم المیاه إذا انقطعت والمراعی إذا قلّت.

6 - أن یحرسهم إذا نزلوا ویحوطهم إذا رحلوا ؛ حتی لا یتخطّفهم داعر ، ولا یطمع فیهم متلصِّص.

7 - أن یمنع عنهم من یصدّهم عن المسیر ، ویدفع عنهم من یحصرهم عن الحجِ بقتال إن قدر علیه ، أو ببذل مال إن أجاب الحجیج إلیه ، ولا یسعه أن یجبر أحداً علی بذل الخفارة إن امتنع منها ، حتی یکون باذلاً لها عفواً ومجیباً إلیها طوعاً ، فإنّ بذل المال علی التمکین من الحجّ لا یجب. ک.

ص: 286


1- التَّوی - بفتح التاء - : الهلاک. من (توی) بوزن (رضی) : أی هلک.

8 - أن یصلح بین المتشاجرین ویتوسّط بین المتنازعین ، ولا یتعرّض للحکم بینهم إجباراً إلاّ أن یفوّض الحکم إلیه ، فیُعتبر فیه أن یکون من أهله فیجوز له حینئذٍ الحکم بینهم ، فإن دخلوا بلداً فیه حاکم جاز له ولحاکم البلد أن یحکم بینهم ، فأیّهما حکم نفذ حکمه.

9 - أن یقوِّم زائغهم ، ویؤدِّب خائنهم ، ولا یتجاوز التعزیر إلی الحدّ ، إلاّ أن یُؤذن له ، فیستوفیه إن کان من أهل الاجتهاد فیه.

10 - أن یراعی اتّساع الوقت حتی یؤمن الفوات ولا یلجئهم ضیقه إلی الحثّ فی السیر ، فإذا وصل إلی المیقات أمهلهم للإحرام وإقامة سننه.

وأمّا الولایة علی إقامة الحجّ ، فالوالی فیه بمنزلة الإمام فی إقامة الصلوات ، فمن شروط الولایة علیه مع الشروط المعتبرة فی أئمّة الصلوات : أن یکون عالماً بمناسک الحجّ وأحکامه ، عارفاً بمواقیته وأیّامه ، وتکون مدّة ولایته مقدّرة بسب عة أیّام ، أوّلها من صلاة الظهر فی الیوم السابع من ذی الحجّة ، وآخرها یوم الثالث عشر من ذی الحجّة ، وعلی الذی یختصُّ بولایته خمسة أحکام متّفق علیها وسادس مختلف فیه ، ألا وهی :

1 - إشعار الناس بوقت إحرامهم والخروج إلی مشاعرهم ؛ لیکونوا له متّبعین وبأفعاله مقتدین.

2 - ترتیبهم للمناسک علی ما استقرَّ الشرع علیه لأنّه متبوعٌ فیها ، فلا یقدِّم مؤخَّراً ولا یؤخِّر مقدَّماً ، سواء کان الترتیب مستحقّا أو مستحبّا.

3 - تقدیر المواقف بمقامه فیها ومسیره عنها ، کما تقدّر صلاة المأمومین بصلاة الإمام.

4 - اتِّباعه فی الأرکان المشروعة فیها ، والتأمین علی أدعیته بها لیتّبعوه فی القول کما اتّبعوه فی العمل.

ص: 287

5 - إمامتهم فی الصلوات.

وأمّا السادس المختلف فیه : حکمه بین الحجیج فیما لا یتعلّق بالحجّ ، وإقامة التعزیر والحدّ فی مثله (1). انتهی.

تولّی الشریف الرضی هذه الإمارة منذ صباه فی أکثر أیّام حیاته ، ووزیراً لأبیه ونائباً عنه ومستقلاّ بها من سنة (380) ، وله فیها مواقف عظیمة سجّلها التاریخ وأبقی له ذکری خالدة.

قال أبو القاسم بن فهد الهاشمی فی إتحاف الوری بأخبار أُمّ القری (2) فی حوادث سنة (389) : حجَّ فیها الشریفان المرتضی والرضی فاعتقلهما فی الطریق ابن الجرّاح الطائی ، فأعطیاه تسعة آلاف دینار من أموالهما.

ولادته ووفاته :

وُلد الشریف الرضی ببغداد سنة (359) بإطباق من المؤرِّخین ، ونشأ بها (3) وتوفّی بها یوم الأحد (4) محرّم (5) سنة (406) کما فی فهرس النجاشی (6) ، وتاریخ بغداد للخطیب (6) ، وعمدة الطالب (7) ، والخلاصة (8) ، وغیرها. 6.

ص: 288


1- الأحکام السلطانیة : 2 / 108 - 112.
2- إتحاف الوری فی أخبار أُمّ القری : 2 / 426.
3- قال جرجی زیدان فی تاریخ آداب اللغة : 2 / 257 [مؤلّفات جرجی زیدان الکاملة : مج 14 / 92] : وکان یقیم فی سرَّ من رأی (سامرّاء). وکم له لدة هذا فی تاریخه مما یمیط الستر عن جهله بتاریخ الشیعة ورجالهم! (المؤلف)
4- تاریخ بغداد : 2 / 247 رقم 715.
5- فی تاریخ ابن خلّکان [4 / 419 رقم 667] : وقیل : فی صفر. وفی تاریخ ابن کثیر [12 / 5] : خامس المحرّم. (المؤلف)
6- رجال النجاشی : ص 398 رقم 1065.
7- عمدة الطالب فی أنساب آل أبی طالب : ص 210.
8- رجال العلاّمة الحلّی : ص 164 رقم 176.

فما فی شذرات الذهب (1) : أنَّه توفّی بکرة الخمیس ، فهو من خطأ النسّاخ ، فإنّه نقله عن تاریخ ابن خلّکان ، وفی التاریخ بکرة یوم الأحد لا الخمیس. وأمّا ما فی دائرة المعارف لفرید وجدی (4 / 253) من أنّه توفّی (404) فأحسبه مأخوذاً من شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید ، أو أنّه خطأ من الناسخ ، وقد أرّخه فرید وجدی صحیحاً فی دائرة المعارف (9 / 487) ب (6) محرم سنة (406) ، وقد رثی الشریف الرضی معاصره أبا الحسن أحمد بن علیّ البتّی المتوفّی سنة (405) فی شعبان بقصیدة توجد فی دیوانه (2) (1 / 138) ، وقال جامع الدیوان : وبعده بشهور توفّی الرضی رضی الله عنه.

وعند وفاته حضر إلی داره الوزیر أبو غالب فخر الملک وسائر الوزراء والأعیان والأشراف والقضاة حفاة ومشاة ، وصلّی علیه فخر الملک ودُفن فی داره الکائنة فی محلّة الکرخ بخطِّ مسجد الأنباریّین (3) ، ولم یشهد جنازته أخوه الشریف المرتضی ولم یصلِّ علیه ، ومضی من جزعه علیه إلی [مشهد] الإمام موسی بن جعفر علیهما السلام ، لأنّه لم یستطع أن ینظر إلی تابوته ، ومضی فخر الملک بنفسه آخر النهار إلی أخیه المرتضی بالمشهد الکاظمی فألزمه بالعود إلی داره.

ذکر کثیر من المؤلِّفین نقل جثمانه إلی کربلاء المشرّفة بعد دفنه فی داره بالکرخ فدُفن عند أبیه أبی أحمد الحسین بن موسی ، ویظهر من التاریخ أنّ قبره کان فی القرون الوسطی مشهوراً معروفاً فی الحائر المقدّس.

قال صاحب عمدة الطالب (4) : وقبره فی کربلاء ظاهر معروف.

وقال (5) فی ترجمة أخیه المرتضی : دُفن عند أبیه وأخیه ، وقبورهم ظاهرة مشهورة. 5.

ص: 289


1- شذرات الذهب : 5 / 46 حوادث سنة 406 ه.
2- دیوان الشریف الرضی : 1 / 170.
3- یُنسب إلیهم لکثرة من سکنه منهم. (المؤلف)
4- عمدة الطالب فی أنساب آل أبی طالب : ص 210.
5- عمدة الطالب : ص 205.

وقال الرفاعی المتوفّی (885) فی صحاح الأخبار (ص 62) : نُقل المرتضی إلی مشهد الحسین بکربلا کأبیه وأخیه ودُفن هناک ، وقبره ظاهر معروف.

وهذا قریبٌ إلی الاعتبار ؛ لأنّ بنی إبراهیم المجاب قطنوا الحائر المقدّس وجاوروا الإمام السبط - سلام الله علیه - فدفن فیه إبراهیم المذکور بمقربة ممّا یلی رأس قبر الإمام علیه السلام فاتّخذ بنوه تربته مدفناً لهم ، وکان من قطن منهم بغداد أو البصرة کبنی موسی الأبرش یُنقل بعد موته إلی تربة جدِّه ، وقد ثبت أنّ والد الشریف المترجَم نُقل إلی الحائر المقدّس قبل دفنه ودُفن بها ، أو دُفن فی داره أوّلاً ثمّ نُقل إلی مشهد الحسین کما فی المنتظم لابن الجوزی (1) (7 / 247) ، وصحَّ أیضاً نقل جثمان الشریف علم الهدی المرتضی إلی الحائر بعد دفنه فی داره ، وکانت تولیة تلک التربة المقدّسة بیدهم ، وما کان یُدفن هناک أیّ أحد إلاّ بإجازةٍ منهم ، کما مرَّ فی ترجمة الوزیر أبی العبّاس الضبّی فی هذا الجزء (ص 106).

وقد رثی الشریف الرضی غیر واحد ممّن عاصروه ، وفی مقدّمهم أخوه علم الهدی بقوله :

یا للرجالِ لفجعةٍ جذمتْ یدی

ووددتُ لو ذهبتْ علیَّ براسی

ما زلت أحذرُ وقعَها حتی أتت

فحسوتُها فی بعضِ ما أنا حاسی

ومطلتُها زمناً فلمّا صمّمتْ

لم یُجدِنی مَطْلی وطولُ مکاسی

لا تنکروا من فیض دمعی عبرةً

فالدمعُ غیرُ مساعدٍ ومُواسی

لله عمرک من قصیرٍ طاهرِ

ولَرُبَّ عمرٍ طال بالأدناسِ (2)

وممّن رثاه تلمیذه فی الأدب مهیار الدیلمی - المترجَم فی شعراء القرن الخامس - رثاه بقصیدتین إحداهما ذات (70) بیتاً توجد فی دیوانه (3 / 366) ، مستهلّها : 7.

ص: 290


1- المنتظم : 15 / 72 رقم 3017.
2- دیوان الشریف المرتضی : 1 / 577.

من جبَّ غاربَ هاشمٍ وسنامَها

ولوی لویّا فاستزلَّ مقامَها

وغزا قریشاً بالبطاحِ فلفّها

بیدٍ وقوّض عزَّها وخیامَها

وأناخ فی مُضَرٍ بکلکلِ خسفِهِ

یستامُ واحتملتْ له ما سامها

من حلَّ مکّةَ فاستباح حریمَها

والبیتُ یشهد واستحلَّ حرامَها

ومضی بیثربَ مزعجاً ما شاء من

تلک القبورِ الطاهراتِ عظامَها

یبکی النبیُّ ویستنیحُ لفاطمٍ

بالطفِّ فی أبنائِها أیّامَها

الدینُ ممنوعُ الحمی من راعه

والدارُ عالیةُ البِنا ، من رامها

أتناکرتْ أیدی الرجالِ سیوفَها

فاستسلمت أم أنکرتْ إسلامَها

أم غالَ ذا الحسَبینِ حامیَ ذودِها

قدرٌ أراحَ علی الغدوّ سوامَها

وقصیدته الأخری (40) بیتاً توجد فی دیوانه (1 / 249) مطلعها :

أقریشُ لا لفمٍ أراکِ ولا یدِ

فتواکلی غاض الندی وخلا الندی

ولشهرة القصیدتین ووجودهما فی غیر واحد من الکتب والمعاجم فضلاً عن دیوان مهیار ، ضربنا عنهما صفحاً.

ومن نماذج شعر الشریف الرضی فی المذهب قوله یفتخر بأهل البیت ویذکر قبورهم ویتشوّق إلیها :

ألا لله بادرةُ الطلابِ

وعزمٌ لا یُرَوَّعُ بالعتابِ

وکلّ مشمّرِ البُردینِ یهوی

هویَّ المصلَتات إلی الرقابِ

أعاتبُه علی بُعد التنائی

ویعذلنی علی قربِ الإیابِ

رأیت العجزَ یخضع للّیالی

ویرضی عن نوائبِها الغضابِ

ولولا صولةُ الأیّام دونی

هجمتُ علی العلی من کلِّ بابِ

ومن شیمِ الفتی العربیِّ فینا

وصالُ البیضِ والخیلِ العرابِ

ص: 291

له کِذْبُ الوعیدِ من الأعادی

ومن عاداتِهِ صدقُ الضرابِ

سأدّرع الصوارمَ والعوالی

وما عُرِّیتُ من خِلَعِ الشبابِ

وأشتملُ الدجی والرکبُ یمضی

مضاءَ السیف شذَّ عن القرابِ

وکم لیلٍ عبأتُ له المطایا

ونارُ الحیِّ حائرةُ الشهابِ

لقیتُ الأرضَ شاحبةَ المحیّا

تَلاعبُ بالضراغمِ والذئابِ

فَزِعتُ إلی الشحوبِ وکنتُ طَلْقاً

کما فَزِعَ المشیبُ إلی الخضابِ

ولم نرَ مثلَ مُبیضِّ النواحی

تعذّبُهُ بِمُسودِّ الإهابِ

أبیتُ مضاجعاً أملی وإنّی

أری الآمالَ أشقی للرکابِ

إذا ما الیأس خیّبنا رجونا

فشجَّعَنا الرجاءُ علی الطلابِ

أقول إذا استطار من السواری

زَفونُ القطرِ رقّاصُ الحَبابِ (1)

کأنّ الجوَّ غصَّ به فأوما

لیقذفَهُ علی قممِ الشعابِ

جدیرٌ أن تصافحه الفیافی

ویسحبَ فوقها عَذَبَ الربابِ (2)

إذا هتم التلاع رأیتَ منه

رضاباً فی ثنیّاتِ الهضابِ (3)

سقی اللهُ المدینةَ من محلٍ

لُبابَ الماءِ والنطَفِ العذابِ

وجادَ علی البقیعِ وساکنیه

رخیُّ الذیلِ ملآنُ الوطابِ

وأعلامَ الغریّ وما استباحتْ

معالمُها من الحسب اللبابِ

وقبراً بالطفوف یضمُّ شلواً

قضی ظمأً إلی بَرد الشرابِ

وبغدادٍ وسامرّا وطوسٍ

هطولُ الودْقِ منخرقُ العبابِ].

ص: 292


1- زفون القطر : دفاع المطر. الحَباب : فقاقیع الماء. (المؤلف)
2- الرباب : السحاب الأبیض. (المؤلف) [العَذَب : جمع عَذَبة ، وهی طرف الشیء].
3- التلاع - جمع التلعة - : ما علا الأرض ، ما سفل منها. الهضاب : أعالی الجبال. (المؤلف) [وفی لسان العرب : الهضبة : الجبل المنبسط].

قبورٌ تنطُفُ العبراتُ فیها

کما نطفَ الصبیرُ علی الروابی (1)

فلو بَخِلَ السحابُ علی ثراها

لذابتْ فوقَها قِطَعُ السرابِ

سقاکَ فکم ظمئتُ إلیک شوقاً

علی عُدواء داری واقترابی

تجافی یا جَنُوبَ الریح عنِّی

وصونی فضلَ بُردکِ عن جنابی

ولا تسری إلیَّ مع اللیالی

وما استحقبت من ذاکَ الترابِ (2)

قلیلٌ أن تُقادَ له الغوادی

وتُنحَرَ فیه أعناقُ السحابِ (3)

أما شَرِقَ الترابُ بساکنیه

فیلفظهمْ إلی النعم الرغابِ

فکم غدتِ الضغائنُ وهی سکری

تدیرُ علیهمُ کأسَ المصابِ

صلاةُ اللهِ تخفقُ کلَّ یوم

علی تلکَ المعالمِ والقبابِ

وإنّی لا أزالُ أکرُّ عزمی

وإن قلّتْ مساعدةُ الصحابِ

وأخترقُ الریاحَ إلی نسیمٍ

تَطلّعَ من تراب أبی ترابِ

بودّی أن تطاوعَنی اللیالی

وینشَبَ فی المنی ظفری ونابی

فأرمی العیسَ نحوکمُ سهاماً

تغلغلُ بین أحشاءِ الروابی

ترامی باللُّغامِ علی طلاها

کما انحدر الغثاء عن العقابِ (4)

وأجنُبُ بینها خُرْقَ المذاکی

فأملی باللُّغامِ علی اللغابِ (5)

لعلّی أن أبلَّ بکم غلیلاً

تغلغلَ بین قلبی والحجابِ

فما لُقیاکُمُ إلاّ دلیلٌ

علی کنزِ الغنیمةِ والثوابِ

ولی قبرانِ بالزوراءِ أشفی

بقربِهما نزاعی واکتئابیف)

ص: 293


1- نطف : سال. الصبیر : السحاب الذی یصیر بعضه فوق بعض. (المؤلف)
2- استحقبت : ادّخرت. (المؤلف)
3- الغوادی - جمع الغادیة - : وهی السحابة. (المؤلف)
4- اللغام : لعاب الإبل. الطلی : العنق. الغثاء : البالی من ورق الشجر المخالط زبد السیل. العقاب - جمع عقبة - : مرقی صعب من الجبال. (المؤلف)
5- أجنُب : أقود. اللغاب : السهم لم یُحسن بریه. (المؤلف)

أقودُ إلیهما نفسی وأهدی

سلاماً لا یحیدُ عن الجوابِ

لقاؤهما یطهِّر من جنانی

ویدرأُ عن ردائی کلَّ عابِ

قسیمُ النارِ جدّی یوم یلقی (1)

به باب النجاة من العذابِ

وساقی الخلقِ والمهجاتُ حرّی

وفاتحةُ الصراطِ إلی الحسابِ

ومن سمحتْ بخاتمِهِ یمینٌ (2)

تضِنُّ بکلّ عالیةِ الکعابِ

أما فی بابِ خیبرَ معجزاتٌ

تُصَدَّقُ أو مناجاةُ الحُبابِ (3)

أرادت کیدَهُ والله یأبی

فجاءَ النصرُ من قِبَلِ الغرابِ (4)

أهذا البدرُ یُکسَفُ بالدیاجی

وهذی الشمسُ تُطمَسُ بالضبابِ

وکان إذا استطال علیه جانٍ

یری ترکَ العقابِ من العقابِ

أری شعبانَ یُذْکِرُنی اشتیاقی

فمن لی أن یذکّرکم ثوابی

بکم فی الشعرِ فخری لا بشعری

وعنکم طالَ باعی فی الخطابِ

أُجَلّ عن القبائحِ غیر أنّی

لکم أرمی وأُرمی بالسبابِ

فأجهرُ بالولاءِ ولا أُوَرّی

وأنطقُ بالبراءِ ولا أحابی

ومن أولی بکم منّی ولیّا

وفی أیدیکمُ طَرَفُ انتسابی

محبّکمُ ولو بغضتْ حیاتی

وزائرُکمْ ولو عقرتْ رکابی

تُباعِدُ بیننا غِیَرُ اللیالی

ومرجِعُنا إلی النسب القرابِ (5)

وقال یرثی الإمام السبط المفدّی الحسین بن علیّ علیهما السلام فی یوم عاشوراء سنة (391): 3.

ص: 294


1- أشار إلی حدیث مرّ بیانه فی : 3 / 299. (المؤلف)
2- أشار إلی تصدّقه بخاتمه ، وقد مرّ حدیثه : 2 / 47 و 3 / 155 - 162. (المؤلف)
3- الحُباب : الحیّة.
4- أشار إلی حدیث الحُباب الذی أسلفناه : 2 / 241 - 242. (المؤلف)
5- دیوان الشریف الرضی : 1 / 113.

هذی المنازلُ بالغمیمِ فنادِها

واسکبْ سخیَّ العینِ بعد جمادِها

إن کان دَیْنٌ للمعالمِ فاقضِه

أو مهجةٌ عند الطلولِ ففادِها

یاهل تَبُلُّ من الغلیلِ إلیهمُ

إشرافةٌ للرکبِ فوق نجادِها

نُؤیٌ کمنعطف الحنیّةِ دونَهُ

سُحُم الخدودِ لهنّ إرثُ رمادِها

ومناطُ أطنابٍ ومقعدُ فِتْیةٍ

تخبو زنادُ الحَیّ غیرَ زنادِها

ومَجَرُّ أرسانِ الجیادِ لِغلمةٍ

سجفوا البیوتَ بشقرِها وورادِها

ولقد حبستُ علی الدیارِ عصابةً

مضمومةَ الأیدی إلی أکبادِها

حسری تجاوبُ بالبکاءِ عیونُها

وتعطُّ بالزفراتِ فی أبرادِها

وقفوا بها حتی کأنّ مطیَّهمْ

کانت قوائمُهنّ من أوتادِها

ثمّ انثنتْ والدمعُ ماءُ مزادِها

ولواعجُ الأشجانِ من أزوادِها

من کلِّ مشتملٍ حمائِلَ رنّةٍ

قطْرُ المدامعِ من حُلیِّ نجادِها

حیّتکَ بل حیّتْ طلوعَکَ دیمةٌ

یشفی سقیمَ الربعِ نفثُ عِهادِها

وغدتْ علیک من الخمائل یَمنةٌ

تستامُ نافقةً علی روّادِها (1)

هل تطلبونَ من النواظرِ بعدَکم

شیئاً سوی عبراتِها وسُهادِها

لم یبقَ ذُخرٌ للمدامعِ عنکمُ

کلاّ ولا عینٌ جری لرقادِها

شغلَ الدموعَ عن الدیارِ بکاؤنا

لبکاءِ فاطمةٍ علی أولادِها

لم یخلُفوها فی الشهیدِ وقد رأی

دُفَعَ الفراتِ یُذادُ عن أورادِها (2)

أَتُری دَرَتْ أنّ الحسینَ طریدةٌ

لِقَنا بنی الطرداءِ عند ولادِها

کانت مآتمُ بالعراقِ تعدُّها

أمویَّةٌ بالشام من أعیادِها

ما راقبتْ غضبَ النبیِّ وقد غدا

زرعُ النبیِّ مظنّةً لحصادِها

باعتْ بصائرَ دینِها بضلالِها

وشَرَتْ معاطبَ غیِّها برشادِهات.

ص: 295


1- الخمائل - جمع خمیلة - : القطیفة. الیمنة : بُرد یمنی. تستام : تسأل السوم. (المؤلف).
2- دُفَع - جمع دفعة - : دفقة المطر ، استعارها للفرات.

جعلتْ رسولَ اللهِ من خُصَمائِها

فلبئس ما ذخرتْ لیومِ معادِها

نسلُ النبیِّ علی صعابِ مطیِّها

ودمُ النبیِّ علی رءوس صِعادِها

وا لهفتاهُ لعصبةٍ علویّةٍ

تبعتْ أُمیّةَ بعد عزِّ قیادِها

جعلتْ عِرانَ الذلِّ فی آنافِها

وعِلاطَ وسْمِ الضیمِ فی أجیادِها (1)

زعمتْ بأنّ الدینَ سوّغَ قتلَها

أوَلیس هذا الدینُ عن أجدادِها

طلبتْ تراثَ الجاهلیّةِ عندَها

وشفتْ قدیمَ الغِلِّ من أحقادِها

واستأثرتْ بالأمر عن غُیّابِها

وقضتْ بما شاءت علی شُهّادِها

اللهُ سابقُکمْ إلی أرواحِها

وکسبتمُ الآثامَ فی أجسادِها

إن قُوِّضتْ تلک القبابُ فإنّما

خرّتْ عمادُ الدین قبل عمادِها

إنّ الخلافةَ أصبحتْ مزویّةً

عن شعبِها ببیاضِها وسوادِها

طمسَتْ منابرَها علوجُ أمیّةٍ

تنزو ذئابُهمُ علی أعوادِها

هی صفوةُ اللهِ التی أوحی لها

وقضی أوامِرهُ إلی أمجادِها

أخذتْ بأطرافِ الفخارِ فعاذرٌ

أن یصبحَ الثقَلانِ من حسّادِها

الزهدُ والأحلامُ فی فتّاکِها

والفتکُ لو لا اللهُ فی زهّادِها

عُصَبٌ یُقمَّطُ بالنجادِ ولیدُها

ومُهُودُ صبیتِها ظهورُ جیادِها

تروی مناقبَ فضلِها أعداؤها

أبداً وتسندُه إلی أضدادِها

یا غیرةَ اللهِ اغضبی لنبیِّه

وتزحزحی بالبیضِ عن أغمادِها

من عصبةٍ ضاعتْ دماءُ محمدٍ

وبنیه بین یزیدِها وزیادِها

صفداتُ مالِ اللهِ ملءُ أکُفِّها

وأکفُّ آلِ اللهِ فی أصفادِها (2)

ضربوا بسیف محمدٍ أبناءَهُ

ضربَ الغرائبِ عُدنَ بعد ذِیادِهاف)

ص: 296


1- العِران : عود یُجعل فی أنف البعیر. العلاط : حبل یُجعل فی عنق البعیر. (المؤلف)
2- الصفدات - من الصفد - : العطاء ، والأصفاد : الأغلال. (المؤلف)

قد قلتُ للرکبِ الطلاحِ کأنّهمْ

رُبْدُ النسور علی ذری أطوادِها (1)

یحدو بعُوجٍ کالحنیِّ أطاعَهُ

مُعتاصُها فطغی علی مُنقادِها (2)

حتی تخیّلَ من هِباب رقابها

أعناقَها فی السیرِ من أعدادِها (3)

قف بی ولو لوثَ الإزارِ فإنّما

هی مهجةٌ علِقَ الجوی بفؤادِها (4)

بالطفِّ حیث غدا مُراقُ دمائِها

ومُناخُ أینُقِها لیومِ جِلادِها

القفرُ من أرواقِها والطیر من طرّا

قها والوحشُ من عُوّادِها

تجری لها حَبَبُ الدموعِ وإنّما

حبُّ القلوبِ یکنُّ من أمدادها

یا یومَ عاشوراءَ کم لک لوعةٍ

تترقّصُ الأحشاءُ من إیقادِها

ما عدتَ إلاّ عاد قلبی غلّةٌ

حرّی ولو بالغتُ فی إبرادِها

مثلُ السلیمِ مضیضةٌ آناؤه

خُزْرُ العیونِ تعودُهُ بعدادِها

یا جدُّ لا زالتْ کتائبُ حسرةٍ

تغشی الضمیرَ بکرِّها وطرادِها

أبداً علیک وأدمعٌ مسفوحةٌ

إن لم یراوحْها البکاءُ یغادِها

هذا الثناءُ وما بلغتُ وإنّما

هی حلبةٌ خلعوا عِذارَ جوادِها

أأقول جادَکمُ الربیعُ وأنتمُ

فی کلِّ منزلةٍ ربیعُ بلادِها

أم أستزیدُ لکم عُلیً بمدائحی

أینَ الجبالُ من الربی ووهادِها

کیف الثناءُ علی النجوم إِذا سمتْ

فوقَ العیون إلی مدی أبعادها

أغنی طلوعُ الشمسِ عن أوصافِها

بجلالِها وضیائِها وبعادِها (5)0.

ص: 297


1- الطَّلِح : المهزول والمعیا ، والجمع أطلاح. الربدة : الغبرة ، یقال : أربد لونه : تغیّر. وتربّد الرجل : تعبّس. (المؤلف)
2- العوج - جمع عوجاء - : الناقة السیّئة الخلق.
3- الهباب : النشاط والسرعة. الأعداد - جمع عدّ - : الماء الجاری لا ینقطع.
4- لاث الإزار : أداره مرّتین علی بدنه ، والتعبیر کنایة عن قصر فترة الوقوف ؛ والمراد : قف بی ولو قلیلاً.
5- دیوان الشریف الرضی : 1 / 360.

وقال یرثی جدّه الإمام السبط الشهید فی عاشوراء سنة (377):

صاحت بِذَودیَ بغدادٌ فآنسنی

تقلّبی فی ظهورِ الخیلِ والعیرِ

وکلّما هَجْهَجَتْ بی عن منازِلها

عارضتُها بجَنانٍ غیرِ مذعورِ

أطغی علی قاطنیها غیرَ مکترثٍ

وأفعلُ الفعلَ فیها غیرَ مأمورِ

خطبٌ یهدِّدنی بالبعدِ عن وطنی

وما خُلقتُ لغیر السرجِ والکورِ

إنّی وإن سامنی ما لا أقاومه

فقد نجوتُ وقِدحی غیرُ مقمورِ

عجلانَ ألبسُ وجهی کلَّ داجیةٍ

والبَرُّ عریانُ من ظبیٍ ویعفورِ

ورُبَّ قائلةٍ والهمُّ یُتحِفُنی

بناظرٍ من نطافِ الدمعِ ممطورِ

خفِّضْ علیک فللأحزانِ آونةٌ

وما المقیمُ علی حُزنٍ بمعذورِ

فقلت هیهات فات السمع لائمه

لا یُفهَمُ الحزنُ إلاّ یومَ عاشورِ

یومٌ حدا الظُّعْنَ فیه بابن فاطمةٍ

سنانُ مطّردِ الکعبینِ مطرُورِ (1)

وخرَّ للموتِ لا کفٌّ تقلِّبُهُ

إلاّ بوطءٍ من الجُردِ المحاضیرِ

ظمآنَ سلّی نجیعُ الطعنِ غُلّتَهُ

عن باردٍ من عُبَابِ الماءِ مقرورِ (2)

کأنّ بیضَ المواضی وهی تنهبُهُ

نارٌ تحکّم فی جسمٍ من النورِ

لله مُلقیً علی الرمضاء عضَّ به

فمُ الردی بین إقدامٍ وتشمیرِ

تحنو علیه الربی ظلاّ وتسترُهُ

عن النواظرِ أذیالُ الأعاصیرِ (3)

تهابُه الوحشُ أن تدنو لمصرعِهِ

وقد أقامَ ثلاثاً غیرَ مقبورِ

وموردٌ غمراتِ الضربِ غُرّتَهُ

جرّتْ إلیه المنایا بالمصادیرِ

ومُستطیلٌ علی الأزمان یقدرُها

جنی الزمانُ علیها بالمقادیرِ

أغری به ابنَ زیادٍ لؤمُ عنصرِهِ

وسعیُهُ لیزیدٍ غیرُ مشکورِف)

ص: 298


1- المطرور : المحدّد.
2- مقرور - من القرّ - : البرد. (المؤلف)
3- الأعاصیر - جمع الإعصار - : ریح ترتفع بالتراب. (المؤلف)

وودّ أن یتلافی ما جنتْ یدُهُ

وکان ذلک کسراً غیر مجبورِ

تُسبی بناتُ رسولِ اللهِ بینهمُ

والدینُ غضُّ المبادی غیرُ مستورِ

إن یظفرِ الموتُ منّا بابن مُنجِبَةٍ

فطالما عادَ ریّانَ الأظافیرِ

یلقی القنا بجبینٍ شانَ صفحتَهُ

وقعُ القنا بین تضمیخٍ وتعفیرِ

من بعد ما ردَّ أطرافَ الرماحِ به

قلبٌ فسیحٌ ورأیٌ غیرُ محصورِ

والنقعُ یسحبُ من أذیالِهِ وله

علی الغزالةِ جیبٌ غیرُ مزرورِ

فی فیلقٍ شرقٍ بالبیضِ تحسبُه

برْقاً تدلّی علی الآکام والقورِ (1)

بنی أمیّةَ ما الأسیافُ نائمةٌ

عن شاهرٍ فی أقاصی الأرض موتورِ

والبارقاتُ تلوّی فی مغامدها

والسابقاتُ تمطّی فی المضامیرِ

إنّی لأرقبُ یوماً لا خفاءَ له

عریانَ یقلقُ منهُ کلُّ مغرورِ

وللصوارمِ ما شاءتْ مضاربُها

من الرقابِ شرابٌ غیرُ منزورِ

أکلَّ یومٍ لآلِ المصطفی قمرٌ

یهوی بوقعِ العوالی والمباتیرِ

وکلَّ یومٍ لهم بیضاءُ صافیةٌ

یشوبُها الدهرُ من رنقٍ وتکدیرِ

مغوارُ قومٍ یروعُ الموتُ من یدِهِ

أمسی وأصبح نهباً للمغاویرِ

وأبیضُ الوجهِ مشهورٌ تغطرفُهُ

مضی بیومٍ من الأیّام مشهورِ

مالی تعجّبتُ من همّی ونَفرتِهِ

والحزن جرحٌ بقلبی غیرُ مسبورِ

بأیّ طرفٍ أری العلیاء إن نَضَبت

عینی ولجلجْتُ عنها بالمعاذیرِ

ألقی الزمانَ بِکَلْمٍ غیرِ مندملٍ

عمرَ الزمانِ وقلبٍ غیرِ مسرورِ

یا جدِّ لا زالَ لی همٌّ یحرّضُنی

علی الدموعِ ووجدٌ غیرُ مقهورِ

والدمعُ تحفزُهُ عینٌ مؤرَّقةٌ

حفزَ الحنیّة عن نزعٍ وتوتیرِ

إنّ السلوَّ لمحظورٌ علی کبدی

وما السلوُّ علی قلبٍ بمحظورِ (2)7.

ص: 299


1- القور - جمع القارة - : الجبل الصغیر المنقطع عن الجبال. (المؤلف)
2- دیوان الشریف الرضی : 1 / 487.

وقال یرثی سیّدنا الإمام الشهید فی یوم عاشوراء سنة (387):

راحلٌ أنت واللیالی نُزولُ

ومضرٌّ بک البقاءُ الطویلُ

لا شجاعٌ یبقی فیعتنقُ ال

-بیضَ ولا آملٌ ولا مأمولُ

غایةُ الناسِ فی الزمانِ فناءٌ

وکذا غایةُ الغصونِ الذبولُ

إنّما المرءُ للمنیّةِ مخبو

ءٌ وللطعنِ تُستجَمُّ الخیولُ

من مَقِیلٍ بین الضلوعِ إلی طو

ل عناءٍ وفی الترابِ مقیلُ (1)

فهو کالغیمِ ألَّفته جَنوبٌ

یومَ دُجْنٍ ومزّقتْهُ قَبولُ (2)

عادةٌ للزمان فی کلِّ یومٍ

یتناءی خِلٌّ وتبکی طلولُ

فاللّیالی عونٌ علیکَ مع البی

-نِ کما ساعدَ الذوابلَ طولُ

ربّما وافقَ الفتی من زمانٍ

فرحٌ غیرُهُ بهِ متبولُ (3)

هی دنیا إن واصلتْ ذا جفته

-ذا ملالاً کأنّها عطبولُ (4)

کلُّ باکٍ یُبکی علیه وإن طا

ل بقاءٌ والثاکلُ المثکولُ

والأمانیُّ حسرةٌ وعناءٌ

للذی ظنَّ أنّها تعلیلُ

ما یُبالی الحِمام أین ترقّی

بعد ما غالتِ ابنَ فاطمَ غولُ

أیُّ یومٍ أدمی المدامعَ فیه

حادثٌ رائعٌ وخطبٌ جلیلُ

یومُ عاشوراءَ الذی لا أعان ال

-صحبُ فیهِ ولا أجار القبیلُ

یا ابن بنتِ الرسولِ ضیّعَتِ العه

-دَ رجالٌ والحافظون قلیلُ

ما أطاعوا النبیَّ فیک وقد ما

لت بأرماحِهم إلیک الذحولُ (5)ت.

ص: 300


1- من قال قیلاً وقیلولة ومقیلاً : نام نصف النهار. (المؤلف)
2- القَبول : ریح الصَّبا.
3- یقال : تبلهم الدهر ، أی أفناهم. (المؤلف)
4- العطبول : المرأة الفتیّة الجمیلة. (المؤلف)
5- الذحول : الثارات.

وأحالوا علی المقادیرِ فی حر

بِک لو أنّ عذرَهمْ مقبولُ

واستقالوا من بعدِ ما أجلبوا فی

-ها أالآن أیّها المستقیلُ

إنّ أمراً قنّعتَ من دونِه السی

-فَ لمن حازَه لمرعیً وبیلُ

یا حساماً فلّتْ مضاربُه الها

مَ وقد فلّه الحسامُ الصقیلُ

یا جواداً أدمی الجوادَ من الطع

-ن وولّی ونحرُهُ مبلولُ

حجلُ الخیلِ من دماءِ الأعادی

یوم یبدو طعنٌ وتخفی حجولُ

یوم طاحتْ أیدی السوابق فی الن

-قعِ وفاض الونی وغاضَ الصهیلُ

أتُرانی أُعیرُ وجهیَ صوناً

وعلی وجهِهِ تجولُ الخیولُ

أتُرانی ألذُّ ماءً ولمّا

یروَ من مهجةِ الإمامِ الغلیلُ

قبّلتهُ الرماحُ وانتضلتْ فی

-ه المنایا وعانقتْهُ النصولُ

والسبایا علی النجائب تُستا

قُ وقد نالت الجیوبَ الذیولُ

من قلوبٍ یدمی بها ناظرُ الوج

-د ومن أدمعٍ مراها الهُمولُ (1)

قد سلبنَ القناعَ عن کلِّ وجهٍ

فیه للصون من قناعٍ بدیلُ

وتنقّبن بالأناملِ والدم

-ع علی کلِّ ذی نقابٍ دلیلُ

وتَشاکَیْنَ والشکاةُ بکاءٌ

وتنادینَ والنداءُ عویلُ

لا یغبّ الحادی العنیفُ ولا یف

-تُرُ عن رنّةِ العدیلِ العدیلُ

یا غریبَ الدیارِ صبری غریبٌ

وقتیلَ الأعداءِ نومی قتیلُ

بی نزاعٌ یطغی إلیک وشوقٌ

وغرامٌ وزفرةٌ وعویلُ

لیت أنّی ضجیعُ قبرِکَ أو أ

نّ ثراه بمدمعی مطلولُ

لا أغَبَّ الطفوفَ فی کلِّ یومٍ

من طِراقِ الأنواءِ غیثٌ هطولُ

مطرٌ ناعمٌ وریحُ شمالٍ

ونسیمٌ غضٌّ وظلٌّ ظلیلُا.

ص: 301


1- مراها : استخرجها.

یا بنی أحمدٍ إلی کم سنانی

غائبٌ عن طعانه ممطولُ

وجیادی مربوطةٌ والمطایا

ومقامی یروعُ عنه الدخیلُ

کم إلی کم تعلو الطغاة وکم یح

-کمُ فی کلِّ فاضل مفضولُ

قد أذاعَ الغلیلُ قلبی ولکن

غیر بدعٍ إنِ استطبَّ العلیلُ

لیت أنّی أبقی فأمترقَ النا

سَ وفی الکفِّ صارمٌ مسلولُ

وأجرَّ القنا لثارات یوم الط

-فِ یستلحقُ الرعیلَ الرعیلُ

صبغَ القلبَ حبُّکمُ صبغةَ الشی

-ب وشیبی لو لا الردی لا یحولُ

أنا مولاکُمُ وإن کنت منکم

والدی حیدرٌ وأُمّی البتولُ

وإذا الناس أدرکوا غایةَ الفخ

-ر شآهم من قالَ جدّی الرسولُ (1)

یفرح الناس بی لأنّیَ فضلٌ

والأنامُ الذی أراهُ فضولُ

فهمُ بین منشدٍ ما أقفّی

هِ سروراً وسامعٍ ما أقولُ

لیت شعری من لائمی فی مقالٍ

ترتضیهِ خواطرٌ وعقولُ

أترکُ الشیءَ عاذری فیه کلُّ النا

سِ من أجلِ أن لحانی عَذُولُ

هو سؤلی إن أسعد اللهُ جَدّی

ومعالی الأمور للذِّمرِ (2) سولُ (3)7.

ص: 302


1- شآهم : سبقهم.
2- الذِّمر : الشجاع الجمع أذمار ، والذمارة : الشجاعة. (المؤلف)
3- دیوان الشریف الرضی : 2 / 187.

37 - أبو محمد الصوری

المولود حدود (339)

المتوفّی (419)

ولاؤک خیرُ ما تحتَ الضمیرِ

وأنفسُ ما تمکّنَ فی الصدورِ

وها أنا بتُّ أحسسُ منه ناراً

أَمَتُّ بحرِّها نارَ السعیرِ

أبا حسنٍ تبیّنَ غدرُ قومٍ

لعهدِ اللهِ من عهدِ الغدیرِ

وقد قام النبیُّ بهم خطیباً

فدلَّ المؤمنین علی الأمیرِ

أشار إلیهِ فیهِ بکلِّ معنیً

بَنَوْه علی مخالفةِ المشیرِ

فکم من حاضرٍ فیهم بقلبٍ

یخالفُه علی ذاک الحضورِ

طوی یومُ الغدیرِ لهم حُقوداً

أنالَ بنشرِها یومَ الغدیرِ

فیا لک منه یوماً جرَّ قوماً

إلی یومٍ عبوسٍ قمطریرِ

لأمرٍ سوّلتْهُ لهم نفوسٌ

وغرّتهمْ به دارُ الغرورِ

ولست من الکثیرِ فیطمئنّوا

بأنَّ اللهَ یعفو عن کثیرِ (1)

وله فی أهل البیت علیهم السلام :

عیونٌ منعنَ الرقادَ العیونا

جعلنَ لکلِّ فؤادٍ فُتونا7.

ص: 303


1- دیوان الصوری : 1 / 186 رقم 107.

فکُنّ المُنی لجمیعِ الوری

وکنّ لمن رامَهنّ المَنونا

وقلبٌ تُقلّبُهُ الحادثاتُ

علی ما تشاء شمالاً یمینا

یصونُ هواهُ عن العالمینَ

ومدمعُهُ یستذلُّ المصونا

فما لی وکتمانِ داءِ الهوی

وقد کان ما خفتُهُ أن یکونا

وکان ابتداءُ الهوی بی مُجُوناً

فلمّا تمکّن أمسی جنونا

وکنت أظنُّ الهوی هیّناً

فلاقیتُ منه عذاباً مُهیناً

فلو کنتَ شاهدَ یومِ الوداعِ

رأیتَ جفوناً تناجی جفونا

فهل ترکَ البینُ من أرتجیه

من الأوّلینَ أو الآخرینا

سوی حبِّ آلِ نبیِّ الهدی

فحبُّهمُ أملُ الآملینا

همُ عُدّتی لوفاتی همُ

نجاتی همُ الفوزُ للفائزینا

همُ موردُ الحوضِ للواردینَ

وهم عروةُ اللهِ للواثقینا

همُ عونُ من طلبَ الصالحاتِ

فکنْ بمحبّتهمْ مُستعینا

همُ حجّةُ اللهِ فی أرضهِ

وإن جحدَ الحجّةَ الجاحدونا

همُ الناطقونَ هم الصادقونَ

وأنتم بتکذیبهم کاذبونا

همُ الوارثونَ علومَ النبیِ

فما بالُکمْ لهمُ وارثونا

حقدتم علیهم حُقوداً مضتْ

وأنتمْ بأسیافِهم مسلمونا

جحدْتُمْ موالاةَ مولاکمُ

ویومَ الغدیرِ بها مؤمنونا

وأنتم بما قاله المصطفی

وما نصَّ من فضلِهِ عارفونا

وقلتم رضِینا بما قلتَهُ

وقالتْ نفوسُکمُ ما رضینا

فأیّکمُ کان أولی بها

وأثبتَ أمراً من الطیّبینا

وأیّکمُ کان بعد النبیِ

وصیّاً ومن کان فیکم أمینا

وأیّکمُ نامَ فی فرشِهِ

وأنتمْ لمهجتِهِ طالبونا

ومن شارک الطهرَ فی طائرٍ

وأنتمْ بذاک له شاهدونا

ص: 304

لحا اللهُ قوماً رأوا رشدَکمْ

مبیناً فضلّوا ضلالاً مبینا (1)

وله فی أهل البیت علیهم السلام :

ما طوّلَ اللیلَ القَصِیرا

ونهی الکواکبَ أن تغورا

إلاّ وفی یده عزی

-ماتٌ یحلُّ بها الأُمورا

ذو مقلةٍ لا تستقلّ

ضنیً وإن أضنت کثیرا

لیستْ تفتِّر عن دمی

وتری بها أبداً فُتُورا

وتری بها ضعفاً یُری

-ک المستجارَ المستجیرا

فیما یُنازعنی عَذو

لاً أو یُسامحنی عَذیرا

أتری بوادرَ فتنتی

فیما تری إلاّ بُدورا

لو شاء لاختصر الغرا

مَ بها من اختصرَ الخصورا

ولقد لبست ثیابَ نف

-سکَ مالکاً أو مستعیرا

وتمثّلَ الشیطانُ لی

لیغرّنی رشأً غریرا

فخلعتُها ولبستُ ثو

بَ الفتکِ سحّاباً جَرورا

ما شئت فاقلعْ عنه واس

-تغفر تجد ربّا غفورا

ما لم یکنْ من معشرٍ

غدروا وقد شهدوا الغدیرا

وتآمروا ما بینهم

أن ینصبوا فیها أمیرا

من کلِّ صدرٍ موغَرٍ

ملأت ضغائِنُهُ الصدورا

مترشّحٍ للملکِ قد

نصبتْ سریرتُه السریرا

وتوارثوها لیس تخ

-رج عنهمُ شبراً قصیرا

هذا إلی أن قام قا

ئمُ آلِ أحمدَ مُستثیرا3.

ص: 305


1- دیوان الصوری : 2 / 67 رقم 483.

وتسلّمَ الإسلامَ أق

-تمَ مظلماً فکساهُ نورا (1)

وله فی أهل البیت علیهم السلام :

نکرتْ معرفتی لمّا حکَمْ

حاکمُ الحبِّ علیها لی بدمْ

فبدتْ من ناظریها نظرةٌ

أدخلَتْها فی دمی تحتَ التهمْ

وتمکّنتُ فأضنیتُ ضنیً

کان بی منها وأسقمتُ سقمْ

وصبتْ بعد اجتنابٍ صبوةً

بدّلتْ من قولِها لا بنعمْ

وفقدتُ الوجدَ فیها والأسی

فتألّمتُ لفقدانِ الألمْ

ما لعینی وفؤادی کلّما

کتمتْ باحَ وإن باحتْ کتمْ

طالَ بی خُلْفُهما فاتّفقتْ

لی همومٌ فی الرزایا وهممْ

ورزایا المصطفی فی أهلِهِ

فاتحاتٌ للرزایا وخُتُمْ

یا بنی الزهراءِ ما ذا اکتَسَبتْ

فیکمُ الأیّامُ من عتْبٍ وذمْ

یا طوافاً طافَ طوفانٌ به

وحطیماً بقنا الخطِّ حُطِمْ

أیُّ عهدٍ یُرتجی الحفظُ له

بعد عهد الله فیکم والذممْ

لا تسلّیتُ وأنوارٌ لکمْ

غَشِیَتْها من بنی حربٍ ظُلَمْ

رکبوا بحرَ ضلالٍ سلموا

فیه والإسلامُ فیهم ما سلمْ

ثمّ صارتْ سنّةً جاریةً

کلُّ من أمکنهُ الظلمُ ظلمْ

وعجیبٌ إنّ حقّا بکمُ

قامَ فی الناسِ وفیکمْ لم یَقُمْ

والولا فهو لمن کان علی

قولِ عبدِ المُحسنِ الصوری قسمْ

وأبیکمْ والذی وصّی به

لأبیکمْ جدُّکمْ فی یومِ خُمْ

لقد احتجَّ علی أُمّتِهِ

بالذی نالکمُ باقی الأُممْ (2)4.

ص: 306


1- دیوان الصوری : 1 / 219 رقم 146.
2- دیوان الصوری : 1 / 415 رقم 374.

الشاعر

أبو محمد عبد المحسن بن محمد بن أحمد بن غالب (1) بن غلبون الصوری ، من حسنات القرن الرابع ونوابغ رجالاته ، وقد مُدَّ له البقاء إلی أولیات القرن الخامس ، جمع شعره بین جزالة اللفظ وفخامة المعنی ، کما أنّه لا تعدوه رقّة الغزل وشدّة الجدل ، فهو عند الحِجاج یُدلی بحجّته القویمة ، وعند الوصف لا یأتی إلاّ بصورة کریمة ، ودیوان شعره المحتوی علی خمسة آلاف بیت تقریباً ، الحافل بالرقائق والحقائق یتکفّل البرهنة علی هذه الدعاوی ، وهو نصٌّ فی تشیّعه کما عدّه ابن شهرآشوب (2) من شعراء أهل البیت المجاهرین ، وما ذکرناه من شعره یمثّل روحه المذهبیّة ، ونزعته الطائفیّة الحمیدة ، وتعصّبه لآل البیت النبویّ ، واعترافه بحقّهم الثابت ، ونبذه ما وراء ذلک نبذاً لا مرتجع إلیه ، وفی دیوانه - غیر ما ذکرناه - شواهد وتلویحات لطیفة ، نحو قوله فی صبیٍّ اسمه عمر :

نادمنی من وجهُهُ روضةٌ

مشرقةٌ یمرحُ فیهِ النظرْ

فانظر معی تنظرْ إلی معجزٍ

سیفُ علیٍّ بین جفنی عمرْ

وقد ترجمه ابن أبی شبانة فی تکملة أمل الآمل ، وهو لا یترجم إلاّ المتمسِّک بحُجزةِ (3) أهلِ البیتِ الطاهر ، وتر جمه الثعالبی فی یتیمة الدهر (4) (1 / 257) وذکر من شعره (225) بیتاً ، وأثنی علیه وانتخب من دیوانه أبیاتاً فی تتمیم یتیمته (5) (1 / 35) ، 6.

ص: 307


1- فی تتمیم یتیمة الدهر : 1 / 35 [5 / 46] : طالب ، وهو تصحیف. (المؤلف)
2- معالم العلماء : ص 151 ، وعدّه فی المقتصدین.
3- الحُجزة : معقد الإزار ، استعاره قدس سره للدلالة علی الالتجاء والاعتصام والتمسک بأهل البیت علیهم السلام :.
4- یتیمة الدهر : 1 / 363.
5- تتمّة یتیمة الدهر : 5 / 46.

وعقد ابن خلّکان (1) له ترجمةً ضافیةً ، أطراه ووصف شعره فی (1 / 334) ، وقال : توفّی یوم الأحد تاسع شوال سنة تسع عشرة وأربعمائة وعمره ثمانون أو أکثر ، وذکره ابن کثیر فی تاریخه (2) (12 / 25). ومن شعره فی أهل البیت علیهم السلام :

تَوَقَّ إذا ما حرمةُ العدلِ جلّتِ

ملامی لتقضی صبوتی ما تمنّتِ

أغرّکَ أن لم تستفزَّکَ لوعةٌ

بقلبی ولا استبکاک بَیْنٌ بمقلتی

لک الخیرُ هذا حین شئتَ تلومُنی

لجاجاً فأَلاّ لُمْتَ أیّامَ شِرّتی

غداةَ أجیبُ العیسَ إذ هی حنّتِ

وأحدو إذا وِرْقُ الحمائمِ غنّتِ

وأنتهبُ الأیّامَ حتی کأنّنی

أدافع من بعد الحُلولِ منیّتی

وأستصغر البلوی لمن عرَفَ الهوی

وأستکثرُ الشکوی وإن هی قَلّتِ

أطیل وقوفی فی الطلولِ کأنّنی

أحاولُ منها أن تَرُدَّ تحیّتی

لیالیَ ألقی کلَّ مهضومةِ الحشا

إذا عدلتْ فی ما جناهُ تجنّتِ

أصدُّ فیدعونی إلی الوصلِ طرفُها

وإن أنا سارعتُ الإجابةَ صدّتِ

وإن قلتُ سُقمی وکّلَتْ سقمَ طرفِها

بإبطالِ قولی أو بإدحاضِ حجّتی

وإن سمعتْ وأنار قلبی شناعةً

علیها أجابتنی بوانارِ وجنتی

وأصرفُ همّی عن هواها بهمّتی

عزوفاً فتثنینی إذا ما تثنّتِ

وأَنشدُ بین البینِ والهجرِ مهجتی

ولم أدرِ فی أیِّ السبیلین ضلّتِ

وما أحسبُ الأیّامَ أیّامَ هجرِها

تطاولُنی إلاّ لتقصرَ مدّتی

دعوا الأمَةَ اللاّتی استحلّت دمی تکنْ

مع الأمّةِ اللاّتی بغتْ فاستحلّتِ

فما یُقتدی إلاّ بها فی اغتصابِها

ولا أقتدی إلاّ بصبرِ أئمّتی

ألیس بنو الزهراءِ أدهی رزیّةً

علیکمْ إذا فکّرتمُ فی رزیّتی

حُماتی إذا لانت قناتی وعدّتی

إذا لم تکنْ لی عدّةٌ عند شدّتی.

ص: 308


1- وفیات الأعیان : 3 / 232 رقم 406.
2- البدایة والنهایة : 12 / 32 حوادث سنة 419 ه.

أقامتْ لحربِ اللهِ حزب أُمیّةٍ

إذا هی ضلّتْ عن سبیلٍ أضلّتِ

قلوبٌ علی الدینِ العتیقِ تألّفتْ

لهمْ ومن الحقدِ القدیمِ استملّتِ

بما ذا تُری تحتجُّ یا آلَ أحمدٍ

علی أحمدٍ فیکمْ إذا ما استعدّتِ

وأشهر ما یروونه عنه قولُهُ

ترکتُ کتابَ اللهِ فیکم وعترتی

ولکنّ دنیاهم سعتْ فسعوا لها

فتلک التی فلّت ضمیراً عن التی (1)

وله فی أهل البیت سلام الله علیهم :

أصبحوا یفرقونَ من إفراقی

فاستغاثوا فی نکستی بالفراقِ

ما صبرتم لقد بَخِلتمْ علی المد

نفِ حقّا حتی بطول السیاقِ

راحةٌ ما اعتمدتموها بقتلی

رُبَّ خیرٍ أتی بغیر اتّفاقِ

سوفَ أمضی وتلحقون ولا عل

-مَ لکم ما یکونُ بعد اللحاقِ

حیث لا یجمعُ القضیّةَ من یج

-معُ بین الخصمینِ ماضٍ وباقِ

ما لهمْ لا خلقتُ فیهم فما أغ

-فلَ قومی عن الدمِ المُهراقِ

رُبّ ظهرٍ قلبته مثل ما یُق

-لَبُ ظهرُ المجنِّ للإرشاقِ

بعد ما قادنی فلم أدرِ حتی

صرتُ ما بین ملتقی الأحداقِ

وأرانی أسیرَ عینیکَ منهنّ

فما ذا تراهُ فی إطلاقی

مسّةٌ من هواکَ بی لا من الجنِ

فهل من مُعَزِّمٍ أو راقِ

غیر أن یُبرِدَ احتراقی بوصلٍ

أو بوعدٍ أو أن یبلَّ اشتیاقی

أو یعیدَ الکری کما کان لا یو

حشُنی من خیالِکَ الطرّاقِ

ما لنومی کأنّه کان فی

أوّل دمعی جری من الآماقِ

غیر مُسترجَعٍ فیُرجی وهل تر

جعُ للعینِ أدمعٌ فی سباقِ

بأبی شادنٌ توثّقتُ بالأَیْ

-مانِ منه من قبلِ شدِّ وثاقی2.

ص: 309


1- دیوان الصوری : 1 / 73 رقم 22.

فهو إلاّ یکنْ لحربٍ فحربٌ

علّمتهُ خیانةَ المیثاقِ

نفرٌ من أُمیّةٍ نَفَر الإس

-لامُ من بینهم نفورَ إباقِ

أنفقوا فی النفاقِ ما غصبوه

فاستقام النفاقُ بالإنفاقِ

وهی دارُ الغرورِ قصّر باللو

م فیها تطاولُ العشّاقِ

وأراها لا تستقیمُ لذی الزه

-د إذا المالُ مالَ بالأعناقِ

فلهذا أبناءُ أحمدَ أبنا

ءُ علیٍّ طرائدُ الآفاقِ

فقراءُ الحجازِ بعد الغنی الأک

-بر أسری الشآم قتلی العراقِ

جانبتهمْ جوانبُ الأرض حتی

خلتَ أنّ السماءَ ذاتُ انطباقِ

إن أقصّر یا آل أحمد أو أُغ

-رق کان التقصیرُ کالإغراقِ

لستُ فی وصفِکم بهذا وهذا

لاحقاً غیرَ أن تروا إلحاقی

إنّ أهلَ السماءِ فیکم وأهل ال

أرضِ ما دامتا لأَهلُ افتراقِ

عرفَتْ فضلَکم ملائکةُ اللّ

-ه فدانتْ وقومُکمْ فی شقاقِ

یستحقّون حقَّکمْ زعموا ذ

لک سحقاً لهم من استحقاقِ

وأری بعضَهم یبایعُ بعضاً

بانتظام من ظلمکم واتّساقِ

واستثاروا السیوفَ فیکم فقُمْنا

نستثیرُ الأقلامَ فی الأوراقِ

أیُّ غبنٍ لو لا القیامةُ والمرْ

جوُّ فیها من قدرةِ الخلاّقِ

فکأنّی بهم یودّون لو أنّ ال

-خوالی من اللیالی البواقی

لیتوبوا إذا یُذادون عن أک

-رمِ حوضٍ علیهِ أکرمُ ساقِ

وإذا ما التقوا تقاسمت النا

ر علیّا بالعدلِ یومَ التلاقِ

قیل هذا بما کفرتمْ فذوقوا

ما کسبتمْ یا بؤس ذاک المذاقِ (1)

وقال فی یوم عاشوراء یمدح الإمام الحاکم بأمر الله : 5.

ص: 310


1- دیوان الصوری : 1 / 307 رقم 255.

خلا طرفُهُ بالسقم دونی یلازمُه

إلی أن رمی سهماً فصرتُ أساهمُهْ

فأصبحَ بی ما لستُ أدری أمثلُهُ

بجفنیه أم لا یعدلُ السقمَ قاسمُهْ

لئن کان أخفی الصدرُ صدّا من الجوی

ففی العینِ عنواناتُهُ وتراجمُهْ

ولم یخفِهِ أنّ الهوی خفَّ حملُهُ

ولکن لأنّ اللومَ لیس یلائمُهْ

ویا رُبَّ لیلٍ قصّرَ الذکرُ طولَهُ

فما طَلَعتْ حتی تجلّت غمائمُهْ

وما نمتُ فیه غیرَ أنْ لو سألتنی

من الشغلِ عنه قلتُ ما قالَ نائمُهْ

ولکنّه ألقی علی الصبحِ لونَهُ

فوالاهُ یومٌ شاحبُ الوجهِ ساحِمُهْ

کما جاءَ یومٌ فی المحرّمِ واحدٌ

خبا نورُه لمّا استُحِلّتْ محارمُهْ

طغتْ عبدُ شمسٍ فاستقلَّ محلّقاً

إلی الشمسِ من طغیانِها مُتراکمُهْ

فمن مبلغٌ عنّی أُمیّةَ أنّنی

هتفتُ بما قد کنتُ عنها أکاتمُهْ

مضت أعصرٌ معوجّةٌ باعوجاجِکم

فلا تنکروا أن قوّمَ الدهرَ قائمُهْ

وجدّد عهدَ المصطفی بعضُ أهلِهِ

وحکّم فی الدینِ الحنیفیِّ حاکمُهْ

فیا أیّها الباکون مصرعَ جدِّهِ

دعوا جدَّهُ تبکی علیه صوارمُهْ

ألا أیّها الثکلی التی من دموعِها

إذا هی حَنّت من قتیلٍ جماجمُهْ

لقد خسرَ الدارینِ من صدَّ وجهَهُ

فلا أنت مُبقیه ولا اللهُ راحمُهْ

حریصاً علی نارِ الجحیمِ کأنّه

یخافُ علی أبوابِها من یُزاحمُهْ

إلی من تراه فوّضَ الأمرَ غیرَکمْ

إذا أنتمُ أرکانُه ودعائمُهْ

فیا لکَ منها دولةً علویّةً

تبدّتْ بسعدٍ حاکمُ الدهر خاتمُهْ (1)

وله قوله :

بالذی ألهمَ تعذی

-بی ثنایاک العِذابا

والذی ألبس خدّی

-کَ من الوردِ نقابا8.

ص: 311


1- دیوان الصوری : 2 / 37 رقم 438.

والذی أودعَ فی فی

-ک من الشَّهدِ شرابا

والذی صیّر حظّی

منک هجراً واجتنابا

ما الذی قالته عینا

کَ لقلبی فأجابا

والذی قالته للدم

-عِ فواراها انصبابا

یا غزالاً صاد باللح

-ظِ فؤاداً فأصابا

عَمْرَکَ اللهُ بصبٍ

لا یُری إلاّ مصابا

هذه الأبیات توجد فی دیوان المترجَم (1) ، فنسبتها إلی الصنوبری کما فی کشکول البهائی (2) (1 / 23) فی غیر محلّه ، وأخذ البهائی (3) منها قوله :

یا بدرَ دجیً فراقُه القلبَ أذابْ

مذ ودّعنی فغابَ صبری إذ غابْ

بالله علیکَ أیَّ شیء قالت

عیناک لقلبی المعنّی فأجابْ

وللمترجم الصوری :

(سفرنَ بدوراً وانتقبنَ أهلّةً

ومِسْن غصوناً والتفتن جآذرا) (4)

وأَبدینَ أطرافَ الشعورِ تستّراً

فأغدرتِ الدنیا علینا غدائرا

وربّتَما أطلعنَ واللیلُ مقبلٌ

وجوهَ شموسٍ تُوقِفُ اللیلَ حائِرا

فهنّ إذا ما شئنَ أمسینَ أو إذا

تعرّضَ أن یصبحنَ کنَّ قوادرا (5)

وقال یرثی شیخ الأمّة ابن المعلّم أباعبد الله محمد بن محمد بن النعمان المفید المتوفّی (413):1.

ص: 312


1- دیوان الصوری : 2 / 123 رقم 588.
2- کشکول البهائی : 1 / 133 ، وفیه نسبة هذه الأبیات إلی الصوری لا الصنوبری.
3- کشکول البهائی : 1 / 152.
4- البیت لعلیّ بن إسحاق الزاهی المتوفّی (325 ه) ، وما بعده من الأبیات قاله المترجم إجازةً له.
5- دیوان الصوری : 1 / 154 رقم 81.

تبارک من عمَّ الأنامَ بفضلِهِ

وبالموتِ بین الخلقِ ساوی بعدلِه

مضی مستقلاّ بالعلومِ محمدٌ

وهیهاتَ یأتِینا الزمانُ بمثلِه (1)

جاء فی بدائع البدائِه (2) بإسناده عن بکّار بن علیّ الریاحی أنّه قال :

لمّا وصل عبد المحسن الصوری إلی دمشق جاءنی المجدی الشاعر فعرّفنی به ، وقال : هل لک أن نمضی إلیه ونسلّم علیه؟ فأجبت ، وقمت معه حتی أتینا إلی منزله ، وکان ینزل دائماً إذا قدم فی سوق القمح ، وکان بین یدیه دکّان قطّان وفیها رجلٌ أعمی ، فوقفت به عجوز کبیرة فکلّمها بشیءٍ وهی منصتة له ، فقال المجدی فی الحال :

مُنصتةٌ تسمع ما یقولُ

فقال عبد المحسن فی الحال :

کالخلد (3) لمّا قابلته الغولُ

فقال له المجدی : أحسنت والله یا أبا محمد أتیت بتشبیهین فی نصف بیت أعیذک بالله. انتهی.

ومن لطیف قول الصوری ما قاله وقد استعیر منه کتاب وحبس علیه ، کما یوجد فی دیوانه (4):

ما ذا جناه کتابی فاستحقَّ به

سجناً طویلاً وتغییباً عن الناسِ

فاطلقه نسألْهُ عمّا کان حلَّ به

فی طول سجنِکَ من ضرٍّ ومن باسِ8.

ص: 313


1- دیوان الصوری : 1 / 414 رقم 373.
2- وذکره ابن عساکر فی تاریخه : 3 / 281 [10 / 367 رقم 942]. (المؤلف)
3- فی تاریخ ابن عساکر : کالحلد. وهو کما تری [وفی الطبعة الجدیدة : کالخلد]. (المؤلف)
4- دیوان الصوری : 1 / 249 رقم 178.

کتب الشاعر المفلق أحمد بن سلمان الفجری إلی عبد المحسن الصوری :

أعبدَ المحسنِ الصوریَّ لِم قدْ

جثمتَ جثومَ منهاضٍ کسیرِ

فإن قلتَ العبالةُ أقعدتنی

علی مضضٍ وعاقت عن مسیری (1)

فهذا البحر یحملُ هُضْبَ رضوی

ویستثنی برکنٍ من ثبیرِ

وإن حاولتَ سیرَ البرِّ یوماً

فلستَ بمثقلٍ ظهرَ البعیرِ

إذا استحلی أخوکَ قلاک یوماً

فمثلُ أخیکَ موجودُ النظیرِ

تحرّکْ علَّ أن تلقی کریماً

تزولُ بقُربِهِ إِحَنُ الصدورِ

فما کلُّ البریّةِ من تراهُ

ولا کلُّ البلادِ بلادُ صورِ

فأجابه عبد المحسن :

جزاک اللهُ عن ذا النصحِ خیراً

ولکن جاءَ فی الزمنِ الأخیرِ

وقد حدّتْ لیَ السبعون حدّا

نهی عمّا أمرتَ من المسیرِ

ومذ صارتْ نفوسُ الناسِ حولی

قصاراً عُذتُ بالأمل القصیرِ (2)

وقال فی صبیِّ اسمه مقاتل - وله فیه شعرٌ کثیرٌ - :

تعلّمتْ وجنتُه رُقیةً

لعقربِ الصدغ فما تلسعُ

صُمَّتْ عن العاذل فی حبِّه

أُذنی فما لی مِسمَعٌ یسمعُ

ودَّعْتُهُ والدّمعُ فی مقلتی

فی عَبرتی مستعجلٌ مُسرعُ

فظنَّ إذ أبصرتَها أنّها

سائرُ أعضائی بها تدمعُ

وقال هذا قبلَ یوم النّوی

فما تری بعد النّوی تصنعُ

فی غیرِ وقتِ الدمعِ ضیّعتَهُ

قلتُ فقَلبی عندَکم أضیعُ (3)7.

ص: 314


1- العبالة : الضخامة. (المؤلف)
2- راجع دیوانه [1 / 202 رقم 124] ، وذکرها الثعالبی فی یتیمة الدهر : 1 / 269 [1 / 379]. (المؤلف)
3- دیوان الصوری : 1 / 278 رقم 216 ، 217.

وقال فی مقاتل أیضاً :

احفظ فؤادی فأنت تملکُهُ

واستر ضمیری فأنت تهتکُهُ

هجرُکَ سهلٌ علیک أصعبُهُ

وهو شدیدٌ علیَّ مسلکُهُ

بسیف عینیکَ یا مقاتِلُ کم

قتلتَ قبلی من کنتَ تملکُهُ

أمّا عزائی فلستُ آملُه

فیک وصبری ما لستُ أدرکُهُ (1)

وقال فیه وهو مُعْذِر :

وقفَ اللیلُ والنهارُ وقد کا

ن إذا ما أتی النهار یفرُّ

لا یری رجعة فیکسبُ عاراً

لا ولا ثمَّ قوّةٌ فیفِرُّ

أینَ سلطانُ مقلتیک علینا

قل له ما یجوزُ فی الحبِّ سحرُ

أنت فرّقتَ نارَ خدّیک حتی

کلُّ قلبٍ صبٍّ لها فیه جمرُ

فبما ذا تلقی عذارَیْکَ قل لی

سیّما إنْ تدارکَ الشَّعرَ شَعرُ

وعزیزٌ علیَّ أنّک بالحر

بِ وبالسلم طولَ عمرِکَ غرُّ (2)

وخلف المترجم علی أدبه الجمّ وقریضه البدیع ولده عبد المنعم ، ذکره الثعالبی (3). 2.

ص: 315


1- دیوان الصوری : 1 / 340 رقم 294.
2- دیوان الصوری : 1 / 203 رقم 125.
3- تتمّة یتیمة الدهر : 5 / 82.

ص: 316

38 - مهیار الدیلمی

المتوفّی (428)

- 1 -

هل بعدَ مُفترَقِ الأظعانِ مجتمعُ

أم هل زمانٌ بهم قد فاتَ یُرتجَعُ

تحمّلوا تَسَعُ البیداءُ رکبَهمُ

ویحملُ القلبُ فیهم فوقَ ما یَسعُ

مغرِّبین همُ والشمسَ قد ألفوا

ألَا تغیبَ مغیباً حیثما طلعوا

شاکین للبَیْنِ أجفاناً وأفئدةً

مفجّعین به أمثالَ ما فجعوا

تخطو بهم فاتراتٌ فی أزمّتِها

أعناقُها تحت إکراهِ النوی خُضُعُ

تشتاق نعمانَ لا ترضی بروضتِهِ

داراً ولو طابَ مصطافٌ ومرتبَعُ

فداء وافین تمشی الوافیاتُ بهمْ

دمعٌ دمٌ وحَشاً فی إِثرِهم قِطَعُ

اللیلُ بعدهُمُ کالفجرِ متّصلٌ

ما شاء والنومُ مثلُ الوصلِ منقطِعُ

لیت الذین أصاخوا یومَ صاحَ بهمْ

داعی النوی ثوِّروا صمّوا کما سمِعوا

أولیتَ ما أخذَ التودیعُ من جسدی

قضی علیَّ فللتعذیبِ ما یدعُ

وعاذلٍ لجَّ أعصیه ویأمرُنی

فیه وأهربُ منه وهو یتّبعُ

یقول : نفسَک فاحفظها فإنّ لها

حقّا وإنّ علاقاتِ الهوی خدَعُ

روِّح حشاک بِبَردِ الیأس تسلُ به

ما قیل فی الحبِّ إلاّ أنّه طمعُ

والدهرُ لونانِ والدنیا مقلّبةٌ

الآنَ یعلمُ قلبٌ کیف یرتدعُ

ص: 317

هذی قضایا رسولِ اللهِ مهملةٌ

غدراً وشملُ رسولِ اللهِ مُنصدعُ

والناسُ للعهدِ ما لاقوا وما قربوا

وللخیانِة ما غابوا وما شَسَعوا (1)

وآلُهُ وهمُ آلُ الإلهِ وهمْ

رُعاةُ ذا الدینِ ضِیموا بعده ورُعُوا

میثاقُهُ فیهمُ ملقیً وأمّتُهُ

مع من بغاهم وعاداهم له شِیَعُ

تُضاعُ بیعتُهُ یومَ الغدیرِ لهمْ

بعد الرضا وتُحاطُ الرومُ والبِیَعُ

مقسّمین بأیمانٍ همُ جذبوا

ببوعها وبأسیافٍ همُ طبعوا

ما بین ناشرِ حبلٍ أمسِ أبرمه

تُعَدُّ مسنونةً من بعدِهِ البِدَعُ

وبین مُقتنصٍ بالمکرِ یخدعُهُ

عن آجلٍ عاجلٌ حلوٌ فینخدعُ

وقائل لی علیٌّ کان وارثَهُ

بالنصِّ منه فهل أَعَطَوه أم منعوا

فقلت کانت هَناتٌ لستُ أذکرُها

یجزی بها اللهُ أقواماً بما صنعوا

أبلغْ رجالاً إذا سمّیتُهمْ عُرِفوا

لهم وجوهٌ من الشحناءِ تُمتقعُ

توافقوا وقناةُ الدین مائلةٌ

فحین قامتْ تلاحَوا فیه واقترعوا

أطاع أوّلُهم فی الغدرِ ثانیَهمْ

وجاءَ ثالثُهم یقفو ویتّبعُ

قفوا علی نظرٍ فی الحقِّ نفرضُهُ

والعقلُ یفصلُ والمحجوجُ ینقطعُ

بأیّ حکمٍ بنوه یتبعونکمُ

وفخرُکمْ أنّکمْ صحبٌ له تَبَعُ

وکیف ضاقتْ علی الأهلینَ تربتُهُ

وللأجانبِ من جنبیهِ مضطجَعُ

وفیم صیّرتمُ الإجماعَ حجّتَکمْ

والناسُ ما اتّفقوا طوعاً ولا اجتمعوا

أَمْرٌ علیٌّ بعیدٌ من مشورتِهِ

مستکرَهٌ فیه والعبّاس یَمتنعُ

وتدّعیه قریشٌ بالقرابة وال

أنصار لا رُفُعٌ فیه ولا وُضُعُ

فأیّ خُلفٍ کخُلْفٍ کان بینکمُ

لو لا تُلفَّقُ أخبارٌ وتصطَنَعُ

واسألهمُ یوم خُمٍّ بعد ما عقدوا

له الولایةَ لِمْ خانوا ولِمْ خلَعواا.

ص: 318


1- شسعوا : بعدوا.

قولٌ صحیحٌ ونیّاتٌ بها نَغَلٌ

لا ینفع السیفَ صَقلٌ تحته طَبَعُ (1)

إنکارُهمْ یا أمیرَ المؤمنینَ لها

بعد اعترافِهمُ عارٌ به ادّرعوا

ونکثُهمْ بکَ مَیْلاً عن وصیّتهمْ

شرعٌ لَعمرُکَ ثانٍ بعده شرعوا

ترکتَ أمراً ولو طالبتَهُ لدرتْ

معاطسٌ راغمته کیف تُجتدَعُ

صبرت تحفظُ أمرَ اللهِ ما اطّرحوا

ذبّا عن الدینِ فاستیقظتَ إذ هجعوا

لیشرقنَّ بحلوِ الیومِ مُرُّ غدٍ

إذا حصدتَ لهم فی الحشرِ ما زرعوا

جاهدتُ فیک بقولی یومَ تختصمُ ال

أبطالُ إذ فات سیفی یومَ تمتصِعُ (2)

إنّ اللسانَ لوصّالٌ إلی طُرُقٍ

فی القلبِ لا تهتدیها الذُبّلُ الشُّرُعُ

آبای فی فارسٍ والدینُ دینکمُ

حقّا لقد طاب لی أُسٌّ ومرتبعُ

ما زلتُ مذ یفعتْ سنّی ألوذُ بکمْ

حتی محا حقُّکمْ شکّی وأنتجعُ

وقد مضتْ فُرُطاتٌ إن کفلتُ بها

فرّقتُ عن صُحفی البأسَ الذی جمعوا

سلمان فیها شفیعی وهو منک إذا ال

آباءُ عندَکَ فی أبنائِهم شفعوا

فکن بها منقذاً من هول مُطّلعی

غداً وأنت من الأعرافِ مطّلِعُ

سوّلتُ نفسی غروراً إن ضمنتُ لها

أنّی بذخرٍ سوی حبِّیک أنتفعُ

ما یتبع الشعر

قال الأستاذ أحمد نسیم المصری فی التعلیق علی قول مهیار :

تضاعُ بیعتُهُ یومَ الغدیرِ لهمْ

بعد الرضا وتحاطُ الرومُ والبِیَعُ

الغدیر : هو غدیر خمّ بین مکّة والمدینة ، قیل : أنّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم خطب الناس عنده فقال : «من کنت مولاه فعلیٌّ مولاه» (3). ف)

ص: 319


1- النغَل : الضغن وسوء النیّة ، الطبع : الصدأ. (المؤلف)
2- تمتصع : تقاتل بالسیف. (المؤلف)
3- دیوان مهیار : 2 / 182. (المؤلف)

قال الأمینی : لیت شعری هل خفی علی الأستاذ تواتر ذلک الحدیث المرویّ عن مائة صحابیّ أو أکثر؟ أم حبّذته نزعاته الطائفیّة أن یسدل علیه أغشیة الزور والدجل؟ ویموِّهه علی القارئ ، ویستر الحقیقة الراهنة بذیل أمانته؟ ویوعز إلی ضعفه بکلمته : قیل.

(قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِیمٌ * أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ) (1) و (الَّذِینَ آتَیْناهُمُ الْکِتابَ یَعْرِفُونَهُ کَما یَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ) (2).

- 2 -

وله فی دیوانه فی (3 / 15) یرثی بها أهل البیت علیهم السلام ، ویذکر البرکة بولائهم فیما صار إلیه :

فی الظباءِ الغادینَ أمسِ غزالُ

قال عنهُ ما لا یقولُ الخیالُ

طارقٌ یزعمُ الفراقَ عِتاباً

ویرینا أنّ المَلالَ دلالُ

لم یزلْ یخدعُ البصیرةَ حتی

سَرّنا ما یقولُ وهو مُحالُ

لا عدمتُ الأحلامَ کم نوّلتنی

من منیعٍ صعبٍ علیه النوالُ

لم تنغِّصْ وعداً بمطلٍ ولم یو

جبْ له منّةً علیَّ الوصالُ

فللیلی الطویلِ شکری ودِینُ ال

-عشقِ أن تُکرَه اللیالی الطوالُ

لمن الظعنُ غاصبتنا جَمالاً

حبّذا ما مشت به الأجمالُ

کانفاتٍ بیضاءَ دلَّ علیها

أنّها الشمس أنّها لا تُنالُ

جمحَ الشوقُ بالخلیعِ فأهلاً

بحلیمٍ له السلوُّ عِقالُ

کنتُ منه أیّامَ مرتعُ لذّا

تی خصیبٌ وماءُ عیشی زُلالُ6.

ص: 320


1- سورة ص : 67 - 68.
2- البقرة : 146.

حیث ضلعی مع الشبابِ وسمعی

غرضٌ لا تصیبه العُذّالُ

یا ندیمیَّ کنتما فافترقنا

فاسلوانی ؛ لکلِّ شیءٍ زوالُ

لیَ فی الشیبِ صارفٌ ومن الحز

نِ علی آلِ أحمدٍ إشغالُ

معشر الرشد والهدی حَکم البغ

-یُ علیهم سفاهةً والضلالُ

ودعاةُ الله استجابت رجالٌ

لهمُ ثمّ بُدِّلوا فاستحالوا

حملوها یوم السقیفة أوزا

راً تخفُّ الجبالَ وهی ثِقالُ

ثمّ جاءوا من بعدها یستقیلو

نَ وهیهاتَ عثرةٌ لا تُقالُ

یا لها سوءةً إذا أحمدٌ قا

م غداً بینهمْ فقال وقالوا

ربعُ همّی علیهمُ طللٌ با

قٍ وتَبلی الهمومُ والأطلالُ

یا لَقومٍ إذ یقتلون علیّا

وهو للمحلِ فیهمُ قتّالُ (1)

ویُسِرّون بغضَهُ وهو لا تُق

-بلُ إلاّ بحبِّهِ الأعمالُ

وتحالُ الأخبارُ والله یدری

کیف کانتْ یومَ الغدیرِ الحالُ (2)

ولسبطینِ تابعَیهِ فمسمو

مٌ علیه ثری البقیع یُهالُ

درسوا قبرَهُ لیخفی عن الزوّ

ارِ هیهاتَ کیف یخفی الهلالُ

وشهیدٍ بالطفِّ أبکی السماوا

تِ وکادتْ لهُ تزولُ الجبالُ

یا غلیلی له وقد حُرِّم الما

ءُ علیهِ وهو الشرابُ الحلالُ

قُطعتْ وصلةُ النبیِّ بأن تُق

-طَعَ من آلِ بیتِهِ الأوصالُ

لم تنجِّ الکهولَ سنٌّ ولا الشبّ

-انَ زهدٌ ولا نجا الأطفالُ

لهفَ نفسی یا آلَ طه علیکمْ

لهفةً کسبُها جویً وخبالُ

وقلیلٌ لکمْ ضلوعِیَ تهت

-زُّ مع الوجدِ أو دموعی تُذالُ

کان هذا کذا وودّی لکم حس

-بُ وما لی فی الدین بعدُ اتِّصالُف)

ص: 321


1- المحل : الجدب. (المؤلف)
2- کذا فی دیوانه المخطوط ، وفی المطبوع : تحال. (المؤلف)

وطروسی سودٌ فکیف بیَ الآ

نَ ومنکمْ بیاضُها والصقالُ

حبّکم کان فکَّ أسری من الشر

کِ وفی منکبی له أغلالُ

کم تزمّلتُ بالمذلّة حتی

قمتُ فی ثوبِ عزِّکمْ أختالُ

برکاتٌ لکم محت من فؤادی

ما أملَّ الضلالَ عَمٌّ وخالُ

ولقد کنتُ عالماً أنّ إقبا

لی بمدحی علیکمُ إقبالُ

- 3 -

وله من قصیدة یرثی بها أهل البیت علیهم السلام وهی (63) بیتاً ، توجد فی دیوانه (4 / 198) مطلعها :

لو کنتُ دانیتُ المودّة قاصیا

ردَّ الحبائبُ یوم بِنَّ فؤادیا

إلی أن قال :

وبحیِّ آلِ محمدٍ إطراؤه

مدحاً ومیِّتهمْ رضاه مراثیا

هذا لهمْ والقومُ لا قومی هُمُ

جنساً وعُقرُ دیارِهمْ لا داریا

إلاّ المحبّةَ فالکریمُ بطبعِهِ

یجدُ الکرامَ الأبعدینَ أدانیا

یا طالبیّین اشتفی من دائِهِ ال

-مجدُ الذی عدِمَ الدواءَ الشافیا

بالضاربین قبابَهمْ عَرض الفلا

عقل الرکائبِ ذاهباً أو جائیا

شرعوا المحجّةَ للرشادِ وأرخصوا

ما کان من ثمنِ البصائرِ غالیا

وأما وسیِّدِهمْ علیٍّ قولةٌ

تُشجی العدوَّ وتُبهجُ المتوالیا

لقد ابتنی شرفاً لهم لو رامه

زُحلٌ بباعٍ کان عنهُ عالیاً

وأفادهم رقَّ الأنامِ بوقفةٍ

فی الروعِ بات بها علیهمْ والیا

ما استدرک الإنکارَ منهم ساخطٌ

إلاّ وکان بها هنالک راضیاً

أضحوا أصادقَهُ فلمّا سادهمْ

حسدوا فأمسَوا نادمین أعادیا

فارحمْ عدوَّکَ ما أفادک ظاهراً

نصحاً وعالجَ فیکَ خِلاّ خافیاً

ص: 322

وهبِ الغدیرَ أَبوا علیهِ قَبوله

بغیاً (1) فقل عدّوا سواه مساعیاً

بدراً وأُحداً أُختها من بعدِها

وحنین وقّاراً بهنّ فصالیا (2)

والصخرةُ الصمّاءُ أخفی تحتَها

ماءً وغیرُ یدیهِ لم یکُ ساقیا

وتدبّروا خبرَ الیهودِ بخیبرٍ

وارضوا بمرحبَ وهو خصمٌ قاضیا

هل کان ذاکَ الحصنُ یرهبُ هادماً

أو کان ذاک البابُ یفرَقُ داحیا

وتفکّروا فی أمرِ عمروٍ (3) أوّلاً

وتفکّروا فی أمرِ عمروٍ (4) ثانیا

أَسدانِ کانا من فرائسِ سیفِهِ

ولقلّما هابا سواهُ مدانیا

ورجال ضبّة (5) عاقدی حُجُزاتهم

یوم البُصیرة من مَعین (6) تفانیا

ضُغِموا (7) بنابٍ واحدٍ

ولطالما از

دَردوا أراقمَ قبلها وأفاعیا

ولَخطبُ صفّینٍ أجلُّ وعندک ال

-خبرُ الیقینُ إذا سألتَ مُعاویا

ما یتبع الشعر

قال الأستاذ أحمد نسیم المصری فی شرح قوله :

وهَبِ الغدیرَ أبوا علیهِ قبولَهُ

نهیاً فقل عُدّوا سواه مساعیا

النهی : الغدیر أو شبهه. وللإمام علیٍّ وقعة تُسمّی بوقعة غدیر خمّ ، والشاعر یشیر إلیها.ف)

ص: 323


1- کذا فی دیوانه المخطوط ، وفی المطبوع منه : نهیاً. (المؤلف)
2- وقّاراً : شادّا بلجام الدابّة لتسکن. یشیر إلی أنّ أمیر المؤمنین کان آخذاً بلجام بغلة رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلم خوفاً من إجفالها. (المؤلف)
3- یعنی عمرو بن عبد ودّ الذی قتله أمیر المؤمنین یوم الخندق. (المؤلف)
4- یعنی عمرو بن العاص ، المترجم فی کتابنا : 2 / 120 - 176. (المؤلف)
5- هم بنو ضبّة أنصار عائشة فی حرب الجمل.
6- معین : اسم مدینة بالیمن ، أو هو حصن بها [معجم البلدان : 5 / 160]. (المؤلف)
7- ضغم الشیء : عضّه بملء فمه ، یقال : ضغمه ضغمة الأسد. (المؤلف)

قال الأمینی : لیت الأستاذ بعد شرحه (النهی) وجعله بدلاً عن (البغی) الموجود فی مخطوط دیوانه یعرب عن معناه الحالی أو المفعولی ، ویعرف أنّ مثله لا یصلح من مثل مهیار المتضلّع الفحل ، وکأنّه یری رأی شاکلته ملحم إبراهیم أسود فی قوله : یوم الغدیر واقعة حرب معروفة (1)!

فلیته دلّنا علی تلکَ الوقعة المسمّاة بوقعة الغدیر ، وذکر شطراً من تاریخها ، (یُرِیدُونَ أَنْ یُبَدِّلُوا کَلامَ اللهِ) (2) ، (وَارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِی رَیْبِهِمْ یَتَرَدَّدُونَ) (3).

الشاعر

أبو الحسن (4) مهیار بن مرزویه الدیلمی البغدادی ، نزیل درب رباح بالکرخ ، هو أرفع رایة للأدب العربیّ منشورة بین المشرق والمغرب ، وأنفس کنز من کنوز الفضیلة ، وفی الرعیل الأوّل من ناشری لغة الضاد ، وموطِّدی أُسسها ، ورافعی عُلالیّها ، ویده الواجبة علی اللغة الکریمة ، ومن یمتّ بها وینتمی إلیها لا تزال مذکورة مشکورة ، یشکرها الشعر والأدب ، تشکرها الفضیلة والحسب ، تشکرها العروبة والعرب ، وأکبر برهنة علی هذه کلّها دیوانه الضخم الفخم فی أجزائه الأربعة ، الطافح بأفانین الشعر وفنونه وضروب التصویر وأنواعه ، فهو یکاد فی قریضه یلمسک حقیقة راهنة ممّا ینضده ، ویذر المعنی المنظور کأنّه تجاه حاسّتک الباصرة ، ولا یأتی إلاّ بکلّ أسلوبٍ رصین ، أو رأیٍ حصیف ، أو وصفٍ بدیع ، أو قصد مبتکر ، فکان مقدّماً علی أهل عصره مع کثرة فحولة الأدب فیه ، وکان یحضر جامع المنصور فی أیّام الجمعات ف)

ص: 324


1- قد أسلفنا الکلام فیه فی الجزء الثانی : ص 331. (المؤلف)
2- الفتح : 15.
3- التوبة : 45.
4- وفی بعض المصادر القدیمة : أبو الحسین [کما فی وفیات الأعیان : 5 / 359 رقم 755 ، ومعالم العلماء : ص 148]. (المؤلف)

ویقرأ علی الناس دیوان شعره (1). ولم أرَ الباخرزی قد بالغ فی الثناء علیه بقوله فی دمیة القصر (2) (ص 76) : هو شاعر له فی مناسک الفضل مشاعر ، وکاتب تحت کلِّ کلمة من کلماته کاعب ، وما فی قصائده بیت یتحکّم علیه بلوّ ولیت ، وهی مصبوبة فی قوالب القلوب ، وبمثلها یعتذر الدهر المذنب عن الذنوب.

أمّا شعره فی المذهب فبرهنة وحِجاج ، فلا تجد فیه إلاّ حجّة دامغة ، أو ثناءً صادقاً ، أو تظلّماً مفجعاً ، ولعلّ هذه هی التی حدت أصحاب الإحن إلی إخفاء فضله الظاهر والتنویه بحیاته الثمینة کما یحقّ له ، فبخست حقّه المعاجم ، فلم تأتِ عند ذکره إلاّ بطفائف هی دون بعض ما یجب له ، غیر أنّ حقیقة فضله أبرزت نفسها ، ونشرت ذکره مع مهبِّ الصبا ، فأین ما حللت لا تجد لمهیار إلاّ ذکراً وشکراً وتعظیماً وتبجیلاً ، وعلی ضوء أدبه وکماله یسیر السائرون.

ولعمر الحقِّ إنّ من المعاجز أنّ فارسیّا فی العنصر یحاول قرض الشعر العربیِّ ، فیفوق أقرانه ولا یتأتّی لهم قرانه ، ویقتدی به عند الورد والصدر ، ولا بدع أن یکون من تخرّج علی أئمّة العربیّة من بیت النبوّة وعاصرهم وآثر ولاءهم واقتصّ أثرهم کالعَلَمین الشریفین : المرتضی والرضی وشیخهما شیخ الأمّة جمعاء المفید ونظرائهم أن یکون هکذا ، ألا تاهت الظنون ، وأکدت المخائل فی الحطِّ من کرامة الرجل بتقصیر ترجمته ، أو التقصیر فی الإبانة عنه ، أو التحامل علیه بمخرقة ، والوقیعة فیه برمیه بما یدنِّس ذیل أمانته ، کما فعل ابن الجوزی فی المنتظم (3) ، فجدع أرنبته باختلاق قضیّة مکذوبة علیه ، ورماه بالغلوّ ، وحاشاه عن کلِّ ذلک «إِنْ یَقُولُونَ إِلاَّ کَذِباً» (4).

فهذا مهیار بأدبه الباذخ ، وفضله الشامخ ، وعَرفه الفائح ، ونوره الواضح ، 5.

ص: 325


1- تاریخ الخطیب البغدادی : 13 / 276 [رقم 7239]. (المؤلف)
2- دمیة القصر : 1 / 303.
3- المنتظم : 15 / 260 رقم 3208.
4- الکهف : 5.

ومذهبه العلویِّ ، وقریضه الخسروانیِّ ، قد طبق العالم ثناءً وإطراءً ومکرمةً وجلالةً ، وما یضرّه أمسه إن کان مجوسیّا فارسیّا فیه ، وها هو فی یومه مسلم فی دینه ، علویّ فی مذهبه ، عربیّ فی أدبه ، وها هو یحدِّث شعره عن ملکاته الفاضلة ، ویتضمّن دیوانه آثار نفسیّاته الکریمة ، وخلّد له ذکری مع الأبد ، فهل أبقی أبو الحسن مهیار ذروة من الشرف لم یتسنّمها؟ أو صهوةً من النبوغ لم یمتطها؟ ولو کان یؤاخَذ بشیءٍ من ماضیه لکان من الواجب مؤاخذة الصحابة الأوّلین کلّهم علی ماضیهم التعیس ، غیر أنّ الإسلام یجبُّ ما قبله ، فتراه یتبهّج بسؤدد عائلته المالکة التی هی أشرف عائلات فارس ، ویفتخر بشرف إسلامه وحسن أدبه بقوله (1):

أُعجِبَتْ بی بین نادی قومِها

أمُّ سعدٍ فمضتْ تسألُ بی

سرّها ما علمتْ من خُلُقی

فأرادتْ علمَها ما حَسَبی

لا تخالی نسباً یخفضُنی

أنا من یُرضیکِ عند النسبِ

قومیَ استولوا علی الدهرِ فتیً

ومشوا فوق رءوس الحِقَبِ

عمّموا بالشمسِ هاماتِهُم

وبَنَوا أبیاتَهمْ بالشهبِ

وأبی کسری (2) علی إیوانِهِ

أین فی الناس أبٌ مثلُ أبی

سَوْرةُ الملکِ القدامی وعلی

شرفِ الإسلامِ لی والأدبِ

قد قبستُ المجدَ من خیرِ أبٍ

وقبستُ الدینَ من خیرِ نبی

وضممتُ الفخرَ من أطرافِهِ

سؤددَ الفرسِ ودینَ العربِ

أسلم المترجم علی ید سیّدنا الشریف الرضی سنة (394) (3) ، وتخرّج علیه فی الأدب والشعر ، وتوفّی لیلة الأحد لخمس خلون من جمادی الثانیة سنة (428) ، ولم ف)

ص: 326


1- دیوان مهیار الدیلمی : 1 / 64.
2- ولد فی أیّام ملکه نبیّ العظمة صلّی الله علیه واله وسلم ویعزی إلیه علیه السلام : «ولدت فی زمن الملک العادل». (المؤلف) و «ولدت فی زمن الملک العادل». (المؤلف)
3- کامل ابن الأثیر : 9 / 170 [6 / 85 حوادث سنة 428 ه] ، المنتظم لابن الجوزی : 8 / 94 [15 / 260 رقم 3208]. (المؤلف)

أقف علی خلاف فی تاریخ وفاته فی الکتب والمعاجم التی توجد فیها ترجمته ، منها (1) : تاریخ بغداد (13 / 276) ، المنتظم (8 / 94) ، تاریخ ابن خلّکان (2 / 277) ، مرآة الیافعی (3 / 47) ، دمیة القصر (ص 76) ، تاریخ ابن کثیر (12 / 41) ، کامل ابن الأثیر (9 / 159) ، تاریخ أبی الفدا (2 / 168) ، أمل الآمل لشیخنا الحرّ ، روض المناظر لابن شحنة ، أعلام الزرکلی (3 / 1079) ، شذرات الذهب (3 / 247) ، تاریخ آداب اللغة (2 / 259) ، نسمة السحر فیمن تشیّع وشَعر ، دائرة المعارف لفرید وجدی (9 / 484) ، سفینة البحار (2 / 563) ، مجلّة المرشد (2 / 85).

ومن نماذج شعر مهیار فی المذهب قوله یمدح أهل البیت علیهم السلام :

بکی النارَ ستراً علی الموقدِ

وغارَ یغالطُ فی المُنجِدِ

أحبَّ وصانَ فوَرّی هویً

أضلَّ وخاف فلم ینشدِ

بعیدُ الإصاخةِ عن عاذلٍ

غنیُّ التفرّدِ عن مُسعدِ

حمولٌ علی القلبِ وهو الضعیفُ

صبورٌ علی الماءِ وهو الصدی

وقورٌ وما الخُرقُ من حازمٍ

متی ما یَرُح شیبُهُ یغتدی

ویا قلبُ إن قادک الغانیاتُ

فکم رسَنٍ فیک لم یَنْقَدِ

أفِقْ فکأنّی بها قد أُمِرَّ

بأفواهها العذبُ من موردی

وسُوِّدَ ما ابیضَّ من ودِّها

بما بیّضَ الدهرُ من أسوَدی

وما الشیبُ أوّلُ غدرِ الزمانِ

بلی من عوائدِهِ العوّدِ

لحَا اللهُ حظّی کما لا یجودُ

بما أستحقُّ وکم أجتدی4.

ص: 327


1- المنتظم : 15 / 260 رقم 3208 ، وفیات الأعیان : 5 / 359 رقم 755 ، دمیة القصر : 1 / 303 ، البدایة والنهایة : 12 / 52 حوادث سنة 428 ه ، الکامل فی التاریخ : 6 / 85 حوادث سنة 428 ه ، أمل الآمل : 2 / 329 رقم 1021 ، روض المناظر : 2 / 49 ، الأعلام : 7 / 317 ، شذرات الذهب : 5 / 144 ، مؤلّفات جرجی زیدان الکامله - تاریخ آداب اللغة - : مج 14 / 94 ، نسمة السحر : مج 9 / ج 2 / 548 ، سفینة البحار : 8 / 154.

وکم أتعلّلُ عیشَ السقیمِ

أُذمِّمُ یومی وأرجو غدی

لئن نامَ دهریَ دون المنی

وأصبحَ عن نَیلها مُقعدی

ولم أکُ أحمدُ أفعالَهُ

فلی أسوةٌ ببنی أحمدِ

بخیر الوری وبنی خیرِهمْ

إذا ولَدُ الخیرِ لم یُولَدِ

وأکرمِ حیٍّ علی الأرض قامَ

ومیتٍ توسّدَ فی مَلحدِ

وبیتٍ تقاصرُ عنه البیوتُ

وطالَ علیّا (1) علی الفرقدِ

تحوم الملائکُ من حولِهِ

ویُصبحُ للوحی دارَ الندی

ألا سَلْ قریشاً ولُمْ منهمُ

من استوجبَ اللومَ أو فنِّدِ

وقل : ما لکم بعد طولِ الضلا

لِ لم تشکروا نعمةَ المرشدِ

أتاکم علی فترةٍ فاستقامَ

بکم جائرین عن المقصدِ

وولّی حمیداً إلی ربِّه

ومن سنَّ ما سنّه یُحمَدِ

وقد جعل الأمرَ من بعدِهِ

لحیدرٍ بالخبرِ المُسنَدِ

وسمّاه مولیً بإقرار من

لو اتّبعَ الحقَّ لم یَجْحَدِ

فملتم بها حسدَ الفضلِ عنه

ومن یکُ خیرَ الوری یُحْسَدِ

وقلتم بذاک قضی الاجتماع

ألا إنّما الحقُّ للمفردِ

یعزُّ علی هاشمٍ والنبیِ

تلاعُبُ تَیمٍ بها أو عدی

وإرثُ علیٍّ لأولادِهِ

إذا آیةُ الإرثِ لم تُفسَدِ

فمن قاعدٍ منهمُ خائفٍ

ومِن ثائرٍ قام لم یُسعَدِ

تَسَلَّطُ بغیاً أکفُ النفا

قِ منهم علی سیّدٍ سیّدِ

وما صُرفوا عن مقامِ الصلاةِ

ولا عُنِّفوا فی بُنی (2) المسجدِ

أبوهم وأمّهمُ مَن علم

-تَ فأنقص مفاخرَهمْ أو زدِف)

ص: 328


1- کذا فی الدیوان بالنصب.
2- بُنی : جمع بُنیة. (المؤلف)

أری الدینَ من بعد یومِ الحسین

علیلاً له الموتُ بالمرصَدِ

وما الشرکُ للهِ من قبلِهِ

إذا أنتَ قستَ بمستبعَدِ

وما آلُ حربٍ جنوا إنّما

أعادوا الضلالَ علی من بُدی

سیعلمُ من فاطمٌ خصمُهُ

بأیِّ نکالٍ غداً یرتدی

ومن ساء أحمدَ یا سِبطَهُ

فباءَ بقتلِکَ ما ذا یدی

فداؤک نفسی ومن لی بذا

کَ لو أنّ مولیً بعبدٍ فُدی

ولیت دمی ما سقی الأرضَ منک

یقوتُ الردی وأکون الردی

ولیت سبقتُ فکنتُ الشهیدَ

أمامَکَ یا صاحبَ المشهدِ

عسی الدهرُ یشفی غداً من عدا

ک قلبَ مَغیظٍ بهم مُکمَدِ

عسی سطوةُ الحقِّ تعلو الُمحال

عسی یُغلَبُ النقصُ بالسؤددِ

وقد فعلَ اللهُ لکنّنی

أری کبدی بعدُ لم تبرُدِ

بسمعی لقائمِکم دعوةٌ

یُلبّی لها کلُّ مستنجَدِ

أنا العبدُ والاکمُ عقدُهُ

إذا القولُ بالقلبِ لم یُعقَدِ

وفیکم ودادی ودینی معاً

وإن کان فی فارسٍ مولدی

خصمتُ ضلالی بکم فاهتدیتُ

ولولاکمُ لم أکنْ أهتدی

وجرّدتمونی وقد کنتُ فی

یدِ الشرکِ کالصارمِ المُغمَدِ

ولا زال شعریَ من نائحٍ

یُنَقَّلُ فیکمْ إلی مُنشدِ

وما فاتنی نصرُکمْ باللسانِ

إذا فاتنی نصرُکمْ بالیدِ (1)

وقال یرثی أمیر المؤمنین علیّا وولده الحسین ویذکر مناقبهما ، وکان ذلک من نذائرِ ما منَّ الله تعالی به من نعمة الإسلام فی المحرّم سنة (392) (2):

یزوِّرُ عن حسناءَ زورةَ خائفِ

تعرُّضُ طیفٍ آخرَ اللیلِ طائفِف)

ص: 329


1- دیوان مهیار : 1 / 298.
2- کذا فی دیوانه [2 / 259] ، وقد مرّ عن المعاجم أنّه أسلم سنة (394). (المؤلف)

فأشبهها لم تغدُ مِسکاً لناشقٍ

کما عوّدَتْ ولا رحیقاً لراشفِ

قصیّةُ دارٍ قرّبَ النومُ شخصَها

وما نعةٌ أهدت سلامَ مساعفِ

ألینُ وتُغری بالإباءِ کأنّما

تبرُّ بهجرانی ألیّةَ حالفِ

وبالغور للناسینَ عهدیَ منزلٌ

حنانَیْکَ من شاتٍ لدیه وصائفِ

أغالطُ فیهِ سائلاً لا جهالةً

فأسألُ عنه وهو بادی المعارفِ

ویعذلُنی فی الدارِ صحبی کأنّنی

علی عرصاتِ الحبِّ أوّلُ واقفِ

خلیلیَّ إن حالت - ولم أرضَ - بیننا

طِوالُ الفیافی أو عِراضُ التنائفِ (1)

فلا زُرَّ ذاک السجفُ إلاّ لکاشفٍ

ولا تمَّ ذاک البدرُ إلاّ لکاسفِ

فإن خِفتما شوقی فقد تأمنانِهِ

بخاتلةٍ بین القنا والمخاوفِ

بصفراءَ لو حلّتْ قدیماً لشاربٍ

لضنّت فما حلّتْ فتاة لقاطفِ

یطوفُ بها من آلِ کسری مقرطَقٌ

یحدِّث عنها من ملوکِ الطوائفِ (2)

سقی الحُسْنُ حمراءَ السلافةِ خدَّهُ

فأنبعَ نبتاً أخضراً فی السوائفِ (3)

وأحلفُ أنّی شُعشِعَتْ لی بکفِّه

سلوتُ سوی همٍّ لقلبی مُحالفِ

عصیتُ علی الأیّامِ أن ینتزعنَهُ

بنهی عذولٍ أو خداعِ ملاطفِ

جویً کلّما استخفی لیخمدَ هاجَهُ

سنا بارقٍ من أرضِ کوفانَ خاطفِ

یذکِّرُنی مثوی علیٍّ کأنّنی

سمعتُ بذاک الرزءِ صیحةَ هاتفِ

رکبتُ القوافی ردفَ شوقی مطیّةً

تَخبُّ بجاری دمعیَ المترادفِ

إلی غایةٍ من مدحِهِ إن بلغتُها

هزأتُ بأذیالِ الریاحِ العواصفِ

وما أنا من تلکَ المفازةِ مدرکٌ

بنفسی ولو عرّضتُها للمتالفِ

ولکن تؤدّی الشهدَ إصبعُ ذائقٍ

وتعلَقُ ریحَ المسکِ راحةُ دائفِ (4)ف)

ص: 330


1- التنائف : جمع تنوفة ، وهی القفر من الأرض.
2- مقرطق : لابس القرطق ، وهو قباء ذو طاق واحد. (المؤلف)
3- یرید بالنبت ، العذار. السوائف - جمع سائفة - : هی القطعة من اللحم. (المؤلف)
4- الدائف : الخالط الذی یخلط المسک بغیره من الطیب. (المؤلف)

بنفسیَ من کانتْ مع اللهِ نفسُهُ

إذا قلَّ یومَ الحقِّ من لم یجازفِ

إذا ما عزوا دیناً فآخرُ عابدٍ

وإن قسموا دنیاً فأوّلُ عائفِ

کفی یومُ بدرٍ شاهداً وهوازنٌ

لمستأخرینَ عنهما ومزاحفِ

وخیبرُ ذاتُ البابِ وهی ثقیلةُ ال

-مرامِ علی أیدی الخطوبِ الخفائفِ

أبا حسنٍ إن أنکروا الحقَّ واضحاً

علی أنَّه واللهِ إنکارُ عارفِ

فإلاّ سعی للبینِ أخمصُ بازلٍ

وإلاّ سمتْ للنعل إصبعُ خاصفِ

وإلاّ کما کنتَ ابنَ عمٍّ ووالیاً

وصهراً وصنواً کان من لم یقارفِ

أخصّکَ بالتفضیلِ إلاّ لعلمِهِ

بعجزِهمُ عن بعضِ تلک المواقفِ

نوی الغدرَ أقوامٌ فخانوک بعدَهُ

وما آنِفٌ فی الغدرِ إلاّ کسالِفِ

وهبْهُمْ سَفاهاً صحّحوا فیک قولَهُ

فهل دفعوا ما عندَهُ فی المصاحفِ

سلامٌ علی الإسلامِ بعدَکَ إنّهم

یسومونه بالجورِ خطّةَ خاسفِ

وجدّدها بالطفِّ بابنِکَ عصبةٌ

أباحوا لذاک القرفِ حکّةَ قارفِ (1)

یعزُّ علی محمدٍ بابن بنتِهِ

صبیبُ دمٍ من بین جنبیه واکفِ

أجازوکَ حقّا فی الخلافةِ غادروا

جوامعَ (2) منه فی رقابِ الخلائفِ

أیا عاطشاً فی مصرعٍ لو شهدتُهُ

سقیتُکَ فیه من دموعی الذوارفِ

سقی غُلّتی بحرٌ بقبرِکَ إنّنی

علی غیر إلمامٍ به غیرُ آسفِ

وأهدی إلیه الزائرون تحیّتی

لِأَشْرُفَ إنْ عینی له لم تشارفِ

وعادوا فذرّوا بین جنبیَّ تربةً

شفائیَ ممّا استحقبوا فی المخاوفِ (3)

أسرُّ لمن والاک حبَّ موافقٍ

وأبدی لمن عاداکَ سبَّ مخالفِ

دعیٌّ سعی سعی الأُسودِ وقد مشی

سواه إلیها أمسِ مشیَ الخوالفِ (4)ف)

ص: 331


1- القرف : البغی. (المؤلف)
2- الجوامع : الأغلال. (المؤلف)
3- استحقبوا : ادّخروا. (المؤلف)
4- الخوالف : النساء. (المؤلف)

وأغری بک الحسّادَ أنّک لم تکنْ

علی صنمٍ فیما رووهُ بعاکفِ

وکنت حصانَ الجیبِ من یدِ غامرٍ

کذاک حصانَ العرضِ من فمِ قاذفِ

وما نسبٌ ما بین جنبیَّ تالدٌ

بغالبِ ودٍّ بین جنبیَّ طارفِ

وکم حاسدٍ لی ودَّ لو لم یعشْ ولم

أُنابلْهُ فی تأبینِکم وأسایفِ (1)

تصرّفتُ فی مدحیکمُ فترکتُهُ

یعضُّ علیَّ الکفَّ عضَّ الصوارفِ (2)

هواکمْ هو الدنیا وأعلمُ أنّهُ

یُبیِّضُ یومَ الحشرِ سُودَ الصحائفِ

وأُنشِدَ قصیدةً فی مراثی أهل البیت علیهم السلام من مرذول الشعر علی هذا الرویِ الذی یجیء ، وسُئل أن یعمل أبیاتاً فی وزنها علی قافیتها ، فقال هذه فی الوقت (3):

مشینَ لنا بین مِیلٍ وهِیفِ

فقل فی قناةٍ وقل فی نزیفِ (4)

علی کلّ غصنٍ ثمارُ الشبا

بِ من مُجتنیه دوانی القُطوفِ

ومن عَجَبِ الحسنِ أنّ الثقی

-لَ منه یُدِلُّ بحملِ الخفیفِ

خلیلیّ ما خُبرُ ما تُبصرا

نِ بین خلاخیلِها والشنوفِ (5)

سلانی به فالجمالُ اسمُهُ

ومعناهُ مَفسدةٌ للعفیفِ

أمن عربیّة تحتَ الظلامِ

تولجُ ذاک الخیالِ المُطیفِ

سری عینها أو شبیهاً (6) فَکا

د یفضحُ نومیَ بین الضیوفِ

نعم ودعا ذکرَ عهدِ الصبا

سیلقاه قلبی بعهدٍ ضعیفِ

بآلِ علیٍّ صروفُ الزمانِ

بسطنَ لسانی لذمِّ الصروفِب.

ص: 332


1- أنابله : أرمیه بالنبل. أسایف : أجالده بالسیف. (المؤلف)
2- الصوارف - جمع صارف - : وهو الناب. (المؤلف)
3- دیوان مهیار : 2 / 262.
4- النزیف : السکران. (المؤلف)
5- الشنوف - جمع شَنَف - : وهو القرط یُعلَّقُ بأعلی الأذن. (المؤلف)
6- کذا فی الدیوان بالنصب.

مصابی علی بُعدِ داری بهمْ

مصابُ الألیفِ بفقدِ الألیفِ

ولیس صدیقیَ غیرَ الحزینِ

لیومِ الحسینِ وغیرَ الأَسوفِ (1)

هو الغصن (2) کان کمیناً فهبَ

لدی کربلاءَ بریحٍ عصوفِ

قتیلٌ به ثارَ غِلُّ النفوسِ

کما نَغَر الجرحَ حکُّ القُروفِ (3)

بکلِّ یدٍ أمسِ قد بایعتْهُ

وساقت له الیومَ أیدی الحتوفِ

نسوا جدَّهُ عند عهدٍ قریبٍ

وتالدَهُ معَ حقٍّ طریفِ

فطاروا له حاملین النفاقَ

بأجنحةٍ غِشُّها فی الحفیفِ (4)

یعزُّ علیَّ ارتقاءُ المنونِ

إلی جبلٍ منک عالٍ منیفِ

ووجهُکَ ذاکَ الأغرُّ التریبُ

یُشَهَّرُ وهو علی الشمس موفی

علی ألعنِ أمرِه قد سعی

بذاک الذمیلِ وذاک الوجیفِ (5)

وویلُ امّ مأمورِهم لو أطاعَ

لقد باعَ جنّتَه بالطفیفِ

وأنت وإن دافعوک الإمامُ

وکان أبوک برغمِ الأنوفِ

لِمَن آیةُ البابِ یومَ الیهودِ

ومن صاحبُ الجنِّ یومَ الخسیفِ

ومن جمعَ الدینَ فی یومِ بدرٍ

وأُحدٍ بتفریقِ تلک الصفوفِ

وهدّمَ فی اللهِ أصنامَهمْ

بمرأی عیونٍ علیها عُکوفِ

أغیرُ أبیکَ إمامِ الهدی

ضیاءِ الندیِّ هزبرِ العزیفِ (6)

تفلّلَ سیفٌ به ضرّجوک

لَسوّدَ خِزیاً وجوهَ السیوفِف)

ص: 333


1- الأسوف : السریع الحزن ، الرقیق القلب. (المؤلف)
2- کذا فی مطبوع دیوانه والصحیح : هو الضغن. (المؤلف)
3- نغر : أسال. القروف - جمع قرف - : هی القشرة تعلو الجرح. (المؤلف)
4- الحفیف : صوت أجنحة الطائر. (المؤلف)
5- الذمیل : السیر اللیّن. الوجیف : ضرب من السیر سریع.
6- العزیف : صوت الرمال إذا هبّت علیها الریاح. ولعلّ الصحیح : الغریف - معجمة العین مهملة الراء - : وهو الأجمة. (المؤلف)

أمرَّ بفیَّ علیک الزلالُ

وآلمَ جِلدیَ وقعُ الشفوفِ (1)

أتحملُ فقدَک ذاک العظیمَ

جوارحُ جسمیَ هذا الضعیفِ

ولهفی علیک مقالُ الخبی

-ر : إنّک تُبرِدُ حَرَّ اللهیفِ

أنشرُک ما حملَ الزائرو

ن أم المسکُ خالطَ تربَ الطفوفِ

کأنّ ضریحَک زهرُ الربی

-عِ هبّتْ علیه نسیمُ الخریفِ

أحبّکمُ ما سعی طائفٌ

وحنّتْ مطوَّقةٌ فی الهُتوفِ

وإن کنتُ من فارسَ فالشری

-فُ معتلِقٌ ودُّهُ بالشریفِ

رکبتُ علی من یعادیکُمُ

ویفسدُ تفضیلَکمْ بالوقوفِ

سوابقَ (2) من مدحِکمْ لم أهبْ

صعوبةَ ریِّضِها والقَطوفِ (3)

تُقطِّرُ غیریَ أصلابُها

وتزلقُ أکفالُها بالردیفِ (4)

وقال یمدح أهل البیت علیهم السلام (5) وهی من أوّل قوله :

سلا من سلا من بنا استبدلا

وکیف محا الآخرُ الأوّلا

وأیُّ هویً حادثِ العهد أم

-سِ أنساه ذاک الهوی المُحوِلا (6)

وأینَ المواثیقُ والعاذلاتُ

یضیقُ علیهنَّ أن تعذلا

أکانتْ أضالیلَ وعدِ الزما

ن أم حُلُمَ اللیلِ ثمّ انجلی

وممّا جری الدمعُ فیه سؤا

لُ من تاه بالحسنِ أن یُسألاف)

ص: 334


1- الشفوف - جمع شف - : وهو الثوب الرقیق. (المؤلف)
2- مفعول به لقوله السابق : رکبت.
3- الریِّض : الدابّة أوّل ما تراض وهی صعبة. القَطوف : الدابّة التی تسیء المسیر وتبطئ. (المؤلف)
4- تقطِّر : تلقی الإنسان علی قطره ، أی علی أعلی ظهره. الردیف : الراکب خلف الراکب. (المؤلف)
5- دیوان مهیار : 3 / 48.
6- المُحْول : الذی أتی علیه حول بعد حول أی سنون. (المؤلف)

أقول برامةَ (1) یا صاحبیّ

مَعاجاً (2) وإن فعلا أجملا

قفا لعلیلٍ فإنّ الوقوفَ

وإن هو لم یشفِه عَلّلا

بغربیِّ وجرةَ (3) ینشدنه

وإن زادنا صلةً منزلا (4)

وحسناءَ لو أنصفتْ حسنَها

لکان من القبحِ أن تبخلا

رأت هجرَها مُرخِصاً من دمی

علی النأی عِلقاً قدیماً غلا (5)

ورُبّتَ واشٍ بها منبضٍ (6)

أسابقه الردّ أن یُنبلا

رأی ودَّها طللاً مُمحِلا

فلفّق ما شاء أن یَمحلا

وألسنة کأعالی الرماحِ

رددتُ وقد شرعتْ ذُبَّلا (7)

ویأبی لحسناءَ إن أقبلتْ

تعرُّضَها قمراً مُقبلا

سقی الله لیلاتِنا بالغُوَی

-رِ فیما أعلَّ وما أنهلا (8)

حیاً کلّما أسبلت مقلةٌ

حنیناً له عبرةً أسبلا (9)

وخصَّ وإن لم تعد لیلةً

خلتْ فالکری بعدها ماحَلا

وفَی الطیفُ فیها بمیعادِهِ

وکان تعوّد أن یمطُلا

فما کان أقصرَ لیلی به

وما کان لو لم یَزُر أطولا

مساحبُ قصّر عنّی المشی

-بُ ما کان منها الصبا ذَیّلار.

ص: 335


1- رامة : هی موضع فی طریق البصرة إلی مکة. معجم البلدان : 3 / 18.
2- معاجاً : مصدر میمی من : عاج یعوج بمعنی عطف.
3- وجرة : موضع بین مکة والبصرة ، بینها وبین مکة نحو أربعین میلاً. معجم البلدان : 5 / 362.
4- کذا فی دیوانه ، والصحیح کما ینشده أدباء النجف الأشرف : بغربیِّ وجرةَ ینشد به وإن زادنا ظلةً منزلا (المؤلف)
5- العلق : الشیء النفیس. (المؤلف)
6- النبض : الذی یشدّ وتر القوس لتصوّت. (المؤلف)
7- الذُبَّل جمع ذابل : وهو الدقیق من الرماح. (المؤلف)
8- العلّ : الشرب الثانی. النهل : أوّل الشرب. (المؤلف)
9- الحیا : المطر.

ستصرفنی نزواتُ الهمو

مِ بالأرَبِ الجِدِّ أن أهزِلا

وتنحتُ من طرَفی زفرةٌ

مباردها تأکل المُنصُلا (1)

وأُغری بتأبین آل النبی

یِ وإن نسّبَ الشعرُ أو غَزّلا

بنفسی نجومَهمُ المخمَداتِ

ویأبی الهدی غیر أن تُشعَلا

وأجسامَ نورٍ لهم فی الصعی

-د تملؤه فیُضیء الملا

ببطن الثری حملُ ما لم تُطِقْ

علی ظهرها الأرضُ أن تحملا

تفیض فکانت ندیً أبحراً

وتهوی فکانت عُلاً أجبُلا

سلِ المتحدّی بهم فی الفخا

ر أین سَمَتْ شرفاتُ العلی

بمن باهلَ اللهُ أعداءَهُ

فکان الرسولُ بهم أبهلا

وهذا الکتابُ وإعجازُهُ

علی من وفی بیتِ من نُزِّلا

وبدرٌ وبدرٌ به الدین تَم

مَ من کان فیه جمیلَ البلا

ومن نام قومٌ سواه وقام

ومن کان أفقهَ أو أعدلا

بمن فُصِل الحکمُ یومَ الجنین

فطبّقَ فی ذلک المَفصِلا (2)

مساعٍ أطیلُ بتفصیلها

کفی معجزاً ذکرُها مجملا

یمیناً لقد سُلِّط الملحدونَ

علی الحقِّ أو کاد أن یبطُلا

فلو لا ضمانٌ لنا فی الطهورِ

قضی جدَلُ القولِ أن نخجلا

أاللهَ یا قومُ یقضی النبیُ

مطاعاً فیُعصی وما غُسِّلا

ویوصی فنخرُصُ دعوی علی

-هِ فی ترکِهِ دینَهُ مهملا

ویجتمعون علی زعمِهمْ

ویُنبیک سعد (3) بما أشکلاف)

ص: 336


1- المُنصُل : السیف. (المؤلف)
2- یقال للرجل إذا أصاب مهجة الصواب : طبّق المفصل. وقصّة الجنین إحدی قضایا الإمام علیه السلام. (المؤلف)
3- یشیر إلی سعد بن عبادة أمیر الخزرج وقد أبی بیعة أبی بکر ، وبقی علی ذلک حتی مات ، وقصّته مودوعة فی التاریخ. (المؤلف)

فیُعقبُ إجماعُهم أن یبی

-تَ مفضولُهمْ یقدُمُ الأفضلا

وأن یُنزعَ الأمرُ من أهلِهِ

لأنّ علیّا له أُهِّلا

وساروا یحطّون فی آلِهِ

بظلمهمُ کلکلاً کلکلا (1)

تدبُّ عقاربُ من کیدِهمْ

فتفنیهمُ أوّلاً أوّلا

أضالیلُ ساقتْ مصابَ الحسینِ

وما قبلَ ذاک وما قد تلا

أُمیّةُ لابسةٌ عارَهَا

وإن خفی الثارُ أو حُصِّلا

فیومُ السقیفةِ یا ابن النبی

یِ طرّق یومک فی کربلا

وغصبُ أبیکَ علی حقِّه

وأمِّک حَسّنَ أن تُقتَلا

أیا راکباً ظهرَ مجدولةٍ

تُخالُ إذا انبسطت أجدلا (2)

شأت أربَعَ الریحِ فی أربعٍ

إذا ما انتشرنَ طوینَ الفلا

إذا وکّلتْ طرفَها بالسماء

خِیل بإدراکها وُکِّلا

فعزّتْ غزالتَها غُرّةً

وطالت غزالَ الفلا أَیْطَلا (3)

کطیِّک فی منتهیً واحدٍ (4)

لنُدرک یثربَ أو مرقلا (5)

فَصِلْ ناجیاً وعلیَّ الأمانُ

لمن کان فی حاجةٍ موصَلا

تحمَّلْ رسالةَ صبٍّ حملتَ

فنادِ بها أحمدَ المرسَلا

وحیِّ وقل یا نبیَّ الهدی

تأشّبَ نهجُک واستوغلا (6)ف)

ص: 337


1- الکلکل : الصدر أو ما بین الترقوتین. (المؤلف)
2- المجدولة : من : جدلَ الولد إذا قوی وصلب عظمه. الأجدل : الصقر. (المؤلف)
3- عزّت : غلبت. الغزالة : الشمس عند ارتفاعها. الأَیْطَل : الخاصرة. (المؤلف)
4- کذا فی مطبوع دیوانه ، والمحفوظ عند أدباء النجف الأشرف : أظنّک فی متنها واخداً. والوخد ضرب من سیر الإبل سریع. (المؤلف)
5- المُرقِل : المسرع فی سیره. (المؤلف)
6- تأشّب : اختلط. (المؤلف)

قضیتَ فأرمَضَنا ما قضیتَ

وشرعُک قد تمَّ واستکملا (1)

فرامَ ابنُ عمِّک فیما سنن

-تَ أن یتقبّل أو یَمثُلا

فخانک فیه من الغادری

-ن من غیّرَ الحقَّ أو بدّلا

إلی أن تحلّتْ بها تیمُها

وأضحتْ بنو هاشم عُطَّلا

ولمّا سری أمرُ تیمٍ أطا

لَ بیتُ عدیٍّ لها الأحبلا (2)

ومدّت أُمیّةُ أعناقَها

وقد هوّنَ الخطبَ واستسهلا

فنال ابنُ عفّانَ ما لم یکنْ

یُظنُّ وما نال بَلْ نُوِّلا

فقرَّ وأنعمُ عیش یکو

نُ من قبلِهِ خشناً قُلقلا (3)

وقلَّبها أردشیریّةً

فحرّق فیها بما أشعلا

وساروا فساقوه أو أوردوه

حیاضَ الردی منهلاً منهلا

ولمّا امتطاها علیٌّ أخو

ک ردَّ إلی الحقِّ فاستثقِلا

وجاؤوا یسومونه القاتلینَ

وهم قد ولُوا ذلک المقتَلا

وکانت هناةٌ وأنت الخصیمُ

غداً والمُعاجَلُ من أُمهِلا

لکمْ آلَ یاسینَ مدحی صفا

وودِّی حَلا وفؤادی خلا

وعندی لأعدائکم نافذا

تُ قولیَ ما صاحبَ المِقْوَلا (4)

إذا ضاق بالسیرِ ذرعُ الرفیقِ

ملأتُ بهنّ فروجَ الملا

فواقرُ من کلِّ سهمٍ تکونُ

له کلُّ جارحةٍ مقتَلا

وهلاّ ونهجُ طریقِ النجاةِ

بکم لاحَ لی بعد ما أشکلاف)

ص: 338


1- أرمضنا : أحرقنا غَیْظاً.
2- کذا فی دیوانه المطبوع والمحفوظ عند خطبائنا : ولمّا سری أمرُ تیمٍ وطالَ مدّت عدیٌّ لها الأرجلا(المؤلف)
3- القلقل : غیر القار. (المؤلف)
4- المِقْوَل : اللسان. (المؤلف)

رکبتُ لکم لَقَمی فاستننت (1)

وکنتُ أُخابطُه مَجهَلا

وفُکَّ من الشِّرک أسری وکا

ن غُلاّ علی منکبی مُقفلا

أُوالیکمُ ما جرت مُزْنةٌ

وما اصطخب الرعدُ أو جلجَلا

وأبرأ ممّن یُعادیکمُ

فإنّ البراءةَ أصلُ الولا

ومولاکمُ لا یخافُ العقابَ

فکونوا له فی غدٍ موئلا

وقال یذکر مناقب أمیر المؤمنین - صلوات الله علیه - وما مُنی به من أعدائه (2):

إن کنتَ ممّن یلجُ الوادی فسلْ

بین البیوتِ عن فؤادی ما فعلْ

وهل رأیتَ والغریبُ ما تری

واجدَ جسمٍ قلبُه منه یضِلْ

وقل لغزلانِ النقا مات الهوی

وطُلِّقتْ بعدکمُ بنتُ الغزلْ

وعادَ عنکنّ یخیبُ قانصٌ

مدَّ الحبالات لکُنَّ فاحتُبلْ (3)

یا من یری قتلی السیوفِ حُظِرتْ

دماؤهمْ اللهَ فی قتلی المُقَلْ

ما عند سکّانِ مِنیً فی رجلٍ

سباه ظبیٌ وهو فی ألف رَجُلْ

دافعَ عن صفحته شوکُ القنا

وجرّحتْهُ أعینُ السربِ النُّجُلْ

دمٌ حرامٌ للأخِ المسلمِ فی

أرضٍ حرامٍ یا لَ نُعْمٍ کیف حلْ

قلتِ شکا فأین دعوی صبرِهِ

کُرِّی اللحاظَ واسألی عن الخبلْ

عنَّ هواکِ فأذلَّ جَلَدی

والحبُّ ما رقَّ له الجَلْدُ وذَلْ (4)

من دلَّ مسراکِ علیَّ فی الدجی

هیهاتَ فی وجهِکِ بدرٌ لا یَدُلْ

رمتِ الجمالَ فملکتِ عنوةً

أعناقَ ما دقَّ من الحسنِ وجلْف)

ص: 339


1- اللَّقَم : معظم الطریق وواضحه. استننت : ذهبت فی واضح الطریق. (المؤلف)
2- دیوان مهیار : 3 / 109.
3- فاحتبل : فصید بالحبالة. (المؤلف)
4- الجَلَد : الصبر. الجَلِد : القویّ الشدید. (المؤلف)

لواحظاً علَّمَتِ الضربَ الظبا

علی قوامٍ علّمَ الطعنَ الأسلْ (1)

یا من رأی بحاجرٍ مَجالیا

من حیثُ ما استقبلها فهی قِبَلْ (2)

إذا مررتَ بالقِبابِ من قُبا

مرفوعةً وقد هوتْ شمسُ الأصُلْ (3)

فقل لأقمارِ السماءِ اختمری

فحلبةُ الحسنِ لأقمارِ الکِلَلْ (4)

أینَ لیالینا علی الخیفِ وهلْ

یردُّ عیشاً بالحمی قولُکَ هلْ

ما کنَّ إلاّ حُلُماً روّعه الصّ

بحُ وظلاّ کالشبابِ فانتقلْ

ما جمعتْ قطُّ الشبابَ والغنی

یدُ امرئٍ ولا المشیبَ والجذلْ

یا لیتَ ما سوّدَ أیّامَ الصبا

أعدی بیاضاً فی العذارین نزلْ

ما خلتُ سوداءَ بیاضی نصَلتْ

حتی ذوی أسودُ رأسی فنصَلْ (5)

طارقةٌ من الزمانِ أخذتْ

أواخرَ العیش بفَرْطات الأُوَلْ

قد أنذرتْ مُبیضّةٌ أن حذّرتْ

ونَطَقَ الشیبُ بنصحٍ لو قُبِلْ

ودلّ ما حطَّ علیک من سنی

عمرِک أنّ الحظَّ فیما قد رحلْ

کم عِبرةٍ وأنت من عظاتِها

ملتفتٌ تتبعُ شیطانَ الأملْ

ما بین یُمناک وبین أختِها

إلاّ کما بین مُناک والأَجلْ

فاعمل من الیوم لِما تلقی غداً

أو لا فقل خیراً تُوَفَّقْ للعملْ

وَرِدْ خفیفَ الظهر حوضَ أُسرةٍ

إن ثقّلوا المیزانَ فی الخیرِ ثَقَلْ

أُشددْ یداً بحبِّ آلِ أحمدٍ

فإنّه عقدةُ فوزٍ لا تُحَلْ

وابعث لهم مراثیاً ومِدَحاً

صفوةَ ما راضَ الضمیرُ ونخَلْف)

ص: 340


1- الظبا - جمع الظبة - : حدّ السیف. الأسل : الرمح. (المؤلف)
2- الحاجر : ما یمسک الماء من شقة الوادی.
3- قبا : اسم موضع بالمدینة فیه مسجد لرسول الله صلی الله علیه وآله. الأُصُل - جمع أصیل - : وهو وقت ما بعد العصر إلی المغرب. (المؤلف)
4- الکِلَل - جمع کِلّة - : ثیاب یُغَطّی بها الهودج.
5- نصَلَ : خرجَ من خضابه. (المؤلف)

عقائلاً تصانُ بابتذالها

وشارداتٍ وهی للساری عُقُلْ

تحملُ من فضلِهمُ ما نهضتْ

بحملِهِ أقوی المصاعیبِ الذُّلُلْ (1)

موسومةً فی جبهاتِ الخیلِ أو

معلّقاتٍ فوقَ أعجازِ الإبلْ

تنثو العلاءَ سیّداً فسیّداً

عنهم وتنعی بطلاً بعدَ بطلْ (2)

الطیّبونَ أُزُراً تحت الدجی

الکائنونَ وَزَراً یومَ الوجلْ (3)

والمنعمون والثری مُقطِّبٌ

من جدبِهِ والعامُ غضبانُ أزِلْ (4)

خیرُ مُصلٍّ مَلَکاً وبشراً

وحافیاً داسَ الثری ومنتعِلْ

همْ وأبوهمْ شَرَفاً وأمُّهمْ

أکرمُ من تحوی السماءُ وتُظِلْ

لا طُلقاءٌ مُنْعَمٌ علیهمُ

ولا یحارونَ إذا الناصرُ قَلْ

یستشعرون (5) : اللهُ أعلی فی

الوری

وغیرُهمْ شعارُهُ أُعلُ هبلْ (6)

لم یتزخرفْ وثَنٌ لعابدٍ

منهم یُزیغُ قلبَه ولا یُضِلْ

ولا سری عرقُ الإماءِ فیهمُ

خبائثٌ لیست مریئاتِ الأُکُلْ

یا راکباً تحمله عیدیّةٌ (7)

مهویّةُ الظهرِ بعضّاتِ الرحَلْ

لیس لها من الوَجا منتصرٌ

إذا شکا غاربُها حَیْفَ الإطِلْ (8)

تشرب خِمساً وتجرُّ رعیَها

والماءُ عِدٌّ والنبات مکتهلْ (9)ف)

ص: 341


1- المصاعیبُ الذلُل : الفحول المذلَّلة. (المؤلف)
2- تنثو من نثّ الخبر نثّا : أفشاه. (المؤلف)
3- أُزُر : جمع إزار. الوزر : الملجأ والکنف. (المؤلف)
4- الأزِل : الشدید الضیق ، یقال : أزْلٌ ، أزِلٌ. للمبالغة. (المؤلف)
5- أی شعارهم.
6- أشار إلی قول أبی سفیان یوم أُحد : أُعلُ هُبَل ، هُبَل - بالضمّ - : اسم صنم لهم معروف. (المؤلف)
7- عیدیّة : نسبة إلی فحل تنسب إلیه کرام النجائب ، أو نسبة إلی حیٍّ یقال له بنو العید ، تُنسب إلیه النوق العیدیّة. (المؤلف)
8- الوجا : الحفا. الغارب : الکامل. الإطِل : الخاصرة. (المؤلف)
9- الخِمس : وِرد الإبل علی الماء فی الیوم الخامس. تجر : تعید ما فی جوفها لتأکله ثانیة. الرعی : الکلأ. العِدّ : الغزیر الذی لا ینقطع. المکتهل من النبات : ما تمَّ طوله ونوره. (المؤلف)

إذا اقتضتْ راکبها تعریسةً

سوّفها الفجرُ ومنّاها الطَّفلْ (1)

عرِّج بروضات الغریِّ سائفاً

أزکی ثریً وواطئاً أعلی محلْ (2)

وأدِّ عنّی مُبْلِغاً تحیّتی

خیرَ الوصیّین أخا خیرِ الرُسُلْ

سمعاً أمیرَ المؤمنین إنّها

کنایةٌ لم تکُ فیها منتحِلْ

ما لقریشٍ ماذَقَتْکَ عهدَها

ودامجتکَ ودّها علی دَخَلْ (3)

وطالبتک عن قدیم غِلِّها

بعد أخیک بالتراثِ والذحَلْ

وکیف ضمّوا أمرَهمْ واجتمعوا

فاستوزروا الرأیَ وأنت منعزِلْ

ولیس فیهم قادحٌ بریبةٍ

فیک ولا قاضٍ علیکَ بوهَلْ (4)

ولا تُعدُّ بینهمْ منقبةٌ

إلاّ لکَ التفصیلُ منها والجُمَلْ

وما لقومٍ نافقوا محمداً

عمرَ الحیاةِ وبَغَوا فیه الغِیَلْ

وتابعوهُ بقلوبٍ نزلَ ال

-فرقانُ فیها ناطقاً بما نزلْ

مات فلم تنعَقْ علی صاحبِهِ

ناعقةٌ منهم ولم یُرغِ جمَلْ

ولا شکا القائمُ فی مکانِهِ

منهمْ ولا عنّفهمْ ولا عذَلْ

فهل تُری مات النفاقُ معهُ

أم خَلصَتْ أدیانُهمْ لمّا نُقِلْ

لا والذی أیّدَهُ بوحیِهِ

وشدّهُ منک برکنٍ لم یَزُلْ

ما ذاک إلاّ أنّ نیّاتِهمُ

فی الکفر کانت تلتوی وتعتدِلْ

وإنّ وُدّا بینهمْ دلَّ علی

صفائِهِ رضاهمُ بما فعلْ

وهبهمُ تخرُّصاً قد ادّعوا

أنّ النفاقَ کان فیهمْ وبَطَلْ

فما لهم عادوا وقد ولِیتَهم

فذکروا تلک الحزازاتِ الأُوَلْ

وبایعوک عن خداعٍ کلُّهمْ

باسطُ کفٍّ تحتها قلبٌ نَغِلْ).

ص: 342


1- التعریسة : نزول المسافر آخر اللیل للاستراحة. الطَّفَل : قبیل غروب الشمس. (المؤلف)
2- سائفاً : شامّا.
3- ماذقتک : شابت ودّها ولم تخلص. دامجتک : جمعت لک ودّها. الدخل : الخداع. (المؤلف)
4- الوَهَل : الخوف والضعف. (المؤلف).

ضرورة ذاک کما عاهد مَن

عاهد منهم أحمداً ثمّ نکلْ

وصاحبُ الشوری لما ذاک تری

عنک وقد ضایقه الموت عدلْ

والأُمویُّ ما لهُ أخّرَکُمْ

وخصَّ قوماً بالعطاءِ والنفَلْ

وردّها عجماءَ کِسرویّةً

یضاعُ فیها الدینُ حِفظاً للدولْ

کذاک حتی أنکروا مکانَهُ

وهمْ علیک قدّموهُ فقَبِلْ

ثمّ قسمتَ بالسواءِ بینهمْ

فعظُمَ الخطبُ علیهم وثَقُلْ

فشُحذتْ تلک الظبا وحُفِرتْ

تلک الزبی وأُضرمت تلک الشُّعَلْ

مواقفٌ فی الغدرِ یکفی سُبّةً

منها وعاراً لهمُ یومُ الجملْ

یا لیتَ شعری عن أکفٍّ أرهفتْ

لک المواضی وانتَحَتْکَ بالذُّبُلْ (1)

واحتطبتْ تبغیکَ بالشرِّ علی

أیِّ اعتذارٍ فی المعادِ تتّکلْ

أَنَسیت صفقتَها أمسِ علی

یدیک ألاّ غِیَرٌ ولا بدلْ

وعن حصانٍ أُبرزتْ یُکشَفُ باس

-تخراجِها سترُ النبیِّ المنسدلْ

تطلبُ أمراً لم یکن ینصرُهُ

بمثلِها فی الحربِ إلاّ من خذَلْ

یا لَلرجالِ ولِتَیمٍ تدّعی

ثارَ بنی أُمیّةٍ وتنتحلْ

وللقتیل یُلزمون دمَهُ

وفیهمُ القاتلُ غیرَ من قتَلْ

حتی إذا دارتْ رحی بغیهمُ

علیهمُ وسبقَ السیفُ العذَلْ

وأنجز النکثُ العذابَ فیهمُ

بعد اعتزالٍ منهمُ بما مُطِلْ

عاذوا بعفوِ ماجدٍ معوّدٍ

للصبرِ حمّالٍ لهمْ علی العللْ

خ أطّتْ بهم أرحامهمُ فلم تطعْ

ثائرة الغیظِ ولم تشفِ الغلَلْ

فنجّت البُقیا علیهمْ من نجا

وأکلَ الحدیدُ منهم من أکلْ

واحتجَّ قومٌ بعد ذاکَ لهمُ

بفاضحاتِ ربِّها یومَ الجدَلْ

فقلَّ منهم من لوی ندامةً

عنانَه عن المِصاع (2) فاعتزلْف)

ص: 343


1- المواضی : السیوف الماضیة. الذُّبُل : الرماح الدقیقة الطویلة. (المؤلف)
2- المِصاع : التجمّح [والمجالدة]. (المؤلف)

وانتزعَ العاملَ (1) من قناتِهِ

فرُدَّ بالکرهِ فشدَّ فحملْ

والحال تُنبی أنّ ذاک لم یکنْ

عن توبةٍ وإنّما کان فشلْ

ومنهمُ من تابَ بعد موتِهِ

ولیس بعدَ الموتِ للمرءِ عملْ

خ وإن تکن ذاتُ الغبیطِ أقلعتْ

برغم مَن أسند ذاک ونقلْ

فما لها تمنعُ من دفنِ ابنِهِ

لو لا هناتُ جرحِها لم یندملْ (2)

وما الخبیثانِ ابنُ هند وابنُهُ

وإن طغی خطبُهما بعدُ وجلْ

بمُبدِعَینِ فی الذی جاءا به

وإنّما تقفّیا تلک السبلْ

إن یحسدوکَ فلفرطِ عجزهمْ

فی المشکلاتِ ولما فیک کملْ

الصنوُ أنت والوصیُّ دونهمْ

ووارثُ العلمِ وصاحبُ الرسُلْ

وآکلُ الطائرِ والطاردُ للصِ

-لّ ومن کلّمهُ قبلک صلْ (3)

وخاصفُ النعلِ وذو الخاتمِ وال

-مُنهلُ فی یومِ القلیبِ والمُعِلْ

وفاصلُ القضیّةِ العسراءِ فی

یومِ الجنینِ وهو حُکمٌ ما فصلْ

ورجعةُ الشمسِ علیکَ نبأٌ

تشعّبُ الألباب فیه وتضِلْ

فما ألومُ حاسداً عنک انزوی

غیظاً ولا ذا قدَمٍ فیک تزلْ

یا صاحبَ الحوضِ غداً لا حُلِّئتْ

نفسٌ توالیک عن العذب النَّهِلْ (4)

ولا تُسلَّطْ قبضةُ النارِ علی

عُنقٍ إلیک بالوداد ینفتلْ

عادیتُ فیک الناسَ لم أحفلْ بهمْ

حتی رمونی عن یدٍ إلاّ الأقلْ

تفرّغوا یعترقون غیبةً

لحمی وفی مدحِکَ عنهم لی شُغُلْ (5)

عدلتُ أن ترضی بأن یسخطَ من

تُقِلُّهُ الأرضُ علیَّ فاعتدلْن.

ص: 344


1- العامل : صدر الرمح وهو ما یلی السنان. (المؤلف)
2- هذا البیت غیر موجود فی الدیوان.
3- الصلُّ : الثعبان. (المؤلف)
4- حلِّئت : مُنِعتْ من الورد. (المؤلف)
5- یعترقون : ینزعون ما علی العظم من لحم ، وهی هنا بمعنی یأکلون.

ولو یُشَقُّ البحرُ ثمّ یلتقی

فِلْقاه فوقی فی هواکَ لم أُبَلْ (1)

علاقةٌ بی لکم سابقةٌ

لمجدِ سلمانَ إلیکمْ تتّصلْ

ضاربةٌ فی حبِّکم عروقُها

ضرب فحولِ الشَّوْلِ فی النوقِ البُزُلْ (2)

تضمّنی من طَرَفی فی حبلِکمْ

مودّةٌ شاخت ودینٌ مقتبلْ

فضَلتُ آبائی الملوکَ بکمُ

فضیلةَ الإسلامِ أسلافَ المِللْ

لذاکُمُ أُرسلُها نوافذاً

لأُمّ من لا یتّقیهنَّ الهَبَل (3)

یمرقن زُرقاً من یدی حدائداً

تُنحی أعادیکم بها وتُنْتَبَلْ (4)

صوائباً إمّا رمیتُ عنکمُ

وربّما أخطأ رامٍ من ثُعَلْ (5)

وله یرثی شیخ الأمّة ابن المعلّم محمد بن محمد بن النعمان المفید المتوفّی (413) (6):

ما بعدَ یومِکَ سلوةٌ لمعلَّلِ

منّی ولا ظفرتْ بسمعِ معذَّلِ

سوّی المصابُ بکَ القلوبَ علی الجوی

فیدُ الجلیدِ علی حشا المتململِ (7)

وتشابهَ الباکون فیک فلم یَبِنْ

دمعُ المحقِّ لنا من المتعمِّلِ

کنّا نُعیَّرُ بالحلومِ إذا هفتْ

جزعاً ونهزأ بالعیونِ الهُمَّلِ

فالیومَ صارَ العذرُ للفانی أسیً

واللومُ للمتماسکِ المتجمِّلِ

رحل الحِمامُ بها غنیمةَ فائزٍ

ما ثار قطُّ بمثلِها عن منزلِف)

ص: 345


1- الفِلْق : نصف الشیء إذا شُقَّ. (المؤلف)
2- الشَّوْل جمع شائلة : وهی الناقة ترفع ذنبها. البُزُل جمع بازل : المسنّ من الإبل. (المؤلف)
3- الهَبَل : الثکل. (المؤلف)
4- تنتبَل : تُرمی بالنبل. (المؤلف)
5- ثُعَل : اسم قبیلة مشهورة بالرمی. فی هذه القصیدة أبیات حرّفتها ید الطبع المصریّة عن دیوانه رمزنا إلیها ب (خ). (المؤلف)
6- دیوان مهیار : 3 / 103.
7- الجلید : القویّ الشدید. المتململ : المتقلّب علی فراشه مرضاً أو جزعاً. (المؤلف)

کانتْ یدَ الدینِ الحنیفِ وسیفَهُ

فلأبکِیَنَّ علی الأشلِّ الأعزلِ (1)

مالی رقدتُ وطالبی مستیقظٌ

وغفلتُ والأقدارُ لمّا تغفُلِ

ولویتُ وجهی عن مصارعِ أُسرتی

حذرَ المنیّةِ والشفارُ تُحَدُّ لی

قد نمّتِ الدنیا إلیَّ بسرِّها

ودُلِلتُ بالماضی علی المستقبلِ

ورأیتُ کیف یطیرُ فی لهواتها (2)

لحمی وإن أنا بعدُ لمّا أُوکل

وعلمتُ مع طیبِ المحلِّ وخصبِهِ

بتحوّل الجیرانِ کیف تحوّلی

لم أرکبِ الأملَ الغَرورَ مطیّةً

بَلهاءَ لم تبلغْ مدیً بمؤمِّلِ

ألوی لیمهلنی إلیَّ زمامُها

ووراءها أُلهوب سَوْقٍ مُعجِلِ (3)

حُلمٌ تزخرفُهُ الحنادسُ فی الکری

ویقینُهُ عند الصباحِ المنجلی

أحصی السنین یسرُّ نفسی طولُها

وقصیرُ ما یُغنیک مثلُ الأطوَلِ

وإذا مضی یومٌ طرِبتُ إلی غدٍ

وببضعةٍ منّی مضی أو مَفصِلِ

أُخْشُنْ إذا لاقیتَ یومَکَ أو فَلِنْ

واشدد فإنّکَ میِّتٌ أو فاحلُلِ

سیّان عند یدٍ لقبضِ نفوسِنا

ممدودةٍ فمُ ناهشٍ ومقبِّلِ

سوّی الردی بین الخَصاصةِ والغنی

فإذا الحریصُ هو الذی لم یَعقِلِ (4)

والثائرُ العادی علی أعدائِهِ

ینقادُ قَوْدَ العاجزِ المتزمِّلِ

لو فُلَّ غَرْبُ الموتِ عن متدرِّعٍ

بعَفافِهِ أو ناسکٍ مُتعزِّلِ (5)

أو واحدِ الحسناتِ غیرَ مشبّةٍ

بأخٍ وفردِ الفضِل غیرَ ممثَّلِ

أو قائلٍ فی الدینِ فَعّالٍ إذا

قال المفقّه فیه ما لم یفعَلِّ.

ص: 346


1- الأشلّ : الذی شلّت یده. الأعزل : من لم یکن معه سلاح. (المؤلف)
2- لهوات : جمع لهاة اللحمة المشرفة علی الحلق فی أقصی سقف الفم. (المؤلف)
3- الأُلهوب : السوط. الأصل فیه : الجری الشدید الذی یثیر اللهب ، واللهب : الغبار الساطع. (المؤلف)
4- الخصاصة : الفقر.
5- الغرب : الحدّ.

وَقتِ ابن نعمانَ النزاهةُ أو نجا

سَلماً فکان من الخطوبِ بمعزلِ

ولجاءَهُ حبُّ السلامةِ مؤذناً

بسلامِهِ من کلِّ داءٍ معضلِ

أو دافعتْ صدرَ الردی عُصَبُ الهدی

عن بحرِها أو بدرِها المتهلّلِ

لحمتْهُ أیدٍ لا تنی فی نصرِهِ

صدقَ الجهادِ وأنفسٌ لا تأتلی (1)

وغدتْ تطاردُ عن قناةِ لسانِهِ

أبناءُ فهرٍ بالقُنیِّ الذُّبَّلِ (2)

وتبادرتْ سبقاً إلی علیائِها

فی نصرِ مولاها الکرامُ بنو علی

من کلِّ مفتولِ القناةِ بساعدٍ

شطْبٍ کصدرِ السمهریّةِ أفتلِ

غیرانَ یسبقُ عزمُهُ أخبارَهُ

حتی یغامرَ فی الرعیلِ الأوّلِ

وافی الحِجا ویُخالُ أنّ برأسِهِ

فی الحربِ عارضَ جِنّةٍ أو أخبلِ

ما قنّعتْ أُفقاً عجاجةُ غارةٍ

إلاّ تخرّقَ عنه ثوبُ القَسطلِ

تعدو به خَیفانةٌ لو أُشعِرَتْ

أنّ الصهیلَ یُجمُّها لم تصهَلِ (3)

صبّارةٌ إن مسّها جَهدُ الطَّوَی

قنعتْ مکانَ عَلیقها بالمِسحلِ (4)

فسَرَوا فناداهم سَراةُ رجالِهمْ

لمُجَسَّدٍ من هامِهمْ ومُرجَّلِ (5)

بُعَداءُ عن وهنِ التواکلِ فی فتیً

لهمُ علی أعدائهمْ مُتوکِّلِ

سمْحٍ ببذلِ النفسِ فیهم قائمٍ

للهِ فی نصرِ الهدی متبتِّلِ

نزّاعِ أرشیةِ التنازعِ فیهمُ

حتی یسوقَ إلیهمُ النصَّ الجلی (6)

ویُبینُ عندَهمُ الإمامةَ نازعاً

فیها الحجاجَ من الکتابِ المنزَلِ

بطریقةٍ وضحتْ کأنْ لم تشتبهْ

وأمانةٍ عُرِفتْ کأنْ لم تُجهَلِل.

ص: 347


1- لا تنی من ونی ینی : لا تکلّ ولا تضعُف. (المؤلف)
2- القُنیّ : جمع قناة وهو الرمح. (المؤلف)
3- الخَیفانة : الفرسُ الخفیفة. یجمّها : یریحها. (المؤلف)
4- المِسحل : اللجام. (المؤلف)
5- المجسَّد : المدهون بالجِساد وهو الزعفران. المرجَّل : الشعر المُسَرَّح. (المؤلف)
6- أرشیة - جمع رشاء - : الحبل.

یصبو لها قلبُ العدوِّ وسمعُهُ

حتی یُنیبَ فکیف حالُک بالولی

یا مرسَلاً إن کنت مبلغَ میّتٍ

تحت الصفائحِ قولَ حیٍّ مرسِلِ (1)

فَلِجِ الثری الراوی فقل لمحمدٍ

عن ذی فؤادٍ بالفجیعةِ مشعَلِ

من للخصومِ اللدِّ بعدَکَ غصّةٌ

فی الصدرِ لا تهوی ولا هی تعتلی

من للجدالِ إذا الشفاهُ تقلّصتْ

وإذا اللسانُ بریقِهِ لم یُبلَلِ

مَن بعدَ فقِدکَ ربُّ کلِّ غریبةٍ

بکرٍ بکَ افتُرعتْ وقولةِ فیصلِ

ولغامضٍ خافٍ رفعتَ قِوامَهُ

وفتحتَ منهُ فی الجوابِ المقفَلِ

مَن للطروس یصوغُ فی صفحاتِها

حَلْیاً یقعقعُ کلّما خَرِسَ الحلی

یَبقینَ للذکرِ المخلّدِ رحمةً

لک من فمِ الراوی وعینِ المجتلی

أین الفؤادُ الندب غیرَ مُضعَّفٍ

أین اللسانُ الصعبُ غیرَ مفلَّلِ (2)

تفری بهِ وتحزُّ کلَّ ضریبةٍ

ما کلُّ حزّةِ مفصِلٍ للمُنْصُلِ (3)

کم قد ضممتَ لدینِ آلِ محمدٍ

مِن شاردٍ وهدیتَ قلبَ مضلَّلِ

وعقلتَ من ودٍّ علیهمْ ناشطٍ

لو لم تَرُضْهُ ملاطفاً لم یُعقَلِ

لا تطّبیک ملالةٌ عن قولةٍ

تروی عن المفضولِ حقَّ الأفضلِ (4)

فلیجزینَّکَ عنهمُ ما لم یزل

یبلو القلوبَ لیجتبی ولیبتلی

ولتنظُرَنَّ إلی علیٍّ رافعاً

ضَبْعَیْکَ یومَ البعثِ ینظرُ من علِ (5)

یا ثاویاً وسّدتُ منهُ فی الثری

عَلَماً یطولُ به البقاءُ وإن بَلی

جَدثاً لدی الزوراءِ بین قصورِها

أجللتُه عن بطنِ قاعٍ مُمحلِ (6)ف)

ص: 348


1- الصفائح - جمع الصفیحة - : الحجر العریض. (المؤلف)
2- الندْب : الخفیف فی الحاجة إذا ندب إلیها خفّ لقضائها. المفلّل : المثلّم. (المؤلف)
3- المُنْصُل : السیف والسنان. (المؤلف)
4- لا تطّبیک : لا تزدهیک [ازدهی : افتعل من زها یزهو]. (المؤلف)
5- من علِ : من فوق. (المؤلف)
6- المُمْحل : المقفر. (المؤلف)

ما کنتُ - قبلُ أراکَ تُقبرُ - خائفاً

من أن تُواری هضبةٌ بالجندلِ (1)

من ثلَّ عرشَکَ واستقادَک خاطماً

فانقدتَ یا قطّاعَ تلک الأحبُلِ (2)

من فلَّ غرْبَ حسامِ فیکَ فردّهُ

زُبُراً تساقطُ من یمینِ الصیقلِ (3)

قد کنتَ من قُمُص الدجی فی جُنّةٍ

لا تُنتحی ومن الحِجا فی معقِلِ

متمنِّعاً بالفضل لا ترنو إلی

مَغناکَ مقلةُ راصدٍ مُتأمِّلِ

فمنَ ایِّ خرْمٍ أو ثنیّةِ غِرّةٍ

طلعتْ علیکَ یدُ الردی المتوغِّلِ

ما خلتُ قبلَکَ أنّ خدعةَ قانصٍ

تلِجُ العرینَ وراءَ لیثٍ مُشبلِ

أو أنّ کفَّ الدهرِ یقوی بطشُها

حتی تُظَفِّر فی ذؤابة یذبُلِ (4)

کانوا یَروْنَ الفضلَ للمتقد

دم السبّاقِ والنقصانَ فی المتقبِّلِ

قولُ الهوی وشریعةٌ منسوخةٌ

وقضیّةٌ من عادةٍ لم تعدلِ

حتی نجمتَ فأجمعوا وتبیّنوا

أنّ الأخیرَ مقصِّرٌ بالأوّلِ

بکرَ النعیُّ فسکَّ فیکَ مسامعی

وأعادَ صبحی جنحَ لیلٍ ألیَلِ

ونزت بنیّاتُ الفؤادِ لصوتِهِ

نزوَ الفصائلِ فی زفیرِ المِرجلِ (5)

ما کنت أحسبُ والزمانُ مقاتلی

یرمی ویخطئ أنّ یومَک مقتلی

یومٌ أطلَّ بغُلّةٍ لا یشتفی

منها الهدی وبغُمّةٍ لا تنجلی

فکأنّه یومُ الوصیِّ مدافعاً

عن حتفِهِ بعد النبیِّ المرسَلِ

ما إن رأتْ عینای أکثرَ باکیاً

منهُ وأوجعَ رنّةً من مُعولِ

حُشِدوا علی جنباتِ نعشک وُقَّعاً

حشْدَ العطاشِ علی شفیرِ المنهلِ

وتنازفوا الدمعَ الغریبَ کأنّما ال

إسلامُ قبلَک أُمُّه لم تثکلِف)

ص: 349


1- الهضبة : الجبل المنبسط أو الطویل الممتنع المنفرد. الجندل : الصخرة. (المؤلف)
2- الخاطم : واضع الخطام بالأنف. (المؤلف)
3- [غرْب الحسام : حدّه] زبر - جمع زبرة - : القطعة من الحدید. (المؤلف)
4- الذؤابة : الناصیة. یَذْبل - بالفتح ثمّ السکون - : جبل بنجد ، فی طریقها. (المؤلف)
5- الفصائل - جمع فصیلة - : القطعة من لحم الأفخاذ. المرجل : القدر. (المؤلف)

یمشون خلفَکَ والثری بک روضةٌ

کحَلَ العیونَ بها ترابُ الأرجلِ

إن کان حظّی من وصالِکَ قبلَها

حظَّ المغبِّ ونهزةَ المتقلّلِ (1)

فلأُعطِینّکَ من ودادی میّتاً

جهدَ المنیبِ ورجعةَ المتنصّلِ

لو أنفدتْ عینی علیکَ دموعَها

فَلَیَبْکِینَّکَ بالقوافی مِقولی

ومتی تلفّتَ للنصیحةِ موجعٌ

یبغی السلوّ ومالَ میلَ العُذّلِ

فسلوّک الماءُ الذی لا أستقی

عطشانَ والنارُ التی لا أصطلی

رقّاصةُ القطراتِ تختمُ فی الحصی

وسماً وتفحصُ فی الثری المتهیِّلِ

نسجتْ لها کفُّ الجَنوب مُلاءةً

رتقاءَ لا تُفصی بکفِّ الشمألِ (2)

صبّابة الجنبات تَسمعُ حولَها

للرعد شقشقةَ القُروم البزّلِ (3)

تُرضی ثراک بواکفٍ متدفِّقٍ

یروی صداک وقاطرٍ مُتسلسِلِ (4)

حتی یری زوّارُ قبرِک أنّهمْ

حطّوا رحالَهمُ بوادٍ مبقِلِ

ومتی وَنَتْ أو قصّرتْ أهدابُها

أمددتُها منّی بدمعٍ مُسبَلِر.

ص: 350


1- المُغِبّ : الذی یزور یوماً وینقطع یوماً.
2- رتقاء لا تفصی : مُحکمة لا تُشقّ.
3- القروم - جمع قرم - : الفحل من الإبل. البزّل - جمع بازل - : الفحل المسنّ. (المؤلف)
4- الواکف : المنهمر.

39 - سیّدنا الشریف المرتضی

المولود (355)

المتوفّی (436)

لو لم یُعاجله النوی لتحیّرا

وقَصارُه وقد انتأوا أن یُقصِرا

أفکلّما راع الخلیطُ تصوّبتْ

عبراتُ عینٍ لم تقلّ فتکثرا

قد أوقدتْ حرّی (1) الفراقِ صبابةً

لم تستعرْ ومَرَیْنَ دمعاً ما جری (2)

شَغَفٌ یکتِّمُهُ الحیاءُ ولوعةٌ

خَفِیَتْ وحُقَّ لمثلِها أن یظهرا

أین الرکائب لم یکن ما عُلنه

صبراً ولکن کان ذاک تصبّرا

لبّیْنَ داعیةَ النوی فأَرینَنا

بین القبابِ البیضِ موتاً أحمرا

وبعُدْنَ بالبَیْنِ المشتِّتِ ساعةً

فکأنّهنّ بعُدنَ عنّا أشهرا

عاجوا علی ثَمَدِ البطاحِ وحبُّهمْ

أجری العیونَ غداةَ بانوا أبحُرا (3)

وتنکّبوا وَعْرَ الطریقِ وخلّفوا

ما فی الجوانحِ من هواهمْ أوعرا

أمّا السلوُّ فإنّه لا یهتدی

قصدَ القلوبِ وقد حُشِینَ تذکّرا

قد رمتُ ذاکَ فلم أجدْهُ وحقُّ مَن

فقدَ السبیلَ إلی الهدی أن یُعذَراه.

ص: 351


1- فی الدیوان 1 / 479 : حُرَقُ.
2- مَرَیْن : اعتصرن ، من مری الناقة إذا مسح ضرعها لتدرَّ اللبن.
3- الثمَد : الماء القلیل الذی لا مادّ له.

أهلاً بطَیْفِ خیالِ مانعةٍ لنا

یقظی ومُفضلةٍ علینا فی الکری

ما کان أنعَمَنا بها من زورةٍ

لو باعدتْ وقتَ الورودِ المصدرا

جزعت لِوَخْطاتِ المشیبِ وإنّما

بلغَ الشبابُ مدی الکمالِ فنوّرا

والشیب إن أنکرتَ فیهِ مورِدٌ

لا بدّ یوردُه الفتی إن عُمِّرا

یَبْیَضُّ بعد سواده الشّعرُ الذی

إن لمْ یزرْهُ الشیبُ واراه الثری

زمنَ الشبیبةِ لاعدَتْکَ تحیّةٌ

وسقاک منهمرُ الحیا ما استغزرا

فلطالما أضحی ردائی ساحباً

فی ظلِّک الوافی وعودیَ أخضرا

أیّامَ یرمقُنی الغزالُ إذا رنا

شَغَفاً ویطرقُنی الخیالُ إذا سری

ومرنّحٍ فی الکورِ تحسبُ أنّه اص

-طبحَ العُقار وإنّما اغتبق السُّری (1)

بطلٌ صَفاهُ للخداعِ مزلّةٌ

فإذا مشی فیه الزماع تغشمرا (2)

إمّا سألتَ به فلا تسألْ به

نایاً یناغی فی البطالة مِزمَرا

واسأل به الجُردَ العِتاقَ مُغِیرةً

یخبطن هاماً أو یطأنَ سَنَوَّرا (3)

یحملن کلَّ مدجّجٍ یقری الظبا

عَلَقاً وأنفاسَ السوافی عِثیرا (4)

قَومی الذین وقد دجتْ سبلُ الهدی

ترکوا طریقَ الدینِ فینا مُقمرا

غلبوا علی الشرفِ التلیدِ وجاوزوا

ذاک التلیدَ تطرّفاً وتخیّرا

کم فیهمُ من قسوَرٍ متخمّطٍ

یُردی إذا شاء الهزبرَ القسوَرا

متنمِّرٍ والحربُ إن هتفتْ به

أدّتهُ بسّامَ المحیّا مُسفرا

وملوَّمٍ فی بذلِهِ ولطالما

أضحی جدیراً فی العلی أن یُشکرا

ومرفَّعٍ فوقَ الرجالِ تخالُهُ

یومَ الخطابةِ قد تسنّم مِنبراج.

ص: 352


1- المرنّح : المتمایل. الکور : الهودج. اصطبح : شرب الخمر صباحاً. العقار : الخمر. اغتبق : شربها مساءً.
2- صفاه : صخره. الزماع : المضاء فی الأمر. تغشمر : تنمّر.
3- السنَوَّر : السلاح من الحدید ، أو هو الدرع.
4- العَلَق : الدم. السوافی : الریاح. العِثیَر : التراب والعجاج.

جمعوا الجمیلَ إلی الجمالِ وإنّما

ضمّوا إلی المرأی المُمدَّحِ مَخْبرا

سائلْ بهم بدراً وأُحداً والتی

ردّتْ جبینَ بنی الضلالِ مُعفّرا

للهِ درُّ فوارسٍ فی خیبرٍ

حملوا عن الإسلامِ یوماً مُنکرا

عصفوا بسلطانِ الیهودِ وأولجوا

تلک الجوانحَ لوعةً وتحسّرا

واستلحموا أبطالَهم واستخرجوا ال

أزلامَ من أیدیهمُ والمیسِرا

وبمرحبٍ ألوی فتیً ذو جمرةٍ

لا تُصطلی وبسالةٍ لا تُقتری (1)

إن حزَّ حزَّ مطبّقاً أو قالَ قا

ل مصدَّقاً أو رام رام مطهّرا

فثناه مصفرَّ البَنانِ کأنّما

لطخَ الحِمامُ علیه صِبغاً أصفرا

شهقَ العُقابُ بشلوِهِ ولقد هَفَتْ

زمناً به شُمُّ الذوائبِ والذری

أمّا الرسولُ فقد أبانَ ولاءَهُ

لو کانَ ینفعُ جائراً أن یُنذَرا

أمضی مقالاً لم یَقُلْهُ معرِّضاً

وأشادَ ذکراً لم یُشِدْهُ معذّرا (2)

وثنی إلیه رقابَهمْ وأقامه

عَلَماً علی بابِ النجاةِ مُشَهَّرا

ولقد شفی یومُ الغدیرِ معاشراً

ثَلِجَتْ نفوسُهُمُ وأودی معشرا

قلقت (3) به أحقادُهمْ فمرجِّعٌ

نفساً ومانعُ أنّةٍ أن تجهرا

یا راکباً رقصتْ به مَهْرِیّةٌ

أَشِبَتْ بساحته الهمومُ فأصحرا (4)

عُجْ بالغریِّ فإنّ فیهِ ثاویاً

جبلاً تطأطأ فاطمأنَّ به الثری

وأقرئ السلامَ علیهِ من کَلِفٍ بهِ

کُشفتْ له حُجبُ الصباحِ فأبصرا

ولو استطعتُ جعلتُ دارَ إقامتی

تلک القبورَ الزُّهرَ حتی أُقبراء.

ص: 353


1- لا تقتری : لا تقدّر ولا تخمّن. (المؤلف)
2- فی الدیوان : مغرّرا.
3- فی الأصل ، طبقاً للطبعة التی اعتمدها المؤلف قّدّس سره : قلعت ، ونحن نرجّح ما اختاره محقّق الدیوان من أنّ الصحیح : قلقت.
4- المهریّة : من النوق الموصوفة بسرعة الجری. أشِبَت الهموم بساحته : أی اکتنفته وألمّت به. أصحر : خرج إلی الصحراء.

أخذنا القصیدة من الجزء الأوّل من دیوان ناظمها (1) وهی مفتتح دیوانه ، والدیوان مرتّبٌ علی السنین فی ستّة أجزاء توجد منه نسخة مقروءة علی نفس السیّد الشریف علم الهدی. وذکر ابن شهرآشوب (2) لسیّدنا الشریف المرتضی أبیاتاً قالها فی عید الغدیر. راجع الجزء الثالث من مناقبه (ص 32).

الشاعر

السیّد المرتضی علم الهدی ذو المجدین ، أبو القاسم علیّ بن الحسین بن موسی بن محمد بن موسی بن إبراهیم ابن الإمام موسی الکاظم علیه السلام.

لا عتب علی الیراع إذا وقف عن تحدید عظمة الشریف المبجّل ، کما أنّه لا لوم علی المِدْرهِ (3) اللَّسِن إذا تلجلج فی الإفاضة عن رفعة مقامه ؛ فإنّ نواحی فضله لا تنحصر بواحدة ، ولا إنّ مآثره معدودة یحاولها البلیغ المفوّه ، ویتحرّی الإبانة عنها الکاتب المتشدِّق ، أو یلقی عنها الخطیب المفصح ، فإلی أیّ منصّةٍ من الفضیلة نحوت فله فیها الموقف الأسمی ، وإلی أیِّ صهوةٍ وقع خیالک فله هنالک مرتبع ممنّع ، فهو إمام الفقه ، ومؤسِّس أصوله ، وأستاذ الکلام ، ونابغة الشعر ، وراویة الحدیث ، وبطل المناظرة ، والقدوة فی اللغة ، وبه الأُسوة فی علوم العربیّة کلّها ، وهو المرجع فی تفسیر کتاب الله العزیز ، وجماع القول أنّک لا تجد فضیلة إلاّ وهو ابن بجدتها.

أضف إلی ذلک کلّه نسبه الوضّاح ، وحسبه المتألّق ، وأواصره النبویّة الشذیّة ، ومآثره العلویّة الوضیئة إلی أیادیه الواجبة فی تشیید المذهب ، ومساعیه المشکورة عند الإمامیّة جمعاء ، وهی التی خلّدت له الذکر الحمید والعظمة الخالدة ، ومن هذه ه.

ص: 354


1- دیوان الشریف المرتضی : 1 / 479.
2- مناقب آل أبی طالب : 3 / 51.
3- المِدْره : الخطیب المفوّه.

الفضائل ما خطّه مِزبرُه القویم من کتب ورسائل استفاد بها أعلام الدین فی أجیالهم وأدوارهم ، وإلیک أسماءها :

1 - الشافی فی الإمامة

2 - الملخّص فی الأصول

3 - الذخیرة فی الأصول

4 - جمل العلم والعمل

5 - الغُرر والدرر

6 - تکملة الغُرر

7 - المقنع فی الغَیْبة

8 - الخلاف فی الفقه

9 - الناصریّة فی الفقه

10 - الحلبیّة الأولی

11 - الحلبیّة الأخیرة

12 - المسائل الجرجانیّة

13 - المسائل الطوسیّة

14 - المسائل الصباویّة

15 - المسائل التبّانیات (1)

16 - المسائل السلاّریّة

17 - مسائل فی عدّة آیات

18 - المسائل الرازیّة

19 - المسائل الکلامیّة

20 - المسائل الصیداویّة

21 - الدیلمیّة فی الفقه

22 - کتاب البرق

23 - طیف الخیال

24 - الشیب والشباب

25 - المقمصة

26 - المصباح فی الفقه

27 - نصر الروایة

28 - الذریعة فی أصول الفقه

29 - شرح بائیّة الحمیری

30 - تنزیه الأنبیاء

31 - إبطال القول بالعدد

32 - المحکم والمتشابه

33 - النجوم والمنجِّمون

34 - متولِّی غسل الإمام

35 - الأصول الاعتقادیّة

36 - أحکام أهل الآخرة

37 - معنی العصمة

38 - الوجیزة فی الغَیْبة

39 - تقریب الأصول

40 - طبیعة المسلمین

41 - رسالة فی علم الله

42 - رسالة فی الإرادة

43 - أیضاً رسالة فی الإرادة

45 - رسالة فی التأکید

44 - رسالة فی التوبة

46 - رسالة فی المتعة

47 - دلیل الخطاب

48 - طرق الاستدلال

49 - کتاب الوعید

50 - شرح قصیدة له

51 - الحدود والحقائق

52 - مفردات فی أصول الفقه

53 - الموصلیّة ، ثلاث مسائل

54 - الموصلیّة الثانیة ، تسع مسائل

55 - الموصلیّة الثالثة (109) مسائلف)

ص: 355


1- سألها الشیخ أبو عبد الله محمد بن عبد الملک التبّان المتوفّی (419) ، وهی (66) مسألة فی عشرة فصول. (المؤلف)

56 - المسائل الطرابلسیّة الأولی

57 - الطرابلسیّة الأخیرة (13) مسألة (1)

58 - مسائل میافارقین (65) مسألة

59 - المسائل الرازیّة (14) مسألة

60 - المسائل المحمدیّات (2) مسائل

61 - المسائل البادرات (24) مسألة

62 - المسائل المصریّة الأولی (5) مسائل

63 - المصریّات الثانیة

64 - المسائل الرملیّات (7) مسائل

65 - مسائل فی فنون شتّی ، نحو مائة مسألة

66 - المسائل الرسیّة الأولی (3)

67 - المسائل الرسیّة الثانیة

68 - الانتصار فیما انفردت به الإمامیّة

69 - تفضیل الأنبیاء علی الملائکة

70 - النقض علی ابن جنّی فی الحکایة والمحکی

71 - دیوان شعره یزید علی عشرین ألف بیت

72 - الصِّرفة فی بیان إعجاز القرآن

73 - الرسالة الباهرة فی العترة الطاهرة

74 - نقض مقالة ابن عدیّ فیما لا یتناهی

75 - جواب الملاحدة فی قِدَم العالم

76 - تتمّة الأعراض من جمع أبی رشید

77 - نکاح أمیر المؤمنین ابنته من عمر

78 - إنقاذ البشر من القضاء والقدر

79 - الردّ علی أصحاب العدد فی شهر رمضان

80 - تفسیر الحمد وقطعة من سورة البقرة

81 - الردّ علی ابن عدیّ فی حدوث الأجسام

82 - تفسیر قوله تعالی : (قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّکُمْ عَلَیْکُمْ) (4)

83 - کتاب الثمانین (5)

84 - الکلام علی من تعلّق بقوله : (وَلَقَدْ کَرَّمْنا بَنِی آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِی الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) (5)

85 - تفسیر قوله : (لَیْسَ عَلَی الَّذِینَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِیما طَعِمُوا) (6) 3.

ص: 356


1- سألها الشیخ أبو الفضل إبراهیم بن الحسن الأبانی. (المؤلف)
2- الإسراء : 70.
3- ] هی] 28 مسألة سألها العلاّمة أبو الحسین الحسین بن محمد بن الناصر الحسینی الرسّی. (المؤلف)
4- الأنعام : 151.
5- قاله القاضی التنوخی کما فی المستدرک [علی وسائل الشیعة للعلاّمة النوری] : 3 / 516. (المؤلف)
6- المائدة : 93.

86 - تتبّع أبیات للمتنبّی التی تکلّم علیها ابن جنّی.

کلمات الثناء علیه :

أبو القاسم المرتضی حاز من العلوم ما لم یُدانِه فیه أحد فی زمانه ، وسمع من الحدیث فأکثر ، وکان متکلّماً شاعراً أدیباً ، عظیم المنزلة فی العلم والدین والدنیا (1).

أبو القاسم نقیب النقباء ، الفقیه النظّار المصنِّف ، بقیّة العلماء وأوحد الفضلاء ، رأیته فصیح اللسان یتوقّد ذکاءً (2).

المرتضی متوحِّد فی علوم کثیرة ، مجمَع علی فضله ، مقدَّم فی العلوم ، مثل علم الکلام والفقه وأصول الفقه والأدب والنحو والشعر ومعانی الشعر واللغة وغیر ذلک ، له من التصانیف ومسائل البلدان شیء کثیر ، مشتمل علی ذلک فهرسته المعروف (3).

وقال الشیخ فی رجاله : إنّه أکثر أهل زمانه أدباً وفضلاً ، متکلّم فقیه جامع العلوم کلّها ، مدَّ الله فی عمره.

وقال الثعالبی فی تتمیم یتیمته (4) (1 / 53) : قد انتهت الرئاسة الیوم ببغداد إلی المرتضی فی المجد والشرف والعلم والأدب والفضل والکرم ، وله شعر فی نهایة الحسن.

وفی تاریخ ابن خلّکان (5) : کان إماماً فی علم الکلام والأدب والشعر ، وله تصانیف علی مذهب الشیعة ، ومقالة فی أصول الدین ، وذکره ابن بسّام فی الذخیرة وقال : کان هذا الشریف إمام أئمّة العراق بین الاختلاف والاتِّفاق ، إلیه فزع علماؤها ، 3.

ص: 357


1- النجاشی فی فهرسته : ص 192 [ص 270 رقم 708]. (المؤلف)
2- المجدی فی الأنساب للعمری [ص 125]. (المؤلف)
3- فهرست الشیخ : ص 99 [رقم 421] ، وخلاصة العلاّمة : ص 46 [ص 95 رقم 22].(المؤلف)
4- تتمّة یتیمة الدهر : 5 / 69 رقم 49.
5- وفیات الأعیان : 3 / 313 رقم 443.

وعنه أخذ عظماؤها ، صاحب مدارسها ، وجمّاع شاردها وآنسها ، ممّن سارت أخباره ، وعرفت به أشعاره ، وحمدت فی ذات الله مآثره وآثاره ، إلی تآلیفه فی الدین وتصانیفه فی أحکام المسلمین ، ممّا یشهد أنّه فرع تلک الأصول ، ومن أهل ذلک البیت الجلیل ، ومُلَح الشریف وفضائله کثیرة.

وحکی الخطیب التبریزی : أنّ أبا الحسن علیّ بن أحمد بن علیِّ بن سلک الفالی (1) الأدیب کان له نسخة لکتاب الجمهرة لابن درید فی غایة الجودة ، فدعته الحاجة إلی بیعها ، فباعها فاشتراها الشریف المرتضی بستِّین دیناراً فتصفّحها فوجد فیها أبیاتاً بخطِّ بائعها أبی الحسن المذکور ، والأبیات قوله :

أَنِستُ بها عشرینَ حولاً وبعتُها

فقد طالَ وجدی بعدَها وحنینی

وما کان ظنّی أنّنی سأبیعُها

ولو خلَّدَتنی فی السجون دیونی

ولکن لضعفٍ وافتقارٍ وصبیةٍ

صغارٍ علیهمْ تستهلُّ شئونی

فقلت ولم أملک سوابِق عبرتی

مقالة مکویِّ الفؤادِ حزینِ

وقد تخرجُ الحاجاتُ یا أُمَّ مالکٍ

کرائمَ من ربٍّ بهنَّ ضنینِ

فأرجع النسخة إلیه وترک له الدنانیر رحمه الله تعالی.

وقال السیّد ابن زهرة فی غایة الاختصار (2) : علم الهدی الفقیه النظّار ، سیّد الشیعة وإمامهم ، فقیه أهل البیت ، العالم المتکلّم البعید ، الشاعر المجید ، کان له برّ وصدقة وتفقّد فی السرّ ، عرف ذلک بعد موته رحمه الله ؛ کان أسنَّ من أخیه ولم یُرَ أخوان مثلهما شرفاً وفضلاً ونُبلاً وجلالةً ورئاسةً وتحابباً وتوادداً. لمّا مات الرضی لم یصلِّ المرتضی علیه عجزاً عن مشاهدة جنازته وتهالکاً فی الحزن. ترک المرتضی خمسین ألف دینار ، ومن الآنیة والفرش والضیاع ما یزید علی ذلک. 6.

ص: 358


1- نسبة إلی فالة ، وهی بلدة بخوزستان قریبة من إیذج [معجم البلدان : 4 / 232]. (المؤلف)
2- غایة الاختصار : ص 76.

وعن الشیخ عزِّ الدین أحمد بن مقبل أنّه قال : لو حلف إنسان أنّ السیّد المرتضی کان أعلم بالعربیّة من العرب لم یکن عندی آثماً ، وقد بلغنی عن شیخٍ من شیوخ الأدب بمصر أنّه قال : والله إنّی استفدت من کتاب الغُرر والدُّرر مسائل لم أجدها فی کتاب سیبویه وغیره من کتب النحو ، وکان نصیر الدین الطوسی إذا جری ذکره فی درسه یقول : صلوات الله علیه ، ویلتفت إلی القضاة والمدرِّسین الحاضرین ویقول : کیف لا یُصلّی علی السیّد المرتضی؟!

فی عمدة الطالب (1) (ص 181) : کان مرتبته فی العلم عالیة فقهاً وکلاماً وحدیثاً ولغةً وأدباً وغیر ذلک ، وکان متقدّماً فی فقه الإمامیّة وکلامهم ناصراً لأقوالهم.

وفی دمیة القصر (2) (ص 75) : هو وأخوه من دوح السیادة ثمران ، وفی فلک الرئاسة قمران ، وأدب الرضیّ إذا قرن بعلم المرتضی کان کالفرند فی متن الصارم المنتضی.

وفی لسان المیزان (3) (4 / 223) : قال ابن أبی طیّ : هو أوّل من جعل داره دار العلم وقدّرها للمناظرة ، ویُقال : إنّه أُمّر ولم یبلغ العشرین ، وکان قد حصل علی رئاسة الدنیا ، العلم مع العمل الکثیر ، والمواظبة علی تلاوة القرآن وقیام اللیل وإفادة العلم ، وکان لا یؤثر علی العلم شیئاً مع البلاغة وفصاحة اللهجة.

وحکی عن الشیخ أبی إسحاق الشیرازی أنّه قال : کان الشریف المرتضی ثابت الجأش ، ینطق بلسان المعرفة ، ویردِّد الکلمة المسدّدة فتمرق مروق السهم من الرمیة ما أصاب ، وما أخطأ أشوی.

إذا شرعَ الناسُ الکلامَ رأیته

له جانبٌ منه وللناسِ جانبُ7.

ص: 359


1- عمدة الطالب فی أنساب آل أبی طالب : ص 205.
2- دمیة القصر : 1 / 299.
3- لسان المیزان : 4 / 257 رقم 5797.

وقال السیّد الشیرازی فی الدرجات الرفیعة (1) : کان الشریف المرتضی أوحد أهل زمانه فضلاً وعلماً وفقهاً وکلاماً وحدیثاً وشعراً وخطابةً وجاهاً وکرماً إلی غیر ذلک.

وفی شذرات الذهب (2) (3 / 256) : نقیب الطالبیّین ، وشیخ الشیعة ورئیسهم بالعراق ، کان إماماً فی التشیّع والکلام والشعر والبلاغة ، کثیر التصانیف ، ومتبحِّراً فی فنون العلم.

ویجد القارئ لدة هذه الکلمات کثیرة فی طیِّ الکتب والمعاجم منها (3):

تاریخ بغداد (11 / 402)

المنتظم (8 / 120)

معجم الأدباء (5 / 173)

خلاصة العلاّمة (ص 46)

رجال ابن داود

أنساب أبی نصر البخاری

میزان الاعتدال (2 / 223)

غایة الاختصار لابن زهرة

کامل ابن الأثیر (9 / 181)

تاریخ ابن کثیر (12 / 53)

مرآة الجنان (3 / 55)

لسان المیزان (5 / 141)

بغیة الوعاة (ص 335)

إتحاف الوری بأخبار أُمّ القری

صحاح الأخبار (ص 61)

جامع الأقوال فی الرجال

مجالس المؤمنین (ص 209)

رجال ابن أبی جامع 0.

ص: 360


1- الدرجات الرفیعة : ص 459.
2- شذرات الذهب : 5 / 168 حوادث سنة 436 ه.
3- المنتظم : 15 / 294 رقم 3257 ، معجم الأدباء : 13 / 146 ، رجال العلاّمة : ص 94 رقم 22 ، رجال ابن داود : ص 136 رقم 1036 ، میزان الاعتدال : 3 / 124 رقم 5827 ، غایة الاختصار : ص 76 ، الکامل فی التاریخ : 6 / 126 حوادث سنة 436 ه ، البدایة والنهایة : 12 / 67 حوادث سنة 436 ه ، لسان المیزان : 4 / 256 رقم 5797 ، بغیة الوعاة : 2 / 162 رقم 1699 ، إتحاف الوری : 2 / 426 ، مجالس المؤمنین : 1 / 500 ، ریاض العلماء : 4 / 14 ، کشکول البهائی : 2 / 65 ، مجمع البحرین : 1 / 188 ، الدرجات الرفیعة : ص 458 ، أمل الآمل : 2 / 182 رقم 549 ، منتهی المقال : ص 281 ، کشکول البحرانی : 1 / 324 ، مقابس الأنوار : ص 6 ، نسمة السحر : مج 8 / ج 2 / 356 ، الشیعة وفنون الإسلام : ص 75 ، الأعلام : 4 / 278 ، تاریخ آداب اللغة : مج 14 / 138 ، الکنی والألقاب : 2 / 480.

تحفة الأزهار لابن شدقم

الإجازة الکبیرة للسماهیجی

إتقان المقال (ص 93)

ریاض العلماء للمیرزا

کشکول البهائی ج 2

مجمع البحرین ، مادة : رضا

ملخّص المقال (ص 80)

ریاض الجنّة للزنوزی

الدرجات الرفیعة للسیّد

الوسائل (3 / 551)

أمل الآمل للشیخ العاملی

منهج المقال للمیرزا(ص 231)

منتهی المقال (ص 214)

عقد اللآلئ لأبی علیّ الرجالی

تکملة الرجال للشیخ الکاظمی

کشکول البحرانی (ص 216)

المقابس لشیخنا التستری

مستدرک النوری(3 / 515)

نسمة السحر للیمانی

تنقیح المقال (2 / 284)

الشیعةوفنون الإسلام (ص53)

الأعلام (2 / 667)

تاریخ آداب اللغة (2 / 288)

سفینة البحار (1 / 525)

الکنی والألقاب (2 / 439)

هدیّة الأحباب (ص 203)

وفیات الأعلام للرازی (خ)

دائرة المعارف للبستانی (10 / 459)

1دائرة المعارف لمحمد فرید(4 260)

معجم المطبوعات (ص 1124)

مجلّة العرفان أجزاء المجلّد الثانی بقلم العلاّمة سیّدنا المحسن الأمین العاملی.

مشایخه ومن یروی هو عنه :

1 - الشیخ المفید محمد بن محمد بن النعمان : المتوفّی (413).

2 - أبو محمد هارون بن موسی التلعکبری : المتوفّی (385).

3 - الحسین بن علیّ بن بابویه ، أخو الصدوق.

4 - أبو الحسن أحمد بن علیّ بن سعید الکوفی ، یروی عنه السیّد کما فی إجازة السیّد ابن أبی الرضا تلمیذ الشیخ نجیب الدین یحیی بن سعید الحلّی.

5 - أبو عبد الله محمد بن عمران الکاتب المرزبانی الخراسانی البغدادی.

6 - الشیخ الصدوق محمد بن علیّ بن الحسین بن بابویه القمّی : المتوفّی (381) کما فی الإجازات.

ص: 361

7 - أبو یحیی بن نباتة عبد الرحیم الفارقی : المتوفّی (374) ، قرأ علیه کما فی الدرجات الرفیعة.

8 - أبو الحسن علیّ بن محمد الکاتب ، یروی عنه فی أمالیه.

9 - أبو القاسم عبید الله بن عثمان بن یحیی ، یروی عنه فی الأمالی.

10 - أحمد بن سهل الدیباجی ، یروی عنه کما فی الریاض عن جامع الأصول لابن الأثیر ، وفی تاریخ الخطیب البغدادی ومیزان الاعتدال ولسانه لابن حجر : حدّث عن سهل الدیباجی (1).

تلامذة سیّدنا المرتضی :

1 - شیخ الطائفة أبو جعفر الطوسی : المتوفی (460).

2 - أبو یعلی سلاّر بن عبد العزیز الدیلمی.

3 - أبو الصلاح تقیّ بن نجم الحلبی ، خلیفته فی بلاد حلب.

4 - القاضی عبد العزیز ابن البرّاج الطرابلسی : المتوفّی (481).

5 - الشریف أبو یعلی محمد بن الحسن بن حمزة الجعفری : المتوفّی (463).

6 - أبو الصمصام ذو الفقار بن معبد الحسینی المروزی.

7 - السیّد نجیب الدین أبو محمد الحسن بن محمد بن الحسن الموسوی.

8 - السیّد التقیّ بن أبی طاهر الهادی النقیب الرازی.

9 - الشیخ أبو الفتح محمد بن علیّ الکراجکی : المتوفّی (449) ، قرأ علیه کما فی فهرست الشیخ منتجب الدین. ف)

ص: 362


1- هو سهل بن عبد الله أبو محمد الدیباجی. (المؤلف)

10 - الشیخ أبو الحسن سلیمان الصهرشتی صاحب کتاب قبس المصباح.

11 - الشیخ أبو عبد الله جعفر بن محمد الدوریستی.

12 - أبو الفضل ثابت بن عبد الله البنانی.

13 - الشیخ أحمد بن الحسن بن أحمد النیسابوری الخزاعی ، یُعدُّ من أجلّة تلامذته.

14 - الشیخ المفید الثانی ، أبو محمد عبد الرحمن بن أحمد الرازی.

15 - الشیخ أبو المعالی أحمد بن قدامة ، کما فی إجازة الشیخ فخر الدین الحلّی للسیّد مهنّا ، وإفادات الشیخ المذکور ابن العلاّمة الحلّی. بحار الأنوار (1) (25 / 53).

16 - الشیخ أبو عبد الله محمد بن علیّ الحلوانی ، کما فی إجازة السیّد ابن أبی الرضا العلوی ، تلمیذ الشیخ نجیب الدین الحلّی. بحار الأنوار (2) (25 / 88).

17 - أبو زید بن کَیابَکی الحسینی الجرجانی ، کما فی إجازة السیّد المذکور. بحار الأنوار (3) (25 / 108).

18 - الشیخ أبو غانم العصمی الهروی الشیعی. بحار الأنوار (4) (25 / 108).

19 - الفقیه الداعی الحسینی ، کما فی إجازة صاحب المعالم الکبیرة. بحار الأنوار (5) (25 / 108).

20 - السیّد الحسین بن الحسن بن زید الجرجانی ، یروی عن السیّد المترجَم کما فی تاریخ ابن عساکر (6) (4 / 290). 5.

ص: 363


1- بحار الأنوار : 107 / 153.
2- بحار الأنوار : ص 172.
3- بحار الانوار : 47 / 109.
4- بحار الانوار : 47 / 109.
5- بحار الانوار : 47 / 109.
6- تاریخ مدینة دمشق : 14 / 52 رقم 1525.

21 - أبو الفرج یعقوب بن إبراهیم البیهقی ، قرأ علی السیّد قطعة کبیرة من دیوان شعره ، وأجاز له روایة جمیعه فی ذی القعدة سنة (403).

22 - أبو الحسن محمد بن محمد البصری ، أجاز له روایة کتبه وتآلیفه فی شعبان سنة (417).

علم الهدی والمعرّی :

قال أبو الحسن العمری فی المجدی (1) : اجتمعت بالشریف المرتضی سنة (425) ببغداد ، فرأیته فصیح اللسان یتوقّد ذکاءً.

وحضر مجلسه أبو العلاء المعرّی ذات یوم ، فجری ذکر أبی الطیّب المتنبّی فنقّصه الشریف وعاب بعض أشعاره ، فقال أبو العلاء : لو لم یکن لأبی الطیّب المتنبّی إلاّ قوله : لکِ یا منازل فی القلوب منازل لکفاه. فغضب الشریف وأمر بأبی العلاء فسحب وأُخرج ، فتعجّب الحاضرون من ذلک ، فقال لهم الشریف : أعلمتم ما أراد الأعمی؟ إنّما أراد قوله

وإذا أتَتْکَ مذمّتی من ناقصٍ

فهی الشهادةُ لی بأنّی کاملُ (2)

قال الطبرسی فی الاحتجاج (3) : دخل أبو العلاء المعرّی الدهری علی السیّد المرتضی قدس سره فقال له : أیّها السیّد ما قولک فی الکلّ؟ فقال السیّد : ما قولک فی الجزء؟ فقال : ما قولک فی الشعری؟ فقال : ما قولک فی التدویر؟ فقال : ما قولک فی عدم الانتهاء؟ فقال : ما قولک فی التحیّز والناعورة؟ فقال : ما قولک فی السبع؟ فقال ما قولک : فی الزائد البری من السبع؟ فقال : ما قولک فی الأربع؟ فقال : ما قولک فی 2.

ص: 364


1- المجدی فی أنساب الطالبیین : ص 125.
2- الدرجات الرفیعة : ص 460.
3- الاحتجاج : 2 / 612 رقم 362.

الواحد والاثنین؟ فقال : ما قولک فی المؤثّر؟ فقال : ما قولک فی المؤثّرات؟ فقال : ما قولک فی النحسین؟ فقال : ما قولک فی السعدین؟ فبُهت أبو العلاء.

فقال السیّد المرتضی رضی الله عنه عند ذلک : ألا کلّ ملحد مُلْهِد (1) ، وقال أبو العلاء : أخذته من کتاب الله (یا بُنَیَّ لا تُشْرِکْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْکَ لَظُلْمٌ عَظِیمٌ) (2). وقام وخرج.

فقال السیّد رضی الله عنه عنه : قد غاب عنّا الرجل وبعد هذا لا یرانا. فسُئل السیّد عن شرح هذه الرموز والإشارات ، فقال : سألنی عن الکلِّ وعنده الکلُّ قدیمٌ ، ویُشیر بذلک إلی عالم سمّاه العالم الکبیر ، فقال لی : ما قولک فیه؟ أراد أنّه قدیم.

فأجبته عن ذلک وقلت له : ما قولک فی الجزء؟ لأنّ عندهم الجزء محدَث وهو المتولّد عن العالم الکبیر ، وهذا الجزء هو العالم الصغیر عندهم ، وکان مرادی بذلک أنّه إذا صحَّ أنّ هذا العالم محدَث ، فذلک الذی أشار إلیه - إن صحَّ - فهو محدَث أی ضاً ، لأنّ هذا من جنسه علی زعمه والشیء الواحد والجنس الواحد لا یکون بعضه قدیماً وبعضه محدَثاً ، فسکت لمّا سمع ما قلته.

وأمّا الشعری : أراد أنّها لیست من الکواکب السیّارة ؛ لأنّه قدیمٌ ، فقلت له : ما قولک فی التدویر؟ أردت أنّ الفلک فی التدویر والدوران ، فالشعری لا یقدح فی ذلک.

وأمّا عدم الانتهاء : أراد بذلک أنّ العالم لا ینتهی ؛ لأنّه قدیم ، فقلت له : قد صحَّ عندی التحیّز والتدویر ، وکلاهما یدلاّن علی الانتهاء.

وأمّا السبع : أراد بذلک النجوم السیّارة التی عندهم ذوات الأحکام ، فقلت له : هذا باطلٌ بالزائد البری الذی یحکم فیه بحکم لا یکون ذلک الحکم منوطاً بهذه 3.

ص: 365


1- ألهد الرجل : ظلم وجار.
2- لقمان : 13.

النجوم السیّارة التی هی : الزهرة ، والمشتری ، والمرّیخ ، وعطارد ، والشمس ، والقمر ، وزحل.

وأمّا الأربع : أراد بها الطبائع ، فقلت له : ما قولک فی الطبیعة الواحدة الناریّة یتولّد منها دابّة بجلدها تمسُّ الأیدی ثمّ تطرح ذلک الجلد علی النار فیحترق الزهومات ویبقی الجلد صحیحاً ؛ لأنّ الدابّة خلقها الله علی طبیعة النار ، والنار لا تحرق النار ، والثلج أیضاً یتولّد فیه الدیدان وهو علی طبیعةٍ واحدةٍ ، والماء فی البحر علی طبیعتین ، یتولّد عنه السموک والضفادع والحیّات والسلاحف وغیرها ، وعنده لا یحصل الحیوان إلاّ بالأربع ، فهذا مناقض لهذا.

وأمّا المؤثّر : أراد به الزحل ، فقلت له : ما قولک فی المؤثّرات ، أردتُ بذلک أنّ المؤثّرات کلّهنّ عنده مؤثّرات ، فالمؤثّر القدیم کیف یکون مؤثّراً؟

وأمّا النحسین : أراد بهما أنّهما من النجوم السیّارة إذا اجتمعا یخرج من بینهما سعد ، فقلت له : ما قولک فی السعدین إذا اجتمعا خرج من بینهما نحس؟ هذا حکم أبطله الله تعالی لیعلم الناظر أنّ الأحکام لا تتعلّق بالمسخّرات ؛ لأنّ الشاهد یشهد علی أنّ العسل والسکّر إذا اجتمعا لا یحصل منهما الحنظل والعلقم ، والحنظل والعلقم إذا اجتمعا لا یحصل منهما الدبس والسکّر ، هذا دلیل علی بطلان قولهم.

وأمّا قولی : ألا کلّ ملحد ملهد ، أردت أنّ کلّ مشرک ظالم ؛ لأنّ فی اللغة : ألحد الرجل عن الدین إذا عدل عن الدین وألهد إذا ظلم ، فعلم أبو العلاء ذلک وأخبرنی عن علمه بذلک فقرأ : (یا بُنَیَّ لا تُشْرِکْ بِاللهِ) الآیة.

وقیل : إنّ المعرّی لمّا خرج من العراق سُئل عن السیّد المرتضی رضی الله عنه فقال :

یا سائلی عنه لمّا جئتُ أسألُهُ

ألا هو الرجلُ العاری من العارِ

ص: 366

لو جئتَه لرأیتَ الناسَ فی رجلٍ

والدهرَ فی ساعةٍ والأرضَ فی دارِ (1)

علم الهدی وابن المطرّز (2):

فی الدرجات الرفیعة (3) : إنّ الشریف المرتضی کان جالساً فی علّیّة له تشرف علی الطریق ، فرأی ابن المطرّز الشاعر وفی رجلیه نعلان مقطّعان وهما یثیران الغبار فقال له : أمِن مثل هذه کانت رکائبک؟ یشیر إلی بیت فی قصیدته التی أوّلها :

سری مغرباً بالعیشِ ینتجعُ الرکبا

یُسائلُ عن بدرِ الدجی الشرقَ والغربا

علی عذباتِ الجزعِ من ماءِ تغلبٍ

غزالٌ یری ماءَ القلوبِ له شربا

إذا لم تبلِّغْنی إلیک رکائبی

فلا وردتْ ماءً ولا رعتِ العشبا

والبیت الأخیر هو المشار إلیه ، فقال ابن المطرّز : لمّا عادت هبات سیّدنا الشریف إلی مثل قوله :

یا خلیلیَّ من ذوٌابةِ قیسٍ

فی التصابی مکارمُ الأخلاقِ

غنِّیانی بذکرهمْ تُطربانی

واسقیانی دمعی بکأسٍ دهاقِ

وخذا النومَ من جفونی فإنّی

قد خلعتُ الکری علی العشّاقِ

عادت رکائبی إلی ما تری فإنّه وهب ما لا یملک علی من لا یقبل ، فأمر له الشریف بجائزة.

المرتضی والزعامة :

کان سیّدنا الشریف قد انتهت إلیه رئاسة الدین والدنیا من شتّی النواحی منها : 1.

ص: 367


1- بحار الأنوار : 4 / 587 [10 / 406 باب 26]. (المؤلف)
2- هو أبو القاسم عبد الواحد البغدادی الشاعر المجید المتوفّی سنة (439). (المؤلف)
3- الدرجات الرفیعة : ص 461.

1 - غزارة علمه التی حدت العلماء إلی البخوع له والرضوخ لتعالیمه ، فکان یختلف إلی منتدی تدریسه الجماهیر من فطاحل العلم والنظر فیمیرهم بسائغ علمه ، ویرویهم بنمیر أنظاره العالیة ، فتخرّج من تحت منبره نوابغ الوقت من فقیه بارع ، ومتکلّم مناظر ، وأصولیٍّ مدقِّق ، وأدیب شاعر ، وخطیب مُبدع ، وکان یدرُّ من ماله الطائل (1) علی تلمذته الجرایات والمسانهات (2) ، لیتفرّغوا بکلِّهم إلی الدراسة من غیر تفکیر فی أزمة المعیشة ، فکان شیخ الطائفة أبو جعفر الطوسی یقتضی منه فی الشهر اثنی عشر دیناراً ، والشیخ القاضی ابن البرّاج الحلبی یستوفی ثمانیة دنانیر ، وکمثلهما بقیّة تلامذته ، وکان قد وقف قریة علی کاغد الفقهاء ، ویقال : إنّ الناس أصابهم فی بعض السنین قحط شدید فاحتال رجل یهودی علی تحصیل قوته ، فحضر یوماً مجلس الشریف المرتضی وسأله أن یأذن له فی أن یقرأ علیه شیئاً من علم النجوم فأذن له ، وأمر له بجرایة تجری علیه کلّ یوم ، فقرأ علیه برهة ثمّ أسلم علی یدیه (3). وکان لم یرَ لثروته الطائلة قیمة تجاه مکارمه وکراماته ، وکان یقول :

وما حزّنی الإملاقُ والثروةُ التی

یذلُّ بها أهلُ الیَسارِ ضلالُ

ألیس یُبقّی المالَ إلاّ ضنانةٌ

وأفقرَ أقواماً ندی ونوالُ

إذا لم أنَلْ بالمال حاجةَ مُعسرٍ

حصورٍ عن الشکوی فما لیَ مالُ

2 - وشرفه الوضّاح النبویّ الذی ألزم خلفاء الوقت تفویض نقابة النقباء الطالبیّین إلیه بعد وفاة أخیه الشریف الرضیّ ، وأنت تعلم أهمّیة هذا المنصب یومئذٍ ، حیث أخذ فیه السلطة العامّة علی العلویّین فی أقطار العالم یرجع إلی نقیبهم حلّها ف)

ص: 368


1- کان یدخل علیه من أملاکه کلّ سنة أربعة وعشرون ألف دینار ، کما فی معجم الأدباء : 13 / 154. (المؤلف)
2- المسانهات : ما یُجری من العطاء کلَّ سنة.
3- الدرجات الرفیعة : [ص 460] للعلاّمة السیّد علی خان. (المؤلف)

وربطها ، وتعلیمها وتأدیبها ، والأخذ بظلاماتهم وأخذها منهم ، والنظر فی أمورهم فی کلِّ ورد وصدر.

3 - ورفعة بیته وجلالة منبته ، فقد کانت سلسلة آبائه من طرفیه متواصلة من أمیر إلی نقیب إلی زعیم إلی شریف ، وهذه مشفوعة بما کان فیه من لباقة وحنکة وحذق فی الأمور هی التی أهّلته لأن تُفوَّض إلیه إمارة الحاجّ ، فکان یسیر بهم سیراً سُجحاً ولا یرجع بهم إلاّ من دعة إلی دعة ، والحجیج بین شاکر لکلاءته ، وذاکر لمقدرته ، ومُطرٍ أخلاقه ، ومتبرِّکٍ بفضائله ، ومثنٍ علی أیادیه.

4 - ولشموخ محلّه وعظمة قدره بین أظهر الناس ومکانته العالیة عند الأهلین ، وجمعه بین سطوة الحماة وثبت القضاة انقادت إلیه ولایة المظالم ، فتولّی النقابة شرقاً وغرباً ، وإمارة الحاجّ والحرمین ، والنظر فی المظالم ، وقضاء القضاة ثلاثین سنة وأشهراً (1).

قال ابن الجوزی فی المنتظم (2) (7 / 276) : فی یوم السبت الثالث من صفر سنة (406) قُلّد الشریف المرتضی أبو القاسم الموسوی : الحجّ ، والمظالم ، ونقابة النقباء الطالبیّین ، وجمیع ما کان إلی أخیه الرضیّ ، وجمع الناس لقراءة عهد فی الدار الملکیّة ، وحضر فخر المُلک والأشراف والقضاة والفقهاء وکان فی العهد :

هذا ما عهد عبد الله أبو العبّاس أحمد الإمام القادر بالله أمیر المؤمنین إلی علیّ بن موسی العلوی حین قرّبته إلیه الأنساب الزکیّة ، وقدّمته لدیه الأسباب القویّة ، واستظلَّ معه بأغصان الدوحة الکریمة ، واختصّ عنده بوسائل الحرمة الوکیدة ، فقُلِّد الحجّ والنقابة وأمره بتقوی الله. إلخ. 1.

ص: 369


1- صحاح الأخبار لسراج الدین الرفاعی : ص 61 ، والمستدرک [علی وسائل الشیعة] : 3 / 516 نقلاً عن القاضی التنوخی. (المؤلف)
2- المنتظم : 15 / 111.

یُلقّب بالمرتضی ، والأجلّ الطاهر ، وذی المجدین ، ولُقِّب بعلم الهدی سنة (420) وذلک أنّ الوزیر أبا سعید محمد بن الحسن بن عبد الرحیم مرض فی تلک السنة فرأی فی منامه أمیر المؤمنین علیه السلام یقول له : قل لعلم الهدی یقرأ علیک حتی تبرأ. فقال : یا أمیر المؤمنین ومن علم الهدی؟ فقال : علیّ بن الحسین الموسوی.

فکتب إلیه ، فقال رضی الله عنه : الله الله فی أمری فإنّ قبولی لهذا اللقب شناعة علیَّ ، فقال الوزیر : والله ما کتبت إلیک إلاّ ما أمرنی به أمیر المؤمنین علیه السلام (1).

وکان یُلقّب بالثمانین لِما کان له من الکتب ثمانون ألف مجلّد ، ومن القری ثمانون قریة تجبی إلیه (2) وکذلک من غیرهما ، حتی إنّ مدّة عمره کانت ثمانین سنة وثمانیة أشهر ، وصنّف کتاباً یُقال له الثمانون.

ولادته ووفاته :

وُلد سیّدنا المرتضی فی رجب سنة (355) وتوفّی یوم الأحد (25) ربیع الأوّل سنة (436) وعلی هذا جلُّ المؤرِّخین لو لا کلّهم. نعم ؛ هناک خلاف یسیر (3) لا یُعبأ به ، وصلّی علیه ابنه ، وتولّی غسله أبو الحسین النجاشی ومعه الشریف أبو یعلی محمد ابن الحسن الجعفری وسلاّر بن عبد العزیز الدیلمی کما فی رجال النجاشی (4) (ص 193) ، ودفن فی داره عشیّة ذلک النهار ، ثمّ نُقل إلی الحائر المقدّس ودُفن فی مقبرتهم ، وکان قبره هناک کقبر أبیه وأخیه الشریف الرضی ظاهراً معروفاً مشهوراً ، 8.

ص: 370


1- ذکره شیخنا الشهید [الأوّل] فی أربعینه [ص 51]. (المؤلف)
2- الرسالة الخراجیة للمحقّق الثانی [ص 85]. (المؤلف)
3- فی عمدة الطالب [ص 205] ، وصحاح الأخبار : فی (15) ربیع الأوّل. وفی کامل ابن الأثیر [6 / 126 حوادث سنة 436 ه] : آخر ربیع الأوّل. وفی المجدی [ص 126] : آخر سنة (436) أو (437). وعن خطّ الشهید الأوّل : یوم الأحد السادس والعشرین من ربیع الأوّل. کلّ هذه مما لا یُعبَأ به. (المؤلف)
4- رجال النجاشی : ص 271 رقم 708.

کما فی عمدة الطالب (1) ، وصحاح الأخبار ، والدرجات الرفیعة (2).

وهناک فتاوی مجرّدة من قذف سیّدنا المترجم بالاعتزال تارةً وبالمیل إلیه أخری ، وبنسبة وضع کتاب نهج البلاغة إلیه طوراً من أبناء حزم وجوزیٍّ وخلّکان وکثیر والذهبیّ ومن لفّ لفّهم من المتأخِّرین (3) ، وبما أنّها دعاوی فارغة غیر مدعومة بشاهد ، وکتب سیّدنا الشریف تهتف بخلافها ، ومن عرفه من المنقِّبین لا یشکُّ فی ذلک ، وقد أثبتنا نسبة نهج البلاغة إلی الشریف الرضی بترجمته ، نضرب عن تفنید تلکم الهَلْجات (4) صفحاً.

ولابن کثیر فی البدایة والنهایة (5) (12 / 53) عند ذکر السیّد سباب مقذع ، وتحامل علی ابن خلّکان فی ثنائه علیه جریاً علی عادته المطّردة مع عظماء الشیعة - وکلُّ إناء بالذی فیه ینضحُ ، ونحن لا نقابله إلاّ بما جاء به الذکر الحکیم : (وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً) (6).

نبذة من دیوان المرتضی

ومن شعر سیّدنا علم الهدی المرتضی نقلاً عن دیوانه (7) قوله یفتخر ویعرِّض ببعض أعدائه ، یوجد فی الجزء الأوّل منه :

أمّا الشبابُ فقد مضتْ أیّامُهُ

واستُلَّ من کفّی الغداةَ زمامُه3.

ص: 371


1- عمدة الطالب فی أنساب آل أبی طالب : ص 205.
2- الدرجات الرفیعة : ص 463.
3- نظراء جرجی زیدان فی آداب اللغة : 1 / 288 [مؤلّفات جرجی زیدان الکاملة : مج 14 / 138] ، والزرکلی فی الأعلام : ص 667 [4 / 278]. (المؤلف)
4- الهَلْج : ما لم یوقن من الأخبار.
5- البدایة والنهایة : 12 / 67 حوادث سنة 436 ه.
6- الفرقان : 63.
7- دیوان الشریف المرتضی : 2 / 393.

وتنکّرت آیاتُه وتغیّرتْ

جاراتُهُ وتقوّضتْ آطامُه

ولقد دری مَن فی الشباب حیاتُه

أنّ المشیبَ إذا علاه حِمامُه

عوجا نُحَیِّ الربعَ یدللْنا الهوی

فلربّما نفع المحبَّ سلامُه

واستعبرا عنّی به إن خاننی

جَفنی فلم یمطر علیه غمامُه

فمن الجفونِ جوامدٌ وذوارفٌ

ومن السحابِ رُکامُه وجَهامُه (1)

دِمَنٌ رضعتُ بهنَّ أخلافَ الصبا

لو لم یکن بعد الرضاعِ فطامُه

ولقد مررتُ علی العقیقِ فشفّنی

أن لم تغنِّ علی الغصونِ حمامُه

وکأنّه دَنِفٌ تجلّدَ مؤنساً

عوّادَهُ حتی استبانَ سقامُه

من بعد ما فارقتُه فکأنّه

نشوانُ تمسحُ تربَه آکامُه

مَرِحٌ یهزُّ قناتَهُ لا یأتلی

أَشَرُ الصبا وغرامُه وعرامُه (2)

تندی علی حرِّ الهجیرِ ظلالُهُ

ویضیء فی وقت العشیِّ ظلامُه

وکأنّما أطیارُه ومیاهُهُ

للنازلیه قِیانُه ومُدامُه

وکأنّ آرامَ النساءِ بأرضِهِ

للقانصی طَرْدِ الهوی آرامُه

وکأنّما بردُ الصبا حوذانُه

وکأنّما ورقُ الشبابِ بَشامُه (3)

وعَضیهةٌ جاءتک من عبقٍ بها

أزری علیک فلم یجرْه کلامُه (4)

ورماک مجتریاً علیک وإنّما

وافاک من قعرِ الطویّ سلامُه

وکأنّما تسفی الریاح بعالجٍ

ما قال أو ما سطّرت أقلامُه

وکأنّ زُوراً لُفِّقتْ ألفاظُهُ

سلکٌ وهی فانحلَّ عنه نظامُه

وإذا الفتی قعدتْ به أخوالُه

فی المجدِ لم تنهضْ به أعمامُهة.

ص: 372


1- الرکام من السحاب : المتراکم. الجهام : الذی لا مطر فیه.
2- لا یأتلی : لم یقصِّر. الأشَر : البطَر. العرام : الشراسة.
3- الحوذان والبشام : نبتان طیّبا الرائحة.
4- العَضِیهة : الإفْک والبُهْتان والنَّمِیمة.

وإذا خصالُ السوء باعَدْنَ امرءاً

عن قومه لم تُدْنِهِ أرحامُه

ولَکَمْ رمانی قبلَ رمیکَ حاسدٌ

طاشتْ ولم تخدشْ سواه سهامُه

ألقی کلاماً لم یضرنی وانثنی

ونُدوبُهُ فی جلدِهِ وکِلامُه (1)

هیهاتَ أن أُلفَی وسیل (2) مُسافِهٍ

ینجو به یوم السبابِ لطامُه

أو أن أُری فی معرکٍ وسلاحُه

بدلَ السیوفِ قذافُه وعِذامُه (3)

ومن البلاءِ عداوةٌ من خاملٍ

لا خلفُهُ لعُلیً ولا قُدّامُه

کثرتْ مساویه فصارَ کمدحِهِ

بین الخلائقِ عیبُهُ أو ذامُه

والخرقُ کلُّ الخرقِ من متفاوتِ ال

أفعالِ یتلو نقضَه إبرامُه

جدِبَ الجنابُ فَجارُهُ فی أزمةٍ

والضیفُ موکولٌ إلیه طعامُه

وإذا علقتَ بحبلِهِ مستعصماً

فکفقعِ قرقرةٍ یکون ذمامُه

وإذا عهودُ القومِ کنَّ کنبعِهمْ

فالعهدُ منه یراعُه وثُمامُه (4)

وأنا الذی أعییتُ قبلَکَ من رستْ

أطوادُهُ واستشرفتْ أعلامُه

وتتبّعَ المعروفَ حتی طُنِّبتْ

جوداً علی سَنَنِ الطریقِ خیامُه (5)

وتناذرتْ أعداؤهُ سطواتِهِ

کاللیث یُرهبُ نائیاً إرزامُه (6)

وتری إذا قابلتَهُ عن وجهِهِ

کالبدرِ أشرقَ حینَ تمَّ تمامُه

حتی تذلّلَ بعد لأیٍ صعبُهُ

وانقادَ منبوذاً إلیَّ خطامُه

یُهدی إلیّ علی المغیبِ ثناؤهُ

وإذا حضرتُ أظلّنی إکرامُه

فمضی سلیماً من أذاة قوارصی

واستام ذمّی بعده مستامُهد.

ص: 373


1- الکِلام : الجراح.
2- فی الدیوان (رسیل).
3- العِذام : العضّ.
4- الیراع - جمع یراعة - : القصب. الثمام - جمع ثمامة - : نبت ضعیف یشبه الخوص.
5- السنن : وسط الطریق.
6- الإرزام : صوت الأسد.

والآن یوقظنی لِنَحتِ صَفاتِهِ

من طال عن أخذِ الحقوقِ نیامُه (1)

ویسومنی ولئن خلوت فإنّنی

مَقِرٌ وفی حنک العدوِّ سِمامُه (2)

فلبئسما منّته منّی خالیاً

خطراتُه أو سوّلتْ أحلامُه

أمّا الطریفُ من الفخارِ فعندنا

ولنا من المجدِ التلیدِ سنامُه

ولنا من البیتِ المحرّمِ کلّما

طافت بهِ فی موسمٍ أقدامُه

ولنا الحطیمُ وزمزمٌ وتراثُنا

نعم التراثُ عن الخلیلِ مَقامُه

ولنا المشاعرُ والمواقفُ والذی

تُهدی إلیه من مِنیً أنعامُه

وبجدِّنا وبصنوِه دُحیتْ عن ال

-بیتِ الحرامِ وزُعزعتْ أصنامُه

وهما علینا أطلعا شمسَ الهدی

حتی استنار حلالُه وحرامُه

وأبی الذی تبدو علی رغمِ العدی

غرّا محجّلةً لنا أیّامُه

کالبدرِ یکسو اللیلَ أثوابَ الضحی

والفجر شبّ علی الظلامِ ضرامُه

وهو الذی لا یقتفی فی موقفٍ

أقدامَهُ نکْصٌ به إقدامُه

حتی کأنّ نجاتَه هی حتفُهُ

ووراءَه ممّا یخافُ أمامُه

ووقی الرسولَ علی الفراشِ بنفسِهِ

لمّا أراد حمامَهُ أقوامُه

ثانیه فی کلِّ الأمورِ وحصنُهُ

فی النائباتِ ورکنُه ودعامُه

لله درُّ بلائهِ ودفاعِه

والیوم یغشی الدارعین قتامُه

وکأنّما أُجمُ العوالی غِیلُهُ

وکأنّما هو بینها ضرغامُه (3)

وتری الصریعَ دماؤه أکفانُه

وحنوطُه أحجارُه ورغامُه

والموت من ماء الترائب وِردُه

ومن النفوسِ مزادُه ومسامُه

طلبوا مداه ففاتهمْ سبقاً إلی

أمدٍ یشقُّ علی الرجالِ رام مُهد.

ص: 374


1- الصفاة - بفتح الصاد - : الصخرة ، ونحت صَفاته : عابه.
2- المَقِر : المُرّ.
3- الأجَم - جمع الأجمة - : الشجر الکثیر الملتفّ. المغیل : مکمن الأسد.

فمتی أجالوا للفخار قِداحَهمْ

فالفائزاتُ قِداحُه وسهامُه

وإذا الأمورُ تشابهتْ واستبهمتْ

فجلاؤها وشفاؤها أحکامُه

وتری الندیَّ إذا احتبی لقضیّةٍ

عوجاً إلیها مصغیاتٍ هامُه

یفضی إلی لبِّ البلیدِ بیانُه

فیعی وینشئُ فهمَه إفهامُه

بغریب لفظٍ لم تُدِرْهُ سقاته

ولطیفِ معنیً لم یُفضّ ختامُه

وإذا التفتَّ إلی التقی صادفتَه

من کلِّ برٍّ وافراً إقسامُه

فاللیلُ فیه قیامُه مُتهجِّداً

یتلو الکتابَ وفی النهارِ صیامُه

یطوی الثلاثَ تعفّفاً وتکرّماً

حتی یُصادفَ زادَهُ معتامُه

وتراه عریانَ اللسانِ من الخنا

لا یهتدی للأمرِ فیه ملامُه

وعلی الذی یرضی الإلهَ هجومُه

وعن الذی لا یرتضی إحجامُه

فمضی بریئاً لم تَشِنْهُ ذنوبُهُ

یوماً ولا ظفرتْ به آثامُه

ومفاخرٍ ما شئتَ إن عدّدتَها

فالسیلُ أطبقَ لا یعدُّ رکامُه

تعلو علی مَن رام یوماً نَیْلَها

من یَذبُلٍ هضباتُه وإکامُه (1)

وقال فی الجزء الرابع من دیوانه (2) یرثی الإمام السبط الشهید علیه السلام فی یوم عاشوراء سنة (427):

أما تری الربعَ الذی أقفرا

عراهُ من ریب البلی ماعرا

لو لم أکنْ صبّا لسکّانِه

لم یجرِ من دمعی لهُ ما جری

رأیتُه بعد تمامٍ له

مقلِّباً أبطُنَه أظهرا

کأنّنی شکّا وعلماً به

أقرأ من أطلالِه أسطرا

وقفت فیه أینُقاً ضُمّراً

شذّب من أوصالهنّ السری (3)ة.

ص: 375


1- یذبُل : اسم جبل.
2- دیوان الشریف المرتضی : 1 / 487.
3- الأینُق والنوق : جمع الناقة.

لی بأناسٍ شغلٌ عن هویً

ومعشری أبکی لهم معشرا

أجِلْ بأرضِ الطفِّ عینیک ما

بین أُناسٍ سُربلوا العِثْیرا

حَکّمَ فیهم بغیُ أعدائِهم

علیهمُ الذؤبانَ والأنسُرا

تخال من لألاء أنوارِهم

لیلَ الفیافی بهمُ مُقمرا

لم یرتضوا درعاً ولم یلبسوا

بالطعن إلاّ العَلَقَ الأحمرا

من کلِّ طیّانِ الحشا ضامرٍ

یرکبُ فی یومِ الوغی ضمّرا

قل لبنی حربٍ وکم قولةٍ

سطّرها فی القوم من سطّرا

تِهتُمْ عن الحقِّ کأنّ الذی

أنذرکمْ فی اللهِ ما أنذرا

کأنّه لم یقرِکمْ ضُلَّلاً

عن الهدی القصدَ بأُمِّ القری

ولا تدرّعتمْ بأثوابِهِ

من بعد أن أصبحتمُ حُسّرا

ولا فریتمْ أدَماً إمرة (1)

ولم تکونوا قطُّ ممّن فری

وقلتمُ عنصرُنا واحدٌ

هیهات لا قُربی ولا عنصرا

ما قدّم الأصلُ امرءاً فی الوری

أخّره فی الفرعِ ما أخّرا

طرحتمُ الأمرَ الذی یُجتنی

وبعتمُ الشیءَ الذی یُشتری

وغرّکمْ بالجهل إمهالُکمْ

وإنّما اغترَّ الذی غُرِّرا

حلّأتمُ بالطفِّ قوماً عن ال

-ماء فحُلِّئتمْ به الکوثرا

فإن لقَوا ثَمّ بکم منکراً

فسوف تلقونَ بهم منکرا

فی ساعةٍ یحکمُ فی أمرِها

جدُّهم العدل کما أُمّرا

وکیف بعتمْ دینَکم بالذی اس

-تنزره الحازمُ واستحقرا

لو لا الذی قُدِّر من أمرکمْ

وجدتمُ شأنَکمُ أحقرا

کانت من الدهر بکم عثرةٌ

لا بدّ للسابقِ أن یَعثراً.

ص: 376


1- فی الدیوان : مرّةً.

لا تفخروا قطُّ بشیءٍ فما

ترکتمُ فینا لکم مفخرا

ونلتموها بیعةً فلتةً (1)

حتی تری العینُ الذی قُدِّرا

کأنّنی بالخیلِ مثلُ الدَّبا

هبّت به نکباؤه صرصرا (2)

وفوقها کلُّ شدیدِ القوی

تخالُه من حنقٍ قسورا

لا یمطر السمر غداة الوغی

إلاّ برشِّ الدمِ إن أمطرا

فیرجع الحقُّ إلی أهلِهِ

ویُقبِلُ الأمرُ الذی أدبرا

یا حججَ اللهِ علی خلقِهِ

ومَن بهم أبصرَ من أبصرا

أنتم علی اللهِ نزولٌ وإن

خال أُناسٌ أنّکمْ فی الثری

قد جعلَ اللهُ إلیکم کما

علمتمُ المبعثَ والمحشرا

فإن یکن ذنبٌ فقولوا لمن

شفّعکمْ فی العفوِ أن یغفرا

إذا تولّیتکمُ صادقاً

فلیس منّی منکرٌ منکرا

نصرتکمْ قولاً علی أنّنی

لَآمِلٌ بالسیفِ أن أنصرا

وبین أضلاعیَ سرٌّ لکم

حوشیَ أن یبدو وأن یظهرا

أنظرُ وقتاً قیل لی : بُح به

وحقَّ للموعود أن ینظرا

وقد تصبّرتُ ولکنّنی

قد ضقتُ أن أکظمَ أو أصبِرا

وأیّ قلبٍ حملت حزنَکمْ

جوانحٌ منه وما فُطّرا

لا عاش من بعدکمُ عائشٌ

فینا ولا عُمِّر من عُمِّرا

ولا استقرّت قدمٌ بعدَکمْ

قرارَها مبدی ولا محضرا

ولا سقی اللهُ لنا ظامئاً

من بعد أن جُنّبتمُ الأبحرا

ولا علتْ رجلٌ وقد زحزحتْ

أرجلُکم عن متنه مِنبرار.

ص: 377


1- أشار إلی ما أخرجه الحفّاظ عن عمر أنّه قال : بیعة أبی بکر کانت فلتة وقی الله شرَّها. (المؤلف)
2- النکباء : الریح. الدَّبا : صغار الجراد قبل أن یطیر.

وقال فی الجزء الرابع من دیوانه (1) وهو یفتخر :

ما لَکِ فیَّ ربّةَ الغلائلِ

والشیبُ ضیفُ لِمّتی من طائلِ

أما ترین فی شواتی (2) نازلاً

لا متعةٌ لی بعده بنازلِ

محا غرامی بالغوانی صبغُهُ

واجتثَّ من أضالعی بلابلی

ولاح فی رأسیَ منهُ قبسٌ

یدلُّ أیّامی علی مقاتلی

کان شبابی فی الدمی وسیلةً

ثمّ أنقضتْ لمّا انقضتْ وسائلی

یا عائبی بباطلٍ ألِفتُهُ

خذ بیدیک مِن تَمَنٍّ باطلِ

لا تعذلنِّی بعدها علی الهوی

فقد کفانی شیبُ رأسی عاذلی

وقلْ لقومٍ فاخرونا ضلّةً

أین الحُصیّاتُ من الجراولِ (3)

وأین قاماتٌ لکم دمیمةٌ

من الرجالِ الشمّخِ الأطاولِ

نحن الأعالی فی الوری وأنتمُ

ما بینهم أسافلُ الأسافلِ

ما تستوی فلا تروموا معوزاً

فضائلُ الساداتِ بالرذائلِ (4)

ما فیکمُ إلاّ دنیٌّ خاملٌ

ولیس فینا کلِّنا من خاملِ

دعوا النباهاتِ علی أهلٍ لها

وعرِّسوا فی أخفضِ المنازلِ

ولا تعوجوا بمهبٍّ عاصفٍ

ولا تقیموا فی مصبِّ الوابلِ

أما تری خیرَ الوری معاشری

ثمّ قبیلی أفضلَ القبائلِ

ما فیهمُ إن وُزِنوا من ناقصٍ

ولیس فیهم خبرةٌ من جاهلِ

أقسمت بالبیتِ تطوفُ حولَه

أقدامُ حافٍ للتقی وناعلِ

وما أراقوه علی وادِی مِنیً

عند الجمارِ من نجیعٍ سائلِر.

ص: 378


1- دیوان الشریف المرتضی : 2 / 343.
2- الشواة : جلدة الرأس. (المؤلف)
3- الجراول - جمع جرولة وجرول - : الحجارة. (المؤلف)
4- المُعوِز : المتعذّر.

وأذرعٍ حاسرةٍ ترمی وقد

حانَ طلوعُ الشمسِ بالجنادلِ (1)

والموقفینِ حطَّ ما بینهما

عن ظهرِهِ الذنوبَ کلُّ حاملِ

فإن یَخِبْ قومٌ علی غیرهِما

فلم یخِبْ عندهما من آملِ

لقد نمتنی من قریش فتیةٌ

لیسوا کمن تعهدُ فی الفضائلِ

الواردین من عُلیً ومن تقیً

دون المنایا صفوةَ المناهلِ

قومٌ إذا ما جُهِلوا فی معرکٍ

دَلّوا علی الأعراقِ بالشمائلِ

کأنّهم أُسْد الشری یومَ الوغی

لکنّهمْ أهلّةُ المحافلِ

إن ناضلوا فلیسَ من مناضلٍ

أو ساجلوا فلیس من مساجلِ

سل عنهمُ إن کنتَ لا تعرفهمْ

سَلَّ الظبا وشُرّعَ العواملِ (2)

وکلَّ منبوذٍ علی وجه الثری

تسمعُ فیه رنّةَ الثواکلِ

کأنّما أیدیهمُ مناصلٌ

یلعبنَ یومَ الروعِ بالمناصلِ

من کلِّ ممتدِّ القناة سامقٍ

یقصُرُ عنه أطولُ الحمائلِ

ما ضرّنی والعارُ لا یطوُر بی

إن لم أکن بالملک الحُلاحلِ (3)

ولم أکن ذا صامتٍ وناطقٍ

ولم أرُح بباقرٍ وجاملِ (4)

خیرٌ من المالِ العتیدِ بذلُهُ

فی طُرُقِ الإفضال والفواضلِ

والشکرُ ممّن أنتَ مُغنٍ فقرَهُ

خیرٌ إذا أحرزتَه من نائلِ

فلا تعرّضْ منک عِرْضاً أملساً

لخدشةِ اللُّوام والقوائلِ

فلیس فینا مُقدمٌ کمحجِمٍ

ولیس منّا باذلٌ کباخلِ

وما الغنی إلاّ حبالات العنا (5)

فانجُ إذا شئتَ من الحبائلِا.

ص: 379


1- الجنادل : الصخور.
2- العوامل : الرماح.
3- یطور : یقرب منه أو یحوم حوالیه. الحُلاحل : السیّد الشجاع.
4- الباقر : جماعة البقر مع راعیها ، والجامل : جماعة الجمال.
5- فی الدیوان : حِبالات الثنا.

إلی متی أحملُ من ثِقْلِ الوری

ما لم یُطِقْه ظهرُ عَوْدٍ بازلِ

إن لم یزرنی الهمُّ إصباحاً أتی

ولم أعِرْهُ الشوقَ فی الأصائلِ

وکم مقامٍ فی عراصِ ذلّةٍ

وعَطَنٍ عن العلاءِ سافلِ

وکم أظلُّ مُفْهَقاً من الأذی

معلّلاً دهریَ بالأباطلِ (1)

کأنّنی وقد کملتُ دونهمْ

رضاً بدون النَّصفِ غیرُ کاملِ

محسودةٌ مغبوطةٌ ظواهری

لکنّها مرحومةٌ دواخلی

کأنّنی شِعبٌ جفاه قطرُهُ

أو منزلٌ أقفرُ غیرُ آهلِ

فقل لحسّادی أفیقوا فالذی

أغضبکم منِّیَ غیرُ آفلِ

أنا الذی فضحت قولاً مصقعاً

مقاولی وفی العلی مطاولی

إن تبتنوا من العدی معاقلاً

فإنّ فی ظلِّ القنا معاقلی

لا تستروا فضلی الذی أُوتیته

فالشمسُ لا تُحجَبُ بالحوائلِ

فقد فررتمْ أبداً من سطوتی

فرَّ القطا الکدرِ من الأجادلِ

ولا تذق أعینُکُمْ طعمَ الکری

وعندکمْ وفیکمُ طوائلی

تقوا الردی وحاذروا الشرَّ الذی

شبَّ أُواری فغلتْ مَراجلی

وجُنَّ تیّارُ عُبابی واشتکتْ

خروقُ أسماعِکمُ صلاصلی

إن لم أطِرْکمْ مِزَقاً تحملکمْ

نُکْبُ الأعاصیرِ مع القساطلِ

فلا أجبتُ من صریخٍ دعوةً

ولا أطعتُ یومَ جودٍ سائلی

ولا أناخ کلُّ قومی کَلَّهمْ

فی مغنمٍ أو مغرمٍ بکاهلِ (2)

وفی غدٍ تُبصرها مُغیرةً

علی الموامی کالنعام الجافلِ (3)

یخرجن من کلِّ عجاج کالدجی

مثل الضحی بالغرر السوائلِة.

ص: 380


1- مُفهَقاً : ممتلئاً.
2- الکَلّ : الضعیف ، الیتیم. الکاهل من القوم : سندهم ومعتمدهم. (المؤلف)
3- الموامی : جمع الموماة ، وهی الفلاة الواسعة.

من یرهنَّ قال مَن هذا الذی

سدَّ الملا بالنعم المطافلِ

وفوقهنّ کلُّ مرهوبِ الشذا

یروی السنانَ من دمِ الشواکلِ (1)

أبیضُ کالسیفِ ولکن لم یعُجْ

صقالُهُ علی یمینِ صاقلِ

حیث تری الموتَ الزؤامَ بالقنا

مستحِبَ الأذیالِ والذلاذلِ (2)

والنقعُ یغشی العینَ عن لحاظها

والرکضُ یرمی الأرضَ بالزلازلِ

وبزّت الأسلاب أو تمخّضتْ

بلا تمامٍ بطنُ کلِّ حاملِ

ولم یَجُزْ هَمُّ الفتی عن نفسِهِ

وذُهِلَ الحیُّ عن العقائلِ

إن لم أنلْ فی بابلٍ مآربی

فلی إذا ما شئتُ غیرُ بابلِ

وإن أَبِتْ فی وطنٍ مقلقلاً

أبدلتُه بأظهرِ الرواحلِ

وإن تضق بی بلدةٌ واحدةٌ

فلم تضِقْ فی غیرِها مجاولی

وإن نبا عنّی خلیلٌ وجفا

نفضتُ من ودّی له أناملی

خیرٌ من الخصب مع الذلّ به

معرّسٌ علی المکانِ الماحلِ

وقال فی الافتخار فی الجزء الرابع من دیوانه (3):

ما ذا جنتْهُ لیلةُ التعریفِ

شغفتْ فؤاداً لیس بالمشغوفِ

ولو انّنی أدری بما حُمِّلتُهُ

عند الوقوفِ حذرتُ یومَ وقوفی

ما زال حتی حلَّ حَبَّ قلوبِنا

بجمالِه سِربُ الظباء الهیفِ

وأرتْکَ مُکْتَتَمَ المحاسنِ بعد ما

ألقی تقی الإحرامِ کلّ نصیفِ

وقنعتُ منها بالسلامِ لو انّه

أروی صدی أو بلَّ لهفَ لهیفِ

والحبُّ یُرضِی بالطفیفِ معاشراً

لم یرتضوا من قبلِهِ بطفیفِ

ویخفّ مَن کان البطیء عن الهوی

فکأنّه ما کان غیرَ خفیفِ7.

ص: 381


1- شواکل - جمع شاکلة - : الخاصرة. (المؤلف)
2- الزؤام : العاجل ، وقیل : سریع مجهّز. الذلاذل جمع ذُلذل ، وذُلذل : أسفل الثوب. (المؤلف)
3- دیوان الشریف المرتضی : 2 / 137.

یا حبَّها رفقاً بقلبٍ طالما

عرّفتَه ما لیس بالمعروفِ

قد کان یرضی أن یکون محکّماً

فی لُبِّه لو کنتَ غیرَ عنیفِ

أطرحتِ یا ظمیاءُ ثقلَکِ کلَّه

یومَ الوداعِ علی فقارِ ضعیفِ

یقتاده للحبِّ کلُّ مُحبّبٍ

ویروعه بالبینِ کلُّ ألیفِ

وکأنّنی لمّا رجعتُ عن النوی

أبکی رجعتُ بناظرٍ مطروفِ

وبزفرةٍ شهدَ العذولُ بأنّها

من حاملٍ ثقلَ الهوی ملهوفِ

ومتی جحدتُهمُ الغرامَ تصنّعاً

ظهروا علیهِ بدمعیَ المذروفِ

وعلی مِنیً غُرَرٌ رمین نفوسَنا

قبل الجِمار من الهوی بحتوفِ

یسحبن أذیالَ الشفوفِ غوانیاً

بالحُسن عن حَسَنٍ بکلِّ شُفوفِ

وعدلن عن لبسِ الشنوفِ وإنّما

هنّ الشنوفُ محاسناً لشنوفِ (1)

وتعجّبتْ للشیب وهی جنایةٌ

لدلال غانیةٍ وصدّ صدوفِ

وأناطتِ الحسناءُ بی تبعاتِهِ

فکأنّما تفویفه تفویفی (2)

هو منزلٌ بُدِّلتُهُ من غیرِهِ

وهو الغنی فی المنزل المألوفِ

لا تُنکرِیه فهو أبعدُ لُبْسةً

عن قذف قاذفةٍ وقَرفِ قَروفِ (3)

وبعیدة الأقطارِ طامسة الصوی

من طولِ تطوافِ الریاحِ الهوفِ

لا صوتَ فیها للأنیسِ وإنّما

لعصائبِ الجِنّان جرسُ عزیفِ

وکأنّما حُزُقُ النعام بدوّها

ذودٌ شردن لزاجرٍ هنّیفِ (4)

قَطَعَتْ رکابی وهی غیرُ طلائحٍ

مع طولِ إیضاعی وفرطِ وجیفی

أبغی الذی کلُّ الوری عن بغیِهِ

من بین مصدودٍ ومن مصدوفِع.

ص: 382


1- الشنوف : کالأقراط إلاّ أنّها تعلّق فی أعلی الأذن.
2- التفویف فی الثوب : الخطوط البیضاء فیه.
3- اللبسة : الشبهة. القرْف : ذکر الشخص بسوء.
4- الحُزُق - جمع الحزیقة - : الجماعة. الدوّ : المفازة. الهنّیف : المعنف فی السیر ، مأخوذة من التهنیف وهو الإسراع.

والعزّ فی کَلفِ الرجالِ ولم یُنَلْ

عزٌّ بلا نَصبٍ ولا تکلیفِ

والجدبُ مغنیً للأعزّةِ دارِهٌ

والذلُّ بیتٌ فی مکانِ الریفِ

ولقد تعرّقتِ النوائبُ صَعدتی

وأجاد صَرفُ الدهر من تثقیفی

وحللت من ذلِّ الأنامِ بنجوةٍ

لا لومتی فیها ولا تعنیفی

فبدارِ أندیةِ الفخارِ إقامتی

وعلی الفضائلِ مربعی ومصیفی

وسری سُری النجمِ المحلِّقِ فی العلی

نظمی وما ألّفتُ من تصنیفی

ورأیتُ من غدرِ الزمانِ بأهلِهِ

من بعد أن أمنوه کلَّ طریفِ

وعجبت من حَیْدِ القویِّ عن الغنی

طولَ الزمانِ وخطوةِ المضعوفِ

وعَمَی الرجالِ عن الصوابِ کأنّهمْ

یعمون عمّا لیس بالمکشوفِ

وفدیتُ عِرضی من لئامِ عشیرتی

بنزاهتی عن سیِّیءٍ وعُزوفی (1)

فبقدر ما أحمیهمُ ما ساءهمْ

أُعطیهمُ من تالدی وطریفی

کم رُوِّعَ الأعداءُ قبل لقائهم

ببروقِ إیعادی ورعدِ صریفی

وکأنّهم شَرَدٌ سوامُهمُ وقد

سمعوا علی جوِّ السماء حفیفی

قومی الذین تملّکوا رِبَقَ الوری

بطعانِ أرماحٍ وضربِ سیوفِ

ومواقفٍ فی کلِّ یومِ عظیمةٍ

ما کان فیها غیرُهم بوَقوفِ

ومشاهدٍ ملأتْ شعوبَ عداهمُ

بقذیً لأجفانٍ ورغم أُنوفِ

هم خوّلوا النِّعمَ الجسامَ وأمطروا

فی المملقینَ غمائمَ المعروفِ

وکأنّهم یوم الوغی خللَ القَنا

حیّاتُ رمل أو أُسودُ غریفِ (2)

کم راکبٍ منهم لغاربِ سَدفَةٍ

طرباً لجود أو مهینِ سدیفِ (3)

ومُتیَّمٍ بالمکرماتِ وطالما

ألِفَ الندی من کان غیرَ ألوفِم.

ص: 383


1- العزوف : ترک الشیء والانصراف عنه. (المؤلف)
2- الغریف : الجماعة من الشجر الملتفّ.
3- السدفة : ظلمة أوّل اللیل وآخره. السدیف : شحم السنام.

وحللتُ أندیةَ الملوکِ مجیبةً

صوتی ومصغیةً إلی توقیفی

وحمیتُهمْ بالحزمِ کلَّ عَضیهةٍ

وکفیتُهمْ بالعزم کلَّ مخوفِ

وتراهمُ یتدارسون فضائلی

ویصنِّفون من الفخارِ صُنوفی

ویردِّدون علی الرواةِ مآثری

ویعدِّدون من العلاء ألوفی

ویسیّرون إلی دیارِ عدوِّهم

من جند رأیی العالِمین زحوفی

وإذا همُ نَکِروا غریباً فاجئاً

فَزِعوا بنُکرِهمُ إلی تعریفی

دفعوا بیَ الخطبَ العظیمَ علیهمُ

واستعصموا حذرَ العدی بکنوفی

وصحبتُ منهم کلَّ ذی جبریّةٍ

سامٍ علی قُلَل البریّةِ موفِ

ترنو إلیک وقد وقفتَ إزاءَهُ

بین الوفودِ بناظِرَی غطریفِ

فالآنَ قل للحاسدین تنازحوا

عن شمسِ أُفقٍ غیر ذات کسوفِ

ودعوا لسیل الوادیین طریقَه

فالسیلُ جرّافٌ لکلِّ جروفِ

وتزوّدوا یأسَ القلوبِ عن الندی

فمنیفةٌ دارٌ لکلِّ مُنیفِ

وارضَوا بأن تمشوا ولا کرمٌ لکمْ

فی دارِ مجدِ الأکرمین ضیوفی

وقال فی الجزء الخامس من دیوانه (1) یرثی جدّه الطاهر الإمام السبط الشهید علیه السلام ومن قُتل معه :

یا دارُ دارَ الصوَّمِ القوّمِ

کیف خلا أُفقُکِ من أنجُمِ

عهدی بها یرتعُ سکّانُها

فی ظلِّ عیشٍ بینها أنعمِ

لم یصبحوا فیها ولم یغبُقوا

إلاّ بکأسَیْ خمرةِ الأنعَمِ (2)

بکیتُها من أدمعٍ لو أبت

بکیتُها واقعةً من دمِ

وعُجْتُ فیها راثیاً أهلَها

سَواهِمَ الأوصالِ والملطمِع.

ص: 384


1- دیوان الشریف المرتضی : 2 / 482.
2- الاصطباح : هو الشرب صبحاً. الاغتباق : الشرب لیلاً. الأنعم : موضع.

نحلنَ حتی حالهنَّ السری

بعضَ بقایا شَطَنٍ مُبرَمِ (1)

لم یدع الإسآد هاماتِها

إلاّ سقیطاتٍ علی المَنسمِ (2)

یا صاحبی یوم أزالَ الجوی

لحمی بخدّیَّ عن الأعظُمِ

واریتُ ما أنت به عالمٌ

ودائیَ المعضلَ لم تعلمِ

ولستُ فیما أنا صبٌّ به

مَن قَرَنَ السالیَ بالمغرمِ

وجدی بغیرِ الظعنِ سیّارةً

من مَخرِمٍ ناءٍ إلی مَخرِمِ (3)

ولا بلفّاءَ هضیمِ الحشا

ولا بذاتِ الجیدِ والمِعصَمِ

فاسمع زفیری عند ذکری الأُلی

بالطفِّ بین الذئبِ والقشعَمِ (4)

طرحی فإمّا مقعَصٌ بالقنا

أو سائلُ النفس علی مِخذمِ (5)

نثراً کدرٍّ بددٍ مهملٍ

أغفله السلکُ فلم ینظمِ

کأنّما الغبراءُ مرمیّةٌ

من قِبَلِ الخضراءِ بالأنجمِ

دُعوا فجاؤوا کرماً منهمُ

کم غرَّ قوماً قسَمُ المقسِمِ

حتی رأوها أُخریات الدجی

طوالعاً من رَهَجٍ أقتمِ

کأنّهم بالصمّ مطرورةٌ

لمنجد الأرضِ علی مُتهمِ

وفوقها کلُّ مغیظِ الحشا

مکتحلِ الطرفِ بلون الدمِ

کأنّه من حنقٍ أجدلٌ

أرشده الحرصُ إلی مَطْعَمِ

فاستقلبوا الطعنَ إلی فتیةٍ

خُوّاضِ بحرِ الحذَرِ المفعَمِ

من کلِّ نهّاضٍ بثقلِ الأذی

موکّلِ الکاهلِ بالمعظَمِف)

ص: 385


1- الشطن : الحبل.
2- الإسآد : السیر لیلاً بلا استراحة. المنْسِم : خفّ البعیر.
3- المخرِم : منقطع أنف الجبل.
4- القشعم : النسر.
5- مقعص من أقعص الرجل : قتله مکانه ، أجهز علیه. مخذم : آلة الخذم. والخذم : القطع بسرعة.(المؤلف)

ماضٍ لما أمَّ فلو جادَ فی ال

-هیجاءِ بالحوباءِ لم یندَمِ

وکالفٍ بالحربِ لو أنّه

أُطعِمَ یَوم السلم لم یطعمِ

مثلَّمِ السیفِ ومن دونه

عرْضٌ صحیحُ الحدِّ لم یُثْلَمِ

فلم یزالوا یُکرعون الظُّبا

بین تراقی الفارسِ المُعْلَمِ

فمُثخَنٌ یحمل شهّاقةً

تحکی لراءٍ فغرة الأعلمِ (1)

کأنّما الوَرسُ بها سائلٌ

أو أُنبِتَتْ من قُضُبِ العَنَدمِ

ومستزلٌّ بالقنا عن قَرا

عبلِ الشوی أو عن مطا أدهمِ (2)

لو لم یکیدوهم بها کیدَةً

لانقلبوا بالخِزی والمرغمِ

فاقتُضِبتْ بالبیضِ أرواحُهمْ

فی ظلِّ ذاک العارضِ الأسحمِ

مصیبةٌ سیقت إلی أحمدٍ

ورهطِهِ فی الملأ الأعظمِ

رزءٌ ولا کالرزءِ من قبلِهِ

ومؤلمٌ ناهیک من مؤلِمِ

ورمیةٌ أصمتْ ولکنّها

مصمیةٌ من ساعدٍ أجذَمِ

قل لبنی حربٍ ومن جمّعوا

من حائرٍ عن رشده أو عَمِی

وکلِّ عانٍ فی إسارِ الهوی

یُحسَب یقظانَ من النوَّمِ

لا تحسبوها حلوةً إنّها

أمرُّ فی الحلق من العلقمِ

صرّعهمْ أنّهمُ أقدموا

کم فُدی الُمحجِمُ بالمُقدِمِ

هل فیکمُ إلاَّ أخو سوءَةٍ

مجرّحُ الجلدِ من اللوّمِ

إن خاف فقراً لم یجُد بالندی

أو هاب وشکَ الموتِ لم یُقدمِ

یا آل یاسینَ ومَن حبُّهمْ

منهجُ ذاک السَّنَنِ الأقومِ

مهابطُ الأملاکِ أبیاتُهمْ

ومستقرُّ المُنزَلِ المحکَمِر.

ص: 386


1- المثخن : الذی أثخنته الجراحات. الشهّاقة : الرمح. الفغرة : الفتحة. الأعلم : الذی شُقّت شفته العلیا.
2- القرا : الظهر. العبل : الضخم. الشوی : الأعضاء. المطا : الظهر.

فأنتمُ حجّةُ ربِّ الوری

علی فصیحِ النطقِ أو أعجمِ

وأین إلاّ فیکمُ قربةٌ

إلی الإله الخالقِ المنعِمِ

واللهِ لا أخلیتُ من ذکرِکُمْ

نظمی ونثری ومرامی فمی

کلاّ ولا أغببتُ أعداءَکمْ

من کلمی طوراً ومن أسهمی (1)

ولا رُؤی یومَ مصابٍ لکم

منکشفاً فی مشهدٍ مبسمی

فإن أغِبْ عن نصرکمْ برهةً

بمرهفاتٍ لم أغبْ بالفمِ

صلّی علیکم ربّکم وارتوتْ

قبورُکم من مسبلٍ مُثْجِمِ (2)

مقعقعٍ تُخجِلُ أصواتُه

أصواتَ لیثِ الغابةِ المُرزمِ

وکیف أستسقی لکم رحمةً

وأنتمُ الرحمةُ للمجرمِ

وقال یرثی الإمام السبط المفدّی وأصحابه ، توجد فی الجزء الخامس من دیوانه (3):

هل أنت راثٍ لصبِّ القلبِ معمودِ

دَوِی الفؤادِ بغیرِ الخرّدِ الخودِ

ما شفّه هجرُ أحبابٍ وإن هجَروا

من غیر جرمٍ ولا خُلفِ المواعیدِ

وفی الجفونِ قذاةٌ غیرُ زائلةٍ

وفی الضلوع غرامٌ غیرُ مفقودِ

یا عاذلی لیس وجدٌ بتُّ أکتُمه

بین الحشا وجدَ تعنیفٍ وتفنیدِ

شربی دموعی علی الخدّین سائلةً

إن کان شربُکَ من ماءِ العناقیدِ

ونمْ فإنّ جفوناً لی مُسهّدةً

عُمْرَ اللیالی ولکن أیَّ تسهیدِ

وقد قضیت بذاک العذلِ مأربةً

لو کان سمعیَ عنه غیرَ مسدودِ

تلومنی لم تُصِبْک الیومَ قاذفتی

ولم یَعُدْکَ کما یعتادنی عیدی6.

ص: 387


1- أغببت : من الإغباب وهو ترک الشیء فترة.
2- المطر المثجم : الکثیر.
3- دیوان الشریف المرتضی : 1 / 436.

فالظلمُ عذلُ خلیِّ القلبِ ذا شجنٍ

وهجنةٌ لومُ موفورٍ لمجهودِ

کم لیلةٍ بتُّ فیها غیرَ مرتفقٍ

والهمُّ ما بین محلولٍ ومعقودِ

ما إن أحِنُّ إلیها وهی ماضیةٌ

ولا أقولُ لها مستدعیاً عودی

جاءت فکانت کعُوّارٍ علی بصرٍ

وزایلت کزیالِ المائد المودی (1)

فإن یودّ أُناسٌ صبحَ لیلِهمُ

فإنّ صبحیَ صبحٌ غیرُ مودودِ

عشیّةٌ هجمت منها مصائبُها

علی قلوبٍ عن البلوی محاییدِ

یا یومَ عاشورَ کم طأطأتَ من بصرٍ

بعد السموِّ وکم أذللتَ من جیدِ

یا یومَ عاشورَ کم أطردتَ لی أملاً

قد کان قبلَک عندی غیَر مطرودِ

أنت المرنِّقُ عیشی بعد صفوتِهِ

ومولج البیضِ من شیبی علی السودِ (2)

جُزْ بالطفوف فکم فیهنّ من جبلٍ

خرَّ القضاء به بین الجلامیدِ

وکم جریحٍ بلا آسٍ تمزّقُهُ

إمّا النسورُ وإمّا أضبُعُ البیدِ

وکم سلیبِ رماحٍ غیرِ مستترٍ

وکم صریعِ حِمامٍ غیرِ ملحودِ

کأنّ أوجهَهمْ بیضاً ملألأةً

کواکبٌ فی عِراصِ القَفرةِ السودِ

لم یطعموا الموتَ إلاّ بعد أن حطَموا

بالضربِ والطعنِ أعناقَ الصنادیدِ

ولم یدع فیهمُ خوفُ الجزاء غداً

دماً لتربٍ ولا لحماً إلی سِیدِ (3)

من کلِّ أبلجَ کالدینارِ تشهدُهُ

وسطَ الندیِّ بفضلٍ غیرِ مجحودِ

یغشی الهیاجَ بکفٍّ غیرِ منقبضٍ

عن الضرابِ وقلبٍ غیرِ مزؤودِ (4)

لم یعرفوا غیرَ بثِّ العرفِ بینهمُ

عفواً ولا طبعوا إلاّ علی الجودِ

یا آل أحمدَ کم تُلوی حقوقُکمُ

لیَّ الغرائبِ عن نبتِ القرادیدِ (5)ض.

ص: 388


1- المائد : المتحرک. المودی : المهلک.
2- المرنِّق : المکدِّر.
3- السیِّد : الذئب والأسد.
4- المزؤود : المذعور.
5- القرادید - جمع قردد - : ما ارتفع وغلظ من الأرض.

وکم أراکم بأجوازِ الفلا جُزُراً

مبدّدین ولکن أیَّ تبدیدِ

لو کان ینصفُکمْ من لیس ینصفُکمْ

ألقی إلیکم مطیعاً بالمقالیدِ

حُسدتمُ الفضلَ لم یُحرِزْهُ غیرُکمُ

والناسُ ما بین محرومٍ ومحسودِ

جاءوا إلیکم وقد أَعطَوا عهودَهمُ

فی فیلقٍ کزُهاء اللیلِ ممدودِ

مُستمرحینَ بأیدیهمْ وأرجلِهمْ

کما یشاءون رکضَ الضمّرِ القودِ

تهوی بهم کلُّ جرداءٍ مطهّمةٍ

هویّ سَجْلٍ من الأوذام مجدودِ (1)

مستشعرین لأطرافِ الرماحِ ومن

حدِّ الظبا أدرُعاً من نسجِ داودِ

کأنّ أصواتَ ضربِ الهامِ بینهمُ

أصواتُ دوحٍ بأیدی الریحِ مبدودِ

حمائمُ الأیکِ تبکیهمْ علی فننٍ

مرنّحٍ بنسیمِ الریحِ أُملودِ (2)

نوحِی فذاک هدیرٌ منکِ محتسبٌ

علی حسینٍ فتعدیدٌ کتغریدِ

أُحبّکمْ والذی طافَ الحجیجُ به

بمبتنی بإزاءِ العرشِ مقصودِ

وزمزمٍ کلّما قسنا مواردَها

أوفی وأربی علی کلِّ المواریدِ

والموقِفَیْنِ وما ضحّوا علی عجلٍ

عند الجمارِ من الکوم المقاحیدِ (3)

وکلّ نسکٍ تلقّاه القبولُ فما

أمسی وأصبحَ إلاّ غیرَ مردودِ

وأرتضی أنّنی قد متُّ قبلَکمُ

فی موقفٍ بالردینیّاتِ مشهودِ

جمّ القتیل فهاماتُ الرجالِ به

فی القاعِ ما بین متروکٍ ومحصودِ

فقلْ لآلِ زیادٍ أیُّ معضلةٍ

رکبتموها بتخبیبٍ وتخویدِ (4)

کیف استلبتمْ من الشجعانِ أمرَهمُ

والحربُ تغلی بأوغادٍ عرادیدِ (5)ق.

ص: 389


1- السجْل : الدلو العظیمة. الأوذام : جمع الوذمة ، وهی السیر بین آذان الدلو والخشبة المعترضة علیها. المجدود : المقطوع.
2- الأُملود : الناعم اللیّن.
3- الکوم - جمع الکوماء والأکوم - : الإبل الضخمة السنام. المقاحید - جمع المقحاد - : النیاق العظیمة السنام.
4- التخبیب والتخوید : الإسراع فی السیر.
5- العرادید - جمع العردید - : المنحرف عن القتال أو الطریق.

فرّقتمُ الشملَ ممّن لفَّ شملَکمُ

وأنتمُ بین تطریدٍ وتشریدِ

ومن أعزّکمُ بعد الخمولِ ومن

أدناکمُ من أمانٍ بعد تبعیدِ

لولاهمُ کنتمُ لحماً لمُزدرِدٍ

أو خلسةً لقصیر الباع معضودِ (1)

أو کالسقاءِ یبیساً غیرَ ذی بللٍ

أو کالخباء سقیطاً غیر معمودِ

أعطاکمُ الدهرُ ما لا بدَّ یرفعُهُ

فسالبُ العودِ فیها مورقُ العودِ

فلا شربتم بصفوٍ لا ولا علِقَتْ

لکم بنانٌ بأزمانٍ أراغیدِ

ولا ظفِرتمْ وقد جُنّتْ بکم نُوَبٌ

مقلقلاتٌ بتمهیدٍ وتوطیدِ

وحوّلَ الدهرُ ریّاناً إلی ظماً

منکم وبدّل محدوداً بمجدودِ (2)

قد قلتُ للقومِ حطّوا من عمائمِهمْ

تحقّقاً بمصاب السادة الصیدِ

نوحوا علیهِ فهذا یومُ مصرعِهِ

وعدِّدوا إنّها أیّامُ تعدیدِ

فلی دموعٌ تُباری القطرَ واکفةٌ

جادت وإن لم أقل یا أدمعی جودی

وقال یذکر مصرع جدِّه الإمام السبط علیه السلام ، یوجد فی الجزء الأوّل من دیوانه (3):

أأُسقی نمیرَ الماءِ ثمّ یلذُّ لی

ودورُکمُ آلَ الرسول خلاءُ

وأنتم کما شاء الشتاتُ ولستمُ

کما شئتمُ فی عیشةٍ وأشاءُ

تُذادون عن ماءِ الفراتِ وکارعٌ

به إبلٌ للغادرین وشاءُ

تنشّر منکمْ فی القواء معاشرٌ

کأنّهمُ للمبصرین مُلاءُ (4)

ألا إنّ یوم الطفِّ أدمی محاجراً

وأودی قلوباً ما لهنّ دواءُ

وإنّ مصیباتِ الزمانِ کثیرةٌ

ورُبّ مصابٍ لیس منه عزاءُض.

ص: 390


1- المعضود : قصیر العضد ؛ کنایةً عن الضعف.
2- المحدود : المحروم. المجدود : الغنیّ.
3- دیوان الشریف المرتضی : 1 / 159.
4- القواء : القفر الخالی من الأرض.

أری طخیةً فینا فأین صباحُها

وداءً علی داءٍ فأین شفاءُ

وبین تراقینا قلوبٌ صدیّةٌ

یُراد لها لو أُعطِیَتْه جلاءُ

فیا لائماً فی دمعتی ومفنِّداً

علی لوعتی واللومُ منه عناءُ

فما لک منّی الیوم إلاّ تلهّفی

وما لک إلاّ زفرةٌ وبکاءُ

وهل لیَ سلوانٌ وآلُ محمدٍ

شریدهمُ ما حان منه ثواءُ

تُصَدُّ عن الروحات أیدی مطیِّهم

ویزوی عطاءٌ دونهم وحباءُ

کأنّهمُ نسلٌ لغیر محمدٍ

ومن شعبِهِ أو حزبِهِ بُعداءُ

فیا أنجماً یهدی إلی اللهِ نورُها

وإن حالَ عنها للغبیّ غباءُ

فإن یکُ قومٌ وصلةً لجهنمٍ

فأنتم إلی خلدِ الجِنانِ رشاءُ

دعوا قلبیَ المحزونَ فیکمْ یهیجُهُ

صباحٌ علی أُخراکمُ ومساءُ

فلیس دموعی من جفونی وإنّما

تقاطرنَ عن قلبی فهنّ دماءُ

إذا لم تکونوا فالحیاة منیّةٌ

ولا خیر فیها والبقاءُ فناءُ

وأمّا شقیتمْ بالزمانِ فإنّما

نعیمی إذا لم تلبسوه شقاءُ

لحی اللهُ قوماً لم یجازوا جمیلَکمْ

لأنّکمُ أحسنتمُ وأساءوا

ولا انتاشهم عند المکاره منهضٌ

ولا مسّهمْ یومَ البلاءِ جزاءُ

سقی اللهُ أجداثاً طُوِینَ علیکمُ

ولا زالَ منهلاّ بهنّ رواءُ

یسیر إلیهنّ الغمامُ وخلفَهُ

زماجرُ من قعقاعِهِ وحداءُ

کأنّ بوادیه العشارُ تروّحتْ

لهنّ حنینٌ دائمٌ ورُغاءُ

ومن کان یسقی فی الجنان کرامةً

فلا مسّه من ذی السحائب ماءُ

وقال یرثیه - صلوات الله علیه - یوم عاشوراء ، توجد فی الجزء السادس من دیوانه (1):

یا یومُ أیُّ شجیً بمثلِکَ ذاقَهُ

عُصَبُ الرسولِ وصفوةُ الرحمنِ0.

ص: 391


1- دیوان الشریف المرتضی : 2 / 560.

جرّعتَهمْ غُصَصَ الردی حتی ارتوَوا

ولذعتَهمْ بلواذعِ النیرانِ

وطرحتهمْ بدداً بأجوازِ الفلا

للذئبِ آونةً وللعقبانِ

عافوا القرارَ ولیس غیرُ قرارِهمْ

أو بردِهمْ موتاً بحدِّ طعانِ

مُنعوا الفراتَ وصُرِّعوا من حوله

من تائقٍ للورد أو ظمآنِ

أوَما رأیتَ قِراعَهم ودفاعَهم

قِدْماً وقد أُعْرُوا من الأعوانِ

متزاحمین علی الردی فی موقفٍ

حُشِیَ الظبا وأسنّةَ المرّانِ

ما إن به إلاّ الشجاعُ وطائرٌ

عنه حذارَ الموتِ کلُّ جبانِ

یومٌ أذلَّ جماجماً من هاشمٍ

وسری إلی عدنانَ بل قحطانِ

أرعی جمیمَ الحقِّ فی أوطانهمْ

رعیَ الهشیمِ سوائمُ العدوانِ

وأنار ناراً لا تبوخ وربّما

قد کان للنیرانِ لونُ دخانِ

وهو الذی لم یُبقِ فی دینٍ لنا

بالغدرِ قائمةً من البنیانِ

یا صاحبیّ علی المصیبة فیهمُ

ومشارکیّ الیوم فی أحزانی

قوما خُذا نارَ الصلا من أضلعی

إن شئتما والنار من أجفانی

وتعلّما أنّ الذی کتّمتُهُ

حذرَ العدی یأبی عن الکتمانِ

فلو انّنی شاهدتهم بین العدی

والکفرُ مُعْلَوْلٍ علی الإیمان

لخضبتُ سیفی من نجیعِ عدوِّهم

ومحوتُ من دمهمْ حُجول حصانی

وشفیت بالطعنِ المبرِّح بالقنا

داءَ الحقود ووعکةَ الأضغانِ

ولَبعتُهم نفسی علی ضننٍ بها

یومَ الطفوفِ بأرخص الأثمانِ

وقال یرثی جدّه الإمام السبط المفدّی یوم عاشوراء سنة (413) ، توجد فی الجزء الثالث من دیوانه (1):

لک اللیلُ بعد الذاهبین طویلا

ووفدُ همومٍ لم یردن رحیلا1.

ص: 392


1- دیوان الشریف المرتضی : 2 / 311.

ودمعٌ إذا حبّستَهُ عن سبیلِهِ

یعود هتوناً فی الجفون هطولا

فیا لیتَ أسرابَ الدموعِ التی جرت

أَسَوْنَ کلیماً أو شَفَیْنَ غلیلا

أُخالُ صحیحاً کلَّ یومٍ ولیلةٍ

ویأبی الجوی ألاّ أکونَ علیلا

کأنّی وما أحببت أهوی ممنّعاً

وأرجو ضنیناً بالوصال بخیلا

فقل للذی یبکی نُؤیّا ودمنةً

ویندب رسماً بالعراء محیلا

عدانی دمٌ لی طُلَّ بالطفِّ أن أُری

شجیّا أُبکّی أربُعاً وطلولا

مصابٌ إذا قابلت بالصبرِ غربَهُ

وجدت کثیری فی العزاءِ قلیلا

ورزءٌ حملتُ الثقلَ منه کأنّنی

مدی الدهر لم أحمل سواه ثقیلا

وجدتم عداةَ الدینِ بعد محمدٍ

إلی کلمِهِ فی الأقربین سبیلا

کأنّکمُ لم تنزعوا بمکانِهِ

خشوعاً مبیناً فی الوری وخمولا

وأیّکمُ ما عزّ فینا بدینِهِ

وقد عاش دهراً قبل ذاک ذلیلا

فقل لبنی حربٍ وآلِ أُمیّةٍ

إذا کنتَ ترضی أن تکون قؤولا

سللتمْ علی آل النبیّ سیوفَهُ

مُلئِنَ ثلوماً فی الطلی وفلو لا

وقدتم إلی من قادکم من ضلالِکمْ

فأخرجَکمْ من وادییه خیولا

ولم تغدروا إلاّ بمن کان جدُّهُ

إلیکم لتحظَوا بالنجاةِ رسولا

وترضون ضدَ الحزمِ إن کان ملککُمْ

ضئیلاً ودیناً دنتمُ لهزیلا

نساءُ رسولِ اللهِ عُقْرَ دیارِکمْ

یرجِّعنَ منکم لوعةً وعویلا

لهنّ ببوغاءِ الطفوفِ أعزّةٌ

سُقوا الموتَ صِرفاً صبیةً وکهولا

کأنّهمُ نوّار روضٍ هوتْ به

ریاحٌ جَنوباً تارةً وقَبولا

وأنجمُ لیلٍ ما علونَ طوالعاً

لأعینِنا حتی هبطنَ أُفولا

فأیّ بدورٍ ما مُحین بکاسفٍ

وأیّ غصونٍ ما لقینَ ذبولا

أمن بعد أن أعطیتموه عهودَکمْ

خِفافاً إلی تلک العهودِ عُجولا

رجعتمْ عن القصدِ المبینِ تناکصا

وحُلتمْ عن الحقِّ المنیرِ حؤولا

ص: 393

وقعقعتمُ أبوابَهُ تختلونَه

ومن لم یُرِدْ ختلاً أصابَ خُتولا

فما زلتمُ حتی أجابَ نداءَکمْ

وأیُّ کریمٍ لا یُجیبُ سَؤولا

فلمّا دنا ألفاکمُ فی کتائبٍ

تطاولنَ أقطارَ السباسبِ طولا

متی تکُ منها حجزةٌ أو کحجزةٍ

سمعت رغاءً مُصعقاً وصهیلاً

فلم یَرَ إلاّ ناکثاً أو منکّباً

وإلاّ قطوعاً للذمام حلولا

وإلاّ قعوداً عن لمامٍ بنصره

وإلاّ جبوهاً بالردی وخذولا

وضغنَ شفافٍ هبَّ بعد رقادِهِ

وأفئدةً ملأی یفضن ذحولا

وبیضاً رقیقاتِ الشفارِ صقیلةً

وسمراً طویلاتِ المتونِ عسولا

فلا أنتمُ أفرجتمُ عن طریقِهِ

إلیکمْ ولا لمّا أراد قفولا

عزیزٌ علی الثاوی بطیبةَ أعظمٌ

نُبِذْنَ علی أرضِ الطفوفِ شکولا

وکلُّ کریمٍ لا یلمُّ بریبةٍ

فإن سیمَ قولَ الفحشِ قال جمیلا

یُذادون عن ماءِ الفراتِ وقد سُقوا ال

شهادةَ من ماءِ الفراتِ بدیلا

رموا بالردی من حیث لا یحذرونه

وغروا وکم غر الغفول غفولا

أیا یومَ عاشوراء کمْ بفجیعةٍ

علی الغرِّ آل الله کنتَ نَزولا

دخلتَ علی أبیاتِهمْ بمصابِهمْ

ألا بئسما ذاک الدخولُ دخولا

نزعتَ شهیدَ اللهِ منّا وإنّما

نزعتَ یمیناً أو قطعتَ تلیلا

قتیلاً وجدنا بعده دینَ أحمدٍ

فقیداً وعزَّ المسلمین قتیلا

فلا تبخسوا بالجورِ من کان ربُّهُ

برجع الذی ناؤعتموه کفیلا

أُحبّکمُ آلَ النبیِّ ولا أری

وکم عذلونی عن هوای عدیلا

وقلتُ لمن یلحی علی شغفی بکمْ

وکم غیرِ ذی نصحٍ یکون عذولا

رویدکمُ لا تنحلونی ضلالکم

فلن تُرحلوا منّی الغداةَ ذَلولا

علیکم سلامُ اللهِ عیشاً ومیتةً

وسفراً تطیعون النوی وحلولا

فما زاغ قلبی عن هواکم وأخمصی

فلا زلَّ عمّا ترتضون زلیلا

ص: 394

وقال فی الموعظة والاعتبار ، توجد فی الجزء السادس من دیوانه (1):

لا تقربنَّ عَضیهةً

إنّ العضائهَ مخزیاتُ

واجعل صلاحَکَ سرمداً

فالصالحاتُ الباقیاتُ

فی هذه الدنیا ومن

فیها لنا أبداً عِظاتُ

إمّا صروفٌ مقبلا

تٌ أو صروفٌ مدبراتُ

وحوادث الأیّام فی

-نا آخذاتٌ معطیاتُ

والذلُّ موتٌ للفتی

والعزُّ فی الدنیا الحیاةُ

والذخرُ فی الدارین إمّا

طاعةٌ أو مأثراتُ

یا ضیعةً للمرء تدعوه

إلی الهلک الدعاةُ

تغترُّه حتی یزور

شعابَهنّ الطیِّباتُ

عِبَرٌ تمرُّ وما لها

منّا عیونٌ مبصراتُ

أین الأُلی کانوا بأی

-دینا حصولاً ثمّ ماتوا

من کلِّ من کانت له

ثمراتُ دجلةَ والفراتُ

ما قیل نالوا فوق ما

یهوون حتی قیل فاتوا

لم یغنِ عنهمْ حین همّ

بهم حِمامُهُمُ الحماةُ

کلاّ ولا بیضٌ وسم

-رٌ عاریاتٌ مشرعاتُ

نطقوا زماناً ثمّ لی

-س لنطقهم إلاّ الصماتُ

وکأنَّهم بقبورِهم

سبتوا وما بهمُ سُباتُ

من بعد أن رکبوا قَرا

سُرُرٍ وجُردٍ هُمْ رفاتُ

سلموا علی صلح الأسنّة

والظبا لما استماتوا

ونجوا من الغمّاء لمّا

قیل لیس لهم نجاةُ1.

ص: 395


1- دیوان الشریف المرتضی : 1 / 271.

فی موقفٍ فیه الصوا

رم والذوابل والکماةُ

وأتاهمُ من حیث لم

یخشوا لِحَیْنِهُمُ المماتُ

وطوتهمُ طیَّ البرو

د لهم قبورٌ مظلماتُ

فهمُ بها مثل الهشی

-م تعیثُ فیها العاصفاتُ

شُعثٌ وسائدُهم بها

من غیر تکرمةٍ علاةُ

قل للذین لهم إلی

الدنیا دواع مسمعاتُ

وکأنّهم لم یسمعوا

ما ذا تقول الناعیاتُ

أو ما تقول لهم إذا اج

-تازوا الدیارُ الخالیاتُ

فالضاحکاتُ وقد نعِم

-نَ بهنّ هنّ الباکیاتُ

حتی متی وإلی متی

تأوی عیونکم السناتُ

کم ذا تفرِّجُ عنکمُ

أبدَ الزمانِ الموعظاتُ

کم ذا وُعظتم لو تکو

نُ لکم قلوبٌ مصغیاتُ

لکمُ عقولٌ معرضا

تٌ أو عیونٌ عاشیاتُ

عُجْ بالدیارِ فنادِها

أینَ الجبالُ الراسیاتُ

أین العصاةُ علی المکا

رمِ للعواذلِ والأُباةُ

تجری المنایا من روا

جبهمْ جمیعاً والصلاتُ (1)

وإذا لَقَوا یوم الوغی

أقرانَهمْ کانت هناةُ

والدهرُ طوعَ یمینِهمْ

وهمُ علی الدنیا الولاةُ

أعطاهمُ متبرِّعاً

ثمّ استردَّ فقال هاتوا

کانت جمیعاً ثمّ مزّق

شملَ بینِهمُ الشتاتُ

فأکفُّهمْ من بعد أن

سُلِبوا المواهبَ مقفراتُ

وسیوفُهمْ ورماحُهمْ

منبوذةٌ والضامراتُ

أمِنوا الصباحَ وما لهم

علمٌ بما یجنی البیاتُع.

ص: 396


1- الرواجب : مفاصل أصول الأصابع.

ورماهمُ فأصابهمْ

داءٌ تعزُّ له الرُّقاةُ

وسهامُ أقواسِ المنو

ن الصائباتُ المصمِیاتُ

مات الندی من بیننا

بمماتِهمْ والمکرماتُ

وقال یرثی الشیخ الأکبر - شیخنا المفید - محمد بن محمد بن نعمان المتوفّی فی رمضان (413) ، توجد فی الجزء الثالث من دیوانه (1):

من علی هذه الدیار أقاما

أو ضفا ملبسٌ علیه وداما

عُج بنا نندبِ الذین تولّوا

باقتیادِ المنونِ عاماً فعاما

فارقونا کهلاً وشیخاً وهِمّا

وولیداً وناشئاً وغلاما

وشحیحاً جَعْدَ الیدینِ بخیلاً

وجواداً مخوّلاً مِطعاما

سکنوا کلَّ ذروةٍ من أشمٍ

یحسر الطرفَ ثمّ حَلّوا الرغاما

یا لحی اللهُ مهملاً حسِبَ الده

-رَ نئومَ الجفون عنه فناما

وکأنّی لمّا رأیتُ بنی الده

-رِ غفولاً رأیتُ منهم نیاما

أیّها الموتُ کم حططتَ علیّا

سامیَ الطرف أو جببتَ سناما

وإذا ما حدرت خَلفاً وظنّوا

نجوةً من یدیک کنت أماما

أنت ألحقتَ بالذکیِّ غبیّا

فی اصطلامٍ وبالدنیِّ هُماما

أنتَ أفنیتَ قبل أن تأخذ الأب

-ناء منّا الآباء والأعماما

ولقد زارنی فأرّق عینی

حادثٌ أقعد الحجا وأقاما

حدتُ عنه فزادنی حیدی عن

-ه لصوقاً بدائِهِ والتزاما

وکأنّی لما حملت به الثق

-ل تحمّلت یذبلاً وشماما

فخذ الیوم من دموعی وقد کنَ

جموداً علی المصاب سجاما

إنّ شیخَ الإسلامِ والدینِ والعل

-م تولّی فأزعجَ الإسلاما

والذی کان غرّةً فی دُجی الأیّا

م أودی فأوحشَ الأیّاما8.

ص: 397


1- دیوان الشریف المرتضی : 2 / 438.

کم جلوتَ الشکوکَ تعرضُ فی نصِ

وصیٍّ وکم نصرتَ إماما

وخصومٍ لدٍّ ملأتَهمُ بال

-حقِّ فی حومةِ الخصامِ خصاما

عاینوا منکَ مصمیاً ثغرة النح

-ر وما أرسلتْ یداک سهاما

وشجاعاً یفری المراءَ وما کلُ

شجاعٍ یفری الطلی والهاما

من إذا مالَ جانبٌ من بناءِ

الدین کانت له یداه دعاما

وإذا ازورَّ جائرٌ عن هداهُ

قادَهُ نحوه فکانَ زِماما

من لفضلٍ أخرجتَ منه خبیئاً

ومعانٍ فضضتَ عنها خِتاما

من لسوءٍ میّزت عنه جمیلاً

وحلالٍ خلّصتَ منه حراما

من یُنیر العقولَ من بعد ما کنَ

هموداً وینتج الأفهاما

من یُعیرُ الصدیقَ رأیاً إذا ما

سلّه فی الخطوبِ کان حساما

فامضِ صفراً من العیوب وکم با

ن رجالٌ أَثْرَوا عیوباً وذاما

إنّ خلداً أوضحتَ عاد بهیماً

وصباحاً أطلعتَ صارَ ظلاما

وزلالاً أوردتَ حالَ أُجاجاً

وشفاءً أورثت آلَ سِقاما

لن ترانی وأنتَ من عدد الأموا

ت إلا تجمّلاً بسّاما

وإذا ما اختُرِمتَ منّی فما أر

هبُ فی سائرِ الأنامِ اختراما

إن تکن مجرماً ولستَ فقدْ وا

لیتَ قوماً تحمّلوا الأجراما

لهمُ فی المعاد جاهٌ إذا ما

بسطوه کفی وأغنی الأناما

لا تخفْ ساعة الجزاء وإن خا

فَ أُناسٌ فقد أخذتَ ذِماما

أودعَ اللهُ ما حللْتَ من البَیْ

-داءِ فیه الإنعامَ والإکراما

ولوی عنهُ کلَّ ما عاقه التر

بُ ولا ذاق فی الزمانِ أُواما

وقضی أن یکون قبرُکَ للرح

-مة والأمنِ منزلاً ومقاما

وإذا ما سقی القبورَ فروّا

ها رهاماً سقاکَ منه سلاما

رَحِمَ اللهُ مَعشَرَ الماضین

والسلامُ علی مَنِ اتَّبَعَ الهُدی

ص: 398

40 - أبو علی البصیر

المتوفّی (442)

سبحان من لیس فی السماء ولا

فی الأرض ندٌّ له وأشباهُ

أحاطَ بالعالمینَ مقتدراً

أشهدُ أن لا إله إلاّ هُو

وخاتمُ المرسلین سیّدنا

أحمدُ ربُّ السماء سمّاهُ

أشرقتِ الأرضُ یومَ بعثتهِ

وحصحصَ الحقُّ من محیّاهُ

إختار یومَ الغدیرِ حیدرةً

أخاً له فی الوری وآخاهُ

وباهلَ المشرکینَ فیه وفی

زوجتِهِ یقتفیهما ابناهُ

هم خمسةٌ یُرحم الأنامُ بهمْ

ویستجابُ الدُّعا ویُرجاهُ (1)

الشاعر

أبو علی البصیر - الضریر - الحسن بن المظفّر النیسابوریّ المحتد ، الخوارزمیّ المولد ، ذکره ابن شهرآشوب (2) من المتّقین من شعراء أهل البیت علیهم السلام وذکره أبو أحمد 2.

ص: 399


1- هذه الأبیات ذکرها العلاّمة السماویّ فی الجزء الأوّل من کتابه الطلیعة فی شعراء الشیعة لأبی علیّ الضریر. وذکر الحموی منها [فی معجم الأدباء : 9 / 192] أربعة أبیات ونسبها إلی ولده عمر أبی حفص ، والله العالم. (المؤلف)
2- معالم العلماء : ص 152.

محمود بن أرسلان فی تاریخ خوارزم وبالغ فی الثناء علیه وقال :

کان مؤدِّب أهل خوارزم فی عصره ومخرِّجهم وشاعرهم ومقدّمهم والمشار إلیه منهم ، له کتاب تهذیب دیوان الأدب ، وکتاب إصلاح المنطق ، وکتاب ذیل تتمّة الیتیمة ، ودیوان شعره فی مجلّدین ، ودیوان رسائله ، وکتاب محاسن من اسمه الحسن ، وکتاب زیادات أخبار خوارزم. ومن شعره قوله :

أهلاً بعیشٍ کان جِدّ مواتِ (1)

أحیا من اللّذات کلَّ مَواتِ

أیّام سربُ الإنسِ غیرُ منفّرٍ

والشملُ غیرُ مروّعٍ بشتاتِ

عیشٌ تحسّر (2) ظلّه عنّا فما

أبقی لنا شیئاً سوی الحسراتِ

ولقد سقانی الدهرُ ماءَ حیاتِهِ

والآن یسقینی دمَ الحیّاتِ

لهفی لأحرارٍ مُنیت ببُعدهمْ

کانوا علی غِیَر الزمانِ ثقاتی

قد زالتِ البرکاتُ عنّی کلُّها

بزیالِ سیّدِنا أبی البرکاتِ

رکنُ العلی والمجدِ والکرم الذی

قد فاتَ فی الحلباتِ أیَّ فواتِ

فارقتُ طلعتَهُ المنیرةَ مکرَهاً

فبقیتْ کالمحصورِ فی الظلماتِ

أُضحی وأُمسی صاعداً زفراتی

لفراقِهِ متحدِّراً عبراتی

وله قوله فی المدیح :

جبینُک الشمسُ فی الأَضواءِ والقمرُ

یمینُکَ البحرُ فی الإرواءِ والمطرُ

وظلّکَ الحرمُ المحفوظُ ساکنُهُ

وبابُکَ الرکنُ للقصّادِ والحجَرُ

وسَیْبُک الرزقُ مضمونٌ لکلِّ فمٍ

وسیفُکَ الأجل الجاری به القدَرُ

أنت الهمامُ بل البدرُ التمامُ بل الس

-یفُ الحسامُ بل الصارمُ الذکرُ

وأنت غیثُ الأنامِ المستغاثُ به

إذا أغارتْ علی أبنائِها الغِیَرُف)

ص: 400


1- أی مطاوع وموافق ، من واتی مواتاة ووتاء [معجم الأدباء : 9 / 192]. (المؤلف)
2- الحسر : الکشف. تحسّر : تکشّف. (المؤلف)

وله فی الغزل :

أریّا شمالٍ أم نسیمٌ من الصَّبا

أتانا طُروقاً أم خیالٌ لزینبا

أم الطالعُ المسعود طالعَ أرضَنا

فأطلعَ فیها للسعادةِ کوکبا

قال أبو علی - المترجَم - : رأیت ابن هودار فی المنام بعد موته فقلت له :

لقد تحوّلتَ من دارٍ إلی دارِ

فهل رأیت قراراً یا ابن هودارِ

قال : فأجابنی :

لا بل وجدتُ عذاباً لا انقطاعَ له

مدی اللیالی وربّا غیر غفّارِ

ومنزلاً مظلماً فی قعرٍ هاویةٍ

قُرِنتُ فیها بکفّارٍ وفُجّارِ

فقل لأهلیَ موتوا مسلمین فما

للکافرین لدی الباری سوی النارِ

وولده أبو حفص عمر کان فقیهاً فاضلاً أدیباً ، توفّی فی شعبان سنة اثنتین وثلاثین وخمسمائة (1). ف)

ص: 401


1- معجم الأدباء : 9 / 191 - 198 من الطبعة الأخیرة. (المؤلف)

ص: 402

41 - أبو العلاء المعرّی

المولود (363)

المتوفّی (449)

أدنیای اذهبی وسوای أُمِّی

فقد ألممت لیتکِ لم تلمّی

وکان الدهر ظرفاً لا لحمدٍ

تُؤهِّلُهُ العقولُ ولا لذَمِ

وأحسبُ سانحَ الأزمیمِ نادی

ببینِ الحیِّ فی صحراءِ ذمِّ (1)

إذا بکرٌ جنی فتوقَّ عمراً

فإنّ کلیهما لأبٍ وأُمِ

وخف حیوانَ هذی الأرضِ واحذرْ

مجیءَ النطحِ من رُوقٍ وجُمِّ (2)

وفی کلِّ الطباعِ طباع نُکرٍ

ولیس جمیعُهن ذواتِ سُمِ

وما ذنبُ الضراغمِ حین صِیغتْ

وصُیِّر قوتُها ممّا تدمّی

فقد جُبِلَت علی فرْسٍ وضرسٍ

کما جُبِلَ الوفود علی التنمِّی

ضیاءٌ لم یَبِنْ لعیونِ کُمْهٍ (3)

وقولٌ ضاعَ فی آذانِ صمِ

لعمرک ما أُسَرُّ بیوم فطرٍ

ولا أضحی ولا بغدیرِ خُمِ

وکم أبدی تشیّعَهُ غَویٌ

لأجل تنسّبٍ ببلاد قمًِ.

ص: 403


1- أزمیم : لیلة من لیالی المحاق ، والهلال إذا دق فی آخر الشهر واستقوس. ذمّ : الهلاک [فی المصدر : صحراءِ زمِّ ، وهی موضع ببلاد بنی ربیعة]. (المؤلف)
2- الروق : القرن من کلّ ذی قرن. جم - جمع الأجم - : الکبش لا قرن له. (المؤلف)
3- الکُمْه - جمع أکمه - : الذین یولدون عُمیاً.

ما یتبع الشعر والشاعر

هذه الأبیات من قصیدة لأبی العلاء توجد فی لزوم ما لا یلزم (1) (2 / 318) قال شارحه المصری : غدیر خم ، بین المدینة ومکّة علی ثلاثة أمیال من الجحفة یسرة عن الطریق ، ویشیر أبو العلاء بقوله : ولا أضحی ، إلی التشیّع لعلیّ ، ففیه قال النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم لعلیٍّ رضی الله عنه منصرفه من حجّة الوداع : «من کنت مولاه فعلیٌّ مولاه ، اللهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه» ، والشیعة یقصدون هذا المکان ، ولذلک قال شاعرهم :

ویوماً بالغدیر غدیر خمّ (2)

أبان له الولایة لو أُطیعا

کان حقّا علینا أن ننوّه بذکر هذه الأبیات فی الجزء الأوّل عند ذکر عید الغدیر.

کما کان لنا أن نذکر کلام من علّق علیها فی طبقات رواة حدیث الغدیر ، فإذ فاتنا العثور علیها هناک استدرکناه هاهنا.

وقد کثر المترجمون لأبی العلاء المعرّی حتی عاد أمره ورفعة مقامه فی الأدب من أجلی الواضحات ، وإنّ دیوانه بمفرده أجلُّ شاهد علی نبوغه.

وأوسع تراجمه وأحسنها ما ألّفه الصاحب کمال الدین عمر بن أحمد بن العدیم الحلّی المتوفّی (660) وسمّاه کتاب الإنصاف والتحرّی فی دفع الظلم والتجرّی ف)

ص: 404


1- لزوم ما لا یلزم : 2 / 461.
2- هذا البیت من هاشمیّات الکمیت وفیه تصحیف ، والصحیح کما مرّ فی الجزء الثانی : ص 180. ویوم الدوح دوحِ غدیرِ خمّ أبان له الولایة لو أُطیعا (المؤلف)

عن أبی العلاء المعرّی وقد طبع ملخّصه فی الجزء الرابع من تاریخ حلب (1) (4 / 77 - 180). وإلیک فهرسته :

ذکر نسبه وترجمة رجال أسرته

80 - 101

مولده ومنشأه وعماه

101 - 104

اشتغاله بالعلم ومشایخه

104 - 106

الرواة عنه والقرّاء علیه وکتّابه

106 - 113

تآلیفه ورسائله وهی تربو علی (65) رسالة

113 - 125

رحلته إلی بغداد وعوده إلی معرّة

125 - 132

ذکاؤه وفطنته

132 - 144

حرمته عند الملوک والخلفاء والأمراء

144 - 151

کرمه وجوده علی قلّة ماله

151 - 153

إباء نفسه وعفّتها

153 - 154

فصلٌ من کتابه الفصول والغایات

154 - 158

أبو العلاء عند الملوک

158 - 163

ذکر من قال بفساد عقیدته ودلائله علیه

163 - 166

ذکر من قال بصحّة عقیدته

166

ذکر وفاته ومراثیه

166 - 169

القول الفصل فی حسن اعتقاده والشواهد علیه

169 - 1803.

ص: 405


1- إعلام النبلاء بتاریخ حلب الشهباء : 4 / 78 - 172 رقم 63.

ص: 406

42 - المؤیّد فی الدین

المتوفّی (470)

- 1 -

قال والرحل للسری محمولُ

حُقَّ منک النوی وجدَّ الرحیلُ

وعدا الهزلُ فی القطیعة جِدّا

ما کذا کان منک لی المأمولُ

قلتُ والقلبُ حسرةً یتقلّی

وعلی الخدِّ دمعُ عینی یسیلُ

بأبی أنت ما اقتضی البینُ إلاّ

قدرٌ ثمّ عهدُک المستحیلُ

کمْ وکمْ قلت خلِّنی یا خلیلی

من جفاءٍ منه الجبال تزولُ

إنّما أمرُه لدیک خفیفٌ

وهو ثقلٌ علی فؤادی ثقیلُ

إنّک السالمُ الصحیحُ وإنّی

من غرامٍ بک الوقیذُ العلیلُ (1)

قال قد مرَّ ذا فهل من مُقامٍ

عندنا قلتُ ما إلیه سبیلُ

قال إنّی لدی مُرادِکَ باقٍ

قلت ما إن تفی بما قد تقولُ

قال أضرمتَ فی الحشا نارَ شوقٍ

حرُّ أنفاسِها علیها دلیلُ

قلتُ حسبی الذی لقیتُ هواناً

فلقاءُ الهوانِ عندی یهولُ

فقبیحٌ بیَ التصابی وهذا

عسکرُ الشیب فوقَ رأسی نزولُف)

ص: 407


1- الوقیذ : الشدید المرض ، المشرف علی الموت. (المؤلف)

إنّ أمرَ المعاد أکبرُ همّی

فاهتمامی بما عداهُ فضولُ

کثر الخائضون بحرَ ظلامٍ

فیه والمؤنسو الضیاءِ قلیلُ

قال قومٌ قُصری الجمیعِ التلاشی

فئةٌ منتهاهمُ التعطیلُ

وادّعی الآخرون نسخاً وفسخاً

ولهم غیرُ ذاک حشوٌ طویلُ

وأبوا بعد هذه الدارِ داراً

نحوها کلُّ من یؤولُ یَئولُ

لم یروا بعدها مَقامَ ثوابٍ

وعقابٍ لهم إلیه وُصولُ

فالمثابون عندهم مُترفوهمْ

ولذی الفاقة العذابُ الوبیلُ

قال قومٌ وهم ذوو العدد الج

-مِّ لنا الزنجبیل والسلسبیلُ

ولنا بعد هذه الدارِ دارٌ

طابَ فیها المشروب والمأکولُ

ولکلٍّ من المقالاتِ سوقٌ

وإمامٌ ورایةٌ ورَعیلُ

ما لهم فی قَبیل عقلٍ کلامٌ

لا ولا فی حِمَی الرشاد قَبولُ

أمّةٌ ضیّع الأمانةَ فیها

شیخُها الخاملُ الظلومُ الجهولُ

بئس ذاک الإنسانُ فی زُمرِ الأنسِ

وشیطانُه الخَدوعُ الخذولُ

فهم التائهون فی الأرضِ هُلْکاً

عقدُ دینِ الهُدی بهم محلولُ

نکسوا ویلَهمْ ببابلَ جهراً

جُملٌ ذا وراءها تفصیلُ

مُنعوا صفوَ شربةٍ من زُلالٍ

لیس إلاّ بذاک یشفی الغلیلُ

ملّکوا الدین کلّ أنثی وخُنثی

وضعیفٍ بغیر بأسٍ یصولُ

إلی أن قال :

لو أرادوا حقیقةَ الدینِ کانوا

تبعاً للذی أقامَ الرسولُ

وأتت فیه آیةٌ النصِّ بلِّغ

یوم خمٍّ لمّا أتی جبریلُ

ذاکمُ المرتضی علیٌّ بحقٍ

فبعلیاهُ ینطقُ التنزیلُ

ذاک برهان ربِّه فی البرایا

ذاکَ فی الأرضِ سیفُهُ المسلولُ

فأطیعوا جحداً أُولی الأمر منهم

فلهم فی الخلائق التفضیلُ

ص: 408

أهل بیتٍ علیهمُ نزل الذک

-رُ وفیه التحریمُ والتحلیلُ

هم أمانٌ من العمی وصراطٌ

مستقیمٌ لنا وظِلٌّ ظلیلُ

القصیدة (67) بیتاً (1)

- 2 -

وله من قصیدة ذات (51) بیتاً ، توجد فی دیوانه (ص 245) ، أوّلها :

نسیمَ الصَّبا ألمِمْ بفارس غادیا

وأبلغ سلامی أهلَ وُدّی الأزاکیا

یقول فیها :

فلهفی علی أهلی الضعافِ فقد غدوا

لِحدِّ شفارِ النائبات أضاحیا

فیا لیت شِعری مَن یُغیثُ صریخَهمْ

إذا ما شکوا للحادثاتِ العوادیا

ویا لیت شعری کیف قد أدرک العدی

بتفریق ذاتِ البینِ فینا المباغیا

أإخوانَنا صبراً جمیلاً فإنّنی

غدوتُ بهذا فی رضا اللهِ راضیا

وفی آلِ طه إن نُفیتُ فإنّنی

لأعدائِهم ما زلتُ والله نافیا

فما کنتُ بدعاً فی الأُلی فیهم نُفوا

ألا فخر أن أغدو لجندبَ ثانیا

لئن مسّنی بالنفی قَرحٌ فإنّنی

بلغتُ به فی بعضِ همّی الأمانیا

فقد زُرتُ فی کوفانَ للمجدِ قبّةً

هی الدینُ والدنیا بحقٍّ کما هیا

هی القبّةُ البیضاءُ قبّةُ حیدرٍ

وصیِّ الذی قد أرسلَ اللهُ هادیا

وصیّ النبیّ المصطفی وابنِ عمِّه

ومن قام مولی فی الغدیرِ ووالیا

ومَن قال قومٌ فیه قولاً مُناسباً

لقول النصاری فی المسیح مُضاهیا

فیا حبّذا التطوافُ حولَ ضریحِهِ

أُصلّی علیه فی خشوعٍ توالیا

ووا حبّذا تعفیرُ خدّیَّ فوقَه

ویا طیبَ إکبابی علیهِ مناجیاف)

ص: 409


1- دیوان المؤیّد : ص 215 - 218. (المؤلف)

أُناجی وأشکو ظالمی بتحرّقٍ

یثیرُ دموعاً فوق خدّی جواریا

وقد زرت مثوی الطهرِ فی أرضِ کربلا

فدَتْ نفسیَ المقتولَ عطشانَ صادیا

القصیدة

- 3 -

وله من قصیدة ذات (60) بیتاً توجد فی دیوانه (ص 256) ، مستهلّها :

ألا ما لهذی السما لا تمورُ

وما للجبالِ تُری لا تسیرُ

وللشمسِ ما کوّرت والنجومِ

تضیءُ وتحت الثری لا تغورُ

وللأرضِ لیست بها رجفةٌ

وما بالُها لا تفورُ البحورُ

وما للدِّما لا تُحاکی الدموعَ

فتجری لتبتلَّ منها النحورُ

أتبقی القلوبُ لنا لا تُشَقُ

جویً ولو أنّ القلوبَ الصخورُ

لیومٍ ببغدادَ ما مثلُهُ

عبوسٌ یراه امرؤٌ قمطریرُ

وقد قام دجّالُها أعورٌ

یحفُّ به من بنی الزورِ عورُ

فلا حَدبٌ منه لا ینسلون

ولا بقعةٌ لیس فیها نفیرُ

یرومون آلَ نبیِّ الهدی

لِیردی الصغیر ویفنی الکبیرُ

لِتُنهبَ أنفسُ أحیائِهمْ

وتُنبشَ للمیّتین القبورُ

ومن نجلِ صادقِ آلِ العبا

ینالُ الذی لم ینلهُ الکفورُ

فموسی یُشقُّ له قبرُهُ

ولمّا أتی حشرُهُ والنشورُ

ویُسعر بالنارِ منه حریمٌ

حرامٌ علی زائریه السعیرُ

وتُقتل شیعةُ آلِ الرسولِ

عتوّا وتُهتَکُ منهم ستورُ

فوا حسرتا لنفوسٍ تسیلُ

ویا غمّتا لرؤوسٍ تطیرُ

وما نقموا منهمُ غیرَ أنّ

وصیّ النبیّ علیهم أمیرُ

کما العذرُ فی غدرِهم بغضهم

لمن فرضَ الحبَّ فیه الغدیرُ

ص: 410

فیا أُمّةً عاث فیها الشقاءُ

فوجهُ نهارِ هُداها قتیرُ

وشافعُها خصمُها فی المعادِ

لها الویلُ من ربّها والثبورُ

قتلتمْ حسیناً لملکِ العراقِ

وقلتمْ أتاکمْ له یستثیرُ

فما ذنبُ موسی الذی قد محتْ

معالمَهُ فی ثراه الدهورُ

وما وجهُ فعلِکمُ ذا به

لقد غرّکمْ بالإله الغَرورُ

أیا شیعةَ الحقِّ طاب المماتُ

فیا قومِ قوموا سراعاً نثورُ

فإمّا حیاةٌ لنا فی القصاصِ

وإمّا إلی حیث صاروا نصیرُ

أآلَ المسیّبِ ما زلتمُ

عشیرَ الولاءِ فنعمَ العشیرُ

ویا آل عوفٍ غیوثَ المُحولِ

لیوثاً إذا کاع لیثٌ هصورُ

أآلَ النهی والندی والطعانِ

وحزبَ الطلی حین حرَّ الهجیرُ

أصبراً علی الخسفِ لا همُّکمْ

دنیٌّ ولا الباعُ منکم قصیرُ

أتُهتکُ حرمةُ آلِ النبیِ

وفی الأرضِ منکم صبیٌّ صغیرُ

وقبرُ ابنِ صادق آلِ الرسولِ

یُمسُّ بسوءٍ وأنتمْ حضورُ

ولمّا تخوضوا بحارَ الردی

وفی شعبِهِ تنجدوا أو تغوروا

لقد کانَ یومُ الحسینِ المُنی

فتُفدی نفوسٌ وتشفی صدورُ

فهذا لکم عاد یومُ الحسینِ

فما ذا القصورُ وما ذا الفتورُ

فمدّوا الذراعَ وحدّوا القراعَ

فیومُ النواصبِ منکم عسیرُ

وولّوا ابنَ دمنةَ أعمالَهُ

تبور کما المکرُ منه یبورُ

فقتلاً بقتلٍ وثکلاً بثکلٍ

ذروه تُجَزُّ علیه الشعورُ

القصیدة

ما یتبع الشعر

هذه القصیدة نظمها شاعرنا المؤیّد فی فتنة بغداد الهائلة الواقعة سنة (443) یلفظ نفثات لوعته من تلکم الفظائع التی أحدثتها ید العداء المحتدم علی أهل بیت

ص: 411

الوحی وشیعتهم ، یوم شنّت الغارة علی مشهد الإمام الطاهر موسی بن جعفر ومشاهد أولیائه المدفونین فی جوار أمنه وحرم قدسه.

قال ابن الأثیر فی الکامل (1) (9 / 215) : وکان سبب هذه الفتنة أنّ أهل الکرخ شرعوا فی عمل باب السمّاکین ، وأهل القلاّئین فی عمل ما بقی من باب مسعود ، ففرغ أهل الکرخ وعملوا أبراجاً کتبوا علیها بالذهب : محمد وعلیّ خیر البشر ، وأنکر السنّة ذلک وادّعوا أنّ المکتوب : محمّد وعلیّ خیر البشر ، فمن رضی فقد شکر ، ومَن أبی فقد کفر. وأنکر أهل الکرخ الزیادة وقالوا : ما تجاوزنا ما جرت به عادتنا فیما نکتبه علی مساجدنا ، فأرسل الخلیفة القائم بأمر الله أبا تمام نقیب العبّاسیّین ونقیب العلویّین وهو عدنان (2) بن الرضیّ لکشف الحال وإنهائه ، فکتبا بتصدیق قول الکرخیّین ، فأمر حینئذٍ الخلیفة ونوّاب الرحیم بکفّ القتال فلم یقبلوا ، وانتدب ابن المذهب القاضی والزهیری وغیرهما من الحنابلة أصحاب عبد الصمد بحمل العامّة علی الاغراق فی الفتنة ، فأمسک نوّابُ الملک الرحیم عن کفِّهم غیظاً من رئیس الرؤساء (3) لمیله إلی الحنابلة ، ومنع هؤلاء السنّة من حمل الماء من دجلة إلی الکرخ ، ف)

ص: 412


1- الکامل فی التاریخ : 6 / 158 حوادث سنة 443 ه.
2- الشریف عدنان هو ابن الشریف الرضی المترجَم فی هذا الجزء : ص 181 ، ولی النقابة بعد وفاة عمّه الشریف المرتضی المترجم فی هذا الجزء : ص 264 ، واستمرَّ إلی أن توفّی ببغداد سنه (449). (المؤلف)
3- أبو القاسم بن المسلمة علیّ بن الحسن بن أحمد وزیر القائم بأمر الله ، مکث فی الوزارة اثنتی عشرة سنة وشهراً ، قتله البساسیری سنة (450) [البدایة والنهایة : 12 / 97 حوادث سنة 450 ه]. قال ابن کثیر فی تاریخه : 12 / 68 [12 / 86 حوادث سنة 448 ه] : کان کثیر الأذیّة للرافضة ، ألزم الروافض بترک الأذان بحیَّ علی خیر العمل ، وأُمروا أن ینادی مؤذِّنهم فی أذان الصبح بعد حیَّ علی الفلاح : الصلاة خیر من النوم ، مرّتین. وأُزیل ما کان علی أبواب المساجد ومساجدهم من کتابة : محمد وعلیّ خیر البشر. وأمر رئیس الرؤساء بقتل أبی عبد الله بن الجلاب شیخ الروافض لما کان تظاهر به من الرفض والغلوّ فیه ، فقتل علی باب دکانه ، وهرب أبو جعفر الطوسی ونهبت داره. (المؤلف)

وکان نهر عیسی قد انفتح بثقه (1) فعظم الأمر علیهم ، وانتدب جماعة منهم وقصدوا دجلة وحملوا الماء وجعلوه فی الظروف وصبّوا علیه ماء الورد ونادوا : الماء للسبیل ؛ فأغروا بهم السنّة.

وتشدّد رئیس الرؤساء علی الشیعة فمحوا : خیر البشر. وکتبوا : علیهما السلام. فقالت السنّة : لا نرضی إلاّ أن یقلع الآجر الذی علیه محمّد وعلیّ ، وأن لا یؤذّن : حیّ علی خیر العمل. وامتنع الشیعة من ذلک ودام القتال إلی ثالث ربیع الأوّل ، وقُتل فیه رجل هاشمیّ من السنّة ، فحمله أهله علی نعش وطافوا به فی الحربیّة وباب البصرة وسائر محالّ السنّة ، واستنفروا الناس للأخذ بثاره ثمّ دفنوه عند أحمد بن حنبل ، وقد اجتمع معهم خلق کثیر أضعاف ما تقدّم.

فلمّا رجعوا من دفنه قصدوا مشهد باب التبن (2) ، فأُغلق بابه فنقبوا فی سوره وتهدّدوا البوّاب فخافهم وفتح الباب ، فدخلوا ونهبوا ما فی المشهد من قنادیل ومحاریب ذهب وفضّة وستور وغیر ذلک ، ونهبوا ما فی الترب والدور ، وأدرکهم اللیل فعادوا.

فلمّا کان الغد کثر الجمع فقصدوا المشهد وأحرقوا جمیع الترب والآزاج واحترق ضریح موسی (3) وضریح ابن ابنه محمّد بن علیّ والجوار والقبّتان الساج اللتان علیهما ، واحترق ما یقابلهما ویجاورهما من قبور ملوک بنی بویه معزّ الدولة وجلال الدولة ، ومن قبور الوزراء والرؤساء وقبر جعفر بن أبی جعفر المنصور ، وقبر ف)

ص: 413


1- انفتح بثقه : أی کسر سدّه ، بثق السیل : أی خرق وشقّ. (المؤلف)
2- باب التبن : اسم محلّة کبیرة ببغداد علی الخندق ، وبها قبر عبد الله بن أحمد بن حنبل ، ویلصق هذا الموضع فی مقابر قریش التی فیها قبر موسی الکاظم ، ویعرف قبره بمشهد باب التبن [معجم البلدان : 1 / 306]. (المؤلف)
3- الإمام الطاهر موسی بن جعفر الکاظم ، وحفیده الإمام الجواد محمد بن علیّ بن موسی - سلام الله علیهم. (المؤلف)

الأمین محمد بن الرشید ، وقبر أُمِّه زبیدة ، وجری من الأمر الفظیع ما لم یجرِ فی الدنیا مثله.

فلمّا کان الغد خامس الشهر عادوا وحفروا قبر موسی بن جعفر ومحمد بن علی لینقلوهما إلی مقبرة أحمد بن حنبل ، فحال الهدم بینهم وبین معرفة القبر ، فجاء الحفر إلی جانبه.

وسمع أبو تمام نقیب العبّاسیّین وغیره من الهاشمیّین والسنّة الخبر فجاؤوا ومنعوا عن ذلک ، وقصد أهل الکرخ إلی خان الفقهاء الحنفیّین فنهبوه وقتلوا مدرّس الحنفیّة أبا سعد السرخسی ، وأحرقوا الخان ودور الفقهاء ، وتعدّت الفتنة إلی الجانب الشرقی ، فاقتتل أهل باب الطاق وسوق بج والأساکفة وغیرهم ، ولمّا انتهی خبر إحراق المشهد إلی نور الدولة دبیس بن مزید ، عظم علیه واشتدّ وبلغ منه کلّ مبلغ لأنّه وأهل بیته وسائر أعماله من النیل ، وتلک الولایة کلّهم شیعة ، فقطعت فی أعماله خطبة الإمام القائم بأمر الله ، فروسل فی ذلک وعوتب ، فاعتذر بأنّ أهل ولایته شیعة واتّفقوا علی ذلک فلم یمکنه أن یشقّ علیهم ، کما أنّ الخلیفة لم یمکنه کفّ السفهاء الذین فعلوا بالمشهد ما فعلوا وأعاد الخطبة إلی حالها.

وزاد ابن الجوزی فی المنتظم (1) (8 / 150) : ظهر عیّار یعرف بالطقطقی من أهل درزیجان وحضر الدیوان واستتیب ، وجری منه فی معاملة أهل الکرخ وتتبّعهم فی المحالّ وقتلهم علی الاتِّصال ما عظمت فیه البلوی ، واجتمع أهل الکرخ وقت الظهیرة فهدمت حائط باب القلاّئین ورموا العذرة علی حائطه ، وقطع الطقطقی رجلین وصلبهما علی هذا الباب بعد أن قتل ثلاثة من قبل وقطع رءوسهم ورمی بها إلی أهل الکرخ ، وقال : تغدّوا برءوس. ومضی إلی درب الزعفرانی فطالب أهله بمائة ألف دینار ، وتوعّدهم إن لم یفعلوا بالإحراق فلاطفوه فانصرف ، ووافاهم من الغد فقاتلوه .

ص: 414


1- المنتظم : 15 / 330 حوادث سنة 443 ه.

فقُتل منهم رجلٌ هاشمیٌّ فحمل إلی مقابر قریش.

واستنفر البلد ونقب مشهد باب التبن ، ونهب ما فیه ، وأُخرج جماعة من القبور فأحرقوا مثل العونی (1) والناشی (2) والجذوعی ، ونقل من المکان جماعة موتی فدفنوا فی مقابر شتّی ، وطرح النار فی الترب القدیمة والحدیثة ، واحترق الضریحان والقبّتان الساج ، وحفروا أحد الضریحین لیُخرجوا مَن فیه ویدفنوه بقبر أحمد ، فبادر النقیب والناس فمنعوهم .. إلخ.

وذکر القصّة علی الاختصار ابن العماد فی شذرات الذهب (3) (3 / 270) ، وابن کثیر فی تاریخه (4) (12 / 62).

الشاعر

هبة الله بن موسی بن داود الشیرازی المؤیّد فی الدین داعی الدعاة ، أوحدیٌّ من حملة العلم ، وفذٌّ من أفذاذ الأمّة ، وعبقریٌّ من جِلّة أعلام العلوم العربیّة ، ونابغةٌ من نوابغ الأدب العربیّ ، وله نصیبه الوافر من الق ریض بلغة الضاد وإن وُلد فی قاعة الفرس ونشأ فی مهدها ، کان من الدعاة إلی الفاطمیّة منذ بلغ أشدّه فی کلِّ حاضرة حلَّ بها ، وله فی تلک الدعوة خطوات واسعة ، وهو کما وصف نفسه للمستنصر بالله بقوله فی سیرته (ص 99) : وأنا شیخ هذه الدعوة ویدها ولسانها ومَن لا یماثلنی أحد فیها. وقد کابد دون تلک الدعوة کوارث ، وقاسی نوازل ملمّة ، وعانی شدائد فادحة ، غیر أنّه کان یستخفُّ وراءها کلّ هامّة ولامّة ، ولم یک یکترث لأیّ نازلة. .

ص: 415


1- فی المنتظم : العوفی. والصحیح : العونی کما فی الشذرات. وقد مرّت ترجمة العونی فی هذا الجزء : ص 124 - 141. (المؤلف)
2- هو علیّ بن الوصیف أحد شعراء الغدیر ، مرّ ذکره فی هذا الجزء : ص 24 - 33. (المؤلف)
3- شذرات الذهب : 5 / 191 حوادث سنة 443 ه.
4- البدایة والنهایة : 12 / 79 حوادث سنة 443 ه.

ولد بشیراز حوالی سنة (390) کما یظهر من شعره ، وبها شبَّ ونما إلی أن غادرها سنة (429) ویمّم الأهواز وفارق مسقط رأسه خائفاً یترقّب فَرَقاً من السلطان أبی کالیجار بعد ما جری بینه وبین الملک ما یورث البغضاء ، وما تأتّی له اقتناء مرضاته بأُرجوزته - المسمّطة - فی (153) بیتاً ذکرها فی سیرته (ص 48 - 54) ، فنزل الأهواز غیر أنَّ هواجسه ما حدّثته بالطمأنینة إلی الأمن من غیلة الملک ، فهبط حلّة منصور بن الحسین الأسدی الذی ملک الجزیرة الدبیسیّة بجوار خوزستان ، ومکث هنالک نحو سبعة أشهر ، ثمّ اتّجه إلی قرواش أبی المنیع بن المقلّد أمیر بنی عقیل صاحب الموصل والکوفة والأنبار ، فلمّا لم یجده آخذاً بناصره فی دعوته سار إلی مصر بعد سنة (436) وقبل سنة (439) ومکث فیها ردحاً من الزمن إلی أن غدا وله بعض النفوذ فی البلاد ، فسُیِّر إلی الشام باقتراح الوزیر عبد الله بن یحیی بن المدبّر ، ثمّ عاد إلی مصر بعد مدّة ، فقطن فیها بقیّة حیاته إلی أن توفّی بها سنة (470).

وللمؤیّد آثار علمیّة تنمّ عن طول باعه فی الحجاج والمناظرة ، وعن سعة اطّلاعه علی معالم الدین ومباحثه الراقیة ، وتضلّعه فی علمَی الکتاب والسنّة ووقوفه علی ما فیهما من دقائق ورقائق ، له رسائل ناظر بها أبا العلاء المعرّی فی موضوع أکل اللحم ، نشرت فی مجلة الجمعیّة الملکیّة الآسیویة سنة (1902 م). ومناظرته القیّمة مع علماء شیراز فی حضرة السلطان أبی کالیجار تعرب عن مبلغه من العلم ، ذکرها علی تفصیلها فی سیرته (ص 16 - 30).

ومناظرته مع الخراسانی المذکورة فی سیرته (ص 30 - 43) شاهد صدق علی تضلّعه فی العلوم ، وذُکر للمؤیّد من التآلیف :

1 - المجالس المؤیّدیة.

2 - المجالس المستنصریّة.

3 - دیوان المؤیّد.

ص: 416

4 - سیرة المؤیّد.

5 - شرح العماد.

6 - الإیضاح والتبصیر فی فضل یوم الغدیر.

7 - الابتداء والانتهاء.

8 - جامع الحقائق فی تحریم اللحوم والألبان.

9 - القصیدة الإسکندریّة وتسمّی أیضاً بذات الدوحة.

10 - تأویل الأرواح.

11 - نهج العبارة.

12 - المساءلة والجواب.

13 - أساس التأویل.

وفی نسبة غیر واحد من هذه الکتب إلی مترجمنا المؤیّد نظر ، وللبحث فیه مجال واسع.

توجد ترجمة شاعرنا المترجم له بقلمه فی کتاب أفرده فی سیرته بین سنة (429) وسنة (450) ، وهو المصدر الوحید للباحثین عن ترجمته طبع بمصر فی (184) صحیفة ، وللأستاذ محمد کامل حسین المصری بکلّیة الآداب دراسة ضافیة حول حیاة المترجَم ، بحث عنها من شتّی النواحی فی (186) صحیفة (1) ، وجعلها تقدمة لدیوانه المطبوع بمصر ، ففی الکتابین مقنع وکفایة عن التبسّط فی ترجمة المؤیّد. ف)

ص: 417


1- فیها مواقع للنظر عندما أنهی سیره إلی الآراء المذهبیة. (المؤلف)

ص: 418

43 - الجبری المصری

یا دارُ غادرنی جدیدُ بِلاکِ

رثَّ الجدیدُ فهل رثیت لذاکِ

أم أنت عمّا أشتکیه من الهوی

عجماءُ مذ عجم البلی مغناکِ

ضفناک نستقری الرسومَ فلم نجدْ

إلاّ تباریحَ الهموم قِراکِ

ورسیسَ شوقٍ تمتری زفراتُه

عبراتِنا حتی تبلّ ثراکِ

ما بالُ ربعکِ لا یبلُّ کأنّما

یشکو الذی أنا من نحولیَ شاکِ

طلّت طلولُکِ دمعَ عینی مثلَما

سفکت دمی یومَ الرحیل دُماکِ

وأری قتیلَک لا یَدیهِ قاتلٌ

وفتورَ ألحاظِ الظباء ظُباکِ

هیّجت لی إذ عجتُ ساکنَ لوعةٍ

بالساکنیک تشبّهاً ذکراکِ

لمّا وقفتُ مسلّماً وکأنّما

ریّا الأحبّةِ سفت من ریاکِ (1)

وکفت علیکِ سماءُ عینی صیِّباً

لو کفَّ صوبُ المزنِ عنک کفاکِ

سقیاً لعهدی والهوی مقضیّةٌ

أوطارُهُ قبل احتکامِ نواکِ

والعیش غضٌّ والشبابُ مطیّةٌ

للهوِ غیرُ بطیئةِ الإدراکِ

أیّام لا واشٍ یُطاعُ ولا هویً

یُعصی فنقصی عنکِ إذْ زرناکِ

وشفیعنا شرخُ الشبیبةِ کلّما

رُمنا القصاصَ من اقتناصِ مهاکِا.

ص: 419


1- کذا.

ولئن أصارتکِ الخطوبُ إلی بلیً

ولحاک ریبُ صروفِها فمحاکِ

فلطالما قضّیتُ فیک مآربی

وأبحتُ ریعانَ الشبابِ حماکِ

ما بین حورٍ کالنجومِ تزیّنتْ

منها القلائدُ للبدورِ حواکی

هیفُ الخصورِ من القصورِ بدت لنا

منها الأهلّةُ لا من الأفلاکِ

یجمعنَ من مرحِ الشبیبةِ خفّة ال

-متغزِّلین وعفّةَ النسّاکِ

ویصِدنَ صادیةَ القلوبِ بأعینٍ

نُجْلٍ کصیدِ الطیرِ بالأشراکِ

من کلِّ مخطفةِ الحشا تحکی الرشا

جیداً وغصنَ البان لینَ حراکِ

هیفاءَ ناطقةِ النطاقِ تشکّیاً

من ظلمِ صامتة البُرین ضناکِ (1)

وکأنّما من ثغرِها من نحرها

درٌّ تباکره بعود أراکِ

عذبُ الرضابِ کأنّ حشو لثاتِها

مسکٌ یعلُّ به ذری المسواکِ

تلک التی ملکتْ علیَّ بدلِّها

قلبی فکانت أعنفَ المُلاّکِ

إنّ الصبا یا نفسُ عزَّ طلابُهُ

ونهتْکِ عنه واعظاتُ نهاکِ

والشیبُ ضیفٌ لا محالةَ مؤذنٌ

برداکِ فاتّبعی سبیلَ هداکِ

وتزوّدی من حبِّ آلِ محمدٍ

زاداً متی أخلصتِهِ نجّاکِ

فلنعم زادٌ للمعادِ وعدّةٌ

للحشرِ إن علقتْ یداک بذاکِ (2)

وإلی الوصیِّ مهمُّ أمرِکِ فوِّضی

تَصِلِی بذاکَ إلی قصیِّ مُناکِ

وبه ادرئی فی نحرِ کلِّ ملمّةٍ

وإلیه فیها فاجعلی شکواکِ

وبحبِّه فتمسّکی أن تسلکی

بالزیغِ عنه مسالکَ الهلاّکِ

لا تجهلی وهواه دأبُکِ فاجعلی

أبداً وهجرَ عداه هجرَ قلاکِ

فسواءٌ انحرف امرؤٌ عن حبِّهِ

أو باتَ منطویاً علی الإشراکِ

وخذی البراءةَ من لظیً ببراءةٍ

من شانئیهِ وامحضیهِ هواکِف)

ص: 420


1- البرین - بالضم جمع بره - : الخلخال. (المؤلف)
2- للحشر إن ظفرت بذاک یداکِ. کذا فی نسخة. (المؤلف)

وتجنّبی إن شئتِ أن لا تعطبی

رأیَ ابنِ سلمی فیه وابنِ صهاکِ

وإذا تشابهتِ الأمور فعوِّلی

فی کشف مشکلِها علی مولاکِ

خیرُ الرجالِ وخیرُ بعلِ نسائِها

والأصلُ والفرعُ التقیّ الزاکی

وتعوّذی بالزُّهرِ من أولادِهِ

من شرِّ کلِّ مُضلّل أفّاکِ

لا تعدلی عنهمْ ولا تستبدلی

بهمُ فتحظَی بالخسارِ هناکِ

فهمُ مصابیحُ الدجی لذوی الحجا

والعروةُ الوثقی لذی استمساکِ

وهم الأدلّةُ کالأهلّةِ نوُرها

یجلو عمی المتحیّرِ الشکّاکِ

وهم الصراطُ المستقیمُ فأرغمی

بهواهمُ أنفَ الذی یلحاکِ

وهم الأئمّةُ لا إمامَ سواهمُ

فدعی لِتیم وغیرِها دعواکِ

یا أُمّةً ضلّت سبیلَ رشادِها

إنّ الذی استرشدتِه أغواکِ

لئن ائتمنتِ علی البریّةِ خائناً

للنفس ضیّعَها غداةَ رعاکِ

أعطاکِ إذ وطّاکِ عشوةَ رأیِه

خدعاً بحبلِ غرورِها دلاّکِ

فتبعتِهِ وسخیفَ دینِک بعتِهِ

مغترّةً بالنزرِ من دنیاکِ

لقد اشتریتِ به الضلالة بالهدی

لمّا دعاکِ بمَکرهِ فدهاکِ

وأطعتِهِ وعصیتِ قولَ محمدٍ

فیما بأمرِ وصیِّه وصّاکِ

خلّفتِ واستخلفتِ من لم یرضَهُ

للدینِ تابعةً هویً هوّاکِ

خلتِ اجتهادَکِ للصواب مؤدِّیاً

هیهاتَ ما أدّاکِ بل أرداکِ

لقد اجتریتِ علی اجتراح عظیمةٍ

جعلتْ جهنَّم فی غدٍ مثواکِ

ولقد شققتِ عصا النبیِّ محمدٍ

وعققتِ من بعد النبیِّ أباکِ

وغدرتِ بالعهدِ المؤکَّدِ عقدُهُ

یومَ الغدیرِ له فما عذراکِ

فلتعلمنَّ وقد رجعت به علی ال

أعقاب ناکصةً علی عقباکِ

أعَن الوصیِّ عدلت عادلةً به

مَن لا یساوی منه شسعَ شراکِ

ص: 421

ولَتُسأَلِنَّ عن الولاءِ لحیدرٍ

وهو النعیمُ شقاکِ عنه ثناکِ (1)

قست المحیطَ بکلِّ علمٍ مشکلٍ

وعرٍ مسالکُه علی السُلاّکِ

بالمعتریهِ کما حکی شیطانُهُ

وکفاهُ عنه بنفسِهِ من حاکِ

والضاربَ الهاماتِ فی یومِ الوغی

ضرباً یقدُّ به إلی الأوراکِ

إذ صاح جبریلٌ به متعجِّباً

من بأسِهِ وحسامِهِ البتّاکِ

لا سیفَ إلاّ ذو الفقارِ ولا فتی

إلاّ علیٌّ فاتکُ الفتّاکِ

بالهاربِ الفرّارِ من أقرانِهِ

والحربُ یذکیها قناً ومذاکِ

والقاطع اللیلِ البهیمِ تهجّداً

بفؤادِ ذی روعٍ وطرفٍ باکِ

بالتارکِ الصلواتِ کفراناً بها

لو لا الریاءٌ لطالَ ما راباکِ

أبعدْ بهذا من قیاسٍ فاسدٍ

لم تأت فیه أُمّةٌ مأتاکِ

أوَما شهدتِ له مواقفَ أذهبتْ

عنکِ اعتراکَ الشکِّ حین عراکِ

من معجزاتٍ لا یقومُ بمثلِها

إلاّ نبیٌّ أو وصیٌّ زاکی

کالشمسِ إذ رُدّت علیه ببابلٍ

لقضاء فرضٍ فائتِ الإدراکِ

والریحِ إذ مرّتْ فقال لها احملی

طوعاً ولیَّ اللهِ فوق قواکِ

فجرتْ رجاءً بالبساط مطیعةً

أمرَ الإله حثیثةَ الإیشاکِ (2)

حتی إذا وافی الرقیمَ بصحبِهِ

لیزیلَ عنه مِریةَ الشکّاکِ

قال السلام علیکمُ فتبادروا

بالردِّ بعد الصمت والإمساکِ

عن غیرِهِ فبدتْ ضغائنُ صدرِ ذی

حنقٍ لسترِ نفاقِهِ هتّاکِ

والمیتُ حین دعا به من صرصرٍ

فأجابَهُ وأبیتِ حین دعاکِ

لا تدّعی ما لیس فیکِ فتندمی

عند امتحان الصدقِ من دعواکِف)

ص: 422


1- ثناکِ عنه شقاکِ. کذا فی نسخة. (المؤلف)
2- وفی نسخة : فغدتْ رخاءً بالبساطِ مطیعةً أمرَ الإله حثیثةَ الإدراکِ (المؤلف)

والخفُّ والثعبانُ فیه آیةٌ

فتیقّظی یا ویکِ من عمیاکِ

والسطلُ والمندیلُ حین أتی به

جبریلُ حسبُکِ خدمةُ الأملاکِ

ودفاعُ أعظمِ ما عراکِ بسیفِهِ

فی یوم کلِّ کریهة وعِراکِ

ومقامُهُ ثبتَ الجنانِ بخیبرٍ

والخوفُ إذ ولّیتِ حشوُ حشاکِ

والبابُ حین دحا به عن حصنهمْ

سبعین باعاً فی فضاً دکداکِ

والطائرُ المشویُّ نصٌّ ظاهرٌ

لو لا جحودُک ما رأتْ عیناکِ

والصخرةُ الصمّا وقد شفَّ الظما

منها النفوسَ دحا بها فسقاکِ

والماءُ حین طغی الفراتُ فأقبلوا

ما بینَ باکیةٍ إلیه وباکی

قالوا أَغِثنا یا ابن عمِّ محمدٍ

فالماء یُؤذنُنا بوشکِ هلاکِ

فأتی الفرات فقال یا أرضُ ابلعی

طوعاً بأمرِ اللهِ طاغیَ ماکِ

فأغاضَهُ حتی بدتْ حصباؤه

من فوقِ راسخةٍ من الأسماکِ

ثمّ استعادوه فعادَ بأمرِهِ

یجری علی قدَرٍ ففیم مِراکِ

مولاکِ راضیة وغضبی فاعلمی

سیّانَ سخطُکِ عنده ورضاکِ

یا تیمُ تیّمَکِ الهوی فأطعتِهِ

وعن البصیرة یا عدیُّ عَداکِ

ومنعتِ إرثَ المصطفی وتراثَهُ

وولیتِهِ ظلماً ، فمن ولاّکِ

وبسطتِ أیدی عبد شمسٍ فاغتدتْ

بالظلمِ جاریةً علی مغناکِ

لا تحسبیکِ بریئةً ممّا جری

واللهِ ما قتلَ الحسینَ سواکِ

یا آلَ أحمد کم یکابدُ فیکمُ

کبدی خطوباً للقلوب نواکی

کبدی بکم مقروحةٌ ومدامعی

مسفوحةٌ وجوی فؤادیَ ذاکی

وإذا ذکرتُ مصابَکم قال الأسی

لجفونیَ اجتنبی لذیذَ کراکِ

وابکی قتیلاً بالطفوف لأجله

بکتِ السماءُ دماً فحقَّ بکاکِ

إن تبکِهمْ فی الیومِ تلقاهمْ غداً

عینی بوجهٍ مسفرٍ ضحّاکِ

یا ربِّ فاجعل حبَّهمْ لی جُنّةً

من موبقاتِ الظلمِ والإشراکِ

ص: 423

واجبر بها الجبریَّ ربِّ وبَرِّهِ

من ظالمٍ لدمائهمْ سفّاکِ

وبهم إذا أعداءُ آلِ محمدٍ

غلقتْ رهونهمُ فجدْ بفکاکِ (1)

الشاعر

ابن جبر المصری أحد شعراء مصر علی عهد الخلیفة الفاطمی المستنصر بالله ، المولود سنة (420) والمتوفّی (487) ، ذکر المقریزی فی الخطط (2) (2 / 365) موسماً من مواسم فتح الخلیج فی أیّام المستنصر وقال : وتقدّم شاعر یقال له ابن جبر ، وأنشد قصیدةً منها :

فُتِحَ الخلیجُ فسالَ منه الماءُ

وعلت علیه الرایةُ البیضاءُ

فصفت مواردُه لنا فکأنّه

کفُّ الإمامِ فعرفُها الإعطاءُ

فانتقد الناس علیه فی قوله : فسال منه الماء وقالوا : أیّ شیء یخرج من البحر غیر الماء؟ فضیع ما قاله بعد هذا المطلع.

وهناک قصائد غدیریّة لابن طوطی الواسطی ، والخطیب المنبجی ، وعلیّ بن أحمد المغربی ، من شعراء القرن الخامس توجد مبثوثة فی مناقب ابن شهرآشوب وتفسیر أبی الفتوح الرازی ، والصراط المستقیم للبیاضی ، والدرّ النظیم فی الأئمّة اللهامیم لابن حاتم الدمشقی ، وغیرها لم نذکرها لعدم عرفاننا بترجمة أولئک الشعراء وتاریخ حیاتهم ؛ غیر أنّهم من شعراء هذه الأثارة - مأثرة الغدیر - ومنضّدی عقودها ، وناظمی حدیثها ، من الذین استفادوا من لفظه معنی الإمامة والمرجعیّة الکبری فی الدین ، والأولویّة بالناس من أنفسهم.8.

ص: 424


1- أخذتها من نسخة عتیقة جداً مکتوبة فی القرون الوسطی وتوجد ناقصة منها تسعة أبیات فی أعیان الشیعة فی الجزء الخامس عشر : ص 263 [4 / 63]. (المؤلف)
2- الخطط والآثار : 1 / 478.

شعراء الغدیر فی القرن السادس

اشارة

1 - أبو الحسن

الفنجکردی

2 - ابن منیر

الطرابلسی

3 - القاضی ابن

قادوس

4 - الملک الصالح

5 - ابن العودی

النیلی

6 - القاضی الجلیس

7 - ابن مکی النیلی

8 - الخطیب

الخوارزمی

9 - الفقیه عمارة

ص: 425

ص: 426

44 - أبو الحسن الفنجکردی

المولود (433)

المتوفّی (513)

لا تُنکرَنَّ غدیرَ خمٍّ إنّه

کالشمسِ فی إشراقِها بل أظهرُ

ما کان معروفاً بإسنادٍ إلی

خیرِ البرایا أحمدٍ لا یُنکَرُ

فیهِ إمامةُ حیدرٍ وکمالهُ

وجلالُهُ حتی القیامةِ یُذکَرُ

أولی الأنامِ بأن یوالی المرتضی

من یأخذُ الأحکامَ منه ویأثرُ

ما یتبع الشعر

هذه الأبیات نسبها إلی الفنجکردی شیخنا الفتّال فی روضة الواعظین (ص 90) وهو أحد معاصریه ، وذکرها ابن شهرآشوب فی المناقب (1 / 540) طبع إیران ، والقاضی الشهید فی مجالس المؤمنین (ص 234) ، وصاحب ریاض العلماء ، وقطب الدین الأشکوری فی محبوب القلوب (1).

وذکر له فی مناقب ابن شهرآشوب (1 / 540) ، ومجالس المؤمنین (ص 234) ، وریاض العلماء قوله :

یومُ الغدیرِ سوی العیدینِ لی عیدُ

یوم یُسَرُّ به السادات والصیدُ3.

ص: 427


1- روضة الواعظین : ص 103 ، مناقب آل أبی طالب : 3 / 55 ، مجالس المؤمنین : 1 / 563 ، ریاض العلماء : 3 / 353 ، محبوب القلوب : 2 / 323.

نالَ الإمامةَ فیه المرتضی وله

فیه من الله تشریفٌ وتمجیدُ

یقول أحمدُ خیرُ المرسلین ضحیً

فی مجمعٍ حَضَرتْهُ البیضُ والسودُ

والحمدُ للهِ حمداً لا انقضاءَ له

له الصنائعُ والألطافُ والجودُ

إنّ الشاعر - کما سیوافیک فی الترجمة - من أئمّة اللغة الواقفین علی حقائق معانی الألفاظ وتصاریفها ، ومن المطّلعین علی معاریض الکلام ولحن القول وفحوی التعابیر ، وقد استفاد من لفظ المولی معنی الإمامة والمرجعیّة فی أحکام الدین ، فنظم ذلک فی شعره الدرِّی ، فهو من الحجج لما نتحرّاه فی معنی الحدیث الشریف.

الشاعر

الشیخ أبو الحسن علیّ بن أحمد الفَنجکردی (1) النیسابوری ، من أساتذة الأدب المحنّکین المتقدّمین فیه بالإمامة والتضلّع ، وهو مع ذلک معدود من أعاظم حملة العلم ، ومشیخة الحدیث البارعین ، ففی الأنساب للسمعانی : أبو الحسن الفنجکردی علیّ بن أحمد الأدیب البارع ، صاحب النظم والنثر الجاریین فی سلک السلاسة ، الباقیین معه علی هرمه وطعنه فی السنِّ ، قرأ أصول اللغة علی یعقوب بن أحمد الأدیب وغیره ، وکان عفیفاً خفیفاً ظریف المجاورة قاضیاً للحقوق ، محمود الأحوال ، أصابته علّة أزمنته ومنعته من الخروج ، وطعن فی السنّ فتأخّر عن الزیارة بالقدم فاستناب عنها التعهّد بالعلم ، سمع الحدیث من القاضی الناصحی (2) ، وکتب لی الإجازة لجمیع مسموعاته وحدّثنی عنه جماعة من مشایخنا ، وتوفّی لیلة الجمعة ف)

ص: 428


1- بفتح الفاء وسکون النون وضم الجیم أو سکونها وبکسر الکاف وسکون الراء وبعدها الدال المهملة ، نسبة إلی فنجکرد قریة من نواحی نیسابور. الأنساب [4 / 402]. (المؤلف)
2- أبو الحسن محمد بن محمد بن جعفر : المتوفّی (479). (المؤلف)

الثالث عشر من شهر رمضان سنة (513) وصلّوا علیه فی الجامع القدیم ، ودفن بالحیرة (1) فی مقبرة نوح.

وفی معجم الأدباء (2) (5 / 103) : کان أدیباً فاضلاً ، ذکره المیدانی فی خطبة کتاب السامی وأثنی علیه ومات سنة (512) عن ثمانین سنة. وذکره البیهقی فی الوشاح فقال : الإم ام علیّ بن أحمد الفنجکردی الملقّب بشیخ الأفاضل ، أُعجوبة زمانه ، وآیة أقرانه ، وشیخ الصناعة ، والممتطی غوارب البراعة.

وذکره عبد الغفار الفارسی فقال : علیّ بن أحمد الفنجکردی الأدیب البارع ، صاحب النظم والنثر الجاریین فی سلک السلاسة ، قرأ اللغة علی یعقوب بن أحمد الأدیب وغیره وأحکمها وتخرّج فیها ، وأصابته علّة لزمته فی آخر عمره ، ومات بنیسابور فی ثالث عشر رمضان سنة (513). انتهی.

ومدحه معاصره الکاتب أبو إبراهیم أسعد بن مسعود العتبی (3) ، کما فی معجم الأدباء (4) (2 / 242) بقوله :

یا أوحدَ البلغاءِ والأدباءِ

یا سیّدَ الفضلاءِ والعلماءِ

یا من کأنّ عطارداً فی قلبِهِ

یملی علیه حقائقَ الأشیاءِ

وذکره السیوطی فی بغیة الوعاة (5) (ص 329) بما یقرب من کلام الحموی صاحب المعجم ، وحکی عن الوشاح أنه مات سنة (513) عن ثمانین سنة ، وروی له قوله : 0.

ص: 429


1- محلة کبیرة بنیسابور فیها کانت جبّانة نوح ، ولعلّها سُمّیت بالحیرة لنزول جمع من أهل حیرة الکوفة بها. (المؤلف)
2- معجم الأدباء : 12 / 270.
3- ولد سنة (404) وتوفّی فی جمادی الأولی (494). (المؤلف)
4- معجم الأدباء : 6 / 97.
5- بغیة الوعاة : 2 / 148 رقم 1670.

زمانُنا ذا زمانُ سوءٍ

لا خیرَ فیه ولا صلاحا

هل یبصرُ المُبلِسون فیه

للیلِ أحزانِهمْ صباحا

فکلُّهمْ منه فی عناءٍ

طوبی لمن ماتَ فاستراحا

وعبّر عنه معاصره شیخنا الفتّال فی روضة الواعظین (1) : بالشیخ الإمام تارة وبالشیخ الأدیب أخری ، وترجمه وأطراه القاضی فی المجالس (2) (ص 234) ، وصاحب ریاض العلماء (3) ، وروضات الجنات (4) (ص 485) ، والشیعة وفنون الإسلام (5) (ص 136) ، وذکر ابن شهرآشوب فی معالم العلماء (6) له کتاب تاج الأشعار وسلوة الشیعة ، قال : وهی أشعار أمیر المؤمنین علیه السلام ، وینقل عنه فی کتابه مناقب آل أبی طالب (7). کما أنّ شیخنا قطب الدین الکیدری (8) جعله من مصادر کتابه أنوار العقول من أشعار وصیِّ الرسول ، ونصَّ فیه بأنّ الفنجکردی قد جمع فی کتابه تاج الأشعار مائتی بیت من شعر أمیر المؤمنین علیه السلام ، وترجمه سیّدنا صاحب ریاض الجنّة فی الروضة الرابعة ، وذکر له قوله :

إذا ذکرتَ الغرَّ من هاشمٍ

تنافرتْ عنک الکلابُ الشارده

فقل لمن لامَک فی حبِّهِ

خانتکَ فی مولودِکَ الوالده

قال الأمینی : أشار المترجم بهذین البیتین إلی ما ورد فی جملة من الأحادیث ف)

ص: 430


1- روضة الواعظین : ص 103 ، 236.
2- مجالس المؤمنین : 1 / 562.
3- ریاض العلماء : 3 / 352.
4- روضات الجنّات : 5 / 249 رقم 503.
5- الشیعة وفنون الإسلام : ص 174.
6- معالم العلماء : ص 71 رقم 481.
7- راجع : 2 / 99 و 139 و 176 [2 / 72 ، 123 ، 213]. (المؤلف)
8- هو الشیخ أبو الحسن محمد بن الحسین البیهقی النیسابوری شارح نهج البلاغة ، توفّی حدود سنة (574). (المؤلف)

من أنّ أمیر المؤمنین علیه السلام لا یُبغضه إلاّ دعیّ ، وإلیک منها :

1 - عن أبی سعید الخدری قال : کنّا معشر الأنصار نبور (1) أولادنا بحبِّهم علیّا رضی الله عنه ، فإذا وُلد فینا مولودٌ فلم یحبّه عرفنا أنّه لیس منّا (2).

2 - عبادة بن الصامت : کنّا نبور أولادنا بحبِّ علیّ بن أبی طالب رضی الله عنه ، فإذا رأینا أحدهم لا یحبّ علیّ بن أبی طالب علمنا أنّه لیس منّا وأنّه لغیر رشدة (3).

قال الحافظ الجزری فی أسنی المطالب (ص 8) بعد ذکر هذا الحدیث : وهذا مشهور من قدیم وإلی الیوم أنّه ما یبغض علیّا رضی الله عنه إلاّ ولد الزنا.

3 - أخرج الحافظ الحسن بن علیّ العدوی ، قال : حدّثنا أحمد بن عبدة الضبّی ، عن أبی عیینة ، عن ابن الزبیر ، عن جابر قال : أمرنا رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أن نعرض أولادنا علی حبِّ علیِّ بن أبی طالب. ورجاله رجال الصحیحین کلّهم ثقات.

4 - أخرج الحافظ ابن مردویه ، عن أحمد بن محمد النیسابوری ، عن عبد الله بن أحمد بن حنبل ، عن أحمد ، قال : سمعت الشافعی یقول : سمعت مالک بن أنس یقول : قال أنس بن مالک : ما کنّا نعرف الرجل لغیر أبیه إلاّ ببغض علیّ بن أبی طالب رضی الله عنه.

5 - أخرج ابن مردویه ، عن أنس فی حدیث : کان الرجل من بعد یوم خیبر یحمل ولده علی عاتقه ثمّ یقف علی طریق علیّ رضی الله عنه ، فإذا نظر إلیه أومأ بإصبعه : یا بُنیّ تحبُّ هذا الرجل؟! فإن قال : نعم. قبّله ، وإن قال : لا. خرق به الأرض وقال له : الحق بأمِّک. ف)

ص: 431


1- باره یبوره بوراً : جرّبه واختبره. (المؤلف)
2- أسنی المطالب للحافظ الجزری : ص 8 [ص 58] ، شرح ابن أبی الحدید : 1 / 373 [4 / 110 خطبة 56] ، وهناک تصحیف. (المؤلف)
3- أسنی المطالب : ص 8 [ص 58] ، نهایة ابن الأثیر : 1 / 118 [1 / 161] ، الغریبین للهروی وفی لفظه : نسبر مکان نبور ، لسان العرب : 5 / 154 [1 / 536] ، تاج العروس : 3 / 61. (المؤلف)

6 - أخرج الحافظ الطبری فی کتاب الولایة ، بإسناده عن علیّ علیه السلام أنّه قال : «لا یحبّنی ثلاثة : ولد الزنا ، ومنافق ، ورجل حملت به أُمّه فی بعض حیضها».

7 - أخرج الحافظ الدارقطنی ، وشیخ الإسلام الحمّوئی فی فرائده (1) بإسنادهما عن أنس مرفوعاً قال : «إذا کان یوم القیامة نُصب لی منبر ، ثمّ ینادی منادٍ من بطنان العرش : أین محمد؟ فأجیب. فیقال لی : ارق. فأکون أعلاه ، ثمّ ینادی الثانیة : أین علیّ؟ فیکون دونی بمرقاة ، فیعلم جمیع الخلائق أنّ محمداً سیّد المرسلین وأنّ علیّا سیّد المؤمنین» (2). قال أنس : فقام إلیه رجلٌ فقال : یا رسول الله من یبغض علیّا بعدُ؟!

فقال : «یا أخا الأنصار ، لا یبغضه من قریش إلاّ سفحیّ ، ولا من الأنصار إلاّ یهودیّ ، ولا من العرب إلاّ دعیّ ، ولا من سائر الناس إلاّ شقیّ».

هذا الحدیث ضعّفه السیوطی (3) لمکان إسماعیل بن موسی الفزاری فی سنده. وقد ذکره ابن حبّان فی الثقات (4) ، وقال مطین : کان صدوقاً ، وقال النسائی : لا بأس به. وعن أبی داود : إنّه صدوق فی الحدیث ، روی عنه البخاری فی کتاب خلق أفعال العباد ، وأبو داود والترمذی ، وابن ماجة ، وابن خزیمة ، والساجی ، وأبو یعلی وغیرهم (5) ، ولم یُذکر غمزٌ فیه عن أحد من هؤلاء الأعلام. نعم ؛ ذنبه الوحید أنَّه شیعیٌّ علویُّ المذهب.

8 - عن أبی بکر الصدّیق قال : رأیت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم خیّم خیمة وهو 6.

ص: 432


1- فرائد السمطین : 1 / 134 ح 97 باب 22.
2- فی لفظ الحمّوئی : الوصیّین. (المؤلف)
3- اللآلئ المصنوعة : 1 / 377.
4- الثقات : 8 / 104.
5- تهذیب التهذیب : 1 / 292 رقم 606.

متّکئٌ علی قوس عربیّة ، وفی الخیمة علیٌّ وفاطمة والحسن والحسین فقال : «معشر المسلمین أنا سلمٌ لمن سالمَ أهل الخیمة ، حربٌ لمن حاربهم ، ولیٌّ لمن والاهم ، لا یحبّهم إلاّ سعید الجدِّ طیّب المولد ، ولا یبغضهم إلاّ شقیُّ الجدِّ ردیء المولد» (1).

9 - عن ابن مریم الأنصاری ، عن علیٍّ علیه السلام قال : «لا یحبّنی کافر ولا ولد زنا» (2).

10 - أخرج ابن عدیّ (3) والبیهقیّ (4) وأبو الشیخ والدیلمیّ (5) ، عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أنّه قال : «من لم یعرف عترتی والأنصار والعرب فهو لإحدی الثلاث : إمّا منافق ، وإمّا ولد زانیة ، وإمّا امرؤ حملت به أُمّه فی غیر طُهر (6)».

11 - روی المسعودی فی مروج الذهب (7) (2 / 51) عن کتاب الأخبار لأبی الحسن علیّ بن محمد بن سلیمان النوفلی ، بإسناده عن العبّاس بن عبد المطّلب ، قال : کنت عند رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إذ أقبل علیّ بن أبی طالب ، فلمّا رآه أسفر فی وجهه ، فقلت : یا رسول الله إنّک لتسفر فی وجه هذا الغلام! فقال : «یا عمّ رسول الله ، والله للهُ أشدُّ حبّا له منّی ، ولم یکن نبیٌّ إلاّ وذریّته الباقیة بعده من صلبه وإنّ ذریّتی بعدی من صلب هذا ، إنّه إذا کان یوم القیامة دُعی الناس بأسمائهم وأسماء أُمّهاتهم إلاّ هذا وشیعته ، فإنّهم یُدعوَن بأسمائهم وأسماء آبائهم لصحّة ولادتهم». 7.

ص: 433


1- الریاض النضرة للحافظ محبّ الدین الطبری : 2 / 189 [3 / 136]. (المؤلف)
2- شرح ابن أبی الحدید : 1 / 373 [4 / 110 خطبة 56]. (المؤلف)
3- الکامل فی ضعفاء الرجال : 3 / 203 رقم 700.
4- شعب الإیمان : 2 / 232 ح 1614.
5- فردوس الأخبار : 3 / 626 ح 5955.
6- الصواعق لابن حجر : ص 103 ، 139 [ص 173 ، 233] ، الفصول المهمّة : ص 11 [ص 26] ، الشرف المؤبّد : ص 103 [ص 217] ولیس فیه کلمة : والعرب. (المؤلف)
7- مروج الذهب : 3 / 7.

12 - عن ابن عبّاس قال : قال علیّ بن أبی طالب رضی الله عنه : «رأیت النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم عند الصفا وهو مقبل علی شخص فی صورة الفیل وهو یلعنه ، فقلت : ومَن هذا الذی یلعنه رسول الله؟ قال : هذا الشیطان الرجیم. فقلت : والله یا عدوّ الله لأقتلنّک ولأُریحنَّ الأمّة منک. قال : والله ما هذا جزائی منک. قلت : وما جزاؤک منّی یا عدوّ الله؟ قال والله ما أَبغضک أحدٌ قطُّ إلاّ شرکت أباه فی رحم أمِّه».

أخرجه الخطیب البغدادی فی تاریخه (3 / 290) ، والکنجی فی الکفایة (1) (ص 21) عن أربع من مشایخه.

روی شیخ الإسلام الحمّوئی فی فرائده (2) فی الباب الثانی والعشرین ، من طریق أبی الحسن الواحدی بإسناده ، والزرندی فی نظم درر السمطین (3) عن الربیع بن سلمان ، قال : قیل للشافعی : إنّ قوماً لا یصبرون علی سماع فضیلة لأهل البیت ، فإذا أراد أحدٌ یذکرها یقولون : هذا رافضیٌّ ، قال : فأنشأ الشافعیُّ یقول :

إذا فی مجلسٍ ذکروا علیّا

وسبطیهِ وفاطمةَ الزکیّه

فأجری بعضُهم ذکری سواهمْ

فأیقِنْ أنّه لِسلقلقیّه

إذا ذکروا علیّا أو بنیهِ

تشاغل بالروایات الدنیّه

وقال تجاوزوا یا قومِ هذا

فهذا من حدیثِ الرافضیّه

برِئتُ إلی المهیمنِ من أُناسٍ

یرون الرفضَ حبَّ الفاطمیّه

علی آلِ الرسولِ صلاةُ ربّی

ولعنتُه لتلک الجاهلیّه

وقد نظم هذه الأثارة کثیر من الشعراء قدیماً وحدیثاً ، یضیق المجال بذکر 1.

ص: 434


1- کفایة الطالب : ص 70 باب 3.
2- فرائد السمطین : 1 / 135 ح 98.
3- نظم درر السمطین : ص 111.

شعرهم ، ومنه قول الصاحب بن عبّاد (1):

بحبِّ علیّ تزولُ الشکوکُ

وتصفو النفوسُ ویزکو النجار

فمهما رأیتَ محبّا له

فثَمّ العلاءُ وثَمّ الفخار

ومهما رأیتَ بغیضاً له

ففی أصلِهِ نسبٌ مستعار

فمهّد علی نَصبه عذرَهُ

فحیطانُ دارِ أبیه قصارُ

وقال أیضاً :

حبُّ علیّ بن أبی طالب

فرضٌ علی الشاهدِ والغائبِ

وأُمُّ من نابذَهُ عاهرٌ

تبذلُ للنازلِ والراکبِ

وقال ابن مدلّل :

ولقد روینا فی حدیثٍ مسندٍ

عمّا رواه حذیفةُ بنُ یمانِ

إنّی سألت المرتضی لِمَ لم یکن

عقدُ الولاءِ یصیبُ کلّ جنانِ

فأجابنی بإجابةٍ طابت لها

نفسی وأطربنی لها استحسانی

اللهُ فضّلنی ومیّزَ شیعتی

من نسل أرجاسِ البعولِ زوانی

وروایةٌ أخری إذا حُشر الوری

یومَ المعادِ رویت عن سلمانِ

للناصبین یقالُ یا ابن فلانةٍ

ویقال للشیعیّ یا ابن فلانِ

کتموا أبا هذا لخبثِ ولادةٍ

ولطیبِ ذا یُدعی بلا کتمانِ (2)2.

ص: 435


1- دیوان الصاحب بن عبّاد : ص 95.
2- مناقب آل أبی طالب : 3 / 242.

ص: 436

45 - ابن منیر الطرابلسی

وُلد (473)

توفّی (548)

عذّبتَ طرفی بالسهرْ

وأذبتَ قلبی بالفِکَرْ

ومزجتَ صفوَ مودّتی

من بَعد بُعدِک بالکدرْ

ومنحتَ جثمانی الضّنی

وکحلتَ جفنی بالسهرْ

وجفوتَ صبّا ما له

عن حسنِ وجهِکَ مصطبرْ

یا قلبُ ویحک کم تخا

دعُ بالغرورِ وکم تُغرْ

وإلی مَ تکلفُ بالأغنّ

من الظباءِ وبالأغرْ

لئنِ الشریف الموسویّ

ابنُ الشریفِ أبی مُضرْ

أبدی الجحوَد ولم یردّ

إلیَّ مملوکی تَتَرْ

والیت آل أُمیّة الطُّهرَ

المیامینَ الغررْ

وجحدتُ بیعةَ حیدرٍ

وعدلتُ عنه إلی عمرْ

وأُکذِّبُ الراوی وأط

-عن فی ظهورِ المنتظرْ

وإذا رووا خبرَ (الغدیر)

أقول ما صحَّ الخبرْ

ولبستُ فیه من الملا

بسِ ما اضمحلَّ وما دثرْ

وإذا جری ذکرُ الصحا

بة بین قومٍ واشتهرْ

ص: 437

قلتُ المقدّمُ شیخ تی

-مٍ ثمّ صاحبُه عمرْ

ما سلَّ قطّ ظباً علی

آلِ النبیِّ ولا شهرْ

کلاّ ولا صدَّ البتو

ل عن التراثِ ولا زجرْ

وأقولُ إنّ یزیدَ ما

شربَ الخمورَ ولا فجرْ

ولجیشِهِ بالکفِّ عن

أبناءِ فاطمةٍ أمرْ

والشمرُ ما قتل الحسی

-ن ولا ابنُ سعدٍ ما غدرْ

وحلقتُ فی عشرِ المحرّ

م ما استطالَ من الشعرْ

ونویتُ صومَ نهارِهِ

وصیامَ أیّامٍ أُخرْ

ولبستُ فیه أجلّ ثو

بٍ للمواسمِ یُدّخرْ

وسهرتُ فی طبخِ الحبو

ب من العشاءِ إلی السحرْ

وغدوتُ مکتحلاً أصا

فحُ من لقیتُ من البشرْ

ووقفتُ فی وسط الطر

یق أقصُّ شاربَ من عبرْ

وأکلتُ جرجیر البقو

ل بلحمِ جرّیّ الحفرْ

وجعلتها خیرَ المآ

کل والفواکهِ والخضرْ

وغسلتُ رجلی حاضراً

ومسحتُ خُفّی فی السفرْ

آمینَ أجهرُ فی الصلا

ة بها کمن قبلی جهرْ

وأسنّ تسنیمَ القبورِ

لکلِّ قبرٍ یُحتفرْ

وأقول فی یوم تحا

رُ له البصیرةُ والبصرْ

والصحفُ یُنشر طیّها

والنارُ ترمی بالشررْ

هذا الشریفُ أضلّنی

بعد الهدایةِ والنظرْ

فیقال خذ بید الشری

-ف فمستقرُّکما سقرْ

لوّاحةٌ تسطو فما

تُبقی علیه وما تذرْ

واللهُ یغفرُ للمسیء

إذا تنصّلَ واعتذرْ

إلاّ لمن جحد الوصیَ

ولاءه ولمن کفرْ

ص: 438

فاخش الإلهَ بسوء فع

-لک واحتذر کلّ الحذرْ (1)

ما یتبع الشعر

هذه القصیدة المعروفة ب - التَتَریّة - ذکرها بطولها (106) أبیات ابن حجّة الحموی فی ثمرات الأوراق (2) (2 / 44 - 48) ، وذکر منها فی کتابه خزانة الأدب (3) (68) بیتاً ، وتوجد برمّتها فی تذکرة ابن العراق ، ومجالس المؤمنین (4) (ص 457) نقلاً عن التذکرة ، وأنوار الربیع للسیّد علی خان (5) (ص 359) ، وکشکول شیخنا البحرانی (6) صاحب الحدائق (ص 80) ، ونامه دانشوران (7) (1 / 385) ، وتزیین الأسواق للأنطاکی (8) (ص 174) ، ونسمة السحر فیمن تشیّع وشعر (9) ، وذکر الشیخ الحرّ العاملی فی أمل الآمل (10) منها تسعة عشر بیتاً.

أرسل ابن منیر إلی الشریف المرتضی الموسوی (11) بهدیّة مع عبدٍ أسود له ، فکتب إلیه الشریف : أمّا بعد فلو علمت عدداً أقلّ من الواحد أو لوناً شرّا من السواد ف)

ص: 439


1- دیوان ابن منیر الطرابلسی : ص 160.
2- ثمرات الأوراق : ص 327.
3- خزانة الأدب وغایة الأرب : 1 / 324.
4- مجالس المؤمنین : 2 / 537.
5- أَنوار الربیع : 3 / 224.
6- کشکول البحرانی : 1 / 420.
7- نامه دانشوران (فارسی) : 2 / 236.
8- تزیین الأسواق : ص 364.
9- نسمة السحر : مج 6 / ج 1 / 40.
10- أمل الآمل : 1 / 35 رقم 28.
11- کان نقیب الأشراف بالعراق والشام وغالب الممالک ورئیس أهل هذا المذهب ، وغیرهم ، وکان بینه وبین مهذّب الدین مودّة. تزیین الأسواق : ص 174 [ص 363] ومهذّب الدین هو أبو الحسن علیّ بن أبی الوفاء الموصلی الشاعر المقدّم ، توفّی سنة (543). (المؤلف)

بعثت به إلینا والسلام. فحلف ابن منیر أن لا یرسل إلی الشریف هدیّة إلاّ مع أعزِّ الناس علیه ، فجهّز هدایا نفیسة مع مملوک له یسمّی تَتَر ، وکان یهواه جدّا ویحبّه کثیراً ولا یرضی بفراقه ، حتی إنّه متی اشتدَّ غمّه أو عرضت علیه محنة نظر إلیه فیزول ما به ، فلمّا وصل المملوک إلی الشریف توهّم أنّه من جملة هدایاه تعویضاً من العبد الأسود فأمسکه ، وعزّت الحالة علی ابن منیر فلم یر حیلة فی خلاص مملوکه من ید الشریف إلاّ إظهار النزوع عن التشیّع إن لم یرجعه إلیه ، وإنکار ما هو المتسالم علیه من قصّة الغدیر وغیرها ، فکتب إلیه بهذه القصیدة. فلمّا وصلت إلی الشریف تبسّم ضاحکاً وقال : قد أبطأنا علیه فهو معذورٌ ، ثمّ جهّز المملوک مع هدایا نفیسة ، فمدحه ابن منیر بقوله :

إلی المرتضی حُثَّ المطیَّ فإنّه

إمامٌ علی کلِّ البریّة قد سما

تری الناس أرضاً فی الفضائلِ عندَهُ

ونجلَ الزکیِّ الهاشمیِّ هو السما

وقد خمّس التتریّة العلاّمة الشیخ إبراهیم یحیی العاملی (1) ، وهو بتمامه مع القصیدة مذکور فی مجموعة شیخنا العلاّمة الشیخ علیّ آل کاشف الغطاء ، وفی الجزء الأوّل من سمیر الحاضر ومتاع المسافر له ، وفی المجموع الرائق (ص 727) لزمیلنا العلاّمة السیّد محمد صادق آل بحر العلوم ، أوّله :

أفدی حبیباً کالقمرْ

نادیتُهُ لمّا سَفرْ

یا صاحب الوجه الأغرْ

عذّبت طرفی بالسهرْ

وأذبت قلبی بالفِکَرْ

أبلی صدودُک جدّتی

وترکتنی فی شدّتی

وأطلتَ فیها مدّتی

ومزجت صفو مودّتی

من یسعد یمد بالکدر ف)

ص: 440


1- أحد شعراء الغدیر فی القرن الرابع عشر ، تأتی هناک ترجمته. (المؤلف)

ولهذه القصیدة أشباه ونظائر فی معناها سابقة ولاحقة ، منها :

1 - مدح الخالدیّان أبو عثمان سعید بن هاشم وأخوه أبو بکر محمد - من شعراء الیتیمة - الشریف الزبیدی أبا الحسن محمد بن عمر الحسینی ، فأبطأ علیهما بالجائزة ، وأراد السفر فدخلا علیه وأنشداه :

قل للشریفِ المستجارِ بهِ

إذا عدم المطرْ

وابن الأئمّة من قریشٍ

والمیامینِ الغررْ

أقسمتُ بالریحانِ و

النّغم المضاعف والوترْ

لئن الشریفُ مضی ولم

یُنعِمْ لعبدیه النظرْ

لنشارکنَّ بنی أُمیّة

فی الضلال المشتهرْ

ونقول لم یغصب أبو

بکرٍ ولم یظلمْ عمرْ

ونری معاویةً إما

ماً مَن یخالفه کفرْ

ونقول إنّ یزید ما

قتَل الحسین ولا أمرْ

ونعدُّ طلحةَ والزبی

-ر من المیامینِ الغُرَرْ

ویکون فی عنقِ الشری

-ف دخولُ عبدیه سقرْ (1)

فضحک الشریف لهما ، وأنجز جائزتهما.

2 - حبس الشریف الحسن بن زید الشهید وزیره لتقصیره ، فکتب إلی الشریف بقوله :

أشکو إلی اللهِ ما لقیتُ

أحببتُ قوماً بهم بُلِیتُ

لأَشتُمُ الصالحین جهراً

ولا تشیّعتُ ما بقیتُ

أمسح خفّی ببطنِ کفّی

ولو علی جیفةٍ وطیتُ2.

ص: 441


1- أعیان الشیعة : 6 / 302.

3 - کتب أبو الحسن الجزّار المصری - الآتی ترجمته - إلی الشریف شهاب الدین ناظر الأهراء (1) لیلة عاشوراء ، عندما أخّر عنه إنجاز موعده ، بقوله :

قل لشهاب الدین ذی الفضل الندی

والسیّدِ ابن السیّدِ ابن السیّدِ

أقسمُ بالفردِ العلیِّ الصمدِ

إن لم یبادرْ لنَجازِ موعدی

لأحضرنَّ للهناء فی غدِ

مکحّلَ العینینِ مخضوبَ الیدِ

والإثم فی عنقِ الشریفِ الأمجدِ

لأنّنی جُنِنتُ فی التردّدِ

حتی نصبتُ وکسرتُ عددی

فی شهر حزنی وجزمتُ لدَدی

4 - کتب القاضی جمال الدین علیّ بن محمد العنسی إلی شریف عصره ، قوله :

بالبیت أُقسمُ أو بأه

-ل البیت سادات البشرْ

وبصولة المولی الذی

تاهتْ به علیا مضرْ

إن طال غصب مطهّرٍ

عمد الدراری واستمرْ

لُاقلّدنَّ أبا حنی

-فةَ صاحبَ الرأیِ الأغرْ

ولأسمعنَّ له وإنْ

حلَّ النبیذَ المعتصرْ

حبّا لقومٍ أَنزلوا

بمطهّرٍ أقوی ضررْ

أعنی بهم أبناءَ خا

قانَ المیامینَ الغررْ

ولأترکنَّ الترک تر

فلُ من مدیحی فی حبرْ

ولأنظمنَّ شوارداً

فیهم تحارُ لها الفِکرْ

وأسوقها زُمَراً إلی

زُمَرٍ وتتلوها زُمَرْ

ولأبکینَّ علی الوزی

-ر بکلِّ معنیً مبتکرْ

أعنی به حسناً وإن

فعلَ القبیحَ فمغتفرْ

وأقول إنّ سنانهم

سیفٌ نضتْهُ یدُ القدَرْت.

ص: 442


1- الأهراء : متاع البیت.

ما جار قطُّ ولا أرا

قَ دماً وبالتقوی أمرْ

وإذا جری ذکر الخمو

ر ومن حساها واعتصرْ

نزّهتُهم عنها سوا (1)

لامَ المفنِّدُ أو عذرْ

أستغفرُ اللهَ العظی

-م سوی النبیذِ إذا حضرْ

فالرأی رأیُهمُ السدی

-د وقد رووا فیهِ خبرْ

ولأمقتنَّ (2) علی بکی

-رٍ فی العشایا والبُکرْ

أقضی بتربته الفرو

ضَ ومن زیارتِهِ الوطرْ

ولأملأنَّ علی العوا

مِ مسائلاً فیها غَرَرْ

نقضی بتطویلِ الشوا

ربِ عند تقصیر الشعرْ

ولأرخینَّ من العما

ئم ما تکوّر واعتصرْ

ولأرفعنَّ إلی الصلا

ة یدی وأرویها أثرْ (3)

وأقولُ فی یومٍ تحا

رُ له البصائرُ والبصرْ

والصحفُ تنشر طیّها

والنارُ ترمی بالشررْ

هذا الشریفُ أضلّنی

بعد الهدایة والنظرْ (4)

5 - کتب فی هذا المعنی أبو الفتح سبط ابن التعاویذی إلی نقیب الکوفة الشریف محمد بن مختار العلوی ، یعاتبه علی عدم الوفاء بما کان وعده به قصیدة تأتی فی ترجمة أبی الفتح أوّلها :

یا سمیَّ النبیّ یا ابن علیٍ

قامعَ الشرکِ والبتولِ الطهورِف)

ص: 443


1- أی : سواء.
2- فی أعیان الشیعة : 8 / 307 ولأمضینَّ.
3- فی أعیان الشیعة : وأزویها أشر.
4- الأبیات الثلاثة الأخیرة من قصیدة ابن منیر. (المؤلف)

الشاعر

أبو الحسین مهذّب الدین أحمد بن منیر بن أحمد بن مفلح الطرابلسی (1) الشامی نازل درب الخابوری علی باب الجامع الکبیر الشمالی ، عین الزمان الشهیر بالرفا ، أحد أئمّة الأدب ، وفی الطبقة العلیا من صاغة القریض ، وقد أکثر وأجاد ، وله فی أئمة أهل البیت علیهم السلام عقود عسجدیّة أبقت له الذکر الخالد والفخر الطریف والتالد ، وقد أتقن اللغة والعلوم الأدبیّة کلّها ، أنجبت به طرابلس فکان زهرة ریاضها ، ورواء أرباضها ، ثمّ هبط دمشق فکان شاعرها المفلق ، وأدیبها المِدره ، فنشر فی عاصمة الأمویین فضائل العترة الطاهرة بجمان نظمه الرائق ، وطفق یتذمّر علی من ناوأهم أو زواهم عن حقوقهم ، محقِّقاً فیه مذهبه الحقّ ، فبهظ ذلک المتحایدین عن أهل البیت علیهم السلام فوجّهوا إلیه القذائف والطامّات ، وسلقوه بألسنة حداد ، فمن قائل : إنّه کان خبیث اللسان ، وآخر یعزو إلیه التحامل علی الصحابة ، ومن ناسبٍ إلیه الرفض ، ومن مفتعلٍ علیه رؤیا هائلة ، لکن فضله الظاهر لم یدع لهم مُلتحداً عن إطرائه ، وإکبار موقفه فی الأدب بالرغم من کلّ تلکم الهلجات ، وجمع شعره بین الرقّة والقوّة والجزالة ، وازدهی بالسلاسة والانسجام ، وقبل أیِّ مأثرة من مآثره ، إنّه کان أحد حفّاظ القرآن الکریم ، کما ذکره ابن عساکر ، وابن خلّکان ، وصاحب شذرات الذهب.

قال ابن عساکر فی تاریخه (2) (2 / 97) : حفظ القرآن ، وتعلّم اللغة والأدب ، وقال الشعر ، وقدم دمشق فسکنها ، وکان رافضیّا خبیثاً یعتقد مذهب الإمامیّة ، وکان هجّاءً خبیث اللسان یکثر الفحش فی شعره ، ویستعمل فیه الألفاظ العامّیة ، فلمّا کثر 6.

ص: 444


1- طرابلس : بلدة علی ساحل الشام مما یلی دمشق. (المؤلف)
2- تاریخ مدینة دمشق : 6 / 33 رقم 274 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 3 / 306.

الهجو منه سجنه بوری بن طغتکین أمیر دمشق فی السجن مدّة ، وعزم علی قطع لسانه ، فاستوهبه یوسف بن فیروز الحاجب فوهبه له ، وأمر بنفیه من دمشق ، فلمّا ولی ابنه إسماعیل بن بوری عاد إلی دمشق ، ثمّ تغیّر علیه إسماعیل لشیء بلغه عنه فطلبه وأراد صلبه ، فهرب واختفی فی مسجد الوزیر أیّاماً ، ثمّ خرج من دمشق ولحق بالبلاد الشمالیّة ، یتنقل من حماة (1) إلی شیزر وإلی حلب ، ثمّ قدم دمشق آخر قدمة فی صحبة الملک العادل لمّا حاصر دمشق الحصر الثانی ، فلمّا استقرَّ الصلح دخل البلد ورجع مع العسکر إلی حلب فمات بها ، ولقد رأیته غیر مرّة ولم أسمع منه ، فأنشدنی الأمیر أبو الفضل اسما عیل ابن الأمیر أبی العساکر سلطان بن منقذ قال : أنشدنی ابن منیر لنفسه (2):

أخلی فصدَّ عن الحمیمِ وما اختلی

ورأی الحِمامَ یغصُّهُ فتوسّلا

ما کان وادیه بأوّلِ مرتعٍ

ودعت طلاوته طلاه فأجفلا

وإذا الکریمُ رأی الخمولَ نزیلَهُ

فی منزلٍ فالحزمُ أن یترحّلا

کالبدرِ لمّا أن تضاءلَ نورُهُ

طلبَ الکمالَ فحازه متنقّلا

ساهمتَ عیسَکَ مُرَّ عَیشِکَ قاعداً

أفلا فلیتَ بهنّ ناصیةَ الفلا

فارِق تَرقْ کالسیفِ سُلَّ فبان فی

متنَیه ما أخفی القرابُ وأخملا

لا تحسبنَّ ذهابَ نفسک میتةً

ما الموتُ إلاّ أن تعیشَ مذلَّلا (3)

للقفرِ لا للفقرِ هبها إنّما

مغناک ما أغناک أن تتوسّلا

لا ترضَ عن دنیاک ما أدناک من

دنسٍ وکن طیفاً جلا ثمّ انجلی

وصِلِ الهجیرَ بهجرِ قومٍ کلّما

أمطرتهم عسلاً جنوا لک حنظلاف)

ص: 445


1- بلدة شهیرة بینها وبین شیزر نصف یوم ، وبینها وبین دمشق خمسة أیّام للقوافل ، وبینها وبین حلب أربعة أیّام [معجم البلدان : 2 / 300]. (المؤلف)
2- دیوان ابن منیر : ص 102.
3- هذا البیت وبیت واحد بعده ذکرهما ابن خلّکان فی تاریخه : 1 / 51 [1 / 156 رقم 64](المؤلف)

مِن غادرٍ خبُثَتْ مغارسُ ودِّهِ

فإذا محضتَ له الوفاءَ تأوّلا

أو حِلفِ دهرٍ کیف مالَ بوجهِهِ

أمسی کذلک مُدبراً أو مُقبلا

للهِ علمی بالزمانِ وأهلِهِ

ذنبُ الفضیلةِ عندهم أن تکملا

طُبعوا علی لؤمِ الطباعِ فخیرُهمْ

إن قلتَ قال وإن سکتَّ تقوّلا

وفی غیر هذه الروایة زیادة وهی :

أنا من إذا ما الدهر همَّ بخفضِهِ

سامته همّتُه السماکَ الأعزلا

واعٍ خطابَ الخطبِ وهو مجمجمٌ

راعٍ أَکَلَّ العیس مِن عدمِ الکلا

زعمٌ کمنبلجِ الصباحِ وراءَهُ

عزمٌ کحدِّ السیف صادفَ مقتلا

قال الأمینی : والشاعر یصف فی نظمه هذا مناوئیه من أهل زمانه ، الذین نبزوه بالسفاسف ورموه بالقذائف ، ممّن أوعزنا إلیهم فی الترجمة ، وکلّ هجوه من هذا القبیل ، ولذلک کان یثقل علی مهملجة الضغائن والإحن.

وقال ابن عساکر (1) : وأنشد أیضاً له (2):

عَدِمتُ دهراً ولدتُ فیه

کم أشربُ المُرَّ من بنیه

ما تعترینی الهموُم إلاّ

من صاحبٍ کنتُ أصطفیه

فهل صدیقٌ یُباع حتی

بمهجتی کنت أشتریه

یکون فی قلبه مثالٌ

یشبه ما صاغ لی بفیه

وکم صدیقٍ رغبتُ عنه

قد عشتُ حتی رغبتُ فیه

وقال الأمیر أبو الفضل : عمل والدی طستاً من فضّة ، فعمل ابن منیر أبیاتاً کتبت علیه ، من جملتها (3):7.

ص: 446


1- تاریخ مدینة دمشق : 6 / 34 رقم 274.
2- دیوان ابن منیر : ص 127.
3- دیوان ابن منیر : ص 127.

یا صنو مائدةٍ لأکرمِ مُطعِمِ

مأهولة الأرجاء بالأضیافِ

جمعت أیادیه إلیَّ أیادَی ال

أُلاّفِ بعدَ البذلِ للآلافِ

ومن العجائب راحتی من راحةٍ

معروفةِ المعروف بالإتلافِ

ومن محاسن شعره القصیدة التی أوّلها :

من رکّبَ البدرَ فی صدرِ الردینیِ

وموّهَ السحرَ فی حدّ الیمانیِ

وأنزلَ النیّرَ الأعلی إلی فلکٍ

مدارُه فی القباءِ الخسروانیِ

طرْفٌ رنا أم قرابٌ سُلَّ صارمُهُ

وأغیدٌ ماس أم أعطاف خَطیِ

أذلّنی بعد عزٍّ والهوی أبداً

یستعبدُ اللیثَ للظبی الکُناسیِ

وذکر منها ابن خلّکان (1) أیضاً :

أما وذائبِ مسک من ذوائبِه

علی أعالی القضیبِ الخیزرانیِ

وما یُجِنُّ عقیقیّ الشفاه من الری

-ق الرحیقیِّ والثغرِ الجمانیِ

لو قیل للبدر : من فی الأرض تحسدُهُ

إذا تجلّی لقال ابنُ الفلانیِ

أربی علیَّ بشتّی من محاسنِهِ

تألّفت بین مسموعٍ ومرئیِ

إباءُ فارسَ فی لین الشآم مع الظ

-رف العراقیّ والنطق الحجازیِ

وما المدامةُ بالألبابِ أفتکُ من

فصاحةِ البدوِ فی ألفاظِ ترکیِ

ویوجد تمام القصیدة (27) بیتاً فی نهایة الأرب (2) (2 / 23) ، وتاریخ حلب (3) (4 / 234) ، وذکر ابن خلّکان له أیضاً :

أنکرت مقلتُهُ سفکَ دمی

وعلا وجنتَهُ فاعترفتْ3.

ص: 447


1- وفیات الأعیان : 1 / 157 رقم 64.
2- نهایة الأرب : 2 / 239.
3- تاریخ حلب : 4 / 223.

لا تخالوا خالَه فی خدِّه

قطرةً من دم جفنی نقطتْ (1)

ذاک من نارِ فؤادی جذوةٌ

فیه ساخت وانطفت ثمّ طفتْ

وکان بین المترجم وابن القیسرانی (2) مهاجاة ، واتّفق أنّ أتابک عماد الدین زنکی صاحب الشام غنّاه مغنٍّ علی قلعة جعبر وهو یحاصرها قول المترجم :

ویلی من المعرض الغضبان إذ نقل ال

-واشی إلیه حدیثاً کلّه زورُ

سلّمتُ فازورَّ یزوی قوسَ حاجبِهِ

کأنّنی کأسُ خمرٍ وهو مخمورُ

فاستحسنها زنکی وقال : لمن هذه؟ فقیل : لابن منیر وهو بحلب فکتب إلی والی حلب یسیّره إلیه سریعاً ، فسیّره ، فلیلةَ وصل ابن منیر قُتل أتابک زنکی ، فعاد ابن منیر صحبة العسکر إلی حلب ، فلمّا دخل قال له ابن القیسرانی : هذه بجمیع ما کنت تبکتنی به.

کان شاعرنا المترجم عند أُمراء بنی منقذ بقلعة شَیزَر ، وکانوا مقبلین علیه ، وکان بدمشق شاعرٌ یقال له : أبو الوحش ، وکانت فیه دعابة وبینه وبین أبی الحکم عبید الله (3) مُداعبات ، فسأل منه کتاباً إلی ابن منیر بالوصیّة علیه ، فکتب أبو الحکم :

أبا الحسین اسمع مقالَ فتیً

عوجلَ فیما یقول فارتجلا

هذا أبو الوحش جاء ممتدحاً

للقومِ فاهنأ به إذا وصلاف)

ص: 448


1- فی وفیات الأعیان : نطَفَت.
2- شرف الدین أبو عبد الله محمد بن نصر الخالدی الحلبی الشاعر الفذّ المتوفّی بدمشق (548 (المؤلف)
3- هو أبو الحکم عبید الله بن المظفّر المغربی ، الشاعر المتضلّع فی الأدب والطبّ والهندسة ، له أشیاء مُستملَحة منها مقصورة هزلیّة ضاهی بها مقصورة ابن دُرید ، وُلِد بالیمن سنة (486) وتوفّی بدمشق سنة (549). توجد ترجمته فی تاریخ ابن خلّکان : 1 / 295 [3 / 123 رقم 359] ، ونفح الطیب : 1 / 385 [2 / 337 رقم 75] وغیرهما. (المؤلف)

واتلُ علیهم بحسنِ شرحِکَ ما

أنقله من حدیثِهِ جُمَلا

وخبِّرِ القومَ أنّه رجلٌ

ما أبصرَ الناسُ مثلَه رجلا

ومنها :

وهو علی خفّةٍ به أبدا

معترفٌ أنّه من الثُّقَلا

یمتُّ بالثلبِ والرقاعةِ والس

-خفِ وأمّا بغیرِ ذاک فلا

إن أنت فاتحته لتخبر ما

یصدر عنه فتحتَ منه خلا

فنبِّه إن حلَّ خطّة الخسف وال

-هون ورحِّب به إذا رحلا

واسقه السمّ إن ظفرتَ به

وامزج له من لسانِکَ العسلا (1)

وذکر النویری له فی نهایة الأرب (2) (ج 2):

لاح لنا عاطلاً فصیغ له

مناطقٌ من مراشقِ المُقَلِ

حیاةُ روحی وفی لواحظِهِ

حتفیَ بین النشاطِ والکسلِ

ما خاله من فتیتِ عنبرِ صُد

غیه ولا قطرِ صبغةِ الکحلِ

لکن سویداءُ قلبِ عاشقِهِ

طفت علی نارِ وردةِ الخجلِ

وله فی النهایة (3) أیضاً :

کأنّ خدّیه دیناران قد وُزنا

وحرّر الصیرفیُّ الوزنَ واحتاطا

فخفَّ إحداهما عن وزنِ صاحبِهِ

فحطَّ فوق الذی قد خفَّ قیراطا

وله فی بدائع البدائه (1 / 24) فی صبیٍّ صبیح سرّاج یُسمّی یوسف ، قوله :

یا سمیَّ المُتاحِ فی ظلمةِ الج

-بّ لمن ساقه القضاء إلیها4.

ص: 449


1- نفح الطیب : 1 / 358 [2 / 338]. (المؤلف)
2- نهایة الأرب : 2 / 93.
3- نهایة الأرب : 2 / 94.

والذی قطّعَ النساءُ له الأی

-دی ومکّنَّ حبلَهُ من یدیها

لک وجه میاسمُ الحسنِ فیه

سکّةٌ تُطبعُ البدورُ علیها

کتب ابن منیر للقاضی أبی الفضل هبة الله المتوفّی (562) یلتمس منه کتاب الوساطة بین المتنبّی وخصومه تألیف القاضی علیّ بن عبد العزیز الجرجانی ، وکان قد وعده به :

یا حائزاً غایَ کلِّ فضیلةٍ

تضلُّ فی کنهِهِ الإحاطه

ومن ترقّی إلی محلٍ

أحکَم فوق السهی مناطه

إلی متی أُسْعَطُ التمنّی

ولا تری المنّ بالوساطه

وُلد المترجم ابن منیر سنة ثلاث وسبعین وأربعمائة بطرابلس ، وتوفّی فی جمادی الآخرة سنة ثمان وأربعین وخمسمائة - عند جلِّ المؤرِّخین - بحلب ، ودفن فی جبل جوشن (1) بقرب المشهد الذی هناک ، قال ابن خلّکان (2) : زرت قبره ورأیت علیه مکتوباً :

من زار قبری فلیکن موقناً

أنّ الذی ألقاهُ یلقاهُ

فیرحمُ اللهُ امرءاً زارنی

وقال لی یرحمُکَ اللهُ

ثمّ وجدت فی دیوان أبی الحکم عبید الله أنّ ابن منیر توفّی بدمشق فی سنة سبع وأربعین ، ورثاه بأبیات علی أنّه مات بدمشق ، وهی هزلیّة علی عادته ، ومنها : 4.

ص: 450


1- جوشن جبل فی غربی حلب ، ومنه کان یحمل النحاس الأحمر وهو معدنه ، ویقال : إنّه بَطُل منذ عبر سبی الحسین بن علیّ رضی الله عنه ونساؤه ، وکانت زوجة الحسین حاملاً فأسقطت هناک ، فطلبت من الصنّاع فی ذلک الجبل خبزاً وماء فشتموها ومنعوها ، فدعت علیهم ، فمن الآن من عمل فیه لا یربح ، وفی قبلیّ الجبل مشهد یعرف بمشهد السقط ، ویسمّی مشهد الدکّة ، والسقط یسمی محسن بن الحسین رضی الله عنه. معجم البلدان : 3 / 173 [2 / 186]. (المؤلف)
2- وفیات الأعیان : 1 / 159 رقم 64.

أَتَوا به فوق أعوادٍ تسیّرُهُ

وغسّلوه بشطّی نهرِ قلّوطِ

وأسخنوا الماءَ فی قِدرٍ مرصّعةٍ

واشعلوا تحته عیدانَ بلّوطِ

وعلی هذا التقدیر فیحتاج إلی الجمع بین هذین الکلامین ، فعساه أن یکون قد مات فی دمشق ثمّ نقل إلی حلب فدفن بها. انتهی.

وأمّا أبو المترجم - المنیر - فکان شاعراً کجدِّه - المفلح - کما فی نسمة السحر (1) ، وکان منشداً لشعر العونی ، ینشد قصائده فی أسواق طرابلس کما ذکر ابن عساکر فی تاریخ الشام (2) (2 / 97) ، وبما أنّ العونی من شعراء أهل البیت علیهم السلام ولم یؤثر عنه شیء فی غیرهم ، وکان منشده الشیعیّ هذا یهتف بها فی أسواق طرابلس وفیها أخلاطٌ من الأُمم والأقوام کانوا یستثقلون نشر تلکم المآثر بملإ من الأشهاد ، وبالرغم من غیظهم الثائر فی صدورهم ؛ لذلک ما کان یسعهم مجابهته والمکاشفة معه علی منعه لمکان من یجنح إلی العترة الطاهرة هنالک ، فعملوا بالمیسور من الوقیعة فیه من أنّه کان یغنّی بها فی الأسواق ، کما وقع فی لفظ ابن عساکر وقال : کان منشداً ینشد أشعار العونی فی أسواق طرابلس ویغنّی. وأسقط ابن خلکان ذکر العونی وإنشاد المنیر لشعره ، فاکتفی بأنّه کان یغنّی فی الأسواق - زیادة منه فی الوقیعة - وعلماً بأنّه لو جاء بذکر العونی وشعره لعرف المنقِّبون بعده مغزی کلامه کما عرفناه ، وعلم أنّ ذلک الشعر لا یُغنّی به بل تُقرّط به الآذان لإحیاء روح الإیمان وإرحاض معرّة الباطل.

توجد ترجمة ابن منیر فی کثیر من المعاجم وکتب السیر ، منها (3): ،

ص: 451


1- نسمة السحر : مج 6 / ج 1 / 40.
2- تاریخ مدینة دمشق : 6 / 32 رقم 274 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 3 / 306.
3- وفیات الأعیان 1 / 156 رقم 64 ، الأنساب : 1 / 183 ، تاریخ مدینة دمشق : 6 / 32 رقم 274 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 3 / 306 ، البدایة والنهایة : 12 / 288 حوادث سنة 548 ه ، مجالس المؤمنین 2 / 537 ، أمل الآمل : 1 / 35 رقم 28 ، شذرات الذهب : 6 / 241 حوادث سنة 548 ه ،

تاریخ ابن خلّکان (1 / 51) ، الخریدة للعماد الکاتب ، الأنساب للسمعانی (1) ، المنتظم لابن الجوزی تاریخ ابن عساکر (2 / 97) ، مرآة الجنان (3 / 287) ، تاریخ ابن کثیر (12 / 231) ، مجالس المؤمنین (ص 456) ، أمل الآمل لصاحب الوسائل ، شذرات الذهب (4 / 146) ، نسمة السحر فی الجزء الأوّل ، روضات الجنّات (ص 72) ، أعلام الزرکلی (1 / 81) ، تاریخ آداب اللغة (3 / 20) ، دائرة المعارف للبستانی (1 / 709) ، تاریخ حلب (4 / 231). ف)

ص: 452


1- قال : أدرکته حیّا بالشام وکان قد نزل شیراز فی آخر عمره. قال الأمینی : شیراز تصحیف شیزر ، وهی تشتمل علی کورة بالشام قرب المعرّة. وقال : توفّی فی حدود سنة (540) وهو کما تری. (المؤلف)

46 - القاضی ابن قادوس

المتوفّی (551)

یا سیّد الخلفاء طرّا

بدوهم والحضرِ

إنْ عظّموا ساقی الحجی

-ج فأنتَ ساقی الکوثرِ

أنت الإمامُ المرتضی

وشفیعُنا فی المحشرِ (1)

وولیُّ خیرةِ أحمدٍ

وأبو شبیرَ وشبّرِ

والحائُزُ القصباتِ فی

یومِ الغدیرِ الأزهرِ

والمطفیءُ الغوغا بب

-درٍ والنضیرِ وخیبرِ (2)

الشاعر

القاضی جلال الدین أبو الفتح محمود ابن القاضی إسماعیل بن حمید الشهیر بابن قادوس الدمیاطی المصری ، أحد عباقرة الأدب ، وقدٌّ من صیارفة البیان ، مقدّم فی حلبة القریض کاتب الإنشاء بالدیار المصریّة للعلویّین ، وتصدّر بالقضاء ، جمع بین فضیلتی العلم والأدب ، فعُدَّ من أئمّة البیان الرائع الذین جعلوا من رسائلهم الخلافیة2.

ص: 453


1- مناقب ابن شهرآشوب [2 / 83]. (المؤلف)
2- أعیان الشیعة : 10 / 102.

والدیوانیّة نماذج من الفصاحة الباهرة ، تلمّذ علیه القاضی الفاضل (1) ، وکان یسمّیه ذا البلاغتین - الشعر والنثر - له دیوان شعر فی مجلّدین ، توفِّی بمصر سنة خمسمائة وإحدی وخمسین (2).

ذکر ابن خلّکان فی تاریخه (3) قوله فی القاضی الرشید (4) - وکان أسود اللون - :

یا شبهَ لقمانَ بلا حکمةٍ

وخاسراً فی العلم لا راسخاً

سلختَ أشعارَ الوری کلّها

فصرتَ تُدعی الأسودَ السالخا

حکی الحموی فی معجم الأدباء (4 / 60) قال : اجتمع لیلة عند الصالح بنرُزّیک جماعة من الفضلاء ، فألقی علیهم مسألة فی اللغة فلم یجب عنها بالصواب سوی القاضی الرشید ، فقال : ما سُئلت قطّ فی مسألة إلاّ وجدتُنی أتوقّد فهماً ، فقال ابن قادوس وکان حاضراً :

إنْ قلتَ منْ نارٍ خُلق

-تُ وفُقتُ کلَّ الناسِ فهما

قلنا صدقتَ فما الذی

أطفاک حتی صرتَ فحما

وذکر له ابن کثیر فی تاریخه (5) فیمن یکرِّر التکبیر ویوسوس فی نیّة الصلاة :

وفاترُ النیّةِ عنِّینُها

مع کثرةِ الرعدة والهمزةِ.

ص: 454


1- أبو علیّ عبد الرحیم بن علیّ البیساقی ثمّ المصری ، أحد أئمّة البلاغة. ولد سنة (529) وتوفّی (596). (المؤلف)
2- تاریخ ابن کثیر : 12 / 235 [12 / 293 حوادث سنة 551 ه] ، الحاکم بأمر الله ص 234 ، الأعلام : 3 / 1011 [7 / 166 وفیه أنّه توفّی سنة 553 ه]. (المؤلف)
3- وفیات الأعیان : 1 / 163 رقم 65.
4- أبو الحسن أحمد بن علی بن إبراهیم بن محمد بن الحسین بن الزبیر المصری ، المقتول سنة (563). (المؤلف)
5- البدایة والنهایة : 12 / 293 حوادث سنة 551 ه.

یکبِّر التسعینَ فی مرّةٍ

کأنّه صلّی علی حمزةِ (1)

وذکر له المقریزی فی الخطط (2) (2 / 298) فی ذکر قلعة الروضة المعروفة بالجزیرة

أری سرحَ الجزیرةِ من بعیدٍ

کأحداقٍ تغازلُ فی المغازلْ

کأن مجرّة الجوزا أحاطتْ

وأثبتتِ المنازلَ فی المنازلْ

ومن شعره فی المذهب کما فی مناقب ابن شهرآشوب (3) ، قوله :

هی بیعةُ الرضوانِ أبرمَها التقی

وأنارها النصُّ الجلیُّ وألحما

ما اضطرَّ جدّک فی أبیک وصیّةً

وهو ابن عمّ أن یکون له انتمی

وکذا الحسینُ وعن أخیه حازها

وله البنون بغیرِ خُلفٍ منهما

وله فی الإمام زین العابدین علیه السلام :

أنت الإمامُ الآمرُ العدلُ الذی

خببَ البُراقَ لجدِّه جبریلُ

الفاضلُ الأطرافِ لم یُرَ فیهمُ

إلاّ إمامٌ طاهرٌ وبتولُ

أنتم خزائنُ غامضاتِ علومِهِ

وإلیکمُ التحریمُ والتحلیلُ

فعلی الملائکِ أن تؤدّی وحیَهُ

وعلیکمُ التبیینُ والتأویلُ (4)

ذکر سیّدنا الأمین فی أعیان الشیعة (5) (17 / 332) ابن قادوس المصری ، وقال : ذکرنا فی (6 / 93) أنّا لم نعرف اسمه ، وذکرنا فی (13 / 206) أنّ اسمه محمود 0.

ص: 455


1- إشارة إلی ما ورد فی صلاة النبی صلّی الله علیه واله وسلم علی حمزة سیّد الشهداء یوم أحد من أنّه علیه السلام کبّر فیها سبعین أو اثنتین وتسعین تکبیرة. (المؤلف)
2- الخطط والآثار : 2 / 183.
3- مناقب آل أبی طالب : 4 / 54.
4- مناقب آل أبی طالب : 4 / 144.
5- أعیان الشیعة : 3 / 298 ، 2 / 270.

ابن إسماعیل بن قادوس الدمیاطی المصری ، اعتماداً علی ما وجدناه فی الطلیعة للعلاّمة السماوی من نسبة الشعر الذی فی المناقب إلیه ، ثمّ وجدنا فی کتاب شذرات الذهب (1) فی حوادث سنة (639) ما صورته : وفیها توفّی النفیس ابن قادوس القاضی أبو الکرم أسعد بن عبد الغنی العدوی. فرجّحنا أن یکون هو الذی نسب إلیه ابن شهرآشوب الشعر الصریح فی تشیّعه ، وترجمناه فی مستدرکات هذا الجزء (ص 468) ، وسبب الترجیح وصفه بالقاضی فی المناقب ، والذی کان قاضیاً بنصِّ المناقب والشذرات هو أسعد لا محمود ، ومحمود إنّما کان کاتباً للعلویّین بنصِّ الطلیعة ، لکن یبعده أنّ صاحب المناقب مات سنة (588) وأسعد مات سنة (639) - بعده بإحدی وخمسین سنة - غیر أنّه یمکن نقله عنه لأنّ أسعد عاش (96) سنة.

قال الأمینی : ما ذکره شیخنا صاحب الطلیعة هو الصواب. وقد خفی علی سیّدنا الأمین أمور :

الأوّل : کون أبی الفتح ابن قادوس المترجم قاضیاً وقد ذکره معاصره القاضی الرشید المقتول (563) فی کتابه جنان الجنان وریاضة الأذهان ، ونقله عنه صاحب تاریخ حلب (2) (4 / 133) ، ووصفه بذلک المقریزی فی الخطط (3) (2 / 306) ، والدکتور عبد اللطیف حمزة فی کتابه : الحرکة الفکریّة فی مصر (ص 271).

والثانی : أنّ المعروف بابن قادوس هو محمود شاعرنا لا أسعد ، فإنّه یُعرف بالقاضی النفیس لا بابن قادوس.

الثالث : أنّ القاضی النفیس لم یُذکر قطُّ بالأدب والشعر فی أیّ معجم ، والذی یُذکر شعره فی المعاجم ویُعرف بدیوانه المجلّدین أبو الفتح ابن قادوس مترجمنا. والله من ورائهم محیط.1.

ص: 456


1- شذرات الذهب : 7 / 351.
2- إعلام النبلاء : 4 / 128.
3- الخطط والآثار : 1 / 441.

47 - الملک الصالح

ولد (495)

استشهد (556)

- 1 -

سقی الحمی ومحلاّ کنت أعهدهُ

حیا بحورٍ بصوبِ المزنِ أجودُهُ

فإن دنا الغیثُ واستسقت مرابعُه

ریّا فدمعیَ بالتسکاب ینجدُهُ

ویقول فیها :

یا راکبَ الغیِّ دع عنک الضلال فه

-ذا الرشدُ بالکوفةِ الغرّاءِ مشهدُهُ

من رُدّتِ الشمسُ من بعدِ المغیبِ له

فأدرکَ الفضلَ والأملاک تشهدُهُ

ویومَ خمِّ وقد قال النبیُّ له

بین الحضورِ وشالت عضدَهُ یدُهُ

من کنت مولیً له هذا یکون له

مولیً أتانی به أمرٌ یؤکّدُهُ

من کان یخذله فاللهُ یخذلُه

أو کان یعضدُهُ فاللهُ یعضدُهُ

والباب لمّا دحاهُ وهو فی سغبٍ

من الصیامِ وما یخفی تعبّدُهُ

وقلقل الحصنَ فارتاعَ الیهودُ له

وکان أکثرُهمْ عمداً یفنِّدُهُ

نادی بأعلی السما جبریلُ ممتدحاً

هذا الوصیُّ وهذا الطهرُ أحمدُهُ

وفی الفراتِ حدیثٌ إذ طغی فأتی

کلٌّ إلیه لخوف الهُلْکِ یقصدُهُ

ص: 457

فقال للماء غِضْ طوعاً فبانَ لهمْ

حصباؤه حین وافاهُ یهدِّدُهُ (1)

- 2 -

وله من قصیدة یوجد منها (57) بیتاً یمدح بها أمیر المؤمنین علیه السلام :

وفی مواقف لا یُحصی لها عددٌ

ما کان فیها برعدیدٍ ولا نکلِ

کم کربةٍ لأخیه المصطفی فُرجت

به وکان رهین الحادثِ الجللِ

کم بین من کان قد سنَّ الهروبَ ومن

فی الحربِ إن زالتِ الأجبالُ لم یزُلِ

فی هل أتی بیّنَ الرحمنُ رتبتَهُ

فی جودِهِ فتمسّکْ یا أخی بهلِ

علیُّ قال اسألونی کی أُبینَ لکم

علمی وغیرُ علیٍّ ذاکَ لم یَقُلِ

بل قال لستُ بخیرٍ إذ ولیتکمُ

فقوِّمونی فإنّی غیرُ معتدلِ

إن کان قد أنکرَ الحسّادُ رتبتَهُ

فقد أقرَّ له بالحقِّ کلُّ ولی

وفی الغدیرِ له الفضلُ الشهیرُ بما

نصَّ النبیُّ له فی مجمعٍ حَفِلِ

- 3 -

قال من قصیدة ذات (44) بیتاً ، أوّلها :

لا تبکِ للجیرة السارین فی الظعنِ

ولا تعرّجْ علی الأطلالِ والدِّمَنِ

فلیسَ بعد مشیبِ الرأسِ من غزلٍ

ولا حنینٍ إلی إلفٍ ولا سَکَنِ

وتُبْ إلی اللهِ واستشفعْ بخیرتِهِ

من خلقِهِ ذی الأیادی البیضِ والمِنَنِ

محمدٌ خاتمُ الرسلِ الذی سبقت

به بشارةُ قُسٍّ وابنِ ذی یزنِ

ویقول فیها :

فاجعله ذخرَکَ فی الدارینِ معتصماً

له وبالمرتضی الهادی أبی الحسنِف)

ص: 458


1- القصیدة (39) بیتاً یوجد شطر منها فی مناقب ابن شهرآشوب [3 / 40] ، والصراط المستقیم للبیاضی [1 / 311] ، وذکرها برمّتها العلاّمة السیّد أحمد العطّار فی کتابه : [الرائق من أشعار الخلائق]. (المؤلف)

وصیِّه ومواسیِهِ وناصرِه علی

أعادیهِ من قیسٍ ومن یمنِ

أوصی النبیُّ إلیه لا إلی أحدٍ

سواه فی خمِّ والأصحابُ فی عَلَنِ

فقال هذا وصیّی والخلیفةُ من

بعدی وذو العلم بالمفروضِ والسننِ

قالوا سمعنا فلمّا أن قضی غدروا

والطهرُ أحمدُ ما وارَوْهُ فی الجَبَنِ

- 4 -

وله من قصیدة (27) بیتاً :

أنا من شیعةِ الإمامِ علیِ

حربُ أعدائه وسلمُ الولیِ

أنا من شیعةِ الإمامِ الذی ما

مالَ فی عمرِهِ لفعلٍ دنیِ

أنا عبدٌ لصاحب الحوض ساقی

من توالی فیه بکأسٍ رویِ

أنا عبدٌ لمن أبان لنا المش

-کلَ فارتاضَ کلَّ صعبٍ أبیِ

والذی کبّرتْ ملائکةُ الله لهِ

عند صرعة العامریِ

الإمامُ الذی تخیّره الله

بلا مریة أخاً للنبیِ

قسماً ما وقاه بالنفس لمّا

بات فی الفرش عنه غیر علیِ

ولعمری إذ حلَّ فی یوم خمٍ

لم یکن موصیاً لغیرِ الوصیِ

- 5 -

وله من قصیدة ذات (41) بیتاً مطلعها :

ما کانَ أوّلَ تائهٍ بجمالِهِ

بدرٌ منالُ البدرِ دونَ منالهِ

متباینٌ فالعدلُ من أقوالِهِ

لیغرَّنا والجورُ من أفعالهِ

صرعَ الفؤادَ بسحرِ طرفٍ فاترٍ

حتی دنا فأصابه بنبالهِ

متعوِّدٌ للرمی حاجبُهُ غدا

من قسْیِهِ واللحظُ بعضُ نصالهِ

ما بلبلَ الأصداغَ فوق عِذارِهِ

إلاّ انطوی قلبی علی بِلبالهِ

یبغی مغالطةَ العیونِ بها لکی

یخفی عقاربه مدبَّ صلالهِ

ص: 459

ویظلُّ من ثقل الغلالةِ یشتکی

ما یشتکیه القلب من أغلالهِ

جعل السهادَ رقیبَ عینی فی الدجی

کی لا تری فی النومِ طیفَ خیالهِ

وحفظتُ فی یدیَ الیمینِ ودادَهُ

جَهدی وضیّع مهجتی بشمالهِ

وأباحَ حسّادی مواردَ سمعِهِ

وحمیتُ وردَ السمعِ عن عذّالهِ

أغراه تأنیسی له بنفاره

عنّی وإذلالی بفرط دلالهِ

ولربّما عاتبته فیقول لی

قولاً یکذِّبه بفتحِ فعالهِ

کمعاشرٍ أخذ النبیُّ عهودَهُمْ

واستحسنوا الغدرَ الصراحَ بآلهِ

خانوه فی أموالِهِ وزروا علی

أفعالِهِ وعصوه فی أقوالهِ

هذا أمیرُ المؤمنین ولم یکنْ

فی عصرِهِ من حاز مثلَ خصالهِ

العلمُ عند مقالِه والجودُ حی

-نَ نوالِهِ والبأسُ یومَ نزالهِ

وأخوه من دون الوری وأمینه

قِدماً علی المخفیِّ من أحوالهِ

وصّاهُمُ بولایةٍ فکأنّما

وصّاهمُ بخلافِهِ وقتالهِ

واستنقصوا الدین الحنیفَ بکتمهمْ

یومَ الغدیرِ وکان یومَ کمالهِ

أخذنا هذه القصائد من کتاب الرائق لسیّدنا العلاّمة السیّد أحمد العطّار ، وقد ذکر فیه شطراً مهمّا من شعر الملک الصالح فی العترة الطاهرة ، ولعلّه جلّ ما فیهم.

الشاعر

أبو الغارات الملک الصالح فارس المسلمین نصیر الدین طلائع بن رزّیک بن الصالح الأرمنی (1) أصله من الشیعة الإمامیّة فی العراق ، کما فی أعلام الزرکلی (2).8.

ص: 460


1- بکسر الهمزة وکسر المیم نسبة إلی أرمینیة علی غیر قیاس ، وهی اسم لصقع عظیم واسع. (المؤلف) [قال یاقوت فی معجم البلدان : 1 / 160 : إرمینیة بکسر أوله وبفتح ... والنسبة إلیها أرمِنی علی غیر قیاس ، بفتح الهمزة وکسر المیم].
2- الأعلام : 3 / 228.

وهو من أقوام جمع الله سبحانه لهم الدنیا والدین ، فحازوا شرف الدارین ، وحُبوا بالعلم الناجع والإمرة العادلة ، بینا هو فقیه بارع کما فی خواصِّ العصر الفاطمی ، وأدیب شاعر مجید کما طفحت به المعاجم ، فإذا به ذلک الوزیر العادل تزدهی القاهرة بحسن سیرته ، وتعیش الأمّة المصریّة بلطف شاکلته ، وتزدان الدولة الفاطمیّة بأخذه بالتدابیر اللازمة فی إقامة الدولة ، وسیاسة الرعیّة ، ونشر الأمن ، وإدامة السلام ، وکان کما قال الزرکلی فی الأعلام (1) : وزیراً عصامیّا یعدُّ من الملوک ، ولقّب بالملک الصالح ، وقد طابق هذا اللفظ معناه کما یُنبئک عنه تاریخه المجید ، فلقد کان صالحاً بعلمه الغزیر وأدبه الرائق ، صالحاً بعدله الشامل وورعه الموصوف ، صالحاً بسیاسته المرضیّة وحسن مداراته مع الرعیّة ، صالحاً بسیبه الهامر ونداه الوافر ، صالحاً بکلّ فضائله وفواضله دینیّة ودنیویّة ، وقبل هذه کلّها تفانیه فی ولاء أئمة الدین علیهم السلام ونشر مآثرهم ودفاعه عنهم بفمه وقلمه ونظمه ونثره ، وکان یجمع الفقهاء ویناظرهم فی الإمامة والقدَر ، وکان فی نصر التشیّع کالسکّة المحماة ، کما فی الخطط (2) والشذرات (3).

وله کتاب الاعتماد (4) فی الردّ علی أهل العناد ، یتضمّن إمامة أمیر المؤمنین علیه السلام والکلام علی الأحادیث الواردة فیها ، ودیوانه مجلّدان فیه کلّ فنٍّ من الشعر ، وقد شرح سعید بن مبارک النحوی الکبیر المتوفّی سنة (569) بیتاً من شعر المترجم فی عشرین کرّاساً ، وکان الأدباء یزدلفون إلی دسته کلّ لیلة ویدوِّنون شعره ، والعلماء یَفدون إلیه من کلّ فجٍّ فلا یخیب أمل آمل منهم ، وکان یحمل إلی العلویین فی المشاهد المقدّسة کلّ سنة أموالاً جزیلةً ، وللأشراف من أهل الحرمین ما یحتاجون إلیه من ف)

ص: 461


1- الأعلام : 3 / 228.
2- الخطط والآثار : 2 / 294.
3- شذرات الذهب : 6 / 296 حوادث سنة 556 ه.
4- فی شذرات الذهب : الاجتهاد. (المؤلف)

کسوة وغیرها حتی ألواح الصبیان التی یکتب فیها والأقلام وأدوات الکتابة. ووقف ناحیة المقس (1) لأن یکون ثلثاها علی الأشراف من بنی الحسنین السبطین الإمامین علیهما السلام ، وتسعة قراریط (2) منها علی أشراف المدینة النبویّة المنوّرة ، وجعل قیراطاً علی مسجد أمین الدولة ، وأوقف بلقس بالقلیوبیّة وبرکة الحبش (3) ، وجدّد الجامع بالقرافة الکبری ، وبنی الجامع الذی علی باب زویلة بظاهر القاهرة ویسمّی بجامع الصالح ، ولم یترک غزو الإفرنج مدّة حیاته فی البرّ والبحر ، فکانت بُعوثه إلیهم تتری فی کلّ سنة (4) ، ولم یزل له صدر الدست وذری الفخر ونفوذ الأمر وعرش الملک حتی اختار الله تعالی له علی ذلک کلّه الفوز بالشهادة ، وقُتل غیلةً فی دهلیز قصره سنة (556) یوم الإثنین (19) شهر الصیام ، ودُفن فی القاهرة بدار الوزارة ، ثمّ نقله ولده العادل إلی القرافة الکبری.

کلمات حول المترجم :

1 - قال ابن الأثیر فی الجزء الحادی عشر من تاریخه الکامل (5) (ص 103) : فی هذه السنة - یعنی سنة (556) - فی شهر رمضان قُتل الملک الصالح وزیر العاضد العلوی صاحب مصر ، وکان سبب قتله أنّه تحکّم فی الدولة التحکّم العظیم ، واستبدَّ بالأمر والنهی وجبایة الأموال إلیه لصغر العاضد ، ولأنّه هو الذی ولاّه ووتر الناس ، فإنّه أخرج کثیراً من أعیانهم وفرّقهم فی البلاد لیأمن وثوبهم علیه ، ثم إنّه زوّج ابنته .

ص: 462


1- بفتح المیم ثمّ السکون ، کان قبل الإسلام یسمّی أم دنین. (المؤلف)
2- فی الخطط والآثار : 2 / 294 : سبعة قراریط.
3- قال الحموی : هی أرض فی وهدة من الأرض واسعة طولها نحو میل مشرفة علی نیل مصر خلف القرافة ، وقف علی الأشراف [معجم البلدان : 1 / 401]. (المؤلف)
4- الخطط : 4 / 81 ، 324 [2 / 294 ، 447] ، تحفة الأحباب للسخاوی : ص 176 [ص 155 ، 159]. (المؤلف)
5- الکامل فی التاریخ : 7 / 157 حوادث سنة 556 ه.

من العاضد فعاداه أیضاً الحرم من القصر ، فأرسلت عمّة العاضد الأموال إلی الأمراء المصریّین ودعتهم إلی قتله ، وکان أشدَّهم علیه فی ذلک إنسانٌ یُقال له ابن الراعی ، فوقفوا له فی دهلیز القصر ، فلمّا دخل ضربوه بالسکاکین علی دهش فجرحوه جراحات مهلکة ، إلاّ أنّه حُمل إلی داره وفیه حیاةٌ ، فأرسل إلی العاضد یُعاتبه علی الرضا بقتله مع أثره فی خلافته ، فأقسم العاضد أنّه لا یعلم بذلک ولم یرضَ به. فقال : إن کنت بریئاً فسلِّم عمّتک إلیَّ حتی أنتقم منها ، فأمر بأخذها فأرسل إلیها فأخذها قهراً وأُحضرت عنده فقتلها ووصّی بالوزارة لابنه رزّیک ولقّب العادل ، فانتقل الأمر إلیه بعد وفاة أبیه. وللصالح أشعارٌ حسنةٌ بلیغةٌ تدلُّ علی فضل غزیر ، فمنها فی الافتخار :

أبی اللهُ إلاّ أن یدومَ لنا الدهرُ

ویخدمُنا فی ملکنا العزُّ والنصرُ

علمنا بأنّ المالَ تفنی ألوفُه

ویبقی لنا من بعدِه الأجرُ والذکرُ

خلطنا الندی بالبأسِ حتی کأنّنا

سحابٌ لدیه البرقُ والرعدُ والقطرُ

قِرانا إذا رحنا إلی الحربِ مرّةً

قِرانا ومن أضیافِنا الذئبُ والنسرُ

کما أنّنا فی السلمِ نبذلُ جودَنا

ویرتعُ فی إنعامنا العبدُ والحرُّ

وکان الصالح کریماً فیه أدب وله شعر جیّد ، وکان لأهل العلم عنده اتِّفاق ویرسل إلیهم العطاء الکثیر ، بلغه أنّ الشیخ أبا محمد بن الدهّان النحوی البغدادی المقیم بالموصل قد شرح بیتاً من شعره ، وهو هذا :

تجنّبَ سمعی ما یقولُ العواذلُ

وأصبح لی شغلٌ من الغزوِ شاغلُ

فجهّز إلیه هدیّة سنیّة لیرسلها إلیه فقُتل قبل إرسالها ، وبلغه أیضاً أنّ إنساناً من أعیان الموصل قد أثنی علیه بمکّة فأرسل إلیه کتاباً یشکره ومعه هدیّة ، وکان الصالح إمامیّا لم یکن علی مذهب العلویّین المصریّین ، ولمّا ولی العاضد الخلافة ورکب

ص: 463

سمع الصالح ضجّة عظیمة ، فقال : ما الخبر؟ فقیل : إنّهم یفرحون. فقال : کأنّی بهؤلاء الجهلة وهم یقولون : ما مات الأوّل حتی استخلف هذا. وما علموا أنّنی کنت من ساعة استعرضهم استعراض الغنم. قال عمارة (1) : دخلت علی الصالح قبل قتله بثلاثة أیّام فناولنی قرطاساً فیه بیتان من شعر وهما :

نحن فی غفلةٍ ونومٍ وللمو

ت عیونٌ یقظانةٌ لا تنامُ

قد رحلنا إلی الحِمام سنِیناً

لیت شعری متی یکون الحِمامُ

فکان آخر عهدی به.

وقال عمارة أیضاً : ومن عجیب الاتِّفاق أنَّنی أنشدت ابنه قصیدة أقول فیها :

أبوک الذی تسطو اللیالی بحدِّهِ

وأنت یمینٌ إن سطا وشمالُ

لرتبتِهِ العظمی وإن طال عمرُه

إلیک مصیرٌ واجبٌ ومنالُ

تخالصُک اللحظُ المصونُ ودونها

حجابٌ شریفُ لا انقضی وحجالُ

فانتقل الأمر إلیه بعد ثلاثة أیّام.

2 - وقال ابن خلّکان فی تاریخه (2) (1 / 259) : دخل الصالح إلی القاهرة وتولّی الوزارة فی أیّام الفائز ، واستقلَّ بالأمور وتدبیر أحوال الدولة ، وکان فاضلاً محبّا لأهل الفضائل ، سمحاً فی العطاء ، سهلاً فی اللقاء ، جیّد الشعر ، ومن شعره :

کم ذا یُرینا الدهرُ من أحداثِهِ

عِبَراً وفینا الصدُّ والإعراضُ

ننسی المماتَ ولیس یجری ذکرُهُ

فینا فَتُذکِرُنا به الأمراضُ

ومنه أیضاً :

ومهفهفٍ ثملِ القوامِ سرت إلی

أعطافه النشواتُ من عینیهِ1.

ص: 464


1- أحد شعراء الغدیر فی القرن السادس ، یأتی شعره وترجمته فی هذا الجزء. (المؤلف)
2- وفیات الأعیان : 2 / 526 رقم 311.

ماضی اللحاظِ کأنّما سلّت یدی

سیفی غداةَ الروعِ من جفنیهِ

قد قلتُ إذ خطَّ العذارُ بمسکِه

فی خدِّه ألفیه لا لامیهِ

ما الشعر دبَّ بعارضیه وإنّما

أصداغُه نفضت علی خدّیهِ

الناسُ طوعُ یدی وأمری نافذٌ

فیهم وقلبی الآنَ طوعُ یدیهِ

فاعجب بسلطانٍ یعمُّ بعدلِهِ

ویجورُ سلطانُ الغرامِ علیهِ

والله لو لا اسمُ الفرارِ وإنّه

مستقبحٌ لفررتُ منه إلیهِ

وأنشده لنفسه بمصر :

مشیبُکَ قد نضا صبغَ الشبابِ

وحلَّ البازُ فی وکرِ الغرابِ

تنامُ ومقلةُ الحدثان یقظی

وما نابُ النوائبِ عنک نابِ

وکیف بقاءُ عمرِکَ وهو کنزٌ

وقد انفقتَ منه بلا حسابِ

وکان المهذّب عبد الله بن أسعد الموصلی نزیل حمص قد قصده من الموصل ومدحه بقصیدته الکافیّة التی أوّلها :

أما کفاکَ تلاقی فی تلاقیکا

ولستَ تنقمُ إلاّ فرطَ حبّیکا

وفیم تغضبُ أن قال الوشاةُ سلا

وأنتَ تعلمُ أنّی لست أسلوکا

لا نلتُ وصْلَکَ إن کان الذی زعموا

ولا شفی ظمئی جودُ ابن رزّیکا

وهی من نخب القصائد.

3 - قال المقریزی فی الخطط (1) (4 / 81 - 83) : زار الملک الصالح مشهد الإمام علیّ بن أبی طالب رضی الله عنه فی جماعة من الفقراء ، وإمام مشهد علیٍّ رضی الله عنه یومئذٍ السیّد ابن معصوم (2) ، فزار طلائع وأصحابه وباتوا هنالک ، فرأی السیّد فی منامه مد

ص: 465


1- الخطط والآثار : 2 / 293 - 294.
2- قال السیّد ابن شدقم فی تحفة الأزهار : کان أبو الحسن بن معصوم بن أبی الطیّب أحمد

الإمام - صلوات الله علیه - یقول له : قد ورد علیک اللیلة أربعون فقیراً من جملتهم رجلٌ یقال له : طلائع بن رزّیک من أکبر محبّینا ، فقل له : اذهب فإنّا قد ولّیناک مصر. فلمّا أصبح أمر من ینادی : مَن فیکم اسمه طلائع بن رزّیک؟ فلیقم إلی السیّد ابن معصوم.

فجاء طلائع إلی السیّد وسلّم علیه فقصَّ علیه رؤیاه ، فرحل إلی مصر وأخذ أمره فی الرقیّ ، فلمّا قتل نصر بن عبّاس الخلیفة الظافر إسماعیل استثارت نساء القصر لأخذ ثاراته بکتاب فی طیّه شعورهنّ ، فحشد طلائع الناس یرید النکبة بالوزیر القاتل ، فلمّا قرب من القاهرة فرَّ الرجل ودخل طلائع المدینة بطمأنینة وسلام ، فخلعت علیه خلائع الوزارة ، ولُقّب بالملک الصالح ، فارس المسلمین ، نصیر الدین ، فنشر الأمن وأحسن السیرة. ثمّ ذکر حدیث قتله (1) ، وقال : کان شجاعاً کریماً جواداً فاضلاً محبّا لأهل الأدب جیّد الشعر رجل وقته فضلاً وعقلاً وسیاسةً وتدبیراً ، وکان مهاباً فی شکله ، عظیماً فی سطوته ، وجمع أموالاً عظیمة ، وکان محافظاً علی الصلوات فرائضها ونوافلها ، شدید المغالاة فی التشیّع ، صنّف کتاباً سمّاه الاعتماد فی الردّ علی أهل العناد ، جمع له الفقهاء وناظرهم علیه وهو یتضمّن إمامة علیّ بن أبی طالب علیه السلام ، وله شعر کثیر یشتمل علی مجلّدین فی کلّ فنّ ، فمنه فی اعتقاده :

یا أمّةً سلکت ضلالاً بیّناً

حتی استوی إقرارها وجحودُها

قلتم ألا إنّ المعاصی لم تکن

إلاّ بتقدیر الإله وجودُها

لو صحَّ ذا کان الإلهُ بزعمِکمْ

منَع الشریعةَ أن تُقامَ حدودُها

حاشا وکلاّ أن یکون إلهنا

ینهی عن الفحشاء ثمّ یریدُهاف)

ص: 466


1- راجع کتابنا شهداء الفضیلة : ص 58. (المؤلف)

وله قصیدة سمّاها الجوهریّة فی الردّ علی القدریّة.

ثمّ قال : ویُروی أنّه لمّا کانت اللیلة التی قُتل فی صبیحتها قال : هذه اللیلة ضرب فی مثلها الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام وأمر بقراءة مقتله ، واغتسل وصلّی مائة وعشرین رکعة أحیا بها لیله ، وخرج لیرکب فعثر وسقطت عمامته ، واضطرب لذلک وجلس فی دهلیز دار الوزارة ، فأحضر ابن الصیف ، وکان یلفُّ عمائم الخلفاء والوزراء وله علی ذلک الجاری الثقیل ، لیصلح عمامته ، وعند ذلک قال له رجلٌ : إنّ هذا الذی جری یُتطیّر منه ، فإن رأی مولانا أن یُؤخِّر الرکوب فعل.

فقال : الطیرة من الشیطان ولیس إلی التأخیر سبیل. ثمّ رکب فکان من أمره ما کان.

وقال (1) فی (2 / 284) : قال ابن عبد الظاهر : مشهد الإمام الحسین - صلوات الله علیه - قد ذکرنا أنّ طلائع بن رزّیک - المنعوت بالصالح - کان قد قصد نقل الرأس الشریف من عسق لان (2) لما خاف علیها من الفرنج ، وبنی جامعه خارج باب زویلة لیدفنه به ویفوز بهذا الفخار ، فغلبه أهل القصر علی ذلک وقالوا : لا یکون ذلک إلاّ عندنا فعمدوا إلی هذا المکان وبنوه له ونقلوا الرخام إلیه ، وذلک فی خلافة الفائز علی ید طلائع فی سنة تسع وأربعین وخمسمائة.

وسمعت من یحکی حکایة یُستدَلُّ بها علی بعض شرف هذا الرأس الکریم المبارک ، وهی أنّ السلطان الملک الناصر رحمه الله لمّا أخذ هذا القصر ، وشی إلیه بخادم له قدَر فی الدولة المصریّة وکان بیده زمام القصر وقیل له : إنّه یعرف الأموال التی بالقصر والدفائن ، فأُخذ وسُئل فلم یجب بشیء وتجاهل ، فأمر صلاح الدین نوّابه ف)

ص: 467


1- الخطط والآثار : 1 / 427.
2- مدینة بالشام من أعمال فلسطین علی ساحل البحر یقال لها : عروس الشام [معجم البلدان 4 / 122]. (المؤلف)

بتعذیبه ، فأخذه متولّی العقوبة وجعل علی رأسه خنافس وشدَّ علیها قرمزیة ، وقیل : إنّ هذه أشدُّ العقوبات ، وإنّ الإنسان لا یطیق الصبر علیها ساعة إلاّ تنقب دماغه وتقتله ، ففعل ذلک به مراراً وهو لا یتأوّه وتوجد الخنافس میّتة ، فعجب من ذلک وأحضره وقال له : هذا سرٌّ فیک ولا بدّ أن تعرِّفنی به. فقال : والله ما سبب هذا إلاّ أنّی لمّا وصلت رأس الإمام الحسین حملتها. قال : وأیّ سرٍّ أعظم من هذا. وراجع فی شأنه فعفا عنه. انتهی.

4 - وقال الشعرانی فی مختصر تذکرة القرطبی (1) (ص 121) : قد ثبت أنّ طلائع بن رزّیک الذی بنی المشهد بالقاهرة ، نقل الرأس إلی هذا المشهد بعد أن بذل فی نقلها نحو أربعین ألف دینار ، وخرج هو وعسکره فتلقّاها من خارج مصر حافیاً مکشوف الرأس هو وعسکره ، وهو فی برنس حریر أخضر فی القبر الذی هو فی المشهد ، موضوعة علی کرسیٍّ من خشب الآبنوس ، ومفروش هناک نحو نصف أردب من الطیب کما أخبرنی بذلک خادم المشهد ، إلی أن قال فی (ص 122) : فزر یا أخی هذا المشهد بالنیّة الصالحة إن لم یکن عندک کشف ، فقول الإمام القرطبی : إنّ دفن الرأس فی مصر باطل. صحیحٌ فی أیّام القرطبی فإنّ الرأس إنّما نقلها طلائع بن رزّیک بعد موت القرطبی.

قال الأمینی : هذا التصحیح لقول القرطبی یکشف عن جهل الشعرانی بترجمة القرطبی وطلائع ، وقد خفی علیه أنّ القرطبی توفّی سنة (671) بعد وفاة طلائع الملک الصالح بمائة وخمس عشرة سنة ، فإنّه توفّی سنة (556) ونطفة القرطبی لم تنعقد بعدُ.

ثمّ مشهد رأس الحسین الذی بناه طلائع احترق سنة (740) فأُعید بناؤه مراراً ، وأخیراً أُقیم فی جواره جامع ، حتی إذا کانت أیّام الأمیر عبد الرحمن کخیا - أحد أُمراء الممالیک - فأُعید بناء المشهد الحسینی فی أواخر القرن الماضی للمیلاد ، وبعد 1.

ص: 468


1- مختصر تذکرة القرطبی : ص 191.

ذلک أُعید بناؤه برمّته فی أیّام الخدیوی السابق ، ولم یبق من البناء القدیم إلاّ القبّة المغطّیة لمقام الإمام ، فأصبح علی ما نشاهده الآن ، وهو الجامع المعروف بجامع سیّدنا الحسین (1).

ولادته ووفاته ، مدائحه ومراثیه :

ولد الملک الصالح سنة خمس وتسعین وأربعمائة ، ومدحه الفقیه عمارة الیمنی الآتی ذکره بقصائد توجد فی کتابه النکت العصریّة (2) منها :

دعوا کلّ برق شمتمُ غیر بارق

یلوحُ علی الفسطاط صادقُ بشرهِ

وزوروا المقامَ الصالحیَّ فکلُّ من

علی الأرضِ یُنسی ذکرُه عند ذکرهِ

ولا تجعلوا مقصودَکم طلبَ الغنی

فتجنوا علی مجدِ المقامِ وفخرهِ

ولکن سلوا منه العُلی تظفروا بها

فکلُّ امرئٍ یُرجی علی قدرِ قدرهِ

ومدحه فی شعبان سنة (505) بقصیدة منها :

قصدتک من أرضِ الحطیمِ قصائدی

حادی شراها سنّةٌ وکتابُ

إن تسألا عمّا لقیت فإنّنی

لا مخفقٌ أملی ولا کذّابُ

لم أنتجعْ ثَمَدَ النطافِ ولم أقفْ

بمذانبٍ وقفتْ بها الأذنابُ

وقال یمدحه :

أعندک أنّ وجدی واکتئابی

تراجعَ مذ رجعتُ إلی اجتنابی

وأنّ الهجرَ أحدثَ لی سلوّا

یسکّن بردُهُ حرَّ التهابی

وأنّ الأربعینَ إذا تولّت

بریعانِ الصبا قَبُحَ التصابی5.

ص: 469


1- تاریخ مصر الحدیث : 1 / 298 [مؤلّفات جرجی زیدان الکاملة : مج 9 / 310]. (المؤلف)
2- النکت العصریة : ص 35.

ولو لم ینهنی شیبٌ نهانی

صباحُ الشیبِ فی لیلِ الشبابِ

وأیّامٌ لها فی کلِّ وقتٍ

جنایاتٌ تجلّ عن العتابِ

أُقضّیها وتُحَسبُ من حیاتی

وقد انفقتهنَّ بلا حسابِ

وقد حالت بنو رزّیک بینی

وبین الدهرِ بالِمنن الرغابِ

ومنها :

ولولا الصالحُ انتاش القوافی

لکان الفضلُ مجتنبَ الجنابِ

وکنتُ وقد تخیّرَهُ رجائی

کمن هجرَ السرابَ إلی الشرابِ

ولم یخفقْ بحمدِ اللهِ سعیی

إلی مصرٍ ولا خاب انتخابی

ولکن زرت أبلجَ یقتضیه

نداهُ عمارة الأملِ الخرابِ

ومنها :

أقمتَ الناصر (1) المحیی فأحیی

رسوماً کنَّ کالرسم الیبابِ

وبثَّ العدلَ فی الدنیا فأضحی

قطیعُ الشاءِ یأنسُ بالذئابِ

وأنت شهابُ حقٍّ وهو منه

بمنزلة الضیاء من الشهابِ

سعی مسعاک فی کرمٍ وبأسٍ

وشبَّ علی خلائقک العذابِ

فأصبحَ معلمَ الطرفینِ لمّا

حوی شرفَ انتسابٍ واکتسابِ

وصنتَ المُلْکَ من عزماتِ بدرٍ

بمیمونِ النقیبةِ والرکابِ

بأورع لم یزلْ فی کلّ ثغرٍ

زعیمَ القبِّ مضروبَ القبابِ

مخوفَ البأسِ فی حربٍ وسلمٍ

وحدُّ السیف یُخشی فی القرابِ

وقال یمدحه بقصیدة أوّلها :

إذا قدرتَ علی العلیاء بالغلبِ

فلا تعرّج علی سعیٍ ولا طلبِ

واخطبْ بألسنةِ الأغمادِ ما عجزتْ

عن نیلِهِ ألسنُ الأشعارِ والخطبِف)

ص: 470


1- هو الملک الناصر العادل بن الصالح بن رزّیک. (المؤلف)

ویقول فیها :

ألقی الکفیلُ أبو الغاراتِ کلکلَهُ

علی الزمان وضاعتْ حیلةُ النوَبِ

وداخلت أنفسَ الأیامِ هیبتُهُ

حتی استرابت نفوسُ الشکِّ والریبِ

بثَّ الندی والردی زجراً وتکرمةً

فکلُّ قلبٍ رهینُ الرعبِ فی الرعبِ

فما لحاملِ سیفٍ أو مثقّفةٍ

سوی التحمّلِ بین الناسِ من إربِ

لمّا تمرّد بهرامٌ وأسرته

جهلاً وراموا قراعَ النبعِ بالغَربِ

صدعت بالناصر المحیی زجاجتهم

وللزجاجة صدعٌ غیرُ منشعبِ

أسری إلیهم ولو أسری إلی الفلک ال

أعلی لخافت قلوب الأنجم الشهبِ

فی لیلةٍ قدحتْ زرقُ النصالِ بها

ناراً تشبُّ بأطرافِ القنا الأشبِ

ظنّوا الشجاعةَ تُنجیهم فقارعَهم

أبو شجاعٍ قریعُ المجدِ والحسبِ

سقُوا بأسکر سکراً لا انقضاءَ له

من قهوةِ الموتِ لا من قهوةِ العنبِ

ومنها :

للهِ عزمةُ محیی الدین کم ترکتْ

بتربة الحیِّ من خدِّ امرئٍ تربِ

سما إلیهم سموَّ البدرِ تصحبُهُ

کواکبُ من سحابِ النقعِ فی حجبِ

فی فتیةٍ من بنی رزّیک تحسبهُمْ

عن جانبیه رحیً دارتْ علی قطبِ

وقال یمدحه بقصیدة منها :

هل القلبُ إلاّ بَضعةٌ یتقلّبُ

له خاطرٌ یرضی مراراً ویغضبُ

أم النفسُ إلاّ وهدةٌ مطمئنّةٌ

تفیضُ شعابُ الهمِّ منها وتنضبُ

فلا تُلزِمنَّ الناسَ غیرَ طباعِهمْ

فتتعبَ من طول التعابِ ویتعبوا

فإنّک إن کشّفتَهمْ ربما انجلی

رمادُهمُ من جمرةٍ تتلهّبُ

فتارکْهمُ ما تارکوک فإنّهم

إلی الشرِّ مذ کانوا من الخیرِ أقربُ

ص: 471

ولا تغترر منهمْ بحسنِ بشاشةٍ

فأکثرُ إیماضِ البوارقِ خُلّبُ

وأصغِ إلی ما قلتُهُ تنتفعْ به

ولا تطّرحْ نصحی فإنّی مجرِّبُ

فما تنکُر الأیّامُ معرفتی بها

ولا إنّنی أدری بهنّ وأدربُ

وإنّی لأقوامٍ جذیلٌ محکّکٌ

وإنّی لأقوامٍ عُذیقٌ مرجّبُ

علیمٌ بما ترضی المروءةُ والتقی

خبیرٌ بما آتی وما أتجنّبُ

حلبتُ أفاویقَ الزمانِ براحةٍ

تدرُّ بها أخلافُه حین تحلبُ

وصاحبت هذا الدهَر حتی لقد غدتْ

عجائبُه من خبرتی تتعجّبُ

ودوّختُ أقطارَ البلادِ کأنّنی

إلی الریح أُعزی أو إلی الخضر أُنسبُ

وعاشرتُ أقواماً یزیدون کثرةً

علی الألف أو عدّ الحصی حین یحسبُ

فما راقنی فی روضهم قطُّ مرتعٌ

ولا شاقنی فی وِردِهم قطُّ مشربُ

ترانی وإیّاهمْ فریقین کلّنا

بما عنده من عزّة النفسِ معجبُ

فعندهمُ دنیا وعندی فضیلةٌ

ولا شکَّ أنّ الفضل أعلی وأغلبُ

علی أنّ ما عندی یدومُ بقاؤه

علیَّ ویفنی المالُ عنهمْ ویذهبُ

أُناسٌ مضی صدرٌ من العمرِ عندَهمْ

أُصعّدُ ظنّی فیهمُ وأُصوِّبُ

رجوتُ بهم نیلَ الغنی فوجدتُهُ

کما قیلَ فی الأمثالِ عنقاء مغربُ

وکسّل عزمَ المدحِ بعد نشاطِهِ

ندی ذمِّه عندی من المدحِ أوجبُ

کأنّ القوافی حین تُدعی لشکرِهمْ

علی الجمرِ تمشی أو علی الشوکِ تُسحبُ

أفوه بحقٍّ کلّما رمتُ ذمَّهمْ

وما غیرُ قولِ الحقِّ لی قطُّ مذهبُ

وأصدق إلاّ أن ارید مدیحَهُمْ

فإنّی علی حکمِ الضرورةِ أکذبُ

ولو علموا صدقَ المدائحِ فیهمُ

لکانتْ مساعیهمْ تهشُّ وتطربُ

ولکن دروا أنّ الذی جاء مادحاً

بغیرِ الذی فیهم یسبّ ویثلبُ

وما زال هذا الأمرُ دأبی ودأبَهم

أغالب لومی فیهمُ وهو أغلبُ

إلی أن أذلّتنی اللیالی وأعتبتْ

وما خلتُها بعد الإساءةِ تعتبُ

فهاجرتُ نحو الصالحِ الملکِ هجرةً

غدتْ سبباً للأمن وهو المسبّبُ

ص: 472

وقال یمدحه من قصیدة :

هی البدرُ من سنّة البدرِ أملحُ

وغرّتُها من غرّةِ الصبحِ أصبحُ

منعّمةٌ تسبی العقولَ بصورةٍ

إلی مثلها لبُّ الجوانحِ یجنحُ

کأنّ الظباءَ العفرَ یحکین جیدَها

ومقلتَها فی حین ترنو وتسنحُ

کأنّ اهترازَ الغصن من فوق ردفِها

هضیمٌ بأعلی رملةٍ یترنّحُ

تعلّمتُ من حبّی لها عزّةَ الهوی

وقد کنتُ فیه قبلَها أتسمّحُ

وهیّج نارَ الوجدِ والشوقِ قولُها

أحتی إلی الجوزاءِ طرفُکَ یطمحُ

فلا جفنَ إلاّ ماؤه ثَمَّ یسفحُ

ولا نارَ إلاّ زندُها ثَمَّ یقدحُ

وما علمتْ أنّی إذا شفّنی الهوی

إلیها بدعوی الصبر لا أتبجّحُ

وإنّ اعترافی بالتأخّر حیث لا

یقدِّمنی فضلٌ أجلُّ وأرجحُ

ألم ترَ فضل الصالح الملکِ لم یدعْ

علی الأرضِ من یثنی علیه ویمدحُ

کأنّ مساعی جملةِ الخلقِ جملةً

غدت بمساعیه الحمیدةِ تشرحُ

تجمّعَ فیهِ ما تفرّقَ فی الوری

علی أنّه أسنی وأسمی وأسمحُ

یُرجّی الندی منه فیغنی ویسمح

ویخشی الردی منه فیعفو ویصفحُ

له کلَّ یومٍ منّةٌ مستجدّةٌ

یضوع جمیلُ الذکرِ منها وینفحُ

وقال یمدحه من قصیدة :

من کان لا یعشق الأجیادَ والحدقا

ثمّ ادّعی لذّة الدنیا فما صدقا

فی العشق معنیً لطیفٌ لیس یعرفه

من البریّةِ إلاّ کلُّ من عشقا

لا خفّف اللهُ عن قلبی صبابتَهُ

للغانیاتِ ولا عن طرفیَ الأرقا

ویقول فیها :

لو کنتُ أملکُ روحی وارتضیتُ بها

بذلتُها لکِ لا زوراً ولا ملقا

ص: 473

وإنّما الصالح الهادی تملّکَها

بفیضِ جودٍ رعی آماله وسقی

واقتادها الحظُّ حتی جاورتْ ملکاً

تمسی ملوکُ اللیالی عندهُ سُوَقا

وقال یمدحه وولده وأخاه فارس المسلمین :

أَبیضٌ مجرّدةٌ أم عیونْ

تسلّ وأجفانهنّ الجفونْ

عجبت لها قضباً باتره

تصول بها المُقَلُ الفاتره

فتغدو لأرواحنا واتره

ظباءٌ فتکن بأسد العرینْ

وغائرةٌ خرجت من کمینْ

إذا ما هززن رماحَ القدودْ

حمین النفوس لذیذ الورود

حیاض اللمی وریاض الخدود

فلا تطمعنّک تلک الغصونْ

فإنّ کثیب نقاها مصونْ

وفیهنّ فتّانةٌ لم تزلْ

أوامر مقلتها تُمتثلْ

ومن أجل سلطانها فی المقلْ

تقول لها أعین الناظرینْ

إذا ما رنت ما الذی تأمرینْ

منعّمةٌ ردفها مخصبُ

وما اهتزَّ من خصرها مجدبُ

مقسّمة کلّها یعجبُ

فجسمٌ جری فیه ماءٌ معینْ

وقلبٌ غدا صخرةً لا تلینْ

أما وعلی الصالح الأوحدِ

ردی المعتدی وندی المجتدی

وجعد العقوبة سَبط الیدِ

ص: 474

ومن نصر العترةَ الطاهرینْ

ونعم النصیرُ لهم والمعینْ

لقد شرفتْ مصرُ والقاهرة

بأیّام دولتِهِ القاهرة

وأصبح للدولةِ الطاهرة

بعزم ابن رزّیک فتحٌ مبینْ

وعزمُ ابنه ناصرِ الناصرینْ

إذا ما بدا المَلِک الناصرُ

بدت شیمٌ مالها حاصرُ

یطول بها الأمل القاصرُ

کریم السجیّةِ طلقُ الجبینْ

بری اللهُ کلتا یدیه یمینْ

فتیً شأو همّته لا ینالْ

فما ذا عسی فی علاهُ یُقالْ

وقد حاز أنهی صفاتِ الکمالْ

وخوّله اللهُ دنیاً ودینْ

وأصخی له کلُّ خلقٍ یدینْ

فلا زال ظلُّ أبیه مدیدْ

مدی الدهر فی دولةٍ لا تمیدْ

وبلّغ فی نفسه ما یریدْ

وإخوته السادة الأکرمینْ

وفی عمِّهم فارسُ المسلمینْ

وقال یمدح الصالح ویرثی أهل البیت علیهم السلام :

شأنُ الغرامِ أجلُّ أن یلحانی

فیه وإن کنت الشفیقَ الحانی

أنا ذلک الصبُّ الذی قطعتْ به

صلةُ الغرامِ مطامعُ السلوانِ

ملئت زجاجةُ صدرِهِ بضمیرِهِ

فبدت خفیّةُ شأنِهِ للشانی

غدرت بموثِقها الدموعٌ فغادرتَ

سرّی أسیراً فی یدِ الإعلانِ

عنّفتُ أجفانی فقامَ بعذرِها

وجدٌ یبیحُ ودائعَ الأجفانِ

ص: 475

ومنها :

یا صاحبیَّ وفی مجانبةِ الهوی

رأیُ الرشادِ فما الذی تریانِ

بی ما یذود عن التسبّبِ أوّله

ویزیلُ أیسرُهُ جنونَ جنانی

قبضت علی کفِّ الصبابةِ سلوةً

تنهی النهی عن طاعةِ العصیان

أُمسی وقلبی بین صبرٍ خاذلٍ

وتجلّدٍ قاصٍ وهمٍّ دانِ

قد سهّلت حزنَ الکلامِ لِنادِبٍ

آلَ الرسولِ نواعبَ الأحزانِ

فابذل مشایعةَ اللسانِ ونصرَهُ

إن فاتَ نصرُ مهنّدٍ وسنانِ

واجعل حدیثَ بنی الوصیّ وظلمهم

تشبیبَ شکوی الدهرِ والخذلانِ

غصبتْ أمیّةُ إرثَ آلِ محمدٍ

سفهاً وشنّت غارةَ الشنآنِ

وغدت تخالفُ فی الخلافِة أهلَها

وتُقابلُ البرهانَ بالبهتانِ

لم تقتنع أحلامُها برکوبِها

ظهرَ النفاقِ وغاربَ العدوانِ

وقعودُهمْ فی رتبةٍ نبویّةٍ

لم یبنِها لهمُ أبو سفیانِ

حتی أضافوا بعد ذلک أنّهم

أخذوا بثارِ الکفرِ فی الإیمانِ

فأتی زیادٌ فی القبیحِ زیادةً

ترکتْ یزیدَ یزیدُ فی النقصانِ

حربٌ بنو حربٍ أقاموا سوقَها

وتشبّهتْ بهمُ بنو مروانِ

لهفی علی النفرِ الذین أکفُّهمْ

غیثُ الوری ومعونةُ اللهفانِ

أشلاؤهمْ مِزقٌ بکلِّ ثنیّةٍ

وجسومُهْم صرعی بکلّ مکانِ

مالت علیهم بالتمالئِ أمّةٌ

باعتْ جزیلَ الربحِ بالخسرانِ

دُفِعوا عن الحقِّ الذی شهدت لهمْ

بالنصِّ فیه شواهدُ القرآنِ

ما کان أولاهمْ به لو أُیِّدوا

بالصالحِ المختارِ من غسّانِ

نساهمُا لمختارَ صدقُ ولائه

کم أوّلٌ أربی علیه الثانی

وقضی شاعرنا الملک الصالح شهیداً یوم الإثنین تاسع عشر من شهر رمضان سنة ستّ وخمسین وخمسمائة ، ورثاه الفقیه عمارة الیمنی بقصیدة أولها :

ص: 476

أفی أهل ذا النادی علیمٌ أسائله

فإنّی لِما بی ذاهبُ اللبِّ ذاهلُه

سمعت حدیثاً أحسد الصمّ عنده

ویُذهل واعیه ویخرس قاتلُه (1)

فهل من جوابٍ یستغیث به المنی

ویعلو علی حقِّ المصیبةِ باطلُه

وقد رابنی من شاهد الحال أنّنی

أری الدست منصوباً وما فیه کافلُه

فهل غابَ عنهُ واستناب سلیلَهُ

أم اختار هجراً لا یُرجّی تواصلُه

فإنّی أری فوقَ الوجوهِ کآبةً

تدلُّ علی أنّ الوجوهَ (2) ثواکلُه

ویقول فیها :

دعونی فما هذا أوانُ بکائِهِ

سیأتیکمُ طلُّ البکاء ووابلُه

ولا تنکروا حزنی علیه فإنّنی

تقشّعَ عنّی وابلٌ کنت آملُه

ولِم لا نبکّیه (3) ونندبُ فقدَه

وأولادُنا أیتامه وأراملُه

فیا لیتَ شعری بعد حسنِ فعالِه

وقد غاب عنّا ما بنا اللهُ فاعلُه

أیکرمُ مثوی ضیفِکم وغریبکمْ

فیمکثُ أم تطوی ببینٍ مراحلُه

ومنها :

فیا أیّها الدستُ الذی غابَ صدرُه

فماجتْ بلایاه وهاجتْ بلابلُه

عهدتُ بکَ الطوَد الذی کان مَفزعاً

إذا نزلتْ بالملک یوماً نوازلُه

فمن زلزلَ الطوَد الذی ساخَ فی الثری

وفی کلِّ أرضٍ خوفُه وزلازلُه

ومن سدَّ باب الملک والأمرُ خارجٌ

إلی سائرِ الأقطارِ منه وداخلُه

ومن عوّقَ الغازی المجاهدَ بعد ما

أُعِدّت لغزو المشرکین جحافلُهه.

ص: 477


1- کذا فی الدیوان ، وفی نهایة الأرب : 28 / 327 ، وأعیان الشیعة : 7 / 401 : قائلُه ، ولعله الصحیح بحسب المعنی.
2- فی نهایة الأرب : 28 / 327 : النُّفوس بدل الوجوه.
3- تقول : بکیت الرجل وبکّیته إذا بکیت علیه.

ومن أکرهَ الرمحَ الردینیَّ فالتوی

وأرهقه حتی تحطّم عاملُه

ومن کسرَ العضبَ المهنّدَ فاغتدی

وأجفانهُ مطروحةٌ وحمائلُه

ومن سلبَ الإسلامَ حلیةَ جیدِهِ

إلی أن تشکّی وحشةَ الطرقِ عاطلُه

ومن أسکتَ الفضلَ الذی کان فضلُه

خطیباً إذا التفّت علیه محافلُه

وما هذه الضوضاءُ من بعد هیبةٍ

إذا خامرتْ جسماً تخلّتْ مفاصلُه

کأنّ أبا الغارات لم ینشِ غارةً

یریک سوادَ اللیل فیها قساطلُه

ولا لمعتْ بین العجاجِ نصولُه

ولا طرّزتْ ثوبَ الفِجاج مناصلُه

ولا سار فی عالی رکابَیْهِ موکبٌ

ینافسُ فیه فارسَ الخیلِ راجلُه

ولا مرحتْ فوق الدروعِ یراعُه

کما مرحتْ تحت السروجِ صواهلُه

ولا قُسّمتْ ألحاظُه بین مخلصٍ

جمیلِ السجایا أو عدوٍّ یُجاملُه

ولا قابلَ المحرابَ والحربَ عاملاً

من البأسِ والإحسانِ ما اللهُ قابلُه

تعجّبتُ من فعلِ الزمانِ بنفسِهِ

ولا شکَّ إلاّ أنّه جُنَّ عاقلُه

بمن تفخرُ الأیّامُ بعد طلائعٍ

ولم یکُ فی أبنائِها من یُماثلُه

أَتُنزِل بالهادی الکفیلِ صروفَها

وقد خیّمتْ فوق السماکِ منازلُه

وتسعی المنایا منه فی مهجةِ امرئٍ

سعت هِممُ الأقدارِ فیما تحاولُه

ورثاه بقصیدة أخری منها :

تنکّد بعد الصالحِ الدهرُ فاغتدتْ

مجالسُ أیّامی وهنّ غیوبُ

أیجدبُ خدّی من ربیعِ مدامعی

وربعیَ من نعمی یدیهِ خصیبُ

وهل عنده أنّ الدخیلَ من الجوی

مقیمٌ بقلبی ما أقامَ عسیبُ

وإنْ برقتْ سنّی لذکرِ حکایةٍ

فإنّ فؤادی ما حییتُ کئیبُ

ورثاه بقصیدة أوّلها :

طمعُ المرءِ فی الحیاة غرورُ

وطویلُ الآمالِ فیها قصیرُ

ص: 478

ولکم قدّر الفتی فأتتْهُ

نُوَبٌ لم یُحِطْ بها التقدیرُ

ومنها :

فضَّ ختمَ الحیاةِ عنک حِمامٌ

لا یراعی إذناً ولا یستشیرُ

ما تخطّی إلی جلالِک إلاّ

قَدَرٌ أمره علینا قدیرُ

بذرتْ عمرَکَ اللیالی سفاهاً

فسیعلمنْ ما جنی التبذیرُ

وقال :

لیتَ یومَ الإثنینِ لم یتبسّم

من محیّاه للّیالی ثُغورُ

طلعتْ شمسُهُ بیومٍ عبوسٍ

حیَّر الطیرَ شرُّه المستطیرُ

وتجلّی صباحُهُ عن جبینٍ

إثمدُ اللیل فوقَه مذرورُ

صَبَحَ المجدَ فی صبیحةِ ذاک ال

-یومِ غبراءُ صیلمٌ عنقفیرُ (1)

بلغَ الدهرُ عندها ما تمنّی

وعلیها کان الزمانُ یدورُ

حادثٌ ظلّت الحوادثُ ممّا

شاهدتْهُ من جورِهِ تستجیرُ

ترجفُ الأرضُ حین یذکر عنه

وتکاد السماءُ منه تمورُ

طبّق الأرضَ من مصابِ أبی الغا

راتِ خطبٌ له النجومُ تغورُ

ومنها :

لک رضوان زائرٌ ولقومٍ

هلکوا فیه منکرٌ ونکیرُ

حفظتْ عهدَکَ الخلافةُ حفظاً

أنت منها به خلیقٌ جدیرُ

أحسنتْ بعدکَ الصنیعةَ فینا

فاستوتْ منک غیبةٌ وحضورُ

وأبی اللهُ أن یتمَّ علیها

ما نوی حاسدٌ لها أو کفورٌف)

ص: 479


1- صبح القوم صبحاً : أتاهم صباحاً. صیلم : الأمر الشدید. یقال : وقعة صیلمة أی مستأصلة. عنقفیر : أحسبه مصحّف خنشفیر ، أی الداهیة. (المؤلف)

ضیّقوا حفرةَ المکیدةِ لکن

ضاقَ بالناکثینَ ذاک الحفیرُ

وتجرّوا علی القصورِ بغدرٍ

وسراجُ الوفاء فیها ینیرُ

حَرَمٌ آمنٌ وشهرٌ حرامٌ

هتکتْ منهما عریً وستورُ

لا صیامٌ نهاهمُ لا إمامٌ

طاهرٌ تُربُ أخمصیهِ طهورُ

أخفروا ذمّةَ الهدی بعد علمٍ

ویقینٍ أنّ الإمامَ خفیرُ

وإذا ما وفتْ خدورُ البوادی

بذمامٍ فما تقول القصورُ

غضِبَ العاضدُ الإمامُ فکادتْ

فَرَقاً منه أن تذوبَ الصخورُ

أدرک الثأرَ من عداهُ بعزمٍ

لم یکنْ فی النشاطِ منه فتورُ

واستقامتْ بنصرِهِ وهداهُ

حجّةُ اللهِ واستمرَّ المریرُ

دُفِن الملک الصالح بالقاهرة ، ثمّ نقل ولده العادل سنة سبع وخمسین وخمسمائة فی تاسع صفر تابوت أبیه من القاهرة إلی مشهد بُنی له فی القرافة (1) فی وزارته ، وحفر سرداباً یوصل فیه من دار الوزارة إلی دار سعید السعداء ، وعمل فیه الفقیه عمارة الیمنی قصائد منها :

خربتْ ربوعُ المکرماتِ لراحلٍ

عمرتْ به الأجداثُ وهی قفارُ

نعشُ الجدودِ العاثراتِ مشیّعٌ

عمیتْ برؤیةِ نعشهِ الأبصارُ

نعشٌ تودُّ بناتُ نعشٍ لو غدت

ونظامُها أسفاً علیه نثارُ

شخصَ الأنامُ إلیه تحتَ جنازةٍ

خفضتْ برفعةِ قدرِها الأقدارُ

ومنها :

وکأنّها تابوتُ موسی أُودِعتْ

فی جانبیهِ سکینةٌ ووقارُ

أوطنْتَهُ دارَ الوزارةِ ریثما

بُنیت لنقلتِهِ الکریمةِ دارُف)

ص: 480


1- جبانة فی مصر والکلام فیها طویل ، بسط القول فیها المقریزی فی الخطط : 4 / 317 [2 / 443]. (المؤلف)

وتغایر الهَرَمان والحَرَمان فی

تابوتِه وعلی الکریمِ یُغارُ

آثرتَ مصراً منه بالشرفِ الذی

حسدتْ قرافتَها له الأمصارُ

غضبَ الإلهُ علی رجالٍ أقدموا

جهلاً علیه وآخرین أشاروا

لا تعجبنْ لقُدارِ ناقةِ صالحٍ

فلکلِّ عصرٍ صالحٌ وقُدارُ (1)

أُحلِلْتَ دارَ کرامةٍ لا تنقضی

أبداً وحلَّ بقاتلیکَ بوارُ

وقع القصاصُ بهمْ ولیسوا مقنعاً

یرضی وأین من السماءِ غبارُ

ضاقت بهم سعةُ الفجاجِ وربّما

نام الولیُّ ولا ینامُ الثارُ

فتهنَّ بالأجر الجزیلِ ومیتةٍ

درجتْ علیها قبلَکَ الأخیارُ

مات الوصیُّ بها وحمزةُ عمُّهُ

وابنُ البتولِ وجعفرُ الطیّارُ

وقال فی یوم الخمیس وقد نُقل الصالح إلی تربته بالقرافة :

یا مُطلقَ العبراتِ وهی غزارُ

ومقیّدَ الزفراتِ وهی حرارُ

ما بالُ دمعِکَ وهو ماءٌ سافحٌ

یُذکی به من حدِّ وجدِکَ نارُ

لا تتّخذنی قدوةً لک فی الأسی

فلدیَّ منهُ مشاعرٌ وشعارُ

خفِّضْ علیک فإنَّ زندَ بلیّتی

وارٍ وفی صدری صدیً وأُوارُ

إن کان فی یدِک الخیارُ فإنّنی

وَلهانُ لم أُتْرَکْ وما أختارُ

فی کلِّ یومٍ لی حنینُ مضلّةٍ

یودی لها بعد الحوارِ حوارُ

عاهدتُ دمعی أن یقرَّ فخاننی

قلبٌ لسائلِهِ الهمومُ قرارُ

هل عند محتقرٍ یسیرَ بلیّةٍ

إنّ الصغارَ من الهمومِ کبارُ

ومنها :

حتی إذا شیّدْتها ونصبْتها

علماً یُحَجُّ فناؤه ویُزارُم.

ص: 481


1- قُدار : اسم عاقر ناقة صالح علیه السلام.

ومنها :

أکفیلَ آلِ محمدٍ وولیَّهمْ

فی حیث عُرفُ ولیِّهمْ إنکارُ

ومنها :

ولقد وفی لک من صنائعکِ امرؤٌ

بثنائِهِ تستسمعُ السمّارُ

أوفی أبو حسنٍ بعهدِکَ عندما

خذلتْ یمینٌ أُختَها ویسارُ

غابت حُماتُکَ واثقین ولم تغبْ

فکأنّهم بحضورِه حضّارُ

ومنها :

ملکٌ جنایةُ سیفِهِ وسنانِهِ

فی کلّ جبّارٍ عصاه جُبارُ

جمعت له فرقُ القلوبِ علی الرضا

والسیفُ جامعهنَّ والدینارُ

وهما اللذان إذا أقاما دولةً

دانتْ وکان لأمرِها استمرارُ

وإذا هما افترقا ولم یتناصرا

عزَّ العدوُّ وَذلّتِ الأنصارُ

یا خیرَ من نُقِضتْ له عُقَدُ الحبی

وغدا إلیه النقضُ والإمرارُ

ومضت أوامرُه المطاعةُ حسبما

یقضی به الإیرادُ والإصدارُ

إنّ الکفالةَ والوزارةَ لم یزلْ

یومی إلیک بفضلِها ویُشارُ

کانت مسافرةً إلیک وتبعد ال

أخطارُ ما لم تُرکَبِ الأخطارُ

حتی إذا نزلتْ علیک وشاهدتْ

ملِکاً لزند الملْکِ منه أُوارُ

ألقت عصاها فی ذُراک وعُرِّیتْ

عنها السروجُ وحُطَّتِ الأوکارُ

لله سیرتُکَ التی أطلقتَها

وقیودُها التأریخ والأشعارُ

جلّت فصلّی خاطری فی مدحِها

وکبتْ ورائی قُرّحٌ ومهارُ

والخیلُ لا یرضیک منها مخبرٌ

إلاّ إذا ما لزّها المضمارُ

ومدائحی ما قد علمتَ وطالما

سبقت ولم یبلل لهنّ عذارُ

ص: 482

إن أخّرتْنی عن جنابکِ محنةٌ

بأقلَّ منها تُبسَطُ الأعذارُ

فلدیَّ من حسنِ الولاء عقیدةٌ

یرضیک منها الجهرُ والإسرارُ

وقال یرثیه ویمدح ولده الملک الناصر العادل بن الصالح ، وأنشدها فی مشهده بالقرافة فی شعبان سنة سبع وخمسین وخمسمائة :

أری کلَّ جمع بالردی یتفرّقُ

وکلَّ جدیدٍ بالبلی یتمزّقُ

وما هذه الأعمارُ إلاّ صحائفٌ

تؤرَّخُ وقتاً ثمّ تُمحی وتُمحَقُ

ومنها :

ولمّا تقضّی الحولُ إلاّ لیالیاً

تضافُ إلی الماضی قریباً وتلحقُ

وعجنا بصحراءِ القرافةِ والأسی

یغرِّبُ فی أکبادِنا ویُشرِّقُ

عقدنا علی ربِّ القوافی عقائلاً

تغرُّ إذا هانت جیادٌ وأینُقُ

وقلنا له خذْ بعضَ ما کنتَ منعِماً

به وقضاءُ الحقِّ بالحرِّ ألیقُ

عقودُ قوافٍ من قوافیک تُنتقی

ودرُّ معانٍ من معانیک یُسرَقُ

نثرنا علی حصباءِ قبرِکَ درَّها

صحیحاً ودرُّ الدمع فی الخدّ یفلقُ

ویقول فیها :

وجدناکمُ یا آلَ رُزّیکَ خیرَ من

تنصُّ إلیه الیعملات وتعنقُ

وفدنا إلیکم نطلبُ الجاهَ والغنی

فأُکرِمَ ذو مثوی وأُغنی مملقُ

وعلّمتمونا عزّةَ النفسِ بالندی

وملقی وجوهٍ لم یَشنْها التملّقُ

وصیّرتمُ الفسطاطَ بالجود کعبةً

یطوف برکنیها العراق وجِلّقُ (1)

فلا سِترُکم عن مرتَجٍ قطُّ مرتجٌ

ولا بابُکمْ عن معلقِ الحظِّ مغلقُ

ولیس لقلبٍ فی سواکمْ علاقةٌ

ولا لیَدٍ إلاّ بکم متعلّقُف)

ص: 483


1- جِلِّق بکسرتین وتشدید اللام - : اسم لکورةِ الغوطة کلّها ، وقیل : بل هی دمشق نفسها [معجم البلدان : 2 / 154]. (المؤلف)

نماذج من شعر الملک الصالح

ذکر ابن شهرآشوب کثیراً من شعره فی کتابه مناقب آل أبی طالب ، منه قوله (1):

محمدٌ خاتمُ الرسلِ الذی سبقت

به بشارة قُسٍّ وابنِ ذی یزنِ

وأنذَرَ النطقاءُ الصادقون بما

یکونُ من أمرِهِ والطهرُ لم یکنِ

الکاملُ الوصفِ فی حلمٍ وفی کرمٍ

والطاهرُ الأصلِ من ذمٍّ ومن درَنِ

ظِلُّ الإلهِ ومفتاحُ النجاة وین

-بوعُ الحیاةِ وغیثُ العارضِ الهتِنِ

فاجعله ذخرک فی الدارین معتصماً

به وبالمرتضی الهادی أبی الحسنِ

وله (2):

ولایتی لأمیر المؤمنین علی

بها بلغتُ الذی أرجوه من أملی

إن کان قد أنکرَ الحسّادُ رتبتَهُ

فی جودِهِ فتمسّکْ یا أخی بهلِ (3)

وله (4):

کأنّی إذا جعلتُ إلیک قصدی

قصدتُ الرکنَ بالبیتِ الحرامِ

وخُیِّلَ لی بأنّی فی مقامی

لدیه بین زمزم والمقامِ

أیا مولای ذکرُکَ فی قعودی

ویا مولایَ ذکرُکَ فی قیامی

وأنت إذا انتبهتُ سمیرُ فکری

کذلک أنتَ أُنسی فی مقامی (5)ی.

ص: 484


1- مناقب آل أبی طالب : 1 / 44.
2- مناقب آل أبی طالب : 3 / 427.
3- أشار إلی سورة هل أتی ونزولها فی العترة الطاهرة :. (المؤلف)
4- مناقب آل أبی طالب : 3 / 364.
5- فی المصدر ودیوانه المطبوع فی النجف : ص 132 : فی منامی.

وحبُّکَ إن یکن قد حلَّ قلبی

ففی لحمی استکنَّ وفی عظامی

فلو لا أنتَ لم تُقبَلْ صلاتی

ولولا أنت لم یُقبَلْ صیامی

عسی أُسقی بکأسِکَ یوم حشری

ویبرُد حین أشربها أُوامی

وله (1):

یا عروةَ الدینِ المتینِ

وبحرَ علمِ العارفینا

یا قبلةً للأولیا

ءِ وکعبةً للطائفینا

من أهل بیتٍ لم یزالوا

فی البریّةِ مُحسنینا

التائبین العابدین ال

-صائمین القائمینا

العالمین الحافظین ال

-راکعین الساجدینا

یا من إذا نام الوری

باتوا قیاماً ساهرینا

وله (2):

قومٌ علومُهمْ عن جدِّهم أُخذت

عن جبرئیلَ وجبریلٌ عن اللهِ

هم السفینةُ ما کنّا لنطمعَ أن

ننجو من الهولِ یومَ الحشرِ لو لا هی

الخاشعون إذا جنَّ الظلامُ فما

تغشاهمُ سِنةٌ تنفی بإنباهِ

ولا بدت لیلةٌ إلاّ وقابلَها

من التهجّدِ منهم کلُّ أوّاهِ

ولیس یشغلُهمْ عن ذکرِ ربّهمُ

تغریدُ شادٍ ولا ساقٍ ولا طاهِ

سحائبٌ لم تزل بالعلمِ هامیةً

أجلّ من سُحُبٍ تهمی بأمواهِ

وله (3):

إنّ النبیَّ محمداً ووصیَّهُ

وابنیه وابنتَهُ البتولَ الطاهرهد.

ص: 485


1- مناقب آل أبی طالب : 4 / 231.
2- مناقب آل أبی طالب : 4 / 418.
3- مناقب آل أبی طالب : 3 / 453. ونسبها إلی ابن درید.

أهلُ العباءِ فإنّنی بولائهمْ

أرجو السلامةَ والنجا فی الآخره

وأری محبّةَ من یقولُ بفضلِهمْ

سبباً یُجیر من السبیلِ الحائره

أرجو بذاک رضا المهیمنِ وحدَهُ

یومَ الوقوفِ علی ظهورِ الساهره (1)

وله یمدح أمیر المؤمنین علیه السلام (2):

هو النور نور الله والنورُ مشرقٌ

علینا ونورُ اللهِ لیس یزولُ

سما بین أملاکِ السماواتِ ذکرُهُ

نبیهٌ فما إن یعتریه خمولُ

وله (3):

لا تعذلنِّی إنّنی لا أقتفی

سُبُلَ الضلال لقولِ کلِّ عذولِ

عند التباهلِ ما علمنا سادساً

تحت الکسا منهمْ سوی جبریلِ

وله فی أمیر المؤمنین وأولاده الأئمّة الطاهرین علیهم السلام (4):

بحبِّ علیٍّ أرتقی منکبَ العلی

وأسحبُ ذیلی فوقَ هامِ السحائبِ

إمامی الذی لمّا تلفّظتُ باسمِهِ

غلبتُ به من کان بالکُثْرِ غالبی

أئمّة حقٍّ لو یسیرون فی الدجی

بلا قمرٍ لاستصحبوا بالمَناسبِ

بهم تبلغُ الآمالُ من کلّ آملٍ

بهم تُقبَلُ التوباتُ من کلِّ تائبِ

وله فی زهد أمیر المؤمنین علیه السلام (5):

ذاک الذی طلّقَ الدنیا لعمریَ عن

زهدٍ وقد سفرت عن وجهها الحسنِ

وأوضح المشکلاتِ الخافیاتِ وقد

دقّتْ عن الفکرِ واعتاصتْ علی الفطنِ8.

ص: 486


1- الساهره : الأرض التی یحشر الناس علیها.
2- مناقب آل أبی طالب : 3 / 99.
3- مناقب آل أبی طالب : 3 / 423.
4- مناقب آل أبی طالب : 3 / 238 ، 4 / 176.
5- مناقب آل أبی طالب : 2 / 118.

وله فی العترة الطاهرة صلوات الله علیهم (1):

آلُ رسولِ الإلهِ قومٌ

مقدارُهمْ فی العُلی خطیرُ

إذ جاءهمْ سائلٌ یتیمٌ

وجاءَ من بعدِهِ أسیرُ

أخافَهمْ فی المعادِ یومٌ

معظَّمُ الهولِ قمطریرُ

فقد وُقُوا شرَّ ما اتّقوه

وصارَ عقباهمُ السرورُ

فی جنّةٍ لا یرونَ فیها

شمساً ولا ثَمَّ زمهریرُ

یطوفُ ولدانُهمْ علیهمْ

کأنّهمْ لؤلؤٌ نثیرُ

لباسُهم فی جنانِ عدنٍ

سندسُها الأخضر الحریرُ

جزاهمُ ربُّهم بهذا

وهو لِما قد سعوا شکورُ

وله (2) فی المعنی (3):

إنّ الأبرارَ یشربون بکأسٍ

کان حقّا مزاجُها کافورا

ولهم أنشأ المهیمنُ عیناً

فجّروها عبادُهُ تفجیرا

وهداهمْ وقال یوفون بالنذ

ر فمن مثلهم یوفّی النذورا

ویخافون بعد ذلک یوماً

هائلاً کان شرُّه مُستطیرا

یُطعمون الطعامَ ذا الیُتم والمس

-کینَ فی حبِّ ربِّهم والأسیرا

إنّما نطعمُ الطعام لوجه الله

لا نبتغی لدیکمْ شُکورا

غیر أنّا نخافُ من ربِّنا یو

ماً عبوساً عصبصباً قمطریرا

فوقاهمْ إلههم ذلک الیو

م یُلقّونَ نضرةً وسرورا

وجزاهم بأنّهم صبروا

فی السرِّ والجهر جَنّةً وحریراف)

ص: 487


1- مناقب آل أبی طالب : 3 / 427.
2- مناقب آل أبی طالب : 3 / 427.
3- مرّ حدیث هذا المعنی فی الجزء الثالث من کتابنا : ص 106 - 111 ، 169 ، 243. (المؤلف)

متّکئین لا یرون لدی الجنّةِ

شمساً کلاّ ولا زمهریرا

وعلیهمْ ظلالُها دانیاتٌ

ذُلِّلتْ فی قطوفِها تیسیرا

وبأکوابِ فضّةٍ وقواری

-رَ قواریرَ قُدِّرت تقدیرا

ویطوفُ الولدانُ فیها علیهمْ

فَیُخالون لؤلؤاً منثورا

بکؤوسٍ قد مزجتْ زنجبیلا

لذّة الشاربین تشفی الصدورا

ویُحلَّونَ بالأساورِ فیها

وسقاهمْ ربّی شراباً طهورا

وعلیهمْ فیها ثیابٌ من السن

-دس خضرٌ فی الخلدِ تلمعُ نورا

إنّ هذا لکم جزاءٌ من الله

وقد کان سعیُکمْ مشکورا

وله فی المعنی أیضاً (1):

واللهُ أثنی علیهمْ

لمّا وفوا بالنذورِ

وخصّهم وحباهم

بجنّةٍ وحریرِ

لا یعرفونَ بشمسٍ

فیها ولا زمهریرِ

یُسقَونَ کأساً رحیقاً

مزیجةَ الکافورِ

وله فی المعنی أیضاً (2)

فی هل أتی إن کنت تقرأُ هل أتی

ستصیبُ سعیَهمُ بها مشکورا

إذ أطعموا المسکینَ ثمّةَ أطعموا

الطفلَ الیتیمَ وأطعموا المأسورا

قالوا لوجه اللهِ نطعمُکمْ فلا

منکم جزاءً نبتغی وشکورا

إنّا نخافُ ونتّقی من ربِّنا

یوماً عبوساً لم یزَلْ مجذورا

فَوُقُوا بذلک شرَّ یومٍ باسلٍ

ولَقَوا بذلک نضرةً وسرورا

وجزاهُمُ ربُّ العبادِ بصبرهمْ

یومَ القیامةِ جنّةً وحریرا

وسقاهمُ من سلسبیلٍ کأسُها

بمزاجِها قد فجِّرتْ تفجیرا8.

ص: 488


1- مناقب آل أبی طالب : 3 / 428.
2- مناقب آل أبی طالب : 3 / 428.

یُسقَون فیها من رحیقٍ تختم

بالمسکِ کان مزاجُها کافورا

فیها قواریرٌ وأکوابٌ لها

من فضّةٍ قد قدِّرت تقدیرا

یسعی بها ولدانُها فتخالُهمْ

للحسنِ منهم لؤلؤاً منثورا

وله فی المعنی المذکور (1):

هل أتی فیهمُ تنزّل فیها

فضلُهمْ محکماً وفی السوراتِ

یُطعمونَ الطعام خوفاً فقیراً

ویتیماً وعانیاً فی العناتِ

إنّما نُطعمُ الطعامَ لوجهِ الله

لا للجزاءِ فی العاجلاتِ

فجزاهمْ بصبرِهمْ جنّة الخل

-د بها من کواعبٍ خیّراتِ

ومن شعر الملک الصالح قصیدته التی جاری بها قصیدة دعبل الخزاعی الشهیرة التی أوّلها :

مدارسُ آیاتٍ خلتْ من تلاوةٍ

ومنزلُ وحیٍ مُقفرُ العرصاتِ (2)

وأوّل قصیدة الملک قوله :

ألائمُ دع لومی علی صبواتی

فما فاتَ یمحوه الذی هو آتِ

وما جزعی من سیّئاتٍ تقدّمت

ذهاباً إذا أتبعتُها حسناتِ

ألا إنّنی أقلعت عن کلِّ شبهةٍ

وجانبت غرقی أبْحرِ الشبهاتِ

شُغِلتُ عن الدنیا بحبّی معشراً

بهم یصفحُ الرحمنُ عن هفواتی

وقال فی آخرها :

أُعارض من قول الخزاعیِّ دعبلاً

وإن کنت قد أقللتُ فی مدحاتیتِ

ص: 489


1- مناقب آل أبی طالب : 3 / 429.
2- هذا البیت من قصیدته المشهورة التی أولها : تجاوبن بالإرنانِ والزفراتِ نوائحُ عجمُ اللفظِ والنَّطقاتِ

(مدارسُ آیاتٍ خلت من تلاوةٍ

ومنزلُ وحیٍ مقفرُ العرصاتِ) (1)

وفی أنوار الربیع (2) (ص 312) : ومن الاستثناء الذی ما خرج حجاب السمع ألطف منه ، قول الصالح طلائع وقد ألزم الأمیر ابن سنان بمال رفع علیه لکونه کان یتولّی أموالاً له واعتقله ، فأرسل إلیه یمتُّ بقدیم الخدمة والتشیّع الموافق لمذهبه ، فقال الصالح :

أتی ابنُ سنانٍ ببهتانه

یحصِّنُ بالدین ما فی یدیهِ

برئتُ من الرفض إلاّ له

وتبت من النصب إلاّ علیهِ

وکان قدر المال ستّین ألف دینار فأخذ منه اثنی عشر ألفاً وترک له الباقی.

کتب الملک الصالح إلی صاحب الروم قلج أرسلان بن مسعود ، فی تنافس وقع بینه وبین نور الدین محمود بن زنکی :

نقولُ ولکن أین من یتفهّمُ

ویعلمُ وجهَ الرأیِ والرأیُ مبهمُ

وما کلُّ مَن قاس الأمورَ وساسَها

یوفَّقُ للأمرِ الذی هو أحزمُ

وما أحدٌ فی الملکِ یبقی مخلّداً

وما أحدٌ ممّا قضی اللهُ یسلمُ

أمن بعد ما ذاق العدی طعمَ حربِکمْ

بفیهم (3) وکانت وهی صابٌ وعلقمُ

رجعتمْ إلی حکمِ التنافسِ بینکمْ

وفیکم من الشحناء نارٌ تضرّمُ

أما عندکم مَن یتّقی اللهَ وحدَهُ

أما فی رعایاکمْ من الناسِ مسلمُ

تعالوا لعلّ اللهَ ینصرُ دینَکمْ (4)

إذا ما نصرنا الدینَ نحن وأنتمُ

وننهضُ نحو الکافرین بعزمةٍ

بأمثالِها تُحوی البلادُ وتُقسمُُ.

ص: 490


1- أنوار الربیع : ص 312 [3 / 112] ، الرائق : ذکر من القصیدة (40) بیتاً. (المؤلف)
2- أنوار الربیع : 3 / 113.
3- فی الدیوان : ص 133 : بغیّهم.
4- فی الکامل لابن الأثیر : 7 / 184 والدیوان : دینَهُ.

ویأتی من شعر المترجم فی ترجمة الفقیه عمارة الیمنی ، ووقفت من شعر الملک الصالح علی شطر مهمّ فی أهل البیت علیهم السلام مدحاً ورثاءً یربو علی ألف وأربعمائة بیتٍ ، وقد جمعها سیّدنا العلاّمة السیّد أحمد العطّار فی کتابه الرائق ، ولعلّ ما فاته من شعره فی أهل البیت علیهم السلام نزر یسیر.

توجد ترجمة طلائع الملک الصالح فی کثیر من الکتب والمعاجم منها (1):

وفیات الأعیان (1 / 259) ، الکامل لابن الأثیر (11 / 103) ، الخطط للمقریزی (4 / 81) ، تاریخ ابن کثیر (12 / 243) ، روض المناظر لابن شحنة ، تاریخ أبی الفداء (3 / 40) ، مرآة الجنان (3 / 310) ، أنوار الربیع (ص 312) ، تحفة الأحباب للسخاوی (ص 176) ، شذرات الذهب (4 / 177) ، نسمة السحر الجزء الثانی ، خواصّ العصر الفاطمی (ص 234) ، دائرة المعارف لفرید وجدی (5 / 771) ، الأعلام للزرکلی (2 / 449) ، تاریخ مصر الحدیث لجرجی زیدان (1 / 298) ، شهداء الفضیلة (ص 57).

الملک العادل

خلّف الملک الصالح ولده رزّیک بن طلائع الملقّب بالملک الناصر والعادل ، ولی الوزارة بعد والده الصالح ستة عشر شهراً وعدّة أیّام ، وکان والده قد أوصاه بأن لا یتعرّض شاور ولا یغیّر علیه حاله ، فإنّه لا یأمن عصیانه والخ روج علیه ، وکان کما أشار ، فإنّ العادل حسّن له أهله عزل شاور واستعمال بعضهم مکانه ، وخوّفوه منه إن أقرّه علی عمله ، فأرسل إلیه بالعزل ، فجمع جموعاً کثیرة وسار بهم إلی القاهرة 7.

ص: 491


1- وفیات الأعیان : 2 / 526 رقم 311 ، الکامل فی التاریخ : 7 / 157 حوادث سنة 556 ه ، الخطط والآثار : 2 / 293 ، البدایة والنهایة : 12 / 303 حوادث سنة 556 ه ، روض المناظر : 2 / 128 ، أنوار الربیع : 3 / 112 ، شذرات الذهب : 6 / 296 ، نسمة السحر : مج 8 / ج 2 / 309 ، الأعلام : 3 / 228 ، مؤلّفات جرجی زیدان الکاملة - تاریخ مصر - : مج 9 / 307.

ودخلها یوم الأحد الثانی والعشرین من المحرّم سنة (558) ، وهرب العادل بن الصالح وأهله من القاهرة لیلة العشرین من المحرّم ، فأُخذ وقُتل وأُخِذ موضعه من الوزارة واستولی شاور علی دیار مصر ، ودُفن العادل فی تربة الملک الصالح وبها جماعة أخری.

ترجمه الفقیه عمارة فی کتابه النکت العصریّة (ص 53) وقال فی (ص 66):

دخلت قاعة السرِّ من دار الوزارة فیها طیّ بن شاور وضرغام وجماعة من الأمراء مثل عزّ الزمان ، ومرتفع الظهیر ، ورأس رزّیک بن الصالح بین أیدیهم فی طست ، فما هو إلاّ أن لمحته عینی ورددت کمّی علی وجهی ورجعت علی عقبی ، وما ملأت عینی من صورة الرأس ، وما من هؤلاء الجماعة الذین کان الرأس بین أیدیهم إلاّ مَن مات قتیلاً وقطعت رأسه عن جسده ، فأمر طیّ من ردّنی فقلت : والله ما أدخل حتی تغیِّب الرأس عن عینی ، فرفع الطست وقال لی ضرغام : لِمَ رجعت؟ قلت : بالأمس هو سلطان الوقت الذی نتقلّب فی نعمته. قال : لو ظفر رزّیک بأمیر الجیوش أو بنا ما أبقی علینا.

قلت : لا خیر فی شیءٍ یؤول الأمر بصاحبه من الدست إلی الطست ، ثمّ خرجت وقلت :

أَعزِزْ علیَّ أبا شجاعٍ أن أری

ذاک الجبینَ مضرّجاً بدمائهِ

ما قلّبته سوی رجالٍ قلّبوا

أیدیهمُ من قبلُ فی نعمائهِ

وللفقیه عمارة الیمنی شعر کثیر یمدح به الملک العادل رزّیک بن طلائع ، ذکره فی کتابه النکت العصریّة وفی دیوانه ، منه قصیدة أوّلها :

جاورْ بمجدِکَ أنجمَ الجوزاءِ

وازددْ علوّا فوقَ کلِّ علاءِ

وقصیدةٌ أخری مُستهلّها :

تبسّمَ فی لیلِ الشبابِ مشیبُ

فأصبحَ برد الهمِّ وهو قشیبُ

ص: 492

وثالثة مطلعها :

دانت لأمرِکَ طاعةُ الأقدارِ

وتواضعتْ لک عزّةُ الأقدارِ

ورابعة أوّلها :

فی مثلِ مدحِکَ شرحُ القولِ مختصرُ

وفی طوالِ القوافی عنده قِصَرُ

وخامسة مبدؤها :

لمّا أرادَ مدامةَ الأحداقِ

دبّت حُمیّا نشوةِ الأخلاقِ

وسادسة مطلعها :

لکلِّ مقامٍ فی عُلاکَ مقالُ

یُصدِّقُه بالجودِ منک فِعالُ

وسابعة أوّلها :

فُقتَ الملوک مهابةً وجلالا

وطرائقاً وخلائقاً وخلالا

وثامنة مطلعها :

لک أن تقولَ إذا أردتَ وتفعلا

ولمن سعی فی ذا المدی أن یخجلا

وتاسعة أولها :

لله مِن یومٍ أغرَّ محجّلِ

فی ظلِّ محترمِ الفناءِ مبجّلِ

وعاشرة مستهلّها :

لو لا جفونٌ ومُقلْ

مکحولةٌ من الکحلْ

ولحظاتٌ لم تزلْ

أرمی نبالاً من ثُعَلْ (1)ی.

ص: 493


1- ثُعَلْ : اسم قبیلة مشهورة بالرمی.

وبرَدٌ (1) رضابُهُ

ألذُّ من طعمِ العسلْ

یظما إلی برودِهِ

من علَّ منه ونهلْ

لمّا وصلتُ قاطعاً

إذا رأی جِدّی هزلْ

مخالفٌ لو أنّه

أضمر هجری لوصلْ

وأغیَدٌ منعّمٌ

یمیل کلّما اعتدلْ

یهتزُّ غصنُ قدِّه

لیناً إذا ارتجَّ الکفلْ

غرٌّ إذا جمّشته

أطرقَ من فرطِ الخجلْ (2)

أُریْعِنٌ مدلّلٌ

غُزیّلٌ یأبی الغزلْ

سألتُهُ فی قُبلةٍ

من ثغرِهِ فما فعلْ

راضته لی مشمولة

ترمی النشاط بالکسلْ

حتی أتانی صاغراً

یحدوه سکرٌ وثملْ

أمسی بغیر شکرِهِ

ذاک المصونُ یبتذلْ

وبات بین عقدِهِ

وبین قرطیه جدلْ

وکدتُ أمحو لَعَسَاً

فی شفتیهِ بالقبلْ (3)

فدیتُهُ من مبسمٍ

ألثمُهُ فلا أملْ

کأنّه أناملٌ

لمجد الاسلام الأجلْ

معروفهنّ أبداً

یضحکُ فی وجهِ الأملْ

وقال یمدحه من قصیدةٍ أوّلها :

أیا أُذن الأیّامِ إن قلتُ فاسمعی

لنفثةِ مصدورٍ وأنّةِ موجعِ

وعی کلَّ صوتٍ تسمعین نداءَهُ

فلا خیرَ فی أُذن تنادی فلا تعین.

ص: 494


1- البَرَد : مطر جامد شُبِّهت به الأسنان لبیاضها.
2- جَمَشَ جَمْشاً النبات : إذا حصده ، وجَمَش المرأة إذا غازلها ولاعبها.
3- اللعس : سواد مستملح فی الشفتین.

ویقول فیها :

ملوکٌ رَعَوا لی حرمةً صارَ نبتُها

هشیماً رعتْهُ النائباتُ وما رُعی

ورُدّتْ بهم شمسُ العطایا لوفدِهمْ

کما قال قومٌ فی عُلیً وتوسّعِ

قال الأمینی : کذا یوجد البیت الأخیر فی مختار دیوانه المطبوع فی ألمانیا (ص 288) ، وهو تصحیف غریب مع التشکیل لحروفه ، والصحیح :

کما قال قومٌ فی علیٍّ ویوشعِ

وهذا ینمُّ عن ضئولة أمر المتطفّلین علی موائد العربیّة وذهولهم عن معنی البیت الذی لا یستقیم إلاّ علی ما ذکرناه ، وقد أوعز الشاعر إلی حدیث ردِّ الشمس لمولانا علیّ أمیر المؤمنین ویوشع علیهما السلام من قبله. هذا أحسن الاحتم الین دعانا إلیه حسن ظنِّنا بالقوم وإن کان بعیداً جدّا ، والأقرب ما لا یفوتک عرفانه ، والله أعلم.

ص: 495

ص: 496

48 - ابن العودی النیلی

المولود (478)

المتوفّی (حدود 558)

متی یشتفی من لاعجِ القلبِ مغرمُ

وقد لجَّ فی الهجرانِ مَن لیس یرحمُ

إذا همَّ أن یسلو أبی عن سُلوِّه

فؤادٌ بنیرانِ الأسی یتضرّمُ

ویثنیه عن سلوانِهِ لفضیلةٍ

عهودُ التصابی والهوی المتقدّمُ

رمته بلحظٍ لا یکاد سلیمُهُ

من الخبلِ والوجدِ المبرِّحِ یسلمُ

إذا ما تلظّتْ فی الحشا منه لوعةٌ

طفتْها دموعٌ من أماقیه تسجمُ

مقیمٌ علی أسر الهوی وفؤادُهُ

تغورُ به أیدی الهمومِ وقتهمُ (1)

یجنّ الهوی عن عاذلیه تجلّداً

فیبدی جواه ما یجنُّ ویکتمُ

یعلّل نفساً بالأمانی سقیمةً

وحسبُکَ من داءٍ یصحُّ ویسقمُ

وقد غفلت عنّا اللیالی وأصبحت

عیون العدی عن وصلِنا وهی نُوّمُ

فکم من غصونٍ قد ضممتُ ثدیها

إلیَّ وأفواهٍ بها کنت ألثمُ

أُجیل ذراعی لاهیاً فوق منکبٍ

وخصرٍ غدا من ثقلِهِ یتظلّمُ

وأمتاحُ راحاً من شنیب کأنّه

من الدرِّ والیاقوت فی السلک یُنظمُما

ص: 497


1- () کذا ، ولعل الصحیح : تُتْهِمُ ، والمراد به تِهامة کما أن المراد ب (تغور) الغور ، ومنه قول الشاعر : أرانی ساکناً من بعد نجدٍ بلاد الغور والبلد التهاما

فلمّا علانی الشیبُ وابیضَّ عارضی

وبان الصبا واعوجَّ منّی المقوّمُ

وأضحی مشیبی للعَذارِ ملثِّماً

به ولرأسی بالبیاضِ یُعمِّمُ

وأمسیتُ من وصلِ الغوانی ممنّعاً

کأنّیَ من شیبی لدیهنّ مجرمُ

بکیتُ علی ما فات منّی ندامةً

کأنّی خنسٌ فی البکا أو متمِّمُ (1)

وأصفیتُ مدحی للنبیّ وصنوِهِ

وللنفرِ البیضِ الذین همُ همُ

هم التینُ والزیتونُ آلُ محمدٍ

همُ شجرُ الطوبی لمن یتفهّمُ

همُ جنّةُ المأوی هم الحوضُ فی غدٍ

هم اللوحُ والسقفُ الرفیعُ المعظّمُ

همُ آلُ عمرانٍ همُ الحجُّ والنسا

هم سبأٌ والذاریاتُ ومریمُ

همُ آلُ یاسینٍ وطه وهل أتی

هم النحلُ والأنفالُ إن کنتَ تعلمُ

همُ الآیةُ الکبری هم الرکنُ والصفا

هم الحجُّ والبیتُ العتیق المکرّمُ

همُ فی غدٍ سُفنُ النجاةِ لمن وعی

هم العروةُ الوثقی التی لیس تفصمُ

همُ الجنبُ جنبُ اللهِ فی البیتِ والوری

هم العینُ عینُ اللهِ فی الناسِ تعلمُ

همُ الآلُ فینا والمعالی همُ العُلی

یُیَمَّمُ فی منهاجِهم حیث یمّموا

همُ الغایةُ القصوی همُ منتهی المنی

سلِ النصَّ فی القرآن یُنبئک عنهمُ

همُ فی غدٍ للقادمین سقاتُهم

إذا وردوا والحوضُ بالماءِ مفعمُ

فلولاهمُ لم یخلقِ اللهُ خلقَهُ

ولا هبطا للنسلِ حوّا وآدمُ

همُ باهلوا نجرانَ من داخلِ العبا

فعادَ المُناوی فیهمُ وهو مفحمُ

وأقبل جبریلٌ یقول مفاخراً

لمیکال مَن مثلی وقد صرتُ منهمُ

فمن مثلُهمْ فی العالمینَ وقد غدا

لهم سیّدُ الأملاکِ جبریلُ یخدمُ

ومَن ذا یُساویهم بفضلٍ ونعمةٍ

من الناس والقرآنُ یُؤخذُ عنهمُ

أبوهمْ أمیرُ المؤمنینَ وجدُّهمْ

أبو القاسمِ الهادی النبیُّ المکرّمُا.

ص: 498


1- خنس : الشاعرة الخنساء تُماضر بنت عمرو الریاحیة السُّلَمیة التی عرفت بالبکاء علی أخویها صخر ومعاویة ، ومتمم هو : مُتَمِّم بن نُوَیْرَة الذی رثی أخاه مالکاً رثاءً حارّا.

همُ شرعوا الدینَ الحنیفیَّ والتقی

وقاموا بحکمِ اللهِ من حیث یحکمُ

وخالُهمُ إبراهیمُ والأُمّ فاطمٌ

وعمُّهمُ الطیّار فی الخُلد یَنعمُ

إلی اللهِ أبرا من رجالٍ تتابعوا

علی قتلِهمْ یا للوری کیف أقدموا

حَمَوْهم لذیذَ الماءِ والوردُ مفعمٌ

وأسقوهمُ کأسَ الردی وهو علقمُ

وعاثوا بآلِ المصطفی بعد موتِه

بما قتلَ الکرّارُ بالأمسِ منهمُ

وثاروا علیهِ ثورةً جاهلیّةً

علی أنّه ما کان فی القومِ مسلمُ

وألقوهمُ فی الغاضریّات صُرّعاً

کأنّهمُ قفٌّ علی الأرض جُثّمُ (1)

تحاماهمُ وحش الفلا وتنوشهمْ

بأریاشِها طیرُ الفلا وهی حُوّمُ (2)

بأسیافِهمْ أردوهمُ ولدینهمْ

أُریق بأطرافِ القنا منهمُ الدمُ

وما قدّمت یوم الطفوف أُمیّةٌ

علی السبطِ إلاّ بالذین تقدّموا

وأنّی لهم أن یبرءوا من دمائِهمْ

وقد أسرجوها للخصامِ وألجموا

وقد علموا أنَّ الولاءَ لحیدرٍ

ولکنّه ما زال یُؤذی ویُظلَمُ

تعدّوا علیه واستبدّوا بظلمِهِ

وأُخِّر وهو السیّدُ المتقدِّمُ

وقد زعموها فلتةً کان بدؤها

وقال اقتلوا من کان فی ذاک یخصمُ

وأفضوا إلی الشوری بها بین ستّةٍ

وکان ابن عوفٍ منهمُ المتوسِّمُ

وما قصدوا إلاّ لیُقتلَ بینهم

علیٌّ وکان الله للطهرِ یعصمُ

وإلاّ فلیثٌ لا یُقاسُ بأضبُعٍ

وأین من الشمسِ المنیرةِ أنجُمُ

فوا عجباً من أین کانوا نظائراً

وهل غیرُهُ طبٌّ من الغیِّ فیهمُ

ولکن أمورٌ قُدِّرت لضلالِهمْ

وللهِ صنعٌ فی الإرادةِ محکَمُ

عصوا ربّهم فیه ضلالاً فأُهلِکوا

کما هلکتْ من قبل عادٌ وجُرهمُف)

ص: 499


1- القفّ : ما یبس من أحرار البقول وذکورها. جثم - جمع جاثم من جثم جثماً - : تلبّد بالأرض ، ولزم مکانه فلم یبرح. (المؤلف)
2- حوّم - جمع حائم من حام علی الشیء وحوله - : دار به ، وحام الرجل : عطش. (المؤلف)

فما عذرهمْ للمصطفی فی معادهم

إذا قال لِمْ خنتمْ علیّا وجرتمُ

وما عذرهم إن قال ما ذا صنعتمُ

بصنویَ من بعدی وما ذا فعلتمُ

عهدتُ إلیکمْ بالقبولِ لأمرِهِ

فلِم حلتمُ عن عهدهِ وغدرتمُ

نبذتمْ کتابَ اللهِ خلفَ ظهورِکمْ

وخالفتموه بئس ما قد صنعتمُ

وخلّفتُ فیکم عترتی لهداکمُ

فکم قمتمُ فی ظلِّهمْ وقعدتمُ

قلبتم لهمْ ظهرَ المجنِّ وجرتمُ

علیهم وإحسانی إلیکم کفرتمُ

وما زلتمُ بالقتل تطغون فیهمُ

إلی أن بلغتم فیهمُ ما أردتمُ

کأنّهمُ کانوا من الرومِ فالتقتْ

سرایاکمُ صُلبانَهمْ وظفرتمُ

ولکن أخذتم من بنیَّ بثارِکمْ

فحسبُکمُ خزیاً علی ما اجترأتمُ

منعتمْ تراثی ابنتی لا أبا لکم

فلِم أنتمُ آباءَکم قد ورثتمُ

وقلتم نبیٌّ لا تُراثَ لولدِهِ

أللأجنبیِّ الإرثُ فیما زعمتمُ

فهذا سلیمانٌ لداودَ وارثٌ

ویحیی لزکریّا فلِم ذا منعتمُ

فإن کان منه للنبوّة وارثاً

کما قد حکمتمْ فی الفتاوی وقلتمُ

فقد ینبغی نسلُ النبیّین کلُّهم

ومن جاء منهم بالنبوّة یوسمُ

وقلتم حرامٌ متعةُ الحجِّ والنسا

أعن ربِّکم أم عنکمُ ما شرعتمُ

زناتکمُ تعفونَ عنهم ومن أتی

إلیکم من المستمتعین قتلتمُ

ألم یأتِ ما استمتعتمُ من حلیلةٍ

فآتوا لها من أجرها ما فرضتمُ

فهل نسخَ القرآنُ ما کان قد أتی

بتحلیلِهِ أم أنتمُ قد نسختمُ

وکلُّ نبیٍّ جاءَ قبل وصیِّهِ

مطاعٌ وأنتم للوصیّ عصیتمُ

ففعلکمُ فی الدین أضحی منافیاً

لفعلی وأمری غیر ما قد أمرتمُ

وقلتم مضی عنّا بغیرِ وصیّةٍ

ألم یوصِ لو طاوعتمُ وامتثلتمُ

وقد قال من لم یوصِ من قبل موتِهِ

یمُتْ جاهلاً بل أنتمُ قد جهلتمُ

نصبتُ لکم بعدی إماماً یدلُّکمْ

علی اللهِ فاستکبرتمُ وظلمتمُ

ص: 500

وقد قلتُ فی تقدیمِهِ وولائِهِ

علیکم بما شاهدتمُ وسمعتمُ

علیٌّ غدا منّی محلاّ وقربةً

کهارونَ من موسی فلِمْ عنه حُلتمُ

شقیتم به شقوی ثمودٍ بصالحٍ

وکلُّ امرئٍ یبقی له ما یُقدِّمُ

وملتم إلی الدنیا فضلّت عقولُکمْ

ألا کلُّ مغرورٍ بدنیاه یندمُ

لحی الله قوماً أجلبوا وتعاونوا

علی حیدرٍ فیما أساؤوا وأجرموا

زووا عن أمیرِ النحلِ بالظلمِ حقَّهُ

عناداً له والطهرُ یُغضی ویکظِمُ

وقد نصّها یومَ الغدیرِ محمدٌ

وقال ألا یا أیّها الناسُ فاعلموا

لقد جاءنی فی النصِّ بلِّغ رسالتی

وها أنا فی تبلیغها المتکلمُ

علیٌّ وصیّی فاتبعوه فإنّه

إمامکمُ بعدی إذا غبتُ عنکمُ

فقالوا رضیناه إماماً وحاکماً

علینا ومولیً وهو فینا المحکَّمُ

رأوا رشدَهمْ فی ذلک الیومِ وحدَهُ

ولکنّهم عن رشدِهمْ فی غدٍ عموا

فلمّا توفّی المصطفی قال بعضُهمْ

أیحکم فینا لا وباللاّتِ نقسمُ

ونازعه فیها رجالٌ ولم یکن

لهم قدمٌ فیها ولا متقدّمُ

وظلّوا علیها عاکفین کأنّهم

علی غرّةٍ کلٌّ لها یتوسّمُ

یقیمُ حدودَ اللهِ فی غیرِ حقِّها

ویفتی إذا استفتی بما لیس یعلمُ

یُکفِّر هذا رأیَ هذا بقولِهِ

وینقضُ هذا ما له ذاک یبرمُ

وقالوا اختلافُ الناسِ فی الفقهِ رحمةٌ

فلم یکُ من هذا یحلُّ ویحرمُ

أربّانِ للإنسانِ أم کان دینُهمْ

علی النقصِ من دون الکمالِ فتمّموا

أم اللهُ لا یرضی بشرع نبیّه

فعادوا وهم فی ذاک بالشرعِ أقومُ

أم المصطفی قد کان فی وحی ربِّهِ

ینقِّص فی تبلیغه ویُجمجمُ

أم القومُ کانوا أنبیاءً صوامتاً

فلمّا مضی المبعوث عنهم تکلّموا

أم الشرعُ فیهِ کان زیغ عن الهدی

فسوّوه من بعدِ النبیِّ وقوّموا

أم الدینُ لم یکملْ علی عهد أحمدٍ

فعادوا علیه بالکمالِ وأحکموا

ص: 501

أما قال إنّی الیوم أکملتُ دینکمْ

وأتممتُ بالنعماءِ منّی علیکمُ

وقال أطیعوا الله ثمّ رسولَه

تفوزوا ولا تعصوا أُولی الأمر منکمُ

فلِمْ حرّموا ما کان حِلاّ وحلّلوا

بفتواهمُ ما جازَ وهو محرّمُ

تری اللهَ فیما قال قد زلَّ أم هَذی

نبیُّ الهدی أم کان جبریلُ یوهمُ

لقد أبدعوا ممّا نووا من خلافِهمْ

وقال اقبلوا ممّا یقولُ وسلّموا

وإلاّ ترکتمْ إنْ أبیتم رماحَنا

وأسیافَنا فیکم تسدّی وتلحمُ

وما ماتَ حتی أکملَ اللهُ دینَهُ

ولم یبقَ أمرٌ بعد ذلک مبهمُ

ولکنْ حقودٌ أُظهِرتْ وضغائنٌ

وبغیٌ وجورٌ بیّنُ الظلم منهمُ

یُقرَّب مفضولٌ ویُبعَدُ فاضلٌ

ویَسکتُ منطیقٌ وینطقُ أبکمُ

وما أخّروا فیها علیّا لموجبٍ

ولکن تعدٍّ منهمُ وتظلّمُ

وکم شرعوا فی نقضِ ما شاد أحمدٌ

ولکنّ دینَ اللهِ لا یتهدّمُ

وحاشا لدینٍ شیّدَ الحقُّ رکنَهُ

بسیفِ علیٍّ یعتریه التهدُّمُ

فحسبهمُ فی ظلمِ آلِ محمدٍ

من اللهِ فی العقبی عقابٌ ومأثمُ

فإن غصبوهمْ أمرَ دنیاً دنیّةٍ

فما لهمُ فی الحشر أبقی وأدوَمُ

فهل عظُمتْ فی الدهر قطُّ مصیبةٌ

علی الناسِ إلاّ وهی فی الدینِ أعظمُ

تولّی بإجماعٍ علی الناس أوّلٌ

ونصَّ علی الثانی بها وهو مُغرمُ

وقال أقیلونی فلستُ بخیرِکمْ

فلِمْ نصّها لو صحَّ ما کان یزعمُ

وأثبتها فی جوره بعد موته

صهاکیّةً خشناءَ للخصمِ تکلمُ

ولو أدرک الثانی لمولی حذیفةٍ

لولاّه دون الغیر والأنفُ یُرغمُ

وقد نالها شوری من القومِ ثالثٌ

وجُرِّد سیفٌ للوصیّ ولهذمُ

أشوری وإجماعٌ ونصٌّ خلافةٌ

تعالوا علی الإسلام نبکی ونلطمُ

وصاحبُها المنصوصُ عنها بمعزلٍ

یُدیمُ تلاواتِ الکتابِ ویختمُ

ولو أنّه کان المولّی علیهمُ

إذن لهداهمُ فهو بالأمرِ أعلمُ

ص: 502

هو العالمُ الحَبرُ الذی لیس مثلُهُ

هو البطلُ القرمُ الهزبرُ الغشمشمُ

وما زال فی بدرٍ وأُحدٍ وخیبرٍ

یفلُّ جیوشَ المشرکین ویحطمُ

یکرُّ ویعلوهم بقائمِ سیفِهِ

إلی أن أطاعوا مکرهین وأسلموا

وما دخلوا الإسلام دیناً وإنّما

منافقةً کی یُرفعَ السیفُ عنهمُ

وقالوا علیٌّ کان فی الحکمِ ظالماً

لیکثر بالدعوی علیه التظلّمُ

وقالوا دماءُ المسلمین أراقَها

وقد کان فی القتلی بریءٌ ومجرمُ

فقلتُ لهم مهلاً عدمتمْ صوابَکمْ

وصیُّ النبیّ المصطفی کیف یظلِمُ

أراقَ دماءَ المسلمین فوالذی

هدانا به ما کان فی القومِ مسلمُ

ولکنّه للناکثین بعهدِه

وممّن تعدّی منهم کان ینقمُ

أما قال أقضاکم علیٌّ محمدٌ

کذا قد رواه الناقدُ المتقدّمُ

فإن جار ظلماً فی القضایا بزعمِکمْ

علیٌّ فمن زکّاهُ لا شکّ أظلمُ

فیا لیتنی قد کنت بالأمسِ حاضراً

فأُشرِکهُ فی قتلِهمْ وأُصمّمُ

وألقی إلهی دونهمْ بدمائِهمْ

فننظرُ عند اللهِ من یتندّمُ

فمن کعلیٍّ عند کلّ ملمّةٍ

إذا ما التقی الجمعانِ والنقعُ مفعمُ

ومَن ذا یُسامیه بعلمٍ ولم یَزَلْ

یقول سلونی ما یحلُّ ویحرمُ

سلونی ففی جنبیَّ علمٌ ورثتُهُ

عن المصطفی ما فاه منّی به الفمُ

سلونیَ عن طرقِ السموات إنّنی

بها من سلوکِ الأرضِ والطرقِ أعلمُ

ولو کشفَ اللهُ الغطا لم أزِدْ به

یقیناً علی ما کنت أدری وأعلمُ

وکأین له من آیةٍ وفضیلةٍ

ومن مکرماتٍ ما تعمُّ وتکتمُ

فمن ختمتْ أعمالُهُ عند موتِهِ

بخیرٍ فأعمالی بحبِّیه تُختَمُ

فیا ربّ بالأشباحِ آلِ محمدٍ

نجومِ الهدی للناسِ والأفق مظلمُ

وبالقائمِ المهدیِّ من آل أحمدٍ

وآبائِه الهادین والحقُّ معصمُ

تفضّل علی العودیّ منک برحمةٍ

فأنت إذا استُرحمتَ تعفو وترحمُ

ص: 503

تجاوز بحسنِ العفوِ عن سیّئاتِهِ

إذا ما تلظّت فی المعادِ جهنّمُ

ومنّ علیه من لدنکَ برأفةٍ

فإنّک أنتَ المنعمُ المتکرِّمُ

فإن کان لی ذنبٌ عظیمٌ جنیتُهُ

فعفوُکَ والغفرانُ لی منه أعظمُ

وإن کنتُ بالتشبیب فی الشعر ابتدی

فإنّی بمدحِ الصفوةِ الزهرِ أختِمُ

وله قصیدة أخری یذکر فیها حدیث الغدیر ویراه نصّا علی الإمامة والخلافة لأمیر المؤمنین علیه السلام بعد النبیّ الأعظم - صلوات الله علیه وآله - أوّلها :

بفنا الغریّ وفی عراصِ العلقمِ

تُمحی الذنوب عن المسیءِ المجرمِ

قبران قبرٌ للوصیّ وآخرٌ

فیه الحسین فعُجْ علیه وسلّمِ

هذا قتیلٌ بالطفوفِ علی ظماً

وأبوه فی کوفانَ ضُرِّجَ بالدمِ

وإذا دعا داعی الحجیجِ بمکّةٍ

فإلیهما قصدُ التقیِّ المسلمِ

فاقصدْهما وقلِ السلامُ علیکما

وعلی الأئمّةِ والنبیِّ الأکرمِ

أنتمْ بنو طه وقافٍ والضحی

وبنو تبارکَ والکتابِ المحکَمِ

وبنو الأباطحِ والمسلخِ والصفا

والرکنِ والبیتِ العتیقِ وزمزمِ

بکمُ النجاةُ من الجحیم وأنتمُ

خیرُ البریّة من سلالةِ آدمِ

أنتم مصابیحُ الدجی لمن اهتدی

والعروةُ الوثقی التی لم تُفصمِ

وإلیکمُ قصدُ الولیِّ وأنتمُ

أنصارُهُ فی کلِّ خطبٍ مولمِ

وبکم یفوزُ غداً إذا ما أُضرِمتْ

فی الحشرِ للعاصین نارُ جهنّمِ

مَن مثلُکُم فی العالمینَ وعندکمْ

علمُ الکتابِ وعلمُ ما لم یُعلَمِ

جبریلُ خادمُکمْ وخادمُ جدِّکمْ

ولغیرِکمْ فی ما مضی لم یخدمِ

أبنی رسولِ اللهِ إنّ أباکمُ

من دوحةٍ فیها النبوّةُ ینتمی

آخاه من دونِ البریّةِ أحمدٌ

واختصّه بالأمرِ لو لم یُظلَمِ

نصَّ الولایةَ والخلافةَ بعدَهُ

یومَ الغدیرِ له برغمِ اللوّمِ

ص: 504

ودعا له الهادی وقال ملبّیاً

یا ربِّ قد بلّغتُ فاشهد واعلمِ

حتی إذا قُبِضَ النبیُّ وأصبحوا

مثلَ الذباب تلوحُ حول المطعمِ

نکثتْ ببیعته رجالٌ أسلمتْ

أفواهُهمْ وقلوبُهم لم تُسلمِ

وتداولوها بینهم فکأنّها

کأسٌ تدور علی عطاشٍ حُوّمِ

القصیدة (57) بیتاً

الشاعر

الربیب أبو المعالی سالم بن علیّ بن سلمان بن علیّ المعروف بابن العودی - العودی (1) - التغلبی النیلی ، نسبة إلی بلدة النیل علی نهر النیل المستمدّ من الفرات الممتدّ نحو الشرق الجنوبی ، وکانت ولادته بها سنة (478).

لم أقف علی ترجمة أبی المعالی أبسط مما نشرته مجلّة الغری النجفیّة الغرّاء فی العدد ال (22 و 23) من السنة السابعة بقلم الدکتور مصطفی جواد البغدادی ، ذلک البحّاثة المنقِّب ، وإلیک نصّه ، قال :

کان أبو المعالی من الشعراء الذین اشتهر شعرهم وقلّت أخبارسیرهم ، فهو کوکب من کواکب الأدب ، ومشاهد نوره مجهولة حقیقته أو حقائق أوصافه ، وکان فی الأیّام التی جمع فیها عماد الدین الأصفهانی أخبار الشعراء ؛ ولذلک قال فی نعته : شابٌّ شبّت له نار الذکاء ، وشاب لنظمه صرف الصهباء بصافی الماء ، ودرّ من فیه شؤبوب الفصاحة ، یسقی من ینشده شعره راح الراحة ، وردتُ واسطاً سنة خمسین - یعنی خمسین وخمسمائة - فذکر لی أنّه کان بها للاسترفاد ، وقام فی بعض الأیّام ینشد خادم الخلیفة - فاتناً (2) - فسبقه غیره إلی الإنشاد ، فقعد ولم یعد إلیه وسلّم علی رفده ف)

ص: 505


1- کما فی شعره. (المؤلف)
2- هو شمس الدین أبو الفضائل من أکابر ممالیک بنی العبّاس ، کان ناظر واسط یومئذٍ. (المؤلف)

وعلیه ، وصمّم عزم الرحیل إلی وطنه بالنیل ، ولقیته بعد ذلک فی سنة أربع وخمسین بالهمامیّة. انتهی.

وإشارة العماد إلی أنّه کان شابّا من فلتات الشباب.

ویلوح لنا من أثناء هذا الخبر أنّ ابن العودی کان - مع تحریره إنشاده لاسترفاده - أبیّ النفس ، معتدّا بشعره ، والشاعر الأبیُّ المسترفد لا یورثه إباؤه إلاّ الحرمان وإساءة الزمان.

ومن شعره الذی نقله قطب الدین أبو یعلی محمد بن علیّ بن حمزة العلوی الأقساسی ، تغزّله بامرأة نصف - أی متوسطة العمر - :

أبی القلب إلاّ أمَّ فضلٍ وإن غدتْ

تُعَدُّ من النصف الأخیرِ لداتُها

لقد زادها عندی المشیبُ ملاحةً

وإن زعم الواشی وساءَ عداتُها

فإن غیّرت منها اللیالی ففی الحشا

لها حُرَقٌ ما تنطفی زفراتُها

فما نال منها الدهرُ حتی تکاملت

کمالاً وأعیی الواصفین صفاتُها

سبتنی بفرعٍ فاحمٍ وبمقلةٍ

لها لحظاتٌ ما تُفَکُّ عناتُها

وثغرٌ زهتْ فیه ثنایا کأنّها

حصی بَرَدٍ تشفی الصدارَ (1) شفاتُها

ولمّا التقینا بعد بُعدٍ من النوی

وقد حان نحوی بالسلام التفاتُها

رأیتُ علیها للجمال بقیّةً

فعاد لنفسی فی الهوی نشواتُها

وأنشد القاضی عبد المنعم بن مقبل الواسطی له :

همأقعدونی فی الهوی وأقاموا

وأبلوا جفونی بالسهادِ وناموا

وهمْ ترکونی للعتاب دریئةً

أؤنَّب فی حبّیهمُ وأُلامُف)

ص: 506


1- وفی نسخة قاضی القضاة الشافعیة بالدیار المصریة عبد العزیز بن جماعة : تسقی الصدار سفاتها. قال الأمینی : ما فی المتن والهامش فیه تصحیف والصحیح : تشفی الصدی رشفاتها. (المؤلف)

ولو انصفوا فی الحبّ قسمة بیننا (1)

لهاموا کما بی صبوةٌ وهیامُ

ولکنّهم لمّا استدرّ لنا الهوی

کرمْتُ بحفظی للوداد ولاموا

ولمّا تنادوا للرحیلِ وقُوِّضتْ

لِبَیْنِهمُ بالأبرقین خیامُ

رمیتُ بطرفی نحوهمْ متأمِّلاً

وفی القلبِ منّی لوعةٌ وضرامُ

وعدتُ وبی ممّا أجنّ صبابةٌ

لها بین أثناءِ الضلوعِ کِلامُ

إذا هاج بی وجدٌ وشوقٌ کأنّما

تضمّر أعشارَ الفؤادِ سهامُ

ولائمةٍ فی الحبِّ قلت لها اقصری

فمثلیَ لا یُسلی هواه ملامُ

أأسلو الهوی بعد المشیبِ ولم یزلْ

یصاحبُنی مذ کنتُ وهو غلامُ

ولمّا جزعنا الرملَ رملَ عنیزةٍ

وناحتْ بأعلی الدوحتینِ حَمامُ

صبوت اشتیاقاً ثمَّ قلتُ لصاحبی

ألا إنّما نَوحُ الحَمام حِمامُ

تجهّز لبینٍ أو تسلَّ عن الهوی

فما لک من لیلی الغداةَ لمامُ

وکیف یُرجّی النولُ عند بخیلةٍ

ترومُ الثریّا وهی لیس تُرامُ

مهفهفةُ الأعطافِ أمّا جبینُها

فصبحٌ وأمّا فرعُها فظلامُ

فیا لیت لی منها بلوغاً إلی المنی

حلالاً فإن لم یُقضَ لی فحرامُ

وهذه المعانی التی أودعها ابن العودی قصیدة مألوفة متعالمة بین الشعراء ، إلاّ أنّ نسج شعره عربیٌّ بحتٌ یضفی علی تلک المعانی ما لا یستطیعه النسج السابری ؛ وقد نقل الصفدی أبیاتاً من هذه القصیدة (2) ومن غیرها من شعر ابن العودی وذکر : أنّ شعره متوسّط. ولا نری فی هذا الحکم حنقاً فإنّه متوسطٌ حقّا من حیث المعانی ، ولکنّه فی حبکه وتألیفه من الطبقة الأولی ؛ فإنّ العرب تنظر إلی المبانی قبل المعانی ، بحکم ما فی لغتها من موسیقی وجرس ورنین ، وهذا لا یعنی أنّها تقرّ من النظم ما لا 6.

ص: 507


1- وفی نسخة صلاح الدین الصفدی [الوافی بالوفیات : 15 / 88 رقم 116] : ولو أنصفونی قسمة الحبّ بیننا. (المؤلف)
2- الوافی بالوفیات : 15 / 87 رقم 116.

معنی له ؛ لأنّ شرط صحّة المبانی احتواؤها علی صحّة المعانی کائنةً ما کانت.

وقد نظم ابن العودی فی الشعر المذهبیّ الذی أکثر منه : السیّد الحمیری ، وابن حمّاد ، والعونی ، والناشئ الأصغر ، وابن عَلّویه الأصفهانی (1) ، والورّاق القمّی. ولما دخل ابن شهرآشوب العراق فی أواسط القرن السادس ألفی شعر ابن العودی فی المذهب تستهدیه الآذان أفواه الشداة والمنشدین ، فضمّن کتابه مناقب آل أبی طالب شیئاً منه (2) وکثیراً من شعر الناظمین فی المذهب. وبعد ترک ابن شهرآشوب العراق إلی الشام حدثت ببغداد فتن مذهبیّه ووثب الحنابلة کعادتهم بأعدائهم فی المذهب ، فأحرقوا کتبهم وفیها دواوین شعرائهم واضطهدوهم اضطهاداً فظیعاً ، فضاع کلُّ ذلک الأدب غثّه وسمینه وصار طعمةً للنار ، والظاهر أنّ ذلک الضرب من النظم فی شعر ابن العودی هو الذی حمل محبّ الدین محمداً المعروف بابن النجّار البغدادی علی أن یقول فی ترجمة ابن العودی : کان رافضیّا خبیثاً یهجو الصحابة.

ومن شعر ابن العودی فی إقامته مدّة بواسط :

یؤرّقنی فی واسطٍ کلَّ لیلةٍ

وساوسُ همٍّ من نویً وفراقِ

فیا للهوی هل راحمٌ لمتیّمٍ

یعلُّ بکأسٍ للفراقِ دهاقِ

خلیلیَّ هل ما فاتَ یُرجی وهل لنا

علی النأیِ من بعد الفراقِ تلاقی

فإن کنت أُبدی سلوةً عن هواکمُ

فإنّ صباباتی بکم لبواقی

ألا یا حماماتٍ علی نهرِ سالمٍ

سلمتِ ووقّاکِ التفرُّقَ واقی

تعالینَ نُبدِ النوحَ کلٌّ بشجوِهِ

فإنّ اکتتامَ الوجدِ غیرُ مطاقِ

علی أنّ وجدی غیرُ وجدِکَ فی الهوی

فدمعیَ مهراقٌ ودمعُک راقی0.

ص: 508


1- مرّت تراجم هؤلاء الشعراء الخمسة فی الجزء الثانی والثالث والرابع من کتابنا هذا ، وکلّهم من شعراء الغدیر. (المؤلف)
2- مناقب آل أبی طالب : 1 / 311 ، 330 و 2 / 47 و 3 / 423 ، 450 و 4 / 360.

وما کنت أدری بعد ما کان بینَنا

من الوصلِ أنّی للفراقِ مُلاقی

فها أنتِ قد هیّجتِ لی حُرَقَ الجوی

وأبدیتِ مکنونَ الهوی لوفاقی

وأسهرتِنی بالنوحِ حتی کأنّما

سقاکِ بکاساتِ التفرُّق ساقی

فلا تحسبی أنّی نزعتُ عن الهوی

وکیف نزوعی عنه بعد وفاقی

ولکنّنی أخفیتُ ما بی من الجوی

لکی لا یری الواشون ما أنا لاقِ

قال الشریف قطب الدین أبو یعلی محمد بن علیّ بن حمزة : أنشدنی الربیب أبو المعالی سالم بن العودی فی منزلی مستهلّ صفر سنة خمسین وخمسمائة :

ما حبستُ الکتابَ عنک لهجرٍ

لا ولا کان ذاکمُ عن تجافی

غیر أنّ الزمانَ یُحدِث للمر

ء أموراً تنسیه کلّ مصافی

شِیَمٌ مرّت اللیالی علیها

واللیالی قلیلةُ الإنصافِ

وهذه أبیات حکمیّة کریمة منتزعة معانیها من صمیم الحقیقة الحیویّة.

وقال الحسن بن هبة الله التغلبی المعروف بابن مصری الدمشقی : أنشدنی أبو المعالی سالم بن علیّ العودی لنفسه :

دعِ الدنیا لمن أمسی بخیلا

وقاطعْ من تراه لها وَصولا

ولا ترکنْ إلی الأیّام واعلم

بأنّ الدهرَ لا یُبقی جلیلا

فکم قد غرّتِ الدنیا أُناساً

وکم قد أقنتِ الدنیا قبیلا

وما هذی الحیاةُ وإن تراخت

بممتعةٍ بها إلاّ قلیلا

فویلٌ لابن آدمَ من مقامٍ

یکون به العزیزُ غداً ذلیلا

قال : وأنشدنی أبو المعالی لنفسه :

أأُخیَّ إنّک میّتٌ

فدعِ التعلّلَ بالتمادی

لا ترکننّ إلی الحیا

ة فإنّ عزّک فی نفادِ

ص: 509

أزف الرحیلُ فلا تکن

ممّن یسیرُ بغیر زادِ

یا غافلاً والموت یق

-دحُ فی سنیه بلا زنادِ

لا بدّ یوماً للنبا

تِ إذا تکاملَ من حصادِ

وأنشدنی لنفسه :

لا أقتضیکَ علی السماحِ فإنّه

لک عادةٌ لکنّنی أنا مذکرُ

إنّ السحابَ إذا تمسّکَ بالندی

رغبوا إلیه بالدعاءِ فیُمطرُ

وأنشدنی لنفسه :

سیّدی عُدْ إلی الوصا

ل فقد شفّنی الضنا

وترفّق بعاشقٍ

ما له عنک من غنی

إن تکن تطلب الصوا

بَ بوصلٍ فها أنا

أو ترد بالنوی دنوّ حِمامی فقد دنا وأنشد :

یا عاتبین علی عانٍ یحبّکمُ

لا تجمعوا بین عتب فی الهوی وعنا

إن کان صدُّکمُ عنّی حدوثَ غنی

فما لنا عنکمُ حتی الممات غنی

ومن شعره قوله :

یقولون لو داویتَ قلبَکَ لارعوی

بسلوانِهِ عن حبِّ لیلی وعن جُمْلِ

وهیهاتَ یبرأُ بالتمائمِ والرُّقی

سلیمُ الثنایا الغرِّ والحَدَقِ النُّجْلِ

ولم أقف علی سنة وفاة ابن العودی ، إلاّ أنّ سنة ولادته - أعنی سنة (478) - ورؤیة عماد الدین الأصفهانی له سنة (554) بالهمامیّة قرب واسط ، لا تترکان للظنّ أن یُغالی فی بقائه طویلاً بعد سنة (554) المذکورة ، بل لا أراه قد جاوز سنة (558) فإنّها تجعل عمره ثمانین سنة ، وذلک من نوادر الأعمار فی هذه الدیار. انتهی.

ص: 510

49 - القاضی الجلیس

المتوفّی (561)

- 1 -

دعاهُ لوشْکِ البینِ داعٍ فأسمعا

وأودع جسمی سقمَهُ حین ودّعا

ولم یُبقِ فی قلبی لصبریَ موضعاً

وقد سار طوعَ النأیِ والبعدِ موضعا

أُجَنُّ إذا ما اللیل جَنَّ کآبةً

وأُبدی إذا ما الصبحُ أزمعَ أدمعا

وما انقدتُ طوعاً للهوی قبل هذه

وقد کنتُ ألوی عنه لیناً وأخدعا

إلی أن یقول :

تصاممتُ عن داعی الصبابة والصبا

ولبّیتُ داعی آلِ أحمدَ إذ دعا

عشوتُ بأفکاری إلی ضوء علمِهمْ

فصادفتُ منه منهجَ الحقِّ مَهْیَعا

علِقتُ بهم فَلْیَلَحَ فی ذاک من لحا

تولّیتهم فلینعَ ذلک من نعی

تسرّعت فی مدحی لهمْ متبرِّعا

وأقلعتُ عن ترکی له متورّعا

هم الصائمونَ القائمونَ لربِّهمْ

هم الخائفوهُ خشیةً وتخشّعا

هم القاطعو اللیلِ البهیمِ تهجّداً

هم العامروه سُجّداً فیه رکّعا

هم الطُّیَّبُ الأخیارُ والخیرُ فی الوری

یروقون مرأیً أو یشوقون مسمعا

بهم تُقبَلُ الأعمالُ من کلِّ عاملٍ

بهم تُرفَعُ الطاعاتُ ممّن تطوّعا

ص: 511

بأسمائِهمْ یُسقَی الأنامُ ویهطلُ ال

-غمامُ وکم کربٍ بهم قد تقشّعا

هم القائلون الفاعلون تبرّعاً

هم العالمون العاملون تورّعا

أبوهم وصیُّ المصطفی حاز علمَهُ

وأودعَهُ من قبلُ ما کان أُودِعا

أقام عمودَ الشرعِ بعد اعوجاجِهِ

وساندَ رکنَ الدینِ أن یتصدّعا

وواساه بالنفسِ النفیسةِ دونَهمْ

ولم یخشَ أن یلقی عداه فیجزعا

وسمّاهُ مولاهمْ وقد قام معلناً

لیتلوَه فی کلِّ فضل ویشفعا

فمن کشفَ الغمّاء عن وجهِ أحمدٍ

وقد کربت أقرانُه أن یقطّعا

ومن هزَّ بابَ الحصنِ فی یومِ خیبرْ

فزلزلَ أرضَ المشرکین وزعزعا

وفی یومِ بدرٍ من أحنَّ قلیبَهاْ

جسوماً بها تدمی وهاماً مقطّعا

وکم حاسدٍ أغراهُ بالحقدِ فضلُهُ

وذلک فضلٌ مثلُه لیس یُدّعی

لوی غدره یومَ الغدیرِ بحقِّهْ

وأعقبه یومَ البعیرِ وأتبعا

وحاربه القرآنُ عنه فما ارعوی

وعاتبه الإسلامُ فیه فما وعی

إذا رام أن یخفی مناقبَهُ جلتْ

وإن رامَ أن یُطفی سناه تشعشعا

متی همَّ أن یطوی شذی المسکِ کاتمٌ

أبی عَرْفُهُ المعروفُ إلاّ تضوّعا

ومنها :

أیا أمّةً لم ترعَ للدینِ حرمةً

ولم تُبقِ فی قوسِ الضلالةِ منزعا

بأیّ کتابٍ أم بأیّةِ حجّةٍ

نقضتمْ بها ما سنّه اللهُ أجمعا

غصبتمْ ولیَّ الحقِّ مهجةَ نفسِهِ

وکان لکم غصبُ الإمامةِ مُقنعا

وألجمتمُ آلَ النبیِّ سیوفَکمْ

تفری من الساداتِ سُوقاً وأذرعا

وحلّلتمُ فی کربلاءَ دماءَهمْ

فأضحت بها هِیمُ الأسنّة شُرَّعا

وحرّمتمُ ماءَ الفراتِ علیهمُ

فأصبح محظوراً لدیهمْ ممنّعا

القصیدة (56) بیتاً

ص: 512

- 2 -

وله فی رثاء السبط الإمام الشهید علیه السلام قوله :

إن خانَها الدمعُ الغزیرُ

فمن الدماءِ لها نصیرُ

دعها تسحُّ ولا تشحَ

فرزؤها رزءٌ کبیرُ

ما غصبُ فاطمةٍ تراثَ

محمدٍ خطبٌ یسیرُ

کلاّ ولا ظلم الوصیِّ و

حقُّه الحقُّ الشهیرُ

نطقَ النبیُّ بفضلِهِ

وهو المبشِّر والنذیرُ

جحدوه عقدَ ولایةٍ

قد غرَّ جاحدَهُ الغرورُ

غدروا به حسداً له

وبنصِّه شهدَ الغدیرُ

حظروا علیهِ ما حبا

ه بفخره وهمُ حضورُ

یا أمّةً رعتِ السُّها

وإمامُها القمرُ المنیرُ

إن ضلَّ بالعجلِ الیهو

دُ فقد أضلَّکمُ البعیرُ

لهفی لقتلی الطفِّ إذ

خذلَ المصاحبُ والعشیرُ

وافاهمُ فی کربلا

یومٌ عبوسٌ قمطریرُ

دلفتْ لهم عُصَبُ الضلا

لِ کأنّما دُعیَ النفیرُ

عجباً لهم لم یلقَهمْ

من دونِهم قدرٌ مبیرُ

أیُمارُ فوقَ الأرضِ فی

-ضُ دمِ الحسینِ ولا تمورُ

أتری الجبالَ درتْ ولم

تقذفهمُ منها صخورُ

أم کیف إذ منعوه وِر

دَ الماءِ لم تَغرِ البحورُ

حُرِمَ الزلالُ علیه

لمّا حُلّلت لهم الخمورُ

القصیدة (36) بیتاً

ص: 513

- 3 -

وله من قصیدة تناهز (29) بیتاً مطلعها :

کم قد عصیتُ مقالَ الناصحِ الناهی

ولذتُ منکمْ بحبلٍ واهنٍ واهِ

ویقول فیها :

حبِّی لآلِ رسولِ اللهِ یعصمُنی

من کلِّ إثمٍ وهم ذخری وهم جاهی

یا شیعةَ الحقِّ قولی بالوفاءِ لهم

وفاخری بهمُ من شئتِ أو باهی

إذا علقتِ بحبلٍ من أبی حسنٍ

فقد علقتِ بحبلٍ فی ید اللهِ

حمی الإلهُ به الإسلامَ فهو به

یزهی علی کلِّ دین قبله زاهِ

بعلُ البتول وما کنّا لتهدیَنا

أئمّةٌ من نبیِّ اللهِ لو لا هی

نصَّ النبیُّ علیه فی الغدیرِ فما

زواه إلاّ ظنینٌ دینُهُ واهِ

الشاعر

أبو المعالی عبد العزیز بن الحسین بن الحبّاب (1) الأغلبی السعدی الصقلی المعروف بالقاضی الجلیس ، من مقدّمی شعراء مصر وکتّابهم ، ومن ندماء الملک الصالح طلائع بن رزّیک الذی مرّت ترجمته (ص 344) ، وأحسب أنّ تلقیبه بالجلیس کان لمجالسته إیّاه متواصلاً ، وهو ممّن أغرق نزعاً فی موالاة العترة الطاهرة کما ینمُّ عنه شعره ، ولمعاصره الفقیه عمارة الیمنی - الآتی ذکره - شعر یمدحه ، منه قصیدة فی کتابه النکت العصریة (ص 158) قالها سنة إحدی وخمسین وخمسمائة ، أوّلها :

هی سلوةٌ حلّت عقود وفائِها

مذ شفَّ ثوبُ الصبرِ عن برحائِهاف)

ص: 514


1- فی معجم الأدباء : 3 / 157 : الخباب [9 / 48 وفیه : الحبّاب]. (المؤلف)

ومنها :

لم أسألِ الرکبانَ عن أسمائِها

کفلاً بها لو لا هوی أسمائِها

وسألت أیّامی صدیقاً صادقاً

فوجدتُ ما أرجوه جُلَّ رجائِها

ومنها :

ولقد هجرتُ إلی الجلیسِ مهاجراً

عصباً یضیمُ الدهرُ جارَ فنائِها

مستنجداً لأبی المعالی همّةً

تغدو المعالی وهی بعضُ عطائِها

لمّا مدحتُ علاهُ أیقنتِ العدی

أنّ الزمانَ أجارَ من عدوائِها

واغدَّ سعدیُّ الأوامرِ أبلجٌ

یلقی سقیماتِ المنی بشفائِها

ومنها :

نذرتْ مصافحةَ الغمامِ أناملی

فوفت غمائمُ کفِّه بوفائِها

وقال ، کما فی نکته العصریّة (ص 252) ، وقد حدث للقاضی الجلیس مرضٌ أخّره عن حضور مجلس الملک الصالح طلائع بن رُزّیک :

وحقِّ المعالی یا أباها وصنوها

یمینَ امرئٍ عاداتُه القسمُ البرُّ

لقد قَصُرَتْ عمّا بلغتَ من العلی

وأحرزتَهُ أبناءُ دهرِک والدهرُ

متی کنتَ یا صدرَ الزمانِ بموضعٍ

فرتبتُکَ العلیا وموضعُکَ الصدرُ

ولمّا حضرنا مجلس الأُنس لم یکن

علی وجهه إذ غبتَ أُنسٌ ولا بِشرُ

فقدناک فقدانَ النفوسِ حیاتَها

ولم یکُ فقدُ الأرضِ أعوزَها القطرُ

واظلمَّ جوُّ الفضلِ إذ غابَ بدرُهُ

وفی اللیلةِ الظلماءِ یُفتقَدُ البدرُ

ترجمه العماد فی الخریدة وأثنی علیه بالفضل المشهور ، وابن کثیر فی تاریخه (1) .

ص: 515


1- البدایة والنهایة : 12 / 313 حوادث سنة 561 ه.

(12 / 251) ، وابن شاکر فی فوات الوفیات (1) (1 / 278) فقال : تولّی دیوان الإنشاء للفائز مع الموفّق بن الخلاّل ، ومن شعره :

ومن عجبی أنّ الصوارمَ والقنا

تحیضُ بأیدی القوم وهی ذکورُ

وأعجبُ من ذا أنّها فی أکفِّهمْ

تأجّجُ ناراً والأکفُّ بحورُ

وله فی طبیب :

وأصلُ بلیّتی من قد غزانی

من السقمِ الملحِّ بعسکرینِ

طبیبٌ طبُّهُ کغرابِ بینٍ

یفرِّقُ بین عافیتی وبینی

أتی الحمّی وقد شاختْ وباختْ

فعاد لها الشبابُ بنسختینِ

ودبّرها بتدبیرٍ لطیفٍ

حکاهُ عن سنانٍ أو حنینِ

وکانت نوبةً فی کلِّ یومٍ

فصیّرها بحذقٍ نوبتینِ

وله فی طبیب أیضاً :

یا وارثاً عن أبٍ وجدِّ

فضیلة الطبِّ والسدادِ

وحاملاً ردَّ کلِّ نفسٍ

همت عن الجسمِ بالبعادِ

أُقسمُ لو قد طبّبتَ دهراً

لعاد کوناً بلا فسادِ

وله :

حیّا بتفاحةٍ مخضّبةٍ

مَن شفّنی حبُّه وتیّمنی

فقلت ما إن رأیت مشبهها

فاحمرَّ من خجلةٍ فکذّبنی

وله :

رُبّ بیضٍ سلَلْنَ باللحظِ بیضاً

مرهفاتٍ جفونُهنّ جفونُ5.

ص: 516


1- فوات الوفیات : 2 / 332 رقم 285.

وخدودٍ للدمعِ فیها خدودٌ

وعیونٍ قد فاض فیها عیونُ

وقال أیضاً :

ألمّتْ بنا واللیلُ یزهی بلمّةٍ

دجوجیّةٍ لم یکتهل بعدُ فوداها

فأشرقَ ضوءُ الصبحِ وهو جبینُها

وفاحتْ أزاهیرُ الربی وهی ریّاها

إذا ما اجتنت من وجهها العینُ روضةً

أسالتْ خلالَ الروضِ بالدمعِ أمواها

وإنّی لأستسقی السحابَ لرَبعِها

وإن لم تکن إلاّ ضلوعیَ مأواها

إذا استعرتْ نارُ الأسی بین أضلعی

نضحتُ علی حرِّ الحشا بردَ ذکراها

وما بیَ أن یصلی الفؤادُ بحرِّها

ویضرم لو لا أنّ فی القلب سکناها

کان القاضی الجلیس کبیر الأنف ، وکان الخطیب أبو القاسم هبة الله بن البدر المعروف بابن الصیّاد مولعاً بأنفه وهجائه ، وذکر أنفه فی أکثر من ألف مقطوع ، فانتصر له أبو الفتح ابن قادوس - المترجم فی هذا الجزء (ص 338) - فقال :

یا مَن یعیبُ أُنوفَنا

الشمَّ التی لیست تُعابُ

الأنفُ خلقةُ ربِّنا

وقرونُکَ الشمُّ اکتسابُ

وله شعر فی رثاء والده وقد غرق فی البحر بریح عاصفٍ. انتهی.

والمترجم هو الذی قرّظ أبا محمد بن الزبیر الحسن بن علیّ المصری المتوفّی سنة (561) عند الملک الصالح حتی قدّمه ، فلمّا مات شَمَتَ به ابن الزبیر ولبس فی جنازته ثیاباً مذهّبة ، فَنُقِّصَ عند الناس بهذا السبب واستقبحوا فعله ، ولم یَعِشْ بعد الجلیس إلاّ شهراً واحداً (1).

کان الملک الصالح طلائع لا یزال یحضر ، فی لیالی الجمع ، جلساؤه وبعض أمرائه لسماع قراءة صحیح مسلم والبخاری وأمثالهما من کتب الحدیث ، وکان الذی ف)

ص: 517


1- معجم الأدباء : 3 / 157 [9 / 48]. (المؤلف)

یقرأ رجلاً أبخر ، فلعهدی وقد حضر المجلس مع الأمیر علیّ بن الزبیر والقاضی الجلیس أبی محمد ، وقد أمال وجهه إلی القاضی ابن الزبیر وقال له :

وأبخر قلت لا تجلس بجنبی

فقال ابن الزبیر :

إذا قابلت باللیل البخاری

فقال القاضی الجلیس :

فقلت وقد سألتُ بلا احتشامٍ

لأنّک دائماً مِن فیکَ خاری

أنشد بعض جلساء الملک الصالح بمجلسه بیتاً من الأوزان التی یسمّیها المصریّون - الزکالش - ویسمّیها العراقیّون - کان وکان.

النار بین ضلوعی

وأنا غریقٌ فی دموعی

کنّی فتیلة قندیل

أموت غریق وحریق

وکان عنده القاضی الجلیس والقاضی ابن الزبیر فنظما معناه بدیهاً ، فقال الجلیس :

هل عاذرٌ إن رمتُ خلعَ عذاری

فی شمِّ سالفةٍ ولثمِ عذارِ

تتألّفُ الأضدادُ فیه ولم تزلْ

فی سالفِ الأیّامِ ذاتَ نفارِ

وله من الزفراتِ لفحُ صواعقٍ

وله من العبراتِ لجُّ بحارِ

کذبالةِ القندیلِ قُدِّرَ هُلکُها

ما بین ماءٍ فی الزجاج ونارِ

وقال ابن الزبیر :

کأنّی وقد سالتْ سیولُ مدامعی

فأذکتْ حریقاً فی الحشا والترائبِ

ص: 518

ذبالةُ قندیلٍ تقومُ بمائها

وتشعل فیها النارُ من کلِّ جانبِ (1)

کتب أبو المعالی إلی القاضی الرشید المصری (2) قوله :

ثروةُ المکرماتِ بعدَکَ فقرُ

ومحلّ العُلی ببُعدِک قَفْرُ

بک تُجْلی إذا حَلَلتَ الدیاجی

وتمرُّ الأیّامُ حَیثُ تَمُرُّ

أَذنبَ الدهرُ فی مَسِیرِک ذنباً

لیس منه سوی إیابِکَ عُذْرُ (3)

حُکی أنّه استأذن هو والقاضی الرشید ذات یوم علی أحد الوزراء فلم یأذن لهما واعتذر عن المواجهة ، ووجدا عنده غلظة من الحجّاب ، ثمّ عاوداه مرّة أخری وأستأذنا علیه ، فقیل لهما : إنّه نائمٌ. فخرجا من عنده فقال القاضی الرشید :

توقّع لأیّامِ اللئامِ زوالَها

فعمّا قلیلٍ سوف تنکرُ حالَها

فلو کنتَ تدعو الله فی کلِّ حالةٍ

لتبقی علیهم ما أمِنتَ انتقالَها

وقال القاضی الجلیس :

لئن أنکرتمُ منّا ازدحاما

لَیَجْتَنِبَنْکمُ هذا الزحامُ

وإن نمتمْ عن الحاجاتِ عمداً

فعینُ الدهر عنکمْ لا تنامُ

فلم یکن بعد أیّام حتی نُکب الوزیر نکبة عظیمة. مرآة الجنان (3 / 302).

قال الصفدی فی نکت الهمیان (4) : کان الموفّق بن الخلاّل خال القاضی الجلیس ، فحصل لابن الخلاّل نکبة وحصل للقاضی بسبب خاله ابن الخلاّل صداعٌ ، فکتب القاضی إلی القاضی الرشید : 6.

ص: 519


1- بدائع البدائه : 1 / 176 ، 237. (المؤلف).
2- أبو الحسین أحمد بن علیّ الغسّانی ، المقتول (563). (المؤلف)
3- تاریخ ابن خلکان : 1 / 54 [وفیات الأعیان : 1 / 163 رقم 65]. (المؤلف)
4- نکت الهمیان : ص 216.

تسمّع مقالیَ یا ابن الزّبیرِ

فأنت خلیقٌ بأن تَسْمَعَه

نُکِبْنا بذی نسبٍ شابکٍ

قلیلِ الجَدی فی زمانِ الدّعَهْ

إذا ناله الخیرُ لم نرجُهُ

وإن صفعوه صُفِعنا معه

توفّی القاضی الجلیس سنة (561) وقد أناف علی السبعین ، کما فی فوات الوفیات (1).

ذکر سیّدنا العلاّمة السیّد أحمد العطّار البغدادی فی الجزء الأوّل من کتابه : الرائق ، جملة من شعر شاعرنا الجلیس ، منها قصیدةٌ یرثی بها أهل البیت الطاهرین ، ویمدح الملک الصالح بن رزّیک ویذکر مواقفه المشکورة فی خدمة آل الله ، أوّلها :

لو لا مجانبةُ الملوکِ الشانی

ما تمَّ شانی فی الغرامِ بشانی

(50) بیتاً

وقصیدة فی رثاء العترة الطاهرة تناهز (66) بیتاً ، مطلعها :

أرأیتَ جرأةَ طیفِ هذا الزائرِ

ما هاب عادیةَ الغیورِ الزائرِ

وافی وشملتُهُ الظلامُ ولم یکن

لیزورَ إلاّ فی ظلامٍ ساترِ

فکأنّه إنسانُ عینٍ لم یَلُحْ

مذ قطّ إلاّ فی سوادِ الناظرِ

ما حکمُ أجفانی کحکم جفونها

شتّانَ بین سواهرٍ وسواحرِ

وقصیدة یمدح بها الإمام أمیر المؤمنین - صلوات الله علیه - ویذکر الملک الصالح ویثنی علیه ، تبلغ (72) بیتاً ، مستهلّها :

علی کلّ خیرٍ من وصالِک مانعُ

وفی کلّ لحظٍ من جمالِک شافعُ

وقصیدةٌ (62) بیتاً یدعم بها إمرة الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام بعد 5.

ص: 520


1- فوات الوفیات : 2 / 332 رقم 285.

رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم. ویرثی الإمام السبط علیه السلام ، ویذکر الملک الصالح بن رزّیک ویطریه ، أوّلها :

ألا هل لدمعی فی الغمامِ رسیلُ

وهل لی إلی برد الغلیلِ سبیلُ

وذکر له قصیدةً لامیّة تبلغ (51) بیتاً فی المدیح والرثاء لأهل البیت الطاهر صلّی الله علیهم وسلّم.

ص: 521

ص: 522

50 - ابن مکّی النیلی

المتوفّی (565)

ألم تعلموا أنّ النبیَّ محمداً

بحیدرةٍ أوصی ولم یسکنِ الرمسا

وقال لهم والقومُ فی خمِّ حُضّرٌ

ویتلو الذی فیه وقد همسوا همسا

علیٌّ کزرّی من قمیصی وإنّه

نصیری ومنّی مثلُ هارون من موسی

ألم تبصروا الثعبانَ مستشفعاً به

إلی اللهِ والمعصوم یلحسُه لحسا

فعاد کطاووسٍ یطیرُ کأنّه

تغشرمَ فی الأملاک فاستوجب الحبسا (1)

أما درَّ کفَّ العبدِ بعد انقطاعِها

أما ردَّ عیناً بعد ما طُمِسَتْ طمسا (2)

الشاعر

سعید (3) بن أحمد بن مکّی النیلی المؤدِّب ، من أعلام الشیعة وشعرائها المجیدین المتفانین فی حبّ العترة الطاهرة وولائها ، المتصلِّبین فی اعتناق مذهبهم الحقِّ ، ولقد أکثر فیهم وأجاد ، وجاهر بمدیحهم ونشر مآثرهم حتی نسبه القاصرون إلی الغلوّ ، ف)

ص: 523


1- الغشارم : الجریء.
2- مناقب ابن شهرآشوب : 1 / 524 طبع إیران [3 / 24 ، 2 / 305]. (المؤلف)
3- فی معجم الأدباء [11 / 190] وفوات الوفیات : سعد ، وهو تصحیف [فی الطبعة المعتمدة 2 / 50 سعید]. (المؤلف)

لکن الرجل موالٍ مقتصد ، قد أغرق نزعاً فی اقتفاء أثر القوم والاستضاءة بنورهم الأبلج ، وقد عدّه ابن شهرآشوب فی معالمه (1) من المتّقین من شعراء أهل البیت علیهم السلام.

قال الحموی فی معجم الأدباء (2) (4 / 230) : المؤدِّب الشیعیّ ، کان نحویّا فاضلاً ، عالماً بالأدب ، مغالیاً فی التشیّع ، له شعر جیّد أکثره فی مدیح أهل البیت ، وله غزل رقیق ، مات سنة (565) وقد ناهز المائة ، ومن شعره :

قمرٌ أقام قیامتی بقوامِهِ

لِمَ لا یجودُ لمهجتی بذمامهِ

ملّکتُه کبدی فأتلفَ مهجتی

بجمالِ بهجتِهِ وحسن کلامهِ

وبمبسمٍ عذبٍ کأنّ رضابَهُ

شهدٌ مذابٌ فی عبیرِ مُدامهِ

وبناظرٍ غنجٍ وطرفٍ أحورٍ

یصمی القلوبَ إذا رنا بسهامهِ

وکأنّ خطَّ عذارِهِ فی حسنِهِ

شمسٌ تجلّت وهی تحت لثامهِ

فالصبحُ یسفرُ من ضیاءِ جبینهِ

واللیلُ یُقبل من أثیثِ ظلامهِ

والظبیُ لیس لحاظُه کلحاظِهِ

والغصنُ لیس قوامُهُ کقوامهِ

قمرٌ کأنّ الحسنَ یعشقُ بعضَهُ

بعضاً فساعدُهُ علی قَسّامهِ

فالحسنُ من تلقائِه وورائِه

ویمینهِ وشمالِه وأمامهِ

ویکاد من تَرَفٍ لدقّةِ خَصرِهِ

ینقدُّ بالأردافِ عند قیامهِ

وقال العماد الکاتب : کان غالیاً فی التشیّع ، حالیاً بالتورّع ، عالماً بالأدب ، معلّماً فی الکتب ، مقدّماً فی التعصّب ، ثمّ أسنَّ حتی جاوز حدّ الهرم ، وذهب بصره وعاد وجوده شبیه العدم ، وأناف علی التسعین ، وآخر عهدی به فی درب صالح ببغداد فی سنة اثنتین وستّین وخمسمائة. 0.

ص: 524


1- معالم العلماء : ص 153.
2- معجم الأدباء : 11 / 190.

قال الأمینی : الصحیح فی تاریخ آخر عهد العماد بالمترجم سنة (562) وهی سنة خروجه من بغداد ، ولم یعد إلیها بعدها حتی مات سنة (597) کما أرّخه ابن خلکان فی وفیات الأعیان (1) (2 / 189) ، فما فی فوات الوفیات (2) (1 / 169) ودائرة المعارف لفرید وجدی (10 / 440) نقلاً عن العماد من سنة (592) تصحیف واضح.

والعجب أنّ هذا التاریخ - أعنی (592) - جعل فی شذرات الذهب (3) (4 / 309) وأعیان الشیعة (4) (1 / 595) تاریخ وفاة ابن مکّی المترجَم له ، وأنت تری أنّه تاریخ آخر عهد العماد بالمترجَم لا تاریخ وفاته ، علی أنّ الصحیح (562) لا (592) فالصحیح فی وفاته - کما مرَّ عن الحموی (5) - (565) ، وکون المترجَم مذکوراً فی معجم العماد الکاتب یومئ إلی عدم وفاته سنة (592) ، إذ الکتاب موضوع لترجمة الشعراء الذین کانوا بعد المائة الخامسة إلی سنة (572) کما فی تاریخ ابن خلکان (6) (2 / 190).

وقال عماد الدین أیضاً : أنشدنی له ابن اخته عمر الواسطی الصفّار ببغداد ، قال : أنشدنی خالی سعید بن مکّی من کلمة له :

ما بالُ مغانی اللوی بشخصِکَ أطلال

قد طالَ وقوفی بها وبثّیَ قد طالْ

الربعُ دثورٌ متناه قفار

والربع محیلٌ بعد الأوانسِ بطّالْ

عفته دیورٌ وشمالٌ وجنوب

مع مرّملث مرخی العزالی محلالْ

یا صاح قفا باللوی فسائل رسماً

قد خال لعلّ الرسومَ تنبی عن حالْ

ما شفّ فؤادی إلاّ لغیب غرابٍ

بالبین ینادی قد طار یضرب بالغالْ5.

ص: 525


1- وفیات الأعیان : 5 / 152 رقم 705.
2- فوات الوفیات : 2 / 50 - 51 رقم 167.
3- شذرات الذهب : 6 / 505.
4- أعیان الشیعة : 7 / 220.
5- معجم الأدباء : 11 / 190.
6- وفیات الأعیان : 5 / 150 رقم 705.

مذ طار شجا بالفراق قلباً حزیناً

بالبین وأقصی بالبعد صاحبة الخالْ

تمشی تتهادی وقد ثناها دلٌ

من فرط حیاها تخفی رنین الخلخالْ

وترجمه الصفدی فی نکت الهمیان (1) ، وابن شاکر فی فوات الوفیات (2) (1 / 169) وقالا : له شعر وأکثره مدیح فی أهل البیت ، ثمّ ذکرا عبارة العماد الأولی. وتوجد ترجمته فی لسان المیزان (3) (3 / 23) ، ومجالس المؤمنین (4) (ص 469).

ومن شعره المذهبیّ قوله یمدح به أمیر المؤمنین علیه السلام :

فان یکن آدمُ من قبلِ الوری

نُبِّی وفی جنّةِ عدنٍ دارهُ

فإنّ مولایَ علیّا ذا العُلی

من قبله ساطعةٌ أنوارهُ

تاب علی آدمَ من ذنوبِهِ

بخمسةٍ وهو بهم أجارهُ

وإن یکن نوحٌ بنی سفینةً

تنجیهِ من سیلٍ طمی تیّارهُ

فإنّ مولای علیّا ذا العُلی

سفینةٌ تنجو بها أنصارهُ

وإن یکن ذو النون ناجی حوتَهُ

فی الیمِّ لمّا کظّه حصارهُ

ففی جلندی (5) للأنام عبرةٌ

یعرفها من دلّه اختیارهُ

رُدّتْ له الشمسُ بأرضِ بابل

واللیلُ قد تجلّلتْ أستارهُ

وإن یکن موسی دعا مجتهداً

عشراً إلی أن شقّه انتظارهُ

وسار بعد ضرِّهِ بأهلِهِ

حتی علت بالوادیینِ نارهُ

فإنّ مولای علیّا ذا العُلی

زوّجه واختار من یختارهُ

وإن یکن عیسی له فضیلةٌ

تدهشُ من أدهشَهُ انبهارهُف)

ص: 526


1- نکت الهمیان : ص 157.
2- فوات الوفیات : 2 / 50 رقم 167.
3- لسان المیزان : 3 / 29 رقم 3659.
4- مجالس المؤمنین : 2 / 570.
5- قصّة الجلندی مذکورة فی مناقب ابن شهرآشوب : 1 / 455 طبع إیران [1 / 347]. (المؤلف)

من حملته أمّهُ ما سجدتْ

للاّت بل شغّلها استغفارهُ (1)

البیت الأخیر فیه إشارة إلی ما رواه الحلبی فی السیرة الحلبیة (2) (1 / 285) وزینی دحلان فی سیرته (3) ، والصفوری فی نزهة المجالس (2 / 210) ، والشبلنجی فی نور الأبصار (4) : من أنّ أمیر المؤمنین کان یمنع أُمّه من السجود وهو حملٌ (5).

وله :

ومحمدٌ یومَ القیامةِ شافعٌ

للمؤمنین وکلِّ عبدٍ مُقنتِ

وعلیُّ والحسنان ابنا فاطمٍ

للمؤمنین الفائزین الشیعةِ

وعلیُّ زینُ العابدین وباقرُ ال

-علمِ التقیُّ وجعفرٌ هو منیتی

والکاظمُ المیمونُ موسی والرضا

علمُ الهدی عند النوائبِ عُدّتی

ومحمدُ الهادی إلی سبلِ الهدی

وعلیّا المهدی جعلت ذخیرتی

والعسکریّین اللذین بحبّهم

أرجو إذا أبصرتُ وجهَ الحجّة (6)

وله من قصیدة یمدح بها أمیر المؤمنین علیه السلام ودحوه باب خیبر :

فهزّها فاهتزَّ من حولِهمْ

حصناً (7) بنوهُ حجراً جلمدا

ثمّ دحا البابَ علی نبذةٍ

تمسحُ خمسین ذراعاً عددا

وعبّرَ الجیش علی راحتِهِ

حیدرةُ الطاهرُ لمّا وردا (8)1.

ص: 527


1- مناقب آل أبی طالب : 3 / 307.
2- السیرة الحلبیة : 1 / 268.
3- السیرة النبویة : 1 / 91.
4- نور الأبصار : ص 156.
5- مرّت کلمتنا حول هذه الروایة فی الجزء الثالث : ص 239. (المؤلف)
6- مناقب آل أبی طالب : 1 / 396.
7- کذا فی المصدر بالنصب.
8- مناقب آل أبی طالب : 2 / 331.

وله من قصیدة مخاطباً أمیر المؤمنین علیه السلام :

رددتَ الکفَّ جهراً بعد قطعٍ (1)

کردِّ العینِ من بعد الذهابِ

وجمجمة الجلندی وهو عظمٌ (2)

رمیمٌ جاوبتکَ عن الخطابِ

وله من قصیدة - مرّت عشرة أبیات منها نقلاً عن الحموی :

دعْ یا سعیدُ هواکَ واستمسک بمنْ

تسعد بهم وتزاح من آثامهِ

بمحمدٍ وبحیدرٍ وبفاطمٍ

وبولدِهمْ عقدُ الولا بتمامهِ

قومٌ یُسَرُّ ولیُّهمْ فی بعثِهِ

ویعضُّ ظالمُهم علی إبهامهِ

ونری ولیَّ ولیّهم وکتابُه

بیمینِهِ والنورُ من قدّامهِ

یسقیه من حوض النبیّ محمدٍ

کأساً بها یشفی غلیلَ أُوامهِ

بیدی أمیرِ المؤمنین وحسبُ من

یسقی به کأساً بکفّ إمامهِ

ذاک الذی لولاه ما اتّضحت لنا

سُبلُ الهدی فی غورهِ وشآمهِ

عَبَد الإلهَ وغیرُه من جهله

ما زال معتکفاً علی أصنامهِ

ما آصفٌ یوماً وشمعونُ الصفا

مع یوشعٍ فی العلمِ مثلُ غلامهِ

وله فی ردِّ بیتی یوسف الواسطی فی الغمز علی أمیر المؤمنین علیه السلام وتخلّفه عن البیعة قوله :

ألا قل لمن قال فی کفره

وربِّی علی قوله شاهدُ

(إذا اجتمع الناس فی واحدٍ

وخالفهم فی الرضا واحدُ)

(فقد دلَّ إجماعُهمْ کلِّهمْ

علی أنّه عقلُه فاسدُ)ف)

ص: 528


1- إشارة إلی قصّة ید هشام بن عدیّ الهمدانی ، وهی مذکورة فی مناقب ابن شهرآشوب : 1 / 473 طبع إیران [2 / 375]. (المؤلف)
2- إشارة إلی قصّة جمجمة الجلندی ، توجد فی مناقب ابن شهرآشوب : 1 / 474 [2 / 375]. (المؤلف)

کذبتَ وقولُک غیرُ الصحیحِ

وزعمُکَ ینقدُه الناقدُ

فقد أجمعتْ قومُ موسی جمیعاً

علی العجل یا رجسُ یا ماردُ

وداموا عکوفاً علی عجلهم

وهارونُ منفردٌ فاردُ

فکان الکثیرُ هم المخطئون

وکان المصیب هو الواحدُ (1)

وله من قصیدة یمدح بها أمیر المؤمنین علیه السلام :

خصّه الله بالعلومِ فأضحی

وهو یُنبی بسرِّ کلِّ ضمیرِ

حافظُ العلمِ عن أخیه عن اللهِ

خبیراً عن اللطیفِ الخبیرِ (2)

لفت نظر : ذکر سیّدنا الأمین فی أعیان الشیعة (3) (6 / 407) ترجمة تحت عنوان : أبی سعید النیلی ، وأخذ ما فی مجالس المؤمنین من ترجمة المترجَم له وجعله ترجمة لما عنونه ، وأردفها بتحقیق فی اسمه یقضی منه العجب ، استخرجه من شعر المترجم له المذکور : دع یا سعید هواک واستمسک بمن ، فقال :

قوله : دع با سعید (با) بالباء الموحّدة مخفّف أبا وحذف منه حرف النداء أی یا أبا. وقال (4) (14 / 207) : ابن مکّی اسمه سعد أو سعید ، أرّخ وفاته فی (1 / 595) من الطبعة الأولی بسنة (592) ، وفی الطبعة الثانیة فی القسم الثانی من الجزء الأول (1 / 177) بسنة (595) ، ونقل ترجمته عن ابن خلّکان ، وابن خلّکان لم یذکره. 9.

ص: 529


1- مجالس المؤمنین : 2 / 571.
2- مناقب آل أبی طالب : 3 / 118.
3- أعیان الشیعة : 2 / 357.
4- أعیان الشیعة : 2 / 279.

ص: 530

51 - الخطیب الخوارزمی

المولود (484)

المتوفّی (568)

ألا هل من فتیً کأبی ترابِ

إمامٌ طاهرٌ فوقَ الترابِ

إذا ما مقلتی رمدتْ فکُحلی

ترابٌ مسَّ نعل أبی ترابِ

محمدُ النبیُّ کمصرِ علمٍ

أمیرُ المؤمنین له کبابِ

هو البکّاءُ فی المحراب لکن

هو الضحّاکُ فی یوم الحرابِ

وعن حمراءِ بیتِ المالِ أمسی

وعن صفرائه صفرَ الوطابِ (1)

شیاطینُ الوغی دُحروا دحوراً

به إذ سلَّ سیفاً کالشهابِ

علیٌّ بالهدایةِ قد تحلّی

ولمّا یدّرع بُردَ الشبابِ

علیٌّ کاسرُ الأصنامِ لمّا

علا کتفَ النبیِّ بلا احتجابِ

علیٌّ فی النساء (2) له وصیٌ

أمینٌ لم یمانعْ بالحجابِ

علیٌّ قاتلٌ عمرَو بن ودٍّ

بضربٍ عامر البلدِ الخرابِ

حدیثُ براءةٍ وغدیرُ خمٍ

ورایةُ خیبرٍ فصلُ الخطابِ

هما مَثَلاً کهارونٍ وموسی

بتمثیلِ النبیِّ بلا ارتیابِف)

ص: 531


1- الوطاب : جمع وطب ، وهو سقاء اللبن.
2- إقرأ واضحک. (المؤلف)

بنی فی المسجد المخصوص باباً

له إذ سدَّ أبوابَ الصحابِ

کأنّ الناسَ کلَّهمُ قشورٌ

ومولانا علیٌّ کاللبابِ

ولایتُه بلا ریبٍ کطوقٍ

علی رغمِ المعاطسِ فی الرقابِ

إذا عُمَرٌ تخبّطَ فی جوابٍ

ونبّهه علیٌّ بالصوابِ

یقول بعدله لو لا علیٌ

هلکتُ هلکتُ فی ذاک الجوابِ

ففاطمةٌ ومولانا علیٌ

ونجلاه سروری فی الکتابِ

ومن یک دأبُه تشییدَ بیتٍ

فها أنا مدحُ أهلِ البیتِ دابی

وإن یک حبّهمْ هیهات عاباً

فها أنا مذ عقلتُ قرینَ عابِ

لقد قتلوا علیّا مذ تجلّی

لأهلِ الحقِّ فحلاً فی الضرابِ

وقد قتلوا الرضا الحسنَ المرجّی

جوادَ العربِ بالسمِّ المذابِ

وقد منعوا الحسینَ الماءَ ظلماً

وجُدِّل بالطعانِ وبالضرابِ

ولولا زینبٌ قتلوا علیّا (1)

صغیراً قتلَ بقٍّ أو ذُبابِ

وقد صلبوا إمام الحقِّ زیداً

فیا للهِ من ظلمٍ عجابِ

بناتُ محمدٍ فی الشمس عطشی

وآلُ یزیدَ فی ظلِّ القبابِ

لآل یزیدَ من أدمٍ خیامٌ

وأصحابُ الکساءِ بلا ثیابِ (2)

الشاعر

الحافظ أبو المؤیّد وأبو محمد موفّق (3) بن أحمد بن (4) أبی سعید إسحاق بن ف)

ص: 532


1- یعنی الإمام السجّاد علیّ بن الحسین. (المؤلف)
2- القصیدة تبلغ (46) بیتاً طبعت فی آخر کتابه المناقب [ص 399] وتوجد جملة منها فی مقتله [2 / 161] ، وأخذ منها ابن شهرآشوب فی مناقبه [2 / 154 ، 159]. (المؤلف)
3- فی الفوائد البهیّة [ص 41] : موفّق الدین أحمد بن محمد وهو تصحیف. وقد ذکر اسمه فی شعره موفّقاً کما یأتی ، وهکذا یوجد فی المصادر القدیمة. (المؤلف)
4- فی العقد الثمین [7 / 310] : موفّق بن أحمد بن محمد. (المؤلف)

المؤیّد المکّی الحنفی المعروف بأخطب خوارزم.

کان فقیهاً غزیر العلم ، حافظاً طائل الشهرة ، محدِّثاً کثیر الطرق ، خطیباً طائر الصیت ، متمکّناً فی العربیّة ، خبیراً فی السیرة والتاریخ ، أدیباً شاعراً ، له خطب وشعرٌ مدوّن.

ذکره (1) الحموی فی معجم الأدباء فی ترجمة أبی العلاء الهمدانی (2) بالحفظ ، وأثنی علیه الصفدی فی الوافی بالوفیات ، والتقیّ الفاسی فی العقد الثمین فی تاریخ البلد الأمین ، والقفطی فی أخبار النحاة ، والسیوطی فی بغیة الوعاة (ص 401) ، ومحمد عبد الحیّ فی الفوائد البهیّة (ص 39) ، والسیّد الخونساری فی روضات الجنّات (ص 21) ، وجرجی زیدان فی تاریخ آداب اللغة العربیة (3 / 60) ، وصاحب معجم المطبوعات (ص 1817) نقلاً عن الجواهر المضیّة فی طبقات الحنفیّة للشیخ عبد القادر المصری ، وتوجد ترجمته نقلاً عن الجواهر المضیّة فی أوّل کتابه مناقب أبی حنیفة ، والمعاجم بأسرها فارغة عن بسط القول فی مشایخه وتلامذته والرواة عنه وتآلیفه القیّمة ، فنحن نأخذ دروس تلکم النواحی من تآلیفه وإجازات مشیخة العلم والحدیث.

مشایخه فی الأخذ والروایة :

1 - الحافظ نجم الدین عمر بن محمد بن أحمد النسفی : المتوفّی (537) ، أخذ منه العلم ویروی عنه.

2 - أبو القاسم جار الله محمود بن عمر الزمخشری : المتوفّی (538) ، قرأ علیه فی العربیّة والأدب ویروی عنه. ف)

ص: 533


1- معجم الأدباء : 8 / 39 ، العقد الثمین : 7 / 310 ، إنباه الرواة علی أنباه النحاة : 3 / 332 رقم 779 ، بغیة الوعاة : 2 / 308 رقم 2046 ، روضات الجنّات : 8 / 124 ، مؤلّفات جرجی زیدان الکاملة - تاریخ آداب اللغة العربیة - : مج 14 / 311 ، الجواهر المضیّة : 3 / 523 رقم 1718.
2- الحافظ الحسن العطّار المقری المتوفّی (569). (المؤلف)

3 - أبو الفتح عبد الملک بن أبی القاسم بن أبی سهل الکروخی (1) الهروی : المتوفّی (548) ، أخذ عنه الحدیث فی منصرفه من الحجِّ ببغداد ، کما فی الجزء الأوّل من مقتله (2)

4 - أبو الحسن علیُّ بن الحسین الغزنوی الملقّب بالبرهان : المتوفّی (551) ، أخذ منه الحدیث فی مدینة السلام فی داره سلخ ربیع الأوّل سنة (544).

5 - شیخ الدین أبو الحسن علیّ بن أحمد بن محمویه الجوینی البرذی : المتوفّی (551).

6 - أبو بکر محمد بن عبید الله بن نصر الزاغونی : المتوفّی (552) ، أخذ منه الحدیث فی مدینة السلام.

7 - مجد الدین أبو الفتوح محمد بن أبی جعفر محمد الطائی : المتوفّی (555) ، یروی عنه مکاتبة.

8 - زین الدین أبو منصور شهردار بین شیرویه الدیلمی : المتوفّی (558) ، یروی عنه بالإجازة وبینهما مکاتبات.

9 - أبو العلاء الحسن بن أحمد بن الحسین بن أحمد بن محمد العطّار الهمدانی : المتوفّی (569) یروی عنه بالإجازة.

10 - أبو المظفّر عبد الملک بن علیّ بن محمد الهمدانی نزیل بغداد ، له منه إجازة.

11 - أبو النجیب سعد بن عبد الله بن الحسن الهمدانی المروزی ، یروی عنه بالمکاتبة.

12 - أبو الفرج شمس الأئمّة محمد بن أحمد المکی أخوه کما نصَّ به فی مقتله ، 9.

ص: 534


1- بالفتح نسبة إلی کروخ بلدة بنواحی هراة. (المؤلف)
2- مقتل الإمام الحسین علیه السلام : 1 / 9.

ویعبّر عنه هناک بالإمام الأجلّ الکبیر أخی سراج الدین رکن الإسلام شمس الأمّة إمام الحرمین ، ثمّ یترحّم علیه ، یروی عنه إملاءً.

13 - أبو طاهر محمد بن محمد الشیحی الخطیب بمرو ، وله منه إجازة.

14 - أبو بکر محمد بن الحسن بن أبی جعفر بن أبی سهل الزورقی ، یروی عنه بالمکاتبة.

15 - أبو الفتح عبد الواحد بن الحسن الباقرحی (1).

16 - أبو عفّان عثمان بن أحمد الصرام الخوارزمی.

17 - نجم الدین أبو منصور محمد بن الحسین بن محمد البغدادی ، له منه إجازة کما ذکره الحمّوئی فی فرائد السمطین.

18 - أبو داود محمد بن سلیمان بن محمد الخیّام الهمدانی ، یروی عنه بالمکاتبة.

19 - الحسن بن النجّار ، یروی عنه کما فی فرائد السمطین للحمّوئی.

20 - أبو محمد عبّاس بن محمد بن أبی منصور الفضاری الطوسی.

21 - کمال الدین أبو ذرّ أحمد بن محمد بن بندار.

22 - أفضل الحفّاظ تاج الدین محمد بن سمّان بن یوسف الهمدانی ، یروی عنه بالمکاتبة.

23 - فخر الأئمّة أبو الفضل بن عبد الرحمن الحفربندی ، یروی عنه بالإجازة.

24 - الشیخ سعید بن محمد بن أبی بکر الفقیهی ، یروی عنه بالإجازة کما فی مقتله (2).

25 - أبو علیّ الحدّاد. 7.

ص: 535


1- الباقرحی بفتح القاف ، نسبة إلی باقرحا من قری بغداد. (المؤلف)
2- مقتل الإمام الحسین علیه السلام : 1 / 27.

26 - سیف الدین أبو جعفر محمد بن عمران بن أبی علیّ الجمحی ، یروی عنه بالمکاتبة.

27 - أبو الحسین بن بشران العدل ، أخذ عنه الحدیث ببغداد.

28 - المبارک بن محمد الشعطی.

29 - رکن الأئمّة عبد الحمید بن میکائیل.

30 - أبو القاسم منصور بن نوح الشهرستانی ، أخذ منه الحدیث فی رجوعه من حجِّه سنة (544) بشهرستان.

31 - أبو الفضل عبد الرحمن بن محمد الکرمانی.

32 - أبو داود محمود بن سلیمان بن محمد الهمدانی ، یروی عنه وبینهما مکاتبة (1)

33 - سدید الدین محمد بن منصور بن علیّ المقرئ المعروف بالدیوانی.

34 - أبو الحسن علیّ بن أحمد الکرباسی ، یروی عنه إملاءً.

35 - الإمام مسعود بن أحمد الدهستانی ، یروی عنه بالمکاتبة.

تلامذته والرواة عنه :

1 - برهان الدین أبو المکارم ناصر بن أبی المکارم عبد السیّد المطرزی الخوارزمی الحنفی : المولود (538) والمتوفّی (610) ، قرأ علی المترجم وأخذ منه کما فی بغیة الوعاة (2) (ص 402) ومفتاح السعادة (3) (1 / 108) ، ویروی عنه کما فی فرائد 2.

ص: 536


1- لعله هو نفسه الذی سبق ذکره فی الرقم (18).
2- بغیة الوعاة : 2 / 311 رقم 2054.
3- مفتاح السعادة : 1 / 122.

السمطین (1) وفی إجازة العلاّمة الحلّی الکبیرة لبنی زهرة والإجازة الکبیرة لصاحب المعالم.

2 - مسلم بن علیّ ابن الأُخت ، یروی عنه کتابه المناقب کما فی إجازة أحد تلامذة الشیخ نجیب الدین یحیی بن سعید الحلّی : المتوفّی (689) للسیّد شمس الدین محمد بن جمال الدین أحمد أستاد الشهید الأوّل (2).

3 - الشیخ أبو الرضا طاهر بن أبی المکارم عبد السیّد بن علیّ الخوارزمی ، یروی عنه کتابه المناقب کما فی الإجازة المذکورة الأخیرة.

4 - الشیخ أبو محمد عبد الله بن جعفر بن محمد الحسینی ، یروی عنه کتابه المناقب کما فی الإجازة التی أوعزنا إلیها.

5 - أبو جعفر محمد بن علیّ بن شهرآشوب السروی المازندرانی : المتوفّی (588) کما فی المقابس (3) ، وکانت بینه وبین المترجم مکاتبة کما فی أوّل مناقبه (4).

6 - جمال الدین بن معین ، یروی عنه کتاب مقتله کما ذکره الحمّوئی فی فرائد السمطین (5).

7 - أبو القاسم ناصر بن أحمد بن بکر النحوی : المتوفّی سنة (607) ، قرأ علی المترجم کما فی بغیة الوعاة (6) (ص 402). 3.

ص: 537


1- فرائد السمطین : 1 / 258 ح 199.
2- 20
3- مقابِس الأنوار : ص 12.
4- مناقب آل أبی طالب : 1 / 31.
5- فرائد السمطین : 2 / 66 ح 390.
6- بغیة الوعاة : 2 / 311 رقم 2053.

تآلیفه :

إنّ تضلّع الرجل فی الفقه والحدیث والتاریخ والأدب إلی علوم متنوِّعة أخری وکثرة شهرته فی عصره ومکاتبته مع أساتذة الفنون تستدعی له تآلیف کثیرة ، وأحسب أنّ الأمر کان کذلک لکن ما اشتهر منها إلاّ کتبه السبعة التی قضت علی أکثرها الأیّام ، وهی :

1 - کتاب مناقب الإمام أبی حنیفة المطبوع فی حیدرآباد سنة (1321) فی مجلّدین.

2 - کتاب ردّ الشمس لأمیر المؤمنین علیّ علیه السلام ، ذکره له معاصره والراوی عنه أبو جعفر بن شهرآشوب فی المناقب (1) (1 / 484).

3 - کتاب الأربعین فی مناقب النبیّ الأمین ووصیّه أمیر المؤمنین - صلوات الله علیهما وآلهما - کما فی مقتله ، یرویه عنه أبو جعفر بن شهرآشوب (2) وقال : کاتبنی به مؤلِّفه الخوارزمی. وینقل عنه کثیراً فی المناقب ، ونحن راجعنا الأحادیث المنقولة عنه فی فضائل أمیر المؤمنین علیه السلام کتاب مناقبه الدائر السائر وما وجدناها فیه ، فاحتمال اتِّحاد کتابه هذا مع مناقبه فی غیر محلّه.

4 - کتاب قضایا أمیر المؤمنین علیه السلام ، ذکره له ابن شهرآشوب فی مناقبه (1 / 484).

5 - کتاب مقتل الإمام السبط الشهید - سلام الله علیه - یرویه عنه جمال الدین ابن معین کما فی الإجازات ، رتّبه علی خمسة عشر فصلاً فی مجلّدین ، وإلیک فهرست فصوله :

1 - فی ذکر شیءٍ من فضائل النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم. 1.

ص: 538


1- مناقب آل أبی طالب : 2 / 390.
2- مناقب آل أبی طالب : 1 / 31.

2 - فی فضائل أُمّ المؤمنین خدیجة بنت خویلد.

3 - فی فضائل فاطمة بنت أسد أُمّ أمیر المؤمنین علیه السلام.

4 - نماذج من فضائل أمیر المؤمنین وذریّته الطاهرة - صلوات الله علیهم.

5 - فی فضائل الصدّیقة فاطمة بنت النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم.

6 - فی فضائل الحسن والحسین - علیهما الصلاة والسلام.

7 - فی فضائل الحسین خاصّة.

8 - فی إخبار النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم عن الحسین وأحواله.

9 - فی ما جری بینه وبین الولید ومروان حال حیاة معاویة وبعد وفاته.

10 - فی أحواله مدّة مقامه بمکّة وبیان ما ورد علیه من کتب أهل الکوفة ، وإرساله مسلم بن عقیل إلی الکوفة ومقتله بها.

11 - فی خروجه من مکّة إلی العراق وما جری علیه فی طریقه ، ونزوله بالطفِّ ومقتله بها.

12 - فی عقوبة قاتله وخاذله - صلی الله علیه - ولعن قاتله.

13 - فی ذکر المصیبة به ومرثیّته علیه السلام.

14 - فی ذکر زیارة تربته.

15 - فی انتقام المختار بن أبی عبید الثقفی من قاتلیه وخاذلیه.

6 - دیوان شعره ، قال الچلبی فی کشف الظنون (1 / 524) : دیوانه جیّدٌ ، وکان فی الشعر فی طبقة معاصریه (1).

7 - کتاب فضائل أمیر المؤمنین علیه السلام المعروف بالمناقب ، المطبوع سنة (1224). وهذا الکتاب یرویه عن المؤلّف غیر واحد من أئمّة الحدیث کما مرَّ الإیعاز إلیه ، منهم :

1 - الشیخ مسلم بن علیّ ابن الأُخت. ة.

ص: 539


1- هذه العبارة أوردها الچلبی بحقّ موفق الدین محمد بن یوسف الإربلی الذی ذکر له دیوانه فی کشف الظنون 1 / 815 بعد الموفق بن أحمد الخوارزمی مباشرة.

2 - الشیخ أبو الرضا طاهر بن أبی المکارم عبد السیّد الخوارزمی.

3 - السیّد أبو محمد عبد الله بن جعفر الحسینی.

4 - الشیخ نجیب الدین یحیی بن سعید الحلّی : المتوفّی (689) ، قال :

قرأت کتاب المناقب للخوارزمی علی الشیخ أبی محمد عبد الله بن جعفر بن محمد الحسینی فی سنة (593).

5 - برهان الدین أبی المکارم ناصر بن أبی المکارم المطرزی.

6 - قال الأمینی : وأنا أروی هذا الکتاب عن فقیه الطائفة فی علویّة الشیعة آیة الله الحاج آقا حسین القمّی (1) : المتوفّی (14) ربیع الأوّل (1366) ، عن العلاّمة الأکبر السیّد مرتضی الکشمیری المتوفّی (1323) ، عن السیّد مهدی القزوینی المتوفّی (1300) ، ف)

ص: 540


1- هو الفقیه من آل محمد ، وجماع الفضل الکثار من مآثر أولئک الصفوة ، بطل المسلمین والفقیه المقدّم ، الورع الزاهد ، والمجاهد الناهض ، الداعی إلی سبیل ربّه بالحکمة والموعظة الحسنة ، ومنبثق مکارم الأخلاق إلی فضائل جمّة یفوتها حدّ الإحصاء ، وقصاری القول : إنّه لو کانت لهذه المناقب شخصیّة ماثلة لما عدته ، أنا لا أحاول سرد القول عن فقاهته وتقواه وزهادته وقداسته وکرامته علی الدین وعند المؤمنین ، فإنها حقائق جلیّة ، وإنّما أنوّه بکلمة لا أکثر منها عن بطولته وشجاعته وشممه وإبائه ، وهو ذلک البطل الناهض المدافع عن الدین وعن شرعة جدّه الأمین من دون أن تأخذه فی الله لومة لائم. هذه حقیقة عرفها الملأ الدینی السابر صحیفته البیضاء فی مناوأته جبابرة الوقت وطواغیت الزمن بجأش طامن ، وقلب مطمئن ، وجنان ثابت ، وروح قویّة ، ومثابرة جبّارة ، نعم یقابل هذا الیفن الکبیر بعزمه الفتیّ أقوی العوامل الفعّالة ، یقابل عدّتها والعتاد ، یقابل غلواءها بشخصیّة عزلاء إلاّ عن الشجاعة الدینیة ، وقوّة الإیمان ، وأبّهة العلم والتقوی ، وعزّ المجد والشرف ، ومنعة السؤدد والخطر ، فکانت من جرّاء هاتیک کلّها أعمال مبرورة ، ومساعٍ مشکورة ، حتی انتهت إلی هجرته من خراسان لبثّ المعروف واکتساح المنکر وإقامة عُمد الدین ، حتی ألقی عصا السیر فی کربلاء المشرّفة وهو رابض فیها بحمی عمّه الإمام الشهید ، ینتظر آونة الوثبة مرّة أخری ، إلی أن أُتیحت له بعد أن کبت بمناوئه بطنته ، وأجهز علیه أمله ، ولم یبق منه إلاّ البدع والمخازی ، فقفل سیّدنا المترجَم إلی إیران ولم یبرح بها حتی اکتسح تلکم المعرّات ، ولقی من حفاوة المؤمنین به ما لا یوصف ، وعرّج علی العراق تعریجة الفاتح الظافر ، ولم یزل بها حتی أهاب به داعی ربّه فأجابه. (المؤلف)

عن عمِّه السیّد محمد باقر بن أحمد القزوینی المتوفّی (1246) ، عن خاله السیّد محمد المهدی بحر العلوم المتوفّی (1212) ، عن الأستاذ الأکبر البهبهانی المتوفّی (1208) ، عن والده الأکمل البهبهانی ، عن جمال الدین الخوانساری المتوفّی (1125) ، عن العلاّمة التقیّ المجلسی المتوفّی (1070) ، عن الشیخ جابر بن عبّاس النجفی ، عن المحقِّق الکرکی الشهید (940) ، عن الشیخ زین الدین علیّ بن هلال الجزائری ، عن الشیخ أبی العبّاس أحمد بن فهد الحلّی المتوفّی (841) ، عن الشیخ شرف الدین أبی عبد الله الحلّی الأسدی المتوفّی (826) ، عن شیخنا الشهید الأوّل المستشهد (786) ، عن رضی الدین أبی الحسن علیّ المزیدی الحلّی المتوفّی (757) ، عن آیة الله العلاّمة الحلّی المتوفّی (726) ، عن الشیخ نجیب الدین یحیی بن أحمد الحلّی المتوفّی (689) ، عن السیّد أبی محمد عبد الله بن جعفر الحسینی ، عن المؤلّف الخوارزمی.

وبطریق آخر للعلاّمة الحلّی ، عن برهان الدین أبی المکارم ناصر بن أبی المکارم ، عن أبی المؤیّد المؤلِّف الخوارزمی.

وهذا الکتاب - المناقب - نسبه إلیه الذهبی فی میزان الاعتدال (1) (3 / 20) فی ترجمة محمد بن أحمد بن علیّ بن الحسن بن شاذان ، وقال :

لقد ساق خطیب خوارزم من طریق هذا الدجّال - ابن شاذان - أحادیث کثیرة باطلة سمجة رکیکة فی مناقب السیّد علیّ رضی الله عنه (2). ف)

ص: 541


1- میزان الاعتدال : 3 / 466 رقم 7190.
2- لقد اندفع الذهبی فی قیله هذا إلی ما هو شنشنة کثیر من قومه - وهو بمقربة منه - من تحرّی الوقیعة فی الصالحین والسباب من غیر سبب والتحکّم بالباطل لا عن موجب له ، فحسب ابن شاذان دجّالاً وهو ذلک العبد الصالح ، والعالم المتبحِّر ، والراویة النیقد ، وحسب أحادیثه أباطیل سمجة رکیکة ، علی حین أنّه لم ینفرد بروایتها ، وإنّما خرّجها قبله محدّثو أهل السنّة فی مسانیدهم ، وهی ممّا أطبق علی روایته الفریقان. نعم ؛ التصقت بها الرکّة والسماجة فی مزعمة الذهبی لأنّها فضائل مولانا أمیر المؤمنین علیه السلام. (المؤلف)

وذکره له الچلبی فی کشف الظنون (1) (2 / 532) وقال : مناقب علیّ بن أبی طالب لأبی المؤیّد موفّق بن أحمد الخوارزمی.

وینقل عنه من عصره حتی الیوم جمعٌ من حملة الحدیث ، منهم :

1 - الحافظ مفتی الحرمین صاحب کفایة الطالب - المطبوع فی مصر والعراق وإیران - الکنجیّ الشافعی : المتوفّی (658) ، ینقل عنه فی الکتاب (2) (120 ، 124 ، 148 ، 182 ، 191 ، 152) طبعة النجف الأشرف ، ونصَّ بنسبة الکتاب إلی المترجم فی غیر واحد من تلکم المواضع.

2 - سیّد الأصحاب رضیُّ الدین بن طاووس : المتوفّی (664) ، ینقل عن الکتاب فی تألیفه - الیقین فی أنّ علیّا أمیر المؤمنین - فی غیر واحد من أبوابه ، وقال فی الباب السادس والعشرین (3) : الخوارزمی صاحب المناقب من أعظم علماء الأربعة المذاهب ، وقد أثنوا علیه وذکروا ما کان علیه من المناقب.

وقال فی موضع آخر (4) : هو الذی أثنی علیه ومدحه محمد بن النجّار شیخ المحدِّثین ببغداد وزکّاه.

3 - العلاّمة یوسف بن أبی حاتم الشامی ، ینقل عنه کثیراً فی الدرِّ النظیم فی الأئمّة اللهامیم ، مصرِّحاً بنسبة الکتاب إلیه.

4 - بهاء الدین علیّ بن عیسی الإربلی : المتوفّی (692) ، نقل عنه کثیراً فی کتابه کشف الغمّة (5) ، مصرِّحاً بنسبة الکتاب إلیه. 6.

ص: 542


1- کشف الظنون : 2 / 1844.
2- کفایة الطالب : ص 225 ، 227 ، 234 ، 245 ، 247 ، 281 ، 323.
3- الیقین : ص 166.
4- الیقین : ص 155 باب 20.
5- کشف الغمّة : 1 / 66 ، 69 ، 75 ، 96.

5 - شیخ الإسلام أبو إسحاق الشیخ إبراهیم الحمّوئی : المتوفّی (722) ، یروی عنه فی کتابه فرائد السمطین (1) ، مصرِّحاً بنسبة الکتاب إلیه.

6 - آیة الله العلاّمة الحلّی : المتوفّی (726) ، ینقل عنه فی کتابه کشف الیقین (2).

7 - نور الدین ابن الصبّاغ المکّی المالکیّ : المتوفّی (855) ، قد أکثر النقل عنه قائلاً : بأنّ الخوارزمی روی فی المناقب.

8 - الشیخ علیّ بن یونس العاملی النباطی البیاضی : المتوفّی (877) ، ینقل عنه فی کتابه الصراط المستقیم (3).

9 - ابن حجر العسقلانی : المتوفّی (973) ، روی عن الخوارزمی حدیث زفاف الزهراء - سلام الله علیها - والحدیث موجودٌ فی المناقب (4).

10 - السیّد هاشم بن سلیمان التوبلی البحرانی : المتوفّی (1107) ، ینقل عنه فی غایة المرام (5) وغیره.

11 - شیخنا أبو الحسن الشریف : المتوفّی (1138) ، ینقل عنه کثیراً فی کتابه ضیاء العالمین فی الإمامة الموجود عندنا ، قائلاً فی بعض مواضعه : رواه الخطیب الخوارزمی المشهور الموثوق به عندهم بنصِّ جماعة منهم فی کتاب مناقبه.

12 - السیّد الشبلنجی الشافعی ، نصَّ فی کتابه نور الأبصار (6) علی نسبة 7.

ص: 543


1- فرائد السمطین : 1 / 383 ح 315 باب 70.
2- کشف الیقین : ص 6 - 12 وفی مواضع أخری من الکتاب.
3- الصراط المستقیم : 1 / 207.
4- المناقب : ص 335 - 354 ح 356 - 364.
5- غایة المرام : ص 84 ، 87 وغیرها.
6- نور الأبصار : ص 217.

الکتاب إلی الخوارزمی ، وینقل عنه.

13 - القاضی القندوزیّ الشافعی ، ینقل عنه فی کتابه ینابیع المودّة (1) معبِّراً عن الکتاب بفضائل أهل البیت.

14 - السیّد أبو بکر بن شهاب الدین الحضرمی الشافعی ، ینقل عنه فی رشفة الصادی (2) معبِّراً عنه بکتاب المناقب.

شعره وخطبه ، ولادته ووفاته :

قال الصفدی کما فی بغیة الوعاة (3) : إنّ للمترجَم خُطَباً وشعراً. ولم نقف علی شیءٍ من خطبه وکلمه وشعره غیر ما فی کتابیه : المناقب ومقتل الإمام السبط إلاّ القلیل ، مع أنّ له دیوان شعر کما ذکره الچلبی (4) ، ویوجد شطر من شعره فی المناقب لابن شهرآشوب (5) ، والصراط المستقیم للبیاضی (6) ، ومعجم الأدباء للحموی (7) (3 / 41) فی ترجمة أبی العلاء الهمدانی المتوفّی (567).

وُلد المترجَم فی حدود سنة (484) کما فی (8) بغیة الوعاة ، وطبقات الحنفیّة لمحیی الدین الحنفی ، ودیباجة کتابه مناقب أبی حنیفة عن القفطی ، والوافی بالوفیات للصفدی ، وفی الفوائد البهیّة أنّ مولده سنة (484). 1.

ص: 544


1- ینابیع المودّة : 1 / 3.
2- رشفة الصادی : ص 43.
3- بغیة الوعاة : 2 / 308 رقم 2046.
4- کشف الظنون : 1 / 815.
5- مناقب آل أبی طالب : 2 / 39 ، 78 ، 195 ، 220 و 3 / 83 ، 85 ، 107.
6- الصراط المستقیم : 2 / 66.
7- معجم الأدباء : 8 / 39 ، 44.
8- بغیة الوعاة : 2 / 308 رقم 2046 ، الجواهر المضیّة : 3 / 523 رقم 1718 ، الفوائد البهیة : ص 41.

وتوفی سنة (568) کما فی (1) بغیة الوعاة عن القفطی ، وفی الفوائد البهیّة عن الصفدی ، والتقیّ الفاسیّ مؤلّف العقد الثمین فی تاریخ البلد الأمین عن الذهبی فی تاریخ الإسلام ، وهکذا أرّخها الچلبی فی کشف الظنون ، والخوانساری فی روضات الجنّات ، فما فی الفوائد البهیّة عن القفطی : أنّه توفّی سنة (596) تصحیف واضح ، وقد نقله عنه صحیحاً السیوطی وغیره ، کما أنّ ما فی الفوائد من (569) ، وما فی تاریخ آداب اللغة من أنّه توفی سنة (567) بعیدان عن الصواب ، والله العالم. 1.

ص: 545


1- بغیة الوعاة : 2 / 308 رقم 2046 ، الفوائد البهیة : ص 41 ، العقد الثمین 7 / 310 ، کشف الظنون : 1 / 815 ، روضات الجنّات : 8 / 124 ، مؤلّفات جرجی زیدان الکاملة - تاریخ آداب اللغة العربیة - : مج 14 / 311.

ص: 546

52 - الفقیه عُمارة

ولد (513)

قتل (569)

ولاؤک مفروضٌ علی کلِّ مسلمِ

وحبُّکَ مفروطٌ وأفضلُ مغنمِ

إذا المرءُ لم یُکرم بحبِّک نفسَه

غدا وهو عند اللهِ غیر مُکرّمِ

ورثت الهدی عن نصّ عیسی بن حیدرٍ

وفاطمةٍ لا نصِّ عیسی بن مریمِ

وقال أطیعوا لابن عمّی فإنّه

أمینی علی سرِّ الإله المکتّمِ

کذلک وصّی المصطفی وابن عمّه

إلی منجدٍ یومَ الغدیرِ ومتهمِ

علی مستویً فیه قدیمٌ وحادثٌ

وإن کان فضلُ السبقِ للمتقدِّمِ

ملکتَ قلوبَ المسلمین ببیعةٍ

أمدّتْ بعقدٍ من ولائِکِ مبرَمِ

وأوتیت میراثَ البسیطة عن أبٍ

وجدٍّ مضی عنها ولم یتقسّمِ

لک الحقّ فیها دون کلِّ مُنازعٍ

ولو أنّه نال السماکَ بسُلّمِ

ولو حفظوا فیک الوصیّةَ لم یکن

لغیرِک فی أقطارها دون درهمِ (1)

وله قصیدة - تأتی - یرثی بها أهل القصر ، قوله :

والأرض تهتزُّ فی یومِ الغدیرِ کما

یهتزُّ ما بین قصریکم من الأَسَلِف)

ص: 547


1- یمدح بها الخلیفة الفائز بن الظافر. (المؤلف)

الشاعر

الفقیه نجم الدین أبو محمد عمارة بن أبی الحسن علیّ بن زیدان بن أحمد الحکمیّ الیمنی ، من فقهاء الشیعة الإمامیّة ومدرّسیهم ومؤلّفیهم ومن شهداء أعلامهم علی التشیّع ، وقد زان علمه الکامل وفضله الباهر أدبه الناصع المتقارب من شعره المتألّق ، وإنّک لا تدری إذا نظم شعراً هل هو ینضد درّا؟ أو یفرغ فی بوتقة القریض تبراً؟ فقد ضمَّ شعره إلی الجزالة قوّةً ، وإلی السلاسة رونقاً ، وفوق کلِّ ذلک مودّته المتواصلة لعترة الوحی ، وقوله بإمامتهم علیهم السلام حتی لفظ نفَسَه الأخیر ضحیّة ذلک المذهب الفاضل ، وقد أبقت تآلیفه القیّمة وآثاره العلمیّة والأدبیّة له ذکراً خالداً مع الأبد ، منها : النکت العصریّة فی أخبار الوزراء المصریّة ، وتاریخ الیمن ، وکتاب فی الفرائض ، ودیوان شعره ، وقصیدة کتبها إلی صلاح الدین سمّاها : شکایة المتظلّم ونکایة المتألّم.

قال فی کتابه النکت العصریّة (1) (ص 7) عند ذکر نسبه : فأمّا جرثومة النسب فقحطان ثمّ الحکم بن سعد العشیرة المذحجی ، وأمّا الوطن فمن تهامة بالیمن مدینة مرطان من وادی وساع ، وبُعدها من مکّة فی مهبّ الجنوب أحد عشر یوماً ، وبها المولد والمربی وأهلها بقیّة العرب فی تهامة ، وکانت رئاستهم وسیاستهم تنتهی إلی المشیب بن سلیمان وهو جدّی من جهة الوالدة وإلی زیدان بن أحمد وهو جدّی لأبی ، وهما ابنا عمّ ، وکان زیدان یقول : أنا أعدّ أسلافی أحد عشر جدّا ، ما منهم إلاّ عالم مصنّف فی عدّة علوم ، ولقد أدرکت عمّی علیّ بن زیدان ، وخالی محمد بن المشیب ، ورئاسة حکم بن سعد العشیرة تقف علیهما وتنتهی إلیهما. إلی أن قال : قلتُ لأخی ف)

ص: 548


1- طبع مع مختار دیوانه فی (399) صحیفة فی (شالون) علی نهر (سون) بمطبع مرسو ، سنة (1897) المسیحیة. (المؤلف)

یحیی یوماً : من القائل فی جدّیک المشیب بن سلیمان وزیدان بن أحمد :

إذا طرقتْکَ أحداثُ اللیالی

ولم یوجدْ لعلّتها طبیبُ

وأعوز من یجیرُکَ من سطاها

فزیدانٌ یجیرک والمشیبُ

هما ردّا علیَّ شتیتَ ملکی

ووجهُ الدهرِ من رغمٍ قَطوبُ

وقاما عنه خذلانی بنصری

قیاماً تستکین به الخطوبُ

فقال : هو السلطان علیّ بن حبابة الفرودی ، کان قومه قد أخرجوه من ملکه وأفقروه من ملکه وولّوا علیهم أخاه سلامة ، فنزل بهما فسارا معه فی جموع من قومهما حتی عزلا سلامة وولّیا علیّا وأصلحا له قومه ، وکان الذی وصل إلیه من برِّهما وأنفقاه علی الجیش فی نصرته ، وحملا إلیه من خیل ومن إبل ما ینیف علی خمسین ألفاً من الذهب. قال یحیی : وفی أبی وخالی یقول مدبّر الشاعر الحکمی من قصیدة طویلة :

أبواکما ردّا علی ابن حبابةٍ

ملکاً تبدّد شملهُ تبدیدا

کفل المشیبُ علی الحسامِ بعَوْدِهِ

مُذْ صال زیدانٌ به فأُعیدا

وبنیتما ما شیّدا من سؤددٍ

قدماً فأشبه والدٌ مولودا

وحدّثنی أبی قال : مرض عمّک علیّ مرضاً أشرف فیه علی الموت ثمّ أبلَّ منه ، فأنشدته لرجل من بنی الحارث یُدعی سلم بن شافع کان قد وفد علیه یستعینه فی دیة قتیل لزمته ، فلمّا شغلنا بمرض صاحبنا ارتحل الحارثی إلی قومه وأرسل إلیَّ بقصیدة منها :

إذا أودی ابنُ زیدانٍ علیٌ

فلا طلعتْ نجومُکِ یا سماءُ

ولا اشتملَ النساءُ علی جنینٍ

ولا روّی الثری للسحبِ ماءُ

علی الدنیا وساکنها جمیعاً

إذا أودی أبو الحسنِ العفاءُ

ص: 549

قال فبکی عمّک وأمرنی باحضار الحارثی ودفع له ألف دینار وساق عنه الدیة بعد ستة أشهر ، وکان إذا رآه أکرمه ورفع مجلسه. وبسط القول فی جود عمِّه علیّ بن زیدان وسعة ثروته وعظم شجاعته. ثمّ قال ما ملخّصه : أدرکتُ الحلم سنة تسع وعشرین وخمسمائة ، وفی سنة إحدی وثلاثین بعثنی والدی إلی زبید مع الوزیر مسلم ابن سخت ، فنزلت فیها ولازمت الطلب فأقمت أربع سنین لا أخرج عن المدرسة إلاّ لصلاة یوم الجمعة ، وفی السنة الخامسة زرت الوالدین وأقمت فی زبید ثلاث سنین وجماعة من الطلبة یقرؤون عندی مذهب الشافعی والفرائض فی المواریث ، ولی فی الفرائض مصنّف یُقرأ فی الیمن ، وفی سنة تسع وثلاثین زارنی والدی وخمسة من أخوتی إلی زبید ، وأنشدت والدی شیئاً من شعری فاستحسنه ، ثمّ قال :

تعلم والله أنّ الأدب نعمةٌ من نعم الله علیک فلا تکفرها بذمِّ الناس ، واستحلفنی أن لا أهجو مسلماً قطُّ ببیت شعر فحلفت له علی ذلک ، وحججت مع الملکة الحرّة أُمّ فاتک ملک زبید ، وخرجت مرّة أخری إلی مکّة سنة تسع وأربعین وخمسمائة ، وفی موسم هذه السنة مات أمیر الحرمین هاشم بن فلیتة وولّی الحرمین ولده قاسم بن هاشم ، فألزمنی السفارة عنه والرسالة المصریّة ، فقدمتها فی شهر ربیع الأوّل سنة خمسین وخمسمائة والخلیفة بها یومئذٍ الإمام الفائز بن الظافر ، والوزیر له الملک الصالح طلائع بن رُزّیک ، فلمّا أُحضرت للسلام علیهما - فی قاعة الذهب فی قصر الخلیفة - أنشدتهما قصیدة أوّلها :

الحمد للعیس بعد العزمِ والهممِ

حمداً یقوم بما أولتْ من النعمِ

لا أجحد الحقَّ عندی للرکاب یدٌ

تمنّت اللجْمُ فیها رتبةَ الخطمِ

قرّبنَ بُعدَ مزارِ العزِّ من نظری

حتی رأیتُ إمام العصر من أممِ

ورُحن من کعبةِ البطحاءِ والحرمِ

وفداً إلی کعبةِ المعروفِ والکرمِ

فهل دری البیتُ أنّی بعد فرقتِهِ

ما سرتُ من حرمٍ إلاّ إلی حرمِ

ص: 550

حیث الخلافةُ مضروبٌ سُرادقُها

بین النقیضینِ من عفوٍ ومن نقمِ

وللإمامةِ أنوارٌ مقدّسةٌ

تجلو البغیضینِ من ظلمٍ ومن ظُلَمِ

وللنبوّةِ أبیاتٌ ینصُّ لنا

علی الخَفیّین من حُکمٍ ومن حِکَمِ

وللمکارمِ أعلامٌ تُعلّمنا

مدحَ الجزیلینِ من بأسٍ ومن کرمِ

وللعُلی ألسنٌ تثنی محامدُها

علی الحمیدینِ من فعلٍ ومن شیمِ

ورایةُ الشرفِ البذّاخِ ترفُعها

یدُ الرفیعینِ من مجدٍ ومن هِممِ

أقسمت بالفائزِ المعصومِ معتقداً

فوزَ النجاةِ وأجرَ البرّ فی القسمِ

لقد حمی الدینَ والدنیا وأهلَهما

وزیرُه الصالحُ الفرّاج للغُمَمِ

اللابسُ الفخرَ لم تنسجْ غلائلَهُ

إلاّ یدٌ لصنیع السیف والقلمِ

وجودُه أوجدَ الأیّام ما اقترحتْ

وجودهُ أعدمَ الشاکین للعدمِ

قد ملّکتهُ العوالی رقَّ مملکةٍ

تعیرُ أنفَ الثریّا عزّةَ الشممِ

أری مقاماً عظیمَ الشأن أوهمنی

فی یقظتی أنّها من جملةِ الحُلُمِ

یومٌ من العمرِ لم یخطرْ علی أملی

ولا ترقّت إلیه رغبةُ الهممِ

لیت الکواکبَ تدنو لی فأنظمَها

عقودَ مدحٍ فما أرضی لکم کلمی

تری الوزارةَ فیه وهی باذلةٌ

عند الخلافةِ نصحاً غیرَ متّهمِ

عواطفٌ علّمتنا أنّ بینهما

قرابةً من جمیلِ الرأیِ لا الرحمِ

خلیفةٌ ووزیرٌ مدَّ عدلُهما

ظلاّ علی مفرق الإسلام والأممِ

زیادة النیل نقصٌ عند فیضهما

فما عسی یتعاطی مُنّة الدیَمِ

وعهدی بالصالح وهو یستعیدها فی حال النشید مراراً ، والأستاذون وأعیان الأُمراء والکبراء یذهبون فی الاستحسان کلّ مذهب ، ثمّ أُفیضت علیَّ خلع من ثیاب الخلافة المذهّبة ، ودفع لی الصالح خمسمائة دینار ، وإذا بعض الأُستاذین قد أخرج لی من عند السیّدة الشریفة بنت الإمام الحافظ خمسمائة دینار أخری ، وحمل المال معی إلی منزلی ، وأُطلقت لی من دار الضیافة رسومٌ لم تطلق لأحد من قبلی ، وتهادتنی

ص: 551

أُمراء الدولة إلی منازلهم للولائم ، واستحضرنی الصالح للمجالسة ، ونظمنی فی سلک أهل المؤانسة ، وانثالت علیَّ صِلاته وغمرنی برُّه ، ووجدت بحضرته من أعیان أهل الأدب : الشیخ الجلیس أبا المعالی بن الحبّاب (1) ، والموفّق ابن الخلاّل صاحب دیوان الإنشاء ، وأبا الفتح محمود بن قادوس (2) ، والمهذّب أبا محمد الحسن بن الزبیر ، وما من هذه الحلبة أحدٌ إلاّ ویضرب فی الفضائل النفسانیّة والرئاسة الإنسانیّة بأوفر نصیب ، ویرمی شاکلة الأشکال فیصیب.

وقال فی (ص 69) : لمّا جلس شاور فی دار الذهب ، قام الشعراء والخطباء ولفیفٌ من الناس إلاّ الأقلّ ینالون من بنی رُزّیک وضرغام نائب الباب ویحیی بن الخیّاط اسفهسلاّر (3) العساکر ، وکانت بینی وبین شاور أنسة تامّة مستحکمة ، فأنشدته فی الیوم الثانی من جلوسه والجمع حافلٌ قصیدة أوّلها :

صحّت بدولتِکَ الأیّامُ من سقمِ

وزال ما یشتکیه الدهرُ من ألمِ

زالت لیالی بنی رُزّیک وانصرمتْ

والحمدُ والذمُّ فیها غیرُ مُنصرمِ

کأنّ صالحَهم یوماً وعادلَهم

فی صدرِ ذا الدستِ لم یقعدْ ولم یقمِ

هم حرّکوها علیهم وهی ساکنةٌ

والسلمُ قد تنبتُ الأوراقَ فی السلمِ

کنّا نظنُّ وبعضُ الظنِّ مأثمةٌ

بأنّ ذلک جمعٌ غیرُ منهزمِ

فمذ وقعتَ وقوع النسر خانهمُ

من کان مجتمعاً من ذلک الرخمِ

وکان ضرغام ینقم علیَّ هذا البیت ، ویقول : أنا عندک من الرخم!

ولم یکونوا عدوّا زلَّ جانبُهُ

وإنّما غرقوا فی سَیلِکَ العرمِ

وما قصدت بتعظیمی سواک سوی

تعظیمِ شأنِکَ فاعذرنی ولا تلُمِف)

ص: 552


1- أحد شعراء الغدیر قد مرّت ترجمته فی هذا الجزء : ص 387. (المؤلف (
2- أحد شعراء الغدیر أسلفنا ترجمته فی هذا الجزء : ص 338. (المؤلف)
3- معرّب سبهسالار : قائد الجیش. (المؤلف)

ولو شکرتُ لیالیهمْ محافظةً

لعهدِها لم یکن بالعهدِ من قدمِ

ولو فتحتُ فمی یوماً بذمِّهمُ

لم یرضَ فضلُک إلاّ أن یسدَّ فمی

والله یأمرُ بالإحسانِ عارفةً

منه وینهی عن الفحشاءِ فی الکلمِ

فشکرنی شاور وابناه فی الوفاء لبنی رُزّیک. انتهی.

کان یحمی الذمار بالذمارة ، ویوفی بعهد من صاحبه ونادمه ، ویدافع عنه بصراحة اللهجة ، وله مواقف مشکورة تنمُّ عن أنّه ذو حفاظ وذو محافظة ، حضر یوماً هو والرضی أبو سالم یحیی الأحدب بن أبی حصیبة الشاعر فی قصر اللؤلؤ بعد موت الخلیفة العا ضد عند نجم الدین أیّوب بن شادی ، فأنشد ابن أبی حصیبة نجم الدین أیوب ، فقال :

یا مالکَ الأرضِ لا أرضی له طرفا

منها وما کان منها لم یکن طرفا

قد عجّلَ اللهُ هذی الدارَ تسکنُها

وقد أعدَّ لک الجنّاتِ والغرفا

تشرّفتْ بک عمّن کان یسکنُها

فالبس بها العزّ ولتلبس بک الشرفا

کانوا بها صَدفاً والدارُ لؤلؤةٌ

وأنت لؤلؤةٌ صارت لها صدفا

فقال الفقیه عمارة یردُّ علیه :

أثِمتَ یا من هجا الساداتِ والخُلَفا

وقلت ما قلتَهُ فی ثلبِهمْ سخفا

جعلتَهمْ صدفاً حَلُّوا بلؤلؤةٍ

والعرفُ ما زال سکنی اللؤلؤ الصدفا

وإنّما هی دارٌ حلَّ جوهرُهمْ

فیها وشفَّ فأسناها الذی وصفا

فقال لؤلؤة عجباً ببهجتها

وکونها حَوَتِ الأشراف والشرفا

فهم بسکناهم الآیاتِ إذ سکنوا

فیها ومن قبلها قد أُسکِنوا الصحفا

والجوهرُ الفردُ نورٌ لیس یعرفُه

من البریّة إلاّ کلُّ من عرفا

لو لا تجسّمُهمْ فیه لکان علی

ضعف البصائرِ للأبصارِ مختطفا

ص: 553

فالکلبُ یا کلبُ أسنی منک مکرمةً (1)

لأنّ فیه حفاظاً دائماً ووفا

قال المقریزی (2) : فلله درُّ عمارة لقد قام بحقِّ الوفاء ووفی بحسن الحفاظ کما هی عادته ، لا جرم أنّه قُتل فی واجب من یهوی کما هی سنّة المحبّین ، فالله یرحمه ویتجاوز عنه.

وله قصائد یرثی بها أهل القصر من الملوک الفاطمیّین بعد انقراض دولتهم وفاءً بعهدهم ، منها قصیدة أوّلها :

لا تندبنْ لیلی ولا أطلالَها

یوماً وإن ظعنتْ بها أجمالها

واندبْ هُدِیتَ قصورَ ساداتٍ عفتْ

قد نالهمْ ریبُ الزمانِ ونالها

درستْ معالمُهمْ لدرسِ ملوکِهمْ

وتغیّرتْ من بعدِهمْ أحوالها

ومنها :

رمیتَ یا دهرُ کفَّ المجدِ بالشللِ

وجیدَهُ بعد حسنِ الحَلی بالعطلِ

سعیتَ فی منهجِ الرأیِ العثورِ فإن

قدرتَ من عثراتِ الدهرِ فاستقلِ

جدعتَ مارِنَکَ الأقنی فأنفُکَ لا

ینفکُّ ما بین قرع السنِّ والخجلِ (3)

هدمتَ قاعدةَ المعروفِ عن عجلٍ

سعیتَ مهلاً أما تمشی علی مهلِ

لهفی ولهف بنی الآمالِ قاطبةً

علی فجیعتِها فی أکرمِ الدولِ

قدمتُ مصرَ فأولتنی خلائفُها

من المکارمِ ما أربی علی الأملِ

قومٌ عرفتُ بهم کسبَ الألوف ومن

کمالِها أنّها جاءتْ ولم أسلِ

وکنتُ من وزراءِ الدستِ حین سما

رأسُ الحصانِ یُهادیه علی الکفلِ

ونلتُ من عظماءِ الجیشِ مکرمةً

وخلّةً حرستْ من عارضِ الخللِف.

ص: 554


1- فی منتخب دیوانه ص 292 : معرفة. (المؤلف)
2- الخطط والآثار : 1 / 469.
3- المارن : طرف الأنف.

یا عاذلی فی هوی أبناءِ فاطمةٍ

لک الملامةُ إن قصّرتَ فی عذلی

بالله دُر ساحة القصرین وابک معی

علیهما لا علی صفّینَ والجملِ

وقل لأهلیهما والله ما التحمتْ

فیکم جراحی ولا قرحی بمندملِ

وما ذا عسی کانت الإفرنجُ فاعلةً

فی نسلِ آلِ أمیرِ المؤمنین علی

هل کان فی الأمرِ شیءٌ غیر قسمةِ ما

ملکتمُ بین حکمِ السبی والنقلِ

وقد حصلتمْ علیها واسمُ جدّکمُ

محمدٌ وأبوکم غیرُ منتقلِ

مررتُ بالقصرِ والأرکانُ خالیةٌ

من الوفودِ وکانت قبلةَ القبلِ

فملتُ عنها بوجهی خوفَ منتقدٍ

من الأعادی ووجه الودِّ لم یملِ

أسلتُ من أسفی دمعی غداةَ خلتْ

رحابُکمْ وغدتْ مهجورةَ السبلِ

أبکی علی ما تراءتْ من مکارمِکمْ

حالَ الزمانُ علیها وهی لم تحلِ

دارُ الضیافةِ کانت أُنسَ وافدِکمْ

والیومَ أوحشُ من رسمٍ ومن طللِ

وفطرةُ الصومِ إذ أضحتْ مکارمُکمْ

تشکو من الدهرِ حیفاً غیرَ محتملِ

وکسوةُ الناسِ فی الفصلین قد درستْ

ورثَّ منها جدیدٌ عندهم وبلِی

وموسمٌ کان فی یومِ الخلیجِ لکم

یأتی تجمّلُکمْ فیه علی الجملِ

وأوّلُ العامِ والعیدین کم لکمُ

فیهنّ من وَبلِ جودٍ لیس بالوشلِ

والأرض تهتزُّ فی یومِ الغدیرِ کما

یهتزُّ ما بین قصریکم من الأسلِ

والخیلُ تُعرَضُ فی وشیٍ وفی شیةٍ

مثلَ العرائسِ فی حُلیٍ وفی حللِ

ولا حملتم قِری الأضیافِ من سعةٍ ال

أطباقِ إلاّ علی الأکتاف والعجلِ

وما خصصتمْ ببرٍّ أهل ملّتِکمْ

حتی عممتمْ به الأقصی من المللِ

کانت رواتبُکمْ للذمّتین ولل

-ضیفِ المقیمِ وللطاری من الرسلِ

ثمّ الطراز بتنّیس الذی عظمتْ

منه الصلاتُ لأهلِ الأرضِ والدولِ

وللجوامعِ من إحسانِکمْ نعمٌ

لمن تصدّر فی علمٍ وفی عملِ

وربّما عادت الدنیا فمعقلُها

منکم وأضحتْ بکم محلولةَ العَقَلِ

ص: 555

والله لا فازَ یومَ الحشر مبغِضُکم

ولا نجا من عذابِ الله غیرُ ولی

ولا سُقی الماءَ من حرٍّ ومن ظمأ

من کفِّ خیرِ البرایا خاتمِ الرسلِ

ولا رأی جنّةَ اللهِ التی خُلقت

من خانَ عهدَ الإمامِ العاضدِ بنِ علی

أئمّتی وهُداتی والذخیرةُ لی

إذا ارتُهِنتُ بما قدّمتُ من عملی

تالله لم أُوفِهمْ فی المدحِ حقَّهمُ

لأنّ فضلَهمُ کالوابلِ الهطلِ

ولو تضاعفتِ الأقوالُ واتّسعتْ

ما کنتُ فیهمْ بحمدِ اللهِ بالخَجِلِ

بابُ النجاةِ همُ دنیاً وآخرةً

وحبُّهمْ فهو أصلُ الدینِ والعملِ

نورُ الهدی ومصابیحُ الدجی ومح

-لُّ الغیث إن ربتِ الأنواءُ فی المحلِ

أئمّةٌ خُلقوا نوراًفنورُهمُ

من محضِ خالصِ نورِ اللهِ لم یفلِ

واللهِ ما زلتُ عن حبّی لهم أبداً

ما أخّر اللهُ لی فی مدّةِ الأجلِ

قُتل المترجَم بسبب هذه القصیدة مع جمع نسب إلیهم التدبیر علی صلاح الدین ومکاتبة الفرنج واستدعاؤهم إلیه حتی یجلسوا ولداً للعاضد ، وکانوا أدخلوا معهم رجلاً من الأجناد لیس من أهل مصر ، فحضر عند صلاح الدین وأخبره بما جری فأحضرهم فلم ینکروا الأمر ولم یروه منکراً ، فأمر بصلبهم وصلبوا یوم السبت فی شهر رمضان سنة تسع وتسعین وخمسمائة بالقاهرة ، وقد قبض علیهم یوم الأحد الثالث والعشرین من شعبان ، وصلب مع الفقیه عمارة قاضی القضاة أبو القاسم هبة الله بن عبد الله بن الکامل ، وابن عبد القوی داعی الدعاة ، کان یعلمُ بدفائنِ القصر فعوقب لیدلَّ علیها فامتنع من ذلک فمات واندرست ، والعویرس ناظر الدیوان ، وشبریا کاتب السرّ ، وعبد الصمد الکاتب أحد أمراء مصر ، ونجاح الحمامی ، ومنجِّم نصرانیّ کان قد بشّرهم بأنّ هذا الأمر یتمُّ لهم.

قال الصفدی فی الغیث المُسجم (1) : إنّه لا یبعد أن یکون القاضی الفاضل سعیظ.

ص: 556


1- الغیث المُسجم : 2 / 307 مع اختلاف یسیر فی الألفاظ.

فی هلاکه وحرّض علیه ؛ لأنّ صلاح الدین لمّا استشاره فی أمره قال : یُنفی. قال : یُرجی رجوعه. قال : یؤدّب. قال : الکلب یسکت ثمّ ینبح. قال : یُقتل. قال : الملوک إذا أرادوا فعلوا. وقام من فوره ، فأمر بصلبه مع القاضی العویرس وجماعة معه من شیعتهم ، ولمّا أُخذ لیشنق قال : مرّوا بی علی باب القاضی الفاضل ؛ لحسن ظنِّه فیه ، فلمّا رآه قام وأغلق بابه فقال عمارة :

عبدُ العزیزِ قد احتجبْ

إنّ الخلاص من العجبْ

وذکر عماد الدین الکاتب فی الخریدة لتاج الدین الکندی أبی الیمن بعد صلب المترجَم :

عُمارة فی الإسلامِ أبدی خیانةً

وبایع فیها بِیعةً وصلیبا

وأمسی شریکَ الشرکِ فی بغضِ أحمدٍ

وأصبحَ فی حبِّ الصلیبِ صلیبا

وکان خبیثَ الملتقی إن عجمتَهُ

تجدْ منه عوداً فی النفاقِ صلیبا

سیلقی غداً ما کان یسعی لنفسِهِ

ویُسقی صدیداً فی لظیً وصلیبا

کان للمترجَم مکانة عالیة عند بنی رزّیک ، وله فیهم شعر کثیر یوجد فی دیوانه وکتابه النکت العصریّة ، وفی الثانی (1) : إنّ الملک الصالح طلائع بعث إلیه بثلاثة آلاف دینار فی ثلاثة أکیاس ، وکتب فیها بخطِّه :

قل للفقیه عمارةٍ یا خیر من

قد حازَ فهماً ثاقباً وخطابا

اقبلْ نصیحةَ من دعاک إلی الهدی

قل حطّة وادخل إلینا البابا

تجدِ الأئمّةَ شافعین ولا تجدْ

إلاّ لدینا سنّةً وکتابا

وعلیَّ أنْ أُعلی محلَّکَ فی الوری

وإذا شفعت إلیَّ کنت مجابا

وتعجّلِ الآلافَ وهی ثلاثةٌ

ذهباً وقلَّ لک النضارُ مذابا5.

ص: 557


1- النکت العصریة : ص 45.

فراجعه عمارة بقوله :

حاشاک من هذا الخطابِ خطابا

یا خیرَ أملاکِ الزمانِ نصابا

لکنْ إذا ما أفسدتْ علماؤکم

معمورَ معتقدی وصارَ خرابا

ودعوتمُ فکری إلی أقوالِکمْ

من بعدِ ذاک أطاعَکم وأجابا

فاشدد یدیکَ علی صفاءِ محبّتی

وامنن علیَّ وسدَّ هذا البابا

توفّی للفقیه المترجَم فی حیاته ستّة أولاد ذکور ورثاهم ، ألا وهم : عبد الله ، ویحیی ، ومحمد ، وعطیّة ، وإسماعیل ، وحسین ، وتوفّی أوّلاً ولداه عبد الله ویحیی ثمّ بعدهما محمد فی سنة (556) لیلة الإثنین (4) جمادی الأولی بمصر ، ورثاهم بقصیدة أوّلها :

أُصِبتُ فی خیرِ أعضائی وأعضادی

وخیرِ أهلی إذا عدُّوا وأولادی

بأبلجِ الوجهِ من سعدِ العشیرةِ لم

یُعرَفْ بغیرِ الندی والبشرِ فی النادی

وله فی رثاء محمد قصیدة مطلعها :

سأبکی علی ابنی مدّتی وحیاتی

ویبکیه عنّی الشعرُ بعد مماتی

ومنها :

أَتُبلی المنایا مهجة ابنٍ ذخرتُهُ

لدهری ویُبلونی بخمسِ بنات

وتوفّی بعدهم عطیّة ، ورثاه بقصیدة منها :

عطیّة إن صادفتَ روحَ محمدٍ

أخیک وصنویکَ العلیّینِ من قبلِ

فسلّمْ علیهم لا شقیت وقل لهمْ

سقیتُ أباکم بعدکم جرعةَ الثکلِ

وقال فی رثائه :

عطیّةُ إن ذقتَ طعمَ الحِمام

فإنّ فراقَکَ عندی أمرّ

ص: 558

هوی کوکبٌ منک بعد الطلوعِ

ذوی غصنٌ منک بعد الثمرْ

ولو لم تکنْ قمراً زاهراً

لما متَّ عند خسوف القمرْ

وتوفّی بعدهم ولده إسماعیل سنة (561) فی ربیع الآخر ، ورثاه بقصیدةٍ أوّلها :

ما کنتُ آلف منزلی إلاّ به

ولقد کرهتُ الدار بعد مصابه

وقال یرثیه :

أأرجو بقاءً أم صفاء حیاةِ

وقد بدّدت شملی النوی بشتاتِ

یقول فیها :

أتُبلی اللیالی لی بُنیّا ذخرتُهُ

وتُبقی لیَ الأیّام شرَّ بناتی

ومنها :

وما عشتَ إلاّ سبعةً من سنی الوری

سقی عهدَهنَّ اللهُ من سنواتِ

وقال فی رثائه :

حسبتُ الدهرَ فی ولدی

یساعدنی ویسعدنی

ویقول فیها :

لإسماعیل أشواقی

تزید علی مدی الزمنِ

وإسماعیلُ لی شغلٌ

عن اللذّات یشغلنی

وإسماعیلُ لا أسلو

ه حتی الموت یصرعنی

سأبکیه وأندبُه

بنوحٍ زائدِ الشجنِ

کما قمریّةٌ ناحتْ

ببغدادٍ علی غصنِ

وأبقی بعده أسفاً

مدی الأیّامِ والزمنِ

ص: 559

وتوفِّی حسین سنة (563) ورثاه بقوله :

أتری یکون لی الخلاص قریبُ (1)

فالموت بعدک یا بُنیَّ یطیبُ

علّلت فیک الحزنَ کلّ تعلّةٍ

لم تنفعنِّی شربةٌ وطبیبُ

ورثاه بقصیدة أوّلها :

داویتُ ما نفعَ العلیلَ دوائی

بل زادَ سقماً فی خلال ضنائی

یقول فیها :

ما عاش إلاّ سبعةً من عمرِهِ

ونأی إلی دارِ البلی لبلائی

وله فی رثائه من قصیدة مستهلّها :

قل للمنیّة لا شوی

لم یُخطِ سهمُکِ إذ رمی

ومنها :

ما کان إلاّ سبعةً

وثلاثةً ثمّ انقضی

وقال فی رثائه :

خطبتنی الخطوبُ بالهمِّ لمّا

حدّثتنی بألسنِ الحدَثانِ

ومنها :

یا لها نکبةً علی نکبةٍ جا

ءت وجرحاً یبکی بجرحٍ ثانِ

ومصابٌ علی مصابٍ وثکلٍ

بعد ثکلٍ أُصیب منه جنانیا.

ص: 560


1- کذا.

ویقول فیها :

کلَّ عامٍ للموتِ عندی نصیبٌ

فی سراة البنینِ والإخوانِ

ونختم الترجمة وهی ختام هذا الجزء من الکتاب بقول المترجَم یدعو ربّه :

یا ربِّ هیِّئ لنا من أمرنا رشَداً

واجعل معونتک الحسنی لنا مَددا

ولا تکِلنا إلی تدبیر أنفسنا

فالنفسُ تعجزُ عن إصلاحِ ما فسدا

أنت الکریمُ وقد جهّزتُ من أملی

إلی أیادیک وجهاً سائلاً ویدا

وللرجاءِ ثوابٌ أنت تعلمُه

فاجعل ثوابی دوامَ الستر لی أبدا (1)

انتهی الجزء الرابع من کتاب الغدیر

ویتلوه الخامس إن شاء الله

وآخر دعوانا

أن الحمد لله ربّ العالمین

ص: 561


1- أخذنا الترجمة من النکت العصریة [ص 7] ، الخریدة لعماد الکاتب [3 / 101] ، الکامل لابن الأثیر : 11 / 163 [7 / 239 حوادث سنة 569 ه] ، تاریخ ابن خلّکان : 1 / 409 [3 / 431 رقم 489] ، تاریخ ابن کثیر : 12 / 275 [12 / 341 حوادث سنة 569 ه] ، مرآة الجنان : 3 / 390 ، وتوجد فی غیر واحد من کتب المتأخّرین ومعاجمهم [کما فی شذرات الذهب : 6 / 387 ، والعبر : 3 / 58]. (المؤلف)

محتویات الکتاب

بقیة شعراء الغدیر فی القرن الرابع

11 - 24

أبو الفتح کشاجم.................................................. 12 - 38

الشاعر.................................................................. 14

أدبه وشعره.............................................................. 15

هجاؤه.................................................................. 20

کشاجم والرئاسة......................................................... 21

جکه ودرر کلیه......................................................... 22

رحلة کشاجم............................................................ 25

عقیدته.................................................................. 27

مشایخه وتالیفه........................................................... 33

ولادته ووفاته............................................................ 34

ولده.................................................................... 35

الناشی الصغیر...................................................... 39 - 51

مایتبع الشعر............................................................. 43

الشاعر.................................................................. 44

ولادته ووفاته............................................................ 49

مصادر ترجمة الناشی...................................................... 51

البشنوی الکردی................................................... 53 - 61

الشاعر.................................................................. 54

البشنویّة................................................................. 56

الزوزانیّة البختیّة الهکّاریّة الجلّانیة........................................... 57

الزوادیّة الشوانکاریّة الحمیدیّة الهذبانیّة الحکمیّة.............................. 58

نبذة من شعره............................................................ 59

الصاحب بن عبّاد................................................. 63 - 118

الشاعر.................................................................. 65

وزارته صلاته مادحوه..................................................... 72

شمره فی المذهب.......................................................... 83

الصاحب ومذهبه......................................................... 83

نوادر فیها المکارم....................................................... 101

غرر کلم للصحاب..................................................... 106

وفاته.................................................................. 108

مصادر ترجمة الصاحب.................................................. 117

الجوهری الجرجائی.............................................. 119 - 126

الشاعر................................................................. 120

ابن الحجّاج البغدادی........................................... 127 - 143

الشاعر................................................................. 130

خلفاء عصره وملوکه................................................... 135

ولادته ووفاته........................................................... 140

مصار ترجمة ابن الحجّاج................................................ 143

أبو العبّاس الضیّبی.............................................. 145 - 157

ما یتبع الشعر........................................................... 145

الشاعر................................................................. 146

أبو الرقعمق الأنطاکی........................................... 159 - 166

الشاعر................................................................. 160

أبو العلاء السروی.............................................. 167 - 173

الشاعر................................................................. 167

البیان.................................................................. 172

أبو محمد العونی................................................. 175 - 195

الشاعر................................................................. 180

ابن حمّاد العیدی................................................ 197 - 233

الشاعر................................................................. 211

ولادته ووفاته........................................................... 214

أبو الفرج الرازی............................................... 235 - 238

الشاعر................................................................. 235

جعفر بن حسین................................................. 239 - 240

شعراء الغدیر فی القرن الخامس

241 - 424

أبو النجیب الطاهر.............................................. 243 - 246

الشاعر................................................................. 343

الشریف الرضی................................................ 247 - 302

الشاعر................................................................. 248

أساتذته ومشایخه........................................................ 252

تلامذته والرواة عنه..................................................... 254

تألیفه وکتبه............................................................ 256

مؤلّف نهج البلاغة....................................................... 265

شعره وشاعریته......................................................... 276

ألقابه ومناصبه.......................................................... 280

النقابة.................................................................. 282

النقابة العامة............................................................ 284

ولایة المظالم الولایة علی الحج............................................ 285

ولادته ووفاته........................................................... 288

أبو محمد الصوری............................................... 303 - 315

الشاعر................................................................. 307

مهیار الدیلمی.................................................. 317 - 350

مایتبع الشعر............................................................ 319

مایتبع الشعر............................................................ 323

الشاعر................................................................. 324

سیّدنا الشریف المرتضی......................................... 351 - 398

الشاعر................................................................. 354

کلمات الثناء علیه...................................................... 357

مشایخه ومن یروی هو عنه............................................... 361

تلامذة سیّدنا المرتضی................................................... 362

علم الهدی والمعرّی...................................................... 364

علم الهدی وابن المطرّز المرتضی والزعامة.................................. 367

ولادته ووفاته........................................................... 370

نبذة من دیوان المرتضی.................................................. 371

أبو علی البصیر................................................. 399 - 401

الشاعر................................................................. 399

أبو العلاء المعوی................................................ 403 - 405

مایتبع الشعر والشاعر................................................... 404

المؤیّد فی الدین.................................................. 407 - 417

مایتبع الشعر............................................................ 411

الشاعر................................................................. 415

الجبری المصری................................................. 419 - 424

الشاعر................................................................. 424

شعراء الغدیر فی القرن السادس

425 - 561

أبو الحسن الفنجکردی.......................................... 427 - 435

ما یتبع الشعر........................................................... 427

الشاعر................................................................. 428

ابن منیر الطرابلسی............................................. 437 - 452

ما یتبع الشعر........................................................... 439

الشاعر................................................................. 444

القاضی ابن قادوس............................................. 453 - 456

الشاعر................................................................. 453

الملک الصالح................................................... 457 - 495

الشاعر................................................................. 453

ولادته ووفاته مدائحه مراثیه............................................. 469

نماذج من شعر الملک الصالح.............................................. 484

الملک العادل............................................................ 491

ابن العودی النیلی.............................................. 497 - 510

الشاعر................................................................. 505

القاضی الجلیس................................................. 511 - 521

الشاعر................................................................. 514

ابن مکّی النیلی................................................. 523 - 529

الشاعر................................................................. 523

الخطیب الخوارزمی.............................................. 531 - 545

الشاعر................................................................. 532

مشایخه فی الأخذ والروایة................................................ 533

تلامذته والرواة عنه..................................................... 536

تألیفه.................................................................. 538

شعره وخطبه ولادته ووفاته.............................................. 544

الفقیه عمارة.................................................... 547 - 561

الشاعر................................................................. 548

ص: 562

الناشی الصغیر...................................................... 39 - 51

مایتبع الشعر............................................................. 43

الشاعر.................................................................. 44

ولادته ووفاته............................................................ 49

مصادر ترجمة الناشی...................................................... 51

البشنوی الکردی................................................... 53 - 61

الشاعر.................................................................. 54

البشنویّة................................................................. 56

الزوزانیّة البختیّة الهکّاریّة الجلّانیة........................................... 57

الزوادیّة الشوانکاریّة الحمیدیّة الهذبانیّة الحکمیّة.............................. 58

نبذة من شعره............................................................ 59

الصاحب بن عبّاد................................................. 63 - 118

الشاعر.................................................................. 65

وزارته صلاته مادحوه..................................................... 72

شمره فی المذهب.......................................................... 83

الصاحب ومذهبه......................................................... 83

نوادر فیها المکارم....................................................... 101

غرر کلم للصحاب..................................................... 106

وفاته.................................................................. 108

مصادر ترجمة الصاحب.................................................. 117

ص: 563

الجوهری الجرجائی.............................................. 119 - 126

الشاعر................................................................. 120

ابن الحجّاج البغدادی........................................... 127 - 143

الشاعر................................................................. 130

خلفاء عصره وملوکه................................................... 135

ولادته ووفاته........................................................... 140

مصار ترجمة ابن الحجّاج................................................ 143

أبو العبّاس الضیّبی.............................................. 145 - 157

ما یتبع الشعر........................................................... 145

الشاعر................................................................. 146

أبو الرقعمق الأنطاکی........................................... 159 - 166

الشاعر................................................................. 160

أبو العلاء السروی.............................................. 167 - 173

الشاعر................................................................. 167

البیان.................................................................. 172

أبو محمد العونی................................................. 175 - 195

الشاعر................................................................. 180

ابن حمّاد العیدی................................................ 197 - 233

الشاعر................................................................. 211

ولادته ووفاته........................................................... 214

ص: 564

أبو الفرج الرازی............................................... 235 - 238

الشاعر................................................................. 235

جعفر بن حسین................................................. 239 - 240

شعراء الغدیر فی القرن الخامس

241 - 424

أبو النجیب الطاهر.............................................. 243 - 246

الشاعر................................................................. 343

الشریف الرضی................................................ 247 - 302

الشاعر................................................................. 248

أساتذته ومشایخه........................................................ 252

تلامذته والرواة عنه..................................................... 254

تألیفه وکتبه............................................................ 256

مؤلّف نهج البلاغة....................................................... 265

شعره وشاعریته......................................................... 276

ألقابه ومناصبه.......................................................... 280

النقابة.................................................................. 282

النقابة العامة............................................................ 284

ولایة المظالم الولایة علی الحج............................................ 285

ولادته ووفاته........................................................... 288

ص: 565

أبو محمد الصوری............................................... 303 - 315

الشاعر................................................................. 307

مهیار الدیلمی.................................................. 317 - 350

مایتبع الشعر............................................................ 319

مایتبع الشعر............................................................ 323

الشاعر................................................................. 324

سیّدنا الشریف المرتضی......................................... 351 - 398

الشاعر................................................................. 354

کلمات الثناء علیه...................................................... 357

مشایخه ومن یروی هو عنه............................................... 361

تلامذة سیّدنا المرتضی................................................... 362

علم الهدی والمعرّی...................................................... 364

علم الهدی وابن المطرّز المرتضی والزعامة.................................. 367

ولادته ووفاته........................................................... 370

نبذة من دیوان المرتضی.................................................. 371

أبو علی البصیر................................................. 399 - 401

الشاعر................................................................. 399

أبو العلاء المعوی................................................ 403 - 405

مایتبع الشعر والشاعر................................................... 404

ص: 566

المؤیّد فی الدین.................................................. 407 - 417

مایتبع الشعر............................................................ 411

الشاعر................................................................. 415

الجبری المصری................................................. 419 - 424

الشاعر................................................................. 424

شعراء الغدیر فی القرن السادس

425 - 561

أبو الحسن الفنجکردی.......................................... 427 - 435

ما یتبع الشعر........................................................... 427

الشاعر................................................................. 428

ابن منیر الطرابلسی............................................. 437 - 452

ما یتبع الشعر........................................................... 439

الشاعر................................................................. 444

القاضی ابن قادوس............................................. 453 - 456

الشاعر................................................................. 453

الملک الصالح................................................... 457 - 495

الشاعر................................................................. 453

ولادته ووفاته مدائحه مراثیه............................................. 469

نماذج من شعر الملک الصالح.............................................. 484

الملک العادل............................................................ 491

ص: 567

بقیة

شعراء الغدیر فی القرن الرابع

11 - 24

أبو الفتح کشاجم.................................................. 12 - 38

الشاعر.................................................................. 14

أدبه وشعره.............................................................. 15

هجاؤه.................................................................. 20

کشاجم والرئاسة......................................................... 21

جکه ودرر کلیه......................................................... 22

رحلة کشاجم............................................................ 25

عقیدته.................................................................. 27

مشایخه وتالیفه........................................................... 33

ولادته ووفاته............................................................ 34

ولده.................................................................... 35

الناشی الصغیر...................................................... 39 - 51

مایتبع الشعر............................................................. 43

الشاعر.................................................................. 44

ولادته ووفاته............................................................ 49

مصادر ترجمة الناشی...................................................... 51

البشنوی الکردی................................................... 53 - 61

الشاعر.................................................................. 54

البشنویّة................................................................. 56

الزوزانیّة البختیّة الهکّاریّة الجلّانیة........................................... 57

الزوادیّة الشوانکاریّة الحمیدیّة الهذبانیّة الحکمیّة.............................. 58

نبذة من شعره............................................................ 59

الصاحب بن عبّاد................................................. 63 - 118

الشاعر.................................................................. 65

وزارته صلاته مادحوه..................................................... 72

شمره فی المذهب.......................................................... 83

الصاحب ومذهبه......................................................... 83

نوادر فیها المکارم....................................................... 101

غرر کلم للصحاب..................................................... 106

وفاته.................................................................. 108

مصادر ترجمة الصاحب.................................................. 117

الجوهری الجرجائی.............................................. 119 - 126

الشاعر................................................................. 120

ابن الحجّاج البغدادی........................................... 127 - 143

الشاعر................................................................. 130

خلفاء عصره وملوکه................................................... 135

ولادته ووفاته........................................................... 140

مصار ترجمة ابن الحجّاج................................................ 143

أبو العبّاس الضیّبی.............................................. 145 - 157

ما یتبع الشعر........................................................... 145

الشاعر................................................................. 146

أبو الرقعمق الأنطاکی........................................... 159 - 166

الشاعر................................................................. 160

أبو العلاء السروی.............................................. 167 - 173

الشاعر................................................................. 167

البیان.................................................................. 172

أبو محمد العونی................................................. 175 - 195

الشاعر................................................................. 180

ابن حمّاد العیدی................................................ 197 - 233

الشاعر................................................................. 211

ولادته ووفاته........................................................... 214

أبو الفرج الرازی............................................... 235 - 238

الشاعر................................................................. 235

جعفر بن حسین................................................. 239 - 240

شعراء الغدیر فی القرن الخامس

241 - 424

أبو النجیب الطاهر.............................................. 243 - 246

الشاعر................................................................. 343

الشریف الرضی................................................ 247 - 302

الشاعر................................................................. 248

أساتذته ومشایخه........................................................ 252

تلامذته والرواة عنه..................................................... 254

تألیفه وکتبه............................................................ 256

مؤلّف نهج البلاغة....................................................... 265

شعره وشاعریته......................................................... 276

ألقابه ومناصبه.......................................................... 280

النقابة.................................................................. 282

النقابة العامة............................................................ 284

ولایة المظالم الولایة علی الحج............................................ 285

ولادته ووفاته........................................................... 288

أبو محمد الصوری............................................... 303 - 315

الشاعر................................................................. 307

مهیار الدیلمی.................................................. 317 - 350

مایتبع الشعر............................................................ 319

مایتبع الشعر............................................................ 323

الشاعر................................................................. 324

سیّدنا الشریف المرتضی......................................... 351 - 398

الشاعر................................................................. 354

کلمات الثناء علیه...................................................... 357

مشایخه ومن یروی هو عنه............................................... 361

تلامذة سیّدنا المرتضی................................................... 362

علم الهدی والمعرّی...................................................... 364

علم الهدی وابن المطرّز المرتضی والزعامة.................................. 367

ولادته ووفاته........................................................... 370

نبذة من دیوان المرتضی.................................................. 371

أبو علی البصیر................................................. 399 - 401

الشاعر................................................................. 399

أبو العلاء المعوی................................................ 403 - 405

مایتبع الشعر والشاعر................................................... 404

المؤیّد فی الدین.................................................. 407 - 417

مایتبع الشعر............................................................ 411

الشاعر................................................................. 415

الجبری المصری................................................. 419 - 424

الشاعر................................................................. 424

شعراء الغدیر فی القرن السادس

425 - 561

أبو الحسن الفنجکردی.......................................... 427 - 435

ما یتبع الشعر........................................................... 427

الشاعر................................................................. 428

ابن منیر الطرابلسی............................................. 437 - 452

ما یتبع الشعر........................................................... 439

الشاعر................................................................. 444

القاضی ابن قادوس............................................. 453 - 456

الشاعر................................................................. 453

الملک الصالح................................................... 457 - 495

الشاعر................................................................. 453

ولادته ووفاته مدائحه مراثیه............................................. 469

نماذج من شعر الملک الصالح.............................................. 484

الملک العادل............................................................ 491

ابن العودی النیلی.............................................. 497 - 510

الشاعر................................................................. 505

القاضی الجلیس................................................. 511 - 521

الشاعر................................................................. 514

ابن مکّی النیلی................................................. 523 - 529

الشاعر................................................................. 523

الخطیب الخوارزمی.............................................. 531 - 545

الشاعر................................................................. 532

مشایخه فی الأخذ والروایة................................................ 533

تلامذته والرواة عنه..................................................... 536

تألیفه.................................................................. 538

شعره وخطبه ولادته ووفاته.............................................. 544

الفقیه عمارة.................................................... 547 - 561

الشاعر................................................................. 548

ص: 568

المجلد 5

اشارة

سرشناسه:امینی، عبدالحسین، 1281 - 1349.

عنوان و نام پدیدآور:الغدیر فی الکتاب و السنه و الادب: کتاب دینی ،علمی، فنی،.../ عبدالحسین احمد الامینی النجفی؛ تحقیق مرکز الغدیر للدراسات الاسلامیه.

مشخصات نشر:قم: مرکز الغدیر للدراسات الاسلامیه، 1416ق.-= 1995م.-= 1374-

وضعیت فهرست نویسی:برونسپاری

یادداشت:عربی.

یادداشت:ج.2 (چاپ اول: 1375).

یادداشت:ج. 3، 6 و 8 (چاپ اول: 1416ق. = 1376).

یادداشت:ج. 13 (چاپ اول: 1422ق. = 2002م. = 1380).

یادداشت:کتابنامه.

موضوع:علی بن ابی طالب (ع)، امام اول، 23 قبل از هجرت - 40ق -- اثبات خلافت

موضوع:غدیر خم

شناسه افزوده:موسسه دایرةالمعارف فقه اسلامی بر مذهب اهل بیت (ع). مرکز الغدیر للدراسات الاسلامیه

رده بندی کنگره:BP223/54/الف8غ4 1374

رده بندی دیویی:297/452

شماره کتابشناسی ملی:م 75-8389

ص: 1

اشارة

ص: 2

الغدیر فی الکتاب و السنه و الادب

عبدالحسین احمد الامینی النجفی

تحقیق مرکز الغدیر للدراسات الاسلامیه

ص: 3

ص: 4

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 5

ص: 6

**بقیّة شعراء الغدیر فی القرن السادس**

ص: 7

ص: 8

بسم الله الرحمن الرحیم

أحمدک اللهمَّ یا من تجلّیت للقلوب بالعظمة ، واحتجبت عن الأبصار بالعزَّة ، واقتدرت علی الأشیاء بالقدرة ، فلا الأبصار تثبت لرؤیتک ولا الأوهام تبلغ کنه عظمتک ، ولا العقول تدرک غایة قدرتک.

حمداً لک یا سبحان علی ما مننت به علینا من النعم الجسیمة وأسبغتها ، وتفضّلت بالآلاء الجمَّة ، وألحمت ما أسدیت ، وأجبت ما سُئلت ، وهی کما تقول :

(وَآتاکُمْ مِنْ کُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لا تُحْصُوها) (1).

حمداً لک یا متعال علی ما طهّرتنا به من دنس الکفر ودرن الشرک ، وأوضحت به لنا سُبُل الهدایة ، ومناسک الوصول إلیک ، من بعث أفضل رسلک وأعظم سفرائک وخاتم أنبیائک صلی الله علیه وآله وسلم بکتابک العزیز (لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَی الْمُؤْمِنِینَ إِذْ بَعَثَ فِیهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ یَتْلُوا عَلَیْهِمْ آیاتِهِ وَیُزَکِّیهِمْ وَیُعَلِّمُهُمُ الْکِتابَ وَالْحِکْمَةَ وَإِنْ کانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِی ضَلالٍ مُبِینٍ) (2).

حمداً لک یا ذا الجلال علی ما أتممت به نعمک ، وأکملت به دین نبیِّک من ولایة أمیر المؤمنین أخی رسولک ، وأبی ذریّته ، وسیِّد عترته ، وخلیفته من بعده ، وأنزلت 4.

ص: 9


1- إبراهیم : 34.
2- آل عمران : 164.

فیها القرآن وقلت : (الْیَوْمَ أَکْمَلْتُ لَکُمْ دِینَکُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَیْکُمْ نِعْمَتِی وَرَضِیتُ لَکُمُ الْإِسْلامَ دِیناً) (1).

حمداً لک یا عزیز علی ما وفّقتنا له من اتِّباع نبیِّک المصطفی صلی الله علیه وآله وسلم وخلیفتیه فی أُمّته : کتابک الکریم ، وعترته أهل بیته الذین فرضت علینا طاعتهم ، وأمرتنا بمودّتهم وجعلتها أجر الرسالة الخاتمة وسمّیتها بالحسنة ، وقلت : (وَمَنْ یَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِیها حُسْناً إِنَّ اللهَ غَفُورٌ شَکُورٌ) (2).

(رَبِّ أَوْزِعْنِی أَنْ أَشْکُرَ نِعْمَتَکَ الَّتِی أَنْعَمْتَ عَلَیَّ وَعَلی والِدَیَ)

(وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَصْلِحْ لِی فِی ذُرِّیَّتِی إِنِّی تُبْتُ إِلَیْکَ وَإِنِّی مِنَ الْمُسْلِمِینَ) (3)

الأمینی 5.

ص: 10


1- المائدة : 3.
2- الشوری : 23.
3- الأحقاف : 15.

بقیّة شعراء الغدیر فی القرن السادس

اشارة

1 - السیّد محمد الأقساسی

2 - قطب الدین الراوندی

3 - سبط ابن التعاویذی

ص: 11

ص: 12

53 - السیّد محمد الأقساسی

المتوفّی (حدود 575)

وحقِّ علیٍّ خیرِ من وطئ

الثری وأفخر مَن بعد النبیِّ قد افتخر

خلیفتُه حقّا ووارثُ علمِهِ

به شرُفت عدنانُ وافتخرتْ مضرْ

ومن قام فی یومِ الغدیرِ بعضدِهِ

نبیُّ الهدی حقّا فسائلْ به عمرْ

ومن کسّرَ الأصنامَ لم یخشَ عارَها

وقد طال ما صلّی لها عصبةٌ أُخرْ

وصهرُ رسولِ اللهِ فی ابنتِه التی

علی فضلِها قد أنزلَ الآی والسورْ

ألیَّة عبدٍ حقَّ من لا یری له

سوی حبِّهِ یومَ القیامةِ مدَّخرْ

لأحزننی یومَ الوداعِ وسرّنی

قدومُک بالجلّی من الأمنِ والظفرْ

عارض الشاعر بهذه الأبیات بیتین لبعض العامّة وهما :

وحقِّ أبی بکر الذی هو خیرُ مَن

علی الأرضِ بعد المصطفی سیّدِ البشرْ

لقد أحدث التودیعُ عند وداعِنا

لواعجُه بین الجوانحِ تستعرْ (1)

الشاعر

محمد بن علیّ بن فخر الدین أبی الحسین (2) حمزة بن کمال الشرف أبی الحسن ن.

ص: 13


1- الطلیعة فی شعراء الشیعة : ج 2 مخطوط. (المؤلف)
2- فی کامل ابن الأثیر : 6 / 13 حوادث سنة 415 ه ، والبدایة والنهایة : 12 / 23 حوادث سنة 415 ه ، والنجوم الزاهرة : 4 / 261 : أبو الحسن.

محمد بن أبی القاسم الحسن الأدیب ابن أبی جعفر محمد بن علیّ الزاهد ابن محمد الأصغر الأقساسی ابن یحیی بن الحسین ذی العبرة ابن زید الشهید ابن الإمام علیِّ بن الحسین علیهما السلام.

آل الأقساسی :

من أرفع البیوت العلویّة ، لها أغصانٌ باسقة موصولة بالدوح النبویِّ الیانع ، بزغت بهم العراق عصوراً متطاولة ، وإن کان منبعث غرسهم الزاکی الکوفة ، من قریة کبیرة أو کورة یقال لها : أقساس مالک (1) ، وهم بین عالمٍ مُتبحِّر ، ومُحدِّث ثقة ، ولغویٍّ متضلّع ، وشاعر مُتأنِّق ، وأمیر ظافر ، ونقیب فاضل. أوّل من عرف بهذه النسبة السیّد محمد الأصغر ابن یحیی ، وأولاده تتشعّب عدّة شعب منهم :

بنو جوذاب : وهم أولاد علیّ بن محمد الأصغر.

وبنو الموضح : أولاد أحمد بن محمد الأصغر.

وبنو قرّة العین : أولاد أحمد بن علیّ الزاهد ابن محمد الأصغر.

وبنو صعوة : أولاد أحمد بن محمد بن علیّ الزاهد ابن محمد الأصغر.

ومن بنی صعوة طاهر بن أحمد ، ذکره السمعانی فی الأنساب (2) فقال : طاهر بن أحمد بن محمد بن علیّ الأقساسی کان یُلقَّب بصعوة ، وکان دیِّناً ثقةً یروی عن أبی علیّ الحسن بن محمد بن سلیمان العربی العدوی ، عن حراش ، عن أنس بن مالک.

والأقساسیّون هم سلسلة المترجم ، جدّه الأعلی أبو القاسم الحسن الأقساسی 0.

ص: 14


1- معجم البلدان : 1 / 312 [1 / 236] منسوبة إلی مالک بن عبد هند بن نُجَم - بضمّ الأوّل وفتح الثانی - ابن منعة بن برجان ... إلی آخر النسب ، والقس : تتبّع الشیء وطلبه ، وجمعه : أقساس ، فیجوز أن یکون مالک تطلّب هذا الموضع وتتبّع عمارته ، فسمّی بذلک. (المؤلف)
2- الأنساب : 1 / 200.

المعروف بالأدیب ابن أبی جعفر محمد ، ترجمه ابن عساکر فی تاریخ الشام (1) (4 / 247) ، فقال : إنَّه قدم دمشق ، وکان أدیباً شاعراً ، دخل دمشق فی المحرّم سنة (347) ونزل فی الحرمین ، وکان شیخاً مهیباً نبیلاً حسن الوجه والشیبة ، بصیراً بالشعر واللغة ، یقول الشعر ، من أجود آل أبی طالب حظّا ، وأحسنهم خلقاً ، وکان یُعرَف بالأقساسی نسبة إلی موضع نحو الکوفة.

وقال ابن الفوطی - کما فی المحکی عن مجمع آدابه - : سافر الکثیر ، وکان قد تأدّب ، وکتب ملیحاً ، وله جماعةٌ من الأصحاب ، قرأت بخطّه إلی ابن نباتة السعدی :

إنَّ العراقَ ولا أغشّکَ ثُلّةٌ

قد نامَ راعیها فأینَ الذیبُ

بنیانُها نهبُ الخرابِ وأهلُها

سوطُ العذابِ علیهمُ مصبوبُ

ملکوا وَسامهمُ الدنیّةَ معشرٌ

لا العقلُ راضَهمُ ولا التهذیبُ

کلُّ الفضائلِ عندهمْ مهجورةٌ

والحرُّ فیهم کالسماحِ غریبُ

وکمال الدین - الشرف - أبو الحسن (2) محمد بن أبی القاسم الحسن المذکور ، ولاّه الشریف علم الهدی - المترجم فی شعراء القرن الخامس - نقابة الکوفة وإمارة الحاجّ ، فحجَّ بالناس مراراً ، وتوفّی سنة (415) کما فی کتب التاریخ (3) ، ورثاه الشریف المرتضی بقوله (4) : ف)

ص: 15


1- تاریخ مدینة دمشق : 13 / 382 رقم 1449.
2- کنّاه العلم الحجّة السیّد ابن طاووس - فی کتاب الیقین - [ص 153 باب 155] ، بأبی یعلی. (المؤلف)
3- منتظم ابن الجوزی : 8 / 19 [15 / 168 رقم 3132] ، کامل ابن الأثیر : 9 / 127 [6 / 13 حوادث سنة 415 ه] ، تاریخ ابن کثیر : 12 / 18 [12 / 23 حوادث سنة 415 ه] مجالس المؤمنین : ص 211 [1 / 506]. (المؤلف)
4- توجد القصیدة فی دیوان الشریف المرتضی المخطوط [وفی المطبوع : 2 / 147] ، وذکر منها أبیاتاً ابن الجوزی فی المنتظم : 8 / 20 [15 / 168 رقم 3132]. (المؤلف)

عرفتُ ویا لیتنی ما عرفتُ

فمرُّ الحیاةِ لمن قد عرفْ

فها أنا ذا طولَ هذا الزمانِ

بین الجوی تارةً والأسفْ

فمن راحلٍ لا إیابٌ له

وماضٍ ولیس له من خلَفْ

فلا الدهرُ یُمتعنی بالمقیمِ

ولا هو یُرجِعُ لی من سلفْ

أرونیَ إن کنتمُ تقدرون

من لیسَ یکرعُ کأسَ التلفْ

ومن لیس رهناً لداعی الحِمامِ

إذا ما دعا باسمه أو هتفْ

وما الدهر إلاّ الغَرورُ الخدوعُ

فما ذا الغرامُ به والکَلَفْ

وما هو إلاّ کلمحِ البُروقِ

وإلاّ هبوبُ خریفٍ عصفْ

ولم أرَ یوماً وإن ساءنی

کیومِ حمامِ کمالِ الشرفْ

کأنِّیَ بعدَ فراقٍ له

وقطعٍ لأسبابِ تلک الألفْ

أخو سَفَرٍ شاسعٍ ما لهُ

من الزادِ إلاّ بقایا لَطَفْ (1)

وعوّضنی بالرقادِ السهادَ

وأبدلنی بالضیاءِ السدفْ

فراقٌ وما بعده ملتقیً

وصدٌّ ولیس له منعطفْ

وعاتبت فیک صروفَ الزمانِ

ومن عاتب الدهرَ لم ینتصفْ

وقد خطف الموتُ کلَّ الرجالِ

ومثلک من بیننا ما خطفْ

وما کنتَ إلاّ أبیَّ الجَنانِ

علی الضیمِ محتمیاً بالأَنَفْ

خلیّا من العارِ صِفْرَ الإزارِ

مدی الدهرِ من دنسٍ أو نَطَفْ

وأذری الدموعَ ویا قلّما

یرُدُّ الفوائتَ دمعٌ ذَرَفْ

ومن أین ترنو إلیک العیونُ

وأنت ببَوْغائها فی سجفْ

فَبِنْ ما مُلِلْتَ وکم بائنٍ

مضی موسعاً من قلیً أو شَنَفْ (2)

وسُقِّی ضریحک بین القبورِ

من البرِّ ماشئته واللُّطفْض.

ص: 16


1- اللَّطَف : الیسیر من الطعام.
2- الشنَف : البغض.

ولا زال من جانبیهِ النسیمُ

یعاودُهُ والریاضُ الأُنُفْ

وصیّرک اللهُ من قاطنی ال

جنانِ وسکّانِ تلک الغُرَفْ

تجاورُ آباءَکَ الطاهرینَ

ویتّبعُ السالفینَ الخلَفْ

قال ابن الأثیر فی الکامل (1) (9 / 121) : حجَّ بالناس أبو الحسن الأقساسی سنة (412) فلمّا بلغوا فَیْد (2) حصرهم العرب ، فبذل لهم الناصحی (3) - أبو محمد قاضی القضاة - خمسة آلاف دینار فلم یقنعوا ، وصمّموا العزم علی أخذ الحاجّ ، وکان مقدّمهم رجلاً یُقال له حمار بن عُدی - بضمّ العین - من بنی نبهان ، فرکب فرسه وعلیه درعه وسلاحه وجال جولة یُرهب بها ، وکان من سمرقند شابُّ یوصف بجودة الرمی ، فرماه بسهم فقتله وتفرّق أصحابه وسلم الحاجّ ، فحجّوا وعادوا سالمین.

وقال (4) فی (ص 127) : فی هذه السنة - یعنی (415) - عاد الحجّاج من مکّة إلی العراق علی الشام لصعوبة الطریق المعتاد ، وکانوا لمّا وصلوا إلی مکّة بذل لهم الظاهر العلوی - صاحب مصر - أموالاً جلیلة ، وخِلَعاً نفیسةً ، وتکلّف شیئاً کثیراً وأعطی لکلّ رجل فی الصحبة جملةً من المال لیظهر لأهل خراسان ذلک ، وکان علی تسییر الحاجّ الشریف أبو الحسن الأقساسی ، وعلی حجّاج خراسان حسنک - نائب یمین الدولة ابن سبکتکین - ، فعظم ما جری علی الخلیفة القادر بالله ، وعبر حسنک دجلة وسار إلی خراسان ، وتهدّد القادر بالله ابن الأقساسی فمرض ومات ، ورثاه المرتضی وغیره. 3.

ص: 17


1- الکامل فی التاریخ : 5 / 655.
2- فَیْد : بُلَیْدة فی نصف طریق مکة من الکوفة. معجم البلدان : 4 / 282.
3- من بیوتات نیسابور العلمیة ، تنتمی إلی ناصح بن طلحة بن جعفر بن یحیی ، ذکر السمعانی جمعاً من رجالها فی الأنساب ، فی حرف النون [5 / 445]. (المؤلف)
4- الکامل فی التاریخ : 6 / 13.

لکمال الشرف شرح قصیدة السلامی (1) التی أوّلها :

سلامٌ علی زمزم والصفا

ینقل عنه سیّدنا الحجّة السیّد ابن طاووس فی کتاب الیقین ، فی الباب الخامس والخمسین بعد المائة ، والباب الذی بعده (2).

وقال ابن الجوزی فی المنتظم (3) (8 / 19) : ولأبی الحسن الأقساسی شعر ملیح ، ومنه قوله فی غلام اسمه بدر :

یا بدرُ وجهُکَ بدرُ

وغَنْجُ عینیکَ سحرُ

وماءُ خدَّیک وردٌ

وماءُ ثغرِکَ خمرُ

أُمِرتُ عنک بصبرٍ

ولیس لی عنک صبرُ

تأمرنی بالتسلّی

ما لی من الشوقِ أمرُ

وجدُّ المترجَم ، فخر الدین أبو الحسین حمزة بن کمال الشرف محمد ، ذکره النسّابة العمری فی المجدی (4) وقال : هو نقیب الکوفة ، کان صدیقی ، ذا فضلٍ وحلمٍ ، ورئاسةٍ ومواساة.

ولفخر الدین هذا أخٌ یُسمّی أبا محمد یحیی ، ذکره السمعانی فی الأنساب (5) ، 0.

ص: 18


1- محمد بن عبد الله المخزومی من أولاد الولید بن المغیرة ، کان من مقدّمی شعراء العراق ولد (336) وتوفّی (393) ، ترجمه الثعالبی [فی یتیمة الدهر : 2 / 466] ، وابن الجوزی فی المنتظم [15 / 41 رقم 2986] ، وابن خلّکان فی تاریخه [4 / 403 رقم 665]. (المؤلف)
2- الیقین : ص 153 - 155 باب 155 و 156.
3- المنتظم : 15 / 168 رقم 3132.
4- المجدی فی أنساب الطالبیّین : ص 180.
5- الأنساب : 1 / 200.

وقال : کان ثقةً نبیلاً ، سمع أبا عبد الله محمد بن عبد الله القاضی الجعفری ، روی لنا عنه أبو القاسم إسماعیل بن أحمد السمرقندی (1) ، وأبو الفضل محمد بن عمر الأرموی (2) ببغداد ، وأبو البرکات عمر بن إبراهیم الحسنی (3) بالکوفة ولادته فی شوّال سنة خمس وتسعین وثلاثمائة ، وتوفّی سنة نیّف وسبعین وأربعمائة. وذکره الحموی فی معجم. وکانت البلدان (1 / 312). (4)

وأمّا شاعرنا - المعنیّ بالترجمة - فذکره ابن الأثیر فی کامله (5) (11 / 174) وقال : وفیها - یعنی سنة 575 - توفّی محمد بن علیّ بن حمزة الأقساسی نقیب العلویّین بالکوفة ، وکان ینشد کثیراً :

رُبّ قومٍ فی خلائقهمْ

غررٌ قد صُیِّروا غُررا

ستَرَ المالُ القبیحَ لهم

ستری إن زال ما سترا

وله أخوه علم الدین أبو محمد الحسن النقیب الطاهر بن علیّ بن حمزة ، وُلِدَ فی الکوفة ونشأ بها توفّی (593) ، ذکره ابن کثیر فی البدایة والنهایة (6) (13 / 16) فقال : کان شاعراً مطبقاً ، امتدح الخلفاء والوزراء ، وهو من بیت مشهور بالأدب والرئاسة والمروءة ، قدم بغداد فامتدح المقتفی والمستنجد وابنه المستضیء وابنه الناصر ، فولاّه .

ص: 19


1- کان مکثراً من الحدیث ، عالی الروایة ، ولد بدمشق (454) وتوفّی (536). (المؤلف)
2- الأرموی : من أهل أُرمیة ، إحدی بلاد آذربایجان ، سکن بغداد وتخرّج علیه کثیر من أعلامها ، ولد (457) وتوفّی (547) [معجم البلدان : 1 / 159]. (المؤلف)
3- مفتی الکوفة کان مشارکاً فی العلوم ، ولد سنة (442) وتوفّی (539) وصلّی علیه ثلاثون ألفاً ، حسینیّ النسب من ذرّیة زید الشهید. (المؤلف)
4- معجم البلدان : 1 / 236 ،
5- الکامل فی التاریخ : 7 / 281 حوادث سنة 575 ه.
6- البدایة والنهایة : 13 / 20 حوادث سنة 593 ه.

الناصر النقابة ، وکان شیخاً مهیباً جاوز الثمانین ، وقد أورد له ابن الساعی قصائد کثیرة منها :

اصبر علی کیدِ الزما

نِ فما یدومُ علی طریقه

سبق القضاءُ فکنْ به

راضٍ ولا تطلبْ حقیقه

کم قد تغلّبَ مرّةً

وأراک من سعةٍ وضیقه

ما زالَ فی أولادِهِ

یجری علی هذی الطریقه

وترجمه سیّدنا القاضی المرعشی فی مجالس المؤمنین (1) (ص 211) ، وقال المیرزا فی ریاض العلماء (2) : کان من أجلّة السادات والشرفاء والعلماء والأدباء والشعراء بالکوفة ، یروی عنه الشیخ علیّ بن علیّ بن نما ، وهو من مشایخ أصحابنا.

ولعلم الدین مقرّظاً کتاب الإفصاح عن شرح معانی الصحاح (3) ، کما فی تجارب السلف لابن سنجر (ص 310) قوله :

ملکٌ ملکُهُ الفصاحةُ حتی

ما لَهُ فی اقتنائِها من مُلاحی

وأبانَ البیانَ حتی لقد

أخرسَ بالنطقِ کلَّ ذی إفصاحِ

وجلا کلَّ غامضٍ من معانٍ

حملتْها لنا متونُ الصحاحِ

فی کتابٍ وحقُّه ما رعاهُ

قبلَهُ ذو هدیً ولا إصلاحِ

وخلف علم الدین ولده قطب الدین أبا عبد الله الحسین نقیب نقباء العلویّین فی بغداد ، وکان عالماً شاعراً مطّلعاً علی السِّیر والتواریخ ، قُلِّد النقابة بعد عزل قوام الدینف)

ص: 20


1- مجالس المؤمنین : 1 / 507.
2- ریاض العلماء : 1 / 247.
3- تألیف عون الدین یحیی بن هبیرة المتوفّی (555) ، وهو یشتمل علی تسعة عشر کتاباً ، راجع تاریخ ابن خلّکان : 2 / 394 [6 / 233 رقم 807]. (المؤلف)

أبی علیّ الحسن بن معد - المتوفّی (636) - عن النقابة سنة (624).

وفی الحوادث الجامعة (1) (ص 220) : توفّی فیها - یعنی سنة (645) - النقیب قطب الدین أبو عبد الله الحسین بن الحسن بن علیّ المعروف بابن الأقساسی العلوی ببغداد ، وکان أدیباً فاضلاً یقول شعراً جیّداً ، بدرت منه کلمة فی أیّام الخلیفة الناصر علی وجه التصحیف ، وهی (أردنا خلیفة جدیداً) فبلغت الناصر ، فقال : لا یکفی حلقة لکن حلقتین ، وأمر بتقییده وحمله إلی الکوفة ، فحُملَ وسُجنَ فیها ، فلم یزل محبوساً إلی أن استخلف الظاهر سنة (623) فأمر بإطلاقه ، فلمّا استخلف المستنصر بالله (624) رفق علیه فقرّبه وأدناه ، ورتّبه نقیباً وجعله من ندمائه ، وکان ظریفاً خلیعاً طیّب الفکاهة حاضر الجواب.

وصل الملک الناصر ناصر الدین داود بن عیسی فی المحرّم سنة (633) إلی بغداد واجتاز بالحلّة السیفیّة وبها الأمیر شرف الدین علیّ ، ثمّ توجّه منها إلی بغداد ، فخرج إلی لقائه النقیب الطاهر قطب الدین أبو عبد الله الحسین ابن الأقساسی ، وفی سلخ ربیع الأوّل من السنة المذکورة وصل الأمیر رکن الدین إسماعیل - صاحب الموصل - إلی بغداد ، وخرج إلی لقائه النقیب الحسین ابن الأقساسی وخادمان من خدم الخلیفة.

قصد الخلیفة المستنصر بالله سنة (634) مشهد الإمام موسی بن جعفر علیهما السلام فی ثالث رجب ، فلمّا عاد أبرز ثلاثة آلاف دینار إلی أبی عبد الله الحسین ابن الأقساسی - نقیب الطالبیّین - وأمره أن یفرِّقها علی العلویّین المقیمین فی مشهد أمیر المؤمنین علیّ ابن أبی طالب والحسین وموسی بن جعفر علیهم السلام (2).

حضر فی سنة (637) (3) الأمیر سلیمان بن نظام الملک - متولّی المدرسة ف)

ص: 21


1- الحوادث الجامعة : ص 110 حوادث سنة 645 ه.
2- الحوادث الجامعة : ص 77 - 79 ملخصاً [ص 52 حوادث سنة 634 ه]. (المؤلف)
3- الحوادث الجامعة : ص 95 [ص 65 حوادث سنة 637 ه]. (المؤلف)

النظامیّة - مجلس أبی الفرج عبد الرحمن ابن الجوزی بباب بدر ، فتاب وتواجد وخرق ثیابه وکشف رأسه ، وقام وأشهد الواعظ والجماعة علی أنَّه قد أعتق جمیع ما یملکه من رقیق ، ووقف أملاکه ، وخرج [من] ما یملکه ، فکتب إلیه النقیب الطاهر أبو عبد الله الحسین ابن الأقساسی أبیاتاً طویلة ، یقول فیها (1) :

یا ابن نظام الملک یا خیر من

تاب ومن لاقی به الزهدُ

یا ابن وزیر الدولتین الذی

یروحُ للمجدِ کما یغدو

یا ابن الذی أنشأ من مالِهِ

مدرسةً طالعها سعدُ

قد سرّنی زهدک عن کلّ ما

یرغب فیه الحرُّ والعبدُ

بان لک الحقُّ وأبصرتَ ما

أعینُنا عن مثلِهِ رُمدُ

وقلت للدنیا إلیکِ ارجعی

ما عن نزوعی عنک لی بُدُّ

ما لذَّ لی بعدک حتی استوی

فی فیَّ منکِ الصابُ والشهدُ

شیمتُکِ الغدر کما شیمتی

حسنُ الوفاءِ المحضِ والودُّ

إلی أن قال :

لا یقصدُ الناسُ إلی دورِهمْ

لکن إلی منزلِکَ القصدُ

وخدمةُ الناسِ لها حرمةٌ

وکان ما تفعلُه یبدو

والناسُ قد کانوا رقوداً وقد

أیقظتَهمْ فانتبه الضدُّ

وقسّمت فیک ظنونُ الوری

وکلّهم للقولِ یعتدُّ

فبعضهم قال یدوم الفتی

وبعضُهمْ قد قال یرتدُّ

وقد أتی تشرینُ وهو الذی

إلیه عینُ العیش تمتدُّ

ما یسکن البیت وقد جاءه

إلاّ مریضٌ مسَّه الجهدُ

وکلّ ما یفعلُه حیلةٌ

منه ونصبٌ ما له حدُّف)

ص: 22


1- الحوادث الجامعة : ص 124 [ص 66 حوادث سنة 637 ه]. (المؤلف)

فقلت لا والله ما رأیُه

هذا ولا فیکم له ندُّ

وإنَّما هذا سلیمانُ قد

صفا له فی زهدِهِ الوردُ

مثلَ سلیمانَ الذی أُعرضت

یوماً علیه الضُّمَّرُ الجُردُ

فعاف أن یُدخِلَها قلبَهُ

والهزلُ لا یشبهُه الجدُّ

ویقول فیها :

لیهنکَ الرشدُ إلی کلّ ما

یضلُّ عنه الجاهلُ الوغدُ

أُسقِطتَ من جیشِ أبی مِرّةٍ (1)

وأکثرُ الناسِ له جُندُ

وقمتَ للهِ بما یرتجی

بمثلِهِ الجنّةُ والخُلدُ

فاصبر فما یدرکُ غایاتِ ما

یطلبُ إلاّ الحازمُ الجَلْدُ

وفی سنة (643) (2) تقدّم الخلیفة - المستعصم أبو أحمد عبد الله - بإرسال طیور من الحمام إلی أربع جهات لتصنّف أربعة أصناف ؛ منها : مشهد حذیفة بن الیمان بالمدائن ، ومشهد العسکری بسُرَّمن رأی ، ومشهد غنی بالکوفة ، والقادسیّة ، وأنفذ مع کلّ عدّة من الطیور عدلین ووکیلاً. وکُتب بذلک سجلٌّ شهد فیه العدول علی القاضی بثبوته عنده ، وسمّیت هذه الأصناف بالیمانیّات ، والعسکریّات ، والغنویّات ، والقادسیّات ، ونظم النقیب الطاهر قطب الدین الحسین ابن الأقساسی فی ذلک أبیاتاً وعرضها علی الخلیفة ، أوّلها

خلیفةَ الله یا من سیفُ عزمتِهِ

موکّلٌ بصروفِ الدهرِ یصرفُها

ویقول فیها :

إنَّ الحمامَ التی صنّفتَها شَرُفتْ

علی الحمامِ التی من قبلُ نعرفُهاف)

ص: 23


1- أبو مرّة : کنیة لإبلیس. (المؤلف)
2- الحوادث الجامعة : ص 202 [ص 101 حوادث سنة 643 ه]. (المؤلف)

والقادسیّاتُ أطیارٌ مقدَّسةٌ

إذ أنت یا مالکَ الدنیا مصنِّفُها

وبعدها غنویّاتٌ تنال بها

غنی الحیاة وما یهوی مؤلِّفُها

والعسکریّاتُ أطیارٌ مشرّفةٌ

ولیس غیرُکَ فی الدنیا یشرّفُها

ثمّ الحَمامُ الیمانیّاتُ ما جُعِلَتْ

إلاّ سیوفاً علی الأعداءِ تُرهِفُها

لا زلت مستعصماً باللهِ فی نِعَمٍ

یُهدی لمجدک أسناها وألطفُها

ثمّ سأل أن یقبض منها من ید الخلیفة ، فأجاب سؤاله وأحضره بین یدیه وقبّضه ، فلمّا عاد إلی داره نظم أبیاتاً أوّلها :

إمامَ الهدی أولیتَنی منک أنعُماً

رددنَ علیَّ العیشَ فینانَ أخضرا

وأحضرتنی فی حضرة القدسِ ناظراً

إلی خیر خلقِ اللهِ نفساً وعنصرا

وعلّیتَ قدری بالحمامِ وقبضِها

مناولةً من کفِّ أبلجَ أزهرا

رفعت بها ذکری وأعلیتَ منصبی

فحُزتُ بها عزّا ومجداً علی الوری

حمامٌ إذا خفتُ الحمامَ ذکرتُها

فصرتُ بذاک الذکرِ منها معمّرا

ویقول فی آخرها :

قضی اللهُ أن یبقی إماماً معظَّماً

مدی الدهر ما لاح الصباحُ وأسفرا

[فدُمْ یا أمیرَ المؤمنینَ مخلّداً

علی الملکِ منصورَ الجیوشِ مظفّراً

فی المحرّم من سنة (630) (1) قُلِّد العدل مجد الدین أبو القاسم هبة الدین بن المنصوری الخطیب نقابة نقباء العبّاسیّین والصلاة والخطابة ، وخلع علیه قمیص أطلس بطراز مذهَّباً ودرّاعة خاراً أسود ، وعمامة ثوب خاراً أسود مُذهَّب بغیر ذؤابة ، وطیلسان قصب کحلی ، وسیف محلّی بالذهب ، وامتطی فرساً بمرکب ذهباً ، وقرئ بعض عهده فی دار الوزارة وسلّم إلیه ، ورکب فی جماعة إلی دار أنعم علیه بسکناها ف)

ص: 24


1- الحوادث الجامعة : ص 38 [ص 25 - 27 حوادث سنة 630 ه]. (المؤلف)

فی المطبق من دار الخلافة ، وأنعم علیه بخمسمائة دینار ، وهو من أعیان عدول مدینة السلام ، وأفاضل أرباب الطریقة المتکلّمین بلسان أهل الحقیقة ، کان یصحب الفقراء دائماً ویأخذ نفسه بالریاضة والسیاحة والصوم الدائم والتخشّن والتباعد من العالم ، وکان الموفّق عبد الغافر ابن الفوطی من جملة تلامذته ، فعمل فیه أبیاتاً طویلة ، ولمّا انتهی حالها إلی الدیوان أنکر ذلک علیه ، ووکّل به أیّاماً ولم یخرج إلاّ بشفاعته ، وأوّل الأبیات :

نادیتُ شیخی من شدّة الحربِ

وشیخنا فی الحریر والذهبِ

فی دستِه جالساً ببسملةٍ

بین یدیه من قام فی أدبِ

ورکبة منه کنت أعهده

یذمُّ أربابَها علی الرتبِ

وکان أبناؤها لدیه علی

سخطٍ من الله شامل الغضبِ

أصابَ فی الرأیِ من دعاک لها

وأنت لمّا أجبت لم تُصِبِ

أوّلُ صوتٍ دعاک عن عرضٍ

لبّیتَهُ مقبلاً علی السببِ

ویقول فیها :

قد کنتَ ذاک الذی تُظَنُّ به

لو لم تکن مسرعاً إلی الرتبِ

شیخی أین الذی یعلّمنا الزه

د ویعتدُّه من القربِ

أین الذی لم یزلْ یُسلِّکنا

إلی خروج عن کلّ مکتسبِ

أین الذی لم یزلْ یعرِّفنا

فضلَ التمرّی بالجوعِ والتعبِ

ومنها :

أین الذی لم یزلْ یُرغِّبنا

فی الصوفِ لبساً له وفی الجشِبِ

وأین من غرَّنا بزخرفةٍ

متی اعتقدناه زاهدَ العربِ

وأین ذاک التجرید یشعرنا

أنَّ سواه فی السعی لم یخبِ

ص: 25

وأین من لم یزل یذمُّ لنا

الدنیا وقول المحال والکذبِ

وأین من لم یزل بأَدمعِهِ

یخدعنا باکیاً علی الخشبِ

وأین من کان فی مواعظِهِ

یصولُ زجراً عن کلّ مجتنبِ

ویقطعُ القول لا یتمّمه

منغلباً بالسماعِ والطربِ

ویقسم الغمر أنّه رجلٌ

لیس له فی الوجودِ من أربِ

لو کانت الأرضُ کلّها ذهباً

أعرضَ عنها إعراضَ مکتئبِ

أسفرَ ذاک الناموسُ مختیلاً

عن راغبٍ فی التراثِ مُستلبِ

وکان ذاک الصراخُ یزعجُنا

شکوی فقیرٍ علی الدنا وصبِ

شیخی بعد الذمِّ الصریحِ لما

أبیته جئته علی طلبِ

نسیتَ ما قلته علی ورعٍ

عنّی لما اکتسبت بالدأبِ

ویلٌ له إن یمتْ بخدمتِهِ

یمتْ کفوراً ولیس بالعجبِ

ما کان مالُ السلطانِ مکتسباً

لمسلم سالمٍ من العطبِ (1)

فکتب النقیب قطب الدین الحسین ابن الأقساسی إلی النقیب مجد الدین المذکور أبیاتاً کالمعتذر عنه والمسلّی له ، یقول فی أوّلها :

إنَّ صحابَ النبیّ کلَّهمُ

غیرَ علیِّ وآلهِ النُّجبِ

مالوا إلی الملکِ بعد زهدهمُ

واضطربوا بعده علی الرتبِ

وکلّهم کان زاهداً ورعاً

مشجِّعاً فی الکلامِ والخطبِ

فأُخذ علیه مآخذ فیما یرجع إلی ذکر الصحابة والتابعین ، وتصدّی له جماعة وعملوا قصائد فی الردّ علیه ، وبالغوا فی التشنیع علیه ، حتی إنَّ قوماً استفتوا علیه الفقهاء ونسبوه إلی أنَّه طعن فی الصحابة والتابعین ونسبهم إلی قلّة الدین ، فأفت اهم الفقهاء بموجب ما صدرت به الفتیا. ف)

ص: 26


1- بعد هذا البیت أربعة عشر بیتاً ضربنا عنها صفحاً. (المؤلف)

وقال ابن أبی الحدید فی شرح نهج البلاغة (1) (2 / 45) : سألت بعض من أثق به من عقلاء شیوخ أهل الکوفة عمّا ذکره الخطیب أبو بکر فی تاریخه (1 / 138) أنَّ قوماً یقولون : إنَّ هذا القبر الذی تزوره الشیعة إلی جانب الغریّ هو قبر المغیرة بن شعبة ، فقال : غلطوا فی ذلک ، قبر المغیرة وقبر زیاد بالثویّة من أرض الکوفة ، ونحن نعرفهما وننقل ذلک عن آبائنا وأجدادنا ، وأنشدنی قول الشاعر یرثی زیاداً ، وقد ذکره أبو تمام فی الحماسة :

صلّی الإلهُ علی قبرٍ وطهّرهُ

عند الثویّةِ یسفی فوقَه المورُ (2)

زفّت إلیه قریش نعشَ سیّدِها

فالحلمُ والجودُ فیه الیوم مقبورُ

أبا المغیرةِ والدنیا مفجِّعةٌ

وإنَّ من غرَّتِ الدنیا لمغرورُ

وسألت قطب الدین نقیب الطالبیّین أبا عبد الله الحسین ابن الأقساسی رضی الله عنه عن ذلک فقال : صدق من أخبرک ، نحن وأهلها کافّة نعرف مقابر ثقیف إلی الثویّة ، وهی إلی الیوم معروفة ، وقبر المغیرة فیها ؛ إلاّ أنَّها لا تُعرف قد ابتلعها السبخ وزبد الأرض وفورانها فطمست واختلط بعضها ببعض ، ثمّ قال : إن شئت أن تتحقّق أنَّ قبر المغیرة فی مقابر ثقیف فانظر إلی کتاب الأغانی لأبی الفرج علیّ بن الحسین (3) ، والمح ما قاله فی ترجمة المغیرة وأنّه مدفون فی مقابر ثقیف ، ویکفیک قول أبی الفرج فإنّه الناقد البصیر والطبیب الخبیر. فتصفّحت ترجمة المغیرة فی الکتاب المذکور فوجدت الأمر کما قاله النقیب.

توجد ترجمة قطب الدین الأقساسی فی تاریخ ابن کثیر (4) (13 / 173) ، قد .

ص: 27


1- شرح نهج البلاغة : 6 / 123 خطبة 69.
2- المور : التراب تثیره الریح. (المؤلف)
3- الأغانی : 16 / 102.
4- البدایة والنهایة : 13 / 202 حوادث سنة 645 ه.

أثنی علیه وقال : أورد له ابن الساعی أشعاراً کثیرة رضی الله عنه.

أفرد العلاّمة سیّدنا المرعشی فی مجالس المؤمنین (1) (ص 212) ترجمة باسم عزِّ الدین ابن الأقساسی وقال : إنَّه من أشراف الکوفة ونقبائها ، کان فاضلاً أدیباً ، له فی قرض الشعر یدٌ غیر قصیرة ، روی أنَّ الخلیفة المستنصر العبّاسی خرج یوماً إلی زیارة قبر سلمان الفارسی - سلام الله علیه - ومعه السیّد المذکور ابن الأقساسی ، فقال له الخلیفة فی الطریق : إنَّ من الأکاذیب ما یرویه غلاة الشیعة من مجیء علیّ بن أبی طالب علیه السلام من المدینة إلی المدائن لمّا توفّی سلمان ، وتغسیله إیّاه ومراجعته فی لیلته إلی المدینة ، فأجابه ابن الأقساسی بالبدیهة بقوله :

أنکرتَ لیلةَ إذ صارَ الوصیُّ إلی

أرضِ المدائن لمّا أن لها طلبا

وغسّل الطهرَ سلماناً وعاد إلی

عراصِ یثربَ والإصباحُ ما وجبا

وقلتَ ذلک من قولِ الغلاةِ وما

ذنبُ الغلاة إذا لم یوردوا کذبا

فآصفُ قبل ردِّ الطرفِ من سباً

بعرشِ بلقیسَ وافی یخرقُ الحجبا

فأنت فی آصفٍ لم تغلُ فیه بلی

فی حیدرٍ أنا غالٍ إنَّ ذا عجبا

إن کان أحمدُ خیرَ المرسلین فذا

خیرُ الوصیّین أو کلُّ الحدیثِ هبا

هذه الأبیات ذکرها العلاّمة السماوی فی الطلیعة ، ونسبها إلی شاعرنا فی الغدیر السیّد محمد الأقساسی ؛ وحسب أنَّه هو صاحب المستنصر ، ذاهلاً عن تاریخی ولادة المستنصر ووفاة السیّد صاحب الغدیریّة ، فإنّ السیّد توفّی کما مرَّ سنة (575) ، والخلیفة المستنصر ولد سنة (589) بعد وفاة السیّد بأربع عشرة سنة ، واستخلف فیه سنة (624).

وجعل العلاّمة السیّد الأمین فی أعیان الشیعة فی الجزء الحادی 7.

ص: 28


1- مجالس المؤمنین : 1 / 507.

والعشرین (1) (ص 233) ترجمة تحت عنوان أبی محمد عزّ الدین الحسن بن حمزة الأقساسی ، وذکر القصّة والأبیات له ولم یعلم هو من أین نقله ، والحسن بن حمزة یکون عمّ شاعرنا فیتقدّم علی المستنصر بأکثر من صاحب الغدیریّة.

وذکر ابن شهرآشوب فی المناقب (2) (1 / 449) هذه الأبیات بتغییر یسیر وزیادة ، ونسبها إلی أبی الفضل التمیمی (3) ، وإلیک لفظها :

سمعت منّی یسیراً من عجائبِهِ

وکلُّ أمرِ علیٍّ لم یزلْ عجبا

أدریت فی لیلة سار الوصیُّ إلی

أرض المدائن لمّا أن لها طلبا

فألحدَ الطهرَ سلماناً وعاد إلی

عراصِ یثربَ والإصباح ما قربا

کآصفٍ قبلَ ردِّ الطرفِ من سباً

بعرشِ بلقیس وافی یخرق الحجبا

فکیف فی آصفَ لم تغلُ أنت بلی

بحیدرٍ أنا غالٍ أوردُ الکذبا

إن کان أحمدُ خیرَ المرسلین فذا

خیرُ الوصیّین أو کلُّ الحدیث هبا

وقلتَ ما قلتُ من قولِ الغلاةِ فما

ذنبُ الغلاة إذا قالوا الذی وجبا

فروایة ابن شهرآشوب هذه الأبیات تثبت عدم کونها من نظم السیّد قطب الدین الأقساسی أیضاً ، إذ ابن شهرآشوب توفّی سنة (588) قبل ولادة المستنصر بسنة ، وقبل وفاة السیّد القطب بسبع وخمسین سنة ، ولعلّها لأبی الفضل التمیمی أو لغیره من أسلاف آل الأقساسی الأوّلین ، وأنشدها قطب الدین للمستنصر.

لفت نظر :

یبلغنی من وراء حجب البغضاء والإحن تکذیب هذه المکرمة الباهرة لمولانا ف)

ص: 29


1- أعیان الشیعة : 5 / 59.
2- مناقب آل أبی طالب : 2 / 338.
3- أحد شعراء أهل البیت. (المؤلف)

أمیر المؤمنین علیه السلام وعزوُها إلی الغلوّ ، مستنداً إلی إحالة طیّ هذه المسافة البعیدة فی هذا الوقت الیسیر ، ولو عقل المسکین أنَّ هاتیک الإحالة علی فرضها عادیّة لا عقلیّة ، وإلاّ لما صحَّ حدیث المعراج - ولم یکن إلاّ جسمانیّا - المتواتر المعدود من ضروریّات الدین ، ولا صحّت قصّة آصف بن برخیا المحکیّة فی القرآن الکریم ، ولما تمکّن عفریتٌ من الجنّ من أن یأتی بعرش بلقیس قبل أن یقوم سلیمان من مقامه ، ولم یردّه سلیمان ولا الذکر الحکیم ، غیر أنَّ سلیمان أراد ذلک بأسرع منه ، وشمول القدرة الإلهیّة علی التسییر الحثیث والبطیء شرع سواء ، کما أنَّها بالنسبة إلی کلیّة الأمور الصعبة والسهلة کذلک ، فقد یکرِّم الله الولیّ المقرَّب بإقداره علی أشیاء لم یقدر علیه من هو دونه ، وقد خلق الله الناس أطواراً ، فتراهم متفاوتین فی القدرة ، فیقوی هذا علی ما لا یقوی علیه ذاک ، ولیس لقدرة الله سبحانه حدّ محدود.

ومن هنا وهناک اختلفت عادیّات الموجودات فی شئونها وأطوارها ، فالمسافة التی یطویها الفارس فی أمد محدود غیر ما یطویه الراجل ، وللسیّارات البخاریّة عدوٌ مُربٍ علی الجمیع ؛ وإنَّک تستصغر ذلک العدو إذا قسته بالطائرات الجویّة لأنَّک تجدها تطوی فی خمس ساعات مثلاً ما تطویه الناس فی خمسة أشهر.

وهذه طیّارة مستکشفة (بریجیه 19) ، تحرّکت من باریس فی صباح (24) أبریل سنة (1924) فوصل فی المساء إلی بخارست بعد أن قطع (1250) میلاً فی (11) ساعة ، وفی الیوم التالی أضاف إلیها (770) میلاً أخری ، ولم تمض علیه خمسة أیّام حتی کان قد وصل إلی الهند ، وقطع مسافة قدرها (3730) میلاً ؛ وقد وصلت سرعة الطیّارات إلی ما فوق (150) میلاً فی الساعة الواحدة ؛ وتحارب البعض منها فی ارتفاع بلغ (22000) قدم (1). ف)

ص: 30


1- بسائط الطیران : ص 82 ، 118. (المؤلف)

ومن الممکن أن یکشف لنا العلم فی مستقبله ما هو أسرع سیراً من هاتیک کلّها (1).

إذن فأیّ وازع من أن یکون من عادیّات الولیّ مهما أراد التمکّن من أمثال هذا السیر؟ وما ذلک علی الله بعزیز ، علی أنّا لا نساوی مولانا أمیر المؤمنین ومن جری مجراه من أئمّة الهدی علیهم السلام بغیرهم من أفراد الرعیّة ، ولا بأحدٍ من أولیاء الله المقرّبین ولا بأحد من حملة العلم والمکتشفین ، فنجوِّز فیهم صدور المعجز متی اقتضته المصلحة ، بل هو من واجب مقامهم.

وإن تعجب فعجبٌ أنَّ فئةً ممّن ران علی قلوبهم ما کانوا یعملون تحاول دحض هذه المکرمة فی مولانا أمیر المؤمنین ، وهم یخضعون لمثلها فی غیره ممّن هو دونه من دون أیّ غمز ونکیر.

1 - روی الحافظ ابن عساکر فی تاریخه (2) (4 / 33) عن السرّی بن یحیی قال : کان حبیب بن محمد العجمی البصری یُری یوم الترویة بالبصرة ویوم عرفة بعرفات.

2 - قال الحافظ ابن کثیر فی تاریخه (3) (13 / 94) : ذکروا أنَّ الشیخ عبد الله الیونینی المتوفّی (617) کان یحجُّ فی بعض السنین فی الهواء ، وقد وقع هذا لطائفة کبیرة من الزهّاد وصالحی العباد ، ولم یبلغنا هذا عن أحد من أکابر العلماء ، وأوّل من یذکر عنه هذا : حبیب العجمی ، وکان من أصحاب الحسن البصری ثمّ من بعده من الصالحین. .

ص: 31


1- وهذا ما حصل بالفعل ، فطائرة الکونکورد لنقل المسافرین التی تم اختراعها مؤخراً تضاهی سرعتها سرعة الصوت. فضلاً عن الطائرات الحربیة التی تبلغ سرعة قسم منها أضعاف سرعة الصوت.
2- تاریخ مدینة دمشق : 12 / 56 رقم 1193 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 6 / 188.
3- البدایة والنهایة : 13 / 110 حوادث سنة 617 ه.

3 - کان أحمد بن محمد أبو بکر الغسّانی الصیداوی : المتوفّی (371) ینام بعد ما صلّی العصر إلی ما قبل صلاة المغرب ، فجاءه رجلٌ ذات یوم یزوره بعد العصر فغفل ، فتحدّث معه وترک عادة النوم ، فلمّا انصرف سأله الخادم عنه فقال : هذا عریف الأبدال یزورنی فی السنة مرّة. قال : فلم أزل أرصده إلی مثل ذلک الوقت حتی جاء الرجل فوقفت حتی فرغ من حدیثه ثمّ سأله الشیخ : أین ترید؟ فقال : أزور أبا محمد الضریر فی مغار ، قال الخادم : فسألته أن یأخذنی معه فقال : باسم الله ، فمضیت معه ، فخرجنا حتی صرنا عند قناطر الماء فأذّن المؤذِّن المغرب ، قال : ثم أخذ بیدی وقال : قل : باسم الله ، قال : فمشینا دون العشر خطیً فإذا نحن عند المغارة - وهی مسیر إلی ما بعد الظهر - قال : فسلّمنا علی الشیخ وصلّینا عنده وتحدّثنا عنده ، فلمّا ذهب ثلث اللیل قال لی : تحبُّ أن تجلس هاهنا أو ترجع إلی بیتک؟ فقلتُ : أرجع. فأخذ بیدی وسمّی بباسم الله ومشینا نحو العشر خطیً ، فإذا نحن علی باب صیدا ، فتکلّم بشیء فانفتح الباب ودخلت ، ثمّ عاد الباب. تاریخ ابن عساکر (1) (1 / 443).

4 - کان ببغداد رجلٌ من التجّار قال : إنّی صلّیت یوماً الجمعة ، وخرجت فرأیت بشراً الحافی یخرج من المسجد مسرعاً ، فقلت فی نفسی : أنظر إلی هذا الرجل الموصوف بالزهد لا یستقرُّ فی المسجد ، ثمّ إنَّنی اتّبعته فرأیته تقدّم إلی الخباز واشتری بدرهم خبزاً فقلت : أنظر إلی الرجل یشتری خبزاً ، ثمّ اشتری شواءً بدرهم فازددت علیه غیظاً ، ثمّ تقدّم إلی الحلوائی فاشتری فالوذجاً ، فقلت : والله لا أترکه حتی یجلس ویأکل ، ثمّ إنَّه خرج إلی الصحراء ، فقلت : إنّه یرید الخضرة ، فما زال یمشی إلی العصر وأنا أمشی خلفه ، فدخل قریة ، وفی القریة مسجدُ وفیه رجلٌ مریض ، فجلس عند رأسه وجعل یلقمه ، فقمت لأنظر فی القریة وبقیت ساعة ثمّ رجعت ، فقلت للعلیل : أین بشر؟ فقال : ذهب إلی بغداد ، فقلت : کم بینی وبین 2.

ص: 32


1- تاریخ مدینة دمشق : 5 / 186 رقم 97 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 3 / 222.

بغداد؟ قال : أربعون فرسخاً ، فقلت. إنّا لله وإنّا إلیه راجعون ، أیش عملت فی نفسی؟ ولیس معی ما أکتری ولا أقدر علی المشی ، فقال لی : اجلس حتی یرجع ، فجلست إلی الجمعة القابلة ، فجاء بشر فی ذلک الوقت ومعه شیء ، فأعطاه إلی المریض فأکله ، فقال له العلیل : یا أبا نصر هذا الرجل صحبک من بغداد وبقی عندی منذ الجمعة فردّه إلی موضعه ، فنظر إلیَّ کالمغضب وقال : لِمَ صحبتنی؟ فقلت : أخطأت ، فقال : قم فامش ، فمشیت معه إلی قرب المغرب ، فلمّا قربنا قال : أین محلّتک من بغداد؟ فقلت : فی موضع کذا ، قال : اذهب ولا تعد. تاریخ ابن عساکر (1) (3 / 236).

5 - قال الشیخ الجلیل أبو الحسن علیّ : کنت یوماً جالساً عند باب خلوة خالی الشیخ أحمد الرفاعی المتوفّی (587) رضی الله عنه ولیس فیها غیره ، وسمعت عنده حسّا ، فنظرت ، فإذا عنده رجلٌ ما رأیته قبل ، فتحدّثا طویلاً ثمّ خرج الرجل من کوّة فی حائط الخلوة ، ومرَّ فی الهواء کالبرق الخاطف ، فدخلت علی خالی وقلت له : من الرجل؟ فقال : أوَرأیته؟ قلت : نعم ، قال : هو الرجل الذی یحفظ الله به قطر البحر المحیط ، وهو أحد الأربعة الخواصّ ، إلاّ أنّه هجر منذ ثلاث وهو لا یعلم.

فقلت له : یا سیّدی ما سبب هجره؟ قال : إنّه مقیمٌ بجزیرة فی البحر المحیط ، ومنذ ثلاث لیال أمطرت جزیرته حتی سالت أودیتها ؛ فخطر فی نفسه : لو کان هذا المطر فی العمران. ثمّ استغفر الله تعالی ، فهجر بسبب اعتراضه ، فقلت له : أعلمته؟ قال : لا ، إنّی استحییت منه ، فقلت له : لو أذنتَ لی لأعلمته ، فقال : أوَتفعل ذلک؟ قلت : نعم ، فقال : رنّق ، فرنّقت (2) ، ثمّ سمعت صوتاً : یا علیّ ارفع رأسک ، فرفعت رأسی من رنقی فإذا أنا بجزیرة فی البحر المحیط ، فتحیّرت فی أمری وقمت أمشی فیها ، فإذا ذلک الرجل ، فسلّمت علیه وأخبرته ، فقال : ا.

ص: 33


1- تاریخ مدینة دمشق : 10 / 205 رقم 881 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 5 / 199.
2- یقال : رنّق النوم فی عینه إذا خالطها.

ناشدتک الله إلاّ فعلتَ ما أقول لک ، قلت : نعم. قال : ضع خرقتی فی عنقی واسحبنی علی وجهی ونادِ علیَّ : هذا جزاء من تعرّض علی الله سبحانه.

قال : فوضعت الخرقة فی عنقه وهممت بسحبه ، وإذا هاتف یقول : یا علیّ دعه ، فقد ضجّت علیه ملائکة السماء باکیة علیه وسائلةً فیه ، وقد رضی الله عنه. قال : فأُغمی علیَّ ساعة ثمّ سرّی عنّی ، وإذا أنا بین یدی خالی فی خلوته ، والله ما أدری کیف ذهبت ولا کیف جئت. مرآة الجنان (3 / 411).

6 - حکی الشیخ الصالح غانم بن یعلی التکریتی ، قال : سافرت مرّة من الیمن فی البحر المالح ، فلمّا توسّطنا بحر الهند وغلب علینا الریح ، أخذتنا الأمواج من کلّ جانب ، وانکسرت بنا السفینة فنجوت علی لوح منها ، فألقانی إلی جزیرة فطُفت فیها فلم أر فیها أحداً ، وإذا هی کثیرة الخیرات ، رأیت فیها مسجداً فدخلته ، فإذا فیه أربعة نفر فسلّمت علیهم ، فردّوا علیَّ السلام ، وسألونی عن قصّتی فأخبرتهم ، وجلست عندهم بقیّة یومی ذلک ، فرأیت من توجّههم وحسن إقبالهم علی الله تعالی أمراً عظیما ، فلمّا کان وقت العشاء دخل الشیخ حیوة الحرّانی ، فقاموا یبادرون إلی السلام علیه ، فتقدّم وصلّی بهم العشاء ، ثم استرسلوا فی الصلاة إلی طلوع الفجر ، فسمعت الشیخ حیوة یناجی ویقول : إلهی لا أجد لی فی سواک مطمعاً ... إلی آخر الدعاء.

ثمّ قال : بکی بکاءً شدیداً ، ورأیت الأنوار قد حفّت بهم ، وأضاء ذلک المکان کإضاءة القمر لیلة البدر ، ثمّ خرج الشیخ حیوة من المسجد وهو یقول :

سیرُ المحبِّ إلی المحبوبِ إعجالُ

والقلبُ فیه من الأحوالِ بلبالُ

أطوی المحانة من قفر علی قدمٍ

إلیک یدفعنی سهلٌ وأجبالُ

فقال لی أولئک النفر : اتبع الشیخ ، فتبعته ، وکانت الأرض برّها وبحرها

ص: 34

وسهلها وجبلها یطوی تحت أقدامنا طیّا ، کنت أسمعه کلّما خطا خطوة یقول : یا ربّ حیوة کن لحیوة ؛ وإذا نحن بحرّان فی أسرع وقت ، فوافینا الناس یصلّون بها صلاة الصبح. مرآة الجنان (3 / 421).

7 - ذکر محمد بن علیّ الحبّاک - خادم الشیخ جلال الدین السیوطی المتوفّی (911) - : أنَّ الشیخ قال له یوماً وقت القیلولة - وهو عند زاویة الشیخ عبد الله الجیوشی - بمصر بالقرافة : أترید أن تصلّی العصر بمکّة بشرط أن تکتم ذلک علیَّ حتی أموت؟ قال : فقلت : نعم. قال : فأخذ بیدی وقال : غمِّض عینیک فغمضتها ، فرحل بی نحو سبع وعشرین خطوة ، ثمّ قال لی : افتح عینیک. فإذا نحن بباب المعلاّة ، فزرنا أُمّنا خدیجة ، والفضل بن عیاض ، وسفیان بن عیینة ، وغیرهم ودخلت الحرم فطفنا ، وشربنا من ماء زمزم ، وجلسنا خلف المقام حتی صلّینا العصر ، وطفنا وشربنا من ماء زمزم ، ثمّ قال لی : یا فلان لیس العجب من طیّ الأرض لنا ، وإنّما العجب من کون أحد من أهل مصر المجاورین لم یعرفنا.

ثمّ قال لی : إن شئت تمضی معی وإن شئت تقیم حتی یأتی الحاجّ. قال : فقلت : أذهب مع سیّدی ؛ فمشینا إلی باب المعلاّة ، وقال لی : غمِّض عینیک فغمضتها ، فهرول بی سبع خطوات ثمّ قال لی : افتح عینیک فإذا نحن بالقرب من الجیوشی ، فنزلنا إلی سیّدی عمر بن الفارض. شذرات الذهب (1) (8 / 50).

8 - ذکر السخاوی فی طبقاته : إنَّ الشیخ معالی سأل الشیخ سلطان بن محمود البعلبکی ، المتوفّی (641) فقال : یا سیّدی کم مرّة رحت إلی مکّة فی لیلة؟ قال : ثلاث عشرة مرّة ، قلت : قال الشیخ عبد الله الیونینی : لو أراد أن لا یصلّی فریضة إلاّ فی مکّة لفعل. شذرات الذهب (2) (5 / 211). .

ص: 35


1- شذرات الذهب : 10 / 77 حوادث سنة 911 ه.
2- شذرات الذهب : 7 / 365 حوادث سنة 641 ه.

9 - ذکر الحافظ ابن الجوزی فی صفة الصفوة (1) (4 / 228) عن سهل بن عبد الله ، قال : لقد رأیت رجلاً یقال له مالک بن القاسم جبلیّ ، وقد جاء ویده غمرة (2) ، فقلت له : إنّک قریب عهد بالأکل؟ فقال لی : أستغفر الله فإنَّنی منذ أسبوع لم آکل ، ولکن : أطعمت والدتی وأسرعت لألحق صلاة الفجر ، وبینه وبین الموضع الذی جاء منه سبعمائة فرسخ فهل أنت مؤمن بذلک؟ فقلت : نعم. فقال : الحمد لله الذی أرانی مؤمناً موقناً.

10 - روی ابن الجوزی فی صفة الصفوة (3) (4 / 293) عن موسی بن هارون ، قال : رأیت الحسن بن الخلیل بن مرّة بعرفات وکلّمته ، ثمّ رأیته یطوف بالبیت فقلت : ادع الله لی أن یقبل حجّی. فبکی ودعا لی.

ثمّ أتیت مصر فقلت : إنَّ الحسن کان معنا بمکّة ، فقالوا : ما حجَّ العام ، وقد کان یبلغنی أنّه یمرّ إلی مکّة فی کلّ لیلة فما کنت أُصدِّق حتی رأیته ، فعاتبنی وقال : شهرتنی ما کنت أُحبّ أن تحدّث بها عنّی ، فلا تعد بحقّی علیک.

قال الأمینی : فی وسع الباحث أن یؤلِّف من أمثال هذه القصص المبثوثة فی طیّ الکتب والمعاجم تألیفاً حافلاً ، ونحن اقتصرنا بالمذکور روماً للاختصار ، ویستفاد منها أنَّ الولیّ الذی مُنَّ علیه بطیّ الأرض له أن یأخذ معه من شاء وأراد من أخلاّئه وخدمه ، فتطوی لصاحبه الأرض أیضاً کرامةً لذلک الولیّ الصالح فضلاً عن نفسه ، وهذه کلّها لا یناقش فیها مهما لم یکن الولیُّ الموصوف من العترة الطاهرة ، وإلاّ فهناک کلُّ الجدال والمناقشة ، وکلُّ الهوس والهیاج. 0.

ص: 36


1- صفة الصفوة : 4 / 254 رقم 788.
2- أی علیها أثر الطعام.
3- صفة الصفوة : 4 / 322 رقم 840.

54- ما عشت أراک الدهر عجباً

اشارة

لم یکن هذا النکیر بِدعاً ممّا جاء به القوم فی کثیر من فضائل مولانا أمیر المؤمنین وآله العترة الطاهرة علیهم السلام ، فإنّ هناک شنشنة مطّردة فی واحدٍ واحدٍ منها بالتهکّم تارةً ، وبالتفنید أُخری ، وبالوقیعة فی السند طوراً ، وبالاستبعاد المجرّد آونة ، وبالمناقشة فی الدلالة مرّة ، ففی کلّ یوم یطرق سمعک هتاف معتوه ، أو عقیرة متعصّب ، أو ضوضاء من حانق ، أو لغطٌ من مُعربد ، وهم یحسبون أنَّهم یحسنون صُنعاً ، مع أنَّ القوم یثبتون أمثال هاتیک الفضائل لغیر رجالات أهل البیت علیهم السلام ، من غیر أن یضطرب لهم بال ، أو تغلی علیها مراجل الأحقاد ، أو تمدَّ إلیها ید الجرح والتعدیل ، أو تتبعها کلمة الغمز بالرمی بالغلوّ أو الافتعال ، وإلیک نُبَذاً منها :

1 - حدیث ردّ الشمس

مرّت فی الجزء الثالث (ص 126 - 141) طُرَف من أسانید حدیث ردّ الشمس لمولانا أمیر المؤمنین علیه السلام بدعاء النبیّ الأقدس صلی الله علیه وآله وسلم ، وشواهد صحّته وکلمات العلماء فی ذلک وهی أربعون کلمة ، فإنَّک تجد هناک طنیناً وهمهمة فی صحّة الحدیث ، وعدم وقوع الواقعة ، وعدم إمکانها ، ولکن السبکی ، والیافعی ، وابن حجر ، وصاحب

ص: 37

شذرات الذهب وغیرهم ذکروا مثل هذه المأثرة لإسماعیل بن محمد الحضرمی ، المتوفّی (676) من دون أیّ غمز ونکیر.

قال السبکی فی طبقات الشافعیّین (1) (5 / 51) : ممّا حکی من کرامات الحضرمی واستفاض ، أنّه قال یوماً لخادمه وهو فی سفر : قل للشمس تقف حتی نصل إلی المنزل. وکان فی مکان بعید وقد قرب غروبها ، فقال لها الخادم : قال لکِ الفقیه إسماعیل : قفی. فوقفت حتی بلغ مکانه ، ثمّ قال للخادم : أما تطلق ذلک المحبوس؟ فأمرها الخادم بالغروب فغربت ، وأظلم اللیل فی الحال.

وقال الیافعی فی مرآة الجنان (4 / 178) : من کرامات إسماعیل الحضرمی وقوف الشمس له ، حتی بلغ مقصده لمّا أشار إلیها بالوقوف فی آخر النهار ، وهذه الکرامة ممّا شاع فی بلاد الیمن وکثر فیها الانتشار. ومنها : إنَّه نادته سدرةٌ والتمست منه أن یأکل هو وأصحابه من ثمرها ، وإلیه أشرت بقولی :

هو الحضرمی نجل الولیِّ محمدِ

إمام الهدی نجل الإمام الممجَّدِ

ومن جاهه أومی إلی الشمس أن قفی

فلم تمشِ حتی أنزلوه بمقصدِ

ومن بعض قصائد الیافعی أیضاً قوله فی الحضرمی :

هو الحضرمی المشهور من وقفت له

بقول قفی شمسٌ لأبلغ منزلی

وقال ابن العماد فی شذرات الذهب (2) (5 / 362) : له - للشیخ إسماعیل الحضرمی - کرامات ، قال المطری : کادت تبلغ التواتر - إلی أن قال - ومنها : أنّه قصد بلدة زبید فکادت الشمس تغرب وهو بعیدٌ عنها فخاف أن تغلق أبوابها ، فأشار إلی .

ص: 38


1- طبقات الشافعیة الکبری : 8 / 130 رقم 1117.
2- شذرات الذهب : 7 / 630 حوادث سنة 678 ه.

الشمس فوقفت حتی دخل المدینة ، وإلیه أشار الإمام الیافعی بقوله :

هو الحضرمی نجل الوَلیّ محمد

إلی آخر البیتین المذکورین.

وقال ابن حجر فی الفتاوی الحدیثیّة (1) (ص 232) : ومن کراماته - یعنی الحضرمی - : أنَّه کان داخلاً لزبید وقد دنت الشمس للغروب فقال لها : لا تغربی حتی ندخلها. فوقفت ساعةً طویلةً ، فلمّا دخلها أشار إلیها فإذا الدنیا مظلمة ، والنجوم ظاهرةُ ظهوراً تامّا.

قال العلاّمة السماوی فی العجب اللزومی :

وا عجباً من فرقةٍ قد غلتْ

من دَغَلٍ فی جوفِها مضرمِ

تنکرُ ردَّ الشمس للمرتضی

بأمرِ طه العیلم الخضرمِ

وتدّعی أنْ ردَّها خادمٌ

لأمرِ إسماعیلٍ الحضرمی

وللباحث أن یستنتج من هذه القضیّة - إن أخبت بها - أنّ إسماعیل الحضرمی أعظم عند الله تعالی من النبیّ الأعظم ووصیّه أمیر المؤمنین ؛ لأنَّ ردّ الشمس لعلیٍّ کان بدعائه تارةً وبدعاء النبی صلی الله علیه وآله وسلم طوراً ، وأمّا إسماعیل فقد أمر خادمه أن یأمرها بالوقوف ثمّ أمره بأن یفکَّ قید إسارها بأمرها بالانصراف ، أو أشار هو إلیها بالوقوف فوقفت ، هذه هی العظمة والزلفة إن صحّت الأحلام ، لکن العقلاء یدرون ورواة القصّة أیضاً یعلمون بأنّها متی صیغت ، ومهما لُفِّقت ، ولما ذا نُسجت.

(یُرِیدُونَ أَنْ یُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَیَأْبَی اللهُ إِلاَّ أَنْ یُتِمَّ نُورَهُ) (2)2.

ص: 39


1- الفتاوی الحدیثیّة : ص 316.
2- التوبة : 32.
2 - صلاة ألف رکعة

قد تضافر النقل بأنّ کُلاّ من مولانا أمیر المؤمنین ، والإمام السبط الشهید الحسین ، وولده الطاهر علیٍّ زین العابدین کان یصلّی فی الیوم واللیلة ألف رکعة (1) ، ولم تزل العقائد متطامنةً علی ذلک ، والعلماء متسالمین علیه ، حتی جاء ابن تیمیّة بهوسه وهیاجه ، فحسب تارةً کراهة هذا العمل البارّ ، وأنَّه لیس بفضیلة ، وأنَّ القول بأنّها فضیلة یدلّ علی جهل قائله ؛ لأنَّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم کان لا یزید فی اللیل علی ثلاث عشرة رکعة ، وفی النهار علی عدّة رکعات معیّنة ، وأنَّه صلی الله علیه وآله وسلم کان لا یقوم تمام اللیل ، کما کان لا یصوم کلّ یوم ، فقال : فالمداومة علی قیام جمیع اللیل لیس بمستحبّ بل مکروهٌ ، ولیس من سنّة النبیّ الثابتة عنه صلی الله علیه وآله وسلم ، وهکذا مداومة صیام النهار.

وزعم تارةً أنَّه خارج عن نطاق الإمکان ، فقال : وعلیٌّ رضی الله عنه أعلم بسنّته صلی الله علیه وآله وسلم وأتبع لهدیه ، وأبعد من أن یخالف هذه المخالفة ، لو کان ذلک ممکناً فکیف وصلاة ألف رکعة فی الیوم واللیلة مع القیام بسائر الواجبات غیر ممکن ، فإنّه لا بدَّ من أکل ونوم ... إلخ. ف)

ص: 40


1- العقد الفرید : 2 / 309 و 3 / 39 [2 / 258 و 4 / 171] ، تاریخ ابن خلّکان : 1 / 350 [3 / 274 رقم 425] ، صفة الصفوة لابن الجوزی : 2 / 56 [2 / 100 رقم 165] ، طبقات الذهبی : 1 / 71 [1 / 75 رقم 71] نقلاً عن الإمام مالک ، تهذیب التهذیب لابن حجر : 7 / 306 [7 / 269] نقلاً عن مالک ، طبقات الشعرانی : 1 / 37 [1 / 32 رقم 37] ، روض الریاحین للیافعی : ص 55 [ص 116 رقم 71] ، مشارق الأنوار للحمزاوی : ص 94 [1 / 201] ، إسعاف الراغبین لابن الصبّان فی هامش المشارق : ص 196 [ص 218] ، وغیرها. (المؤلف)

ویری آونة أنَّ طبع عمل مثله ، مبنیٍّ علی المسارعة والاستعجال ، یستدعی أن یکون عریّا عن الخضوع ، نقراً کنقر الغراب ، فلا یکون فیه کثیر جدوی. ثمّ ختم کلامه بقوله : ثمّ إحیاء اللیل بالتهجّد وقراءة القرآن فی رکعةٍ هو ثابت عن عثمان رضی الله عنه ، فتهجّده وتلاوته القرآن أظهر من غیره (1).

الجواب : أمّا حسبان کراهة ذلک العمل ومخالفة السنّة النبویّة وخروجه بذلک عن الفضیلة ، فیعرب عن جهله المطبق بشؤون العبادات وفقه السنّة ، وتمویهه علی الحقائق الراهنة جهلاً أو عناداً ، فإنّ صلاة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ثلاث عشرة رکعة ، وکذلک صلاة نهاره ، إنَّما هی صلاة اللیل والشفع والوتر ونافلة الصبح ونافلة الصلوات الیومیة ، کما فُصّل فی غیر واحد من الأخبار ، وهی النوافل المرتَّبة المعیّنة فی اللیل والنهار ، لا ترتبط باستحباب مطلق الصلاة ومطلوبیّة نفسها ، ولا تنافی ما صحَّ عنه صلی الله علیه وآله وسلم من قوله : «الصلاة خیر موضوع ، استکثر أو استقل» (2).

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «الصلاة خیر موضوع ، فمن استطاع أن یستکثر فلیستکثر» (3).

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «الصلاة خیر موضوع ، من شاء أقلّ ، ومن شاء أکثر» (4).

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «یا أنس أکثر الصلاة باللیل والنهار تحفظک حفظتک» (5).

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم لأنس فی حدیث طویل : «إن استطعتَ أن لا تزال تصلّی فإنَ ف)

ص: 41


1- راجع منهاج السنّة : 2 / 119. (المؤلف)
2- أخرجه الحافظ أبو نعیم فی الحلیة : 1 / 166 بستّة طرق. (المؤلف)
3- أخرجه الطبرانی فی الأوسط [1 / 183 ح 245] کما فی الترغیب والترهیب : 1 / 109 [1 / 250 ح 9] ، وکشف الخفاء : 2 / 30 [ح 1616]. (المؤلف)
4- مستدرک الحاکم : 2 / 597 [2 / 653 ح 4166] ، مجمع الزوائد : 1 / 160 ، کشف الخفاء للعجلونی : 2 / 30 [ح 1616] وقال : رواه الطبرانی وأحمد وابن حبّان والحاکم وصحّحه عن أبی ذرّ. (المؤلف)
5- تاریخ ابن عساکر : 3 / 142 [9 / 344 رقم 829 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 5 / 67]. (المؤلف)

الملائکة تصلّی علیک ما دمت مصلّیاً» (1).

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «من أکثر صلاته - أو من کثرت صلاته - باللیل حسن وجهه بالنهار» (2).

وما روی عن نصر بن علیّ الجهضمی قال : رأیت الحافظ یزید بن زریع فی النوم فقلت : ما فعل الله لک؟ قال : دخلت الجنّة. قلت ، بما ذا؟ قال : بکثرة الصلاة (3).

وصحَّ عن البخاری (4) ومسلم : أنَّه صلی الله علیه وآله وسلم کان یقوم من اللیل حتی تنفطر قدماه.

وفی روایة لهما والترمذی : إن کان النبیّ لیقوم أو لیصلّی حتی ترم قدماه أو ساقاه. وفی روایة عن عائشة : حتی تفطّرت قدماه. وفی روایة عن أبی هریرة : حتی تزلع (5) قدماه. وفی المواهب اللدنیّة (6) : کان یصلّی - بعد کبره - بعض ورده جالساً بعد أن کان یقوم حتی تفطّرت قدماه.

وقد جرت السنّة المطّردة بین العاملین فی النسک والعبادات من الصلاة والصوم والحجِّ وقراءة القرآن وغیرها ممّا یقرِّب إلی الله زلفی ، أن یأتی کلٌّ منهم بما تیسّر له منها غیر مقتصر بما أتی به النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ، والناس متفاوتون فی القدر ، والله تعالی یقول : (فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) (7) و (لا یُکَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها) (8) فتری هذا یصلّی 6.

ص: 42


1- تاریخ ابن عساکر : 3 / 142 [9 / 343 رقم 829 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 5 / 67] (المؤلف)
2- سنن ابن ماجة : 1 / 400 [1 / 422 ح 1333] ، تاریخ الخطیب : 1 / 341 [رقم 257] و 7 / 390 [رقم 3924]. (المؤلف)
3- شذرات الذهب : 1 / 298 [2 / 367 حوادث سنة 182 ه]. (المؤلف)
4- صحیح البخاری : 1 / 380 ح 1078.
5- زلعت الکفّ والقدم : تشقّقتا من ظاهر وباطن.
6- المواهب اللدنیّة : 4 / 181.
7- التغابن : 16.
8- البقرة : 286.

کلّ یوم مائة رکعة (1) ، والآخر یصلّی مائتی رکعة مثل القاضی الفقیه أبی یوسف الکوفی المتوفّی (182) (2) ، والقاضی أبی عبد الله محمد بن سماعة البغدادی المتوفّی (233) (3) ، وبشر بن الولید الکندی المتوفّی (238) (4).

ومنهم من کان یصلّی ثلاثمائة رکعة ، نظیر :

إمام الحنابلة أحمد بن حنبل المتوفّی (241) (5) ، وأبی القاسم الجنید القواریری المتوفّی (298) (6) ، والحافظ عبد الغنی المقدسی المتوفّی (600) (7).

ومنهم من کان یصلّی أربعمائة رکعة ، نظراء :

بشر بن المفضّل الرقاشی المتوفّی (187) (8) ، وإمام الحنفیّة أبی حنیفة نعمانف)

ص: 43


1- راجع مناقب أبی حنیفة للقاری فی هامش الجواهر المضیّة : 2 / 523 ، دول الإسلام : 1 / 94 [ص 108 سنة 193 ه] ، تاریخ بغداد : 14 / 6 [رقم 7447] ، البدایة والنهایة : 10 / 214 [10 / 233 حوادث سنة 193 ه]. (المؤلف)
2- تذکرة الحفّاظ : 1 / 270 [1 / 292 رقم 273] ، شذرات الذهب : 1 / 298 [2 / 367 حوادث سنة 182 ه]. (المؤلف)
3- تاریخ بغداد : 5 / 343 [رقم 2859] ، الجواهر المضیّة : 2 / 58 [3 / 168 رقم 1322] ، شذرات الذهب : 2 / 78 [3 / 154 حوادث سنة 233 ه]. (المؤلف)
4- تاریخ بغداد : 7 / 82 [رقم 3518] ، میزان الاعتدال : 1 / 152 [1 / 326 رقم 1229]. (المؤلف)
5- البدایة والنهایة : 13 / 39 [13 / 47 حوادث سنة 600 ه] ، تاریخ مدینة دمشق : 2 / 36 [5 / 300 رقم 136 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 3 / 248] ، الطبقات الکبری للشعرانی : 1 / 47 [1 / 55 رقم 94]. (المؤلف)
6- المنتظم : 6 / 106 [13 / 118 رقم 2053] ، البدایة والنهایة : 11 / 114 [11 / 128 حوادث سنة 298 ه] ، وفی صفة الصفوة : 2 / 236 [2 / 417 رقم 296] : أربعمائة رکعة. (المؤلف)
7- البدایة والنهایة : 13 / 39 [13 / 47 حوادث سنة 600 ه]. (المؤلف)
8- تذکرة الحفّاظ : 1 / 285 [1 / 310 رقم 286] ، شذرات الذهب : 1 / 310 [2 / 389 حوادث سنة 186 ه] ، تهذیب التهذیب : 1 / 459 [1 / 402]. (المؤلف)

المتوفّی (150) (1) ، وأبی قلابة عبد الملک بن محمد المتوفّی (276) (2) ، وضیغم بن مالک أبی مالک. صفة الصفوة (3) (3 / 270) ، وأمّ طلق کانت تصلّی أربعمائة رکعة وتقرأ من القرآن ما شاء الله. صفة الصفوة (4) (4 / 24) ، وأحمد بن مهلهل الحنبلی المتوفّی (554) (5).

ومنهم من کان یصلّی خمسمائة رکعة ، أشباه :

بشر بن منصور البصری المتوفّی (180) (6) ، وسمنون بن حمزة المتوفّی (298) (7). تاریخ بغداد (9 / 236) ، المنتظم (6 / 108).

ومنهم من کان یصلّی ستمائة رکعة ، أمثال :

الحارث بن یزید الحضرمی المتوفّی (8) (130). خلاصة التهذیب (59) ، تهذیب التهذیب (2 / 163) ، والحسین بن الفضل الکوفی المتوفّی (282) (9) ، وعلیّ بن علیّ بن النجاد أبی إسماعیل البصری. خلاصة التهذیب (10) (234) ، وأُمّ الصهباء معاذة 4.

ص: 44


1- مناقب أبی حنیفة للخوارزمی : 1 / 247 ، مناقب الکردری : 1 / 246. (المؤلف)
2- المنتظم : 5 / 103 [12 / 277 رقم 1825] ، البدایة والنهایة : 11 / 57 [11 / 67 حوادث سنة 276 ه] ، تهذیب التهذیب : 6 / 420 [6 / 372]. (المؤلف)
3- صفة الصفوة : 3 / 357 رقم 551.
4- صفة الصفوة : 4 / 37 رقم 597.
5- شذرات الذهب : 4 / 170 [6 / 284 حوادث سنة 554 ه]. (المؤلف)
6- تهذیب التهذیب : 1 / 460 [1 / 403] ، شذرات الذهب : 1 / 293 [2 / 357 حوادث سنة 180 ه]. (المؤلف)
7- المنتظم : 13 / 122 رقم 2057.
8- خلاصة الخزرجی : 1 / 187 رقم 1172 ، تهذیب التهذیب : 2 / 142.
9- مرآة الجنان : 2 / 195 ، شذرات الذهب : 2 / 178 [3 / 335 حوادث سنة 282 ه] ، لسان المیزان : 2 / 308 [2 / 375 رقم 2787]. (المؤلف)
10- خلاصة الخزرجی : 2 / 254 رقم 5024.

العدویّة. صفة الصفوة (1) (4 / 14).

ومنهم من کان یصلّی سبعمائة رکعة ، مثیل :

الأسود بن یزید - زید - النخعی المتوفّی (75) (2) ، وعبد الرحمن بن الأسود المتوفّی (98). طبقات الحفّاظ (3) (1 / 48).

وقد ذکروا فی ترجمة غیر واحد من رجال أهل السنّة ، وعدّوا من فضائلهم أنّهم کانوا یصلّون فی الیوم واللیلة - أو فی الیوم فقط - ألف رکعة ، منهم :

1 - مرّة بن شراحیل الهمدانی المتوفّی (76) : علی ما قیل کان یصلّی کلّ یوم ولیلة ألف رکعة (4). حلیة الأولیاء (4 / 162) ، البدایة والنهایة (8 / 70) ، صفة الصفوة (3 / 17).

2 - عبد الرحمن بن أبان بن عثمان بن عفان : کان یصلّی فی کلّ یوم ألف رکعة. أنساب البلاذری (5 / 120) ، رسائل الجاحظ (5) (ص 98).

3 - عمیر بن هانئ أبو الولید الدمشقی التابعی ، قال الترمذی : کان یصلّی کلّ یوم ألف رکعة ، ویسبِّح مائة ألف تسبیحة. کذا حکاه الشیخ محمد عبد الحیّ الأنصاری الحنفی فی إقامة الحجّة (6) (ص 7) ، وفی تهذیب التهذیب (7) (8 / 150) : کان 4.

ص: 45


1- صفة الصفوة : 4 / 22 رقم 584.
2- طرح التثریب : 1 / 34 ، شذرات الذهب : 1 / 85 [1 / 313 حوادث سنة 75 ه] ، وفی دول الإسلام : 1 / 39 [ص 45] : ستمائة رکعة. (المؤلف)
3- تذکرة الحفّاظ : 1 / 51 رقم 29.
4- البدایة والنهایة : 8 / 76 حوادث سنة 54 ه ، صفة الصفوة : 3 / 34 رقم 388.
5- رسائل الجاحظ : ص 441 الرسائل السیاسیّة.
6- إقامة الحجّة : ص 64.
7- تهذیب التهذیب : 8 / 134.

یصلّی کلّ یوم ألف سجدة ، ویسبّح مائة ألف تسبیحة.

4 - علیّ بن عبد الله العباسی المتوفّی (117) : کان یصلّی کلّ یوم ألف رکعة ، وقیل : فی اللیل والنهار (1). کامل المبرّد (2 / 157) ، البدایة والنهایة (8 / 306) ، تهذیب التهذیب (3 / 358) ، شذرات الذهب (1 / 148).

5 - میمون بن مهران الرقّی المتوفّی (117) : عالم أهل الجزیرة ، صلّی سبعة عشر یوماً سبعة عشر ألف رکعة. طبقات الحفّاظ (2) (1 / 93).

6 - بلال بن سعد الأشعری المتوفّی (حدود 120) : کان یصلّی فی الیوم واللیلة ألف رکعة (3). خلاصة التهذیب (ص 45) ، تاریخ الشام (3 / 315) ، البدایة والنهایة (9 / 348) ، تهذیب التهذیب (1 / 503).

7 - عامر بن عبد الله الأسدی المدنی : کان قد فرض علی نفسه کلّ یوم ألف رکعة (4). حلیة الأولیاء (2 / 89) ، صفة الصفوة (3 / 128) ، تاریخ الشام (7 / 169) طبقات الأخیار (1 / 24).

8 - مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبیر المتوفّی سنة (157) : کان یصلّی فی الیوم واللیلة ألف رکعة (5). الترغیب والترهیب (4 / 227) ، صفة الصفوة (2 / 99 ، 4.

ص: 46


1- الکامل فی اللغة والأدب : 1 / 497 رقم 42 ، البدایة والنهایة : 9 / 351 حوادث سنة 118 ه ، تهذیب التهذیب : 7 / 312 ، شذرات الذهب : 2 / 71 حوادث سنة 114 ه.
2- تذکرة الحفّاظ : 1 / 98 رقم 91.
3- خلاصة الخزرجی : 1 / 140 رقم 866 ، تاریخ مدینة دمشق : 10 / 484 رقم 985 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 5 / 268 ، البدایة والنهایة : 9 / 380 حوادث سنة 124 ه ، تهذیب التهذیب : 1 / 441.
4- صفة الصفوة : 3 / 202 رقم 484 ، تاریخ مدینة دمشق : 26 / 17 رقم 3052 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 11 / 277 ، الطبقات الکبری : 1 / 28 رقم 26.
5- الترغیب والترهیب : 4 / 578 ، صفة الصفوة : 2 / 176 و 197 رقم 188 و 198 ، میزان الاعتدال : 4 / 119 رقم 8558 ، تهذیب التهذیب : 10 / 144.

111) ، میزان الاعتدال (3 / 172) ، تهذیب التهذیب (10 / 159).

9 - أبو السائب المخزومی : کان یصلّی فی کل یوم ولیلة ألف رکعة. الأغانی (1) (1 / 109).

10 - سلیمانان ، قال القیسی : کان یصلّی کلّ یوم ولیلة ألف رکعة حتی أقعد من رجلیه ، فکان یصلّی جالساً ألف رکعة. حلیة الأولیاء (6 / 195).

11 - کهمس بن الحسن أبو عبد الله الدعّاء : کان یصلّی فی الیوم واللیلة ألف رکعة حلیة الأولیاء (6 / 211) ، صفة الصفوة (2) (3 / 234).

12 - محمد بن حفیف الشیرازی أبو عبد الله المتوفّی (371) : ربّما کان یصلّی من الغداة إلی العصر ألف رکعة. مفتاح السعادة (3) (2 / 177).

13 - أبو حنیفة إمام الحنفیّة : کان یصلّی فی کلّ لیلة ثلاثمائة رکعة ، ومرَّ یوماً فی بعض الطرق ، فقالت امرأة لامرأة : هذا الرجل یصلّی فی کلّ لیلة خمسمائة رکعة. فسمع الإمام ذلک فجعل یصلّی بعد ذلک فی کل لیلة خمسمائة رکعة ، ومرَّ یوماً علی جمعٍ من الصبیان قال بعضهم لبعض : هذا یصلّی فی کلِّ لیلة ألف رکعة ولا ینام باللیل. فقال أبو حنیفة : نویت أن أصلّی فی کلِّ لیلة ألف رکعة وأن لا أنام باللیل. إقامة الحجّة للشیخ محمد عبد الحیّ الحنفی (4) (ص 9).

14 - رابعة : کانت تصلّی فی الیوم واللیلة ألف رکعة. روض الأخبار المنتخب من ربیع الأبرار (1 / 5). 0.

ص: 47


1- الأغانی : 1 / 269.
2- صفة الصفوة : 3 / 314 رقم 535.
3- مفتاح السعادة : 2 / 287.
4- إقامة الحجّة : ص 80.

ونحن نعرف من أصحابنا الیوم من یأتی بها فی اللیل تارة ، وفی اللیل والنهار أخری ، فی أقلّ من سبع ساعات یصلّیها صلاةً تامّة مع سورة التوحید بالرغم من حسبان ابن تیمیّة استحالتها فی الیوم واللیلة ، فإتیان ألف رکعة فی اللیل والنهار لا یستوعب کلّ اللیل ، ولا یحتاج إلی قیام تمامه ولا إلی قیام نصفه ، ولا تخالف السنّة ، بل هی السنّة النبویّة المعتضدة بعمل العلماء والأولیاء ، فمن شاء استکثر ، ومن شاء استقلّ.

والمداومة علی قیام جمیع اللیل إن لم تکن مستحبّا وکانت من المکروه المخالف للسنّة الثابتة عنه صلی الله علیه وآله وسلم کما زعمه ابن تیمیّة ، فکیف تعدّ فی طیّات الکتب فضیلة لأعلام قومه ، منهم :

1 - سعید بن المسیّب التابعی المتوفّی (93) : صلّی الغداة بوضوء العتمة خمسین سنة. صفة الصفوة (1) (2 / 44).

2 - الحسن البصری التابعی المتوفّی (110) : صلّی الغداة بوضوء العتمة أربعین سنة. روضة الناظرین (2).

3 - إمام الحنفیّة نعمان : صلّی أربعین سنة صلاة الغداة علی طهارة العشاء. وقال ابن المبارک : خمساً وأربعین سنة. مناقب أبی حنیفة للخوارزمی (1 / 236 ، 240) ، مناقب الکردری (1 / 242).

4 - أبو جعفر عبد الرحمن بن الأسود النخعی المتوفّی (98) : صلّی الفجر بوضوء العشاء. صفة الصفوة (3) (3 / 53). 5.

ص: 48


1- صفة الصفوة : 2 / 80 رقم 159.
2- روضة الناظرین : ص 21.
3- صفة الصفوة : 3 / 95 رقم 415.

5 - أبو بکر النیسابوری الرحّال الفقیه : صلّی أربعین سنة صلاة الصبح علی طهارة العشاء ، قال : إنَّه قام أربعین سنة لم یَنَم اللیل ، ویتقوّت کلّ یوم بخمس حبّات ، یصلّی صلاة الغداة علی طهارة العشاء الآخرة (1). تاریخ بغداد (10 / 122) ، طبقات الحفّاظ (3 / 38) ، شذرات الذهب (2 / 302).

6 - محمد بن عبد الرحمن أبو الحارث المتوفّی (159) : کان یصلّی اللّیل أجمع. صفة الصفوة (2) (2 / 98).

7 - هاشم - صفة الصفوة : هشیم - بن بشیر أبو معاویة المتوفّی (183) : صلّی عشرین سنة الصبح بوضوء العشاء (3). دول الإسلام (1 / 91) ، صفة الصفوة (3 / 6) ، البدایة والنهایة (1 / 184).

8 - أبو غیاث منصور بن المعتمر السلمی المتوفّی (132) : کان یحیی اللیل کلّه فی رکعة لا یسجد فیها ولا یرکع. صفة الصفوة (4) (3 / 63).

9 - أبو الحسن الأشعری : مکث عشرین سنة یصلّی الصبح بوضوء العشاء. طبقات الأخیار (5) (2 / 172).

10 - أبو الحسین بن بکّار البصری المتوفّی (199) : کان یصلّی الغداة بوضوء العتمة. صفة الصفوة (6) (4 / 240). 5.

ص: 49


1- تذکرة الحفّاظ : 3 / 820 رقم 805 ، شذرات الذهب : 4 / 129 حوادث سنة 324 ه.
2- صفة الصفوة : 2 / 175 رقم 187.
3- دول الإسلام : ص 105 ، صفة الصفوة : 3 / 16 رقم 376 ، البدایة والنهایة : 10 / 198 حوادث سنة 183 ه.
4- صفة الصفوة : 3 / 113 رقم 427.
5- الطبقات الکبری : 2 / 190 رقم 87.
6- صفة الصفوة : 4 / 266 رقم 795.

11 - الحافظ سلیمان بن طرخان التیمی : صلّی أربعین سنة صلاة الصبح والعشاء بوضوء واحد (1). حلیة الأولیاء (3 / 29) ، صفة الصفوة (3 / 218) ، طبقات الحفّاظ (1 / 142).

12 - أبو خالد یزید بن هارون الحافظ : صلّی نیّفاً وأربعین سنة صلاة الصبح بوضوء العشاء (2). طبقات الحفّاظ (1 / 292) ، صفة الصفوة (3 / 8).

13 - عبد الواحد بن زید : صلّی الغداة بوضوء العشاء أربعین سنة (3). صفة الصفوة (3 / 43) طبقات الأخیار (1 / 40).

علی أنَّ ثبوت السنّة عند القوم لا یستلزم فعل النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فحسب ؛ بل هی تثبت بفعل أیّ أحد سنَّ سنّة من أفراد الأمّة ، فلیکن أمیر المؤمنین علیه السلام أوّل من سنَّ صلاة ألف رکعة فی الیوم واللیلة ، کما نصَّ الباجی والسیوطی والسکتواری وغیرهم ، علی أنَّ أوّل من سنَّ التراویح عمر بن الخطاب رضی الله عنه سنة أربع عشرة (4) ، وعلی أنَّ أوّل من جمع الناس علی التراویح عمر (5) ، وعلی أنَّ إقامة النوافل بالجماعات فی شهر رمضان من محدثات عمر رضی الله عنه ، وأنَّها بدعة حسنة (6) ، وعلی أنَّ أوّل من جلد فی الخمر ثمانین عمر رضی الله عنه (7). وأمثال ذلک بکثیر ممّا سنّه عمر بن الخطاب وصُیِّر بدعة حسنة ، وسنّة متّبعة. ف)

ص: 50


1- صفة الصفوة : 3 / 297 رقم 528 ، تذکرة الحفّاظ : 1 / 151 رقم 145.
2- تذکرة الحفّاظ : 1 / 318 رقم 298 ، صفة الصفوة : 3 / 18 رقم 377.
3- صفة الصفوة : 3 / 324 رقم 537 ، الطبقات الکبری : 1 / 46 رقم 85.
4- محاضرات الأوائل : ص 149 طبع سنة (1311) ، ص 98 طبع سنة (1300). (المؤلف)
5- محاضرات الأوائل : ص 98 طبع سنة (1300) [ص 149] ، شرح المواهب للزرقانی : 7 / 149. (المؤلف)
6- راجع طرح التثریب : 3 / 92. (المؤلف)
7- محاضرات الأوائل : ص 111 طبع سنة (1300) [ص 169]. (المؤلف)

وکما قال الحافظ أبو نعیم الأصبهانی والخازن وغیرهما ، من أنَّ أوّل من سنَّ لکلّ مسلم قُتل صبراً الصلاة خبیب بن عدیّ الأنصاری. حلیة الأولیاء (1 / 113) ، تفسیر الخازن (1) (1 / 141).

وکما قال المؤرِّخون فیما سنَّ معاویة بن أبی سفیان فی الإرث والدیة خلاف سنّة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم والخلفاء الأربعة من بعده صلی الله علیه وآله وسلم ، وأنَّه یُسمّی بسنّة الخلفاء لاتِّباعهم أثره بعده واتِّخاذهم ذلک سنّةً. البدایة والنهایة (2) (9 / 232 و 8 / 139).

وکما أُخذت سنّة التبریک فی الأعیاد من عمر بن عبد العزیز ، کما قاله الحافظ ابن عساکر فی تاریخه (3) (2 / 365).

وهلاّ صحّ عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم من قوله : «علیکم بسنّتی وسنّة الخلفاء الراشدین المهدیّین» (4) ،أوصحَّ ذلک غیر أنّ بینه وبین علیّ أمیر المؤمنین حُجزاً وحُدُداً یخصّانه بغیره؟

ولدفع مزعمة ابن تیمیّة هذه ومن لفَّ لفَّه ، ألّف الشیخ محمد عبد الحیّ الحنفی رسالةً أسماها ب : إقامة الحجّة علی أنّ الإکثار فی التعبّد لیس ببدعة ، وذکر جماعة من الصحابة والتابعین الذین اجتهدوا فی العبادة وصرفوا فیها أعمارهم ، والرسالة فیها فوائد جمّة لا یُستهان بها ، طبعت بالهند سنة (1311).

قال فی (ص 18) : خلاصة المرام فی هذا المقام ، وهو الذی أختاره تبعاً للعلماء الکرام : أنّ قیام اللیل کلّه ، وقراءة القرآن فی یوم ولیلة مرّة أو مرّات ، وأداء ألف رکعة ف)

ص: 51


1- تفسیر الخازن : 1 / 137.
2- البدایة والنهایة : 9 / 259 حوادث سنة 105 ه و 8 / 148 حوادث سنة 60 ه.
3- تاریخ مدینة دمشق : 7 / 467 رقم 581 ، وقال ابن بدران فی تهذیب تاریخ دمشق معلّقاً : ومنه - أی من عمر بن عبد العزیز - یؤخذ سنّة التبریک فی الأعیاد.
4- مستدرک الحاکم : 1 / 96 [1 / 175 ح 329]. (المؤلف)

أو أزید من ذلک ، ونحو ذلک من المجاهدات والریاضات لیس ببدعة ، ولیس بمنهیٍّ عنه فی الشرع ، بل هو أمر حسنٌ مرغوب إلیه .. إلخ.

وأمّا دعوی عدم الإمکان فمنشؤها تثاقل الطبع والکسل عن الإکثار من العبادة ، فإنّ من لم یتنشّط فی کلّ عمره لأمثال ذلک ، البعید عن عمل العاملین وعادات العبّاد یحسب خروج ذلک عن حیّز الإمکان ، لکن من تذوّق حلاوة الطاعة ولذّة العبادة یری أمثال هذه من العادیّات المطّردة.

مشکلة الأوراد والختمات :

یجد الباحث فی طیّات الکتب والمعاجم أعمالاً کبیرةً باهظةً تستوعب من الوقت أکثر من ألف رکعة صلاة ، معزوّة إلی أُناس عادیّین لم ینکرها علیهم ولا علی رواتها أحدٌ لا ابن تیمیّة ولا غیره ؛ لأنَّ بواعث الإنکار علی أئمّة أهل البیت علیهم السلام لا توجد هنالک ، وإلیک نُبَذاً من تلک الأعمال :

1 - کان عُویمر بن زید أبو الدرداء الصحابیّ المتوفّی (32) یسبِّح کلّ یوم مائة ألف تسبیحة. شذرات الذهب (1) (1 / 173).

2 - کان أبو هریرة الدوسی الصحابیّ المتوفّی (57 ، 58 ، 59) یسبِّح کلّ لیلة اثنی عشر ألف تسبیحة قبل أن ینام ، ویستغفر الله ویتوب إلیه کلّ یوم اثنی عشر ألف مرة (2). البدایة والنهایة (8 / 110 ، 112) ، شذرات الذهب (1 / 173).

3 - کان خالد بن معدان المتوفّی (103 ، 104 ، 108) یسبِّح فی الیوم أربعین ألف تسبیحة ، سوی ما یقرأ من القرآن (3). حلیة الأولیاء (5 / 210) ، خلاصة 3.

ص: 52


1- شذرات الذهب : 2 / 118 حوادث سنة 127 ه.
2- البدایة والنهایة : 8 / 120 حوادث سنة 59 ه ، شذرات الذهب : 2 / 119 حوادث سنة 127 ه.
3- خلاصة الخزرجی : 1 / 284 رقم 1802 ، دول الإسلام : ص 63.

الخزرجی (ص 88) ، دول الإسلام (1 / 54).

4 - کان عمُیر بن هانی المتوفّی (127) یسبِّح کلّ یوم مائة ألف تسبیحة (1). صفة الصفوة (4 / 163) ، میزان الاعتدال (2 / 305) ، تهذیب التهذیب (8 / 150) ، شذرات الذهب (1 / 173).

5 - کان أبو حنیفة إمام الحنفیّة المتوفّی (150) یأتی إلی الجمعة ویصلّی قبل صلاتها عشرین رکعة یختم فیهنّ القرآن. مناقب أبی حنیفة للخوارزمی (1 / 240) ، مناقب الکردری (1 / 244).

6 - کان یعقوب بن یوسف أبو بکر المطوعی المتوفّی (287) یقرأ کلّ یوم - وفی نسخة : ولیلة - سورة التوحید إحدی وثلاثین ألف مرّة ، أو : إحدی وأربعین ألف (2) - شکَّ جعفر الراوی عنه - تاریخ بغداد (14 / 289) ، البدایة والنهایة (11 / 84) ، المنتظم (6 / 26).

7 - کان الجنید القواریری المتوفّی (298) وِرْده کلّ یوم ثلاثمائة رکعة ، قال ابن الجوزی : أربعمائة رکعة وثلاثین ألف تسبیحة (3). المنتظم (6 / 106) ، صفة الصفوة (2 / 235) ، البدایة والنهایة (11 / 114) ، تاریخ بغداد (7 / 242).

8 - کان فقیه الحرم الإمام محمد یقرأ کلّ یوم ستّة آلاف قل هو الله أحد ، وهی من جملة أوراده. طبقات الأخیار (4) (2 / 170). 7.

ص: 53


1- صفة الصفوة : 4 / 219 رقم 752 ، میزان الاعتدال : 3 / 297 رقم 6492 ، تهذیب التهذیب : 8 / 133 ، شذرات الذهب : 2 / 118 حوادث سنة 127 ه.
2- البدایة والنهایة : 11 / 96 حوادث سنة 287 ه ، المنتظم : 12 / 414 رقم 1947.
3- المنتظم : 13 / 118 رقم 2053 ، صفة الصفوة : 2 / 416 رقم 296 ، البدایة والنهایة : 11 / 128 حوادث سنة 298 ه.
4- الطبقات الکبری للشعرانی : 2 / 189 رقم 87.

9 - کان الشیخ أحمد الزواوی المتوفّی (922) یقرأ کلّ یوم ولیلة عشرین ألف تسبیحة ، وأربعین ألف صلاة علی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم. شذرات الذهب (1).

10 - کان محمد بن سلیمان الجزولی یقرأ نهاراً أربعة عشر ألف بسملة ، وسلکتین من تألیفه دلائل الخیرات فی الصلاة علی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم. نیل الابتهاج (ص 317).

11 - کان عبد العزیز المقدسی یقول : حاسبت نفسی من یوم بلوغی إلی یومی هذا فإذا زلاّتی لا تجاوز ستّا وثلاثین زلّة ، ولقد استغفرت الله لکلّ زلّة مائة ألف مرة ، وصلّیت لکلّ زلّة ألف رکعة ، ختمت فی کلّ رکعة منها ختمة. صفة الصفوة (2) (4 / 219).

وأنت تعلم أنَّ ألف رکعة صلاة تکون ثلاثةً وثمانین ألف کلمة ؛ إذ الرکعة الأولی من تکبیرة الإحرام إلی السجدة الأخیرة تعدّ کلماتها (69) کلمة ، وتکون إذا صلّیتها تسعة آلاف وستّین ألفاً ، ویخرج من الرکعة الثانیة ألف کلمة عن تکبیرة الإحرام غیر الموجودة فیها فتبقی ثمانیة وستون ألفاً ، وإذا أضفت إلیها کلمات التشهّد علی طریقة الشیعة ، والسلام بصیغة (السلام علیکم ورحمة الله وبرکاته) وهی خمسة عشر ألف کلمة ، یکون المجموع ثلاثة وثمانین ألف کلمة تربو علی کلمات القرآن الشریف بخمسة آلاف وسبع وخمسین کلمة ، فقس الأعمال المذکورة إلی هذه تجدها تزید علیها بکثیر ، لکن الولاء لصاحب الأوراد المذکورة یمکّنه منها ، والبغضاء لصاحب الصلاة من العترة الطاهرة تُقعد به عن العمل.

وأمّا ما ختم به ابن تیمیّة کلامه من قراءة عثمان القرآن فی رکعة واحدة فهو خارجٌ عن موضوع البحث ، غیر أنَّه راقه أن یقابل تلک المأثرة بفضیلة لعثمان ذاهلاً عن أنَّ ما أورده علی صلاة الأئمّة من الإشکال واردٌ فیها ، فهی تخالف السنّة 3.

ص: 54


1- شذرات الذهب : 10 / 152 حوادث سنة 922 ه.
2- صفة الصفوة : 4 / 245 رقم 773.

علی زعمه أوّلاً ؛ إذ لم یثبت عن رسول الله قراءة القرآن فی رکعة واحدة ، وأنّها خارجةٌ عن نطاق الإمکان ثانیاً ؛ إذ کلمات القرآن سبعة وسبعون ألف وتسعمائة وأربع وثلاثون کلمة ، وفی قول عطاء بن یسار سبعة وسبعون ألف وأربعمائة وتسع وثلاثون کلمة (1) ، وتلک الرکعة الواحدة لا بدّ إمّا أن تقع بین المغرب والعشاء ، وإمّا بعد العشاء الآخرة إلی صلاة الصبح ، فإتیانها علی کل حال فی رکعة غیر ممکن الوقوع.

علی أنّ الشیخین - البخاری ومسلماً - قد أخرج ا عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أنّه قال لعبد الله بن عمر : «واقرأ فی سبع ولا تزد علی ذلک». وصحَّ عنه صلی الله علیه وآله وسلم «من قرأ القرآن فی أقلّ من ثلاث لم یفقه». ثمّ إنّ عثمان عُدّ ممّن کان یختم فی کلّ أسبوع من الصحابة (2).

ومشکلة الختمة فی کتب القوم جاءت بأُذنی عناق (3) ، أثقل من شمام (4) ، تنتهی إلی شجنةٍ (5) من العَتَه ، فذکروا أنَّ منهم من کان یختم القرآن فی رکعة ما بین الظهر والعصر ، أو بین المغرب والعشاء ، أو فی غیرهما ، وعُدّ من أُولئک :

1 - عثمان بن عفّان الأموی : کان یختم فی رکعة لیلاً. حلیة الأولیاء (1 / 57)

2 - تمیم بن أوس الداری الصحابی : کان یختم فی رکعةٍ. صفة الصفوة (6) (1 / 310). 5.

ص: 55


1- تفسیر القرطبی : 1 / 57 [1 / 47] ، الإتقان للسیوطی : 1 / 120 [1 / 197]. (المؤلف)
2- التذکار للقرطبی : ص 76 ، إحیاء العلوم : 1 / 261 [1 / 246] ، خزینة الأسرار : ص 77 [ص 55]. (المؤلف)
3- مثل یضرب لمن جاء بالکذب الفاحش. والعناق : الداهیة ، وهو هنا الکذب والباطل. مجمع الأمثال : 1 / 290 رقم 851.
4- شمام : جبل له رأسان.
5- أی شعبة من الضلال والحمق.
6- صفة الصفوة : 1 / 738 رقم 115.

3 - سعید بن جبیر التابعی المتوفّی (95). حلیة الأولیاء (4 / 273).

4 - منصور بن زاذان المتوفّی (131) : کان یختمه مرّة فیما بین الظهر والعصر ، وأخری فیما بین المغرب والعشاء ، قال هشام : صلّیت إلی جنب منصور فقرأ القرآن فیما بین المغرب والعشاء ختمتین ، ثمّ قرأ إلی الطواسین قبل أن تقام الصلاة ، وکانوا إذ ذاک یؤخِّرون العشاء فی شهر رمضان إلی أن یذهب ربع اللیل ، وکان یختم فیما بین الظهر والعصر ، وفی خلاصة التهذیب : وکان یختم فی الضحی (1). حلیة الأولیاء (3 / 57) ، صفة الصفوة (3 / 4) ، طبقات الحفّاظ (1 / 134) ، دول الإسلام (1 / 97) ، شذرات الذهب (1 / 181).

5 - أبو الحجّاج مجاهد المتوفّی (132) : ذکره ابن أبی داود کما فی الفتاوی الحدیثیّة (2) (ص 44).

6 - أبو حنیفة النعمان بن ثابت - إمام المذهب - : کان یحیی اللیل بقراءة القرآن ثلاثین سنة فی رکعة. مناقب أبی حنیفة للقاری (ص 494).

7 - یحیی بن سعید القطّان المتوفّی (198). تاریخ بغداد (14 / 141) ، شذرات الذهب (1 / 355) (3).

8 - الحافظ أبو أحمد محمد بن أحمد العسّال المتوفّی (349). طبقات الحفّاظ (4) (3 / 97). 4.

ص: 56


1- خلاصة الخزرجی : 3 / 57 رقم 7205 ، صفة الصفوة : 3 / 11 رقم 373 ، تذکرة الحفّاظ : 1 / 141 رقم 134 ، دول الإسلام : ص 80 ، شذرات الذهب : 2 / 134 حوادث سنة 131 ه.
2- الفتاوی الحدیثیّة : ص 58.
3- شذرات الذهب : 2 / 468 حوادث سنة 198 ه.
4- تذکرة الحفّاظ : 3 / 887 رقم 854.

9 - أبو عبد الله محمد بن حفیف الشیرازی المتوفّی (371) : کان ربّما یقرأ القرآن کلّه فی رکعة واحدة. مفتاح السعادة (1) (2 / 177).

10 - جعفر بن الحسن الدرزیجانی المتوفّی (506) : له ختمات کثیرة جداً کلّ ختمة منها فی رکعة واحدة. شذرات الذهب (2) (4 / 16).

ومنهم من کان یختم فی کل یوم ختمة ، وعُدّ من أُولئک :

1 - سعد بن إبراهیم الزهری المتوفّی (127). دول الإسلام (1 / 66) ، وفی خلاصة التهذیب (ص 113) : فی کلّ یوم ولیلة (3).

2 - أبو بکر بن عیّاش الأسدی الکوفی المتوفّی (193). البدایة والنهایة (10 / 224) ، تهذیب التهذیب (12 / 36) (4).

3 - أبو العبّاس محمد بن شاذل النیسابوری المتوفّی (311). شذرات الذهب (5) (3 / 262).

4 - أبو جعفر الکتانی : کان یختمها مع الزوال. حلیة الأولیاء (10 / 343).

5 - أبو العبّاس الآدمی المتوفّی (390) : کان یختم فی غیر شهر رمضان کلّ یوم ختمة (6). المنتظم (6 / 160) ، صفة الصفوة (2 / 251) ، شذرات الذهب (2 / 257). .

ص: 57


1- مفتاح السعادة : 2 / 287.
2- شذرات الذهب : 6 / 26 حوادث سنة 506 ه.
3- دول الإسلام : ص 78 ، خلاصة الخزرجی : 1 / 367 رقم 2371.
4- البدایة والنهایة : 10 / 243 حوادث سنة 193 ه ، تهذیب التهذیب : 12 / 39.
5- شذرات الذهب : 4 / 58 حوادث سنة 311 ه.
6- المنتظم : 13 / 200 رقم 2176 ، صفوة الصفوة : 2 / 444 رقم 308 ، شذرات الذهب : 4 / 47 حوادث سنة 309 ه.

6 - أحمد بن حنبل - إمام مذهبه - المتوفّی (241). مناقب أحمد لابن الجوزی (1) (ص 287).

7 - البخاری - صاحب الصحیح - المتوفّی (256) ، تاریخ بغداد (2 / 12)

8 - الشافعی إمام الشافعیّة - المتوفّی (204) : فی غیر شهر رمضان (2). صفة الصفوة (2 / 145) ، طبقات الأخیار (1 / 33).

9 - محمد بن یوسف أبو عبد الله البنّاء المتوفّی (286). المنتظم (3) (6 / 24).

10 - محمد بن علیّ الکرخی المتوفّی (343). البدایة والنهایة (11 / 228) ، المنتظم (6 / 376) (4).

11 - أبو بکر بن الحدّاد المصری الشافعی المتوفّی (344 ، 345). دول الإسلام (1 / 167) ، طبقات الحفّاظ (3 / 108). وفی بعض المصادر : فی الیوم واللیلة (5).

12 - الخطیب البغدادی - صاحب التاریخ - المتوفّی (463). تاریخ الشام (6) (1 / 410).

13 - أحمد بن أحمد ابن السیبی أبو عبد الله القصری المتوفّی (439). تاریخ بغداد (4 / 4).

14 - الحافظ ابن عساکر المتوفّی (571) : کان له ذلک فی شهر رمضان. شذرات الذهب (7) (4 / 239). .

ص: 58


1- مناقب أحمد : ص 384.
2- صفوة الصفوة : 2 / 255 رقم 220 ، الطبقات الکبری : 1 / 51 رقم 91.
3- المنتظم : 12 / 410 رقم 1937.
4- البدایة والنهایة : 11 / 259 حوادث سنة 343 ه ، المنتظم : 14 / 96 رقم 2548.
5- دول الإسلام : ص 192 ، تذکرة الحفّاظ : 3 / 900 رقم 866.
6- تاریخ مدینة دمشق : 5 / 36 رقم 16 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 3 / 174.
7- شذرات الذهب : 6 / 396 حوادث سنة 571 ه.

15 - الشیخ أحمد البخاری : له کلّ یوم ختمة وثلث. طبقات الأخیار (1) (4 / 170) (2).

ومنهم من کان یختمه فی اللیلة مرّة ، ومن أُولئک :

1 - علیّ بن عبد الله الأزدی التابعی : کان له ذلک فی شهر رمضان. تهذیب التهذیب (3) (7 / 358).

2 - قتادة أبو الخطّاب البصری المتوفّی (117) : کان له ذلک فی عشرة شهر رمضان. صفة الصفوة (4) (3 / 182).

3 - وکیع بن الجرّاح المتوفّی (197). دول الإسلام (1 / 96) ، تاریخ بغداد (13 / 470) ، تهذیب التهذیب (11 / 129) (5).

4 - البخاری - صاحب الصحیح - المتوفّی (256) : کان له ذلک فی شهر رمضان. البدایة والنهایة (6) (11 / 26).

5 - عطاء بن السائب الثقفی المتوفّی (136). خلاصة التهذیب (7) (ص 225)

6 - علیّ بن عیسی الحمیری : کان له ذلک فی کلّ لیلة. طبقات القرّاء (1 / 560).

7 - أبو نصر عبد الملک بن أحمد المتوفّی (472). المنتظم (8) (8 / 324). 0.

ص: 59


1- الطبقات الکبری : 2 / 188 رقم 87.
2- وقفنا علی جمع کثیر ممّن کان له کلّ یوم ختمة ، واقتصرنا علی ذلک روماً للاختصار. (المؤلف)
3- تهذیب التهذیب : 7 / 313.
4- صفة الصفوة : 3 / 259 رقم 513.
5- دول الإسلام : ص 111 ، تهذیب التهذیب : 11 / 114.
6- البدایة والنهایة : 11 / 32 حوادث سنة 256 ه.
7- خلاصة الخزرجی : 2 / 230 رقم 4853.
8- المنتظم : 16 / 207 رقم 3500.

8 - الحافظ أبو عبد الرحمن القرطبی المتوفّی (206) : کان یختم کلّ لیلة فی ثلاث عشرة رکعة. طبقات الحفّاظ (1) (2 / 185).

9 - الشافعی - إمام الشافعیّة - : کان له ذلک فی غیر شهر رمضان. تاریخ بغداد (2 / 63).

10 - حسین بن صالح بن حیّ المتوفّی (167). طبقات الأخیار (2) (1 / 50).

11 - زبید بن الحارث. حلیة الأولیاء (5 / 18).

12 - أبو بکر بن عیّاش : کان یختم القرآن کلّ لیلة ، أربعین سنة. تاریخ بغداد (1 / 407).

ومنهم من کان یختمه فی کلّ یوم ولیلة مرّة ، وعُدّ من أولئک :

1 - سعد بن إبراهیم أبو إسحاق المدنی المتوفّی (127). صفة الصفوة (3) (2 / 82).

2 - ثابت بن أسلم البنائی المتوفّی (127). حلیة الأولیاء (2 / 321) ، طبقات الحفّاظ (4) (1 / 118).

3 - جعفر بن المغیرة (5) التابعی. تاریخ الشام (4 / 79). 5.

ص: 60


1- تذکرة الحفّاظ : 2 / 631 رقم 656.
2- الطبقات الکبری : 1 / 58 رقم 97.
3- صفه الصفوة : 2 / 146 رقم 181.
4- تذکرة الحفّاظ : 1 / 125 رقم 110 ، وفیه کما فی الحلیة : البُنانی ، وکذا فی سیر أعلام النبلاء : 5 / 220 والطبقات الکبری : 7 / 232.
5- کذا فی تهذیب تاریخ مدینة دمشق : 4 / 82 ، وفی تاریخ مدینة دمشق : 12 / 182 رقم 1217 : عن جعفر بن أبی المغیرة قال : کان حُطیط صوّاماً قوّاماً یختم فی کل یوم ولیلة ختمة ، وکذا فی مختصر تاریخ دمشق : 6 / 225.

4 - عمر بن الحسین الجمحی. تهذیب التهذیب (1) (7 / 434).

5 - أبو محمد عبد الرحمن اللخمی الشافعی المتوفّی (587). شذرات الذهب (2) (4 / 289).

6 - أبو الفرج ابن الجوزی المتوفّی (590). البدایة والنهایة (3) (13 / 9).

7 - أبو علیّ عبد الرحیم المصری القاضی الفاضل المتوفّی (596). البدایة والنهایة (4) (13 / 24).

8 - أبو الحسن المرتضی المتوفّی (634). شذرات الذهب (5) (5 / 168).

9 - محمود بن عثمان الحنبلی المتوفّی (609). شذرات الذهب (6) (5 / 29).

10 - أُمّ حبّان السلمیّة. صفة الصفوة (7) (4 / 25).

ومنهم من کان یختم فی اللیل والنهار ختمتین ، مثل :

1 - سعید بن جبیر التابعی : ختم ختمتین ونصفاً فی الصلاة فی الکعبة (8). البدایة والنهایة (9 / 98) ، صفة الصفوة (3 / 43).

2 - منصور بن زاذان المتوفّی (131) : کان یختم فی اللیل والنهار مرّتین کما مرَّ. 1.

ص: 61


1- تهذیب التهذیب : 7 / 380 رقم 710.
2- شذرات الذهب : 6 / 474 حوادث سنة 587 ه.
3- البدایة والنهایة : 13 / 13 حوادث سنة 590 ه.
4- البدایة والنهایة : ص 31 حوادث سنة 596 ه.
5- شذرات الذهب : 7 / 295 حوادث سنة 634 ه.
6- شذرات الذهب : ص 72 حوادث سنة 609 ه.
7- صفة الصفوة : 4 / 38 رقم 599.
8- البدایة والنهایة : 9 / 116 حوادث سنة 94 ه ، صفة الصفوة : 3 / 79 رقم 411.

صفة الصفوة (1) (3 / 4) ، وقال القسطلانی فی إرشاد الساری (3 / 365) : کان یختم بین المغرب والعشاء ختمتین ویبلغ فی الختمة الثالثة إلی الطواسین.

3 - أبی حنیفة إمام الحنفیّة : کان له ذلک فی شهر رمضان ، التذکار (ص 74) ، مناقب أبی حنیفة للقاری (ص 493 ، 494).

4 - الشافعی - إمام الشافعیّة - : کان له ذلک فی شهر رمضان ، ما منها إلاّ فی الصلاة. المواهب اللدنیّة (2) ، وفی صفة الصفوة (3) (2 / 145) : کان یختم فی رمضان ستّین ختمة سوی ما یقرأه فی الصلاة.

5 - الحافظ العراقی : کان یختم فی الجماعة فی شهر رمضان ختمتین. شرح المواهب للزرقانی (7 / 421).

6 - أبی عبد الله محمد بن عمر القرطبی. الدیباج المذهّب (4) (ص 245).

7 - السیّد محمد المنیر المتوفّی (نیّف و 930). طبقات الأخیار (5) (2 / 118)

8 - الشیخ عبد الحلیم المنزلاوی : المتوفّی (نیّف و 930). طبقات الأخیار (6) (2 / 121).

ومنهم من کان یختم فی اللیلة ختمتین :

1 - تقیُّ الدین أبو بکر بن محمد البلاطنسی الشافعی الحافظ المتوفّی (936): 8.

ص: 62


1- صفة الصفوة : 3 / 11 رقم 373.
2- المواهب اللدنیّة : 4 / 201.
3- صفة الصفوة : 2 / 255 رقم 220.
4- الدیباج المذهّب : 2 / 189.
5- الطبقات الکبری : 2 / 131 رقم 15.
6- الطبقات الکبری : ص 134 رقم 18.

کان یختم فی شهر رمضان فی کلّ لیلة ختمتین. شذرات الذهب (1) (8 / 213).

2 - أحمد بن رضوان بن جالینوس المتوفی (423) : ختم فی اللیلة ختمتین قبل أن یطلع الفجر. تاریخ بغداد (4 / 261).

ومنهم من یختم فی الیوم واللیلة ثلاث ختمات ، وعُدّ من أُولئک :

1 - کرز بن وبرة الکوفی : کان یختم فی کلّ یوم ولیلة ثلاث ختمات. صفة الصفوة (2) (2 / 123 و 3 / 67) ، الإصابة (3 / 321).

2 - زهیر بن محمد بن قُمیر الحافظ البغدادی المتوفّی (258) : کان له ذلک فی شهر رمضان. تاریخ بغداد (8 / 485) ، المنتظم (3) (5 / 4).

3 - أبو العبّاس بن عطاء الآدمی المتوفّی (309) : کان له ذلک فی شهر رمضان (4). تاریخ بغداد (5 / 27) ، المنتظم (6 / 160) ، البدایة والنهایة (11 / 144).

4 - سلیم بن عنز التجیبی القاضی المصری ، قال العینی فی عمدة القاری (5) (9 / 349) : کان یختم القرآن فی لیلة ثلاث مرّات ، وذکر ذلک أبو عبید. وقال ابن کثیر فی تاریخه (6) (9 / 118) : کان یختم القرآن فی کلّ لیلة ثلاث ختمات فی الصلاة وغیرها.

5 - عبد الرحمن بن هبة الله الیمانی المتوفّی (821) : قرأ فی الشتاء فی یوم ثلاث ختمات وثلث ختمة. شذرات الذهب (7) (7 / 151). .

ص: 63


1- شذرات الذهب : 10 / 298 حوادث سنة 936 ه.
2- صفة الصفوة : 2 / 217 رقم 212 و 3 / 120 رقم 435.
3- المنتظم : 12 / 131 رقم 1596.
4- المنتظم : 13 / 201 رقم 2176 ، البدایة والنهایة : 11 / 164 حوادث سنة 309 ه.
5- عمدة القاری : 20 / 60 ح 75.
6- البدایة والنهایة : 9 / 138 حوادث سنة 95 ه.
7- شذرات الذهب : 9 / 221 حوادث سنة 821 ه.

ومنهم من کان یختم فی الیوم أربع ختمات ، ومن أُولئک :

1 - أبو قبیصة محمد بن عبد الرحمن الضبّی المتوفّی (282) ، قال : قرأت فی الیوم أربع ختمات وبلغت فی الخامسة إلی سورة البراءة وأذّن المؤذِّن العصر. تاریخ بغداد (2 / 315) ، المنتظم (1) (7 / 156).

2 - علیّ بن الأزهر أبو الحسن اللاحمی البغدادی المقرئ المتوفّی (707) : قرأ فی یوم واحد بمحضر جماعة من القرّاء أخذت خطوطهم بتلاوته أربع ختمات إلاّ سُبعاً. طبقات القرّاء (1 / 526).

ومنهم من ختم بین المغرب والعشاء خمس ختمات. قال الشعراوی (2) : دخل سیّدی أبو العبّاس المصری الحریثی المتوفّی (945) یوماً ، فجلس عندی بعد المغرب إلی أن دخل وقت العشاء ، فقرأ خمس ختمات وأنا أسمع ، فذکرت ذلک لسیّدی علیّ المرصفی ، المتوفّی (930) فقال : یا ولدی ، أنا قرأت مرّة حال سلوکی ثلاثمائة وستّین ختمة فی الیوم واللیلة ، کلّ درجة ختمة. شذرات الذهب (3) (8 / 75).

ومنهم من کان یختم فی الیوم واللیلة ثمانیَ ختمات أو أکثر ، منهم :

1 - السیّد ابن الکاتب ، قال النووی : إنَّ بعضهم کان یقرأ أربع ختمات باللیل وأربعاً فی النهار ، ومنهم السیّد ابن الکاتب الصوفی رضی الله عنه (4) ، وعدّه من أُولئک صاحب خزینة الأسرار (5) (ص 78) وقال : کان یختم بالنهار أربعاً وباللیل أربعاً ، ویمکن حمله 5.

ص: 64


1- المنتظم : 12 / 352 رقم 1890.
2- الشیخ عبد الوهاب بن أحمد الشعراوی الشافعی الإمام الفقیه المحدِّث الأصولی المتوفّی (973).(المؤلف)
3- شذرات الذهب : 10 / 243 حوادث سنة 930 ه.
4- إرشاد الساری : 7 / 199 و 8 / 396 [7 / 414 ح 3417 و 10 / 412 ح 4713] ، الفتاوی الحدیثیّة : ص 43 [ص 58]. (المؤلف)
5- خزینة الأسرار : ص 55.

علی مبادئ طیّ اللسان وبسط الزمان.

وقال صاحب التوضیح : أکثر ما بلغنا قراءةً ثمان ختمات فی الیوم واللیلة ، وقال السلمی : سمعت الشیخ أبا عثمان المغربی یقول : إنَّ ابن الکاتب یختم بالنهار أربع ختمات ، وباللیل أربع ختمات. قاله العینی فی عمدة القاری (1) (9 / 349).

2 - قال الشیخ عبد الحیّ الحنفی فی إقامة الحجّة (2) (ص 7) : ومنهم : علیّ بن أبی طالب ؛ فإنّه کان یختم فی الیوم ثمانیَ ختمات ، کما ذکره بعض شرّاح البخاری.

3 - بکر بن سهیل الدمیاطی المتوفّی (289) قال : هجَّرت - أی بکّرت - یوم الجمعة فقرأت إلی العصر ثمانیَ ختمات. حکاه عنه الذهبی (3) فی میزان الاعتدال (ج 1) فی ترجمته.

وقال القسطلانی : رأیت أبا الطاهر المقدسی بالقدس سنة (867) ، وسمعت عنه إذ ذاک أنَّه کان یقرأ فیهما - فی الیوم واللیلة - أکثر من عشر ختمات ؛ بل قال لی شیخ الإسلام البرهان بن أبی شریف - أدام الله النفع بعلومه - عنه : إنَّه کان یقرأ خمس عشرة فی الیوم واللیلة ، وهذا بابٌ لا سبیل إلی إدراکه إلاّ بالفیض الربّانی.

وقال : وقرأت فی الإرشاد : أنَّ الشیخ نجم الدین الأصبهانی رأی رجلاً من الیمن بالطواف ختم فی شوط أو فی أسبوع - شکّ - وهذا لا سبیل إلی إدراکه إلاّ بالفیض الربّانی والمدد الرحمانی. إرشاد الساری (4).

وقال الغزالی فی إحیاء العلوم (5) (1 / 319) : کان کرز بن وبرة مقیماً بمکّة ، فکان 8.

ص: 65


1- عمدة القاری : 20 / 60 ح 75.
2- إقامة الحجّة : ص 64.
3- سیر أعلام النبلاء : 13 / 425 رقم 210.
4- إرشاد الساری : 7 / 199 و 8 / 369 [7 / 414 ح 3417 ، 10 / 412 ح 4713].(المؤلف)
5- إحیاء علوم الدین : 1 / 308.

یطوف فی کل یوم سبعین أسبوعاً ، وفی کلّ لیلةٍ سبعین أسبوعاً ، وکان مع ذلک یختم القرآن فی الیوم واللیلة مرّتین (1). فحسب ذلک فکان عشرة فراسخ ، ویکون مع کلّ أسبوع رکعتان ، فهو مائتان وثمانون رکعة وختمتان وعشرة فراسخ.

وقال النازلی فی خزینة الأسرار (2) (ص 78) : وقد رُوی عن الشیخ موسی السدرانی من أصحاب الشیخ أبی مدین المغربی أنَّه کان یختم فی اللیل والنهار سبعین ألف ختمة ، ونقل عنه : أنّه ابتدأ بعد تقبیل الحجر ، وختم فی محاذاة الباب ؛ بحیث إنّه سمعه بعض الأصحاب حرفاً حرفاً ، کذا ذکره فی الإحیاء ، وعلی القاری فی شرح المشکاة (3).

وفی (ص 180) من خزینة الأسرار : إنّ الشیخ أبا مدین المغربی ، أحد الثلاثة ورئیس الأوتاد الذی کان یختم القرآن کلّ یوم سبعین ألف ختمة.

وأخرج البخاری فی صحیحه (4) عن أبی هریرة یرفعه قال : قال صلی الله علیه وآله وسلم : خفّف علی داود القرآن فکان یأمر بدابته فتسرج فیقرأ القرآن قبل أن تسرج.

وقال القسطلانی فی شرح هذا الحدیث (5) : وفیه أنّ البرکة قد تقع فی الزمن الیسیر حتی یقع فیه العمل الکثیر ، وقال : قد دلّ هذا الحدیث علی أنّ الله تعالی یطوی الزمان (6) لمن شاء من عباده کما یطوی المکان لهم. ف)

ص: 66


1- مرّ فی صحیفة 39 : أنّه کان یختم فی الیوم واللیلة ثلاث ختمات. (المؤلف)
2- خزینة الأسرار : ص 55.
3- مرقاة المفاتیح شرح مشکاة المصابیح : 4 / 702 ح 2201.
4- صحیح البخاری : 1 / 101 [3 / 1256 ح 3235] فی کتاب التفسیر فی باب قوله تعالی : (وَآتَینا دَاودَ زَبُوراً) و 2 / 164 [4 / 1747 ح 4436] فی أحادیث الأنبیاء. (المؤلف)
5- إرشاد الساری : 8 / 396 [10 / 412 ح 4713]. (المؤلف)
6- کان حقّ المقام أن یقول : یطوی اللسان أو یقول : یبسط الزمان. (المؤلف)

قال الأمینی : إن هی إلاّ أساطیر الأوّلین وخزعبلات السلف کتبتها ید الأوهام الباطلة ، وکلّها نصب عینی ابن تیمیّة وقومه لم تسمع من أحدهم فیها رکزاً ولم ترَ منهم غمیزة ، وکان حقّا علی هذه السفاسف أن تُکتب فی طامور القصّاصین ، أو تُواری فی مطامیر البراری ، أو تُقذف فی طمطام البحار ، أسفی علی تلکم التآلیف الفخمة الضخمة تحتوی مثل هذه الخرافات ، أسفی علی أولئک الأعلام یخضعون إلیها ویرونها جدیرة بالذکر ، ولو کان یعلم ابن تیمیّة أنَّ نظّارة التنقیب تعرب عن هذه الخزایات بعد لأیٍ من عمر الدهر لکان یختار لنفسه السکوت ، وکفَّ مدّته عن صلاة أمیر المؤمنین وولده الإمام السبط والسیّد السجّاد علیهم السلام ، وما کان یحوم حومة العار إن عقل صالحه.

(وَلَوْ أَنَّهُمْ قالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنا لَکانَ خَیْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَ) (1)

3 - المحدَّث فی الإسلام

أصفقت الأمّة الإسلامیّة علی أنّ فی هذه الأمّة لدة الأمم السابقة أُناساً محدَّثین - علی صیغة المفعول - ، وقد أخبر بذلک النبیّ الأعظم کما ورد فی الصحاح والمسانید من طرق الفریقین - العامّة والخاصّة - والمحدَّث : من تکلّمه الملائکة بلا نبوّة. ولا رؤیة صورة ، أو یُلهم له ویُلقی فی روعه شیء من العلم علی وجه الإلهام والمکاشفة من المبدأ الأعلی ، أو یُنکت له فی قلبه من حقائق تخفی علی غیره ، أو غیر ذلک من المعانی التی یمکن أن یراد منه ، فوجود من هذا شأنه من رجالات هذه الأمّة مُطبق علیه بین فرق الإسلام ، بید أنّ الخلاف فی تشخیصه ، فالشیعة تری علیّا أمیر المؤمنین وأولاده الأئمّة - صلوات الله علیهم - من المحدَّثین ، وأهل السنّة یرون منهم عمر بن 6.

ص: 67


1- النساء : 46.

الخطاب ، وإلیک نماذج من نصوص الفریقین :

نصوص أهل السنّة :

أخرج البخاری فی صحیحه فی باب مناقب عمر بن الخطاب (1) (2 / 194) ، عن أبی هریرة قال : قال النبی صلی الله علیه وآله وسلم : لقد کان فیمن کان قبلکم من بنی إسرائیل رجالٌ یُکلَّمون من غیر أن یکونوا أنبیاء ، فإن یکن من أُمّتی منهم أحدٌ فعمر.

قال ابن عبّاس : من نبیٍّ ولا محدَّث.

قال القسطلانی (2) : لیس قوله (فإن یکن) للتردید بل للتأکید ؛ کقولک : إن یکن لی صدیقٌ ففلان. إذ المراد اختصاصه بکمال الصداقة لا نفی الأصدقاء ، وإذا ثبت أنّ هذا وجد فی غیر هذه الأمّة المفضولة ، فوجوده فی هذه الأمّة الفاضلة أحری. وقال فی شرح قول ابن عبّاس (من نبیٍّ ولا محدَّث) : قد ثبت قول ابن عبّاس هذا لأبی ذرّ وسقط لغیره ، ووصله سفیان بن عیینة فی أواخر جامعه وعبد بن حمید بلفظ : کان ابن عبّاس یقرأ : وما أرسلنا من قبلک من رسولٍ ولا نبیٍّ ولا محدَّث.

وأخرج البخاری فی صحیحه بعد حدیث الغار (3) (2 / 171) ، عن أبی هریرة مرفوعاً : أنّه قد کان فیما مضی قبلکم من الأمم محدَّثون ، إن کان فی أُمّتی هذه منهم فإنّه عمر بن الخطّاب.

قال القسطلانی فی شرحه (4) (5 / 431) : قال المؤلّف : یجری علی ألسنتهم الصواب من غیر نبوّة. وقال الخطابی : یُلقی الشیء فی روعه فکأنّه قد حُدِّث به ، یظنُ 9.

ص: 68


1- صحیح البخاری : 3 / 1349 ح 3486.
2- إرشاد الساری شرح صحیح البخاری : 6 / 99. (المؤلف)
3- صحیح البخاری : 3 / 1279 ح 3282.
4- إرشاد الساری : 7 / 482 ح 3469.

فیصیب ویخطر الشیء بباله فیکون ، وهی منزلة رفیعة من منازل الأولیاء.

وقال فی قوله (إن کان فی أمّتی) : قاله صلی الله علیه وآله وسلم علی سبیل التوقّع ، وکأنّه لم یکن اطّلع (1) علی أنّ ذلک کائنٌ وقد وقع ، وقصّة یا ساریة الجبل (2) مشهورةٌ مع غیرها.

وأخرج مسلم فی صحیحه - فی باب فضائل عمر (3) - : عن عائشة ، عن النبی صلی الله علیه وآله وسلم : قد کان فی الأمم قبلکم محدَّثون ، فإن یکن فی أُمّتی منهم أحدٌ فإنّ عمر ابن الخطّاب منهم. قال ابن وهب : تفسیر محدَّثون : ملهمون.

ورواه ابن الجوزی فی صفة الصفوة (4) (1 / 104) وقال : حدیثٌ متّفقٌ علیه ، وأخرجه أبو جعفر الطحاوی فی مشکل الآثار (2 / 257) بطرق شتّی عن عائشة وأبی هریرة ، وأخرج قراءة ابن عبّاس : وما أرسلنا من قبلک من رسول ولا نبیّ ولا محدَّث. قال : معنی قوله : محدَّثون أی ملهمون ، فکان عمر رضی الله عنه ینطق بما کان ینطق ملهماً ، ثمّ عدّ من ذلک ما قد رُوی عن أنس بن مالک ، قال : قال عمر بن الخطّاب : وافقنی ربّی - أو : وافقتُ ربّی - فی ثلاث ، قلت : یا رسول الله ، لو اتّخذنا من مقام إبراهیم مصلّی ، فنزلت : (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِیمَ مُصَلًّی) (5) وقلت : یا رسول الله إنّ نساءک یدخل علیهنّ البَرُّ والفاجر فلو أمرتهنّ أن یحتجبن ، فنزلت آیة الحجاب. واجتمع علی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم نساؤه فی الغیرة فقلت : عسی ربّی إن طلّقکنّ أن یُبدِله أزواجاً خیراً منکنّ ، فنزلت کذلک.

قال الأمینی : إن کان هذا من القول بالإلهام فعلی الإسلام السلام ، وما أجهل القوم بالمناقب ، حتی أتوا بالطامّات الکبری کهذه وعدّوها فضیلة ، وعلیهم إن عقلوا 5.

ص: 69


1- أُنظر إلی التناقض بین قوله هذا وبین ما مرّ من أنّ (إنّ) للتأکید لا للتردید. (المؤلف)
2- سیوافیک فی مناقب عمر : أن قصّة یا ساریة الجبل ، موضوعة مکذوبة. (المؤلف)
3- صحیح مسلم : 5 / 16 ح 23 کتاب فضائل الصحابة.
4- صفة الصفوة : 1 / 277 رقم 3.
5- البقرة : 125.

صالحهم إنکار مثل هذا القول علی عمر ، وفیه حطّ لمقام النبوّة ، ومسّةٌ علی کرامة صاحب الرسالة صلی الله علیه وآله وسلم.

قال النووی فی شرح صحیح مسلم (1) : اختلف تفسیر العلماء للمراد ب (محدَّثون) ، فقال ابن وهب : ملهمون ، وقیل : مصیبون إذا ظنّوا فکأنّهم حُدِّثوا بشیء فظنّوه. وقیل : تکلِّمهم الملائکة ، وجاء فی روایة : مکلَّمون. وقال البخاری : یجری الصواب علی ألسنتهم ، وفیه إثبات کرامات الأولیاء.

وقال الحافظ محبّ الدین الطبری فی الریاض (2) (1 / 199) : ومعنی محدَّثون - والله أعلم - أی یُلهمون الصواب ، ویجوز أن یحمل علی ظاهره وتحدِّثهم الملائکة لا بوحی وإنّما بما یُطلق علیه اسم حدیث ، وتلک فضیلةٌ عظیمةٌ.

وقال القرطبی فی تفسیره (3) (12 / 79) : قال ابن عطیّة : وجاء عن ابن عبّاس أنَّه کان یقرأ : وما أرسلنا من قبلک من رسولٍ ولا نبیٍّ ولا محدَّث. ذکره مسلمة بن القاسم بن عبد الله ، ورواه سفیان ، عن عمرو بن دینار ، عن ابن عبّاس. قال مسلمة : فوجدنا المحدَّثین معتصمین بالنبوّة - علی قراءة ابن عبّاس - لأنّهم تکلّموا بأمور عالیة من أنباء الغیب خطرات ، ونطقوا بالحکمة الباطنة ، فأصابوا فیما تکلّموا ، وعصموا فیما نطقوا کعمر بن الخطّاب فی قصّة ساریة (4). وما تکلّم به من البراهین العالیة.ف)

ص: 70


1- شرح صحیح مسلم : 15 / 166.
2- الریاض النضرة : 2 / 245.
3- الجامع لأحکام القرآن : 12 / 53.
4- هو ساریة بن زنیم بن عبد الله ، وکان من قصّته أنّ عمر رضی الله عنه أمّره علی جیش وسیّره إلی فارس سنة ثلاث وعشرین ، فوقع فی خاطر سیّدنا عمر - وهو یخطب یوم الجمعة - أنّ الجیش المذکور لاقی العدو وهم فی بطن وادٍ وقد همّوا بالهزیمة ، وبالقرب منهم جبل ، فقال فی أثناء خطبته : یا ساریة : الجبل الجبل ، ورفع صوته فألقاه الله فی سمع ساریة فانحاز بالناس إلی الجبل ، وقاتلوا العدو من جانب واحد ففتح الله علیهم. کذا فی هامش تفسیر القرطبی. (المؤلف)

وأخرج الحافظ أبو زرعة حدیث أبی هریرة ، فی طرح التثریب فی شرح التقریب (1 / 88) بلفظ : لقد کان فیمن کان قبلکم من بنی إسرائیل رجال مکلَّمون من غیر أن یکونوا أنبیاء ، فإن یکن فی أمّتی أحدٌ فعمر.

وأخرجه البغوی فی المصابیح (1) (2 / 270) ، والسیوطی فی الجامع الصغیر (2). وقال المناوی فی شرح الجامع الصغیر (4 / 507):

قال القرطبی : محدَّثون - بفتح الدال - اسم مفعول ، جمعُ محدَّث بالفتح أی مُلهَم أو صادق الظنّ ، وهو من أُلقی فی نفسه شیءٌ علی وجه الإلهام والمکاشفة من الملأ الأعلی أو من یجری الصواب علی لسانه بلا قصد ، أو تکلّمه الملائکة بلا نبوّة ، أو من إذا رأی رأیاً أو ظنّ ظنّا أصاب کأنّه حُدِّث به ، وأُلقی فی روعه من عالم الملکوت فیظهر علی نحو ما وقع له ، وهذه کرامةٌ یکرم الله بها من شاء من صالح عباده ، وهذه منزلة جلیلة من منازل الأولیاء.

فإن یکن من أمّتی منهم أحدٌ فإنّه عمر ، کأنّه جعله فی انقطاع قرینه فی ذلک کأنّه نبیّ ؛ فلذلک أتی بلفظ (إن) بصورة التردید ، قال القاضی : ونظیر هذا التعلیق فی الدلالة علی التأکید والاختصاص قولک : إن کان لی صدیقٌ فهو زید ؛ فإنّ قائله لا یرید به الشکّ فی صداقته بل المبالغة فی أنّ الصداقة مختصّة به لا تتخطّاه إلی غیره.

وقال القرطبی : قوله (فإن یکن) دلیل علی قلّة وقوعه وندرته ، وعلی أنّه لیس المراد بالمحدَّثین المصیبون فیما یظنّون ؛ لأنّه کثیرُ فی العلماء بل وفی العوام من یقوی حدسه فتصحُّ إصابته فترتفع خصوصیّة الخبر وخصوصیّة عمر ، ومعنی الخبر قد تحقّق ووجد فی عمر قطعاً وإن کان النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم لم یجزم بالوقوع ، وقد دلّ علی وقوعه لعمر أشیاء کثیرة کقصّة الجبل یا ساریة الجبل ، وغیره. وأصحّ ما یدلّ علی 7.

ص: 71


1- مصابیح السنّة : 4 / 153 ح 472.
2- الجامع الصغیر : 2 / 251 ح 6097.

ذلک شهادة النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم له بذلک حیث قال : إنّ الله جعل الحقّ علی لسان عمر وقلبه (1).

قال ابن حجر (2) : وقد کثر هؤلاء المحدَّثون بعد العصر الأوّل ، وحکمته زیادة شرف هذه الأمّة بوجود أمثالهم فیها ومضاهاة بنی إسرائیل فی کثرة الأنبیاء ، فلمّا فات هذه الأمّة المحمدیّة کثرة الأنبیاء لکون نبیّهم خاتم الأنبیاء عُوِّضوا تکثیر الملهَمین.

تنبیهٌ :

قال الغزالی (3) : قال بعض العارفین : سألت بعض الأبدال عن مسألة من مشاهد النفس فالتفت إلی شماله وقال : ما تقول رحمک الله؟ ثمّ إلی یمینه کذلک ، ثمّ أطرق إلی صدره فقال : ما تقول؟ ثمّ أجاب. فسألته عن التفاته ، فقال : لم یکن عندی علمٌ فسألت الملکین فکلٌّ قال : لا أدری ، فسألت قلبی فحدَّثنی بما أجبت ، فإذا هو أعلم منهما. قال الغزالی : وکأنّ هذا معنی هذا الحدیث. انتهی.

ویجد الباحث فی طیّ کتب التراجم جمعاً ممّن کلَّمتهم الملائکة ، منهم : عمران بن الحصین الخزاعی المتوفّی سنة (52) ، أخرج أبو عمر فی الاستیعاب (4) (2 / 4 55) : إنّه کان یری الحفظة وکانت تکلّمه حتی اکتوی. وذکره ابن حجر فی الإصابة (3 / 26).

وقال ابن کثیر فی تاریخه (5) (8 / 60) : قد کانت الملائکة تسلّم علیه فلمّا اکتوی .

ص: 72


1- لم یصدّق الخُبر الخَبر ، بل یکذِّبه التاریخ الصحیح وسیرة عمر المحفوظة فی صفحات الکتب والمعاجم. (المؤلف)
2- فتح الباری : 7 / 40.
3- إحیاء علوم الدین : 3 / 28.
4- الاستیعاب : القسم الثالت / 1208 رقم 1969.
5- البدایة والنهایة : 8 / 66 حوادث سنة 52 ه.

انقطع عنه سلامهم ، ثمّ عادوا قبل موته بقلیل ، فکانوا یسلّمون علیه رضی الله عنه.

وفی شذرات الذهب (1) (1 / 58) : إنّه کان یسمع تسلیم الملائکة علیه ؛ ثمّ اکتوی بالنار فلم یسمعهم عاماً ، ثمّ أکرمه الله بردّ ذلک.

وذکر تسلیم الملائکة علیه : الحافظ العراقی فی طرح التثریب (1 / 90) ، وأبو الحجّاج المزّی فی تهذیب الکمال کما فی تلخیصه (2) (ص 250) ، وقال ابن سعد (3) وابن الجوزی فی صفة الصفوة (4) (1 / 283) : کانت الملائکة تصافحه. وذکره ابن حجر فی تهذیب التهذیب (5) (8 / 126).

ومنهم : أبو المعالی الصالح المتوفّی (427) ، أخرج الحافظان ابنا الجوزی وکثیر : أنّ أبا المعالی أصابته فاقةٌ شدیدة فی شهر رمضان ، فعزم علی الذهاب إلی رجل من ذوی قرابته لیستقرض منه شیئاً ، قال : فبینما أنا أریده فنزل طائرٌ فجلس علی منکبی وقال : یا أبا المعالی أنا الملک الفلانی ، لا تمضِ إلیه نحن نأتیک به. قال : فبکر إلیّ الرجل (6). صفة الصفوة (2 / 2 80) ، المنتظم (9 / 136) ، البدایة والنهایة (12 / 163).

وقال أبو سلیمان الخطّابی : قال النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم : قد کان فی الأمم ناسٌ محدَّثون ، فإن یکن فی أمّتی فعمر ، وأنا أقول : فإن کان فی هذا العصر أحدٌ کان أبا عثمان المغربی. تاریخ بغداد (9 / 113).

ومن هذا القبیل تکلّم الحوراء مع أبی یحیی الناقد ، أخرج الخطیب البغدادی .

ص: 73


1- شذرات الذهب : 1 / 249 حوادث سنة 52 ه.
2- أُنظر خلاصة الخزرجی : 2 / 300 رقم 5424.
3- الطبقات الکبری : 7 / 11.
4- صفة الصفوة : 1 / 682 رقم 94.
5- تهذیب التهذیب : 8 / 112.
6- صفة الصفوة : 2 / 496 رقم 341 ، المنتظم : 17 / 82 رقم 3734 ، البدایة والنهایة : 12 / 200 حوادث سنة 496 ه.

وابن الجوزی عن أبی یحیی زکریا بن یحیی الناقد المتوفّی (285) - أحد أثبات المحدَّثین - قال : اشتریت من الله حوراء بأربعة آلاف ختمة ، فلمّا کان آخر ختمة ، سمعت الخطاب من الحوراء وهی تقول : وفیتَ بعهدک فها أنا التی قد اشتریتنی (1).

هذا ما عند القوم ، وأما :

نصوص الشیعة :

فأخرج ثقة الإسلام الکلینی فی کتابه أصول الکافی (2) (ص 84) تحت عنوان - باب الفرق بین الرسول والنبیّ والمحدَّث - أربعة أحادیث ، منها : بإسناده عن بُرید ، عن الإمامین الباقر والصادق - صلوات الله علیهما - فی قوله عزّ وجلّ فی سورة الحجّ (3) (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِکَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِیٍ) وَلا مُحَدَّث. قال بُرید : قلت : جُعِلتُ فداک لیست هذه قراءتنا (4) فما الرسول والنبیّ والُمحَدَّث؟ قال : «الرسول الذی یظهر له الملک فیکلّمه ، والنبیّ هو الذی یری فی منامه ، وربّما اجتمعت النبوّة والرسالة لواحد ، والمحدَّث الذی یسمع الصوت ولا یری الصورة». قال : قلت أصلحک الله کیف یعلم أنّ الذی رأی فی النوم حقٌّ وأنّه من الملک؟ قال : «یوفّق لذلک حتی یعرفه ، ولقد ختم الله عزّ وجلّ بکتابکم الکتب ، وختم بنبیّکم الأنبیاء».

وحدیث آخر أیضاً فصّل بهذا البیان بین النبیّ والرسول والمحدَّث ، وحدیثان بالتفصیل المذکور غیر أنّ فیهما مکان لفظة المحدَّث ، الإمام ؛ أحدهما عن زرارة قال : سألتُ أبا جعفر علیه السلام عن قول الله عزّ وجلّ : (وَکانَ رَسُولاً نَبِیًّا) ما الرسول وما ف)

ص: 74


1- تاریخ بغداد : 8 / 462 [رقم 4577] ، المنتظم : 6 / 8 [12 / 386 رقم 1920] ، صفة الصفوة : 2 / 234 [2 / 414 رقم 293] ، مناقب أحمد لابن الجوزی : ص 510 [ص 679]. (المؤلف)
2- أصول الکافی : 1 / 177.
3- آیة : 52.
4- هی قراءة ابن عباس کما مرّ. (المؤلف)

النبیّ؟ قال : «النبیّ الذی یری فی منامه ویسمع الصوت ولا یعاین المَلک ، والرسول الذی یسمع الصوت ویری ویعاین الملک» ، ثمّ تلا هذه الآیة (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِکَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِیٍ) ولا مُحَدَّث.

والثانی : عن إسماعیل بن مرار ، قال : کتب الحسن بن العبّاس المعروف إلی الرضا علیه السلام : جُعلتُ فداک أخبرنی ما الفرق بین الرسول والنبیّ والإمام؟ قال : فکتب - أو قال - : «الفرق بین الرسول والنبیّ والإمام ؛ أنّ الرسول الذی ینزل علیه جبرئیل علیه السلام فیراه ویسمع کلامه وینزل علیه الوحی ، وربّما رأی فی منامه نحو رؤیا إبراهیم علیه السلام ؛ والنبیّ ربّما سمع الکلام وربّما رأی الشخص ولم یسمع ؛ والإمام هو الذی یسمع الکلام ولا یری الشخص».

هذا تمام ما فی هذا الباب من الکافی (1) ، وأخرج فی (ص 135) تحت عنوان - باب أنّ الأئمّة : مُحدَّثون مُفهّمون - خمسة أحادیث منها ، عن حمران بن أعین ، قال : قال أبو جعفر علیه السلام : «إنّ علیّا کان مُحدَّثاً» فخرجتُ إلی أصحابی فقلتُ : جئتکم بعجیبة. فقالوا : وما هی؟ فقلت : سمعت أبا جعفر علیه السلام یقول : کان علیٌّ مُحدَّثاً ، فقالوا : ما صنعت شیئاً ألا سألته من کان یحدِّثه؟ فرجعت إلیه فقلت : إنی حدّثت أصحابی بما حدّثتنی فقالوا : ما صنعت شیئاً ألا سألته من کان یحدّثه؟ فقال لی : «یحدِّثه ملَک». قلت : تقول إنّه نبیٌّ؟ قال : فحرّک یده هکذا ، «أو کصاحب سلیمان ، أو کصاحب موسی ، أو کذی القرنین ، أوَما بلغکم أنّه قال : وفیکم مثله».

وحدیث آخر (2) ما ملخّصه : أنّ علیّا - أمیر المؤمنین - کان یعرف قاتله ویعرف الأمور العظام التی کان یحدّث بها الناس ، بقول الله عزّ ذکره : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِکَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِیٍ) وَلا مُحَدّث. 0.

ص: 75


1- أصول الکافی : 1 / 176 و 271.
2- أصول الکافی : ص 270.

وحدیثان آخران (1) أحدهما : أنّ أوصیاء محمد صلی الله علیه وآله وسلم محدَّثون. والثانی : الأئمّة علماء صادقونَ مُفهَّمونَ مُحدَّثون. والحدیث الخامس فی معنی المُحدَّث ، وأنّه یسمع الصوت ولا یری الشخص. ولیس فی هذا الباب من کتاب الکافی غیر ما ذکرناه.

وروی شیخ الطائفة فی أمالیه (2) (ص 260) بإسناده عن أبی عبد الله علیه السلام قال : «کان علیّ علیه السلام محدَّثاً ، وکان سلمان محدَّثاً» ، قال : قلت : فما آیة المحدَّث؟ قال : «یأتیه ملکٌ فینکت فی قلبه کیت کیت».

وبالإسناد عن أبی عبد الله علیه السلام قال : منّا من یُنکت فی قلبه ؛ ومنّا من یُقذَف فی قلبه ، ومنّا من یُخاطب.

وبإسناده عن الحرث النصری قال : قلت لأبی عبد الله علیه السلام : الذی یُسأل عنه الإمام ولیس عنده فیه شیءٌ من أین یعلمه؟ قال : «یُنکَت فی القلب نکتاً ، أو یُنقَر فی الأذن نقراً». وقیل لأبی عبد الله علیه السلام : إذا سُئلَ کیف یُجیب؟ قال : «إلهامٌ وسماعٌ وربّما کانا جمیعاً».

وروی الصفّار بإسناده فی بصائر الدرجات (3) عن حمران بن أعین قال : قلتُ لأبی جعفر علیه السلام : ألستَ حدّثتنی أنّ علیّا کان مُحدَّثاً؟ قال : «بلی». قلتُ : من یحدِّثه؟ قال : «ملَکٌ». قلتُ : فأقول : إنّه نبیٌّ أو رسولٌ؟ قال : «لا. بل مَثَلُه مَثل صاحب سلیمان ، ومثَل صاحب موسی ، ومثَل ذی القرنین ، أما بلغک أنّ علیّاسُئل عن ذی القرنین ، فقالوا : کان نبیّا؟ قال : لا. بل کان عبداً أحبّ الله فأحبّه ، وناصح الله فناصحه». 6.

ص: 76


1- 1 (أصول الکافی : 1 / 270.
2- أمالی الطوسی : ص 407 - 408 ح 914 - 916.
3- بصائر الدرجات : ص 365 - 366.

وبإسناده عن حمران قال : قلتُ لأبی جعفر علیه السلام ما موضع العلماء؟ قال : «مثل ذی القرنین ، وصاحب سلیمان ، وصاحب داود».

وبالإسناد عن بُرید قال : قلتُ لأبی جعفر وأبی عبد الله علیهما السلام : ما منزلکم؟ بمن تشبَّهون ممّن مضی؟ فقال : «کصاحب موسی ، وذی القرنین ، کانا عالمین ولم یکونا نبیّین».

وبالإسناد عن عمّار قال : قلت لأبی عبد الله علیه السلام : ما منزلتهم؟ أنبیاءٌ هم؟ قال : «لا. ولکن هم علماء کمنزلة ذی القرنین فی علمه ، وکمنزلة صاحب موسی ، وکمنزلة صاحب سلیمان».

هذه جملةٌ من أخبار الشیعة فی الباب وهی کثیرةٌ مبثوثة فی کتبهم (1) ، وهذه رءوسها ، ومؤدّی هذه الأحادیث هو الرأی العام عند الشیعة سلفاً وخلفاً ، وفذلکته :

إنّ فی هذه الأمّة أناساً محدَّثین کما کان فی الأمم الماضیة ، وأمیر المؤمنین وأولاده الأئمّة الطاهرون علماء محدَّثون ولیسوا بأنبیاء. وهذا الوصف لیس من خاصّة منصبهم ولا ینحصر بهم ، بل کانت الصدّیقة - کریمة النبیّ الأعظم - محدَّثة ، وسلمان الفارسی محدَّثاً. نعم ؛ کلّ الأئمّة من العترة الطاهرة محدَّثون ، ولیس کلُّ محدَّث بإمام ، ومعنی المحدَّث : هو العالم بالأشیاء بإحدی الطرق الثلاث المفصّلة فی الأحادیث المتلوّة. هذا ما عند الشیعة لیس إلاّ.

هذا منتهی القول عند الفریقین ونصوصهما فی المحدَّث ، وأنت کما تری لا یوجد أیّ خلاف بینهما ، ولم تشذّ الشیعة عن بقیّة المذاهب الإسلامیّة فی هذا الموضوع بشیء من الشذوذ إلاّ فی عدم عدّهم عمر بن الخطّاب من المحدَّثین ، وذلک أخذاً بسیرته ف)

ص: 77


1- جمعها العلاّمة المجلسی فی بحار الأنوار [26 / 66 باب إنّهم : محدَّثون مفهّمون و 40 / 140 و 142 ح 40 و 41 و 43 و 44]. (المؤلف)

الثابتة فی صفحات التاریخ من ناحیة علمه ولسنا فی مقام البحث عنه (1) ، فهل من المعقول أن یُعَدّ هذا القول المتسالم علیه فی المحدَّث لأمّةٍ من قائلیه فضیلةً رابیةً ، وعلی الأخری منهم ضلالاً ومنقصة؟ لاها الله.

هلمَّ معی نسائل کیذبان الحجاز - عبد الله القصیمی - جرثومة النفاق ، وبذرة الفساد فی المجتمع ، کیف یری فی کتابه - الصراع بین الإسلام والوثنیّة - أنّ الأئمّة من آل البیت عند الشیعة أنبیاء ، وأنّهم یوحی إلیهم ، وأنّ الملائکة تأتی إلیهم بالوحی ، وأنّهم یزعمون لفاطمة وللأئمّة من وُلدها ما یزعمون للأنبیاء؟ ویستند فی ذلک کلّه علی مکاتبة الحسن بن العبّاس المذکور (ص 47) نقلاً عن الکافی ، هلاّ یعلم هذا المغفّل أنّ هذه المفتریات والقذائف علی أمّة کبیرة ، أطلّت آراؤها الصالحة علی أرجاء الدنیا ، إنْ هی إلاّ مآل القول بالمحدَّث الوارد فی الکتاب العزیز ، وتکلّم الملائکة مع الأئمّة من آل البیت وأُمّهم فاطمة البتول کما هو مقتضی استدلاله ، وأهل الإسلام کلّهم شرعٌ سواء فی ذلک. أوَللشیعیّ عندئذٍ أن یقول : إنّ عمر بن الخطّاب وغیره من المحدَّثین - علی زعم العامّة - عندهم أنبیاء یوحی إلیهم ، وإنَّ الملائکة تأتی إلیهم بالوحی؟ لکن الشیعة علماء حکماء لا یخدشون العواطف بالدجل والتمویه وقول الزور ، ولا یُسمع لأحد من حملة روح التشیّع ، والنزعة العلویّة الصحیحة ، ومقتفی الآداب الجعفریّة أن یتّهم أمّة کبیرة بالطامّات ، وحاشاها أن تُشوِّه سمعتها بالأکاذیب والأفائک ، وتقذف الأمم بما هی بریئة منه ، أمَا کانت بین یدی الرجل تلکم النصوص الصریحة للشیعة علی أنّ الأئمّة علماء ولیسوا بأنبیاء؟ أمَا کان صریح تلک الأحادیث بأنّ الأئمّة مَثَلهم کمَثَل صاحب موسی ، وصاحب سلیمان ، وذی القرنین؟ أمَا کان فی الکافی - فی الباب الذی قلبه الرجل علی الشیعة - قول الإمامین الباقر والصادق : «لقد ختم الله بکتابکم الکتب وختم بنبیّکم الأنبیاء»؟ ف)

ص: 78


1- سنوقفک علی البحث عنه فی الجزء السادس إن شاء الله. (المؤلف)

نعم ؛ هذه کلّها کانت بمرأی من الرجل غیر أنّ الإناء ینضح بما فیه ، وولید الروح الأمویّة الخبیثة وحامل نزعاتها الباطلة سَدِکٌ (1) بالقحّة والسفالة ، ولا ینفکُّ عن الخنا والقذیعة ، ومن شأن الأمویّ أن یتفعّی (2) ویمین ویأفک ، ویهتک ناموس المسلمین ، ویسلقهم بألسنة حداد ، ویفتری علی آل البیت وشیعتهم اقتداءً بسلفه ، وجریاً علی شنشنته الموروثة ، ونحن نورد نصّ کلام الرجل لیکون الباحث علی بصیرةٍ من أمره ، ویری جهده البالغ فی تشتیت صفوف الأمّة ، وشقِّ عصا المسلمین بالبهت وقول الزور ، قال فی الصراع (1 / 1):

الأئمّة یوحی إلیهم عند الشیعة ، قال فی الکافی (3) : کتب الحسن بن العبّاس إلی الرضا یقول : ما الفرق بین الرسول والنبیّ والإمام؟ فقال : «الرسول هو الذی ینزل علیه جبرئیل فیراه ، ویسمع کلامه ، وینزل علیه الوحی ، والنبیّ ربما یسمع الکلام ، وربّما رأی الشخص ولم یسمع ، والإمام هو الذی یسمع الکلام ولا یری الشخص». وقال : والأئمّة لم یفعلوا شیئاً ولا یفعلونه إلاّ بعهد من الله وأمر منه لا یتجاوزونه. وفی الکتاب نصوصٌ أخری متعدِدةٌ فی هذا المعنی ، فالإئمّة لدی هؤلاء أنبیاء یوحی إلیهم ، ورُسُل أیضاً ، لأنَّهم مأمورون بتبلیغ ما یوحی إلیهم.

وقال فی (2 / 35) : قد قدّمنا فی الجزء الأوّل : أنّ القوم یزعمون أنّ أئمّة أهل البیت یوحی إلیهم ، وأنّ الملائکة تأتیهم بالوحی من الله ومن السماء ، وتقدّم قولهم : إنّ الأئمّة لا یفعلون شیئاً ولا یقولونه إلاّ بوحی من الله ، وتقدّم : أنّ الفرق عندهم بین محمد رسول الله وبین الأئمّة من ذرّیته ؛ أنّ محمداً کان یری الملک النازل علیه بالوحی ، وأمّا الأئمّة فیسمعون الوحی وصوت الملک وکلامه ولا یرون شخصه ، وهذا هو 6.

ص: 79


1- السَّدِک : المولع بالشیء.
2- تفعّی الرجل : صار کالأفعی فی الشر.
3- أصول الکافی : 1 / 176.

الفرق لدیهم بین النبیّ والإمام ، وبین الرسل والأئمّة ، وهو فرقٌ لا حقیقة له ، فالأئمّة من آل البیت عندهم أنبیاء ورُسُل بکلّ ما فی کلمة النبیّ والرسول من معنی ؛ لأنَّ النبیّ الرسول هو إنسانٌ أوحی الله إلیه رسالة وکُلِّف تبلیغها ونشرها ، سواءٌ أکان وحی الله إلیه بواسطة الملک أم بلا واسطة ، وسواءٌ أُرِی شخص تلک الواسطة أم لم یرَه ، بل سمع منه وعقل عنه ، هذا هو النبیّ الرسول. ورؤیة الملک لا دخل له فی حقیقة معنی النبیّ والرسول بالإجماع ، ولهذا یقولون : الرسول هو إنسانٌ أُوحی إلیه وأُمر بالبلاغ ، والنبیُّ هو إنسانٌ أُوحی إلیه ولم یُؤمر بالبلاغ ولم یجعلوا لرؤیة الملک دخلاً فی حقیقة النبیّ وحقیقة الرسول ، وهذا لا ینازع فیه أحدٌ من الناس ، فالشیعة یزعمون لفاطمة وللأئمّة من ولدها ما یزعمون للأنبیاء والرسُل من المعانی والحقائق ، فهم یزعمون أنّهم معصومون ، وأنّهم یوحی إلیهم ، وأنّ الملائکة تنزل علیهم بالرسالات ، وأنّ لهم معجزات ، أقلّها إحیاؤهم الأموات ؛ کما یقولون فی أفضل کتبهم. انتهی.

(إِنَّما یَفْتَرِی الْکَذِبَ الَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ بِآیاتِ اللهِ وَأُولئِکَ هُمُ الْکاذِبُونَ) (1)

55 - علم أئمّة الشیعة بالغیب

شاعت القالة حول علم الأئمّة من آل محمد - صلوات الله علیه وعلیهم - ممّن أضمر الحنق علی الشیعة وأئمّتهم ، فعند کلٍّ منهم حوشیٌّ من الکلام ، یزخرف الزَّلْح (2) من القول ، ویخبط خبط عشواء ، ویثبت البرهنة علی جهله ، کأنَّ الشیعة تفرّدت بهذا الرأی عن المذاهب الإسلامیّة ، ولیس فی غیرهم من یقول بذلک فی إمام من أئمّة المذاهب ، فاستحقّوا بذلک کلّ سبٍّ وتحاملٍ ووقیعةٍ ، فحسبک ما لفّقه القصیمی فی ل.

ص: 80


1- النحل : 105.
2- الزَّلْح : الباطل.

الصراع من قوله فی صحیفة (ب) تحت عنوان : الأئمّة عند الشیعة یعلمون کلّ شیء ، والأئمّة إذا شاءوا أن یعلموا شیئاً أعلمهم الله إیّاه ، وهم یعلمون متی یموتون ، ولا یموتون إلاّ باختیارهم ، وهم یعلمون علم ما کان وعلم ما یکون ولا یخفی علیهم شیءٌ (ص 125 ، 126) من الکافی للکلینی. ثمّ قال :

وفی الکتاب نصوص أخری أیضاً فی المعنی ، فالأئمّة یُشارکون الله فی هذه الصفة صفة علم الغیب ، وعلم ما کان وما سیکون ، وأنَّه لا یخفی علیهم شیءٌ ، والمسلمون کلّهم یعلمون أنّ الأنبیاء والمرسلین لم یکونوا یشارکون الله فی هذه الصفة ، والنصوص فی الکتاب والسنّة وعن الأئمّة ، فی أنَّه لا یعلم الغیب إلاّ الله ، متواترةٌ لا یستطاع حصرها فی کتاب .. إلخ.

الجواب : العلم بالغیب - أعنی الوقوف علی ما وراء الشهود والعیان - من حدیث ما غبر أو ما هو آت ، إنَّما هو أمر سائغ ممکن لعامّة البشر ، کالعلم بالشهادة یُتصوّر فی کل ما یُنبَّأ الإنسان من عالم غابر ، أو عهدٍ قادم لم یَرَه ولم یشهده ، مهما أخبره بذلک عالم خبیر ، أخذاً من مبدأ الغیب والشهادة ، أو علماً بطرق أخری معقولة ، ولیس هناک أیُّ وازعٍ من ذلک ، وأمّا المؤمنون خاصّة فأغلب معلوماتهم إنّما هو الغیب من الإیمان بالله وملائکته وکتبه ورسله والیوم الآخر ، وجنّته وناره ولقائه ، والحیاة بعد الموت ، والبعث والنشور ، ونفخ الصور والحساب ، والحور والقصور والولدان ، وما یقع فی العرض الأکبر ، إلی آخر ما آمن به المؤمن وصدّقه ، فهذا غیب کلّه ، وأُطلق علیه الغیب فی الکتاب العزیز ، وبذلک عرّف الله المؤمنین فی قوله تعالی : (الَّذِینَ یُؤْمِنُونَ بِالْغَیْبِ) (1).

وقوله تعالی : (الَّذِینَ یَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَیْبِ) (2). 9.

ص: 81


1- البقرة : 3.
2- الأنبیاء : 49.

وقوله : (إِنَّما تُنْذِرُ الَّذِینَ یَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَیْبِ) (1).

وقوله : (إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّکْرَ وَخَشِیَ الرَّحْمنَ بِالْغَیْبِ) (2).

وقوله : (مَنْ خَشِیَ الرَّحْمنَ بِالْغَیْبِ) (3).

وقوله : (إِنَّ الَّذِینَ یَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَیْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ) (4).

وقوله : (جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِی وَعَدَ الرَّحْمنُ عِبادَهُ بِالْغَیْبِ) (5).

ومنصب النبوّة والرسالة یستدعی لمتولّیه العلم بالغیب من شتّی النواحی مضافاً إلی ما یعلم منه المؤمنون ، وإلیه یشیر قوله تعالی : (وَکُلًّا نَقُصُّ عَلَیْکَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَکَ وَجاءَکَ فِی هذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِکْری لِلْمُؤْمِنِینَ) (6).

ومن هنا قصَّ علی نبیّه القصص ، وقال بعد النبأ عن قصّة مریم : (ذلِکَ مِنْ أَنْباءِ الْغَیْبِ نُوحِیهِ إِلَیْکَ) (7).

وقال بعد سرد قصّة نوح : (تِلْکَ مِنْ أَنْباءِ الْغَیْبِ نُوحِیها إِلَیْکَ) (8).

وقال بعد قصّة إخوان یوسف : (ذلِکَ مِنْ أَنْباءِ الْغَیْبِ نُوحِیهِ إِلَیْکَ) (9).

وهذا العلم بالغیب الخاصّ بالرسل دون غیرهم ینصُّ علیه بقوله تعالی : 2.

ص: 82


1- فاطر : 18.
2- یس : 11.
3- سورة ق : 33.
4- الملک : 12.
5- مریم : 60.
6- هود : 120.
7- آل عمران : 44.
8- هود : 49.
9- یوسف : 102.

(عالِمُ الْغَیْبِ فَلا یُظْهِرُ عَلی غَیْبِهِ أَحَداً * إِلاَّ مَنِ ارْتَضی مِنْ رَسُولٍ) (1) ؛ نعم : (وَلا یُحِیطُونَ بِشَیْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِما شاءَ) (2). (وَما أُوتِیتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِیلاً) (3)

فالأنبیاء والأولیاء والمؤمنون کلّهم یعلمون الغیب بنصٍّ من الکتاب العزیز ، ولکلٍّ منهم جزء مقسوم ؛ غیر أنَّ علم هؤلاء کلّهم - بلغ ما بلغ - محدود لا محالة کمّا وکیفاً ، وعارض لیس بذاتیٍّ ، ومسبوقٌ بعدمه لیس بأزلیٍّ ، وله بدء ونهایة لیس بسرمدیٍّ ، ومأخوذٌ من الله سبحانه (وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَیْبِ لا یَعْلَمُها إِلاَّ هُوَ) (4).

والنبیّ ووارث علمه فی أمّته (5) ارجاع دارد یحتاجون فی العمل والسیر علی طبق علمهم بالغیب من البلایا ، والمنایا ، والقضایا ، وإعلامهم الناس بشیءٍ من ذلک ، إلی أمر المولی سبحانه ورخصته ، وإنَّما العلم ، والعمل به ، وإعلام الناس بذلک ، مراحل ثلاث لا دخل لکلّ مرحلة بالأخری ، ولا یستلزم العلم بالشیء وجوب العمل علی طبقه ، ولا ضرورة الإعلام به ، ولکلٍّ منها جهات مقتضیة ووجوه مانعة لا بدَّ من رعایتها ، ولیس کلّ ما یُعلَم یُعمَل به ، ولا کلّ ما یُعلَم یُقال.

قال الحافظ الأصولی الکبیر الإمام أبو إسحاق إبراهیم بن موسی اللخمی الشهیر بالشاطبی المتوفّی (790) فی کتابه القیّم - الموافقات فی أصول الأحکام (6) (2 / 184):

لو حصلت له مکاشفة بأنَّ هذا المعیّن مغصوب أو نجس ، أو أنَّ هذا الشاهد 7.

ص: 83


1- الجن : 26 و 27.
2- البقرة : 255
3- الإسراء : 85.
4- الأنعام : 59.
5- أجمعت الأمّة الإسلامیة علی أنّ وارث رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم فی علمه هو أمیر المؤمنین علیّ بن أبی طالب علیه السلام. راجع الجزء الثالث من کتابنا : ص 95 - 101. (المؤلف)
6- الموافقات فی أصول الأحکام : 2 / 267.

کاذبٌ ، أو أنَّ المال لزید ، وقد تحصّل - للحاکم - بالحجّة لعمرو ، أو ما أشبه ذلک ، فلا یصحُّ له العمل علی وفق ذلک ما لم یتعیّن سببٌ ظاهر ، فلا یجوز له الانتقال إلی التیمّم ، ولا ترک قبول الشاهد ولا الشهادة بالمال لذی یدٍ علی حال ، فإنّ الظواهر قد تعیّن فیها بحکم الشریعة أمرٌ آخر ، فلا یترکها اعتماداً علی مجرّد المکاشفة أو الفراسة ، کما لا یعتمد فیها علی الرؤیا النومیّة ، ولو جاز ذلک لجاز نقض الأحکام بها وإن ترتّبت فی الظاهر موجباتها ، وهذا غیر صحیح بحال فکذا ما نحن فیه ، وقد جاء فی الصحیح (1) : «إنَّکم تختصمون إلیّ ، ولعلّ بعضکم أن یکون ألحن بحجّته من بعض ، فأحکم له علی نحو ما أسمع منه ...». فقیّد الحکم بمقتضی ما یسمع وترک ما وراء ذلک.

وقد کان کثیر من الأحکام التی تجری علی یدیه یطّلع علی أصلها وما فیها من حقٍّ وباطلٍ ، ولکنَّه - علیه الصلاة والسلام - لم یحکم إلاّ علی وفق ما سمع ، لا علی وفق ما علم (2) ، وهو أصلٌ فی منع الحاکم أن یحکم بعلمه ، وقد ذهب مالک فی القول المشهور عنه : إنّ الحاکم إذا شهدت عنده العدول بأمر یعلم خلافه ، وجب علیه الحکم بشهادتهم إذا لم یعلم تعمّد الکذب ، لأنّه إذا لم یحکم بشهادتهم کان حاکماً بعلمه ، هذا مع کون علم الحاکم مستفاداً من العادات التی لا ریبة فیها لا من الخوارق التی تداخلها أُمور ، والقائل بصحّة حکم الحاکم بعلمه فذلک بالنسبة إلی العلم المستفاد من العادات لا من الخوارق ، ولذلک لم یعتبره رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وهو الحجّة العظمی - إلی أن قال (3) فی (ص 187)

إنّ فتح هذا الباب یؤدّی إلی أن لا یُحفَظ ترتیب الظواهر ، فإنَّ من وجب علیه 1.

ص: 84


1- صحیح البخاری : 2 / 952 ح 2534. صحیح مسلم : 3 / 548 ح 4 کتاب الأقضیة.
2- قال السیّد محمد الخضر الحسین التونسی فی تعلیق الموافقات : لا یقضی - علیه الصلاة والسلام - بمقتضی ما عرفه من طریق الباطن کما حکی القرآن عن الخضر علیه السلام ، حتی یکون للأمّة فی أخذه بالظاهر أسوة حسنة - إلی أن قال - : والحکم بالظاهر ، وإن لم یکن مطابقاً للواقع ، لیس بخطإ لأنّه حکم بما أمر الله. (المؤلف)
3- الموافقات فی أصول الأحکام : 2 / 271.

القتل بسببٍ ظاهر فالعذر فیه ظاهر واضح ، ومن طلب قتله بغیر سبب ظاهر بل بمجرّد أمرٍ غیبیّ ربّما شوّش الخواطر وران علی الظواهر ، وقد فُهِمَ من الشرع سدّ هذا الباب جملة ؛ ألا تری إلی باب الدعاوی المستند إلی أنّ البیّنة علی المدّعی والیمین علی من أنکر ، ولم یُستثنَ من ذلک أحدٌ ، حتی إنَّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم احتاج إلی البیّنة فی بعض ما أنکر فیه ممّا کان اشتراه ، فقال : من یشهد لی؟ حتی شهد له خزیمة بن ثابت فجعلها الله شهادتین. فما ظنّک بآحاد الأمّة ، فلو ادّعی أکبر الناس علی أصلح الناس لکانت البیّنة علی المدّعی والیمین علی من أنکر ؛ وهذا من ذلک والنمط واحدٌ ، فالاعتبارات الغیبیّة مهملة بحسب الأوامر والنواهی الشرعیّة.

وقال (1) فی (ص 189) : فصلٌ : إذا تقرّر اعتبار ذلک الشرط ، فأین یسوغ العمل علی وفقها؟ فالقول فی ذلک : إنّ الأمور الجائزات أو المطلوبات التی فیها سعة یجوز العمل فیها بمقتضی ما تقدّم ، وذلک علی أوجه :

أحدها : أن یکون فی أمرٍ مباحٍ ، کأن یری المکاشف أنَّ فلاناً یقصده فی الوقت الفلانی أو یعرف ما قصد إلیه فی إتیانه من موافقةٍ أو مخالفةٍ ، أو یطّلع علی ما فی قلبه من حدیث أو اعتقادِ حقٍّ أو باطلٍ وما أشبه ذلک ، فیعمل علی التهیئة له حسبما قصد إلیه أو یتحفّظ من مجیئه إن کان قصده بشرٍّ ، فهذا من الجائز له کما لو رأی رؤیا تقتضی ذلک ، لکن لا یُعامله إلاّ بما هو مشروع کما تقدّم.

الثانی : أن یکون العمل علیها لفائدةٍ یرجو نجاحها ، فإنَّ العاقل لا یدخل علی نفسه ما لعلّه یخاف عاقبته فقد یلحقه بسبب الالتفات إلیها أو غیره ، والکرامة کما أنَّها خصوصیّة کذلک هی فتنة واختبار لینظر کیف تعملون ، فإن عرضت حاجة أو کان لذلک سبب یقتضیه فلا بأس ، وقد کان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یخبر بالمغیّبات للحاجة إلی ذلک ، ومعلوم أنَّه - علیه الصلاة والسلام - لم یخبر بکلّ مغیَّب اطّلع علیه ، بل کان 2.

ص: 85


1- 1 (الموافقات فی أصول الأحکام : 2 / 272.

ذلک فی بعض الأوقات وعلی مقتضی الحاجات ، وقد أخبر - علیه الصلاة والسلام - المصلّین خلفه أنَّه یراهم من وراء ظهره ؛ لما لهم فی ذلک من الفائدة المذکورة فی الحدیث ، وکان یمکن أن یأمرهم وینهاهم من غیر إخبار بذلک ، وهکذا سائر کراماته ومعجزاته ، فعمل أمّته بمثل ذلک فی هذا المکان أولی منه فی الوجه الأوّل ، ولکنّه مع ذلک فی حکم الجواز لما تقدّم من خوف العوارض کالعجب ونحوه.

الثالث : أن یکون فیه تحذیر أو تبشیر لیستعدَّ لکلٍّ عدّته ، فهذا أیضاً جائز ، کالإخبار عن أمر ینزل إن لم یکن کذا ، أو لا یکون إن فعل کذا فیعمل علی وفق ذلک .. إلخ.

فهلاّ کان من الغیب نبأ ابن نوح ، وأنباء قوم هود وعاد وثمود ، وقوم إبراهیم ولوط ، وذکری ذی القرنین ، ونبأ من سلف من الأنبیاء والمرسلین؟

وهلاّ کان منه ما أسرَّ به النبی صلی الله علیه وآله وسلم إلی بعض أزواجه فأفشته إلی أبیها (فَلَمَّا نَبَّأَها بِهِ قالَتْ مَنْ أَنْبَأَکَ هذا قالَ نَبَّأَنِیَ الْعَلِیمُ الْخَبِیرُ) (1)؟

وهلاّ کان منه ما أنبأ موسی صاحبه من تأویل ما لم یستطع علیه صبراً (2)؟

وهلاّ کان منه ما کان یقول عیسی لأمّته (وَأُنَبِّئُکُمْ بِما تَأْکُلُونَ وَما تَدَّخِرُونَ فِی بُیُوتِکُمْ) (3)؟

وهلاّ کان منه قول عیسی لبنی إسرائیل (یا بَنِی إِسْرائِیلَ إِنِّی رَسُولُ اللهِ إِلَیْکُمْ مُصَدِّقاً لِما بَیْنَ یَدَیَّ مِنَ التَّوْراةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ یَأْتِی مِنْ بَعْدِی اسْمُهُ أَحْمَدُ) (4)؟ 6.

ص: 86


1- التحریم : 3.
2- فی قوله تعالی : (قَالَ إنَّکَ لَنْ تَسْتَطیعَ مَعِیَ صَبْراً) الآیة 67 من سورة الکهف.
3- آل عمران : 49.
4- الصف : 6.

وهلاّ کان منه ما أوحی الله تعالی إلی یوسف (لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا وَهُمْ لا یَشْعُرُونَ) (1)؟

وهلاّ کان منه ما أنبأ آدم الملائکة من أسمائهم أمراً من الله (یا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ) (2)؟

وهلاّ کانت منه تلکم البشارات الجمّة المحکیّة عن التوراة والإنجیل والزبور وصحف الماضین وزبر الأوّلین بنبوّة نبیّ الإسلام وشمائله وتاریخ حیاته وذکر أمّته؟

وهلاّ کانت منه تلک الأنباء الصحیحة المرویّة عن الکهنة والرهابین والأقسّة حول النبیّ الأعظم صلی الله علیه وآله وسلم قبل ولادته؟

لیس هناک أیّ منع وخطر إن علّم الله أحداً ممّن خلق بما شاء وأراد من الغیب المکتوم من علم ما کان أو سیکون ، من علم السموات والأرضین ، من علم الأوّلین والآخرین ، من علم الملائکة والمرسلین ، کما لم یُرَ أیّ وازع إذا حَبا أحداً بعلم ما شاء من الشهادة وأراه ما خلق کما أری إبراهیم ملکوت السموات والأرض ، ولا یُتصوّر عندئذٍ قطُّ اشتراک مع المولی سبحانه فی صفته العلم بالغیب ، ولا العلم بالشهادة ولو بلغ علم العالم أیّ مرتبة رابیة ، وشتّان بینهما ، إذ القیود الإمکانیّة البشریّة مأخوذة فی العلم البشریّ دائماً لا محالة ، سواءٌ تعلّق بالغیب أو تعلّق بالشهادة ، وهی تلازمه ولا تفارقه ، کما أنَّ العلم الإلهی بالغیب أو الشهادة تؤخذ فیه قیود الأحدیّة الخاصّة بذات الواجب الأحد الأقدس سبحانه وتعالی.

وکذلک الحال فی علم الملائکة ، لو أذن الله تعالی لإسرافیل مثلاً ، وقد نصب بین عینیه اللوح المحفوظ الذی فیه تبیان کلّ شیء ، أن یقرأ ما فیه ویطّلع علیه لم 3.

ص: 87


1- یوسف : 15.
2- البقرة : 33.

یشارک الله قطُّ فی صفته العلم بالغیب ، ولا یلزم منه الشرک.

فلا مقایسة بین العلم الذاتیّ المطلق وبین العرضیّ المحدود ، ولا بین ما لا یُکَیَّف بکیف ولا یؤیَّن بأین وبین المحدود المقیّد. ولا بین الأزلیّ الأبدیّ وبین الحادث المؤقّت. ولا بین التأصّلیّ وبین المکتسب من الغیر ، کما لا یُقاس العلم النبویُّ بعلم غیره من البشر ، لاختلاف طرق علمهما ، وتباین الخصوصیّات والقیود المتخذة فی علم کلّ منهما ، مع الاشتراک فی إمکان الوجود. بل لا مقایسة بین علم المجتهد وبین علم المقلّد فیما علما من الأحکام الشرعیّة ولو أحاط المقلّد بجمیعها ، لتباین المبادئ العلمیّة فیهما.

فالعلم بالغیب علی وجه التأصّل والإطلاق من دون قید بکمٍّ وکیفٍ کالعلم بالشهادة علی هذا الوجه ، إنّما هما من صفات الباری سبحانه ، ویخصّان بذاته لا مطلق العلم بالغیب والشهادة ، وهذا هو المعنیّ نفیاً وإثباتاً فی مثل قوله تعالی. (قُلْ لا یَعْلَمُ مَنْ فِی السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَیْبَ إِلاَّ اللهُ) (1).

وقوله تعالی : (إِنَّ اللهَ عالِمُ غَیْبِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ عَلِیمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) (2).

وقوله تعالی : (إِنَّ اللهَ عالِمُ غَیْبِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ عَلِیمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) (3).

وقوله تعالی : (ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلی عالِمِ الْغَیْبِ وَالشَّهادَةِ فَیُنَبِّئُکُمْ بِما کُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (4).

وقوله تعالی : (عالِمُ الْغَیْبِ وَالشَّهادَةِ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِیمُ) (5). 2.

ص: 88


1- النمل : 65.
2- فاطر : 38.
3- الحجرات : 18.
4- الجمعة : 8.
5- الحشر : 22.

وقوله تعالی : (ذلِکَ عالِمُ الْغَیْبِ وَالشَّهادَةِ الْعَزِیزُ الرَّحِیمُ) (1).

وقوله تعالی : (عالِمُ الْغَیْبِ وَالشَّهادَةِ الْعَزِیزُ الْحَکِیمُ) (2).

وقوله تعالی حکایةً عن نوح : (وَلا أَقُولُ لَکُمْ عِنْدِی خَزائِنُ اللهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَیْبَ وَلا أَقُولُ إِنِّی مَلَکٌ) (3).

وقوله تعالی حکایةً : (وَلَوْ کُنْتُ أَعْلَمُ الْغَیْبَ لَاسْتَکْثَرْتُ مِنَ الْخَیْرِ) (4).

وبهذا التفصیل فی وجوه العلم یُعلم عدم التعارض نفیاً وإثباتاً بین أدلّة المسألة کتاباً وسنّة ، فکلٌّ من الأدلّة النافیة والمثبتة ناظر إلی ناحیةٍ منها ، والموضوع المنفی من علم الغیب فی لسان الأدلّة غیر المثبت منه وکذلک بالعکس. وقد یوعز إلی الجهتین فی بعض النصوص الواردة عن أهل بیت العصمة علیهم السلام مثل قول الإمام أبی الحسن موسی الکاظمعلیه السلام مجیباً یحیی بن عبد الله بن الحسن لمّا قال له : جعلت فداک إنَّهم یزعمون أنّک تعلم الغیب ، فقال علیه السلام : «سبحان الله ضع یدک علی رأسی فو الله ما بقیت شعرةٌ فیه ولا فی جسدی إلاّ قامت». ثمّ قال : «لا والله ما هی إلاّ وراثة عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم» (5).

وکذلک الحال فی بقیّة الصفات الخاصّة بالمولی العزیز سبحانه وتعالی ، فإنّها تمتاز عن مضاهاة ما عند غیره تعالی من تلکم الصفات بقیودها المخصّصة ، فلو کان عیسی علی نبیِّنا وآله وعلیه السلام یحیی کلّ الموتی بإذن الله ، أو کان خَلق عال ماً بشراً من الطین بإذن ربِّه بدل ذلک الطیر الذی أخبر عنه بقوله : (أَنِّی أَخْلُقُ لَکُمْ مِنَ الطِّینِ کَهَیْئَةِ الطَّیْرِ فَأَنْفُخُ فِیهِ فَیَکُونُ طَیْراً بِإِذْنِ اللهِ) (6) ، لم یکن یشارک المولی سبحانه فی 9.

ص: 89


1- السجدة : 6.
2- التغابن : 18.
3- هود : 31.
4- الأعراف : 188.
5- أخرجه شیخنا المفید فی المجلس الثالث من أمالیه [ص 83 ح 5]. (المؤلف)
6- آل عمران : 49.

صفته الإحیاء والخلق ، والله هو الولیّ ، وهو محیی الموتی ، وهو الخلاّق العلیم.

وإنّ الملک المصوِّر فی الأرحام مع تصویره ما شاء الله من الصور ، وخلقه سمعها وبصرها وجلدها ولحمها وعظامها (1) ، لم یکن یشارک ربّه فی صفته ، والله هو الخالق البارئ المصوِّر ، وهو الذی یصوِّر فی الأرحام کیف یشاء.

والملک المبعوث إلی الجنین الذی یکتب رزقه وأجله وعمله ومصائبه ، وما قدِّر له من خیر وشرّ ، وشقاوته وسعادته ، ثمّ ینفخ فیه الروح (2) ، لا یشارک ربّه ، والله هو الذی لم یکن له شریکٌ فی الملک وخلق کلّ شیءٍ فقدّره تقدیراً. ف)

ص: 90


1- عن حذیفة مرفوعاً : إذا مرّ بالنطفة اثنتان وأربعون لیلة بعث الله إلیها مَلَکاً فصوّرها ، وخلق سمعها وبصرها وجلدها ولحمها وعظامها ، ثمّ قال : یا ربّ أذکر أم أنثی؟ فیقضی ربّک ما شاء ویکتب المَلَک ، ثمّ یقول : یا ربّ أجله؟ فیقضی ربّک ما شاء ویکتب المَلَک ، ثمّ یقول : یا ربّ رزقه؟ فیقضی ربّک ما شاء ویکتب المَلَک ، ثمّ یخرج المَلَک بالصحیفة فی یده فلا یزید علی ذلک شیئاً ولا ینقص. أخرجه أبو الحسین مسلم فی صحیحه [5 / 202 ح 3 کتاب القدر] ، وذکره ابن الأثیر فی جامع الأصول [10 / 518 ح 7562] ، وابن الدیبع فی التیسیر : 4 / 40 [4 / 47 ح 5]. وفی حدیث آخر ذکره ابن الدیبع فی تیسیر الوصول : 4 / 40 : إذا بلغت - یعنی المضغة - أن تُخلَق نفساً ، بعث الله مَلَکاً یصوّرها ، فیأتی المَلَک بتراب بین إصبعیه فیخط فی المضغة ثمّ یعجنه ثمّ یصوّرها کما یؤمر فیقول : أذکر أم أنثی؟ أشقیّ أم سعید؟ وما عمره؟ وما رزقه؟ وما أثره؟ وما مصائبه؟ فیقول الله ، فیکتب المَلَک. (المؤلف)
2- عن ابن مسعود مرفوعاً : إن خُلِقَ أحدکم یجمع فی بطن أمّه أربعین یوماً ، ثمّ یکون علقة مثل ذلک ، ثمّ یکون مضغة مثل ذلک ، ثمّ یبعث الله ملکاً بأربع کلمات : یکتب رزقه وأجله وعمله وشقیّ أم سعید ، ثمّ ینفخ فیه الروح. أخرجه البخاری فی باب ذکر الملائکة فی صحیحه [6 / 2713 ح 7016] ، ومسلم [5 / 201 ح 1 کتاب القدر] وغیرهما من أئمّة الصحاح - إلاّ النسائی - وأحمد فی مسنده : 1 / 274 و 414 و 430 [1 / 619 و 683 و 709 ح 3543 و 3924 وح 4080] ، وأبو داود فی مسنده : 5 / 38 [ح 298] ، وذکره ابن الأثیر فی جامعه [10 / 517 ح 7560] ، وابن الدیبع فی التیسیر : 4 / 39 [4 / 46 ح 4]. (المؤلف)

وملک الموت مع أنّه یتوفّی الأنفس ، وأنزل الله فیه القرآن وقال : (قُلْ یَتَوَفَّاکُمْ مَلَکُ الْمَوْتِ الَّذِی وُکِّلَ بِکُمْ) (1) ، صحَّ مع ذلک الحصر فی قوله تعالی : (اللهُ یَتَوَفَّی الْأَنْفُسَ حِینَ مَوْتِها) (2) والله هو الممیت ولا یشارکه ملک الموت فی شیء من ذلک ، کما صحّت النسبة فی قوله تعالی : (الَّذِینَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِکَةُ ظالِمِی أَنْفُسِهِمْ) (3) وفی قوله تعالی : (الَّذِینَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِکَةُ طَیِّبِینَ) (4). ولا تعارض فی کلّ ذلک ولا إثم ولا فسوق فی إسناد الإماتة إلی غیره تعالی.

والمَلک لا یغشاه نوم العیون (5) ، ولا تأخذه سِنة الراقد بتقدیرٍ من العزیز العلیم وجعله ، ومع ذلک لا یشارک الله فیما مدح نفسه بقوله (لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ) (6).

ولو أنَّ أحداً مکّنه المولی سبحانه من إحیاء موتان الأرض برمّتها لم یشارکه تعالی ، والله هو الذی یحیی الأرض بعد موتها.

فهلمّ معی نسائل القصیمی عن أنَّ قول الشیعة : بأنَّ الأئمّة إذا شاءوا أن یعلموا شیئاً أعلمهم الله إیّاه ، کیف یتفرّع علیه القول بأنّ الأئمّة یشارکون الله فی هذه الصفة صفة علم الغیب؟ وما وجه الاشتراک بعد فرض کون علمهم بإخبار من الله تعالی وإعلامه؟

وقد ذهب علی الجاهل أنَّ الحکم بأنَّ القول بعلم الأئمّة بما کان وما یکون 5.

ص: 91


1- السجدة : 11.
2- الزمر : 42.
3- النحل : 28.
4- النحل : 32.
5- راجع الخطبة الأولی من نهج البلاغة [نهج البلاغة : ص 41] وشروحها [شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید : 1 / 91]. (المْولف)
6- البقرة : 255.

- ولیس هو کلّ الغیب ولا جلّه - وعدم خفاء شیء من ذلک علیهم یستلزم الشرک بالله فی صفة علمه بالغیب ، تحدید (1) لعلم الله ، وقول بالحدِّ فی صفاته سبحانه ، ومن حدّه فقد عدّه ؛ تعالی الله عن ذلک علوّا کبیراً. والنصوص الموجودة فی الکتاب والسنّة علی أن لا یعلم الغیب إلاّ الله قد خفیت مغزاها علی المغفّل ولم یفهم منها شیئاً (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ یُجادِلُ فِی اللهِ بِغَیْرِ عِلْمٍ وَیَتَّبِعُ کُلَّ شَیْطانٍ مَرِیدٍ) (2).

ونسائل الرجل : کیف خفی هذا الشرک المزعوم علی أئمّة قومه؟ فیما أخرجوه عن حذیفة قال : أعلمه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بما کان وما یکون إلی یوم القیامة (3). وما أخرجه أحمد - إمام مذهب الرجل - فی مسنده (4) (5 / 388) عن أبی إدریس ، قال : سمعت حذیفة بن الیمان یقول : والله إنّی لأعلم الناس بکلِّ فتنة هی کائنةٌ فیما بینی وبین الساعة.

وقد جهل بأنّ علم المؤمن بموته واختیاره الموت واللقاء مهما خیّر بینه وبین الحیاة لیس من المستحیل ، ولا بأمر خطیر بعید عن خطر المؤمن فضلاً عن أئمّة المؤمنین من العترة الطاهرة ، هلاّ یعلم الرجل ما أخرجه قومه فی أئمّتهم من ذلک وعدّوه فضائل لهم ، ذکروا عن ابن شهاب (5) قال : کان أبو بکر - ابن أبی قحافة - ف)

ص: 92


1- خبر ل (أنّ) فی قوله السابق : أنّ الحکم.
2- الحج : 3.
3- صحیح مسلم فی کتاب الفتن [5 / 410 ح 22] ، مسند أحمد : 5 / 386 [6 / 534 ح 22770] ، البیهقی [فی دلائل النبوّة : 6 / 406] ، تاریخ ابن عساکر : 4 / 94 [12 / 266 رقم 1231 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 6 / 249] ، تیسیر الوصول : 4 / 241 [4 / 290 ح 8] ، خلاصة التهذیب : ص 63 [1 / 201 رقم 1267] ، الإصابة : 1 / 318 [رقم 164 7] ، التقریب : ص 81 [تقریب التهذیب : 1 / 156 رقم 183]. (المؤلف)
4- مسند أحمد : 6 / 536 ح 22780.
5- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 64 [3 / 66 ح 4411] ، صفة الصفوة : 1 / 10 [1 / 263 رقم 2]. (المؤلف)

والحارث بن کلدة یأکلان حریرة أُهدیت لأبی بکر ، فقال الحارث لأبی بکر : ارفع یدک یا خلیفة رسول الله إنّ فیها لسمّ سنة ، وأنا وأنت نموت فی یوم واحد ، فرفع یده ، فلم یزالا علیلین حتی ماتا فی یوم واحد عند انقضاء السنة.

وذکر أحمد فی مسنده (1) (1 / 48 و 51) والطبری فی ریاضه (2) (2 / 74) إخبار عمر عن موته بسبب رؤیا رآها ، وما کان بین رؤیاه وبین یوم طعن فیه إلاّ جمعة ، وفی الریاض (3) (2 / 75) عن کعب الأحبار : إنّه قال لعمر : یا أمیر المؤمنین اعهد بأنّک میّت إلی ثلاثة أیّام. فلمّا قضی ثلاثة أیّام طعنه أبو لؤلؤة ، فدخل علیه الناس ودخل کعب فی جملتهم ، فقال : القول ما قال کعب.

وروی أنَّ عیینة بن حصن الفزاری قال لعمر : احترس أو اخرج العجم من المدینة ، فإنّی لا آمن أن یطعنک رجل منهم فی هذا الموضع ، ووضع یده فی الموضع الذی طعنه فیه أبو لؤلؤة.

وعن جبیر بن مطعم قال : إنّا لواقفون مع عمر علی الجبل بعرفة ، إذ سمعت رجلاً یقول : یا خلیفة ، فقال أعرابیٌّ من لهب من خلفی : ما هذا الصوت؟ قطع الله لهجتک ، والله لا یقف أمیر المؤمنین بعد هذا العام أبداً. فسببته وأدّبته ، فلمّا رمینا الجمرة مع عمر ، جاءت حصاة فأصابت رأسه ففتحت عرقاً من رأسه فسال الدم ، فقال رجل : أشعر أمیر المؤمنین ، أما والله لا یقف بعد هذا العام هاهنا أبداً. فالتفتّ فإذا هو ذلک اللهبی ، فو الله ما حجّ عمر بعدها. خرّجه ابن الضحّاک.

وإن تعجب فعجبٌ إخبار المیّت وهو یُدفن عن شهادة عمر فی أیّام خلافة 5.

ص: 93


1- مسند أحمد : 1 / 79 و 82 ح 343 و 364.
2- الریاض النضرة : 2 / 354.
3- الریاض النضرة : ص 355.

أبی بکر ، أخرج البیهقی (1) عن عبد الله بن عبید الله الأنصاری ، قال : کنت فیمن دفن ثابت بن قیس - وکان قتل بالیمامة (2) - فسمعناه حین أدخلناه القبر یقول : محمد رسول الله ، أبو بکر الصدّیق ، عمر الشهید ، عثمان البرّ الرحیم فنظرنا إلیه ، فإذا هو میّت.

وذکره القاضی فی الشفاء ، فی فصل إحیاء الموتی وکلامهم (3).

وعن عبد الله بن سلام قال : أتیتُ عثمان وهو محصور ، أُسلِّم علیه ، فقال : مرحباً بأخی مرحباً بأخی ، أفلا أُحدِّثک ما رأیت اللیلة فی المنام؟ فقلت : بلی. قال : رأیت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وقد مثل لی فی هذه الخوخة - وأشار عثمان إلی خوخة فی أعلی داره - فقال : حصروک؟ فقلت. نعم. فقال : عطّشوک؟ فقلت : نعم ؛ فأدلی دلواً من ماء فشربت حتی رویت ، فها أنا أجد برودة ذلک الدلو بین ثدیی وبین کتفی. فقال : إن شئت أفطرت عندنا وإن شئت نُصِرت علیهم. فاخترت الفطر (4).

وعنه قال : إنّی رأیت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم البارحة وأبا بکر وعمر ، فقالوا لی : صبراً فإنَّک تفطر عندنا القابلة.

وعن کثیر بن الصلت ، عن عثمان ، قال : إنّی رأیت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی منامی هذا ، فقال : إنّک شاهد معنا الجمعة. المستدرک (5) (3 / 99).

وعن ابن عمر : إنّ عثمان أصبح یحدِّث الناس ، قال : رأیت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی 2.

ص: 94


1- دلائل النبوّة : 6 / 58.
2- بلدة بالیمن علی ستّ عشرة مرحلة من المدینة ، وکانت وقعة الیمامة فی ربیع الأوّل سنة اثنتی عشرة هجریة فی خلافة أبی بکر. (المؤلف)
3- الشفا بتعریف حقوق المصطفی : 1 / 615.
4- الریاض النضرة : 2 / 127 [3 / 60] ، الإتحاف للشبراوی : ص 92 [ص 229]. (المؤلف)
5- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 106 ح 4542.

المنام قال : یا عثمان أفطر عندنا غداً. فأصبح صائماً وقُتِل من یومه.

قال محبّ الدین الطبری فی الریاض (1) (2 / 127) بعد روایة ما ذکر : واختلاف الروایات محمول علی تکرار الرؤیا ، فکانت مرّة نهاراً ومرّة لیلاً.

وأخرج الحاکم فی المستدرک (2) (3 / 203) بسند صحّحه ، إخبار عبد الله بن عمرو الأنصاری الصحابی ابنه جابراً بشهادته یوم أُحد ، وأنَّه أوّل قتیل من أصحاب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، فکان کما أخبر به.

وذکر الخطیب البغدادی فی تاریخه (2 / 49) عن أبی الحسین المالکی أنّه قال : کنت أصحب خیر النسّاج - محمد بن إسماعیل - سنین کثیرة ، ورأیت له من کرامات الله تعالی ما یکثر ذکره ، غیر أنَّه قال لی قبل وفاته بثمانیة أیّام : إنّی أموت یوم الخمیس المغرب ، فأُدفَن یوم الجمعة قبل الصلاة وستنسی فلا تنساه. قال أبو الحسین : فأُنسیته إلی یوم الجمعة فلقینی من خبّرنی بموته ، فخرجت لأحضر جنازته فوجدت الناس راجعین ، فسألتهم : لِمَ رجعوا؟ فذکروا أنّه یُدفَن بعد الصلاة ، فبادرت ولم ألتفت إلی قولهم ، فوجدت الجنازة قد أُخرجت قبل الصلاة أو کما قال.

وهذه القصّة ذکرها ابن الجوزی أیضاً فی المنتظم (3) (6 / 274).

غیض من فیض :

توجد فی طیّ کتب الحفّاظ ومعاجم أعلام القوم قضایا جمّة فی اناس کثیرین عدّوها لهم فضلاً وکرامةً تُنبئ عن علمهم بالغیب وبما تخفی الصدور ، ولا یراها أحدٌ منهم شرکاً ، ولا یسمع من القصیمی - ومن لفَّ لفّه - فیها رکزاً ، وأمثالها فی أئمّة الشیعة8.

ص: 95


1- الریاض النضرة : 3 / 60.
2- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 224 ح 4912 و 4913.
3- المنتظم : 13 / 345 رقم 2338.

هی التی جسّها القوم ، وألقت علیهم جشمها ، وکثر فیها منهم الرطیط (1) ، وإلیک جملة من تلکم القضایا :

1 - قال أبو عمرو بن علوان : خرجت یوماً إلی سوق الرحبة فی حاجة فرأیت جنازةً فتبعتها لأصلّی علیها ، ووقفت حتی یدفن المیت فی جملة الناس ، فوقعت عینی علی امرأة مسفرة من غیر تعمّد ، فلححت بالنظر واسترجعت واستغفرت الله - إلی أن قال - : فخطر فی قلبی أن زر شیخک الجنید ، فانحدرت إلی بغداد ، فلمّا جئت الحجرة التی هو فیها طرقت الباب فقال لی : ادخل أبا عمرو ، تذنب بالرحبة ونستغفر لک ببغداد. تاریخ بغداد (7 / 247) ، صفة الصفوة (2) (2 / 236).

2 - قال ابن النجّار : کان الشیخ أبو محمد عبد الله الجبائی المتوفّی (605) یتکلّم یوماً فی الإخلاص والریاء والعجب وأنا حاضرٌ فی المجلس ، فخطر فی نفسی : کیف الخلاص من العجب؟ فالتفت إلیَّ الشیخ وقال : إذا رأیت الأشیاء من الله وأنّه وفّقک لعمل الخیر وأخرجک من البین سلمت من العجب. شذرات الذهب (3) (5 / 16).

3 - عن الشیخ علیّ الشبلی قال : احتاجت زوجتی إلی مقنعة فقلت : علیَّ دین خمسة دراهم ، فمن أین أشتری لک مقنعة؟ فنمت فرأیت من یقول لی : إذا أردت أن تنظر إلی إبراهیم الخلیل فانظر إلی الشیخ عبد الله بن عبد العزیز. فلمّا أصبحت أتیته بقاسیون فقال لی : ما لک یا علیّ؟ اجلس ، وقام إلی منزله وعاد ومعه مقنعة فی طرفها خمسة دراهم ، فأخذتها ورجعت. شذرات الذهب (4) (5 / 74).

4 - قال أبو محمد الجوهری : سمعت أخی أبا عبد الله یقول : رأیت النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم .

ص: 96


1- الرطیط : الجَلَبَة والصیاح ، والرطیط - کذلک - : الحُمْق.
2- صفة الصفوة : 2 / 419 رقم 299.
3- شذرات الذهب : 7 / 31 حوادث سنة 605 ه.
4- شذرات الذهب : ص 133 حوادث سنة 617 ه.

فی المنام فقلت : یا رسول الله أیّ المذاهب خیر؟ وقال : قلت : علی أیّ المذاهب أکون؟ فقال : ابن بطّة ابن بطّة (1). فخرجت من بغداد إلی عکبرا فصادف دخولی یوم الجمعة فقصدت الشیخ أبا عبد الله بن بطّة إلی الجامع ، فلمّا رآنی قال لی ابتداءً : صدق رسول الله صدق رسول الله. شذرات الذهب (2) (3 / 123).

5 - قال أبو الفتح القوّاس : لحقتنی إضاقة وقتاً من الزمان ، فنظرت فلم أجد فی البیت غیر قوس لی وخفّین کنت ألبسهما ، فأصبحت وقد عزمت علی بیعهما ، وکان یوم مجلس أبی الحسین بن سمعون ، فقلت فی نفسی : أحضر المجلس ثمّ أنصرف فأبیع الخفّین والقوس. قال : وکان القوّاس قلَّ ما یتخلّف عن حضور مجلس ابن سمعون ، قال أبو الفتح : فحضرت المجلس ، فلمّا أردت الانصراف نادانی أبو الحسین : یا أبا الفتح لا تبع الخفّین لا تبع القوس فإنَّ الله سیأتیک برزق من عنده. تاریخ بغداد (1 / 275).

6 - قال الحافظ ابن کثیر فی تاریخه (3) (12 / 144) : قدم الخطیب أردشیر بن منصور أبو الحسین العبادی ، وکان یحضر فی مجلسه فی بعض الأحیان أکثر من ثلاثین ألفاً من الرجال والنساء ، قال بعضهم : دخلت علیه وهو یشرب مرقاً فقلت فی نفسی : لیته أعطانی فضله لأشربه لحفظ القرآن ، فناولنی فضله فقال : اشربها علی تلک النیّة. قال : فرزقنی الله حفظ القرآن.

7 - قال أبو الحارث الأولاسی : خرجت من حصن أولاس (4) أُرید البحر ، 2.

ص: 97


1- هو الحافظ أبو عبد الله عبید الله بن محمد الفقیه الحنبلی العکبری ، توفّی سنة (387). (المؤلف)
2- شذرات الذهب : 4 / 464 حوادث سنة 387 ه.
3- البدایة والنهایة : 12 / 177 حوادث سنة 486 ه.
4- حصن علی ساحل بحر الشام من نواحی طرسوس ، فیه حصن یسمّی حصن الزهّاد. معجم البلدان : 1 / 282.

فقال بعض إخوانی : لا تخرج فإنّی قد هیّأت لک عُجّة (1) حتی تأکل ، قال : فجلست فأکلت معه ، ونزلت إلی الساحل ، وإذا أنا بإبراهیم بن سعد - أبو إسحاق الحسنی - العلوی قائماً یصلّی ، فقلت فی نفسی : ما أشکّ إلاّ أنَّه یرید أن یقول : امش معی علی الماء ، ولئن قال لی لأمشینَّ معه ، فما استحکم الخاطر حتی قال : هیه یا أبا الحارث امش علی الخاطر ، فقلت : بسم الله فمشی هو علی الماء فذهبت أمشی فغاصت رجلی ، فالتفت إلیَّ ، وقال لی : یا أبا الحارث ، العُجّة أخذت برجلک ، فذهب وترکنی (2). تاریخ بغداد (6 / 86) ، تاریخ الشام (2 / 208) ، صفة الصفوة (2 / 242).

8 - کان ابن سمعون محمد بن أحمد الواعظ المتوفّی (387) یعظ یوماً علی المنبر وتحته أبو الفتح بن القوّاس (3) ، فنعس ابن القوّاس ، فأمسک ابن سمعون عن الوعظ حتی استیقظ ، فحین استیقظ قال ابن سمعون : رأیتَ رسول الله فی منامک هذا؟ قال : نعم. قال : فلهذا أمسکت عن الوعظ حتی لا أزعجک عمّا کنت فیه (4). تاریخ بغداد (1 / 276) ، المنتظم (7 / 199) ، تاریخ ابن کثیر (11 / 323).

9 - روی عن ابن الجنید أنَّه قال : رأیت إبلیس فی المنام وکأنَّه عریان فقلت : ألا تستحی من الناس؟ فقال - وهو لا یظنّهم ناساً - : لو کانوا ناساً ما کنت ألعب بهم کما یلعب الصبیان بالکرة ، إنّما الناس جماعةٌ غیر هؤلاء فقلت : أین هم؟ فقال : فی مسجد الشونیزی قد أضنوا قلبی وأتعبوا جسدی ، کلّما هممت بهم أشاروا إلی الله عزّ وجلَّ فأکاد أحترق ، قال : فلمّا انتبهت لبست ثیابی ورحت إلی المسجد الذی ذکر ، 0.

ص: 98


1- العُجّة : دقیق یُعجَن بسمن ثم یشوی.
2- تاریخ مدینة دمشق : 6 / 402 رقم 404 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 4 / 50 ، صفة الصفوة : 2 / 429 رقم 400.
3- کذا فی البدایة والنهایة وفی غیره : أبو الفتح القوّاس.
4- المنتظم : 15 / 4 رقم 2937 ، البدایة والنهایة 11 / 370 حوادث سنة 387 ه ، ومختصر تاریخ دمشق : 21 / 260.

فإذا ثلاثة جلوس ورؤوسهم فی مرقّعاتهم ، فرفع أحدهم رأسه إلیَّ وقال : یا أبا القاسم لا تغترّ بحدیث الخبیث وأنت کلّما قیل لک شیءٌ تقبل. فإذا هم : أبو بکر الدقّاق ، وأبو الحسین النوری (1) ، وأبو حمزة محمد بن علیّ الجرجانی الفقیه الشافعی. ذکره ابن الأثیر کما فی تاریخ ابن کثیر (2) (11 / 97) ، وابن الجوزی فی صفة الصفوة (3) (2 / 234).

10 - جاء یوماً شابّ نصرانیّ فی صورة مسلم إلی أبی القاسم الجنید الخزّاز ، فقال له : یا أبا القاسم ما معنی قول النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم : «اتّقوا فراسة المؤمن فإنّه ینظر بنور الله» فأطرق الجنید ثمّ رفع رأسه إلیه وقال : أسلم ، فقد آن لک أن تُسلِم ، قال : فأسلم الغلام. تاریخ ابن کثیر (4) (11 / 114).

وحُکی عن أبی الحسن الشاذلی المتوفّی (656) قوله : لو لا لجام الشریعة علی لسانی لأخبرتکم بما یحدث فی غدٍ وما بعده إلی یوم القیامة. شذرات الذهب (5) (5 / 279).

العجب العجاب :

وأعجب من هذه کلّها دعوی الرجل من القوم أنَّه یری اللوح المحفوظ ویقرأه فتؤخذ منه تلکم الدعاوی الضخمة ، وتذکر فی سلسلة الفضائل ، وتأتی فی کتبهم حقائق راهنة من دون أیّ مناقشة فی الحساب. .

ص: 99


1- توفّی فی سنة (295) ، ومن جملة العجائب المذکورة فی ترجمته فی تاریخ ابن کثیر : 11 / 106 [11 / 120 حوادث سنة 295 ه] : أنّه صام عشرین سنة لا یعلم به أحد لا من أهله ولا من غیره. (المؤلف)
2- البدایة والنهایة : 11 / 109 حوادث سنة 290 ه.
3- صفة الصفوة : 2 / 415 رقم 294.
4- البدایة والنهایة : 11 / 129 حوادث سنة 298 ه.
5- شذرات الذهب : 7 / 483 حوادث سنة 656 ه.

قال ابن العماد فی شذرات الذهب (1) (8 / 286) فی ترجمة المولی محیی الدین محمد بن مصطفی القوجوی الحنفی المتوفّی (950) صاحب الحواشی علی البیضاوی ومؤلّفات أُخری : کان یقول : إذا شککت فی آیة من القرآن أتوجّه إلی الله تعالی ، فیتّسع صدری حتی یصیر قدر الدنیا ویطلع فیه قمران لا أدری هما أیّ شیء ، ثمّ یظهر نورٌ فیکون دلیلاً إلی اللوح المحفوظ ، فأستخرج منه معنی الآیة.

وقال (2) فی (8 / 178) فی ترجمة المولی بخشی الرومی الحنفی المتوفّی (931) : رحل إلی دیار العرب فأخذ عن علمائهم وصارت له یدٌ طولی فی الفقه والتفسیر - إلی أن قال - : کان ربّما یقول : رأیت فی اللوح المحفوظ مسطوراً کذا وکذا ، فلا یخطئ أصلاً.

وقال الیافعی فی مرآة الجنان (3 / 471) : إنّ الشیخ جاکیر ، المتوفّی (590) کان یقول : ما أخذت العهد علی أحد حتی رأیت اسمه مرفوعاً فی اللوح المحفوظ من جملة مریدیّ.

وقال فی المرآة (4 / 25) : کان الشیخ ابن الصبّاغ أبو الحسن علیّ بن حمید المتوفّی (612) لا یصحب إلاّ من یراه مکتوباً فی اللوح المحفوظ من أصحابه.

وذکره ابن العماد فی شذراته (3) (5 / 52).

توجد جملة کثیرة من هذه الأوهام الخرافیّة فی طبقات الشعرانی ، والکواکب الدرّیة للنووی ، وروض الریاحین للیافعی ، وروضة الناظرین للشیخ أحمد الوتری وأمثالها.

(وَالَّذِینَ کَذَّبُوا بِآیاتِنا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَیْثُ لا یَعْلَمُونَ) (4) 2.

ص: 100


1- شذرات الذهب : 10 / 410 حوادث سنة 950 ه.
2- شذرات الذهب : ص 247 حوادث سنة 931 ه
3- شذرات الذهب : 7 / 96 حوادث سنة 612 ه.
4- الأعراف : 182.

56 - نقل الجنائز إلی المشاهد

لقد کثرت الجلبة واللغط حول هذه المسألة من أُناس جاهلین بمواقع الأحکام ، ذاهلین عن مصادر الفتیا ، حسبوا أنّها من مختصّات الشیعة فحسب ، ففوّقوا إلیهم نبال الطعن ، وشنّوا علیهم الغارات ، وهناک أغرارٌ تصدّوا للدفاع - وهم مشارکون لأولئک فی الجهل أو الذهول - بأنّها من عمل الدهماء فلا یحتجُّ بها علی المذهب أو العلماء ، وآخر حرّف الکلم عن مواضعه ابتغاء إثبات أُمنیّته ، ولکن وراء الکلّ حذّاق البحث کشفوا عن تلکم السوءات.

عزب علی المساکین أنّ للشیعة موافقین من أهل المذاهب الأربعة فی جواز نقل الموتی لأغراض صحیحة إلی غیر محالِّ موتهم قبل الدفن وبعده ، مهما أوصی به المیّت أو لم یوصِ به.

قالت المالکیّة : یجوز نقل المیّت قبل الدفن وبعده من مکان إلی آخر بشروط ثلاثة : أوّلها : أن لا ینفجر حال نقله. ثانیها : أن لا تنهتک حرمته بأن یُنقل علی وجه یکون فیه تحقیر له. ثالثها : أن یکون نقله لمصلحةٍ کأن یُخشی من طغیان البحر علی قبره ، أو یراد نقله إلی مکان تُرجی برکته ، أو إلی مکان قریب من أهله ، أو لأجل زیارة أهله إیّاه ، فإن فُقِدَ شرط من هذه الشروط الثلاثة حرم النقل (1).

وقالت الحنابلة : لا بأس بنقل المیّت من الجهة التی مات فیها إلی جهة بعیدة عنها ، بشرط أن یکون النقل لغرض صحیح کأن یُنقَل إلی بقعة شریفة لیُدفَن فیها ، أو لیُدفَن بجوار رجل صالح ، وبشرط أن یُؤمن تغیّر رائحته ، ولا فرق فی ذلک بین أن ف)

ص: 101


1- الفقه علی المذاهب الأربعة : 1 / 421 [1 / 537]. (المؤلف)

یکون قبل الدفن أو بعده (1).

وقالت الشافعیة : یحرم نقل المیّت إلی بلد آخر لیُدفَن فیه. وقیل : یکره إلاّ أن یکون بقرب مکّة أو المدینة أو بیت المقدس أو بقرب قبر صالح ؛ ولو أوصی بنقله إلی أحد الأماکن المذکورة لزم تنفیذ وصیّته عند الأمن من التغییر ، والمراد بمکة جمیع الحرم لا نفس البلد (2).

وقالت الحنفیّة : یستحبُّ أن یُدفن المیّت فی الجهة التی مات فیها ، ولا بأس بنقله من بلدة إلی أخری قبل الدفن عند أمن تغیّر رائحته ، أمّا بعد الدفن فیحرم إخراجه ، إلاّ إذا کانت الأرض التی دُفِن فیها مغصوبة أو أُخذت بعد دفنه بشفعة (3).

ومن سبر التاریخ وجد الإطباق من علماء المذاهب علی جواز النقل فی الصورتین عملاً ، وکان من المرتکز فی الأذهان نقل الجثث إلی البقاع الشریفة من أرض بیت الله الحرام ، أو جوار النبیّ الأعظم ، أو قرب إمام مذهب ، أو مرقد ولیٍّ صالح ، أو بقعة اختصّها الله بالکرامة ، أو إلی حیث مجتمع أهل المیت ، أو قبور ذویه.

وکان یوم نقل رفات أُولئک الرجال من المذاهب الأربعة یوماً مشهوداً تُقام فیه حفلات مکتظّة یحضر فیها حَشدٌ من العلماء والخطباء والقرّاء وأُناس آخرین ، کلّ ذلک یُنبئ عن جوازه ، وإصفاق الأُمّة الإسلامیّة علیه ، بل کان ذلک مطّرداً منذ عهد الصحابة الأوّلین والتابعین لهم بإحسان (4) بوصیّةٍ من المیّت أو بترجیح من أولیائه ، ف)

ص: 102


1- الفقه علی المذاهب الأربعة : 1 / 422. (المؤلف)
2- المنهاج المطبوع بهامش شرحه المغنی : 1 / 357 [1 / 365] تألیف محیی الدین النووی الشافعی ، شرح الشربینی الشافعی : 1 / 358 [1 / 366] ، حاشیة شرح ابن قاسم العزی تألیف الشیخ إبراهیم الباجوری الشافعی : 1 / 280 وغیرها. (المؤلف)
3- الفقه علی المذاهب الأربعة : 1 / 422 [1 / 537]. (المؤلف)
4- بل منذ عهد النبیّ الأعظم ، کما یظهر ممّا یأتی من حدیث نقل جابر أباه بعد دفنه. (المؤلف)

وکاد أن یکون من المجمع علیه عملاً عند فِرَق المسلمین فی القرون الإسلامیّة. ولو لم یکن کذلک لما اختلف الصحابة فی دفن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، بالمدینة أو بمکّة أو عند جدّه إبراهیم الخلیل (1).

وتراه کان مشروعاً فی الشرائع السالفة ، فقد مات آدم علیه السلام بمکّة ودفن فی غار أبی قبیس ، ثمّ حمل نوح تابوته فی السفینة ، ولمّا خرج منها دفنه فی بیت المقدس (2) ، وفی أحادیث الشیعة أنّه دفنه فی النجف الأشرف ، ومات یعقوب علیه السلام بمصر ونُقِل إلی الشام (3) ، ونقل النبیُّ موسی علیه السلام جثّة یوسف علیه السلام من مصر بعد دفنه بها إلی فلسطین مدفن آبائه (4)

ونقل یوسف علیه السلام جثمان أبیه یعقوب علیه السلام من مصر ودفنه عند أهله فی حبرون فی المغارة المعدّة لدفن تلک الأسرة الشریفة (5). کما فی تاریخ الطبری (1 / 161 ، 169) ، ومعجم البلدان (3 / 208) وتاریخ ابن کثیر (1 / 174 ، 197).

وقد نقل الإمامان السبطان - صلوات الله علیهما - جثمان أبیهما الطاهر أمیر المؤمنین - سلام الله علیه - من الکوفة إلی حیث بقعته الآن من النجف الأشرف ، وکان ذلک قبل دفنه علیه السلام ، غیر أنَّ فی دلائل النبوّة (6) : أنَّ أوّل من نقل من قبر إلی قبر علیّ ف)

ص: 103


1- الملل والنحل للشهرستانی : 1 / 21 [1 / 30] هامش الفِصَل ، شرح الشمائل للقاری : 2 / 208 ، شرح الشمائل للمناوی : 2 / 208 ، السیرة الحلبیة : 3 / 393 [3 / 364] ، الصواعق المحرقة : ص 19 [ص 34]. (المؤلف)
2- تاریخ الطبری : 1 / 80 [1 / 161] ، العرائس للثعلبی : ص 29 [ص 48]. (المؤلف)
3- حاشیة أبی الإخلاص الحنفی : 1 / 168 طبعت بهامش درر الحکّام. (المؤلف)
4- شرح الشمائل للقاری : 2 / 208 وشرح المناوی فی هامشه. (المؤلف)
5- تاریخ الأمم والملوک : 1 / 330 ، 364 ، معجم البلدان : 2 / 212 ، البدایة والنهایة : 1 / 226 ، 253.
6- محاضرة الأوائل للسکتواری : ص 102 طبع سنة (1300) [ص 155] ، وتمام المتون للصفدی : ص 151 [ص 200]. (المؤلف)

ابن أبی طالب رضی الله عنه ، لما استشهد یوم الجمعة سابع عشر رمضان ومات بعد یومین وصلّی علیه ابنه الحسن رضی الله عنه ، ودفن بدار الإمارة بالکوفة ، وغُیّب قبره ونقل إلی محلّ یقال له (نجف) فأظهره هارون الرشید وبنی علیه عمائر ، حین وجد وحوشاً تستأنس بذلک المحلِّ ، وتقرُّ إلیه التجاءً من أهل الصید ، فسأل عن سبب ذلک من أهل قریة قریبة هناک ، فأخبره شیخٌ من القریة بأنَّ فیه قبر أمیر المؤمنین علیّ رضی الله عنه مع قبر نوح علیه السلام (1). ونحن نذکر جملةً من الجثث المنقولة تحت عنوانین :

من نقلت جنازته قبل الدفن :

1 - المقداد بن عمرو بن ثعلبة الصحابی المتوفّی (33) : توفّی بالجرف علی ثلاثة أمیال من المدینة ، فحمل علی رقاب الرجال حتی دُفن بالبقیع (2). الاستیعاب (1 / 280) ، أُسد الغابة (4 / 411) ، مجمع الزوائد (9 / 307).

2 - سعید بن زید القرشی العدوی - أحد العشرة المبشّرة - توفّی (51 ، 52) : بالعقیق علی عشرة أمیال من المدینة ، وحمل إلیها ودُفن بها (3). صفة الصفوة (1 / 140) ، تاریخ الشام (6 / 127).

3 - عبد الرحمن بن أبی بکر الصدّیق : توفّی بالحبشی سنة (53) ، بینها وبین مکّة ستّة أمیال ، فحمل إلی مکّة ودُفن بها ، فقدمت عائشة من المدینة وأتت قبره وصلّت علیه وتمثّلت : 9.

ص: 104


1- للقوم حول مدفن الإمام أمیر المومنین خلاف عظیم أحدثته ید السیاسة لتخذیل الأمّة عنه ، وإبعادها عن زیارة المشهد المقدّس. (المْولف)
2- الاستیعاب : القسم الرابع / 1481 رقم 2561 ، أُسد الغابة : 5 / 254 رقم 5069.
3- صفة الصفوة : 1 / 364 رقم 10 ، تاریخ مدینة دمشق : 21 / 92 رقم 2477 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 9 / 299.

وکنّا کنَدْمانَیْ جَذِیمةَ حقبةً

من الدهرِ حتی قیل لن یتصدّعا

فلمّا تفرّقنا کأنّی ومالکاً

لطول اجتماعٍ لم نَبِتْ لیلةً معا (1)

معجم البلدان (2) (3 / 211) ، وأخرجه الترمذی مع زیادة.

4 - سعد بن أبی وقّاص الصحابی : توفّی سنة (54 ، 55) فی حمراء الأسد (3) ، وحُمل الی المدینة ودُفن بها (4). تاریخ بغداد (1 / 146) ، صفة الصفوة (1 / 140) ، تاریخ الشام (6 / 108) البدایة والنهایة (8 / 78).

5 - أُسامة بن زید الصحابی : توفّی (54) بالجرف ، وحُمل إلی المدینة (5). صفة الصفوة (1 / 210) ، أُسد الغابة (1 / 66).

6 - أبو هریرة الصحابی الشهیر المتوفّی (57 ، 58 ، 59) : توفّی بالعقیق ، فحُمل إلی المدینة المشرّفة. الإصابة (4 / 210).

7 - یزید بن معاویة بن أبی سفیان المتوفّی (64) : توفّی بحوارین من قری دمشق ، وحُمل إلی دمشق ودُفن بها. البدایة والنهایة (6) (8 / 236).

8 - أبو إسحاق إبراهیم بن أدهم : توفّی (162) بالجزیرة ، فحُمل إلی صور .

ص: 105


1- البیتان لمتمّم بن نُوَیرة یرثی أخاه مالکاً. وندمانا جَذِیمة یضرب بهما المثل للمتآخیین. قالوا : دامت لهما رتبة المنادمة أربعین سنة. مجمع الأمثال 3 / 16 رقم 3017.
2- معجم البلدان : 2 / 214.
3- موضع علی ثمانیة أمیال من المدینة المشرّفة ، إلیه انتهی رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم یوم أُحُد فی طلب المشرکین. (المؤلف) [فی بعض المصادر المترجم فیها : أنّه توفّی بالعقیق]
4- صفة الصفوة : 1 / 360 رقم 9 ، تاریخ مدینة دمشق : 20 / 365 رقم 2426 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 9 / 255 ، البدایة والنهایة : 8 / 84 حوادث سنة 55 ه.
5- صفة الصفوة : 1 / 523 رقم 58 ، أُسد الغابة : 1 / 81 رقم 84.
6- البدایة والنهایة : 8 / 259 حوادث سنة 64 ه.

فدفن هنالک. صفة الصفوة (1) (2 / 132).

9 - جعفر بن یحیی : قُتل بالغمر سنة (189) ، وبُعِث بجثّته إلی بغداد. شذرات الذهب (2) (1 / 337).

10 - أبو الفیض ذو النون المصری : توفّی (246) بالحیرة ، وحُمل فی مرکب إلی الفسطاط ، ودُفن فی مقابر أهل المعافر. صفة الصفوة (3) (4 / 293).

11 - هارون بن العبّاس الهاشمی : توفّی (267) بالرویثة (4) - وقیل بالعرج - ثمّ حُمل إلی المدینة فدفن بها. تاریخ بغداد (14 / 27).

12 - أحمد بن محمد بن غالب الباهلی : توفّی ببغداد سنة (275) وحُمل فی تابوت إلی البصرة ، وبُنیت علیه قبّه. تاریخ بغداد (5 / 80) ، میزان الاعتدال (5) (1 / 67).

13 - محمد بن إسحاق بن إبراهیم أبوالعنبس الصیمری المتوفّی (275) : توفّی ببغداد وحُمل إلی الکوفة فدفن بها. المنتظم (6) (5 / 99).

14 - المعتمد علی الله الخلیفة العبّاسی : توفّی (279) ببغداد فجأةً ، وحُمل إلی سرَّمن رأی ودُفن بها. تاریخ بغداد (4 / 61).

15 - جعفر بن المعتضد المتوفّی (280) : توفّی بمدینة الدینور وحُمل إلی بغداد. البدایة والنهایة (7) (11 / 69). .

ص: 106


1- صفة الصفوة : 4 / 158 رقم 701.
2- شذرات الذهب : 2 / 435 حوادث سنة 193 ه.
3- صفة الصفوة : 4 / 321 رقم 839.
4- اسم ماء بین مکة والمدینة. معجم البلدان : 3 / 105.
5- میزان الاعتدال : 1 / 142 رقم 557.
6- المنتظم : 12 / 272 رقم 1818.
7- البدایة والنهایة : 11 / 80 حوادث سنة 280 ه.

16 - علیّ بن محمد بن أبی الشوارب أبو الحسن الأموی البصری : توفّی (282 ، 283) ببغداد فصلّی علیه ، ثمّ حُمل إلی سرَّ من رأی وهناک تربته. تاریخ بغداد (12 / 61) ، المنتظم (1) (5 / 164).

17 - جعفر بن محمد بن عرفة : توفّی فی ذی الحجّة (287) بالعمق - أحد منازل طریق الحجّ من بغداد - وحُمل إلی بغداد ودُفن بها فی المحرم سنة (288). المنتظم (6 / 25) وغیره (2).

18 - حسین بن عمر بن أبی الأحوص أبو عبد الله الکوفی المتوفّی (300) : توفّی فی بغداد ، وحُمل إلی الکوفة فدفن بها. المنتظم (3) (6 / 117) ، تاریخ بغداد (8 / 8 1).

19 - محمد بن جعفر أبو عمر القتّات الکوفی المتوفّی (300) : توفّی ببغداد ، وحُمل إلی الکوفة. المنتظم (4) (6 / 120).

20 - أبو القاسم عبد الله بن إبراهیم المعروف بابن الأکفانی : توفّی (307) بالقصر ، وحُمل تابوته إلی مکّة ودُفن بها. تاریخ بغداد (9 / 405).

21 - إبراهیم بن نجیح أبو القاسم الکوفی المتوفّی (313) : توفّی ببغداد ، وجیء به إلی الکوفة فدفن بها. المنتظم (5) (6 / 197).

22 - بدر بن الهیثم الکوفی القاضی : توفّی (317) ببغداد ، وحُمل إلی الکوفة فدفن بها ، تاریخ بغداد (7 / 108).

23 - محمد بن الحسین أبو الطیّب اللخمی : توفّی (318) ببغداد ، وحُمل إلی 1.

ص: 107


1- المنتظم : 12 / 364 رقم 1901.
2- المنتظم : ص 412 رقم 1942 ، تاریخ بغداد : 7 / 191 رقم 3646.
3- المنتظم : 13 / 135 رقم 2078.
4- المنتظم : ص 139 رقم 2083.
5- المنتظم : ص 250 رقم 2221.

الکوفة ودُفن بها ، وکان فیها أهله. تاریخ بغداد (2 / 238) ، المنتظم (1) (6 / 226)

24 - أبو إسحاق إبراهیم بن محمد الخطّابی العمری الکوفی - من أحفاد عمر بن الخطّاب - : توفّی (320) ببغداد ، وحُمل إلی الکوفة ودُفن بها. تاریخ بغداد (6 / 158).

25 - إسماعیل بن العبّاس أبو علی الورّاق : توفّی (323) فی طریق الحجّ فی رجوعه منه ، وحُمِل إلی بغداد فدفن بها. تاریخ بغداد (6 / 301) ، المنتظم (2) (6 / 278).

26 - علی بن عبد الرحمن الکوفی : توفّی (347) ببغداد ، وحُمل إلی الکوفة.

تاریخ بغداد (12 / 32) ، المنتظم (3) (6 / 389).

27 - أبو الحسن علی بن محمد بن الزبیر الکوفی : توفّی (348) ببغداد ، وحُمِل إلی الکوفة. تاریخ بغداد (12 / 81).

28 - مطرف بن عیسی أبو القاسم الغسّانی الألبیری المتوفّی (356 ، 357) : مات بقرطبة فحُمل إلی بلده فدفن به. بغیة الوعاة (4) (ص 392).

29 - إبراهیم بن محمد أبو الطیّب العطّار : توفّی (362) بسوسنقین (5) أو ساوة ، وحُمل إلی نیسابور ودُفن بها. تاریخ بغداد (6 / 169).

30 - المطیع لله الخلیفة العبّاسی : توفّی (364) فی المعسکر بدیر العاقول لمّا خرج إلی واسط مع ابنه الطائع لله ، وحُمل إلی بغداد ودُفن بها فی الرصافة. تاریخ بغداد (12 / 379). ف)

ص: 108


1- المنتظم : 13 / 297 رقم 2288.
2- المنتظم : ص 352 رقم 2344.
3- المنتظم : 14 / 116 رقم 2583.
4- بغیة الوعاة : 2 / 289 رقم 2001.
5- سوسنقین : : منزل بین همدان وساوة. (المؤلف)

31 - أحمد بن عطاء أبو عبد الله الزاهد المتوفّی (369) : توفّی فی منواث من عکّا ، وحُمل إلی صفد - صور - فدفن بها. تاریخ بغداد (4 / 237) ، شذرات الذهب (1) (3 / 68).

32 - محمد بن العبّاس بن أحمد أبو عبد الله الضبّی الهراتی : توفّی (378) برستاق خواف من نیسابور وأوصی أن یُحمل تابوته إلی هراة ، فنقل إلیها ودُفن بها. تاریخ بغداد (3 / 121) ، المنتظم (2) (7 / 146).

33 - علیّ بن عبد العزیز الجرجانی : توفّی (392) (3) بنیسابور ، وحُمل تابوته إلی جرجان ودُفِن بها (4). المنتظم (7 / 222) ، البدایة والنهایة (11 / 332) ، شذرات الذهب (3 / 57).

34 - أبو عبد الله القمّی المصری المتوفّی (400) : توفّی عند توجّهه من مصر إلی مکّة ، وحُمل إلی المدینة ودُفِن بها. المنتظم (5) (7 / 248).

35 - إسماعیل بن الحسن أبو القاسم الصرصری المتوفّی (403) : توفّی ببغداد ، وحُمل إلی صرصر بعد أن صلّی علیه أبو حامد الأسفرایینی. تاریخ بغداد (6 / 312).

36 - أبو نصر فیروز بهاء الدین المتوفّی (403) : توفّی بأرجان وحُمل إلی الکوفة ودُفن بالمشهد. المنتظم (6) (7 / 264). 1.

ص: 109


1- شذرات الذهب : 4 / 373 حوادث سنة 369 ه.
2- المنتظم : 14 / 336 رقم 2858.
3- وقد یقال فی تاریخ وفاته غیر هذا. (المؤلف)
4- المنتظم : 15 / 36 رقم 2976 ، البدایة والنهایة : 11 / 381 حوادث سنة 392 ه ، شذرات الذهب : 4 / 355 حوادث سنة 366 ه.
5- المنتظم : 15 / 73 رقم 3019.
6- المنتظم : ص 95 رقم 3041.

37 - أبو إسحاق الأسفرایینی الشافعی (1) : توفّی (418) بنیسابور ، ثمّ نُقل إلی بلده ودُفن بمشهده (2). البدایة والنهایة (12 / 24) ، شذرات الذهب (3 / 210).

38 - أبو القاسم الحسین بن علی المغربی المتوفّی (418) : توفّی بمیافارقین ، وحُمل إلی مشهد أمیر المؤمنین ودُفن به. المنتظم (3) (8 / 33).

39 - أبو بکر البیهقی الحافظ الکبیر : توفّی (458) بنیسابور ، ونُقل تابوته إلی بیهق (4). المنتظم (8 / 24) ، البدایة والنهایة (12 / 94).

40 - محمد بن أحمد بن مشارة (5) أبو عبد الله الأصبهانی الشافعی : توفّی (464) ببغداد ، وحُمل إلی دُجیل (6). المنتظم (8 / 275) ، البدایة والنهایة (12 / 105).

41 - علیّ بن أبی نصر الموصلی المتوفّی (479) : توفّی ببغداد ، وحُملت جنازته إلی الموصل فکان یوماً مشهوداً. المنتظم (7) (9 / 32).

42 - أبو بکر محمد بن عبد الله الناصحی النیسابوری - إمام الحنفیّة فی وقته - : توفّی (484) بطریق الریّ ، وحُمل تابوته إلی نیسابور ، وقیل : حُمل إلی أصبهان ودُفن بها. الجواهر المضیّة (8) (2 / 64).

43 - القاضی أبو أحمد القسم بن مظفر الشهرزوری المتوفّی (489) : توفّی 8.

ص: 110


1- أحد أرکان الشافعیة وفقیهها الکبیر. (المؤلف)
2- البدایة والنهایة : 12 / 30 حوادث سنة 418 ه ، شذرات الذهب : 5 / 91 حوادث سنة 418 ه.
3- المنتظم : 15 / 186 رقم 3150.
4- المنتظم : 16 / 97 رقم 3387 ، البدایة والنهایة : 12 / 116 حوادث سنة 458 ه.
5- فی المنتظم : شادة ، وفی البدایة والنهایة : شارة.
6- المنتظم : 16 / 142 رقم 3417 ، البدایة والنهایة : 12 / 129 حوادث سنة 464 ه.
7- المنتظم : 16 / 263 رقم 3563.
8- الجواهر المضیّة : 3 / 185 رقم 1338.

بمدائن کسری ، وحُمل إلی الإسکندریة فدفن عند أُمّه. شذرات الذهب (1) (3 / 393)

44 - أبو بکر أحمد بن علیّ العلبی الحنبلی : توفّی (503) فی عرفات ، فحُمل إلی مکّة وطیف به حول البیت ودُفن بها إلی جانب الفضیل بن عیاض ، ولمّا بلغ خبره إلی بغداد صلّی الناس علیه صلاة الغائب فامتلأ الجامع من الناس (2). المنتظم (9 / 164) ، صفة الصفوة (2 / 279) ، شذرات الذهب (4 / 6).

45 - الحافظ أبو الغنائم محمد بن علی النرسی الکوفی المقری : توفّی (510) بالحلّة ، وحُمل إلی الکوفة فدُفِن بها. المنتظم (3) (9 / 189).

46 - أبو بکر محمود بن مسعود قاضی القضاة الشعیبی الحنفی المفتی : توفّی (514) بسمرقند ، وحُمل تابوته إلی بخاری. الجواهر المضیّة (4) (2 / 162).

47 - أبو إسحاق الغزّی إبراهیم بن عثمان : توفّی (524) فیما بین مرو وبلخ من بلاد خراسان ، وحُمل إلی بلخ ودُفن بها. شذرات الذهب (5) (4 / 68).

48 - القاضی بهاء الدین ابن الشهرزوری : توفّی (532) بحلب ، وحُمل إلی صفّین ودُفِن بها. وفیات الأعیان (6) (1 / 212).

49 - أبو سعد أحمد بن محمد الحافظ الأصبهانی : توفّی (540) بنهاوند ، ونُقِل 5.

ص: 111


1- شذرات الذهب : 5 / 393 حوداث سنة 489 ه.
2- صفة الصفوة : 5 / 495 رقم 340 ، المنتظم : 17 / 117 رقم 3786 ، شذرات الذهب : 6 / 11 حوادث سنة 503 ه ، وفی الأخیرین : العلثی.
3- المنتظم : 17 / 151 رقم 3844.
4- الجواهر المضیّة : 3 / 451 رقم 1632.
5- شذرات الذهب : 6 / 114 حوادث سنة 524 ه.
6- وفیات الأعیان : 2 / 329 رقم 245.

إلی أصبهان (1). المنتظم (10 / 117) ، شذرات الذهب (4 / 125).

50 - أحمد بن محمد أبو المعالی بن البسر البخاری المتوفّی (542) : توفّی بسرخس وحُمل إلی مرو ، ثمّ حُمل إلی بخاری فدفن بها. المنتظم (2) (10 / 127).

51 - المظفر بن أردشیر أبو منصور العبادی : توفّی (547) بعسکر مکرم ، ثمّ حُمل إلی بغداد فدفن فی دکّة الجنید. المنتظم (3) (10 / 151).

52 - أبو الحسن محمد بن المبارک البغدادی الفقیه الشافعی : توفّی (552) ببغداد ، ونُقل إلی الکوفة ودُفن بها. شذرات الذهب (4) (4 / 164).

53 - صدر الدین أبو بکر الخُجَندی الأصبهانی الشافعی : توفّی (552) بقریة بین همدان والکرخ ، وحُمل إلی أصبهان ودُفن بسیلان (5). المنتظم (10 / 179) ، شذرات الذهب (4 / 163).

54 - محمد بن عبد الرحیم الأنصاری أبو عبد الله المالکی الغرناطی : توفّی (569) بإشبیلیّة ، وحُمل إلی غرناطة فدفن بها. الدیباج المذهّب (6) (ص 287).

55 - عبد اللطیف الفقیه الشافعی الأصبهانی : توفّی (580) بهمدان ، وحُمل إلی أصبهان ودُفن بها. شذرات الذهب (7) (4 / 163).

56 - ضیاء الدین عیسی الهکاری الفقیه : توفّی (585) فی الخروبة قریباً من .

ص: 112


1- المنتظم : 18 / 45 رقم 4114 ، شذرات الذهب : 6 / 205 حوادث سنة 540 ه.
2- المنتظم : 18 / 58 رقم 4135.
3- المنتظم : ص 88 رقم 4178.
4- شذرات الذهب : 6 / 273 حوادث سنة 552 ه.
5- المنتظم : 18 / 122 رقم 4218 ، شذرات الذهب : 6 / 270 حوادث سنة 552 ه.
6- الدیباج المذهّب : 2 / 261.
7- شذرات الذهب : 6 / 270 حوادث سنة 552 ه.

عکا ، فنُقل إلی القدس فدفن بها. البدایة والنهایة (1) (12 / 334).

57 - أبو الفضل حسین بن أحمد الهمدانی الیزدی - من أئمّة الحنفیّة - : توفّی (591) بمدینة قوص من صعید مصر ، وحُمل میتاً إلی مصر ودُفن بتربة الحنفیّة. الجواهر المضیّة (2) (1 / 207).

58 - أبو الفضائل القسم بن یحیی ابن الشهرزوری المتوفّی (599) : توفّی بحماة ، وحُمل إلی دمشق فدفن بها. شذرات الذهب (3) (4 / 342).

59 - مسعود بن صلاح الدین المتوفّی (606) : توفّی بمدرسة رأس العین ، فحُمل إلی حلب فدفن بها. البدایة والنهایة (4) (13 / 55).

60 - ابن حمدون تاج الدین أبو سعد الحسن بن محمد المتوفّی (608) : توفّی بالمدائن ، وحُمِل إلی مقابر قریش فدفن بها ، البدایة والنهایة (5) (13 / 62).

61 - قطب الدین العادل المتوفّی (619) : توفّی بالفیّوم ، ونُقِل إلی القاهرة. البدایة والنهایة (6) (13 / 99).

62 - أبو الفضائل الحسن بن محمد العدوی العمری : توفّی (650) ببغداد ، وحُمِل إلی مکّة فدفن بها. شذرات الذهب (7) (5 / 250).

63 - سیف الدین أبو الحسن القیمری ، توفّی (653) بنابلس ، ونُقل فدفن .

ص: 113


1- البدایة والنهایة : 12 / 408 حوادث سنة 585 ه.
2- الجواهر المضیّة : 2 / 99 رقم 491.
3- شذرات الذهب : 6 / 556 حوادث سنة 599 ه.
4- البدایة والنهایة : 13 / 66 حوادث سنة 606 ه.
5- البدایة والنهایة : ص 75 حوادث سنة 608 ه.
6- البدایة والنهایة : ص 116 حوادث سنة 619 ه.
7- شذرات الذهب : 7 / 432 حوادث سنة 650 ه.

بقبّته التی بقرب مارستانه بالصالحیّة. شذرات الذهب (1) (5 / 161).

64 - الملک الناصر داود بن المعظّم : توفّی (655) بقریة البویضا من دمشق ، وحُمل منها إلی الشام ودُفن بسفح قاسیون. البدایة والنهایة (2) (13 / 198).

65 - جمال الدین صرصری الفقیه الحنبلی : توفّی ببغداد (656) ، وحُمل إلی صرصر ودُفن بها. مختصر طبقات الحنابلة (3) (ص 51).

66 - الشیخ محمد القونوی المصری : توفّی (672) بمصر ، وأوصی أن یُنقل تابوته إلی دمشق ویُدفن عند الشیخ محیی الدین العربی شیخه. طبقات الأخیار (4) (1 / 177).

67 - أبو الخیر رمضان بن الحسین السرماری المدرِّس الحنفی : توفّی فی البحر (675) ، ونُقل إلی مدینة الأنبار ودُفن بها بعد موته بتسعة أیّام. الجواهر المضیّة (5) (1 / 243).

68 - الملک السعید برکة المتوفّی (678) : توفّی فی کرک ، ونُقل إلی دمشق ودُفن بها. روضة المناظر لابن الشحنة.

69 - نجم الدین عبد الرحیم القاضی ابن البارزی الشافعی الفقیه البصیر : توفّی (683) فی تبوک ، فحُمل إلی المدینة فدفن بها. شذرات الذهب (6) (5 / 382).

70 - یوسف بن أبی نصر الدمشقی ابن السفاری المحدِّث : تُوفّی (699) بدمشق .

ص: 114


1- شذرات الذهب : 7 / 450 حوادث سنة 653 ه.
2- البدایة والنهایة : 13 / 231 حوادث سنة 655 ه.
3- مختصر طبقات الحنابلة : ص 58.
4- الطبقات الکبری : 1 / 203 رقم 297.
5- الجواهر المضیّة : 2 / 205 رقم 593.
6- شذرات الذهب : 7 / 667 حوادث سنة 683 ه.

فی زمن التتار ، ووضع فی تابوت ، فلمّا أمن الناس نُقل إلی النَّیرب (1) ودُفن بها. شذرات الذهب (2) (5 / 454).

71 - شرف الدین أبو عبد الله محمد بن محمد الحرّانی المعروف بابن النجیح الفقیه الناسک المتوفّی (723) : توفّی فی وادی بنی سالم ، فحُمل إلی المدینة ، فغُسِّل وصلّی علیه فی الروضة ، ودُفن بالبقیع. البدایة والنهایة (3) (14 / 110).

72 - أبو الحسن علی بن یعقوب المصری نور الدین الشافعی - إمام الشافعیّة - المتوفّی (724) : توفّی فی دیروط - إحدی حواضر مصر - وحُمل إلی القرافة ودُفن بها. البدایة والنهایة (4) (1 4 / 115).

73 - کمال الدین ابن الزملکانی - شیخ الشافعیّة - : توفّی (727) بمدینة بلبیس وحُمل إلی القاهرة ودُفن بالقرافة. البدایة والنهایة (5) (14 / 132).

74 - عبد القادر بن عبد العزیز الحنفی - أحد أعلام المذهب - : توفّی (737) بالرمیلة ، وحُمل إلی بیت المقدس. الجواهر المضیّة (6) (1 / 324).

75 - محمد بن محمد التلمسانی المقری - أحد مجتهدی المالکیّة فی القرن الثامن - : توفّی بفاس ونُقل إلی بلده تلمسان. نیل الابتهاج المطبوع فی هامش الدیباج (ص 250) 4.

ص: 115


1- قریة کانت مشهورة بدمشق علی نصف فرسخ منها. معجم البلدان : 5 / 330.
2- شذرات الذهب : ص 793 حوادث سنة 699 ه.
3- البدایة والنهایة : 14 / 127 حوادث سنة 723 ه.
4- البدایة والنهایة : ص 132 حوادث سنة 724 ه.
5- البدایة والنهایة : ص 152 حوادث سنة 727 ه.
6- الجواهر المضیّة : 2 / 448 رقم 844.

76 - محمد بن یوسف الکرمانی ثمّ البغدادی شمس الدین - شارح صحیح البخاری - : المتوفّی (786) ، توفّی بطریق الحجّ فنُقل إلی بغداد ودُفن بقبر أعدّه لنفسه (1). بغیة الوعاة (ص 110) مفتاح السعادة (1 / 171).

77 - عزّ الدین أبو جعفر أحمد بن أحمد الإسحاقی الحلبی الشافعی الرئیس الجلیل المتوفّی (803) : توفّی علی مرحلتین من حلب فی إحدی أعمالها ، ونُقل إلی حلب فدُفن عند أهله. شذرات الذهب (2) (7 / 24).

78 - الأمیر عماد الدین أبو الفداء إسماعیل العنابی الدمشقی المتوفّی (930) : توفّی فی قریة دمَّر ، وحُمل إلی دمشق ودُفن بالعنابة. شذرات الذهب (3) (8 / 172).

79 - شهاب الدین أحمد البخاری المکّی - إمام الحنفیّة - المتوفّی (938 ، 948) : توفّی ببندر جدّة وهو قاضٍ بها ، فحُمل إلی مکّة ودُفن بالمعلّی. شذرات الذهب (4) (8 / 228).

80 - أبو الحسن علی بن أحمد الکیزوانی : المتوفّی (955) ، توفّی بین مکّة والطائف ، وحُمل إلی مکّة فدفن بها. شذرات الذهب (5) (8 / 307) (6).

من نقل من مدفن إلی مدفن :

1 - عبد الله بن عمرو بن حزام - حرام - الأنصاری ، والد الصحابیّ العظیم جابر ف)

ص: 116


1- بغیة الوعاة : 1 / 280 رقم 515 ، مفتاح السعادة : 1 / 197.
2- شذرات الذهب : 9 / 41 حوادث سنة 803 ه.
3- شذرات الذهب : 10 / 238 حوادث سنة 930 ه.
4- شذرات الذهب : ص 319 حوادث سنة 938 ه.
5- شذرات الذهب : ص 441 حوادث سنة 955 ه.
6- أحسب أنَّ غیر واحد من هؤلاء حُمل بعد الدفن ونقل من مدفن إلی مدفن. (المؤلف)

ابن عبد الله ، استشهد هو وصدیقه عمرو بن الجموح الأنصاری بأُحد ودُفنا فی قبر واحد ، فلم تطب نفس جابر فأخرج أباه بعد ستّة أشهر.

قال جابر رضی الله عنه : دُفن مع أبی رجلٌ ، فلم تطب نفسی حتی أخرجته فجعلته فی قبر علی حدة. وزاد أبو داود والبیهقی : فأخرجته بعد ستّة أشهر ، فما أنکرت منه شیئاً إلاّ شعیرات کنَّ فی لحیته ممّا یلی الأرض (1).

وأخرج الحاکم فی المستدرک (2) (3 / 203) بإسناد صحّحه عن جابر قال :

أصبحنا یوم أُحد ، فکان أبی أوّل قتیل فدفنته مع آخر فی قبر ، ثمّ لم تطب نفسی أن أترکه مع آخر فی قبر ، فاستخرجته بعد ستّة أشهر ، فإذا هو کیوم وضعته غیر أذنه.

قال ناصف فی التاج (3) (1 / 409) بعد ذکر حدیث جابر ونقل جنازة سعد وسعید المذکورین : ففیها جواز نقل المیّت قبل الدفن وبعده إلی محلٍّ آخر ، ویجب نقله إذا طلبه مالک القبر ، أو خاف الغرق أو التغییر ، ویجوز نقله من وسط قوم أشرار ، فأصل النقل جائزٌ للحاجة.

2 - عبد الله بن سلمة بن مالک بن الحارث البلدی الأنصاری ، استشهد بأُحد ، فجاءت أمّه أنیسة بنت عدیّ إلی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فقالت : یا رسول الله إنّ ابنی عبد الله بن سلمة - وکان بدریّا - قُتل یوم أُحد ، أحببت أن أنقله فآنس بقربه. فأذن4.

ص: 117


1- صحیح البخاری : 2 / 247 [1 / 454 ح 1287] ، سنن أبی داود : 2 / 72 [3 / 218 ح 3232] ، سنن النسائی : 4 / 84 [1 / 651 ح 2148] ، سنن البیهقی : 4 / 58 ، الاستیعاب : 1 / 368 [القسم الثالث / 955 رقم 1615] ، أُسد الغابة : 3 / 232 [3 / 348 رقم 3084] ، الإصابة : 2 / 350 [رقم 4838] ، التاج فی الجمع بین الصحاح : 1 / 410 [1 / 374]. (المؤلف)
2- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 224 ح 4913.
3- التاج الجامع للأصول : 1 / 374.

لها رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی نقله فعدّلته بالمجذر بن دیّار (1) علی ناضح له فی عباءة فمرّت بهما ، فعجب لهما الناس وکان عبد الله ثقیلاً جسیماً ، وکان المجذر قلیل اللحم ، فقال النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم : «سوّی - ساوی - ما بینهما عملهما». أُسد الغابة (2) (3 / 177) ، الإصابة (2 / 321 و 4 / 245).

3 - المجذر بن زیاد بن عمرو بن أحزم البلوی ، استشهد بأُحد ، وحملته أنیسة أم عبد الله بن سلمة معه بإجازة صریحة من المشرِّع الأعظم کما مرّ.

4 - طلحة بن عبید الله التیمی - أحد العشرة المبشَّرة - المقتول فی حرب الجمل سنة (36) ، دُفن بالبصرة فی ناحیة ثقیف. روی الحافظ ابن عساکر أنَّ عائشة بنت طلحة رأت أباها فی المنام فقال لها : یا بنیّة حوّلینی من هذا المکان فقد أضرَّ بی الندی ، فأخرجته بعد ثلاثین سنة أو نحوها وهو طریٌّ لم یتغیّر منه شیءٌ ، فدفن فی الهجرتین فی البصرة.

وفی روایة أنَّهم اشتروا داراً من دور آل أبی بکر فدفنوه فیها (3). تار یخ الشام (7 / 87) ، تاریخ ابن کثیر (7 / 247) ، عمدة القاری (4 / 63).

5 - المدفونون فی جوار مسجد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، قال العینی فی عمدة القاری (4) (4 / 63) : أمر عثمان رضی الله عنه بقبور کانت عند المسجد أن تحوَّل إلی البقیع وقال : توسّعوا فی مسجدکم. 3.

ص: 118


1- کذا ، ولعلّه : زیاد ، کما یأتی. (المؤلف)
2- أُسد الغابة : 3 / 266 رقم 2986.
3- تاریخ مدینة دمشق : 25 / 123 رقم 2983 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 11 / 209 ، البدایة والنهایة : 7 / 276 حوادث سنة 36 ه ، عمدة القاری : 8 / 164.
4- عمدة القاری : 8 / 163.

6 - شهداء أُحد : روی ابن الجوزی فی صفة الصفوة (1) (1 / 147) عن جابر قال : لمّا أراد معاویة أن یجری عینه التی بأُحد کتبوا إلیه : إنّا لا نستطیع أن نُجریَها إلاّ علی قبور الشهداء. فکتب : انبشوهم.

وفی نوادر الحکیم الترمذی (2) (ص 227) : أمر منادیاً فنادی فیهم : من کان له قتیلٌ فلیخرج إلیه. قال جابر : فرأیتهم یحملون علی أعناق الرجال کأنَّهم قومٌ نیامٌ ، وأصاب المسحاة طرف رجل حمزة فانبعثت دماً.

وقال ابن الجوزی (3) فی (ص 194) : عن جابر قال : صرخ بنا إلی قتلانا یوم أُحد حین أجری معاویة العین ، فأخرجناهم بعد أربعین سنة لیّنةً أجسادهم ، تتثنّی أطرافهم.

7 - جعفر بن المنصور المتوفّی (150) : دُفن أوّلاً بمقابر بنی هاشم فی بغداد ، ثمّ نُقل منها إلی موضع آخر. تاریخ ابن کثیر (4) (10 / 107).

8 - نُقلت سنة (647) توابیت جماعة من الخلفاء إلی الترب من الرصافة خوفاً علیهم من أن تغرق محالّهم. منهم : المقتصد ابن الأمیر أبی أحمد المتوکّل ، وذلک بعد دفنه بنیّف وخمسین وثلاثمائة سنة ، ونُقل ولده المکتفی ، وکذا المقتفی بن المقتدر بالله. البدایة والنهایة (5) (13 / 177).

9 - أبو النجم بدر الکبیر المتوفّی (311) : توفّی بشیراز ، ثمّ نبش وحُمل .

ص: 119


1- صفة الصفوة : 1 / 376 رقم 12.
2- نوادر الأصول : 2 / 32 الأصل 189.
3- صفة الصفوة : 1 / 488 رقم 48.
4- البدایة والنهایة : 10 / 113 حوادث سنة 150 ه.
5- البدایة والنهایة : 13 / 207 حوادث سنة 647 ه.

إلی بغداد. المنتظم (1) (6 / 180).

10 - محمد بن علی أبو علی بن مقلة البغدادی المتوفّی (328) : دُفن فی دار السلطان ، ثمّ سأل أهله تسلیمه إلیهم فنُبش وسُلّم إلیهم ، فدفنه ابنه أبو الحسین فی داره ، ثمّ نبشته زوجته المعروفة بالدیناریّة ودفنته فی دارها. المنتظم (2) (6 / 311).

11 - جعفر بن الفضل أبو الفضل - المعروف بابن حِنزابة - (3) الوزیر المحدِّث المتوفّی (391) : دُفن بالقرافة ، وقیل : بداره. وقیل : إنّه کان قد اشتری بالمدینة النبویّة داراً فجعل له فیها تربة ، فلمّا نُقل إلیها تلقّته الأشراف لإحسانه إلیهم فحملوه وحجّوا به ووقفوا به بعرفات ، ثمّ أعادوه إلی المدینة فدفنوه بتربته (4). البدایة والنهایة (11 / 329) وفیات الأعیان (1 / 121).

12 - ابن سمعون محمد بن أحمد الإمام الواعظ الشهیر : توفّی یوم الخمیس (14) ذی القعدة سنة (387) ، ودُفن فی داره فی شارع الغتابیین ، فلم یزل هناک حتی نُقِل یوم الخمیس الحادی عشر من رجب سنة (426) فدفن فی مقبرة أحمد بن حنبل - إمام الحنابلة - وأکفانه لم تبل (5) ، تاریخ بغداد (1 / 277) ، البدایة والنهایة (11 / 323) ، وفیات الأعیان (2 / 28).

13 - أبو الحسن محمد بن عمر الکوفی : توفّی (390) ببغداد ، ثمّ حُمل بعد ذلک لسنة أو أقلّ إلی الکوفة - بیئة أهله - فدُفِن بها. تاریخ بغداد (3 / 34). 1.

ص: 120


1- المنتظم : 13 / 228 رقم 2205.
2- المنتظم : ص 396 رقم 2426.
3- بکسر الحاء المهملة وسکون النون وفتح الزای المعجمة وبعد الألف باء موحّدة ثمّ هاء ساکنة ، وهی أُم أبیه. وفی تاریخ ابن خلّکان : خنزانة. (المؤلف)
4- البدایة والنهایة : 11 / 377 حوادث سنة 391 ه ، وفیات الأعیان : 1 / 349 رقم 133.
5- البدایة والنهایة : 11 / 370 حوادث سنة 387 ه ، وفیات الأعیان : 4 / 305 رقم 631.

14 - أبو بکر محمد بن الطیّب الباقلانیّ المتکلّم الأشعری الشافعی : توفّی سنة (403) ودُفن فی داره بدرب المجوس من نهر طابق ، ثمّ نُقل بعد ذلک فدُفِن فی مقبرة باب حرب (1). المنتظم (7 / 265) ، البدایة والنهایة (11 / 351) ، وفیات الأعیان (2 / 56).

15 - أبو بکر محمد بن موسی الخوارزمی الفقیه الحنفی ، انتهت إلیه الرئاسة فی المذهب ، توفّی (403) ودُفن فی منزله بدرب عیده ، ونُقل سنة (408) إلی تربة بسویقة غالب ودُفن بها. تاریخ بغداد (3 / 247).

16 - أبو حامد أحمد بن محمد الأسفرایینی إمام الشافعیّة فی عصره (2) : توفّی سنة (406) ودُفن بداره ، ثمّ نُقل إلی مقبرة باب حرب سنة (410 ، 416) (3). تاریخ بغداد (4 / 370) ، المنتظم (7 / 278) ، البدایة والنهایة (12 / 3).

17 - أبو الحسن علی بن عبد العزیز ابن حاجب النعمان : المتوفّی سنة (421) ، دُفن فی داره ببرکة زلزل ، ثمّ نُقل تابوته إلی مقابر قریش فدفن بها لیلة الجمعة (25) ذی القعدة سنة (425). تاریخ بغداد (12 / 32) (4) ، المنتظم (8 / 52).

18 - الخلیفة القادر بالله : توفّی فی ذی الحجّة سنة (422) ودُفن فی داره ، ثمّ نُقل تابوته بعد سنة إلی الرصافة ، فدفن بها لخمس خلون من ذی القعدة سنة (423). تاریخ بغداد (4 / 38) ، المنتظم (5) (8 / 61 ، 68). .

ص: 121


1- المنتظم : 15 / 96 رقم 3044 ، البدایة والنهایة : 11 / 403 حوادث سنة 403 ه ، وفیات الأعیان : 4 / 270 رقم 408.
2- ذکر ابن خلّکان عن القدّوری أنّه أفقه وأنظر من الشافعی [وفیات الأعیان : 1 / 73 رقم 26]. (المؤلف)
3- المنتظم : 15 / 113 رقم 3062 ، البدایة والنهایة : 12 / 4 حوادث سنة 406 ه.
4- المنتظم : 15 / 210 رقم 3169.
5- المنتظم : ص 220 رقم 3173 ، ص 229 حوادث سنة 423 ه.

19 - أحمد بن محمد أبو الحسین القدّوری البغدادی الحنفی - شیخ الحنفیّة بالعراق - انتهت إلیه رئاسة المذهب : توفّی ببغداد (428) ودُفن بداره فی درب أبی خلف ، ثمّ نُقل إلی تربة فی شارع المنصور فدفن بجانب أبی بکر الخوارزمی الفقیه الحنفی. شذرات الذهب (1) (3 / 233).

20 - أبو طاهر جلال الدین المتوفّی (435) : توفّی ببغداد ودُفن فی بیته ، ثمّ نُقل تابوته فی سادس شهر رمضان سنة (436) إلی تربة لهم فی مقابر قریش.

21 - عبد السیّد بن محمد الشهیر بابن الصبّاغ الشافعی - إمام الشافعیّة فی عصره - : توفّی سنة (447) - فی المنتظم (477) (2) - : ودُفن بداره فی الکرخ ثمّ نُقل إلی باب حرب (3). المنتظم (9 / 13) ، البدایة والنهایة (12 / 126).

22 - أبو نصر أحمد بن مروان الکردی : توفّی سنة (453) ، ودُفن فی جامع المحدثة وقیل : فی القصر السدلی ، ثمّ نُقل إلی القبّة المعروفة بهم الملاصقة بجامع المحدثة. وفیات الأعیان (4) (1 / 59).

23 - أحمد بن محمد أبو الحسن السمنانی القاضی الحنفی المتوفّی (466) : توفّی ببغداد ودُفن بداره [فی] نهر القلاّئین (5) شهراً ، ثمّ نُقل إلی تربة بشارع المنصور ، ثمّ نقل منها إلی الخیزرانیّة (6). المنتظم (8 / 287) ، الجواهر المضیّة (1 / 96). 4.

ص: 122


1- شذرات الذهب 5 / 132 حوادث سنة 428 ه.
2- وهو الصحیح ؛ فإنّ جمیع المعاجم التی ترجمت له ذکرت أنّه تولَّی التدریس فی المدرسة النظامیة بُعید افتتاحها سنة 459 ه.
3- المنتظم : 16 / 236 رقم 3536 ، البدایة والنهایة : 12 / 155 حوادث سنة 477 ه.
4- وفیات الأعیان : 1 / 178 رقم 73.
5- محلّة کبیرة ببغداد فی شرقی الکرخ.
6- المنتظم : 16 / 158 رقم 3433 ، الجواهر المضیّة : 1 / 256 رقم 184.

24 - القائم بأمر الله الخلیفة : توفّی (467) ، ودُفن عند أجداده ثمّ نُقل إلی الرصافة ، وقبره یزار إلی الآن. البدایة والنهایة (1) (12 / 110 ، 115).

25 - الحسن بن عبد الودود أبو علی الشامی المتوفّی (467) : دُفن فی داره بسکّة الخرقی ، ثمّ أُخرج بعد ذلک فدفن فی مقبرة جامع المدینة. المنتظم (2) (8 / 295).

26 - أحمد بن علی بن محمد قاضی دمشق : توفّی (468) ودُفن فی داره ، ثمّ نُقل إلی مقبرة الباب الصغیر. تاریخ الشام (3) (1 / 410).

27 - أبو عبد الله الدامغانی الحنفی - قاضی القضاة - الفقیه الکبیر : توفّی (478) ودُفن بداره بدرب العلاّبین ثمّ نُقل إلی مشهد أبی حنیفة (4). المنتظم (9 / 24) ، البدایة والنهایة (12 / 129).

28 - أبو المعالی عبد الملک بن عبد الله الجوینی - إمام الحرمین - الفقیه الشافعی : توفّی (478) بنیسابور ودُفن فی داره ، ثمّ نُقل بعد سنین إلی مقبرة الحسین فدفن إلی جانب والده ، وکان أصحابه المقتبسون من علمه نحو أربعمائة یطوفون فی البلد وینوحون علیه (5). وفیات الأعیان (1 / 313) ، المنتظم (9 / 20) ، البدایة والنهایة (12 / 128) ، شذرات الذهب (3 / 360).

29 - محمد بن هلال أبو الحسن الصابی - الملقّب بغرس النعمة - المتوفّی (480): .

ص: 123


1- البدایة والنهایة : 12 / 135 حوادث سنة 467 ه ، ص 140 حوادث سنة 469 ه.
2- المنتظم : 16 / 168 رقم 3440.
3- تاریخ مدینة دمشق : 5 / 72 رقم 38.
4- المنتظم : 16 / 252 رقم 3547 ، البدایة والنهایة : 12 / 159 حوادث سنة 478 ه.
5- وفیات الأعیان : 3 / 169 رقم 378 ، المنتظم : 16 / 247 رقم 3544 ، البدایة والنهایة : 12 / 157 حوادث سنة 478 ه ، شذرات الذهب : 5 / 341 حوادث سنة 478 ه.

توفّی ببغداد ودُفن فی داره بشارع ابن عوف ، ثمّ نُقل إلی مشهد علیّ علیه السلام. المنتظم (1) (9 / 42).

30 - أبو محمد رزق الله بن عبد الوهّاب التمیمی : توفّی (488) ودُفن فی داره بباب المراتب ، ثمّ نُقل بعد ذلک إلی مقبرة أحمد لمّا توفّی ابنه أبو الفضل سنة (491) (2). مناقب أحمد لابن الجوزی (ص 525) ، المنتظم له (9 / 89).

31 - محمد بن أبی نصر أبو عبد الله الأندلسی الحافظ المشهور : توفّی (488) ودُفن فی مقبرة باب أبرز من قبّة الشیخ أبی إسحاق الشیرازی ، ثمّ نُقل بعد ذلک فی صفر سنة (491) إلی مقبرة باب حرب ، ودُفن عند قبر بشر بن الحارث - المعروف بالحافی (3). وفیات الأعیان (2 / 60) ، المنتظم (9 / 96).

32 - طرّاد بن محمد العبّاسی البغدادی المتوفّی (491) : دُفن بداره فی باب البصرة ، ثمّ نُقل فی ذی الحجّة سنة (422) إلی مقابر الشهداء (4) فدفن بها. المنتظم (5) (9 / 106).

33 - أبو الحسن عقیل بن أبی الوفاء علی - شیخ الحنابلة - : توفّی (510) وقیل (513) قبل والده ودُفن فی داره ، فلمّا مات والده نُقل معه إلی دکّة الإمام أحمد (6). .

ص: 124


1- المنتظم : 16 / 275 رقم 3583.
2- مناقب أحمد : ص 699 ، المنتظم : 17 / 21 رقم 3650.
3- وفیات الأعیان : 4 / 283 رقم 619 ، المنتظم : 17 / 29 رقم 3654.
4- یقال : فیها قوم من أصحاب أمیر المؤمنین علیّ بن أبی طالب کانوا شهدوا معه قتال الخوارج بالنهروان وارتثوا فی الوقعة ، ثمّ لمّا رجعوا أدرکهم الموت فی ذلک الموضع فدفنهم علیّ هناک. تاریخ بغداد : 1 / 126 ، المنتظم : 10 / 98 [18 / 21 رقم 4075]. (المؤلف)
5- المنتظم : 17 / 44 رقم 3675.
6- المنتظم : ص 148 رقم 3839 ، شذرات الذهب : 6 / 64 حوادث سنة 513 ه.

المنتظم (9 / 186) ، شذرات الذهب (4 / 39).

34 - محمد بن محمد أبو حازم الفقیه الحنبلی : توفّی (527) ودُفن بداره بباب الأزج ، ونُقل سنة (534) إلی مقبرة أحمد فدفن عند أبیه (1). المنتظم (10 / 34) ، شذرات الذهب (4 / 82) ، مختصر طبقات الحنابلة (ص 33).

35 - الحسین بن حمید التمیمی - أحد رجالات الحدیث - : توفّی (531) ودُفن فی داره بباب البرید ، ثمّ نُقل إلی جبل قاسیون. ابن عساکر (2) (4 / 284).

36 - أحمد بن جعفر أبو العبّاس الحربی المتوفّی (534) : دُفن بالحربیّة ، ثمّ نُقل بعد ذلک إلی مقبرة باب حرب. المنتظم (3) (10 / 86).

37 - الشیخ أبو یعقوب یوسف الهمدانی : توفّی (535) ودُفن بیامن علی طریق مرو مدّة ، ثمّ حُملت جثّته إلی مرو ودُفن بها (4). وفیات الأعیان (2 / 524) ، طبقات الأخیار (1 / 117).

38 - أحمد بن محمد بن علی أبو جعفر العدل البغدادی المتوفّی (536) : کان یسرد الصوم إلاّ الأیّام المحرَّم صومها ، دُفن فی داره بخرابة الهراس ثمّ نُقل بعد مدّة إلی مقبرة باب الحرب. المنتظم (5) (10 / 97).

39 - علی بن طراد أبو القاسم الزینبی البغدادی المتوفّی (538) : دُفن بداره الشاطئیّة بباب المراتب ، ثمّ نُقل إلی تربته بالحربیّة لیلة الثلاثاء سادس عشر رجب 3.

ص: 125


1- المنتظم : 17 / 281 رقم 3991 ، شذرات الذهب : 6 / 136 حوادث سنة 527 ه ، مختصر طبقات الحنابلة : ص 39.
2- تاریخ مدینة دمشق : 14 / 22 رقم 1495 وفیه : الحسین بن أحمد.
3- المنتظم : 18 / 5 رقم 4055.
4- وفیات الأعیان : 7 / 80 رقم 840 ، الطبقات الکبری : 1 / 136 رقم 255.
5- المنتظم : 18 / 19 رقم 4073.

سنة أربع وأربعین (1) ، وجُمع علی نقله الوعّاظ ، فوعظوا فی داره إلی السحر ، ثمّ أُخرج والقرّاء معه والعلماء والشموع الزائدة فی الحدّ. المنتظم (10 / 109 ، 166).

40 - شیخ الإسلام محمد بن محمد الخُلْمی المفتی الحنفی ، انتهت إلیه الرئاسة فی المذهب : توفّی (544) ودفن ببلخ ، ثمّ نُقل إلی ناحیة خُلْم (2) فقُ بر بها. الجواهر المضیّة (3) (2 / 130).

41 - علی بن محمد أبو الحسن الدرینی : توفّی (549) ودُفن فی داره برحبة الجامع ، ثمّ نُقل إلی باب أبرز قریباً من المدرسة الناجیة سنة (574). وفیات الأعیان (4) (1 / 245).

42 - جمال الدین محمد بن علی بن أبی منصور : توفّی (559) ودُفن بالموصل ، ثمّ حُمل إلی مکّة وطیف به حول الکعبة ، وکان بعد أن صعدوا به لیلة الوقفة إلی جبل عرفات ، وکانوا یطوفون به کلّ یوم مراراً مدّة مقامهم بمکّة (5) ، ثمّ حُمل إلی المدینة المنوّرة ودُفن بها فی رباط بناه فی شرقی مسجد النبی صلی الله علیه وآله وسلم (6) ، بعد أن طیف به حول حجرة الرسول صلی الله علیه وآله وسلم مراراً (7). تاریخ الکامل (11 / 124) ، وفیات الأعیان (2 / 188) ، البدایة والنهایة (12 / 249). .

ص: 126


1- کذا فی المنتظم : 10 / 109 [18 / 35 رقم 4099] ، وقال فی صحیفة 166 [18 / 107] : إنّ حمله کان فی رجب سنة (551). (المؤلف)
2- خُلْم : بلدة بنواحی بلخ ، علی بعد عشرة فراسخ منها.
3- الجواهر المضیّة : 3 / 359 رقم 1531.
4- وفیات الأعیان : 2 / 478 رقم 297.
5- هذه العبارة والتی قبلها منقولة بالحرف من وفیات الأعیان وهی کما تری.
6- فی تاریخ ابن خلّکان : دفن بالبقیع. (المؤلف)
7- الکامل فی التاریخ : 7 / 178 حوادث سنة 559 ه ، وفیات الأعیان : 5 / 145 رقم 704 ، البدایة والنهایة : 12 / 309 حوادث سنة 559 ه.

43 - عمر بن بهلیقا الطحّان المتوفّی (560) : دُفن علی باب جامع عمّره بعیداً من حائطه ، ثمّ نُبش بعد أیّام وأُخرج فدفن ملاصقاً لحائط الجامع ، لیشتهر ذکره بأنَّه بنی الجامع. المنتظم (1) (10 / 212).

44 - محمد بن إبراهیم أبو عبد الله الکنانی الشافعی المصری - الورع الزاهد - : توفّی بمصر (562) ، ودُفن بالقرب من قبّة الإمام الشافعی بالقرافة الصغری ، ثمّ نُقل إلی سفح المقطّم بقرب الحوض المعروف بأُمِّ مودود ، وقبره مشهورٌ هناک یزار ، وزرته مراراً. وفیات الأعیان (2) (2 / 121).

45 - جعفر بن عبد الواحد أبو البرکات الثقفی المتوفّی (563) : کان أبوه قد أقام فی القضاء أشهراً ثمّ مات فدفن بدار بدرب بهروز ، فلمّا مات الولد أُخرجا فدفنا عند رباط الزوزنی المقابل لجامع المنصور. المنتظم (3) (10 / 224).

46 - مهذَّب الدین سعد الله بن نصر بن الدجاجی الفقیه الحنبلی : توفّی (564) ودُفن بمقبرة الرباط ، ثمّ نُقل بعد خمسة أیّام فدفن عند والدیه بمقبرة الإمام أحمد (4). البدایة والنهایة (12 / 259) ، شذرات الذهب (4 / 213).

قال ابن الجوزی فی المنتظم : (10 / 228) : دُفن إلی جانب رباط الزوزنی فی إرضاء الصوفیّة لأنَّه أقام عندهم مدّة حیاته فبقی علی هذا خمسة أیّام ، وما زال الحنابلة یلومون ولده علی هذا ویقولون : مثل هذا الرجل الحنبلیّ أیّ شیء یصنع عند 5.

ص: 127


1- المنتظم : 18 / 164 رقم 4253.
2- وفیات الأعیان : 4 / 462 رقم 678.
3- المنتظم : 18 / 178 رقم 4267.
4- البدایة والنهایة : 12 / 321 حوادث سنة 564 ه ، شذرات الذهب : 6 / 353 حوادث سنة 564 ه ، المنتظم : 18 / 184 رقم 4275.

الصوفیّة؟ فنبشه بعد خمسة أیّام باللیل وقال : کان قد أوصی أن یدفن عند والدیه ودفنه عندهما.

قال الأمینی : انظر لأیّ غایات تنبش القبور عند القوم ، وتنقل الجنائز من مدفن إلی مدفن.

47 - الخلیفة المستنجد بالله : توفّی (566) فی ثامن ربیع الآخر ودُفن بدار الخلافة ، ثمّ نُقل إلی الترب من الرصافة فی عشیّة الإثنین ثامن وعشرین من شعبان سنة وفاته (1). المنتظم (10 / 235 ، 236) ، البدایة والنهایة (12 / 662).

48 - الأمیر نجم الدین أیّوب الدوینی : توفّی (568) ودُفن عند أخیه بالقاهرة ، ثمّ نُقلا سنة (579 ، 580) إلی المدینة المنوّرة (2). البدایة والنهایة (12 / 272) ، شذرات الذهب (4 / 211 ، 227).

49 - الملک العادل نور الدین محمود بن زنکی : توفّی (569) ودُفن فی بیته بقلعة دمشق ، ثمّ نُقل إلی مدرسته (3). وفیات الأعیان (2 / 206) ، الجواهر المضیّة (2 / 158) ، شذرات الذهب (4 / 231).

50 - أحمد بن علی بن المعمر أبو عبد الله الطاهر الحسینی المتوفّی (569) : دُفن بداره من الحریم الطاهری مدّة ، ثمّ نُقل إلی مشهد الصبیان بالمدائن. المنتظم (4) (10 / 247). 8.

ص: 128


1- المنتظم : 18 / 194 رقم 4288 ، ص 195 رقم 4289 ، البدایة والنهایة : 12 / 326 حوادث سنة 566 ه.
2- البدایة والنهایة : 12 / 337 حوادث سنة 568 ه ، شذرات الذهب : 6 / 350 حوادث سنة 564 ه ، ص 375 حوادث سنة 568 ه.
3- وفیات الأعیان : 5 / 187 رقم 715 ، الجواهر المضیّة : 3 / 440 رقم 1618 ، شذرات الذهب : 6 / 381 حوادث سنة 569 ه.
4- المنتظم : 18 / 208 رقم 4298.

51 - جلال الدین بن جمال الدین الأصبهانی : توفّی (574) بمدینة دُنَیسِر (1) وحُمل إلی الموصل ودُفن بها ، ثمّ نُقل إلی المدینة ودُفن فی تربة والده. وفیات الأعیان (2) (2 / 188).

52 - الخلیفة الناصر لدین الله أبو العبّاس أحمد بن المستضیء بأمر الله المتوفّی یوم الأحد آخر یوم من شهر رمضان سنة (622) ، دُفن فی دار الخلافة ثم نقل إلی الترب من الرصافة فی ثانی ذی الحجّة سنة (622) ، وکان یوماً مشهوداً. البدایة والنهایة (3) (13 / 106).

53 - الخلیفة الظاهر بأمر الله العبّاسی المتوفّی (623) : دُفن فی دار الخلافة ، ثمّ نُقل إلی الترب من الرصافة ، وکان یوماً مشهوداً. البدایة والنهایة (4) (13 / 113 ، 114).

54 - شرف الدین عیسی الحنفی - المتصلّب فی مذهبه - مؤلِّف السهم المصیب فی الردّ علی الخطیب البغدادی : توفّی سنة (624) بدمشق ودُفن بقلعتها ، ثمّ نُقل إلی جبل الصالحیّة ودُفن فی مدرسته ، وکان نقله سنة (627). الجواهر المضیّة (5) (1 / 402) ، مرآة الجنان (4 / 58).

55 - أبو سعید کوکبوری بن أبی الحسن مظفّر الدین صاحب إربل : توفّی (630) ونُقل إلی قلعة إربل ودُفن بها ، ثمّ حُمل بوصیّة منه إلی مکّة - شرّفها الله تعالی - وکان قد أُعِدَّ له بها قبّة تحت الجبل یُدفن فیها ، فلمّا توجّه الرکب إلی الحجاز سنة (631) سیّروه فی الصحبة ، فاتّفق أن رجع الحاجّ تلک السنة من لینة ، ولم یصلوا 9.

ص: 129


1- مدینة بالجزیرة الفراتیة. (المؤلف)
2- وفیات الأعیان : 5 / 146 رقم 704.
3- البدایة والنهایة : 13 / 125 حوادث سنة 622 ه.
4- البدایة والنهایة : ص 132 حوادث سنة 623 ه.
5- الجواهر المضیّة : 2 / 683 رقم 1089.

إلی مکّة ، فردّوه ودفنوه بالکوفة بالقرب من المشهد. وفیات الأعیان (1) (2 / 9).

56 - أبو العبّاس أحمد بن عبد السیّد الإربلی : توفّی (631) ودُفن بظاهر الرها بمقبرة باب حرّان ، ثمَّ نقله ولده إلی الدیار المصریّة ، فدفنه فی تربته بالقرافة الصغری سنة (637). وفیات الأعیان (2) (1 / 63).

57 - الأشرف موسی بن العادل المتوفّی (635) : توفّی یوم الخمیس رابع محرّم بالقلعة المنصورة ، ودُفن بها حتی نجزت تربته التی بُنیت له شمالی الکلاسة ، ثمّ حُوّل إلیها فی جمادی الأُولی. البدایة والنهایة (3) (13 / 146).

58 - الکامل محمد بن العادل المتوفّی (635) : توفّی (22) من رجب ، ودُفن بالقلعة حتی کملت تربته التی بالحائط الشمالی من الجامع ، ذات الشبّاک الذی هناک قریباً من مقصورة ابن سنان ، ونُقل إلیها لیلة الجمعة الحادی والعشرین من رمضان من سنة وفاته. البدایة والنهایة (4) (13 / 149).

59 - الخلیفة المستنصر بالله العبّاسی المتوفّی (640) : دُفن بدار الخلافة ثمّ نُقل إلی الترب من الرصافة. البدایة والنهایة (5) (13 / 159).

60 - الأمیر عزّ الدین : توفّی (645) فی مصر ودُفن بباب النصر ، ثمّ نُقل إلی تربته التی فوق الورّاقة. البدایة والنهایة (6) (13 / 174).

61 - الملک الصالح نجم الدین أیّوب المتوفّی (647) : توفّی لیلة النصف من شعبان .

ص: 130


1- وفیات الأعیان : 4 / 120 رقم 547.
2- وفیات الأعیان : 1 / 187 رقم 76.
3- البدایة والنهایة : 13 / 171 حوادث سنة 635 ه.
4- البدایة والنهایة : ص 174 حوادث سنة 635 ه.
5- البدایة والنهایة : ص 186 حوادث سنة 640 ه.
6- البدایة والنهایة : ص 203 حوادث سنة 645 ه.

ودُفن بالمنصورة ، ونُقل إلی تربته بمدرسته سنة (649). البدایة والنهایة (1) (13 / 181)

62 - الشیخ الحسن بن محمد بن الحسن العدوی العمری - الإمام الحنفی من ولد عمر بن الخطّاب - : توفّی (650) ببغداد ، ودُفن بداره فی الحریم الطاهری ، ثمّ نُقل إلی مکّة ودُفن بها وکان أوصی بذلک ، وجعل لمن یحمله ویدفنه بمکّة خمسین دیناراً. الجواهر المضیّة (2) (1 / 202).

63 - الشیخ أبو بکر بن قوام البالسی : توفّی (658) ببلاد حلب ودُفن بها ، ثمّ نُقل تابوته ودُفن بجبل قاسیون فی أوّل سنة (670) شذرات الذهب (3) (5 / 695).

64 - الملک السعید ابن الملک الطاهر أبو المعالی المتوفّی (678) : دُفن أوّلاً عند قبر جعفر ، ثمّ نُقل إلی دمشق فدفن فی تربة أبیه سنة (680) البدایة والنهایة (4) (13 / 290)

65 - سعد الدین التفتازانی المتوفّی (791 ، 792) : توفی یوم الإثنین الثانی والعشرین من المحرّم بسمرقند ، ثمّ نُقل إلی سرخس ودُفن بها یوم الأربعاء التاسع من جمادی الأولی سنة (792). مفتاح السعادة (5) (1 / 177).

66 - الشیخ زین الدین الخافی المتوفّی (738) : دُفن بقریة مالین من أعمال خراسان ، ثمّ نُقل بأمر منه إلی درویش آباد ودُفن هناک ومقامه معمورٌ. روضة الناظرین (ص 135).

67 - الشیخ محمد بن سلیمان الجزولی المالکی : توفّی (870) ونقل تابوته بعد سبع وسبعین سنة ولم یتغیّر منه شیءٌ. نیل الابتهاج (ص 317). 2.

ص: 131


1- البدایة والنهایة : 13 / 212 حوادث سنة 649 ه.
2- الجواهر المضیّة : 2 / 82 رقم 475.
3- شذرات الذهب : 7 / 511 حوادث سنة 658 ه.
4- البدایة والنهایة : 13 / 338 حوادث سنة 678 ه.
5- مفتاح السعادة : 1 / 192.

68 - عبد الرحمن بن أحمد الجامی المتوفّی (898) : توفّی بهراة ودُفن بها ، ولمّا توجّهت الطائفة الأردبیلیّة إلی خراسان أخذه ابنه من قبره ودفنه فی ولایة أخری ، فأتت الطائفة إلی قبره وفتّشوه فلم یجدوا جسده ، فأحرقوا ما فیه من الأخشاب (1) شذرات الذهب (7 / 361).

69 - الشیخ حسین بن أحمد الخوارزمی العابد المتوفّی (958) : توفّی بحلب فی عشر شعبان ودُفن بها فی تابوت ، ثمّ نُقل بعد أربعة أشهر إلی دمشق ، ولم یتغیّر أصلاً ودُفن بها ، شذرات الذهب (2) (8 / 321).

70 - یأتی (3) فی بیان البناء علی قبر أبی حنیفة إمام الحنفیّة عن ابن الجوزی :

أنَّهم کانوا یطلبون الأرض الصلبة لأساس القبّة فلم یبلغوا إلیها إلاّ بعد حفر سبعة عشر ذراعاً فی ستّة عشر ذراعاً ، فخرج من هذا الحفر عظام الأموات الذین کانوا یطلبون جوار النعمان أربعمائة صَنّ (4) ، ونُقلت جمیعها إلی بقعة کانت ملکاً لقوم ، فحفر لها ودُفنت.

(مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَیْکَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَیْکَ) (5) 8.

ص: 132


1- شذرات الذهب : 9 / 543 حوادث سنة 898 ه.
2- شذرات الذهب : 10 / 462 حوادث سنة 958 ه.
3- فی الصحیفة 279.
4- الصَّنّ : شبه السلّة ، جمع صینان. (المؤلف)
5- غافر : 78.

57 - زیارة مشاهد العترة الطاهرة

اشارة

الدعاء عندها ، الصلاة فیها ، التوسّل والتبرّک بها

قد جرت السیرة المطّردة من صدر الإسلام منذ عصر الصحابة الأوّلین والتابعین لهم بإحسان علی زیارة قبور ضمنت فی کنفها نبیّا مرسلاً ، أو إماماً طاهراً ، أو ولیّا صالحاً أو عظیماً من عظماء الدین ، وفی مقدّمها قبر النبیّ الأقدس صلی الله علیه وآله وسلم.

وکانت الصلاة لدیها ، والدعاء عندها ، والتبرّک والتوسّل بها ، والتقرّب إلی الله ، وابتغاء الزلفة لدیه بإتیان تلک المشاهد من المتسالم علیه بین فرق المسلمین ، من دون أیّ نکیر من آحادهم ، وأیّ غمیزةٍ من أحد منهم علی اختلاف مذاهبهم.

حتی ولد الدهر ابن تیمیّة الحرّانی فجاء کالمغمور مستهتراً یهذی ولا یبالی ؛ فَتَرَّه (1) ، وأنکر تلکم السنّة الجاریة سنّة الله التی لا تبدیل لها ، ولن تجد لسنّة الله تحویلاً ، وخالف هاتیک السیرة المتّبعة وشذَّ عن تلکم الآداب الإسلامیّة الحمیدة ، وشدّد النکیر علیها بلسانٍ بذیء ، وبیانٍ تافه ، ووجوهٍ خارجة عن نطاق العقل السلیم ، بعیداً عن أدب العلم ، أدب الدین ، أدب الکتابة ، أدب العفّة ، وأفتی بحرمة شدِّ الرحال لزیارة النبیِّ صلی الله علیه وآله وسلم وعدَّ السفر لأجل ذلک سفر معصیة لا تقصر فیه الصلاة ، فخالفه أعلام عصره ورجالات قومه فقابلوه بالطعن والردّ الشدید ، فأفرد هذا ل.

ص: 133


1- من التُّرّه والتُّرّهة ، وهو الباطل.

بالوقیعة علیه تألیفاً حافلاً (1) ، وجاء ذلک یزیِّف آراءه ومعتقداته فی طیّ تآلیفه القیّمة (2) ، وهناک ثالثٌ یترجمه بعُجره وبُجره ، ویعرِّفه للملإ ببدعه وضلالاته.

وقد أصدر الشامیّون فتیاً ، وکَتَبَ علیها البرهان بن الفرکاخ الفزاری نحو أربعین سطراً بأشیاء ، إلی أن قال بتکفیره ، ووافقه علی ذلک الشهاب بن جهبل ، وکتب تحت خطّه کذلک المالکی ، ثمّ عرضت الفتیا لقاضی القضاة الشافعیّة بمصر البدر ابن جماعة فکتب علی ظاهر الفتوی : الحمد لله ، هذا المنقول باطنها جوابٌ عن السؤال عن قوله : إنَّ زیارة الأنبیاء والصالحین بدعةٌ ، وما ذکره من نحو ذلک ومن أنّه لا یرخّص بالسفر لزیارة الأنبیاء ، باطلٌ مردودٌ علیه ، وقد نقل جماعةٌ من العلماء أنَّ زیارة النبیِّ صلی الله علیه وآله وسلم فضیلةٌ وسنّةٌ مجمعٌ علیها ، وهذا المفتی المذکور - یعنی ابن تیمیّة - ینبغی أن یُزجر عن مثل هذه الفتاوی الباطلة عند الأئمّة والعلماء ، ویُمنع من الفتاوی الغریبة ، ویُحبس إذا لم یمتنع من ذلک ، ویُشهر أمره لیحتفظ الناس من الاقتداء به.

وکتبه محمد بن إبراهیم بن سعد الله بن جماعة الشافعی.

وکذلک یقول محمد بن الجریری الأنصاری الحنفی : لکنْ یُحبس الآن جزماً مطلقاً.

وکذلک یقول محمد بن أبی بکر المالکی : ویبالغ فی زجره حسبما تندفع تلک المفسدة وغیرها من المفاسد.ف)

ص: 134


1- کشفاء السقام فی زیارة خیر الأنام لتقیّ الدین السبکی ، والدرّة المضیّة فی الرد علی ابن تیمیّة للسبکی أیضاً ، والمقالة المرضیّة لقاضی قضاة المالکیة تقیّ الدین أبی عبد الله الأخنائی ، ونجم المهتدیّ ورجم المقتدی للفخر ابن المعلم القرشی ، ودفع الشبه لتقی الدین الحصنی ، والتحفة المختارة فی الرّد علی منکر الزیارة لتاج الدین الفاکهانی المتوفّی (834) ، وتألیف أبی عبد الله محمد بن عبد المجید الفاسی المتوفّی (1229). (المؤلف)
2- کالصواعق الإلهیة فی الردّ علی الوهابیة للشیخ سلیمان بن عبد الوهاب فی الردّ علی أخیه محمد بن عبد الوهاب النجدی ، والفتاوی الحدیثیة لابن حجر ، والمواهب اللدنیّة للقسطلانی ، وشرح المواهب للزرقانی ، وکتب أخری کثیرة. (المؤلف)

وکذلک یقول أحمد بن عمر المقدسی الحنبلی.

راجع دفع الشبه (ص 45 - 47) وهؤلاء الأربعة هم قضاة قضاة المذاهب الأربعة بمصر أیّام تلک الفتنة فی سنة (726) (1).

وکان من معاصریه من ینهاه عن غیِّه کالذهبی ، فإنَّه کتب إلیه ینصحه ، وإلیک نص خطابه إیّاه :

الحمد لله علی ذلّتی! یا ربّ ارحمنی وأَقِلنی عثرتی ، واحفظ علیَّ إیمانی ، وا حُزناه علی قلّة حزنی! ووا أسفاه علی السنّة وأهلها! وا شوقاه إلی إخوان مؤمنین یعاونوننی علی البکاء! وا حزناه علی فقد أُناس کانوا مصابیح العلم وأهل التقوی وکنوز الخیرات! آه علی وجود درهم حلال وأخ مؤنس ، طوبی لمن شغله عیبه عن عیوب الناس ، وتبّا لمن شغله عیوب الناس عن عیبه ، إلی کم تری القذاة فی عین أخیک وتنسی الجذع فی عینیک؟ إلی کم تمدح نفسک وشقاشقک وعباراتک وتذمّ العلماء وتتّبع عورات الناس؟ مع علمک بنهی الرسول صلی الله علیه وآله وسلم : «لا تذکروا موتاکم إلاّ بخیر ، فإنَّهم قد أفضوا إلی ما قدّموا». بل أعرف أنَّک تقول لی لتنصر نفسک : إنَّما الوقیعة فی هؤلاء الذین ما شمّوا رائحة الإسلام ، ولا عرفوا ما جاء به محمد صلی الله علیه وآله وسلم وهو جهاد ، بل والله عرفوا خیراً کثیراً ممّا إذا عُمل به فقد فاز ، وجهلوا شیئاً کثیراً ممّا لا یعنیهم ، ومن حسن إسلام المرء ترکه ما لا یعنیه.

یا رجل بالله علیک کفَّ عنّا ، فإنَّک محجاج علیم اللسان لا تقرُّ ولا تنام ، إیّاکم والغلوطات فی الدین ، کره نبیّک صلی الله علیه وآله وسلم المسائل وعابها ونهی عن کثرة السؤال وقال : «إنَّ أخوف ما أخاف علی أُمّتی کلّ منافق علیم اللسان». وکثرة الکلام بغیر زلل تقسی القلب إذا کان فی الحلال والحرام ، فکیف إذا کان فی عبارات الیونسیّة والفلاسفة وتلک الکفریّات التی تعمی القلوب ، والله قد صرنا ضحکةً فی الوجود ، ف)

ص: 135


1- راجع تکملة السیف الصقیل للشیخ محمد زاهد الکوثری : ص 155. (المؤلف)

فإلی کم تنبش دقائق الکفریّات الفلسفیّة؟ لنردَّ علیها بعقولنا.

یا رجل ، قد بلعت سموم الفلاسفة وتصنیفاتهم مرّات ، وکثرة استعمال السموم یدمن علیه الجسم وتکمن والله فی البدن ، وا شوقاه إلی مجلس یُذکر فیه الأبرار! فعند ذکر الصالحین تنزل الرحمة ، بل عند ذکر الصالحین یذکرون بالازدراء واللعنة ، کان سیف الحجّاج ولسان ابن حزم شقیقین فواخیتهما ، بالله خلّونا من ذکر بدعة الخمیس وأکل الحبوب ، وجدّوا فی ذکر بدعٍ کنّا نعدّها من أساس الضلال ، قد صارت هی محض السنّة وأساس التوحید ، ومن لم یعرفها فهو کافرٌ أو حمار ، ومن لم یکفر فهو أکفر من فرعون وتعدّ النص اری مثلنا ، والله فی القلوب شکوک ، إن سلم لک إیمانک بالشهادتین فأنت سعید ، یا خیبة من اتّبعک فإنَّه معرّض للزندقة والانحلال ، لا سیّما إذا کان قلیل العلم والدین باطولیّا شهوانیّا ، لکنّه ینفعک ویجاهد عندک بیده ولسانه ، وفی الباطن عدوٌّ لک بحاله وقلبه ، فهل معظم أتباعک إلاّ قعید مربوط خفیف العقل؟ أو عامیّ کذّابٌ بلید الذهن؟ أو غریبٌ واجمٌ قویُّ المکر؟ أو ناشف صالح عدیم الفهم؟ فإن لم تصدِّقنی ففتِّشهم وزِنْهم بالعدل.

یا مسلم ، أقدم حمار شهوتک لمدح نفسک ، إلی کم تصادقها وتعادی الأخیار؟ إلی کم تصادقها وتزدری الأبرار؟ إلی کم تعظِّمها وتصغِّر العباد؟ إلی متی تخاللها وتمقت الزهّاد؟ إلی متی تمدح کلامک بکیفیّة لا تمدح - والله - بها أحادیث الصحیحین؟ یا لیت أحادیث الصحیحین تسلم منک ، بل فی کلِّ وقت تغیر علیها بالتضعیف والإهدار ، أو بالتأویل والإنکار ، أما آن لک أن ترعوی؟ أما حان لک أن تتوب وتنیب؟ أما أنت فی عشر السبعین وقد قرب الرحیل؟ بلی - والله - ما أدّکر أنَّک تذکر الموت بل تزدری بمن یذکر الموت ، فما أظنّک تقبل علی قولی ولا تصغی إلی وعظی ، بل لک همّةٌ کبیرةٌ فی نقض هذه الورقة بمجلّدات ، وتقطع لی أذناب الکلام ، ولا تزال تنتصر حتی أقول : البتّة سکتُّ ، فإذا کان هذا حالک عندی وأنا الشفوق المحبّ الوادّ ، فکیف حالک عند أعدائک؟ وأعداؤک - والله - فیهم صلحاء وعقلاء وفضلاء ، کما أنَ

ص: 136

أولیاءک فیهم فجرة وکَذَبة وجهلة وبَطَلة وعور وبقر ، قد رضیت منک بأن تسبّنی علانیة وتنتفع بمقالتی سرّا فرحم الله امرأً أهدی إلیّ عیوبی ، فإنّی کثیر العیوب غزیر الذنوب ، الویل لی إن أنا لا أتوب! ووا فضیحتی من علاّم الغیوب ؛ ودوائی یعفو الله ومسامحته وتوفیقه وهدایته ، والحمد لله ربّ العالمین ، وصلّی الله علی سیّدنا محمد خاتم النبیّین وعلی آله وصحبه أجمعین (1).

فمن هنا وهناک أبادوا علیه ما أبدعته یده الأثیمة من المخاریق التافهة والآراء المحدثة الشاذّة عن الکتاب والسنّة والإجماع والقیاس ، ونودی علیه بدمشق : من اعتقد عقیدة ابن تیمیّة حلَّ دمه وماله (2). فذهبت تلکم البدع السخیفة أدراج الریاح (کَذلِکَ یَضْرِبُ اللهُ الْحَقَّ وَالْباطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَیَذْهَبُ جُفاءً وَأَمَّا ما یَنْفَعُ النَّاسَ فَیَمْکُثُ فِی الْأَرْضِ) (3).

ثمّ قیّض المولی سبحانه فی کلّ قرن وفی کلّ قطر رجالاً نصروا الحقیقة ، وأحیوا کلمة الحقّ ، وأماتوا بذرة الضلال ، وقابلوا تلکم الأضالیل المحدثة بحجج قویّة ، وبراهین ساطعة ، فجاءت الأمّة الإسلامیّة تتّبع الطریق المهیع ، وتسلک جَدد السبیل ، تباعاً وراء الکتاب والسنّة ، تعظِّم شعائر الله (وَمَنْ یُعَظِّمْ شَعائِرَ اللهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَی الْقُلُوبِ) (4) إلی أن ألقی الشرّ جرانه (5) ، وجاد الدهر بولائد الجهل ، وربّتهم أیدی ه.

ص: 137


1- تکملة السیف الصقیل للکوثری : ص 190 کتبه من خطّ قاضی القضاة برهان الدین بن جماعة ، وکتبه هو من خط الشیخ الحافظ أبی سعید بن العلائی ، وقد کتبه من خط الذهبی ، وذکر شطراً منه العزامی فی الفرقان : ص 129. (المؤلف)
2- الدرر الکامنة لابن حجر العسقلانی : 1 / 147. (المؤلف)
3- الرعد : 17.
4- الحج : 32.
5- الجِران : باطن العنق. یقال : ألقی البعیر بجرانه ، إذا برک ومدّ عنقه علی الأرض ، واستعاره المصنّف قدس سره هنا للشرّ إذا تمکّن وقرَّ فی قراره.

الهوی ، وأرضعتهم أُمّهات الضلال ، وشاخلتهم (1) رجالات الفساد ، وتمثّلوا فی الملأ بشراً سویّا ، وسجیّتهم الضلال ، فجاسوا خلال الدیار وضلّوا وأضلّوا واتّبعوا سبیل الغیِّ وصدّوا عن سبیل الله ، ومن أُولئک الجماهیر القصیمیّ صاحب الصراع ، حذا حذو ابن تیمیّة واتّخذ وتیرته واتّبع هواه ، فجاء فی القرن العشرین کشیخه یموِّه ، ویدجِّل ، ویتسدّج (2) ، ویتحرّش بالسباب المقذع ، ویقذف مخالفیه بالکفر والردّة ، ویرمیهم بکلِّ معرّة ومسبّة ، ویُری المجتمع أنَّ هاتیک الأعمال من الزیارة والدعاء عند القبور المشرّفة والصلاة لدیها والتبرّک والتوسّل والاستشفاع بها کلّها من آفات الشیعة ، وهم بذلک ملعونون خارجون عن ربقة الإسلام ، وبسط القول فی هذه کلّها بألسنة حداد مقذعاً مستهتراً خارجاً عن أدب المناظرة والجدال ، قال فی الصراع (1 / 54):

وبهذا الغلوّ الذی رأیت من طائفة الشیعة فی أئمّتهم ، وبهذا التألیه الذی سمعت منهم لعلیّ وولده ، عبدوا القبور وأصحاب القبور ، وأشادوا المشاهد ، وأتوها من کلّ مکانٍ سحیق وفجٍّ عمیق ، وقدّموا لها النذور والهدایا والقرابین ، وأراقوا فوقها الدماء والدموع ، ورفعوا لها خالص الخضوع والخشوع ، وأخلصوا لها ذلک وخصّوها به دون الله ربِّ الموحِّدین.

وقال فی (1 / 178) : الأشیاء المشروعة کالصلاة والسلام علی الرسول الکریم لا فرق فیها بین القرب والنأی ، فإنَّها حاصلة فی الحالتین ، وأمّا مشاهدة القبر الشریف نفسه ، ومشاهدة الأحجار نفسها ، فلا فضل فیها ولا ثواب بلا خلاف بین علماء الإسلام ، بل إنَّ مشاهدته - علیه الصلاة والسلام - حینما کان حیّا لا فضل لها بذاتها ، وإنَّما الفضل فی الإیمان به والتعلّم منه والاقتداء به والنهج منهجه ومناصرته ، وبالإجمال إنَّ أحداً من الناس لن یستطیع أن یثبت لزیارة القبر الشریف فضلاً ما ، ل.

ص: 138


1- الشَّخْل : الصفیّ والصدیق ، وشاخله : اتّخذه صفیّا وصدیقاً.
2- التسدُّج : الکذب وتقوّل الأباطیل.

وهذا واضحٌ من سیرة المسلمین الأوّلین ... إلی آخر خرافاته ومخاریقه.

لعلّ القارئ یزعم من شدّة الرجل هذه وحدّته فی النکیر ، والجلبة واللغط فی القول - التی هی شنشنةٌ یُعرف بها ابن تیمیّة شیخ البدع والضلال والمرجع الوحید فی هذه الخزایات والخزعبلات - أنَّ لکلامه مقیلاً من الحقیقة ورمزاً من الصدق ، ذاهلا عن أنَّ أعلام المذاهب الإسلامیّة فی القرون الخالیة ، منذ القرن الثامن من یوم ابن تیمیّة ، وبعده یوم محمد بن عبد الوهاب الذی أعاد لتلکم الدوارس جدّتها وحتی العصر الحاضر ، أنکروا علی هذه السفسطات والسفاسف وحکموا بکفر من ذهب إلی هذه الآراء المضلّة والمعتقدات الشاذّة عن سیرة المسلمین ، وشنّوا علیه الغارة وبالغوا فی الردّ علیه.

والقارئ جدُّ علیم بأنَّ هذه اللهجة القارصة لیست من شأن من أسلم وجهه لله وهو محسن ، وآمن بالنبیِّ الطاهر ، واعتنق بما جاء به من کتاب وسنّة ، ولا تسوِّغها مکارم الأخلاق ومبادئ الإنسانیّة ، ولا یحبِّذها أدب الإسلام المقدّس ؛ أیجوز لمسلم أن یُسوّی بین مشاهدة الأحجار وبین رؤیة النبیِّ صلی الله علیه وآله وسلم فی حال حیاته؟ أیسوغ له أن لا یری لزیارته حیّا ومیّتاً قیمة ولا کرامةً ، ولا یعتبر لها فضلاً ما ، وینعق بذلک فی الملأ الدینی؟ ألیس من السیرة المطّردة بین البشر أنَّ کلّ ملّة من الملل تستعظم زیارة کبرائها وزعمائها ، وتراها فضلاً وشرفاً وتعدّها للزائر مفخرةً ومحمدةً ، وتکثر إلیها رغبات أفرادها لما یرون فیها من الکرامة ، وقد جرت علی هذه سیرة العقلاء من الملل والنحل ، وعلیه تصافقت الأجیال فی أدوار الدنیا ، وکان یقدِّر الناس - سلفاً وخلفاً - أعلام الدین بالزیارة والتبرّک بهم ، قال أبو حاتم :

کان أبو مسهر عبد الأعلی الدمشقی الغسّانی المتوفّی (218) إذا خرج إلی المسجد اصطفَّ الناس یسلّمون علیه ویُقبِّلون یده (1). ف)

ص: 139


1- تاریخ الخطیب البغدادی : 11 / 73 [رقم 5750]. (المؤلف)

وقال أبو سعد : کان أبو القاسم سعد بن علیّ شیخ الحرم الزنجانی المتوفّی (471) ، إذا خرج إلی الحرم یخلو المطاف ، ویقبِّلون یده أکثر ممّا یقبِّلون الحجر الأسود (1).

وقال ابن کثیر فی تاریخه (2) (12 / 120) : کان الناس یتبرّکون به ، ویقبِّلون یده أکثر مما یقبِّلون الحجر الأسود.

وکان أبو إسحاق إبراهیم بن علیّ الشیرازی المتوفّی (476) کلّما مرَّ علی بلدة خرج أهلها یتلقّونه بأولادهم ونسائهم یتبرّکون به ، ویتمسّحون برکابه ، وربّما أخذوا من تراب حافر بغلته ، ولمّا وصل إلی ساوة خرج إلیه أهلها ، وما مرَّ بسوق منها إلاّ نثروا علیه من لطیف ما عندهم (3).

وکان الشریف أبو جعفر الحنبلی المتوفّی (471) یدخل علیه فقهاء وغیرهم ، ویقبِّلون یده ورأسه (4).

وکان الحافظ أبو محمد عبد الغنی المقدسی الحنبلی المتوفّی (600) إذا خرج فی مصر یوم الجمعة إلی الجامع لا یقدر یمشی من کثرة الخلق یتبرّکون به ویجتمعون حوله. شذرات الذهب (5) (4 / 346).

وکان أبو بکر عبد الکریم بن عبد الله الحنبلی المتوفّی (635) منقطعاً عن الناس فی قریته یقصده الناس لزیارته والتبرّک به. شذرات الذهب (6) (5 / 171). .

ص: 140


1- تذکرة الحفّاظ للذهبی : 3 / 346 [3 / 1175 رقم 26] ، صفة الصفوة لابن الجوزی : 2 / 151 [2 / 266 رقم 224]. (المؤلف)
2- البدایة والنهایة : 12 / 146 حوادث سنة 471 ه.
3- البدایة والنهایة : 12 / 123 [12 / 151 حوادث سنة 475 ه]. (المؤلف)
4- البدایة والنهایة : 12 / 119 [12 / 145 حوادث سنة 470 ه]. (المؤلف)
5- شذرات الذهب : 6 / 562 حوادث سنة 600 ه.
6- شذرات الذهب : 7 / 301 حوادث سنة 635 ه.

وکان للحافظ أبی عبد الله محمد بن أبی الحسین الیونینی الحنبلی المتوفّی (658) من الحرمة والتقدّم ما لم ینله أحد ، وکانت الملوک تقبِّل یده وتقدِّم مداسه. شذرات الذهب (1)) (5 / 294).

وکان الجزری محمد بن محمد المتوفّی (832) ، توفّی بشیراز ، وکانت جنازته مشهودة تبادر الأشراف والخواصّ والعوام إلی حملها وتقبیلها ومسّها تبرّکاً بها ، ومن لم یمکنه الوصول إلی ذلک کان یتبرّک بمن تبرّک بها. مفتاح السعادة (2) (1 / 394).

وکان لأهل دمشق فی الشیخ مسعود بن عبد الله المغربی المتوفّی (985) کبیر اعتقاد یتبرّکون به ویقبِّلون یدیه ، قال النجم الغزّی : ولقد دعا لی ومسح علی رأسی ، وأنا أجد برکة دعائه الآن. شذرات الذهب (3) (8 / 409).

فما ظنّک بزیارة سیّد ولد آدم ومن نیطت به سعادة البشر ورقیّه وتقدّمه؟ وهذه ملائکة السموات تزور ذلک القبر الشریف کلّ یوم ، فما من یوم یطلع إلاّ نزل سبعون ألفاً من الملائکة حتی یحفّوا بقبره صلی الله علیه وآله وسلم ویصلّون علیه ، حتی إذا أمسوا عرجوا وهبط مثلهم فصنعوا مثل ذلک حتی إذا انشقّت عنه الأرض (4) [خرج فی سبعین ألفاً من الملائکة یزفّونه].

وشتّان بین هذا الرأی القصیمی الفاسد وبین قول الشیخ تقیّ الدین السبکی فی ف)

ص: 141


1- شذرات الذهب : 7 / 508 حوادث سنة 658 ه.
2- مفتاح السعادة : 2 / 49.
3- شذرات الذهب : 10 / 599 حوادث سنة 985 ه.
4- أخرجه الدارمی فی سننه : 1 / 44 ، وذکره القسطلانی فی المواهب اللدنیّة : [2 / 699] ، وابن حجر فی الجوهر المنظّم عن الدارمی ، وابن المبارک ، وإسماعیل القاضی ، والبیهقی [فی شعب الإیمان : 3 / 492 رقم 4170] ، وذکر الزرقانی فی شرح المواهب : 5 / 340 ما أسقط منه القسطلانی ، وذکره الحمزاوی فی کنز المطالب : ص 223. (المؤلف)

الشفاء (1) (ص 96) : إنَّ من المعلوم من الدین وسیر السلف الصالحین التبرّک ببعض الموتی من الصالحین فکیف بالأنبیاء والمرسلین ، ومن ادّعی أنَّ قبور الأنبیاء وغیرهم من أموات المسلمین سواء ؛ فقد أتی أمراًعظیماً نقطع ببطلانه وخطئه فیه ، وفیه حطٌّ لدرجة النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم إلی درجة من سواه من المسلمین ، وذلک کفر متیقّن ، فإنَّ من حطَّ رتبة النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم عمّا یجب له فقد کفر.

والخطب الفظیع - وقل الفاحشة المبیّنة - أنَّ الرجل یحذو حذو ابن تیمیّة ، ویری ما یهذو به من البدع والضلالات من سیرة المسلمین الأوّلین ، کأنَّ القرون الإسلامیّة تدهورت وتقلّبت علی سیرتها الأولی ، وشذّت الأُمّة عنها ، فلم یبق عاملاً بتلک السیرة إلاّ الرجل - القصیمی - وشیخه فی ضلاله ابن تیمیّة.

وانظر إلی الرجل کیف یری زیارة القبور وإتیانها والدعاء عندها من الردّة والکفر عند جمیع المسلمین علی اختلاف مذاهبهم ، ناشئة عن الغلوّ والتألیه لعلیٍّ وولده ، وقد مرَّ عنه فی صفحة (45) : أنَّ الشیعة یرون علیّا وولده أنبیاء یوحی إلیهم. إن کلّها إلاّ شنشنة الرعونة وصبغة الإحن والشحناء فی کلّ أمویٍّ لفَّ عجاجته علی الشیعة وعلی أئمّتها ، فها نحن نقدِّم بین یدی القارئ سیرة المسلمین فی زیارة النبیّ الأقدس وغیره منذ عصر الصحابة الأوّلین والتابعین لهم بإحسان حتی الیوم (لِیَهْلِکَ مَنْ هَلَکَ عَنْ بَیِّنَةٍ وَیَحْیی مَنْ حَیَّ عَنْ بَیِّنَةٍ) (2).

الحثّ علی زیارة النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم

أخرج أئمّة المذاهب الأربعة وحفّاظها فی الصحاح والمسانید أحادیث جمّة فی زیارة قبر النبیّ الأعظم - صلوات الله علیه وآله - ونحن نذکر شطراً منها : 2.

ص: 142


1- شفاء السقام : ص 130.
2- الأنفال : 42.

- 1 -

عن عبد الله بن عمر مرفوعاً : «من زار قبری وجبت له شفاعتی».

أخرجته أُمّة من الحفّاظ وأئمّة الحدیث منهم :

1 - عُبید بن محمد أبو محمد الورّاق النیسابوری المتوفّی (255).

2 - ابن أبی الدنیا أبو بکر عبد الله بن محمد القرشی المتوفّی (281).

3 - الدولابی أبو بشر محمد الرازی المتوفّی (310) : فی الکنی والأسماء (2 / 64).

4 - محمد بن إسحاق أبو بکر النیسابوری المتوفّی (311) الشهیر بابن خزیمة : أخرجه فی صحیحه.

5 - الحافظ محمد بن عمرو أبو جعفر العقیلی المتوفّی (322) : فی کتابه (1).

6 - القاضی المحاملی أبو عبد الله الحسین البغدادی المتوفّی (330).

7 - الحافظ أبو أحمد بن عدیّ المتوفّی (365) : فی الکامل (2).

8 - الحافظ أبو الشیخ أبو محمد عبد الله بن محمد الأنصاری المتوفّی (369).

9 - الحافظ أبو الحسن علیّ بن عمر الدارقطنی المتوفّی (385) : فی سننه (3).

10 - أقضی القضاة أبو الحسن الماوردی المتوفّی (450) : فی الأحکام السلطانیّة (4) (ص 105).

11 - الحافظ أبو بکر البیهقی المتوفّی (458) : فی السنن (5) وغیره. 5.

ص: 143


1- الضعفاء الکبیر : 4 / 170 رقم 1744.
2- الکامل فی ضعفاء الرجال : 6 / 351 رقم 1834.
3- سنن الدارقطنی : 2 / 278 ح 194.
4- الأحکام السلطانیّة : 2 / 109.
5- السنن الکبری : 5 / 245.

12 - القاضی أبو الحسن علیّ بن الحسن الخلعی الشافعی المتوفّی (492) : فی فوائده.

13 - الحافظ إسماعیل بن محمد بن الفضل القرشی الأصبهانی المتوفّی (535).

14 - القاضی عیاض المالکی المتوفّی (544) : فی الشفا (1).

15 - الحافظ أبو القاسم علیّ بن عساکر المتوفّی (571) : فی تاریخه (2) فی باب : من زار قبره صلی الله علیه وآله وسلم ، وهذا الباب أسقطه المهذِّب من الکتاب فی طبعه ، والله یعلم سرّ تحریفه هذا وما أضمرته سریرته.

16 - الحافظ أبو طاهر أحمد بن السلفی المتوفّی (576).

17 - أبو محمد عبد الحقّ بن عبد الرحمن الأندلسی المتوفّی (581) : فی الأحکام الوسطی والصغری (3).

18 - الحافظ ابن الجوزی المتوفّی (597) : فی مثیر الغرام الساکن.

19 - الحافظ علیّ بن المفضّل المقدسی الإسکندرانی المالکی المتوفّی (611).

20 - الحافظ أبو الحجّاج یوسف بن خلیل الدمشقی المتوفّی (648).

21 - الحافظ أبو محمد عبد العظیم المنذری (4) المتوفّی (656).

22 - الحافظ أبو الحسین یحیی بن علیّ القرشی الأموی المالکی المتوفّی (662) : فی کتابه الدلائل المبینة فی فضائل المدینة. 6.

ص: 144


1- الشفا بتعریف حقوق المصطفی : 5 / 194.
2- مختصر تاریخ دمشق : 2 / 406.
3- قال فی خطبة الأحکام الصغری : إنّه تخیّرها صحیح الإسناد معروفة عند النقّاد ، قد نقلها الأثبات وتداولها الثقات. وقال فی خطبة الوسطی : إنّ سکوته عن الحدیث دلیل علی صحّته .. إلخ راجع شفاء السقام : ص 9 [ص 10 - 11]. (المؤلف)
4- الترغیب والترهیب : 2 / 224 ح 16.

23 - الحافظ أبو محمد عبد المؤمن الدمیاطی المتوفّی (705).

24 - الحافظ أبو الحسین هبة الله بن الحسن.

25 - أبو الحسین یحیی بن الحسن الحسینی فی کتاب أخبار المدینة.

26 - أبو عبد الله محمد بن محمد العبدری الفاسی المالکی - الشهیر بابن الحاجّ - المتوفّی (737) : فی المدخل (1 / 261).

27 - تقیُّ الدین علیّ بن عبد الکافی السبکی الشافعی المتوفّی (756): بسط القول فی ذکر طرقه فی شفاء السقام (1) (ص 3 - 11) وقال فی (ص 8) : والرواة جمیعهم إلی موسی بن هلال ثقات لا ریبة فیهم ، وموسی بن هلال قال ابن عدیّ : أرجو أنَّه لا بأس به ، وهو من مشایخ أحمد ، وأحمد لم یکن یروی إلاّ عن ثقة ، وقد صرّح الخصم بذلک فی الردِّ علی البکری. ثمّ ذکر شواهد لقوّة سنده ، فقال : وبذلک تبیّن أنَّ أقلّ درجات هذا الحدیث أن یکون حسناً إن نوزع فی دعوی صحّته - إلی أن قال - :

وبهذا بل بأقلّ منه یتبیّن افتراء من ادّعی أنّ جمیع الأحادیث الواردة فی الزیارة موضوعةٌ ، فسبحان الله! أما استحی من الله ومن رسوله فی هذه المقالة التی لم یسبقه إلیها عالم ولا جاهل لا من أهل الحدیث ولا من غیرهم؟! ولا ذکر أحد موسی ابن هلال ولا غیره من رواة حدیثه هذا بالوضع ولا اتّهمه به فیما علمنا ، فکیف یستجیز مسلم أن یطلق علی کلّ الأحادیث التی هو واحد منها أنّها موضوعة؟! ولم ینقل إلیه ذلک عن عالم قبله ، ولا ظهر علی هذا الحدیث شیءٌ من الأسباب المقتضیة للمحدِّثین للحکم بالوضع ، ولا حکم متنه ممّا یخالف الشریعة ، فمن أیّ وجهٍ یحکم بالوضع علیه لو کان ضعیفاً؟ فکیف وهو حسن أو صحیح؟

28 - الشیخ شعیب [بن] عبد الله بن سعد المصری ثمّ المکیّ الشهیر 4.

ص: 145


1- شفاء السقام : 2 - 14.

بالحریفیش المتوفّی (801) : فی الروض الفائق (1) (2 / 137).

29 - السیّد نور الدین علیّ بن عبد الله الشافعی القاهری السمهودی (2) المتوفّی (911) : فی وفاء الوفا (3) (2 / 394).

30 - الحافظ جلال الدین عبد الرحمن السیوطی المتوفّی (911) : فی الجامع الکبیر کما فی ترتیبه (4) (8 / 99).

31 - الحافظ أبو العبّاس شهاب الدین القسطلانی (5) المتوفّی (923) : فی المواهب اللدنیّة (6) من طریق الدارقطنی ؛ وقال : رواه عبد الحقّ فی أحکامه الوسطی والصغری وسکت عنه ، وسکوته عن الحدیث فیها دلیلٌ علی صحّته.

32 - الحافظ ابن الدَّیبع أبو محمد الشیبانی المتوفّی (944) : فی تمییز الطیّب من الخبیث (7) (ص 162).

33 - الشیخ شمس الدین محمد الخطیب الشربینی المتوفّی (977) : فی المغنی (8) (1 / 494) عن صحیح ابن خزیمة.

34 - زین الدین عبد الرؤوف المناوی المتوفّی (1031) : فی کنوز الحقائق (9) (ص 141) ، وشرح الجامع الصغیر للسیوطی (6 / 140). 8.

ص: 146


1- الروض الفائق : ص 380.
2- سمهود : قریة کبیرة غربی نیل مصر [معجم البلدان : 3 / 255]. (المؤلف)
3- وفاء الوفا : 4 / 1326.
4- کنز العمّال : 15 / 651 ح 42583.
5- نسبة إلی قسطلة بلدة بالأندلس [معجم البلدان : 4 / 347]. (المؤلف)
6- المواهب اللدنیّة : 4 / 570.
7- تمییز الطیّب من الخبیث : ص 184 ح 1395.
8- مغنی المحتاج : 1 / 512.
9- کنوز الحقائق : 2 / 108.

35 - الشیخ عبد الرحمن شیخ زاده المتوفّی (1078) : فی مجمع الأنهر (1 / 157).

36 - أبو عبد الله محمد بن عبد الباقی الزرقانی المصری المالکی المتوفّی (1122) : فی شرح المواهب (8 / 298) نقلاً عن أبی الشیخ وابن أبی الدنیا.

37 - الشیخ إسماعیل بن محمد الجراحی العجلونی المتوفّی (1162) : فی کشف الخفاء (2 / 250) نقلاً عن أبی الشیخ ، وابن أبی الدنیا ، وابن خزیمة.

38 - الشیخ محمد بن علیّ الشوکانی المتوفّی (1250) : فی نیل الأوطار (1) (3 / 325) نقلاً عن غیر واحد من أئمّة الحدیث.

39 - الشیخ محمد ابن السیّد درویش الحوت البیروتی المتوفّی (1276) : فی حسن الأثر (ص 246).

40 - السیّد محمد بن عبد الله الدمیاطی الشافعی المتوفّی (1307) : فی مصباح الظلام (2) (2 / 144).

41 - عدّةٌ من فقهاء المذاهب الأربعة فی مصر الیوم : فی الفقه علی المذاهب الأربعة (3) (1 / 590).

- 2 -

عن عبد الله بن عمر مرفوعاً : «من جاءنی زائراً لا تعمله إلاّ زیارتی کان حقّا علیَّ أن أکون له شفیعاً یوم القیامة». وفی لفظ : «لا تحمله إلاّ زیارتی». وفی آخر : «لم تنزعه حاجة إلاّ زیارتی». وفی رابع : «لا ینزعه إلاّ زیارتی کان حقّا علی الله عزّ وجلّ» وفی خامس للغزالی : «لا یهمّه إلاّ زیارتی». أخرجه جمع من الحفّاظ 1.

ص: 147


1- نیل الأوطار : 5 / 108.
2- مصباح الظلام : 2 / 351 ح 630.
3- الفقه علی المذاهب الأربعة : 1 / 711.

لا یُستهان بهم وبعدّتهم ، منهم (1) :

1 - الحافظ أبو علیّ سعید بن عثمان بن السکن البغدادی المتوفّی بمصر (353): فی کتابه السنن الصحاح ، جعل فی آخر کتاب الحج - باب ثواب من زار قبر النبیّ - ولم یذکر فی الباب غیر هذا الحدیث. قال السبکی فی شفاء السقام (2) (ص 16) : وذلک منه حکم بأنّه مجمع علی صحّته بمقتضی الشرط الذی شرطه فی الخطبة ، وابن السکن هذا إمام حافظ ثقة کثیر الحدیث ، واسع الرحلة.

قال فی خطبة کتابه :

أمّا بعد ؛ فإنَّک سألتنی أن أجمع لک ما صحَّ عندی من السنن المأثورة التی نقلها الأئمّة من أهل البلدان الذین لا یطعن علیهم طاعن فیما نقلوه ، فتدبّرت ما سألتنی عنه فوجدت جماعة من الأئمّة قد تکلّفوا ما سألتنی من ذلک وقد وعیت جمیع ما ذکروه ، وحفظت عنهم أکثر ما نقلوه ، واقتدیت بهم وأجبتک إلی ما سألتنی من ذلک ، وجعلته أبواباً فی جمیع ما یحتاج إلیه من أحکام المسلمین ، فأوّل من نصب نفسه لطلب صحیح الآثار : البخاری وتابعه مسلم ، وأبو داود ، والنسائی ، وقد تصفّحت ما ذکروه ، وتدبّرت ما نقلوه فوجدتهم مجتهدین فیما طلبوه ، فما ذکرته فی کتابی هذا مجملاً فهو ممّا أجمعوا علی صحّته ، وما ذکرته بعد ذلک ممّا یختاره أحد من الأئمّة الذین سمّیتهم ، فقد بیّنت حجّته فی قبول ما ذکره ، ونسبته إلی اختیاره دون غیره ، وما ذکرته مما یتفرّد به أحد من أهل النقل للحدیث فقد بیّنت علّته ودللت علی انفراده دون غیره ، وبالله التوفیق. 0.

ص: 148


1- المعجم الکبیر : 12 / 225 ح 13149 ، إحیاء علوم الدین : 1 / 231 ، مختصر تاریخ دمشق : 2 / 406 ، شفاء السقام : ص 16 - 20 ، وفاء الوفا : 4 / 1340 ، المواهب اللدنیّة : 4 / 571 ، مغنی المحتاج : 1 / 512.
2- شفاء السقام : ص 20.

2 - الحافظ أبو القاسم الطبرانی المتوفّی (360) : أخرجه فی معجمه الکبیر.

3 - الحافظ أبو بکر محمد بن إبراهیم المقری الأصبهانی المتوفّی (381) : فی معجمه.

4 - الحافظ أبو الحسن الدارقطنی المتوفّی (385) : أخرجه فی أمالیه.

5 - الحافظ أبو نعیم الأصبهانی المتوفّی (430).

6 - القاضی أبو الحسن علیّ بن الحسن الخلعی الشافعی المتوفّی (492) : صاحب الفوائد.

7 - حجّة الإسلام أبو حامد الغزالی الشافعی المتوفّی (505) : فی إحیاء العلوم (1 / 246).

8 - الحافظ ابن عساکر المتوفّی (571) : صاحب تاریخ الشام.

9 - الحافظ أبو الحجّاج یوسف بن خلیل الدمشقی المتوفّی (648).

10 - الحافظ یحیی بن علیّ القرشی الأموی المالکی المتوفّی (662).

11 - الحافظ أبو علیّ الحسن بن أحمد بن الحسن الحدّاد ، فی کتابه.

12 - تقیُّ الدین السبکی الشافعی المتوفّی (756) : فصّل القول فی طرق هذا الحدیث ، وأخرجه من طرق شتّی وصحّحه فی شفاء السقام (ص 13 - 16).

13 - السیّد نور الدین علیّ بن عبد الله الشافعی القاهری السمهودی المتوفّی (911) : فی وفاء الوفا (2 / 396) ، ذکره من طرق شتّی ، منها طریق الحافظ ابن السکن ، فقال : ومقتضی ما شرطه فی خطبته أن یکون هذا الحدیث ممّا أُجمع علی صحّته - ثمّ قال - : قلتُ : ولهذا نقل عنه جماعة ، منهم الحافظ زین الدین العراقی : أنّه صحّحه. إلخ.

ص: 149

14 - أبو العبّاس شهاب الدین القسطلانی المتوفّی (923) : فی المواهب اللدنیّة ، وقال : صحّحه ابن السکن.

15 - الشیخ محمد الخطیب الشربینی المتوفّی (977) : فی مغنی المحتاج شرح المنهاج (1 / 494) وقال : رواه ابن السکن فی سننه الصحاح المأثورة.

16 - الشیخ عبد الرحمن شیخ زاده المتوفّی (1078) : فی مجمع الأنهر (1 / 157).

- 3 –

عن عبد الله بن عمر مرفوعاً : «من حجّ فزار قبری بعد وفاتی کان کمن زارنی فی حیاتی». وفی غیر واحد من طرقه زیادة : «وصحبنی» أخرجه جمع من الحفّاظ منهم (1)

1 - الحافظ عبد الرزّاق أبو بکر الصنعانی المتوفّی (211).

2 - الحافظ أبو العبّاس الحسن بن سفیان الشیبانی المتوفّی (303).

3 - الحافظ أبو یعلی أحمد بن علیّ الموصلی المتوفّی (307) : فی مسنده.

4 - الحافظ أبو القاسم عبد الله بن محمد البغوی المتوفّی (317).

5 - الحافظ أبو القاسم الطبرانی المتوفّی (360).

6 - الحافظ أبو أحمد بن عدی المتوفّی (365) : فی الکامل.

7 - الحافظ أبو بکر محمد بن إبراهیم المقری المتوفّی (381). 1.

ص: 150


1- المعجم الکبیر : 12 / 310 ح 13497 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 2 / 382 رقم 505 ، سنن الدارقطنی : 2 / 278 ح 192 ، مختصر تاریخ دمشق : 2 / 406 ، الدرّة الثمینة : ص 397 ، مشکاة المصابیح : 2 / 128 ح 2756 ، شفاء السقام : ص 20 - 27 ، الروض الفائق : ص 380 ، وفاء الوفا : 4 / 1340 ، کنز العمّال 15 / 651 ح 42582 ، نسیم الریاض : 3 / 511 ، نیل الأوطار : 5 / 108 ، مصباح الظلام : 2 / 351.

8 - الحافظ أبو الحسن الدارقطنی المتوفّی (385) : فی سننه وغیرها.

9 - الحافظ أبو بکر البیهقی المتوفّی (458) : فی سننه (5 / 246).

10 - الحافظ ابن عساکر الدمشقی المتوفّی (571) : فی تاریخه.

11 - الحافظ ابن الجوزی المتوفّی (597) : فی مثیر الغرام الساکن إلی أشرف الأماکن.

12 - الحافظ أبو عبد الله ابن النجّار البغدادی المتوفّی (643) : فی کتابه الدرّة الثمینة فی أخبار المدینة.

13 - الحافظ أبو الحجّاج یوسف بن خلیل الدمشقی المتوفّی (648).

14 - الحافظ أبو محمد عبد المؤمن الدمیاطی المتوفّی (705).

15 - أبو الفتح أحمد بن محمد بن أحمد الحدّاد فی کتابه.

16 - الحافظ أبو الحسین المصری.

17 - ولیُّ الدین الخطیب التبریزی فی مشکاة المصابیح المؤلَّف (737) فی باب حرم المدینة فی الفصل الثالث.

18 - تقیّ الدین السبکی المتوفّی (756) : بسط القول فی طرقه فی شفاء السقام (16 - 21) ورواه عن کثیر من هؤلاء الحفّاظ المذکورین وغیرهم.

19 - الشیخ شعیب [بن] عبد الله المصری الحریفیش المتوفّی (801) : فی الروض الفائق (2 / 137).

20 - السیّد نور الدین السمهودی المتوفّی (911) : فصّل القول فی طرقه فی وفاء الوفا (2 / 397).

21 - الحافظ جلال الدین السیوطی المتوفّی (911) : فی الجامع الکبیر کما فی ترتیبه (8 / 99).

ص: 151

22 - قاضی القضاة شهاب الدین الخفاجی الحنفی المتوفّی (1069) : فی شرح الشفا للقاضی عیاض (3 / 567).

23 - الشیخ عبد الرحمن شیخ زاده المتوفّی (1078) : فی مجمع الأنهر (1 / 157).

24 - الشیخ محمد الشوکانی المتوفّی (1250) : فی نیل الأوطار (4 / 325).

25 - السیّد محمد بن عبد الله الدمیاطی الشافعی المتوفّی (1307) : فی مصباح الظلام (2 / 144).

- 4 -

عن عبد الله بن عمر مرفوعاً : «من حجَّ البیت ولم یزرنی فقد جفانی». أخرجه جمع منهم (1) :

1 - الحافظ أبو حاتم محمد بن حبّان التمیمی البستی المتوفّی (354) : فی الضعفاء.

2 - الحافظ ابن عدی المتوفّی (365) فی الکامل.

3 - الحافظ الدارقطنی المتوفّی (385) : فی کتابه أحادیث مالک التی لیست فی الموطّأ.

4 - تقیّ الدین السبکی المتوفّی (756) : من غیر طریق ، فی شفاء السقام (ص 22) ، وردَّ حکم ابن الجوزی علی الحدیث بالوضع. 8.

ص: 152


1- کتاب المجروحین : 3 / 73 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 7 / 14 رقم 1956 ، شفاء السقام : ص 27 ، وفاء الوفا : 4 / 1342 ، المواهب اللدنیّة : 4 / 571 ، کشف الخفاء : 2 / 244 ح 2460 ، نیل الأوطار : 5 / 108.

5 - السیّد نور الدین السمهودی المتوفّی (911) : فی وفاء الوفا (2 / 398).

6 - أبو العبّاس شهاب الدین القسطلانی المتوفّی (923) : فی المواهب اللدنیّة ، نقلاً عن ابن عدی ، وابن حبّان ، والدارقطنی.

7 - الشیخ إسماعیل الجراحی العجلونی المتوفّی (1162) : فی کشف الخفاء (2 / 278) نقلاً عن ابن عدی ، وابن حبّان ، والدارقطنی.

8 - السیّد المرتضی الزبیدی الحنفی المتوفّی (1205) : فی تاج العروس (10 / 74).

9 - الشیخ محمد الشوکانی المتوفّی (1250) : فی نیل الأوطار (4 / 325).

- 5 -

عن عمر مرفوعاً : «من زار قبری - أو من زارنی - کنت له شفیعاً - أو شهیداً - ومن مات فی أحد الحرمین بعثه الله عزَّ وجلَّ فی الآمنین یوم القیامة». أخرجه (1) :

1 - الحافظ أبو داود الطیالسی المتوفّی (204) : فی مسنده (1 / 12).

2 - الحافظ أبو نعیم الأصبهانی المتوفّی (430).

3 - الحافظ البیهقی المتوفّی (458) : فی السنن الکبری (5 / 245).

4 - الحافظ ابن عساکر الدمشقی المتوفّی (571) : فی تاریخ الشام.

5 - الحافظ أبو الحجّاج یوسف بن خلیل الدمشقی المتوفّی (648). 9.

ص: 153


1- مختصر تاریخ دمشق : 2 / 407 ، شفاء السقام : ص 29 ح 6 ، وفاء الوفا : 4 / 1343 ، المواهب اللدنیّة : 4 / 571 ، تمییز الطیّب من الخبیث : ص 184 ح 1395 ، کنوز الحقائق : 2 / 107 ، کشف الخفاء : 2 / 251 ح 2489.

6 - تقیّ الدین السبکی المتوفّی (756) : فی شفاء السقام (ص 22).

7 - نور الدین السمهودی المتوفّی (911) : فی وفاء الوفا (2 / 399).

8 - أبو العبّاس القسطلانی المتوفّی (923) : فی المواهب اللدنیّة.

9 - الحافظ ابن الدَّیبع المتوفّی (944) : فی تمییز الطیّب (ص 162).

10 - زین الدین عبد الرؤوف المناوی المتوفّی (1031) : فی کنوز الحقائق (ص 141).

11 - الشیخ إسماعیل العجلونی المتوفّی (1162) : فی کشف الخفاء (2 / 278)

- 6 -

عن حاطب بن أبی بلتعة مرفوعاً : «من زارنی بعد موتی فکأنَّما زارنی فی حیاتی ، ومن مات فی أحد الحرمین بعث یوم القیامة من الآمنین». أخرجه (1) :

1 - الحافظ أبو الحسن الدارقطنی المتوفّی (385) : فی السنن.

2 - الحافظ أبو بکر البیهقی المتوفّی (458).

3 - الحافظ ابن عساکر الدمشقی المتوفّی (571).

4 - الحافظ أبو الحجّاج یوسف بن خلیل الدمشقی المتوفّی (648).

5 - الحافظ أبو محمد عبد المؤمن الدمیاطی المتوفّی (705).

6 - أبو عبد الله العبدری المالکی ابن الحاجّ المتوفّی (737) : فی المدخل. 8.

ص: 154


1- سنن الدارقطنی : 2 / 278 ح 193 ، السنن الکبری : 5 / 245 ، مختصر تاریخ دمشق : 2 / 406 ، المدخل : 1 / 261 ، شفاء السقام : ص 32 ، 33 ح 8 ، الروض الفائق : ص 380 ، وفاء الوفا : 4 / 1344 ، المواهب اللدنیّة : 4 / 571 ، کشف الخفاء : 2 / 280 ح 2619 ، نیل الأوطار : 5 / 108.

7 - تقیّ الدین السبکی المتوفّی (756) : فی شفاء السقام (ص 25).

8 - الشیخ شعیب الحریفیش المتوفّی (801) : فی الروض الفائق (2 / 137).

9 - نور الدین السمهودی المتوفّی (911) : فی وفاء الوفا (2 / 399).

10 - أبو العبّاس القسطلانی المتوفّی (923) : فی المواهب اللدنیّة ، عن البیهقی.

11 - الجراحی العجلونی المتوفّی (1162) : فی کشف الخفاء (2 / 551) عن ابن عساکر والذهبی ، وحکی عن الأخیر أنَّه قال : إنَّ هذا الحدیث من أجود أحادیث الباب إسناداً.

12 - الشیخ محمد الشوکانی المتوفّی (1250) : فی نیل الأوطار (4 / 325).

13 - الشیخ محمد بن درویش الحوت البیروتی المتوفّی (1276) : فی حسن الأثر (ص 246).

- 7 -

عن عبد الله بن عمر مرفوعاً : «من حجَّ حجّة الإسلام وزار قبری ، وغزا غزوةً وصلّی علیَّ فی بیت المقدس ، لم یسأله الله عزَّ وجلَّ فیما افترض علیه».

أخرجه (1) الحافظ محمد بن الحسین بن أحمد أبو الفتح الأزدی المتوفّی (374) : فی فوائده ، ورواه عنه الحافظ السلفی أبو طاهر الأصبهانی المتوفّی (576) : بإسناده ، وأخرجه بالطریق المذکور تقیّ الدین السبکی المتوفّی (756) : فی شفاء السقام (ص 25) ، وذکره السیّد السمهودی المتوفی (911) : فی وفاء الوفا (2 / 400) ، والشیخ محمد بن علیّ الشوکانی المتوفّی (1250) : فی نیل الأوطار (4 / 326). 9.

ص: 155


1- شفاء السقام : ص 34 ح 9 ، وفاء الوفا : 4 / 1344 ، نیل الأوطار : 5 / 109.

- 8 -

عن أبی هریرة مرفوعاً : «من زارنی بعد موتی فکأنَّما زارنی وأنا حیٌّ ، ومن زارنی کنت له شهیداً وشفیعاً یوم القیامة». أخرجه (1) :

1 - الحافظ أبو بکر أحمد بن موسی بن مردویه المتوفّی (416).

2 - الحافظ أبو سعد أحمد بن محمد بن أحمد بن الحسن الأصبهانی المتوفّی (540).

3 - أبو الفتوح سعید بن محمد الیعقوبی [المتوفّی] سنة (552) : فی فوائده.

4 - الحافظ أبو سعد عبد الکریم السمعانی الشافعی المتوفّی (562).

5 - ابن الأنماطی إسماعیل بن عبد الله الأنصاری المالکی المتوفّی (619).

6 - تقیّ الدین السبکی المتوفّی (756) : فی شفاء السقام (ص 26).

7 - السیّد نور الدین السمهودی المتوفّی (911) : فی وفاء الوفا (2 / 400).

- 9 -

عن أنس بن مالک مرفوعاً : «من زارنی بالمدینة محتسباً کنت له شفیعاً».

وفی روایة أُخری عنه أیضاً :

«من مات فی أحد الحرمین بعث من الآمنین یوم القیامة ، ومن زرانی محتسباً إلی المدینة کان فی جواری یوم القیامة».

وفی لفظ ثالث له زیادة : «وکنت له شهیداً وشفیعاً یوم القیامة». أخرجته أُمّة 5.

ص: 156


1- شفاء السقام : ص 35 ، وفاء الوفا : 4 / 1345.

من الحفّاظ منهم (1) :

1 - ابن أبی فُدیک محمد بن إسماعیل المتوفّی (200).

2 - ابن أبی الدنیا أبو بکر القرشی المتوفّی (281).

3 - الحافظ أبو عبد الله الحاکم النیسابوری المتوفّی (405).

4 - الحافظ أبو بکر البیهقی المتوفّی (458) : فی شعب الإیمان.

5 - القاضی عیاض المالکی المتوفّی (544) : فی الشفا.

6 - الحافظ علیّ بن الحسن الشهیر بابن عساکر المتوفّی (571).

7 - الحافظ ابن الجوزی المتوفّی (597) : فی مثیر الغرام الساکن.

8 - الحافظ عبد المؤمن الدمیاطی المتوفّی (705).

9 - أبو عبد الله العبدری المالکی ابن الحاجّ المتوفّی (737) : فی المدخل (1 / 261).

10 - شمس الدین أبو عبد الله الدمشقی الحنبلی المعروف بابن قیّم الجوزیّة المتوفّی (751) : فی زاد المعاد (2 / 47).

11 - تقیّ الدین السبکی المتوفّی (756) : فی شفاء السقام (ص 27).

12 - السیّد نور الدین السمهودی المتوفّی (911) : فی وفاء الوفا (2 / 400).

13 - أبو العبّاس شهاب الدین القسطلانی المتوفّی (923) : فی المواهب اللدنیّة. 0.

ص: 157


1- شعب الإیمان : 3 / 490 ح 4158 ، الشفا بتعریف حقوق المصطفی : 2 / 195 ، مختصر تاریخ دمشق : 2 / 406 ، شفاء السقام : ص 36 ، وفاء الوفا : 4 / 1345 ، المواهب اللدنیّة : 4 / 572 ، کنز العمّال : 12 / 272 ح 35007 و 15 / 652 ح 42584 ، نیل الأوطار : 5 / 109 ، مختار الأحادیث النبویة : ص 179 ، مصباح الظلام : 2 / 351 ح 630 ، التاج الجامع للأصول : 2 / 190.

14 - جلال الدین السیوطی المتوفّی (911) : فی الجامع الکبیر کما فی ترتیبه (8 / 99).

15 - الشیخ عبد الرحمن شیخ زاده المتوفّی (1078) : فی مجمع الأنهر (1 / 157) بلفظ : «من زارنی إلی المدینة متعمِّداً کان فی جواری إلی یوم القیامة».

16 - الشیخ محمد الشوکانی المتوفّی (1250) : فی نیل الأوطار (4 / 326).

17 - أبو عبد الله الزرقانی المالکی المتوفّی (1122) : فی شرح المواهب (8 / 299).

18 - الجراحی العجلونی المتوفّی (1162) : فی کشف الخفاء (2 / 251).

19 - السیّد أحمد الهاشمی فی مختار الأحادیث النبویة (ص 169).

20 - السیّد محمد بن عبد الله الدمیاطی الشافعی المتوفّی (1307) : فی مصباح الظلام (2 / 144).

21 - الشیخ منصور علی ناصف فی التاج (2 / 216).

- 10 -

عن أنس بن مالک مرفوعاً : «من زارنی میّتاً فکأنَّما زارنی حیّا ، ومن زار قبری وجبت له شفاعتی یوم القیامة ، وما من أحد من أُمّتی له سعة ثمّ لم یزرنی فلیس له عذر» أخرجه (1) :

1 - الحافظ أبو عبد الله محمد بن محمود ابن النجّار المتوفّی (643) : فی کتابه الدرّة الثمینة فی فضائل المدینة.

2 - تقیّ الدین السبکی المتوفّی (756) : فی شفاء السقام (ص 28). 9.

ص: 158


1- الدرّة الثمینة : ص 397 ، شفاء السقام : ص 37 ، المواهب اللدنیّة : 4 / 572 ، وفاء الوفا : 4 / 1346 ، کشف الخفاء : 2 / 250 ح 2489.

3 - الحافظ زین الدین العراقی المتوفّی (806) : أشار إلیه کما فی المواهب.

4 - السیّد نور الدین السمهودی المتوفّی (911) : فی وفاء الوفا (2 / 400).

5 - أبو العبّاس شهاب الدین القسطلانی المتوفّی (923) : فی المواهب اللدنیّة.

6 - العجلونی المتوفّی (1162) : فی کشف الخفاء (3 / 278).

- 11 -

عن ابن عبّاس مرفوعاً : «من زارنی فی مماتی کان کمن زارنی فی حیاتی ، ومن زارنی حتی ینتهی إلی قبری کنت له یوم القیامة شهیداً - أو قال - شفیعاً».

أخرجه (1) : الحافظ أبو جعفر العقیلی المتوفّی (322) فی کتاب الضعفاء فی ترجمة فضالة بن سعید المازنی ، والحافظ ابن عساکر المتوفّی (571) کما فی شفاء السقام (ص 21) ، ووفاء الوفا (2 / 401) ، ونیل الأوطار للشوکانی (4 / 325 ، 326).

- 12 -

عن علیّ أمیر المؤمنین مرفوعاً وغیر مرفوع : «من زار قبری بعد مماتی فکأنَّما زارنی فی حیاتی ، ومن لم یزُر قبری فقد جفانی». أخرجه (2).

1 - أبو الحسین یحیی بن الحسن بن جعفر الحسنی فی کتابه أخبار المدینة.

2 - أبو سعید عبد الملک بن محمد النیسابوری الخرکوشی المتوفّی (406) : فی شرف المصطفی.8.

ص: 159


1- الضعفاء الکبیر : 3 / 457 رقم 1513 ، مختصر تاریخ دمشق : 2 / 406 ، شفاء السقام : ص 38 ، وفاء الوفا : 4 / 1346 ، نیل الأوطار : 5 / 108.
2- شرف المصطفی : ص 421 ، 466 ، مختصر تاریخ دمشق : 2 / 406 ، الدرّة الثمینة : ص 397 ، شفاء السقام : ص 39 ، الروض الفائق : ص 308 ، وفاء الوفا : 4 / 1347 ، کنوز الحقائق : 2 / 108.

3 - الحافظ ابن عساکر المتوفّی (571).

4 - الحافظ أبو عبد الله ابن النجّار المتوفّی (643) : فی کتاب الدرّة الثمینة.

5 - الحافظ عبد المؤمن الدمیاطی المتوفّی (705).

6 - تقیّ الدین السبکی المتوفّی (756) : فی شفاء السقام (ص 29).

7 - الشیخ شعیب الحریفیش المتوفّی (801) : فی الروض الفائق (2 / 137).

8 - السیّد نور الدین السمهودی المتوفّی (911) : فی وفاء الوفا (2 / 401).

9 - زین الدین عبد الرؤوف المناوی : المتوفّی (1031) : فی کنوز الحقائق (ص 141).

- 13 -

عن بکر بن عبد الله مرفوعاً : «من أتی المدینة زائراً لی وجبت له شفاعتی یوم القیامة ، ومن مات فی أحد الحرمین بعث آمناً».

أخرجه (1) أبو الحسین یحیی بن الحسن الحسنی فی کتابه أخبار المدینة ، کما فی شفاء السقام للسبکی (ص 30) ، ووفاء الوفا للسمهودی (2 / 402).

- 14 -

عن عبد الله بن عمر مرفوعاً : «من زارنی بعد موتی فکأنّما زارنی فی حیاتی». أخرجه (2) : 8.

ص: 160


1- شفاء السقام : ص 40 ، وفاء الوفا : 4 / 1348.
2- المعجم الأوسط : 1 / 201 ح 289 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 2 / 382 رقم 136 ، السنن الکبری للبیهقی : 5 / 246 ، الشفا بتعریف حقوق المصطفی : 2 / 195 ، نسیم الریاض فی شرح الشفا : 3 / 514 ، کنوز الحقائق : 2 / 108.

1 - الحافظ سعید بن منصور النسائی أبو عثمان الخراسانی المتوفّی (227).

2 - الحافظ أبو القاسم الطبرانی المتوفّی (360).

3 - الحافظ أبو أحمد بن عدی المتوفّی (365).

4 - الحافظ أبو الشیخ الأنصاری المتوفّی (369).

5 - الحافظ أبو الحسن الدارقطنی المتوفّی (385).

6 - الحافظ أبو بکر البیهقی المتوفّی (458).

7 - القاضی عیاض المالکی المتوفّی (544).

8 - قاضی القضاة الخفاجی الحنفی المتوفّی (1062) : فی شرح الشفاء (3 / 565) ، نقله عن البیهقی والدارقطنی والطبرانی وابن منصور.

9 - زین الدین عبد الرؤوف المناوی المتوفّی (1031) : فی کنوز الحقائق (ص 141) بلفظ : «من زار قبری بعد موتی».

10 - العجلونی المتوفّی (1162) : فی کشف الخفاء (2 / 251) ، نقلاً عن أبی الشیخ والطبرانی وابن عدی والبیهقی.

- 15 -

عن ابن عبّاس مرفوعاً : «من حجَّ إلی مکّة ثمّ قصدنی فی مسجدی کتبت له حجّتان مبرورتان».

أخرجه (1) الدیلمی فی مسنده ، کما فی وفاء الوفا (2 / 401) ونیل الأوطار (4 / 326). 9.

ص: 161


1- وفاء الوفا : 4 / 1347 ، نیل الأوطار : 5 / 109.

- 16 -

عن رجل من آل الخطّاب مرفوعاً : «من زارنی متعمِّداً کان فی جواری یوم القیامة ، ومن مات فی أحد الحرمین بعثه الله فی الآمنین - من الآمنین -». وزاد الشحامی عقب قوله - یوم القیامة - : «ومن سکن المدینة وصبر علی بلائها کنت له شهیدا وشفیعاً یوم القیامة». روی بإسنادٍ فیه من الحفّاظ (1) :

1 - الحافظ أبو جعفر العقیلی المتوفّی (322).

2 - الحافظ أبو الحسن الدارقطنی المتوفّی (385).

3 - الحافظ أبو عبد الله الحاکم المتوفّی (405).

4 - الحافظ أبو بکر البیهقی المتوفّی (458) : فی شعب الإیمان.

5 - الحافظ ابن عساکر الدمشقی المتوفّی (571).

6 - الحافظ أبو محمد عبد المؤمن الدمیاطی المتوفّی (705) : وأخرجه من طریق هؤلاء الحفّاظ.

7 - ولیّ الدین الخطیب العمری التبریزی فی مشکاة المصابیح المؤلَّف (737) فی باب حرم المدینة فی الفصل الثالث.

8 - تقیّ الدین السبکی المتوفّی (756) : فی شفاء السقام (ص 24) ، وقال : مرسل جیّد ، ورواه عنه السیّد نور الدین السمهودی فی وفاء الوفا (2 / 399). 3.

ص: 162


1- الضعفاء الکبیر : 4 / 362 رقم 1973 ، سنن الدارقطنی : 2 / 278 ح 193 ، شعب الإیمان : 3 / 488 ح 4152 ، مختصر تاریخ دمشق : 2 / 406 ، مشکاة المصابیح : 2 / 128 ح 2755 ، وفاء الوفا 4 / 1343.

- 17 -

عن عبد الله بن عمر مرفوعاً : «من زارنی إلی المدینة کنت له شهیداً وشفیعاً». أخرجه (1) الحافظ الدارقطنی بإسناده فی السنن کما فی وفاء الوفا (2 / 398).

- 18 -

رُوی عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قال : «من وجد سعةً ولم یفد - یغد - إلیَّ فقد جفانی». ذکره (2) ابن فرحون فی مناسکه ، والغزالی فی الإحیاء (1 / 246) ، والقسطلانی فی المواهب اللدنیّة ، والعجلونی فی کشف الخفاء (2 / 278).

- 19 -

قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «من زارنی بعد وفاتی وسلّم علیَّ رددتُ علیه السلام عشراً ، وزاره عشرة من الملائکة ، کلّهم یسلّمون علیه ، ومن سلّم علیَّ فی بیته ردَّ الله تعالی علیَّ روحی حتی أُسلّم علیه».

ذکره الشیخ شعیب الحریفیش المتوفّی (801) فی الروض الفائق (3) (2 / 137).

- 20 -

عن أبی عبد الله محمد بن العلاء قال : دخلت المدینة وقد غلب علیَّ الجوع فزرت قبر النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وسلّمت علیه وعلی الشیخین وقلت : یا رسول الله جئت 0.

ص: 163


1- سنن الدارقطنی : 2 / 278 ح 194 ، وفاء الوفا : 4 / 1342.
2- إحیاء علوم الدین : 1 / 231 ، المواهب اللدنیّة : 4 / 571.
3- الروض الفائق : ص 380.

وبی من الفاقة والجوع مالا یعلمه إلاّ الله وأنا ضیفک فی هذه اللیلة ، ثمّ غلبنی النوم فرأیت النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فی المنام فأعطانی رغیفاً فأکلت نصفه ، ثمّ انتبهت من المنام وفی یدی نصفه الآخر ، فتحقّق عندی قول النبیِّ صلی الله علیه وآله وسلم : «من رآنی فی المنام فقد رآنی حقّا ؛ فإنَّ الشیطان لا یتمثّل بی».

ثمّ نودیت : «یا أبا عبد الله لا یزور قبری أحد إلاّ غُفر له ونال شفاعتی غداً».

ذکره الشیخ شعیب الحریفیش فی الروض الفائق (1) (2 / 138) فقال فی المعنی :

من زارَ قبرَ محمدٍ

نالَ الشفاعةَ فی غدِ

بالله کرِّر ذکرَهُ

وحدیثَهُ یا منشدی

واجعل صلاتَکَ دائماً

جهراً علیهِ تهتدی

فهو الرسولُ المصطفی

ذو الجودِ والکفِّ الندی

وهو المشفَّعُ فی الوری

من هولِ یوم الموعدِ

والحوضُ مخصوصٌ به

فی الحشرِ عذبُ الموردِ

صلّی علیه ربّنا

ما لاح نجمُ الفرقدِ

- 21 -

مرفوعاًعنه صلی الله علیه وآله وسلم : «لا عذر لمن کان له سعة من أُمّتی ولم یزرنی».

رواه الشیخ عبد الرحمن شیخ زاده فی مجمع الأنهر فی شرح ملتقی الأبحر (1 / 157) ، وعدّه من أدلّة الباب من دون غمز فیه.

- 22 -

عن أمیر المؤمنین علیّ علیه السلام : «من زار قبر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم کان فی جواره». 1.

ص: 164


1- الروض الفائق : ص 381.

أخرجه (1) : ابن عساکر کما فی نیل الأوطار للشوکانی (4 / 326).

(فَلَعَلَّکَ باخِعٌ نَفْسَکَ عَلی آثارِهِمْ إِنْ لَمْ یُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِیثِ أَسَفاً) (2).

(فَبِأَیِّ حَدِیثٍ بَعْدَهُ یُؤْمِنُونَ) (3).

کلمات أعلام المذاهب الأربعة

حول زیارة النبیّ الأقدس صلی الله علیه وآله وسلم وهی [اثنتان و] أربعون کلمة

1 - قال أبو عبد الله الحسین بن الحسن الحلیمی الجرجانی الشافعی المتوفّی (403) فی کتابه المنهاج فی شعب الإیمان (4) بعد ذکر جملة من تعظیم النبی : فأمّا الیوم فمن تعظیمه زیارته.

2 - قال أبو الحسن أحمد بن محمد المحاملی الشافعی المتوفّی (425) فی التجرید : ویستحبُّ للحاج إذا فرغ من مکّة أن یزور قبر النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم.

3 - قال القاضی أبو الطیّب طاهر بن عبد الله الطبری المتوفّی (450) : ویستحبّ أن یزور النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم بعد أن یحجَّ ویعتمر.

4 - قال أقضی القضاة أبو الحسن الماوردی المتوفّی (450) فی الأحکام السلطانیّه (5) (ص 105):

فإذا عاد - ولیُّ الحاجِّ - سار بهم علی طریق المدینة لزیارة قبر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم 9.

ص: 165


1- مختصر تاریخ دمشق : 2 / 406 ، نیل الأوطار : 5 / 109.
2- الکهف : 6.
3- الأعراف : 185.
4- المنهاج فی شعب الإیمان : 2 / 130.
5- الأحکام السلطانیّة : 2 / 109.

لیجمع لهم بین حجّ بیت الله وزیارة قبر رسول الله ، رعایةً لحرمته وقیاماً بحقوق طاعته ، وذلک وإن لم یکن من فروض الحجِّ فهو من مندوبات الشرع المستحبّة ، وعبادات الحجیج المستحسنة.

وقال فی الحاوی : أمّا زیارة قبر النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فمأمور بها ومندوب إلیها.

5 - حکی عبد الحقّ بن محمد الصقیلی المتوفّی (466) فی کتابه تهذیب الطالب ، عن الشیخ أبی عمران المالکی أنَّه قال : إنَّما کره مالک أن یُقال : زرنا قبر النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ؛ لأنَّ الزیارة من شاء فعلها ومن شاء ترکها ، وزیارة قبر النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم واجبة.

قال عبد الحقِّ : یعنی من السنن الواجبة (فی المدخل 1 / 256) یرید وجوب السنن المؤکّدة.

6 - قال أبو إسحاق إبراهیم بن محمد الشیرازی الفقیه الشافعی المتوفّی (476) فی المهذّب (1) : ویستحبُّ زیارة قبر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم.

7 - قال أبو الخطّاب محفوظ بن أحمد الکلوذانی الفقیه البغدادی الحنبلی المتوفّی (510) فی کتاب الهدایة : وإذا فرغ من الحجِّ استحبّ له زیارة قبر النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وقبر صاحبیه.

8 - قال القاضی عیاض المالکی المتوفّی (544) فی الشفاء (2) : وزیارة قبره صلی الله علیه وآله وسلم سنّة مجمع علیها ، وفضیلة مرغّب فیها. ثمّ ذکر عدّة من أحادیث الباب فقال :

قال إسحاق بن إبراهیم الفقیه : وممّا لم یزل من شأن من حجَّ المِزور (3) بالمدینة ف)

ص: 166


1- المهذّب : 1 / 233.
2- الشفا بتعریف حقوق المصطفی : 2 / 194.
3- قیل بکسر المیم وسکون الزای وفتح الواو ، مصدر میمی بمعنی الزیارة. شرح الشفا للخفاجی [3 / 515]. (المؤلف)

والقصد إلی الصلاة فی مسجد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، والتبرّک برؤیة روضته ومنبره وقبره ومجلسه وملامس یدیه ومواطن قدمیه والعمود الذی استند إلیه ومنزل جبریل بالوحی فیه علیه ، ومن عمّره وقصده من الصحابة وأئمّة المسلمین ، والاعتبار بذلک کلّه.

9 - قال ابن هبیرة المتوفّی (560) ، فی کتاب اتِّفاق الأئمّة : اتّفق مالک والشافعی وأبو حنیفة وأحمد بن حنبل رحمهم الله تعالی علی أنَّ زیارة النبی صلی الله علیه وآله وسلم مستحبّة. المدخل لابن الحاجّ (1 / 256).

10 - عقد الحافظ ابن الجوزی الحنبلی المتوفّی (597) فی کتابه مثیر الغرام الساکن إلی أشرف الأماکن ، باباً فی زیارة قبر النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وذکر حدیثی ابن عمر وأنس المذکورین فی أحادیث الباب.

11 - قال أبو محمد عبد الکریم بن عطاء الله المالکی المتوفّی (612) فی مناسکه : فصل : إذا کمل لک حجّک وعمرتک علی الوجه المشروع لم یبق بعد ذلک إلاّ إتیان مسجد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم للسلام علی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ، والدعاء عنده والسلام علی صاحبیه والوصول إلی البقیع وزیارة ما فیه من قبور الصحابة والتابعین ، والصلاة فی مسجد الرسول صلی الله علیه وآله وسلم ، فلا ینبغی للقادر علی ذلک ترکه.

12 - قال أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن الحسین السامری الحنبلی - المعروف بابن أبی سنینة - المتوفّی (616) فی کتاب المستوعب ، باب زیارة قبر الرسول صلی الله علیه وآله وسلم : وإذا قدم مدینة الرسول صلی الله علیه وآله وسلم استحبَّ له أن یغتسل لدخولها. ثمّ ذکر أدب الزیارة ، وکیفیّة السلام والدعاء والوداع.

13 - قال الشیخ موفّق الدین عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسی الحنبلی المتوفّی (620) فی کتابه المغنی (1) : فصل : یستحبُّ زیارة قبر النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ، ثمّ ذکر حدیثی ف)

ص: 167


1- شرح مختصر الخرقی فی فروع الحنابلة [6 / 588] ، تألیف الشیخ أبی القاسم عمر الحنبلیّ المتوفّی (334) ، والشرح المذکور من أعظم کتب الحنابلة التی یعتمدون علیها. (المؤلف)

ابن عمر وأبی هریرة من طریق الدارقطنی وأحمد.

14 - قال محیی الدین النووی الشافعی المتوفّی حدود (677) فی المنهاج (1) المطبوع بهامش شرحه المغنی (1 / 494) : ویسنُّ شرب ماء زمزم وزیارة قبر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بعد فراغ الحجّ.

15 - قال نجم الدین بن حمدان الحنبلی المتوفّی (695) فی الرعایة الکبری فی الفروع الحنبلیّة : ویسنّ لمن فرغ عن نسکه زیارة قبر النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وقبر صاحبیه ، وله ذلک بعد فراغ حجِّه وإن شاء قبل فراغه.

16 - قال القاضی الحسین : إذا فرغ من الحجّ فالسنّة أن یقف بالملتزم ویدعو ، ثمّ یشرب من ماء زمزم ، ثمّ یأتی المدینة ویزور قبر النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم. الشفاء.

17 - قال القاضی أبو العبّاس أحمد السروجی الحنفی المتوفّی (710) فی الغایة : إذا انصرف الحاجّ والمعتمرون من مکّة فلیتوجّهوا إلی طیبة مدینة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وزیارة قبره ؛ فإنَّها من أنجح المساعی.

18 - قال الإمام القدوة ابن الحاجّ محمد بن محمد العبدری القیروانی المالکی المتوفّی (737) فی المدخل ، فی فصل زیارة القبور (1 / 257) : وأمّا عظیم جناب الأنبیاء والرسل - صلوات الله وسلامه علیهم أجمعین - فیأتی إلیهم الزائر ، ویتعیّن علیه قصدهم من الأماکن البعیدة ، فإذا جاء إلیهم فلیتّصف بالذلّ والانکسار والمسکنة والفقر والفاقة والحاجة والاضطرار والخضوع ، ویحضر قلبه وخاطره إلیهم وإلی مشاهدتهم بعین قلبه لا بعین بصره ؛ لأنَّهم لا یبلون ولا یتغیّرون ، ثمّ یثنی علی الله تعالی بما هو أهله ، ثمّ یصلّی علیهم ویترضّی علی أصحابهم ، ثمّ یترحّم علی التابعین لهم بإحسان إلی یوم الدین ، ثمّ یتوسّل إلی الله تعالی بهم فی قضاء مآربه 1.

ص: 168


1- المنهاج : 1 / 511.

ومغفرة ذنوبه ، ویستغیث بهم ، ویطلب حوائجه منهم ، ویجزم بالإجابة ببرکتهم ویقوّی حسن ظنّه فی ذلک ، فإنَّهم باب الله المفتوح ، وجرت سنّته سبحانه وتعالی بقضاء الحوائج علی أیدیهم وبسببهم ، ومن عجز عن الوصول فلیرسل بالسلام علیهم ، ویذکر ما یحتاج إلیه من حوائجه ومغفرة ذنوبه وستر عیوبه إلی غیر ذلک ؛ فإنَّهم السادة الکرام ، والکرام لا یردُّون من سألهم ولا من توسّل بهم ولا من قصدهم ولا من لجأ إلیهم.

هذا الکلام فی زیارة الأنبیاء والمرسلین علیهم الصلاة والسلام عموماً. ثمّ قال :

فصل : وأمّا فی زیارة سیّد الأوّلین والآخرین - صلوات الله علیه وسلامه - فکلُّ ما ذکر یزید علیه أضعافه أعنی فی الانکسار والذلّ والمسکنة ؛ لأنَّه الشافع المشفَّع الذی لا تردُّ شفاعته ، ولا یخیب من قصده ، ولا من نزل بساحته ، ولا من استعان أو استغاث به ، إذ إنّه - علیه الصلاة والسلام - قطب دائرة الکمال وعروس المملکة - إلی أن قال - :

فمن توسّل به ، أو استغاث به ، أو طلب حوائجه منه ، فلا یردُّ ولا یخیب لما شهدت به المعاینة والآثار ، ویحتاج إلی الأدب الکلّی فی زیارته علیه الصلاة والسلام ، وقد قال علماؤنا رحمة الله علیهم : إنَّ الزائر یشعر نفسه بأنَّه واقف بین یدیه علیه الصلاة والسلام کما هو فی حیاته ، إذا لا فرق بین موته وحیاته - أعنی فی مشاهدته لأمّته ومعرفته بأحوالهم ونیّاتهم وعزائمهم وخواطرهم - ذلک عنده جلیٌّ لا خفاء فیه - إلی أن قال - :

فالتوسّل به - علیه الصلاة والسلام - هو محلّ حطّ أحمال الأوزار ، وأثقال الذنوب والخطایا ؛ لأنَّ برکة شفاعته - علیه الصلاة والسلام - وعظمها عند ربّه لا یتعاظمها ذنب إذ إنّها أعظم من الجمیع ، فلیستبشر من زاره ، ولیلجأ إلی الله تعالی بشفاعة نبیّه - علیه الصلاة والسلام - من لم یزره ، اللهمّ لا تحرمنا من شفاعته بحرمته

ص: 169

عندک آمین ربّ العالمین ، ومن اعتقد خلاف هذا فهو المحروم ، ألم یسمع قول الله : (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُکَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ) (1) الآیة؟ فمن جاءه ووقف ببابه وتوسّل به وجد الله توّاباً رحیماً ؛ لأنَّ الله منزَّه عن خلف المیعاد ، وقد وعد سبحانه وتعالی بالتوبة لمن جاءه ووقف ببابه وسأله واستغفر ربّه ، فهذا لا یشکُّ فیه ولا یرتاب إلاّ جاحد للدین معاند لله ولرسوله صلی الله علیه وآله وسلم ، نعوذ بالله من الحرمان.

19 - ألّف الشیخ تقیّ الدین السبکی الشافعی المتوفّی (756) کتاباً حافلاً فی زیارة النبیّ الأعظم فی (187) صحیفة ، وأسماه شفاء السقام فی زیارة خیر الأنام ردّا علی ابن تیمیّة ، وذکر کثیراً من أحادیث الباب ، ثمّ جعل باباً فی نصوص العلماء من المذاهب الأربعة علی استحبابها ، وأن ذلک مجمع علیه بین المسلمین. وقال (2) فی (ص 48):

لا حاجة إلی تتبّع کلام الأصحاب فی ذلک مع العلم بإجماعهم وإجماع سائر العلماء علیه ، والحنفیّة قالوا : إنَّ زیارة قبر النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم من أفضل المندوبات والمستحبّات ، بل تقرب من درجة الواجبات ، وممّن صرّح بذلک أبو منصور محمد بن مکرم الکرمانی فی مناسکه ، وعبد الله بن محمود بن بلدجی فی شرح المختار ، وفی فتاوی أبی اللیث السمرقندی فی باب أداء الحجّ.

وقال فی (ص 59) : کیف یتخیّل فی أحد من السلف منعهم من زیارة المصطفی صلی الله علیه وآله وسلم وهم مجمعون علی زیارة سائر الموتی ، وسنذکر ذلک وما ورد من الأحادیث والآثار فی زیارتهم.

وحکی فی (ص 61) عن القاضی عیاض وأبی زکریّا النووی إجماع العلماء والمسلمین علی استحباب الزیارة.5.

ص: 170


1- النساء : 64.
2- شفاء السقام : ص 64 ، 79 ، 82 ، 85.

وقال (ص 62) : وإذا استحبَّ زیارة قبر غیره صلی الله علیه وآله وسلم ، فقبره أولی لما له من الحقّ ووجوب التعظیم ، فإن قلت : الفرق - یعنی بین زیارة قبر النبیّ وغیره - أنَّ غیره یُزار للاستغفار له لاحتیاجه إلی ذلک ، کما فعل النبیُّ صلی الله علیه وآله وسلم فی زیارته أهل البقیع ، والنبیّ صلی الله علیه وآله وسلم مستغنٍ عن ذلک. قلتُ : زیارته صلی الله علیه وآله وسلم إنَّما هی لتعظیمه والتبرّک به ، ولتنالنا الرحمة بصلاتنا وسلامنا علیه ، کما أنّا مأمورون بالصلاة علیه والتسلیم وسؤال الوسیلة وغیر ذلک ممّا یعلم أنَّه حاصل له صلی الله علیه وآله وسلم بغیر سؤالنا ؛ ولکنَّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم أرشدنا إلی ذلک لنکون بدعائنا له متعرِّضین للرحمة التی رتّبها الله علی ذلک.

فإن قلت : الفرق أیضاً أنَّ غیره لا یُخشی فیه محذور وقبره صلی الله علیه وآله وسلم یُخشی الإفراط فی تعظیمه أن یُعبد. قلت : هذا کلام تقشعرُّ منه الجلود ، ولولا خشیة اغترار الجهّال به لما ذکرته ، فإنّ فیه ترکاً لما دلّت علیه الأدلّة الشرعیّة بالآراء الفاسدة الخیالیّة ، وکیف تقدم علی تخصیص قوله صلی الله علیه وآله وسلم : «زوروا القبور»؟ وعلی ترک قوله : «من زار قبری وجبت له شفاعتی»؟ وعلی مخالفة إجماع السلف والخلف بمثل هذا الخیال الذی لم یشهد به کتاب ولا سنّة؟ بخلاف النهی عن اتّخاذه مسجداً ، وکون الصحابة احترزوا عن ذلک المعنی المذکور ؛ لأنَّ ذلک قد ورد النهی فیه ، ولیس لنا أن نشرِّع أحکاماً من قبلنا (أَمْ لَهُمْ شُرَکاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّینِ ما لَمْ یَأْذَنْ بِهِ اللهُ) (1) فمن منع زیارة قبر النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فقد شرع من الدین ما لم (2) یأذن به الله ، وقوله مردود علیه ، ولو فتحنا باب هذا الخیال الفاسد لترکنا کثیراً من السنن بل ومن الواجبات.

والقرآن کلّه والإجماع المعلوم من الدین بالضرورة ، وسیرة الصحابة والتابعین وجمیع علماء المسلمین والسلف الصالحین علی وجوب تعظیم النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم والمبالغة فی ذلک. ومن تأمّل القرآن العزیز وما تضمّنه من التصریح والإیماء إلی وجوب المبالغة ی.

ص: 171


1- الشوری : 21.
2- من هنا إلی قوله : ما یجب من الأدب. ساقط من الطبعة الثانیة وأثبتناه من الطبعة الأولی.

فی تعظیمه وتوقیره والأدب معه ، وما کانت الصحابة یعاملونه به من ذلک ، امتلأ قلبه إیماناً ، واحتقر هذا الخیال الفاسد ، واستنکف أن یصغی إلیه والله تعالی هو الحافظ لدینه ، ومن یهدِ الله فهو المهتدی ، ومن یضلل فلا هادی له ، وعلماء المسلمین متکفّلون بأن یبیّنوا للناس ما یجب من الأدب والتعظیم والوقوف عند الحدّ الذی لا یجوز مجاوزته بالأدلّة الشرعیّة ، وبذلک یحصل الأمر من عبادة غیر الله تعالی ، ومن أراد الله ضلاله من أفراد من الجهّال فلن یستطیع أحد هدایته ، فمن ترک شیئاً من التعظیم المشروع لمنصب النبوّة زاعماً بذلک الأدب مع الربوبیّة فقد کذب علی الله تعالی وضیّع ما أمر به فی حقّ رسله ، کما أنَّ من أفرط وجاوز الحدّ إلی جانب الربوبیّة فقد کذب علی رسل الله وضیّع ما أمروا به فی حقّ ربّهم سبحانه وتعالی ، والعدل حفظ ما أمر الله به فی الجانبین ، ولیس فی الزیارة المشروعة من التعظیم ما یفضی إلی محذور.

وعقد (1) فی (ص 75 - 87) باباً فی کون السفر إلی الزیارة قربةً ، وبسط القول فیه وأثبته بالکتاب والسنّة والإجماع والقیاس ، واستدلَّ علیه من الکتاب بقوله تعالی : (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُکَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِیماً) (2). بتقریب صدق المجیء وعدم الفرق بین حیاته صلی الله علیه وآله وسلم ومماته.

ومن السنّة بعموم قوله صلی الله علیه وآله وسلم : «من زار قبری» ، وصریح صحیحة ابن السکن : «من جاءنی زائراً لا تعمله حاجة إلاّ زیارتی» ، وبما دلَّ من السنّة علی خروج النبیّ من المدینة لزیارة القبور ، وإذا جاز الخروج إلی القریب جاز إلی البعید ، فقد ثبت فی الصحیح خروجه صلی الله علیه وآله وسلم إلی البقیع (3) بأمر من الله تعالی وتعلیم ف)

ص: 172


1- شفاء السقام : ص 100 - 117.
2- النساء : 64.
3- أخرجه مسلم فی صحیحه [2 / 363 ح 102 کتاب الجنائز]. (المؤلف)

عائشة کیفیّة السلام علی أهل البقیع ، وخروجه إلی قبور الشهداء (1). ثمّ قال :

الرابع : الإجماع لإطباق السلف والخلف ، فإنَّ الناس لم یزالوا فی کلّ عام ، إذا قضوا الحجّ ، یتوجّهون إلی زیارته صلی الله علیه وآله وسلم ، ومنهم من یفعل ذلک قبل الحجّ ، هکذا شاهدناه وشاهده من قبلنا ، وحکاه العلماء عن الأعصار القدیمة کما ذکرناه فی الباب الثالث. وذلک أمر لا یُرتاب فیه ، وکلّهم یقصدون ذلک ویعرجون إلیه وإن لم یکن طریقهم ، ویقطعون فیه مسافة بعیدة وینفقون فیه الأموال ویبذلون فیه المهج ، معتقدین أنَّ ذلک قربة وطاعة ، وإطباق هذا الجمع العظیم من مشارق الأرض ومغاربها علی ممرّ السنین وفیهم العلماء والصلحاء وغیرهم یستحیل أن یکون خطأ ، وکلّهم یفعلون ذلک علی وجه التقرّب به إلی الله ، ومن تأخّر عنه من المسلمین ، فإنَّما یتأخّر بعجز أو تعویق المقادیر مع تأسّفه علیه وودِّه لو تیسّر له ، ومن ادّعی أنَّ هذا الجمع العظیم مجمعون علی خطأ فهو المخطئ.

20 - قال زین الدین أبو بکر بن الحسین بن عمر القریشی العثمانی المصری المراغی المتوفّی (816) فی تحقیق النصرة فی تاریخ دار الهجرة (2) :

وینبغی لکلّ مسلم اعتقاد کون زیارته صلی الله علیه وآله وسلم قربةً عظیمةً ؛ للأحادیث الواردة فی ذلک ، ولقوله تعالی (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُکَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ). الآیة. لأنّ تعظیمه لا ینقطع بموته ، ولا یقال : إنَّ استغفار الرسول لهم إنَّما هو فی حیاته ولیست الزیارة کذلک ، لِما أجاب به بعض الأئمّة المحقِّقین أنَّ الآیة دلّت علی تعلیق وجدان الله تعالی توّاباً رحیماً بثلاثة أمور : المجیء ، واستغفارهم ، واستغفار الرسول لهم. وقد حصل استغفار الرسول لجمیع المؤمنین ؛ لأنَّه قد استغفر 2.

ص: 173


1- أخرجه أبو داود فی سننه : 1 / 319 [2 / 218 ح 2043]. (المؤلف)
2- تحقیق النصرة فی تاریخ دار الهجرة : ص 102.

للجمیع ، قال الله تعالی : (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِکَ وَلِلْمُؤْمِنِینَ وَالْمُؤْمِناتِ) (1) فإذا وجد مجیئهم واستغفارهم کملت الأُمور الثلاثة الموجبة لتوبة الله تعالی ورحمته. المواهب اللدنیّة للقسطلانی (2).

21 - قال السیّد نور الدین السمهودی المتوفّی (911) فی وفاء الوفا (3) (2 / 412) بعد ذکر أحادیث الباب :

وأمّا الإجماع : فأجمع العلماء علی استحباب زیارة القبور للرجال ، کما حکاه النووی بل قال بعض الظاهریّة بوجوبها ، وقد اختلفوا فی النساء ، وقد امتاز القبر الشریف بالأدلّة الخاصّة به کما سبق ، قال السبکی : ولهذا أقول إنَّه لا فرق فی زیارته صلی الله علیه وآله وسلم بین الرجال والنساء. وقال الجمال الریمی فی التقفیة : یُستثنی - أی من محلّ الخلاف - قبر النبی صلی الله علیه وآله وسلم وصاحبیه ؛ فإنَّ زیارتهم مستحبّة للنساء بلا نزاع ، کما اقتضاه قولهم فی الحجّ : یُستحبّ لمن حجَّ أن یزور قبرَ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ، وحینئذ فیقال معایاةً : قبور یستحبُّ زیارتها للنساء بالاتِّفاق ، وقد ذکر ذلک بعض المتأخِّرین وهو الدمنهوری الکبیر ، وأضاف إلیه قبور الأولیاء والصالحین والشهداء. ثمّ بسط القول فی أنَّ السفر للزیارة قربة کالزیارة نفسها.

22 - قال الحافظ أبو العبّاس القسطلانی المصری المتوفّی (923) فی المواهب اللدنیّة (4) - الفصل الثانی فی زیارة قبره الشریف ومسجده المنیف - : اعلم أنَّ زیارة قبره الشریف من أعظم القربات وأرجی الطاعات والسبیل إلی أعلی الدرجات ، ومن اعتقد غیر هذا فقد انخلع من ربقة الإسلام ، وخالف الله ورسوله وجماعة العلماء الأعلام. 0.

ص: 174


1- محمد : 19.
2- المواهب اللدنیّة : 4 / 572.
3- وفاء الوفا : 4 / 1362.
4- المواهب اللدنیّة : 4 / 570.

وقد أطلق بعض المالکیّة ، وهو أبو عمران الفاسی - کما ذکره فی المدخل (1) عن تهذیب الطالب لعبد الحقّ - : أنَّها واجبة. قال : ولعلّه أراد وجوب السنن المؤکّدة ، وقال القاضی عیاض (2) : إنَّها من سنن المسلمین مجمع علیها وفضیلة مرغَّب فیها.

ثمّ ذکر جملةً من الأحادیث الواردة فی زیارته صلی الله علیه وآله وسلم فقال : وقد أجمع المسلمون علی استحباب زیارة القبور کما حکاه النووی (3) ، وأوجبها الظاهریّة ، فزیارته صلی الله علیه وآله وسلم مطلوبة بالعموم والخصوص کما سبق ، ولأنَّ زیارة القبور تعظیم ، وتعظیمه صلی الله علیه وآله وسلم واجب ، ولهذا قال بعض العلماء : لا فرق فی زیارته صلی الله علیه وآله وسلم بین الرجال والنساء ، وإن کان محل الإجماع علی استحباب زیارة القبور للرجال ، وفی النساء خلاف ، الأشهر فی مذهب الشافعی الکراهة.

قال ابن حبیب من المالکیّة : ولا تدع زیارة قبره صلی الله علیه وآله وسلم والصلاة فی مسجده ؛ فإنَّ فیه من الرغبة ما لا غنی بک ولا بأحد عنه ، وینبغی لمن نوی الزیارة أن ینوی مع ذلک زیارة مسجده الشریف والصلاة فیه ، لأنَّه أحد المساجد الثلاثة التی لا تشدّ الرحال إلاّ إلیها ، وهو أفضلها عند مالک ، ولیس لشدّ الرحال إلی غیر المساجد الثلاثة فضل ؛ لأنَّ الشرع لم یجئ به ، وهذا الأمر لا یدخله قیاس ؛ لأنّ شرف البقعة إنَّما یُعرف بالنصّ الصریح علیه ، وقد ورد النصُّ فی هذه دون غیرها.

وقد صحَّ أنّ عمر بن عبد العزیز کان یبرد البرید للسلام علی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فالسفر إلیه قربة لعموم الأدلّة. ومن نذر الزیارة وجبت علیه کما جزم به ابن کج من أصحابنا ، وعبارته : إذا نذر زیارة قبر النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم لزمه الوفاء وجهاً واحداً. انتهی. إلی أن قال :

وللشیخ تقیّ الدین ابن تیمیّة هنا کلام شنیع عجیب یتضمّن منع شدِّ الرحال 1.

ص: 175


1- المدخل : 1 / 256.
2- الشفا بتعریف حقوق المصطفی : 2 / 194.
3- شرح صحیح مسلم : 7 / 41.

للزیارة النبویّة ، وأنَّه لیس من القرب بل یضدُّ ذلک ، وردَّ علیه الشیخ تقیّ الدین السبکی فی شفاء السقام فشفی صدور المؤمنین.

23 - ذکر شیخ الإسلام أبو یحیی زکریّا الأنصاری الشافعی المتوفّی (925) : فی أسنی المطالب شرح روض الطالب - لشرف الدین إسماعیل بن المقری الیمنی - (1 / 501) ما یستحبّ لمن حجَّ وقال : ثمّ یزور قبر النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ویسلِّم علیه وعلی صاحبیه بالمدینة المشرّفة. ثمّ ذکر شطراً من أدلّتها وجملة من آداب الزیارة.

24 - قال ابن حجر الهیتمی المکی الشافعی المتوفّی (973) (1) فی کتابه الجوهر المنظّم فی زیارة القبر المکرّم (ص 12) - طبع سنة (1279) بمصر - بعد ما استدلَّ علی مشروعیّة زیارة قبر النبیّ بعدّة أدلّة ، منها الإجماع : فإن قلت : کیف تحکی الإجماع علی مشروعیّة الزیارة والسفر إلیها وطلبها وابن تیمیّة - من متأخِّری الحنابلة - منکر لمشروعیّة ذلک کلّه کما رآه السبکی فی خطِّه؟ وقد أطال ابن تیمیّة الاستدلال لذلک بما تمجّه الأسماع ، وتنفر عنه الطباع ، بل زعم حرمة السفر لها إجماعاً وأنَّه لا تقصّر فیه الصلاة ، وأنّ جمیع الأحادیث الواردة فیها موضوعة ، وتبعه بعض من تأخّر عنه من أهل مذهبه.

قلت : من هو ابن تیمیّة حتی یُنظر إلیه أو یُعوَّل فی شیء من أُمور الدین علیه؟ وهل هو إلاّ کما قال جماعة من الأئمّة الذین تعقّبوا کلماته الفاسدة وحججه الکاسدة ، حتی أظهروا عوار سقطاته وقبائح أوهامه وغلطاته ، کالعزّ بن جماعة : عبد أضلّه الله تعالی وأغواه ، وألبسه رداء الخزی وأرداه ، وبوّأه من قوّة الافتراء والکذب ما أعقبه الهوان وأوجب له الحرمان. ولقد تصدّی شیخ الإسلام وعالم الأنام المجمع علی جلالته واجتهاده وصلاحه وإمامته التقیُّ السبکیُّ - قدّس الله روحه ونوّر ضریحه - للردِّ علیه فی تصنیف مستقلّ أفاد فیه وأجاد ، وأصاب ، وأوضح بباهر حججه طریق الصواب. ثمّ قال : ).

ص: 176


1- المشهور أنّ وفاته فی الثالث والعشرین من رجب سنة (974) إلاّ ما کان فی البدر الطالع للشوکانی ، فإنّه أرّخ وفاته سنة (973).

هذا وما وقع من ابن تیمیّة ممّا ذکر وإن کان عثرة لا تُقال أبداً ، ومصیبة یستمرُّ شؤمها سرمداً ، ولیس بعجیب فإنَّه سوّلت له نفسه وهواه وشیطانه أنَّه ضرب مع المجتهدین بسهم صائب ، وما دری المحروم أنَّه أتی بأقبح المعائب ، إذ خالف إجماعهم فی مسائل کثیرة ، وتدارک علی أئمّتهم سیّما الخلفاء الراشدین باعتراضات سخیفة شهیرة ، حتی تجاوز إلی الجناب الأقدس المنزَّه سبحانه عن کلِّ نقص والمستحقِّ لکل کمال أنفس ، فنسب إلیه الکبائر والعظائم ، وخرق سیاج عظمته بما أظهره للعامّة علی المنابر من دعوی الجهة والتجسیم ، وتضلیل من لم یعتقد ذلک من المتقدِّمین والمتأخِّرین ، حتی قام علیه علماء عصره وألزموا السلطان بقتله أو حبسه وقهره ، فحبسه إلی أن مات ، وخمدت تلک البدع ، وزالت تلک الضلالات ، ثمّ انتصر له اتباع لم یرفع الله لهم رأساً ، ولم یظهر لهم جاهاً ولا بأساً ، بل ضُربت علیهم الذلّة والمسکنة وباءوا بغضب من الله ذلک بما عصوا وکانوا یعتدون.

25 - قال الشیخ محمد الخطیب الشربینی المتوفّی (977) ، فی مغنی المحتاج (1)) (1 / 357 : ومحلّ هذه الأقوال (2) فی غیر زیارة قبر سیّد المرسلین ، أمّا زیارته فمن أعظم القربات للرجال والنساء ، وألحق الدمنهوری به قبور بقیّة الأنبیاء والصالحین والشهداء ، وهو ظاهر وإن قال الأذرعی : لم أره للمتقدِّمین ، قال ابن شهبة : فإن صحَّ ذلک فینبغی أن یکون زیارة قبر أبویها وإخوتها وسائر أقاربها کذلک فإنَّهم أولی بالصلة من الصالحین. انتهی. والأولی عدم إلحاقهم بهم لما تقدّم من تعلیل الکراهة (3).

وقال (4) فی (ص 494) بعد بیان مندوبیّة زیارة قبره الشریف صلی الله علیه وآله وسلم وذکر جملة 2.

ص: 177


1- مغنی المحتاج : 1 / 365.
2- یعنی الأقوال فی زیارة القبور للنساء من الندب والکراهة والحرمة والإباحة. (المؤلف)
3- من أنّها مظنّة لطلب بکائهنّ ورفع أصواتهنّ لما فیهنّ من رقّة القلب وکثرة الجزع. قال الأمینی : هذا التعلیل علیل جدّا ، کما یأتی بیانه فی کلمة ابن حجر فی زیارة القبور. (المؤلف)
4- مغنی المحتاج : 1 / 512.

من أدلّتها : لیس المراد اختصاص طلب الزیارة بالحجِّ ؛ فإنَّها مندوبة مطلقاً کما مرَّ بعد حجّ أو عمرة أو قبلهما أو لا مع نسک ؛ بل المراد - یعنی من قول المصنِّف بعد فراغ الحجِّ - تأکّد الزیارة فیها لأمرین أحدهما : أنَّ الغالب علی الحجیج الورود من آفاق بعیدة ، فإذا قربوا من المدینة یقبح ترکهم الزیارة. والثانی : لحدیث «من حجَّ ولم یزرنی فقد جفانی».

رواه ابن عدی فی الکامل (1) ، وغیره. وهذا یدلُّ علی أنَّه یتأکّد للحاجّ أکثر من غیره ، وحکم المعتمر حکم الحاجّ فی تأکّد ذلک.

26 - قال الشیخ زین الدین عبد الرؤوف المناوی المتوفّی (1031) فی شرح الجامع الصغیر (6 / 140) : وزیارة قبره صلی الله علیه وآله وسلم الشریف من کمالات الحجِّ ، بل زیارته عند الصوفیّة فرض وعندهم الهجرة إلی قبره کهی إلیه حیّا. قال الحکیم : زیارة قبر المصطفی صلی الله علیه وآله وسلم هجرة المضطرّین هاجروا إلیه فوجدوه مقبوضاً فانصرفوا ، فحقیق أن لا یخیِّبهم ، بل یوجب لهم شفاعة تقیم حرمة زیارتهم.

وقال فی شرح الحدیث الأوّل المذکور (ص 93) : إنَّ أثر الزیارة إمّا الموت علی الإسلام مطلقاً لکل زائر ، وإمّا شفاعة تخصُّ الزائر أخصَّ من العامّة ، وقوله : «شفاعتی» فی الإضافة إلیه تشریف لها ؛ إذ الملائکة وخواصُّ البشر یشفعون ، فللزائر نسبة خاصّة ، فیشفع هو فیه بنفسه ، والشفاعة تعظم بعظم الزائر.

27 - جعل الشیخ حسن بن عمار الشرنبلالی فی مراقی الفلاح بإمداد الفتّاح (2) ، فصلاً فی زیارة النبی صلی الله علیه وآله وسلم وقال : زیارة النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم من أفضل القربات وأحسن المستحبّات ، تقرب من درجة ما لزم من الواجبات ، فإنَّه صلی الله علیه وآله وسلم حرّض علیها وبالغ فی الندب إلیها ، فقال : «من وجد سعةً فلم یزرنی فقد جفانی». وقال صلی الله علیه وآله وسلم : «من 5.

ص: 178


1- الکامل فی ضعفاء الرجال : 7 / 14 رقم 1956.
2- مراقی الفلاح : ص 105.

زار قبری وجبت له شفاعتی». وقال صلی الله علیه وآله وسلم : «من زارنی بعد مماتی فکأنَّما زارنی فی حیاتی» إلی غیر ذلک من الأحادیث ، وممّا هو مقرّر عند المحقِّقین أنّه صلی الله علیه وآله وسلم حیٌّ یُرزَق ممتّع بجمیع الملاذِّ والعبادات ، غیر أنّه حجب عن أبصار القاصرین عن شرف المقامات ، ورأینا أکثر الناس غافلین عن أداء حقِّ زیارته وما یسنُّ للزائر من الجزئیّات والکلیّات ، أحببنا أن نذکر بعد المناسک وآدابها ما فیه نبذة من الآداب تتمیماً لفائدة الکتاب. ثمّ ذکر شیئاً کثیراً من آداب الزائر والزیارة کما یأتی.

28 - وقال قاضی القضاة شهاب الدین الخفاجی الحنفی المصری المتوفّی (1069) فی شرح الشفا (1) (3 / 566) : واعلم أنَّ هذا الحدیث (2) هو الذی دعا ابن تیمیّة ومن معه کابن القیّم إلی مقالته الشنیعة التی کفّروه بها ، وصنّف فیها السبکی مصنّفاً مستقلاّ ، وهی منعه من زیارة قبر النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وشدّ الرحال إلیه ، وهو کما قیل :

لمهبطِ الوحی حقّا ترحلُ النجبُ

وعند ذاک المرجّی ینتهی الطلبُ

فتوهّم أنَّه حمی جانب التوحید بخرافات لا ینبغی ذکرها ، فإنَّها لا تصدر عن عاقل فضلاً عن فاضل سامحه الله تعالی.

وأمّا قوله صلی الله علیه وآله وسلم : «لا تتّخذوا قبری عیداً». فقیل : کره الاجتماع عنده فی یوم معیّن علی هیئة مخصوصة. وقیل : المراد لا تزوره فی العام مرّة فقط بل أکثروا الزیارة له (3) ، وأمّا احتماله للنهی عنها فهو - بفرض أنّه المراد - محمول علی حالة مخصوصة ؛ أی لا تتّخذوه کالعید فی العکوف علیه وإظهار الزینة عنده وغیره ، مما یُجتمَع له فی الأعیاد ، بل لا یُؤتی إلاّ للزیارة والسلام والدعاء ثمّ ینصرف. ف)

ص: 179


1- نسیم الریاض فی شرح الشفا : 3 / 514.
2- حدیث شدّ الرحال إلی المساجد. (المؤلف)
3- هذا المعنی ذکره غیر واحد من أعلام القوم. (المؤلف)

وقال (1) فی صحیفة (577) فی شرح حدیث : «لا تجعلوا قبری عیداً» : أی کالعید باجتماع الناس ، وقد تقدّم تأویل الحدیث ، وأنَّه لا حجّة فیه لما قاله ابن تیمیّة وغیره ؛ فإنَّ إجماع الأُمّة علی خلافه یقتضی تفسیره بغیر ما فهموه ؛ فإنّه نزعة شیطانیّة.

29 - قال الشیخ عبد الرحمن شیخ زاده المتوفّی (1078) فی مجمع الأنهر فی شرح ملتقی الأبحر (1 / 157) : من أحسن المندوبات ، بل یقرب من درجة الواجبات ، زیارة قبر نبیّنا وسیّدنا محمد صلی الله علیه وآله وسلم ، وقد حرّض علیه السلام علی زیارته ، وبالغ فی الندب إلیها بمثل قوله علیه السلام : «من زار قبری». فذکر ستّة من أحادیث الباب ، ثمّ قال : فإن کان الحجُّ فرضاً فالأحسن أن یبدأ به إذا لم یقع فیه طریق الحاجّ المدینة المنوّرة ثمّ یثنی بالزیارة ، فإذا نواها فلینو معها زیارة مسجد الرسول علیه السلام. ثمّ ذکر جملةً کبیرةً من آداب الزائر.

30 - قال الشیخ محمد بن علیّ بن محمد الحصنی المعروف بعلاء الدین الحصکفی الحنفی ، المفتی بدمشق المتوفّی (1088) فی الدرّ المختار فی شرح تنویر الأبصار (2) - فی آخر کتاب الحج - : وزیارة قبره صلی الله علیه وآله وسلم مندوبة بل قیل واجبة لمن له سعة ، ویبدأ بالحجّ لو فرضاً ویخیّر لو نفلاً ما لم یمرّ به ، فیبدأ بزیارته لا محالة ، ولینوِ معه زیارة مسجده صلی الله علیه وآله وسلم.

31 - قال أبو عبد الله محمد بن عبد الباقی الزرقانی المالکی المصری المتوفّی (1122) فی شرح المواهب (8 / 299) : قد کانت زیارته مشهورةً فی زمن کبار الصحابة معروفةً بینهم ، لمّا صالح عمر بن الخطّاب أهل بیت المقدس جاءه کعب الأحبار فأسلم ، ففرح به وقال : هل لک أن تسیر معی إلی المدینة وتزور قبره صلی الله علیه وآله وسلم وتتمتّع بزیارته؟ قال : نعم. 0.

ص: 180


1- نسیم الریاض فی شرح الشفا : 3 / 523.
2- الدرّ المختار : ص 190.

32 - قال أبو الحسن السندی محمد بن عبد الهادی الحنفی المتوفّی (1138) فی شرح سنن ابن ماجة (2 / 268) : قال الدمیری : فائدة : زیارة النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم من أفضل الطاعات وأعظم القربات ؛ لقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «من زار قبری وجبت له شفاعتی». رواه الدارقطنی (1) وغیره (2) ، وصحّحه عبد الحقّ.

ولقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «من جاءنی زائراً لا تحمله حاجة إلاّ زیارتی کان حقّا علیَّ أن أکون له شفیعاً یوم القیامة».

رواه جماعة منهم الحافظ أبو علیّ بن السکن فی کتابه المسمّی بالسنن الصحاح ، فهذان إمامان صحّحا هذین الحدیثین ، وقولهما أولی من قول من طعن فی ذلک.

33 - قال الشیخ محمد بن علیّ الشوکانی المتوفّی (1250) فی نیل الأوطار (3) (4 / 324) : قد اختلفت فیها - فی زیارة النبیّ - أقوال أهل العلم ، فذهب الجمهور إلی أنّها مندوبة ، وذهب بعض المالکیّة وبعض الظاهریّة إلی أنّها واجبة ، وقالت الحنفیّة : إنّها قریبة من الواجبات ، وذهب ابن تیمیّة الحنبلی حفید المصنِّف المعروف بشیخ الإسلام إلی أنَّها غیر مشروعة.

ثمّ فصّل الکلام فی الأقوال ، إلی أن قال فی آخر کلامه : واحتجَّ أیضاً من قال بالمشروعیّة ، بأنّه لم یزل دأب المسلمین القاصدین للحجِّ فی جمیع الأزمان ، علی تباین الدیار واختلاف المذاهب ، الوصول إلی المدینة المشرّفة لقصد زیارته ، ویعدّون ذلک من أفضل الأعمال ، ولم یُنقل أنَّ أحداً أنکر ذلک علیهم ، فکان إجماعاً.

34 - قال الشیخ محمد أمین بن عابدین المتوفّی (1253) فی ردِّ المحتار علی الدرِّ 7.

ص: 181


1- سنن الدارقطنی : 2 / 278 ح 194.
2- کنز العمّال : 16 / 651 ح 42583 ، مجمع الزوائد : 4 / 2.
3- نیل الأوطار : 5 / 107.

المختار (1) عند العبارة المذکورة (2 / 263) : مندوبة بإجماع المسلمین کما فی اللباب - إلی أن قال - : وهل تستحبّ زیارة قبره صلی الله علیه وآله وسلم للنساء؟

الصحیح : نعم ، بلا کراهة بشروطها علی ما صرّح به بعض العلماء ، أمّا علی الأصحِّ من مذهبنا - وهو قول الکرخی وغیره - من أنَّ الرخصة فی زیارة القبور ثابتة للرجال والنساء جمیعاً فلا إشکال ، وأمّا علی غیره فذلک نقول بالاستحباب لإطلاق الأصحاب ، بل قیل : واجبة. ذکره فی شرح اللباب ، وقال : کما بیّنته فی الدرّة المضیّة فی الزیارة المصطفویّة ، وذکره أیضاً الخیر الرملی فی حاشیة المنح عن ابن حجر وقال : وانتصر له. نعم عبارة اللباب والفتح وشرح المختار أنّها قریبة من الوجوب لمن له سعة - إلی أن قال - :

قال ابن الهمام : والأولی فیما یقع عند العبد الضعیف ، تجرید النیّة لزیارة قبره - علیه الصلاة والسلام - ثمّ یحصل له إذا قدم زیارة المسجد ، أو یستمنح فضل الله تعالی فی مرّة أُخری ینویها ؛ لأنَّ فی ذلک زیادة تعظیمه صلی الله علیه وآله وسلم وإجلاله ، ویوافقه ظاهر ما ذکرناه من قوله صلی الله علیه وآله وسلم : «من جاءنی زائراً لا تعمله حاجة إلاّ زیارتی کان حقّا علیَّ أن أکون شفیعاً له یوم القیامة». انتهی.

ونقل الرحمتی عن العارف الملاّ جامی : أنّه أفرز الزیارة عن الحجِّ حتی لا یکون له مقصد غیرها فی سفره ، ثمّ ذکر حدیث : لا تشدّ الرحال إلاّ لثلاثة مساجد. فقال : والمعنی کما أفاده فی الإحیاء (2) : أنّه لا تشدّ الرحال لمسجد من المساجد إلاّ لهذه الثلاثة ، لما فیها من المضاعفة ، بخلاف بقیّة المساجد ؛ فإنّها متساویة فی ذلک ، فلا یرد أنَّه قد تشدّ الرحال لغیر ذلک کصلة رحم وتعلّم علم ، وزیارة المشاهد کقبر النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وقبر الخلیل صلی الله علیه وآله وسلم وسائر الأئمّة. 9.

ص: 182


1- ردّ المحتار علی الدرّ المختار : 2 / 257.
2- إحیاء علوم الدین : 1 / 219.

35 - قال الشیخ محمد ابن السیّد درویش الحوت البیروتی المتوفّی (1276) فی تعلیق حسن الأثر (ص 246) : زیارة النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم مطلوبة ؛ لأنّه واسطة الخلق ، وزیارته بعد وفاته کالهجرة إلیه فی حیاته ، ومن أنکرها فإن کان ذلک إنکاراً لها من أصلها فخطؤه عظیم ، وإن کان لما یعرض من الجهلة ممّا لا ینبغی فلیبیّن ذلک.

36 - قال الشیخ إبراهیم الباجوری الشافعی المتوفّی (1277) فی حاشیته علی شرح ابن الغزی علی متن الشیخ أبی شجاع فی الفقه الشافعی (1 / 347):

ویسنُّ زیارة قبره صلی الله علیه وآله وسلم ، ولو لغیر حاجّ ومعتمر کالذی قبله ، ویسنُّ لمن قصد المدینة الشریفة لزیارته صلی الله علیه وآله وسلم ، أن یکثر من الصلاة والسلام علیه فی طریقه ، ویزید فی ذلک إذا رأی حرم المدینة وأشجارها ، ویسأل الله أن ینفعه بهذه الزیارة ویتقبّلها منه.

ثمّ ذکر جملةً کثیرةً من آداب الزیارة وألفاظها.

37 - جعل الشیخ حسن العدوی الحمزاوی الشافعی المتوفّی (1303) خاتمة فی کتابه کنز المطالب (ص 179 - 239) لزیارة النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وفصّل فیها القول ، وذکر مطلوبیّتها کتاباً وسنّةً وإجماعاً وقیاساً ، وبسط الکلام فی شدّ الرحال إلی ذلک القبر الشریف ، وذکر جملةً من آداب الزائر ووظائف الزیارة ، وقال فی (ص 195) - بعد نقل جملة من الأحادیث الواردة فی أنَّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم یسمع سلام زائریه ویردّ علیهم - :

إذا علمت ذلک علمت أنَّ ردّه صلی الله علیه وآله وسلم سلام الزائر علیه بنفسه الکریمة صلی الله علیه وآله وسلم أمر واقع لا شکّ فیه ، وإنّما الخلاف فی ردِّه علی المسلّم علیه من غیر الزائرین ، فهذه فضیلة أُخری عظیمة ینالها الزائرون لقبره صلی الله علیه وآله وسلم ؛ فیجمع الله لهم بین سماع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لأصواتهم من غیر واسطة وبین ردِّه علیهم سلامهم بنفسه ، فأنّی لمن سمع لهذین - بل بأحدهما - أن یتأخّر عن زیارته صلی الله علیه وآله وسلم؟ أو یتوانی عن المبادرة إلی المثول فی حضرته صلی الله علیه وآله وسلم؟ تالله ما یتأخّر عن ذلک مع القدرة علیه إلاّ من حقَّ علیه

ص: 183

البعد من الخیرات ، والطرد عن مواسم أعظم القربات ، أعاذنا الله تعالی من ذلک بمنِّه وکرمه آمِین.

وعُلم من تلک الأحادیث أیضاً أنَّه صلی الله علیه وآله وسلم حیٌّ علی الدوام ، إذ من المحال العادی أن یخلو الوجود کلّه عن واحد یسلّم علیه فی لیل أو نهار ، فنحن نؤمن ونصدِّق بأنّه صلی الله علیه وآله وسلم حیٌّ یُرزق ، وأن جسده الشریف لا تأکله الأرض ، وکذا سائر الأنبیاء علیهم الصلاة والسلام ، والإجماع علی هذا.

38 - قال السیّد محمد بن عبد الله الجردانی الدمیاطی الشافعی المتوفّی (1307) فی مصباح الظلام (1) (2 / 145) : قال بعضهم : ولزائر قبر النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم عشر کرامات :

إحداهنّ : یُعطی أرفع المراتب ، الثانیة : یبلغ أسنی المطالب ، الثالثة : قضاء المآرب ، الرابعة : بذل المواهب ، الخامسة : الأمن من المعاطب ، السادسة : التطهیر من المعائب ، السابعة : تسهیل المصائب ، الثامنة : کفایة النوائب ، التاسعة : حسن العواقب ، العاشرة : رحمة ربّ المشارق والمغارب. وما أحسن ما قیل :

هنیئاً لمن زار خیرَ الوری

وحطَّ عن النفسِ أوزارَها

فإنَّ السعادةَ مضمونةٌ

لمن حلَّ طَیبةَ أو زارَها

وبالجملة ؛ فزیارة قبره صلی الله علیه وآله وسلم من أعظم الطاعات وأفضل القربات ، حتی إنَّ بعضهم جری علی أنّها واجبة ، فینبغی أن یحرص علیها ، ولیحذر کلّ الحذر من التخلّف عنها مع القدرة ، وخصوصاً بعد حجّة الإسلام ؛ لأنَّ حقّه صلی الله علیه وآله وسلم علی أمّته عظیم ، ولو أنَّ أحدهم یجیء علی رأسه أو علی بصره من أبعد موضع من الأرض لزیارته صلی الله علیه وآله وسلم لم یقم بالحقّ الذی علیه لنبیّه ، جزاه الله عن المسلمین أتمَّ الجزاء. 1.

ص: 184


1- مصباح الظلام : 2 / 351.

زُر من تحبُّ وإن شطَّت بک الدارُ

وحال من دونه تربٌ وأحجارُ

لا یمنعنّک بُعدٌ عن زیارتِهِ

إنَّ المحبَّ لمن یهواه زَوّارُ

ویسنُّ لمن قصد المدینة الشریفة ....

ثمّ فصّل القول فی آداب الزیارة ، وذکر التسلیم علی الشیخین ، وزیارة السیّدة فاطمة ، وأهل البقیع والمزارات المشهورة ، وهی نحو ثلاثین موضعاً کما قال.

39 - قال الشیخ عبد الباسط ابن الشیخ علیّ الفاخوری - مفتی بیروت - فی الکفایة لذوی العنایة (ص 125) : الفصل الثانی عشر فی زیارة النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وهی متأکّدة مطلوبة ومستحبّة محبوبة ، وتسنُّ زیارته فی المدینة کزیارته حیّا ، وهو فی حجرته حیٌّ یردُّ علی من سلّم علیه السلام ، وهی من أنجح المساعی وأهمِّ القربات وأفضل الأعمال وأزکی العبادات ، وقد قال صلی الله علیه وآله وسلم : «من زار قبری وجبت له شفاعتی».

ومعنی وجبت : ثبتت بالوعد الصادق الذی لا بدّ من وقوعه وحصوله ، وتحصل الزیارة فی أیّ وقت ، وکونها بعد تمام الحجّ أحبُّ ، ویجب علی من أراد الزیارة التوبة من کلِّ شیء یخالف طریقته وسننه صلی الله علیه وآله وسلم.

ثمّ ذکر شطراً وافراً من آداب الزیارة ، والزیارة الأولی الآتیة فی الآداب ، فقال :

ومن عجز عن حفظ هذا فلیقتصر علی بعضه وأقلّه. السلام علیک یا رسول الله. ثمّ ذکر زیارة الشیخین إلی أن قال : ویستحبُّ التبرّک بالأُسطوانات التی لها فضل وشرف ، وهی ثمان : أُسطوانة محلّ صلاته صلی الله علیه وآله وسلم ، وأُسطوانة عائشة - رضی الله عنها - وتسمّی أُسطوانة القرعة ، وأُسطوانة التوبة محلّ اعتکافه صلی الله علیه وآله وسلم ، وأُسطوانة السریر ، وأُسطوانة علیّ رضی الله عنه ، وأُسطوانة الوفود ، وأُسطوانة جبریل علیه السلام ، وأُسطوانة التهجّد.

40 - قال الشیخ عبد المعطی السقّا فی الإرشادات السنیّة (ص 260):

ص: 185

زیارة النبی صلی الله علیه وآله وسلم : إذا أراد الحاجُّ أو المعتمر الانصراف من مکّة - أدام الله تشریفها وتعظیمها - طلب منه أن یتوجّه إلی المدینة المنوّرة للفوز بزیارته - علیه الصلاة والسلام - فإنّها من أعظم القربات وأفضل الطاعات وأنجح المساعی المشکورة ، ولا یختصُّ طلب الزیارة بالحاجّ غیر أنّها فی حقِّه آکد ؛ والأولی تقدیم الزیارة علی الحجّ - إذا اتّسع الوقت - فإنّه ربّما یعوقه عنها عائق ؛ وقد ورد فی فضل زیارته صلی الله علیه وآله وسلم أحادیث ، منها قوله صلی الله علیه وآله وسلم : «من زار قبری وجبت له شفاعتی» ، وینبغی الحرص علیها وعدم التخلّف عنها عند القدرة علی أدائها خصوصاً بعد حجّة الإسلام ؛ لأنَّ حقّه صلی الله علیه وآله وسلم علی أُمّته عظیم ، وینبغی لمرید الزیارة أن یکثر من الصلاة والسلام علیه صلی الله علیه وآله وسلم فی طریق ذهابه إلیها ، وإذا وصلها استحبَّ له أن یغتسل ثمّ یتوضّأ أو یتیمّم - عند فقد الماء - ثمّ ذکر جملةً من آداب الزیارة ولفظاً مختصراً من زیارة النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم والشیخین.

41 - قال الشیخ محمد زاهد الکوثری فی تکملة السیف الصقیل (ص 156):

والأحادیث فی زیارته صلی الله علیه وآله وسلم فی الغایة من الکثرة ، وقد جمع طرقها الحافظ صلاح الدین العلائی فی جزء کما سبق ، وعلی العمل بموجبها استمرّت الأمّة ، إلی أن شذَّ ابن تیمیّة عن جماعة المسلمین فی ذلک. قال علیّ القاری فی شرح الشفا (1) : وقد فرّط ابن تیمیّة من الحنابلة حیث حرّم السفر لزیارة النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم کما أفرط غیره ، حیث قال : کون الزیارة قربةً معلوم من الدین بالضرورة ، وجاحده محکوم علیه بالکفر ، ولعلّ الثانی أقرب إلی الصواب ؛ لأنَّ تحریم ما أجمع العلماء فیه بالاستحباب یکون کفراً ، لأنّه فوق تحریم المباح المتّفق علیه.

فسعیه فی منع الناس من زیارته صلی الله علیه وآله وسلم ، یدلُّ علی ضغینةٍ کامنةٍ فیه نحو الرسول صلی الله علیه وآله وسلم ، وکیف یتصوّر الإشراک بسبب الزیارة والتوسّل فی المسلمین الذین 1.

ص: 186


1- شرح الشفا : 2 / 151.

یعتقدون فی حقّه علیه السلام أنَّه عبده ورسوله ، وینطقون فی صلاتهم نحو عشرین مرّة فی کلّ یوم - علی أقلِّ تقدیر - إدامة لذکری ذلک؟

ولم یزل أهل العلم ینهون العوام عن البدع فی کلّ شئونهم ، ویرشدونهم إلی السنّة فی الزیارة وغیرها إذا صدرت منهم بدعة فی شیء ، ولم یعدّهم فی یوم من الأیّام مشرکین بسبب الزیارة أو التوسّل ، کیف وقد أنقذهم الله من الشرک وأدخل فی قلوب هم الإیمان ، وأوّل من رماهم بالإشراک بتلک الوسیلة هو ابن تیمیّة وجری خلفه من أراد استباحة أموال المسلمین ودمائهم لحاجة فی النفس ، ولم یخف ابن تیمیّة من الله فی روایة عدِّ السفر لزیارة النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم سفر معصیة لا تقصّر فیه الصلاة ، عن الإمام ابن الوفاء بن عقیل الحنبلی - وحاشاه عن ذلک - ، راجع کتاب التذکرة له تجد فیه مبلغ عنایته بزیارة المصطفی صلی الله علیه وآله وسلم والتوسّل به کما هو مذهب الحنابلة.

ثمّ ذکر کلامه وفیه القول باستحباب قدوم المدینة وزیارة النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ، وکیفیّة زیارته ، وزیارة الشیخین ، وکیفیّة زیارتهما ، وإتیان مسجد قبا والصلاة فیه ، وإتیان قبور الشهداء وزیارتهم ، وإکثار الدعاء فی تلک المشاهد. ثمّ قال : وأنت رأیت نصّ عبارته فی المسألة علی خلاف ما یعزو إلیه ابن تیمیّة.

42 - قال فقهاء المذاهب الأربعة المصریون فی الفقه علی المذاهب الأربعة (1) (1 / 590) : زیارة قبر النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم أفضل المندوبات ، وقد ورد فیها أحادیث.

ثمّ ذکروا ستّة من الأحادیث وجملة من أدب الزائر ، وزیارةً للنبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وأخری للشیخین.

(وَهُدُوا إِلَی الطَّیِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلی صِراطِ الْحَمِیدِ) (2). 4.

ص: 187


1- الفقه علی المذاهب الأربعة : 1 / 711.
2- الحج : 24.

فروع ثلاثة :

هذه الفروع تُعطینا درس التسالم من أئمّة المذاهب علی رجحان زیارة النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم واستحبابها ، ومحبوبیّة شدِّ الرحال إلیها من أرجاء الدنیا ، ألا وهی :

1 - اختلفت الآراء من فقهاء المذاهب الأربعة فی تقدیم أیٍّ من الحجّ والزیارة علی الآخر ؛ فقال تقیّ الدین السبکی فی شفاء السقام (1) :

اختلف السلف رحمهم الله فی أنَّ الأفضل البداءة بالمدینة قبل مکّة ، أو بمکّة قبل المدینة ، وممّن نصَّ علی هذه المسألة وذکر الخلاف فیها الإمام أحمد فی کتاب المناسک الکبیر من تألیفه ، وهذه المناسک رواها الحافظ أبو الفضل بإسناده (2) ، عن عبد الله بن أحمد ، عن أبیه ، وفی هذه المناسک سُئل عمّن یبدأ بالمدینة قبل مکّة ، فذکر بإسناده عن عبد الرحمن بن یزید وعطاء ومجاهد أنَّهم قالوا : إذا أردت مکّة فلا تبدأ بالمدینة وابدأ بمکّة ، وإذا قضیت حجّک فامرر بالمدینة إن شئت.

وذکر بإسناده عن الأسود قال : أُحبّ أن یکون نفقتی وجهازی وسفری أن أبدأ بمکّة ، وعن إبراهیم النخعی : إذا أردت مکّة فاجعل کلّ شیء لها تبعاً ، وعن مجاهد : إذا أردت الحجّ أو العمرة فابدأ بمکّة واجعل کلّ شیء لها تبعاً ، وعن إبراهیم ، قال : إذا حججت فابدأ بمکّة ثمّ مرّ بالمدینة بعدُ.

وذکر الإمام أحمد أیضاً بإسناده عن عدیّ بن ثابت : أنَّ نفراً من أصحاب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم کانوا یبدءون بالمدینة إذا حجّوا ، یقولون : نُهّل من حیث أحرم رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم. وذکر ابن أبی شیبة فی فضیلة هذا الأمر أیضاً ، وذکر بإسناده عن ف)

ص: 188


1- شفاء السقام : ص 57.
2- ذکره کملاً ، ونحن حذفناه روماً للاختصار. (المؤلف)

علقمة والأسود وعمرو بن میمون : أنَّهم بدءوا بالمدینة قبل مکّة. إلی أن قال :

وممّن نصَّ علی هذه المسألة من الأئمّة أبو حنیفة - رحمه الله - وقال : الأحسن أن یُبدأ بمکّة.

وقال الشیخ علیّ القاری فی شرح المشکاة (1) (3 / 284) : الأنسب أن تکون الزیارة بعد الحجّ کما هو مقتضی القواعد الشرعیّة من تقدیم الفرض علی السنّة (2) ، وقد روی الحسن ، عن أبی حنیفة تفصیلاً حسناً ، وهو أنّه إن کان الحجُّ فرضاً ، فالأحسن للحاجّ أن یبدأ بالحج ثمّ یثنّی بالزیارة ، وإن بدأ بالزیارة جاز ، وإن کان الحجُّ نفلاً ، فهو بالخیار ، فیبدأ بأیّهما شاء. انتهی.

ثمّ قال : والأظهر أنَّ الابتداء بالحجّ أولی لإطلاق الحدیث (3) ، ولتقدیم حقِّ الله علی حقِّه صلی الله علیه وآله وسلم ، ولذا تُقدّم تحیّة المسجد النبویّ علی زیارة المشهد المصطفوی.

2 - من المتسالم علیه بین فرق المسلمین سلفاً وخلفاً جواز استنابة النائب واستئجار الأجیر لزیارة النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم لمن عاقه عنها عذر ، وقد استفاض عن عمر بن عبد العزیز أنَّه کان یبرد إلیه صلی الله علیه وآله وسلم البرید من الشام لیقرأ السلام علی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ثمّ یرجع. وفی لفظ : کان یبعث بالرسول قاصداً من الشام إلی المدینة.

ذکره البیهقی فی شعب الإیمان (4) ، وأبو بکر أحمد بن عمرو النیلی المتوفّی (287) فی مناسکه ، والقاضی عیاض فی الشفاء (5) ، والحافظ ابن الجوزی فی مثیر الغرام8.

ص: 189


1- المرقاة فی شرح المشکاة : 5 / 632 ح 2756.
2- هذه القاعدة إنّما تؤخذ فی موارد تزاحم الأمرین لا مطلقاً ، والمقام لیس منها - کما لا یخفی - ، فإنّ الحجّ فریضة موقوتة ، فلا بأس بتقدیم المندوب علیها قبل ظرفها. (المؤلف)
3- یعنی الحدیث الثالث من أحادیث الزیارة ، وقد مرّ فی صفحة 98. (المؤلف)
4- شعب الإیمان : 3 / 491 ح 4166.
5- الشفا بتعریف حقوق المصطفی : 2 / 198.

الساکن ، وتقیّ الدین السبکی فی شفاء السقام (1) (ص 41) ، وغیرهم.

وقال یزید بن أبی سعید مولی المهری : قدمت علی عمر بن عبد العزیز ، فلمّا ودّعته قال : لی إلیک حاجة إذا أتیت المدینة ستری قبر النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ، فاقرأه منّی السلام. الشفا للقاضی ، والشفاء للسبکی (2) (ص 41).

وقال أبو اللیث السمرقندی الحنفی فی الفتاوی فی باب الحجِّ : قال أبو القاسم : لمّا أردت الخروج إلی مکّة قال القاسم بن غسّان : إنَّ لی إلیک حاجة ، إذا أتیت قبر النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فأقرئه منّی السلام. فلمّا وضعت رجلی فی مسجد المدینة ذکرت. شفاء السقام (3) (ص 41).

قال عبد الحقّ بن محمد الصقلی المالکی المتوفّی (466) فی تهذیب الطالب : رأیت فی بعض المسائل التی سئل عنها الشیخ أبو محمد بن أبی زید ، قیل له فی رجل استؤجر بمال لیحجَّ به وشرطوا علیه الزیارة ، فلم یستطع تلک السنة أن یزور لعذرِ منعه من تلک؟ قال : یردُّ من الأجرة بقدر مسافة الزیارة.

قال عبد الحقّ : وقال غیره من شیوخنا : علیه أن یرجع نائبه حتی یزور ، ثمّ قال : إن استؤجر للحجّ لسنة بعینها فهاهنا یسقط من الأُجرة ما یخصّ الزیارة ، وإن استؤجر علی حجّة مضمونة فی ذمّته فهاهنا یرجع ویزور ، وقد اتّفق النقلان.

وقالت الشافعیّة : إنَّ الاستئجار والجعالة إن وقعا علی الدعاء عند قبر النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم أو علی إبلاغ السلام ، فلا شکّ فی جواز الإجارة والجعالة - کما کان عمر ابن عبد العزیز یفعل - وإن کانا علی الزیارة لا یصح لأنَّها عمل غیر مضبوط. شفاء السقام (4) (ص 50). 7.

ص: 190


1- شفاء السقام : 55.
2- شفاء السقام : 55.
3- شفاء السقام : ص 56.
4- شفاء السقام : ص 67.

وقال أبو عبد الله عبید الله بن محمد العکبری الحنبلی ، الشهیر بابن بطّة المتوفّی (387) فی کتاب الإبانة : بحسبک دلالة علی إجماع المسلمین واتّفاقهم علی دفن أبی بکر وعمر مع النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم أنَّ کل عالم من علماء المسلمین وفقیه من فقهائهم ألّف کتاباً فی المناسک ، ففصّله فصولاً وجعله أبواباً ، یذکر فی کلّ باب فقهه ولکلّ فصل علمه وما یحتاج الحاجّ إلی علمه - إلی أن قال - : حتی یذکر زیارة قبر النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فیصف ذلک فیقول : ثمّ تأتی القبر فتستقبله وتجعل القبلة وراء ظهرک - إلی أن قال - : وبعدُ أدرکنا الناس ورأیناهم وبلغنا عمّن لم نره أنَّ الرجل إذا أراد الحجَّ فسلّم علیه أهله وصحابته ، قالوا له : وتقرأ علی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ، وأبی بکر وعمر منّا السلام ، فلا ینکر ذلک أحد ولا یخالفه. شفاء السقام (1) (45).

قال الأمینی : وذکر أبو منصور الکرمانی الحنفی ، والغزالی فی الإحیاء (2) ، والفاخوری فی الکفایة ، والشرنبلالی فی مراقی الفلاح (3) ، والسبکی (4) ، والسمهودی (5) ، والقسطلانی (6) ، والحمزاوی العدوی (7) وغیرهم ؛ أنَّ النائب یقول : السلام علیک یا رسول الله من فلان بن فلان ، یستشفع بک إلی ربّک بالرحمة والمغفرة فاشفع له.

3 - قال العبدری المالکی فی شرح رسالة ابن أبی زید : وأمّا النذر للمشی إلی المسجد الحرام أو المشی إلی مکّة ، فله أصل فی الشرع وهو الحجُّ والعمرة ، وإلی 7.

ص: 191


1- شفاء السقام : ص 59 - 60.
2- إحیاء علوم الدین : 1 / 232.
3- مراقی الفلاح : ص 150.
4- شفاء السقام : ص 66.
5- وفاء الوفا : 4 / 1376.
6- المواهب اللدنیّة : 4 / 584.
7- کنز المطالب : ص 114 ، 187.

المدینة لزیارة قبر النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم أفضل من الکعبة ومن بیت المقدس ، ولیس عندهم حجّ ولا عمرة ، فإذا نذر المشی إلی هذه الثلاثة لزمه ، فالکعبة متّفق علیها ، واختلف أصحابنا وغیرهم فی المسجدین الآخرین.

قال ابن الحاجِّ فی المدخل (1 / 256) بعد نقل هذه العبارة : وهذا الذی قاله مسلّم صحیح لا یرتاب فیه إلاّ مشرک أو معاند لله ولرسوله صلی الله علیه وآله وسلم.

وقال تقیّ الدین السبکی فی شفاء السقام (1) (ص 53) بعد ذکر کلام العبدری المذکور : قلت : الخلاف الذی أشار إلیه فی نذر إتیان المسجدین لا فی الزیارة ، وقال (ص 71) - بعد کلام طوی لحول نذر العبادات وجعلها أقساماً - : إذا عرفت هذا ، فزیارة قبر النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم قربة لحثِّ الشرع علیها وترغیبه فیها ، وقد قدّمنا أنَّ فیها جهتین : جهة عموم وجهة خصوص ، فأمّا من جهة الخصوص ، وکون الأدلّة الخاصّة وردت فیها بعینها ، فیظهر القطع بلزومها بالنذر إلحاقاً لها بالعبادات المقصودة التی لا یؤتی بها إلاّ علی وجه العبادة : کالصلاة والصدقة والصوم والاعتکاف ، ولهذا المعنی والله أعلم قال القاضی ابن کج رحمه الله : إذا نذر أن یزور قبر النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فعندی أنَّه یلزمه الوفاء وجهاً واحداً ، - إلی أن قال - : وإذا نظرنا إلی زیارة قبر النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم من جهة العموم خاصّة واجتماع المعانی التی یقصد بالزیارة فیه ، فیظهر أن یقال : إنَّه یلزم بالنذر قولاً واحداً ، ویحتمل علی بعدٍ أن یقال : إنَّه کما لو نذر زیارة القادمین وإفشاء السلام فیجری فی لزومها بالنذر ذلک الخلاف ، مع کونها قربة فی نفسها قبل النذر وبعده ، وقد بان لک بهذا أنَّها تلزم بالنذر.

وقبل هذه کلّها تنبئک عمّا نرتئیه الآداب المسنونة الآتیة للزائر ؛ فإنَّها تتفرّع علی استحباب الزیارة ومندوبیّة شدِّ الرحال إلی روضة النبیّ الأقدس صلی الله علیه وآله وسلم. 6.

ص: 192


1- شفاء السقام : ص 72 ، 96.

أدب الزائر عند الجمهور :

نذکرُ نصّ ما وقفنا علیه فی المصادر (1) :

1 - إخلاص النیّة وخلوص الطویّة ، فإنّما الأعمال بالنیّات ، فینوی التقرُّب إلی الله تعالی بزیارة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، ویستحبُّ أن ینوی مع ذلک التقرّب بالمسافرة إلی مسجده صلی الله علیه وآله وسلم وشدِّ الرحال إلیه والصلاة فیه. قاله ابن الصلاح والنووی (2) من الشافعیّة ، ونقله شیخ الحنفیّة الکمال بن الهمام عن مشایخهم.

2 - أن یکون دائم الأشواق إلی زیارة الحبیب الشفیع.

3 - أن یقول إذا خرج من بیته : باسم الله وتوکّلت علی الله ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله ، اللهمّ إلیک خرجتُ وأنت أخرجتنی ، اللهمّ سلّمنی وسلِّم منّی ورُدّنی سالماً فی دینی کما أخرجتنی ، اللهمّ إنّی أعوذ بک أن أضلّ أو أُضلّ ، أو أذلَّ أو أُذلّ ، أو أظلم أو أُظلم ، أو أجهل أو یُجهل علیّ ، عزَّ جارک ، وجلَّ ثناؤک ، وتبارک اسمک ، ولا إله غیرک.

4 - الإکثار فی المسیر من الصلاة والتسلیم علی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ، بل یستغرق أوقات فراغه فی ذلک وغیره من القربات.

5 - یتتبّع ما فی طریقه من المساجد والآثار المنسوبة إلی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ، فیحییها بالزیارة ویتبرّک بالصلاة فیها. 8.

ص: 193


1- أفرد جمال الدین عبد الله الفاکهی المکّی الشافعی المتوفّی (972) آداب زیارة النبیّ صلّی الله علیه واله وسلّم بالتألیف ، وسمّاه حسن التوسّل فی آداب زیارة أفضل الرسل ، جمع فیه أربعةً وتسعین أدباً من آداب الزائر ، وقد صفحنا عن کثیرٍ منها لکون أدب المسافر لا یخصّ بالزیارة ، طبع فی هامش الإتحاف للشبراوی بمصر سنة 1318 [ص 29]. (المؤلف)
2- شرح صحیح مسلم : 9 / 168.

6 - إذا دنا من حرم المدینة وشاهد أعلامها وربُاها وآکامها ، فلیستحضر وظائف الخضوع والخشوع مستبشراً بالهنا وبلوغ المنی ، وإن کان علی دابّة حرّکها تباشراً بالمدینة ، ولا بأس بالترجّل والمشی عند رؤیة ذلک المحلّ الشریف کما یفعله بعضهم ؛ لأنَّ وفد عبد القیس لمّا رأوا النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم نزلوا عن الرواحل ولم ینکر علیهم ، وتعظیمه بعد الوفاة کتعظیمه فی الحیاة. وقال أبو سلیمان داود المالکی فی الانتصار : إنَّ ذلک یتأکّد فعله لمن أمکنه من الرجال ، وإنّه یستحبّ تواضعاً لله تعالی وإجلالاً لنبیّه صلی الله علیه وآله وسلم.

وحکی القاضی عیاض فی الشفا (1) : أنَّ أبا الفضل الجوهری (2) لمّا ورد المدینة زائراً وقرب من بیوتها ترجّل باکیاً منشداً :

ولمّا رأینا رسمَ من لم یَدَعْ لنا

فؤاداً لعرفانِ الرسومِ ولا لُبّا

نزلنا عن الأکوارِ نمشی کرامةً

لمن بانَ عنه أن نلمَّ به رکبا

وقد ضمّنها القاضی عیاض فی قصیدة نبویّة له یقول بعدهما :

وتهنا بأکنافِ الخیامِ تواجداً

نُقبِّلها طوراً ونرشفُها حُبّا

ونُبدی سروراً والفؤاد بحبِّها

تقطّعَ والأکبادُ أوری بها لهبا

أقدِّم رجلاً بعد رجلٍ مهابةً

وأسحبُ خدّی فی مواطنِها سحبا

وأسکبُ دمعی فی مناهل حبِّها

وأُرسل حبّا فی أماکنها النجبا

وأدعو دعاءَ البائسِ الوالهِ الذی

براهُ الهوی حتی بدا شخصُه شجبا

7 - إذا بلغ حرم المدینة الشریفة ، فلیقل بعد الصلاة والتسلیم : اللهمّ هذا حرم ف)

ص: 194


1- الشفا بتعریف حقوق المصطفی : 2 / 130.
2- عبد الله بن الحکیم الرندی الأندلسی ، من علماء الحدیث والقراءات والعربیة ، وله شعر رائق. (المؤلف)

رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم الذی حرّمته علی لسانه ، ودعاک أن تجعل فیه من الخیر والبرکة مثلَی ما فی حرم البیت الحرام ، فحرِّمنی علی النار ، وآمنِّی من عذابک یوم تبعث عبادک ، وارزقنی من برکاته ما رزقته أولیاءک وأهل طاعتک ، ووفّقنی لحسن الأدب وفعل الخیرات وترک المنکرات. ثمّ تشتغل بالصلاة والتسلیم.

وقال الغزالی فی الإحیاء (1) (1 / 246) : إذا وقع بصره علی حیطان المدینة وأشجارها قال : اللهمّ هذا حرم رسولک ، فاجعله لی وقایةً من النار ، وأماناً من العذاب وسوء الحساب.

وفی مراقی الفلاح للفقیه الشرنبلالی (2) : فإذا عاین حیطان المدینة المنوّرة یصلّی علی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ثمَّ یقول : اللهمّ هذا حرم نبیّک ومهبط وحیک ، فامنن علیَّ بالدخول فیه ، واجعله وقایةً لی من النار وأماناً من العذاب ، واجعلنی من الفائزین بشفاعة المصطفی یوم المآب.

8 - إن کانت طریقه علی ذی الحلیفة فلا یجاوز المعرَّس حتی ینیخ به ، وهو مستحبّ ، کما قاله أبو بکر الخفّاف فی کتاب الأقسام والخصال ، والنووی وغیرهما.

9 - الغسل لدخول المدینة المنوّرة من بئر الحرّة أو غیرها ، والتطیّب ولبس الزائر أحسن ثیابه.

وقال الکرمانی من الحنفیّة : فإن لم یغتسل خارج المدینة ، فلیغتسل بعد دخولها.

قال ابن حجر : ویسنُّ له ، کمالاً فی الأدب ، أن یلبس أنظف ثیابه ، والأکمل الأبیض ، إذ هو ألیق بالتواضع المطلوب متطیّباً ، وقد یقع لبعض الجهلة عند الرؤیة للمدینة نزولهم عن رواحلهم مع ثیاب المهنة والتجرّد عن الملبوس فینبغی زجره ، 0.

ص: 195


1- إحیاء علوم الدین : 1 / 231.
2- مراقی الفلاح : ص 150.

نعم ؛ النزول عن الرواحل عند رؤیة المدینة من کمال الأدب ، لکن بعد التطیّب ولبس النظیف.

وقال الفقیه الشرنبلالی فی مراقی الفلاح (1) : ویغتسل قبل الدخول أو بعده قبل التوجّه للزیارة إن أمکنه ، ویتطیّب ویلبس أحسن ثیابه تعظیماً للقدوم علی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ، ثمّ یدخل المدینة ماشیاً إن أمکنه بلا ضرورة.

10 - أن یقول عند دخوله من باب البلد : بسم الله ما شاء الله لا قوّة إلاّ بالله ، ربّ أدخلنی مُدخَل صدق ، وأخرجنی مُخرَج صدقٍ ، واجعل لی من لدنک سلطاناً نصیراً ، حسبی الله آمنت بالله توکلّت علی الله لا حول ولا قوّة إلاّ بالله ، اللهمّ إنّی أسألک بحقِّ السائلین علیک ، وبحقِّ ممشای هذا إلیک ، فإنّی لم أخرج بطراً ولا أَشِراً ولا ریاءً ولا سمعةً ، خرجت اتِّقاء سخطک وابتغاء مرضاتک ، أسألک أن تنقذنی من النار ، وأن تغفر لی ذنوبی ، إنّه لا یغفر الذنوب إلاّ أنت.

وقال شیخ زاده فی مجمع الأنهر (2) (1 / 157) : إذا دخل المدینة قال : (رَبِّ أَدْخِلْنِی مُدْخَلَ صِدْقٍ) (3) الآیة. اللهمّ افتح لی أبواب فضلک ورحمتک ، فارزقنی زیارة قبر رسولک المجتبی علیه الصلاة والسلام ما رزقت أولیاءک وأهل طاعتک ، واغفر لی وارحمنی یا خیر مسؤول.

11 - لزوم الخشوع والخضوع لمّا شاهد القبّة مستحضراً عظمتها ، یمثِّل فی نفسه مواقع أقدام رسول الله ، فلا یضع قدمه علیه إلاّ مع الهیبة والسکینة والوقار.

12 - عدم الإخلال بشیء ممّا أمکنه من الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر ، 0.

ص: 196


1- مراقی الفلاح : ص 150.
2- مجمع الأنهر : 1 / 313.
3- الإسراء : 80.

والغضب عند انتهاک حرمة من حرمه ، أو تضییع شیء من حقوقه صلی الله علیه وآله وسلم.

13 - إذا شاهد المسجد والحرم الشریف فلیزدد خضوعاً وخشوعاً یلیق بهذا المقام ، ویقتضیه هذا المحلّ الذی ترتعد دونه الأقدام ، ویجتهد فی أن یوفّی للمقام حقّه من التعظیم والقیام.

14 - الأفضل أن یدخل الزائر إلی الحضرة الشریفة من باب جبرئیل ، وجرت عادة القادمین من ناحیة باب السلام بالدخول.

15 - یقف بالباب لحظةً لطیفةً کما یقف المستأذن فی الدخول علی العظماء ، قاله الفاکهی فی حسن الأدب (ص 56) ، والشیخ عبد المعطی السقا فی الإرشادات السنیّة (ص 261).

16 - إذا أراد الدخول فلیفرغ قلبه ولیصفِّ ضمیره ، ویقدّم رجله الیمنی ویقول : أعوذ بالله العظیم وبوجهه الکریم وبنوره القدیم من الشیطان الرجیم ، بسم الله والحمد لله ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله ، ما شاء الله لا قوّة إلاّ بالله ، اللهمّ صلِّ علی سیّدنا محمد عبدک ورسولک وعلی آله وصحبه وسلّم تسلیماً کثیراً ؛ اللهمّ اغفر لی ذنوبی ، وافتح لی أبواب رحمتک ، ربِّ وفِّقنی وسدِّدنی وأصلحنی وأعنّی علی ما یرضیک عنّی ، ومُنَّ علیَّ بحسن الأدب فی هذه الحضرة الشریفة ، السلام علیک أیّها النبیُّ ورحمة الله تعالی وبرکاته ، السلام علینا وعلی عباد الله الصالحین.

ولا یترک ذلک کلّما دخل المسجد أو خرج منه ، إلاّ أنَّه یقول عند خروجه : وافتح لی أبواب فضلک. بدل قوله : أبواب رحمتک.

وقال القاضی عیاض (1) : قال ابن حبیب : یقول إذا دخل مسجد الرسول : بسم الله وسلام علی رسول الله ، السلام علینا من ربّنا ، وصلّی الله وملائکته علی محمد ، 1.

ص: 197


1- الشفا بتعریف حقوق المصطفی : 2 / 201.

اللهمّ اغفر لی ذنوبی ، وافتح لی أبواب رحمتک وجنّتک ؛ واحفظنی من الشیطان الرجیم.

17 - قال القاضی فی الشفاء (1) : ثمّ اقصد إلی الروضة - وهی ما بین القبر والمنبر - وارکع فیهما رکعتین قبل وقوفک بالقبر ، تحمد الله تعالی فیهما وتسأله تمام ما خرجت إلیه والعون علیه ؛ وإن کانت رکعتاک فی غیر الروضة أجزأتاک ، وفی الروضة أفضل.

وقال القسطلانی فی المواهب (2) : یستحبّ أن یصلّی رکعتین قبل الزیارة ، قیل : وهذا ما لم یکن مروره من جهة وجهه الشریف وإلاّ استحبَّ الزیارة أوّلاً. قال فی تحقیق النصرة (3) : وهو استدراک حسن ، ورخَّص بعضهم تقدیم الزیارة مطلقاً. وقال ابن الحاجّ : کلٌّ ذلک واسع.

وقال الشرنبلالی فی مراقی الفلاح (4) : فتسجد شکراً لله تعالی بأداء رکعتین غیر تحیّة المسجد ، شکراً لما وفّقک الله تعالی ومنَّ علیک بالوصول إلیه.

وقال الحمزاوی فی کنز المطالب (ص 211) : یبدأ بتحیّة المسجد رکعتین خفیفتین ب : (قُلْ یا أَیُّهَا الْکافِرُونَ) و (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) ؛ وأن یکون بمصلاّه صلی الله علیه وآله وسلم فإن لم یتیسّر له ، فما قرب منه ممّا یلی المنبر من جهة الروضة.

18 - ینبغی للزائر أن یکون واقفاً وقت الزیارة کما هو الألیق بالأدب ، فإذا طال فلا بأس أن یجلس متأدّباً جاثیاً علی رکبتیه ، غاضّا لطرفه فی مقام الهیبة والإجلال ، فارغ القلب مستحضراً بقلبه جلالة موقفه ، وأنَّه صلی الله علیه وآله وسلم حیٌّ ناظر إلیه ومطّلع علیه. 0.

ص: 198


1- الشفا بتعریف حقوق المصطفی : 2 / 201.
2- المواهب اللدنیّة : 4 / 578.
3- تحقیق النصرة : ص 105.
4- مراقی الفلاح : ص 150.

وقال الخفاجی فی شرح الشفا (1) (3 / 571) : ویستحبُّ القیام فی حال الزیارة کما نبّه علیه المصنِّف - یعنی القاضی عیاض - بقوله : یقف ، وهو أفضل من الجلوس عند القبر الشریف عند الجمهور ، ومن خیّر بینهما أراد الجواز دون المساواة ، فإن جلس فالأفضل أن یجثو علی رکبتیه ، ولا یفترش ولا یتربّع لأنَّه ألیق بالأدب.

19 - یقف کما یقف فی الصلاة واضعاً یمینه علی شماله. قاله الکرمانی الحنفی وشیخ زاده فی مجمع الأنهر وغیرهما ورآه ابن حجر ألیق.

20 - یتوجّه إلی القبر الکریم مستعیناً بالله تعالی فی رعایة الأدب فی هذا الموقف العظیم ، فیقف ممثِّلاً صورته الکریمة فی خیاله بخشوع وخضوع تامّین بین یدیه صلی الله علیه وآله وسلم محاذاة الوجه الشریف مستدبر القبلة ، ناظراً فی حال وقوفه إلی أسفل ما یستقبل من جدار الحجرة الشریفة ، ملتزماً للحیاء والأدب التامِّ فی ظاهره وباطنه ، عالماً بأنَّه صلی الله علیه وآله وسلم عالم بحضوره وقیامه وزیارته ، وأنَّه یبلغه سلامه وصلاته ، وقال ابن حجر : استدبار القبلة واستقبال الوجه الشریف هو مذهبنا ومذهب جمهور العلماء.

وقال الخفاجی فی شرح الشفا (2) (3 / 571) : استقبال وجهه صلی الله علیه وآله وسلم واستدبار القبلة مذهب الشافعی والجمهور ، ونُقل عن أبی حنیفة. وقال ابن الهمام : ما نُقل عن أبی حنیفة أنَّه یستقبل القبلة مردود بما روی عن ابن عمر : أنَّ من السنّة أن یستقبل القبر المکرَّم ویجعل ظهره للقبلة ، وهو الصحیح من مذهب أبی حنیفة.

وقول الکرمانی : إنَّ مذهبه بخلافه لیس بشیء ؛ لأنّه صلی الله علیه وآله وسلم حیٌّ فی ضریحه ، یعلم بزائره ، ومن یأتیه فی حیاته إنَّما یتوجّه إلیه.

وقال فی شرح قول ابن أبی ملیکة (3) : من أحبّ أن یکون وجاه النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ف)

ص: 199


1- نسیم الریاض فی شرح الشفا : 3 / 517.
2- نسیم الریاض فی شرح الشفا : 3 / 517
3- عبد الله بن عبید الله المتوفّی (117) ، أخرج له أصحاب الصحاح الستّة. (المؤلف)

فیجعل القندیل الذی فی القبلة عند القبر علی رأسه ؛ هو إرشاد لکیفیّة الزیارة ، وأن یکون بینه وبین القبر فاصل. فقیل : إنَّه یبعد عنه بمقدار أربعة أذرع ، وقیل : ثلاثة ، وهذا علی أنَّ البعد أولی وألیق بالأدب کما کان فی حیاته صلی الله علیه وآله وسلم ، وعلیه الأکثر. وذهب بعض المالکیّة إلی أنَّ القرب أولی ، وقیل : یعامل معاملته فی حیاته ، فیختلف ذلک باختلاف الناس ، وهذا باعتبار ما کان فی العصر الأوّل ، وأمّا الیوم فعلیه مقصورة تمنع من دنوّ الزائر فیقف عند الشبّاک.

21 - لا یرفع فی الزیارة صوته ولا یخفیه بل یقتصد ، وخفض الصوت عنده صلّی الله علیه أدب للجمیع. أخرج القاضی عیاض (1) بإسناده عن ابن حمید قال : ناظر أبو جعفر - أمیر المؤمنین - مالکاً فی مسجد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، فقال له مالک : یا أمیر المؤمنین لا ترفع صوتک فی هذا المسجد ، فإنَّ الله تعالی أدّب قوماً فقال (لا تَرْفَعُوا أَصْواتَکُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِیِ) (2) الآیة ، ومدح قوماً فقال : (إِنَّ الَّذِینَ یَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ) (3) الآیة ، وذمَّ قوماً فقال : (إِنَّ الَّذِینَ یُنادُونَکَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ) (4) الآیة ، وإنَّ حرمته میّتاً کحرمته حیّا ، فاستکان لها أبو جعفر وقال : یا أَبا عبد الله ، أستقبل القبلة وأدعو أم استقبل رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم؟

فقال : ولِمَ تصرف وجهک عنه وهو وسیلتک ووسیلة أبیک آدم علیه السلام إلی الله تعالی یوم القیامة؟ بل استقبله واستشفع به فیشفعک الله تعالی ، قال الله تعالی : (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُکَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ) (5) الآیة. 4.

ص: 200


1- الشفا بتعریف حقوق المصطفی : 2 / 92.
2- الحجرات : 2.
3- الحجرات : 3.
4- الحجرات : 4.
5- النساء : 64.
زیارة النبیّ الأقدس

22 - یقول : السلام علیک یا رسول الله ، السلام علیک یا نبیّ الله ، السلام علیک یا خیرة الله ، السلام علیک یا حبیب الله ، السلام علیک یا سید المرسلین وخاتم النبیّین ، السلام علیک یا خیرة الخلائق أجمعین ، السلام علیک یا قائد الغرِّ المحجّلین ، السلام علیک وعلی آلک وأهل بیتک وأزواجک وأصحابک أجمعین ، السلام علیک وعلی سائر الأنبیاء والمرسلین وجمیع عباد الله الصالحین ، جزاک الله عنّا یا رسول الله أفضل ما جزی به نبیّا ورسولاً عن أمّته وصلّی علیک کلّما ذکرک الذاکرون ، وغفل عن ذکرک الغافلون ، أفضل وأکمل ما صلّی علی أحدٍ من الخلق أجمعین ، أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شریک له ، وأشهد أنَّک عبده ورسوله وخیرته من خلقه ، وأشهد أنّک بلّغت الرسالة ، وأدّیت الأمانة ونصحت الأمّة ، وکشفت الغمّة ، وجاهدت فی الله حقَّ جهاده ، اللهمّ آتهِ الوسیلة والفضیلة ، وابعثه مقاماً محموداً الذی وعدته ، وآتِه نهایة ما ینبغی أن یسأله السائلون ، اللهمّ صلِّ علی سیّدنا محمد نبیّک ورسولک النبیّ الأُمیّ ، وعلی آل سیّدنا محمد وأزواجه وذرّیته کما صلّیت علی إبراهیم وعلی آل إبراهیم ، وبارک علی سیّدنا محمد النبیّ الأُمیّ وعلی آل محمد کما بارکت علی إبراهیم وعلی آل إبراهیم فی العالمین ، إنّک حمید مجید.

زیارة أخری :

حکاها ابن فرحون عن ابن حبیب (1) :

السلام علیک أیّها النبیُّ ورحمة الله وبرکاته ، صلّی الله علیک وسلّم یا رسول الله أفضل وأزکی وأعلی وأنمی صلاةٍ صلاّها علی أحدٍ من أنبیائه وأصفیائه ، أشهد ف)

ص: 201


1- عبد الملک بن حبیب القرطبی الإمام الجلیل الثقة مصنّف کتاب الواضحة. (المؤلف)

یا رسول الله أنّک قد بلّغت ما أُرسلتَ به ، ونصحتَ الأُمّة ، وعبدت ربّک حتی أتاک الیقین ، وکنت کما نعتک الله فی کتابه حیث قال : (لَقَدْ جاءَکُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِکُمْ عَزِیزٌ عَلَیْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِیصٌ عَلَیْکُمْ بِالْمُؤْمِنِینَ رَؤُفٌ رَحِیمٌ) (1) فصلوات الله وملائکته وجمیع خلقه فی سماواته وأرضه علیک یا رسول الله.

زیارة ثالثة :

اتّفق علیها أعلام المذاهب الأربعة (2) :

السلام علیک یا نبیّ الله ورحمة الله وبرکاته ، أشهدُ أنّک رسول الله ، فقد بلّغت الرسالة وأدّیت الأمانة ، ونصحت الأُمّة ، وجاهدت فی أمر الله حتی قبض الله روحک حمیداً محموداً ، فجزاک الله عن صغیرنا وکبیرنا خیر الجزاء ، وصلّی علیک أفضل الصلاة وأزکاها ، وأتمَّ التحیّة وأنماها ، اللهمّ اجعل نبیّنا یوم القیامة أقرب النبیّین إلیک ، واسقنا من کأسه ، وارزقنا من شفاعته ، واجعلنا من رفقائه یوم القیامة ، اللهمّ لا تجعل هذا آخر العهدبقبر نبیّنا علیه السلام ، وارزقنا العود إلیه ، یا ذا الجلال والإکرام.

الزیارة الرابعة :

روایة الغزالی (3) :

السلام علیک یا رسول الله ، السلام علیک یا نبیّ الله ، السلام علیک یا أمین الله ، السلام علیک یا حبیب الله ، السلام علیک یا صفوة الله ، السلام علیک یا خیرة الله ، السلام علیک یا أحمد ، السلام علیک یا محمد ، السلام علیک یا أبا القاسم ، السلام1.

ص: 202


1- التوبة : 128.
2- فی الفقه علی المذاهب الأربعة : 1 / 591 [1 / 713]. (المؤلف)
3- إحیاء علوم الدین : 1 / 231.

علیک یا ماحی ، السلام علیک یا عاقب ، السلام علیک یا حاشر ، السلام علیک یا بشیر ، السلام علیک یا نذیر ، السلام علیک یا طهر ، السلام علیک یا طاهر ، السلام علیک یا أکرم ولد آدم ، السلام علیک یا سیّد المرسلین ، السلام علیک یا خاتم النبیّین ، السلام علیک یا رسول ربِّ العالمین ، السلام علیک یا قائد الخیر ، السلام علیک یا فاتح البرّ ، السلام علیک یا نبیّ الله ، السلام علیک یا هادی الأُمّة ، السلام علیک یا قائد الغرّ المحجّلین ، السلام علیک وعلی أهل بیتک الذین أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهیراً ، السلام علیک وعلی أصحابک الطیّبین وعلی أزواجک الطاهرات أُمّهات المؤمنین ، جزاک الله عنّا أفضل ما جزی نبیّا عن قومه ورسولاً عن أُمّته ، وصلّی علیک کلّما ذکرک الذاکرون ، وکلّما غفل عنک الغافلون ، وصلّی علیک فی الأوّلین والآخرین أفضل وأکمل وأعلی وأجلَّ وأطیب وأطهر ما صلّی علی أحدٍ من خلقه کما استنقذنا بک من الضلالة ، وبصّرنا بک من العمایة ، وهدانا بک من الجهالة ، أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شریک له ، وأشهد أنّک عبد الله ورسوله وأمینه وصفیّه وخیرته من خلقه ، وأشهد أنَّک قد بلّغت الرسالة ، وأدّیت الأمانة ، ونصحت الأُمّة ، وجاهدت عدوّک ، وهدیت أُمّتک ، وعبدت ربّک حتی أتاک الیقین ، فصلّی الله علیک وعلی أهل بیتک الطیّبین ، وسلّم وشرّف وکرّم وعظّم.

زیارة خامسة :

روایة القسطلانی (1) :

السلام علیک یا رسول الله ، السلام علیک یا نبیّ الله ، السلام علیک یا حبیب الله ، السلام علیک یا خیرة الله ، السلام علیک یا صفوة الله ، السلام علیک یا سیّد المرسلین وخاتم النبیّین ، السلام علیک یا قائد الغرّ المحجّلین ، السلام علیک وعلی أهل 1.

ص: 203


1- المواهب اللدنیّة : 4 / 581.

بیتک الطیّبین الطاهرین ، السلام علیک وعلی أزواجک الطاهرات أُمّهات المؤمنین ، السلام علیک وعلی أصحابکَ أجمعین ، السلام علیک وعلی سائر الأنبیاء وسائر عباد الله الصالحین ، جزاک اللهُ أفضل ما جزی نبیّا ورسولاً عن أُمّته ، وصلّی الله علیکَ کلّما ذکرک الذاکرون ، وغفل عن ذکرک الغافلون ، وأشهد أن لا إله إلاّ الله ، وأشهد أنَّک عبده ورسوله وأمینه وخیرته من خلقه ، وأشهد أنَّک قد بلّغت الرسالة ، وأدّیت الأمانة ، ونصحت الأُمّة ، وجاهدت فی الله حقّ جهاده.

قال : ومن ضاق وقته عن ذلک فلیقل ما تیسّر منه.

زیارة سادسة :

روایة الباجوری :

قال : یسلّم علیه صلی الله علیه وآله وسلم بلا رفع صوت قائلاً : السلام علیک یا رسول الله ، السلام علیک یا نبیّ الله ، السلام علیک یا حبیب الله ، أشهد أنّک رسول الله حقّا بلّغت الرسالة ، وأدّیت الأمانة ، ونصحت الأُمّة ، وکشفت الغمّة ، وجلوت الظلمة ، ونطقت بالحکمة ، وجاهدت فی سبیل الله حقَّ جهاده ، جزاک الله عنّا أفضل الجزاء.

زیارة أخری سابعة :

ذکرها الشرنبلالی الحنفی فی المراقی (1) :

السلام علیک یا سیّدی یا رسول الله ، السلام علیک یا نبیّ الله ، السلام علیک یا حبیب الله ، السلام علیک یا نبیّ الرحمة ، السلام علیک یا شفیع الأُمّة ، السلام علیک یا سیّد المرسلین ، السلام علیک یا خاتم النبیّین ، السلام علیک یا مزّمِّل ، السلام علیک 0.

ص: 204


1- مراقی الفلاح : ص 150.

یا مدّثِّر ، السلام علیک وعلی أُصولک الطیّبین وأهل بیتک الطاهرین الذین أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهیراً ، جزاک الله عنّا أفضل ما جزی نبیّا عن قومه ورسولاً عن أُمّته ، أشهد أنّک رسول الله بلّغت الرسالة ، وأدّیت الأمانة ، ونصحت الأُمّة ، وأوضحت الحجّة ، وجاهدت فی سبیل الله حقَّ جهاده ، وأقمت الدین حتی أتاک الیقین ، صلّی الله علیک وسلّم وعلی أشرف مکان شُرّف بحلول جسمک الکریم فیه صلاةً وسلاماً دائمین من ربِّ العالمین ، عدد ما کان وعدد ما یکون بعلم الله ، صلاةً لا انقضاء لأمرها ، یا رسول الله نحن وفدک وزوّار حرمک ، تشرّفنا بالحلول بین یدیک ، وجئنا من بلاد شاسعة وأمکنة بعیدة نقطع السهل والوعر بقصد زیارتک ، لنفوز بشفاعتک ، والنظر إلی مآثرک ومعاهدک ، والقیام بقضاء بعض حقِّک والاستشفاع بک إلی ربّنا ؛ فإنَّ الخط ایا قد قصمت ظهورنا ، والأوزار قد أثقلت کواهلنا ، وأنت الشافع المشفَّع الموعود بالشفاعة العظمی ، والمقام المحمود والوسیلة ، وقد قال الله تعالی : (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُکَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِیماً) (1). وقد جئناک ظالمین لأنفسنا ، مستغفرین لذنوبنا ، فاشفع لنا إلی ربِّک ، واسأله أن یمیتنا علی سنّتک ، وأن یحشرنا فی زمرتک ، وأن یوردنا حوضک ، وأن یسقینا بکأسک غیر خزا یا ولا نادمین ، الشفاعة الشفاعة یا رسول الله ولإخواننا الذین سبقونا بالإیمان ، ولا تجعل فی قلوبنا غلاّ للذین آمنوا ، ربّنا إنّک - تقولها ثلاثاً - ، ربّنا اغفر لنا رءوف رحیم.

زیارة ثامنة :

روایة شیخ زاده فی مجمع الأنهر (2) :

السلام علیک أیّها النبی ورحمة الله وبرکاته ، السلام علیک یا رسول الله ، 3.

ص: 205


1- النساء : 64.
2- مجمع الأنهر فی شرح ملتقی الأبحر : 1 / 313.

السلام علیک یا خیر خلق الله ، السلام علیک یا سیّد ولد آدم ، إنِّی أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شریک له ، وأشهد أنّک عبده ورسوله وأمینه ، أشهد أنّک قد بلّغت الرسالة ، وأدّیت الأمانة ، ونصحت الأُمّة ، وکشفت الغمّة ، فجزاک الله عنّا خیراً ، جزاک الله عنّا أفضل ما جزی نبیّا عن أُمّته ، اللهمّ أعط سیّدنا عبدک ورسولک محمداً الوسیلة والفضیلة والدرجة العالیة الرفیعة ، وابعثه المقام المحمود الذی وعدته ، وأنزله المنزل المبارک عندک ، سبحانک أنت ذو الفضل العظیم.

ثمّ یسأل الله تعالی حاجته وأعظم الحاجات سؤال حسن الخاتمة وطلب المغفرة ویقول

السلام علیک یا رسول الله ، أسألک الشفاعة الکبری ، وأتوسّل بک إلی الله تعالی فی أن أموت مسلماً علی ملّتک وسنّتک ، وأن أحشر فی زمرة عباد الله الصالحین. ثمّ ذکر السلام علی الشیخین.

زیارة تاسعة :

روایة الفاکهی :

السلام علیک أیّها النبیُّ الکریم - ثلاثاً - السلام علیک یا رسول الله ، السلام علیک یا نبیّ الله ، السلام علیک یا خیرة الله ، السلام علیک یا حیبب الله ، السلام علیک یا سیّد المرسلین ، السلام علیک یا خاتم النبیّین ، السلام علیک یا خیر الخلائق أجمعین ، السلام علیک یا إمام المتّقین ، السلام علیک یا قائد الغرّ المحجّلین ، السلام علیک یا رحمةً للعالمین ، السلام علیک یا منّة الله علی المؤمنین ، السلام علیک یا شفیع المذنبین ، السلام علیک یا هادیاً إلی صراطٍ مستقیم ، السلام علیک یا من وصفه الله بقوله : (وَإِنَّکَ لَعَلی خُلُقٍ عَظِیمٍ) و (بِالْمُؤْمِنِینَ رَؤُفٌ رَحِیمٌ) السلام علیک وعلی سائر الأنبیاء والمرسلین وآلک وأهل بیتک وأزواجک وأصحابک أجمعین وعباد الله

ص: 206

الصالحین ورحمة الله وبرکاته ، جزی الله محمداً کما هو أهله ، جزاک الله عنّا یا رسول الله أفضل ما جزی نبیّا عن قومه ورسولاً عن أُمّته ، وصلّی الله علیک کلّما ذکرک الذاکرون ، وغفل عن ذکرک الغافلون أفضل وأکمل ما صلّی علی أحدٍ من خلقه أجمعین ، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شریک له ، وأشهد أنَّک عبده ورسوله وخیرته من خلقه ، فإنَّک قد بلّغت الرسالة ، وأدّیت الأمانة ، ونصحت الأمّة ، وجاهدت فی الله حقَّ جهاده ، وکما نصَّ الله فی کتابه ؛ اللهمّ آته الوسیلة والفضیلة وابعثه مقاماً محموداً الذی وعدته ، اللهمّ صلِّ علی محمد عبدک ونبیّک ورسولک النبیّ الأُمِّیّ وعلی آل محمد وأزواجه وذریّته کما صلّیت علی إبراهیم وعلی آل إبراهیم ، وبارک علی محمد وعلی آل محمدٍ وأزواجه وذریّته کما بارکت علی إبراهیم وعلی آل إبراهیم فی العالمین إنّک حمید مجید ، ربّنا آمنّا بما أنزلت واتّبعنا الرسول فاکتبنا مع الشاهدین ، الحمد لله الذی أقرَّ عینی برؤیتک یا رسول الله ، وأدخلنی بروضتک وحضرتک یا حبیب الله.

فإن عجز عن ذلک کلّه أتی بما أمکنه.

الدعاء عند رأس النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم :

23 - یقف عند رأسه الشریف ویقول :

اللهمّ إنّک قلت وقولک الحقُّ : (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُکَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِیماً) وقد جئناک سامعین قولک ، طائعین أمرک ، مستشفعین بنبیِّک ، ربَّنا اغفر لنا ولإخواننا الذین سبقونا بالإیمان ، ولا تجعل فی قلوبنا غلاّ للذین آمنوا ، ربّنا إنَّک رءوف رحیم ، ربَّنا آتنا فی الدنیا حسنة وفی الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ، سبحان ربِّنا ربِّ العزّة عمّا یصفون ، وسلام علی المرسلین ، والحمد لله ربِّ العالمین.

ص: 207

ویدعو بما یحضره من الدعاء. ذکره الشرنبلالی الحنفی فی مراقی الفلاح (1) وغیره فی غیرها.

دعاء آخر عند رأسه صلی الله علیه وآله وسلم :

روایة الغزالی (2)

یقف عند الرأس مستقبل القبلة بین القبر والأُسطوانة ، ولیحمد الله عزَّوجل ولیمجّده ولیکثر من الصلاة علی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ثم یقول :

اللهم انّک قلت وقولک الحقّ : (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُکَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِیماً). اللهمّ إنّا سمعنا قولک ، وأطعنا أمرک ، وقصدنا نبیّک ، مستشفعین به إلیک فی ذنوبنا ، وما أثقل ظهورنا من أوزارنا ، تائبین من زللنا معترفین بخطایانا وتقصیرنا ، فتب اللهمّ علینا ، وشفِّع نبیّک هذا فینا ، وارفعنا بمنزلته عندک وحقِّه علیک ، اللهمّ اغفر للمهاجرین والأنصار ، واغفر لنا ولإخواننا الذین سبقونا بالإیمان ، اللهمّ لا تجعله آخر العهد من قبر نبیّک ومن حرمک یا أرحم الراحمین.

ثمّ یأتی الروضة فیصلّی فیها رکعتین ، ویکثر من الدعاء ما استطاع لقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «ما بین قبری ومنبری روضة من ریاض الجنّة ، ومنبری علی حوضی».

وقال العدوی الحمزاوی فی کنز المطالب (ص 216) : ومن أحسن ما یقول بعد تجدید التوبة فی ذلک الموقف الشریف ، وتلاوة (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُکَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ) الآیة : نحن وفدک یا رسول الله وزوّارک ، 2.

ص: 208


1- مراقی الفلاح : ص 152.
2- إحیاء علوم الدین : 1 / 232.

جئناک لقضاء حقِّک وللتبرّک بزیارتک والاستشفاع بک ممّا أثقل ظهورنا وأظلم قلوبنا.

وزاد الشیخ علی القاری الحنفی فی شرح الشمائل : فلیس لنا شفیع غیرک نؤمِّله ، ولا رجاء غیر بابک نصله ، فاستغفر لنا واشفع لنا إلی ربِّک یا شفیع المذنبین ، واسأله أن یجعلنا من عباده الصالحین.

یا خیرَ من دُفنتْ بالقاعِ أعظمُهُ

فطاب من طیبهنَّ القاعُ والأکمُ

نفسی الفداءُ لقبرٍ أنت ساکنُه

فیه العفافُ وفیه الجودُ والکرمُ

قال الأمینی : هذه مأخوذة عن حکایة حکاها محمد بن حرب الهلالی ، عن أعرابیٍّ أتی قبر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وزاره ، ثمّ قال ما یقرب ممّا ذکر ، رواها (1) ابن النجّار وابن عساکر وابن الجوزی ، والقسطلانی فی المواهب ، والسبکی فی شفاء السقام ، والخالدی فی صلح الإخوان (ص 54) وقال : تلقّی هذه الحکایة العلماء بالقبول ، وذکرها أئمّة المذاهب الأربعة فی المناسک مستحسنین لها ، وذکر جمع تضمین أبی الطیّب أحمد بن عبد العزیز المقدسی البیتین المذکورین بقوله :

أقولُ والدمُع من عینیَّ منسجمُ

لمّا رأیتُ جدارَ القبرِ یُستلَمُ

والناسُ یغشونه باکٍ ومنقطعٌ

من المهابةِ أو داعٍ فملتزمُ

فما تملّکتُ أن نادیتُ من حُرَقٍ

فی الصدرِ کادت لها الأحشاءُ تضطرمُ

یا خیرَ من دُفنتْ بالقاعِ أعظمُهُ

وفیه شمس التقی والدین قد غربت

من بعد ما أشرقت من نیرها الظلمُ

حاشا لوجهک أن یبلی وقد هُدِیتْ

فی الشرقِ والغربِ من أنوارِه الأُممُ

فإن تمسّک أیدی التربِ لامسةً

فأنت بین السمواتِ العلی عَلَمُ 3.

ص: 209


1- مختصر تاریخ دمشق : 2 / 408 ، الوفا فی فضائل المصطفی : ص 817 ، المواهب اللدنیّة : 4 / 583 ، شفاء السقام : ص 63.

لقیتَ ربّکَ والإسلامُ صارمُهُ

ماضٍ وقد کان بحرُ الکفرِ یلتطمُ

فقمت فیه مقام المرسلین إلی

أن عزَّ فهو علی الأدیانِ محتکمُ

لئن رأیناه قبراً إنَّ باطنَهُ

لروضةٌ من ریاضِ الخلدِ تبتسمُ

طافتْ به من نواحیه ملائکةٌ

تغشاه فی کلِّ ما یومٍ وتزدحمُ

لو کنت أبصرتُهُ حیّا لقلت له

لا تمش إلاّ علی خدّی لک القدمُ

الصلاة علی النبیّ الطاهر صلی الله علیه وآله وسلم :

24 - أخرج البخاری بإسناده مرفوعاً : «من صلّی علیَّ عند قبری وکّل الله به ملکاً یبلّغنی ، وکفی أمر دنیاه وآخرته ، وکنت له شفیعاً - أو شهیداً - یوم القیامة» (1)

قال المجد : ویأتی الزائر بأتمِّ أنواع الصلاة وأکمل کیفیّاتها ، والاختلاف فی ذلک مشهور. قال : والذی أختاره لنفسی :

اللهمّ صلِّ علی سیّدنا محمد وآله وصحبه وأزواجه عدد ما خلقتَ وعدد ما أنت خالق ، وزِنَة ما خلقت ، وزِنَة ما أنت خالق ، ومِلءَ ما خلقت ، ومِلءَ ما أنت خالق ، ومِلءَ سمواتک ، ومِلءَ أرضک ، ومثل ذلک ، وأضعاف ذلک ، وعدد خلقک ، وزِنَة عرشک ، ومنتهی رحمتک ، ومداد کلماتک ، ومبلغ رضاک ، وحتی ترضی ، وعدد ما ذکرک به خلقُک فی جمیع ما مضی ، وعدد ما هم ذاکروک فیما بقی فی کلّ سنة وشهر وجمعة ویوم ولیلة وساعة من الساعات ، ونسیم ونَفَس ولمحة وطرفة من الأبد إلی الأبد ، أبد الدنیا والآخرة ، وأکثر من ذلک لا ینقطع أوّله ولا ینفد آخره ، - یقوله مرّةً أو ثلاثاً - ثمّ یقول : اللهمّ صلِّ علی سیّدنا محمد وعلی آل سیّدنا محمد. ف)

ص: 210


1- ذکره الخطیب الشربینی فی المغنی : 1 / 494 [1 / 512]. (المؤلف)

روی (1) عن ابن أبی فدیک (2) قال : سمعت بعض من أدرکت یقول : بلغنا أنَّه من وقف عند قبر النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فقال : (إِنَّ اللهَ وَمَلائِکَتَهُ یُصَلُّونَ عَلَی النَّبِیِّ یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَیْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِیماً) (3) صلّی الله تعالی علی محمد وسلّم.

وفی روایة : صلّی الله علیک یا محمد. یقولها سبعین مرّة ، ناداه ملک : صلّی الله علیک یا فلان لم تسقط لک الیوم حاجة.

قال السمهودی (4) : قال بعضهم : الأولی أن یقول : صلّی الله وسلّم علیک یا رسول الله ، وإن کانت الروایة - یا محمد - تأدّباً ، لأنَّ من خصائصه - صلّی الله تعالی علیه وسلّم - أن لا یُنادی باسمه بل یُقال : یا رسول الله ، یا نبیّ الله ، ونحوه. والذی یظهر أنَّ هذا فی نداء لا یقترن به الصلاة والسلام.

التوسل والاستشفاع بقبره الشریف صلی الله علیه وآله وسلم :

25 - ثمّ یرجع الزائر إلی موقفه الأوّل قبالة وجه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، فیتوسّل به فی حقِّ نفسه ، ویستشفع إلی ربِّه سبحانه وتعالی ، ویکثر الاستغفار والتضرّع بعد قوله : یا خیر الرسل إنَّ الله أنزل عل یک کتاباً صادقاً قال فیه : (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُکَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِیماً) وإنّی جئتک مستغفراً من ذنوبی متشفِّعاً بک إلی ربّی ، ویقول : 9.

ص: 211


1- أخرجه البیهقی [فی شعب الإیمان : 3 / 492 ح 4169] ، والقاضی عیاض فی الشفا [2 / 197] ، والسبکی فی الشفاء ، والعبدری فی المدخل [1 / 261] وجمع آخرون. (المؤلف)
2- محمد بن إسماعیل بن مسلم بن فدیک ، المتوفّی (200) إمام ثقة ، یروی عنه الأئمّة الستّة - أصحاب الصحاح. (المؤلف)
3- الأحزاب : 56.
4- وفاء الوفا : 4 / 1399.

نحن وفدکَ یا رسول الله وزوّارک ، جئناک لقضاء حقِّک والتبرّک بزیارتک والاستشفاع بک إلی ربِّک تعالی ؛ فإنَّ الخطایا قد أثقلت ظهورنا ، وأنت الشافع المشفَّع الموعود بالشفاعة العظمی والمقام المحمود ، وقد جئناک ظالمین لأنفسنا ، مستغفرین لذنوبنا ، سائلین منک أن تستغفر لنا إلی ربّک ، فأنت نبیّنا وشفیعنا ، فاشفع لنا إلی ربّک ، واسأله أن یمیتنا علی سنّتک ومحبّتک ، ویحشرنا فی زمرتک ، وأن یوردنا حوضک غیر خزایا ولا نادمین.

قال القسطلانی فی المواهب اللدنیّة (1) : وینبغی للزائر له صلی الله علیه وآله وسلم أن یکثر من الدعاء والتضرُّع والاستغاثة والتشفّع والتوسّل به صلی الله علیه وآله وسلم ، فجدیر بمن استشفع به أن یشفِّعه الله فیه. قال : وإنَّ الاستغاثة هی طلب الغوث فالمستغیث یطلب من المستغاث به إغاثته أن یحصل له الغوث ، فلا فرق بین أن یعبِّر بلفظ الاستغاثة ، أو التوسّل ، أو التشفّع ، أو التوجّه أو التجوُّه - لأنَّهما من الجاه والوجاهة ، ومعناهما علوّ القدر والمنزلة - وقد یتوسّل بصاحب الجاه إلی من هو أعلی منه. قال : ثمّ إنَّ کلاّ من الاستغاثة ، والتوسّل والتشفّع ، والتوجّه بالنبیّ صلی الله علیه وآله وسلم کما ذکره فی تحقیق النصرة (2) ومصباح الظلام (3) واقع فی کلّ حال : قبل خلقه وبعد خلقه ، فی مدّة حیاته فی الدنیا وبعد موته فی البرزخ ، وبعد البعث فی عرصات القیامة.

ثمّ فصّل ما وقع من التوسّل والاستشفاع به صلی الله علیه وآله وسلم فی الحالات المذکورة.

وقال الزرقانی فی شرح المواهب (8 / 317) : ونحو هذا فی منسک العلاّمة خلیل ، وزاد : ولیتوسّل به صلی الله علیه وآله وسلم ، ویسأل الله تعالی بجاهه فی التوسّل به ، إذ هو محطُّ جبال الأوزار وأثقال الذنوب ؛ لأنَّ برکة شفاعته وعظمها عند ربِّه لا یتعاظمها ذنب ، ومن 2.

ص: 212


1- المواهب اللدنیّة : 4 / 593.
2- تحقیق النصرة : ص 113.
3- مصباح الظلام : 2 / 352.

اعتقد خلاف ذلک فهو المحروم الذی طمس الله بصیرته ، وأضلَّ سریرته ، ألم یسمع قوله تعالی : (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُکَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ) الآیة؟ قال : ولعلّ مراده التعریض بابن تیمیّة.

قال الأمینی : هناک جماعة من الحفّاظ وأعلام أهل السنّة بسطوا القول فی التوسّل وقالوا : إنَّ التوسّل بالنبیِّ جائز فی کلّ حال قبل خلقه وبعده ، فی مدّة حیاته فی الدنیا وبعد موته ، فی مدّة البرزخ وبعد البعث فی عرصات القیامة والجنّة ، وجعلوه علی ثلاثة أنواع :

1 - طلب الحاجة من الله تعالی به أو بجاهه أو لبرکته. فقالوا : إنَّ التوسّل بهذا المعنی جائز فی جمیع الأحوال المذکورة.

2 - التوسّل به بمعنی طلب الدعاء منه ، وحکموا بأنَّ ذلک جائز فی الأحوال کلِّها.

3 - الطلب من النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ذلک الأمر المقصود ، بمعنی أنّه صلی الله علیه وآله وسلم قادر علی التسبّب فیه بسؤاله ربّه وشفاعته إلیه ، فیعود إلی النوع الثانی فی المعنی ، غیر أنَّ العبارة مختلفة ، وعدّوا منه قول القائل للنبیّ صلی الله علیه وآله وسلم : اسألک مرافقتک فی الجنّة. وقول عثمان بن أبی العاص : شکوت إلی النبیِّ صلی الله علیه وآله وسلم سوء حفظی للقرآن. فقال : أُدنُ منّی یا عثمان ، ثمّ وضع یده علی صدری وقال : أُخرج یا شیطان من صدر عثمان. فما سمعت بعد ذلک شیئاً إلاّ حفظت. وقال السبکی فی شفاء السقام (1) : والآثار فی ذلک کثیرة أیضاً - إلی أن قال - : فلا علیک فی تسمیته توسّلاً ، أو تشفّعاً ، أو استغاثة ، أو تجوّهاً ، أو توجّها ؛ لأنَّ المعنی فی جمیع ذلک سواء.

قال الأمینی : لا یسعنا إیقاف الباحث علی جلِّ ما وقفنا علیه من کلمات ضافیة 5.

ص: 213


1- شفاء السقام : ص 175.

لأعلام المذاهب الأربعة فی المناسک وغیرها حول التوسّل بالنبیّ الأقدس صلی الله علیه وآله وسلم ، ولو ذکرناها برمّتها لتأتی کتاباً حافلاً ، وقد بسط القول فیه جمع لا یُستهان بعدّتهم ؛ منهم :

1 - الحافظ ابن الجوزی المتوفّی (597) ، فی کتاب الوفا فی فضائل المصطفی ، جعل فیه بابین فی المقام : باب التوسّل بالنبیّ ، وباب الاستشفاء بقبره.

2 - شمس الدین أبو عبد الله محمد بن النعمان المالکی المتوفّی (683) ، فی کتابه مصباح الظلام فی المستغیثین بخیر الأنام ، قال الخالدی فی صلح الإخوان (1) : هو کتاب نفیس نحو عشرین کرّاساً ، وینقل عنه کثیراً السیّد نور الدین السمهودی فی وفاء الوفا (2) ، فی الجزء الثانی فی باب التوسّل بالنبیِّ الطاهر.

3 - ابن داود المالکی الشاذلی ، ذکر فی کتابه البیان والاختصار شیئا کثیراً ممّا وقع للعلماء والصلحاء من الشدائد ، فالتجأوا إلی النبیِّ صلی الله علیه وآله وسلم فحصل لهم الفرج.

4 - تقیِّ الدین السبکی المتوفّی (756) : فی شفاء السقام (3)(ص 120 - 133).

5 - السیّد نور الدین السمهودی المتوفّی (911) : فی وفاء الوفا (4) (2 / 419 - 431).

6 - الحافظ أبو العبّاس القسطلانی المتوفّی (923) : فی المواهب اللدنیّة (5).

7 - أبو عبد الله الزرقانی المصری المالکی المتوفّی (1122) : فی شرح المواهب (8 / 317).

8 - الخالد البغدادی المتوفّی (1299) : فی صلح الإخوان (6) ، وهو أحسن ما 1.

ص: 214


1- صلح الإخوان : ص 91.
2- وفاء الوفا : 4 / 1375.
3- شفاء السقام : ص 160.
4- وفاء الوفا : 4 / 1371 - 1387.
5- المواهب اللدنیّة : 4 / 595.
6- صلح الإخوان : ص 121.

أُلِّف فی الموضوع ، فقد جمع شوارده فی سبعین صحیفة ، وأفرد فیه رسالة ردّا علی کلمة السیّد محمود الآلوسی فی التوسّل بالنبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ، طبعت فی عشرین صحیفة بمطبعة نخبة الأخبار سنة (1306).

9 - العدوی الحمزاوی المتوفّی (1303) : فی کنز المطالب (ص 198).

10 - العزّامی الشافعی القضاعی : فی فرقان القرآن (1) المطبوع مع الأسماء والصفات للبیهقی فی (140) صحیفة ، وهو کتاب قیِّم أدّی للکلام حقّه.

(أُولئِکَ الَّذِینَ یَدْعُونَ یَبْتَغُونَ إِلی رَبِّهِمُ الْوَسِیلَةَ) (2).

التبرّک بالقبر الشریف بالتزامٍ وتمریغٍ وتقبیل :

26 - لم نجد فی المقام قولاً بالحرمة لأحد من أعلام المذاهب الأربعة ممّن لهم ولآرائهم قیمة فی المجتمع ؛ وإنّما القائل بالنهی عنه من أُولئک یراه تنزیهاً لا تحریماً ، ویقول بالکراهة مستنداً إلی زعم أنَّ الدنوّ من القبر الشریف یخالف حسن الأدب ، ویحسب أنّ البعد منه ألیق به ، ولیس من شأن الفقیه النابه أن یُفتی فی دین الله بمثل هذه الاعتبارات التی لا تُبنی علی أساس ، وتختلف باختلاف الأنظار والآراء.

نعم ؛ هناک أُناس (3) شذّت عن شرعة الحقِّ وحکموا بالحرمة ، قولاً بلا دلیل ، وتحکّماً بلا برهان ، ورأیاً بلا بیّنة ، وهم معروفون فی الملأ بالشذوذ ، لا یُعبأ بهم وبآرائهم.

فها نحن نقدِّم بین یدی القارئ ما یوقفه علی الحقیقة ، ویُریه صواب الرأی ، وجَدد الطریق ؛ وعند جُهینة الخبر الیقین. ف)

ص: 215


1- فرقان القرآن : ص 125.
2- الإسراء : 57.
3- هم ابن تیمیّة ومن لفّ لفّه. (المؤلف)

1 - أخرج الحافظ ابن عساکر فی التحفة ، من طریق طاهر بن یحیی الحسینی ، قال : حدّثنی أبی ، عن جدِّی ، عن جعفر بن محمد ، عن أبیه ، عن علیّ - رضی الله تعالی عنه - قال :

لمّا رُمِس رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، جاءت فاطمة - رضی الله تعالی عنها - فوقفت علی قبره صلی الله علیه وآله وسلم وأخذت قبضةً من تراب القبر ووضعت علی عینیها ، وبکت وأنشأت تقول :

ما ذا علی من شمَّ تربةَ أحمدٍ

أن لا یشمَّ مدی الزمانِ غوالیا

صُبَّتْ علیَّ مصائبٌ لو أنَّها

صُبَّتْ علی الأیّامِ عُدنَ لیالیا

ورواه (1) : ابن الجوزی فی الوفاء ، وابن سیّد الناس فی السیرة النبویّة (2 / 340) ، والقسطلانی فی المواهب مختصراً ، والقاری فی شرح الشمائل (2 / 210) ، والشبراوی فی الإتحاف (ص 9) ، والسمهودی فی وفاء الوفا (2 / 444) ، والخالدی فی صلح الإخوان (ص 57) ، والحمزاوی فی مشارق الأنوار (ص 63) ، والسیّد أحمد زینی دحلان فی السیرة النبویّة (3 / 391) ، وعمر رضا کحالة فی أعلام النساء (3 / 1205).

وذکر البیتین لها - سلام الله علیها - ابن حجر فی الفتاوی الفقهیّة (2 / 18) ، والخطیب الشربینی فی تفسیره (1 / 349) ، والقسطلانی فی إرشاد الساری (2 / 390).

2 - عن أبی الدرداء قال : إنَّ بلالاً - مؤذِّن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم - رأی فی منامه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وهو یقول : ما هذه الجفوة یا بلال؟ أما آن لک أن تزورنی یا بلال؟ فانتبه حزیناً وجلاً خائفاً ، فرکب راحلته وقصد المدینة ، فأتی قبر النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فجعل 2.

ص: 216


1- الوفا فی فضائل المصطفی : ص 819 ح 1538 ، السیرة النبویة : 2 / 432 ، المواهب اللدنیّة : 4 / 563 ، الإتحاف بحب الأشراف : ص 33 ، وفاء الوفا : 4 / 1405 ، مشارق الأنوار : 1 / 134 ، السیرة النبویة : 2 / 310 ، أعلام النساء : 4 / 113 ، إرشاد الساری : 3 / 352.

یبکی عنده ویمرِّغ وجهه علیه ، فأقبل الحسن والحسین فجعل یضمّهما ویقبِّلهما. الحدیث.

أخرجه (1) الحافظ ابن عساکر فی تاریخ الشام مسنداً بطریق فی موضعین - کما فی شفاء السقام (ص 39 و 40) - فی ترجمة إبراهیم بن محمد الأنصاری (2 / 256) وفی ترجمة بلال ، غیر أنَّ مهذِّب الکتاب حذف الإسناد فی الموضع الأوّل وأبقی المتن ، وأسقطه رأساً سنداً ومتناً فی الثانی ، وقد أخطأ وأساء علی الحدیث وعلی الکتاب.

ورواه الحافظ أبو محمد عبد الغنی المقدسی فی الکمال فی ترجمة بلال ، وأبو الحجّاج المزِّی فی التهذیب ، والسبکی فی شفاء السقام (ص 39) وقال : روینا ذلک بإسناد جیّد ، ولا حاجة إلی النظر فی الإسنادین اللذین رواه ابن عساکر بهما - وإن کان رجالهما معروفین مشهورین - ، وذکره ابن الأثیر فی أُسد الغابة (1 / 208) ، والسمهودی فی وفاء الوفا (2 / 408) وقال : سند جیّد ، و (ص 443) وقال : إسناده جیّد ، والقسطلانی فی المواهب اللدنیّة ، والخالدی فی صلح الإخوان (ص 57) ، والحمزاوی فی مشارق الأنوار (ص 57).

3 - عن علیّ أمیر المؤمنین علیه السلام قال : «قدم علینا أعرابیٌّ بعد ما دفنّا رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بثلاثة أیّام ، فرمی بنفسه علی قبر النبی صلی الله علیه وآله وسلم وحثا من ترابه علی رأسه وقال : یا رسول الله قلت فسمعنا قولک ، ووعیت عن الله سبحانه فوعینا عنک ، وکان فیما أنزل علیک : (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُکَ) الآیة. وقد ظلمتُ 1.

ص: 217


1- تاریخ مدینة دمشق : 7 / 137 رقم 493 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 4 / 118 ، 5 / 265 ، شفاء السقام : ص 53 ، 54 ، تهذیب الکمال : 4 / 289 رقم 782 ، أُسد الغابة : 1 / 244 رقم 493 ، وفاء الوفا : 4 / 1356 و 1405 ، مشارق الأنوار : 1 / 121.

نفسی وجئتک تستغفر لی. فنودی من القبر : قد غفر لک». أخرجه (1) :

1 - الحافظ أبو سعید عبد الکریم السمعانی المتوفّی (573).

2 - الحافظ أبو عبد الله بن نعمان المالکی المتوفّی (683) : فی مصباح الظلام.

3 - أبو الحسن علیّ بن إبراهیم بن عبد الله الکرخی.

4 - الشیخ شعیب الحریفیش المتوفّی (801) : فی الروض الفائق (2 / 137).

5 - السیّد نور الدین السمهودی المتوفّی (911) : فی وفاء الوفا (2 / 412).

6 - أبو العبّاس القسطلانی المتوفّی (923) : فی المواهب اللدنیّة.

7 - الشیخ داود الخالدی المتوفّی (1299) : فی صلح الإخوان (ص 540).

8 - الشیخ حسن الحمزاوی المالکی المتوفّی (1303) : فی مشارق الأنوار (ص 57).

4 - عن داود بن أبی صالح قال : أقبل مروان یوماً فوجد رجلاً واضعاً وجهه - جبهته - علی القبر ، فأخذ مروان برقبته ثمّ قال : هل تدری ما تصنع؟ فأقبل علیه فإذا أبو أیّوب الأنصاری ، فقال : نعم إنّی لم آتِ الحجر ، إنَّما جئت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، ولم آتِ الحجر ، سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول : «لا تبکوا علی الدین إذا ولیه أهله ، ولکن ابکوا علی الدین إذا ولیه غیر أهله».

أخرجه (2) : الحاکم فی المستدرک (4 / 515) وصحّحه هو والذهبی فی تلخیصه ، ورواه أبو الحسین یحیی بن الحسن الحسینی فی أخبار المدینة ، بإسناد آخر عن المطلب بن عبد الله بن حنطب ، کما فی شفاء السقام للسبکی (3) (ص 113). قال السبکی بعد حکایته : فإن صحَّ هذا الإسناد لم یکره مسُّ جدار القبر ، وإنَّما أردنا بذکره القدح فی القطع بکراهة ذلک. 2.

ص: 218


1- الروض الفائق : ص 380 ، وفاء الوفا : 4 / 1399 ، المواهب اللدنیّة : 4 / 583 ، مشارق الأنوار : 1 / 121.
2- المستدرک علی الصحیحین : 4 / 560 ح 8571 ، وکذا فی تلخیصه.
3- شفاء السقام : ص 152.

وذکره السیّد نور الدین السمهودی فی وفاء الوفا (1) (2 / 410 ، 443) نقلاً عن إمام الحنابلة أحمد ، قال : رأیته بخطّ الحافظ أبی الفتح المراغی المدنی ، وأخرجه الحافظ الهیثمی فی مجمع الزوائد (4 / 2) نقلاً عن أحمد.

قال الأمینی : إنَّ هذا الحدیث یعطینا خبراً بأنَّ المنع عن التوسّل بالقبور الطاهرة إنّما هو من بدع الأمویّین وضلالاتهم منذ عهد الصحابة ، ولم تسمع أُذن الدنیا قطُّ صحابیّا ینکر ذلک غیر ولید بیت أُمیّة مروان الغاشم ، نعم ؛ الثور یحمی أنفه برَوقه (2) ، نعم ؛ بعلّة الوَرَشَان یأکُلُ رُطَبَ المشان (3) ، نعم ؛ لبنی أُمیّة عامّة ولمروان خاصّة ضغینة علی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم منذ یوم لم یُبقِ صلی الله علیه وآله وسلم فی الأُسرة الأمویّة حرمةً إلاّ هتکها ، ولا ناموساً إلاّ مزّقه ، ولا رکناً إلاّ أباده ، وذلک بوقیعته صلی الله علیه وآله وسلم فیهم وهو (وَما یَنْطِقُ عَنِ الْهَوی * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْیٌ یُوحی * عَلَّمَهُ شَدِیدُ الْقُوی) (4) فقد صحَّ عنه صلی الله علیه وآله وسلم قوله :

«إذا بلغت بنو أُمیّة أربعین اتَّخذوا عباد الله خولاً ، ومال الله نحلاً ، وکتاب الله دغلاً».

وصحَّ عنه صلی الله علیه وآله وسلم قوله : «إذا بلغ بنو أبی العاص ثلاثین رجلاً اتّخذوا دین الله دغلاً ، وعباد الله خولاً ، ومال الله دولاً».

وصحَّ عنه صلی الله علیه وآله وسلم قوله : «إنّی أُریت فی منامی کأنَّ بنی الحکم بن أبی العاص ینزون علی منبری کما تنزو القردة». قال : فما رُؤی النبیُّ صلی الله علیه وآله وسلم مستجمعاً ضاحکاً حتی توفّی. 5.

ص: 219


1- وفاء الوفا : 4 / 1359 و 1404.
2- روق الثور : قرنُه.
3- مثل یضرب لمن یظهر شیئاً ، والمراد منه شیء آخر. الوَرَشان : طائر أخفّ من الحمام. المشان : نوع من التمر. لسان العرب : 15 / 271.
4- النجم : 3 - 5.

وصحَّ عنه صلی الله علیه وآله وسلم قوله - لمّا استأذن الحکم بن أبی العاص علیه - : «علیه لعنة الله وعلی من یخرج من صلبه إلاّ المؤمن منهم وقلیل ما هم ، یَشرُفون فی الدنیا ویضعون فی الآخرة ، ذوو مکر وخدیعة ، یُعطَون فی الدنیا وما لهم فی الآخرة من خلاق».

وصحَّ عنه صلی الله علیه وآله وسلم قوله لمّا أُدخل علیه مروان بن الحکم «هو الوزغ ابن الوزغ ، الملعون ابن الملعون».

وصحَّ عن عائشة قولها : إنَّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قال : «لعن الله أبا مروان ومروان فی صلبه ، فمروان فضض (1) من لعنة الله عزّ وجلّ».

وصحَّ عن عبد الله بن الزبیر : أنَّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لعن الحکم وولده (2). فحقیق علی مروان أن یُری الأُمّة الإسلامیّة أنّه یحامی عن التوحید وقد رام أن یخذِّلها عن نبیِّها ویصغِّره عندها ، وکیف یروقه نبیٌّ کان هذا هتافه فیه وفی أبیه وجدِّه وأصله وشجرته؟ تلک الشجرة الملعونة التی اجتثّت من فوق الأرض ما لها من قرار.

فلا یحقُّ لمسلم أن یحذو حذو تلک الأُمّة الملعونة ویقول بقولهم ویتّخذ برأیهم ، ویتّبع إثر أُولئک الرجال الذین اتّخذوا دین الله دغلاً ، وعباد الله خولاً ، وکتاب الله حولاً.

5 - عن أبی خیثمة ، زهیر بن حرب الثقة المأمون المتوفّی (234) قال : حدّثنا مصعب بن عبد الله ، حدّثنا إسماعیل بن یعقوب التیمی قال : کان ابن المنکدر (3) یجلس ف)

ص: 220


1- الفَضَض : کلّ ما انقطع من شیءٍ أو تفرّق ، والمراد أنّه قطعة من لعنة الله وطائفة منها.
2- هذه الأحادیث أخرجها جمع من الحفّاظ بطرقهم ، وقد جمعها الحاکم وصحّحها فی المستدرک : 4 / 479 - 482 [4 / 526 ح 8477]. (المؤلف)
3- محمد بن المنکدر القرشی التیمی أبو عبد الله المدنی ، أحد الأئمّة الأعلام من التابعین توفّی (130). (المؤلف)

مع أصحابه ، قال : وکان یصیبه الصمات فکان یقوم کما هو یضع خدّه علی قبر النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ثمّ یرجع ، فعوتب فی ذلک فقال : إنَّه لیصیبنی خطرة ، فإذا وجدت ذلک استشفیت بقبر النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ، وکان یأتی موضعاً من المسجد فی الصحن فیتمرّغ فیه ویضطجع ، فقیل له فی ذلک فقال : إنّی رأیت النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فی هذا الموضع - یعنی فی النوم (1).

6 - قال العزّ بن جماعة الحموی الشافعی المتوفّی (819) فی کتاب العلل والسؤالات لعبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبیه روایة أبی علیّ بن الصوف عنه ، قال عبد الله : سألت أبی عن الرجل یمسُّ منبر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ویتبرّک بمسِّه ویقبِّله ویفعل بالقبر مثل ذلک رجاء ثواب الله تعالی. قال : لا بأس به. وفاء الوفا (2) (2 / 443).

7 - قال العلاّمة أحمد بن محمد المقری المالکی المتوفّی (1041) فی فتح المتعال بصفة النعال (3) نقلاً عن ولیّ الدین العراقی ، قال : أخبر الحافظ أبو سعید بن العلا قال : رأیت فی کلام أحمد بن حنبل فی جزء قدیم علیه خطُّ ابن ناصر (4) وغیره من الحفّاظ ، أنَّ الإمام أحمد سُئل عن تقبیل قبر النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وتقبیل منبره. فقال : لا بأس بذلک. قال : فأریناه التقیّ ابن تیمیّة فصار یتعجّب من ذلک ویقول : عجبت من أحمد عندی جلیل - هذا کلامه أو معنی کلامه -! وقال : وأیّ عجب فی ذلک وقد روینا عن الإمام أحمد أنَّه غسل قمیصاً للشافعیّ وشرب الماء الذی غسله به (5)؟ وإذا کان هذا ف)

ص: 221


1- وفاء الوفا : 2 / 444 [4 / 1406]. (المؤلف)
2- وفاء الوفا : 4 / 1404.
3- فتح المتعال : ص 329.
4- هو الحافظ محمد بن ناصر أبو الفضل البغدادی ، توفّی سنة (550) ، قال ابن الجوزی فی المنتظم : 10 / 163 [18 / 103 رقم 4201] ، کان حافظاً متقناً ، ثقة لا مغمز فیه. (المؤلف)
5- ذکره ابن الجوزی فی مناقب أحمد : ص 455 [ص 609] ، وابن کثیر فی تاریخه : 10 / 331 [10 / 365 حوادث سنة 241 ه]. (المؤلف)

تعظیمه لأهل العلم فما بالک بمقادیر الصحابة؟ وکیف بآثار الأنبیاء علیهم الصلاة والسلام؟ وما أحسن ما قاله مجنون لیلی :

أمرُّ علی الدیار دیار لیلی

أقبِّل ذا الجدار وذا الجدارا

وما حبُّ الدیار شغفنَ قلبی

ولکن حبُّ من سکن الدیارا

8 - ذکر الخطیب ابن حملة : أنَّ عبد الله بن عمر - رضی الله تعالی عنهما - کان یضع یده الیمنی علی القبر الشریف (1) ، وأنَّ بلالاً - رضی الله تعالی عنه - وضع خدّیه علیه أیضاً.

ورأیت فی کتاب السؤالات لعبد الله ابن الإمام أحمد - وذکر ما تقدّم عن ابن جماعة ثمّ قال - : ولا شکّ أنَّ الاستغراق فی المحبّة یحمل علی الإذن فی ذلک ، والمقصود من ذلک کلّه الاحترام والتعظیم ، والناس تختلف مراتبهم فی ذلک کما کانت تختلف فی حیاته ، فأُناس حین یرونه لا یملکون أنفسهم بل یبادرون إلیه ، وأُناس فیهم أناة یتأخّرون ، والکلُّ محلُّ خیر (2).

9 - قال شیخ مشایخ الشافعیّة ، الشافعیُّ الصغیر محمد بن أحمد الرملی المتوفّی (1004) فی شرح المنهاج : ویکره أن یجعل علی القبر مظلّة ، وأن یُقبَّل التابوت الذی یُجعل فوق القبر واستلامه ، وتقبیل الأعتاب عند الدخول لزیارة الأولیاء. نعم ؛ إن قصد التبرّک لا یکره کما أفتی به الوالد - رحمه الله تعالی - فقد صرّحوا (3) بأنَّه إذا ف)

ص: 222


1- وفی الشفا للقاضی [2 / 199] : رؤی ابن عمر واضعاً یده علی مقعد رسول الله من المنبر ، ثمّ وضعها علی وجهه. (المؤلف)
2- وفاء الوفا للسمهودی : 2 / 444 [4 / 1405]. (المؤلف)
3- أخرج الحمیدی فی الجمع بین الصحیحین ، وأبو داود فی مسنده [1 / 7 ح 27] : أنّ رسول صلّی الله علیه واله وسلّم کان یشیر إلی الحجر الأسود بمحجنته ، ویقبّل المحجن. (المؤلف)

عجز عن استلام الحجر سنَّ له أن یشیر بعصا وأن یقبِّلها (1).

10 - قال أبو العبّاس أحمد الرملی الکبیر الأنصاری - شیخ الشیوخ - فی حاشیة روض الطالب المطبوعة فی هامش أسنی المطالب (1 / 331) عند قول المصنِّف فی أدب مطلق زیارة القبور ، أن یدنو منه دنوّه منه حیّا ، قال فی المجموع : ولا یستلم القبر ولا یقبِّله ، ویستقبل وجهه للسلام ، والقبلة للدعاء ، وذکره أبو موسی الأصبهانی ، قال شیخنا : نعم ؛ إن کان قبر نبیٍّ أو ولیٍّ أو عالمٍ واستلمه أو قبّله بقصد التبرّک فلا بأس به.

11 - نقل الطیّب الناشری ، عن محبّ الدین الطبری الشافعی : أنَّه یجوِّز تقبیل القبر ومسّه ، قال : وعلیه عمل العلماء الصالحین وأنشد :

لو رأینا لسلیمی أثراً

لسجدنا ألف ألف للأثر (2)

12 - قال القاضی عیاض المالکی فی الشفا (3) - بعد کلام طویل فی تعظیم قبر النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم - : وجدیر بمواطن عُمِّرت بالوحی والتنزیل ، وتردّد بها جبرئیل ومیکائیل ، وعرجت منها الملائکة والروح ، وضجّت عرصاتها بالتقدیس والتسبیح ، واشتملت تربتها علی جسد سیّد البشر ، وانتشر عنها من دین الله وسنّة نبیّه ما انتشر ، مدارس وآیات ومساجد وصلوات ، ومشاهد الفضائل والخیرات ، ومعاهد البراهین والمعجزات ، ومناسک الدین ، ومشاعر المسلمین ، ومواقف سیّد المرسلین ، ومتبوَّأ خاتم النبیِّین ، حیث انفجرت النبوّة ، وأین فاض عُبابها ، ومواطن مهبط 4.

ص: 223


1- حکاه الشبرأملسی عن الشیخ أبی الضیاء المتوفّی (1087) فی حاشیة المواهب اللدنیّة ، والحمزاوی فی کنز المطالب : ص 19 [ص 219]. (المؤلف)
2- وفاء الوفا للسمهودی : 2 / 444 [4 / 1406]. (المؤلف)
3- الشفا بتعریف حقوق المصطفی : 2 / 131 - 134.

الرسالة ، وأوّل أرض مسَّ جلدَ المصطفی ترابها ؛ أن تُعظَّم (1) عرصاتها ، وتنسّم نفحاتها ، وتُقبَّل ربوعها وجدرانها.

یا دارَ خیر المرسلین ومن به

هُدیَ الأنامُ وخصَّ بالآیاتِ

عندی لأجلِکِ لوعةٌ وصبابةٌ

وتشوّقٌ متوقِّدُ الجمراتِ

وعلیَّ عهدٌ إن ملأت محاجری

من تلکمُ الجدرانِ والعرصاتِ

لأُعفِّرنَّ مصونَ شیبی بینها

من کثرةِ التقبیلِ والرشفاتِ

لو لا العوادی والأعادی زرتُها

أبداً ولو سحباً علی الوجناتِ

لکن سأهدی من حفیل تحیّتی

لقطینِ تلک الدارِ والحجراتِ

13 - قال قاضی القضاة شهاب الدین الخفاجی الحنفی المتوفّی (1069) فی شرح الشفا (2) (3 / 577) عند قول القاضی - ونقل من کتاب أحمد بن سعید الهندی فی من وقف بالقبر أن لا یلصق به ولا یمسّه بشیء من جسده - : فلا یقبّله ، فیکره مسّه وتقبیله وإلصاق صدره لأنَّه ترک أدب ، وکذا کلّ ضریح یکره فیه ، وهذا أمر غیر مجمع علیه ؛ ولذا قال أحمد والطبری : لا بأس بتقبیله والتزامه. وروی أنَّ أبا أیّوب الأنصاری کان یلتزم القبر الشریف ، قیل : وهذا لغیر من لم یغلبه الشوق والمحبّة ، وهو کلام حسن.

وقال (3) فی (3 / 571) عند قول ابن أبی ملیکة : - من أحبَّ أن یکون وِجاه النبیّ فیجعل القندیل الذی فی القبلة عند القبر علی رأسه - : هو إرشاد لکیفیّة الزیارة وأن یکون بینه وبین القبر فاصل ، فقیل : إنَّه یبعد عنه بمقدار أربعة أذرع ، وقیل : ثلاثة وهذا مبنیٌّ علی أنَّ البعد أولی وألیق بالأدب کما کان فی حیاته صلی الله علیه وآله وسلم وعلیه الأکثر ، 7.

ص: 224


1- أن وما بعدها فی تأویل مصدر علی أنّه مبتدأ مؤخر للخبر المتقدم : (جدیر) فی أول الکلام. (المؤلف)
2- نسیم الریاض : 3 / 524.
3- نسیم الریاض : ص 517.

وذهب بعض المالکیّة إلی أنَّ القرب أولی ، وقیل : یعامله معاملته فی حیاته فیختلف ذلک باختلاف الناس ، وهذا باعتبار ما کان فی العصر الأوّل ، وأمّا الیوم فعلیه مقصورة تمنع من دنوِّ الزائر ، فیقف عند الشبّاک.

14 - نقل عن ابن أبی الصیف الیمانی - أحد علماء مکّة من الشافعیّة - جواز تقبیل المصحف ، وأجزاء الحدیث ، وقبور الصالحین.

15 - قال الحافظ ابن حجر (1) : استنبط بعضهم من مشروعیّة تقبیل الحجر الأسود جواز تقبیل کلِّ من یستحقُّ التعظیم من آدمیٍّ وغیره ، فأمّا تقبیل ید الآدمیّ فسبق فی الأدب ، وأمّا غیره ، فنقل عن أحمد أنَّه سُئل عن تقبیل منبر النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وقبره ، فلم یرَ به بأساً ، واستبعد (2) بعض أتباعه صحّته عنه (3).

16 - قال الزرقانی المصری المالکی فی شرح المواهب (8 / 315) : تقبیل القبر الشریف مکروه إلاّ لقصد التبرّک فلا کراهة کما اعتقده الرملی.

17 - قال الشیخ إبراهیم الباجوری الشافعی ، فی حاشیته علی شرح ابن قاسم الغزّی علی متن الشیخ أبی شجاع فی الفقه الشافعی (1 / 276):

یکره تقبیل القبر واستلامه ومثله التابوت الذی یجعل فوقه ، وکذلک تقبیل الأعتاب عند الدخول لزیارة الأولیاء ، إلاّ أن قصد به التبرّک بهم فلا یکره ، وإذا عجز عن ذلک لازدحام ونحوه کاختلاط الرجال بالنساء - کما یقع فی زیارة سیدی أحمد البدوی - وقف فی مکان یتمکّن فیه من الوقوف بلا مشقّة ، وقرأ ما تیسّر وأشار بیده ف)

ص: 225


1- فتح الباری : 3 / 475 ح 1609.
2- المستبعد هو ابن تیمیّة أو من یشاکله من أهل الأهواء المضلّة الذین لا یعتنی بهم وبآرائهم فی دین الله. (المؤلف)
3- وفاء الوفا للسمهودی : 2 / 444 [4 / 1405]. (المؤلف)

أو نحوها ، ثمّ قبّل ذلک ، فقد صرّحوا بأنَّه إذا عجز عن استلام الحجر الأسود یسنُّ له أن یشیر بیده أو عصا ثمّ یقبِّلها.

18 - قال الشیخ حسن العدوی الحمزاوی المالکی فی کنز المطالب (ص 219) ومشارق الأنوار (1) (ص 66) بعد نقل عبارة الرملی المذکور :

ولا مریة حینئذٍ أنَّ تقبیل القبر الشریف لم یکن إلاّ للتبرّک ، فهو أولی من جواز ذلک لقبور الأولیاء عند قصد التبرّک ، فیحمل ما قاله العارف علی هذا المقصد ، لا سیّما وأنَّ قبره الشریف روضة من ریاض الجنّة.

19 - قال الشیخ سلامة العزّامی الشافعی فی فرقان القرآن (ص 133):

وقال - یعنی ابن تیمیّة - : من طاف بقبور الصالحین أو تمسّح بها کان مرتکباً أعظم العظائم. وأتی بکلام ملتبس ؛ فمرّة یجعله من الکبائر ، وأخری من الشرک إلی مسائل من أشباه ذلک ، قد فرغ العلماء المحقِّقون والفقهاء المدقِّقون من بحثها وتدوینها قبل أن یولد هو بقرون ، فیأبی إلاّ أن یخالفهم ؛ وربّما ادّعی الإجماع علی ما یقول ، وکثیراً ما یکون الإجماع قد انعقد قبله علی خلاف قوله ، کما یعلم ذلک من أمعن فی کلامه وکلام من قبله وکلام من بعده ممّن تعقّبه من أهل الفهم المستقیم والنقد السلیم ، وإلیک مثالاً :

التمسّح بالقبر أو الطواف به من عوام المسلمین ، فأهل العلم فیه علی ثلاثة أقوال : الجواز مطلقاً ، والمنع مطلقاً علی وجه کراهة التنزیه الشدیدة ، ولکنّها لا تبلغ حدّ التحریم ، والتفصیل بین من غلبه شدّة شوقٍ إلی المزور فتنتفی عنه هذه الکراهة ومن لا فالأدب ترکه. وأنت إذا تأمّلت فی الأُمور التی کفّر بها المسلمین وجعلها 0.

ص: 226


1- مشارق الأنوار : 1 / 140.

عبادة لغیر الله وجدت حجَّته ترجع إلی مقدّمتین صدقت کبراهما وهی : کلّ عبادة لغیر الله شرک. وهی معلومة من الدین بالضرورة ، ثمّ یسوق علیه الأدلّة بالآیات الواردة فی المشرکین ، وکذبت صغراهما ، وهی قوله : کلّ نداءٍ لمیّت أو غائب أو طواف بقبر أو تمسّح به أو ذبح أو نذر لصاحبه ... إلخ ، فهو عبادة لغیر الله.

ثمّ یسوق الآیات والأحادیث الصحاح التی لم یفهمها أو تعمّد فی تأویلها علی غیر وجهها ، ثمّ یخرج من هذا القیاس الذی فسدت إحدی مقدّمتیه بنتیجة لا محالة کاذبة ، وهی : أنَّ جمهور المسلمین - إلاّ إیّاه ومن شایعه - مشرکون کافرون ، وقد أجاد تلخیص هذا المذهب وأدلّته وتزییفها منطقیّا وأُصولیّا کلّ الإجادة سیّد أهل التحقیق وتاج أهل التدقیق الإمام أبو عبد الله محمد بن عبد المجید الفاسی ، المتوفّی سنة تسع وعشرین ومائتین وألف فی مؤلّفٍ ردّ به علی ذلک المذهب ،ینطق بعلوِّ کعب هذا الإمام.إلی أن قال :

ولقد تعدّی هذا الرجل حتی علی الجناب المحمّدی فقال : إنَّ شدّ الرحال إلی زیارته معصیة ، وإنّ من ناداه مستغیثاً به - علیه الصلاة والسلام - بعد وفاته فقد أشرک ، فتارةً یجعله شرکاً أصغر ، وأُخری یجعله شرکاً أکبر ، وإن کان المستغیث ممتلئ القلب بأنَّه لا خالق ولا مؤثِّر إلاّ الله ، وأنَّ النبیَّ - صلی الله علیه - إنَّما تُرفع إلیه الحوائج ویُستغاث به ، علی أنَّ الله جعله منبع کلِّ خیر ، مقبول الشفاعة ، مستجاب الدعاء صلی الله علیه وآله وسلم کما هی عقیدة جمیع المسلمة ، مهما کانوا من العامّة. انتهی.

وأخبر جمال الدین عبد الله بن محمد الأنصاری المحدِّث ، قال : رحلنا مع شیخنا تاج الدین الفاکهانی (1) إلی دمشق ، فقصد زیارة نعل سیّدنا رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم التی بدار الحدیث الأشرفیّة بدمشق وکنت معه ، فلمّا رأی النعل المکرّمة حسر عن رأسه ف)

ص: 227


1- الفقیه المالکی المتضلّع فی الفقه وأصوله والأدب ، له تآلیف قیّمة ، توفّی (734). (المؤلف)

وجعل یقبّله ویمرّغ وجهه علیه ودموعه تسیل ، وأنشد :

فلو قیل للمجنون لیلی ووصلَها

تریدُ أم الدنیا وما فی طوایاها

لقال غبارٌ من ترابِ نعالِها

أحبُّ إلی نفسی وأشفی لبلواها (1)

20 - أخرج محبّ الدین الطبری فی الریاض النضرة (2) (2 / 54) حدیثاً طویلاً فیما اتّفق بالأبواء بین عمر بن الخطّاب ، لمّا خرج حاجّا فی نفر من أصحابه ، وبین شیخ استغاث به ، وفیه : لمّا انصرف عمر ونزل ذلک المنزل واستخبر عن الشیخ وعرف موته ، فکأنّی أنظر إلی عمر وقد وثب مباعداً ما بین خطاه ، حتی وقف علی القبر - قبر الشیخ - فصلّی علیه ثمّ اعتنقه وبکی.

فلو جاز لمثل عمر الوقوف علی قبر رجل عادیّ واعتناقه والبکاء علیه ، فما وازع الأُمّة عن الوقوف علی قبر رسولها الکریم واعتناقه والبکاء علیه ، أو قبور عترته الطاهرة.

(أُولئِکَ الَّذِینَ هَدَی اللهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ) (3).

زیارة أبی بکر بن أبی قحافة :

لفظ الفقه علی المذاهب الأربعة (4) (1 / 551).

27 - ثمّ یقف حیث یحاذی رأس الصدّیق رضی الله عنه ویقول :

السلام علیک یا خلیفة رسول الله ، السلام علیک یا صاحب رسول الله فی 3.

ص: 228


1- الدیباج المذهَّب : ص 187 [2 / 81]. (المؤلف)
2- الریاض النضرة : 2 / 330.
3- الأنعام : 90.
4- الفقه علی المذاهب الأربعة : 1 / 713.

الغار ، السلام علیک یا رفیقه فی الأسفار ، السلام علیک یا أمینه فی الأسرار ، جزاک الله عنّا أفضل ما جزی إماماً عن أُمّة نبیّه ، ولقد خلفته بأحسن خلف ، وسلکت طریقه ومنهاجه خیر سلک ، وقاتلت أهل الردّة والبدع ، ومهّدت الإسلام ، ووصلت الأرحام ، ولم تزل قائماً للحقّ ناصراً لأهله حتی أتاک الیقین ، والسلام علیک ورحمة الله وبرکاته ، اللهمّ أَمتنا علی حبّه ، ولا تخیِّب سعینا فی زیارته برحمتک یا کریم.

زیارة عمر بن الخطّاب :

28 - ثمّ یتحوّل حتی یحاذی قبر عمر رضی الله عنه ویقول :

السلام علیک یا أمیر المؤمنین ، السلام علیک یا مظهر الإسلام ، السلام علیک یا مکسِّر الأصنام ، جزاک الله عنّا أفضل الجزاء ، ورضی الله عمّن استخلفک ، فقد نصرت الإسلام والمسلمین حیّا ومیّتاً ؛ فکفلت الأیتام ، ووصلت الأرحام ، وقوی بک الإسلام ، وکنت للمسلمین إماماً مرضیّا وهادیاً ومهدیّا ، جمعت شملهم ، وأغنیت فقیرهم ، وجبرت کسرهم ، السلام علیک ورحمة الله وبرکاته.

قال الأمینی : هذه الزیارة هی التی ذکرها الشرنبلالی الفقیه الحنفی فی مراقی الفلاح (1) وغیر واحد من السلف ، غیر أنَّ أعلام الیوم زادوا فیها ما راقهم من فضائل الشیخین ، ولیس هناک أیّ وازع من ذلک. إذ فی وسع الزائر سرد جمل الثناء علی المزور بکلّ ما یعلم من مناقبه ، وقد أطبقت الأُمّة الإسلامیّة علی هذا فی قرونها الخالیة حتی الیوم.

زیارة أُخری :

روایة القسطلانی (2) : 4.

ص: 229


1- مراقی الفلاح : ص 151.
2- المواهب اللدنیّة : 4 / 584.

ینتقل عن یمینه قدر ذراع فیسلّم علی أبی بکر رضی الله عنه ؛ لأنَّ رأسه بحذاء منکب النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فیقول :

السلام علیک یا خلیفة سیّد المرسلین ، السلام علیک یا من أیّد الله به یوم الردّة الدین ، جزاک الله عن الإسلام والمسلمین خیراً ، اللهمّ ارض عنه وارض عنّا به.

ثمّ ینتقل عن یمینه قدر ذراع فیسلّم علی عمر بن الخطاب رضی الله عنه ، فیقول :

السلام علیک یا أمیر المؤمنین ، السلام علیک یا من أیّد الله به الدین ، جزاک الله عن الإسلام والمسلمین خیراً ، اللهمّ ارض عنه وارض عنّا به.

ثم یرجع إلی موقفه الأوّل قبالة وجه سیِّدنا محمد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم.

زیارة أُخری :

لفظ الباجوری :

یتأخّر صوب یمینه قدر ذراع فیسلّم علی أبی بکر رضی الله عنه فیقول :

السلام علیک یا أبا بکر یا خلیفة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، جزاک الله عن أُمّة محمد صلی الله علیه وآله وسلم خیراً.

ثمّ یتأخّر أیضاً قدر ذراع فیسلّم علی عمر رضی الله عنه فیقول مثل ما تقدّم ، ثمَّ یرجع إلی موقفه الأوّل قبالة وجهه صلی الله علیه وآله وسلم ویتوسّل به إلی ربِّه.

زیارة الشیخین بلفظ واحد :

ثمّ یرجع نصف ذراع فیقول :

السلام علیکما یا ضجیعی رسول الله ورفیقیه ووزیریه ومشیریه والمعاونین له علی القیام فی الدین ، القائمین بعده بمصالح المسلمین ، وجزاکما الله أحسن الجزاء.

ص: 230

وزاد الشرنبلالی الحنفی فی مراقی الفلاح (1) :

جئناکما نتوسّل بکما إلی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لیشفع لنا ، ویسأل ربّنا أن یتقبّل سعینا ، ویحیینا علی ملّته ، ویمیتنا علیها ویحشرنا فی زمرته.

زیارة الشیخین بلفظ آخر :

ذکرها ابن حبیب فی ذیل زیارة النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم :

السلام علیکما یا صاحبی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، یا أبا بکر ویا عمر جزاکما الله عن الإسلام وأهله أفضل ما جزی وزیری نبیٍّ علی وزارته فی حیاته ، وعلی حسن خلافته إیّاه فی أُمّته بعد وفاته ، فقد کنتما لرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وزیرَی صدقٍ فی حیاته ، وخلفتماه بالعدل والإحسان فی أُمّته بعد وفاته ، فجزاکما الله علی ذلک مرافقته فی جنّته ، وإیّانا معکم برحمته.

زیارة الشیخین بلفظ ثالث :

روایة الغزالی (2) :

السلام علیکما یا وزیری رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، والمعاونین له علی القیام بالدین ما دام حیّا ، والقائمین فی أُمّته بعده بأمور الدین ، تتبعان فی ذلک آثاره ، وتعملان بسنّته ، فجزاکما الله خیر ما جزی وزیری نبیّ عن دینه.

وهناک ألفاظ أُخری فی مجمع الأنهر وغیره ، وفی المذکور غنیً وکفایة ، قال ابن الحاجّ فی المدخل (1 / 265) : یثنی علیهما بما حضره ، ویتوسّل بهما إلی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ، ویقدّمهما بین یدیه شفیعین فی حوائجه.2.

ص: 231


1- مراقی الفلاح : ص 151.
2- إحیاء علوم الدین : 1 / 232.

29 - ولا یقف فی الحرم الأقدس طویلاً بل بمقدار الصلاة والدعاء تأدّباً منه ، فهذا مستحبٌّ عنده.

وداع الحرم الأقدس :

30 - ثمّ إذا فرغ الزائر من أشغاله وعزم علی الخروج من المدینة ، فالمستحبُّ أن یأتی القبر الشریف ویعید دعاء الزیارة ما سبق ، ویودّع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ویسأل الله أن یرزقه العودة إلیه ، ویسأل السلامة فی سفره ، ثمّ یصلّی رکعتین فی الروضة الصغیرة - وهی موضع مقام رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قبل أن زیدت المقصورة فی المسجد - فإذا خرج فلیخرج رجله الیسری أوّلاً ثمّ الیمنی ، ولیقل :

اللهمّ صلِّ علی محمد وعلی آل محمد ، ولا تجعله آخر العهد بنبیّک ، وحطَّ أوزاری بزیارته ، وأصحبنی فی سفری السلامة ویسِّر رجوعی إلی أهلی ووطنی سالماً یا أرحم الراحمین ، ویقول :

اللهمّ إنّا نسألک فی سفرنا هذا البرّ والتقوی ومن العمل ما تحبُّ وترضی ، اللهمّ کن لنا صاحباً فی سفرنا وخلیفةً علی أهلنا ، اللهمّ ذلِّل لنا صعوبة سفرنا واطوِ عنّا بعده ، اللهمّ إنّا نعوذ بک من وعثاء السفر ، وکآبة المنظر ، وسوء المنقلب فی الأهل والمال ، اللهمّ اصحبنا بنصح واقلبنا بذمّة ، اکفنا ما أهمّنا وما لا نهتمُّ له ، ورجِّعنا سالمین مع القبول والمغفرة والرضوان ، ولا تجعله آخر العهد بهذا المحلِّ الشریف.

ویعید السلام والدعاء المتقدّم فی الزیارة ، ویقول بعده :

اللهمّ لا تجعل هذا آخر العهد بحرم رسولک صلی الله علیه وآله وسلم وحضرته الشریفة ، ویسِّر لی العود إلی الحرمین سبیلاً سهلةً ، وارزقنی العفو والعافیة فی الدنیا والآخرة.

وزاد الشربینی فی المغنی (1) : وردّنا إلی أهلنا سالمین غانمین. 3.

ص: 232


1- مغنی المحتاج : 1 / 513.

وقال الکرمانی من الحنفیّة : إذا اختار الرجوع یستحبُّ له أن یأتی القبر الشریف ویقول بعد السلام والدعاء :

ودّعناک یا رسول الله غیر مودّع ولا سامحین بفرقتک ، نسألک أن تسأل الله تعالی أن لا یقطع آثارنا من زیارة حرمک ، وأن یعیدنا سالمین غانمین إلی أوطاننا ، وأن یبارک لنا فیما وهب لنا ، وأن یرزقنا الشکر علی ذلک ، اللهمّ لا تجعل هذا آخر العهد من زیارة قبر نبیّک صلی الله علیه وآله وسلم.

ثمّ یتوجّه إلی الروضة ویصلّی رکعتین عند الخروج ، ویسأل الله العود.

زیارة أئمّة البقیع وبقیّة المزارات فیها

31 - ویستحبُّ بعد زیارته علیه السلام أن یخرج الزائر إلی البقیع کلّ یوم ، ویوم الجمعة آکد کما قال الفاکهی (1). وفی إحیاء العلوم (2) : یستحبّ أن یخرج کلّ یوم إلی البقیع. وکذا قال النووی والفاخوری وزاد الأخیر : ویخصُّ یوم الجمعة ، یأتی المشاهد والمزارات فیزور العبّاس ومعه الحسن بن علیّ ، وزین العابدین ، وابنه محمد الباقر ، وابنه جعفر الصادق ، ویزور أمیر المؤمنین سیّدنا عثمان ، وقبر إبراهیم ابن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ، وجماعة من أزواج النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وعمّته صفیّة ، وکثیراً من الصحابة والتابعین خصوصاً سیّدنا مالکاً وسیّدنا نافعاً ، ویقول :

سلام علیکم بما صبرتم فنعم عُقبی الدار ، سلام علیکم دار قومٍ مؤمنین ، وإنّا إن شاء الله بکم لاحقون. ویقرأ آیة الکرسی وسورة الإخلاص.

وقال النووی (3) : یقول : السلام علیکم دار قوم مؤمنین أنتم السابقون وإنّا إن 5.

ص: 233


1- حسن الأدب : ص 83.
2- إحیاء علوم الدین : 1 / 232.
3- المنهاج المطبوع ضمن مغنی المحتاج : 1 / 365.

شاء الله بکم لاحقون ، اللهمّ اغفر لأهل بقیع الغرقد (1) ، اللهمّ لا تحرمنا أجرهم ، ولا تفتنّا بعدهم ، واغفر لنا ولهم.

وزاد القاضی حسین : اللهمّ ربّ هذه الأجساد البالیة والعظام النخرة التی خرجت من الدنیا وهی بک مؤمنة ، أدخل علیها روحاً منک وسلاماً منّی ، اللهمّ برِّد مضاجعهم علیهم واغفر لهم (2).

وقال ابن الحاج فی المدخل (1 / 265) : هو بالخیار إن شاء أن یخرج إلی البقیع لیزور من فیه اقتداءً بالنبی صلی الله علیه وآله وسلم ، فإذا أتی إلی البقیع بدأ بثالث الخلفاء عثمان بن عفان رضی الله عنه ، ثمّ یأتی قبر العبّاس عمِّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ، ثمّ یأتی من بعده من الأکابر ، وینوی امتثال السنّة فی کونه - علیه الصلاة والسلام - کان یزور أهل بقیع الغرقد ، وهذا نصٌّ فی الزیارة ، فدلّ علی أنَّها قربة بنفسها مستحبّة ، معمول بها فی الدین ، ظاهرة برکتها عند السلف والخلف.

قال الأمینی : إنَّ المشاهد المقصودة ببقیع الغرقد کانت مشهودةً قبل استیلاء ید العیث والفساد الأثیمة علیها ، وهی کثیرة جمعها وبسط القول فیها السمهودی فی وفاء الوفا (3) (2 / 101 - 105) ، وهناک فوائد هامّة.

زیارة شهداء أُحد

32 - یستحبّ للحاجّ أن یزور شهداء أُحد ، قال النووی والشرنبلالی (4) وغیرهما : أفضلها وأحسنها یوم الخمیس خصوصاً قبر سیّدنا حمزة.

وقال الفاخوری فی الکفایة : ویخصُّ بها یوم الإثنین. وقال ابن حجر : ویسنُ 1.

ص: 234


1- نوع من الشجر ، سمیت به مقبرة بالمدینة لکثرته فیها.
2- وفاء الوفا للسمهودی : 2 / 448 [4 / 1410]. (المؤلف)
3- وفاء الوفا للسمهودی : 3 / 891 - 924.
4- مراقی الفلاح : ص 151.

له أن یأتی متطهِّراً قبور الشهداء بأُحد ، ویبدأ بسیّد الشهداء حمزة رضی الله عنه. وقال الفاکهی فی حسن الأدب (ص 83) : وقد ورد : زوروهم وسلِّموا علیهم ، والذی نفسی بیده لا یسلِّم علیهم أحد إلاّ ردّوا علیه إلی یوم القیامة. ولا یخفی أنَّ ردّهم السلام دعاء بالسلامة ، ودعاؤهم مستجاب.

زیارة حمزة عمّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم :

فیقول وهو فی غایة الأدب والإجلال :

السلام علیک یا عمَّ المصطفی ، السلام علیک یا سیّد الشهداء ، السلام علیک یا أسد الله ، السلام علیک یا أسد رسول الله ، رضی الله عنک وأرضاک وجعل الجنّة منقلبک ومثواک ، السلام علیکم أیّها الشهداء ورحمة الله وبرکاته.

قال ابن جبیر فی رحلته (1) (ص 153) : وحول الشهداء - بجبل أُحد - تربة حمراء ، هی التربة التی تنسب إلی حمزة ، ویتبرّک الناس بها.

زیارة بقیّة الشهداء :

ثمّ یتوجّه إلی قبور الشهداء الباقین - والمشهور من الشهداء المکرّمین الذین استشهدوا یوم أُحد وهم سبعون رجلاً - فیقول :

السلام علیکم بما صبرتم فنعم عُقبی الدار ، السلام علیکم یا شهداء ، السلام علیکم یا سعداء ، رضی الله عنکم وأرضاکم.

قال الحمزاوی فی کنز المطالب (ص 230) : ویتوسّل بهم إلی الله فی بلوغ آماله ؛ لأنّ هذا المکان محلّ مهبط الرحمات الربّانیّة ، وقد قال خیر البریّة علیه الصلاة وأزکی 3.

ص: 235


1- رحلة ابن جبیر : ص 173.

التحیّة : إنَّ لربّکم فی دهرکم نفحات ، ألا فتعرّضوا لنفحات ربِّکم. ولا شکَّ ولا ریب أنَّ هذا المکان محلُّ هبوط الرحمات الإلهیّة ، فینبغی للزائر أن یتعرّض لهاتیک النفحات الإحسانیّة ، کیف لا؟ وهم الأحبّة والوسیلة العظمی إلی الله ورسوله ، فجدیر لمن توسّل بهم أن یبلغ المنی وینال بهم الدرجات العلی ، فإنّهم الکرام لا یخیب قاصدهم وهم الأحیاء ، ولا یُردُّ من غیر إکرام زائرهم.

وقال السمهودی فی وفاء الوفا (1) (2 / 113) : وقد سرد ابن النجّار أسماءهم ، فتبعته لیسلّم علیهم من شاء بأسمائهم :

حمزة بن عبد المطّلب

عبد الله بن جحش

مصعب بن عمیر

عمارة بن زیاد

شماس بن عثمان

عمرو بن معاذ

الحارث بن أنس

سلمة بن ثابت

عمرو بن ثابت (2)

ثابت بن وقش

رفاعة بن وقش

حسیل بن جابر

صیفی بن قبطی (3)

الحُباب بن قبطی (4)

عباد بن سهل

الحارث بن أوس

إیاس بن أوس

عبید بن التیّهان

حبیب بن زید

یزید بن حاطب

أبو سفیان بن الحارث

أنیس بن قتادة

حنظلة بن أبی عامر

أبو حبّة بن عمرو

عبید الله بن جبیر (5)

أبو سعد بن خیثمة

عبد الله بن مسلمة (6)

سُبیع بن حاطب

عمرو بن قیس

قیس بن عمرو

ثابت بن عمرو

عامر بن مخلد

أبو هبیرة بن الحارث

عمرو بن مطرّف

أوس بن ثبت (7)

أنس بن النضر

قیس بن مخلّد

عمرو بن إیاس

سلیم بن الحارث

نعمان بن عبد

[عمرو] (8)6.

ص: 236


1- وفاء الوفا : 3 / 933.
2- الزیادة من سیرة ابن هشام ، وأُسد الغابة : 4 / 202 رقم 3875 وهو أخو سلمة بن ثابت.
3- فی سیرة ابن هشام : 3 / 129 ، وأُسد الغابة : 1 / 436 رقم 1022 و 3 / 41 رقم 2544 ، والأنساب : 4 / 579 : قَیظی.
4- فی سیرة ابن هشام : 3 / 129 ، وأُسد الغابة : 1 / 436 رقم 1022 و 3 / 41 رقم 2544 ، والأنساب : 4 / 579 : قَیظی.
5- فی سیرة ابن هشام : 3 / 130 ، وأُسد الغابة : 3 / 194 رقم 2855 عبد الله بن جبیر.
6- فی سیرة ابن هشام : 3 / 131 ، وأُسد الغابة : 3 / 266 رقم 2986 : عبد الله سلمة.
7- فی سیرة ابن هشام : 3 / 131 ، وأُسد الغابة : 1 / 165 رقم 290 : أوس بن ثابت وهو أخو حسان ابن ثابت الشاعر.
8- الزیادة من سیرة ابن هشام ، وأُسد الغابة : 5 / 333 رقم 5246.

خارجة بن زید

سعد بن الربیع

أوس بن الأرقم

مالک بن سنان

سعد بن سوید (1)

علیّة بن الربیع (2)

ثعلبة بن سعد

نقیب بن فروة (3)

عبد الله بن عمرو

ضمرة الجهنی

نوفل بن عبد الله

عبّاس بن عبادة

نعمان بن مالک

المحذر بن زیاد (4)

عبادة بن الحسحاس

رفاعة بن عمرو

عبد الله بن عمرو

عمرو بن الجموح

خلاّد بن عمرو

أبو أیمن ، مولی عمرو [بن الجَمُوح]

عبیدة بن عمرو (5)

عنترة مولی عبیدة (6)

سهل بن قیس

ذکوان بن عبد قیس

عبید بن المعلّی

مالک بن نمیلة

الحارث بن عدی

مالک بن إیاس

إیاس بن عدی

کیسان مولی بنی النجّار

ومن أراد الوقوف علی تفصیل أسماء هؤلاء الشهداء السعداء وعرفان أُسرهم ، فعلیه بسیرة ابن هشام (7) (3 / 75 - 81) ؛ وللسمهودی فی وفاء الوفا (8) (2 / 114 - 119) حول قبور شهداء أُحد کلمة ضافیة ، فیها فوائد جمّة.

33 - قال الکمال بن الهمام - محقِّق الحنفیّة - : ویزور جبل أُحد نفسه ، ففی الصحیح : أُحد جبل یحبّنا ونحبّه.

قال الأمینی : جعل البخاری فی صحیحه (9) فی آخر غزوة أُحد باباً فی حدیث : أُحد یحبّنا ونحبّه. 6.

ص: 237


1- المذکور فی سیرة ابن هشام : سعید بن سوید.
2- فی سیرة ابن هشام : 3 / 132 ، وأُسد الغابة : 3 / 559 رقم 3537 : عتبة بن الربیع.
3- فی سیرة ابن هشام : 3 / 132 : ثقف بن فروة.
4- فی سیرة ابن هشام : 3 / 132 ، وأُسد الغابة : 5 / 64 رقم 4670 : المُجذَّر بن ذیاد.
5- فی سیرة ابن هشام : 3 / 133 وأُسد الغابة : 2 / 447 رقم 2222 و 4 / 305 رقم 4103 : سُلیم بن عمرو بن حدیدة ، ومولاه عنترة السلمی.
6- فی سیرة ابن هشام : 3 / 133 وأُسد الغابة : 2 / 447 رقم 2222 و 4 / 305 رقم 4103 : سُلیم بن عمرو بن حدیدة ، ومولاه عنترة السلمی.
7- السیرة النبویّة : 3 / 129 - 133.
8- وفاء الوفا : 3 / 935 - 941.
9- صحیح البخاری : 4 / 1498 ح 3855 - 3856.

34 - ویستحبُّ استحباباً مؤکّداً - کما قال النووی - أن یأتی مسجد قباء ، وفی یوم السبت أولی. وقال الفاکهی : فی السبت فالإثنین فالخمیس أولی سیّما صبیحة سابع عشر رمضان لحدیث فی ذلک ، فیصلّی فیه ویقول بعد دعائه بما أحبّ : یا صریخ المستصرخین ، یا غیاث المستغیثین ، یا مفرِّج کرب المکروبین ، یا مجیب دعوة المضطرّین ، صلِّ علی سیّدنا محمد وآله ، واکشف کربی وحزنی کما کشفت عن رسولک حزنه وکربه فی هذا المقام ، یا حنّان یا منّان ، یا کثیر المعروف والإحسان ، یا دائم النعم ، یا أرحم الراحمین ، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العلیّ العظیم.

وقد صحَّ عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «من خرج حتی یأتی هذا المسجد - یعنی مسجد قباء - فیصلّی فیه ، کان کعدل عمرة» مستدرک الحاکم (1) (3 / 12) صحّحه الحاکم والذهبی.

وأخرج الطبرانی (2) مرفوعاً : «من توضّأ فأسبغ الوضوء ، ثمّ عمد إلی مسجد قباء لا یرید غیره ولا یحمله علی الغدو إلاّ الصلاة فی مسجد قباء ، فصلّی فیه أربع رکعات یقرأ فی کلّ رکعة بأمّ القرآن ، کان له کأجر المعتمر إلی بیت الله». مجمع الزوائد (4 / 11)

35 - التبرّک بما بقی من الآثار النبویّة والأماکن الشریفة ، کما فی مراقی الفلاح (3) وغیرها ، قال الخطیب الشربینی فی المغنی (4) (1 / 495):

یسنُّ أن یأتی سائر المشاهد بالمدینة وهی نحو ثلاثین موضعاً - یعرفها أهل المدینة - ، ویسنُّ زیارة البقیع وقباء ، وأن یأتی بئر أریس فیشرب منها ویتوضّأ 2.

ص: 238


1- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 13 ح 4279 ، وکذا فی تلخیصه.
2- المعجم الکبیر : 19 / 146 ح 319.
3- مراقی الفلاح : ص 152.
4- مغنی المحتاج : 1 / 512.

وکذلک بقیّة الآبار السبعة ، وقد نظمها بعضهم فی بیت فقال :

أریسٌ وغرسُ رومةٍ وبُضاعة

کذا بُصّة قل بیرحاء مع العهنِ

قال الأمینی : هذا البیت لأبی الفرج ناصر الدین المراغی ، وقبله قوله :

إذا رمت آبار النبیِّ بطیبةٍ

فعدّتها سبعٌ مقالاً بلا وهنِ (1)

36 - قال الفاخوری فی الکفایة لذوی العنایة (ص 130) : ویستحبُّ أن یستصحب معه هدیّة من تمر المدینة وماء آبارها من غیر تکلّف ولا مفاخرة ، وإذا قفل منصرفاً قاصداً وطنه کبّر فی طریقه علی کلّ مرتفع ثلاثاً ، ثمّ یقول :

لا إله إلاّ الله وحدَهُ لا شریک له ، له الملکُ وله الحمدُ وهو علی کلّ شیءٍ قدیر ، آئبون تائبون عابدون ساجدون لربّنا حامدون ، صدق الله وعدَهُ ونَصَرَ عبده وأعزَّ جنده وهزمَ الأحزاب وحده.

وقال الشیخ زاده فی مجمع الأنهر (1 / 158) : ثمّ ینصرف باکیاً حزیناً علی فراق الحضرة النبویّة ، ومن السنن أن یکبِّر علی کلّ شرف من الأرض ویقول : آئبون تائبون عابدون. إلخ.

(فَهَلْ یَنْظُرُونَ إِلاَّ سُنَّتَ الْأَوَّلِینَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَبْدِیلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَحْوِیلاً) (2).

المصادر :

أخذنا ما مرَّ من الآداب والزیارات من مناسک أعلام المذاهب الأربعة ، وکتبهم 3.

ص: 239


1- یوجد تفصیل الکلام حول هذه الآبار فی وفاء الوفا : 2 / 119 - 149 [3 / 942 - 983]. (المؤلف)
2- فاطر : 43.

الفقهیّة ، فمن ابتغی الوقوف علی تفصیل ما لم نذکر مصدره ممّا ذکر فعلیه بما یلی من الکتب :

التألیف

المؤلّف

إحیاء العلوم (1 / 246)

حجّة الإسلام أبو حامد الغزالی

التذکرة

أبو الوفاء بن عقیل الحنبلی

المستوعب

ابن أبی سنینة السامری الحنبلی

المدخل (الجزء الأول)

أبو عبد الله العبدری المالکی

شفاء السقام (ص 52 - 119)

تقیّ الدین السبکی الشافعی

وفاء الوفا (2 / 431 - 455)

نور الدین السمهودی الشافعی

المواهب اللدنیّة

أبو العبّاس القسطلانی الشافعی

أسنی المطالب (1 / 501)

أبو یحیی الأنصاری الشافعی

الجوهر المنظّم

ابن حجر الهیثمی الشافعی

مغنی المحتاج (1 / 494)

الخطیب الشربینی الشافعی

حسن التوسّل ، مؤلَّف فی الآداب

جمال الدین الفاکهی الشافعی

الشفا

القاضی عیاض المالکی

مراقی الفلاح فی خاتمته ، مخطوط

أبو البرکات الشرنبلالی الحنفی

شرح الشفا (1)

القاضی الخفاجی الحنفی

مجمع الأنهر (2) (1 / 156)

عبد الرحمن شیخ زاده

مفتاح السعادة (3 / 73)

المولی أحمد طاش کبری زاده

شرح المواهب (8 / 297 - 335)

أبو عبد الله الزرقانی المالکی

الحاشیة (3) (1 / 348)

الشیخ إبراهیم الباجوری الشافعیف)

ص: 240


1- اسمه نسیم الریاض فی شرح الشفا.
2- فی شرح ملتقی الأبحر للشیخ إبراهیم الحلبی ، المتوفّی (956). (المؤلف)
3- علی شرح ابن الغزّی فی الفقه الشافعی. (المؤلف)

کنز المطالب (ص 183 - 224)

الشیخ حسن العدوی الشافعی

الکفایة (ص 125 - 131)

عبد الباسط الفاخوری المفتی

الإرشادات السنیّة (ص 260)

عبد المعطی السقّا الشافعی

الفقه علی المذاهب الأربعة (الجزء الأول)

عدّة من فقهاء المذاهب

الحث علی زیارة القبور

ورد فی السنّة الصحیحة المتّفق علیها الأمر بزیارة القبور والحثّ علیها ، وأصفقت آراء أعلام المذاهب الإسلامیّة علی الفتیا بمفاده وأنَّها تستحبّ ، بل قال بعض الظاهریّة بوجوبها کما نصَّ علیه غیر واحد أخذاً بظاهر الأمر ؛ وإلیک جملة من تلک النصوص :

1 - عن بریدة مرفوعاً : «کنت نهیتکم عن زیارة القبور ، ألا فزوروها».

وزاد الترمذی : «فقد أذن الله لنبیّه صلی الله علیه وآله وسلم فی زیارة قبر أُمّه».

أخرجه (1) : مسلم فی صحیحه ، والترمذی فی سننه ، وقال : حدیث حسن صحیح ، والنسائی فی السنن (4 / 89) ، والحاکم فی المستدرک (1 / 374) عن الصحیحین للبخاری ومسلم ، والبغوی فی مصابیح السنّة (1 / 116) وعدّة من الصحاح ، والمنذری فی الترغیب والترهیب (4 / 118) ، وابن الدیبع فی تیسیر الوصول (4 / 210) وقال : أخرجه الخمسة إلاّ البخاری.

2 - عن عبد الله بن مسعود مرفوعاً فی حدیث : «ألا فزوروا القبور فإنَّها تزهِّد فی الدنیا وتذکِّر الآخرة». 4.

ص: 241


1- صحیح مسلم : 2 / 366 ح 107 کتاب الجنائز ، سنن الترمذی : 3 / 370 ح 1054 ، السنن الکبری للنسائی : 1 / 653 ح 2159 ، المستدرک علی الصحیحین : 1 / 530 ح 1385 ، مصابیح السنّة : 1 / 568 ح 1239 ، الترغیب والترهیب : 4 / 357 ، تیسیر الوصول : 4 / 254.

أخرجه (1) ابن ماجة فی سننه (1 / 476) ، وأبو الولید محمد بن عبد الله الأزرقی فی أخبار مکّة (2 / 170) ، والحاکم فی المستدرک (1 / 375) وصحّحه ، والمنذری فی الترغیب والترهیب (4 / 118) وقال : إسناد صحیح ، والبیهقی فی السنن الکبری (4 / 77).

3 - عن أنس بن مالک مرفوعاً : «نهیتکم عن زیارة القبور فزوروها ؛ فإنَّها تذکّرکم الموت».

أخرجه الحاکم فی المستدرک (2) (1 / 375) وصحّحه.

4 - عن ابن عبّاس مرفوعاً : «نهیتکم عن زیارة القبور فزوروها ولا تقولوا هجراً»

أخرجه الطبرانی فی الکبیر والأوسط (3) ، کما فی مجمع الزوائد للهیثمی (3 / 58)

5 - عن زید بن الخطّاب فی حدیث مرفوعاً : «إنّی کنت نهیتکم عن زیارة القبور ، فمن شاء منکم أن یزور فلیزُر».

رواه الطبرانی فی الکبیر (4) ، ونقله عنه الهیثمی فی مجمع الزوائد (3 / 58).

6 - عن أبی هریرة مرفوعاً : «فزوروا القبور فإنّها تذکِّر - تذکِّرکم - الموت».

أخرجه (5) : مسلم فی صحیحه ، وأحمد فی مسنده (1 / 441) ، وابن ماجة فی 7.

ص: 242


1- سنن ابن ماجة : 1 / 501 ح 1571 ، أخبار مکة : 2 / 211 ، المستدرک علی الصحیحین : 1 / 531 ح 1387 ، الترغیب والترهیب : 4 / 357.
2- المستدرک علی الصحیحین : 1 / 531 ح 1388.
3- المعجم الکبیر : 11 / 202 ح 11653 ، المعجم الأوسط : 3 / 343 ح 2730.
4- المعجم الکبیر : 5 / 82 ح 4648.
5- صحیح مسلم : 2 / 365 ح 106 کتاب الجنائز ، مسند أحمد : 3 / 186 ح 9395 ، سنن ابن ماجة : 1 / 501 ح 1572 ، سنن أبی داود : 3 / 218 ح 3234 ، السنن الکبری للنسائی : 1 / 654 ح 2161 ، المستدرک علی الصحیحین : 1 / 531 ح 1390 ، الترغیب والترهیب : 3 / 357.

السنن (1 / 476) ، وأبو داود فی سننه (2 / 72) ، والنسائی فی السنن (4 / 90) ، والحاکم فی المستدرک (1 / 376) ، والبیهقی فی سننه الکبری (4 / 76) ، والمنذری فی الترغیب والترهیب (4 / 118).

7 - عن بریدة مرفوعاً : «إنّی کنت نهیتکم عن زیارة القبور فزوروها ، ولیزدکم زیارتها خیراً».

أخرجه الحاکم فی المستدرک (1) (1 / 376) وصحّحه هو والذهبی ، والبیهقی فی سننه (4 / 76).

8 - عن أنس بن مالک مرفوعاً : «إنّی نهیتکم عن زیارة القبور فمن شاء أن یزور قبراً فلیزره ؛ فإنّه یرقُّ القلب ، ویدمع العین ، ویذکِّر الآخرة ، ولا تقولوا هجراً».

أخرجه (2) : أحمد فی مسنده (3 / 237 - 250) ، والحاکم فی المستدرک (1 / 376) وصحّحه هو وأقرّه الذهبی ، والبیهقی فی سننه الکبری (4 / 77).

9 - عن زید بن ثابت مرفوعاً : «زوروا القبور ، ولا تقولوا هجراً».

أخرجه الطبرانی فی الصغیر (3) کما فی مجمع الزوائد (3 / 58).

10 - عن أبی ذرّ مرفوعاً : «زُرِ القبور تذکرْ بها الآخرة».

أخرجه (4) : الحاکم فی المستدرک (1 / 377) وقال : حدیث رواته عن آخرهم 8.

ص: 243


1- المستدرک علی الصحیحین : 1 / 532 ح 1391 ، وکذا فی تلخیصه.
2- مسند أحمد : 4 / 119 ح 13075 ، ص 140 ح 13203 ، المستدرک علی الصحیحین : 1 / 532 ح 1393 ، وکذا فی تلخیصه.
3- المعجم الصغیر : 2 / 43.
4- المستدرک علی الصحیحین : 1 / 533 ح 1395 ، الترغیب والترهیب : 4 / 358.

ثقات ، والمنذری فی الترغیب والترهیب (4 / 118).

11 - عن أبی سعید الخدری مرفوعاً فی حدیث : «نهیتکم عن زیارة القبور ، فزوروها ولا تقولوا ما یسخط الربّ».

أخرجه البزّار والهیثمی فی مجمع الزوائد (3 / 58) وقال : رجاله رجال الصحیح.

12 - عن أبی سعید الخدری مرفوعاً : «نهیتکم عن زیارة القبور ، فزوروها ولا تقولوا هجراً».

أخرجه البیهقی فی سننه الکبری (4 / 77).

13 - عن أبی سعید الخدری مرفوعاً «إنّی نهیتکم عن زیارة القبور ، فزوروها ؛ فإنَّ فیها عبرة».

أخرجه (1) : أحمد فی مسنده (3 / 38) ، والحاکم فی المستدرک (1 / 375) وصحّحه وو الذهبی ، والبیهقی فی سننه الکبری (4 / 77) ، والمنذری فی الترغیب والترهیب (4 / 118) وقال : رواته محتجٌّ بهم فی الصحیح ، والهیثمی فی مجمع الزوائد (3 / 58) وقال : رجاله رجال الصحیح.

14 - عن طلحة بن عبد الله قال : خرجنا مع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یرید قبور الشهداء. إلی أن قال : فلمّا جئنا قبور الشهداء ، قال : «هذه قبور إخواننا».

أخرجه : أبو داود فی سننه (2) (1 / 319) ، والبیهقی فی السنن الکبری (5 / 249).

15 - عن علیّ أمیر المؤمنین مرفوعاً فی حدیث : «إنّی کنت نهیتکم عن زیارة 3.

ص: 244


1- مسند أحمد : 3 / 427 ح 10936 ، المستدرک علی الصحیحین : 1 / 530 ح 1386 ، وکذا فی تلخیصه ، الترغیب والترهیب : 4 / 357.
2- سنن أبی داود : 2 / 218 ح 2043.

القبور ، فزوروها ، فإنّها تذکّرکم الآخرة».

أخرجه أحمد فی مسنده (1) (1 / 145) ، والهیثمی فی مجمع الزوائد (3 / 58) ، وأخرجه أحمد بلفظ أخصر فی المسند (1 / 452) من طریق عبد الله بن مسعود.

16 - أخرج أبو الولید محمد بن عبد الله الأزرقی فی أخبار مکة (2) (2 / 170) قال : أخبرنی ابن أبی ملیکة فی حدیث رفعه إلی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم قال : «ائتوا موتاکم فسلّموا علیهم - أو : صِلُوا ، شکَّ الخزاعی - فإنَّ لکم عبرة».

17 - عن بریدة مرفوعاً : «نهیتکم عن زیارة القبور ، فزوروها ؛ فإنَّ فی زیارتها تذکرة». أخرجه أبو داود فی سننه (3) (2 / 72).

18 - عن ثوبان مرفوعاً : «نهیتکم عن زیارة القبور ؛ فزوروها واجعلوا زیارتکم لها صلاةً علیهم واستغفاراً لهم».

رواه الطبرانی فی الکبیر (4) کما فی مجمع الزوائد (3 / 58).

19 - عنه صلی الله علیه وآله وسلم : «من أراد أن یزور قبراً فلیزره ولا یقول إلاّ خیراً ؛ فإنَّ المیّت یتأذّی ممّا یتأذّی منه الحیّ».

ذکره الشیخ شعیب الحریفیش فی الروض الفائق فی المواعظ والرقائق (5) (1 / 19)

20 - عن جابر مرفوعاً : «کنت نهیتکم عن زیارة القبور ، فزوروها».

أخرجه الخطیب فی تاریخه (13 / 264). 2.

ص: 245


1- مسند أحمد : 1 / 234 ح 1240 و 2 / 33 ح 4307.
2- أخبار مکة : 2 / 211.
3- سنن أبی داود : 3 / 218 ح 3235.
4- المعجم الکبیر : 2 / 94 ح 1419.
5- الروض الفائق : ص 22.

21 - عن أُمّ سلمة مرفوعاً : «نهیتکم عن زیارة القبور فزوروها فإنَّ لکم فیها عبرة». أخرجه الطبرانی فی الکبیر (1) کما فی مجمع الزوائد للحافظ الهیثمی (3 / 58).

22 - عن عائشة : کان صلی الله علیه وآله وسلم یخرج إلی البقیع فیقول : «السلام علیکم دار قوم مؤمنین ، وآتاکم ما توعدون غداً مؤجَّلون ، وإنّا بکم إن شاء الله لاحقون ، اللهمّ اغفر لأهل بقیع الغرقد».

أخرجه (2) مسلم فی صحیحه ، والبیهقی فی السنن (4 / 79 ، 5 / 249) ، والشربینی فی المغنی (1 / 357) وغیرهم.

23 - عن عائشة : إنَّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم نهی عن زیارة القبور ثمّ رخّص فیها ، أحسبه قال : «فإنَّها تذکِّر الآخرة».

أخرجه البزّار والهیثمی فی مجمع الزوائد (3 / 58) وقال : رجاله ثقات.

24 - عن عائشة قالت : نهی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم عن زیارة القبور ، ثمّ قال : «زوروها ؛ فإنَّ فیها موعظةً».

أخرجه الخطیب فی تاریخه (14 / 228).

25 - عن عائشة فی حدیث مرفوعاً : «ألا فزوروا إخوانکم وسلِّموا علیهم ؛ فإنَّ فیهم عبرة». رواه الطبرانی فی الأوسط (3) کما فی مجمع الهیثمی (3 / 58).

26 - کانت فاطمة تزور قبر عمِّها حمزة کلّ جمعة ، فتصلّی وتبکی عنده.

أخرجه البیهقی فی سننه (4 / 78) ، والحاکم فی المستدرک (4) (1 / 377) ، وقال : هذا 6.

ص: 246


1- المعجم الکبیر : 23 / 278 ح 602.
2- صحیح مسلم : 2 / 363 ح 102 کتاب الجنائز ، مغنی المحتاج : 1 / 365.
3- المعجم الأوسط : 6 / 98 ح 5205.
4- المستدرک علی الصحیحین : 1 / 533 ح 1396.

الحدیث رواته عن آخرهم ثقات ، ثمّ قال : وقد استقصیت فی البحث عن زیارة القبور تحرّیاً للمشارکة فی الترغیب ، ولیعلم الشحیح بذنبه أنَّها سنّة مسنونة وصلّی الله علی محمد وآله أجمعین.

قال الأمینی : وهناک أحادیث أخری لم نطل بذکرها المقام ، توجد فی الأضاحی والأشربة من کتب الفقه والحدیث.

(فَلْیَأْتُوا بِحَدِیثٍ مِثْلِهِ إِنْ کانُوا صادِقِینَ) (1)

أدب زوّار القبور :

1 - أن یکون الزائر علی طهارة.

2 - أن یأتی من قِبَل رِجلَی المیّت لا من قِبل رأسه.

3 - أن یستقبل المیّت بوجهه عند الزیارة.

4 - أن یزور قائماً ویدعو له کذلک.

5 - قراءة ما تیسّر من القرآن ، ویستحبُّ قراءة یس والتوحید.

6 - دعاء المیّت مستقبلاً القبلة.

7 - الجلوس لدی القراءة مستقبل القبلة.

8 - رشُّ القبر بالماء الطاهر.

9 - التصدّق عن الأموات.

10 - أن یکون الزائر حافیاً ولا یطأ القبور.

القول فی الزیارة :

1 - عن عائشة مرفوعاً : قال صلی الله علیه وآله وسلم : «أتانی جبریل فقال : إنَّ ربّک یأمرک أن تأتی أهل البقیع فتستغفر لهم» ، قالت : کیف أقول لهم یا رسول الله؟ قال : قولی : 4.

ص: 247


1- الطور : 34.

السلام علی أهل الدیار من المؤمنین والمسلمین ، یرحم الله المستقدمین منّا والمستأخرین ، وإنّا إن شاء الله بکم لاحقون».

أخرجه مسلم فی صحیحه (1) وجمع آخر من الفقهاء والحفّاظ ، وفی روایة :

«السلام علیکم أهل الدیار من المؤمنین والمسلمین ، وإنّا إن شاء الله بکم لاحقون ، أسأل الله لنا ولکم العافیة».

أخرجه البیهقی فی سننه الکبری (4 / 79).

2 - عن أبی هریرة رضی الله عنه : إنَّ النبیّ أتی المقبرة فقال : «السلام علیکم دار قوم مؤمنین ، وإنّا إن شاء الله بکم لاحقون».

رواه (2) : أحمد ومسلم وأبو داود والنسائی.

3 - عن ابن عبّاس قال : مرَّ رسول الله بقبور المدینة ، فأقبل علیهم بوجهه فقال : «السلام علیکم یا أهل القبور ، یغفر الله لنا ولکم ، أنتم سلفنا ونحن بالأثر».

رواه (3) : الترمذی ، والبغوی فی المصابیح (1 / 116).

4 - عن بریدة قال : کان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یعلّمهم إذا خرجوا إلی المقابر :

«السلام علیکم أهل الدیار من المؤمنین والمسلمین ، وإنّا إن شاء الله بکم لاحقون ، وأنتم لنا فرط ونحن لکم تبع ، نسأل الله العافیة» ، سنن البیهقی (4 / 79).

5 - عن مجمع بن حارثة قال : خرج النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فی جنازة حتی انتهی إلی 2.

ص: 248


1- صحیح مسلم : 2 / 363 ح 103 کتاب الجنائز.
2- مسند أحمد : 3 / 70 ح 8661 ، صحیح مسلم : 2 / 363 ح 102 کتاب الجنائز ، سنن أبی داود : 3 / 219 ح 2737 ، السنن الکبری : 1 / 656 ح 2166.
3- سنن الترمذی : 3 / 369 ح 1053 ، مصابیح السنّة : 1 / 569 ح 1242.

المقبرة ، فقال : «السلام علی أهل القبور - ثلاث مرّات - من کان منکم من المؤمنین والمسلمین ، أنتم لنا فرط ونحن لکم تبع ، عافانا الله وإیّاکم». مجمع الزوائد (3 / 60)

6 - قال أمیر المؤمنین علیُّ بن أبی طالب فی زیارة قبور بالکوفة :

«السلام علیکم یا أهل الدیار من المؤمنین والمسلمین ، أنتم لنا سلف فارط ، ونحن لکم تبع عمّا قلیل لاحق ، اللهمّ اغفر لنا ولهم وتجاوز عنّا وعنهم ، طوبی لمن أراد المعاد ، وعمل الحسنات ، وقنع بالکفاف ، ورضی عن الله عزَّ وجلَّ».

أخرجه الطبرانی کما فی مجمع الزوائد (9 / 299) ، وذکره الجاحظ فی البیان والتبیین (1) (3 / 99) بلفظ یقرب من هذا.

7 - کان علیُّ بن أبی طالب أمیر المؤمنین - کرّم الله وجهه - إذا دخل المقبرة قال : «السلام علیکم یا أهل الدیار الموحشة والمحالّ المقفرة من المؤمنین والمؤمنات ، اللهمّ اغفر لنا ولهم ، وتجاوز بعفوک عنّا وعنهم. ثمّ یقول : الحمد لله الذی جعل لنا الأرض کفاتاً أحیاءً وأمواتاً ، والحمد لله الذی منها خلقنا ، وإلیها معادنا ، وعلیها محشرنا ، طوبی لمن ذکر المعاد ، وعمل الحسنات ، وقنع بالکفاف ، ورضی عن الله عزَّ وجلَّ». العقد الفرید (2) (2 / 6).

8 - قال الفیروزآبادی - صاحب القاموس - فی سفر السعادة (3) (ص 57):

ومن العادات النبویّة زیارة القبور والدعاء والاستغفار ، ومثل هذه الزیارة مستحبّ ، وقال : إذا رأیتم المقابر فقولوا : السلام علیکم أهل الدیار ... إلی آخر ما ذکر. ثمّ قال : وکان یقرأ وقت الزیارة من نوع الدعاء الذی کان یقرأه فی صلاة المیّت. 3.

ص: 249


1- البیان والتبیین : 3 / 102.
2- العقد الفرید : 3 / 11.
3- سفر السعادة : 1 / 183.

9 - وقف محمد بن الحنفیّة علی قبر الحسن بن علیّ - الإمام - فخنقته العبرة ثمّ نطق فقال : رحمک الله أبا محمد ، فلئن عزّتْ حیاتک فلقد هدّتْ وفاتک ، ولنعم الروح روح ضمّه بدنک ، ولنعم البدن بدن ضمّه کفنک ، وکیف لا یکون کذلک وأنت بقیّة ولد الأنبیاء ، وسلیل الهدی ، وخامس أصحاب الکساء ، غذّتک أکفُّ الحقِّ ، ورُبِّیت فی حجر الإسلام ، فطبت حیّا وطبت میّتاً ، وإن کانت أنفسنا غیر طیّبة بفراقک ولا شاکّة فی الخیار لک. العقد الفرید (1) (2 / 8).

10 - وقف علیُّ بن أبی طالب - أمیر المؤمنین - علی قبر خباب فقال : «رحم الله خباباً لقد أسلم راغباً ، وجاهد طائعاً ، وعاش مجاهداً ، وابتلی فی جسمه أحوالاً ، ولن یضیع الله أجر من أحسن عملاً». العقد الفرید (2) (2 / 7).

11 - قامت عائشة علی قبر أبیها أبی بکر الصدّیق ، فقالت : نضّر الله وجهک ، وشکر صالح سعیک ، فقد کنت للدنیا مذلاّ بإدبارک عنها ، وللآخرة معزّا بإقبالک علیها ، ولئن کان رزؤک أعظم المصائب بعد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وأکبر الأحداث بعده ، فإنَّ کتاب الله تعالی قد وعدنا بالثواب علی الصبر فی المصیبة ، وأنا تابعة له فی الصبر ، فأقول إنّا لله وإنّا إلیه راجعون ، ومستعیضة بأکثر الاستغفار لک ، فسلام الله علیک تودیع غیر قالیة لحیاتک ، ولا رازءة علی القضاء فیک. المستطرف (3) (2 / 338).

12 - کان الحسن البصری إذا دخل المقبرة قال : اللهمّ ربّ هذه الأجساد البالیة والعظام النخرة ، التی خرجت من الدنیا وهی بک مؤمنة ، أدخل علیها روحاً منک وسلاماً منّا. العقد الفرید (4) (2 / 6). 2.

ص: 250


1- العقد الفرید : 3 / 13.
2- العقد الفرید : ص 12.
3- المستطرف : 2 / 301.
4- العقد الفرید : 3 / 11 - 12.

13 - قام ابن السمّاک علی قبر أبی سلیمان داود بن نصیر الطائی ، المتوفّی (165) فقال : یا داود ، کنت تسهر لیلک إذ الناس نائمون ، وکنت تسلم إذا الناس یخوضون ، وکنت تربح إذ الناس یخسرون. حتی عدَّ فضائله کلّها. صفة الصفوة (1) (3 / 82).

هناک ألفاظ کبیرة فی زیارة القبور لدة ما ذکر ، نقلت عن الأئمّة وأعلام المذاهب الأربعة ، تنبئنا عن أنَّ الزائر فی وسعه أن یزور المیّت ویدعو له بأیّ لفظٍ شاء وأراد ؛ وله سرد ما یروقه من مناقبه وفضائله ، وذکر ما یوجِّه إلیه عطف المولی سبحانه ویستوجب له رحمته ، والألفاظ المذکورة فی زیارة النبیّ الأقدس صلی الله علیه وآله وسلم وزیارة الشیخین تثبت ما نرتئیه.

کلمات حول زیارة القبور

لأعلام العامّة

فیها فوائد جمّة :

1 - قال ابن الحاجّ أبو عبید الله العبدری المالکی المتوفّی (737) فی المدخل (1 / 254) : وصفة السلام علی الأموات أن یقول : السلام علیکم أهل الدیار من المؤمنین والمؤمنات ، والمسلمین والمسلمات ، رحم الله المستقدمین منّا والمستأخرین ، وإنّا إن شاء الله بکم لاحقون ، أسأل الله لنا ولکم العافیة. ثمّ یقول : اللهمّ اغفر لنا ولهم.

وما زدت أو نقصت فواسع ، والمقصود الاجتهاد لهم فی الدعاء ؛ فإنَّهم أحوج الناس لذلک لانقطاع أعمالهم ، ثمّ یجلس فی قبلة المیّت ویستقبله بوجهه ، وهو مخیّر فی أن یجلس فی ناحیة رجلیه إلی رأسه أو قبال وجهه ، ثمّ یثنی علی الله تعالی بما حضره من الثناء ، ثمّ یصلّی علی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم الصلاة المشروعة ، ثمّ یدعو للمیّت بما أمکنه ، 2.

ص: 251


1- صفة الصفوة : 3 / 146 رقم 442.

وکذلک یدعو عند هذه القبور عند نازلة نزلت به أو بالمسلمین ، ویتضرّع إلی الله تعالی فی زوالها وکشفها عنه وعنهم.

وهذه صفة زیارة القبور عموماً ، فإن کان المیّت المزار ممّن تُرجی برکته ، فیتوسّل إلی الله تعالی به. وکذلک یتوسّل الزائر بمن یراه المیّت ممّن تُرجی برکته إلی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ، بل یبدأ بالتوسّل إلی الله تعالی بالنبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ؛ إذ هو العمدة فی التوسّل والأصل فی هذا کلّه والمشرِّع له ، فیتوسّل به صلی الله علیه وآله وسلم وبمن تبعه بإحسان إلی یوم الدین ، وقد روی البخاری (1) عن أنس رضی الله عنه أنَّ عمر بن الخطّاب رضی الله عنه کان إذا قحطوا استسقی بالعبّاس ، فقال : اللهمّ کنّا نتوسّل إلیک بنبیّک صلی الله علیه وآله وسلم فتسقینا ، وإنّا نتوسّل إلیک بعمِّ نبیّک فاسقنا. فیُسقَون.

ثمّ یتوسّل بأهل تلک المقابر - أعنی بالصالحین منهم - فی قضاء حوائجه ومغفرة ذنوبه ، ثمَّ یدعو لنفسه ولوالدیه ، ولمشایخه ، ولأقاربه ، ولأهل تلک المقابر ، ولأموات المسلمین ولأحیائهم وذرّیتهم إلی یوم الدین ، ولمن غاب عنه من إخوانه ، ویجأر إلی الله تعالی بالدعاء عندهم ، ویکثر التوسّل بهم إلی الله تعالی ؛ لأنّه سبحانه وتعالی اجتباهم وشرّفهم وکرّمهم ، فکما نفع بهم فی الدنیا ففی الآخرة أکثر.

فمن أراد حاجة فلیذهب إلیهم ویتوسّل بهم فإنّهم الواسطة بین الله تعالی وخلقه ، وقد تقرّر فی الشرع وعلم ما لله تعالی بهم من الاعتناء وذلک کثیر مشهور ، وما زال الناس من العلماء والأکابر کابراً عن کابر ، مشرقاً ومغرباً ، یتبرّکون بزیارة قبورهم ویجدون برکة ذلک حسّا ومعنیً ، وقد ذکر الشیخ الإمام أبو عبد الله بن النعمان رحمه الله فی کتابه المسمّی بسفینة النجاء لأهل الالتجاء ، فی کرامات الشیخ أبی النجاء فی أثناء کلامه علی ذلک ما هذا لفظه : 7.

ص: 252


1- صحیح البخاری : 1 / 342 ح 964 و 3 / 1360 ح 3507.

تحقّق لذوی البصائر والاعتبار أنَّ زیارة قبور الصالحین محبوبة لأجل التبرّک مع الاعتبار ، فإنَّ برکة الصالحین جاریة بعد مماتهم کما کانت فی حیاتهم ، والدعاء عند قبور الصالحین والتشفّع بهم معمول به عند علمائنا المحقّقین من أئمّة الدین.

ولا یعترض علی ما ذکر من أنَّ من کانت له حاجة فلیذهب إلیهم ولیتوسّل بهم بقوله - علیه الصلاة والسلام - : «لا تُشَدُّ الرحال إلاّ لثلاثة مساجد : المسجد الحرام ، ومسجدی ، والمسجد الأقصی».

وقد قال الإمام الجلیل أبو حامد الغزالی - رحمه الله تعالی - فی کتاب آداب السفر من کتاب الإحیاء (1) له ما هذا نصه : القسم الثانی وهو أن یسافر لأجل العبادة إمّا لجهاد أو حجّ - إلی أن قال - : ویدخل فی جملته زیارة قبور الأنبیاء وقبور الصحابة والتابعین وسائر العلماء والأولیاء ، وکلّ من یتبرّک بمشاهدته فی حیاته یتبرّک بزیارته بعد وفاته ، ویجوز شدُّ الرحال لهذا الغرض ، ولا یمنع من هذا قوله صلی الله علیه وآله وسلم : «لا تُشَدُّ الرحال إلاّ لثلاثة مساجد : المسجد الحرام ، ومسجدی ، والمسجد الأقصی» ؛ لأنَّ ذلک فی المساجد لأنّها متماثلة بعد هذه المساجد ، وإلاّ فلا فرق بین زیارة الأنبیاء والأولیاء والعلماء فی أصل الفضل ، وإن کان یتفاوت فی الدرجات تفاوتاً عظیماً بحسب اختلاف درجاتهم عند الله ، والله تعالی أعلم.

2 - قال عزّ الدین الشیخ یوسف الأردبیلی الشافعی المتوفّی (776) فی الأنوار لأعمال الأبرار فی الفقه الشافعی (1 / 124) : ویستحبّ للرجال زیارة القبور وتکره للنساء ، والسنّة أن یقول : سلام علیکم دار قوم مؤمنین ، وإنّا إن شاء الله عن قریب بکم لاحقون ، اللهمّ لا تحرمنا أجرهم ، ولا تفتنّا بعدهم واغفر لنا ولهم. وأن یدنو من القبر کما کان یدنو من صاحبه حیّا ، وأن یقف متوجِّهاً إلی القبر ، وأن یقرأ ویدعو ؛8.

ص: 253


1- إحیاء علوم الدین : 2 / 228.

فإنَ المیّت کالحاضر یُرجی له الرحمة والبرکة ، والدعاء عقیب القراءة أقرب إلی الإجابة.

3 - قال الشیخ زین الدین ، الشهیر بابن نجیم المصری الحنفی المتوفّی (969 - 970) فی البحر الرائق شرح کنز الدقائق للإمام النسفی (2 / 195) ، قال فی البدائع : ولا بأس بزیارة القبور والدعاء للأموات إن کانوا مؤمنین ، من غیر وطء القبور ؛ لقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «إنّی کنت نهیتکم عن زیارة القبور ألا فزوروها» ، ولعمل الأُمّة من لدن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إلی یومنا هذا.

وصرّح فی المجتنی بأنّها مندوبة ، وقیل : تحرم علی النساء ، والأصحُّ أنَّ الرخصة ثابتة لهما. وکان صلی الله علیه وآله وسلم یعلّم السلام علی الموتی : «السلام علیکم أهل الدیار من المؤمنین والمسلمین». ذکره إلی آخره ، ثمّ ذکر قراءة القرآن عند القبور ، وشیئاً من أدب الزیارة.

4 - أجاب ابن حجر المکّی الهیتمی : المتوفّی (973) (1) فی الفتاوی الکبری الفقهیّة (2 / 24) لمّا سُئل رضی الله عنه عن زیارة قبور الأولیاء فی زمن معیّن مع الرحلة إلیها ، هل یجوز مع أنَّه یجتمع عند تلک القبور مفاسد کثیرة کاختلاط النساء بالرجال ، وإسراج السرج الکثیرة وغیر ذلک؟ بقوله : زیارة قبور الأولیاء قربة مستحبّة ، وکذا الرحلة إلیها ، وقول الشیخ أبی محمد : لا تستحبُّ الرحلة إلاّ لزیارته صلی الله علیه وآله وسلم ، ردّه الغزالی : بأنّه قاس ذلک علی منع الرحلة لغیر المساجد الثلاثة مع وضوح الفرق ، فإنَّ ما عدا تلک المساجد الثلاثة مستویة فی الفضل فلا فائدة فی الرحلة إلیها ، وأمّا الأولیاء فإنّهم متفاوتون فی القرب من الله تعالی ونفع الزائرین بحسب معارفهم وأسرارهم ، فکان للرحلة إلیهم فائدة أیّ فائدة ، فمن ثمّ سنّت الرحلة إلیهم للرجال فقط بقصد ذلک ، وانعقد نذرها کما بسطت الکلام علی ذلک فی شرح العباب بما لا مزید علی حسنه وتحریره ، وما أشار إلیه السائل من تلک البدع أو المحرّمات ، فالقربات لا تُترک لمثل ).

ص: 254


1- مرت الإشارة فی الصحیفة 178 أنّ وفاته سنة (974).

ذلک ، بل علی الإنسان فعلها وإنکار البدع ، بل وإزالتها إن أمکنه.

وقد ذکر الفقهاء فی الطواف المندوب فضلاً عن الواجب أنَّه یُفعل ولو مع وجود النساء وکذا الرمی ، لکن أمروه بالبعد عنهنّ ، وکذا الزیارة یفعلها لکن یبعد عنهنّ ، وینهی عمّا یراه محرّماً بل ویزیله إن قدر کما مرَّ ، هذا إن لم تتیسّر له الزیارة إلاّ مع وجود تلک المفاسد ، فإن تیسّرت مع عدم المفاسد ، فتارةً یقدر علی إزالة کلّها أو بعضها فیتأکّد له الزیارة مع وجود تلک المفاسد لیزیل منها ما قدر علیه ، وتارةً لا یقدر علی إزالة شیء منها ، فالأولی له الزیارة فی غیر زمن تلک المفاسد ، بل لو قیل : یمنع منها حینئذٍ لم یبعد.

ومن أطلق المنع من الزیارة خوف ذلک الاختلاط یلزمه إطلاق منع نحو الطواف والرمی ، بل والوقوف بعرفة أو مزدلفة والرمی إذا خشی الاختلاط أو نحوه ، فلمّا لم یمنع الأئمّة شیئاً من ذلک - مع أنَّ فیه اختلاطاً أیّ اختلاط - ، وإنّما منعوا نفس الاختلاط لا غیر فکذلک هنا. ولا تغترَّ بخلاف من أنکر الزیارة خشیة الاختلاط ؛ فإنّه یتعیّن حمل کلامه علی ما فصّلناه وقرّرناه ، وإلاّ لم یکن له وجه.

وزعمُ أنَّ زیارة الأولیاء بدعة لم تکن فی زمن السلف ممنوع ، وبتقدیر تسلیمه فلیس کلّ بدعة یُنهی عنها ، بل قد تکون البدعة واجبةً ، فضلاً عن کونها مندوبة کما صرّحوا به.

5 - قال الشیخ محمد الخطیب الشربینی المتوفّی (977) فی المغنی (1) (1 / 357) : یسنُّ الوضوء لزیارة القبور کما قاله القاضی حسین فی شرح الفروع ، ویسلِّم الزائر للقبور من المسلمین مستقبلاً وجهه ، ویقرأ عنده من القرآن ما تیسّر ، ویدعو له عقب القراءة رجاء الإجابة ؛ لأنَّ الدعاء ینفع المیّت ، وهو عقب القراءة أقرب إلی الإجابة ، 5.

ص: 255


1- مغنی المحتاج : 1 / 365.

وعند الدعاء یستقبل القبلة ، وإن قال الخراسانیّون باستحباب استقبال وجه المیّت. قال المصنِّف : ویستحبُّ الإکثار من الزیارة ، وأن یکثر الوقوف عند قبور أهل الخیر والفضل. انتهی ملخّصاً.

6 - قال الملاّ علیّ الهروی القاری الحنفی المتوفّی (1014) فی المرقاة شرح المشکاة (1) (2 / 404) فی زیارة القبور : الأمر فیها للرخصة أو الاستحباب ، وعلیه الجمهور ، بل ادّعی بعضهم الإجماع ، بل حکی ابن عبد البرّ عن بعضهم وجوبها.

7 - قال الشیخ أبو البرکات حسن بن عمّار بن علیّ ، المکنّی بابن الإخلاص الوفائی الشرنبلالی الحنفی ، المتوفّی (1069) فی حاشیة (2) غرر الأحکام (3) المطبوعة بهامش درر الحکام (1 / 168) : زیارة القبور مندوبة للرجال ، وقیل : تحرم علی النساء ، والأصحّ أنَّ الرخصة ثابتة لهما ، ویستحب قراءة یس لما ورد : «من دخل المقابر فقرأ سورة یس خفّف الله عنهم یومئذٍ ، وکان له بعدد ما فیها حسنات».

وقال فی مراقی الفلاح (4) فصل فی زیارة القبور : ندب زیارتها من غیر أن یطأ القبور للرجال والنساء ، وقیل : تحرم علی النساء ، والأصحّ أنَّ الرخصة ثابتة للرجال والنساء ، فتندب لهنّ أیضاً علی الأصحّ ، والسنّة زیارتها قائماً والدعاء عندها قائماً ، کما کان یفعل رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی الخروج إلی البقیع ویقول : «السلام علیکم دار قوم مؤمنین ، وإنّا إن شاء الله بکم لاحقون ، أسأل الله لی ولکم العافیة».

ویستحبّ للزائر قراءة سورة یس لما ورد عن أنس رضی الله عنه أنّه قال : 1.

ص: 256


1- المرقاة شرح المشکاة : 4 / 248 ح 1762.
2- تسمّی غنیة ذوی الأحکام فی بغیة الأحکام. (المؤلف)
3- کتاب فی فروع الحنفیة لملا خسرو ، المتوفّی (885) وله شرح علیه سمّاه درر الحکام. کشف الظنون : 2 / 1199.
4- مراقی الفلاح : ص 121.

قال رسول الله : «من دخل المقابر فقرأ سورة یس - یعنی : وأهدی ثوابها للأموات - خفّف الله عنهم یومئذٍ العذاب ، ورفعه» وکذا یوم الجمعة یرفع فیه العذاب عن أهل البرزخ ، ثمّ لا یعود علی المسلمین وکان له - أی للقارئ - بعدد ما فیها - روایة الزیلعی : من فیها من الأموات - حسنات.

وعن أنس : أنَّه سأل رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فقال : یا رسول الله إنّا نتصدّق عن موتانا ، ونحجُّ عنهم ، وندعو لهم ، فهل یصل ذلک إلیهم؟ فقال : «نعم ، لَیصِلُ ذلک إلیهم ویفرحون به کما یفرح أحدکم بالطبق إذا أُهدی إلیه». رواه أبو حفص السکیری. إلی أن قال : وعن علیّ رضی الله عنه : «أنَّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم قال : من مرَّ علی المقابر فقرأ قل هو الله أحد إحدی عشرة مرّة ، ثمّ وهب أجرها للأموات ، أُعطی من الأجر بعدد الأموات». رواه الدار قطنی.

وأخرج ابن أبی شیبة عن الحسن أنَّه قال : من دخل المقابر فقال : اللهمّ ربّ هذه الأجساد البالیة والعظام النخرة التی خرجت من الدنیا وهی بک مؤمنة ، أدخل بها روحاً من عندک وسلاماً منّی. استغفر له کلّ مؤمن مات منذ خلق الله آدم. وأخر ج ابن أبی الدنیا بلفظ : کتب له بعدد من مات من ولد آدم إلی أن تقوم الساعة حسنات.

8 - قال الشیخ محمد أمین ، الشهیر بابن عابدین المتوفّی (1253) فی ردّ المحتار علی الدر المختار فی الفقه الحنفی (1) (1 / 630) بعد بیان استحباب زیارة الق بور : وتُزار فی کلّ أسبوع کما فی مختارات النوازل. قال فی شرح لباب المناسک : إلاّ أنَّ الأفضل یوم الجمعة والسبت والإثنین والخمیس ، فقد قال محمد بن واسع : الموتی یعلمون بزوّارهم یوم الجمعة ویوماً قبله ویوماً بعده ، فتحصّل أنَّ یوم الجمعة أفضل. انتهی. 4.

ص: 257


1- رد المحتار علی الدرّ المختار : 1 / 604.

وفیه : یستحب أن یزور شهداء جبل أُحد ؛ لما روی ابن أبی شیبة : أنَّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم کان یأتی قبور الشهداء بأُحد علی رأس کلّ حول ، فیقول : «السلام علیکم بما صَبَرتم فنعمَ عقبی الدار». والأفضل أن یکون ذلک یوم الخمیس متطهّراً مبکّراً ؛ لئلاّ تفوته الظهر بالمسجد النبویّ. انتهی.

قلت : استفید منه ندب الزیارة وإن بَعُد محلّها. وهل تندب الرحلة لها کما اعتید من الرحلة إلی زیارة خلیل الرحمن وأهله وأولاده ، وزیارة السیّد البدوی وغیره من الأکابر الکرام؟ لم أرَ من صرّح به من أئمّتنا ، ومنع منه بعض الشافعیّة إلاّ لزیارته صلی الله علیه وآله وسلم قیاساً علی منع الرحلة لغیر المساجد الثلاث ، وردّه الغزالی بوضوح الفرق.

ثمّ ذکر محصَّل قول الغزالی فقال : قال ابن حجر فی فتاواه : ولا تُترک لما یحصل عندها من منکرات ومفاسد کاختلاط الرجال بالنساء وغیر ذلک ؛ لأنَّ القربات لا تُترک لمثل ذلک ، بل علی الإنسان فعلها وإنکار البدع ، بل وإزالتها إن أمکن. انتهی. قلت : ویؤیّده ما مرَّ من عدم ترک اتّباع الجنازة وإن کان معها نساء ونائحات - إلی أن قال - :

قال فی الفتح : والسنّة زیارتها قائماً والدعاء عندها قائماً ، کما کان یفعله صلی الله علیه وآله وسلم فی الخروج إلی البقیع ، ویقول : «السلام علیکم دار قوم مؤمنین ، وإنّا إن شاء الله بکم لاحقون». وفی شرح اللباب للملاّ علیّ القاری : ثمّ من آداب الزیارة ما قالوا من أنَّه یأتی الزائر من قِبل رِجلی المتوفّی لا من قِبَل رأسه ؛ لأنَّه أتعب لبصر المیّت ، بخلاف الأوّل لأنّه یکون مقابل بصره ، لکن هذا إذا أمکنه ، وإلاّ فقد ثبت أنّه - علیه الصلاة والسلام - قرأ أوّل سورة البقرة عند رأس میّت وآخرها عند رجلیه.

9 - قال الشیخ إبراهیم الباجوری المتوفّی (1277) فی حاشیته علی شرح ابن الغزّی (1 / 277) : تندب زیارة القبور للرجال لتذکّر الآخرة ، وتکره من النساء لجزعهنّ

ص: 258

وقلّة صبرهنّ ، ومحلُّ الکراهة فقط إن لم یشتمل اجتماعهنّ علی محرّم وإلاّ حرم ، ویُستثنی من ذلک قبر نبیّنا صلی الله علیه وآله وسلم فتندب لهنّ زیارته ، وینبغی - کما قال ابن الرفعة - أنَّ قبور الأنبیاء والأولیاء کذلک.

ویندب أن یقول الزائر : السلام علیکم دار قوم مؤمنین ، وإنّا إن شاء الله بکم لاحقون ، نسأل الله لنا ولکم العافیة ، اللهمّ لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنّا بعدهم واغفر لنا ولهم. وأن یقرأ ما تیسّر من القرآن کسورة یس ، ویدعو لهم ویهدی ثواب ذلک لهم ، وأن یتصدّق علیهم وینفعهم ذلک فیصل ثوابه لهم ، ویُسَنُّ أن یقرب من المزور کقربه منه حیّا ، وأن یسلّم علیه من قِبَل رأسه ویکره تقبیل القبر. إلی آخر ما مرّ (ص 154).

10 - قال الشیخ عبد الباسط ابن الشیخ علی الفاخوری - المفتی ببیروت - فی کتابه الکفایة لذوی العنایة (ص 80) : یسنّ زیارة القبور للرجال وتکره للنساء ، إلاّ القبر الشریف وکذا قبور بقیّة الأنبیاء والصالحین.

ویسنُّ أن یقول الزائر : السلام علیکم دار قوم مؤمنین ، أنتم السابقون وإنّا إن شاء الله بکم لاحقون ، وأن یقرأ ما تیسّر من القرآن کسورة یس ، وأن یدعو للمیّت بعد القراءة ، وأن یقول : اللهمّ أوصل ثواب ما قرأته إلی فلان ، وأن یقرب من القبر کقربه منه لو کان حیّا.

11 - قال الشیخ عبد المعطی السقّا فی الإرشادات السنیّة (ص 111):

زیارة قبور المسلمین مندوبة للرجال لخبر مسلم : «کنت نهیتکم عن زیارة القبور فزوروها ؛ فإنّها تذکِّرکم الآخرة» أمّا زیارة النساء فمکروهة إن کانت لقبر غیر نبیٍّ وعالم وصالح وقریب ، أمّا زیارة قبر النبیّ ومن ذُکر معه فمندوبة لهنّ بدون محرم إن کانت القبور داخل البلد ، ومع محرم إن کانت خارجه ، ومحلّ ندب زیارتهنّ

ص: 259

أو کراهتها إذا أذن لهنّ الحلیل أو الولی ، وأمنت الفتنة ، ولم یترتّب علی اجتماعهنّ مفسدة کما هو الغالب ، بل المحقَّق فی هذا الزمان ، وإلاّ فلا ریبة فی تحریمها ، ویستحبّ الإکثار من الزیارة لتحصیل الاعتبار والعظة وتذکّر الآخرة ، وتتأکّد الزیارة عشیّة یوم الخمیس ، ویوم الجمعة بتمامه ، وبکرة یوم السبت.

وینبغی للزائر أن یقصد بزیارته وجه الله وإصلاح فساد قلبه ، وأن یکون علی طهارةٍ رجاء قبول دعائه لنفسه وللمیّت ، وأن یسلّم علی من بالمقبرة بقوله : السلام علیکم دار قوم مؤمنین - وذکر إلی آخره - ، ثمّ إذا وصل إلی قبر میّته قرب منه ووقف مستقبلاً وجهه خاشعاً قائلاً : السلام علیک ، ثمّ یقرأ عنده ما تیسّر من القرآن کسورة الفاتحة ، وسورة یس ، وسورة تبارک ، وسورة الإخلاص والمعوّذتین ، والأفضل أن یکون وقت القراءة جالساً مستقبل القبلة قاصداً نفع المیّت بما یتلوه ، وأن یکثر من التصدّق ، وأن یرشَّ القبر بالماء الطاهر ، وأن یضع علیه جریداً أخضر ونحوه کالریحان والبرسیم ، وتتأکّد زیارة الأقارب والدعاء لهم سیّما الوالدین ، فقد ورد فی الحثِّ علی زیارتهما والدعاء لهما أخبار کثیرة صحیحة.

12 - قال منصور علی ناصف فی التاج الجامع للأصول فی أحادیث الرسول (1) (1 / 418) : الأمر - فی زیارة القبور - للندب عند الجمهور ، وللوجوب عند ابن حزم ولو مرّة واحدة فی العمر. وقال فی (ص 419) : زیارة النساء للقبور جائزة بشرط الصبر وعدم الجزع وعدم التبرّج ، وأن یکون معها زوج أو محرم منعاً للفتنة لعموم الحدیث الأوّل ، ولقول عائشة : کیف أقول لهم یا رسول الله؟ .. إلخ. ولزیارة عائشة لقبر أخیها عبد الرحمن ، فلمّا اعترضها عبد الله قالت : نهی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم عن زیارة القبور ثمّ أمر بزیارتها. رواه أحمد (2) وابن ماجة (3). 1.

ص: 260


1- التاج الجامع للأصول : 1 / 381 ، 382.
2- مسند أحمد : 1 / 234 ح 1240.
3- سنن ابن ماجة : 1 / 501 ح 1571.

13 - قال فقهاء المذاهب الأربعة ، مؤلِّفو کتاب الفقه علی المذاهب الأربعة (1) (1 / 424) : زیارة القبور مندوبة للاتِّعاظ وتذکّر الآخرة ، وتتأکّد یوم الجمعة ویوماً قبلها ویوماً بعدها (2). وینبغی للزائر الاشتغال بالدعاء والتضرّع والاعتبار بالموتی وقراءة القرآن للمیّت ؛ فإنَّ ذلک ینفع المیّت علی الأصحّ.

وممّا ورد أن یقول الزائر عند رؤیة القبور : اللهمّ ربّ الأرواح الباقیة ، والأجسام البالیة ، والشعور المتمزّقة ، والجلود المتقطعة ، والعظام النخرة التی خرجت من الدنیا وهی بک مؤمنة ، أنزل علیها روحاً منک وسلاماً منّی.

وممّا ورد أیضاً أن یقول : السلام علیکم دار قوم مؤمنین ، وإنّا إن شاء الله بکم لاحقون. ولا فرق فی الزیارة بین کون المقابر قریبة أو بعیدة ، بل یندب السفر لزیارة الموتی خصوصاً مقابر الصالحین ، أمّا زیارة قبر النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فهی من أعظم القرب ، وکما تندب زیارة القبور للرجال تندب أیضاً للنساء العجائز اللاتی لا یخشی منهنّ الفتنة ، إن لم تؤدِّ زیارتهنّ إلی الندب أو النیاحة ، وإلاّ کانت محرّمة.

النذور لأهل القبور :

إنّ لابن تیمیّة - ومن لفَّ لفّه - فی المسألة هثهثة (3) ، أتوا فیها بالمهاجر (4) ؛ ورموا مخالفیهم من فرق المسلمین بمُهجِرات ، وقد مرَّ عن القصیمی (ص 90) أنَّها من شعائر الشیعة الناشئة عن غلوِّهم فی أئمّتهم وتألیههم لعلیٍّ وولده. إن هذا إلاّ اختلاق م.

ص: 261


1- الفقه علی المذاهب الأربعة : 1 / 540.
2- الحنابلة قالوا : لا تتأکّد الزیارة فی یوم دون یوم ، والشافعیة قالوا : تتأکّد من عصر یوم الخمیس إلی طلوع شمس یوم السبت ، وهذا قول راجح عند المالکیة ، کذا فی هامش الفقه علی المذاهب الأربعة [1 / 540]. (المؤلف)
3- الهثهثة : کلام الألثغ. والهثهثة : الفساد أیضاً.
4- المهاجر والمهجرات : القبیح من الکلام.

ولیس إلاّ الهثّ والهِتْر (1) ، وما شذّت الشیعة فی المسألة عمّا أصفقت علیه الأُمّة الإسلامیّة سلفاً وخلفاً ؛ فقد بسط الخالدی فیها القول فی کتابه صلح الإخوان (ص 102 - 109).

ومجمل ذلک التفصیل : أنَّ المسألة تدور مدار نیّات الناذرین ، وإنَّما الأعمال بالنیّات ، فإن کان قصد الناذر المیّت نفسه والتقرّب إلیه بذلک لم یجز قولاً واحداً ، وإن کان قصده وجه الله تعالی وانتفاع الأحیاء بوجه من الوجوه ، وثوابه لذلک المنذور له المیّت ، سواء عیّن وجهاً من وجوه الانتفاع أو أطلق القول فیه ، ویکون هناک ما یطّرد الصرف فیه فی عرف الناس من مصالح القبر ، أو أهل بلده أو مجاوریه ، أو الفقراء عامّة ، أو أقرباء المیّت أو نحو ذلک ، ففی هذه الصورة یجب الوفاء بالمنذور. وحکی القول بذلک عن الأذرعی ، والزرکشی ، وابن حجر الهیتمی المکّی ، والرملی الشافعی ، والقبّانی البصری ، والرافعی ، والنووی ، وعلاء الدین الحنفی ، وخیر الدین الرملی الحنفی ، والشیخ محمد الغزّی ، والشیخ قاسم الحنفی.

وذکر الرافعی نقلاً عن صاحب التهذیب وغیره : أنَّه لو نذر أن یتصدّق بکذا علی أهل بلد عیّنه یجب أن یتصدّق به علیهم. قال : ومن هذا القبیل ما ینذر بعثه إلی القبر المعروف بجرجان ، فإنّ ما یجتمع منه علی ما یحکی یقسّم علی جماعة معلومین ، وهذا محمول علی أنَّ العرف اقتضی ذلک فنزل النذر علیه ، ولا شکّ أنّه إذا کان عرف حمل علیه. وإن لم یکن عرف فیظهر أن یجری فیه خلاف وجهین :

أحدهما : لا یصحُّ النذر ، لأنّه لم یشهد له الشرع بخلاف الکعبة والحجرة الشریفة.

والثانی : یصحُّ إذا کان مشهوراً بالخیر ، وعلی هذا ینبغی أن یصرف فی مصالحه الخاصّة به ولا یتعدّاها ، واستقرب السبکی بطلان النذر فی صورة عدم العرف هناک للصرف. راجع فتاوی السبکی (1 / 294). ب.

ص: 262


1- الهثّ : التخلیط فی الکلام. الهِتر : الکذب.

وقال العزّامی فی فرقان القرآن (ص 133) : وقال - یعنی ابن تیمیّة - : من نذر شیئاً للنبیّ صلی الله علیه وآله وسلم أو غیره من النبیّین والأولیاء من أهل القبور ، أو ذبح له ذبیحة ، کان کالمشرکین الذین یذبحون لأوثانهم وینذرون لها ، فهو عابد لغیر الله ، فیکون بذلک کافراً. ویطیل فی ذلک الکلام ، واغترَّ بکلامه بعض من تأخّر عنه من العلماء ممّن ابتلی بصحبته أو صحبة تلامیذه ، وهو منه تلبیس فی الدین وصرف إلی معنیً لا یریده مسلم من المسلمین ، ومن خبر حال من فعل ذلک من المسلمین وجدهم لا یقصدون بذبائحهم ونذورهم للمیّتین - من الأنبیاء والأولیاء - إلاّ الصدقة عنهم ، وجعل ثوابها إلیهم ، وقد علموا أنّ إجماع أهل السنّة منعقد علی أن صدقة الأحیاء نافعة للأموات واصلة إلیهم ، والأحادیث فی ذلک صحیحة مشهورة ؛ فمنها ما صحَّ عن سعد : أنّه سأل النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم قال : یا نبیّ الله إنَّ أُمّی قد أفتلتت ، وأعلم أنّها لو عاشت لتصدّقت ، أفإن تصدّقت عنها أینفعها ذلک؟ قال : «نعم». فسأل النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم أیّ الصدقة أنفع یا رسول الله؟ قال : «الماء». فحفر بئراً وقال : هذه لأُمِّ سعد ، فهذه اللام هی الداخلة علی الجهة التی وجّهت إلیها الصدقة لا علی المعبود المتقرّب إلیه ، وهی کذلک فی کلام المسلمین ، فهم سعدیّون لا وثنیّون. وهی کاللام فی قوله : إنّما الصدقات للفقراء. لا کاللام التی فی قول القائل : صلّیت لله ونذرت لله ؛ فإذا ذبح للنبیّ أو الولیّ أو نذر الشیء له فهو لا یقصد إلاّ أن یتصدّق بذلک عنه ، ویجعل ثوابه إلیه فیکون من هدایا الأحیاء للأموات المشروعة المثاب علی إهدائها ، والمسألة مبسوطة فی کتب الفقه ، وفی کتب الردِّ علی هذا الرجل ومن شایعه. انتهی.

فالنذر بالذبح وغیره للأنبیاء والأولیاء أمر مشروع سائغ من سیرة المسلمین عامّة من دون أیّ اختصاص بفرقةٍ دون أخری ، وإنّما یُثاب به الناذر إن کان لله ، وذبح المنذور بالذبح باسم الله. قال الخالدی : بمعنی أنَّ الثواب لهم ، والمذبوح منذور لوجه الله کقول الناس : ذبحت لمیّتی بمعنی تصدّقت عنه. وکقول القائل : ذبحت للضیف بمعنی أنّه کان السبب فی حصول الذبح. انتهی. ولیس هناک أیّ وازع من جواز نذر

ص: 263

الذبح ولزوم الوفاء به إن کان علی الوجه المذکور ، ولا یتصوّر من مسلم غیره.

وربما یُستدلّ فی المقام بما أخرجه أبو داود السجستانی فی سننه (1) (2 / 80) ، بإسناده عن ثابت بن الضحّاک قال : نذر رجل علی عهد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أن ینحر إبلاً ببُوانة (2) ، فأتی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فأخبره ، فقال صلی الله علیه وآله وسلم : «هل کان فیها وثنیُ عبد من أوثان الجاهلیّة؟» قالوا : لا. قال : «فهل کان فیها عبد من أعبادهم؟» قالوا : لا. قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «أوفِ بنذرک ؛ فإنّه لا وفاء لنذر فی معصیة الله تعالی ، ولا فیما لا یملک ابن آدم».

وبما أخرجه أبو داود فی السنن (3) (2 / 81) عن عمرو بن شعیب ، عن أبیه ، عن جدِّه ؛ أن امرأة قالت : یا رسول الله إنّی نذرت أن أضرب علی رأسک الدفّ. قال : «أوفی بنذرک». قالت : إنّی نذرت أن أذبح بمکان کذا وکذا - مکان کان یذبح فیه أهل الجاهلیّة - ، قال : «لصنم؟» قالت لا. قال : «لوثن؟» قالت : لا. قال : «أوفی بنذرک» (4).

وفی معجم البلدان (5) (2 / 300) : وفی حدیث میمونة بنت کردم ؛ أنَّ أباها قال للنبیّ صلی الله علیه وآله وسلم : إنّی نذرت أن أذبح خمسین شاة علی بُوانة. فقال صلی الله علیه وآله وسلم : «هناک شیٌّ من هذه النصب؟» ، فقال : لا. قال : «فأوفِ بنذرک». فذبح تسعاً وأربعین وبقیت واحدة ، فجعل یعدو خلفها ویقول : اللهمّ أوفِ بنذری ، حتی أمسکها فذبحها ، وهذا معنی الحدیث لا لفظه.

قال الخالدی فی صلح الإخوان (ص 109) بعد ذکر حدیثی أبی داود : 5.

ص: 264


1- سنن أبی داود : 3 / 238 ح 3313.
2- بضمّ الموحّدة وتخفیف الواو. هضبة وراء ینبع قریبة من ساحل البحر. (المؤلف)
3- سنن أبی داود : 3 / 237 ح 3312.
4- علی القارئ أن یمعن النظر فی صدر هذا الحدیث ویعرف مکانة النبیّ الأقدس فی السنن ، حاشا نبیّ القداسة عن هذه المخازی. (المؤلف)
5- معجم البلدان : 1 / 505.

وأمّا استدلال الخوارج بهذا الحدیث علی عدم جواز النذر فی أماکن الأنبیاء والصالحین ، زاعمین أنّ الأنبیاء والصالحین أوثان - والعیاذ بالله - ، وأعیاد من أعیاد الجاهلیّة ، فهو من ضلالهم وخرافاتهم وتجاسرهم علی أنبیاء الله وأولیائه حتی سمّوهم أوثاناً ، وهذا غایة التحقیر لهم خصوصاً الأنبیاء ، فإنّ من انتقصهم - ولو بالکنایة - یکفر ولا تُقبل توبته فی بعض الأقوال ، وهؤلاء المخذولون بجهلهم یُسمّون التوسّل بهم عبادة ، ویسمّونهم أوثاناً ، فلا عبرة بجهالة هؤلاء وضلالاتهم ، والله أعلم. انتهی. کما لا عبرة بجهالة ابن تیمیّة ومن لفَّ لفَّه وضلالاتهم.

(أُولئِکَ الَّذِینَ طَبَعَ اللهُ عَلی قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ) (1)

القبور المقصودة بالزیارة

التوسّل والتبرّک بها ، الدعاء والصلاة لدیها ، ختم القرآن لمدفونیها

هناک قبور تُقصد بالزیارة ، وقد قُصدت فی القرون الإسلامیّة منذ یومها الأوّل ، ولأعلام المذاهب الأربعة حولها کلمات یأخذ الباحث منها دروساً عالیة من شتّی النواحی ، ویقف بها علی فوائد جمّة ، منها : عرفان سیرة المسلمین وشعارهم فی القرون الخالیة حول زیارة القبور والتوسّل والتبرّک بها ، والدعاء والصلاة لدیها ، وختم القرآن لمدفونیها ، وإلیک نبذة منها :

1 - بلال بن حمامة الحبشی مؤذِّن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم المتوفّی سنة (20) ، قبره بدمشق ، وفی رأس القبر المبارک تاریخ باسمه رضی الله عنه ، والدعاء فی هذا الموضع المبارک مستجاب ، قد جرّب ذلک کثیر من الأولیاء وأهل الخیر المتبرِّکین بزیارتهم. رحلة ابن جبیر (2) (ص 229). 1.

ص: 265


1- محمد : 16.
2- رحلة ابن جبیر : ص 251.

2 - سلمان الفارسی الصحابیّ العظیم ، المتوفّی (36). قال الخطیب البغدادی فی تاریخه (1 / 163) : قبره الآن ظاهر معروف بقرب إیوان کسری علیه بناء ، وهناک خادم مقیم لحفظ الموضع وعمارته والنظر فی أمر مصالحه ، وقد رأیتُ الموضع وزرته غیر مرّة. وقال ابن الجوزی فی المنتظم (1) (5 / 75) : قال القلانسی وسمنون : زرنا قبر سلمان وانصرفنا.

3 - طلحة بن عبید الله المقتول یوم الجمل سنة (36). قال ابن بطوطة فی رحلته (2) (1 / 116) : مشهد طلحة بن عبید الله أحد العشرة (3) ، وهو بداخل المدینة وعلیه قبّة ومسجد ، وزاویة فیها الطعام للوارد والصادر ، وأهل البصرة یعظّمونه تعظیماً شدیداً وحقّ له ، ثمّ عدَّ مشاهد فی البصرة لجملةٍ من الصحابة والتابعین فقال :

وعلی کلّ قبر منها قبّة مکتوب فیها اسم صاحب القبر ووفاته.

4 - الزبیر بن العوّام المتوفّی (36) ، قال ابن الجوزی فی المنتظم (4) (7 / 187):

فمن الحوادث فی سنة (386) أنَّ أهل البصرة فی شهر المحرّم ادّعوا أنّهم کشفوا عن قبر عتیق ، فوجدوا فیه میّتاً طریّا بثیابه وسیفه وأنّه الزبیر بن العوّام ، فأخرجوه وکفّنوه ودفنوه بالمربد بین الدربین ، وبنی علیه الأثیر أبو المسک عنبر بناءً ، وجعل الموضع مسجداً ، ونقلت إلیه القنادیل والآلات والحصر والسمادات ، وأُقیم فیه قوّام وحفظة ووقف علیه وقوفاً.

5 - أبو أیّوب الأنصاری الصحابی المتوفّی (52) بالروم ، قال الحاکم فی المستدرک (3 / 458) : یتعاهدون قبره ویزورونه ویستسقون به إذا قحطوا. وذکره 9.

ص: 266


1- المنتظم : 12 / 241 رقم 1765.
2- رحلة ابن بطوطة : ص 187.
3- المنتظم : 14 / 383.
4- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 518 ح 5929.

ابن الجوزی فی صفة الصفوة (1) (1 / 187).

وقال الخطیب البغدادی فی تاریخه (1 / 154) : قال الولید : حدّثنی شیخ من أهل فلسطین أنّه رأی بنیّة بیضاء دون حائط القسطنطینیة ، فقالوا : هذا قبر أبی أیّوب الأنصاری صاحب النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ، فأتیت تلک البنیّة ، فرأیت قبره فی تلک البنیّة وعلیه قندیل معلّق بسلسلة.

وفی تاریخ ابن کثیر (2) (8 / 59) : وعلی قبره مزار ومسجد وهم - أی الروم - یعظِّمونه. وقال الذهبی فی الدول الإسلامیّة (3) (1 / 22) : فالروم تعظّم قبره ویستشفعون إلی الیوم به.

6 - رأس الحسین - الإمام السبط الشهید - بمصر : قال ابن جبیر المتوفّی (614) فی رحلته (4) (ص 12) : هو فی تابوت فضّة مدفون تحت الأرض ، قد بُنی علیه بنیان حفیل یقصر الوصف عنه ولا یحیط الإدراک به ، مجلّل بأنواع الدیباج ، محفوف بأمثال العمد الکبار شمعاً أبیض ، ومنه ما هو دون ذلک ، قد وضع أکثرها فی أتوار فضّة (5) خالصة ومنها مذهّبة ، وعلّقت علیه قنادیل فضّة ، وحفَّ أعلاه کلّه بأمثال التفافیح ذهباً فی مصنع (6) شبیه الروضة ، یقیّد الأبصار حسناً وجمالاً ، فیه من أنواع الرخام المجزّع الغریب الصنعة ، البدیع الترصیع ما لا یتخیّله المتخیّلون ، ولا یلحق أدنی وصفه الواصفون ، والمدخل إلی هذه الروضة علی مسجد علی مثالها فی التأنّق والغرابة ، حیطانه کلّها رخام علی الصفة المذکورة ، وعن یمین الروضة المذکورة وشمالها بنیان من ً.

ص: 267


1- صفة الصفوة : 1 / 470 رقم 40.
2- البدایة والنهایة : 8 / 65 حوادث سنة 52 ه.
3- دول الإسلام : ص 28.
4- رحلة ابن جبیر : ص 19.
5- أتوار : جمع تور ، وهو الشمعدان.
6- المصنع : المبنی قصراً کان أو حصناً.

کلیهما المدخل إلیها وهما أیضاً علی تلک الصفة بعینها ، والأستار البدیعة الصنعة من الدیباج معلّقة علی الجمیع.

ومن أعجب ما شاهدناه فی دخولنا إلی هذا المسجد المبارک حجر موضوع فی الجدار الذی یستقبله الداخل ، شدید السواد والبصیص (1) ، یصف الأشخاص کلّها کأنّه المرآة الهندیّة الحدیثة الصقل. وشاهدنا من استلام الناس للقبر المبارک ، وإحداقهم به وانکبابهم علیه وتمسّحهم بالکسوة التی علیه ، وطوافهم حوله مزدحمین داعین باکین متوسِّلین إلی الله سبحانه وتعالی ببرکة التربة المقدّسة ، ومتضرِّعین بما یُذیب الأکباد ، ویصدع الجماد ، والأمر فیه أعظم ، ومرأی الحال أهول ، نفعنا الله ببرکة ذلک المشهد الکریم. وإنّما وقع الإلماع بنبذةٍ من صفته مستدلاّ علی ما وراء ذلک ، إذ لا ینبغی لعاقل أن یتصدّی لوصفه ، لأنّه یقف موقف التقصیر والعجز ، وبالجملة فما أظنُّ فی الوجود کلّه مصنعاً أحفل منه ، ولا مرأیً من البناء أعجب ولا أبدع ، قدّس الله العضو الکریم الذی فیه بمنِّه وکرمه.

وفی لیلة الیوم المذکور بتنا بالجبّانة المعروفة بالقرافة ، وهی أیضاً إحدی عجائب الدنیا لما تحتوی علیه من مشاهد الأنبیاء - صلوات الله علیهم أجمعین - ، وأهل البیت والصحابة - رضوان الله علیهم - ، والتابعین والعلماء والزهّاد والأولیاء ذوی الکرامات الشهیرة والأنباء الغریبة ، وإنَّما ذکرنا منها ما أمکنتنا مشاهدته ، فمنها : قبر ابن النبیّ صالح ، وقبر روبیل بن یعقوب بن إسحاق بن إبراهیم خلیل الرحمن - صلوات الله علیهم أجمعین - ، وقبر آسیة امرأة فرعون ، ومشاهد أهل البیت - رضی الله عنهم أجمعین - مشاهد أربعة عشر من الرجال وخمس من النساء ، وعلی کلّ واحد منها بناء حفیل ، فهی بأسرها روضات بدیعة الإتقان عجیبة البنیان ، قد وکّل بها قوم یسکنون فیها ویحفظونها ، ومنظرها منظر عجیب ، والجرایات متّصلة ن.

ص: 268


1- البصیص : اللمعان.

لقوامها فی کلّ شهر. ثمّ ذکر تفصیل المشاهد.

عقد الشبراوی الشیخ عبد الله الشافعی ، المتوفّی (1172) فی کتابه الإتحاف بحبِّ الأشراف (1) (ص 25 - 40) باباً فی ذلک المشهد ، وذکر فیه زیارته وشطراً من الکرامات له وإحیاء یوم الثلاثاء بزیارته ، وقال : والبرکات فی هذا المشهد مشاهدة مرئیّة ، والنفحات العائدة علی زائریه غیر خفیّة ، وهی بصحّة الدعوی ملیّة ، والأعمال بالنیّة ، ولأبی الخطّاب بن دحیة فی ذلک جزء لطیف مؤلّف ، واستفتی القاضی زکیّ الدین عبد العظیم فی ذلک فقال : هذا مکان شریف وبرکته ظاهرة والاعتقاد فیه خیر ، والسلام. وما أجدر هذا المشهد الشریف والضریح الأنور المنیف بقول القائل :

نفسی الفداءُ لمشهدٍ أسرارُه

من دونها سترُ النبوّةِ مُسبَلُ

ورواقُ عزٍّ فیه أشرفُ بقعةٍ

ظلّت تحارُ لها العقولُ وتذهلُ

تغضی لبهجتِهِ النواظرُ هیبةً

ویردُّ عنه طرفَهُ المتأمِّلُ

حسدت مکانتَهُ النجومُ فودَّ لو

أمسی یجاورُهُ السماک الأعزلُ

وسما علوّا أن تُقبِّل تُربَهُ

شفةٌ فأضحی بالجباه یُقبَّلُ

وقال فی ذکر الکرامات : منها : أنّ رجلاً یقال له شمس الدین القعوینی کان ساکناً بالقرب من المشهد ، وکان معلّم الکسوة الشریفة حصل له ضرر فی عینیه فکفّ بصره ، وکان کلّ یوم إذا صلّی الصبح فی مشهد الإمام الحسین یقف علی باب الضریح الشریف ویقول : یا سیّدی أنا جارک قد کفَّ بصری ، وأطلب من الله بواسطتک أن یردّ علیّ ولو عیناً واحدةً ، فبینما هو نائم ذات لیلة إذ رأی جماعة أتوا إلی المشهد الشریف فسأل عنهم فقیل له : هذا النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم والصحابة معه جاءوا لزیارة السیّد الحسین رضی الله عنه ، فدخل معهم ، ثمّ قال ما کان یقوله فی الیقظة ، فالتفت الحسین إلی 0.

ص: 269


1- الإتحاف بحبّ الأشراف : ص 75 - 110.

جدّه صلی الله علیه وآله وسلم ، وذکر له ذلک علی سبیل الشفاعة عنده فی الرجل ، فقال النبی صلی الله علیه وآله وسلم للإمام علیّ رضی الله عنه : یا علیّ کحِّله. فقال : سمعاً وطاعةً ، وأبرز من یده مکحلةً ومروداً ، وقال له : تقدّم حتی أکحّلک ، فتقدّم فلوّث المرود ووضعه فی عینه الیمنی ، فأحسَّ بحرقانٍ عظیم ، فصرخ صرخةً عظیمة فاستیقظ منها وهو یجد حرارة الکحل فی عینه ، ففتحت عینه الیمنی فصار ینظر بها إلی أن مات ، وهذا الذی کان یطلبه ، فاصطنع هذه البسط التی تُفرش فی مشهد الإمام الحسین رضی الله عنه وکتب علیها وقفاً ، ولم تزل تُفرش حتی تولّی مصر الوزیر المعظّم محمد باشا الشریف من طرف حضرة مولانا السلطان محمد خان - نصره الله - فجدّد بُسطاً أخری ، وهی التی تُفرش إلی الآن.

ثمّ ذکر کرامة أخری وقعت للشیخ أبی الفضل نقیب السادة الخلوتیّة ، وقال - بعد بیان اختصاص یوم الثلاثاء بزیارة ذلک المشهد - : ولنذکر فی هذا الباب نبذةً من القصائد التی مدحتُ بها آل البیت الشریف ، وتوسّلتُ فیها بساکن هذا المشهد المنیف ، فممّا قلت فیه :

آلَ طه ومن یقل آلَ طه

مستجیراً بجاهِکمْ لا یُردُّ

حبُّکمْ مذهبی وعقدُ یقینی

لیس لی مذهبٌ سواه وعقدُ

منکمُ أستمدُّ بل کلُّ من فی ال

کون من فیضِ فضلِکمْ یستمدُّ

بیتُکم مهبطُ الرسالةِ وال

وحیِ ومنکم نورُ النبوَّة یبدو

ولکم فی العلی مقامٌ رفیعٌ

ما لکم فیه آلَ یس ندُّ

یا ابن بنتِ الرسولِ من ذا یضاهی

کَ افتخاراً وأنت للفخرِ عقدُ

یا حسیناً هل مثلُ أُمِّک أُمٌ

لشریفٍ أو مثلُ جدّک جدُّ

رام قومٌ أن یلحقوک ولکن

بینهم فی العلی وبینک بُعدُ

خصّکَ اللهُ بالسعادة فی دن

یاک ثمّ بالشهادة بَعدُ

ص: 270

لک فی القبر یا حسیناً مقامٌ

ولأعداک فیه خزیٌ وطردُ

یا کریمَ الدارینِ یا من له الده

-رُ علی رغمِ من یعاندُ عبدُ

أنت سیفٌ علی عِداک ولکنْ

فیکَ حلمٌ وما لفضلِکَ حدُّ

کلُّ من رامَ حصرَ فضلِکَ غِرٌّ

فضلُ آلِ النبیِّ لیس یُعدُّ

طیبةٌ فاقتِ البقاعَ جمیعاً

حینَ أضحی فیها لجدِّک لحدُ

ولمصرٍ فخرٌ علی کلِّ مصرٍ

ولها طالعٌ بقبرک سعدُ

مشهدٌ أنت فیه مشهدُ مجدٍ

کم سعی نحوه جوادٌ مجدُّ

وضریحٌ حوی علاک ضریحٌ

کلّه مندلٌ یفوح وندُّ (1)

مددٌ ما له انتهاءٌ وسرٌّ

لا یُضاهی ورونقٌ لا یُحدُّ

رحماتٌ للزائرین توالت

وجزیلٌ من العطاء ورفدُ

رضی اللهُ عنکمُ آلَ طه

ودعاءُ المقلِّ مثلیَ جهدُ

وسلامٌ علیکمُ کلَّ وقتٍ

ما تغنّت بکم تهامٌ ونجدُ

أنا فی عرض تربةٍ أنت فیها

یا حسیناً وبعدُ حاشا أُردُّ

أنا فی عرض جدِّک الطاهرِ ال

طهر إذا ما الزمانُ بالخطبِ یعدو

أنا فی عرض من یعول کلّ ال

رسل علیه وما لهم عنه بدُّ

أنا فی عرض من أتته غزالٌ

فحماها والخصم خصمٌ ألدُّ

أنا فی عرض جدِّک المصطفی من

کلِّ عامٍ له الرحالُ تُشدُّ

وقلت فیهم أیضاً - رضی الله تعالی عنهم - :

آلَ بیتِ النبیِّ مالی سواکمْ

ملجأٌ أرتجیه للکربِ فی غدْ

لست أخشی ریبَ الزمانِ وأنتمْ

عمدتی فی الخطوبِ یا آلَ أحمدْ

من یضاهی فخارَکمْ آل طه

وعلیکمْ سُرادقُ العزِّ مُمتدْف)

ص: 271


1- المندل : العود الطیّب الرائحة جمعها منادل ، النّد - بالفتح والکسر - : عود یتبخّر به. (المؤلف)

کلُّ فضلٍ لغیرِکمْ فإلیکمْ

یا بنی الطهرِ بالأصالة یُسندْ

لا عدمنا لکم موائدَ جودٍ

کلّ یومٍ لزائریکمْ تُجدَّدْ

یا ملوکاً لهم لواء المعالی

وعلیهم تاج السعادة (1) یُعقدْ

أیُّ بیت کبیتِکمْ آلَ طه

طهَّر اللهُ ساکنیه ومجَّدْ

روضةُ المجدِ والمفاخرِ أنتم

وعلیکم طیرُ المکارم غرَّدْ

ولکم فی الکتابِ ذکرٌ جمیلٌ

یهتدی منه کلُّ قارٍ ویسعَدْ

وعلیکمْ أثنی الکتابُ وهل بع

دَ ثناءِ الکتابِ مجدٌ وسؤددْ

ولکمْ فی الفخارِ یا آلَ طه

منزلٌ شامخٌ رفیعٌ مشیَّدْ

قد قصدناک یا بنَ بنتِ رسولِ ال

لّه والخیر من جنابِکَ یُقصدْ

یا حسیناً ما مثلُ مجدِک مجدٌ

لشریفٍ ولا کجدِّکَ من جدْ

یا حسیناً بحقِّ جدِّک عطفاً

لمحبٍّ بالخیرِ منک تعوَّدْ

کلّ وقت یودُّ یلثمُ قبراً

أنت فیه بمقلتیه ویشهدْ

سادتی أنجِدوا محبّا أتاکمْ

مطلِقَ الدمعِ فی هواکمْ مقیّدْ

وأغیثوا مقصّراً ماله غی

-رُ حماکم إن أعضلَ الأمرُ واشتدْ

فعلیکم قصرت حبّی وحاشا

بعد حبّی لکم أُقابل بالردْ

یا إلهی مالی سوی حبِّ آل ال

بیت آلِ النبیِّ طه الممجّدْ

أنا عبدٌ مقصِّرٌ لست أرجو

عملاً غیرَ حبِّ آل محمّدْ

إلی آخر [الأبیات]

وقال فی المشهد الحسینی أیضاً :

یا ندیمی قم بی إلی الصهباءِ

واسقنیها فی الروضةِ الغنّاءِ

حیث مجری الخلیجِ والماءُ فیه

یتثنّی کالحیّة الرقشاءِ

هاتها یا ندیمُ صرفاً ودعنی

من صریع الهوی قتیلِ الماءِة.

ص: 272


1- فی المصدر : السیادة.

وأدِرْها ممزوجةً بالتهانی

غیرَ ممزَوجةٍ بماءِ السماءِ

هاتها یا ندیمُ من غیرِ خلطٍ

إنّ خلطَ الدواءِ عینُ الداءِ

والقنی یا ندیمُ تحت الأُثَیلا

تِ سحیراً إذا أردت لقائی

فی کثیبٍ من الجزیرة یختا

لُ دلالاً فی حلّةٍ خضراءِ

روضةٌ راضها النسیمُ سحیراً

باعتلالٍ صحّت به واعتلاءِ

ولطیفُ النسیمِ یعبثُ بالغص

ن فیهتزُّ هزَّةَ استهزاءِ

یا خریرَ الخلیجِ تفدیکَ نفسی

فلَکَمْ نلتُ فی حماک منائی

یا ندیمی جدِّد بذکراه وجدی

وأحیی ذاک الغرامَ بالإغراءِ

هاتِ حدِّثْ عن نیلِ مصرَ ودعنی

من فراتٍ ودجلةٍ فیحاءِ

وأعدْ لی حدیث لذّات مصرٍ

فحدیثُ اللذّاتِ عنّیَ نائی

إنّ مصراً لأحسنُ الأرضِ عندی

وعلی نیلِها قصرتُ رجائی

وغرامی فیها وغایةُ قصدی

أن أری سادتی بنی الزهراءِ

وإلی المشهدِ الحسینیِّ أسعی

داعیاً راجیاً قبول دعائی

یا ابن بنتِ الرسولِ إنّی محبٌ

فتعطّفْ واجعل قبولی جزائی

یا کرامَ الأنامِ یا آلَ طه

حبُّکم مذهبی وعقدُ ولائی

لیس لی ملجأٌ سواکم وذخرٌ

أرتجیهِ فی شدَّتی ورخائی

إلی آخر [الأبیات]

وقال فیه أیضاً :

یا آلَ طه من أتی حبَّکم (1)

مؤمِّلاً إحسانَکمْ لا یُضامْ

لذنا بکمْ یا آلَ طه وهل

یُضامُ من لاذَ بقومٍ کرامْ

تزدحمُ الناسُ بأعتابکمْ

والمنهلُ العذبُ کثیرُ الزحامْ

من جاءکم مستمطراً فضلَکمْ

فازَ من الجودِ بأقصی مرامْم.

ص: 273


1- فی المصدر : حیَّکم.

یا سادتی یا بضعةَ المصطفی

یا من لهم فی الفضلِ أعلی مقامْ

أنتم ملاذی وعیاذی ولی

قلبٌ بکم یا سادتی مستهامْ

وحقّکمْ إنّی محبٌّ لکم

محبَّةً لا یعتریها انصرامْ

وقفتُ فی أعتابکمْ هائماً

وما علی من هام فیکم ملامْ

یا سبطَ طه یا حسیناً علی

ضریحکَ المأنوسِ منّی السلامْ

مشهدُکَ السامی غدا کعبةً

لنا طوافٌ حولَهُ واستلامْ

بیتٌ جدیدٌ حلَّ فیه الهدی

فصار کالبیتِ العتیقِ الحرامْ

تفدیک نفسی یا ضریحاً حوی

حسیناً السبطَ الإمامَ الهمامْ

إنّی توسَّلتُ بما فیک من

عزٍّ ومجدٍ شامخٍ واحتشامْ

یا زائراً هذا المقام اغتنم

فکم لمن یسعی إلیه اغتنامْ

ینشرحُ الصدرُ إذا زرتَهُ

وتنجلی عنه الهمومُ العظامْ

کم فیه من نورٍ ومن رونقٍ

کأنَّه روضةُ خیرِ الأنامْ

إلی آخر [الأبیات]

وقال الحمزاوی العدوی المتوفّی (1303) فی مشارق الأنوار (1) (ص 92) بعد کلام طویل حول مشهد الإمام الحسین الشریف : واعلم أنّه ینبغی کثرة الزیارة لهذا المشهد العظیم متوسّلاً به إلی الله ، ویطلب من هذا الإمام ما کان یطلب منه فی حیاته ، فإنّه باب تفریج الکروب ، فبزیارته یزول عن الخطب الخطوب ، ویصل إلی الله بأنواره والتوسّل به کلّ قلب محجوب ، ومن ذلک ما وقع لسیّدی العارف بالله تعالی سیدی محمد شلبی شارح العزیّة - الشهیر بابن الستّ - وهو أنَّه قد سُرقت کتبه جمیعها من بیته ، قال : فتحیّر عقله ، واشتدّ کربه ، فأتی إلی مقام ولیّ نعمتنا الحسین منشداً لأبیات استغاث بها ، فتوجّه إلی بیته بعد الزیارة ومکثه فی المقام مدّة فوجد 7.

ص: 274


1- مشارق الأنوار : 1 / 197.

کتبه فی محلّها قد حضرت من غیر نقص لکتاب منها ، وها هی الأبیات :

أیحومُ حول من التجا لکمُ أذیً

أو یشتکی ضیماً وأنتم سادتُه

حاشا یُردُّ من انتمی لجنابِکمْ

یا آلَ أحمد أو تسرُّ شوامتُه

لکمُ السیادةُ مِن ألستُ بربّکم (1)

ولکم نطاقُ العزِّ دارت هالتُه

هل ثَمَّ بابٌ للنبیِّ سواکمُ

مَن غیرُکم من ذی الوری ریحانتُه

تبّا لطرفٍ لا یشاهدُ مشهداً

یحوی الحسینَ وتستلمهُ سلامتُه

فالزم رحاباً ضمَّ سبطَ محمدٍ

ما أمَّه راجٍ وعیقتْ حاجتُه

ها خادماً للحبّ یرفعُ حاجةً

ممّا یلاقی من بلایا هالتُه

أمدَّنا الله من فیض أمداده ، ومتّعنا من فیض قربه ، وتقبیل أعتابه ، وذکر لبعضهم فی ذلک المشهد قوله :

منزلٌ کمّلَ الإلهُ سناهُ

تتواری البدورُ عند لقاهُ

خصّهُ ربُّنا بما شاء فی الأر

ضِ تعالی من فی السماءِ إلهُ

صانه زانه حماه وقاه

وکساه بمنِّه ورضاهُ

أن غدا مسکناً لعزّة آل ال

بیتِ من ثمّ قدره وعلاهُ

الإمامُ الحسینُ أشرفُ مولیً

أیّد الدین سرّه ووقاهُ

مدحتْهُ آیُ الکتابِ وجاءت

سنّة الهاشمیِّ طرز حلاهُ

وهناک کلمات ضافیة تضمّ ما ذُکر حول مشهد الرأس الشریف لو جمعتها ید التألیف لأتت کتاباً حافلاً ، وممّن أفرده بالتألیف الشیخ عبد الفتّاح بن أبی بکر ).

ص: 275


1- إشارة إلی قوله تعالی فی سورة الأعراف : الآیة 172 (وَإذ أخَذَ رَبُّکَ مِن بَنی آدَمَ مِن ظُهُورِهِم ذُرّیَّتَهُم وَأشْهَدَهُم عَلَی أَنفُسِهِم أَلَسْتُ بِرَبِّکُم قَالُوا بَلَی شَهِدنَا أَن تَقُولُوا یَوْمَ القیَامَةِ إنَّا کُنَّا عَن هَذَا غَافِلِینَ).

- الشهیر بالرسّام الشافعیّ - له رسالة نور العین فی مدفن رأس الحسین.

7 - عمر بن عبد العزیز الخلیفة الأموی المتوفّی (101) ، قبره بدیر سمعان یُزار. طبقات الحفّاظ (1) (1 / 114).

8 - أبو حنیفة النعمان بن ثابت إمام الحنفیّة المتوفّی (150) ، قبره فی الأعظمیّة ببغداد مزار معروف ، روی الخطیب فی تاریخه (1 / 123) عن علیّ بن میمون قال : سمعت الشافعی یقول : إنّی لأتبرّک بأبی حنیفة وأجیء إلی قبره فی کلّ یوم - یعنی زائراً - فإذا عرضت لی حاجة صلّیت رکعتین وجئت إلی قبره وسألت الله تعالی الحاجة عنده فما تبعد [عنّی] (2) حتی تُقضی. وذکره الخوارزمی فی مناقب أبی حنیفة (2 / 199) ، والکردری فی مناقبه (2 / 112) ، وطاش کبری زاده فی مفتاح السعادة (3) (2 / 82) ، والخالدی فی صلح الإخوان (ص 83) نقلاً عن السفیری وابن جماعة.

وقال ابن الجوزی فی المنتظم (4) (8 / 245) : فی هذه الأیّام - یعنی سنة (459) - بنی أبو سعد المستوفی الملقّب شرف الملک مشهد أبی حنیفة ، وعمل لقبره ملبناً ، وعقد القبّة وعمل المدرسة بإزائه ، وأنزلها الفقهاء ورتّب لهم مدرساً ، فدخل أبو جعفر ابن البیاضی إلی الزیارة فقال ارتجالاً :

ألم ترَ أنَّ العلمَ کان مضیَّعاً

فجمَّعه هذا المغیّبُ فی اللحدِ

کذلک کانت هذه الأرضُ میتةً

فأنشرها جودُ العمیدِ أبی سعدِ

ثمّ قال : قال المصنّف : قرأت بخطِّ أبی الوفاء بن أبی عقیل قال : وضع أساس 0.

ص: 276


1- تذکرة الحفّاظ : 1 / 121 رقم 104.
2- الزیادة من المصدر.
3- مفتاح السعادة : 2 / 193.
4- المنتظم : 16 / 100.

مسجد بین یدی ضریح أبی حنیفة بالکلس والنورة وغیره ، فجمع سنة ستّ وثلاثین وأربعمائة وأنا ابن خمس سنین أو دونها بأشهر ، وکان المنفق علیه ترکیّ قدم حاجّا ، ثمّ قدم أبو سعد المستوفی وکان حنفیّا متعصّباً ، وکان قبر أبی حنیفة تحت سقف عمله بعض أمراء الترکمان ، وکان قبل ذلک - وأنا صبیٌّ - علیه خربشت (1) خاصّ له وذلک فی سنتی سبع أو ثمان وثلاثین قبل دخول الغُزّ (2) بغداد سنة سبع وأربعین ، فلمّا جاء شرف الملک سنة ثلاث وخمسین عزم علی إحداث القبّة وهی هذه ، فهدم جمیع أبنیة المسجد وما یحیط بالقبر وبنی هذا المشهد ، فجاء بالقطّاعین والمهندسین وقدّر لها ما بین أُلوف آجر ، وابتاع دوراً من جوار المشهد ، وحفر أساس القبّة ، وکانوا یطلبون الأرض الصلبة فلم یبلغوا إلیها إلاّ بعد حفر سبعة عشر ذراعاً فی ستّة عشر ذراعاً (3) ، فخرج من هذا الحفر عظام الأموات الذین کانوا یطلبون جوار النعمان أربعمائة صنّ (4) ، ونقلت جمیعها إلی بقعة کانت ملکاً لقوم ، فحفر لها ودُفنت. إلی أن قال :

أخبرنا محمد بن ناصر الحافظ ، أنبأنا أبو الحسین المبارک بن عبد الجبّار الصیرفی ، قال : سمعت أبا الحسین بن المهتدی یقول : لا یصحُّ أنَّ قبر أبی حنیفة فی هذا الموضع الذی بنوا علیه [القبَة] (5) ، وکان الحجیج قبل ذلک یردون ویطوفون حول المقبرة فیزورون أبا حنیفة لا یعیّنون موضعاً.

وقال ابن خلّکان فی تاریخه (6) (2 / 297) : قبره مشهور یزار ، بُنی علیه المشهد والقبّة سنة (459) ، وقال ابن جُبیر فی رحلته (7) (ص 180) : وبالرصافة مشهد حفیل 2.

ص: 277


1- خربشْت : کلمة فارسیة ، ومعناها المظلّة التی یظلّل بها السقف لوقایته من الشمس والمطر.
2- الغُزّ : جنس من الترک.
3- فی النسخة المعتمدة لدینا : یوماً.
4- الصَّنّ : زبیل کبیر مثل السلّة المطبقة.
5- الزیادة من المصدر.
6- وفیات الأعیان : 5 / 414 رقم 765.
7- رحلة ابن جبیر : ص 202.

البنیان ، له قبّة بیضاء سامیة فی الهواء ، فیه قبر الإمام أبی حنیفة رضی الله عنه.

وقال ابن بطوطة فی رحلته (1) (1 / 142) : قبر الإمام أبی حنیفة رضی الله عنه علیه قبّة عظیمة ، وزاویة فیها الطعام للوارد والصادر ، ولیس بمدینة بغداد الیوم زاویة یطعم الطعام فیها ما عدا هذه الزاویة. ثمّ عدَّ جملة من قبور المشایخ ببغداد فقال : وأهل بغداد لهم فی کلّ جمعة یوم لزیارة شیخ من هؤلاء المشایخ ، ویوم لشیخ آخر یلیه ، هکذا إلی آخر الأُسبوع.

وقال الذهبی فی الدول (2) (1 / 79) : وقبره علیه مشهد کبیر وقبّة عالیة ببغداد.

وقال ابن حجر فی الخیرات الحسان (3) فی مناقب الإمام أبی حنیفة (4) ، فی الفصل الخامس والعشرین : إنَّ الإمام الشافعیّ أیّام کان هو ببغداد کان یتوسّل بالإمام أبی حنیفة ، ویجیء إلی ضریحه یزور فیسلّم علیه ، ثمّ یتوسّل إلی الله تعالی به فی قضاء حاجاته ، وقال : قد ثبت أنَّ الإمام أحمد توسّل بالإمام الشافعیِّ حتی تعجّب ابنه عبد الله ابن الإمام أحمد ، فقال له أبوه : إنَّ الشافعیّ کالشمس للناس وکالعافیة للبدن. ولمّا بلغ الإمام الشافعی أنَّ أهل المغرب یتوسلون بالإمام مالک لم ینکر علیهم.

9 - مصعب بن الزبیر المتوفّی (157). قال ابن الجوزی : زارت العامّة قبره بمسکن کما یُزار قبر الحسین علیه السلام. المنتظم (5) (7 / 206). 4.

ص: 278


1- رحلة ابن بطوطة : ص 226.
2- دول الإسلام : ص 92.
3- الخیرات الحسان : ص 94.
4- حکاه عنه السیّد أحمد زینی دحلان فی خلاصة الکلام : ص 252 ، والدرر السنیّة [ص 96](المؤلف)
5- المنتظم : 15 / 14.

10 - لیث بن سعد الحنفی إمام مصر ، توفّی (175) ، ودفن بالقرافة الصغری ، وقبره یُزار رأیته غیر مرّة. الجواهر المضیّة (1) (1 / 417).

11 - مالک بن أنس إمام المالکیّة المتوفّی (179) ، قبره ببقیع الغرقد فی المدینة المنوّرة. قال ابن جبیر فی رحلته (2) (ص 153) : علیه قبّة صغیرة مختصرة البناء. وقد مرَّ (ص 159) أنّ الفقهاء عدّوا زیارته من آداب من زار قبر النبیّ الأقدس صلی الله علیه وآله وسلم.

12 - الإمام الطاهر موسی بن جعفر علیهما السلام المدفون بالکاظمیّة الشهید سنة (183) ، أخرج الخطیب البغدادی فی تاریخه (1 / 120) بإسناده عن أحمد بن جعفر بن حمدان القطیعی قال : سمعت الحسن بن إبراهیم أبا علیّ الخلاّل شیخ الحنابلة فی عصره یقول : ما همّنی أمر فقصدت قبر موسی بن جعفر فتوسّلت به إلاّ سهّل الله تعالی لی ما أُحبّ.

وفی شذرات الذهب (3) (2 / 48) : توفّی ببغداد الشریف أبو جعفر محمد الجواد ابن علیّ بن موسی الرضا الحسینی ، أحد الاثنی عشر إماماً الذین تدّعی فیهم الرافضة العصمة ، ودُفن عند جدّه موسی ، ومشهدهما ینتابه العامّة بالزیارة.

13 - الإمام الطاهر أبو الحسن علیّ بن موسی الرضا علیه السلام ، قال أبو بکر محمد ابن المؤمّل : خرجنا مع إمام أهل الحدیث أبی بکر بن خزیمة وعدیله أبی علیّ الثقفی ، مع جماعة من مشایخنا وهم إذ ذاک متوافرون إلی زیارة علیّ بن موسی الرضا بطوس ، قال : فرأیت من تعظیمه - یعنی ابن خزیمة - لتلک البقعة ، وتواضعه لها وتضرّعه عندها ما تحیّرنا. تهذیب التهذیب (4) (7 / 388). 9.

ص: 279


1- الجواهر المضیّة : 2 / 720 رقم 1131.
2- رحلة ابن جبیر : ص 173.
3- شذرات الذهب : 3 / 97 حوادث سنة 220 ه.
4- تهذیب التهذیب : 7 / 339.

14 - عبد الله بن غالب الحدّانی البصری المقتول سنة (183) ، قتل یوم الترویة ، کان الناس یأخذون من تراب قبره کأنّه مسک یصیّرونه فی ثیابهم. حلیة الأولیاء (2 / 258) ، تهذیب التهذیب (1) (5 / 354).

15 - عبد الله بن عون ، أبو عون الخرّاز البصری قال محمد بن فضالة : رأیت النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فی النوم فقال : زوروا ابن عون فإنّ الله یحبّه. حلیة الأولیاء (3 / 39) ، تهذیب التهذیب (2) (5 / 348).

16 - علیّ بن نصر بن علیّ الأزدی أبو الحسن البصری المتوفّی (189) ، مشهده بالبصرة معروف یُزار. هامش الخلاصة (3) (ص 235).

17 - معروف الکرخی المتوفّی (200) ، قال إبراهیم الحربی : قبر معروف التریاق المجرّب. وعن الزهری أنّه قال : قبر معروف الکرخی مجرّب لقضاء الحوائج ، ویقال : إنّه من قرأ عنده مائة مرّة قل هو الله أحد وسأل الله ما یرید قضی الله حاجته. ورُوی عن أبی عبد الله المحاملی أنّه قال : أعرف قبر معروف الکرخی منذ سبعین سنة ما قصده مهموم إلاّ فرّج الله همّه. تاریخ بغداد (1 / 122).

وقال ابن الجوزی فی صفة الصفوة (4) (2 / 183) : عن أحمد بن الفتح قال : سألت بشراً - التابعیّ الجلیل (5) - عن معروف الکرخی فقال : هیهات حالت بیننا وبینه الحجب ... إلی أن قال : فمن کانت له إلی الله حاجة فلیأت قبره ولیدع ، فإنّه).

ص: 280


1- تهذیب التهذیب : 5 / 310.
2- تهذیب التهذیب : ص 305.
3- هامش خلاصة الخزرجی : 2 / 258 رقم 5057.
4- صفة الصفوة : 2 / 324 رقم 260.
5- اعتبار بشر من التابعین فیه محل للنظر ؛ لأنّ بشراً ولد سنة (150) ، وتوفی أبو الطفیل عامر بن واثلة ، وهو آخر من مات من الصحابة ، سنة (110).

یُستجاب له إن شاء الله تعالی. وقال : قبره ظاهر یُتبرّک به فی بغداد ، وکان إبراهیم الحربی یقول : قبر معروف التریاق المجرّب.

وقال فی المنتظم (1) (8 / 248) : بُنیت تربة قبر معروف فی ربیع الأوّل سنة (460) وعقد مشهده أزاجاً بالجصِّ والآجر.

وقال ابن خلّکان فی تاریخه (2) (2 / 224) : وأهل بغداد یستسقون بقبره ویقولون : قبر معروف تریاق مجرّب ، وقبره مشهور یُزار. وذکر (3) فی (ص 396) عن مرآة الزمان لأبی المظفر سبط ابن الجوزی : أنّه سمع مشایخه ببغداد یحکون أنّ عون الدین قال : کان سبب ولایتی المخزن أنَّنی ضاق ما بیدی حتی فقدت القوت أیّاماً ، فأشار علیّ بعض أهلی أن أمضی إلی قبر معروف الکرخی رضی الله عنه فأسأل الله تعالی عنده ، فإنّ الدعاء عنده مستجاب ، قال : فأتیت قبر معروف فصلّیت عنده ودعوت ، ثمّ خرجت لأقصد البلد - یعنی بغداد - إلی آخر ما ذکر من قصّته.

وفی طبقات الشعرانی (4) (1 / 61) : یستسقی بقبره ، وقبره ظاهر یُزار لیلاً ونهاراً.

18 - عبید الله بن محمد بن عمر بن علیّ بن الحسین بن علیّ بن أبی طالب : قال الخطیب البغدادی فی تاریخه (1 / 123) : باب البردان فیها أیضاً جماعة من أهل الفضل ، وعند المصلّی المرسوم بصلاة العید قبر کان یُعرف بقبر النذور ، ویقال : إنّ المدفون فیه رجل من ولد علیّ بن أبی طالب رضی الله عنه یتبرّک الناس بزیارته ، ویقصده ذو الحاجة منهم لقضاء حاجته ، حدّثنی القاضی أبو القاسم علیّ بن المحسن التنوخی ، قال : حدّثنی 2.

ص: 281


1- المنتظم : 16 / 105.
2- وفیات الأعیان : 5 / 232 رقم 729.
3- وفیات الأعیان : 6 / 239 رقم 807.
4- الطبقات الکبری : 1 / 72 رقم 142.

أبی ، قال : کنت جالساً بحضرة عضد الدولة ونحن مخیِّمون بالقرب من مصلّی الأعیاد فی الجانب الشرقی من مدینة السلام ، نرید الخروج معه إلی همذان فی أوّل یوم نزل المعسکر ، فوقع طرفه علی البناء الذی علی قبر النذور ، فقال لی : ما هذا البناء؟ فقلت : هذا مشهد النذور ، ولم أقل قبر لعلمی بطیرته من دون هذا واستحسن اللفظة ، وقال : قد علمت أنّه قبر النذور وإنّما أردت شرح أمره ، فقلت : هذا یُقال إنّه قبر عبید الله بن محمد بن عمر بن علیّ بن الحسین بن علیّ بن أبی طالب ، ویقال : إنّه قبر عبید الله بن محمد بن عمر بن علیّ بن أبی طالب ، وإنّ بعض الخلفاء أراد قتله خفیّا ، فجعلت له هناک زُبْیة وسیّر علیها وهو لا یعلم فوقع فیها ، وهیل علیه التراب حیّا ، وإنّما شهر بقبر النذور لأنّه ما یکاد یُنذر له نذر إلاّ صحّ وبلغ الناذر ما یرید ، ولزمه الوفاء بالنذور ، وأنا أحد من نذر له مراراً لا أحصیها کثرةً نذوراً علی أُمور متعذّرة ، فبلغتها ولزمنی النذر فوفیت به ، فلم یتقبّل هذا القول وتکلّم بما دلّ علی أنّ هذا إنّما یقع منه الیسیر اتّفاقاً فیتسوّق العوام بأضعافه ویسیّرون الأحادیث [الباطلة] (1) فیه ، فأمسکت.

فلمّا کان بعد أیّام یسیرة ونحن معسکرون فی موضعنا ، استدعانی فی غدوة یوم وقال : ارکب معی إلی مشهد النذور ، فرکبت ورکب فی نفر من حاشیته إلی أن جئت به إلی الموضع ، فدخله وزار القبر وصلّی عنده رکعتین سجد بعدهما سجدة أطال فیها المناجاة بما لم یسمعه أحد ، ثمّ رکبنا معه إلی خیمته وأقمنا أیّاماً ، ثمّ رحل ورحلنا معه یرید همذان فبلغناها وأقمنا فیها معه شهوراً ، فلمّا کان بعد ذلک استدعانی وقال لی : ألست تذکر ما حدّثتنی به فی أمر مشهد النذور ببغداد؟ فقلت : بلی. فقال : إنّی خاطبتک فی معناه بدون ما کان فی نفسی اعتماداً لإحسان عشرتک ، والذی کان فی نفسی فی الحقیقة أنّ جمیع ما یُقال فیه کذب ، فلمّا کان بعد ذلک بمدیدة طرقنی أمر ر.

ص: 282


1- الزیادة من المصدر.

خشیت أن یقع ویتمّ ، وأعملت فکری فی الاحتیال لزواله ولو بجمیع ما فی بیوت أموالی وسائر عساکری ، فلم أجد لذلک فیه مذهباً ، فذکرت ما أخبرتنی به فی النذر لمقبرة النذور فقلت : لِمَ لا أُجرّب ذلک؟ فنذرت : إن کفانی الله تعالی ذلک الأمر أن أحمل لصندوق هذا المشهد عشرة آلاف درهم صحاحاً ، فلما کان الیوم جاءتنی الأخبار بکفایة ذلک الأمر ، فتقدّمت إلی أبی القاسم عبد العزیز بن یوسف - یعنی کاتبه - أن یکتب إلی أبی الریّان - وکان خلیفته فی بغداد - یحملها إلی المشهد. ثمّ التفت إلی عبد العزیز - وکان حاضراً - فقال له عبد العزیز : قد کتبت بذلک ونفذ الکتاب.

19 - أبو عبد الله محمد بن إدریس الشافعیّ إمام الشافعیّة المتوفّی (204) ، دُفن بالقرافة الصغری ، وقبره یُزار بها بالقرب من المقطّم. تاریخ ابن خلّکان (1) (2 / 30) ، وقال الجزری فی طبقات القراء (2 / 97) : والدعاء عند قبره مستجاب ، ولمّا زرته قلتُ

زرتُ الإمامَ الشافعی

لأنّ ذلک نافعی

لأنال منه شفاعةً

أکرمْ به من شافعِ

وقال الذهبی فی دول الإسلام (2) (2 / 105) : إنّ الملک الکامل عمّر قبّةً علی ضریح الشافعی - رحمة الله علیه.

20 - أبو سلیمان الدارانی المتوفّی (205) أحد الأئمّة ، دُفن فی قریة داریا ، فی قبلتها وقبره بها مشهور ، وعلیه بناء وقد جدّد مزاره فی زماننا هذا. البدایة والنهایة (3) (10 / 259). .

ص: 283


1- وفیات الأعیان : 4 / 165 رقم 558.
2- دول الإسلام : ص 344.
3- البدایة والنهایة : 10 / 281 حوادث سنة 205 ه.

21 - السیّدة نفیسة بنة أبی محمد الحسن بن زید بن [الحسن بن] علیّ بن أبی طالب توفّیت سنة (208) ودُفنت بدرب السباع ، وقبرها معروف بإجابة الدعاء عنده وهو مجرّب ، رضی الله عنها. تاریخ ابن خلّکان (1) (2 / 302).

22 - أحمد بن حنبل إمام الحنابلة المتوفّی (241) ، قبره ظاهر مشهور ، یُزار ویتبرّک به. کذا فی مختصر طبقات الحنابلة (2) (ص 11) ، وقال الذهبی فی دول الإسلام (3) (1 / 114) : ضریحه یُزار ببغداد. وحکی ابن الجوزی فی مناقب أحمد (4) (ص 297) عن عبد الله بن موسی قال : خرجتُ أنا وأبی فی لیلة مظلمة نزور أحمد ، فاشتدّت الظلمة فقال أبی : یا بنیّ تعال حتی نتوسّل إلی الله تعالی بهذا العبد الصالح حتی یُضیء لنا الطریق ، فإنِّی منذ ثلاثین سنة ما توسّلت به إلاّ قُضیت حاجتی ، فدعا أبی وأمّنتُ علی دعائه فأضاءت السماء کأنّها لیلة مقمرة حتی وصلنا إلیه.

وقال فی (ص 418) : عن أبی الحسن التمیمی ، عن أبیه ، عن جدِّه أنّه حضر جنازة أحمد بن حنبل قال : فمکثتُ طول أُسبوع رجاء أن أصل [إلی قبره فلم أصِل] (5) من ازدحام الناس علیه ، فلمّا کان بعد أُسبوع وصلتُ إلی قبره.

قال فی المنتظم (6) (10 / 283) : وفی أوائل جمادی الآخرة سنة (574) تقدّم أمیر المؤمنین بعمل لوح ینصب علی قبر الإمام أحمد بن حنبل فعمل ، ونقضت السترة جمیعها وبنیتْ بآجر مقطوع جدیدة وبُنی لها جانبان ووقع اللوح الجدید ، وفی رأسه مکتوب : 8.

ص: 284


1- وفیات الأعیان : 5 / 424 رقم 767.
2- مختصر طبقات الحنابلة : ص 14.
3- دول الاسلام : ص 130.
4- مناقب أحمد : ص 400 ، 563.
5- الزیادة من المصدر.
6- المنتظم : 18 / 248.

هذا ما أمر بعمله سیّدنا ومولانا المستضیء بأمر الله أمیر المؤمنین. وفی وسطه : هذا قبر تاج السنّة ، وحید الأمّة العالی الهمّة ، العالم العابد الفقیه ، الزاهد الإمام أبی عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشیبانی رحمه الله. وقد کُتب تاریخ وفاته وآیة الکرسی حول ذلک ، ووعدت بالجلوس فی جامع المنصور فتکلّمتُ یوم الإثنین سادس عشر جمادی الأولی ، فبات فی الجامع خلق کثیر ، وخُتمت ختمات ، واجتمع للمجلس بکرة ما حزر بمائة ألف ، وتاب خلق کثیر ، وقطعت شعور ، ثمّ نزلتُ فمضیتُ إلی زیارة قبر أحمد فتبعنی من حزر بخمسة آلاف.

وقال ابن بطوطة فی الرحلة (1) (1 / 142) : قبره لا قبّة علیه ؛ ویذکر أنّها بنیت علی قبره مراراً فتهدّمت بقدرة الله تعالی ، وقبره عند أهل بغداد معظّم.

وفی مختصر طبقات الحنابلة (2) (ص 37) : تقدم أمیر المؤمنین فی سنة (527) (3) به باراکراف 2 صفحه 284 بعمل لوح ینصب علی قبر الإمام أحمد ، وحصل للشیخ أبی الفرج وللحنابلة التعظیم الزائد ، وجعل الناس یقولون للشیخ : هذا کلّه بسببک.

الله یزور أحمد بن حنبل کلّ عام لنصرته کلامه :

روی ابن الجوزی فی مناقب أحمد (4) (ص 454) قال : حدّثنی أبو بکر بن مکارم بن أبی یعلی الحربی - وکان شیخاً صالحاً - قال : کان قد جاء فی بعض السنین مطر کثیر جدّا قبل دخول رمضان بأیّام ، فنمتُ لیلة فی رمضان فأُریتُ فی منامی کأنِّی قد جئت علی عادتی إلی قبر الإمام أحمد بن حنبل أزوره ، فرأیتُ قبره قد 7.

ص: 285


1- رحلة ابن بطوطة : ص 227.
2- مختصر طبقات الحنابلة : ص 44.
3- فی هذا التاریخ تصحیف ، ولم یکن ولد فیه المستضیء بأمر الله القائم بعمل اللوح ، وکان أوائل بلوغ ابن الجوزی الحلم ، فالصحیح ما مرَّ فی کلمة ابن الجوزی. (المؤلف)
4- مناقب أحمد : ص 607.

التصق بالأرض [حتی بقی بینه وبین الأرض] (1) مقدار ساف (2) أو سافین ، فقلتُ : انّما تمّ هذا علی قبر الإمام أحمد من کثرة الغیث فسمعته من القبر وهو یقول : لا بل هذا من هیبة الحقِّ عزَّ وجلَّ ؛ لأنّه عزّ وجلّ قد زارنی ، فسألته عن سرّ زیارته إیّای فی کلّ عام ، فقال عزّ وجلّ : یا أحمد ، لأنّک نصرت کلامی فهو یُنشر ویُتلی فی المحاریب ، فأقبلت علی لحده أُقبِّله ، ثمّ قلت : یا سیّدی ، ما السرّ فی أنّه لا یقبّل قبر إلاّ قبرک؟ فقال لی : یا بُنیّ لیس هذا کرامة لی ولکن هذا کرامة لرسول الله ، لأنّ معی شعرات من شعره صلی الله علیه وآله وسلم ؛ ألا ومن یحبّنی [لِمَ لا] (3) یزورنی فی شهر رمضان؟ قال ذلک مرّتین.

من یزور أحمد غفر الله له :

أخرج الحافظ ابن عساکر فی تاریخه (4) (2 / 46) عن أبی بکر بن أنزویه ، قال : رأیتُ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی المنام ومعه أحمد بن حنبل ، فقلتُ : یا رسول الله من هذا؟ فقال : هذا أحمد ولیُّ الله وولیُّ رسول الله علی الحقیقة ، وأنفق علی الحدیث ألف دینار. ثمّ قال : من یزوره غفر الله له ؛ ومن یبغض أحمد فقد أبغضنی ، ومن أبغضنی فقد أبغض الله.

وأخرج الخطیب البغدادی عن عبد العزیز قال : سمعتُ أبا الفرج الهندبائی یقول :

کنتُ أزور قبر أحمد بن حنبل فترکته مدّة ، فرأیتُ فی المنام قائلاً یقول لی : ترکت زیارة قبر إمام السنّة؟ تاریخ بغداد (4 / 423) ، مناقب أحمد لابن الجوزی (5) (ص 481). 9.

ص: 286


1- الزیادة من المصدر.
2- الساف والسافة : الصف من الطین أو اللبن جمعها آسُف وسافات. (المؤلف)
3- الزیادة من المصدر.
4- تاریخ مدینة دمشق : 5 / 334 رقم 136.
5- مناقب أحمد : ص 639.

قال ابن الجوزی (1) : وفی صفر سنة (542) رأی رجل فی المنام قائلاً یقول له : من زار أحمد بن حنبل غُفر له. قال : فلم یبق خاصٌّ ولا عامٌّ إلاّ زاره ، وعقدت یومئذٍ ثَمَّ مجلساً فاجتمع فیه أُلوف من الناس. البدایة والنهایة (2) (12 / 323).

فضل زوّار قبر أحمد :

أخرج ابن الجوزی فی مناقب أحمد (3) (ص 481) : عن أحمد بن الحسن ، عن أبیه ، قال : قال الشیخ أبو طاهر میمون : یا بنیّ رأیت رجلاً بجامع الرصافة فی شهر ربیع الأوّل (4) من سنة [ست و] (5) ستین وأربعمائة ، فسألته فقال : قد جئت من ستمائة فرسخ ، فقلت : فی أیّ حاجة؟ قال : رأیت وأنا ببلدی فی لیلة جمعة کأنّی فی صحراء أو فی فضاء عظیم والخلق قیام ، وأبواب السماء قد فُتحت ، وملائکة تنزل من السماء تلبس أقواماً ثیاباً خضراً وتطیر بهم فی الهواء ، فقلت : من هؤلاء الذین قد اختصّوا بهذا؟ فقالوا لی : هؤلاء الذین یزورون أحمد بن حنبل ، فانتبهت ولم ألبث أن أصلحت أمری وجئت إلی هذا البلد وزرته دفعات ، وأنا عائد إلی بلدی إن شاء الله.

برکة قبر أحمد وجواره :

أخرج ابن الجوزی فی مناقب أحمد (6) (ص 482) عن أبی یوسف بن بختان - وکان من خیار المسلمین - قال : لمّا مات أحمد بن حنبل رأی رجل فی منامه کأنَ 3.

ص: 287


1- المنتظم : 18 / 55.
2- البدایة والنهایة : 12 / 277 حوادث سنة 542 ه.
3- مناقب أحمد : ص 639.
4- فی المصدر : ربیع الآخر.
5- الزیادة من المصدر.
6- مناقب أحمد : ص 642 ، 643.

علی کلّ قبر قندیلاً ، فقال : ما هذا؟ فقیل له : أما علمت أنّه نور لأهل القبور ، ینوّرهم بنزول هذا الرجل بین أظهرهم ، وقد کان فیهم من یُعذّب فرحم.

وبإسناده عن عبید بن شریک قال : مات رجل مخنّت فرُئی فی النوم فقال : قد غُفر لی ، دفن عندنا أحمد بن حنبل فغفر لأهل القبور.

وبإسناده فی (ص 483) عن أبی علیّ الحسن بن أحمد الفقیه ، قال : لمّا ماتت أُمُّ القطیعی دفنها فی جوار أحمد بن حنبل ، فرآها بعد لیال [فقال : ما فعل الله بکِ؟] (1) فقالت : یا بُنیّ رضی الله عنک ، فلقد دفنتنی فی جوار رجل ینزل علی قبره فی کلّ لیلة - أو قالت فی کلّ لیلة جمعة - رحمة تعمُّ جمیع أهل المقبرة ، وأنا منهم.

قال : قال أبو علیّ : وحکی أبو ظاهر الجمّال - شیخ صالح - قال : قرأت لیلة وأنا فی مقبرة أحمد بن حنبل ، قوله تعالی (فَمِنْهُمْ شَقِیٌّ وَسَعِیدٌ) (2) ، ثمّ حملتنی عینی فسمعت قائلاً یقول : ما فینا شقیٌّ والحمد لله ببرکة أحمد.

وقال : بلغنی عن بعض السلف القدماء قال : کانت عندنا عجوز من المتعبِّدات قد خلت بالعبادة خمسین سنة ، فأصبحت ذات یوم مذعورة ، فقالت : جاءنی بعض الجنِّ فی منامی فقال : إنّی قرینک من الجنِّ ، وإنَّ الجنَّ استرَقَت السمع بتعزیة الملائکة بعضها بعضاً بموت رجل صالح یقال له : أحمد بن حنبل ، وتربته فی موضع کذا ، وإنَّ الله یغفر لمن جاوره ، فإن استطعت أن تجاوریه فی وقت وفاتک فافعلی ، فإنّی لک ناصح ، وإنَّک میّتة بعده بلیلة. فماتت کذلک فعلمنا أنّه منام حقّ.

قال الأمینی : هذه نماذج من کلمات الحنابلة فی زیارة قبر إمامهم أحمد وبرکة جواره ، وهذه سیرتهم المطّردة فیها وفی زیارة قبور مشایخهم کما یأتی ، فشتّان بینها 5.

ص: 288


1- الزیادة من المصدر.
2- هود : 105.

وبین ما تَرّه ابن تیمیّة ومن لفّ لفّه ، فإنَّهم شذّوا عن تلکم الآراء ، وأتوا بأحداث تافهة ، وعزوا إلی الإسلام ما لا یُرصف به.

23 - ذو النون المصری المتوفّی (246) ، دفن فی القرافة الصغری ، وعلی قبره مشهد مبنیّ ، وفی المشهد قبور جماعة من الصالحین ، وزرته غیر مرّة.

قاله ابن خلّکان فی تاریخه (1) (1 / 109).

24 - بکّار بن قتیبة بن أسد الثقفی البکراوی البصری الحنفی الفقیه المتوفّی بمصر سنة (270) ، دُفن بالقرافة ، قبره مشهور یزار ویتبرّک به ، ویُقال : إنّ الدعاء عند قبره مستجاب. الجواهر المضیّة (2) (1 / 170).

25 - إبراهیم الحربی المتوفّی (285) ، دُفن فی بیته ، وقبره ظاهر یتبرّک الناس به. قاله ابن الجوزی فی مناقب أحمد (3) (ص 509) ، وصفة الصفوة (2 / 232).

26 - إسماعیل بن یوسف أبو علیّ الدیلمی ، قال المعافی : الناس یزورون قبره وراء قبر معروف الکرخی وبینهما قبور یسیرة ، وقد زرته مراراً. صفة الصفوة (4) (2 / 233)

27 - علیّ بن محمد بن بشّار أبو الحسن المتوفّی (313) ، قبره ببغداد الیوم ظاهر یُتبرّک به. المنتظم (5) (6 / 199).

28 - یعقوب بن إسحاق أبو عوانة النیسابوری ثمّ الأسفرایینی الحافظ الشهیر ، 7.

ص: 289


1- وفیات الأعیان : 1 / 318 رقم 129.
2- الجواهر المضیّة : 1 / 461.
3- مناقب أحمد : ص 677 ، صفة الصفوة : 2 / 410 رقم 289.
4- صفة الصفوة : 2 / 413 رقم 292.
5- المنتظم : 13 / 252 رقم 2227.

المتوفّی (316) ، قال الذهبی فی تذکرته (1) (3 / 3) : قبر أبی عوانة علیه مشهد مبنیّ بأسفرایین ، یُزار وهو بداخل المدینة.

وقال الحافظ ابن عساکر : إنَّ قبر أبی عوانة بأسفرایین مزار العالم ومتبرّک الخلق ؛ وبجنب قبره قبر الراویة عنه أبی نعیم ، وقریب من مشهده مشهد الإمام أبی إسحاق الأسفرایینی ، والعوام یتقرّبون إلی مشهد أبی إسحاق أکثر ممّا یتقرّبون إلی أبی عوانة ، وهم لا یعرفون قدر هذا الإمام الکبیر المحدِّث أبی عوانة ، لبعد العهد بوفاته وقرب العهد بوفاة أبی إسحاق ، وکان جدِّی إذا وصل إلی مشهد الأستاذ أبی إسحاق لا یدخله احتراماً ، بل کان یُقبِّل عتبة المشهد - وهی مرتفعة بدرجات - ، ویقف ساعةً علی هیئة التعظیم والتوقیر ، ثمّ یعبر عنه کالمودِّع لعظیم الهیبة والقدر ، وإذا وصل إلی مشهد أبی عوانة کان أشدَّ تعظیماً له وإجلالاً وتوقیراً ، ویقف أکثر من ذلک رحمهم الله أجمعین. وفیات الأعیان (2) (2 / 469) ملخّصاً.

29 - أبو محمد عبد الله بن أحمد بن طباطبا المصری المتوفّی (348) ، دُفن بمصر ، وقبره معروف ومشهور بإجابة الدعاء ، رُوی أنَّ رجلاً حجّ وفاتته زیارة النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فضاق صدره لذلک ، فرآه صلی الله علیه وآله وسلم فی نومه فقال له : إذا فاتتک الزیارة فزر قبر عبد الله ابن أحمد بن طباطبا ، وکان صاحب الرؤیا من أهل مصر. وفیات الأعیان (3) (1 / 282).

30 - الحافظ أبو الفضل صبح بن أحمد التمیمی السمسار المتوفّی (384) ، الدعاء عند قبره مستجاب. شذرات الذهب (4) (3 / 109). .

ص: 290


1- تذکرة الحفّاظ : 3 / 780 رقم 772.
2- وفیات الأعیان : 6 / 394 رقم 826.
3- وفیات الأعیان : 3 / 82 رقم 342.
4- شذرات الذهب : 4 / 442 حوادث سنة 384 ه.

31 - الحافظ أبو الحسن علی بن محمد العامری المتوفّی (403) ، عکف الناس علی قبره لیالی یقرؤون القرآن ویدعون له ، وجاء الشعراء من کل أوب یرثون ویترحّمون. البدایة والنهایة (1) (11 / 351).

32 - أبو سعید عبد الملک بن محمد الخرکوشی المتوفّی (406) ، قبره بنیسابور مشهور یزار ویتبرّک به. شفاء السقام للسبکی (2) (ص 29).

33 - محمد بن الحسن أبو بکر بن فورک الأصبهانی المتوفّی (406) ، دُفن بالحیرة من نیسابور ، ومشهده بها ظاهر ، یزار ویُستسقی به ، وتجاب الدعوة عنده. وفیات الأعیان (3) (2 / 57).

34 - أبو علی الحسن بن أبی الهبیش المتوفّی (420) ، قال ابن الجوزی فی المنتظم (4) (8 / 46) : قبره ظاهر بالکوفة وقد عمل علیه مشهد وقد زرته فی طریق الحجِّ.

35 - أبو جعفر بن أبی موسی المتوفّی (470) ، کان إمام الحنابلة فی وقته بلا مدافعة ، نُبش قبر أحمد بن حنبل ودفن فیه ، ولزم الناس قبره فکانوا یبیتون عنده کلّ لیلة أربعاء ، ویختمون الختمات فیقال : إنّه قرئ علی قبره تلک الأیّام عشرة آلاف ختمة. شذرات الذهب (5) (3 / 337) ، وقال ابن الجوزی فی المنتظم (6) (8 / 317) : کان الناس یبیتون هناک کلّ لیلة أربعاء ویختمون الختمات ، ویخرج المتعیّشون فیبیعون 2.

ص: 291


1- البدایة والنهایة : 11 / 404 حوادث سنة 403 ه.
2- شفاء السقام : ص 39.
3- وفیات الأعیان : 4 / 272 رقم 610.
4- المنتظم : 15 / 202 رقم 3163.
5- شذرات الذهب : 5 / 303 حوادث سنة 470 ه.
6- المنتظم : 16 / 196 رقم 3482.

المأکولات ، وصار ذلک فرجةً للناس ، ولم یزالوا کذلک إلی أن جاء الشتاء فامتنعوا ، فختم علی قبره فی تلک المدّة أکثر من عشرة آلاف ختمة.

وقال ابن کثیر : دُفن إلی جانب الإمام أحمد فاتّخذت العامّة قبره سوقاً کلّ لیلة أربعاء یتردّدون إلیه. البدایة والنهایة (1) (12 / 119).

36 - المعتمد علی الله أبو القاسم محمد بن المعتضد اللخمی الأندلسی المتوفّی (488) ، اجتمع عند قبره جماعة من الشعراء الذین کانوا یقصدونه بالمدائح ویجزل لهم المنائح ، فرثوه بقصائد مطوَّلات وأنشدوها عند قبره وبکوا علیه ، فمنهم أبو بحر رثاه بقصیدة منها :

قبَّلتُ (2) فی هذا الثری لک

خاضعاً

وجعلتُ قبرَکَ موضعَ الإنشادِ

ولمّا فرغ من إنشادها ، قبّل الثری ومرّغ جسمه وعفّر خدّه ، فأبکی کلّ من حضر. شذرات الذهب (3) (3 / 390).

37 - نصر بن إبراهیم المقدسی المتوفّی (490) ، شیخ الشافعیّة ، توفّی بدمشق ودفن بباب الصغیر ، وقبره ظاهر یزار ، قال النووی : سمعنا الشیوخ یقولون : الدعاء عند قبره یوم السبت مستجاب. شذرات الذهب (4) (3 / 396).

38 - أبو الحسن علیّ بن الحسن المصری فقیه الشافعیّة المتوفّی (492) ، قال ابن الأنماطی : قبره بالقرافة یُعرف بإجابة الدعاء عنده. شذرات الذهب (5) (3 / 399). .

ص: 292


1- البدایة والنهایة : 12 / 145 حوادث سنة 470 ه.
2- فی وفیات الأعیان : 5 / 37 : أقبلت.
3- شذرات الذهب : 5 / 388 حوادث سنة 488 ه.
4- شذرات الذهب : ص 397 حوادث سنة 490 ه.
5- شذرات الذهب : ص 402 حوادث سنة 492 ه.

39 - علیّ بن إسماعیل بن محمد المتوفّی (559) ، قبره بفاس ، من مزاراتها المتبرّک بها المجاب عنده الدعاء ، قاله الساحلی. وفی نیل الابتهاج (ص 198) : زرت قبره مراراً بفاس.

40 - الخضر بن نصر الإربلی الفقیه الشافعی المتوفّی (567 ، 569) ، قال ابن کثیر فی تاریخه (1) (12 / 287) نقلاً عن تاریخ ابن خلّکان : قبره یُزار وقد زرته غیر مرّة ، ورأیت الناس ینتابون قبره ویتبرّکون به (2).

41 - نور الدین محمود بن زنکی المتوفّی (569) ، قال ابن کثیر : قبره بدمشق یُزار ویحلق بشبّاکه ویطیب ویتبرّک به کلُّ مارّ ، فیقول : قبر نور الدین الشهید. البدایة والنهایة (3) (12 / 284).

وفی شذرات الذهب (4) (4 / 231) : روی أنّ الدعاء عند قبره مستجاب ، ویقال : إنَّه دُفن معه ثلاث شعرات من شعر لحیته صلی الله علیه وآله وسلم ، فینبغی لمن زاره أن یقصد زیارة شیء منه صلی الله علیه وآله وسلم.

42 - القاسم بن فیرة الشاطبی المتوفّی (590) ، دُفن بالقرافة ، وقبره مشهور معروف یُقصد للزیارة ، وقد زرته مرّات وعرض علیّ بعض أصحابی الشاطبیّة عند قبره ، ورأیت برکة الدعاء عند قبره بالإجابة رحمه الله ورضی عنه. طبقات القرّاء (5) (3 / 23).

43 - أحمد بن جعفر الخزرجی أبو العبّاس السبتی نزیل مراکش والمتوفّی بها 0.

ص: 293


1- البدایة والنهایة : 12 / 353 حوادث سنة 569 ه.
2- فی هذه العبارة زیادة وتغییر علی ما فی تاریخ ابن خلّکان : 1 / 189 [2 / 238 رقم 216]. (المؤلف)
3- البدایة والنهایة : 12 / 350 حوادث سنة 569 ه.
4- شذرات الذهب : 6 / 382 حوادث سنة 569 ه.
5- طبقات القرّاء : 2 / 22 رقم 2600.

سنة (601) ، قبره معروف مزار مزاحم علیه مجرّب الإجابة ، زرته مراراً لا تُحصی ، وجرّبت برکته غیر مرّة ، وقال ابن الخطیب السلمانی فی کلام له : ویبلغ وارد ذلک المزار فی الیوم الواحد ثمانمائة مثقال ذهب عین ، وربّما وصل بعض الأیّام ألف دینار ، وتُصرف کلّها فی ذوی الحاجات المحتفّین به من أهالی تلک الدیار.

قال صاحب نیل الابتهاج - بعد کلام طویل حول هذا المزار - : قلت : وإلی الآن ما زال الحال علی ما کان علیه فی روضته من ازدحام الخلق علیها ، وقضاء حوائجهم ، وقد زرته ما یزید علی خمسمائة مرّة ، وبتُّ هناک ما ینیف علی ثلاثین لیلة ، وشاهدتُ برکته فی الأُمور. ثمّ ذکر قصّة یهودیّ توسّل به وقُضیت حاجته. راجع نیل الابتهاج (ص 62).

44 - محمد بن أحمد الحنبلی أبو عمرو (1) المقدّسی المتوفّی (607) ، قبره یُزار ، ولمّا دُفن رأی بعض الصالحین فی منامه تلک اللیلة النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وهو یقول : من زار أبا عمرو لیلة الجمعة فکأنَّما زار الکعبة ، فاخلعوا نعالکم قبل أن تصلوا إلیه. شذرات الذهب (2) (5 / 30).

45 - سیف الدین أبو الحسن القمیری المتوفّی (653) ، بنابلس ، الدعاء عند قبره مستجاب. شذرات الذهب (3) (5 / 161).

46 - إسحاق بن یحیی أبو إبراهیم الأعرج المتوفّی بفاس (683) ، الدعاء عند قبره مستجاب. نیل الابتهاج (ص 100).

47 - الشیخ أحمد بن علیّ البدوی المتوفّی (675) ، دُفن بطندتا (4) ، وجعلوا علی ).

ص: 294


1- فی المصدر : أبو عمر.
2- شذرات الذهب : 7 / 56 حوادث سنة 607 ه.
3- شذرات الذهب : ص 450 حوادث سنة 653 ه.
4- بلدة بمصر. وهی معروفة الیوم ب (طنطا).

قبره مقاماً ، واشتهرت کراماته وکثرت النذور إلیه. شذرات الذهب (1) (5 / 346).

48 - الشیخ حسین الجاکی المتوفّی (730) ، قبره ظاهر یُزار کلّ لیلة أربعاء وصبیحتها. طبقات الأخبار (2 / 2).

49 - الشیخ أحمد بن علوان : قال الیافعی فی مرآته (4 / 357) : ومن کراماته أنَّ ذرّیة الفقهاء الذین کانوا ینکرون علیه صاروا یلوذون عند النوائب بقبره ، ویستجیرون من خوف السلطان به ، وإلی ذلک وبعض مناقبه الحمیدة أشرت فی قصیدة. ثمّ ذکر خمسة أبیات.

50 - أبو علیّ بن بیان : یتبرّک أهل بلد دیر العاقول بزیارة قبره. تاریخ بغداد (14 / 427).

51 - أبو عبد الله القرشی الأندلسی توفِّی ببیت المقدس ، قبره مقصود بالزیارة. شذرات الذهب (2) (4 / 342).

52 - الشیخ أبو بکر بن عبد الله العیدروس باعلوی توفّی سنة (914) بعدن ، وقبره بها أشهر من الشمس الضاحیة ، یُقصد للزیارة والتبرّک من الأماکن البعیدة.

سبعة فی تریم (3) یعتقد أهل زبید أنّ من زارهم سبعة أیّام متوالیة قُضیت حاجته ، قال الشیخ علیّ بن أبی بکر فی الثناء علیهم :

بباب سهامٍ سبعةٌ من مشایخٍ

لقاصدِهمْ ذخرٌ وکنزٌ لمقللِ

فیونس إبراهیم مرزوق جبرتی

وأفلح میّاد کذا ابن الرضا الولی

زیارتُهم نجحٌ لکلّ حوائجٍ

وفی الخلد سکنی للذی زار مقبلِ8.

ص: 295


1- شذرات الذهب : 7 / 605 حوادث سنة 675 ه.
2- شذرات الذهب : 6 / 556 حوادث سنة 599 ه.
3- تریم : اسم إحدی مدینتی حضرموت وهما شبام وتریم. معجم البلدان : 2 / 28.

تریم بها منهم أُلوفٌ عدیدةٌ

بساحةِ بشّارٍ شموس الهدی قلِ

زیارةُ کلٍّ منهمُ صحّ أنّها

لما شئتَ من جلبٍ ودفعٍ محصَّلِ

وإنْ قیل تریاقٌ ببغداد جرِّبا

وفی ربع بشّار شفا کلِّ معضل

إلی آخر الأبیات. النور السافر (1) (ص 80 ، 81) ، شذرات الذهب (2) (8 / 64).

توجد فی المعاجم وکتب التراجم والتاریخ أضعاف ما ذکر من القبور المزورة ، اقتصرنا بالمذکور روماً للاختصار.

منتهی القول فی زیارة القبور

هذا قلیل من کثیر ممّا تداول بین أجیال المسلمین منذ عهدهم المتقادم من لدن عهد الصحابة الأوّلین والتابعین لهم بإحسان ، ثمّ فی أدوارهم المتتابعة من زیارة قبر نبیّهم الأعظم صلی الله علیه وآله وسلم ومراقد الأئمّة والأولیاء والصالحین والعلماء ، وشدّ الرحال إلیها ، والتوسّل والاستشفاع بها ؛ وفی الزائرین علماء أعلام وأئمّة یقتدی بهم فی کلٍّ من المذاهب ، علی أنّ نقلة هذه الأقاویل علماء وقادة ارتضوا تلکم الأعمال بنقلهم لها فی مقام فضیلة المقبورین ، وأرباب هاتیک المشاهد ، فعلی ذلک وقع التسالم بین فرق المسلمین فی قرونهم المتطاولة ، وذلک یُنبئ عن الإجماع المتحقّق بین طبقات الأمّة الإسلامیّة علی استحسان ذلک کلّه ، وکونه سنّة متّبعة.

وأنت - أیّها القارئ الکریم - إذا أعرت لما تلوناه علیک أُذناً واعیة ، فهل تجد لما یصفه ابن تیمیّة ومن یرقص لما له من مکاءٍ وتصدیةٍ - نظراء القصیمی - مقیلاً من الصدق؟ فهل کان المسلمون الأوّلون یرون ما یأتون به من الأعمال فی مشاهد الموتی کفِریة ثمّ یتقرّبون به إلی الله تعالی؟ حاشا لا نتّهم فرق المسلمین عامّة بمثل .

ص: 296


1- النور السافر : ص 76.
2- شذرات الذهب : 10 / 93 حوادث سنة 914 ه.

هذه الفریة الشائنة ، وهل تجد شیئاً من هاتیک الأعمال مختصّا بالشیعة فحسب؟ لاها الله. وهل الأعمال التی تأتی بها الشیعة عند القبور - وقد زعم الرجل أنّها کاشفة عن الغلوِّ والتألیه لعلّی وولده - غیر ما یأتی به أهل السنّة وفی مقدّم هم أئمّتهم عند تلکم المزارات من لدن عصر الصحابة حتی الیوم من سرد ألفاظ زیارة جامعة لفضائل المزور ، ومن الدعاء عند قبره ، والصلاة لدیه ، وختم القرآن عنده وإهدائه إلیه ، والتوسّل والاستشفاع به ، وطلب قضاء الحاجة من الله تعالی بوسیلته ، والتبرّک به بالتزام أو تمریغ أو تقبیل ، وتعظیمه بکلّ ما اقتضته حرمته واستوجبه خطره ، فلو صحّت أحلام ابن تیمیّة وتابعیه وتکون هذه الأعمال بدعةً وضلالاً وغلوّا وتألیهاً ، وفاعلها خارجاً عن ربقة الإسلام ، لم یبقَ عندئذٍ معتنق للإسلام منذ یومه الأوّل إلاّ ابن تیمیّة ومن لفَّ لفَّه.

فحقیقٌ علی القارئ الآن أن یقف علی کلمة القصیمی الأخری ، ویکون علی بصیرةٍ من أنَّ الشیعة لیس بینها وبین المذاهب الأربعة قطّ اختلاف فی هذه المواضیع الهامّة ، وإنّما هی ممّا تسالمت علیه الأمّة الإسلامیّة جمعاء ، غیر أنّ کتّاب الهواهی (1) هاج هائجهم علی الشیعة فأجّجوا علیهم نیران الإحن والشحناء ، وجاءوا یقطّعون کلمة التوحید بأقلام مسمومة ، ویشقّون عصا المسلمین ، ویلقون الخلاف بینهم. (أُولئِکَ الَّذِینَ طَبَعَ اللهُ عَلی قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ) (2).

ذکر فی الصراع (2 / 648) قول العلاّمة الأمین من قصیدة له :

لا بدع أن کان الدعاء إلیه فی

ها صاعداً وبغیرها لم یصعد

ثم قال : هذا القول عند جمیع المسلمین علی اختلاف مذاهبهم ونحلهم من أقوال 6.

ص: 297


1- الهواهی : اللغو من القول ، والأباطیل.
2- محمد : 16.

الردّة والکفر الواضح ، ونعوذ بالله من الخذلان. وقبل هذا البیت :

وکذا الصلاةُ لدی القبورِ تبرّکاً

بذوی القبورِ فلیس بالصنعِ الردی

إنّ الأئمّةَ من سلالةِ هاشمٍ

ثقلُ النبیّ وقدوةٌ للمقتدی

قالوا الصلاةُ لدی محلِّ قبورنا

فی الفضل تعدلُ مثلَها فی المسجدِ

عنهم روته لنا الثقاتُ فبالهدی

عنهم إذا شئتَ الهدایةَ فاقتدِ

شرفُ المکانِ بذی المکانِ محقَّقٌ

وأخو الحجا فی ذاک لم یتردّدِ

خیر عبادة ربِّنا فی مثله

من غیره فإلیه فاعمد واقصدِ

وکذلکم طلبُ الحوائجِ عندها

من ربِّنا أرجی لنیل المقصدِ

برکاتُها تُرجی لداعٍ أنَّها

برکات شخصٍ فی الضریح موسَّدِ

لا بدع أن کان الدعاء إلیه إلخ

فقال : والقصیدة أغلبها من هذا النوع الفاحش المناقض لدین الإسلام ولغیره من أدیان الله. انتهی. وعدّ القول بالشفاء وإجابة الدعاء عند قبر الحسین السبط علیه السلام من آفات الشیعة فی (2 / 21).

(کَبُرَتْ کَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ إِنْ یَقُولُونَ إِلاَّ کَذِباً) (1)

58 - نظرة التنقیب فی الحدیث

کثرت القالة حول أحادیث الشیعة ، من رُماة القول علی عواهنه ، وکلّ منهم اختار معاثاً ، ویلوک بین شدقیه مغمزة ؛ فتری هذا یزعمها رقاعاً مزوّرة تُعزی إلی الإمام الغائب (2) ، وآخر یحسبها أکاذیب موضوعة علی الإمامین الباقر ف)

ص: 298


1- الکهف : 5.
2- راجع الجزء الثالث من کتابنا : ص 277 - 285. (المؤلف)

والصادق (1) ، لا هذا یبالی بمغبّة فریته ، ولا ذاک یکترث لکشف سوأته ؛ وفی مؤخّر القوم کیذبان أشوس شدّد النکیر علیها ، وبالغ فی اللغوب ، وتلمّخ بالعجب العجاب ، ألا وهو : عبد الله القصیمی. قال فی الصراع (2) (1 / 85):

الکذّابة حقّا کثیرة فی رجال الشیعة وأصحاب الأهواء ، طمعاً فی الدنیا وتزلّفاً إلی أصحابها ، أو کیداً للحدیث والسنّة وحنقاً علی أهلها ، ولکنّ علماء السنّة کشفوا ذلک وأبانوه أتمَّ البیان - إلی أن قال - : ولیس فی رجال الحدیث من أهل السنّة من هو متّهم بالوضع والکذابة طمعاً فی الدنیا ، وازدلافاً إلی أهلها ، وانتصاراً للأهواء والعقائد المدخولة الباطلة.

نعم ؛ قد یوجد بینهم من ساء حفظه أو من کثر نسیانه ، أو من انخدع بالمدلّسین الضعفاء ، ولکن رجال التراجم والجرح والتعدیل قد بیّنوا هذا النوع کلّه.

الجواب : لعلّ الباحث یحسب لهذه الدعاوی المجرّدة الفارغة مسّةً من الصدق أو لمسةً من الحقِّ ، ذاهلاً عن أن الغالب علی الأقلام المستأجرة الیوم هو الإفک وقول الزور ، وأنّ مدار رُقیّ الأمم فی وجه البسیطة وتقدّمها علی الکذب والشطط ، ومحور سیاسة الدنیا فی جهاتها الستّ هو الهثُ (3) والدجل والتمویه ؛ وأنّ کثیراً من الدعایات فی المبادئ والآراء والمعتقدات تحکّمات محضة ، وتقوّلات لا طائل تحتها ، ملفوفة بأفانین الخبّ والخدع ؛ وهناک فئات مبثوثة فی الملأ کلّها لا تتأتّی مآربهم من زبرج الدنیا إلاّ بزخرف القول وکذب الحدیث ، وتعمیة الأُمیّین من الناس ، وسوقهم إلی معاسیف السبل ومعامیها ، ولولا تهدید المولی سبحانه عباده بقوله : (ما یَلْفِظُ مِنْ ب.

ص: 299


1- یجده الباحث فی غیر واحد من کتب القوم سلفاً وخلفاً. (المؤلف)
2- مرّ مجمل القول حول هذا الکتاب فی الجزء الثالث : ص 288 - 309. (المؤلف)
3- الهثّ : الکذب.

قَوْلٍ إلاّ لَدَیهِ رَقِیبٌ عَتِیدٌ) (1) ، ولولا الإنذار النازل فی کتاب الله علی کلِّ کذّاب أفّاک أثیم لما کان یسع لأحد من هؤلاء الکذّابین الدجّالین أن یکذب أکثر ممّا کذب ، أو یأتی بأمرٍ لم یأتِ به ؛ فکلٌّ منهم أکذب من خُرافة وحُجینة ، فیهمّنا عندئذٍ إیقاف القارئ علی حقیقة الأمر ، وإماطة الستر عن سرِّ ما ادّعاه الرجل فی رجال الحدیث من قومه من أنّهم لا یوجد فیهم متّهم بالوضع والکذابة .. إلخ.

فنذکر أمّة ممّن عُرفوا بالوضع والکذب فضلاً عمّن اتّهم بهما منهم ، ونقدِّم بین یدی الباحث نبذةً من الموضوعات التی لم توضع إلاّ طمعاً فی الدنیا وازدلافاً إلی أهلها أو انتصاراً للأهواء والعقائد المدخولة الباطلة ، وتلمسه بالید حساب ما وضعته تلکم الأیدی الأثیمة الخائنة علی قدس صاحب الرسالة وسنّته ، فتتّضح عنده جلیّة الحال ، وله فصل الخطاب إن لم یتّبع الهوی فیضلَّ عن سبیل الله. 8.

ص: 300


1- سورة ق : 18.

59-سلسلة الکذّابین والوضّاعین

اشارة

حرف الألف

1 - أبان - أباء - بن جعفر أبو سعید البصری : کذّاب ، کان یضع الحدیث علی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم. وقد وضع علی أبی حنیفة أکثر من ثلاثمائة حدیث ما حدّث بها أبو حنیفة قطّ (1). میزان الاعتدال (1 / 10) ، تذکرة الموضوعات (ص 120) ، اللآلئ المصنوعة (2 / 13).

2 - أبان بن فیروز أبی عیّاش مولی عبد القیس أبو إسماعیل البصری المتوفّی (138) : قال شعبة : ردائی وخماری فی المساکین صدقة إن لم یکن ابن أبی عیّاش یکذب فی الحدیث. وقال : لا یحلّ الکفُّ عنه إنّه یکذب علی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم.

وقال أحمد إمام الحنابلة لیحیی بن معین - وهو یکتب عن أبان نسخة - : تکتب هذه وأنت تعلم أنَّ أبان کذّاب؟

وقال شعبة : لأَن یزنی الرجل خیر من أن یروی عن أبان. وقال : لأَن أشرب ا.

ص: 301


1- میزان الاعتدال : 1 / 17 رقم 22 ، تذکرة الموضوعات : ص 84 ، اللآلئ المصنوعة : 2 / 23 ، لسان المیزان : 1 / 6 و 13 رقم 7 و 35 ، کتاب المجروحین : 1 / 184 ، وجاء فی کتاب الضعفاء والمتروکین لابن الجوزی : 1 / 14 رقم 4 ، والإکمال لابن ماکولا : 1 / 8 أنّ اسمه : أبَّا.

من بول حماری أحبُّ إلیَّ من أن أقول حدّثنی أبان. لعلّه حدّث عن أنس بأکثر من ألف وخمسمائة حدیث ، ما لکثیر شیء منها أصل (1). تهذیب التهذیب (1 / 99).

3 - إبراهیم بن أبی حیّة : کذّاب (2). تذکرة الموضوعات (ص 30).

4 - إبراهیم بن أبی اللیث المتوفّی (234) : صاحب الأشجعی ، کذّاب ، وضّاع متروک الحدیث (3). تاریخ بغداد (6 / 196) ، میزان الاعتدال (1 / 27).

5 - إبراهیم بن أبی یحیی أبو إسحاق المدنی المتوفّی (184) : کذّاب ، یضع ، عدّه النسائی من الکذّابین المعروفین بوضع الحدیث علی رسول الله (4). تاریخ بغداد (13 / 168) ، خلاصة التهذیب (ص 18).

6 - إبراهیم بن أحمد الحرّانی الضریر : کان یضع الحدیث (5). میزان الاعتدال (1 / 10).

7 - إبراهیم بن أحمد العجلی المتوفّی (331) : کان ممّن یضع الحدیث ، ذکره ابن 9.

ص: 302


1- تهذیب التهذیب : 1 / 86 ، کتاب الضعفاء والمتروکین للنسائی : ص 45 رقم 21 ، الضعفاء الکبیر : 1 / 38 رقم 22 ، کتاب المجروحین : 1 / 96 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 1 / 381 رقم 203.
2- تذکرة الموضوعات : ص 22 ، موضح أوهام الجمع والتفریق : 1 / 376 ، کتاب الضعفاء والمتروکین لابن الجوزی : 1 / 31 رقم 53.
3- میزان الاعتدال : 1 / 54 رقم 173 ، لسان المیزان : 1 / 90 رقم 271 موضح أوهام الجمع والتفریق : 1 / 388 وفیه أنّ وفاته سنة (236) بخلاف ما فی تاریخ بغداد وبقیة المصادر.
4- خلاصة الخزرجی : 1 / 54 رقم 274 ، علل أحمد بن حنبل : 2 / 535 رقم 3533 ، التاریخ الکبیر : 1 / 323 ، الضعفاء الکبیر : 1 / 62 رقم 59 ، الجرح والتعدیل : 2 / 125 ، کتاب المجروحین : 1 / 105 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 1 / 217 رقم 61 وفیه ترجمة ضافیة له ، مناقب الشافعی : 1 / 533 ، موضح أوهام الجمع والتفریق : 1 / 365 ، کتاب الضعفاء والمتروکین لابن الجوزی : 1 / 51 رقم 116 ، میزان الاعتدال : 1 / 57 رقم 189 ، تهذیب التهذیب : 1 / 137 ، وفیها جمیعاً : إبراهیم بن محمد بن أبی یحیی الأسلمی المدنی ، وقیل : المدینی.
5- میزان الاعتدال : 1 / 17 رقم 23 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 1 / 271 رقم 110 ، کتاب الضعفاء والمتروکین لابن الجوزی : 1 / 21 رقم 19.

الجوزی وقال : وضع أحادیث فافتضح (1). میزان الاعتدال (1 / 10) ، لسان المیزان (1 / 27).

8 - إبراهیم بن إسحاق بن عیسی البغدادی : کذّاب. تذکرة الموضوعات (2) (ص 78).

9 - إبراهیم بن البراء الأنصاری المتوفّی (224 ، 225) حفید أنس بن مالک ، کذّاب ، یحدِّث عن الثقات بالموضوعات ، لا یجوز ذکره إلاّ علی سبیل القدح فیه ، قال ابن عدی (3) : أحادیثه موضوعة (4). میزان الاعتدال (1 / 12 ، 26) ، تذکرة الموضوعات (ص 87).

10 - إبراهیم بن بکر الشیبانی أبو إسحاق الأعور ، نزیل بغداد : أحادیثه موضوعة ، کان یسرق الحدیث (5). تاریخ بغداد (6 / 46) ، لسان المیزان (1 / 40).

11 - إبراهیم بن الحوّات السمّاک : معاصر الترمذی ، کذّاب ، قال : ربّما وضعت أحادیث (6). میزان الاعتدال (1 / 36).

12 - إبراهیم بن زکریّا أبو إسحاق العجلی البصری : حدیثه منکر ، حدّث بالبواطیل ، ویأتی عن مالک بأحادیث موضوعة (7). میزان الاعتدال (1 / 16). 6.

ص: 303


1- میزان الاعتدال : 1 / 17 رقم 25 ، لسان المیزان : 1 / 14 رقم 40 ، تاریخ الإسلام للذهبی : ص 50 حوادث ووفیات سنة 331 ه.
2- تذکرة الموضوعات : ص 55.
3- الکامل فی ضعفاء الرجال : 1 / 255 رقم 85.
4- میزان الاعتدال : 1 / 21 رقم 49 ، تذکرة الموضوعات : ص 61 ، الضعفاء الکبیر : 1 / 45 رقم 31 ، کتاب المجروحین : 1 / 117 ، موضح أوهام الجمع والتفریق : 1 / 399 وقد جمع الاختلاف باسمه الذی وقع بین علماء الرجال بشأنه ، وراجع کتاب الضعفاء والمتروکین لابن الجوزی : 1 / 24 رقم 33 فی الهامش للوقوف علی تعدد أسماء المترجم ، لسان المیزان : 1 / 25 رقم 73.
5- لسان المیزان : 1 / 28 رقم 81 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 1 / 257 رقم 87 ، کتاب الضعفاء والمتروکین لابن الجوزی : 1 / 27 رقم 37 میزان الاعتدال : 1 / 24 رقم 56.
6- میزان الاعتدال : 1 / 77 رقم 268 ، لسان المیزان : 1 / 40 و 131 رقم 121 و 394.
7- میزان الاعتدال : 1 / 31 رقم 90 ، کتاب المجروحین : 1 / 115 وفیه : أنه الواسطی ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 1 / 256 رقم 86 ، لسان المیزان : 1 / 49 رقم 146.

13 - إبراهیم بن صرمة الأنصاری : کذّاب خبیث ، یکذب علی الله وعلی رسوله (1). تاریخ بغداد (6 / 104) ، میزان الاعتدال (1 / 19).

14 - إبراهیم بن عبد الله بن خالد المصّیصی : رجل کذّاب ، یسرق الحدیث ، أحادیثه موضوعة (2). میزان الاعتدال (1 / 20).

15 - إبراهیم بن عبد الله السفرقع المتوفّی (361) : کذّاب ، یضع الحدیث (3). میزان الاعتدال (1 / 21) ، لسان المیزان (1 / 74).

16 - إبراهیم بن عبد الله المخرّمی المتوفّی (304) : لیس بثقة ، حدّث عن الثقات بأحادیث باطلة. میزان الاعتدال (4) (1 / 20).

17 - إبراهیم بن عبد الله بن همّام الصنعانی : کذّاب ، وضّاع (5). میزان الاعتدال (1 / 21) ، تذکرة الموضوعات (ص 113) ، اللآلئ المصنوعة (2 / 190).

18 - إبراهیم بن علیّ الآمدی المتوفّی (575) : کان یکذب فی حکایاته ویضع ، وکان فقیهاً فاضلاً (6). میزان الاعتدال (1 / 24) ، لسان المیزان (1 / 86).

19 - إبراهیم بن الفضل الأصبهانی أبو منصور (7) البآر المتوفّی (530) : أحد الحفّاظ کذّاب ، کان یقف فی سوق أصفهان ویروی من حفظه بسنده ، وکان یضع فی الحال ، قال معمر : رأیته فی السوق وقد روی مناکیر بأسانید الصحاح ، وکنت أتأمّله ر.

ص: 304


1- میزان الاعتدال : 1 / 38 رقم 115.
2- میزان الاعتدال : ص 40 رقم 124 ، کتاب المجروحین : 1 / 116.
3- میزان الاعتدال : 1 / 42 رقم 128 ، لسان المیزان : 1 / 67 رقم 197.
4- میزان الاعتدال : 1 / 41 رقم 126.
5- میزان الاعتدال : ص 42 رقم 127 ، تذکرة الموضوعات : ص 63 ، اللآلئ المصنوعة : 2 / 136 ، کتاب الضعفاء والمتروکین لابن الجوزی : 1 / 41 رقم 85.
6- میزان الاعتدال : 1 / 50 رقم 159 ، لسان المیزان : 1 / 81 رقم 244.
7- هو فی جمیع المصادر التی ترجمت له - عدا شذرات الذهب - : أبو نصر.

مفرطاً ، أظنُّ أنّ الشیطان تبدّی علی صورته (1). میزان الاعتدال (1 / 25) ، شذرات الذهب (4 / 95) ، لسان المیزان (1 / 89).

20 - إبراهیم بن مجشِّر أبو إسحاق البغدادی المتوفّی (254) : کذّبه الفضل بن سهل ، وقال ابن عدی (2) : یسرق الحدیث. تاریخ بغداد (6 / 185).

21 - إبراهیم بن محمد العکاشی : کان کذّاباً (3). میزان الاعتدال (1 / 29).

22 - إبراهیم بن منقوش الزبیدی : قال الأزدی : کان یضع الحدیث (4). میزان الاعتدال (1 / 31) ، اللآلئ المصنوعة (1 / 165).

23 - إبراهیم المهاجر المدنی : کذّاب (5). تذکرة الموضوعات (ص 18).

24 - إبراهیم بن مهدی الأُبلّی - بالضم - أبو إسحاق البصری المتوفّی (208) : قال الأزدی : کان یضع الحدیث ، مشهور بذاک (6). میزان الاعتدال (1 / 32) ، خلاصة7.

ص: 305


1- میزان الاعتدال : 1 / 52 رقم 167 ، شذرات الذهب : 6 / 155 حوادث سنة 530 ه ، لسان المیزان : 1 / 85 رقم 258 ، الأنساب : 1 / 251 ، کتاب الضعفاء والمتروکین لابن الجوزی : 1 / 45 رقم 99.
2- الکامل فی ضعفاء الرجال : 1 / 274 رقم 114 ، الإکمال : 7 / 164 ، کتاب الضعفاء والمتروکین لابن الجوزی : 1 / 48 رقم 107 ، میزان الاعتدال : 1 / 55 رقم 178 ، لسان المیزان : 1 / 92 رقم 276.
3- میزان الاعتدال : 1 / 62 رقم 196 ، کتاب الضعفاء والمتروکین لابن الجوزی : 1 / 50 رقم 114 ، لسان المیزان : 1 / 102 رقم 304.
4- میزان الاعتدال : 1 / 67 رقم 221 ، اللآلئ المصنوعة : 1 / 318.
5- تذکرة الموضوعات : ص 13 ، التاریخ الکبیر : 1 / 328 ، کتاب الضعفاء والمتروکین للنسائی : ص 41 رقم 8 ، الضعفاء الکبیر : 1 / 66 رقم 65 ، الجرح والتعدیل : 2 / 133 ، کتاب المجروحین : 1 / 108 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 1 / 216 رقم 60 ، کتاب الضعفاء والمتروکین لابن الجوزی : 1 / 54 رقم 123 ، میزان الاعتدال : 1 / 67 رقم 224 ، لسان المیزان : 1 / 115 رقم 350 ، تهذیب التهذیب : 1 / 147 ، خلاصة الخزرجی : 1 / 57 رقم 289. وهو فی جمیع هذه المصادر : إبراهیم بن المهاجر بن مسمار المدنی.
6- میزان الاعتدال : 1 / 68 رقم 227 ، خلاصة الخزرجی : 1 / 57 رقم 291 ، تهذیب التهذیب : 1 / 147.

التهذیب (ص 29) ، تهذیب التهذیب (1 / 170).

25 - إبراهیم بن نافع الجلاّب : بصریّ کذّاب (1). تهذیب التهذیب (1 / 175) ، لسان المیزان (1 / 117).

26 - إبراهیم بن هدبة أبو هدبة البصری : کذّاب خبیث ، حدّث بالأباطیل ، ووضع علی أنس ، کان رقّاصاً بالبصرة یُدعی إلی العرائس فیرقص لهم ، وکان یشرب المسکر ، بقی إلی سنة مائتین (2). تاریخ بغداد (6 / 201) ، میزان الاعتدال (1 / 33) ، تذکرة الموضوعات (ص 69 ، 73) ، اللآلئ المصنوعة (2 / 58 ، 102 ، 233 ، 245) ، لسان المیزان (1 / 120).

27 - إبراهیم بن هراسة الشیبانی الکوفی : لیس بثقة ولا یکتب حدیثه ، متروک ، کذّاب (3). لسان المیزان (1 / 121).

28 - إبراهیم بن هشام الغسّانی المتوفّی (237) : کذّاب (4). تاریخ الشام (2 / 307) ، لسان المیزان (1 / 122). ).

ص: 306


1- تهذیب التهذیب : 1 / 152 ، لسان المیزان : 1 / 118 رقم 360.
2- میزان الاعتدال : 1 / 71 رقم 242 ، تذکرة الموضوعات : ص 49 و 51 ، اللآلئ المصنوعة : 2 / 103 و 186 و 437 و 463 ، لسان المیزان : 1 / 120 رقم 371 ، الجرح والتعدیل : 2 / 143 ، کتاب المجروحین : 1 / 114 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 1 / 208 رقم 55.
3- لسان المیزان : 1 / 123 رقم 372 ، التاریخ الکبیر : 1 / 333 ، کتاب الضعفاء والمتروکین للنسائی : ص 41 رقم 10 ، الضعفاء الکبیر : 1 / 69 رقم 71 ، الجرح والتعدیل : 2 / 143 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 1 / 244 رقم 75 ، موضح أوهام الجمع والتفریق : 1 / 386.
4- تاریخ مدینة دمشق : 7 / 267 رقم 537 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 4 / 177 ، لسان المیزان : 1 / 124 رقم 373 ، الجرح والتعدیل : 2 / 142 ، کتاب الضعفاء والمتروکین لابن الجوزی : 1 / 59 رقم 133 ، میزان الاعتدال : 1 / 72 رقم 244. وأرخ وفاته فی تاریخ مدینة دمشق ومختصره وفی میزان الاعتدال ولسانه بسنة (238).

29 - إبراهیم بن یحیی بن زهیر المصری : کان یکذب ویرکّب الأسانید. لسان المیزان (1) (1 / 124).

30 - أبرد بن أشرس : کذّاب ، وضّاع (2). میزان الاعتدال (1 / 36) ، اللآلئ المصنوعة (1 / 129).

31 - أحمد بن إبراهیم المزنی : کان یضع الحدیث ویدور بالساحل ، له نسخة موضوعة (3). میزان الاعتدال (1 / 38) ، تذکرة الموضوعات (ص 36).

32 - أحمد بن إبراهیم بن موسی : کذّاب ، لا تحلّ الروایة عنه (4). تذکرة الموضوعات (ص 55).

33 - أحمد بن أبی عمران الجرجانی المتوفّی بعد (360) : کان یضع الحدیث (5). میزان الاعتدال (1 / 58).

34 - أحمد بن أبی یحیی الأنماطی : کذّاب ، له غیر حدیث منکر عن الثقات (6). میزان الاعتدال (1 / 76).

35 - أحمد بن أحمد أبو العبّاس البغدادی الحنبلی المتوفّی (615) : حافظ مکثر ، کذّبه ابن الأخضر (7). شذرات الذهب (5 / 62). 0.

ص: 307


1- لسان المیزان : 1 / 126 رقم 378.
2- میزان الاعتدال : 1 / 77 رقم 269 ، اللآلئ المصنوعة : 1 / 248.
3- میزان الاعتدال : 1 / 80 رقم 286 ، تذکرة الموضوعات : ص 26 ، کتاب المجروحین : 1 / 144.
4- تذکرة الموضوعات : ص 39 ، کتاب المجروحین : 1 / 141.
5- میزان الاعتدال : 1 / 124 رقم 500 وراجع ص 159 رقم 636 ، لسان المیزان : 1 / 255 رقم 742. وسیأتی مکرّراً فی الرقم 88 و 579 فراجع التعلیق علیه فی کلتا الترجمتین.
6- میزان الاعتدال : 1 / 162 رقم 652 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 1 / 195 رقم 37.
7- شذرات الذهب : 7 / 112 حوادث سنة 615 ه ، العبر فی خبر من غبر : 3 / 165 ، ذیل طبقات الحنابلة : 4 / 108 رقم 258 ، لسان المیزان : 1 / 139 رقم 420.

36 - أحمد بن إسماعیل أبو حذافة السهمی المتوفّی (259) : صاحب مالک بن أنس ، کذّاب ، کلّ شیء تقول له یقول ، حدّث عن مالک وعن غیره بالبواطیل (1). تاریخ بغداد (4 / 23). میزان الاعتدال (1 / 39) ، تهذیب التهذیب (1 / 16).

37 - أحمد بن بکر البالسی أبو سعید ابن بکرویه : کان یضع الحدیث (2). میزان الاعتدال (1 / 40).

38 - أحمد بن ثابت الرازی فرخویه : لا یشکّون أنّه کذّاب (3). لسان المیزان (1 / 143) ، میزان الاعتدال (1 / 86).

39 - أحمد بن جعفر بن عبد الله السمسار : أحد مشایخ الحافظ أبی نعیم ، مشهور بالوضع (4). میزان الاعتدال (1 / 41) ، شذرات الذهب (2 / 372).

40 - أحمد بن جعفر بن عبد الله بن یونس : مشهور بالوضع ، لیس بشیء. میزان الاعتدال (5) (1 / 41).

41 - أحمد بن حامد السمرقندی : کان یکذب ، ویحدِّث عمّن لم یلحقه ، مات 2.

ص: 308


1- میزان الاعتدال : 1 / 83 رقم 299 ، تهذیب التهذیب : 1 / 13 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 1 / 175 رقم 15 ، خلاصة الخزرجی : 1 / 8 رقم 9.
2- میزان الاعتدال : 1 / 86 رقم 309 ، لسان المیزان : 1 / 146 رقم 447.
3- لسان المیزان : 1 / 148 رقم 455 ، میزان الاعتدال : 1 / 86 رقم 314 ، الجرح والتعدیل : 2 / 44.
4- میزان الاعتدال : 1 / 87 رقم 317 ، شذرات الذهب : 4 / 244 حوادث سنة 346 ه ، سیر أعلام النبلاء : 15 / 519 رقم 296 ، تاریخ الإسلام : 25 / 344 رقم 571 حوادث سنة 346 ه. وهو فی جمیع هذه المصادر : أحمد بن جعفر بن أحمد بن معبد ، أبو جعفر الأصبهانی السمسار عدا میزان الاعتدال الذی ذُکر فیه باسم : أحمد بن جعفر بن عبد الله ولیس فیه السمسار.
5- میزان الاعتدال : 1 / 88 رقم 322 ، وانظر هامش کتاب الضعفاء والمتروکین لابن الجوزی : 1 / 67 رقم 162.

بعد الستین وثلاثمائة. میزان الاعتدال (1) (1 / 42).

42 - أحمد بن الحسن بن أبان المصری : من کبار شیوخ الطبرانی ، کان کذّاباً دجّالاً ، یضع الحدیث علی الثقات (2). میزان الاعتدال (1 / 42) ، تذکرة الموضوعات (ص 65 ، 108) ، اللآلئ المصنوعة (1 / 295).

43 - أحمد بن الحسن بن القاسم الکوفی. المتوفّی (262) : کذّاب ، یضع الحدیث علی الثقات (3). میزان الاعتدال (1 / 42) ، تذکرة الموضوعات (ص 9 ، 114) ، المنتظم (5 / 34).

44 - أحمد بن الحسین بن إقبال المقدسی أبو بکر الصائد المتوفّی (532) : کذّاب ، ظهر کذبه فترکه الناس (4). میزان الاعتدال (1 / 44) ، لسان المیزان (1 / 158).

45 - أحمد بن الحسین أبو الحسین بن السمّاک الواعظ المتوفّی (424) : قال أبو الفتح المصری : لم أکتب ببغداد عمّن أُطلق علیه الکذب من المشایخ غیر أربعة ، أحدهم أبو الحسین بن السمّاک ، وکذّبه ابن أبی الفوارس (5). تاریخ بغداد (4 / 111) ، المنتظم (8 / 76) ، میزان الاعتدال (1 / 43).

46 - أحمد بن الخلیل النوفلی القُومَسِیّ المتوفّی (310) : کذّاب ، یروی عمّن لم 1.

ص: 309


1- میزان الاعتدال : 1 / 89 رقم 327.
2- میزان الاعتدال : 1 / 89 رقم 330 ، تذکرة الموضوعات : ص 36 و 76 ، اللآلئ المصنوعة : 1 / 294 ، کتاب المجروحین : 1 / 149 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 1 / 197 رقم 40 ، لسان المیزان : 1 / 157 رقم 481 ، الأنساب : 1 / 75 ، کتاب الضعفاء والمتروکین لابن الجوزی : 1 / 67 رقم 165 وفی المصدرین الأخیرین نُسب إلی الأُبلّة ، وأنه مضری.
3- میزان الاعتدال : 1 / 90 رقم 331 ، تذکرة الموضوعات : ص 7 و 80 ، المنتظم : 12 / 174 رقم 1668 ، کتاب المجروحین : 1 / 145 ، لسان المیزان : 1 / 158 رقم 482.
4- میزان الاعتدال : 1 / 92 رقم 341 ، لسان المیزان : 1 / 166 رقم 508.
5- المنتظم : 15 / 238 رقم 3182 ، میزان الاعتدال : 1 / 93 رقم 345 ، الإکمال : 4 / 352 ، مختصر تاریخ دمشق : 3 / 46 ، لسان المیزان : 1 / 164 رقم 501.

یُخلق (1). لسان المیزان (1 / 167).

47 - أحمد بن داود ابن اخت عبد الرزّاق : من أکذب الناس ، عامّة أحادیثه مناکیر (2). میزان الاعتدال (1 / 45).

48 - أحمد بن داود بن عبد الغفّار الحرّانی : کان کذّاباً ، یضع الحدیث (3). تذکرة الموضوعات (ص 2 ، 30) ، میزان الاعتدال (1 / 45) ، اللآلئ المصنوعة (2 / 22 ، 174).

49 - أحمد بن سلیمان القرشی : متروک کذّاب. میزان الاعتدال (4) (1 / 48) ، اللآلئ المصنوعة (2 / 74).

50 - أحمد بن سلیمان - أبی سلیمان - أبو جعفر القواریری البغدادی : قال أبو الفتح الحافظ : کذّاب ، یکذب علی حمّاد بن سلمة. وقال الخطیب : کذب هذا الشیخ ظاهر یغنی عن تعدیل روایته بجواز دخول السهو علیه وإلحاق الوهم به. ثمّ ذکر شواهد علی کذبه فیقول : وفی بعض ما ذکرنا دلالة کافیة علی بیان حاله وظهور اختلاطه (5). تاریخ بغداد (4 / 174 - 177).

51 - أحمد بن صالح أبو جعفر الشمومی المصری ، نزیل مکّة : کذّاب ، وضّاع ، صَلِف (6). تهذیب التهذیب (1 / 42) ، لسان المیزان (1 / 186). 3.

ص: 310


1- لسان المیزان : 1 / 177 رقم 540 ، الجرح والتعدیل : 2 / 50.
2- میزان الاعتدال : 1 / 97 رقم 371 وراجع أیضاً ص 109 رقم 427 ، العلل ومعرفة الرجال 1 / 327 رقم 582 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 1 / 172 رقم 10 ، لسان المیزان : 1 / 179 رقم 544 وراجع ص 210 و 286 رقم 619 و 817.
3- تذکرة الموضوعات : ص 3 و 22 ، میزان الاعتدال : 1 / 96 رقم 370 ، اللآلئ المصنوعة : 2 / 41 و 324 ، کتاب المجروحین : 1 / 146 ، کتاب الضعفاء والمتروکین لابن الجوزی : 1 / 70 رقم 178.
4- میزان الاعتدال : 1 / 102 رقم 398.
5- کتاب الضعفاء والمتروکین لابن الجوزی : 1 / 72 رقم 185 ، لسان المیزان : 1 / 194 رقم 584.
6- تهذیب التهذیب : 1 / 37 ، لسان المیزان : 1 / 198 رقم 593.

52 - أحمد بن طاهر بن حرملة المصری المتوفی (292) : کذّاب ، حدّث عن جدِّه ، عن الشافعی بحکایات بواطیل ، کان أکذب البریّة ، یکذب فی حدیث رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إذا روی ، ویکذب فی حدیث الناس إذا حدّث عنهم (1). میزان الاعتدال (1 / 50) ، لسان المیزان (1 / 189).

53 - أحمد بن عبد الجبّار الکوفی المتوفّی (271 ، 272) : کذّاب (2). تهذیب التهذیب (1 / 51) ، میزان الاعتدال (1 / 53).

54 - أحمد بن عبد الرحمن بن الجارود الرقّی : کذّاب ، وضّاع (3). تاریخ بغداد (2 / 247) ، میزان الاعتدال (1 / 55) ، اللآلئ المصنوعة (2 / 172).

55 - أحمد بن عبد الله الشاشی : کذّاب. میزان الاعتدال (4) (1 / 52).

56 - أحمد بن عبد الله الهُشیمی المؤدّب أبو جعفر المتوفّی (271) : کان یضع الحدیث. تاریخ بغداد (4 / 220) ، میزان الاعتدال (5) (1 / 51).

57 - أحمد بن عبد الله الشیبانی أبو علیّ الجویباری : کذّاب ، یضع الحدیث ، دجّال. قال البیهقی : فإنّی أعرفه حقّ المعرفة بوضع الأحادیث علی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فقد وضع علیه أکثر من ألف حدیث ، وسمعت الحاکم یقول : هذا کذّاب خبیث وضع کثیراً فی فضائل الأعمار ، لا تحلُّ روایة حدیثه بوجه. وقال السیوطی : وضع أُلوف 2.

ص: 311


1- میزان الاعتدال : 1 / 105 رقم 414 ، لسان المیزان : 1 / 201 رقم 600 ، کتاب المجروحین : 1 / 151 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 1 / 196 رقم 39.
2- تهذیب التهذیب : 1 / 45 ، میزان الاعتدال : 1 / 112 رقم 443 ، خلاصة الخزرجی : 1 / 21 رقم 76.
3- میزان الاعتدال : 1 / 116 رقم 450 ، اللآلئ المصنوعة : 2 / 321 ، مختصر تاریخ دمشق : 3 / 154 ، لسان المیزان : 1 / 228 رقم 659.
4- میزان الاعتدال : 1 / 110 رقم 434.
5- میزان الاعتدال : ص 109 رقم 429 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 1 / 192 رقم 32.

أحادیث للکرامیّة ، وقال ابن حبّان (1) : دجّال من الدجاجلة ، روی عن الأئمّة أُلوف أحادیث ما حدّثوا بشیء منها ، وعن الحافظ السری : إنّه ومحمد بن تمیم ومحمد بن عکاشة وضعوا عشرة آلاف حدیث (2). تاریخ بغداد (3 / 295) ، التذکار (ص 155) ، میزان الاعتدال (1 / 51) ، تذکرة الموضوعات (ص 38) ، أسنی المطالب (ص 213) ، لسان المیزان (1 / 193 ، 5 / 188) ، اللآلئ المصنوعة (1 / 21).

58 - أحمد بن عبد الله أبو بکر الضریر : أخرج الخطیب فی تاریخ بغداد (4 / 232) بإسناده عن أنس رفعه : أتانی جبرئیل وعلیه قباء أسود وخفّ أسود ومنطقة ، وقال : یا محمد هذا زیُّ بنی عمِّک من بعدک. فقال : هذا حدیث باطل ، إسناده کلّهم ثقات غیر الضریر والحمل فیه علیه (3).

59 - أحمد بن عبد الله بن محمد أبو الحسن البکری : کذّاب ، دجّال ، واضع القصص التی لم تکن قطُّ ، فما أجهله وأقلَّ حیاءه! میزان الاعتدال (4) (1 / 53).

60 - أحمد بن عبد الله أبو عبد الرحمن الفریانانی : کان وضّاعاً مشهوراً بالوضع (5). لسان المیزان (1 / 194) ، اللآلئ المصنوعة (1 / 359 ، 2 / 44).

61 - أحمد بن عبید الله أبو العزّ بن کادش المتوفّی (556) : مشهور من الشیوخ ، 8.

ص: 312


1- کتاب المجروحین : 1 / 142.
2- میزان الاعتدال : 1 / 106 رقم 421 ، تذکرة الموضوعات : ص 27 ، أسنی المطالب لمحمد درویش الحوت : ص 432 ح 1396 ، لسان المیزان : 1 / 206 و 223 رقم 612 و 645 و 5 / 326 ، اللآلئ المصنوعة : 1 / 41 ، کتاب الضعفاء والمتروکین للنسائی : ص 59 رقم 69 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 1 / 177 رقم 17 ، الأنساب : 2 / 107 و 126.
3- میزان الاعتدال : 1 / 108 رقم 424.
4- میزان الاعتدال : ص 112 رقم 440 ، لسان المیزان : 1 / 217 رقم 640.
5- لسان المیزان : 1 / 208 رقم 613 ، اللآلئ المصنوعة : 2 / 82 ، الأنساب : 4 / 377 ، کتاب الضعفاء والمتروکین لابن الجوزی : 1 / 78 رقم 208.

کان مخلّطاً کذّاباً لا یحتجُّ بمثله ، وللأئمّة فیه مقال. قال ابن عساکر : قال لی أبو العزّ وسمع رجلاً قد وضع فی حقِّ علیّ حدیثاً : ووضعتُ أنا فی حقِّ أبی بکر حدیثاً ، بالله ألیس فعلتُ جیداً؟ لسان المیزان (1) (1 / 218).

62 - أحمد بن عصمة النیسابوری ، متّهم هالک روی خبراً موضوعاً هو آفته. میزان الاعتدال (2) (1 / 56).

قال الأمینی : یأتی خبره الموضوع فی الموضوعات (3).

63 - أحمد بن علیّ بن أحمد بن صُبیح : کان یکذب کثیراً ، کان فی حدود (520) (4). میزان الاعتدال (1 / 58) ، لسان المیزان (1 / 234).

64 - أحمد بن علی بن الحسن بن شقیق ، أبو بکر المروزی : کان یضع الحدیث. اللآلئ المصنوعة (5) (1 / 129).

65 - أحمد بن علیّ بن الحسن بن منصور الأسدآباذی المقری : قدم دمشق وحدّث بها ، کان شیخاً کذّاباً یدّعی ما لم یسمع (6).

66 - أحمد بن علیّ بن سلمان (7) المروزی : متروک ، یضع الحدیث. تاریخ بغداد (4 / 303). ف)

ص: 313


1- لسان المیزان : 1 / 234 رقم 678 ، میزان الاعتدال : 1 / 118 رقم 460.
2- میزان الاعتدال : 1 / 119 رقم 467.
3- راجع سلسلة الموضوعات رقم 6 صحیفة 484.
4- میزان الاعتدال : 1 / 123 رقم 495 ، لسان المیزان : 1 / 253 رقم 738.
5- اللآلئ المصنوعة : 1 / 249.
6- تاریخ بغداد : 4 / 325 رقم 2137 ، المنتظم : 16 / 119 رقم 3401 ، تاریخ مدینة دمشق : 5 / 50 رقم 21 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 3 / 179 ، ولیس فی هذه المصادر (ابن منصور) وإنّما الذی فیها (أبو منصور) وهی کنیته ، توفّی سنة (461 ، 462) ، میزان الاعتدال : 1 / 121 و 122 رقم 482 و 484.
7- فی لسان المیزان [1 / 239 رقم 692 ، وکذا فی کتاب المجروحین : 1 / 163 ، کتاب الضعفاء والمتروکین لابن الجوزی : 1 / 81 رقم 221] : سلیمان. (المؤلف)

67 - أحمد بن عیسی العسکری المتوفّی (243) : کذّاب. تهذیب التهذیب (1) (1 / 65).

68 - أحمد بن عیسی اللخمی المتوفّی (273) : کذّبه ابن طاهر. تهذیب التهذیب (2) (1 / 66).

69 - أحمد بن عیسی الهاشمی : کذّاب. میزان الاعتدال (3) (1 / 60) لعلّه العسکری.

70 - أحمد بن عیسی الخشّاب التنیسی المتوفّی (293) (4) : کذّاب یضع الحدیث ، 8.

ص: 314


1- تهذیب التهذیب : 1 / 56 ، الجرح والتعدیل : 2 / 64 ، تاریخ بغداد : 4 / 272 رقم 2023 ، الأنساب : 1 / 465 ، المنتظم : 11 / 307 رقم 1453 حوادث سنة 243 ه ، میزان الاعتدال : 1 / 125 رقم 507. واسمه : أحمد بن عیسی بن حسان المصری ، أبو عبد الله العسکری المعروف بالتستری.
2- تهذیب التهذیب : 1 / 57 ، کتاب المجروحین : 1 / 146 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 1 / 191 رقم 31 ، الإکمال : 3 / 1 ، الأنساب : 1 / 487 و 2 / 366 ، کتاب الضعفاء والمتروکین لابن الجوزی : 1 / 83 رقم 230. والمترجَم هو أحمد بن عیسی بن زید اللخمی التنیسی الخشاب المصری ، وهو نفسه الآتی فی الرقم 70.
3- میزان الاعتدال : 1 / 126 رقم 509 ، الجرح والتعدیل : 2 / 65 ولم یذکر فیه جرحاً ، کتاب الضعفاء والمتروکین لابن الجوزی : 1 / 83 رقم 231 ، لسان المیزان : 1 / 262 رقم 757. والمترجَم هو أحمد ابن عیسی بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علی بن أبی طالب علیه السلام ، أبو طاهر العلوی الهاشمی کان حیاً سنة (295) ، وفی مقاتل الطالبیّین : ص 560 قُتل أیام المقتدر العباسی. والمترجم له لم یجرحه غیر الدارقطنی ، وقد وُصِف فی عدّة مصادر بالفضل والزهد والصلاح ، فقد ذکره جمال الدین أحمد ابن علی بن المهنا فی عمدة الطالب : ص 367 وقال : أبو طاهر أحمد الفقیه النسابة المحدّث ، کان شیخ أهله علماً وزهداً. وذکره أبو الحسن البیهقی فی لباب الأنساب : 1 / 181 ، بأنه أحد من صنّف فی علم الأنساب. وقال فی الفخری فی أنساب الطالبیّین ص 175 : أحمد الفقیه المحدّث العالم النسّابة الشاعر ویلقّب الفنفنة لتفنّنه فی العلوم. وقال صاحب المجدی فی أنساب الطالبیّین عند ذکره لولد عیسی بن عبد الله فی ص 294 : ومن ولده أحمد أبو طاهر بن عیسی الشریف الجلیل الزاهد النسّابة العالم الملقّب بالفنفنة. وترجم له السید محسن الأمین فی أعیان الشیعة : 3 / 58. ویتضح من هذا أنه غیر العسکری المتقدم.
4- هذا التاریخ فی لسان المیزان : 1 / 261 فقط ، والظاهر وقوع التصحیف فیه ، والصحیح ظاهراً ما جاء فی الترجمة السابقة رقم 68.

حدّث بأحادیث موضوعة (1). میزان الاعتدال (1 / 59) ، لسان المیزان (1 / 241) ، تذکرة الموضوعات (ص 39) ، شذرات الذهب (2 / 366).

71 - أحمد بن الفرج أبو عتبة الحجازی المتوفّی (271) : کذّاب لم یسمع منه شیء (2). تاریخ بغداد (4 / 341).

72 - أحمد بن محمد بن محمد أبو الفتوح الغزالی الطوسی الواعظ المفوّه المتوفّی (520) أخو أبی حامد : کان یضع ، والغالب علی کلامه التخلیط والأحادیث الموضوعة ، وکان یتعصّب لإبلیس ویعذره (3). المنتظم (9 / 260) ، البدایة والنهایة (12 / 196) ، میزان الاعتدال (1 / 71).

73 - أحمد بن محمد بن الحجّاج بن رشدین أبو جعفر المصری المتوفّی (292) : کان من حفّاظ الحدیث ، کذّاب یدخل الحدیث علی شیوخه ، وهو ممّن یکتب حدیثه مع ضعفه (4). ف)

ص: 315


1- میزان الاعتدال : 1 / 126 و 127 رقم 508 و 512 ، لسان المیزان : 1 / 261 و 262 رقم 756 و 760 ، تذکرة الموضوعات : ص 22 و 27 - 28 ، شذرات الذهب : 4 / 234 حوادث سنة 344 ه. وسبق أن أشرنا إلی اتحاده مع الوارد ذکره فی الرقم 68 فراجع. وقد اعتمد المؤلف رحمه الله هنا علی شذرات الذهب التی خلط صاحبها بین ترجمة أحمد بن عیسی بن جمهور الخشاب المعروف بابن صلاّر وبین أحمد بن عیسی بن زید التنیسی الخشاب وجعلهما واحداً.
2- الکامل فی ضعفاء الرجال : 1 / 190 رقم 29 ، الأنساب : 2 / 176 ، کتاب الضعفاء والمتروکین لابن الجوزی : 1 / 83 رقم 232 ، مختصر تاریخ دمشق : 3 / 213 ، وفی هامش تهذیب الکمال : 1 / 425 رقم 20 ، میزان الاعتدال : 1 / 128 رقم 516 ، لسان المیزان : 1 / 266 رقم 769 ، تهذیب التهذیب : 1 / 59.
3- المنتظم : 17 / 237 رقم 3939 ، البدایة والنهایة : 12 / 243 حوادث سنة 520 ه ، میزان الاعتدال : 1 / 150 رقم 589 ، لسان المیزان : 1 / 320 رقم 874 ، النجوم الزاهرة : 5 / 230 ، شذرات الذهب : 6 / 99 حوادث سنة 520 ه.
4- یعنی للاعتبار ولعرفان الضعیف ، کما نصّ علیه فی غیر موضع. (المؤلف)

وقال ابن عدی (1) : کذّبوه ، وأنکرت علیه أشیاء ، وکان آل بیت رشدین خصّوا بالضعف من أحمد إلی رشدین (2). تاریخ الشام (1 / 455) ، میزان الاعتدال (1 / 63) ، لسان المیزان (1 / 258).

74 - أحمد بن محمد بن حرب اللخمی الجرجانی : کان یتعمّد الکذب ویضع (3). میزان الاعتدال (1 / 63) ، اللآلئ المصنوعة (1 / 3).

75 - أحمد بن محمد بن الحسن المقری المتوفّی (380) : کذّاب ، لم یکن فی الحدیث ثقةً ، وکان یظهر النسک والصلاح. تاریخ بغداد (4 / 429) ، میزان الاعتدال (4) (1 / 63).

76 - أحمد بن محمد بن الصلت بن المغلِّس أبو العبّاس الحمّانی المتوفّی (302 ، 308) : وضّاع ، لم یکن فی الکذّابین أقلّ حیاءً منه ، صنّف فی مناقب أبی حنیفة أحادیث باطلة کلّها موضوعة ، وأخرج عن الثقات أخباراً کلّها کذب (5). تاریخ بغداد 4.

ص: 316


1- الکامل فی ضعفاء الرجال : 1 / 198 رقم 42.
2- تاریخ مدینة دمشق : 5 / 233 رقم 128 ، میزان الاعتدال : 1 / 133 رقم 538 ، لسان المیزان : 1 / 280 رقم 805 ، المنتظم : 12 / 249 وفیه أنّ وفاته سنة (272) ، شذرات الذهب : 3 / 387.
3- میزان الاعتدال : 1 / 134 رقم 539 ، اللآلئ المصنوعة : 1 / 4 ، کتاب المجروحین : 1 / 154 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 1 / 200 رقم 46 ، الأنساب : 5 / 378 ، کتاب الضعفاء والمتروکین لابن الجوزی : 1 / 85 رقم 240 ، لسان المیزان : 1 / 282 رقم 806. والمترجَم هو أحمد بن محمد بن حرب بن سعید بن عمرو المُلحَمی الجرجانی معاصر لابن حبان المتوفّی (354). والملحمی نسبة إلی نوع من الثیاب تنسج بمرو من الإبریسم تسمی المُلْحَم.
4- میزان الاعتدال : 1 / 134 رقم 541.
5- المنتظم : 13 / 195 رقم 2167 ، میزان الاعتدال : 1 / 140 رقم 555 ، البدایة والنهایة : 11 / 151 حوادث سنة 308 ه ، تاریخ مدینة دمشق : 5 / 373 رقم 158 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 3 / 265 ، لسان المیزان : 1 / 294 رقم 830 ، اللآلئ المصنوعة : 2 / 80 و 301 ، کتاب المجروحین : 1 / 153 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 1 / 199 رقم 44 ، کتاب الضعفاء والمتروکین لابن الجوزی : 1 / 86 رقم 244.

(4 / 207 ، 5 / 34) ، المنتظم (6 / 157) ، میزان الاعتدال (1 / 66) ، البدایة والنهایة (11 / 131) ، تاریخ الشام (2 / 56) ، لسان المیزان (1 / 269) ، اللآلئ المصنوعة (2 / 42 ، 142).

77 - أحمد بن محمد بن علیّ أبو عبد الله الصیرفی المعروف بابن الآبُنُوسی المتوفّی (394) : کان ممّن یتعمّد الکذب (1). تاریخ بغداد (5 / 70).

78 - أحمد بن محمد بن علیّ بن حسن بن شقیق المروزی : کان یضع الحدیث (2). میزان الاعتدال (1 / 69) ، لسان المیزان (1 / 287) ، اللآلئ المصنوعة (1 / 129).

79 - أحمد بن محمد بن عمر أبو سهل الحنفی الیمامی ، نزیل بغداد : کذّاب ، وضّاع ، متروک الحدیث ، قال المطرّز : کتبت عنه خمسمائة حدیث لیس عند الناس منه حرف (3). تاریخ بغداد (5 / 66) ، تاریخ الشام (2 / 69) ، میزان الاعتدال (ج 1) ، اللآلئ المصنوعة (1 / 247 ، 2 / 26).

80 - أحمد بن محمد بن عمرو أبو بشر الکندی المروزی ، نزیل بغداد المتوفّی (323) : کان فقیهاً مجوّداً فی السنّة وفی الردِّ علی أهل البدع ، وکان حافظاً عذب اللسان ، ولکنّه کان یضع الأحادیث عن أبیه ، عن جدِّه ، وعن غیرهم ، یکذب ویضع الحدیث علی الثقات ، وله من النسخ الموضوعة شیء کثیر. تاریخ بغداد (5 / 74) ، وقال ابن حبّان (4) : کان ممّن یضع المتون ویقلّب الأسانید فاستحقَّ الترک ، لعلّه قد قلّب و.

ص: 317


1- میزان الاعتدال : 1 / 156 رقم 616 ، لسان المیزان : 1 / 335 رقم 919.
2- میزان الاعتدال : 1 / 147 رقم 573 ، لسان المیزان : 1 / 313 رقم 856 ، اللآلئ المصنوعة : 1 / 249 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 1 / 205 رقم 52.
3- تاریخ مدینة دمشق : 5 / 424 - 426 رقم 195 ، میزان الاعتدال : 1 / 142 رقم 559 ، اللآلئ المصنوعة : 1 / 475 و 2 / 50 ، الجرح والتعدیل : 2 / 71 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 1 / 178 رقم 18 ، کتاب الضعفاء والمتروکین لابن الجوزی : 1 / 87 رقم 249 ، مختصر تاریخ دمشق : 3 / 277.
4- کتاب المجروحین : 1 / 156 وفیه : ابن مصعب بدلاً من : ابن عمرو.

علی الثقات أکثر من عشرة آلاف حدیث ، کتبت أنا منها أکثر من ثلاثة آلاف حدیث لم أشکّ أنّه قلّبها. وقال الدارقطنی (1) : کان یضع الحدیث ، وکان عذب اللسان حافظاً (2). میزان الاعتدال (1 / 70) ، طبقات الحفّاظ (3 / 23) ، وفی شذرات الذهب (2 / 298) : هو أحد الوضّاعین الکذّابین ، مع کونه محدِّثاً إماماً فی السنّة والردِّ علی المبتدعة.

81 - أحمد بن محمد بن غالب الباهلی أبو عبد الله المتوفّی (275) : غلام الخلیل ، من کبار الزهّاد ببغداد ، کذّاب وضّاع ، قال الحافظ ابن عدی (3) : سمعتُ أبا عبد الله النهاوندی بحرّان فی مجلس أبی عروبة یقول : قلتُ لغلام الخلیل : ما هذه الأحادیث الرقائق التی تحدِّث بها؟ قال : وضعناها لنرقّق بها قلوب العامّة.

ما أظهر أبو داود السجستانی تکذیب أحد إلاّ فی رجلین : الکدیمی ، وغلام خلیل. فذکر أحادیث ذکرها فی الکدیمی أنّها کذب. وذکر غلام خلیل فقال : ذاک - یعنی صاحب الزنج - کان دجّال البصرة ، وأخشی أن یکون هذا - یعنی غلام خلیل - دجّال بغداد ، ثمّ قال : قد عرض علیَّ من حدیثه فنظرت فی أربعمائة حدیث أسانیدها ومتونها کذب کلّها (4). تاریخ بغداد (5 / 79) ، المنتظم (5 / 95) ، لسان المیزان (1 / 273) ، اللآلئ المصنوعة (1 / 200 ، 2 / 109).

قال الأمینی : والعجب العجاب أنَّ رجلاً هذه سیرته وهذه ترجمته غلقت بموته أسواق مدینة السلام ، وحمل نعشه إلی البصرة ودفن هناک ، وبنیت علی قبره قبّة ، کما فی تاریخ بغداد والمنتظم لابن الجوزی. 7.

ص: 318


1- الضعفاء والمتروکون : ص 124.
2- میزان الاعتدال : 1 / 149 رقم 582 ، تذکرة الحفّاظ : 3 / 803 رقم 793 ، شذرات الذهب : 4 / 121 حوادث سنة 323 ه ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 1 / 206 رقم 54 ، الأنساب : 5 / 312.
3- الکامل فی ضعفاء الرجال : 1 / 195 رقم 38.
4- المنتظم : 12 / 265 رقم 1806 ، لسان المیزان : 1 / 298 رقم 833 ، اللآلئ المصنوعة : 2 / 200 ، موضح أوهام الجمع والتفریق : 1 / 437.

82 - أحمد بن محمد بن الفضل القیسی : کان یضع الحدیث ، قال ابن حبّان (1) : خرجت إلی قریته فکتبت عنه شبیهاً بخمسمائة حدیث کلّها موضوعة ... إلی أن قال : ولعلّ هذا الشیخ قد وضع علی الأئمّة المرضیّین أکثر من ثلاثة آلاف حدیث (2). میزان الاعتدال (1 / 70) ، تذکرة الموضوعات (ص 41 ، 45 ، 67 ، 70).

83 - أحمد بن محمد بن مالک : کان یضع الحدیث. تذکرة الموضوعات (3) (ص 47).

84 - أحمد بن محمد بن مصعب : أحد الوضّاعین. تاریخ الشام (5 / 154).

85 - أحمد بن محمد بن هارون أبو جعفر البرقی : کذّاب ، کان یهمّ فی الحدیث (4). میزان الاعتدال (1 / 71).

86 - أحمد بن مروان الدینوری المالکی المتوفّی (333) : صاحب المجالسة ، قال الدارقطنی فی غرائب مالک : کان یضع الحدیث. لسان المیزان (5) (1 / 309).

87 - أحمد بن منصور أبو السعادات : ملحد کذّاب ، ومن وضعه حدیث یقول فیه : وبین یدی الربِّ لوح فیه أسماء من یثبت الصورة والرؤیة والکیفیّة فیباهی بهم الملائکة (6). میزان الاعتدال (1 / 75) ، اللآلئ المصنوعة (1 / 14).

88 - أحمد بن موسی أبو الحسن بن أبی عمران الجرجانی الفرضی المتوفّی بعد (360) : أحد الحفّاظ ، کذّاب ، کان یضع الحدیث ویرکّب الأسانید علی المتون ، روی 0.

ص: 319


1- کتاب المجروحین : 1 / 155.
2- میزان الاعتدال : 1 / 148 رقم 579 ، تذکرة الموضوعات : ص 12 و 30 و 37 و 48.
3- تذکرة الموضوعات : ص 34.
4- میزان الاعتدال : 1 / 150 رقم 588 وفیه وفی لسان المیزان : 1 / 320 رقم 873 ، وفی کتاب الضعفاء والمتروکین لابن الجوزی : 1 / 89 رقم 259 : کذّاب ، وکان یفهم الحدیث.
5- لسان المیزان : 1 / 339 رقم 937.
6- میزان الاعتدال : 1 / 159 رقم 634 ، اللآلئ المصنوعة : 1 / 27 ، لسان المیزان : 1 / 344 رقم 950.

مناکیر عن شیوخ مجاهیل لم یُتابع علیها ، فکذّبوه (1). میزان الاعتدال (1 / 75) ، شذرات الذهب (3 / 67).

89 - أحمد بن یعقوب بن عبد الجبّار الأموی المروانی الجرجانی المتوفّی (367) : کان یضع الحدیث ، روی أحادیث موضوعة لا یستحلُّ روایة شیء منها (2). میزان الاعتدال (1 / 77) ، أسنی المطالب (ص 84).

90 - إسباط أبو الیسع البصری : کذّبه یحیی بن معین. تهذیب التهذیب (3) (1 / 212).

91 - إسحاق بن إبراهیم الطبری : کذّاب ، لا یُکتب عنه ، یأتی بالموضوعات عن الثقات (4). تذکرة الموضوعات (ص 95 ، 103) ، اللآلئ المصنوعة (2 / 76).

92 - إسحاق بن إبراهیم الواسطی المؤدّب : کذّبه ابن عدی (5) والأزدی. میزان الاعتدال (1 / 85) ، لسان المیزان (1 / 348) (6).

93 - إسحاق بن إدریس الأسواری البصری أبو یعقوب : کذّاب ، یضع 6.

ص: 320


1- میزان الاعتدال : 1 / 159 رقم 636 ، شذرات الذهب : 4 / 370 حوادث سنة 368 ه ، کتاب الضعفاء والمتروکین لابن الجوزی : 1 / 90 رقم 263 ، سیر أعلام النبلاء : 16 / 382 رقم 273 وفیه أن وفاته سنه (378) ، تذکرة الحفّاظ : 3 / 985 رقم 920 ، تاریخ الإسلام : ص 393 وفیات سنة 368 ه ، ثم کرّر ذکره فی وفیات سنة 378 دون أن یشیر إلی تقدم ذکره فی وفیات 368 ، وکنّاه بأبی الحسین ، ومرّ فی الرقم 33 ، ویأتی مکرّراً فی الرقم 579 ، فراجع تعلیقنا علیه.
2- میزان الاعتدال : 1 / 165 رقم 665 ، أسنی المطالب : ص 160 ح 473 ، تاریخ مدینة دمشق : 6 / 101 رقم 323 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 3 / 327.
3- تهذیب التهذیب : 1 / 186 ، تهذیب الکمال : 2 / 359 رقم 322.
4- تذکرة الموضوعات : ص 34 و 67 ، اللآلئ المصنوعة 2 / 137 ، کتاب المجروحین : 1 / 137.
5- الکامل فی ضعفاء الرجال : 1 / 345 رقم 178.
6- میزان الاعتدال : 1 / 180 رقم 727 ، لسان المیزان : 1 / 385 رقم 1086.

الحدیث ، ترکه الناس (1). میزان الاعتدال (1 / 86).

94 - إسحاق بن بشر البخاری أبو حذیفة المتوفّی (206) : قد أجمعوا علی أنّه کذّاب ، یضع الحدیث ، لا یحلّ حدیثه إلاّ علی جهة التعجّب (2). تاریخ بغداد (6 / 327) ، میزان الاعتدال (1 / 86).

95 - إسحاق بن بشر بن مقاتل الکاهلی أبو یعقوب المتوفّی (228) : کان کذّاباً یضع الحدیث (3). تاریخ بغداد (6 / 329) ، میزان الاعتدال (1 / 87) ، تذکرة الموضوعات (ص 33 ، 39 ، 76 ، 120) ، اللآلئ المصنوعة (1 / 91 ، 153) ، وقال : کذّاب وضّاع بالاتفاق ، و (2 / 72 ، 73 ، 90).

96 - إسحاق بن عبد الله الأموی مولی آل عثمان بن عفّان المتوفّی (144) : کذّاب ، ذاهب الحدیث ، یقلّب الأسانید ویرفع المراسیل (4). تاریخ الشام (2 / 443 - 445) ، تهذیب التهذیب (1 / 241).

97 - إسحاق بن محمشاذ : کذّاب ، یضع الحدیث علی مذهب الکرامیّة ، وله 8.

ص: 321


1- میزان الاعتدال : 1 / 184 رقم 734 ، التاریخ الکبیر : 1 / 382 ، الضعفاء الکبیر : 1 / 100 رقم 117.
2- میزان الاعتدال : 1 / 184 رقم 739 ، سیر أعلام النبلاء : 9 / 477 رقم 177 ، الوافی بالوفیات : 8 / 405 رقم 3854 ، تهذیب تاریخ دمشق : 2 / 434.
3- میزان الاعتدال : 1 / 186 رقم 740 ، تذکرة الموضوعات : ص 24 و 28 و 53 و 84 ، اللآلئ المصنوعة : 1 / 175 و 295 و 2 / 128 و 130 و 164 ، الضعفاء الکبیر : 1 / 98 رقم 115 ، الجرح والتعدیل : 2 / 214 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 1 / 342 رقم 172 ، موضح أوهام الجمع والتفریق : 1 / 421 ، لسان المیزان : 1 / 394 رقم 1103.
4- تهذیب التهذیب : 1 / 210 ، تاریخ مدینة دمشق : 8 / 246 - 255 رقم 652 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 4 / 301 - 303 ، کتاب المجروحین : 1 / 131 ، میزان الاعتدال : 1 / 193 رقم 768.

مصنّف فی فضائل محمد بن کرام کلّه کذب موضوع (1). اللآلئ المصنوعة (1 / 238).

98 - إسحاق بن ناصح : من أکذب الناس ، یحدِّث عن النبیّ (2) ، عن ابن سیرین برأی أبی حنیفة (3). میزان الاعتدال (1 / 94).

99 - إسحاق بن نجیح الملطی الأزدی : دجّال ، أکذب الناس ، عدوّ الله ، رجل سوء خبیث ، کان یضع الحدیث (4). تاریخ بغداد (6 / 324) ، میزان الاعتدال (1 / 94) ، تذکرة الموضوعات (ص 84) ، تهذیب التهذیب (1 / 253) ، اللآلئ المصنوعة (1 / 55 ، 103 ، 175) ، خلاصة التهذیب (ص 26).

100 - إسحاق بن وهب الطهرمسی : کذّاب متروک ، کان یضع صراحاً (5). میزان الاعتدال (1 / 95) ، تذکرة الموضوعات (ص 53 ، 71) ، اللآلئ المصنوعة (1 / 106 ، 2 / 99 ، 114). 4.

ص: 322


1- اللآلئ المصنوعة : 1 / 458 ، لسان المیزان : 1 / 417 رقم 1172.
2- فی علل أحمد : یحدِّث عن البتّی. وفی لسان المیزان : التیمی ، وفیه أیضاً أنّ الذهبی وَهَمَ فی ترجمة إسحاق بن ناصح إذ ذکر فی ترجمته ما أورده أحمد بن حنبل من عبارته (من أکذب الناس ...) التی هی فی حقّ إسحاق بن نجیح الملطی الآتیة ترجمته.
3- میزان الاعتدال : 1 / 200 رقم 794 ، الضعفاء الکبیر : 1 / 105 رقم 124 ، الجرح والتعدیل : 2 / 235 ، لسان المیزان : 1 / 418 رقم 1177 ، وراجع العلل ومعرفة الرجال : 2 / 30 رقم 1454.
4- میزان الاعتدال : 1 / 200 رقم 795 ، تذکرة الموضوعات : ص 59 ، تهذیب التهذیب : 1 / 221 ، اللآلئ المصنوعة : 1 / 39 و 106 و 199 ، خلاصة الخزرجی 1 / 77 رقم 432 ، علل أحمد : 2 / 30 رقم 1454 ، الضعفاء الکبیر : 1 / 105 رقم 123 ، الجرح والتعدیل : 2 / 235 ، کتاب المجروحین : 1 / 134 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 1 / 329 رقم 155 ، الأنساب : 5 / 379.
5- میزان الاعتدال : 1 / 203 رقم 799 ، تذکرة الموضوعات : ص 38 و 50 ، اللآلئ المصنوعة : 1 / 204 ، کتاب المجروحین : 1 / 139 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 1 / 344 رقم 176 ، الأنساب : 4 / 87 وفیه اسمه : إسحاق بن وهب بن عبد الله الطُهُرْمُسِی ، أبو یعقوب مولی آل سعید بن أبی مریم ، توفّی (259) أو ما بعدها ، لسان المیزان : 1 / 421 رقم 1184.

101 - أسد بن عمرو أبو المنذر البجلی القاضی - صاحب أبی حنیفة - المتوفّی (190) : کذوب لیس بشیء ، کان یسوی الحدیث علی مذهب أبی حنیفة ، هو والریح عندهم سواء (1). تاریخ بغداد (7 / 17) ، میزان الاعتدال (1 / 96) ، لسان المیزان (1 / 384).

102 - إسماعیل بن أبان أبو إسحاق الغنوی الکوفی المتوفّی (210) : کذّاب ، کان یضع الحدیث (2). تاریخ بغداد (6 / 241) ، میزان الاعتدال (1 / 98) ، تذکرة الموضوعات (ص 116) ، تهذیب التهذیب (1 / 271) ، اللآلئ المصنوعة (1 / 246) ، خلاصة التهذیب (ص 27).

103 - إسماعیل بن أبی أُویس عبد الله المدنی المتوفّی (226) : کذّاب ، یسرق الحدیث (3). میزان الاعتدال (1 / 104).

104 - إسماعیل بن أبی زیاد الشامی : کذّاب ، متروک یضع الحدیث (4) : میزان الاعتدال (1 / 107) ، اللآلئ المصنوعة (2 / 77 ، 179 ، 239).

105 - إسماعیل بن إسحاق الجرجانی : کان یضع الحدیث (5). میزان الاعتدال (ج 1) ، لسان المیزان (1 / 393). 2.

ص: 323


1- میزان الاعتدال : 1 / 206 رقم 814 ، لسان المیزان : 1 / 427 رقم 1208 ، کتاب المجروحین : 1 / 180 ، المنتظم : 9 / 184 رقم 1035.
2- میزان الاعتدال : 1 / 211 رقم 824 ، تذکرة الموضوعات : ص 82 ، تهذیب التهذیب : 1 / 237 ، اللآلئ المصنوعة : 1 / 474 ، خلاصة الخزرجی : 1 / 82 رقم 466 ، کتاب المجروحین : 1 / 128 ، سیر أعلام النبلاء : 10 / 348 وفی هامشه بقیة مصادر ترجمته.
3- میزان الاعتدال : 1 / 223 رقم 854 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 1 / 323 رقم 151.
4- میزان الاعتدال : 1 / 230 و 231 رقم 881 و 884 ، اللآلئ المصنوعة : 2 / 138 و 333 و 449 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 1 / 314 رقم 140 ، موضح أوهام الجمع والتفریق : 1 / 407 ، الإکمال : 1 / 163 ، لسان المیزان : 1 / 453 رقم 1279 ، تهذیب التهذیب : 1 / 261 و 290. ویأتی فی الرقم 112.
5- میزان الاعتدال : 1 / 221 رقم 848 ، لسان المیزان : 1 / 439 رقم 1242.

106 - إسماعیل بن بلال العثمانی الدمیاطی المتوفّی (466) : کان کذّاباً. لسان المیزان (1) (1 / 396).

107 - إسماعیل بن زریق البصری : کذّاب (2). میزان الاعتدال (1 / 106).

108 - إسماعیل بن شروس أبو المقدام الصنعائی : کان یضع الحدیث (3). میزان الاعتدال (1 / 109).

109 - إسماعیل بن علیّ بن المثنّی الواعظ الأسترآبادیّ المتوفّی (448) : کذّاب ابن کذّاب ، کان یقصُّ ویکذب ، یرکّب المتون الموضوعة علی الأسانید الصحیحة (4). لسان المیزان (1 / 423).

110 - إسماعیل بن محمد بن یوسف أبو هارون الفلسطینی من بیت جبریل : کذّاب ، یسرق الحدیث ، لا یجوز الاحتجاج به (5). میزان الاعتدال (1 / 114) ، تذکرة الموضوعات (ص 39 ، 58 ، 107) ، اللآلئ المصنوعة (1 / 152).

111 - إسماعیل بن محمد بن مسلمة أبو عثمان الأصبهانی الواعظ المحتسب : قال 1.

ص: 324


1- لسان المیزان : 1 / 443 رقم 1254.
2- میزان الاعتدال : 1 / 228 رقم 877 ، الجرح والتعدیل : 2 / 171.
3- میزان الاعتدال : 1 / 234 رقم 895 ، التاریخ الکبیر : 1 / 359 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 1 / 320 رقم 144 ، موضح أوهام الجمع والتفریق : 1 / 4 و 235.
4- لسان المیزان : 1 / 472 رقم 1321 ، تاریخ بغداد : 6 / 315 رقم 3362 ، وراجع تاریخ مدینة دمشق : 9 / 18 رقم 751.
5- میزان الاعتدال : 1 / 247 رقم 935 ، تذکرة الموضوعات : ص 7 و 12 و 24 و 42 و 76 ، اللآلئ المصنوعة : 1 / 294 ، کتاب المجروحین : 1 / 130 ، الأنساب : 2 / 18 ، لسان المیزان : 1 / 482 رقم 1347 ، والمترجَم هو إسماعیل بن محمد بن یوسف بن یعقوب بن جعفر بن عطاء بن أبی عبید الثقفی ، أبو هارون الجبرینی ، منسوب إلی بیت جبرین. راجع معجم البلدان : 1 / 519 و 2 / 101.

ابن ناصر : وضع حدیثاً وکان یختلط. شذرات الذهب (1) (4 / 23).

112 - إسماعیل بن مسلم السکونی الیشکری (2) : کان یضع الحدیث (3). میزان الاعتدال (1 / 116) ، تهذیب التهذیب (1 / 333) ، اللآلئ المصنوعة (2 / 114)

113 - إسماعیل بن یحیی الشیبانی الشعیری : کذّاب. تهذیب التهذیب (4) (1 / 336).

114 - إسماعیل بن یحیی التیمی حفید أبی بکر الصدّیق : کذّاب لا تحلّ الروایة عنه ، رکن من أرکان الکذب ، یضع الحدیث ، عامّة ما یرویه بواطیل ، کان یکذب علی مالک والثوری وغیرهما ، یحدِّث عن الثقات بما لا یتابع علیه (5). تاریخ بغداد (6 / 249) ، أسنی المطالب (ص 209) ، میزان الاعتدال (1 / 117) ، لسان المیزان (1 / 442) ، مجمع الزوائد (1 / 101 ، 106 ، 133 ، 9 / 44) ، اللآلئ المصنوعة (1 / 89 ، 107 ، 111 ، 2 / 163). 9.

ص: 325


1- شذرات الذهب : 6 / 39 حوادث سنة 509 ه وفیه أنه ابن مَلّة بدلاً من مسلمة ، واعتمد محقق الشذرات فی تصحیحه علی : المستفاد من ذیل تاریخ بغداد : 19 / 90 ، وسیر أعلام النبلاء : 19 / 381. وکذلک هو فی المنتظم : 17 / 143 حوادث سنة 509 ه.
2- فی میزان الاعتدال : هو نفسه إسماعیل بن أبی زیاد الشامی المتقدّم فی التسلسل 104. ذکره العقیلی فی الضعفاء الکبیر : 1 / 93 رقم 105 بلقب الیشکری ، وهی النسخة التی اعتمدها الذهبی فی میزانه ، ونوّه فیه إلی أنّ العقیلی ذکر الیشکری بدل السکونی ، وأما النسخة التی أخذ عنها السیوطی فی اللآلئ المصنوعة ففیها السکونی ، مما یُلمح أنّ الیشکری محرّف عن السکونی ، والله العالم. وفرّق المزی فی تهذیب الکمال بین الشامی السکونی والیشکری وجعلهما اثنین وکذا فعل ابن حجر فی التهذیب.
3- میزان الاعتدال : 1 / 250 رقم 946 ، تهذیب التهذیب : 1 / 291 ، اللآلئ المصنوعة : 2 / 210 ، تهذیب الکمال : 3 / 206 رقم 486 و 487.
4- تهذیب التهذیب : 1 / 293 ، الضعفاء الکبیر : 1 / 96 رقم 111 ، کتاب الضعفاء والمجروحین لابن الجوزی : 1 / 123 رقم 426.
5- أسنی المطالب : ص 424 ح 1370 ، میزان الاعتدال : 1 / 253 رقم 965 ، لسان المیزان : 1 / 493 رقم 1378 اللآلئ المصنوعة : 1 / 172 و 207 و 214 و 2 / 304 ، کتاب المجروحین : 1 / 126 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 1 / 302 رقم 129.

115 - أُسید بن زید بن نُجیح ، أبو محمد الجمّال المتوفّی قبل (220) : کذّاب ، متروک الحدیث ، یحدِّث بأحادیث کذب ، عامّة ما یرویه لا یُتابع علیه (1). تاریخ بغداد (7 / 48) ، نصب الرّایة (1 / 92) ، مجمع الزوائد (2 / 175) ، میزان الاعتدال (1 / 119) ، خلاصة التهذیب (ص 32) ، اللآلئ المصنوعة (1 / 408).

116 - أشعث بن سعید البصری أبو الربیع السمّان : لیس بثقة ، ضعیف ، متروک الحدیث ، قال هشیم : کان یکذب (2). تهذیب التهذیب (1 / 351).

117 - أصبغ بن خلیل القرطبی المالکی المتوفّی (272) : افتعل حدیثاً فی ترک رفع الیدین ووقف الناس علی کذبه. نُقل عن أحمد بن خالد : أنّه لم یقصد أصبغ بن خلیل الکذب علی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، وإنّما أظهر (3) أنّه یرید تأیید مذهبه. لسان المیزان (4) (1 / 459).

118 - أصرم بن حوشب ، أبو هشام : کتب عنه الجوزی (5) فی سنة (202) ، کذّاب خبیث یضع الحدیث علی الثقات (6). تاریخ بغداد (7 / 31) ، میزان الاعتدال 1.

ص: 326


1- میزان الاعتدال : 1 / 256 رقم 986 ، خلاصة الخزرجی : 1 / 97 رقم 578 ، اللآلئ المصنوعة : 1 / 408 ، الضعفاء الکبیر : 1 / 28 رقم 10 ، الجرح والتعدیل : 2 / 318 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 1 / 400 رقم 216 ، تهذیب الکمال : 3 / 238 رقم 512.
2- تهذیب التهذیب : 1 / 307 ، الضعفاء الکبیر : 1 / 30 رقم 12 ، الجرح والتعدیل : 2 / 272 ، کتاب المجروحین : 1 / 172 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 1 / 376 رقم 200 ، موضح أوهام الجمع والتفریق : 1 / 447.
3- تأمّل فی هذا التوجیه واضحک أو ابک. (المؤلف)
4- لسان المیزان : 1 / 511 رقم 1421 ، سیر أعلام النبلاء : 13 / 202 وفیه : أن وفاته سنة (273).
5- فی تاریخ بغداد : الجوزجانی ، وهو نفسه السعدی کما فی میزان الاعتدال : 1 / 75 رقم 257.
6- میزان الاعتدال : 1 / 272 رقم 1017 ، تذکرة الموضوعات : ص 7 و 8 ، اللآلئ المصنوعة : 1 / 198 ، 311 و 2 / 10 و 89 و 99 ، کتاب المجروحین : 1 / 181.

(1 / 126) ، تذکرة الموضوعات (ص 10) ، مجمع الزوائد (1 / 306) ، اللآلئ المصنوعة (1 / 198 ، 2 / 6 ، 47 ، 52).

119 - أیّوب بن خوط أبو أُمیّة البصری الحبطی : متروک ، کذّاب (1). تهذیب التهذیب (1 / 402) ، لسان المیزان (1 / 479).

120 - أیّوب بن سیّار الزهری المدنی : قال النسائی (2) : کان من الکذّابین ، وقال ابن حبّان (3) : کان یقلّب الأسانید ویرفع المراسیل (4). لسان المیزان (1 / 482).

121 - أیّوب بن محمد أبو میمون الصوری : کذّاب (5). میزان الاعتدال (1 / 136).

122 - أیّوب بن مدرک أبو عمرو الحنفی الیمامی : کذّاب ، لیس بشیء ، روی عن مکحول نسخة موضوعة (6). تاریخ بغداد (7 / 6) ، تاریخ الشام (3 / 111) ، لسان المیزان (1 / 488).

حرف الباء الموحّدة

123 - باذام ، أبو صالح : تابعیّ ، کذّاب متروک. عن الکلبی قال : قال أبو صالح : کلّ ما حدّثتک کذب (7). میزان الاعتدال (1 / 138) ، تهذیب التهذیب (1 / 416). 0.

ص: 327


1- تهذیب التهذیب : 1 / 352 ، لسان المیزان : 1 / 535 رقم 1476 ، کتاب الضعفاء والمتروکین للنسائی : ص 46 رقم 26 ، موضح أوهام الجمع والتفریق : 1 / 442.
2- فی کتاب الضعفاء والمتروکین للنسائی : ص 47 رقم 28 : متروک الحدیث.
3- کتاب المجروحین : 1 / 171.
4- لسان المیزان : 1 / 539 رقم 1485.
5- میزان الاعتدال : 1 / 293 رقم 1098.
6- تاریخ مدینة دمشق : 10 / 120 - 122 رقم 864 ، تهذیب تاریخ دمشق : 3 / 214 ، لسان المیزان : 1 / 546 رقم 1510 ، کتاب المجروحین : 1 / 168.
7- میزان الاعتدال : 1 / 296 رقم 1121 ، تهذیب التهذیب : 1 / 364 ، کتاب المجروحین : 1 / 185 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 2 / 68 رقم 300.

124 - برکة بن محمد الحلبی : کذّاب ، یسرق الحدیث ویضع (1). میزان الاعتدال (1 / 141) ، نصب الرایة (1 / 78) ، اللآلئ المصنوعة (2 / 4 ، 209).

125 - بُرَیه بن محمد بن بُرَیه أبو القاسم البیّع : کذّاب مدبِّر وضّاع ، له کتاب ، أحادیثه باطلة موضوعة منکرة المتون جدّا. تاریخ بغداد (7 / 135) ، میزان الاعتدال (2) (1 / 142).

126 - بشر بن إبراهیم أبو سعید القرشی الأنصاری الدمشقی : سکن البصرة ، ممّن یضع الحدیث علی الثقات ، أتی بأحادیث موضوعة لا یُتابع علیها (3). تاریخ الشام (3 / 227) ، تذکرة الموضوعات (ص 117) ، نصب الرایة (4 / 238) ، أسنی المطالب (ص 156).

127 - بشر - بشّار - بن إبراهیم البصری أبو عمرو المفلوج : کذّاب ، یضع الحدیث علی الثقات (4). میزان الاعتدال (1 / 145) ، تذکرة الموضوعات (ص 61 ، 72 ، 73 ، 76) ، اللآلئ المصنوعة (2 / 167 ، 203). ه.

ص: 328


1- میزان الاعتدال : 1 / 303 رقم 1149 ، اللآلئ المصنوعة : 2 / 7 و 390 ، کتاب المجروحین : 1 / 203 ، الإکمال : 1 / 233 وقال : واسمه : حسین.
2- میزان الاعتدال : 1 / 306 رقم 1158.
3- تاریخ مدینة دمشق : 10 / 170 رقم 879 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 5 / 190 ، تذکرة الموضوعات : ص 82 ، أسنی المطالب : ص 315 ح 1011 ، الضعفاء الکبیر : 1 / 142 رقم 174 ، الجرح والتعدیل : 2 / 351 ، کتاب المجروحین : 1 / 189 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 2 / 13 رقم 250 ، کتاب الضعفاء والمتروکین لابن الجوزی : 1 / 140 رقم 515 ، وفی کتاب المجروحین لابن حبان وتاریخ ابن عساکر أنّ اسمه : بشر بن إبراهیم ، أبو سعید القُرشی ، ویقال : أبو عمرو الأنصاری المفلوج ، ویقال له أیضاً الدمشقی والبصری کما فی لسان المیزان : 2 / 24 رقم 1588. وبذلک فهو یتحد مع بشر الآتی بعده.
4- میزان الاعتدال : 1 / 311 رقم 1181 ، تذکرة الموضوعات : ص 44 و 51 و 53 ، اللآلئ المصنوعة : 2 / 312 و 379 ، وأشرنا إلی اتحاده مع الذی سبقه.

128 - بشر بن الحسین الأصبهانی : کذّاب ، یکذب علی الزبیر ، له نسخة موضوعة شبیهاً بمائة وخمسین حدیثاً (1). میزان الاعتدال (1 / 147) ، مجمع الزوائد (1 / 59).

129 - بشر بن رافع الحارثی - ابن عمّ أبی هریرة - : کان یضع الحدیث ، یأتی بالطامّات موضوعة یعرفها من لم یکن الحدیث صناعته کأنّه المتعمِّد لها ، وقال ابن حبّان (2) : کان یضع أشیاء عمداً. تهذیب التهذیب (1 / 448) ، أسنی المطالب (ص 236) ، تذکرة الموضوعات (118) (3).

130 - بشر بن عبید الدارسی : کذّاب (4). مجمع الزوائد (1 / 137).

131 - بشر (5) بن عون الشامی : عنده نسخة نحو مائة حدیث کلّها موضوعة (6). میزان الاعتدال (1 / 149) ، تذکرة الموضوعات (ص 112) ، مجمع الزوائد (2 / 228).

132 - بشر بن نمیر البصری المتوفّی (238) : کان رکناً من أرکان الکذب ، کذّاب یضع الحدیث ، عامّة ما یرویه لا یُتابع علیه (7). تهذیب التهذیب (1 / 461) ، میزانر.

ص: 329


1- میزان الاعتدال : 1 / 315 رقم 1192 ، الجرح والتعدیل : 2 / 355 ، کتاب المجروحین : 1 / 190.
2- کتاب المجروحین : 1 / 188.
3- تهذیب التهذیب : 1 / 393 ، أسنی المطالب : ص 484 ح 1551 ، تذکرة الموضوعات : ص 75 و 83 ، موضح أوهام الجمع والتفریق : 2 / 3 ، الإکمال : 1 / 423 ، الأنساب : 5 / 462.
4- الأنساب : 2 / 437 ، میزان الاعتدال : 1 / 230 رقم 1205.
5- فی مجمع الزوائد : بشیر. (المؤلف)
6- میزان الاعتدال : 1 / 321 رقم 1211 ، تذکرة الموضوعات : ص 73 و 79 ، کتاب المجروحین : 1 / 190 وفیه : أن النسخة فیها ستمائة حدیث. وذکره ابن عساکر فی تاریخة : 10 / 245 رقم 895.
7- تهذیب التهذیب : 1 / 403 ، میزان الاعتدال : 1 / 325 رقم 1228 ، اللآلئ المصنوعة : 1 / 243 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 2 / 7 رقم 245 ، الأنساب : 4 / 502 ، تهذیب الکمال : 4 / 155 رقم 710 وفی هامشه بقیة مصادر ترجمته. والمترجم اسمه : بشر بن نُمَیر القُشیری البصری المتوفّی بین الأربعین والخمسین بعد المائة کما فی تهذیب التهذیب وخلاصة الخزرجی : 1 / 129 رقم 791. وأما سنة 238 فهی سنة وفاة بشر بن الولید الکندی التالیة ترجمته فی میزان الاعتدال ترجمة بشر بن نمیر.

الاعتدال (1 / 151) ، اللآلئ المصنوعة (1 / 126).

133 - بکر بن زیاد الباهلی : دجّال ، یضع الحدیث (1). میزان الاعتدال (1 / 160) ، اللآلئ المصنوعة (1 / 7).

134 - بکر بن عبد الله بن الشردود (2) الصنعائی : کذّاب ، لیس بشیء ، یقلّب الأسانید ویرفع المراسیل. میزان الاعتدال (3) (1 / 161).

135 - بکر بن المختار الصائغ : کذّاب ، لا تحلّ الروایة عنه (4) ، تذکرة الموضوعات (ص 15) ، میزان الاعتدال (1 / 162).

136 - بندار بن عمر بن محمد ، أبو سعید التمیمی الرویانی نزیل دمشق : کذّاب (5). تاریخ الشام (3 / 296).

137 - بهلوان بن شهرمزان أبو البشر الیزدی المتوفّی فی القرن السادس : کذّاب ، لسان المیزان (6) (3 / 65).

حرف الجیم

138 - جابر بن عبد الله الیمامی العقیلی : کان کذّاباً جاهلاً بعید الفطنة. قال ابن شاذویه : رأیتُ ببخاری ثلاثة من الکذّابین : محمد بن تمیم ، والحسن بن شبل ، وجابر 4.

ص: 330


1- میزان الاعتدال : 1 / 345 رقم 1281 ، اللآلئ المصنوعة : 1 / 13 ، کتاب المجروحین : 1 / 196.
2- الصحیح : الشرود کما فی جمیع المصادر ، وقیل : الشروس.
3- میزان الاعتدال : 1 / 346 رقم 1286 ، الضعفاء الکبیر : 1 / 149 رقم 185 ، کتاب المجروحین : 1 / 196.
4- تذکرة الموضوعات : ص 11 ، میزان الاعتدال : 1 / 348 رقم 1295 ، کتاب المجروحین : 1 / 195.
5- تاریخ مدینة دمشق : 10 / 408 رقم 968 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 5 / 250 ، میزان الاعتدال : 1 / 353 رقم 1321.
6- لسان المیزان : 2 / 80 رقم 1774.

الیمامی. لسان المیزان (1) (2 / 87) ، الإصابة (1 / 155) ، اللآلئ المصنوعة (1 / 453).

139 - الجارود بن یزید أبو علیّ العامری المتوفّی (253) : کذّاب متروک ، یکذب ویضع الحدیث (2). میزان الاعتدال (1 / 178) ، لسان المیزان (2 / 90).

140 - جبارة بن المغلّس أبو محمد الحِمّانی المتوفّی (241) : قال یحیی : کذّاب (3). أسنی المطالب (ص 232) ، خلاصة التهذیب (ص 55).

141 - الجرّاح بن منهال أبو العطوف الجزری المتوفّی (168) : منکر الحدیث ، متروک ، کان یکذب فی الحدیث ، ویشرب الخمر (4). میزان الاعتدال (1 / 181) ، لسان المیزان (2 / 99).

142 - جریر بن أیّوب البجلی الکوفی : قال أبو نعیم : کان یضع الحدیث (5). میزان الاعتدال (ج 1) ، لسان المیزان (2 / 101).

143 - جریر بن زیاد الطائی : کذّاب. نصب الرایة (1 / 181).

144 - جعفر بن أبان : کان یضع الحدیث. تذکرة الموضوعات (6) (ص 113) 0.

ص: 331


1- لسان المیزان : 2 / 112 رقم 1876.
2- میزان الاعتدال : 1 / 384 رقم 1428 ، لسان المیزان : 2 / 116 رقم 1892 ، کتاب الضعفاء والمتروکین للنسائی : ص 72 رقم 102 ، الجرح والتعدیل : 2 / 525 ، تاریخ بغداد : 7 / 261 رقم 3745 ، سیر أعلام النبلاء : 9 / 424 وفیه : أن وفاته مردّدة بین (203) و (206) وکذا فی تاریخ بغداد ، وراجع المنتظم : 10 / 153 حوادث سنة 206 ه.
3- أسنی المطالب : ص 473 ح 1516 ، خلاصة الخزرجی : 1 / 174 رقم 1082.
4- میزان الاعتدال : 1 / 390 رقم 1453 ، لسان المیزان : 2 / 126 رقم 1925 ، التاریخ الکبیر : 2 / 228 ، الجرح والتعدیل : 2 / 523 ، کتاب المجروحین : 1 / 218.
5- میزان الاعتدال : 1 / 391 رقم 1459 ، لسان المیزان : 2 / 128 رقم 1931 کتاب المجروحین : 1 / 220.
6- تذکرة الموضوعات : ص 80.

145 - جعفر بن الزبیر الحنفی الدمشقی ثمّ البصری المتوفّی بعد (140) : کذّبه شعبة ، قال غندر : رأیتُ شعبة راکباً علی حمار فقال : أذهب فأَستعدی علی جعفر بن الزبیر. وضع علی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أربعمائة حدیث ، وکان مجتهداً فی العبادة (1). میزان الاعتدال (1 / 188) ، تهذیب التهذیب (2 / 90) ، مجمع الزوائد (1 / 248) ، اللآلئ المصنوعة (1 / 6 ، 2 / 102 ، 442) ، خلاصة التهذیب (ص 53).

146 - جعفر بن عبد الواحد الهاشمی العبّاسی المتوفّی (258) : من حفّاظ الحدیث ، کذّاب ، کان یضع الحدیث ویسرقه ، روی أحادیث لا أصل لها (2). تاریخ بغداد (7 / 175) ، المنتظم (5 / 12) ، میزان الاعتدال (1 / 191) ، اللآلئ المصنوعة (1 / 223 ، 2 / 10 ، 190).

147 - جعفر بن علیّ بن سهل الحافظ أبو محمد الدوری الدقّاق المتوفّی (330) : کذّاب فاسق (3). تاریخ بغداد (7 / 223) ، میزان الاعتدال (1 / 191).

148 - جعفر بن محمد بن علیّ : یروی عنه الحافظ ابن عدیّ وقال : جعفر یضع. اللآلئ المصنوعة (4) (2 / 110).

149 - جعفر بن محمد بن الفضل أبو القاسم الدقّاق المصری الشهیر بابن المارستانی المتوفّی (387) : کذّبه الدارقطنی والصویری (5). تاریخ بغداد (7 / 234) ، ی.

ص: 332


1- میزان الاعتدال : 1 / 406 رقم 1502 ، تهذیب التهذیب : 2 / 78 ، اللآلئ المصنوعة : 1 / 10 و 2 / 186 و 442 ، خلاصة الخزرجی : 1 / 167 رقم 1037.
2- المنتظم : 12 / 141 رقم 1604 ، میزان الاعتدال : 1 / 412 رقم 1511 ، اللآلئ المصنوعة : 1 / 430 و 2 / 18 و 354 ، کتاب المجروحین : 1 / 215 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 2 / 153 رقم 347 ، مختصر تاریخ دمشق : 6 / 75 ، لسان المیزان : 2 / 148 رقم 2009.
3- میزان الاعتدال : 1 / 413 رقم 1512 ، لسان المیزان : 2 / 150 رقم 2013.
4- اللآلئ المصنوعة : 2 / 201.
5- المنتظم : 14 / 387 رقم 2928 ، لسان المیزان : 2 / 156 رقم 2050 ، مختصر تاریخ دمشق : 6 / 84 ، میزان الاعتدال : 1 / 416 رقم 1528 ، وفیها جمیعاً أنّ الذی کذّبه : الصوری ، وهو محمد بن علی ، ولیس الصویری.

المنتظم (7 / 191) ، لسان المیزان (2 / 124).

حرف الحاء المهملة

150 - حارث بن عبد الرحمن بن سعد المثنی الدمشقی : مولی مروان بن الحکم أو مولی أبی الجُلَاس (1) ، کذّاب. تاریخ الشام (3 / 442).

151 - حامد بن آدم المروزی : کذّاب ، ممّن اشتهر بوضع الحدیث. میزان الاعتدال (2) (1 / 208) ، مجمع الزوائد (1 / 37).

152 - حُبَاب بن جَبَلة الدقّاق : کذّاب. میزان الاعتدال (3) (1 / 208).

153 - حبیب بن أبی حبیب أبو محمد المصری المتوفّی (218) : کاتب مالک ، کان یضع الحدیث ، کان من أکذب الناس ، أحادیثه کلّها موضوعة (4). تهذیب التهذیب (2 / 181) ، میزان الاعتدال (1 / 210) ، تذکرة الموضوعات (ص 90) ، أسنی المطالب (ص 216) اللآلئ المصنوعة (1 / 8 ، 230) ، خلاصة التهذیب (ص 60) ، مجمع الزوائد (9 / 74) ، تاریخ بغداد (13 / 396).

154 - حبیب بن أبی حبیب الخرططی المروزی : کذّاب ، کان یضع الحدیث علی 5.

ص: 333


1- تاریخ مدینة دمشق : 11 / 427 رقم 1132 وترجمه باسم : الحارث بن سعید الکذاب ، وفی غیره من المصادر کالمنتظم : 6 / 204 رقم 474 حوادث سنة 79 ه ، مختصر تاریخ دمشق : 6 / 151 ، البدایة والنهایة : 9 / 34 هو المتنبی ولیس المثنی ، وقیل له ذلک لادعائه النبوّة.
2- میزان الاعتدال : 1 / 447 رقم 1671 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 2 / 461 رقم 569 ، لسان المیزان : 2 / 206 رقم 2244 وفیه : أن وفاته سنة (339).
3- میزان الاعتدال : 1 / 448 رقم 1675.
4- تهذیب التهذیب : 2 / 158 ، میزان الاعتدال : 1 / 452 رقم 1694 ، اللآلئ المصنوعة : 1 / 14 و 443 ، خلاصة الخزرجی : 1 / 192 رقم 1200 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 2 / 411 رقم 531 ، موضح أوهام الجمع والتفریق : 2 / 45.

الثقات (1). میزان الاعتدال (1 / 209) ، تهذیب التهذیب (1 / 182) ، اللآلئ المصنوعة (1 / 14).

155 - حبیب بن جحدر : کذّبه أحمد ویحیی. لسان المیزان (2) (2 / 169).

156 - حرب بن میمون العبدی أبو عبد الرحمن البصری : مجتهد عابد ، هو أکذب الخلق ، توفّی سنة بضع وثمانین ومائة (3). تهذیب التهذیب (2 / 227) ، خلاصة التهذیب (ص 63).

157 - حسّان بن غالب المصری : کان یقلّب الأخبار ، ویروی عن الأثبات الملزقات ، لا تحلُّ الروایة عنه إلاّ علی سبیل الاعتبار ، له عن مالک أحادیث موضوعة. میزان الاعتدال (4) (1 / 223).

158 - الحسن بن الحسین بن عاصم الهسنجانی : قال محمد بن أیّوب : کنّا لا نشکُّ نحن وعلیُّ بن شهاب أنّه کذّاب. لسان المیزان (5) (2 / 200).

159 - الحسن بن دینار أبو سعید التمیمی : کذّاب ، لیس بثقة (6). تهذیب التهذیب 4.

ص: 334


1- میزان الاعتدال : 1 / 451 رقم 1693 ، تهذیب التهذیب : 2 / 160 ، کتاب المجروحین : 1 / 265 ، الأنساب : 2 / 346.
2- لسان المیزان : 2 / 213 رقم 2271 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 2 / 411 رقم 530.
3- تهذیب التهذیب : 2 / 198 ، خلاصة الخزرجی : 1 / 202 رقم 1278 ، تهذیب الکمال : 5 / 532 رقم 1160 ، وفی هامشه جملة من مصادر ترجمته ، میزان الاعتدال : 1 / 471 رقم 1773.
4- میزان الاعتدال : 1 / 479 رقم 1810 ، کتاب المجروحین : 1 / 271 ، لسان المیزان : 2 / 238 رقم 2381.
5- لسان المیزان : 2 / 251 رقم 2427 ، الجرح والتعدیل : 3 / 6 ، الأنساب : 5 / 642.
6- تهذیب التهذیب : 2 / 240 ، لسان المیزان : 2 / 257 رقم 2440 ، اللآلئ المصنوعة : 2 / 322 ، کتاب الضعفاء والمتروکین للنسائی : ص 88 وفی هامشه عدد من مصادر ترجمته ، الضعفاء الکبیر : 1 / 222 رقم 271 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 2 / 296 رقم 446 ، موضح أوهام الجمع والتفریق : 2 / 27. وهو نفسه الآتی فی الرقم 174.

(2 / 276) ، لسان المیزان (2 / 205) ، اللآلئ المصنوعة (2 / 173).

160 - الحسن بن زیاد أبو علیّ اللؤلؤی الکوفی المتوفّی (204) : أحد الفقهاء من أصحاب أبی حنیفة ، کذّاب خبیث متروک الحدیث ، غیر ثقة ولا مأمون (1). تاریخ بغداد (7 / 317) ، میزان الاعتدال (1 / 228). وقال ابن کثیر فی البدایة والنهایة (2) (5 / 354) : ترکه غیر واحد من الأئمّة ، وصرّح کثیر منهم بکذبه.

161 - الحسن بن شبل الکرمینی البخاری : شیخ کذّاب ، من جملة من یضع الحدیث. میزان الاعتدال (3) (1 / 229).

162 - الحسن بن عثمان أبو سعید التستری : کذّاب ، یضع الحدیث ویسرقه (4). میزان الاعتدال (1 / 233) ، لسان المیزان (2 / 220) ، اللآلئ المصنوعة (2 / 193).

163 - الحسن بن الطیّب البلخی المتوفّی (307) : حدّث بما لم یسمع عن مطین ، کذّاب ، حدّث بأحادیث سرقها (5). میزان الاعتدال (1 / 233).

164 - الحسن بن علیّ الأهوازی أبو علیّ المتوفّی (446) : کذّاب فی الحدیث والقراءة ، کان من أکذب الناس ، صنّف کتاباً أتی بالموضوعات وفضائح (6). میزان الاعتدال (1 / 237) ، اللآلئ المصنوعة (1 / 15). 8.

ص: 335


1- میزان الاعتدال : 1 / 491 رقم 1849 ، کتاب الضعفاء والمتروکین للنسائی : ص 89 رقم 158 ، الجرح والتعدیل : 3 / 15 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 2 / 318 رقم 450.
2- البدایة والنهایة : 5 / 376.
3- میزان الاعتدال : 1 / 494 رقم 1862.
4- میزان الاعتدال : 1 / 502 رقم 1885 ، لسان المیزان : 2 / 274 رقم 2491 ، اللآلئ المصنوعة : 2 / 361 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 2 / 345 رقم 478.
5- میزان الاعتدال : 1 / 501 رقم 1874 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 2 / 344 رقم 477 ، تاریخ بغداد : 7 / 333 رقم 3849.
6- میزان الاعتدال : 1 / 512 رقم 1916 ، اللآلئ المصنوعة : 1 / 28.

165 - الحسن بن علیّ أبو علیّ النخعی ، المعروف بأبی الأشنان : قال ابن عدی (1) : رأیته ببغداد یکذب کذباً فاحشاً ویحدِّث عن قوم لم یرهم ، وکان یلزق أحادیث قوم تفرّدوا به علی قوم لیس عندهم (2). تاریخ بغداد (7 / 377) ، میزان الاعتدال (1 / 236).

166 - الحسن بن علیّ بن زکریّا أبو سعید العدوی البصری المتوفی (317 ، 318 ، 319) : شیخ قلیل الحیاء ، کذّاب أفّاک یضع الحدیث علی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، ویسرق الحدیث ویلزقه علی قوم آخرین ، ویحدِّث عن قوم لا یُعرفون ، وعامّة ما حدّث - إلاّ القلیل - موضوعات یُتیقّن أنّه هو الذی وضعه ، کذّاب علی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، یقول علیه ما لم یقل ، قال ابن حبّان (3) : لعلّه قد حدّث عن الثقات بالأشیاء الموضوعات ما یزید علی ألف حدیث (4). تاریخ بغداد (7 / 383) ، میزان الاعتدال (1 / 236) ، طبقات الحفّاظ (3 / 32) ، شذرات الذهب (2 / 281) ، اللآلئ المصنوعة (1 / 59 ، 226).

167 - الحسن بن علیّ بن عیسی الأزدی المعانی : وضّاع ، روی عن مالک أحادیث موضوعة. تاریخ الشام (5) (4 / 230).

168 - الحسن بن عُمارة بن المُضرّب أبو محمد الکوفی المتوفّی (153) : فقیه کبیر کذّاب ، ساقط متروک ، وکان یضع الحدیث. قال شعبة : من أراد أن ینظر إلی أکذب 9.

ص: 336


1- الکامل فی ضعفاء الرجال : 2 / 346 رقم 479.
2- میزان الاعتدال : 1 / 509 رقم 1906.
3- کتاب المجروحین : 1 / 241.
4- میزان الاعتدال : 1 / 506 رقم 1904 ، تذکرة الحفّاظ : 3 / 803 رقم 792 ، شذرات الذهب : 4 / 93 حوادث سنة 319 ه ، اللآلئ المصنوعة : 1 / 114 و 435 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 2 / 338 رقم 474 ، المنتظم : 13 / 301 حوادث سنة 319 ه.
5- تاریخ مدینة دمشق : 13 / 312 رقم 1392 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 7 / 50 ، کتاب المجروحین : 1 / 240 ، الأنساب : 4 / 499.

الناس فلینظر إلی الحسن بن عمارة (1). تاریخ بغداد (7 / 349) ، میزان الاعتدال (1 / 239) ، إرشاد الساری (6 / 73).

169 - الحسن بن عمرو بن سیف العبدی : کذّاب ، متروک (2). تهذیب التهذیب (2 / 311) ، میزان الاعتدال (1 / 239).

170 - الحسن بن غالب أبو علیّ التمیمی المعروف بابن مبارک المقری المتوفّی (458) : قال السمرقندی : کان کذّاباً (3). المنتظم (8 / 243) ، البدایة والنهایة (12 / 94).

171 - الحسن بن غُفَیر المصری العطّار : کذّاب ، کان یضع الحدیث. میزان الاعتدال (4) (1 / 240).

172 - الحسن بن محمد أبو علیّ الکرمانی الشرقی المتوفّی (495) : رحل فی طلب الحدیث وعنی بجمعه وسمع الکثیر ، وکان فیه دین وعبادة وزهد ، یصلّی اللیل ؛ لکنّه روی ما لم یسمع فأفسد ما سمع ، وکان المؤتمن أبو نصر یقول : هو کذّاب (5). المنتظم (9 / 132).

173 - الحسن بن یزید المؤذِّن البغدادی : منکر الحدیث عن الثقات ، یقلّب الأسانید ، ولا یشبه حدیثه حدیث أهل الصدق (6). تاریخ بغداد (7 / 452). 3.

ص: 337


1- میزان الاعتدال : 1 / 513 رقم 1918 ، إرشاد الساری : 8 / 150 ح 3642 ، موضح أوهام الجمع والتفریق : 2 / 25 ، تهذیب الکمال : 6 / 265 رقم 1252 وفی هامشه جملة کبیرة من مصادر ترجمته.
2- تهذیب التهذیب : 2 / 269 ، میزان الاعتدال : 1 / 516 رقم 1919.
3- المنتظم : 16 / 98 رقم 3388 ، البدایة والنهایة : 12 / 116 حوادث سنة 458 ه ، تاریخ بغداد : 7 / 400 ، مختصر تاریخ دمشق : 7 / 58.
4- میزان الاعتدال : 1 / 517 رقم 1927.
5- المنتظم : 17 / 77 رقم 3725 ، الأنساب : 3 / 359 ونسبه إلی سیرجان وهی من بلاد کرمان.
6- الکامل فی ضعفاء الرجال : 2 / 332 رقم 467 ، موضح أوهام الجمع والتفریق : 2 / 30 ، میزان الاعتدال : 1 / 483 و 526 رقم 1828 و 1963.

174 - الحسن بن واصل : کذّاب. اللآلئ المصنوعة (1) (2 / 45) قد یقال : إنّه هو ابن دینار.

175 - الحسین بن إبراهیم : کذّاب ، دجّال وضع الحدیث ، وضع أحادیث صلاة الأیّام واللیالی (2). میزان الاعتدال (1 / 248) ، أسنی المطالب (ص 217).

176 - الحسین بن أبی السریّ - المتوکّل - العسقلانی المتوفّی (240) : کذّاب (3). میزان الاعتدال (1 / 251) ، تهذیب التهذیب (2 / 365) ، خلاصة التهذیب (ص 72).

177 - الحسین بن حُمید بن ربیع الکوفی الخزّار المتوفّی (282) : کذّاب ابن کذّاب ابن کذّاب. تاریخ بغداد (8 / 38) ، میزان الاعتدال (4) (2 / 280).

178 - الحسین بن داود أبو علیّ البلخی المتوفّی (282) : وضّاع ، لیس بثقة ، حدیثه موضوع ، روی عن یزید بن هارون ، عن حمید بن (5) أنس نسخة أکثرها موضوع (6). تاریخ بغداد (8 / 44) ، میزان الاعتدال (1 / 250) ، اللآلئ المصنوعة (2 / 187).

179 - الحسین بن عبد الله بن ضمیرة الحمیری : کذّاب ، متروک الحدیث ، 0.

ص: 338


1- اللآلئ المصنوعة : 2 / 84 ، وقد مرَّ فی الرقم 159 فراجع.
2- میزان الاعتدال : 1 / 530 رقم 1978 ، أسنی المطالب ص 442 ح 1423 ، سیر أعلام النبلاء : 20 / 177 وفی هامشه عدد من مصادر ترجمته.
3- میزان الاعتدال : 1 / 536 رقم 2003 ، تهذیب التهذیب : 2 / 315 ، خلاصة الخزرجی : 1 / 230 رقم 1447 ، الأنساب : 4 / 191 ، مختصر تاریخ دمشق : 7 / 176.
4- میزان الاعتدال : 1 / 533 رقم 1993 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 2 / 368 رقم 498 ، المنتظم : 12 / 349 رقم 1883. وهو فی جمیع المصادر : الخزّاز نسبة إلی بیع الخزّ وصناعته.
5- فی تاریخ بغداد : عن حمید ، عن أنس ، وهو حُمید الطویل.
6- میزان الاعتدال : 1 / 534 رقم 1998 ، اللآلئ المصنوعة : 2 / 350.

لا یساوی شیئاً ، لیس بثقة ولا مأمون. میزان الاعتدال (1) (1 / 252).

180 - الحسین بن عبید الله (2) العجلی أبو علیّ : کان یضع الحدیث علی الثقات (3). میزان الاعتدال (1 / 253) ، تاریخ بغداد (8 / 56) ، نصب الرایة (1 / 143) ، مجمع الزوائد (1 / 206) ، اللآلئ المصنوعة (1 / 164).

181 - الحسین بن علوان بن قدامة أبو علیّ : حدّث ببغداد سنة (200) ، کذّاب خبیث ، کان یضع الحدیث (4). تاریخ بغداد (8 / 63) ، میزان الاعتدال (1 / 254) ، تذکرة الموضوعات (ص 63 ، 102 ، 116) ، اللآلئ المصنوعة (1 / 109 و 2 / 50 ، 65 ، 119).

182 - الحسین بن الفرج الخیّاط : کذّاب ، کان یسرق الحدیث. میزان الاعتدال (5) (1 / 255).

183 - الحسین بن قیس الملقّب بحنش : کذّاب أحادیثه منکرة جدّا ، لا یُکتب حدیثه (6). تذکرة الموضوعات (ص 90) ، اللآلئ المصنوعة (2 / 13) ، میزان الاعتدال (1 / 255). 3.

ص: 339


1- میزان الاعتدال : 1 / 538 رقم 2013 ، العلل ومعرفة الرجال : 3 / 213 رقم 4922 ، الجرح والتعدیل : 3 / 57.
2- فی میزان الاعتدال للذهبی : عبد الله. (المؤلف)
3- میزان الاعتدال : 1 / 541 رقم 2021 ، اللآلئ المصنوعة : 1 / 316 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 2 / 364 رقم 494.
4- میزان الاعتدال : 1 / 542 رقم 2027 ، تذکرة الموضوعات : ص 43 و 45 و 72 و 82 ، اللآلئ المصنوعة : 1 / 211 و 2 / 94 و 115 و 221 ، الجرح والتعدیل : 3 / 61 ، کتاب المجروحین : 1 / 244 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 2 / 359 رقم 489.
5- میزان الاعتدال : 1 / 545 رقم 2040 ، الجرح والتعدیل : 3 / 62.
6- تذکرة الموضوعات : ص 63 ، 77 ، اللآلئ المصنوعة : 2 / 23 ، میزان الاعتدال : 1 / 546 رقم 2043.

184 - الحسین بن محمد أبو عبد الله الخالع البغدادی المتوفّی (422) : قال أبو الفتح الصوّاف المصری : لم أکتب ببغداد عمّن أطلق علیه الکذب من المشایخ غیر أربعة ، أحدهم أبو عبد الله الخالع. تاریخ بغداد (8 / 106).

185 - الحسین بن محمد البزری : المتوفّی (423) : کذّاب ، أحد الأربعة المشایخ الکذّابین ببغداد. تاریخ بغداد (8 / 107) ، میزان الاعتدال (1) (1 / 256).

186 - حصن (2) بن عمر أبو عمر الأحمسی الکوفی : کذّاب ، منکر الحدیث ، لیس بشیء (3). تاریخ بغداد (8 / 264).

187 - حفص بن سلیمان أبو عمر الأسدی البزّاز المتوفّی (180) وقیل قریباً من (190) ، وهو حفص بن أبی داود القارئ نزیل بغداد : کذّاب متروک ، یضع الحدیث ، یحدّث عن جمع أحادیث بواطل. تاریخ بغداد (8 / 188). وقال أبو حاتم (4) : متروک لا یصدّق. وقال ابن عدیّ (5) : أحادیثه غیر محفوظة. وقال ابن حبّان (6) : یقلّب الأسانید ویرفع المراسیل (7). میزان الاعتدال (1 / 261) ، مجمع الزوائد (4 / 195).

188 - حفص بن عمر الرفّا : قال أبو حاتم (8) : کذّاب ، ذاهب الحدیث ، روی عن شعبة حدیثاً کذب فیه. لسان المیزان (9) (2 / 327). 8.

ص: 340


1- میزان الاعتدال : 1 / 547 رقم 2049.
2- فی تاریخ بغداد : حصین.
3- التاریخ الکبیر : 3 / 10 ، الأنساب : 1 / 91 ، تهذیب الکمال : 6 / 526 رقم 1363.
4- الجرح والتعدیل : 3 / 173.
5- الکامل فی ضعفاء الرجال : 2 / 380 رقم 505.
6- کتاب المجروحین : 1 / 255.
7- میزان الاعتدال : 1 / 558 رقم 2121.
8- الجرح والتعدیل : 3 / 183.
9- لسان المیزان : 2 / 398 رقم 2858.

189 - حفص بن عمر بن دینار الأیلی : قال أبو حاتم (1) : کان شیخاً کذّاباً. وقال العقیلی (2) : یحدِّث عن الأئمّة بالبواطیل. وقال السّاجی : کان یکذب (3). لسان المیزان (2 / 325).

190 - حفص بن عمر الرازی : کان یکذب (4). میزان الاعتدال (2 / 328)

191 - حفص بن عمر الحبطی الرملی نزیل بغداد : لم یکن بثقة ولا مأمون ، أحادیثه أحادیث کذب. تاریخ بغداد (8 / 201). وقال الأزدی : متروک. وقال ابن عدیّ (5) : لیس له إلاّ الیسیر ، وأحادیثه غیر محفوظة ، وقال : حدّث بالبواطیل. لسان المیزان (6) (2 / 326).

192 - حفص بن عمر : قاضی حلب ، کذّاب ، یوصف بوضع الحدیث ، قال ابن حبّان (7) : یروی عن الثقات الموضوعات ، لا یحلُّ الاحتجاج به (8). میزان الاعتدال (1 / 264) ، تذکرة الموضوعات (ص 103) ، اللآلئ المصنوعة (1 / 129).

193 - حفیدة بن کثیر بن عبد الله : کذّاب. قال الشافعی : رکن من أرکان 2.

ص: 341


1- الجرح والتعدیل : 3 / 183.
2- الضعفاء الکبیر : 1 / 275 رقم 339.
3- لسان المیزان : 2 / 394 رقم 2849 ، کتاب المجروحین : 1 / 258 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 2 / 389 رقم 511 ، میزان الاعتدال : 1 / 561 رقم 2132 ، وفی أغلب المصادر نسبته : الأُبُلِّی ، وقیل : هو حفص بن عمر بن میمون.
4- میزان الاعتدال : 1 / 565 رقم 2147 ، الجرح والتعدیل : 3 / 184.
5- الکامل فی ضعفاء الرجال : 2 / 388 رقم 510.
6- لسان المیزان : 2 / 396 رقم 2850.
7- کتاب المجروحین : 1 / 259.
8- میزان الاعتدال : 1 / 563 رقم 2135 ، تذکرة الموضوعات : ص 72 ، اللآلئ المصنوعة : 1 / 129 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 2 / 390 رقم 512.

الکذب. حاشیة السندی علی سنن ابن ماجة (2 / 148).

194 - الحکم بن عبد الله أبو سلمة : کذّاب ، کان یضع الحدیث ، روی عن الزهری ، عن ابن المسیّب نحو خمسین حدیثاً لا أصل لها (1). تاریخ الشام (4 / 394) ، میزان الاعتدال (1 / 268) ، اللآلئ المصنوعة (1 / 209) ، مجمع الزوائد (1 / 136).

195 - الحکم بن عبد الله أبو عبد الله الأیلی : مولی الحارث بن الحکم بن أبی العاص. کذّاب ، کان یفتعل الحدیث ، قال أحمد : أحادیثه کلّها موضوعة (2). تاریخ الشام (4 / 395) ، میزان الاعتدال (1 / 268).

196 - الحکم بن عبد الله أبو المطیع البلخی الفقیه - صاحب أبی حنیفة - : کذّاب یضع ، وقال ابن عدیّ (3) : هو بیّن الضعف ، عامّة ما یرویه لا یُتابع علیه ، توفّی سنة (199). اللآلئ المصنوعة (4) (1 / 20).

197 - الحکم بن مصقلة : قال الأزدی : کذّاب. لسان المیزان (5) (2 / 339).

198 - حمّاد بن عمرو النصیبی : کذّاب ، کان یضع الحدیث وضعاً علی الثقات ، لا یحلُّ کتب حدیثه إلاّ علی متعجِّب (6) ، قال یحیی بن معین (7) : إنّه من المعروفین 2.

ص: 342


1- تاریخ مدینة دمشق : 15 / 13 - 14 رقم 1691 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 7 / 217 ، میزان الاعتدال : 1 / 572 رقم 2179 ، اللآلئ المصنوعة : 2 / 80.
2- تاریخ مدینة دمشق : 15 / 15 رقم 1693 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 7 / 217 ، میزان الاعتدال : 1 / 572 رقم 2180 ، الجرح والتعدیل : 3 / 120.
3- الکامل فی ضعفاء الرجال : 2 / 214 رقم 399.
4- اللآلئ المصنوعة : 1 / 38 ، الجرح والتعدیل : 3 / 121 ، میزان الاعتدال : 1 / 574 رقم 2181.
5- لسان المیزان : 2 / 412 رقم 2903.
6- هذه عبارة ابن حبان فی کتاب المجروحین : 1 / 252 وقد وردت هکذا : لا تحلّ کتابة حدیثه إلاّ علی جهة التعجّب.
7- معرفة الرجال : 1 / 63 رقم 112.

بالکذب ووضع الحدیث (1). تاریخ بغداد (8 / 155) ، میزان الاعتدال (1 / 280) ، مجمع الزوائد (9 / 317) ، لسان المیزان (2 / 351).

199 - حمّاد بن أبی حنیفة - إمام الحنفیّة - نعمان بن ثابت الکوفی : کذّبه جریر ، وقال لقتیبة : قل له : ما لک وللحدیث؟ إنَّما دأبک الخصومات ، وقال ابن عدی (2) : لا أعلم له روایة مستویة. لسان المیزان (3) (2 / 346).

200 - حمّاد بن أبی لیلی الدیلمی الکوفی الشهیر بحمّاد الراویة المتوفّی (155) : کان مشهوراً بالکذب فی الروایة وعمل الشعر وإضافته إلی المتقدِّمین حتی یقال : إنّه أفسد الشعر (4). لسان المیزان (2 / 352).

201 - حمّاد المکّی : کان کذّاباً. تحذیر الخواص (5) (ص 45).

202 - حمزة بن أبی حمزة الجزری : کذّاب یضع الحدیث ، منکر الحدیث ، لا یساوی فلساً ، عامّة مرویّاته موضوعة (6). میزان الاعتدال (1 / 284) ، تهذیب التهذیب (3 / 29) ، اللآلئ المصنوعة (1 / 239).

203 - حمزة بن حسین الدلاّل المتوفّی (428) : کذّاب. لسان المیزان (7) (2 / 359). 2.

ص: 343


1- میزان الاعتدال : 1 / 598 رقم 2262 ، لسان المیزان : 2 / 426 رقم 2944 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 2 / 239 رقم 415.
2- الکامل فی ضعفاء الرجال : 2 / 252 رقم 430.
3- لسان المیزان : 2 / 421 رقم 2929 ، الجرح والتعدیل : 3 / 149.
4- لسان المیزان : 2 / 428 رقم 2947 وفیه : أن وفاته سنة (164) ، المنتظم : 8 / 272 رقم 886 حوادث سنة 164 ، مختصر تاریخ دمشق : 7 / 244 ، سیر أعلام النبلاء : 7 / 157 وفیه : أن وفاته سنة (156) ، وقیل : مات فی نحو الستین ومائة.
5- تحذیر الخواص : ص 187.
6- میزان الاعتدال : 1 / 606 رقم 2299 ، تهذیب التهذیب : 3 / 25 ، اللآلئ المصنوعة : 1 / 460 ، التاریخ الکبیر : 3 / 53.
7- لسان المیزان : 2 / 436 رقم 2982.

204 - حمید بن الربیع أبو الحسن اللخمی الخزّاز الکوفی المتوفّی (258) : قال یحیی ابن معین (1) : کذّابو زماننا أربعة : الحسین بن عبد الأوّل ، وأبو هشام الرفاعی ، وحمید ابن الربیع ، والقاسم بن أبی شیبة. وقال : کذّاب خبیث غیر ثقة ولا مأمون. وقال ابن عدی (2) : یسرق الحدیث ویرفع الموقوف (3). تاریخ بغداد (8 / 164) ، میزان الاعتدال (1 / 287) ، لسان المیزان (2 / 364) ، اللآلئ المصنوعة (2 / 171).

205 - حُمید بن علیّ بن هارون القیسی : قال الحاکم : کذّاب خبیث ، حدّث بالبصرة بعد الثلاثمائة عن عبد الواحد بن غیاث والشاذکونی بأحادیث موضوعة ، وقال النقّاش نحو ذلک. لسان المیزان (4) (2 / 366).

حرف الخاء

206 - خارجة بن مصعب أبو الحجّاج الضبعی الخراسانی السرخسی المتوفّی (168) : کذّاب ، لیس بثقة ، اتّقی الناس حدیثه فترکوه ، وقال أبو معمر الهذلی : إنّما ترک حدیث خارجة لأنّ أصحاب الرأی عمدوا إلی مسائل من مسائل أبی حنیفة فجعلوا لها أسانید ، عن یزید بن أبی زیاد ، عن مجاهد ، عن ابن عبّاس ، فوضعوها فی کتبه فکان یحدّث بها. تاریخ الشام (5) (5 / 26).

207 - خالد بن آدم : کذّاب. مجمع الزوائد (2 / 164). 6.

ص: 344


1- معرفة الرجال : 1 / 93 رقم 364.
2- الکامل فی ضعفاء الرجال : 2 / 280 رقم 444.
3- میزان الاعتدال : 1 / 611 رقم 2337 ، لسان المیزان : 2 / 442 رقم 3010 ، اللآلئ المصنوعة : 2 / 319 ، الأنساب : 5 / 132 ، المنتظم : 12 / 141 رقم 1606 حوادث سنة 258 ه.
4- لسان المیزان : 2 / 444 رقم 3018.
5- تاریخ مدینة دمشق : 15 / 402 رقم 1856 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 7 / 324 ، وللوقوف علی بقیة مصادر ترجمته راجع تهذیب الکمال : 8 / 16 رقم 1592 ، سیر أعلام النبلاء : 7 / 326.

208 - خالد بن إسماعیل أبو الولید المخزومی المدنی : متروک لا یُحتجُّ به ، کان یضع الحدیث علی الثقات (1). میزان الاعتدال (1 / 294) ، اللآلئ المصنوعة (2 / 3 ، 8).

209 - خالد بن عبد الرحمن العبد : کذّاب ، یسرق الحدیث ویضعه (2). میزان الاعتدال (1 / 297).

210 - خالد بن عبد الملک بن الحارث بن الحکم بن أبی العاص : کذّاب ، ولی إمرة المدینة لهشام سنة (113) فبقی والیاً سبع سنین ، وکان یؤذی علیّ بن أبی طالب - کرّم الله وجهه - علی منبر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، وهو یقول : والله أعلم لقد استعمل رسول الله علیّا وهو یعلم أنّه کذا وکذا ، ولکنّ فاطمة کلّمته فیه (3). تاریخ الشام (5 / 82).

211 - خالد بن عمرو أبو سعید الأموی الکوفی من ولد سعید بن العاص : کان کذّاباً ، یکذب ویضع الحدیث ، ویروی أحادیث بواطیل ، حدّث عن شعبة أحادیث موضوعة (4). تاریخ بغداد (8 / 299) ، میزان الاعتدال (1 / 298) ، تهذیب التهذیب (3 / 109).

212 - خالد بن القاسم المدائنی أبو الهیثم المتوفّی (211) : مجمع علی کذبه ، قال أبو یحیی محمد بن عبد الرحیم : کان کذّاباً ، یدّعی ما لم یسمع ، وکتبت عنه أُلوفاً ، وروی أحادیث لم تکن بمصر ولم تحدّث عن اللیث ، وکان یضع أحادیث من ذات نفسه (5). تاریخ بغداد (8 / 303) ، میزان الاعتدال (1 / 299) ، أسنی المطالب (ص 232) ، اللآلئ المصنوعة (2 / 150). 9.

ص: 345


1- میزان الاعتدال : 1 / 627 رقم 2404 ، اللآلئ المصنوعة : 2 / 5 و 13 ، کتاب المجروحین : 1 / 281 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 3 / 41 رقم 600.
2- میزان الاعتدال : 1 / 633 رقم 2438 و 649 رقم 2489 ، کتاب المجروحین : 1 / 280.
3- تاریخ مدینة دمشق : 16 / 170 رقم 1902 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 7 / 387.
4- میزان الاعتدال : 1 / 635 رقم 2447 ، تهذیب التهذیب : 3 / 94.
5- میزان الاعتدال : 1 / 637 رقم 2451 ، أسنی المطالب : ص 473 ح 1515 ، اللآلئ المصنوعة : 2 / 279.

213 - خالد بن نُجیح مصریّ توفّی (254) : قال أبو حاتم (1) : کذّاب یفتعل الحدیث. میزان الاعتدال (2) (1 / 203).

214 - خالد بن یزید المکّی أبو الهیثم العمری المتوفّی (229) : کذّاب ، یروی الموضوعات عن الأثبات (3). میزان الاعتدال (1 / 303) ، مجمع الزوائد (1 / 249 ، 9 / 53) ، اللآلئ المصنوعة (1 / 53 ، 116).

215 - خراش بن عبد الله : کذّاب ، ساقط ، لا یحلُّ کتب حدیثه إلاّ للاعتبار (4). میزان الاعتدال (1 / 305).

216 - الخصیب بن جحدر المتوفّی (132) : کذّاب ، لا یکتب حدیثه (5). میزان الاعتدال (1 / 306) ، اللآلئ المصنوعة (1 / 197 ، 2 / 173).

217 - الخلیل بن زکریّا الشیبانی البصری : کذّاب ، یحدّث بالبواطیل (6). تهذیب التهذیب (3 / 166) ، خلاصة التهذیب (ص 91) ، میزان الاعتدال (1 / 313) ، مجمع الزوائد (1 / 30). 6.

ص: 346


1- الجرح والتعدیل : 3 / 355.
2- میزان الاعتدال : 1 / 644 رقم 2469.
3- میزان الاعتدال : 1 / 646 و 647 رقم 2476 و 2477 ، اللآلئ المصنوعة : 1 / 102 و 223 ، الجرح والتعدیل : 3 / 360 وفیه : أبو الولید ، کتاب المجروحین : 1 / 284 ، ویأتی مصحفاً باسم یزید ابن خالد فی الرقم 673 فراجع.
4- میزان الاعتدال : 1 / 651 رقم 2500 ، کتاب المجروحین : 1 / 288.
5- میزان الاعتدال : 1 / 653 رقم 2509 ، اللآلئ المصنوعة : 2 / 322 ، التاریخ الکبیر : 3 / 221 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 3 / 68 رقم 618.
6- تهذیب التهذیب : 3 / 143 ، خلاصة الخزرجی : 1 / 295 رقم 1872 ، میزان الاعتدال : 1 / 667 رقم 2567 ، الضعفاء الکبیر : 2 / 20 رقم 436.

حرف الدال المهملة

218 - داود بن إبراهیم قاضی قزوین : متروک الحدیث ، کان یکذب (1). میزان الاعتدال (1 / 316) ، اللآلئ المصنوعة (2 / 159).

219 - داود بن الزبرقان أبو عمرو الرقاشی البصری ، نزیل بغداد المتوفّی فی حدود نیّف وثمانین ومائة : کذّاب ، متروک الحدیث ، لیس بشیء ، عامّة ما یرویه لا یُتابع علیه (2). تاریخ بغداد (8 / 358) ، تاریخ الشام (5 / 200) ، میزان الاعتدال (1 / 318)

220 - داود بن سلیمان أبو سلیمان الجرجانی ، قطن بغداد : کذّاب. تاریخ بغداد (8 / 366) ، اللآلئ المصنوعة (3) (2 / 132).

221 - داود بن عبد الجبّار أبو سلیمان المؤذّن نزیل بغداد : کذّاب ، منکر الحدیث ، لا ینبغی أن یُکتب حدیثه (4). تاریخ بغداد (8 / 356) ، میزان الاعتدال (1 / 319).

222 - داود بن عفّان ، من أصحاب أنس بن مالک : کان یضع الحدیث ، کان یدور بخراسان ویضع علی أنس ، کتب عن أنس بنسخة موضوعة (5). میزان الاعتدال (1 / 321) ، تذکرة الموضوعات (ص 11) ، اللآلئ المصنوعة (1 / 12 ، 2 / 109).

223 - داود بن عمر النخعی : کذّاب. میزان الاعتدال (6) (1 / 322). 5.

ص: 347


1- میزان الاعتدال : 2 / 3 رقم 2589 ، اللآلئ المصنوعة : 2 / 296.
2- تاریخ مدینة دمشق : 17 / 146 رقم 2045 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 8 / 148 ، میزان الاعتدال : 2 / 7 رقم 2606 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 3 / 95 رقم 634.
3- اللآلئ المصنوعة : 2 / 244.
4- میزان الاعتدال : 2 / 10 رقم 2622 ، التاریخ الکبیر : 3 / 240.
5- میزان الاعتدال : 2 / 12 رقم 2632 ، تذکرة الموضوعات : ص 13 ، اللآلئ المصنوعة : 1 / 23 ، 2 / 199 ، کتاب المجروحین : 1 / 292.
6- میزان الاعتدال : 2 / 16 رقم 2635.

224 - داود بن المحبّر أبو سلیمان البصری ، نزیل بغداد والمتوفّی بها (206) : کذّاب ، وضّاع علی الثقات ، صاحب مناکیر ، متروک الحدیث ، ولو لم یکن له غیر وضعه کتاب العقل بأسره لکان دلیلاً کافیاً علی ما ذکر (1). تاریخ بغداد (8 / 360) ، البدایة والنهایة (9 / 229) ، تهذیب التهذیب (3 / 201) ، اللآلئ المصنوعة (1 / 127 ، 241 ، 2 / 222).

225 - دینار بن عبد الله أبو مِکْیَس الحبشی : کذّاب ، له نسخة طویلة ، حدّث فی حدود الأربعین ومائتین بوقاحة عن أنس بن مالک ، یروی عن أنس أشیاء موضوعة. ذکر الذهبی عن ابن عدی حدیثاً من أحادیث دینار بطریق محمد بن أحمد القفّاص ، فقال : قال ابن عدیّ (2) : قال القفّاص : أحفظ من دینار مائتین وخمسین حدیثاً. قلت : إن کان من هذا الضرب فیقدر أن یروی عنه عشرین ألف کلّها کذب ، قال الحاکم : روی عن أنس قریباً من مائة حدیث موضوعة (3). میزان الاعتدال (1 / 329) ، تذکرة الموضوعات (ص 57).

الراء المهملة وأختها المعجمة

226 - ربیع بن بدر : کذّاب (4). مجمع الزوائد (1 / 122).

227 - ربیع بن محمود الماردینی المتوفّی (652) : دجّال مفتر ، ادّعی الصحبة 4.

ص: 348


1- البدایة والنهایة : 9 / 255 حوادث سنة 103 ه ، تهذیب التهذیب : 3 / 173 ، اللآلئ المصنوعة : 1 / 246 و 464 و 2 / 415 ، کتاب المجروحین : 1 / 291.
2- الکامل فی ضعفاء الرجال : 3 / 109 رقم 646.
3- میزان الاعتدال : 2 / 30 رقم 2692 ، تذکرة الموضوعات : ص 53 ، سیر أعلام النبلاء : 10 / 376.
4- وهو ربیع بن بدر بن عمرو التمیمی السعدی الأعرج ، أبو العلاء البصری المعروف بعُلَیلة ، راجع تهذیب الکمال : 9 / 63 رقم 1854.

والتعمیر فی سنة (599) (1). میزان الاعتدال (1 / 335) ، لسان المیزان (2 / 447)

228 - رتن الهندی : شیخ دجّال کذّاب ، ادّعی الصحبة ، وقد قیل : إنّه توفّی (632) (2). میزان الاعتدال (1 / 336) ، لسان المیزان (2 / 450).

229 - روح بن مسافر أبو بشر البصری : کان یضع الحدیث ، یروی عن الأعمش أحادیث موضوعة (3). لسان المیزان (2 / 468).

230 - زکریّا بن درید (4) الکندی : کذّاب ، یضع الحدیث علی حمید الطویل ، له نسخة کلّها موضوعة لا یحلّ ذکرها (5). میزان الاعتدال (1 / 348 ، 3 / 58) ، تذکرة الموضوعات (ص 5 ، 86) ، أسنی المطالب (ص 213) ، اللآلئ المصنوعة (2 / 19 ، 307).

231 - زکریّا بن زیاد : دجّال یضع الحدیث. تذکرة الموضوعات (ص 68).

232 - زکریّا بن یحیی المصری أبو یحیی الوکار المتوفّی (254) : کذّاب من الکذّابین الکبار ، یضع الحدیث ، وکان فقیهاً صاحب حلقة ، وقیل : کان من الصلحاء العبّاد الفقهاء (6). میزان الاعتدال (1 / 351) ، مجمع الزوائد (1 / 131) ، اللآلئ المصنوعة (2 / 211). ر.

ص: 349


1- میزان الاعتدال : 2 / 42 رقم 2745 ، لسان المیزان : 2 / 553 رقم 3352.
2- میزان الاعتدال : 2 / 45 رقم 2759 ، لسان المیزان : 2 / 556 رقم 3361.
3- لسان المیزان : 2 / 576 رقم 3408.
4- فی أسنی المطالب : ص 213 [ص 432 رقم 1395] : زویل [وفی بقیة المعاجم : دُوید]. (المؤلف)
5- میزان الاعتدال : 2 / 72 رقم 2874 و 3 / 549 رقم 7535 ، تذکرة الموضوعات : ص 4 و 60 ، اللآلئ المصنوعة : 2 / 35 ، کتاب المجروحین : 1 / 314.
6- میزان الاعتدال : 2 / 77 رقم 2892 ، اللآلئ المصنوعة : 2 / 395 ، الضعفاء الکبیر : 2 / 87 رقم 541 وفیه : الوقّاد ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 3 / 215 رقم 713 وفیه وفی المیزان واللآلئ : الوقار بدلاً من الوکار.

233 - زید بن الحسن بن زید الحسینی المتوفّی (491 ، 492) : کان کذّاباً وضّاعاً دجّالاً ، وضع أربعین حدیثاً فی أیّام طرّاد الزینبی (1). میزان الاعتدال (1 / 362) ، لسان المیزان (2 / 505).

234 - زید بن رفاعة أبو الخیر : کذّاب ، معروف بوضع الحدیث علی فلسفة فیه ، له أربعون موضوعة ، سرقها ابن ودعان ، قد وضع عامّتها علی أسانید صحاح مشهورة بین أهل الحدیث (2). تاریخ بغداد (8 / 450 ، 9 / 444) ، میزان الاعتدال (1 / 363 ، 364) ، أسنی المطالب (ص 273) ، اللآلئ المصنوعة (1 / 23) ، لسان المیزان (2 / 506).

235 - زیاد بن میمون الثقفی الفاکهی البصری : کان کذّاباً ، ترکوه ، واهی الحدیث ، وضع أحادیث (3). میزان الاعتدال (1 / 359) ، اللآلئ المصنوعة (2 / 57 ، 93).

السین المهملة

236 - سالم بن عبد الأعلی : کان یضع الحدیث (4). تذکرة الموضوعات (ص 62) ، نصب الرایة (4 / 238).

237 - السری بن عاصم أبو عاصم الهمدانی : کذّاب ، یسرق الحدیث ویرفع الموقوفات ، لا یحلّ الاحتجاج به (5). البدایة والنهایة (5 / 354) ، میزان الاعتدالل)

ص: 350


1- میزان الاعتدال : 2 / 101 رقم 3000 ، لسان المیزان : 2 / 622 رقم 3549.
2- میزان الاعتدال : 2 / 103 و 104 رقم 3005 و 3016 ، أسنی المطالب : ص 569 ، اللآلئ المصنوعة : 1 / 43 ، لسان المیزان : 2 / 623 رقم 3551.
3- میزان الاعتدال : 2 / 94 رقم 2967 ، اللآلئ المصنوعة : 2 / 101 و 170 ، التاریخ الکبیر : 3 / 370.
4- کتاب الضعفاء والمتروکین لابن الجوزی : 1 / 307 رقم 1337 ، لسان المیزان : 3 / 8 رقم 3597.
5- البدایة والنهایة : 5 / 376 ، میزان الاعتدال : 2 / 117 رقم 3089 ، اللآلئ المصنوعة : 2 / 144 ، وراجع کتاب المجروحین : 1 / 355 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 3 / 460 رقم 874 ، تاریخ بغداد : 9 / 192 رقم 4770 ، موضح أوهام الجمع والتفریق : 2 / 163 ، وهو فی المصادر الثلاثة الأخیرة : (أبو سهل)

(1 / 370) ، اللآلئ المصنوعة (2 / 80).

238 - سعید بن سلام أبو الحسن العطّار البصری : کذّاب ، یُذکر بوضع الحدیث ، سیّئ الحال جدّا عند أهل الحدیث ، کان بمکّة یحدِّث بالبواطیل (1). تاریخ بغداد (9 / 80) ، میزان الاعتدال (1 / 382) ، أسنی المطالب (ص 39) ، مجمع الزوائد (1 / 126) ، اللآلئ المصنوعة (2 / 43 ، 91 ، 139) ، کشف الخفاء (1 / 123).

239 - سعید بن سنان أبو مهدی : کذّاب ، قیل : توفّی (168) (2). میزان الاعتدال (1 / 384) ، اللآلئ المصنوعة (2 / 206).

240 - سعید بن عنبسة الرازی : کذّاب ، لا یصدق (3). میزان الاعتدال (1 / 389) ، اللآلئ المصنوعة (2 / 60).

241 - سعید بن موسی الأزدی : کان یضع الحدیث (4). تذکرة الموضوعات (ص 70).

242 - سکین بن سراح (5) : کذّاب (6). تذکرة الموضوعات (ص 96).

243 - سلم بن إبراهیم الوراق البصری : کذّاب (7). تاریخ بغداد (9 / 145) ، تهذیب التهذیب (4 / 127). ه.

ص: 351


1- میزان الاعتدال : 2 / 141 رقم 3195 ، أسنی المطالب : ص 81 ح 177 ، اللآلئ المصنوعة : 2 / 81 و 165 و 259 ، العلل ومعرفة الرجال : 3 / 361 رقم 5585 ، الضعفاء الکبیر : 2 / 108 رقم 580 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 3 / 404 رقم 828.
2- میزان الاعتدال : 2 / 143 رقم 3208 ، اللآلئ المصنوعة : 2 / 384 ، تهذیب الکمال : 10 / 495 رقم 2295 وفیه : أن وفاته سنة (163) وعلی قول آخر سنة (168).
3- میزان الاعتدال : 2 / 154 رقم 3248 ، اللآلئ المصنوعة 2 / 106 ، الجرح والتعدیل : 4 / 52.
4- تذکرة الموضوعات : ص 72 ، کتاب الضعفاء والمتروکین لابن الجوزی : 1 / 326 رقم 1439.
5- أبی سراج ، لعلّ هذا هو الصحیح. (المؤلف)
6- تذکرة الموضوعات : ص 68 ، کتاب الضعفاء والمتروکین لابن الجوزی : 2 / 5 رقم 1454.
7- تهذیب التهذیب : 4 / 112 ، وفی هامش تهذیب الکمال : 11 / 212 رقم 2424 عدد من مصادر ترجمته.

244 - سلمة بن حفص السعدی ، کان یضع الحدیث (1). میزان الاعتدال (1 / 406) ، اللآلئ المصنوعة (1 / 235).

245 - سلام بن سلم (2) الطویل أبو عبد الله التمیمی : کان یضع الحدیث ، کذّاب متروک الحدیث ، عنده مناکیر ، توفّی حدود (177) (3). تاریخ بغداد (9 / 197) ، تذکرة الموضوعات (ص 58).

246 - سلیم بن مسلم : کان یضع الحدیث ، جهمیّ خبیث ، متروک الحدیث ، لا یساوی حدیثه شیئاً (4). میزان الاعتدال (1 / 427).

247 - سلیمان بن أحمد أبو محمد الجرشی الشامی : کذّاب یسرق الحدیث ، متروک. تاریخ بغداد (9 / 50) ، تاریخ الشام (5) (6 / 242).

248 - سلیمان بن أحمد الواسطی الحافظ : کذّبه یحیی ، وقال ابن عدیّ (6) : هو عندی ممّن یسرق الحدیث ، وله أفراد. میزان الاعتدال (7) (1 / 408).

249 - سلیمان بن أحمد الملطی المصری : متأخِّر ، کذّبه الدارقطنی (8). میزان الاعتدال (1 / 408). 7.

ص: 352


1- میزان الاعتدال : 2 / 189 رقم 3393 ، اللآلئ المصنوعة : 1 / 445 ، کتاب المجروحین : 1 / 339.
2- فی میزان الاعتدال : مسلم وسلیم [وفی الطبعة المعتمدة لدینا 2 / 175 رقم 3343 : سلیم وسلیمان]. (المؤلف)
3- تذکرة الموضوعات : ص 41 ، تهذیب التهذیب : 4 / 247.
4- میزان الاعتدال : 2 / 232 رقم 3547 ، العلل ومعرفة الرجال : 3 / 393 رقم 5726 ، کتاب الضعفاء والمتروکین للنسائی : ص 119 رقم 256 ، لسان المیزان : 3 / 134 رقم 3962.
5- تاریخ مدینة دمشق : 22 / 175 رقم 2644 ، الجرح والتعدیل : 4 / 101 ، کتاب الضعفاء والمتروکین لابن الجوزی : 2 / 14 رقم 1504 ، لسان المیزان : 3 / 87 رقم 3854.
6- الکامل فی ضعفاء الرجال : 3 / 293 رقم 762.
7- میزان الاعتدال : 2 / 194 رقم 3421.
8- میزان الاعتدال : 2 / 195 رقم 3422 ، الأنساب : 5 / 380 ، مختصر تاریخ دمشق : 10 / 107.

250 - سلیمان بن أحمد السرقسطی البغدادی المتوفّی (489) : کذّاب (1). میزان الاعتدال (1 / 409) ، المنتظم (9 / 99).

251 - سلیمان بن بشّار : ممّن یضع الحدیث ، کان یضع علی الأثبات ما لا یحصی (2). میزان الاعتدال (1 / 410) ، تذکرة الموضوعات (ص 6 ، 31).

252 - سلیمان بن داود البصری أبو أیّوب المعروف بالشاذکونی المتوفّی (234) : أحد الحفّاظ ، کذّاب ، خبیث ، کان یضع الحدیث فی الوقت ، وقیل : کان یتعاطی المسکر ویتماجن (3) ، تاریخ بغداد (9 / 47) ، طبقات الحفّاظ (2 / 66) ، میزان الاعتدال (1 / 414).

253 - سلیمان بن زید المحاربی أبو آدم الکوفی : کذّبه ابن معین (4). خلاصة التهذیب (5) (ص 128).

254 - سلیمان بن سلمة الجبائری (6) : کان یکذب ویضع الحدیث (7). تاریخ الشام (6 / 276) ، میزان الاعتدال (1 / 416) ، تذکرة الموضوعات (ص 70) ، اللآلئ المصنوعة (1 / 85). 4.

ص: 353


1- میزان الاعتدال : 2 / 195 رقم 3424 ، المنتظم : 17 / 33 رقم 3660 ، وفی المستفاد من ذیل تاریخ بغداد : 19 / 125 ولسان المیزان : 3 / 90 رقم 3858 أنه ولد سنة (399) وتوفی سنة (479) عن ثمانین سنة.
2- میزان الاعتدال : 2 / 197 رقم 3432 ، تذکرة الموضوعات : ص 5 ، 23.
3- تذکرة الحفّاظ : 2 / 488 رقم 503 ، میزان الاعتدال : 2 / 205 رقم 3451.
4- التاریخ : 4 / 19 رقم 2928.
5- خلاصة الخزرجی : 1 / 412 رقم 2695.
6- فی تاریخ ابن عساکر [22 / 321 رقم 2678] : الخبائری الحمصی. (المؤلف)
7- تاریخ مدینة دمشق : 22 / 323 رقم 2678 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 10 / 162 ، میزان الاعتدال : 2 / 209 رقم 3472 ، تذکرة الموضوعات : ص 49 و 72 ، اللآلئ المصنوعة : 1 / 164.

255 - سلیمان بن عبد الحمید أبو أیّوب البهرانی الحمصی : کذّاب ، لیس بثقة ولا مأمون. تاریخ الشام (1) (6 / 280).

256 - سلیمان بن عمرو أبو داود النخعی : کان أکذب الناس علی رسول الله ، معروف بوضع الحدیث ، کان رجلاً صالحاً فی الظاهر إلاّ أنّه کان یضع الحدیث وضعاً ، قال الخطیب : کان ببغداد رجال یکذبون ویضعون منهم أبو داود النخعی ، وقال الحاکم : لست أشکّ فی وضعه الحدیث علی تقشّفه وکثرة عبادته ، وقال آخر : کان أطول الناس منهم قیاماً بلیل وأکثرهم صیاماً بنهار (2). تاریخ بغداد (9 / 15 - 21) ، میزان الاعتدال (1 / 420) ، أسنی المطالب (ص 41) ، اللآلئ المصنوعة (1 / 60 ، 2 / 39 ، 132).

257 - سلیمان بن عیسی السجزی : کان کذّاباً یضع الحدیث (3). تاریخ بغداد (4 / 60) ، میزان الاعتدال (1 / 420) ، اللآلئ المصنوعة (1 / 66 ، 101 ، 2 / 80) ، ووضع بضعة وعشرین حدیثاً کما فی أسنی المطالب (4) (ص 274).

258 - سهل بن صقین (5) أبو الحسن الخلاطی البصری : کان یضع الحدیث (6). ن.

ص: 354


1- تاریخ مدینة دمشق : 22 / 344 رقم 2687 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 10 / 166.
2- میزان الاعتدال : 2 / 216 رقم 3495 ، أسنی المطالب : ص 83 ح 183 ، اللآلئ المصنوعة : 1 / 116 و 2 / 73 و 244 ، الجرح والتعدیل : 4 / 132 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 3 / 245 رقم 733.
3- میزان الاعتدال : 2 / 218 رقم 3496 ، اللآلئ المصنوعة : 1 / 127 و 194 و 2 / 145.
4- أسنی المطالب : ص 572.
5- فی میزان الاعتدال : صقیر ، وفی لسان المیزان : صقین ، وفی غیرهما : سقین. (المؤلف)
6- خلاصة الخزرجی : 1 / 427 رقم 2799 ، میزان الاعتدال : 2 / 238 رقم 3581 ، اللآلئ المصنوعة : 1 / 308 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 3 / 441 رقم 858 ، الإکمال : 4 / 309 ، تهذیب الکمال : 12 / 193 ، لسان المیزان : 7 / 246 رقم 3240 ، تهذیب التهذیب : 4 / 223 ، تقریب التهذیب : 1 / 337 رقم 561 ، وفی جمیع هذه المصادر جاء اسمه : سهل بن صُقیر - وقیل سُقیر - الخِلاطیّ ، عدا الخلاصة والتقریب ففیهما : صُقین.

خلاصة التهذیب (ص 133) ، میزان الاعتدال (1 / 430) ، اللآلئ المصنوعة (1 / 160).

259 - سهل بن عامر البجلی : روی أحادیث بواطیل ، وکان یفتعل الحدیث (1). لسان المیزان (3 / 119).

260 - سهل بن عمار النیسابوری : کذّبه الحاکم ، وقال أبو إسحاق الفقیه : کذب والله سهل علی ابن نافع ، وقال إبراهیم السعدی : کان یتقرّب إلیّ بالکذب (2). أسنی المطالب (ص 105) ، میزان الاعتدال (1 / 430).

261 - سهل بن قرین البصری : کذّبه الأزدی (3). میزان الاعتدال (1 / 431) ، أسنی المطالب (ص 261) ، اللآلئ المصنوعة (2 / 82).

262 - سیف بن عمر التمیمی البرجمی : وضّاع لیس بشیء ، عامّة حدیثه منکر ، اتّهم بالزندقة (4). تهذیب التهذیب (4 / 296).

263 - سیف بن محمد الثوری - ابن اخت سفیان الثوری - : کذّاب خبیث ، یضع الحدیث ، لا یکتب حدیثه (5). تاریخ بغداد (1 / 35 ، 9 / 226 ، 12 / 253) ، تذکرة الموضوعات (ص 102 ، 112) ، تهذیب التهذیب (4 / 296) ، مجمع الزوائد (1 / 219) ، اللآلئ المصنوعة (1 / 67 ، 101 ، 129) وقال : کذّاب بالإجماع ، و (2 / 209 ، 217) ، خلاصة التهذیب (ص 136). 2.

ص: 355


1- لسان المیزان : 3 / 142 رقم 3999 ، الجرح والتعدیل : 4 / 202.
2- أسنی المطالب : ص 202 ح 630 ، میزان الاعتدال : 2 / 240 رقم 3589.
3- میزان الاعتدال : 2 / 240 رقم 3591 ، أسنی المطالب : ص 543 ح 1727 ، اللآلئ المصنوعة : 2 / 149.
4- تهذیب التهذیب : 4 / 259 ، کتاب المجروحین : 1 / 345 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 3 / 435.
5- تذکرة الموضوعات : ص 72 و 79 ، تهذیب التهذیب : 4 / 260 ، اللآلئ المصنوعة : 1 / 129 و 194 و 473 و 2 / 391 و 407 ، خلاصة الخزرجی : 1 / 436 رقم 2862.

*الشین المعجمة

264 - شاد بن شیریامیان (1) : کان یضع الحدیث (2). تذکرة الموضوعات (ص 3).

265 - شاه بن بشر الخراسانی : قال ابن حبّان (3) : یضع الحدیث (4). میزان الاعتدال (1 / 440) ، اللآلئ المصنوعة (1 / 224).

266 - شاه بن قرح أبو بکر : کان یضع الحدیث. اللآلئ المصنوعة (5) (2 / 239).

267 - شعیب بن عمرو الطحّان : قال الأزدی : کذّاب. میزان الاعتدال (6) (1 / 448).

268 - شیخ بن أبی خالد البصری : کان یضع الحدیث ، قال : وضعت أربعمائة حدیث وأدخلتها فی برنامج الناس ، فلا أدری کیف أصنع (7). میزان الاعتدال (1 / 452) ، تذکرة الموضوعات (ص 64 ، 113) تحذیر الخواص (ص 56). 7.

ص: 356


1- فی المعاجم اختلاف کثیر فی هذا الاسم وما یلیه. (المؤلف)
2- تذکرة الموضوعات : ص 2 ، الأنساب : 2 / 337 ، کتاب الضعفاء والمتروکین لابن الجوزی : 2 / 37 رقم 1605 وهو فی أغلب المصادر : شاه بن شیر بامیان الخراسانی.
3- کتاب المجروحین : 1 / 364.
4- میزان الاعتدال : 2 / 260 رقم 3650 ، اللآلئ المصنوعة : 1 / 431.
5- اللآلئ المصنوعة : 2 / 451.
6- میزان الاعتدال : 2 / 277 رقم 3723.
7- میزان الاعتدال : ص 286 رقم 3763 ، تذکرة الموضوعات : ص 79 و 80 ، تحذیر الخواص : ص 215 ، کتاب المجروحین : 1 / 364 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 4 / 47 رقم 907.

حرف الصاد المهملة وأختها المعجمة

269 - أبو العلاء صاعد بن الحسن الربعی البغدادی اللغوی : صاحب کتاب الفصوص ، نزل الأندلس وصنّف الکتب ، توفّی (417) کان یتّهم بالکذب فی نقله ، فلهذا رفض الناس کتابه ، ولمّا ظهر للمنصور بن عامر کذبه فی النقل ، وعدم تثبّته رمی کتاب الفصوص فی البحر ، لأنّه قیل له : جمیع ما فیه لا صحّة له (1). وفیات الأعیان (1 / 287) ، البدایة والنهایة (12 / 21) ، شذرات الذهب (3 / 207) ، بغیة الوعاة (ص 268).

270 - صالح بن أحمد بن أبی مقاتل القیراطی الهروی المتوفّی (316) : کذّاب دجّال ، یحدِّث بما لم یسمع ، وکان یسرق الحدیث ، قال أبو حاتم محمد بن حبّان البستی (2) : کان یسرق الحدیث ویقلّبه ، ولعلّه قد قلّب أکثر من عشرة آلاف حدیث فیما خرج من الشیوخ والأبواب ، لا یجوز الاحتجاج به بحال (3). تاریخ بغداد (9 / 329) ، میزان الاعتدال (1 / 453).

271 - صالح بن بشیر أبو بشر المرّی البصری المتوفّی (172 ، 176) : قاصّ کذّاب متروک الحدیث (4). تاریخ بغداد (9 / 308).

272 - صالح بن حسّان البصری : کذّاب (5). تذکرة الموضوعات (ص 7). 6.

ص: 357


1- وفیات الأعیان : 2 / 488 رقم 301 ، البدایة والنهایة : 12 / 27 حوادث سنة 417 ه ، شذرات الذهب : 5 / 85 حوادث سنة 417 ه ، بغیة الوعاة : 2 / 7 رقم 1302.
2- کتاب المجروحین : 1 / 373.
3- میزان الاعتدال : 2 / 287 رقم 3767 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 4 / 73 رقم 923.
4- وراجع تهذیب الکمال : 13 / 16 رقم 2796 فقد استوفی فیه کلّ الطعون بحقه ، وجاء فی هامشه جمله کبیرة من مصادر ترجمته.
5- تذکرة الموضوعات : ص 6 ، تاریخ بغداد : 9 / 301 ، تهذیب التهذیب : 4 / 336.

273 - صبیح (1) بن سعید البغدادی الخلدی : کذّاب خبیث ، لیس بشیء. تاریخ بغداد (9 / 338) ، میزان الاعتدال (2) (1 / 463).

274 - صخر بن محمد المنقری المروزی الحاجبی : کان فی حدود الثلاثین ومائة ، کذّاب ، یضع الحدیث ، عامّة ما یرویه من موضوعاته ، حدّث عن الثقات بالبواطیل ، روی عن مالک واللیث وابن لهیعة أحادیث موضوعة (3). میزان الاعتدال (1 / 464) ، تذکرة الموضوعات (ص 28 ، 40) ، اللآلئ المصنوعة (1 / 78).

275 - الصقر بن عبد الرحمن أبو بهز الکوفی : من أکذب الناس ، کان یضع الحدیث (4). تاریخ بغداد (9 / 340) ، میزان الاعتدال (1 / 467) ، اللآلئ المصنوعة (2 / 39).

276 - صلة بن سلیمان أبو زید العطّار ، نزیل بغداد : کذّاب ، متروک الحدیث ، لیس بثقة (5). تاریخ بغداد (9 / 337).

277 - الضحّاک بن حمزة المنبجی : کان یضع الحدیث ، کلُّ روایاته مناکیر إمّا متناً وإمّا إسناداً (6). میزان الاعتدال (1 / 470). ی.

ص: 358


1- فی تاریخ بغداد : صبیج بالجیم المعجمة. (المؤلف)
2- میزان الاعتدال : 2 / 307 رقم 3854 ، الضعفاء الکبیر : 2 / 214 رقم 752 ، کتاب المجروحین : 1 / 378 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 4 / 86 رقم 936 ، الأنساب : 2 / 389.
3- میزان الاعتدال : 2 / 308 رقم 3867 ، تذکرة الموضوعات : ص 28 و 29 ، اللآلئ المصنوعة : 1 / 149 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 4 / 92 رقم 943.
4- میزان الاعتدال : 2 / 317 رقم 3903 ، اللآلئ المصنوعة : 2 / 73.
5- کتاب الضعفاء والمتروکین للنسائی : ص 137 رقم 320 ، الضعفاء الکبیر : 2 / 215 رقم 753 ، الجرح والتعدیل : 4 / 447.
6- میزان الاعتدال : 2 / 323 رقم 3930 ، کتاب المجروحین : 1 / 379 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 4 / 99 رقم 948 ، الأنساب : 5 / 388 ، کتاب الضعفاء والمتروکین لابن الجوزی : 2 / 59 رقم 1710 وهو فی جمیع هذه المصادر بما فیها میزان الاعتدال الطبعة المعتمدة : الضحاک بن حَجْوة ، أبو عبد الله المنبجی.

حرف الطاء المهملة وأختها المعجمة

278 - طاهر بن الفضل الحلبی : کان یضع الحدیث علی الثقات وضعاً ، لا یحلّ کتب حدیثه إلاّ علی جهة التعجّب (1). میزان الاعتدال (1 / 475).

279 - طلحة بن زید (2) أبو مسکین الرقی : منکر الحدیث جدّا ، لا یحلّ الاحتجاج بخبره ، سیّئ یضع الحدیث (3). تاریخ الشام (7 / 65) ، اللآلئ المصنوعة (1 / 81) ، تأتی ألفاظ جرح الحفّاظ فیه فی الجزء التاسع (4) إن شاء الله تعالی.

280 - ظبیان بن محمد الحمصی : کذّاب ، لا یحلُّ الاحتجاج به (5). میزان الاعتدال (1 / 481).

حرف العین المهملة

281 - عاصم بن سلیمان أبو شعیب التمیمی البصری : کذّاب متروک ، کان یضع الحدیث (6). میزان الاعتدال (2 / 2) ، لسان المیزان (3 / 218).

282 - عاصم بن طلحة : قال الأزدی : مجهول کذّاب (7). میزان الاعتدال (ج 2) ، 8.

ص: 359


1- میزان الاعتدال : 2 / 335 رقم 3980 ، کتاب المجروحین : 1 / 384.
2- فی لآلئ السیوطی : یزید ، وأحسبه تصحیفاً. (المؤلف)
3- تاریخ مدینة دمشق : 25 / 26 رقم 2978 ، اللآلئ المصنوعة : 1 / 156 و 317 ، کتاب المجروحین : 1 / 383.
4- راجع نظرة فی مناقب عثمان المنقبة (11) من الجزء المذکور. وراجع تهذیب الکمال : 13 / 395 رقم 2968 ففیه أیضاً جملة من طعون الحفّاظ والرجالیین فیه.
5- میزان الاعتدال : 2 / 348 رقم 4038 ، کتاب المجروحین : 1 / 385.
6- میزان الاعتدال : 2 / 350 رقم 4047 ، لسان المیزان : 3 / 275 رقم 4354 ، کتاب الضعفاء والمتروکین للنسائی : ص 182 رقم 463 ، الجرح والتعدیل : 6 / 43 ، کتاب المجروحین : 2 / 126.
7- میزان الاعتدال : 2 / 353 رقم 4053 ، لسان المیزان : 3 / 278 رقم 4358.

لسان المیزان (3 / 220).

283 - عامر بن أبی عامر : کان کذّاباً یضع الحدیث. تذکرة الموضوعات (1) (ص 74).

284 - عامر بن صالح - حفید الزبیر بن العوام - أبو الحارث الأسدی المدینی ، نزیل بغداد : المتوفّی فی خلافة الرشید : کذّاب خبیث ، عدوّ الله ، لیس بثقة (2). تاریخ بغداد (12 / 236) ، کذّبه ابن معین (3) وابن حبّان (4) وابن عدی (5). خلاصة التهذیب (6) (ص 156).

285 - عبّاد بن جویریة البصری : کذّاب أفّاک ، متروک لیس بشیء (7). میزان الاعتدال (2 / 9) ، اللآلئ المصنوعة (2 / 10).

286 - عبّاد بن صهیب : موصوف بالوضع متروک ، قال الکدیمی : سمعت علیّ بن المدینی یقول : ترکت من حدیثی مائة ألف حدیث ، النصف منها عن عبّاد بن صهیب ، وحکی الخطیب عن المدینی أنّه قال : ترکت من حدیثی مائة ألف حدیث فیها ثلاثون ألفاً لعبّاد بن صهیب (8). تاریخ بغداد (11 / 463) ، میزان الاعتدال (2 / 10) ، تذکرة الموضوعات (ص 46 ، 115). 4.

ص: 360


1- تذکرة الموضوعات : ص 52.
2- کتاب الضعفاء والمتروکین للنسائی : ص 181 رقم 460.
3- معرفة الرجال : 1 / 52 رقم 19.
4- کتاب المجروحین : 2 / 187.
5- الکامل فی ضعفاء الرجال : 5 / 83 رقم 1259.
6- خلاصة الخزرجی : 2 / 23 رقم 3267.
7- میزان الاعتدال : 2 / 365 رقم 4111 ، اللآلئ المصنوعة : 2 / 18 ، العلل ومعرفة الرجال : 2 / 41 رقم 1490 ، کتاب الضعفاء والمتروکین للنسائی : ص 173 رقم 433 ، کتاب المجروحین : ص 171 ، الضعفاء الکبیر : 3 / 142 رقم 1126.
8- میزان الاعتدال : 2 / 367 رقم 4122 ، تذکرة الموضوعات : ص 33 و 81 ، التاریخ الکبیر : 6 / 43 رقم 1643 ، کتاب الضعفاء والمتروکین للنسائی : ص 173 رقم 432 ، الجرح والتعدیل : 6 / 81 ، کتاب المجروحین : 2 / 164.

287 - عبّاس بن بکّار الضبّی البصری : کذّاب (1). میزان الاعتدال (2 / 18) ، اللآلئ المصنوعة (1 / 402).

288 - عبّاس بن الضحّاک البلخی : دجّال یضع (2). میزان الاعتدال (2 / 18) ، تذکرة الموضوعات (ص 95).

289 - عبّاس بن عبد الله بن أحمد أبو الفضل المرّی الفقیه الشافعی ، کان حیّا فی سنة (325) : کذّاب أفّاک ، لم یکن صدوقاً ولا ثقة ولا مأموناً (3). تاریخ الشام (7 / 225).

290 - عبّاس بن الفضل العبدی الأزرق البصری - نزیل بغداد - : کذّاب خبیث (4). تاریخ بغداد (12 / 134) ، میزان الاعتدال (2 / 20).

291 - عبّاس بن محمد العدوی : کان یضع الحدیث (5). تذکرة الموضوعات (ص 71).

292 - عبّاس بن محمد المرادی : روی أحادیث کذباً عن مالک. میزان الاعتدال (6) (2 / 20).

293 - عبد الأعلی بن أبی المساور أبو مسعود الجزّار : کذّاب منکر الحدیث ، لیس 6.

ص: 361


1- میزان الاعتدال : 2 / 382 رقم 4160 ، اللئالئ المصنوعة : 1 / 402 ، الضعفاء الکبیر : 3 / 363 رقم 1399 ، کتاب المجروحین : 2 / 190 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 5 / 5 رقم 1184. وهو فی بعض المصادر : ابن الولید بن بکار الضبّی.
2- میزان الاعتدال : 2 / 383 رقم 4167 ، تذکرة الموضوعات : ص 67 ، کتاب المجروحین : 2 / 191.
3- تاریخ مدینة دمشق : 26 / 226 رقم 3101 ، تاریخ بغداد : 12 / 155 رقم 6628 ، میزان الاعتدال : 2 / 384 رقم 4169 ، لسان المیزان : 3 / 303 رقم 4438.
4- میزان الاعتدال : 2 / 385 رقم 4177 ، التاریخ الکبیر : 7 / 5 ، الضعفاء الکبیر : 3 / 360 رقم 1395 ، الجرح والتعدیل : 6 / 213.
5- تذکرة الموضوعات : ص 50 ، کتاب المجروحین : 2 / 191 ، کتاب الضعفاء والمتروکین لابن الجوزی : 2 / 79 رقم 1798 ، میزان الاعتدال : 2 / 386 رقم 4182 ، لسان المیزان : 3 / 308 رقم 4452 وهو فی المصادر الأربعة الأخیرة : العلوی بدلاً من العدوی.
6- میزان الاعتدال : 2 / 386 رقم 4181 ، الجرح والتعدیل : 6 / 216.

بحجّة (1). تاریخ بغداد (11 / 69) ، اللآلئ المصنوعة (2 / 39).

294 - عبد الباقی بن أحمد أبو الحسن المتوفّی (485) : قال ابن صابر : کان کذّاباً. لسان المیزان (2) (3 / 383).

295 - عبد الرحمن بن حمّاد الطلحی : عنده نسخة موضوعة. تذکرة الموضوعات (3) (ص 51).

296 - عبد الرحمن بن داود أبو البرکات الزرزور ، کان حیّا فی سنة (608) : کذّاب له الاربعون فی قضاء الحوائج موضوعة ، قد رکّب لها أسانید من طرق البخاری وأبی داود وغیرهما. میزان الاعتدال (4) (2 / 102).

297 - عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر العدوی العمری حفید عمر بن الخطاب. المتوفّی (186) : کان کذّاباً یقلّب الأحادیث ، متروک الحدیث ، حدیثه أحادیث مناکیر. تاریخ بغداد (10 / 231) ، تهذیب التهذیب (5) (6 / 213). 9.

ص: 362


1- اللآلئ المصنوعة : 2 / 73 ، التاریخ الکبیر : 6 / 74 و 75 رقم 1753 و 1756 کتاب الضعفاء والمتروکین للنسائی : ص 165 رقم 401 ، الضعفاء الکبیر : 3 / 61 رقم 1025 ، الجرح والتعدیل : 6 / 26 ، کتاب المجروحین : 2 / 156 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 5 / 316 رقم 1465 ، موضح أوهام الجمع والتفریق : 2 / 248 ، الأنساب : 2 / 38 ، تهذیب الکمال : 16 / 366 رقم 3690 ، میزان الاعتدال : 5 / 531 رقم 4731 وهو فی جمیع هذه المصادر : الجرّار نسبة إلی عمل الجرار ولیس الجزّار.
2- لسان المیزان : 3 / 469 رقم 4899.
3- تذکرة الموضوعات : ص 34 ، الجرح والتعدیل : 5 / 226 ، کتاب المجروحین : 2 / 60 ، لسان المیزان : 3 / 502 رقم 4988.
4- میزان الاعتدال : 2 / 557 رقم 4858.
5- تهذیب التهذیب : 6 / 193 ، العلل ومعرفة الرجال : 2 / 47 رقم 1508 و 3 / 98 و 186 رقم 4364 و 4803 ، کتاب الضعفاء والمتروکین للنسائی : ص 156 رقم 373 ، الجرح والتعدیل : 5 / 253 ، کتاب المجروحین : 2 / 53 ، تهذیب الکمال : 17 / 234 رقم 3875 ، میزان الاعتدال : 2 / 571 رقم 4900. ویأتی مکرراً فی التسلسل 299.

298 - عبد الرحمن بن عفّان أبو بکر الصوفی : کذّاب یکذب (1). تاریخ بغداد (10 / 264) ، میزان الاعتدال (2 / 113) ، اللآلئ المصنوعة (1 / 165).

299 - عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر بن حفص العمری (2) : کان کذّاباً متروکاً لا یحتجُّ به. نصب الرایة (1 / 60).

300 - عبد الرحمن بن عمرو بن جبلة : کذّاب یضع الحدیث. میزان الاعتدال (3) (1 / 147 ، 2 / 113).

301 - عبد الرحمن بن القطامی البصری : کذّاب (4). میزان الاعتدال (2 / 114) ، اللآلئ المصنوعة (1 / 199).

302 - عبد الرحمن بن قیس أبو معاویة الضبّی الزعفرانی البصری ، نزیل بغداد : کذّاب کان یضع الحدیث (5). تاریخ بغداد (10 / 251) ، خلاصة التهذیب (ص 198) ، میزان الاعتدال (2 / 114).

303 - عبد الرحمن بن مالک بن مغول : کان کذّاباً أفّاکاً لا یشکُّ فیه أحد ، وکان 9.

ص: 363


1- میزان الاعتدال : 2 / 579 رقم 4921 ، اللآلئ المصنوعة : 1 / 320.
2- هو نفسه المذکور فی التسلسل 297.
3- میزان الاعتدال : 1 / 315 رقم 1191 و 2 / 580 رقم 4928 ، الجرح والتعدیل : 5 / 267 ، لسان المیزان : 3 / 516 رقم 5030.
4- میزان الاعتدال : 2 / 582 رقم 4942 ، اللآلئ المصنوعة : 2 / 118 ، الجرح والتعدیل : 5 / 279 ، کتاب المجرحین : 2 / 48 ، لسان المیزان : 3 / 518 رقم 5037.
5- خلاصة الخزرجی : 2 / 150 رقم 4227 ، میزان الاعتدال : 2 / 583 رقم 4944 ، العلل ومعرفة الرجال : 1 / 384 رقم 748 و 2 / 375 رقم 2671 ، التاریخ الکبیر : 5 / 339 ، کتاب الضعفاء والمتروکین للنسائی : ص 159 رقم 383 ، الجرح والتعدیل : 5 / 278 ، کتاب المجروحین : 2 / 59 ، تهذیب الکمال : 17 / 364 رقم 3939.

یضع الحدیث (1). تاریخ بغداد (10 / 236 ، 9 / 341) ، مجمع الزوائد (9 / 51) ، میزان الاعتدال (2 / 115) ، اللآلئ المصنوعة (1 / 332).

304 - عبد الرحمن بن محمد البلخی : کان یضع الحدیث علی قتیبة (2) ، میزان الاعتدال (2 / 116) ، اللآلئ المصنوعة (2 / 156) ، تذکرة الموضوعات (ص 33)

305 - عبد الرحمن بن محمد بن علویّة أبو بکر الأبهری القاضی المتوفّی (342) : کان کذّاباً یرکّب الأسانید علی المتون ، له أحادیث کلّها موضوعة ، والحمل فیها علیه. لسان المیزان (3) (3 / 430).

306 - عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن هندویه : کذّبه الحافظ ابن ناصر. توفّی (537). لسان المیزان (4) (3 / 432).

307 - عبد الرحمن بن مرزوق الطرسوسی : کان یضع الحدیث ، لا یحلُّ ذکره إلاّ علی سبیل القدح (5). میزان الاعتدال (2 / 117) ، تذکرة الموضوعات (ص 71) ، اللآلئ المصنوعة (2 / 177).

308 - عبد الرحمن بن یزید الدمشقی : کذّاب متروک. تهذیب التهذیب (6) (6 / 297). 1.

ص: 364


1- میزان الاعتدال : 2 / 584 رقم 4949 ، اللآلئ المصنوعة : 1 / 446 ، التاریخ الکبیر : 5 / 349 ، کتاب الضعفاء والمتروکین لابن الجوزی : 2 / 99 رقم 1893.
2- میزان الاعتدال : 2 / 587 رقم 4961 ، اللآلئ المصنوعة : 2 / 290 ، تذکرة الموضوعات : ص 23 - 24 ، کتاب المجروحین : 2 / 61.
3- لسان المیزان : 3 / 522 رقم 5051.
4- لسان المیزان : ص 525 رقم 5055.
5- میزان الاعتدال : 2 / 588 رقم 4969 ، تذکرة الموضوعات : ص 50 ، اللآلئ المصنوعة : 2 / 331 ، کتاب المجروحین : 2 / 61.
6- تهذیب التهذیب : 6 / 264 ، کتاب الضعفاء والمتروکین للنسائی : ص 158 رقم 380 ، کتاب المجروحین : 2 / 55 ، تاریخ مدینة دمشق : 36 / 41 رقم 3988 ، تهذیب الکمال : 17 / 482 رقم 3991.

309 - عبد الرحیم (1) بن حبیب الفاریابی : کان یضع الحدیث علی الثقات ، ولعلّه قد وضع أکثر من خمسمائة حدیث علی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، قاله الحافظ أبو حاتم (2). تاریخ الشام (5 / 160) ، میزان الاعتدال (2 / 124) ، لسان المیزان (4 / 4) ، اللآلئ المصنوعة (1 / 78 ، 105 ، 2 / 121) (3).

310 - عبد الرحیم بن زید البصری : کذّاب خبیث (4). تهذیب التهذیب (6 / 305) ، اللآلئ المصنوعة (2 / 70).

311 - عبد الرحیم بن منیب البغدادی : کان یضع الحدیث. تذکرة الموضوعات (5) (ص 77).

312 - عبد الرحیم بن هارون الواسطی ، نزیل بغداد : کذّاب متروک الحدیث (6). تاریخ بغداد (11 / 85) ، تهذیب التهذیب (6 / 309) ، أسنی المطالب (ص 34) ، خلاصة التهذیب (ص 201).

313 - عبد العزیز بن أبان من ولد سعید بن العاص الأموی أبو خالد القرشی : ً.

ص: 365


1- فی تاریخ ابن عساکر : عبد الرحمن ، وهو تصحیف. (المؤلف)
2- کتاب المجروحین : 2 / 162.
3- تهذیب تاریخ مدینة دمشق : 5 / 163 ، میزان الاعتدال : 2 / 603 رقم 5025 ، لسان المیزان : 4 / 5 رقم 5110 ، اللآلئ المصنوعة : 1 / 150 ، 201 ، 2 / 223 ، تاریخ بغداد : 11 / 86 رقم 5769.
4- تهذبب التهذیب : 6 / 273 ، اللآلئ المصنوعة : 2 / 125 ، کتاب الضعفاء والمتروکین للنسائی : ص 161 رقم 389 ، الجرح والتعدیل : 5 / 339 ، کتاب المجروحین : 2 / 161 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 5 / 281 رقم 1420 ، تاریخ بغداد : 11 / 83 رقم 5764.
5- تذکرة الموضوعات : ص 54.
6- تهذیب التهذیب : 6 / 276 ، أسنی المطالب : ص 71 ح 146 ، خلاصة الخزرجی : 2 / 161 رقم 4311 ، الجرح والتعدیل : 5 / 340 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 5 / 283 رقم 1421 ، وکنیته أبو هشام ویلقب بالغسّانی أیضاً.

المتوفّی (207) : کذّاب خبیث ، کان یضع الحدیث ، وحدّث بأحادیث موضوعة (1). تاریخ بغداد (10 / 445) ، تذکرة الموضوعات (ص 87) ، میزان الاعتدال (2 / 133) ، تهذیب التهذیب (6 / 330) ، اللآلئ المصنوعة (2 / 59).

314 - عبد العزیز بن أبی زواد (2) : کذّاب عنده نسخة موضوعة (3). تاریخ الشام (5 / 153) ، تذکرة الموضوعات (ص 77) ، اللآلئ المصنوعة (1 / 66 ، 67).

315 - عبد العزیز بن الحارث أبو الحسن التمیمی الحنبلی المتوفّی (371) ، من رؤساء الحنابلة : وضع حدیثین فی مسند الإمام أحمد ، قال ابن زرقویه الحارث (4) : أنکر أصحاب الحدیث علیه ذلک وکتبوا علیه محضراً بما فعل ، کتب فیه الدارقطنی وابن شاهین وغیرهما (5). تاریخ بغداد (10 / 462) ، میزان الاعتدال (2 / 134) ، لسان المیزان (4 / 26).

316 - عبد العزیز بن خالد : کذّاب. اللآلئ المصنوعة (6) (2 / 49). 3.

ص: 366


1- تذکرة الموضوعات : ص 60 ، میزان الاعتدال : 2 / 622 رقم 5082 ، تهذیب التهذیب : 6 / 294 ، اللآلئ المصنوعة : 2 / 104 ، الضعفاء الکبیر : 3 / 16 رقم 972 ، کتاب المجروحین : 2 / 140 ، تهذیب الکمال : 18 / 107 رقم 3434.
2- فی لآلئ السیوطی : أبی الرجاء ، وفی تاریخ ابن عساکر [تهذیب تاریخ دمشق : 5 / 156] : ابن أبی رواد. (المؤلف)
3- تذکرة الموضوعات : ص 23 ، 54 ، اللآلئ المصنوعة : 1 / 127 ، 128 ، الضعفاء الکبیر : 3 / 6 رقم 963 ، کتاب المجروحین : 2 / 136 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 5 / 290 رقم 1429 ، وهو أبو عبد الرحمن عبد العزیز بن أبی روّاد واسم أبی روّاد : میمون ، وقیل أیمن. وهو الذی یروی عنه عبد الرحیم بن هارون الواسطی المذکور فی التسلسل 312.
4- فی تاریخ بغداد ومیزان الاعتدال : ابن رزقویه الحافظ ، وفی لسان المیزان : ابن زرقویه الحافظ. وهو محمد بن أحمد بن محمد ، أبو الحسن البغدادی المعروف بابن رزقویه. راجع تاریخ بغداد : 1 / 351 رقم 278 ، سیر أعلام النبلاء : 17 / 258.
5- میزان الاعتدال : 2 / 624 رقم 5092 ، لسان المیزان : 4 / 32 رقم 5179.
6- اللآلئ المصنوعة : 2 / 93.

317 - عبد العزیز بن عبد الرحمن البالسی : کذّاب ، ضرب أحمد بن حنبل علی حدیثه ، له نسخة ثبتها بمائة حدیث مقلوبة منها ما لا أصل له ، ومنها ما هو ملزق بإنسان لا یحلُّ الاحتجاج به بحال (1). میزان الاعتدال (2 / 137) ، لسان المیزان (4 / 34) ، تذکرة الموضوعات (ص 76).

318 - عبد العزیز بن یحیی المدنی : کذّاب یضع الحدیث ترکوه (2). میزان الاعتدال (2 / 140) ، خلاصة التهذیب (ص 304).

319 - عبد الغفور بن سعید أبو الصباح الواسطی : کان ممّن یضع الحدیث (3). میزان الاعتدال (2 / 142) ، اللآلئ المصنوعة (2 / 72).

320 - عبد القدّوس بن حبیب أبو سعید الشامی : قال عبد الرزّاق : ما رأیت ابن المبارک یفصح بقوله کذّاب إلاّ لعبد القدّوس ، وقال إسماعیل بن عیّاش : لا أشهد علی أحد بالکذب إلاّ علی عبد القدّوس ، وقال ابن حبّان (4) : کان یضع علی الثقات (5). تاریخ بغداد (11 / 127) ، میزان الاعتدال (2 / 143) ، اللآلئ المصنوعة (1 / 207) ، لسان المیزان (4 / 46). ه.

ص: 367


1- میزان الاعتدال : 2 / 631 رقم 5112 ، لسان المیزان : 4 / 41 رقم 5195 ، تذکرة الموضوعات : ص 54 ، العلل ومعرفة الرجال : 3 / 318 رقم 5419 ، الجرح والتعدیل : 5 / 388 ، کتاب المجروحین : 2 / 138.
2- میزان الاعتدال : 2 / 636 رقم 5136 ، خلاصة الخزرجی : 2 / 170 رقم 4382 ، الضعفاء الکبیر : 3 / 19 رقم 975 ، الجرح والتعدیل : 5 / 400 ، تهذیب الکمال : 18 / 218 رقم 3481.
3- میزان الاعتدال : 2 / 641 رقم 5150 ، اللآلئ المصنوعة : 2 / 129 ، کتاب المجروحین : 2 / 148.
4- کتاب المجروحین : 2 / 131.
5- میزان الاعتدال : 2 / 643 رقم 5156 ، اللآلئ المصنوعة : 1 / 207 ، لسان المیزان : 4 / 55 رقم 5240 ، التاریخ الکبیر : 6 / 119 رقم 1898 ، الضعفاء الکبیر : 3 / 96 رقم 1069 ، الجرح والتعدیل : 6 / 55 ، کتاب المجروحین : 2 / 131 ، موضح أوهام الجمع والتفریق : 2 / 246 ، تاریخ مدینة دمشق : 36 / 416 رقم 4181 وفیه ترجمة مفصلة له.

321 - عبد القدّوس بن عبد القاهر أبو شهاب : له أکاذیب وضعها علی علیّ بن عاصم تبیّنت. لسان المیزان (1) (4 / 48).

322 - عبد الکریم بن عبد الکریم أبو الفضل الخزاعی الجرجانی المتوفّی (380) : قدم بغداد وحدّث بها ، قال الخطیب : کانت له عنایة بالقراءات وصنّف أسانیدها ، ثمّ ذکر أنّه کان یخلط ولم یکن مأموناً علی ما یرویه ، وأنّه وضع کتاباً فی الحروف ونسبه إلی أبی حنیفة ، فکتب الدارقطنی وجماعة : أنّ هذا الکتاب موضوع لا أصل له ، فافتضح وخرج من بغداد إلی الجبل ، فاشتهر أمره هناک ، وحبطت منزلته. البدایة والنهایة (2) (11 / 308).

323 - عبد الله بن إبراهیم بن أبی عمرو الغفاری : مدلّس یضع الحدیث ، عامّة ما یرویه لا یُتابعه علیه الثقات ، ذکر له ابن عدی (3) حدیثین فی فضل أبی بکر وعمر وهما باطلان (4). میزان الاعتدال (2 / 21) ، خلاصة التهذیب (ص 161) ، اللآلئ المصنوعة (2 / 42 ، 109).

324 - عبد الله بن إبراهیم المدنی : شیخ منکر الحدیث ، وضّاع یحدِّث عن الثقات بالمقلوبات. تهذیب التهذیب (5) (5 / 138).

325 - عبد الله بن أبی جعفر الرازی : قال محمد بن حمید الرازی : سمعت منه عشرة آلاف حدیث فرمیتها ، کان فاسقاً (6). میزان الاعتدال (2 / 28). ن.

ص: 368


1- لسان المیزان : 4 / 57 رقم 5241.
2- البدایة والنهایة : 11 / 351 حوادث سنة 379 ه.
3- الکامل فی ضعفاء الرجال : 4 / 192 رقم 1003.
4- میزان الاعتدال : 2 / 388 رقم 4190 ، خلاصة الخزرجی : 2 / 38 رقم 3372 ، اللآلئ المصنوعة : 2 / 80 و 200 ، کتاب المجروحین : 2 / 36 ، تهذیب الکمال : 14 / 274 رقم 3152.
5- تهذیب التهذیب : 5 / 120.
6- میزان الاعتدال : 2 / 404 رقم 4252 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 4 / 216 رقم 1024 ، کتاب الضعفاء والمتروکین لابن الجوزی : 2 / 135 رقم 2088. واسم أبی جعفر : عیسی بن ماهان.

326 - عبد الله بن أیّوب بن أبی علاج : هو وأبوه کذّابان ، قال الأزدی : أیّوب کذّاب وابنه أکذب منه وأجرأ علی الله ، وقال الدارقطنی : ابن أبی علاج یضع الحدیث (1). تذکرة الموضوعات (ص 51 ، 80) ، میزان الاعتدال (2 / 23) ، لسان المیزان (3 / 262) ، اللآلئ المصنوعة (1 / 17).

327 - عبد الله بن الحارث الصنعانی : شیخ دجّال یضع الحدیث وضعاً ، حدّث عن عبد الرزّاق بنسخة کلّها موضوعة (2). میزان الاعتدال (2 / 29) ، اللآلئ المصنوعة (2 / 137).

328 - عبد الله بن حفص أبو محمد الوکیل السامَرِّیّ : دجّال یسرق الحدیث ، وقد وضع أحادیث ، قال ابن عدیّ (3) : کتبت عنه ، کان یسرق الحدیث ، وأملی علیَّ أحادیث موضوعة لا أشکُّ أنّه واضعها (4). تاریخ بغداد (9 / 449) ، میزان الاعتدال (2 / 31) ، اللآلئ المصنوعة (1 / 220).

329 - عبد الله بن حکیم أبو بکر الداهری البصری : کذّاب یضع الحدیث ، متروک الحدیث (5). تاریخ بغداد (9 / 447) ، میزان الاعتدال (2 / 32) ، تذکرة الموضوعات (ص 10) ، نصب الرّایة (1 / 39).

330 - عبد الله بن زیاد بن سمعان الفقیه أبو عبد الرحمن القرشی القاضی : کذّاب 1.

ص: 369


1- تذکرة الموضوعات : ص 25 و 56 ، میزان الاعتدال : 2 / 394 رقم 4217 ، لسان المیزان : 3 / 326 رقم 4497 ، اللآلئ المصنوعة : 1 / 32 ، کتاب المجروحین : 2 / 37 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 4 / 211 رقم 1018. یکنی بأبی بکر ، ویلقب بالموصلی.
2- میزان الاعتدال : 2 / 405 رقم 4259 ، اللآلئ المصنوعة : 2 / 254 ، کتاب المجروحین : 2 / 47.
3- الکامل فی ضعفاء الرجال : 4 / 264 رقم 1100.
4- میزان الاعتدال : 2 / 410 رقم 4275 ، اللآلئ المصنوعة : 1 / 405.
5- میزان الاعتدال : 2 / 410 رقم 4276 ، تذکرة الموضوعات : ص 8 ، کتاب المجروحین : 2 / 21.

ذاهب الحدیث ، وضّاع یضع الحدیث (1). تاریخ بغداد ، (9 / 456) ، تاریخ الشام (7 / 426) ، میزان الاعتدال (2 / 38) ، تذکرة الموضوعات (ص 103) ، اللآلئ المصنوعة (1 / 64 ، 2 / 83 ، 126 ، 201).

331 - عبد الله بن سعد الأنصاری الرقّی : کذّاب کان یضع الحدیث. میزان الاعتدال (2) (2 / 41).

332 - عبد الله بن سلیمان السجستانی الحافظ ابن الحافظ المتوفّی (316) : کذّبه أبوه فی غیر حدیث ، وکان زاهداً ناسکاً. شذرات الذهب (3) (2 / 273).

333 - عبد الله بن صالح أبو صالح المصری المتوفّی (223) : کاتب اللیث ، کذّاب وضّاع. تذکرة الموضوعات (4) (ص 17 ، 20 ، 44 ، 112).

334 - عبد الله بن عبد الرحمن الکلبی الأسامی : من أکذب خلق الله ، روی بالأباطیل فکذّبوه ، عامّة أحادیثه بواطیل ، قدم بخاری وحدّث بها سنة (225). 8.

ص: 370


1- تاریخ مدینة دمشق : 28 / 265 رقم 3301 ، میزان الاعتدال : 2 / 423 رقم 4324 ، تذکرة الموضوعات : ص 73 ، اللآلئ المصنوعة : 1 / 124 و 2 / 149 و 233 و 375 ، الضعفاء الکبیر : 2 / 254 رقم 808 ، الجرح والتعدیل : 5 / 60 ، کتاب المجروحین : 2 / 7 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 4 / 125 رقم 968 ، تهذیب الکمال : 14 / 526 رقم 3276. وهو فی أغلب المصادر : ابن زیاد بن سلیمان بن سمعان.
2- میزان الاعتدال : 2 / 428 رقم 4350 ، تاریخ مدینة دمشق : 29 / 48 رقم 3313. وهو عبد الله بن سعد بن مَعاذ بن سعد بن مُعاذ بن أبی سعد ، أبو سعد الأنصاری الرّقّی.
3- شذرات الذهب : 4 / 79 حوادث سنة 316 ه ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 4 / 265 رقم 1101 ، تاریخ مدینة دمشق : 29 / 77 رقم 3327.
4- تذکرة الموضوعات : ص 13 و 14 و 32 و 74 و 79 ، العلل ومعرفة الرجال : 3 / 212 و 242 رقم 4919 و 5067 ، کتاب الضعفاء والمتروکین للنسائی : ص 149 رقم 351 ، کتاب المجروحین : 2 / 40 ، کتاب الضعفاء والمتروکین لابن الجوزی : 2 / 127 رقم 2048.

تاریخ بغداد (10 / 28) ، میزان الاعتدال (1) (2 / 53).

335 - عبد الله بن علان بن رزین الخزاعی أبو الفضل الواسطی المتوفّی (623) : کان کذّاباً کثیر الکذب والتزویر. لسان المیزان (2) (4 / 107).

336 - عبد الله بن علی الباهلی الوضّاحی : کان یضع الحدیث. لسان المیزان (3) (2 / 318).

337 - عبد الله بن عمرو الواقعی البصری : کان یضع الحدیث ، وکذّبه الدارقطنی. لسان المیزان (4) (3 / 320).

338 - عبد الله بن عُمیر قاضی إفریقیّة : کان یضع الحدیث علی مالک ، له نسخة. تذکرة الموضوعات (5) (ص 116).

339 - عبد الله بن عیسی الجزری : کان یضع الحدیث (6). لسان المیزان (2 / 61) ، اللآلئ المصنوعة (2 / 102).

340 - عبد الله بن قیس الراوی عن حمید الطویل : قال الأزدی : کذّاب (7). میزان الاعتدال (2 / 62). اللآلئ المصنوعة (2 / 217). 5.

ص: 371


1- میزان الاعتدال : 2 / 453 رقم 4416 ، الأنساب : 1 / 126 ، کتاب الضعفاء والمتروکین لابن الجوزی : 2 / 130 رقم 2059.
2- لسان المیزان : 4 / 125 رقم 5423.
3- لسان المیزان : 3 / 392 رقم 4678.
4- لسان المیزان : ص 394 رقم 4688 ، الضعفاء الکبیر : 2 / 284 رقم 851 ، الجرح والتعدیل : 5 / 119 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 4 / 256 رقم 1091.
5- تذکرة الموضوعات : ص 82.
6- لسان المیزان : 3 / 398 رقم 4697 ، اللآلئ المصنوعة : 2 / 186.
7- میزان الاعتدال : 2 / 473 رقم 4514 ، اللآلئ المصنوعة : 2 / 405.

341 - عبد الله بن کرز : کذّاب. تذکرة الموضوعات (1) (ص 49).

342 - عبد الله بن محمد بن أسامة : کان یضع الحدیث. میزان الاعتدال (2) (2 / 71).

343 - عبد الله بن محمد بن عبد الله بن البختری أبو القاسم المعروف بابن الثلاّج المتوفّی (387) : کذّاب یضع الأحادیث والأسانید ، ویرکّب ویدّعی ما لم یسمع (3). تاریخ بغداد (10 / 136) ، المنتظم (7 / 193) ، میزان الاعتدال (2 / 74).

344 - عبد الله بن محمد بن جعفر أبو القاسم القزوینی القاضی الفقیه علی مذهب الشافعی المتوفّی (315) کان له حلقة بمصر للفتوی : کذّاب وضع أحادیث علی متون معروفة ، ألّف کتاب سنن الشافعی وفیها نحو مائتی حدیث لم یحدِّث بها الشافعی (4). میزان الاعتدال (2 / 73) ، شذرات الذهب (2 / 270).

345 - عبد الله بن محمد بن سنان الروحی (5) البصری الواسطی : متروک الحدیث ، کان یضع الحدیث ویقلّبه ویسرقه ، روی عن روح أکثر من مائة حدیث لم یتابع علیها ، وکان کثیر الوضع ، أجمعوا علی أنّه کذّاب ذاهب (6). تاریخ بغداد (10 / 88) ، میزان الاعتدال (2 / 70) ، اللآلئ المصنوعة (2 / 240) ، لسان المیزان (3 / 336). 6.

ص: 372


1- تذکرة الموضوعات : ص 35 ، کتاب المجروحین : 2 / 17.
2- میزان الاعتدال : 2 / 491 رقم 4556 ، کتاب المجروحین : 2 / 48 ، کتاب الضعفاء والمتروکین لابن الجوزی : 2 / 138 رقم 2102 ، لسان المیزان : 3 / 424 رقم 4771 ، وجاء فی میزان الاعتدال وضعفاء ابن الجوزی : ابن أبی أسامة.
3- المنتظم : 14 / 389 رقم 2932 ، میزان الاعتدال : 2 / 497 رقم 4575 ، الأنساب : 1 / 519.
4- میزان الاعتدال : 2 / 495 رقم 4567 ، شذرات الذهب : 4 / 73 حوادث سنة 315 ه ، تاریخ مدینة دمشق : 32 / 169 رقم 3484.
5- لُقّب بذلک لإکثاره الروایة عن روح بن القاسم. (المؤلف)
6- میزان الاعتدال : 2 / 489 رقم 4547 ، اللآلئ المصنوعة : 2 / 453 ، لسان المیزان : 3 / 414 رقم 4747 ، کتاب المجروحین : 2 / 45 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 4 / 261 رقم 1096.

346 - عبد الله بن محمد بن قراد أبو بکر الخزاعی المتوفّی (359) : متروک یضع الحدیث هو وأبوه. میزان الاعتدال (1) (2 / 74).

347 - عبد الله بن محمد بن وهب الدینوری الحافظ المتوفّی (308) : دجّال متروک ، کان یضع الحدیث. میزان الاعتدال (2) (2 / 73).

348 - عبد الله بن محمد البلوی صاحب رحلة الشافعی : کذّاب. البدایة والنهایة (3) (10 / 182).

349 - عبد الله بن مسلم بن رشید ، کان یضع علی لیث ومالک وابن لهیعة ، لا یحلُّ کتب حدیثه. میزان الاعتدال (4) (2 / 77).

350 - عبد الله بن مسوّر أبو جعفر الهاشمی : کذّاب یضع ، أحادیثه موضوعة ، وضع عن رسول الله کلاماً هو حقٌّ فاختلط بأحادیث رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم (5). تاریخ بغداد (10 / 172) ، لسان المیزان (4 / 339) ، اللآلئ المصنوعة (2 / 160 ، 173) ، الإصابة (3 / 141). 6.

ص: 373


1- میزان الاعتدال : 2 / 496 رقم 4570.
2- میزان الاعتدال : ص 494 رقم 4566 ، تاریخ مدینة دمشق : 32 / 372 رقم 3540 وفی هامشه ذکر للمصادر التی ترجمت له.
3- البدایة والنهایة : 10 / 196 حوادث سنة 182 ه.
4- میزان الاعتدال : 2 / 503 رقم 4603 ، کتاب المجروحین : 2 / 44 ، تاریخ مدینة دمشق : 33 / 200 رقم 3575 وضبطه هکذا : عبد الله بن مُسَلّم بن رُشَید ، أبو محمد الهاشمی مولاهم.
5- لسان المیزان : 3 / 442 رقم 4817 ، اللآلئ المصنوعة : 2 / 298 و 323 ، العلل ومعرفة الرجال : 1 / 345 و 346 و 519 رقم 636 و 640 و 1221 علی التوالی ، کتاب الضعفاء والمتروکین للنسائی : ص 149 رقم 350 ، الضعفاء الکبیر : 2 / 305 رقم 885 ، کتاب المجروحین : 2 / 24 ، وهو فی جمیع المصادر : عبد الله بن المِسْور بن عَون بن جعفر بن أبی طالب المدائنی. وعون هو القتیل بالطف مع الحسین علیه السلام وقد ولد ابناً اسمه «مساور» کما جاء فی عمدة الطالب : ص 37 والمجدی فی أنساب الطالبیّین : ص 296.

351 - عبد الله بن وهب النسوی : دجّال یضع (1). میزان الاعتدال (2 / 87) ، اللآلئ المصنوعة (2 / 92 ، 123 ، 181).

352 - عبد الله بن یزید بن مخْمِش النیسابوری : قال الدارقطنی : کان یضع الحدیث. میزان الاعتدال (2) (2 / 88).

353 - عبد المغیث بن زهیر بن علوی الحربی الحنبلی البغدادی المتوفّی (583) ، أحد الحفّاظ : صنّف جزءاً فی فضائل یزید أتی فیه بالموضوعات ، وألّف ابن الجوزی کتاباً فی الردّ علی ذلک الجزء وسمّاه کتاب الردِّ علی المتعصِّب العنید عن لعن یزید. شذرات الذهب (3) (4 / 276).

354 - عبد الملک بن عبد الرحمن أبو العبّاس الشامی ، نزیل البصرة : قال الفلاّس : کذّاب (4). لسان المیزان (4 / 66) ، اللآلئ المصنوعة (2 / 116).

355 - عبد الملک بن هارون بن عنترة : دجّال کذّاب یضع الحدیث (5). میزان الاعتدال (2 / 154) ، لسان المیزان (4 / 71) ، تذکرة الموضوعات (ص 84) ، اللآلئ المصنوعة (1 / 128 ، 460 و 2 / 39 ، 60). 7.

ص: 374


1- میزان الاعتدال : 2 / 523 رقم 4678 ، اللآلئ المصنوعة : 2 / 167 و 227 و 338 ، کتاب المجروحین : 2 / 43 ، الأنساب : 5 / 484 ولقّبه بالنّسائی نسبة إلی نسا.
2- میزان الاعتدال 2 / 527 رقم 4702 وفیه أنه : عبد الله بن یزید مَحْمِش النیسابوری ، وکذا فی کتاب الضعفاء والمتروکین لابن الجوزی : 2 / 146 رقم 2141 ومحمش لقب له ، وفی لسان المیزان 3 / 464 رقم 4879 جعل محْمِس - بالسین - جدّه.
3- شذرات الذهب : 6 / 453 حوادث سنة 583 ه.
4- لسان المیزان : 4 / 78 رقم 5301 ، اللآلئ المصنوعة : 2 / 214 ، الضعفاء الکبیر : 3 / 27 رقم 982 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 5 / 306 رقم 1453.
5- میزان الاعتدال : 2 / 666 رقم 5259 ، لسان المیزان : 4 / 84 رقم 5319 ، تذکرة الموضوعات : ص 59 ، اللآلئ المصنوعة : 1 / 246 و 460 و 2 / 74 و 107.

356 - عبد المنعم بن إدریس أبو عبد الله الیمانی المتوفّی (228) : قصّاص کذّاب خبیث ، یضع الحدیث (1). تاریخ بغداد (11 / 133) ، مجمع الزوائد (9 / 31) ، میزان الاعتدال (2 / 155) ، اللآلئ المصنوعة (1 / 11 ، 30).

357 - عبد المنعم بن بشیر أبو الخیر الأنصاری : أخرج إلی ابن معین أحادیث لأبی مودود (2) نحواً من مائتی حدیث کذب ، فقال له : اتّق الله فإنّ هذه کذب.

قال الحاکم : یروی الموضوعات ، وقال الخلیلی : وضّاع علی الأئمّة ، وقال أحمد : کذّاب ، وقال أبو نعیم : یروی المناکیر (3). میزان الاعتدال (2 / 156) ، لسان المیزان (4 / 75).

358 - عبدوس بن خلاّد : کذّبه أبو زرعة الرازی. لسان المیزان (4) (4 / 95).

359 - عبد الوهّاب الضحّاک العرضی : کذّاب کان یضع الحدیث ، وروی أحادیث کثیرة موضوعة ، وکان ممّن یسرق الحدیث ، وکان معروفاً بالکذب فی الروایة (5). تاریخ بغداد (8 / 268) ، تاریخ الشام (5 / 148 ، 7 / 241) ، تهذیب التهذیب (6 / 447) ، میزان الاعتدال (2 / 160) ، لسان المیزان (6 / 41). ن.

ص: 375


1- میزان الاعتدال : 2 / 668 رقم 5270 ، اللآلئ المصنوعة : 1 / 18 و 56 ، کتاب المجروحین : 2 / 157.
2- القاصّ من المعمّرین ، وثّقه أحمد ویحیی بن معین [فی معرفة الرجال : 1 / 108 رقم 502] (المؤلف)
3- میزان الاعتدال : 2 / 669 رقم 5271 ، لسان المیزان : 4 / 88 رقم 5326 ، الإرشاد فی معرفة علماء الحدیث : 1 / 158.
4- لسان المیزان : 4 / 111 رقم 5386 ، کتاب الضعفاء والمتروکین لابن الجوزی : 2 / 159.
5- تاریخ مدینة دمشق : 37 / 324 رقم 4371 ، تهذیب التهذیب : 6 / 395 ، میزان الاعتدال : 2 / 679 رقم 5316 ، لسان المیزان : 6 / 48 رقم 8394 ، الجرح والتعدیل : 6 / 74 ، کتاب المجروحین : 2 / 147 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 5 / 295 رقم 1435 ، الأنساب : 4 / 180 ، کتاب الضعفاء والمتروکین لابن الجوزی : 2 / 157 رقم 2209 ، تهذیب الکمال : 18 / 494 رقم 3601 وهو فی جمیع هذه المصادر وغیرها : عبد الوهاب بن الضحّاک ، أبو الحارث العُرضی الحمصی السّلمی ، بل وفی بعضها : ابن الضحّاک بن أبان.

360 - عبد الوهّاب بن عطاء الخفّاف : متروک الحدیث ، کان یکذب. میزان الاعتدال (1) (2 / 162).

361 - عبید بن القاسم - نسیب سفیان الثوری - ، وفی شرح المواهب للزرقانی (5 / 41) : هو ابن أُخت الثوری : کذّاب خبیث ، کان یضع الحدیث ، له نسخة موضوعة (2). تاریخ بغداد (11 / 95) ، میزان الاعتدال (2 / 172) ، تهذیب التهذیب (7 / 73).

362 - عبید الله بن تمام أبو عاصم : قال الساجی : کذّاب یحدِّث بمناکیر ، وقال الدارقطنی وابن أبی هند : یروی أحادیث مقلوبة. لسان المیزان (3) (4 / 98).

363 - عبید الله بن سفیان الغدّانی أبو سفیان بن رواحة الأزدی الصوفی البصری : کان کذّاباً (4). تاریخ بغداد (1 / 37 ، 10 / 313) ، میزان الاعتدال (2 / 167) ، اللآلئ المصنوعة (1 / 473).

364 - عتاب بن إبراهیم : کذّاب وضع علی رسول الله الحدیث تقرّباً إلی الخلیفة المهدی بن المنصور. البدایة والنهایة (5) (10 / 154). .

ص: 376


1- میزان الاعتدال : 2 / 681 رقم 5322 ، کتاب الضعفاء والمتروکین للنسائی : ص 163.
2- میزان الاعتدال : 3 / 21 رقم 5436 ، تهذیب التهذیب : 7 / 67 ، الضعفاء الکبیر : 3 / 116 رقم 1093 ، الجرح والتعدیل : 5 / 412 ، کتاب المجروحین : 2 / 175 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 5 / 349.
3- لسان المیزان : 4 / 114 رقم 5398 ، الجرح والتعدیل : 5 / 309 ، کتاب المجروحین : 2 / 66 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 4 / 330 رقم 1162 ، کتاب الضعفاء والمتروکین لابن الجوزی : 2 / 161 رقم 2234.
4- میزان الاعتدال : 3 / 9 رقم 5366 ، الجرح والتعدیل : 5 / 318 ، کتاب المجروحین : 2 / 66 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 4 / 332 رقم 1163 ، الأنساب : 4 / 283 وضبط نسبته فقال : أبو سفیان عبید الله بن سفیان بن عبید الله بن رواحة الأسدی الغُدَانی الصوفی البصری الصوّاف.
5- البدایة والنهایة : 10 / 163 حوادث سنة 169 ه.

365 - عثمان بن خالد بن عمر حفید عثمان بن عفان الأموی : حدّث بأحادیث موضوعة ، ویروی المقلوبات عن الثقات. تهذیب التهذیب (1) (7 / 114).

366 - عثمان بن عبد الرحمن أبو عمر الزهری حفید سعد بن أبی وقّاص الأموی المتوفّی فی خلافة هارون : کان یکذب لا یُکتب حدیثه ، ساقط ترکوه. تاریخ بغداد (11 / 280) ، وقال الخطیب أیضاً : کذّاب متروک ، یحدِّث بالبواطیل ، ویروی عن الثقات الموضوعات (2). تهذیب التهذیب (7 / 133) ، اللآلئ المصنوعة (1 / 54).

367 - عثمان بن عبد الله المغربی : کان یضع الحدیث ، کذّاب. تذکرة الموضوعات (3) (ص 54 ، 58).

368 - عثمان بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفّان الأموی : کذّاب وضّاع یضع الحدیث ، لا یحلُّ کتب حدیثه إلاّ علی سبیل الاعتبار. وقال الدارقطنی : یضع الأباطیل علی الشیوخ الثقات (4). میزان الاعتدال (2 / 183) ، تذکرة الموضوعات (ص 38) ، لسان المیزان (4 / 145) ، اللآلئ المصنوعة (1 / 20 ، 22 ، 2 / 47 ، 146 ، 175). ة.

ص: 377


1- تهذیب التهذیب : 7 / 105 ، کتاب المجروحین : 2 / 102.
2- تهذیب التهذیب : 7 / 122 ، اللآلئ المصنوعة : 1 / 103 ، التاریخ الکبیر : 6 / 238 رقم 2270 ، کتاب الضعفاء والمتروکین للنسائی : ص 175 رقم 439 ، کتاب المجروحین : 2 / 98 ، تهذیب الکمال : 19 / 425 رقم 3837 وفی هامشه بقیة مصادر ترجمته والأقوال فیه ، وهو فی جمیع المصادر : أبو عمرو عثمان بن عبد الرحمن بن عمر بن سعد.
3- تذکرة الموضوعات : ص 39 و 41 ، کتاب المجروحین : 2 / 102. ومن خلال ترجمته یبدو اتحاده مع عثمان بن عبد الله بن عمرو الذی یلیه ، وذکره السمعانی فی الأنساب : 5 / 352 فیمن ورد من بلاد المغرب ، وقال عنه : المغربی الأموی.
4- میزان الاعتدال : 3 / 41 رقم 5523 ، تذکرة الموضوعات : ص 27 ، لسان المیزان : 4 / 165 رقم 5538 ، اللآلئ المصنوعة : 1 / 38 و 43 و 2 / 101 و 278 و 327 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 5 / 176 رقم 1336 ، وراجع لسان المیزان : 4 / 169 رقم 5539 فی تصویبه للذهبی فی جمعه بین الأموی المغربی السابق کما أورده ابن حبان وبین الشامی الأموی صاحب الترجمة.

369 - عثمان بن عفّان السجستانی : قال ابن خزیمة : أشهد أنّه کان یضع الحدیث علی رسول الله ، وقال الجوزقانی : کان یسرق الحدیث (1). میزان الاعتدال (2 / 186) ، لسان المیزان (4 / 248).

370 - عثمان بن مطر الشیبانی : کذّاب ، یروی الموضوعات عن الثقات (2). تذکرة الموضوعات (ص 56 ، 115) ، تهذیب التهذیب (7 / 155).

371 - عثمان بن معاویة : قال ابن حبّان (3) : شیخ یروی الأشیاء الموضوعة التی لم یحدِّث بها ثابت قطّ ، لا تحلُّ روایته إلاّ علی سبیل القدح فیه. لسان المیزان (4) (4 / 153).

372 - عثمان بن مقسم البُرِّی أبو سلمة الکندی البصری أحد الأئمّة الأعلام : من المعروفین بالکذب ووضع الحدیث ، عامّة حدیثه ممّا لا یُتابع علیه إسناداً ومتناً ، کان عند شیبان ، عن عثمان خمسة وعشرون ألفاً لا تسمع منه ، قال الفلاّس : سمعت أبا داود یقول : فی صدری عشرة آلاف حدیث - عن عثمان یعنی - وما حدّثت بها. میزان الاعتدال (5) (2 / 191).

373 - عذافر البصری : ذکره السلیمانی فیمن یضع الحدیث (6). میزان الاعتدال (2 / 93).

374 - عصمة بن محمد بن فضالة الأنصاری الخزرجی : کان کذّاباً یضع ف.

ص: 378


1- میزان الاعتدال : 3 / 49 رقم 5541 ، لسان المیزان : 4 / 171 رقم 5547.
2- تذکرة الموضوعات : ص 40 و 81 ، تهذیب التهذیب : 7 / 140 ، کتاب المجروحین : 2 / 99 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 5 / 163 ، تهذیب الکمال : 1 / 494 رقم 3863.
3- کتاب المجروحین : 2 / 97.
4- لسان المیزان : 4 / 177 رقم 5566.
5- میزان الاعتدال : 3 / 56 رقم 5568 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 5 / 155 رقم 1319.
6- هذه العبارة وردت فی میزان الاعتدال : 3 / 62 رقم 5596 فی ترجمة عذّال بن محمد ، وأمّا عُذافر البصری المترجم فیه برقم 5595 فلم یرد فیه تضعیف.

الحدیث ، وکان شیخاً له هیبة ومنظر من أکذب الناس ، وکان إمام مسجد الأنصار الکبیر ببغداد (1). تاریخ بغداد (12 / 286) ، میزان الاعتدال (2 / 196) ، اللآلئ المصنوعة (2 / 41 ، 131 ، 155).

375 - عطاء بن عجلان الحنفی البصری العطّار : کذّاب ، یضع الحدیث ، ویوضع له الحدیث فیحدِّث به (2). میزان الاعتدال (2 / 200) ، مجمع الزوائد (2 / 172) ، تهذیب التهذیب (7 / 208).

376 - عطیّة بن سفیان : کذّاب. میزان الاعتدال (3) (2 / 201).

377 - العلاء بن زید الثقفی البصری : کذّاب ، کان یضع الحدیث ، له نسخة موضوعة (4). میزان الاعتدال (2 / 211) ، تذکرة الموضوعات (ص 114) ، تهذیب التهذیب (8 / 183).

378 - العلاء بن عمر - عمرو - الحنفی الکوفی : کذّاب ، متروک لا یجوز الاحتجاج به بحال (5). میزان الاعتدال (2 / 213) ، اللآلئ المصنوعة (1 / 50).

379 - العلاء بن مسلمة الروّاس : کان یضع الحدیث ، لا تحلُّ الروایة عنه ، یروی 5.

ص: 379


1- میزان الاعتدال : 3 / 68 رقم 5631 ، اللآلئ المصنوعة : 2 / 78 و 243 و 288 الضعفاء الکبیر : 3 / 340 رقم 1366.
2- میزان الاعتدال : 3 / 75 رقم 5644 ، تهذیب التهذیب : 7 / 186 ، کتاب المجروحین : 2 / 129 ، تهذیب الکمال : 20 / 94 رقم 3936.
3- میزان الاعتدال : 3 / 80 رقم 5668.
4- میزان الاعتدال : ص 99 رقم 5729 ، تذکرة الموضوعات : ص 80 ، 83 ، تهذیب التهذیب : 8 / 162 کتاب المجروحین 2 / 180 و 181 ، وترجمه بعضهم باسم : العلاء بن یزید أو ابن زیدل ، وقیل فی نسبتة الواسطی والأُبلّی. راجع الضعفاء الکبیر : 3 / 342 و 343 رقم 1370 و 1371 ، کتاب الضعفاء والمتروکین لابن الجوزی : 2 / 187 و 189 رقم 2342 و 2352.
5- میزان الاعتدال : 3 / 103 رقم 5737 ، اللآلئ المصنوعة : 1 / 95 ، کتاب المجروحین : 2 / 185.

الموضوعات عن الثقات ، لا یبالی ما روی (1). میزان الاعتدال (2 / 214) ، اللآلئ المصنوعة (2 / 120 ، 172).

380 - علیّ بن أحمد بن علیّ الواعظ الشروانی مؤلّف أخبار الحلاّج : کذّاب أشر. لسان المیزان (2) (4 / 205).

381 - علیّ بن أمیرک الخرافی المروزی : محدّث کذّاب ، زوّر سماعات لزینب الشعریّة ، فافتضح وما تمَّ له ذلک. لسان المیزان (3) (4 / 207).

382 - علیّ بن جمیل الرقّی الوضاح (4) : کان یضع الحدیث علی الثقات ، حدّث بالبواطیل عن ثقات الناس ، ویسرق الحدیث (5). تذکرة الموضوعات (ص 74 ، 109) ، میزان الاعتدال (2 / 220) ، لسان المیزان (4 / 209) ، اللآلئ المصنوعة (1 / 165 ، 2 / 7) ، وتابع الرقّی فی ذلک وسرقه منه شیخ مجهول یقال له : معروف البلخی ، وعبد العزیز الخراسانی رجل مجهول (6).

383 - علیّ بن الجهم بن بدر السامی الخراسانی ثمّ البغدادی المقتول سنة (249) : کان أکذب خلق الله ، مشهوراً بالنصب ، کثیر الحطِّ علی علیّ وأهل البیت ، وقیل : إنّه کان یلعن أباه لِمَ سمّاه علیّا ، وهجاه البحتری ، وکان ینسب فی بنی سامة بن لؤیّ ، وفی ا.

ص: 380


1- میزان الاعتدال : 3 / 105 رقم 5743 ، اللآلئ المصنوعة : 2 / 221 ، 320 ، کتاب المجروحین : 2 / 185 ، تاریخ بغداد : 12 / 241 رقم 6691.
2- لسان المیزان : 4 / 236 رقم 5747.
3- لسان المیزان : ص 238 رقم 5752.
4- فی اللآلئ المصنوعة : الوضّاع.
5- تذکرة الموضوعات : ص 52 ، 77 ، میزان الاعتدال : 3 / 117 رقم 5800 ، لسان المیزان : 4 / 241 رقم 5764 ، اللآلئ المصنوعة : 1 / 319 ، 2 / 12 ، کتاب المجروحین : 2 / 116 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 5 / 215 رقم 1369.
6- عبارة «وعبد العزیز الخراسانی رجل مجهول» أوردها السیوطی فی اللآلئ فی معرض الحکم بالوضع علی حدیث رواه علی بن جمیل ، وفی إسناد آخر فیه عبد العزیز بن عمرو الخراسانی ، والظاهر أنّها مقحمة هنا.

نسبهم إلی قریش تردّد ، بقوله :

إذا ما حصّلت علیا قریشٍ

فلا فی العیر أنت ولا النفیرِ

علی مَ هجوت مجتهداً علیّا

بما لفّقت من کذب وزورِ

لسان المیزان (1) (4 / 210).

قال الأمینی : هذا ملخّص القول فی ترجمة الرجل ، فانظر عندئذٍ إلی قول ابن کثیر فی تاریخه (2) (11 / 4) عند ذکره ، قال : أحد الشعراء المشهورین ، وأهل الدیانة المعتبرین ، وکان فیه تحامل علی علیّ بن أبی طالب رضی الله عنه. فکأنَّ تحامله علی علیّ علیه السلام جعله من أهل الدیانة المعتبرین عند ابن کثیر! هکذا فلیکن ابن کثیر ، وإلی الله المنتهی.

384 - علیّ بن الحسن بن جعفر أبو الحسین الشهیر بابن کرینب المحزمی (3) المتوفّی (376) : کان من أحفظ الناس للمتون إلاّ أنّه کان کذّاباً یدّعی ما لم یسمع ، ویضع الحدیث. تاریخ بغداد (11 / 386) ، لسان المیزان (4) (4 / 215).

385 - علیّ بن الحسن بن الصقر الصائغ البغدادی : کذّاب ، یضع الحدیث علی الشیوخ ، ویسرق. میزان الاعتدال (5) (2 / 222).

386 - علیّ بن الحسن بن یعمر الشامیّ مصریّ : یکذب ، یروی عن الثقات 1.

ص: 381


1- لسان المیزان : 4 / 242 رقم 5766.
2- البدایة والنهایة : 11 / 8 حوادث سنة 249 ه.
3- هو المعروف بابن کرینب البزاز الُمخَرِّمی نسبة إلی المُخرِّم محلة ببغداد ، کما فی تاریخ بغداد ، ومختصر تاریخ دمشق : 17 / 214.
4- لسان المیزان : 4 / 247 رقم 5772.
5- میزان الاعتدال : 3 / 122 رقم 5821.

بواطیل ، مالک والثوری وابن أبی ذئب وغیرهم. لسان المیزان (1) (4 / 213).

387 - علیّ بن الحسن الرصافی : کان یضع الحدیث ویفتری علی الله. میزان الاعتدال (2) (2 / 223).

388 - علیّ بن ظبیان العبسی قاضی بغداد المتوفّی (192) : متروک الحدیث ، کذّاب خبیث ، لیس بثقة (3). تاریخ بغداد (11 / 444) ، میزان الاعتدال (2 / 228) ، تهذیب التهذیب (7 / 342).

389 - علیّ بن عبدة المکتب المتوفّی (257) : کذّاب ، یضع الحدیث (4). تاریخ بغداد (12 / 19).

390 - علیّ بن عبد الله البردانی : لیس بشیء ، اتّهم بالوضع. میزان الاعتدال (5) (2 / 221).

391 - علیّ بن عبد الله بن الحسن بن جهضم أبو الحسن الهمذانی مؤلّف کتاب بهجة الأسرار المتوفّی سنة (414) : قال ابن خیرون : قیل إنّه یکذب ، وقال غیره : اتّهموه بوضع الحدیث ، وقال ابن الجوزی : قد ذکروا أنّه کان کذّاباً ، ویقال : إنّه وضع 3.

ص: 382


1- لسان المیزان : 4 / 244 رقم 5770 ، کتاب المجروحین : 2 / 114 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 5 / 201 رقم 1363 ، الأنساب : 3 / 203 ، میزان الاعتدال : 3 / 119 رقم 5805 ، وجاءت نسبته فی المصادر الأربعة الأخیرة : السامی بدلاً من الشامی ، وفی کتاب الضعفاء والمتروکین لابن الجوزی : 2 / 192 رقم 2368 : الشامی.
2- میزان الاعتدال : 3 / 124 رقم 8526 ، لسان المیزان : 4 / 256 رقم 5796. وهو فی المصدرین : علی بن الحسین الرصافی.
3- میزان الاعتدال : 3 / 134 رقم 5871 ، تهذیب التهذیب : 7 / 300 ، کتاب الضعفاء والمتروکین للنسائی : ص 180 رقم 456 ، الجرح والتعدیل : 6 / 191.
4- میزان الاعتدال : 3 / 144 رقم 5886. ولفظة (کذّاب) وردت فی المیزان : 3 / 120 رقم 5808 فی ترجمة علیّ بن الحسن المُکتِب الذی قال عنه الذهبی : هو علیّ بن عبدة.
5- میزان الاعتدال : 3 / 142 رقم 5877 ، تاریخ بغداد : 12 / 8 رقم 6363.

صلاة الرغائب (1). المنتظم (8 / 14) ، البدایة والنهایة (12 / 16) ، شذرات الذهب (3 / 201).

392 - علیّ بن عروة الدمشقی : کذّاب ، یضع الحدیث (2). میزان الاعتدال (2 / 233) ، تهذیب التهذیب (7 / 365) ، أسنی المطالب (ص 49) ، اللآلئ المصنوعة (2 / 47 ، 93).

393 - علیّ بن فرس : قال ابن حجر : نسبوه لوضع الحدیث. الإصابة (3 / 598).

394 - علیّ بن قرین أبو الحسن البصری نزیل بغداد المتوفّی (233) : کذّاب خبیث ، کان یضع الحدیث (3). تاریخ بغداد (12 / 51) ، أسنی المطالب (ص 110) ، میزان الاعتدال (2 / 236) ، لسان المیزان (4 / 251).

395 - علیّ بن مجاهد بن مسلم الکابلی القاضی الرازی ، کان حیّا سنة (182) : کذّاب ، یضع الحدیث ، ویضع لکلامه إسناداً (4). تاریخ بغداد (12 / 107) ، خلاصة التهذیب (ص 235) ، تهذیب التهذیب (7 / 378) ، اللآلئ المصنوعة (1 / 359)

396 - علیّ بن محمد المروزی أبو أحمد الحبّینی (5) المتوفّی (351) : قال الحاکم : ].

ص: 383


1- المنتظم : 15 / 161 رقم 3118 ، البدایة والنهایة : 12 / 21 حوادث سنة 414 ه ، شذرات الذهب : 5 / 74 حوادث سنة 414 ه.
2- میزان الاعتدال : 3 / 145 رقم 5891 ، تهذیب التهذیب : 7 / 319 ، أسنی المطالب : ص 97 ح 244 ، اللآلئ المصنوعة : 2 / 88 ، 169 ، کتاب المجروحین : 2 / 107.
3- أسنی المطالب : ص 213 ح 674 ، میزان الاعتدال : 3 / 151 رقم 5913 ، لسان المیزان : 4 / 288 رقم 5891 ، الضعفاء الکبیر : 3 / 249 رقم 1248 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 5 / 214 رقم 1368.
4- خلاصة الخزرجی : 2 / 255 رقم 5041 ، تهذیب التهذیب : 7 / 330 ، اللآلئ المصنوعة : 1 / 359 ، الجرح والتعدیل : 6 / 205.
5- بالضمّ وکسر الموحّدة المشددة ، نسبة إلی سکة حُبّین بمرو. (المؤلف) [نبّه محقق کتاب شذرات الذهب علی الخطأ الذی وقع فی الشذرات والعبر من نسبة المترجم إلی حُبّین ، وقال : صوابه «الحَبِیبی». انظر الإکمال لابن ماکولا : 3 / 96 ، الأنساب : 2 / 171 ، میزان الاعتدال : 3 / 155 رقم 5933. ونسبته فی لسان المیزان : 4 / 297 رقم 5919 إلی الحُنَینی تصحیف أیضاً].

کان یکذب ، وکان صاحب حدیث. شذرات الذهب (1) (3 / 8).

397 - علیّ بن محمد الزهری أبو الحسن الضریر ، کان حیّا سنة (381) : کان کذّاباً یضع. تاریخ بغداد (12 / 92) ، اللآلئ المصنوعة (2) (2 / 3 ، 80).

398 - علیّ بن محمد بن السریّ أبو الحسن الهمدانی الورّاق المتوفّی (379) : کان کذّاباً یروی عن متقدّمی الشیوخ الذین لم یدرکهم (3). تاریخ بغداد (12 / 91).

399 - علیّ بن محمد بن سعید أبو الحسن الموصلی المتوفّی (359) ، سکن بغداد ، کذّاب ، کان مخلّطاً غیر محمود. تاریخ بغداد (12 / 83) ، میزان الاعتدال (4) (2 / 237).

400 - علیّ بن معاذ أبو الحسن الرعیسی : المتوفّی (389) ، کذّاب. لسان المیزان (5) (4 / 263).

401 - علیّ بن یعقوب بن سوید الورّاق المصری المتوفّی (318) : کان یضع الحدیث (6). میزان الاعتدال (2 / 241) ، لسان المیزان (4 / 267).

402 - عمّار بن زربی أبو المعتمر البصری : قال ابن عدیّ (7) : یکذب ، سمع منه عبدان الأهوازی ، وترکه ورماه بالکذب ، وقال النباتی (8) : کذّاب متروک الحدیث (9). 8.

ص: 384


1- شذرات الذهب : 4 / 271 حوادث سنة 351 ه.
2- اللآلئ المصنوعة : 2 / 4 ، 144 ، میزان الاعتدال : 3 / 155 رقم 5932.
3- لسان المیزان : 4 / 300 رقم 5924.
4- میزان الاعتدال : 3 / 154 رقم 5927.
5- لسان المیزان : 4 / 303 رقم 5934 وفیه : الرُّعینی.
6- میزان الاعتدال : 3 / 163 رقم 5970 ، لسان المیزان : 4 / 308 رقم 5952.
7- الکامل فی ضعفاء الرجال : 5 / 76 رقم 1255.
8- یبدو أن کلمة النباتی المذکورة فی عبارة لسان المیزان : (وقال ابن أبی حاتم : سألت النباتی عنه ، فقال : کذّاب ، متروک ...) تصحیف عن : أبی. إذ العبارة فی الجرح والتعدیل : 6 / 392 هی : (سألت أبی عنه ، فقال : هو کذّاب ، متروک ...).
9- لسان المیزان : 4 / 312 رقم 5970 ، اللآلئ المصنوعة : 1 / 468.

لسان المیزان (4 / 271) ، اللآلئ المصنوعة (1 / 243).

403 - عمار بن عطیّة الکوفی الورّاق : کان کذّاباً. تاریخ بغداد (12 / 254)

404 - عمار بن مطر أبو عثمان الرهاوی : قال ابن عدیّ (1) : أحادیثه بواطیل ، وقال أبو حاتم (2) : کان یکذب ، وقال العقیلی (3) : یحدّث عن الثقات بمناکیر ، وقال البیهقی : کان یقلّب الأسانید ، ویسرق الأحادیث. السنن الکبری (8 / 30) ، لسان المیزان (4) (4 / 275).

405 - عمارة بن زید : کان یضع الحدیث (5). میزان الاعتدال (2 / 248) ، الاستیعاب (1 / 231) فی ترجمة لهیب بن مالک ، والإصابة (3 / 332).

406 - عمر بن إبراهیم بن خالد الکردی الهاشمی : کذّاب ، غیر ثقة ، یروی المناکیر عن الثقات ، مذکور بالوضع ، بقی إلی بعد العشرین ومائتین (6). تاریخ بغداد (11 / 202) ، مجمع الزوائد (9 / 48) ، میزان الاعتدال (2 / 249) ، لسان المیزان (4 / 280) ، أسنی المطالب (ص 205) ، اللآلئ المصنوعة (1 / 152 ، 2 / 118)

407 - عمر بن إسماعیل بن مجالد الهمدانی : کذّاب خبیث ، رجل سوء ، متروک ، یسرق الحدیث (7). تاریخ بغداد (11 / 204) ، میزان الاعتدال (2 / 250) ، تهذیب التهذیب (7 / 428) ، اللآلئ المصنوعة (2 / 228) ، خلاصة التهذیب (ص 238) 4.

ص: 385


1- الکامل فی ضعفاء الرجال : 5 / 72 رقم 1251.
2- الجرح والتعدیل : 6 / 394 رقم 2198.
3- الضعفاء الکبیر : 3 / 327 رقم 1347.
4- لسان المیزان : 4 / 316 رقم 5985.
5- میزان الاعتدال : 3 / 177 رقم 6025 ، الاستیعاب : القسم الثالث / 1343 رقم 2243.
6- میزان الاعتدال : 3 / 179 رقم 6044 ، لسان المیزان : 4 / 322 رقم 6010 ، أسنی المطالب : ص 413 ح 1337 ، اللآلئ المصنوعة : 1 / 294 ، 2 / 217.
7- میزان الاعتدال : 3 / 182 رقم 6055 ، تهذیب التهذیب : 7 / 374 ، اللآلئ المصنوعة : 2 / 428 ، خلاصة الخزرجی : 2 / 265 رقم 5125 ، کتاب الضعفاء والمتروکین للنسائی : ص 189 رقم 490 ، الجرح والتعدیل : 6 / 99 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 5 / 67 رقم 1244.

408 - عمر بن جعفر أبو حفص الورّاق البصری المتوفّی (357) ، أحد الحفّاظ : قال السبیعی : کذّاب کذّاب ، وکانت کتبه ردیئة. تاریخ بغداد (11 / 247) ، طبقات الحفّاظ (1) (3 / 138).

409 - عمر بن حبیب العدوی البصری المتوفّی (209) : کذّبه ابن معین (2) ، خلاصة التهذیب (ص 238) ، میزان الاعتدال (2 / 251) (3).

410 - عمر بن الحسن - الشهیر بابن دحیة - أبو الخطّاب الحافظ ، شیخ الدیار المصریّة فی الحدیث المتوفّی (633) : ترک الناس الروایة عنه وکذّبوه ، ونسبه بعضهم إلی وضع حدیث فی قصر صلاة المغرب. البدایة والنهایة (4) (13 / 144).

411 - عمر بن حفص الدمشقی الخیّاط : قال الدارقطنی : أعتقد أنّه وضع علی معروف الخیّاط أحادیث ، وحدّث بعد الخمسین ومائتین (5). میزان الاعتدال (2 / 254) ، اللآلئ المصنوعة (1 / 37).

412 - عمر بن راشد أبو حفص الجاری : حدیثه کذب وزور ، کان یضع الحدیث ، کلُّ أحادیثه ممّا لا یتابعه علیه الثقات (6). میزان الاعتدال (2 / 257) ، تذکرة 0.

ص: 386


1- تذکرة الحفّاظ : 3 / 934 رقم 887.
2- التاریخ : 4 / 134 رقم 3558.
3- خلاصة الخزرجی : 2 / 266 رقم 5134 ، میزان الاعتدال : 3 / 184 رقم 6067 ، الجرح والتعدیل : 6 / 104 ، کتاب المجروحین : 2 / 89 ، تاریخ بغداد : 11 / 196 ، الأنساب : 4 / 167 ، تهذیب التهذیب : 7 / 378 ، وجمیع هذه المصادر عدا الخلاصة أرّخت وفاته بسنة (207) أو سنة (206).
4- البدایة والنهایة : 13 / 169 حوادث سنة 633 ه ، سیر أعلام النبلاء : 22 / 389 وفی هامشه جملة من مصادر ترجمته.
5- هذه العبارة هی للذهبی فی میزان الاعتدال : 3 / 190 رقم 6080 ، اللآلئ المصنوعة : 1 / 37.
6- میزان الاعتدال : 3 / 195 رقم 6103 ، تذکرة الموضوعات : ص 30 ، اللآلئ المصنوعة : 1 / 234 و 2 / 314 ، الجرح والتعدیل : 6 / 108 ، کتاب المجروحین : 2 / 93 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 5 / 17 رقم 1190.

الموضوعات (ص 42) ، اللآلئ المصنوعة (1 / 121 ، 2 / 168).

413 - عمر بن ریاح البصری : دجّال ، متروک الحدیث ، یروی الموضوعات عن الثقات (1). تهذیب التهذیب (7 / 448) ، میزان الاعتدال (2 / 257).

414 - عمر بن سعد الخولانی : کان یضع الحدیث (2). میزان الاعتدال (2 / 258) ، تذکرة الموضوعات (ص 29).

415 - عمر بن سعید الدمشقی أبو حفص المتوفّی (225) : قال الساجی : کذّاب ، وقال ابن عدی (3) : روی عن سعید أحادیث غیر محفوظة. لسان المیزان (4) (4 / 308)

416 - عمر بن شاکر البصری : له نسخة نحو من عشرین حدیثاً غیر محفوظة. میزان الاعتدال (5) (2 / 260).

417 - عمر بن صُبیح (6) الخراسانی : کذّاب ، کان یضع الحدیث ، لم یکن له فی الدنیا نظیر فی البدعة والکذب (7). میزان الاعتدال (2 / 262) ، تذکرة الموضوعات ،

ص: 387


1- تهذیب التهذیب : 7 / 393 ، میزان الاعتدال : 3 / 197 رقم 6109 ، التاریخ الکبیر : 6 / 156 رقم 2009 ، کتاب الضعفاء والمتروکین للنسائی : ص 190 رقم 492 ، الضعفاء الکبیر : 3 / 160 رقم 1149 ، کتاب المجروحین : 2 / 86 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 5 / 51 رقم 1222.
2- میزان الاعتدال : 3 / 199 رقم 6117 ، تذکرة الموضوعات : ص 21.
3- الکامل فی ضعفاء الرجال : 5 / 57 رقم 1231.
4- لسان المیزان : 4 / 353 رقم 6075 ، تهذیب التهذیب : 7 / 399.
5- میزان الاعتدال : 3 / 203 رقم 6135 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 5 / 55 رقم 1229.
6- فی تهذیب التهذیب وبعض آخر من المصادر : الصبح. (المؤلف)
7- میزان الاعتدال : 3 / 206 رقم 6147 ، تذکرة الموضوعات : ص 54 ، تهذیب التهذیب : 7 / 407 ، اللآلئ المصنوعة : 1 / 55 و 207 و 463 و 2 / 284 و 344 ، کتاب المجروحین : 2 / 88 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 5 / 24 رقم 1197 ، سنن الدارقطنی : 2 / 57 وقال : عمر بن صبح متروک ، کتاب الضعفاء والمتروکین لابن الجوزی : 2 / 221 رقم 2474 ، تهذیب الکمال : 21 / 396 رقم 4259 ،

(ص 77) ، تهذیب التهذیب (7 / 463) ، اللآلئ المصنوعة (1 / 29 ، 108 ، 241 ، 2 / 153 ، 184) ، کشف الخفاء (1 / 215).

418 - عمر بن عمرو العسقلانی أبو حفص الطحّان : قال ابن عدیّ (1) : حدّث بالبواطیل عن الثقات ، وقال أیضاً : عامّة ما یرویه موضوع ، وهو فی عداد من یضع الحدیث. لسان المیزان (2) (4 / 320).

419 - عمر بن عیسی الأسلمی : قال ابن حبّان (3) : یروی الموضوعات عن الأثبات. لسان المیزان (4) (4 / 321).

420 - عمر بن محمد بن السری الورّاق أبو بکر بن أبی طاهر المتوفّی (378) : قال الحاکم : أعرف الناس بسرقة الحدیث والمقلوبات ، کذّاب ، رأیتهم أجمعوا علی ترک حدیثه ، وکتبوا علی ما کتبوا عنه : کذّاب ؛ فلم ألقه ولم اشتغل به. لسان المیزان (5) (4 / 325).

421 - عمر بن محمد أبو حفص التلعکبری الخطیب البغدادی (6) : غیر ثقة ، در

ص: 388


1- الکامل فی ضعفاء الرجال : 5 / 66 رقم 1243.
2- لسان المیزان : 4 / 367 رقم 6113.
3- کتاب المجروحین : 2 / 87.
4- لسان المیزان : 4 / 368 رقم 6115.
5- لسان المیزان : ص 372 رقم 6126.
6- لم ترد النسبة له بالبغدادی لا فی تاریخ بغداد ، ولا فی ما بین أیدینا من المصادر

مشهور بوضع الحدیث. تاریخ بغداد (11 / 242).

422 - عمر بن مدرک القاص البلخی المتوفّی (270) : کذّاب. تاریخ بغداد (11 / 212) ، میزان الاعتدال (1) (2 / 270).

423 - عمر بن موسی المیثمی بن وجیه الوجیهی : کذّاب ، وضّاع ، کان یضع الحدیث متناً وإسناداً (2). میزان الاعتدال (2 / 271) ، نصب الرایة (1 / 187) ، مستدرک الحاکم (3 / 124) فی تلخیصه ، أسنی المطالب (ص 44) ، اللآلئ المصنوعة (2 / 84 ، 138 ، 220).

424 - عمر بن هارون البلخی أبو حفص المتوفّی (194) : کذّاب خبیث ، متروک الحدیث ، قال أبو غسان : قال عمر بن هارون : رمیت من حدیثی سبعین ألف حدیث ، وقال أبو زکریّا : قد کتبت عنه ثمّ تبیّن لنا أمره بعد ذلک فخرقت حدیثه کلّه ، ما عندی عنه کلمة إلاّ أحادیث علی ظهر دفتر خرقتها کلّها (3). تاریخ بغداد ا.

ص: 389


1- میزان الاعتدال : 3 / 223 رقم 6214.
2- میزان الاعتدال : ص 224 رقم 6222 ، المستدرک علی الصحیحین : 3 / 134 ح 4626 وکذا فی تلخیصه ، أسنی المطالب : ص 90 ح 210 ، اللآلئ المصنوعة : 2 / 152 ، 256 ، 412 ، الجرح والتعدیل : 6 / 133 ، کتاب المجروحین : 2 / 86 و 87 وفیه : المیْتَمی ، لکن السمعانی فی الأنساب : 5 / 429 ذکره - عن ابن حبان - : المیثمی ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 5 / 9 رقم 1187 ، الأنساب : 5 / 575 ، مختصر تاریخ دمشق : 19 / 153 ، وکذا أورده ابن حجر فی لسان المیزان : 4 / 382 رقم 6152 نقلاً عن ابن حبان.
3- میزان الاعتدال : 3 / 228 رقم 6237 ، أسنی المطالب : ص 324 ح 1040 ، اللآلئ المصنوعة : 2 / 68 ، کتاب الضعفاء والمتروکین للنسائی : ص 191 رقم 499 ، الجرح والتعدیل : 6 / 140 ، کتاب المجروحین : 2 / 90 ، وجمع المزّی فی تهذیب الکمال : 21 / 520 رقم 4317 ما تفرّق من ترجمته ، وأُثبت فی هامشه مصادرها.

(11 / 189) ، میزان الاعتدال (2 / 273) ، أسنی المطالب (ص 161) ، اللآلئ المصنوعة (2 / 36).

425 - عمر بن یزید الرفّاء أبو حفص البصری : قال أبو حاتم (1) : یکذب ، وقال ابن عدیّ (2) : أحادیثه تشبه الموضوع. لسان المیزان (3) (4 / 339).

426 - عمرو بن الأزهر العتکی البصری قاضی جرجان : کذّاب ، یضع الحدیث ، متروک (4). تاریخ بغداد (12 / 194) ، میزان الاعتدال (2 / 281) ، اللآلئ المصنوعة (1 / 165 ، 2 / 65).

427 - عمرو بن بحر أبو عثمان الجاحظ المتوفّی (255 ، 256) : صاحب التصانیف الکثیرة ، أکذب الأمّة وأوضعهم لحدیث ، وأنصرهم للباطل ، وقال ثعلب : کان کذّاباً علی الله وعلی رسوله وعلی الناس. لسان المیزان (5) (4 / 356).

428 - عمرو بن بکر السکسکی : قال ابن حبّان (6) : یکذب. لسان المیزان (7) (5 / 270). 9.

ص: 390


1- الجرح والتعدیل : 6 / 142.
2- الکامل فی ضعفاء الرجال : 5 / 55 رقم 1228.
3- لسان المیزان : 4 / 389 رقم 6175.
4- میزان الاعتدال : 3 / 245 رقم 6328 ، اللآلئ المصنوعة : 1 / 318 و 2 / 115 ، التاریخ الکبیر : 6 / 316 رقم 2507 ، کتاب الضعفاء والمتروکین للنسائی : ص 186 رقم 478 ، الضعفاء الکبیر : 3 / 256 رقم 1262 ، الجرح والتعدیل : 6 / 221 ، کتاب المجروحین : 2 / 78 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 5 / 133 رقم 1296.
5- لسان المیزان : 4 / 409 رقم 6250 ، کتاب الضعفاء والمتروکین لابن الجوزی : 2 / 223 رقم 2545.
6- کتاب المجروحین : 2 / 78 ، وفیه : أنّه لا یحلّ الاحتجاج به.
7- لسان المیزان : 5 / 305 رقم 7709.

429 - عمرو بن جریر أبو سعید البجلی : کذّبه أبو حاتم (1). لسان المیزان (2) (4 / 358).

430 - عمرو بن جمیع أبو عثمان قاضی حلوان : کذّاب خبیث ، لیس بثقة ولا مأمون. تاریخ بغداد (12 / 191) ، اللآلئ المصنوعة (3) (2 / 8 ، 98 ، 103).

431 - عمرو بن الحصین : کان کذّاباً. تاریخ بغداد (5 / 390) ، اللآلئ المصنوعة (4) (1 / 103).

432 - عمرو بن حمید قاضی الدینور : ذکره السلیمانی فی عداد من یضع الحدیث. میزان الاعتدال (5) (2 / 286).

433 - عمرو بن خالد القرشی الکوفی أبو خالد : کذّاب غیر ثقة ، کان یضع الحدیث (6). میزان الاعتدال (2 / 286) ، نصب الرایة (1 / 41 ، 187) ، مجمع الزوائد (1 / 246) ، اللآلئ المصنوعة (2 / 160).

434 - عمرو بن خلیف أبو صالح الخناوی (7) : قال ابن حبان (8) : کان یضع الحدیث ، ومن خزایاته الموضوعة علی ابن عبّاس قال : قال النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم : أُدخلت الجنّة فرأیت فیها ذئباً ، فقلت : أذئب فی الجنّة؟ قال : إنّی أکلت ابن شرطیّ. قال 0.

ص: 391


1- الجرح والتعدیل : 6 / 224.
2- لسان المیزان : 4 / 412 رقم 6257.
3- اللآلئ المصنوعة : 2 / 14 و 179 و 189 و 163 و 164 ، الضعفاء الکبیر : 3 / 264 رقم 1270 الجرح والتعدیل : 6 / 224 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 5 / 111 رقم 1279.
4- اللآلئ المصنوعة : 1 / 198.
5- میزان الاعتدال : 3 / 256 رقم 6356.
6- میزان الاعتدال : ص 257 رقم 6359 ، اللآلئ المصنوعة : 2 / 322.
7- الظاهر أنَّه الحتّاوی لا الخناوی ، کذا أورده ابن حبّان وابن عدی فی الکامل فی ضعفاء الرجال : 5 / 153 رقم 1318 ، وابن الجوزی فی کتاب الضعفاء والمتروکین : 2 / 225 رقم 2557 ، ویاقوت فی معجم البلدان : 2 / 217.
8- کتاب المجروحین : 2 / 80.

ابن عبّاس : وهذا إنّما أکل ابنه ، فلو أکله رُفع فی علیّین.

قال الأمینی : لیت ابن عبّاس یُفصح عن أنّه لو کان أکل مدیر الشرطة أین کان یُرفع؟! تذکرة الموضوعات (ص 46) ، میزان الاعتدال (2 / 287) ، لسان المیزان (4 / 363) (1).

435 - عمرو بن زیاد بن ثوبان الباهلی : حدّث سنة (234) ، کان کذّاباً أفّاکاً یضع الحدیث ، قال ابن عدیّ (2) : یسرق الحدیث ویحدّث بالبواطیل. تاریخ بغداد (12 / 205) ، میزان الاعتدال (2 / 288) ، مستدرک الصحیحین (3 / 64) ، اللآلئ المصنوعة (1 / 392) (3).

436 - عمرو بن عبید أبو عثمان المعتزلی البصری المتوفّی (144) : کان من الکذّابین الآثمین ، مبتدعاً ولا کرامة له (4). تاریخ بغداد (12 / 182) ، نصب الرایة (1 / 49).

437 - عمرو بن مالک الفقیمی (5) : کذّاب ممّن یسرق الحدیث. لسان المیزان (6) (4 / 374). 5.

ص: 392


1- تذکرة الموضوعات : ص 33 ، میزان الاعتدال : 3 / 258 رقم 6362 ، لسان المیزان : 4 / 418 رقم 6269.
2- الکامل فی ضعفاء الرجال : 5 / 151 رقم 1316.
3- میزان الاعتدال : 3 / 260 رقم 6371 ، المستدرک علی الصحیحین : 3 / 67 ح 4413 وکذا فی تلخیصه ، اللآلئ المصنوعة : 1 / 392 ، الجرح والتعدیل : 6 / 233.
4- التاریخ الکبیر : 6 / 352 رقم 2608 ، الضعفاء الکبیر : 3 / 277 رقم 1284 ، کتاب المجروحین : 2 / 69 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 5 / 96 رقم 1278.
5- الظاهر أنّهما شخصان لا شخص واحد ، أولهما المترجم واسمه عمرو بن مالک الراسبی الغبری ، أبو عثمان البصری المتوفّی بعد سنة (240) ، والآخر هو جاریة بن هرم الفُقیمی ، وقد ورد المترجم فی لسان المیزان باسم عمرو بن مالک بن جاریة بن هرم الفقیمی ، ویبدو أنّ کلمة (بن) تصحیف عن کلمة (عن) إذ إنّ المترجم یروی عن جاریة بن هرم کما فی لسان المیزان : 2 / 118 رقم 8194 ، میزان الاعتدال : 3 / 286 رقم 6438 ، الجرح والتعدیل : 6 / 259 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 2 / 174 رقم 362 و 5 / 150 رقم 1315 ، تهذیب الکمال : 22 / 207 رقم 4439 ، تهذیب التهذیب : 8 / 83.
6- لسان المیزان : 4 / 432 رقم 6315.

438 - عمرو بن محمد بن الأعشم : کذّاب کان یضع الحدیث ، یروی عن الثقات المناکیر ، ویضع أسماء المحدِّثین ، روی عنه أحمد بن الحسین بن عبّاد البغدادی أحادیث کلّها موضوعة (1). میزان الاعتدال (2 / 300) ، تذکرة الموضوعات (ص 74 ، 79 ، 81 ، 100) ، اللآلئ المصنوعة (2 / 102).

439 - عمرو بن واقد الدمشقی : عن دحیم قال : لم یکن شیوخنا یحدّثون عنه ، وکان لم یشکّ أنّه کان یکذب. میزان الاعتدال (2) (2 / 302).

440 - عنبسة بن عبد الرحمن الأموی حفید العاص بن أُمیّة : کذّاب ، کان یضع الحدیث (3). میزان الاعتدال (2 / 307) ، تهذیب التهذیب (8 / 161).

441 - عوانة بن الحکم الکوفی المتوفّی (158) : کان عثمانیّا یضع الأخبار لبنی أُمیّة. لسان المیزان (4) (4 / 386).

442 - عیسی بن زید الهاشمی العقیلی : کان شافعیّ المذهب لحقه الحاکم ، کذّاب. لسان المیزان (5) (4 / 395).

443 - عیسی بن عبد العزیز اللخمی الإسکندرانی المقری المتوفّی (629) : سماعاته للحدیث من السلفی وغیره صحیحة ، فأمّا فی القراءات فلیس بثقة ولا مأمون ، وضع أسانید وادّعی أشیاء لا وجود لها ، وهّاه غیر واحد وقد حدّثونا عنه ، له کتاب الجامع الأکبر فی اختلاف القرّاء یحتوی علی سبعة آلاف روایة وطریق ، ومن 3.

ص: 393


1- میزان الاعتدال : 3 / 286 رقم 6441 ، تذکرة الموضوعات : ص 52 و 55 و 57 و 70 ، اللآلئ المصنوعة : 2 / 187 ، کتاب المجروحین : 2 / 74.
2- میزان الاعتدال : 3 / 291 رقم 6465.
3- میزان الاعتدال : ص 301 رقم 6512 ، تهذیب التهذیب : 8 / 143 ، الجرح والتعدیل : 6 / 402 ، کتاب الضعفاء والمتروکین لابن الجوزی : 2 / 235 رقم 2617.
4- لسان المیزان : 4 / 446 رقم 6375.
5- لسان المیزان : ص 457 رقم 6414. وانظر میزان الاعتدال : 3 / 312 رقم 6563.

هذا الکتاب وقع الناس فیه. لسان المیزان (1) (4 / 402).

444 - عیسی بن یزید بن داب اللیثی المدینی : کذّاب ، کان یضع الحدیث بالمدینة ، وفیه قال ابن مناذر :

ومن تبع الوصاةَ فإنَّ عندی

وصاةً للکهول وللشبابِ

خذوا عن مالکٍ وعن ابن عوفٍ

ولا ترووا أحادیثَ ابنِ دابِ

تری الهلاّکَ ینتجعون منها

ملاهیَ من أحادیثٍ کذابِ

إذا طُلِبتْ منافعُها اضمحلّت

کما یرفضُّ رقراقُ السرابِ

تاریخ بغداد (11 / 152) ، میزان الاعتدال (2) (2 / 319).

حرف الغین المعجمة

445 - غُنیم - غنم - بن سالم (3) : أحد المشهورین بالکذب ، غیر ثقة ولا مأمون ، قال ابن حبّان (4) : روی العجائب والموضوعات ، لا تعجبنی الروایة عنه ، فکیف 2.

ص: 394


1- لسان المیزان : 4 / 464 رقم 6432 ، وانظر میزان الاعتدال : 3 / 318 رقم 6585 ، طبقات القراء لشمس الدین بن الجزری : 1 / 609 رقم 2492.
2- میزان الاعتدال : 3 / 327 رقم 6625.
3- تردّد اسم المترجم فی المصادر بین غنیم ویغنم ویعتم ونعیم ، والبعض ترجمه مرتین تبعاً لتعدد الاسم ، ولعل الصواب ما استظهره الذهبی فی میزان الاعتدال عندما ترجمه باسم غُنیم ، وقال : الظاهر أن هذا هو یَغْنَم .. وإنما صغّره بعضهم. وترجمه أیضاً فی یغنم. ووافقه علی ذلک ابن حجر فی لسان المیزان ، ومما یعضد ذلک التصویب أنّ عدّة من المصادر ذکرته باسم یغنم فقط ، منها : الجرح والتعدیل : 9 / 314 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 7 / 284 رقم 2183 ، وجمعهما - یغنم وغنیم - الخطیب البغدادی فی موضح أوهام الجمع والتفریق : 2 / 476 ، الإکمال : 7 / 274. فهو إذاً : یَغْنَم بن سالم بن قنبر مولی علی بن أبی طالب علیه السلام ، وسیأتی مکرراً فی نعیم بن سالم رقم 641.
4- کتاب المجروحین : 2 / 202.

الاحتجاج به؟! وقال ابن حجر : له عن أنس نسخة موضوعة (1). میزان الاعتدال (2 / 323) ، لسان المیزان (4 / 421) ، تذکرة الموضوعات (ص 88 ، 94).

446 - غیاث بن إبراهیم النخعی الکوفی : کذّاب خبیث ، کان یضع الحدیث (2). تاریخ بغداد (12 / 326) ، نصب الرایة (4 / 239) ، میزان الاعتدال (2 / 323) ، أسنی المطالب (ص 50) ، اللآلئ المصنوعة (2 / 116 ، 123).

حرف الفاء

447 - الفضل بن أحمد اللؤلؤی : قال أبو الشیخ : حدّث عن إسماعیل بن عمرو بأحادیث کثیرة کان یشتریها ویضعها علی إسماعیل ، فاتّفق أبو إسحاق وأبو أحمد ومشایخنا علی ترک حدیثه وأنّه کذّاب. لسان المیزان (3) (4 / 437).

448 - الفضل بن الجبّار : کذّاب. مجمع الزوائد (2 / 112).

449 - الفضل بن السُّکین أبو العبّاس القطیعی السندی : قال ابن معین : کذّاب لعن الله من یکتب عنه من صغیر أو کبیر إلاّ أن یکون لا یعرفه. تاریخ بغداد (12 / 362) ، لسان المیزان (4) (4 / 441).

450 - الفضل بن سهل الإسفراینی ثمّ الدمشقی الحلبی الأثیر المتوفّی (548) : کانوا یتّهمونه بالکذب ، حکی شیخ الشیوخ إسم6.

ص: 395


1- میزان الاعتدال : 3 / 336 رقم 6671 ، لسان المیزان : 4 / 489 رقم 6502 ، تذکرة الموضوعات : ص 62 و 66.
2- میزان الاعتدال : 3 / 337 رقم 6673 ، أسنی المطالب : ص 100 ح 252 ، اللآلئ المصنوعة : 2 / 214 و 227 ، الجرح والتعدیل : 7 / 57 ، کتاب المجروحین : 2 / 200.
3- لسان المیزان : 4 / 511 رقم 6544.
4- لسان المیزان : ص 516 رقم 6558 ، وانظر میزان الاعتدال : 3 / 352 رقم 6726.

أبو محمد المقرئ ، فدخل الأثیر الحلبی فجعل یثنی علی أبی محمد ، وقال : من فضائله أنّ رجلاً أعطانی مالاً فجئت به إلیه فلم یقبله ، فلمّا قام قال أبو محمد : والله ما جاءنی بشیء ولا أدری ما یقول ، والحمد لله الذی لم یقل عنده ودیعة لأحد (1). المنتظم (10 / 155) ، لسان المیزان (4 / 442).

451 - الفضل بن شهاب : قال یحیی : کذّاب. لسان المیزان (2) (4 / 442).

452 - الفضل بن عیسی : کذّاب. اللآلئ المصنوعة (3) (2 / 167).

453 - الفضل بن محمد العطّار الباهلی : کذّاب ، کان یضع الحدیث ، وصل أحادیث وزاد فی المتون (4). میزان الاعتدال (2 / 333) ، لسان المیزان (4 / 448).

454 - فهد بن عوف أبو ربیعة ، قیل توفّی (219) : قال ابن المدینی : کذّاب. لسان المیزان (5) (4 / 455).

455 - الفیض بن وثیق : قدم بغداد سنة (224) ، کذّاب خبیث (6). تاریخ بغداد 5.

ص: 396


1- المنتظم : 18 / 93 رقم 4187 ، لسان المیزان : 4 / 517 رقم 6560 ، مختصر تاریخ دمشق : 20 / 276.
2- لسان المیزان : 4 / 517 رقم 6561 ، وانظر میزان الاعتدال : 3 / 353 رقم 6731.
3- اللآلئ المصنوعة : 2 / 312 ، وهو الفضل بن عیسی الرقاشی ، ضعّفه أحمد بن حنبل ، وابن معین وقال : کان قاصّا رجل سوء ، قدری خبیث. وقال أبو حاتم فی الجرح والتعدیل : 7 / 64 ، وأبو زرعة : منکر الحدیث. وقال النسائی فی کتاب الضعفاء والمتروکین : ص 199 رقم 516 : ضعیف. وقال یعقوب بن سفیان : معتزلی خبیث ، تهذیب التهذیب : 8 / 354.
4- میزان الاعتدال : 3 / 358 رقم 6748 ، لسان المیزان : 4 / 523 رقم 6579 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 6 / 17 رقم 1564 ، مختصر تاریخ دمشق : 20 / 292.
5- لسان المیزان : 4 / 531 رقم 6613 و 2 / 627 رقم 3565 ، الضعفاء الکبیر : 3 / 463 رقم 1520 ، الجرح والتعدیل : 3 / 570 ، کتاب المجروحین : 1 / 311 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 3 / 210 رقم 708 ، وجمیع المصادر التی ترجمت له ذکرت أنّ اسمه : زید بن عوف ، وفهد لقب له وقد عُرف به.
6- میزان الاعتدال : 3 / 366 رقم 6787 ، کنز العمّال : 11 / 535 ح 32497 ، کتاب الضعفاء والمتروکین لابن الجوزی : 3 / 11 رقم 2735.

(12 / 398) ، میزان الاعتدال (2 / 337) ، کنز العمّال (6 / 134).

حرف القاف

456 - القاسم بن إبراهیم الملطی : قدم الموصل سنة (323) ، کان کذّاباً أفّاکاً ، یضع الحدیث ، أتی بطامّة لا تُطاق (1). تاریخ بغداد (8 / 77 ، 12 / 446) ، میزان الاعتدال (2 / 337) ، اللآلئ المصنوعة (1 / 8).

457 - القاسم بن أبی سفیان محمد ، أبو القاسم المعمری المتوفّی (228) : خبیث کذّاب (2). تاریخ بغداد (12 / 425).

458 - القاسم بن عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطّاب المدنی : کذّاب ، یضع الحدیث (3). میزان الاعتدال (2 / 339) ، تهذیب التهذیب (8 / 320) ، أسنی المطالب (ص 80 ، 233) ، اللآلئ المصنوعة (2 / 92).

459 - القاسم بن محمد بن عبد الله الفرغانی : کان یضع الحدیث وضعاً فاحشاً (4). میزان الاعتدال (2 / 342) ، اللآلئ المصنوعة (2 / 8).

460 - قطن بن صالح الدمشقی : کذّاب. میزان الاعتدال (5) (2 / 348). 0.

ص: 397


1- میزان الاعتدال : 3 / 367 رقم 6790 ، اللآلئ المصنوعة : 1 / 14.
2- الجرح والتعدیل : 7 / 119 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 6 / 37 رقم 1583 ، کتاب الضعفاء والمتروکین لابن الجوزی : 3 / 16 ، تهذیب الکمال : 23 / 437 رقم 4821.
3- میزان الاعتدال : 3 / 371 رقم 6812 ، تهذیب التهذیب : 8 / 287 ، أسنی المطالب : ص 152 ح 444 ، اللآلئ المصنوعة : 2 / 167 ، العلل ومعرفة الرجال : 3 / 186 رقم 4803 ، الجرح والتعدیل : 7 / 111.
4- میزان الاعتدال : 3 / 379 رقم 6838 ، اللآلئ المصنوعة 2 / 14 ، الأنساب : 4 / 368 وقال : توفّی بأسفرایین سنة (261).
5- میزان الاعتدال : 3 / 391 رقم 6900.

حرف الکاف

461 - کادح بن رحمة : کذّاب (1). میزان الاعتدال (2 / 351) ، اللآلئ المصنوعة (1 / 106 ، 2 / 114).

462 - کثیر بن زید الأسلمی : قال الشافعی : رکن فی الکذب ، وقال ابن حبّان : له عن أبیه ، عن جدّه نسخة موضوعة (2). أسنی المطالب (ص 238).

463 - کثیر بن سلیم بن هاشم الأیلی (3) : کان یضع الحدیث (4). تذکرة الموضوعات (ص 28) ، اللآلئ المصنوعة (2 / 202).

464 - کثیر بن عبد الله بن عمرو المزنی المدنی : رکن من أرکان الکذب ، ضرب 8.

ص: 398


1- میزان الاعتدال : 3 / 399 رقم 6927 ، اللآلئ المصنوعة : 1 / 205 و 2 / 211.
2- کذا فی أسنی المطالب : ص 489 ح 1564. وأمّا فی کتاب المجروحین : 2 / 221 فقد وردت هذه العبارة فی ترجمة کثیر بن عبد الله المزنی الآتی ذکره ولیس فی ترجمة کثیر بن زید المذکورة فی : 2 / 222 ، کتاب الضعفاء والمتروکین للنسائی : ص 206 رقم 530 ، الجرح والتعدیل : 7 / 150.
3- ذکره ابن حبان فی کتاب المجروحین : 2 / 223 وقال : کَثیر بن سُلَیم أبو هاشم من أهل الأُبُلّة ، وأخذه عنه السیوطی وذکره فی اللآلئ المصنوعة لکنه صحّف لقبه إلی الأیلی بدلاً من الأُبُلّی ، وعن الأخیر أخذ المؤلف قدس سره وصحّف (أبو هاشم) إلی ابن هاشم. وقد وهم ابن حبان فی الجمع بین کثیر بن سلیم هذا وکثیر بن عبد الله أبی هاشم الأُبُلّی الناجی حینما قال فی المترجم : وهو الذی یقال له کثیر بن عبد الله ، وساق حدیث أنس وخدمته للرسول صلّی الله علیه وآله وسلّم. وقد نبّه إلی هذا الوهم الذهبی فی میزان الاعتدال : 3 / 405 رقم 6940 ، کما فرّقت أغلب المصادر بین الترجمتین. راجع : الجرح والتعدیل : 7 / 152 و 154 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 6 / 63 و 65 رقم 1600 و 1601 ، تاریخ بغداد : 12 / 480 رقم 6953 ، کتاب الضعفاء والمتروکین لابن الجوزی : 3 / 23 رقم 2787 و 2789.
4- تذکرة الموضوعات : ص 20 ، اللآلئ المصنوعة : 2 / 378.

أحمد علی حدیثه ، قال ابن عدی (1) : عامّة ما یرویه لا یُتابع علیه. میزان الاعتدال (2 / 354) ، أسنی المطالب (ص 17) ، اللآلئ المصنوعة (1 / 49) (2).

465 - کثیر بن مروان أبو محمد الشامی : کان کذّاباً لیس بشیء ، یکذب فی حدیثه ، لا یحتجُّ به (3). تاریخ بغداد (12 / 482) ، میزان الاعتدال (2 / 356) ، لسان المیزان (4 / 484 و 6 / 433) ، أسنی المطالب (ص 156).

466 - کلثوم بن جوشن القشیری : یروی الملزوقات عن الثقات ، والموضوعات عن الأثبات ، لا یحلّ الاحتجاج به (4). تهذیب التهذیب (8 / 443) ، میزان الاعتدال (2 / 357).

حرف اللام

467 - لاحق بن الحسین أبو عمرو بن عمر المقدسی (5) المتوفّی (384) : قال الإدریسی : کان کذّاباً أفّاکاً یضع الحدیث عن الثقات ، ویُسند المراسیل ، ویحدّث عمّن 0.

ص: 399


1- الکامل فی ضعفاء الرجال : 6 / 63 رقم 1599.
2- میزان الاعتدال : 3 / 406 رقم 6943 ، أسنی المطالب : ص 43 ح 47 ، اللآلئ المصنوعة : 1 / 93 ، العلل ومعرفة الرجال : 3 / 213 رقم 4922 ، کتاب المجروحین : 2 / 221 ، کتاب الضعفاء والمتروکین لابن الجوزی : 3 / 23 رقم 2790.
3- میزان الاعتدال : 3 / 409 رقم 6950 ، لسان المیزان : 4 / 571 رقم 6738 و 7 / 104 رقم 1092 ، أسنی المطالب : ص 315 ح 1010 ، الجرح والتعدیل : 7 / 157.
4- تهذیب التهذیب : 8 / 397 ، میزان الاعتدال : 3 / 413 رقم 6968 ، کتاب المجروحین : 2 / 230 ، کتاب الضعفاء والمتروکین لابن الجوزی : 3 / 25 رقم 2799.
5- ترجمه الخطیب فی تاریخ بغداد باسم : محمد بن الحسین بن عمران ، أبو عمر البغدادی ، وقال : هو الذی یسمی نفسه لاحقاً. ثم ترجمه فی الجزء 14 ص 99 باسم : لاحق ، وأوصل نسبه إلی سعید بن المسیب ، وأضاف بأنه یُعرف بالمقدسی. کذا فعل المؤلف رحمه الله أیضاً إذ کرّره فی الرقم (516) وأشار إلی ذلک ، ثم عاد وکرّره ثالثة فی الرقم (518) مستقیاً ترجمته من نفس مصدر هذه الترجمة. راجع کتاب الضعفاء والمتروکین لابن الجوزی : 3 / 28 رقم 2810.

لم یسمع منهم ، ووضع نسخاً لأُناس لا تعرف أسامیهم فی جملة رواة الحدیث ، مثل : طرغال ، وطربال ، وکرکدن ، وشعبوب. ومثل هذا شیء غیر قلیل ، ولا نعلم وما رأینا فی عصرنا مثله فی الکذب والوقاحة مع قلّة الدرایة ، وکتب لی بخطّه زیادة علی خمسین جزءاً من حدیثه ، وکانت کتابتی عنه لأعلم ما وضعه وما یسند من المراسیل والمقطوعات ، ومع ذلک فقد رأیناه حدّث بعد أن فارقناه بأحادیث أنشأها بعد أن خرج من سمرقند. تاریخ بغداد (2 / 244 ، 14 / 100) ، کشف الخفاء (1 / 235) ، اللآلئ المصنوعة (1) (1 / 59 ، 2 / 160).

حرف المیم

468 - مأمون بن أحمد السلمی الهروی : دجّال ، یضع الحدیث ، أتی بطامّات وفضائح (2). میزان الاعتدال (3 / 4) ، تذکرة الموضوعات (ص 87 ، 111) ، اللآلئ المصنوعة (2 / 80).

469 - مبارک بن فاخر أبو الکرم الدبّاس : من کبار أئمّة اللغة والأدب توفّی (500) له مصنفات ، رماه ابن ناصر بالکذب والتزویر فی الروایة ، وکان یدّعی سماع ما لم یسمعه (3). المنتظم (9 / 154) ، شذرات الذهب (3 / 412).

470 - مبشّر بن عبید الحمصی : کذّاب ، کان یضع الحدیث (4). سنن البیهقی (7 / 240) ، ه.

ص: 400


1- اللآلئ المصنوعة : 1 / 113 و 2 / 297.
2- میزان الاعتدال : 3 / 429 رقم 7036 ، تذکرة الموضوعات : ص 61 و 66 ، اللآلئ المصنوعة : 2 / 145 ، کتاب المجروحین : 3 / 45.
3- المنتظم : 17 / 106 رقم 3771 ، شذرات الذهب : 5 / 427 حوادث سنة 500 ه.
4- زاد المعاد : 1 / 120 ، میزان الاعتدال : 3 / 433 رقم 7052 ، اللآلئ المصنوعة : 1 / 160 و 2 / 133 و 165 ، العلل ومعرفة الرجال : 2 / 369 و 380 رقم 2639 و 2696 ، ویأتی فی : میسرة بن عبید فی الرقم 630 فراجع تعلیقنا علیه.

زاد المعاد (1 / 123) ، میزان الاعتدال (3 / 6) ، اللآلئ المصنوعة (1 / 83 ، 2 / 74 ، 91).

471 - مجاشع بن عمرو : کان یکذب ؛ قال ابن معین : رأیته أحد الکذّابین (1). تاریخ بغداد (12 / 50) ، میزان الاعتدال (3 / 7) ، أسنی المطالب (ص 36 ، 58) ، اللآلئ المصنوعة (1 / 127 ، 2 / 227).

472 - مجاعة بن ثابت الخراسانی - نزیل بغداد - : کذّاب ، لیس بشیء. تاریخ بغداد (13 / 262).

473 - محمد بن أبان الرازی : دجّال ، کذّاب ، کان یفتعل الحدیث ، وکان لا یحسن أن یفتعل. لسان المیزان (2) (5 / 33).

474 - محمد بن إبراهیم السعدی الفریانی : کان یضع الحدیث. میزان الاعتدال (3) (3 / 13).

475 - محمد بن إبراهیم الشامی أبو عبد الله الزاهد : کذّاب ، وضّاع ، یعتاد أن یضع الحدیث ، عامّة أحادیثه غیر محفوظة ، لا تحلُّ الروایة عنه إلاّ عند الاعتبار ، وکان من الزهّاد (4). میزان الاعتدال (3 / 11) ، تذکرة الموضوعات (ص 36 ، 71 ، 104 ، 105) ، تهذیب التهذیب (9 / 14) ، اللآلئ المصنوعة (2 / 92 ، 100). 5.

ص: 401


1- میزان الاعتدال : 3 / 436 رقم 7066 ، أسنی المطالب : ص 75 و 114 ح 161 و 298 ، اللآلئ المصنوعة : 1 / 245 و 2 / 426.
2- لسان المیزان : 5 / 40 رقم 6900 ، الجرح والتعدیل : 7 / 200.
3- میزان الاعتدال : 3 / 448 رقم 7113 وفیه : الفریابی وفی بعض النسخ ولسان المیزان : 5 / 30 رقم 6871 : الفاریابی.
4- میزان الاعتدال : 3 / 445 رقم 7102 ، تذکرة الموضوعات : ص 26 و 47 و 50 و 75 ، تهذیب التهذیب : 9 / 13 ، اللآلئ المصنوعة : 2 / 168 و 183 ، کتاب المجروحین : 2 / 301 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 6 / 271 رقم 1755.

476 - محمد بن إبراهیم الطیالسی : عمّر إلی سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة ، بئس الرجل ، دجّال یضع الحدیث ، لا یشکّ أنّه یسرق الحدیث. لسان المیزان (1) (4 / 22).

477 - محمد بن أبی نوح أبو عبد الله مولی خزاعة : کذّاب ، متروک ، یروی أحادیث منکرة (2). تاریخ بغداد (2 / 311).

478 - محمد بن أحمد بن إبراهیم بن المحبّر الکتبی المتوفّی (778) : کان مزوّراً کذّاباً. لسان المیزان (3) (5 / 39).

479 - محمد بن أحمد أبو الطیّب الرسعنی : کذّاب ، یضع الحدیث ، قال أبو عروبة : لم أرَ فی الکذّابین أصفق وجهاً منه (4). میزان الاعتدال (3 / 16) ، لسان المیزان (5 / 40).

480 - محمد بن أحمد بن إسماعیل أبو بکر القزوینی : قال ابن النجّار : رأیتُ جماعة یرمونه بالکذب ویذمّونه ، بلغنا أنّه توفّی سنة (614). لسان المیزان (5) (5 / 59).

481 - محمد بن أحمد بن حامد قاضی حلب المتوفّی (482) : کذّبه عبد الوهّاب الأنماطی (6). المنتظم (9 / 52) ، لسان المیزان (5 / 61).

482 - محمد بن أحمد بن حسین الأهوازی : کذّاب. میزان الاعتدال (7) (3 / 15). 7.

ص: 402


1- لسان المیزان : 5 / 28 رقم 6780.
2- کتاب المجروحین : 2 / 305 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 6 / 290 رقم 1775 ، کتاب الضعفاء والمتروکین لابن الجوزی : 3 / 75 رقم 3069.
3- لسان المیزان : 5 / 47 رقم 6921.
4- میزان الاعتدال : 3 / 458 رقم 7147 ، لسان المیزان : 5 / 48 رقم 6923 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 6 / 297 رقم 1786 ، مختصر تاریخ دمشق : 21 / 268.
5- لسان المیزان : 5 / 68 رقم 6981.
6- المنتظم : 16 / 288 رقم 3605 ، لسان المیزان : 5 / 70 رقم 6987.
7- میزان الاعتدال : 3 / 455 رقم 7136 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 6 / 299 رقم 1787.

483 - محمد بن أحمد بن حمدان العنبری أبو حزام : کان یضع الحدیث. لسان المیزان (1) (5 / 54).

484 - محمد بن أحمد بن سهیل - سهل - أبو الحسن الباهلی : کان ممّن یضع الحدیث إسناداً ومتناً ، ویسرق من حدیث الضعاف ویلزقها علی قوم ثقات (2). میزان الاعتدال (3 / 15) ، لسان المیزان (5 / 34) ، اللآلئ المصنوعة (2 / 40).

485 - محمد بن أحمد بن عبد الله العامری المصری المتوفّی (343) : کان یکذب ، له نسخة موضوعة. میزان الاعتدال (3) (3 / 17 ، 19) (4).

486 - محمد بن أحمد بن محروم أبو الحسین المصری المتوفّی (330) : کان یکذب. لسان المیزان (5) (5 / 55).

487 - محمد بن أحمد النحّاس العطّار : شیخ متأخّر ، کذّاب. میزان الاعتدال (6) (3 / 19).

488 - محمد بن أحمد بن هارون أبو بکر الزیوندی (7) الشافعی المتوفّی (355) : شیخ لأبی عبد الله الحاکم ، متّهم بالوضع ، قال الحاکم : عرض علیّ من حدیثه المناکیر ی.

ص: 403


1- لسان المیزان : 5 / 63 رقم 6968.
2- میزان الاعتدال : 3 / 455 رقم 7135 ، لسان المیزان : 5 / 42 رقم 6704 ، اللآلئ المصنوعة : 2 / 76 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 6 / 303 رقم 1792.
3- میزان الاعتدال : 3 / 458 و 464 رقم 7149 و 7175.
4- ذکر الذهبی ترجمتین ، إحداهما باسم العامری محمد بن أحمد بن عبد الله بن هاشم ، والأخری مثله ، غیر أنّ فیها عبد الجبّار مکان هاشم ، أحسب اتّحادهما. (المؤلف)
5- لسان المیزان : 5 / 64 رقم 6970.
6- میزان الاعتدال : 3 / 464 رقم 7177.
7- فی میزان الاعتدال : ص 459 رقم 7154 ، ولسان المیزان ، والأنساب : 3 / 117 : الرّیْوَندی.

الکثیرة ، وروایته عن قوم لا یُعرفون ، مثل : أبی الملوک (1) ، والحجازی : وأحمد بن عمر الزنجانی ، فدخلت یوماً علی أبی محمد عبد الله بن أحمد الثقفی المزکی فعرض علیّ حدیثاً بإسناد مظلم عن الحجّاج بن یوسف ، قال : سمعت ابن جندب رفعه : من أراد الله به خیراً یفقّهه فی الدین. فقلتُ : هذا باطل ، وإنّما تقرّب به إلیک أبو بکر الشافعی لأنّک من ولد الحجّاج ؛ قال : ثمّ اجتمع بی فقال : جئت لأعرض علیک حدیثی. فقلت : دع أوّلاً أبا الملوک ، وأحمد بن عمر ، فعندی أنّ الله لم یخلقهما بعد. فقال : الله الله فیَّ فإنّهما رأس المال. فقلتُ : أخرج إلیّ أصلک ، ففارقنی علی هذا ، فکأنّی قلتُ له : زد فیما ابتدأت به فإنّه زاد علیه. لسان المیزان (2) (5 / 43).

489 - محمد بن إسحاق أبو بکر المدینی المتوفّی (150) صاحب السیرة الشهیرة : قال هشام بن عروة : کذب الخبیث ، عدوّ الله الکذّاب ، وقال مالک إمام المالکیّة : کذّاب دجّال من الدجاجلة. تاریخ بغداد (1 / 222 ، 223).

490 - محمد بن إسحاق البلخی المتوفّی (244) : کان أحد الحفّاظ ، کذّاب ، یروی أحادیث من ذات نفسه مناکیر ، وکان یضع للکلام إسناداً (3). تاریخ بغداد (10 / 90) ، المنتظم (5 / 148) ، میزان الاعتدال (3 / 24).

491 - محمد بن إسحاق العکاشی : کذّاب ، یضع الحدیث (4). میزان الاعتدال (3 / 25) ، 8.

ص: 404


1- فی لسان المیزان : أبی العلوک ، وفی أنساب السمعانی : أبی العکوک الحجازی.
2- لسان المیزان : 5 / 51 رقم 6931.
3- المنتظم : 11 / 327 رقم 1472 ، میزان الاعتدال : 3 / 475 رقم 7199.
4- میزان الاعتدال : 3 / 476 رقم 7202 ، تذکرة الموضوعات : ص 10 و 20 و 56 ، اللآلئ المصنوعة : 1 / 174 ، الجرح والتعدیل : 7 / 195 ، ویأتی مکرّراً فی : محمد بن محصن الأسدی ، راجع الکامل فی ضعفاء الرجال : 6 / 167 رقم 1653 ، موضح أوهام الجمع والتفریق : 2 / 360 ، کتاب الضعفاء والمتروکین لابن الجوزی : 3 / 86 و 96 رقم 3127 و 3178 ، تهذیب الکمال : 26 / 372 رقم 5583 ، لسان المیزان : 5 / 324 رقم 7768.

تذکرة الموضوعات (ص 13 ، 27 ، 80) ، اللآلئ المصنوعة (1 / 90).

492 - محمد بن إسحاق أبو عبد الله الضبّی - الصینی - المتوفّی (236) : کذّاب ، متروک (1). تاریخ بغداد (1 / 239) ، المنتظم (5 / 148) ، میزان الاعتدال (3 / 25).

493 - محمد بن أسعد الحکیمی أبو المظفر الواعظ - فقیه الحنفیه - نزیل دمشق ، المتوفّی (567) : کان فشلاً فی دینه خلیعاً قلیل المروّة ، ساقطاً کذاباً. الجواهر المضیة (2) (2 / 33).

494 - محمد بن إسماعیل أبو الحسین الرازی المکتب المتوفّی بعد (350) : کذّبه الحافظ أبو القاسم الطبری فی روایته عن موسی بن نصر. تاریخ بغداد (2 / 53) ، المنتظم (3) (7 / 22).

495 - محمد بن إسماعیل الوساوسی البصری : کان یضع الحدیث. لسان المیزان (4) (5 / 77) ، مجمع الزوائد (9 / 82).

496 - محمد بن إسماعیل العوّام : کان یکذب ویزوّر السماع. لسان المیزان (5) (5 / 79).

497 - محمد بن أیّوب الرقّی : کان یضع الحدیث علی مالک (6). لسان المیزان (5 / 88) ، اللآلئ المصنوعة (1 / 448).

498 - محمد بن أیّوب بن سوید الرملی : کان یضع الحدیث ، قد أدخل فی کتب أبیه أشیاء موضوعة ، وقال الحاکم وأبو نعیم : روی عن أبیه أحادیث 7.

ص: 405


1- المنتظم : 11 / 244 رقم 1399 ، میزان الاعتدال : 3 / 477 رقم 7204 ، الجرح والتعدیل : 7 / 196 ، الأنساب : 3 / 578 ، مختصر تاریخ دمشق : 22 / 18 ، وهو فی أغلب المصادر یعرف ب (الصینی)
2- الجواهر المضیّة : 3 / 89 رقم 1231.
3- المنتظم : 14 / 159 رقم 2638.
4- لسان المیزان : 5 / 89 رقم 7037.
5- لسان المیزان : ص 91 رقم 7044.
6- لسان المیزان : ص 100 رقم 7073 ، اللآلئ المصنوعة : 1 / 449 ، کتاب المجروحین : 2 / 297.

موضوعة (1). لسان المیزان (5 / 87) ، اللآلئ المصنوعة (1 / 170).

499 - محمد بن تمیم الفاریابی : کذّاب خبیث وضّاع ، کان یضع الحدیث ، وعن الحافظ السری : وضع محمد بن تمیم ، وأحمد الجویباری ، ومحمد بن عکاشة أکثر من عشرة آلاف حدیث (2). تاریخ بغداد (7 / 343) ، میزان الاعتدال (3 / 33) ، لسان المیزان (5 / 98 ، 288) ، اللآلئ المصنوعة (1 / 201 ، 2 / 49 ، 85).

500 - محمد بن حاتم المروزی أبو عبد الله السمین المتوفّی (236) : قال یحیی بن معین (3) : کذّاب ، وکذّب حدیثه علیّ المدینی. تاریخ بغداد (2 / 267 ، 4 / 113).

501 - محمد بن حاتم الکشّی : کذّاب (4). میزان الاعتدال (3 / 37) ، اللآلئ المصنوعة (2 / 76).

502 - محمد بن الحجّاج الواسطی اللخمی أبو إبراهیم ، نزیل بغداد : المتوفّی (181) : کذّاب خبیث ، وضّاع ، ذاهب الحدیث (5). تاریخ بغداد (2 / 279) ، لسان المیزان (5 / 116) ، اللآلئ المصنوعة (1 / 184).

503 - محمد بن حسّان الکوفی الخزّاز : قال أبو حاتم (6) : کان کذّاباً. لسان المیزان (7) (5 / 121). 4.

ص: 406


1- لسان المیزان : 5 / 99 رقم 7072 ، اللآلئ المصنوعة : 1 / 170.
2- میزان الاعتدال : 3 / 494 رقم 7290 ، لسان المیزان : 5 / 112 و 326 رقم 7116 و 7768 ، اللآلئ المصنوعة : 1 / 201 و 2 / 92 و 154 ، کتاب المجروحین : 2 / 306.
3- معرفة الرجال : 1 / 93 رقم 363.
4- میزان الاعتدال : 3 / 503 رقم 7331 ، اللآلئ المصنوعة : 2 / 136.
5- لسان المیزان : 5 / 132 رقم 7175 ، اللآلئ المصنوعة : 1 / 184 ، الجرح والتعدیل : 7 / 234 ، کتاب المجروحین : 2 / 295.
6- الجرح والتعدیل : 7 / 238.
7- لسان المیزان : 5 / 137 رقم 7194.

504 - محمد بن حسّان الأموی : کذّاب. میزان الاعتدال (1) (3 / 41).

505 - محمد بن حسّان السمتی : قال یحیی بن معین : کذّاب ، رجل سوء ، رأیته بمکّة فی المسجد الحرام ، کان کذّاباً. تاریخ بغداد (2 / 275).

506 - محمد بن الحسن بن أبی یزید الهمدانی الکوفی : کذّاب متروک ، کان یکذب (2). الجرح والتعدیل (3 / 225) ، میزان الاعتدال (3 / 42) ، أسنی المطالب (ص 71 ، 220) ، مجمع الزوائد (1 / 128) ، اللآلئ المصنوعة (2 / 157) ، کشف الخفاء (1 / 215).

507 - محمد بن الحسن الشیبانی صاحب أبی حنیفة المتوفّی (189) : قال یحیی بن معین (3) : کذّاب ، ونحوه قال فیه أحمد بن حنبل. تاریخ بغداد (2 / 181).

508 - محمد بن الحسن بن زبالة المخزومی أبو الحسن المدنی توفّی قبل المائتین : کذّاب متروک ، واهی الحدیث ، نُسب إلی وضع الحدیث (4). میزان الاعتدال (3 / 42) ، مجمع الزوائد (1 / 306) ، اللآلئ المصنوعة (2 / 71). شرح المواهب للزرقانی (8 / 293).

509 - محمد بن الحسن الأهوازی : جراب الکذب ، کان کذّاباً ، یسرق الأحادیث ویرکّبها ویضعها علی الشیوخ ، توفّی (418) (5). المنتظم (8 / 93) ، میزان 5.

ص: 407


1- میزان الاعتدال : 3 / 512 رقم 7371.
2- الجرح والتعدیل : 7 / 225 ، میزان الاعتدال : 3 / 514 رقم 7382 ، أسنی المطالب : ص 135 و 484 ح 382 و 1441 ، اللآلئ المصنوعة : 2 / 293 ، کتاب الضعفاء والمتروکین للنسائی : ص 219 رقم 564.
3- التاریخ : 4 / 364 رقم 1770.
4- میزان الاعتدال : 3 / 514 رقم 7380 ، اللآلئ المصنوعة : 2 / 127 ، کتاب الضعفاء والمتروکین للنسائی : ص 218 رقم 561 ، الجرح والتعدیل : 7 / 228.
5- المنتظم : 15 / 259 رقم 3206 وفیه وفی البدایة والنهایة : 12 / 51 ، وتاریخ بغداد : 2 / 219 : أنه توفّی سنة (428) ، میزان الاعتدال : 3 / 516 رقم 7388 ، لسان المیزان : 5 / 141 رقم 7205.

الاعتدال (3 / 43) ، لسان المیزان (5 / 125) ، البدایة والنهایة (12 / 41).

510 - محمد بن الحسن : قال الذهبی : لعلّه النقّاش صاحب التفسیر ، فإنه کذّاب ، أو آخر من الدجاجلة. میزان الاعتدال (1) (3 / 43).

511 - محمد بن الحسن أبو بکر الدعّاء الأصمّ القطائعی المتوفّی (320) : یروی الموضوعات عن الثقات. تاریخ بغداد (2 / 194). والغالب علی ظنّ الذهبی (2) أنّه واضع کتاب الحَیدة ، وقد انفرد بروایته.

512 - محمد بن الحسن - أبی الحسن - بن کوثر أبو بحر البربهاری : المتوفّی (362) : کان کذّاباً (3). المنتظم (7 / 64) ، لسان المیزان (5 / 131).

513 - محمد بن الحسن - الحسین - أبو عبد الرحمن السلمی النیسابوری : وضّاع ، کان یضع الأحادیث للصوفیّة ، ألّف کتباً تبلغ مائة کتاب (4). میزان الاعتدال (3 / 46) ، تاریخ بغداد (2 / 248) ، المنتظم (8 / 6) ، شذرات الذهب (3 / 196).

514 - محمد بن الحسین بن إبراهیم أبو بکر الورّاق - یُعرف بابن الخفّاف - توفّی (418) : قال الخطیب فی تاریخه (2 / 250) : لا أشکّ أنّه کان یرکّب الأحادیث ویضعها علی من یرویها عنه ، ویختلق أسماء وأنساباً عجیبة لقوم حدّث عنهم ، عندی عنه من ن.

ص: 408


1- میزان الاعتدال : 3 / 516 رقم 7390.
2- میزان الاعتدال : ص 517 رقم 7395.
3- المنتظم : 14 / 219 رقم 2710 ، لسان المیزان : 5 / 148 رقم 7225 ، تاریخ بغداد : 2 / 209 الأنساب : 1 / 307 ، الوافی بالوفیات : 2 / 338 رقم 790 ، البدایة والنهایة : 11 / 311 وهو فی جمیع المصادر : محمد بن الحسن بن کوثر ، وذکره ابن الجوزی فی المنتظم باسم : محمد بن أبی الحسن بن کوثر.
4- میزان الاعتدال : 3 / 523 رقم 7419 ، المنتظم : 15 / 150 رقم 3105 ، شذرات الذهب : 5 / 67 حوادث سنة 412 ه ، الأنساب : 3 / 279 ، سیر أعلام النبلاء : 17 / 247 وفیها جمیعاً : محمد بن الحسین بن محمد بن موسی الأزدی السُّلَمی ، ولم نعثر علی من ترجم له باسم محمد بن الحسن.

تلک الأباطیل أشیاء ، وکنت عرضت بعضها علی هبة الله بن الحسن الطبری فخرق کتابی بها ، وجعل یعجب کیف أسمع منه. قال لی ابن الخفّاف : احترق مرّة سوق باب الطاق فاحترق من کتبی ألف وثمانون منّا کلّها سماعی. وذکره (1) : ابن الجوزی فی المنتظم (8 / 34) ، والذهبی فی المیزان ، وابن کثیر فی تاریخه (12 / 23).

515 - محمد بن الحسین الشاشی : شُویخ کذّاب. میزان الاعتدال (2) (3 / 47)

516 - محمد بن الحسین المقدسی : کان یضع الحدیث. میزان الاعتدال (3) (3 / 47) ، سمّی نفسه لاحقاً وقد مرّ.

517 - محمد بن الحسین أبو بکر القطّان البلخی المتوفّی (306) : کذّبه ابن ناجیة. البدایة والنهایة (4) (11 / 130).

518 - محمد بن الحسین بن عمران أبو عمر (5) : کان یضع الحدیث. تاریخ بغداد (2 / 245).

519 - محمد بن حمید أبو عبد الله الرازی المتوفّی (248) : أحد الحفّاظ ، من أوعیة العلم ، کذّاب یسرق الحدیث ویرکّب الأسانید علی المتون ، کان یأخذ الأحادیث فیقلّب بعضها بعضاً ، وکانت أحادیثه تزید کلّ یوم. قال الأسدی : ما رأیت أحداً أحذق بالکذب من رجلین : سلیمان بن الشاذکونی ، ومحمد بن حمید الرازی. وقال الجزری : ما رأیت أجرأ علی الله منه. وقال فضلک الرازی : عندی عن ابن حمید 6.

ص: 409


1- المنتظم : 15 / 187 رقم 3152 ، میزان الاعتدال : 3 / 524 رقم 7422 ، البدایة والنهایة : 12 / 29 حوادث سنة 418 ه.
2- میزان الاعتدال : 3 / 524 رقم 7425.
3- میزان الاعتدال : ص 525 رقم 7428. وراجع تعلیقتنا فی الرقم 467.
4- البدایة والنهایة : 11 / 148 حوادث سنة 306 ه.
5- هو نفسه المذکور فی الرقم 467 و 516.

خمسون ألف حدیث ولا أُحدّث عنه بحرف (1). تاریخ بغداد (2 / 262) ، میزان الاعتدال (3 / 49) ، شذرات الذهب (2 / 118) ، اللآلئ المصنوعة (1 / 359 ، 2 / 16).

520 - محمد بن خالد الواسطی الطحّان : کان رجل سوء ، کذّاب. میزان الاعتدال (2) (3 / 51).

521 - محمد بن خلید الحنفی الکرمانی : کان یقلّب الأخبار ویسند الموقوف. تذکرة الموضوعات (3) (ص 8).

522 - محمد بن خلیل الذهلی : کان یضع الحدیث (4). تذکرة الموضوعات (ص 13) ، میزان الاعتدال (3 / 54).

523 - محمد بن داب المدینی : کذّاب (5). میزان الاعتدال (3 / 54).

524 - محمد بن داود بن دینار الفارسی : کان یکذب ویضع (6). میزان الاعتدال (3 / 54) ، لسان المیزان (4 / 106 ، 5 / 161) ، اللآلئ المصنوعة (1 / 103 ، 2 / 99).

525 - محمد بن رزام : کذّاب. طبقات الحفّاظ (7) (4 / 35). 8.

ص: 410


1- میزان الاعتدال : 3 / 530 رقم 7453 ، شذرات الذهب : 3 / 223 حوادث سنة 248 ه ، اللآلئ المصنوعة : 1 / 359 و 2 / 30.
2- میزان الاعتدال : 3 / 533 رقم 7467 ، الجرح والتعدیل : 7 / 234 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 6 / 272 رقم 1757.
3- تذکرة الموضوعات : ص 6 ، کتاب المجروحین : 2 / 302.
4- تذکرة الموضوعات : ص 10 ، میزان الاعتدال : 3 / 539 رقم 7496 ، کتاب المجروحین : 2 / 296.
5- میزان الاعتدال : 3 / 540 رقم 7498 ، الجرح والتعدیل : 7 / 250.
6- میزان الاعتدال : 3 / 540 رقم 7499 ، لسان المیزان : 4 / 123 رقم 5415 و 5 / 181 رقم 7328 ، اللآلئ المصنوعة : 1 / 199 و 2 / 182.
7- تذکرة الحفّاظ : 4 / 1239 رقم 1051 ، وانظر : لسان المیزان : 5 / 185 رقم 7342 ، میزان الاعتدال : 3 / 545 رقم 7518.

526 - محمد بن زکریّا الخصیب : کان یضع الحدیث (1). میزان الاعتدال (3 / 58) ، اللآلئ المصنوعة (1 / 51 ، 121).

527 - محمد بن زیاد الجزری الحنفی (2) : کان یضع الحدیث (3). تذکرة الموضوعات (ص 3 ، 27 ، 66).

528 - محمد بن زیاد الیشکری : کذّاب یضع الحدیث ، خبیث أعور. تاریخ بغداد (5 / 279 - 280) قال یحیی بن معین : کان ببغداد قوم یضعون الحدیث کذّابین ، منهم محمد بن زیاد کان یضع الحدیث. وهو مترجم بالکذب فی أسنی المطالب (4) (ص 17) ، میزان الاعتدال (3 / 60).

529 - محمد بن زیادة الطحّان : کان یضع الحدیث ، حدیثه کذب (5). زاد المعاد لابن القیّم (1 / 201).

530 - محمد بن سعید المعروف بالمصلوب الشامی : کذّاب عمداً ، کان یضع الحدیث ، عدّه النسائی من الکذّابین الأربعة المعروفین بوضع الحدیث علی رسول الله. 2.

ص: 411


1- میزان الاعتدال : 3 / 549 رقم 7534 وفیه کما فی لسان المیزان : 5 / 189 رقم 7355 أنّ لقبه : الخطیب ، اللآلئ المصنوعة : 1 / 98 ، 234.
2- الظاهر أنّ المترجَم واللذین یلیانه فی الرقم (528 و 529) شخص واحد ، فقد ترجمت له عدة من المصادر منها : کتاب المجروحین : 2 / 250 باسم : محمد بن زیاد الجزری الیشکری الحنفی ، والکامل فی ضعفاء الرجال : 6 / 129 رقم 1632 ، وتاریخ بغداد ، ومیزان الاعتدال باسم : محمد بن زیاد الیشکری الطحان ، وزاد ابن الجوزی فی کتاب الضعفاء والمتروکین : 3 / 60 رقم 2991 : الجزری المیمونی ، والمزّی فی تهذیب الکمال : 25 / 222 رقم 5224 : الکوفی.
3- تذکرة الموضوعات : ص 3 و 20 و 47 ، کتاب الضعفاء والمتروکین للنسائی : ص 222 رقم 574 ، الجرح والتعدیل : 7 / 258.
4- أسنی المطالب : ص 41 ح 42 ، میزان الاعتدال : 3 / 552 رقم 7547.
5- زاد المعاد : 1 / 142.

قال عبد الله بن أحمد بن سوادة : قلّبوا اسمه علی مائة اسم وزیادة قد جمعتها فی کتاب. تاریخ بغداد (13 / 168) ، میزان الاعتدال (1) (3 / 64).

531 - محمد بن سعید الأزرق : کذّاب ، یضع الحدیث. میزان الاعتدال (2) (3 / 65) ، اللآلئ المصنوعة (1 / 263).

532 - محمد بن سعید المروزی البورقی المتوفّی (318) : أحد الوضّاعین ، کذّاب حدّث بغیر حدیث وضعه ، قال الخطیب : قد وضع من المناکیر علی الثقات مالا یحصی ، وأفحشها روایته عن بعض مشایخه ... إلخ (3). تاریخ بغداد (5 / 309) ، اللآلئ المصنوعة (4) (1 / 238 ، 2 / 85).

533 - محمد بن سلیم البغدادی : کان یکذب فی الحدیث. میزان الاعتدال (5) (3 / 69).

534 - محمد بن سلیمان بن أبی فاطمة : کذّاب ، یضع الحدیث. میزان الاعتدال (6) (3 / 69).

535 - محمد بن سلیمان بن دبیر : کان یضع علی الثقات ، وقال ابن حبّان (7) : کان 4.

ص: 412


1- میزان الاعتدال : 3 / 561 رقم 7592 ، کتاب المجروحین : 2 / 247 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 6 / 139 رقم 1641.
2- میزان الاعتدال : 3 / 565 رقم 7603 ، اللآلئ المصنوعة : 1 / 263 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 6 / 294 رقم 1781.
3- حدیث وضعه فی مدح أبی حنیفة وذمّ الشافعی. (المؤلف)
4- اللآلئ المصنوعة : 1 / 457 و 2 / 153.
5- میزان الاعتدال : 3 / 574 رقم 7645.
6- میزان الاعتدال : ص 573 رقم 7635.
7- کتاب المجروحین : 2 / 314.

یسرق الحدیث ویضع (1). میزان الاعتدال (3 / 69) ، لسان المیزان (5 / 188).

536 - محمد بن سلیمان بن زبان : شیخ کان بالبصرة ، قیل : کان یضع الحدیث. میزان الاعتدال (2) (3 / 69).

537 - محمد بن سلیمان بن هشام أبو جعفر الخزّاز المعروف بابن بنت مطر الورّاق توفّی (265) : ضعّفوه بمرّة ، قال ابن حبّان (3) : لا یجوز الاحتجاج به بحال ، وقال ابن عدی (4) : یوصل الحدیث ویسرق ؛ وعدّ الذهبی له أکاذیب فی میزانه (5) (3 / 68) ، ورأی الخطیب فی تاریخه (5 / 297) وابن الجوزی والذهبی الحمل فی بعض الموضوعات علیه.

538 - محمد بن سنان القزّاز البصری ، نزیل بغداد : کذّبه أبو داود وغیره. شذرات الذهب (6) (2 / 161) ، مجمع الزوائد (2 / 139).

539 - محمد بن سهل أبو عبد الله العطّار : کان یضع الحدیث (7). تاریخ بغداد (5 / 315) ، میزان الاعتدال (3 / 71) ، اللآلئ المصنوعة (2 / 99).

540 - محمد بن شجاع أبو عبد الله بن الثلجی الحنفی المتوفّی (266) : فقیه العراق فی وقته ، کان کذّاباً ، یضع الحدیث فی التشبیه ، احتال فی إبطال الحدیث عن رسول الله وردِّه نصرة لأبی حنیفة ورأیه (8). تاریخ بغداد (5 / 351) ، المنتظم (5 / 58) ، میزان 6.

ص: 413


1- میزان الاعتدال : 3 / 572 رقم 7632 ، لسان المیزان : 5 / 212 رقم 7435.
2- میزان الاعتدال : 3 / 573 رقم 7637.
3- کتاب المجروحین : 2 / 304.
4- الکامل فی ضعفاء الرجال : 6 / 275 رقم 1760.
5- میزان الاعتدال : 3 / 570 رقم 7624.
6- شذرات الذهب : 3 / 303 حوادث سنة 271 ه ، الجرح والتعدیل : 7 / 279.
7- میزان الاعتدال : 3 / 576 رقم 7653 ، اللآلئ المصنوعة : 2 / 181.
8- المنتظم : 12 / 209 رقم 1724 ، میزان الاعتدال : 3 / 577 رقم 7664 ، شذرات الذهب : 3 / 285 حوادث سنة 266 ه ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 6 / 291 رقم 1776.

الاعتدال (3 / 71) ، شذرات الذهب (2 / 151) ، اللآلئ المصنوعة (1 / 3).

541 - محمد بن الضو بن الصلصال أبو جعفر الکوفی : کذّاب ، شارب الخمر. تاریخ بغداد (5 / 375).

542 - محمد بن عبد بن عامر السمرقندی المتوفّی حدود الثلاثمائة : کذّاب ، معروف بوضع الحدیث ، روی أحادیث باطلة ، وکان یسرق الأحادیث فیحدّث بها ، ویتابع الضعفاء والکذّابین فی روایاتهم عن الثقات الأباطیل ، قد اشتهر کذبه (1). تاریخ بغداد (2 / 388) ، میزان الاعتدال (3 / 96) ، لسان المیزان (5 / 272) ، اللآلئ المصنوعة (1 / 3 ، 121).

543 - محمد بن عبدة القاضی البصری المتوفّی (313) : کذّاب ، متروک ، لا شیء ، کان آفة. میزان الاعتدال (2) (3 / 96).

544 - محمد بن عبد الرحمن بن بجیر المتوفّی (292) : کذّاب ، متروک الحدیث ، یروی عن الثقات المناکیر وعن مالک البواطیل (3). میزان الاعتدال (3 / 90) ، لسان المیزان (5 / 246).

545 - محمد بن عبد الرحمن البیلمانی : حدّث عن أبیه بنسخة شبیهاً بمائتی حدیث کلّها موضوعة (4). میزان الاعتدال (3 / 89) ، اللآلئ المصنوعة (1 / 239) ، کشف الخفاء (2 / 71). 4.

ص: 414


1- میزان الاعتدال : 3 / 633 رقم 7900 ، لسان المیزان : 5 / 307 رقم 7716 ، اللآلئ المصنوعة : 1 / 4 ، 234.
2- میزان الاعتدال : 3 / 634 رقم 7902 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 6 / 301 رقم 1790.
3- میزان الاعتدال : 3 / 621 رقم 7840 وفیه : ابن بَحیر ، لسان المیزان : 5 / 278 رقم 7637 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 6 / 288 رقم 1773 وفیهما : أنّ جدّه مجیر ، وأما فی کتاب الضعفاء والمتروکین لابن الجوزی : 3 / 75 رقم 3064 ففیه : أن جدّه بجیر.
4- میزان الاعتدال : 3 / 617 رقم 7827 ، اللآلئ المصنوعة : 1 / 460 ، کتاب المجروحین : 2 / 264.

546 - محمد بن عبد الرحمن أبو جابر البیاضی المدنی : کذّاب ، متروک الحدیث (1). الجرح والتعدیل (3 / 325) ، میزان الاعتدال (3 / 89).

547 - محمد بن عبد الرحمن القشیری : کذّاب ، متروک الحدیث ، کان یکذب ویفتعل الحدیث (2). الجرح والتعدیل (3 / 325). میزان الاعتدال (3 / 92).

548 - محمد بن عبد الرحمن بن غزوان الشهیر بابن قراد : کذّاب ، کان یضع الحدیث ، له عن ثقات الناس بواطیل ، حدّث بوقاحة عن مالک وشریک وضمان بن إسماعیل ببلایا (3). تاریخ بغداد (2 / 311) ، میزان الاعتدال (3 / 93) ، تذکرة الموضوعات (ص 40) ، لسان المیزان (5 / 253).

549 - محمد بن عبد العزیز الجارودی العبادانی : حافظ ، کان یکذب. میزان الاعتدال (4) (3 / 94).

550 - محمد بن عبد القادر أبو الحسین بن السمّاک الواعظ المتوفّی (502) : کذّاب لا تحلّ الروایة عنه (5). المنتظم (9 / 161) ، میزان الاعتدال (2 / 94) ، لسان المیزان (5 / 263).

551 - محمد بن عبد الله بن أبی سبرة أبو بکر المدنی المتوفّی (162) : کذّاب ، وضّاع ، لیس بشیء ، کان یضع الحدیث ویکذب ویفتی فی مدینة الرسول ، وکان عنده 9.

ص: 415


1- الجرح والتعدیل : 7 / 325 ، میزان الاعتدال : 3 / 617 رقم 7826. ویأتی فی الکنی مکرّراً فی الرقم 690.
2- الجرح والتعدیل : 7 / 325 ، میزان الاعتدال : 3 / 623 رقم 7849.
3- میزان الاعتدال : 3 / 625 رقم 7857 ، تذکرة الموضوعات : ص 29 ، لسان المیزان : 5 / 287 رقم 7657 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 6 / 290 رقم 1775.
4- میزان الاعتدال : 3 / 629 رقم 7880.
5- المنتظم : 17 / 114 رقم 3783 ، میزان الاعتدال : 3 / 630 رقم 7882 ، لسان المیزان : 5 / 298 رقم 7689.

سبعون ألف حدیث فی الحلال والحرام (1). تاریخ بغداد (14 / 370) ، تهذیب التهذیب (12 / 27) ، میزان الاعتدال (3 / 80).

552 - محمد بن عبد الله بن إبراهیم بن ثابت أبو بکر الأشنانی : کذّاب دجّال ، یضع الحدیث ، وکان یضع ما لا یحسنه ، غیر أنه - والله أعلم - أخذ أسانید صحیحة من بعض الصحف فرکّب علیها هذه البلایا. تاریخ بغداد (5 / 441 ، 442) ، اللآلئ المصنوعة (2) (1 / 273).

553 - محمد بن عبد الله بن زیاد أبو سلمة : کذّاب. تذکرة الموضوعات (3) (ص 43 ، 95).

554 - محمد بن عبد الله بن علاثة الحرّانی القاضی المتوفّی (168) : کان یضع عن الثقات ، ویأتی بالمعضلات ، لا تحلُّ الروایة عنه ، قاله ابن حبّان (4). تذکرة الموضوعات (5) (ص 54).

555 - محمد بن عبد الله بن المطلب أبو الفضل الشیبانی الکوفی المتوفّی (387) : وضّاع دجّال کذّاب ، کان یضع الأحادیث للرّافضة (6). تاریخ بغداد (5 / 467) ، لسان المیزان (5 / 231) ، اللآلئ المصنوعة (2 / 75) ، وفی (ص 147) : کذّاب وضّاع نقلاً عنل.

ص: 416


1- تهذیب التهذیب : 12 / 31 ، میزان الاعتدال : 3 / 596 رقم 7751 ، العلل ومعرفة الرجال : 3 / 51 رقم 4119 ، الجرح والتعدیل : 7 / 298 و 306 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 7 / 295 رقم 2200.
2- اللآلئ المصنوعة : 1 / 272.
3- تذکرة الموضوعات : ص 31 ، 67.
4- کتاب المجروحین : 2 / 279.
5- تذکرة الموضوعات : ص 38.
6- لسان المیزان : 5 / 261 رقم 7596 ، اللآلئ المصنوعة : 2 / 135. وفی : تاریخ بغداد ، موضح أوهام الجمع والتفریق : 2 / 394 ، میزان الاعتدال : 3 / 607 رقم 7802 ومصادر أخری : أبو المفضّل.

أبی الغنائم ، ثمّ قال السیوطی : قلت مع أنّه من الموصوفین بالحفظ ، وهذا من أعجب ما یکون والله أعلم.

556 - محمد بن عبید الله بن حبابة البغدادی البزّاز المتوفّی (435) : قال ابن برهان : إنّ هذا الشیخ کذّاب. تاریخ بغداد (2 / 338).

557 - محمد بن عبد الملک أبو عبد الله الضریر الأنصاری المدنی : کذّاب ، کان یضع الحدیث ، قال أحمد : کذّاب حرقنا حدیثه (1). تاریخ بغداد (2 / 340) ، میزان الاعتدال (3 / 95) ، مجمع الزوائد (1 / 124) ، اللآلئ المصنوعة (2 / 98 ، 138 ، 223).

558 - محمد بن عبد الواحد أبو عمر الزاهد - غلام ثعلب - المتوفّی (345) : قال الخطیب : کان لو طار طائر لقال : حدّثنا ثعلب عن ابن الأعرابی ویذکر فی معنی ذلک شیئاً ، فأمّا الحدیث فرأینا جمیع شیوخنا یوثِّقونه فیه ویصدّقونه ، وقال لی رئیس الرؤساء : قد رأیت أشیاء کثیرة ممّا استنکر علی أبی عمر ، ونُسب إلی الکذب فیما یرویه فی کتب أهل العلم ، له کتاب غرائب الحدیث ، صنّفه علی مسند أحمد وجعل یستحسنه جداً ، وکان له جزء قد جمع فیه الأحادیث التی تروی فی فضائل معاویة ، فکان لا یترک أحداً منهم - من الأشراف والکتّاب - یقرأ علیه حتی یبتدئ بقراءة ذلک الجزء.

قال ابن النجّار : کان أبو عمر الزاهد قد جمع جزءاً فی فضل معاویة وأکثره مناکیر وموضوعات. تاریخ بغداد (2 / 357) ، لسان المیزان (2) (5 / 268) ترجمة محمد بن یحیی العنزی ، میزان الاعتدال (ج 3).

قال الأمینی : ما أنصف ابن النجّار فی رأیه المذکور ، بل الصواب ما جاء به 6.

ص: 417


1- میزان الاعتدال : 3 / 631 رقم 7889 ، اللآلئ المصنوعة : 2 / 179 و 256 و 418 ، العلل ومعرفة الرجال : 3 / 212 رقم 4918.
2- لسان المیزان : 5 / 485 رقم 8186.

الفیروزآبادی فی سفر السعادة (1) والعجلونی فی کشف الخفاء (2) من أنّ معاویة لم یصحّ فی فضله حدیث. ومن هذا الجزء یعرف القارئ قیمة قول الخطیب : فأمّا الحدیث فرأینا. إلخ. فکیف یُوثِّق ویصدّق الشیوخ رجلاً یؤلّف جزءاً فی فضل معاویة؟!

559 - محمد بن عثمان بن أبی شیبة المتوفّی (297) : قال عبد الله بن أسامة الکلبی ، وإبراهیم بن إسحاق الصوّاف ، وداود بن یحیی ، وعبد الرحمن بن یوسف بن خراش ، ومحمد بن عبد الله الحضرمی ، وعبد الله بن أحمد بن حنبل ، وجعفر بن محمد بن أبی عثمان الطیالسی ، وعبد الله بن إبراهیم بن قتیبة ، ومحمد بن أحمد العدوی ، وجعفر بن هذیل : إنّ محمد بن عثمان کذّاب یضع الحدیث ، بیّن الأمر یحیل علی أقوام بأشیاء لیست من حدیثهم. تاریخ بغداد (3 / 45 - 47).

560 - محمد بن عثمان بن حسن القاضی النصیبی - نزیل بغداد - أبو الحسن المتوفّی (406) : کذّاب ، روی للشیعة مناکیر ، ووضع لهم أحادیث. قال أبو الفتح المصری : لم أکتب ببغداد عن شیخ أُطلق علیه الکذب غیر أربعة أحدهم النصیبی ، وقال أبو عبد الله الصیمری : کان ضعیفاً فی الروایة ، عدلاً فی الشهادة. تاریخ بغداد (3 / 52). لسان المیزان (3) (5 / 281).

561 - محمد بن عثیم : کذّاب ، متروک ، لا یکتب حدیثه. میزان الاعتدال (4) (3 / 102).

562 - محمد بن عکاشة الکرمانی : کذوب ، کان یضع الحدیث ، ویحدّث بأحادیث 8.

ص: 418


1- سفر السعادة : 2 / 212.
2- کشف الخفاء : 2 / 420.
3- لسان المیزان : 5 / 319 رقم 7751.
4- میزان الاعتدال : 3 / 644 رقم 7937 ، کتاب الضعفاء والمتروکین للنسائی : ص 216 رقم 556 ، الجرح والتعدیل : 8 / 23 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 6 / 240 رقم 1718.

بواطیل ، وکان بکّاءً موصوفاً بالبکاء ، وکان إذا قرأ بکی ، ونقل عن الحافظ السری أنّه کان یقول : وضع أحمد الجویباری ، ومحمد بن تمیم ، ومحمد بن عکاشة ، علی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أکثر من عشرة آلاف حدیث (1). میزان الاعتدال (3 / 104) ، اللآلئ المصنوعة (2 / 34 ، 134 ، 209) وعدّه القرطبی فی التذکار (ص 155) من الجماعة الکثیرة الذین وضعوا الحدیث حسبةً یدعون الناس إلی فضائل الأعمال.

563 - محمد بن علیّ بن موسی أبو بکر السلمی الدمشقی المتوفّی (460) : کان یکذب ویدّعی شیوخاً. لسان المیزان (2) (5 / 316).

564 - محمد بن علی بن ودعان المتوفّی (494) : صاحب الأربعین الودعانیّة الموضوعة ، قال السلفی : تبیّن لی حین تصفّحتها له تخلیط عظیم یدلّ علی کذبه وترکیبه الأسانید ، سرقها من عمِّه ، وقیل : من زید بن رفاعة. لسان المیزان (3) (5 / 305).

565 - محمد بن علیّ بن یحیی السمرقندی المتوفّی (359) : کان کذّاباً یضع علی الثقات روایات لم یذکروها ، ویروی عمّن لم یلحقهم. لسان المیزان (4) (5 / 294).

566 - محمد بن عمر بن الفضل الجعفی المتوفّی (361) : کذّاب. تاریخ بغداد (3 / 32) ، میزان الاعتدال (5) (3 / 114).

567 - محمد بن عیسی بن رفاعة الأندلسی المتوفّی (337) : کذّاب ، یضع الحدیث (6). تذکرة الموضوعات (ص 45) ، لسان المیزان (5 / 334). 1.

ص: 419


1- میزان الاعتدال 3 / 650 رقم 7956 ، اللآلئ المصنوعة : 2 / 65 و 248 و 391.
2- لسان المیزان : 5 / 356 رقم 7824.
3- لسان المیزان : ص 345 رقم 7812.
4- لسان المیزان : ص 333 رقم 7785.
5- میزان الاعتدال : 3 / 671 رقم 8007.
6- تذکرة الموضوعات : ص 32 ، لسان المیزان : 5 / 377 رقم 7891.

568 - محمد بن عیسی بن عیسی بن تمیم : کذّاب ، منکر الحدیث ، لم یکن بشیء. لسان المیزان (1) (5 / 335).

569 - محمد بن الفرات الکوفی (2) أبو علیّ التمیمی : شیخ ببغداد ، کوفیّ ، کذّاب ، روی عن محارب موضوعات. تاریخ بغداد (3 / 163) ، اللآلئ المصنوعة (3) (2 / 239).

570 - محمد بن الفرخان (4) بن روزبه مولی المتوکّل أبو الطیّب الدوری من دور سامراء - نزیل بغداد - المتوفّی بعد (359) بقلیل : ذکر الخطیب فی تاریخه (3 / 168) حدیثاً منکراً فقال : ما أُبعِد أن یکون من وضع ابن الفرخان ، وله أحادیث کثیرة منکرة بأسانید واضحة عن شیوخ ثقات ، وفی میزان الاعتدال (5) : له خبر کذب فی موضوعات ابن الجوزی ، وفی لسان المیزان (6) (5 / 340) قال ابن النجّار : کان متّهماً بوضع الحدیث ، وقال السیوطی : کان یضع. اللآلئ المصنوعة (7) (1 / 103 ، 274).

571 - محمد بن الفضل بن عطیّة المروزی المتوفّی (180) : کذّاب ، یضع الحدیث (8). تاریخ بغداد (3 / 151) ، میزان الاعتدال (3 / 120) ، تذکرة الموضوعات (ص 76) ، مجمع الزوائد (2 / 67) ، اللآلئ المصنوعة (1 / 109 ، 2 / 220). 6.

ص: 420


1- لسان المیزان : 5 / 378 رقم 7892.
2- فی اللآلئ المصنوعة : بدل الکوفی الکرمانی ، وهو تصحیف. (المؤلف)
3- اللآلئ المصنوعة : 2 / 450 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 6 / 137 رقم 1640.
4- فی اللآلئ المصنوعة : الفرغانی بدل الفرخان ، وهو تصحیف. (المؤلف)
5- میزان الاعتدال : 4 / 4 رقم 8052.
6- لسان المیزان : 5 / 384 رقم 7908.
7- اللآلئ المصنوعة : 1 / 198 - 199.
8- میزان الاعتدال : 4 / 6 رقم 8056 ، تذکرة الموضوعات : ص 54 ، اللآلئ المصنوعة : 1 / 210 ، 2 / 412 ، الجرح والتعدیل : 8 / 56 ، تهذیب التهذیب : 9 / 356.

572 - محمد بن الفضل الیعقوبی الواعظ : ظهر کذبه وتخلیطه توفّی (617). لسان المیزان (1) (5 / 342).

573 - محمد بن القاسم أبو بکر البلخی : کان یضع الحدیث. اللآلئ المصنوعة (2) (2 / 222).

574 - محمد بن القاسم أبو جعفر الطالقانی : کذّاب خبیث من المرجئة ، کان یضع الحدیث لمذهبه. اللآلئ المصنوعة (3) (1 / 21 ، 2 / 102 ، 171 ، 234) ، وفیها أنّه کان من الکذّابین الوضّاعین.

575 - محمد بن مجیب الثقفی الصائغ الکوفی سکن بغداد : کذّاب عدوّ الله ، ذاهب الحدیث (4). تاریخ بغداد (3 / 298) ، میزان الاعتدال (3 / 128) ، اللآلئ المصنوعة (1 / 165).

576 - محمد بن مجیب أبو همام القرشی : کذّاب ، ذاهب الحدیث. مجمع الزوائد (9 / 51) ، اللآلئ المصنوعة (5) (1 / 115).

577 - محمد بن المحرم : کذّاب. اللآلئ المصنوعة (6) (2 / 61).

578 - محمد بن محصن الأسدی : لیس بثقة ، متروک ، کذّاب ، یضع الحدیث (7) ی.

ص: 421


1- لسان المیزان : 5 / 386 رقم 7913.
2- اللآلئ المصنوعة : 2 / 416.
3- اللآلئ المصنوعة : 1 / 40 و 2 / 186 و 359 و 439.
4- میزان الاعتدال : 4 / 24 رقم 8116 ، اللآلئ المصنوعة : 1 / 320 ، الجرح والتعدیل : 8 / 96.
5- اللآلئ المصنوعة : 1 / 222.
6- اللآلئ المصنوعة : 2 / 107 ، موضح أوهام الجمع والتفریق : 1 / 28 ، کتاب الضعفاء والمتروکین لابن الجوزی : 3 / 96 رقم 3177 ، لسان المیزان : 5 / 245 رقم 7541.
7- میزان الاعتدال : 4 / 25 رقم 8120 ، تذکرة الموضوعات : ص 66 ، تهذیب التهذیب : 9 / 381 ، اللآلئ المصنوعة : 2 / 200 ، مرت الإشارة إلیه فی محمد بن إسحاق العکاشی.

میزان الاعتدال (3 / 129) ، تذکرة الموضوعات (ص 93) ، تهذیب التهذیب (9 / 430) ، اللآلئ المصنوعة (2 / 109).

579 - محمد بن محمد الجرجانی الوکیل أبو الحسین نضلة (1) المتوفّی (368 ، 378) : هو الحافظ الإمام ، روی مناکیر عن شیوخ مجاهیل لم یتابعه علیها أحد فأنکروا علیه وکذّبوه ، وحلف أبو سعید النقّاش أنّه کان یضع الحدیث. طبقات الحفّاظ (2) (3 / 181).

580 - محمد بن محمد بن عبد الرحمن أبو الفتح الخشّاب الثعلبی : کان یُضرب به المثل فی الکذب والتخیّلات ووضعها ، وکان منهمکاً علی الشرب ، قال فیه إبراهیم بن عثمان العربی :

أوصاه أن ینحت الأخشابَ والدُهُ

فلم یُطِقْهُ وأضحی ینحتُ الکذبا

لسان المیزان (3) (5 / 359).

581 - محمد بن محمد بن معمر المحدّث أبو البقاء : قال ابن المبارک الخفّاف : توفّی (542) ، ولم یکن ثقة بل کان کذّاباً ، یضع للناس أسماءهم فی أجزاء ثمّ یذهب فیقرأ 2.

ص: 422


1- هما شخصان لا شخص واحد ، الأول هو المقصود بالترجمة ، واسمه : أبو الحسن أحمد بن موسی ابن عیسی الجرجانی الوکیل ، ضعّفه الذهبی فی تاریخ الإسلام : ص 393 وفیات سنه 368 ، وفی تذکرة الحفّاظ : 3 / 985 رقم 920. تاریخ جرجان : ص 78 رقم 86 وفیه : أن کنیته أبو الحسن ووفاته (368). وقد مرّت ترجمته فی الرقم 33 و 88. وقد وقع خلط فی الطبعة التی اعتمدها المؤلف قدس سره من تذکرة الحفّاظ بینه وبین الجرجانی الآخر ، واسمه محمد بن محمد بن عبید الله ، الذی وثّقه الذهبی فی تاریخ الإسلام : ص 468 فی وفیات عشر السبعین وثلاثمائة.
2- تذکرة الحفّاظ : 3 / 984 رقم 919.
3- لسان المیزان : 5 / 406 رقم 7962.

علیهم. لسان المیزان (1) (5 / 369).

582 - محمد بن محمد أبو بکر الواسطی الباغندی الحافظ المعمر المتوفّی (312) : مخلّط مدلِّس ، خبیث التدلیس ، قال إبراهیم الأصبهانی : کذّاب. لسان المیزان (2) (5 / 360).

583 - محمد بن مروان المعروف بالسدّی الصغیر صاحب الکلبی : کذّاب ، غیر ثقة ، یضع الحدیث ، لا یکتب حدیثه البتّة (3). تاریخ بغداد (3 / 292) ، میزان الاعتدال (3 / 132) ، أسنی المطالب (ص 216) ، اللآلئ المصنوعة (2 / 12 ، 101 ، 283).

584 - محمد بن مزید - مرثد - أبو بکر الخزاعی المعروف بابن أبی الأزهر النحوی المتوفّی (325) : کان کذوباً قبیح الکذب ، وقال الخطیب فی مسنده : کذّاب (4). میزان الاعتدال (3 / 350) ، الإصابة (2 / 386) ، بغیة الوعاة (ص 104) ، مفتاح السعادة (1 / 137).

585 - محمد بن المستنیر أبو علیّ النحوی المعروف بقطرب المتوفّی (206) : قال ابن السکیت : کتبت عنه قمطراً ثمّ تبیّنت أنّه یکذب فی اللغة فلم أذکر عنه شیئاً. بغیة الوعاة (5) (ص 104).

586 - محمد بن مسلمة الواسطی المتوفّی (282) : اتّهم بحدیث موضوع باطل ، رجاله کلّهم ثقات سواه. تاریخ بغداد (3 / 307) ، لسان المیزان (6) (5 / 382). 5.

ص: 423


1- لسان المیزان : 5 / 417 رقم 7982.
2- لسان المیزان : ص 407 رقم 7965 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 6 / 300 رقم 1788.
3- میزان الاعتدال : 4 / 32 رقم 8154 ، أسنی المطالب : ص 332 و 440 ح 1070 و 1421 ، اللآلئ المصنوعة : 2 / 22 و 185 و 454 ، الجرح والتعدیل 8 / 86.
4- میزان الاعتدال : 4 / 35 رقم 8163 ، بغیة الوعاة : 1 / 442 رقم 242 ، مفتاح السعادة : 1 / 157.
5- بغیة الوعاة : 1 / 242 رقم 444.
6- لسان المیزان : 5 / 432 رقم 8025.

587 - محمد بن معاویة أبو علیّ النیسابوری المتوفّی (229) : کذّاب ، کان بمکة یضع الحدیث ، حدّث بأحادیث کثیرة کذب لیس لها أصل (1). تاریخ بغداد (3 / 272 - 274) ، میزان الاعتدال (3 / 138) ، مجمع الزوائد (1 / 494) ، اللآلئ المصنوعة (1 / 114 ، 2 / 206).

588 - محمد بن مندة بن أبی الهیثم الأصبهانی ، نزیل الری : کذّاب ، لم یکن بصدوق. لسان المیزان (2) (5 / 393).

589 - محمد بن المنذر : تابعیّ کذّاب. اللآلئ المصنوعة (3) (1 / 110).

590 - محمد بن منصور بن جیکان أبو عبد الله القشیری : کذّاب. میزان الاعتدال (4) (3 / 140).

591 - محمد بن المهاجر أبو عبد الله الطالقانی - أخو حنیف القاضی - المتوفّی (264) : وضّاع ، کذّاب ، یضع الحدیث علی الثقات ، قال صالح الأسدی : إنّه أکذب خلق الله یحدّث عن قوم ماتوا قبل أن یولد هو بثلاثین سنة ، وأعرفه بالکذب منذ خمسین سنة (5). تاریخ بغداد (3 / 303) ، نصب الرایة (1 / 174) ، میزان الاعتدال (3 / 140) ، لسان المیزان (5 / 397) ، تذکرة الموضوعات (ص 84) ، اللآلئ المصنوعة (1 / 127 ، 2 / 1 ، 32 ، 123).

592 - محمد بن المهلّب الحرّانی : کان یضع الحدیث. میزان الاعتدال (6) (3 / 140). 3.

ص: 424


1- میزان الاعتدال : 4 / 44 رقم 8188 ، اللآلئ المصنوعة : 1 / 45 و 2 / 385 ، الجرح والتعدیل : 8 / 103.
2- لسان المیزان : 5 / 445 رقم 8058 ، الجرح والتعدیل : 8 / 107.
3- اللآلئ المصنوعة : 1 / 212.
4- میزان الاعتدال : 4 / 48 رقم 8213.
5- میزان الاعتدال : ص 49 رقم 8218 ، لسان المیزان : 5 / 448 رقم 8083 ، تذکرة الموضوعات : ص 59 ، اللآلئ المصنوعة : 1 / 246 و 2 / 2 و 2 / 60 و 228.
6- میزان الاعتدال : 4 / 49 رقم 8220 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 6 / 295 رقم 1783.

593 - محمد بن موسی بن أبی نعیم الواسطی : کذّاب خبیث. میزان الاعتدال (1) (3 / 141).

594 - محمد بن نعیم النصیبی : کذّاب (2). میزان الاعتدال (3 / 144) ، اللآلئ المصنوعة (2 / 46).

595 - محمد بن نمیر الفاریابی : عدّه البیلمانی (3) فیمن یضع الحدیث ، میزان الاعتدال (4) (3 / 144).

596 - محمد بن هارون الهاشمی المعروف بابن بَرَیه : ذاهب الحدیث یتّهم بالوضع (5). تاریخ بغداد (7 / 403).

597 - محمد بن الولید القلانسی البغدادی : کذّاب ، کان یضع الحدیث. میزان الاعتدال (6) (3 / 145).

598 - محمد بن الولید القرطبی المتوفّی (309) : هالک ، کان یضع الحدیث (7). میزان الاعتدال (3 / 146).

599 - محمد بن الولید الیشکری ، هو محمد بن عمر بن الولید : کذّبه الأزدی. لسان المیزان (8) (5 / 419). 3.

ص: 425


1- میزان الاعتدال : 4 / 49 رقم 8223.
2- میزان الاعتدال : ص 56 رقم 8268 ، اللآلئ المصنوعة : 2 / 87.
3- کذا فی لسان المیزان : 5 / 461 رقم 8131 ، وفی میزان الاعتدال 4 / 56 رقم 8271 : السلیمانی.
4- میزان الاعتدال : 4 / 56 رقم 8271.
5- الأنساب : 1 / 335.
6- میزان الاعتدال : 4 / 59 رقم 8293.
7- میزان الاعتدال : ص 60 رقم 8295.
8- لسان المیزان : 5 / 475 رقم 8163.

600 - محمد بن یحیی بن رزین المصیصی : دجّال یضع الحدیث (1). میزان الاعتدال (3 / 147) ، اللآلئ المصنوعة (1 / 3 ، 52 ، 263).

601 - محمد بن یزید المستملی أبو بکر الطرسوسی : یسرق الحدیث ویزید فیه ویضع. میزان الاعتدال (2) (3 / 149).

602 - محمد بن یزید المعدنی : کذّاب خبیث. میزان الاعتدال (3) (3 / 149).

603 - محمد بن یزید العابد : ذکر حدیثاً موضوعاً فی فضائل معاویة هو آفته. لسان المیزان (4) (5 / 432).

604 - محمد بن یوسف أبو بکر الرقّی الحافظ المتوفّی بعد (382) : کذّاب ، قاله الخطیب (5). لسان المیزان (6) (5 / 436) ، وفی المیزان (7) : وضع حدیثاً علی الطبرانی. اللآلئ المصنوعة (1 / 216).

605 - محمد بن یوسف بن یعقوب الرازی : شیخ دجّال کذّاب ، کان یضع الأحادیث والقراءات والنسخ ، وضع کثیراً فی القرآن ، قال الدارقطنی : وضع نحواً من ستّین نسخة قراءات لیس لشیء منها أصل ، ووضع من الأحادیث ما لا یضبط ، قدم بغداد قبل الثلاثمائة. میزان الاعتدال (8) (3 / 151) ، تاریخ بغداد (3 / 397). 4.

ص: 426


1- میزان الاعتدال : 4 / 63 رقم 8303 ، اللآلئ المصنوعة : 1 / 4 و 100 و 263 ، کتاب المجروحین : 3 / 312.
2- میزان الاعتدال : 4 / 66 رقم 8316 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 6 / 282 رقم 1768.
3- میزان الاعتدال : 4 / 67 رقم 8318.
4- لسان المیزان : 5 / 489 رقم 8196.
5- تاریخ بغداد : 3 / 409 رقم 1542.
6- لسان المیزان : 5 / 494 رقم 8216.
7- میزان الاعتدال : 4 / 73 رقم 8345.
8- میزان الاعتدال : ص 72 رقم 8344.

606 - محمد بن یونس الکدیمی القرشی أحد الحفّاظ الأعلام بالبصرة المتوفّی (286) : کذّاب ، یضع الحدیث علی النبیّ وعلی الثقات ، قال ابن حبّان (1) : قد وضع أکثر من ألف حدیث. تاریخ بغداد (3 / 441) ، تذکرة الموضوعات (ص 14 ، 18) ، شذرات الذهب (2 / 194) ، میزان الاعتدال (3 / 152) ، اللآلئ المصنوعة (2 / 142 ، 215) ، طبقات الحفّاظ (2 / 175) (2).

607 - محمش النیسابوری : کان یضع الحدیث. اللآلئ المصنوعة (3) (2 / 15)

608 - محمود بن علیّ الطواری (4) : کذّاب ، فی المائة السادسة. میزان الاعتدال (5) (3 / 154) ، الإصابة (1 / 124).

609 - مروان بن سالم الدمشقی مولی بنی أُمیّة : کذّاب یضع الحدیث ، عامّة أحادیثه لا یتابعه الثقات علیها (6). میزان الاعتدال (3 / 159) ، تهذیب التهذیب (10 / 93) ، اللآلئ المصنوعة (1 / 81).

610 - مروان بن شجاع الحرّانی الأموی : لیس بحجّة ، یروی المقلوبات عن الثقات (7). تهذیب التهذیب (10 / 94) ، میزان الاعتدال (3 / 160). 3.

ص: 427


1- کتاب المجروحین : 2 / 312.
2- تذکرة الموضوعات : ص 10 و 13 و 15 ، شذرات الذهب : 3 / 362 حوادث سنة 286 ه ، میزان الاعتدال : 4 / 74 رقم 8353 ، اللآلئ المصنوعة : 2 / 264 و 402 ، تذکرة الحفّاظ : 2 / 618 رقم 645.
3- اللآلئ المصنوعة : 2 / 28.
4- فی الإصابة [1 / 124] : الطرازی. (المؤلف)
5- میزان الاعتدال : 4 / 78 رقم 8366 وفیه : الأطواری.
6- میزان الاعتدال : 4 / 90 رقم 8425 ، تهذیب التهذیب : 10 / 84 ، اللآلئ المصنوعة : 1 / 157 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 6 / 384 رقم 1870.
7- تهذیب التهذیب : 10 / 85 ، میزان الاعتدال : 4 / 91 رقم 8428 ، کتاب المجروحین : 3 / 13.

611 - مروان بن عثمان بن أبی سعید الذرقی : کذّاب ، اللآلئ المصنوعة (1) (1 / 15).

612 - المطهّر بن سلیمان أبو بکر المعدّل الفقیه المتوفّی (363) : کذّاب. تاریخ بغداد (13 / 220) ، میزان الاعتدال (2) (3 / 177).

613 - معاویة بن الحلبی : کان یضع الحدیث. میزان الاعتدال (3) (3 / 182).

614 - معلّی بن صُبیح الموصلی : قال ابن عمار : کان من عبّاد الموصل ، وکان یضع الحدیث ویکذب. لسان المیزان (4) (6 / 64).

615 - معلّی بن هلال بن سُوید الطحّان الکوفی العابد : کذّاب ، من المعروفین بالکذب ، یضع الحدیث ، قال أحمد (5) : کلُّ أحادیثه موضوعة. تاریخ بغداد (8 / 63) ، طبقات الحفّاظ (6) (3 / 112) ، میزان الاعتدال (3 / 187) ، اللآلئ المصنوعة (2 / 47) (7).

616 - مُقاتل بن سلیمان البلخی المتوفّی (150) : کذّاب دجّال ، وضّاع ، عدّه النسائی من الکذّابین المعروفین بوضع الحدیث علی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، کان یقول لأبی جعفر المنصور : أُنظر ما تحبُّ أن أحدِّثه فیک حتی أُحدِّثه ، وقال للمهدی : إن شئتَ 8.

ص: 428


1- اللآلئ المصنوعة : 1 / 29. هو الزُّرَقی الأنصاری نسبة إلی بنی زُرَیق وهم بطن من الأنصار کما فی الجرح والتعدیل : 8 / 272 ، الأنساب : 3 / 147 ، کتاب الضعفاء والمتروکین لابن الجوزی : 3 / 114 رقم 3288 ، میزان الاعتدال : 4 / 92 رقم 8433.
2- میزان الاعتدال : 4 / 129 رقم 8595.
3- میزان الاعتدال : ص 140 رقم 8638.
4- لسان المیزان : 6 / 75 رقم 8484.
5- العلل ومعرفة الرجال : 1 / 510 رقم 1192.
6- أنظر تاریخ الإسلام : ص 366 وفیات 171 - 180 ه.
7- میزان الاعتدال : 4 / 152 رقم 8679 ، اللآلئ المصنوعة : 2 / 88.

وضعتُ لک أحادیث فی العبّاس. قال : لا حاجة لی فیها (1). تاریخ بغداد (13 / 168) ، تاریخ الشام (5 / 160) ، میزان الاعتدال (3 / 196) ، تهذیب التهذیب (10 / 284) ، اللآلئ المصنوعة (1 / 128 ، 2 / 60 ، 122).

617 - منذر بن زیاد - یزید - الطائی : کذّاب ، متروک (2). میزان الاعتدال (3 / 200) ، اللآلئ المصنوعة (1 / 44).

618 - منصور بن عبد الله الهروی أبو علیّ الخالدی الذهلی المتوفّی (401) : قال أبو سعید الإدریسی : کذّاب. شذرات الذهب (3) (3 / 162).

619 - منصور بن مجاهد : کان یضع الحدیث. میزان الاعتدال (4) (3 / 203).

620 - منصور بن موفّق : کان یضع الحدیث (5). میزان الاعتدال (3 / 203) ، اللآلئ المصنوعة (2 / 96).

621 - مهدی بن هلال أبو عبد الله البصری : کذّاب ، صاحب بدعة ، یضع الحدیث ، عامّة ما یرویه لا یُتابع علیها. میزان الاعتدال (6) (3 / 206).

622 - مهلّب بن أبی صفرة ظالم بن سراق الأزدی المتوفّی (83) : یُکنّی أبا سعید ، ولم یکن یُعاب إلاّ بالکذب ، وفیه قیل : رائج یکذب ، وکان ولی خراسان فعمل علیها 0.

ص: 429


1- مختصر تاریخ دمشق : 25 / 197 ، میزان الاعتدال : 4 / 173 رقم 8741 ، تهذیب التهذیب : 10 / 249 ، اللآلئ المصنوعة : 1 / 247 و 2 / 106 و 226 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 6 / 435 رقم 1914.
2- میزان الاعتدال : 4 / 181 رقم 8759 ، اللآلئ المصنوعة : 1 / 44.
3- شذرات الذهب : 5 / 9 حوادث سنة 401 ه.
4- میزان الاعتدال : 4 / 188 رقم 8791.
5- میزان الاعتدال : رقم 8793 ، اللآلئ المصنوعة : 2 / 176.
6- میزان الاعتدال : 4 / 195 رقم 8827 ، الجرح والتعدیل : 8 / 336 ، کتاب المجروحین : 3 / 30 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 6 / 467 رقم 1950.

خمس سنین. کذا ترجمه ابن قتیبة فی المعارف (1) (ص 175) واستدرکه أبو عمر صاحب الاستیعاب (2) ، فقال : هو ثقة ، وأمّا من عابه بالکذب فلا وجه لأنّه کان یحتاج لذلک فی الحرب ، یخادع الخوارج فکانوا یصفونه لذلک بالکذب غیظاً منهم علیه. الإصابة (3 / 536).

قال الأمینی : کأنّ أبا عمر یقرّر کذب المهلّب ، غیر أنّه یجوّزه له لاحتیاجه إلیه فی الحرب ، وهذا هو رأی معاویة ، وهو الذی فتح هذا الباب بمصراعیه.

623 - مهلّب بن عثمان : کذّاب. میزان الاعتدال (3) (3 / 207).

624 - موسی الأبتی : ذُکر فیمن یضع الحدیث. میزان الاعتدال (4) (3 / 221)

625 - موسی بن إبراهیم المروزی : کذّاب. اللآلئ المصنوعة (5) (2 / 191).

626 - موسی بن عبد الرحمن الثقفی الصنعانی : دجّال ووضّاع ، وضع کتاباً فی التفسیر (6). میزان الاعتدال (3 / 213) ، أسنی المطالب (ص 126) ، اللآلئ المصنوعة (2 / 71).

627 - موسی بن محمد أبو طاهر الدمیاطی البلقاوی المقدسی الواعظ : کذّاب ، کان یضع الحدیث ، یحدّث عن الثقات بالبواطیل والموضوعات (7). میزان الاعتدال 2.

ص: 430


1- المعارف : ص 399.
2- الاستیعاب : 4 / 1692 رقم 3046.
3- میزان الاعتدال : 4 / 197 رقم 8831.
4- میزان الاعتدال : ص 228 رقم 8948. هو فی النسخة المعتمدة فی التحقیق : الأبنی.
5- اللآلئ المصنوعة : 2 / 357.
6- میزان الاعتدال : 4 / 211 رقم 8891 ، أسنی المطالب : ص 247 ح 791 ، اللآلئ المصنوعة : 2 / 129.
7- میزان الاعتدال : 4 / 219 رقم 8915 ، لسان المیزان : 6 / 149 رقم 8679 ، اللآلئ المصنوعة : 1 / 422 ، کتاب المجروحین : 2 / 242.

(3 / 217) ، لسان المیزان (6 / 128) ، اللآلئ المصنوعة (1 / 422).

628 - موسی بن مطیر : کذّاب متروک ، میزان الاعتدال (1) (3 / 218).

629 - میسرة بن عبد ربّه الفارسی البصری (2) : کذّاب ، وضّاع ، کان یضع الحدیث ، وضع فی فضل قزوین أربعین حدیثاً ، قال أبو زرعة : کان یقول : إنّی أحتسب فی ذلک. وقال محمد بن عیسی ابن الطبّاع : قلت لمیسرة : من أین جئت بهذه الأحادیث ، من قرأ کذا فله کذا؟ قال : وضعته أُرغّب الناس فیه ، وصفه جماعة بالزهد (3). تاریخ بغداد (13 / 223) ، میزان الاعتدال (3 / 222) ، لسان المیزان (6 / 140) ، اللآلئ المصنوعة (1 / 42 ، ج 2).

630 - میسرة بن عبید : کذّاب. أسنی المطالب (4) (ص 260). 0.

ص: 431


1- میزان الاعتدال : 4 / 223 رقم 8928 ، کتاب الضعفاء والمتروکین للنسائی : ص 224 رقم 583 ، الجرح والتعدیل : 8 / 162.
2- فی تاریخ الخطیب البغدادی [13 / 223 رقم 7193] : البغدادی. (المؤلف)
3- میزان الاعتدال : 4 / 230 رقم 8958 ، لسان المیزان : 6 / 162 رقم 8717 ، اللآلئ المصنوعة : 1 / 81 و 2 / 373 ، الجرح والتعدیل : 8 / 254.
4- أسنی المطالب : ص 353 ح 1720 طبعة دار الکتاب العربی الثالثة 1403 ه. وفی طبعة دار الفکر الأولی لسنة 1412 ه : ص 542 ح 1722 ثم صُحّح الاسم إلی میسرة بن عبد ربّه. والظاهر أنّ الاسم فی کلا الطبعتین مصحّف ، والصحیح : مبشّر بن عبید القرشی أبو حفص الحمصی کوفی الأصل ؛ لأنّ حدیث «لا مهر أقل من عشرة دراهم» المذکور فی أسنی المطالب وغیره بمختلف ألفاظه وأسناده لا یرویه غیر مبشّر بن عبید ، کذا قال ابن عدی فی الکامل فی ضعفاء الرجال : 6 / 418 رقم 1900. کما أشار الشیخ خلیل المیس محقق طبعة دار الکتاب العربی لأسنی المطالب إلی مصادر الحدیث وذکر منهم الدارقطنی الذی أخرج الحدیث بألفاظه وأسناده المختلفة فی باب المهر من سننه : 3 / 245 وفی سنده مبشّر لا میسرة. وذکر البیهقی فی السنن الکبری : 7 / 133 کتاب النکاح الحدیث نفسه عن مبشّر بن عبید. وقد مرّت ترجمته فی الرقم 470.

حرف النون

631 - نافع بن هرمز أبو هرمز الجمّال : کذّاب ، یضع الحدیث (1). میزان الاعتدال (3 / 227) ، تذکرة الموضوعات (ص 51) ، اللآلئ المصنوعة (2 / 220)

632 - نصر بن باب أبو سهل الخراسانی - نزیل بغداد - قیل : توفّی (193) : کذّاب خبیث ، عدوّ الله ، ضرب أحمد وابن معین (2) وأبو خیثمة علی حدیثه وأسقطوه ، وقد کتب عنه ابن معین عشرین ألف حدیث. تاریخ بغداد (13 / 279) ، لسان المیزان (3) (6 / 151).

633 - نصر بن حمّاد بن عجلان أبو الحارث البجلی الورّاق : کذّاب ، ذاهب الحدیث ، لیس بشیء (4). تاریخ بغداد (13 / 282) ، میزان الاعتدال (3 / 230) ، اللآلئ المصنوعة (1 / 300).

634 - نصر بن طریف أبو جزء : من المعروفین بوضع الحدیث ، وممّن أُجمِع علی کذبه. میزان الاعتدال (5) (3 / 231).

635 - نصر بن قدید بن یسار : کذّاب ، قاله العقیلی (6) وابن معین. میزان الاعتدال (3 / 232) ، اللآلئ المصنوعة (2 / 190) (7). 5.

ص: 432


1- میزان الاعتدال : 4 / 243 رقم 9000 ، تذکرة الموضوعات : ص 37 ، اللآلئ المصنوعة : 2 / 412.
2- معرفة الرجال : 1 / 56 رقم 51.
3- لسان المیزان : 6 / 180 رقم 8768.
4- میزان الاعتدال : 4 / 250 رقم 9029 ، اللآلئ المصنوعة : 1 / 300.
5- میزان الاعتدال : 4 / 251 رقم 9034.
6- الضعفاء الکبیر : 4 / 299 رقم 1897.
7- میزان الاعتدال : 4 / 253 رقم 9044 ، اللآلئ المصنوعة : 2 / 355.

636 - نصر الله بن أبی العزّ مظفّر أبو الفتح الشیبانی بن الشعیشعة الدمشقی المتوفّی (656) : روی مسند أحمد ، قال أبو شامة (1) : مشهور بالکذب ورقّة الدین ، وقد أجلسه أحمد بن یحیی بن سنیّ الدولة فی حال ولایته القضاء بدمشق ، فأنشد فیه بعض الشعراء :

جلس الشعیشعةُ الشقیّ لیشهدا

تبّا لکم ما ذا عدا فیما بدا

هل زلزلَ الزلزالُ أم قد خرج الد

جّال أم عدم الرجالُ ذوو الهدی

عجباً لمحلولِ العقیدة جاهلٍ

بالشرعِ قد أذنوا له أن یقعدا

البدایة والنهایة (13 / 218) ، شذرات الذهب (5 / 285) (2).

637 - النضر بن سلمة المروزی : کذّاب کان یفتعل الحدیث. لسان المیزان (3) (6 / 160) ، الإصابة (2 / 380).

638 - النضر بن شُفَی : أحد الکذّابین ، لسان المیزان (4) (6 / 161).

639 - النضر بن طاهر : یسرق الحدیث ویکذب ویبالغ فی الکذب. میزان الاعتدال (5) (3 / 234).

640 - نعیم بن حمّاد أبو عبد الله الأعور أحد الأئمّة توفّی (228) : قال الأزدی : کان یضع الحدیث فی تقویة السنّة وحکایات مزوّرة فی ثلب النعمان کلّها 7.

ص: 433


1- شهاب الدین أبو القاسم عبد الرحمن بن إسماعیل المقدسی الشافعی المؤرّخ الکبیر المتوفّی (665). (المؤلف)
2- البدایة والنهایة : 13 / 252 حوادث سنة 657 ه ، شذرات الذهب : 7 / 492 حوادث سنة 656 ه.
3- لسان المیزان : 6 / 192 رقم 8805 ، الجرح والتعدیل : 8 / 480.
4- لسان المیزان : 6 / 193 رقم 8808.
5- میزان الاعتدال : 4 / 258 رقم 9070 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 7 / 27 رقم 1967.

کذب (1). میزان الاعتدال (3 / 241) ، شذرات الذهب (2 / 67) ، تهذیب التهذیب (10 / 463) ، اللآلئ المصنوعة (1 / 15) ، الجوهر النقیّ لابن الترکمانی هامش سنن البیهقی (3 / 305).

641 - نعیم بن سالم بن قنبر : کذّاب یضع ، أحد المشهورین بالکذب (2). أسنی المطالب (ص 103) ، اللآلئ المصنوعة (1 / 22 ، 2 / 47).

642 - نهشل بن سعید البصری : کذّاب ، متروک (3). میزان الاعتدال (3 / 243) ، مجمع الزوائد (1 / 122 ، 240) ، اللآلئ المصنوعة (1 / 103 ، 106 ، 107 ، 119 ، 230 ، 2 / 127).

643 - نوح بن أبی مریم یزید أبو عصمة المتوفّی (173) : شیخ کذّاب ، کان یضع الحدیث کما یضع معلّی بن هلال ، وضع حدیث فضائل القرآن الطویل ، قال الحاکم : هو الذی وضع أحادیث فضائل القرآن ، وأحادیث فضل سور القرآن مائة وأربعة عشر کلّها کذب (4). میزان الاعتدال (3 / 187) ، أسنی المطالب (ص 20 ، 110) ، اللآلئ المصنوعة (2 / 3). 5.

ص: 434


1- میزان الاعتدال : 4 / 267 رقم 9102 ، شذرات الذهب : 3 / 134 حوادث سنة 228 ه ، تهذیب التهذیب : 10 / 409 ، اللآلئ المصنوعة : 1 / 29 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 7 / 16 رقم 1959.
2- أسنی المطالب : ص 199 ح 612 ، اللآلئ المصنوعة : 1 / 43 و 2 / 89. ومرّ تصویبه فی غنیم رقم 445.
3- میزان الاعتدال : 4 / 275 رقم 9127 ، اللآلئ المصنوعة : 1 / 198 و 205 و 230 و 452 و 2 / 235 ، کتاب الضعفاء والمتروکین للنسائی : ص 238 رقم 628 ، الجرح والتعدیل : 8 / 496.
4- میزان الاعتدال : 4 / 279 رقم 9143 ، أسنی المطالب : ص 47 و 213 ح 56 و 675 ، اللآلئ المصنوعة : 2 / 227 ، الجرح والتعدیل : 8 / 484 ، کتاب المجروحین : 3 / 48 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 7 / 40 رقم 1975 ، موضح أوهام الجمع والتفریق : 2 / 429 ، کتاب الضعفاء والمتروکین لابن الجوزی : 3 / 167 رقم 3557 ، تهذیب الکمال : 30 / 56 رقم 6495 وفی هامشه بقیة مصادر ترجمته ، وأغلب المصادر أجمعت علی أنّ المترجَم هو نفسه الآتی فی الرقم 645.

644 - نوح بن درّاج : قال الذهبی : کذّاب. ملخّص مستدرک الحاکم (1) (3 / 144 ، 171).

645 - نوح بن جعونة ، قیل : مات (182) ، کذّاب یضع الحدیث. میزان الاعتدال (2) (3 / 244).

646 - نوح بن مسافر : کان یضع الحدیث. تذکرة الموضوعات (3) (ص 118)

حرف الهاء

647 - هارون بن حبیب البلخی : کذّاب. میزان الاعتدال (4) (3 / 247).

648 - هارون بن حیّان الرقّی : کان یضع الحدیث. میزان الاعتدال (5) (3 / 247).

649 - هارون بن زیاد : کان ممّن یضع الحدیث علی الثقات. میزان الاعتدال (6) (3 / 247).

650 - هارون بن محمد أبو الطیب : کذّاب (7). أسنی المطالب (ص 208) ، اللآلئ المصنوعة (1 / 62). 0.

ص: 435


1- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 155 و 187 ح 4694 و 4798 ، میزان الاعتدال : 4 / 276 رقم 9132 وفیه : أن وفاته سنة (182).
2- میزان الاعتدال : 4 / 275 رقم 9131. ومرّت الإشارة إلی اتحاده مع نوح بن أبی مریم المتقدم فی الرقم 643. علماً بأن تاریخ الوفاة والعبارة التی بعده جاءت هنا سهواً ، إذ هی لنوح بن درّاج السابق له.
3- تذکرة الموضوعات : ص 83.
4- میزان الاعتدال : 4 / 283 رقم 9153.
5- میزان الاعتدال : رقم 9154.
6- میزان الاعتدال : رقم 9157 ، کتاب المجروحین : 3 / 94. وهو هارون بن زیاد القشیری.
7- أسنی المطالب : ص 422 ح 1364 ، اللآلئ المصنوعة : 1 / 120.

651 - هبة الله بن المبارک البغدادی الحنبلی المتوفّی (509) : أحد الحفّاظ ، کذّاب ، آفة فی وضع الحدیث ، ظهر کذبه عند شیوخ الحدیث (1). المنتظم (9 / 183) ، شذرات الذهب (4 / 26).

652 - هشام بن عمّار أبو الولید السلمی المتوفّی (245) : فقیه دمشق وخطیبها ومحدّثها ، قال أبو داود : حدّث بأربعمائة حدیث لا أصل له. شذرات الذهب (2) (2 / 110).

653 - هنّاد بن إبراهیم النسفی : کذّاب ، وضّاع ، راویة للموضوعات والبلایا ، توفّی (465) (3). میزان الاعتدال (3 / 259) ، اللآلئ المصنوعة (2 / 142 ، 144)

654 - الهیثم بن عبد الغفّار الطائیّ البصری : کذّاب ، یضع الحدیث. تاریخ بغداد (14 / 55) ، میزان الاعتدال (4) (3 / 265).

655 - الهیثم بن عدیّ الطائی المتوفّی (207) : کذّاب ، لیس بشیء ، قالت جاریة الهیثم : کان مولای یقوم عامّة اللیل یصلّی فإذا أصبح جلس یکذب ، قال فیه أبو نؤاس :

الهیثمُ بن عدیٍّ فی تلوّنِه

فی کلِّ یومٍ له رحلٌ علی خشبِ

فما یزال أخا حلٍّ ومرتحلٍ

إلی الموالی وأحیاناً إلی العربِ

له لسانٌ یزجِّیه لهجوهِمُ

کأنَّه لم یزلْ یُعدی علی قشبِ

لله أنت فما قربی تهمُّ بها

إلاّ اجتلبتَ لها الأنسابَ من کثبِ5.

ص: 436


1- المنتظم : 17 / 144 رقم 3832 ، شذرات الذهب : 6 / 42 حوادث سنة 509 ه.
2- شذرات الذهب : 3 / 210 حوادث سنة 245 ه.
3- میزان الاعتدال : 4 / 310 رقم 9254 ، اللآلئ المصنوعة : 2 / 264 و 268.
4- میزان الاعتدال : 4 / 323 رقم 9310 ، العلل ومعرفة الرجال : 2 / 42 رقم 1492 ، الجرح والتعدیل : 9 / 85.

إذا نسبتَ عدیّا فی بنی ثُعَلِ (1)

فقدِّم الدال قبل العین فی النسبِ

تاریخ بغداد (14 / 52) ، میزان الاعتدال (3 / 265) ، نصب الرایة (1 / 102) ، اللآلئ المصنوعة (2 / 3) ، مجمع الزوائد (10 / 10) (2).

حرف الواو

656 - الولید بن سلمة الطبرانی الأزدی : کذّاب ، یضع الحدیث علی الثقات. میزان الاعتدال (3) (3 / 271) ، الإصابة (2 / 159).

657 - الولید بن عبد الله بن أبی ثور الهمدانی الکوفی المتوفّی (172) ، نزیل بغداد : کذّاب ، لیس بشیء. تاریخ بغداد (13 / 470).

658 - الولید بن الفضل العنزی : کان یضع الحدیث ، قال ابن حبّان (4) : یروی الموضوعات ، لا یجوز الاحتجاج به بحال. میزان الاعتدال (3 / 273) ، تذکرة الموضوعات (ص 27) (5).

659 - الولید بن محمد الموقّری مولی بنی أُمیّة المتوفّی (181) : کذّاب ، متروک الحدیث ، لا یکتب حدیثه (6). میزان الاعتدال (3 / 275) ، اللآلئ المصنوعة (1 / 228). ه.

ص: 437


1- ثُعل بن عمرو بن الغوث ، أحد أجداد الهیثم. (المؤلف)
2- میزان الاعتدال : 4 / 324 رقم 9311 ، اللآلئ المصنوعة : 2 / 5.
3- میزان الاعتدال : 4 / 339 رقم 9372 ، کتاب المجروحین : 3 / 80.
4- کتاب المجروحین : 3 / 82.
5- میزان الاعتدال : 4 / 343 رقم 9394 ، تذکرة الموضوعات : ص 20.
6- میزان الاعتدال : 4 / 346 رقم 9400 ، اللآلئ المصنوعة : 1 / 439 ، کتاب الضعفاء والمتروکین للنسائی : ص 240 رقم 632 ، الجرح والتعدیل : 9 / 15 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 7 / 71 رقم 1995 ، وفی هامش تهذیب الکمال : 31 / 76 رقم 6734 جملة من مصادر ترجمته.

660 - وهب بن حفص أبو الولید البجلی الحرّانی ، عاش إلی (250) : کذّاب ، کان یضع الحدیث (1). میزان الاعتدال (3 / 277) ، اللآلئ المصنوعة (1 / 45 ، 2 / 215).

661 - وهب بن وهب القاضی أبو البختری القرشی المدنی المتوفّی (199 ، 200) : أکذب الناس ، کذّاب خبیث دجّال عدوُّ الله ، کان یضع الحدیث وضعاً ، وکان عامّة اللیل یضع الحدیث ، قال سوید بن عمرو بن الزبیر فی أبیات له :

إنّا وجدنا ابنَ وهبٍ حین حدّثنا

عن النبیّ أضاعَ الدینَ والورعا

یروی أحادیثَ من إفکٍ مجمّعةً

أُفٍّ لوهبٍ وما روی وما جمعا

قال ابن عدی (2) : أبو البختری من الکذّابین الوضّاعین ، وکان یجمع فی کلِّ حدیث یرویه أسانید من جسارته علی الکذب ، ووضعه علی الثقات. تاریخ بغداد (13 / 485) ، میزان الاعتدال (3 / 278) ، اللآلئ المصنوعة (1 / 44 ، 54) ، لسان المیزان (6 / 232) (3).

حرف الیاء

662 - یحیی بن أبی أنیسة الجزری الرهاوی المتوفّی (146) : کذّاب ، متروک (4). میزان الاعتدال (3 / 283) ، تذکرة الموضوعات (ص 95).

663 - یحیی بن السکن البصری المتوفّی (202) : شیخ یکذب ویحدّث 0.

ص: 438


1- میزان الاعتدال : 4 / 351 رقم 9425 ، اللآلئ المصنوعة : 1 / 86 و 2 / 402.
2- الکامل فی ضعفاء الرجال : 7 / 63 رقم 1990.
3- میزان الاعتدال : 4 / 353 رقم 9434 ، اللآلئ المصنوعة : 1 / 84 و 104 ، لسان المیزان : 6 / 282 رقم 9068.
4- میزان الاعتدال : 4 / 364 رقم 9463 ، تذکرة الموضوعات : ص 67 و 73 ، کتاب الضعفاء والمتروکین للنسائی : ص 252 رقم 670.

بالموضوعات. تاریخ بغداد (14 / 146) ، اللآلئ المصنوعة (1) (1 / 141).

664 - یحیی بن شبیب الیمانی : یروی عن سفیان ما لم یحدّث به قطُّ ، ووضع علی حمید الطویل وکذب علیه (2). میزان الاعتدال (3 / 293) ، اللآلئ المصنوعة (2 / 15 ، 145).

665 - یحیی بن عبدویه أبو زکریّا : کذّاب ، رجل سوء. تاریخ بغداد (14 / 166).

666 - یحیی بن عقبة بن أبی العیزار : کان یفتعل الحدیث ، کذّاب خبیث عدوّ الله ، کان یسخر به ، عامّة ما یرویه لا یتابع علیه. لسان المیزان (3) (6 / 270).

667 - یحیی بن العلاء : یروی عن مطرف ، کذّاب ، یضع الحدیث (4). نصب الرایة (1 / 125).

668 - یحیی بن علیّ بن عبد الرحمن البلنسی المالکی المتوفّی (589) : إمام مسجد العتمة ، کان کذّاباً. لسان المیزان (5) (4 / 49 ، 6 / 270).

669 - یحیی بن عنبسة القرشی البصری ، کذّاب ، دجّال ، وضّاع ، کان یضع الحدیث ، قال ابن عدیّ (6) : منکر الحدیث ، مکشوف الأمر. تاریخ بغداد (14 / 162) ، میزان الاعتدال (3 / 299). تذکرة الموضوعات (ص 37) ، أسنی المطالب (ص 123) ، 5.

ص: 439


1- اللآلئ المصنوعة : 1 / 272.
2- میزان الاعتدال : 4 / 385 رقم 9543 ، اللآلئ المصنوعة : 2 / 27 و 270 ، کتاب المجروحین : 3 / 128 ، تاریخ بغداد : 14 / 206 رقم 7494 ، الأنساب : 5 / 705 ، لسان المیزان : 6 / 321 رقم 9157. وأمّا نسبته فقد وردت فی المجروحین والأنساب ولسان المیزان وفی موضع من تاریخ بغداد : الیمامی.
3- لسان المیزان : 6 / 330 رقم 9186 ، الجرح والتعدیل : 9 / 179 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 7 / 223 رقم 2120.
4- الکامل فی ضعفاء الرجال : 7 / 198 رقم 2104 ، کتاب الضعفاء والمتروکین لابن الجوزی : 3 / 200 رقم 3743. وهو یحیی بن العلاء البجلی ، أبو سلمة ، ویقال : أبو عمرو الرازی المدینی.
5- لسان المیزان : 4 / 58 رقم 5242 و 6 / 331 رقم 9187.
6- الکامل فی ضعفاء الرجال : 7 / 254 رقم 2155.

اللآلئ المصنوعة (2 / 68 ، 75 ، 123 ، 210) (1).

670 - یحیی بن محمد أخی حرملة التجیبی : کان یضع الحدیث علی حرملة. لسان المیزان (2) (6 / 275).

671 - یحیی بن میمون أبو أیّوب البصری المتوفّی (190) : کذّاب دجّال متروک یقلّب الأحادیث (3). میزان الاعتدال (3 / 305) ، تهذیب التهذیب (11 / 291) ، اللآلئ المصنوعة (2 / 125).

672 - یحیی بن هاشم الغسّانی السمسار أبو زکریّا : کذّاب ، دجّال هذه الأمّة ، کان یضع الحدیث ویسرقه (4). تاریخ بغداد (14 / 164) ، تذکرة الموضوعات (ص 57 ، 101 ، 104 ، 110) ، میزان الاعتدال (3 / 305) ، أسنی المطالب (ص 169) ، اللآلئ المصنوعة (1 / 64 ، 2 / 44 ، 122).

673 - یزید بن خالد العمی ، کذّاب. أسنی المطالب (5) (ص 140). 4.

ص: 440


1- میزان الاعتدال : 4 / 400 رقم 9599 ، تذکرة الموضوعات : ص 76 ، أسنی المطالب : ص 242 ح 768 ، اللآلئ المصنوعة : 2 / 122 و 135 و 228 و 393 ، کتاب المجروحین : 3 / 124 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 7 / 254 رقم 2155.
2- لسان المیزان : 6 / 337 رقم 9205.
3- میزان الاعتدال : 4 / 411 رقم 9640 ، تهذیب التهذیب : 11 / 254 ، اللآلئ المصنوعة : 2 / 230 ، تقریب التهذیب : 2 / 359.
4- تذکرة الموضوعات : ص 41 و 71 و 73 و 77 ، میزان الاعتدال : 4 / 412 رقم 9643 ، أسنی المطالب : ص 340 ح 1108 ، اللآلئ المصنوعة : 1 / 123 و 2 / 82 و 226 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 7 / 251 رقم 2153.
5- أسنی المطالب : ص 277 ح 887 وفیه : خالد بن یزید العمری ، وأشار محقّقه إلی الخطأ الموجود فی الطبعات السابقة ، محیلاً علی اللآلئ المصنوعة : 2 / 190 ، ومیزان الاعتدال : 1 / 646 ، والموضوعات لابن الجوزی : 3 / 106 - 107 ، وعلی هذا فهو متّحد مع خالد بن یزید المار ذکره فی الرقم 214.

674 - یزید بن ربیعة بن یزید الدمشقی : کذّاب معروف بالکذب. تاریخ الشام (1) (4 / 395).

675 - یزید بن عیاض اللیثی البصری أبو الحکم : کذّاب یضع الحدیث ، لیس بثقة ، متروک الحدیث (2). تاریخ بغداد (14 / 330) ، مجمع الزوائد (1 / 121 ، 2 / 173).

676 - یزید بن مروان الخلاّل : کذّاب. تاریخ بغداد (14 / 348).

677 - یعقوب بن إسحاق البیهسی : کان له انبساط فی تصریح الکذب ، فرمی المحدّثون کلّ ما کتبوا عنه. تاریخ بغداد (14 / 290).

678 - یعقوب بن الولید أبو یوسف الأزدی المدنی : کان من الکذّابین الکبار ، یضع الحدیث (3). تاریخ بغداد (14 / 266) ، میزان الاعتدال (3 / 325) ، تاریخ الشام (4 / 231) ، أسنی المطالب (ص 159) ، اللآلئ المصنوعة (1 / 118 ، 2 / 12 ، 146).

679 - یعقوب أبو یوسف الأعشی : کذّاب ، رجل سوء ، توفّی حدود (200). میزان الاعتدال (4) (3 / 326).

680 - یعلی بن الأشدق أبو الهیثم العقیلی الحرّانی : کان حیّا فی دولة الرشید ، کذّاب ، لیس بشیء ، ولا یُصدّق ولا یکتب حدیثه ، وضعوا له أحادیث فحدّث بها ولم یدر ، قال ابن عدی (5) : بلغنی عن أبی سمَر ، قال : قلت لیعلی : ما سمع عمّک من ر.

ص: 441


1- تاریخ مدینة دمشق : 15 / 19 رقم 1693.
2- کتاب الضعفاء والمتروکین للنسائی : ص 255 رقم 678 ، الجرح والتعدیل : 9 / 282.
3- میزان الاعتدال : 4 / 455 رقم 9829 ، أسنی المطالب : ص 321 ح 1034 ، اللآلئ المصنوعة : 1 / 228 و 2 / 23 و 272 ، العلل ومعرفة الرجال : 1 / 548 رقم 1305 و 2 / 532 رقم 3518.
4- میزان الاعتدال : 4 / 455 رقم 9831.
5- الکامل فی ضعفاء الرجال : 7 / 288 رقم 2186 ، وفیه وفی غیره من المصادر : بلغنی عن أبی مُسْهِر.

النبی صلی الله علیه وآله وسلم؟ قال : جامع سفیان ، وموطّأ مالک ، وشیئاً من الفوائد. میزان الاعتدال (1) (2 / 26 ، 3 / 326).

681 - یمان بن عدی ، یضع. اللآلئ المصنوعة (2) (2 / 96 ، 99).

682 - یوسف بن جعفر الخوارزمی : شیخ متأخّر ، کان یضع الحدیث. میزان الاعتدال (3) (3 / 329).

683 - یوسف بن خالد السمتی الفقیه ، کذّاب ، کان یضع الحدیث ، وضع کتاباً فی التجهّم ینکر فیه المیزان والقیامة ، وهو أوّل من وضع کتاب الشروط ، وأوّل من جلب رأی أبی حنیفة إلی البصرة ، توفّی سنة (189) (4). میزان الاعتدال (3 / 329) ، تهذیب التهذیب (11 / 413) ، حاشیة السنن لابن ماجة تألیف السندی (1 / 395)

684 - یوسف بن السفر أبو الفیض الدمشقی : کذّاب ، متروک الحدیث یکذب ، روی بواطیل ، کان فی عداد من یضع الحدیث (5). میزان الاعتدال (3 / 331) ، مجمع الزوائد (1 / 82) ، اللآلئ المصنوعة (2 / 48 ، 139).

(الکنی)

685 - ابن زبالة : قال الحافظ أحمد بن صالح : کتبت عنه مائة ألف حدیث ، ثمّ 8.

ص: 442


1- میزان الاعتدال : 2 / 400 فی الترجمة رقم 4242 و 4 / 456 رقم 9834 ، الجرح والتعدیل : 9 / 303 ، کتاب المجروحین 3 / 141.
2- اللآلئ المصنوعة : 2 / 176 و 180.
3- میزان الاعتدال : 4 / 463 رقم 9860.
4- میزان الاعتدال : رقم 9863 ، تهذیب التهذیب : 11 / 361 ، الجرح والتعدیل : 9 / 221 ، کتاب المجروحین : 3 / 131.
5- میزان الاعتدال : 4 / 466 رقم 9871 ، اللآلئ المصنوعة : 2 / 91 و 256 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 7 / 162 رقم 2068.

تبیّن لی أنّه کان یضع الحدیث ، فترکت حدیثه. تاریخ بغداد (4 / 200).

686 - ابن شوکر : کان یضع الحدیث بالسند. تاریخ بغداد (11 / 152).

687 - ابن الصقر : کان کذّاباً یسرق الأحادیث ویرکّبها ویضعها علی الشیوخ. تاریخ بغداد (2 / 219).

688 - أبو بکر بن أبی الأزهر : کان یضع الحدیث. میزان الاعتدال (1) (3 / 350).

689 - أبو بکر بن عثمان : کذّاب ، له أحادیث کذب. لسان المیزان (2) (6 / 349).

690 - أبو جابر البیاضی (3) : کذّاب. المحلّی (4 / 217).

691 - أبو الحسن بن نوفل الراعی : بلاء کذّاب. لسان المیزان (4) (6 / 364).

692 - أبو حیّان التوحیدی : صاحب التصانیف ، قیل : اسمه علیّ بن محمد بن العبّاس ، نفاه الوزیر المهلّبی لسوء عقیدته ، وکان یتفلسف ، بقی إلی حدود الأربعمائة ببلاد فارس ، قال ابن مالی فی کتاب الفریدة (5) : کان أبو حیّان کذّاباً ، قلیل الدین والورع مجاهراً بالبهت ، تعرّض لأمور جسام من القدح فی الشریعة والقول بالتعطیل ، وقال ابن الجوزی : کان زندیقاً ، وقال الذهبی : صاحب زندقة وانحلال. ة.

ص: 443


1- میزان الاعتدال : 4 / 506 رقم 10028 ، تاریخ بغداد : 3 / 288.
2- لسان المیزان : 7 / 20 رقم 136 ، میزان الاعتدال : 4 / 505 رقم 10025.
3- واسمه : محمد بن عبد الرحمن ، وقد مرّ فی الرقم 546.
4- لسان المیزان : 7 / 35 رقم 312.
5- فی میزان الاعتدال ولسان المیزان : ابن الرمانی فی کتاب الفریدة ، وفی سیر أعلام النبلاء : 17 / 119 : ابن بابی فی کتاب الخریدة والفریدة ، وأما فی طبقات الشافعیة الکبری للسبکی : 5 / 286 رقم 510 فقد جاء اسمه : ابن فارس فی کتاب الفریدة والخریدة ، ووافقه الصفدی فی الوافی بالوفیات : 22 / 39 بالاسم وخالفه بالکتاب فقال : قال ابن فارس فی کتاب الخریدة والفریدة.

قال جعفر بن یحیی الحکّاک : قال لی أبو نصر السجزی ، إنّه سمع أبا سعید المالینی یقول : قرأت الرسالة المنسوبة إلی أبی بکر وعمر مع أبی عبیدة إلی علیّ ، علی أبی حیّان فقال : هذه الرسالة عملتُها ردّا علی الروافض ، وسببها أنّهم کانوا یحضرون مجلس بعض الوزراء - یعنی ابن العمید - فکانوا یغلون فی حال علیّ فعملت هذه الرسالة. [قلت :] (1) فقد اعترف بالوضع.

وقال ابن حجر : قرأت بخطّ القاضی عزّ الدین بن جماعة أنّه نقل من خطّ ابن العلاج ، أنّه وقف لبعض العلماء علی کلام یتعلّق بهذه الرسالة ملخّصه : لم أزل أری أبا حیّان علیّ بن محمد التوحیدی معدوداً فی زمرة أهل الفضل ، موصوفاً بالسداد فی الجدّ والهزل ، حتی صنع رسالة منسوبة إلی أبی بکر وعمر راسلا بها علیّا رضی الله عنه ، وقصد بذلک الطعن علی الصدر الأوّل ، فنسب فیها أبا بکر وعمر إلی أمر لو ثبت لاستحقّا فوق ما یعتقده الإمامیّة [فیهما] (2) ، فأوّل ما یدلُّ فیها علی افتعاله فی ذلک نسبته إلی أبی بکر إنشاء خطبة بلیغة تملّق فیها لأبی عبیدة لیحمل له رسالته إلی علیّ رضی الله عنه ، وغفل عن أنّ القوم کانوا بمعزل عن التملّق ، ومنها قوله : ولعمری إنّک أقرب إلی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قرابة ، ولکنّا أقرب إلیه قربةً ، والقرابة لحم ودم والقربة نفس وروح.

وهذا یشبه کلام الفلاسفة ، وسخافة هذه الألفاظ تغنی عن تکلّف الردّ ، وقال فیها : إنّ عمر رضی الله عنه قال لعلیّ فی ما خاطبه به : إنّک اعتزلت تنتظر وحیاً من جهة الله ، وتتواکف مناجاة الملک. وهذا الکلام لا یجوز نسبته إلی عمر رضی الله عنه ، فإنّه ظاهر الافتعال ، إلی غیر ذلک ممّا تضمّنته الرسالة من عدم الجزالة التی تعرف من طراز کلام السلف (3). میزان الاعتدال (ج 3) ، لسان المیزان (6 / 369). 1.

ص: 444


1- ما بین المعقوفین للذهبی فی میزان الاعتدال.
2- الزیادة من المصدر.
3- میزان الاعتدال : 4 / 518 رقم 1137 ، لسان المیزان : 7 / 39 رقم 371.

قال الأمینی : ألا تعجب من الأعلام الذین ذکروا فی تآلیفهم رسالة أبی حیّان التوحیدی المکذوبة التی أوقفناک علی بطلانها وعلی مبلغ مفتعلها من الدین والثقة والاعتبار ، کالعبیدی المالکی فی عمدة التحقیق ، ذکروها برمّتها محتجّین بها فی باب فضائل أبی بکر وعمر.

693 - أبو خلف الأعمی البصری خادم أنس : کذّاب. تهذیب التهذیب (1) (12 / 87).

694 - أبو الخیر : شیخ بغدادیّ ، کذّاب. تاریخ بغداد (14 / 417) ، میزان الاعتدال (2) (3 / 357).

695 - أبو سعد المدائنی : ذُکِرَ فیمن کان یضع الحدیث. لسان المیزان (3) (6 / 383).

696 - أبو سعید القدری : أحد الکذّابین. لسان المیزان (4) (6 / 384).

697 - أبو سلمة العاملی الشامی الأزدی : کذّاب ، یضع الحدیث. تهذیب التهذیب (5) (12 / 119).

698 - أبو الطیّب الحربی : کذّاب خبیث ، لا یجوز الاحتجاج به. تاریخ بغداد (14 / 406) ، میزان الاعتدال (6) (3 / 366).

699 - أبو علی بن عمر المذکّر النیسابوری : کان کذّاباً معروفاً بسرقة الأحادیث. تاریخ بغداد (4 / 130). 0.

ص: 445


1- تهذیب التهذیب : 12 / 95.
2- میزان الاعتدال : 4 / 521 رقم 10163.
3- لسان المیزان : 7 / 53 رقم 486.
4- لسان المیزان : ص 55 رقم 497.
5- تهذیب التهذیب : 12 / 130.
6- میزان الاعتدال : 4 / 541 رقم 10330 ، کتاب المجروحین : 3 / 160.

700 - أبو القاسم الجهنی القاضی : مذکور بالکذب فی حدیث الناس واختراع العجائب الخارقة للعادات. راجع معجم الأدباء لیاقوت الحموی ترجمة أبی الفرج صاحب الأغانی (1).

701 - أبو المغیرة : شیخ من أکذب الناس وأخبثه (2). تاریخ بغداد (14 / 410).

702 - أبو المهزم : کذّاب. اللآلئ المصنوعة (3) (1 / 99).

(إِنَّ هؤُلاءِ مُتَبَّرٌ ما هُمْ فِیهِ وَباطِلٌ ما کانُوا یَعْمَلُونَ) (4)

لفت نظر :

هذا غیض من فیض ، ولعلّ القارئ یستکثره أو یستعظمه ، ذاهلاً عن أنّ وضع الحدیث والکذب علی النبیّ الأعظم ، وعلی الثقات من الصحابة الأوّلین والتابعین لهم بإحسان ، لا ینافی عند کثیر من القوم الزهد والورع واتِّصاف الرجل بالتقوی ، بل هو شعار الصالحین ویتقرّبون به إلی المولی سبحانه ، ومن هنا قال یحیی بن سعید القطّان : ما رأیت الصالحین فی شیء أکذب منهم فی الحدیث (5) ، وعنه : لم نرَ أهل الخیر فی شیء أکذب منهم فی الحدیث (6) ، وعنه : ما رأیت الکذب فی أحد أکثر منه فیمن ینسب إلی الخیر والزهد (7). وقال القرطبی فی التذکار (ص 155) : لا التفات لما وضعه الواضعون واختلقه المختلقون من الأحادیث الکاذبة والأخبار الباطلة فی فضل سور القرآن وغیر ذلک من فضائل الأعمال ، وقد ارتکبها جماعة کثیرة وضعوا الحدیثف)

ص: 446


1- معجم الأدباء : 13 / 123.
2- کذا.
3- اللآلئ المصنوعة : 1 / 199.
4- الأعراف : 139.
5- مقدّمة صحیح مسلم [1 / 42] ، تاریخ بغداد : 2 / 98 [رقم 493]. (المؤلف)
6- مقدّمة صحیح مسلم [1 / 42]. (المؤلف)
7- اللآلئ المصنوعة للسیوطی : ج 2 [2 / 470] ، فی خاتمة الکتاب. (المؤلف)

حسبةً کما زعموا ؛ یدعون الناس إلی فضائل الأعمال ، کما روی عن أبی عصمة نوح ابن أبی مریم المروزی ، ومحمد بن عکاشة الکرمانی ، وأحمد بن عبد الله الجویباری ، وغیرهم. قیل لأبی عصمة : من أین لک عن عکرمة عن ابن عبّاس فی فضل سور القرآن سورةً سورةً؟ فقال : إنّی رأیت الناس قد أعرضوا عن القرآن واشتغلوا بفقه أبی حنیفة ومغازی محمد بن إسحاق ، فوضعت هذا الحدیث حسبة.

وقال فی (ص 156) : قد ذکر الحاکم وغیره من شیوخ المحدّثین أنّ رجلاً من الزهّاد انتدب فی وضع أحادیث فی فضل القرآن وسوره ، فقیل له : لِمَ فعلتَ هذا؟ فقال : رأیت الناس زهدوا فی القرآن فأحببت أن أُرغِّبهم فیه ، فقیل : فإنّ النبی صلی الله علیه وآله وسلم قال : «من کذب علیّ متعمّداً فلیتبوّأ مقعده من النار» ،فقال : أنا ما کذبت علیه إنّما کذبتُ له (1).

وقال فی التحذیر من الموضوعات : وأعظمهم ضرراً قوم منسوبون إلی الزهد وضعوا الحدیث حسبةً فیما زعموا ، فتقبّل الناس موضوعاتهم ثقةً منهم بهم ورکوناً إلیهم ، فضلّوا وأضلّوا.

وسمعت فی (ص 268) قول میسرة بن عبد ربّه ، لمّا قیل له : من أین جئتَ بهذه الأحادیث؟ قال : وضعتها أرغّب الناس فیها ، وقوله : إنّی أحتسب فی ذلک. وقال الحاکم : کان الحسن - الراوی عن المسیّب بن واضح - ممّن یضع الحدیث حسبةً. لسان المیزان (2) (5 / 288) ، وکان نعیم بن حمّاد یضع الحدیث فی تقویة السنّة ، راجع (ص 269)

فکأنّ الکذب والإفک وقول الزور لیست من الفواحش ، ولم تکن فیها أیّ 8.

ص: 447


1- أنظر إلی فقه الحدیث وأعجب ، (فَمَا لِهؤلاءِ القَوْمِ لا یَکادُونَ یَفْقَهُونَ حَدِیثاً). (المؤلف)
2- لسان المیزان : 5 / 326 رقم 7768.

منقصة ومغمزة ، ولا تنافی شیئاً من فضائل النفس ، ولا تمسّ کرامة ذویها ، فهذا حرب بن میمون ، مجتهد عابد ، وهو أکذب الخلق.

وهذا الهیثم الطائی ، یقوم عامّة اللیل بالصلاة ، وإذا أصبح یجلس ویکذب.

وهذا محمد بن إبراهیم الشامی ، کان من الزهّاد وهو الکذّاب الوضّاع.

وهذا الحافظ عبد المغیث الحنبلی ، موصوف بالزهد والثقة والدین والصدق والأمانة والصلاح والاجتهاد واتّباع السنّة والآثار ، وهو یؤلّف من الموضوعات کتاباً فی فضائل یزید بن معاویة.

وهذا معلّی بن صبیح من عبّاد الموصل ، وکان یضع ویکذب.

وهذا معلّی بن هلال ، عابد وهو کذّاب.

وهذا محمد بن عکاشة ، بکّاء عند القراءة ، وهو وضّاع أیّ وضّاع.

وهذا أبو عمر الزاهد ، ألّف من الموضوعات کتاباً فی فضائل معاویة بن أبی سفیان.

وهذا أحمد الباهلی : من کبار الزهّاد ، وهو ذلک الکذّاب الوضّاع. قال ابن الجوزی : کان یتزهّد ویهجر شهوات الدنیا ، فحسّن له الشیطان هذا الفعل القبیح.

وهذا البردانی ، رجل صالح ، ویضع الحدیث فی فضل معاویة.

وهذا وهب بن حفص : من الصالحین ، ومکث عشرین سنة لا یکلّم أحداً ، وکان یکذب کذباً فاحشاً.

وهذا أبو بشر المروزی الفقیه ، أصلب أهل زمانه فی السنّة ، وأذبّهم عنها ، وأخفّهم لمن خالفها ، وکان یضع الحدیث ویقلّبه.

ص: 448

وهذا أبو داود النخعی ، أطول الناس قیاماً بلیل وأکثرهم صیاماً بنهار ، وهو وضّاع.

وهذا أبو یحیی الوکّار ، من الکذّابین الکبار ، وکان من الصلحاء العبّاد الفقهاء.

وهذا إبراهیم بن محمد الآمدی ، أحد الزّهاد وأحادیثه موضوعة. لسان المیزان (1) (1 / 99).

وهذا رشدین ، مقلّب متون الحدیث ، وکان صالحاً عابداً ، کما قاله الذهبی (2).

وهذا إبراهیم أبو إسماعیل الأشهلی ، کان عابداً صام ستّین سنة لا یُتابع علی شیء من حدیثه ، کان یقلّب الأسانید ویرفع المراسیل. تهذیب التهذیب (3) (1 / 104).

وهذا جعفر بن الزبیر ، کان مجتهداً فی العبادة ، وهو وضّاع (4).

وهذا أبان بن أبی عیّاش ، رجل صالح ، کان من العبّاد (5) ، وهو کذّاب.

فمن هنا تری کثیراً من الوضّاعین المذکورین بین إمام مقتدی ، وحافظ شهیر ، وفقیه حجّة ، وشیخ فی الروایة ، وخطیب بارع ، وکان فریق منهم یتعمّدون الکذب خدمةً لمبدإ ، أو تعظیماً لإمام ، أو تأییداً لمذهب ، ولذلک کثر الافتعال ووقع التضارب فی المناقب والمثالب بین رجال المذاهب ، وکان من تقصر یده عن الفریة علی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بالحدیث عنه ، فإنّه یبهت الناس باختلاق أطیاف حول المذاهب ورجالاتها. ف)

ص: 449


1- لسان المیزان : 1 / 97 رقم 295.
2- میزان الاعتدال : 2 / 49 رقم 2780.
3- تهذیب التهذیب : 1 / 90.
4- راجع سلسلة الکذّابین والوضّاعین. (المؤلف)
5- تهذیب التهذیب : 1 / 99 [1 / 85]. (المؤلف)

تری أُناساً افتعلوا علی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم روایات فی مناقب أبی حنیفة ، مثل روایة : سیأتی من بعدی رجل یقال له النعمان بن ثابت ، ویُکنّی أبا حنیفة ، لَیُحیینّ دین الله وسنّتی علی یدیه (1).

وروایة : فی کلّ قرنٍ من أمّتی سابقون ، وأبو حنیفة سابق فی زمانه. أخرجه الخوارزمی فی کتابه مناقب أبی حنیفة (1 / 16) بهذا اللفظ.

وفی جامع مسانید أبی حنیفة (1 / 18) بلفظ : وأبو حنیفة سابق هذه الأمّة ، والسند مرسل عن ابن لهیعة المتوفّی (174) ، عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم من طریق حامد بن آدم الکذّاب ؛ کذّبه الجوزجانی وابن عدی (2) ، وعدّه أحمد السلیمانی فیمن اشتهر بوضع الحدیث ، وقال ابن معین : کذّاب لعنه الله ، مات (339).

وروایة : إنّ فی أُمّتی رجلاً اسمه النعمان وکنیته أبو حنیفة ، هو سراج أمّتی ، هو سراج أمّتی ، هو سراج أمّتی. أخرجه الخطیب البغدادی فی تاریخة (13 / 335) ، وقال : حدیث موضوع.

وروایة : یکون فی آخر الزمان رجل یکنّی بأبی حنیفة ، هو خیر هذه الأمّة (3).

وروایة : سیکون فی أمّتی رجل یقال له أبو حنیفة هو سراج أمّتی (4).

وروایة : یکون فی أمّتی رجل یقال له النعمان یُکنّی أبا حنیفة ، یجدّد الله له سنّتی ف)

ص: 450


1- أخرجه الخطیب البغدادی فی تاریخه : 2 / 289 [رقم 768] من طریق محمد بن یزید المستملی الکذّاب الوضّاع ، وقال : هو موضوع باطل. (المؤلف)
2- الکامل فی ضعفاء الرجال : 2 / 461 رقم 569.
3- أخرجه الخطیب الخوارزمی فی مناقب أبی حنیفة : 1 / 14 بإسناد باطل. (المؤلف)
4- قال الشیخ علی القاری فی موضوعاته الکبری [ص 16] : هو موضوع باتفاق المحدثین. کشف الخفاء : 1 / 33. (المؤلف)

علی یدیه ؛ عدّه ابن عدی (1) من موضوعات أحمد الجویباری الکذّاب الوضّاع. لسان المیزان (1 / 193) ، اللآلئ المصنوعة (1 / 238) (2).

وروایة : أبو حنیفة سراج أهل الجنّة. فی أسنی المطالب (3) (ص 14) موضوع باطل.

وروایة : سیأتی رجل من بعدی یقال له النعمان بن ثابت ویُکنّی أبا حنیفة ، یُحیی دین الله وسنّتی علی یدیه (4).

وروایة : یجیء رجل فیحیی سنّتی ویمیت البدعة ، اسمه النعمان بن ثابت (5).

وروایة : إنّ سائر الأنبیاء تفتخر بی وأنا أفتخر بأبی حنیفة ، وهو رجل تقیّ عند ربّی ، وکأنّه جبل من العلم ، وکأنّه نبیّ من أنبیاء بنی إسرائیل ، فمن أحبّه فقد أحبّنی ، ومن أبغضه فقد أبغضنی. قال ابن الجوزی : موضوع ، وقال العجلونی : لا یصلح وإن تعدّدت طرقه. کشف الخفاء (1 / 33).

وروایة : إنّ آدم افتخر بی ، وأنا أفتخر برجل من أمّتی اسمه نعمان ، وکنیته ف)

ص: 451


1- الکامل فی ضعفاء الرجال : 1 / 177 رقم 17.
2- لسان المیزان : 1 / 206 رقم 612 ، اللآلئ المصنوعة : 1 / 457.
3- أسنی المطالب : ص 37 ح 31.
4- قال الخطیب فی تاریخه : 2 / 289 [رقم 768] : باطل موضوع ، ومحمد بن یزید متروک الحدیث ، وسلیمان بن قیس وأبو المعلی مجهولان ، وأبان بن أبی عیاش رمی بالکذب ، وعدّه ابن حجر فی الخیرات الحسان من الموضوعات کما فی کشف الخفاء : 1 / 33. قال الأمینی : محمد بن یزید راوی الحدیث هو أبو بکر الطرسوسی ، أحد الوضّاعین الکذّابین ، کما مرّ فی سلسلتهم. (المؤلف)
5- أخرجه الخوارزمی فی مناقب أبی حنیفة : 1 / 15 من طریق إبراهیم بن أحمد الخزاعی. قال ابن حبّان [کتاب الثقات : 8 / 78] : یخطئ ویخالف ، وعن أبی مدیة : إبراهیم الکذّاب الوضّاع الخبیث. (المؤلف)

أبو حنیفة ، هو سراج أمّتی ؛ قال العجلونی : موضوع. کشف الخفاء (1 / 33).

وروایة : لو کان فی أمّة موسی وعیسی مثل أبی حنیفة لما تهوّدوا وما تنصّروا (1).

وروایة : یخرج فی أمّتی رجل یقال له أبو حنیفة ، بین کتفیه خال ، یُحیی الله تعالی علی یدیه السنّة ؛ مرسل عن مجاهیل. ذکره الخوارزمی فی مناقب أبی حنیفة (1 / 16).

وروایة ابن عباس : یطلع بعد رسول الله بدر علی جمیع خراسان یکنّی بأبی حنیفة (2)

وروایة أبی البختری الکذّاب قال : دخل أبو حنیفة علی جعفر بن محمد الصادق ، فلمّا نظر إلیه جعفر قال : کأنّی أنظر إلیک وأنت تحیی سنّة جدّی صلی الله علیه وآله وسلم بعد ما اندرست ، وتکون مفزعاً لکلّ ملهوف ، وغیاثاً لکلّ مهموم ، بک یسلک المتحیّرون إذا وقفوا ، وتهدیهم إلی الواضح من الطریق إذا تحیّروا ، فلک من الله العون والتوفیق ، حتی یسلک الربّانیّون بک الطریق. أخرجه الخطیب الخوارزمی فی مناقب أبی حنیفة (1 / 19) عن أبی البختری.

ما عسانی أن أقول فی رجل (3) یؤلّف کتاباً ضخماً فی مناقب أبی حنیفة من هذه المخازی ، ویأتی بهذه الأکاذیب الشائنة ویبثّها فی الملأ الدینیّ کحقائق راهنة ، غیر مکترث بمغبّة دجله ، ولا مبالٍ بالکشف عن سوأته. ف)

ص: 452


1- عدّه العجلونی من الموضوعات کشف الخفاء : 1 / 33. (المؤلف)
2- أخرجه الخوارزمی فی مناقب أبی حنیفة : 1 / 18 ، وجامع المسانید : 1 / 17 بإسنادٍ باطل. (المؤلف)
3- مثل الخوارزمی المترجم فی الجزء الرابع : ص 398 - 407 ، وشمس الدین الشامی المتوفّی (942) صاحب عقود الجمان فی مناقب أبی حنیفة النعمان. (المؤلف)

وقد بلغت مغالاة أمّة من الحنفیّة إلی حدّ زعمت أنّه أعلم من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم. قال علیّ بن جریر : کنت فی الکوفة فقدمت البصرة وبها عبد الله بن المبارک ، فقال لی : کیف ترکت الناس؟ قال : قلت : ترکت بالکوفة قوماً یزعمون أنّ أبا حنیفة أعلم من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، [قال : کفروا] (1) ، قلت : اتّخذوک فی الکفر إماماً ، قال : فبکی حتی ابتلّت لحیته - یعنی أنّه حدّث عنه. تاریخ بغداد (13 / 441).

وعن علیّ بن جریر قال : قدمت علی ابن المبارک فقال له رجل : إنّ رجلین تماریا عندنا فی مسألة ، فقال أحدهما : قال أبو حنیفة ، وقال الآخر : قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، قال : کان أبو حنیفة أعلم بالقضاء ، فقال ابن المبارک : أعد علیّ ، فأعاد علیه ، فقال : کفر کفر ، قلت : بک کفروا ، وبک اتّخذوا الکافر إماماً. قال : ولِمَ؟ قلت : بروایتک عن أبی حنیفة ، قال : أستغفر الله من روایاتی عن أبی حنیفة. تاریخ بغداد (13 / 442).

وعن فضیل بن عیاض قال : إنّ هؤلاء أُشربت قلوبهم حبّ أبی حنیفة ، وأفرطوا فیه ، حتی لا یرون أنّ أحداً کان أعلم منه. حلیة الأولیاء (6 / 358).

وکان محمد بن شجاع أبو عبد الله - فقیه أهل العراق - یحتال فی إبطال الحدیث عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وردّه ، نصرة لأبی حنیفة ورأیه. تاریخ بغداد (5 / 351).

وهناک قوم قابلوا هؤلاء بالطعن علی إمامهم ، وشنّوا علیه الغارات ، وتحاملوا علیه بالوقیعة فیه ، لا یسعنا ذکر جلّ ما وقفنا علیه من ذلک فضلاً عن کلّه ، غیر أنّا نذکر منه النزر الیسیر.

قال ابن عبد البرّ (2) : فممّن طعن علیه أبو عبد الله محمد بن إسماعیل البخاری ف)

ص: 453


1- الزیادة من المصدر.
2- فی الانتقاء فی فضائل الثلاثة الأئمّة الفقهاء : مالک والشافعی وأبی حنیفة : ص 149. (المؤلف)

صاحب الصحیح ، فقال فی کتابه فی الضعفاء والمتروکین : أبو حنیفة النعمان بن ثابت الکوفی ، قال نعیم بن حمّاد : حدثنا یحیی بن سعید ومعاذ بن معاذ سمعا سفیان الثوری یقول : قیل : أُستُتیب أبو حنیفة من الکفر مرّتین (1) ، وقال نعیم عن الفزاری : کنت عند سفیان بن عیینة فجاء نعی أبی حنیفة ، فقال : لعنه الله کان یهدم الإسلام عروةً عروةً ، وما ولد فی الإسلام مولود أشرُّ منه. هذا ما ذکره البخاری.

وقال فی (ص 150) من الانتقاء : وذکر الساجی فی کتاب العلل له فی باب أبی حنیفة : أنّه استتیب فی خلق القرآن فتاب ؛ والساجی ممّن کان ینافس أصحاب أبی حنیفة.

وقال ابن الجارود فی کتابه فی الضعفاء والمتروکین : النعمان بن ثابت أبو حنیفة ، جلّ حدیثه وهم قد اختُلِفَ فی إسلامه.

وروی عن مالک ؛ أنّه قال فی أبی حنیفة نحو ما ذکر سفیان : إنّه شرّ مولود وُلد فی الإسلام ، وأنّه لو خرج علی هذه الأمّة بالسیف کان أهون.

وذکر الساجی قال : حدّثنا أبو السائب ، قال : سمعت وکیع بن الجراح یقول : وجدت أبا حنیفة خالف مائتی حدیث عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم. وذکره الخطیب فی تاریخه (13 / 407).

وذکر الساجی قال : حدّثنی محمد بن روح المدائنی ، قال : حدّثنی معلّی بن أسد ، قال : قلت لابن المبارک : کان الناس یقولون إنّک تذهب إلی قول أبی حنیفة؟ قال : لیس کلّ ما یقول الناس یصیبون فیه ، کنّا نأتیه زماناً ونحن لا نعرفه ، فلمّا عرفناه ترکناه. قال : وحدّثنی محمد بن أبی عبد الرحمن المقری ، قال : سمعت أبی ف)

ص: 454


1- ذکر الخطیب البغدادی استتابته من الکفر عن جمع کثیر فی تاریخة : 13 / 388 - 395 [رقم 7297] ، وحکی عن شریک أنّه قال : علمت ذاک العواتق فی خدورهن. (المؤلف)

یقول : دعانی أبو حنیفة إلی الإرجاء غیر مرّة فلم أُجبه.

وفی (ص 152) قال أبو عمر : سمع الطحاوی أبو جعفر رجلاً ینشده :

إن کنتِ کاذبةً بما حدَّثتِنی

فعلیک إثمُ أبی حنیفةَ أو زفر (1)

الواثبین علی القیاس تعدِّیاً

والناکبین عن الطریقة والأثر

وقال أبو جعفر : وددت أنّ لی حسناتهما وأُجورهما وعلیّ إثمهما.

وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل : أصحاب أبی حنیفة لا ینبغی أن یُروی عنهم شیء ، وسُئل عبد الله بن أحمد عن أبی حنیفة یُروی عنه؟ قال : لا (2).

وعن منصور بن أبی مزاحم ، قال : سمعت مالک بن أنس - وذُکِر أبو حنیفة - ، قال : کاد الدین ، ومن کاد الدین فلیس من أهله. حلیة الأولیاء (6 / 325) ، وذکره الخطیب فی تاریخه (13 / 400).

وعن الولید بن مسلم قال : قال لی مالک بن أنس : یُذکر أبو حنیفة ببلدکم؟ قلت : نعم ، قال : ما ینبغی لبلدکم أن یُسکن. حلیة الأولیاء (6 / 325).

کان ابن أبی لیلی یتمثّل بأبیات منها (3) :

إلی شنآنِ المرجئین ورأیِهمْ

عمر بن ذرٍّ وابنِ قیسِ الماصرِ

وعتیبة الدبّاب لا یُرضی به

وأبو حنیفةَ شیخُ سوءٍ کافرِ

وعن یوسف بن أسباط : ردّ أبو حنیفة علی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أربعمائة حدیث ف)

ص: 455


1- زفر بن الهذیل العنبری ثمّ التمیمی ، أحد أکابر أصحاب أبی حنیفة وأفقههم وأحسنهم قیاساً ، ولی قضاء البصرة ، وقد خلف أبا حنیفة فی حلقته إذ مات ، توفّی سنة (158). (المؤلف)
2- تاریخ بغداد : 14 / 259 ، 260 [رقم 7558]. (المؤلف)
3- أخذنا ما یأتی من تاریخ الخطیب البغدادی : 13 / 380. (المؤلف)

أو أکثر. وعن مالک أنّه قال : ما ولد فی الإسلام مولود أضرّ علی أهل الإسلام من أبی حنیفة.

وعنه : کانت فتنة أبی حنیفة أضرّ علی هذه الأمّة من فتنة إبلیس فی الوجهین جمیعاً : فی الإرجاء ، وما وضع من نقض السنن.

وعن عبد الرحمن بن مهدی : ما أعلم فی الإسلام فتنةً بعد فتنة الدجّال أعظم من رأی أبی حنیفة.

وعن شریک : لئن یکون فی کلّ حیٍّ من الأحیاء خمّار خیر من أن یکون فیه رجل من أصحاب أبی حنیفة.

وعن الأوزاعی : عمد أبو حنیفة إلی عری الإسلام فنقضها عروة عروة ، ما ولد مولود فی الإسلام أضرّ علی الإسلام منه.

وعن سفیان الثوری أنّه قال - إذ جاءه نعی أبی حنیفة - : الحمد لله الذی أراح المسلمین منه ، لقد کان ینقض عری الإسلام عروة عروة ، ما ولد فی الإسلام مولود أشأم علی أهل الإسلام منه.

وعنه - وذکر عنده أبو حنیفة - : یتعسّف الأمور بغیر علم ولا سنّة.

وعن عبد الله بن إدریس : أبو حنیفة ضالّ مضلّ.

وعن ابن أبی شیبة - وذکر أبا حنیفة - : أراه کان یهودیّا.

وعن أحمد بن حنبل أنّه قال : کان أبو حنیفة یکذب وقال : أصحاب أبی حنیفة ینبغی أن لا یروی عنهم شیء. تاریخ بغداد (7 / 17).

وعن أبی حفص عمرو بن علیّ : أبو حنیفة صاحب الرأی ، لیس بالحافظ ، مضطرب الحدیث ، واهی الحدیث ، وصاحب هوی.

ص: 456

وتری آخرین افتعلوا علی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم روایة : عالم قریش یملأ طباق الأرض علماً (1) وحملوه علی محمد بن إدریس إمام الشافعیّة.

وزعم المزنی أنّه رأی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی المنام فسأله عن الشافعی ، فقال : من أراد محبّتی وسنّتی فعلیه بمحمد بن إدریس الشافعی المطّلبی ، فإنّه منّی وأنا منه. تاریخ بغداد (2 / 69).

وعن محمد بن نصر الترمذی أنّه قال : کتبت الحدیث تسعاً وعشرین سنة ، وسمعت مسائل مالک وقوله ، ولم یکن لی حسن رأی فی الشافعیّ ، فبینا أنا قاعد فی مسجد النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم بالمدینة ، إذ غفوت غفوة فرأیت النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فی المنام ، فقلت : یا رسول الله أکتب رأی أبی حنیفة؟ قال : لا ، قلت : أکتب رأی مالک؟ قال : ما وافق حدیثی ، قلت له : أکتب رأی الشافعی؟ فطأطأ رأسه شبه الغضبان لقولی وقال : لیس هذا بالرأی ، هذا ردّ علی من خالف سنّتی ، فخرجت علی أثر هذه الرؤیا إلی مصر ، فکتبت کتب الشافعی. تاریخ بغداد (1 / 366).

وقال أحمد بن نصر : رأیت النبیّ فی منامی فقلت : یا رسول الله بمن تأمرنا أن نقتدی به من أمّتک فی عصرنا ، ونرکن إلی قوله ، ونعتقد مذهبه؟! فقال : علیکم بمحمد بن إدریس الشافعیّ ، فإنّه منّی ، وإنّ الله قد رضی عنه وعن جمیع أصحابه ومن یصحبه ویعتقد مذهبه إلی یوم القیامة ، قلت له : وبمن؟ قال : بأحمد بن حنبل ، فنعم الفقیه الورع الزاهد. تاریخ الشام (2) (2 / 48).

وعن أحمد بن الحسن الترمذی قال : کنت فی الروضة فأغفیت فإذا النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم قد أقبل ، فقمت إلیه فقلت : یا رسول الله قد کثر الاختلاف فی الدین ، فما تقول فی رأی أبی حنیفة؟ فقال : أُفّ ، ونفض یده ، قلت : فما تقول فی رأی مالک؟ فرفع یده 6.

ص: 457


1- قال ابن الحوت فی أسنی المطالب : ص 14 [ص 37 ح 31] : خبر لم یصح ، فهو ضعیف. (المؤلف)
2- تاریخ مدینة دمشق : 5 / 341 رقم 136.

وطأطأ ، وقال : أصاب وأخطأ ، قلت : فما تقول فی رأی الشافعیّ؟ قال : بأبی ابن عمّی ، أحیا سنّتی. تاریخ بغداد (2 / 69).

وعنه قال : رأیت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی المنام فقلت : یا رسول الله أما تری ما فی الناس من الاختلاف؟ قال : فقال لی : فی أیّ شیء؟ قال : قلت : أبو حنیفة ومالک والشافعی. فقال : أمّا أبو حنیفة فما أدری من هو ، وأمّا مالک فقد کتب العلم ، وأمّا الشافعی فمنّی وإلیّ. تاریخ بغداد (4 / 231).

ویأتی حنفیّ محاجّ یتقرّب إلی إمامه بوضع الحدیث علی النبیّ الأعظم من طریق أبی هریرة ، أنّه قال : سیکون فی أمّتی رجل یقال له أبو حنیفة ، هو سراج أُمّتی ، وسیکون فی أُمّتی رجل یقال له : محمد بن إدریس فتنته علی أُمّتی أضرّ من فتنة إبلیس ، وفی لفظ : أضرّ علی أُمّتی من إبلیس (1).

وکان محمد بن موسی الحنفی القاضی بدمشق ، المتوفّی (506) یقول : لو کان لی أمر لأخذت الجزیة من الشافعیّة (2). البدایة والنهایة (12 / 175) ، لسان المیزان (5 / 402).

وکان محبّ الدین محمد بن محمد الدمراقی الحنفی المتوفّی (789) - ذاک العالم الورع الذی کان یقرأ کلّ یوم ختمة - شدید العصبیّة ، یقع فی الشافعی ویری ذلک عبادة. شذرات الذهب (3) (6 / 310).

وتأتی المالکیّة بالزعمات ، فتروی ما وضعه بعضهم علی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم من .

ص: 458


1- أخرجه الخطیب فی تاریخه : 5 / 309 [رقم 2821] ، وعدّه من أفحش ما وضعه البورقی محمد بن سعید الکذّاب المتوفّی (318) علی الثقات ، وعدّه العجلونی فی کشف الخفاء : 1 / 33 من الموضوعات ، وکذا السیوطی فی اللآلئ المصنوعة : 1 / 237 [1 / 457]. (المؤلف)
2- البدایة والنهایة : 12 / 216 حوادث سنة 506 ه ، لسان المیزان : 5 / 455 رقم 8097.
3- شذرات الذهب : 8 / 531 حوادث سنة 789 ه.

روایة : یکاد الناس یضربون أکباد الإبل فلا یجدون أعلم من عالم المدینة (1) ، وطبّقوها علی مالک بن أنس ، فکأنّ المدینة لم تکن عاصمة الإسلام ، ولم یکن هناک عالم یُقصد قبل مالک وبعده ، وکأنّ عائلة النبوّة التی جعلها النبی صلی الله علیه وآله وسلم قرینة القرآن فی الاستخلاف وقال : «إنّی مخلّف فیکم الثقلین : کتاب الله وعترتی أهل بیتی» لم ترث علم النبیّ الأعظم ، وکأنّ صادق آل محمد - وکلّهم صادقون - لم یکن هو المنتجع الوحید فی العلم لأئمّة الدنیا فی ذلک الیوم ، وکأنّ مالکاً لم یکن من تلامذته.

فیأتی الرجل (2) بدعوی الإجماع المجرّدة من المسلمین ، علی أنّ مالکاً هو المراد من ذلک الحدیث المزوّر ، ذاهلاً عن قول محمد بن عبد الرحمن : إنّ أحمد کان أفضل من مالک بن أنس. تاریخ بغداد (2 / 298).

وعن قول أحمد إمام الحنابلة : کان ابن أبی ذئب أفضل من مالک بن أنس. تاریخ بغداد (2 / 298).

وعن قول یحیی بن سعید : إنّ سفیان فوق مالک من کلّ شیء ، فی الحدیث والفقه والزهد. تاریخ بغداد (9 / 164).

وعن قول عطیّة بن أسباط : إنّ أبا حنیفة أفقه من ملء الأرض مثل مالک (3).

وعن قول الشافعیّ وابن بکیر : إنّ لیث بن سعید الفهمی - شیخ الدیار المصریّة - أفقه من مالک (4). خلاصة التهذیب (ص 275) ، طبقات الحفّاظ (1 / 208). 0.

ص: 459


1- عدّه ابن الحوت فی أسنی المطالب : ص 14 [ص 37 ح 31] من الموضوعات ، وقال : سمعته من المالکیة ولم أره. (المؤلف)
2- صاحب الدیباج المذهّب [إبراهیم بن علی بن فرحون المالکی المتوفّی 799]. (المؤلف)
3- مناقب أبی حنیفة للشیخ علی القاری ، المطبوع مع الجواهر المضیّة فی طبقات الحنفیة : ص 461. (المؤلف)
4- خلاصة الخزرجی : 2 / 371 رقم 6000 ، تذکرة الحفّاظ : 1 / 224 رقم 210.

وعن قول أبی موسی الأنصاری قال : سألت سفیان بن عیینة ، فحدّثنا عن ابن جریج مرفوعاً : یوشک أن یضرب الرجل أکباد الإبل فی طلب العلم فلا یجد عالماً أعلم من عالم المدینة ، قال أبو موسی : فقلت لسفیان : أکان ابن جریج یقول : نری أنّه مالک بن أنس ، فقال : إنّما العالم من یخشی الله ، ولا نعلم أحداً کان أخشی لله من العمری - یعنی عبد الله بن عبد العزیز العمری. تاریخ بغداد (6 / 377).

وعن قول یحیی بن صالح : محمد بن الحسن - الشیبانی - أفقه من مالک. تاریخ بغداد (2 / 175).

وعن قول أحمد بن حنبل : بلغ ابن أبی ذئب أنّ مالکاً لم یأخذ بحدیث البیّعین بالخیار ، قال : یُستتاب وإلاّ ضُربت عنقه ، ومالک لم یردّ الحدیث ولکن تأوّله علی غیر ذلک ، فقال شامیّ : من أعلم ، مالک أو ابن أبی ذئب؟ فقال : ابن أبی ذئب فی هذا أکبر من مالک ، وابن أبی ذئب أصلح فی دینه وأورع ورعاً وأقوم بالحقّ من مالک عند السلاطین. تاریخ بغداد (2 / 302).

وللمالکیّة حول إمامهم منامات ، زعموا رؤیة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وثناءه علی مالک ، یوجد شطر منها فی حلیة الأولیاء (6 / 317) وغیرها.

وللحنابلة أشواط بعیدة وخطوات واسعة فی الدعایة إلی المذهب وإلی إمامهم ، فقد افتعلوا أطیافاً تصمّ منها المسامع ، ویقصر عن مغزاها کلّ غلوّ ، وقد أسلفنا یسیراً منها فی هذا الجزء (ص 198 - 201) ، ومنها ما أخرجه ابن الجوزی فی مناقب أحمد (1) (ص 455) بإسناده عن علیّ بن عبد العزیز الطلحی ، قال : قال لی الربیع بن سلیمان : قال لی الشافعی : یا ربیع خذ کتابی وأمض به وسلّمه إلی [أبی] (2) عبد الله أحمد بن ر.

ص: 460


1- مناقب أحمد : ص 609.
2- الزیادة من المصدر.

حنبل وأتنی بالجواب. قال الربیع : فدخلت بغداد ومعی الکتاب ، ولقیت أحمد بن حنبل صلاة الصبح فصلیت معه الفجر ، فلمّا انفتل من المحراب سلّمت [إلیه] (1) الکتاب ، وقلت له : هذا کتاب أخیک الشافعیّ من مصر. فقال أحمد : نظرت فیه؟ قلتُ : لا ، وکسر أحمد الخاتم وقرأ الکتاب فتغرغرت عیناهُ بالدموع ، فقلت له : أیّ شیء فیه یا أبا عبد الله؟ فقال : یذکر أنّه رأی النبی صلی الله علیه وآله وسلم فی المنام ، فقال له : اکتب إلی أبی عبد الله أحمد بن حنبل واقرأ علیه منّی السلام ، وقل : إنّک ستُمتحن وتُدعی إلی خلق القرآن فلا تجبهم ، یرفع الله لک علماً إلی یوم القیامة.

قال الربیع فقلت : البشارة ، فخلع قمیصه الذی یلی جلده فدفعه إلیّ ، فأخذته وخرجت إلی مصر ، وأخذت جواب الکتاب وسلّمته إلی الشافعی ، فقال لی : یا ربیع ، أیّ شیء الذی دفع إلیک؟ قلت : القمیص الذی یلی جلده ؛ فقال لی الشافعی : لیس نفجعک به ولکن بلّه وادفع إلینا الماء حتی أُشرکک فیه (2). ورواه بطریق آخر وفیه : قال الربیع : فغسلته فحملت ماءه إلیه فترکته فی قنینة ، وکنت أراه فی کلّ یوم یأخذ منه ویمسح علی وجهه تبرّکاً بأحمد بن حنبل. وذکره ابن کثیر فی تاریخه (3) (10 / 331) نقلاً عن البیهقی.

وقال الفقیه أحمد بن محمد أبو بکر الیازودی (4) : دخلت العراق فکتبت کتب أهل العراق ، وکتبت کتب أهل الحجاز ، فمن کثرة اختلافهما لم أدر بأیّهما آخذ ، إلی أن قال : فمن کثرة اختلافهما ترکت الجماعة وخرجت ، فأصابنی غمّ وبتُّ مغموماً. فلمّا 0.

ص: 461


1- الزیادة من المصدر.
2- فی لفظ ابن کثیر : ولکن بلّه بالماء وأعطنیه حتی أتبرّک به. (المؤلف)
3- البدایة والنهایة : 10 / 365 حوادث سنة 241 ه.
4- فی تاریخ مدینة دمشق وفی مختصره : الباروذی نسبة إلی باروذ وهی قریة من قری فلسطین عند الرملة ، کذا ذکر السمعانی فی الأنساب : 1 / 255 ، ویاقوت فی معجم البلدان : 1 / 320.

کان فی جوف اللیل قمت وتوضّأت وصلّیت رکعتین ، وقلت : اللهمّ اهدنی إلی ما تحبّ وترضی ، ثمّ أویت إلی فراشی فرأیت النبی صلی الله علیه وآله وسلم فیما یری النائم ، دخل من باب بنی شیبة ، فأسند ظهره إلی الکعبة ، ورأیت الشافعیّ وأحمد بن حنبل علی یمین النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم یتبسّم إلیهما ، ورأیت بشر المریسی علی یسار النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم مکلح الوجه ، فقلت : یا رسول الله ، من کثرة اختلاف هذین الرجلین لم أدر بأیّهما آخذ. فأومأ إلی الشافعیّ وأحمد بن حنبل ، وقال : أولئک الذین آتیناهم الکتاب والحکم والنبوّة ، ثمّ أومأ إلی بشر المریسی وقال : فإن یکفر بها هؤلاء فقد وکّلنا بها قوماً لیسوا بها بکافرین. قال أبو بکر : والله لقد رأیت هذه الرؤیا وتصدّقت من الغد بألف دینار (1) ، وعلمت أنّ الحقّ مع الشیخین ، إلخ. رواه ابن عساکر فی تاریخه (2) (1 / 454) نقلاً عن الحافظین البیهقی والجوزقی.

وبلغ غلوُّ الحنابلة فی إمامهم إلی حدّ قال المدینی : إنّ الله أعزّ هذا الدین برجلین لیس لهما ثالث : أبو بکر الصدّیق یوم الردّة ، وأحمد بن حنبل یوم المحنة (3). وقال : ما قام أحد بأمر الإسلام بعد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ما قام به أحمد بن حنبل ، قال : المیمونی قلت له : یا أبا الحسن! ولا أبو بکر الصدّیق؟ قال : ولا أبو بکر الصدّیق ، إنّ أبا بکر الصدّیق کان له أعوان وأصحاب ، وأحمد بن حنبل لم یکن له أعوان وأصحاب. تاریخ بغداد (4 / 418)

وهناک مثل أبی علیّ الحسین بن علیّ الکرابیسی الشافعی المتوفّی (245 ، 248) ف)

ص: 462


1- کذا فی المصدر ، وفی المختصر : درهم.
2- تاریخ مدینة دمشق : 5 / 226 رقم 122 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 3 / 233.
3- هل خفی علی ابن المدینی ما أخرجه الحفّاظ من الصحیح المکذوب علی رسول الله أنّه صلّی الله علیه وآله وسلّم قال : اللهمّ أعزّ الإسلام بعمر بن الخطّاب خاصّة؟ والصحیح المختلق علیه صلّی الله علیه وآله وسلّم : اللهمّ أیّد الدین بعمر. فجعل الله دعوة رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم لعمر ، فبنی علیه ملک الإسلام وهدم به الأوثان. مستدرک الحاکم : 2 / 83 [3 / 89 ح 4486]. (المؤلف)

یتحامل علی الإمام أحمد ویتکلّم فیه ، ویقول لمّا سمع قوله فی القرآن : ایش نعمل بهذا الصبّی؟ إن قلنا : مخلوق ، قال : بدعة ، وإن قلنا : غیر مخلوق ، قال : بدعة (1).

ومثل مرجان الخادم المتفقّه لمذهب الشافعی المتوفّی (560) کان یتعصّب علی الحنابلة ویکرههم ، حتی إنّ الحطیم الذی برسم الوزیر ابن هبیرة بمکة یصلّی فیه ابن الطبّاخ الحنبلی (2) ، مضی مرجان وأزاله من غیر تقدّم بغضاً للقوم ، وکان یقول لابن الجوزی الحنبلی : مقصودی قلع مذهبکم وقطع ذکرکم ، ولمّا توفّی مرجان فرح ابن الجوزی فرحاً شدیداً (3). المنتظم (10 / 213) ، البدایة والنهایة (12 / 250).

وقال ابن الجوزی فی المنتظم (4) (10 / 224) : کان أبو سعد السمعانی المتوفّی (563) یتعصّب علی مذهب أحمد ویبالغ ، فذکر من أصحابنا جماعة وطعن فیهم بما لا یوجب الطعن.

ولابن الجوزی فی المنتظم (5) (8 / 267) کلمة ضافیة حول تعصّب أبی بکر الخطیب البغدادی - صاحب التاریخ - علی مذهب أحمد وأصحابه ، إلی أن قذفه بعدم الحیاء وقلّة الدین.

وکان محمد بن محمد أبو المظفّر البروی المتوفّی (567) یتکلّم فی الحنابلة ، وتعصّب علیهم وبالغ فی ذمّهم ، وقال : لو کان لی أمر لوضعت علیهم الجزیة ، فدَسّ الحنابلة علیه سمّا فمات منه هو وزوجته وولد له صغیر. المنتظم (6) (10 / 239). 2.

ص: 463


1- تاریخ بغداد : 8 / 64 [رقم 4139]. (المؤلف)
2- أبو محمد المبارک بن علیّ بن الحسین البغدادی نزیل مکّة ومجاورها ، المتوفّی (575). (المؤلف)
3- المنتظم : 18 / 166 رقم 4256 ، البدایة والنهایة : 12 / 311 حوادث سنة 560 ه.
4- المنتظم : 18 / 178 رقم 4269.
5- المنتظم : 16 / 132 رقم 3407.
6- المنتظم : 18 / 198 رقم 4292. وانظر : شذرات الذهب : 6 / 370 ، العبر : 2 / 52.

نعم ؛ هناک من لم تزحزحه النزعات والأهواء عن الهتاف بالصدق نظراء الفیروزآبادی صاحب القاموس ، والعجلونی ، فقال الأوّل فی خاتمة کتابه سفر السعادة (1). والثانی فی کشف الخفاء (2 / 420) - باب فضائل أبی حنیفة والشافعیّ - : وذمّهم لیس فیه شیء صحیح ، وکلّ ما ذکر من ذلک فهو موضوع ومفتری.

وقال ابن درویش الحوت فی أسنی المطالب (2) (ص 14) : لم یرد فی أحد من الأئمّة بعینه نصّ لا صحیح ولا ضعیف.

قائمة الموضوعات والمقلوبات

فی وسع الباحث أن یتّخذ ممّا ذُکر فی سلسلة الکذّابین من عدّ ما وضعوه أو قلّبوه قائمة تقرّب له الوقوف علی حساب الموضوعات والمقلوبات من الأحادیث المبثوثة فی طیّات کتب القوم ومسانیدهم ، وإن لم یمکنه عرفان جلّها فضلاً عن کلّها ؛ إذ لم یکن هناک دیوان لتسجیل الوضّاعین ، وضبط ما افتعلوه ، وحصر ما لفّقوه من موضوع أو مقلوب ، والذی یوجد فی ترجمة شرذمةٍ قلیلة من أُولئک الجمّ الغفیر إنّما هو من لقطات التاریخ ، حفظته ید الصدفة لا عن قصدٍ ، وإلیک جملة من تلک الثَّوِیلة (3) :

الأعلام

عدد

الأحادیث

أبو سعید أبان بن جعفر : وضع أکثر من

300

أبو علیّ أحمد الجویباری : وضع هو وابنا عکاشة وتمیم أکثر

من

10000

أحمد بن محمد القیسی : لعلّه وضع علی الأئمّة أکثر من

3000ة.

ص: 464


1- سفر السعادة : 2 / 212.
2- أسنی المطالب : ص 37 ح 31.
3- الثویلة : المجموعة.

الأعلام

عدد

الأحادیث

أحمد بن محمد الباهلی : أحادیثه الموضوعة

400

أحمد بن محمد المروزی : قلّب علی الثقات أکثر من

10000

أحمد أبو سهل الحنفی : أحادیثه المکذوبة

500

بشر بن الحسین الأصبهانی : له نسخة موضوعة فیها

150

بشر بن عون : له نسخة موضوعة نحو

100

جعفر بن الزبیر : وضع علی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم

400

الحارث بن أُسامة : أخرج أحادیث موضوعة تعدّ

30

الحسن العدوی : حدّث بموضوعات تربو علی

1000

الحکم بن عبد الله أبو سلمة : وضع نحو

50

دینار الحبشی : روی عن أنس من الموضوعات قریباً من

100 (1)

زید بن الحسن : وضع

40

زید بن رفاعة أبو الخیر : له من الموضوعات

40

سلیمان بن عیسی : وضع بضعة و

20

شیخ بن أبی خالد البصری : وضع

400

صالح بن أحمد القیراطی : لعلّه قلّب أکثر من

10000

عبد الرحمن بن داود : له من الموضوعات

40

عبد الرحیم الفاریابی : وضع أکثر من

500

عبد العزیز : موضوعاته ومقلوباته

100

عبد الکریم بن أبی العوجاء : وضع

4000

عبد الله القزوینی : وضع علی الشافعی نحو

200ف)

ص: 465


1- مرّ صفحة 230 قول ابن عدیّ فیه : یقدر أن یروی عنه عشرین ألفاً کلّها کذب. (المؤلف)

عبد الله القدامی : قلّب علی مالک أکثر من

150 (1)

عبد الله الروحی : روی من الموضوع أکثر من

100

عبد المنعم : أخرج من الحدیث الکذب نحواً من

200

عثمان بن مقسم : له عند شیبان ممّا لا یسمع

25000

عمر بن شاکر : له نسخة غیر محفوظة نحو

20

محمد بن عبد الرحمن البیلمانی : حدّث کذباً

200

محمد بن یونس الکدیمی : وضع أکثر من

1000

محمد بن عمر الواقدی : روی ممّا لا أصل له

30000

معلّی (2) بن عبد الرحمن

الواسطی : وضع

90

میسرة بن عبد ربّه البصری : وضع

40

نوح بن أبی مریم : وضع فی فضل السوَر

114

هشام بن عمّار : حدّث کذباً

400

فمجموع موضوعات هؤلاء المذکورین ومقلوباتهم :

98684

أضف إلیها ما ترکوا من حدیث عبّاد البصری من

60000

وما رُمی من حدیث عمر بن هارون من

70000

وما رُمی من حدیث عبد الله الرازی من

10000

وما تُرک من حدیث ابن زبالة من

100000

وما رُمی من أحادیث محمد بن حمید من

50000

وما أسقطوه ممّا کتبوه من حدیث نصر من

20000 (3)

408684ف)

ص: 466


1- لسان المیزان : 3 / 336 [3 / 413 رقم 4746]. (المؤلف)
2- فی بعض المصادر : یعلی. (المؤلف)
3- مرّ تفصیل ما فی هذه القائمة فی ترجمة رجالها فی سلسلة الکذّابین. (المؤلف)

فمجموع ما لا یصحُّ من أحادیث هذا الجمع القلیل فحسب یقدر بأربعمائة وثمانیة آلاف وستمائة وأربعة وثمانین حدیثاً.

ولا یعزب عن الباحث أنّ هذا العدد إنّما هو نزر یسیر نظراً إلی ما اختلقته أیدی الافتعال الأثیمة المتکثّرة ، وکان لجلّ الکذّابین الوضّاعین - لو لا کلّهم - تآلیف تحوی شتات ما لفّقوه ممّا لا یُحدُّ ولا یُقدّر ، والتاریخ لم یحفظ لنا شیئاً منها غیر الإیعاز إلیها فی تراجم جمع من مؤلّفیها : کما مرّ من أقوالهم :

أحمد بن إبراهیم المزنی : له نسخة موضوعة.

أحمد بن محمد الحِمّانی : صنّف فی مناقب أبی حنیفة کلّها موضوعة.

إسحاق بن محمشاذ : له مصنّف فی فضائل ابن کرام کلّها موضوعة.

أیّوب بن مدرک الحنفی : له نسخة موضوعة.

بریه بن محمد البیّع : له کتاب أحادیثه موضوعة.

الحسن بن علیّ الأهوازی : صنّف کتاباً أتی بالموضوعات.

الحسین بن داود البلخی : له نسخة أکثرها موضوع.

داود بن عفّان : له نسخة موضوعة علی أنس.

زکریّا بن درید : له نسخة کلّها موضوعة.

عبد الرحمن بن حمّاد : عنده نسخة موضوعة.

عبد العزیز بن أبی زواد : عنده نسخة موضوعة.

عبد الکریم بن عبد الکریم : له کتاب موضوع.

عبد الله بن الحارث : له نسخة کلّها موضوعة.

عبد الله بن عمر القاضی : له نسخة موضوعة علی مالک.

عبد المغیث بن زهیر الحنبلی : له جزء موضوع فی فضائل یزید.

عبید بن القاسم : له نسخة موضوعة.

العلاء بن زید البصری : له نسخة موضوعة.

ص: 467

لاحق بن الحسین المقدسی : کتب من حدیثه الموضوع زیادة علی خمسین جزءاً.

محمد بن أحمد المصری : له نسخة موضوعة.

محمد بن الحسن السلمی : ألّف کتباً تبلغ مائة کتاب.

محمد بن عبد الواحد الزاهد : له جزء فی فضائل معاویة.

محمد بن یوسف الرقّی : وضع نحواً من ستّین نسخة.

موسی بن عبد الرحمن الثقفی : وضع کتاباً فی التفسیر.

وعلی القارئ أن یتّخذ هذا مقیاساً ویقدّر به موضوعات جمیع من ذکرناه من الکذّابین والوضّاعین ومقلوباتهم ومن لم نذکرهم ، فلا یستکثر عندئذٍ قول یحیی بن معین : کتبنا عن الکذّابین وسجرنا به التنّور وأخرجنا به خبزاً نضیجاً (1).

وقول البخاری صاحب الصحیح : أحفظ مائتی ألف حدیث غیر صحیح (2).

وقول إسحاق بن إبراهیم الحنظلی : إنّه حفظ أربعة آلاف حدیث مزوّرة (3).

وقول یحیی بن معین : أیّ صاحب حدیث لا یکتب عن کذّاب ألف حدیث؟ تاریخ بغداد (1 / 43).

وقول الخطیب البغدادی : لأهل الکوفة وأهل خراسان من الأحادیث الموضوعة والأسانید المصنوعة نسخ کثیرة ، وقلّ ما یوجد بحمد الله فی محدِّثی البغدادیّین ما یوجد فی غیرهم من الاشتهار بوضع الحدیث والکذب فی الروایة. تاریخ بغداد (1 / 44).

وقول أبی بکر بن أبی سبرة الوضّاع الکذّاب : عندی سبعون ألف حدیث فی الحلال والحرام. تهذیب التهذیب (4) (12 / 27). 2.

ص: 468


1- تاریخ الخطیب البغدادی : 14 / 184 [رقم 7484]. (المؤلف)
2- إرشاد الساری للقسطلانی فی شرح صحیح البخاری : 1 / 33 [1 / 59]. (المؤلف)
3- تاریخ الخطیب البغدادی : 6 / 352 [رقم 3381]. (المؤلف)
4- تهذیب التهذیب : 12 / 32.

وقد عدّ الفیروزآبادی صاحب القاموس فی خاتمة کتابه سفر السعادة (1). واحداً وتسعین باباً توجد فیها أحادیث کثیرة فی کتبهم ، فقال : لیس منها شیء صحیح ، ولم یثبت منها عند جهابذة علماء الحدیث.

وذکر العجلونی فی خاتمة کتابه کشف الخفاء ، جملة من الموضوعات والوضّاعین والکتب المزوّرة ، وعدّ فی (ص 419 - 424) مائة باب - أکثرها فی الفقه - وقال بعد کلّ باب : لم یصحّ فیه حدیث ، أو لیس فیه حدیث صحیح ، وما یقرب من ذلک.

وعدّ ابن الحوت البیروتی فی أسنی المطالب ما یربو علی ثلاثین مبحثاً ممّا یری الأحادیث الواردة فیه باطلاً لم یصحّ شیء منها.

ویعرب عن کثرة الموضوعات اختیار أئمّة الحدیث أخبار تآلیفهم الصحاح والمسانید من أحادیث کثیرة هائلة ، والصفح عن ذلک الهوش الهائش. قد أتی أبو داود فی سننه بأربعة آلاف وثمانمائة حدیثٍ وقال : انتخبته من خمسمائة ألف حدیث (2) ، ویحتوی صحیح البخاری من الخالص بلا تکرار ألفی حدیث وسبعمائة وواحداً وستّین حدیثاً اختاره من زهاء ستمائة ألف حدیث (3) ، وفی صحیح مسلم أربعة آلاف حدیث أصول دون المکرّرات صنّفه من ثلاثمائة ألف (4) ، وذکر أحمد بن حنبل فی مسنده ثلاثین ألف حدیث ، وقد انتخبه من أکثر من سبعمائة وخمسین ألف ف)

ص: 469


1- سفر السعادة : 2 / 207.
2- طبقات الحفّاظ للذهبی : 2 / 154 [2 / 593 رقم 615] ، تاریخ بغداد : 9 / 57 [رقم 4638] ، المنتظم لابن الجوزی : 5 / 97 [12 / 268 رقم 1811]. (المؤلف)
3- تاریخ بغداد : 2 / 8 [رقم 424] ، إرشاد الساری : 1 / 28 [1 / 50] ، صفة الصفوة : 4 / 143 [4 / 169 رقم 712]. (المؤلف)
4- المنتظم لابن الجوزی : 5 / 32 [12 / 171 رقم 1667] ، طبقات الحفّاظ للذهبی : 2 / 151 ، 157 [2 / 589 رقم 613] ، شرح صحیح مسلم للنووی : 1 / 32 [1 / 21]. (المؤلف)

حدیث ، وکان یحفظ ألف ألف حدیث (1) ، وکتب أحمد بن الفرات المتوفّی (258) ألف ألف وخمسمائة ألف حدیث ، فأخذ من ذلک ثلاثمائة ألف فی التفسیر والأحکام والفوائد وغیرها. خلاصة التهذیب (2) (ص 9).

هذه ناحیة واحدة من شئون الحدیث ، وهناک نواحی أُخری ناشئة عن ألفاظ الجرح المتکثّرة غیر الکذب والوضع ، توجد تحت کلّ واحدة منها أُمّة کبیرة من رجال الحدیث ، جاء کلّ فرد منها بأحادیث جمّة ، مثل قولهم :

لا تحلُّ الروایة عنه ، أحادیثه کلّها موضوعة ، یروی ما لا أصل له ، یروی الموضوعات عن الثقات ، أحادیثه مقلوبة منکرة ، لیس بشیء فی الحدیث ، یأتی عن الثقات بالطامّات ، لا یحلّ الاحتجاج به ، یقلّب الأسانید ویرفع ، یرفع الموقوف ویوصل ، یسرق الحدیث ویقلّب ، لیس بثقة فی الحدیث ، لا یحلُّ کتب حدیثه ، لا یُتابع فی جلّ حدیثه ، لم یکن ثقةً ولا مأموناً ، کلّ الأصحاب مجمع علی ترکه ، عامّة ما یرویه غیر محفوظة ، لا یُستدلُّ به ویُعتبر به ، لیس له حدیث یعتمد علیه ، مضطرب الحدیث لیس بشیء ، یکثر من المناکیر فی تآلیفه ، متّفق علی ترکه ، یأتی الموضوعات ، یأتی بالمقلوبات ، ذاهب الحدیث ، لا یُکتب عنه ، مدلّس عن الکذّابین ، لا یسوی شیئاً ، ینفرد بالمناکیر ، لیس بحجّة ، واهٍ بمرّة ، ضعیف جدّا ، هالک ، ساقط ، مبتدع ، یدلّس ، اختلط ، یخلط ، متّهم بالکذب ، یُتّهم بوضع الحدیث.

مشکلة الثقة والثقات :

هذا شأن من لا یوثق به وبحدیثه عند القوم ؛ وأمّا من یوصف بالثقة فهناک 4.

ص: 470


1- ترجمة أحمد المنقولة عن طبقات الشعرانی [1 / 54 - 56 رقم 94] المطبوعة فی آخر الجزء الأوّل من مسنده ، طبقات الذهبی : 2 / 17 [2 / 431 رقم 438]. (المؤلف)
2- خلاصة الخزرجی : 1 / 27 رقم 104.

مشکلة عویصة لا تنحلُّ ، وتجعل القارئ فی بهیتة ، فلا یعرف أیُّ مثقّف قطُّ ما الثقة وما معناها ، وأیّ ملکة هی ، وما یراد منها ، وبما ذا تتأتّی ، وأیّ خلّةٍ تضادّها وتناقضها ، فهلمّ معی نقرأ تاریخ جمعٍ نُصّ علی ثقتهم نظراء :

1 - زیاد بن أبیه : صاحب الطامّات والجرائم الموبقة. قال خلیفة بن خیّاط : کان یعدُّ من الزهّاد ، وقال أحمد بن صالح : لم یکن یُتّهم بالکذب. تاریخ ابن عساکر (1) (5 / 406 ، 414).

2 - عمر بن سعد بن أبی وقّاص : قاتل الإمام السبط الشهید ، قال العجلی : ثقة. خلاصة التهذیب (2) (ص 140).

3 - عمران بن حطّان : رأس الخوارج صاحب الشعر المعروف فی ابن ملجم المرادی

یا ضربة من تقیٍّ ما أراد بها

إلاّ لیبلغ من ذی العرش رضوانا

إنّی لأذکره حیناً فأحسبه

أوفی البریّة عند الله میزانا (3)

وثّقه العجلی (4) ، وجعله البخاری من رجال صحیحه ، وأخرج عنه.

4 - إسماعیل بن أوسط البجلی أمیر الکوفة المتوفّی (117) : کان من أعوان الحجّاج بن یوسف الثقفی ، وقدّم سعید بن جبیر للقتل ، وثّقه ابن معین ، وعدّه ابن حبّان من الثقات (5). میزان الاعتدال (1 / 103) ، لسان المیزان (1 / 395). 8.

ص: 471


1- تاریخ مدینة دمشق : 19 / 162 رقم 2309 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 9 / 81.
2- خلاصة الخزرجی : 2 / 270 رقم 5165.
3- راجع الجزء الأوّل من کتابنا : ص 324. (المؤلف)
4- تاریخ الثقات : ص 373 رقم 1300.
5- الثقات لابن حبان : 6 / 30 ، میزان الاعتدال : 1 / 222 رقم 853 ، لسان المیزان : 1 / 441 رقم 1248.

5 - أسد بن وداعة : شامیّ تابعیّ ناصبیّ ، کان یسبُّ علیّا ، وکان عابداً ، وثّقه النسائی (1). میزان الاعتدال (1 / 97) ، لسان المیزان (1 / 385).

6 - أبو بکر محمد بن هارون : ناصبیّ منحرف ، وکان یُعرف بالإغراب عن أمیر المؤمنین ، وثّقه الخطیب البغدادی (2). لسان المیزان (5 / 411).

7 - خالد القسری : الأمیر الناصبیّ البغیض الظلوم ، هکذا وصفه الذهبی. وفی تاریخ ابن کثیر (3) (10 / 20 ، 21) : کان رجل سوء یقع فی علیّ بن أبی طالب ، وکانت أُمّه نصرانیّة ، وکان متّهماً فی دینه ، وقد بنی لأمّه کنیسة فی داره. قال ابن حبّان (4) : ثقه.

8 - إسحاق بن سوید العدوی البصری المتوفّی (131) : کان یحمل علی علیّ تحاملاً شدیداً ، وقال : لا أُحبّ علیّا. وثّقه أحمد وابن معین والنسائی ، وهو من رجال صحاح البخاری ومسلم وأبی داود والنسائی. تهذیب التهذیب (5) (1 / 236).

9 - نعیم بن أبی هند المتوفّی (211) الناصبیّ : کان یتناول علیّا أمیر المؤمنین ، وثّقه النسائی. میزان الاعتدال (6) (3 / 243).

10 - حریز بن عثمان : الذی کان یصلّی فی المسجد ولا یخرج منه حتی یلعن علیّا سبعین لعنة کلّ یوم ، قال إسماعیل بن عیّاش : رافقت حریزاً من مصر إلی مکة فجعل یسبُّ علیّا ویلعنه ، وقال لی : هذا الذی یرویه الناس أن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم قال لعلیّ : 2.

ص: 472


1- میزان الاعتدال : 1 / 207 رقم 816 ، لسان المیزان : 1 / 429 رقم 1211.
2- تاریخ بغداد : 3 / 357 رقم 1463 ، لسان المیزان : 5 / 465 رقم 8142.
3- البدایة والنهایة : 10 / 23 حوادث سنة 126 ه.
4- الثقات : 6 / 256.
5- تهذیب التهذیب : 1 / 206.
6- میزان الاعتدال : 4 / 271 رقم 9112.

«أنت منّی بمنزلة هارون من موسی» حقُّ ، ولکن أخطأ السامع. قلت : فما هو؟ قال : إنّما هو : أنت منّی بمکان قارون من موسی ، قلت : عمّن ترویه؟ قال : سمعت الولید بن عبد الملک یقوله علی المنبر (1) ، احتجّ بحدیثه البخاری وأبو داود والترمذی وغیرهم ، وفی الریاض النضرة (2) (2 / 216) : ثقة ولکن یبغض علیّا ، أبغضه الله عزَّ وجلَّ.

11 - أزهر بن عبد الله الحمصی : کان یسبُّ علیّا ، وثّقه العجلی (3) ، وهو من رجال أبی داود والترمذی والنسائی. تهذیب التهذیب (4) (1 / 204).

12 - عبد الرحمن بن إبراهیم الشهیر بدُحَیْم الشامیّ : القائل بأنّ من قال : إنّ الفئة الباغیة هم أهل الشام فهو ابن الفاعلة ، یروی عنه البخاری وغیره ، وعرّف بالثقة وأنّه حجّة (5).

13 - الحافظ عبد المغیث الحنبلی : یؤلّف کتاباً فی فضائل یزید بن معاویة ، یأتی بالموضوعات ، ویترجَم بالزهد والثقة والدین والصدق والأمانة والصلاح والاجتهاد (6).

14 - الحافظ زید بن الخباب ، قال ابن معین (7) : ثقة یقلّب حدیث الثوری. خلاصة التهذیب (8) (ص 108).

15 - خلف بن هشام : کان یشرب الخمر ، وثّقه أحمد إمام الحنابلة ، فقیل : 9.

ص: 473


1- تاریخ ابن عساکر : 4 / 115 [12 / 336 رقم 1254 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 6 / 278] ، تاریخ الخطیب : 8 / 268 [رقم 4365]. (المؤلف)
2- الریاض النضرة : 3 / 169.
3- تاریخ الثقات : ص 59 رقم 55.
4- تهذیب التهذیب : 1 / 179.
5- الکاشف : 2 / 154 رقم 3169 ، تهذیب التهذیب : 6 / 120 ، الثقات : 8 / 381.
6- سیر أعلام النبلاء : 21 / 160 ، شذرات الذهب : 6 / 453 حوادث سنة 583 ه.
7- معرفة الرجال : 2 / 214 رقم 717.
8- خلاصة الخزرجی : 1 / 350 رقم 2249.

یا أبا عبد الله إنّه یشرب؟ فقال : قد انتهی إلینا علم هذا عنه ، ولکن هو والله عندنا الثقة الأمین ، شرب أو لم یشرب. تاریخ بغداد (8 / 326).

16 - خالد بن سلمة بن العاص أبو سلمة القرشی : وثّقه الإمام أحمد (1) ، ویحیی بن معین ، وقال : شیخ یکتب حدیثه ، وقال ابن عدی (2) : هو فی عداد من یُجمع حدیثه ، حدیثه قلیل ولا أری بروایاته بأساً ، وکان رأساً فی المرجئة ، ویبغض علیّا. تاریخ الشام (3) (5 / 53).

نعم ؛ ترک أحمد بن حنبل الحدیث عن عبید الله بن موسی العبسی لمّا سمعه یتناول معاویة بن أبی سفیان ، وبعث رسوله إلی یحیی بن معین فقال له : أخوک أبو عبد الله أحمد بن حنبل یقرأ علیک السلام ویقول لک : هو ذا تکثر الحدیث عن عبید الله وأنا وأنت سمعناه یتناول معاویة بن أبی سفیان ، وقد ترکت الحدیث عنه. فقال یحیی ابن معین للرسول : إقرأ علی أبی عبد الله السلام وقل له : یحیی بن معین یقرأ علیک السلام ، قال لک : أنا وأنت سمعنا عبد الرزّاق یتناول عثمان بن عفان ، فاترک الحدیث عنه ، فإنّ عثمان أفضل من معاویة (4).

نعم ؛ ترک شعبة روایة المنهال بن عمرو الأسدی الکوفی لمّا سمع من بیته صوت قراءة بالتطریب ، کما قاله ابن أبی حاتم (5). خلاصة التهذیب (6) (ص 332).

نعم ؛ قال یزید بن هارون : لا تحلّ الروایة عن أبی یوسف لأنّه کان یعطی 3.

ص: 474


1- العلل ومعرفة الرجال : 2 / 483 رقم 3176.
2- الکامل فی ضعفاء الرجال : 3 / 23 رقم 584.
3- تاریخ مدینة دمشق : 16 / 88 رقم 1884 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 7 / 352.
4- تاریخ بغداد للخطیب البغدادی : 14 / 427 [رقم 7788]. (المؤلف)
5- الجرح والتعدیل : 8 / 357.
6- خلاصة الخزرجی : 3 / 59 رقم 7223.

أموال الیتامی مضاربةً ویجعل الربح لنفسه. تاریخ بغداد (14 / 258).

نعم نعم ؛ ترک البخاری الروایة عن الإمام الصادق جعفر بن محمد ، وقال یحیی ابن سعید : فی نفسی منه شیء ، وقال : ما کان کذوباً. تهذیب التهذیب (1) (2 / 103) ، ووثّقه (2) الشافعی وابن معین وابن أبی خیثمة وأبو حاتم وابن عدی وابن حبّان والنسائی وآخرون.

نعم ؛ قال أبو حاتم بن حبّان البستی (3) : یروی علیُّ بن موسی الرضا - الإمام الطاهر - عن أبیه العجائب کأنّه یهمّ ویُخطئ. أنساب السمعانی فی باب الراء والضاد ، تهذیب التهذیب (7 / 388) (4).

نعم ؛ ضعّف ابن الجوزی الإمام الطاهر الحسن بن علیّ بن محمد العسکری فی الموضوعات ، کما فی لسان المیزان (5) (2 / 240).

(فَوَیْلٌ لَهُمْ مِمَّا کَتَبَتْ أَیْدِیهِمْ وَوَیْلٌ لَهُمْ مِمَّا یَکْسِبُونَ) (6) 9.

ص: 475


1- تهذیب التهذیب : 2 / 88.
2- معرفة الرجال : 1 / 110 رقم 514 ، الجرح والتعدیل : 2 / 487 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 2 / 134 رقم 334 ، الثقات : 6 / 131.
3- کتاب المجروحین : 2 / 106.
4- الأنساب : 3 / 74 ، تهذیب التهذیب : 7 / 338.
5- لسان المیزان : 2 / 298 رقم 2531.
6- البقرة : 79.

60- سلسلة الموضوعات علی النبیّ الأمین صلی الله علیه وآله وسلم

یهمّنا هاهنا ذکر نماذج ممّا وضعته ید أولئک الکذّابین الوضّاعین المذکورین ، أو من یشاکلهم فی الافتعال فی باب الفضائل فحسب.

1 - عن ابن عبّاس ، قال : قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : ما فی الجنّة شجرة إلاّ مکتوب علی کلّ ورقة منها : لا إله إلاّ الله ، محمد رسول الله ، أبو بکر الصدّیق ، عمر الفاروق ، عثمان ذو النورین.

من موضوعات علیّ بن جمیل الرقّی. أخرجه الطبرانی (1) ، وقال : موضوع ، وعلیّ بن جمیل وضّاع ، وقد تفرّد به وسرقه منه معروف بن أبی معروف البلخی ، وعبد العزیز بن عمرو الخراسانی رجل مجهول.

وأخرجه أبو نعیم (2) من طریق علیّ بن جمیل ؛ ورواه الختّلی فی الدیباج من طریق عبد العزیز بن عمرو الخراسانی کما فی میزان الاعتدال. قال مؤلّفه الذهبی (3) فی (2 / 138) : عبد العزیز فیه جهالة ، والخبر باطل فهو الآفة فیه. 0.

ص: 476


1- المعجم الکبیر : 11 / 63 ح 11093.
2- حلیة الأولیاء : 3 / 304 رقم 249.
3- میزان الاعتدال : 2 / 633 رقم 5120.

وأخرجه ابن عدی من طریق معروف البلخی ، قال الذهبی فی المیزان (1) (3 / 184) : هذا موضوع لکنّه مشهور بعلیّ بن جمیل ، عن جریر ، وکان یحلف فیقول : حدّثنا والله جریر ، وقال ابن عدی (2) : معروف هذا غیر معروف ، ولعلّه سرقه من علیّ بن جمیل.

ورواه أبو القاسم بشران فی أمالیه من طریق محمد بن عبد بن عامر السمرقندی ، وهو ذلک الکذّاب الوضّاع ، عن عصام بن یوسف ، قال ابن عدی (3) : روی أحادیث لا یُتابع علیها.

ورواه الخطیب البغدادی فی تاریخه (5 / 4 و 7 / 337) من طریق الحسین بن إبراهیم الاحتیاطی (4) ، عن علیّ بن جمیل. قال الذهبی فی میزانه (5) (1 / 253) بعد ذکره من هذا الطریق : هذا باطل ، والمتّهم به حسین الاحتیاطی ، وقال (6) فی (3 / 184). إنّه موضوع.

وذکره ابن کثیر فی تاریخه (7) (7 / 250) من طریق الطبرانی ، فقال : إنّه حدیث ضعیف ، فی إسناده من تُکلّم فیه ، ولا یخلو من نکارة.

قال الأمینی : ألا تعجب من إخراج ابن کثیر الحدیث من الوضع والبطلان إلی الضعف والنکارة؟ وهو یعلم أنّ مثل هذه الروایة لا تسمّی ضعیفةً فی مصطلح أهل .

ص: 477


1- میزان الاعتدال : 4 / 145 رقم 8660.
2- الکامل فی ضعفاء الرجال : 6 / 325 رقم 1806.
3- الکامل فی ضعفاء الرجال : 5 / 371 رقم 1534.
4- فی تاریخ بغداد ومیزان الاعتدال : الحسین بن عبد الرحمن الاحتیاطی.
5- میزان الاعتدال : 1 / 540 رقم 2018.
6- میزان الاعتدال : 4 / 146 رقم 8660.
7- البدایة والنهایة : 7 / 230 حوادث سنة 35 ه.

الفنّ وهو یری نفسه منهم. نعم : شنشنة أعرفها من أخزم (1) ، وأعجب من ذلک أنّ الخطیب لم یذکر فی هذه الروایة التی هذه حالها کلمة تعرب عمّا فی سندها من الغمز ، وهذا شأنه فی کثیر من أمثال هذه الأحادیث الموضوعة.

2 - عن ابن عبّاس مرفوعاً : إذا کان یوم القیامة نادی منادٍ تحت العرش : هاتوا أصحاب محمد ، فیؤتی بأبی بکر وعمر وعثمان وعلیّ ، فیقال لأبی بکر : قف علی باب الجنّة فأدخل فیها من شئت ، وردّ من شئت.

ویقال لعمر : قف عند المیزان فثقّل من شئت برحمة الله ، وخفّف من شئت.

ویُعطی عثمان غصن شجرة من الشجر التی غرسها الله بیده فیقال : ذُد بهذا عن الحوض من شئت.

ویُعطی علیّ حلّتین فیقال له : خذهما فإنّی ادّخرتهما لک یوم أنشأت خلق السموات والأرض.

رواه إبراهیم بن عبد الله المصّیصی ، وأحمد بن الحسن بن القاسم الکوفی ، وکلاهما کذّابان وضّاعان ، والله أعلم أیّهما وضع هذا الحدیث ، ذکره الذهبی بهذا اللفظ فی میزانه (2) (1 / 20 ، 42) ، وفیه آفة القلب بعد الوضع ، فإنّ المحفوظ من لفظه کما فی الریاض النضرة (3) (1 / 32) بعد : وخفّف من شئت ، ویُکسی عثمان حلّتین ویُقال له : البسهما فإنّی خلقتهما - أو ادّخرتهما - من حین أنشأت خلق السموات والأرض. ویُعطی علیّ بن أبی طالب عصا عوسج من الشجرة التی غرسها الله تعالی بیده فی الجنّة فیقال : ذُد الناس عن الحوض. فقلبوا ما لعلیّ علیه السلام من ذود المنافقین عن الحوض 7.

ص: 478


1- مثل یُضرب للطبع المتوارث من الأسلاف.
2- میزان الاعتدال : 1 / 40 و 90 رقم 124 و 331.
3- الریاض النضرة : 1 / 47.

وجعلوه لعثمان بعد ما زادوا علی الحدیث صدراً مفتعلاً ، وحدیث ذود أمیر المؤمنین علیّ عن الحوض أخرجه الحفّاظ من عدّة طرق عن جمع من الصحابة ، قد أسلفنا طرقه وتصحیح الحاکم له فی الجزء الثانی (ص 321).

3 - عن أنس مرفوعاً : لا أفتقد أحداً من أصحابی غیر معاویة بن أبی سفیان ، لا أراه ثمانین عاماً - أو سبعین عاماً - فإذا کان بعد ثمانین عاماً - أو سبعین عاماً - یقبل إلیّ علی ناقة من المسک الأذفر حشوها من رحمة الله ، قوائمها من الزبرجد ، فأقول : معاویة! فیقول : لبّیک یا محمد ؛ فأقول : أین کنت من ثمانین عاماً؟ فیقول : کنت فی روضة تحت عرش ربّی یُناجینی وأُناجیه ، ویُحیّینی وأُحیّیه ویقول : هذا عوض ممّا کنت تُشتم فی دار الدنیا.

من موضوعات عبد الله بن حفص الوکیل ، قال ابن عدی (1) : موضوع لا أشکُّ أنّه واضعه ، وقال الخطیب (2) : باطل إسناداً ومتناً ونراه ممّا وضعه الوکیل ، وإنّ إسناده رجاله کلّهم ثقات غیره ، وقال الذهبی فی میزانه (3) بعد ذکره من طریق ابن عدی : قلت : ما کان ینبغی لابن عدی أن یتشاغل بالأخذ عن هذا الدجّال الأعمی البصر والبصیرة ، والذی قال الله فیه : (وَمَنْ کانَ فِی هذِهِ أَعْمی فَهُوَ فِی الْآخِرَةِ أَعْمی وَأَضَلُّ سَبِیلاً) (4) ، وقال فی ترجمة عبید الله بن سلیمان (5) : روی عن عبد الرزاق بخبر باطل فهو الآفة فیه.

وقال ابن حجر فی لسان المیزان (6) (4 / 105) : والخبر المذکور رواه 1.

ص: 479


1- الکامل فی ضعفاء الرجال : 4 / 264 رقم 1100.
2- تاریخ بغداد : 9 / 449 رقم 5079.
3- میزان الاعتدال : 2 / 410 رقم 4275.
4- الإسراء : 72.
5- میزان الاعتدال : 3 / 10 رقم 5369.
6- لسان المیزان : 4 / 122 رقم 5411.

ابن عساکر (1) فی ترجمته - ولفظه - : إنّی لأدخل الجنة فلا أفتقد منها أحداً إلاّ معاویة سبعین عاماً ، ثمّ أراه فأقول : یا معاویة أین کنت؟ فیقول : کنت تحت عرش ربّی یتحفنی بیده ، فقال : هذا بما کان یشتمونک فی دار الدنیا. قال ابن عساکر : هذا حدیث منکر ، وفیه غیر واحد من المجاهیل.

4 - عن أنس مرفوعاً : لیلة أُسری بی دخلت الجنّة فإذا أنا بتفّاحة تعلّقت عن حوراء ، قالت : أنا للمقتول ظلماً عثمان.

أخرجه الذهبی فی میزانه (2) (2 / 20) من طریق عبّاس بن محمد العدوی (3) الوضّاع ، وقال : خبر موضوع ، وذکره (4) أیضاً فی (3 / 293) بتغییر یسیر من طریق یحیی بن شبیب الکذّاب الوضّاع ، وقال : هذا کذب ، والله یعلم أیّ الرجلین وضعه.

وقال ابن حجر فی لسان المیزان (5) (3 / 245) : ذکره ابن حبّان فی الضعفاء (6) ، وقال : لا أصل لهذا من کلام النبیّ ولا أنس ولا ثابت ولا حمّاد - هم رجال سند الحدیث - وأوعز الذهبی إلیه فی المیزان (7) فی ترجمة عبد الله بن إبراهیم الدمشقی وقال : خبر باطل ، وقال ابن حجر فی لسانه (8) (3 / 248) : الحدیث المذکور عن عقبة ابن عامر رفعه : لمّا عُرج بی إلی السماء دخلت جنّة عدن ، فوقعت فی کفّی تفّاحة ، 1.

ص: 480


1- تاریخ مدینة دمشق : 37 / 468 رقم 4450 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 15 / 321 ، مع اختلاف یسیر فی الألفاظ بینهما.
2- میزان الاعتدال : 2 / 386 رقم 4182.
3- فی المصدر : العلوی.
4- فی المصدر : 4 / 385 رقم 9543.
5- لسان المیزان : 3 / 308 رقم 4452.
6- کتاب المجروحین : 2 / 191.
7- میزان الاعتدال : 2 / 389 رقم 4192.
8- لسان المیزان : 3 / 311 و 363 رقم 4459 و 4601.

فانفلقت عن حوراء مرضیّة ، کأن أشعار عینیها مکارم أشعار النسور ، فقلت : لمن أنتِ؟ قالت : أنا للخلیفة من بعدک المقتول ظلماً عثمان بن عفان. وذکره فی (ص 293) وقال : حدیث منکر.

وأخرجه الخطیب فی تاریخه (5 / 297) ، من طریق محمد بن سلیمان أبی علیّ الشطوی ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : لمّا أُسری بی إلی السماء ، فصرت إلی السماء الرابعة سقطت فی حجری تفّاحة ، فأخذتها بیدی فانفلقت ، فخرج منها حوراء تقهقه ، فقلت لها : تکلّمی لمن أنتِ؟ قالت : للمقتول شهیداً عثمان ابن عفّان.

وهذا موضوع بهذا الطریق أیضاً ، رأی الخطیب فی تاریخه وابن الجوزی فی الموضوعات (1) والذهبی فی میزانه (2) الحمل فیه علی محمد بن سلیمان أبی جعفر الخزّاز.

5 - عن جابر مرفوعاً : إنّ الله اختار أصحابی علی جمیع العالمین سوی النبیّین والمرسلین ، واختار من أصحابی أربعة : أبا بکر ، وعمر ، وعثمان ، وعلیّا ، فجعلهم خیر أصحابی ، وأصحابی کلّهم خیر.

من موضوعات عبد الله بن صالح کاتب اللیث ، قال الذهبی فی میزانه (3) (2 / 47) : قد قامت القیامة علی عبد الله بن صالح بهذا الخبر ، وحکی عن أبی زرعة : أنّه قال : باطل وضعه خالد المصری ودلّسه فی کتاب عبد الله بن صالح ، وقال النسائی : إنّه موضوع.

6 - عن عبد الله بن عمر مرفوعاً : لمّا وُلد أبو بکر فی تلک اللیلة ، اطّلع الله علی 3.

ص: 481


1- الموضوعات : 1 / 329.
2- میزان الاعتدال : 3 / 570 رقم 7624.
3- میزان الاعتدال : 2 / 442 رقم 4383.

جنّة عدن فقال : وعزّتی وجلالی لا أُدخلک إلاّ من أحبّ هذا المولود.

قال الذهبی (1) : موضوع آفته أحمد بن عصمة النیسابوری ، وأخرجه الخطیب البغدادی فی تاریخه (3 / 309) وقال : إنّه باطل ، وفی إسناده غیر واحد من المجهولین.

7 - عن أبی هریرة مرفوعاً : إنّ فی السماء الدنیا ثمانین ألف ملک یستغفرون الله لمن أحبّ أبا بکر وعمر ، وفی السماء الثانیة ثمانون ألف ملک یلعنون من أبغض أبا بکر وعمر.

من وضع أبی سعید الحسن بن علیّ العدوی البصری ، أخرجه الخطیب (2)) وقال : هذا الحدیث وضعه العدوی علی کامل بن طلحة ، وإنّما یرویه عبد الرزاق بن منصور البندار ، عن أبی عبد الله الزاهد السمرقندی ، عن ابن لهیعة ؛ وأبو عبد الله الزاهد مجهول فألزقه العدوی علی کامل ، وکامل ثقة ، والحدیث لیس بمحفوظ عن ابن لهیعة. ثمّ ذکره بطریق آخر ، فقال : هذا الإسناد صحیح ، ورجاله کلّهم ثقات ، وقد أتی العدوی أمراً عظیماً وارتکب أمراً قبیحاً فی الجرأة بوضعه أعظم من جرأته فی حدیث ابن لهیعة.

وأخرجه الدیلمی (3) وزاد فیه : ومن أحبّ الصحابة جمیعاً فقد برئ من النفاق ، وحکم الذهبی (4) بوضعه أیضاً ، وذکره ابن حجر من طریق آخر عن أنس فی لسان المیزان (5) (4 / 107) فقال : هذا بهذا الإسناد باطل.

8 - عن أنس : إنّ یهودیّا أتی أبا بکر فقال : والذی بعث موسی وکلّمه تکلیماً 1.

ص: 482


1- میزان الاعتدال : 1 / 119 رقم 467.
2- تاریخ بغداد : 7 / 383 رقم 3910.
3- الفردوس بمأثور الخطاب : 3 / 136 ح 4365.
4- میزان الاعتدال : 1 / 508 رقم 1904.
5- لسان المیزان : 4 / 125 رقم 5421.

إنّی لأُحبّک ، فلم یرفع أبو بکر رأساً تهاوناً بالیهودیّ ، فهبط جبرئیل علی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وقال : یا محمد إنّ العلیّ الأعلی یقرأ علیک السلام ویقول لک : قل للیهودیّ : إنّ الله قد أحاد عنک النار ؛ فأحضر الیهودیّ فأسلم. وفی لفظ : قد أحاد عنه فی النار خلّتین : لا توضع الأنکال فی عنقه ، ولا الأغلال فی عنقه ، لحبّه أبا بکر ، فأخبره.

من آفات الحسن بن علیّ أبی سعید العدوی البصری ، قال السیوطی فی اللآلئ (1) (1 / 151) : موضوع ، العدوی وغلام خلیل وضّاعان ، والبصری مجهول.

9 - عن البراء مرفوعاً : إنّ الله اتّخذ لأبی بکر فی أعلی علیّین قبّة من یاقوتة بیضاء معلّقة بالقدرة تخترقها ریاح الرحمة ، للقبّة أربعة آلاف باب ، کلّما اشتاق أبو بکر إلی الله ، انفتح منها باب ینظر إلی الله عزّ وجلّ.

من موضوعات محمد بن عبد الله أبی بکر الأشنانی ، قال الخطیب فی تاریخه (5 / 441) : من رکّب هذا الحدیث علی مثل هذا الإسناد فما أبقی من اطّراح الحشمة والجرأة علی الکذب شیئاً ، ونعوذ بالله من الخذلان ونسأله العصمة عن تزیین الشیطان إنّه ولیّ ذلک والقادر علیه ، وقال فی (ص 442) : إنّه - الأشنانی - کان یضع مالا یحسنه ، غیر أنّه - والله أعلم - أخذ أسانید صحیحة من بعض الصحف فرکّب علیها هذه البلایا.

وأخرجه أیضاً فی (9 / 445) من طریق أحمد بن عبد الله الذرّاع ، فقال : هذا باطل والحمل فیه عندی علی الذرّاع وأنّه ممّا صنعته یده والله أعلم. وعدّه الذهبی فی میزان الاعتدال (2) من طامّات أبی بکر الأشنانی.

10 - عن أنس قال : لمّا خرج رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم من الغار ، أخذ أبو بکر بغرزه ، 6.

ص: 483


1- اللآلئ المصنوعة : 1 / 292.
2- میزان الاعتدال : 3 / 605 رقم 7796.

فنظر النبیُّ صلی الله علیه وآله وسلم إلی وجهه فقال : یا أبا بکر ألا أُبشّرک؟ قال : بلی فداک أبی وأُمّی ، قال : إنّ الله یتجلّی یوم القیامة للخلائق عامّة ویتجلّی لک خاصّة.

من موضوعات محمد بن عبد أبی بکر التمیمی السمرقندی ، قال الخطیب فی تاریخه (2 / 388) : هذا الحدیث لا أصل له عند ذوی المعرفة بالنقل فیما نعلمه ، وقد وضعه محمد بن عبد إسناداً ومتناً ، وله أحادیث کثیرة تشابه ما ذکرناه ، وکلّها تدلّ علی سوء حاله وسقوط روایاته.

وأخرجه فی (12 / 19) من طریق علیّ بن عبدة ، وقال : باطل. ثمّ أخرجه من طریق آخر غیر طریق علیّ بن عبدة ، فقال : هذا باطل ، والحمل فیه علی أبی حامد ابن حسنویه ، فإنّه لم یکن ثقة.

وذکره الذهبی فی المیزان (1) (2 / 221 ، 232) وقطع بأنّه من الموضوعات ، وقال : ورواه ابن عدی فی کامله (2) وقال : هذا باطل. وقال (3) فی (2 / 269) ، إنّه : حدیث باطل ، واتّهم یوسف بن أحمد بإلصاق هذا الحدیث إلی ابن الخلیفة کما فی میزان الاعتدال (4) (3 / 336).

وعدّه الفیروزآبادی صاحب القاموس فی خاتمة کتابه سفر السعادة (5) ، من أشهر الموضوعات فی باب فضائل أبی بکر ، ومن المفتریات المعلوم بطلانها ببدیهة العقل. وعدّه السیوطی من الموضوعات فی اللآلئ (6) (1 / 148) وزیّف طرقه ، وذکره 6.

ص: 484


1- میزان الاعتدال : 3 / 120 و 144 رقم 5808 و 5886.
2- الکامل فی ضعفاء الرجال : 5 / 216 رقم 1370.
3- میزان الاعتدال : 3 / 222 رقم 6204.
4- میزان الاعتدال : 4 / 477 رقم 9897 ، وفیه : أنّ المتّهم یونس بن أحمد ولیس یوسف ، وقد ألصق الحدیث بأبی خلیفة فلاحظ.
5- سفر السعادة : 2 / 211.
6- اللآلئ المصنوعة : 1 / 286.

العجلونی فی کشف الخفاء (2 / 419) وأردفه بمثل کلمة الفیروزآبادی.

وقال ابن حجر فی لسان المیزان (1) (2 / 64) : له طرق کلّها واهیة ، وقال ابن درویش الحوت فی أسنی المطالب (2) (ص 63) : موضوع ذکره ملاّ علی القاری - یعنی فی کتاب موضوعاته (3).

وأخرج الحاکم فی المستدرک (4) (3 / 78) فی حدیث عن جابر بن عبد الله ، فقال : قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : یا أبا بکر أعطاک الله الرضوان الأکبر ، فقال له بعض القوم : وما الرضوان الأکبر یا رسول الله؟ قال : یتجلّی الله لعباده فی الآخرة عامّة ویتجلّی لأبی بکر خاصّة ، فأعقبه الذّهبی فی تلخیص المستدرک (5) بقوله : تفرّد به محمد بن خالد الختّلی ، عن کثیر بن هشام ، عن جعفر بن برقان ، عن ابن سوقة ، وأحسب محمداً وضعه. وقال فی میزان الاعتدال (6) - فی ترجمة الختلی - : قال ابن الجوزی فی الموضوعات (7) : کذّبوه ، روی عن کثیر : یتجلّی لأبی بکر خاصّة. وقال ابن مندة : صاحب مناکیر.

11 - عن أبی هریرة مرفوعاً : عُرج بی إلی السماء فما مررت بسماء إلاّ وجدتُ فیها مکتوباً : محمد رسول الله ، وأبو بکر الصدّیق من خلفی.

من موضوعات عبد الله بن إبراهیم الغفاری ، ذکره الذهبی فی میزانه (8) من 9.

ص: 485


1- لسان المیزان : 2 / 79 رقم 1771.
2- أسنی المطالب : ص 121 ح 326.
3- الموضوعات الکبری : ص 106.
4- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 83 ح 4463.
5- تلخیص المستدرک : 3 / 83 ح 4463.
6- میزان الاعتدال : 3 / 534 رقم 7470.
7- الموضوعات : 1 / 304.
8- میزان الاعتدال : 3 / 609 رقم 7809.

طریق الخطیب ، عن محمد بن عبد الله الهلالی البصری ، وقال : خبر باطل. ثمّ رواه بإسناد آخر فقال : وهو باطل ما أدری من یغمز فیه فإنّ هؤلاء ثقات ، ثمّ ذکره من طریق الغفاری فقال : متّهم بالکذب فهذا عنه محتمل. لسان المیزان (1) (5 / 235) ، وذکره السیوطی فی الموضوعات (2) ، وقال : أخرجه ابن عدی بإسناده عن الغفاری ، عن عبد الرحمن بن زید بن أسلم ، ثمّ قال : لا یصحّ ، الغفاری یضع ، وشیخه ضعیف بالاتّفاق.

وذکره ابن حجر فی تهذیب التهذیب (3) (5 / 138) نقلاً عن ابن حبّان (4) من طریق عبد الله بن عمر ، بلفظ : ما جئت لیلة أُسری بی من سماء إلی سماء إلاّ رأیت اسمی مکتوباً محمد رسول الله ، أبو بکر الصدّیق. فقال : قال ابن حبّان : هذا خبر باطل ، وأری البلیّة فیه من عبد الله بن إبراهیم.

12 - عن أنس مرفوعاً : إنّ لله تعالی فی کلّ لیلة جمعة مائة ألف عتیق من النار إلاّ رجلین فإنّهما یدخلان فی أُمّتی ولیسا منهم ، وإنّ الله لا یعتقهما فیمن عتق منهم مع أهل الکبائر فی طبقتهم ، مصفّدین مع عبدة الأوثان ، مبغضی أبی بکر وعمر ولیس هم داخلین فی الإسلام وإنّما هم یهود هذه الأمّة ، ثمّ قال : ألا لعنة الله علی مبغضی أبی بکر وعمر وعثمان وعلیّ.

من موضوعات مسرّة بن عبد الله أبی شاکر مولی المتوکّل. أخرجه الخطیب فی تاریخه (13 / 272) فقال : هذا الحدیث کذب موضوع ، والرجال المذکورون فی إسناده کلّهم ثقات أئمّة سوی مسرّة ، والحمل علیه فیه ، علی أنّه ذکر سماعه من أبی زرعة بعد 7.

ص: 486


1- لسان المیزان : 5 / 265 رقم 7602.
2- اللآلئ المصنوعة : 1 / 296.
3- تهذیب التهذیب : 5 / 121.
4- کتاب المجروحین : 2 / 37.

موته بأربع سنین ، لأنّ أبا زرعة مات فی سنة أربع وستّین ومائتین من غیر خلاف فی ذلک - وهو یروی الحدیث عن أبی زرعة بالری سنة ثمان وستین ومائتین - وعدّه الذهبی فی میزانه (1) (3 / 162) من موضوعات مسرّة.

13 - عن أنس قال : آخی (2) النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم بین کتفی أبی بکر وعمر ، فقال لهما : أنتما وزیرای فی الدنیا والآخرة ، ما مثلی ومثلکما فی الجنّة إلاّ کمثل طائر یطیر فی الجنّة ، فأنا جؤجؤ الطائر وأنتما جناحاه ؛ وأنا وأنتما نسرح فی الجنّة ، وأنا وأنتما نزور ربّ العالمین ، وأنا وأنتما نقعد فی مجالس الجنّة. فقالا له : وفی الجنّة مجالس؟ قال : نعم فیها مجالس ولهو ، فقالا له : أیّ شیء لهو الجنّة؟ قال : لها آجام من قصب من کبریت أحمر وحملها الدرّ الرطب ، فیخرج ریح من تحت ساق العرش یُقال لها : الطیبة ، فتثور تلک الآجام ، فیخرج صوت ینسی أهل الجنّة أیّام الدنیا وما کان فیها.

من موضوعات زکریّا بن دُرید (3) الکندی ، أخرجه ابن حبّان (4) وقال : موضوع آفته زکریّا. وحکی الذهبی جملتین من الروایة فی المیزان (5) (1 / 348) عن ابن حبّان وأنّه قال : حدّثنا بهما أحمد بن موسی بن معدان بحرّان ، حدّثنا زکریّا بن درید بنسخة کتبناها کلّها موضوعة لا یحلُّ ذکرها.

14 - عن أنس مرفوعاً : إنّ لله تعالی سیفاً مغموداً فی غمده ما دام عثمان بن عفان حیّا ، فإذا قُتل جُرّد ذلک السیف فلم یُغمَد إلی یوم القیامة.

أخرجه ابن عدی (6) وقال : موضوع آفته عمرو بن فائد وشیخه موسی 2.

ص: 487


1- میزان الاعتدال : 4 / 96 رقم 8457.
2- کذا فی اللآلئ المصنوعة : 1 / 307 ، وفی کتاب المجروحین : أخذ.
3- کذا فی اللآلئ المصنوعة ، وفی غیره : دوید.
4- کتاب المجروحین : 1 / 314.
5- میزان الاعتدال : 2 / 72 رقم 2874.
6- الکامل فی ضعفاء الرجال : 5 / 148 رقم 1312.

ابن سیّار (1) کذّاب أیضاً. اللآلئ المصنوعة (2) (1 / 164) ، وقال الذهبی فی میزانه (3) (2 / 299) : هذا ظاهر النکارة.

15 - عن أنس مرفوعاً : هبط علیّ جبریل ومعه قلم من ذهب إبریز ، فقال : إنّ العلیّ الأعلی یقرئک السلام ویقول لک : حبیبی قد أهدیت هذا القلم من فوق عرشی إلی معاویة بن أبی سفیان فأوصله إلیه ، ومره أن یکتب آیة الکرسی بخطّه بهذا القلم ویشکله ویعجمه ویعرضه علیک ، فإنّی قد کتبت له من الثواب بعدد کلّ من قرأ آیة الکرسی من ساعة یکتبها إلی یوم القیامة ، فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : من یأتینی بأبی عبد الرحمن؟ فقام أبو بکر الصدّیق ومضی حتی أخذ بیده وجاءا جمیعاً إلی النبی صلی الله علیه وآله وسلم ، فسلّموا علیه فردّ علیهم السلام ، ثمّ قال لمعاویة : أُدنُ منّی یا أبا عبد الرحمن أُدن منّی یا أبا عبد الرحمن ، فدنا من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، فدفع إلیه القلم ثمّ قال له : یا معاویة هذا قلم أهداه إلیک ربّک من فوق العرش لتکتب به آیة الکرسی بخطّک وتشکله وتعجمه وتعرضه علیّ ، فاحمد الله واشکره علی ما أعطاک ، فإن الله قد کتب لک من الثواب بعدد من قرأ آیة الکرسی من ساعة تکتبها إلی یوم القیامة ؛ فأخذ القلم من ید النبی صلی الله علیه وآله وسلم فوضعه فوق أُذنه. فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : اللهمّ إنّک تعلم أنّی قد أوصلته إلیه - ثلاثاً - فجثا معاویة بین یدی النبی صلی الله علیه وآله وسلم ولم یزل یحمد الله علی ما أعطاه من الکرامة ویشکره حتی أتی بطَرس ومحبرة ، فأخذ القلم ولم یزل یخطُّ به آیة الکرسی أحسن ما یکون من الخطّ ، حتی کتبها وشکلها وعرضها علی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ، قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : یا معاویة ، إنّ الله قد کتب لک من الثواب بعدد کلّ من یقرأ آیة الکرسی من ساعة کتبتها إلی یوم القیامة. 1.

ص: 488


1- فی لآلئ السیوطی عند نقل هذه العبارة غلط فاحش ، هذا صحیحها. راجع. (المؤلف)
2- اللآلئ المصنوعة : 1 / 316.
3- میزان الاعتدال : 3 / 283 رقم 6421.

قالوا : موضوع وأکثر رجاله مجاهیل ، ویراه ابن الجوزی من وضع الحسین بن یحیی الحنّائی ، کما فی میزان الاعتدال (1) (1 / 257) ، وعند الذهبی باطل کأنّه عمله أحمد بن عبد الله الأیلی ، کما فی المیزان (2) (1 / 52) ، ویری ابن حجر فی لسان المیزان (3) أنّ الأمر ینحصر بأحمد الأیلی وهو الذی وضعه ، وأخرجه النقّاش فی الموضوعات بلفظ أخصر وقال : حدیث موضوع بلا شکّ ، وضعه أحمد أو حسین (4). اللآلئ المصنوعة (1 / 216) ، لسان المیزان (1 / 285).

16 - عن جابر : إنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم استشار جبریل فی استکتاب معاویة فقال : استکتبه فإنّه أمین.

أخرجه ابن عساکر فی تاریخه (5) بإسناده من طریق السری بن عاصم أبی عاصم الهمدانی أحد الکذّابین الوضّاعین ، والحسن بن زیاد - وهو اللؤلؤی - الوضّاع الکذّاب ، والقاسم بن بهرام المشترک بین ثقة وکذّاب ، وقد زیّفه ابن کثیر فی البدایة والنهایة (6) (5 / 354) فقال : والعجب من الحافظ ابن عساکر مع جلالة قدره واطّلاعه علی صناعة الحدیث أکثر من غیره من أبناء عصره - بل ومن تقدّمه بدهر - کیف یورد فی تاریخه هذا وأحادیث کثیرة من هذا النمط ، ثم لا یبیّن حالها ولا یشیر إلی شیء من ذلک إشارة لا ظاهرة ولا خفیّة؟ ومثل هذا الصنیع فیه نظر والله أعلم. وأخرجه الذهبی فی میزانه (3 / 95) (7) عن أمیر المؤمنین مرفوعاً من طریق أصرم بن 7.

ص: 489


1- میزان الاعتدال : 1 / 550 رقم 2065.
2- میزان الاعتدال : ص 111 رقم 436.
3- لسان المیزان : 1 / 215 رقم 636.
4- اللآلئ المصنوعة : 1 / 415 ، لسان المیزان : 1 / 311 رقم 847.
5- مختصر تاریخ دمشق : 24 / 403.
6- البدایة والنهایة : 5 / 376 حوادث سنة 11 ه.
7- میزان الاعتدال : 3 / 630 رقم 7887.

حوشب الکذّاب الوضّاع الخبیث ، وعدّه من مناکیر محمد بن عبد المجید.

17 - عن عبادة بن الصامت قال : أوحی الله إلی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم استکتب معاویة فإنّه أمین مأمون.

أخرجه الطبرانی فی الأوسط ، عن محمد بن معاویة الزیادی ، عن أحمد بن عبد الرحمن الحرّانی ، عن محمد بن زهیر السلمی ، عن أبی محمد ساکن بیت المقدس ، فقال : محمد بن معاویة کذّاب وشیخه لیس بمؤتمن ، والسلمی وشیخه لا یُعرف. وللحدیث طرق أخری کلّها باطلة ، راجع اللآلئ (1) (1 / 218).

وذکره الذهبی فی المیزان (2) (3 / 59) فقال : خبر باطل لعلّه - یعنی محمد بن زهیر السلمی - هو افتراه ، متنه : [أوحی الله إلی نبیّة : استکتب معاویة ، فإنّه أمین مأمون] (3). وقال (4) فی أحمد الحرّانی : قال أبو عروبة : لیس بمؤتمن علی دینه.

قال الأمینی : کیف تصحّ هذه الروایة عن عبادة بن الصامت؟ وهو الذی أنغل الشام علی معاویة ، فکتب معاویة إلی عثمان بالمدینة : إنّ عبادة قد أفسد علیَّ الشام وأهله ، فإمّا أن تکفّه إلیک ، وإمّا أن أخلّی بینه وبین الشام ، فکتب إلیه عثمان : أن أرحل عبادة حتی ترجعه إلی داره من المدینة ، فبعث بعبادة حتی قدم المدینة ، فدخل علی عثمان فی الدار ولیس فیها إلاّ رجل من السابقین - أو من التابعین - الذین قد أدرکوا القوم متوافرین ، فلم یُفْجَ عثمان به إلاّ وهو قاعد فی جانب الدار ، فالتفت إلیه وقال : ما لنا ولک یا عبادة؟ فقام عبادة بین ظهرانی الناس فقال : إنّی سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أبا القاسم یقول : «إنّه سیلی أُمورکم بعدی رجال یعرّفونکم 1.

ص: 490


1- اللآلئ المصنوعة : 1 / 420.
2- میزان الاعتدال : 3 / 551 رقم 7540.
3- ما بین المعقوفین ساقط من طبعتی الغدیر ، وأثبتناه من المصدر.
4- میزان الاعتدال : 1 / 116 رقم 451.

ما تنکرون ، وینکرون علیکم ما تعرفون فلا طاعة لمن عصی الله ، فلا تضلّوا بربّکم» ، فوالذی نفس عبادة بیده إنّ فلاناً - یعنی معاویة - لمن أُولئک ، فما راجعه عثمان بحرف. تاریخ ابن عساکر (1) (7 / 311 ، 312).

18 - عن أبی هریرة مرفوعاً : الأمناء عند الله ثلاثة : أنا وجبریل ومعاویة. قال الخطیب والنسائی وابن حبّان (2) : هذا الحدیث باطل موضوع. رأی الخطیب فی تاریخه (12 / 8) الحمل فیه علی علیّ البردانی ، وقال ابن عدی (3) : باطل من کلّ وجه. وزیّف الحاکم طرقه وفیها جمع من الکذّابین والوضّاعین. راجع اللآلئ المصنوعة (4) (1 / 217) ، وقال الذهبی فی میزانه (5) (1 / 233) : هذا کذب ، وذکره فی ترجمة الحسن ابن عثمان فقال : هذا کذب.

وذکره ابن کثیر فی تاریخه (6) (8 / 120) من طریق أبی هریرة وأنس وواثلة بن الأسقع ، فقال : لا یصحُّ من جمیع وجوهه ، وفی لسان المیزان (7) (2 / 220) : أورد ابن الجوزی الأوّل فی الموضوعات (8) وجزم بأنّ هذا وضعه - یعنی وضع الحسن بن عثمان - وقال ابن عدی (9) : الحسن کان عندی یضع الحدیث ویسرق حدیث الناس ، وسألت عنه عبدان الأهوازی فقال : کذّاب ، وقال أبو علیّ النیسابوری : هذا کذّاب ، 8.

ص: 491


1- تاریخ مدینة دمشق : 26 / 197 و 198 رقم 3071 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 11 / 307.
2- کتاب المجروحین : 1 / 146.
3- الکامل فی ضعفاء الرجال : 1 / 192 رقم 31.
4- اللآلئ المصنوعة : 1 / 417.
5- میزان الاعتدال : 3 / 142 رقم 5877 و 1 / 502 رقم 1885.
6- البدایة والنهایة : 8 / 128 حوادث سنة 60 ه.
7- لسان المیزان : 2 / 274 رقم 2491. وعبارة : (الأول فی الموضوعات) فیه هی لحدیث آخر سبق حدیث : الأمناء عند الله ثلاثة. یرویه أیضاً الحسن بن عثمان.
8- الموضوعات : 2 / 17.
9- الکامل فی ضعفاء الرجال : 2 / 345 رقم 478.

یسرق الحدیث ، وفی شذرات الذهب (1) (2 / 366) : عدّه ابن الجوزی من موضوعات أبی عیسی أحمد الخشّاب.

قال الأمینی : بهذه المخازی هتکوا ناموس الإسلام ، ودنّسوا ساحة قدس صاحب الرسالة ، فما قیمة أمینین یکون معاویة ثالثهما فی الأمانة؟

19 - عن زیاد بن معاویة بن یزید بن عمر - حفید یزید بن معاویة بن أبی سفیان - ، عن عبد الرحمن بن الحسام ، قال : أخبرنا رجل من أهل حوران ، أخبر عن رجل آخر ، قال : اجتمع عشرة من بنی هاشم فغدوا علی النبی صلی الله علیه وآله وسلم ، فلمّا قضی الصلاة قالوا : یا رسول الله غدونا إلیک لنذکر لک بعض أُمورنا ، إنّ الله قد تفضّل بهذه الرسالة فشرّفک بها ، وشرّفنا لشرفک ، وهذا معاویة بن أبی سفیان یکتب الوحی ، فقد رأینا أنّ غیره من أهل بیتک أولی به لک منه ، قال : نعم ، انظروا فی رجل غیره. قال : وکان الوحی ینزل فی کلّ أربعة أیّام من عند الله إلی محمد ، فأقام جبریل أربعین یوماً لا ینزل ، فلمّا کان یوم أربعین هبط جبریل بصحیفة فیها مکتوب : یا محمد لیس لک أن تغیّر من اختاره الله لکتابة وحیه ، فأقِرّه فإنّه أمین ، فأقرّه.

أخرجه ابن عساکر فی تاریخه (2) وقال : هذا خبر منکر وفیه غیر واحد من المجهولین ، وقال ابن حجر فی لسان المیزان (3) (3 / 411) : قلت : بل هو ممّا یُقطع ببطلانه ، فو الله إنّی لأخشی أن یکون الذی افتراه مدخول الإیمان.

قال الأمینی : هذه هتیکة لا یتفوّه بها إلاّ المستهزئ بالله ورسوله من الذین اتّخذوا آیات الله هزواً ، ودین الله سخریّا ، والنبوّة مجهلة ، وأجهل من أُولئک المهاجمین 4.

ص: 492


1- شذرات الذهب : 4 / 234 حوادث سنة 344 ه.
2- تاریخ مدینة دمشق : 34 / 304 رقم 3787 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 14 / 235 باختلاف یسیر فی الألفاظ.
3- لسان المیزان : 3 / 501 رقم 4984.

علی قدس صاحب الرسالة بوضع هذه السفاسف المخزیة علیه صلی الله علیه وآله وسلم ، هو الحافظ الذی یتکلّم فی سندها ویری مثل هذا الحدیث منکراً لمکان المجهولین فی رجاله ، ذاهلاً عن أنّ واجب المحدّث النظرة فی متن الحدیث قبل البحث عن سنده ، فالقول ما قاله ابن حجر.

20 - عن یزید بن محمد المروزی ، عن أبیه ، عن جدّه ، قال : سمعت أمیر المؤمنین علیّا - رضی الله عنه - یقول ، فذکر خبراً فیه : بینا أنا جالس بین یدی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إذ جاء معاویة ، فأخذ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم القلم من یدی فدفعه إلی معاویة ، فما وجدت فی نفسی إذ علمت أنّ الله أمره بذلک.

عدّه ابن حجر فی لسان المیزان (1) (6 / 20) من موضوعات مسرّة بن عبد الله الخادم ، فقال : هذا متن باطل ، وإسناد مختلق.

وأخرج الخطیب فی تاریخه (13 / 272) حدیثاً فی المناقب ، فقال : هذا الحدیث کذب موضوع ، والرجال المذکورون فی إسناده کلّهم ثقات أئمّة سوی مسرّة الخادم ، والحمل علیه فیه.

21 - عن أنس مرفوعاً : الأُمناء سبعة : اللوح والقلم وإسرافیل ومیکائیل وجبریل ومحمد ومعاویة.

ذکر الذهبی فی المیزان (2) (1 / 321) لداود بن عفّان ، عن أنس وهو الوضّاع ، أخرج عن أنس بنسخة موضوعة ، راجع سلسلة الکذّابین. وذکره ابن کثیر فی تاریخه (3) (8 / 120) من روایة ابن عباس فقال : هذا أنکر من الأحادیث التی قبله وأضعف إسناداً..

ص: 493


1- لسان المیزان : 6 / 24 رقم 8314.
2- میزان الاعتدال : 2 / 12 رقم 2632.
3- البدایة والنهایة : 8 / 129 حوادث سنة 60 ه.

قال الأمینی : تعساً لأمّة تروی مثل هذه المخازی ولم تندمنها جبهتها حیاءً ، ألیس عاراً علی الإسلام وأهله أن یُجعل معاویة الخؤون لدة نبیّه وأُمناء الله المعصومین فی الأمانة؟!

22 - عن واثلة مرفوعاً : إنّ الله ائتمن علی وحیه جبریل وأنا ومعاویة ، وکاد أن یبعث معاویة نبیّا من کثرة علمه وائتمانه علی کلام ربّی ، یغفر الله لمعاویة ذنوبه ، ووقاه حسابه ، وعلّمه کتابه ، وجعله هادیاً مهدیّا وهدی به. أخرجه ابن عساکر (1) عن رجل.

قال الحاکم : سألت أحمد بن عمیر الدمشقی - وکان عالماً بحدیث الشام - عن هذا الحدیث فأنکره جدّا ، وحدّث بهذا الحدیث عبد الله بن جابر أبو محمد الطرسوسی البزّار وهو ذاهب الحدیث ، وقال مرّة : هو منکر الحدیث (2).

قال الأمینی : أحسب أنّ رواة السوء أرادوا حطّا من مقام النبوّة لا ترفیعاً لمقام معاویة ، لما نعلمه من البون الشاسع بین مرتبة النبوّة التی یعتقد بها المسلمون وبین متبوَّأ هذا المقعی علی أنقاض مستوی الخلافة ، فنسائل القوم عن الذی أوجب له هذا المقام الشامخ : أهو أصله الزاکی تلک الشجرة الملعونة فی القرآن ولسان نبیّه؟ أم فرعه الغاشم الظلوم؟! أم دُؤوبه علی الکفر إلی ما قبل وفاة النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم بأشهر قلائل؟ أم محاربته خلیفة وقته المفترضة طاعته علیه ، وقد بایعه أهل الحلِّ والعقد ورضی به المسلمون ، فشهر السیف أمامه ، وأراق الدماء المحرّمة؟ أم بوائقه أیّام استحواذه علی الملک ، من قتل الأبریاء الأخیار کحجر بن عدیّ وأصحابه ، وقتل عمرو بن حمق ف)

ص: 494


1- مختصر تاریخ دمشق : 25 / 6 ، وأورده السیوطی مسنداً فی لآلیه : 1 / 419.
2- تاریخ ابن عساکر : 7 / 322 [27 / 235 رقم 3214 والعبارة إنما هی لحدیث : الأمناء عند الله ثلاثة ... المذکور فی رقم 18 ، وقد ذکره السیوطی فی لآلئه : 1 / 417 عن ابن عساکر الذی أخرجه من طریق الحاکم]. (المؤلف)

الخزاعی ، إلی کثیرین من أمثالهم ، ومن قنوتِه بلعن أمیر المؤمنین والحسن والحسین ولمّة من صفوة المؤمنین ، وحمله سماسرة الأهواء علی الوقیعة فی أهل بیت النبوّة ، وافتعال رواة الجرح فیهم ، وخلق أحادیث الثناء فی الأمویّین ، واستلحاقه زیاداً مراغماً للحدیث الثابت عند الأمّة جمعاء «الولد للفراش وللعاهر الحجر» ، وأخذ البیعة لیزید ، ذلک الماجن الخائن السکّیر ، وتسلیطه علی الأعراض والدماء ، وإدمانه علی هذه المخاریق وأمثالها ، التی سوّدت صحیفة التاریخ حتی أفعمت کأس بغیه واخترمته منیّته؟

ومتی کان معاویة للعلم والقرآن وهو لا یحسن آیة واحدةً ، کقوله سبحانه : (أَطِیعُوا اللهَ وَأَطِیعُوا الرَّسُولَ وَأُولِی الْأَمْرِ مِنْکُمْ) (1) أوَلم یکن أمیر المؤمنین علیّ علیه السلام من أُولی الأمر علی أیٍّ من التفسیرین؟ وکقوله تعالی : (وَمَنْ یَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِیها) (2) ، وکقوله تعالی : (وَالَّذِینَ یُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِینَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَیْرِ مَا اکْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِیناً) (3) إلی آیات کثیرة تشنّع علی ما کان علیه من الطامّات ، وهل یؤتمن علی القرآن وهو لا یعمل بآیة منه ولا یقیم حدوده؟ (وَمَنْ یَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) (4) ، (وَمَنْ یَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَیَتَعَدَّ حُدُودَهُ یُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِیها وَلَهُ عَذابٌ مُهِینٌ) (5).

وهل علمه المتکثِّرالذی کاد به أن یُبعث نبیّا کان یدعوه إلی عداء العترة الطاهرة؟ وإلی تلکم البوائق المخزیة؟ والفواحش المبیّنة التی حفظها التاریخ عنه وعن أرباب تلک الجباه السود؟ وقد حفظ لنا التاریخ قتله الذریع لشیعة أمیر المؤمنین 4.

ص: 495


1- النساء : 59.
2- النساء : 93.
3- الأحزاب : 58.
4- الطلاق : 1.
5- النساء : 14.

بالکوفة خاصّة وفی أرجاء المملکة عامّة ، وأمّا أذاه المعکّر لصفو حیاة شیعة آل الله فحدّث عنه ولا حرج ، وسنعرّفک معاویة بعُجره وبُجره علی ما یستحقّ.

ثمّ نسائل الرواة عن الأمانة التی استحقّ بها معاویة أن یکون ثالثاً للنبیّ وجبرئیل ، أو سابعاً له صلی الله علیه وآله وسلم وأُمناء الله الخمسة المذکورة فی الروایة ال (21) : أهی أمانته علی الکتاب وقد خالفه؟ أم علی السنّة ولم یعمل بها؟ أم علی الدماء وقد أراقها؟ أم علی العترة الطاهرة وقد اضطهدها؟ أم علی أمن الأمّة وقد أقلقه؟ أم علی الصدق وقد باینه؟ أم علی المین وقد حثَّ علیه؟ أم علی المؤمنین وقد قطع أوصالهم؟ أم علی الإسلام وقد ضیّعه؟ أم علی الأحکام وقد بدّلها؟ أم علی الأعواد وقد شوّهها بلعن أولیاء الله المقرّبین علیها؟ أم؟ أم؟ أم؟

أبهذه المخازی مع لداتها کاد أن یُبعث معاویة نبیّا کما اختلقته رواة السوء؟ زه بهذه النبوّة التی یکاد أن یکون مثل هذا الرجل حاملاً لأعبائها!

قد خم ریش سفید أشک دما دم یحیی

تو به این حالت اگر عشق نبازی چه شود

وشتّان بین هذه الروایة وإنکارهم علی ابن حبّان قوله : النبوّة : العلم والعمل. فحکموا علیه بالزندقة ، وهُجر وکُتب فیه إلی الخلیفة فکتب بقتله (1) ، وذلک أنّ النبوّة موهبة من الله تعالی لمن اصطفاه من عباده ، والله یعلم حیث یجعل رسالته ، ولا حیلة للبشر فی اکتسابها أبداً وإن بلغ من العلم والعمل أیّ مرتبة رابیة.

ولیت رواة السوء کانوا قد أجمعوا آراءهم علی حدیث الأرز. ولم یعدوه ، ولم یهبوا النبوّة لمثل معاویة ، وکان فیه غنیً وکفایة فی عرفان النبوّة وفضلها وهو :

لو کان الأرز حیواناً لکان آدمیّا ، ولو کان آدمیّا لکان رجلاً صالحاً ، ولو کان ف)

ص: 496


1- تذکرة الحفّاظ : 3 / 137 [3 / 922 رقم 879]. (المؤلف)

صالحاً لکان نبیّا ، ولو کان نبیّا لکان مرسلاً ، ولو کان مرسلاً لکان أنا (1).

ومن العجب أنّ تفنید الحفّاظ لهذه الروایات لم یعدُ ناحیة السند ، مع أنّ متونها أدلُّ علی وضعها ، لکنّهم لا یهمّهم أن یکون مثل معاویة معرّفاً بتلک الحدود مع ما یصادمها من نوامیس مطّردة ، أوعزنا إلی یسیر منها ؛ نعم : هی شنشنة أعرفها من أخزم.

23 - عن ابن عبّاس مرفوعاً : هبط علیّ جبریل وعلیه طنفسة وهو متخلّل بها ، فقلت : یا جبریل ما نزلت إلیّ فی مثل هذا الزیّ ، فقال : إن الله تعالی أمر الملائکة أن تتخلّل فی السماء کتخلّل أبی بکر فی الأرض.

أخرجه الخطیب فی تاریخه (5 / 442) من طریق محمد بن عبد الله الأشنانی الکذّاب الوضّاع ، عن حنبل بن إسحاق ، عن وکیع فقال : ما أبعد الأشنانی من التوفیق ، تراه ما علم أنّ حنبلاً لم یرو عن وکیع ولا أدرکه أیضاً ، ولست أشکّ أنّ هذا الرجل ما کان یعرف من الصنعة شیئاً ، وقد سمعت بعض شیوخنا ذکره فقال : کان یضع الحدیث ... إلی أن قال : أخذ أسانید صحیحة من بعض الصحف فرکّب علیها هذه البلایا ، ونسأل الله السلامة فی الدنیا والآخرة.

24 - عن عبد الله بن عمر مرفوعاً : إنّ الله أمرنی بحبّ أربعة : أبی بکر ، وعمر ، وعثمان ، وعلیّ. عدّه الذهبی (2) من بلایا سلیمان بن عیسی السجزی الکذّاب الوضّاع. راجع لسان المیزان (3) (2 / 99).

25 - عن أبی هریرة : إن لکلّ نبیٍّ خلیلاً من أمّته ، وإنّ خلیلی عثمان. 19

ص: 497


1- قال الصغانی : موضوع. کشف الخفاء : 2 / 160 [رقم 2109]. (المؤلف)
2- میزان الاعتدال : 2 / 218 رقم 3496.
3- لسان المیزان : 3 / 118 رقم 3919

من موضوعات إسحاق بن نجیح الملطی ، قال الذهبی فی میزان الاعتدال (1) : هذا باطل ، ویدلُّ علی ذلک قوله علیه الصلاة والسلام : لو کنت متّخذاً خلیلاً من هذه الأمّة لاتّخذت أبا بکر خلیلاً.

قال الأمینی : هذا الذی استدلّ به الذهبی علی بطلان الروایة موضوع أیضاً ، وضعوه فی مقابل حدیث الإخاء ، کما فی شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید (2) (3 / 17).

26 - أخرج الخطیب فی تاریخه (13 / 483) قال : لمّا قدم الرشید المدینة أعظم أن یرقی منبر النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فی قباءٍ أسود ومنطقة ، فقال أبو البختری : حدثنی جعفر بن محمد الصادق عن أبیه قال : نزل جبریل علی النبی صلی الله علیه وآله وسلم وعلیه قباء ومنطقة مخنجراً فیها بخنجر. من موضوعات وهب بن وهب أبی البختری القرشی ، قال المعافی التیمی :

ویلٌ وعولٌ لأبی البختری

إذا ثوی للناس فی المحشرِ

من قولِهِ الزورَ وإعلانِه

بالکذبِ فی الناسِ علی جعفرِ

والله ما جالسَهُ ساعةً

للفقهِ فی بدوٍ ولا محضرِ

ولا رآه الناسُ فی دهرِهِ

یمرُّ بین القبرِ والمنبرِ

یا قاتلَ اللهُ ابنَ وهبٍ لقد

أعلن بالزورِ وبالمنکرِ

یزعمُ أنَّ المصطفی أحمداً

أتاه جبریل التقیُّ السری

علیه خفٌّ وقباءٌ أسودُ

مخنجراً فی الحقو بالخنجرِ

قال الأمینی : هذا هزء بالله وبرسله ، لا یصدر مثله عمّن یؤمن بالله ویری للنبیّ 3.

ص: 498


1- میزان الاعتدال : 1 / 201 رقم 795.
2- شرح نهج البلاغة : 11 / 49 خطبة 203.

حرمةً ولأمین الوحی جبریل کرامةً. (کَبُرَتْ کَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ إِنْ یَقُولُونَ إِلاَّ کَذِباً) (1).

27 - عن ابن عبّاس مرفوعاً : ما فی الأرض شیطان إلاّ وهو یفرق من عمر ، وما فی السماء ملک إلاّ وهو یوقّر عمر.

من موضوعات موسی بن عبد الرحمن الصنعانی الدجّال الوضّاع ، رواه عنه عبد الغنی بن سعید الثقفی ، ضعّفه ابن یونس کما فی المیزان (2) ، وعنه بکر بن سهل ، ضعّفه النسائی ، وعدّ ابن عدی (3) هذه الروایة من البواطیل کما فی میزان الذهبی (4) ، وکذلک رآها السیوطی (5) موضوعة.

28 - عن زید بن ثابت قال : قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : أوّل من یُعطی کتابه بیمینه من هذه الأمّة عمر بن الخطّاب ، وله شعاع کشعاع الشمس ، قیل : فأین أبو بکر؟ قال : تزفّه الملائکة إلی الجنان.

أخرجه الخطیب (6) من طریق عمر بن إبراهیم الکردی الکذّاب ، فقال : المتّهم به عمر ، وعدّه السیوطی فی اللآلئ (7) (1 / 156) من الموضوعات.

29 - عن معاذ بن جبل مرفوعاً : إنّ الله عزّ وجلّ یکره فی السماء أن یُخطّأ أبو بکر الصدّیق فی الأرض. 2.

ص: 499


1- الکهف : 5.
2- میزان الاعتدال : 2 / 642 رقم 5051.
3- الکامل فی ضعفاء الرجال : 6 / 349 رقم 1831.
4- میزان الاعتدال : 4 / 212 رقم 8891.
5- الجامع الصغیر : 2 / 502 ح 7954.
6- تاریخ بغداد : 11 / 202 رقم 5905.
7- اللآلئ المصنوعة : 1 / 302.

أخرجه الحارث فی مسنده من طریق محمد بن سعید الکذّاب الوضّاع ، فقال : موضوع تفرّد به أبو الحارث نصر بن حمّاد ، کذّبه یحیی ، وقال النسائی : لیس بثقة ، وقال مسلم : ذاهب الحدیث. وبکر بن خنیس ، قال الدارقطنی (1) : متروک. ومحمد ابن سعید هو المصلوب ، کذّاب یضع. اللآلئ المصنوعة (2) (1 / 155).

30 - عن بلال بن رباح مرفوعاً : لو لم أُبعث فیکم لبُعث عمر.

أخرجه ابن عدی (3) بطریقین وقال : لا یصحّ ، زکریا - الوکّار - کذّاب یضع (4) ، وابن واقد - عبد الله - متروک ، ومشرح بن هاعان لا یُحتجُّ به (5).

وأورده بالطریقین ابن الجوزی فی الموضوعات (6) فقال : هذان حدیثان لا یصحّان عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ؛ أمّا الأوّل : فإنّ زکریّا بن یحیی کان من الکذّابین الکبار. قال ابن عدی : کان یضع الحدیث. وأمّا الثانی : فقال أحمد ویحیی (7) : عبد الله ابن واقد لیس بشیء. وقال النسائی (8) : متروک الحدیث. وقال ابن حبّان : انقلبت علی مشرح صحائفه ، فبطل الاحتجاج به (9).

وأخرجه ابن عساکر فی تاریخه (10) (3 / 287) من طریق مشرح بن هاعان 2.

ص: 500


1- الضعفاء والمتروکون : ص 160 رقم 128.
2- اللآلئ المصنوعة : 1 / 300.
3- الکامل فی ضعفاء الرجال : 3 / 216 رقم 713 و 4 / 194 رقم 1005.
4- بذکر الوکّار زیّف سند طریقه الأوّل ، وبما یأتی طریقه الثانی. (المؤلف)
5- أنظر : اللآلئ المصنوعة : 1 / 302.
6- الموضوعات : 1 / 320.
7- التاریخ : 4 / 91 رقم 3301.
8- کتاب الضعفاء والمتروکین للنسائی : ص 150 رقم 354.
9- کتاب الضعفاء والمتروکین لابن الجوزی : 3 / 121 رقم 3325.
10- تاریخ مدینة دمشق : 10 / 383 رقم 953 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 5 / 242.

بلفظ : لو کان بعدی نبیّ لکان عمر بن الخطّاب.

31 - عن أبی هریرة مرفوعاً : تفاخرت الجنّة والنار ، فقالت النار للجنّة : أنا أعظم منک قدراً. قالت : ولم؟ قالت : لأنّ فیّ الفراعنة والجبابرة والملوک وأبناءها. فأوحی الله تعالی للجنّة أن قولی : بل لی الفضل إذ زیّننی الله لأبی بکر وعمر.

من موضوعات مهدی بن هلال ، أخرجه الخطیب قال : موضوع ، أبان - بن أبی عیّاش - متروک ، ومهدی کذّاب وضّاع. اللآلئ المصنوعة (1) (1 / 158).

32 - عن أبی هریرة قال : خرج رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم متّکئاً علی علیّ بن أبی طالب ، فاستقبله أبو بکر وعمر ، فقال له : یا علیّ أتحبُّ هذین الشیخین؟ قال : نعم یا رسول الله ، قال : أحبّهما تدخل الجنّة. وعن عبد الله بن أبی أوفی بلفظ : یا أبا الحسن أحبّهما فبحبّهما تدخل الجنّة.

من موضوعات محمد بن عبد الله الأشنانی ، ذکره السیوطی فی اللآلئ (2) نقلاً عن الخطیب ، وإنّه أردفه بقوله : موضوع عمله الأشنانی ثمّ رکّب له إسناداً آخر (3). ذکره الخطیب بطریق آخر حکم بغرابته وأنّه طریق مجهول. راجع تاریخ الخطیب (1 / 246 ، 5 / 440) ، وذکره الذهبی فی میزانه (4) (1 / 243) فقال : حدیث باطل بسند صحیح ، وذکره ابن الجوزی فی الموضوعات (5).

33 - عن سهل بن سعد قال : وصف لنا رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ذات یوم الجنّة ، فقام 3.

ص: 501


1- اللآلئ المصنوعة : 1 / 305.
2- اللآلئ المصنوعة : 1 / 305.
3- حرّفته ید الطبع الأمینة وجعلته : رواه الأشنانی مرّة أخری فرکّب له إسناداً غیر هذا. راجع تاریخ الخطیب : 5 / 440 [رقم 2963] حیّا الله الأمانة. (المؤلف)
4- میزان الاعتدال : 1 / 524 رقم 1954.
5- الموضوعات : 1 / 323.

إلیه رجل فقال : یا رسول الله أفی الجنّة برق؟ قال : نعم والذی نفسی بیده إنّ عثمان لیتحوّل من منزل إلی منزل فتبرق له الجنّة.

من موضوعات الحسین بن عبید الله العجلی ، أخرجه ابن عدی (1) وحکم بوضعه وقال : آفته الحسین. وقال الذهبی فی میزانه (2) (1 / 253) : فهذا کذب ، ورواه الحاکم فی المستدرک (3) (3 / 98) وصحّحه ، وتعقّبه الذهبی فی تلخیصه فقال : ذا موضوع ، والحسین یروی عن مالک وغیره من الموضوعات ، ثمّ قال : أفیحتجُّ عاقل ، بمثله فضلاً عن أن یورد له فی الصحاح؟

34 - عن ابن عبّاس مرفوعاً : اللهمّ اعطف علیّ ابن عمّی علیاً. فأتاه جبریل فقال : أوَلیس فعل بِکَ ربّک؟ قد عضدک بابن عمّک علیّ وهو سیف الله علی أعدائه ، وبأبی بکر الصدّیق وهو رحمة الله ، وعمر الفاروق ، فأعدّهم وزراء ، وشاورهم فی أمرک ، وقاتل بهم عدوّک ، ولا یزال دینک قائماً حتی یثلبه رجل من بنی أُمیّة.

من موضوعات عمرو بن الأزهر العتکی البصری ، أخرجه الحاکم فی المستدرک من طریقه وقال : عمرو یضع ، وزکریّا - بن یحیی بن حویثرة - قال ابن معین : رجل سوء ، یستأهِل أن یُحفَر له بئر فیلقی فیها ، والألیَق نسبة هذا الحدیث إلیه (4).

35 - عن أنس مرفوعاً : قال صلی الله علیه وآله وسلم لأبی بکر : ما أطیب مالک! منه بلال مؤذّنی وناقتی ، کأنّی أنظر إلیک علی باب الجنّة تشفع لأمّتی.

من أباطیل الفضل بن المختار ، قالوا : أحادیثه منکرة عامّتها لا یتابَع علیها. ف)

ص: 502


1- الکامل فی ضعفاء الرجال : 2 / 365 رقم 494.
2- میزان الاعتدال : 1 / 541 رقم 2021.
3- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 105 ح 4540 ، وکذا فی تلخیصه.
4- راجع اللآلئ المصنوعة للسیوطی : 1 / 318. (المؤلف)

أخرجه الذهبی مع أحادیث فی میزانه (1) (2 / 333) فقال : فهذه أباطیل وعجائب.

36 - عن أُبیّ بن کعب مرفوعاً : قال جبریل : لو جلست معک مثل ما جلس نوح فی قومه ما بلغت فضائل عمر. الحدیث.

ذکره ابن الجوزی فی الموضوعات (2) ، والذهبی فی المیزان (3) فی ترجمة حبیب ابن ثابت ، وقال : خبر باطل لا ندری من ذا ، وقال ابن حجر فی لسانه (4) (2 / 168) : لم یعلّه ابن الجوزی إلاّ بعبد الله بن عامر الأسلمی ، ولیست الآفة منه ، وفی السند ابن بطّة والنقّاش المفسِّر ، وفیهما مقال صعب. وذکره (5) فی (2 / 189) وقال : قال الدارقطنی فی غرائب مالک - بعد أن أورده من طریق الفتح بن نصیر عن حسّان بن غالب - : هذا لا یصحّ عن مالک ، وفتح وحسّان ضعیفان ، وهذا الحدیث وحدیث المشط موضوعان. انتهی ملخّصاً.

37 - عن عبد الله رضی الله عنه مرفوعاً : أبو بکر تاج الإسلام ، وعمر حلّة الإسلام ، وعثمان إکلیل الإسلام ، وعلیُّ طیب الإسلام.

أخرجه الذهبی فی المیزان (6) (1 / 310) فقال : هو کذب.

38 - عن عبد الله مرفوعاً : لکلّ نبیّ خاصّة من أُمّته ، وخاصّتی من أُمّتی أبو بکر وعمر. قال الذهبی (7) : خبر باطل. لسان المیزان (8) (3 / 365). 7.

ص: 503


1- میزان الاعتدال : 3 / 359 رقم 6750.
2- الموضوعات : 1 / 321.
3- میزان الاعتدال : 1 / 451 رقم 1691.
4- لسان المیزان : 2 / 213 رقم 2270.
5- لسان المیزان : ص 238 رقم 2381.
6- میزان الاعتدال : 1 / 661 رقم 2545.
7- میزان الاعتدال : 2 / 507 رقم 4623.
8- لسان المیزان : 3 / 448 رقم 4827.

39 - عن عبد الله بن عمر مرفوعاً : الآن یطلع علیکم رجل من أهل الجنّة ، فطلع معاویة. فقال : أنت یا معاویة منّی وأنا منک ، لتزاحمنی علی باب الجنّة کهاتین - وأشار بإصبعیه.

وذکره الذهبی (1) فی ترجمة الحسن بن شبیب ، عنه من طریق عبد الله بن یحیی المؤدّب ، فقال : الحسن حدّث بالبواطیل عن الثقات ، وقال فی ترجمة عبد الله بن یحیی : خبر باطل لا یدری من ذا (2). میزان الاعتدال (2 / 133) ، لسان المیزان (3 / 376).

40 - عن أُبیّ بن کعب مرفوعاً : أوّل من یعانقه الحقُّ یوم القیامة عمر ، وأوّل من یصافحه الحقُّ یوم القیامة عمر ، وأوّل من یُؤخذ بیده فینطلق به إلی الجنّة عمر ابن الخطّاب رضی الله عنه.

أخرجه الحاکم فی المستدرک (3) (3 / 84) وقال الذهبی فی تلخیصه : موضوع وفی إسناده کذّاب. أقول : لعلّه یعنی فضل بن جبیر الورّاق ، قال العقیلی (4) : لا یُتابع علی حدیثه.

41 - عن إبراهیم بن الحجّاج بن منبّه السهمی ، عن أبیه ، عن جدّه رفعه : من رأیتموه یذکر أبا بکر وعمر بسوء فإنّما یرید الإسلام.

قال الذهبی فی المیزان فی ترجمة إبراهیم : حدیث منکر جدّا ، وإبراهیم مجهول لا أعلم له راویاً غیر أحمد بن إبراهیم الکریزی ، ولم یذکر ابن عبد البرّ ولا غیره الحجّاج بن منبّه فی الصحابة.

قال الأمینی : إنّ الرجل ووالده وجدّه من رجال الغیب ، مخلوقون فی عالم الوضع 2.

ص: 504


1- میزان الاعتدال : 1 / 495 رقم 1864.
2- میزان الاعتدال : 2 / 524 رقم 4684 ، لسان المیزان : 3 / 460 رقم 4866.
3- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 90 ح 4489 ، وکذا فی تلخیصه.
4- الضعفاء الکبیر : 3 / 444 رقم 1492.

والافتعال ، من أُسرة لا تدری نفس بأیّ أرض تعیش ، فجهل الذهبی بأولئک الرجال لیس بمستنکر علیه.

42 - عن أنس مرفوعاً : ما قدّمت أبا بکر وعمر ولکن الله قدّمهما ومنّ بهما ، فأطیعوهما واقتدوا بهما ؛ ومن أرادهما بسوء فإنّما یریدنی والإسلام.

أخرجه الذهبی فی ترجمة الحسن بن إبراهیم الفقیمی الواسطی ، فقال : هذا دیث باطل ، ورجاله مذکورون بالثقة ما خلا الحسن فإنّی لا أعرفه (1).

43 - عن أبی هریرة مرفوعاً : خلقنی الله من نوره ، وخلق أبا بکر من نوری ، وخلق عمر من نور أبی بکر ، وخلق عثمان من نور عمر ، وعمر سراج أهل الجنّة.

قال الذهبی فی میزانه (2) فی ترجمة أحمد بن یوسف المنبجی : خبر کذب ، قال أبو نعیم : هذا باطل یخالف کتاب الله ... إلی أن قال : ما حدّث به واحد من الثلاثة - یعنی رجال سنده - وإنّما الآفة عندی فیه المنبجی. لسان المیزان (3) (1 / 328).

44 - عن علیّ رضی الله عنه قال : أوّل من یدخل من الأُمّة الجنّة أبو بکر وعمر ، وإنّی لموقوف مع معاویة للحساب.

قال الذهبی (4) فی ترجمة أصبغ الشیبانی : خبر منکر أخرجه ابن الجوزی فی الواهیات ، وقال ابن حجر فی لسان المیزان : وهذا أولی بکتاب الموضوعات ، وقد ذکره العقیلی (5) فقال : مجهول وحدیثه غیر محفوظ ثمّ ساقه. لسان المیزان (6) (1 / 460). 7.

ص: 505


1- أنظر لسان المیزان : 2 / 241 رقم 2394.
2- میزان الاعتدال : 1 / 166 رقم 669.
3- لسان المیزان : 1 / 361 رقم 1006.
4- میزان الاعتدال : 1 / 271 رقم 1015.
5- الضعفاء الکبیر : 1 / 130 رقم 162.
6- لسان المیزان : 1 / 514 رقم 1427.

45 - عن عبد الله بن عمر مرفوعاً : هبط جبریل فقال : إنّ ربّ العرش یقول لک : لمّا أخذت میثاق النبیّین أخذت میثاقک وجعلتک سیّدهم ، وجعلت وزیرک أبا بکر وعمر ؛ وعزّتی لو سألتنی أن أُزیل السموات والأرض لأزلتهما. الحدیث.

قال الذهبی فی میزانه (1) فی ترجمة موسی بن عیسی : رواه ابن السمعانی فی خطبة کتاب البلدان ، وهو باطل.

46 - عن ابن عبّاس مرفوعاً : یکون فی آخر أُمّتی الرافضة ، ینتحلون حبّ أهل بیتی وهم کاذبون ، علامة کذبهم شتمهم أبا بکر وعمر ؛ من أدرکهم منکم فلیقتلهم فإنّهم مشرکون.

عدّه ابن عدی (2) من البواطیل. لسان المیزان (3) (4 / 376).

47 - عن ابن عبّاس مرفوعاً : إن الله أوحی إلیّ أن أزوّج کریمتی عثمان.

عدّه ابن عدی (4) من بواطیل عمیر بن عمران الحنفی. لسان المیزان (5) (4 / 380)

48 - عن معاذ مرفوعاً : إذا کان یوم القیامة نُصب لإبراهیم ولی منبران أمام العرش ، ویُنصب لأبی بکر کرسیّ فیجلس علیه ، فینادی منادٍ : یا لک من صدّیق بین خلیل وحبیب.

عدّه الذهبی من الأحادیث المنکرة الباطلة ، وحکی عن أبی نصر بن ماکولا : 5.

ص: 506


1- میزان الاعتدال : 4 / 216 رقم 8908.
2- الکامل فی ضعفاء الرجال : 5 / 153 رقم 1317.
3- لسان المیزان : 4 / 434 رقم 6321.
4- الکامل فی ضعفاء الرجال : 5 / 70 رقم 1249.
5- لسان المیزان : 4 / 439 رقم 6345.

أنّ الحمل فیه علی محمد بن أحمد الحلیمی من ولد حلیمة السعدیّة (1). میزان الاعتدال (ج 3) ، لسان المیزان (5 / 59).

49 - مرفوعاً : لو لم أُبعث لبُعثتَ یا عمر.

قال الصغانی : موضوع. کشف الخفاء (2 / 163).

50 - مرفوعاً : ما صبَّ الله فی صدری شیئاً إلاّ وصببته فی صدر أبی بکر ، ذکره غیر واحد من المؤلّفین فی عدِّ فضائل أبی بکر ، مرسلین إیّاه إرسال المسلّم ، وإنما عدّه الفیروزآبادی فی خاتمة سفر السعادة (2) من أشهر المشهورات من الموضوعات والمفتریات المعلوم بطلانها ببدیهة العقل. وکذلک العجلونی فی کشف الخفاء (2 / 419) ، وفی أسنی المطالب (3) (ص 194) : موضوع کما ذکره ملاّ علی القاری فی الموضوعات (4).

51 - کان صلی الله علیه وآله وسلم إذا اشتاق إلی الجنّة قبّل شیبة أبی بکر.

عدّه الفیروزآبادی فی خاتمة سفر السعادة (5) ، والعجلونی فی کشف الخفاء (2 / 419) من أشهر المشهورات من الموضوعات ومن المفتریات المعلوم بطلانها ببدیهة العقل.

52 - مرفوعاً : أنا وأبو بکر کفرسی رهان.

نصّ الفیروزآبادی فی سفر السعادة (6) ، والعجلونی فی کشف الخفاء (2 / 419) 1.

ص: 507


1- میزان الاعتدال : 3 / 465 رقم 7182 ، لسان المیزان : 5 / 68 رقم 6980.
2- سفر السعادة : 2 / 211.
3- أسنی المطالب : ص 391 ح 1262.
4- الموضوعات الکبری : ص 106.
5- سفر السعادة : 2 / 211.
6- سفر السعادة : 2 / 211.

علی بطلانه بما مرّ فی سابقیه ، وقال ابن درویش الحوت فی أسنی المطالب (1) (ص 73) : موضوع ، کما ذکره ملاّ علیّ القاری (2) نقلاً عن ابن القیّم.

53 - مرفوعاً : إنّ الله لمّا اختار الأرواح اختار روح أبی بکر.

من الموضوعات المشهورة والمفتریات المعلوم بطلانها ببدیهة العقل ، کما صرّح به الفیروزآبادی فی سفر السعادة ، والعجلونی فی کشف الخفاء (3) ، وقال ابن درویش الحوت فی أسنی المطالب (4) (ص 60) : موضوع ، کما ذکره ملاّ علی (5) نقلا عن ابن القیّم.

54 - عن عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعاً : ینزل عیسی بن مریم علیه السلام فیتزوّج ویولد له ، ویمکث خمساً وأربعین سنة ثمّ یموت ، فیدفن معی فی قبری ، فأقوم أنا وهو من قبر واحد بین أبی بکر وعمر.

أخرجه الذهبی فی المیزان (6) (2 / 105) فقال : فهذه مناکیر غیر محتملة.

55 - عن ابن عبّاس مرفوعاً : أنا مع عمر وعمر معی حیث حللت ، من أحبّه فقد أحبّنی ، ومن أبغضه فقد أبغضنی.

رواه الذهبی فی میزان الاعتدال (7) (2 / 158) وقال : هذا کذب ، وذکره فی ترجمة قاسم بن یزید (8) بلفظ : عمر معی وأنا مع عمر ، والحقُّ بعدی مع عمر حیث کان 5.

ص: 508


1- أسنی المطالب : ص 138 ح 393.
2- الموضوعات الکبری : ص 106.
3- کشف الخفاء : 2 / 419.
4- أسنی المطالب : ص 118 ح 313.
5- الموضوعات الکبری : ص 106.
6- میزان الاعتدال : 2 / 563 رقم 4866.
7- میزان الاعتدال : ص 675 رقم 5298.
8- میزان الاعتدال : 3 / 381 رقم 6855.

وقال : أخاف أن یکون کذباً مختلقاً. وذکره ابن درویش الحوت فی أسنی المطالب (1) (ص 144) بلفظ : عمر معی وأنا مع عمر ، والحقُّ بعدی مع عمر حیث کان. فقال : لم یصحّ.

56 - عن ابن عبّاس مرفوعاً : أبو بکر منّی بمنزلة هارون من موسی.

من موضوعات علیّ بن الحسن الکلبی ، أخرجه محمد بن جریر الطبری ، قال الذهبی فی میزانه (2) (2 / 222) : خبر کذب هو - الکلبی - المتّهم به.

57 - عن أنس مرفوعاً : من افتری علی الله کذباً قُتل ولا یستتاب ، ومن سبّنی قُتل ولا یُستتاب ، ومن سبّ أبا بکر قُتل ولا یُستتاب ، ومن سبّ عمر قُتل ولا یُستتاب ، ومن سبّ عثمان أو علیّا جلد الحدّ. قیل : یا رسول الله ولِم ذاک؟ قال : لأنّ الله خلقنی وخلق أبا بکر وعمر من تربة واحدة وفیها نُدفن.

قال الذهبی : هذا الحدیث موضوع ؛ فقال ابن عدی (3) : البلاء فیه من یعقوب ابن الجهم الحمصی. میزان الاعتدال (4) (3 / 323) ، لسان المیزان (5) (6 / 306).

58 - عن أنس قال : لمّا حضرت وفاة أبی بکر الصدّیق ، سمعت علیّ بن أبی طالب یقول : المتفرِّسون فی الناس أربعة ؛ امرأتان ورجلان ، وعدّ صفرا بنت شعیب ، وخدیجة بنت خویلد ، وعزیز مصر علی عهد یوسف. فقال : وأمّا الرجل الآخر : فأبو بکر الصدّیق ، لمّا حضرته الوفاة قال لی : إنّی تفرّست فی أن أجعل الأمر من بعدی فی عمر بن الخطّاب ، فقلت له : إن تجعلها فی غیره لن نرضی به ، فقال : سررتنی 4.

ص: 509


1- أسنی المطالب : ص 285 ح 923.
2- میزان الاعتدال : 3 / 122 رقم 5816.
3- الکامل فی ضعفاء الرجال : 7 / 150 رقم 2060.
4- میزان الاعتدال : 4 / 450 رقم 9809.
5- لسان المیزان : 6 / 374 رقم 9334.

والله لأسرّنّک فی نفسک بما سمعته من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، فقلت : وما هو؟ قال : سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول : إنّ علی الصراط لعقبة لا یجوزها أحد إلاّ بجواز من علیّ بن أبی طالب. فقال علیّ له : أفلا أسرُّک فی نفسک وفی عمر بما سمعته من رسول الله؟ فقال : ما هو؟ فقلت : قال لی : یا علیُّ لا تکتب جوازاً لمن سبّ أبا بکر وعمر فإنّهما سیدا کهول أهل الجنّة بعد النبیّین. فلمّا أفضت الخلافة إلی عمر ، قال لی علیّ : یا أنس إنّی طالعت مجاری القلم من الله تعالی فی الکون فلم یکن لی أن أرضی بغیر ما جری فی سابق علم الله وإرادته خوفاً من أن یکون منّی اعتراض علی الله ، وقد سمعت رسول الله یقول : أنا خاتم الأنبیاء وأنت یا علیُّ خاتم الأولیاء.

أخرجه الخطیب فی تاریخه (10 / 357) ، فقال فی (ص 358) : هذا الحدیث موضوع من عمل القصّاص ، وضعه عمر بن واصل - أو وُضع علیه - والله أعلم.

59 - عن ابن عبّاس مرفوعاً : إنّ الله أیّدنی بأربعة وزراء ، قلنا : من هؤلاء الأربعة الوزراء یا رسول الله؟ قال : اثنین من أهل السماء واثنین من أهل الأرض. قلنا : من هؤلاء الاثنین (1) من أهل السماء؟ قال : جبریل ومیکائیل. قلنا : من هؤلاء الاثنین من أهل الأرض أو من أهل الدنیا؟ قال : أبو بکر وعمر.

من موضوعات محمد بن مجیب الصائغ ، أخرجه الخطیب فی تاریخة (3 / 298) من طریقه ، وقال : کان کذّاباً عدوّا لله ذاهب الحدیث ، وأخرجه الذهبی فی المیزان (2) من طریق معلّی بن هلال الکذّاب الوضّاع ، ومرّ عن أحمد : أنّ کلّ أحادیثه موضوعة.

60 - عن جابر بن عبد الله قال : کنّا عند النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فقال : یطلع علیکم رجل لم یخلق الله بعدی أحداً هو خیر منه ولا أفضل ، وله شفاعة مثل شفاعة النبیّین ، فما 9.

ص: 510


1- کذا فی المصدر.
2- میزان الاعتدال : 4 / 152 رقم 8679.

برحنا حتی طلع أبو بکر الصدّیق ، فقام النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فقبّله والتزمه.

سمعه الحافظ أبو بکر الخطیب البغدادی سنة (409) عن محمد بن العبّاس بن الحسین أبی بکر القاصّ ، وقال : کان شیخاً فقیراً یقصُّ فی جامع المنصور وفی الطرقات والأسواق. راجع تاریخ بغداد (3 / 123).

سبحانک اللهمّ ما خطر حافظ یأخذ من قاصٍّ مجهولٍ یقصُّ فی درر الطریق ، ویکدُّ فی الأسواق؟ وما قیمة حدیث هذا مأخذه ولا یوجد له أصل محفوظ؟ فإن کانت أحادیث نبیّ الإسلام هذا شأنها ، فعلی الإسلام السلام ، وعلی حفّاظها العفا.

61 - عن ابن مسعود مرفوعاً : ما من مولود إلاّ وفی سرّته من تربته التی تولّد منها ، فإذا رُدَّ إلی أرذل عمره رُدَّ إلی تربته التی خُلق منها حتی یُدفن فیها ، وإنّی وأبا بکر وعمر خُلقنا من تربة واحدة ، وفیها نُدفن.

أخرجه الخطیب فی تاریخه (2 / 313) من طریق موسی بن سهل ، عن إسحاق ابن الأزرق ، وذکره الذهبی فی میزانه (1) (3 / 211) فی ترجمة موسی فقال : خبر باطل رواه عنه نکرة مثله. أقول : لا یخفی ما فی السند علی مثل الخطیب ، غیر أنّ من شأنه السکوت عن غمز ما یروقه متنه من الموضوعات.

62 - عن أنس مرفوعاً : لمّا عرج بی جبریل رأیت فی السماء خیلا موقفة مسرجة ملجمة لا تروث ولا تبول ولا تعرق ، رءوسها من الیاقوت الأحمر ، وحوافرها من الزمرّد الأخضر ، وأبدانها من العقیان الأصفر ، ذوات أجنحة ، فقلت : لمن هذه؟ فقال جبریل : هی لمحبِّی أبی بکر وعمر ، یزورون الله علیها یوم القیامة.

أخرجه الخطیب فی تاریخة (2 / 330) وقال : حدیث منکر ، ورواه فی (11 / 242) 3.

ص: 511


1- میزان الاعتدال : 4 / 206 رقم 8873.

ساکتاً عن تزییفه ، وذکره الذهبی فی میزانه (1) (3 / 99) وقال : حدیث کذب ، یُقال أُدخل علی محمد بن عبد الله بن مرزوق ، وقرّر کذبه ابن حجر فی لسان المیزان (2) (5 / 274).

63 - عن عطیّة العوفی ، عن أبی سعید الخدری مرفوعاً : إنّ أهل علیّین لیراهم من هو أسفل منهم کما ترون النجم أو الکواکب فی السماء ، وإنّ منهم لأبا بکر وعمر وأنعما. قال : قلت لأبی سعید : ما أنعما؟ قال : أهل ذلک هما.

نصّ المقدسی فی تذکرة الموضوعات (3) (ص 27) علی أنّه موضوع لمکان مجاهد ابن سعید. أخرجه الخطیب فی تاریخه (2 / 394 ، 3 / 195 ، 4 / 64 ، 12 / 124) من عدّة طرق ، وفیها غیر واحد من الکذّابین ، لا یتکلّم فیها بغمز جریاً علی عادته.

64 - عن أنس قال : لمّا نزلت سورة التین علی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، فرح لها فرحاً شدیداً حتی بان لنا شدّة فرحه ، فسألنا ابن عبّاس بعد ذلک عن تفسیرها فقال :

أمّا قول الله : والتین : فبلاد الشام ، والزّیتون : فبلاد فلسطین ، وطُورِ سِینین : فطور سینا الذی کلّم الله علیه موسی ، وهذا البلد الأمین : فبلد مکّة ، ولقد خلقنا الإنسان فی أحسن تقویم : محمد صلی الله علیه وآله وسلم ، ثمّ رددناه أسفل سافلین : عُبّاد اللاّت والعزّی ، إلاّ الذین آمنوا وعملوا الصالحات : أبو بکر وعمر ، فلهم أجر غیر ممنون : عثمان بن عفان ، فما یکذّبک بعدُ بالدین : علیّ بن أبی طالب ، ألیس الله بأحکم الحاکمین : بعثک فیهم ، وجمعکم علی التقوی یا محمد.

أخرجه الخطیب فی تاریخه (2 / 97) فقال : هذا الحدیث بهذا الإسناد باطل لا أصل له یصحّ فیما نعلم ، والرجال المذکورون فی إسناده کلّهم أئمّة مشهورون غیر 0.

ص: 512


1- میزان الاعتدال : 3 / 638 رقم 7911.
2- لسان المیزان : 5 / 311 رقم 7726.
3- تذکرة الموضوعات : ص 20.

محمد ابن بیان ، ونری العلّة من جهته ، وتوثیق ابن الشخیر له لیس بشیء ؛ لأنّ من أورد مثل هذا الحدیث بهذا الإسناد قد أغنی أهل العلم عن أن ینظروا فی حاله ویبحثوا عن أمره ، ولعلّه کان یتظاهر بالصلاح فأحسن ابن الشخیر به الظنّ وأثنی علیه لذلک ، وقد قال یحیی بن سعید القطّان : ما رأیت الصالحین فی شیءٍ أکذب منهم فی الحدیث.

وذکره الذهبی فی میزانه (1) (3 / 32) من طریق محمد بن بیان وقال : روی بقلّة حیاء من الله فقال : حدّثنا الحسن بن عرفة - فذکر الحدیث - ثمّ قال : قال ابن الجوزی : هذا وضعه محمد بن بیان علی ابن عرفة ، وذکر کلمة الخطیب المذکورة.

هکذا یحرّفون الکلم عن مواضعه ، ونسوا حظّا ممّا ذُکّروا به ، وهکذا لعبت أیدی الهوی بالکتاب والسنّة ، وهذا مبلغ استفادة القوم منهما ، وإنّ ربّک لیحکم بینهم یوم القیامة فیما کانوا فیه یختلفون.

65 - عن عبد الله بن عمر قال : کنت عند النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وعنده أبو بکر الصدّیق علیه عباءة قد خلّها علی صدره بخلال ، فنزل علیه جبریل فقال : ما لی أری أبا بکر علیه عباءة قد خلّها علی صدره بخلال؟ قال : أنفق ماله علیّ قبل الفتح ، قال : فاقرأه عن الله السلام وقل له یقول لک ربّک : یا أبا بکر أراضٍ أنت عنّی فی فقرک هذا أم ساخط؟ قال : فالتفت النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم إلی أبی بکر فقال : یا أبا بکر هذا جبریل یُقرئک عن الله السلام ، ویقول لک : أراضٍ أنت عنّی فی فقرک هذا أم ساخط؟ قال : فبکی أبو بکر وقال : أعلی ربّی أسخط؟ أنا عن ربّی راضٍ ، أنا عن ربّی راضٍ ، أنا عن ربّی راضٍ.

أخرجه الخطیب فی تاریخه (2 / 106) من طریق محمد بن بابشاذ - صاحب 6.

ص: 513


1- میزان الاعتدال : 3 / 493 رقم 7286.

الطامّات - ساکتاً عن بطلانه جریاً علی عادته ، وذکره الذهبی فی میزان الاعتدال (1) (2 / 213) فقال : کذب.

66 - عن أبی هریرة مرفوعاً : لمّا أن دخل النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم المدینة واستوطنها ، طلب التزویج ، فقال لهم : أنکحونی ، فأتاه جبریل بخرقة من الجنّة طولها ذراعان فی عرض شبر ، فیها صورة لم یر الراؤون أحسن منها ، فنشرها جبریل وقال له : یا محمد إنّ الله یقول لک : أن تزوّج علی هذه الصورة ، فقال له النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم : أنا من أین لی مثل هذه الصورة یا جبریل؟ فقال له جبریل : إنّ الله یقول لک : تزوّج بنت أبی بکر الصدّیق ، فمضی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إلی منزل أبی بکر ، فقرع الباب ثمّ قال : یا أبا بکر إن الله أمرنی أنّ أُصاهرک. وکان له ثلاث بنات فعرضهنّ علی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : إنّ الله أمرنی أن أتزوّج هذه الجاریة - وهی عائشة. فتزوّجها رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم.

أخرجه الخطیب فی تاریخه (2 / 194) ورآه ممّا صنعته یدا محمد بن الحسن الدعّاء الأصمّ الوضّاع بإسنادٍ رجاله کلّهم ثقات ، وقال الذهبی فی میزانه (2) (3 / 44) : رأیت له - یعنی لمحمّد بن الحسن - حدیثاً إسناده ثقات سواه ، وهو کذب فی فضل عائشة.

وأخرج الخطیب البغدادی فی تاریخه (11 / 222) عن عائشة قالت : أتی جبریل النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم بسَرَقَة (3) من حریر فیها صورة عائشة ، فقال : هذه زوجتک فی الدنیا والآخرة. رواه من طریق أبی خیثمة مصعب بن سعید المصّیصی ، یحدّث عن الثقات بالمناکیر ویصحّف ، کما فی میزان الاعتدال للذهبی (4) ، وقال بعد ذکر أحادیث له : ما هذه إلاّ مناکیر وبلایا. 1.

ص: 514


1- میزان الاعتدال : 3 / 103 رقم 5737.
2- میزان الاعتدال : ص 517 رقم 7395.
3- السَّرَقَة : الشقّة من الحریر ، الجمع سَرَق. (المؤلف)
4- میزان الاعتدال : 4 / 119 رقم 8561.

67 - إنّ عثمان رضی الله عنه جاءته دراهم من السماء مکتوب علیها : ضرب الرحمن إلی عثمان بن عفّان.

ذکره ابن درویش الحوت فی أسنی المطالب (1) (ص 287) وقال : کذب شنیع.

68 - مرفوعاً : اقتدوا باللذین من بعدی : أبی بکر وعمر.

قال ابن درویش الحوت فی أسنی المطالب (2) (ص 48) : أعلّه أبو حاتم ، وقال البزّار کابن حزم : لا یصحّ. وفی روایة للترمذی وحسّنها : واقتدوا بهدی عمّار ، وتمسّکوا بعهد ابن مسعود. وقال الهیثمی : سندها واهٍ.

69 - مرفوعاً : أنا مدینة العلم وعلیّ بابها ، وأبو بکر أساسها ، وعمر حیطانها.

قال ابن درویش الحوت فی أسنی المطالب (3) (ص 73) : لا ینبغی ذکره فی کتب العلم ، لا سیّما مثل ابن حجر الهیتمی ذکر ذلک فی الصواعق (4) والزواجر ، وهو غیر جیّد من مثله. أقول : لا یخفی علی المتتبّع النابه سرُّ افتعال هذه الأفائک ، وابن حجر وإن ذکره فی الکتابین فقد زیّفه فی الفتاوی الحدیثیّة (5) (ص 197).

70 - مرفوعاً : مُثّل أبو بکر له صلی الله علیه وآله وسلم حین فارقه جبریل ، لیستأنس به.

قال ابن درویش الحوت فی أسنی المطالب (6) (ص 88 ، 287) : خبر باطل وکذب مفتری.0.

ص: 515


1- أسنی المطالب : ص 601.
2- أسنی المطالب : ص 96 ح 238.
3- أسنی المطالب : ص 137 ح 391.
4- الصواعق المحرقة : ص 34.
5- الفتاوی الحدیثیة : ص 269.
6- أسنی المطالب : ص 168 ح 510 ، ص 600.

71 - عن أنس مرفوعاً : سیّدا کهول أهل الجنّة أبو بکر وعمر ، وأنّ أبا بکر فی الجنّة مثل الثریّا فی السماء.

من موضوعات یحیی بن عنبسة ، وهو ذلک الدجّال الوضّاع - راجع سلسلة الکذّابین - ، وذکر شطره الأول الذهبی فی المیزان (1) (3 / 126) وقال : قال یونس بن حبیب : ذکرت لعلیّ بن المدینی محمد بن کثیر المصّیصی وحدیثه هذا ، فقال علیّ : کنت أشتهی أن أری هذا الشیخ ، فالآن لا أُحبُّ أن أراه. وروی (2) شطره الأوّل من طریق عبد الرحمن بن مالک بن مغول الکذّاب الأفّاک الوضّاع.

وأخرج ابن قتیبة فی الإمامة والسیاسة (3) فی الصحیفة الأولی فی أوّل حدیثه : عن ابن أبی مریم ، عن أسد بن موسی ، عن وکیع ، عن یونس بن أبی إسحاق ، عن الشعبی ، عن علیّ بن أبی طالب - کرّم الله وجهه - قال : کنت جالساً عند رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فأقبل أبو بکر وعمر ، فقال علیه الصلاة والسلام : هذان سیّدا کهول أهل الجنّة من الأوّلین والآخرین إلاّ النبیّین والمرسلین علیهم السلام ، ولا تخبرهما یا علیّ.

ابن أبی مریم هو ذلک الکذّاب الوضّاع ، وأسد بن موسی ، قال سعید بن یونس : حدّث بأحادیث منکرة وهو ثقة ، فهو من موضوعات نوح بن أبی مریم افتتح به الرجل کتابه.

وأخرجه الخطیب البغدادی فی تاریخه (7 / 118) من طریق بشّار بن موسی الشیبانی الخفّاف بلفظ : هذان سیّدا کهول أهل الجنّة من الأوّلین والآخرین ممّن خلا 9.

ص: 516


1- میزان الاعتدال : 4 / 18 رقم 8100.
2- میزان الاعتدال : 2 / 585 رقم 4949.
3- الإمامة والسیاسة : 1 / 9.

فی الأمم الغابرین ومن یأتی إلاّ النبیّین والمرسلین علیهم السلام ، لا تخبرهما یا علیّ.

وحسبنا فی عرفان شأن سنده بشّار بن موسی البصری ، قال ابن معین (1)) : لیس بثقة ، إنّه من الدجّالین ، وقال عمرو بن علیّ : ضعیف الحدیث ، وقال البخاری (2) : منکر الحدیث قد رأیته وکتبت عنه وترکت حدیثه ، وقال الآجری : ضعیف ، وقال النسائی (3) : لیس بثقة ، وقال أبو زرعة : ضعیف ، وضعّفه المدینی ، وقال الحاکم أبو أحمد : لیس بالقویّ عندهم ، وأساء القول فیه الفضل بن سهل. تاریخ الخطیب (7 / 119) ، تهذیب التهذیب (4) (1 / 441).

وأخرجه الخطیب أیضاً فی (10 / 192) من طریق غیر واحد من الشیعة ممّن زیّف القوم حدیثهم ، عن یونس بن أبی إسحاق ، عن أبیه ، وقد ضعّف أحمد (5) حدیث یونس عن أبیه وقال : حدیثه مضطرب ، وقال أبو حاتم (6) : لا یحتجُّ بحدیثه ، وقال الحاکم أبو أحمد : ربّما وهم فی روایته. وفی السند طلحة بن عمرو ، قال أحمد (7) : لا شیء ، متروک الحدیث ، وقال ابن معین : لیس بشیء ، ضعیف ، وقال الجوزجانی : غیر مرضیّ فی حدیثه ، وقال أبو حاتم (8) : لیس بقویّ ، وقال البخاری (9) : لیس بشیء ، وقال أبو داود : ضعیف ، وقال النسائی (10) : متروک الحدیث ، لیس بثقة ، وقال ابن 1.

ص: 517


1- التاریخ : 3 / 63 رقم 243.
2- التاریخ الکبیر : مج 2 / 130 رقم 1935.
3- کتاب الضعفاء والمتروکین للنسائی : ص 63 رقم 82.
4- تهذیب التهذیب : 1 / 386.
5- العلل ومعرفة الرجال : 2 / 519 رقم 3424.
6- الجرح والتعدیل : 9 / 244 رقم 1024.
7- العلل ومعرفة الرجال : 1 / 411 رقم 866.
8- الجرح والتعدیل : 4 / 478 رقم 2097.
9- التاریخ الصغیر : 2 / 95.
10- کتاب الضعفاء والمتروکین للنسائی : ص 143 رقم 331.

عدی (1) : عامّة أحادیثه لا یُتابع علیه ، وقال ابن حبّان (2) : لا یحلّ کتب حدیثه ولا الروایة عنه إلاّ علی جهة التعجّب. راجع تهذیب التهذیب (3) (ج 5 ، 8).

72 - عن جابر مرفوعاً : لا یبغض أبا بکر وعمر مؤمن ولا یحبّهما منافق.

من موضوعات معلّی بن هلال الطحّان ، قال أحمد : کلُّ أحادیثهِ موضوعة. أخرجه الذهبی وقال فی تذکرة الحفّاظ (3 / 112) : هذا حدیث غیر صحیح ، ومعلّی متّهم بالکذب ، وباغض الشیخین معترّ لا خیر فیه ، ورآه باطلاً فی المیزان (4) واستدرک بقوله : لکن هو کلام صحیح. وروی من طریق عبد الرحمن بن مالک بن مغول الکذّاب الأفّاک الوضّاع.

73 - عن سعد : إنّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم قال لمعاویة : إنّه یُحشر وعلیه حلّة من نور ظاهرها من الرحمة وباطنها من الرضا ، یفتخر بها فی الجمع لکتابة الوحی.

ذکره الذهبی (5) من أباطیل محمد بن الحسن الکذّاب الدجّال.

74 - عن عائشة قالت : کانت لیلتی من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، فلمّا ضمّنی وإیّاه الفراش نظرت إلی السماء فرأیت النجوم مشتبکة فقلت : یا رسول الله فی هذه الدنیا رجل له حسنات بعدد نجوم السماء؟ قال : نعم. قلت : من؟ قال : عمر ، وإنّه لحسنة من حسنات أبیک.

عدّه الخطیب البغدادی من موضوعات بُرَیه بن محمد البیّع الکذّاب - راجع سلسلة الکذّابین - ثمّ قال : وفی کتابه بهذا الإسناد عدّة أحادیث منکرة المتون جدّا. 0.

ص: 518


1- الکامل فی ضعفاء الرجال : 4 / 108 رقم 954.
2- کتاب المجروحین : 1 / 382.
3- تهذیب التهذیب : 5 / 21 ، 11 / 381.
4- میزان الاعتدال : 2 / 584 رقم 4949.
5- میزان الاعتدال : 3 / 516 رقم 7390.

وذکره الذهبی فی المیزان (1) ، ورآه قد وضعه بُرَیه بإسناد الصحیحین ، وقال ابن درویش الحوت فی أسنی المطالب (2) (ص 278) : قال ابن الجوزی (3) : کلّ حدیث فیه أنّ عمر حسنة من حسنات أبی بکر فهو موضوع.

75 - عن جابر بن عبد الله : إنّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم أُتی بجنازة فلم یصلّ علیها ، فقال : إنّه کان یبغض عثمان ، فأبغضه الله.

عدّه المقدسی فی تذکرة الموضوعات (4) (ص 27) من موضوعات محمد بن زیاد الجزری الحنفی - راجع سلسلة الکذّابین - وذکره الذهبی فی میزانه (5) من طریق عمر ابن موسی المیثمی الوجیهی الکذّاب الوضّاع ، وللحفّاظ فی تکذیب الرجل وتضعیفه مقال ضافٍ. راجع لسان المیزان (6) (4 / 232 - 335).

76 - قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : رأیت حول العرش وردةً فیها مکتوب : محمد رسول الله ، أبو بکر الصدّیق.

عدّه الذهبی فی میزانه (7) (1 / 370) من مصائب السریّ بن عاصم أبی عاصم الهمدانی الکذّاب ، وأنّه أتی به.

77 - عن أبی الدرداء مرفوعاً : رأیت لیلة أُسری بی فی العرش فریدةً خضراء ، مکتوب فیها بنور أبیض : لا إله إلاّ الله ، محمد رسول الله ، أبو بکر الصدّیق. زاد الطبری : عمر الفاروق. 9.

ص: 519


1- میزان الاعتدال : 1 / 306 رقم 1158.
2- أسنی المطالب : ص 588.
3- الموضوعات : 1 / 342.
4- تذکرة الموضوعات : ص 19.
5- میزان الاعتدال : 3 / 224 رقم 6222.
6- لسان المیزان : 4 / 382 رقم 6152.
7- میزان الاعتدال : 2 / 117 رقم 3089.

من موضوعات عمر بن إسماعیل بن مجالد الهمدانی الکذّاب الخبیث المتروک - راجع سلسلة الکذّابین.

أخرجه الدارقطنی بطریقین : أحدهما لعمر بن إسماعیل المذکور ، والثانی للسریّ بن عاصم الکذّاب ، وینتهی کلا الطریقین إلی محمد بن فضیل الشیعی. فقال الدارقطنی : تفرّد به ابن فضیل ، عن ابن جریج ، لا أعلم أحداً حدّث به غیر هذین - یعنی الکذّابین ابنی إسماعیل وعاصم - وأورده فی الواهیات من طریق السریّ ، وقال : لا یصحّ. اللآلئ المصنوعة (1) (1 / 154) ، وأخرجه الخطیب فی تاریخه (11 / 204) وحکی عنه السیوطی فی اللآلئ (2) (1 / 160) أنّه قال : لا یصحّ ، عمر کذّاب (3).

78 - عن عائشة قالت : لمّا زوّج نبیُّ الله أمّ کلثوم ، قال لأمّ أیمن : هیّئی بنتی وزفّیها إلی عثمان ، واخفقی بالدفِّ. ففعلت ، فجاءها النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم بعد ثلاثة فقال : کیف وجدت بعلک؟ قالت : خیر رجل ، قال : أما إنّه أشبه الناس بجدّک إبراهیم وأبیک محمد.

من موضوعات عمرو بن الأزهر العتکی الکذّاب الوضّاع ، رواه المسیّب بن واضح ، عن خالد بن عمرو وعن عمرو العتکی ، أما المسیّب فقد ضّعفه الدارقطنی فی مواضع من سننه (4) ، وأمّا خالد الأموی ؛ فقد مرّ فی سلسلة الکذّابین أنّه الکذّاب الوضّاع ، وأخرجه الذهبی فی المیزان (5) (2 / 280) وقال : موضوع.

79 - مرفوعاً : رأیت أنّی وُضعت فی کفّة وأُمّتی فی کفّة فعدلتها ، ثمّ وُضع 8.

ص: 520


1- اللآلئ المصنوعة : 1 / 297.
2- اللآلئ المصنوعة : ص 309.
3- المحکی عن الخطیب لا یوجد فی تاریخه ، لعلّ السیوطی رآه فی تآلیفه الأخری. (المؤلف)
4- وضعّفه أیضاً فی الضعفاء والمتروکون : ص 224 رقم 247.
5- میزان الاعتدال : 3 / 245 رقم 6328.

أبو بکر فعدل بأُمّتی ، ثمّ عمر فعدلها ، ثمّ عثمان فعدلها ، ثمّ رُفع المیزان.

أخرجه الذهبی فی المیزان (1) من طریق عمرو بن واقد الدمشقی ، وقال : لم یشکّ أنّه کان یکذب ، وقال بعد ذکره مع عدّة أحادیث : هذه الأحادیث لا تعرف إلاّ من روایة عمرو ، وهو هالک.

80 - مرفوعاً : إنّ أبا بکر وعمر من الإسلام بمنزلة السمع والبصر.

عدّه المقدسی فی تذکرته (2) من موضوعات الولید بن الفضل الوضّاع.

81 - أخذ رسول الله بکتفی أبی بکر وعمر ، فقال : أنتما وزیرای.

من موضوعات زکریّا بن درید الکندی ، نصّ علی ذلک المقدسی فی التذکرة (3)) ، والذهبی فی المیزان (4).

82 - مرفوعاً : أنا وأنتما - یعنی أبا بکر وعمر - نسرح فی الجنّة.

صرّح الذهبی فی المیزان (5) أنّ زکریّا بن درید الکندی وضعه.

83 - عن أبی هریرةمرفوعاً : هذا جبریل یخبرنی عن الله : ما أحبّ أبا بکر وعمر إلاّ مؤمن تقیّ ، ولا أبغضهما إلاّ منافق شقیّ.

عُدّ من موضوعات إبراهیم بن البراء الأنصاری الکذّاب (6). 1.

ص: 521


1- میزان الاعتدال : 3 / 291 رقم 6465.
2- تذکرة الموضوعات : ص 20.
3- تذکرة الموضوعات : ص 4.
4- میزان الاعتدال : 2 / 72 رقم 2874 وفیه : زکریا بن دوید.
5- میزان الاعتدال : 2 / 72 رقم 2874.
6- أنظر : الکامل فی ضعفاء الرجال : 1 / 254 رقم 83 ، میزان الاعتدال : 1 / 54 رقم 174 ، لسان المیزان : 1 / 91 رقم 272 ، وفیها : إبراهیم بن مالک الأنصاری ، وهو نفسه إبراهیم بن البراء الأنصاری کما ذکره الخطیب فی موضّح أوهام الجمع والتفریق : 1 / 399 - 401.

84 - عن أُمّ عیاش - أمة رقیّة بنت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم - قالت : سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول : ما زوّجت عثمان أُمّ کلثوم إلاّ بوحی من السماء.

أخرجه الخطیب البغدادی فی تاریخه (12 / 364) من طریق أحمد بن محمد بن المفلّس الکذّاب الوضّاع الشهیر ، عن عبد الکریم بن روح البزّار الأموی البصری ، قال أبو حاتم (1) : مجهول ، ویقال : إنّه متروک ، وقال ابن حبّان (2) : یخطئ ویخالف ، عن والده روح بن عنبسة. مجهول ، خلاصة التهذیب (3) (ص 101). عن أبیه عنبسة بن سعید. قال الذهبی (4) : لا یعرف تفرّد عنه ولده روح.

فإن تعجب فعجب سکوت مثل الخطیب عن سندٍ هذا شأنه صوناً لکرامة الأمویّین.

85 - عن عبد الله بن عمر مرفوعاً : أتیتُ فی المنام بعسٍّ مملوء لبناً فشربت منه حتی امتلأت ، فرأیته یجری فی عروقی ، ففضلت فضلة فأخذها عمر بن الخطّاب فشربها. أوّلوا ، قالوا : هذا علم آتاکه الله حتی إذا امتلأت فضلت منه فضلة فأخذها عمر بن الخطّاب ، قال : أصبتم.

من موضوعات عبد الرحمن العدوی الکذّاب حفید عمر بن الخطّاب ، أخرجه الخطیب فی تاریخه (5) من طریقه.

86 - عن جعفر بن محمد ، عن أبیه ، عن جدّه مرفوعاً : لیلة أُسری بی رأیت علی العرش مکتوباً : لا إله إلاّ الله ، محمد رسول الله ، أبو بکر الصدّیق ، عمر الفاروق ، عثمان ذو النورین یُقتل مظلوماً. 1.

ص: 522


1- الجرح والتعدیل : 6 / 61 رقم 325.
2- الثقات : 8 / 423.
3- خلاصة الخزرجی : 1 / 328 رقم 2084.
4- میزان الاعتدال : 3 / 301 رقم 6508.
5- تاریخ بغداد : 10 / 231 رقم 5361.

أخرجه الخطیب فی تاریخه (10 / 264) من طریق عبد الرحمن بن عفّان عن محمد بن مجیب الصائغ ، وکلاهما کذّابان - راجع سلسلة الکذّابین.

87 - عن حذیفة بن الیمان قال : صلّی بنا رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم صلاة الفجر ، فلمّا انفتل من صلاته قال : أین أبو بکر الصدّیق؟ فأجابه أبو بکر من آخر الصفوف : لبّیک لبّیک یا رسول الله ، قال : أَفرجوا لأبی بکر الصدّیق ، أُدن منّی یا أبا بکر ، لحقت معی التکبیرة الأولی؟ قال : یا رسول الله ، کنت معک فی الصفّ الأوّل فکبّرت وکبّرت ، فاستفتحت بالحمد فقرأتها فوسوس لی شیء من الطهور ، فخرجت إلی باب المسجد فإذا أنا بهاتف یهتف بی وهو یقول : وراءک ، فالتفتُّ فاذا أنا بقدح من ذهب مملوء ماءً أبیض من الثلج ، وأعذب من الشهد ، وألین من الزبد ، علیه مندیل أخضر مکتوب علیه : لا إله إلاّ الله ، محمد رسول الله ، الصدّیق أبو بکر ، فأخذت المندیل فوضعته علی منکبی ، وتوضّأت للصلاة واسبغت الوضوء ، ورددت المندیل علی القدح ، ولحقتک وأنت راکع الرکعة الأولی ، فتمّمت صلاتی معک یا رسول الله ، قال النبی صلی الله علیه وآله وسلم : أبشر یا أبا بکر ، الذی وضّأک للصلاة جبریل ، والذی مندلک میکائیل ، والذی مسک رکبتی حتی لحقت الصلاة إسرافیل.

روی من طریق محمد بن زیاد ، وهو ذلک الکذّاب الوضّاع ، وأراه من موضوعاته ، غیر أنّ السیوطی قال فی اللآلئ (1) (1 / 150) : قلت : الظاهر أنّ الآفة من غیره.

88 - عن ابن عبّاس قال : ذُکر أبو بکر عند رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فقال : ومن مثل أبی بکر؟ کذّبنی الناس وصدّقنی ، وآمن بی وزوّجنی ابنته ، وأنفق ماله وجاهد معی فی جیش العسرة ، ألا إنّه یأتی یوم القیامة علی ناقة من نوق الجنّة ، قوائمها من المسک والعنبر ، ورجلها من الزمرّد الأخضر ، وزمامها من اللؤلؤ الرطب ، علیه حلّتان 9.

ص: 523


1- اللآلئ المصنوعة : 1 / 289.

خضراوان من سندس وإستبرق ، یحاکینی یوم القیامة وأُحاکیه ، فیقال : هذا محمد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، وهذا أبو بکر الصدّیق.

أخرجه ابن حبّان من طریق إسحاق بن بشر بن مقاتل ، فقال : إسحاق کذّاب یضع (1) - راجع سلسلة الکذّابین.

89 - عن البراء بن عازب ، قال لنا رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ذات یوم : تدرون ما علی العرش؟ مکتوب لا إله إلاّ الله ، محمد رسول الله ، أبو بکر الصدّیق ، عمر الفاروق ، عثمان الشهید ، علیّ الرضیّ.

أخرجه ابن عساکر (2) من طریق محمد بن عبد بن عامر السمرقندی ، وهو ذلک الکذّاب الوضّاع ، وفی سنده ضعفاء آخرون ، والآفة من السمرقندی (3).

90 - عن ابن عبّاس مرفوعاً : إذا کان یوم القیامة یکون أبو بکر علی أحد أرکان الحوض ، وعمر علی الرکن الثانی ، وعثمان علی الرکن الثالث ، وعلیّ علی الرکن الرابع ، فمن أبغض واحداً منهم لم یسقه الآخرون.

هذا ملخّص روایة لخّصها الذهبی فی میزانه (4) ، ذکره مع حدیثین من طریق إبراهیم بن عبد الله المصّیصی ، فقال : هذا رجل کذّاب ، قال الحاکم : أحادیثه موضوعة.

91 - عن عقبة بن عامر مرفوعاً : أتانی جبرائیل فقال : یا محمد إنّ الله أمرک أن تستشیر أبا بکر. 4.

ص: 524


1- کتاب المجروحین : 1 / 135.
2- تاریخ مدینة دمشق : 39 / 297 رقم 4619 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 16 / 181.
3- أنظر اللآلئ المصنوعة : 1 / 299.
4- میزان الاعتدال : 1 / 40 رقم 124.

عُدّ من موضوعات محمد بن عبد الرحمن بن غزوان الکذّاب الوضّاع (1) - المذکور فی سلسلة الکذّابین.

92 - عن عبد الله بن عمر مرفوعاً : أُحشر یوم القیامة بین أبی بکر وعمر حتی أقف بین الحرمین ، فیأتینی أهل مکة والمدینة.

عدّوه من أباطیل عبد الله بن إبراهیم الغفاری الکذّاب الوضّاع ، وهو أحد الحدیثین فی فضل أبی بکر وعمر اللذین قال ابن عدی (2) : هما باطلان ، وقال الذهبی فی میزانه (3) (2 / 21) : غیر صحیح.

93 - عن أبی هریرة مرفوعاً : إنّ لله تعالی فی السماء سبعین ألف ملک یلعنون من شتم أبا بکر وعمر.

أخرجه الخطیب فی رواة مالک من طریق سهل بن صقین ، فقال : سهل یضع. اللآلئ المصنوعة (4) (1 / 160) ، وفی لسان المیزان (5) (4 / 41) : أخرجه الدارقطنی فی غرائب مالک عن محمد بن الحسین الحرّانی ، عن عبد الغفّار وقال : هذا منکر ، وسهل ضعیف ، ومن دونه مجهول.

94 - عن ابن عبّاس قال : رأیت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی منامی علی برذون أبلق ، فدنوت منه وعلیه عمامة من نور معتجراً بها ، وفی رجلیه نعلان خضراوان شراکهما من لؤلؤ رطب ، بکفّه قضیب من قضبان الجنّة أخضر ؛ فسلّم علیّ فرددت علیه وقلت : یا رسول الله ، قد اشتدّ شوقی إلیک فأین أنت؟ فقال : إنّ عثمان أصبح عروساً 7.

ص: 525


1- أنظر میزان الاعتدال : 3 / 626 رقم 7857 ، لسان المیزان : 5 / 288 رقم 7657.
2- ذکر الحدیثین فی الکامل فی ضعفاء الرجال : 4 / 189 رقم 1003 ولیس المذکور فی المتن أحدهما. وعبارة : هما باطلان هی للذهبی فی میزان الاعتدال ولیست لابن عدی.
3- میزان الاعتدال : 2 / 389 رقم 4190.
4- اللآلئ المصنوعة : 1 / 308.
5- لسان المیزان : 4 / 49 رقم 5227.

فی الجنّة وقد دُعیت إلی عرسه. أخرجه الأزدی عن إبراهیم بن منقوش وقال : کان یضع الحدیث ، وعدّه السیوطی من الموضوعات فی لآلئه (1).

95 - عن عبد الله بن عمر : کنّا نقول ورسول الله صلی الله علیه وآله وسلم حیّ : أفضل أمّة النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم بعده أبو بکر ، ثمّ عمر ، ثمّ عثمان ، فیسمع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فلا ینکره.

أخرجه جمع من أئمّة الحدیث بعدّة طرق ، نوقفک علی القول الفصل فیه فی الجزء العاشر إن شاء الله تعالی.

96 - عن عمر مرفوعاً : یموت عثمان ، یصلّی علیه ملائکة السماء ؛ قلت : لعثمان خاصّة أو للناس عامّة؟ قال : لعثمان خاصّة.

حدیث طویل فیه لکلّ واحد من أصحاب الشوری الستّة منقبة. قال الذهبی فی میزانه (2) فی ترجمة محمد بن عبد الله الخراسانی : حدیث موضوع ، وقال ابن حجر فی لسانه (3) (5 / 227) : الوضع علیه ظاهر.

97 - عن أبی هریرة مرفوعاً : إنّ لله علماً من نور مکتوب علیه : لا إله إلاّ الله ، محمد رسول الله ، أبو بکر الصدّیق.

أخرجه الذهبی فی میزانه (4) وقال : خبر موضوع ، اتّهم به محمد بن یحیی بن عیسی السلمی. لسان المیزان (5) (5 / 424).

98 - عن عبد الله بن عمر : إنّ جعفر بن أبی طالب أهدی إلی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم سفرجلاً ، فأعطی معاویة ثلاث سفرجلات ، وقال : تلقّانی بهنّ فی الجنّة. 5.

ص: 526


1- اللآلئ المصنوعة : 1 / 318.
2- میزان الاعتدال : 3 / 605 رقم 7792.
3- لسان المیزان : 5 / 256 رقم 7583.
4- میزان الاعتدال : 4 / 64 رقم 8309.
5- لسان المیزان : 5 / 480 رقم 8175.

قال ابن حبّان (1) : موضوع ، آفته إبراهیم بن زکریّا الواسطی ، وقال بعضهم : ممّا یبیّن وضعه أنّ معاویة أسلم فی الفتح ، وجعفر قُتل قبل الفتح بمؤتة ، وورد بطرق أخری کلّها باطلة فاسدة موضوعة. راجع اللآلئ المصنوعة (2) (1 / 119) ، وقال الذهبی فی المیزان (3) (1 / 16) فی ترجمة إبراهیم الواسطی : یروی عن مالک أحادیث موضوعة ، ثمّ ذکر الحدیث عنه عن مالک.

99 - عن أبی سعید الخدری مرفوعاً : من أبغض عمر فقد أبغضنی ، إنّ الله باهی بالناس عشیّة عرفة عامّة ، وباهی بعمر خاصّة.

رواه الطبرانی فی الأوسط (4) ، وقال الذهبی : خبر باطل رواه أبو سعد خادم الحسن البصری ، لا یُدری من هذا. میزان الاعتدال (5) (3 / 360).

100 - عن أنس مرفوعاً : قلت لجبریل حین أُسری بی إلی السماء : یا جبریل ، أعلی أُمّتی حساب؟ قال : کلّ أُمّتک علیها حساب ما خلا أبا بکر الصدّیق ، فإذا کان یوم القیامة قیل : یا أبا بکر ادخل الجنّة ، قال : ما أدخل حتی أُدخل معی من کان یحبّنی فی الدنیا. أخرجه الخطیب فی تاریخ بغداد (2 / 118 ، 8 / 367) وقال : هذا الحدیث کذب ، وکذّبه الذهبی فی میزانه (6) (3 / 36).

هذه نماذج ممّا وقفنا علیه من الموضوعات فی المناقب ، وهی کثیرة جدّا تُعدّ بالآلاف ، توجد فی الجزء الثانی من کتابنا - ریاض الأُنس - أضعاف ما ذکر ، ممّا 5.

ص: 527


1- کتاب المجروحین : 1 / 116.
2- اللآلئ المصنوعة : 1 / 422.
3- میزان الاعتدال : 1 / 31 رقم 90.
4- المعجم الأوسط : 2 / 147 ح 1273.
5- میزان الاعتدال : 4 / 529 رقم 10228.
6- میزان الاعتدال : 3 / 500 رقم 7315.

لا یوجد شیء منه فی الصحاح والمسانید ، نعم ؛ ذُکر شطر منها فی تآلیف أخری لحفّاظ السلف وإنّما حوتها کتب المتأخِّرین بین دفوفها ، وینتهی الإسناد فی کثیر من ذلک البهرج المزخرف إلی أمیر المؤمنین علیّ علیه السلام یُعرب ذلک کلّه عن صدق ما جاء به عامر بن شراحیل من قوله : أکثر من کُذِبَ علیه من الأمّة الإسلامیّة هو أمیر المؤمنین علیُّ بن أبی طالب. ذکره الذهبی فی طبقات الحفّاظ (1) (1 / 77).

ویعرف القارئ شأن هذه الأحادیث من کلام الفیروزآبادی صاحب القاموس ، قال فی خاتمة کتابه سفر السعادة (2) : باب فضائل أبی بکر الصدّیق رضی الله عنه أشهر المشهورات من الموضوعات ، وقال بعد ذکر أحادیث مفتعلة فی فضائل أبی بکر : وأمثال هذا من المفتریات المعلوم بطلانها ببدیهة العقل ، وقال : وباب فضل معاویة لیس فیه حدیث صحیح ، وذکر العجلونی مثل کلام الفیروزآبادی حرفیّا فی کشف الخفاء (2 / 419).

وقال الحاکم : سمعت أبا العبّاس محمد بن یعقوب بن یوسف یقول : سمعت أبی یقول : سمعت إسحاق بن إبراهیم الحنظلی یقول : لا یصحّ فی فضل معاویة حدیث. اللآلئ المصنوعة (3) (1 / 220). وقال ابن تیمیّة فی منهاج السنّة (2 / 207) : طائفة وضعوا لمعاویة فضائل ورووا أحادیث عن النبیّ فی ذلک ، کلّها کذب.

وقس علی هذا ما اختلقوا علی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی غیر واحد من رجال الصحابة بأسمائهم وأشخاصهم ، وما وضعوا من الأحادیث الکثیرة من المناقب والمثالب فی العبّاس عمّ النبی وبنیه عامّة والخلفاء منهم خاصّة ، وشفّعها بما افتعلوه فی آحاد غوغاء الناس مثل حدیثهم فی وهب وغیلان : یکون فی أُمّتی رجل یقال له 4.

ص: 528


1- تذکرة الحفّاظ : 1 / 82.
2- سفر السعادة : 2 / 211 ، 212.
3- اللآلئ المصنوعة : 1 / 424.

وهب ، یهب الله له الحکمة ، ورجل یقال له غیلان هو أشرُّ علی أُمّتی من إبلیس. میزان الاعتدال (1) (3 / 160) ، ومثل حدیثهم : یجیء فی آخر الزمان رجل یقال له : محمد بن کرام تُحیا السنّة به. لسان المیزان (2) (1 / 375).

وجلّ هذه الروایات تعارض متونها أحادیث صحیحة لو بسطنا القول فیها لتأتی أجزاء حافلة ، غیر أنّا نذکر ما یعارض الحدیث الأخیر خاتم المائة المکذوب علی جبریل ، لیکون الباحث علی بصیرة ، فممّا یعارضه :

1 - یدخل الجنّة من أُمّتی سبعون ألفاً بغیر حساب. أخرجه (3) البخاری ، ومسلم ، وأحمد ، والدارمی ، وأبو داود.

2 - یبعث من هذه المقبرة - بقیع الغرقد - سبعون ألفاً یدخلون الجنّة بغیر حساب. أخرجه الطبرانی فی الکبیر (4). مجمع الزوائد (4 / 13).

3 - لیدخلنّ الجنّة من أُمّتی سبعون ألفاً لا حساب علیهم ولا عذاب ، مع کلّ ألف سبعون ألفاً. أخرجه (5) أحمد ، والطبرانی ، والبزّار.

4 - لقد وعدنی ربّی أن یُدخل من أُمّتی الجنّة سبعین ألفاً لا حساب علیهم. أخرجه الطبرانی (6) ، والبزّار.

5 - لیبعثنّ الله من مدینة بالشام یقال لها حمص تسعین ألفاً لا حساب علیهم. أخرجه البزّار.6.

ص: 529


1- میزان الاعتدال : 4 / 90 رقم 8425.
2- لسان المیزان : 1 / 417 رقم 1172.
3- صحیح البخاری : 5 / 2357 ح 6107 ، صحیح مسلم : 1 / 250 ح 367 کتاب الإیمان ، مسند أحمد : 1 / 529 رقم 2947 ، سنن الدارمی : 2 / 328.
4- المعجم الکبیر : 5 / 49 ح 4556.
5- مسند أحمد : 6 / 378 رقم 21912 ، المعجم الکبیر : 2 / 92 ح 1413.
6- المعجم الکبیر : 5 / 49 ح 4556.

6 - إنّ فی أصلاب أصلاب أصلاب رجال من أصحابی رجالاً ونساءً یدخلون الجنّة بغیر حساب. أخرجه الطبرانی (1) بإسناد جیّد.

7 - رأیت منکم خمسین ألفاً أو سبعین ألفاً یدخلون الجنّة بغیر حساب. أخرجه الطبرانی بإسناد رجاله ثقات (2).

8 - إنّی وجدت ربّی ماجداً کریماً أعطانی مع کلّ واحد من السبعین الألف الذین یدخلون الجنّة بغیر حساب سبعین ألفاً. أخرجه الطبرانی بسند رجاله رجال الصحیح غیر شیخه (3).

9 - أُعطیت سبعین ألفاً یدخلون الجنّة بغیر حساب ... إلی أن قال : فزادنی مع کلّ واحد سبعین ألفاً. أخرجه (4) أحمد وأبو یعلی. راجع مجمع الزوائد (10 / 405 - 412).

10 - فی حدیث لیلة الإسراء : یا محمد حملة القرآن لا یعذّبون ولا یحاسبون یوم القیامة. خزینة الأسرار (5) (ص 88).

11 - أوّل زمرة من أُمّتی یدخلون الجنّة سبعون ألفاً لا حساب علیهم. تاریخ بغداد (2 / 160).

12 - لیُبعثنَّ من بین حائط حمص والزیتون فی التراب الأحمر سبعون ألفاً لیس علیهم حساب. مستدرک الصحیحین (6) (3 / 89).

13 - من مات فی هذا الوجه من حاجٍّ أو معتمر لم یُعرَض ولم یحاسَب ، وقیل 4.

ص: 530


1- المعجم الکبیر : 6 / 201 ح 6005.
2- أنظر مجمع الزوائد : 10 / 410.
3- أنظر مجمع الزوائد : 10 / 410.
4- مسند أحمد : 1 / 12 ح 23 ، مسند أبی یعلی : 1 / 104 ح 112.
5- خزینة الأسرار : ص 62.
6- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 95 ح 4504.

له : ادخل الجنّة. تاریخ بغداد (2 / 170).

14 - یُحشر من ظهر الکوفة سبعون ألفاً یدخلون الجنّة بلا حساب. تاریخ بغداد (12 / 190).

15 - فی حدیث عرض الأُمم علیه صلی الله علیه وآله وسلم : یا محمد إنّ مع هؤلاء سبعین ألفاً یدخلون الجنّة بغیر حساب. مسند أحمد (1) (1 / 418 ، 454).

16 - بشّرنی - ربّی - أنّ أوّل من یدخل الجنّة من أُمّتی سبعون ألفاً ، مع کلّ ألف سبعون ألفاً لیس علیهم حساب. مسند أحمد (2) (5 / 393).

17 - وفی حدیث عمیر مرفوعاً : إنّ الله عزّ وجلّ وعدنی أن یدخل من أُمّتی ثلاثمائة ألف الجنّة بغیر حساب. أخرجه (3) البغوی وابن أبی خیثمة وابن المسکن والطبرانی وغیرهم کما فی الإصابة (3 / 37).

وقبل هذه کلّها ما أخرجه الخجندی عن أبی أُمامة قال : سمعت أبا بکر الصدّیق یقول للنبیّ صلی الله علیه وآله وسلم : من أوّل من یُحاسب؟ قال : أنت یا أبا بکر. قال : ثمّ من؟ قال : عمر. قال : ثمّ من؟ قال : علیّ. قال : فعثمان؟ قال : سألت ربّی أن یهب لی حسابه فلا یحاسبه ، فوهب لی. الریاض النضرة (4) (1 / 31) (5).

(فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَری عَلَی اللهِ کَذِباً لِیُضِلَّ النَّاسَ بِغَیْرِ عِلْمٍ) (6) 4.

ص: 531


1- مسند أحمد : 1 / 689 ح 3954 و 2 / 37 ح 4327.
2- مسند أحمد : 6 / 544 ح 22825.
3- مصابیح السنّة : 3 / 554 ح 4345 وفیه : أربعمائة ألف ، المعجم الکبیر : 17 / 64 ح 123.
4- الریاض النضرة : 1 / 45.
5- هذه الروایة أیضاً من تلکم الموضوعات التی یعارض بعضها بعضاً. (المؤلف)
6- الأنعام : 144.

61- سلسلة الموضوعات فی الخلافة فحسب

أهمُّ موضوع لعبت به أیدی الهوی ، وعبثت به العواطف المضلّة ، هو موضوع الخلافة فی السنّة والحدیث ، وضع القوم فیها أحادیث مکذوبة علی الله وعلی أمین وحیه ونبیّه الطاهر صلی الله علیه وآله وسلم ، وبثّها فی الملأ أرباب التآلیف المزوّرة روماً لطمس الحقّ ، وتمویهاً علی الحقیقة ، وتعمیة علی الجاهل المسکین ، عالمین بأنّها آثار مفتعلة تُضادّ مبادئ الإسلام عند جمیع فرقه ، ولا توافق أیّا من المذاهب الإسلامیّة ، بل لازمها اجتماع الأمّة علی الخطأ - وهی لا تجتمع علی الخطأ - إذ لا تخلو ممّن یری النصّ فی علیّ أمیر المؤمنین ، ومن یقول بالانتخاب وعدم النصّ علی أیّ أحد ، فالأمّة مجتمعة علی الخطأ فی رفض تلکم النصوص والصفح عنها ، وإلیک نماذج ممّا وقفنا علیه من تلکم المخازی :

1 - عن أنس بن مالک قال : جاء النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فدخل إلی بستان ، فأتی آتٍ فدقّ الباب فقال : یا أنس قم فافتح له وبشّره بالجنّة ، وبشّره بالخلافة من بعدی. قال : قلت یا رسول الله أُعلمه؟ قال : أَعلمه ، فإذا أبو بکر. قلت : أبشر بالجنّة وابشر بالخلافة من بعد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم. ثمّ جاء آتٍ فدقّ الباب ، فقال : یا أنس ، قم فافتح له وبشّره بالجنّة ، وبشّره بالخلافة من بعد أبی بکر. قلت : یا رسول الله أُعلمه؟ قال : أَعلمه ، فخرجت فإذا عمر ، قال : قلت له : أبشر بالجنّة وابشر بالخلافة من بعد أبی

ص: 532

بکر. ثمّ جاء آتٍ فدقّ الباب ، فقال : قم یا أنس ، وافتح له وبشّره بالجنّة ، وبالخلافة من بعد عمر وأنّه مقتول ، قال : فخرجت فإذا عثمان ، قلت : أبشر بالجنّة وبالخلافة من بعد عمر ، وأنّک مقتول. قال : فدخل إلی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فقال : یا رسول الله لمه؟ والله ما تغنّیت ولا تمنّیت ، ولا مسست ذکری بیمینی منذ بایعتک. قال : هو ذاک یا عثمان!

من موضوعات الصقر بن عبد الرحمن أبی بهز الکذّاب. حکی الخطیب البغدادی فی تاریخه (9 / 339) عن علیّ بن المدینی أنّه سئل عن هذا الحدیث ، فقال : کذب ، هذا موضوع ، وذکره الذهبی فی میزان الاعتدال (1) (1 / 467) فقال : حدیث کذب ، وحکی ابن حجر فی لسان المیزان (2) (3 / 192) عن علیّ المدینی أنّه قال : کذب موضوع ، وقال فی (ص 193) : لو صحّ هذا لما جعل عمر الخلافة فی أهل الشوری ، وکان یعهد إلی عثمان بلا نزاع.

وذکره الذهبی فی میزانه (3) (2 / 91) بلفظ : دخل رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم حائطاً لرجل ، فقرع الباب فقال : یا أنس افتح وبشّره بالجنّة وأنّه سیلی الأمر من بعدی ، ففتحت فإذا أبو بکر. ثمّ قال : وفی سنده عبد الأعلی بن أبی المساور ، وهو متروک ضعیف لیس بشیء. وذکر صدره (4) فی (1 / 162) عن بکر بن المختار بن فلفل ، وقال : قال ابن حبّان (5) : لا تحلُّ الروایة عنه إلاّ علی سبیل الاعتبار ، وقال المقدسی فی تذکرة الموضوعات (ص 15) : افتح له وبشّره بالجنّة ؛ وفیه ذکر الخلافة وترتیبها ، رواه بکر ابن المختار الصائغ وهو کذّاب. 5.

ص: 533


1- میزان الاعتدال : 2 / 317 رقم 3903.
2- لسان المیزان : 3 / 234 ، 235 رقم 4252.
3- میزان الاعتدال : 2 / 531 رقم 4731.
4- میزان الاعتدال : 1 / 348 رقم 1295.
5- کتاب المجروحین : 1 / 195.

قال الأمینی : وفی ترک هؤلاء الثلاثة الاحتجاج بهذه الروایة یوم فاقتهم إلیها عند طلب الخلافة ، وقد بلغ الجدال أشدّه حتی کاد أن یکون جلاداً ، دلیل واضح علی أنّهم لم یدخلوا ذلک البستان الخیالیّ ، ولا سمعوا تلک البشارة الموهومة ، وأنّ الله سبحانه لم یبرأ ذلک البستان لیوطّد فیه أساس الفتن المدلهمّة ، ثمّ لما ذا لم یروِها لهم أنس یوم تزلّفه إلیهم ، وترکاضه معهم ، وترکها لأحد الرجلین بعده : الصقر وعبد الأعلی؟

ألا تعجب من حافظین کبیرین کأبی نعیم فی متقدّمی القوم ، والسیوطی فی متأخّریهم ، یروی الأوّل هذه الروایة بإسناده الوعر فی دلائل النبوّة (1) (2 / 201) من طریق أبی بهز الکذّاب ویرکن إلیها ، ویرویها الثانی فی الخصائص الکبری (2) (2 / 122) ، ویتبهّج بها؟ ولم ینبس أحد منهما ممّا فی إسنادها من الغمز ببنت شفة.

2 - عن عائشة قالت : کانت لیلتی من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فلمّا ضمّنی وإیّاه الفراش ، قلت : یا رسول الله ألست أکرم أزواجک علیک؟ قال : بلی یا عائشة. قلت : فحدّثنی عن أبی بفضیلة ، قال : حدّثنی جبریل أنّ الله تعالی لمّا خلق الأرواح اختار روح أبی بکر الصدّیق من بین الأرواح ، وجعل ترابها من الجنّة وماءها من الحیوان ، وجعل له قصراً فی الجنّة من درّة بیضاء مقاصیرها فیها من الذهب والفضّة البیضاء ، وأنّ الله تعالی آلی علی نفسه أن لا یسلبه حسنة ولا یسأله عن سیّئة ، وإنّی ضمنت علی الله کما ضمن الله علی نفسه أن لا یکون لی ضجیعاً فی حفرتی ، ولا أنیساً فی وحدتی ، ولا خلیفةً علی أُمّتی من بعدی ، إلاّ أبوک یا عائشة ، بایع علی ذلک جبریل ومیکائیل ، وعقدت خلافته برایة بیضاء ، وعقد لواؤه تحت العرش ، قال الله للملائکة : رضیتم ما رضیت لعبدی ، فکفی بأبیک فخراً أن بایع له جبریل ومیکائیل 6.

ص: 534


1- دلائل النبوّة : 2 / 707 ح 488.
2- الخصائص الکبری : 2 / 206.

وملائکة السماء وطائفة من الشیاطین یسکنون البحر ، فمن لم یقبل هذا فلیس منّی ولست منه.

قالت عائشة : فقبّلت أنفه وما بین عینیه. فقال : حسبک یا عائشة فمن لستِ بأُمّه فو الله ما أنا بنبیّه ، فمن أراد أن یتبرّأ من الله ومنّی فلیتبرّأ منک یا عائشة.

قال الخطیب البغدادی فی تاریخه (14 / 36) : لا یثبت هذا الحدیث ورجال إسناده کلّهم ثقات ، ولعلّه شبّه لهذا الشیخ القطّان - أو أُدخل علیه - مع أنّی قد رأیته من حدیث محمد بن بابشاذ البصری ، عن سلمة بن شبیب ، عن عبد الرزّاق ، وابن بابشاذ راوی مناکیر عن الثقات.

وذکر الذهبی منه جملاً فی میزان الاعتدال (1) (3 / 31) ، وحکم بأنّه موضوع ، وذکر جملاً (2) فی (ص 246) وقال : حدیث باطل کأنّه المسکین - یعنی هارون القطّان - أُدخل علیه ولا یشعر ، وله إسناد آخر باطل ، وقال : هذا لا یحتمله سلمة ، والظاهر أنّه دُسّ علی ابن بابشاذ هذه ، فروی حدیثاً موضوعاً راج علیه ولم یهتدِ.

وذکر الفیروزآبادی شطراً من صدره فی خاتمة سفر السعادة (3) ، والعجلونی فی کشف الخفاء (4) وعدّاه من أشهر المشهورات من الموضوعات ، ومن المفتریات المعلوم بطلانها ببدیهة العقل ، وأبطله السیوطی فی اللآلئ المصنوعة (5) (1 / 150).

3 - عن عائشة قالت : أوّل حجر حمله النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم لبناء المسجد ، ثمّ حمل أبو بکر حجراً آخر ، ثمّ حمل عمر ، ثمّ حمل عثمان حجراً آخر. فقلت : یا رسول الله ، 1.

ص: 535


1- میزان الاعتدال : 3 / 488 رقم 7263.
2- میزان الاعتدال : 4 / 282 رقم 9149.
3- سفر السعادة : 2 / 211.
4- کشف الخفاء : 2 / 419.
5- اللآلئ المصنوعة : 1 / 291.

ألا تری إلی هؤلاء کیف یساعدونک؟ فقال : یا عائشة هؤلاء الخلفاء من بعدی.

أخرجه الحاکم فی المستدرک (1) (3 / 97) وقال : صحیح وإنّما اشتهر بإسنادٍ واهٍ من روایة محمد بن الفضل بن عطیّة ؛ فلذلک هجر.

وقال الذهبی فی تلخیص المستدرک : قلت : أحمد منکر الحدیث وممّن نقم علی مسلم إخراجه فی الصحیح ، ویحیی وإن کان ثقة فقد ضُعّف ، ثمّ لو صحّ هذا لکان نصّا فی خلافة الثلاثة ولا یصحّ بوجه ، فإنّ عائشة لم تکن یومئذٍ دخل بها النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وهی محجوبة صغیرة ، فقولها هذا یدلّ علی بطلان الحدیث. إلخ.

أسفی علی الحاکم فإنّه یخرج عن عائشة هذه الروایة ویصحّحها ، وقد أخرج عنها قبلها فی المستدرک (2) (3 / 78) أنّها قالت : لو کان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم مستخلفاً لا ستخلف أبا بکر وعمر ، وصحّحه هو وأقرّه الذهبی.

4 - عن عبد الله بن عمر قال : قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : یا بلال أذِّن فی الناس : أنّ الخلیفة بعدی أبو بکر ، یا بلال نادِ فی الناس : أنّ الخلیفة بعد أبی بکر عمر ، یا بلال ناد فی الناس : أنّ الخلیفة من بعد عمر عثمان ، یا بلال امض أبی الله إلاّ ذلک - ثلاث مرّات.

أخرجه أبو نعیم فی فضائل الصحابة ، والخطیب فی تاریخه (7 / 429) من دون أیّ غمز فیه ، وابن عساکر فی تاریخ الشام (3) ورواه الذهبی بإسناد الدارقطنی وعمرو ابن شاهین فی میزانه (4) (1 / 387) فقال : هذا موضوع ، وقال فی سعید بن عبد الملک ن.

ص: 536


1- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 103 ح 4533 ، وکذا فی تلخیصه.
2- المستدرک علی الصحیحین : ص 83 ح 4464 ، وکذا فی تلخیصه.
3- تاریخ مدینة دمشق : 39 / 174 رقم 4619 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 16 / 144.
4- میزان الاعتدال : 2 / 150 رقم 3233 وفیه : عمر بن شاهین.

- أحد رجال الإسناد - : قال أبو حاتم (1) : یتکلّمون فیه ، یروی أحادیث کذب.

لِمَ لم تسمع أُذن الدنیا قطّ نداء بلال حینما أذّن فی الناس بالخلافة؟ هل خالف بلال أمر النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ولم ینادِ؟ حاشاه ، أو ضرب الله فی آذان أُمّة محمد وقراً فلم یسمع أحد ذلک النداء؟ لاها الله ، بل ما أمر صلی الله علیه وآله وسلم بشیء من هذا ، ولا أذّن بلال ولا أسمع ، لکن الهوی خلق بعد لأی من عمر الدهر أذاناً سمعه من لا یؤمن به.

5 - مرفوعاً : أبو بکر یلی أُمّتی من بعدی.

ذکره الذهبی فی میزانه (2) (3 / 93) وقال : خبر کذب جاء به محمد بن عبد الرحمن وهو لا یُعرف ، أو هو ابن قراد - الکذّاب الوضّاع المذکور (ص 260).

6 - عن الزبیر بن العوام قال : سمع النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم یقول : الخلیفة بعدی أبو بکر وعمر ، ثمّ یقع الاختلاف. فقمنا إلی علیّ فأخبرناه فقال : صدق الزبیر ، سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول ذلک.

من موضوعات عبد الرحمن بن عمرو بن جبلة. ذکره الذهبی فی میزانه (3) (1 / 147) فقال : هذا باطل ، والآفة من عبد الرحمن.

إن کان أمیر المؤمنین علیه السلام سمع ما سمعه الزبیر من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فما باله یدّعیها لنفسه عند طلب البیعة ، ویخالف رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فیما نصّ علیه؟ وکیف یکون ما شجر بینه وبین القوم من الخلاف الذی ملأ الخافقین حدیثه؟ وما بال الزبیر الراوی عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم تخلّف عن بیعة أبی بکر یوم ذاک ، واخترط سیفه وهو یقول : لا أغمده حتی یُبایَع علی؟ 1.

ص: 537


1- الجرح والتعدیل : 4 / 45.
2- میزان الاعتدال : 3 / 627 رقم 7866.
3- میزان الاعتدال : 1 / 315 رقم 1191.

7 - مرفوعاً : إنّ جبرائیل قال : أبو بکر وزیرک فی حیاتک وخلیفتک بعد موتک.

من موضوعات أبی هارون إسماعیل بن محمد الفلسطینی ، قال الذهبی فی میزان الاعتدال (1) (1 / 114) : ذکره ابن الجوزی بإسناد مظلم ، وقال : أبو هارون کذّاب.

سبحانک اللهمّ ما أجرأهم علی المهیمن الجبّار ، وعلی أمین وحیه ، وعلی قدس صاحب الرسالة ، فعزوا إلیه حکماً نزل به الروح الأمین لأن یصدع به فی الملأ من أُمّته لیسلکوا طریقه المهیع باتّباع الخلیفة من بعده ، لکنّه صلی الله علیه وآله وسلم جعجع بتبلیغه إلی أن یأتی الرجل من فلسطین فأنهاه إلیه صلی الله علیه وآله وسلم لیبلّغ من حوله من المهاجرین والأنصار.

نعم ؛ هکذا یکون الأکل من القفا ، لا. هکذا یکون أمر دُبّر بلیل ، أو یتزلّف الفلسطینی إلی صاحب السلطة الوقتیّة بالافتعال له.

8 - عن أبی سعید الخدری مرفوعاً : قال : لمّا عُرج بی قلت : اللهمّ اجعل الخلیفة من بعدی علیّا ، قال : فارتجّت السموات ، وهتف بی الملائکة : یا محمد أقرأ : (وَما تَشاؤُنَ إِلاَّ أَنْ یَشاءَ اللهُ) ، وقد شاء الله أبا بکر.

من موضوعات یوسف بن جعفر الخوارزمی ، ذکره الذهبی فی میزانه (2) (3 / 329) وقال : ذکر ابن الجوزی أنّ هذا من وضع یوسف ، وأخرجه الجوزقانی وفی آخره : قد شاء الله أن یکون الخلیفة من بعدک أبو بکر الصدّیق ، ثمّ قال : موضوع وضعه یوسف بن جعفر. اللآلئ المصنوعة (3) (1 / 156) وفی لفظ : إنّ الله یفعل ما یشاء ، والخلیفة بعدک أبو بکر. 1.

ص: 538


1- میزان الاعتدال : 1 / 247 رقم 935.
2- میزان الاعتدال : 4 / 463 رقم 9860.
3- اللآلئ المصنوعة : 1 / 301.

9 - عن علیٍّ أمیر المؤمنین مرفوعاً : یا علیُّ سألت الله ثلاثاً أن یقدّمک فأبی علیّ إلاّ أن یقدّم أبا بکر.

أخرجه الخطیب فی تاریخه (11 / 213) بسند تافه ساکتاً عن الغمز فیه جریاً علی عادته ، وذکره الذهبی فی میزان الاعتدال (1) (2 / 222) من طریق الخطیب عن أبی حجیفة وقال : خبر باطل ، لعلّ آفته علیّ بن الحسین الکلبی ، وزیّفه ابن حجر فی الفتاوی الحدیثیّة (2) (ص 126) ، وعدّه السیوطی فی الجامع الکبیر کما فی ترتیبه (3) (6 / 139) من فضائل أبی بکر نقلاً عن الدیلمی (4) ، وذکر محبّ الدین الطبری فی الریاض (5) (1 / 150) باللفظ المذکور ولفظ : نازلت الله فیک ثلاثاً فأبی أن یقدّم إلاّ أبا بکر ، ثمّ قال : غریب.

قال الأمینی : إنّی مسائل مفتعل هذا الروایة وأعضاده من حفّاظ الحدیث - الأمناء علی ودائع العلم والدین - بعد الفراغ عن أنّ أمر الخلافة لا یستقرُّ فی أحد إلاّ بتعیین المولی سبحانه ومشیئته (و اللهُ یَفْعَلُ ما یَشاءُ) ، (وَما تَشاؤُنَ إِلاَّ أَنْ یَشاءَ اللهُ) ، وقد شاء أبا بکر ، أین یکون محلّ دعاء النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فی أن یجعلها فی علیّ علیه السلام من قبل أن یعلم مستقرّه عند الله تعالی؟ فکان من واجبه أن یسأله عن محلّه عنده ، لا أن یطلب منه طلبة ترتجّ لها السموات والملائکة ، وما ذلک إلاّ لکونه منکراً من الطلب ، نجلّ نبیّنا عن الإسفاف إلی هذه الضعة.

وکیف خفی علیه صلی الله علیه وآله وسلم من یستأهل الخلافة من أُمّته ویختار لها من یأبی الله 8.

ص: 539


1- میزان الاعتدال : 3 / 122 رقم 5815.
2- الفتاوی الحدیثیّة : ص 172.
3- کنز العمّال : 11 / 559 ح 32638.
4- الفردوس بمأثور الخطاب : 5 / 316 ح 8302.
5- الریاض النضرة : 1 / 188.

والسماوات ومن فیها والمؤمنون (1) له ذلک؟ نعوذ بالله من السفاسف.

ثمّ ما بال النبیّ الأعظم یتأخّر علمه بذلک عن علم الملائکة والسماوات والحاجة له ولأُمّته ، وخطاب التبلیغ متوجّه إلیه ، والتکلیف بالخضوع متوجّه إلی أُمّته؟ ولم یکن جمیع الملائکة والسماوات حملة الوحی إلی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم حتی یتقدّم علمهم علی علمه (2).

وما الذی دعاه صلی الله علیه وآله وسلم إلی ذلک التأکید وتکرار المسألة مرّةً بعد أخری ، وقد أبی الله أن یجیبها وشاء خلاف تلک الدعوة؟

إلی أسئلة هامّة تأتی ، وهی مشکلات لا أحسب أن یجد کلّ من یعتمد علی هذه الروایة إلی حلّها سبیلا ، أُفّ تُفّ لمؤلّف یذکر مثل هذه الأفیکة ویراها لطیفة (3) ، ولآخر یراها غریباً (4)) ، ویقول : یُعتضد بالأحادیث الصحیحة (5) ، اللهمّ إلیک المشتکی.

10 - أخرج الخطیب فی تاریخه (14 / 24) بإسناده عن إبراهیم بن هانی ، عن هارون المستملی المتوفّی (247) عن یعلی (6) بن الأشدق ، عن عبد الله بن جراد ، قال : أُتی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بفرس فرکبه وقال : یرکب هذا الفرس من یکون الخلیفة من بعدی ؛ فرکبه أبو بکر الصدّیق.

قال الأمینی : کأنّ الخطیب أدهشه فرس الخلافة - ذاهلاً عن أنّه لم یُخلق بعدُ - ف)

ص: 540


1- کما یأتی فی حدیث آخر. (المؤلف)
2- هذا علی سبیل المماشاة والجدل ، وإنّ لنا فی علمه صلّی الله علیه وآله وسلّم بالوحی خطّة أخری ، مع الاعتراف بنزول جبریل فی کلّ واقعة للإذن فی التبلیغ ولتثبیت قلوب الأمّة. (المؤلف)
3- راجع نزهة المجالس : 2 / 186. (المؤلف)
4- أی یری هذه الأفیکة حدیثاً غریباً.
5- راجع الریاض النضرة : 1 / 150 [1 / 188]. (المؤلف)
6- فی تاریخ الخطیب [14 / 24 رقم 7356] : علی ، والصحیح ما ذکرناه. (المؤلف)

فسکت عمّا فی سند الروایة من الغمز الفاحش الذی لا یخفی علی مثل الخطیب - فارس الجرح والتعدیل - ، وإلیک مجمل القول فی رجاله :

1 - إبراهیم بن هانی ، قال ابن عدی (1) : مجهول یأتی بالبواطیل.

2 - هارون المستملی ، قال له أبو نعیم : یا هارون اطلب لنفسک صناعةً غیر الحدیث ، فکأنّک بالحدیث قد صار علی مزبلة.

3 - یعلی بن الأشدق : أحد الکذّابین - کما مرّ فی سلسلتهم.

4 - عبد الله بن جراد عمّ یعلی ، قال الذهبی فی میزانه (2) : مجهول لا یصحّ خبره لأنّه من روایة یعلی بن الأشدق الکذّاب عنه ، وقال أبو حاتم (3) : لا یُعرف ولا یصحّ خبره ، وقال ابن حجر فی الإصابة (2 / 288) : یعلی بن الأشدق أحد الضعفاء ، وعبد الله بن جراد واهٍ ذاهب الحدیث ، ولم یثبت حدیثه.

وذکر السیوطی الروایة فی الموضوعات. اللآلئ المصنوعة (4) (1 / 156) وأردفه بقوله : موضوع ، ابن جراد لیس بشیء ، ثمّ نقل کلمات الحفّاظ فی تضعیف ابن جراد وتزییفه.

11 - عن جابر مرفوعاً : أبو بکر وزیری والقائم فی أُمّتی من بعدی ، وعمر حبیبی ینطق علی لسانی ، وعثمان منّی ، وعلیّ أخی وصاحب لوائی. وفی کنز العمّال (5) (6 / 160) عن أنس : أبو بکر وزیری یقوم مقامی ، وعمر ینطق بلسانی ، وأنا من عثمان وعثمان منّی. 3.

ص: 541


1- الکامل فی ضعفاء الرجال : 1 / 260 رقم 92.
2- میزان الاعتدال : 2 / 400 رقم 4242.
3- الجرح والتعدیل : 5 / 21.
4- اللآلئ المصنوعة : 1 / 301.
5- کنز العمّال : 11 / 628 ح 33063.

من موضوعات کادح بن رحمة الکذّاب ، أخرجه ابن السمّان فی الموافقة ، کما فی الریاض النضرة (1) (1 / 28) ، وذکره الذهبی فی میزانه (2) من طریق کادح ، وقال : قال ابن عدی (3) : عامّة أحادیثه غیر محفوظةٍ ، ولا یُتابَع فی أسانیده ولا فی متونه ، وقال الحاکم وأبو نعیم : روی عن مسعر والثوری أحادیث موضوعة. لسان المیزان (4) (4 / 481).

12 - أخرج الحاکم (5) عن عبد الرحمن بن أبی بکر ، عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أنّه قال : ائتنی بدواة وکتف أکتب لکم کتاباً لن تضلّوا بعده أبداً ، ثم قال : یأبی الله والمؤمنون إلاّ أبا بکر. کنز العمّال (6) (6 / 139).

13 - عن عائشة قالت : قال لی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی مرضه الذی مات فیه : ادعی لی أباکِ وأخاکِ حتی أکتب کتاباً ، فإنّی أخاف أن یتمنّی متمنٍّ ویقول قائل : أنا أولی ، ویأبی الله والمؤمنون إلاّ أبا بکر.

أخرجه (7) مسلم وأحمد وغیره من طرق عنها ، وفی بعضها : قال لی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی مرضه الذی مات فیه : ادعی لی عبد الرحمن بن أبی بکر ، أکتب لأبی بکر کتاباً لا یختلف علیه أحد ، ثمّ قال : دعیه معاذ الله أن یختلف المؤمنون فی أبی بکر.

وفی لفظ عن عبد الله بن أحمد : أبی الله والمؤمنون أن یُختَلَف علیک یا أبا بکر ، 0.

ص: 542


1- الریاض النضرة : 1 / 42.
2- میزان الاعتدال : 3 / 399 رقم 6927.
3- الکامل فی ضعفاء الرجال : 6 / 83 رقم 1616.
4- لسان المیزان : 4 / 567 رقم 6725.
5- مستدرک الحاکم : 3 / 542 ح 6016.
6- کنز العمّال : 11 / 550 ح 32583.
7- صحیح مسلم : 5 / 10 ح 11 کتاب فضائل الصحابة ، مسند أحمد : 7 / 153 ح 24230.

الصواعق لابن حجر (1) (ص 13) ، شرح مشارق الأنوار (2 / 258).

14 - عن عائشة مرفوعاً : لقد هممت أن أرسل إلی أبی بکر وابنه (أراد به عبد الرحمن) وأعهد (أی : أُوصی أبا بکر بالخلافة بعدی) ، أن یقول القائلون (أی : کراهة أن یقول قائل : أنا أحقّ منه بالخلافة) أو یتمنّی المتمنّون (أی : أو یتمنّی أحد أن یکون الخلیفة غیره) ثمّ قلت : یأبی الله ویدفع المؤمنون (یعنی ترکت الإیصاء اعتماداً علی أنّ الله تعالی یأبی عن کون غیره خلیفة ، وأن یدفع المؤمنون غیره) أو : یدفع الله ویأبی المؤمنون.

أخرجه الصغانی فی مشارق الأنوار عن البخاری (2) ، وفی هامشه : لم نجده فی صحیح البخاری فلیراجع ، وشرحه ابن الملک بما جعلناه بین القوسین فی شرحه (2 / 90) وذکره ابن حزم فی الفصل (4 / 108) فقال : فهذا نصّ جلیّ علی استخلافه - علیه الصلاة والسلام - أبا بکر علی ولایة الأُمّة بعده.

هذه صورة ممسوخة من حدیث الکتف والدواة والمروی بأسانید جمّة فی الصحاح والمسانید ، وفی مقدّمها الصحیحان ، حوّلوه إلی هذه الصورة لمّا رأوا الصورة الصحیحة من الحدیث لا تتمّ بصالحهم ، لکنّها الرزیّة کلّ الرزیّة کما قاله ابن عبّاس فی الصحیح ، فإنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم مُنع فی وقته عن کتابة ما رامه من الإیصاء بما لا تضلّ الأمّة بعده ، وکثر هناک اللغط ، ورُمی صلی الله علیه وآله وسلم بما لا یوصف به ، أو قال قائلهم : إنّ الرجل لیهجر. أو : إنّ الرجل غلبه الوجع ؛ وبعد وفاته صلی الله علیه وآله وسلم قلبوا ذلک التاریخ الصحیح إلی هذا المفتعل وراء أمر دبّر بلیل.

قال ابن أبی الحدید فی شرح نهج البلاغة (3) (3 / 17) وضعوه فی مقابلة الحدیث 3.

ص: 543


1- الصواعق المحرقة : ص 22.
2- صحیح البخاری : 5 / 2145 ح 5342.
3- شرح نهج البلاغة : 11 / 49 الخطبة 203.

المرویّ عنه فی مرضه : «ائتونی بدواة وبیاض أکتب لکم ما لا تضلّون بعده أبداً» فاختلفوا عنده ، وقال قوم منهم : لقد غلبه الوجع ، حسبنا کتاب الله.

قال الأمینی : لا تخلو هذه الاستعاذة (1) إمّا أن تکون فی حیّز الإخبار عن عدم الاختلاف ، أو فی مقام النهی عنه.

وعلی الأوّل یلزم منه الکذب لوقوع الاختلاف - وأیّ اختلاف - بالضرورة من أمیر المؤمنین وبنی هاشم ومن التفّ بهم من صدور الصحابة ، ومن سیّد الخزرج سعد بن عبادة وبقیّة الأنصار ، وإن أخضعت الظروف والأحوال أُولئک المتخلّفین عن البیعة للخلافة المنتخبة بعد برهة ، فقد کان فی القلوب ما فیها إلی آخر أعمارهم ، وفی قلوب شیعتهم وأتباعهم إلی یوم لقاء الله ، وکان لأمیر المؤمنین علیه السلام وآله وشیعته فی کلّ فجوة من الوقت وفرصة من الزمن نبرات وتنهّدات ، ینبئ فیها عن الحقّ المغتصب والخلیفة المهتضم.

وعلی الثانی یلزم تفسیق أمّة کبیرة من أعیان الصحابة لمخالفتهم نهی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم بما شجر بینهم وبین القوم من الخلاف المستعاذ منه بالله فی أمر الخلافة ، وهذا لا یلتئم مع حکمهم بعدالة الصحابة أجمعین ، إلاّ أن یخصّوها بغیر أمیر المؤمنین ومن انضوی إلیه ، وکلّ هذا یؤدّی إلی بطلان الروایة.

وهلمّ معی إلی أُمّ المؤمنین الراویة لها نسائلها عن أنّها لمَ لم تنبس یوم التنازع عمّا روته ببنت شفة ، فتجابه من ینازع أباها بنصّ الرسول الأمین وأخّرت البیان عن وقت الحاجة؟ ولعلّها تجیب بأنّها لم تسمع قطّ من بعلها الکریم شیئاً ممّا أُلصق بها ، لکن رواة السوء بعد وفاتها لم ترع لها کرامة فصعّدت وصوّبت ، وشاهد هذا الجواب ما سیوافیک عنها بطریق صحیح ما ینافی الاستخلاف. ف)

ص: 544


1- فی قوله صلی الله علیه وآله وسلم : معاذ الله أن یختلف المؤمنون. (المؤلف)

15 - عن عائشة قالت : قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : أئمّة الخلافة من بعدی أبو بکر وعمر. الحدیث.

ذکره الذهبی فی میزانه (1) (2 / 227) وقال : خبر باطل ، المتّهم بوضعه علیّ - بن صالح الأنماطی - ، فإنّ الرواة ثقات سواه.

قال الأمینی : من المأسوف علیه أنّ الدهشة بالقلاقل بعد وفاة النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم أنست عائشة هذه الروایة یوم کان یستفید بها أبوها ، ویسلم من مغبّة الاختیار فی أمر الخلافة بالاستناد إلی النصّ الصریح ، أو خشیت حین ذلک إن فاهت أن یقال : حلبت حلباً لها شطرها ، فأرجأتها إلی أن سبق السیف العذل ، والصحیح : أنّها أرجأت روایتها إلی أن لفظت نفسها الأخیر ، وسیوافیک عنها خلاف هذه الروایة من طریق صحیح.

16 - عن عبد الله بن عمر مرفوعاً : یکون بعدی اثنا عشر خلیفة ؛ أبو بکر الصدّیق لا یلبث بعدی إلاّ قلیلاً ، وصاحب رحی دارة العرب یعیش حمیداً ویقتل شهیداً عمر ، وأنت یا عثمان سیسألک الناس أن تخلع قمیصاً کساک الله عزّ وجلّ إیّاه ، والذی نفسی بیده لئن خلعته لا تدخل الجنّة حتی یلج الجمل فی سمّ الخیاط.

أخرجه (2) البیهقی کما فی تاریخ ابن کثیر (6 / 206) بإسناده ، وفیه : عبد الله بن صالح الکذّاب ، وربیعة بن سیف ، قال البخاری (3) : عنده مناکیر. وذکره الذهبی فی میزان الاعتدال (4) (2 / 48) من طریق یحیی بن معین ، وقال : أنا أتعجّب من یحیی مع جلالته ونقده کیف یروی مثل هذا الباطل ویسکت عنه؟ وربیعة صاحب مناکیر وعجائب. 3.

ص: 545


1- میزان الاعتدال : 3 / 133 رقم 5865.
2- دلائل النبوّة : 6 / 392 ، البدایة والنهایة : 6 / 230.
3- التاریخ الکبیر : مج 3 / 290.
4- میزان الاعتدال : 2 / 443 رقم 4383.

17 - عن ابن عبّاس فی قوله تعالی (وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِیُّ إِلی بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِیثاً) (1) قال : أسرّ إلی حفصة : أنّ أبا بکر ولیّ الأمر من بعده ، وأنّ عمر والیه من بعد أبی بکر ، فأخبرت بذلک عائشة ؛ رواه البلاذری فی تاریخه (2).

وفی نزهة المجالس (2 / 192) : قال ابن عبّاس رضی الله عنه : والله إنّ إمارة أبی بکر وعمر لفی کتاب الله : (وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِیُّ إِلی بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِیثاً) قال لحفصة : أبوک وأبو عائشة أولیاء الناس بعدی ، فإیّاک أن تخبری به أحداً.

وأخرج الذهبی عن عائشة : (وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِیُّ إِلی بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِیثاً) قالت : أسرّ إلیها أنّ أبا بکر خلیفتی من بعدی. عدّه الذهبی فی میزان الاعتدال (3) (1 / 294) من أباطیل خالد بن إسماعیل المخزومی الکذّاب.

18 - عن ابن عبّاس قال : لمّا نزلت (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ) جاء العبّاس إلی علیّ ، فقال : قم بنا إلی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، فصارا إلی رسول الله فسألاه عن ذلک فقال : یا عبّاس ، یا عمّ رسول الله ، إنّ الله جعل أبا بکر خلیفتی علی دین الله ووحیه ، فاسمعوا له تفلحوا ، وأطیعوا ترشدوا ، قال العبّاس : فأطاعوه والله فرشدوا.

وفی لفظ آخر : یا عمّ إنّ الله جعل أبا بکر خلیفتی علی دین الله ووحیه ، فأطیعوه بعدی تهتدوا ، واقتدوا به ترشدوا. قال ابن عبّاس : ففعلوا فرشدوا.

أخرجه الخطیب البغدادی فی تاریخه (11 / 294) - من دون أیّ غمز فی سنده ومتنه - من طریق عمر بن إبراهیم بن خالد الکذّاب ، غیر أنّ السیوطی حکی عنه فی اللآلئ (4) (1 / 152) إردافه بقوله : عمر کذّاب. وهذا لا یوجد فی المطبوع من تاریخ 4.

ص: 546


1- التحریم : 3.
2- أنساب الأشراف : 1 / 424 رقم 887.
3- میزان الاعتدال : 1 / 627 رقم 2404.
4- اللآلئ المصنوعة : 1 / 294.

بغداد ، فکأنّ ید الطبع الأمینة حرّفته خدمة للمبدإ ، وعمر هو ابن إبراهیم القرشی الکردی الکذّاب الوضّاع. وقال الذهبی فی میزانه (1) (2 / 249) : هذا الحدیث لیس بصحیح.

قال الأمینی : أسفی إن کان العبّاس قد سمع من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم هذا النصّ الصریح - وکان ابنه یجد خلافة الشیخین فی الکتاب العزیز - ویخبر به الناس مشفّعاً بالحلف بالله ، وأُمر بالطاعة والاقتداء بهما ، فلما ذا خالف ذلک کلّه؟ ولما ذا تخلّف عن بیعة أبی بکر (2)؟ وما الذی حداه إلی أن یأتی أمیر المؤمنین علیّا علیه السلام یوم توفّی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فی ضحاه ، فیقول له : اذهب إلی رسول الله فسله فی من یکون هذا الأمر؟ فإن کان فینا علمنا ذلک ، وإن کان فی غیرنا أمر به فأوصی بنا ، ویقول علیّ علیه السلام : والله لئن سألناها رسول الله فمنعناها لا یعطیناها الناس أبداً ، والله لا أسألها رسول الله أبداً. فتوفّی رسول الله حین اشتدّ الضحی من ذلک الیوم (3).

وفی لفظ آخر : فانطلق بنا إلیه فنسأله من یستخلف؟ فإن استخلف منّا فذاک ، وإلاّ فأوصی بنا فحفظنا من بعده. الحدیث.

وما دعاه إلی أن یقول لعلیّ لمّا قُبض رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : أبسط یدک أُبایعک ، فیقال عمّ رسول الله بایع ابن عمّ رسول الله ویبایعک أهل بیتک ، فإنّ هذا الأمر إذا کان لم یُقل (4) ، فیقول علیُّ کرّم الله وجهه : ومن یطلب هذا الأمر غیرنا (5)؟ ف)

ص: 547


1- میزان الاعتدال : 3 / 180 رقم 6044.
2- العقد الفرید : 2 / 50 [4 / 87] ، الریاض النضرة : 1 / 167 [1 / 207] ، السیرة الحلبیة : 3 / 385 [3 / 356]. (المؤلف)
3- الطبقات الکبری لابن سعد : ص 766 [2 / 245] ، تاریخ الطبری : 3 / 194 [3 / 193] ، سیرة ابن هشام : 4 / 332 [4 / 304] ، الإمامة والسیاسة : 1 / 5 [1 / 12] ، سنن البیهقی : 8 / 149 نقلاً عن صحیح البخاری [4 / 1616 ح 4182] ، تاریخ ابن کثیر : 5 / 251 [5 / 271]. (المؤلف)
4- من الإقالة لا من القول. (المؤلف)
5- الإمامة والسیاسة : 1 / 5 [1 / 12]. (المؤلف)

وفی لفظ ابن سعد فی طبقاته : قال علیّ : یا عمّ : وهل هذا الأمر إلاّ إلیک؟ وهل من أحد ینازعکم فی هذا الأمر؟

وما باله یلاقی أبا بکر فیسأله هل أوصاک رسول الله بشیء؟ فیقول : لا ، أو یلاقی عمر ویسأله مثل ذلک فیسمع : لا ، ثمّ بعد أخذ الاعتراف من الرجلین علی عدم الاستخلاف یقول لعلیّ : أبسط یدک أُبایعک ویبایعک أهل بیتک (1).

أو یقول : یا علیّ قم حتی أُبایعک ومن حضر ، فإنّ هذا الأمر إذا کان لم یُردّ مثله والأمر فی أیدینا ، فقال علیّ : وأحد یطمع فیه غیرنا؟ قال العبّاس : أظنّ والله سیکون (2).

وما حداه إلی کلامه لعلیّ یوم استخلف عثمان : إنّی ما قدّمتک قطّ إلاّ تأخّرت ، قلتُ لک : هذا الموت بیّن فی وجه رسول الله فتعال نسأله عن هذا الأمر ، فقلتَ : أتخوّف أن لا یکون فینا فلا نستخلف أبداً ؛ ثمّ مات وأنت المنظور إلیه ، فقلت : تعال أُبایعک فلا یختلف علیک فأبیت ، ثمّ مات عمر فقلت لک : قد أطلق الله یدیک فلیس لأحد علیک تبعة ، فلا تدخل فی الشوری عسی ذلک أن یکون خیراً (3)؟

صورة أخری :

قال العبّاس : لم أدفعک فی شیء إلاّ رجعت إلیّ متأخّراً بما أکره ، أشرتُ علیک عند وفاة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی هذا الأمر فأبیت ، وأشرتُ علیک بعد وفاة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أن تعاجل الأمر فأبیت ، وأشرتُ علیک حین سمّاک عمر فی الشوری أن لا تدخل معهم فأبیت ، فاحفظ عنّی واحدة کلّما عرض علیک القوم ، فأمسک إلی ف)

ص: 548


1- الإمامة والسیاسة : 1 / 6 [1 / 12]. (المؤلف)
2- الطبقات الکبری لابن سعد : ص 667 [2 / 246]. (المؤلف)
3- أنساب الأشراف للبلاذری : 5 / 23. (المؤلف)

أن یولّوک ، واحذر هذا الرهط فإنّهم لا یبرحون یدفعوننا عن هذا الأمر حتی یقوم لنا فیه غیرنا. العقد الفرید (1) (2 / 157).

19 - عن أبی هریرة قال : بینما جبریل مع النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم إذ مرّ أبو بکر فقال : هذا أبو بکر ، قال : أتعرفه یا جبریل؟ قال : نعم ، إنّه لفی السماء أشهر منه فی الأرض ، فإنّ الملائکة لتسمّیه حلیم قریش ، وإنّه وزیرک فی حیاتک وخلیفتک بعد موتک.

أخرجه ابن حبّان (2) من طریق إسماعیل بن محمد بن یوسف ، وقال : إسماعیل یسرق الحدیث لا یجوز الاحتجاج به ، وقال ابن طاهر : کذّاب ، ورواه أبو العبّاس الیشکری فی فوائده الیشکریّات کما فی اللآلئ (3) (1 / 152) من طریق أحمد بن الحسن ابن أبان المصری ، وهو ذلک الکذّاب الدجّال الوضّاع.

20 - أخرج ابن عساکر (4) ، عن أبی بکرة قال : أتیت عمر رضی الله عنه وبین یدیه قوم یأکلون ، فرمی ببصره فی مؤخّر القوم إلی رجلٍ فقال : ما تجد فیما تقرأ قبلک من الکتب؟ قال : خلیفة النبی صلی الله علیه وآله وسلم صدّیقه. ذکره السیوطی فی الخصائص الکبری (5) (1 / 30) عند إثبات ذکر أبی بکر فی کتب الأمم السالفة.

هذه الروایة لم نقف لها علی إسناد ، وحسبها من الوهن إرسالها فیما نجد ؛ ولم نعرف الکتابیّ الذی کان فی مؤخّر القوم حتی ننظر فی مبلغه من الدین والثقة ، وبعد فرض ثبوتها فهی إنّما تدلُّ علی ما یحاوله عمر بعد أن یخصم المجادل فی ثبوت هذا الاستخلاف وهذا اللقب من النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم لأبی بکر ، وعدم مشارکة غیره له فیهما ، 2.

ص: 549


1- العقد الفرید : 4 / 98.
2- کتاب المجروحین : 1 / 130.
3- اللآلئ المصنوعة : 1 / 295.
4- تاریخ مدینة دمشق : 30 / 296 رقم 3398 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 13 / 94.
5- الخصائص الکبری : 1 / 52.

والأوّل محلّ نظر عند من لا یری أبا بکر أوّل الخلفاء ، وتلقیب الناس له بهما لا ینهض لإثبات تطبیق ما فی الکتب السالفة علیه ؛ فإنّه یدور مدار الواقع لا تلقیب الناس. وأمّا الثانی : فقد ثبت فی الصحیح المتواتر قوله صلی الله علیه وآله وسلم : «إنّی مخلّف فیکم خلیفتین». ولیس أبو بکر أحدهما ، وصحّ قوله لعلیّ علیه السلام : «أنت أخی ووصیّی وخلیفتی من بعدی» (1) ، فعلیّ علیه السلام خلیفة أخیه النبیّ الأقدس من یومه الأوّل ، وهو لا ینطق عن الهوی إن هو إلاّ وحی یوحی.

کما مرّ أنّ مولانا أمیر المؤمنین لقّبه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بالصدّیق. وهو صدّیق هذه الأمّة ، وهو أحد الصدّیقین الثلاثة ، وهو الصدّیق الأکبر. راجع الجزء الثانی من هذا الکتاب (312 - 314) وتجد هنالک بسند صحیح رجاله ثقات عند الحفّاظ تکذیب أمیر المؤمنین کلّ من یدّعی هذا اللقب غیره ، إذن فلا شاهد فی الروایة علی أنّ المراد بالصدّیق والخلیفة من حاولوه.

21 - قال محمد بن الزبیر : أرسلنی عمر بن عبد العزیز إلی الحسن البصری أسأله عن أشیاء ، فجئته فقلت له : اشفنی فیما اختلف فیه الناس ، هل کان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم استخلف أبا بکر؟ فاستوی الحسن قاعداً فقال : أوَفی شکّ هو؟ لا أباً لک ، إی والله الذی لا إله إلاّ هو لقد استخلفه ، ولهو کان أعلم بالله ، وأتقی له ، وأشدّ له مخافةً من أن یموت علیها لو لم یؤمّره.

أخرجه ابن قتیبة فی الإمامة والسیاسة (2) (ص 4) وفی آخره : وهو کان أعلم بالله تعالی وأتقی لله تعالی من أن یتوثّب علیهم لو لم یأمره. وذکره ابن حجر فی الصواعق (3) (ص 15). 6.

ص: 550


1- راجع الجزء الثانی من کتابنا هذا : ص 278 - 286. (المؤلف)
2- الإمامة والسیاسة : 1 / 10.
3- الصواعق المحرقة : ص 26.

انظر إلی هذا المتقشّف المتزهّد الجامد کیف یحلف کذباً بالله تعالی علی ما لا تعترف به الأمّة جمعاء حتی نفس أبی بکر وعمر ، وسیوافیک الصحاح الناصّة من طرق القوم علی عدم الاستخلاف من النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم عن أمیر المؤمنین علیّ ، وأبی بکر ، وعمر ، وعائشة ، وسیوافیک فی هذا الجزء والجزء السابع ما جاء فی الصحیح الثابت من قول أبی بکر فی مرضه الذی توفّی فیه : وددت أنّی کنت سألت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لمن هذا الأمر؟ فلا ینازعه أحد ، ووددت أنّی کنت سألته هل للأنصار فی هذا الأمر نصیب؟ فقول الرجل داء فیما اختلف فیه الناس ، لاشفاء کما حسبه السائل.

22 - أخرج ابن حبّان (1) عن سفینة : لمّا بنی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم المسجد (2) ، وضع فی البناء حجراً وقال لأبی بکر : ضع حجرک إلی جنب حجری ، ثمّ قال لعمر : ضع حجرک إلی جنب حجر أبی بکر ، ثمّ قال لعثمان : ضع حجرک إلی جنب حجر عمر ، ثمّ قال : هؤلاء الخلفاء بعدی.

ذکره ابن حجر فی الصواعق (3) (ص 14) وقال : قال أبو زرعة : إسناده لا بأس به ، وقد أخرجه الحاکم فی المستدرک (4) وصحّحه ، والبیهقی فی الدلائل (5) ، وذکره ابن کثیر فی البدایة والنهایة (6) (6 / 204).

لیت ابن حجر ذکر سند الروایة ولم یرسله حتی تأتّی للقارئ وقوفه علی بطلانه وبطلان الحکم بصحّته ، وقد أخرجوه من طریق نعیم بن حمّاد المذکور فی سلسلة الکذّابین ، وحسبه منقصة ومغمزة ، ثمّ لیت مصحّح هذه الروایة کان یعرف أنّ صحّة 7.

ص: 551


1- کتاب المجروحین : 1 / 277.
2- فی تاریخ ابن کثیر : 6 / 204 [6 / 227] : مسجد المدینة. (المؤلف)
3- الصواعق المحرقة : ص 24.
4- أخرجه فی الجزء الثالث : ص 13 [3 / 14 ح 4284] ولفظ ذیله : هؤلاء ولاة الأمر بعدی.(المؤلف)
5- دلائل النبوّة : 2 / 553.
6- البدایة والنهایة : 6 / 227.

هذا النصّ علی الخلافة تُضعضع حجر مبدئه الأساسیّ ، وتبطل ما ذهب إلیه هو وقومه من الخلافة الانتخابیّة ، وتضادّ ما صحّحوه عن أبی بکر وعمر وعلیّ وعائشة و.. و.. و- کما یأتی - من أنّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم مات ولم یستخلف. وقد أبطله الذهبی بما ذکر عندما أخرجه الحاکم من طریق عائشة کما مرّ فی (ص 335).

23 - عن عبد الله بن عمر مرفوعاً : اقتدوا باللذین من بعدی : أبو بکر وعمر.

أخرجه العقیلی (1) من طریق مالک وقال : هذا حدیث منکر لا أصل له ، وأخرجه الدارقطنی من روایة أحمد الخلیلی الضمیری بسنده ثمّ قال : لا یثبت ، والعمری - یعنی محمد بن عبد الله حفید عمر بن الخطّاب راوی الحدیث - ضعیف ، وقال ابن حبّان (2) : لا یجوز الاحتجاج به ، وقال الدارقطنی : العمری یحدّث عن مالک بأباطیل. لسان المیزان (3) (5 / 237).

24 - روی الحسن بن صالح القیسرانی ، عن إسحاق بن محمد الأنصاری أنّه قال : سألت یموت بن المُزرع بن یموت فقلت : یا أُستاذ کیف لم یستخلف رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم علیّا واستخلف أبا بکر؟ فقال : سألت الجاحظ عن هذا فقال : سألت إبراهیم النظّام عن هذا فقال : قال الله (وَعَدَ اللهُ الَّذِینَ آمَنُوا مِنْکُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَیَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِی الْأَرْضِ کَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ) (4) الآیة ، وکان جبریل ینزل علی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم یحدّثه بعد الوحی کما یحدّث الرجل الرجل ، فقال : یا جبریل من هؤلاء الذین یستخلفهم الله فی الأرض؟ فقال جبریل : أبو بکر وعمر وعثمان وعلیّ ، ولم یکن بقی من عمر أبی بکر إلاّ سنتان ، فلو استخلف علیّا لم یلحق 5.

ص: 552


1- الضعفاء الکبیر : 4 / 95 رقم 1649.
2- کتاب المجروحین : 2 / 282.
3- لسان المیزان : 5 / 268 رقم 7611.
4- النور : 55.

أبو بکر وعمر وعثمان من الخلافة شیئاً ، ولکنّ الله رتّبهم لعلمه بما بقی من أعمارهم ، حتی تمّ ما وعدهم الله تبارک وتعالی به.

أخرجه ابن عساکر فی تاریخه (1) (4 / 186) ، ولیت شعر شاعر أنّه إن کان جبرئیل فسّر الآیة الکریمة بما فسّر ، ووعاه النبیّ الأعظم ، وبلّغ الأمّة به لتوفّر الدواعی للبیان لیعرف کلّ أحد رشده وهداه ، وکانت الحاجة ماسّةً بالمبادرة إلی ذلک ، فکیف خفی ذلک علی الأمّة جمعاء؟ لا سیّما علی أمیر المؤمنین ، وأبی بکر ، وعمر ، وابن عبّاس - حبر الأمّة - وعائشة ، فلا احتجّ به أحد ، ولا أسند إلیه عند الحوار فی أمر الخلافة ، وما مقیل هذه الجلبة والضوضاء فی تعیین الخلیفة؟ هل المعیّن له النصّ أو إجماع الأمّة؟ ولم یقل بالأوّل إلاّ الشیعة ، وأمّا الذین خُلقت هذه الروایة لهم فلا یقیمون للنصّ وزناً ولا یدّعون وجوده فی کتاب أو سنّة ، ویقول عمر : إن لم استخلف فلم یستخلف من هو خیر منّی.

وإن کان الأمر کما یرتئیه - النظّام - فما حال المتخلّفین عن البیعة عندئذٍ؟ هل هم محکومون بالعدالة کما یعتقدها أهل السنّة فی الصحابة أجمع؟ أو أنّه یُستثنی منهم قتلة عثمان کما عند ابن حزم؟ فهل یستصحب فیهم هذا الحکم؟ أو ............ وفیهم من نزل بعصمتهم الکتاب الکریم؟ وفیهم وجوه الصحابة وأعیانها ؛ أو أنّهم متأوّلون مجتهدون قبال هذا النص الصریح؟ وکم له من نظیر فی الصحابة.

هذا مع غضّ الطرف عمّا جاء فی بعض رجال هذا السند من القذائف والطامّات وفی مقدّمهم النظّام ، قال ابن قتیبة (2) : کان شاطراً من الشطّار مشهوراً بالفسق ، وقال الذهبی : متّهم بالزندقة. لسان المیزان (3) (1 / 67) ، وبعده تلمیذه الجاحظ ، مرّ فی 4.

ص: 553


1- تاریخ مدینة دمشق : 13 / 115 رقم 1347 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 6 / 343.
2- تأویل مختلف الحدیث : ص 46.
3- لسان المیزان : 1 / 59 رقم 174.

سلسلة الکذّابین (ص 248) ، وبعده هلمّ جرّا.

25 - عن عمرو بن شعیب ، عن أبیه ، عن جدّه - حفید عمرو بن العاص - قال : لمّا اشتبکت الحرب یوم خیبر ، قیل للنبیّ صلی الله علیه وآله وسلم : هذه الحرب قد اشتبکت فأخبرنا بأکرم أصحابک علیک؟ فإن یکن أمر عرفناه وإن تکن الأخری أتیناه ، فقال : أبو بکر وزیری یقوم فی الناس مقامی من بعدی ، وعمر ینطق بالحقّ علی لسانی ، وأنا من عثمان وعثمان منّی ، وعلیّ أخی وصاحبی یوم القیامة.

ذکره الذهبی (1) من طریق العقیلی (2) ، وقال : المتّهم بوضع هذا ، هذا الشیخ الجاهل - یعنی سلیمان بن شعیب بن اللیث المصری.

وأخرجه الخطیب فی تاریخه (13 / 261) بلفظ : لمّا اشتبکت الحرب یوم حنین ، دخل جندب بن عبد الله علی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فقال : یا رسول الله إنّ هذه الحرب قد اشتبکت ولسنا ندری ما یکون ، أفلا تخبرنا بأخیر أصحابک وأحبّهم إلیک؟ فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : هی یا هیه لله أبوک أنت القائد لها بأزمّتها ، هذا أبو بکر الصدّیق یقوم فی الناس من بعدی ، وهذا عمر بن الخطّاب حبیبی ینطق بالحقّ علی لسانی ، وهذا عثمان بن عفّان هو منّی وأنا منه ، وهذا علیّ بن أبی طالب أخی وصاحبی حتی تقوم القیامة. رجال سنده :

1 - علیُّ بن حمّاد بن السکن : قال الدارقطنی : متروک الحدیث.

2 - مجاعة بن ثابت : کذّاب ، راجع سلسلة الکذّابین.

3 - ابن لهیعة : قال یحیی : لیس بالقویّ ، وقال مسلم : ترکه وکیع ویحیی القطّان وابن مهدی.5.

ص: 554


1- میزان الاعتدال : 2 / 211 رقم 3477.
2- الضعفاء الکبیر : 2 / 130 رقم 615.

4 - عمرو بن شعیب : قال أبو داود : عمرو ، عن أبیه ، عن جدّه ، لیس بحجّة.

ولعلّ الخطیب سکت عن إبطال مثل هذه الروایة ، ثقةً بأنّ بطلانها سنداً ومتناً لا یخفی علی أی أحد.

26 - عن أنس ، قال : قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : یا عثمان إنّک ستلی الخلافة من بعدی ، وسیریدک المنافقون علی خلعها فلا تخلعها ، وصُمْ ذلک الیوم تفطر عندی.

ذکره الذهبی فی میزانه (1) (1 / 300) من طریق خالد بن محمد أبی الرحّال البصری الأنصاری ، وقال : عنده عجائب ، وقال ابن حبّان (2) : لا یجوز الاحتجاج به. وفی لسان المیزان (3) (2 / 794) : قال أبو حاتم : لیس بالقویّ.

27 - عن أبی هریرة فی حدیث : قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : یا حفصة ألا أُبشّرک؟ قالت : بلی ، قال : یلی الأمر من بعدی أبو بکر ، ثمّ أبوک ، اکتمی علیّ. فخرجت حتی دخلت علی عائشة فقالت لها : ألا أُبشّرک یا بنت أبی بکر؟ قالت : بما ذا؟ فذکرت لها وقالت : قد استکتمنی فاکتمیه ، فأنزل الله تعالی : (یا أَیُّهَا النَّبِیُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللهُ لَکَ تَبْتَغِی مَرْضاتَ أَزْواجِکَ) (4) الآیات. أخرجه الماوردی فی أعلام النبوّة (5) (ص 81) مرسلاً.

وأخرجه العقیلی (6) من طریق موسی بن جعفر الأنصاری ، فقال : مجهول 4.

ص: 555


1- میزان الاعتدال : 1 / 639 رقم 2459.
2- کتاب المجروحین : 1 / 284.
3- لسان المیزان : 7 / 469 رقم 5454.
4- التحریم : 1.
5- أعلام النبوّة : ص 135.
6- الضعفاء الکبیر : 4 / 155 رقم 1724.

بالنقل ، لا یُتابع علی حدیثه ولا یصحّ ، وذکره الذهبی فی میزان الاعتدال (1) فی ترجمة موسی وقال : لا یُعرف وخبره ساقط ، ثمّ قال بعد ذکر الحدیث : قلت : هذا باطل. لسان المیزان (2) (6 / 113).

ومتن الحدیث أَفْسدُ من سنده ؛ لأنّ الولایة المذکورة إن کانت شرعیّة فإنّ من واجبه صلی الله علیه وآله وسلم إفشاءها ، لیُعرّف الناس طریق الحقّ وصاحب الولایة المفترض طاعته فیسعدوا بذلک ، لا کتمانها فیبقوا حیاری لا یدرون عمّن یأخذون معالم دینهم ، فیتشبّثون فی تشخیصه بالطحلب من خیرة مبتورة ، وإجماع مخدج.

وإن کانت غیر مشروعة ، فکان من واجبه صلی الله علیه وآله وسلم نهیهما عن ارتکابها ، أو أمر حفصة بأن تنهی إلیهما أمره صلی الله علیه وآله وسلم إیّاهما بالتجنّب عن ورطة الهلکة - لا الستر والأمر بالکتمان - حتی لا یقعا فیها من حیث لا یشعران ، بل کان من حقّ المقام أن یُعرّف الملأ الدینی بذلک ، (لِیَهْلِکَ مَنْ هَلَکَ عَنْ بَیِّنَةٍ وَیَحْیی مَنْ حَیَّ عَنْ بَیِّنَةٍ) (3).

وعلیه فإن صحّ الحدیث فلیس هو إلاّ إخباراً منه صلی الله علیه وآله وسلم بقضیة خارجیة ، وإن کان وقوعها قهراً ، ولا ینافیه لفظ البشری لکونه إخباراً بما تهشُّ إلیه نفس حفصة من تقلّد أبیها زعامة الأمّة ، فجری الکلام مجری رغباتها ، ولذلک لم تُبد به حفصة عند مسیس حاجة الأمّة إلی نصٍّ مثله - إن کان الحدیث نصّا - عند محتدم الحوار بینها ، وإنّما أمرها بالکتمان کان لمصالح لا تخفی علی الباحث.

28 - عن جعفر بن محمد - الإمام الصادق - عن أبیه ، عن جدّه قال : توفّیت فاطمة لیلاً ، فجاء أبو بکر وعمر وجماعة کثیرة ، فقال أبو بکر لعلیّ : تقدّم فصلّ ، قال : لا والله لا تقدّمت وأنت خلیفة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، فتقدّم أبو بکر فصلّی أربعاً. 2.

ص: 556


1- میزان الاعتدال : 4 / 201 رقم 8853.
2- لسان المیزان : 6 / 133 رقم 8633.
3- الأنفال : 42.

عدّه الذهبی (1) من مصائب أتی بها عبد الله بن محمد القدامی المصّیصی ، عن مالک. وقال ابن عدی (2) : عامّة حدیثه غیر محفوظة ، وقال ابن حبّان (3) : یُقلّب الأخبار لعلّه قلّب علی مالک أکثر من مائة وخمسین حدیثاً ، وقال الحاکم والنقّاش : روی عن مالک أحادیث موضوعة ، وقال السمعانی فی الأنساب (4) : کان یقلّب الأخبار لا یُحتجّ به (5). میزان الاعتدال (2 / 70) ، لسان المیزان (3 / 334).

هذه الأُکذوبة علی الإمام الطاهر الصادق تخالف ما فی التاریخ الصحیح ، عن عائشة قالت : دُفِنَتْ فاطمة بنت رسول الله لیلاً ، دفنها علیّ ولم یشعر بها أبو بکر رضی الله عنه حتی دُفنت ، وصلّی علیها علیّ بن أبی طالب رضی الله عنه. مستدرک الصحیحین (6) (3 / 163) ، صحّحه الحاکم وأقرّه الذهبی.

وقال الحلبی فی السیرة النبویّة (7) (3 / 360) : قال الواقدی : ثبت عندنا أنّ علیّا - کرّم الله وجهه - دفنها لیلاً وصلّی علیها ومعه العبّاس والفضل ، ولم یُعلموا بها أحداً.

29 - عن أنس بن مالک : قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : ما قدّمت أبا بکر وعمر ولکن الله قدّمهما ومنّ بهما علیّ ، فأطیعوهما واقتدوا بذکرهما ، ومن أرادهما بسوءٍ فإنّما یریدنی والإسلام. أخرجه ابن النجّار کما فی کنز العمّال (8) (6 / 144).

کیف خفی علی معظم الأصحاب ورجالات بیت الوحی - وفی مقدّمهم سیّدهم 6.

ص: 557


1- میزان الاعتدال : 2 / 488 رقم 4544.
2- الکامل فی ضعفاء الرجال : 4 / 258 رقم 1092.
3- کتاب المجروحین : 2 / 39.
4- الأنساب : 4 / 459.
5- میزان الاعتدال : 2 / 488 رقم 4544 ، لسان المیزان : 3 / 412 رقم 4746.
6- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 178 ح 4764 ، وکذا فی تلخیصه.
7- السیرة الحلبیة : 3 / 361.
8- کنز العمّال : 11 / 572 ح 32706.

أمیر المؤمنین - أنّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم قدّم الشیخین علی علیّ علیه السلام وغیره فی الخلافة مهما قدّمهما الله تعالی؟ فتخلّفوا عن بیعة من قدّمه الله ورسوله وما أطاعوه وما قدّموه.

ولما ذا حیل بینه صلی الله علیه وآله وسلم وبین ما رام أن یکتبه یوم الخمیس قبلَ وفاته بخمسة أیّام فی متولّی الخلافة بعد ما کان نصّ علیه قبل ذلک الیوم؟ وما کان یکتب إلاّ من قدّمه الله تعالی ونصّ علیه صلی الله علیه وآله وسلم قبلُ.

ولما ذا لم یکن یوم السقیفة ذکر عند أیّ أحد من ذلک التقدیم المفتعل علی الله وعلی رسوله؟ وما بال أبی بکر کان یقدّم أبا عبیدة الجرّاح یوم ذلک ، وکان یحثّ الناس علی بیعته وبیعة عمر کما ورد فی الصحیح؟ فکأنّ فی أُذن الأمّه وقراً من سماع ذلک التقدیم حتی أنّ أُذن أنس لم تسمع به قطّ.

30 - عن ابن عمر وأبی هریرة قالا : ابتاع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم من أعرابیّ قلائص إلی أجل فقال : أرأیت إن أتی علیک أمر الله؟ قال : أبو بکر یقضی دینی وینجز موعدی ، قال : فإن قُبض؟ قال : عمر یحذوه ویقوم مقامه لا تأخذه فی الله لومة لائم ، قال : فإن أتی علی عمر أجله؟ قال : فإن استطعت أن تموت فمت.

من موضوعات خالد بن عمرو القرشی علی اللیث ، ذکره الذهبی فی میزانه (1) (1 / 298) وحکی عن ابن عدی (2) أنّه قال بعد ذکر هذا الحدیث وأحادیث أخری : عندی أنّه - خالد بن عمرو - وضع هذه الأحادیث ، فإن نسخة اللیث عن یزید بن أبی حبیب عندی ما فیها من هذا شیء.

وذکره ابن درویش الحوت البیروتی فی أسنی المطالب (3) (ص 249) بلفظ : قدم 3.

ص: 558


1- میزان الاعتدال : 1 / 635 رقم 2447.
2- الکامل فی ضعفاء الرجال : 3 / 29 رقم 593.
3- أسنی المطالب : ص 517 ح 1653.

رجل من أهل البادیة بإبل فاشتراها رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، ثمّ لقی الرجل علیّا فقال : ما أقدمک؟ فأخبره أنّه قدم بإبل وباعها من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، فقال علیّ : هل نقدک؟ فقال : لا ، لکن بعتها بتأخیر ، قال : ارجع إلیه فقل له : إن حدث بک حادث فمن یقضی عنک (1)؟ فقال : أبو بکر ، قال : فإن حدث بأبی بکر؟ فقال : عمر. فقال : فإن مات عمر فمن یقضی؟ فقال : ویحک إن مات عمر فإن استطعت أن تموت فمت.

قال ابن درویش : فیه الفضل بن المختار ضعیف جدّا ، وإنّه واهٍ لا یعوّل علیه ، وفی میزان الاعتدال (2) (4 / 449) : قال أبو حاتم (3) : أحادیثه منکرة یحدّث بالأباطیل ، وقال الأزدی : منکر الحدیث جدّا ، وقال ابن عدی (4) : عامّة أحادیثه منکرة ، عامّتها لا یتابَع علیها.

31 - عن أنس مرفوعاً : أبو بکر وزیری وخلیفتی.

أخرجه الذهبی فی المیزان (5) (1 / 41) من طریق أحمد بن جعفر بن الفضل ، وقال : مشهور بالوضع لیس بشیء.

32 - عن عائشة مرفوعاً : قال لرجل : انطلق فقل لأبی بکر : أنت خلیفتی فصلّ بالناس. أخرجه العقیلی (6) من طریق الفضل بن جبیر ، عن خلف ، عن علقمة ابن مرثد ، عن أبیه فقال : الفضل لا یتابَع علی حدیثه ، ولا یُعرف لمرثد - والد علقمة - روایة. لسان المیزان (7) (4 / 438). 6.

ص: 559


1- هنا سقط معلوم لا یخفی. (المؤلف)
2- میزان الاعتدال : 3 / 358 رقم 6750.
3- الجرح والتعدیل : 7 / 69.
4- الکامل فی ضعفاء الرجال : 6 / 15 رقم 1561.
5- میزان الاعتدال : 1 / 88 رقم 322 وفیه : أحمد بن جعفر بن عبد الله بن یونس.
6- الضعفاء الکبیر : 3 / 444 رقم 1492.
7- لسان المیزان : 4 / 512 رقم 6546.

33 - عن ابن عبّاس ، قال : جاءت امرأة إلی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم تسأله شیئاً ، فقال لها : تعودین ، فقالت : یا رسول الله إن عدت فلم أجدک - تعرّض بالموت -؟ فقال : إن جئت فلم تجدینی فأتی أبا بکر ، فإنّه الخلیفة من بعدی.

أخرجه ابن عساکر (1) ، وعدّه ابن حجر فی الصواعق (2) (ص 11) من النصوص الدالّة علی خلافة أبی بکر. ما عسانی أن أقول فی مؤلّف یحذف إسناد مثل هذه الأفیکة ویذکرها إرسال المسلّم ویسند إلیها ، وبین یدیه أحادیث ابن عباس الجمّة الهاتفة بالخلافة المنصوصة علیها لأمیر المؤمنین علیّ علیه السلام؟ ألیس من حدیثه ما صحّحه الحفّاظ وأخرجوه بأسانید رجالها ثقات ، وقد أسلفناه فی الجزء الأوّل (ص 51) وفیه قول رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لعلی علیه السلام : «لا ینبغی أن أذهب إلاّ وأنت خلیفتی»؟

ألیس من حدیثه حدیث العشیرة المنصوص علی صحّته ، وقد مرّ فی الجزء الثانی (ص 278 - 287) وفیه قوله صلی الله علیه وآله وسلم : «إنّ هذا - یعنی علیّا - أخی ووصیّی وخلیفتی فیکم ، فاسمعوا له وأطیعوا»؟ وقوله لعلیّ : «فأنت أخی ووزیری ووصیّی ووارثی وخلیفتی من بعدی»؟

ألم یکن ابن عبّاس فی مقدّم المتخلّفین عن بیعة أبی بکر؟ ألم یکن هو مناظر عمر الوحید حول الخلافة؟ کما مرّ حدیثه فی (1 / 389) ، ألم؟ ألم؟ ألم؟

34 - عن عبد الله بن عمر ، قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : یکون علی هذه الأمّة اثنا عشر خلیفة : أبو بکر الصدّیق أصبتم اسمه ، عمر الفاروق قرن من حدید أصبتم اسمه ، عثمان بن عفّان ذو النورین قُتل مظلوماً أُوتی کفلین من الرحمة ، ملک الأرض المقدّسة (3) معاویة وابنه ، ثمّ یکون السفّاح ، ومنصور ، وجابر ، والأمین ، وسلام ، ف)

ص: 560


1- تاریخ مدینة دمشق : 30 / 220 - 221 رقم 3398.
2- الصواعق المحرقة : ص 20.
3- فی المقام سقط کما لا یخفی. (المؤلف)

وأمیر العصب ، لا یُری مثله ، ولا یُدری مثله. الحدیث.

أخرجه نعیم بن حمّاد فی الفتن. کما فی کنز العمّال (1) (6 / 67) ، أرسلوا الحدیث ورفعوه خوفاً من أن یقف الباحث علی ما فی إسناده ، غیر أنّ نعیم بن حمّاد بمفرده یکفی فی المصیبة ویستغنی به عن عرفان بقیّة رجاله ، وقد مرّ فی سلسلة الکذّابین أنّه کان یضع الحدیث فی تقویة السنّة.

علی أنّ متن الحدیث غیر قاصر بالشهادة علی وضعه ، فإنّ خلیفةً یأتی التبشیر به کابنی آکلة الأکباد ، حقیق أن یکون الإنباء به مختلقاً مکذوباً لم تسرّ به الأمّة قطُّ ، إلاّ أن یکون المبشّر بهما وبمن بعدهما من أمثالهما غیر عالم بمعنی الخلیفة ، ولا عارف بالمغزی من تقییضه.

ثمّ أیّ خلافة هذه ینقطع أمدها منذ عهد یزید بن معاویة إلی السفّاح من سنة (64) إلی (132) فتترک الأمّة طیلة تلک المدّة سُدی؟

وأیّ خطر للمنصور الظالم الغاشم حتی ینصّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم علی خلافته علی المسلمین؟ ومن هم : جابر وسالم وأمیر العصب؟ وما محلّهم من الخلافة الدینیّة؟

ثمّ ما بال عمر بن عبد العزیز ألین بنی أمیّة عریکة ، وأطیبهم عنصراً ، وأصلحهم عملاً ، لم یُعوّض به عن یزید الخنا؟ وما الذی کسی صاحب القرود والفهود والعود والخمور ثوب الخلافة الإسلامیّة ، ولم یکسه عمر بن عبد العزیز؟ ولا معاویة بن یزید الذی تقمّصها أربعین یوماً ثمّ انسلّ عنه انسلالاً؟ وقد نصّ علی خلافة الأوّل منهما وعدله وکونه من الخلفاء الراشدین غیر واحد من الأئمّة ، کما فی تاریخ ابن کثیر (2) (6 / 198) ، هذه کلّها شواهد علی أنّ واضع الحدیث مفترٍ مائن 1.

ص: 561


1- کنز العمّال : 11 / 252 ح 31421.
2- البدایة والنهایة : 6 / 221.

جاهل بشؤون الخلافة ، غیر عارف بالخلفاء ، وأجهل منه مؤلّف یذکره ویجعله بین یدی القارئ ، ویعدّه منقبةً للخلفاء.

35 - قال أبو بکر فی الغار : یا رسول الله قد عرفتُ منزلتک من الله تعالی بالنبوة والرسالة فأنا بأیّ شیء؟ فقال : أنا رسول الله ، وأنت صدیقی وجناحی ومؤنسی وأنیسی ، وأنت خلیفتی من بعدی ، تقوم فی الناس مقامی ، وأنت ضجیعی ، وإنّ الله قد غفر لک ولمحبّیک إلی یوم القیامة.

ذکره الصفوری فی نزهة المجالس (2 / 184) نقلاً عن عیون المجالس بهذه الصورة المرسلة. وصحّة إنکار أبی بکر وعمر استخلاف النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم کما یأتی بُعید هذا ، تُکذّب هذه الأفیکة.

36 - عن أنس قال : دخلت علی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وأبو بکر عن یمینه وعمر عن یساره ، فوضع یمینه علی کتفی أبی بکر ویساره علی کتفی عمر وقال : أنتما وزیرای فی الدنیا ، وأنتما وزیرای فی الآخرة ، وهکذا تنشقّ الأرض عنّی وعنکما ، وهکذا أزور أنا وأنتما ربّ العالمین. نزهة المجالس (2 / 191).

أسفی علی نسیان أبی بکر وعمر ذلک النصّ - المفتعل - وإنکارهما الوزارة المنصوصة یوم التحاور دونها.

37 - مرفوعاً قال صلی الله علیه وآله وسلم لأبی بکر وعمر : لا یتأمرنّ علیکما بعدی أحد.

ذکره الصفوری فی نزهة المجالس (2 / 192) مرسلاً ، فقال : فهذا صریح فی الخلافة لهما بعده صلی الله علیه وآله وسلم ، وذکره الشبلنجی فی نور الأبصار (1) (ص 55) عن بسطام بن مسلم ، عن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ، ولم یکن عند أبی بکر وعمر علم من هذه الأفیکة ولو کان لَبان ، أو لَما بان منهما إنکار استخلافه صلی الله علیه وآله وسلم. 4.

ص: 562


1- نور الأبصار : ص 114.

38 - عن أنس ، عن علیّ بن أبی طالب رضی الله عنه قال : قال لی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم :

إنّ الله أمرنی أن اتّخذ أبا بکر والداً ، وعمر مشیراً ، وعثمان سنداً ، وأنت یا علیّ صهراً ؛ أنتم أربعة قد أخذ الله لکم المیثاق فی أمّ الکتاب ، لا یحبّکم إلاّ مؤمن تقیّ ، ولا یبغضکم إلاّ منافق شقیّ ، أنتم خلفاء نبوّتی ، وعقد ذمّتی ، وحجّتی علی أُمّتی.

أخرجه ابن عساکر فی تاریخه (1) (4 / 286 ، 7 / 286) ، والخطیب البغدادی فی تاریخه (9 / 345) وقال : هذا الحدیث منکر جدّا ، لا أعلم من رواه بهذا الإسناد إلاّ ضرار بن سهل ، وعنه الغباغبی وهما جمیعاً مجهولان ، وذکره الذهبی فی میزان الاعتدال (2) (1 / 472) فقال : خبر باطل ولا یُدری من ذا الحیوان - ضرار بن سهل - ، وقال ابن بدران فی تاریخ ابن عساکر (7 / 286) : لفظه یدلّ علی عدم تمکّنه.

39 - عن زید بن الجلاس الکندی ، أنّه سأل رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم عن الخلیفة بعده؟ فقال : أبو بکر.

أخرجه أبو عمر فی الاستیعاب (3) فی ترجمة زید ، فقال : إسناده لیس بالقویّ.

40 - عن علیّ أمیر المؤمنین رضی الله عنه قال : لم یمتْ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم حتی أسرّ إلیّ أنّ أبا بکر سیتولّی بعده ، ثمّ عمر ، ثمّ عثمان ، ثمّ أنا.

41 - عن علیّ أمیر المؤمنین قال : إنّ الله فتح هذه الخلافة علی یدی أبی بکر ، وثنّاه عمر ، وثلّثه عثمان ، وختمها بی بخاتمة نبوّة محمد صلی الله علیه وآله وسلم.

42 - عن علیّ أمیر المؤمنین قال : ما خرج رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم من الدنیا حتی عهد 2.

ص: 563


1- تاریخ مدینة دمشق : 14 / 29 رقم 1501 و 27 / 46 رقم 3162 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 7 / 82 و 12 / 23 و 18 / 291.
2- میزان الاعتدال : 2 / 327 رقم 3950.
3- الاستیعاب : القسم الثانی / 542 رقم 842.

إلیّ أنّ أبا بکر یلی الأمر بعده ، ثمّ عمر ، ثمّ عثمان ، ثمّ إلیّ ، فلا یجتمع علیّ.

هذه الروایات الثلاث أخرجها محبّ الدین الطبری فی الریاض النضرة (1) (1 / 33) مرسلة غیر مسندة ، فقال : قلت : وهذا الحدیث تبعد صحّته لتخلّف علیّ عن بیعة أبی بکر ستّة أشهر ، ونسبته إلی نسیان الحدیث فی مثل هذه المدّة بعید ، ثمّ توقّفه فی أمر عثمان علی التحکیم ممّا یؤیّد ذلک ، ولو کان عهد إلیه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بذلک لبادر ولم یتوقّف.

43 - أخرج الدیلمی (2) عن أمیر المؤمنین ، عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قال :

أتانی جبرئیل فقلت : من یهاجر معی؟ قال : أبو بکر وهو یلی أمر أمّتک من بعدک ، وهو أفضل أمّتک من بعدک. کنز العمّال (3) (6 / 139).

44 - قال علیّ رضی الله عنه : قال النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم : أعزُّ الناس علیّ ، وأکرمهم عندی ، وأحبّهم إلیّ ، وآکدهم عندی حالاً ، أصحابی الذین آمنوا بی وصدّقونی ، وأعزّ أصحابی إلیّ وخیرهم عندی ، وأکرمهم علی الله ، وأفضلهم فی الدنیا والآخرة : أبو بکر الصدّیق رضی الله عنه ، فإنّ الناس کذّبونی وصدّقنی ، وکفروا بی وآمن بی ، وأوحشونی وآنسنی ، وترکونی وصحبنی ، وأنفوا منّی وزوّجنی ، وزهدوا فیّ ورغب فی ، وآثرنی علی نفسه وأهله وماله ، فالله تعالی یجازیه عنّی یوم القیامة ، فمن أحبّنی فلیحبّه ، ومن أراد کرامتی فلیکرمه ، ومن أراد القرب إلی الله تعالی فلیسمع ولیطع ، فهو الخلیفة بعدی علی أُمّتی. ذکره الصفوری فی نزهة المجالس (4) (2 / 173) نقلاً عن روض 3.

ص: 564


1- الریاض النضرة : 1 / 48.
2- الفردوس بمأثور الخطاب : 1 / 404 رقم 1631.
3- کنز العمّال : 11 / 551 ح 32588.
4- نزهة المجالس : 2 / 183.

الأفکار ، وحکاه الجردانی فی مصباح الظلام (1) (2 / 24).

من موضوعات المتأخّرین مرسلاً لم یوجد فی أصل ، ولم یُرَ فی مسندٍ ، وکلّ شطر من جمله تکذّبه صحاح مسندة فی الکتب والمسانید.

45 - عن إبراهیم بن عبد الرحمن بن عوف قال : إنّ عبد الرحمن بن عوف کان مع عمر بن الخطّاب ، وإنّ محمد بن مسلمة کسر سیف الزبیر ، ثمّ قام أبو بکر فخطب الناس ... إلی أن قال : قال علیّ رضی الله عنه والزبیر : ما غضبنا إلاّ لأنّا قد أُخّرنا عن المشاورة ، وإنّا نری أبا بکر أحقّ الناس بها بعد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، إنّه لصاحب الغار وثانی اثنین ، وإنّا لنعلم بشرفه وکبره ، ولقد أمره رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بالصلاة بالناس وهو حیٌّ. أخرجه الحاکم فی المستدرک (2) (2 / 66).

هذه الروایات کلّها باطلة لما ستقف علیه من صحاح وحسان - عند القوم - عن مولانا أمیر المؤمنین علیه السلام من النص علی عدم استخلاف رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، وعدم وجود عهد منه عنده ، وفی تضاعیف الحدیث والسیرة شواهد علی بطلانها لا تُحصی ، وما شجر بینه علیه السلام وبین القوم فی بدء أمر الخلافة ، وتأخّره المجمع علیه من البیعة برهةً طویلة یبطل کلّ هذه الهلجات (3) ، وقد سمع العالم هتاف خطبته الشقشقیّة وسارت بها الرکبان ، وتداولتها الکتب وکم لها من نظیر ، وما أکثر الوضّاعین من الکذب علی سیّدنا أمیر المؤمنین علیه السلام وحقّا کان یری ابن سیرین : إنّ عامّة ما یُروی عن علیّ الکذب (4).

(وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ ما جاءَکَ مِنَ الْعِلْمِ ما لَکَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِیٍّ وَلا واقٍ) (5). 7.

ص: 565


1- مصباح الظلام : 2 / 59 ح 362.
2- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 70 ح 4422.
3- هلجَ هلجاً : إذا أخبر بما لا یؤمن به.
4- صحیح البخاری : 5 / 272 [3 / 1359 ح 3504]. (المؤلف)
5- الرعد : 37.

ص: 566

62- غثیثة التزویر

اشارة

هذه مأثورات القوم فی حجرهم الأساسیّ الذی علیه ابتنوا ما علّوه من هیکل الإفک ، وما شادوه وأشادوا بذکره من بنیّة الزور ، وقد عرفت شهادة الأعلام بأنّها أساطیر موضوعة لا مقیل لها من الصحّة ، ویساعد ذلک الاعتبار أنّ البرهنة الوحیدة عند القوم فی باب الخلافة هو الإجماع والانتخاب فحسب ، ولم تجد منهم أیّ شاذٍّ یعتمد علی النصّ فیها ، وتراهم بسطوا القول حول إبطال النصّ وتصحیح الاختیار وأحکامه ، وقد یُعزی لدیهم إنکار النصّ إلی أمّة من الشیعة فضلاً عن جمهورهم ؛ قال الباقلانیّ فی التمهید (ص 165) : وعلمنا بأنّ جمهور الأمّة والسواد الأعظم منها ینکر ذلک - النصّ - ویجحده ویبرأ من الدائن به ، ورأینا أکثر القائلین بفضل علیّ علیه السلام من الزیدیّة ومعتزلة البغدادیّین وغیرهم ، ینکر النصّ علیه ویجحده مع تفضیله علیّا علی غیره.

وقال الخضری فی المحاضرات (1) (ص 46) : الأصل فی انتخاب الخلیفة رضا الأمّة ، فمن ذلک یستمدّ قوّته ، هکذا رأی المسلمون عند وفاة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، فقد انتخبوا أبا بکر الصدّیق اختیاراً منهم لا استناداً إلی نصٍّ أو أمرٍ من صاحب الشریعة صلی الله علیه وآله وسلم ، وبعد أن انتخبوه بایعوه ، ومعنی ذلک عاهدوه علی السمع والطاعة فیما 1.

ص: 567


1- محاضرات تاریخ الأمم الإسلامیة - الدولة العباسیة : ص 41.

فیه رضا الله سبحانه ، کما أنّه عاهدهم علی العمل فیهم بأحکام الدین من کتاب الله وسنّة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، وهذا التعاهد المتبادل بین الخلیفة والأمّة هو معنی البیعة تشبیهاً له بفعل البائع والمشتری ، فإنّهما کانا یتصافحان بالأیدی عند إجراء عقد البیع.

فمن هذه البیعة تکون قوّة الخلیفة الحقیقیّة ، وکانوا یرون الوفاء بها من ألزم ما یوجبه الدین وتحتّمه الشریعة.

وقد سنّ أبو بکر رضی الله عنه طریقةً أخری فی انتخاب الخلیفة ، وهی أن یختار هو من یخلفه ویعاهده الجمهور علی السمع والطاعة ، وقد وافق الجمهور الإسلامی علی هذه الطریقة ، ورأی أنّ هذا ممّا تجب الطاعة فیه وذلک العمل هو ولایة العهد. انتهی.

فمن هنا یتجلّی أنّ تاریخ ولادة هذه المرویّات بعد انعقاد البیعة واستقرار الخلافة لمن تقمّصها ، ولذلک لم ینبس أحد منهم یوم السقیفة ولا بعده بشیء من ذلک علی ما احتدم هنالک من الحوار والتنازع والحجاج ، ولیس ببدع أن لا یعرفها أحد قبل ولادتها ؛ وإنّما العجب من أنّ البحّاثة وعلماء الکلام من بعد ذلک التاریخ - إلاّ الشذّاذ منهم - لم یأبهوا بها فی إثبات أصل الخلافة وإن لم یألوا جهداً فی التصعید والتصویب جهد مقدرتهم ، وما ذلک إلاّ لأنّهم لم یعرفوا تلکم الموالید المزوّرة ، نعم یوجد من المؤلّفین من یذکرها فی مقام سرد الفضائل تمویهاً علی الحقّ.

وهناک أحادیث جمّة صحیحة - عند القوم - تضادّها وتکذّبها ، مثل :

1 - ما صحّ عن أبی بکر أنّه قال فی مرضه الذی توفّی فیه : وددت أنّی سألت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لمن هذا الأمر؟ فلا ینازعه أحد ، ووددت أنّی کنت سألته هل للأنصار فی هذا الأمر نصیب (1)؟ ف)

ص: 568


1- تاریخ الطبری : 4 / 53 [3 / 431] ، العقد الفرید : 2 / 254 [4 / 93]. یأتی الکلام حول هذا الحدیث وصحّته فی الجزء السابع. (المؤلف)

فلو کان أبو بکر سمع النصّ علی خلافته من رسول الله ، کما هو صریح بعض تلکم المنقولات ، لما کان مجال لتمنّیه هذا إلاّ أن یکون قد غلبه الوجع ، أو أنّه کان هجراً من القول کما احتملوه فی حدیث الکتف والدواة.

2 - وما أخرجه مالک عن عائشة قالت : لمّا احتضر أبو بکر رضی الله عنه دعا عمر فقال : إنّی مستخلفک علی أصحاب رسول الله یا عمر ، وکتب إلی أُمراء الأجناد : ولّیتُ علیکم عمر ، ولم آل نفسی ولا المسلمین إلاّ خیراً (1).

فإن کان هناک نصٌّ علی خلافة عمر ، فما معنی نسبة أبی بکر الاستخلاف والتولیة إلی نفسه؟

3 - وما رواه عبد الرحمن بن عوف قال : دخلتُ یوماً علی أبی بکر الصدّیق فی علّته التی مات فیها ، فقلت له : أراک بارئاً یا خلیفة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فقال : أما إنّی علی ذلک لشدید الوجع ، ولما لقیت منکم یا معشر المهاجرین أشدّ علیّ من وجعی ، إنّی ولّیتُ أُمورکم خیرکم فی نفسی ، فکلّکم وَرِم أنفه أن یکون له الأمر من دونه ... إلی أن قال : فقلتُ : خفّض علیک یا خلیفة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فإنّ هذا یهیضک (2) إلی ما بک ، فو الله ما زلتَ صالحاً مصلحاً ، لا تأسی علی شیء فاتک من أمر الدنیا ، ولقد تخلّیت بالأمر وحدک فما رأیت إلاّ خیراً (3).

تورّم أنف الصحابة إمّا لاعترافهم بعدم النصّ وأنّ الخیرة قد عدتهم من غیر ما أولویّة فی المختار ، أو : لاعتقادهم وجود النصّ ، لکنّه لم یُعمل به بل أُعملت الأثرة والمحاباة فنقموا بأنّها قد عدتهم ، وإمّا لاعتقادهم أنّ الأمر لا یکون إلاّ باختیار الأمّة ف)

ص: 569


1- تیسیر الوصول للحافظ ابن الدیبع : 1 / 48 [2 / 57]. (المؤلف)
2- هاض العظم : کسره بعد الجبور. (المؤلف)
3- تاریخ الطبری : 4 / 52 [3 / 429] ، العقد الفرید : 2 / 54 [4 / 92] ، تهذیب الکامل : 1 / 6 ، إعجاز القرآن [للباقلانی] : ص 116 [ص 210 - 221]. (المؤلف)

فغاظهم التخلّف عنه ، وإمّا لاعتقادهم وجود النصّ علی علیّ أمیر المؤمنین علیه السلام خاصّة ، فغضبوا له وأسخطهم أن یتقدّم علیه غیره ، وإمّا لأنّهم رأوا أنّ الناس لا یعتمدون علی النصّ ، ولا یجری الانتخاب علی أصوله ، وأنّ الانتخاب الأوّل کان فلتةً بنصٍّ من عمر ، والاختیار الشخصیّ ما کان معهوداً ، فإذا کان السائد وقتئذٍ الفوضویّة ، فلکلّ أحد یری لنفسه حنکة التقدّم أن یطمع فی الأمر ، کما قال عبد الرحمن بن عوف فی حدیث أخرجه البلاذری فی الأنساب (5 / 20) : یا قوم ، أراکم تتشاحّون علیها وتؤخّرون إبرام هذا الأمر ، أفکلّکم - رحمکم الله - یرجو أن یکون خلیفة؟

4 - وما أخرجه ابن قتیبة ، فی حدیث یأتی کملاً من قول أبی یکر : إنّ الله بعث محمداً صلی الله علیه وآله وسلم نبیّا ، وللمؤمنین ولیّا ، فمنّ الله تعالی بمقامه بین أظهرنا حتی اختار له الله ما عنده ، فخلّی علی الناس أمرهم لیختاروا لأنفسهم فی مصلحتهم متّفقین غیر مختلفین ، فاختارونی علیهم والیاً ، ولأمورهم راعیاً. الإمامة والسیاسة (1) (1 / 15).

5 - وما صحّ عن عمر أنّه قال : ثلاث لأن یکون رسول الله بیّنهنّ أحبّ إلیّ من حمر النعم : الخلافة ، الکلالة ، الربا ، وفی لفظ : أحبّ إلیّ من الدنیا وما فیها.

6 - وما جاء عن عمر صحیحاً من قوله : لأن أکون سألت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم عن ثلاث أحبّ إلیّ من حمر النعم : ... ومن الخلیفة بعده؟ الحدیث (2).

7 - وما صحّ عن عمر أنّه قال : إنّ الله تعالی یحفظ دینه ، وإنّی إن لا أستخلف ، فإنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لم یستخلف ، وإن أستخلف فإنّ أبا بکر رضی الله عنه قد استخلف. قال - عبد الله بن عمر - : فو الله ما هو إلاّ أن ذکر رسول الله وأبا بکر ، فعلمت أنّه لا یعدل ف)

ص: 570


1- الإمامة والسیاسة : 1 / 21.
2- تأتی مصادر هذا الحدیث وما قبله فی الجزء السادس فی نوادر الأثر. (المؤلف)

برسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أحداً ، وأنّه غیر مستخلف (1).

8 - وما صحّ من أنّ عمر لمّا طُعن قیل له : لو استخلفت؟ فقال : أتحمّل أمرکم حیّا ومیّتاً؟ إن أستخلف فقد استخلف من هو خیر منّی أبو بکر ، وإن أترک فقد ترک من هو خیر منّی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم. قال عبد الله : فعلمت أنّه غیر مستخلف (2).

9 - وما أخرجه مالک من خطبة عمر : أیّها الناس إنّی لا أعلمکم من نفسی شیئاً تجهلونه ، أنا عمر ، ولم أحرص علی أمرکم ولکن المتوفّی أوحی إلیّ بذلک ، والله ألهمه ذلک ، ولیس أجعل أمانتی إلی أحد لیس لها بأهل ، ولکن أجعلها إلی من تکون رغبته فی التوقیر للمسلمین ، أولئک هم أحقّ بهم ممّن سواهم. تیسیر الوصول (3) (2 / 48).

فشتّان بین هذه الخطبة وبین تلک المفتعلات ، فإنّ عمر یری خلافته وحیاً من أبی بکر لا وحیاً من الله جاء به جبریل إلی النبیّ الأعظم ، وصدع به صلی الله علیه وآله وسلم فی الملأ الدینیّ ، وأذّن به بلال کما کان نصّ بعضها.

10 - وما أخرجه الطبری فی تاریخه (4) (5 / 33) : إنّ عمر بن الخطّاب لمّا طُعن قیل له : یا أمیر المؤمنین ، لو استخلفت؟ قال : من أستخلف؟ لو کان أبو عبیدة 7.

ص: 571


1- أخرجه الخمسة من مؤلّفی الصحاح الستة غیر النسائی ، تیسیر الوصول : 2 / 50 [2 / 59 ح 9] ، وأخرجه أحمد فی مسنده : 1 / 47 [1 / 77 ح 334] ، والخطیب فی تاریخه : 1 / 258 [رقم 86] ، ورواه جمع کثیر من الحفّاظ وأئمّة الحدیث. (المؤلف)
2- أخرجه الشیخان البخاری [فی الصحیح : 6 / 2638 ح 6792] ومسلم [فی الصحیح : 4 / 102 ح 11 کتاب الإمارة] وهذا لفظهما ، وأبو داود [فی السنن : 3 / 133 ح 2939] والترمذی [فی السنن : 4 / 435 ح 2225] مختصراً ، وأحمد فی مسنده : 1 / 43 ، 46 [1 / 71 ح 301 ، 75 ح 324] ، والبیهقی فی سننه : 8 / 148 ، وتجده فی تیسیر الوصول : 2 / 49 [2 / 59 ح 8] ، تاریخ ابن کثیر : 5 / 250 [5 / 270]. (المؤلف)
3- تیسیر الوصول : 2 / 57 ح 7.
4- تاریخ الأمم والملوک : 4 / 227.

ابن الجرّاح حیّا استخلفته ، فإن سألنی ربّی قلت : سمعت نبیّک یقول : إنّه أمین هذه الأمّة ، ولو کان سالم مولی أبی حذیفة حیّا استخلفته ، فإن سألنی ربّی قلت : سمعت نبیّک یقول : إنّ سالماً شدید الحبّ لله. فقال له رجل : أدلّک علیه ، عبد الله بن عمر ، فقال : قاتلک الله والله ما أردت الله بهذا ، ویحک! کیف أستخلف رجلاً عجز عن طلاق امرأته؟ لا إرب لنا فی أُمورکم ، ما حمدتها فأرغب فیها لأحد من أهل بیتی ، إن کان خیراً فقد أصبنا منه ، وإن کان شرّا فشرٌّ عنا إلی عمر ، بحسب آل عمر أن یُحاسب منهم رجل واحد ویُسأل عن أمر أُمّة محمد ، لقد جهدت نفسی وحرمت أهلی ، وإن نجوت کفافاً لا وزر ولا أجر إنّی لسعید ، وأنظر فإن استخلفت ، فقد استخلف من هو خیر منّی ، وإن أترک ، فقد ترک من هو خیر منّی ، ولن یضیّع الله دینه.

فخرجوا ، ثمّ راحوا فقالوا : یا أمیر المؤمنین ، لو عهدت عهداً؟ فقال : قد کنت أجمعت بعد مقالتی لکم أن أنظر فأُولّی رجلاً أمرکم هو أحراکم أن یحملکم علی الحقّ - وأشار إلی علیٍّ - ورهقتنی غشیة ، فرأیت رجلاً دخل جنّة قد غرسها فجعل یقطف کلّ غضّة ویانعة فیضمّه إلیه ویصیّره تحته ، فعلمت أنّ الله غالب أمره ، ومُتوفٍّ عمر ، فما أُرید أن أتحمّلها حیّا ومیّتاً ، علیکم هؤلاء الرهط. الحدیث.

وذکره ابن عبد ربّه فی العقد الفرید (1) (2 / 256).

لیتنی أدری وقومی کیف تطلب الصحابة من عمر الاستخلاف وتصفح عن تلکم النصوص الجمّة؟ وکیف یخالفها عمر ویری أبا عبیدة وسالماً أهلاً للخلافة ویتمنی حیاتهما؟ ثمّ یجعلها شوری ، ثم کیف یری الحدیثین فی فضل الرجلین حجّةً لاستخلافهما ، ولم یرَ ما ورد فی الکتاب والسنّة من أُلوف المناقب فی علیّ علیه السلام عذراً عند ربّه إن سُئِلَ عن استخلافه؟ وکیف لم یجد من نطق القرآن بعصمته ، ونزلت فیه آیة التطهیر ، وعدّه الکتاب نفس النبیّ الأقدس أهلاً للاستخلاف؟ وما باله لم 7.

ص: 572


1- العقد الفرید : 4 / 97.

یستخلف عبد الله بن عمر لجهله بمسألة واحدة؟ وکان أکثر علماً من أبیه ، ولم یکن عمر یری الخلیفة إلاّ خازنا وقاسماً غیر مفتقر إلی أیّ علم ، کما صحّ عنه فی خطبة له من قوله :

أیّها الناس : من أراد أن یسأل عن القرآن فلیأتِ أُبیّ بن کعب ، ومن أراد أن یسأل عن الفرائض فلیأتِ زید بن ثابت ، ومن أراد أن یسأل عن الفقه فلیأتِ معاذ ابن جبل ، ومن أراد أن یسأل عن المال فلیأتنی ، فإنّ الله جعلنی خازناً وقاسماً (1).

11 - وما عن ابن عمر أنّه قال لعمر : إنّ الناس یتحدّثون أنّک غیر مستخلف ، ولو کان لک راعی إبل أو راعی غنم ثمّ جاء وترک رعیّته رأیت أن قد فرّط ، ورعیة الناس أشدّ من رعیة الإبل والغنم ، ما ذا تقول لله عزّ وجلّ إذا لقیته ولم تستخلف علی عباده؟

قال : فأصابه کآبة ، ثمّ نکس رأسه طویلاً ، ثمّ رفع رأسه وقال : إنّ الله تعالی حافظ الدین ، وأیّ ذلک أفعل فقد سُنّ لی. إن لم استخلف فإنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لم یستخلف ، وإن أستخلف فقد استخلف أبو بکر. قال عبد الله : فعرفت أنّه غیر مستخلف.

أخرجه أبو نعیم فی الحلیة (1 / 44) ، وابن السمّان فی الموافقة کما فی الریاض النضرة (2) (2 / 74) ، وأخرجه مسلم فی الصحیح (3) عن إسحاق بن إبراهیم وغیره عن عبد الرزّاق ، والبخاری من وجه آخر عن معمر کما فی سنن البیهقی (8 / 149) ، وفی لفظة : قلتُ له : إنّی سمعتُ الناس یقولون مقالةً فآلیت أن أقولها لک ، زعموا أنّک غیر مستخلف ، وقد علمت أنّه لو کان لک راعی غنم فجاءک وقد ترک رعایته رأیت أن ة.

ص: 573


1- یأتی الکلام حول هذه الخطبة وصحّتها فی الجزء السادس. (المؤلف)
2- الریاض النضرة : 2 / 353.
3- صحیح مسلم : 4 / 102 ح 11 ، 12 کتاب الإمارة.

قد ضیّع ، فرعایة الناس أشدّ. قال : فوافقه قولی ، فأطرق ملیّا ، ثمّ رفع رأسه فقال : إنّ الله یحفظ دینه وإن لا أستخلف ، فإنّ رسول الله لم یستخلف ، وإن أستخلف فإنّ أبا بکر قد استخلف. الحدیث. وبهذا اللفظ ذکره ابن الجوزی فی سیرة عمر (1) (ص 190).

12 - وما أخرجه أبو زرعة فی کتاب العلل ، عن ابن عمر قال : لمّا طُعن عمر قلت : یا أمیر المؤمنین لو اجتهدت بنفسک وأمّرت علیهم رجلاً؟ قال : أقعدونی ، قال عبد الله : فتمنّیت لو أنّ بینی وبینه عرض المدینة فرقاً منه حین قال : أقعدونی ، ثمّ قال : والذی نفسی بیده لأردّنها إلی الذی دفعها إلیّ أوّل مرّة. الریاض النضرة (2) (2 / 74).

13 - وما روی ابن قتیبة فی الإمامة والسیاسة (3) (ص 22) من أنّ عمر لمّا أحسّ بالموت ، قال لابنه عبد الله : اذهب إلی عائشة وأقرئها منّی السلام واستأذنها أن أقبر فی بیتها مع رسول الله ومع أبی بکر ، فأتاها عبد الله فأعلمها ، فقالت : نعم وکرامة ، ثمّ قالت : یا بُنیّ أبلغ عمر سلامی وقل له : لا تدع أُمة محمد بلا راعٍ ، استخلف علیهم ولا تدعهم بعدک هملاً ، فإنّی أخشی علیهم الفتنة ؛ فأتی عبد الله فأعلمه ، فقال : ومن تأمرنی أن أستخلف؟ لو أدرکت أبا عبیدة بن الجرّاح باقیاً استخلفته وولّیته ، فإذا قدمت علی ربّی فسألنی وقال لی : من ولّیت علی أمّة محمد؟ قلت : أی ربّ ، سمعت عبدک ونبیّک یقول : لکلّ أمّة أمین وأمین هذه الأمّة أبو عبیدة ابن الجرّاح ؛ ولو أدرکت معاذ بن جبل استخلفته ، فإذا قدمت علی ربّی فسألنی : من ولّیت علی أمّة محمد؟ قلت : أی ربّ ، سمعت عبدک ونبیّک یقول : إنّ معاذ بن جبل یأتی بین یدی العلماء یوم القیامة ، ولو أدرکت خالد بن الولید لولّیته ، فإذا قدمت8.

ص: 574


1- تاریخ عمر بن الخطّاب : ص 195.
2- الریاض النضرة : 2 / 354.
3- الإمامة والسیاسة : 1 / 28.

علی ربّی فسألنی : من ولّیت علی أمّة محمد؟ قلت : أی ربّ سمعت عبدک ونبیّک یقول : خالد بن الولید سیف من سیوف الله سلّه علی المشرکین. ولکنّی سأستخلف النفر الذی توفّی رسول الله وهو عنهم راض. الحدیث. وذکر فی أعلام النساء (1) (2 / 876).

قال الأمینی : لیت عمر بن الخطّاب کان علی ذکر ممّا سمعه من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی علیٍّ أمیر المؤمنین ، ولو حدیثاً واحداً ممّا أخرجه عنه الحفّاظ ، فکان یستخلفه ویراه عذراً عند ربّه حینما سأله عمّن ولاّه علی أمّة محمد ، ولعلّه کان یکفیه ذکر ما أجمعت الأمّة الإسلامیّة علیه من قوله صلی الله علیه وآله وسلم : «إنّی مخلّف فیکم الثقلین - أوتارک فیکم خلیفتین - إن تمسّکتم بهما لن تضلّوا أبدا : کتاب الله وعترتی أهل بیتی لن یفترقا حتی یردا علیّ الحوض» و «علیٌّ سیّد العترة».

ألیس عمر هو راوی ما جاء فی الصحاح والمسانید من طریقه فی علیٍّ علیه السلام من قوله صلی الله علیه وآله وسلم : «علیّ منّی بمنزلة هارون من موسی ، إلاّ أنّه لا نبیّ بعدی»؟

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم یوم خیبر : «لأُعطینّ الرایة غداً رجلا یحبّ الله ورسوله ، ویحبّه الله ورسوله»؟

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم یوم غدیر خمّ : «من کنت مولاه فعلیّ مولاه ، اللهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه»؟

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «ما اکتسب مکتسب مثل فضل علیّ ، یهدی صاحبه إلی الهدی ، ویردُّ عن الردی»؟

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «لو أنّ السموات السبع والأرضین السبع وُضعت فی کفّة ، ووضع إیمان علیٍّ فی کفّةٍ لرجح إیمان علیّ» (2)؟ ف)

ص: 575


1- أعلام النساء : 3 / 127.
2- هذه الأحادیث جاءت کلّها من طریق عمر بن الخطّاب ، کما یأتی تفصیله. (المؤلف)

ألم تکن آی المباهلة ، والتطهیر ، والولایة ، إلی أمثالها الکثیر الطیّب النازل فی الثناء علی سیّد العترة ، تساوی عند عمر تلکم الموضوعات المختلقة فی أولئک الذین تمنّی حیاتهم؟!

والخطب الفظیع أنّ عمر کان یری مثل سالم بن معقل - أحد الموالی ، مولی بنی حذیفة وکان من عجم الفرس - أهلاً للخلافة وصاحبها الوحید ، ویتمنّی حیاته لمّا طُعن بقوله : لو کان سالم حیّا ما جعلتها شوری (1).

هلاّ عزیز علی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أن لا یُعادل صنوه أمیر المؤمنین حتی الموالی والعبید من أُمّته ، بعد تلکم النصوص الواردة فیه کتاباً وسنّة؟ ألم یکن عمر نفسه محتجّا یوم السقیفة علی الأنصار بقول النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم : «الأئمّة من قریش»؟ فلما ذا نسیه؟ وکیف یری لمولی بنی حذیفة قسطاً من الخلافة؟

ألم یکن عمر هو الذی ألحّ علی أبی بکر فی خالد بن الولید أن یعزله ویرجمه ویقتله لمّا قتل مالک بن نویرة ، ونزا علی حلیلته ، وقتل أصحابه المسلمین ، وفرّق شمله ، وأباد قومه ، ونهب أمواله؟ أنسی قوله لأبی بکر : إنّ فی سیف خالد رهقاً؟ أم قوله فیه : عدوّ الله عدا علی امرئٍ مسلمٍ فقتله ثمّ نزا علی امرأته؟ أم قوله لخالد : قتلت امرأً مسلماً ثمّ نزوت علی امرأته ، والله لأرجمنّک بأحجارک؟

نعم ؛ السیاسة الشاذّة عن مناهج الصلاح تتحف صاحبها کلّ حین لساناً ومنطقاً یختصّان به ، وهذه الخواطر والآراء والأمانی واللهجة المُلَهوجة ، هی نتاج السیاسة المحضة تضادّ نداء کتاب الله ، ونداء الصادع الکریم ، وهی التی جرّت الشقاء والشقاق علی أمّة محمد صلی الله علیه وآله وسلم حتی الیوم. ف)

ص: 576


1- طبقات ابن سعد : 3 / 248 [3 / 343] ، التمهید للباقلاّنی : ص 204 ، الاستیعاب : 2 / 561 [القسم الثانی / 568 رقم 881] ، طرح التثریب : 1 / 49. (المؤلف)

14 - وما أخرجه البلاذری فی أنساب الأشراف (5 / 16) ، عن ابن عبّاس قال : قال عمر : لا أدری ما أصنع بأمّة محمد - وذلک قبل أن یُطعن - فقلت : ولِم تهتمّ وأنت تجد من تستخلفه علیهم؟ قال : أصاحبکم - یعنی علیّا -؟ قلت : نعم ، هو أهل لها ، فی قرابته برسول الله ، وصهره وسابقته وبلائه ، فقال عمر : إنّ فیه بطالة وفکاهة.

قلت : فأین أنت عن طلحة؟ قال : فأین الزهو والنخوة؟

قلت : عبد الرحمن بن عوف؟ قال : هو رجل صالح علی ضعف.

قلت : فسعد؟ قال : ذاک صاحب مقنت وقتال ، لا یقوم بقریة لو حُمّل أمرها.

قلت : فالزبیر؟ قال : لَقیس مؤمن الرضا کافر الغضب شحیح ، إنّ هذا الأمر لا یصلح إلاّ لقویٍّ فی غیر عنف ، رفیق فی غیر ضعف ، جوادٍ فی غیر سرف.

قلت : فأین أنت عن عثمان؟ قال : لو ولیها لحمل بنی أبی معیط علی رقاب الناس ولو فعلها لقتلوه.

15 - وما صحّ عن علیّ - أمیر المؤمنین - من أنّه خطب یوم الجمل فقال :

أمّا بعد : فإنّ هذه الإمارة لم یعهد إلینا رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فیها عهداً یُتبع أثره ، ولکن رأیناها تلقاء أنفسنا ؛ استخلف أبو بکر فأقام واستقام ، ثمّ استخلف عمر فأقام واستقام ، ثمّ ضرب الدهر بجرانه.

أخرجه (1) الحاکم فی المستدرک (3 / 104) ، وابن کثیر فی تاریخه (5 / 250) ، وابن حجر فی الصواعق ، نقلاً عن أحمد.

16 - وما صحّ عن أبی وائل قال : قیل لعلیّ بن أبی طالب رضی الله عنه : 3.

ص: 577


1- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 112 ح 4558 ، البدایة والنهایة : 5 / 271 ، الصواعق المحرقة : ص 48 ، مسند أحمد : 1 / 184 ح 923.

ألا تستخلف علینا؟ قال : ما استخلف رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فأستخلف ، ولکن إن یُرِد الله بالناس خیراً فسیجمعهم بعدی علی خیرهم ، کما جمعهم بعد نبیّهم علی خیرهم.

أخرجه (1) الحاکم فی المستدرک (3 / 79) وصحّحه هو والذهبی ، وأخرجه البیهقی فی سننه (8 / 149) ، وابن کثیر فی تاریخه (5 / 251) وقال : إسناد جیّد ، وذکره ابن حجر فی الصواعق (ص 27) عن البزّار وقال : رجاله رجال الصحیح.

17 - وما أخرجه أحمد (2) عن عبد الله بن سبع فی حدیث ، قالوا لعلیّ :

إن کنت علمت ذلک - یعنی القتل - فاستخلف إذاً؟ قال : لا ، أکِلکم إلی ما وکلکم رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم (3). وأخرجه البیهقی (4) بلفظ : أترککم کما ترککم رسول الله. البدایة والنهایة (5) (6 / 219) ، وبهذا اللفظ ذکره ابن حجر فی الصواعق (6) (ص 27) ، وقال : أخرجه جمع کالبزّار بسند حسن ، والإمام أحمد وغیرهما بسند قویّ ، کما قاله الذهبی (7).

18 - وما صحّ عن عائشة قالت : لو کان رسول الله مستخلفاً لاستخلف أبا بکر وعمر. أخرجه مسلم فی صحیحه (8) کما فی الریاض (9) (1 / 26) ، والحاکم فی المستدرک (10) (3 / 78). 4.

ص: 578


1- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 84 ح 4467 ، وکذا فی تلخیصه ، البدایة والنهایة : 5 / 271 ، الصواعق المحرقة : ص 46.
2- مسند أحمد : 1 / 251 ح 1342.
3- الریاض النضرة : 1 / 159 ، 2 / 245 [1 / 199 ، 3 / 204]. (المؤلف)
4- دلائل النبوّة : 6 / 439.
5- البدایة والنهایة : 6 / 244.
6- الصواعق المحرقة : ص 46.
7- تلخیص المستدرک : 3 / 84 ح 4467.
8- صحیح مسلم : 5 / 9 ح 9 کتاب فضائل الصحابة.
9- الریاض النضرة : 1 / 39.
10- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 83 ح 4464.

19 - وما ورد فی احتجاج أُمّ سلمة علی عائشة من قولها : کنت أنا وأنت مع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی سفر له ، وکان علیّ یتعاهد نعلی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فیخصفهما ، ویتعاهد أثوابه فیغسلها ، فنقبت له نعلٌ فأخذها یومئذٍ یخصفها ، وقعد فی ظلّ شجرة ، وجاء أبوک ومعه عمر فاستأذنا علیه ، فقمنا إلی الحجاب ، ودخلا یحادثانه فیما أرادا ، ثمّ قالا : یا رسول الله إنّا لا ندری قدر ما تصحبنا فلو أعلمتنا من یستخلف علینا لیکون لنا بعدک مفزعاً ، فقال لهما : «أما إنّی قد أری مکانه ، ولو فعلت لتفرّقتم عنه کما تفرّقت بنو إسرائیل عن هارون بن عمران» ، فسکتا ثمّ خرجا ، فلمّا خرجنا إلی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قلت له - وکنتِ أجرأ علیه منّا - : من کنت یا رسول الله مستخلفاً علیهم؟ فقال : «خاصف النعل». فنزلنا فلم نر أحداً إلاّ علیّا ، فقلت : یا رسول الله : ما أری إلاّ علیّا ، فقال : «هو ذاک». فقالت عائشة : نعم أذکر ذلک. أعلام النساء (1) (2 / 789).

20 - وما روی من خطبة لعائشة خطبتها بالبصرة : أیّها الناس ، والله ما بلغ ذنب عثمان أن یُستحلّ دمه ، ولقد قتل مظلوماً ، غضبنا لکم من السوط والعصا ولا نغضب لعثمان من القتل؟ وإنّ من الرأی أن تنظروا إلی قتلة عثمان فیقتلوا به ، ثمّ یردّ هذا الأمر شوری علی ما جعله عمر بن الخطّاب. فمن قائلٍ یقول : صدقتِ. وآخر یقول : کذبتِ ، فلم یبرح الناس یقولون ذلک حتی ضرب بعضهم وجوه بعض.

قال الأمینی : کضرب هذه الأحادیث بعضها وجوه بعض. أعلام النساء (2) (2 / 796).

21 - وما عن حذیفة رضی الله عنه قال : قالوا : یا رسول الله لو استخلفت علینا. قال : إن أستخلف علیکم خلیفة فتعصوه ینزل بکم العذاب. قالوا : لو استخلفت علینا 6.

ص: 579


1- أعلام النساء : 3 / 38.
2- أعلام النساء : ص 46.

أبا بکر؟ قال : إن أستخلفه علیکم تجدوه قویّا فی أمر الله ضعیفاً فی جسده. قالوا : لو استخلفت علینا عمر؟ قال : إن أستخلفه علیکم تجدوه قویاً أمیناً لا تأخذه فی الله لومة لائم. قالوا : لو استخلفت علینا علیّا؟ قال : إنّکم لا تفعلوا (1) وإن تفعلوا تجدوه هادیاً مهدیّا یسلک بکم الطریق المستقیم. أخرجه الحاکم فی المستدرک (2) (3 / 70) ، وأبو نعیم فی حلیة الأولیاء (1 / 64) ولیس فیه استخلاف أبی بکر وعمر ، ومنه یظهر تحریف ید الأمانة الحدیث.

22 - وما روی عن ابن عبّاس قال : قالوا للنبیّ صلی الله علیه وآله وسلم : یا رسول الله ، استخلف علینا بعدک رجلاً نعرفه ونُنهی إلیه أمرنا ، فإنّا لا ندری ما یکون بعدک. فقال : إن استعملت علیکم رجلاً فأمرکم بطاعة الله فعصیتموه کان معصیته معصیتی ومعصیتی معصیة الله عزّ وجلّ ، وإن أمرکم بمعصیة الله فأطعتموه ، کانت لکم الحجّة علیّ یوم القیامة ، ولکن أکلکم إلی الله عزّ وجلّ. أخرجه الخطیب البغدادی فی تاریخه (13 / 160).

23 - ثمّ إن صحّت تلکم النصوص وکانت الخلافة عهداً من الله سبحانه ، وجاء به جبریل وارتجّت دونه السموات ، وهتفت به الملائکة ، وصدع به النبیّ الکریم ، وأبی الله ورسوله والمؤمنون إلاّ أبا بکر ، فما المبرّر له ممّا صحّ عنه فی صحیح البخاری (3) فی باب فضل أبی بکر من قوله یوم السقیفة - مخاطباً الحضور - : فبایعوا عمر بن الخطّاب أو أبا عبیدة الجرّاح؟

وفی تاریخ الطبری (4) : (3 / 209) : قال أبو بکر : هذا عمر وهذا أبو عبیدة ، فأیّهما شئتم فبایعوا. .

ص: 580


1- کذا فی المصدر أیضاً.
2- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 74 ح 4435.
3- صحیح البخاری : 3 / 1342 ح 3467.
4- تاریخ الأمم والملوک : 3 / 221 حوادث سنة 11 ه.

وفی (ص 201) (1) ، ومسند أحمد (2) (1 / 56) : إنّی قد رضیت لکم أحد هذین الرجلین ، فأیّهما شئتم : عمر أو أبا عبیدة.

وفی الإمامة والسیاسة (3) (1 / 7) : إنّما أدعوکم إلی أبی عبیدة أو عمر ، وکلاهما قد رضیت لکم ولهذا الأمر ، وکلاهما له أهل. وفی (ص 10) قال : إنّی ناصح لکم فی أحد الرجلین : أبی عبیدة بن الجراح أو عمر ، فبایعوا من شئتم منهما.

قال الأمینی : بخٍ بخٍ ، حسب النبیّ الأعظم مجداً وشرفاً ، والإسلام عزّا ومنعةً ، والمسلمین فخراً وکرامة ، استخلاف مثل أبی عبیدة الجرّاح ولم یکن إلاّ حفّاراً مکیاً یحفرُ القبور بالمدینة ، وکان فیها حفّاران لیس إلاّ وهما أبو عبیدة وأبو طلحة ، فما أسعد حظّ هذه الأمّة أن یکون فی حفّاری قبورها من یشغل منصّة النبی صلی الله علیه وآله وسلم بعده ، ویسدّ ذلک الفراغ ، ویکون هو مرجع العالم فی أمر الدین والدنیا ، وأیّ وازعٍ یمنع أبا عبیدة من أن یکون خلیفةً لائتمانه؟ بعد ما کاد معاویة بن أبی سفیان أن یکون نبیّا ویُبعث لائتمانه وعلمه ، کما مرّ فی (ص 308).

غیر أنّی لست أدری ما کانت الحالة یوم ذاک فی السموات عند إیهاب أبی بکر الخلافة الإسلامیّة لأبی عبیدة؟ وهی کانت ترتجّ والملائکة تهتف ، والله یأبی إلاّ أبا بکر مهما سألها النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم لعلیّ علیه السلام ، وقد أنزله منزلة نفسه نصّا من الله العزیز. نعم ؛ کان حقّا علی السموات أن یتفطّرن منه وتنشقّ الأرض وتخرّ الجبال هدّا.

24 - وما الذی جوّز لأبی بکر قوله لعمر - بعد قوله له : أبسط یدک یا أبا بکر فلأُبایعک - : بل أنت یا عمر فأنت أقوی لها منّی؟ وکان کلّ واحد منهما یرید 6.

ص: 581


1- تاریخ الأمم والملوک : 3 / 206 حوادث سنة 11 ه.
2- مسند أحمد : 1 / 90 ح 393.
3- الإمامة والسیاسة : 1 / 14 و 16.

صاحبه یفتح یده یضرب علیها ، ففتح عمر ید أبی بکر ، وقال : إنّ لک قوّتی مع قوّتک (1)

25 - وکیف کان یری أبو بکر الأمر للمهاجرین ویجعل للأنصار الوزارة ، ویقول : منّا الأمراء ومنکم الوزراء؟ تاریخ الطبری (2) (3 / 199 ، 208) ، الریاض (3) (2 / 162 ، 163).

26 - وما الذی سوّغ لأبی بکر قوله : إنّی ولیتُ هذا الأمر وأنا له کاره ، والله لوددت أنّ بعضکم کفانیه. صفة الصفوة (4) (1 / 99).

کیف کان یکره أمراً جعله الله له ، وجاء به جبریل ، وأخبر به النبیّ الطاهر؟ ثمّ کیف کان یودّ أن یکفیه غیره؟ وقد حیل بین النبیّ وبین أمله مهما سأله الله لعلیّ ، ولم یجعل الله لمشیئة نبیّه فی الأمر قیمة ، وأبی إلاّ أبا بکر.

27 - وما المسوّغ لأبی بکر فی استقالته الخلافة من الناس ، وقوله مرّة بعد أخری : أقیلونی أقیلونی لست بخیرکم (5) ، وقوله : لا حاجة لی فی بیعتکم أقیلونی بیعتی (6). فکیف کان یری للناس فی إقالته اختیاراً ، ولردّه ما شاء الله وعهده لنبیّه مساغاً؟

28 - وما کان وجه احتجابه عن الناس ثلاثاً ، یشرف علیهم کلّ یوم یقول : ف)

ص: 582


1- تاریخ الطبری : 3 / 199 [3 / 203 حوادث سنة 11 ه] ، السیرة الحلبیة : 3 / 386 [3 / 358] ، الصواعق المحرقة : ص 7 [ص 12]. (المؤلف)
2- تاریخ الأمم والملوک : 3 / 203 ، 220 حوادث سنة 11 ه.
3- الریاض النضرة : 1 / 203 ، 204.
4- صفة الصفوة : 1 / 260 رقم 2.
5- الصواعق المحرقة : ص 30 [ص 51]. (المؤلف)
6- الإمامة والسیاسة : 1 / 14 [1 / 20]. (المؤلف)

أقلتکم بیعتی فبایعوا من شئتم (1)؟ أو یخیّر الناس سبعة أیّام؟ کیف کان یری لنفسه خیاراً فی حلّ عقد بیعته عن رقاب الناس وإقالتهم ، وقد أبی الله والمؤمنون إلاّ إیّاه؟ ثمّ کیف یکل أمر الأمّة إلی مشیئتها وقد رُدّت مشیئة النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فی ذلک؟ ووقع فی السموات ما وقع یوم أعرب صلی الله علیه وآله وسلم عن أُمنیّته.

29 - وما کان عذره فی قوله من خطبة له : أیّها الناس هذا علیّ بن أبی طالب لا بیعة لی فی عنقه وهو بالخیار من أمره ، ألا وأنتم بالخیار جمیعاً فی بیعتکم ، فإن رأیتم لها غیری فأنا أوّل من یبایعه. السیرة الحلبیة (2) (3 / 389).

لعلّ الحریة فی الرأی حول البیعة حدثت بعد ما وقع دونها ما وقع فی السموات والأرض ؛ بعد ما هرول عمر بین یدی أبی بکر ونبر (3) حتی أزبد شدقاه ؛ بعد ما قیل لحباب بن المنذر البدوی مخالف تلک البیعة : إذن یقتلک الله ؛ بعد ما حُطّم أنف الحباب وضُرب یده ؛ بعد ما نودی علی سعد أمیر الخزرج : اقتلوه قتله الله إنّه منافق ؛ بعد ما أخذ قیس بن سعد لحیة عمر قائلاً : والله لو حصصت منه شعرة ما رجعت وفی فیک واضحة ؛ بعد ما قال الزبیر وقد سلّ سیفه : لا أغمده حتی یُبایَع علیّ ؛ بعد ما قال عمر : علیکم الکلب - یعنی الزبیر - فأخذ السیف من یده وضُرب به علی الحجر ؛ بعد ما دافعوا مقداداً فی صدره ؛ بعد التهاجم علی دار النبوّة وکشف بیت فاطمة وإخراج من کان فیه للبیعة عنوةً ؛ بعد ما أقبل عمر بقبس من نار إلی دار فاطمة ، بعد ما قال عمر : لتخرجنّ إلی البیعة أو لأحرقنّها علی من فیها ؛ بعد ما خرجت بضعة المصطفی عن خدرها وهی تبکی وتنادی بأعلی صوتها : «یا أبتِ یا رسول الله ما ذا لقینا بعدک من ابن الخطّاب وابن أبی قحافة» بعد ما قادوا علیّا علیه السلام إلی البیعة کما یُقاد ت.

ص: 583


1- الإمامة والسیاسة : 1 / 16 [1 / 22] ، الریاض النضرة : 1 / 175 [1 / 217]. (المؤلف)
2- السیرة الحلبیة : 3 / 360.
3- النبر : ارتفاع الصوت.

الجمل المخشوش ؛ بعد ما قیل له : بایع وإلاّ تُقتل ؛ بعد ما لاذ بقبر أخیه المصطفی صلی الله علیه وآله وسلم باکیاً قائلاً : «یا ابن امّ إنّ القوم استضعفونی وکادوا یقتلوننی» بعد .. بعد .. إلی مائة بعد (1).

ولعلّ تلک الشدّة فی إباءة الله وملائکته والمؤمنین خلافة أیّ أحد إلاّ أبا بکر ، کانت مکذوبة علی الله وعلی رسوله والمؤمنین ، أو کانت صحیحة غیر أنّها مقیّدة بإرادة أبی بکر نفسه ومشیئته ؛ لاها الله کانت مکذوبةً لیس إلاّ.

30 - وما المجوّز لعمر قوله لأبی عبیدة الجرّاح لمّا قبض رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم :

ابسط یدک فلأُبایعک فأنت أمین هذه الأمّة علی لسان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، فقال أبو عبیدة لعمر : ما رأیت لک فَهّة (2) مثلها منذ أسلمت ، أتبایعنی وفیکم الصدّیق وثانی اثنین؟

مسند أحمد (1 / 35) ، طبقات ابن سعد (3 / 128) ، نهایة ابن الأثیر (3 / 247) ، صفة الصفوة (1 / 97) ، السیرة الحلبیّة (3 / 386) ، الصواعق (ص 7) (3).

فما الذی دعاه إلی ذلک الخلاف الفاحش علی تلکم النصوص؟ وما کان ذلک الاستبداد بالرأی تجاه النصّ المؤکّد من الله العزیز؟ نعم. وکم له من نظیر!

31 - وکیف کان عمر یری الأمر شوری بین المسلمین ، ویقول : من بایع أمیراً من غیر مشورة المسلمین فلا بیعة له ، ولا بیعة للذی بایعه تغرّة أن یقتلا؟

مسند أحمد (1 / 56) ، تاریخ ابن کثیر (5 / 246) (4). .

ص: 584


1- تأتی مصادر هذه الجمل کلّها فی الجزء السابع. (المؤلف)
2- الفهّة : العیّ ، الغفلة ، والسقطة. (المؤلف)
3- مسند أحمد : 1 / 58 ح 235 ، الطبقات الکبری : 3 / 181 ، النهایة : 3 / 482 ، صفة الصفوة : 1 / 256 رقم 2 ، السیرة الحلبیة : 3 / 357 ، الصواعق المحرقة : ص 12.
4- مسند أحمد : 1 / 91 ح 393 ، البدایة والنهایة : 5 / 267 حوادث سنة 11 ه.

32 - وأخرج (1) مسلم فی صحیحه فی کتاب الفرائض (2 / 3) ، وأحمد فی مسنده (1 / 48) ، عن عمر أنّه قام خطیباً فقال : إنّی رأیت رؤیا کأنّ دیکاً نقرنی نقرتین ، ولا أری ذلک إلاّ لحضور أجلی ، وإنّ ناساً یأمروننی أن أستخلف ، وإنّ الله عزّ وجلّ لم یکن لیضیّع خلافته ودینه ، ولا الذی بعث به نبیّه صلی الله علیه وآله وسلم فإن عجل بی أمر ، فالخلافة شوری فی هؤلاء الرهط الستة. الحدیث.

وأخرجه البیهقی فی سننه (8 / 150) فقال : أخرجه مسلم فی الصحیح من حدیث بن أبی عروبة وغیره. وحکاه عن مسلم الحافظ ابن الدیبع فی تیسیر الوصول (2) (2 / 49).

33 - وما الذی أباح لعمر أو لغیره من الصحابة قولهم فی خلافة أبی بکر : إنّها کانت فلتة وقی الله شرّها (3) ، أو : فلتة کفلتات الجاهلیّة (4) ، فمن عاد إلی مثلها فاقتلوه (5)؟ کیف تسمّی تلک الخلافة فلتةً بعد تلکم البشارات والإنباءات المتواصلة طیلة حیاة النبیّ الأعظم صلی الله علیه وآله وسلم ، وبعد إعلامه أصحابه بها مرّةً بعد أخری إلی أن لفظ ف)

ص: 585


1- صحیح مسلم : 2 / 38 ح 78 کتاب المساجد ، مسند أحمد : 1 / 79 ح 343.
2- تیسیر الوصول : 2 / 58 ح 8.
3- صحیح البخاری ، فی باب رجم الحبلی من الزنا إذا أحصنت ، فی الجزء الأخیر : 10 / 44 [6 / 2505 ح 6442] ، مسند أحمد : 1 / 55 [1 / 90 ح 393] ، تاریخ الطبری : 3 / 200 [3 / 205 حوادث سنة 11 ه] ، أنساب البلاذری : 5 / 15 ، سیرة ابن هشام : 4 / 238 [4 / 308] ، تیسیر الوصول : 2 / 42 ، 44 [2 / 51 ، 53 ح 4] ، کامل ابن الأثیر : 2 / 135 [2 / 11 حوادث سنة 11 ه] ، نهایة ابن الأثیر : 3 / 238 [3 / 467] ، الریاض النضرة : 1 / 161 [1 / 201] ، تاریخ ابن کثیر : 5 / 246 [5 / 266 حوداث سنة 11 ه] ، السیرة الحلبیة : 3 / 388 ، 392 [3 / 360 ، 363] ، الصواعق المحرقة : ص 5 ، 8 [ص 10 ، 14] ، وقال : مسند صحیح ، تمام المتون للصفدی : ص 137 [ص 178] ، تاج العروس : 1 / 568. (المؤلف)
4- تاریخ الطبری : 3 / 210 [3 / 223 حوادث سنة 11 ه]. (المؤلف)
5- الصواعق المحرقة : ص 21 [ص 36]. (المؤلف)

نفسه الأخیر؟ وکان صلی الله علیه وآله وسلم - بنصٍّ من تلکم الروایات - لم یرَ فیها حاجة إلی وصیّة بکتاب ، ولم یترقّب فیها خلاف أیّ أحد علی أبی بکر ؛ وکیف یُری فیها الشرّ والحالة هذه؟ والصحابة کلّهم عدول ، وأبی الله والمؤمنون إلاّ أبا بکر ، وأبی الله أن یختلف علیه ، کما مرّ حدیثه.

34 - وما الذی سوّغ لعمر عرضه علی عبد الرحمن بن عوف أن یستخلفه ویجعله ولیّ عهده ، فقال عبد الرحمن : أتشیر علیّ بذلک إذا استشرتک؟ فقال : لا والله. فقال عبد الرحمن : إذاً لا أرضی أن أکون خلیفة بعدک. الفتوحات الإسلامیة (1) (2 / 427).

35 - وما بال الأنصار بأسرها قد تخلّفت عن البیعة (2) واجتمعت علی خلاف ما فی تلکم النصوص ، وأبت بیعة أبی بکر وقالت : لا نبایع إلاّ علیّا ، أو قالت : منّا أمیر ومنکم أمیر (3)؟ وکیف تقاعس عنها طلحة ، والزبیر ، والمقداد ، وسلمان ، وعمّار ، وأبو ذر ، وخالد بن سعید ، ورجال من المهاجرین (4) وأبوا إلاّ علیّا ، واجتمعوا فی داره علیه السلام وأخرجتهم ید السیاسة الوقتیة إلی البیعة عنوةً ، ونودی علیهم : والله لأحرقنّ علیکم أو لتخرجنّ إلی البیعة؟

وما شأن الصحابی العظیم سعد بن عبادة یأنف من بیعة أبی بکر ویقول : ایم الله لو أنّ الجنّ اجتمعت لکم مع الإنس ما بایعتکم حتی أُعرَض علی ربّی وأعلم ما حسابی؟ وکان لا یصلّی بصلاتهم ، ولا یُجمِع معهم ، ویحجّ ولا یفیض معهم بإفاضتهم. تاریخ الطبری (5) (3 / 198 ، 200 ، 207 ، 210). .

ص: 586


1- الفتوحات الإسلامیة : 2 / 275.
2- مسند أحمد : 1 / 55 [1 / 90 ح 393]. (المؤلف)
3- مسند أحمد : 1 / 405 [1 / 668 ح 3832] ، طبقات ابن سعد : 2 / 128 [3 / 182]. (المؤلف)
4- الریاض النضرة : 1 / 167 [1 / 207]. (المؤلف)
5- تاریخ الأمم والملوک : 3 / 202 ، 205 ، 218 ، 222 حوادث سنة 11 ه.

وما عذر العبّاس - عمّ النبیّ الطاهر - وبنی هاشم فی تخلّفهم عن تلک البیعة ، والصفح عن تلکم العهود المؤکّدة؟

36 - وقبل هذه کلّها إباءة علیّ أمیر المؤمنین تلک البیعة الانتخابیة ، وحجاجه المفحم علی أهلها ، قال ابن قتیبة : ثمّ إنّ علیّا - کرّم الله وجهه - أُتی به إلی أبی بکر وهو یقول : أنا عبد الله ، أخو رسول الله. فقیل له : بایع أبا بکر ، فقال : أنا أحقّ بهذا الأمر منکم ، لا أُبایعکم وأنتم أولی بالبیعة لی ، أخذتم هذا الأمر من الأنصار واحتججتم علیهم بالقرابة من النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وتأخذونه منّا أهل البیت غصباً ، ألستم زعمتم للأنصار أنّکم أولی بهذا الأمر منهم لما کان محمد منکم؟! فأعطوکم المقادة وسلّموا إلیکم الإمارة ، وأنا أحتجّ علیکم بمثل ما احتججتم علی الأنصار ، نحن أولی برسول الله حیّا ومیّتاً ، فأنصفونا إن کنتم تؤمنون ، وإلاّ فبوءُوا بالظلم وأنتم تعلمون.

فقال له عمر : إنّک لست متروکاً حتی تبایع ، فقال له علیّ : احلب حلباً لک شطره ، وشدّ له الیوم یمدده علیک غداً. ثمّ قال : والله یا عمر لا أقبل قولک ولا أُبایعه.

فقال أبو بکر : فإن لم تبایع فلا أُکرهک. فقال أبو عبیدة بن الجراح لعلیٍّ - کرّم الله وجهه - : یا ابن عم ، إنّک حدیث السنّ وهؤلاء مشیخة قومک ، لیس لک مثل تجربتهم ومعرفتهم بالأُمور ، ولا أری أبا بکر إلاّ أقوی علی هذا الأمر منک ، وأشدّ احتمالاً واستطلالاً ، فسلّم لأبی بکر هذا الأمر ، فإنّک إن تعش ویطُل بک بقاء فأنت لهذا الأمر خلیق وحقیق ، فی فضلک ودینک وعلمک وفهمک وسابقتک ونسبک وصهرک.

فقال علیّ - کرّم الله وجهه - : الله الله یا معشر المهاجرین ألاّ تخرجوا سلطان محمد فی العرب من داره وقعر بیته إلی دورکم وقعور بیوتکم ، وتدفعوا أهله عن مقامه فی الناس وحقّه ، فو الله یا معشر المهاجرین ، لنحن أحقّ الناس به لأنّا أهل

ص: 587

البیت ونحن أحقّ بهذا الأمر منکم ، ما کان فینا القارئ لکتاب الله ، الفقیه فی دین الله ، العالم بسنن رسول الله ، المضطلع بأمر الرعیّة ، الدافع عنهم الأُمور السیّئة ، القاسم بینهم بالسویّة ، والله إنّه لفینا ، فلا تتّبعوا الهوی فتضلّوا عن سبیل الله فتزدادوا من الحقّ بعداً.

قال بشیر بن سعد الأنصاری : لو کان هذا الکلام سمعته الأنصار منک یا علیّ قبل بیعتها لأبی بکر ، ما اختلفت علیک.

قال : وخرج علیّ - کرّم الله وجهه - یحمل فاطمة بنت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم علی دابّة لیلاً فی مجالس الأنصار تسألهم النصرة ؛ فکانوا یقولون : یا بنت رسول الله ، قد مضت بیعتنا لهذا الرجل ، ولو أنّ زوجکِ وابن عمکِ سبق إلینا قبل أبی بکر ما عدلنا به.

فیقول علیّ - کرّم الله وجهه - : أفکنت أدع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی بیته لم أدفنه وأخرج أُنازع الناس سلطانه؟ فقالت فاطمة : ما صنع أبو الحسن إلاّ ما کان ینبغی له ، ولقد صنعوا ما الله حسیبهم وطالبهم.

وقال : إنّ أبا بکر رضی الله عنه تفقّد قوماً تخلّفوا عن بیعته عند علیّ - کرّم الله وجهه - فبعث إلیهم عمر ، فجاء فناداهم - وهم فی دار علی - فأبوا أن یخرجوا ، فدعا بالحطب وقال : والذی نفس عمر بیده لتخرجنّ أو لأحرقنّها علی من فیها ؛ فقیل له : یا أبا حفص ، إنّ فیها فاطمة. قال : وإن. فخرجوا فبایعوا إلاّ علیّا ، فإنّه زعم أنّه قال : حلفت أن لا أخرج ، ولا ثوبی أضع علی عاتقی حتی أجمع القرآن. فوقفت فاطمة علی بابها فقالت : لا عهد لی بقوم حضروا أسوأ محضراً منکم ، ترکتم رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم جنازةً بین أیدینا ، وقطعتم أمرکم بینکم ، لم تستأمرونا ولم تردّوا لنا حقّا.

فأتی عمر أبا بکر فقال له : ألا تأخذ هذا المتخلّف عنک بالبیعة؟

فقال أبو بکر لقنفذ وهو مولی له : اذهب فادع لی علیّا ، فذهب إلی علیّ ، فقال :

ص: 588

ما حاجتک؟ فقال : یدعوک خلیفة رسول الله. فقال علیّ : لسریع ما کذبتم علی رسول الله.

فرجع فأبلغ الرسالة ، قال : فبکی أبو بکر طویلاً ، فقال عمر الثانیة : لا تمهل هذا المتخلّف عنک بالبیعة ، فقال أبو بکر رضی الله عنه لقنفذ : عُد إلیه فقل له : أمیر المؤمنین یدعوک لتبایع ، فجاءه قنفذ فأدّی ما أُمر به ، فرفع علیّ صوته فقال : سبحان الله ، لقد ادّعی ما لیس له.

فرجع قنفذ فأبلغ الرسالة فبکی أبو بکر طویلاً ، ثمّ قام عمر فمشی معه جماعة حتی أتوا باب فاطمة ، فدقّوا الباب ، فلمّا سمعت أصواتهم نادت بأعلی صوتها : یا أبتِ یا رسول الله ، ما ذا لقینا بعدک من ابن الخطّاب وابن أبی قحافة؟!

فلمّا سمع القوم صوتها وبکاءها انصرفوا باکین ، وکادت قلوبهم تتصدّع وأکبادهم تتفطّر ، وبقی عمر ومعه قوم فأخرجوا علیّا ، فمضوا به إلی أبی بکر فقالوا له : بایع. فقال : إن أنا لم أفعل فمه؟ قالوا : إذاً والله الذی لا إله إلاّ هو نضرب عنقک. قال : إذاً تقتلون عبد الله وأخا رسوله ، قال عمر : أمّا عبد الله فنعم وأمّا أخو رسوله فلا (1) ، وأبو بکر ساکت لا یتکلّم ، فقال له عمر : ألا تأمر فیه بأمرک؟ فقال : لا أُکرهه علی شیء ما کانت فاطمة إلی جنبه ، فلحق علیّ بقبر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یصیح ویبکی وینادی : یا ابن أُمّ ، إنّ القوم استضعفونی وکادوا یقتلوننی. الإمامة والسیاسة (2) (1 / 12 - 14). 0.

ص: 589


1- أسلفنا فی الجزء الثالث : ص 112 - 125 خمسین حدیثاً فی المؤاخاة بین رسول الله وأمیر المؤمنین - صلوات الله علیهما وآلهما - ، ومنها ما هو المتواتر الصحیح الثابت ، أخرجه الحفّاظ عن جمع من الصحابة ومنهم عمر بن الخطّاب ، وحدیث المؤاخاة من المتسالم علیه عند الأمّة الإسلامیة ، وعمر أحد رواته کما جاء بطریق صحیح ، غیر أنّ السیاسة الوقتیة سوّغت لعمر إنکارها یوم ذاک. (المؤلف)
2- الإمامة والسیاسة : 1 / 18 - 20.

37 - وما الذی سوّغ لأبی بکر وعمر وأبی عبیدة أن یجعلوا للعبّاس عمّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم بإیعاز من مغیرة بن شعبة نصیباً فی الأمر یکون له ولعقبه من بعده؟

قال ابن قتیبة فی الإمامة والسیاسة (1) (1 / 15) : فأتی المغیرة بن شعبة ، فقال : أتری یا أبا بکر أن تلقوا العبّاس فتجعلوا له فی هذا الأمر نصیباً یکون له ولعقبه ، وتکون لکما الحجّة علی علیّ وبنی هاشم إذا کان العبّاس معکم؟ قال : فانطلق أبو بکر وعمر وأبو عبیدة حتی دخلوا علی العبّاس رضی الله عنه ، فحمد الله أبو بکر وأثنی علیه ثمّ قال : إنّ الله بعث محمداً صلی الله علیه وآله وسلم نبیّا وللمؤمنین ولیّا ، فمنّ الله تعالی بمقامه بین أظهرنا حتی اختار له الله ما عنده ، فخلّی علی الناس أمرهم لیختاروا لأنفسهم فی مصلحتهم متّفقین لا مختلفین ، فاختارونی علیهم والیاً ولأُمورهم راعیاً ، وما أخاف بحمد الله وهناً ولا حیرةً ولا جبناً ، وما توفیقی إلاّ بالله العلیّ العظیم ، علیه توکّلت وإلیه أُنیب ، وما زال یبلغنی عن طاعن یطعن بخلاف ما اجتمعت علیه عامّة المسلمین ویتّخذونکم لحافاً ، فاحذروا أن تکونوا جهداً لمنیع ، فإمّا دخلتم فیما دخل فیه العامّة ، أو دفعتموهم عمّا مالوا إلیه ، وقد جئناک ونحن نرید أن نجعل لک فی هذا الأمر نصیباً یکون لک ولعقبک من بعدک إذ کنت عمّ رسول الله ، وإن کان الناس قد رأوا مکانک ومکان أصحابک فعدلوا الأمر عنکم ؛ علی رسلکم بنی عبد المطلب ، فإنّ رسول الله منّا ومنکم.

ثمّ قال عمر : إی والله وأخری : إنّا لم نأتکم حاجةً منّا إلیکم ، ولکنّا کرهنا أن یکون الطعن منکم فیما اجتمع علیه العامّة ، فیتفاقم الخطب بکم وبهم ، فانظروا.

فتکلّم العبّاس فحمد الله وأثنی علیه ، ثمّ قال : إنّ الله بعث محمداً کما زعمت نبیّا وللمؤمنین ولیّا ، فمنّ الله بمقامه بین أظهرنا حتی اختار له ما عنده ، فخلّی الناس أمرهم 1.

ص: 590


1- الإمامة والسیاسة : 1 / 21.

لیختاروا لأنفسهم مصیبین للحقّ لا مائلین عنه بزیغ الهوی ، فإن کنت برسول الله طلبت ، فحقّنا أخذت ، وإن کنت بالمؤمنین طلبت ، فنحن منهم متقدّمون فیهم ، وإن کان هذا الأمر إنّما یجب لک بالمؤمنین ، فما وجب إذ کنّا کارهین ؛ فأمّا ما بذلت لنا فإن یکن حقّا لک ، فلا حاجة لنا فیه ؛ وإن یکن حقّا للمؤمنین ، فلیس لک أن تحکم علیهم ؛ وإن کان حقّنا ، لم نرضَ عنک فیه ببعض دون بعض.

وأما قولک : إنّ رسول الله منّا ومنکم ، فإنّه قد کان من شجرةٍ نحن أغصانها وأنتم جیرانها.

38 - وما عذر من استشکل علی أبی بکر فی استخلافه عمر علی الصحابة؟

قالت عائشة : لمّا ثقل أبی دخل علیه فلان وفلان ، فقالوا : یا خلیفة رسول الله ، ما ذا تقول لربّک غداً إذا قدمت علیه وقد استخلفت علینا ابن الخطّاب؟

قالت : فأجلسناه ، فقال : أبالله ترهبونی؟ أقول : استخلفت علیهم خیرهم. سنن البیهقی (8 / 149).

39 - وما الذی أقعد علیّا أمیر المؤمنین عن بیعة عثمان یوم الشوری بعد ما بایعه عبد الرحمن بن عوف وزملاؤه؟ وکان علیّ قائماً فقعد ، فقال له عبد الرحمن : بایع وإلاّ ضربت عنقک ، ولم یکن مع أحد یومئذٍ سیف غیره ، فیقال : إنّ علیّا خرج مغضباً ، فلحقه أصحاب الشوری وقالوا : بایع وإلاّ جاهدناک ؛ فأقبل معهم حتی بایع عثمان. الأنساب للبلاذری (5 / 22).

قال الطبری فی تاریخه (1) (5 / 41) : جعل الناس یبایعونه وتلکّأ علیّ ، فقال عبد الرحمن : (فَمَنْ نَکَثَ فَإِنَّما یَنْکُثُ عَلی نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفی بِما عاهَدَ عَلَیْهُ اللهَ فَسَیُؤْتِیهِ أَجْراً عَظِیماً) (2) فرجع علیّ یشقّ الناس حتی بایع وهو یقول : خدعة وأیّما خدعة. 0.

ص: 591


1- تاریخ الأمم والملوک : 4 / 238 حوادث سنة 23 ه.
2- الفتح : 10.

وفی الإمامة والسیاسة (1) (1 / 25) قال عبد الرحمن : لا تجعل یا علیّ سبیلاً إلی نفسک ، فإنّه السیف لا غیره. وفی صحیح البخاری (2) (1 / 208) : لا تجعلنّ علی نفسک سبیلاً.

قال الأمینی : کان قتل المتخلّف عن البیعة فی ذلک الموقف وصیّة من عمر بن الخطّاب ، کما أخرجه الطبری فی تاریخه (3) (5 / 35) قال : وقال - عمر - لصهیب :

صلّ بالناس ثلاثة أیّام وأدخل علیّا وعثمان والزبیر وسعداً وعبد الرحمن بن عوف وطلحة إن قدم (4) ، وأحضر عبد الله بن عمر ولا شیء له من الأمر وقم علی رءوسهم ، فإن اجتمع خمسة ورضوا رجلاً وأبی واحد فاشدخ رأسه - أو : اضرب رأسه بالسیف - ، وإن اتّفق أربعة فرضوا رجلاً منهم وأبی اثنان فاضرب رءوسهما ، فإن رضی ثلاثة رجلاً منهم وثلاثة رجلاً منهم فحکّموا عبد الله بن عمر ، فأی الفریقین حکم له فلیختاروا رجلاً منهم ، فإن لم یرضوا بحکم عبد الله بن عمر فکونوا مع الذین فیهم عبد الرحمن بن عوف ، واقتلوا الباقین إن رغبوا عمّا اجتمع علیه الناس. وذکره البلاذری فی الأنساب (5 / 16 ، 18) ، وابن قتیبة فی الإمامة والسیاسة (5) (1 / 23) ، وابن عبد ربّه فی العقد الفرید (6) (2 / 257).

(أَفَمِنْ هذَا الْحَدِیثِ تَعْجَبُونَ * وَتَضْحَکُونَ وَلا تَبْکُونَ) (7) 0.

ص: 592


1- الإمامة والسیاسة : 1 / 31.
2- صحیح البخاری : 6 / 2635 ح 6781.
3- تاریخ الأمم والملوک : 4 / 229 حوادث سنة 23 ه.
4- کان غائباً فی ماله بالسراة. (المؤلف)
5- الإمامة والسیاسة : 1 / 28.
6- العقد الفرید : 4 / 98.
7- النجم : 59 ، 60.
ما هذه الدمدمة والهمهمة؟

لیست هذه الروایات إلاّ جلبةً وصخباً تجاه الحقیقة الراهنة ؛ وو جاه الخلافة الحقّة الثابتة بالنصوص الصریحة الصحیحة لأمیر المؤمنین علیّ بن أبی طالب علیه السلام ، قد صدع بها النبیّ الأمین وحیاً من الله العزیز من یوم بدء الدعوة إلی آخر نفس لفظه.

إن هی إلاّ اللغط والشغب دون أمر لیس لخلق الله فیه أیّ خیرة ، وقد نصّ النبیّ الأعظم فی بدء دعوته علی أنّ الأمر إلی الله یضعه حیث یشاء ، وذلک یوم عرض نفسه صلی الله علیه وآله وسلم علی بنی عامر بن صعصعة ودعاهم إلی الله ، فقال له قائلهم : أرأیت إن نحن تابعناک علی أمرک ثمّ أظهرک الله علی من خالفک أیکون لنا الأمر من بعدک؟ قال : «إنّ الأمر إلی الله یضعه حیث یشاء» (1).

إن هی إلاّ سلسة بلاء وحلقة شقاء تجرُّ الأمّة إلی الضلال ، وتسفّ بها إلی حضیض التعاسة ، وتدیمها فی الجهل المبیر ، ومهاوی الدمار.

إن هی إلاّ ولائد النزعات الباطلة ، والأهواء المضلّة ، لا مقیل لها فی مستوی الحقّ والصدق ، ولا قیمة لها فی سوق الاعتبار.

إن هی إلاّ نسیجة ید الإفک والزور ، حبکها التزحزح عن قانون العدل ، والتنحّی عن شرعة الحقّ ، والبعد عن حکم الأمانة.

إن هی إلاّ صبغة الهثّ (2) والدجل شُوّهت بها صفحات التاریخ ، لا یرتضیها أیّ دینیّ من رجالات المذاهب ، ولا یُعوّل علیها المثقّف النابه ، ولا یتّخذها السالک إلی الله سبیلاً ، ولا یجد الباحث عن الحقّ فیها أُمنیّته. ب.

ص: 593


1- سیرة ابن هشام : 1 / 33 [2 / 66] ، الروض الأُنُف : ص 264 [4 / 39] ، السیرة الحلبیة : 2 / 3 ، السیرة النبویة لزینی دحلان : 1 / 302 [1 / 147]. (المؤلف)
2- الهثُّ : الکذب.

إن هی إلاّ نبرات فیها نترات لفّقتها المطامع فی لماظة العیش ، ونُجفة (1) الحیاة ، وزخارف الدنیا القاضیة علی سعادة البشر.

إن هی إلاّ قبسات الفتن المضلّة ، وجذوات مقابس العاطفة والهوی ، تفتن الجاهل المسکین ، وتحیده عن رشده ، وتجعله فی بهیتة من أمر دینه ، فتحترق بها أصول سعادته فی الحیاة الدنیا.

إنّ هی إلاّ مدرّسات الأمّة فاحش التقوّل ، وسیّئ الإفک والافتعال ، تعلّمها الحیاد عن مناهج الصدق والأمانة ، وتحثّها علی الکذب علی الله وعلی قدس صاحب الرسالة ، وعلی أمنائه وثقات أُمّته.

هل یجد الباحث سبیلاً لنجاته عن هذه الورطات المدلهمّة؟ وهل یُرجی له الفوز من تلکم السلاسل وقد صفّدته من حیث لا یشعر؟ أیّ مصدر وثیق یحقّ أن یثق به الرجل؟ وعلی أیّ کتاب أو علی أیّ سنّة حریّ بأن یحیل أمره؟ ألیست الکتب مشحونةً بتلکم الأکاذیب المفتعلة المنصوص علی وضعها؟ ألیست تلکم المئات من أُلوف الأحادیث المکذوبة مبثوثة فی طیّات التآلیف والصحف؟

ما حیلة الرجل وهو یری المؤلّفین بین من یذکرها مرسلاً إیّاها إرسال المسلّم ، وبین من یخرجها بالإسناد ویردفها بما یموّه علی الحقّ ممّا یعرب عن قوّتها؟ أو یرویها غیر مشفّع بما فیها من الغمیزة متناً أو إسناداً؟ کلّ ذلک فی مقام سرد الفضائل ، أو إثبات الدعاوی الفارغة فی المذاهب.

ثمّ ما حیلته؟ وهو یشاهد وراء أولئک الأوضاح من المؤلّفین أفّاک القرن الرابع عشر - القصیمی - رافعاً عقیرته بقوله : لیس فی رجال الحدیث من أهل السنّة من هو متّهم بالوضع والکذابة. راجع (ص 208). ا.

ص: 594


1- یقال : انتجف اللبن إذا استخرج أقصی ما فی الضرع منه ، ونجفة الحیاة : ما استُفرِغ من لذائذها.

فما ذنب الجاهل المسکین - والحالة هذه - فی عدم عرفان الحقّ؟ وما الذی یعرّفه صحیح السنّة من سقیمها؟ وأیّ ید تنجیه من عادیة التقوّل والتزویر؟ وهل من مصلح یحمل بین جنبیه عاطفة دینیّة صادقة ینقذه عن ورطات القالة وغمرات الدجل؟

نعم ؛ (وَکَتَبْنا لَهُ فِی الْأَلْواحِ مِنْ کُلِّ شَیْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِیلاً لِکُلِّ شَیْءٍ) (1) ، (لِیَهْلِکَ مَنْ هَلَکَ عَنْ بَیِّنَةٍ وَیَحْیی مَنْ حَیَّ عَنْ بَیِّنَةٍ) (2).

(وَلَقَدْ جِئْناهُمْ بِکِتابٍ فَصَّلْناهُ عَلی عِلْمٍ هُدیً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ یُؤْمِنُونَ) (3) ، (وَآتَیْناهُمْ بَیِّناتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْیاً بَیْنَهُمْ إِنَّ رَبَّکَ یَقْضِی بَیْنَهُمْ یَوْمَ الْقِیامَةِ فِیما کانُوا فِیهِ یَخْتَلِفُونَ * ثُمَّ جَعَلْناکَ عَلی شَرِیعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْها وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِینَ لا یَعْلَمُونَ) (4).

(فَلا یَصُدَّنَّکَ عَنْها مَنْ لا یُؤْمِنُ بِها وَاتَّبَعَ هَواهُ فَتَرْدی) (5) ، (وَالسَّلامُ عَلی مَنِ اتَّبَعَ الْهُدی) (6).

حکم الوضّاعین

قال الحافظ جلال الدین السیوطی فی تحذیر الخواص (7) (ص 21) : فائدة : لا أعلم شیئاً من الکبائر - قال أحد من أهل السنّة بتکفیر مرتکبه - إلاّ الکذب علی 5.

ص: 595


1- الأعراف : 145.
2- الأنفال : 42.
3- الأعراف : 52.
4- الجاثیة : 17 و 18.
5- طه : 16.
6- طه : 47.
7- تحذیر الخواص : ص 125.

رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ؛ فإنّ الشیخ أبا محمد الجوینی (1) من أصحابنا وهو والد إمام الحرمین (2) قال : إنّ من تعمّد الکذب علیه صلی الله علیه وآله وسلم یکفر کفراً یخرجه عن الملّة ؛ وتبعه علی ذلک طائفة ، منهم : الإمام ناصر الدین بن المنیر من أئمّة المالکیّة ، وهذا یدلّ علی أنّه أکبر الکبائر ؛ لأنّه لا شیء من الکبائر یقتضی الکفر عند أحد من أهل السنّة. انتهی.

حکم الحفّاظ لتلکم الموضوعات المبهرجة

یتبیّن حکم مخرّجی تلکم الروایات المکذوبة علی نبیّ العظمة فی الکتب والمعاجم من أئمّة الحدیث وحفّاظه ، ومن رجال السیر والتاریخ - خلفاً وسلفاً - ممّا أخرجه الخطیب وصححه ابن الجوزی من قول رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «من روی عنّی حدیثاً وهو یری أنّه کذب ، فهو أحد الکذّابین» (3).

والله یقول : (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَیْنا بَعْضَ الْأَقاوِیلِ * لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْیَمِینِ * ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِینَ * فَما مِنْکُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِینَ * وَإِنَّهُ لَتَذْکِرَةٌ لِلْمُتَّقِینَ * وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْکُمْ مُکَذِّبِینَ) (4).

أفتری أولئک الحفّاظ والمؤرّخین عالمین بحقیقة تلکم الأکاذیب المفتعلة؟ قد ضلّوا من قبلُ وأضلّوا کثیراً وضلّوا عن سواء السبیل (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَری عَلَی اللهِ 9.

ص: 596


1- إمام الشافعیة عبد الله بن یوسف ، المتوفّی (438) کان إماماً فی الفقه والأصول والأدب والعربیة. وجوین قریة من نواحی نیسابور [معجم البلدان : 2 / 192]. (المؤلف)
2- أبو المعالی عبد الملک ابن الشیخ أبی محمد ، المتوفّی (478). (المؤلف)
3- تاریخ بغداد : 4 / 161 [رقم 1837] ، المنتظم : 8 / 268 [16 / 133 رقم 3407] (المؤلف)
4- الحاقّة : 44 - 49.

کَذِباً أُولئِکَ یُعْرَضُونَ عَلی رَبِّهِمْ وَیَقُولُ الْأَشْهادُ هؤُلاءِ الَّذِینَ کَذَبُوا عَلی رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَی الظَّالِمِینَ) (1).

أم تراهم جاهلین بها؟ وما لهم بذلک من علم فکذبوا صمّا وعمیاناً ، (وَیَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلی شَیْءٍ) (2) ، (وَمِنْهُمْ أُمِّیُّونَ لا یَعْلَمُونَ الْکِتابَ إِلاَّ أَمانِیَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ یَظُنُّونَ) (3) (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَری عَلَی اللهِ کَذِباً لِیُضِلَّ النَّاسَ بِغَیْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللهَ لا یَهْدِی الْقَوْمَ الظَّالِمِینَ) (4) (فَوَیْلٌ لَهُمْ مِمَّا کَتَبَتْ أَیْدِیهِمْ وَوَیْلٌ لَهُمْ مِمَّا یَکْسِبُونَ) (5). 9.

ص: 597


1- هود : 18.
2- المجادلة : 18.
3- البقرة : 78.
4- الأنعام : 144.
5- البقرة : 79.

ص: 598

- 54 -

63- قطب الدین الراوندی

اشارة

المتوفّی (573)

بنو الزهراء آباءُ الیتامی

إذا ما خوطبوا قالوا سلاما

همُ حججُ الإلهِ علی البرایا

فمن ناواهمُ یلقَ الأثاما

فکان نهارُهم أبداً صیاماً

ولیلُهمُ کما تدری قیاما

ألم یجعلْ رسولُ اللهِ یومَ ال

غدیرِ علیّا الأعلی إماما

ألم یکُ حیدرٌ قَرماً هُماماً

ألم یکُ حیدرٌ خیراً مقاما

وله قوله :

لآلِ المصطفی شرفٌ محیطُ

تضایقَ عن مرامیه البسیطُ

إذا کثرَ البلایا فی البرایا

فکلٌّ منهمُ جاش ربیطُ

إذا ما قام قائمُهمْ بوعظٍ

فإنَّ کلامَهُ درٌّ لقیطُ

أو امتلأتْ بعدلهمُ دیارٌ

تقاعسَ دونه الدهرُ القسوطُ

همُ العلماءُ إن جهلَ البرایا

هم الموفون إن خان الخلیطُ

بنو أعمامِهمْ جاروا علیهم

ومالَ الدهرُ إذ مالَ الغبیطُ

ص: 599

لهمْ فی کلِّ یومٍ مستجدٍّ

لدی أعدائِهمْ دمٌّ عبیطُ

تناسوا ما مضی بغدیرِ خمٍ

فأدرکهمْ لشقوتهمْ هبوطُ

ألا لُعِنتْ أُمیّةُ قد أضاعوا ال

حسین کأنّه فرخٌ سمیطُ (1)

علی آلِ الرسولِ صلاةُ ربّی

طوالَ الدهرِ ما طلعَ الشمیطُ (2)

الشاعر

قطب الدین أبو الحسین سعد (3) بن هبة الله بن الحسن بن عیسی الراوندی ، إمام من أئمّة المذهب ، وعین من عیون الطائفة ، وأوحدیّ من أساتذة الفقه والحدیث ، وعبقریّ من رجالات العلم والأدب ، لا یُلحق شأوه فی مآثره الجمّة ، ولا یُشقّ له غبار فی فضائله ومساعیه المشکورة ، وخدماته الدینیّة ، وأعماله البارّة ، وکتبه القیّمة.

یوجد ذکره الجمیل بالإطراء والثناء علیه فی الفهرست للشیخ منتجب الدین ، معالم العلماء ، أمل الآمل ، لسان المیزان (4 / 48) ، ریاض العلماء ، الإجازة الکبیرة للسماهیجی ، ریاض الجنّة فی الروضة الرابعة ، لؤلؤة البحرین ، منتهی المقال (ص 148) ، مستدرک الوسائل (3 / 489) ، روضات الجنّات (ص 301) ، تنقیح المقال (2 / 22) ، الکنی والألقاب (3 / 58) (4).2.

ص: 600


1- السمیط : الخفیف الحال. (المؤلف)
2- الشمط : الخلط ، ویقال للصبح : الشمیط ، لاختلاطه بباقی ظلمة اللیل. توجد الأبیات المذکورة فی مستدرک الوسائل : 3 / 489 ، وفی بعض المجامیع الأدبیة. (المؤلف)
3- فی غیر واحد من المصادر الوثیقة : سعید. (المؤلف)
4- الفهرست : ص 87 رقم 186 ، معالم العلماء : ص 55 رقم 368 ، أمل الآمل : 2 / 125 رقم 356 ، لسان المیزان : 3 / 59 رقم 3762 ، ریاض العلماء : 2 / 419 ، لؤلؤة البحرین : ص 304 رقم 103 ، منتهی المقال : ص 213 ، روضات الجنّات : 4 / 5 ، الکنی والألقاب : 3 / 72.

مشایخه والرواة عنه :

یروی قدس سره عن زرافات من حملة العلم وأساتذة المذهب ، منهم :

1 - الشیخ أبو السعادات هبة الله بن علیّ البغدادی : المتوفّی (522).

2 - السیّد عماد الدین أبو الصمصام ذو الفقار بن محمد الحسینی المروزی : أدرکه الشیخ منتجب الدین حدود (520) وله یومئذٍ من العمر (115) عاماً.

3 - الشیخ أبو المحاسن مسعود بن محمد الصوانی : المتوفّی (544) کما أُرّخ فی تاریخ بیهق.

4 - الشیخ عماد الدین محمد بن أبی القاسم الطبری : مؤلّف بشارة المصطفی لشیعة المرتضی.

5 - الشیخ أبو علیّ الطبرسی : صاحب مجمع البیان ، المتوفّی (548) کما أُرّخ فی نقد الرجال (1).

6 - الشیخ رکن الدین أبو الحسن علیّ بن علیّ بن عبد الصمد النیسابوری التمیمی.

7 - الشیخ محمد بن علیّ بن عبد الصمد : أخو الشیخ رکن الدین المذکور.

8 - السیّد أبو تراب المرتضی ابن الداعی الرازی الحسنی : صاحب تبصرة العوام.

9 - السیّد أبو الحرب المجتبی ابن الداعی الرازی : أخو السیّد أبی تراب المذکور.

10 - السیّد أبو البرکات محمد بن إسماعیل الحسینی المشهدی. 6.

ص: 601


1- نقد الرجال للتفریشی : ص 266.

11 - الشیخ أبو جعفر محمد بن علیّ بن الحسن الحلبی.

12 - أبو نصر الغاری : قال صاحب الریاض (1) : لعلّه نسبة إلی الغار من قری الأحساء ، وهی معمورة إلی الآن.

13 - الشیخ أبو القاسم بن کمیح.

14 - الشیخ أبو جعفر محمد بن المرزبان.

15 - الشیخ أبو عبد الله الحسین المؤدّب القمّی.

16 - الشیخ أبو سعد الحسن بن علیّ الأرابادی.

17 - الشیخ أبو القاسم الحسن بن محمد الحدیقی.

18 - الشیخ أبو الحسین أحمد بن محمد بن علیّ بن محمد المرشکی.

19 - الشیخ هبة الله بن دعویدار.

20 - السیّد علیّ بن أبی طالب السلیقی.

21 - الشیخ أبو جعفر بن کمیح : أخو الشیخ أبی القاسم المذکور.

22 - الشیخ عبد الرحیم البغدادی المعروف بابن الأخوّة.

23 - الشیخ أبو جعفر محمد بن علیّ بن الحسن النیسابوری المقری.

24 - الشیخ محمد بن الحسن : والد شیخنا الخواجة نصیر الدین الطوسی. ذکره صاحب الروضات (2) ، ویستبعده الاعتبار ؛ إذ الشیخ والد الخواجة فی طبقة تلامذة المترجم ، ویحتمل قویّا أن یکون هو الشیخ محمد بن الحسن بن محمد الطوسی ، 7.

ص: 602


1- ریاض العلماء : 5 / 523.
2- روضات الجنّات : 4 / 7.

المکنّی بأبی نصر المتوفّی - کما فی شذرات الذهب (1) - (540) ، والله العالم.

ویروی عن شیخنا القطب جمع من أعلام الطائفة منهم :

1 - الشیخ أحمد بن علیّ بن عبد الجبّار الطبرسی القاضی.

2 - الشیخ نصیر الدین راشد بن إبراهیم البحرانی.

3 - الشیخ بابویه سعد بن محمد بن الحسن بن الحسین بن بابویه.

4 - ولد المترجم أبو الفرج عماد الدین علیّ بن قطب الدین الراوندی.

5 - القاضی جمال الدین علیّ.

6 - الشریف عزّ الدین أبو الحرث محمد بن الحسن العلوی البغدادی.

7 - الشیخ ابن شهرآشوب محمد بن علیّ السروی المازندرانی.

تآلیفه القیّمة

1 - سلوة الحزین (2)

7 - قصص الأنبیاء

2 - المغنی فی شرح النهایة - عشر مجلّدات

8 - المعارج فی شرح خطبة من نهج البلاغة

3 - تفسیر القرآن

9 - إحکام الأحکام

4 - نهیة النهایة

10 - بیان الانفرادات

5 - منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (3)

11 - الشافیة رسالة فی الغسلة الثانیة

6 - غریب النهایة

12 - التغریب فی التعریبف)

ص: 603


1- شذرات الذهب : 6 / 207 حوادث سنة 540 ه.
2- للعلاّمة النوری حول الکتاب کلمة ضافیة مفیدة فی مستدرک الوسائل : 3 / 326. (المؤلف)
3- عدّه صاحب الریاض [2 / 421] أوّل شروح نهج البلاغة ، وقد عرفت خلافه فی الجزء الرابع : ص 186 من کتابنا هذا. (المؤلف)

13 - آیات الأحکام

32 - جنی الجنّتین فی ذکر ولد العسکریّین

14 - شرح الکلمات المائة لأمیر المؤمنین

33 - تحفة العلیل

15 - الإغراب فی الإعراب

34 - أسباب النزول

16 - زهرة المباحثة

35 - أحوال أحادیثنا وإثبات صحّتها

17 - ضیاء الشهاب فی شرح الشهاب (1)

36 - أمّ القرآن

18 - تهافت الفلاسفة

37 - صلاة الآیات

19 - کتاب البحر

38 - حلّ المعقود من الجمل والعقود

20 - شجار العصابة فی غسل الجنابة

39 - فقه القرآن (2)

21 - جواهر الکلام

40 - ألقاب المعصومین

22 - النیات فی العبادات

41 - التلخیص من فصول الشعرانی

23 - فرض من حضره الأداء وعلیه القضاء

42 - الآیات المشکلة

24 - الخرائج والجرائح

43 - رسالة فی العقیقة

25 - رسالة الفقهاء

44 - شرح الذریعة للشریف المرتضی - 3 مجلدات

26 - رسالة فی الناسخ والمنسوخ من القرآن

45 - نفثة المصدور (3)

27 - شرح العوامل

46 - خلاصة التفاسیر - عشر مجلدات

28 - رسالة فی الخمس

47 - الرائع فی الشرائع - مجلّدان

29 - لباب الأخبار فی فضل آیة الکرسی

48 - الإنجاز فی شرح الإیجاز

30 - مسألة فی الخمس

49 - شرح ما یجوز وما لا یجوز من النهایة

31 - کتاب المزار

50 - الاختلاف الواقع بین شیخنا المفید

17 - ضیاء الشهاب فی شرح الشهاب (1)

36 - أمّ القرآن

وسیّدنا المرتضی فی مسائل کلامیّة تُعدّ (95) مسألة

__________________

ص: 604

(1) کتاب الشهاب للقاضی القضاعی ، شرحه المترجم سنة (553). (المؤلف)

(2) ألّفه سنة (562). (المؤلف)

(3) هی منظوماته. (المؤلف)

ص: 605

هذا ما وقفنا علیه من تآلیف المترجم ، وأحسب اتّحاد بعض منها مع بعض آخر ، کالتلخیص مع لباب الأخبار ، وأُمّ القرآن مع بعض تفاسیره.

خلفه الصالح :

وخلفه أولاد فقهاء أعلام المذهب ، وهم : الشیخ أبو الفرج عماد الدین علیّ بن قطب الدین ، فقیه ثقة کما فی فهرست الشیخ منتجب الدین (1) ، یروی عن والده القطب السعید وعن جماعة من أعاظم الطائفة ، منهم :

السیّد ضیاء الدین فضل الله بن علیّ الراوندی الکاشانی.

جمال الدین حسین بن علیّ أبو الفتوح الرازی ، المفسّر الکبیر.

سدید الدین محمود بن علیّ بن الحسن الحمصی الرازی.

أمین الدین أبو علیّ الفضل بن الحسین الطبرسی صاحب مجمع البیان.

الشیخ عبد الرحیم بن أحمد البغدادی الشهیر بابن الأخوّة.

نصّ علی ذلک کلّه صاحب المعالم فی إجازته الکبیرة ، ویروی عنه الفقیه الکبیر الشیخ أبو طالب نصیر الدین عبد الله بن حمزة بن الحسن بن علیّ بن نصیر الطوسی ، والشیخ محمد بن جعفر بن أبی البقاء الحلّی المعروف بابن نما المطلق.

ترجمه شیخنا الحرّ العاملی فی أمل الآمل (2) مرّة تحت عنوان : علیّ بن قطب الدین أبی الحسین الراوندی ، وأخری بعنوان : علیّ ابن الإمام قطب الدین سعید الراوندی ، وقال فی الموضع الأوّل : یروی عنه الشهید. انتهی. وهذا اشتباه بیّن ؛ إذ الشیخ علیّ هذا من أعلام القرن السادس وشیخنا الشهید ولد سنة (734). ن.

ص: 606


1- فهرست منتجب الدین : ص 127 رقم 275.
2- أمل الآمل : 2 / 171 و 188 رقم 511 و 559 وفیه : أبی الحسن.

وللشیخ علیّ هذا ولد عالم ذکره الشیخ منتجب الدین فی الفهرست (1) ، وأطراه بالفضل والعلم ، ألا وهو الشیخ أبو الفضائل برهان الدین محمد بن علیّ بن قطب الدین.

وولد المترجم الثانی : الشیخ نصیر الدین أبو عبد الله الحسین بن قطب الدین ، أحد شهداء أعلام الدین وحملة العلم والفضیلة ، ترجمناه فی کتابنا - شهداء الفضیلة (ص 40)

وولده الثالث : الفقیه ظهیر الدین أبو الفضل محمد بن قطب الدین ، أصفقت المعاجم علی الثناء علیه بالإمامة والثقة والعدل.

توفّی المترجم - القطب السعید - ضحوة یوم الأربعاء ، الرابع عشر من شوّال سنة ثلاث وسبعین وخمسمائة ، کما فی إجازات البحار (ص 15) نقلاً عن خط شیخنا الشهید الأوّل قدس سره ، وفی لسان المیزان (2) نقلاً عن تاریخ الریّ لابن بابویه : إنّه توفّی فی ثالث عشر شوّال ، وقبره فی الصحن الجدید من الحضرة الفاطمیّة بقم المشرّفة. 2.

ص: 607


1- فهرست منتجب الدین : ص 172 رقم 419.
2- لسان المیزان : 3 / 59 رقم 3762.

64 - سبط ابن التعاویذی

المولود (519)

المتوفّی (584)

یا سمیَّ النبیِّ یا بنَ علیّ

قامع الشرک والبتول الطهورِ

أنت تسمو علی البریّةِ طرّا

بمحلٍّ عالٍ وبیتٍ کبیرِ

عنکمُ یؤخذُ الوفاء ومنکم

یحتذی (1) الناس کلّ خیر وخیرِ

کیف أخلفتنی وما الخلفُ للم

یعاد من عادةِ الموالی الصدورِ

أنت یا ابن المختارِ أکرمُ من أن

تنظر فی أمرٍ مستفادٍ حقیرِ

أنت أولیتنیه منک ابتداءً

غیر ما مُکرهٍ ولا مجبورِ

وأخو الفضل من یُساعد فی الش

دَّة لا فی الرخاءِ والمیسورِ

أیّ عذرٍ ینوبُ عنک وما نا

بک وجهُ الصوابِ بالمعذورِ (2)

ومتی ما استمرَّ خُلفُکَ للوع

-دِ ولم تعتذرْ عن التأخیرِ

صرتُ من جملةِ النواصب لا آ

کُلُ غیرَ الجرّی والجرجیرِ

وتغسّلتُ واکتحلت ثلاثاً

وطبخت الحبوبَ فی عاشورِف)

ص: 608


1- فی مطبوع دیوانه : یجتدی. (المؤلف)
2- فی دیوانه المطبوع : وما تارک وجه الصواب بالمعذور. (المؤلف)

وطویتُ الأحزان فیه ولم أُب

دِ سروراً فی یومِ عیدِ الغدیرِ

وتبدّلتُ من مبیتیَ فی مش

هد موسی (1) بجامعِ المنصورِ

وتطهّرت من إناءِ یه

-ودیّ وفضّلته علی الخنزیرِ

ورآنی أهل التشیّع فی الکر

خ بتاموسة وذیلٍ قصیرِ

زائراً قبر مصعب بعد ما کن

ت أُوالی دفین قبر النذورِ (2)

وتخیَّرت أن یکون الزبیدیُ (3)

رفیقی فی العرض یوم النشورِ

وترانی فی الحشر فاطمةُ الطه

ر وکفِّی فی کفِّه المبتورِ

وتکون المسؤولَ أنتَ عن مؤمنٍ أل

قیته غداً فی سواء السعیرِ

هذه الأبیات أخذناها من دیوان المترجم المخطوط (4) ، کتبها إلی نقیب الکوفة وشریفها المعظّم السیّد محمد بن مختار العلوی ، یعاتبه علی عدم الوفاء بوعد کان وعده به ، وهی علی وتیرة تتریّة ابن منیر ، ولهما أشباه ونظائر مرّ الإیعاز إلیها فی (4 / 329 - 331).

الشاعر

أبو الفتح محمد بن عبید الله (5) البغدادی ، یُعرف بابن التعاویذی وبسبط ابن التعاویذی ، وکلاهما نسبة إلی جدّه لأمّه أبی محمد المبارک بن المبارک الجوهری ، المعروف بابن التعاویذی ، المولود بالکرخ سنة (496) ، والمتوفّی فی جمادی الأولی سنة (553) ، ودفن بمقبرة الشونیزیّة. ف)

ص: 609


1- یعنی مشهد الإمام موسی بن جعفر - صلوات الله علیهما - بالکاظمیة. (المؤلف)
2- کان قبر مصعب یزار فی القرون الأُولی ، کما مرّ : ص 194 من هذا الجزء. وقبر النذور مرّ تفصیله فی ص 199. (المؤلف)
3- هو لعین الأمّة عبد الرحمن بن ملجم المرادی ، قاتل أمیر المؤمنین علیه السلام. (المؤلف)
4- توجد فی مطبوع دیوانه صفحة 214. (المؤلف)
5- فی غیر واحد من المصادر : عبد الله. (المؤلف)

کان المترجم فی الصدر من شعراء الشیعة ، وفی الطلیعة من کتّابها الأفذاد ، یزدهی العراق بشعره المبهج وأدبه المبتلج ، کما أنّ الکتب ضاءت بألقٍ من کلمه ، وضاعت بعبقٍ من نشر فمه ، وقد أصفقت المعاجم علی الثناء علیه ، وذکر فضله الظاهر ومآثره الجمّة ، ففی معجم الأدباء (1) (7 / 31) : کان شاعر العراق فی وقته ، وکان کاتباً بدیوان الأقطاع ببغداد ، واجتمع به العماد الکاتب الأصبهانی لمّا کان بالعراق وصحبه مدّة ، فلمّا انتقل العماد إلی الشام واتصل بالسلطان صلاح الدین یوسف بن أیوب کان ابن التعاویذی یراسله ، فکان بینهما مراسلات ذکر بعضها العماد فی الخریدة ، وعمی أبو الفتح فی آخر عمره سنة (579) ، وله فی ذلک أشعار کثیرة یندب بها بصره وزمان شبابه ، ومدح السلطان صلاح الدین بثلاث (2) قصائد أنفذها إلیه من بغداد ، إحداها عارض بها قصیدة أبی منصور علیّ بن الحسن المعروف بصرّدر (3) ، التی أوّلها :

أکذا یُجازی ودُّ کلّ قرین

فقال ابن التعاویذی وأحسن ما شاء :

إن کان دینُکَ فی الصبابة دینی

فقف المطیّ برملتی یَبرینِ (4)

والثم ثریً لو شارفت بی هضبَهُ

أیدی المطیّ لثمتُها بجفونیف)

ص: 610


1- معجم الأدباء : 18 / 235.
2- توجد فی دیوان المترجم فی مدح صلاح الدین یوسف ست قصائد لا ثلاث ، ولعلّه أنفذ منها إلیه ثلاثاً. (المؤلف)
3- أبو منصور علیّ بن الحسن الکاتب الشاعر ، المتوفّی سنة (465) مترجم فی غیر واحد من المعاجم. (المؤلف)
4- یبرین - بالفتح ثمّ السکون - : رمل لا تدرک أطرافه عن یمین مطلع الشمس من حجر الیمامة ، وقیل : إنّه من أصقاع البحرین ، به منبران ، وهناک الرمل الموصوف بالکثرة [معجم البلدان : 5 / 427] (المؤلف)

وأنشد فؤادی فی الظباء معرِّضاً

فبغیرِ غزلانِ الصریمِ جنونی

ونشیدتی بین الخیام وإنّما

غالطتُ عنها بالظباء العینِ

لو لا العِدی لم أُکنِ عن ألحاظِها

وقدودِها بجآذرٍ وغصونِ

لله ما اشتملت علیه قبابُهمْ

یوم النوی من لؤلؤٍ مکنونِ

من کلِّ تائهةٍ علی أترابِها

فی الحسن غانیةٍ عن التحسینِ

خَوْد تُری قمرَ السماءِ إذا بدت

ما بین سالفةٍ لها وجبینِ

غادین ما لمعتْ بروقُ ثغورِهمْ

إلاّ استهلّت بالدموعِ شئونی (1)

إن تُنکروا نفسَ الصبا فلأنَّها

مرَّتْ بزفرةِ قلبیَ المحزونِ

وإذا الرکائبُ فی المسیرِ تلفَّتتْ

فحنینُها لتلفّتی وحنینی

یا سَلمُ إن ضاعت عهودی عندکمْ

فأنا الذی استودعتُ غیرَ أمینِ

أوعدتُ مغبوناً فما أنا فی الهوی

لکمُ بأوّلِ عاشقٍ مغبونِ

رفقاً فقد عسفَ الفراقُ بمطلقِ ال

عبراتِ فی أسرِ الغرامِ رهینِ

وذکر من القصیدة (32) بیتاً (2) ، ونقتطف ممّا ذکره من قصیدته الثانیة أبیاتاً من أوّلها (3) :

حتّام أرضی فی هواکَ وتغضبُ

وإلی متی تجنی علیّ وتعتبُ

ما کان لی لو لا ملالُکَ زلّةٌ

لمّا مللتَ زعمتَ أنّی مذنبُ

خذ فی أفانینِ الصدودِ فإنّ لی

قلباً علی العلاّتِ لا یتقلّبُف)

ص: 611


1- فی مطبوع دیوانه : جفونی. (المؤلف)
2- القصیدة (71) بیتاً ، نظمها سنة (575) ببغداد وأرسلها إلی دمشق ، توجد فی دیوانه المطبوع : ص 420. (المؤلف)
3- القصیدة (81) بیتاً ، نظمها سنة (580) وأنفذها علی ید رسوله إلی دمشق ، توجد فی دیوانه المطبوع : ص 22. (المؤلف)

أتظنّنی أضمرتُ یوماً سلوةً

هیهاتَ عطفُکَ من سلوّی أقربُ

لی فیک نار جوانح ما تنطفی

شوقاً وماءُ مدامع لا ینضبُ

ثمّ ذکر أبیاتاً من قصیدته الثالثة اللامیّة ، وذکر من شعره قوله من قصیدة یندب بصره :

حالان مسّتنی الحوا

دث منهما بفجیعتینِ

إظلام عین فی ضیا

ءٍ من مشیبٍ سرمدینِ (1)

صبح وإمساء معاً

لا خلفةً فاعجبْ لذینِ

قد رحتُ فی الدنیا من الس

رّاءِ صِفرَ الراحتینِ

أسوان لا حیٌّ ولا

میتٌ کهمزةِ بین بینِ

قال الأمینی : هذه القصیدة تحتوی (59) بیتاً ، مطلعها الموجود :

أتری تعودُ لنا کما

سلفت لیالی الأبرقینِ

ویقول فیها :

فأناخ فی آلِ الرسولِ

مجاهراً برزیئتینِ

بدءاً برزءٍ فی أبی

حسن وعَوْداً فی الحسینِ

الطیِّبین الطاهرین

الخیِّرین الفاضلینِ

المدلیینِ إلی النبیِ

محمدٍ بقرابتینِ (2)ف)

ص: 612


1- فی مطبوع دیوانه : إظلام عینٍ فی ضیا ءِ مشیب رأس سرمدین (المؤلف)
2- ذکرت فی دیوانه المطبوع : ص 435. (المؤلف)

وذکر الحموی (1) من شعره قوله :

سقاکِ سارٍ من الوسمیِّ هتّانُ

ولا رقَت للغوادی فیک أجفانُ

یا دار لهوی وإطرابی ومعهد

أترابی ولِلَّهو أوطارٌ وأوطانُ (2)

أعائدٌ لیَ ماضٍ من جدیدِ هویً

أبلیتُه وشبابٌ فیکِ فینانُ (3)

إذ الرقیبُ لنا عینٌ مساعدةٌ

والکاشحون لنا فی الحبِّ أعوانُ

وإذ جمیلَةُ تولینی الجمیلَ وعن

-د الغانیاتِ وراء الحسنِ إحسانُ

ولی إلی البانِ من رمل الحمی طرفٌ

فالیومَ لا الرملُ یصبینی ولا البانُ

وما عسی یُدرک المشتاقُ من وطرٍ

إذا بکی الربعُ والأحبابُ قد بانوا

إنَّ المغانی معانٍ والمنازل أم

واتٌ إذا لم یکن فیهنَّ سکّانُ

لله کم قمرت لُبِّی بجوِّک أق

مارٌ وکم غازلتنی فیک غزلانُ

ولیلةَ باتَ یجلو الراحَ من یدِهِ

فیها أغنٌّ خفیفُ الروحِ جذلانُ

خالٍ من الهمِّ فی خلخاله حَرجٌ

فقلبهُ فارغٌ والقلبُ ملآنُ

یُذْکی الجوی باردٌ من ریقِه شبمٌ

ویوقدُ الظرفَ طرفٌ منه وسنانُ (4)

إن یُمسِ ریَّانَ من ماءِ الشبابِ فلی

قلبٌ إلی ریقهِ المعسولِ ظمآنُ

بین السیوف وعینیهِ مشارکةٌ

من أجلها قیل للأغمادِ أجفانُ

فکیف أصحو غراماً أو أُفیق جویً

وقدُّه ثملٌ بالتِّیهِ نشوانُ

أفدیه من غادرٍ بالعهد غادرنی

صدوده ودموعی فیه غُدرانُ

فی خدِّه وثنایاه ومقلتِهِ

وفی عذاریه للعشّاقِ بستانُف)

ص: 613


1- معجم الأدباء : 18 / 244 - 249.
2- فی دیوانه : وللهو والإطراب أوطانی. (المؤلف)
3- أی غضّ ناعم. (المؤلف)
4- فی دیوانه : ویوقظ الوجد طرف منه وسنان. شبم : شدید البرودة. (المؤلف)

شقائقٌ وأقاحٍ نبته خضلٌ (1)

ونرجسٌ أنا منه الدهرَ سکرانُ (2)

وکان له راتب فی الدیوان فلمّا عمی طلب أن یجعل باسم أولاده ، ثمّ کتب هذه القصیدة ورفعها إلی الخلیفة الناصر التمس بها تجدید راتب مدّة حیاته :

خلیفة الله أنت بالدین والدنیا

وأمر الإسلام مضطلعُ

إلی آخر [الأبیات]

ثمّ قال : وکلُّ شعر أبی الفتح غرر ، ودیوانه کبیر یدخل فی مجلّدین جمعه بنفسه قبل أن یضرّ ، وافتتحه بخطبة لطیفة ، ورتّبه علی أربعة أبواب ، وما حدّث من شعره بعد العمی سمّاه الزیادات ، وهی ملحقة ببعض نسخ دیوانه المتداولة وبعض النسخ خلو منها ، وله کتاب سمّاه الحجبة والحجّاب ، فی مجلّد کبیر ونسخه قلیلة.

ولد أبو الفتح بن التعاویذی فی الیوم العاشر من رجب سنة (519) وتوفّی فی ثانی شوّال سنة (583) ببغداد ، ودفن فی مقبرة باب أبرز. انتهی ملخصاً.

وفی تاریخ ابن خلکان (3) (2 / 123) : أبو الفتح بن التعاویذی نسب إلی جده لأُمّه أبی محمد المبارک ؛ لأنّه کفله صغیراً ونشأ فی حجره ، وکان أبو الفتح هذا شاعر وقته لم یکن مثله ، جمع شعره بین جزالة الألفاظ وعذوبتها ، ورقّة المعانی ودقّتها ، وهو فی غایة الحسن والحلاوة ، وفیما أعتقده لم یکن قبله بمائتی سنة من یُضاهیه ، 0.

ص: 614


1- شقائق - ویقال له شقائق النعمان - : نبت بستانی أحمر. والأقاحی جمع الأقحوان : هو زهرالبابونج. (المؤلف)
2- فیه تصحیف وصحیحه : ونرجس عبق غض وریحان. وبعده قوله : ما زال یمزج کأسی من مراشفه بقهوة أنا منها الدهر سکران والقصیدة تناهز (77) بیتاً نظمها سنة (581) یمدح بها الناصر لدین الله فی عید الفطر ، توجد فی دیوانه : ص 412. (المؤلف)
3- وفیات الأعیان : 4 / 466 رقم 680.

ولا یُؤاخذنی من یقف علی هذا الفضل فإنّ ذلک یختلف بمیل الطباع ، ولله درّ القائل :

وللناس فیما یعشقون مذاهبُ

وکان کاتباً بدیوان المقاطعات ، وعمی فی آخر عمره سنة (579) ثمّ ذکر ما یقرب من کلام نقلناه عن معجم الأدباء (1) ، وروی من شعره ما یربو علی سبعین بیتاً ، وقال : أوردت هذه المقاطیع من شعره لکونها مستملحة ، وأمّا قصائده المشتملة علی النسیب والمدح فإنّها فی غایة الحسن ، وصنّف کتاباً سمّاه الحجبة والحجّاب ، وترجمه العماد الأصبهانی فی کتاب الخریدة وأثنی علیه بقوله : هو شاب فیه فضل ، وآداب ، ورئاسة ، وکیاسة ، ومروّة ، وأبوّة ، وفتوّة ، وجمعنی وإیّاه صدق العقیدة فی عقد الصداقة ، وقد کملت به أسباب الظرف واللطف واللباقة ، وکانت ولادته فی العاشر من رجب یوم الجمعة سنة (519) وتوفّی فی ثانی شوّال سنة أربع وقیل : ثلاث وثمانین وخمسمائة ببغداد ، ودُفن فی باب أبرز. وقال ابن النجّار : مولده یوم الجمعة ومات یوم السبت (18) شوّال. انتهی تلخیص ما فی تاریخ ابن خلکان.

وذکره (2) أبو الفداء فی تاریخه (3 / 80) ، وابن شحنة فی روض المناظر ، وابن کثیر فی تاریخه (12 / 329) ، وصاحب شذرات الذهب (4 / 281) ، ومؤلِّف نسمة السحر (ج 2). ولم أجد خلافاً فی تاریخ ولادته غیر أن عبد الحیّ أرّخه فی شذراته بسنة (510) ولم نقف علی مصدره.

وترجمه الیافعی فی موضعین من مرآة الجنان (3 / 304 ، 429) ، وقال فی الموضع الأول : ذکر بعض المؤرِّخین موته فی سنة (553) ، وذکر بعضهم فی سنة أربع وثمانین. 3.

ص: 615


1- معجم الأدباء : 18 / 235.
2- المختصر فی تاریخ البشر : 3 / 76 ، روض المناظر : 2 / 171 ، البدایة والنهایة : 12 / 402 حوادث سنة 583 ه ، شذرات الذهب : 6 / 462 حوادث سنة 584 ه ، وفیه کما فی غیره من المصادر : أنّه ولد سنة 519 ، نسمة السحر : مج 9 / ج 2 / 513.

انتهی. قد عرفت أنّ سنة (553) هی تاریخ وفاة جدّ المترجم له المعروف بابن التعاویذی ، ورثاه سبطه فی وقته ، واشتبه الأمر علی بعض المؤرّخین بموت المترجم له ، ولعلّه لشهرتهما بابن التعاویذی.

وتوجد ترجمته فی تاریخ آداب اللغة العربیّة (1) وفیه : أنّه توفّی سنة (538) ، وأحسبه تصحیف (583) ، وقال فرید وجدی فی دائرة المعارف (6 / 777) : إنّه ولد سنة (516) وتوفیّ سنة (583 أو 586) ، وفی کلا التاریخین تصحیف.

والواقف علی دیوان المترجم جدّ علیم بتاریخ وفاته ، إذ قصائده مؤرّخة بسنیّ نظمها ، وأکثرها من سنة سبعین إلی أربع وثمانین ، وفیه قصیدته فی رثاء جدّه المبارک ، المتوفّی سنة (553) وهی مؤرّخة بها ، وله قصیدتان مؤرّختان بسنة (583) إحداهما فی مدح الناصر لدین الله أبی العباس أحمد ، والأخری فی مدح الوزیر جلال الدین أبی المظفّر عبید الله بن یونس وتهنئته بالوزارة ، نظمها فی عید الأضحی من سنة (583) ، فبعد کون وفاته فی شوّال من المتسالم علیه لم یبقَ إشکال فی أنّه توفّی سنة (584) ، والله العالم.

ومن شعره قوله فی رثاء الإمام السبط الشهید - صلوات الله علیه :

أرقتُ للمع برقٍ حاجریِ (2)

تألّق کالیمانی المشرفیِ

أضاء لنا الأجارعَ مستطیراً

سناه وعاد کالنبضِ الخفیِ (3)ف)

ص: 616


1- مؤلّفات جرجی زیدان الکاملة - تاریخ آداب اللغة العربیة - : مج 14 / 253.
2- حاجری : نسبة إلی حاجر کانت بلیدة بالحجاز فاندرست ، وقد استعملها الشعراء کثیراً فی شعرهم ، وقد أکثر أبو یحیی عیسی بن سنجر الإربلی ، المتوفّی (632) استعمالها فی شعره ، فلُقّب بالحاجری وعرف به ، ولم یکن منها. (المؤلف)
3- وفی المطبوع من دیوانه : أضاء لنا الأجارع مسبطرّا وعاد سناه کالبیض الخفی (المؤلف)

کأنَّ ومیضَهُ لمعُ الثنایا

إذا ابتسمت وإشراقُ الحلیِ

فأذکَرَنی وجوهَ الغیدِ بیضاً

سوالفُها ولم أکُ بالنسیِ

وعصرَ خلاعةٍ أحمدت فیه ال

شباب وصحبة العیش الرخیِ

ولیلی بعد ما مطلت دیونی

ولا حالت عن العهد الوفیِ

منعّمةً شقیتُ بها ولولا ال

هوی ما کنت ذا بالٍ شقیِ

تزیدُ القلبَ بلبالاً ووجداً

إذا نظرتْ بطرفٍ بابلیِ

أتیهُ صبابةً وتتیهُ حسناً

فویلٌ للشجیِّ من الخلیِ

إذا استشفیتُها وجدی رمتنی

بداءٍ من لواحظها دویِ

ولولا حبُّها لم یُصِب قلبی

سنا برقٍ تألّق فی دجیِ (1)

أجاب وقد دعانی الشوق دمعی

وقِدماً کنت ذا دمعٍ عصیِ

وقفتُ علی الدیارِ فما أصاختْ

معالمُها لمحتزنٍ بکیِ

أُروِّی تُربَها الصادی کأنّی

نزحت الدمعَ فیها من رکیِ

ولو أکرمتِ دمعَکِ یا شئونی

بکیتِ علی الإمامِ الفاطمیِ

علی المقتولِ ظمآناً فجودی

علی الظمآنِ بالجفنِ الرویِ

علی نجمِ الهدی الساری وبحر ال

علومِ وذروةِ الشرفِ العلیِ

علی الحامی بأطرافِ العوالی

حمی الإسلامِ والبطلِ الکمیِ

علی الباعِ الرحیبِ إذا ألمّتْ

به الأزماتُ والکفِّ السخیِ

علی أندی الأنامِ یداً ووجهاً

وأرجحِهمْ وقاراً فی الندیِ

وخیرِ العالمینِ أباً وأُمّا

وأطهرِهمْ ثری عِرقٍ زکیِ

لئِن دفعوه ظلماً عن حقوقِ ال

خلافةِ بالوشیج السمهریِ

فما دفعوه عن حسبٍ کریمٍ

ولا ذادوه عن خُلقٍ رضیِف)

ص: 617


1- کذا فی دیوانه المخطوط ، وفی المطبوع : فی حبیّ. الحبیّ : السحاب الکثیف الذی یدنو من الأرض. (المؤلف)

لقد فصموا عری الإسلامِ عَوداً

وبَدءاً فی الحسین وفی علیِ

ویومُ الطفِّ قام لیومِ بدرٍ

بأخذ الثارِ فی آلِ النبیِ

فثنّوا بالإمام أما کفاهم

ضلالاً ما جنوه علی الوصیِ

رموهُ عن قلوبٍ قاسیاتٍ

بأطراف الأسنّةِ والقسیِ

وأسری مُقدِماً عمرُ بنُ سعد

إلیه بکلِّ شیطانٍ غویِ

سفوکٍ للدماء علی انتهاکِ ال

محارم جدّ مِقدامٍ جریِ

أتاه بمحنقینَ تجیشُ غیظاً

صدورُهمُ وجیشٍ کالأتیِ

أطافوا محدقینَ به وعاجوا

علیهِ بکلِّ طرفٍ أعوجیِ

وکلّ مثقّفٍ لَدن وعضبٍ

سریجیّ ودرعٍ سابریِ (1)

فأنحوا بالصوارمِ مسرعاتٍ

علی البرِّ النقیِّ ابن النقیِ

وجوهُ النار مظلمةً أکبّت

علی الوجهِ الهلالیِّ الوضیِ

فیا لکَ من إمامٍ ضرَّجوه ال

دم القانی بخرصانِ القنیِ (2)

بکته الأرضُ إجلالاً وحزناً

لمصرعِه وأملاکُ السمیِ

وغودرتِ الخیامُ بغیر حامٍ

یُناضلُ دونهنَّ ولا ولیِ

فما عطفَ البغاةُ علی الفتاةِ ال

حصانِ ولا علی الطفلِ الصبیِ

ولا بذلوا لخائفةٍ أماناً

ولا سمحوا لظمآنٍ بریِ

ولا سفروا لثاماً عن حیاءٍ

ولا کرمٍ ولا أنفٍ حَمیِ

وساقوا ذود أهلِ الحقِّ ظلماً

وعدواناً إلی الوِرد الوبیِ

تَذودُهمُ الرماحُ کما یُذادُ ال

رکابُ عن المواردِ بالعِصیِف)

ص: 618


1- المثقّف : الرمح ، ویقال : ثقف الرمح أی قوّمه وسوّاه. اللدین : اللیّن. العضب : السیف القاطع. السریجی : نسبة إلی رجل اسمه سریج کان ماهراً بصنعة السیوف. السابری : درع دقیقة النسج محکمة(المؤلف)
2- الخرصان - جمع الخرص - : الرمح القصیر ، السنان. القنا - جمع القناة - الرمح أو عوده. (المؤلف)

وساروا بالکرائمِ من قریشٍ

سبایا فوق أکوار المطیِ

فیا لله یوم نعوه ما ذا

وعی سمعٌ الرسول من النعیِ

ولو رام الحیاةَ نجا إلیها

بعزمتِهِ نجاءَ المضرحیِ (1)

ولکنَّ المنیّةَ تحت ظلِّ ال

رقاقِ البیضِ أجدرُ بالأبیِ

فیا عُصَبَ الضلالةِ کیف جزتمْ

عناداً عن صراطِکمُ السویِ

وکیف عدلتمُ مولودَ حِجرِ ال

نبوّةِ بالغویِّ ابن الغویِ (2)

فألقیتمْ وعهدُکمُ قریبٌ

وراء ظهورِکم عهدَ النبیِ

وأخفیتمْ نفاقکمُ إلی أن

وثبتمْ وثبةَ الذئبِ الضریِ

وأبدیتمْ حقودَکمُ وعُدتمْ

إلی الدینِ القدیمِ الجاهلیِ

ولولا الضغنُ ما ملتمْ علی ذی ال

قرابةِ للبعیدِ الأجنبیِ

کفی خزیاً ضمانُکمُ لقتلِ ال

حسینِ جوائزَ الرفدِ السنیِ

وبیعکمُ لأُخراکم سفاهاً

بمبرورٍ من الدنیا بریِ (3)

وحسبکمُ غداً بأبیه خصماً

إذا عُرِفَ السقیمُ من البریِ

صلیتم حزبه بغیاً فأنتم

لنارِ اللهِ أولی بالصلیِ

وحرّمتمْ علیهِ الماءَ لؤماً

وأسقینا إلی الخلق الدنیِ (4)

وأوردتمْ جیادَکمُ وأظمی

تموهُ شربتمُ غیرَ الهنیِ

وفی صفِّینَ عاندتمْ أباهُ

وأعرضتمْ عن الحقِّ الجلیِف)

ص: 619


1- نجا ینجو نجاءً : أسرع وسبق. المضرح والمضرحی : الصقر ، النسر الطویل الجناح. (المؤلف)
2- هذا البیت حرّفته ید الطبع عن دیوانه. (المؤلف)
3- فی نسخة أخری صحیحة : وبیعتکم لأخزاکم سفاهاً بمنزور من الدنیا بکیِ المنزور من النزر : أی القلیل. بکیّ : القلیل ، یقال : أیدٍ بکاء : أی قلیلة العطاء. (المؤلف)
4- فی نسخة : وإسفافاً إلی الخلق الدنیّ ، وفی دیوانه المطبوع : وإشفاقاً. (المؤلف)

وخادعتم إمامَکمُ خداعاً

أتیتم فیه بالأمرِ الفریِ

إماماً کان یُنصفُ بالقضایا

ویأخذُ للضعیفِ من القویِ

وأنکرتم حدیثَ الشمسِ رُدّتْ

لهُ وطویتمُ خبرَ الطویّ (1)

فجوزیتمْ لبغضکمُ علیّا

عذابَ الخلدِ فی الدرکِ القصیِ

سأُهدی للأئمّة من سلامی

وغُرِّ مدائحی أزکی هَدیِ

سلاماً أُتبع الوسمیّ منه

علی تلک المشاهدِ بالولیِ (2)

وأکسو عاتقَ الأیّام منها

حبائرَ کالرداءِ العبقریِ

حساناً لا أُرید بهنَّ إلاّ

مساءةَ کلِّ باغٍ خارجیِ

یضوعُ لها إذا نُشرت أریجٌ

کنشرِ لطائمِ المسکِ الذکیِ (3)

کأنفاسِ النسیم سری بلیلٍ

یهزُّ ذوائبَ الوردِ الجنیِ

لِطیبةَ والبقیعِ وکربلاءٍ

وسامراءَ تغدو والغریِ

وزوراءِ العراقِ وأرضِ طوسٍ

سقاها الغیثُ من بلدٍ قصیِ

فحیّا اللهُ من وارته تلک ال

قبابُ البیضُ من حَبرٍ تقیِ

وأسبل ثوبَ رحمته دراکاً

علیها بالغدوِّ وبالعشیِ

فذخری للمعاد ولاءُ قومٍ

بهم عُرِفَ السعیدُ من الشقیِ

کفانی علمهمْ أنِّی مُعادٍ

عدوَّهمُ موالٍ للولیِ (4)ف)

ص: 620


1- الطوی والطویة : البئر المطویة ، أشار بهذا البیت إلی حدیث ردّ الشمس لأمیر المؤمنین علیه السلام ، وقد أسلفناه وکلمات الأعلام حوله فی الجزء الثالث : ص 126 - 141 ، وإلی حدیث انحداره علیه السلام بئراً بعیدة القعر لیلة بدر ، وقد مرّ فی الجزء الثالث : ص 395 ، وقد ذکره الإمام أحمد فی المناقب [ص 116 ح 171] (المؤلف)
2- الوسمی : أوّل مطر الربیع. والولی : المطر بعد المطر. (المؤلف)
3- لطائم - جمع اللطیمة - : نافجة المسک. (المؤلف)
4- هذه القصیدة ذکر منها صاحب نسمة السحر (45) بیتاً ، [مج 9 / ج 2 / 514] ، ونحن أخذناها من دیوانه المخطوط. (المؤلف)

ص: 621

شعراء الغدیر فی القرن السابع

اشارة

1 - أبو الحسن المنصور بالله

2 - مجد الدین بن جمیل

3 - الشوّاء الکوفی الحلبی

4 - کمال الدین الشافعی

5 - أبو محمد المنصور بالله

6 - أبو الحسین الجزّار

7 - شمس الدین محفوظ

8 - بهاء الدین الإربلی

ص: 622

ص: 623

65 - أبو الحسن المنصور بالله

وُلد (561)

توفّی (614)

بنی عمِّنا إنّ یومَ الغدیرِ

یشهدُ للفارسِ المعلمِ

أبونا علیٌّ وصیُّ الرسولِ

ومن خصّه باللوا الأعظمِ

لکم حرمةٌ بانتسابٍ إلیه

وها نحن من لحمهِ والدمِ

لئِن کان یجمعنا هاشمٌ

فأین السنام من المنسمِ

وإن کنتم کنجومِ السماء

فنحنُ الأهلّةُ للأنجمِ

ونحن بنو بنته دونکمْ

ونحن بنو عمِّه المسلمِ

حماه أبونا أبو طالبٍ

وأسلم والناسُ لم تُسلمِ

وقد کان یکتمُ إیمانَهُ

فأمّا الولاء فلا یکتمِ

وأیّ الفضائلِ لم نحوِها

ببذلِ النوالِ وضرب الکمی

قَفَوْنا محمدَ فی فعلِهِ

وأنتمْ قفوتمْ أبا مجرمِ (1)

هدی لکم الملکَ هدیَ العروسِ

فکافیتموهُ بسفکِ الدمِ

ورثنا الکتابَ وأحکامَهُ

علی مفصحِ الناسِ والأعجمِ

فإن تفزعوا نحو أوتارِکمْ

فزعنا إلی آیةِ المحکمِ

أشربُ الخمورِ وفعلُ الفجورِ

من شِیَمِ النفرِ الأکرمِف)

ص: 624


1- یعنی أبا مسلم الخراسانی عبد الرحمن القائم بالدعوة العباسیة سنة (129). (المؤلف)

قتلتمْ هداةَ الوری الطاهرین

کفعلِ یزیدَ الشقیِّ العمی

فخرتمْ بملکٍ لکمْ زائلٍ

یقصِّرُ عن ملکِنا الأدومِ

ولا بدَّ للملکِ من رجعةٍ

إلی مسلکِ المنهجِ الأقومِ

إلی النفر الشمِّ أهل الکسا

ومن طلبَ الحقَّ لم یظلمِ

هذه الأبیات نظمها المترجم له فی جمادی الأولی سنة (602) یعارض بها قصیدة ابن المعتزّ المیمیّة التی أوّلها :

بنی عمّنا أرجعوا ودّنا

وسیروا علی السنن الأقومِ

لنا مفخرٌ ولکم مفخرٌ

ومن یُؤثر الحقّ لم یندمِ

فأنتم بنو بنتِهِ دونَنا

ونحن بنو عمّه المسلمِ

وله من قصیدة تشتمل علی (55) بیتاً :

عجبتَ فهل عجبتَ لفیضِ دمعٍ

لموحشةٍ علی طللٍ ورسمِ

وما یغنیک من طللٍ محیلٍ

لهندٍ أو لجُملٍ أو لنُعمِ

فعدن عن المنازلِ والتصابی

وهات لنا حدیثَ غدیرِ خمِ

فیا لک موقفاً ما کان أسنی

ولکن مرَّ فی آذان صمِ

لقد مال الأنامُ معاً علینا

کأنَّ خروجَنا من خلف ردمِ

هدینا الناس کلَّهمُ جمیعاً

وکم بین المبیِّن والمعمِّی

فکان جزاؤنا منهم قراعاً

ببیضِ الهندِ فی الرهج الأجمِ

همُ قتلوا أبا حسنٍ علیّا

وغالوا سبطَهُ حسناً بسمِ

وهم حظروا الفراتَ علی حسینٍ

وما صابوه من نصل وسهم (1)ف)

ص: 625


1- توجد القصیدتان فی الحدائق الوردیة [2 / 183 و 169] ، وجملة من الأولی مذکورة فی نسمة السحر [مج 8 / ج 2 / 339]. (المؤلف)

الشاعر

الإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة بن سلیمان بن حمزة بن علیّ بن حمزة بن هاشم بن الحسن بن عبد الرحمن بن یحیی بن أبی محمد عبد الله بن الحسین بن ترجمان الدین القاسم بن إبراهیم طباطبا بن إسماعیل بن إبراهیم بن الحسن بن الحسن ابن الإمام علیّ بن أبی طالب ؛ أحد أئمّة الزیدیّة فی دیار الیمن ، قرن بین شرف النسب والمجد المکتسب ، وضمّ إلی شرفه الوضّاح علماً جمّا ، وإلی نسبه العلویّ الشریف فضائل کثیرة ، جمع بین السیف والقلم فرفّ علیه العِلم والعَلم ، وشفع علمه الرائق بأدبه الفائق ، فأصبح إمام الیمن فی المذهب ، وفی الجبهة والسنام من فقهائها ، کما أنَّه عُدَّ من أفذاذ مؤلّفیها ، وأشعر الدعاة من أئمّتها ، بل أشعر أئمّة الزیدیّة علی الإطلاق کما قاله صاحبا الحدائق والنسمة.

کان آیة فی الحفظ ، حکی جمال الدین عمران بن الحسن عن بعض المعروفین بقوّة الحافظة : إنّی أحفظ مائة ألف بیت شعر ، وفلان - ذکر رجلاً من أهل الأدب - یحفظ أیضاً مثلی ، ونحن لا نعدُّ حفظنا إلی جنب حفظ الإمام المنصور بالله شیئاً.

وقال عماد الدین ذو الشرفین : رأیت مع الإمام مجلّداً فی الشعر فقال : قرأته وحفظته فخذه وسلنی عن أیّ قصیدة منه شئت ، فجعلت أسأله من أوّله ووسطه وآخره ، وأنا أذکر له بیتاً من القصیدة فیأتی بتمامها.

قرأ فی الأُصولین علی حسام الدین أبی محمد الحسن بن محمد الرصاص ، وألّف کتباً ممتعة فی شتّی المواضیع من الفقه وأصوله والکلام والحدیث والمذهب والأدب ، منها :

1 - صفوة الاختیار فی أصول الفقه.

ص: 626

2 - حدیقة الحکم النبویّة شرح الأربعین السلفیّة.

3 - الشافی فی أُصول الدین - أربعة أجزاء.

4 - الرسالة الهادیة بالأدلّة البادیة ، فی السبی.

5 - الأجوبة الکافیة بالأدلّة الوافیة.

6 - الدرّة الیمنیّة فی أحکام السبی والغنیمة.

7 - الاختیار المنصوریّة فی المسائل الفقهیّة.

8 - الإیضاح لعجمة الإفصاح ، أکثره یتعلّق بالسیر.

9 - کتاب الفتاوی ، مرتّب علی کتب الفقه.

10 - الرسالة القاهرة بالأدلّة الباهرة ، فی الفقه.

11 - الرسالة الحاکمة بالأدلّة العالمة.

12 - الناصحة المشیرة بترک الاعتراض علی السیرة.

13 - العقیدة النبویّة فی الأُصول الدینیّة.

14 - الرسالة الفارقة بین الزیدیّة والمارقة.

15 - الرسالة النافعة بالأدلّة القاطعة.

16 - الرسالة الکافیة إلی أهل العقول الوافیة.

17 - الرسالة الناصحة بالأدلّة الواضحة (1).

18 - الجوهرة الشفّافة فی جواب الرسالة الطوّافة (2).

19 - الأجوبة الرافعة للإشکال.

20 - الزبدة فی أصول الدین.

21 - العقد الثمین فی الإمامة. ف)

ص: 627


1- فی جزءین : الأوّل فی أصول الدین ، والثانی فی فضائل العترة الطاهرة. (المؤلف)
2- رسالة أنشأها رجل متفلسف أشعری مصری تحتوی نیّفاً وأربعین مسألة فی أُصول الدین. (المؤلف)

22 - القاطعة للأوراد فی الجهاد.

23 - کتاب تحفة الإخوان.

24 - الرسالة التهامیّة ، دیوانه.

کان المترجم یجاهد ویجادل دون دعایته فی الإمامة ، وله فی ذلک مواقف ومجاهدات ، وکانت بدء دعوته سنة (593) فی شهر ذی القعدة ، وبایعه الناس فی ربیع الأوّل سنة (594) ، وأرسل دعاته إلی خوارزم شاه المتوفّی (622) وتلقّاهم السلطان بالقبول والإکرام ، وأشغل ردحاً من الزمن منصّة الزعامة فی الدیار الیمنیّة إلی أن توفّی سنة (614) ، وکانت ولادته سنة (561) ، ومن مختار ما رُثی به قصیدة ولده الناصر لدین الله أبی القاسم محمد بن عبد الله ، وهی واحد وأربعون بیتاً مطلعها :

بفی الشامتین التربُ إن یکُ نالنی

مصابُ أبی أو هدَّ من عظمه أزری

علی حین أعیا المقرباتِ فراقُه

وشنّت له أنیابُ ذی لبدٍ حسرِ

فإن یک نسوانٌ بکین فقد بکتْ

علیه الثریّا فی کواکبها الزهرِ

وإن تشمتِ الأعداءُ یوماً فإنَّنی

علی حدثانِ الدهرِ کالکوکبِ الدرّی

توجد فی الحدائق الوردیّة (1) للمترجم ترجمة ضافیة فی ستّین صحیفة ، تحتوی جملة من کتاباته وخطاباته فی دعایاته وجهاداته ، وشیئاً کثیراً من مناقبه وکراماته ومقاماته ، وشطراً وافراً من شعره فی مواضیع متنوّعة ، ومنه قوله کتبه إلی زوجته المسمّاة - متعة - یُعزّیها عن أخیها :

الحمدُ للهِ الذی لم یزْل

أحکامُه فی خلقه ماضیه

وکلُّ من کان بها راضیاً

فإنَّه فی عیشةٍ راضیه

وکلُّ من کان لها ساخطاً

فأُمّه فی سقرٍ هاویه9.

ص: 628


1- الحدائق الوردیة : 2 / 133 - 199.

کم قائلٍ قد قال یا لیتَها

عند الرزایا کانت القاضیه

یا بنت فضلٍ أین فضلٌ وهل

باقٍ علی الأیّام أو باقیه

کم من ملوکٍ طال ما عمّروا

فهل لهم فی الأرضِ من باقیه

أین النبیُّ المصطفی أحمدٌ

وصنوه حیدرٌ والزاکیه

فسلّمی الأمرَ لمن أمرُهُ

ینطحُ غلبَ العصَبِ العالیه

ومن إذا عاصاه ذو نخوةٍ

صبَّ علیه الأخذةَ الرابیه

لا یغلب اللهَ علی أمرِهِ النافذِ

من راقٍ ولا راقیه

إلی آخر [الأبیات]

ومن قصیدة کبیرة له فی الحماسة یذکر أجداده بأسمائهم ویفتخر بهم :

کم بین قولی عن أبی عن جدِّه

وأبو أبی فهو النبیُّ الهادی

وفتیً یقول حکی لنا أشیاخُنا

ما ذلک الإسنادُ من إسنادی

ما أحسنَ النظرَ البلیغَ لمنصفٍ

فی مقتضی الإصدارِ والإیرادِ

خذ ما دنا ودعِ البعیدَ لشأنِهِ

یغنیکَ دانیهِ عن الأبعادِ

ذکر صاحب الحدائق له من الأولاد الذکور :

محمد الناصر لدین الله ، أحمد المتوکّل علی الله ، علیّ ، حمزة درج صغیراً ، إبراهیم ، سلیمان ، الحسن ، موسی ، یحیی ، إدریس درج صغیراً ، القاسم ، فضل درج ، جعفر لا عقب له ، عیسی لا عقب له ، داود ، حسین درج.

ومن البنات : زینب ، سیّدة ، فاطمة ، جمانة ، رملة ، نفیسة ، مریم ، مهدیّة ، آمنة ، عاتکة ، وللمترجم ترجمة فی نسمة السحر فیمن تشیّع وشعر (1) (ج 2). 9.

ص: 629


1- نسمة السحر : مج 8 / ج 2 / 339.

66 - مجد الدین بن جمیل

المتوفّی (616)

ألمّت وهی حاسرةٌ لثاما

وقد ملأتْ ذوائبُها الظلاما

وأجرت أدمعاً کالطلِّ هبَّت

له ریحُ الصبا فجری تواما

وقالت أقصدتک یدُ اللیالی

وکنتَ لخائفٍ منها عصاما

وأعوزک الیسیرُ وکنت فینا

ثمالاً للأرامل والیتامی

فقلت لها کذاکِ الدهرُ یجنی

فقرّی وارقبی الشهرَ الحراما

فأنِّی سوف أدعو اللهَ فیه

وأجعلُ مدحَ حیدرةٍ إماما

وأبعثها إلیه منقَّحاتٍ

یفوحُ المسکُ منها والخزامی

تزور فتی کأنّ أبا قُبَیسٍ

تسنّمَ منکبیه أو شماما (1)

أغرٌّ له إذا ذکرت أیاد

عطاءٌ وابلٌ یشفی الأواما

وأبلجُ لو ألمَّ به ابن هندٍ

لأوسعه حباءً وابتساما

ولو رمقَ السماءَ ولیس فیها

حیاً لاستمطرت غیثاً رکاما

وتلثمُ من ترابِ أبی ترابٍ

تراباً یُبرئ الداءَ العقاما

فتحظی عنده وتؤوُب عنه

وقد فازتْ وأدرکتِ المراما

بقصد أخی النبیِّ ومن حباه

بأوصافٍ یفوق بها الأنامان.

ص: 630


1- أبو قُبَیس وشمام : اسما جبلین.

ومَن أعطاه یومَ غدیرِ خمٍ

صریحَ المجدِ والشرفَ القدامی

ومن رُدَّت ذکاءٌ له فصلّی

أداءً بعد ما ثنت اللثاما (1)

وآثرَ بالطعامِ وقد توالتْ

ثلاثٌ لم یذُقْ فیها طعاما

بقرصٍ من شعیرٍ لیس یرضی

سوی الملحِ الجریشِ له إداما

فردَّ علیه ذاک القرصُ قرصاً

وزاد علیه ذاک القرص جاما

أبا حسن وأنت فتیً إذا ما

دعاه المستجیرُ حمَی وحاما

أزرتک یقظةً غررَ القوافی

فزرنی یا ابن فاطمة مناما

وبشِّرنی بأنَّک لی مجیرٌ

وأنَّک مانعی من أن أُضاما

فکیف یخافُ حادثةَ اللیالی

فتیً یعطیه حیدرةٌ ذماما

سقتک سحائبُ الرضوانِ سحّا

کفیضِ یدیکَ ینسجمُ انسجاما

وزار ضریحَکَ الأملاکُ صفّا

علی مغناک تزدحمُ ازدحاما

ولا زالت روایا المزن تهدی

إلی النجفِ التحیّةَ والسلاما

ما یتبع الشعر

وقفت فی غیر واحد من المجامیع العتیقة المخطوطة علی أنّ مجد الدین بن جمیل کان صاحب المخزن فی زمن الناصر فنقم علیه وأودعه السجن ، فسأله رجال الدولة من الأکابر فلم یقبل فیه شفاعة أحد ، وترکه فی الحجرة مدّة عشرین سنة ، فخطر علی قلبه أن یمدح الإمام علیّ بن أبی طالب علیه السلام فمدحه بهذه الأبیات ، ونام فرآه فی ما یراه النائم وهو یقول : الساعة تخرج ؛ فانتبه فرحاً وجعل یجمع رحله ، فقال له الحاضرون : ما الخبر؟ فقال لهم : الساعة أخرج ؛ فجعل أهل السجن یتغامزون ویقولون : تغیّر عقله. ف)

ص: 631


1- أداء بعد ما کست الظلاما. کذا فی بعض النسخ. (المؤلف)

وأمّا الناصر فإنّه أیضاً رأی أمیر المؤمنین فی الطیف ، فقال له علیه السلام : أخرج ابن جمیل فی هذه الساعة ؛ فانتبه مذعوراً وتعوّذ من الشیطان ونام ، فأتاه علیه السلام ثانیاً وقال له مثل الأوّل ، فقال : ما هذا الوسواس؟ فأتاه ثالثة وأمره بإخراجه ، فانتبه وأنفذ فی الحال من یطلقه ، فلمّا طرق الباب قال : والله وذا أنا متهیّئ ؛ فلمّا مثل بین یدی الناصر عرّفوه أنّهم وجدوه متهیئاً للخروج ، فقال له : بلغنی أنّک کنت متهیئاً للخروج ، فممّا ذا؟

قال : إنّه جاء إلیّ من جاءک قبل أن یجیء إلیک. قال : فبما ذا؟ قال : عملت فیه قصیدة ، فقال الناصر : انشدنیها. فأنشد القصیدة.

الشاعر

مجد الدین أبو عبد الله محمد بن منصور بن جمیل الجبائی ویقال : الجبی ، المعروف بابن جمیل الفزاری ، کاتب شاعر ، وأدیب متضلّع ، له فی النحو واللغة والأدب وقرض الشعر خطوات واسعة ، وفی معجم الأدباء صحیفة بیضاء ، وفی طبقات النحاة ذکری خالدة ؛ وقد جمع شوارد تاریخ ذلک الشاعر الفحل المنسیِّ الدکتور مصطفی جواد البغدادی فی ترجمة نشرتها مجلّة الغری النجفیّة الغرّاء فی عددها ال (16) من السنة السابعة (ص 2) ، ونحن نذکرها برمّتها متناً وتعلیقاً قال : وُلد بقریة من نواحی هیت تُعرف بجبا ، وقدم بغداد فی أوّل عمره وقرأ بها الأدب ولازم مصدّق بن شبیب الواسطی النحوی حتی برع فی النحو واللغة والفقه والفرائض والحساب بعد قراءة القرآن الکریم ، وسمع الحدیث من جماعة من الشیوخ ، منهم : أبو الفرج عبد المنعم بن عبد الوهّاب بن کلیب ، والقاضی أبو الفتح محمد بن أحمد المندائی الواسطی سمعه حین قدومه بغداد ، وعالج النثر والنظم فبلغ منهما مرتبة عالیةً.

قال القفطی : وقد کان أنشأ مقامات ظهر منها قطعة رأیتها فی جملة أجزاء

ص: 632

أُحضرت من بغداد إلی حلب للبیع بخطِّه ، وکان خطّا متوسّطاً صحیح الوضع فیه تلتبس نقط ثابتة لا تکاد تتغیّر (کذا) ، وشعره جید مشهور مصنوع لا مطبوع (1).

ووصفه یاقوت الحموی بأنَّه نحویّ لغویّ أدیب من أفاضل العصر ، قال : وکان کاتباً بلیغاً ملیح الخطّ ، غزیر الفضل ، متواضعاً ملیح الصورة ، طیّب الأخلاق (2).

وکان من شعراء الدیوان العبّاسی ، ومدح الخلیفة الناصر لدین الله بقصائد کثیرة کان یوردها فی المواسم والهناءات (3) ، فعرف واشتهر ورتّب کاتباً فی دیوان الترکات الحشریّة وناظراً فیه ، وهی ترکات من یتوفّی وتحشر إلی بیت المال لعدم الوارث المستحقّ بحسب مذهب الشافعی ، وکان ببغداد رجل تاجر یُعرف بابن العنیبری ، وکان صدیقاً له ، فلمّا حضرته الوفاة سأله الحضور إلیه ، فلمّا حضر قال له : أنا طیّب النفس بموتی فی زمان ولایتک لیکون جاهک علی أطفالی وعیالی. فوعده بهم جمیلاً ؛ فلمّا مات حضر إلی ترکته وباشرها فرأی فیها ألف دینار عیناً فأخذها وحملها إلی الإمام الناصر ، وأصحبها مطالعة منه یقول فیها : مات ابن العنیبری - ورث الله الشریعة أعمار الخلائق - وقد حمل المملوک من المال الحلال الصالح للمخزن ألف دینار وهو فی عهدة تبقیها دنیاً وآخرةً.

قال القفطی : کان ظالم النفس ، عسوفاً فیما یتولاّه ، قال لبعض العاقلین : خف عذابی فإنّه ألیم شدید. فقال له الرجل : فإذاً أنت الله لا إله إلاّ هو ؛ فخجل ولم یمنعه ذلک ، ولم یردعه عمّا أراده من ظلمه. قال : وکان یظنّ بنفسه الکثیر حتی لا یری أحداً مثله (4)ف)

ص: 633


1- أصول التاریخ والأدب : 19 / 166 ، 9 / 67 - 68 ، من مجموعاتنا الخطّیة وعدّتها ثلاثة وثلاثون مجلّداً ، وهی فی ازدیاد. (المؤلف)
2- معجم الأدباء : 7 / 110 [19 / 60]. (المؤلف)
3- أصول التاریخ والأدب : 19 / 166. (المؤلف)
4- أصول التاریخ والأدب : 9 / 67 ، 68. (المؤلف)

ثمّ توصّل مجد الدین إلی أن یکون کاتباً فی المخزن - وهو کوزارة المالیّة فی عصرنا - وکانت توقیعات التعیینات مسندةً کتابتها إلیه ، ثمّ ترقّی حتی صار صدراً فی المخزن ، أی صاحب المخزن - کوزیر المالیّة فی عصرنا - وکان ذلک فی لیلة عاشر ذی القعدة سنة (605) مضافاً إلی ولایة دُجیل ، وطریق خراسان - أی لواء دیالی والخالص - والخزانة والعقار وغیر ذلک من أعمال الحضرة ببغداد (1).

ولمّا کان کاتباً عدلاً فی المخزن کان له من الجرایة - أی الجامکیة - خمسة دنانیر فی الشهر ؛ فلمّا ولی الصدریّة قرّر له عشرة دنانیر ، وقد ذکر القفطی حکایة وقعت للمترجم أیّام تولّیه صدریّة المخزن ، إلاّ أنّ سقم الخطّ الذی کتبت به أحالها ، قال : سأله بعض التجّار والغرباء العنایة بشخص فی إیصال حقّه إلیه من المخزن فوعده ومطله ، فقال التاجر الشافع - وکان یدلّ علیه - : فدفعت إلیه فی کلّ یوم بدانق. قال له : وکیف؟ قال : لأنّک کنت عدلاً أقرب منه حالاً الیوم. وأشار إلی أنّه لمّا زید رزقه ورفعت مرتبته تجبر دصر - کذا - زیادة ، وهی سدس درهم فی کلّ یوم وهو الدانق حتی أخجله الله وصرف عن ذلک وسجن مدّة (2) ، وکان عزله عن تلک الولایات کلّها یوم السبت الثالث والعشرین من شهر ربیع الأوّل سنة (611) ، ثمّ أُطلق من السجن وجُعل وکیلاً کاتباً بباب دار الأمیر عدة الدین أبی نصر محمد بن الناصر لدین الله ، ومات وهو علی ذلک فی منتصف شعبان من سنة (616) ، وکان کهلاً ، ودُفن فی مقابر قریش أی أرض المشهد الکاظمی (3).

وکان له من الأولاد ابن اسمه صفیّ الدین عبد الله ، کان مقدّم شعراء الدیوان فی ف)

ص: 634


1- أصول التاریخ والأدب : 19 / 166 ، والجامع المختصر : 9 / 265 - 266. (المؤلف)
2- أصول التاریخ والأدب : 9 / 68. (المؤلف)
3- الأصول المذکورة : 19 / 166 ، ومعجم الأدباء : 7 / 110 [19 / 60] ، ومن معجم الأدباء نقل السیوطی کما فی البغیة : ص 107 [1 / 250 رقم 460] ، وترجمه الذهبی نقلاً عن مجد الدین ابن النجّار ، أصول التاریخ : 24 / 247. (المؤلف)

أیّام المستعصم بالله ، وتوفّی سنة (669) (1).

وکان له أخ یلقّب بقطب الدین ، فقد ذکر ابن واصل الحموی المؤرِّخ المشهور : أنّ جدّه تاج الدین نصر الله بن سالم بن واصل صاحب القاضی ضیاء الدین القاسم بن الشهرزوری ، انحدر من الموصل إلی بغداد مع القاضی المذکور فی ثامن عشر شعبان سنة (595) ولمّا وصلا إلی بغداد أمر الخلیفة الناصر لدین الله بإنزالهم فی درب الخبّازین (2) من سوق الثلاثاء ، ثمّ أنزل تاج الدین فی دار صاحب المخزن ، قال والد المؤرِّخ المذکور : وکان بین والدی - یعنی تاج الدین - والصاحب شمس الدولة محمد بن جمیل الفزاری مودّة نسجتها الصداقة بین والدی وأخیه قطب الدین فی سفرات عدیدة إلی دمشق المحروسة ، فلمّا طال المزار وأقمنا بدار الخلافة ، علی وجه الإیثار ، صار الخبر عیاناً وأصبح المعارف خلاّناً ، فبقی شمس الدولة ووالدی رحمه الله یتزاوران لیلاً طرحاً للکلفة (3).

أدب مجد الدین بن جمیل :

لا ریب فی أنَّ ضیاع أدب الأدیب من أمارات ضیاع ترجمته أو استبهامها ؛ وقد غبرنا دهراً نبحث عن ترجمة هذا الأدیب الکبیر فلم نعثر إلاّ علی ما ذکرنا من الأخبار والسیرة المختصرة ، فأین مجموع نثره ودیوان شعره والمقامات التی أنشأها؟ إنّها فی ضمیر الغیب ، ولم یصل إلیّ منها إلاّ ما أنا ناشره بعد هذا.

کتب مجد الدین محمد بن جمیل إلی جدّه ابن واصل المذکور :

إن أخذ الخادم فی شکر الإنعام الزینی (4) قصیرٌ عن غایته وقصر دون نهایته ،ف)

ص: 635


1- الحوادث الجامعة : ص 184 ، 368. (المؤلف)
2- هو محلّة العاقولیة الحالیّة ، وفیها مدرسة التفیّض الأهلیة. (المؤلف)
3- أصول التاریخ والأدب : 23 / 57. (المؤلف)
4- کذا ورد ، وقد قدّمنا أنّ لقبه تاج الدین ، فلعلّه بدّل لقبه بعد ذلک کما کان جاریاً فی الدولة العباسیة. (المؤلف)

وإن تعرّض لوصف تلک الخلال الشریفة ، والأخلاق اللطیفة ، والألفاظ المستعذبة المألوفة مکنوناً من عیّه ، ولکنَّه نشر ما لعلّه کان مطویّا من حصره ، وفیها هنة لکنّه یقول علی ثقة من مسامحته :

قصدت ربعی فتعالی به

قدری فدتک النفسُ من قاصدِ

فما رأی العالمُ من قبلها

بحراً مشی قطُّ إلی واردِ

فلله هو من بحر خضمّ ، عذب ماؤه ، وسری نسیماً هواؤه ، فأمن سالکوه من خطره ، ورأوا عجائبه وفازوا بدرره ؛ وإن کنت فی هذا المقام کالمنافس علی قول ابن قلاقس (1) :

قبِّل بنانَ یمینه

وقل السلام علیک بحراً

وغلطتُ فی تشبیهه

بالبحر اللهمَّ غفراً

والله تعالی یسبغ الظلّ الظلیل ، ویبقی ذلک المجد الأثیل ، ویستخدم الدهر لخدمه ومحبّیه ، ویمتِّعهم ببلوغ الآمال منه وفیه بمنّه وکرمه (2).

هذه هی الرسالة الإخوانیّة الوحیدة التی عثرت علیها لمجد الدین بن جمیل ؛ وله توقیع کتبه فی سنة (604) أیّام کان کاتباً فی المخزن ، فی تولیة ضیاء الدین أحمد بن مسعود الترکستانی الحنفی التدریس بمدرسة الإمام أبی حنیفة المجاورة لقبره یومذاک ، قال فیه :

بسم الله الرحمن الرحیم ، الحمد لله المعروف بفنون المعروف والکرم ، الموصوف ف)

ص: 636


1- هو أبو الفتح نصر الله بن عبد الله بن مخلوف بن علیّ بن عبد القوی بن قلاقس ، الأدیب الشاعر المجید ، ولد سنة (532) ، وتوفّی بعیذاب سنة (563) ، وقصر عمره یدل علی نبوغه ، وله الدیوان المطبوع.(المؤلف)
2- أصول التاریخ والأدب : 23 / 57. (المؤلف)

بصنوف الإحسان والنعم ، المتفرِّد بالعظمة والکبریاء والبقاء والقدم ، الذی اختصَّ الدار العزیزة - شیّد الله بناها ، وأشاد مجدها وعلاها - بالمحلِّ الأعظم والشرف الأقدم ، وجمع لها شرف البیت العتیق ذی الحرم ، إلی شرف بیت هاشم الذی هشم ، جاعل هذه الأیّام الزاهرة الناضرة ، والدولة القاهرة الناصرة ، عقداً فی جید مناقبها ، وحلیّا یجول علی ترائبها ، أدامها الله تعالی ما انحدر لثام الصباح ، وبرح خفاء براح.

أحمده حمد معترفٍ بتقصیره عن واجب حمده ، مغترف من بحر عجزه مع بذل وسعه وجهده ، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شریک له ، وهو الغنیّ عن شهادة عبده ؛ وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله الذی صدع بأمره ، وجاء بالحقِّ من عنده ، صلّی الله علیه صلاةً تتعدّی إلی أدنی ولده وأبعد جدِّه ، حتی یصل عقبها إلی أقصی قصیّه ونزاره ومعدّه.

وبعد ؛ فلمّا کان الأجلّ السیّد الأوحد العالم ضیاء الدین ، شمس الإسلام ، رضیّ الدولة ، عزّ الشریعة ، علم الهدی ، رئیس الفریقین ، تاج الملک ، فخر العلماء ، أحمد بن مسعود الترکستانی - أدام الله علوّه - ممّن أعرق فی الدین منسبه ، وتحلّی بعلوم الشریعة أدبه ، واستوی فی الصحّة مغیبه ومشهده ، وشهد له بالأمانة لسانه ویده ، وکشف الاختبار منه عفّةً وسداداً ، وأبت مقاصده إلاّ أناة واقتصاداً ، رأی الإحسان إلیه والتعویل علیه فی التدریس بمشهد أبی حنیفة - رحمة الله علیه - ومدرسته ، وأسند إلیه النظر فی وقف ذلک أجمع لاستقبال حادی عشری ذی القعدة سنة أربع وستمائة الهلالیّة وما بعدها وبعدها ، وأمر بتقوی الله - جلّت آلاؤه وتقدّست أسماؤه - التی هی أزکی قربات الأولیاء ، وأنمی خدمات النصحاء ، وأبهی ما استشعره أرباب الولایات ، وأدلّ الأدلّة علی سُبل الصالحات ، وفاعلها بثبوت القدم خلیق ، وبالتقدیم جدیر ، قال الله تعالی : (إِنَّ أَکْرَمَکُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاکُمْ إِنَّ اللهَ عَلِیمٌ خَبِیرٌ) (1). 3.

ص: 637


1- الحجرات : 13.

وأن یذکر الدرس علی أکمل شرائط وأجمل ضوابط ، مواظباً علی ذلک ، سالکاً فیه أوضح المسالک ، مقدّماً علیه تلاوة القرآن المجید علی عادة الختمات فی البکر والغدوات ، متّبعاً ذلک بتمجید آلاء الله وتعظیمها ، والصلاة علی نبیّه - صلّی الله علیه - صلاة یضوع أرج نسیمها ، شافعاً ذلک بالثناء علی الخلفاء الراشدین والأئمّة المهدیّین - صلوات الله علیهم أجمعین - والإعلان بالدعاء للمواقف الشریفة المقدّسة النبویّة الإمامیّة الطاهرة الزکیّة المعظّمة المکرّمة الممجّدة الناصرة لدین الله تعالی ، لا زالت منصورة الکتب والکتائب ، منشورة المناقب ، مسعودة الکواکب والمواکب ، مسودّة الأهب ، مبیضّة المواهب ، ما خطب إلی جموع الأکابر ، وعلی فروع المنابر ، خطیب وخاطب ، وأن یذکر من الأصول فصلاً یکون من سهام الشّبه جُنّة ، ولنصر الیقین مظنّة ، متّبعاً من المذهب ومفرداته ونکته ومشکلاته ما ینتفع به المتوسط والمبتدی ، ویتبیّنه ویستضیء به المنتهی ، ولیذکر من المسائل الخلافیّة ما یکون داعیاً إلی وفاق المعانی والعبارات ، هادیاً لشوارد الأفکار إلی موارد المنافسات ، ناظماً عقود التحقیق فی سلوک المحاققات (1) ، مصوّباً أسنّة البدیهة إلی ثغر الأناة ، معتصماً فی جمیع أمره بخشیة الله وطاعته ، مستشعراً ذلک فی علنه وسریرته.

والمفروض له عن هذه الخدمة فی کلّ شهر للاستقبال المقدّم ذکره من حاصل الوقف المذکور لسنة تسع وتسعین الخراجیّة ، وما یجری مجراها من هلالیّة وما بعدها ، أُسوةً بما کان لعبد اللطیف ابن الکیّال ، من الحنطة کیل البیع ثلاثون قفیزاً ، ومن العین الإمامیّة عشرة دنانیر ، یتناول ذلک شهراً فشهراً ، مع الوجوب والاستحقاق للاستقبال المقدّم ذکره من حاصل الوقف المعیّن للسنة المبیّنة الخراجیّة وما بعدها ، بموجب ما استؤمر فیه من المخزن المعمور - أجلّه الله تعالی - وإذن : فلیجر ف)

ص: 638


1- کذا ورد بفکّ الإدغام ، والصواب الإدغام ، وشذّ قولهم : تجانن فلان ، أی أظهر الجنون ولیس به. (المؤلف)

علی عادته المذکورة وقاعدته ، ولتکن صلاته وجماعته فی جامع القصر الشریف (1) فی الضفّة التی لأصحاب أبی حنیفة - رحمة الله علیه - ولیصرف حاصل الوقوف المذکورة فی سبلها بمقتضی شرط الواقف المذکور فی کتاب الوقفیّة ، من غیر زیادة فیها ولا عدول عنها ولا حذف شیء منها ، عالماً أنّه مسؤول فی غده عن یومه وأمسه ، وإنّ أفعال المرء صحیفة له فی رمسه.

ولیبذل جهده فی عمارة الوقوف المذکورة واستنمائها ، واستثمار حاصلها وارتفاعها ، مستخیراً من یستخدمه فیها من الأجلاد الأُمناء ذوی العفّة والغناء ، متطلّعاً إلی حرکاتهم وسکناتهم ، مؤاخذاً لهم علی ما لعلّه یتّصل به من فرطاتهم ، لتکون الأحوال متّسقة النظام ، والمال محروساً من الانثلام ، ولیبتدئ بعمارة المشهد والمدرسة المذکورین ، وإصلاح فرشها ومصابیحها ، وأخذ القوّام علی الخدمة بها ، وإلزام المتفقّهة بملازمة الدروس وتکرارها ، وإتقان المحفوظات وإحکامها ، ولیثبت بخزانة الکتب من المجلّدات وغیرها ، معارضاً ذلک بفهرسته متطلّبا ما عساه قد شذّ منها ، ولیأمر خازنها بعد استصلاحه بمراعاتها ونفضها فی کلّ وقت ومرمّة شعثها ، وأن لا یخرج منها إلاّ إلی ذی أمانة ، مستظهراً بالرهن عن ذلک ، ولیتلقّ هذه الموهبة بشکر یرتبطها ویدبّر أخلافها ، واجتهاد یضبطها ویؤمن إخلافها ، ولیعمل بالمحدود له فی هذا المثال من غیر توقّف فیه بحال إن شاء الله تعالی. وکتب لسبع بقین من ذی القعدة من سنة أربع وستمائة ، وحسبنا الله ونعم الوکیل وصلّی الله علی نبینا محمد وآله الطاهرین الأکرمین وسلّم (2).ف)

ص: 639


1- هو جامع سوق الغزل الحالی ، ولکنّه کان أوسع أقطاراً وأوعب للناس. (المؤلف)
2- الجامع المختصر : 9 / 233 - 236. (المؤلف)

67 - الشوّاء الکوفی الحلبی

ولد (562) تقریباً

توفّی (653)

ضمنت لمن یخاف من العقابِ

إذا والی الوصیّ أبا ترابِ

یری فی حشره ربّا غفوراً

ومولیً شافعاً یوم الحسابِ

فتیً فاق الوری کرماً وبأساً

عزیزُ الجار مخضرُّ الجنابِ

یُری فی السلم منه غیثُ جودٍ

وفی یوم الکریهة لیثُ غابِ

إذا ما سلَّ صارمَه لحربٍ

أراک البرقَ فی متنِ السحابِ

وصیُّ المصطفی وأبو بنیه

وزوجُ الطهر من بین الصحابِ

أخو النصِّ الجلیِّ بیومِ خمٍ

وذو الفضل المرتَّل فی الکتابِ (1)

الشاعر

أبو المحاسن یوسف بن إسماعیل بن علیّ بن أحمد بن الحسین بن إبراهیم ، المعروف بالشوّاء ، الملقّب بشهاب الدین الکوفی الحلبی مولداً ومنشأً ووفاةً.

هو من بواقع الشعر والأدب ، ولقد أتته الفضیلة من هنا وهناک ، فرأیٌ مسدّد ، ف)

ص: 640


1- الطلیعة فی شعراء الشیعة : ج 2 (مخطوط) للعلاّمة السماوی. وتوجد منها ثلاثة أبیات فی تاریخ ابن خلّکان [7 / 235 رقم 850]. (المؤلف)

وهویً محبوب ، ونزعة شریفة ، وقریض رائق ، وأدب فائق ، وقوافٍ ذهبیّة ، وعروض متقن ، فأیّ أخی فضل یتسنّم ذروة مجده؟ وتلک نزعته وهذه صنعته. ترجمه زمیله ابن خلّکان فی تاریخه (1) (2 / 597) ، وله ذکره الجمیل فی شذرات الذهب (2) (5 / 178) ، وتاریخ حلب (3) (4 / 397) ، وتتمیم أمل الآمل للسیّد ابن شبانة ، ونسمة السحر فیمن تشیّع وشعر (4) ، والکنی والألقاب (5) (1 / 146) ، والطلیعة فی شعراء الشیعة ، ونحن نذکر ما فی تاریخ ابن خلکان (6) ملخّصاً قال :

کان أدیباً فاضلاً ، متقناً لعلم العروض والقوافی ، شاعراً یقع له فی النظم معان بدیعة فی البیتین والثلاثة ، وله دیوان شعر کبیر یدخل فی أربع مجلّدات ، وکان زیّه زیّ الحلبیّین الأوائل فی اللباس والعمامة المشقوقة ، وکان کثیر الملازمة لحلقة الشیخ تاج الدین أبی القاسم أحمد بن هبة الله بن سعد بن سعید بن المقلّد ، المعروف بابن الجبرانی النحوی اللغوی ، وأکثر ما أخذ الأدب منه وبصحبته انتفع ؛ کان بینی وبین الشهاب الشوّاء مودّة أکیدة ومؤانسة کثیرة ، ولنا اجتماعات فی مجالس نتذاکر فیها الأدب ، وأنشدنی کثیراً من شعره ، وما زال صاحبی منذ أواخر سنة ثلاث وثلاثین وستمائة إلی حین وفاته ، وقبل ذلک کنت أراه قاعداً عند ابن الجبرانی المذکور فی موضع تصدّره فی جامع حلب ، وکان یکثر التمشّی فی الجامع أیضاً علی جری عادتهم فی ذلک کما یعملون فی جامع دمشق ، وکان حسن المحاورة ، ملیح الإیراد مع السکون والتأنّی ، وأوّل شیءٍ أنشدنی من شعره قوله : 0.

ص: 641


1- وفیات الأعیان : 7 / 231 رقم 850.
2- شذرات الذهب : 7 / 310 حوادث سنة 635 ه.
3- إعلام النبلاء بتاریخ حلب الشهباء : 4 / 370 - 373.
4- نسمة السحر : مج 9 / ج 2 / 614.
5- الکنی والألقاب : 1 / 153.
6- وفیات الأعیان : 7 / 231 رقم 850.

هاتیک یا صاح رُبا لعلعِ

ناشدتکَ الله فعرِّج معی

وانزلْ بنا بین بیوت النقا

فقد غدتْ آهلَةَ المربعِ

حتی نطیلَ الیومَ وقفاً علی ال

ساکن أو عطفاً علی الموضعِ

وکان کثیراً ما یستعمل العربیّة فی شعره ، فمن ذلک قوله :

وکنّا خمس عشرة فی التآمٍ

علی رغم الحسود بغیر آفه

فقد أصبحتُ تنویناً وأضحی

حبیبی لا تفارقه الإضافه

وله فی غلام أرسل أحد صدغیه وعقد الآخر :

أرسلَ صدغاً ولوی قاتلی

صدغاً فأعیا بهما واصفه

فخلتُ ذا فی خدِّه حیّةً

تسعی وهذا عقرباً واقفه

ذا ألفٌ لیست لوصلٍ وذا

واوٌ ولکن لیست العاطفه

وله فی شخص لا یکتم السرَّ :

لی صدیقٌ غدا وإن کان لا ین

طق إلاّ بغیبةٍ أو محالِ

أشبه الناس بالصدی إن تحدِّث

ه حدیثاً أعاده فی الحالِ (1)

وله قوله :

قالوا حبیبک قد تضوّع نشرُهُ

حتی غدا منه الفضاءُ معطَّرا

فأجبتهمْ والخال یعلو خدّه

أو ما ترون النار تحرقُ عنبرا

وله قوله :

هواک یا من له اختیالُ

مالی علی مثله احتیالُ

قسمة أفعاله لحینی

ثلاثةٌ ما لها انتقالُف)

ص: 642


1- الصدی : طیر معروف ، ما یردّه الجبل أو غیره إلی المصوّت مثل صوته. (المؤلف)

وعدک مستقبلٌ وصبری

ماضٍ وشوقی إلیک حالُ

وله أیضاً :

إن کان قد حجبوه عنّی غیرةً

منهم علیه فقد قنعتُ بذکرهِ

کالمسکِ ضاعَ لنا وضاعَ مکانُه

عنّا فأغنی نشره عن نشرهِ

وله أیضاً فی غلام قد ختن :

هنّأتُ من أهواه عند ختانه

فرحاً وقلبی قد عراه وجومُ

یفدیک من ألمٍ ألمَّ بک امرؤٌ

یخشی علیک إذا ثناک نسیمُ

أمعذّبی کیف استطعت علی الأذی

جَلَداً وأجزعُ ما یکون الریمُ

لو لم تکن هذی الطهارة سنّةً

قد سنّها من قبلُ إبراهیمُ

لفتکت جهدی بالمزیِّن إذ غدا

فی کفِّه موسی وأنت کلیمُ

ومعظم شعره علی هذا الأُسلوب ، وکان من المغالین فی التشیّع ، وأکثر أهل حلب ما کانوا یعرفونه إلاّ بمحاسن الشوّاء ، والصواب فیه هو الذی ذکرته هاهنا وأنَّ اسمه یوسف وکنیته أبو المحاسن ، ورأیت ترجمته فی کتاب عقود الجمان الذی وضعه صاحبنا الکمال بن الشعار الموصلی ، وکان صاحبه وأخذ عنه کثیراً من شعره ، وهو من أخبر الناس بحاله ، کان مولده تقریباً فی سنة اثنتین وستّین وخمسمائة ، فإنّه کان لا یتحقّق مولده ، وتوفّی یوم الجمعة تاسع عشر المحرّم سنة خمس وثلاثین وستمائة بحلب ، ودفن ظاهرها بمقبرة باب أنطاکیة غربیّ البلد ، ولم أحضر الصلاة علیه لعذر عرض لی فی ذلک الوقت - رحمه الله تعالی - فلقد کان نعم الصاحب.

وأمّا شیخه ابن الجبرانی المذکور فهو طائیّ بحتریّ من قریة جبرین (1) من ب.

ص: 643


1- قریة قرب حلب.

أعمال عُزاز ، وکان متضلّعاً من علم الأدب خصوصاً اللغة فإنّها کانت غالبة علیه ، وکان متبحِّراً فیها ، وکان له تصدّر فی جامع حلب فی المقصورة الشرقیّة المشرفة علی صحن الجامع ، وکان مولده یوم الأربعاء الثانی والعشرین من شوّال سنة إحدی وستّین وخمسمائة ، وتوفّی یوم الاثنین سابع رجب من سنة ثمان وعشرین وستمائة بحلب ، ودفن فی سفح جبل جوشن - رحمه الله تعالی. انتهی.

قال الأمینی : فی معجم البلدان (1) (3 / 172) نقلاً عن عبد الله بن محمد بن سعید ابن سنان الخفاجی فی دیوانه عند أبیات له فی جوشن ، قال : جوشن جبل فی غربی حلب ومنه کان یُحمل النحاس الأحمر وهو معدنه ؛ ویقال : إنّه بطل منذ عبر علیه سبی الحسین بن علیّ رضی الله عنه ونساؤه ؛ وکانت زوجة الحسین حاملاً فأسقطت هناک فطلبت من الصنّاع فی ذلک الجبل خبزاً أو ماءً فشتموها ومنعوها ، فدعت علیهم ، فمن الآن من عمل فیه لا یربح ؛ وفی قبلی الجبل مشهد یُعرف بمشهد السّقط ، ویسمّی مشهد الدکّة ؛ والسّقط یسمّی محسن بن الحسین رضی الله عنه. انتهی. 6.

ص: 644


1- معجم البلدان : 2 / 186.

ص: 645

68 - کمال الدین الشافعی

المتوفّی (652)

أصخ واستمع آیاتِ وحیٍ تنزّلتْ

بمدح إمامٍ بالهدی خصّه اللهُ

ففی آلِ عمرانَ المباهلةُ التی

بإنزالها أولاه بعضَ مزایاهُ

وأحزابُ حامیم وتحریمُ هل أتی

شهودٌ بها أثنی علیه فزکّاهُ

وإحسانُه لمّا تصدّق راکعاً

بخاتمه یکفیه فی نیل حسناهُ

وفی آیةِ النجوی التی لم یفُز بها

سواه سنا رشد به تمَّ معناهُ

وأزلفَهُ حتی تبوَّأ منزلاً

من الشرفِ الأعلی وآتاهُ تقواهُ

وأکنفَهُ لطفاً به من رسولِهِ

بوارقَ إشفاق علیه فربّاهُ

وأرضعه أخلافَ أخلاقِهِ التی

هداه بها نهجَ الهدی فتوخّاهُ

وأنکحه الطهرَ البتولَ وزاده

بأنّک منّی یا علیُّ وآخاهُ

وشرّفه یومَ الغدیرِ فخصَّه

بأنّک مولی کلّ من کنت مولاهُ

ولو لم یکن إلاّ قضیّةُ خیبرٍ

کفت شرفاً فی مأثراتِ سجایاهُ (1)

الشاعر

أبو سالم کمال الدین محمد بن طلحة بن محمد بن الحسن القرشی العدوی ف)

ص: 646


1- مطالب السؤول لناظمها [ص 20] ، الصراط المستقیم للبیاضی [1 / 297] ، التهاب مثیر الأحزان. (المؤلف)

النصیبینی الشافعی المفتی الرحّال ، أحد الصدور والرؤساء المعظّمین ، کان إماماً فی الفقه الشافعی ، بارعاً فی الحدیث والأُصول والخلاف ، مقدّماً فی القضاء والخطابة ، متضلّعاً فی الأدب والکتابة ، موصوفاً بالزهد.

سمع الحدیث بنیسابور عن أبی الحسن المؤیّد بن علیّ الطوسی ، وزینب الشعریّة (1) ، وحدّث بحلب ودمشق وبلاد کثیرة ، وروی عنه الحافظ الدمیاطی (2) ، ومجد الدین بن العدیم (3) ، وفقیه الحرمین الکنجی (4) فی کفایة الطالب (5) ، قال فی الکتاب (ص 108) : فمن ذلک ما أخبرنا شیخنا حجّة الإسلام شافعیّ الزمان أبو سالم محمد بن طلحة ، القاضی بمدینة حلب.

أقام بدمشق فی المدرسة الأمینیّة ، وترسّل عن الملوک وساد وتقدّم ، وفی سنة (648) کتب الملک الناصر ، المتوفّی (655) صاحب دمشق تقلیده بالوزارة فاعتذر وتنصّل فلم یقبل منه ، فتوّلاها بدمشق یومین کما فی طبقات السبکی (6) (5 / 26) ، وترکها وانسلّ خفیة وترک الأموال والموجود وخرج عمّا یملک من ملبوس ومملوک وغیره ، ولبس ثوباً قطنیّا وذهب فلم یُعرف موضعه ، وقد نسب إلی الاشتغال بعلم 6.

ص: 647


1- بنت عبد الرحمن بن الحسن الجرجانی أمّ المؤیّد توفّیت سنة (615) ، فقیهة اشتغلت بالحدیث ، وأخذت عن جماعة من کبار العلماء روایة وإجازة ، مولدها ووفاتها بنیسابور [أنظر وفیات الأعیان : 2 / 344 رقم 251]. (المؤلف)
2- أبو محمد عبد المؤمن بن خلف بن أبی الحسن الدمیاطی شیخ المحدّثین ، المولود فی آخر سنة (613) والمتوفّی (705) ، کان کثیر المشایخ یزیدون علی ألف وثلاثمائة شیخ ، ألّف کتاباً فی تراجمهم فی مجلّدین. (المؤلف)
3- قاضی القضاة عبد الرحمن بن عمر بن أحمد بن العدیم الحلّی ثمّ الدمشقی الحنفی ، توفّی سنة (677). (المؤلف)
4- أبو عبد الله محمد بن یوسف القرشی الشافعی المتوفّی (658). (المؤلف)
5- کفایة الطالب : ص 231 باب 62.
6- طبقات الشافعیة الکبری : 8 / 63 رقم 1076.

الحروف والأوفاق ، وأنّه یستخرج أشیاء من المغیّبات ، وقیل : إنّه رجع ، ویؤیّد ذلک قوله فی المنجّم :

إذا حکمَ المنجِّمُ فی القضایا

بحکمٍ حازمٍ فارددْ علیهِ

فلیس بعالمٍ ما اللهُ قاضٍ

فقلِّدنی ولا ترکن إلیهِ

وقال فیه :

لا ترکننَّ إلی مقالِ منجِّمٍ

وکِل الأُمورَ إلی الإلهِ وسلِّمِ

واعلم بأنّکَ إن جعلت لکوکبٍ

تدبیرَ حادثةٍ فلستَ بمسلمِ

وتولّی فی ابتداء أمره القضاء بنصیبین ، ثمّ قضاء مدینة حلب ، ثمّ ولی خطابة دمشق ، ثمّ لمّا زهد حجَّ ، فلمّا رجع أقام بدمشق قلیلاً ، ثمّ سار إلی حلب فتوفّی بها.

تآلیفه :

1 - العقد الفرید للملک السعید ، ألّفه لنجم الدین غازی بن أرتق من ملوک ماردین ، طبع بمصر.

2 - الدرّ المنظّم فی اسم الله الأعظم ، توجد منه نسخة فی مکتبة حسین باشا بآستانة رقمها (346) ، وذکر شطراً منه الشیخ سلیمان القندوزیّ الحنفی فی ینابیع المودّة (1) (ص 403 - 471).

3 - مفتاح الفلاح فی اعتقاد أهل الصلاح.

4 - کتاب دائرة الحروف.

5 - مطالب السؤول فی مناقب آل الرسول ، طبع غیر مرّة ؛ قال معاصره 8.

ص: 648


1- ینابیع المودّة : 3 / 55 باب 68.

الإربلی فی کشف الغمّة (1) (ص 17) : مطالب السؤول فی مناقب آل الرسول تصنیف الشیخ العالم کمال الدین محمد بن طلحة ، وکان شیخاً مشهوراً وفاضلاً مذکوراً أظنّه مات سنة أربع وخمسین وستمائة ، وحالهُ فی ترفّعه وزهده وترکه وزارة الشام ، وانقطاعه ورفضه الدنیا حال معلومة قرب العهد بها ، وفی انقطاعه عمل هذا الکتاب وکتاب الدائرة ، وکان شافعیّ المذهب من أعیانهم ورؤسائهم. انتهی.

وینقل عنه السیّد هبة الدین أبو محمد الحسن الموسوی ، مصرِّحاً بنسبة الکتاب إلیه فی کتابه المجموع الرائق الذی ألّفه سنة (703).

ونسبه إلیه ابن الصبّاغ المالکی ، المتوفّی (855) وینقل عنه کثیراً فی الفصول المهمّة (2) ، وتوجد منه نسخة مخطوطة مورّخة بسنة (896) منقولة عن نسخة بخطّ المؤلّف سنة (650) فی نحو (25) کرّاسة فی مکتبة المدرسة الأحمدیّة بحلب.

وینقل عنه السیّد الشبلنجی فی نور الأبصار فی مناقب آل النبیّ المختار (3).

وُلد المترجَم سنة (582) کما فی طبقات السبکی (4) ، وتوفّی بحلب فی (17) رجب سنة (652) کما فی الکتابین : الطبقات والشذرات ، وفی الوافی بالوفیات للصفدی (5) والتاریخ له ، والبدایة والنهایة لا بن کثیر (6) ، ومرآة الجنان للیافعی (7) ، والأعلام للزرکلی (8) ، وغیرها ، وقد سمعت ظنَّ الإربلی بأنّه توفّی سنة (654). 5.

ص: 649


1- کشف الغمّة : 1 / 53.
2- الفصول المهمّة : ص 141.
3- نور الأبصار : ص 326.
4- طبقات الشافعیة الکبری : 8 / 63 رقم 1076.
5- الوافی بالوفیات : 3 / 176 رقم 1146.
6- البدایة والنهایة : 13 / 218 حوادث سنة 652 ه.
7- مرآة الجنان : 4 / 128 وفیات سنة 652 ه.
8- الأعلام : 6 / 175.

توجد جملة من شعره فی أهل البیت علیهم السلام فی کتابه مطالب السؤول (1) ، منها قوله ختم به الکتاب :

رویدکَ إن أحببتَ نیلَ المطالبِ

فلا تعدُ عن ترتیلِ آیِ المناقبِ

مناقبِ آلِ المصطفی المهتدی بهم

إلی نِعَمِ التقوی ورغبی الرغائبِ

مناقبِ آلَ المصطفی قدوةِ الوری

بهم یبتغی مطلوبَهُ کلُّ طالبِ

مناقب تجلی سافراتٍ وجوهُها

ویجلو سناها مدلهمَّ الغیاهبِ

علیک بها سرّا وجهراً فإنّها

تحلُّک عندَ اللهِ أعلی المراتبِ

وخذ عند ما یتلو لسانُک آیَها

بدعوةِ قلبٍ حاضرٍ غیرِ غائبِ

لمن قامَ فی تألیفها واعتنی بها

لیقضی من مفروضها کلَّ واجبِ

عسی دعوةٌ یزکو بها حسناته

فیحظی من الحسنی بأسنی المواهبِ

فمن سأل اللهَ الکریمَ أجابَه

وجاورَهُ الإقبالُ من کلِّ جانبِ

ومنها قوله فی (ص 8):

هم العروةُ الوثقی لمعتصمٍ بها

مناقبُهم جاءت بوحی وإنزالِ

مناقبُ فی الشوری وسورة هل أتی

وفی سورةِ الأحزاب یعرفُها التالی

وهم أهلُ بیت المصطفی فودادُهمْ

علی الناسِ مفروضٌ بحکمٍ وإسجالِ

فضائلُهمْ تعلو طریقةُ متنِها

رواةٌ عَلَوا فیها بشدٍّ وترحالِ

أشار بهذا الأبیات إلی عدّة من فضائل العترة الطاهرة ممّا نزل به القرآن الکریم فی سورة الشوری وهل أتی والأحزاب ، أمّا الشوری ففیها قوله تعالی : (قُلْ لا أَسْئَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبی وَمَنْ یَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِیها حُسْناً) (2) ، 3.

ص: 650


1- مطالب السؤول : ص 91.
2- الشوری : 23.

وقد أسلفنا فی الجزء الثانی (ص 306 - 310) ، والجزء الثالث (ص 171) ما ورد فی الآیة الکریمة من أنّها نزلت فی العترة الطاهرة صلوات الله علیهم.

وأمّا هل أتی ففیها قوله النازل فیهم : (یُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَیَخافُونَ یَوْماً کانَ شَرُّهُ مُسْتَطِیراً * وَیُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلی حُبِّهِ مِسْکِیناً وَیَتِیماً وَأَسِیراً) (1) ، وقد بسطنا القول فی أنّها نزلت فیهم - صلوات الله علیهم - فی الجزء الثالث (ص 107 - 111).

وأمّا الأحزاب ففیها قوله تعالی : (مِنَ الْمُؤْمِنِینَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَیْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضی نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ یَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِیلاً) (2) ، وقوله تعالی : (إِنَّما یُرِیدُ اللهُ لِیُذْهِبَ عَنْکُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَیْتِ وَیُطَهِّرَکُمْ تَطْهِیراً) (3) ، وقد مرّ فی الجزء الثانی (ص 51) نزول الآیة الأولی فی علیّ أمیر المؤمنین وعمّه حمزة وابن عمّه عبیدة. وقد تسالمت الأمّة الإسلامیّة علی نزول آیة التطهیر فی صاحب الرسالة الخاتمة ، ووصیّه الطاهر وابنیهما الإمامین ، وأُمّهما الصدّیقة الکبری ، وأخرج الحفّاظ وأئمّة الحدیث فیها أحادیث صحیحة متواترة فی الصحاح والمسانید ، لعلّنا نوقف القارئ علیها فی بقیّة أجزاء کتابنا ؛ وما توفیقی إلاّ بالله.

ومن شعره فی العترة الطاهرة قوله :

یا ربّ بالخمسة أهلِ العبا

ذوی الهدی والعملِ الصالحِ

ومن همُ سفنُ نجاةٍ ومن

والیهمُ ذو متجرٍ رابحِ

ومن لهم مقعدُ صدقٍ إذا

قام الوری فی الموقفِ الفاضحِ

لا تُخزنی واغفر ذنوبی عسی

أسلم من حرِّ لظی اللافحِ

فإنَّنی أرجو بحبّی لهم

تجاوزاً عن ذنبیَ الفادحِ3.

ص: 651


1- الدهر : 7 - 8.
2- الأحزاب : 23.
3- الأحزاب : 33.

فهم لمن والاهمُ جُنّةٌ

تنجیه من طائرِهِ البارحِ

وقد توسّلتُ بهم راجیاً

نجح سؤال المذنبِ الطالحِ

لعلّه یحظی بتوفیقِهِ

فیهتدی بالمنهجِ الواضحِ

ومن شعره فی قتلة الإمام السبط علیه السلام قوله :

ألا أیُّها العادون إنَّ أمامکم

مقامَ سؤالٍ والرسولُ سؤولُ

وموقفُ حکمٍ والخصومُ محمدٌ

وفاطمةُ الزهراءُ وهی ثکولُ

وإنَّ علیّا فی الخصامِ مؤیِّدٌ

له الحقُّ فیما یدّعی ویقولُ

فما ذا تردّون الجواب علیهمُ

ولیس إلی ترک الجوابِ سبیلُ

وقد سُؤتموهم فی بنیهمْ بقتلهمْ

ووزرُ الذی أحدثتموه ثقیلُ

ولا یُرتجی فی ذلک الیوم شافعٌ

سوی خصمکم والشرحُ فیه یطولُ

ومن کان فی الحشرِ الرسولُ خصیمَهُ

فإنَّ له نارَ الجحیمِ مقیلُ

وکان علیکم واجباً فی اعتمادِکمْ

رعایتُهم أن تحسنوا وتنیلوا

فإنَّهم آلُ النبیّ وأهلُه

ونهجُ هداهم بالنجاةِ کفیلُ

مناقبُهم بین الوری مستنیرةٌ

لها غررٌ مجلوّةٌ وحُجولُ

مناقبُ جلّت أن تحاطَ بحصرِها

فمنها فروعٌ قد زکتْ وأُصولُ

مناقبُ من خلقِ النبیّ وخُلقِه

ظهرن فما یغتالهنَّ أُفولُ

ص: 652

ص: 653

69 - أبو محمد المنصور بالله

وُلد (596)

توفّی (670)

الحمدُ للمهیمنِ الجبّارِ

مکوّرِ اللیل علی النهارِ

ومنشئ الغمام والأمطارِ

علی جمیع النِّعمِ الغزارِ

ثمّ صلاةُ اللهِ خَصّت أحمدا

أبا البتولِ وأخاه السیّدا

وفاطماً وابنیهما سمَّ العدی

وآلهم سفنَ النجاة والهدی

یا سائلی عمّن له الإمامه

بعد رسولِ اللهِ والزعامه

ومن أقامَ بعده مقامه

ومن له الأمرُ إلی القیامه

خذ نفثاتی عن فؤادٍ منصدعْ

یکادُ من بثّ وحزنٍ ینقطع

لحادثٍ بعد النبیِّ متّسع

شتّت شمل المسلمین المجتمع

الأمرُ من بعد النبیِّ المرسلِ

من غیرِ فصلٍ لابن عمِّه علی

کان بنصِّ الواحدِ الفردِ العلی

وحکمُه علی العدوِّ والولی

والأمرُ فیه ظاهرٌ مشهورُ

فی الناسِ لا مُلغیً ولا مستورُ

وکیف یخفی من صباحٍ نورُ

لکن یزلّ الخطلُ المحسورُ

ویقول فیها :

وکان فی البیت العتیق مولدُهْ

وأُمّه إذ دخلتْ لا تقصدهْ

ص: 654

وإنَّما إلهُهُ مؤیّدُهْ

فمن قلاه فالجحیم موعده

ثمَّ أبوه کافلُ الرسولِ

ومؤمنٌ باللهِ والتنزیلِ

فی قولِ أهلِ العلمِ والتحصیلِ

فهاتِ فی آبائهمِ کقیلی

وأُمُّهُ ربّت أخاه أحمدا

واتَّبعته إذ دعا إلی الهدی

فکم دعاها أُمّه عند الندا

وقام فی جهازِها ممجّدا

ألبسها قمیصَهُ إکراماً

ونام فی حفیرِها إعظاما

ومدّ للملائکِ القیاما

حتی قضوا صلاتَها تماما

وهو الذی کان أخاً للمصطفی

بحکمِ ربِّ العالمین وکفی

واقتسما نورَهما المشرّفا

فاعددْ لهم کمثلِ هذا شرفا

وزوجُه سیّدةُ النساءِ

خامسةُ الخمسةِ فی الکساءِ

أنکحها الصدّیق فی السماءِ

فهل لهم کهذه العلیاءِ

اللهُ فی إنکاحِها هو الولی

وجبرئیلُ مستنابٌ عن علی

والشهداءُ حاملو العرش العلی

فهل لهم کمثل ذا فاقصصه لی

حوریّةٌ إنسیّةٌ سیّاحه

خلقَها الله من التفّاحه

وأکرم الأصل بها لقاحه

فهل تری إنکاحَهم إنکاحه

وابناه منها سیّدا الشبابِ

وابنا رسولِ الله عن صوابِ

مرتضعا السنّة والکتابِ

فهل لهم کهذهِ الأسبابِ

هما إمامانِ بنصِّ أحمدا

إذ قال قاما هکذا أو قعدا

وخصّ فی نسلِهما أهلَ الهدی

أئمّةَ الحقِّ إلی یوم الندا

ثمّ أخوه جعفرُ الطیارُ

إخوانُه الملائکُ الأبرارُ

وعمُّه المرابطُ الصبّارُ

حمزةُ سیفُ الملّةِ البتّارُ

وربُّنا شقَّ اسمَه من اسمِهِ

فمن له سهمٌ کمثلِ سهمهِ

وهو اختیارُ اللهِ دون خصمهِ

وهو أذانُ ربِّنا فی حکمهِ

ص: 655

بلّغَ عن ربِّ السما براءه

واختیر للتبلیغ والقراءه

وکان للإسلامِ کالمراءه

فاجعل هُدیتَ خصمَهُ وراءه

اختار ذو العرش علیّا نفسَهُ

جهراً وخلّی جِنّه وإنسَهُ

فرفضوا اختیاره لا لبسه

وبدّلوه باختیار خمسه

وهو الولیُّ أیّ هذا السامعُ

مؤتی الزکاة المرءَ وهو راکعُ

والشاهدُ التالی فأین الجامعُ

للقومِ هل ثمّ دلیلٌ قاطعُ

وهو ولیُّ الحلِّ والإبرامِ

والأمرِ والنهیِ علی الأنامِ

بحکمِ ذی الجلالِ والإکرامِ

وما قضاه فی أُولی الأرحامِ

وآیةٌ قاضیةٌ بالطاعه

لله والرسول ذی الشفاعه

ثمّ أولی الأمرِ من الجماعه

فهی له قد فازَ من أطاعه

والمصطفی المنذر وهو الهادی

وهو له الفادی ونعم الفادی

فی لیلةِ الغارِ من الأعادی

تحت ظلالِ القُضُب الحدادِ

یرمونه فی اللیلِ بالحجاره

لعلّها تبدو لهم أماره

فاتّخذ الصبرَ لها دثارَه

والموتُ إذ ذاک یشبُّ ناره

حتی بدا وجهُ الصباحِ طالعا

وقام فیهم ضیغماً مسارعا

فانهزموا یمعر (1) کلٌّ راجعا

فاستقبل الأزواج والودائعا

فأنزل الرحمنُ یشری نفسَه

لمّا ابتغی رضاءه وقدسه

أما یزیل مثل هذا لبسَه

وقد أراه جنّه وإنسه

ویقول فیها :

ألم یقل فیه النبیُّ المنتجبْ

قولاً صریحاً أنت فارسُ العربْ

وکم وکم جلا به الله الکُرَبْ

فاعجب ومهما عشتَ عاینت العجبْف)

ص: 656


1- تمعّر وجهه : تغیّر وعلته صفرة. الممعور : المقطّب غضباً. (المؤلف)

واسمع أحادیثَ بلفظِ البابِ

فی العلمِ والحکمةِ والصوابِ

ولا تلمنی بعدُ فی الإطنابِ

فی حبِّ مولای أبی ترابِ

وقال أیضاً فیه أقضاکم علی

ومثله أعلمکم عن النبی

ومثله عیبةُ علمی والملی

أنّی یکون هکذا غیرُ الوصی

ألم یکن فوقَ الرجالِ حجّه

نیّرةً واضحةَ المحجّة

وعلمهم فی علمه کالمجَّه

فما تکون مَجَّةٌ فی لُجّه

أحاط بالتوراةِ والإنجیلِ

وبالزبورِ یا ذوی التفضیلِ

علماً وبالقرآن ذی التنزیلِ

فی قوله المصدّقِ المقبولِ

بل أیّهم قال له الحقُّ معه

وهو مع الحقِّ الذی قد شرعه

هل جمعَ القومُ الذی قد جمعه

من علمِهِ بخٍ له ما أوسعه

وهل علمتَ مثلَهُ خطیبا

أو ناثراً أو ناظماً غریبا

أو بادیاً فی العلمِ أو مجیبا

أو واعظاً عن خشیةٍ منیبا

وهو یقول علّم التنزیلا

منّی وفیما نزلتْ نزولا

آیاته إذ فصّلت تفصیلا

یا حبّذا سبیلُه سبیلا

وعلّم المجملَ والمفصّلا

ومحکمَ الآیاتِ حیث نزلا

وما تشابهَ وکیف أُوِّلا

وناسخاً منها ومنسوخاً خلا

وهو الذی نأمنُ منه الباطنا

فما یُعدُّ فی الأُمور خائنا

وغیره لا نأمنُ البواطنا

منه بحالٍ فانظر التباینا

ویقول فیها :

وفیه أوحی ذو الجلال هل أتی

وزوجه إذ نذرا فأخبتا

فأطعما وأوفیا ما أثبتا

یا حبّذا هما وعوداً أثبتا

وفیه جاءت آیةُ الإنفاقِ

فی اللیلِ والنهارِ عن إطلاقِ

ص: 657

سرّا وإعلاناً من الخلاّقِ

حیث ابتغی تجارةً فی الباقی

وآیةُ القنوتِ فی السجودِ

فی اللیل والقیامِ للمعبودِ

فی حذرِ العقابِ والوقودِ

وفی رجاءِ ربِّه الحمیدِ

وهو المناجی بعد دفعِ الصدقه

ثمّ غدتْ أبوابُها مغلّقه

فکانتِ التوبةُ عنهم ملحقه

فأیُّهم کان علی الحقِّ ثقه

وحسبُنا الله فتلکَ فیهِ

وآیةُ الإیمانِ والتنزیهِ

والفسقُ للولید ذی التمویهِ

فأیّ ذمٍّ بعد ذا یأتیهِ

وآیةُ الوقوفِ للسؤال

فی المرتضی حقّا أبی الأشبالِ

وهو لسان الصدق شیخ الآلِ

کم فیه من آیات ذی الجلالِ

وقبلُ جاءت آیةُ الإیذاء

فیه بلا شکٍّ ولا امتراءِ

ولم یُعاتَبْ أبداً فی الآی

لا بل له التشریفُ فی البداءِ

وقبلُ جاءت آیةُ السقایه

وآیةُ الإیمان والهدایه

فیه فأکرم ببداه آیه

لیس له فی الفضلِ من نهایه

وآیةٌ واردةٌ فی الأُذنِ

فإنَّها فی السیّد المؤتمنِ

قولاً أتی من صادقٍ لم یَمِنِ

حکماً من الله الحمیدِ المحسنِ

وکم وکم من آیةٍ منزّله

فیه من اللهِ أتتْ مفصّله

شاهدةٌ علی الوری بالفضل له

فلیعلُ من قدَّمه وفضّله

کآیة الودِّ من الرحمنِ

وهکذا کرائم القرآنِ

فیه کما قد جاءَ فی البیانِ

عن أحمدٍ عن ربِّه المنّانِ

وآیةِ التطهیرِ فی الجماعه

أهلِ الکساءِ المرتدین الطاعة

الآمنین من خطوبِ الساعة

یا حبذا حبُّهمُ بضاعه

والأمرُ بالصلاةِ فیهم نزلا

خیر البریّات الأُلی حازوا العلی

سفنُ النجاةِ الشهداءُ فی الملا

بورک علماً علمُهم مفصّلا

ص: 658

وقیل هم فی الذکر أهلُ الذکرِ

نزّل فیهم فاسألوا هل تدری

نعم أُناساً أهلُ بیت الطهرِ

أهلُ المقامات وأهلُ الفخرِ

وفیهمُ الدعاءُ للمباهله

حیث أتی الکفّارُ للمجادله

أکرمْ بهم من دعوةٍ مقابله

بالنصرِ لکن هربوا معاجله

هذا علیٌّ هاهنا نفسُ النبی

وولداه ابنا الرسولِ الیثربی

یا حبّذا من شرفٍ مستعجبِ

یضیءُ فی المجد ضیاءَ الکوکبِ

ویقول فیها :

وقال فیه المصطفی أنت الولی

ومثلُه أنت الوزیرُ والوصی

وکم وکم قال له أنت أخی

فأیّهم قال له مثلَ علی

وهل سمعت بحدیث مولی

یومَ الغدیرِ والصحیحُ أولی

ألم یقل فیه الرسولُ قولا

لم یبق للمخالفین حولا

وهل سمعتَ بحدیثِ المنزله

بجعل هارون النبیّ مثَله

وثبّت الطهرُ له ما کان له

من صنوه موسی فصار مدخله

من حیث لو لم یذکرِ النبوّه

کانت له من بعده مرجوّه

فاستُثنیتْ ونال ذو الفتوّه

عمومَ ما للمصطفی من قوّه

إلی أن قال :

إنّ الکتابَ للوصیِّ قد حکمْ

بأنّه الإمامُ فی خیرِ الأمم

فمن یکن مخالفاً فقد ظلمْ

وقد أساء الفعلَ حقّا واجترم

قال فلی دلائلٌ فی الآثارْ

تواترت وانتشرت فی الأقطارْ

علی إمامةِ الرجالِ الأخیارْ

فأیّ قولٍ بعد تلک الأخبارْ

فقلت إن کان حدیثُ المنزله

فیها وأخبارُ الغدیر مدخله

فإنَّها معلومةٌ مفصّله

أو لا فدعها لعلیٍّ فهی له

ص: 659

لا تجعلنّ خبراً عن واحدِ

أو قولَ کلِّ کاذبٍ معاندِ

مثلَ أحادیثِ الإمامِ الماجدِ

یومَ الغدیر فی ذوی المشاهدِ

تلک التی تواترت فی الخلقِ

وانتشرت أخبارُها عن صدقِ

ونطقتْ فی الناسِ أیّ نطقِ

إنّ علیّا لَإمامُ الحقِ

أخذناها من أرجوزه لشاعرنا المنصور فی الإمامة ، وهی قیّمة جدّا تشتمل علی (708) أبیات.

الشاعر

أبو محمد المنصور بالله الإمام الحسن بن محمد بن أحمد بن یحیی بن یحیی بن یحیی الهادی إلی الحقِّ الیمنی ، أحد أئمّة الزیدیّة فی الدیار الیمنیّة ، وأوحدیّ من أعلامها الفطاحل ، له فی علم الحدیث وفنونه أشواط بعیدة ، وفی الأدب وقرض الشعر خطوات واسعة ، وفی قوّة العارضة جانب هام ، وفی الحجاج والمناظرة ید غیر قصیرة ، یعرب عن هذه کلّها کتابه الضخم الفخم - أنوار الیقین - فی شرح أُرجوزته الغرّاء المذکورة فی الإمامة ، وهی آیة محکمة تدل علی فضله الکثار وعلمه المتدفّق ، کما أنّها برهنة واضحة عن تضلّعه فی الأدب ، وتقدّمه فی صناعة القریض.

کان فی أیّام الإمام المهدی أحمد بن الحسین یُعدّ من جلّة العلماء ، وله فیه مدائح ، ومن شعره فیه مهنّئاً له السلامة - حینما دسّ علیه الملک یوسف بن عمر ملک الیمن علی ما یُقال أو المستعصم العبّاسی أبو أحمد عبد الله المتوفّی (656) رجلین ووثبا علیه ، فطعنه أحدهما فجرحه وسلم ، فأُخذ الرجلان وقتلا - قوله :

راموک والله رامٍ دون ما طلبوا

وکیف یفرق شملٌ أنت جامعُهُ

کم قبل ذلک من فتقٍ مُنیتَ به

واللهُ من حیث یخفی عنک دافعُهُ

عوائدٌ لک تجری فی کفالتِهِ

لا یجبرُ اللهُ عظماً أنت صادعُهُ

ص: 660

ضاقت جوانبُه وانسدَّ مخرجُه

وأنت فیه رحیبُ الصدرِ واسعُهُ

ردّا إلیه وتسلیماً لقدرتِهِ

فیما تحاولُهُ أو ما تدافعُهُ

ومن شعره قوله :

لم ینجُ بالکهف سوی عصبةٍ

فرّت عن الدار وأربابِها

ولا نجا فی یوم نوحٍ سوی

سفینة الله وأصحابِها

ألم یکن فی المغرَقین ابنُه

فغاب عن زمرةِ رکّابِها

وهل نجا بالسلم إلاّ الأُلی

رقوا إلی السلم بأسبابِها

أو أدرک الغفرانَ من لم یلجْ

لداخلِ الحطّةِ من بابِها

أُعیذکم بالله أن تجمحوا

عن عترة الحقِّ وأحزابِها

ولد الإمام المترجم سنة (596) ، وبویع له بالإمامة بعد قتل الإمام أحمد بن الحسین ، وکانت دعوته سنة (657) ، وتوفّی فی مدینة رغافة - من مدن صعدة - فی شهر محرّم سنة (670) ، توجد ترجمته فی نسمة السحر فیمن تشیّع وشعر (1). 4.

ص: 661


1- نسمة السحر : مج 7 / ج 1 / 194.

70 - أبو الحسین الجزّار

وُلد (601)

تُوفّی (672)

حُکم العیون علی القلوبِ یجوزُ

ودواؤها من دائهنّ عزیزُ

کم نظرةٍ نالت بطرفٍ فاترٍ

ما لم ینلْه الذابلُ المحزوزُ

فحذارِ من تلک اللواحظِ غرّة

فالسحرُ بین جفونها مرکوزُ

یا لیت شعری والأمانی ضلّةٌ

والدهر یُدرک طرفه ویحوزُ

هل لی إلی روضٍ تصرّم عمرُه

سببٌ فیرجع ما مضی فأفوزُ

وأزور مَن ألِفَ البعادَ وحبُّه

بین الجوانحِ والحشا مرزوزُ (1)

ظبیٌ تناسبَ فی الملاحةِ شخصُه

فالوصفُ حین یطولُ فیه وجیزُ

والبدرُ والشمسُ المنیرةُ دونه

فی الوصف حین یحرّر التمییزُ

لو لا تثنِّی خصرِهِ فی ردفِه

ما خلت إلاّ أنَّه مغروزُ

تجفو غلالته علیه لطافةً

فبحسنها من جسمه تطریزُ (2)

من لی بدهرٍ کان لی بوصالِهِ

سمحاً ووعدی عنده منجوزُ

والعیشُ مخضرُّ الجنابِ أنیقُه

ولأوجه اللذات فیه بروزُف)

ص: 662


1- رَزّ الشیّ : أثبته.
2- فبجسمه من جفوها تطریز. کذا فی بعض النسخ. (المؤلف)

والروضُ فی حُلَلِ النبات کأنّه

فُرشِتْ علیه دبائجٌ وخزوزُ

والماءُ یبدو فی الخلیجِ کأنَّه

ظلٌّ لسرعة سیره محفوزُ

والزهرُ یوهم ناظریه أنَّما

ظهرت به فوق الریاض کنوزُ

فأُقاحُه ورقٌ ومنثورُ الندی

درٌّ ونَوْرُ بهارِه إبریزُ

والغصنُ فیه تغازلٌ وتمایلٌ

وتَشاغلٌ وتراسلٌ ورموزُ

وکأنَّما القمریُّ ینشد مصرعاً

من کلِّ بیت والحمام یجیزُ

وکأنَّما الدولاب زمّر کلّما

غنّت وأصواتُ الدوالب شیزُ

وکأنَّما الماءُ المصفِّق ضاحکٌ

مستبشرٌ ممّا أتی فیروزُ

یهنیک یا صهرَ النبیِّ محمدٍ

یومٌ به للطیّبین هزیزُ

أنت المقدّمُ فی الخلافةِ ما لها

عن نحو ما بک فی الوری تبریزُ

صبَ الغدیر علی الأُلی جحدوا لظیً

یوعی لها قبل القیام أزیزُ

إن یهمزوا فی قول أحمد أنت مو

لیً للوری فالهامز المهموزُ

لم یخشَ مولاک الجحیمَ فإنَّها

عنه إلی غیر الولیِّ تجوزُ

أتری تمرُّ به وحبُّک دونَه

عوذٌ ممانعةٌ له وحروزُ

أنت القسیم غداً فهذا یلتظی

فیها وهذا فی الجنان یفوزُ

توجد هذه القصیدة فی غیر واحد من المجامیع الشعریّة المخطوطة العتیقة وهی طویلة ، وتری أبیاتها مبثوثةً منثورة فی کتب الأدب.

الشاعر

یحیی بن عبد العظیم بن یحیی بن محمد بن علیّ جمال الدین أبو الحسین الجزّار المصری ، أحد شعراء الشیعة المنسیّین ، ولقد شذّت عن ذکره معاجم السلف بالرغم من اطّراد شعره فی کتب الأدب وفی المعاجم أیضاً استطراداً متحلّیاً بالجزالة والبراعة ،

ص: 663

فإن غفل عن تاریخه المترجمون فقد عقد هو لنفسه ترجمة ضافیة الذیول ، خالدة مع الدهر ، فلم یترک لمن یقف علی شعره ملتحداً عن الاعتراف له بالعبقریّة والنبوغ ، والإخبات إلیه بالتقدّم فی التوریة والاستخدام.

قال ابن حجّة فی الخزانة (1) : تعاصر هو والسرّاج الورّاق والحمّامی ، وتطارحوا کثیراً وساعدتهم صنائعهم وألقابهم فی نظم التوریة ، حتی إنّه قیل للسرّاج الورّاق : لو لا لقبک وصناعتک لذهب نصف شعرک. ودون مقامه ما یوجد من جمیل ذکره فی الخزانة (2) لابن حجّة ، وفوات الوفیات للکتبی (2 / 319) ، والبدایة والنهایة لابن کثیر (13 / 293) ، وشذرات الذهب (5 / 364) ، ونسمة السحر للیمنی ، والطلیعة فی شعراء الشیعة للعلاّمة السماوی ، وقد جمع له شیخنا السماوی من شعره دیواناً یربو علی ألف ومائتین وخمسین بیتاً ؛ وکان له دیوان وصف بالشهرة فی معاجم السلف ، وله أُرجوزة فی ذکر من تولّی مصر من الملوک والخلفاء وعمّالها ذکرها له صاحب نسمة السحر ، فقال : مفیدة ، فکأنّها توجد فی مکتبات الیمن ، وقد وقف علیها صاحب النسمة ، ومن شعره قوله فی رثاء الإمام السبط علیه السلام فی تمام المتون للصفدی (3) (ص 156) وغیره :

ویعود عاشورا یُذکّرنی

رزءَ الحسین فلیت لم یعُدِ

یومٌ سیبلی حین أذکره

أن لا یدور الصبر فی خلدی

یا لیت عیناً فیه قد کُحِلتْ

فی مرود لم تنجُ من رمدِ

ویداً به لشماتةٍ خُضِبتْ

مقطوعةٌ من زندها بیدی

أما وقد قُتل الحسینُ به

فأبو الحسین أحقّ بالکمدِ7.

ص: 664


1- خزانة الأدب : 2 / 48.
2- خزانة الأدب : ص 56 ، فوات الوفیات : 4 / 277 رقم 571 ، البدایة والنهایة : 13 / 342 حوادث سنة 679 ه ، شذرات الذهب : 7 / 636 حوادث سنة 679 ه ، نسمة السحر : مج 9 / ج 2 / 596.
3- تمام المتون : ص 207.

وله فی حریق الحرم النبویِّ قوله :

لا تعبأوا أن یحترق فی طیبةٍ

حرمُ النبیِّ بقول کلِّ سفیهِ

لله فی النارِ التی وقعت به

سرٌّ عن العقلاء لا یخفیهِ

إذ لیس تبقی فی فناه بقیّةً

ممّا بنته بنو أُمیّة فیهِ

احترق المسجد الشریف النبویّ لیلة الجمعة أوّل لیلة من شهر رمضان سنة (654) بعد صلاة التراویح ، علی ید الفرّاش أبی بکر المراغی بسقوط ذبالة من یده فأتت النار علی جمیع سقوفه ، ووقعت بعض السواری وذاب الرصاص وذلک قبل أن ینام الناس ، واحترق سقف الحجرة الشریفة ووقع بعضه فیها ، وقال فیه الشعراء شعراً ، ولعلّ ابن تولو المغربی أجاب عن أبیات المترجم المذکورة بقوله :

قل للروافضِ بالمدینةِ ما لکم

یقتادکم للذمِّ کلُّ سفیهِ

ما أصبح الحرمُ الشریفُ محرّقاً

إلاّ لذمِّکمُ الصحابةَ فیهِ

کانت بین شاعرنا - الجزّار - وبین السرّاج الورّاق مداعبة ، فحصل للسرّاج رمد فأهدی الجزّار له تفّاحاً وکمثری ، وکتب مع ذلک :

أکافیکَ عن بعض الذی قد فعلته

لأنّ لمولانا علیَّ حقوقا

بعثتُ خدوداً مع نهودٍ وأعیناً

ولا غرو أن یجزی الصدیقُ صدیقا

وإن حال منک البعضُ عمّا عهدته

فما حال یوماً عن ولاک وثوقا

بنفسجُ تلک العینِ صار شقائقاً

ولؤلؤُ ذاک الدمعِ عاد عقیقا

وکم عاشقٍ یشکو انقطاعک عندما

قطعتَ علی اللذات منه طریقا

فلا عدمتکَ العاشقون فطالما

أقمت لأوقات المسرّة سوقا

ص: 665

وذکر له ابن حجّة (1) قوله مورّیاً فی صناعته :

ألا قل للذی یسأ

ل عن قومی وعن أهلی

لقد تسأل عن قومٍ

کرامِ الفرعِ والأصلِ

تُرجّیهم بنو کلبٍ

وتخشاهم بنو عجلِ

ومثله قوله :

إنِّی لمن معشرٍ سفکُ الدماءِ لهم

دأبٌ وسل عنهمُ إن رُمتَ تصدیقی

تضیء بالدمِ إشراقاً عراصُهمُ

فکلُّ أیّامِهم أیّامُ تشریقِ

ومثله قوله :

أصبحتُ لحّاماً وفی البیت لا

أعرفُ ما رائحة اللحمِ

واعتضت من فقری ومن فاقتی

عن التذادِ الطعمِ بالشمِ

جهلته فقراً فکنت الذی

أضلّه اللهُ علی علمِ

وظریف قوله :

کیف لا أشکر الجزارةَ ما عش

تُ حفاظاً وأرفض الآدابا

وبها صارتِ الکلابُ ترجّی

نی وبالشعر کنت أرجو الکلابا

ومثله قوله :

معشرٌ ما جاءهمْ مسترفدٌ

راح إلاّ وهو منهم معسرُ

أنا جزّارٌ وهم من بقرٍ

ما رأونی قطُّ إلاّ نفروا

کتب إلیه الشیخ نصیر الدین الحمّامی مورّیاً عن صنعته : 6.

ص: 666


1- خزانة الأدب : 2 / 56.

ومذ لزمت الحمّام صرت بها

خلاّ یُداری من لا یُداریه

أعرفُ حرَّ الأشیا وباردَها

وآخذُ الماء من مجاریه

فأجابه أبو الحسین الجزّار بقوله :

حسنُ التأنّی ممّا یعینُ علی

رزق الفتی والحظوظ تختلفُ

والعبدُ مذ صار فی جزارته

یعرف من أین تُؤکل الکتفُ

وله فی التوریة قوله :

أنت طوّقتنی صنیعاً وأسمع

تک شکراً کلاهما ما یضیعُ

فإذا ما شجاک سجعی فإنِّی

أنا ذاک المطوّق المسموعُ

ومن لطائفه ما کتب به إلی بعض الرؤساء وقد منع من الدخول إلی بیته :

أمولای ما من طباعی الخروجُ

ولکن تعلّمته من خمولِ

أتیت لبابِک أرجو الغنی

فأخرجنی الضربُ عند الدخولِ

ومن مجونه فی التوریة قوله فی زواج والده :

تزوّج الشیخ أبی شیخةً

لیس لها عقلٌ ولا ذهنُ

لو برزت صورتها فی الدُجی

ما جسرت تبصرها الجنُ

کأنَّها فی فرشها رمّةٌ (1)

وشَعرها من حولها قطنُ

وقائل لی قال ما سنُّها

فقلت ما فی فمِها سنُ

وله قوله فی داره :

ودارُ خرابٍ بها قد نزل

ت ولکن نزلت إلی السابعهف)

ص: 667


1- الرمّة - بالکسر والفتح - : ما بَلی من العظام. (المؤلف)

طریقٌ من الطرقِ مسلوکةٌ

محجّتُها للوری شاسعه

فلا فرق ما بین أنّی أکونُ

بها أو أکونُ علی القارعه

تساررُها هفواتُ النسیمِ

فتصغی بلا أُذنٍ سامعه

وأخشی بها أن أُقیمَ الصلاةَ

فتسجدُ حیطانُها الراکعه

إذا ما قرأتُ إذا زلزلتْ

خشیتُ بأن تقرأَ الواقعه

وله فی بعض أدباء مصر - کان شیخاً کبیراً ظهر علیه جرب فالتطخ بالکبریت - قوله ذکره له ابن خلکان فی تاریخه (1) (1 / 67).

أیّها السیّد الأدیب دعاءً

من محبٍّ خالٍ من التنکیتِ

أنت شیخٌ وقد قربتَ من النا

ر فکیف ادّهنت بالکبریتِ

وله قوله :

مَن مُنصفی من معشرٍ

کثروا علیَّ وأکثروا

صادقتُهمْ وأری الخرو

جَ من الصداقةِ یعسرُ

کالخطِّ یسهلُ فی الطرو

سِ ومحوُه یتعذّرُ

وإذا أردتَ کشطتَهُ

لکنّ ذاک یؤثِّرُ

ومن قوله فی الغزل :

بذاک الفتورِ وهذا الهَیَفْ

یهونُ علی عاشقیکَ التلفْ

أطرت القلوبَ بهذا الجمالِ

وأوقعتها فی الأسی والأسفْ

تکلّفَ بدرُ الدجی إذ حکی

محیّاک لو لم یَشِنْهُ الکلفْ

وقام بعذری فیک العذارُ

وأجری دموعیَ لمّا وقفْ4.

ص: 668


1- وفیات الأعیان : 1 / 198 رقم 84.

وکم عاذلٍ أنکرَ الوجدَ فیک

علیَّ فلمّا رآک اعترفْ

وقالوا به صلفٌ زائدٌ

فقلت رضیت بذاک الصلفْ

لئن ضاع عمریَ فی من سواک

غراماً فإنّ علیک الخلفْ

فهاک یدی إنَّنی تائبٌ

فقلْ لی عفا اللهُ عما سلفْ

بجوهرِ ثغرِک ماءُ الحیاةِ

فما ذا یضرُّک لو یُرتشَفْ

ولم أَرَ من قبلِهِ جوهراً

من البهرمانِ (1) علیه صدفْ

أُکاتِمُ وجدیَ حتی أراک

فیعرفُ بالحالِ لا من عرفْ

وهیهات یخفی غرامی علیک

بطرفٍ همی وبقلبٍ رجفْ

ومنه قوله :

حمت خدّها والثغر عن حائمٍ شجٍ

له أملٌ فی مورد ومورّدِ

وکم هام قلبی لارتشاف رضابها

فأعرفُ عن تفصیلِ نحو المبرّدِ

ومن بدیع غزله قوله :

وما بی سوی عینٍ نظرتُ لحسنِها

وذاک لجهلی بالعیونِ وغرّتی

وقالوا به فی الحبِّ عینٌ ونظرةٌ

لقد صدقوا عین الحبیبِ ونظرتی

وله قوله یرثی حماره :

ما کلُّ حینٍ تنجح الأسفارُ

نفقَ (2) الحمار وبادتِ الأشعارُ

خرجی علی کتفی وها أنا دائرٌ

بین البیوتِ کأنَّنی عطّارُ

ما ذا علیَّ جری لأجلِ فراقِهِ

وجرت دموعُ العینِ وهی غزارُ

لم أنسَ حدّةَ نفسِهِ وکأنَّه

من أن تسابقَه الریاحُ یغارُف)

ص: 669


1- البهرمان : الیاقوت الأحمر. (المؤلف)
2- نفقت الدابّة : خرجت روحها. (المؤلف)

وتخالُه فی القفرِ جنّا طائراً

ما کلُّ جنٍّ مثله طیّارُ

وإذا أتی للحوض لم یخلع له

فی الماء من قبل الورود عذارُ

وتراه یحرسُ رجلَهُ من زلّةٍ

برشاشِها یتنجّسُ الحضّارُ

ویلینُ فی وقتِ المضیقِ فیلتوی

فکأنَّما بیدیک منه سوارُ

ویشیرُ فی وقتِ الزحامِ برأسِهِ

حتی یحیدَ أمامه النظّارُ

لم أدرِ عیباً فیه إلاّ أنَّه

مع ذا الذکاءِ یقال عنه حمارُ

ولقد تحامتْهُ الکلابُ وأحجمتْ

عنه وفیه کلُّ ما تختارُ

راعت لصاحبه عهوداً قد مضت

لمّا علمن بأنَّه جزّارُ

وقال فی موت حمار صدیق له :

مات حمارُ الأدیبِ قلتُ لهمْ

مضی وقد فات منه ما فاتا

من مات فی عزِّه استراح ومن

خلّف مثل الأدیب ما ماتا

وله قوله :

لا تَعِبْنی بصنعةِ القصّابِ

فهی أذکی من عنبر الآدابِ

کان فضلی علی الکلاب فمذ صر

تُ أدیباً رجوت فضل الکلابِ

کان کمال الدین عمر بن أحمد بن العدیم (1) إذا قدم مصر یلازمه أبو الحسین الجزّار ، فقال بعض أهل عصره حسداً علیه :

یا ابن العدیم عدمت کلّ فضیلةٍ

وغدوت تحمل رایة الإدبارِ

ما إن رأیتُ ولا سمعتُ بمثلِها

نفسٌ تلذُّ بصحبة الجزّارِف)

ص: 670


1- أبو القاسم الوزیر الرئیس الکبیر الحلبی الحنفی ، سمع الحدیث وحدّث وتفقّه وأفتی ودرس وصنّف ، ولد سنة (586) وتوفّی (660). (المؤلف)

قال الصفدی فی تمام المتون (1) (ص 181) - بعد ذکره قول هارون الرشید : إنَّ الکریم إذا خادعته انخدعا - : ذکرت هنا قضیّة جرت لأبی الحسین الجزّار ، وهی أنّه توجّه الجزّار إلی ابن یعمور بالمحلّة وأقام عنده مدّة ، ثمّ إنَّه أعطاه وردّه وجاء لیودِّعه ، فاتّفق أن حضر فی ذلک الوقت وکیل ابن یعمور علی أقطاعه ، فقال له : ما أحضرت؟ قال کذا وکذا دراهم ، فقال : أعطه الخزندار. فقال : کذا وکذا غلّة. فقال : احملها إلی الشونة ، قال : کذا وکذا خروف. فقال : اعطها الجزّار. فقام الجزّار وقبّل الأرض وقال : یا مولانا : کم وکم تتفضّل ؛ فتبسّم ابن یعمور وانخدع وقال : خذها.

وذکر له الصفدی فی تمام المتون شرح رسالة ابن زیدون (2) (ص 35) من أبیات له

وحقّک ما لیَ من قدرةٍ

علی کشف ضرّیَ إذ مسّنی

فکم أخذتنی عیونُ الظبا

ءِ وبعد الإنابة من مأمنی

وفی (ص 46) من تمام المتون (3) قوله :

أُطیل شکایاتی إلی غیرِ راحمٍ

وأهل الغنی لا یرحمون فقیرا

وأشکر عیشی للوری خوف شامتٍ

کذا کلّ نحسٍ لا یزال شکورا

وله فی تمام المتون (4) (ص 212) قوله :

لست أنسی وقد وقفت فأنشد

ت قصیداً تفوقُ نظمَ الجمانِ

کلُّ بیت یُزری علی خلفِ الأح

مرِ بالحسن وهو شیخ ابن هانی5.

ص: 671


1- تمام المتون : ص 241.
2- تمام المتون : ص 49.
3- تمام المتون : ص 64.
4- تمام المتون : ص 285.

ببدیعٍ یحار فی نظمِه الطا

ئیُّ بل مسلمٌ صریع الغوانی

ومدیحٍ ما نال جودته قد

ماً زیاد فی خدمة النعمانِ

قمت وسط الإیوانِ بین یدی مل

ک تسامی علی أنوشروانِ

وله فی تمام المتون (1) (ص 220) قوله :

ولقد کسوتک من قریضی حلّةً

جلّت عن التلفیق والترقیعِ

حسنتْ برقمٍ من جلالِک فاغتدتْ

کالروضِ فی التسهیمِ والترصیعِ

وذکر فی تمام المتون (2) (ص 226) قوله :

أُحمّل قلبی کلّ یوم ولیلة

هموماً علی من لا أفوزُ بخیرِه

کما سوّد القصّارُ فی الشمسِ وجهَهُ

حریصاً علی تبییض ثوبٍ لغیرِه

قال ابن حجّة فی الخزانة (3) (ص 338) : ولد سنة (601) وتوفّی (672) بمصر ، وزاد فیه ابن کثیر فی البدایة والنهایة (4) یوم وفاته وشهره : ثانی عشر شوّال ، وهکذا أرّخ ولادته ووفاته من أرّخهما من المؤلِّفین ، غیر أنَّ صاحب شذرات الذهب شذَّ عنهم وعدّه ممّن توفّی سنة (679) وقال : توفّی فی شوّال وله ستٌّ وسبعون سنة أو نحوها ودفن بالقرافة (5). والله العالم. ة.

ص: 672


1- تمام المتون : ص 297.
2- تمام المتون : ص 306.
3- خزانة الأدب : 2 / 108.
4- البدایة والنهایة : 13 / 342 حوادث سنة 679 ه.
5- شذرات الذهب : 7 / 637 حوادث سنة 679 ه ، ووافقه فی هذا التاریخ ابن کثیر فی البدایة والنهایة.

ص: 673

71 - القاضی نظام الدین

المتوفّی (678)

لله درُّکمُ یا آلَ یاسینا

یا أنجم الحقِّ أعلام الهدی فینا

لا یقبلُ اللهُ إلاّ فی محبّتکِمْ

أعمالَ عبدٍ ولا یرضی له دینا

أرجو النجاةَ بکم یومَ المعادِ وإن

جنت یدای من الذنبِ الأفانینا

بلی أُخفِّفُ أعباءَ الذنوبِ بکمْ

بلی أُثقِّل فی الحشرِ الموازینا

من لا یوالیکمُ فی الله لم یرَ من

قیح اللظی وعذابِ القبر تسکینا

لأجل جدِّکمُ الأفلاکُ قد خُلِقت

لولاه ما اقتضت الأقدار تکوینا

من ذا کمثل علیٍّ فی ولایتِهِ

ما مبغضیه أری إلاّ مجانینا (1)

اسمٌ علی العرشِ مکتوبٌ کما نقلوا

من یستطیعُ له محواً وترقینا (2)

من حجّةُ اللهِ والحبلُ المتینُ ومن

خیرُ الوری وولاهُ الحشرَ یغنینا

من المبارزُ فی وصفِ الجلالِ ومن

أقامَ حقّا علی القطع البراهینا

من مثلُه کان ذا جفرٍ وجامعةٍ

له یُدوَّنُ سرُّ الغیبِ تدوینا

ومن کهارونَ من موسی أُخوّته

للخلق بیَّن خیرُ الرسلِ تبیینا

مهما تمسّک بالأخبارِ طائفةٌ

فقولهُ والِ من والاه یکفینا

یومَ الغدیرِ جری الوادی فطمّ علی

قویّ قومٍ همُ کانوا المعادیناة.

ص: 674


1- ورد الشطر الثانی فی الطبعتین السابقتین : (ما المبغضین له إلاّ مجانینا) وغیّرناه وفق ما ذکر فی مجالس المؤمنین.
2- الترقین : الکتابة.

شبلاه ریحانتا روضِ الجنانِ فقل

فی طیبِ أرضٍ نمت تلک الریاحینا

ما یتبع الشعر

تناهز القصیدة (42) بیتاً ، ذکرها القاضی المرعشی فی مجالس المؤمنین (1) (ص 226).

وبقوله :

لأجل جدّکمُ الأفلاکُ قد خُلِقتْ

لولاه ما اقتضت الأقدارُ تکوینا

أشار إلی ما أخرجه الحاکم وصحّحه فی المستدرک (2) (2 / 615) عن ابن عبّاس رضی الله عنه قال : أوحی الله إلی عیسی علیه السلام : یا عیسی ، آمِن بمحمد وأمر من أدرکه من أُمّتک أن یؤمنوا به ، فلو لا محمد ما خلقت آدم ، ولولا محمد ما خلقت الجنّة والنار ، ولقد خلقت العرش علی الماء فاضطرب فکتبت علیه : لا إله إلاّ الله ، محمد رسول الله ، فسکن.

وذکره السبکی فی شفاء السقام (3) (ص 121) وأقرّ صحته ، وکذلک الزرقانی فی شرح المواهب (1 / 44) وقال : أخرجه أبو الشیخ فی طبقات الأصفهانیّین (4) ، وصحّحه الحاکم وأقرّه السبکی (5) والبلقینی فی فتاواه.

وأخرج الحاکم (6) بعده حدیثاً وصحّحه وفیه نحو دلالة علی ما نرتئیه ولفظه : 8.

ص: 675


1- مجالس المؤمنین : 1 / 543.
2- المستدرک علی الصحیحین : 2 / 672 ح 4227.
3- شفاء السقام : ص 162.
4- طبقات المحدّثین بأصبهان : 3 / 108 رقم 348.
5- شفاء السقام : ص 162.
6- المستدرک علی الصحیحین : 2 / 672 ح 4228.

قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «لمّا اقترف آدم الخطیئة قال : یا ربّ ، أسألک بحقِّ محمد لمّا غفرت لی ؛ فقال الله : یا آدم ، وکیف عرفت محمداً ولم أخلقه؟ قال : یا ربّ ، لأنَّک لمّا خلقتنی بیدک ونفخت فیّ من روحک ، رفعت رأسی فرأیت علی قوائم العرش مکتوباً : لا إله إلاّ الله محمد رسول الله ؛ فعلمت أنَّک لم تضف إلی اسمک إلاّ أحبّ الخلق إلیک ، فقال الله : صدقت یا آدم ، إنّه لأحبُّ الخلق إلیَّ ، ادعنی بحقّه فقد غفرت لک ، ولولا محمد ما خلقتک».

وأخرجه البیهقی فی دلائل النبوة (1) وهو الکتاب الذی قال فیه الذهبی : علیک به فکلّه هدیً ونور ، والطبرانی فی المعجم الصغیر (2) ، وأقرَّ صحّته السبکی فی شفاء السقام (ص 120) ، والسمهودی فی وفاء الوفا (3) (ص 419) ، والقسطلانی فی المواهب اللدنیّة (4) ، والزرقانی فی شرحه (1 / 44) ، والعزّامی فی فرقان القرآن (ص 117).

کتبنا هذا المختصر لإیقاف القارئ علی بطلان ما لابن تیمیّة ومن غزل غزله أمثال القصیمی من جلبةٍ ولغطٍ ، حتی یکون علی بصیرة من فضل النبیِّ الأقدس صلی الله علیه وآله وسلم.

الشاعر

نظام الدین محمد ابن قاضی القضاة إسحاق بن المظهر الأصبهانی ، أحد أعیان أدباء الطائفة ، وأوحدیّها فی الفنون والفضائل ، قاضی القضاة فی الأقطار العراقیّة ، مخالطاً مع خواجة شمس الدین محمد الجوینی الملّقب بصاحب الدیوان ، المتوفّی (683) 4.

ص: 676


1- دلائل النبوّة : 5 / 489.
2- المعجم الصغیر : 2 / 82 - 83.
3- وفاء الوفا : 4 / 1371.
4- المواهب اللدنیّة : 4 / 594.

وله فیه مدائح ، منها قوله :

ما الناسُ إلاّ کالقریضِ وإنَّما

بیتُ القصیدةِ صاحب الدیوانِ

شمسُ الممالکِ تزدهی بعلائِها

وبهاءُ دست الملک والإیوانِ

وله فی رثاء ولده خواجة بهاء الدین محمد قصیدة تناهز (58) بیتاً ، ذکرها القاضی فی مجالسه (1) (ص 438) مطلعها :

ما للظلام یغطّی وجهةَ الأُفقِ

ما للرواسی اضطربنَ الیومَ من قلقِ

ما للحظوظ تولی القومَ أظهرَها

ما للنوائبِ تُبدی صفحةَ العنقِ

بکی السماءُ وضجَّ الأرضُ وانکدرت

زهرُ النجومِ وطاشت أنفسُ الفرقِ

الیومُ یومٌ لعمری کاسمه فقدتْ

به العلی والنهی إنسانةَ الحدقِ

مولی الأنامِ بهاءُ الدین صاحبُنا

مضی فبدّلَ صفوَ العیشِ بالرنقِ

وتخلّص فی غدیریّته المذکورة إلی مدح خواجة بهاء الدین ، وکتب باسم أخی صاحب الدیوان : علاء الدین خواجة عطاء الملک الجوینی ، المتوفّی (681) دیوان رباعیّاته ، وله شعر یمدح به سلطان المحقِّقین خواجه نصیر الدین الطوسی ، المتوفّی (672).

توجد ترجمته فی مجالس المؤمنین (2) (ص 226) ، وتاریخ آداب اللغة (3) (3 / 13) وقال : توفّی سنة (678) ، له دیوان اسمه : دیوان المنشئات ، فی المتحف البریطانی ، وذکره صاحب ریاض الجنّة - فی الروضة الرابعة - فی عدِّ العلماء ، وقال : له رسالته القوسیّة ، کتب بعض أعلام نیسابور شرحاً علیها وأثنی علیه فی شرحه بقوله : 5.

ص: 677


1- مجالس المؤمنین : 2 / 483.
2- مجالس المؤمنین : 1 / 543.
3- مؤلّفات جرجی زیدان الکاملة - تاریخ آداب اللغة العربیة - : مج 14 / 415.

أقضی قضاة العالم ، مفتی طوائف الأمم ، منشئ البدائع والعجائب ... الخ.

ومن دوبیتاته فی کشکول شیخنا البهائی (1) (1 / 109):

أنتم لظلام قلبی الأضواءُ

فیکم لفؤادی جُمِعتْ أهواءُ

یروی الظمأ ادّکارُکم لا الماءُ

داویتُ بغیرِکمْ فزادَ الداءُ

أوصیتک بالجدِّ فدع من ساخر

فاخر بفضیلة التقی مَن فاخر

لا ترج سوی الربّ لکشف البلوی

لا تدعُ مع الله إلهاً آخر

ما لی وحدیث وصل من أهواهُ

حسبی بشفاءِ علّتی ذکراهُ

هذا وإذا قضیت نحبی أسفاً

یکفینی أن أُعدَّ من قتلاهُ

وافی فجذبت عطفه المیّادا

شوقاً فطلبت قُبلةً فانقادا

حاولت وراء ذاک منه نادی

لا تطلب بعدُ بدعةً إلحادا

* * *

قالوا انتهِ عنه إنّه ما صدقا

ما أجهلَ من بوعده قد وثقا

لا لا فنتیجة الهوی صادقةٌ

مع کذب مقدِّمات وعدٍ سبقا

وذکر له القاضی فی المجالس (2) قوله :

لم أرضَ سوی هدی نبیٍّ وولی

لا أتبع الباطل والحقُّ جلی

فی الشرِّ ترانی ابن حرب بطلاً

لکن أنا من شیعة مولای علی5.

ص: 678


1- الکشکول الکامل : 1 / 297.
2- مجالس المؤمنین : 1 / 545.

وذکر له العلاّمة النراقی فی الخزائن (ص 115):

مذ غبتَ ألمّ فی سقامٌ وأ لمْ

کم أصبرُ فی هواک کم أصبر کمْ

یا بدر إلی وصالی ارجع وارحمْ

یا بدر ألم یأن ألم یأن ألمْ

ص: 679

72 - شمس الدین محفوظ

المتوفّی حدود (690)

راق الصبوحُ ورقّتِ الصهباءُ

وسری النسیمُ وغنّتِ الورقاءُ

وکسا الربیعُ الأرضَ کلَّ مدبّجٍ

لیست تجیدُ مثالَه صنعاءُ

فالأرضُ بعد العریِ إمّا روضةٌ

غنّاءُ أو دیباجةٌ خضراءُ

والطیرُ مختلف اللحان فنائحٌ

ومطرّبٌ مالت به الأهواءُ

والماءُ بین مدرّجٍ ومجدولٍ

ومسلسلٍ جادت به الأنواءُ

وسری النسیمُ علی الریاضِ فضمّختْ

أثوابَهُ عطریّةٌ نکباءُ (1)

کمدیحِ آلِ محمدٍ سفنِ النجا

فبنظمِه تتعطّرُ الشعراءُ

الطیّبون الطاهرون الراکعو

ن الساجدون السادة النجباءُ

منهم علیُّ الأبطحیُّ الهاشمیّ

اللوذعیُّ إذا بدت ضوضاءُ

ذاک الأمیر لدی الغدیر أخو البشی

-ر المستنیر ومن له الأنباءُ

طهرت له الأصلابُ من آبائه

وکذاک قد طهرت له الأبناءُ

أفهل یحیطُ الواصفون بمدحِهِ

والذکرُ فیه مدائحٌ وثناءُ

ذو زوجةٍ قد أزهرتْ أنوارُها

فلأجل ذلکمُ اسمُها الزهراءُ

وأئمّةٌ من ولدها سادت بها ال

-متأخِّرون وشُرّف القدماءُح.

ص: 680


1- النکباء : الریح.

مبداهمُ الحسن الزکیُّ ومن إلی

أنسابهِ تتفاخر الکرماءُ

والطاهر المولی الحسین ومن له

رفعت إلی درجاتها الشهداءُ

والندبُ زین العابدین الماجد الن

دب الأمین الساجد البکّاءُ

والباقر العلَمُ الشریفُ محمدٌ

مولیً جمیعُ فعالِهِ آلاءُ

والصادق المولی المعظّمُ جعفرٌ

حبرٌ موالیه هم السعداءُ

وإمامنا موسی بنُ جعفر سیّدٌ

بضریحِه تتشرّفُ الزوراءُ

ثمّ الرضا علَمُ الهدی کنزُ التقی

باب الرجا محیی الدجی الجلاّءُ

ثمّ الجوادُ مع ابنهِ الهادی الذی

تهدی الوری آیاتُه الغرّاءُ

والعسکریُّ إمامنا الحسنُ الذی

یغشاه من نورِ الجلالِ ضیاءُ

والطاهرُ ابن الطاهرین ومن له

فی الخافقین من البهاء لواءُ

من یُصلح الأرضین بعد فسادها

حتی یُصاحب ذئبهنَّ الشاءُ

أنا یا ابن عمِّ محمد أهواکمُ

وتطیب منّی فیکمُ الأهواءُ

وأکفّر الغالینَ فیک وألعنُ ال

قالینَ إنّهمُ لدیَّ سواءُ (1)

الشاعر

الشیخ شمس الدین محفوظ بن وشاح بن محمد أبو محمد الحلّی الأسدی ، قطب من أقطاب الفقاهة ، وطود راسٍ للعلم والأدب ؛ کان متکئاً علی أریکة الزعامة الدینیّة ، ومرجعاً فی الفتوی ، ومنتجعاً لحلِّ المشکلات ، وکهفاً تأوی إلیه العفاة ، والحکم الفاصل للدعاوی ، ومن مشایخ الإجازة الراوین عن الشیخ نجم الدین المحقّق الحلّی المتوفّی (667) ، ویروی عنه الحافظ المحقّق کمال الدین علی ابن الشیخ شرف الدین الحسین بن حمّاد اللیثی الواسطی ، ویروی عنه شارح القصائد السبع العلویّات ف)

ص: 681


1- ذکرها العلاّمة السماوی فی الطلیعة : ج 2. (المؤلف)

لابن أبی الحدید بشرحه الموسوم بغرر الدلائل ، قال فی أوّل الشرح :

کنت قرأت هذه القصائد علی شیخی الإمام العالم ، الفقیه المحقّق ، شمس الدین أبی محمد محفوظ بن وشاح - قدس الله روحه - وذلک بداره بالحلّة فی صفر من سنة ثمانین وستمائة ، ورواها لی عن ناظمها وراقم علمها.

قال الأمینی : أحسب أنَّ شارح القصائد هو صفیّ الدین محمد بن الحسن بن أبی الرضا العلوی البغدادی ، صاحب البائیّة فی رثاء المترجم ، والله العالم.

جرت بین شیخنا المترجم وبین شیخه المحقّق الحلّی مکاتبات ، منها ما ذکره شیخنا صاحب المعالم فی إجازته الکبیرة (1) ، قال نقلاً عن الشهید الأوّل (2) :

إنّه کتب إلی الشیخ المحقّق نجم الدین السعید أبیاتاً ، من جملتها :

أغیبُ عنک وأشواقی تجاذبُنی

إلی لقائِک جذبَ المغرمِ العانی

إلی لقاءِ حبیبٍ شبهِ بدرِ دجیً

وقد رماه بإعراضٍ وهجرانِ

ومنها :

قلبی وشخصُک مقرونان فی قرَنٍ

عند انتباهی وعند النوم یغشانی

حللت منّی محلَّ الروحِ فی جسدی

فأنت ذکریَ فی سرّی وإعلانی

لو لا المخافةُ من کرهٍ ومن مللٍ

لطال نحوک تردادی وإتیانی

یا جعفر بن سعید یا إمام هدیً

یا أوحدَ الدهرِ یا من ما له ثانی

إنِّی بحبِّکَ مغریً غیرُ مکترثٍ

بمن یلومُ وفی حبّیک یلحانی

فأنت سیّد أهلِ الفضلِ کلِّهمُ

لم یختلف أبداً فی فضلک اثنانِف)

ص: 682


1- توجد فی إجازات البحار للعلاّمة المجلسی : ص 100. (المؤلف)
2- شمس الدین محمد بن جمال الدین مکی بن محمد العاملی النبطی الجزینی ، المستشهد سنة (786) ، توجد ترجمته وترجمة أولاده وأحفاده فی کتابنا شهداء الفضیلة : ص 80 - 98. (المؤلف)

ومنها :

فی قلبِکَ العلمُ مخزونٌ بأجمعِهِ

تهدی به من ضلالٍ کلَّ حیرانِ

وفوک فیه لسانٌ حشوُهُ حکمٌ

تروی به بزلال کلَّ ظمآنِ

وفخرک الراسخُ الراسی وزنتَ به

رضوی فزاد علی رضوی وثهلانِ

وحسنُ أخلاقک اللاّتی فضلتَ بها

کلَّ البریّة من قاصٍ ومن دانِ

تغنی عن المأثرات الباقیات ومن

یحصی جواهر أجبالٍ وکثبانِ

یا من علا درج العلیاء مرتقیاً

أنت الکبیرُ العظیمُ القدرِ والشانِ

فأجابه المحقّق بقوله :

لقد وافتْ قصائدُکَ العوالی

تهزُّ معاطفَ اللفظِ الرشیقِ

فضضتُ ختامهنَّ فخلتُ أنّی

فضضتُ بهنَّ عن مسکٍ فتیقِ

وجال الطرفُ منها فی ریاضٍ

کُسینَ بناضرِ الزهرِ الأنیقِ

فکم أبصرتُ من لفظٍ بدیعٍ

یدلُّ به علی المعنی الدقیقِ

وکم شاهدتُ من علمٍ خفیٍ

یقرِّبُ مطلب الفضلِ السحیقِ

شربتُ بها کؤوساً من معانی

غنیتُ بشربهنَّ عن الرحیقِ

ولکنِّی حملت بها حقوقاً

أخاف لثقلهنّ من العقوقِ

فَسِرْ یا أبا الفضائل بی رویداً

فلست أطیقُ کفرانَ الحقوقِ

وحمِّل ما أطیق به نهوضاً

فإنّ الرفقَ أنسبُ بالصدیقِ

فقد صیّرْتَنی لعُلاکَ رقّا

ببرِّک بل أرقَّ من الرقیقِ

وکتب بعدها نثراً توجد جملة منه فی الإجازات.

لم نقف علی تاریخی ولادة شیخنا شمس الدین ووفاته ، غیر أنَّا نقطع بحیاته إلی سنة (680) ، وقد قرّب العلاّمة السماوی وفاته بسنة تسعین بعد الستمائة ، وللباحث

ص: 683

أن یقف علی مواقفه العظیمة فی الفضائل بالقصائد التی رثاه بها أعلام عصره ، منها رثاء العلاّمة الحجّة الفقیه الصالح صفیّ الدین محمد بن الحسن أبی الرضا العلوی البغدادی ، یقول فی قصیدته :

مصابٌ أصابَ القلبَ منه وجیبُ

وصابتْ لجفنِ العینِ فیه غروبُ

یعزُّ علینا فقدُ مولیً لفقدِهِ

غدت زهرةُ الأیّامِ وهی شحوبُ

وطاب له فی الناس ذکرٌ ومحتدٌ

کما طاب منه مشهدٌ ومغیبُ

ألا لیتَ شمسَ الدین بالشمسِ یقتدی

فیصبحَ فینا طالعاً ویغیبُ

فمن ذا یحلُّ المشکلاتِ ومن إذا

رمی غرض المعنی الدقیقِ یصیبُ

ومن یکشفُ الغمّاءَ عنّا ومن له

نوالٌ إذا ضنَّ الغمام یصوبُ

فلا قامَ جنحَ اللیلِ بعدک خاشعٌ

ولا صام فی حرِّ الهجیر منیبُ

ولا سالَ فوق الطرسِ من کفِّ کاتبٍ

یراعٌ عن السمر الطوال ینوبُ

وبعدک لا سحَّ الغمامُ ولا شدا

الحمام ولا هبّت صباً وجنوبُ

ومنها : قصیدة الفقیه الحجّة الشیخ مهذّب الدین محمود بن یحیی بن محمد الشیبانی الحلّی :

عزَّ العزاءُ ولاتَ حین عزاءِ

من بعد فرقة سیّد الشعراءِ

العالمِ الحَبرِ الإمامِ المرتضی

علمِ الشریعة قدوةِ العلماءِ

أکذا المنونُ تهدّ أطوادَ الحجا

ویفیضُ منها بحرُ کلّ عطاءِ

ما للفتاوی لا یردّ جوابها

ما للدعاوی غطّیت بغطاءِ

ما ذاک إلاّ حین مات فقیُهنا

شمسُ المعالی أوحدُ الفضلاءِ

ذهبَ الذی کنّا نصولُ بعزِّهِ

ولسانِه الماضی علی الأعداءِ

من للفتاوی المشکلاتِ یحلّها

ویُبینها بالکشفِ والإمضاءِ

من للکلامِ یبینُ من أسرارِهِ

معنی جلالةِ خالقِ الأشیاءِ

ص: 684

من ذا لعلمِ النحوِ واللغةِ التی

جاءت غرائبُها عن الفصحاءِ

ما خلت قبل یحطُّ فی قلبِ الثری

أنَّ البدورَ تغیبُ فی الغبراءِ

أیموتُ محفوظٌ وأبقی بعده

غدرٌ لعمرُکَ موتُه وبقائی

مولای شمسَ الدین یا فخر العلی

ما لی أُنادی لا تجیب ندائی

ومنها : قصیدة العلاّمة المحقّق الشیخ تقیّ الدین بن داود الحلّی ، أحد شعراء الغدیر الآتی ذکره فی القرن الثامن :

لک اللهُ أیُّ بناءٍ تداعی

وقد کان فوق النجومِ ارتفاعا

وأیُّ علاءٍ دعاه الخطوبُ

فلبّی ولولا الردی ما أطاعا

وأیُّ ضیاءٍ ثوی فی الثری

وقد کان یخفی النجومَ التماعا

لقد کان شمسُ الهدی کاسمه

فأرخی الکسوفُ علیه قناعا

فوا أسفا أین ذاک اللسانُ

إذا رام معنیً أجاب اتِّباعا

وتلک البحوثُ التی ما تُمَلُ

إذا ملَّ صاحبُ بحثٍ سماعا

فمن ذا یُجیبُ سؤالَ الوفود

إذا عرضوا أو تعاطوا نزاعا

ومن للیتامی ولابنِ السبیلِ

إذا قصدوه عراةً جیاعا

ومن للوفاءِ وحفظِ الإخاءِ

ورعیِ العهود إذا الغدر شاعا

سقی اللهُ مضجعه رحمةً

تروّی ثراه وتأبی انقطاعا (1)

وولد المترجَم أبو علیّ محمد الشهیر بتاج الدین بن وشاح ، کان قاضی الحلّة ، ولصفیّ الدین الحلّی - الآتی ذکره فی الجزء السادس - قصیدة یرثیه بها توجد فی دیوانه (ص 256) مطلعها : ف)

ص: 685


1- راجع أمل الآمل [2 / 73 رقم 196] ، بحار الأنوار : ج 25 [109 / 15] ، مستدرک الوسائل [3 / 447] ، تتمیم الأمل لابن أبی شبانة ، روضات الجنات [6 / 105 - 107 رقم 567]. (المؤلف)

لو أفادتنا العزائمُ حالا

لم نجدْ حسنَ العزاءِ محالا

ویقول فیها :

أسدٌ خلّف شبلَی عرینٍ

شیّدا مجداً له لن یُنالا

ظلّ زینُ الدینِ للدهرِ زیناً

وجمالُ الدین فیها جمالا

فأرانا اللهُ أقصی الأمانی

فیهما إن جار دهرٌ ومالا

49 بیتاً

ولصفیّ الدین قصیدة أُخری ذات (53) بیتاً توجد فی دیوانه (ص 410) ، یعتذر بها إلی القاضی تاج الدین بن وشاح عن قیلٍ فیه وعزوه إلیه ، أوّلها :

حذراً علیک من الفعال الجافی

أُدنیک مجتهداً إلی الإنصافِ

ویقول فی آخرها :

شکراً لواشٍ أوجبتْ أقوالُهُ

حجِّی لکعبةِ ربعِکمْ وطوافی

بُعدٌ جنیت القربَ من أغصانِهِ

وسکینةٌ حصلت من الإرجافِ

ولربّما عوتِ الکلابُ فأرشدتْ

نحو الکرامِ شواردَ الأضیافِ

دع عنک ما اختلف الوری فی نقلِه

عنّی وخذ مدحاً بغیر خلافِ

مدحاً أتاک ولا یروم إجازةً

إلاّ المودّةَ والضمیرَ الصافی

ولآل محفوظ بقیّة صالحة فی سوریة والعراق ، وللأستاذ الحسین ابن الشیخ علیّ ابن الشیخ محمد الجواد ابن الشیخ موسی آل محفوظ الکاظمی رسالة فی تراجم أعلام أُسرته الکریمة ، وتوجد ذکری عُمد هذا البیت الرفیع فی تکملة أمل الآمل لسیّدنا الصدر الکاظمی (1) وفی وفیات الأعلام (2) لشیخنا الرازی صاحب الذریعة. 2.

ص: 686


1- تکملة أمل الآمل : ص 331 رقم 312.
2- وفیات الأعلام : 3 / 979 رقم 6412.

توجد فی أمل الآمل (1) وغیره ترجمة باسم سدید الدین سالم بن محفوظ بن عزیزة بن وشاح السورانی ، قرأ علیه المحقّق الحلّی المتوفّی (667) ، ویروی عنه السیّد ابن طاووس المتوفّی (664) ، ووالد العلاّمة الحلّی ، وقد ولد العلاّمة (648) ، واستظهر صاحب روضات الجنّات (2) فی (ص 301) أنَّه ولد شاعرنا شمس الدین محفوظ وهذا الاستظهار لیس فی محلّه ؛ لأنَّ المترجم نفسه أحد الرواة عن المحقِّق الحلّی ، فکیف یکون سالم الذی قرأ علیه المحقّق الحلّی ابنه؟ ثمّ طبقة الرواة عن سالم هی طبقة مشایخ شمس الدین المترجم ، فیستدعی ذلک أن یکون متقدِّماً علی والده بطبقة غیر طبقة والده.

ویؤیّد ما ذکرناه أنّ ولد المترجم أبا علیّ محمداً تاج الدین بن محفوظ - المترجم فی أمل الآمل (3) - یروی عنه السیّد تاج الدین بن معیّة المتوفّی (776) ، ورثاه صفی الدین المتوفّی (752) ، فلو کان سالم أخاه لوجب أن یکون الرواة عنه من أهل هذه الطبقة لا قبلها بقرن.6.

ص: 687


1- أمل الآمل : 2 / 124 رقم 352.
2- روضات الجنّات : 6 / 106 رقم 567.
3- أمل الآمل : 2 / 297 رقم 896.

73 - بهاء الدین الإربلی

المتوفّی (692 ، 693)

وإلی أمیرِ المؤمنین بعثتُها

مثلَ السفائنِ غُمن فی تیّارِ (1)

تحکی السهامَ إذا قطعن مفازةً

وکأنَّها فی دقّة الأوتارِ

حمّالُ أثقالٍ ومُسعفُ طالبٍ

وملاذُ ملهوفٍ وموئل جارِ

شرفٌ أقرَّ به الحسودُ وسؤددٌ

شاد العلاءَ لیَعربٍ ونزارِ

وسماحةٌ کالماءِ طابَ لواردٍ

ظامٍ إلیه وسطوةٌ کالنارِ

ومآثرٌ شهدَ العدوُّ بفضلِها

والحقُّ أبلجُ والسیوف عواری

سل عنه بدراً إذ جلا هبواتِها

بشباةِ خطیٍّ وحدِّ غرارِ (2)

حیث الأسنّةُ کالنجومِ منیرةٌ

تخفی وتبدو فی سماءِ غبارِ

واسأل بخیبرَ إن عرتکَ جهالةٌ

بصحائحِ الأخبارِ والآثارِ

واسأل جموعَ هوازنٍ عن حیدرٍ

وحذارِ من أسدِ العرین حَذارِ

واسأل بخمٍّ عن علاه فإنّها

تقضی بمجدٍ واعتلاءِ منارِ

بولائه یرجو النجاةَ مقصِّرٌ

وتُحَطُّ عنه عظائمُ الأوزارِف)

ص: 688


1- غمَّ الشیء : غطّاه. التیّار : موج البحر الهائج. (المؤلف)
2- الهبوة : الغبرة جمعها : الهبوات. الشباة : من السیف قدر ما یقطع به ، وحدّ کلّ شیءٍ. الغرار : حدّالسیف. (المؤلف)

ویقول فیها :

عرِّجْ علی أرض الغریِّ وقفْ به

والثمْ ثراه وزرهُ خیرَ مزارِ

واخلع بمشهدِهِ الشریفِ معظّماً

تعظیمَ بیت الله ذی الأستارِ

وقلِ السلامُ علیک یا خیرَ الوری

وأبا الهداةِ السادةِ الأبرارِ

یا آلَ طه الأکرمینَ ألیّةً

بکمُ وما دهری یمینَ فجارِ

إنّی منحتکمُ المودّةَ راجیاً

نیلَ المنی فی الخمسة الأشبارِ

فعلیکمُ منِّی السلامُ فأنتمُ

أقصی رجای ومنتهی إیثاری (1)

وله من قصیدة فی کتابه کشف الغمّة (2) (ص 197) قوله :

وتعرّض إلی ولاءِ أُناسٍ

حبلُ معروفِهمْ قویٌّ مریرُ (3)

خیرةُ اللهِ فی الأنامِ ومن وج

هُ مُوالیهمُ بهیٌّ منیرُ

أُمناء الله الکرامُ وأربا

بُ المعالی ففضلُهمْ مشهورُ

المفیدون حین یخفقُ سعیٌ

والمجیرون حین عزَّ المجیرُ

کرموا مولداً وطابوا أُصولاً

فبطونٌ زکیّةٌ وظهورُ

عترةُ المصطفی وحسبُکَ فخراً

أیّها السائلی البشیرُ النذیرُ

بعلیٍّ شِیدتْ معالمُ دینِ ال

لّهِ والأرضُ بالعنادِ تمورُ

وبه أیّدَ الإلهُ رسولَ ال

لّهِ إذ لیس فی الأنامِ نصیرُ

وبأولادِهِ الهداةِ إلی الح

قِّ أضاء المستبهم الدیجورُف)

ص: 689


1- کشف الغمّة : ص 78 [1 / 274] وقال : قصیدة طویلة أنشدتها بحضرته فی مشهده المقدّس صلوات الله علیه. (المؤلف)
2- کشف الغمّة : 2 / 282.
3- المریر من الحبال : ما اشتدّ فتله ، ویقال أمر مریر : أی محکم. ورجل مریر : قویّ ذو غرم. (المؤلف)

سل حُنیناً عنه وبدراً فما یخ

بر عمّا سألتَ إلاّ الخبیرُ

إذ جلا هبوةَ الخطوبِ وللحر

ب زنادٌ یشبُّ منها سعیرُ

حسدوهُ علی مآثر شتّی

وکفاهمْ حقداً علیه الغدیرُ

أسدٌ ما له إذا استفحل البأ

س سوی رنّةِ السلاحِ زئیرُ

ثابتُ الجأشِ لا یروِّعُهُ الخط

ب ولا یعتریه فیه فتورُ

أعرب السیفُ منه إذ أعجم الرم

ح لأنَّ العدا لدیه سطورُ

عزماتٌ أمضی من القدر المح

توم یجری بحکمِهِ المقدورُ

ومزایا مفاخرٍ عطّرَ الأُف

قَ شذاها یُخال فیها عبیرُ

الشاعر

بهاء الدین أبو الحسن علیُّ بن فخر الدین عیسی بن أبی الفتح الإربلی ، نزیل بغداد ودفینها ؛ فذّ من أفذاذ الأمّة ، وأوحدیّ من نیاقد علمائها ، بعلمه الناجع وأدبه الناصع یتبلّج القرن السابع ، وهو فی أعاظم العلماء قبله فی أئمّة الأدب ، وإن کان به ینضّد جمان الکتابة ، وتنظم عقود القریض ، وبعد ذلک کلّه هو أحد ساسة عصره الزاهی ، ترنّحت به أعطاف الوزارة وأضاء دستها ، کما ابتسم به ثغر الفقه والحدیث ، وحمیت به ثغور المذهب ، وسفره القیّم کشف الغمّة خیر کتاب أُخرج للناس فی تاریخ أئمّة الدین ، وسرد فضائلهم ، والدفاع عنهم ، والدعوة إلیهم ؛ وهو حجّة قاطعة علی علمه الغزیر ، وتضلّعه فی الحدیث ، وثباته فی المذهب ، ونبوغه فی الأدب ، وتبرّزه فی الشعر ، حشره الله مع العترة الطاهرة صلوات الله علیهم.

قال الشیخ جمال الدین أحمد بن منبع الحلّی مقرّظاً الکتاب :

ألا قل لجامع هذا الکتابِ

یمیناً لقد نلتَ أقصی المرادِ

وأظهرت من فضل آل الرسول

بتألیفهِ ما یسوءُ الأعادی

ص: 690

مشایخ روایته والرواة عنه :

یروی بهاء الدین المترجم عن جمع من أعلام الفریقین ، منهم :

1 - سیّدنا رضیُّ الدین جمال الملّة السید علیّ بن طاووس : المتوفّی (664).

2 - سیّدنا جلال الدین علیّ بن عبد الحمید بن فخار الموسوی : أجاز له سنة (676).

3 - الشیخ تاج الدین أبو طالب علیّ بن أنجب بن عثمان الشهیر بابن الساعی البغدادی السلامی : المتوفّی (674) ، یروی عنه کتاب معالم العترة النبویّة العلیّة تألیف الحافظ أبی محمد عبد العزیز بن الأخضر الجنابذی المتوفّی (611) کما فی کشف الغمّة (ص 135) (1).

4 - الحافظ أبو عبد الله محمد بن یوسف بن محمد الکنجی الشافعی : المتوفّی سنة (658) ، قرأ علیه کتابیه : کفایة الطالب فی مناقب علیّ بن أبی طالب ، والبیان فی أخبار صاحب الزمان ؛ وذلک بإربل سنة (648) ، وله منه إجازة بخطّه (2) ، وینقل عن کتابه الکفایة کثیراً فی کشف الغمّة.

5 - کمال الدین أبو الحسن علی بن محمد بن محمد بن وضّاح ، نزیل بغداد ، الفقیه الحنبلی : المتوفّی (672) یروی عنه بالإجازة ، وممّا یروی عنه کتاب الذرّیة الطاهرة تألیف أبی بشر محمد بن أحمد الأنصاری الدولابی ، المتوفّی سنة (320) ، وکان مخطوطاً بخطِّ شیخه ابن وضّاح المذکور. کشف الغمّة (3) (ص 109). 3.

ص: 691


1- کشف الغمّة : 2 / 167.
2- کشف الغمّة : ص 31 ، 324 [1 / 105 و 383]. (المؤلف)
3- کشف الغمّة : 1 / 373.

6 - الشیخ رشید الدین أبو عبد الله محمد بن أبی القاسم بن عمر بن أبی القاسم ، قرأ علیه کتاب المستغیثین (1) - فی کشف الظنون : المستعین بالله - تألیف أبی القاسم خلف بن عبد الملک بن مسعود بن بشکوال الأنصاری القرطبی المتوفّی (578) ، والشیخ رشید الدین قرأ - المستغیثین - علی محیی الدین أبی محمد یوسف ابن الشیخ أبی الفرج ابن الجوزی وهو یرویه عن مؤلّفه إجازة. قال المترجم فی کشف الغمّة (2) (ص 224) : کانت قراءتی علیه فی شعبان من سنة ستّ وثمانین وستمائة بداری المطلّة علی دجلة ببغداد.

وینقل کثیراً عن عدّة من تآلیف معاصریه منها : تفسیر الحافظ أبی محمد عبد الرزّاق عزّ الدین الرسعنی الحنبلی المتوفّی (661) ، کانت بینه وبین المترجم صداقة وصلة ؛ راجع الجزء الأوّل من کتابنا هذا (ص 220).

ومنها : مطالب السؤول تألیف أبی سالم کمال الدین محمد بن طلحة الشافعی ، کما أسلفناه فی ترجمته (ص 415) من هذا الجزء.

ومنها : تآلیف شیخنا الأوحد قطب الدین الراوندی ، المترجَم فیما مرَّ (ص 380)

ویروی عنه جمع من أعلام الفریقین منهم :

1 - جمال الدین العلاّمة الحلّی الحسن بن یوسف بن المطهّر ، کما فی إجازة شیخنا الحرّ العاملی صاحب الوسائل.

2 - الشیخ رضیّ الدین علیّ بن المطهّر ، کما فی إجازة السیّد محمد بن القاسم بن معیّة الحسینی للسیّد شمس الدین. 3.

ص: 692


1- قال ابن خلکان فی تاریخه : 1 / 190 [2 / 240 رقم 217]. کتاب المستغیثین بالله تعالی عند المهمّات والحاجات مجلّد لطیف ، فما ذکرناه فی المتن عن کشف الظنون تصحیف. (المؤلف)
2- کشف الغمّة : 2 / 373.

3 - السیّد شمس الدین محمد بن فضل العلوی الحسنی.

4 - ولده الشیخ تاج الدین محمد بن علیّ.

5 - الشیخ تقیّ الدین بن إبراهیم بن محمد بن سالم.

6 - الشیخ محمود بن علیّ بن أبی القاسم.

7 - حفیده الشیخ شرف الدین أحمد بن الصدر تاج الدین محمد بن علیّ.

8 - حفیده الآخر الشیخ عیسی بن محمد بن علیّ ، أخو الشرف المذکور.

9 - الشیخ شرف الدین أحمد بن عثمان النصیبی ، الفقیه المدرِّس المالکی.

10 - مجد الدین أبو الفضل یحیی بن علیّ بن المظفّر الطیبی الکاتب بواسط العراق ، قرأ علی المترجم شطراً من کتابه کشف الغمّة ، وأجاز له ولجمع من الأعلام المذکورین سنة (691).

وممّن قرأ علیه :

11 - عماد الدین عبد الله بن محمد بن مکّی.

12 - الصدر الکبیر عزّ الدین أبو علیّ الحسن بن أبی الهیجا الإربلی.

13 - تاج الدین أبو الفتح بن الحسین بن أبی بکر الإربلی.

14 - المولی أمین الدین عبد الرحمن بن علیّ بن أبی الحسن الجزری الموصلی.

15 - الشیخ حسن بن إسحاق بن إبراهیم بن عبّاس الموصلی.

له ذکره الجمیل فی (1) : أمل الآمل ، وریاض العلماء ، وریاض الجنّة - فی الروضة الرابعة - ، وروضات الجنّات ، والأعلام للزرکلی ، وتتمیم الأمل لابن أبی 8.

ص: 693


1- أمل الآمل : 2 / 195 رقم 588 ، ریاض العلماء : 4 / 166 ، روضات الجنّات : 4 / 341 ، الأعلام : 4 / 318 ، الکنی والألقاب : 2 / 18.

شبانة ، والکنی والألقاب ، والطلیعة فی شعراء الشیعة.

قال ابن الفوطی فی الحوادث الجامعة (1) (ص 341) : وفی سنة (657) وصل بهاء الدین علیّ بن الفخر عیسی الإربلی إلی بغداد ، ورتّب کاتب الإنشاء بالدیوان ، وأقام بها إلی أن مات.

وقال فی (ص 480) : إنَّه توفِّی ببغداد سنة (693) ، وقال فی (ص 278) : إنّه تولّی تعمیر مسجد معروف سنة (678) ، وذکر له (ص 38) من قصیدته التی یرثی بها معلّم الأمّة شیخنا خواجه نصیر الدین الطوسی والملک عزّ الدین عبد العزیز :

ولمّا قضی عبد العزیز بن جعفر

وأردفه رزء النصیر محمدِ

جزعتُ لفقدانِ الأخلاّءِ وانبرتْ

شئونی کمرفضِّ الجُمانِ المبدّدِ

وجاشت إلیَّ النفسُ حزناً ولوعةً

فقلت تعزّی واصبری فکأن قدِ

وقال فی صحیفة (366) : وفی خامس عشرین جمادی الآخرة رکب علاء الدین صاحب الدیوان لصلاة الجمعة ، فلمّا وصل المسجد الذی عند عقد مشرعة الأبریّین ، نهض علیه رجل وضربه بسکّین عدّة ضربات ، فانهزم کلّ من کان بین یدیه من السرهنکیّة ، وهرب الرجل أیضاً ، فعرض له رجل حمّال کان قاعداً بباب غلّة ابن تومه وألقی علیه کساءه ، ولحقه السرهنکیّة فضربوه بالدبابیس وقبضوه.

وأمّا الصاحب فإنّه أُدخل دار بهاء الدین - المترجم - ابن الفخر عیسی ، وکان یومئذٍ یسکن فی الدار المعروفة بدیوان الشرابی ، لمّا عرف بذلک خرج حافیاً وتلقّاه ودخل بین یدیه ، وأحضر الطبیب فسبر الجرح ومصّه فوجده سلیماً من السمِّ.

وذکر فی (ص 369) من إنشائه کتاب صداق کتبه فی تزویج الخواجة شرف 7.

ص: 694


1- الحوادث الجامعة : ص 164 و 227 و 195 و 25 و 176 و 177.

الدین هارون بن شمس الدین الجوینی بابنة أبی العبّاس أحمد ابن الخلیفة المستعصم فی جمادی الآخرة سنة (670).

وترجمه الکتبی فی فوات الوفیات (1) (2 / 83) وقال : له شعر وترسُّل ، وکان رئیساً کتب لمتولّی إربل ابن صلایا ، ثمّ خدم ببغداد فی دیوان الإنشاء أیّام علاء الدین صاحب الدیوان ، ثمّ إنّه فتر سوقه فی دولة الیهود ، ثمّ تراجع بعدهم وسلم ولم ینکب إلی أن مات سنة (692) ، وکان صاحب تجمّل وحشمة ومکارم أخلاق ، وفیه تشیّع ، وکان أبوه والیاً بإربل ، ولبهاء الدین مصنّفات أدبیّة مثل : المقالات (2) الأربع ، ورسالة الطیف المشهورة وغیر ذلک ، وخلّف لمّا مات ترکةً عظیمةً ألفی ألف درهم تسلّمها ابنه أبو الفتح ومحقها ومات صعلوکاً ، ومن شعر بهاء الدین رضی الله عنه :

أیا حاجری من غیرِ جرمٍ جنیتُهُ

ومن دأبه ظلمی وهجری فدیتهُ

أجرنی رعاکَ اللهُ من نارِ جفوةٍ

وحرّ غرامٍ فی العبادِ اصطلیتهُ

وکن مُسعفی فیما أُلاقی من الأسی

فهجرک یا کلّ المنی ما نویتهُ

أأظما غراماً فی هواکَ ولوعةً

ولی دمعُ عینٍ کالسحابِ بکیتهُ

وحَقِّک یا من تهت فیه صبابةً

ووجداً ومن دونِ الأنامِ اصطفیتُهُ (3)

وحَقِّک لا أنسی العهودَ التی مضت

قدیماً ولا أسلو زماناً قضیتهُ

ومن شعره أیضاً :

کیف خلاصی من هوی شادنٍ

حکَّمه الحسنُ علی مهجتی

بعادُه ناری التی تُتّقی

وقربُه لو زارنی جنّتیی.

ص: 695


1- فوات الوفیات : 3 / 57 رقم 347.
2- فی الطبعة التی بین أیدینا من الوفیات : المقامات.
3- أضفنا هذا البیت من طبعة الغدیر الأولی.

ما اتّسعت طرق الهوی فیه لی

إلاّ وضاقتْ فی الجفا حیلتی

لیت لیالی وصلِهِ عدنَ لی

یا حسرتا أین اللیالی التی

وقال أیضاً رحمه الله تعالی :

وجهُه والقوامُ والشعَرُ الأس

ودُ فی بهجة الجبینِ النضیرِ

بدر تمٍّ علی قضیبٍ علیه

لیل دُجن من فوقِ صبحٍ منیرِ

وقال أیضاً :

جنّه سابق الغرام فجُنّا

وجفا منزلاً وخلّف مغنی

ودعاه الهوی فلبّی سریعاً

وکذا شیمةُ المحبِّ المعنّی

رام صبراً فلم یُطعه غرامٌ

غادرَ القلبَ بالصبابةِ رهنا

وجفا لذّةَ الکری فی رضا ال

حبِّ فأرضی قلباً وأسخط جفنا

أسهرت مقلتاه فی طاعةِ الوج

د عیوناً علی المخضَّب وسنَی

کلّ ظامی الوشاح ریّان من ما

ءِ التصابی أضنی المحبَّ وعنّی

ما علی الدهرِ لو أعاد زماناً

سلبَتْهُ أیدی الحوادث منّا

وعلی من أحبَّ لو شفع الحس

ن الذی قیّد العیونَ بحسنی

وبروحی أفدی رشیقَ قوامٍ

لاح بدراً وماس إذ ماس غصنا

یتجنّی ظلماً فیحدثُ لی وج

داً إذا صدَّ عاتباً أو تجنّی

ما ثنانا عنه العذول وهل ین

سی غرامی وقدّه یتثنّی

کیف أسلو بدراً یشابهه البد

ر سناءً یسبی الحلیمَ وأسنی

لیَ معنیً فیهِ وفی صاحب الدی

وانِ إذ رُمتُ مدحَهُ ألف معنی

وقال أیضاً رحمه الله تعالی :

طاف بها واللیل وَحف الجناح (1)

بدرُ الدجی یحملُ شمسَ الصباحْف)

ص: 696


1- الوحف : الشعر الکثیر الأسود الحسن ، والواحف من الأجنحة : الکثیر الریش. (المؤلف)

وفازَ بالراحةِ عشّاقُه

لمّا بدا فی کفِّه کأسُ راحْ

ظبیٌ من الترکِ له قامةٌ

یُزری تثنِّیها بسمر الرماحْ

عارضُه آسٌ وفی خدِّه

وردٌ نضیرٌ والثنایا أقاحْ

عاطیتُه صهباءَ مشمولةً

تجلی سنا الصبحِ إذا الصبحُ لاحْ

فسکّنتْ سورتُه وانثنی

فظلَّ طوعِی بعد طول الجماحْ

فبتُّ لا أعرفُ طیبَ الکری

وبات لا ینکرُ طیبَ المزاحْ

فهل علی من بات صبّا به

وإن نضا ثوب وقارٍ جُناحْ

وقال أیضاً رحمه الله تعالی :

غزالَ النقا لو لا ثنایاک واللّمی

لما بتُّ صبّا مستهاماً متیّما

ولولا معانٍ فیک أوجبن صبوتی

لما کنتُ من بعد الثمانین مغرما

أیا جنّةَ الحسن الذی غادر الحشا

بفرطِ التجافی والصدود جهنّما

جریت علی رسمٍ من الجور واضحٍ

أما آن یوماً أن ترقَّ وترحما

أمالِکَ رقّی کیف حلّلتَ جفوتی

وعدت لقتلی بالبعاد متمّما

وحرّمت من حلو الوصال محلّلاً

وحلّلت من مرِّ الجفاء محرّما

بحسن التثنِّی رقَّ لی من صبابةٍ

أسلتُ بها دمعی علی وجنتی دما

ورفقاً بمن غادرتَهُ غرضَ الردی

إذا زار عن سخطٍ بلادک مسلما

کلفت بساجی الطرفِ أحوی مهفهفٍ

یمیسُ فینسیکَ القضیبَ المنعّما

یفوق الظبا والغصنَ حسناً وقامةً

وبدرَ الدجی والبرقَ وجهاً ومبسما

فناظرُه فی قصّتی لیس ناظراً

وحاجبُه فی قتلتی قد تحکّما

ومشرف صدغٍ ظلَّ فی الحکمِ جائراً

وعاملُ قدٍّ بان أعدی وأظلما

وعارضُه لم یرثِ لی من شکایةٍ

فنمّت دموعی حین لاح منمنما

ص: 697

وترجمه صاحب شذرات الذهب (1) (5 / 383) بعنوان بهاء الدین بن الفخر عیسی الإربلی ، وعدّه من المتوفّین فی سنة (683) وأحسبه تصحیف (693) ، وجعلوه فی فهرست الکتاب : عیسی بن الفخر الإربلی ، زعماً منهم بأنّ عیسی فی کلام المصنِّف بدل من قوله بهاء الدین ؛ وذکر له فی الشذرات قوله :

أیّ عذر وقد تبدّی العذارُ

إن ثنانی تجلّدٌ واصطبارُ

فأقلاّ إن شئتما أو فزیدا

لیس لی عن هوی الملاح قرارُ

هل مجیرٌ من الغرامِ وهیها

تَ أسیر الغرام لیس یجارُ

یا بدیعَ الجمالِ قد کثرتْ فی

کَ اللواحی وقلّت الأنصارُ

وذکره سیّدنا صاحب ریاض الجنّة وقال : إنّه کان وزیراً لبعض الملوک ، وکان ذا ثروة وشوکة عظیمة ، فترک الوزارة واشتغل بالتألیف والتصنیف والعبادة والریاضة فی آخر أمره ، وقد نظم بسبب ترکه المولی عبد الرحمن الجامی فی بعض قصائده بقوله - ثمّ ذکر خمسة عشر بیتاً باللغة الفارسیّة ضربنا عنها صفحاً - والقصیدة علی أنّها خالیة من اسم المترجم ومن الإیعاز إلیه بشیء یعرِّفه ، تعرب عن أنَّ الممدوح بها غادر بیئة وزارته إلی الحرم الأقدس وأقام هناک إلی أن مات.

ومرَّ عن ابن الفوطی أنَّ المترجم کان کاتباً إلی أن مات ، وکون وفاته فی بغداد ودفنه بداره المطلّة علی دجلة فی قرب الجسر الحدیث من المتسالم علیه ولم یختلف فیه اثنان ، وکان قبره معروفاً یزار إلی أن ملک تلک الدار - فی هذه الآونة الأخیرة - من قطع سبیل الوصول إلیه وإلی زیارته ، والناس مجزیّون بأعمالهم إن خیراً فخیر وإن شرّا فشر.

توجد جملة کبیرة من شعره فی العترة الطاهرة - صلوات الله علیهم - فی کتابه .

ص: 698


1- شذرات الذهب : 7 / 668 حوادث سنة 683 ه.

کشف الغمّة ، منها : فی (1) (ص 79) من قصیدة مدح بها أمیر المؤمنین علیه السلام وأنشدها فی حضرته قوله :

سل عن علیّ مقاماتٍ عُرفن به

شدّت عری الدین فی حلٍّ ومرتحلِ

بدراً وأُحداً وسل عنه هوازن فی

أوطاس واسأل به فی وقعة الجملِ

واسأل به إذ أتی الأحزابُ یقدمهم

عمرو وصفّین سل إن کنتَ لم تسلِ

مآثرٌ صافحتْ شهبَ النجومِ عُلیً

مشیدة قد سمت قدراً علی زحلِ

وسنّةٌ شرعت سبلَ الهدی وندیً

أقام للطالبِ الجدوی علی السبلِ

کم من یدٍ لک فینا یا أبا حسن

یفوقُ نائلُها صوبَ الحیا الهطلِ

وکم کشفت عن الإسلامِ فادحةً

أبدتْ لتفرسَ عن أنیابِها العضلِ

وکم نصرت رسولَ اللهِ منصلتاً

کالسیفِ عُرّی متناه من الخللِ

ورُبَّ یومٍ کظلِّ الرمحِ ما سکنتْ

نفسُ الشجاعِ به من شدّةِ الوهلِ (2)

ومأزقُ الحربِ ضنکٌ لا مجالَ به

ومنهلُ الموتِ لا یغنی علی النهلِ

والنقعُ قد ملأ الأرجاءَ عِثْیرُهُ (3)

فصار کالجبل الموفی علی الجبلِ

جلوته بشبا البیض القواضب وال

جرد السلاهب والعسّالة الذبلِ (4)

بذلت نفسَکَ فی نصرِ النبیِّ ولم

تبخلْ وما کنت فی حال أخا بخلِ

وقمت منفرداً کالرمحِ منتصباً

لنصرهِ غیرَ هیّاب ولا وکلِ (5)ف)

ص: 699


1- کشف الغمّة : 1 / 275.
2- الوهل والوهلة : الفزع والفزعة. (المؤلف)
3- النقع : الغبار. عِثْیَر : التراب والعجاج. (المؤلف)
4- البیض : السیوف. القواضب جمع قاضب ، یقال : سیف قاضب وقضّاب وقضّابة ومقضب : شدید القطع ، رجل قضّابة : قطّاع للأمور مقتدر علیها. الجرد : الترس. السلاهب جمع السلهب : الطویل. العسالة من الرمح : ما یهتز لیناً. الذبل جمع الذابل : الدقیق ، المهزول. توصف بها الرماح. (المؤلف)
5- الوکل : الجبان ، العاجز. (المؤلف)

تردی الجیوشَ بعزمٍ لو صدمتَ به

صمَّ الصفا لهوی من شامخِ القللِ

یا أشرفَ الناسِ من عُربٍ ومن عجمِ

وأفضلَ الناس فی قولٍ وفی عملِ

یا من به عرفَ الناسُ الهدی وبه

تُرجی السلامةُ عند الحادثِ الجللِ

یا من أعاد رسومَ العدلِ حالیةً

وطال ما سترتْها وحشةُ العطلِ

یا فارسَ الخیلِ والأبطال خاضعةٌ

یا من له کلُّ خلقِ اللهِ کالخولِ (1)

یا سیّد الناسِ یا من لا مثیلَ له

یا من مناقبُهُ تسری سُری المثلِ

خذ من مدیحی ما أسطیعه کرماً

فإن عجزتُ فإنَّ العجزَ من قبلی

وسوف أهدی لکم مدحاً أحبِّرُهُ

إن کنت ذا قدرةٍ أو مُدّ فی أجلی

وله یمدح الإمام الصادق علیه السلام قوله (2) :

مناقبُ الصادقِ مشهورةٌ

ینقلُها عن صادقٍ صادقُ

سما إلی نیلِ العلی وادعاً

وکلَّ عن إدراکِهِ اللاحقُ

جری إلی المجدِ کآبائِهِ

کما جری فی الحلبة السابقُ

وفاقَ أهلَ الأرضِ فی عصرِه

وهو علی حالاتِه فائقُ

سماؤه بالجودِ هطّالةٌ

وسیبُهُ هامی الحیا دافقُ

وکلّ ذی فضلٍ بأفضالِهِ

وفضلُه معترفٌ ناطقُ

له مکانٌ فی العلی شامخٌ

وطود مجدٍ صاعدٌ شاهقُ

من دوحة العزِّ التی فرعُها

سامٍ علی أوج السها سامقُ (3)

نائلُه صوبُ حیاً مُسبلٌ

وبشرُهُ فی صوبِهِ بارقُ

صوابُ رأی إن عدا جاهلٌ

وصوبُ غیثٍ إن عرا طارقُف)

ص: 700


1- الخول : العبید والإماء. (المؤلف)
2- کشف الغمّة : 2 / 429.
3- فاعل من سمق سمقاً وسموقاً : علا وطال ، فهو سامق وسمق. (المؤلف)

کأنَّما طلعتُهُ ما بدا

لناظریهِ القمرُ الشارقُ

له من الأفضالِ حادٍ علی

البذلِ ومن أخلاقه سائقُ

یروقُه بذل الندی واللها

وهو لهمْ أجمعِهمْ رائقُ

خلائقٌ طابت وطالت علیً

أبدعَ فی إیجادِها الخالقُ

شادَ المعالی وسعی للعلی

فهی له وهو لها عاشقُ

إن أعضلَ الأمرُ فلا یهتدی

إلیهِ فهو الفاتقُ الراتقُ

یشوقُه المجدُ ولا غروَ أن

یشوقَهُ وهو له شائقُ

مولای إنّی فیکمُ مخلصٌ

إن شابَ بالحبِّ لکم ماذقُ (1)

لکمْ موالٍ وإلی بابِکمْ

أنضی (2) المطایا وبکم واثقُ

أرجو بکمْ نیلَ الأمانی إذا

نجا مطیعٌ وهوی مارقُ

وله یمدح الإمام الکاظم موسی بن جعفر - صلوات الله علیهما - قوله (3) :

مدائحی وقفٌ علی الکاظمِ

فما علی العاذلِ واللائمِ

وکیف لا أمدحُ مولیً غدا

فی عصرِه خیرَ بنی آدمِ

ومن کموسی أو کآبائِهِ

أو کعلیٍّ وإلی القائمِ

إمام حقٍّ یقتضی عدله

لو سُلّم الحکمُ إلی الحاکمِ

إفاضةَ العدلِ وبذلَ الندی

والکفَّ عن عادیةِ الظالمِ

یبسمُ للسائلِ مستبشراً

أفدیه من مستبشرٍ باسمِ

لیثُ وغی فی الحربِ دامی الشبا

وغیثُ جود کالحیا الساجمِ

مآثرٌ تعجزُ عن وصفِها

بلاغةُ الناثرِ والناظمِ1.

ص: 701


1- ماذق فلاناً فی الودّ : لم یخلص له الودّ. (المؤلف)
2- أنضی إنضاءً البعیر : هزله. (المؤلف)
3- کشف الغمّة : 3 / 51.

فی العلمِ بحرٌ زاخرٌ مدُّه

وفی الوغی أمضی من الصارمِ

یعفو عن الجانی ویولی الندی

ویحملُ الغُرمَ عن الغارمِ

القائمُ الصائمُ أکرمْ به

من قائمٍ مجتهدٍ صائمِ

من معشرٍ سنّوا الندی والقری

وأشرقوا فی الزمن القادمِ (1)

وأحرزوا خصل العلی فاغتدوا

أشرفَ خلقِ اللهِ فی العالمِ

یروی المعالی عالمٌ منهمُ

مُصدّقٌ فی النقلِ عن عالمِ

قد استووا فی شرفِ المرتقی

کما تساوتْ حلقةُ الخاتمِ

من ذا یجاریهمْ إذا ما اعتزوا

إلی علیٍّ وإلی فاطمِ

ومن یناویهم إذا عدّدوا

خیرَ بنی الدنیا أبی القاسمِ (2)

صلّی علیه اللهُ من مرسَلٍ

لما أتی من قبله خاتمِ

یا آلَ طه أنا عبدٌ لکم

باقٍ علی حبّکم اللازمِ

أرجو بکم نیلَ الأمانی غداً

إذا استبانتْ حسرةُ النادمِ

معتصمٌ منکم بودٍّ إذا

ما ظلّ شانیکم بلا عاصمِ

وله قوله وهو خاتمة کتابه کشف الغمّة (3) (ص 350):

أیّها السادةُ الأئمّةُ أنتم

خیرةُ الله أوّلاً وأخیرا

قد سموتمْ إلی العلی فافترعتمْ

بمزایاکمُ المحلَّ الخطیرا

أنزلَ اللهُ فیکمُ هل أتی نصّا

جلیّا فی فضلِکم مسطورا

من یجاریکمُ وقد طهّر

اللهُ تعالی أخلاقَکمْ تطهیرا

لکمُ سؤددٌ یقرِّره القر

آن لمن أسمع التقریرا (4)ا.

ص: 702


1- فی المصدر : وأشرقوا فی الزمن القاتم.
2- فی المصدر : خیر بنی الدنیا أبا القاسم.
3- کشف الغمّة : 3 / 361.
4- فی المصدر : للسامعینه تقریرا.

إن جری البرقُ فی مداکم کبا من

دون غایاتکم کلیلاً حسیرا

وإذا أزمةٌ عرتْ واستمرّت

فتری للعصاةِ فیها صریرا

بسطوا للندی أکفّا سباطاً

ووجوهاً تحکی الصباحَ المنیرا

وأفاضوا علی البرایا عطایا

خلّفتْ فیهمُ السحابَ المطیرا

فتراهمْ عند الأعادی لیوثاً

وتراهم عند العفاة بحوراً

یمنحون الولیَّ جنَّة عدنٍ

والعدوَّ الشقیَّ یَصلی سعیرا

یطعمونَ الطعامَ فی العسرِ والیس

ر یتیماً وبائساً وأسیرا

لا یریدون بالعطاء جزاءً

محبطاً أجر برِّهم أو شکورا

فکفاهم یوماً عبوساً وأعطا

همْ علی البرِّ نضرةً وسرورا

وجزاهمْ بصبرهمْ وهو أولی

من جزی الخیرَ جنّةً وحریرا

وإذا ما ابتدوا لفصلِ خطابٍ

شرّفوا منبراً وزانوا سریرا

بخّلوا الغیثَ نائلاً وعطاءً

واستخفّوا یلملماً وثبیرا

یخلفون الشموس نوراً وإشرا

قاً وفی اللیل یُخجِلون البدورا

أنا عبدٌ لکم أدین بحبّی

لکمُ اللهَ ذا الجلالِ الکبیرا

عالمٌ أنَّنی أصبت وأنَ

الله یؤلی لطفاً وطرفاً قریرا

مالَ قلبی إلیکمُ فی الصبا الغ

ضّ وأحببتُکمْ وکنتُ صغیرا

وتولّیتکمْ وما کان فی أه

لی ولیٌّ مثلی فجئت شهیرا

أظهرَ اللهُ نورَکمْ فأضاء ال

أُفق لمّا بدا وکنت بصیرا

فهدانی إلیکمُ الله لطفاً

بی وما زال لی ولیّا نصیرا

کم أیادٍ أولی وکم نعمةٍ أس

دی فلی أن أکون عبداً شکورا

أمطرتنی منه سحائبُ جود

عاد حالی بهنَّ غضّا نضیرا

وحمانی من حادثاتٍ عظامٍ

عُدت فیها مؤیَّداً منصورا

لو قطعتُ الزمانَ فی شکر أدنی

ما حبانی به لکنتُ جدیرا

ص: 703

فله الحمدُ دائماً مستمرّا

وله الشکرُ أوّلاً وأخیرا

وقفنا علی قصائد غدیریّة فی المجامیع المخطوطة ومعاجم الأدب تعزی إلی أُناس نحسبهم من رجال القرن السادس والسابع ، غیر أنّا لم نعثر علی تراجم ناظمی عقودها ، ولم نجد لهم ذکراً فی التآلیف والکتب فضربنا عنها صفحاً.

انتهی الجزء الخامس من کتاب الغدیر

ویلیه السادس إن شاء الله

وما توفیقی إلاّ بالله علیه توکّلت وإلیه أُنیب

ص: 704

ص: 705

محتویات الکتاب

بقیّة شعراء الغدیر فی القرن السادس

11 - 619

السیّد محمد الأقساسی.............................................. 13 - 29

الشاعر.................................................................. 13

آل الاقساسی............................................................ 14

لفت نظر................................................................ 29

ماعشت اراک الدهر عجباً........................................ 37 - 300

1 - حدیث ردّالشمس.................................................. 37

2 - صلاة ألف رکعة.................................................... 40

مشکلة الأوراد والختمات................................................. 52

3 - المحدث فی الاسلام................................................. 67

نصوص أهل السنّة........................................................ 68

تنبیه..................................................................... 73

نصوص الشیعة........................................................... 74

4 - علم أئمّة الشیعة بالغیب.............................................. 80

غیض من فیض........................................................... 95

العجب العجاب.......................................................... 99

5 - نقل الجنائز الی المشاهد.............................................. 101

من نقلت جنازته قبل الدفن.............................................. 104

من نقل من مدفن الی مدفن.............................................. 116

6 - زیارة مشاهد العترة الطاهرة......................................... 133

الحتّ علی زیارة النبی صلی الله علیه واله والاحادیث فیها.................. 142

کلمات اعلام المذاهب الأربعة حول زیارة النبی صلی الله علیه واله.......... 165

فروع ثلاثة علی رجحان زیارة النبی صلی الله علیه واله..................... 188

أدب الزائر عند المجهور................................................. 193

زیارة النبی الأقدس...................................................... 201

زیارة اخری............................................................ 201

زیارة ثالثة.............................................................. 202

الزیارة خامسة.......................................................... 203

زیارة سادسة........................................................... 204

زیارة سابعة............................................................ 204

زیارة ثامنة............................................................. 205

زیارة تاسعة............................................................ 206

الدعاء عند رأس النبی صلی الله علیه واله.................................. 207

دعاء آخر عند رأسه صلی الله علیه واله................................... 208

الصلاة علی النبی الطاهر صلی الله علیه واله............................... 210

التوسل والاستشفاع تبقبره الشریف صلی الله علیه واله..................... 211

التبرّک بالقبر الشریف بالتزام وتمریغ وتقبیل................................. 215

زیارة أبی بکر بن أبی قحافة.............................................. 228

زیارة عمر بن الخطاب.................................................. 229

زیارة اُخری بروایة القسطلانی............................................ 229

زیارة اُخری بروایة الباجوری............................................ 230

زیارة الشیخین بلفظ واحد.............................................. 230

زیارة الشیخین بلفظ آخر................................................ 231

زیارة الشیخین بلفظ ثالث............................................... 231

ودداع الحرم الأقدس.................................................... 232

زیارة أئمّة البقیع وبقیّة المزارات فیها...................................... 233

زیارة شهداء اُحد....................................................... 234

زیارة حمزة عمّ النبی صلی الله علیه واله.................................. 2358

زیارة بقیّة الشهداء...................................................... 235

المصادر المستقی منها الزیارات وآدابها..................................... 239

الحث علی زیارة القبور.................................................. 241

ادب زوّار القبور........................................................ 247

القول فی الزیارة........................................................ 247

کلمات حول زیارة القبور لأعلام العامّة.................................. 251

النذور لأهل القبور...................................................... 261

القبور المقصودة بالزیارة................................................. 265

1 - بلال بن حمامة الحبشی............................................. 265

2 - سلمان الفارسی................................................... 266

3 - طلحة بن عبیدالله.................................................. 266

4 - الزبیر بن العوّام.................................................... 266

5 - أبو أیوب الأنصاری............................................... 266

6 - مشهد رأس الحسین بمصر وما قیل فیه............................... 267

7 - عمر بن عبد العزیز الأموی......................................... 276

8 - أبو حنیفیة النعمان بن ثابت........................................ 276

9 - مصعب بن الزبیر.................................................. 278

10 - لیث بن سعد الحنفی............................................. 279

11 - مالک بن انس................................................... 279

12 - الامام موسی بن جعفر علیه السلام................................ 279

13 - الامام علی بن موسی الرضا علیه السلام........................... 279

14 - عبدالله بن غالب الحدّانی البصری.................................. 280

15 - عبدالله بن عون.................................................. 280

16 - علی بن نصر بن علی الازدی..................................... 280

17 - معروف الکرخی................................................ 280

18 - مشهد النذور ببغداد............................................. 281

19 - محمد بن إدریس إمام الشافعیة..................................... 283

20 - أبو سلیمان الدارانی.............................................. 283

21 - السید نفیسة بنت الحسین بن زید بن الحسین علیه السلام............ 284

22 - أحمد بن حنبل................................................... 284

الله یزور أحمد بن حنبل کلّ عام لنصرته کلامه............................ 285

من یزور أحمد غفر الله له................................................ 286

فضل زوّار قبر أحمد..................................................... 287

برکة قبر أحمد وجواره.................................................. 287

23 - ذوالنون المصری................................................. 289

24 - بکّار بن قتییة الثقفی البکراوی الحنفی............................. 289

25 - إبراهیم الحربی................................................... 289

26 - إسماعیل بن یوسف اندیلمی....................................... 289

27 - علی بن محمد بن بشار........................................... 289

28 - الحافظ أبو عوانة النیسابوری الأسفرایینی........................... 289

29 - عبدالله بن أحمد بن طباطبا المصری................................ 290

30 - صبح بن أحمد التمیمی المسار..................................... 290

31 - علی بن محمد العامری........................................... 291

32 - عبدالملک بن محمد الخرکوشی..................................... 291

33 - محمد بن الحسن بن فورک الأصبهانی............................... 291

34 - الحسن بن أبی الهبیش............................................. 291

35 - أبو جعفر بن أبی موسی.......................................... 291

36 - المعتمد علی الله محمد بن المعتضد اللخمی الأندلسی................. 292

37 - نصر بن إبراهیم المقدسی......................................... 292

38 - علی بن الحسن المصری الشافعی.................................. 292

39 - علی بن إسماعیل بن محمد......................................... 293

40 - الخضر بن نصر الاربلی الشافعی................................... 293

41 - نور الدین محمود بن زنکی....................................... 293

42 - القاسم بن فیرة الشاطبی.......................................... 293

43 - أحمد بن جعفر الخزرجی السبتی................................... 293

44 - محمد بن أحمد الحنبل المقدّسی..................................... 294

45 - سیف الدین أبو الحسن القمیری................................... 294

46 - إسحاق بن یحیی الأعرج.......................................... 294

47 - أحمد بن علی البدوی............................................ 294

48 - الشیخ حسین الجاکی............................................ 295

49 - الشیخ أحمد بن علوان............................................ 295

50 - أبو علی بن بیان................................................. 295

51 - أبو عبدالله القرشی الأندلسی...................................... 295

52 - أبو بکر بن عبدالله العیدروس باعلوی.............................. 295

53 - منتهی القول فی زیارة القبور...................................... 296

7 - نظرة التنقیب فی الحدیث............................................ 298

سلسلة الکذّابین والوضّاعین..................................... 301 - 475

حرف الألف........................................................... 301

حرف الباء الموحّدة..................................................... 327

حرف الجیم............................................................ 330

حرف الحاء المهملة...................................................... 333

حرف الخاء............................................................ 344

حرف الدال المهلة....................................................... 347

الراء المهملة واختها المعجمة.............................................. 348

الشین المهملة........................................................... 350

الشین المعجمة.......................................................... 356

حرف الصاد المهلمة واُختها المعجمة...................................... 357

حرف الطاء المهملة وأختها المعجمة....................................... 359

حرف العین المهملة..................................................... 359

حرف الغین المعجمة.................................................... 394

حرف الفاء............................................................ 395

حرف القاف........................................................... 397

حرف الکاف.......................................................... 398

حرف اللام............................................................ 399

حرف المیم............................................................. 400

حرف النون............................................................ 432

حرف الهاء............................................................. 435

حرف الواو............................................................ 437

حرف الباء............................................................. 438

الکنی.................................................................. 442

لفت نظر.............................................................. 446

قائمة الموضوعات والمقلوبات............................................ 464

مشکلة الثقة والثقات.................................................... 470

سلسلة الموضوعات علی النبیّ الامین صلی الله علیه واله.......... 476 - 531

سلسلة الموضوعات فی الخلافة فحسب........................... 532 - 597

غثیثة التزویر................................................... 567 - 597

ما هذه الدمدمة والهمهمة؟............................................... 593

حکم الحفّاظ لتلکم الموضوعات المبهرجة.................................. 596

قطب الدین الرواندی........................................... 599 - 606

الشاعر................................................................. 600

مشایخة والرواة عنه...................................................... 601

تألیفة القیّمة............................................................ 603

خلفه الصالح............................................................ 605

سبط ابن التعاویذی............................................. 607 - 619

الشاعر................................................................. 608

شعراء الغدیر فی القرن السابع

621 - 703

آبو الحسن المنصور بالله......................................... 623 - 628

الشاعر................................................................. 625

مجد الدین بن جمیل.............................................. 629 - 638

ما یتبع الشعر........................................................... 630

الشاعر................................................................. 631

أدب مجد الدین بن جمیل................................................. 634

الشوّاء الکوفی فی الحلبی......................................... 639 - 634

الشاعر................................................................. 639

کمال الدین الشافعی............................................ 645 - 651

الشاعر................................................................. 645

تألیفه.................................................................. 647

أبو محمد المنصور بالله........................................... 653 - 660

الشاعر................................................................. 659

أبو الحسین الجزّار............................................... 661 - 671

الشاعر................................................................. 662

القاضی نظام الدین.............................................. 673 - 678

ما یتبع الشعر........................................................... 674

الشاعر................................................................. 675

شمس الدین محفوظ.............................................. 679 - 686

الشاعر................................................................. 680

بهاء الدین الأربلّی............................................... 687 - 703

الشاعر................................................................. 689

مشایخ روایته والرواة عنه................................................ 690

ص: 706

5 - نقل الجنائز الی المشاهد.............................................. 101

من نقلت جنازته قبل الدفن.............................................. 104

من نقل من مدفن الی مدفن.............................................. 116

6 - زیارة مشاهد العترة الطاهرة......................................... 133

الحتّ علی زیارة النبی صلی الله علیه واله والاحادیث فیها.................. 142

کلمات اعلام المذاهب الأربعة حول زیارة النبی صلی الله علیه واله.......... 165

فروع ثلاثة علی رجحان زیارة النبی صلی الله علیه واله..................... 188

أدب الزائر عند المجهور................................................. 193

زیارة النبی الأقدس...................................................... 201

زیارة اخری............................................................ 201

زیارة ثالثة.............................................................. 202

الزیارة خامسة.......................................................... 203

زیارة سادسة........................................................... 204

زیارة سابعة............................................................ 204

زیارة ثامنة............................................................. 205

زیارة تاسعة............................................................ 206

الدعاء عند رأس النبی صلی الله علیه واله.................................. 207

دعاء آخر عند رأسه صلی الله علیه واله................................... 208

الصلاة علی النبی الطاهر صلی الله علیه واله............................... 210

التوسل والاستشفاع تبقبره الشریف صلی الله علیه واله..................... 211

التبرّک بالقبر الشریف بالتزام وتمریغ وتقبیل................................. 215

زیارة أبی بکر بن أبی قحافة.............................................. 228

زیارة عمر بن الخطاب.................................................. 229

ص: 707

زیارة اُخری بروایة القسطلانی............................................ 229

زیارة اُخری بروایة الباجوری............................................ 230

زیارة الشیخین بلفظ واحد.............................................. 230

زیارة الشیخین بلفظ آخر................................................ 231

زیارة الشیخین بلفظ ثالث............................................... 231

ودداع الحرم الأقدس.................................................... 232

زیارة أئمّة البقیع وبقیّة المزارات فیها...................................... 233

زیارة شهداء اُحد....................................................... 234

زیارة حمزة عمّ النبی صلی الله علیه واله.................................. 2358

زیارة بقیّة الشهداء...................................................... 235

المصادر المستقی منها الزیارات وآدابها..................................... 239

الحث علی زیارة القبور.................................................. 241

ادب زوّار القبور........................................................ 247

القول فی الزیارة........................................................ 247

کلمات حول زیارة القبور لأعلام العامّة.................................. 251

النذور لأهل القبور...................................................... 261

القبور المقصودة بالزیارة................................................. 265

1 - بلال بن حمامة الحبشی............................................. 265

2 - سلمان الفارسی................................................... 266

3 - طلحة بن عبیدالله.................................................. 266

4 - الزبیر بن العوّام.................................................... 266

5 - أبو أیوب الأنصاری............................................... 266

6 - مشهد رأس الحسین بمصر وما قیل فیه............................... 267

7 - عمر بن عبد العزیز الأموی......................................... 276

ص: 708

8 - أبو حنیفیة النعمان بن ثابت........................................ 276

9 - مصعب بن الزبیر.................................................. 278

10 - لیث بن سعد الحنفی............................................. 279

11 - مالک بن انس................................................... 279

12 - الامام موسی بن جعفر علیه السلام................................ 279

13 - الامام علی بن موسی الرضا علیه السلام........................... 279

14 - عبدالله بن غالب الحدّانی البصری.................................. 280

15 - عبدالله بن عون.................................................. 280

16 - علی بن نصر بن علی الازدی..................................... 280

17 - معروف الکرخی................................................ 280

18 - مشهد النذور ببغداد............................................. 281

19 - محمد بن إدریس إمام الشافعیة..................................... 283

20 - أبو سلیمان الدارانی.............................................. 283

21 - السید نفیسة بنت الحسین بن زید بن الحسین علیه السلام............ 284

22 - أحمد بن حنبل................................................... 284

الله یزور أحمد بن حنبل کلّ عام لنصرته کلامه............................ 285

من یزور أحمد غفر الله له................................................ 286

فضل زوّار قبر أحمد..................................................... 287

برکة قبر أحمد وجواره.................................................. 287

23 - ذوالنون المصری................................................. 289

24 - بکّار بن قتییة الثقفی البکراوی الحنفی............................. 289

25 - إبراهیم الحربی................................................... 289

26 - إسماعیل بن یوسف اندیلمی....................................... 289

27 - علی بن محمد بن بشار........................................... 289

ص: 709

28 - الحافظ أبو عوانة النیسابوری الأسفرایینی........................... 289

29 - عبدالله بن أحمد بن طباطبا المصری................................ 290

30 - صبح بن أحمد التمیمی المسار..................................... 290

31 - علی بن محمد العامری........................................... 291

32 - عبدالملک بن محمد الخرکوشی..................................... 291

33 - محمد بن الحسن بن فورک الأصبهانی............................... 291

34 - الحسن بن أبی الهبیش............................................. 291

35 - أبو جعفر بن أبی موسی.......................................... 291

36 - المعتمد علی الله محمد بن المعتضد اللخمی الأندلسی................. 292

37 - نصر بن إبراهیم المقدسی......................................... 292

38 - علی بن الحسن المصری الشافعی.................................. 292

39 - علی بن إسماعیل بن محمد......................................... 293

40 - الخضر بن نصر الاربلی الشافعی................................... 293

41 - نور الدین محمود بن زنکی....................................... 293

42 - القاسم بن فیرة الشاطبی.......................................... 293

43 - أحمد بن جعفر الخزرجی السبتی................................... 293

44 - محمد بن أحمد الحنبل المقدّسی..................................... 294

45 - سیف الدین أبو الحسن القمیری................................... 294

46 - إسحاق بن یحیی الأعرج.......................................... 294

47 - أحمد بن علی البدوی............................................ 294

48 - الشیخ حسین الجاکی............................................ 295

49 - الشیخ أحمد بن علوان............................................ 295

50 - أبو علی بن بیان................................................. 295

51 - أبو عبدالله القرشی الأندلسی...................................... 295

ص: 710

52 - أبو بکر بن عبدالله العیدروس باعلوی.............................. 295

53 - منتهی القول فی زیارة القبور...................................... 296

7 - نظرة التنقیب فی الحدیث............................................ 298

سلسلة الکذّابین والوضّاعین..................................... 301 - 475

حرف الألف........................................................... 301

حرف الباء الموحّدة..................................................... 327

حرف الجیم............................................................ 330

حرف الحاء المهملة...................................................... 333

حرف الخاء............................................................ 344

حرف الدال المهلة....................................................... 347

الراء المهملة واختها المعجمة.............................................. 348

الشین المهملة........................................................... 350

الشین المعجمة.......................................................... 356

حرف الصاد المهلمة واُختها المعجمة...................................... 357

حرف الطاء المهملة وأختها المعجمة....................................... 359

حرف العین المهملة..................................................... 359

حرف الغین المعجمة.................................................... 394

حرف الفاء............................................................ 395

حرف القاف........................................................... 397

حرف الکاف.......................................................... 398

حرف اللام............................................................ 399

حرف المیم............................................................. 400

حرف النون............................................................ 432

حرف الهاء............................................................. 435

ص: 711

حرف الواو............................................................ 437

حرف الباء............................................................. 438

الکنی.................................................................. 442

لفت نظر.............................................................. 446

قائمة الموضوعات والمقلوبات............................................ 464

مشکلة الثقة والثقات.................................................... 470

سلسلة الموضوعات علی النبیّ الامین صلی الله علیه واله.......... 476 - 531

سلسلة الموضوعات فی الخلافة فحسب........................... 532 - 597

غثیثة التزویر................................................... 567 - 597

ما هذه الدمدمة والهمهمة؟............................................... 593

حکم الحفّاظ لتلکم الموضوعات المبهرجة.................................. 596

قطب الدین الرواندی........................................... 599 - 606

الشاعر................................................................. 600

مشایخة والرواة عنه...................................................... 601

تألیفة القیّمة............................................................ 603

خلفه الصالح............................................................ 605

سبط ابن التعاویذی............................................. 607 - 619

الشاعر................................................................. 608

شعراء الغدیر فی القرن السابع

621 - 703

آبو الحسن المنصور بالله......................................... 623 - 628

الشاعر................................................................. 625

ص: 712

بقیّة

شعراء الغدیر فی القرن السادس

11 - 619

السیّد محمد الأقساسی.............................................. 13 - 29

الشاعر.................................................................. 13

آل الاقساسی............................................................ 14

لفت نظر................................................................ 29

ماعشت اراک الدهر عجباً........................................ 37 - 300

1 - حدیث ردّالشمس.................................................. 37

2 - صلاة ألف رکعة.................................................... 40

مشکلة الأوراد والختمات................................................. 52

3 - المحدث فی الاسلام................................................. 67

نصوص أهل السنّة........................................................ 68

تنبیه..................................................................... 73

نصوص الشیعة........................................................... 74

4 - علم أئمّة الشیعة بالغیب.............................................. 80

غیض من فیض........................................................... 95

العجب العجاب.......................................................... 99

5 - نقل الجنائز الی المشاهد.............................................. 101

من نقلت جنازته قبل الدفن.............................................. 104

من نقل من مدفن الی مدفن.............................................. 116

6 - زیارة مشاهد العترة الطاهرة......................................... 133

الحتّ علی زیارة النبی صلی الله علیه واله والاحادیث فیها.................. 142

کلمات اعلام المذاهب الأربعة حول زیارة النبی صلی الله علیه واله.......... 165

فروع ثلاثة علی رجحان زیارة النبی صلی الله علیه واله..................... 188

أدب الزائر عند المجهور................................................. 193

زیارة النبی الأقدس...................................................... 201

زیارة اخری............................................................ 201

زیارة ثالثة.............................................................. 202

الزیارة خامسة.......................................................... 203

زیارة سادسة........................................................... 204

زیارة سابعة............................................................ 204

زیارة ثامنة............................................................. 205

زیارة تاسعة............................................................ 206

الدعاء عند رأس النبی صلی الله علیه واله.................................. 207

دعاء آخر عند رأسه صلی الله علیه واله................................... 208

الصلاة علی النبی الطاهر صلی الله علیه واله............................... 210

التوسل والاستشفاع تبقبره الشریف صلی الله علیه واله..................... 211

التبرّک بالقبر الشریف بالتزام وتمریغ وتقبیل................................. 215

زیارة أبی بکر بن أبی قحافة.............................................. 228

زیارة عمر بن الخطاب.................................................. 229

زیارة اُخری بروایة القسطلانی............................................ 229

زیارة اُخری بروایة الباجوری............................................ 230

زیارة الشیخین بلفظ واحد.............................................. 230

زیارة الشیخین بلفظ آخر................................................ 231

زیارة الشیخین بلفظ ثالث............................................... 231

ودداع الحرم الأقدس.................................................... 232

زیارة أئمّة البقیع وبقیّة المزارات فیها...................................... 233

زیارة شهداء اُحد....................................................... 234

زیارة حمزة عمّ النبی صلی الله علیه واله.................................. 2358

زیارة بقیّة الشهداء...................................................... 235

المصادر المستقی منها الزیارات وآدابها..................................... 239

الحث علی زیارة القبور.................................................. 241

ادب زوّار القبور........................................................ 247

القول فی الزیارة........................................................ 247

کلمات حول زیارة القبور لأعلام العامّة.................................. 251

النذور لأهل القبور...................................................... 261

القبور المقصودة بالزیارة................................................. 265

1 - بلال بن حمامة الحبشی............................................. 265

2 - سلمان الفارسی................................................... 266

3 - طلحة بن عبیدالله.................................................. 266

4 - الزبیر بن العوّام.................................................... 266

5 - أبو أیوب الأنصاری............................................... 266

6 - مشهد رأس الحسین بمصر وما قیل فیه............................... 267

7 - عمر بن عبد العزیز الأموی......................................... 276

8 - أبو حنیفیة النعمان بن ثابت........................................ 276

9 - مصعب بن الزبیر.................................................. 278

10 - لیث بن سعد الحنفی............................................. 279

11 - مالک بن انس................................................... 279

12 - الامام موسی بن جعفر علیه السلام................................ 279

13 - الامام علی بن موسی الرضا علیه السلام........................... 279

14 - عبدالله بن غالب الحدّانی البصری.................................. 280

15 - عبدالله بن عون.................................................. 280

16 - علی بن نصر بن علی الازدی..................................... 280

17 - معروف الکرخی................................................ 280

18 - مشهد النذور ببغداد............................................. 281

19 - محمد بن إدریس إمام الشافعیة..................................... 283

20 - أبو سلیمان الدارانی.............................................. 283

21 - السید نفیسة بنت الحسین بن زید بن الحسین علیه السلام............ 284

22 - أحمد بن حنبل................................................... 284

الله یزور أحمد بن حنبل کلّ عام لنصرته کلامه............................ 285

من یزور أحمد غفر الله له................................................ 286

فضل زوّار قبر أحمد..................................................... 287

برکة قبر أحمد وجواره.................................................. 287

23 - ذوالنون المصری................................................. 289

24 - بکّار بن قتییة الثقفی البکراوی الحنفی............................. 289

25 - إبراهیم الحربی................................................... 289

26 - إسماعیل بن یوسف اندیلمی....................................... 289

27 - علی بن محمد بن بشار........................................... 289

28 - الحافظ أبو عوانة النیسابوری الأسفرایینی........................... 289

29 - عبدالله بن أحمد بن طباطبا المصری................................ 290

30 - صبح بن أحمد التمیمی المسار..................................... 290

31 - علی بن محمد العامری........................................... 291

32 - عبدالملک بن محمد الخرکوشی..................................... 291

33 - محمد بن الحسن بن فورک الأصبهانی............................... 291

34 - الحسن بن أبی الهبیش............................................. 291

35 - أبو جعفر بن أبی موسی.......................................... 291

36 - المعتمد علی الله محمد بن المعتضد اللخمی الأندلسی................. 292

37 - نصر بن إبراهیم المقدسی......................................... 292

38 - علی بن الحسن المصری الشافعی.................................. 292

39 - علی بن إسماعیل بن محمد......................................... 293

40 - الخضر بن نصر الاربلی الشافعی................................... 293

41 - نور الدین محمود بن زنکی....................................... 293

42 - القاسم بن فیرة الشاطبی.......................................... 293

43 - أحمد بن جعفر الخزرجی السبتی................................... 293

44 - محمد بن أحمد الحنبل المقدّسی..................................... 294

45 - سیف الدین أبو الحسن القمیری................................... 294

46 - إسحاق بن یحیی الأعرج.......................................... 294

47 - أحمد بن علی البدوی............................................ 294

48 - الشیخ حسین الجاکی............................................ 295

49 - الشیخ أحمد بن علوان............................................ 295

50 - أبو علی بن بیان................................................. 295

51 - أبو عبدالله القرشی الأندلسی...................................... 295

52 - أبو بکر بن عبدالله العیدروس باعلوی.............................. 295

53 - منتهی القول فی زیارة القبور...................................... 296

7 - نظرة التنقیب فی الحدیث............................................ 298

سلسلة الکذّابین والوضّاعین..................................... 301 - 475

حرف الألف........................................................... 301

حرف الباء الموحّدة..................................................... 327

حرف الجیم............................................................ 330

حرف الحاء المهملة...................................................... 333

حرف الخاء............................................................ 344

حرف الدال المهلة....................................................... 347

الراء المهملة واختها المعجمة.............................................. 348

الشین المهملة........................................................... 350

الشین المعجمة.......................................................... 356

حرف الصاد المهلمة واُختها المعجمة...................................... 357

حرف الطاء المهملة وأختها المعجمة....................................... 359

حرف العین المهملة..................................................... 359

حرف الغین المعجمة.................................................... 394

حرف الفاء............................................................ 395

حرف القاف........................................................... 397

حرف الکاف.......................................................... 398

حرف اللام............................................................ 399

حرف المیم............................................................. 400

حرف النون............................................................ 432

حرف الهاء............................................................. 435

حرف الواو............................................................ 437

حرف الباء............................................................. 438

الکنی.................................................................. 442

لفت نظر.............................................................. 446

قائمة الموضوعات والمقلوبات............................................ 464

مشکلة الثقة والثقات.................................................... 470

سلسلة الموضوعات علی النبیّ الامین صلی الله علیه واله.......... 476 - 531

سلسلة الموضوعات فی الخلافة فحسب........................... 532 - 597

غثیثة التزویر................................................... 567 - 597

ما هذه الدمدمة والهمهمة؟............................................... 593

حکم الحفّاظ لتلکم الموضوعات المبهرجة.................................. 596

قطب الدین الرواندی........................................... 599 - 606

الشاعر................................................................. 600

مشایخة والرواة عنه...................................................... 601

تألیفة القیّمة............................................................ 603

خلفه الصالح............................................................ 605

سبط ابن التعاویذی............................................. 607 - 619

الشاعر................................................................. 608

شعراء الغدیر فی القرن السابع

621 - 703

آبو الحسن المنصور بالله......................................... 623 - 628

الشاعر................................................................. 625

مجد الدین بن جمیل.............................................. 629 - 638

ما یتبع الشعر........................................................... 630

الشاعر................................................................. 631

أدب مجد الدین بن جمیل................................................. 634

الشوّاء الکوفی فی الحلبی......................................... 639 - 634

الشاعر................................................................. 639

کمال الدین الشافعی............................................ 645 - 651

الشاعر................................................................. 645

تألیفه.................................................................. 647

أبو محمد المنصور بالله........................................... 653 - 660

الشاعر................................................................. 659

أبو الحسین الجزّار............................................... 661 - 671

الشاعر................................................................. 662

القاضی نظام الدین.............................................. 673 - 678

ما یتبع الشعر........................................................... 674

الشاعر................................................................. 675

شمس الدین محفوظ.............................................. 679 - 686

الشاعر................................................................. 680

بهاء الدین الأربلّی............................................... 687 - 703

الشاعر................................................................. 689

مشایخ روایته والرواة عنه................................................ 690

ص: 713

المجلد 6

اشارة

سرشناسه:امینی، عبدالحسین، 1281 - 1349.

عنوان و نام پدیدآور:الغدیر فی الکتاب و السنه و الادب: کتاب دینی ،علمی، فنی،.../ عبدالحسین احمد الامینی النجفی؛ تحقیق مرکز الغدیر للدراسات الاسلامیه.

مشخصات نشر:قم: مرکز الغدیر للدراسات الاسلامیه، 1416ق.-= 1995م.-= 1374-

وضعیت فهرست نویسی:برونسپاری

یادداشت:عربی.

یادداشت:ج.2 (چاپ اول: 1375).

یادداشت:ج. 3، 6 و 8 (چاپ اول: 1416ق. = 1376).

یادداشت:ج. 13 (چاپ اول: 1422ق. = 2002م. = 1380).

یادداشت:کتابنامه.

موضوع:علی بن ابی طالب (ع)، امام اول، 23 قبل از هجرت - 40ق -- اثبات خلافت

موضوع:غدیر خم

شناسه افزوده:موسسه دایرةالمعارف فقه اسلامی بر مذهب اهل بیت (ع). مرکز الغدیر للدراسات الاسلامیه

رده بندی کنگره:BP223/54/الف8غ4 1374

رده بندی دیویی:297/452

شماره کتابشناسی ملی:م 75-8389

ص: 1

اشارة

ص: 2

الغدیر فی الکتاب و السنه و الادب

عبدالحسین احمد الامینی النجفی

تحقیق مرکز الغدیر للدراسات الاسلامیه

ص: 3

ص: 4

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 5

ص: 6

**شعراء الغدیر فی القرن الثّامن**

ص: 7

بسم الله الرحمن الرحیم

سُبحانَکَ لا عِلمَ لَنا إلاّ ما عَلّمتَنا إنَّکَ أنتَ العَلیمُ الحَکِیمُ. وَلَقَدْ جِئناهُمْ بِکِتابٍ فَصَّلناهُ عَلی عِلمٍ هُدیً وَرَحمَةً. وَالّذِینَ آتَیناهُمُ الکِتابَ یَعلَمُونَ أنَّهُ مُنزَّلٌ مِنْ رَبِّکَ بِالحَقِّ. وَلا یَرتابُ الّذِینَ أُوتُوا الکِتابَ وَالمؤمنونَ. وَما اختَلَفَ الّذِینَ أُوتُوا الکِتابَ إلاّ مِنْ بَعدِ ما جاءَهُمُ العِلمُ بَغیاً بَینَهُم. وَلَئنِ اتَّبَعتَ أهواءَهُم مِنْ بَعدِ ما جَاءَکَ مِنَ العِلمِ إنَّکَ إذاً لَمِنَ الظّالِمِین. وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلمٍ إنْ یَتَّبعُونَ إلاّ الظَنَّ وَإنَّ الظَنَّ لا یُغنی مِنَ الحَقِّ شَیئاً. ذَلِک مَبلَغُهُمْ مِنَ العِلمِ إنَّ رَبَّکَ هُوَ أعلَمُ بمَنِ ضَلَّ عَنْ سَبِیلِهِ وَهُو أَعْلَمُ بِمَنِ اهتَدَی.

الحَمدُ لِلّه الّذِی هَدانا لِهذا وَما کُنّا لِنَهتَدِیَ لَو لا أنْ هَدانا الله. وَسَلامٌ عَلی عِبادِهِ الّذِینَ اصطَفی. أُولئِکَ عَلَیهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحمَةٌ وَأُولئِکَ هُمُ المُهتَدُون.

الأمینی

ص: 8

شعراء الغدیر فی القرن الثّامن

اشارة

1 - أبو محمد بن داود الحلی

2 - جمال الدین الخلعی

3 - السریجی الأُوالی

4 - صفیّ الدین الحلّی

5 - الإمام الشیبانی الشافعی

6 - شمس الدین المالکی

7 - علاء الدین الحلّی

ص: 9

ص: 10

- 65 -

أبو محمد بن داود الحلّی

المولود (647)

وإذا نظرتَ إلی خطاب محمدٍ

یوم الغدیر إذ استقرَّ المنزلُ

من کنتُ مولاه فهذا حیدرٌ

مولاه لا یرتابُ فیه محصِّلُ

لعرفتَ نصَّ المصطفی بخلافةٍ

من بعدِه غرّاءَ لا یُتأوَّلُ

وله من أُرجوزة فی الإمامة طویلة :

وقد جرتْ لی قصّةٌ غریبه

قد نتجت قضیّةً عجیبه

فاعتبروا فیها ففیها معتبرْ

یغنی عن الإغراق فی قوسِ النظرْ

حضرتُ فی بغدادَ دارَ علمِ

فیها رجال نظرٍ وفهمِ

فی کلِّ یومٍ لهمُ مجالُ

تدنو به الأوجالُ والآجالُ

لا بدَّ أن یسفرَ عن جریحِ

بصارمِ الحجّة أو طریحِ

لمّا اطمأنّت بهمُ المجالسُ

ووضعتْ لاماتِها الفوارسُ

واجتمعَ المدرِّسون الأربعه

فی خلوةٍ آراؤهم مجتمعه

حضرتُ فی مجلسِهمْ فقالوا

أنت فقیهٌ وهنا سؤالُ

من ذا تُری أحقُّ بالتقدُّمِ

بعد رسولِ اللهِ هادی الأممِ

فقلت فیه نظرٌ یحتاجُ

أن یُترک العنادُ واللجاجُ

وکلّنا ذوو عقولٍ ونظرْ

وفِکَرٍ صالحةٍ ومعتبرْ

ص: 11

فلنفرض الآن قضی النبیُ

واجتمع الدنیُّ والقصیُ

وأنتمُ مکانَ أهلِ العقدِ

والحلِّ بل فوقهمُ فی النقدِ

فالتزموا قواعد الإنصافِ

فإنَّها من شِیَمِ الأشرافِ

لمّا قضی النبیُّ قال الأکثرُ

إنَّ أبا بکر هو المؤمَّرُ

وقال قومٌ ذاک للعبّاسِ

وانقرضوا وقال باقی الناسِ

ذاک علیٌّ والجمیع مدّعی

أنَّ سواه للمحال یدَّعی

فهل ترون أنَّه لمّا قضی

نصَّ علی خلیفةٍ أم فوّضا

ترتیبه بعدُ إلی الرعایا

لیجمعوا علی الإمام رأیا

فقال منهم واحدٌ بل نصّا

علی أبی بکر بها وخصّا

قال له الباقون هذا یشکلُ

بما عن الفاروق نحن ننقلُ

من أنَّهُ قال إن استخلفتُ (1)

فلأبی بکر قد اتّبعتُ

وإن ترکتُ فالنبیُّ قد ترک

والحقُّ بین الرجلین مشترک

وقال کانت فلتةً بیعتهُ (2)

فمن یعد حلّت لکم قتلتهُ

وقول سلمان لهم فعلتم

وما فعلتم إذ له عزلتم

وقالت الأنصار نستخیرُ

منّا أمیراً ولکم أمیرُ

فلو یکون نصّ فی عتیقِ

للزمَ الطعنُ علی الفاروقِ

ثمَّ علی سلمانَ والأنصارِ

ولیس ذا بالمذهبِ المختارِ

مع أنَّه استقال واستقالتُهْ (3)

دلّت علی أن باختیارٍ بیعتُهْ

لو أنَّها نصٌّ من الرسولِ

لم یک فی العالم من مقیلِ

فاجتمعَ القومُ علی الإنکارِ

للنصِّ والقولِ بالاختیارِف)

ص: 12


1- راجع الجزء الخامس من کتابنا هذا : ص 360. (المؤلف)
2- راجع ما أسلفناه فی الجزء الخامس : ص 370. (المؤلف)
3- مر حدیث الاستقالة فی الجزء الخامس : ص 368. (المؤلف)

فقلت لمّا فوّضت إلینا

أیلزم الأمّةَ أن یکونا

أفضلَهم أم ناقصاً مفضولا

لا یستحقُّ الحکم والتأهیلا

فاجتمعوا أن لیس للرعیّه

إلاّ اختیار أفضلِ البقیّه

قلت لهم یا قوم خبّرونی

أعلی صفات الفضلِ بالتعیینِ

فقدّموا السبقَ إلی الإیمانِ

وهجرةَ القوم عن الأوطانِ

إلی أن یقول فیها :

قلت دعونی من صفات الفضلِ

فأنتمُ من کلّها فی حلِ

نفرضُها کأمةٍ بین نفرْ

قد أحدقوا من حولها وهم زُمَرْ

وافترق الناسُ فقال الأکثرُ

لواحد خذها فأنت أجدرُ

وقال باقیهم لشخصٍ ثانی

لیس لها مولیً سواک قانی

ثمَّ رأینا الأوّل المولّی

ینکر فیها الملک مستقلاّ

یقول لیس لی بها من حقِ

وذا یقول أمتی ورقی

ویستغیث وله تألّمُ

علی الذی یغصبُه ویظلمُ

وکلُّ شخصٍ منهما صدِّیقُ

لیس إلی تکذیبه طریقُ

فما یقول الفقهاء فیها

شرعاً أنعطیها لمدّعیها

أم من یقول لیس لی بحقِ

بالله أفتونا بمحض الحقِ

بُعید هذا قالت الجماعه

سمعاً لما ذکرتمُ وطاعه

ما عندنا فی فضله تردّدُ

وأنَّه المکمّل المؤیَّدُ

لکنّنا لا نترک الإجماعا

ولا نری الشقاق والنزاعا

والمسلمون قطُّ لم یجتمعوا

علی ضلالٍ فلهم نتّبعُ

ثمَّ الأحادیثُ عن النبیِ

ناطقةٌ بنصِّهِ الجلیِ

قلت لهم دعواکمُ الإجماعا

ممنوعة إذ ضدُّها قد شاعا

ص: 13

وأیُّ إجماعٍ هنالک انعقدْ

والصفوةُ الأبرارُ ما منهم أحدْ

مثل علیّ الصنو والعبّاسِ

ثمَّ الزبیر هم سراة الناسِ

ولم یکن سعدُ فتی عباده

ولا لقیسٍ ابنهِ إراده

ولا أبو ذرٍّ ولا سلمانُ

ولا أبو سفیانَ والنعمانُ

أعنی ابنَ زید لا ولا المقدادُ

بل نقضوا علیهمُ ما شادوا

وغیرهم ممَّن له اعتبارُ

لم یقنعوا بها ولم یختاروا

فلا یقال إنّه إجماعُ

بل أکثرُ الناسِ له أطاعوا

لکنّما الکثرة لیست حجّه

بل ربما فی العکس کان أوجه

فاللهُ قد أثنی علی القلیلِ

فی غیرِ موضعٍ من التنزیلِ

فسقطَ الإجماعُ بالیقینِ

إلاّ إذا کابرتمُ فی الدینِ

ونصّکمْ کیف ادّعیتموهُ

وعن قلیلٍ قد منعتموهُ

ألیس قد قرّرتمُ أنَّ النبی

مات بلا نصّ ولیس مذهبی

لکنّنی وافقتکم إلزاما

ولم أقل بذلک التزاما

لأنَّنی أعلمُ مثلَ الشمسِ

نصَّ الغدیر واضحاً عن لبسِ

وأنتمُ أیضاً نقلتموهُ

کنقلنا لکن رفضتموهُ

إلی آخر الأرجوزة ، ذُکر شطر مهمّ منها فی أعیان الشیعة (1) (22 / 343).

الشاعر

تقیّ الدین أبو محمد الحسن بن علیّ بن داود الحلی ، هو نابغة فی الفقه والحدیث والرجال والعربیّة وفی علوم شتّی ، ولم یختلف اثنان فی أنّه من أوحدیّی هذه الفرقة الناجیة ، ومن علمائها الأعلام ، وأطراه العلماء فی المعاجم والإجازات بکلِّ جمیل ، وإن 1.

ص: 14


1- أعیان الشیعة : 5 / 191.

تکلّم بعضهم فی مقدار اعتبار کتابه المعروف السائر فی الرجال ، فمن معوِّل علیه (1) حاصر لتعویله به ، ومن معرض عنه (2) نهائیّا ، لکن خیر الأُمور أوسطها ، وهو نظریّة أکثر علمائنا من أنّه کغیره من أُصول علم الرجال یُعتمد علیه وربما یُنتقد ، وأمّا الشعر فقد کان تحدوه إلی نظمه غایات کریمة حیناً بعد حین.

ولد المترجم (5) جمادی الثانیة سنة (647) ، وأخذ العلم من السیّد الحجّة السیّد أبی الفضائل أحمد بن طاووس الحلّی المتوفّی (673) ، ویروی عنه وعن جمع آخر من أعلام الطائفة منهم :

1 - المحقِّق نجم الدین جعفر بن الحسن الحلّی : المتوفّی (676) وهو أحد مشایخ قراءته.

2 - الشیخ نجیب الدین أبو زکریّا یحیی بن سعید الحلّی ابن عمّ المحقّق المذکور : المتوفّی (689).

3 - الفیلسوف الأکبر خواجه نصیر الدین الطوسی : المتوفّی (672).

4 - السیّد غیاث الدین عبد الکریم ابن السیّد أبی الفضائل أحمد بن طاووس الحلّی المذکور : المتوفّی (693).

5 - الشیخ سدید الدین یوسف بن علیّ بن المطهّر الحلّی والد العلاّمة الحلّی.

6 - الشیخ مفید الدین محمد بن جهیم - جهم - الأسدی ، عدّه المترجم فی رجاله من مشایخه.

ویروی عنه من مشایخ الطائفة : ف)

ص: 15


1- کالشیخ حسین بن عبد الصمد والد شیخنا البهائی فی درایته. (المؤلف)
2- کالشیخ عبد الله التستری فی شرح التهذیب فی شرح الحدیث الأول. (المؤلف)

1 - الشیخ رضیُ الدین أبو الحسن علیّ بن أحمد المزیدی الحلّی : المتوفّی (757)

2 - السیّد أبو عبد الله محمّد بن القاسم الدیباجی الحلّی الشهیر بابن معیّة : المتوفّی (776).

3 - الشیخ زین الدین علیّ بن طرّاد المطارآبادی : المتوفّی بالحلّة (754).

تآلیفه القیّمة :

ذکر المترجم فی کتابه فی الرجال لنفسه تآلیف قیّمة وهی :

1 - التحفة السعدیّة

15 - مختصر أسرار العربیة (فی النحو)

2 - المقتصر من المختصر

16 - حلّ الإشکال فی عقد الأشکال

3 - کتاب الرائع

17 - إحکام القضیّة فی أحکام القضیّة

4 - کتاب فی الفقه

18 - شرح قصیدة الساوی (فی العروض)

5 - کتاب الرجال

19 - تکملة المعتبر

6 - مختصر الإیضاح

20 - کتاب الدرج

7 - اللمعة فی الصلاة

21 - کتاب الکافی

8 - الإکلیل (فی العروض)

22 - البغیة فی القضایا (1)

9 - الرائض فی الفرائض [نظماً]

23 - کتاب النکت

10 - عدّة الناسک فی قضاء المناسک (نظماً)

24 - حروف المعجم

11 - اللؤلؤة فی خلاف أصحابنا (نظماً)

25 - تحصیل المنافع

12 - الخریدة العذراء فی العقیدة الغرّاء (نظماً)

26 - خلاف المذاهب

13 - الدرّ الثمین فی أصول الدین (نظماً)

27 - أصول الدین

14 - عقد الجواهر فی الأشباه والنظائر (نظماً)

28 - الجوهرة فی نظم التبصرة

29 - قرّة عین الخلیل فی شرح النظم الجلیل لابن حاجب (فی العروض) ).

ص: 16


1- صحّحه فی الذریعة : 17 / 155 ب (القضیة فی المنطق والقضایا).

لم نقف علی تاریخ وفاة المترجم وإنّما فرغ من کتاب رجاله سنة (707) وله من العمر ستون سنة ، ورأی صاحب ریاض العلماء (1) فی مشهد الرضا علیه السلام نسخة من الفصیح بخطّ شاعرنا المترجم له فی آخرها : کتبه مملوکه حقّا حسن بن علی بن داود غفر له فی ثالث عشر شهر رمضان المبارک سنة إحدی وأربعین وسبعمائة حامداً مصلّیاً مستغفراً (2). فکان فی (741) حیّا وله من العمر (94) عاماً.

ومرّت من شعر المترجم أبیات فی رثاء الشیخ شمس الدین محفوظ بن وشاح الحلّی فی (5 / 442). ف)

ص: 17


1- ریاض العلماء : 4 / 123.
2- روضات الجنّات : ص 357 [4 / 224 رقم 384] ، وفی طبع : ص 361. (المؤلف)

ص: 18

- 66 -

جمال الدین الخلعی

المتوفّی (750)

فاح أریجُ الریاضِ والشجرِ

ونبّه الورقُ راقدَ السحرِ

واقتدحَ الصبحُ زندَ بهجتهِ

فأشعلت فی محاجر الزهرِ

وافترَّ ثغرُ النوار مبتسماً

لمّا بکته مدامعُ المطرِ

واختالتِ الأرضُ فی غلائلِها

فعطّرتنا بنشرِها العطرِ

وقامت الورقُ فی الغصونِ فلم

یبق لنا حاجةٌ إلی الوترِ

ونبّهتنا إلی مساحبِ أذ

یالِ الصبا بالأصیلِ والبُکرِ

یا طیبَ أوقاتِنا ونحن علی

مستشرفٍ شاهقٍ نَدٍ نضرِ

تطلُّ منه علی بقاعٍ أنیقا

تٍ کساها الربیعُ بالحُبرِ

فی فتیةٍ ینثرُ البلیغُ لهم

وتراً فیهدی تمراً إلی هجرِ

من کلِّ من یشرفُ الجلیسُ له

معطّر الذکر طیِّب الخبرِ

فمن جلیلِ صدرٍ ومن شادنٍ

شادٍ فصیحٍ کطلعة القمرِ

یورد ما جاء فی الغدیرِ وما

حدّث فیه عن خاتمِ النذرِ

ممّا روته الثقاتُ فی صحّة

النقلِ وما أسندوا إلی عمرِ

قد رقی المصطفی بخمّ علی

الأقتابِ لا بالونی ولا الحصرِ

إذ عاد من حجّةِ الوداعِ إلی

منزله وهی آخرُ السفرِ

وقال یا قوم إنَّ ربِّیَ قد

عاودنی وحیُه علی خطرِ

ص: 19

إن لم أُبلّغ ما قد أُمرِتُ به

وکنتُ من خلقکم علی حذرِ

وقال إن لم تفعلْ محوتُکَ من

حکمِ النبیِّین فاخشَ واعتبرِ

إن خفت من کیدِهم عصمتُکَ فاس

تبشر فإنّی لَخیرُ منتصرِ

أقمْ علیّا علیهمُ علماً

فقد تخیّرتُه من البشرِ

ثمَّ تلا آیةَ البلاغ لهم

والسمع یعنو لها مع البصرِ

وقال قد آن أن أُجیب إلی

داعی المنایا وقد مضی عمری

ألستُ أولی منکم بأنفسکم

قلنا بلی فاقضِ حاکماً ومُرِ

فقالَ والناسُ محدقون به

ما بین مصغٍ وبین منتظرِ

من کنتُ مولیً له فحیدرةٌ

مولاه یقفو به علی أثری

یا ربّ فانصر من کان ناصرَهُ

واخذل عداه کخذلِ مقتدرِ

فقمت لمّا عرفتُ موضعَهُ

من ربِّه وهو خیرةُ الخیرِ

فقلت یا خیرةَ الأنامِ بخٍ

جاءتک منقادةً علی قدرِ

أصبحتَ مولیً لنا وکنتَ أخاً

فافخر فقد حزتَ خیرَ مفتخرِ

ویقول فیها :

تالله ما ذنبُ من یقیسُ إلی

نعلک من قدّموا بمغتفرِ

أنکر قومٌ عید الغدیر وما

فیه علی المؤمنین من نکرِ

حکّمک اللهُ فی العبادِ به

وسرتَ فیهم بأحسنِ السِّیرِ

وأکملَ اللهُ فیه دینَهمُ

کما أتانا فی محکمِ السُّورِ

نعتُکَ فی محکمِ الکتابِ وفی

التوراةِ بادٍ والسّفر والزُّبُرِ

علیک عرضُ العباد تقضی علی

من شئت منهم بالنفع والضررِ

تُظمئ قوماً عند الورود کما

تروی أُناساً بالوِردِ والصَدرِ

یا ملجأ الخائف اللهیفِ ویا

کنزَ الموالی وخیر مدّخرِ

ص: 20

لقّبتُ بالرفضِ وهو أشرفُ لی

من ناصبیٍّ بالکفر مشتهرِ

نعم رفضتُ الطاغوتَ والجبتَ

واستخلصتُ ودّی للأنجم الزُّهرِ

القصیدة (56) بیتاً

وله قوله :

حبّذا یومُ الغدیرِ

یومُ عیدٍ وسرورِ

إذ أقامَ المصطفی

من بعدِه خیرَ أمیرِ

قائلاً هذا وصیِّی

فی مغیبی وحضوری

وظهیری ونصیری و

وزیری ونظیری

وهو الحاکمُ بعدی

بالکتابِ المستنیرِ

والذی أظهرَهُ اللهُ

علی علمِ الدهورِ

والذی طاعتُهُ فرضٌ

علی أهلِ العصورِ

فأطیعوه تنالوا

القصدَ من خیرِ ذخیرِ

فأجابوه وقد أخفوا

له غلَّ الصدورِ

بقبولِ القولِ منه

والتهانی والحبورِ

یا أمیر النحلِ یا من

حبُّه عقدُ ضمیری

والذی ینقذنی من

حرِّ نیرانِ السعیرِ

والذی مِدحتُهُ ما

عشت أُنسی وسمیری

والذی یجعلُ فی الحشر

إلی الخلدِ مصیری

لکَ أخلصتُ الولا یا

صاحبَ العلمِ الغزیرِ

ولمن عاداکَ منّی

کلُّ لعنٍ ودحورِ

نال مولاک «الخلیعیُّ»

الهنا یوم النشورِ

بتبرِّیه إلی الرح

من من کلِّ کفورِ

ص: 21

وله من قصیدة تناهز واحداً وستّین بیتاً ، یوجد منها فی مجالس المؤمنین (1) (ص 464) ستّة وثلاثون بیتاً ، وذکرت برمّتها فی ریاض الجنّة لسیّدنا الزنوزی فی الروضة الخامسة ، وفی غیر واحد من المجامیع المخطوطة.

سارت بأنوار علمک السِّیَرُ

وحدّثت عن جلالک السورُ

والمادحون المخبرون غلوا

وبالغوا فی ثناک واعتذروا

وعظّمتک التوراة والصحف ال

أُولی وأثنی الإنجیل والزُّبرُ

وأحکم اللهُ فی إمامتِکَ الآیاتِ

واستبشرت بکَ العصُرُ

والأنبیاءُ المکرمون وفوا

فیک بما عاهدوا وما غدروا

وذکّر المصطفی فأسمع من

ألقی له السمع وهو مدَّکرُ

وجدَّ فی نصحهم فما قبلوا

ولا استقاموا له کما أُمروا

یقول فیها :

أسماؤک المشرقات فی أوجه

القرآن فی کلِّ سورة غُررُ

سمّاک ربُّ العباد قسوَرةً

من حیث فرّوا کأنَّهم حمُرُ

والعینُ والجنبُ والوجه أنت

والهادی ولیلُ الضلالِ معتکرُ

یا صاحبَ الأمرِ فی الغدیر وقد

بخبخَ لمّا ولّیته عمرُ

لو شئت ما مدَّ حبترٌ یده

لها ولا نال حکمَها زُفَرُ

لکن تأنَّیتَ فی الأُمور ولم

تعجل علیهم وأنت مقتدرُ

الشاعر

أبو الحسن جمال الدین علیّ بن عبد العزیز بن أبی محمد الخلعی - الخلیعی - 6.

ص: 22


1- مجالس المؤمنین : 2 / 556.

الموصلی الحلّی ، شاعر أهل البیت علیهم السلام المفلق ، نظم فیهم فأکثر ، ومدحهم فأبلغ ، ومجموع شعره الموجود لیس فیه إلاّ مدحهم ورثاؤهم ، کان فاضلاً مشارکاً فی الفنون قویّ العارضة ، رقیق الشعر سهله ، وقد سکن الحلّة إلی أن مات فی حدود سنة (750) ودفن بها وله هناک قبر معروف.

وُلد من أبوین ناصبیّین ذکر القاضی التستری فی المجالس (1) (ص 463) ، وسیّدنا الزنوزی فی ریاض الجنّة فی الروضة الأولی : أنّ أُمّه نذرت أنّها إن رُزقت ولداً تبعثه لقطع طریق السابلة من زوّار الامام السبط الحسین علیه السلام وقتلهم ، فلمّا ولدت المترجم وبلغ أشدّه ابتعثته إلی جهة نذرها ، فلمّا بلغ إلی نواحی المسیّب بمقربة من کربلاء المشرّفة طفق ینتظر قدوم الزائرین ، فاستولی علیه النوم واجتازت علیه القوافل فأصابه القتام الثائر ، فرأی فیما یراه النائم أنّ القیامة قد قامت وقد أُمر به إلی النار ولکنّها لم تمسّه لما علیه من ذلک العِثْیَر الطاهر ، فانتبه مرتدعاً عن نیّته السیِّئة ، واعتنق ولاء العترة ، وهبط الحائر الشریف ردحاً. انتهی. ویقال : إنّه نظم عندئذٍ بیتین خمّسهما الشاعر المبدع الحاج مهدی الفلّوجی الحلّی المتوفّی (1357) وهما مع التخمیس :

أراک بحیرةٍ ملأتکَ رَینْا

وشتَّتک الهوی بیناً فبینا

فطب نفساً وقر بالله عینا

إذا شئت النجاة فزر حسینا

لکی تلقی الإلهَ قریرَ عینِ

إذا علم الملائکُ منک عزما

تروم مزارَه کتبوک رسما

وحُرِّمتِ الجحیمُ علیک حتما

فإنَّ النارَ لیس تمسُّ جسما

علیه غبار زوّار الحسینِ 5.

ص: 23


1- مجالس المؤمنین : 2 / 555.

ولقد أخلص فی الولاء حتی تحظّی بعنایات خاصة من ناحیة أهل البیت علیهم السلام ، ففی دار السلام للعلاّمة النوری (1) (ص 187) نقلاً عن کتاب حبل المتین فی معجزات أمیر المؤمنین للسیّد شمس الدین محمد الرضوی : أنّ المترجم لمّا دخل الحرم الحسینی المقدّس أنشأ قصیدة فی الحسین علیه السلام وتلاها علیه وفی أثنائها وقع علیه ستار من الباب الشریف فسمِّی بالخلیعی أو الخلعی ، وهو یتخلّص بهما فی شعره.

وفی دار السلام (2) (ص 183) عن حبل المتین المذکور عن المولی محمد الجیلانی أنّه جرت مفاخرة بین المترجم وبین ابن حمّاد (3) الشاعر ، وحسب کلّ أنّ مدیحه لأمیر المؤمنین علیه السلام أحسن من مدیح الآخر ، فنظم کلٌّ قصیدةً وألقیاها فی الضریح العلوی المقدّس محکّمین الإمام علیه السلام فخرجت قصیدة الخلیعی مکتوباً علیها بماء الذهب : أحسنت. وعلی قصیدة ابن حمّاد مثله بماء الفضّة. فتأثّر ابن حمّاد وخاطب أمیر المؤمنین علیه السلام بقوله : أنا محبّک القدیم ، وهذا حدیث العهد بولائک ، ثمّ رأی أمیر المؤمنین علیه السلام فی المنام وهو یقول له : إنّک منّا وإنّه حدیث عهد بأمرنا فمن اللاّزم رعایته. انتهی ملخّصاً.

ومن شعر المترجم قوله فی رثاء الحسین السبط سلام الله علیه :

أیُّ عذر لمهجةٍ لا تذوبُ

وحَشاً لا یشبُّ فیها لهیبُ

ولقلبٍ یضیق من ألمِ الحز

نِ وعینٍ دموعها لا تصوبُ

وابنُ بنتِ النبیِّ بالطفِّ مطرو

حٌ لقیً والجبینُ منه تریبُ

حوله من بنی أبیه شبابٌ

صرعتهمْ أیدی المنایا وشیبُف)

ص: 24


1- دار السلام : 2 / 68.
2- دار السلام : ص 59 - 60.
3- علیّ بن الحسین بن حمّاد اللیثی الواسطی أحد شعراء أهل البیت ، وقفنا علی شعر غیر یسیر له فیهم علیهم السلام مدحاً ورثاءً. (المؤلف)

وحریمُ النبیِّ عبری من الثک

لِ وحسری خمارُها منهوبُ

تلک تدعو أخی وتلک تنادی

یا أبی وهو شاخصٌ لا یجیبُ

لهفَ قلبی وطفلُه فی یدیهِ

یتلظّی والنحرُ منه خضیبُ

لهفَ قلبی لأُخته زینبَ تأ

وی الیتامی ودمعُها مسکوبُ

لهفَ قلبی لفاطمٍ خیفةَ السب

-ی تخفَّتْ وقلبُها مرعوبُ

لهفَ قلبی لأُم کلثومَ والخدّ

ان منها قد خدّدتها الندوبُ

وهی تدعو یا واحدی یا شقیقی

یا مغیثی قد برّحتنی الخطوبُ

ثمَّ تشکو إلی النبیِّ ودمعُ ال

عین فی خدِّها الأسیلِ صبیبُ

جدُّ یا جدُّ لو ترانا سبایا

قد عرتْنا بکربلاءَ الکروبُ

جدُّ یا جدُّ لم یفد ذلک النص

ح وذاک الترهیبُ والترغیبُ

جدُّ لم تقبل الوصیّةُ فی الأه

لِ ولم یُرحَمِ الوحیدُ الغریبُ

یصبح الجاهدُ البعیدُ من الحقِ

قریباً منهم ویُقصی القریبُ

أین عیناکَ والحسینُ قتیلٌ

وعلیٌّ مغلَّلٌ مضروبُ

لا تری سبطَکَ المفدّی طریحاً

عاریاً والرداءُ منه سلیبُ

لو ترانا نُساقُ بالذلِّ ما بی

ن العدی قد قست علینا القلوبُ

لو ترانا حسری وقد أبرزت منّا

وجوهٌ صینتْ وشقَّتْ جیوبُ

بأبی الطاهراتِ تُحدی بهنِّ ال

عیسُ بین الملا وتُطوی السهوبُ

بأبی رأسَ نجلِ فاطمةٍ یش

هرُه للعیونِ رمحٌ کعوبُ

یا ابن أزکی الوری نِجاراً علی مث

لک یستحسنُ البکا والنحیبُ

هاجفونی لما أُصِبتَ به قر

حی وقلبی لما رُزیتُ کئیبُ

أین قلبُ الشجیِّ والفارغِ البا

لِ وأین المحقُّ والمستریبُ

لا هَنا لی عیشی ومبسمُک الد

رِّیُّ بادٍ وقد علاه قضیبُ

لیت أنیّ فداک لو کان بالعب

د یُفدی المولی الحسیبُ النسیبُ

ص: 25

سهمُ بغی الأُلی أصابک من قب

لُ وللهِ عنک سهمٌ مصیبُ

أظهروا فیک حقد بدرٍ ومن قب

لُ دُعوا للهدی فلم یستجیبوا

یا بنی أحمدٍ إلی مدحکم قل

ب الخلیعیِّ مُستهامٌ طروبُ

کیف صبر امرئٍ یری الودَّ فی القر

بی وجوباً وإرثُکم مغصوبُ

أنتمُ حجّةُ الإلهِ علی الخل

ق وأنتم للطالبِ المطلوبُ

بولاکمْ وبغض أعدائکم تُقب

لُ أعمالُنا وتُمحی الذنوبُ

لثناکم شاهت وجوه ذوی النص

ب وشُقَّتْ من النفورِ القلوبُ

وله رحمه الله تعالی قوله :

سجعتْ فوق الغصونِ

فاقداتٌ للقرینِ

فاستهلّتْ سحبَ أجفا

نی وهزّتنی شجونی

غرّدت لا شجوُها شج

وی ولا حنّت حنینی

لا ولا قلت لها

یا ورقُ بالنوح اسعدینی

ما شجی الباکی طروباً

کشجی الباکی الحزینِ

حقَّ لی أبکی دماءً

عوضَ الدمعِ الهتونِ

لغریبٍ نازح الدا

ر خلیٍّ من معینِ

لتریب الخدّ دامی ال

وجهِ مرضوضِ الجبینِ

ومنها :

یا بنی طه ویاسی

-ن وحامیمٍ ونونِ

بکمُ استعصمتُ من

شرِّ خطوبٍ تعترینی

فإذا خفتُ فأنتمْ

لنجاتی کالسفینِ

وعلیکم ثقلُ میزا

نی وأنتم تنقذونی

فاحشروا العبدَ الخلیعیَ

إلی ذات الیمینِ

ص: 26

وإلیکم مِدَحاً أس

نی من الدرِّ الثمینِ

یا حجابَ اللهِ والمح

میَّ عن رجمِ الظنونِ

فیک داریتُ أُناساً

عزموا أن یقتلونی

وتحصّنت بقولِ ال

صّادقِ الحَبرِ الأمینِ

اتّقوا إنَّ التّقی من

دین آبائی ودینی

ولأوصافِکَ ورّی

ت کلامی وحنینی

وإلی مدحِکَ أظهر

تُ ظهوری وبطونی

وکفانی علمُک الشا

هدُ للسرِّ المصونِ

ومعاذَ الله أن أل

وی عن الحبلِ المتینِ

وأُساوی بین مفضا

لٍ ومفضولٍ ضنینِ

بین من قال أقیلو

نی ومن قال سلونی

وله یرثی البطل الهاشمیَّ الشهید مسلم بن عقیل سلام الله علیه قوله :

ألمسلمِ بنِ عقیلِ قام الناعی

لمَّا استهلّت أدمعُ الأشیاعِ

مولیً دعاه ولیُّهُ وإمامُه

فأجابَ دعوتَه بسمعٍ واعِ

حفظَ الودادَ لذی القرابةِ فاقتنی

شرفاً علی الأهلین والأتباعِ

أفدیه من حُرٍّ نقیٍّ طاهرٍ

ماضی العزیمة ساجدٍ رکّاعِ

أفدیه من بطلٍ کمیٍّ ماجدٍ

جمِّ الوفا ندبٍ طویلِ الباعِ

لهفی لمسلم والرماحُ تنوشُه

لا بالجَزوعِ لها ولا المرتاعِ

حتی إذا ظفرتْ به عُصَبُ الخنا

من بعد معترکٍ وطولِ نزاعِ

جاءوا به نحو اللّعینِ فغاظَهُ

بالقولِ من ثبتِ الجنانِ شجاعِ

وإلی ابن سعدٍ بالوصیّةِ مبطناً

أفضی فأظهرها بلؤمِ طباعِ

وهوی من القصر المشوم مهلّلاً

ومکبّراً تجلو صدی الأسماعِ

ص: 27

لهفی لسیفٍ من سیوفِ محمدٍ

عبثَ الفلولُ بحدِّهِ القطّاعِ

لهفی لمزج شرابِهِ بنجیعِهِ

لهفی لمسقط ثغرِه اللمّاعِ

لهفی له فوق الترابِ مجدَّلاً

دامی الجبینِ مهشّمَ الأضلاعِ

مولای یا ابن عقیلِ یومُک جاعلٌ

حَبَّ القلوبِ دریئةَ الأوجاعِ

جادت معالمک الدموع بریِّها

وسقی الحمیم بواطن الأبداعِ

وسقی ابنَ عروةَ هانیاً غدقُ الحیا

فلقد أصاخَ إلی نداءِ الداعی

یا سادةً ما زلت مذ علقت یدی

بهمُ أُحافظ ودَّهم وأُراعی

مولاکمُ الخلعیُّ رافعُ قصّةٍ

یشکو سمومَ عقاربٍ وأفاعی

وقفت للمترجم علی قصائد کثیرة کلّها فی العترة الطاهرة مدحاً ورثاءً لو تجمع لجاءت دیواناً فخماً وإلیک فهرستها ، توجد فی مجامیع مخطوطة بالنجف الأشرف وأخری بالکاظمیّة المشرّفة :

عدد

القصائد

مطلع

القصائد

عدد

الأبیات

1 - لم أبکِ عافی دمنةٍ وطلولِ

وشموسَ رکبٍ آذنت برحیلِ / 27

2 - أضرمتْ نار قلبی المحزونِ

صادحاتُ الحمامِ فوق الغصونِ / 56

3 - طِلابُ العلی بالسمهریّ المقوَّمِ

وضربُ الطُّلی مرمیً إلی کلِّ مغنمِ / 50

4 - جعلت النوحَ فی عاشورَ دأبی

فزادَ ألیم وجدی واکتئابی / 30

5 - یا عینُ بالدمع الغزیرِ

جودی علی الطهرِ المزورِ / 31

6 - أَرَقی لابن النبیِ

لا لبرقٍ حاجریِّ / 31

7 - عرِّج علی أرضِ کربلاءِ

وامزج الدمع بالدماءِ / 23

8 - ذکرت المصارعَ فی کربلا

فزاد بقلبی عظیمُ البلا / 23

9 - ألحاظُ ساکنةِ الخبا

فتکتکَ أم مُقَلُ الظبا / 44

10 - فرطُ وجدی قد حلا لی

ما لعذّالی وما لی / 51

ص: 28

عدد

القصائد

مطلع

القصائد

عدد

الأبیات

11 - لیته زار لماما

فاهتدی جفنی المناما / 59

12 - زاد همّی وشجونی

وجفا نومی جفونی / 66

13 - طال حزنی واکتئابی

فجعلت النوح دابی / 35

14 - هاج لی نوحُ الحمامِ

فرطَ وجدی وغرامی / 29

15 - ما ذا یرید النوی من قلبی العانی

أما تناهت صباباتی وأشجانی / 90

16 - أُکفکف دمعی وهولایسأم الوکفا

وأُخفی غرامی والصبابةُ لا تخفی / 35

17 - سلام الله ذی الحجبِ

علی الزوّار فی رجبِ / 37

18 - قل ولا تخش فی المعاد أثاما

لا سُقی شانئی علیٍّ غماما 37

ویقول فیها :

وتناسی العهد المؤکّد فی خم

ولم ترع للوصیِّ ذماما

19 - لم أُطِلْ فی عرصةِ الدمنِ

وقفةَ الباکی علی السکنِ / 25

20 - یا زائراً حرم الوصیِ

الطاهرِ العلمِ الإمامِ 32

یبغی بزورته الرضا

والأمنَ فی یومِ الزحامِ

21 - لم أبک ربعاً للأحبّةِ قد خلا

وعفی وغیّرهُ الجدیدُ وأمحلا 75

توجه هذه القصیدة فی بحار الأنوار للعلاّمة المجلسی (1) (10 / 258) ، ووقفنا للمترجم علی قصائد فی رثاء الإمام السبط الشهید صلوات الله علیه فی مجموعة کبیرة بالکاظمیّة المشرّفة غیر ما سبق ، فهرستها :

22 - یا عینُ لا لمرابعٍ وخیامِ

أودت بساکنها یدُ الأیامِ 38

23 - یا عینُ لا لخلوِّ الربعِ والدمنِ

باکی الرزایا سوی الباکی علی السکنِ 448.

ص: 29


1- بحار الأنوار : 45 / 258.

عدد

القصائد

مطلع

القصائد

عدد

الأبیات

24 - سل جیرةَ القاطنین ما فعلوا (1)

وهل أقاموا بالحیِّ أم رحلوا 55

25 - العین عبری ودمعُها مسفوحُ

والقلبُ من ألمِ الأسی مقروحُ 32

26 - أعاد لی ذکرُ کربلا حزنی

فسحّ دمعی کالعارضِ الهتنِ 29

27 - ألا ما لجفنی بالسهاد موکّلُ

وقلبی لأعباء الهوی یتحمّلُ 39

28 - لم أبک ربعاً دارسَ العرصاتِ

أضحتْ معارفُه من النکراتِ 36

29 - لم أبک من وقفةٍ علی الدمنِ

ولا لخلٍّ نأی ولا سکنِ 51

30 - هاج حزنی وزاد حرُّ لهیبی

وشجانی ذکرُ القتیلِ الغریبِ 39

31 - جفونٌ لا تملُّ من الهمولِ

وجسمٌ لا یفکُّ من النحولِ 48

32 - ما هاجنی ذکرُ مربعٍ خصبِ

ولا شجانی وجدی ولا طربی 46

33 - ما لدمعی لم یُطْفِ حرَّ غلیلی

للقتیل الظامی وأیّ قتیلِ 58

34 - هاج حزنی وغلیلی

ذکرُ عطشانٍ قتیلِ 28

35 - هجرتْ مقلتی لذیذَ کراها

لمصاب الشهید من آل طه 52

ووجدت عند الشیخ العلاّمة السماوی قصائد للمترجم فی رثاء الإمام السبط علیه السلام ، مستهلّها :

36 - عذرتُکَ لو تجدی ملامةُ لُوَّمِ

علی اللّوم للمُضنی الکئیب المتیمِ 55

37 - لست ممّن یبکی رسوماً محولا

ودیاراً أعفی البلا وطلولا 53

38 - جعلت النوحَ إدمانا

لما نال ابن مولانا 30

39 - هو الحمی وبانُهُ

لا نفرت غزلانه 37ف)

ص: 30


1- توجد هذه القصیدة والقصیدة الثامنة والعشرون فی الجزء الثالث من تحفة الأزهار للسید ضامن ابن شدقم. (المؤلف)

فمجموع أبیات ما وقفنا علیه من شعر المترجم : (1656) بیتاً.

لفت نظر :

توجد فی أعیان الشیعة (1) (21 / 249) ترجمة تحت عنوان : الشیخ حسن الخلیعی ، ذُکرت له خمسة أبیات من بائیّة شاعرنا الخلیعی التی أسلفناها برمّتها مطلعها :

أیّ عذر لمهجة لا تذوبُ

وحشاً لا یشبُّ فیها لهیبُ

وستّة وعشرون بیتاً من قصیدته الرائیّة فی مدح أمیر المؤمنین أوّلها :

سارت بأنوار علمک السِّیرُ

وحدّثتْ من جلالک السورُ

وقد مرّ أنّ القاضی ذکر منها فی مجالسه للمترجم ستّة وثلاثین بیتاً (2) ، واحتمل سیّد الأعیان کون الشیخ حسن هذا ولد مترجمنا أو أنّ النسخة محرّفة. والصواب أنّ الشعر المنقول هناک المنتزع منه العنوان المذکور کلّه للمترجم له ، والحسن محرّف کنیته أبی الحسن. 6.

ص: 31


1- أعیان الشیعة : 5 / 63.
2- مجالس المؤمنین : 2 / 556.

ص: 32

- 67 -

السریجی الأُوالی

المتوفّی (750) تقریباً

إن لم أُفِضْ فی المغانی ماءَ أجفانی

فما أفظَّ إذن قلبی وأجفانی

وکیف لا یَهملُ الدمعَ الهتونَ فتیً

أمسی أسیرَ صباباتٍ وأحزانِ

یا ربَّةَ السجفِ هلاّ کنتِ قاضیةً

دَیْناً وأقلعتِ عن مطلٍ ولیّانِ

لو کنتِ فی عصرِ بلقیسٍ لما خلبت

بلقیسُ قلبَ ابنِ داودَ سلیمانِ

یا قلبُ کم بالحسانِ البیضِ تجعلُنی

مستهتَراً والنُّهی عن ذاک ینهانی

ولی بودِّ أمیر النحلِ «حیدرةٍ»

شغلٌ عن اللهو والإطراب ألهانی

هاتِ الحدیث سمیری عن مناقبِه

ودع حدیثَ رُبی نجدٍ ونعمانِ

مُردی الکماةِ وفتّاکُ العتاةِ و

هطّالُ الهبات وأمنُ الخائفِ الجانی

بنی بصارمِهِ الإسلامَ إذ هدم ال

أصنامَ أکرِمْ به من هادمٍ بانِ

سائل به یوم أُحدٍ والقلیب وفی

بدرٍ وخیبرَ یا من فیه یلحانی

ویومَ صفّینَ والألبابُ طائشةٌ

وفی حُنینَ إذا التفَّ الفریقانِ

ویومَ عمرو بن ودٍّ حین جلّلَهُ

عضباً به قربت آجالُ أقرانِ

وفی «الغدیرِ» وقد أبدی النبیُّ له

مناقباً أرغمت ذا البغضةِ الشانی

إذ قال من کنتُ مولاه فأنت له

مولیً به اللهُ یهدی کلَّ حیرانِ4.

ص: 33

أُنزلت منّی کما هارون أُنزل من

موسی ولم یک بعدی مرسلٌ ثانی

وآیة الشمس إذ رُدَّت مبادرةً

غرّاءَ أقصرَ عنها کلُّ إنسانِ

وإنَّ فی قصّةِ الأفعی ومکمنِهِ

فی الخفِّ هدیاً لذی بغضٍ وإرعانِ

وقصّةُ الطائرِ المشویّ بیّنة

لکلِّ من حاد عن عمدٍ وشنآنِ

واسأل به یومَ وافی ظهرَ منبرِهِ

والناسُ قد فزعوا من شخصِ ثعبان

فقال خلّوا له نهجاً ولا تجدوا

بأساً بتمکینِهِ قصدی وإتیانی

فجاء حتی رقی أعوادَ منبرِه

مهمهماً بلسانِ الخاضعِ الجانی

من غیرُه بَطَنَ العلمَ الخفیَّ ومن

سواه قال اسألونی قبل فقدانی

ومن وقت نفسُهُ نفسَ الرسولِ وقد

وافی الفراشَ ذوو کفرٍ وطغیانِ

ومن تصدّقَ فی حالِ الرکوع ولم

یسجدْ کما سجدتْ قومٌ لأوثانِ

من کان فی حرم الرحمن مولدُهُ

وحاطه اللهُ من باسٍ وعدوانِ

من غیره خاطبَ الرحمنَ واعتضدتْ

به النبوّةُ فی سرٍّ وإعلانِ

من أُعطی الرایةَ الغرّاءَ إذ ربدتْ

نارُ الوغی فتحاماها الخمیسانِ

من رُدّت الکفُّ إذ بانت بدعوتِهِ

والعینُ بعد ذهابِ المنظرِ الفانی

من أنزل الوحیُ فی أن لا یُسدَّ له

بابٌ وقد سُدَّ أبوابٌ لإخوانِ

ومن به بُلّغت من بعد أوبتِها

براءةٌ لأُولی شرکٍ وکفرانِ

ومن تظلّمَ طفلاً وارتقی کتف ال

-مختار خیرَ ذوی شیبٍ وشبّانِ

ومن یقول خذی یا نار ذا وذری

هذا وبالکأسِ یسقی کلّ ظمآنِ

من غسّل المصطفی من سال فی یدِهِ

أجلُّ نفسٍ نأتْ عن خیرِ جثمانِ

ومن تورّکَ متن الرِّیحِ طائعةً

تجری بأمرِ ملیکِ الخلقِ رحمانِ

حتی أتی فتیةَ الکهفِ الذین جرتْ

علی مراقدِهمْ أعصارُ أزمانِ

فاستیقظوا ثمَّ قالوا بعد یقظتِهمْ

أنت الوصیُّ علی علمٍ وإیقانِ

ص: 34

ما یتبع الشعر

فی هذه القصیدة إشارة إلی لمّة من فضائل مولانا أمیر المؤمنین صلوات الله علیه ، وقد بسطنا القول فی جملة مهمة منها فی الأجزاء السابقة ، ونذکر هنا ما أشار إلیه شاعرنا بقوله

من کان فی حرمِ الرحمنِ مولدُهُ

وحاطه اللهُ من باسٍ وعدوانِ

یرید به قصّة ولادته صلوات الله علیه فی الکعبة المعظّمة ، وقد انشقّ جدار البیت لأُمِّه فاطمة بنت أسد فدخلته ثمّ التأمت الفتحة ، فلم تزل فی البیت العتیق حتی ولدت مشرِّف البیت بذلک الهبوط المیمون ، وأکلت من ثمار الجنّة ، ولم ینفلق صدف الکعبة عن درِّه الدریّ إلاّ وأضاء الکون بنور محیّاه الأبلج ، وفاح فی الأجواء شذی عنصره الأقدس ، وهذه حقیقة ناصعة أصفق علی إثباتها الفریقان ، وتضافرت بها الأحادیث ، وطفحت بها الکتب ، فلا نعبأ بجلبة رماة القول علی عواهنه بعد نصِّ جمع من أعلام الفریقین علی تواتر حدیث هذه الأثارة.

قال الحاکم فی المستدرک (1) (3 / 483) : وقد تواترت الأخبار أنّ فاطمة بنت أسد ولدت أمیر المؤمنین علیّ بن أبی طالب کرّم الله وجهه فی جوف الکعبة.

وحکی الحافظ الکنجی الشافعی فی الکفایة (2) من طریق ابن النجّار عن الحاکم النیسابوری أنّه قال : وُلد أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب بمکّة فی بیت الله الحرام لیلة الجمعة لثلاث عشرة لیلة خلت من رجب سنة ثلاثین من عام الفیل ، ولم یولد قبله ولا بعده مولود فی بیت الله الحرام سواه إکراماً له بذلک ، وإجلالاً لمحلّه فی التعظیم. 7.

ص: 35


1- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 550 ح 6044.
2- کفایة الطالب : ص 407.

وتبعه أحمد بن عبد الرحیم الدهلوی الشهیر بشاه ولیّ الله والد عبد العزیز الدهلوی مصنِّف التحفة الاثنی عشریّة فی الردِّ علی الشیعة ، فقال فی کتابه إزالة الخفاء (1) : تواترت الأخبار أنّ فاطمة بنت أسد ولدت أمیر المؤمنین علیّا فی جوف الکعبة. فإنّه وُلد فی یوم الجمعة ثالث عشر من شهر رجب بعد عام الفیل بثلاثین سنة فی الکعبة ، ولم یولد فیها أحد سواه قبله ولا بعده.

قال شهاب الدین السیّد محمود الآلوسی صاحب التفسیر الکبیر فی : سرح الخریدة الغیبیّة فی شرح القصیدة العینیّة لعبد الباقی أفندی العمری (ص 15) عند قول الناظم :

أنت العلیُّ الذی فوق العلی رُفِعا

ببطن مکّةَ عند البیتِ إذ وُضعا

وکون الأمیر کرّم الله وجهه وُلد فی البیت أمر مشهور فی الدنیا ، وذکر فی کتب الفریقین السنّة والشیعة ... إلی أن قال : ولم یشتهر وضع غیره کرّم الله وجهه کما اشتهر وضعه بل لم تتّفق الکلمة علیه ، وما أحری بإمام الأئمّة أن یکون وضعه فیما هو قبلة للمؤمنین ، وسبحان من یضع الأشیاء فی مواضعها وهو أحکم الحاکمین.

وقال فی (ص 75) عند قول العمری :

وأنت أنت الذی حطّت له قدمٌ

فی موضعٍ یدَهُ الرحمنُ قد وضَعا

وقیل : أحبّ علیه الصلاة والسلام - یعنی علیّا - أن یکافئ الکعبة حیث وُلد فی بطنها بوضع الصنم عن ظهرها ؛ فإنّها - کما ورد فی بعض الآثار - کانت تشتکی إلی الله تعالی عبادة الأصنام حولها وتقول : أی ربّ حتی متی تُعبد هذه الأصنام حولی؟ والله تعالی یعدها بتطهیرها من ذلک. انتهی. 1.

ص: 36


1- إزالة الخفاء : 2 / 251.

وإلی هذا المعنی أشار العلاّمة السیّد رضا الهندی (1) بقوله :

لمّا دعاکَ اللهُ قدماً لأن

تولد فی البیت فلبّیته

شکرتَه بین قریشٍ بأن

طهّرتَ من أصنامِهمْ بیته

ویجدها القارئ من المتسالم علیه من فضائل مولانا أمیر المؤمنین صلوات الله علیه فی غیر واحد من مصادر القوم منها (2) :

1 - مروج الذهب (2 / 2) / تألیف أبی الحسن المسعودی الهذلی.

2 - تذکرة خواصّ الأُمّة (ص 7) / تألیف سبط ابن الجوزی الحنفی.

3 - الفصول المهمّة (ص 14) / تألیف ابن الصباغ المالکی.

4 - السیرة النبویة (1 / 150) / تألیف نور الدین علی الحلبی الشافعی.

5 - شرح الشفا (1 / 151) / تألیف الشیخ علی القاری الحنفی.

6 - مطالب السؤول (ص 11) / تألیف أبی سالم محمد بن طلحة الشافعی.

7 - محاضرة الأوائل (ص 120) / تألیف الشیخ علاء الدین السکتواری.

8 - مفتاح النجا فی مناقب آل العبا / تألیف میرزا محمد البدخشی.

9 - المناقب / تألیف الأمیر محمد صالح الترمذی.

10 - مدارج النبوّة / تألیف الشیخ عبد الحقِّ الدهلوی.

11 - نزهة المجالس (2 / 204) / تألیف عبد الرحمن الصفوری الشافعی. 6.

ص: 37


1- دیوان السید رضا الهندی : ص 25.
2- مروج الذهب : 2 / 366 ، تذکرة الخواص : ص 10 ، الفصول المهمّة : ص 29 ، السیرة الحلبیة : 1 / 139 ، مفتاح النجا فی مناقب آل العبا : ص 18 باب 3 فصل 1 ، مدارج النبوّة : 2 / 308 ، نور الأبصار : ص 156.

12 - آیینه تصوّف (طبع سنة 1311) / تألیف شاه محمد حسن الجشتی.

13 - روائح المصطفی (ص 10) / تألیف صدر الدین أحمد البردوانی.

14 - کتاب الحسین (1 / 16) / تألیف السیّد علی جلال الدین.

15 - نور الأبصار (ص 76) / تألیف السیّد محمد مؤمن الشبلنجی.

16 - کفایة الطالب (ص 37) / تألیف الشیخ حبیب الله الشنقیطی.

وأما أعلام الشیعة ، فقد ذکرت منهم هذه الأثارة أُمّة کبیرة منها :

1 - الحسن بن محمد بن الحسن القمی ، فی تاریخ قم الذی ألّفه وقدّمه إلی الصاحب بن عباد سنة (378) ، وترجمه إلی الفارسیة الشیخ الحسن بن علیّ بن الحسن القمی سنة (865) ، راجع (ص 191) من الترجمة.

2 - الشریف الرضی : المتوفّی (406) المترجم فی (4 / 181 - 221) ، ذکرها فی خصائص الأئمّة (1) وقال : لم نعلم مولوداً فی الکعبة غیره.

3 - شیخ الأُمّة معلّم البشر أبو عبد الله المفید : المتوفّی (413) ، فی (2) المقنعة ، ومسار الشیعة (ص 51) طبع مصر ، والإرشاد (ص 3) وقال : لم یولد قبله ولا بعده مولود فی بیت الله سواه ، إکراماً من الله جلّ اسمه بذلک ، وإجلالاً لمحلّه فی التعظیم.

4 - الشریف المرتضی : المتوفّی (436) مرّت ترجمته فی (4 / 264 - 299) ، ذکرها فی شرح القصیدة البائیّة للحمیری (ص 51) طبع مصر وقال : لا نظیر له فی هذه الفضیلة.

5 - نجم الدین الشریف أبو الحسن علیّ بن أبی الغنائم محمد المعروف بابن 5.

ص: 38


1- خصائص الأئمّة : ص 39 ، خصائص أمیر المؤمنین : ص 4.
2- مصنّفات الشیخ المفید - المقنعة : مج 14 / 461 ، مسار الشیعة : مج 7 / 59 ، الإرشاد : مج 11 / ج 1 / 5.

الصوفی ، ذکرها فی کتابه المجدی (1) المخطوط.

6 - الشیخ أبو الفتح الکراجکی : المتوفّی (449)،فی کنز الفوائد (2)(ص 115).

7 - الشیخ حسین بن عبد الوهّاب معاصر الشریف المرتضی ، فی عیون المعجزات (3).

8 - شیخ الطائفة محمد بن الحسن الطوسی : المتوفّی (460) ، فی (4) التهذیب (ج 2) ومصباح المتهجّد (ص 560) ، والأمالی (ص 80 - 82).

9 - أمین الإسلام الفضل بن الحسن الطبرسی : المتوفّی (548) صاحب مجمع البیان ، فی إعلام الوری (5) (ص 93) وقال : لم یولد قطُّ فی بیت الله تعالی مولود سواه لا قبله ولا بعده.

10 - ابن شهرآشوب السروی : المتوفّی (588) ، فی المناقب (6) (1 / 359 و 2 / 50).

11 - ابن البطریق شمس الدین أبو الحسین یحیی بن الحسن الحلّی : المتوفّی (600) ، فی کتابه العمدة (7) وقال : لم یولد قبله ولا بعده مولود فی بیت الله سواه.

12 - رضیُ الدین علی بن طاووس : المتوفّی (664) ، فی کتابه الإقبال (8) (ص 141). 5.

ص: 39


1- المجدی فی أنساب الطالبیین : ص 11.
2- کنز الفوائد : 1 / 255.
3- عیون المعجزات : ص 29.
4- التهذیب : 6 / 19 ، مصباح المتهجّد : ص 741 ، أمالی الطوسی : ص 706 ح 1511.
5- إعلام الوری : ص 159.
6- مناقب آل أبی طالب : 2 / 197 - 198 و 3 / 309.
7- العمدة : ص 24.
8- الإقبال : ص 655.

13 - عماد الدین الحسن الطبری الآملی صاحب الکامل المؤلّف سنة (675) ، فی کتابه تحفة الأبرار فی الفصل الثامن من الباب الرابع.

14 - بهاء الدین الإربلی : المتوفّی (692) مرّت ترجمته فی (5 / 445) ، فی کتابه کشف الغمّة (1) (ص 19) وقال : لم یولد فی البیت أحد سواه قبله ولا بعده ، وهی فضیلة خصّه الله بها إجلالاً له ، وإعلاءً لرتبته ، وإظهاراً لتکرمته.

15 - أبو علی ابن الفتّال النیسابوری المترجم فی کتابنا شهداء الفضیلة (ص 37) ذکرها فی روضة الواعظین (2) (ص 67).

16 - هندوشاه بن عبد الله الصاحبی النخجوانی ، فی تجارب السلف (ص 37).

17 - العلاّمة الحسن بن یوسف الحلّی : المتوفّی (726) ، فی کتابیه (3) : کشف الحقّ ، وکشف الیقین (ص 5) ونصّ علی أنّه لم یولد أحد سواه فیها لا قبله ولا بعده.

18 - جمال الدین بن عنبة : المتوفّی (828) ، فی عمدة الطالب (4) (ص 41).

19 - الشیخ علیّ بن یونس العاملی البیاضی : المتوفّی (877) ، فی الصراط المستقیم (5).

20 - السیّد محمد بن أحمد بن عمید الدین علی الحسینی ، فی المشجّر الکشّاف لأصول السادة الأشراف (ص 230) طبع مصر.

21 - الشیخ تقیّ الدین الکفعمی الآتی ترجمته فی هذا الجزء إن شاء الله ، فی المصباح (ص 512).1.

ص: 40


1- کشف الغمّة : 1 / 61.
2- روضة الواعظین : ص 76.
3- نهج الحق وکشف الصدق : ص 233 ، کشف الیقین فی فضائل أمیر المؤمنین : ص 17.
4- عمدة الطالب : ص 58.
5- الصراط المستقیم : 1 / 331.

22 - أحمد بن محمد بن عبد الغفّار الغفاری القزوینی ، فی تاریخ نگارستان (1) المؤلّف سنة (949) (ص 10) طبع سنة (1245).

23 - القاضی نور الله المرعشی المستشهد (1019) المترجم فی کتابنا شهداء الفضیلة (ص 171) ، فی کتابه إحقاق الحق (2).

24 - الشیخ عبد النبیّ الجزائری : المتوفّی (1021) ، فی حاوی الأقوال.

25 - الشیخ محمد ابن الشیخ علی اللاهیجی ، فی محبوب القلوب (3).

26 - المولی المحسن الکاشانی : المتوفّی (1091) ، فی کتابه تقویم المحسنین (4).

27 - الشیخ نظام الدین محمد بن الحسین التفرشی الساوجی تلمیذ شیخنا البهائی ، فی تألیفه تکملة الجامع العبّاسی لشیخه المذکور.

28 - الشیخ أبو الحسن الشریف : المتوفّی (1100) ، فی کتابه الضخم الفخم القیِّم ضیاء العالمین وقال : کانت مشهورة فی الصدر الأوّل.

29 - السیّد هاشم التوبلی البحرانی صاحب التآلیف القیِّمة : المتوفّی (1107) ، فی غایة المرام (5) ، وقال : بلغت حدّ التواتر ، معلومة فی کتب العامّة والخاصّة.

30 - العلاّمة المجلسی : المتوفّی (1110 ، 1111) ، فی جلاء العیون (6) (ص 80) فقال ما معناه : مشهور بین المحدِّثین والمؤرِّخین من الخاصّة والعامّة. 9.

ص: 41


1- تاریخ نگارستان : ص 12.
2- إحقاق الحق : 5 / 56.
3- محبوب القلوب : 2 / 347 - 348.
4- تقویم المحسنین : ص 17.
5- غایة المرام : 1 / 13.
6- جلاء العیون : ص 79.

31 - السیّد نعمة الله الجزائری : المتوفّی (1112) ، فی الأنوار النعمانیّة (1).

32 - السیّد علی خان الشیرازی (1118 - 1120) ، فی الحدائق الندیّة فی شرح الفوائد الصمدیّة (2).

33 - السیّد محمد الطباطبائی جدّ آیة الله بحر العلوم الفارغ عن بعض تآلیفه سنة (1126) ، فی رسالته الموضوعة لتواریخ موالید الأئمّة ووفیاتهم.

34 - السیّد عبّاس بن علیّ بن نور الدین الموسوی الحسینی المکّی : المتوفّی (1179) ، فی کتابه نزهة الجلیس (3) (1 / 68).

35 - أبو علیّ الحائری : المتوفّی (1215) ، فی رجاله الدائر منتهی المقال (4) (ص 46).

36 - السیّد محسن الأعرجی : المتوفّی (1227) ، فی عمدة الرجال.

37 - الشیخ خضر بن شلاّل العفکاوی النجفی : المتوفّی (1255) ، فی مزاره المسمّی بأبواب الجنان وبشائر الرضوان (5).

38 - السیّد حیدر الحسنی الحسینی الکاظمی : المتوفّی (1265) ، فی عمدة الزائر (ص 54).

39 - السیّد مهدی القزوینی : المتوفّی (1300) ، فی فلک النجاة (ص 326).

40 - المولی السیّد محمود بن محمد علی بن محمد باقر ، فی تحفة السلاطین (ج 2) 2.

ص: 42


1- الأنوار النعمانیّة : 1 / 370.
2- الحدائق الندیّة فی شرح الفوائد الصمدیّة : ص 6.
3- نزهة الجلیس : 1 / 103.
4- منتهی المقال : ص 66.
5- أبواب الجنان وبشائر الرضوان : ص 42.

فقال ما معناه : مشهور کالشمس فی رائعة النهار.

41 - المولی السلطان محمد بن تاج الدین حسن ، فی تحفة المجالس (ص 88) طبع سنة (1274).

42 - السیّد میرزا حسن الزنوزی - نزیل خوی - فی کتابه الضخم بحر العلوم.

43 - الحاج المولی شریف الشروانی من تلمذة السیّد العظیم صاحب الریاض ، فی کتابه الشهاب الثاقب فی مناقب علیّ بن أبی طالب.

44 - المولی علی أصغر البروجردی ، فی عقائد الشیعة (1) (ص 31) طبع سنة (1263).

45 - الحاج میرزا حبیب الخوئی ، فی کتابه الکبیر شرح نهج البلاغة (2) (1 / 71).

46 - أبو عبد الله جعفر بن محمد بن جعفر الحسینی الأعرجی ، فی مناهل الضَّرَب (3) فی أنساب العرب.

47 - الحاج الشیخ عبّاس القمیّ : المتوفّی (1359) ، فی سفینة البحار (4) (2 / 229).

48 - السیّد محسن الأمین الحسینی العاملی ، فی أعیان الشیعة (5) (3 / 3).

49 - الشیخ جعفر النقدی ، فی کتابه نزهة المحبّین فی فضائل أمیر المؤمنین (6) علیه السلام (ص 2 - 8). 3.

ص: 43


1- عقائد الشیعة : ص 41.
2- منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة : 1 / 216.
3- الضَّرَب : العسل الغلیظ.
4- سفینة البحار : 6 / 375 - 376.
5- أعیان الشیعة : 1 / 323.
6- نزهة المحبّین فی فضائل أمیر المؤمنین : ص 2 - 3.

50 - شیخنا الأُوردبادی ، ألّف فی الموضوع کتاباً فخماً ، وقد أغرق نزعاً فی التحقیق ولم یبق فی القوس منزعاً ، وإلیک فهرست عناوینه :

1 - حدیث المولد الشریف وتواتره.

2 - حدیث الولادة الشریفة مشهور بین الأُمّة.

3 - نبأ الولادة والمحدِّثون.

4 - حدیث الولادة والنسّابون.

5 - حدیث الولادة والمؤرّخون.

6 - حدیث الولادة والشعراء.

7 - حدیث الولادة والإجماع علیه.

ألّف القاضی أبو البختری کتاباً فی مولد أمیر المؤمنین علیه السلام کما ذکره النجاشی (1) وشیخ الطائفة (2) ، ورواه أبو محمد العلوی الحسن بن محمد ، عن حجر بن محمد السامی ، عن رجاء بن سهل الصنعانی ، عن أبی البختری کما فی تاریخ الخطیب البغدادی (7 / 419).

وذکر النجاشی فی فهرسته (3) (ص 279) کتاب مولد أمیر المؤمنین لشیخنا ابن بابویه الصدوق.

وقد نظم هذه الأثارة کثیرون من أعلام الشیعة الفطاحل وشعرائها الأفذاذ نظراء :

1 - السیّد الحمیری : المتوفّی (173) ، وقد مرّت ترجمته فی (2 / 231 - 278) قال : 9.

ص: 44


1- رجال النجاشی : ص 430 رقم 1155.
2- الفهرست : ص 173 رقم 757.
3- رجال النجاشی : ص 392 رقم 1049.

ولدتْهُ فی حرمِ الإلهِ وأمنهِ

والبیتِ حیث فناؤه والمسجدُ

بیضاءُ طاهرةُ الثیابِ کریمةٌ

طابتْ وطابَ ولیدُها والمولدُ

فی لیلةٍ غابتْ نحوسُ نجومِها

وبدتْ مع القمرِ المنیرِ الأسْعُدُ

ما لُفَّ فی خِرَقِ القوابلِ مثلُه

إلاّ ابنُ آمنةَ النبیُّ محمدُ

2 - محمد بن منصور السرخسی ، ذکرها فی أبیات توجد فی مناقب ابن شهرآشوب (1) (1 / 360).

3 - خواجه معین الدین الجشتی الأجمیری : المتوفّی (632).

4 - المولی الرومی العارف الشهیر : المتوفّی (672).

5 - المولی محمد بن عبد الله الکاتبی النیسابوری : المتوفّی (889) ، المترجم فی مجالس المؤمنین (2).

6 - المولی أهلی الشیرازی : المتوفّی (942).

7 - میرزا محمد علی التبریزی المتخلّص فی شعره بصائب ، من شعراء عهد السلطان سلیمان المتوفّی (974) ، له قصیدة یمدح بها الکعبة المشرّفة ویذکر مزایاها ، وعدّ منها ولادة أمیر المؤمنین بها ، توجد فی کتاب الخزانة العامرة (ص 291).

8 - السیّد محمد باقر بن محمد الحسینی الأسترآبادیّ الشهیر بداماد : المتوفّی (1041).

9 - المولی محمد مسیح المعروف بمسیحا الفسوی الشیرازی : المتوفّی (1127) ، 1.

ص: 45


1- مناقب آل أبی طالب : 2 / 200.
2- مجالس المؤمنین : 2 / 661.

الآتی شعره وترجمته فی شعراء القرن الثانی عشر.

10 - السیّد نصر الله المدرّس الحائری الشهید سنة (1160) ، أحد شعراء الغدیر ، یأتی فی شعراء القرن الثانی عشر.

11 - المولی رضا الرشتی المتخلّص فی شعره بالمحزون فی مثنویٍّ له.

12 - میرزا نصر الله المتخلّص بالشهاب.

13 - الشریف محمد بن فلاح الکاظمی أحد شعراء الغدیر ، یأتی شعره وترجمته فی محلّهما ، ذکرها فی قصیدته الکرّاریّة.

14 - الشیخ محمد رضا النحوی : المتوفّی (1226) أحد شعراء الغدیر ، تأتی ترجمته فی محلّها.

15 - الشیخ حسین نجف : المتوفّی (1252) ، أحد شعراء الغدیر ، یأتی شعره وترجمته فی شعراء القرن الثالث عشر ، قال فی قصیدته الکبیرة :

جعلَ اللهُ بیتَهُ لعلیٍ

مولداً یا له علاً لا یُضاهی

لم یشارکْهُ فی الولادة فیه

سیّدُ الرسلِ لا ولا أنبیاها

علمَ اللهُ شوقَها لعلیٍ

علمه بالذی به من هواها

إذ تمنّت لقاءَهُ وتمنّی

فأراها حبیبَهُ ورآها

ما ادّعی مُدّعٍ لذلک کلاّ

من تُری فی الوری یرومُ ادّعاها

فاکتست مکّةٌ بذاک افتخاراً

وکذا المَشعران بعد مِناها

بل به الأرضُ قد علتْ إذ حوته

فغدت أرضُها مَطافَ سماها

أوَما تنظرُ الکواکبُ لیلاً

ونهاراً تطوفُ حول حماها

وإلی الحشرِ فی الطوافِ علیه

وبذاک الطوافِ دام بقاها

ص: 46

16 - میرزا عبّاس الدامغانی المتخلّص بنشاط الهزارجریبی : المتوفّی (1262).

17 - السید محمد تقی القزوینی : المتوفّی (1270) ، أحد شعراء الغدیر ، تأتی ترجمته فی شعراء القرن الثالث عشر.

18 - الشیخ حسین بن علیّ الفتونی الهمدانی العاملی الحائری من شعراء الغدیر ، یأتی ذکره فی القرن الثالث عشر.

19 - الحاج محمد خان المولود سنة (1246) المتخلّص بدشتی فی دیوانه المطبوع.

20 - الحاج میرزا إسماعیل الشیرازی : المتوفّی (1305) ، أحد شعراء الغدیر من حجج الطائفة ، یأتی ذکره فی شعراء القرن الرابع عشر له قصیدة موشّحة فی المولود المقدّس ، ألا وهی :

رغدَ العیشُ فزدهُ رغدا

بسُلافٍ منه تشفی سقمی

طربَ الصبُّ علی وصلِ الحبیبْ

وهنی العیشُ علی بُعد الرقیبْ

وفِّنی من أکؤسِ الراحِ النصیبْ

وائتنی تَوماً بها لا مفردا

فالهنا کلُّ الهنا فی التوأمِ

آتنی الصهباءَ ناراً ذائبه

کلّلتها قبساتٌ لاهبه

واسقنیها والندامی قاطبه

فلَعمری إنّها ریُّ الصدی

لفؤادٍ بالتصابی مضرمِ

ما أُحَیْلَی الراحَ من کفِّ المِلاحْ

هی روحٌ هی رَوحٌ هی راحْ

فأدرها فی غدوٍّ ورواحْ

کذُکاءٍ تتجلّی صرخدا

رصّعتها حببٌ کالأنجمِ

حبّذا آناءُ أُنسٍ أقبلتْ

أدرکتْ نفسی بها ما أمّلتْ

ص: 47

وضعت أُمُّ العلی ما حملتْ

طاب أصلاً وتعالی محتدا

مالکاً ثقلَ ولاء الأُممِ

آنستْ نفسی من الکعبةِ نورْ

مثلَ ما آنس موسی نار طورْ

یوم غشّی الملأَ الأعلی سرورْ

قرعَ السمعَ نداءٌ کندا

شاطئ الوادی طُوی من حرمِ

ولدتْ شمسُ الضحی بدرَ التمامْ

فانجلتْ عنّا دیاجیرُ الظلامْ

نادِ یا بشراکمُ هذا غلامْ

وجهُهُ فلقةُ بدرٍ یهتدی

بسنا أنوارِهِ فی الظُّلَمِ

هذه فاطمةٌ بنتُ أسدْ

أقبلت تحملُ لاهوتَ الأبدْ

فاسجدوا ذلًّا له فی من سجدْ

فله الأملاکُ خرّت سُجّدا

إذ تجلّی نورُه فی آدمِ

کُشفَ السترُ عن الحقِّ المبین

وتجلّی وجهُ ربِّ العالمینْ

وبدا مصباحُ مشکاةِ الیقینْ

وبدت مشرقةً شمسُ الهدی

فانجلی لیلُ الضلالِ المظلمِ

نُسخ التأبیدُ من نفی تری

فأرانا وجهه ربُّ الوری

لیت موسی کان فینا فیری

ما تمنّاه بطورٍ مُجهدا

فانثنی عنه بکفّی معدمِ

هل درتْ أُمّ العلی ما وضعتْ

أم درتْ ثدیُ الهدی ما أرضَعتْ

أم درتْ کفُّ النهی ما رفعتْ

أم دری ربُّ الحجی ما ولدا

جلَّ معناه فلمّا یُعلَمِ

سیّدٌ فاق عُلاً کلَّ الأنامْ

کان إذ لا کائنٌ وهو إمامْ

شرّف اللهُ به البیتَ الحرامْ

حین أضحی لعُلاه مولدا

فوطا تربتَهُ بالقدمِ

ص: 48

إن یکن یُجعَلُ لله البنونْ

وتعالی اللهُ عمّا یصفونْ

فولیدُ البیتِ أحری أن یکون

لولیِّ البیتِ حقّا ولدا

لا عُزیر لا ولا ابنُ مریمِ

هو بعدَ المصطفی خیرُ الوری

من ذری العرش إلی تحت الثری

قد کست علیاؤه أُمّ القری

غرّةً تحمی حماها أبدا

حیث لا یدنوه من لم یُحرمِ

سبق الکونَ جمیعاً فی الوجودْ

وطوی عالمَ غیبٍ وشهودْ

کلّ ما فی الکونِ من یمناه جودْ

إذ هو الکائنُ لله یدا

ویدُ اللهِ مَدَرُّ الأنعمِ

سیّدٌ حازت به الفضلَ مضرْ

بفخارٍ فسما کلّ البشرْ

وجهُه فی فلَکِ العلیا قمرْ

فبهِ لا بالنجومِ یُهتدی

نحو مغناه لنَیْلِ المغنَمِ

هو بدرٌ وذراریه بدورْ

عقمتْ عن مثلِهم أُمُّ الدهور

کعبةُ الوفّاد فی کلِّ الشهورْ

فاز من نحو فناها وفدا

بمطافٍ منه أو مُستلَمِ

ورثوا العلیاءَ قدماً من قُصیّ

ونزارٍ ثمَّ فهرٍ ولؤیّ

لا یباری حیُّهم قطُّ بحیّ

وهمُ أزکی البرایا محتدا

وإلیهم کلُّ فخرٍ ینتمی

أیّها المرجی لقاهُ فی المماتْ

کلُّ موتٍ فیه لقیاک حیاةْ

لیتما عجّل بی ما هو آتْ

علّنی ألقی حیاتی فی الردی

فائزاً منه بأوفی النعمِ

21 - میرزا أبو القاسم الحسینی الشیرازی.

22 - سراج الدین محمد بن الحسن القرشی التمیمی العدویّ الأمویّ المعروف

ص: 49

بفدا حسین الهندی ، نظم مکرمة الولادة الشریفة فی قصیدته العلویّة الکبیرة المطبوعة البالغة (1411) بیتاً المسمّاة بالنفحة القدسیّة (ص 68 ، 178).

23 - میرزا محمد تقی الشهیر بحجّة الإسلام : المتوفّی (1312) ، فی دیوانه المطبوع (ص 196 ، 200).

24 - الشاعر المفلق محمد الیزدی المتخلّص فی شعره بجیحون : المتوفّی حدود (1318) ، فی دیوانه المطبوع.

25 - السیّد مصطفی بن الحسین الکاشانی النجفی دفین الکاظمیّة : المتوفّی (1336) أحد شعراء الغدیر ، یأتی شعره وترجمته فی شعراء القرن الرابع عشر.

26 - الحاج میرزا حبیب الخراسانی المترجم فی کتابنا شهداء الفضیلة (ص 282)

27 - الشیخ علی الملقّب بالشیخ الرئیس الخراسانی : المتوفّی حدود (1320) ، فی منظومته المسمّاة بتنبیه الخاطر فی أحوال المسافر (ص 4).

28 - الشیخ محمود عبّاس العاملی : المتوفّی (1353) أحد شعراء الغدیر ، یأتی.

29 - السیّد حسن آل بحر العلوم : المتوفّی (1355) من شعراء الغدیر ، یأتی ذکره فی شعراء القرن الرابع عشر.

30 - الحاج الشیخ محمد الحسین الأصبهانی : المتوفّی (1361) أحد شعراء الغدیر الآتی ذکره فی شعراء القرن الرابع عشر.

31 - السیّد میر علی أبو طبیخ النجفی : المتوفّی (1361) أحد شعراء الغدیر ، یأتی شعره وترجمته.

32 - السیّد رضا الهندی النجفی : المتوفّی (1362) من شعراء الغدیر ، یأتی ذکره فی شعراء القرن الرابع عشر.

ص: 50

33 - السیّد المحسن الأمین العاملی أحد شعراء الغدیر ، یأتی ذکره.

34 - الشیخ محمد صالح المازندرانی أحد شعراء الغدیر ، یأتی ذکره.

35 - الشیخ میرزا محمد علی الأُوردبادی أحد شعراء الغدیر ، یأتی ذکره ، نظمها فی غیر واحدة من قصائده ، وممّا قال فیها قوله یمدح به أمیر المؤمنین علیه السلام :

سبق الکرامَ فها همُ لم یلحقوا

فی حلبةِ العلیاءِ شأو کُمَیتهِ (1)

إذ خصّه المولی بفضلٍ باهرٍ

فیه یمیز حیّهُ من مَیْتهِ

لم یتّخذ ولداً وما إن یتّخذ

إلاّ وکان ولادُهُ فی بیتهِ

فی البیتِ مولدُه یحقِّق أنّه

دون الأنام ذبالةٌ فی زیتهِ

خمّسها النطاسیُّ المحنّک میرزا محمد الخلیلی صاحب معجم أُدباء الأطبّاء.

36 - الشیخ محمد السماوی النجفی أحد شعراء الغدیر ، یأتی ذکره.

37 - الشیخ محمد علی یعقوب النجفی أحد شعراء الغدیر ، یأتی ذکره.

38 - الشیخ جعفر النقدی أحد شعراء الغدیر ، یأتی ذکره.

39 - میرزا محمد الخلیلی النجفی أحد شعراء الغدیر ، یأتی ذکره.

40 - السیّد علی النقی اللکهنوی الهندی أحد شعراء الغدیر ، یأتی ذکره ، له موشّحة فی المیلاد الشریف یهنّئ بها سیّدنا الحجّة السیّد میرزا علی آغا الشیرازی وهی :

من بدا فازدهرَ البیتُ الحرامْ

وزهت منه لیالی رجبِ

طربَ الکونُ لبشرٍ وهنا

إذ بدا الفخرُ بنورٍ وسنا

وأتی الوحیُ ینادی معلنا

قد أتاکم حجّةُ اللهِ الإمام

وأبو الغرِّ الهداةِ النجُبِ ا.

ص: 51


1- الکُمیت : لون بین السواد والحمرة یکون فی الخیل والإبل وغیرهما.

خصّه الرحمنُ بالفضلِ الصراحْ

ومزایا أشرقت غرّا وضاحْ

وسما منزلُه هامَ الضراحْ

فغدا مولدُه خیرَ مقامْ

طأطأت فیه رءوسُ الشهبِ

إنَّه أوّلُ بیتٍ وُضعا

للوری طرّا فأضحوا خُضَّعا

وعلی الحاضرِ والبادی معا

حجّةً أصبحَ فرضاً ولزامْ

طاعة تتبع أقصی القربِ

وهو القبلةُ فی کلِّ صلاهْ

وملاذٌ یُرتجی فیه النجاهْ

وقد استخلصه اللهُ حماهْ

فلئن یأتِ إلیه مستهامْ

فی ملمٍّ داعیاً یستجبِ

تلکمُ فاطمةٌ بنتُ أسدْ

أمّتِ البیتَ بکربٍ وکمدْ

ودعت خالقها الباری الصمدْ

بحشاً فیه من الوجد الضرامْ

قد علته قبساتُ اللهبِ

نادت اللهمّ ربَّ العالمینْ

قاضیَ الحاجاتِ للمستصرخینْ

کاشفَ الکربِ مجیبَ السائلینْ

إنّنی جئتک من دون الأنامْ

أبتغی عندک کشف الکُرَبِ

بینما کانت تناجی ربَّها

وإلی الرحمن تشکو کربها

وإذا بالبشرِ غشّی قلبَها

من جدار البیتِ إذ لاح ابتسامْ

عن سنا ثغرٍ له ذی شنبِ

فتّقَ الزهرُ أم انشقَّ القمرْ

أم عمودُ الصبح باللیلِ انفجرْ

أم أضاءَ البرقُ فالکونُ ازدهر

أم بدا فی الأُفق خرقٌ والتئامْ

فغدا برهان معراج النبی

ص: 52

أم أشارَ البیتُ بالکفِّ ادخلی

واطمئنّی بالإلهِ المفضلِ

فهنا یولدُ ذو العلیا «علی»

من به یحظی حطیمی والمقامْ

وینال الرکن أعلی الرتبِ

دخلت فاطمُ فارتدّ الجدارْ

مثلما کان ولم یکشف ستارْ

إذ تجلّی النورُ وانجاب السرارْ

عن سنا بدرٍ به یجلو الظلامْ

والوری ینجو به من عطبِ

وُلد الطاهرُ ذاک ابنُ جَلا

من سما العرشِ جلالاً وعُلا

فله الأملاکُ تعنو ذلُلا

وبه قد بشَّر الرسلُ العظامْ

قومَهم فیما خلا من حقبِ

عرف الله ولا أرض ولا

رفعتْ سبعٌ طباق ظللا

فلذا خرَّ سجوداً وتلا

کلّما جاء إلی الرسلِ الکرامْ

قبله من صحفٍ أو کتبِ

إن یکُ البیتُ مطافاً للأنامْ

فعلیٌّ قد رقی أعلی سنامْ

إذ به یطَّوف البیت الحرامْ

وسعی الرکنُ إلیه لاستلامْ

فغدا یزهو به من طربِ

لم یکن فی البیت مولودٌ سواهْ

إذ تعالی عن مثیل فی علاهْ

أوتی العلمَ بتعلیمِ الإله

فغذاه درَّه قبلَ الفطامْ

یرتوی منه بأهنی مشربِ

صَغُر الکونُ علی سؤددهِ

وانتمی الوحیُ إلی محتدهِ

بشِّر الشیعةَ فی مولدهِ

واقصدوا العلاّمة الحَبرَ الإمام

منبعَ العلمِ مناطَ الأدبِ

القصیدة

ص: 53

وله قصیدة أخری میلادیّة باری بها قصیدة إیلیا أبی ماضی الإلحادیّة المقفّاة ب (لست أدری) وهی :

طرب الکونُ من البشْرِ وقد عمّ السرورْ

وغدا القمریُّ یشدو فی ابتسامٍ للزهورْ

وتهانت ساجعاتٍ فی ذری الأیکِ الطیورْ

لِمَ ذا البشرُ؟ وما هذا التهانی؟

لستُ أدری تلعب الریحُ وفیها الدوحُ قامت

راقصاتْ وبها الأوراقُ تزهو بالأکفِّ الصافقاتْ

ضارباً سجعَ هزارِ الغصنِ أوتارَ الحیاةْ

مِمَ هذی الدوح أضحت راقصات؟

لستُ أدری قدکسی وجهَ الثری من سندسٍ وشیُ

الربیعْ فتهادی مائساً فی حُلَلِ الخصبِ المریعْ

وغدا یختالُ بالأریاشِ والشأنِ البدیعْ

قائلاً هل أحدٌ یوجد مثلی؟

لستُ أدری والنسیمُ الغضّ قد تهمسُ فی سمعِ

الأقاحْ فتُری باسمةَ الثغرِ نشاطاً وارتیاحْ

وهزیز الغصن یُبدی شان زهوٍ ومراحْ

ما الذی قالت فردّت بابتسام؟

لستُ أدری

ص: 54

طبّق الأرض لهیباً نار محمرِّ الشقیقْ

فغدا البلبل مرتاعَ الحشا خوفَ الحریقْ

صارخاً هل لنجاتی عن لظاها من طریقْ؟

هذه النار أتتنی کیف أُطفی؟

لستُ أدری أشرقتْ طلعةُ نورٍ عمّتِ الکونَ

ضیاء لا أری بدراً علی الأُفق ولم أُبصر ذُکاءا

وتفحّصتُ فلم أدرک هناک الکهرباءا

فبما ذا ضاء هذا الکونُ نوراً؟

لستُ أدری کان هذا الروض قبل الیوم رهناً

للذبولْ ساحباتٍ فوقها الأرواح قدماً للذیولْ

تعصف النکباءُ فیها دون أنفاس البلیلْ

کیف عاد الیوم یزهو فی شذاه؟

لستُ أدری قمت أستکشف عنه سائلاً هذا وذاکْ فرأیت

الکلّ مثلی فی اضطرابٍ وارتباکْ

وإذا الآراءُ طرّا فی اصطدامٍ واصطکاکْ

وأخیراً عمّها العجز فقالت

لستُ أدری

ص: 55

وإذا نبّهنی عاطفةُ الحبِّ الدفینْ

وتظنّنتُ وظنُّ الألمعی عینُ الیقینْ

أنّه میلادُ مولانا أمیرِ المؤمنینْ

فدعِ الجاهلَ والقولَ بأنِّی

لستُ أدری لم یکن فی کعبةِ الرحمنِ مولودٌ

سواهْ إذ تعالی فی البرایا عن مثیلٍ فی عُلاه

وتولّی ذکرَهُ فی محکمِ الذکرِ الإلهْ

أیقول الغِرُّ فیه بعد هذا؟

لستُ أدری أقبلتْ فاطمةٌ حاملةً خیرَ جنینْ

جاءَ مخلوقاً بنورِ القدسِ لا الماءِ المَهینْ

وتردّی منظر اللاّهوت بین العالمینْ

کیف قد أُودعَ فی جنبٍ وصدرٍ؟

لستُ أدری أقبلت تدعو وقد جاء بها داءُ

المخاضْ نحو جذعِ النخلِ من ألطافِ ذی اللطفِ المفاضْ

فدعت خالقَها الباری بأحشاءٍ مراضْ

کیف ضجّت؟کیف عجّت؟کیف ناحت؟

لستُ أدری

ص: 56

لستُ أدری غیر أنّ البیت قد ردّ الجوابْ

بابتسامٍ فی جدارِ البیت أضحی منه بابْ

دخلت فانجابَ فیه البِشْرُ عن محض اللبابْ

إنّما أدری بهذا غیر هذا

لستُ أدری کیف أدری وهو سرٌّ فیه قد حار

العقولْ حادثٌ فی الیوم لکن لم یزل أصل الأُصولْ

مظهرٌ لله لکن لا اتّحادٌ لا حلولْ

غایة الإدراک أن أدری بأنِّی

لستُ أدری وُلد الطّهرُ علیٌّ من تسامی فی

عُلاهْ فاهتدی فیه فریقٌ وفریقٌ فیه تاهْ

ضلّ أقوامٌ فظنّوا أنّه حقّا إلهْ

أم جنون العشق هذا لا یجازی؟

لستُ أدری

ونظمها الشاعر المفلق الأستاذ المسیحی بولس سلامة فی أوّل ملحمته العربیة عید الغدیر (1) فقال فی (ص 56):

سمع اللیل فی الظلام المدیدِ

همسةً مثلَ أنَّةِ المفؤودِ

من خفیِّ الآلامِ والکبتِ فیها

ومن البشرِ والرجاءِ السعیدِ

حرّةٌ لزّها المخاض فلاذت

بستارِ البیتِ العتیقِ الوطیدِ8.

ص: 57


1- عید الغدیر : ص 48.

کعبةُ الله فی الشدائدِ تُرجی

فهی جسرُ العبیدِ للمعبودِ

لا نساءٌ ولا قوابلُ حفَّتْ

بابنةِ المجدِ والعُلی والجودِ

یذر الفقرُ أشرفَ الناس فرداً

والغنیَّ الخلیعَ غیرَ فریدِ

أینما سار واکبتهُ جباهٌ

وظهورٌ مخلوقةٌ للسجودِ

صبرتْ فاطمٌ علی الضیمِ حتی

لهث اللیلُ لهثةَ المکدودِ

وإذا نجمةٌ من الأُفق خفَّتْ

تطعنُ اللیلَ بالشعاع الحدیدِ

وتدانتْ من الحطیمِ وقرَّت

وتدلَّت تدلّیَ العنقودِ

تسکبُ الضوءَ فی الأثیرِ دفیقاً

فعلی الأرضِ وابلٌ من سعودِ

واستفاقَ الحمامُ یسجعُ سجعاً

فتهشُّ الأرکانُ للتغریدِ

بسمَ المسجدُ الحرامُ حبوراً

وتنادتْ حجارُه للنشیدِ

کان فجرانِ ذلک الیومُ فجرٌ

لنهارٍ وآخرٌ للولیدِ

هالتِ الأُمَّ صرخةٌ جال فیها

بعضُ شیءٍ من همهمات الأُسودِ

دعتِ الشبلَ حیدراً وتمنّت

وأکبّت علی الرجاءِ المدیدِ

أسداً سمّت ابنها کأبیها

لبدةُ الجدّ أُهدیت للحفیدِ

بل علیّا ندعوه قال أبوه

فاستفزَّ السماء للتأکیدِ

ذلک اسمٌ تناقلته الفیافی

ورواه الجلمودُ للجلمودِ

یهرم الدهرُ وهو کالصبحِ باقٍ

کلَّ یومٍ یأتی بفجرٍ جدیدِ

الشاعر

السیّد عبد العزیز بن محمد بن الحسن بن أبی نصر الحسینی السریجی الأوالی. ترجمه العلاّمة السماوی فی الطلیعة من شعراء الشیعة قال : کان فاضلاً أدیباً جامعاً ، وشاعراً ظریفاً بارعاً ، توفّی فی البصرة سنة (750) تقریباً.

ص: 58

- 68 -

صفیّ الدین الحلّی

المولود (677)

المتوفّی (752)

خمدتْ لفضلِ ولادِکَ النیرانُ

وانشقَّ من فرَحٍ بک الإیوانُ

وتزلزلَ النادی وأوجسَ خیفةً

من هولِ رؤیاه أنوشروانُ

فتأوّلَ الرؤیا سطیحُ (1) وبشّرتْ

بظهورِک الرهبانُ والکهّانُ

وعلیک أرمیا وشعیا أثنَیا

وهما وحزقیلٌ لفضلِکَ دانوا (2)

بفضائل شهدت بهنَّ الصحفُ وال

-توراة والإنجیلُ والفرقانُ

فوُضِعتَ لله المهیمنِ ساجداً

واستبشرتْ بظهورِکَ الأکوانُ

متکمِّلاً لم تنقطعْ لک سرّةٌ

شرفاً ولم یطلق علیک ختانُ (3)

فرأت قصورَ الشامِ آمنةٌ وقد

وضعتکَ لا تخفی لها أرکانُ (4)ف)

ص: 59


1- توجد قصة الرؤیا وتأویل سطیح إیّاها فی کتب السِّیَر النبویة ودلائلها ومعاجم التاریخ ، وسطیح هو ربیع بن ربیعة بن مسعود بن مازن بن ذئب بن عدی بن مازن غسان. (المؤلف)
2- أرمیا بن حلقیا من سبط لاوی بن یعقوب من أنبیاء بنی إسرائیل ، شعیا بن أمصیا ممن بشّر بالنبیّ الأعظم من أنبیاء بنی إسرائیل ، حزقیل بن بوذی ابن العجوز ، الذی دعا الله فأحیا الذین خرجوا من دیارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله : موتوا. (المؤلف)
3- أشار إلی ما أخرجه الحفّاظ : البیهقی [فی دلائل النبوة : 1 / 114] ، والحاکم [فی المستدرک 2 / 657 ، فی تعقیبه علی ح 4177] ، وابن عساکر [فی تاریخ مدینة دمشق : 3 / 80 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 2 / 32] وغیرهم ؛ من أنَّه صلّی الله علیه وآله وسلّم ولد مختوناً مسروراً. (المؤلف)
4- یوجد حدیث رؤیة آمنة أمّ النبی الأعظم قصور الشام حین وضعته صلّی الله علیه وآله وسلّم فی تاریخ ابن کثیر : 2 / 264 [2 / 323]. (المؤلف)

وأتت حلیمةُ وهی تنظر فی ابنِها (1)

سرّا تحارُ لوصفِهِ الأذهانُ

وغدا ابنُ ذی یزنٍ ببعثِکَ مؤمناً (2)

سرّا لیشهد جدّک الدیّانُ

شرح الإلهُ الصدرَ منک لأربعٍ (3)

فرأی الملائکَ حولَکَ الأخوانُ

وحییتَ فی خمسٍ بظلّ غمامةٍ

لک فی الهواجرِ جرمُها صیوانُ

ومررتَ فی سبعٍ بدیرٍ فانحنی

منه الجدارُ وأسلمَ المطرانُ

وکذاک فی خمسٍ وعشرین انثنی

نسطورُ منک وقلبُه ملآنُ

حتی کملتَ الأربعینَ وأشرقتْ

شمسُ النبوّة وانجلی التبیانُ

فرمت رجومُ النیِّراتِ رجیمَها

وتساقطتْ من خوفِکَ الأوثانُ

والأرض فاحت بالسلام علیک وال

أشجارُ والأحجارُ والکثبانُ

وأتت مفاتیحُ الکنوزِ بأسرِها

فنهاکَ عنها الزهدُ والعرفانُ

ونظرتَ خلفَک کالأمام بِخاتمٍ

أضحی لدیه الشکُّ وهو عیانُ

وغدت لک الأرضُ البسیطةُ مسجداً

فالکلُّ منها للصلاةِ مکانُ

ونُصِرتَ بالرعبِ الشدیدِ علی العدی

ولک الملائکُ فی الوغی أعوانُ

وسعی إلیک فتی (4) سلامٍ مسلماً

طوعاً وجاء مسلِّماً سلمانُ

وغدت تکلِّمکَ الأباعر والظبا

والضبُّ والثعبانُ والسرحانُ

والجذع حنَّ إلی علاک مسلِّماً

وببطن کفِّکَ سبَّح الصوَّانُ (5)ف)

ص: 60


1- حلیمة بنت أبی ذؤیب السعدیة مرضعة رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم أقام عندها نحواً من أربع سنین. إمتاع الأسماع : ص 27 [ص 6]. (المؤلف)
2- سیف بن ذی یزن الحمیری ؛ له بشارة بالنبی الأعظم ، أخرج حدیثها الحافظ أبو بکر الخرائطی فی کتابه هواتف الجان ، وحکی عنه جمع من الحفّاظ والمؤرخین فی تآلیفهم. (المؤلف)
3- فی هذا البیت وما یلیه من الأبیات إشارة إلی قضایا من دلائل النبوة ، توجد جمعاء فی کتب الدلائل والسیرة النبویة ومعاجم التاریخ. (المؤلف)
4- هو عبد الله بن سلام ، یوجد حدیث إسلامه فی سیرة ابن هشام : 2 / 138 [2 / 163]. (المؤلف)
5- الصوّان جمع الصوانة : حجر شدید یقدح به. (المؤلف)

وهوی إلیک العذقُ ثمَّ رددتَهُ

فی نخلةٍ تزهی به وتزانُ

والدوحتانِ وقد دعوتَ فأقبلا

حتی تلاقت منهما الأغصانُ

وشکا إلیک الجیشُ من ظمأ به

فتفجّرت بالماءِ منک بنانُ

ورددتَ عینَ قتادةٍ من بعدِ ما

ذهبتْ فلم ینظرْ بها إنسانُ

وحکی ذراعُ الشاةِ مودعَ سمِّه

حتی کأنَّ العضوَ منه لسانُ

وعرجتَ فی ظهرِ البُراقِ مجاوز ال

سبعِ الطباقِ کما یشَا الرحمنُ

والبدرُ شُقَّ وأشرقت شمسُ الضحی

بعدَ الغروب وما بها نقصانُ

وفضیلةٌ شهدَ الأنامُ بحقِّها

لا یستطیعُ جحودَها الإنسانُ

فی الأرض ظلُّ الله کنتَ ولم یلُحْ

فی الشمسِ ظلُّکَ إن حواک مکانُ

نُسختْ بمظهرِک المظاهرُ بعد ما

نُسختْ بملّةِ دینِک الأدیانُ

وعلی نبوّتِکَ المعظَّمِ قدرُها

قامَ الدلیلُ وأوضح البرهانُ

وبک استغاثَ الأنبیاءُ جمیعُهم

عند الشدائدِ ربَّهم لیُعانوا

أخذ الإلهُ لک العهودَ علیهمُ

من قبلِ ما سمحتْ بک الأزمانُ

وبک استغاثَ اللهَ آدمُ عندما

نُسب الخلافُ إلیه والعصیانُ

وبک التجا نوحٌ وقد ماجت به

دُسُرُ السفینةِ إذ طغی الطوفان

وبک اغتدی أیّوبُ یسأل ربَّه

کشفَ البلاءِ فزالتِ الأحزانُ

وبک الخلیلُ دعا الإلهَ فلم یخف

نمرودَ إذ شبّت له النیرانُ

وبک اغتدی فی السجنِ یوسفُ سائلاً

ربَّ العباد وقلبه حیرانُ

وبک الکلیمُ غداةَ خاطبَ ربَّهُ

سأل القبولَ فعمّه الإحسانُ

وبک المسیحُ دعا فأحیا ربُّهُ

میتاً وقد بُلیت به الأکفانُ

وبک استبانَ الحقُّ بعد خفائِهِ

حتی أطاعَکَ إنسُها والجانُ

ولو انَّنی وفَّیتُ وصفَکَ حقَّه

فَنیَ الکلامُ وضاقتِ الأوزانُ

فعلیک من ربِّ السلامِ سلامُهُ

والفضلُ والبرکاتُ والرضوانُ

ص: 61

وعلی صراطِ الحقِّ آلُکَ کلّما

هبَّ النسیمُ ومالتِ الأغصانُ

وعلی ابنِ عمِّک وارثِ العلمِ الذی

ذلَّت لسطوةِ بأسِه الشجعانُ

وأخیکَ فی یومِ الغدیرِ وقد بدا

نورُ الهدی وتآختِ الأقرانُ

وعلی صحابتِکَ الذین تتبّعوا

طرقَ الهدی فهداهم الرحمنُ

وشروا بسعیِهمُ الجنانَ وقد دروا

أنَّ النفوسَ لبیعِها أثمانُ

یا خاتمَ الرسلِ الکرامِ وفاتح ال

نعم الجسامِ ومن له الإحسانُ

أشکو إلیک ذنوبَ نفسٍ هفوها

طبعٌ علیهِ رُکّبَ الإنسانُ

فاشفع لعبدٍ شانَهُ عصیانُه

إنَّ العبیدَ یشینها العصیانُ

فلک الشفاعةُ فی محبِّکمُ إذا

نُصبَ الصراطُ وعُلّقَ المیزانُ

فلقد تعرّضَ للإجازةِ طامعاً

فی أن یکون جزاءه الغفرانُ (1)

وله قوله (2) :

توالِ علیّا وأبناءه

تفُز فی المعادِ وأهوالهِ

إمامٌ له عقد یوم الغدیر

بنصِّ النبیِّ وأقوالهِ

له فی التشهدِ بعد الصلاة

مقامٌ یخبِّر عن حالهِ

فهل بعد ذکرِ إلهِ السما

وذکرِ النبیِّ سوی آلهِ

الشاعر

صفیُّ الدین عبد العزیز بن سرایا بن علیّ بن أبی القاسم بن أحمد بن نصر بن عبد العزیز بن سرایا بن باقی بن عبد الله بن العریض الحلّی الطائی السنبسی من بنی سنبس بطن من طیِّ.ف)

ص: 62


1- توجد فی دیوانه : ص 47 وفی طبعة : ص 52 [دیوان صفی الدین الحلّی : ص 79] یمدح بها النبیّ الأعظم صلّی الله علیه وآله وسلّم. (المؤلف)
2- توجد فی دیوانه : ص 52 وفی طبعة أخری : ص 58 [ص 90]. (المؤلف)

کان فی الطراز الأوّل من شعراء لغة الضاد ، فاق شعره بجزالة اللفظ ، ورقّة المعنی ، وأشفّ بحسن الأُسلوب والانسجام ، وقد تفنّن بمحاولة المحسّنات اللفظیّة مع المحافظة علی المزایا المعنویّة ، فجاء مقدّماً فی فنون الشعر ، إماماً من أئمّة الأدب کما أنّه کان معدوداً من علماء الشیعة المشارکین فی الفنون.

فی مجالس المؤمنین (1) (ص 471) عن بعض تآلیف صاحب القاموس مجد الدین الفیروزآبادی الشافعی أنه قال : اجتمعت سنة (747) بالأدیب الشاعر صفیِّ الدین بمدینة بغداد فرأیته شیخاً کبیراً وله قدرة تامّة علی النظم والنثر ، وخبرة بعلوم العربیّة والشعر ، فقرضه أرقُّ من سحر النسیم ، وأورق من المحیّا الوسیم ، وکان شیعیّا قحّا ، ومن رأی صورته لا یظنُّ أنّه ینظم ذلک الشعر الذی هو کالدرِّ فی الأصداف.

وقال ابن حجر فی الدرر الکامنة (2 / 369) : تعانی الأدب فمهر فی فنون الشعر کلّها ، وتعلّم المعانی والبیان وصنّف فیهما ، وتعانی التجارة فکان یرحل إلی الشام ومصر وماردین وغیرها فی التجارة ثمّ یرجع إلی بلاده ، وفی غضون ذلک یمدح الملوک والأعیان ، وانقطع مدّة إلی ملوک ماردین وله فی مدائحهم الغرر ، وامتدح الناصر محمد بن قلاوون والمؤیّد إسماعیل بحماة. وکان یُتّهم بالرفض وفی شعره ما یشعر به ، وکان مع ذلک یتنصّل بلسان قاله وهو فی أشعاره موجود وإن کان فیها ما یناقض ذلک ، وأوّل ما دخل القاهرة سنة بضع وعشرین ، فمدح علاء الدین بن الأثیر فأقبل علیه وأوصله إلی السلطان ، واجتمع بابن سیّد الناس وأبی حیّان وفضلاء ذلک العصر ، فاعترفوا بفضائله ، وکان الصدر شمس الدین عبد اللطیف ... یعتقد أنّه ما نظم الشعر أحد مثله مطلقاً ، ودیوان شعره مشهور یشتمل علی فنونٍ کثیرةٍ ، وبدیعیّته مشهورة وکذا شرحها ، وذکر فیه أنّه استمدّ من مائة وأربعین کتاباً.

قال الأمینی : وممّن اجتمع المترجم به الصفدی سنة (731) یروی عن المترجم 6.

ص: 63


1- مجالس المؤمنین : 2 / 576.

فی الوافی بالوفیات (1) ، وأخذ العلم عن شیخنا المحقّق نجم الدین الحلّی ، وأخذ عنه الشریف النسّابة تاج الدین بن معیّة.

قولنا : وأخذ العلم عن شیخنا المحقّق ... إلخ ، أخذناه من أمل الآمل ، وتبعه فی ذلک جلّ من ترجم شاعرنا صفیّ الدین نظراء صاحب الروضات ، وأعیان الشیعة (2) ، وشیخا القمی (3) ؛ وهذا لا یصحّ جدّا لأنّ شیخنا المحقّق نجم الدین توفّی سنة (676) ، وصفیّ الدین الحلّی ولد (677) بعد وفاة الشیخ بسنة ، وصفیّ الدین الذی تلمّذ لشیخنا المحقّق هو صفیّ الدین محمد ابن الشیخ نجیب الدین یحیی ، وهو الذی کان من مشایخ السیّد تاج الدین بن معیّة کما فی معاجم التراجم.

بالغ فی الثناء علیه الکتبی فی فوات الوفیات (1 / 279) وذکر کثیراً من شعره ، وترجمه القاضی التستری فی مجالس المؤمنین (ص 470) ، وشیخنا الحرّ العاملی فی أمل الآمل ، وابن أبی شبانة فی تتمیم الأمل ، والسیّد الیمانی فی نسمة السحر ، والشوکانی فی البدر الطالع (1 / 358) ، وفرید وجدی فی دائرة المعارف (5 / 525) ، وصاحب ریاض العلماء ، والسیّد الزنوزی فی ریاض الجنّة ، والسیّد صاحب الروضات (ص 442) ، والزرکلی فی الأعلام (2 / 525) ، ومؤلّف تاریخ آداب اللغة العربیة (3 / 128) (4)

وکلّ من هؤلاء وصفه بما هو أهله من جمل المدح وعقود الإطراء ونسائج الحمد ، وأفرد العلاّمة الشیخ محمد علی الشهیر بالشیخ علی الحزین المتوفّی ببنارس الهند سنة (1181) تألیفاً فی أخباره ونوادر شعره. 2.

ص: 64


1- الوافی بالوفیات : 18 / 482.
2- أعیان الشیعة : 8 / 22.
3- سفینة البحار : 5 / 128.
4- فوات الوفیات : 2 / 335 رقم 286 ، مجالس المؤمنین : 2 / 575 ، أمل الآمل : 2 / 149 رقم 443 ، ریاض العلماء : 3 / 137 : روضات الجنّات : 5 / 80 رقم 444 ، الأعلام : 4 / 17 ، مؤلفات جرجی زیدان الکاملة - تاریخ آداب اللغة العربیة - : مج 14 / 412.

آثاره ومآثره :

1 - منظومة فی علم العروض ، ذکرها له صاحب ریاض العلماء.

2 - العاطل الحالی ، رسالة فی الزجل والموالی.

3 - الخدمة الجلیلة ، رسالة فی وصف الصید بالبندق.

4 - درر النحور فی مدائح الملک المنصور ، وهی القصائد الأُرتقیّات تحوی (29) قصیدة مرتّبة علی حروف المعجم ، وأوّل أبیاتها کآخرها من الحروف ، وکلّ قصیدة منها (29) بیتاً.

5 - دیوان شعره : قال الکتبی فی الفوات (1) : إنّه دوّن شعره فی ثلاث مجلّدات وکلّه جیّد. والمطبوع مجلّد واحد ولعلّه بعض شعره أو دیوانه الصغیر الذی ذکره له بعض المتأخّرین من المؤلّفین بعد ذکر دیوان کبیر له.

6 - رسالة الدار عن محاورات الفار.

7 - الرسالة المهملة ، کتبها إلی الملک الناصر محمد بن قلاوون سنة (732).

8 - الرسالة الثومیّة ، أنشأها بماردین سنة (700).

9 - الکافیة ، هی بدیعیّته الشهیرة الحاویة لمائة وواحد وخمسین نوعاً من محاسن البدیع فی (145) بیتاً فی بحر البسیط ، یمدح بها النبیّ الأعظم صلی الله علیه وآله وسلم طبعت فی دیوانه ، مستهلّها :

إن جئت سلعاً فسل عن جیرة العلمِ

وأقر السلام علی عرب بذی سلمِ6.

ص: 65


1- فوات الوفیات : 2 / 350 رقم 286.

شرحها ابن زاکور أبو عبد الله محمد بن قاسم بن زاکور الفاسی المالکی المتوفّی (1120).

10 - شرح الکافیة المذکورة ، طبع فی مصر سنة (1316) ، وفی غیر واحد من المعاجم : إنّ له فضل السبق فی نظم البدیعیّة علی من نظمها ، غیر أنّا نقول : إنّ المترجم وإن أبدع فی نظم بدیعیّته إلاّ أنّ السابق إلیها هو أمین الدین علیّ بن عثمان بن علیّ بن سلیمان الإربلی الشاعر الصوفی المتوفّی (670) ، المترجم فی الوافی بالوفیات (1) ، وله فضل السبق کما ذکره السیّد علی خان فی أنوار البدیع (2) وذکر قصیدته ، والبقیّة ممّن نظم محاسن البدیع ببدیعیّة تبع فی ذلک لهذین الشاعرین منهم :

1 - شمس الدین أبو عبد الله محمد بن أحمد بن علی الهواری المالکی : المتوفّی (780) ، أحد شعراء الغدیر یأتی ذکره فی هذا الجزء. له البدیعیّة الشهیرة ببدیعیّة العمیان ، یمدح بها النبیّ الأعظم ، أوّلها :

بطیبة انزل ویمِّم سیّد الأُممِ

عاصر المترجم وشرح بدیعیّته زمیله الشاعر أبو جعفر أحمد بن یوسف البصیر الألبیری المعروف بالأعمی الطلیطلی المتوفّی (779).

2 - الشیخ عزّ الدین علیّ بن الحسین بن علیّ بن أبی بکر محمد بن أبی الخیر الموصلی : المتوفّی (789). له بدیعیّة ، مطلعها :

براعة تستهلُّ الدمع فی العلمِ

عبارة عن نداء المفرد العلمِ

وله شرحها الموسوم : التوصّل بالبدیع إلی التوسّل بالشفیع. 1.

ص: 66


1- الوافی بالوفیات : 21 / 300 رقم 201.
2- أنوار البدیع : 1 / 31.

3 - الشیخ وجیه الدین الیمنی : المتوفّی سنة (800). له بدیعیّة کما فی علم الأدب (1 / 244).

4 - شرف الدین عیسی بن حجّاج السعدی المصری الحنبلی المعروف بعُویس العالیة (1) : المتوفّی (807). له بدیعیّة فی مدح النبیّ الأعظم کما فی شذرات الذهب (2) (7 / 71) ، مطلعها :

سل ما حوی القلبُ فی سلمی من العبرِ

فکلّما خطرتْ أمسی علی خطرِ

5 - السیّد جمال الدین عبد الهادی بن إبراهیم الحسینی الصنعانیّ الیمانیّ الزیدیّ : المتوفّی (882) کما فی إیضاح المکنون ذیل کشف الظنون (1 / 173) ، مطلعها :

سری طیفُ لیلی فابتهجت به وجدا

6 - الأدیب شعبان بن محمد القرشی المصری : المتوفّی (828). له بدیعیّة ذکرها له صاحب کشف الظنون (3) (1 / 191).

7 - شرف الدین إسماعیل بن أبی بکر المقری الیمنی : المتوفّی (837). له بدیعیّة وشرحها کما فی کشف الظنون (1 / 191) ، وبغیة الوعاة (ص 193) ، وشذرات الذهب (4) (7 / 221).

8 - تقیّ الدین أبو بکر بن علیّ بن عبد الله الحموی المعروف بابن حجّة : المتوفّی (837). له بدیعیّة یمدح بها النبیّ الأعظم سمّاها بالتقدیم ، تشتمل علی (136) .

ص: 67


1- سمّی به لأنه کان عالیة فی لعب الشطرنج. (المؤلف)
2- شذرات الذهب : 9 / 109 حوادث سنة 807 ه.
3- کشف الظنون : 1 / 234.
4- کشف الظنون ، بغیة الوعاة : 1 / 444 رقم 909 ، شذرات الذهب : 9 / 322 حوادث سنة 837 ه.

نوعاً فی (141) بیتاً وشرحها شرحاً یُسمّی بخزانة الأدب ، طبع فی (571) صفحة ، مطلعها :

لی فی ابتدا مدحِکم یا عربَ ذی سَلَمِ

براعةٌ تستهلُّ الدمعَ فی العلَمِ

9 - ابن الخرّاط زین الدین أبو الفضل عبد الرحمن بن محمد بن سلیمان الحموی الشافعی : المتوفّی (840). له بدیعیّة وشرحها ، إیضاح المکنون (1 / 173).

10 - الشیخ محمد المقری ابن الشیخ خلیل الحلبی : المتوفّی (849). له بدیعیّة ، أوّلها :

عجبی عراقیٌ فعُجْ بی نحو ذی سلم

واجنح لسکّانِها بالسِّلمِ والسَّلَمِ

11 - الشیخ بدر الدین الحسن بن مخزون الطحّان. له بدیعیّة ذکرها له شیخنا الکفعمی فی کتابه فرج الکرب ، وقال : إنّها مخمّسة لبدیعیّة الشیخ صفیِّ الدین المترجم.

12 - الشیخ إبراهیم الکفعمی الحارثی ، أحد شعراء الغدیر الآتی ذکره فی هذا الجزء. له بدیعیّة وشرحها المعرب عن تضلّعه فی فنون الأدب ، مستهلّها :

إن جئت سلمی فسل من فی خیامِهمُ

13 - جلال الدین أبو بکر السیوطی : المولود (849) والمتوفّی (911). له بدیعیّة موسومة بنظم البدیع فی مدح خیر الشفیع ، وله شرحها ، أوّلها :

من العقیقِ ومن تذکارِ ذی سلَمِ

براعة العین فی استهلالها بدمِ

14 - الباعونیّة عائشة بنت یوسف بن أحمد بن ناصر بن خلیفة الدمشقیّة الشافعیّة : المتوفّاة (922) (1). لها بدیعیّة ، أوّلها : ف)

ص: 68


1- الدرّ المنثور فی طبقات ربّات الخدور : ص 293. (المؤلف)

فی حسن مطلعِ أقمارٍ بذی سلمِ

أصبحتُ فی زمرةِ العشّاقِ کالعلَمِ

وشرحتها وأسمتها بالفتح المبین فی مدح الأمین ، طبعت بهامش خزانة الأدب لابن حجّة.

15 - الشیخ عبد الرحمن بن أحمد الحمیدی : المتوفّی (1005) ، أحد شعراء الغدیر یأتی ذکره فی شعراء القرن الحادی عشر. له بدیعیّة تسمّی بتملیح البدیع بمدیح الشفیع ، أوّلها :

رِدْ ربعَ أسما وأسمی ما یُرامُ رُمِ

وحیِّ حیّا حواها معدن الکرمِ

عدد أنواعها (168) ، وعدد أبیاتها (140) ، وتاریخ نظمها (992) ، أشار إلی کلّ ذلک بقوله :

جا نوعه مصلحٌ أبیاته مننٌ

أرَّخته ناظماً للحاسب الفهمِ

توجد فی دیوانه الدرّ المنظّم فی مدح النبیِّ الأعظم ، المطبوع فی مصر سنة (1322) فی (149) صفحة.

16 - شمس الدین محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن الحموی المکی الحنفی نزیل مصر : المتوفّی (1017). له بدیعیّة کما فی الإیضاح (1 / 173).

17 - السیّد علی خان صاحب سلافة العصر : المتوفّی (1018 - 1020) ، أحد شعراء الغدیر یأتی ذکره. له بدیعیّة فی (148) بیتاً وله شرحها الدائر السائر الموسوم بأنوار الربیع ، مطلعها :

حسن ابتدائی بذکری جیرةِ الحرمِ

له براعةُ شوقٍ یستهلُّ دمی

18 - الشیخ عبد القادر بن محمد الطبری المکی الشافعی : المتوفّی (1032). له بدیعیّة ذکرها له الشوکانی فی البدر الطالع (1 / 371) ، مستهلّها :

ص: 69

حسن ابتداء مدیحی حیّ ذی سلمِ

أبدی براعة الاستهلال فی العلَمِ

أسماها : علیّ الحجّة بتأخیر أبی بکر بن حجّة ، وله شرحها.

19 - الشیخ أحمد بن محمد المقری التلمسانی : المتوفّی (1041). له بدیعیّة ، مطلعها :

شارفت ذرعاً فذر عن مائِها الشبمِ

وجزت نملَی فنم لا خوف فی الحرمِ (1)

20 - الشیخ محمد بن عبد الحمید بن عبد القادر المعروف بحکیم زاده. له بدیعیّة نظمها سنة (1059) ، مستهلّها :

حسنُ ابتدائی بذکرِ البانِ والعلمِ

حلا لمطلع أقمارٍ بذی سلَم

وله بدیعیّة أخری موسومة باللمعة المحمدیّة فی مدح خیر البریة ، أوّلها :

إن رُمتَ صنعاً فَصُن عن مدحِ غیرِهمُ

یا قلب سرّا وجهراً جوهرَ الکَلِمِ

وله شرحها الکبیر المخطوط فی (338) صحیفة یوجد عند العلاّمة السیّد جعفر بحر العلوم فی النجف الأشرف.

21 - الشیخ أبو الوفاء العرضی الحلبی. له بدیعیّة یمدح بها النبیّ الأعظم ذکرها له الشیخ قاسم بن البکره چی فی شرح بدیعیّته ، أوّلها :

براعتی فی ابتدا مدحی بذی سلَمِ

قد استهلّت لدمعٍ فاض کالعلَمِ

22 - الشیخ عبد الغنی بن إسماعیل بن عبد الغنی الحنفی النابلسی الدمشقی : المولود سنة (1050) والمتوفّی (1143). له بدیعیّة یمدح بها رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، أوّلها :

یا منزلَ الرکبِ بین البانِ والعلَمِ

من سفحِ کاظمةٍ حییتَ بالدیَمِ5.

ص: 70


1- نملی : اسم ماء قرب المدینة. معجم البلدان : 5 / 305.

وأرّخها بقوله وهو آخر القصیدة :

وقلت للربع لمّا الفکر أرّخها

یا ربعُ قد تمَّ مدحی سیّدَ الأُممِ

وله شرحها الموسوم بنفحات الأزهار علی نسمات الأسحار فی مدح النبیِّ المختار ، طبع فی (348) صحیفة ، وله بدیعیّة أخری طبعت بهامش الشرح المذکور ، أوّلها :

یا حسنَ مطلعِ من أهوی بذی سلَمِ

براعةُ الشوقِ فی استهلالِها ألمی

23 - الشیخ قاسم بن محمد البکره چی الحلبی الحنفی : المتوفّی (1169). له بدیعیّة فی مدح النبیِّ الأمین صلی الله علیه وآله وسلم ، أوّلها :

من حسنِ مطلعِ أهلِ البان والعلَمِ

براعتی مستهلٌّ دمعها بدمِ

وله شرحها المطبوع الموسوم بحلیة البدیع فی مدح النبیِّ الشفیع ، فرغ منه سنة (1148).

24 - السیّد حسین بن میر رشید الرضوی الهندی : المتوفّی (1156). له بدیعیّة یمدح بها النبیّ وآله علیه وعلیهم السلام ، توجد فی دیوانه المخطوط فی (143) بیتاً ، مطلعها :

حَیّا الحیا عهد أحبابٍ بذی سلَمِ

وملعبَ الحیِّ بین البان والعلَمِ

25 - الشیخ عبد الله بن یوسف بن عبد الله الحلبی : المتوفّی (1194). له بدیعیّة وشرحها کما فی الإیضاح (1 / 174).

26 - الخوری یوسف بن أرسانیوس بن إبراهیم المسیحی الفاخوری : المولود سنة (1218) والمتوفّی (1301). له بدیعیّة یمدح بها النبیَّ المسیح علیه السلام تشتمل علی مائة وثمانین نوعاً مع التزام تسمیة النوع ، أوّلها :

ص: 71

براعةُ المدح فی نجمٍ ضیاه سمی

تهدی بمطلعها من عن سناه عمی

وآخرها :

واختم ختامی بأن أحظی بمطلعک ال

-باهی بخدر السنا یا مرشد الأُممِ

طبعت بتمامها فی علم الأدب (1 / 245).

27 - الشیخ عبد القادر الحسینی الأزهری الطرابلسی. له بدیعیّة تسمّی بترجمان الضمیر فی مدح الهادی البشیر ، نظمها سنة (1308) طبعت فی جریدة بیروت.

28 - الشیخ محمد بن عبد الله الضریر الأزهری : المتوفّی (1313). له بدیعیّة مسمّاة بالغرر فی أسانید الأئمّة الأربعة عشر ، مطبوعة ذکرها له صاحب معجم المطبوعات (1).

29 - الشیخ أحمد بن صالح بن ناصر البحرانی : المولود (1254) والمتوفّی (1315). له بدیعیّة یمدح بها مولانا أمیر المؤمنین علیه السلام توجد فی دیوانه المطبوع الموسوم بالمراثی الأحمدیّة وله شرحها ، مطلعها :

بدیعُ مدحِ علیٍّ مذ علا قلمی

براعةٌ تستهلُّ الفیضَ من کلمی

30 - الشیخ محمد بن حمزة التستری الحلّی الشهیر بابن الملاّ : المتوفّی (1322) من شعراء الغدیر یأتی ذکره. له بدیعیّة یمدح بها النبیّ الأعظم صلوات الله علیه وآله ، تمتاز عن البدیعیّات بأنواع من البدیع.

31 - المولی داود ابن الحاج قاضی الخراسانی المعروف بملاّ باشی : المتوفّی حدود (1325) المترجم فی مطلع الشمس. له بدیعیّة شرحها ولده میرزا فضل الله 7.

ص: 72


1- معجم المطبوعات العربیة : 2 / 1617.

المتوفّی أواخر سنة (1343) أسماه بأزهار الربیع.

32 - الشیخ طاهر بن صالح بن أحمد الجزائری الدمشقی المولود سنة (1268) والمتوفّی سنة (1338) ، وله شرحها المطبوع بسوریا ، أوّلها :

بدیعُ حسنِ بدورٍ نحو ذی سلمِ

قد راقنی ذکرُه فی مطلع الکلمِ

33 - الشیخ محمد صالح بن میرزا فضل الله المازندرانی الحائری المولود سنة (1297) ، أحد شعراء الغدیر یأتی ذکره فی شعراء القرن الرابع عشر. له بدیعیّة وله شرحها ، مطلعها :

من حسنِ مطلعِ سلمی مستهلُّ دمی

لله من دمِ ذی سلْمٍ بذی سلَمِ

34 - الشیخ عبد الله محمد (1) بن أبی بکر أحد شعراء العامّة. له بدیعیّة یمدح بها النبیّ الأعظم صلی الله علیه وآله وسلم عدد أبیاتها مائة وتسعة وثلاثون بیتاً ، أوّلها :

یا عامل الیعملات الکوم فی الأکمِ

بالعیس بالعیس عرِّج نحو ذی سلمِ

وآخر أبیاتها :

صلّی علیه إلهُ العرشِ ما لمعت

بیضُ الکواعبِ فی سودٍ من الظلمِ

ذکرها برمّتها سیّدنا العلاّمة السیّد أحمد العطّار فی کتابه الرائق فی الجزء الثانی.

35 - الواردی المقری. له بدیعیّة فی مدح سیّد البشر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ذکرها السیّد أحمد العطّار طاب ثراه فی الجزء الثانی من کتابه الرائق ، عدد أبیاتها (145) أوّلها :

إن زرتَ سلمی فسل ما حلّ بالعلَمِ

وحیّ سلعاً وسل عن حیّ ذی سلَمد.

ص: 73


1- کذا. ولعله فی الأصل : أبو عبد الله أو عبد الله بن محمد.

ویقول فی آخرها :

وآلهُ وهمُ الآلُ الهداةُ ومن

بهل أتی قد أتی تنکیتُ مدحهم

آل الرسول وأعلام الأصول

وآمال الوصول وأهل الحلم والکرم

مُطهَّرون زَکَوا فرعاً وأصلهم

السامی «علیٌّ» سما من نور جدِّهم

جادوا وجالوا وطالوا فی الفخار فهم

سحبٌ وقضبٌ وشهبٌ فی علائهم

همُ صدور مقامات العلی فلذا

تطأطأت وغدت مأوی نعالهم

همُ الرجالُ رجالُ الله فضلُهمُ

لم یُحصَ إن یُحص یوماً فضل غیرهم

خیرُ الوری سادةُ الدنیا وخیرُهم

طه النبیُّ وکلٌّ فی ذری النعم

باعوا بنصرهمُ الدینَ النفیسَ

نفوسَهم وکم بذلوها بذل زادهم

خضرٌ مرابعهم حمرٌ صوارمهم

بیضٌ وجوهُهمُ غرٌّ ذوو شمم

کفّوا العتاةَ کما کفّوا العناةَ عطا

بالنبل والنیل فی کرٍّ وفی کرم

صالوا وکم وخزوا بالسمر یوم وغیً

صدراً ونهداً وکم أکبوه فی الصدم

منزّهون عن الأرجاسِ أنفسهم

من مثلُها نقلتْ فی أنفسِ الرحم

والصحبُ صحبُ رسولِ اللهِ ما القمرُ

السامی بأحسنَ مرأیً من وقارهم

لا عیبَ فیهم بوصفٍ غیر أنَّهم

قد أرخصوا بالتقی غالی نفوسهم

یا أبهجَ الخلقِ فی خلقٍ وفی خُلقٍ

وفی فخارِ وفی حُکمٍ وفی حِکَم

ومَن إذا طال ذنبی فامتدحت له

نجوت فالمدح ذخری فالولا عصمی

کن شافعی مالکی یا أحمد بغدٍ

وانقذ حنیف هوی من زلّة القدم

هذا مدیحیَ بالتقصیرِ معترفاً

فاقبله منّی ودع مَن لام بالندم

ففی الحدیث اندماجٌ من یقل بِکمُ

بیتاً فبیت علاهُ جنّةُ النِّعم

فامنن علیَّ بفضلٍ فی قبولِکمُ

من غیرِ طردٍ وأنتم معدنُ الکرم

وأنت تعلمُ ما یبغی محبُّک فی

غدٍ ومثلُک لم یحتج إلی کلمی

فلا تردّ یدی حاشاک خائبةً

وارحم فدیتُکَ عبداً فی حماک حمی

ص: 74

بیانُ مدحِکَ فی فنِّ البدیعِ له

دقیقُ معنیً به نطقی زکی وفمی

وقد جعلت بحمد الله ساعة دنیا

العمر طاعة مدحٍ فیک منتظم

فاصفح وإن تصفحِ الصفحَ الجمیلَ فلن

یضیقَ جاهُک عند اللهِ فی جُرمی

وفیک إن فاز کعبٌ یوم بُردتِهِ

ففی غدٍ منک ألقی خیرَ مغتنمی

ومطلب الواردی المقری ریُّ ظماً

وهل سواک مغیثٌ فی غدٍ لظمی

فخذ بدیعَ مدیحٍ فی علاکَ حلا

عن حُسن مبتدئٍ فی حُسن مختتم

ولادته ووفاته :

أطبقت المعاجم علی أنّ المترجم الصفیّ ولد فی 5 ربیع الآخر سنة (677) (1) وعلی أنّه توفّی ببغداد غیر أنّ الخلاف فی تاریخ وفاته بین سنة (750 و 752) فأرّخها بکلٍّ فریق وتردّد جمع بینهما ، والمصدر الوحید - علی ما أحسب - علی القول الأوّل هو زین الدین طاهر بن حبیب ، وعلی الثانی هو الصفدی والله العالم.

کتب إلینا الدکتور مصطفی جواد البغدادی : إنّ الذی أرّخ صفیّ الدین الحلّی من بنی حبیب الحلبیِّین هو بدر الدین حسن بن زین الدین عمر بن حبیب المتوفّی سنة (779) ذکره فی درّة الأسلاک فی دولة الأتراک فی وفیات سنة (750) ، ولعلّه ذکره أیضاً فی تاریخه الثانی تاریخ الملوک ، الذی أنهاه بسنة وفاته (779) ، وقد ذیّل علیه ابنه زین الدین طاهر المتوفّی سنة (808) ، ومن المعلوم أنّ وفاة صفیّ الدین الحلّی داخلة فی تاریخ بدر الدین بن حبیب لا فی ذیل ابنه ، ثمّ إنّ الوارد فی الدرر الکامنة (2) علی وجهین هما : زین الدین بن حبیب فی المتن ، وابن رجب فی إحدی النسخ ، والثانی 0.

ص: 75


1- کتب إلینا الدکتور مصطفی جواد البغدادی ، أن ابن تغری بردی ذکر فی کتابه المنهل الصافی والمستوفی بعد الوافی ، نقلاً عن تاریخ العلاّمة البرزالی أنَّه سأل المترجم له عن مولده فقال : فی جمادی الآخرة سنة ثمان وسبعین وستمائة. (المؤلف)
2- الدرر الکامنة : 2 / 371 رقم 2430.

ممکن أن یکون صحیحاً ؛ لأنّ زین الدین بن رجب ترجم لعشرات أمثال صفیّ الدین الحلّی فی مشیخته إن کانوا شیوخاً له ، وفی طبقات الحنابلة إن کانوا حنابلة.

وقد ترجم ابن قاضی شهبة صفیّ الدین الحلّی فی ذیل تاریخ الذهبی ، ولم یقتصر الصفدی علی ترجمته فی الوافی بالوفیات بل ترجمه أیضاً فی أعیان العصر وأعوان النصر ، ومن کلتا الترجمتین نقل ابن شاکر الکتبی فی فوات الوفیات (1).

وکتب نجم الدین سعید بن عبد الله الدهلی الحافظ المورّخ جزءاً لطیفاً فی ترجمة صفیِّ الدین الحلّی ، ونقل منه ابن قاضی شهبة فی ذیل تاریخ الذهبی المذکور ، وتوفّی فی سنة وفاته (749) وهی سنة الطاعون العامّة التی مات فیها کثیر من الأعیان وغیرهم.

ومن شعر المترجم قوله وقد أجاب به قصیدة ابن المعتز العبّاسی التی مستهلّها :

ألا من لعینٍ وتسکابِها

تشکّی القذی وبکاها بها

ترامت بنا حادثاتُ الزمانِ

ترامی القسیِّ بنشّابِها

ویا رُبّ ألسنةٍ کالسیوفِ

تقطّعُ أرقابَ أصحابِها

ویقول فیها :

ونحن ورثنا ثیابَ النبیِ

فکم تجذبون بأهدابِها

لکم رحمٌ یا بنی بنتِهِ

ولکن بنو العمّ أولی بها

ومنها :

قتلنا أُمیّةَ فی دارِها

ونحن أحقُّ بأسلابِها

إذا ما دنوتم تلقّیتمُ

زبوناً أقرّت بجلاّبِها6.

ص: 76


1- فوات الوفیات : 2 / 335 - 350 رقم 286.

فأجابه الصفیُّ المترجم بقوله :

ألا قل لشرِّ عبیدِ الإلهِ

وطاغی قریشٍ وکذّابِها

وباغی العبادِ وباغی العنادِ

وهاجی الکرامِ ومغتابِها

أأنت تُفاخرُ آلَ النبیِ

وتجحدُها فضلَ أحسابِها

بکم باهلَ المصطفی أم بهم

فردّ العداةَ بأوصابِها

أعنکم نفی الرجسَ أم عنهمُ

لطهر النفوسِ وألبابِها

أما الرجسُ والخمرُ من دابِکمْ

وفرطُ العبادةِ من دابِها

وقلتَ ورثنا ثیابَ النبیِ

فکم تجذبون بأهدابِها

وعندکَ لا یورثُ الأنبیا

فکیف حظیتم بأثوابِها

فکذّبت نفسَکَ فی الحالتین

ولم تعلمِ الشهدَ من صابِها

أجدُّکَ یرضی بما قلتَهُ

وما کان یوماً بمرتابِها

وکان بصفِّینَ من حزبِهمْ

لحربِ الطغاةِ وأحزابِها

وقد شمَّر الموتُ عن ساقِه

وکشَّرتِ الحربُ عن نابِها

فأقبلَ یدعو إلی حیدرٍ

بإرغابها وبإرهابِها

وآثرَ أن ترتضیه الأنامُ

من الحکمینِ لأسبابِها

لیعطی الخلافَة أهلاً لها

فلم یرتضوه لإیجابِها

وصلّی مع الناسِ طولَ الحیاةِ

وحیدر فی صدر محرابِها

فهلاّ تقمّصها جدُّکم

إذا کان إذ ذاک أحری بِها

إذا جعل الأمر شوری لهم

فهل کان من بعضِ أربابِها

أخامسَهم کان أم سادساً

وقد جلیت بین خطّابِها

وقولک أنتم بنو بنتِهِ

ولکن بنو العمِّ أولی بِها

بنو البنتِ أیضاً بنو عمِّه

وذلک أدنی لأنسابِها

فدع فی الخلافةِ فصلَ الخلافِ

فلیست ذلولاً لرکّابِها

ص: 77

وما أنت والفحص عن شأنِها

وما قمّصوک بأثوابِها

وما ساورتْکَ سوی ساعةٍ

فما کنتَ أهلاً لأسبابِها

وکیف یخصّوک یوماً بها

ولم تتأدّبْ بآدابِها

وقلت بأنَّکمُ القاتلون

أُسود أُمیّةَ فی غابِها

کذبتَ وأسرفتَ فیما ادَّعیت

ولم تنهَ نفسَک عن عابِها

فکم حاولتْها سراةٌ لکمْ

فرُدّت علی نکص أعقابِها

ولولا سیوفُ أبی مسلمٍ

لعزّتْ علی جهد طلاّبِها

وذلک عبدٌ لهم لا لکم

رعی فیکمُ قربَ أنسابِها

وکنتم أساری ببطنِ الحبوسِ

وقد شفّکم لثمُ أعتابِها

فأخرجَکمْ وحباکمْ بها

وقمّصکمْ فضلَ جلبابِها

فجازیتموهُ بشرِّ الجزاء

لطغوی النفوسِ وإعجابِها

فدع ذکرَ قومٍ رضوا بالکفافِ

وجاؤوا الخلافةَ من بابِها

هم الزاهدون هم العابدون

هم الساجدونَ بمحرابِها

هم الصائمون هم القائمون

هم العالمون بآدابِها

همُ قطبُ ملّةِ دینِ الإلهِ

ودورِ الرحی حول أقطابِها

علیک بلهوِکَ بالغانیاتِ

وخلِّ المعالی لأصحابِها

ووصفِ العذاری وذاتِ الخمارِ

ونعتِ العقار بألقابِها

وشعرِک فی مدحِ ترکِ الصلاةِ

وسعی السقاة بأکوابِها

فذلک شأنک لا شأنُهمْ

وجری الجیادِ بأحسابِها (1)2.

ص: 78


1- دیوان صفیّ الدین الحلّی : ص 92.

- 69 -

الإمام الشیبانی الشافعی

المولود (703)

المتوفّی (777)

سأحمدُ ربِّی طاعةً وتعبّدا

وأنظم عقداً فی العقیدةِ أوحدا

أفادتکمُ النعماءَ منّی ثلاثةٌ

یدی ولسانی والضمیرَ محجَّبا

وأشهد أنَّ الله لا ربَّ غیرهُ

تعزّز قدماً بالبقا وتفرّدا

هو الأوّلُ المبدی بغیرِ بدایةٍ

وآخر من یبقی مقیماً مؤبَّداً

سمیعٌ بصیرٌ عالمٌ متکلّمٌ

قدیرٌ یعیدُ العالمینَ کما بدا

مریدٌ أراد الکائنات لوقتِها

قدیمٌ فأنشا ما أرادَ وأوجدا

حیاةٌ وعلمٌ قدرةٌ وإرادةٌ

کلامٌ وإبصارٌ وسمعٌ مع البقا

إلهٌ علی عرشِ السماءِ قد استوی

وباینَ مخلوقاتِه وتوحّدا

فلا جهةٌ تحوی الإلهَ ولا لَه

مکانٌ تعالی عنهما وتمجّدا

إذ الکونُ مخلوقٌ وربِّیَ خالقٌ

لقد کان قبلَ العرشِ مولیً وسیِّدا

إلی أن قال بعد ذکر أُصول العقائد ومدح الخلفاء الثلاثة :

ولا تنس صهرَ المصطفی وابنَ عمِّهِ

فقد کان بحراً للعلوم مُسدَّدا

وأفدی رسولَ اللهِ حقّا بنفسه

عشیّةَ لمّا بالفراش توسَّدا

ومن کان مولاه النبیُّ فقد غدا

علیٌّ له بالحق مولیً ومنجدا

ولا تنس باقی صحبِه واهل بیته

وأنصاره والتابعین علی الهدی

ص: 79

فکلُّهمُ أثنی الإلهُ علیهمُ

وأثنی رسولُ اللهِ أیضاً وأکّدا

فلا تکُ عبداً رافضیّا فتعتدی

فویلٌ وویلٌ فی الوری لمن اعتدی

فحبُّ جمیعِ الآل والصحبِ مذهبی

غداً بهمُ أرجو النعیم المؤبدا

وتسکت عن حرب الصحابة فالذی

جری بینهم کان اجتهاداً مجرّدا

وقد صحَّ فی الأخبار أنَّ قتیلَهم

وقاتلَهم فی جنّة الخلد خُلّدا

فهذا اعتقادُ الشافعیِّ إمامِنا

ومالک والنعمان أیضاً وأحمدا

ما یتبع الشعر

هذه الأبیات أخذناها من القصیدة الکبیرة الألفیّة المطبوعة للإمام أبی عبد الله محمد الشیبانی الشافعی ذکرها له صاحب کشف الظنون (1) ، وشرحها جمع من أعلام الشافعیّة ، منهم :

1 - نجم الدین محمد بن عبد الله الأذرعی العجلونی الشافعی : المتوفّی (876) ، فرغ من شرحه (11) رجب سنة (859) وسمّاه ببدیع المعانی فی شرح عقیدة الشیبانی. وهو أوّل شرح أُلِّف علیها کما ذکره فی أوّل الشرح. قال فی (ص 75) : أشار الناظم بقوله :

ومن کان مولاه النبیُّ فقد غدا

علیٌّ له بالحقِّ مولیً ومنجدا

إلی ما ورد فی الحدیث الصحیح : أنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قال : «من کنت مولاه فعلیٌّ مولاه». قال الشیخ محیی الدین النووی : معناه (2) عند علماء هذا الشأن وعلیهم الاعتماد فی تحقیق هذا ونظائره ، من کنت ناصره ومولاه ومحبّه ومصافیه فعلیٌّ کذلک. ف)

ص: 80


1- کشف الظنون : 2 / 1340.
2- قد عرفت معنی الحدیث فی المجلد الأول فلا یغرّنک بعدئذٍ أمثال هذه اللهجات. (المؤلف)

انتهی. ولعلّ الناظم أشار إلی هذا المعنی بعطف قوله منجداً علی مولاه فیکون عطفاً تفسیراً.

وقد ورد أنّ عمر بن الخطاب رضی الله عنه حین سمع قول النبیِّ صلی الله علیه وآله وسلم «من کنت مولاه فعلیٌّ مولاه» قال لعلیّ رضی الله عنه : هنیئاً لک أصبحت مولی کلِّ مؤمن ومؤمنة.

2 - الشیخ علوان علیّ بن عطیّة الحموی الشافعی : المتوفّی (936) ، سمّاه ببدیع المعانی فی شرح قصیدة الشیبانی ، کذا ذکره صاحب کشف الظنون (1) ، وفی شذرات الذهب (2) (8 / 218) ، وقاموس الأعلام (3) (2 / 682) أسماه ببیان المعانی فی شرح عقیدة الشیبانی.

3 - أبو البقاء الأحمدی الشافعی سمّاه المعتقد الإیمانی علی عقیدة الشیبانی.

4 - الشیخ محمد بن علی بن محمد علاّن : المتوفّی (1057) سمّاه : بدیع المعانی أیضاً.

الشاعر

محمد بن أحمد بن أبی بکر بن عرام بن إبراهیم بن یاسین بن أبی القاسم بن محمد الربعی الشیبانی الأسوانی الإسکندرانی الشافعی تقیّ الدین أبو عبد الله الإمام المحدِّت الفقیه المفتی ، ولد فی ثامن عشر شوّال سنة (703) وسمع کما فی الدرر الکامنة (3 / 373) من العلاّمة رشید الدین إسماعیل بن عثمان المعروف بابن المعلّم الحنفی المتوفّی (724) ، والحسن بن عمر الکردی أبی علیّ نزیل الجیزة بمصر والمتوفّی بها سنة (720) ، والحجّار شهاب الدین أبی العبّاس أحمد بن أبی طالب المتوفّی (730) ، والشریف موسی بن أبی طالب عزّ الدین أبی القاسم الموسوی المتوفّی بمصر 2.

ص: 81


1- کشف الظنون : 2 / 1340.
2- شذرات الذهب : 10 / 305 سنة 936 ه.
3- الأعلام : 4 / 312.

سنة (715) ، والعلم بن درادة ، وتاج الدین بن دقیق العید أحمد بن علیّ المتوفّی بالقاهرة وقیل بقوص سنة (723) ، وأحمد بن محمد بن کمال الدین المتوفّی (718) ، والشریف علیّ الزینبی ، وعمر العتبی رکن الدین بن محمد القرشی المتوفّی (724) ، وزینب بنت أحمد بن عمر بن أبی بکر بن شکر المقدسی المتوفّاة سنة (722) ، وغیرهم.

وأجاز له المطعم ، وابن عبد الدائم ، وابن النحّاس ، ویحیی بن سعد ، ومن مکة رضی الدین أبو إسحاق إبراهیم الطبری المکّی الشافعی المتوفّی سنة (722) وغیرهم.

قال ابن حجر فی الدرر (1) : وحدّث وأفتی ودرّس وصنّف وخرّج ، وتفرّد بأشیاء من مسموعاته ، وکانت وفاته فی سنة (777).

وتوجد ترجمته فی شذرات الذهب (2) (6 / 252) وعدّ ممّن سمع من ابن مخلوف علیّ بن ناهض النویری المالکی القاضی المتوفّی (718).

والمترجم له وإن لم یوصف بالشعر فیما وقفنا علیه من ترجمته ، غیر أنّ الإمام أبا عبد الله محمد الشیبانی الشافعی الذی نسبت إلیه القصیدة بهذه الأوصاف فی المعاجم لم ینطبق إلاّ علیه ، والله العالم. .

ص: 82


1- الدرر الکامنة : 3 / 373 رقم 986.
2- شذرات الذهب : 8 / 436 حوادث سنة 777 ه.

- 70 -

شمس الدین المالکی

اشارة

المتوفّی (780)

وإنّ علیّا کان سیفَ رسوله

وصاحبه السامی لمجدٍ مشیّدِ

وصهر النبیِّ المجتبی وابن عمِّه

أبو الحسنین المحتوی کلَّ سوددِ

وزوَّجه ربُّ السما من سمائه

وناهیک تزویجاً من العرش قد بُدی

بخیرِ نساءِ الجنّة الغرِّ سؤدداً

وحسبُک هذا سؤدداً لمسوّدِ

فباتا وجلُّ الزهدِ خیرُ حلاهما

وقد آثرا بالزاد من کان یجتدی

فآثرت الجنّات من حللٍ ومن

حلیٍّ لها رعیاً لذاک التزهّدِ

وما ضرّ من قد بات والصوفُ لبسُهُ

وفی السندسِ الغالی غداً سوف یغتدی

وقال رسول الله إنّی مدینةٌ

من العلمِ وهو البابُ والبابَ فاقصدِ

ومن کنتُ مولاه علیٌّ ولیُّهُ

ومولاکَ فاقصد حبَّ مولاک ترشُدِ

وإنّک منّی خالیاً من نبوّةٍ

کهارون من موسی وحسبُکَ فاحمدِ

وکان من الصبیان أوّل سابقٍ (1)

إلی الدین لم یسبق بطائع مرشدِ

وجاء رسولُ اللهِ مرتضیاً له

وکان عن الزهراء بالمتشرِّدِ

فمسّحَ عنه التربَ إذ مسَّ جلدَهُ

وقد قام منها آلفاً للتفرّدِ

وقال له قولَ التلطّف قم أبا

ترابٍ کلام المخلص المتودّدِف)

ص: 83


1- راجع الجزء الثالث : ص 219 - 241 تعرف قیمة هذه الکلمة التی تصبّی بها صاحبها. (المؤلف)

وفی ابنیه قال المصطفی ذانِ سیِّدا

شبابِکمُ فی دارِ عزٍّ وسوددِ

وأرسله عنه الرسولُ مبلّغاً

وخصَّ بهذا الأمرِ تخصیصَ مفردِ

وقال هل التبلیغ عنّیَ ینبغی

لمن لیسَ من بیتی من القومِ فاقتدِ

وقد قال عبدُ اللهِ للسائلِ الذی

أتی سائلاً عنهم سؤالَ مشدّدِ

وأمّا علیٌّ فالتفت أین بیتُه

وبیتُ رسولِ الله فاعرفه تشهدِ

وما زال صوّاماً منیباً لربِّهِ

علی الحقِّ قوّاماً کثیرَ التعبّدِ

قنوعاً من الدنیا بما نالَ معرضاً

عن المالِ مهما جاءه المالُ یزهدِ

لقد طلَّقَ الدنیا ثلاثاً وکلّما

رآها وقد جاءت یقول لها ابعدی

وأقربهم للحقِّ فیها وکلّهم

أولو الحقِّ لکن کان أقرب مهتدی

ومدح بها العشرة المبشّرة ، فذکر ما یختصُّ بأبی بکر بن أبی قحافة من المناقب فی (14) بیتاً ، أوّلها :

فمنهم أبو بکرٍ خلیفتُهُ الذی

له الفضلُ والتقدیمُ فی کلِّ مشهدِ

وصدِّیق هادی الخلق والمؤثر الذی

لإنفاقه للمالِ فی الله قد هُدی

ثمّ ذکر ما یختصُّ بعمر بن الخطاب فی (22) بیتاً ، أوّلها :

ویتبعُهُ فی فضلِهِ عمرُ الذی

رمی عن قسیِّ الصدقِ سهمَ مسدّدِ

وما کلُّ من رامَ السعادةَ نالها

ولکنّه من یسعدِ اللهُ یسعدِ

ثمَّ نظم مناقب عثمان فی (15) بیتاً ، أوّلها :

وحبِّیَ عثمانَ بنَ عفّانَ إنَّه

علیه اعتمادی وهو سؤلی ومقصدی

إمامٌ صَبورٌ للأذی وهو قادرٌ

حلیمٌ عن الجانی جمیلُ التعوّدِ

وبعد ذکر مناقب أمیر المؤمنین علیه السلام ذکر السبطین الإمامین صلوات الله علیهما بقوله

ص: 84

وبالحسنین السیدینِ توسّلی

بجدِّهما فی الحشرِ عند تفرّدی

هما قُرَّتا عین الرسول وسیِّدا

شبابِ الوری فی جنّةٍ وتخلّدِ

وقال هما ریحانتای أُحبُّ من

أَحبّهما فاصدقهما الحبَّ تسعدِ

هما اقتسما شبهَ الرسولِ تعادلاً

وما ذا عسی یحصیه منهم تعدّدی

فمن صدرِهِ شبهُ الحسینِ أجلّه (1)

وللحسن الأعلی وحسبُکَ فاعددِ

وللحسنِ السامی مزایا کقولِهِ

هو ابنیَ هذا سیّدٌ وابن سیِّدِ

سیصلحُ ربُّ العالمین به الوری

علی فرقةٍ منهم وعظمِ تبدّدِ

إلی أن قال :

وکان الحسینُ الصارمَ الحازمَ الذی

متی یقصرُ الأبطالُ فی الحرب یشددِ

شبیهُ رسولِ اللهِ فی البأسِ والندی

وخیرُ شهیدٍ ذاقَ طعمَ المهنَّدِ

لمصرعِهِ تبکی العیونُ وحقُّها

فلله من جرمٍ وعظمِ تودّدِ

فبعداً وسحقاً للیزیدِ وشمرِهِ

ومن سار مسری ذلک المقصدِ الردی

وذکر فیها سیّد الشهداء حمزة - سلام الله علیه - وقال :

ومن مثلُ لیثِ اللهِ حمزةَ ذی الندی

مبیدِ العدی مأوی الغریبِ المطرّدِ

فکم حزّ أعناقَ العداةِ بسیفِهِ

وذبَّ عن المختارِ کلّ مشدَّدِ

فقال رسولُ الله هذا أمرته

ولی أسدٌ ضارٍ لدی کلِّ مشهدِ

وقال أبو جهل أجبت «محمداً»

لما شاءه فاهتزّ هزَّة سیّدِ

وأهوی له بالقوسِ ما بین قومه

ونال وأُخری بالحسام المهنَّدِ

وقال له إنِّی علی دینه فإن

أطقت فعرِّجْ عن طریقیَ فارددِف)

ص: 85


1- أخرج حدیث الشبه هذا ابن عساکر فی تاریخه : 4 / 313 [14 / 123 رقم 1566 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 7 / 117]. (المؤلف)

فذلَّ أبو جهل وأبدی تلطّفاً

مقرّا بقُبح السبّ فی حقّ «أحمدِ»

فعاد وقد نال السعادةَ واهتدی

وأضحی لدینِ اللهِ أکرمَ مُسعدِ

وفی یومِ بدرٍ حثَّ عند سؤالِهمْ

لما شهدوا من بأسه المتوقّدِ

لمن کان أعلامٌ بریشِ نعامةٍ

یشرِّدنا مثلَ النعامِ المشرَّدِ

فذاک الذی والله قد فعلتْ بنا

أفاعیلُه فی الحربِ ما لم تعوّدِ

وفی أُحدٍ نالَ الشهادةَ بعد ما

أذاقَ سباعاً للردی شرَّ موردِ

ففاز وأضحی سیّدَ الشهداء فی

ملائکةِ الرحمنِ یسعی ویغتدی

وصلّی رسولُ اللهِ سبعین مرّةً

علیه إلی ثنتین عند التعدّدِ

وقال مصابٌ لن نُصابَ بمثلِهِ

وإن کان لی یومٌ سأجزی بأزیدِ

وزاد إلی فضلِ العمومةِ أنَّه

أخوه رضاعاً هکذا المجدُ فاشهدِ

وما زال ذا عرضٍ مصونٍ عن الأذی

ومالٍ مهانٍ فی العطایا مبدَّدِ

کریمٌ متی ما أوقد النارَ للقِری

تجد خیرَ نار عندها خیرُ موقدِ

وذکر فیها سیّدنا العبّاس عمّ النبیِّ صلی الله علیه وآله وسلم وقال من أبیات ، أوّلها :

وقد بلغ العبّاسُ فی المجدِ رتبةً

تقول لبدرِ التمِّ قصّرت فابعدِ

حسبنا هذه القصیدة فی إیقاف القارئ علی مذهب الرجل ومقداره من الشعر ، أخذناها من نفح الطیب (1) (4 / 603 - 607).

ما یتبع الشعر

أشار شاعرنا شمس الدین المالکی فی شعره هذا إلی عدّة من مناقب مولانا أمیر المؤمنین علیه السلام ممّا أخرجته أئمّة القوم وحفّاظ حدیثهم فی الصحاح والمسانید

ص: 86


1- نفح الطیب : 10 / 224.

بطرقهم عن النبیِّ الأعظم صلی الله علیه وآله وسلم ، ألا وهی :

1 - حدیث تزویج المولی سبحانه فاطمة من علیّ علیه السلام ونثر الجنّة الحلیّ والحلل فی ذلک الزواج المیمون ، مرّ تفصیل ذلک فی (2 / 315).

2 - حدیث «أنا مدینة العلم وعلیّ بابها» ، قال :

وقال رسول الله إنّی مدینةٌ

من العلمِ وهو البابُ والبابَ فاقصدِ

قد أسلفنا الکلام حول علم أمیر المؤمنین علیه السلام فی الجزء الثالث (ص 95 - 101) ، وأوعزنا هناک إلی أنّ حدیث هذه الأثارة صحّحه الطبری وابن معین والحاکم والخطیب والسیوطی ، وهنا نفصّل القول فیه وأنّه أخرجه جمع کثیر من الحفّاظ وأئمّة الحدیث ، فإلیک جمّ غفیر ممّن ذکره فی تلکم القرون الخالیة محتجّین به ، مرسلین إیّاه إرسال المسلّم ، مدافعین عنه قالة المزیِّفین وجلبة المبطلین :

1 - الحافظ أبو بکر عبد الرزاق بن همام الصنعانی : المتوفّی (211) ، حکاه عنه بإسناده الحاکم فی المستدرک (1) (3 / 127).

2 - الحافظ یحیی بن معین أبو زکریّا البغدادی : المتوفّی (233) ، کما فی مستدرک الحاکم وتاریخ الخطیب البغدادی (2).

3 - أبو عبد الله - أبو جعفر - محمد بن جعفر الفیدی : المتوفّی (236) ، رواه عنه ابن معین.

4 - أبو محمد سُوید بن سعید الهروی : المتوفّی (240) ، أحد مشایخ مسلم وابن ماجة ، نقله عنه ابن کثیر فی تاریخه (3) (7 / 358). .

ص: 87


1- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 138 ح 4639.
2- المستدرک علی الصحیحین : ص 137 ح 4637 و 4638 ، تاریخ بغداد : 11 / 49 رقم 5728.
3- البدایة والنهایة : 7 / 395 حوادث سنة 40 ه.

5 - إمام الحنابلة أحمد بن حنبل : المتوفّی (241) ، أخرجه فی المناقب (1).

6 - عبّاد بن یعقوب الرواجنی الأسدی ، أحد مشایخ البخاری والترمذی وابن ماجة ، یروی عنه الحافظ الکنجی فی الکفایة (2) من طریق الخطیب.

7 - الحافظ أبو عیسی محمد الترمذی : المتوفّی (279) ، فی جامعه الصحیح (3).

8 - الحافظ أبو علیّ الحسین بن محمد بن فهم البغدادی : المتوفّی (289) ، روی عنه الحاکم فی المستدرک (4) (3 / 127).

9 - الحافظ أبو بکر أحمد بن عمر البصری البزّار : المتوفّی (292) ، صاحب المسند الکبیر.

10 - الحافظ أبو جعفر محمد بن جریر الطبری : المتوفّی (310) ، فی تهذیب الآثار (5) وصحّحه ، حکاه عنه غیر واحد من أعلام القوم.

11 - أبو بکر محمد بن محمد بن الباغندی الواسطی البغدادی : المتوفّی (312) ، رواه عنه الفقیه ابن المغازلی فی المناقب (6).

12 - أبو الطیّب محمد بن عبد الصمد الدقّاق البغوی : المتوفّی (319) ، أخرجه عنه بإسناده الخطیب البغدادی فی تاریخه (2 / 377).

13 - أبو العبّاس محمد بن یعقوب الأموی النیسابوری الأصمّ : المتوفّی (346) ، 2.

ص: 88


1- فضائل علیّ : ص 138 ح 203.
2- کفایة الطالب : ص 220 باب 58.
3- سنن الترمذی : 5 / 596 ح 3723 ، بلفظ : «أنا دار الحکمة ...» وانظر أیضاً جامع الأصول : 9 / 473 ح 6489.
4- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 137 ح 4638.
5- تهذیب الآثار : ص 105 رقم 173 من مسند علیّ علیه السلام.
6- مناقب علیّ بن أبی طالب : ص 81 ح 122.

رواه عنه الحاکم فی المستدرک (1) (3 / 126).

14 - أبو بکر محمد بن عمر بن محمد التمیمی البغدادی ابن الجعابی : المتوفّی (355) ، أخرجه بخمسة طرق کما فی مناقب ابن شهرآشوب (2) (1 / 261).

15 - أبو القاسم سلیمان بن أحمد الطبرانی : المتوفّی (360) ، أخرجه فی معجمیه الکبیر (3) والأوسط.

16 - أبو بکر محمد بن علیّ بن إسماعیل الشاشی المعروف بالقفّال : المتوفّی (366) ، حکاه عنه الحاکم فی المستدرک (4) (3 / 127).

17 - الحافظ أبو محمد عبد الله بن جعفر بن حیّان الأصبهانی المعروف بأبی الشیخ : المتوفّی (369) ، أخرجه فی کتابه السنّة ، حکاه عنه السخاوی فی المقاصد الحسنة (5).

18 - الحافظ أبو محمد عبد الله بن محمد بن عثمان المعروف بابن السقّا الواسطی المتوفّی (373) ، رواه عنه ابن المغازلی فی المناقب (6).

19 - الحافظ أبو اللیث نصر بن محمد السمرقندی الحنفی : المتوفّی (379) ، کما فی کتابه المجالس.

20 - الحافظ أبو الحسین محمد بن المظفّر البزّاز البغدادی : المتوفّی (379) ، کما فی مناقب ابن المغازلی (7).2.

ص: 89


1- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 137 ح 4637.
2- مناقب آل أبی طالب : 2 / 42.
3- المعجم الکبیر : 11 / 55 ح 11061.
4- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 138 ح 4639.
5- المقاصد الحسنة : ص 123 ح 189.
6- مناقب علیّ بن أبی طالب علیه السلام : ص 80 ح 120.
7- مناقب علیّ بن أبی طالب علیه السلام : ص 81 ح 122.

21 - الحافظ أبو حفص عمر بن أحمد بن عثمان البغدادی ابن شاهین : المتوفّی (385) ، أخرجه بأربعة طرق.

22 - الحافظ أبو عبد الله عبید الله بن محمد الشهیر بابن بطّة العکبری : المتوفّی (387) ، أخرجه من ستّة طرق.

23 - الحافظ أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحاکم النیسابوری : المتوفّی (405) ، أخرجه فی المستدرک (1) (3 / 126 - 128).

24 - الحافظ أبو بکر أحمد بن موسی بن مردویه الأصبهانی : المتوفّی (416) ، حکاه عنه جمع کثیر.

25 - الحافظ أبو نعیم أحمد بن عبد الله الأصبهانی : المتوفّی (430) ، فی کتابه معرفة الصحابة (2).

26 - الفقیه الشافعی أبو الحسن أحمد بن المظفّر العطار : المتوفّی (441) ، رواه للفقیه ابن المغازلی سنة (434) کما فی مناقبه (3).

27 - أبو الحسن علیّ بن محمد بن حبیب البصری الشافعی الشهیر بالماوردی : المتوفّی (450) ، حکاه عنه ابن شهرآشوب فی المناقب (4) (1 / 261).

28 - الحافظ أبو بکر أحمد بن الحسین بن علیّ البیهقی : المتوفّی (458) ، کما فی مقتل الخوارزمی (1 / 43).

29 - أبو غالب محمد بن أحمد الشهیر بابن بشران : المتوفّی (462) ، رواه عنه 2.

ص: 90


1- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 137 ح 4637.
2- معرفة الصحابة : 1 / 308.
3- مناقب علیّ بن أبی طالب علیه السلام : ص 80 ح 120.
4- مناقب آل أبی طالب : 2 / 42.

ابن المغازلی فی المناقب (1).

30 - الحافظ أبو بکر أحمد بن علیّ الخطیب البغدادی : المتوفّی (463) ، أخرجه فی المتّفق والمفترق وتاریخ بغداد (4 / 348 ، 2 / 377 ، 7 / 173 ، 11 / 204).

31 - الحافظ أبو عمرو یوسف بن عبد الله بن عبد البرّ القرطبی : المتوفّی (463) ، فی الاستیعاب (2) (2 / 461).

32 - أبو محمد حسن بن أحمد بن موسی الغندجانی : المتوفّی (467) ، نقله عنه ابن المغازلی فی المناقب (3).

33 - الفقیه أبو الحسن علیّ بن محمد بن الطیّب الجلاّبی ابن المغازلی : المتوفّی (483) ، أخرجه فی مناقبه (4) بسبعة طرق.

34 - أبو المظفر منصور بن محمد بن عبد الجبّار السمعانی الشافعی : المتوفّی (489) ، کما فی مناقب ابن شهرآشوب (5).

35 - الحافظ أبو محمد الحسن بن أحمد السمرقندی : المتوفّی (491) ، أخرجه فی بحر الأسانید فی صحاح المسانید ، فالحدیث صحیح عنده کما فی تذکرة الذهبی (6) (4 / 28).

36 - أبو علی إسماعیل بن أحمد بن الحسین البیهقی : المتوفّی (507) ، رواه عنه 7.

ص: 91


1- مناقب علیّ بن أبی طالب علیه السلام : ص 85 ح 126.
2- الاستیعاب : القسم الثالث / 1102 رقم 1855.
3- مناقب علیّ بن أبی طالب علیه السلام : ص 84 ح 125.
4- مناقب علیّ بن أبی طالب علیه السلام : ص 80 ح 120 - 126.
5- مناقب آل أبی طالب : 2 / 42.
6- تذکرة الحفّاظ : 4 / 1231 رقم 1047.

الخوارزمی فی المناقب (1) (ص 49).

37 - أبو شجاع شیرویه بن شهردار الهمدانی الدیلمی : المتوفّی (509) ، فی فردوس الأخبار (2).

38 - أبو محمد أحمد بن محمد بن علیّ العاصمی ، أخرجه فی زین الفتی شرح سورة هل أتی ، الموجود عندنا.

39 - أبو القاسم الزمخشری : المتوفّی (538) ، سمّی فی الفائق (3) (1 / 28) باب مدینة العلم.

40 - الحافظ أبو منصور شهردار بن شیرویه الهمدانی الدیلمی : المتوفّی (558) ، أخرجه مسنداً فی کتابه مسند الفردوس.

41 - الحافظ أبو سعد عبد الکریم بن محمد بن منصور التمیمی السمعانی : المتوفّی (562) ، قال فی الأنساب (4) فی الشهید : اشتهر بهذا الاسم جماعة من العلماء المعروفین قتلوا فعرفوا بالشهید أوّلهم : ابن باب مدینة العلم. إلی آخره. ینمّ کلامه هذا عن کون الحدیث من المتسالم علیه عند حفّاظ الحدیث.

42 - الحافظ أخطب خوارزم أبو المؤیّد موفّق بن أحمد المکّی الحنفی : المتوفّی (568) ، أخرجه فی المناقب (5) (ص 49) ، وفی مقتل الإمام السبط (1 / 43).

43 - الحافظ أبو القاسم علیّ بن حسن الشهیر بابن عساکر الدمشقی : 9.

ص: 92


1- المناقب : ص 82 ح 69.
2- الفردوس بمأثور الخطاب : 1 / 44 ح 106.
3- الفائق : 2 / 36.
4- الأنساب : 3 / 475.
5- المناقب : ص 82 ح 69.

المتوفّی (571) ، أخرجه بعدّة طرق (1).

44 - أبو الحجّاج یوسف بن محمد البلوی الأندلسی الشهیر بابن الشیخ : المتوفّی حدود (605) ، أرسله إرسال المسلّم فی کتابه ألف باء (1 / 222).

45 - أبو السعادات مبارک بن محمد بن الأثیر الجزری الشافعی : المتوفّی (606) ، ذکره فی جامع الأصول (2) نقلاً عن الترمذی.

46 - الحافظ أبو الحسن علیّ بن محمد بن الأثیر الجزری (630) ، أخرجه فی أُسد الغابة (3) (4 / 22).

47 - محیی الدین محمد بن علی بن العربی الطائی الأندلسی : المتوفّی (638) ، فی الدرّ المکنون والجوهر المصون کما فی ینابیع المودّة (4) (ص 419).

48 - الحافظ محبّ الدین محمد بن محمود ابن النجّار البغدادی : المتوفّی (643) ، أخرجه فی ذیل تاریخ بغداد مسنداً.

49 - أبو سالم محمد بن طلحة الشافعی : المتوفّی (652) ، فی مطالب السؤول (ص 22) والدرّ المنظّم کما فی ینابیع المودّة (5) (ص 65).

50 - شمس الدین أبو المظفر یوسف بن قزاوغلی سبط ابن الجوزی الحنفی : المتوفّی (654) ، ذکره فی تذکرته (6) (ص 29). 8.

ص: 93


1- مختصر تاریخ دمشق : 18 / 17 ، وفی ترجمة الإمام علی بن أبی طالب علیه السلام من تاریخ ابن عساکر - الطبعة المحققة : رقم 991 - 1006.
2- جامع الأصول : 9 / 473 ح 6489.
3- أُسد الغابة : 4 / 100 رقم 3783.
4- ینابیع المودّة : 3 / 67 باب 69.
5- ینابیع المودّة : 1 / 64 باب 14.
6- تذکرة الخواص : ص 48.

51 - الحافظ أبو عبد الله محمد بن یوسف الکنجی الشافعی : المتوفّی (658) ، أخرجه فی الکفایة (1) (ص 98 - 102) ، وقال بعد إخراجه بعدّة طرق : قلت : هذا حدیث حسن عال. إلی أن قال :

ومع هذا فقد قال العلماء من الصحابة والتابعین وأهل بیته بتفضیل علیّ علیه السلام وزیادة علمه وغزارته ، وحدّة فهمه ، ووفور حکمته ، وحسن قضایاه ، وصحّة فتواه ، وقد کان أبو بکر وعمر وعثمان وغیرهم من علماء الصحابة یشاورونه فی الأحکام ویأخذون بقوله فی النقض والإبرام ، اعترافاً منهم بعلمه ، ووفور فضله ، ورجاحة عقله ، وصحّة حکمه ، ولیس هذا الحدیث فی حقّه بکثیر ؛ لأنّ رتبته عند الله وعند رسوله وعند المؤمنین من عباده أجلّ وأعلی من ذلک.

52 - أبو محمد الشیخ عزُّ الدین عبد العزیز بن عبد السلام السلمی الشافعی : المتوفّی (660) ، ذکره فی مقال حکاه عنه شهاب الدین أحمد فی توضیح الدلائل علی ترجیح الفضائل.

53 - الحافظ محبّ الدین أحمد بن عبد الله الطبری الشافعی المکّی : المتوفّی (694) ، رواه فی الریاض النضرة (2) (1 / 192) وذخائر العقبی (ص 77).

54 - سعید الدین محمد بن أحمد الفرغانی : المتوفّی (699) ، ذکره فی شرح تائیّة ابن الفارض فی شرح قوله :

کراماتهم من بعض ما خصّهم به

بما خصّهم من إرث کلّ فضیلةِ

وذکره فی شرحه الفارسی عند قوله :

وأوضح بالتأویل ما کان مشکلاً

علیٌّ بعلم ناله بالوصیّةِ0.

ص: 94


1- کفایة الطالب : ص 220 ، 222 ، 223 باب 58.
2- الریاض النضرة : 3 / 140.

55 - الحافظ أبو محمد بن أبی جمرة الأزدی الأندلسی : المتوفّی (699) ، فی بهجة النفوس (2 / 175 ، 4 / 78).

56 - صدر الدین السیّد حسین بن محمد الهروی الفوزی : المتوفّی (718) ، ذکره فی نزهة الأرواح (1).

57 - شیخ الإسلام إبراهیم بن محمد الحمّوئی الجوینی : المتوفّی (722) ، ذکره فی فرائد السمطین فی فضائل المرتضی والبتول والسبطین (2).

58 - نظام الدین محمد بن أحمد بن علیّ البخاری : المتوفّی (725) ، حکاه عنه الشیخ عبد الرحمن الچشتی فی مرآة الأسرار عن سیر الأولیاء.

59 - الحافظ أبو الحجّاج یوسف بن عبد الرحمن المزّی : المتوفّی (742) ، ذکره فی تهذیب الکمال (3) فی ترجمة أمیر المؤمنین.

60 - الحافظ شمس الدین محمد بن أحمد الذهبی الشافعی : المتوفّی (748) ، ذکره فی تذکرة الحفّاظ (4) (4 / 28) عن صحیح الحافظ السمرقندی ثمّ قال : هذا الحدیث صحیح.

61 - الحافظ جمال الدین محمد بن یوسف الزرندی الأنصاری : المتوفّی سنة بضع و (750) ، ذکره فی نظم درر السمطین فی فضائل المصطفی والمرتضی والبتول والسبطین (5) وقفت علیه فی قرمیسین - کرمانشاه - عند العلاّمة الحجّة سردار الکابلی. 3.

ص: 95


1- نزهة الأرواح : ص 13.
2- فرائد السمطین : 1 / 98 ح 67 باب 18.
3- تهذیب الکمال : 20 / 485 رقم 4089.
4- تذکرة الحفّاظ : 4 / 1231 رقم 1047.
5- نظم درر السمطین : ص 113.

62 - الحافظ صلاح الدین أبو سعید خلیل العلائی الدمشقی الشافعی : المتوفّی (761) ، حکاه عنه غیر واحد من أعلام القوم ، وصحّحه من طریق ابن معین ثم قال : وأیّ استحالة فی أن یقول النبیُّ صلی الله علیه وآله وسلم مثل هذا فی حقِّ علیّ رضی الله عنه؟ ولم یأتِ کلُّ من تکلّم فی هذا الحدیث وجزم بوضعه بجواب عن هذه الروایات الصحیحة عن ابن معین ، ومع ذلک فله شاهد رواه الترمذی فی جامعه ... إلخ (1).

63 - السیّد علیّ بن شهاب الدین الهمدانی ، ذکره فی المودّة فی القربی (2) من طریق جابر بن عبد الله ، ثمّ قال : وعن ابن مسعود وأنس مثل ذلک.

64 - بدر الدین محمد أبو عبد الله الزرکشی المصری الشافعی : المتوفّی (794) ، وقال : الحدیث ینتهی إلی درجة الحسن المحتج به ، ولا یکون ضعیفاً فضلاً عن کونه موضوعاً. فیض القدیر (3 / 47).

65 - الحافظ أبو الحسن علیّ بن أبی بکر الهیثمی : المتوفّی (807) ، فی مجمع الزوائد (9 / 114).

66 - کمال الدین محمد بن موسی الدمیری : المتوفّی (808) ، فی حیاة الحیوان (3) (1 / 55).

67 - مجد الدین محمد بن یعقوب الفیروزآبادی : المتوفّی (816 - 817) ، فی کتابه النقد الصحیح. وقال فی کلام له طویل حول الحدیث بعد روایته بطریق عن ابن معین : ولم یأت من تکلّم علی حدیث «أنا مدینة العلم» بجواب عن هذه الروایات الثابتة عن یحیی بن معین ، والحکم بالوضع علیه باطل قطعاً ... إلی أن قال : 9.

ص: 96


1- راجع اللآلئ المصنوعة : 1 / 333 تجد هناک تمام کلامه. (المؤلف)
2- المودّة السابعة.
3- حیاة الحیوان : 1 / 79.

والحاصل أنّ الحدیث ینتهی بمجموع طریقی أبی معاویة وشریک إلی درجة الحسن المحتجّ به ، ولا یکون ضعیفاً فضلاً عن أن یکون موضوعاً.

68 - إمام الدین محمد الهجروی اللاّیجی ، یُحکی عن کتابه أسماء النبیّ وخلفائه الأربعة.

69 - الشیخ یوسف الواسطی الأعور ، ذکره فی رسالة ردّ بها الشیعة ، عدّه من حجج الرافضة ، وأجاب عنه متسالماً علیه من حیث السند بوجوه فی مفاده ، وستأتی کلمته.

70 - شمس الدین محمد بن محمد الجزری : المتوفّی (833) ، أخرجه فی أسنی المطالب فی مناقب علیّ بن أبی طالب (1) (ص 14) من طریق الحاکم وذکر تصحیحه ، وقد اشترط فی أوّل کتابه أن یذکر فیه ما تواتر وصحّ وحسن من مناقب أمیر المؤمنین.

71 - الشیخ زین الدین أبو بکر محمد بن محمد بن علیّ الخوافی : المتوفّی (838) ، ذکره مرسلاً محتجّا به لاختصاص علیّ علیه السلام بمزید العلم والحکمة ، حکاه عنه الشیخ شهاب الدین أحمد فی توضیح الدلائل.

72 - شهاب الدین بن شمس الدین الزاولی الدولت آبادی : المتوفّی (849) ، احتجّ به لفضل أمیر المؤمنین فی کتابه هدایة السعداء.

73 - شهاب الدین أبو الفضل أحمد بن علیّ الشهیر بابن حجر العسقلانی : المتوفّی (852) ، ذکره فی تهذیب التهذیب (2) (7 / 337) ، وقال فی لسان المیزان (3) : هذا 4.

ص: 97


1- أسنی المطالب : ص 70.
2- تهذیب التهذیب : 7 / 296.
3- لسان المیزان : 2 / 155 رقم 2034.

الحدیث له طرق کثیرة فی مستدرک الحاکم (1) أقلّ أحوالها أن یکون للحدیث أصل ، فلا ینبغی أن یطلق القول علیه بالوضع.

74 - شهاب الدین أحمد ، ذکره فی توضیح الدلائل وقال : هذه فضیلة اعترف بها الأصحاب وابتهجوا ، وسلکوا طریق الوفاق وانتهجوا.

75 - نور الدین علیّ بن محمد بن الصبّاغ المالکی المکّی : المتوفّی (855) ، ذکره فی الفصول المهمّة (2) (ص 18).

76 - بدر الدین محمود بن أحمد بن موسی الحنفی العینی : المتوفّی بالقاهرة (855) ، ذکره فی عمدة القاری (3) (7 / 631).

77 - الشیخ عبد الرحمن بن محمد بن علی البسطامی الحنفی : المتوفّی (858) ، ذکره فی کتابه درّة المعارف الإلهیّة ، واحتجّ به لوراثة علیّ علم الرسول الأعظم صلی الله علیه وآله وسلم ، راجع ینابیع المودّة (4) (ص 400).

78 - شمس الدین محمد بن یحیی الجیلانی اللاهجی النوربخش ، ذکره فی مفاتیح الإعجاز شرح گلشن راز (5) المؤلَّف سنة (877).

79 - شمس الدین أبو الخیر محمد بن عبد الرحمن السخاوی المصری : المتوفّی (902) ، ذکره فی المقاصد الحسنة (6) ، وحسّنه.

80 - الحافظ جلال الدین عبد الرحمن بن کمال الدین السیوطی : المتوفّی (911) 9.

ص: 98


1- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 137 ح 4637 ، 4638 ، ص 138 ح 4639.
2- الفصول المهمّة : ص 36.
3- عمدة القاری : 16 / 215.
4- ینابیع المودّة : 3 / 52 باب 67.
5- مفاتیح الإعجاز : ص 101.
6- المقاصد الحسنة : ص 123 ، 124 ح 189.

ذکره فی الجامع الصغیر (1) (1 / 374) ، وفی غیر واحد من تآلیفه وحسّنه فی کثیر منها ثمّ حکم بصحّته فی جمع الجوامع کما فی ترتیبه (2) (6 / 401) فقال : کنت أُجیب بهذا الجواب - یعنی بحسن الحدیث - دهراً إلی أن وقفت علی تصحیح ابن جریر لحدیث علیّ فی تهذیب الآثار (3) مع تصحیح الحاکم (4) لحدیث ابن عبّاس ، فاستخرت الله وجزمت بارتقاء الحدیث من مرتبة الحسن إلی مرتبة الصحّة والله أعلم.

وقد أفرد فی طرقه جزءاً وعدّه من تآلیفه ، وذکر الحدیث فی الدرر المنتثرة (5) وعدّه من الأحادیث المشهورة (ص 43) هامش الفتاوی الحدیثیّة لابن حجر.

81 - السید نور الدین علیّ بن عبد الله السمهودی الشافعی : المتوفّی (911) ، ذکره فی جواهر العقدین (6) ، وأردفه بشواهد من الأحادیث الواردة فی علم علیّ علیه السلام.

82 - فضل بن روزبهان ، ذکره فی الردّ علی نهج الحقّ للعلاّمة الحلّی متسالماً علیه بلا أیّ غمز فی سنده. وقال فی ردِّ حجاج العلاّمة بأعلمیّة أمیر المؤمنین بحدیثی «أقضاکم علیٌّ» و «أنا مدینة العلم» ، من طریق الترمذی. وأمّا ما ذکره المصنّف من علم أمیر المؤمنین فلا شکّ فی أنّه من علماء الأُمّة والناس محتاجون إلیه فیه ، وکیف لا وهو وصیُّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فی إبلاغ العلم وودائع حقائق المعارف؟ فلا نزاع لأحد فیه ، وأمّا ما ذکره من صحیح الترمذی فصحیح.

83 - الحافظ عز الدین عبد العزیز المعروف بابن فهد الهاشمی المکّی الشافعی : 3.

ص: 99


1- الجامع الصغیر : 1 / 415 ح 2705.
2- کنز العمّال : 13 / 148 ح 36463 ، 36464.
3- تهذیب الآثار : ص 105 ح 173 من مسند علی علیه السلام.
4- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 137 ح 4637.
5- الدرر المنتثرة : ص 31 ح 38.
6- جواهر العقدین : الورقة 303.

المتوفّی (922) ، أشار إلیه فی أبیات له یمدح بها أمیر المؤمنین علیه السلام وهی :

لیثُ الحروبِ المدرهُ الضرغامُ من

بحسامِهِ جابَ الدیاجی والظلم (1)

صهرُ الرسولِ أخوه بابُ علومِهِ

أقضی الصحابةِ ذو الشمائل والشِّیَمْ

الزهدُ والورعُ الشدیدُ شعارُه

ودثارُه العدلُ العمیمُ مع الکرمْ

فی جودِه ما البحر ما التیّار ما

کلُّ السیول وما الغوادی والدِّیَمْ

وله الشجاعةُ والشهامةُ والحیا

وکذا الفصاحةُ والبلاغةُ والحِکَمْ

ما عنترٌ ما غیره فی الباس ما

أُسد الشری معه إذا الحرب اصطلمْ

ما نجلُ ساعدةَ البلیغُ لدیه ما

سَحبانُ إن نثرَ الکلامَ وإن نظمْ (2)

حاز الفضائلَ کلَّها سبحان من

مِن فضلهِ أعطاه ذاک من القِدمْ

نصر الرسولَ وکم فداه فیا له

من نجلِ عمٍّ فضلُه للخلقِ عمْ

کلٌّ أقرّ بفضله حقّا وذا

أمرٌ جلیٌّ فی علیّ ما انبهمْ

فعلیه منّی ألفُ ألفِ تحیّةٍ

وعلی الصحابةِ کلّهم أهلِ الذممْ

84 - الحافظ شهاب الدین أحمد بن محمد القسطلانی المصری الشافعی : المتوفّی (923) ، عدّ فی المواهب اللدنیّة (3) فی أسماء النبیّ الأعظم صلی الله علیه وآله وسلم مدینة العلم ، أخذاً بالحدیث کما قاله الزرقانی فی شرحه (3 / 143).

85 - المولی جلال الدین محمد بن أسعد الدوانی : المتوفّی (928) ، أوعز إلیه فی شرح رسالة الزوراء.

86 - القاضی کمال الدین حسین بن معین المیبذی : المتوفّی فی أوائل القرن 0.

ص: 100


1- المدِرَه : الخطیب المفوّه.
2- نجل ساعدة هو قسّ بن ساعدة الإیادی یضرب المثل به وبسحبان فی البلاغة وجودة الخطابة.
3- المواهب اللدنیّة : 2 / 20.

العاشر ، ذکره فی شرح الدیوان المنسوب إلی أمیر المؤمنین علیه السلام (1) محتجّا به.

87 - الحاج عبد الوهّاب بن محمد البخاری : المتوفّی (932) ، فی تفسیره الأنوری عند قوله تعالی : (قُلْ لا أَسْئَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبی) ذکره من طریق جابر نقلاً عن ابن المغازلی وأردفه بعدّة من الفضائل ، ثمّ قال : اعلم یا هذا أنّ هذه الأحادیث وردت عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی علیّ رضی الله عنه.

88 - الحافظ الشیخ محمد بن یوسف الشامی : المتوفّی (942) ، ذکره فی سبل الهدی والرشاد فی سیرة خیر العباد (2) ، وقال : والصواب أنّه حدیثٌ حسنٌ کما قال الحافظان العلائی وابن حجر ... إلخ.

89 - الشیخ أبو الحسن علیّ بن محمد بن عراق الکنانی : المتوفّی (863) ، ذکره فی تنزیه الشریعة عن الأخبار الشنیعة (3) ، وأردفه بتصحیح الحاکم وتضعیف ابن الجوزی وتحسین ابن حجر والعلائی إیّاه ، ویظهر منه اختیار الأخیر.

90 - شهاب الدین أحمد بن محمد بن حجر الهیتمی المکّی : المتوفّی (974) ، ذکره فی الصواعق (4) (ص 73) ، وفی شرح الهمزیّة (5) للبوصیری (6) عند شرح قوله :

کم أبانت آیاتُه من علومٍ

عن حروفٍ أبانَ عنها الهجاءُف)

ص: 101


1- شرح دیوان أمیر المؤمنین علیه السلام : ص 3.
2- سبل الهدی والرشاد : 11 / 292.
3- تنزیه الشریعة عن الأخبار الشنیعة : 1 / 377 - 378 ح 103.
4- الصواعق المحرقة : ص 122.
5- شرح الهمزیّة : ص 195 و 246.
6- شرف الدین أبو عبد الله محمد بن سعید الدلاصی المتوفّی 694. (المؤلف)

وفی شرح قوله :

ووزیرُ ابنِ عمّهِ فی المعالی

ومن الأهلِ تسعد الوزراءُ

وفی شرح قوله :

لم یزده کشفُ الغطاءِ یقیناً

بل هو الشمسُ ما علیه غطاءُ

وذکره وحسّنه. وقال فی تطهیر الجنان - هامش الصواعق (1) - (ص 74) : ورواه فی الفتاوی الحدیثیة (2) (ص 126) وحسّنه. وقال فی (ص 197) : هو حدیث حسن ، بل قال الحاکم : صحیح.

91 - علیّ بن حسام الدین الشهیر بالمتّقی الهندی : المتوفّی (975) ، ذکره فی إکمال جمع الجوامع للسیوطی فی قسم الأقوال من فضائل أمیر المؤمنین علیه السلام کما فی ترتیبه الکنز (3) (6 / 156).

92 - الشیخ إبراهیم بن عبد الله الوصّابی الیمنی الشافعی ، ذکره فی کتاب الاکتفاء نقلاً عن أبی نعیم فی المعرفة والحاکم والخطیب محتجّا به لفضل علم علیّ علیه السلام ، من دون أیّ غمز فی سنده ودلالته.

93 - الشیخ جمال الدین محمد طاهر الهندی : المتوفّی (986) ، ذکره فی تذکرة الموضوعات (4) ، وحسّنه وقال : فمن حکم بکذبه فقد أخطأ.

94 - میرزا مخدوم عباس بن معین الدین الجرجانی ثم الشیرازی : 5.

ص: 102


1- تطهیر الجنان - هامش الصواعق - : ص 35.
2- الفتاوی الحدیثیة : ص 172 و 269.
3- کنز العمال : 11 / 614 ح 32978 و 32979.
4- تذکرة الموضوعات : ص 95.

المتوفّی (988) ، ذکره فی الفصل الثانی من نواقض الروافض ، وعدّه من فضائل أمیر المؤمنین نقلاً عن الترمذی من دون أیّ غمز فیه.

95 - شیخ بن عبد الله العیدروس : المتوفّی (990) ، ذکره فی العقد النبویّ والسرّ المصطفویّ نقلاً عن البزّار ، والطبرانی ، والحاکم ، والعقیلی ، وابن عدی ، والترمذی من دون إیعاز إلی ضعف سنده.

96 - جمال الدین المحدّث عطاء الله بن فضل الله الشیرازی : المتوفّی (1000) ، ذکره فی کتابه الأربعین (1) وهو الحدیث السادس عشر منه ، وذکره فی المطلب الأوّل من کتابه تحفة الأحبّاء من مناقب آل العباء.

97 - أبو العصمة محمد معصوم بابا السمرقندی ، ذکره فی الفصل الثانی من رسالة الفصول الأربعة ، واحتجّ به علی من طعن أبا بکر بغصب فدک ، وأنکر بذلک شهادة أمیر المؤمنین لفاطمة سلام الله علیهما بمکانته العلمیّة الثابتة بالحدیث.

98 - الشیخ علی القاری الهروی الحنفی : المتوفّی (1014) ، ذکره فی المرقاة شرح المشکاة (2).

99 - الحافظ الشیخ عبد الرؤوف بن تاج العارفین المناوی الشافعی : المتوفّی (1031) ، ذکره فی فیض القدیر شرح الجامع الصغیر (3 / 46) ، وفی التیسیر شرح الجامع الصغیر (3) ، وقال فی الأوّل :

فإنّ المصطفی صلی الله علیه وآله وسلم المدینة الجامعة لمعانی الدیانات کلّها ، ولا بدّ للمدینة من باب ، فأخبر أنّ بابها هو علیّ کرّم الله وجهه ، فمن أخذ طریقه دخل المدینة ، ومن 7.

ص: 103


1- الأربعین فی فضائل أمیر المؤمنین علیه السلام : ص 47 ح 16.
2- المرقاة فی شرح المشکاة : 10 / 470 ح 6096.
3- التیسیر بشرح الجامع الصغیر : 1 / 377.

أخطأه أخطأ طریق الهدی ؛ وقد شهد بالأعلمیّة الموافق والمخالف والمعادی والمحالف ، خرّج الکلاباذی أنّ رجلاً سأل معاویة عن مسألة فقال : سل علیّا هو أعلم منِّی ، فقال : أُرید جوابک. قال : ویحک کرهت رجلاً کان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یعزّه بالعلم عزّا. وقد کان أکابر الصحب یعترفون له بذلک ، وکان عمر یسأله عمّا أشکل علیه ، جاءه رجل فسأله فقال : هاهنا علیّ فاسأله ، فقال : أُرید أن أسمع منک یا أمیر المؤمنین ، قال : قم لا أقام الله رجلیک. ومحا اسمه من الدیوان.

وصحّ عنه من طرق : أنّه کان یتعوّذ من قوم لیس هو فیهم حتی أمسکه عنده ولم یر له شیئاً من البعوث لمشاورته فی المشکل.

وأخرج الحافظ عبد الملک بن سلیمان قال : ذکر لعطاء : أکان أحد من الصحب أفقه من علیّ؟ قال : لا والله. قال الحرالی : قد علم الأوّلون والآخرون أنّ فهم کتاب الله منحصر إلی علم علیّ ، ومن جهل ذلک فقد ضلّ عن الباب الذی من ورائه ، یرفع الله عن القلوب الحجاب حتی یتحقّق الیقین الذی لا یتغیّر بکشف الغطاء. انتهی.

100 - المولی یعقوب اللاهوری ، ذکره فی رسالة العقائد ، وتکلّم فی دلالته علی أعلمیّة الإمام وأفضلیّته.

101 - الشیخ أحمد بن الفضل بن محمد با کثیر المکّی الشافعی : المتوفّی (1047) ذکره فی کتابه وسیلة المآل فی عدّ مناقب الآل (1) نقلاً عن أبی عمر صاحب الاستیعاب (2) من دون أیِّ غمز فی السند والمتن والدلالة.

102 - الشیخ محمود بن محمد بن علی الشیخانی القادری ، ذکره فی تألیفه 5.

ص: 104


1- وسیلة المآل فی عدّ مناقب الآل : ص 123 باب 4.
2- الاستیعاب : القسم الثالث / 1102 رقم 1855.

الصراط السویّ فی مناقب آل النبیّ ، نقلاً عن أحمد (1) والترمذی (2) بصورة إرسال المسلّم ثمّ قال : ولهذا کان ابن عبّاس یقول : من أتی العلم فلیأتِ الباب وهو علیّ رضی الله عنه.

103 - عبد الحقّ الدهلوی : المتوفّی (1052) ، ذکره فی اللمعات فی شرح المشکاة ، وحکی کلمات غیر واحد من الحفّاظ حول الحدیث نفیاً وإثباتاً واختار ما ذهب إلیه جمع من متأخّری الحفّاظ من القول بثبوته وحسنه ، وعدّ أیضاً فی مدارج النبوّة (3) من أسماء رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم مدینة العلم ، أخذاً بالحدیث.

104 - السیّد محمد ابن السیّد جلال بن حسن البخاری ، ذکره فی کتابه تذکرة الأبرار عن ذکر أمیر المؤمنین ونصّ علی صحّته.

105 - الله دیا بن عبد الرحیم بن بینا حکیم الچشتی العثمانی ، ذکره فی سرّ الأقطاب محتجّا به مرسلاً إیّاه إرسال المسلّم.

106 - عبد الرحمن بن عبد الرسول بن القاسم الچشتی ، ذکره فی مرآة الأسرار عند ذکر مولانا أمیر المؤمنین.

107 - شیخ بن علیّ بن محمد الجفری : المتوفّی (1063) ، فی کتابه کنز البراهین الکسبیّة (4).

108 - الحافظ علیّ بن أحمد العزیزی الشافعی : المتوفّی (1070) ، ذکره فی السراج المنیر فی شرح الجامع الصغیر (5) (2 / 63) ، وحکی حسنه عن شیخه ولم یوعز 8.

ص: 105


1- فضائل علیّ : ص 138 ح 203.
2- سنن الترمذی : 5 / 596 ح 3723.
3- مدارج النبوّة : 1 / 153.
4- الکتاب المذکور لشیخ بن محمّد الجفری المتوفّی 1222 ه. أنظر : إیضاح المکنون : 4 / 384 ، الأعلام 3 / 182.
5- السراج المنیر : 2 / 68.

إلی شیء ممّا یزیّفه ، فقال : یؤخذ منه أنّه ینبغی للعالم أن یخبر الناس بفضل من عرف فضله لیأخذوا عنه العلم.

109 - أبو الضیاء نور الدین علیّ بن علیّ الشبراملسی القاهری الشافعی : المتوفّی (1082) ، ذکره فی حاشیته علی المواهب اللدنیّة المسمّاة بتیسیر المطالب السنیّة بکشف أسرار المواهب اللدنیّة فی شرح أسماء النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فی اسمه : مدینة العلم ، فقال : والصواب أنّه حدیث حسن کما قاله العلائی وابن حجر.

110 - الشیخ تاج الدین السنبهلی ، ذکره فی رسالة أشغال النقشبندیّة.

111 - الشیخ إبراهیم بن الحسن الکردی الکورانی الشافعی : المتوفّی (1101) ، ذکره فی النبراس لکشف الالتباس الواقع فی الأساس ، نقلاً عن البزّار والطبرانی عن جابر ، ومن طریق الترمذی والحاکم عن علیّ علیه السلام من دون غمز فی السند.

112 - الشیخ إسماعیل بن سلیمان الکردی البصری ، ذکره فی کتابه جلاء النظر فی دفع شبهات ابن حجر ، احتجّ به علی من نسب الخطأ فی الفتیا إلی أمیر المؤمنین علیه السلام حکاه ابن حجر فی الفتاوی الحدیثیّة (1) عن بعض معاصریه.

113 - الشیخ محمد بن عبد الرسول البرزنجی المدنی : المتوفّی (1103) ، فی رسالته الإشاعة فی أشراط الساعة.

114 - الشیخ محمد بن عبد الباقی بن یوسف الزرقانی المالکی : المتوفّی (1122) ، ذکره فی شرح المواهب اللدنیّة (3 / 143) وحسّنه.

115 - الشیخ سالم بن عبد الله بن سالم البصری الشافعی ، ذکره فی رسالته الإمداد بمعرفة الإسناد ، المؤلّف سنة (1121).

116 - میرزا محمد بن معتمد خان البدخشانی الحارثی ، أخرجه فی نُزُل 9.

ص: 106


1- الفتاوی الحدیثیّة : ص 172 و 269.

الأبرار بما صحّ من مناقب أهل البیت الأطهار (1) (ص 27) نقلاً عن البزّار والعقیلی وابن عدی والطبرانی والحاکم وأبی نعیم ، والحدیث عنده صحیح علی شرط کتابه.

117 - الشیخ محمد صدر العالم ، فی المعارج العلی فی مناقب المرتضی ، ذکر ما أفاده السیوطی فی جمع الجوامع من صحّة الحدیث حرفیّا ، فیظهر منه اختیار صحّته کالسیوطی.

118 - شاه ولیُّ الله أحمد بن عبد الرحیم الدهلوی : المتوفّی (1176) ، ذکره فی قرّة العینین (2) فی عدّة مواضع مرسلاً إیّاه إرسال المسلّم ، وعدّه من فضائل أمیر المؤمنین فی کتابه إزالة الخفاء (3).

119 - الشیخ محمد بن سالم المصری الحفنی : المتوفّی (1181) ، فی حاشیته علی شرح الجامع الصغیر للعزیزی (4) (2 / 63).

120 - الشیخ محمد بن محمد أمین السندی ، عدّ فی کتابه دراسات اللبیب (5) المطبوع سنة (1284) فی لاهور باب مدینة العلم من أسماء أمیر المؤمنین أخذاً بالحدیث.

121 - الأمیر محمد بن إسماعیل بن صلاح الیمنی الصنعانی : المتوفّی (1182) ذکره فی الروضة الندیّة فی شرح التحفة العلویّة (6) ، وحکم بصحّة الحدیث تبعاً للحاکم وابن جریر والسیوطی ، وقال بعد نقل تصحیح المصحِّحین وتحسین من حسّنه : فظهر لک بطلان دعوی الوضع وصحّة القول بالصحّة کما اختاره السیوطی وهو قول الحاکم وابن جریر. 9.

ص: 107


1- نزل الأبرار : ص 75.
2- قرّة العینین : ص 235.
3- إزالة الخفاء : 2 / 262.
4- حاشیة الحفنی علی شرح الجامع الصغیر : 2 / 68.
5- دراسات اللبیب : ص 50.
6- الروضة الندیّة فی شرح التحفة العلویّة : ص 179.

122 - الشیخ سلیمان جمل ، فی الفتوحات الأحمدیّة بالمنح المحمدیّة ، ذکره مرسلاً إیّاه إرسال المسلّم.

123 - المولی السیّد قمر الدین الحسینی الأورنک آبادی : المتوفّی (1193) ، ذکره فی نور الکریمتین (1) محتجّا به متسالماً علیه.

124 - شهاب الدین أحمد بن عبد القادر العجیلی الشافعی - أحد شعراء الغدیر یأتی فی شعراء القرن الثانی عشر - ذکره فی کتابه ذخیرة المآل فی شرح عقد اللآل فی عدّة مواضع کذکر الحدیث الثابت الصحیح المتسالم علیه.

125 - الشیخ محمد بن علیّ الصبّان : المتوفّی (1205) ، ذکره فی إسعاف الراغبین (ص 156) - هامش نور الأبصار - نقلاً عن البزّار والطبرانی والحاکم والعقیلی وابن عدی والترمذی ، وصوّب قول من حسّنه خلافاً لمن صحّحه أو زیّفه.

126 - الشیخ محمد مبین بن محبّ الله السهالوی : المتوفّی (1225) ، احتجّ به لعلم الإمام علیه السلام فی کتابه وسیلة النجاة (2) ثمّ قال : وهذا الحدیث صحیح علی رأی الحاکم ، وقال ابن حجر : حسن. ولم یذکر شیئاً من کلم الغمز فیه مومیاً إلی فسادها.

127 - القاضی ثناء الله پانی پتی : المتوفّی (1225) ، ذکره فی غیر موضع من کتابه السیف المسلول ، وذکر تصحیح الحاکم إیّاه وتضعیف من ضعّفه واختیار ابن حجر حسنه ، ثمّ قال ما معناه : الصواب ما اختاره ابن حجر نظراً إلی السند ، وأمّا نظراً إلی کثرة الشواهد فیمکننا الحکم بالصحّة. 6.

ص: 108


1- نور الکریمتین : ص 49.
2- وسیلة النجاة : ص 136.

128 - عبد العزیز بن ولیّ الله الدهلوی ، ذکره فی جواب سؤال سئل عنه (1) ، وفی رسالة کتبها فی عقائد والده الشاه ولیّ الله.

129 - الشیخ جواد ساباط بن إبراهیم ساباط الساباطی الحنفی ، ذکره فی البراهین الساباطیّة.

130 - عمر بن أحمد الخرپوتی الحنفی ، فی کتاب عصیدة الشهدة فی شرح قصیدة البردة (2) قال فی شرح قوله :

فاق النبیّین فی خَلقٍ وفی خُلُقٍ

ولم یدانوه فی علمٍ ولا کرمِ

ثمّ اعلم أنّ بیان علمه ثابت بقوله تعالی : (وَعَلَّمَکَ ما لَمْ تَکُنْ تَعْلَمُ) (3) ، وبقوله علیه السلام «أنا مدینة العلم». الحدیث وغیر ذلک.

131 - القاضی محمد بن علیّ الشوکانی الصنعانی : المتوفّی (1250) ، ذکره فی الفوائد المجموعة فی الأحادیث الموضوعة (4) ، وحسّنه.

132 - محمد رشید الدین خان الدهلوی ، فی إیضاح لطافة المقال.

133 - جمال الدین أبو عبد الله محمد بن عبد العلی القرشی المعروف بمیرزا حسن علی اللکهنوی ، عدّه من مناقب أمیر المؤمنین فی تفریح الأحباب بمناقب الآل والأصحاب ، واختار حسنه.

134 - نور الدین إسماعیل بن السلیمانی ، ذکره فی الدرّ الیتیم ، نقلاً عن أبی نعیم 3.

ص: 109


1- راجع الجزء الخامس من عبقات الأنوار : ص 479 [عبقات الأنوار - تلخیص المیلانی - : 10 / 355]. (المؤلف)
2- عصیدة الشهدة فی شرح قصیدة البردة : ص 81.
3- النساء : 113.
4- الفوائد المجموعة فی الأحادیث الموضوعة : ص 374 ح 53.

والحاکم والخطیب من دون غمز فیه.

135 - ولیّ الله بن حبیب الله بن محبّ الله ابن ملاّ أحمد عبد الحقّ السهاوی اللکهنوی : المتوفّی (1270) ، عدّه من مناقب أمیر المؤمنین فی کتابه مرآة المؤمنین (1) ، ثمّ قال ما معناه : والذی زادوا علیه فی بعض الروایات من مناقب الصحابة موضوع مفتری علی ما فی الصواعق.

136 - شهاب الدین السیّد محمود بن عبد الله الآلوسی البغدادی : المتوفّی (1270) فی تفسیره روح المعانی (2) یسمّی علیّا علیه السلام بباب مدینة العلم عند البحث عن رؤیة اللوح فی (27 / 3) من الطبعة المنیریّة.

137 - الشیخ سلیمان بن إبراهیم الحسینی البلخی القندوزیّ : المتوفّی (1293) ذکره بطرق کثیرة فی ینابیع المودّة (3) (ص 65 ، 72 ، 73 ، 400 ، 419) نقلاً عن جمع من الحفّاظ والأعلام تنتهی أسنادهم إلی أمیر المؤمنین ، وابن عبّاس ، وجابر بن عبد الله ، وحذیفة بن الیمان ، والحسن بن علیّ ، وابن مسعود ، وأنس بن مالک ، وعبد الله بن عمر.

138 - الشیخ سلامة الله البدایونی ، أسمی أمیر المؤمنین علیه السلام فی کتابه معرکة الآراء بباب مدینة العلم أخذاً بالحدیث.

139 - السیّد أحمد زینی دحلان المکّی الشافعی : المتوفّی (1304) ، فی الفتوحات الإسلامیّة (4) (2 / 510).

140 - المولوی حسن الزمان ، ذکره فی القول المستحسن فی فخر الحسن (5) ، 5.

ص: 110


1- مرآة المؤمنین : ص 67.
2- فی تفسیر قوله تعالی : (والذاریات ذرواً).
3- ینابیع المودّة : 1 / 64 ، 70 ، 71 باب 14 و 3 / 52 باب 67 و 67 باب 69.
4- الفتوحات الإسلامیّة : 2 / 337.
5- القول المستحسن فی فخر الحسن : ص 26 و 65.

وعدّه من المشهور الصحیح وقال : صحّحه جماعات من الأئمّة وعدّ منها ابن معین ، والخطیب ، وابن جریر ، والحاکم ، والفیروزآبادی فی النقد الصحیح. ثمّ قال : واقتصر علی تحسینه العلائی والزرکشی وابن حجر فی أقوام أُخر ردّا علی ابن الجوزی.

141 - الشیخ علیّ بن سلیمان المغربی المالکی الشاذلی ، ذکره فی کتابه نفع قوت المغتذی علی صحیح الترمذی (1).

142 - الشیخ عبد الغنی أفندی الغنیمی ، حکاه عنه سلیم محمد أفندی فی قرّة الأعیان المطبوع فی القسطنطینیّة سنة (1297).

143 - الشیخ محمد حبیب الله بن عبد الله الیوسفی المدنی الشنقیطی المصری فی کفایة الطالب لمناقب علیّ بن أبی طالب (ص 48).

توجد کلمات کثیر من هؤلاء الأعلام حول الحدیث فی الجزء الخامس من عبقات الأنوار لسیّدنا العلَم الحجّة المجاهد الأکبر السیّد میر حامد حسین الموسوی اللکهنوی المتوفّی (1306).

صحّة الحدیث

نصّ غیر واحد من هؤلاء الأعلام بصحّة الحدیث من حیث السند ، وهناک جمع یظهر منهم اختیارها ، وکثیرون من أولئک یرون حسنه مصرّحین بفساد الغمز فیه ، وبطلان القول بضعفه ، وممّن صحّحه :

1 - الحافظ أبو زکریّا یحیی بن معین البغدادیّ : المتوفّی (233) ، نصّ علی صحّته کما ذکره الخطیب وأبو الحجّاج المزّی وابن حجر (2) وغیرهم. 2.

ص: 111


1- نفع قوت المغتذی علی صحیح الترمذی : ص 149.
2- الصواعق المحرقة : ص 122.

2 - أبو جعفر محمد بن جریر الطبریّ : المتوفّی (310) ، صحّحه فی تهذیب الآثار (1).

3 - أبو عبد الله الحاکم النیسابوریّ : المتوفّی (405) ، صحّحه فی المستدرک (2).

4 - الحافظ الخطیب البغدادیّ : المتوفّی (463) ، عدّه ممّن صحّحه المولوی حسن الزمان فی القول المستحسن.

5 - الحافظ أبو محمد الحسن السمرقندی : المتوفّی (491) ، فی بحر الأسانید.

6 - مجد الدین الفیروزآبادی : المتوفّی (816) ، صحّحه فی النقد الصحیح.

7 - الحافظ جلال الدین السیوطی : المتوفّی (911) ، صحّحه فی جمع الجوامع (3) کما مرّ.

8 - السیّد محمد البخاری ، نصّ علی صحّته فی تذکرة الأبرار.

9 - الامیر محمد الیمانی الصنعانی : المتوفّی (1182) ، صرّح بصحّته فی الروضة الندیّة (4).

10 - المولوی حسن الزمان ، عدّه من المشهور الصحیح فی القول المستحسن (5).

وممّن یظهر منه اختیار صحّته.

11 - أبو سالم محمد بن طلحة القرشی : المتوفّی (652). 5.

ص: 112


1- تهذیب الآثار : ص 104 ح 173 من مسند علی علیه السلام.
2- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 137 ح 4637 ، 4638.
3- کنز العمّال : 13 / 148 ح 36463 ، 36464.
4- الروضة الندیّة : ص 177.
5- القول المستحسن فی فخر الحسن : ص 26 و 65.

12 - أبو المظفر یوسف بن قزاوغلی : المتوفّی (654).

13 - الحافظ أبو عبد الله الکنجی : المتوفّی (658).

14 - الحافظ صلاح الدین العلائی : المتوفّی (761).

15 - شمس الدین محمد الجزری : المتوفّی (833).

16 - شمس الدین محمد السخاوی : المتوفّی (902).

17 - فضل الله بن روزبهان الشیرازی.

18 - المتّقی الهندی علیّ بن حسام الدین : المتوفّی (975).

19 - میرزا محمد البدخشانی.

20 - میرزا محمد صدر العالم.

21 - ثناء الله پانی پتی الهندی.

لفظ الحدیث

1 - عن الحرث وعاصم ، عن علیّ علیه السلام مرفوعاً «إنّ الله خلقنی وعلیّا من شجرة أنا أصلها ، وعلیّ فرعها ، والحسن والحسین ثمرتها ، والشیعة ورقها ، فهل یخرج من الطیّب إلاّ الطیّب؟ وأنا مدینة العلم وعلیٌّ بابها ، فمن أراد المدینة فلیأتِها من بابها».

وفی لفظ حذیفة عن علیّ علیه السلام : «أنا مدینة العلم وعلیٌّ بابها ، ولا تؤتی البیوت إلاّ من أبوابها».

وفی لفظ آخر له علیه السلام : «أنا مدینة العلم وأنت بابها ، کذب من زعم أنّه یصل إلی المدینة إلاّ من قِبَل الباب».

ص: 113

وفی لفظ له علیه السلام «أنا مدینة العلم وأنت بابها ، کذب من زعم أنه یدخل المدینة بغیر الباب ، قال الله عزّ وجلّ : وأتوا البیوت من أبوابها».

2 - عن ابن عبّاس : «أنا مدینة العلم وعلیٌّ بابها ، فمن أراد العلم فلیأتِ بابه - الباب».

وفی لفظ عن سعید بن جبیر عن ابن عبّاس : «یا علیُّ أنا مدینة العلم وأنت بابها ، ولن تؤتی المدینة إلاّ من قِبَل الباب».

3 - عن جابر بن عبد الله قال : سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یوم الحدیبیة وهو آخذ بید علیّ یقول : «هذا أمیر البررة ، وقاتل الفجرة ، منصور من نصره ، مخذول من خذله» ، ثمّ مدّ بها صوته فقال : «أنا مدینة العلم وعلیٌّ بابها ، فمن أراد البیت فلیأتِ الباب».

وفی لفظ له : «أنا مدینة العلم وعلیٌّ بابها ، فمن أراد العلم فلیأتِ الباب».

وهناک أحادیث أُخری أخرجها الأعلام فی تآلیفهم القیّمة تعاضد صحّة هذا الحدیث منها :

1 - «أنا دار الحکمة وعلیّ بابها» (1).

2 - «أنا دار العلم وعلیّ بابها» (2)

3 - «أنا میزان العلم وعلیّ کفّتاه» (3). ف)

ص: 114


1- أخرجه الترمذی فی جامعه الصحیح : 2 / 214 [5 / 596 ح 3723] ، وأبو نعیم فی حلیة الأولیاء : 1 / 64 ، والبغوی فی مصابیح السنّة [4 / 174 ح 4772] ، وجمع آخر تربو عدّتهم علی ستین من الحفّاظ وأئمة الحدیث. (المؤلف)
2- أخرجه البغوی فی مصابیح السنّة کما ذکره الطبری فی ذخائر العقبی : ص 77 ، وآخرون. (المؤلف)
3- أخرجه الدیلمی فی فردوس الأخبار [1 / 44 ح 107] مسنداً عن ابن عبّاس مرفوعاً ، وتبعه جمع ونقلوه عنه کالعجلونی فی کشف الخفاء : 1 / 204 [ح 618] وغیره. (المؤلف)

4 - «أنا میزان الحکمة وعلیّ لسانه» (1).

5 - «أنا المدینة وأنت الباب ، ولا یؤتی المدینة إلاّ من بابها» (2).

6 - فی حدیث : «فهو باب مدینة علمی» (3).

7 - «علیّ أخی ومنّی وأنا من علیّ فهو باب علمی ووصیّی».

8 - «علیّ باب علمی ومبیّن لأُمّتی ما أُرسلت به من بعدی» (4).

9 - «أنت باب علمی». قاله صلی الله علیه وآله وسلم لعلیّ علیه السلام فی حدیث أخرجه : الخرکوشی ، وأبو نعیم ، والدیلمی ، والخوارزمی ، وأبو العلاء الهمدانی ، وأبو حامد الصالحات ، وأبو عبد الله الکنجی ، والسیّد شهاب الدین صاحب توضیح الدلائل ، والقندوزی.

10 - «یا أُمّ سلمة اشهدی واسمعی هذا علیّ أمیر المؤمنین ، وسیّد المسلمین ، وعیبة علمی - وعاء علمی - وبابی الذی أوتی منه».

أخرجه أبو نعیم ، والخوارزمی فی المناقب (5) ، والرافعی فی التدوین (6) ، 9.

ص: 115


1- ذکره الغزالی فی الرسالة العقلیة ، وحکاه عنه المیبذی فی شرح الدیوان المنسوب إلی أمیر المؤمنین [ص 3]. (المؤلف)
2- أخرجه العاصمی أبو محمد فی کتابه زین الفتی فی شرح سورة هل أتی. (المؤلف)
3- أخرجه الفقیه ابن المغازلی [فی مناقب علیّ بن أبی طالب : ص 50 ح 73] ، وأبو المؤید الخوارزمی [فی المناقب : ص 129 ح 143] ، وذکره القندوزیّ فی الینابیع : ص 71 [1 / 69 باب 14]. (المؤلف)
4- کنز العمّال : 6 / 156 [11 / 614 ح 32981] ، والقول الجلی فی فضائل علیّ للسیوطی ، جعله الحدیث الثامن والثلاثین من الکتاب. (المؤلف)
5- المناقب : ص 142 ح 163.
6- التدوین فی أخبار قزوین : 1 / 89.

والکنجی فی المناقب (1) ، والحمّوئی فی فرائد السمطین (2) ، وحسام الدین المحلّی ، وشهاب الدین فی توضیح الدلائل ، والشیخ محمد الحفنی فی شرح الجامع الصغیر (3) وقال فی حاشیة شرح العزیزی (2 / 417) : حدیث العیبة أی وعاء علمی الحافظ له ، فإنّه مدینة العلم ولذا کانت الصحابة تحتاج إلیه فی تلک المشکلات ، ولذا کان یسأله سیّدنا معاویة فی زمن الواقعة عن المشکلات فیجیبه فتقول له جماعته : مالک تجیب عدوّنا؟ فیقول : أما یکفیکم أنّه یحتاج إلینا؟

ووقع له فکُّ مشکلات مع سیّدنا عمر ، فقال : ما أبقانی الله إلی أن أدرک قوماً لیس فیهم أبو الحسن ، أو کما قال ، فقد طلب أن لا یعیش بعده ، ثمّ ذکر قضایا منها حدیث اللطم (4) وحدیث قد أمر سیّدنا عمر برجم زانیة (یأتی بتمامه) فقال سیّدنا عمر : لو لا علیّ لهلک عمر.

وقال المناوی فی فیض القدیر (4 / 356) : «علیّ عیبة علمی» أی مظنّة استفصاحی وخاصتی ، وموضع سرّی ، ومعدن نفائسی ، والعیبة ما یحرز الرجل فیه نفائسه. قال ابن درید (5) : وهذا من کلامه الموجز الذی لم یسبق ضرب المثل به فی إرادة اختصاصه بأُموره الباطنة التی لا یطّلع علیها أحد غیره ، وذلک غایة فی مدح علیّ ، وقد کانت ضمائر أعدائه منطویة علی اعتقاد تعظیمه.

وفی شرح الهمزیّة (6) : إنّ معاویة کان یرسل یسأل علیّا عن المشکلات 2.

ص: 116


1- کفایة الطالب : ص 198 باب 48.
2- فرائد السمطین : 1 / 150 ح 113 باب 29.
3- حاشیة الحفنی علی شرح الجامع الصغیر : 2 / 458.
4- أخرجه محبّ الدین الطبری فی الریاض النضرة : 2 / 196 ، 197 [3 / 142 - 145]. (المؤلف)
5- جمهرة اللغة : 1 / 369.
6- شرح الهمزیّة : ص 192.

فیجیبه ، فقال أحد بنیه : تجیب عدوّک؟ قال : أما یکفینا أن احتاجنا وسألنا؟

11 - * «أنا مدینة الفقه وعلیّ بابها» ، ذکره أبو المظفّر سبط ابن الجوزی فی التذکرة (1) (ص 29) ، وأخرجه ابن بطّة العکبری بإسناده عن سلمة بن کهیل عن عبد الرحمن عن علیّ ، وأبو الحسن علیّ بن محمد الشهیر بابن عراق فی تنزیه الشریعة (2). 3.

ص: 117


1- تذکرة الخواص : ص 48.
2- تنزیه الشریعة : 1 / 377 ح 103.

ما عشت أراک الدهر عجباً

ما عسانی أن أقول فی مثقّف یحسب نفسه فقیهاً من فقهاء الإسلام وبین یدیه هذه الأحادیث وأمثالها الجمّة من الصحاح والحسان المذکورة فی الجزء الثالث صحیفة (95 - 100) وما أسلفناه هنا وهناک من کلمات الصحابة ومن إجماع الأُمّة الإسلامیّة جمعاء علی وراثة أمیر المؤمنین علیه السلام علم النبیِّ الأعظم صلی الله علیه وآله وسلم فیصفح عن تلکم النصوص کلّها ، ویری فی الأمّة من الصحابة وحتی الیوم من هو أعلم من أمیر المؤمنین.

ما عسانی أن أقول فی رجل یؤلِّف کتاباً من المخاریق والمخازی ویسمّیه الوشیعة غیر مکترث لمغبّة مساءته ، ولا متحاشٍ عن کشف سوأته؟ بل یتبهّج ویتبجّح عند قومه بالردِّ علی الشیعة ، ولم یدرِ المغفّل أنّه شوّه سمعتهم ، وسوّد صحیفة تاریخهم بتلک الوقیعة بالوشیعة ، غیر شاعر بأنّ بحّاثة التنقیب سیمیط الستر عن أکاذیبه وتقوّلاته ، ویسمه بسمة العار ، ووسمة الشنار.

قال : کان عمر أفقه الصحابة وأعلم الصحابة فی زمنه علی الإطلاق ، وإنّما کان أعرف الفقهاء بمواقع السنن والقرآن الکریم ، وکان مدّة عمره فی جمیع أُموره یعمل بالکتاب والسنّة ، وکان یعرف مواقع السنن ویفهم معانی الکتاب (ن ط).

هذه الجمل الأربع التقطناها من سفاسفه المعنْوَنة بالخلافة الراشدة من صحیفة

ص: 118

(ون - ه س) ، ونحن لا ننکر لعمر بن الخطّاب فقهاً ولا علماً شأن کلّ مسلم عاصر النبی الأعظم وعاشره إن لم یُلهه عنه الصفق بالأسواق ، وإنّا نودّ أن نعرّفه - إن وسعنا - بما وصفه الرجل بعد ما عُرف فی الملأ بالخلافة الراشدة ، ومن حمله ذلک العبء الثقیل ، غیر أنّ ما حفظته غضون الکتب والمعاجم لا یتّفق مع هذه المزعمة ، والتاریخ الصحیح یوجّهنا إلی غیر شطر ولّی الرجل إلیه وجهه ، ویبعدنا عن محسبته بُعد المشرقین ، ویُسمعنا قول الخلیفة نفسه من وراء ستر رقیق : کلُّ الناس أفقه من عمر حتی ربّات الحجال (1) ، فنحن نقدّم الی رُوّاد الحقیقة آثاراً تُعرّف مهیع الطریق ، وتُعرب عن جلیّة الحال. ف)

ص: 119


1- سیوافیک حدیثه [ص 137 - 142 ، 204]. (المؤلف)

نوادر الأثر فی علم عمر

رأی الخلیفة فی فاقد الماء

اشارة

أخرج الإمام مسلم فی صحیحه (1) فی باب التیمّم بأربعة طرق عن عبد الرحمن ابن أبزی : إنّ رجلاً أتی عمر فقال : إنّی أجنبت فلم أجد ماءً فقال عمر : لا تصلِّ. فقال عمّار : أما تذکر یا أمیر المؤمنین إذ أنا وأنت فی سریّة فأجنبنا فلم نجد ماءً ، فأمّا أنت فلم تصلِّ ، وأمّا أنا فتمعّکت فی التراب وصلّیت ، فقال النبیُّ صلی الله علیه وآله وسلم «إنّما کان یکفیک أن تضرب بیدیک الأرض ثمّ تنفخ ثمّ تمسح بهما وجهک وکفّیک» ، فقال عمر : اتّق الله یا عمّار ، قال : إن شئت لم أُحدّث به.

وفی لفظ : قال عمّار : یا أمیر المؤمنین إن شئت لِما جعل الله علیّ من حقّک أن لا أُحدّث به أحداً ، ولم یذکر.

سنن أبی داود (1 / 53) ، سنن ابن ماجة (1 / 200) ، مسند أحمد (4 / 265) ، سنن النسائی (1 / 59 ، 61) ، سنن البیهقی (1 / 209) (2). 5.

ص: 120


1- صحیح مسلم : 1 / 355 ح 112 کتاب الحیض.
2- سنن أبی داود : 1 / 88 ح 322 ، سنن ابن ماجة : 1 / 188 ح 569 ، مسند أحمد : 5 / 329 ح 1786 ، السنن الکبری : 1 / 134 ح 303 - 305.

صورة أخری :

کنّا عند عمر فأتاه رجل فقال : یا أمیر المؤمنین إنّما نمکث الشهر والشهرین ولا نجد الماء ، فقال عمر : أمّا أنا فلم أکن لأصلّی حتی أجد الماء. فقال عمّار : یا أمیر المؤمنین تذکر حیث کنّا بمکان کذا ونحن نرعی الإبل فتعلم أنّا أجنبنا؟ قال : نعم ، قال : فإنّی تمرّغت فی التراب فأتیت النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فحدّثته فضحک وقال : «کان الطیّب کافیک» وضرب بکفّیه الأرض ثمّ نفخ فیهما ثمّ مسح بهما وجهه وبعض ذراعه؟ قال : اتّق الله یا عمّار ، قال یا أمیر المؤمنین إن شئت لم أذکره ما عشت أو ما حییت. قال : کلاّ والله ولکن نولّیک من ذلک ما تولّیت.

مسند أحمد (4 / 319) ، سنن أبی داود (1 / 53) ، سنن النسائی (1 / 60) (1).

تحریف وتدجیل :

هذا الحدیث أخرجه البخاری فی صحیحه (2) (1 / 45) فی باب : المتیمّم هل ینفخ فیهما ، وفی أبواب بعده ، غیر أنّه راقه أن یحرّفه صوناً لمقام الخلیفة فحذف منه جواب عمر (لا تصلّ) أو : (أمّا أنا فلم أکن لأُصلّی) ذاهلاً عن أنّ کلام عمّار عندئذٍ لا یرتبط بشیء ، ولعلّ هذا عند البخاری أخفُّ وطأة من إخراج الحدیث علی ما هو علیه.

وذکره البیهقی محرّفاً فی سننه الکبری (1 / 209) نقلاً عن الصحیحین ، وأخرجه النسائی فی سننه (3) (1 / 60) وفیه مکان جواب عمر : فلم یدرِ ما یقول. وأخرجه 4.

ص: 121


1- مسند أحمد : 5 / 417 ح 18403. سنن أبی داود : 1 / 88 ح 322. السنن الکبری : 1 / 133 ح 30.
2- صحیح البخاری : 1 / 129 ح 331.
3- السنن الکبری : 1 / 134 ح 304.

البغوی فی المصابیح (1) (1 / 36) وعدّه من الصحاح ، غیر أنّه حذف صدر الحدیث وذکر مجیء عمّار إلی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فحسب.

وذکره الذهبی فی تذکرته (2) (3 / 152) محرّفاً وأردفه بقوله : قال بعضهم : کیف ساغ لعمّار أن یقول مثل هذا فیحلّ له کتمان العلم؟ والجواب : إنّ هذا لیس من کتمان العلم فإنّه حدّث به واتّصل - ولله الحمد - بنا ، وحدّث فی مجلس أمیر المؤمنین ، وإنّما لاطف عمر بهذا لعلمه بأنّه کان ینهی عن الإکثار من الحدیث خوف الخطأ ، ولئلاّ یتشاغل الناس به عن القرآن.

قال الأمینی : هناک شیء هام أمثال هذه الکلمات المزخرفة والأبحاث الفارغة المعدّة لتعمیة البسطاء من القرّاء عمّا فی التاریخ الصحیح ، لیت شعری ما أغفلهم عن قول عمر : لا تصلّ - أو : - أمّا أنا فلم أکن لأُصلّی؟ یقوله وهو أمیر المؤمنین والمسألة سهلة جدّا عامّة البلوی شائعة. وما أغفلهم عن قوله لعمّار : اتّق الله یا عمّار وعن ترکه الصلاة یوم أجنب فی السریّة بعد ما جاء الإسلام بالطهورین! وعن جهله بآیة التیمّم وحکم القرآن الکریم وعن غضّه البصر عن تعلیم النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم عمّاراً بکیفیّة التیمّم! ما أذهلهم عن هذه الطامّات الکبری وأشغلهم بعمّار وکلمته! نعم ، الحبُّ یُعمی ویُصمّ ، ومن کان فی هذه أعمی ، فهو فی الآخرة أعمی وأضلُّ سبیلاً.

ویظهر من العینی فی عمدة القاری (3) (2 / 172) ، وابن حجر فی فتح الباری (4) (1 / 352) ثبوت تینک الفقرتین (5) من لفظ عمر فی الحدیث ولذلک جعلاه مذهباً له ، قال العینی : ف)

ص: 122


1- مصابیح السنّة : 1 / 239 ح 366.
2- تذکرة الحفّاظ : 3 / 951 رقم 897.
3- عمدة القاری : 4 / 18 - 19.
4- فتح الباری : 1 / 443.
5- أعنی قول عمر : لا تصلّ. وقوله : أمّا أنا فلم أکن لأصلّی حتی أجد الماء. (المؤلف)

فیه - یعنی فی الحدیث - أنّ عمر رضی الله عنه لم یکن یری للجنب التیمّم لقول عمّار له أنت فلم تصلِّ ، وقال جعل آیة : فأمّا خ التیمّم مختصّة بالحدث الأصغر ، وأدّی اجتهاده إلی أنّ الجنب لا یتیمّم.

وقال ابن حجر : هذا مذهب مشهور عن عمر.

یعرب الحدیث عن أنّ هذا الاجتهاد من الخلیفة کان فی حیاة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، وهو أعجب شیء طرق أُذن الدهر ، کیف أکمل الله دینه ومثل مسألة التیمّم العامّة البلوی کانت غیر معلومة فی حیاة النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وبقی فیها مجالٌ لمثل الخلیفة أن یجهل بها أو یجتهد فیها؟ وکیف فتح باب الاجتهاد بمصراعیه علی الأُمّة مع وجوده صلی الله علیه وآله وسلم بین ظهرانیها؟

فهلاّ سأل الرجل رسول الله بعد ما خالفه عمّار ، ورآه یتمعّک بالتراب فیصلّی. وهلاّ أخبره عمّار یوم أجنبا بما علّمه رسول الله من هدیه وسنّته فی التیمّم.

وهلاّ علم رسول الله ترک عمر الصلاة - وهی أهمّ الفرائض وأکملها - مهما أجنب ولم یجد الماء وأخبره بما جاء به الإسلام وقرّر فی شرعه المقدّس.

وهلاّ سأل عمر بعده صلی الله علیه وآله وسلم رجالاً خالفوه فی رأیه هذا مثل علیّ أمیر المؤمنین وابن عبّاس وأبی موسی الأشعری والصحابة کلّهم غیر عبد الله بن مسعود.

وهل کان عمل أُولئک القائلین بالتیمّم علی الجنب الفاقد للماء اتِّباعاً للسنّة الثابتة المسموعة من رسول الله؟ أو کان مجرّد رأی واجتهاد أیضاً لِدة اجتهاد الخلیفة؟

وهلاّ کان الخلیفة یثق بعمّار یوم أخبره عن سنّة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فلم یعدل عن رأیه. ولم یر ابن مسعود أنّ عمر قنع بقول عمّار (1).ف)

ص: 123


1- صحیح البخاری [1 / 132 ح 338] ، صحیح مسلم [1 / 354 ح 110 کتاب الحیض] ، سنن البیهقی : 1 / 226 ، تیسیر الوصول : 3 / 97 [3 / 114 ح 6]. (المؤلف)

وهل خفی علی الخلیفة ما أخرجه البخاری فی صحیحه عن عمران بن الحصین ، قال : إنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم رأی رجلاً معتزلاً لم یصلِّ فی القوم فقال : «یا فلان ما منعک أن تصلّی فی القوم؟» فقال : یا رسول الله أصابتنی جنابة ولا ماء ، فقال : «علیک بالصعید فإنّه یکفیک» (1).

وهل عزب عنه ما رواه سعید بن المسیّب عن أبی هریرة؟ قال : جاء إلی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فقال : إنّا نکون فی الرمل وفینا الحائض والجنب والنفساء فیأتی علینا أربعة أشهر لا نجد الماء. قال : «علیک بالتراب» یعنی التیمّم.

وفی لفظ آخر : إنّ أعراباً أتوا النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فقالوا : یا رسول الله إنّا نکون فی هذه الرمال لا نقدر علی الماء ولا نری الماء ثلاثة أشهر أو أربعة أشهر وفینا النفساء والحائض والجنب. قال : «علیکم بالأرض».

وفی لفظ الأعمش : جاء الأعراب إلی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فقالوا : إنّا نکون بالرمل ونعزب عن الماء الشهرین والثلاثة وفینا الجنب والحائض. فقال : «علیکم بالتراب» (2).

وهل ذهب علیه ما أخبر به أبو ذر من السنّة؟ قال : کنت أعزب عن الماء ومعی أهلی فتصیبنی الجنابة فأُصلّی بغیر طهور ، فأتیت النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم بنصف النهار وهو فی رهط من أصحابه وهو فی ظلِّ المسجد فقال : «أبو ذر؟» فقلت : نعم ؛ هلکت یا رسول الله ؛ فقال : «وما أهلکک؟» قال : إنّی کنت أعزب عن الماء ومعی أهلی فتصیبنی الجنابة فأُصلّی بغیر طهور ، فأمر لی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بماء فجاءت به جاریة ف)

ص: 124


1- صحیح البخاری : 1 / 129 [1 / 134 ح 341] ، صحیح مسلم [2 / 131 ح 312 کتاب المساجد] ، مسند أحمد : 4 / 434 [5 / 600 ح 19397] ، سنن النسائی : 1 / 171 [1 / 136 ح 31] ، سنن البیهقی : 1 / 219 ، تیسیر الوصول : 3 / 98 [3 / 115 ح 11]. (المؤلف)
2- سنن البیهقی : 1 / 216 ، 217. (المؤلف)

سوداء بعسّ یتخضخض ما هو بملآن فتستّرتُ إلی بعیری فاغتسلت ، ثمّ جئت فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «یا أبا ذر إنّ الصعید الطیِّب طهور وإن لم تجد الماء إلی عشر سنین ، فإذا وجدت الماء فأَمسِسه جلدک» (1).

وهلاّ قرع سمعه حدیث الأسقع ، قال : کنت أرحِّل للنبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فأصابتنی جنابة فقال النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم : «رحِّل لنا یا أسقع». فقلت : بأبی أنت وأُمّی أصابتنی جنابة ولیس فی المنزل ماء. فقال : «تعال یا أسقع أُعلّمک التیمّم مثل ما علّمنی جبرئیل» فأتیته فنحّانی عن الطریق قلیلاً فعلّمنی التیمّم (2).

وقبل کلِّ شیء آیتا التیمّم ، إحداهما فی سورة النساء آیة (43) ، وهی قوله :

(یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُکاری حَتَّی تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلاَّ عابِرِی سَبِیلٍ حَتَّی تَغْتَسِلُوا وَإِنْ کُنْتُمْ مَرْضی أَوْ عَلی سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْکُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَیَمَّمُوا صَعِیداً طَیِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِکُمْ وَأَیْدِیکُمْ إِنَّ اللهَ کانَ عَفُوًّا غَفُوراً).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام : «أُنزلت هذه الآیة [فی المسافر] إذا أجنب فلم یجد الماء تیمّم وصلّی حتی یدرک الماء ، فإذا أدرک الماء اغتسل» (3).

والآیة الثانیة فی سورة المائدة آیة (6) ، وهی قوله :

(یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَی الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَکُمْ وَأَیْدِیَکُمْ إِلَی الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِکُمْ وَأَرْجُلَکُمْ إِلَی الْکَعْبَیْنِ وَإِنْ کُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ کُنْتُمْ مَرْضی أَوْ عَلی سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْکُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَیَمَّمُوا صَعِیداً ف)

ص: 125


1- سنن البیهقی : 1 / 217 ، 220. (المؤلف)
2- تاریخ الخطیب البغدادی : 8 / 377 [رقم 4477]. (المؤلف)
3- سنن البیهقی : 1 / 216 [والزیادة فی المتن من المصدر]. (المؤلف)

طَیِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِکُمْ وَأَیْدِیکُمْ مِنْهُ).

فإنّ المراد من الملامسة فی آیة النساء هو الجماع لا محالة ، کما عن أمیر المؤمنین وابن عبّاس وأبی موسی الأشعری ، وتبعهم فی ذلک الحسن وعبیدة والشعبی وآخرون ، وهذا مذهب کلِّ من نفی الوضوء بمسِّ المرأة کأبی حنیفة وأبی یوسف ومحمد وزفر والثوری والأوزاعی وغیرهم. وذلک أنّ المولی سبحانه أسلف بیان حکم الجنب عند وجدان الماء بقوله : (حَتَّی تَغْتَسِلُوا) ، وقوله : (فَاطَّهَّرُوا) ، ثمّ شرع فی صور حکم عدم التمکّن من استعمال الماء لمرض أو سفر أو فقدانه واستطرد هنا ذکر الحدث الأصغر بقوله : (أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْکُمْ مِنَ الْغائِطِ) ، فنوّه بذکر الجنابة بقوله : (أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ) ولو أرید به غیر الجماع لکان مختزلاً عمّا قبله. وعبّر عن الجماع باللمس المرادف للمسِ (1) الذی أُرید به الجماع فحسب فی قوله تعالی : (لا جُناحَ عَلَیْکُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَ) (2) وقوله تعالی : (وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَ) (3) وقوله تعالی : (ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَ) (4).

ولغیر واحد من فقهاء القوم وأئمّتهم کلمات ضافیة فی المقام تکشف عن جلیّة الحال نقتصر منها بکلمة الإمام أبی بکر الجصّاص الحنفی المتوفّی (370) ، قال فی أحکام القرآن (5) (2 / 450 - 456):

أمّا قوله تعالی : (أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَیَمَّمُوا صَعِیداً) ؛ فإنّ السلف قد تنازعوا فی معنی الملامسة المذکورة فی هذه الآیة ، فقال علیّ وابن عبّاس 9.

ص: 126


1- راجع معاجم اللغة : [أنظر : لسان العرب : 12 / 326 ، تاج العروس : 4 / 248]. (المؤلف)
2- البقرة : 236.
3- البقرة : 237.
4- الأحزاب : 49.
5- أحکام القرآن : 2 / 369.

وأبو موسی والحسن وعبیدة والشعبی : هی کنایة عن الجماع وکانوا لا یوجبون الوضوء لمن مسّ امرأته. وقال عمر وعبد الله بن مسعود : المراد اللّمس بالید ، وکانا یوجبان الوضوء بمسِّ المرأة ولا یریان للجنب أن یتیمّم ، فمن تأوّله من الصحابة علی الجماع لم یوجب الوضوء من مسِّ المرأة ، ومن حمله علی اللّمس بالید أوجب الوضوء من مسِّ المرأة ولم یجز التیمّم للجنب.

ثمّ أثبت عدم نقض الوضوء بمسِّ المرأة علی کلِّ حال لشهوة أو لغیر شهوة بالسنّة النبویّة ، فقال : اللّمس یحتمل الجماع علی ما تأوّله علیّ وابن عبّاس وأبو موسی ، ویحتمل اللّمس بالید علی ما روی عن عمر وعبد الله بن مسعود ، فلمّا روی عن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم أنّه قبّل بعض نسائه ثمّ صلّی ولم یتوضّأ ، أبان ذلک عن مراد الله تعالی.

ووجه آخر یدلّ علی أنّ المراد منه الجماع وهو أنّ اللّمس وإن کان حقیقة للمسِّ بالید فإنّه لمّا کان مضافاً إلی النساء وجب أن یکون المراد منه الوطء کما أنّ الوطء حقیقته المشی بالأقدام فإذا أُضیف إلی النساء لم یعقل منه غیر الجماع ، کذلک هذا ونظیره قوله تعالی : (وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَ) ، یعنی من قبل أن تجامعوهنّ.

وأیضاً فإنّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم أمر الجنب بالتیمّم فی أخبار مستفیضة ، ومتی ورد عن النبیِّ صلی الله علیه وآله وسلم حکم ینتظمه لفظ الآیة وجب أن یکون فعله إنّما صدر عن الکتاب ، کما أنّه قطع السارق وکان فی الکتاب لفظ یقتضیه کان قطعه معقولاً بالآیة ، وکسائر الشرائع التی فعلها النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ممّا ینطوی علیه ظاهر الکتاب.

ویدلُّ علی أنّ المراد الجماع دون لمس الید أنّ الله تعالی قال : (إِذا قُمْتُمْ إِلَی الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَکُمْ) ، إلی قوله : (وَإِنْ کُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) ، أبان به عن حکم الحدیث فی حال وجود الماء ثمّ عطف علیه قوله : (وَإِنْ کُنْتُمْ مَرْضی أَوْ عَلی سَفَرٍ) ،

ص: 127

إلی قوله : (فَتَیَمَّمُوا صَعِیداً طَیِّباً) ، فأعاد ذکر حکم الحدث فی حال عدم الماء فوجب أن یکون قوله : (أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ) علی الجنابة لتکون الآیة منتظمة لها مبیّنة لحکمهما فی حال وجود الماء وعدمه ، ولو کان المراد اللّمس بالید لکان ذکر التیمّم مقصوراً علی حال الحدث دون الجنابة غیر مفید لحکم الجنابة فی حال عدم الماء ، وحمل الآیة علی فائدتین أولی من الاقتصار بها علی فائدة واحدة ، وإذا ثبت أنّ المراد الجماع انتفی اللّمس بالید لما بیّنا من امتناع إرادتهما بلفظ واحد.

فإن قیل : إذا حمل علی اللّمس بالید کان مفیداً لکون اللّمس حدثاً وإذا جعل مقصوراً علی الجماع لم یُفد ذلک ، فالواجب علی قضیّتک فی اعتبار الفائدتین حمله علیهما جمیعاً فیفید کون اللّمس حدثاً ، ویفید أیضاً جواز التیمّم للجنب ، فإن لم یجز حمله علی الأمرین لما ذکرت من اتّفاق السلف علی أنّهما لم یرادا ولامتناع کون اللفظ مجازاً وحقیقةً أو کنایةً وصریحاً ، فقد ساویناک فی إثبات فائدة مجدّدة بحمله علی اللّمس بالید مع استعمالنا حقیقة اللفظ فیه ، فما جعلک إثبات فائدة من جهة إباحة التیمّم للجنب أولی ممّن أثبت فائدته من جهة کون اللّمس بالید حدثاً؟

قیل له : لأنّ قوله تعالی : (إِذا قُمْتُمْ إِلَی الصَّلاةِ) مفید لحکم الأحداث فی حال وجود الماء ونصّ مع ذلک علی حکم الجنابة ، فالأَولی أن یکون ما فی نسق الآیة من قوله : (أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْکُمْ مِنَ الْغائِطِ) ، إلی قوله : (أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ) ، بیاناً لحکم الحدث والجنابة فی حال عدم الماء ، کما کان فی أوّل الآیة بیاناً لحکمهما فی حال وجوده ، ولیس موضع الآیة فی بیان تفصیل الأحداث وإنّما هی فی بیان حکمها ، وأنت متی حملت اللّمس علی بیان الحدث فقد أزلتها عن مقتضاها وظاهرها فلذلک کان ما ذکرناه أولی.

ودلیل آخر علی ما ذکرناه من معنی الآیة وهو أنّها قد قرئت علی وجهین : (أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ) ، ولمستم ، فمن قرأ : (أَوْ لامَسْتُمُ) فظاهره الجماع لا غیر ، لأنّ

ص: 128

المفاعلة لا تکون إلاّ من اثنین إلاّ فی أشیاء نادرة کقولهم : قاتله الله وجازاه وعافاه الله ونحو ذلک ، وهی أحرف معدودة لا یُقاس علیها أغیارها ، والأصل فی المفاعلة أنّها بین اثنین کقولهم : قاتله ، وضاربه ، وسالمه ، وصالحه ، ونحو ذلک ، وإذا کان ذلک حقیقة اللفظ فالواجب حمله علی الجماع الذی یکون منهما جمیعاً ، ویدلّ علی ذلک أنّک لا تقول لامست الرجل ولامست الثوب إذا مسسته بیدک لانفرادک بالفعل ، فدلّ علی أنّ قوله : (أَوْ لامَسْتُمُ) بمعنی أو جامعتم النساء فیکون حقیقته الجماع ؛ وإذا صحّ ذلک وکانت قراءة من قرأ : (أو لمستم) یحتمل اللّمس بالید ویحتمل الجماع وجب أن یکون ذلک محمولاً علی ما لا یحتمل إلاّ معنی واحداً ؛ لأنّ ما لا یحتمل إلاّ معنی واحداً فهو المحکم ، وما یحتمل معنیین فهو المتشابه ، وقد أمرنا الله تعالی بحمل المتشابه علی المحکم وردّه إلیه بقوله : (هُوَ الَّذِی أَنْزَلَ عَلَیْکَ الْکِتابَ مِنْهُ آیاتٌ مُحْکَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْکِتابِ) (1) الآیة ، فلمّا جعل المحکم أُمّا للمتشابه فقد أمرنا بحمله علیه ، وذمّ متّبع المتشابه باقتصاره علی حکمه بنفسه دون ردِّه إلی غیره بقوله : (فَأَمَّا الَّذِینَ فِی قُلُوبِهِمْ زَیْغٌ فَیَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ) فثبت بذلک أنّ قوله : (أو لمستم) لمّا کان محتملاً للمعنیین کان متشابهاً وقوله : (أَوْ لامَسْتُمُ) لمّا کان مقصوراً فی مفهوم اللسان علی معنی واحد کان محکماً ، فوجب أن یکون معنی المتشابه مبیّناً علیه.

ویدلّ علی أنّ اللّمس لیس بحدث : أنّ ما کان حدثاً لا یختلف فیه الرجال والنساء ، ولو مسّت امرأة امرأة لم یکن حدثاً ، کذلک مسُّ الرجل إیّاها (2) وکذلک مسُّ الرجل الرجل لیس بحدث. فکذلک مسُّ المرأة ، ودلالة ذلک علی ما وصفنا من وجهین ؛ أحدهما : أنّا وجدنا الأحداث لا تختلف فیها الرجال والنساء ، فکلّ ما کان حدثاً من الرجل فهو من المرأة حدث ، وکذلک ما کان حدثاً من المرأة فهو حدث من ف)

ص: 129


1- آل عمران : 7.
2- یعنی لیس بحدث بالنسبة إلی المرأة. (المؤلف)

الرجل ، فمن فرّق بین الرجل والمرأة فقوله خارج عن الأُصول. ومن جهة أخری : أنّ العلّة فی مسِّ المرأة المرأة والرجل الرجل أنّه مباشرة من غیر جماع فلم یکن حدثاً ، کذلک الرجل والمرأة. انتهی.

فتری بعد هذه کلّها أنّ رأی الخلیفة شاذّ عن الکتاب والسنّة الثابتة وإجماع الأُمّة ، واجتهاد محض تجاه النصوص المسلّمة ، ولذلک خالفته الأُمّة الإسلامیّة جمعاء من یومها الأوّل حتی الیوم ، وأصفقت علی وجوب التیمّم علی الجنب الفاقد للماء ، ولم یتّبعه فیما رآه أحد إلاّ عبد الله بن مسعود إن صحّت النسبة إلیه.

ویظهر من صحیحة الشیخین - البخاری ومسلم - عن شقیق أنّ الاجتهاد المذکور فی آیتی التیمّم والتأویل فی قوله : (أَوْ لامَسْتُمُ) کما ذکر من مختلقات التابعین ومن بعدهم ، وکان مفاد الآیتین متّفقاً علیه عند الصحابة ولم یکن قطُّ اختلاف بینهم فیه وإنّما کره عمر وتابِعه الوحید التیمّم للجنب الفاقد للماء لغایة أخری.

قال شقیق : کنت بین عبد الله بن مسعود وأبی موسی رضی الله عنهما ، فقال أبو موسی : أرأیت یا أبا عبد الرحمن لو أنّ رجلاً أجنب فلم یجد الماء شهراً کیف یصنع بالصلاة؟ فقال : لا یتیمّم وإن لم یجد الماء شهراً. فقال أبو موسی : کیف بهذه الآیة فی سورة المائدة : (فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَیَمَّمُوا صَعِیداً طَیِّباً)؟ قال عبد الله : لو رُخّص لهم فی هذه الآیة لأوشک إذا برد علیهم الماء أن یتیمّموا بالصعید. فقال له أبو موسی : وإنّما کرهتم هذا لذا؟ قال : نعم. فقال أبو موسی لعبد الله : ألم تسمع قول عمّار لعمر رضی الله عنهما : بعثنی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فأجنبت فلم أجد الماء فتمرّغت فی الصعید کما تتمرّغ الدابّة ثمّ أتیت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فذکرت له ذلک ، فقال : «إنّما کان یکفیک أن تصنع هکذا» ، وضرب بکفّیه ضربةً علی الأرض ثمّ نفضها ثمّ مسح بها ظهر کفِّه بشماله وظهر شماله بکفه ثمّ مسح بهما وجهه؟ فقال عبد الله : أفلم تر عمر لم یقنع بقول عمّار؟

ص: 130

صورة أخری للبخاری :

قال شقیق : کنت عند عبد الله وأبی موسی ، فقال له أبو موسی : أرأیت یا أبا عبد الرحمن إذا أجنب فلم یجد ماء کیف یصنع؟ فقال عبد الله : لا یصلّی حتی یجد الماء.

قال أبو موسی : فکیف تصنع بقول عمّار حین قال له النبیُّ صلی الله علیه وآله وسلم : «کان یکفیک»؟ قال : أوَلم ترَ أنّ عمر لم یقنع منه بذلک؟ فقال له أبو موسی : فدعنا من قول عمّار ، کیف تصنع بهذه الآیة؟ فما دری عبد الله ما یقول ، فقال : إنّا لو رخّصنا لهم فی هذا لأوشک إذا برد علی أحدهم الماء أن یدعه ویتیمّم ، فقلت لشقیق : فإنّما کره عبد الله لهذا؟ قال : نعم (1).

ما أرأف هذا القائل بالجنب الفاقد للماء وأشفقه علیه إذ رأی له ترک الصلاة ولو لم یجد الماء شهراً! وما أقساه علی من برد علیه الماء وأوشک أن یتیمّم! فنهی عن التیمّم شدّةً علی هذا ورأفةً بذاک ، فکأنّ ترک الجنب الفاقد للماء الصلاة وإعراضه عمّا فی الکتاب والسنّة أخفُّ وطأة عنده من تیمّم من اتّخذ البرد عذراً وترک الغسل ، وکأنّه أعرف بصالح المجتمع الدینیِّ من مشرِّع الدین لهم ، وکأنّه یری أنّ الشارع الأقدس فاتته رعایة ما تنبّه له من المفسدة من التیمّم عند برد الماء فتدارکه هذا الفقیه الضلیع فی الفقاهة برأیه الفطیر وحجّته الداحضة ، وکأنّه وکأنّه .... ف)

ص: 131


1- صحیح البخاری : 1 / 128 ، 129 [1 / 133 ح 339] ، صحیح مسلم : 1 / 110 [1 / 354 ح 11 کتاب الحیض] ، سنن أبی داود : 1 / 53 [1 / 87 ح 321] ، وفی تیسیر الوصول : 3 / 97 [3 / 114] : أخرجه الخمسة إلاّ الترمذی ، سنن البیهقی : 1 / 226. (المؤلف)

- 2 -

الخلیفة لا یعرف حکم الشکوک

أخرج إمام الحنابلة أحمد فی مسنده (1) (1 / 193) بإسناده عن مکحول أنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قال : «إذا صلّی أحدکم فشکّ فی صلاته فإن شکّ فی الواحدة والثنتین فلیجعلها واحدة ، وإن شکّ فی الثنتین والثلاث فلیجعلها ثنتین ، وإن شکّ فی الثلاث والأربع فلیجعلها ثلاثاً ، حتی یکون الوهم فی الزیادة ثمّ یسجد سجدتین قبل أن یسلّم ثمّ یسلّم» قال محمد بن إسحاق : وقال لی حسین بن عبد الله : هل أسنده لک؟ فقلت : لا. فقال : لکنّه حدّثنی أنّ کریباً مولی ابن عبّاس حدّثه عن ابن عبّاس ، قال : جلست إلی عمر بن الخطّاب فقال : یا ابن عبّاس إذا اشتبه علی الرجل فی صلاته فلم یدرِ أزاد أم نقص؟ قلت : یا أمیر المؤمنین ما أدری ما سمعت فی ذلک شیئاً ، فقال عمر : والله ما أدری - وفی لفظ البیهقی - : لا والله ما سمعت منه صلی الله علیه وآله وسلم فیه شیئاً ولا سألت عنه.

فبینا نحن علی ذلک إذ جاء عبد الرحمن بن عوف فقال : ما هذا الذی تذکران؟ فقال له عمر : ذکرنا الرجل یشکُّ فی صلاته کیف یصنع؟ فقال : سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول هذا. الحدیث.

وفی لفظ آخر فی مسند أحمد :

عن کریب عن ابن عبّاس أنّه قال له عمر : یا غلام هل سمعت من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أو من أحد من أصحابه إذا شکّ الرجل فی صلاته ما ذا یصنع؟ قال : فبینا هو کذلک إذ أقبل عبد الرحمن بن عوف فقال : فیم أنتما؟ فقال عمر : سألت هذا الغلام هل سمعت من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أو أحد من أصحابه إذا شکّ الرجل فی صلاته ما ذا یصنع؟ فقال 0.

ص: 132


1- مسند أحمد : 1 / 317 ح 1680.

عبد الرحمن : سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول : «إذا شکّ أحدکم» الحدیث (1).

ألا تعجب من خلیفة لا یعرف حکم شکوک الصلاة ، وهو مبتلیً بها فی الیوم واللیلة خمساً؟ ولم یهتم بأمرها حتی یسأل رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم عنها إلی أن یؤول أمره إلی السؤال من غلام لا یعرفها أیضاً فینبئه بها عبد الرحمن بن عوف! أنا لا أدری کیف کان یفعل وهو بتلک الحال لو شکّ فی صلاة یؤمّ فیها المؤمنین؟ وطبع الحال یقضی بوقوع ذلک لکلِّ أحد فی عمره ولو دفعات یسیرة ، وأنا فی بهیتة من الحکم الباتّ بأعلمیّة رجل هذا مبلغ علمه ، وهذه سعة اطّلاعه علی الأحکام ، زهٍ بأُمّةٍ هذا شأن أعلمها (کَبُرَتْ کَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ إِنْ یَقُولُونَ إِلاَّ کَذِباً) (2).

- 3 -

جهل الخلیفة بکتاب الله

أخرج الحافظان ابن أبی حاتم والبیهقی عن الدؤلی : أنّ عمر بن الخطّاب رُفعت إلیه امرأة ولدت لستّة فهمّ برجمها ، فبلغ ذلک علیّا فقال : «لیس علیها رجمٌ» فبلغ ذلک عمر رضی الله عنه فأرسل إلیه فسأله فقال : «قال الله تعالی : (وَالْوالِداتُ یُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَیْنِ کامِلَیْنِ) (3) وقال : (وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً) (4) فستّة أشهر حمله وحولان فذلک ثلاثون شهراً». فخلّی عنها.

وفی لفظا لنیسابوری والحفّاظ الکنجی : فصدّقه عمر وقال : لو لا علیّ لهلک عمر. وفی لفظ سبط ابن الجوزی : فخلّی عنها وقال : اللهمّ لا تبقنی لمعضلة لیس لها ابن أبی طالب. 5.

ص: 133


1- مسند أحمد : 1 / 190 ، 195 [1 / 312 ح 1659 ، ص 319 ح 1691] ، سنن البیهقی : 2 / 332 بعدّة طرق. (المؤلف)
2- الکهف : 5.
3- البقرة : 233.
4- الأحقاف : 15.

صورة أخری :

أخرج الحافظ عبد الرزّاق (1) وعبد بن حمید وابن المنذر بإسنادهم عن الدؤلی قال : رفع إلی عمر امرأة ولدت لستّة أشهر فأراد عمر أن یرجمها ، فجاءت أُختها إلی علیِّ بن أبی طالب فقالت : إنّ عمر یرجم أُختی ، فأنشدک الله إن کنت تعلم أنّ لها عذراً لمّا أخبرتنی به ، فقال علیّ : «إنّ لها عذراً». فکبّرت تکبیرةً سمعها عمر ومن عنده ، فانطلقت إلی عمر فقالت : إنّ علیّا زعم أنّ لأُختی عذراً ، فأرسل عمر إلی علیّ ما عذرها؟ قال : «إنّ الله یقول : (وَالْوالِداتُ یُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَیْنِ کامِلَیْنِ) وقال : (وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً) وقال : (وَفِصالُهُ فِی عامَیْنِ) (2) وکان الحمل هنا ستّة أشهر». فترکها عمر ، قال : ثمّ بلغنا أنّها ولدت آخر لستّة أشهر.

صورة ثالثة :

أخرج الحافظان العقیلی وابن السمّان عن أبی حزم بن الأسود : أنّ عمر أراد رجم المرأة التی ولدت لستّة أشهر ، فقال له علیّ : «إنّ الله تعالی یقول : (وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً) وقال تعالی : (وَفِصالُهُ فِی عامَیْنِ) فالحمل ستّة أشهر والفصال فی عامین». فترک عمر رجمها وقال : لو لا علیّ لهلک عمر.

السنن الکبری (7 / 442) ، مختصر جامع العلم (ص 150) ، الریاض النضرة (2 / 194) ، ذخائر العقبی (ص 82) ، تفسیر الرازی (7 / 484) ، أربعین الرازی (ص 466) ، تفسیر النیسابوری (ج 3) فی سورة الأحقاف ، کفایة الکنجی (ص 105) ، مناقب الخوارزمی (ص 57) ، تذکرة السبط (ص 87) ، الدر 4.

ص: 134


1- المصنّف : 7 / 350 ح 13444.
2- لقمان : 14.

المنثور (1 / 288 ، 6 / 40) نقلاً عن جمع من الحفّاظ ، کنز العمّال (3 / 96) نقلاً عن خمس من الحفّاظ و (3 / 228) نقلاً عن غیر واحد من أئمّة الحدیث (1).

العجب العجاب

أخرج الحفّاظ عن بعجة (2) بن عبد الله الجهنی قال : تزوّج رجل منّا امرأة من جهینة فولدت له تماماً لستّة أشهر ، فانطلق زوجها إلی عثمان فأمر بها أن تُرجم ، فبلغ ذلک علیّا رضی الله عنه فأتاه فقال : «ما تصنع؟ لیس ذلک علیها قال الله تبارک وتعالی : (وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً) وقال : (وَالْوالِداتُ یُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَیْنِ کامِلَیْنِ) فالرضاعة أربعة وعشرون شهراً والحمل ستّة أشهر». فقال عثمان : والله ما فطنت لهذا ، فأمر بها عثمان أن تردّ فوجدت قد رُجمت ، وکان من قولها لأُختها : یا أُخیّة لا تحزنی فو الله ما کشف فرجی أحد قطّ غیره ، قال : فشبّ الغلام بعدُ فاعترف الرجل به وکان أشبه الناس به قال : فرأیت الرجل بعدُ یتساقط عضواً عضواً علی فراشه (3).

ألیس عاراً أن یُشغل فراغ النبیّ الأعظم أُناس هذا شأنهم فی القضاء؟ أمنَ العدل أن یُسلّط علی الأنفس والأعراض والدماء رجال هذا مبلغهم من العلم؟ أمن الإنصاف أن تفوّض النوامیس الإسلامیّة وطقوس الأُمّة وربقة المسلمین إلی ید ف)

ص: 135


1- مختصر جامع بیان العلم : ص 265 ، الریاض النضرة : 3 / 142 ، التفسیر الکبیر : 28 / 15 ، تفسیر النیسابوری : 6 / 120 ، کفایة الطالب : ص 226 ، المناقب : ص 94 ح 94 ، تذکرة الخواص : ص 148 ، الدرّ المنثور : 1 / 688 و 7 / 441 ، کنز العمّال : 5 / 457 ح 13598 و 6 / 205 ح 15363.
2- فی تفسیر ابن کثیر : عن معمر.
3- أخرجه مالک فی الموطأ : 2 / 176 [2 / 825 ح 11] ، والبیهقی فی السنن الکبری : 7 / 442 ، وأبو عمر فی العلم : ص 150 [ص 311 ح 1562] ، وابن کثیر فی تفسیره : 4 / 157 ، وابن الدیبع فی تیسیر الوصول : 2 / 9 [2 / 11] ، والعینی فی عمدة القاری : 9 / 642 [21 / 18] ، والسیوطی فی الدرّ المنثور : 6 / 40 [7 / 441] نقلاً عن ابن المنذر وابن أبی حاتم. (المؤلف)

خلائف هذه سیرتهم؟ لاها الله (وَرَبُّکَ یَخْلُقُ ما یَشاءُ وَیَخْتارُ ما کانَ لَهُمُ الْخِیَرَةُ سُبْحانَ اللهِ وَتَعالی عَمَّا یُشْرِکُونَ) (1) ، (وَما کُنْتَ لَدَیْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ یَمْکُرُونَ) (2) ، (فَذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِیمٌ) (3).

- 4 -

امرأة أخری وضعت لستّة أشهر

أخرج عبد الرزّاق (4) وابن المنذر عن نافع بن جبیر : أنّ ابن عباس أخبره قال : إنّی لصاحب المرأة التی أُتی بها عمر ، وضعت لستّة أشهر ، فأنکر الناس ذلک فقلت لعمر : لا تظلم ، قال : کیف؟ قلت : إقرأ (وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً) ، (وَالْوالِداتُ یُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَیْنِ کامِلَیْنِ) ، کم الحول؟ قال : سنة ، قلت : کم السنة؟ قال : اثنا عشر شهراً ، قلت : فأربعة وعشرون شهراً حولان کاملان ، ویؤخِّر الله من الحمل ما شاء ویقدِّم ، قال : فاستراح عمر إلی قولی.

الدرّ المنثور (5) - سورة الأحقاف - (6 / 40) ، وأوعز إلیه ابن عبد البرّ فی کتاب العلم (6) (ص 150).

- 5 -

کلُّ الناس أفقه من عمر

اشارة

عن مسروق بن الأجدع قال : رکب عمر بن الخطّاب منبر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ثمّ 2.

ص: 136


1- القصص : 68.
2- یوسف : 102.
3- التغابن : 5.
4- المصنّف : 7 / 352 ح 13449.
5- الدرّ المنثور : 7 / 442.
6- جامع بیان العلم : ص 311 ح 1562.

قال : أیّها الناس ما إکثارکم فی صداق النساء؟ وقد کان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وأصحابه والصدقات فیما بینهم أربعمائة درهم فما دون ذلک ، ولو کان الإکثار فی ذلک تقوی عند الله أو کرامة لم تسبقوهم إلیها ، فلأعرفنّ ما زاد رجل فی صداق امرأة علی أربعمائة درهم. قال : ثمّ نزل فاعترضته امرأة من قریش فقالت : یا أمیر المؤمنین نهیت الناس أن یزیدوا فی مهر النساء علی أربعمائة درهم؟ قال : نعم. فقالت : أما سمعت ما أنزل الله فی القرآن؟ قال : وأیّ ذلک؟ فقالت : أما سمعت الله یقول : (وَآتَیْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً) (1)؟ قال : فقال : اللهمّ غفراً ، کلُّ الناس أفقه من عمر ، ثمّ رجع فرکب المنبر فقال : أیّها الناس إنّی کنت نهیتکم أن تزیدوا النساء فی صدقاتهنّ علی أربعمائة درهم فمن شاء أن یعطی من ماله - أو : فمن طابت نفسه - فلیفعل.

أخرجه (2) أبو یعلی فی مسنده الکبیر ، وسعید بن منصور فی سننه ، والمحاملی فی أمالیه ، وابن الجوزی فی سیرة عمر (ص 129) ، وابن کثیر فی تفسیره (1 / 467) عن أبی یعلی وقال : إسناده جیّد قویّ ، والهیثمی فی مجمع الزوائد (4 / 284) ، والسیوطی فی الدرّ المنثور (2 / 133) ، وفی جمع الجوامع کما فی ترتیبه (8 / 298) ، وفی الدرر المنتثرة (ص 243) نقلاً عن سبعة من الحفّاظ ومنهم أحمد وابن حبّان والطبرانی ، وذکره الشوکانی فی فتح القدیر (1 / 407) ، والعجلونی فی کشف الخفاء (1 / 269) نقلاً عن أبی یعلی وقال : سنده جیّد ، وابن درویش الحوت فی أسنی المطالب (ص 166) وقال : حدیث : کلُّ أحد أعلم أو أفقه من عمر ، قاله عمر لمّا نهی عن المغالاة فی الصداق وقالت امرأة : قال الله (وَآتَیْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً) ، رواه أبو یعلی وسنده جیّد ، وعند البیهقی منقطع. 3.

ص: 137


1- النساء : 20.
2- سنن سعید بن منصور : 1 / 166 ح 598 ، سیرة عمر : ص 137 ، الدرّ المنثور : 2 / 466 ، کنز العمّال : 16 / 535 ح 45790 ، الدرر المنتثرة : ص 152 ح 488 ، فتح القدیر : 1 / 443 ، أسنی المطالب : ص 335 ح 1082 ، السنن الکبری للبیهقی : 7 / 233.

صورة أخری :

عن عبد الله بن مصعب قال : قال عمر بن الخطاب رضی الله عنه : لا تزیدوا فی مهور النساء علی أربعین أوقیة وإن کانت بنت ذی الفضة - یعنی یزید بن الحصین الحارثی - فمن زاد ألقیت الزیادة فی بیت المال ، فقامت امرأة من صفِّ النساء طویلة فی أنفها فطس. فقالت : ما ذاک لک. قال : ولِمَ؟ قالت : إنّ الله تعالی یقول : (وَآتَیْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً). الآیة. فقال عمر : امرأة أصابت ورجل أخطأ.

أخرجه (1) الزبیر بن بکّار فی الموفّقیات ، وابن عبد البرّ فی جامع العلم کما فی مختصره (ص 66) ، وابن الجوزی فی سیرة عمر (ص 129) ، وفی کتابه الأذکیاء (ص 162) ، والقرطبی فی تفسیره (5 / 99) ، وابن کثیر فی تفسیره (1 / 467) ، والسیوطی فی الدرّ المنثور (2 / 133) ، وفی جمع الجوامع کما فی ترتیبه الکنز (8 / 298) ، عن ابن بکّار وابن عبد البرّ ، والسندی فی حاشیة سنن ابن ماجة (1 / 584) ، والعجلونی فی کشف الخفاء (1 / 270 و 2 / 118).

صورة ثالثة :

أخرج البیهقی فی سننه الکبری (7 / 233) ، عن الشعبی قال : خطب عمر بن الخطاب رضی الله عنه الناس فحمد الله وأثنی علیه وقال : ألا لا تغالوا فی صداق النساء فإنّه لا یبلغنی عن أحد ساق أکثر من شیء ساقه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أو سیق إلیه إلاّ جعلت فضل ذلک فی بیت المال ثمّ نزل ، فعرضت له امرأة من قریش فقالت : یا أمیر المؤمنین 0.

ص: 138


1- جامع بیان العلم : ص 158 ح 799 ، مختصر جامع بیان العلم : ص 120 ، سیرة عمر : ص 136 ، الأذکیاء : ص 266 ، الجامع لأحکام القرآن : 5 / 66 ، الدرّ المنثور : 2 / 466 ، کنز العمّال : 16 / 538 ح 45800.

أکتاب الله تعالی أحقُّ أن یتّبع أو قولک؟ قال : بل کتاب الله تعالی ، فما ذاک؟ قالت : نهیت الناس آنفاً أن یغالوا فی صداق النساء والله تعالی یقول فی کتابه : (وَآتَیْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَیْئاً) فقال عمر رضی الله عنه : کلُّ أحد أفقه من عمر - مرّتین أو ثلاثاً - الحدیث.

وذکره السیوطی فی جمع الجوامع کما فی الکنز (1) (8 / 298) نقلاً عن سنن سعید ابن منصور (2) والبیهقی ، ورواه السندی فی حاشیة السنن لابن ماجة (1 / 583) ، والعجلونی فی کشف الخفاء (1 / 269 و 2 / 118).

صورة رابعة :

قام عمر خطیباً فقال : أیّها الناس لا تغالوا بصداق النساء فلو کانت مکرمة فی الدنیا أو تقوی عند الله لکان أولاکم بها رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، ما أصدق امرأة من نسائه أکثر من اثنتی عشرة أوقیة ، فقامت إلیه امرأة فقالت له : یا أمیر المؤمنین لِمَ تمنعنا حقّا جعله الله لنا؟ والله یقول : (وَآتَیْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً). فقال عمر : کلُّ أحد أعلم من عمر ، ثمّ قال لأصحابه : تسمعوننی أقول مثل هذا القول فلا تنکرونه علیّ حتی تردّ علیّ امرأة لیست من أعلم النساء.

تفسیر الکشّاف (1 / 357) ، شرح صحیح البخاری للقسطلانی (8 / 57) (3)

صورة خامسة :

أخرج الحافظان عبد الرزّاق (4) وابن المنذر ، بالإسناد عن عبد الرحمن السلمی0.

ص: 139


1- کنز العمّال : 16 / 536 ح 45796.
2- سنن سعید بن منصور : 1 / 166 ح 598.
3- تفسیر الکشّاف : 1 / 491 ، إرشاد الساری : 11 / 492.
4- المصنّف : 6 / 180 ح 10420.

قال : قال عمر بن الخطاب : لا تغالوا فی مهور النساء ، فقالت امرأة : لیس ذلک لک یا عمر ، إنّ الله یقول : وآتیتم إحداهنّ قنطاراً من ذهب - قال : وکذلک هی فی قراءة عبد الله بن مسعود - فلا یحلُّ لکم أن تأخذوا منه شیئاً ، فقال عمر : إنّ امرأة خاصمت عمر فخصمته.

تفسیر ابن کثیر (1 / 467) ، إرشاد الساری للقسطلانی (1) (8 / 57) ، حاشیة السندی علی سنن ابن ماجة (1 / 583) ، کنز العمّال (2) (8 / 298) ، کشف الخفاء (1 / 269 و 2 / 118).

صورة سادسة :

قال عمر رضی الله عنه علی المنبر : لا تغالوا بصدقات النساء ، فقالت امرأة : أنتّبع قولک أم قول الله : (وَآتَیْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً) ، فقال عمر : کلُّ أحد أعلم من عمر ، تزوّجوا علی ما شئتم.

تفسیر النسفی (3) هامش تفسیر الخازن (1 / 353) ، کشف الخفاء (1 / 388)

صورة سابعة :

إنّ عمر قال علی المنبر : ألا لا تغالوا فی مهور نسائکم ، فقامت امرأة فقالت : یا ابن الخطاب الله یعطینا وأنت تمنعنا؟ وتلت الآیة فقال : کلُّ الناس أفقه منک یا عمر.

تفسیر القرطبی (5 / 99) ، تفسیر النیسابوری (ج 1) سورة النساء ، تفسیر 6.

ص: 140


1- إرشاد الساری : 11 / 492
2- کنز العمّال : 16 / 538 ح 45799.
3- تفسیر النسفی : 1 / 216.

الخازن (1 / 353) ، الفتوحات الإسلامیّة (2 / 477) وزاد فیه : حتی النساء (1).

صورة ثامنة :

قال عمر مرّة : لا یبلغنی أنّ امرأة تجاوز صداقها صداق نساء النبیِّ إلاّ ارتجعتُ ذلک منها ، فقالت له امرأة : ما جعل الله لک ذلک ، إنّه تعالی قال : (وَآتَیْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً) الآیة. فقال : کلُّ الناس أفقه من عمر حتی ربّات الحجال ، ألا تعجبون من إمام أخطأ وامرأة أصابت؟ فاضلت إمامکم ففضلته (2) - فنضلته (3).

وفی لفظ الخازن : امرأة أصابت وأمیر أخطأ (4) وفی لفظ القرطبی (5) : أصابت امرأة وأخطأ عمر. وفی لفظ الرازی فی أربعینه (ص 467) : کلُّ الناس أفقه من عمر حتی المخدّرات فی البیوت.

وفی لفظ الباقلانیّ فی التمهید (ص 199) : امرأة أصابت ورجل أخطأ ، وأمیر ناضل فنضل ، کلُّ الناس أفقه منک یا عمر.

صورة تاسعة :

صعد عمر رضی الله عنه المنبر فقال : أیّها الناس لا تزیدوا فی مهور النساء علی أربعمائة درهم فمن زاد ألقیت زیادته فی بیت مال المسلمین ، فهاب الناس أن یکلّموه ، فقامت امرأة فی یدها طول فقالت له : کیف یحلُّ لک هذا؟ والله یقول : (وَآتَیْتُمْ إِحْداهُنَ 6.

ص: 141


1- الجامع لأحکام القرآن : 5 / 66 ، تفسیر النیسابوری : 2 / 377 ، تفسیر الخازن : 1 / 339 ، الفتوحات الإسلامیة : 2 / 312.
2- شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید : 1 / 61 و 3 / 96 [1 / 182 خطبة 3 ، 12 / 17]. (المؤلف)
3- یقال : ناضلت فلاناً فنضلته إذا باریته فغلبته.
4- تفسیر الخازن : 1 / 353 [1 / 339]. (المؤلف)
5- الجامع لأحکام القرآن : 5 / 66.

قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَیْئاً) ، فقال عمر رضی الله عنه : امرأة أصابت ورجل أخطأ.

المستطرف (1) (1 / 70) نقلاً عن المنتظم لابن الجوزی.

جمع الحاکم النیسابوری طرق هذه الخطبة لعمر بن الخطاب فی جزء کبیر کما قاله فی المستدرک (2) (2 / 177) وقال : تواترت الأسانید الصحیحة بصحّة خطبة أمیر المؤمنین عمر بن الخطاب رضی الله عنه بذلک. وأقرّه الذهبی فی تلخیص المستدرک (3) ، وأخرجها الخطیب البغدادی فی تاریخه (3 / 257) بعدّة طرق وصحّحها ، غیر أنّه لم یذکر تمام الحدیث بل یذکر الخطبة فحسب ثمّ یقول الحدیث بطوله.

ولعلّ الخلیفة أخذ برأی امرأة أصابت وتزوّج بأُمّ کلثوم وجعل مهرها أربعین ألفاً کما فی تاریخ ابن کثیر (4) (7 / 81 ، 139) ، الإصابة (4 / 492) ، الفتوحات الإسلامیة (5) (2 / 472).

- 6 -

جهل الخلیفة بمعنی الأبّ

عن أنس بن مالک قال : إنّ عمر قرأ علی المنبر : (فَأَنْبَتْنا فِیها حَبًّا * وَعِنَباً وَقَضْباً * وَزَیْتُوناً وَنَخْلاً * وَحَدائِقَ غُلْباً * وَفاکِهَةً وَأَبًّا) (6) ، قال : کلّ هذا عرفناه ، فما الأبّ؟ ثمّ رفض عصاً کانت فی یده فقال : هذا لعمر الله هو التکلّف ، فما علیک أن لا تدری ما الأبّ؟ اتّبعوا ما بُیِّن لکم هداه من الکتاب فاعملوا به وما لم تعرفوه فکِلوه إلی ربِّه. 1.

ص: 142


1- المستطرف : 1 / 55 - 56.
2- المستدرک علی الصحیحین : 2 / 193 ح 2728.
3- تلخیص المستدرک : 2 / 191 ح 2725.
4- البدایة والنهایة : 7 / 93 حوادث سنة 17 ه ، و 157 حوادث سنة 23 ه.
5- الفتوحات الإسلامیّة : 2 / 308.
6- عبس : 27 - 31.

وفی لفظ :

قال أنس : بینا عمر جالسٌ فی أصحابه إذ تلا هذه الآیة : (فَأَنْبَتْنا فِیها حَبًّا * وَعِنَباً وَقَضْباً * وَزَیْتُوناً وَنَخْلاً * وَحَدائِقَ غُلْباً * وَفاکِهَةً وَأَبًّا) ، ثمّ قال : هذا کلّه عرفناه ، فما الأبّ؟ قال : وفی یده عصیّة یضرب بها الأرض فقال : هذا لعمر الله التکلّف ، فخذوا أیّها الناس بما بُیِّن لکم فاعملوا به ، وما لم تعرفوه فکِلوه إلی ربّه.

وفی لفظ :

قرأ عمر (وَفاکِهَةً وَأَبًّا) ، فقال : هذه الفاکهة قد عرفناها ، فما الأبُّ؟ ثمّ قال : مه نُهینا عن التکلّف ، وفی النهایة : ما کلّفنا وما أُمرنا بهذا.

وفی لفظ :

إنّ عمر رضی الله عنه قرأ هذه الآیة فقال : کلّ هذا قد عرفناه ، فما الأبّ؟ ثمّ رفض عصاً کانت بیده وقال : هذا لعمر الله التکلّف ، وما علیک یا ابن أمّ عمر أن لا تدری ما الأبّ؟ ثمّ قال : اتّبعوا ما تبیّن لکم من هذا الکتاب وما لا فدعوه.

وفی لفظ المحبّ الطبری : ثمّ قال : مه قد نُهینا عن التکلّف ، یا عمر إنّ هذا من التکلّف ، وما علیک ألاّ تدری ما الأبّ؟

وعن ثابت : أنّ رجلاً سأل عمر بن الخطّاب عن قوله (وَفاکِهَةً وَأَبًّا) ، ما الأبّ؟ فقال عمر : نُهینا عن التعمّق والتکلّف.

هذه الأحادیث أخرجها (1) سعید بن منصور فی سننه ، وأبو نعیم فی المستخرج ، 2.

ص: 143


1- الطبقات الکبری : 3 / 327 ، شعب الإیمان : 2 / 424 ح 2281 ، جامع البیان : مج 15 / ج 30 / 59 ، المستدرک علی الصحیحین : 2 / 559 ح 3897 وکذا فی تلخیصه ، تفسیر الکشّاف : 4 / 704 ، الریاض النضرة : 2 / 323 ، الموافقات : 1 / 49 ، تاریخ عمر بن الخطّاب : ص 145 ، النهایة : 1 / 13 ، مقدمة فی أصول التفسیر : ص 47 و 48 ، تفسیر الخازن : 4 / 354 ، الدرّ المنثور : 8 / 421 ، کنز العمّال : 2 / 328 ح 4154 ، المصنّف : 10 / 512 ح 10154 ، تفسیر أبی السعود : 9 / 112 ، إرشاد الساری : 15 / 288 ح 7293 ، عمدة القاری : 25 / 35 ح 64 ، فتح الباری : 13 / 270 - 272.

وابن سعد ، وعبد بن حمید ، وابن الأنباری ، وابن المنذر ، وابن مردویه ، والبیهقی فی شعب الإیمان ، وابن جریر فی تفسیره (30 / 38) ، والحاکم فی المستدرک (2 / 514) ، وصحّحه هو وأقرّه الذهبی فی تلخیصه ، والخطیب فی تاریخه (11 / 468) ، والزمخشری فی الکشّاف (3 / 253) ، ومحبّ الدین الطبری فی الریاض النضرة (2 / 49) نقلاً عن البخاری والبغوی والمخلص الذهبی ، والشاطبی فی الموافقات (1 / 21 ، 25) ، وابن الجوزی فی سیرة عمر (ص 120) ، وابن الأثیر فی النهایة (1 / 10) ، وابن تیمیّة فی مقدّمة أُصول التفسیر (ص 30) ، وابن کثیر فی تفسیره (4 / 473) وصحّحه ، والخازن فی تفسیره (4 / 374) ، والسیوطی فی الدرِّ المنثور (6 / 317) عن جمع من الحفّاظ المذکورین ، وفی کنز العمّال (1 / 227) نقلاً عن سعید بن منصور ، وابن أبی شیبة ، وأبی عبید فی فضائله ، وابن سعد فی طبقاته ، وعبد بن حمید ، وابن المنذر ، والأنباری فی المصاحف ، والحاکم ، والبیهقی فی شُعب الإیمان ، وابن مردویه ، وأبو السعود فی تفسیره - هامش تفسیر الرازی - (8 / 389) وقال : وروی مثل هذا لأبی بکر بن أبی قحافة أیضاً ، والقسطلانی فی إرشاد الساری (10 / 298) نقلاً عن أبی نعیم ، وعبد بن حمید ، والعینی فی عمدة القاری (11 / 468) ، وابن حجر فی فتح الباری (13 / 230) وقال : قیل : إنّ الأبّ لیس بعربیّ ویؤیّده خفاؤه علی مثل أبی بکر وعمر.

قال الأمینی : کیف خفی هذا القیل الذی جاء به ابن حجر علی أئمّة اللغة العربیّة جمعاء فأدخلت الأبّ فی معاجمها من دون أیِّ إیعاز إلی کونه دخیلاً ، هب أنّ الأبّ غیر عربیّ فهل قوله تعالی فی تفسیره وما قبله (مَتاعاً لَکُمْ وَلِأَنْعامِکُمْ) ، لیس بعربیّ

ص: 144

أیضاً؟ فما عذر الشیخین عندئذٍ فی خفائه علیهما؟ وکیف یؤیّد به قول القائل؟ نعم ؛ یروق ابن حجر أن یدافع عنهما ولو بالتهکّم علی لغة العرب ونفی کلمتها عنها.

لفت نظر :

هذا الحدیث أخرجه البخاری فی صحیحه (1) ، غیر أنّه ستراً علی جهل الخلیفة بالأبِّ حذف صدر الحدیث وأخرج ذیله ، وتکلّف بعد النهی عن التکلّف ، ولا یهمّه جهل الأُمّة عندئذٍ بمغزی قول عمر ، قال : عن أنس قال : کُنّا عند عمر فقال : نُهینا عن التکلّف.

وکم وکم فی صحیح البخاری من أحادیث لعبت بها یدُ تحریفه؟ وسیوافیک غیر واحد منها.

- 7 -

قضاء الخلیفة علی مجنونة قد زنت

عن ابن عبّاس قال : أُتی عمر بمجنونة قد زنت ، فاستشار فیها أُناساً فأمر بها أن تُرجَم ، فمرّ بها علیّ رضی الله عنه فقال : «ما شأن هذه؟» فقالوا : مجنونة بنی فلان زنت فأمر بها عمر أن تُرجَم. فقال : «ارجعوا بها».

ثمّ أتاه فقال : «یا أمیر المؤمنین أما علمت؟ أما تذکر أنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قال : رفع القلم عن ثلاثة : عن الصبیِّ حتی یبلغ ، وعن النائم حتی یستیقظ ، وعن المعتوه حتی یبرأ؟ وأنّ هذه معتوهة بنی فلان لعلّ الذی أتاها أتاها وهی فی بلائها» فخلّی سبیلها ، وجعل عمر یکبِّر.ف)

ص: 145


1- فی کتاب الاعتصام باب ما یکره من کثرة السؤال وتکلّف ما لا یعنیه [6 / 2659 ح 6863]. (المؤلف)

صورة أخری :

عن أبی ظبیان (1) قال : شهدت عمر بن الخطّاب أُتی بامرأة قد زنت فأمر برجمها ، فذهبوا بها لیرجموها فلقیهم علیّ فقال لهم : «ما بال هذه؟» ، قالوا : زنت فأمر برجمها ، فانتزعها علیّ من أیدیهم فردّهم ، فرجعوا إلی عمر فقالوا : ردّنا علیّ ، قال : ما فعل هذا إلاّ لشیء ، فأرسل إلیه فجاءه فقال : ما لک رددت هذه؟ قال : «أما سمعت النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم یقول : رُفِعَ القلم عن ثلاثة : عن النائم حتی یستیقظ ، وعن الصغیر حتی یکبر ، وعن المبتلی حتی یعقل؟» قال : بلی ، قال : «فهذه مبتلاة بنی فلان فلعلّه أتاها وهو بها» قال له عمر : لا أدری ، قال : «وأنا لا أدری» ، فترک رجمها.

صورة ثالثة :

أمر سیّدنا عمر رضی الله عنه برجم زانیة فمرّ علیها سیِّدنا علیّ رضی الله عنه فی أثناء الرجم فخلّصها ، فلمّا أُخبر سیِّدنا عمر بذلک قال : إنّه لا یفعل ذلک إلاّ عن شیء ، فلمّا سأله قال : «إنّها مبتلاة بنی فلان فلعلّه أتاها وهو بها». فقال عمر : لو لا علیّ لهلک عمر.

صورة رابعة :

بلفظ الحاکم والبیهقی : أُتی عمر رضی الله عنه بمبتلاة قد فجرت فأمر برجمها ، فمرّ بها علیُّ ابن أبی طالب رضی الله عنه ومعها الصبیان یتبعونها فقال : «ما هذه؟» قالوا : أمر بها عمر أن ترجم ، قال : فردّها وذهب معها إلی عمر رضی الله عنه وقال : «ألم تعلم أنّ القلم رُفع عن المجنون حتی یعقل ، وعن المبتلی حتی یفیق ، وعن النائم حتی یستیقظ ، وعن الصبیِّ حتی یحتلم؟». ف)

ص: 146


1- أبو ظبیان : هو الحصین بن جندب الجَنبی - بفتح الجیم - الکوفی ، المتوفّی 90 یروی القصّة عن ابن عبّاس. (المؤلف)

قال الحاکم : حدیث صحیح ، ورواه شعبة عن الأعمش بزیادة ألفاظ.

صورة خامسة :

بلفظ البیهقی : مرّ علیّ بمجنونة بنی فلان قد زنت وهی تُرجم ، فقال علیّ لعمر رضی الله عنه : «یا أمیر المؤمنین أمرت برجم فلانة؟» قال : نعم ، قال : «أما تذکر قول رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : رُفِعَ القلم عن ثلاثة : عن النائم حتی یستیقظ ، وعن الصبیِّ حتی یحتلم ، وعن المجنون حتی یفیق؟» قال : نعم. فأمر بها فخُلّی عنها.

أخرجه (1) أبو داود فی سننه بعدّة طرق (2 / 227) ، وابن ماجة فی سننه (2 / 227) ، والحاکم فی المستدرک (2 / 59 و 4 / 389) وصحّحه ، والبیهقی فی السنن الکبری (8 / 264) بعدّة طرق ، وابن الأثیر فی جامع الأصول کما فی تیسیر الوصول (2 / 5) ، ومحبّ الدین الطبری فی الریاض النضرة (2 / 196) باللفظ الثانی نقلاً عن أحمد ، وفی ذخائر العقبی (ص 81) ، وذکره القسطلانی فی إرشاد الساری (10 / 9) نقلاً عن البغوی وأبی داود والنسائی وابن حبّان ، والمناوی فی فیض القدیر (4 / 357) بالصورة الثانیة فقال : واتّفق له - لعلیّ علیه السلام - مع أبی بکر نحوه ، والحفنی فی حاشیة شرح العزیزی علی الجامع الصغیر (2 / 417) باللفظ الثالث ، والدمیاطی فی مصباح الظلام (2 / 56) باللفظ الثالث ، وسبط ابن الجوزی فی تذکرته (ص 57) بلفظ فیه قول عمر : لو لا علیّ لهلک عمر ، وابن حجر فی فتح الباری (12 / 101) ، والعینی فی عمدة القاری (11 / 151). 2.

ص: 147


1- سنن أبی داود : 4 / 140 ح 4399 ، 4401 ، سنن ابن ماجة : 1 / 659 ح 2042 ، المستدرک علی الصحیحین : 2 / 68 ح 2351 و 4 / 430 ح 8169 ، جامع الأصول : 4 / 271 ح 1824 ، تیسیر الوصول : 2 / 8 ، الریاض النضرة : 3 / 144 ، إرشاد الساری : 14 / 259 ، حاشیة الحفنی علی شرح الجامع الصغیر : 2 / 458 ، مصباح الظلام : 2 / 136 ، تذکرة الخواص : ص 147 ، فتح الباری : 12 / 121 ، عمدة القاری : 23 / 292.

لفت نظر :

أخرج البخاری هذا الحدیث فی صحیحه (1) غیر أنّه مهما وجد فیه مسّةً بکرامة الخلیفة حذف صدره تحفّظاً علیها ، ولم یرُقه إیقاف الأُمّة علی قضیة تعرب عن جهله بالسنّة الشائعة أو ذهوله عنها عند القضاء فقال : قال علیّ لعمر : «أما علمت أنّ القلم رفع عن المجنون حتی یفیق ، وعن الصبیِّ حتی یدرک ، وعن النائم حتی یستیقظ؟».

- 8 -

جهل الخلیفة بتأویل کتاب الله

عن أبی سعید الخدری قال : حججنا مع عمر بن الخطّاب رضی الله عنه فلمّا دخل الطواف استقبل الحجر فقال : إنّی أعلم أنّک حجر لا تضرُّ ولا تنفع ولولا أنّی رأیت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقبّلک ما قبّلتک فقبّله ، فقال علیُّ بن أبی طالب رضی الله عنه : «بل یا أمیر المؤمنین یضرُّ وینفع ولو علمت ذلک من تأویل کتاب الله لعلمت أنّه کما أقول ، قال الله تعالی : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّکَ مِنْ بَنِی آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّیَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلی أَنْفُسِهِمْ) (2) ، فلمّا أقرّوا أنّه الربّ عزّ وجلّ وأنّهم العبید ، کتب میثاقهم فی رقّ وألقمه فی هذا الحجر ، وأنّه یبعث یوم القیامة وله عینان ولسان وشفتان یشهد لمن وافی بالموافاة ، فهو أمین الله فی هذا الکتاب» ، فقال له عمر : لا أبقانی الله بأرض لست فیها یا أبا الحسن.

وفی لفظ : أعوذ بالله أن أعیش فی قوم لست فیهم یا أبا الحسن. 2.

ص: 148


1- فی کتاب المحاربین ، باب : لا یرجم المجنون والمجنونة [6 / 2499]. (المؤلف)
2- الأعراف : 172.

أخرجه (1) الحاکم فی المستدرک (1 / 457) ، وابن الجوزی فی سیرة عمر (ص 106) ، والأزرقی فی تاریخ مکّة کما فی العمدة ، والقسطلانی فی إرشاد الساری (3 / 195) ، والعینی فی عمدة القاری (4 / 606) بلفظیه ، والسیوطی فی الجامع الکبیر کما فی ترتیبه (3 / 35) نقلاً عن الجندی فی فضائل مکة ، وأبی الحسن القطّان فی الطوالات ، والحاکم ، وابن حبّان ، وابن أبی الحدید فی شرح النهج (3 / 122) ، وأحمد زینی دحلان فی الفتوحات الإسلامیّة (2 / 486).

- 9 -

جهل الخلیفة بکفّارة بیض نعام

عن محمد بن الزبیر قال : دخلت مسجد دمشق فإذا أنا بشیخ قد التوت ترقوتاه من الکبر فقلت : یا شیخ من أدرکت؟ قال : عمر ، قلت : فما غزوت؟ قال : الیرموک ، قلت : فحدّثنی بشیء سمعته ، قال : خرجنا مع قتیبة حجّاجاً فأصبنا بیض نعام وقد أحرمنا ، فلمّا قضینا نسکنا ذکرنا ذلک لأمیر المؤمنین عمر فأدبر وقال : اتبعونی ، حتی انتهی إلی حُجَر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فضرب حجرة منها فأجابته امرأة فقال : أثَمَّ أبو الحسن؟ قالت : لا ، فمرّ فی المقتاة (2). فأدبر وقال : اتبعونی حتی انتهی إلیه وهو یسوّی التراب بیده ، فقال : مرحباً یا أمیر المؤمنین ، فقال : إنّ هؤلاء أصابوا بیض نعام وهم محرمون ، قال : «ألا أرسلت إلیّ؟» قال : أنا أحقُّ بإتیانک ، قال : «یضربون الفحل قلائص أبکاراً بعدد البیض فما نتج منها أهدوه». قال عمر : فإنّل.

ص: 149


1- المستدرک علی الصحیحین : 1 / 628 ح 1682 ، تاریخ عمر بن الخطّاب : ص 115 ، أخبار مکة : 1 / 323 ، إرشاد الساری : 4 / 135 ح 1597 ، عمدة القاری : 9 / 240 ، کنز العمّال : 5 / 177 ح 12521 ، الإحسان فی تقریب صحیح ابن حبّان : 9 / 130 ح 3821 و 3822 ، شرح نهج البلاغة : 12 / 100 خطبة 223 ، الفتوحات الإسلامیّة : 2 / 318.
2- المقتاة : اسم مکان من قتا یقتو بمعنی : خدم ، والمراد هنا مکان العمل.

الإبل تخدج ، قال علیّ : «والبیض یمرض» ، فلمّا أدبر قال عمر : اللهمّ لا تنزل بی شدیدة إلاّ وأبو حسن إلی جنبی (1).

- 10 -

کلُّ الناس أفقه من عمر

اشارة

مرّ عمر یوماً بشابّ من فتیان الأنصار وهو ظمآن فاستقاه فجدح (2) له ماء بعسل فلم یشربه وقال : إنّ الله تعالی یقول : (أَذْهَبْتُمْ طَیِّباتِکُمْ فِی حَیاتِکُمُ الدُّنْیا) فقال له الفتی : یا أمیر المؤمنین إنّها لیست لک ولا لأحد من أهل القبلة ، إقرأ ما قبلها : (وَیَوْمَ یُعْرَضُ الَّذِینَ کَفَرُوا عَلَی النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَیِّباتِکُمْ فِی حَیاتِکُمُ الدُّنْیا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِها) (3) فقال عمر : کلُّ الناس أفقه من عمر (4).

- 11 -

أمر الخلیفة بضرب غلام خاصم أُمّه

عن محمد بن عبد الله بن أبی رافع عن أبیه قال : خاصم غلام من الأنصار أُمّه إلی عمر بن الخطّاب رضی الله عنه فجحدته ، فسأله البیّنة فلم تکن عنده ، وجاءت المرأة بنفر فشهدوا أنّها لم تزوّج وأنّ الغلام کاذب علیها وقد قذفها ، فأمر عمر بضربه ، فلقیه علیّ رضی الله عنه فسأل عن أمرهم فدعاهم ثمّ قعد فی مسجد النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وسأل المرأة فجحدت ، فقال للغلام : «اجحدها کما جحدتک» فقال : یا ابن عمّ رسول الله إنّها أُمّی ، قال : «اجحدها وأنا أبوک والحسن والحسین أخواک». قال : قد جحدتها وأنکرتها ، ف)

ص: 150


1- الریاض النضرة : 2 / 50 ، 194 [2 / 325 و 3 / 142] ، ذخائر العقبی : ص 82 ، کفایة الشنقیطی : ص 57. (المؤلف)
2- جدح وأجدح واجتدح : خلط. (المؤلف)
3- الأحقاف : 20.
4- شرح النهج لابن أبی الحدید : 1 / 61 [1 / 182 خطبة 3]. (المؤلف)

فقال علیّ لأولیاء المرأة : «أمری فی هذه المرأة جائز؟» ، قالوا : نعم ، وفینا أیضاً ، فقال علیّ : «أُشهد من حضر أنّی قد زوّجت هذا الغلام من هذه المرأة الغریبة منه ، یا قنبر ائتنی بطینة فیها دراهم» فأتاه بها فعدّ أربعمائة وثمانین درهماً فقذفها مهراً لها ، وقال للغلام : «خذ بید امرأتک ولا تأتینا إلاّ وعلیک أثر العرس». فلمّا ولّی قالت المرأة : یا أبا الحسن الله الله هو النار ، هو والله ابنی. قال : «کیف ذلک؟» قالت : إنّ أباه کان زنجیّا وإنّ إخوتی زوّجونی منه فحملت بهذا الغلام ، وخرج الرجل غازیاً فقتل وبعثت بهذا إلی حیّ بنی فلان فنشأ فیهم وأنفت أن یکون ابنی ، فقال علیّ : «أنا أبو الحسن» وألحقه وثبت نسبه.

ذکره ابن القیّم الجوزیّة فی الطرق الحکمیّة (ص 45).

- 12 -

جهل الخلیفة بمعاریض الکلم

1 - إنّ عمر بن الخطّاب سأل رجلاً : کیف أنت؟ فقال : ممّن یحبّ الفتنة ، ویکره الحقّ ، ویشهد علی ما لم یره. فأمر به إلی السجن ، فأمر علیّ بردّه فقال : «صدق» ، فقال : کیف صدّقته؟ قال : «یحبّ المال والولد وقد قال الله تعالی : (إِنَّما أَمْوالُکُمْ وَأَوْلادُکُمْ فِتْنَةٌ) (1) ویکره الموت وهو الحقّ ، ویشهد أنّ محمداً رسول الله ولم یره». فأمر عمر رضی الله عنه بإطلاقه وقال : الله یعلم حیث یجعل رسالته.

الطرق الحکمیّة لابن القیّم الجوزیّة (ص 46).

2 - عن حذیفة بن الیمان : أنّه لقی عمر بن الخطّاب فقال له عمر : کیف أصبحت یا ابن الیمان؟ فقال : کیف تریدنی أصبح؟ أصبحت والله أکره الحقّ وأُحبّ الفتنة ، وأشهد بما لم أره ، وأحفظ غیر المخلوق ، وأُصلّی علی غیر وضوء ، ولی فی الأرض 5.

ص: 151


1- التغابن : 15.

ما لیس لله فی السماء ، فغضب عمر لقوله وانصرف من فوره وقد أعجله أمر ، وعزم علی أذی حذیفة لقوله ذلک ، فبینا هو فی الطریق إذ مرّ بعلیّ بن أبی طالب فرأی الغضب فی وجهه ، فقال : «ما أغضبک یا عمر؟» فقال : لقیت حذیفة بن الیمان فسألته : کیف أصبحت؟ فقال : أصبحت أکره الحقّ ، فقال : «صدق یکره الموت وهو حقّ» فقال : وأحبّ الفتنة ، قال : «صدق ، یحبّ المال والولد وقد قال الله تعالی : (إِنَّما أَمْوالُکُمْ وَأَوْلادُکُمْ فِتْنَةٌ)» ، فقال : یا علیّ یقول : وأشهد بما لم أره ، فقال : «صدق ، یشهد لِلّه بالوحدانیّة والموت والبعث والقیامة والجنّة والنار والصراط ، ولم یر ذلک کلّه» ، فقال : یا علیّ وقد قال : إنّنی أحفظ غیر المخلوق قال : «صدق ، یحفظ کتاب الله تعالی القرآن وهو غیر مخلوق» (1) قال : ویقول : أُصلّی علی غیر وضوء فقال : «صدق یصلّی علی ابن عمّی رسول الله علی غیر وضوء والصلاة علیه جائزة» ، فقال : یا أبا الحسن قد قال أکبر من ذلک ، فقال : «وما هو؟» قال : قال : إنّ لی فی الأرض ما لیس لله فی السماء. قال : «صدق له زوجة وولد وتعالی الله عن الزوجة والولد». فقال عمر : کاد یهلک ابن الخطّاب لو لا علیّ بن أبی طالب.

أخرجه الحافظ الکنجی فی الکفایة (2) (ص 96) فقال : قلت هذا ثابت عند أهل النقل ذکره غیر واحد من أهل السیر ، وابن الصباغ المالکی فی الفصول المهمّة (3) (ص 18).

3 - رُوی أنّ رجلاً أُتی به إلی عمر بن الخطّاب رضی الله عنه وکان صدر منه أنه قال لجماعة من الناس وقد سألوه : کیف أصبحت؟ قال : أصبحت أُحبّ الفتنة ، وأکره الحقّ وأُصدّق الیهود والنصاری ، وأُؤمن بما لم أره ، وأُقرّ بما لم یخلق. فأرسل عمر إلی 3.

ص: 152


1- هذه الفقرة خرافة دُسّت فی الحدیث اختلقها أنصار المذهب الباطل فی خلق القرآن. (المؤلف)
2- کفایة الطالب : ص 218.
3- الفصول المهمّة : ص 34 وفیه باللفظ الوارد فی الفقرة رقم 3.

علیّ ، فلمّا جاءه أخبره بمقالة الرجل قال : «صدق یحبّ الفتنة ، قال الله تعالی : (إِنَّما أَمْوالُکُمْ وَأَوْلادُکُمْ فِتْنَةٌ) ، ویکره الحقّ یعنی الموت ، وقال الله تعالی : (وَجاءَتْ سَکْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِ) (1). ویصدّق الیهود والنصاری ، قال الله تعالی : (وَقالَتِ الْیَهُودُ لَیْسَتِ النَّصاری عَلی شَیْءٍ وَقالَتِ النَّصاری لَیْسَتِ الْیَهُودُ عَلی شَیْءٍ) (2) ویؤمن بما لم یره ؛ یؤمن بالله عزّ وجلّ ، ویقرّ بما لم یُخلق یعنی الساعة». فقال عمر رضی الله عنه : أعوذ بالله من معضلة لا علیّ بها (3).

4 - أخرج الحفّاظ ؛ ابن أبی شیبة ، وعبد بن حمید ، وابن المنذر ، عن إبراهیم التیمی قال : قال رجل عند عمر : اللهمّ اجعلنی من القلیل ، فقال عمر : ما هذا الدعاء؟ فقال الرجل : إنّی سمعت الله یقول : (وَقَلِیلٌ مِنْ عِبادِیَ الشَّکُورُ) (4) ؛ فأنا أدعوه أن یجعلنی من ذلک القلیل ، فقال عمر : کلّ الناس أفقه من عمر.

وفی لفظ القرطبی : کلّ الناس أعلم منک یا عمر ، وفی لفظ الزمخشری : کلّ الناس أعلم من عمر.

تفسیر القرطبی (14 / 277) ، تفسیر الکشّاف (2 / 445) ، تفسیر السیوطی (5 / 229) (5).

5 - جاءت امرأة إلی عمر رضی الله عنه فقالت : یا أمیر المؤمنین إنّ زوجی یصوم النهار ویقوم اللیل ، فقال لها : نعم الرجل زوجک ، وکان فی مجلسه رجل یسمّی کعباً فقال : یا أمیر المؤمنین إنّ هذه المرأة تشکو زوجها فی أمر مباعدته إیّاها عن فراشه ، فقال له : کما فهمت کلامها احکم بینهما. فقال کعب : علیّ بزوجها ، فأُحضر فقال له : إنّ 2.

ص: 153


1- سورة ق : 19.
2- البقرة : 113.
3- نور الأبصار للشبلنجی : ص 79 [ص 161]. (المؤلف)
4- سبأ : 13.
5- الجامع لأحکام القرآن : 14 / 178 ، تفسیر الکشّاف : 3 / 573 ، الدرّ المنثور : 6 / 682.

هذه المرأة تشکوک ، قال : أفی أمر طعام أم شراب؟ قال : بل فی أمر مباعدتک إیّاها عن فراشک ، فأنشأت المرأة تقول :

یا أیّها القاضی الحکیم أنشدهْ

ألهی خلیلی عن فراشی مسجدهْ

نهاره ولیله لا یرقدهْ

فلست فی أمر النساء أحمدهْ

فأنشأ الزوج یقول :

زهّدنی فی فرشها وفی الحللْ

أنِّی امرؤ أذهلنی ما قد نزلْ

فی سورة النملِ وفی سبع الطولْ

وفی کتاب الله تخویف یجلْ

فقال له القاضی :

إنِّ لها علیک حقّا لم یزل

فی أربع نصیبها لمن عقلْ

فعاطها ذاک ودع عنک العللْ

ثمّ قال : إنّ الله تعالی أحلّ لک من النساء مثنی وثلاث ورباع ، فلک ثلاثة أیّام بلیالیهنّ ولها یوم ولیلة. فقال عمر رضی الله عنه : لا أدری من أیّکم أعجب؟ أمِن کلامها أم من حکمک بینهما؟ اذهب فقد ولّیتک البصرة.

صورة أخری :

عن قتادة والشعبی قالا : جاءت عمر امرأة فقالت : زوجی یقوم اللیل ویصوم النهار. فقال عمر : لقد أحسنت الثناء علی زوجک. فقال کعب بن سُور : لقد شکت. فقال عمر : کیف؟ قال : تزعم أنّه لیس لها من زوجها نصیب ، قال : فإذا قد فهمت ذلک فاقضِ بینهما ، فقال : یا أمیر المؤمنین أحلّ الله له من النساء أربعاً فلها من کلّ أربعة أیّام یوم ومن کلّ أربع لیال لیلة.

وفی لفظ أبی عمر فی الاستیعاب : أنّ امرأة شکت زوجها إلی عمر فقالت : إنّ

ص: 154

زوجی یقوم اللیل ویصوم النهار ، وأنا أکره أن أشکوه إلیک فهو یعمل بطاعة الله ، فکأنّ عمر لم یفهم عنها. الحدیث.

وفی لفظ آخر له : قال عمر لکعب بن سُور : عزمت علیک لتقضینّ بینهما فإنّک فهمت من أمرها ما لم أفهم. إلی آخره. قال أبو عمر : هو مشهور.

وعن الشعبی : أنّ امرأة جاءت إلی عمر فقالت : یا أمیر المؤمنین أعدِنی علی زوجی یقوم اللیل ویصوم النهار ، قال : فما تأمرینی ، أتأمرینی أن أمنع رجلاً من عبادة ربّه (1)؟

- 13 -

اجتهاد الخلیفة فی قراءة الصلاة

1 - عن عبد الرحمن بن حنظلة بن الراهب : أنّ عمر بن الخطّاب صلّی المغرب فلم یقرأ فی الرکعة الأُولی ، فلمّا کانت الثانیة قرأ بفاتحة الکتاب مرّتین ، فلمّا فرغ وسلّم سجد سجدتی السهو.

ذکره ابن حجر فی فتح الباری (2) (3 / 69) وقال : رجاله ثقات وکأنّه مذهب لعمر. وأخرجه البیهقی فی السنن الکبری (2 / 382) ولفظه :

صلّی بنا عمر بن الخطّاب فلم یقرأ فی الرکعة الأُولی شیئاً ، فلمّا قام فی الرکعة الثانیة قرأ بفاتحة الکتاب وسورة ، ثمّ عاد فقرأ بفاتحة الکتاب وسورة ، ثمّ مضی فلمّا0.

ص: 155


1- الکنی والأسماء للدولابی : 1 / 192 ، الاستیعاب فی ترجمة کعب بن سور [القسم الثالث / 1318 رقم 2195] وجمع ألفاظه ، الأذکیاء لابن الجوزی : ص 49 ، 142 [ص 88 ، 267] ، المستطرف لشهاب الدین الأبشیهی : 1 / 70 [1 / 56] ، شرح ابن أبی الحدید : 3 / 105 [12 / 46 خطبة 223] ، تاریخ الخلفاء للسیوطی : ص 96 [ص 132] ، الإصابة 3 / 315 [رقم 7493]. (المؤلف)
2- فتح الباری : 3 / 90.

فرغ من صلاته سجد سجدتین بعد ما سلّم. وفی لفظ : سجد سجدتین ثمّ سلّم.

وذکره السیوطی فی جمع الجوامع کما فی کنز العمال (1) (4 / 213) نقلاً عن جمع من الحفّاظ باللفظ الثانی.

2 - عن أبی سلمة بن عبد الرحمن : أنّ عمر بن الخطّاب کان یصلّی بالناس المغرب فلم یقرأ فیها ، فلمّا انصرف قیل له : ما قرأت. قال : فکیف کان الرکوع والسجود؟ قالوا : حسناً. قال : فلا بأس إذن.

أخرجه البیهقی فی السنن (2 / 347 ، 381) ، وحکاه السیوطی عن مالک وعبد الرزّاق (2) والنسائی فی جمع الجوامع کما فی ترتیبه (3) (4 / 213) ، وقال البیهقی : قال الشافعی : وکان أبو سلمة یحدّثه بالمدینة وعند آل عمر لا ینکره أحد.

والإسناد صحیح رجاله کلّهم ثقات.

3 - عن إبراهیم النخعی : أنّ عمر بن الخطّاب صلّی بالناس صلاة المغرب فلم یقرأ شیئاً حتی سلّم ، فلمّا فرغ قیل له : إنّک لم تقرأ شیئاً. فقال : إنّی جهّزت عیراً إلی الشام فجعلت أنزلها منقلة منقلة ، حتی قدمت الشام فبعتها وأقتابها وأحلاسها وأحمالها ، فأعاد عمر وأعادوا.

وعن الشعبی : أنّ أبا موسی الأشعری قال لعمر بن الخطّاب رضی الله عنه : یا أمیر المؤمنین أقرأت فی نفسک؟ قال : لا ، فأمر المؤذّنین فأذّنوا وأقاموا وأعاد الصلاة بهم. السنن الکبری للبیهقی (2 / 382) ، کنز العمّال (4) (4 / 213). 7.

ص: 156


1- کنز العمّال : 8 / 132 ح 22255.
2- المصنّف : 2 / 122 ح 2748.
3- کنز العمّال : 8 / 133 ح 22256.
4- کنز العمّال : ح 22257.

یظهر من هذه الموارد وتکرّر القصّة فیها أنّ الخلیفة لم یستند فی صلواته هاتیک إلی أصل مسلّم ، فمرّةً لم یقرأ فی الرکعة الأُولی فیقضیها فی الثانیة ویسجد سجدتی السهو قبل السلام أو بعده ، وأخری اکتفی بحسن الرکوع والسجود عن الإعادة وسجدتی السهو ، وطوراً نراه یحتاط بالإعادة أو أنّه یری ما أتی به باطلاً فیعید ویعیدون فهل هذه اجتهادات وقتیّة؟ أو أنّه لم یعرف للمسألة ملاکاً یرجع إلیه؟ والعجب من ابن حجر أنّه یعدّ الشذوذ عن الطریق المثلی مذهباً ، ویسع کلّ شاذّ أن یتترّس بمثل هذا المذهب فیستر عواره ، وفی هذه الأحادیث إعراب عن مبلغ خضوع الخلیفة وخشوعه فی صلواته.

- 14 -

رأی الخلیفة فی المیراث

عن مسعود الثقفی قال : شهدت عمر بن الخطاب رضی الله عنه أشرک الإخوة من الأب والأُمّ مع الإخوة من الأُمّ فی الثلث ، فقال له رجل : قضیت فی هذا عام أوّل بغیر هذا. قال : کیف قضیت؟

قال : جعلته للإخوة من الأُمّ ولم تجعل للإخوة من الأب والأُمّ شیئاً.

قال : تلک علی ما قضینا وهذا علی ما قضینا. وفی لفظ : تلک علی ما قضینا یومئذٍ ، وهذه علی ما قضینا الیوم.

أخرجه البیهقی فی السنن الکبری (6 / 255) ، بعدّة طرق ، والدارمی فی سننه (1 / 154) مختصراً ، وأبو عمر فی العلم (1) (ص 139).

قال الأمینی : کأنّ أحکام القضایا تدور مدار ما صدر عن رأی الخلیفة سواء أصاب الشریعة أم أخطأ ، وکأنّ الخلیفة له أن یحکم بما شاء وأراد ، ولیس هناک 5.

ص: 157


1- جامع بیان العلم : ص 294 ح 1505.

حکم یتّبع وقانون مطّرد فی الإسلام ، ولعلّ هذا أفظع من التصویب المدحوض بالبرهنة القاطعة.

- 15 -

جهل الخلیفة بطلاق الأَمة

اشارة

أخرج الحافظان الدارقطنی وابن عساکر (1) : انّ رجلین أتیا عمر بن الخطّاب وسألاه عن طلاق الأَمة ، فقام معهما فمشی حتی أتی حلقة فی المسجد فیها رجل أصلع فقال : أیّها الأصلع ما تری فی طلاق الأَمة؟ فرفع رأسه إلیه ثمّ أومأ إلیه بالسبّابة والوسطی ، فقال لهما عمر : تطلیقتان ، فقال أحدهما : سبحان الله جئناک وأنت أمیر المؤمنین فمشیت معنا حتی وقفت علی هذا الرجل فسألته فرضیت منه أن أومأ إلیک. الحدیث.

راجع الجزء الثانی (ص 299) من کتابنا هذا.

- 16 -

لو لا علیّ لهلک عمر

أُتی عمر بن الخطّاب بامرأة حامل قد اعترفت بالفجور فأمر برجمها ، فتلقّاها علیّ فقال : «ما بال هذه؟» فقالوا : أمر عمر برجمها. فردّها علیّ وقال : «هذا سلطانک علیها فما سلطانک علی ما فی بطنها؟ ولعلّک انتهرتها أو أخفتها؟» قال : قد کان ذلک. قال : «أو ما سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قال : لا حدّ علی معترف بعد بلاء ، إنّه من قیّد أو حبس أو تهدّد فلا إقرار له» فخلّی سبیلها ثمّ قال : عجزت النساء أن تلدن مثل علیّ بن أبی طالب ، لو لا علیّ لهلک عمر. 1.

ص: 158


1- مختصر تاریخ دمشق : 17 / 389 ، وفی ترجمة الإمام علی بن أبی طالب علیه السلام من تاریخ ابن عساکر - الطبعة المحققة - : رقم 871.

الریاض النضرة (1) (2 / 196) ، ذخائر العقبی (ص 80) ، مطالب السؤول (ص 13) ، مناقب الخوارزمی (2) (ص 48) ، الأربعین للفخر الرازی (ص 466).

- 17 -

کلّ أحد أفقه من عمر

دخل علیّ علی عمر وإذا امرأة حُبلی تُقاد تُرجم ، فقال : «ما شأن هذه؟» قالت : یذهبون بی لیرجمونی. فقال : «یا أمیر المؤمنین لأیّ شیء تُرجم؟ إن کان لک سلطان علیها فما لک سلطان علی ما فی بطنها» ، فقال عمر : کلّ أحد أفقه منّی - ثلاث مرّات - فضمنها علیّ حتی وضعت غلاماً ثمّ ذهب بها إلیه فرجمها.

أخرجه الحافظ محب الدین الطبری فی الریاض النضرة (3) (2 / 196) ، وذخائر العقبی (ص 81) فقال : هذه غیر تلک - القضیّة السابقة - لأنّ اعتراف تلک کان بعد تخویف فلم یصحّ فلم تُرجم وهذه رُجمت. وذکره الحفّاظ الکنجی فی الکفایة (4) (ص 105).

- 18 -

رأی الخلیفة فی الحائض بعد الإفاضة

قال ابن المنذر : قال عامّة الفقهاء بالأمصار : لیس علی الحائض التی قد أفاضت طواف وداع ، وروینا عن عمر بن الخطّاب وابن عمر وزید بن ثابت أنّهم أمروها بالمقام إذا کانت حائضاً لطواف الوداع ، وکأنّهم أوجبوه علیها کما یجب علیها طواف الإفاضة إذ لو حاضت قبله لم یسقط عنها ، ثمّ أسند عن عمر بإسناد صحیح 9.

ص: 159


1- الریاض النضرة : 3 / 143.
2- المناقب : ص 81 ح 65.
3- الریاض النضرة : 3 / 144.
4- کفایة الطالب : ص 227 باب 59.

إلی نافع عن ابن عمر قال : طافت امرأة بالبیت یوم النحر ثمّ حاضت فأمر عمر بحبسها بمکة بعد أن ینفر الناس حتی تطهر وتطوف البیت.

قال : وقد ثبت رجوع ابن عمر (1) وزید بن ثابت عن ذلک ، وبقی عمر فخالفناه لثبوت حدیث عائشة ، یشیر بذلک إلی ما تضمّنته أحادیث (2) هذا الباب ، وقد روی ابن أبی شیبة من طریق القاسم بن محمد أنّ الصحابة کانوا یقولون : إذا أفاضت المرأة قبل أن تحیض فقد فرغت ، إلاّ عمر فإنّه کان یقول : یکون آخر عهدها بالبیت (3).

وعن الحارث بن عبد الله بن أوس قال : أتیت عمر بن الخطّاب فسألته عن المرأة تطوف بالبیت ثمّ تحیض؟ فقال : لیکن آخر عهدها الطواف بالبیت ، قال الحارث : فقلت : کذلک أفتانی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم (4) ، فقال عمر : تبّت یداک أو ثکلتک أُمّک سألتنی عمّا سألت عنه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم کیما أُخالفه (5). ف)

ص: 160


1- أخرج البخاری فی صحیحه فی کتاب الحج ، باب إذا حاضت المرأة [2 / 625 ح 1672] عن ابن عباس ؛ أنّه رخّص للحائض أن تنفر إذا أفاضت. قال : وسمعت ابن عمر یقول : إنها لا تنفر ، ثم سمعته یقول بعد : إن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم رخّص لهنّ. وأخرج البیهقی [5 / 163] عن زید بن ثابت ما ظاهره رجوعه عن رأیه. (المؤلف)
2- أخرجها البخاری فی صحیحه فی کتاب الحیض فی باب المرأة تحیض بعد الإفاضة [1 / 124 ح 322] ، وفی کتاب الحج ، باب إذا حاضت المرأة بعد ما أفاضت [2 / 625 ح 1670] ، ومسلم فی صحیحه [3 / 137 ح 380 کتاب الحج] ، والدارمی فی سننه : 2 / 68 ، وأبو داود فی سننه : 1 / 313 [2 / 208 ح 2003 ، 2004] ، والترمذی فی صحیحه : 1 / 177 [3 / 280 ح 943] ، وابن ماجة فی سننه : 2 / 251 [2 / 1021 ح 3072 و 3073] ، والبیهقی فی سننه : 5 / 162 ، والبغوی فی مصابیح السنّة : 1 / 182 [2 / 245 ح 1856]. (المؤلف)
3- فتح الباری : 3 / 462 [3 / 587]. (المؤلف)
4- یعنی علی خلاف ما أفتی به عمر. (المؤلف)
5- سنن أبی داود : 1 / 313 [2 / 208 ح 2004] ، مختصر جامع العلم لأبی عمر : ص 227 [ص 393]. (المؤلف)

وأخرج أبو النضر هاشم بن القاسم اللیثی المتوفّی (207) المتسالم علی ثقته بإسناد رجاله کلّهم ثقات عن هاشم بن یحیی المخزومی : أنّ رجلاً من ثقیف أتی عمر ابن الخطّاب فسأله عن امرأة حاضت وقد کانت زارت البیت یوم النحر ، ألها أن تنفر قبل أن تطهر؟ قال عمر : لا. فقال له الثقفی : فإنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أفتانی فی هذه المرأة بغیر ما أفتیت به. فقام إلیه عمر یضربه بالدرّة ویقول : لِمَ تستفتینی فی شیء قد أفتی فیه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم. إیقاظ الهمم للعمری الفلانی (ص 9).

قال الأمینی : أنا لا أدری کیف ذهب علی عمر ما عرفته الصحابة أجمع - ویزعم موسی جار الله أنّه أعلمهم - فخالفوه فی الفتیا وتبعتهم علماء الأمصار ، وأمّا زید وابن عمر فوافقوه ردحاً من الزمن ولا أدری أکان فَرَقاً من درّته؟ أو موافقة له فی رأیه؟ ولا أدری متی عدلا عن ذلک أبعد موته؟ أم إبّان حیاته؟

وإن تعجب فعجب أنّه لم یعدل عن رأیه بعد ما وقف علی السنّة لکنّه خاشن الحارث بن عبد الله وضرب الثقفیّ بدرّته لمّا أخبراه بها ، واستمرّ علی مذهبه الخاصّ به خلاف السنّة المتّبعة ، لما ذا؟ أنا لا أدری.

ورأی ابن عبّاس أنّ لهذه السنّة أصلاً فی الکتاب الکریم قد عزب عن الخلیفة أیضاً ، أخرجه البیهقی فی سننه الکبری (5 / 163) عن عکرمة أنّ زید بن ثابت قال : تقیم حتی تطهر ، ویکون آخر عهدها بالبیت. فقال ابن عبّاس : إذا کانت قد طافت یوم النحر فلتنفر ، فأرسل زید بن ثابت إلی ابن عبّاس أنّی وجدت الذی قلت کما قلت ، قال : فقال ابن عبّاس : إنّی لأعلم قول رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم للنساء ولکنّی أحببت أن أقول بما فی کتاب الله ثمّ تلا هذه الآیة (ثُمَّ لْیَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْیُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْیَطَّوَّفُوا بِالْبَیْتِ الْعَتِیقِ) (1) فقد قضت التفث ووفت النذر وطافت بالبیت ، فما بقی؟ 9.

ص: 161


1- الحج : 29.

- 19 -

جهل الخلیفة بالسنّة

أخرج ابن المبارک قال : حدّثنا أشعث عن الشعبی عن مسروق ، قال : بلغ عمر أنّ امرأة من قریش تزوّجها رجل من ثقیف فی عدّتها ، فأرسل إلیهما ففرّق بینهما وعاقبهما وقال : لا ینکحها أبداً وجعل الصداق فی بیت المال وفشا ذلک بین الناس ، فبلغ علیّا کرّم الله وجهه فقال : «رحم الله أمیر المؤمنین ما بال الصداق وبیت المال؟ إنّهما جهلا فینبغی للإمام أن یردّهما إلی السنّة». قیل : فما تقول أنت فیها؟ قال : «لها الصداق بما استحلّ من فرجها ، ویفرّق بینهما ، ولا جلد علیهما ، وتکمل عدّتها من الأوّل ثمّ تکمل العدّة من الآخر ، ثمّ یکون خاطباً». فبلغ ذلک عمر فقال ، یا أیّها الناس ردّوا الجهالات إلی السنّة. وروی ابن أبی زائدة عن أشعث مثله وقال فیه : فرجع عمر إلی قول علیّ. أحکام القرآن للجصّاص (1) (1 / 504).

وفی لفظ عن مسروق : أُتی عمر بامرأة قد نُکحت فی عدّتها ففرّق بینهما وجعل مهرها فی بیت المال وقال : لا یجتمعان أبداً ، فبلغ علیّا فقال : «إن کان جهلاً فلها المهر بما استحلّ من فرجها ، ویفرّق بینهما ، فإذا انقضت عدّتها فهو خاطب من الخطّاب». فخطب عمر وقال : ردّوا الجهالات إلی السنّة. فرجع إلی قول علیّ.

وفی لفظ الخوارزمی : ردّوا قول عمر إلی علیّ. وفی التذکرة : فقال عمر : لو لا علیّ لهلک عمر.

وأخرج البیهقی فی سننه عن مسروق قال : قال عمر رضی الله عنه فی امرأة تزوّجت فی عدّتها : النکاح حرام ، والصداق حرام ، وجعل الصداق فی بیت المال وقال : لا یجتمعان ما عاشا.5.

ص: 162


1- أحکام القرآن : 1 / 425.

وأخرج عن عبید بن نضلة - نضیلة - قال : رُفع إلی عمر بن الخطّاب رضی الله عنه امرأة تزوّجت فی عدّتها فقال لها : هل علمت أنّک تزوّجت فی العدّة؟ قالت : لا. فقال لزوجها : هل علمت ، قال : لا. قال : لو علمتما لرجمتکما فجلدهما أسیاطاً وأخذ المهر فجعله صدقة فی سبیل الله ، قال : لا أُجیز مهراً لا أُجیز نکاحه. وقال : لا تحلّ لک أبداً.

صورة أخری للبیهقی :

أُتی عمر بن الخطّاب رضی الله عنه بامرأة تزوّجت فی عدّتها فأخذ مهرها فجعله فی بیت المال وفرّق بینهما وقال : لا یجتمعان ، وعاقبهما ، فقال علیّ رضی الله عنه : «لیس هکذا ولکن هذه الجهالة من الناس ، ولکن یفرّق بینهما ، ثمّ تستکمل بقیّة العدّة من الأوّل ، ثمّ تستقبل عدّة أخری» ، وجعل لها علیّ رضی الله عنه المهر بما استحلّ من فرجها ، قال : فحمد الله عمر رضی الله عنه وأثنی علیه ثم قال : یا أیّها الناس ردّوا الجهالات إلی السنّة (1).

قال الأمینی : لما ذا جلدهما الخلیفة؟ ولما ذا أخذ المهر؟ وبأیّ کتاب أم بأیّة سنّة جعل الصداق فی بیت المال وصیّره صدقة فی سبیل الله ، ولِمَ وبِمَ حرّم المرأة علی الرجل؟ أنا لا أدری (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّکْرِ إِنْ کُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (2).

ولیت الخلیفة لا ینسی نفسه ویأخذ بقوله : ردّوا الجهالات إلی السنّة. قبل قضائه بالأقضیة الشاذّة عن الکتاب والسنّة.

وإن تعجب فعجب قول الجصّاص فی أحکام القرآن (3) (1 / 505) : وأمّا 6.

ص: 163


1- السنن الکبری للبیهقی : 7 / 441 ، 442 ، الموافقات لابن السمّان ، کتاب العلم لأبی عمر 2 / 187 [ص 424 ح 2049] ، الریاض النضرة : 2 / 196 [3 / 144] ، ذخائر العقبی : ص 81 ، مناقب الخوارزمی : ص 57 [ص 95 ح 95] ، تذکرة السبط : ص 87 [ص 147]. (المؤلف)
2- النحل : 43.
3- أحکام القرآن : 1 / 426.

ما رُوی عن عمر أنّه جعل المهر فی بیت المال فإنّه ذهب إلی أنّه مهر حصل لها من وجه محظور فسبیله أن یتصدّق به ؛ فلذلک جعله فی بیت المال ثمّ رجع فیه إلی قول علیّ رضی الله عنه ، ومذهب عمر فی جعل مهرها لبیت المال إذ قد حصل لها ذلک من وجه محظور یشبه ما روی عن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فی الشاة المأخوذة بغیر إذن مالکها ، قدّمت إلیه مشویّة لم یکد یسیغها حین أراد الأکل منها فقال : إنّ هذه الشاة تخبرنی أنّها أُخذت بغیر حقّ ، فأخبروه بذلک فقال : أطعموها الأساری. ووجه ذلک عندنا أنّما صارت لهم بضمان القیمة فأمرهم بالصدقة بها ، لأنّها حصلت لهم من وجه محظور ولم یکونوا قد أدّوا القیمة إلی أصحابها. انتهی.

أعمی الجصّاص حبّ الخلیفة ، فرام أن یدافع عنه ولو بما یسمه بسمة الجهل ، ألا مسائل هذا المدافع الوحید عن المال المحصّل من وجوه الحظر متی کان سبیله أن یُتصدّق به حتی یتّخذه الخلیفة مذهباً وإن لم یکن الموضوع من مصادیقه؟ ولما ذا لا یُردّ إلی صاحبه ولا یحلّ مال امرئٍ إلاّ بطیب نفسه؟ ثمّ ما وجه الشبه بین مال استحقّت به المرأة بما استحلّ من فرجها ، وبین شاة حلّلته الید لرسول الله ، وسوّغت له التصرّف فیها؟ غیر أنّ حسن الوقوف عند الشبهات وإن علمت من غیر طریق عادیّ دعاه صلی الله علیه وآله وسلم إلی الکفّ عنها ، من دون ترتّب أحکام الغصب علیها من ردّها إلی صاحبها عُرف أو لم یُعرف ، فلا صلة بین الموضوعین ، علی أنّ جهل الخلیفة فی المسألة لیس من ناحیة جعل الصداق فی بیت المال فحسب حتی یُرقّع ، وإنّما خالف السنّة من شتّی النواحی کما عرفت.

- 20 -

اجتهاد الخلیفة فی الجدّ

أخرج الدارمی فی سننه (2 / 354) عن الشعبی أنّه قال : أوّل جدّ ورث فی

ص: 164

الإسلام عمر فأخذ ماله ، فأتاه علیّ وزید فقالا : لیس لک ذلک إنّما کنت کأحد الأخوین.

وفی لفظ البیهقی :

إنّ أوّل جدٍّ ورث فی الإسلام عمر بن الخطّاب رضی الله عنه ، مات ابن فلان بن عمر فأراد عمر أن یأخذ المال دون إخوته ، فقال له علیّ وزید : لیس لک ذلک. فقال عمر : لو لا أنّ رأیکما اجتمع لم أر أن یکون ابنی ولا أکون أباه. السنن الکبری (6 / 247)

وأخرج الدارمی (1) أیضاً عن مروان بن الحکم : أنّ عمر بن الخطّاب لمّا طعن استشارهم فی الجدّ ، فقال : إنّی کنت رأیت فی الجدّ رأیاً فإن رأیتم أن تتّبعوه فاتّبعوه. فقال له عثمان : إن نتّبع رأیک فإنّه رشد وإن نتّبع رأی الشیخ فلنعم ذو الرأی کان. مستدرک الحاکم (2) (4 / 340).

قال الشعبی : کان من رأی أبی بکر وعمر أن یجعلا الجدّ أولی من الأخ ، وکان عمر یکره الکلام فیه ، فلمّا صار عمر جدّا قال : هذا أمر قد وقع لا بدّ للناس من معرفته ، فأرسل إلی زید بن ثابت فسأله ، فقال : کان من رأی أبی بکر رضی الله عنه أن نجعل الجدّ أولی من الأخ. فقال : یا أمیر المؤمنین لا تجعل شجرة نبتت فانشعب منها غصن فانشعب فی الغصن غصن ، فما یجعل الغصن الأوّل أولی من الغصن الثانی وقد خرج الغصن من الغصن؟ قال : فأرسل إلی علیّ رضی الله عنه فسأله فقال له کما قال زید ، إلاّ أنّه جعل سیلاً سال فانشعب منه شعبة ثمّ انشعبت منه شعبتان ، فقال : «أرأیت لو أنّ ماء هذه الشعبة الوسطی یبس أکان یرجع إلی الشعبتین جمیعاً؟» (3). السنن الکبری (6 / 247). 8.

ص: 165


1- سنن الدارمی : 2 / 354.
2- المستدرک علی الصحیحین : 4 / 377 ح 7983 ، مصنّف عبد الرزاق : 10 / 263 ح 19051.
3- مصنّف عبد الرزاق : 10 / 265 ح 19058.

وعن سعید بن المسیّب عن عمر قال : سألت النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم کیف قسم الجدّ؟ قال : «ما سؤالک عن ذلک یا عمر؟ إنّی أظنّک تموت قبل أن تعلم ذلک». قال سعید بن المسیّب : فمات عمر قبل أن یعلم ذلک.

أخرجه الطبرانی فی الأوسط (1) ، والهیثمی فی مجمع الزوائد (4 / 227) وقال : رجاله رجال الصحیح. وذکره السیوطی فی جمع الجوامع کما فی ترتیبه (2) (6 / 15) نقلاً عن عبد الرزّاق والبیهقی وأبی الشیخ فی الفرائض.

وأخرج البیهقی فی سننه (6 / 247) عن زید بن ثابت : إنّ عمر بن الخطّاب رضی الله عنه استأذن علیه یوماً فأذن له فقال : یا أمیر المؤمنین لو أرسلت إلیّ جئتک. فقال عمر رضی الله عنه : إنّما الحاجة لی إنّی جئتک لتنظر فی أمر الجدّ ، فقال زید : لا والله ما نقول فیه. فقال عمر رضی الله عنه : لیس هو بوحی حتی نزید فیه وننقص منه إنّما هو شیء نراه ، فان رأیته ووافقنی تبعتهُ وإلاّ لم یکن علیک فیه شیء. فأبی زید فخرج مغضباً ، قال : قد جئتک وأنا أظنّک ستفرغ من حاجتی ، ثمّ أتاه مرّة أخری فی الساعة التی أتاه المرّة الأُولی فلم یزل به حتی قال : فسأکتب لک فیه ، فکتبه فی قطعة قتب وضرب له مثلاً إنّما مثله مثل شجرة نبتت علی ساقٍ واحدٍ فخرج فیها غصن ثمّ خرج فی الغصن غصن آخر ، فالساق یسقی الغصن ، فإن قطع الغصن الأوّل رجع الماء إلی الغصن یعنی الثانی ، وإن قطعت الثانی رجع الماء إلی الأوّل فأتی به. فخطب الناس عمر ثمّ قرأ قطعة القتب علیهم ثمّ قال : إنّ زید بن ثابت قد قال فی الجدّ قولاً وقد أمضیته ، قال : وکان أوّل جدّ کان ، فأراد أن یأخذ المال کلّه مال ابن ابنه دون إخوته ، فقسّمه بعد ذلک عمر بن الخطّاب.

وأخرج البیهقی فی السنن الکبری (6 / 245) عن عبیدة قال : إنّی لأحفظ عن 1.

ص: 166


1- المعجم الأوسط : 5 / 135 ح 3914.
2- کنز العمّال : 11 / 57 ح 30611.

عمر فی الجدّ مائة قضیّة کلّها ینقض بعضها بعضاً.

وعن عبیدة قال : حفظت عن عمر مائة قضیّة فی الجدّ ، قال : وقال : إنّی قد قضیت فی الجدّ قضایا مختلفة کلّها لا آلو فیه عن الحقّ ، ولئن عشت إن شاء الله إلی الصیف لأقضینّ فیها بقضیّة تقضی به المرأة وهی علی ذیلها.

وأخرج البیهقی فی السنن عن طارق بن شهاب قال : أخذ عمر بن الخطّاب رضی الله عنه کتفاً وجمع أصحاب محمد صلی الله علیه وآله وسلم لیکتب فی الجدّ وهم یرون أنّه یجعله أباً ، فخرجت علیه حیّة فتفرّقوا ، فقال : لو أنّ الله أراد أن یمضیه لأمضاه.

وقال ابن أبی الحدید فی شرح نهج البلاغة (1) (1 / 61) : کان عمر یفتی کثیراً بالحکم ثمّ ینقضه ویفتی بضدّه وخلافه ، قضی فی الجدّ مع الإخوة قضایا کثیرة مختلفة ، ثمّ خاف من الحکم فی هذه المسألة فقال : من أراد أن یقتحم جراثیم جهنّم فلیقل فی الجدّ برأیه.

قال الأمینی : أنا لا أدری أنّ هذه القضایا المتناقضة البالغة عددها إلی المائة فی موضوع واحد هل کلّها موافقة للواقع؟ ولیس من المعقول ذلک. أو أنّ بعضها موافق؟ فلم لم یرجع إلیه فی جمیع الموارد؟ وهل هی کلّها عن اجتهاد الخلیفة؟ أو أنّها متّخذة من الصحابة؟ وهل الصحابة کانوا یفتون بذلک عن آرائهم؟ أو اتّخذوها عن النبیّ الأمین؟ فإن کان سماعاً فلا تختلف الفتیا فیه ولا سیّما مع قرب العهد به صلی الله علیه وآله وسلم. وإن کان اجتهاداً منهم فمن ذا الذی یعترف لهم یعترف لجمیعهم بالتأهّل للاجتهاد؟ علی أنّ لنا بعد التنازل لهم بالأهلیّة حقّ النظر فیما اجتهدوا وفیما استندوا إلیه ، ومثل هذا الاجتهاد الفارغ لا حجّة فیه حتی من نفس الخلیفة.

ثمّ إنّ خلیفة المسلمین کیف یسوغ له الجهل بما شرّعه نبیّ الإسلام حتی یربکه 3.

ص: 167


1- شرح نهج البلاغة : 1 / 181 خطبة 3.

ذلک فی التناقض؟ فیأخذ الحقّ فی بعض الموارد من أفواه الرجال ، ویمضی علی ضلّته حیث لم یصادف أحداً منهم.

وما أعضل هذه المسألة علی الخلیفة؟ ولم یمکن من تعلّمها طیلة حیاته ، وما شأنه وقد ظنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أنّه یموت قبل أن یعلمها ومات ولم یعلم؟ وما سوّغ له القضاء فی تلکم القضایا الجمّة وهو لا یعلم حکمها وقد أخبره النبیّ الأعظم بذلک؟

ولست أدری کیف حفظتها الأُمّة وتلقّتها فی قرونها الخالیة من دون أن تصعب علی أیّ فقیهٍ أو متفقّهٍ ، وقد أشکلت علی الخلیفة ، وهو مع ذلک أعلم الصحابة فی زمانه علی الإطلاق عند صاحب الوشیعة؟

- 21 -

رأی الخلیفة فی امرأة تسرّرت غلامها

اشارة

عن قتادة : أنّ امرأة اتّخذت مملوکها وقالت : تأوّلت آیةً من کتاب الله (أَوْ ما مَلَکَتْ أَیْمانُهُمْ) (1) فأُتی بها عمر بن الخطّاب رضی الله عنه ، وقال له ناس من أصحاب النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم : تأوّلت آیةً من کتاب الله عز وجل علی غیر وجهها ، قال : فضرب العبد وجزّ رأسه ، وقال : أنت بعده حرام علی کلّ مسلم.

صورة اخری للقرطبی :

تسرّرت امرأة غلامها ، فذُکر ذلک لعمر فسألها : ما حملکِ علی ذلک؟ قالت : کنت أراه یحلّ لی بملک یمینی کما یحلّ للرجل المرأة بملک الیمین. فاستشار عمر فی رجمها أصحاب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فقالوا : تأوّلت کتاب الله علی غیر تأویله لا رجم علیها. فقال عمر : لا جرم ؛ والله لا أُحلّک لحرّ بعده أبداً. عاقبها بذلک ودرأ الحدّ 6.

ص: 168


1- المؤمنون : 6.

عنها ، وأمر العبد ألاّ یقربها (1).

قال الأمینی : لیتنی أدری وقومی ما هذه العقوبات الفادحة بعد سقوط الحدّ عن المرأة ومملوکها بالجهل والتأویل؟ وما معنی عذابهما بعد عفو المولی سبحانه عنهما؟ وبأیّ کتاب أم بأیّة سنّة ضرب العبد ، وجزّ رأسه ، وحرّم المرأة علی کلّ مسلم ، ونهی العبد عن قربها؟ فهل دین الله مفوّض إلی الخلیفة؟ أم أنّ الإسلام لیس إلاّ الرأی المجرّد؟ فإن کان هذا أو ذاک؟ فعلی الإسلام السلام ، وإن لم یکن لا هذا ولا ذاک ، فمرحباً بالخلافة الراشدة ، وزه بتلک الآراء الحرّة.

ثمّ أنّی هذه العقوبات من صحیحة عمر نفسه وعائشة عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أنّه قال : «ادرءوا الحدود عن المسلمین ما استطعتم ، فإن وجدتم لمسلم مخرجاً فخلّوا سبیله ، فإنّ الإمام إن یخطئ فی العفو خیر من أن یخطئ بالعقوبة» (2)

- 22 -

الخلیفة وامرأة مغنّیة

عن الحسن قال : أرسل عمر بن الخطّاب إلی امرأة مغنّیة کان یُدخَل علیها ، فأنکر ذلک فأرسل إلیها فقیل لها : أجیبی عمر. فقالت : یا ویلها ما لها ولعمر؟! فبینما هی فی الطریق فزعت فضربها الطلق فدخلت داراً فألقت ولدها فصاح الصبیّ ا.

ص: 169


1- تفسیر ابن جریر الطبری : 6 / 68 [مج 4 / ج 6 / 106] ، سنن البیهقی : 7 / 127 ، تفسیر ابن کثیر : 3 / 239 ، تفسیر القرطبی : 12 / 107 [12 / 72] ، الدرّ المنثور : [6 / 88]. (المؤلف)
2- کتاب الأُم للشافعی : 7 / 214 [7 / 345] ، مستدرک الحاکم : 4 / 384 [4 / 426 ح 8163] ، صحیح الترمذی : 1 / 267 [4 / 25 ح 1424] ، تاریخ الخطیب البغدادی : 5 / 331 [رقم 2856] ، سنن البیهقی : 8 / 238 ، مشکاة المصابیح : ص 303 [2 / 311 ح 3570] ، تیسیر الوصول : 2 / 20 [2 / 23] ، جامع مسانید أبی حنیفة : 2 / 214. (المؤلف)

صیحتین ثمّ مات ، فاستشار عمر أصحاب النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فأشار علیه بعضهم : أن لیس علیک شیء إنّما أنت دالٌّ ومؤدّب ، وصمت علیّ ، فأقبل علی علیٍّ فقال : ما تقول؟ قال : «إن کانوا قالوا برأیهم فقد أخطأ رأیهم ، وإن کانوا قالوا فی هواک فلم ینصحوا لک ، أری أنّ دیته علیک ؛ فإنّک أنت أفزعتها وألقت ولدها فی سبیلک» فأمر علیّا أن یقسّم عقله علی قریش یعنی یأخذ عقله من قریش لأنّه أخطأ.

صورة أخری :

استدعی عمر امرأة لیسألها عن أمر وکانت حاملاً فلشدّة هیبته ألقت ما فی بطنها فأجهضت به جنیناً میتاً ، فاستفتی عمر أکابر الصحابة فی ذلک ، فقالوا : لا شیء علیک إنّما أنت مؤدّب. فقال له علیّ علیه السلام : «إن کانوا راقبوک فقد غشّوک ، وإن کان هذا جهد رأیهم فقد أخطأوا ، علیک غرّة - یعنی عتق رقبة -» ، فرجع عمر والصحابة إلی قوله.

أخرجه (1) ابن الجوزی فی سیرة عمر (ص 117) ، وأبو عمر فی العلم (ص 146) ، والسیوطی فی جمع الجوامع کما فی ترتیبه (7 / 300) نقلاً عن عبد الرزّاق ، والبیهقی ، وذکره ابن أبی الحدید فی شرح النهج (1 / 58).

قال الأمینی : ما شأن هذا الخلیفة لا یحمل فی دین الله علماً ناجعاً یقیه عن هوایا (2) الهلکة ، ویحمیه عن سقطات القضاء؟ وما باله یعوّل فی کلّ سهل ومشکل فی طقوس الإسلام حتی فی مهامّ الفروج والدماء علی آراء أُناس غشّوه إن راقبوه ، وغایة جهد رأیهم الخطأ؟ وما یسعنا أن نقول وبین یدی الباحث هذه الأقضیة؟ ر.

ص: 170


1- سیرة عمر : ص 125 ، جامع بیان العلم : ص 306 ح 1537 ، کنز العمّال : 15 / 84 ح 40201 ، المصنّف : 9 / 458 ح 18010 ، السنن الکبری : 6 / 123 ، شرح نهج البلاغة : 1 / 174 خطبة 3.
2- الهوایا : جمع هَوِیّة. وهی الحفرة بعیدة القعر.

- 23 -

حکم الخلیفة برجم مضطرّة

عن عبد الرحمن السلمی ، قال : أُتی عمر بامرأة أجهدها العطش فمرّت علی راعٍ فاستسقته ، فأبی أن یسقیها إلاّ أن تُمکّنه من نفسها ففعلت ، فشاور الناس فی رجمها ، فقال علیّ : «هذه مضطرّة أری أن یُخلی سبیلها». ففعل.

سنن البیهقی (8 / 236) ، الریاض النضرة (1) (2 / 196) ، ذخائر العقبی (ص 81) الطرق الحکمیّة (ص 53).

صورة مفصلة :

إنّ عمر بن الخطّاب رضی الله عنه أُتی بامرأة زنت فأقرّت فأمر برجمها ، فقال علیّ رضی الله عنه : «لعلّ بها عذراً» ثمّ قال لها : «ما حملکِ علی الزنا؟» قالت : کان لی خلیط وفی إبله ماء ولبن ولم یکن فی إبلی ماء ولا لبن ، فظمئت فاستسقیته فأبی أن یسقینی حتی أعطیه نفسی فأبیت علیه ثلاثاً ، فلمّا ظمئت وظننت أنّ نفسی ستخرج أعطیته الذی أراد فسقانی. فقال علیّ : «الله أکبر ، (فَمَنِ اضْطُرَّ غَیْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَیْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِیمٌ) (2)».

الطرق الحکمیّة لابن القیّم الجوزیّة (ص 53) ، کنز العمال (3) (3 / 96) نقلاً عن البغوی.

قال الأمینی : لیت الخلیفة کان یحمل شیئاً من علم الکتاب والسنّة حتی یحکم 6.

ص: 171


1- الریاض النضرة : 3 / 144.
2- البقرة : 173.
3- کنز العمّال : 5 / 456 ح 13596.

بما أنزل الله علی نبیّه صلی الله علیه وآله وسلم ، ولیتنی أدری ما کان صیّره ، وأیّ مبلغ کانت تبلغ بوائق أقضیته إن لم یکن فی الأُمّة علیّ أمیر المؤمنین؟ أو لم یکن یُقیم أوده ویُزیل أمْته (1)؟ نعم ؛ حقّا قال الرجل : لو لا علیّ لهلک عمر.

- 24 -

الخلیفة لا یدری ما یقول

أُتی عمر بن الخطّاب رضی الله عنه برجل أسود ومعه امرأة سوداء ، فقال : یا أمیر المؤمنین إنّی أغرس غرساً أسود وهذه سوداء علی ما تری فقد أتتنی بولد أحمر. فقالت المرأة : والله یا أمیر المؤمنین ما خنته وإنّه لولده. فبقی عمر لا یدری ما یقول ، فسُئل عن ذلک علیّ بن أبی طالب رضی الله عنه ، فقال للأسود : «إن سألتک عن شیء أتصدقنی؟» قال : أجل والله. قال : «هل واقعت امرأتک وهی حائض؟» قال : قد کان ذلک ، قال علیّ : «الله أکبر إنّ النطفة إذا خلطت بالدم فخلق الله منها خلقاً کان أحمر ، فلا تنکر ولدک فأنت جنیت علی نفسک».

الطرق الحکمیّة (ص 47).

- 25 -

قضایاه فی عسّه وتجسّسه

اشارة

1 - عن عمر بن الخطّاب أنّه کان یعسّ لیلة فمرّ بدار سمع فیها صوتاً ، فارتاب وتسوّر ، فرأی رجلاً عند امرأة وزقّ خمر ، فقال : یا عدوّ الله أظننت أنّ الله یسترک وأنت علی معصیته؟ فقال : لا تعجل یا أمیر المؤمنین إن کنت أخطأت فی واحدة فقد أخطأت فی ثلاث : قال الله تعالی (وَلا تَجَسَّسُوا) (2) وقد تجسّست ، وقال : (وَأْتُوا 2.

ص: 172


1- الأمْت : الاعوجاج.
2- الحجرات : 12.

الْبُیُوتَ مِنْ أَبْوابِها) (1) وقد تسوّرت ، وقال : (فَإِذا دَخَلْتُمْ بُیُوتاً فَسَلِّمُوا) (2) وما سلّمت. فقال : هل عندک من خیر إن عفوت عنک؟ قال : نعم ، والله لا أعود. فقال : اذهب فقد عفوت عنک.

الریاض النضرة (2 / 46) ، شرح النهج لابن أبی الحدید (1 / 61 ، 3 / 96) ، الدرّ المنثور (6 / 93) ، الفتوحات الإسلامیّة (2 / 477) (3).

2 - خرج عمر بن الخطّاب فی لیلة مظلمة فرأی فی بعض البیوت ضوء سراج وسمع حدیثاً ، فوقف علی الباب یتجسّس فرأی عبداً أسود قدّامه إناء فیه مزر (4) وهو یشرب ، ومعه جماعة فهمّ بالدخول من الباب فلم یقدر من تحصین البیت فتسوّر علی السطح ونزل إلیهم من الدرجة ومعه الدرّة ، فلمّا رأوه قاموا وفتحوا الباب وانهزموا ، فمسک الأسود فقال له : یا أمیر المؤمنین قد أخطأت وإنّی تائب فاقبل توبتی ، فقال : أرید أن أضربک علی خطیئتک ، فقال : یا أمیر المؤمنین إن کنت قد أخطأت فی واحدة فأنت قد أخطأت فی ثلاث : فإنّ الله تعالی قال : (وَلا تَجَسَّسُوا) ، وأنت تجسّست ، وقال تعالی : (وَأْتُوا الْبُیُوتَ مِنْ أَبْوابِها) ، وأنت أتیت من السطح ، وقال تعالی : (لا تَدْخُلُوا بُیُوتاً غَیْرَ بُیُوتِکُمْ حَتَّی تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلی أَهْلِها) (5) ، وأنت دخلت وما سلّمت. إلی آخره.

المستطرف لشهاب الدین الأبشیهی (6) (2 / 115) فی الباب الحادی والستّین. 6.

ص: 173


1- البقرة : 189.
2- النور : 61.
3- الریاض النضرة : 2 / 319 ، شرح نهج البلاغة : 1 / 182 خطبة 3 ، 12 / 17 خطبة 223 ، الدرّ المنثور : 7 / 568 ، الفتوحات الإسلامیة 2 / 311.
4- المزر : النبیذ.
5- النور : 27.
6- المستطرف : 2 / 106.

ویظهر من القرائن أنّ هذه القضیّة غیر سابقتها والله أعلم.

وقد عدّ ابن الجوزی (1) هذه الفضیحة المخزیة من مناقب عمر ، وتبعه شاعر النیل حافظ إبراهیم ونظمها فی قصیدته العمریّة ، فقال تحت عنوان : مثال رجوعه إلی الحقّ :

وفتیة ولعوا بالراح فانتبذوا

لهم مکاناً وجدّوا فی تعاطیها

ظهرتَ حائطَهمْ لمّا علمتَ بهمْ

واللیلُ معتکرُ الأرجاء ساجیها

حتی تبیّنتهمْ والخمرُ قد أخذتْ

تعلو ذؤابةَ ساقیها وحاسیها

سفّهتَ آراءهم فیها فما لبثوا

أن أوسعوک علی ما جئت تسفیها

ورمت تفقیهَهم فی دینِهمْ فإذا

بالشرب قد برعوا الفاروقَ تفقیها

قالوا مکانک قد جئنا بواحدةٍ

وجئتنا بثلاثٍ لا تبالیها

فائتِ البیوتَ من الأبوابِ یا عمر

فقد یُزَنّ (2) من الحیطانِ آتیها

واستأذنِ الناسَ لا تغشی بیوتَهمُ

ولا تلمَّ بدارٍ أو تمحّیها

ولا تجسّسْ فهذی الآیُ قد نزلتْ

بالنهیِ عنه فلم تذکر نواهیها

فعدتَ عنهمْ وقد أکبرتَ حجّتهمْ

لمّا رأیتَ کتابَ الله یملیها

وما أنفتَ وإن کانوا علی حرجٍ

من أن یحجّکَ بالآیاتِ عاصیها

قال الأمینی : هکذا یعمی الحبّ ویصّم ، ویجعل الموبقات مکرمات ، ویبدّل السیّئات حسنات.

3 - عن عبد الرحمن بن عوف : أنّه حرس مع عمر بن الخطّاب لیلةً بالمدینة ، فبینما هم یمشون شبّ لهم سراج فی بیت فانطلقوا یؤمّونه ، حتی إذا دنوا منه ف)

ص: 174


1- صفة الصفوة : 1 / 277.
2- بالبناء للمجهول من أزنّه بکذا یعنی اتّهمه به. (المؤلف)

إذا باب مجاف (1) علی قوم لهم فیه أصوات مرتفعة ولغط ، فقال عمر رضی الله عنه وأخذ بید عبد الرحمن فقال : أتدری بیت من هذا؟ قلت : لا ، قال : هذا بیت ربیعة بن أُمیّة بن خلف وهم الآن شرب فما تری؟ قال عبد الرحمن : أری قد أتینا ما نهی الله عنه - ولا تجسّسوا - فقد تجسّسنا. فانصرف عنهم عمر رضی الله عنه وترکهم.

سنن البیهقی الکبری (8 / 334) ، الإصابة (1 / 531) ، الدرّ المنثور (6 / 93) ، السیرة الحلبیّة (3 / 293) ، الفتوحات الإسلامیّة (2 / 476) (2).

4 - دخل عمر بن الخطّاب رضی الله عنه علی قوم یشربون ویوقدون فی الأخصاص فقال : نهیتکم عن معاقرة الشراب فعاقرتم ، وعن الإیقاد فی الأخصاص فأوقدتم ، وهمّ بتأدیبهم. فقالوا : یا أمیر المؤمنین نهاک الله عن التجسّس فتجسّست ، ونهاک عن الدخول بغیر إذن فدخلت ، فقال : هاتان بهاتین ، وانصرف وهو یقول : کلّ الناس أفقه منک یا عمر.

العقد الفرید (3) (3 / 416).

5 - کان عمر یعسّ ذات لیلة بالمدینة فرأی رجلاً وامرأةً علی فاحشة ، فلمّا أصبح قال للناس : أرأیتم لو أنّ إماماً رأی رجلاً وامرأةً علی فاحشة فأقام علیهما الحدّ ما کنتم فاعلین؟ قالوا : إنّما أنت إمام. فقال علیّ بن أبی طالب : «لیس ذلک لک إذن یقام علیک الحدّ ، إنّ الله لم یأمن هذا الأمر أقلّ من أربعة شهود». ثمّ ترکهم ما شاء الله أن یترکهم ثمّ سألهم ، فقال القوم مثل مقالتهم الأُولی وقال علیّ مثل مقالته الأولی ، فأخذ عمر بقوله (4).ف)

ص: 175


1- من أجاف الباب ؛ إذا ردّه.
2- الدرّ المنثور : 7 / 567 ، السیرة الحلبیة : 3 / 266 ، الفتوحات الإسلامیة : 2 / 311.
3- العقد الفرید : 6 / 278.
4- الفتوحات الإسلامیة : 2 / 482 [2 / 315]. (المؤلف)

6 - أخرج البیهقی فی شعب الإیمان (1) عن الشعبی ، قال : جاءت امرأة إلی عمر فقالت : یا أمیر المؤمنین إنّی وجدت صبیّا ووجدت معه قبطیّة فیها مائة دینار فأخذته واستأجرت له ظئراً ، وإنّ أربع نسوة یأتینه فیقبّلنه لا أدری أیّتهنّ أُمّه ، فقال لها : إذا هنّ أتینَکِ فأعلمینی. ففعلت ، فقال لامرأة منهنّ : أیّتکنّ أُمّ هذا الصبیّ؟ فقلن : والله ما أحسنت ولا أجملت یا عمر تعمد علی امرأة ستر الله علیها فترید أن تهتک سترها. قال : صدقت ، ثمّ قال للمرأة : إذا أتینک فلا تسألیهنّ عن شیء وأحسنی إلی صبیّهنّ ثمّ انصرف.

منتخب کنز العمّال (2) هامش مسند أحمد (1 / 199).

قال الأمینی : فی کلّ من هذه الآثار أبحاث هامّة لا تعزب عن القارئ النابه فلا نطیل بذکرها المقام.

- 26 -

رأی الخلیفة فی حدّ الخمر

عن أنس بن مالک قال : إنّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم أُتی برجل قد شرب الخمر فجلده بجریدتین نحو أربعین ، قال : وفعله أبو بکر ، فلمّا کان عمر استشار الناس فقال عبد الرحمن بن عوف : أخفّ الحدود ثمانون ، فأمر به عمر.

صورة أُخری :

جلد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی الخمر بالجرید والنعال ، وجلد أبو بکر أربعین ، فلمّا کان عمر وورد الناس من المدن والقری قال : ما ترون فی حدّ الخمر؟ فقال 3.

ص: 176


1- شعب الإیمان : 7 / 108 ح 9662.
2- منتخب کنز العمّال : 1 / 243.

عبد الرحمن بن عوف : أری أن تجعله کأخفّ الحدود ، فجلد عمر ثمانین (1).

وأخرج أبو داود فی سننه (2) (2 / 242) فی حدیث : جلد أبو بکر فی الخمر أربعین ، ثمّ جلد عمر صدراً من إمارته أربعین ، ثمّ جلد ثمانین فی آخر خلافته ، وجلد عثمان الحدّین کلیهما : ثمانین وأربعین ، ثمّ أثبت معاویة الحدّ علی الثمانین.

وأخرجه البیهقی فی سننه الکبری (8 / 320) ، وابن الدیبع فی تیسیر الوصول (3) (2 / 17).

وعن حضین أبی ساسان الرقاشی قال : حضرت عثمان بن عفّان رضی الله عنه ، وأُتی بالولید بن عقبة قد شرب الخمر وشهد علیه حمران بن أبان ورجل آخر ، فقال عثمان لعلیّ : أقم علیه الحدّ ، فأمر علیّ رضی الله عنه عبد الله بن جعفر ذی الجناحین أن یجلده ، فأخذ فی جلده وعلیّ رضی الله عنه یعدّ حتی جلد أربعین ، ثمّ قال له : «أمسک جلد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أربعین وأبو بکر رضی الله عنه ، وجلد عمر رضی الله عنه ثمانین ، وکلٌّ سنّة وهذا أحبّ إلیّ» (4). ف)

ص: 177


1- صحیح مسلم باب حدّ الخمر : 2 / 38 [3 / 538 ح 36 کتاب الحدود] ، سنن الدارمی : 2 / 175 ، سنن أبی داود : 2 / 240 [4 / 163 ح 4479] ، مسند أبی داود الطیالسی : ص 265 [ح 1970] ، سنن البیهقی : 8 / 319. (المؤلف)
2- سنن أبی داود : 4 / 166 ح 4488.
3- تیسیر الوصول : 2 / 20.
4- صحیح مسلم فی الحدّ : 2 / 52 [3 / 539 ح 38 کتاب الحدود] ، سنن أبی داود : 2 / 241 [4 / 163 ح 4480] ، السنن الکبری للبیهقی : 8 / 318 ، وفی کنز العمّال : 3 / 102 [5 / 483 ح 13686] نقلاً عن الطبرانی ، وعبد الرزاق [فی المصنّف : 7 / 379 ح 13545] ، وأحمد [فی المسند : 1 / 133 ح 625] ، ومسلم ، وأبی داود والنسائی [فی السنن الکبری : 3 / 248 ح 5269] ، وابن جریر ، وأبی عوانة ، والطحاوی [فی مشکل الآثار : 3 / 167] ، والدارقطنی [فی السنن : 3 / 206 ح 367] ، والدارمی [فی سننه : 2 / 175]. (المؤلف)

وفی لفظ آخر :

إنّ الولید بن عقبة صلّی بالناس الصبح أربعاً ثمّ التفت إلیهم فقال : أزیدکم؟ فرفع ذلک إلی عثمان رضی الله عنه - إلی آخره - وفیه : ضرب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أربعین وأبو بکر وعمر صدراً من خلافته أربعین ثمّ أتمّها عمر ثمانین ، وکلّ سنّة (1).

قال الأمینی : ما قیمة عبد الرحمن وقیمة رأیه تجاه ما قام به المشرّع الأعظم؟ وما بال عمر جری علی ذلک المنهج ردحاً من أیّامه ثمّ نقضه وضرب عنه صفحاً؟ وما باله وهو خلیفة المسلمین یستشیر ویستفتی فی حکم من أحکام الدین ثبت بسنّة ثابتة عن صاحب الشریعة؟ قال ابن رشد فی بدایة المجتهد (2) (2 / 435) : إنّ أبا بکر رضی الله عنه شاور أصحاب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : کم بلغ ضرب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لشرّاب الخمر؟ فقدّروه بأربعین. ورُوی عن أبی سعید الخدری أنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ضرب فی الخمر بنعلین أربعین ، فجعل عمر مکان کل نعل سوطاً ، ورُوی من طریق آخر عن أبی سعید الخدری ما هو أثبت من هذا ، وهو : أنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ضرب فی الخمر أربعین ، ورُوی هذا عن علیّ عن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم من طریق أثبت ، وبه قال الشافعیّ. انتهی (3).

وإنّ من الدخیل فی الحدیث ما عُزی إلی أمیر المؤمنین علیه السلام من قوله : «وکلّ سنّة وهذا أحبّ إلیّ». فلو کانت الثمانون سنّة مشروعةً لعمل بها رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم علی الأقلّ مرّة واحدة أو قالها لأحد ، ولو کان قالها لما خفی علی کلّ المسلمین ولاحتجّ به عبد الرحمن دون قوله : أخفّ الحدود ثمانون ، ولما عُدّ عمر أوّل من أقام 6.

ص: 178


1- السنن الکبری للبیهقی : 8 / 319 ، نقلاً عن صحیح مسلم. (المؤلف)
2- بدایة المجتهد : 2 / 439.
3- مختصر المزنی : ص 266.

الحدّ فی الخمر ثمانین کما فعله غیر واحد (1). نعم ، قال الحلبی فی السیرة الحلبیّة (2) (2 / 314) : قوله : وکلّ سنّة أی طریقة ، فأربعون طریقته صلی الله علیه وآله وسلم وطریقة الصدّیق رضی الله عنه ، والثمانون طریقة عمر رضی الله عنه رآها اجتهاداً مع استشارته لبعض الصحابة فی ذلک لما رآه من کثرة شرب الناس للخمر. وقال ابن القیّم فی زاد المعاد (3) (2 / 195) : من تأمّل الأحادیث رآها تدلّ علی أنّ الأربعین حدّ ، والأربعون الزائدة علیها تعزیر ، اتّفق علیه الصحابة رضی الله عنهم.

وما عسانی أن أقول فی أُناس اتّخذوا تجاه سنّة رسول الله طریقة باجتهاد واستشارة؟ وهل تعزیر بعد الحدّ حتی یتأتّی باتّفاق الصحابة علیه؟ وهل لهذه المزعمة معنیً معقول حتی یُتّخذ مذهباً؟ أنا لست أدری أیّ قیمة لتلک الطریقة فی سوق الاعتبار وِجاه الطریقة المثلی (وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَحْوِیلاً) (4) ، (وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِیلاً) (5) ؛ وما أتی به النبیّ الأعظم أحقّ أن یتّبع ، (فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَی الَّذِینَ یُبَدِّلُونَهُ) (6).

وهناک کلماتٌ تافهة حول هذا الاجتهاد ؛ مثل قول القسطلانی (7) : من أنّ الکلّ حدّ ، وعلیه فحدّ الشارب مخصوص من بین سائر الحدود بأن یتحتّم بعضه ویتعلّق ف)

ص: 179


1- منهم : العسکری فی أولیّاته [ص 111] ، وابن أبی الحدید فی شرح النهج : 3 / 113 [12 / 75 خطبة 223] ، وابن کثیر فی تاریخه : 7 / 132 [7 / 150 حوادث سنة 23 ه] ، والسیوطی فی تاریخ الخلفاء : ص 93 [ص 128] ، وعلاء الدین السکتواری فی محاضرة الأوائل : ص 169 ، والقرمانی فی تاریخه - هامش الکامل : 1 / 203 [أخبار الدول : 1 / 289]. (المؤلف)
2- السیرة الحلبیة : 2 / 285.
3- زاد المعاد : 3 / 211.
4- فاطر : 43.
5- الفتح : 23.
6- البقرة : 181.
7- فی إرشاد الساری : 6 / 104 و 9 / 439 [14 / 215 و 8 / 214]. (المؤلف)

بعضه باجتهاد الإمام. انتهی. کلّها خارجة عن نطاق الفهم ، تبعد عن ساحة المتعلّم فضلاً عن العالم ، ولا یخفی علی القارئ فسادها (1).

- 27 -

الخلیفة وامرأة احتالت علی شابّ

أُتی عمر بن الخطّاب رضی الله عنه بامرأة قد تعلّقت بشابّ من الأنصار وکانت تهواه ، فلمّا لم یساعدها احتالت علیه فأخذت بیضة فألقت صفرتها وصبّت البیاض علی ثوبها وبین فخذیها ، ثمّ جاءت إلی عمر رضی الله عنه صارخة فقالت : هذا الرجل غلبنی علی نفسی وفضحنی فی أهلی وهذا أثر فعاله. فسأل عمر النساء فقلن له : إنّ ببدنها وثوبها أثر المنی ، فهمّ بعقوبة الشابّ فجعل یستغیث ویقول : یا أمیر المؤمنین تثبّت فی أمری فو الله ما أتیت فاحشة وما هممت بها فلقد راودتنی عن نفسی فاعتصمت. فقال عمر : یا أبا الحسن ما تری فی أمرهما؟ فنظر علیّ إلی ما علی الثوب ثمّ دعا بماء حارّ شدید الغلیان فصبّ علی الثوب ، فجمد ذلک البیاض ثمّ أخذه واشتمّه وذاقه فعرف طعم البیض ، وزجر المرأة فاعترفت.

الطرق الحکمیّة لابن القیّم (ص 47).

- 28 -

لا أبقانی الله بعد ابن أبی طالب

عن حنش بن المعتمر ، قال : إنّ رجلین أتیا امرأةً من قریش فاستودعاها مائة دینار وقالا : لا تدفعیها إلی أحد منّا دون صاحبه حتی نجتمع ، فلبثا حولاً ثمّ جاء أحدهما إلیها وقال : إنّ صاحبی قد مات فادفعی إلیّ الدنانیر ، فأبت فثقل علیها بأهلها فلم یزالوا بها حتی دفعتها إلیه. ثمّ لبثت حولاً آخر فجاء الآخر فقال : ادفعی إلیّ الدنانیر ، ف)

ص: 180


1- لفت نظر : نحن نناقش فی المسألة وغیرها من الأبحاث الدینیة علی مبانی أهل السنّة من دون أیّ نظر إلی آراء الشیعة فیها. (المؤلف)

فقالت : إنّ صاحبک جاءنی وزعم أنّک قد متّ فدفعتها إلیه ، فاختصما إلی عمر فأراد أن یقضی علیها وقال لها : ما أراک إلاّ ضامنة. فقالت : أنشدک الله أن تقضی بیننا وارفعنا إلی علیّ بن أبی طالب. فرفعها إلی علیّ وعرف أنّهما قد مکرا بها ، فقال : «ألیس قلتما لا تدفعیها إلی واحد منّا دون صاحبه؟» قال : بلی. قال : «فإنّ مالک عندنا اذهب فجئ بصاحبک حتی ندفعها إلیکما» ، فبلغ ذلک عمر فقال : لا أبقانی الله بعد ابن أبی طالب. کتاب الأذکیاء لابن الجوزی (ص 18) ، أخبار الظراف لابن الجوزی (ص 19) ، الریاض النضرة (2 / 197) ، ذخائر العقبی (ص 80) ، تذکرة سبط ابن الجوزی (ص 87) ، مناقب الخوارزمی (ص 60) (1).

- 29 -

الخلیفة والکلالة

1 - عن معدان بن أبی طلحة الیعمری قال : إنّ عمر بن الخطّاب خطب یوم الجمعة فذکر نبیّ الله صلی الله علیه وآله وسلم وذکر أبا بکر فقال : ثمّ إنّی لا أدع بعدی شیئاً أهمّ عندی من الکلالة ما راجعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی شیء ما راجعته فی الکلالة ، وما أغلظ لی فی شیء ما أغلظ لی فیه حتی طعن بإصبعه فی صدری وقال : یا عمر ألا یکفیک آیة الصیف التی فی آخر سورة النساء؟ (2) وإنّی (3) إن أعش أقضِ فیها - بقضاء - بقضیّة ف)

ص: 181


1- الأذکیاء : ص 41 ، أخبار الظراف والمتماجنین : ص 16 ، الریاض النضرة : 3 / 145 ، تذکرة الخواص : ص 148 ، المناقب : ص 100 ح 103 و 104.
2- آیة الکلالة تسمّی بآیة الصیف لنزولها فی الصیف فی حجّة الوداع ، وهی قوله تعالی : (یَسْتَفْتُونَکَ قُلِ اللهُ یُفْتِیکُمْ فِی الکَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَکَ لَیْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَکَ وَهُوَ یَرِثُها إِنْ لَمْ یَکنْ لها ولدٌ فإنْ کانتا اثنتینِ فلهما الثُلُثانِ مِمّا تَرَکَ وإنْ کانوا إخوةً رجالاً ونساءً فَلِلذَکَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثیینِ یُبیِّنُ اللهُ لکم أَنْ تَضِلّوا واللهُ بکلِّ شَیْءٍ عَلیم) (المؤلف)
3- قال النووی [فی شرح صحیح مسلم : 11 / 57] فی شرح هذا الحدیث : قوله : وإنّی إن أعش إلی آخره ، من کلام عمر لا من کلام النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم. (المؤلف)

یقضی بها من یقرأ القرآن ومن لم یقرأ القرآن (1).

وفی لفظ الجصّاص (2) : ما سألت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم عن شیء أکثر ممّا سألته عن الکلالة.

2 - عن مسروق قال : سألت عمر بن الخطّاب عن ذی قرابة لی ورث کلالة ، فقال : الکلالة الکلالة. وأخذ بلحیته ثمّ قال : والله لأن أعلمها أحبّ إلیّ من أن یکون لی ما علی الأرض من شیء ، سألت عنها رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فقال : «ألم تسمع الآیة التی أُنزلت فی الصیف؟». فأعادها ثلاث مرّات (3).

3 - أخرج أحمد فی المسند (4) (1 / 38) عن عمر قال : سألت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم عن الکلالة ، فقال : «تکفیک آیة الصیف» ، فقال : لأن أکون سألت رسول الله عنها أحبّ إلیّ من أن یکون لی حمر النعم.

4 - أخرج البیهقی فی السنن الکبری (6 / 225) عن عمر بن الخطّاب رضی الله عنه أنّه قال : ثلاث لأن یکون رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بیّنهنَّ أحبّ إلیَّ من حمر النعم : الخلافة ، والکلالة ، والربا. وأخرجه أبو داود الطیالسی فی مسنده (1 / 12).

5 - أخرج الطبری فی تفسیره (5) (ج 6) عن عمر أنّه قال : لأن أکون أعلم الکلالة أحبّ إلیَّ من أن یکون لی مثل قصور الشام. کنز العمّال (6) (6 / 20). 2.

ص: 182


1- صحیح مسلم کتاب الفرائض : 2 / 3 [3 / 428 ح 9] ، مسند أحمد : 1 / 48 [1 / 79 ح 343] ، سنن ابن ماجة : 2 / 163 [2 / 910 ح 2726] ، أحکام القرآن للجصّاص : 2 / 106 [2 / 87] ، سنن البیهقی : 6 / 224 و 8 / 150 ، تفسیر القرطبی : 6 / 29 [6 / 21]. (المؤلف)
2- أحکام القرآن : 2 / 87.
3- تفسیر الطبری : 6 / 30 [مج 4 / ج 6 / 44] ، تفسیر الدرّ المنثور : 2 / 251 [2 / 757]. (المؤلف)
4- مسند أحمد : 1 / 63 ح 264.
5- جامع البیان : مج 4 / ج 6 / 43.
6- کنز العمّال : 11 / 80 ح 30692.

6 - أخرج ابن راهویه وابن مردویه عن عمر : إنّه سأل رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم کیف تورث الکلالة؟ فأنزل الله : (یَسْتَفْتُونَکَ قُلِ اللهُ یُفْتِیکُمْ فِی الْکَلالَةِ) الآیة. فکأنّ عمر لم یفهم فقال لحفصة : إذا رأیت من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم طیب نفس فسلیه عنها ، فلمّا رأت منه طیب نفس فسألته فقال : «أبوکِ ذکر لک هذا ، ما أری أباکِ یعلمها» ، فکان عمر یقول : ما أرانی أعلمها وقد قال رسول الله ما قال (1). قال السیوطی فی جمع الجوامع کما فی ترتیبه الکنز : هو صحیح.

7 - أخرج ابن مردویه عن طاووس : إنّ عمر أمر حفصة أن تسأل النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم عن الکلالة فأملاها علیها فی کتف فقال : من أمرکِ بهذا؟ أعمر؟ ما أراه یقیمها وما تکفیه آیة الصیف. تفسیر ابن کثیر (1 / 594).

8 - عن طارق بن شهاب قال : أخذ عمر کتفاً وجمع أصحاب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ثمّ قال : لأقضینّ فی الکلالة قضاء تحدّث به النساء فی خدورهنّ ، فخرجت حینئذٍ حیّة من البیت فتفرّقوا فقال : لو أراد الله عزّ وجلّ أن یتمّ هذا الأمر لأتمّه (2). قال ابن کثیر : إسناد صحیح.

9 - عن مرّة بن شرحبیل ، قال : قال عمر بن الخطّاب : ثلاثٌ لأن یکون رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بیّنهنَّ أحبّ إلیَّ من الدنیا وما فیها : الکلالة ، والربا ، والخلافة (3). ف)

ص: 183


1- أحکام القرآن للجصّاص : 2 / 105 [2 / 87] ، تفسیر ابن کثیر : 1 / 594 ، الدرّ المنثور : 2 / 249 [2 / 753] ، کنز العمّال : 6 / 2 [11 / 78 ح 30688]. (المؤلف)
2- تفسیر الطبری : 6 / 60 [مج 4 / ج 6 / 43] ، تفسیر ابن کثیر : 1 / 594. مرّ نظیر هذه القضیة من طریق طارق فی صفحة 117 ، راجع. (المؤلف)
3- سنن ابن ماجة : 2 / 164 [2 / 911 ح 2727] ، تفسیر ابن جریر : 6 / 30 [مج 4 / ج 6 / 43] ، أحکام القرآن للجصّاص : 2 / 105 [2 / 87] ، مستدرک الحاکم : 2 / 304 [2 / 333 ح 3188] وصحّحه ، تفسیر القرطبی : 6 / 29 [6 / 21] ، تفسیر ابن کثیر : 1 / 595 نقلاً عن الحاکم وصحّحه ، تفسیر السیوطی : 2 / 250 [2 / 755]. (المؤلف)

10 - أخرج الحاکم وصحّحه ؛ عن محمد بن طلحة ، عن عمر بن الخطّاب أنّه قال : لأن أکون سألت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم عن ثلاث أحبّ إلیَّ من حمر النعم : من الخلیفة بعده ، وعن قوم قالوا : نقرّ بالزکاة فی أموالنا ولا نؤدّیها إلیک أیحلّ قتالهم ، وعن الکلالة (1).

11 - عن حذیفة فی حدیث قال : نزلت (یَسْتَفْتُونَکَ قُلِ اللهُ یُفْتِیکُمْ فِی الْکَلالَةِ) فلقّاها رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم حذیفة ، فلقّاها حذیفة عمر ، فلمّا کان بعد ذلک سأل عمر عنها حذیفة فقال : والله إنّک لأحمق ، إن کنت ظننت أنّه لقّانیها رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فلقّیتکها کما لقّانیها رسول الله ، والله لا أزیدک علیها شیئاً أبداً (2).

12 - أخرج ابن جریر الطبری (3) فی تفسیره فی روایة : لمّا کان فی خلافة عمر نظر عمر فی الکلالة فدعا حذیفة فسأله عنها فقال حذیفة : لقد لقّانیها رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فلقّیتکها کما لقّانی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم والله إنّی لصادق ، وو الله لا أزیدک علی ذلک شیئاً أبداً ، وکان عمر یقول : اللهمّ إن کنت بیّنتها له فإنّها لم تبیّن لی. تفسیر ابن کثیر (1 / 594).

13 - عن الشعبی ، قال : سُئل أبو بکر رضی الله عنه عن الکلالة ، فقال : إنّی سأقول فیها برأیی فإن یک صواباً فمن الله وإن یک خطأً فمنّی ومن الشیطان ، أراه ما خلا الولد والوالد ، فلمّا استخلف عمر رضی الله عنه قال : إنّی لأستحیی الله أن أردّ شیئاً قاله أبو بکر (4).

14 - أخرج البیهقی فی السنن الکبری (6 / 224) عن الشعبی قال : قال ف)

ص: 184


1- المستدرک : 2 / 303 [2 / 332 ح 3186] ، تفسیر ابن کثیر : 1 / 595 ، تفسیر السیوطی : 2 / 249 [2 / 754]. (المؤلف)
2- تفسیر القرطبی : 6 / 29 ، تفسیر ابن کثیر : 1 / 594. (المؤلف)
3- جامع البیان : مج 4 / ج 6 / 42.
4- سنن الدارمی : 2 / 365 ، السنن الکبری : 6 / 223. (المؤلف)

عمر رضی الله عنه : الکلالة ما عدا الولد ، قال أبو بکر : الکلالة ما عدا الولد والوالد ، فلمّا طعن عمر قال : إنّی لأستحیی أن أُخالف أبا بکر ، الکلالة ما عدا الولد والوالد.

15 - فی السنن الکبری (6 / 224) : أنّ عمر بن الخطّاب رضی الله عنه قال : أتی علیّ زمان ما أدری ما الکلالة ، وإذا الکلالة من لا أب له ولا ولد.

16 - عن ابن عبّاس قال : کنت آخر الناس عهداً بعمر رضی الله عنه فسمعته یقول : القول ما قلت. قلت : وما قلت؟ قال : الکلالة من لا ولد له. السنن الکبری (6 / 225) ، مستدرک الحاکم (1) (2 / 304).

قال الأمینی : ما أعضل الکلالة علی الخلیفة! وما أبهمها وأبهم حکمها عنده! وهی شریعة مطّردة سمحة سهلة ، وهل هو حین أکثر السؤال عنها أجاب عنه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أو لم یجب؟ فإن کان الأوّل فلم لم یحفظه أو قصر فهمه عن عرفانه وهو أحبّ إلیه من حمر النعم ، أو من الدنیا وما فیها ، أو من أن یکون له مثل قصور الشام؟ وإن کان الثانی فحاشا رسول الله أن یؤخّر البیان عن وقت الحاجة وهو یعلم أنّه سوف یتربّع علی منصّة الخلافة فترفع إلیه المسائل والخصومات وإنّ من أکثرها اطّراداً مسألة الکلالة ، لکن الحقیقة هی ما نوّه به رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بقوله لحفصة : «ما أری أباکِ یعلمها» أو بقوله : «ما أراه یقیمها» ، وهو یعرب عن جلیّة الحال ، ویوقف القارئ علی الواقع إن لم یضلّه الهوی.

والخطب الفظیع أنّه بعد هذه کلّها ومع قوله : إنّها لم تبیَّن لی لم یتزحزح عن الحکم فیها ، وکان یقضی فیها برأیه ما شاء ذاهلاً عن قوله تعالی : (وَلا تَقْفُ ما لَیْسَ لَکَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ کُلُّ أُولئِکَ کانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً) (2) ، وعن قوله تعالی : (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَیْنا بَعْضَ الْأَقاوِیلِ * لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْیَمِینِ * ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِینَ * فَما 6.

ص: 185


1- المستدرک علی الصحیحین : 2 / 332 ح 3187.
2- الإسراء : 36.

مِنْکُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِینَ) (1) ، وتراه یتّبع أبا بکر وهو یعلم أنّه شاکلته وقد سمع منه قوله : إنی سأقول فیها برأیی فإن یک صواباً فمن الله وإن یک خطأً فمنّی ومن الشیطان (إِنْ یَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا یُغْنِی مِنَ الْحَقِّ شَیْئاً) (2).

وقد رأی ابن حجر کثرة الخلاف فی الکلالة بأنّها : من لیس له الوالد والولد ، إنّها من سوی الوالد ، من سوی الوالد وولد الولد. من سوی الولد ، الکلالة الإخوة ، الکلالة هی المال. وقیل : الفریضة. وقیل : بنو العمّ ونحوهم وقیل : العصبات وإن بعدوا.

ثمّ قال : ولکثرة الاختلاف فیها صحّ عن عمر أنّه قال : لم أقل فی الکلالة شیئاً (3). فکأنّه یراها عذراً للخلیفة فی ربیکته بالکلالة ، وأین هو من آیة الکلالة؟ وکیف تخفی علی أحد وهی بین یدیه وفیها قوله تعالی : (یُبَیِّنُ اللهُ لَکُمْ أَنْ تَضِلُّوا) فکیف بیّنها الله ومثل الخلیفة یقول : لم تبیّن لی؟ ومن أین أتی الخلاف وکثر وهی مبیّنة؟ وکیف یری النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم آیة الصیف کافیةً فی البیان لمن جهل الکلالة؟

علی أنّ الخلیفة هو إمام الأُمّة ومرجعها الوحید فی خلافها ، وبه القدوة والأُسوة فی التخاصم والتنازع فی الآراء والمعتقدات ، فلا عذر له فی جهله بشیء منها علی کلّ حال خالفت الأُمّة أم لم تخالف.

- 30 -

رأی الخلیفة فی الأرنب

اشارة

عن موسی بن طلحة : أنّ رجلاً سأل عمر عن الأرنب ، فقال عمر : لو لا أنّی أزید فی الحدیث أو أنقص منه ، وسأرسل لک إلی رجل. فأرسل إلی عمّار فجاء ، فقال : ف)

ص: 186


1- الحاقة : 44 - 47.
2- النجم : 28.
3- فتح الباری فی شرح صحیح البخاری : 8 / 215 [8 / 268]. (المؤلف)

کنّا مع النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فنزلنا فی موضع کذا وکذا فأهدی إلیه رجل من الأعراب أرنباً فأکلناها ، فقال الأعرابی : یا رسول الله إنّی رأیتها تدمی أی تحیض ، فقال النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم : «لا بأس بها».

أخرجه (1) ابن أبی شیبة ، وابن جریر الطبری کما فی کنز العمّال (8 / 50) ، وأخرجه أبو یعلی فی مسنده ، والطبرانی فی الکبیر من روایة ابن الحوتکیّة کما فی عمدة القاری (6 / 259) ، ورواه الهیثمی فی مجمع الزوائد (3 / 195) نقلاً عن أحمد من طریق ابن الحوتکیّة.

أنا لا أقول : إنّ الذی أخاف الخلیفة من الزیادة أو النقیصة فی الحدیث هو عدم معرفته بالحکم ، ولا أقول : إنّ عمّاراً کان أبصر منه فی القضیّة وأوثق منه فی الروایة والنقل. ولا أقول : أین کانت تلک الحیطة منه فی غیر الأرنب ممّا استبدّ بحکمه من دون أیّ اکتراث من مئات المسائل فی الأموال والأنفس والعقود والإیقاعات وهو یعلم أنّه لم یحط بها علماً ، لکنّی أکِلُ ذلک إلی وجدانک الحرّ.

وفی النفس ما فیها فی نفی البأس عن لحم الأرنب ، وهو قول الأئمّة الأربعة وکافّة العلماء إلاّ ما حکی عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، وعبد الرحمن بن أبی لیلی ، وعکرمة مولی ابن عبّاس أنَّهم کرهوا أکلها. عمدة القاری (2) (6 / 259).

- 31 -

رأی الخلیفة فی القود

عن ابن أبی حسین : أنّ رجلاً شجّ رجلاً من أهل الذمّة ، فهمّ عمر بن الخطّاب 1.

ص: 187


1- المصنّف : 8 / 247 ح 4329 ، تهذیب الآثار : 2 / 842 ح 1179 من مسند عمر بن الخطّاب ، کنز العمّال : 15 / 445 ح 41762 ، مسند أبی یعلی : 3 / 186 ح 1612 ، عمدة القاری : 13 / 132 ، مسند أحمد : 1 / 52 ح 210.
2- عمدة القاری : 13 / 131.

أن یقیده منه ، فقال معاذ بن جبل : قد علمت أنّ لیس ذلک لک. وأثر ذلک عن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فأعطاه عمر بن الخطّاب فی شجّته دیناراً فرضی به.

أخرجه الحافظ السیوطی فی جمع الجوامع کما فی ترتیبه (1) (7 / 304).

- 32 -

لو لا معاذ لهلک عمر

عن أبی سفیان ، عن أشیاخ لهم : أنّ امرأة غاب عنها زوجها سنتین ثمّ جاء وهی حامل ، فرفعها إلی عمر فأمر برجمها ، فقال له معاذ : إن یکن لک علیها سبیل فلا سبیل لک علی ما فی بطنها ، فقال عمر : احبسوها حتی تضع فوضعت غلاماً له ثنیّتان ، فلمّا رآه أبوه عرف الشبه فقال : ابنی ابنی وربّ الکعبة ، فبلغ ذلک عمر فقال : عجزت النساء أن یلدن مثل معاذ ، لو لا معاذ لهلک عمر.

لفظ البیهقی : جاء رجل إلی عمر بن الخطّاب رضی الله عنه فقال : یا أمیر المؤمنین إنّی غبت عن امرأتی سنتین فجئت وهی حبلی ، فشاور عمر رضی الله عنه ناساً فی رجمها ، فقال معاذ بن جبل رضی الله عنه : یا أمیر المؤمنین إن کان لک علیها سبیل فلیس لک علی ما فی بطنها سبیل فاترکها حتی تضع. فترکها فولدت غلاماً قد خرجت ثنایاه فعرف الرجل الشبه فیه ، فقال : ابنی وربّ الکعبة ، فقال عمر رضی الله عنه : عجزت النساء أن یلدن مثل معاذ ، لو لا معاذ لهلک عمر.

أخرجه (2) البیهقی فی السنن الکبری (7 / 443) ، وأبو عمر فی العلم (ص 150) ، والباقلانی إیعازاً إلیه فی التمهید (ص 199) ، وابن أبی شیبة کما فی کنز العمّال (7 / 82) ، 3.

ص: 188


1- کنز العمّال : 15 / 97 ح 40243.
2- المصنّف فی الأحادیث والآثار : 10 / 88 ح 8861 ، جامع بیان العلم : ص 311 ح 1562 ، کنز العمّال : 13 / 583 ح 37499 ، فتح الباری : 12 / 146 ، شرح نهج البلاغة : 12 / 179 خ 223.

وفتح الباری لابن حجر (12 / 120) وقال : أخرجه ابن أبی شیبة ورجاله ثقات ، والإصابة (3 / 427) نقلاً عن فوائد محمد بن مخلد العطّار ، وذکره ابن أبی الحدید فی شرح النهج (3 / 150) متسالماً علیه.

- 33 -

رأی الخلیفة فی القود

عن مکحول : أنّ عبادة بن الصامت دعا نبطیّا یمسک له دابّته عند بیت المقدس فأبی فضربه فشجّه ، فاستدعی علیه عمر بن الخطّاب فقال له : ما دعاک إلی ما صنعت بهذا؟ فقال : یا أمیر المؤمنین أمرته أن یمسک دابّتی فأبی وأنا رجل فیّ حدّة فضربته ، فقال : اجلس للقصاص. فقال زید بن ثابت : أتقید عبدک من أخیک؟ فترک عمر عنه القود وقضی علیه بالدیة.

أخرجه البیهقی فی السنن الکبری (8 / 32) ، وذکره السیوطی فی جمع الجوامع کما فی الکنز (1) (7 / 303).

- 34 -

رأی الخلیفة فی ذمّی مقتول

عن مجاهد : قال : قدم عمر بن الخطّاب الشام فوجد رجلاً من المسلمین قتل رجلاً من أهل الذمّة فهمّ أن یقیده ، فقال له زید بن ثابت : أتقید عبدک من أخیک؟ فجعله عمر دیة.

أخرجه عبد الرزّاق (2) ، وابن جریر الطبری کما فی کنز العمّال (3) (7 / 304). 2.

ص: 189


1- کنز العمّال : 15 / 94 ح 40232.
2- المصنّف : 10 / 100 ح 18509.
3- کنز العمّال : 15 / 97 ح 40242.

- 35 -

قصّة أخری فی ذمّی مقتول

اشارة

عن عمر بن عبد العزیز : أنّ رجلاً من أهل الذمّة قُتل بالشام عمداً وعمر بن الخطّاب إذ ذاک بالشام ، فلمّا بلغه ذلک قال عمر : قد ولعتم (1) بأهل الذمّة لأقتلنّه به. قال أبو عبیدة بن الجرّاح : لیس ذلک لک ، فصلّی ثمّ دعا أبا عبیدة فقال : لم زعمت لا أقتله به؟ فقال أبو عبیدة : أرأیت لو قتل عبداً له أکنت قاتله به؟ فصمت عمر ، ثمّ قضی علیه بالدیة بألف دینار تغلیظاً علیه.

أخرجه البیهقی فی السنن الکبری (8 / 32) ، وذکره السیوطی فی جمع الجوامع کما فی ترتیبه (2) (7 / 303).

- 36 -

رأی الخلیفة فی قاتلٍ معفوٍّ عنه

عن إبراهیم النخعی : أنّ عمر بن الخطّاب رضی الله عنه أُتی برجل قد قتل عمداً فأمر بقتله فعفا بعض الأولیاء فأمر بقتله ، فقال ابن مسعود : کانت النفس لهم جمیعاً ، فلمّا عفا هذا أحیا النفس فلا یستطیع أن یأخذ حقّه حتی یأخذ غیره قال : فما تری؟ قال : أری أن تجعل الدیة علیه فی ماله وترفع حصّة الذی عفا ، فقال عمر رضی الله عنه : وأنا أری ذلک (3).

إن کان الحکم فی هذه القضایا هو ما ارتآه الخلیفة أوّلاً فلما ذا عدل عنه؟ وإن ف)

ص: 190


1- فی سنن البیهقی وکنز العمّال : (وقعتم) مکان (ولعتم).
2- کنز العمّال : 15 / 94 ح 40234.
3- کتاب الأُم للشافعی : 7 / 295 [7 / 329] ، سنن البیهقی : 8 / 60. (المؤلف)

کان ما لفتوا نظره إلیه أخیراً فلما ذا همّ أن ینوء بالأوّل؟ وهل من المستطاع أن نقول : إنّ الحکم کان عازباً عن فکرة خلیفة المسلمین فی کلّ هذه الموارد؟ أو أنّ تلکم الأقضیة کانت مجرّد رأی وتحکّم؟ أو هذه هی سیرة أعلم الأمّة؟

- 37 -

رأی الخلیفة فی الأصابع

عن سعید بن المسیّب : أنّ عمر بن الخطّاب رضی الله عنه قضی فی الأصابع : فی الإبهام بثلاث عشرة ؛ وفی التی تلیها باثنتی عشرة ، وفی الوسطی بعشر ، وفی التی تلیها بتسع ، وفی الخنصر بستّ.

وفی لفظ آخر :

إنّ عمر بن الخطّاب رضی الله عنه قضی فی الإبهام بخمس عشرة ، وفی التی تلیها بعشر ، وفی الوسطی بعشر ، وفی التی تلی الخنصر بتسع ، وفی الخنصر بستّ.

وعن أبی غطفان : أنّ ابن عبّاس کان یقول فی الأصابع عشر عشر ، فأرسل مروان إلیه فقال : أتُفتی فی الأصابع عشر عشر وقد بلغک عن عمر رضی الله عنه فی الأصابع؟ فقال ابن عبّاس : رحم الله عمر ، قول رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أحقّ أن یتّبع من قول عمر رضی الله عنه (1)

قال الأمینی : ثبت فی الصحاح والمسانید أنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قال : فی الأصابع عشر عشر علی ما أفتی به ابن عبّاس ، وهذه سنّته صلی الله علیه وآله وسلم المسلّمة وهدیه الثابت فیها ، وما قضی به عمر فمن آرائه الخاصّة به ، والأمر کما قال ابن عبّاس : قول ف)

ص: 191


1- کتاب الأُمّ للشافعی : 1 / 58 ، 134 [1 / 151] ، واختلاف الحدیث للشافعی أیضاً - هامش کتاب الأُمّ : 7 / 140 [ص 478] ، وکتاب الرسالة له : ص 113 [ص 422 ح 1160] ، سنن البیهقی : 8 / 93. (المؤلف)

رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أحقّ أن یُتّبع من قول عمر. وأنا لا أدری أنّ الخلیفة کان یعلم ذلک ویخالف أم لم یکن یعلم؟

فإن کان لا یدری فتلک مصیبة

وإن کان یدری فالمصیبة أعظم

- 38 -

رأی الخلیفة فی دیة الجنین

عن المسور بن مخرمة ، قال : استشار عمر بن الخطّاب رضی الله عنه الناس فی إملاص المرأة ، فقال المغیرة بن شعبة : سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قضی بغرّة عبد أو أَمة. فقال : ائتنی بمن یشهد معک ، فشهد معه محمد بن مسلمة (1).

وعن عروة : أنّ عمر رضی الله عنه سأل - نشد - الناس من سمع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قضی فی السقط؟ فقال المغیرة بن شعبة : أنا سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قضی فیه بغرّة عبد أو أمة ، فقال : ائت بمن یشهد معک علی هذا. فقال محمد بن مسلمة : أنا أشهد علی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم بمثل هذا (2).

وفی لفظ أبی داود : فقال عمر : الله أکبر لو لم أسمع بهذا لقضینا بغیر هذا (3).

وفی حدیث : نشد عمر الناس فی دیة الجنین ، فقال حمل بن النابغة : إنّ ف)

ص: 192


1- صحیح البخاری کتاب الدیات باب جنین المرأة [6 / 2531 ح 6509] ، صحیح مسلم : 2 / 41 [3 / 515 ح 39 کتاب القسامة والمحاربین] ، سنن أبی داود : 2 / 255 [4 / 191 ح 4570] ، مسند أحمد : 4 / 244 و 253 [5 / 296 ح 17670 ، ص 309 ح 17748] ، سنن البیهقی : 8 / 114 ، تذکرة الحفّاظ : 1 / 7 [رقم 2]. (المؤلف)
2- صحیح البخاری کتاب الدیات باب جنین المرأة [6 / 2531 ح 6510] ، السنن الکبری للبیهقی : 8 / 114 ، 115. (المؤلف)
3- سنن أبی داود : 2 / 256 [4 / 192 ح 4573]. (المؤلف)

رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قضی فیه بغرّة عبد أو ولیدة فقضی به عمر (1). وزاد الشافعی : فقال عمر رضی الله عنه لو لم نسمع هذا لقضینا فیه بغیر هذا. وفی لفظ : إن کدنا أن نقضی فی مثل هذا برأینا.

قال ابن حجر فی الإصابة (2 / 259) : أخرجه أحمد وأصحاب السنن بإسنادٍ صحیح من طریق طاووس عن ابن عبّاس.

قال الأمینی : ما أحوج الخلیفة إلی العقل المنفصل فی کلّ قضیّة حتی إنّه یرکن إلی مثل المغیرة أزنی ثقیف وأکذبها فی شریعة إلهیّة! وهو لم یُجز شهادة المغیرة للعبّاس عمّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فی دعواه أنّه صلی الله علیه وآله وسلم أقطع له البحرین (2) ، أو یستند إلی مثل محمد بن مسلمة الذی ما جاء عنه غیر ستّة أحادیث (3) ، أو إلی مثل حمل بن النابغة الذی لیس له عندهم غیر هذا الحدیث (4).

قال ابن دقیق العید : استشارة عمر فی ذلک أصل فی سؤال الإمام عن الحکم إذا کان لا یعلمه ، أو کان عنده شکّ ، أو أراد الاستثبات (5). لکنّا لا نری فی مستوی الإمامة مقیلاً لمن یجهل حکماً من الأحکام ، أو یشکّ فیما علمه ، أو یحتاج إلی التثبّت فیما اتّصل به یقینه بقول هذا وذاک ، فإنّه المقتدی فی الأحکام کلّها ، فلو جاز له الجهل فی شیء منها أو الشکّ أو الحاجة إلی التثبّت لجاز أن یقع ذلک حیث لا یجد من یسأله فیرتبک فی الجواب ، أو یربک صاحبه فی الضلال ، أو یتعطّل الحکم الإلهیّ من جرّاءف)

ص: 193


1- کتاب الرسالة للشافعی : ص 113 [ص 426 ح 1174] ، اختلاف الحدیث له - فی هامش کتاب الأُم - : 7 / 20 [ص 479] ، عمدة القاری : 5 / 410 [24 / 67] ، تهذیب التهذیب : 3 / 36 [3 / 32]. (المؤلف)
2- تاریخ ابن خلکان : 2 / 456 [6 / 367 رقم 821] فی ترجمة یزید بن ربیعة. (المؤلف)
3- تهذیب التهذیب : 9 / 455 [9 / 402]. (المؤلف)
4- تهذیب التهذیب : 3 / 36 [3 / 32]. (المؤلف)
5- إرشاد الساری للقسطلانی : 10 / 67 [14 / 377]. (المؤلف)

ذلک ، ألا تسمع قول عمر : الله أکبر لو لم أسمع بهذا لقضینا بغیر هذا. أو : إن کدنا أن نقضی فی مثل هذا برأینا.

- 39 -

رأی الخلیفة فی سارق

عن عبد الرحمن بن عائذ ، قال : أُتی عمر بن الخطّاب برجل أقطع الید والرجل قد سرق ، فأمر به عمر أن یقطع رجله ، فقال علیّ رضی الله عنه : «إنّما قال الله عزّ وجلّ : (إِنَّما جَزاءُ الَّذِینَ یُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ) ، الآیة (1) ، فقد قطعت ید هذا ورجله فلا ینبغی أن تقطع رجله فتدعه لیس له قائمة یمشی علیها ، إمّا أن تعزّره وإمّا أن تستودعه السجن». قال : فاستودعه السجن.

السنن الکبری للبیهقی (8 / 274) ، کنز العمّال (2) (3 / 118).

- 40 -

اجتهاد الخلیفة فی هدیّة ملکة الروم

اشارة

[1 -] عن قتادة قال : بعث عمر رسولاً إلی ملک الروم ، فاستقرضت أُمّ کلثوم بنت علیّ - وکانت امرأة عمر - دیناراً فاشترت به عطراً وجعلته فی قارورة وبعثت به مع الرسول إلی امرأة ملک الروم ، فلمّا أتاها بعثت لها شیئاً من الجواهر وقالت للرسول : اذهب به إلی امرأة عمر ، فلمّا أتاها أفرغته علی البساط فدخل عمر فقال : ما هذا؟ فأخبرته فأخذ الجواهر وخرج بها إلی المسجد ونادی الصلاة جامعة. 8.

ص: 194


1- المائدة : 33.
2- کنز العمّال : 5 / 553 ح 13928.

فلمّا اجتمع الناس أخبرهم الخبر وأراهم الجواهر وقال : ما ترون فی ذلک؟ فقالوا : إنّا نراها تستحقّ ذلک لأنّه هدیّة جاءتها من امرأة لا جزیة ولا خراج علیها ولا یتعلّق بها حکم من أحکام الرجال. فقال : لکن الزوجة زوجة أمیر المؤمنین ، والرسول رسول أمیر المؤمنین ، والراحلة التی رکبها للمؤمنین ، وما جاء ذلک کلّه لو لا المؤمنون ، فأری أنّ ذلک لبیت مال المسلمین ، ونعطیها رأس مالها ، فباع الجواهر ودفع لزوجته دیناراً وجعل ما بقی فی بیت مال المسلمین (1).

2 - یُروی أنّ امرأة أبی عبیدة أرسلت إلی امرأة ملک الروم هدیّة فکافأتها بجوهر ، فبلغ ذلک عمر فأخذه فباعه وأعطاها ثمن هدیّتها وردّ باقیه إلی بیت مال المسلمین (2).

قال الأمینی : کلّ ما ذکره الخلیفة لیس من المملک ولا من المخرجات من الملک ، أمّا کونها زوجة الخلیفة فمن الدواعی لإهداء زوجة ملک الروم ، وأمّا وجود المؤمنین فهو من بواعث شوکة الخلیفة التی من جهتها تکون زوجته معتنیً بها عند أزواج الملوک ، وکون الرسول رسول الخلیفة لا یبیح ما ائتُمن علیه الرسول فی إیصاله إلی صاحبه. ودابّة المؤمنین لا تستبیح ما حمله الراکب علیها.

نعم ؛ من الممکن إن کان له ثقل یعتدّ به أن یأخذ المؤمنون الأُجرة علی حمله.

ولا أدری کیف فعل الخلیفة ما فعل؟ وکیف استساغ المسلمون ذلک المال أخیراً بعد أن رأوا أنّها تستحقّه أوّلاً؟ ثمّ ما وجه إعطاء ثمن الهدیّة فی القضیّتین؟ فإن کان لحقّ لصاحبتیهما فی الجوهر ، فهو لهما فی کلّه ، وإلاّ فقد أقدمتاهما إلی إتلاف مالهما ، فلا وجه لإعطاء بدله من مال المسلمین. ف)

ص: 195


1- الفتوحات الإسلامیة : 2 / 413 [2 / 265]. (المؤلف)
2- الفتوحات الإسلامیة : 2 / 413 [2 / 265]. (المؤلف)

- 41 -

رأی الخلیفة فی جلد المغیرة

عن عبد الرحمن بن أبی بکرة : أنّ أبا بکرة وزیاداً ونافعاً وشبل بن معبد کانوا فی غرفة والمغیرة فی أسفل الدار فهبّت ریح ففتحت الباب ورفعت الستر فإذا المغیرة بین رجلیها ، فقال بعضهم لبعض : قد ابتلینا. قال : فشهد أبو بکرة ونافع وشبل ، وقال زیاد : لا أدری نکحها أم لا ، فجلدهم عمر رضی الله عنه إلاّ زیاداً ، فقال أبو بکرة رضی الله عنه : ألیس قد جلدتمونی؟ قال : بلی. قال : فأنا أشهد بالله لقد فعل. فأراد عمر أن یجلده أیضاً ، فقال علیّ : «إن کانت شهادة أبی بکرة شهادة رجلین فارجم صاحبک ، وإلاّ فقد جلدتموه» ، یعنی لا یجلد ثانیاً بإعادة القذف.

وفی لفظ آخر : فهمّ عمر أن یعید علیه الحدّ فنهاه علیّ رضی الله عنه وقال : «إن جلدته فارجم صاحبک» ، فترکه ولم یجلده.

وفی لفظ ثالث : فهمّ عمر بضربه ، فقال علیّ : «لئن ضربت هذا فارجم ذاک» (1).

صورة مفصّلة :

عن أنس بن مالک : أنّ المغیرة بن شعبة کان یخرج من دار الإمارة وسط النهار ، وکان أبو بکرة - نفیع الثقفی - یلقاه فیقول له : أین یذهب الأمیر؟ فیقول : إلی حاجة ، فیقول له : حاجة ما؟ إنّ الأمیر یُزار ولا یزور ، قال : وکانت المرأة - أُمّ جمیل بنت الأفقم - التی یأتیها جارة لأبی بکرة ، قال : فبینا أبو بکرة فی غرفة له مع أصحابه وأخویه نافع وزیاد ورجل آخر یقال له شبل بن معبد ، وکانت غرفة تلک المرأة بحذاء ف)

ص: 196


1- السنن الکبری للبیهقی : 8 / 235. (المؤلف)

غرفة أبی بکرة ، فضربت الریح باب غرفة المرأة ففتحته. فنظر القوم فإذا هم بالمغیرة ینکحها ، فقال أبو بکرة : هذه بلیّة ابتلیتم بها فانظروا. فنظروا حتی أثبتوا ، فنزل أبو بکرة حتی خرج علیه المغیرة من بیت المرأة ، فقال له : إنّه قد کان من أمرک ما قد علمت فاعتزلنا ، قال : وذهب لیصلّی بالناس الظهر فمنعه أبو بکرة وقال له : والله لا تصلّی بنا وقد فعلت ما فعلت. فقال الناس : دعوه فلیصلّ فإنّه الأمیر واکتبوا بذلک إلی عمر. فکتبوا إلیه ، فورد کتابه أن یقدموا علیه جمیعاً المغیرة والشهود.

قال مصعب بن سعد : إنّ عمر بن الخطّاب رضی الله عنه جلس ودعا بالمغیرة والشهود ، فتقدّم أبو بکرة فقال له : أرأیته بین فخذیها؟ قال : نعم والله لکأنّی أنظر تشریم جدری بفخذیها ، فقال له المغیرة : لقد ألطفت النظر ، فقال له : ألم أک قد أثبتّ ما یخزیک الله به؟ فقال له عمر : لا والله حتی تشهد لقد رأیته یلج فیه کما یلج المرود فی المکحلة. فقال : نعم أشهد علی ذلک ، فقال له : اذهب مغیرة ذهب ربعک ، ثمّ دعا نافعاً فقال له : علام تشهد؟ قال : علی مثل شهادة أبی بکرة. قال : لا حتی تشهد أنه یلج فیه ولوج المرود فی المکحلة ، فقال : نعم حتی بلغ قذذه (1). فقال : اذهب مغیرة ذهب نصفک ، ثمّ دعا الثالث فقال : علام تشهد؟ فقال : علی مثل شهادة صاحبیّ. فقال له : اذهب مغیرة ذهب ثلاثة أرباعک ، ثمّ کتب - عمر - إلی زیاد فقدم علی عمر ، فلمّا رآه جلس له فی المسجد واجتمع له رءوس المهاجرین والأنصار ، فقال المغیرة : ومعی کلمة قد رفعتها لأحلم القوم ، قال : فلمّا رآه عمر مقبلاً قال : إنّی لأری رجلاً لن یخزی الله علی لسانه رجلاً من المهاجرین. فقال : یا أمیر المؤمنین أما إن أحقّ ما حقّ القوم فلیس ذلک عندی ، ولکنّی رأیت مجلساً قبیحاً وسمعت أمراً حثیثاً وانبهاراً ، ورأیته متبطّنها ، فقال له : أرأیته یدخله کالمیل فی المکحلة؟ فقال : لا.

وفی لفظ قال : رأیته رافعاً برجلیها ، ورأیت خصیتیه تتردّدان بین فخذیها ، ه.

ص: 197


1- أی : أصله.

ورأیت حفزاً شدیداً ، وسمعت نفساً عالیاً.

وفی لفظ الطبری قال : رأیته جالساً بین رجلی امرأة ، فرأیت قدمین مخضوبتین تخفقان ، واستین مکشوفتین ، وسمعت حفزاناً شدیداً.

فقال له : أرأیته یدخله ویخرجه کالمیل فی المکحلة؟ فقال : لا ، فقال عمر : الله أکبر قم إلیهم فاضربهم ، فقام إلی أبی بکرة فضربه ثمانین وضرب الباقین وأعجبه قول زیاد ودرأ عن المغیرة الرجم ، فقال أبو بکرة بعد أن ضُرب : فإنّی أشهد أنّ المغیرة فعل کذا وکذا. فهمّ عمر بضربه ، فقال له علیّ علیه السلام : «إن ضربته رجمت صاحبک ونهاه عن ذلک» (1).

قال الأمینی : لو کان للخلیفة قسط من حکم هذه القضیّة لما همّ بجلد أبی بکرة ثانیاً ، ولا عزب عنه حکم رجم المغیرة إن جُلد.

وإن تعجب فعجب إیعاز الخلیفة إلی زیاد لمّا جاء یشهد بکتمان الشهادة بقوله : إنّی لأری رجلاً لن یخزی الله علی لسانه رجلاً من المهاجرین (2) أو بقوله : أما إنّی أری وجه رجل أرجو أن لا یُرجم رجل من أصحاب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم علی یده ولا یخزی بشهادته (3).

أو بقوله : إنّی لأری غلاماً کیّساً لا یقول إلاّ حقّا ولم یکن لیکتمنی شیئاً (4). ف)

ص: 198


1- الأغانی لأبی الفرج الأصبهانی : 14 / 146 [16 / 105] ، تاریخ الطبری : 4 / 207 [4 / 69 - 72 حوادث سنة 17 ه] ، فتوح البلدان للبلاذری : ص 352 [ص 339] ، تاریخ الکامل لابن الأثیر : 2 / 228 [2 / 159 حوادث سنة 17 ه] ، تاریخ ابن خلّکان : 2 / 455 [6 / 364 رقم 821] ، تاریخ ابن کثیر : 7 / 81 [7 / 94 حوادث سنة 17 ه] ، شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید : 3 / 161 [12 / 234 - 237 خطبة 223] ، عمدة القاری : 6 / 340 [13 / 208]. (المؤلف)
2- الأغانی کما مرّ. (المؤلف)
3- فتوح البلدان للبلاذری : ص 353 [ص 340]. (المؤلف)
4- سنن البیهقی : 8 / 235. (المؤلف)

أو بقوله : إنّی أری غلاماً کیّساً لن یشهد إن شاء الله إلاّ بحقّ (1) وهو یوعز إلی أنّ الذین تقدّموه أغرار شهدوا بالباطل ، وعلی أیٍّ فقد استشعر زیاد میل الخلیفة إلی درء الحدّ عن المغیرة فأتی بجمل لا تقصر عن الشهادة ، لکنّه تلجلج عن صراح الحقیقة لمّا انتهی إلیه ، وکیف یصدّق فی ذلک ، وقد رأی أستاهاً مکشوفة ، وخصیتین متردّدتین بین فخذی أُمّ جمیل ، وقدمین مخضوبتین مرفوعتین ، وسمع حفزاناً شدیداً ونفساً عالیاً ، ورآه متبطّناً لها ، وهل تجد فی هذا الحدّ مساغاً لأن یکون المیل فی خارج المکحلة؟ أو أن یکون قضیب المغیرة جامحاً عن فرج أُمّ جمیل؟

نعم ؛ کان فی القضیّة تأوّل واجتهاد أدّی إلی أهمیّة درء الحدّ فی المورد خاصّة ، وإن کان الخلیفة نفسه جازماً بصدق الخزایة کما یعرب عنه قوله للمغیرة : والله ما أظنّ أبا بکرة کذب علیک ، وما رأیتک إلاّ خفت أن أُرمی بالحجارة من السماء. قاله لمّا وافقت أُمّ جمیل عمر بالموسم والمغیرة هناک فسأله عنها فقال : هذه أُمّ کلثوم بنت علیّ ، فقال عمر : أتتجاهل علیّ؟ والله ما أظنّ ... إلخ (2).

ولیت شعری لما ذا کان عمر یخاف أن یُرمی بالحجارة من السماء؟ ألردّه الحدّ حقّا؟ وحاشا الله أن یرمی مقیم الحقّ ، أو لتعطیله الحکم؟ أو لجلده مثل أبی بکرة الذی عدّوه من خیار الصحابة وکان من العبادة کالنصل؟ أنا لا أدری.

وکان علیّ أمیر المؤمنین علیه السلام یصافق عمر علی ما ظنّ أو جزم به فخاف أن یرمی بالحجارة ، وینمّ عن ذلک قوله علیه السلام : «لئن لم ینته المغیرة لأتبعنّه أحجاره». أو قوله : «لئن أخذت المغیرة لأتبعنّه أحجاره» (3).

وقد هجاه حسّان بن ثابت فی هذه القصّة بقوله : ف)

ص: 199


1- کنز العمّال : [5 / 423 ح 13497]. (المؤلف)
2- الأغانی : 14 / 147 [16 / 109] ، شرح النهج 3 / 162 [12 / 238 خطبة 223]. (المؤلف)
3- الأغانی : 14 / 147 [16 / 109]. (المؤلف)

لو انّ اللؤمَ یُنسَبُ کان عبداً

قبیحَ الوجهِ أعورَ من ثقیفِ

ترکتَ الدینَ والإسلامَ لمّا

بدتْ لک غدوةً ذاتُ النصیفِ

وراجعت الصبا وذکرت لهواً

من القیناتِ فی العمرِ اللطیفِ (1)

ولا یشکّ ابن أبی الحدید المعتزلی فی أنّ المغیرة زنی بأُمّ جمیل وقال : إنّ الخبر بزناه کان شائعاً مشهوراً مستفیضاً بین الناس (2) ، غیر أنّه لم یخطئ عمر بن الخطّاب فی درء الحدّ عنه ، ویدافع عنه بقوله : لأنّ الإمام یستحبّ له درء الحدّ وإن غلب علی ظنّه أنّه قد وجب الحدّ علیه.

عزب عن ابن أبی الحدید أنّ درء الحدّ بالشبهات لا یخصّ بالمغیرة فحسب بل للإمام رعایة حال الشهود أیضاً ودرء الحدّ عنهم ، فأنّی لإمام درأ الحدّ عمّن یقال : إنّه کان أزنی الناس فی الجاهلیّة ، فلمّا دخل فی الإسلام قیّده الإسلام وبقیت عنده منه بقیّة ظهرت فی أیّام ولایته بالبصرة (3)؟ أنّی له رفع الید عن مثل الرجل وقد غلب علی ظنّه وجوب الحدّ علیه ، وحکمه بالحدّ علی أبریاء ثلاثة یشکّ فی الحدّ علیهم وفیهم من یعدّ من عبّاد الصحابة؟ وأنّی یتأتّی الاحتیاط فی درء الحد عن واحد مثل المغیرة برمی ثلاثة بالکذب والقذف وتشویه سمعتهم فی المجتمع الدینیّ وتخذیلهم بإجراء الحدّ علیهم؟

ثمّ هلاّ اجتمعت کلمة الشهود الأربعة علی ما شهد به زیاد من معاصی المغیرة دون إیلاج المرود فی المکحلة؟ فلما ذا لم یعزّره علی ما اقترفه من الفاحشة؟ أولم تکن ف)

ص: 200


1- الأغانی : 14 / 147 [16 / 110] ، شرح ابن أبی الحدید : 3 / 163 [12 / 238 خطبة 223]. (المؤلف)
2- شرح نهج البلاغة : 3 / 163 [12 / 241 خطبة 223]. (المؤلف)
3- شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید : 3 / 163 [12 / 239 خطبة 223] ، نقلاً عن المدائنی. (المؤلف)

المعاصی تستوجب تعزیراً؟ أولم یکن من رأی الخلیفة جلد صائمٍ أُخِذ علی شراب کما یأتی فی نادرة (72)؟

أولم یکن من رأیه ضرب خمسین علی من وجد مع امرأة فی لحافها علی فراشها (1)؟

أولم یکن مقرّراً حکم عبد الله بن مسعود فی رجل وجد مع امرأة فی لحاف ، فضرب عبد الله کلّ واحد منهما أربعین سوطاً وأقامهما للناس ، فذهب أهل المرأة وأهل الرجل فشکوا ذلک إلی عمر بن الخطّاب ، فقال عمر لابن مسعود : ما یقول هؤلاء؟ قال : قد فعلت ذلک. قال : أورأیت ذلک؟ قال : نعم. فقال : نعمَ ما رأیت. فقالوا : أتیناه نستأذنه فإذا هو یسأله (2).

نعم ؛ للقارئ أن یفرّق بین ما نحن فیه وبین تلکم المواقف التی حکم فیها بالتعزیر بأنّ الحکم هناک قد دار مدار اللحاف ولم یکن لحاف علی المغیرة وأُمّ جمیل فی فحشائهما ، والقول بمثل هذه الخزایة أهون من تلکم الکلم التی توجد فی الدفاع عن الخلیفة حول هذه القضیّة ولدتها.

هذا مغیرة وهذه إلی أمثالها بوائقه ، وکان یُعرف بها فی إسلامه وقبله ، وقد أتی أمیر المؤمنین علیه السلام عندما تولّی الخلافة یظهر بزعمه النصح له بإقرار معاویة فی ولایته علی الشام ردحاً ثمّ یفعل به ما أراد ، وبما أنّ أمیر المؤمنین علیه السلام لم یکن ممّن یداهن ویجامل أعداء الله فی أمر الدین ولا یؤثر الدهاء علی حکم الشریعة ، وکان یری أنّ مفاسد إبقاء معاویة علی الأمر لا تکافئ مصلحة إغفاله عن المقاومة ، فإنّه غیر صالح لتولّی أمر المسلمین فیومه لدة سنته ، وساعته کمثل عمره فی الفساد ، رفض ف)

ص: 201


1- أخرجه إمام الشافعیة فی کتاب الأُم : 7 / 170 [7 / 183]. (المؤلف)
2- أخرجه الطبرانی [المعجم الکبیر 9 / 341 ح 9694 ، وفیه : أتیناه نستأدیه] والهیثمی فی مجمع الزوائد : 6 / 270 وقال : رجاله رجال الصحیح. (المؤلف)

ذلک الرأی المغیریّ ، ولم یکن بالذی یتّخذ المضلّین عضداً ، فبهض ذلک المغیرة فولّی عنه منشداً :

نصحت علیّا فی ابن هندٍ نصیحةً

فرُدّتْ فلم أُسمع لها الدهرَ ثانیه

وقلت له : أوجز علیه بعهدِهِ

وبالأمر حتی یستقرَّ معاویه

وتعلمَ أهلُ الشامِ أن قد ملکتَهُ

وأنّ اذنه صارت لأمرِک واعیه

فتحکمُ فیه ما تریدُ فإنّه

لداهیةٌ فارقْ به أیّ داهیه

فلم یقبل النصح الذی قد نصحته

وکانت له تلک النصیحةُ کافیه (1)

وأجاب عنها العلاّمة الأوردبادی بقوله :

أتیتَ إمام المسلمین بغدرةٍ

فلم تلفِ نفساً منه للغدرِ صاغیه

وأسمعته إدّا من القول لم یُصِخْ

له إذ رأی منه الخیانةَ بادیه

رغبتَ إلیه فی ابن هندٍ ولایةً

أبی الدینُ إلاّ أن تری عنه نائیه

أیؤتمنُ الغاوی علی إمرةِ الهدی

تعاد علی الدینِ المعرّة ثانیه

ویرعی القطیعَ الذئبُ والذئبُ کاسرٌ

ویأمن منه فی الأویقةِ عادیه

وهل سمعت أُذناک قل لی هنیهةً

بزوبعةٍ هبّت فلم تعدُ سافیه

وهل یأمنُ الأفعی السلیمُ سویعةً

ومن شدقِها قتّالةُ السمِّ جاریه

فیومُ ابنِ هندٍ لیس إلاّ کدهرِه

فصفقتُه کانت من الخیرِ خالیه

ولَلشرُّ منه والمزنّمُ جروُه (2)

ووالده شیخ الفجور زبانیه

متی کان للتقوی علوجُ أُمیّةٍ

وللغیّ منهم کلُّ باغٍ وباغیهد.

ص: 202


1- مروج الذهب : 2 / 16 [2 / 371] ، تاریخ الطبری : 5 / 160 [4 / 440 حوادث سنة 35 ه] ، تاریخ ابن کثیر : 8 / 128 [8 / 137 حوادث سنة 60 ه] ، الاستیعاب : 1 / 251 [القسم الرابع / 1447 رقم 2483] ، تاریخ أبی الفداء : 1 / 172. (المؤلف)
2- أی ابنه یزید.

وللزورِ والفحشاءِ منهم زبائنٌ

وللجور منهم کلّ دهیاءَ داهیه

همُ أرهجوها فتنةً جاهلیّة

إذا انتهزوا للشرّ أجواءَ صافیه

فما ذا علی حلفِ التقی وهو لا یُری

یُراوغُ فی أمرِ الخلافة طاغیه

وشتّانَ فی الإسلامِ هذا وهذه

فدینُ علیٍّ غیرُ دنیا معاویه

أتنقمُ منه أنّ شرعةَ أحمدٍ

تجذّ یمیناً لابن سفیانَ عادیه

وتحسبُ أن قد فاته الرأیُ عندَه

کأنّک قد أبصرتَ ما عنه خافیه

ولولا التقی ألفیتَ صنو محمدٍ

لتدبیرِ أمرِ الملکِ أکبرَ داهیه

عرفناک یا أزنی ثقیفٍ ووغدَها

علیک بیومیکَ الشنارُ سواسیه

وإنّک فی الإسلامِ مثلُکَ قبلَهُ

وأُمُّ جمیلٍ للخزایة راویه

وکان المغیرة فی مقدّم أُناس کانوا ینالون من أمیر المؤمنین علیه السلام. قال ابن الجوزی : قدمت الخطباء إلی المغیرة بن شعبة بالکوفة ، فقام صعصعة بن صوحان فتکلّم ، فقال المغیرة : أخرجوه فأقیموه علی المصطبة فلیلعن علیّا. فقال : لعن الله من لعن الله ولعن علیّ بن أبی طالب ، فأخبره بذلک فقال : أقسم بالله لتقیدنّه. فخرج فقال : إنّ هذا یأبی إلاّ علیّ بن أبی طالب ؛ فالعنوه لعنه الله. فقال المغیرة : أخرجوه أخرج الله نفسه.

رسائل الجاحظ (1) (ص 92) ، الأذکیاء (ص 98) (2).

وأخرج أحمد فی مسنده (3) (4 / 369) عن قطبة بن مالک قال : نال المغیرة بن شعبة من علیّ ، فقال زید بن أرقم : قد علمت أنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم کان ینهی عن سبّ الموتی ، فلم تسبّ علیّا وقد مات؟ 2.

ص: 203


1- رسائل الجاحظ السیاسیة : ص 435.
2- الأذکیاء : ص 168.
3- مسند أحمد : 5 / 496 ح 18802.

وأخرج فی المسند (1) أیضاً (1 / 188) أحادیث نیله من أمیر المؤمنین علیه السلام فی خطبته واعتراض سعید بن زید علیه.

- 42 -

کلٌّ أفقه من عمر حتی العجائز

لمّا رجع عمر بن الخطّاب من الشام إلی المدینة انفرد عن الناس لیعرف أخبارهم ، فمرّ بعجوز فی خبائها فقصدها ، فقالت : یا هذا ما فعل عمر؟ قال : هو ذا قد أقبل من الشام. قالت : لا جزاه الله عنّی خیراً ، قال : ویحک ولِمَ؟ قالت : لأنّه والله ما نالنی من عطائه منذ ولی إلی یومنا هذا دینارو لا درهم ، فقال : ویحک وما یدری عمر حالک وأنت فی هذا الموضع؟ فقالت : سبحان الله ما ظننت أنّ أحداً یلی علی الناس ولا یدری ما بین مشرقها ومغربها ، قال : فأقبل عمر وهو یبکی ویقول : وا عمراه وا خصوماه ، کلّ واحد أفقه منک یا عمر. الحدیث.

وفی لفظ : کلّ واحد أفقه منک حتی العجائز یا عمر.

الریاض النضرة (2 / 57) ، الفتوحات الإسلامیّة (2 / 408) ، نور الأبصار (ص 65) (2).

قال الأمینی : نحن ندرس من هذه القصّة أنّ فکرة إحاطة علم الإمام بالأشیاء کلّها أو جلّها فضلاً عن الشرائع والأحکام فکرة بسیطة عامّة یشترک فی لزومها الرجال والنساء ، فهی غریزة لا تعزب عن أیّ ابن أُنثی ، وقد فقدها الخلیفة واعترف بأنّ کلّ واحد أفقه منه. 3.

ص: 204


1- مسند أحمد : 1 / 307 ح 1634 ، ص 308 ح 1640 ، 1641.
2- الریاض النضرة : 2 / 332 ، الفتوحات الإسلامیة : 2 / 261 ، نور الأبصار : ص 133.

- 43 -

استشارة الخلیفة فی متسابّین

أخرج البیهقی فی السنن الکبری (8 / 252) : أنّ رجلین استبّا فی زمن عمر بن الخطّاب ، فقال أحدهما للآخر : والله ما أری أبی بزانٍ ولا أُمّی بزانیة. فاستشار عمر الناس فی ذلک ، فقال قائل : مدح أباه وأُمّه. وقال آخرون. قد کان لأبیه وأُمّه مدح غیر هذا ، نری أن تجلده الحدّ. فجلده عمر الحدّ ثمانین.

وذکره النیسابوری فی تفسیره (1) فی سورة النور عند قوله تعالی : (وَالَّذِینَ یَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ یَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِینَ جَلْدَةً) (2).

قال الأمینی : أنا لا أدری لأیّ المصیبتین أنحب؟ أبقصور الخلیفة عن حکم المسألة؟ أم بقصر المعلّمین له عن حقیقته؟ وکلّ یفوه برأی ضئیل ، والأفظع جری العمل علی ما قالوه.

أمّا الحدّ فلیس إلاّ بالقذف البیّن وهو المستفاد من قوله تعالی : (وَالَّذِینَ یَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ...) ، وعلی هذا کان عمل الصحابة والتابعین لهم بإحسان کما قال القاسم ابن محمد : ما کنّا نری الجلد إلاّ فی القذف البیّن والنفی البیّن (3). وأمّا قول - لیس أبی بزانٍ - فنناقش أوّلاً فی کونه تعریضاً ؛ إذ لعلّه یرید طهارة منبته التی تزعه عن النزول إلی الدنایا من بذاءة فی القول ، أو خسّةٍ فی الطبع ، أو حزازة فی العمل ، فمن الممکن أنّه لا یرید إلاّ هذا فحسب ، وهو الذی فهمه فریق من الصحابة فقالوا : إنّه مدح أباه. وإن لم یجدوا لما أبدوه أُذناً واعیة ، وعلی فرض کونه تعریضاً فإنّما یوجب الحدّ إذا کانت ف)

ص: 205


1- تفسیر النیسابوری : 5 / 153.
2- النور : 4.
3- السنن الکبری للبیهقی : 8 / 252. (المؤلف)

دلالته مقطوعاً بها ، أو أن یعترف المعرّض بأنّه لم یقصد إلاّ القذف ، وإلاّ فالحدود تدرأ بالشبهات. ألا تری سقوط الحکم عمّن عرّض بسبّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ولم یصرّح کما فی الصحاح.

وإلی نفی الحدّ بالتعریض ذهب أبو حنیفة والشافعی وأبو یوسف وزفر ومحمد ابن شبرمة والثوری والحسن بن صالح وبین یدیهم الحدیث المذکور ، وما رواه الأوزاعی عن الزهری عن سالم عن ابن عمر قال : کان عمر یضرب الحدّ فی التعریض (1).

قال أبو بکر الجصّاص فی أحکام القرآن (2) (3 / 330) : ثمّ لمّا ثبت أنّ المراد بقوله : (وَالَّذِینَ یَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ) ، هو الرمی بالزنا لم یجز له إیجاب الحدّ علی غیره ، إذ لا سبیل إلی إثبات الحدود من طریق المقاییس ، وإنّما طریقها الاتّفاق أو التوقیف وذلک معدوم فی التعریض ، ومشاورة عمر الصحابة فی حکم التعریض دلالة علی أنّه لم یکن عندهم فیه توقیف وأنّه قال اجتهاداً ورأیاً ، وأیضاً فإنّ التعریض بمنزلة الکنایة المحتملة للمعانی وغیر جائز إیجاب الحدّ بالاحتمال لوجهین : أحدهما : أنّ الأصل أنّ القائل بریء الظهر من الجلد فلا نجلده بالشکّ والمحتمل مشکوک فیه ، ألا تری أنّ یزید ابن رکانة لمّا طلّق امرأته البتّة استحلفه النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فقال : ما أردت إلاّ واحدة فلم یلزمه الثلاث بالاحتمال ، ولذلک قال الفقهاء فی کنایات الطلاق : إنّها لا تجعل طلاقاً إلاّ بدلالة.

والوجه الآخر ما روی عن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم أنّه قال : «ادرءوا الحدود بالشبهات». وأقلّ أحوال التعریض حین کان محتملاً للقذف وغیره أن یکون شبهة فی سقوطه.

وأیضاً قد فرّق الله تعالی بین التعریض بالنکاح فی العدّة وبین التصریح فقال : (وَلا جُناحَ عَلَیْکُمْ فِیما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ أَوْ أَکْنَنْتُمْ فِی أَنْفُسِکُمْ عَلِمَ اللهُ أَنَّکُمْ8.

ص: 206


1- السنن الکبری : 8 / 252. (المؤلف)
2- أحکام القرآن : 3 / 268.

سَتَذْکُرُونَهُنَّ وَلکِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا) (1). یعنی نکاحاً فجعل التعریض بمنزلة الإضمار فی النفس فوجب أن یکون کذلک حکم التعریض بالقذف ، والمعنی الجامع بینهما أنّ التعریض لمّا کان فیه احتمال کان فی حکم الضمیر لوجود الاحتمال فیه. انتهی.

هذه کلّها کانت بمنتأی عن مبلغ الخلیفة من العلم ، غیر أنّه کان یستشیر الناس کائناً من کان فی کلّ مشکلة ثمّ یری فیه رأیه وافق دین الله أم خالفه.

- 44 -

رأی الخلیفة فی شجرة الرضوان

عن نافع قال : کان الناس یأتون الشجرة التی بایع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم تحتها بیعة الرضوان فیصلّون عندها ، فبلغ ذلک عمر فأوعدهم فیها وأمر بها فقطعت (2).

الطبقات الکبری لابن سعد (ص 607) ، سیرة عمر لابن الجوزی (ص 107) ، شرح ابن أبی الحدید (3 / 122) ، السیرة الحلبیة (3 / 29) ، فتح الباری لابن حجر (7 / 361) وقد صحّحه ، إرشاد الساری (6 / 337) وحکی تصحیح ابن حجر ، شرح المواهب للزرقانی (2 / 207) ، الدرّ المنثور (6 / 73) ، عمدة القاری (8 / 284) وقال : إسناد صحیح.

وذکره ابن أبی الحدید فی شرحه (3) (1 / 60) ولفظه : کان الناس بعد وفاة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یأتون الشجرة التی کانت بیعة الرضوان تحتها فیصلّون عندها ، فقال 3.

ص: 207


1- البقرة : 235.
2- الطبقات الکبری : 2 / 100 ، تاریخ عمر بن الخطّاب : ص 115 ، شرح نهج البلاغة : 12 / 101 خطبة 223 ، السیرة الحلبیّة : 3 / 25 ، فتح الباری : 7 / 448 ، إرشاد الساری : 9 / 231 ح 4165 ، الدرّ المنثور : 7 / 522 ، عمدة القاری : 17 / 220 ح 192.
3- شرح نهج البلاغة : 1 / 178 خطبة 3.

عمر : أراکم أیّها الناس رجعتم إلی العزّی ، ألا لا أُوتی منذ الیوم بأحدٍ عاد لمثلها إلاّ قتلته بالسیف کما یقتل المرتدّ. ثمّ أمر بها فقطعت.

- 45 -

رأی الخلیفة فی آثار الأنبیاء

اشارة

عن معرور ، قال : خرجنا مع عمر بن الخطّاب رضی الله عنه فی حجّة حجّها قال : فقرأ بنا فی الفجر : ألم تر کیف فعل ربّک بأصحاب الفیل ولإیلاف قریش فلمّا انصرف فرأی الناس مسجداً فبادروه فقال : ما هذا؟ قالوا : هذا مسجد صلّی فیه النبی صلی الله علیه وآله وسلم فقال : هکذا هلک أهل الکتاب قبلکم ، اتّخذوا آثار أنبیائهم بِیَعاً ، من عرضت له صلاة فلیصلّ ومن لم تعرض له صلاة فلیمضِ (1).

قال الأمینی : لیت شعری ما المانع من تعظیم آثار الأنبیاء وفی مقدّمهم سیّد ولد آدم محمد صلی الله علیه وآله وسلم إذا لم یکن خارجاً عن حدود التوحید کالسجود إلی تماثیلهم واتّخاذها قبلة؟ (وَمَنْ یُعَظِّمْ شَعائِرَ اللهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَی الْقُلُوبِ) (2) ، ومتی هلکت الأُمم باتّخاذهم آثار أنبیائهم بِیَعاً؟ وأیّ مسجد تکون الصلاة فیه أزلف إلی الله سبحانه من مسجد صلّی فیه رسوله الله صلی الله علیه وآله وسلم؟ وأیّ مکان أشرف من مکان حلّ به النبیّ الأعظم وبویع فیه بیعة الرضوان وحظی المؤمنون فیه برضی الله عنهم؟ أولا یکسب ذلک کلّه المحلّ فضلاً یزید فی زلفة المتعبدین بفنائه؟ وما ذنب الشجرة المسکینة حتی اجتثت أُصولها؟ ولا من ثائرٍ لها أو مدافع عنها. أولیس ذلک توهیناً للمحلّ ولمشرّفه؟ أیسوّغ أدب الدین للخلیفة قوله : أراکم أیّها الناس رجعتم إلی العزّی؟ والذین کانوا 2.

ص: 208


1- سیرة عمر لابن الجوزی : ص 107 [ص 116] ، شرح ابن أبی الحدید : 3 / 122 [12 / 101 خطبة 223] وفیه بدل معرور : المغیرة بن سوید ، فتح الباری : 1 / 450 [1 / 569]. (المؤلف)
2- الحج : 32.

یرون حرمة تلکم الآثار ویعظّمونها ویصلّون عندها إنّما هم حملة علم الدین من الصحابة العدول ، مراجع الخلیفة فی الأحکام والشرائع ، کان یعوّل علیهم حیثما أعیته المسائل قائلاً : کلّ الناس أفقه منک یا عمر.

هذه أسئلة جمّة عزب عن الخلیفة العلم بالجواب عنها ، أو أنّها لم تدر فی خلده ، أو أنّه متأوّل فیها جمعاء وأنت تری ...

ومن الصحابة التی کانت تتبرّک بتلک الأماکن وتصلّی فیها عبد الله بن عمر ، قال موسی بن عقبة (1) : رأیت سالم بن عبد الله یتحرّی أماکن من الطریق فیصلّی فیها ویحدّث أنّ أباه کان یصلّی فیها ، وأنّه رأی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم یصلّی فی تلک الأمکنة. وعن نافع عن ابن عمر أنّه کان یصلّی فی تلک الأمکنة.

فالراجع إلی الصحاح والسنن یجد کثیراً من لدة هذه یعلم بها أنّ رأی الخلیفة إنّما یخصّ به ولا یُتّبع ولم یُتّبع ولن یُتّبع.

- 46 -

الخلیفة وقوم من أحبار الیهود

لمّا ولی أمیر المؤمنین عمر بن الخطّاب رضی الله عنه الخلافة أتاه قوم من أحبار الیهود فقالوا : یا عمر أنت ولیّ الأمر بعد محمد صلی الله علیه وآله وسلم وصاحبه ، وإنّا نرید أن نسألک عن خصال إن أخبرتنا بها علمنا أنّ الإسلام حقّ وأنّ محمداً کان نبیّا ، وإن لم تخبرنا به علمنا أنّ الإسلام باطل وأنّ محمداً لم یکن نبیّا ، فقال : سلوا عمّا بدا لکم ، قالوا : أخبرنا عن أقفال السموات ما هی؟ وأخبرنا عن مفاتیح السموات ما هی؟ وأخبرنا عن قبر سار بصاحبه ما هو؟ وأخبرنا عمّن أنذر قومه لا هو من الجنّ ولا هو من ف)

ص: 209


1- صحیح البخاری ، کتاب الصلاة باب المساجد التی علی طرق المدینة والمواضع التی صلّی فیها النبی صلی الله علیه وآله وسلم [1 / 183 ح 469]. (المؤلف)

الإنس؟ وأخبرنا عن خمسة أشیاء مشوا علی وجه الأرض ولم یخلقوا فی الأرحام؟ وأخبرنا ما یقول الدرّاج فی صیاحه؟ وما یقول الدیک فی صراخه؟ وما یقول الفرس فی صهیله؟ وما یقول الضفدع فی نقیقه؟ وما یقول الحمار فی نهیقه؟ وما یقول القنبر فی صفیره؟

قال : فنکّس عمر رأسه فی الأرض ثمّ قال : لا عیب بعمر إذا سئل عمّا لا یعلم أن یقول : لا أعلم ، وأن یُسأل عمّا لا یعلم. فوثبت الیهود وقالوا : نشهد أنّ محمداً لم یکن نبیّا وأنّ الإسلام باطل ، فوثب سلمان الفارسی وقال للیهود : قفوا قلیلاً ، ثمّ توجّه نحو علیّ بن أبی طالب کرّم الله وجهه حتی دخل علیه فقال : یا أبا الحسن أغِثِ الإسلام. فقال : «وما ذاک؟» فأخبره الخبر ، فأقبل یرفل فی بردة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، فلمّا نظر إلیه عمر وثب قائماً فاعتنقه وقال : یا أبا الحسن أنت لکلّ معضلة وشدّة تُدعی. فدعا علیّ کرّم الله وجهه الیهود فقال : «سلوا عمّا بدا لکم فإنّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم علّمنی ألف باب من العلم فتشعّب لی من کلّ باب ألف باب» ، فسألوه عنها. فقال علیّ کرّم الله وجهه : «إنّ لی علیکم شریطة إذا أخبرتکم کما فی توراتکم دخلتم فی دیننا وآمنتم» فقالوا : نعم. فقال : «سلوا عن خصلة خصلة».

قالوا : أخبرنا عن أقفال السموات ما هی؟

قال : «أقفال السموات الشرک بالله ؛ لأنّ العبد والأَمة إذا کانا مشرکین لم یرتفع لهما عمل».

قالوا : فأخبرنا عن مفاتیح السموات ما هی؟

قال : «شهادة أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمداً عبده ورسوله». قال : فجعل بعضهم ینظر إلی بعض ویقولون : صدق الفتی.

قالوا : فأخبرنا عن قبرٍ سار بصاحبه؟

ص: 210

فقال : «ذلک الحوت الذی التقم یونس بن متّی فسار به فی البحار السبع».

فقالوا : أخبرنا عمّن أنذر قومه لا هو من الجنّ ولا هو من الإنس؟

قال : «هی نملة سلیمان بن داود قالت : (یا أَیُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساکِنَکُمْ لا یَحْطِمَنَّکُمْ سُلَیْمانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا یَشْعُرُونَ) (1)».

قالوا : فأخبرنا عن خمسة مشوا علی الأرض ولم یُخلقوا فی الأرحام؟

قال : «ذلکم : آدم ، وحواء ، وناقة صالح ، وکبش إبراهیم ، وعصا موسی».

قالوا : فأخبرنا ما یقول الدرّاج فی صیاحه؟ قال : «یقول : الرحمن علی العرش استوی».

قالوا : فأخبرنا ما یقول الدیک فی صراخه؟

قال : «یقول : اذکروا الله یا غافلین».

قالوا : أخبرنا ما یقول الفرس فی صهیله؟

قال : «یقول إذا مشی المؤمنون إلی الکافرین للجهاد : اللهمّ انصر عبادک المؤمنین علی الکافرین».

قالوا : فأخبرنا ما یقول الحمار فی نهیقه؟

قال : «یقول : لعن الله العشّار ، وینهق فی أعین الشیاطین».

قالوا : فأخبرنا ما یقول الضفدع فی نقیقه؟

قال : «یقول : سبحان ربّی المعبود المسبّح فی لجج البحار».

قالوا : فأخبرنا ما یقول القنبر فی صفیره؟ 8.

ص: 211


1- النمل : 18.

قال : «یقول : اللهمّ العن مبغضی محمد وآل محمد».

وکان الیهود ثلاثة نفر ؛ قال اثنان منهم : نشهد أن لا إله إلاّ الله ، وأنّ محمداً رسول الله. ووثب الحبر الثالث فقال : یا علیّ لقد وقع فی قلوب أصحابی ما وقع من الإیمان والتصدیق وقد بقی خصلة واحدة أسألک عنها.

فقال : «سل عمّا بدا لک».

فقال : أخبرنی عن قوم فی أوّل الزمان ماتوا ثلاثمائة وتسع سنین ثمّ أحیاهم الله فما کان من قصّتهم؟

قال علیّ رضی الله عنه : «یا یهودیّ هؤلاء أصحاب الکهف ، وقد أنزل الله علی نبیّنا قرآناً فیه قصّتهم وإن شئت قرأت علیک قصّتهم».

فقال الیهودیّ : ما أکثر ما قد سمعنا قراءتکم إن کنت عالماً فأخبرنی بأسمائهم وأسماء آبائهم ، وأسماء مدینتهم ، واسم ملکهم ، واسم کلبهم ، واسم جبلهم ، واسم کهفهم ، وقصّتهم من أوّلها إلی آخرها.

فاحتبی علیّ ببردة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ثمّ قال :

«یا أخا العرب حدّثنی حبیبی محمد صلی الله علیه وآله وسلم أنّه کان بأرض رومیّة مدینة یقال لها : أفسوس ، ویقال هی : طرطوس ، وکان اسمها فی الجاهلیّة : أفسوس ، فلمّا جاء الإسلام سمّوها : طرطوس. قال : وکان لهم ملک صالح فمات ملکهم وانتشر أمرهم فسمع به ملک من ملوک فارس یقال له : دقیانوس ، وکان جبّاراً کافراً ، فأقبل فی عساکر حتی دخل أفسوس فاتّخذها دار ملکه وبنی فیها قصراً».

فوثب الیهودیّ وقال : إن کنت عالماً فصف لی ذلک القصر ومجالسه.

فقال : «یا أخا الیهود ابتنی فیها قصراً من الرخام طوله فرسخ وعرضه فرسخ واتّخذ فیه أربعة آلاف أسطوانة من الذهب وألف قندیل من الذهب لها سلاسل من

ص: 212

اللجین تسرج فی کلّ لیلة بالأدهان الطیّبة ، واتّخذ لشرقی المجلس مائة وثمانین کوّة ولغربیّه کذلک ، وکانت الشمس من حین تطلع إلی حین تغیب تدور فی المجلس کیفما دارت ، واتّخذ فیه سریراً من الذهب طوله ثمانون ذراعاً فی عرض أربعین ذراعاً مرصّعاً بالجواهر ، ونصب علی یمین السریر ثمانین کرسیّا من الذهب فأجلس علیها بطارقته ، واتّخذ أیضاً ثمانین کرسیّا من الذهب عن یساره فأجلس علیها هراقلته ، ثمّ جلس هو علی السریر ووضع التاج علی رأسه».

فوثب الیهودیّ وقال : یا علیّ إن کنت عالماً فاخبرنی ممّ کان تاجه؟

قال : «یا أخا الیهود کان تاجه من الذهب السبیک له تسعة أرکان علی کلّ رکن لؤلؤة تضیء کما یضیء المصباح فی اللیلة الظلماء ، واتّخذ خمسین غلاماً من أبناء البطارقة فمنطقهم بمناطق من الدیباج الأحمر ، وسرولهم بسراویل القزّ الأخضر ، وتوّجهم ودملجهم وخلخلهم وأعطاهم عمد الذهب وأقامهم علی رأسه ، واصطنع ستّة غلمان من أولاد العلماء وجعلهم وزراءه ، فما یقطع أمراً دونهم وأقام منهم ثلاثةً عن یمینه ، وثلاثةً عن شماله».

فوثب الیهودی وقال : یا علیّ إن کنت صادقاً فأخبرنی ما کانت أسماء الستّة؟ فقال علیّ کرّم الله وجهه : «حدّثنی حبیبی محمد صلی الله علیه وآله وسلم أنّ الذین کانوا عن یمینه أسماؤهم : تملیخا ، ومکسلمینا ، ومحسلمینا. وأمّا الذین کانوا عن یساره فمرطلیوس ، وکشطوس ، وسادنیوس ، وکان یستشیرهم فی جمیع أُموره ، وکان إذا جلس کلّ یوم فی صحن داره واجتمع الناس عنده دخل من باب الدار ثلاثة غلمة فی ید أحدهم جام من الذهب مملوء من المسک ، وفی ید الثانی جام من فضّة مملوء من ماء الورد ، وعلی ید الثالث طائر ، فیصیح به فیطیر الطائر حتی یقع فی جام ماء الورد فیتمرّغ فیه فینشف ما فیه بریشه وجناحیه ، ثمّ یصیح به الثانی فیطیر فیقع فی جام المسک فیتمرّغ فیه فینشف ما فیه بریشه وجناحیه ، فیصیح به الثالث فیطیر فیقع علی تاج الملک

ص: 213

فینفض ریشه وجناحیه علی رأس الملک بما فیه من المسک وماء الورد ، فمکث الملک فی ملکه ثلاثین سنة من غیر أن یصیبه صداع ولا وجع ولا حمّی ولا لعاب ولا بصاق ولا مخاط ، فلمّا رأی ذلک من نفسه عتا وطغی وتجبّر واستعصی وادّعی الربوبیّة من دون الله تعالی ودعا إلیه وجوه قومه ، فکلّ من أجابه أعطاه وحباه وکساه وخلع علیه ، ومن لم یجبه ویتابعه قتله ، فأجابوه بأجمعهم فأقاموا فی ملکه زماناً یعبدونه من دون الله تعالی ، فبینما هو ذات یوم جالس فی عیدٍ له علی سریره والتاج علی رأسه إذ أتی بعض بطارقته فأخبره أنّ عساکر الفرس قد غشیته یریدون قتله ، فاغتمّ لذلک غمّا شدیداً حتی سقط التاج عن رأسه وسقط هو عن سریره ، فنظر أحد فتیته الثلاثة الذین کانوا عن یمینه إلی ذلک وکان عاقلاً یقال له تملیخا ، فتفکّر وتذکّر فی نفسه وقال : لو کان دقیانوس هذا إلهاً کما یزعم لما حزن ولما کان ینام ولما کان یبول ویتغوّط ، ولیست هذه الأفعال من صفات الإله ، وکانت الفتیة الستّة یکونون کلّ یوم عند واحد منهم ، وکان ذلک الیوم نوبة تملیخا فاجتمعوا عنده فأکلوا وشربوا ولم یأکل تملیخا ولم یشرب ، فقالوا : یا تملیخا ما لک لا تأکل ولا تشرب؟ فقال : یا إخوانی قد وقع فی قلبی شیء منعنی عن الطعام والشراب والمنام. فقالوا : وما هو یا تملیخا؟ فقال : أطلت فکری فی هذه السماء فقلت : من رفعها سقفاً محفوظاً بلا علاقة من فوقها ولا دعامة من تحتها؟ ومن أجری فیها شمسها وقمرها؟ ومن زیّنها بالنجوم؟ ثمّ أطلت فکری فی هذه الأرض ؛ من سطحها علی ظهر الیمّ الزاخر؟ ومن حبسها وربطها بالجبال الرواسی لئلاّ تمید؟ ثمّ أطلت فکری فی نفسی فقلت : من أخرجنی جنیناً من بطن أُمّی؟ ومن غذّانی وربّانی؟ إنّ لهذا صانعاً ومدبّراً سوی دقیانوس الملک ، فانکبّت الفتیة علی رجلیه یقبّلونهما وقالوا : یا تملیخا لقد وقع فی قلوبنا ما وقع فی قلبک ، فأشر علینا. فقال : یا إخوانی ما أجد لی ولکم حیلة إلاّ الهرب من هذا الجبّار إلی ملک السموات والأرض. فقالوا : الرأی ما رأیت ، فوثب تملیخا فابتاع تمراً بثلاثة دراهم وصرّها فی ردائه ورکبوا خیولهم وخرجوا ، فلمّا ساروا قدر ثلاثة أمیال من المدینة

ص: 214

قال لهم تملیخا : یا إخوتاه! قد ذهب عنّا ملک الدنیا وزال عنّا أمره ، فانزلوا عن خیولکم وامشوا علی أرجلکم لعلّ الله یجعل من أمرکم فرجاً ومخرجاً. فنزلوا عن خیولهم ومشوا علی أرجلهم سبع فراسخ حتی صارت أرجلهم تقطر دماً لأنّهم لم یعتادوا المشی علی أقدامهم ، فاستقبلهم رجل راعٍ فقالوا : أیّها الراعی أعندک شربة ماء أو لبن؟ فقال : عندی ما تحبّون ولکنّی أری وجوهکم وجوه الملوک وما أظنّکم إلاّ هِراباً فأخبرونی بقصّتکم. فقالوا : یا هذا إنّا دخلنا فی دین لا یحلّ لنا الکذب أفینجینا الصدق؟ قال : نعم. فأخبروه بقصّتهم فانکبّ الراعی علی أرجلهم یقبّلها ویقول : قد وقع فی قلبی ما وقع فی قلوبکم فقفوا لی هاهنا حتی أردّ الأغنام إلی أربابها وأعود إلیکم. فوقفوا له حتی ردّها وأقبل یسعی فتبعه کلب له».

فوثب الیهودیّ قائماً وقال : یا علیّ إن کنت عالماً فأخبرنی ما کان لون الکلب واسمه؟

فقال : «یا أخا الیهود حدّثنی حبیبی محمد صلی الله علیه وآله وسلم أنّ الکلب کان أبلق بسواد وکان اسمه قطمیر ، قال : فلمّا نظر الفتیة إلی الکلب قال بعضهم لبعض : إنّا نخاف أن یفضحنا هذا الکلب بنبیحه فألحّوا علیه طرداً بالحجارة ، فلمّا نظر إلیهم الکلب وقد ألحّوا علیه بالحجارة والطرد أقعی علی رجلیه وتمطّی وقال بلسان طلق ذلق : یا قوم لم تطردوننی وأنا أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شریک له ، دعونی أحرسکم من عدوّکم وأتقرّب بذلک إلی الله سبحانه وتعالی. فترکوه ومضوا ، فصعد بهم الراعی جبلاً وانحطّ بهم علی کهف».

فوثب الیهودی وقال : یا علیّ ما اسم ذلک الجبل؟ وما اسم الکهف؟

قال أمیر المؤمنین : «یا أخا الیهود اسم الجبل : ناجلوس ، واسم الکهف : الوصید. وقیل : خیرم. قال : وإذا بفناء الکهف أشجار مثمرة وعین غزیرة ، فأکلوا من الثمار وشربوا من الماء وجنّهم اللیل فآووا إلی الکهف وربض الکلب علی باب الکهف

ص: 215

ومدّ یدیه علیه ، وأمر الله ملک الموت بقبض أرواحهم ، ووکّل الله تعالی بکلّ رجل منهم ملکین یقلّبانه من ذات الیمین إلی ذات الشمال ، ومن ذات الشمال إلی ذات الیمین ، قال : وأوحی الله تعالی إلی الشمس فکانت تزاور عن کهفهم ذات الیمین إذا طلعت ، وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال ، فلمّا رجع الملک - دقیانوس - من عیده سأل عن الفتیة فقیل له : إنّهم اتّخذوا إلهاً غیرک وخرجوا هاربین منک ، فرکب فی ثمانین ألف فارس وجعل یقفو آثارهم حتی صعد الجبل وشارف الکهف ، فنظر إلیهم مضطجعین فظنّ أنّهم نیام ، فقال لأصحابه : لو أردت أن أُعاقبهم بشیء ما عاقبتهم بأکثر ممّا عاقبوا به أنفسهم فآتونی بالبنّائین ، فأُتی بهم فردموا علیهم باب الکهف بالجبس والحجارة ثمّ قال لأصحابه : قولوا لهم یقولوا لإلههم الذی فی السماء إن کانوا صادقین یخرجهم من هذا الموضع. فمکثوا ثلاثمائة وتسع سنین ، فنفخ الله فیهم الروح وهمّوا من رقدتهم لمّا بزغت الشمس ، فقال بعضهم لبعض : لقد غفلنا هذه اللیلة عن عبادة الله تعالی ، قوموا بنا إلی العین ، فإذا بالعین قد غارت والأشجار قد جفّت ، فقال بعضهم لبعض : إنّا من أمرنا هذا لفی عجب ، مثل هذه العین قد غارت فی لیلة واحدة ، ومثل هذه الأشجار قد جفّت فی لیلة واحدة ، فألقی الله علیهم الجوع ، فقالوا : أیّکم یذهب بورقکم هذه إلی المدینة فلیأتنا بطعام منها ، ولینظر أن لا یکون من الطعام الذی یعجن بشحم الخنازیر ، وذلک قوله تعالی : (فَابْعَثُوا أَحَدَکُمْ بِوَرِقِکُمْ هذِهِ إِلَی الْمَدِینَةِ فَلْیَنْظُرْ أَیُّها أَزْکی طَعاماً) (1) أی أحلّ وأجود وأطیب ، فقال لهم تملیخا : یا إخوتی لا یأتیکم أحد بالطعام غیری ولکن أیّها الراعی ادفع لی ثیابک وخذ ثیابی. فلبس ثیاب الراعی ومرّ ، وکان یمرّ بمواضع لا یعرفها وطریق ینکرها حتی أتی باب المدینة ، فإذا علیه علم أخضر مکتوب علیه : لا إله إلاّ الله عیسی روح الله صلّی الله علی نبیّنا وعلیه وسلّم ، فطفق الفتی ینظر إلیه ویمسح عینیه ویقول : أرانی نائماً. فلمّا طال علیه ذلک 9.

ص: 216


1- الکهف : 19.

دخل المدینة فمرّ بأقوام یقرءون الإنجیل ، واستقبله أقوام لا یعرفهم حتی انتهی إلی السوق فإذا هو بخبّاز ، فقال له : یا خبّاز ما اسم مدینتکم هذه؟ قال : أفسوس. قال : وما اسم ملککم؟ قال : عبد الرحمن. قال تملیخا : إن کنت صادقاً فإنّ أمری عجیب ادفع إلیّ بهذه الدراهم طعاماً ، وکانت دراهم ذلک الزمان الأوّل ثقالاً کباراً فعجب الخبّاز من تلک الدراهم».

فوثب الیهودی وقال : یا علیّ إن کنت عالماً فأخبرنی کم کان وزن الدرهم منها؟

فقال : «یا أخا الیهود : أخبرنی حبیبی محمد صلی الله علیه وآله وسلم وزن کلّ درهم عشرة دراهم وثلثا درهم. فقال له الخبّاز : یا هذا إنّک قد أصبت کنزاً فأعطنی بعضه وإلاّ ذهبت بک إلی الملک. فقال تملیخا : ما أصبت کنزاً وإنّما هذا من ثمن تمر بعته بثلاثة دراهم منذ ثلاثة أیّام وقد خرجت من هذه المدینة وهم یعبدون دقیانوس الملک. فغضب الخبّاز وقال : ألا ترضی أن أصبت کنزاً أن تعطینی بعضه حتی تذکر رجلاً جبّاراً کان یدّعی الربوبیّة قد مات منذ ثلاثمائة سنة وتسخر بی ، ثمّ أمسکه واجتمع الناس ، ثمّ إنّهم أتوا به إلی الملک وکان عاقلاً عادلاً ، فقال لهم : ما قصّة هذا الفتی؟ قالوا : أصاب کنزاً. فقال له الملک : لا تخف فإنّ نبیّنا عیسی علیه السلام أمرنا أن لا نأخذ من الکنوز إلاّ خمسها فادفع إلیّ خمس هذا الکنز وامضِ سالماً. فقال : أیّها الملک تثبّت فی أمری ، ما أصبت کنزاً وإنّما أنا من أهل هذه المدینة. فقال له : أنت من أهلها؟ قال : نعم. قال : أفتعرف فیها أحداً؟ قال : نعم. قال : فسمّ لنا ، فسمّی له نحواً من ألف رجل فلم یعرفوا منهم رجلاً واحداً. قالوا : یا هذا ما نعرف هذه الأسماء ، ولیست هی من أهل زماننا ، ولکن هل لک فی هذه المدینة دار؟ فقال : نعم أیّها الملک ، فابعث معی أحداً ، فبعث معه الملک جماعة حتی أتی بهم داراً أرفع دار فی المدینة وقال : هذه داری ثمّ قرع الباب فخرج لهم شیخ کبیر قد استرخی حاجباه من الکبر علی عینیه وهو

ص: 217

فزع مرعوب مذعور. فقال : أیّها الناس ما بالکم؟ فقال له رسول الملک : إنّ هذا الغلام یزعم أنّ هذه الدار داره ، فغضب الشیخ والتفت إلی تملیخا وتبیّنه وقال له : ما اسمک؟ قال : تملیخا بن فلسین. فقال له الشیخ : أعد علیّ ، فأعاد علیه. فانکبّ الشیخ علی یدیه ورجلیه یقبّلهما وقال : هذا جدّی وربّ الکعبة وهو أحد الفتیة الذین هربوا من دقیانوس الملک الجبّار إلی جبّار السموات والأرض ، ولقد کان عیسی علیه السلام أخبرنا بقصّتهم وأنّهم سیُحیون. فأنهی ذلک إلی الملک وأتی إلیهم وحضرهم ، فلمّا رأی الملک تملیخا نزل عن فرسه وحمل تملیخا علی عاتقه ، فجعل الناس یقبّلون یدیه ورجلیه ویقولون له : یا تملیخا ما فعل بأصحابک؟ فأخبرهم أنّهم فی الکهف. وکانت المدینة قد ولیها رجلان ملک مسلم وملک نصرانی ، فرکبا فی أصحابهما وأخذا تملیخا ، فلمّا صاروا قریباً من الکهف قال لهم تملیخا : یا قوم إنّی أخاف أنّ إخوتی یحسّون بوقع حوافر الخیل والدواب وصلصلة اللجم والسلاح فیظنّون أنّ دقیانوس قد غشیهم فیموتون جمیعاً ، فقفوا قلیلاً حتی أدخل إلیهم فأُخبرهم. فوقف الناس ودخل علیهم تملیخا فوثب إلیه الفتیة واعتنقوه وقالوا : الحمد لله الذی نجّاک من دقیانوس. فقال : دعونی منکم ومن دقیانوس کم لبثتم؟ قالوا : لبثنا یوماً أو بعض یوم. قال : بل لبثتم ثلاثمائة وتسع سنین ، وقد مات دقیانوس وانقرض قرن بعد قرن وآمن أهل المدینة بالله العظیم وقد جاءوکم. فقالوا له : یا تملیخا ترید أن تصیّرنا فتنةً للعالمین؟ قال : فما ذا تریدون؟ قالوا : ارفع یدک ونرفع أیدینا ، فرفعوا أیدیهم وقالوا : اللهمّ بحقّ ما أریتنا من العجائب فی أنفسنا إلاّ قبضت أرواحنا ولم یطّلع علینا أحد. فأمر الله ملک الموت فقبض أرواحهم وطمس الله باب الکهف ، وأقبل الملکان یطوفان حول الکهف سبعة أیام فلا یجدان له باباً ولا منفذاً ولا مسلکاً ، فأیقنا حینئذٍ بلطیف صنع الله الکریم ، وأنّ أحوالهم کانت عبرة أراهم الله إیّاها. فقال المسلم : علی دینی ماتوا وأنا أبنی علی باب الکهف مسجداً. وقال النصرانی : بل ماتوا علی دینی فأنا أبنی علی باب الکهف دیراً. فاقتتل الملکان فغلب المسلم النصرانی فبنی علی باب الکهف مسجداً ،

ص: 218

فذلک قوله تعالی : (قالَ الَّذِینَ غَلَبُوا عَلی أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَیْهِمْ مَسْجِداً) (1) ، وذلک یا یهودیّ ما کان من قصّتهم».

ثمّ قال علیّ کرّم الله وجهه للیهودی : «سألتک بالله یا یهودی أوافق هذا ما فی توراتکم؟»

فقال الیهودی : ما زدت حرفاً ولا نقصت حرفاً یا أبا الحسن ، لا تسمّنی یهودیاً أشهد أن لا إله إلاّ الله ، وأنّ محمداً عبده ورسوله ، وأنّک أعلم هذه الأُمّة.

قال الأمینی : هذه هی سیرة أعلم الأُمّة ، وعند الامتحان یُکرَم المرء أو یُهان. والقصّة ذکرها أبو إسحاق الثعلبی المتوفّی (427 ، 437) فی کتابه العرائس (2) (ص 232 - 239).

- 47 -

رأی الخلیفة فی الزکاة

عن حارثة قال : جاء ناس من أهل الشام إلی عمر بن الخطّاب رضی الله عنه فقالوا : إنّا قد أصبنا أموالاً وخیلاً ورقیقاً نحبّ أن یکون لنا فیها زکاة وطهور. قال : ما فعله صاحبای قبلی فأفعله. واستشار أصحاب محمد صلی الله علیه وآله وسلم وفیهم علیّ رضی الله عنه فقال علیّ : «هو حسن إن لم یکن جزیة راتبة دائبة یؤخذون بها من بعدک».

وعن سلیمان بن یسار : أنّ أهل الشام قالوا لأبی عبیدة الجرّاح رضی الله عنه : خذ من خیلنا ورقیقنا صدقة ؛ فأبی ، ثمّ کتب إلی عمر بن الخطّاب ؛ فأبی ، فکلّموه أیضاً فکتب إلیه عمر بن الخطّاب : إن أحبّوا فخذها منهم وارددها علیهم وارزق رقیقهم. قال 8.

ص: 219


1- الکهف : 21.
2- عرائس المجالس : ص 413 - 419. وانظر أیضاً : قصص الأنبیاء لقطب الدین الراوندی : ص 255 فصل 8.

مالک : أی ارددها علی فقرائهم (1).

وقال العسکری فی أولیاته (2) ، والسیوطی فی تاریخ الخلفاء (3) (ص 93) : إنّ عمر أوّل من أخذ زکاة الخیل.

قال الأمینی : ظاهر الروایة الأُولی أنّ الخلیفة لم یکن یعلم بعدم تعلّق الزکاة بالخیل والرقیق ولذا أناط الحکم بما فعله صاحباه من قبله ، ولم یکن یعلم أیضاً ما فعلاه إلی أن استشار الصحابة ، فأشار مولانا أمیر المؤمنین علیه السلام إلی عدم الزکاة ، واستحسن أن یُؤخذ منهم برّا مطلقاً لو لا أنّه یکون بدعة متّبعة من بعده یؤخذ کجزیة ، لکن الخلیفة لم یصخ إلی تلک الحکمة البالغة ، ولا أتّبع من سبقه ، فأمر بأخذها وردّها علیهم أو علی فقرائهم.

وما علم فی الروایة الثانیة أنّ حبّ صاحب المال لا یثبت حکماً شرعیاً ، وقد نبّهه الإمام علیه السلام بأنّها تکون جزیة ، هکذا سبق الخلیفة فی عمله حتی جاء قوم من بعده وجعلوه أوّل من أخذ الزکاة علی الخیل ، واعتمدوا علی عمله فوقع الشجار بینهم وبین من اتّبع السنّة النبویّة فی عدم تعلّق الزکاة بالخیل.

- 48 -

رأی الخلیفة فی لیلة القدر

عن عکرمة قال : قال ابن عبّاس : دعا عمر بن الخطّاب رضی الله عنه أصحاب النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم 8.

ص: 220


1- موطّأ مالک : 1 / 206 [1 / 277 ح 38] ، مسند أحمد : 1 / 14 [1 / 26 ح 83] ، سنن البیهقی : 4 / 118 ، مستدرک الحاکم : 1 / 401 [1 / 557 ح 1456 ، وکذا فی تلخیصه] ذکر الحدیث الأوّل وصحّحه هو والذهبی ، مجمع الزوائد : 3 / 69 ، ذکر الحدیث الأوّل فقال : رواه أحمد والطبرانی فی الکبیر ورجاله ثقات. (المؤلف)
2- الأوائل : ص 122.
3- تاریخ الخلفاء : ص 128.

فسألهم عن لیلة القدر فأجمعوا علی أنّها فی العشر الأواخر ، فقلت لعمر : إنّی لأعلم وإنّی لأظنّ أیّ لیلة هی ، قال : وأیّ لیلة هی؟ قلت : سابعة تمضی أو سابعة تبقی من العشر الأواخر. قال : ومن أین تعلم؟ قال : قلت : خلق الله سبع سموات ، وسبع أرضین ، وسبعة أیّام ، وإنّ الدهر یدور فی سبع ، وخلق الإنسان فیأکل ویسجد علی سبعة أعضاء ، والطواف سبع ، والجبال سبع ، فقال عمر رضی الله عنه : لقد فطنت لأمر ما فطنّا له.

عن ابن عبّاس قال : کنت عند عمر وعنده أصحابه فسألهم فقال : أرأیتم قول رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی لیلة القدر : «التمسوها فی العشر الأواخر وتراً» ، أیّ لیلة ترونها؟ فقال بعضهم : لیلة إحدی. وقال بعضهم : لیلة ثلاث. وقال بعضهم : لیلة خمس. وقال بعضهم : لیلة سبع. فقالوا وأنا ساکت ، فقال : ما لک لا تتکلّم؟ فقلت : إنّک أمرتنی أن لا أتکلّم حتی یتکلّموا. فقال : ما أرسلت إلیک إلاّ لتتکلّم. فقلت : إنّی سمعت الله یذکر السبع فذکر سبع سموات ومن الأرض مثلهنّ ، وخلق الإنسان من سبع ، ونبت الأرض سبع ، فقال عمر رضی الله عنه : هذا أخبرتنی ما أعلم أرأیت ما لم أعلم قولک : نبت الأرض سبع. قال : قال الله عزّ وجلّ : (ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا * فَأَنْبَتْنا فِیها حَبًّا * وَعِنَباً وَقَضْباً * وَزَیْتُوناً وَنَخْلاً * وَحَدائِقَ غُلْباً) (1) قال : فالحدائق الغلب الحیطان من النخل والشجر ، وفاکهة وأبّا ، قال : فالأبّ ما أنبتت الأرض ممّا تأکله الدوابّ والأنعام (2) ولا یأکله الناس. قال : فقال عمر رضی الله عنه لأصحابه : أعجزتم أن تقولوا کما قال هذا الغلام الذی لم تجتمع شئون رأسه؟ والله إنّی لأری القول کما قلت (3).

نعم ؛ لقد عجز الخلیفة أیضاً عن عرفان ما قاله الغلام الذی لم تجتمع شئون ف)

ص: 221


1- عبس : 26 - 30.
2- بیّنه المولی سبحانه فی الکتاب العزیز بقوله فی ذیل الآیة : (مَتَاعاً لَکُمْ وَلِأَنْعَامِکُمْ) (المؤلف)
3- مسند عمر : ص 87 ، مستدرک الحاکم : 1 / 438 [1 / 604 ح 1597] ، وصحّحه ، سنن البیهقی : 4 / 313 ، تفسیر ابن کثیر : 4 / 533 ، الدرّ المنثور : 6 / 374 [8 / 576] ، فتح الباری : 4 / 211 [4 / 262]. (المؤلف)

رأسه ، والأبّ ذلک الذی أعیا الخلیفة ورأی علمه تکلّفاً کما مرّ فی الحدیث السادس (ص 99) ، وأنا لا أدری ما ذا قال الغلام؟ ولما ذا راق الخلیفة قوله؟

- 49 -

ضرب الخلیفة بالدرّة لغیر موجب

أخرج ابن عساکر عن عکرمة بن خالد قال : دخل ابن لعمر بن الخطّاب علیه وقد ترجّل ولبس ثیاباً حساناً ، فضربه عمر بالدرّة حتی أبکاه ، فقالت له حفصة : لم ضربته؟ قال : رأیته قد أعجبته نفسه فأحببت أن أُصغّرها إلیه (1).

قال الأمینی : أنا لا أُناقش فی عرفان الخلیفة إعجاب نفس ابنه إیّاه وهو خلّة قائمة بالنفس ، ولا أُباحث فی اجتهاده فی تعزیر الولد ، ولا أبحث عن إمکان ردع الولد عن عجبه - مهما سُلّم - بطرق معقولة غیر التعزیر والضرب بالدرّة ، بل أُسائل الحافظین کیف وسعهما عدّ مثل هذه القصّة من مناقب الخلیفة ومن شواهد سیرته الحسنة؟

وألطف من هذه قصّة الجارود سیّد ربیعة وقد أخرجه ابن الجوزی ، قال : إنّ عمر کان قاعداً والدرّة معه والناس حوله ، إذ أقبل الجارود العامری ، فقال رجل : هذا سیّد ربیعة. فسمعها عمر ومن حوله وسمعها الجارود ، فلمّا دنا منه خفقه بالدرّة فقال : ما لی ولک یا أمیر المؤمنین؟ قال : ما لی ولک لقد سمعتها. قال : وسمعتها ، فمه؟ قال : خشیت أن تخالط القوم ویقال : هذا أمیر - وفی لفظ : خشیت أن یخالط قلبک منها شیء - فأحببت أن أطأطئ منک (2).

وأخرج ابن سعد ، عن سعید قال : دخل معاویة علی عمر بن الخطّاب وعلیه ف)

ص: 222


1- تاریخ الخلفاء : ص 96 [ص 133]. (المؤلف)
2- سیرة عمر لابن الجوزی : ص 178 [ص 183] ، شرح ابن أبی الحدید : 3 / 112 [12 / 73 خطبة 223] ، کنز العمّال : 2 / 167 [3 / 809 ح 8830]. (المؤلف)

حلّة خضراء ، فنظر إلیه الصحابة ، فلمّا رأی ذلک عمر قام ومعه الدرّة فجعل ضرباً بمعاویة ، ومعاویة یقول : الله الله یا أمیر المؤمنین فیم فیم؟ فلم یکلّمه حتی رجع فجلس فی مجلسه ، فقالوا له : لم ضربت الفتی؟ وما فی قومک مثله. فقال : ما رأیت إلاّ خیراً وما بلغنی إلاّ خیر ، ولکنّی رأیته - وأشار بیده یعنی إلی فوق - فأردت أن أضع منه ما شمخ (1).

ما عسانی أن أقول؟ ما عسانی ما عسانی؟ ...

- 50 -

جهل الخلیفة بالسنّة المشهورة

اشارة

أخرج مسلم فی صحیحه عن عبید بن عمیر : أنّ أبا موسی استأذن علی عمر ثلاثاً فکأنّه وجده مشغولاً فرجع ، فقال عمر : ألم تسمع صوت عبد الله بن قیس؟ ائذنوا له. فدعی به فقال : ما حملک علی ما صنعت؟ قال : إنّا کنّا نُؤمر بهذا. قال : لتقیمنّ علی هذا بیّنة أو لأفعلنّ (2). فخرج فانطلق إلی مجلس من الأنصار فقالوا : لا یشهد لک علی هذا إلاّ أصغرنا. فقام أبو سعید فقال : کنّا نُؤمر بهذا. فقال عمر : خفی علیّ هذا من أمر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، ألهانی عنه الصفق بالأسواق (3).

وأخرج فی صحیح آخر (4) : قال أُبیّ بن کعب : یا ابن الخطّاب فلا تکوننّ عذاباً 7.

ص: 223


1- تاریخ ابن کثیر : 8 / 125 [8 / 137 حوادث سنة 60 ه] ، الإصابة : 3 / 434 [8068]. (المؤلف)
2- وفی لفظ : فو الله لأوجعنّ ظهرک وبطنک. وفی لفظ الطحاوی [فی مشکل الآثار : 1 / 499] : والله لأضربنّ بطنک وظهرک أو لتأتینی بمن یشهد لک. (المؤلف)
3- صحیح مسلم : 2 / 234 [4 / 361 ح 36] فی کتاب الآداب ، صحیح البخاری : 3 / 837 [2 / 727 ح 1956] طبع الهند ، مسند أحمد : 3 / 19 [3 / 396 ح 10761] ، سنن الدارمی : 2 / 274 ، سنن أبی داود : 2 / 340 [4 / 346 ح 5182] ، مشکل الآثار : 1 / 499. (المؤلف)
4- صحیح مسلم : 4 / 362 ح 37.

علی أصحاب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، قال : سبحان الله إنّما سمعت شیئاً فأحببت أن أتثبّت.

وفی لفظ (1) : قال أبو سعید قلت : أنا أصغر القوم ، قال النووی فی شرحه (2) : فمعناه أنّ هذا حدیث مشهور بیننا ، معروف لکبارنا وصغارنا ، حتی إنّ أصغرنا یحفظه وسمعه من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم.

قال الأمینی : من لی بمخبر عن أنّ الذی ألهاه الصفق بالأسواق حتی عن ناموس مشتهر هتف به صاحب الرسالة العظمی ، وعرفته الصحابة أجمع کباراً وصغاراً ، وعضده الذکر الحکیم کیف یکون أعلم الصحابة فی زمانه علی الإطلاق کما زعمه صاحب الوشیعة؟

ثمّ ما الموجب إلی ذلک الإرهاب لمحض أنّ الرجل روی فیما ارتکبه سنّة؟ وهل التثبّت یستدعی ذلک الوعید بالأیمان المغلّظة؟ أو یستحقّ به الراوی أن یُزری به فی الملأ العام؟ أو فی مجرّد التحرّی والطلب مقنع وکفایة؟ ولیس علی الخلیفة أن یکون عذاباً علی الأُمّة کما رآه أُبیّ.

- 51 -

اجتهاد الخلیفة فی البکاء علی المیت

عن ابن عبّاس قال : لمّا ماتت زینب (3) بنت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «ألحقوها بسلفنا الخیّر عثمان بن مظعون». فبکت النساء ، فجعل عمر یضربهنّ بسوطه فأخذ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یده وقال : «مهلاً یا عمر دعهنّ یبکین ، وإیّاکنّ ونعیق الشیطان». إلی أن قال : وقعد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم علی شفیر القبر ف)

ص: 224


1- صحیح مسلم : 4 / 360 ح 33.
2- شرح صحیح مسلم : 14 / 131.
3- توفّیت زینب سنة ثمان من الهجرة ، فحزن علیها رسول الله حزناً عظیماً. (المؤلف)

وفاطمة إلی جنبه تبکی فجعل النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم یمسح عین فاطمة بثوبه رحمة لها (1).

مسند أحمد (1 / 237 ، 335) ، مستدرک الحاکم (3 / 190) وصحّحه وقال الذهبی فی تلخیص المستدرک : سنده صالح ، مسند أبی داود الطیالسی (ص 351) ، الاستیعاب فی ترجمة عثمان بن مظعون (2 / 482) ، مجمع الزوائد (3 / 17).

وأخرج البیهقی فی السنن الکبری (4 / 70) عن ابن عبّاس قال : بکت النساء علی رقیّة - بنت رسول الله - فجعل عمر رضی الله عنه ینهاهنّ ، فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «مه یا عمر». قال : ثمّ قال : «إیّاکنّ ونعیق الشیطان فإنّه مهما یکن من العین والقلب فمن الرحمة ، وما یکون من اللسان والید فمن الشیطان». قال : وجعلت فاطمة تبکی علی شفیر قبر رقیّة فجعل رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یمسح الدموع علی وجهها بالید. أو قال : بالثوب.

وأخرج النسائی (2) وابن ماجة (3) عن أبی هریرة أنّه قال : مات میت فی آل رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فاجتمع النساء یبکین علیه فقام عمر ینهاهنّ ویطردهنّ ، فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «دعهنّ یا عمر فإنّ العین دامعة ، والقلب مصاب ، والعهد قریب» (4).

قال الأمینی : لا أدری ما الذی حدا عمر إلی التسرّع إلی ضرب تلکم النسوة الباکیات وصاحب الشریعة ینظر إلیهنّ من کثب ، ولو کان بکاؤهن محظوراً کان هو الأولی بالمنع والردّ ، ومن أین علم الحظر فی بکائهنّ ورسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یخالفه؟ وهلاّ ف)

ص: 225


1- مسند أحمد : 1 / 393 و 551 ح 2128 و 3093 ، المستدرک علی الصحیحین : 3 / 210 ح 4869 ، وکذا فی تلخیصه ، الاستیعاب : القسم الثالث / 1056 رقم 1779.
2- السنن الکبری : 1 / 610 ح 1986.
3- سنن ابن ماجة : 1 / 505 ح 1587.
4- عمدة القاری : 4 / 87 [8 / 78]. (المؤلف)

راجعه فی أمرهنّ لمّا همّ بهنّ تأدّباً ، وما هذه الفظاظة الدافعة له إلی ما فعل؟ وکیف مدّ یده الی تلکم النسوة حتی أخذ بها النبیّ الأعظم ودافع عنهنّ؟ والمجتمِعات هناک بطبع الحال حامة رسول الله وذوات رحمه ونسوته ، غیر أنّی لا أعلم أنّ الصدّیقة فاطمة التی کانت من الباکیات فی ذلک الیوم هل کانت بین تلکم النسوة المضروبات أو لا؟ وعلی أیّ فقد جلست إلی أبیها وهی باکیة.

وکانت للخلیفة فی حیاة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بمرأی منه ومشهد مواقف لدة هذه لم یصب فیها قطّ ، ومنها ما حدّث به سلمة بن الأزرق أنّه کان جالساً عند ابن عمر بالسوق فمرّ بجنازة یُبکی علیها. قال : فعاب ذلک ابن عمر وانتهرهنّ ، قال : فقال سلمة : لا تقل ذلک یا أبا عبد الرحمن فأشهد علی أبی هریرة سمعته یقول : مُرّ علی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم بجنازة وأنا معه ومعه عمر بن الخطّاب رضی الله عنه ونساء یبکین علیها فزبرهنّ عمر وانتهرهنّ ، فقال له النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم : «دعهنّ یا عمر فإنّ العین دامعة ، والنفس مصابة ، والعهد حدیث». قالوا : أنت سمعته یقول هذا؟ قال : نعم ، قال ابن عمر : فالله ورسوله أعلم. مرّتین (1).

وأخرج الحاکم (2) بإسنادٍ صحّحه ، وأقرّه الذهبی ، عن أبی هریرة قال : خرج النبی صلی الله علیه وآله وسلم علی جنازة ومعه عمر بن الخطّاب فسمع نساء یبکین فزبرهنّ عمر ، فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «یا عمر دعهنّ فإنّ العین دامعة ، والنفس مصابة ، والعهد قریب».

وعن أبی هریرة : أنّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم کان فی جنازة فرأی عمر امرأةً فصاح بها ، فقال النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم : «دعها یا عمر ، فإنّ العین دامعة ، والنفس مصابة ، والعهد قریب» (3). ف)

ص: 226


1- السنن الکبری للبیهقی : 4 / 70 ، مسند أحمد : 2 / 408 [3 / 128 ح 9038]. (المؤلف)
2- المستدرک علی الصحیحین : 1 / 381 [1 / 537 ح 1406 ، وکذا فی تلخیصه]. (المؤلف)
3- سنن ابن ماجة : 1 / 481 [1 / 505 ح 1587]. (المؤلف)

وعن عمرو بن الأزرق قال : توفّی بعض کنائن مروان ، فشهدها الناس وشهدها أبو هریرة ومعها نساء یبکین ، فأمرهنّ مروان بالسکوت ، فقال أبو هریرة : دعهنّ فإنّه مرّ علی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم جنازة معها بواکٍ فنهرهنّ عمر رحمه الله ، فقال له رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «دعهنّ فإنّ النفس مصابة ، والعین دامعة ، والعهد حدیث». مسند أحمد (1) (2 / 333)

وقال أبو هریرة : أبصر عمر امرأةً تبکی علی قبر فزبرها ، فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «دعها یا أبا حفص فإنّ العین باکیة ، والنفس مصابة ، والعهد قریب» (2).

وینبئنا التاریخ عن أنّ الخلیفة لم تُجدِه تلکم النصوص وبقی علی اجتهاده والسوط بیده یردع به ویزجر مستنداً إلی ما اختلقته ید الإفک علی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ممّا یخالف العقل والعدل والطبیعة من أنّه قال : «إنّ المیّت یعذّب ببکاء الحیّ».

قال سعید بن المسیّب : لمّا مات أبو بکر بُکی علیه ، فقال عمر : إنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قال : «إنّ المیّت یعذّب ببکاء الحیّ». فأبوا إلاّ أن یبکوا ، فقال عمر لهشام بن الولید : قم فأخرج النساء. فقالت عائشة : أُخرجک. فقال عمر : أدخل ، فقد أذنت لک. فدخل فقالت عائشة : أمخرجی أنت یا بنیّ؟ فقال : أمّا لک فقد أذنت لک. فجعل یخرجهنّ امرأة امرأة ، وهو یضربهنّ بالدرّة حتی خرجت أُمّ فروة وفرّق بینهنّ (3).

وقال ابن أبی الحدید فی شرح النهج (4) (1 / 60) : إنّ أوّل من ضرب عمر 3.

ص: 227


1- مسند أحمد : 2 / 637 ح 8196.
2- أخرجه الطبری فی تهذیبه کما فی کنز العمّال : 8 / 117 [15 / 728 ح 42899]. (المؤلف)
3- أخرجه ابن راهویه وصحّحه السیوطی ، راجع کنز العمّال : 8 / 119 [15 / 732 ح 42911]. وذکره ابن حجر فی الإصابة : 3 / 606. (المؤلف)
4- شرح نهج البلاغة : 1 / 181 خطبة 3.

بالدرّة (1) أُمّ فروة بنت أبی قحافة - حین مات أبو بکر.

کیف صفحت عائشة عن قول النبیّ - إن صحّ به النبأ - ولم تقبله من الخلیفة؟ ولما ذا سمح الخلیفة لعائشة بإذن البکاء علی أبیها دون غیرها ورفع الید عن تعمیم ذلک الحکم الباتّ؟ ولما ذا أبت الصحابة إلاّ أن یبکوا علی أبی بکر بعد نهی الخلیفة؟ ولما ذا رضوا بأن یعذّب فقیدهم ببکائهم؟ ولما ذا حکمت الدرّة فی النساء امرأة امرأة بالضرب وعفت عن الرجال؟ إن هی إلاّ مشکلات غیر أنّها لا تخفی علی الباحث النابه.

ومن مواقف تلک الدرّة القاضیة علی الباکیات ما أخرجه الحافظ عبد الرزّاق (2) عن عمرو بن دینار قال : لمّا مات خالد بن الولید اجتمع فی بیت میمونة نساء یبکین فجاء عمر ... فکان یضربهنّ بالدرّة فسقط خمار امرأة منهنّ فقالوا : یا أمیر المؤمنین خمارها. فقال : دعوها فلا حرمة لها. وکان یعجب من قوله : لا حرمة لها (3).

ونحن أیضاً نتعجّب من قوله : لا حرمة لها. وسیرة الخلیفة حقّا جلّها معجبات قولاً وفعلاً لو لم یکن کلّها.

وأماحدیث عمر : إنّ المیّت یعذّب ببکاء الحیّ ؛ فقد کذّبته عائشة فیما أخرجه الحاکم فی المستدرک (4) (1 / 381) وقال : اتّفق الشیخان علی إخراج حدیث أیّوب السختیانی عن عبد الله بن أبی ملیکة مناظرة عبد الله بن عمر وعبد الله بن العبّاس فی البکاء علی المیّت ورجوعهما فیه إلی أُمّ المؤمنین عائشة وقولها : والله ما قال 7.

ص: 228


1- یعنی أیّام خلافته ، وکم ضرب قبلها بالدرّة من أُناس. وأمّا بعدها فحدّث عنه ولا حرج. (المؤلف)
2- المصنّف : 3 / 557 ح 6681.
3- کنز العمّال : 8 / 118 [15 / 730 ح 42905]. (المؤلف)
4- المستدرک علی الصحیحین : 1 / 537 ح 1407.

رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : إنّ المیّت یعذّب ببکاء أحد ، ولکنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قال : إنّ الکافر یزیده عند الله بکاء أهله عذاباً شدیداً ، وإنّ الله هو أضحک وأبکی ، ولا تزر وازرة وزر أُخری.

صورة مفصّلة :

قال عبد الله بن أبی ملیکة : توفّیت ابنة - هی أُمّ أبان - لعثمان رضی الله عنه بمکّة وجئنا لنشهدها ، قال : وحضرها ابن عمر وابن عبّاس وإنّی لجالس بینهما ، فقال عبد الله بن عمر لعمرو بن عثمان : ألا تنهی النساء عن البکاء (1)؟ فإنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قال : إنّ المیّت لیعذّب ببکاء أهله علیه. فقال ابن عباس : قد کان عمر رضی الله عنه یقول بعض ذلک ، ثمّ حدّث قال : صدرت مع عمر من مکة حتی کنّا بالبیداء إذا هو برکب تحت ظلّ سمرة ، فقال : اذهب وانظر إلی هؤلاء الرکب ، قال : فنظرت فإذا هو صهیب فأخبرته قال : ادعه لی. فرجعت إلی صهیب فقلت : ارتحل فالحق أمیر المؤمنین ، فلمّا أُصیب عمر دخل صهیب یبکی ، یقول : وا أخاه! وا صاحباه! فقال عمر رضی الله عنه : یا صهیب تبکی عَلیّ وقد قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : إنّ المیّت لیعذّب ببعض بکاء أهله علیه؟

قال ابن عباس : فلمّا مات عمر رضی الله عنه ذکرت ذلک لعائشة ، فقالت : رحم الله عمر ، والله ما حدّث رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إنّ الله یعذّب المؤمن ببکاء أهله علیه ، ولکن قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : إنّ الله یزید الکافر عذاباً ببکاء أهله علیه. قال : وقالت عائشة : حسبکم القرآن (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْری) (2). قال : وقال ابن عبّاس عند ذلک : 8.

ص: 229


1- کان عبد الله علی سیرة أبیه فی المسألة. وقد کان نهی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أباه عن رأیه بمرأی منه ومشهد ، فضرب عن تلکم النصوص النبویة صفحاً وسلک مسلک أبیه ، ومن یشابه أبه فما ظلم. (المؤلف)
2- فاطر : 18.

والله أضحک وأبکی. قال ابن أبی ملیکة : فو الله ما قال ابن عمر شیئاً (1).

وعن عمرة : أنَّها سمعت عائشة ، وذکر لها أنّ عبد الله بن عمر یقول : إنّ المیّت لیعذّب ببکاء الحیّ. فقالت عائشة : أما إنّه لم یکذب ولکنّه أخطأ أو نسی ، إنّما مرّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم علی یهودیّة وهی یبکی علیها أهلها فقال : «إنّهم لیبکون علیها وإنّها لتعذّب فی قبرها».

وفی لفظ مسلم : رحم الله أبا عبد الرحمن سمع شیئاً فلم یحفظه.

وفی لفظ أبی عمر : وهم أبو عبد الرحمن أو أخطأ أو نسی (2).

وعن عروة ، عن عبد الله بن عمر ، قال : قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : إنّ المیّت لیعذّب ببکاء أهله علیه ، فذکر ذلک لعائشة ، فقالت وهی تعنی ابن عمر : إنّما مرّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم علی قبر یهودیّ فقال : «إنّ صاحب هذا لیعذّب وأهله یبکون علیه» ثمّ قرأت : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْری) (3).

وعن القاسم بن محمد قال : لمّا بلغ عائشة قول عمر وابن عمر قالت : إنّکم لتحدّثون عن غیر کاذبین ولا مکذوبین ولکنّ السمع یخطئ (4). ف)

ص: 230


1- اختلاف الحدیث للشافعی - فی هامش الأُمّ - : 7 / 266 [ص 537] ، صحیح البخاری [1 / 432 ح 1226] ، فی أبواب الجنائز ، صحیح مسلم : 1 / 342 ، 343 [2 / 332 ح 23 ، 334 ح 27 کتاب الجنائز] ، مسند أحمد : 1 / 41 [1 / 68 ح 290] ، سنن النسائی : 4 / 18 [1 / 609 ح 1985] ، سنن البیهقی : 4 / 73 ، مختصر المزنی - هامش کتاب الأُمّ - : 1 / 187 [ص 39]. (المؤلف)
2- صحیح البخاری [1 / 433 ح 1227] أبواب الجنائز ، اختلاف الحدیث للشافعی : 7 / 266 [ص 537] ، الموطّأ لمالک : 1 / 96 [1 / 234 ح 37] ، صحیح مسلم : 1 / 344 [2 / 333 ح 25] ، سنن النسائی : 4 / 17 [1 / 609 ح 1983] ، سنن البیهقی : 4 / 72. (المؤلف)
3- سنن أبی داود : 2 / 59 [3 / 194 ح 3129] ، سنن النسائی : 4 / 17 [1 / 609 ح 1982]. (المؤلف)
4- صحیح مسلم : 1 / 343 [2 / 331 ح 22] ، مسند أحمد : 1 / 42 [1 / 68 ح 290] ، السنن الکبری [للبیهقی] : 4 / 73. (المؤلف)

وقال الشافعی فی اختلاف الحدیث (1) : وما روت عائشة عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أشبه أن یکون محفوظاً عنه صلی الله علیه وآله وسلم بدلالة الکتاب ثمّ السنّة. فإن قیل : فأین دلالة الکتاب؟ قیل : فی قوله عزّ وجلّ : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْری). (وَأَنْ لَیْسَ لِلْإِنْسانِ إِلاَّ ما سَعی) (2). وقوله : (فَمَنْ یَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَیْراً یَرَهُ * وَمَنْ یَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا یَرَهُ) (3). وقوله : (لِتُجْزی کُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعی) (4).

وعمرة أحفظ عن عائشة من ابن أبی ملیکة ، وحدیثها أشبه الحدیثین أن یکون محفوظاً ، فإن کان الحدیث علی غیر ما روی ابن أبی ملیکة من قول النبی : «إنّهم لیبکون علیها وإنّها لتعذّب فی قبرها». فهو واضح لا یحتاج إلی تفسیر لأنّها تعذّب بالکفر وهؤلاء یبکون ولا یدرون ما هی فیه ، وإن کان الحدیث کما رواه ابن أبی ملیکة فهو صحیح لأنّ علی الکافر عذاباً أعلی ، فإن عذّب بدونه فزید فی عذابه فبما استوجب ، وما ینل من کافر من عذابٍ أدنی من أعلی منه وما زید علیه من العذاب فباستیجابه لا بذنب غیره فی بکائه علیه.

فإن قیل : یزیده عذاباً ببکاء أهله علیه. قیل : یزیده بما استوجب بعمله ویکون بکاؤهم سبباً لا أنّه یعذّب ببکائهم.

فإن قیل : أین دلالة السنّة؟ قیل : قال رسول الله لرجل : «ابنک هذا؟» قال : نعم. قال : «أما إنّه لا یجنی علیک ولا تجنی علیه». فأعلم رسول الله مثل ما أعلم الله من أنّ جنایة کلّ امرئ علیه کما عمله له لا لغیره ولا علیه.

ویکذّب الخلیفة بکاؤه علی النعمان بن مقرن لمّا جاءه نعیه ، فخرج ونعاه إلی 5.

ص: 231


1- طبع فی هامش کتابه الأُمّ : 7 / 267 [ص 537]. (المؤلف)
2- النجم : 39.
3- الزلزلة : 7 - 8.
4- طه : 15.

الناس علی المنبر ووضع یده علی رأسه یبکی (1). ویکذّبه وقوفه علی قبر شیخ واعتناقه إیّاه وبکائه علیه (2). وکم وکم له من مواقف لدة ما ذُکر.

وقبل هذه کلّها بکاء النبیّ الأقدس والصحابة والتابعین لهم بإحسان علی موتاهم ؛ فهذا رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یبکی علی ولده العزیز - إبراهیم - ویقول : «العین تدمع ، والقلب یحزن ، ولا نقول إلاّ ما یُرضی ربّنا ، وإنّا بک یا إبراهیم لمحزونون» (3).

وهذا هو صلی الله علیه وآله وسلم یبکی علی ابنه طاهر ویقول : «إنّ العین تذرف ، وإنّ الدمع یغلب ، وإنّ القلب یحزن ، ولا نعصی الله عزّ وجلّ» (4).

وهذا هو صلی الله علیه وآله وسلم لمّا أُصیب حمزة رضی الله عنه وجاءت صفیّة بنت عبد المطّلب رضی الله عنه تطلبه فحالت بینها وبینه الانصار ، فقال صلی الله علیه وآله وسلم : «دعوها» ، فجلست عنده فجعلت إذا بکت بکی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، وإذا نشجتْ نشج ، وکانت فاطمة علیها السلام تبکی ورسول الله صلی الله علیه وآله وسلم کلّما بکت یبکی وقال : «لن أصاب بمثلک أبداً» (5).

ولمّا رجع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم من أحد بکت نساء الأنصار علی شهدائهم ، فبلغ ذلک النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فقال : «لکن حمزة لا بواکی له» ، فرجعت الأنصار فقلن لنسائهم : لا تبکین أحداً حتی تبدأن بحمزة. قال : فذاک فیهم إلی الیوم لا یبکین میّتاً إلاّ بدأن بحمزة (6). ف)

ص: 232


1- الاستیعاب فی ترجمة النعمان : 1 / 297 [القسم الرابع / 1506 رقم 2626]. (المؤلف)
2- راجع ما مرّ فی الجزء الخامس : ص 155. (المؤلف)
3- سنن أبی داود : 3 / 58 [3 / 193 ح 3126] ، سنن ابن ماجة : 1 / 482 [1 / 506 ح 1589]. (المؤلف)
4- مجمع الزوائد : 3 / 18. (المؤلف)
5- إمتاع المقریزی : ص 154. (المؤلف)
6- مجمع الزوائد : 6 / 120. (المؤلف)

وهذا هو صلی الله علیه وآله وسلم ینعی جعفراً وزید بن حارثة وعبد الله بن رواحة وعیناه تذرفان (1).

وهذا هو صلی الله علیه وآله وسلم زار قبر أُمّه وبکی علیها وأبکی من حوله (2).

وهذا هو صلی الله علیه وآله وسلم یقبّل عثمان بن مظعون وهو میّت ودموعه تسیل علی خدّه (3).

وهذا هو صلی الله علیه وآله وسلم یبکی علی ابن لبعض بناته ، فقال له عبادة بن الصامت : ما هذا یا رسول الله؟ قال : «الرحمة التی جعلها الله فی بنی آدم وإنّما یرحم الله من عباده الرحماء» (4).

وهذه الصدّیقة الطاهرة تبکی علی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وتقول : «یا أبتاه من ربّه ما أدناه ، یا أبتاه أجاب ربّا دعاه ، یا أبتاه إلی جبریل ننعاه ، یا أبتاه جنّة الفردوس مأواه» (5)

وهذه هی سلام الله علیها وقفت علی قبر أبیها الطاهر وأخذت قبضة من تراب القبر فوضعتها علی عینها وبکت وأنشأت تقول :

ما ذا علی من شمّ تربةَ أحمدٍ

أن لا یشمّ مدی الزمانِ غوالیاف)

ص: 233


1- صحیح البخاری [3 / 1372 ح 3547] کتاب المناقب ، فی علامات النبوّة فی الإسلام ، سنن البیهقی : 4 / 70. (المؤلف)
2- سنن البیهقی : 4 / 70 ، تاریخ الخطیب البغدادی : 7 / 289 [رقم 3791]. (المؤلف)
3- سنن أبی داود : 2 / 63 [3 / 201 ح 3163] ، سنن ابن ماجة : 1 / 445 [1 / 468 ح 1456]. (المؤلف)
4- سنن أبی داود : 2 / 58 [3 / 193 ح 3125] ، سنن ابن ماجة : 1 / 481 [1 / 506 ح 1588]. (المؤلف)
5- صحیح البخاری [4 / 1619 ح 4193] باب مرض النبیّ ووفاته ، مسند أبی داود : 2 / 197 [ح 1374] ، سنن النسائی : 4 / 13 [1 / 606 ح 1971] ، مستدرک الحاکم : 3 / 163 [3 / 178 ح 4768] ، تاریخ الخطیب : 6 / 262 [رقم 3292]. (المؤلف)

صُبّت علیّ مصائبٌ لو أنّها

صُبّت علی الأیّامِ صرنَ لیالیا (1)

وهذا أبو بکر بن أبی قحافة یبکی علی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ویرثیه بقوله :

یا عینُ فابکی ولا تسأمی

وحقَّ البکاءُ علی السیّدِ

وهذا حسّان بن ثابت یبکیه صلی الله علیه وآله وسلم ویقول :

ظللت بها أبکی الرسول فأسعدت

عیون ومثلاها من الجفن أسعدُ

ویقول :

یبکّون من تبکی السمواتُ یومَه

ومن قد بکتهُ الأرضُ فالناسُ أکمدُ

ویقول :

یا عینُ جودی بدمعٍ منک إسبالِ

ولا تملِّنّ من سحٍّ وإعوالِ

وهذه أروی بنت عبد المطّلب تبکی علیه صلی الله علیه وآله وسلم وترثیه بقولها :

ألا یا عینُ ویحک أسعدینی

بدمعِکِ ما بقیتِ وطاوعینی

ألا یا عینُ ویحک واستهلّی

علی نورِ البلادِ وأسعدینی

وهذه عاتکة بنت عبد المطّلب ترثیه وتقول :

عینیّ جودا طوالَ الدهرِ وانهمرا

سکباً وسحّا بدمعٍ غیر تعذیر

یا عینُ فاسحنفری بالدمع واحتفلی

حتی الممات بسجلٍ غیر منزور

یا عینُ فانهملی بالدمعِ واجتهدی

للمصطفی دون خلقِ اللهِ بالنور

وهذه صفیّة بنت عبد المطّلب تبکی علیه وترثیه صلی الله علیه وآله وسلم وتقول :

أفاطمُ بَکّی ولا تسأمی

بصُبحِک ما طلعَ الکوکبُف)

ص: 234


1- راجع الجزء الخامس من کتابنا هذا : ص 147. (المؤلف)

هو المرء یُبکی وحقَّ البکاءُ

هو الماجدُ السیّدُ الطیّبُ

وتقول :

أعینیّ جودا بدمعٍ سجم

یبادر غرباً بما منهدم

أعینیّ فاسحنفرا واسکبا

بوجدٍ وحزنٍ شدیدِ الألم

وهذه هند بنت الحارث بن عبد المطّلب تبکی علیه وترثیه وتقول :

یا عینُ جودی بدمعٍ منک وابتدری

کما تنزّل ماءُ الغیثِ فانثعبا

وهذه هند بنت أثاثة ترثیه وتقول :

ألا یا عین بکّی لا تملّی

فقد بکر النعیُّ بمن هویتِ

وهذه عاتکة بنت زید ترثیه وتقول :

وأمست مراکبه أوحشت

وقد کان یرکبها زینها

وأمست تُبکّی علی سیّدٍ

تردّد عبرتها عینها

وهذه أُمّ أیمن ترثیه صلی الله علیه وآله وسلم وتقول :

عینُ جودی فإنّ بذلک للدم

عِ شفاءً فأکثری من بکاء

بدموعٍ غزیرةٍ منک حتی

یقضیَ اللهُ فیک خیرَ القضاء (1)

وهذه عمّة جابر بن عبد الله جاءت یوم أُحد تبکی علی أخیها عبد الله بن عمرو ، قال جابر : فجعلت أبکی وجعل القوم ینهوننی ورسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لا ینهانی ، فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «إبکوه أو لا تبکوه فو الله ما زالت الملائکة تظلّله بأجنحتها ف)

ص: 235


1- راجع طبقات ابن سعد : ص 839 - 855 [2 / 319 - 333] سیرة ابن هشام : 4 / 346 [4 / 317]. (المؤلف)

حتی دفنتموه». الاستیعاب فی ترجمة عبد الله (1) (1 / 368).

هذه سنّة النبیّ الأعظم المتّبعة بین الصحابة یعارضها حدیث الخلیفة : إنّ المیّت یعذّب ببکاء الحیّ. فالقول به یخصّ به وبابنه عبد الله ، فالحقّ أحقّ أن یُتّبع.

- 52 -

اجتهاد الخلیفة فی الأُضحیة

عن حذیفة بن أُسید قال : رأیت أبا بکر وعمر وما یضحّیان عن أهلهما خشیة - مخافة - أن یستنّ بهما ، فحملنی أهلی علی الجفاء بعد أن علمت السنّة حتی إنّی لأُضحّی عن کلّ.

أخرجه البیهقی فی السنن الکبری (9 / 265) ، والطبرانی فی الکبیر (2) ، والهیثمی فی المجمع (4 / 18) من طریق الطبرانی وقال : رجاله رجال الصحیح ، وذکره السیوطی فی جمع الجوامع کما فی ترتیبه (3) (3 / 45) نقلاً عن ابن أبی الدنیا فی الأضاحی ، والحاکم فی الکنی ، وأبی بکر عبد الله بن محمد النیسابوری فی الزیادات ثمّ قال : قال ابن کثیر : إسناده صحیح.

وقال الشافعی فی کتاب الأُمّ (4) (2 / 189) : قد بلغنا أنّ أبا بکر وعمر رضی الله عنه کانا لا یضحّیان کراهیة أن یقتدی بهما فیظنّ من رآهما أنّها واجبة. 4.

ص: 236


1- الاستیعاب : القسم الثالث / 956 رقم 1615.
2- المعجم الکبیر : 3 / 182 ح 3058.
3- کنز العمّال : 5 / 219 ح 12663.
4- کتاب الأُمّ : 2 / 224.

وفی مختصر المزنی - هامش کتاب الأُمّ (1) - (5 / 210) : قال الشافعی : بلغنا أنّ أبا بکر وعمر رضی الله عنه کانا لا یضحّیان کراهیة أن یُری أنّها واجبة.

وعن الشعبی : أنّ أبا بکر وعمر شهدا الموسم فلم یضحّیاکنز العمّال (2)(3 / 45).

قال الأمینی : هل وقف الرجلان علی شیء من الحکمة لم یقف علیه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فضحّی وأمر بها وحضّ علیها وأکّد وترکها سنّة متّبعة ، وخفی علیه ما عرفاه من اتّخاذ الأمّة ذلک من الطقوس الواجبة؟ أو أنّ الرجلین کانا أشفق علی الأمّة منه صلی الله علیه وآله وسلم فأحبّا أن لا یبهضاها بنفقة الأضاحی؟ أو أنّهما خشیا أن یکون ذلک بدعة فی الدین بظنّ الوجوب؟ لکنّه حجّة داحضة ؛ لأنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم حین فعل وأمر کان ذلک مشفوعاً ببیان عدم وجوبه ، وعرفت ذلک منه الصحابة ، وعلی هذا کان عملهم وتلقّاه منهم التابعون وهلمّ جرّا إلی یومنا الحاضر ، ولو کان ما حسباه مطّرداً لزم ترک المستحبّات کلّها ، ثمّ إنّ احتمال مزعمة الوجوب کان أولی أن ینشأ من فعل النبی صلی الله علیه وآله وسلم وقوله ، فإنّ السنّة سنّته ، والدین ما صدع به ، لکنّه لم ینشأ لما شفعه من البیان ، فهلاّ فعلا کما فعل وهما خلیفتاه؟

والعجب العجاب أنّ الخلیفة الثانی هاهنا ینقض السنّة الثابتة للصادع الکریم خشیة ظنّ الأمّة الوجوب ، ویسنّ لها ما لا أصل له فی الدین کزکاة الخیل وصلاة التراویح ، إلی أحداث أخری کثیرة ، وهو فی ذلک کلّه لا یخشی ولا یکترث ولا یبالی.

- 53 -

الخلیفة فی إرث الزوجة من الدیة

عن سعید بن المسیّب : أنّ عمر بن الخطّاب رضی الله عنه کان یقول : الدیة للعاقلة 4.

ص: 237


1- مختصر المزنی - هامش کتاب الأُمّ - : ص 283.
2- کنز العمّال : 5 / 219 ح 12664.

ولا ترث المرأة من دیة زوجها شیئاً ، حتی أخبره الضحّاک بن سفیان أنّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم کتب إلیه أن یورّث امرأة أشیم الضبابی من دیته فرجع إلیه عمر رضی الله عنه.

وفی لفظ آخر :

إنّ عمر بن الخطّاب قال : ما أری الدیة إلاّ للعصبة لأنّهم یعقلون عنه فهل سمع أحد منکم من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی ذلک شیئاً؟ فقال الضحّاک الکلابی - وکان استعمله رسول الله علی الأعراب - : کتب إلیّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أن أُورِّث امرأة أشیم الضبابی من دیة زوجها. فأخذ بذلک عمر بن الخطّاب رضی الله عنه (1).

قال الأمینی : کأنّ الخلیفة کان غافلاً عن إحدی ثلاث أو عنها جمعاء :

1 - الآیة الکریمة من القرآن ، وهی قوله تعالی : (فَدِیَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلی أَهْلِهِ) (2). والزّوجة من الأهل بنصّ قوله تعالی : (لَنُنَجِّیَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ) (3).

وقوله تعالی : (إِنَّا مُنَجُّوکَ وَأَهْلَکَ إِلاَّ امْرَأَتَکَ) (4).

وقوله تعالی : (فَأَنْجَیْناهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ) (5) ، والاستثناء فی المقامات یدلّ علی دخولها فیما خرجت منه به ، وعرف الجمیع أنّ الاستثناء متّصلٌ لا محالة کما نصّ علیه ابن حجر فی فتح الباری. 7.

ص: 238


1- کتاب الأُمّ للشافعی : 6 / 77 [6 / 88] ، کتاب الرسالة له : ص 113 [ص 426 ح 1172] ، اختلاف الحدیث له - هامش کتاب الأُمّ - : 7 / 20 [ص 479] ، سنن أبی داود : 2 / 22 [2 / 129 ح 2927] ، مسند أحمد : 3 / 452 [4 / 485 ح 15318 و 15319] ، صحیح الترمذی : 1 / 265 [4 / 19 ح 1415] وصحّحه ، سنن ابن ماجة : 2 / 142 [2 / 883 ح 2642] ، سنن البیهقی : 8 / 134 ، تیسیر الوصول : 4 / 8 [4 / 9 ح 1] ، تاریخ الخطیب : 8 / 343 [رقم 4451]. (المؤلف)
2- النساء : 92.
3- العنکبوت : 32 ، 33.
4- العنکبوت : 32 ، 33.
5- النمل : 57.

وقوله تعالی عن زلیخا زوجة عزیز مصر : (ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِکَ سُوءاً) (1)

وقوله تعالی : (إِذْ قالَ مُوسی لِأَهْلِهِ إِنِّی آنَسْتُ ناراً). سورة النمل : 7.

وقوله تعالی : (فَلَمَّا قَضی مُوسَی الْأَجَلَ وَسارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً قالَ لِأَهْلِهِ امْکُثُوا إِنِّی آنَسْتُ ناراً). القصص : 29.

وقوله تعالی عن النبیّ موسی علیه السلام : (فَقالَ لِأَهْلِهِ امْکُثُوا إِنِّی آنَسْتُ ناراً). (2) وما کانت معه علیه السلام إلاّ زوجته وهی حامل أو أنّها ولدت قبیل ذلک.

2 - السنّة النبویّة : وهی ما کتبه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إلی عامله علی الأعراب الضحّاک بن سفیان (3).

3 - لغة العرب : وأعظم ما یستفاد منه استقرارها علی إطلاق الأهل علی الزوجة الآیات الکریمة المذکورة ثمّ ما مرّ من مکاتبة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، وما جاء عنه صلی الله علیه وآله وسلم من أنّه أعطی الآهل حظّین والأعزب حظّا ، وقال صفوان بن عمرو : أعطانی - رسول الله - حظّین وکان لی أهل ، ثمّ دعا عمّاراً فأعطی له حظّا واحداً (4).

ویری محمد بن الحسن فیمن أوصی لأهل فلان : أنّ القیاس یستدعی حصر الوصیّة إلی زوجاته ، لکنّه ترک القیاس وعمّمها إلی کلّ من کان فی عیاله (5).

وقال أبو بکر : الأهل اسم یقع علی الزوجة وعلی جمیع من یشتمل علیه منزله ، ف)

ص: 239


1- یوسف : 25.
2- طه : 10.
3- توجد مضافاً علی ما ذکر من المصادر فی کثیر من جوامع الحدیث وکتب الفقه. (المؤلف)
4- سنن أبی داود : 2 / 25 [3 / 136 - 137 ح 2953] ، سنن البیهقی : 6 / 346 ، تیسیر الوصول : 1 / 253 [1 / 298 ح 29] ، النهایة [لابن الأثیر] : 1 / 64 [1 / 84]. (المؤلف)
5- أحکام القرآن للجصّاص : 2 / 277 [2 / 228]. (المؤلف)

قال الله تعالی : (إِنَّا مُنَجُّوکَ وَأَهْلَکَ إِلاَّ امْرَأَتَکَ) (1).

وفی معاجم اللغة : الآهل الذی له زوجة وعیال ، وسار بأهله ؛ أی بزوجته وأولاده ، وأهِل الرجل وتأهّل : تزوّج ، والتأهّل : التزوّج ، وفی الدعاء : آهلک الله فی الجنّة إیهالاً ؛ أی زوّجک فیها (2). ولئن راجعت معاجم اللغة تزدد وثوقاً بذلک.

إذا عرفت هذا فلا یذهب علیک أنّ إطلاق الأهل علی الزوجة بقرینة إضافته إلی الرجل لا ینافی وجود معانٍ أخری له یستعمل فیها بقرائن معیّنة أو صارفة ، فأهل الرجل عشیرته وذوو قرباه ، ومنه قوله تعالی : (فَابْعَثُوا حَکَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَکَماً مِنْ أَهْلِها) (3) ، وأهل الأمر ولاته ، وأهل البیت سکّانه ، وأهل المذهب من یدین به ، ومنه قوله تعالی فی قصّة نوح : (إِذْ نادی مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَنَجَّیْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْکَرْبِ الْعَظِیمِ) الأنبیاء : 76.

زبدة المخض : أنّ موضوع الأهل کلّ ما له صلة من إحدی النواحی بالمضاف إلیه ، فتعیّن المراد القرائن المحتفّة به کما فی آیة التطهیر ، فالمراد بها محمد وعلیّ وفاطمة والحسن والحسین صلوات الله علیهم أجمعین ، وقد اجتمعوا تحت الکساء فدعا رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ربّه بمنحة القداسة لهم وسمّاهم أهل بیته ، فنزل قوله تعالی : (إِنَّما یُرِیدُ اللهُ لِیُذْهِبَ عَنْکُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَیْتِ وَیُطَهِّرَکُمْ تَطْهِیراً) (4). حتی إنّ أُمّ سلمة استأذنته فی أن تدخل معهم فأذن لها بعد نزول الآیة ، واستحفته صلی الله علیه وآله وسلم عن دخولها فی مفاد الآیة الکریمة فقال : «إنّک علی خیر». إیعازاً إلی قصر هذه المنحة علیهم ، وتفصیل هذه الجملة مذکور فی الصحاح والمسانید. 3.

ص: 240


1- أحکام القرآن للجصّاص : 2 / 277 [2 / 228]. (المؤلف)
2- نهایة ابن الأثیر : 1 / 64 [1 / 84] ، قاموس اللغة : 3 / 331 ، لسان العرب : 13 / 31 [1 / 254] ، تاج العروس : 7 / 217. (المؤلف)
3- النساء : 35.
4- الأحزاب : 33.

- 54 -

رأی الخلیفة فی تحقّق البلوغ

عن ابن أبی ملیکة : أنّ عمر کتب فی غلام من أهل العراق سرق فکتب : أن اشبروه فإن وجدتموه ستّة أشبار فاقطعوه. فشبر فوجد ستّة أشبار تنقص أنملة فترک.

وعن سلیمان بن یسار : أنّ عمر أُتی بغلام سرق ، فأمر به فشُبر ، فوجد ستّة أشبار إلاّ أنملة فترکه.

أخرجه (1) ابن أبی شیبة ، وعبد الرزاق ، ومسدّد ، وابن المنذر فی الأوسط کما فی کنز العمّال (3 / 116).

قال الأمینی : الذی ثبت من الشریعة فی تحقّق البلوغ هو الاحتلام الثابت بصحیح قوله صلی الله علیه وآله وسلم فیمن رفع عنه القلم : «والغلام حتی یحتلم» ، أو نبات الشعر فی العانة الثابت بالصحاح ، أو السنّ المحدود کما فی صحیحة عبد الله بن عمر (2) ولا رابع لها یُعدّ حدّا مطّرداً ، وأمّا المساحة بالأشبار فهو من فقه الخلیفة ومحدثاته فحسب ، ولعلّه أبصر بمواقع فقاهته.

- 55 -

تنقیص الخلیفة من الحدّ

اشارة

عن أبی رافع : أنّ عمر بن الخطّاب أُتی بشارب فقال : لأبعثنّک إلی رجل لا تأخذه فیک هوادة ، فبعث به إلی مطیع بن الأسود العدوی فقال : إذا أصبحت غداً ف)

ص: 241


1- المصنّف لابن أبی شیبة : 9 / 486 - 487 ح 8206 و 8211 ، المصنّف : 10 / 178 ح 18737 ، کنز العمّال : 5 / 544 ح 13887.
2- راجع فی أحادیث الباب السنن الکبری [للبیهقی] : 6 / 54 - 59. (المؤلف)

فاضربه الحدّ ، فجاء عمر وهو یضربه ضرباً شدیداً ، فقال : قتلت الرجل کم ضربته؟ قال : ستّین ، قال : أقصّ عنه بعشرین. قال أبو عبیدة فی معناه : یقول اجعل شدّة هذا الضرب قصاصاً بالعشرین التی بقیت من الحد فلا تضربه إیّاها.

السنن الکبری (8 / 317) ، شرح ابن أبی الحدید (1) (3 / 133).

قال الأمینی : أُنظر إلی الرجل کیف یتلوّن فی الحکم فیضعّف یوماً حدّ الشارب وهو الأربعون - عند القوم - فیجلد ثمانین (2) ثمّ یرقّ للمحدود فی یوم آخر فینقّص منه عشرین ، ویتلافی شدّة الکیف بنقیصة الکم بعد تسلیم الشارب إلی رجل یعرفه بالشدّة ، والکلّ زائد علی الناموس الإلهیّ الذی جاء به النبیّ الأقدس. وفی الحدیث : یؤتی بالرجل الذی ضرب فوق الحدّ فیقول الله : لم ضربت فوق ما أمرتک؟ فیقول : یا ربّ غضبت لک ، فیقول : أکان لغضبک أن یکون أشدّ من غضبی؟ ویؤتی بالذی قصّر فیقول : عبدی لم قصّرت؟ فیقول : رحمته. فیقول : أکان لرحمتک أن تکون أشدّ من رحمتی؟ (3).

وکم لهذا الحدیث من نظائر أخرجه الحفّاظ ، راجع کنز العمّال (4) (3 / 196).

- 56 -

أبا حسن لا أبقانی الله لشدّة لست لها

عن ابن عبّاس ، قال : وردت علی عمر بن الخطّاب واردة قام منها وقعد وتغیّر وتربّد وجمع لها أصحاب النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فعرضها علیهم وقال : أشیروا علیّ. فقالوا جمیعاً : یا أمیر المؤمنین أنت المفزع وأنت المنزع. فغضب عمر وقال : اتّقوا الله وقولوا قولاً 6.

ص: 242


1- شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید : 12 / 136 الخطبة 223.
2- راجع الحدیث السادس والعشرین : ص 123. (المؤلف)
3- البیان والتبیین : 2 / 20 [2 / 19]. (المؤلف)
4- کنز العمّال : 5 / 854 ح 14551 - 14556.

سدیداً یصلح لکم أعمالکم. فقالوا : یا أمیر المؤمنین ما عندنا ممّا تسأل عنه شیء. فقال : أما والله إنّی لأعرف أبا بجدتها وابن بجدتها ، وأین مفزعها وأین منزعها ، فقالوا : کأنّک تعنی ابن أبی طالب؟ فقال عمر : لله هو ، وهل طفحت حرّة بمثله وأبرعته؟ انهضوا بنا إلیه ، فقالوا : یا أمیر المؤمنین أتصیر إلیه؟ یأتیک. فقال : هیهات هناک شجنة من بنی هاشم ، وشجنة من الرسول ، وأثرة من علم یُؤتی لها ولا یأتی. فی بیته یُؤتی الحکم ، فاعطفوا نحوه. فألفوه فی حائط له وهو یقرأ : (أَیَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ یُتْرَکَ سُدیً) (1) ویردّدها ویبکی ، فقال عمر لشریح : حدّث أبا حسن بالذی حدّثتنا به. فقال شریح : کنت فی مجلس الحکم ، فأتی هذا الرجل فذکر أنّ رجلاً أودعه امرأتین حرّة مهیرة (2) وأُم ولد ، فقال له : أنفق علیهما حتی أقدم. فلمّا کان فی هذه اللیلة وضعتا جمیعاً إحداهما ابناً والأخری بنتاً ، وکلتاهما تدّعی الابن وتنتفی من البنت من أجل المیراث ، فقال له : بم قضیت بینهما؟ فقال شریح : لو کان عندی ما أقضی به بینهما لم آتکم بهما ، فأخذ علیّ تبنةً من الأرض فرفعها فقال : إنّ القضاء فی هذا أیسر من هذه. ثمّ دعا بقدح فقال لإحدی المرأتین : احلبی. فحلبت ، فوزنه. ثمّ قال للأخری : احلبی. فحلبت ، فوزنه فوجده علی النصف من لبن الأُولی ، فقال لها : خذی أنتِ ابنتکِ ، وقال للأخری : خذی أنتِ ابنکِ ، ثمّ قال لشریح : أما علمت أنّ لبن الجاریة علی النصف من لبن الغلام؟ وأنّ میراثها نصف میراثه؟ وأنّ عقلها نصف عقله؟ وأنّ شهادتها نصف شهادته؟ وأنّ دیتها نصف دیته؟ وهی علی النصف فی کلّ شیء. فأعجب به عمر إعجاباً شدیداً ثمّ قال : أبا حسن لا أبقانی الله لشدّة لست لها ولا فی بلد لست فیه.

کنز العمّال (3) (3 / 179) ، مصباح الظلام للجردانی (4) (2 / 56). 5.

ص: 243


1- القیامة : 36.
2- المهیرة من النساء : الحرّة الغالیة المهر ، جمعها مهائر. (المؤلف)
3- کنز العمّال : 5 / 830 ح 14508.
4- مصباح الظلام : 2 / 136 ح 405.

- 57 -

الخلیفة ومولود عجیب

عن سعید بن جبیر ، قال : أُتی عمر بن الخطّاب بامرأة قد ولدت ولداً له خلقتان بدنان وبطنان وأربعة أیدٍ ورأسان وفرجان هذا فی النصف الأعلی ، وأمّا فی الأسفل فله فخذان وساقان ورجلان مثل سائر الناس ، فطلبت المرأة میراثها من زوجها وهو أبو ذلک الخلق العجیب ، فدعا عمر بأصحاب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فشاورهم فلم یجیبوا بشیء ، فدعا علیّ بن أبی طالب ، فقال علیّ : «إنّ هذا أمر یکون له نبأ فاحبسها واحبس ولدها واقبض مالهم وأقم لهم من یخدمهم وانفق علیهم بالمعروف». ففعل عمر ذلک ثمّ ماتت المرأة وشبّ الخلق وطلب المیراث فحکم له علیّ بأن یقام له خادم خصیّ یخدم فرجیه ویتولّی منه ما یتولّی الأُمّهات ما لا یحلّ لأحد سوی الخادم ، ثمّ إنّ أحد البدنین طلب النکاح فبعث عمر إلی علیّ فقال له : یا أبا الحسن ما تجد فی أمر هذین إن اشتهی أحدهما شهوة خالفه الآخر ، وإن طلب الآخر حاجة طلب الذی یلیه ضدّها ، حتی إنّه فی ساعتنا هذه طلب أحدهما الجماع. فقال علیّ : «الله أکبر إنّ الله أحلم وأکرم من أن یُری عبداً أخاه وهو یجامع أهله ، ولکن علّلوه ثلاثاً فإنّ الله سیقضی قضاءً فیه ما طلب هذا عند الموت» ، فعاش بعدها ثلاثة أیّام ومات ، فجمع عمر أصحاب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فشاورهم فیه ، قال بعضهم : اقطعه حتی یبین الحیّ من المیّت وتکفنه وتدفنه ، فقال عمر : إنّ هذا الذی أشرتم لعجب أن نقتل حیّا لحال میّت ، وضجّ الجسد الحیّ فقال : الله حسبکم تقتلونی وأنا أشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمداً رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وأقرأ القرآن ، فبعث إلی علیّ فقال : یا أبا الحسن احکم فیما بین هذین الخلقین. فقال علیّ : «الأمر فیه أوضح من ذلک وأسهل وأیسر ، الحکم أن تغسلوه وتکفّنوه وتدعوه مع ابن أُمّه یحمله الخادم إذا مشی فیعاون علیه أخاه ، فإذا کان بعد ثلاث جفّ فاقطعوه جافّا ویکون موضعه حیّا

ص: 244

لا یألم ، فإنّی أعلم أنّ الله لا یبقی الحیّ بعده أکثر من ثلاث یتأذّی برائحة نتنه وجیفته». ففعلوا ذلک فعاش الآخر ثلاثة أیّام ومات. فقال عمر رضی الله عنه : یا ابن أبی طالب فما زلت کاشف کلّ شبهة وموضح کلّ حکم. کنز العمّال (1) (3 / 179)

- 58 -

اجتهاد الخلیفة فی حدّ أَمة

عن یحیی بن حاطب ، قال : توفّی حاطب فأعتق من صلّی من رقیقه وصام ، وکانت له أَمة نوبیّة قد صلّت وصامت وهی أعجمیة لم تفقه فلم ترعه إلاّ بحبلها وکانت ثیّباً فذهب إلی عمر رضی الله عنه فحدّثه ، فقال : لأنت الرجل لا تأتی بخیر. فأفزعه ذلک ، فأرسل إلیها عمر رضی الله عنه فقال : أحبلت؟ فقالت : نعم من مرغوش بدرهمین. فإذا هی تستهلّ بذلک لا تکتمه. قال : وصادف علیّا وعثمان وعبد الرحمن بن عوف فقال : أشیروا علیّ وکان عثمان رضی الله عنه جالساً فاضطجع ، فقال علیّ وعبد الرحمن : قد وقع علیها الحدّ ، فقال : أشر علیّ یا عثمان؟ فقال : قد أشار علیک أخواک. قال : أشر علیّ أنت. قال : أراها تستهلّ به کأنّها لا تعلمه ولیس الحدّ إلاّ علی من علمه. فقال : صدقت صدقت والذی نفسی بیده ما الحدّ إلاّ علی من علمه. فجلدها عمر مائة وغرّبها عاماً (2).

وقال الشافعی فی الأُمّ (3) (1 / 135) : فخالف علیّا وعبد الرحمن فلم یحدّها حدّها عندهما وهو الرجم ، وخالف عثمان أن لا یحدّها بحال ، وجلدها مائة وغرّبها عاماً. 2.

ص: 245


1- کنز العمّال : 5 / 833 ح 14509.
2- کتاب الأُمّ للشافعی : 1 / 135 [1 / 152] ، اختلاف الحدیث للشافعی - هامش الأُمّ : 7 / 144 [7 / 507] ، سنن البیهقی : 8 / 238. وذکر أبو عمر شطراً منه فی العلم : ص 148 [ص 308 ح 1548]. (المؤلف)
3- کتاب الأُمّ : 1 / 152.

وقال البیهقی فی السنن (1) : قال الشیخ رحمه الله : کان حدّها الرجم ، فکأنّه رضی الله عنه درأ عنها حدّها للشبهة بالجهالة وجلدها وغرّبها تعزیراً.

قال الأمینی : أنا لا أقول إنّ الأمر فی المسألة دائر بین أمرین ؛ إمّا ثبوت الحدّ وهو الرجم ، وإمّا درؤه بالشبهة وتخلیة الحامل سبیلها ، والقول بالفصل رأی خارج عن نطاق الشرع ، وإنّما أقول : إنّ ما رآه البیهقی من کون الجلدة والتغریب تعزیراً لا یصحّح الرأی بل یوجب مزید الإشکال ؛ إذ ثبت فی الصحیح عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «لا یجلد أحد فوق عشرة أسواط إلاّ فی حدّ من حدود الله» (2).

وفی صحیح آخر قوله : «لا یجلد فوق عشرة أسواط فیما دون حدّ من حدود الله» (3).

وقوله : «لا یحلّ لأحد أن یضرب أحداً فوق عشرة أسواط إلاّ فی حدٍّ من حدود الله» (4).

وقوله : «لا تعزّروا فوق عشرة أسواط» (5).

وقوله : «من بلغ حدّا فی غیر حدٍّ فهو من المعتدین» (6).

وقوله : «لا یضرب فوق عشرة أسواط إلاّ فی حدٍّ من حدود الله» (7). ف)

ص: 246


1- السنن الکبری : 8 / 238.
2- صحیح البخاری فی الجزء الأخیر [6 / 2512 ح 6458] باب کم التعزیر والأدب ، سنن أبی داود : 2 / 242 [4 / 167 ح 4491] ، صحیح مسلم فی الحدود : 1 / 52 [3 / 540 ح 40]. (المؤلف)
3- مستدرک الحاکم : 4 / 382 [4 / 423 ح 8152]. (المؤلف)
4- سنن الدارمی : 2 / 176. (المؤلف)
5- سنن ابن ماجة : 2 / 129 [2 / 867 ح 2602]. (المؤلف)
6- السنن الکبری للبیهقی : 8 / 327. (المؤلف)
7- السنن الکبری للبیهقی : 8 / 328 ، وأخرجه ابن مندة وأبو نعیم کما فی الإصابة : 2 / 423 [رقم 5211]. (المؤلف)

وقوله : «لا عقوبة فوق عشر ضربات إلاّ فی حدٍّ من حدود الله» (1).

فهل الخلیفة قد خفیت علیه هذه کلّها؟ أو تعمّد فی الصفح عنها وجعلها دبر أُذنیه؟

- 59 -

نهی الخلیفة عمّا أمر به رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم

عن أبی هریرة ، قال : کنّا قعوداً حول رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ومعنا أبو بکر وعمر فی نفر ، فقام من بین أظهرنا فأبطأ علینا وخشینا أن یقطع دوننا ، فقمنا وکنت أوّل من فزع ، فخرجت أبتغیه حتی أتیت حائطاً للأنصار لقوم من بنی النجّار فلم أجد له باباً إلاّ ربیعاً ، فدخلت فی جوف الحائط - والربیع : الجدول - فدخلت منه بعد أن احتفزته ، فإذا رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فقال : «أبو هریرة؟» قلت : نعم. قال : «وما شأنک؟» قلت : کنت بین أظهرنا فقمت وأبطأت فخشینا أن تقتطع دوننا ففزعنا وکنت أوّل من فزع ، فأتیت هذا الحائط فاحتفزته کما یحتفز الثعلب والناس من ورائی ، فقال : «یا أبا هریرة اذهب بنعلی هاتین فمن لقیته وراء هذا الحائط یشهد أن لا إله إلاّ الله مستیقناً بها قلبه فبشّره بالجنة».

فخرجت فکان أوّل من لقیت عمر فقال : ما هذان النعلان؟ قلت : نعلا رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بعثنی بهما وقال : من لقیته یشهد أن لا إله إلاّ الله مستیقناً بها قلبه بشّره بالجنّة ، فضرب عمر فی صدری فخررت لاستی وقال : ارجع إلی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، فأجهشت بالبکاء راجعاً ، فقال رسول الله : «ما بالک؟» قلت : لقیت عمر فأخبرته بما بعثتنی به فضرب صدری ضربة خررت لاستی وقال : ارجع إلی رسول الله ، فخرج رسول الله فإذا عمر فقال : «ما حملک یا عمر علی ما فعلت؟» فقال عمر : أنت بعثت ف)

ص: 247


1- صحیح البخاری فی باب کم التعزیر والأدب فی الجزء الأخیر [6 / 2512 ح 6457]. (المؤلف)

أبا هریرة بکذا؟ قال : «نعم» ، قال : فلا تفعل فإنّی أخشی أن یتّکل الناس علیها فیترکوا العمل خلّهم یعملون ، فقال رسول الله : «فخلّهم» (1).

قال الأمینی : إنّ التبشیر والإنذار من وظائف النبوّة کتاباً وسنّة واعتباراً وأرسل الله النبیّین مبشّرین ومنذرین ، وإن کان فی التبشیر تثبیط عن العمل لکان من واجب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أن لا یبشّر بشیء قطّ وقد بشّر فی الکتاب الکریم بمثل قوله تعالی : (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِینَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللهِ فَضْلاً کَبِیراً) (2) وقوله : (وَبَشِّرِ الَّذِینَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ) (3) ووردت بشارات جمّة فی السنّة النبویّة فی الترغیب فی الشهادة بالله وذکر لا إله إلاّ الله (4). وأمر صلی الله علیه وآله وسلم عبد الله بن عمر أن ینادی فی الناس : إنّ من شهد أن لا إله إلاّ الله دخل الجنّة (5). وأیّ تثبیط هناک ولازم التوحید الصحیح العمل بکلّ ما شرّعه الإله الواحد؟ ولا سیّما هتاف الرسالة فی کلّ حین یُسمع المستخفّین بالوعید المزعج والعذاب الشدید مشفوعاً بعِداته الکریمة لمن یعمل الصالحات ، والجنّة یشتاق إلیه الموحّدون. أخرج أحمد : عن ابن مطرف ، قال : حدّثنی الثقة أنّ رجلاً أسود کان یسأل النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم عن التسبیح والتهلیل ، فقال عمر بن الخطّاب : مه أکثرت علی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم. فقال : مه یا عمر. وأُنزلت علی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم (هَلْ أَتی عَلَی الْإِنْسانِ حِینٌ مِنَ الدَّهْرِ). حتی إذا أتی علی ذکر الجنّة زفر الأسود زفرةً خرجت نفسه ، فقال النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم : «مات شوقاً إلی الجنّة» (6). ف)

ص: 248


1- سیرة عمر لابن الجوزی : ص 38 [ص 41 - 42] ، شرح ابن أبی الحدید : 3 / 108 ، 116 [12 / 55 - 56 ، 83 الخطبة 223] ، فتح الباری : 1 / 184 [1 / 228]. (المؤلف)
2- الأحزاب : 47.
3- یونس : 2.
4- راجع الترغیب والترهیب للحافظ المنذری : 2 / 160 - 165 [2 / 412 - 418 ح 1 - 22]. (المؤلف)
5- تهذیب التهذیب : 1 / 424 [1 / 371]. (المؤلف)
6- الدرّ المنثور : 6 / 297 [8 / 366]. (المؤلف)

وهکذا یجب أن تسیر الأُمّة إلی الله بین خطّتی الخوف والرجاء ، فلا التهدید یدعها تتوانی عن العمل ، ولا الوعد یأمنها من العقوبة إن ترکته ، وهذه هی الطریقة المثلی فی إصلاح المجتمع ، والسیر بهم فی السنن اللاحب ، (سُنَّةَ اللهِ فِی الَّذِینَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِیلاً) (1) ، غیر أنّ الخلیفة قد یحسب أنّ خطّته أمثل من هذه ، فانتهر أبا هریرة حتی خرّ لاسته ، ونهی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم عن الدأب علی ما قال وأمر به وهو لا ینطق عن الهوی إن هو إلاّ وحی یوحی.

ولیس من المستطاع أن یُخبت إلی اعتناء النبیّ بهاتیک الهلجة بعد أن صدع بما صدع عن الوحی الإلهی ، لکن الدوسی یقول : قال : فخلّهم. وأنا لا أدری هل کذب الدوسیّ ، أو أنّ هذا مبلغ علم الخلیفة وأُنموذج عمله؟

- 60 -

اجتهاد الخلیفة فی حُلی الکعبة

اشارة

1 - ذکر عند عمر بن الخطّاب فی أیّامه حلی الکعبة وکثرته ، فقال قوم : لو أخذته فجهّزت به جیوش المسلمین کان أعظم للأجر ، وما تصنع الکعبة بالحلیّ؟ فهمّ عمر بذلک وسأل عنه أمیر المؤمنین علیه السلام ، فقال : «إنّ هذا القرآن أُنزل علی محمد صلی الله علیه وآله وسلم والأموال أربعة : أموال المسلمین فقسّمها بین الورثة فی الفرائض ، والفیء فقسّمه علی

ص: 249


1- الأحزاب : 62.

مستحقّیه ، والخمس فوضعه الله حیث وضعه ، والصدقات فجعلها الله حیث جعلها ، وکان حُلیّ الکعبة فیها یومئذٍ فترکه الله علی حاله ولم یترکه نسیاناً ولم یخف عنه مکاناً ، فأقرّه حیث أقرّه الله ورسوله». فقال له عمر : لولاک لافتضحنا. وترک الحُلیّ بحاله.

2 - عن شقیق ، عن شیبة بن عثمان ، قال : قعد عمر بن الخطّاب رضی الله عنه فی مقعدک الذی أنت فیه فقال : لا أخرج حتی أقسّم مال الکعبة - بین فقراء المسلمین - قال : قلت : ما أنت بفاعل. قال : بلی لأفعلنّ. قال : قلت : ما أنت بفاعل. قال : لم؟ قلت : لأنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قد رأی مکانه وأبو بکر رضی الله عنه وهما أحوج منک إلی المال فلم یخرجاه. فقام فخرج.

لفظ آخر :

قال شقیق : جلست إلی شیبة بن عثمان فی المسجد الحرام ؛ فقال لی : جلس إلیّ عمر بن الخطّاب رضی الله عنه مجلسک هذا فقال : لقد هممت أن لا أترک فیها - أی فی الکعبة - صفراء ولا بیضاء إلاّ قسّمتها. قال شیبة ، فقلت : إنّه کان لک صاحبان فلم یفعلاه : رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وأبو بکر رضی الله عنه. فقال عمر : هما المرآن أقتدی بهما.

3 - وعن الحسن : أنّ عمر بن الخطّاب قال : لقد هممت أن لا أدع فی الکعبة صفراء ولا بیضاء إلاّ قسّمتها ، فقال له أُبیّ بن کعب : والله ما ذاک لک. فقال عمر : لم؟ قال : إنّ الله قد بیّن موضع کلّ مال وأقرّه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم. فقال عمر : صدقت.

نحن لا نناقش الحساب فی تعیین الملقّن لحکم القضیّة ، غیر أنّ هذه الروایات تُعطینا خُبراً بأنّ کلّ أُولئک الرجال کانوا أفقه من الخلیفة فی هذه المسألة ، فأین قول صاحب الوشیعة : إنّ عمر أفقه الصحابة وأعلمهم فی زمنه علی الإطلاق؟

ص: 250

- 61 -

اجتهاد الخلیفة فی طلاق الثلاث

1 - عن ابن عبّاس ، قال : کان الطلاق علی عهد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وأبی بکر وسنتین - وسنین - من خلافة عمر رضی الله عنه طلاق الثلاث واحدة ، فقال عمر رضی الله عنه : إنّ الناس قد استعجلوا فی أمر کانت لهم فیه أناة فلو أمضیناه علیهم ، فأمضاه علیهم (1).

مسند أحمد (1 / 314) ، صحیح مسلم (1 / 574) ، سنن البیهقی (7 / 336) ، مستدرک الحاکم (2 / 196) ، تفسیر القرطبی (3 / 130) وصحّحه ، إرشاد الساری (8 / 127) ، الدرّ المنثور (1 / 279).

2 - عن طاووس ، قال : إنّ أبا الصهباء قال لابن عبّاس : أتعلم أنّما کانت الثلاث تُجعل واحدةً علی عهد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وأبی بکر رضی الله عنه وثلاث فی إمارة عمر رضی الله عنه؟ قال ابن عبّاس : نعم (2).

صحیح مسلم (1 / 574) ، سنن أبی داود (1 / 344) ، أحکام القرآن للجصّاص (1 / 459) ، سنن النسائی (6 / 145) ، سنن البیهقی (7 / 336) ، الدرّ المنثور (1 / 279).

إنّ أبا الصهباء قال لابن عبّاس : هات من هناتک ، ألم یکن طلاق الثلاث علی عهد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وأبی بکر رضی الله عنه واحدةً؟ قال : قد کان ذلک ، فلمّا کان فی عهد عمر رضی الله عنه تتابع الناس فی الطلاق فأمضاه علیهم - فأجازه علیهم. 8.

ص: 251


1- مسند أحمد : 1 / 516 ح 2870 ، صحیح مسلم : 3 / 276 ح 15 کتاب الطلاق ، المستدرک علی الصحیحین : 2 / 214 ح 2793 ، الجامع لأحکام القرآن : 3 / 86 ، إرشاد الساری : 12 / 17 ، الدرّ المنثور : 1 / 668.
2- صحیح مسلم : 3 / 277 ح 16 کتاب الطلاق ، سنن أبی داود : 2 / 261 ح 2200 ، أحکام القرآن : 1 / 388 ، السنن الکبری للنسائی : 3 / 351 ح 5599 ، الدرّ المنثور : 1 / 668.

صحیح مسلم (1) (1 / 574) ، سنن البیهقی (7 / 336).

صورة أُخری :

کان أبو الصهباء کثیر السؤال لابن عبّاس ، قال : أما علمت أنّ الرجل کان إذا طلّق امرأته ثلاثاً قبل أن یدخل بها جعلوها واحدةً علی عهد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وأبی بکر وصدراً من إمارة عمر؟ قال ابن عبّاس : بلی ، کان الرجل إذا طلّق امرأته ثلاثاً قبل أن یدخل بها جعلوها واحدة علی عهد النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وأبی بکر رضی الله عنه وصدراً من إمارة عمر رضی الله عنه ، فلمّا رأی الناس قد تتابعوا فیها قال : أجیزوهنّ علیهم (2).

سنن أبی داود (1 / 344) ، سنن البیهقی (7 / 339) ، تیسیر الوصول (3 / 162) ، الدرّ المنثور (1 / 279).

3 - أخرج الطحاوی ، من طریق ابن عبّاس انّه قال : لمّا کان زمن عمر رضی الله عنه قال : یا أیّها الناس قد کان لکم فی الطلاق أناة ، وإنّه من تعجّل أناة الله فی الطلاق ألزمناه إیّاه. وذکره العینی فی عمدة القاری (3) (9 / 537) وقال : إسناد صحیح.

4 - عن طاووس ، قال : قال عمر بن الخطّاب : قد کان لکم فی الطلاق أناة فاستعجلتم أناتکم ، وقد أجزنا علیکم ما استعجلتم من ذلک.

کنز العمّال (4) (5 / 162) نقلاً عن أبی نعیم.

5 - عن الحسن : أنّ عمر بن الخطّاب کتب إلی أبی موسی الأشعری : لقد هممت أن أجعل إذا طلّق الرجل امرأته ثلاثاً فی مجلس أن أجعلها واحدة ، ولکنّ 3.

ص: 252


1- صحیح مسلم : 3 / 277 ح 17 کتاب الطلاق.
2- سنن أبی داود : 2 / 261 ح 2199 ، تیسیر الوصول : 3 / 187 ح 1 ، الدرّ المنثور : 1 / 668.
3- عمدة القاری : 20 / 233.
4- کنز العمّال : 9 / 676 ح 27943.

أقواماً جعلوا علی أنفسهم فألزِم کلّ نفس ما لزم نفسه ، من قال لامرأته : أنت علیَّ حرام. فهی حرام ، ومن قال لامرأته : أنت بائنة. فهی بائنة ، ومن طلّق ثلاثاً فهی ثلاث.

کنز العمّال (1) (5 / 163) نقلاً عن أبی نعیم.

قال الأمینی : إنّ من العجب أن یکون استعجال الناس مسوّغاً لأن یتّخذ الإنسان کتاب الله وراءه ظهریّا ویلزمه بما رأوا ، هذا الذکر الحکیم یقول بکلّ صراحة : (الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساکٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِیحٌ بِإِحْسانٍ) إلی قوله تعالی : (فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّی تَنْکِحَ زَوْجاً غَیْرَهُ) (2). فقد أوجب سبحانه تحقیق المرّتین والتحریم بعد الثالث ، وذلک لا یجامع جمع التطلیقات بکلمة - ثلاثاً - ولا بتکرار صیغة الطلاق ثلاثاً متعاقبة بلا تخلّل عقدة النکاح بینها.

أمّا الأوّل فلأنّه طلاق واحد وقول - ثلاثاً - لا یکرّره ، ألا تری أنّ الوحدة المأخوذة فی الفاتحة فی رکعات الصلاة لا تُکرّر لو شفعها المصلّی بقوله : خمساً أو عشراً ، ولا یقال : إنّه کرّر السورة وقرأها غیر مرّة.

وکذلک کلّ حکم اعتبر فیه العدد کرمی الجمرات السبع ، فلا یجزی عنه رمی الحصیات مرّة واحدة ، وکالشهادات الأربع فی اللعان لا تجزی عنها شهادة واحدة مشفوعة بقوله - أربعاً.

وکفصول الأذان المأخوذة فیها التثنیة لا یتأتّی التکرار فیها بقراءة واحدة وإردافها بقول - مرّتین.

وکتکبیرات صلاة العیدین الخمس أو السبع المتوالیة - عند القوم - قبل 0.

ص: 253


1- کنز العمّال : 9 / 676 ح 27944.
2- البقرة : 229 - 230.

القراءة (1) لا تتأتّی بتکبیرة واحدة بعدها قول المصلّی خمساً أو سبعاً.

وکصلاة التسبیح (2) ؛ وقد أخذ فی تسبیحاتها العدد عشراً وخمسة عشر فلا تُجزی عنها تسبیحة واحدة مردوفة بقوله عشراً أو خمسة عشر. وهذه کلّها ممّا لا خلاف فیه.

وأمّا الثانی فإنّ الطلاق یحصل باللفظ الأوّل ، وتقع به البینونة ، وتسرّح به المعقودة بالنکاح ، ولا یبقی ما بعده إلاّ لغواً ، فإنّ المطلّقة لا تطلّق ، والمسرَّحة لا تُسرّح ، فلا یحصل به العدد المأخوذ فی موضوع الحکم ، بل تعدّد الطلاق یستلزم تخلّل عقدة الزواج بین الطلاقین ولو بالرجوع ، ومهما لم تتخلّل یقع الطلاق الثانی لغواً ویبطله قوله صلی الله علیه وآله وسلم : «لا طلاق إلاّ بعد نکاح» ، وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «لا طلاق قبل نکاح» ، وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «لا طلاق لمن لا یملک» (3).

قال سماک بن الفضل : إنّما النکاح عقدة تعقد والطلاق یحلّها ، وکیف تُحلّ عقدة قبل أن تعقد؟ انتهی (4).

وروی أبو یوسف القاضی عن أبی حنیفة ، عن حمّاد ، عن إبراهیم ، عن ابن مسعود رضی الله عنه أنّه قال : طلاق السنّة أن یطلّق الرجل امرأته واحدة حین تطهر من حیضتها من غیر أن یجامعها ، وهو یملک الرجعة حتی تنقضی العدّة ، فإذا انقضت فهو خاطب من الخطّاب ، فإن أراد أن یطلّقها ثلاثاً طلّقها حین تطهر من حیضتها الثانیة ، ف)

ص: 254


1- السنن الکبری للنسائی : 3 / 285 - 291 [554 ح 1804]. (المؤلف)
2- صلاة التسبیح ؛ هی المسمّاة بصلاة جعفر عند أصحابنا ، ولا خلاف بین الفریقین فی فضلها وکمّها وکیفها ، غیر أنّ أئمّة القوم أخرجوها فی الصحاح والمسانید عن ابن عبّاس. (المؤلف)
3- سنن الدارمی : 2 / 161 ، سنن أبی داود : 1 / 342 [2 / 258 ح 2190] ، سنن ابن ماجة : 1 / 631 [1 / 660 ح 2047 و 2048] ، السنن الکبری [للبیهقی] : 7 / 318 - 321 ، مستدرک الحاکم : 2 / 204 [2 / 223 ح 2820] ، مشکل الآثار للطحاوی : 1 / 280. (المؤلف)
4- سنن البیهقی : 7 / 321. (المؤلف)

ثمّ یطلّقها حین تطهر من حیضتها الثالثة. کتاب الآثار (ص 129). ومراده کما یأتی تخلّل الرجوع بعد کلّ طلقة.

وقال الجصّاص فی أحکام القرآن (1). (1 / 447) : والدلیل علی أنّ المقصد فی قوله : الطلاق مرّتان ، الأمر بتفریق الطلاق وبیان حکم ما یتعلّق بإیقاع ما دون الثلاث من الرجعة ، أنّه قال (2) : الطلاق مرّتان. وذلک یقتضی التفریق لا محالة ، لأنّه لو طلّق اثنتین معاً لما جاز أن یقال طلّقها مرّتین ، وکذلک لو دفع رجل إلی آخر درهمین لم یجز أن یقال : أعطاه مرّتین حتی یفرّق الدفع فحینئذٍ یطلق علیه ، وإذا کان هذا هکذا فلو کان الحکم المقصود باللفظ هو ما تعلّق بالتطلیقتین من بقاء الرجعة لأدّی ذلک إلی إسقاط فائدة ذکر المرّتین إذا کان هذا الحکم ثابتاً فی المرّة الواحدة إذا طلّق اثنتین ، فثبت بذلک أنّ ذکر المرّتین إنّما هو أمر بإیقاعه مرّتین ، ونهی عن الجمع بینهما فی مرّة واحدة ، ومن جهة أُخری أنّه لو کان اللفظ محتملاً للأمرین لکان الواجب حمله علی إثبات الحکم فی إیجاب الفائدتین وهو الأمر بتفریق الطلاق متی أراد أن یطلّق اثنتین ، وبیان حکم الرجعة إذا طلّق کذلک ، فیکون اللفظ مستوعباً للمعنیین. انتهی.

هذا ما نطق به القرآن الکریم ، ولیس الرأی تجاه کتاب الله إلاّ تلاعباً به کما نصّ علیه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی صحیحة أخرجها النسائی فی السنن (3) ، عن محمود بن لبید ، قال : أخبر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم عن رجل طلّق امرأته ثلاث تطلیقات جمیعاً فقام غضبان ثمّ قال : «أیُلعب بکتاب الله وأنا بین أظهرکم؟» حتی قام رجل وقال : یا رسول الله ألا أقتله؟ ف)

ص: 255


1- أحکام القرآن : 1 / 378.
2- المصدر المؤوّل خبر لقوله المتقدم : والدلیل علی ....
3- السنن الکبری : 6 / 142 [3 / 349 ح 5594] ، وذکر فی تیسیر الوصول : 3 / 160 [3 / 185 ح 4] ، تفسیر ابن کثیر : 1 / 277 ، إرشاد الساری : 8 / 128 [12 / 18] ، الدرّ المنثور : 1 / 283 [1 / 676]. (المؤلف)

وروی ابن إسحاق فی لفظ ، عن عکرمة ، عن ابن عبّاس ، قال : طلّق رکانة زوجه ثلاثاً فی مجلس واحد ، فحزن علیها حزناً شدیداً ، فسأله رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «کیف طلّقتها؟» قال : طلّقتها ثلاثاً فی مجلس واحد. قال : «إنّما تلک طلقة واحدة فارتجعها». بدایة المجتهد (2 / 61).

ولبعض أعلام القوم فی المسألة کلمات تشدّق بها ، وأعجب ما رأیت فیها کلمة العینی ؛ قال فی عمدة القاری (1) (9 / 537):

إنّ الطلاق الوارد فی الکتاب منسوخ ، فإن قلت : ما وجه هذا النسخ وعمر رضی الله عنه لا ینسخ؟ وکیف یکون النسخ بعد النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم؟ قلت : لمّا خاطب عمر الصحابة بذلک فلم یقع إنکار صار إجماعاً ، والنسخ بالإجماع جوّزه بعض مشایخنا بطریق أنّ الإجماع موجب علم الیقین کالنصّ فیجوز أن یثبت النسخ به ، والإجماع فی کونه حجّة أقوی من الخبر المشهور ، فإذا کان النسخ جائزاً بالخبر المشهور فی الزیادة علی النص فجوازه بالإجماع أولی ، فإن قلت : هذا إجماع علی النسخ من تلقاء أنفسهم فلا یجوز ذلک فی حقّهم. قلت : یحتمل أن یکون ظهر لهم نصّ أوجب النسخ ولم ینقل إلینا ذلک. انتهی.

لم تسمع الآذان نبأ هذا النسخ فی القرون السالفة إلی أن جاد الدهر بالعینیّ فجاء یدّعی ما لم یقل به أحد ، ویخبط خبط عشواء ، ویلعب بکتاب الله ، ولا یری له ولا لسنّة الله قیمة ولا کرامة.

أنّی للرجل إثبات حکمه الباتّ بإجماع الصحابة علی ما أحدثه الخلیفة لمّا خاطبهم بذلک؟ وکیف یسوغ عزو رفض محکم الکتاب والسنّة إلیهم برأی رآه النبیّ الأقدس لعباً بالکتاب العزیز کما مرّ عن صحیح النسائی قبیل هذا ، وقد کانوا علی حکمهما غیر أنّه لا رأی لمن لا یطاع. هذا ودرّة الخلیفة تهتزّ علی رءوسهم! 3.

ص: 256


1- عمدة القاری : 20 / 233.

ثمّ إن کان نسخ بالإجماع فکیف ذهب أبو حنیفة ومالک والأوزاعی واللیث إلی أنّ الجمع بین الثلاث طلاق بدعة؟ وقال الشافعی وأحمد وأبو ثور لیس بحرام لکن الأولی التفریق؟ وقال السندی : ظاهر الحدیث التحریم (1)؟

وکیف أجمعت الأُمّة علی النقیضین فی یومیها وهی لن تجتمع علی الخطأ؟ هذا إجماع العینی المزعوم یوم بدو رأی الخلیفة فی الطلاق ، وهذا إجماع صاحب عون المعبود قبله قال : وقد أجمع الصحابة إلی السنة الثانیة من خلافة عمر علی أنّ الثلاث بلفظ واحد واحدة ، ولم ینقض هذا الإجماع بخلافه ، بل لا یزال فی الأُمّة من یفتی به قرناً بعد قرن إلی یومنا هذا. انتهی. تیسیر الوصول (2) (3 / 162).

هب أنّ الأُمّة جمعاء قدیماً وحدیثاً أجمعت علی خلاف ما نطق به محکم القرآن ونقضت ما هتف به المشرّع الأقدس ، فهل لنا مسوّغ لرفع الید عنهما والأخذ بقول أُمّة غیر معصومة؟ والنسخ بالخبر المشهور بعد الغضّ عمّا فیه من الخلاف الثائر إنّما هو لعصمة قائله فلا یقاس به قول من لا عصمة له.

واحتمال استناد إجماع الصحابة إلی نصّ لم ینقل إلینا خرافة تکذّبه نصوص الخلیفة وغیره من الصحابة ، علی أنّ ما ذهب إلیه الخلیفة لم یکن إلاّ مجرّد رأی وسیاسة محضة.

وما أحسن کلمة الشیخ صالح بن محمد العمری الفلانی المتوفّی (1298) فی کتابه إیقاظ همم أُولی الأبصار فی (ص 9) حیث قال : إنّ المعروف عند الصحابة والتابعین ومن تبعهم بإحسان إلی یوم الدین وعند سائر العلماء المسلمین أنّ حکم الحاکم المجتهد إذا خالف نصّ کتاب الله تعالی أو سنّة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وجب نقضه ومنع نفوذه ، ولا یعارض نصّ الکتاب والسنّة بالاحتمالات العقلیّة والخیالات النفسانیّة والعصبیة 7.

ص: 257


1- راجع حاشیة الإمام السندی علی سنن النسائی 6 / 143. (المؤلف)
2- تیسیر الوصول : 3 / 187.

الشیطانیّة بأن یقال : لعلّ هذا المجتهد قد اطّلع علی هذا النصّ وترکه لعلّة ظهرت له ، أو أنّه اطّلع علی دلیل آخر ، ونحو هذا ممّا لهج به فرق الفقهاء المتعصّبین وأطبق علیه جهلة المقلّدین.

- 62 -

اجتهاد الخلیفة فی الصلاة بعد العصر

1 - عن تمیم الداری ، قال : إنّه رکع رکعتین بعد نهی عمر بن الخطّاب عن الصلاة بعد العصر فأتاه عمر فضربه بالدرّة ، فأشار إلیه تمیم أن اجلس وهو فی صلاته ، فجلس عمر ثمّ فرغ تمیم من صلاته ، فقال تمیم لعمر : لِمَ ضربتنی؟ قال : لأنّک رکعت هاتین الرکعتین وقد نهیت عنهما ، قال : إنّی صلّیتهما مع من هو خیر منک رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم. فقال عمر : إنّه لیس بی أنتم أیّها الرهط ، ولکنّی أخاف أن یأتی بعدکم قوم یصلون ما بین العصر إلی المغرب حتی یمرّوا بالساعة التی نهی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أن یصلّوا فیها کما وصلوا ما بین الظهر والعصر.

وعن وبرة ، قال : رأی عمر تمیماً الداری یصلّی بعد العصر فضربه بالدرّة ، فقال تمیم : لِمَ یا عمر تضربنی علی صلاة صلّیتها مع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم؟ فقال عمر : یا تمیم لیس کلّ الناس یعلم ما تعلم.

وعن عروة بن الزبیر ، قال : خرج عمر علی الناس فضربهم علی السجدتین بعد العصر حتی مرّ بتمیم الداری فقال : لا أدعهما صلّیتهما مع من هو خیر منک رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، فقال عمر : إنّ الناس لو کانوا کهیئتک لم أُبالِ. صحّحه الهیثمی فی المجمع وقال : رجال الطبرانی رجال الصحیح.

2 - عن السائب بن یزید : أنّه رأی عمر بن الخطّاب یضرب المنکدر فی الصلاة بعد العصر.

ص: 258

وعن الأسود : أنّ عمر کان یضرب علی الرکعتین بعد العصر.

3 - عن زید بن خالد الجهنی ، قال : إنّه رآه عمر بن الخطّاب وهو خلیفة یرکع بعد العصر رکعتین فمشی إلیه فضربه بالدرّة وهو یصلّی کما هو ، فلمّا انصرف قال زید : اضرب یا أمیر المؤمنین فو الله لا أدعهما أبداً بعد أن رأیت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یصلّیهما ، فجلس إلیه عمر وقال : یا زید بن خالد لو لا أنّی أخشی أن یتّخذها الناس سلّماً إلی الصلاة حتی اللیل لم أضرب فیهما. قال الهیثمی فی المجمع : إسناده حسن.

4 - عن طاووس : أنّ أبا أیّوب الأنصاری کان یصلّی قبل خلافة عمر رکعتین بعد العصر ، فلمّا استخلف عمر ترکها ، فلمّا توفّی رکعهما فقیل له : ما هذا؟ فقال : إنّ عمر کان یضرب علیهما.

5 - أخرج مسلم ، عن المختار بن فلفل ، قال : سألت أنس بن مالک عن التطوّع بعد العصر ، فقال : کان عمر یضرب الأیدی علی صلاة بعد العصر ، وکنّا نصلّی علی عهد النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم رکعتین بعد غروب الشمس قبل صلاة المغرب ، فقلت له : أکان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم صلاّهما؟ قال : کان یرانا نصلّیهما فلم یأمرنا ولم ینهَنا.

6 - أخرج أبو العبّاس السرّاج فی مسنده ، عن المقدام بن شریح ، عن أبیه ، قال : سألت عائشة عن صلاة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم کیف کان یصلّی الظهر؟

قالت : کان یصلّی بالهجیر ثمّ یصلّی بعدها رکعتین ، ثمّ یصلّی العصر ثمّ یصلّی بعدها رکعتین. قلت : قد کان عمر یضرب علیهما وینهی عنهما. فقالت : قد کان یصلّیهما وقد أعلم أنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم کان یصلّیهما ، ولکنّ قومک أهل الیمن قوم طغام یصلّون الظهر ثمّ یصلون ما بین الظهر والعصر ، ویصلّون العصر ثمّ یصلون ما بین

ص: 259

العصر والمغرب ، وقد أحسن (1).

قال الأمینی : عجباً من فقه الخلیفة حیث یردع بالدرّة عن صلاة ثبت من السنّة أنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم صلاّها وما ترکها بعد العصر قطّ ، کما ورد فی الصحاح وأخبرت به عائشة (2) وقالت : والذی ذهب به ما ترکهما حتی لقی الله ، وما لقی الله تعالی حتی ثقل عن الصلاة ، وکان یصلّی کثیراً من صلاته قاعداً - تعنی رکعتین بعد العصر -. وقالت : ما ترک النبیّ السجدتین بعد العصر عندی قطّ. وقالت : لم یکن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یدعهما سرّا ولا علانیة ، وقالت : ما کان النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم یأتینی فی یوم بعد العصر إلاّ صلّی رکعتین.

وفی لفظ البیهقی ؛ قال أیمن : إنّ عمر کان ینهی عنهما ویضرب علیهما. فقالت : صدقت ولکن کان النبیُّ صلی الله علیه وآله وسلم یصلّیهما.

وفی تعلیق الإجابة للزرکشی (ص 91) نقلاً عن أبی منصور البغدادی فی استدراکه من طریق أبی سعید الخدری ، قال : کان عمر یضرب علیهما رءوس الرجال - یعنی الصلاة بعد الفجر حتی مطلع الشمس وبعد العصر حتی مغرب ف)

ص: 260


1- صحیح مسلم : 1 / 310 [2 / 247 ح 302 کتاب صلاة المسافرین] ، مسند أحمد : 4 / 102 ، 115 [5 / 71 ح 16496 ، و 91 ح 16588] ، موطّأ مالک : 1 / 90 [1 / 221 ح 50 کتاب القرآن] ، الإجابة للزرکشی : ص 91 ، 92 [ص 83 - 84] ، مجمع الزوائد : 2 / 222 ، تیسیر الوصول : 2 / 295 [2 / 354 ح 7] ، فتح الباری : 2 / 51 و 3 / 82 [2 / 64 و 3 / 105] ، کنز العمّال : 4 / 225 ، 226 [8 / 179 - 183 ح 22467 - 22470 ، 22472 ، 22473 ، 22475 ، 22480] ، شرح المواهب : 8 / 23 ، شرح الموطّأ للزرقانی : 1 / 398 [2 / 49 ح 519]. (المؤلف)
2- صحیح البخاری : [1 / 213 ح 565 - 568] ، صحیح مسلم : 1 / 309 ، 310 [2 / 246 - 247 ح 298 - 301] ، سنن أبی داود : 1 / 201 [2 / 25 ح 1279] ، سنن الدارمی : 1 / 334 ، سنن البیهقی : 2 / 458 ، تیسیر الوصول : 2 / 295 [2 / 353 - 354 ح 1 - 6] ، فتح الباری : 2 / 51 [2 / 64]. (المؤلف)

الشمس - فرأی أبو سعید ابن الزبیر یصلّیها. قال : فنهیته فأخذ بیدی فذهبنا إلی عائشة ، فقال لها : یا أُمّ المؤمنین إنّ هذا ینهانی ... فقالت : رأیت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یصلّیها.

واقتفت أثره صلی الله علیه وآله وسلم فیها الصحابة والتابعون طیلة حیاته وبعدها ، وممّن رُوی عنه الرخصة فی التطوّع بعد العصر : الإمام أمیر المؤمنین علیّ علیه السلام ، الزبیر ، ابن الزبیر ، تمیم الداری ، النعمان بن بشیر ، أبو أیّوب الأنصاری ، عائشة أُمّ المؤمنین ، الأسود بن یزید ، عمرو بن میمون ، عبد الله بن مسعود وأصحابه ، بلال ، أبو الدرداء ، ابن عبّاس ، مسروق ، شریح ، عبد الله بن أبی الهذیل ، أبو بردة ، عبد الرحمن بن الأسود ، عبد الرحمن ابن البیلمانی ، الأحنف بن قیس (1) وکانوا علی هذا ، حتی تقیّض صاحب الدرّة ولیس عنده ما یتعلّل به علی النهی عنها والزجر علیها سوی خیفة أن یأتی قوم فیواصلوا بین العصر والمغرب بالصلاة.

ألا من مسائل إیّاه عن علّة کراهته ذلک الوصال ولیس له من الشریعة أیّ وازع عنه؟ وهب أنّه ارتأی کراهة ذلک الوصال ، فما باله ینهی عن الرکعتین ولیستا مالئتین للفراغ بین الوقتین العصر والمغرب؟ وعلی فرضه کان الواجب أن ینهی عن الصلاة فی أوّل وقت المغرب غیر الفریضة التی رأی کراهتها هو ، ولکن أیّ قیمة لرأیه وقد صلّوها علی العهد النبویّ بمرأی من صاحب الرسالة ومشهد فلم ینههم عنها (2)؟

ثمّ الذی خافه عمر من أن یأتی قوم یصلون بین الوقتین بالصلاة هل عزب علمه عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فشرّع لهم تینک الرکعتین بعد العصر؟ أو أنّه علم ذلک ولم یکترث له؟ أم کانت بصیرة الخلیفة فی الأُمور أقوی من بصیرة النبیِّ الأعظم؟ ف)

ص: 261


1- طرح التثریب فی شرح التقریب للحافظ العراقی : 2 / 186. (المؤلف)
2- کما فی صحیح مسلم 1 / 310 [2 / 247 ح 302 کتاب صلاة المسافرین] ، ومسند أبی داود : ص 270 [ح 2021] وغیرهما. (المؤلف)

لاها الله لا ذلک ولا هذا ، لکن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم علم ذلک کلّه ولم یرَ بأساً بما خافه عمر.

وبما ذا استحقّ أُولئک الأخیار من الصحابة الضرب بالدرّة والفضیحة بملإ من الأشهاد نصب عینی النبیّ الأقدس قرب مشهده الطاهر؟ والذین یأتون بما کرهه أقوام من رجال المستقبل لم یرتکبوه بعد ، أو أنّه لم تنعقد نطفهم حتی تلک الساعة وهو یعترف بأنّهم لیسوا من أُولئک ، ولعلّ الخلیفة کان یری جواز القصاص قبل جنایة غیر المقتصّ منه. هلمَّ وأعجب!

وکأنّ الخلیفة فی آرائه هذه الخاصّة به کان ذاهلاً عن قوله هو : احذروا هذا الرأی علی الدین فإنّما کان الرأی من رسول الله مصیباً لأنّ الله کان یریه ، وإنّما هو هنا تکلّف وظنّ ، وإنّ الظنّ لا یغنی من الحقّ شیئاً (1).

- 63 -

رأی الخلیفة فی العجم

روی مالک - إمام المالکیّة - عن الثقة عنده أنّه سمع سعید بن المسیّب یقول : أبی عمر بن الخطّاب أن یورّث أحداً من الأعاجم إلاّ أحداً ولد فی العرب.

قال مالک : وإن جاءت امرأة حامل من أرض العدوّ فوضعته فی أرض العرب فهو ولدها یرثها إن ماتت ، وترثه إن مات ، میراثها فی کتاب الله. الموطّأ (2) (2 / 12).

قال الأمینی : هذا حکم حدت إلیه العصبیّة المحضة ، وإنّ التوارث بین المسلمین عامّة عرباً کانوا أو أعاجم أینما ولدوا وحیثما قطنوا من ضروریات دین الإسلام ، ض.

ص: 262


1- أخرجه أبو عمر فی العلم : 2 / 134 [ص 363 ح 1759] ، وابن أبی حاتم کما فی الدرّ المنثور : 6 / 127 [7 / 654]. (المؤلف)
2- موطّأ مالک : 2 / 520 ح 14 کتاب الفرائض.

وعلیه نصوص الکتاب والسنّة ، فعمومات الکتاب لم تُخصَّص ، ولیس من شروط التوارث الولادة فی أرض العرب ولا العروبة من شروط الإسلام ، وهذه العصبیّة إلی أمثالها فی موارد لا تحصی هی التی تفکّک عری الاجتماع ، وتشتّت شمل المسلمین ، وإنّما المسلمون کأسنان المشط لا تفاضل بینهم إلاّ بالتقوی ، والله سبحانه یقول : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) (1). ویقول : (إِنَّ أَکْرَمَکُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاکُمْ) (2). ویقول : (وَلَوْ جَعَلْناهُ قُرْآناً أَعْجَمِیًّا لَقالُوا لَوْ لا فُصِّلَتْ آیاتُهُءَ أَعْجَمِیٌّ وَعَرَبِیٌ) (3).

وهذا هتاف النبیّ الأعظم صلی الله علیه وآله وسلم من خطبة له یوم الحجّ الأکبر فی ذلک المحتشَد الرحیب بقوله :

«أیّها الناس إنّما المؤمنون إخوة ، ولا یحلّ لامرئً مال أخیه إلاّ عن طیب نفس منه ، ألا هل بلّغت؟ اللهمّ اشهد. فلا ترجعُنّ بعدی کفّاراً یضرب بعضکم رقاب بعض ، فإنّی قد ترکت فیکم ما إن أخذتم به لم تضلّوا بعده : کتاب الله (4) ، ألا هل بلّغت؟ اللهمّ اشهد.

أیّها الناس إنّ ربّکم واحد ، وإنّ أباکم واحد ، کلّکم لآدم ، وآدم من تراب ، أکرمکم عند الله أتقاکم ، ولیس لعربیّ علی عجمیّ فضل إلاّ بالتقوی ألا هل بلّغت؟ اللهمّ اشهد ، قالوا : نعم. قال : فلیبلّغ الشاهد الغائب» (5).

وفی لفظ أحمد (6) : «ألا لا فضل لعربیّ علی عجمیّ ، ولا لعجمیّ علی عربیّ ، 8.

ص: 263


1- الحجرات : 10.
2- الحجرات : 13.
3- فصّلت : 44.
4- فی تاریخ الیعقوبی والعقد الفرید بعد هذه العبارة : وأهل بیتی.
5- البیان والتبیین : 2 / 25 [2 / 23] ، العقد الفرید : 2 / 85 [3 / 238] ، تاریخ الیعقوبی : 2 / 91 [2 / 111]. (المؤلف)
6- مسند أحمد : 6 / 570 ح 22978.

ولا أسود علی أحمر ، ولا أحمر علی أسود إلاّ بالتقوی» (1). قال الهیثمی : رجاله رجال الصحیح.

وفی لفظ الطبرانی فی الکبیر (2) :

«یا أیّها الناس إنّا خلقناکم من ذکر وأُنثی وجعلناکم شعوباً وقبائل لتعارفوا إنّ أکرمکم عند الله أتقاکم. فلیس لعربیّ علی عجمیّ فضل ، ولا لعجمی علی عربی فضل ، ولا لأسود علی أحمر فضل ، ولا لأحمر علی أسود فضل إلاّ بالتقوی». الحدیث مجمع الزوائد (3 / 272).

وفی لفظ ابن القیّم : «لا فضل لعربی علی عجمیّ ، ولا لعجمیّ علی عربیّ ، ولا لأبیض علی أسود ، ولا لأسود علی أبیض إلاّ بالتقوی ، الناس من آدم وآدم من تراب». زاد المعاد (3) (2 / 226).

وقال صلی الله علیه وآله وسلم فی صحیحة أخرجها البیهقی (4) : «لیس لأحد علی أحد فضل إلاّ بالدین أو عمل صالح». الجامع الصغیر للسیوطی (5) وصحّحه.

ولو فرضنا مفاضلة بالعنصریات فتلک فی غیر الأحکام والنوامیس المطّردة ، وما أحوج المسلمین من أوّل یومهم إلی التآخی والتساند تجاه سیل الإلحاد الأتیّ ، لکن کثیراً منهم یتأثّرون بتسویلات أجنبیة من حیث لا یشعرون ، فأهواء مردیة تحدوهم إلی التشعّب ، وآراء فاسدة تفتّ فی عضد الجامعة ، ونزعات طائفیة ، ونعرات قومیة ، وعوامل داخلیة ، وعواطف حزبیة تلهینا عن سدّ الثغور.

ص: 264


1- مجمع الزوائد : 3 / 266. (المؤلف)
2- المعجم الکبیر : 18 / 13 ح 16.
3- زاد المعاد : 4 / 22.
4- شعب الإیمان : 5 / 286 ح 6677.
5- الجامع الصغیر : 2 / 463 ح 7662.

أضف إلی ذلک کلّه نزعات شعوبیة ، وتبجّحات بالعروبة فحسب ، فهذه کلّها تفضی إلی شقّ العصا ، وتفریق الکلمة ، ونصب عین الکلّ تعلیمات النبیّ الأقدس ، وتقدیره الشخصیات المحلاّة بالفضائل من مختلف العناصر بمثل قوله : «سلمان منّا أهل البیت» (1) وقوله : «لو کان العلم بالثریّا لتناوله ناس من أبناء فارس» (2) إلی الکثیر الطیّب من أمثاله.

فعلی المسلم أن لا یتّخذ تلکم الآراء الشاذة خطّة لنفسه ، ولا یصفح عن قول النبیّ الأمین : «لیس منّا من دعا إلی عصبیة ، ولیس منّا من قاتل علی عصبیة ، ولیس منّا من مات علی عصبیة» (3).

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «من قاتل تحت رایة عمیّة یغضب للعصبیة أو یدعو إلی عصبیة أو ینصر عصبیة فقتل فقتلة جاهلیة». سنن البیهقی (8 / 156).

- 64 -

تجسّس الخلیفة بالسعایة

أخرج سعید بن منصور ، وابن المنذر عن الحسن رضی الله عنه ، قال : أتی عمر بن الخطّاب رجل فقال : إنّ فلاناً لا یصحو. فدخل علیه عمر رضی الله عنه فقال : إنّی لأجد ریح شراب یا فلان أنت بهذا؟ فقال الرجل : یا ابن الخطّاب وأنت بهذا؟ ألم ینهک الله أن تجسّس؟ فعرفها عمر فانطلق وترکه. الدرّ المنثور (4) (6 / 93) 7.

ص: 265


1- مستدرک الحاکم : 3 / 598 [3 / 691 ح 6539] ، شرح مختصر صحیح البخاری لأبی محمد الأزدی : 2 / 46. (المؤلف)
2- مسند أحمد : 2 / 420 ، 422 [3 / 149 ح 9153 و 153 ح 9177] ، وأخرجه ابن قانع بإسناده بلفظ : «لو کان الدین معلّقاً بالثریّا لتناوله قوم من أبناء فارس» ، الإصابة : 3 / 459 [رقم 8211]. (المؤلف)
3- سنن أبی داود : 2 / 332 [4 / 332 ح 5121]. (المؤلف)
4- الدرّ المنثور : 7 / 567.

قال الأمینی : أتری الخلیفة کیف رتّب الأثر علی التهمة من غیر بیّنة؟ من دون أن ینهی المخبر المتّهم عمّا ارتکبه من الوقیعة فی أخیه المسلم بالبهت وإشاعة الفاحشة فی الذین آمنوا أو اغتیاب الرجل ، فوقع من جرّاء ذلک کلّه فی محظور آخر من التجسّس المنهیّ عنه بنصّ الذکر الحکیم ، لکنّه سرعان ما ارتدع بلفت الرجل نظره إلی الحکم الشرعی.

- 65 -

استئذان الخلیفة من عائشة

اشارة

عن عمرو بن میمون قال : قال عمر بن الخطّاب لابنه عبد الله : انطلق إلی عائشة أُمّ المؤمنین فقل : یقرأ علیک عمر السلام ، ولا تقل : أمیر المؤمنین ، فإنّی لست الیوم للمؤمنین أمیراً وقل : یستأذن عمر بن الخطّاب أن یدفن مع صاحبیه. فمضی فسلّم واستأذن ثمّ دخل علیها فوجدها قاعدة تبکی ، فقال : یقرأ علیک عمر السلام ویستأذن أن یدفن مع صاحبیه. قالت : کنت أُریده لنفسی ولأوثرنَّ به الیوم علی نفسی. فلمّا أقبل قیل : هذا عبد الله بن عمر قد جاء ، فقال : ارفعونی. فأسنده رجل إلیه فقال : ما لدیک؟ قال : الذی یحبّ أمیر المؤمنین أذنت ، قال : الحمد لله ما کان شیء أهمّ إلیّ من ذلک المضجع ، فإذا أنا قضیت فاحملونی وإن ردّتنی فردّونی إلی مقابر المسلمین (1).

قال الأمینی : لیت الخلیفة عرّفنا ما وجه الاستئذان من عائشة؟ فهل ملکت هی حجرة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بالإرث؟ فأین قوله صلی الله علیه وآله وسلم المزعوم : نحن معاشر الأنبیاء لا نورث ما ترکناه صدقة؟ وبذلک زحزحوا عن الصدیقة الطاهرة فدکاً ، وبذلک منع ف)

ص: 266


1- صحیح البخاری : 2 / 263 و 5 / 266 [1 / 469 ح 1328 ، و 3 / 1355 ح 3497] ، وأخرجه جمع کثیر من الحفّاظ وأئمّة الحدیث لا نطیل بذکرهم المقام. (المؤلف)

أبو بکر عائشة وبقیّة أزواجه صلی الله علیه وآله وسلم لمّا جئن إلیه یطلبن ثُمنهنّ (1) ، وإن کان الخلیفة عدل عن ذلک الرأی لما انکشف له من عدم صحّة الروایة فإنّ ورثة ابنة رسول الله کانوا أولی بالإذن فإنّها هی المالکة إذن ، وأمّا عائشة فلها التسع من الثمن فإنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم توفّی عن تسع ، فکان الذی یلحق عائشة من الحجرة الشریفة التسع من الثمن ، وما عسی أن یکون من ذلک لها إلاّ شبراً أو دون شبرین وذلک لا یسع دفن جثمان الخلیفة ، وهب أنّه کان یضمّ إلی ذلک نصیب ابنته حفصة فإنّ الجمیع یقصر عن ذلک المضطجع ، فالتصرّف فی تلک الحجرة الشریفة من دون رخصة من یملکها من العترة النبویّة الطاهرة وأُمّهات المؤمنین لا یلائم میزان الشرع المقدّس.

ربّما یقرأ القارئ فی المقام ما جاء به ابن بطّال من قوله : إنّما استأذنها عمر لأنّ الموضع کان بیتها وکان لها فیه حقّ (2). فیحسب هناک حقّا لأُمِّ المؤمنین یستدعی ذلک الاستئذان ویصحّحه ، وإن هو إلاّ حقّ السکنی ومجرّد إضافة البیت إلی عائشة وهما لا یوجبان الملک ، قال ابن حجر فی فتح الباری (3) (7 / 53) : استدلّ به وباستئذان عمر لها علی ذلک علی أنّها کانت تملک البیت وفیه نظر ، بل الواقع أنّها کانت تملک منفعته بالسکنی فیه والإسکان ولا یورث عنها ، وحکم أزواج النبیّ کالمعتدّات لأنّهنّ لا یتزوّجن بعده صلی الله علیه وآله وسلم. انتهی.

وقال (4) فی (6 / 160) : ویؤیّده - یعنی عدم الملک - أنّ ورثتهنّ لم یرثن عنهنّ منازلهنّ ، ولو کانت البیوت ملکاً لهنّ لانتقلت إلی ورثتهنّ وفی ترک ورثتهنّ حقوقهم دلالة علی ذلک ، ولهذا زیدت بیوتهنّ فی المسجد النبویّ بعد موتهنّ لعموم نفعه 1.

ص: 267


1- السیرة الحلبیة : 3 / 390 [3 / 361]. (المؤلف)
2- فتح الباری : 3 / 200 [7 / 66]. (المؤلف)
3- فتح الباری : 7 / 66.
4- فتح الباری : 6 / 211.

للمسلمین کما فعل فیما کان یصرف لهنّ من النفقات. والله أعلم. انتهی.

وقال العینی فی عمدة القاری (1) (7 / 132) فی حدیث عائشة : لمّا ثقل رسول الله استأذن أزواجه أن یمرّض فی بیتی ، أسندت البیت إلی نفسها ، ووجه ذلک أنّ سکنی أزواج النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فی بیوت النبیّ من الخصائص ، فلمّا استحققن النفقة لحبسهنّ استحققن السکنی ما بقین ، فنبّه البخاری بسوق أحادیث هذا الباب وهی سبعة علی أنّ بهذه النسبة تحقّق دوام استحقاق سکناهنّ للبیوت ما بقین. انتهی.

وقال القسطلانی فی إرشاد الساری (2) (5 / 190) : أسندت عائشة البیت إلی نفسها ، ووجه ذلک أنّ سکن أزواجه علیه الصلاة والسلام فی بیوته من الخصائص ، فکما استحققن النفقة لحبسهنّ استحققن السکنی ما بقین ، فنبّه علی أنّ بهذه النسبة تحقّق دوام استحقاقهنّ لسکنی البیوت ما بقین. انتهی.

فالقارئ جِدّ علیم عندئذٍ بأنّ أُمّ المؤمنین لم یکن لها من حجرة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إلاّ السکنی فیها کالمعتدّة ، ولیس لها قطّ أن تتصرّف فیها بما یترتّب علی الملک.

والخطب الفظیع عدّ الحفّاظ هذا الاستئذان وهذا الدفن من مناقب الخلیفة ذاهلین عن قانون الإسلام العامّ فی التصرّف فی أموال الناس.

ولست أدری بأیّ حقّ أوصی الإمام الحسن السبط الزکی صلوات الله علیه أن یدفن فی تلک الحجرة الشریفة؟ وهل منعته عائشة عن أن یدفن بها؟ أو أذنت له وما أُطیعت؟ - ولا رأی لمن لا یُطاع - فتسلّح بنو أُمیّة وقالوا : لا ندعه یدفن مع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وکاد أن تقع الفتنة (3) لمَ هذه کلّها؟ أنا لا أدری. ف)

ص: 268


1- عمدة القاری : 15 / 29.
2- إرشاد الساری : 7 / 19 ح 3099.
3- تاریخ ابن کثیر : 8 / 44 [8 / 48 حوادث سنة 49 ه] وجملة أُخری من معاجم السِّیَر. (المؤلف)

- 66 -

خطبة الخلیفة فی الجابیة

عن علیّ بن رباح اللخمی ، قال : إنّ عمر بن الخطّاب رضی الله عنه خطب الناس فقال : من أراد أن یسأل عن القرآن فلیأتِ أُبیّ بن کعب ، ومن أراد أن یسأل عن الحلال والحرام فلیأتِ معاذ بن جبل ، ومن أراد أن یسأل عن الفرائض فلیأتِ زید بن ثابت ، ومن أراد أن یسأل عن المال فلیأتنی فإنِّی له خازن. وفی لفظ : فإنّ الله تعالی جعلنی خازناً وقاسماً.

أخرجه (1) أبو عبید المتوفّی (224) فی کتابه الأموال (ص 223) بإسناد رجاله کلّهم ثقات ، والبیهقی فی السنن الکبری (6 / 210) ، والحاکم فی المستدرک (3 / 271 ، 272) ، مجمع الزوائد (1 / 135) ، ویُذکر فی العقد الفرید (2 / 132) ، وسیرة عمر لابن الجوزی (ص 87) ، وأُشیر إلیه فی معجم البلدان (3 / 33) فقال : فی الجابیة خطب عمر ابن الخطّاب رضی الله عنه خطبته المشهورة. وجاء فی ترجمة کثیرین أنَّهم سمعوا خطبة عمر فی الجابیة.

إسناده من طریق أبی عبید :

1 - الحافظ عبد الله بن صالح بن مسلم العجلی ، أبو صالح الکوفی المتوفّی (221) ، وثّقه ابن معین ، وابن خراش ، وابن بکر الأندلسی ، وابن حبّان (2) ، وهو من مشایخ البخاری فی صحیحه (3). ف)

ص: 269


1- کتاب الأموال : ص 285 ح 548 ، المستدرک علی الصحیحین : 3 / 305 ح 5187 و 306 ح 5191 ، العقد الفرید : 3 / 240 ، تاریخ عمر بن الخطّاب : ص 94 ، معجم البلدان : 2 / 91.
2- الثقات : 8 / 352.
3- تهذیب التهذیب : 5 / 261 [5 / 229] ، خلاصة الکمال : ص 170 [2 / 66 رقم 3568]. (المؤلف)

2 - موسی بن علیّ بن رباح اللخمی ، أبو عبد الرحمن المصری المتوفّی (163) ، وثّقه (1) أحمد ، وابن سعد ، وابن معین ، والعجلی ، والنسائی ، وأبو حاتم ، وابن شاهین ، واحتجّ به أربعة من أئمّة الصحاح الستّة (2).

3 - علیّ بن رباح اللخمی التابعی ، أبو عبد الله - أبو موسی - المولود سنة (10) والمتوفّی (114 ، 117) ، وثّقه (3) ابن سعد ، والعجلی ، ویعقوب بن سفیان ، والنسائی ، وابن حبّان ، واحتجّ به أربعة من أئمّة الصحاح (4).

فی هذه الخطبة الثابتة المرویّة عن الخلیفة بطرق صحیحة کلّ رجالها ثقات ، وصحّحها الحاکم والذهبی ، اعتراف بأنّ المنتهی إلیه فی العلوم الثلاثة أُولئک النفر المذکورون فحسب ، ولیس للخلیفة إلاّ أنّه خازن مال الله ، وهل تری من المعقول أن یکون خلیفة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم علی أُمّته فی شرعه ودینه وکتابه وسنّته وفرائضه فاقداً لهاتیک العلوم؟ ویکون مرجعه فیها لفیفاً من الناس کما تُنبئ عنه سیرته ، فعلامَ هذه الخلافة؟ وهل تستقرُّ بمجرّد الأمانة ، ولیست بعزیزة فی أُمّة محمد صلی الله علیه وآله وسلم؟ وما وجه الاختصاص به؟ نعم ، وقع النصُّ علیه ممّن سبقه فی الخلافة علی غیر طریقة القوم فی الخلیفة الأوّل.

وشتّان بین هذا القائل وبین من لم یزل یعرض نفسه لعویصات المسائل ومشکلات العلوم فیحلّها عند السؤال عنها من فوره ، ویرفع عقیرته علی صهوات المنابر بقوله سلام الله علیه : «سلونی قبل أن لا تسألونی ، ولن تسألوا بعدی مثلی». ف)

ص: 270


1- العلل ومعرفة الرجال : 2 / 208 رقم 2032 ، الطبقات الکبری : 7 / 515 ، تاریخ الثقات : ص 444 رقم 1662 ، الجرح والتعدیل : 8 / 153 رقم 691 ، تاریخ أسماء الثقات : ص 304 رقم 1283.
2- تهذیب التهذیب : 10 / 363 [10 / 323] ، خلاصة الکمال : ص 336 [3 / 68 رقم 7295]. (المؤلف)
3- الطبقات الکبری : 7 / 512 ، تاریخ الثقات : ص 346 رقم 1184 ، الثقات : 5 / 161.
4- تهذیب التهذیب : 7 / 318 [7 / 280] ، خلاصة الکمال : ص 231 [2 / 248 رقم 4982]. (المؤلف)

أخرجه الحاکم فی المستدرک (1) ، (2 / 466) وصحّحه هو والذهبی فی تلخیصه.

وقوله علیه السلام : «لا تسألونی عن آیة فی کتاب الله تعالی ولا سنّة عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إلاّ أنبأتکم بذلک». أخرجه ابن کثیر فی تفسیره (4 / 231) من طریقین وقال : ثبت أیضاً من غیر وجه.

وقوله علیه السلام : «سلونی ، والله لا تسألونی عن شیء یکون إلی یوم القیامة إلاّ أخبرتکم ، وسلونی عن کتاب الله ، فو الله ما من آیة إلاّ وأنا أعلم أبلیل نزلت أم بنهار فی سهل أم فی جبل».

أخرجه (2) أبو عمر فی جامع بیان العلم (1 / 114) ، والمحبّ الطبری فی الریاض (2 / 198) ، ویوجد فی تاریخ الخلفاء للسیوطی (ص 124) ، والإتقان (2 / 319) ، تهذیب التهذیب (7 / 338) ، فتح الباری (8 / 485) ، عمدة القاری (9 / 167) ، مفتاح السعادة (1 / 400).

وقوله علیه السلام : «ألا رجل یسأل فینتفع وینفع جلساءه».

أخرجه (3) أبو عمر فی جامع بیان العلم (1 / 114) ، وفی مختصره (ص 75).

وقوله علیه السلام : «والله ما نزلت آیة إلاّ وقد علمت فیم أُنزلت ، وأین أُنزلت ، إنّ ربِّی وهب لی قلباً عقولاً ولساناً سؤولاً».

أخرجه أبو نعیم فی حلیة الأولیاء (1 / 68) ، وذکره صاحب مفتاح السعادة (1 / 400). 2.

ص: 271


1- المستدرک علی الصحیحین : 2 / 506 ح 3736 ، وکذا فی تلخیصه.
2- جامع بیان العلم : ص 137 ح 673 ، الریاض النضرة : 3 / 147 ، تاریخ الخلفاء : ص 173 ، الإتقان فی علوم القرآن : 4 / 204 ، تهذیب التهذیب : 7 / 297 ، فتح الباری : 8 / 599 ، عمدة القاری : 19 / 190 ، مفتاح السعادة : 2 / 55.
3- جامع بیان العلم : ص 137 ح 671 ، مختصر جامع بیان العلم : ص 104 رقم 82.

وقوله علیه السلام : «سلونی قبل أن تفقدونی ، سلونی عن کتاب الله ، وما من آیة إلاّ وأنا أعلم حیث أُنزلت بحضیض جبل أو سهل أرض ، وسلونی عن الفتن فما من فتنة إلاّ وقد علمت من کسبها ومن یُقتل فیها».

أخرجه إمام الحنابلة أحمد وقال : روی عنه نحو هذا کثیراً. ینابیع المودّة (1) (ص 274).

وقوله علیه السلام ، وهو علی منبر الکوفة وعلیه مدرعة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وهو متقلّد بسیفه ، ومتعمّم بعمامته صلی الله علیه وآله وسلم ، فجلس علی المنبر وکشف عن بطنه فقال : «سلونی قبل أن تفقدونی فإنّما بین الجوانح منِّی علم جمّ ، هذا سفط العلم ، هذا لعاب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، هذا ما زقّنی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم زقّا زقّا ، فو الله لو ثُنِیتْ لی وسادة فجلست علیها لأفتیت أهل التوراة بتوراتهم ، وأهل الإنجیل بإنجیلهم ، حتی یُنطق الله التوراة والإنجیل فیقولان : صدق علیّ قد أفتاکم بما أُنزل فیَّ وأنتم تتلون الکتاب أفلا تعقلون».

أخرجه شیخ الإسلام الحمّوئی فی فرائد السمطین (2) ، عن أبی سعید.

وقال سعید بن المسیّب : لم یکن أحد من الصحابة یقول : سلونی ، إلاّ علیّ بن أبی طالب (3) وکان إذا سُئل عن مسألة یکون فیها کالسکّة المحماة ویقول :

إذا المُشْکِلاتُ تصدَّین لی

کشفتُ حقائقَها بالنظرْ

فإن بَرِقَتْ فی مخیل الصوا

ب عمیاء لا یجتلیها البصرْف)

ص: 272


1- ینابیع المودّة : 1 / 72 باب 14.
2- فرائد السمطین : 1 / 341 ح 263 باب 63.
3- أخرجه أحمد فی المناقب [ص 153 ح 220] ، والبغوی فی المعجم ، وأبو عمر فی العلم : 1 / 114 [ص 137 ح 672] وفی مختصره : ص 58 [ص 104 ح 82] ، والمحب الطبری فی الریاض : 2 / 198 [3 / 146] ، وابن حجر فی الصواعق : ص 76 [ص 127]. (المؤلف)

مقنَّعة بغیوبِ الأُمورِ

وضعتُ علیها صحیحَ الفکرْ

لساناً کشقشقةِ الأرحبیِ

أو کالحسامِ الیمانیّ الذکرْ

وقلباً إذا استنطقتْهُ الفنو

نُ أبرّ علیها بواهٍ دررْ

ولستُ بإمّعة فی الرجا

لِ یُسائل هذا وذا ما الخبرْ

ولکنّنی مذربُ الأصغرینِ (1)

أُبیّنُ مع ما مضی ما غبرْ

أخرجها (2) أبو عمر فی العلم (2 / 113) ، وفی مختصره (ص 170) ، والحافظ العاصمی فی زین الفتی شرح سورة هل أتی ، والقالی فی أمالیه ، والحصری القیروانی فی زهر الآداب (1 / 38) ، والسیوطی فی جمع الجوامع کما ترتیبه (5 / 242) ، والزبیدی الحنفی فی تاج العروس (5 / 268) نقلاً عن الأمالی ، وذکر منها البیتین الأخیرین المیدانی فی مجمع الأمثال (2 / 358).

لفت نظر :

لم أرَ فی التاریخ قبل مولانا أمیر المؤمنین من عرض نفسه لمعضلات المسائل وکرادیس الأسئلة ، ورفع عقیرته بجأش رابط بین الملأ العلمی بقوله : سلونی ، إلاّ صنوه النبیّ الأعظم ، فإنّه صلی الله علیه وآله وسلم کان یکثر من قوله : «سلونی عمّا شئتم». وقوله : «سلونی ، سلونی». وقوله : «سلونی ولا تسألونی عن شیء إلاّ أنبأتکم به» (3). فکما ورث أمیر المؤمنین علمه صلی الله علیه وآله وسلم ورث مکرمته هذه وغیرها ، وهما صنوان فی المکارم کلّها. ف)

ص: 273


1- قال أبو عمر : المذرب : الحادّ. وأصغراه : قلبه ولسانه. (المؤلف)
2- جامع بیان العلم : ص 340 ح 1671 ، مختصر جامع بیان العلم : ص 297 ح 222 ، الأمالی للقالی : 2 / 101 ، زهر الآداب : 1 / 77 ، کنز العمّال : 10 / 303 ح 29521 ، مجمع الأمثال : 3 / 483 رقم 4545.
3- صحیح البخاری : 2 / 46 ، 10 / 240 ، 241 [1 / 200 ح 515 و 6 / 2660 ح 6864] ، مسند أحمد : 1 / 278 [1 / 458 ح 2510] ، مسند أبی داود : ص 356 [ح 2731]. (المؤلف)

وما تفوّه بهذا المقال أحد بعد أمیر المؤمنین علیه السلام إلاّ وقد فضح ووقع فی ربیکة ، وأماط بیده الستر عن جهله المطبق نظراء :

1 - إبراهیم بن هشام بن إسماعیل بن هشام بن الولید بن المغیرة المخزومی القرشی ، والی مکة والمدینة والموسم لهشام بن عبد الملک ، حجَّ بالناس سنة (107) وخطب بمنی ثمّ قال : سلونی فأنا ابن الوحید ، ولا تسألوا أحداً أعلم منّی. فقام إلیه رجل من أهل العراق فسأله عن الأُضحیة أواجبة هی؟ فما دری أیّ شیء یقول له ، فنزل عن المنبر. تاریخ ابن عساکر (1) (2 / 305)

2 - مقاتل بن سلیمان ، قال إبراهیم الحربی : قعد مقاتل بن سلیمان فقال : سلونی عمّا دون العرش إلی لویانا. فقال له رجل : آدم حین حجَّ من حلق رأسه؟ قال : فقال له : لیس هذا من عملکم ، ولکنّ الله أراد أن یبتلینی بما أعجبتنی نفسی. تاریخ الخطیب البغدادی (13 / 163).

3 - قال سفیان بن عیینة ، قال مقاتل بن سلیمان یوماً : سلونی عمّا دون العرش. فقال له إنسان : یا أبا الحسن أرأیت الذرّة أو النملة أمعاؤها فی مقدّمها أو مؤخّرها؟ قال : فبقی الشیخ لا یدری ما یقول له. قال سفیان : فظننت أنّها عقوبة عوقب بها. تاریخ الخطیب البغدادی (13 / 166)

4 - قال موسی بن هارون الحمّال : بلغنی أنّ قتادة قدم الکوفة فجلس فی مجلس له وقال : سلونی عن سنن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم حتی أُجیبکم. فقال جماعة لأبی حنیفة : قم إلیه فسله. فقام إلیه فقال : ما تقول یا أبا الخطّاب فی رجل غاب عن أهله فتزوّجت امرأته ، ثمّ قدم زوجها الأوّل فدخل علیها ، وقال : یا زانیة تزوّجت وأنا حیّ؟ ثمّ دخل زوجها الثانی فقال لها : تزوّجتِ یا زانیة ولک زوج. کیف اللعان؟ فقال قتادة : قد وقع هذا؟ 5.

ص: 274


1- تاریخ مدینة دمشق : 7 / 259 رقم 535 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 4 / 175.

فقال له أبو حنیفة : وإن لم یقع نستعدّ له. فقال له قتادة : لا أُجیبکم فی شیء من هذا سلونی عن القرآن. فقال له أبو حنیفة : ما تقول فی قوله عزّ وجلّ : (قالَ الَّذِی عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْکِتابِ أَنَا آتِیکَ بِهِ) (1) من هو؟ قال قتادة : هذا رجل من ولد عمِّ سلیمان ابن داود کان یعرف اسم الله الأعظم. فقال أبو حنیفة : أکان سلیمان یعلم ذلک الاسم؟ قال : لا. قال : سبحان الله ویکون بحضرة نبیّ من الأنبیاء من هو أعلم منه؟ قال قتادة : لا أُجیبکم فی شیء من التفسیر ، سلونی عمّا اختلف الناس فیه. فقال له أبو حنیفة : أمؤمن أنت؟ قال أرجو. قال له أبو حنیفة : فهلاّ قلت کما قال إبراهیم فیما حکی الله عنه حین قال له : (أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلی) (2) قال قتادة : خذوا بیدی والله لا دخلت هذا البلد أبداً. الانتقاء لأبی عمر - صاحب الاستیعاب (ص 156)

5 - حکی عن قتادة أنّه دخل الکوفة فاجتمع علیه الناس فقال : سلوا عمّا شئتم وکان أبو حنیفة حاضراً - وهو یومئذٍ غلام حدث - فقال : سلوه عن نملة سلیمان أکانت ذکراً أم أُنثی؟ فسألوه فأُفحم ، فقال أبو حنیفة : کانت أُنثی. فقیل له : کیف عرفت ذلک؟ فقال : من قوله تعالی : (قالَتْ). ولو کانت ذکراً لقال : قال نملة ، مثل الحمامة والشاة فی وقوعها علی الذکر والأُنثی. حیاة الحیوان (3) (2 / 368)

6 - قال عبید الله بن محمد بن هارون : سمعت الشافعی بمکة یقول : سلونی عمّا شئتم أُحدّثکم من کتاب الله وسنّة نبیّه ، فقیل : یا أبا عبد الله ما تقول فی محرم قتل زنبوراً؟ قال : (وَما آتاکُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ) (4). طبقات الحفّاظ للذهبی (5) (2 / 288) 6.

ص: 275


1- النمل : 40.
2- البقرة : 260.
3- حیاة الحیوان : 2 / 377.
4- الحشر : 7.
5- تذکرة الحفّاظ : 2 / 755 رقم 756.

- 67 -

الخلیفة وتعلّم سورة البقرة

أخرج الخطیب فی رواة مالک ، والبیهقی فی شعب الإیمان (1) ، والقرطبی فی تفسیره بإسناد صحیح عن عبد الله بن عمر قال : تعلّم عمر سورة البقرة فی اثنتی عشرة سنة ، فلمّا ختمها نحر جزوراً (2).

وقال القرطبی فی تفسیره (3) (1 / 132) : تعلّمها عمر رضی الله عنه بفقهها وما تحتوی علیه فی اثنتی عشرة سنة.

قال الأمینی : هذا ینمُّ إمّا عن عدم انعطاف الخلیفة علی القرآن واهتمامه به مع أنّه أهمُّ أُصول الإسلام ، وقد انطوی فیه مهمّات علومه حتی أنّه تبطّأ فی تعلّم سورة منه إلی غایة ذلک الأمد المتطاول ، ولعلّه کان قد ألهاه عن ذلک الصفق بالأسواق کما ورد فی غیر واحد من هذه الآثار ، واعتذر به هو وغیره من الصحابة ، وإمّا عن قصور فی فطنته وذکائه وجمود فی القریحة یأبی عن انعکاس ما یُلقی إلیه فیها ، فیحتاج إلی تکرار ومثابرة کثیرة وتردید حتی ینتقش ما همَّ بتعلّمه فی الذاکرة.

وقد یؤکّد الثانی ما مرّ فی صحیفة (116) من قول رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم له : «إنّی أظنّک تموت قبل أن تعلم ذلک» وما ذکر فی (ص 128) من قوله صلی الله علیه وآله وسلم لحفصة : «ما أری أباک یعلمها». وقوله : «ما أراه یقیمها». 7.

ص: 276


1- شعب الإیمان : 2 / 331 ح 1957.
2- تفسیر القرطبی : 1 / 34 [1 / 30 وفی ص 31 : أنّه حفظها فی بضع عشرة سنة] ، سیرة عمر لابن الجوزی : ص 165 [ص 171] ، شرح ابن أبی الحدید : 3 / 111 [12 / 66 خطبة 223] ، الدرّ المنثور : 1 / 21 [1 / 54]. (المؤلف)
3- الجامع لأحکام القرآن : 1 / 107.

ویساعد هذا ما فی الکتب من أنّ عمر کان أعلم وأفقه من عثمان ، ولکن کان یعسر علیه حفظ القرآن (1).

وأیّا ما کان فإنّ مدّة التعلّم هذه لا یمکن أن تکون علی العهد النبوی ، فإنّ سورة البقرة نزلت بالمدینة عند جمیع المفسّرین غیر آیات نزلت فی حجّة الوداع ، وقالت عائشة : ما نزلت سورة البقرة والنساء إلاّ وأنا عنده صلی الله علیه وآله وسلم (2) ، وتوفِّی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی ربیع الأوّل - علی ما ذهب إلیه القوم - من السنة الحادیة عشرة من مهاجرته ، ومع ذلک لم یؤثر تعلّمه من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، فلا بدّ أن یکون تعلّمه عند أحد الصحابة أو عند لفیفٍ منهم ، وهم الذین یقول القائل : فإنّ الخلیفة کان أعلمهم علی الإطلاق!

ویشهد هذا أیضاً علی خلوّ الرجل من أکثر علوم القرآن الموجودة فی بقیة السور ، فإنّ تعلّمها علی هذا القیاس یستدعی أکثر من مائة وثلاثین عاماً حسب أجزاء القرآن الکریم ، فیفتقر الخلیفة علی هذا الحساب فی تعلّم جمیع القرآن إلی ما یقرب من مائة وخمسین عاماً ، ولا یفی بذلک عمر الخلیفة ، علی أنّ الأحکام فی غیر البقرة من السور أکثر ممّا فیها ، فکان خلیفةً ومتعلّماً - والخلیفة هو معلّم الناس لا المتعلّم منهم - ولهذا کان لا یهتدی إلی جملة من الأحکام الموجودة فی القرآن ، وکان یحسب أبسط شیء من معانیه تعمّقاً وتکلّفاً ویدّعی أنّه نُهی عنه (3) ، وکان یقول : من أراد أن یسأل عن القرآن فلیأتِ أُبیّ بن کعب. إلی آخر ما مرّ عنه (ص 191).

هذا شأن الخلیفة قبل طروّ النسیان علیه ، وأمّا بعده فروی محمد بن سیرین : أنّ عمر فی آخر أیّامه اعتراه نسیان حتی کان ینسی عدد رکعات الصلاة ، فجعل أمامه ف)

ص: 277


1- عمدة القاری : 2 / 733 [5 / 203] نقلاً عن النهایة. (المؤلف)
2- فتح الباری : 8 / 130 [8 / 160]. (المؤلف)
3- راجع صحیفة : 99 ، 100 من هذا الجزء. (المؤلف)

رجلاً یلقّنه ، فإذا أومأ إلیه أن یقوم أو یرکع فعل (1).

وإن تعجب فعجب أنّه مع ذلک کلّه ما کان یتنصّل عن الحکم ، ولا یرعوی عن الإفتاء ، وإن کان یظهر خطؤه فی کثیر منها.

وبأبه اقتدی عدیّ فی الکرم!

أخرج مالک فی الموطّأ (2) (1 / 162) : إنّ عبد الله بن عمر مکث علی سورة البقرة ثمانی سنین یتعلّمها ، وذکره القرطبی فی تفسیره (3) (1 / 34) ، وقال العینی فی عمدة القاری (4) (2 / 732) : حفظ عبد الله بن عمر سورة البقرة فی اثنتی عشرة سنة ، وفی طبقات ابن سعد (5) کما فی تنویر الحالک فی شرح الموطّأ لمالک (6) (1 / 162) : إنّ ابن عمر تعلّم سورة البقرة فی أربع سنین. قال الباجی : لأنّه کان یتعلّم فرائضها وأحکامها وما یتعلّق بها.

رأی الخلیفة فی المتعتین

- 68 -

متعة الحجّ

1 - عن أبی رجاء قال : قال عمران بن حصین : نزلت آیة المتعة فی کتاب الله وأمرنا بها رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، ثمّ لم تنزل آیة تنسخ آیة متعة الحجّ ، ولم ینه عنها 9.

ص: 278


1- سیرة عمر بن الخطّاب لابن الجوزی : ص 135 [ص 169] ، شرح بن أبی الحدید : 3 / 110 [12 / 65 خطبة 223]. (المؤلف)
2- موطّأ مالک : 1 / 205 ح 11.
3- الجامع لأحکام القرآن : 1 / 30 ، 107.
4- عمدة القاری : 5 / 203.
5- الطبقات الکبری : 4 / 164.
6- تنویر الحالک فی شرح الموطّأ لمالک : 1 / 209.

رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم حتی مات ، قال رجل برأیه بعد ما شاء (1).

صورة أخری لمسلم (2) :

تمتّعنا مع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ولم ینزل فیه القرآن ، قال رجل برأیه ما شاء. وفی لفظ آخر له : تمتّع نبیُّ الله صلی الله علیه وآله وسلم وتمتّعنا معه. وفی لفظ رابع له : أعلم أنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم جمع بین حجٍّ وعمرة ثمّ لم ینزل فیها کتاب ولم ینهنا عنهما ، قال فیها رجل برأیه ما شاء.

لفظ البخاری : تمتّعنا علی عهد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ونزل القرآن ، قال رجل برأیه ما شاء (3).

وفی لفظ آخر له :

أُنزلت آیة المتعة فی کتاب الله ففعلناها مع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ولم ینزل قرآن یحرِّمه ، ولم ینه عنها حتی مات ، قال رجل برأیه ما شاء (4).

وفی بعض نسخ صحیح البخاری ؛ قال محمد - أی البخاری - یقال : إنّه عمر. قال القسطلانی فی الإرشاد (5) : لأنّه کان ینهی عنها. وذکره ابن کثیر فی تفسیره (1 / 233) نقلاً عن البخاری فقال : هذا الذی قاله البخاری قد جاء مصرّحاً به : إنّ عمر کان ینهی الناس عن التمتّع. 8.

ص: 279


1- صحیح مسلم : 1 / 474 [3 / 71 ح 172 کتاب الحج] ، وأخرجه القرطبی بهذا اللفظ فی تفسیره : 2 / 365 [2 / 258]. (المؤلف)
2- صحیح مسلم : 3 / 71 ح 169 - 171 کتاب الحج.
3- صحیح البخاری : 3 / 151 [2 / 569 ح 1496] ، طبع سنة 1272. (المؤلف)
4- صحیح البخاری : کتاب التفسیر / سورة البقرة 7 / 24 [4 / 1642 ح 4246] ، طبع سنة 1277. (المؤلف)
5- إرشاد الساری : 10 / 61 ح 4518.

وقال ابن حجر فی فتح الباری (1) (4 / 339) : ونقله الإسماعیلی عن البخاری کذلک فهو عمدة الحمیدی فی ذلک ، ولهذا جزم القرطبی والنووی وغیرهما ، وکان البخاری أشار بذلک إلی روایة الحریری عن مطرف ، فقال فی آخره : ارتأی رجل برأیه ما شاء - یعنی عمر -. کذا فی الأصل ، أخرجه مسلم ، وقال ابن التین : یحتمل أن یرید عمر أو عثمان ، وأغرب الکرمانی فقال : إنّ المراد به عثمان ، والأولی أن یفسّر بعمر ، فإنّه أوّل من نهی عنها وکان من بعده تابعاً له فی ذلک. ففی مسلم : أنّ ابن الزبیر کان ینهی عنها وابن عبّاس یأمر بها ، فسألوا جابراً فأشار إلی أنّ أوّل من نهی عنها عمر.

وقال القسطلانی فی الإرشاد (2) (4 / 169) : قال رجل برأیه ما شاء ، هو عمر بن الخطّاب لا عثمان بن عفّان ؛ لأنّ عمر أوّل من نهی عنها ، فکان من بعده تابعاً له فی ذلک. ففی مسلم ... إلی آخر کلمة ابن حجر المذکورة.

وقال النووی فی شرح مسلم (3) : هو عمر بن الخطّاب ؛ لأنّه أوّل من نهی عن المتعة ، فکان من بعده من عثمان وغیره تابعاً له فی ذلک.

لفظ الشیخین :

تمتّعنا مع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ونزل فیه القرآن ، فلیقل رجل برأیه ما شاء. السنن الکبری (5 / 20).

لفظ النسائی :

إنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قد تمتّع وتمتّعنا معه ، قال فیها قائل برأیه. 5.

ص: 280


1- فتح الباری : 3 / 433.
2- إرشاد الساری : 4 / 88.
3- شرح صحیح مسلم : 8 / 205.

أخرجه فی سننه (1) (5 / 155) ، وأحمد فی مسنده (2) (4 / 436) قریباً من لفظ مسلم مبتوراً.

وفی لفظ الإسماعیلی : تمتّعنا مع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ونزل فیه القرآن ولم ینهنا رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم (3).

2 - عن أبی موسی : أنّه کان یفتی بالمتعة ، فقال له رجل : رویدک ببعض فتیاک فإنّک لا تدری ما أحدث أمیر المؤمنین فی النسک بعدک ، حتی لقیته فسألته ، فقال عمر : قد علمت أنّ النبیّ قد فعله وأصحابه ولکنّی کرهت أن یظلّوا معرّسین بهنّ فی الأراک ثمّ یروحون فی الحجِّ تقطر رءوسهم.

أخرجه (4) مسلم فی صحیحه (1 / 472) ، وابن ماجة فی سننه (2 / 229) ، وأحمد فی مسنده (1 / 50) ، والبیهقی فی سننه (5 / 20) ، والنسائی فی سننه (5 / 153) ، ویوجد فی تیسیر الوصول (1 / 288) ، وشرح الموطّأ للزرقانی (2 / 179)

3 - عن مطرف ، عن عمران بن حصین : أنّی لأُحدِّثک بالحدیث الیوم ینفعک الله به بعد الیوم ، واعلم أنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قد أعمر طائفة من أهله فی العشر ، فلم تنزل آیة تنسخ ذلک ولم ینه عنه حتی مضی لوجهه ، ارتأی کلّ امرئٍ بعد ما شاء أن یرتئی. وفی لفظ مسلم الآخر : ارتأی رجل برأیه ما شاء یعنی عمر. وفی لفظ ابن ماجة : ولم ینهَ عنه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ولم ینزل نسخه ، قال فی ذلک بعد رجل برأیه 5.

ص: 281


1- السنن الکبری : 2 / 350 ح 3719.
2- مسند أحمد : 5 / 603 ح 19406.
3- فتح الباری : 3 / 338 [3 / 432]. (المؤلف)
4- صحیح مسلم : 3 / 67 ح 157 کتاب الحجّ ، سنن ابن ماجة : 2 / 992 ح 2979 ، مسند أحمد : 1 / 81 ح 353 ، السنن الکبری : 2 / 348 ح 3715 ، تیسیر الوصول : 1 / 340 ح 30 ، شرح الزرقانی علی موطّأ مالک : 2 / 265.

ما شاء أن یقول (1).

صحیح مسلم (1 / 474) ، سنن ابن ماجة (2 / 229) ، مسند أحمد (4 / 434) ، السنن الکبری (4 / 344) ، فتح الباری (3 / 338).

صورة أخری :

عن مطرف ، قال : قال لی عمران بن حصین : أُحدِّثک حدیثاً عسی الله أن ینفعک به : إنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم جمع بین حجّة وعمرة ثمّ لم ینهَ عنه حتی مات ، ولم ینزل فیه قرآن یحرِّمه ، وقد کان یسلّم علیَّ حتی اکتویت فترکت ثمّ ترکت الکیّ فعاد. وفی لفظ الدارمی : إنّ المتعة حلال فی کتاب الله لم ینهَ عنها نبیّ ولم ینزل فیها کتاب ، قال رجل برأیه ما بدا له. صحیح مسلم (2) (1 / 474) ، سنن الدارمی (2 / 35).

صورة ثالثة :

عن مطرف ، قال : بعث إلیَّ عمران بن حصین فی مرضه الذی توفِّی فیه فقال : إنّی کنت محدِّثک بأحادیث لعلّ الله أن ینفعک بها بعدی ، فإن عشت فاکتم علیَّ ، وإن متُّ فحدِّث بها إن شئت ؛ إنّه قد سُلِّم علیَّ ، واعلم أنّ نبیّ الله صلی الله علیه وآله وسلم قد جمع بین حجٍّ وعمرة ثمّ لم ینزل فیها کتاب الله ولم ینهَ عنها نبیّ الله صلی الله علیه وآله وسلم ، قال رجل فیها برأیه ما شاء (3).

صحیح مسلم (1 / 474) ، مسند أحمد (4 / 428) ، سنن النسائی (5 / 149). 7.

ص: 282


1- صحیح مسلم : 3 / 70 ح 165 و 166 کتاب الحجّ ، سنن ابن ماجة : 2 / 991 ح 2978 ، مسند أحمد : 5 / 600 ح 19394 ، فتح الباری : 3 / 432.
2- صحیح مسلم : 3 / 70 ح 167 کتاب الحجّ.
3- صحیح مسلم : 3 / 70 ح 168 ، مسند أحمد : 5 / 590 ح 19340 ، السنن الکبری : 2 / 346 ح 3707.

4 - عن محمد بن عبد الله بن نوفل قال : سمعت عام حجّ معاویة یسأل سعد بن مالک کیف تقول بالتمتّع بالعمرة إلی الحجّ؟ قال : حسنة جمیلة ، فقال : قد کان عمر ینهی عنها ، فأنت خیر من عمر؟ قال : عمر خیر منّی ، وقد فعل ذلک النبیُّ صلی الله علیه وآله وسلم وهو خیر من عمر. سنن الدارمی (2 / 35).

5 - عن محمد بن عبد الله : أنّه سمع سعد بن أبی وقاص والضحّاک بن قیس عام حجّ معاویة بن أبی سفیان وهما یذکران التمتّع بالعمرة إلی الحجّ ، فقال الضحّاک : لا یصنع ذلک إلاّ من جهل أمر الله تعالی. فقال سعد : بئس ما قلت یا ابن أخی. قال الضحّاک : فإنّ عمر بن الخطّاب نهی عن ذلک. قال سعد : قد صنعها رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وصنعناها معه (1).

الموطّأ لمالک (1 / 148) ، کتاب الأُمّ للشافعی (7 / 199) ، سنن النسائی (5 / 152) ، صحیح الترمذی (1 / 157) ، فقال : هذا حدیث صحیح. أحکام القرآن للجصّاص (1 / 335) ، سنن البیهقی (5 / 17) ، تفسیر القرطبی (2 / 365) وقال : هذا حدیث صحیح. زاد المعاد لابن القیّم (1 / 84) وذکر تصحیح الترمذی له ، المواهب اللدنیّة للقسطلانی ، شرح المواهب للزرقانی (8 / 153).

6 - عن سالم قال : إنّی لجالس مع ابن عمر فی المسجد إذ جاءه رجل من أهل الشام فسأله عن التمتّع بالعمرة إلی الحجّ : فقال ابن عمر : حسن جمیل ، قال : فإنّ أباک کان ینهی عنها. فقال : ویلک! فإن کان أبی نهی عنها وقد فعله رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وأمر به أفبقول أبی آخذ أم بأمر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم؟ قم عنّی (2). ف)

ص: 283


1- موطّأ مالک : 1 / 344 ح 60 ، کتاب الأُمّ : 7 / 214 ، السنن الکبری : 2 / 348 ح 3714 ، سنن الترمذی : 3 / 185 ح 823 ، أحکام القرآن : 1 / 284 ، الجامع لأحکام القرآن : 2 / 258 ، زاد المعاد : 1 / 179 ، المواهب اللدنیّة : 4 / 412.
2- تفسیر القرطبی : 2 / 365 [2 / 258] نقلاً عن الدارقطنی. (المؤلف)

صورة أخری :

سُئل عبد الله بن عمر عن متعة الحجّ ، قال : هی حلال. فقال له السائل : إنّ أباک قد نهی عنها. فقال : أرأیت إن کان أبی نهی عنها وصنعها رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أأمر أبی تتبّع أم أمر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم؟ فقال الرجل : بل أمر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم. فقال : لقد صنعها رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم (1).

صورة ثالثة :

قال سالم : سُئل ابن عمر عن متعة الحجّ فأمر بها ، فقیل له : إنّک تخالف أباک. قال : إنّ أبی لم یقل الذی تقولون إنّما قال : أفردوا العمرة من الحجّ ، أی أنّ العمرة لا تتمّ فی شهور الحجّ إلاّ بهدی وأراد أن یُزار البیت فی غیر شهور الحجّ فجعلتموها أنتم حراماً وعاقبتم الناس علیها ، وقد أحلّها الله عزّ وجلّ وعمل بها رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، قال : فإذا أکثروا علیه قال : أفکتاب الله عزّ وجلّ أحقُّ أن یُتّبع أم عمر؟ السنن الکبری (5 / 21)

صورة رابعة :

قال سالم : کان عبد الله بن عمر یفتی بالذی أنزل الله عزّ وجلّ من الرخصة فی التمتّع وسنّ فیه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، فیقول ناس لعبد الله بن عمر : کیف تخالف أباک وقد نهی عن ذلک؟ فیقول لهم عبد الله : ویلکم! ألا تتّقون الله؟ أرأیتم إن کان عمر رضی الله عنه نهی عن ذلک یبتغی فیه الخیر ویلتمس فیه تمام العمرة فلم تحرِّمون وقد أحلّه الله وعمل به ف)

ص: 284


1- صحیح الترمذی : 1 / 157 [3 / 185 ح 824] ، زاد المعاد لابن القیّم : 1 / 164 [1 / 189] ، وفی هامش شرح المواهب للزرقانی : 2 / 252. (المؤلف)

رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم؟ أفرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أحقُّ أن تتّبعوا سنّته أو عمر رضی الله عنه؟ إنّ عمر لم یقل لک : إنّ العمرة فی أشهر الحجّ حرام ولکنّه قال : إنّ أتمّ العمرة أن تفردوها من أشهر الحجِ (1).

7 - عن سعید بن جبیر ، عن ابن عبّاس ، قال : تمتّع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فقال عروة : نهی أبو بکر وعمر عن المتعة. فقال ابن عبّاس : ما یقول عُرَیّة؟ قال : یقول : نهی أبو بکر وعمر عن المتعة. فقال ابن عبّاس : أراهم سیهلکون أقول : قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ویقولون : قال أبو بکر وعمر (2).

مسند أحمد (1 / 337) ، کتاب مختصر العلم لأبی عمر (ص 226) ، تذکرة الحفّاظ للذهبی (3 / 53) ، زاد المعاد لابن القیّم (1 / 219).

8 - أخرج أحمد فی مسنده (3) (1 / 49) عن أبی موسی ؛ أنّ عمر رضی الله عنه قال : هی سنّة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم - یعنی المتعة - ولکنّی أخشی أن یعرِّسوا بهنّ تحت الأراک ثمّ یروحوا بهنّ حجّاجاً.

9 - عن ابن عبّاس ؛ أنّه قال لمن کان یعارضه فی متعة الحجّ بأبی بکر وعمر : یوشک أن ینزل علیکم حجارة من السماء ، أقول : قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وتقولون : قال أبو بکر وعمر. زاد المعاد لابن القیّم (4) (1 / 215) وهامش شرح المواهب (2 / 328).

10 - عن الحسن : أنّ عمر أراد أن ینهی عن متعة الحجِّ فقال له أُبیّ : لیس ذلک لک فقد تمتّعنا مع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ولم ینهنا عن ذلک ، فأضرب عن ذلک عمر ، وأراد 9.

ص: 285


1- سنن البیهقی : 5 / 21 ، مجمع الزوائد : 1 / 285. (المؤلف)
2- مسند أحمد : 1 / 554 ح 3111 ، مختصر جامع بیان العلم : ص 391 ح 255. تذکرة الحفّاظ : 3 / 837 رقم 817 ، زاد المعاد : 1 / 212.
3- مسند أحمد : 1 / 79 ح 344.
4- زاد المعاد : 1 / 209.

أن ینهی عن حلل الحبرة لأنّها تصبغ بالبول ، فقال له أُبیّ : لیس لک ذلک قد لبسهنّ النبی صلی الله علیه وآله وسلم ولبسناهنّ فی عهده.

أخرجه إمام الحنابلة أحمد فی مسنده (1) (5 / 143) ، وذکره الهیثمی فی مجمع الزوائد (3 / 246) نقلاً عن أحمد وقال : رجاله رجال الصحیح ، والسیوطی فی جمع الجوامع کما فی ترتیبه (2) (3 / 33) نقلاً عن أحمد ، وفی الدرِّ المنثور (3) (1 / 216) نقلاً عن مسند ابن راهویه وأحمد ، ولفظه :

إنّ عمر بن الخطّاب همَّ أن ینهی عن متعة الحجِّ ؛ فقام إلیه أُبیّ بن کعب فقال : لیس ذلک لک قد نزل بها کتاب الله واعتمرناها مع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، فنزل عمر.

وذکره ابن القیّم الجوزیّة فی زاد المعاد (4) (1 / 220) من طریق علیِّ بن عبد العزیز البغوی ولفظه :

إنّ عمر أراد أن یأخذ مال الکعبة وقال : الکعبة غنیّة عن ذلک المال ، وأراد أن ینهی أهل الیمن أن یصبغوا بالبول ، وأراد أن ینهی عن متعة الحجّ ، فقال أُبیُّ بن کعب : قد رأی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وأصحابه هذا المال وبه وبأصحابه الحاجة إلیه فلم یأخذه وأنت فلا تأخذه ، وقد کان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وأصحابه یلبسون الثیاب الیمانیّة فلم ینهَ عنها وقد علم أنّها تُصبَغ بالبول ، وقد تمتّعنا مع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فلم ینهَ عنها ولم ینزل الله تعالی فیها نهیاً.

11 - أخرج البخاری فی صحیحه ، عن أبی جمرة نصر بن عمران ، قال : سألت 3.

ص: 286


1- مسند أحمد : 6 / 173 ح 20776.
2- کنز العمّال : 5 / 167 ح 12487.
3- الدرّ المنثور : 1 / 521.
4- زاد المعاد : 1 / 213.

ابن عبّاس رضی الله عنه عن المتعة فأمرنی بها ، وسألته عن الهدی فقال : فیها - فی المتعة - جزور أو بقرة أو شاة أو شرک فی دم. قال : وکأنّ ناساً کرهوها ، فنمت فرأیت فی المنام کأنّ إنساناً ینادی حجّ مبرور ومتعة متقبّلة ، فأتیت ابن عبّاس فحدّثته فقال : الله أکبر سنّة أبی القاسم صلی الله علیه وآله وسلم (1).

قال القسطلانی فی إرشاد الساری (2) (3 / 204) : وکأنّ ناساً کرهوها ، یعنی کعمر ابن الخطّاب وعثمان بن عفّان وغیرهما ممّن نقل عنه الخلاف فی ذلک.

12 - عن ابن سیرین ؛ أنّه سُئل عن المتعة بالعمرة إلی الحجّ ، قال : کرهها عمر ابن الخطّاب وعثمان بن عفّان ، فإن یکن علماً فهما أعلم منّی ، وإن یکن رأیاً فرأیهما أفضل. أخرجه (3) أبو عمر فی جامع بیان العلم (2 / 31) ، وفی مختصره (ص 111).

13 - عن الأسود بن یزید ، قال : بینما أنا واقف مع عمر بن الخطّاب بعرفة عشیّة عرفة فإذا هو برجل مرجّل شعره یفوح منه ریح الطیب ، فقال له عمر : أمحرم أنت؟ قال : نعم. فقال عمر : ما هیأتک بهیأة محرم إنّما المحرم الأشعث الأغبر الأذفر. قال : إنّی قدمت متمتِّعاً وکان معی أهلی ، وإنّما أحرمت الیوم. فقال عمر عند ذلک : لا تتمتّعوا فی هذه الأیام فإنِّی لو رخّصت فی المتعة لهم لعرّسوا بهنّ فی الأراک ثمّ راحوا بهنّ حجّاجاً.

أخرجه أبو حنیفة کما فی زاد المعاد لابن القیّم (4) (1 / 220) فقال : قال ابن حزم : 4.

ص: 287


1- صحیح البخاری : 3 / 114 [2 / 605 ح 1603] کتاب الحجّ ، باب : فمن تمتّع بالعمرة إلی الحجّ. وذکره السیوطی فی الدرّ المنثور : 1 / 217 [1 / 521] نقلاً عن البخاری ومسلم : [3 / 83 ح 204 کتاب الحج]. (المؤلف)
2- إرشاد الساری : 4 / 236 ح 1688.
3- جامع بیان العلم : ص 246 ح 1285 ، مختصر جامع بیان العلم : ص 199 ح 180.
4- زاد المعاد : 1 / 214.

وکان ما ذا؟ وحبّذا ذلک وقد طاف النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم علی نسائه ثمّ أصبح محرماً ، ولا خلاف أنّ الوطء مباح قبل الإحرام بطرفة عین ، والله أعلم.

أخرجه أبو یوسف القاضی فی کتاب الآثار (ص 97) روایة عن أبی حنیفة ، عن حمّاد ، عن إبراهیم ، عن عمر بن الخطّاب ؛ أنّه بینا هو واقف بعرفات إذ أبصر رجلاً یقطر رأسه طیباً فقال له عمر : ألست محرماً ویحک؟ فقال : بلی یا أمیر المؤمنین. قال : ما لی أراک یقطر رأسک طیباً؟ والمحرم أشعث أغبر. قال : أهللت بالعمرة مفردة وقدمت مکة ومعی أهلی ففرغت من عمرتی ، حتی إذا کان عشیّة الترویة أهللت بالحجّ ، قال : فرأی عمر أنّ الرجل قد صدقه إنّما عهده بالنساء والطیب بالأمس ، فنهی عمر عند ذلک عن المتعة وقال : إذاً والله لأوشکتم لو خلّیت بینکم وبین المتعة أن تضاجعوهنّ تحت أراک عرفة ثمّ تروحون حجّاجاً.

14 - عن ابن عبّاس ، قال : سمعت عمر یقول : والله إنّی لأنهاکم عن المتعة وإنّها لفی کتاب الله ، ولقد فعلها رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یعنی العمرة فی الحجّ. أخرجه النسائی فی سننه (1) (5 / 153).

15 - عن عبد الله بن عمر ؛ أنّ عمر بن الخطّاب قال : افصلوا بین حجّکم وعمرتکم ، فإنّ ذلک أتمّ لحجّ أحدکم ، وأتمّ لعمرته أن یعتمر فی غیر أشهر الحجّ.

موطّأ مالک (2) (1 / 252) ، سنن البیهقی (5 / 5) ، تیسیر الوصول (3) (1 / 279) ، وأخرجه ابن أبی شیبة کما فی الدرّ المنثور (4) (1 / 281) ولفظه :

قال عمر : افصلوا بین حجّکم وعمرتکم ، اجعلوا الحجّ فی أشهر الحجّ ، 5.

ص: 288


1- السنن الکبری : 2 / 349 ح 3716.
2- موطّأ مالک : 1 / 347 ح 67.
3- تیسیر الوصول : 1 / 330 ح 2.
4- الدرّ المنثور : 1 / 525.

واجعلوا العمرة فی غیر أشهر الحجّ ، أتمّ لحجّکم ولعمرتکم.

16 - عن سعید بن المسیّب : أنّ عمر بن الخطّاب نهی عن المتعة فی أشهر الحجّ وقال : فعلتها مع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وأنا أنهی عنها ، وذلک أنّ أحدکم یأتی من أُفق من الآفاق شعثاً نصباً معتمراً فی أشهر الحجِّ ، وإنّما شعثه ونصبه وتلبیته فی عمرته ثمّ یقدم فیطوف بالبیت ویحلُّ ویلبس ویتطیّب ویقع علی أهله إن کانوا معه ، حتی إذا کان یوم الترویة أهلَّ بالحجّ وخرج إلی منی یلبِّی بحجّة لا شعث فیها ولا نصب ولا تلبیة إلاّ یوماً والحجّ أفضل من العمرة ، لو خلّینا بینهم وبین هذا لعانقوهنّ تحت الأراک ، مع أنّ أهل البیت لیس لهم ضرع ولا زرع وإنّما ربیعهم فیمن یطرأ علیهم.

ذکره السیوطی فی جمع الجوامع کما فی ترتیبه الکنز (1) (3 / 32) نقلاً عن أبی نعیم فی الحلیة (2) ، وأحمد والبخاری ومسلم والنسائی والبیهقی.

17 - أخرج القاضی أبو یوسف فی کتاب الآثار (ص 99) ، عن أبی حنیفة ، عن حماد ، عن إبراهیم ، قال : إنّما نهی عمر عن الإفراد - یعنی إفراد المتعة - فأمّا القران فلا.

- 69 -

متعة النساء

1 - عن جابر بن عبد الله قال : کنّا نستمتع بالقبضة من التمر والدقیق الأیام علی عهد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وأبی بکر حتی - ثمّ - نهی عنه عمر فی شأن عمرو بن حریث (3).2.

ص: 289


1- کنز العمّال : 5 / 164 ح 12477.
2- حلیة الأولیاء : 5 / 205.
3- صحیح مسلم : 3 / 194 ح 16 کتاب النکاح ، جامع الأُصول : 12 / 135 ح 8953 ، تیسیر الوصول : 4 / 315 ح 5 ، زاد المعاد : 2 / 184 ، فتح الباری : 9 / 172 ، کنز العمّال : 16 / 523 ح 45732.

صحیح مسلم (1 / 395) ، جامع الأُصول لابن الأثیر ، تیسیر الوصول لابن الدیبع (4 / 262) ، زاد المعاد لابن القیّم (1 / 444) ، فتح الباری لابن حجر (9 / 141) ، کنز العمّال (8 / 294).

2 - عن عروة بن الزبیر : أنّ خولة بنت حکیم دخلت علی عمر بن الخطّاب رضی الله عنه فقالت : إنّ ربیعة بن أُمیّة استمتع بامرأة مولّدة فحملت منه ، فخرج عمر رضی الله عنه یجرّ رداءه فزعاً فقال : هذه المتعة ، ولو کنت تقدّمت فیه لرجمته.

إسناد صحیح رجاله کلّهم ثقات أخرجه مالک فی الموطّأ (1) (2 / 30) ، والشافعی فی کتاب الأُمّ (2) (7 / 219) ، والبیهقی فی السنن الکبری (7 / 206).

3 - عن الحکم ، قال : قال علیّ رضی الله عنه : «لو لا أنّ عمر رضی الله عنه نهی عن المتعة ما زنی إلاّ شقی».

صورة أخری :

عن الحکم ؛ أنّه سُئل عن هذه الآیة - آیة متعة النساء - أمنسوخة؟ قال : لا.

وقال علیّ : «لو لا أنّ عمر نهی عن المتعة ما زنی إلاّ شقی» (3).

تفسیر الطبری (5 / 9) بإسناد صحیح ، تفسیر الثعلبی ، تفسیر الرازی (3 / 200) ، تفسیر أبی حیّان (3 / 218) ، تفسیر النیسابوری ، الدرّ المنثور (2 / 140) بعدّة طرق.

4 - عن ابن جریج ، عن عطاء ، قال : سمعت ابن عبّاس یقول : رحم الله عمر 6.

ص: 290


1- موطّأ مالک : 2 / 542 ح 42.
2- کتاب الأُمّ : 7 / 235.
3- جامع البیان : مج 4 / ج 5 / 13 ، الکشف والبیان : الورقة 142 سورة النساء : آیة 24 ، التفسیر الکبیر : 10 / 50 ، تفسیر النیسابوری : 2 / 392 ، الدرّ المنثور : 2 / 486.

ما کانت المتعة إلاّ رحمة من الله تعالی رحم بها أُمّة محمد ، ولولا نهیه لما احتاج إلی الزنا إلاّ شفی (1).

أحکام القرآن للجصّاص (2 / 179) ، بدایة المجتهد لابن رشد (2 / 58) ، النهایة لابن الأثیر (2 / 249) ، الغریبین للهروی ، الفائق للزمخشری (1 / 331) ، تفسیر القرطبی (5 / 130) وفیه بدل إلاّ شفی : إلاّ شقیّ. وکذلک فی تفسیر السیوطی (2 / 140) من طریق الحافظین عبد الرزاق وابن المنذر عن عطاء ، لسان العرب لابن منظور (19 / 166) ، تاج العروس (10 / 200) وحذف من صدر الحدیث : رحم الله عمر ، وزاد هو وابن منظور. قال عطاء : والله لکأنّی أسمع قوله إلاّ شفیً (2).

5 - أخرج الحافظ عبد الرزاق فی مصنّفه (3) عن ابن جریج قال : أخبرنی أبو الزبیر عن جابر قال : قدم عمرو بن حریث الکوفة فاستمتع بمولاة ، فأُتی بها عمر وهی حبلی ، فسأله فاعترف ، قال : فذلک حین نهی عنها عمر. فتح الباری (4) (9 / 141).

6 - أخرج الحافظ ابن أبی شیبة (5) ، عن نافع : أنّ ابن عمر سُئل عن المتعة ، فقال : حرام. فقیل له : ابن عبّاس یفتی بها ، قال : فهلاّ ترمرم بها - تزمزم - فی زمان عمر. الدرّ المنثور (6) (2 / 140) ، جمع الجوامع (7) نقلاً عن ابن جریر. 3.

ص: 291


1- أی إلاّ قلیلاً من الناس ، قاله ابن الأثیر فی النهایة [2 / 488]. (المؤلف)
2- أحکام القرآن : 2 / 147 ، النهایة : 2 / 488 ، الفائق فی غریب الحدیث : 2 / 255 ، الجامع لأحکام القرآن : 5 / 86 ، الدرّ المنثور : 2 / 487 ، لسان العرب : 13 / 15.
3- المصنّف : 7 / 500 ح 14029.
4- فتح الباری : 9 / 172.
5- المصنّف فی الأحادیث والآثار : 4 / 293.
6- الدرّ المنثور : 2 / 487.
7- کنز العمّال : 16 / 521 ح 45723.

7 - أخرج الطبری ، عن جابر ، قال : کانوا یتمتّعون من النساء حتی نهاهم عمر بن الخطّاب. کنز العمّال (1) (8 / 293).

8 - عن سلیمان بن یسار ، عن أُمّ عبد الله ابنة أبی خیثمة : أنّ رجلاً قدم من الشام فنزل علیها فقال : إنّ العزبة قد اشتدّت علیَّ فأبغینی امرأةً أتمتّع معها. قالت : فدللته علی امرأة فشارطها وأشهدوا علی ذلک عدولاً ، فمکث معها ما شاء الله أن یمکث ، ثمّ إنّه خرج فأخبر عن ذلک عمر بن الخطّاب ، فأرسل إلیَّ فسألنی أحقّ ما حدّثت؟

قلت : نعم. قال : فإذا قدم فأذنینی ، فلمّا قدم أخبرته ، فأرسل إلیه فقال : ما حملک علی الذی فعلته؟ قال : فعلته مع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ثمّ لم ینهنا عنه حتی قبضه الله ، ثمّ مع أبی بکر فلم ینهنا عنه حتی قبضه الله ، ثمّ معک فلم تحدث لنا فیه نهیاً. فقال عمر : أما والذی نفسی بیده لو کنت تقدّمت فی نهی لرجمتک ، بیّنوا حتی یعرف النکاح من السفاح. کنز العمّال (2) (8 / 294) من طریق الطبری.

9 - أخرج الحفّاظ عبد الرزّاق (3) ، وأبو داود فی ناسخه ، وابن جریر الطبری (4) ، عن علیّ أمیر المؤمنین ، قال : «لو لا ما سبق من رأی عمر بن الخطّاب لأمرت بالمتعة ، ثمّ ما زنی إلاّ شقیّ». کنز العمّال (5) (8 / 294).

10 - قال عطاء : قدم جابر بن عبد الله معتمراً فجئناه فی منزله ، فسأله القوم عن أشیاء ثمّ ذکروا المتعة ، فقال : استمتعنا علی عهد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وأبی بکر وعمر. 8.

ص: 292


1- کنز العمّال : 16 / 520 ح 45719.
2- کنز العمّال : ص 522 ح 45726.
3- المصنّف : 7 / 500 ح 14029.
4- جامع البیان : مج 4 / ج 5 / ص 13.
5- کنز العمّال : 16 / 522 ح 45728.

وفی لفظ أحمد : حتی إذا کان فی آخر خلافة عمر رضی الله عنه.

صحیح مسلم (1) (1 / 395) فی باب نکاح المتعة ، مسند أحمد (2) (3 / 380) ، وذکره فخر الدین أبو محمد الزیلعی فی تبیان الحقائق شرح کنز الدقائق ولفظه : تمتّعنا علی عهد رسول الله وأبی بکر ونصفاً من خلافة عمر ثمّ نهی الناس عنه.

11 - عن عمران بن حصین قال : نزلت آیة المتعة فی کتاب الله تعالی لم تنزل آیة بعدها تنسخها ، فأمرنا بها رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وتمتّعنا مع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ومات ولم ینهنا عنها ، قال رجل بعد برأیه ما شاء (3).

ذکره المفسِّرون عند قوله تعالی : (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِیضَةً) (4) فی بیان حجّة من جوّز متعة النکاح ، وبعضهم فی مقام إثبات نسبة الجواز إلی عمران بن حصین. راجع (5) تفسیر الثعلبی ، تفسیر الرازی (3 / 200 و 202) ، تفسیر أبی حیّان (3 / 218) ، تفسیر النیسابوری.

12 - عن نافع ، عن عبد الله بن عمر ؛ أنّه سُئل عن متعة النساء ، فقال : حرام ؛ أما إنّ عمر بن الخطّاب رضی الله عنه لو أخذ فیها أحداً لرجمه بالحجارة.

السنن الکبری للبیهقی (7 / 206).

13 - کان عمر رضوان الله علیه یقول : والله لا أُوتی برجل أباح المتعة إلاّ رجمته. ذکره سبط ابن الجوزی فی مرآة الزمان. 2.

ص: 293


1- صحیح مسلم : 3 / 193 ح 15 کتاب النکاح.
2- مسند أحمد : 4 / 365 ح 14655.
3- مرّت مصادر هذا الحدیث فی صحیفة : 198. (المؤلف)
4- النساء : 24.
5- الکشف والبیان : الورقة 142 سورة النساء : آیة 24 ، التفسیر الکبیر : 10 / 49 ، 53 ، تفسیر النیسابوری : 2 / 392.

14 - عن أبی سعید الخدری وجابر بن عبد الله ، قالا : تمتّعنا إلی نصف من خلافة عمر رضی الله عنه حتی نهی عمر الناس عنها فی شأن عمرو بن حریث. عمدة القاری للعینی (1) (8 / 310).

وأخرجه ابن رشد فی بدایة المجتهد (2 / 58) عن جابر بلفظ : تمتّعنا علی عهد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وأبی بکر ونصفاً من خلافة عمر ، ثمّ نهی عنها عمر الناس.

15 - عن أیّوب ؛ قال عروة لابن عبّاس : ألا تتّقی الله ترخِّص فی المتعة؟ فقال ابن عبّاس : سل أُمّک یا عریّة! فقال عروة : أمّا أبو بکر وعمر فلم یفعلا. فقال ابن عبّاس : والله ما أراکم منتهین حتی یعذِّبکم الله ، نحدِّثکم عن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وتحدِّثونا عن أبی بکر وعمر (2).

إحالة ابن عبّاس فصل القضاء علی أُمِّ عروة أسماء بنت أبی بکر إنّما هی لتمتّع الزبیر بها ، وأنّها ولدت له عبد الله ، قال الراغب فی المحاضرات (3) (2 / 94) : عیّر عبد الله ابن الزبیر عبد الله بن عبّاس بتحلیله المتعة ، فقال له : سل أُمّک کیف سطعت المجامر بینها وبین أبیک ، فسألها فقالت : ما ولدتک إلاّ فی المتعة.

وقال ابن عبّاس : أوّل مجمر سطع فی المتعة مجمر آل الزبیر (4).

وأخرج مسلم فی صحیحه (5) (1 / 354) عن مسلم القری ، قال : سألت ابن عبّاس عن متعة الحجّ فرخّص فیها وکان ابن الزبیر ینهی عنها ، فقال : هذه أُمّ ابن ّ.

ص: 294


1- عمدة القاری : 17 / 246.
2- أخرجه أبو عمر فی العلم : 2 / 196 [ص 434 ح 2095] ، وفی مختصره : ص 226 [ص 391 ح 255] ، وذکره ابن القیّم فی زاد المعاد : 1 / 219 [1 / 213]. (المؤلف)
3- محاضرات الأدباء : مج 2 / ج 3 / 214.
4- العقد الفرید : 2 / 139 [3 / 205]. (المؤلف)
5- صحیح مسلم : 3 / 81 ح 194 و 195 کتاب الحجّ.

الزبیر تحدِّث أنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم رخّص فیها فادخلوا علیها فاسألوها. قال : فدخلنا علیها فإذا امرأة ضخمة عمیاء فقالت : قد رخّص رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فیها.

أخرجه بهذا اللفظ من طریقین ، ثمّ قال : فأمّا عبد الرحمن ففی حدیثه (المتعة) ولم یقل (متعة الحجّ). وأمّا ابن جعفر فقال : قال شعبة : قال مسلم - یعنی القری - : لا أدری متعة الحجّ أو متعة النساء.

والمتعة وإن أُطلقت فی لفظ عبد الرحمن ولا یدری مسلم أیّ المتعتین هی ، غیر أنّ أبا داود الطیالسی أخرج فی مسنده (ص 227) عن مسلم القری ، قال : دخلنا علی أسماء بنت أبی بکر فسألناها عن متعة النساء ، فقالت : فعلناها علی عهد النبی صلی الله علیه وآله وسلم.

نعم ، فیما أخرجه أحمد فی مسنده (1) (6 / 348) متعة الحجّ ، رواه من طریق شعبة ، وقد سمعت حکایته عن مسلم تردده ، فلعلّها قیّدت بعد بذلک تحفّظاً علی کرامة ابن الزبیر ، وتخفّیاً علی القارئ کونه ولید المتعة.

16 - أخرج ابن الکلبی ، أنّ سلمة بن أُمیّة بن خلف الجمحی استمتع من سلمی مولاة حکیم بن أُمیّة بن الأوقص الأسلمی ، فولدت له فجحد ولدها ، فبلغ ذلک عمر فنهی عن المتعة. وروی أیضاً : أنّ سلمة استمتع بامرأة فبلغ عمر فتوعّده. الإصابة (2 / 63). 6.

ص: 295


1- مسند أحمد : 7 / 487 ح 26406.
المتعتان
متعة الحجّ ومتعة النساء

1 - عن أبی نضرة ، قال : کنت عند جابر بن عبد الله فأتاه آتٍ فقال : ابن عبّاس وابن الزبیر اختلفا فی المتعتین ، فقال جابر : فعلناهما مع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ثمّ نهانا عنهما عمر فلم نعد لهما. صحیح مسلم (1) (1 / 395) ، سنن البیهقی (7 / 206).

صورة أخری :

عن أبی نضرة ، عن جابر رضی الله عنه ، قال : قلت : إنّ ابن الزبیر ینهی عن المتعة وإنّ ابن عبّاس یأمر بها. قال : علی یدی جری الحدیث ، تمتّعنا مع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ومع أبی بکر رضی الله عنه ، فلمّا ولی عمر خطب الناس فقال : إنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم هذا الرسول ، وإنّ القرآن هذا القرآن ، وإنّهما کانتا متعتان (2) علی عهد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وأنا أنهی عنهما وأُعاقب علیهما : إحداهما متعة النساء ، ولا أقدر علی رجل تزوّج امرأة إلی أجل إلاّ غیّبته بالحجارة ، والأخری متعة الحجّ.

سنن البیهقی (7 / 206) فقال : أخرجه مسلم فی الصحیح (3) من وجه آخر عن همام. ّ.

ص: 296


1- صحیح مسلم : 3 / 194 ح 17 کتاب النکاح.
2- کذا فی المصدر أیضاً.
3- صحیح مسلم : 3 / 56 ح 145 کتاب الحجّ.

صورة ثالثة :

عن جابر بن عبد الله ، قال : تمتّعنا متعتین علی عهد النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم : الحجّ والنساء فنهانا عمر عنهما فانتهینا.

أخرجه إمام الحنابلة أحمد فی مسنده (1) (3 / 356 ، 363) بطریقین ؛ أحدهما طریق عاصم صحیح رجاله کلّهم ثقات بالاتّفاق. وذکره السیوطی کما فی کنز العمّال (2) (8 / 293) عن الطبری.

صورة رابعة :

عن أبی نضرة ، قال : کان ابن عبّاس یأمر بالمتعة وکان ابن الزبیر ینهی عنها ، قال : فذکرت ذلک لجابر بن عبد الله ، فقال : علی یدی دار الحدیث ، تمتّعنا مع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فلمّا قام عمر قال : إنّ الله کان یحلُّ لرسوله ما شاء بما شاء فأتمّوا الحجّ والعمرة کما أمر الله ، وانتهوا - وأبتوا - عن نکاح هذه النساء ، لا أُوتی برجل نکح - تزوّج - امرأة إلی أجل إلاّ رجمته (3).

صحیح مسلم (1 / 467) ، أحکام القرآن للجصّاص (2 / 178) ، سنن البیهقی (5 / 21) ، تفسیر الرازی (3 / 26) ، کنز العمّال (8 / 293) ، الدرّ المنثور (1 / 216).

صورة خامسة :

قال قتادة : سمعت أبا نضرة یقول : قلت لجابر بن عبد الله : إنّ ابن الزبیر ینهی 0.

ص: 297


1- مسند أحد : 4 / 325 ح 14420 و 337 ح 14500.
2- کنز العمّال : 16 / 520 ح 45720.
3- صحیح مسلم : 3 / 56 ح 145 کتاب الحجّ ، أحکام القرآن : 2 / 147 ، التفسیر الکبیر : 10 / 51 ، کنز العمّال : 16 / 521 ح 45725 ، الدرّ المنثور : 1 / 520.

عن المتعة وإنّ ابن عبّاس یأمر بها ، قال جابر : علی یدی دار الحدیث ، تمتّعنا علی عهد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، فلمّا کان عمر بن الخطّاب ، وقال : إنّ الله عزّ وجلّ کان یحلُّ لنبیّه ما شاء ، وإنّ القرآن قد نزل منازله ، فافصلوا حجّکم من عمرتکم ، واتّبعوا نکاح هذه النساء ، فلا أُوتی برجل تزوّج امرأة إلی أجل إلاّ رجمته. مسند أبی داود الطیالسی (ص 247).

قال الأمینی : لمّا لم یکن رجم المتمتّع بالنساء مشروعاً ولم یحکم به فقهاء القوم لشبهة العقد هناک ، قال الجصّاص (1) بعد ذکر الحدیث : فذکر عمر الرجم فی المتعة جائز أن یکون علی جهة الوعید والتهدید لینزجر الناس عنها.

2 - عن عمر ، أنّه قال فی خطبته : متعتان کانتا علی عهد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وأنا أنهی عنهما وأُعاقب (2) علیهما : متعة الحجّ ، ومتعة النساء ، وفی لفظ الجصّاص : لو تقدّمت فیها لرجمت (3).

البیان والتبیین للجاحظ (2 / 223) ، أحکام القرآن للجصّاص (1 / 342 ، 345 و 2 / 184) ، تفسیر القرطبی (2 / 370) ، المبسوط للسرخسی الحنفی - فی باب القرآن من کتاب الحجّ - وصحّحه ، زاد المعاد لابن القیّم (1 / 444) فقال : ثبت عن عمر ، تفسیر الفخر الرازی (2 / 167 و 3 / 201 ، 202) ، کنز العمّال (8 / 293) نقله عن کتاب أبی صالح والطحاوی ، و (ص 294) عن ابن جریر الطبری وابن عساکر ، ضوء الشمس (2 / 94).

استدلّ المأمون علی جواز المتعة بهذا الحدیث وهمَّ بأن یحکم بها ، کما فی تاریخ 6.

ص: 298


1- أحکام القرآن : 2 / 147.
2- أضرب فیهما ، کذا فی لفظ غیر واحد. وفی لفظ الجاحظ : أضرب علیهما. (المؤلف)
3- البیان والتبیین : 2 / 193 ، أحکام القرآن : 1 / 290 و 293 و 2 / 152 ، الجامع لأحکام القرآن : 2 / 261 ، کتاب المبسوط : 4 / 27 ، زاد المعاد : 2 / 184 ، التفسیر الکبیر : 5 / 153 و 10 / 52 ، 53 ، کنز العمّال : 16 / 519 ح 45715 و 521 ح 45722 شرح معانی الآثار : 2 / 146 ح 3686.

ابن خلّکان (1) (2 / 359) طبع إیران واللفظ هناک : متعتان کانتا علی عهد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وعلی عهد أبی بکر رضی الله عنه وأنا أنهی عنهما.

خطبة عمر هذه فی المتعتین من المتسالم علیه بالألفاظ المذکورة ، غیر أنّ أحمد إمام الحنابلة (2) أخرج الحدیث باللفظ الثانی لجابر وحذف منه ما حسبه خدمة للمبدإ ولفظه : فلمّا ولی عمر رضی الله عنه خطب الناس فقال : إنّ القرآن هو القرآن وإنّ رسول الله هو الرسول وإنّهما کانتا متعتان (3) علی عهد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ؛ إحداهما متعة الحجّ ، والأخری متعة النساء.

3 - أخرج الحافظ ابن أبی شیبة ، عن سعید بن المسیّب ، قال : نهی عمر عن متعتین : متعة النساء ومتعة الحجّ. الدرّ المنثور (4) (2 / 140) ، کنز العمّال (5) (8 / 293) نقلاً عن مسدّد.

4 - أخرج الطبری ، عن عروة بن الزبیر ، أنّه قال لابن عبّاس : أهلکت الناس ، قال : وما ذاک؟ قال : تفتیهم فی المتعتین وقد علمت أنّ أبا بکر وعمر نهیا عنهما؟ فقال : ألا للعجب إنِّی أُحدِّثه عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ویحدّثنی عن أبی بکر وعمر. فقال : هما کانا أعلم بسنّة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وأتبع لها منک. کنز العمّال (6) (8 / 293) ، مرآة الزمان للسبط الحنفی (ص 99).

5 - قال الراغب فی المحاضرات (7) (2 / 94): قال یحیی بن أکثم لشیخ بالبصرة :4.

ص: 299


1- وفیات الأعیان : 6 / 150 رقم 793.
2- مسند أحمد : 1 / 84 ح 371.
3- کذا.
4- الدرّ المنثور : 2 / 487.
5- کنز العمّال : 16 / 520 ح 45718.
6- کنز العمّال : ص 519 ح 45713.
7- محاضرات الأدباء : مج 2 / ج 3 / 214.

بمن اقتدیت فی جواز المتعة؟ قال : بعمر بن الخطّاب رضی الله عنه. قال : کیف وعمر کان أشدّ الناس فیها؟ قال : لأنّ الخبر الصحیح أنّه صعد المنبر فقال : إنّ الله ورسوله قد أحلاّ لکم متعتین وإنِّی محرِّمهما علیکم وأُعاقب علیهما. فقبلنا شهادته ولم نقبل تحریمه.

6 - أخرج الطبری فی تاریخه (1) (5 / 32) عن عمران بن سوادة ، قال : صلّیت الصبح مع عمر فقرأ سبحان وسورة معها ثمّ انصرف وقمت معه ، فقال : أحاجة؟ قلت : حاجة. قال : فالحق. قال : فلحقت ، فلمّا دخل أذن لی ، فإذا هو علی سریر لیس فوقه شیء ، فقلت : نصیحة. فقال : مرحباً بالناصح غدوّا وعشیّا. قلت : عابت أُمّتک [منک] (2) أربعاً. قال : فوضع رأس درّته فی ذقنه ووضع أسفلها علی فخذه ثمّ قال : هات. قلت : ذکروا أنک حرّمت العمرة فی أشهر الحجِ ولم یفعل ذلک رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ولا أبو بکر رضی الله عنه وهی حلال. قال : هی حلال ، لو أنّهم اعتمروا فی أشهر الحجّ رأوها مجزیة من حجِّهم فکانت قائبة قوب عامها فقرع حجّهم وهو بهاء من بهاء الله وقد أصبت. قلت : وذکروا أنّک حرّمت متعة النساء وقد کانت رخصة من الله نستمتع بقبضة ونفارق عن ثلاث. قال : إنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أحلّها فی زمان ضرورة ثمّ رجع الناس إلی السعة ثمّ لم أعلم أحداً من المسلمین عمل بها ولا عاد إلیها ، فالآن من شاء نکح بقبضة وفارق عن ثلاث بطلاق وقد أصبت. قال : قلت : وأعتقت الأمة إن وضعت ذا بطنها بغیر عتاقة سیّدها. قال : ألحقت حرمة بحرمة وما أردت إلاّ الخیر وأستغفر الله. قلت : وتشکو منک نهر الرعیّة وعنف السیاق. قال : فشرع الدرّة ثمّ مسحها حتی أتی علی آخرها ، ثمّ قال : أنا زمّیل محمد - وکان زامله فی غزوة قرقرة الکدر - فو الله إنّی لأرتع فأُشبع ، وأسقی فأروی ، وأنهز اللفوت (3) وأزجر العروض (4) ف)

ص: 300


1- تاریخ الأُمم والملوک : 4 / 225 حوادث سنة 23 ه.
2- الزیادة من المصدر.
3- النهز : الضرب والدفع. واللفوت : الناقة الضجور عند الحلب. (المؤلف)
4- العروض : الناقة تأخذ یمیناً وشمالاً ولا تلزم المحجّة. (المؤلف)

وأذب قدری ، وأسوق خطوی ، وأضمّ العنود (1) وألحق القطوف (2) وأکثر الزجر ، وأقل الضرب ، وأشهر العصا ، وأدفع بالید ، لو لا ذلک لأعذرت (3). قال : فبلغ ذلک معاویة فقال : کان والله عالماً برعیّتهم.

وذکره ابن أبی الحدید فی شرحه (4) (3 / 28) نقلاً عن ابن قتیبة والطبری.

7 - أخرج الطبری فی المستبین ، عن عمر أنّه قال : ثلاث کنَّ علی عهد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وأنا محرّمهنَّ ومعاقب علیهنَّ : متعة الحجِّ ، ومتعة النساء ، وحیَّ علی خیر العمل فی الأذان.

وذکره القوشجی فی شرح التجرید (5) وسیوافیک قوله فیه. وحکاه عن الطبری الشیخ علی البیاضی فی کتابه الصراط المستقیم (6).

هذا شطر من أحادیث المتعتین وهی تربو علی أربعین حدیثاً بین صحاح وحسان تعرب عن أنّ المتعتین کانتا علی عهد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، ونزل فیهما القرآن وثبتت إباحتهما بالسنّة وأوّل من نهی عنهما عمر.

وعدّه العسکری فی أوائله (7) ، والسیوطی فی تاریخ الخلفاء (8) (ص 93) ، 8.

ص: 301


1- العنود : المائل عن القصد. (المؤلف)
2- القطوف : من الدواب التی تسیء السیر. (المؤلف)
3- کذا فی الطبعة التی اعتمدها المؤلف ، وفی الطبعة المحققة المعتمدة لدینا : لأغدرت ، أی لغادرت الحقّ والصواب.
4- شرح نهج البلاغة : 12 / 121 الخطبة 223.
5- شرح التجرید : ص 484.
6- الصراط المستقیم : 3 / 277.
7- الأوائل : ص 112.
8- تاریخ الخلفاء : ص 128.

والقرمانی فی تاریخه (1) - هامش الکامل - (1 / 203) ، أوّل من حرّم المتعة.

نظرة فی المتعتین

هذه جملة ممّا ورد فیهما من الأحادیث ، وهی کما تری بنفسها وافیة بإثبات تشریعهما علی العهد النبوی کتاباً وسنّة من دون نسخ یعقب حکمهما ، أضف إلیها من الأحادیث الکثیرة الدالّة علی إباحتهما ولم نذکرها لخلوِّها عن نهی عمر ، ولم یکن النهی منه فی المتعتین إلاّ رأیاً محضاً أو اجتهاداً مجرّداً تجاه النصِّ.

أمّا متعة الحجِّ :

فقد نهی عنها لما استهجنه من توجّه الناس إلی الحجِّ ورؤوسهم تقطر ماءً بعد مجامعة النساء بعد تمام العمرة ، لکنّ الله سبحانه کان أبصر منه بالحال ، ونبیّه صلی الله علیه وآله وسلم کان یعلم ذلک حین شرّع إباحة متعة الحجِّ حکماً باتّا أبدیّا إلی یوم القیامة کما هو نصُّ الأحادیث الآنفة والآتیة ، ولم یکن ما جاء به إلاّ استحساناً یخصُّ به لا یعوّل علیه وجاه الکتاب والسنّة.

هذا ما رآه الخلیفة هو بنفسه فی مستند حکمه ، وهناک أقاویل منحوتة جاءوا بها شوهاء لیعضدوا تلک الفتوی المجرّدة ، ویبرِّروا بها ما قدم علیه الخلیفة وتفرّد به ، وکلّها یخالف ما نصَّ علیه هو بنفسه ، وهی أعذار مفتعلة لا تدعم قولاً ولا تغنی من الحقِّ شیئاً. فمنها :

1 - إنّ المتعة التی نهی عنها عمر هی فسخ الحجِّ إلی العمرة التی یحجّ بعدها. وتدفعه نصوص الصحاح المذکورة عن ابن عبّاس ، وعمران بن الحصین ، وسعد بن أبی وقّاص ، ومحمد بن عبد الله بن نوفل ، وأبی موسی الأشعری ، والحسن ، وبعدها 9.

ص: 302


1- أخبار الدول : 1 / 289.

نصوص العلماء علی أنّ المنهیّ عنه للخلیفة هو متعة الحجِّ والجمع بین الحجِّ والعمرة.

وقبل هذه کلّها تنصیص عمر نفسه علی ذلک وتعلیله للنهی عنها بقوله : إنّی أخشی أن یعرِّسوا بهنّ تحت الأراک ثمّ یروحوا بهن حجّاجاً. وقوله : إنِّی لو رخّصت فی المتعة لهم لعرّسوا بهنّ فی الأراک ثمّ راحوا بهنّ حجّاجاً. وقوله : کرهت أن یظلّوا معرِّسین بهنّ فی الأراک ثمّ یروحوا فی الحجِّ تقطر رءوسهم.

وقال الشیخ بدر الدین العینی الحنفی فی عمدة القاری شرح صحیح البخاری (1) (4 / 568) : قال عیاض وغیره جازمین ؛ بأنّ المتعة التی نهی عنها عمر وعثمان هی فسخ الحجِّ إلی العمرة لا العمرة التی یحجّ بعدها. قلت : یرد علیهم ما جاء فی روایة مسلم فی بعض طرقه التصریح بکونها متعة الحجِّ ، وفی روایة له : إنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أعمر بعض أهله فی العشر. وفی روایة له : جمع بین حجّ وعمرة. ومراده التمتّع المذکور وهو الجمع بینهما فی عام واحد. انتهی.

2 - اختصاص إباحة المتعة بالصحابة فی عمرتهم مع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فحسب. عزوا ذلک إلی عثمان وإلی الصحابی العظیم أبی ذر الغفاری ، ویرد علیه کما فی زاد المعاد لابن القیّم (2) (1 / 213) : إنّ تلکم الآثار الدالّة علی الاختصاص بالصحابة بین باطل لا یصحّ عمّن نُسب إلیه البتّة ، وبین صحیح عن قائل غیر معصوم لا یعارض به نصوص المشرِّع المعصوم. ففی صحیحة الشیخین وغیرهما عن سراقة بن مالک قال : متعتنا هذه یا رسول الله لعامنا هذا أم للأبد؟ قال : «لا بل للأبد - لأبد الأبد» (3).ف)

ص: 303


1- عمدة القاری : 9 / 205.
2- زاد المعاد : 1 / 207.
3- صحیح البخاری : 3 / 148 [2 / 632 ح 1693] کتاب الحجّ باب عمرة التنعیم ، صحیح مسلم : 1 / 346 [3 / 54 ح 141 کتاب الحجّ] ، کتاب الآثار للقاضی أبی یوسف : ص 126 ، سنن ابن ماجة : 2 / 230 [2 / 992 ح 2980] ، مسند أحمد : 3 / 388 و 4 / 175 [4 / 378 ح 14743 و 5 / 187 ح 17140] ، سنن أبی داود : 2 / 282 [2 / 155 ح 1787] ، صحیح النسائی : 5 / 178 [2 / 366 ح 3787 - 3789] ، سنن البیهقی : 5 / 19. (المؤلف)

وفی صحیحة أخری ، عن سراقة ، قال : قام رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم خطیباً فقال : «ألا إنّ العمرة قد دخلت فی الحجِّ إلی یوم القیامة» (1).

وفی صحیحة عن ابن عبّاس ، قال : «دخلت العمرة فی الحجِّ إلی یوم القیامة» (2) قال الترمذی بعده فی صحیحه (3) (1 / 175) : وفی الباب عن سراقة بن مالک وجابر بن عبد الله ، ومعنی هذا الحدیث : أن لا بأس بالعمرة فی أشهر الحجّ ، وهکذا فسّره الشافعی وأحمد وإسحاق ، ومعنی هذا الحدیث : أنّ أهل الجاهلیة کانوا لا یعتمرون فی أشهر الحجِّ ، فلمّا جاء الإسلام رخّص النبیُّ صلی الله علیه وآله وسلم فی ذلک فقال : «دخلت العمرة فی الحجّ إلی یوم القیامة». یعنی لا بأس بالعمرة فی أشهر الحجِّ. انتهی.

وفی صحیحة عن عمر نفسه ، قال : قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «أتانی جبرئیل علیه السلام وأنا بالعقیق فقال : صلِّ فی هذا الوادی المبارک رکعتین وقل : عمرة فی حجّة فقد دخلت العمرة فی الحجّ إلی یوم القیامة» (4). فما أجرأ الخلیفة علی سنّة أخبره بها رسول الله ، وأتی بها جبرئیل!

وقال السندی فی حاشیة سنن ابن ماجة (2 / 231) : ظاهر حدیث بلال موافقة نهی عمر عن المتعة ، والجمهور علی خلافه ، وأنّ المتعة غیر مخصوصة بهم ، فلذلک حملوا المتعة بالفسخ والله أعلم. انتهی.

وحدیث بلال هذا من الأحادیث الدالّة علی اختصاص المتعة بالصحابة ، وفیه ف)

ص: 304


1- مسند أحمد : 4 / 175 [5 / 186 ح 17132 و 17133] ، سنن ابن ماجة : 2 / 229 [2 / 991 ح 2977] ، سنن البیهقی : 4 / 352. (المؤلف)
2- صحیح مسلم : 1 / 355 [3 / 83 ح 203 کتاب الحجّ] ، سنن الدارمی : 2 / 51 ، صحیح الترمذی : 1 / 175 [3 / 271 ح 932] ، سنن أبی داود : 1 / 283 [2 / 156 ح 1790] ، سنن النسائی : 5 / 181 [2 / 368 ح 3797] ، سنن البیهقی : 4 / 344 ، تفسیر ابن کثیر : 1 / 230 وصحّحه. (المؤلف)
3- سنن الترمذی : 3 / 271 ح 932.
4- أخرجه البیهقی فی سننه : 5 / 13 وقال : رواه البخاری فی الصحیح [2 / 556 ح 1461] (المؤلف)

قال أحمد : لا یعرف هذا الرجل ، هذا حدیث لیس إسناده بالمعروف ، لیس حدیث بلال عندی بثبت. وقال ابن القیّم فی زاد المعاد (1) بعد نقله قول أحمد : قلت : وممّا یدلّ علی صحّة قول الإمام أحمد ، وأن هذا الحدیث لا یصحّ أنّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم أخبر عن المتعة أنّها للأبد ، فنحن نشهد بالله أنّ حدیث بلال هذا لا یصحّ عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، وهو غلط علیه ، وکیف تقدّم روایة بلال علی روایات الثقات الأثبات إلی أن قال :

قال المجوّزون للفسخ : هذا قول فاسد لا شکّ فیه بل هذا رأی لا شکّ فیه ، وقد صرّح بأنّه رأی من هو أعظم من عثمان وأبی ذرّ وعمران بن حصین. ففی الصحیحین (2) واللفظ للبخاری : تمتّعنا مع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ونزل القرآن ، فقال رجل برأیه ما شاء ، ولفظ مسلم (3) : نزلت آیة المتعة فی کتاب الله عزّ وجلّ - یعنی متعة الحجّ - وأمرنا بها رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، ثمّ لم تنزل آیة تنسخ متعة الحجّ ولم ینهَ عنها رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم حتی مات ، قال رجل برأیه ما شاء. وفی لفظ : یرید عمر. وقال عبد الله بن عمر لمن سأله عنها وقال : إنّ أباک نهی عنها : أمر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أحقّ أن یتّبع أو أبی؟ وقال ابن عبّاس لمن کان یعارضه فیها بأبی بکر وعمر : یوشک أن ینزل علیکم حجارة من السماء أقول : قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وتقولون : قال أبو بکر وعمر.

فهذا جواب العلماء لا جواب من یقول : عثمان وأبو ذرّ أعلم برسول الله صلی الله علیه وآله وسلم منکم ، وهلاّ قال ابن عبّاس وعبد الله بن عمر : أبو بکر وعمر أعلم برسول الله صلی الله علیه وآله وسلم منّا؟ ولم یکن أحد من الصحابة ولا أحد من التابعین یرضی بهذا الجواب فی دفع نصّ عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، وهم کانوا أعلم بالله ورسوله وأتقی له من أن یقدّموا علی قول المعصوم رأی غیر المعصوم. ّ.

ص: 305


1- زاد المعاد : 1 / 207 - 208.
2- صحیح البخاری : 2 / 569 ح 1496 ، صحیح مسلم : 3 / 71 ح 172 کتاب الحجّ.
3- صحیح مسلم : 3 / 70 ح 166 کتاب الحجّ.

ثمّ ثبت النصّ عن المعصوم بأنّها باقیة إلی یوم القیامة ، وقد قال ببقائها علیّ بن أبی طالب رضی الله عنه ، وسعد بن أبی وقّاص ، وابن عمر ، وابن عبّاس ، وأبو موسی ، وسعید ابن المسیّب ، وجمهور التابعین.

ویدلّ علی أنّ ذلک رأی محض لا یُنسب إلی أنه مرفوع إلی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ، أنّ عمر بن الخطّاب رضی الله عنه لمّا نهی عنها قال له أبو موسی الأشعری : یا أمیر المؤمنین ما أحدثت فی شأن النسک؟ فقال : إن نأخذ بکتاب ربِّنا فإنّ الله یقول : (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) (1). وإن نأخذ بسنّة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فإنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، لم یحلّ حتی نحر. فهذا اتّفاق من أبی موسی وعمر علی أنّ منع النسخ إلی المتعة والإحرام بها ابتداءً إنّما هو رأی منه أحدثه فی النسک لیس عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، وإن استدلّ له بما استدلّ ، وأبو موسی کان یفتی الناس الفسخ فی خلافة أبی بکر رضی الله عنه کلّها وصدراً من خلافة عمر حتی فاوض عمر رضی الله عنه فی نهیه عن ذلک ، واتّفقا علی أنّه رأی أحدثه عمر رضی الله عنه فی النسک ، ثمّ صحّ عنه الرجوع عنه. انتهی (2).

وقال العینی فی عمدة القاری (3) (4 / 562) : فإن قلت : روی عن أبی ذرّ أنّه قال : کانت متعة الحجّ لأصحاب محمد صلی الله علیه وآله وسلم خاصّة ، فی صحیح مسلم (4). قلت : قالوا : هذا قول صحابیّ یخالف الکتاب والسنّة والإجماع وقول من هو خیر منه. أمّا الکتاب فقوله تعالی : (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَی الْحَجِ) (5). وهذا عامّ ، وأجمع المسلمون علی إباحة التمتّع فی جمیع الأعصار وإنّما اختلفوا فی فضله. وأمّا السنّة فحدیث سراقة (6) : ّ.

ص: 306


1- البقرة : 196.
2- زاد المعاد : 1 / 215 [1 / 207 - 209]. (المؤلف)
3- عمدة القاری : 9 / 198.
4- صحیح مسلم : 3 / 68 ، ح 160 کتاب الحجّ.
5- البقرة : 196.
6- صحیح مسلم : 3 / 61 ح 147 کتاب الحجّ.

المتعة لنا خاصّة أو هی للأبد؟ قال : «بل هی للأبد» ، وحدیث جابر المذکور فی صحیح مسلم فی صفة الحجّ نحو هذا ، ومعناه أنّ أهل الجاهلیة کانوا لا یجیزون التمتّع ولا یرون العمرة فی أشهر الحجّ إلاّ فجوراً ، فبیّن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم أنّ الله قد شرّع العمرة فی أشهر الحجّ وجوّز المتعة إلی یوم القیامة. رواه سعید بن منصور من قول طاوس ، وزاد فیه : فلمّا کان الإسلام أُمِر الناس أن یعتمروا فی أشهر الحج فدخلت العمرة فی أشهر الحج إلی یوم القیامة ، وقد خالف أبا ذرّ علیّ وسعد وابن عبّاس وابن عمر وعمران بن حصین وسائر الصحابة وسائر المسلمین ، قال عمران : تمتّعنا مع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ونزل فیه القرآن فلم ینهنا عنه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ولم ینسخها شیء ، فقال فیها رجل برأیه ما شاء. متّفق علیه. وقال سعد بن أبی وقّاص : فعلناها مع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یعنی المتعة وهذا - یعنی الذی نهی عنها - یومئذٍ کافر بالعرش - یعنی بیوت مکّة (1) -. رواه مسلم (2).

انتهی. یعنی به معاویة بن أبی سفیان کما فی صحیح مسلم. فرأی الخلیفة وأمره بالعمرة فی غیر أشهر الحجّ عود إلی الرأی الجاهلی قصده أو لم یقصد ، فإنّ أهل الجاهلیة کما سمعت کانوا لا یرون العمرة فی أشهر الحجّ ، قال ابن عبّاس : والله ما أعمر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم عائشة فی ذی الحجّة إلاّ لیقطع بذلک أمر أهل الشرک. وقال : کانوا یرون أنّ العمرة فی أشهر الحجّ من أفجر الفجور فی الأرض (3).

3 - ما أخرجه أبو داود فی سننه (4) (1 / 283) ، عن سعید بن المسیّب ، أنّ رجلاً من أصحاب النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم أتی عمر بن الخطّاب رضی الله عنه فشهد عنده أنّه سمع رسول الله 3 - صلی الله علیه وآله وسلم 3.

ص: 307


1- المراد : أنّا تمتّعنا ومعاویة یومئذٍ کافر علی دین الجاهلیة مقیم بمکة. وهو ما اختاره القاضی عیاض ووافقه علیه محقّق صحیح مسلم.
2- صحیح مسلم : 3 / 71 ح 170 ، 69 ح 164 کتاب الحجّ. وما بین الشارحتین منه.
3- صحیح البخاری : 3 / 69 [2 / 567 ح 1489] ، صحیح مسلم : 1 / 355 [3 / 81 ح 198 کتاب الحجّ] ، سنن البیهقی : 4 / 345 ، سنن النسائی : 5 / 180 [2 / 368 ح 3795]. (المؤلف)
4- سنن أبی داود : 2 / 157 ح 1793.

فی مرضه الذی قبض فیه ینهی عن العمرة قبل الحجّ.

وأجاب عنه بدر الدین العینی فی عمدة القاری (1) (4 / 562) بقوله : أُجیب عن هذا بأنّه حالة مخالفة للکتاب والسنّة والإجماع کحدیث أبی ذرّ ، بل هو أدنی حالاً منه فإنّ فی إسناده مقالاً. انتهی.

وأجاب عنه الزرقانی فی شرح الموطّأ (2) (2 / 180) بأنّ إسناده ضعیف ومنقطع کما بیّنه الحفّاظ.

اعطف إلی حدیث ذلک الرجل الذی لم یعرف ولعلّه لم یولد بعد ، ما أخرجه أبو داود فی سننه (3) (1 / 283) عن معاویة بن أبی سفیان أنّه قال لأصحاب النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم : هل تعلمون أنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم نهی عن کذا وکذا ورکوب جلود النمور؟ قالوا : نعم. قال : فتعلمون أنّه نهی أن یقرن بین الحجّ والعمرة؟ فقالوا : أمّا هذا فلا. فقال : أما إنّها معهنّ ولکنّکم نسیتم.

سبحانک اللهم ما أجرأهم علی نوامیس الدین! فلو کان مثل متعة الحجّ التی یشمل حکمها فی کلّ سنة مئات من أُلوف الناس نزل فیها القرآن وفعلها رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، ثمّ ینهی عنها صلی الله علیه وآله وسلم وینساه کلّ الصحابة وفیهم کثیرون طالت أیّام صحبتهم ، ولم یتفوّه به أیّ أحد ، ولم یذکره إلاّ معاویة بن أبی سفیان المتأخّر إسلامه عن أکثرهم ، المستتبع لقصر صحبته وقلّة سماعه ولا یفوه به إلاّ بعد لأی من عمر الدهر یوم تولّی الأمر وراقه أن یحذو حذو من تقدّمه ، فأیّ ثقة تبقی بالأحکام عندئذٍ؟ وأی اعتماد یحصل للمسلم علیها؟ ولعمر الحقِّ لیست هذه کلّها إلاّ لعباً بالشریعة المطهّرة وتسریباً للأهواء فیها ، وما کانت هی عند أُولئک الرجال إلاّ قوانین 4.

ص: 308


1- عمدة القاری : 9 / 199.
2- شرح الزرقانی علی موطّأ مالک : 2 / 266 ح 779.
3- سنن أبی داود : 2 / 157 ح 1794.

سیاسیة وقتیّة تدور بنظر من ساسها ورأی من تولّی أزمّتها.

وشفع الحدیثین بما رواه أحمد (1) فی روایة من أنّ أوّل من نهی عنها معاویة وتمتّع أبو بکر وعمر وعثمان. وفی أخری (2) أنّ أبا بکر نهی عنها. فهو مضادّ فی معاویة لجمیع ما تقدّم من الصحاح ، وفی أبی بکر لأکثرها ، وأحسب أنّ من لفّق الروایة الأُولی أراد تخفیفاً عن عمر بإلقاء النهی علی عاتق معاویة ، ومن اختلق الثانیة جعل ذلک الرأی من سنّة الشیخین لیقوی جانبه ، ذاهلاً عن أنّ الکتاب والسنّة یأتیان علی کلّ قول وفتوی یتحیّزان عنهما لأیّ قائل کان القول ، ومن أی مُفتٍ صدرت الفتوی.

قال العینی فی عمدة القاری (3) (4 / 562) : فإن قلت : قد نهی عنها عمر وعثمان ومعاویة ، قلت : قد أنکر علیهم علماء الصحابة وخالفوهم فی فعلها ، والحقّ مع المنکرین علیهم دونهم. انتهی.

ولم یکن عزو التمتّع إلی عثمان فی حدیث أحمد والترمذی إلاّ من ذاهل مغفّل عن أحادیث کثیرة دالّة علی نهیه عنها أخرجها أئمّة الحدیث وحفّاظه فی الصحاح والمسانید (4) ، وفیها اعتراضه علی مثل علیّ أمیر المؤمنین وتمتّعه بقوله : ترانی أنهی الناس عن شیء وأنت تفعله؟ فقال علیه السلام : «ما کنت لأدعَ سنّة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لقول ف)

ص: 309


1- مسند أحمد : 1 / 292 ، 313 [1 / 481 ح 2659 و 515 ح 2860] ، وأخرجه الترمذی فی صحیحه : 1 / 157 [3 / 184 ح 822]. (المؤلف)
2- مسند أحمد : 1 / 337 ، 353 [1 / 554 ح 3111]. (المؤلف)
3- عمدة القاری : 9 / 199.
4- صحیح البخاری : 3 / 69 ، 71 [2 / 567 ح 1488 و 569 ح 1494] ، صحیح مسلم : 1 / 349 [3 / 68 ح 158 کتاب الحجّ] ، صحیح النسائی : 5 / 152 [2 / 348 ح 3713] ، مستدرک الحاکم : 1 / 472 [1 / 645 ح 1735] ، سنن البیهقی : 5 / 22 ، تیسیر الوصول : 1 / 282 [1 / 333 ح 1]. (المؤلف)

أحد من الناس» (1). وفی حدیث آخر عند البخاری (2) : فقال علیّ : «ما ترید إلاّ أن تنهی عن أمر فعله رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم» (3).

وقد بلغت شدّة نکیر عثمان علی من تمتّع إلی حدّ کاد أن یقتل من جرّائه مولانا أمیر المؤمنین. أخرج أبو عمر فی کتاب جامع العلم (4) (2 / 30) وفی مختصره (5) صحیفة (111) ، عن عبد الله بن الزبیر ؛ أنّه قال : أنا والله لمع عثمان بالجحفة ومعه رهط من أهل الشام وفیهم حبیب بن مسلمة الفهری ، إذ قال عثمان وذکر له التمتّع بالعمرة إلی الحجّ : أن أتمّوا الحجّ وخلّصوه فی أشهر الحجّ ، فلو أخّرتم هذه العمرة حتی تزوروا هذا البیت زورتین کان أفضل فإنّ الله قد وسّع فی الخیر. فقال له علیّ : «عمدت إلی سنّة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، ورخصة رخّص للعباد بها فی کتابه ، تضیّق علیهم فیها وتنهی عنها ، وکانت لذی الحاجة ولنائی الدار» ، ثمّ أهلَّ بعمرة وحجّة معاً ، فأقبل عثمان علی الناس فقال : وهل نهیت عنها؟ إنّی لم أنهَ عنها إنّما کان رأیاً أشرت به ، فمن شاء أخذ به ، ومن شاء ترکه.

قال : فما أنسی قول رجل من أهل الشام مع حبیب بن مسلمة : أُنظر إلی هذا کیف یخالف أمیر المؤمنین؟ والله لو أمرنی لضربت عنقه. قال : فرفع حبیب یده فضرب بها فی صدره وقال : اسکت فضَّ الله فاک ؛ فإنّ أصحاب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أعلم بما یختلفون فیه.

وبما ذکر یظهر فساد بقیّة ما قیل من الوجوه المبرّرة لرأی الخلیفة ، ومن ابتغی 8.

ص: 310


1- صحیح البخاری : 3 / 69 [2 / 567 ح 1488] طبع سنة 1279 فی عشر مجلّدات ، سنن النسائی : 5 / 148 [2 / 345 ح 3703] ، سنن البیهقی : 4 / 352 و 5 / 22. (المؤلف)
2- صحیح البخاری : 2 / 569 ح 1494.
3- وأخرجه مسلم فی صحیحه : 1 / 349 [3 / 68 ح 159 کتاب الحجّ]. (المؤلف)
4- جامع بیان العلم : ص 245 ح 1282.
5- مختصر جامع بیان العلم : ص 198.

وراء ذلک تفصیلاً فی الموضوع فعلیه بزاد المعاد لابن قیّم الجوزیّة (1) (1 / 177 - 225)

أمّا متعة النساء :

فالذی یظهر من کلمات عمر أنّه کان یعدّها من السفاح ، ولذلک قال فی حدیث مرّ فی صحیفة (207) : بیّنوا حتی یُعرف النکاح من السفاح. ولم یکن عند ذلک وفی عهد الصحابة کلّهم من حدیث النسخ عین ولا أثر ، وکان إذا شجر بینهم خلاف فی ذلک استند المجوّزون إلی الکتاب والسنّة ، والمانعون إلی قول عمر ونهیه عنها ، کما ینفی النسخ بکلّ صراحة قول الخلیفة : أنا أنهی عنهما ، وهو صریح ما مرّ عن أمیر المؤمنین علیه السلام وعبد الله بن العبّاس من إسناد النهی إلی عمر فحسب ، وسیأتی عن ابن عبّاس قوله : إنّ آیة المتعة محکمة. یعنی لم تنسخ ، ومرّ فی (ص 206) عن الحَکم أنّها غیر منسوخة وإلی هذا استند کلّ من أباحها من الصحابة والتابعین ومنهم :

1 - عمران بن الحصین ، مرّ حدیثه (ص 208).

2 - جابر بن عبد الله ، مرّ حدیثه (ص 208 و 209 - 211).

3 - عبد الله بن مسعود ، یأتی حدیث قراءته : فما استمتعتم به منهنّ إلی أجل. وعدّه ابن حزم فی المحلّی (2) والزرقانی فی شرح الموطّأ (3) ممّن ثبت علی إباحتها.

وأخرج الحفّاظ عنه أنّه قال : کنّا نغزو مع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ولیس لنا نساء ، فقلنا : یا رسول الله ألا نستخصی؟ فنهانا عن ذلک ورخّص لنا أن ننکح بالثوب إلی ح.

ص: 311


1- زاد المعاد : 1 / 171 - 219.
2- المحلّی : 9 / 519 المسألة 1854.
3- شرح الزرقانی علی موطّأ مالک : 3 / 154 ح 1178 کتاب النکاح.

أجل ، ثمّ قال : (لا تُحَرِّمُوا طَیِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَکُمْ) (1).

قال الجصّاص بعد ذکر الحدیث : إنّ الآیة من تلاوة النبیِّ صلی الله علیه وآله وسلم عند إباحة المتعة وهو قوله تعالی : (لا تُحَرِّمُوا طَیِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَکُمْ) (2). وذکره ابن کثیر فی تفسیره (2 / 87) نقلاً عن الشیخین وأدخل فیه من عند نفسه : ثمّ قرأ عبد الله.

4 - عبد الله بن عمر ، أخرج إمام الحنابلة أحمد فی مسنده (3) (2 / 95) بإسناده عن عبد الرحمن بن نعم - نعیم - الأعرجی ، قال : سأل رجل ابن عمر عن المتعة وأنا عنده - متعة النساء - فقال : والله ما کنّا علی عهد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم زانین ولا مسافحین.

5 - معاویة بن أبی سفیان ، عدّه ابن حزم فی المحلّی (4) ، والزرقانی فی شرح الموطّأ (5) ممّن ثبت علی إباحتها. ومرّ خلافه ویوافیک قولنا الفصل فیه.

6 - أبو سعید الخدری ، المحلّی لابن حزم ، وشرح الموطّأ للزرقانی (6).

7 - سلمة بن أُمیّة بن خلف ، المحلّی لابن حزم ، وشرح الموطّأ للزرقانی (7). 8.

ص: 312


1- صحیح البخاری : 8 / 7 [5 / 1953 ح 4787] کتاب النکاح ، صحیح مسلم : 1 / 354 [3 / 192 ح 11 کتاب النکاح] ، صحیح أبی حاتم البستی [الإحسان فی تقریب صحیح ابن حبّان : 9 / 449 ح 4141] ، أحکام القرآن للجصّاص : 2 / 184 [2 / 151] سنن البیهقی : 7 / 200 ، تفسیر القرطبی : 5 / 130 [5 / 86] ، نقلاً عن صحیح البستی ، تفسیر ابن کثیر : 2 / 87 ، الدرّ المنثور : 2 / 307 [3 / 140] نقلاً عن تسعة من الأئمّة والحفّاظ. (المؤلف)
2- المائدة : 87.
3- مسند أحمد : 2 / 225 ح 5661.
4- المحلّی : 9 / 519 المسألة 1854.
5- شرح الزرقانی علی موطّأ مالک : 3 / 154 ح 1178.
6- المحلّی : 9 / 519 المسألة 1854 ، شرح الزرقانی علی موطّأ مالک : 3 / 154 ح 1178.
7- المحلّی : 9 / 519 المسألة 1854 ، شرح الزرقانی علی موطّأ مالک : 3 / 154 ح 1178.

8 - معبد بن أُمیّة بن خلف ، المحلّی لابن حزم (1) ، وشرح الموطّأ للزرقانی.

9 - الزبیر بن العوّام ، راجع صحیفة (208 ، 209).

10 - خالد بن مهاجر بن خالد المخزومی ، قال : بینا هو جالس عند رجل جاءه رجل فاستفتاه فی المتعة فأمره بها. فقال له ابن أبی عمرة الأنصاری : مهلاً. فقال : ما هی؟ والله لقد فعلت فی عهد إمام المتّقین (2).

11 - عمرو بن حریث ، مرّ حدیثه (ص 207) وفیما أخرجه الطبری عن سعید ابن المسیّب ، قال : استمتع ابن حریث وابن فلان کلاهما وولد له من المتعة زمان أبی بکر وعمر (3).

12 - أُبیّ بن کعب ، تأتی قراءته : فما استمتعتم به منهنّ إلی أجل.

13 - ربیعة بن أُمیّة ، مرّ حدیثه (ص 206).

14 - سمیر - فی الإصابة : لعلّه سمرة بن جندب - ، قال : کنّا نتمتّع علی عهد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم. الإصابة (2 / 81).

15 - سعید بن جبیر ، عدّه ابن حزم (4) ممّن ثبت علی إباحتها وتأتی قراءته.

16 - طاووس الیمانی ، عدّه ابن حزم (5) ممّن ثبت علی إباحتها.

17 - عطاء أبو محمد المدنی ، عدّه ابن حزم (6) ممّن ثبت علی إباحتها. 4.

ص: 313


1- المحلّی : 9 / 519 المسألة 1854.
2- صحیح مسلم : 1 / 396 [3 / 197 ح 27 کتاب النکاح] ، سنن البیهقی : 7 / 205. (المؤلف)
3- کنز العمّال : 8 / 293 [16 / 518 ح 45712]. (المؤلف)
4- المحلّی : 9 / 520 المسألة 1854.
5- المحلّی : 9 / 520 المسألة 1854.
6- المحلّی : 9 / 520 المسألة 1854.

18 - السدّی ، کما فی تفسیره ، وتأتی قراءته.

19 - مجاهد ، سیأتی قوله فی آیة المتعة ولم یُعزَ إلیه القول بالنسخ.

20 - زفر بن أوس المدنی ، کما فی البحر الرائق لابن نجیم (3 / 115).

قال ابن حزم فی المحلّی (1) بعد عدّ جملة ممّن ثبت علی إباحة المتعة من الصحابة : ورواه جابر عن جمیع الصحابة مدّة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وأبی بکر وعمر إلی قرب آخر خلافة عمر. ثمّ قال : ومن التابعین طاووس وسعید بن جبیر وعطاء وسائر فقهاء مکة.

وقال أبو عمر - صاحب الاستیعاب - : أصحاب ابن عبّاس من أهل مکة والیمن کلّهم یرون المتعة حلالاً علی مذهب ابن عبّاس وحرّمها سائر الناس (2).

وقال القرطبی فی تفسیره (3) (5 / 132) : أهل مکة کانوا یستعملونها کثیراً.

وقال الرازی فی تفسیره (4) (3 / 200) فی آیة المتعة : اختلفوا فی أنّها هل نُسخت أم لا؟ فذهب السواد الأعظم من الأُمّة إلی أنّها صارت منسوخة. وقال السواد منهم : إنّها بقیت مباحة کما کانت.

وقال أبو حیّان فی تفسیره (5) بعد نقل حدیث إباحتها : وعلی هذا جماعة من أهل البیت والتابعین.

وقد ذهب إلی إباحة المتعة ؛ مثل ابن جریج عبد الملک بن عبد العزیز المکی 8.

ص: 314


1- المحلّی : 9 / 519 المسألة 1854.
2- تفسیر القرطبی : 5 / 133 [5 / 88] ، فتح الباری : 9 / 142 [9 / 173]. (المؤلف)
3- الجامع لأحکام القرآن : 5 / 87.
4- التفسیر الکبیر : 10 / 49.
5- تفسیر البحر المحیط : 3 / 218.

المتوفّی (150) ، قال الشافعی : استمتع ابن جریج بسبعین امرأة. وقال الذهبی : تزوّج نحواً من تسعین امرأة نکاح المتعة (1).

وقال السرخسی فی المبسوط (2) : تفسیر المتعة أن یقول لامرأة : أتمتّع بک کذا من المدّة بکذا من المال. وهذا باطل عندنا جائز عند مالک بن أنس ، وهو الظاهر من قول ابن عبّاس.

وقال فخر الدین أبو محمد عثمان بن علیّ الزیلعی فی تبیان الحقائق شرح کنز الدقائق : قال مالک : هو - نکاح المتعة - جائز لأنّه کان مشروعاً فیبقی إلی أن یظهر ناسخه ، واشتهر عن ابن عبّاس تحلیلها وتبعه علی ذلک أکثر أصحابه من أهل الیمن ومکة ، وکان یستدلّ علی ذلک بقوله تعالی : (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَ) (3) ، وعن عطاء أنّه قال : سمعت جابراً یقول : تمتّعنا علی عهد رسول الله وأبی بکر ونصفاً من خلافة عمر ثمّ نهی الناس عنه. وهو یُحکی عن أبی سعید الخدری وإلیه ذهب الشیعة.

ویُنسب جواز المتعة إلی مالک فی فتاوی الفرغانی تألیف القاضی فخر الدین حسن بن منصور الفرغانی ، وفی خزانة الروایات فی الفروع الحنفیّة تألیف القاضی جکن الحنفی ، وفی کتاب الکافی فی الفروع الحنفیّة ، وفی العنایة شرح الهدایة تألیف أکمل الدین محمد بن محمود الحنفی ، ویظهر من شرح الموطّأ للزرقانی (4) أنّه أحد قولی مالک.

نعم ؛ جاء قوم راقهم أن ینحتوا لنهی عمر حجّة قویّة ، فادّعوا نسخ الآیة 8.

ص: 315


1- تهذیب التهذیب : 6 / 406 [6 / 360] ، میزان الاعتدال : 2 / 151 [2 / 659 رقم 5227]. (المؤلف)
2- المبسوط : 5 / 152.
3- النساء : 24.
4- شرح الزرقانی علی موطّأ مالک : 3 / 155 ح 1178.

بالکتاب تارة وبالسنّة أخری ، وتضاربت هناک آراؤهم وکلّ منها یکذّب الآخر ، کما أنّ کلاّ من قائلیها یزیِّف قول الآخر ، فمن قائل : نسخت بقوله تعالی : (یا أَیُّهَا النَّبِیُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَ) (1).

ومن قائل بنسخها بقوله سبحانه : (وَالَّذِینَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ * إِلاَّ عَلی أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَکَتْ أَیْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَیْرُ مَلُومِینَ) (2). نظراً إلی أنّ المنکوحة متعة لیست بزوجة ولا ملک یمین.

وثالث یقول : إنّها نُسخت بآیة المیراث إذ کانت المتعة لا میراث فیها.

هذه کلّها دعاوٍ فارغة ، أیحسب امرؤ أن تخفی هذه الآیات وکونها ناسخة لآیة المتعة علی أُولئک الصحابة وفیهم من المجوّزین لها من عرفت ، وفیهم من فیهم ، وفی مقدّمهم سیّدنا أمیر المؤمنین العارف بالکتاب قذاذاته وجذاذاته ، وقد مرّ فی صحیفة (72) عن الحرالی قوله : قد علم الأوّلون والآخرون أنّ فهم کتاب الله منحصر إلی علم علیّ. فکیف ذهب علیه وعلی مثل ابن عبّاس ترجمان القرآن نسخ هذه الآیات آیة المتعة ، وذهبوا إلی إباحتها وما أصاخوا إلی قول أیِّ ناهٍ عنها؟ فالمتمسّکون بهذه الآیات فی النسخ ممّن أخذوا؟ ومن أین أتاهم هذا العلم المساوق للجهل؟

وإن صدقت الأحلام وکان ابن عبّاس روی النسخ ببعضها کما عزوا إلیه (3) ورأی مع ذلک إباحتها وقال بها إلی آخر نفس لفظه ، وتبعته فیها أُمّة کبیرة فالمصیبة أعظم وأعظم ، وحاشاه أن تکون هذه سیرته وهذا مبلغ ثقته وأمانته بودائع العلم والدین.

علی أنّ الآیة الأُولی إنّما أراد سبحانه بها من تبین بالطلاق لا مطلق البینونة ، ف)

ص: 316


1- الطلاق : 1.
2- المؤمنون : 5 - 6.
3- أحکام القرآن للجصّاص : 2 / 178 [2 / 147] ، سنن البیهقی : 7 / 206. (المؤلف)

وإلاّ لشملت ملک الیمین أیضاً فنسخته ولم یقل به أحد ولا عدّه أحد من السفاح.

وأمّا الآیة الثانیة ؛ فالقول فیها بنفی الزوجیة فی المتعة مصادرة محضة ؛ فإنّ القائل بإباحتها یقول بالزوجیّة فیها وإنّها نکاح ، وعلی ذلک قال القرطبی (1) کما یأتی : لم یختلف العلماء من السلف والخلف أنّ المتعة نکاح إلی أجل لا میراث فیه. وعن القاضی کما سیوافیک أنّه قال : اتّفق العلماء علی أنّ هذه المتعة کانت نکاحاً إلی أجل لا میراث فیها.

فالاستدلال بإطلاق هذه الآیة علی إباحة نکاح المتعة أولی من التمسّک بها فی نسخ آیة المتعة.

ثمّ القول بالنسخ بهذه الآیة یُعزی إلی ابن عبّاس وهو کعزو الرجوع عن القول بإباحة المتعة إلیه ساقط عن الاعتبار. قال ابن بطّال : روی أهل مکة والیمن عن ابن عبّاس إباحة المتعة ، وروی عنه الرجوع بأسانید ضعیفة وإجازة المتعة عنه أصحّ (2).

وأمّا آیة المیراث فهی أجنبیّة عن المقام ؛ فإنّ نفی الوراثة جاءت بها السنّة فی خصوص النکاح المؤجّل ، فهی بمعزل عن نفی عقدة النکاح وعنوان الزوجیّة کما جاء مثله فی الولد القاتل أو الکافر من غیر نفی لأصل البنوّة.

وأمّا النسخ بالسنّة فقد کثر القول فیه واختلفت الآراء اختلافاً هائلاً ، وکلّ منها لا یلائم الآخر ، والقارئ لا مناص له من هذا الخلاف والتضارب فی القول لاختلاف ما اختلقته ید الوضع فیه من الروایات الجمّة تجاه ما حفظته السنّة الثابتة والتاریخ الصحیح ، فوضع کلّ من رجال النسخ المفتعل بحسب رأیه وسلیقته ذاهلاً عن نسیجة أخیه وفعیلته ، وإلیک جملة من تلکم الأقوال : ف)

ص: 317


1- الجامع لأحکام القرآن : 5 / 87.
2- فتح الباری : 9 / 242 [9 / 173]. (المؤلف)

1 - کانت رخصة فی أوّل الإسلام نهی عنها رسول الله یوم خیبر.

2 - لم تکن مباحة إلاّ للضرورة فی أوقات ثمّ حرّمت آخر سنة حجّة الوداع. قاله الحازمی.

3 - لا تحتاج إلی الناسخ إنّما أُبیحت ثلاثة أیّام ، فبانقضائها تنتهی الإباحة.

4 - کانت مباحةً ونُهی عنها فی غزوة تبوک.

5 - أبیحت عام أوطاس ، ثم نُهی عنها.

6 - أُبیحت فی حجّة الوداع ثمّ نُهی عنها.

7 - أُبیحت ثمّ نهی عنها عام الفتح.

8 - أُبیحت یوم الفتح ونُهی عنها یوم ذاک.

9 - ما حلّت قطّ إلاّ فی عمرة القضاء.

10 - هی الزنا لم تبح قطّ فی الإسلام. قاله النحّاس.

11 - أُبیحت ثمّ نُهی عنها عام خیبر ، ثمّ أُذن فیها عام الفتح ، ثمّ حرّمت بعد ثلاث.

12 - أُبیحت فی صدر الإسلام ثمّ حرّمت یوم خیبر ، ثمّ أُبیحت فی غزوة أوطاس ثمّ حُرّمت.

13 - أُبیحت فی صدر الإسلام وعام أوطاس ویوم الفتح وعمرة القضاء ، وحُرّمت یوم خیبر وغزوة تبوک وحجّة الإسلام.

14 - أُبیحت ثمّ نسخت ، ثمّ أُبیحت ثمّ نُسخت ، ثمّ أُبیحت ثمّ نُسخت.

15 - أُبیحت سبعاً ونُسخت سبعاً. نُسخت بخیبر ، وحنین ، وعمرة القضاء ،

ص: 318

وعام الفتح ، وعام أوطاس ، وغزوة تبوک ، وحجّة الوداع (1).

وإن رمت الوقوف علی الآراء المتضاربة حول أحادیث هذه الأقوال والکلمات الطویلة والعریضة فیها فخذ القول الأوّل مقیاساً ، وقد أخرج حدیثه خمسة من أئمّة الصحاح الستّ فی صحاحهم وغیرهم من أئمّة الحدیث فی مسانیدهم (2) ، وأنهوا إسناده إلی علم أمیر المؤمنین فتکلّم القوم فیه :

فمن قائل (3) بأنّ تحریم المتعة یوم خیبر صحیح لا شکّ فیه.

وآخر یقول (4) : هذا شیء لا یعرفه أحد من أهل السیر ورواة الأثر أنّ المتعة حُرّمت یوم خیبر.

وثالث (5) یقول : إنّه غلط ولم یقع فی غزوة خیبر تمتّع بالنساء.

ورابع (6) یقول : إنّ التاریخ فی الحدیث إنّما هو فی النهی عن لحوم الحُمُر الأهلیّة ف)

ص: 319


1- راجع أحکام القرآن للجصّاص : 2 / 182 [2 / 150] ، صحیح مسلم : 1 / 394 [3 / 194 - 199 ح 18 - 32 کتاب النکاح] ، زاد المعاد : 1 / 443 [2 / 183] ، فتح الباری : 9 / 138 [9 / 169] ، إرشاد الساری : 8 / 41 [11 / 457] ، شرح صحیح مسلم للنووی - هامش الإرشاد - : 6 / 124 - 130 [9 / 179 - 189] ، شرح الموطّأ للزرقانی : 2 / 24 [3 / 153 ح 1178]. (المؤلف)
2- صحیح البخاری : 8 / 23 [5 / 1966 ح 4825] ، صحیح مسلم : 1 / 397 [3 / 198 - 199 ح 29 - 32 کتاب النکاح] ، سنن ابن ماجة : 1 / 604 [1 / 630 ح 1961 - 1963] ، سنن الدارمی : 2 / 140 ، صحیح الترمذی : 1 / 209 [3 / 429 ح 1121 و 1122] ، سنن النسائی : 6 / 126 [3 / 328 ح 5547 - 5549]. (المؤلف)
3- قاله القاضی عیاض ، وحکاه عنه الزرقانی فی شرح الموطّأ : 3 / 24 [3 / 153 ح 1178]. (المؤلف)
4- قاله السهیلی فی الروض الأُنف : 2 / 238 [6 / 557]. (المؤلف)
5- قاله أبو عمر - صاحب الاستیعاب - وحکاه عنه الزرقانی فی شرح المواهب : 2 / 239 ، وفی شرح الموطّأ : 3 / 24 [3 / 152 ح 1178]. (المؤلف)
6- قاله ابن عیینة کما فی سنن البیهقی : 7 / 201 ، وزاد المعاد : 1 / 443 [2 / 183]. (المؤلف)

لا فی النهی عن نکاح المتعة ، فتوهّم بعض الرواة فجعله ظرفاً لتحریمها. انتهی.

کیف خفی هذا الوهم علی طائفة کبیرة من العلماء ومنهم الشافعی وذهبوا إلی تحریمها یوم خیبر کما فی زاد المعاد (1) (1 / 442) ، وکیف عزب عن مثل مسلم وأخرجه فی صحیحه بلفظ : نهی عن متعة النساء یوم خیبر (2) ، وفی لفظه الآخر : نهی عن نکاح المتعة یوم خیبر. وفی ثالث الألفاظ له : نهی عنها یوم خیبر. وفی لفظ رابع له : نهی رسول الله عن متعة النساء یوم خیبر؟

وجاء خامس (3) یزیّف ویضعف أحادیث بقیّة الأقوال فیقول : فلم یبق صحیح صریح سوی خیبر والفتح مع ما وقع فی خیبر من الکلام.

هذا شأن أصح روایة أخرجتها أئمّة الحدیث فی النهی عن المتعة ، والخطب فی بقیّة مستند تلکم الأقوال أعظم وأعظم ، وأفظع من هذه کلّها نعرات القرن العشرین لصاحبها موسی الوشیعة ؛ فإنّه جاء بطامّات قصرت عنها ید اللاعبین بالکتاب والسنّة فی القرون المتقادمة ، وأتی برأیٍ جدید خداج ومذهب مخترع یخالف رأی سلف الأُمّة جمعاء ، ولا یساعده فی تقوّلاته أیّ مبدأ من المبادئ الإسلامیة ولا شیء من الکتاب والسنّة.

قال : وللأُمّة فی المتعة کلام طویل عریض ، وأری أنّ المتعة من بقایا الأنکحة الجاهلیة ، ویمکن أنّها قد وقعت من بعض الناس فی صدر الإسلام ، ویمکن أنّ الشارع الکریم قد أقرّها لبعض الناس فی الأحوال من باب ما نزل فیها إلاّ ما قد سلف ... وقد نزل فی أشدّ المحرّمات ، کانت المتعة أمراً تاریخیّا ولم تکن حکماً شرعیاً بإذن من ف)

ص: 320


1- زاد المعاد : 2 / 182.
2- وبهذا اللفظ أخرجه الخطیب فی تاریخ بغداد : 6 / 102 [رقم 3137] و 8 / 461 [رقم 4577]. (المؤلف)
3- قاله الزرقانی فی شرح الموطّأ : 2 / 24 [3 / 153 ح 1178]. (المؤلف)

الشارع ، وإن ادّعی مدّعٍ أنّ المتعة کانت حلالاً طلقاً بإذن من الشارع وإقرار منه فلتکن ولنقل أن لا بأس بها ولا کلام لنا فی هذه علی ردّها.

وإنّما کلامی الآن فی أنّ المتعة هل ثبتت فی القرآن أو لا؟

کتب الشیعة تدّعی أنّ المتعة نزل فیها قول الله جلّ جلاله : (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَ).

وأری أنّ أدب البیان یأبی وعربیّة هذه الجملة الکریمة تأبی أن تکون هذه الجملة الجلیلة الکریمة قد نزلت فی المتعة ؛ لأنّ ترکیب هذه الجملة یفسد ونظم هذه الآیة الکریمة یختلّ لو قلنا إنّها نزلت فیها (ص 32).

أمّا متعة النکاح ونکاح المتعة فلم ینزل قرآن فیها وفیه. ولبیان هذا المعنی الجلیل عقدت هذا الباب دفعاً لما شاع فی کتب الشیعة أنّ قوله : (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَ) نزل فی نکاح المتعة (ص 121).

المتعة لم تکن مباحة فی شرع الإسلام أصلاً ، ونسخها لم یکن نسخ حکم شرعیّ ، إنّما کان نسخ أمر جاهلیّ تحریم أبد (ص 132).

حدیث المتعة من غرائب الأحادیث کان یقول بها جماعة من الصحابة ، حتی قال بها جماعة من التابعین منهم طاووس وعطاء وسعید بن جبیر وجماعة من فقهاء مکة ، روی الحاکم فی علوم الحدیث (1) عن الإمام الأوزاعی أنّه کان یقول : یُترک من قول أهل الحجاز خمس منها المتعة (ص 132).

وقد أسرف القول بإباحة المتعة فقیه مکة ابن جُریج کما کان یسرف فی العمل بها حتی أوصی بسبعین امرأة وقال : لا تتزوّجوا بهنّ فإنّهنّ أُمّهاتکم. وقد روی أبو عوانة فی صحیحه عن ابن جریج عن هذا المسرف المتمتّع أنّه قال لهم بالبصرة : 5.

ص: 321


1- معرفة علوم الحدیث : ص 65.

اشهدوا أنّی قد رجعت عن المتعة. أشهدهم بعد أن حدّثهم فیها ثمانیة عشر حدیثاً أنّه لا بأس بها وبعد أن شبع منها وعجز.

أستبعد غایة الاستبعاد أن یکون مؤمن یعلم لغة القرآن الکریم ویؤمن بإعجازه ویفهم حقّ الفهم إفادة النظم یقول : إنّ قول الله جلّ جلاله : (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِیضَةً) نزل فی متعة النساء. قول لا یکون إلاّ من جاهل یدّعی ولا یعی (ص 149).

کتب الشیعة ترفع إلی الباقر والصادق أنّ (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَ) منزل فی المتعة. وأحسن الاحتمالین أنّ السند موضوع وإلاّ فالباقر والصادق جاهل (ص 165).

لا یوجد فی غیر کتب الشیعة قول لأحد أنّ (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَ) نزل فی متعة النساء وقد أجمعت الأُمّة علی تحریم المتعة ، ولم یقل أحد أنّ قول الله (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَ) قد نسخ (ص 166).

حکومات الأُمم الإسلامیة الیوم أرشد فی شرف دینها وصلاح دنیاها من فقهاء الأُمّة. فحکومة الدولة الإیرانیّة التی کانت قد أخذت مرّات عدیدة من قبل فی إبطال متعة الفقهاء ، نراها الیوم بفضل ملکها الأعظم قد نسخت المتعة نسخاً قطعیّا بتاتاً.

إنّ حکومة الدولة الإیرانیّة التی تسعی فی إصلاح حیاة الأُمّة ودنیاها وفی تعمیر الوطن وإحیائه أخذت فی إصلاح دین الأُمّة فمنعت منعاً بتّا متعة فقهاء الشیعة (ص 185).

الجواب : هذه جمل التقطناها من صحائف - الوشیعة - سوّدها الرجل فی مسألة المتعة ، وتلک الصحائف السوداء تبعد عن أدب الدین ، أدب العلم ، أدب العفّة ، أدب الکتاب ، أدب الاجتماع ، وبینها وبین ما جاء به الإسلام بون شاسع ، فلا نقابله فیها إلاّ بالسلام.

ص: 322

أمّا بسط القول فی المتعة فلا حاجة لنا تمسّ بها بعد ما أغرق نزعاً فیها محقّقو أصحابنا ولا سیّما الأواخر منهم (1) فجاء الرجل بعده یتهجّم علیهم بفاحش القول ولا یبالی ، ویقذفهم بلسان بذیّ ولا یکترث له ، وإنّما یهمّنا إیقاظ شعور الباحث إلی أکاذیب الرجل وجنایاته الکبیرة علی العلم والقرآن وأهله بکتمان رأی السلف فیه ، وتدجیله الحقائق الراهنة علی الأُمّة بالسفاسف والمخاریق ، وإشاعة ما یضادّ الکتاب والسنّة فی الملأ العلمی ، وهو مع جهله بهما یری نفسه فقیهاً من فقهاء الإسلام ، فعلی الإسلام السلام.

المتعة فی الکتاب :

(فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِیضَةً وَلا جُناحَ عَلَیْکُمْ فِیما تَراضَیْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِیضَةِ إِنَّ اللهَ کانَ عَلِیماً حَکِیماً). سورة النساء : 24.

یری موسی الوشیعة أنّ القول بنزول الآیة من دعاوی الشیعة فحسب ، ولا یوجد فی غیر کتبهم قول به لأحد ، والقول به لا یکون إلاّ من جاهل یدّعی ولا یعی. فنحن نذکر شطراً ممّا فی کتب قومه حتی یعلم القارئ إلی من توجّه قوارص هذا الرجل الجاهل الفاحش المتفحّش :

1 - أخرج أحمد إمام الحنابلة فی مسنده (2) (4 / 436) بإسناد رجاله کلّهم ثقات ، عن عمران بن حصین ، قال : نزلت آیة المتعة فی کتاب الله تبارک وتعالی وعملنا بها مع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فلم تنزل آیة تنسخها ولم ینهَ عنها النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم حتی مات. 6.

ص: 323


1- نظراء الأعلام الحجج سیّدنا السیّد عبد الحسین شرف الدین ، سیّدنا السیّد المحسن الأمین ، شیخنا الشیخ محمد الحسین کاشف الغطاء ، وأفرد فیها الأُستاذ توفیق الفکیکی کتاباً وقد أدّی فیه حقّ المقال. (المؤلف)
2- مسند أحمد : 5 / 603 ح 19406.

وقد مرّ فی صحیفة (208) أنّ غیر واحد من المفسّرین ذکره فی سورة النساء فی آیة المتعة ، وبهذا الحدیث عدّ من عدّ عمران بن حصین ممّن ثبت علی إباحتها.

2 - أخرج أبو جعفر الطبری المتوفّی (310) فی تفسیره (1) (5 / 9) بإسناده عن أبی نضرة ، قال : سألت ابن عبّاس عن متعة النساء ، قال : أما تقرأ سورة النساء؟ قال : قلت : بلی ، قال : فما تقرأ فیها؟ فما استمتعتم به منهنّ إلی أجل مسمّی؟ قلت له : لو قرأتها هکذا ما سألتک. قال : فإنّها کذا. وفی حدیث : قال ابن عبّاس : والله لأنزلها الله کذلک. ثلاث مرّات.

وأخرج عن قتادة فی قراءة أُبیّ بن کعب : فما استمتعتم به منهن إلی أجل مسمّی.

وأخرج بإسناد صحیح ، عن شعبة ، عن الحکم ، قال : سألته عن هذه الآیة

أمنسوخة هی؟ قال : لا.

وروی عن عمر بن مرّة : أنّه سمع سعید بن جبیر یقرأ : فما استمتعتم به منهنّ إلی أجلٍ مسمّی.

وعن مجاهد : إنّ فی الآیة یعنی نکاح المتعة.

وعن أبی ثابت : إنّ ابن عبّاس أعطانی مصحفاً فیه : فما استمتعتم به منهنّ إلی أجلٍ مسمّی.

3 - أخرج أبو بکر الجصّاص الحنفی المتوفّی (370) فی أحکام القرآن (2) (2 / 178) ما مرّ من حدیثی ابن عبّاس وأُبیّ بن کعب فی قراءة الآیة ، وذکر من طریق 7.

ص: 324


1- جامع البیان : مج 4 / ج 5 / 12 - 13.
2- أحکام القرآن : 2 / 147.

ابن جریج وعطاء الخراسانی عن ابن عبّاس أنّها نُسخت بقوله تعالی : (یا أَیُّهَا النَّبِیُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَ) (1). فلو لم تکن نزلت فی المتعة کیف نُسخت؟ وقد عرفت بطلان نسخها بها وبغیرها.

4 - أخرج الحافظ أبو بکر البیهقی المتوفّی (458) بإسناده فی السنن الکبری (7 / 205) ، عن محمد بن کعب ، عن ابن عبّاس رضی الله عنه ، قال : کانت المتعة فی أوّل الإسلام وکانوا یقرءون هذه الآیة : فما استمتعتم به منهنّ إلی أجل مسمّی. الحدیث.

5 - قال الحافظ أبو محمد البغوی الشافعی المتوفّی (510 - 516) فی تفسیره (2) - هامش تفسیر الخازن - (1 / 423) : قال الحسن ومجاهد : إنّ الآیة فی النکاح الصحیح. وقال آخرون هو نکاح المتعة ... إلی أن قال - : ذهب عامّة (3) أهل العلم أنّ نکاح المتعة حرام والآیة منسوخة وکان ابن عبّاس یذهب إلی أنّ الآیة محکمة ، وترخّص فی نکاح المتعة ، ثمّ روی حدیث أبی نضرة المذکور بلفظ الطبری.

6 - قال أبو القاسم جار الله الزمخشری المعتزلی المتوفّی (538) فی الکشّاف (4) (1 / 360) : قیل : نزلت - الآیة - فی المتعة ، وعن ابن عبّاس هی محکمة یعنی لم تنسخ ، وکان یقرأ : فما استمتعتم به منهنّ إلی أجل مسمّی.

7 - قال القاضی أبو بکر الأندلسی المتوفّی (542) فی أحکام القرآن (1 / 162) : فی الآیة قولان ؛ أحدهما : إنّه أراد استمتاع النکاح المطلق. قاله جماعة منهم الحسن ومجاهد وإحدی روایتی ابن عبّاس. الثانی : إنّه متعة النساء بنکاحهن إلی أجل. ثمّ رواه عن ابن عبّاس ، وحبیب بن أبی ثابت ، وأُبیّ بن کعب. 8.

ص: 325


1- الطلاق : 1.
2- تفسیر البغوی : 1 / 413.
3- تعرف مقیل صحّة هذه النسبة المکذوبة علی عامّة أهل العلم ممّا أسلفناه. (المؤلف)
4- الکشّاف : 1 / 498.

8 - قال أبو بکر یحیی بن سعدون القرطبی (1) المتوفّی (567) فی تفسیره (2) (5 / 130) عند بیان الاختلاف فی معنی الآیة : قال الجمهور : إنّ المراد نکاح المتعة الذی کان فی صدر الإسلام ، وقرأ ابن عبّاس وأُبی وسعید بن جبیر : فما استمتعتم به منهنّ إلی أجلٍ مسمّی فآتوهنّ أُجورهنّ.

وقال فی بیان الخلاف فی من تمتّع بها : وفی روایة أخری عن مالک : لا یرجم لأنّ نکاح المتعة لیس بحرام ولکن لأصل آخر لعلمائنا غریب انفردوا به دون سائر العلماء ، وهو أنّ ما حرّم بالسنّة هل هو مثل ما حرّم بالقرآن أم لا؟ فمن روایة بعض المدنیِّین عن مالک أنّهما لیسا بسواء وهذا ضعیف. وقال أبو بکر الطرطوسی : ولم یرخّص فی نکاح المتعة إلاّ عمران بن حصین ، وابن عبّاس ، وبعض الصحابة ، وطائفة من أهل البیت ، وفی قول ابن عبّاس یقول الشاعر :

أقول للرکب إِذ طالَ الثواءُ بنا

یا صاحِ هل لک من فتیا ابن عبّاسِ

فی بضّةٍ رخصةِ الأطراف ناعمةٍ

تکونُ مثواک حتی مرجعِ الناسِ

وسائر العلماء والفقهاء من الصحابة والتابعین والسلف الصالحین علی أنّ هذه الآیة منسوخة. (ص 133).

قال الأمینی : فتری أنّ القول بنزول الآیة فی المتعة رأی العلماء والفقهاء من الصحابة والتابعین والسلف الصالحین ، غیر أنّهم یعزی إلیهم عند القرطبی القول بالنسخ وقد عرفت حقّ القول فیه.

وقال القرطبی أیضاً فی تفسیره (3) (5 / 135) فی قوله تعالی : (وَلا جُناحَ 9.

ص: 326


1- القرطبی صاحب التفسیر هو أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاری المتوفّی سنة 671.
2- الجامع لأحکام القرآن : 5 / 88.
3- الجامع لأحکام القرآن : 5 / 89.

عَلَیْکُمْ فِیما تَراضَیْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِیضَةِ) : قال القائلون بأنّ الآیة فی المتعة : هذا إشارة إلی ما تراضیا علیه من زیادة فی مدّة المتعة فی أوّل الإسلام ، فإنّه کان یتزوّج الرجل المرأة شهراً علی دینار مثلاً ، فإذا انقضی الشهر فربّما کان یقول : زیدینی فی الأجل أزدک فی المهر ، فبیّن أنّ ذلک کان جائزاً عند التراضی.

قال أبو الولید محمد بن أحمد القرطبی الشهیر بابن رشد المتوفّی (595) فی بدایة المجتهد (2 / 58) : اشتهر عن ابن عبّاس تحلیلها - المتعة - وتبع ابن عبّاس علی القول بها أصحابه من أهل مکة وأهل الیمن ورووا : أنّ ابن عبّاس کان یحتجّ لذلک بقوله تعالی : (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِیضَةً وَلا جُناحَ عَلَیْکُمْ) وفی حرف عنه : إلی أجل مسمّی.

9 - ذکر أبو عبد الله فخر الدین الرازی الشافعی المتوفّی (606) فی تفسیره الکبیر (1) (3 / 200) قولین فی الآیة ، وقال : أحدهما قول أکثر العلماء.

والقول الثانی : إنّ المراد بهذه الآیة حکم المتعة وهی عبارة أن یستأجر الرجل المرأة بمال معلوم إلی أجل معیّن فیجامعها ، واتّفقوا علی أنّها کانت مباحة فی ابتداء الإسلام واختلفوا فی أنّها هل نُسخت أم لا؟ فذهب السواد الأعظم من الأُمّة إلی أنّها صارت منسوخة. وقال السواد منهم : إنّها بقیت مباحة کما کانت ، وهذا القول مرویّ عن ابن عبّاس وعمران بن الحصین ، أمّا ابن عبّاس فعنه ثلاث روایات - ثمّ ذکر الروایات - فقال : وأمّا عمران بن الحصین فإنّه قال : نزلت آیة المتعة فی کتاب الله تعالی ولم ینزل بعدها آیة تنسخها ، وأمرنا بها رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وتمتّعنا بها ومات ولم ینهنا عنه ، ثمّ قال رجل برأیه ما شاء.

وذکر فی صحیفة (201) قراءة أُبیّ وابن عبّاس کما مرّ عن الطبری. وقال 3.

ص: 327


1- التفسیر الکبیر : 10 / 49 و 51 و 53.

فی (ص 203) : إنّ قراءة أُبیّ وابن عبّاس بتقدیر ثبوتها لا تدلّ إلاّ علی أنّ المتعة کانت مشروعة ، ونحن لا ننازع فیه إنّما الذی نقوله : إنّ النسخ طرأ علیه.

10 - ذکر الحافظ أبو زکریا النووی الشافعی المتوفّی (676) فی شرح صحیح مسلم (1) (9 / 181) : أنّ عبد الله بن مسعود قرأ : فما استمتعتم به منهنّ إلی أجل.

11 - قال القاضی أبو الخیر البیضاوی الشافعی المتوفّی (685) فی تفسیره (2) (1 / 259) : قیل نزلت الآیة فی المتعة التی کانت ثلاثة أیّام حین فتحت مکة ثمّ نسخت کما روی أنّه علیه الصلاة والسلام أباحها ثمّ أصبح یقول : أیّها الناس إنّی کنت أمرتکم بالاستمتاع من هذه النساء ألا إنّ الله حرّم ذلک إلی یوم القیامة (3) ، وهی النکاح الموقّت بوقت معلوم سمّی بها.

12 - قال علاء الدین البغدادی المتوفّی (741) فی تفسیره المعروف بتفسیر الخازن (4) (1 / 357) : قال قوم : المراد من حکم الآیة هو نکاح المتعة وهو أن ینکح امرأة إلی مدّة معلومة بشیء معلوم ، فإذا انقضت تلک المدّة بانت منه بغیر طلاق ویستبرئ رحمها ولیس بینهما میراث ، وکان هذا فی ابتداء الإسلام ثمّ نهی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم عن المتعة. ثمّ ذکر حدیث سبرة المذکور فی لفظ البیضاوی فقال : وإلی هذا ذهب جمهور العلماء من الصحابة فمن بعدهم ، أی أنّ نکاح المتعة حرام والآیة منسوخة واختلفوا فی ناسخها فقیل نُسخت بالسنّة وهو ما تقدّم من حدیث سبرة ... وهذا علی مذهب من یقول : إنّ السنّة تنسخ القرآن ، ومذهب الشافعی أنّ السنّة لا تنسخ القرآن ، فعلی هذا یقول : إنّ ناسخ هذه الآیة قوله تعالی فی سورة 3.

ص: 328


1- شرح صحیح مسلم : 9 / 179.
2- تفسیر البیضاوی : 1 / 209.
3- هذا یبطل غیر واحد من الأقوال المذکورة فی صحیفة : 225 ، 226. (المؤلف)
4- تفسیر الخازن : 1 / 343.

المؤمنون : (وَالَّذِینَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ) (1) الآیة. ثمّ ذکر روایات ابن عبّاس ومنها : إنّ الآیة محکمة لم تنسخ.

13 - قال ابن جزی محمد بن أحمد الغرناطی المتوفّی (741) فی تفسیره التسهیل (1 / 137) : قال ابن عبّاس (2) وغیره : معناها إذا استمتعتم بالزوجة ووقع الوطء فقد وجب إعطاء الأجر وهو الصداق کاملاً ، وقیل : إنّها فی نکاح المتعة وهو النکاح إلی أجل من غیر میراث ، وکان جائزاً فی أوّل الإسلام ، فنزلت هذه الآیة فی وجوب الصداق فیه ثمّ حرّم عند جمهور العلماء ، فالآیة علی هذا منسوخة بالخبر الثابت فی تحریم نکاح المتعة ، وقیل : نسختها آیة الفرائض لأنّ نکاح المتعة لا میراث فیه ، وقیل : نسختها (وَالَّذِینَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ) ، وروی عن ابن عبّاس : جواز نکاح المتعة. وروی : أنّه رجع عنه (3)

14 - ذکر أبو حیّان محمد بن یوسف الأندلسی المتوفّی عبّاس وأُبیّ بن کعب وسعید بن جبیر قال ابن عبّاس ومجاهد والسدی وغیرهم : : فما استمتعتم به منهنّ إلی أجل مسمّی. وقال : إنّ الآیة فی نکاح المتعة. وقال ابن عبّاس لأبی نضرة : هکذا أنزلها الله.

15 - قال الحافظ عماد الدین بن کثیر الدمشقی الشافعی المتوفّی (774) فی تفسیره (1 / 474) : وقد استدلّ بعموم هذه الآیة علی نکاح المتعة ولا شکّ أنّه کان مشروعاً فی ابتداء الإسلام ثمّ نسخ بعد ذلک. ثمّ قال بعد ذکر بعض أقوال النسخ : ف)

ص: 329


1- المؤمنون : 5.
2- تکذّب هذه النسبة إلی ابن عبّاس قراءته الآیة : فما استمتعتم به منهنّ إلی أجلٍ مسمّی وهی ثابتة عنه کما مرّ ویأتی. (المؤلف)
3- کیف یرجع عنه وهو یری الآیة محکمة لم تنسخ؟ وقد مرّ ویأتی ما یکذّب هذا العزو إلیه ، وقد قال به إلی آخر نفس لفظه. (المؤلف)

وکان ابن عبّاس وأُبیّ بن کعب وسعید بن جبیر والسدی یقرؤون : فما استمتعتم به منهنّ إلی أجلٍ مسمّی. وقال مجاهد : نزلت فی نکاح المتعة. ولکنّ الجمهور علی خلاف ذلک والعمدة ما ثبت فی الصحیحین عن أمیر المؤمنین علیّ بن أبی طالب (1).

16 - قال الحافظ جلال الدین السیوطی المتوفّی (911) فی الدرّ المنثور (2) (2 / 140) : أخرج الطبرانی (3) والبیهقی فی سننه (4) عن ابن عبّاس قال : کانت المتعة فی أوّل الإسلام وکانوا یقرؤون هذه الآیة : فما استمتعتم به منهنّ إلی أجل مسمّی.

وأخرج عبد بن حمید ، وابن جریر ، وابن الأنباری فی المصاحف ، والحاکم وصحّحه من طرق ، عن أبی نضرة ، قال : قرأت علی ابن عبّاس. وقد مرّ (ص 229).

وأخرج عبد بن حمید وابن جریر ، عن قتادة وأخرج ابن الأنباری فی المصاحف عن سعید بن جبیر قراءة أُبیّ بن کعب : فما استمتعتم به منهنّ إلی أجل ، وأخرج عبد الرزاق (5) عن عطاء قراءة ابن عبّاس.

وأخرج عبد بن حمید وابن جریر عن مجاهد : (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَ) ، قال : یعنی نکاح المتعة.

وأخرج ابن جریر ، عن السدی فی الآیة قال : هذه المتعة.

وأخرج عبد الرزّاق وأبو داود فی ناسخه وابن جریر ، عن الحَکم ؛ أنّه سئل عن هذه الآیة أمنسوخة؟ قال : لا. 2.

ص: 330


1- عرفت بعض القول حول هذه الصحیحة فی صحیفة : 226. (المؤلف)
2- الدرّ المنثور : 2 / 484.
3- المعجم الکبیر : 10 / 320 ح 10782.
4- السنن الکبری : 7 / 205.
5- المصنّف : 7 / 498 ح 14022.

17 - قال أبو السعود العمادی الحنفی المتوفّی (982) فی تفسیره (1) - هامش تفسیر الرازی - (3 / 251) قیل : نزلت فی المتعة التی هی النکاح إلی وقت معلوم من یوم أو أکثر ، سمّیت بذلک لأنّ الغرض منها مجرّد الاستمتاع بالمرأة واستمتاعها بما یعطی ، وقد أُبیحت ثلاثة أیّام حین فُتحت مکّة شرّفها الله تعالی ثمّ نُسخت لما روی أنّه علیه السلام أباحها ثمّ أصبح یقول : یا أیّها الناس إنّی أمرتکم بالاستمتاع من هذه النساء ألا إنّ الله حرّم ذلک إلی یوم القیامة (2). وقیل : أُبیح مرّتین وحُرّم مرّتین.

18 - قال القاضی الشوکانی المتوفّی (1250) فی تفسیره (3) (1 / 414) : قد اختلف أهل العلم فی معنی الآیة ؛ فقال الحسن ومجاهد (4) وغیرهما : المعنی فما انتفعتم وتلذّذتم بالجماع من النساء بالنکاح الشرعی فآتوهنّ أُجورهنّ : أی مهورهنّ ، وقال الجمهور : إنّ المراد بهذه الآیة نکاح المتعة الذی کان فی صدر الإسلام ، ویؤیّد ذلک قراءة أُبیّ بن کعب وابن عبّاس وسعید بن جبیر : فما استمتعتم به منهنّ إلی أجل مسمّی فآتوهنّ أُجورهنّ. ثمّ نهی عنها النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم کما صحّ ذلک من حدیث علیّ ، قال : نهی النبیّ عن نکاح المتعة وعن لحوم الحمر الأهلیّة یوم خیبر (5). ثمّ ذکر حدیث النهی عنها یوم فتح مکة ویوم حجّة الوداع فقال : فهذا هو الناسخ ، وحکی عن سعید بن جبیر نسخها بآیة المیراث إذ المتعة لا میراث فیها (6). وعن عائشة ف)

ص: 331


1- تفسیر أبی السعود : 2 / 165.
2- عرفت أنّ هذا القول یبطل الأقوال الأُخر فی النسخ وهی تناقض هذا ، فراجع. (المؤلف)
3- فتح القدیر : 1 / 449.
4- سمعت عن الطبری وعبد بن حمید وأبی حیّان وابن کثیر والسیوطی ؛ أنّ مجاهداً من رواة القول بنزولها فی المتعة ، ومن هنا عدّ ممّن ثبت علی إباحتها ، فعزو خلاف ما جاء عن السلف إلیه من صنائع الأهواء. (المؤلف)
5- عرفت الحال فی هذا الحدیث الصحیح الذی هو عمدة مستند القوم فی النهی عن المتعة ، راجع : ص 226. (المؤلف)
6- عزو القول بالنسخ إلی سعید یکذّبه عدّ السلف إیّاه فیمن ثبت علی القول بإباحتها. (المؤلف)

والقاسم بن محمد : نسخها بآیة (وَالَّذِینَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ).

ثمّ قال فی قوله تعالی : (وَلا جُناحَ عَلَیْکُمْ فِیما تَراضَیْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِیضَةِ) : أی من زیادة أو نقصان فی المهر ، فإنّ ذلک سائغ عند التراضی ، هذا عند من قال بأنّ الآیة فی النکاح الشرعی ، وأمّا عند الجمهور القائلین بأنّها فی المتعة فالمعنی التراضی فی زیادة مدّة المتعة أو نقصانها ، أو فی زیادة ما دفعه إلیها إلی مقابل الاستمتاع بها أو نقصانه.

19 - ذکر شهاب الدین أبو الثناء السیّد محمود الآلوسی البغدادی المتوفّی (1270) فی تفسیره (5 / 5) قراءة ابن عبّاس وعبد الله بن مسعود الآیة : فما استمتعتم به منهنّ إلی أجلٍ مسمّی ، ثمّ قال : ولا نزاع عندنا فی أنّها أُحلّت ثمّ حرّمت ، والصواب المختار أنّ التحریم والإباحة کانا مرّتین ، وکانت حلالاً قبل یوم خیبر ثمّ حرّمت یوم خیبر (1) ، ثمّ أُبیحت یوم فتح مکة وهو یوم أوطاس لاتّصالهما ، ثمّ حُرّمت یومئذٍ بعد ثلاث (2) تحریماً مؤبّداً إلی یوم القیامة.

هلمّ معی :

هلمَّ معی أیّها القارئ نسائل الرجل - موسی جار الله - عن هذه الکتب ألیست هی مراجع أهل السنّة فی علم القرآن؟ ألیس هؤلاء أعلامهم وأئمّتهم فی التفسیر؟ ألیس من واجب الباحث أن یراجع تلکم الکتب ثمّ ینقض ویبرم ، ویزن ویرجّح؟ أیوجِّه قوارصه إلی مثل ابن عبّاس ترجمان القرآن ، وأُبیّ بن کعب أقرأ الصحابة عندهم. وعبد الله بن مسعود عالم الکتاب والسنّة وعمران بن حصین ، والحَکم ، وحبیب بن أبی ثابت ، وسعید بن جبیر ، وقتادة ، ومجاهد؟ أیری کلاّ منهم جاهلاً یدّعی ف)

ص: 332


1- عرفت فی : ص 226 عن السهیلی أنّ هذا شیء لا یعرفه أحد من أهل السیر ورواة الأثر. (المؤلف)
2- هذا یبطل القول بالتحریم فی حجّة الوداع بعد إباحتها. وحکی النووی فی شرح مسلم [9 / 180] عن أبی داود أنّه یراه أصحّ ما روی فی ذلک. وهکذا کلّ قول من تلکم الأقوال یکذّب الآخر ویبطله ، والحقّ یبطل الجمیع ، والحقّ أحقّ أن یتّبع. (المؤلف)

ولا یعی؟ ألیس هذا سبّ الصحابة والسلف الصالح الذی تُتّهم به الشیعة عند قومه؟

أم یری رجالات قومه من الشیعة ویسلقهم بألسنة حداد؟ فإن لم تکن عنده قیمة لمثل البخاری ، ومسلم ، وأحمد ، والطبری ، ومحمد بن کعب ، وعبد بن حمید ، وأبی داود ، وابن جریج ، والجصّاص ، وابن الأنباری ، والبیهقی ، والحاکم ، والبغوی ، والزمخشری ، والأندلسی ، والقرطبی ، والفخر الرازی ، والنووی ، والبیضاوی ، والخازن ، وابن جزّی ، وأبی حیّان ، وابن کثیر ، وأبی السعود ، والسیوطی ، والشوکانی ، والآلوسی ، فمن قدوته وأُسوته فی العلم والدین؟

نعم ؛ لا یفوتنا أنّ أکاذیب الرجل وأساطیره المسطّرة وعزو القول بنزول الآیة إلی الشیعة فحسب کلّها تقدمة لسبِّ الإمامین الطاهرین الباقر والصادق ، وهو یعلم وکلّ ذی نصفة یدری أنّ أئمّة قومه الأربعة عائلة الإمامین فی علمهما ، فإن یوجد عندهم شیء من العلم فمن ذلک النمیر العذب ، والباقران هما الباقران ، وموسی الوشیعة هو موسی الوشیعة ، والله هو الحَکم العدل ، وإلی الله المشتکی.

وهلمَّ نسائل الرجل عن أدب البیان الذی شعر به هو وخفی علی هؤلاء الأعلام فی القرون الخالیة ، وعن الاختلال الذی عرفه هو وجهله أئمّة القوم علی تقدیر القول بنزول الآیة فی المتعة ما هو؟ وأین کان؟ وعمّن یؤثر؟ ومن الذی قال به؟ وما الحجّة علیه؟ وممّن أخذه؟ ولِمَ کتمه الأولون والآخرون حتی انتهت النوبة إلیه؟ لا أحسب أنّه یحیر جواباً یشفی الغلیل ، ولعلّه یعید سبابه المقذع إلی أُناس آخرین.

حدود المتعة فی الإسلام :

1 - الأُجرة.

2 - الأجل.

3 - العقد المشتمل للإیجاب والقبول.

ص: 333

4 - الافتراق بانقضاء المدّة أو البذل.

5 - العدّة أمة وحرّة ، حائلاً وحاملاً.

6 - عدم المیراث.

إنّ هذه الحدود ذکرها الفقهاء فی مدوّناتهم الفقهیّة ، والمحدِّثون فی الصحاح والمسانید ، والمفسِّرون فی ذیل الآیة الکریمة الآنفة ، فوقع إصفاقهم علی أنّها حدود شرعیة إسلامیة لا محیص عنها ، سواء فیها من یقول بالإباحة الدائمة أو بالإباحة المؤقّتة المنسوخة ، فأین یکون مقیل کلمة الرجل : إنّها من الأنکحة الجاهلیة التاریخیة ولم تکن بإذن من الشارع؟ ومتی کان فی الجاهلیة نکاح بهذه الحدود ، وقد ضبطوا أنکحتها وعاداتها وتقالیدها ولیس فیها ما یشابه نکاح المتعة؟

نعم ؛ الرجل یتقوّل ولا یکترث لما یقول ، وقد أسلفنا جمعاً ممّن ذکر حدود نکاح المتعة فی الجزء الثالث (ص 331).

ولما ذا یکون ابن جریج مسرفاً فی إتیان الفاحشة التی نزلت فی أشدّ المحرّمات فی مزعمة موسی ، ولو کان ابن جریج متهاوناً بالدین ، فلما ذا أخرج عنه أئمّة الحدیث وأرباب الصحاح الستّ کلّهم ، وحشّوا لمسانید مرویّاته وأسانیده؟ وقد سمعوا منه اثنی عشر ألف حدیث یحتاج إلیها الفقهاء (1) ، ولو فسد مثله أو فسدت روایته لوجب أن تُمحی صحائف جمّة من جوامع الحدیث ، ولا تبقی قیمة لتلکم الصحاح عندئذٍ ، ولو کان کما یزعمه فلما ذا أطرته أئمّة الرجال بکلِّ ثناءٍ جمیل؟ وکیف رآه أحمد إمام الحنابلة أثبت الناس؟ وکیف کانوا یسمّون کتبه کتب الأمانة؟ (2) ف)

ص: 334


1- مفتاح السعادة : 2 / 120 [2 / 231]. (المؤلف)
2- راجع تهذیب التهذیب : 6 / 404 [6 / 359]. (المؤلف)

ثمّ ما ذا علی الرجل إن عمل بما أدّی إلیه اجتهاده وهو یروی فی ذلک ثمانیة عشر حدیثاً؟ وأمّا حدیث عدوله عن رأیه فإن صدق نقل الرجل عن أبی عوانة وصدق إسناد أبی عوانة ، ولو کان لبان وظهر وتناقلته الفقهاء ، ولم ینحصر نقله بواحد عن واحد ، ولا سیّما وابن جریج هو ذلک المصرّ علی رأیه عملیّا وعلمیّا ، وإنّی أحسب أنّ عزو العدول إلی هذا الرجل لِدة عزوه إلی حبر الأُمّة عبد الله بن العبّاس الذی کذّبه من کذّبه کما عرفت.

وأمّا ما عزاه موسی إلی الحکومة الإیرانیّة فی إدخال المنع عن المتعة فی جملة إصلاحاتها ونسخها نسخاً قطعیّا بتاتاً ، ومنعها منعاً بتّا فکبقیّة مفتعلاته ، فما أعوزته الحجّة ، وضاقت علیه المحجّة ، وغدا محجوجاً أعیت علیه البراهین ، إلی أن محج (1) وأفک ، واحتجّ بما لم تسمعه أُذن الدنیا ، وقابل الکتاب والسنّة بتاریخ مفتعل علی حکومة إسلامیة لم تأتِ بشیء جدید قطّ فی المتعة ، وعلی تقدیر تحقّق فریته فأیّ قیمة لذلک تجاه ما هتف به النبیّ الأعظم وکتابه المقدّس؟

إقرأ واضحک أو ابک :

ذکر القوشجی المتوفّی (879) فی شرح التجرید (2) فی مبحث الإمامة أنّ عمر قال وهو علی المنبر : أیّها الناس ثلاث کنّ علی عهد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وأنا أنهی عنهنّ وأُحرِّمهنّ وأُعاقب علیهنّ : متعة النساء ، ومتعة الحجّ ، وحیّ علی خیر العمل. ثمّ اعتذر عنه بقوله : إنّ ذلک لیس ممّا یوجب قدحاً فیه ؛ فإنّ مخالفة المجتهد لغیره فی المسائل الاجتهادیّة لیس ببدع. انتهی.

ما کنّا نقدّر أنّ ضلیعاً فی العلم یقابل النبیّ الأعظم صلی الله علیه وآله وسلم بواحد من أُمّته ویجعل 4.

ص: 335


1- المحج : الکذب.
2- شرح التجرید : ص 484.

کلاّ منهما مجتهداً ، وما ینطقه الرسول الأمین هو عین ما ثبت فی اللوح المحفوظ وإن هو إلاّ وحی یوحی علّمه شدید القوی ، فأین هو عن الاجتهاد بردّ الفرع إلی الأصل ، واستعمال الظنون فی طریق الاستنباط؟ وإنّ السائغ من المخالفة الاجتهادیة هو ما إذا قابل المجتهد مجتهداً مثله لا من اجتهد تجاه النصِّ المبین ، وارتأی أمام تصریحات الشریعة من قول الشارع وعمله.

ثمّ أیّ مستوی یقلّ سیّد أولی الألباب وهذا الرجل فی عرض واحد فهماً وإدراکاً حتی یقابل بین رأییهما؟ وأیّ قیمة لآراء العالمین جمیعاً إذا خالفت ما جاء به المشرّع الأقدس؟ لکنّی أعذر القوشجی لالتزامه بدحض کلّ ما جاء به نصیر الدین الطوسی لئلاّ یُعزی إلیه العجز والتوانی فی الحجاج ، فلا بدّ أن یأتی بکلِّ ما دبَّ ودرج سواء کان حجّة له أو وبالاً علیه.

وقال ابن القیّم فی زاد المعاد (1) (1 / 444) : فإن قیل : فما تصنعون بما رواه مسلم فی صحیحه (2) عن جابر بن عبد الله؟ قال : کنّا نستمتع بالقبضة من التمر والدقیق الأیّام علی عهد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وأبی بکر حتی نهی عنها عمر فی شأن عمرو بن حریث. وفیما ثبت عن عمر أنّه قال : متعتان کانتا علی عهد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أنا أنهی عنهما : متعة النساء ومتعة الحجّ ، قیل : الناس فی هذا طائفتان : طائفة تقول : إنّ عمر هو الذی حرّمها ونهی عنها وقد أمر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم باتّباع ما سنّه الخلفاء الراشدون (3) ، ولم ترَ هذه الطائفة تصحیح حدیث سبرة بن معبد فی تحریم المتعة عام الفتح (4) ؛ فإنّه من روایة عبد الملک بن الربیع بن سبرة عن أبیه عن جدّه ، وقد تکلّم فیه ابن معین ولم یر ف)

ص: 336


1- زاد المعاد : 2 / 184.
2- صحیح مسلم : 3 / 194 ح 16 کتاب النکاح.
3- یأتی الکلام حول هذا الحدیث وهذه السنّة فی هذا الجزء [465]. (المؤلف)
4- تحریم المتعة عام الفتح قول ابن عیینة وطائفة کما فی زاد المعاد : 1 / 442 [2 / 183]. (المؤلف)

البخاری إخراج حدیثه فی صحیحه مع شدّة الحاجة إلیه ، وکونه أصلاً من أُصول الإسلام ، ولو صحّ عنده لم یصبر عن إخراجه والاحتجاج به ، قالوا : ولو صحّ حدیث سبرة لم یخف علی ابن مسعود حتی یروی أنّهم فعلوها ویحتجّ بالآیة. وأیضاً لو صحّ لم یقل عمر إنّها کانت علی عهد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وأنا أنهی عنها وأُعاقب علیها ، بل کان یقول : إنّه صلی الله علیه وآله وسلم حرّمها ونهی عنها. قالوا : ولو صحّ لم تفعل علی عهد الصدّیق وهو عهد خلافة النبوّة حقّا. والطائفة الثانیة رأت صحّة حدیث سبرة ولو لم یصحّ فقد صحّ حدیث علیّ رضی الله عنه : إنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم حرّم متعة النساء ، فوجب حمل حدیث جابر علی أنّ الذی أخبر عنها بفعلها لم یبلغه التحریم ، ولم یکن قد اشتهر حتی کان زمن عمر رضی الله عنه ، فلمّا وقع فیها النزاع ظهر تحریمها واشتهر ، وبهذا تأتلف الأحادیث الواردة فیها وبالله التوفیق.

قال الأمینی : أنّی یتأتّی الجمع بین أحادیث الباب المتضاربة من شتّی النواحی بصحیحة مزعومة؟ ومتی تصحّ؟ وکیف یتمّ عزوها المختلق إلی أمیر المؤمنین علیه السلام وبین یدی الأُمّة قوله الصحیح الثابت : «لو لا أنّ عمر نهی عن المتعة ما زنی إلاّ شقیّ» (1) وقد صحّ عنه علیه السلام مذهبه إلی تحلیل المتعة ، کما أنّ أبناء بیته الرفیع ذهبوا إلی إباحتها سلفاً وخلفاً ، ومن المتسالم علیه قول ابن عبّاس : لو لا نهی عمر لما احتاج إلی الزنا إلاّ شفی (2).

ومن الذی أخبر الأُمّة عن نهی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم عن المتعة غیر علیّ علیه السلام حتی ظهر فی زمن عمر واشتهر؟ ومهما کان الحظر عنه صلی الله علیه وآله وسلم مشهوراً ، وأوّل من جاء به وباح بالنهی عنها یقول : متعتان کانتا علی عهد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، وأنا أنهی عنهما وأُعاقب. ف)

ص: 337


1- راجع ما مرّ صفحة : 206 ، 207 من هذا الجزء. (المؤلف)
2- مرّ حدیثه فی صفحة 206. (المؤلف)

وقال : متعتان کانتا علی عهد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وعلی عهد أبی بکر ، وأنا أنهی عنهما.

وقال : إنّ الله ورسوله قد أحلاّ لکم متعتین ، وإنّی محرِّمهما علیکم.

وقال : ثلاث کنّ علی عهد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أنا محرّمهنّ : متعة الحجّ ومتعة النساء.

فهل جابهه صحابیّ بالردِّ علیه فی دعواه حلّیة المتعة فی العهدین؟ أو فی نسبة تحریمها إلی نفسه؟ وهل کان إجماع الصحابة علی حلّیة المتعة عهد أبی بکر خلاف دین الله وسنّة نبیّه؟ نعم الغریق یتشبّث بکلّ حشیش.

(وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُکُمُ الْکَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَی اللهِ الْکَذِبَ إِنَّ الَّذِینَ یَفْتَرُونَ عَلَی اللهِ الْکَذِبَ لا یُفْلِحُونَ) (1). 6.

ص: 338


1- النحل : 116.

- 70 -

رأی الخلیفة فیمن قال : إنّی مؤمن

اشارة

عن مسند عمر رضی الله عنه ، عن سعید بن یسار ، قال : بلغ عمر بن الخطّاب أنّ رجلاً بالشام یزعم أنّه مؤمن ، فکتب إلی أمیره : أن ابعثه إلیّ. فلمّا قدم قال : أنت الذی تزعم أنّک مؤمن؟ قال : نعم ، یا أمیر المؤمنین. قال : ویحک وممّ ذاک؟ قال : أوَلم تکونوا مع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أصنافاً : مشرک ، ومنافق ، ومؤمن؟ فمن أیّهم کنت؟ فمدّ عمر یده إلیه معرفة لما قال حتی أخذ بیده (1).

وعن قتادة ؛ قال : قال عمر بن الخطّاب : من قال إنّی عالم ، فهو جاهل ، ومن قال إنّی مؤمن ، فهو کافر. کنز العمّال (2) (1 / 103).

قال الأمینی : أنا لا أدری ما هذه المشکلة التی من جرّائها جلب الرجل من الشام وحوله آلاف من المؤمنین یقولون بمقالته ، وهو یحسب أنّه أمیرهم ولم یسألهم عمّا سأل الشامی عنه؟ ثمّ کیف انحلّت تلک المشکلة بأبسط جواب؟ أوَلم یکن الخلیفة یعلم ذلک من أنّ الإنسان إذا لم یکن مشرکاً أو منافقاً فهو مؤمن لا محالة؟ أم أنّه حسب أنّ المؤمن الواثق بإیمانه لا یجوز له أن یقول : أنا مؤمن ؛ لأنّ ذلک القول کفر کما فی حدیث قتادة؟ وذلک تعبّداً بقول عمر. لکنّ الله سبحانه مدح أقواماً فی الذکر بأن قالوا آمنّا مثل قوله تعالی : (قالَ الْحَوارِیُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ آمَنَّا بِاللهِ) (3) ، وقوله : (رَبَّنا آمَنَّا بِما أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ) (4) ، وقوله : (رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِیاً یُنادِی 3.

ص: 339


1- أخرجه البیهقی فی شعب الإیمان [1 / 84 ح 74] ، وابن أبی شیبة فی الإیمان [المصنّف : 11 / 39 ح 10462] کما فی کنز العمّال : 1 / 103 [1 / 404 ح 1728]. (المؤلف)
2- کنز العمّال : 1 / 405 ح 1730.
3- آل عمران : 52.
4- آل عمران : 53.

لِلْإِیمانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّکُمْ فَآمَنَّا) (1) ، وقوله : (قالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنا مُسْلِمُونَ) (2) ، وقوله : (یَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا) (3) ، وقوله : (قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِینَ) (4) ، (وَالرَّاسِخُونَ فِی الْعِلْمِ یَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ کُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا) (5) ومنهم من قال : بلی. إذا خوطب بقول العلیِّ العظیم : (أَوَلَمْ تُؤْمِنْ) (6) ، ومنهم من قال : (سُبْحانَکَ تُبْتُ إِلَیْکَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِینَ) (7).

ومن جلیّة الواضحات عدم الفرق بین قول القائل : آمنّا بکذا ، أو : نحن مؤمنون ، أو : أنا مؤمن بکذا ، إذا وثق من نفسه بإیمان ، ومن فرّق بینهما فهو مجازف لا محالة.

ولعلّ الخلیفة کان ناظراً إلی حراجة الموقف فی الإیمان ، وعزّة خلوصه من خفیّات صفات الشرک والنفاق حتی کان یسأل حذیفة عن نفسه ، قال الغزالی فی إحیاء العلوم (8) (1 / 129) : الأخبار والآثار تعرّفک خطر الأمر بسبب دقائق النفاق والشرک الخفیّ وأنّه لا یؤمن منه ، حتی کان عمر بن الخطّاب رضی الله عنه یسأل حذیفة عن نفسه وأنّه هل ذکر فی المنافقین؟ وهل هو منهم؟ وهل عدّه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فیهم (9)؟

وکان حذیفة صاحب السرِّ المکنون فی تمییز المنافقین ، ولذلک کان عمر ف)

ص: 340


1- آل عمران : 193.
2- المائدة : 111.
3- المائدة : 83.
4- الأعراف : 121.
5- آل عمران : 7.
6- البقرة : 260.
7- الأعراف : 143.
8- إحیاء علوم الدین : 1 / 114.
9- وذکره الباقلانیّ فی التمهید : ص 196 ، وابن أبی جمرة فی بهجة النفوس : 4 / 48. (المؤلف)

لا یصلّی علی میّت حتی یصلّی علیه حذیفة یخشی أن یکون من المنافقین. کذا قاله ابن العماد الحنبلی فی شذرات الذهب (1) (1 / 44).

- 71 -

قدوم أسقف نجران علی الخلیفة

قدم أسقف نجران علی أمیر المؤمنین عمر بن الخطّاب فی صدر خلافته ، فقال : یا أمیر المؤمنین إنّ أرضنا باردة شدیدة المئونة لا یحتمل الجیش ، وأنا ضامن لخراج أرضی أحمله إلیک فی کلِّ عام کملاً. قال : فضمّنه إیّاه ، فکان یحمل المال ویقدم به فی کلّ سنة ویکتب له عمر البراءة بذلک ، فقدم الأسقف ذات مرّة ومعه جماعة وکان شیخاً جمیلاً مهیباً ، فدعاه عمر إلی الله وإلی رسوله وکتابه وذکر له أشیاء من فضل الإسلام وما یصیر إلیه المسلمون من النعیم والکرامة. فقال له الأسقف : یا عمر أتقرؤون فی کتابکم : (وَجَنَّةٍ عَرْضُها کَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) (2) فأین یکون النار؟

فسکت عمر وقال لعلیٍّ : أجبه أنت.

فقال له علیّ : «أنا أُجیبک یا أسقف ؛ أرأیت إذا جاء اللیل أین یکون النهار؟ وإذا جاء النهار أین یکون اللیل؟».

فقال الأسقف : ما کنت أری أن أحداً لیجیبنی عن هذه المسألة. من هذا الفتی یا عمر؟

فقال : علیّ بن أبی طالب ، ختن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وابن عمّه ، وهو أبو الحسن والحسین.1.

ص: 341


1- شذرات الذهب : 1 / 209 حوادث سنة 36 ه.
2- الحدید : 21.

فقال الأسقف : فأخبرنی یا عمر عن بقعة من الأرض طلع فیها الشمس مرّة واحدة ثمّ لم تطلع قبلها ولا بعدها. قال عمر : سل الفتی. فسأله.

فقال : «أنا أُجیبک ؛ هو البحر حیث انفلق لبنی إسرائیل ووقعت فیه الشمس مرّةً واحدة لم تقع قبلها ولا بعدها».

فقال الأسقف : أخبرنی عن شیء فی أیدی الناس شبّه بثمار الجنّة. قال عمر : سل الفتی. فسأله.

فقال علیّ : «أنا أُجیبک ؛ هو القرآن یجتمع علیه أهل الدنیا فیأخذون منه حاجتهم فلا ینقص منه شیء فکذلک ثمار الجنّة».

فقال الأسقف : صدقت. قال : أخبرنی هل للسموات من قفل؟

فقال علیّ : «قفل السموات الشرک بالله».

فقال الأسقف : وما مفتاح ذلک القفل؟

قال : «شهادة أن لا إله إلاّ الله ، لا یحجبها شیء دون العرش».

فقال : صدقت. فقال : أخبرنی عن أوّل دم وقع علی وجه الأرض.

فقال علیّ : «أمّا نحن فلا نقول کما یقولون دم الخشّاف ، ولکن أوّل دم وقع علی وجه الأرض مشیمة حوّاء حیث ولدت هابیل بن آدم».

قال : صدقت ، وبقیت مسألة واحدة ؛ أخبرنی أین الله؟ فغضب عمر.

فقال علیّ : «أنا أُجیبک وسل عمّا شئت ؛ کنّا عند رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إذ أتاه ملک فسلّم ، فقال له رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : من أین أُرسلت؟ فقال : من السماء السابعة من عند ربِّی ، ثمّ أتاه آخر فسأله ، فقال : أُرسلت من الأرض السابعة من عند ربّی ، فجاء ثالث من الشرق ورابع من المغرب ، فسألهما فأجابا کذلک فالله عزّ وجلّ هاهنا

ص: 342

وهاهنا ، فی السماء إله وفی الأرض إله».

أخرجه الحافظ العاصمی فی زین الفتی فی شرح سورة هل أتی.

- 72 -

جلد صائم قعد علی شراب

أخرج أحمد - إمام الحنابلة - فی الأشربة ، عن عمرو بن عبد الله بن طلحة الخزاعی ؛ أنّ عمر بن الخطّاب أُتی بقوم أُخِذوا علی شراب فیهم رجل صائم فجلدهم وجلده معهم قالوا : إنّه صائم ، قال : لِمَ جلس معهم (1)؟

هل علم الخلیفة الوجه فی جلوس الرجل معهم فی منتدی الشرب وهو صائم لا یشارکهم فی العمل؟ فلعلّ الضرورة ألجأته إلی ذلک فما کان یسعه مفارقتهم خشیة بوادرهم ، أو ضرر آخر یستقبله إن فارقهم ، أو أنّ قصد ردعهم عن المنکر حدا الصائم المسکین إلی مصاحبتهم ، والملاینة معهم فی بدء الأمر ، وإذا احتمل شیء من هذه فإنّ الحدود تُدرأ بالشبهات.

وهب أنّه لم یحتمل شیئاً منها ، فإنّ غایة ما هنالک أن یعزّر الرجل تأدیباً وقد عرفت فی (ص 175) حدّ التعزیر ، وأنّه لا یتجاوز العشرة أسواط ، فکیف ساوی بینه وبینهم فی الجلد؟

- 73 -

رأی الخلیفة فی مِسک بیت المال

أُتی عمر مرّة بمسک فأمر أن یُقسّم بین المسلمین ثمّ سدّ أنفه ، فقیل له فی ذلک ، فقال : وهل ینتفع منه إلاّ بریحه؟ ودخل یوماً علی زوجته فوجد معها ریح مسک ، ف)

ص: 343


1- کنز العمّال : 3 / 101 [5 / 477 ح 13672] ، منتخب الکنز - هامش مسند أحمد : 2 / 427 [2 / 498]. (المؤلف)

فقال : ما هذا؟ قالت : إنّی بعت من مسک فی بیت مال المسلمین ووزنت بیدی ، فلمّا وزنت مسحت إصبعی فی متاعی هذا. فقال : ناولینی متاعک ، فأخذه فصبّ علیه الماء فلم یذهب فجعل یدلکه فی التراب ویصبّ علیه الماء حتی ذهب ریحه (1).

هکذا فلیکن الفقیه البارع! وهل کان الخلیفة یضرب ستاراً أمام مصابیح المسلمین حتی لا یستضیئوا بضوئها؟ أو یضرب سدّا علی مهبّ الصبا متی حملت شذیً من حقول المسلمین؟ إلی أمثال هذه من الانتفاعات القهریّة التی لا دخل لرضاء المالک فیها. أنا لا أدری!

- 74 -

اجتهاد الخلیفة فی صلاة المیّت

عن أبی وائل ، قال : کانوا یکبِّرون علی عهد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم سبعاً وخمساً وستّا أو قال : أربعاً ، فجمع عمر بن الخطّاب أصحاب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فأخبر کلّ رجل بما رأی ، فجمعهم عمر رضی الله عنه علی أربع تکبیرات کأطول الصلاة.

وعن سعید بن المسیّب ، یحدِّث عن عمر رضی الله عنه ، قال : کان التکبیر أربعاً وخمساً ، فجمع عمر الناس علی أربع التکبیر علی الجنازة (2).

وقال ابن حزم فی المحلّی (3) : احتجّ من منع أکثر من أربع بخبر رویناه من طریق وکیع عن سفیان الثوری عن عامر بن شقیق عن أبی وائل ، قال : جمع عمر بن الخطّاب الناس فاستشارهم فی التکبیر علی الجنازة ، فقالوا : کبّر النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم سبعاً 3.

ص: 344


1- الفتوحات الإسلامیة : 2 / 414 [2 / 265]. (المؤلف)
2- سنن البیهقی : 4 / 37 ، فتح الباری : 3 / 157 [3 / 202] وقال فی الحدیث الثانی : إسناد صحیح ، وفی الحدیث الأوّل : إسناد حسن ، إرشاد الساری : 2 / 417 [3 / 466 ح 1333]. (المؤلف)
3- المحلّی : 5 / 124 المسألة 573.

وخمساً وأربعاً ، فجمعهم عمر علی أربع تکبیرات. انتهی.

وأخرج الطحاوی عن إبراهیم ، قال : قُبض رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم والناس مختلفون فی التکبیر علی الجنازة لا تشاء أن تسمع رجلاً یقول سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یکبّر سبعاً. وآخر یقول : سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یکبّر خمساً. وآخر یقول : سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یکبّر أربعاً إلاّ سمعته ، فاختلفوا فی ذلک فکانوا علی ذلک حتی قُبض أبو بکر رضی الله عنه ، فلمّا ولی عمر رضی الله عنه ورأی اختلاف الناس فی ذلک شقّ علیه جدّا ، فأرسل إلی رجال من أصحاب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فقال : إنّکم معاشر أصحاب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم متی تختلفون علی الناس یختلفون من بعدکم ، ومتی تجتمعون علی أمر یجتمع الناس علیه ، فانظروا أمراً تجتمعون علیه ، فکأنّما أیقظهم. فقالوا : نعم ما رأیت یا أمیر المؤمنین فأشر علینا. فقال عمر رضی الله عنه : بل أشیروا علیَّ فإنّما أنا بشر مثلکم ، فتراجعوا الأمر بینهم فأجمعوا أمرهم علی أن یجعلوا التکبیر علی الجنائز مثل التکبیر فی الأضحی والفطر أربع تکبیرات ، فأجمع أمرهم علی ذلک. عمدة القاری (1) (4 / 129).

وقال العسکری فی أوائله (2) ، والسیوطی فی تاریخ الخلفاء (3) (ص 93) ، والقرمانی فی تاریخه (4) - هامش الکامل - (1 / 203) : إنّ عمر أوّل من جمع الناس فی صلاة الجنائز علی أربع تکبیرات.

قال الأمینی : الذی ثبت من السنّة وعمل الصحابة اختلاف العدد فی التکبیر علی الجنازة المحمول علی مراتب الفضل فی المیّت أو الصلاة نفسها ، وذلک یکشف عن إجزاء کلّ من تلک الأعداد ، فاختیار الواحد منها والجمع علیه والمنع عن البقیّة کما 9.

ص: 345


1- عمدة القاری : 8 / 116.
2- الأوائل : ص 113.
3- تاریخ الخلفاء : ص 128.
4- أخبار الدول : 1 / 289.

یمنع عن البدع رأی غیر مدعوم بشاهد ، واجتهاد تجاه السنّة والعمل.

ومن الواضح الجلیّ بعد تلاوة ما وقع من المفاوضة بین الخلیفة والصحابة أنّه لم یکن هناک نسخ وإنّما ذکر کلّ منهم ما شاهده علی العهد النبوی ، فدعوی النسخ وتأخّر التکبیر بالأربع عن هاتیک الأعداد زور من القول ، ولذلک لم یحتجّ به أحد ممّن یُعبأ بحجاجه ، وإنّما حصروا الدلیل علی تعیین عمر ومنعه بعد تزییف ما قیل من دلیل المنع کما سمعت من ابن حزم ، وهو کما تری رأی یخصّ بقائله لا یقاوم السنة الثابتة ، وهی لا تُتْرک بقول الرجال.

ویوهن ذلک الجمع والمنع صفح الصحابة عنهما ، أخرج أحمد فی مسنده (1) (4 / 370) عن عبد الأعلی ، قال : صلّیت خلف زید بن أرقم علی جنازة فکبّر خمساً ، فقام إلیه أبو عیسی عبد الرحمن بن أبی لیلی فأخذ بیده فقال : نسیت؟ قال : لا ولکن صلّیت خلف أبی القاسم خلیلی صلی الله علیه وآله وسلم فکبّر خمساً ، فلا أترکها أبداً.

وروی البغوی من طریق أیوب بن النعمان ، أنّه قال : شهدت جنازة سعد بن حبتة (2) فکبّر علیه زید بن أرقم خمساً. الإصابة (2 / 22).

وأخرج الطحاوی ، عن یحیی بن عبد الله التیمی ، قال : صلّیت مع عیسی مولی حذیفة بن الیمان علی جنازة فکبّر علیها خمساً ، ثمّ التفت إلینا فقال : ما وهمت ولا نسیت ولکنّی کبّرت کما کبّر مولای وولیّ نعمتی - یعنی حذیفة بن الیمان - صلّی علی جنازة فکبّر علیها خمساً ثمّ التفت إلینا فقال : ما وهمت ولا نسیت ولکنّی کبّرت کما کبّر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم. عمدة القاری (3) (4 / 129). 6.

ص: 346


1- مسند أحمد : 5 / 498 ح 18813.
2- هو سعد بن بجیر البجلی ، وحبتة اسم أُمّه.
3- عمدة القاری : 8 / 116.

قال ابن قیّم الجوزیة فی زاد المعاد (1) : کان صلی الله علیه وآله وسلم یأمر بإخلاص الدعاء للمیّت وکان یکبّر أربع تکبیرات ، وصحّ عنه أنّه کبّر خمساً (2). وکان الصحابة بعده یکبّرون أربعاً وخمساً وستّا فکبّر زید بن أرقم خمساً ، وذکر أنّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم کبّرها. ذکره مسلم (3). وکبّر الإمام علیّ بن أبی طالب رضی الله عنه علی سهل بن حنیف ستّا (4). وکان یکبّر علی أهل بدر ستّا وعلی غیرهم من الصحابة خمساً وعلی سائر الناس أربعاً ، ذکره الدارقطنی (5). وذکر سعید بن منصور ، عن الحکم ، عن ابن عیینة أنّه قال : کانوا یکبّرون علی أهل بدر خمساً وستّا وسبعاً ، وهذه آثار صحیحة فلا موجب للمنع منها ، والنبیّ صلی الله علیه وآله وسلم لم یمنع ممّا زاد علی الأربع بل فعله هو وأصحابه من بعده ، والذین منعوا من الزیادة علی الأربع منهم من احتجّ بحدیث ابن عبّاس : إنّ آخر جنازة صلّی علیها النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم کبّر أربعاً. قالوا : وهذا آخر الأمرین وإنما یؤخذ بالآخر فالآخر من فعله صلی الله علیه وآله وسلم هذا ، وهذا الحدیث قد قال فیه الخلاّل فی العلل : أخبرنی حارث قال : سأل الإمام أحمد عن حدیث أبی الملیح عن میمون عن ابن عبّاس ، فذکر الحدیث فقال أحمد : هذا کذب لیس له أصل إنّما رواه محمد بن زیادة الطحّان وکان یضع الحدیث ، واحتجّوا بأنّ میمون بن مهران روی عن ابن عبّاس أنّ الملائکة لمّا صلّت علی آدم علیه الصلاة والسلام کبّرت علیه أربعاً وقالوا : تلک سنّتکم یا بنی آدم. وهذا ف)

ص: 347


1- زاد المعاد 1 / 145 [1 / 141] ، وفی طبعة - هامش شرح المواهب للزرقانی - : 2 / 70.(المؤلف)
2- أخرجه ابن ماجة فی سننه : 1 / 458 [1 / 483 ح 1506]. (المؤلف)
3- ] فی الصحیح : 2 / 351 ح 72 کتاب الجنائز و] أخرجه أبو داود فی سننه : 2 / 67 [3 / 210 ح 3197] ، وابن ماجة فی سننه : 1 / 458 [1 / 482 ح 1505] ، وأحمد فی مسنده : 4 / 368 ، 371 [5 / 494 ح 18786 و 500 ح 18825] ، والبیهقی فی السنن الکبری : 4 / 36 ، فتح الباری : 3 / 157 [3 / 202]. (المؤلف)
4- أخرجه البیهقی فی السنن الکبری : 4 / 36. (المؤلف)
5- ] فی السنن : 2 / 73 ح 7] ، وأخرجه البیهقی فی السنن : 4 / 37 ، وذکره ابن حجر فی فتح الباری : 3 / 157 [3 / 202] نقلاً عن ابن المنذر. (المؤلف)

الحدیث قد قال فیه الأثرم : جری ذکر محمد بن معاویة النیسابوری الذی کان بمکة فسمعت أبا عبد الله قال : رأیت أحادیثه موضوعة ، فذکر منها عن أبی الملیح ، عن میمون بن مهران ، عن ابن عبّاس : أنّ الملائکة لمّا صلّت علی آدم فکبّرت علیه أربعاً. واستعظمه أبو عبد الله وقال : أبو الملیح کان أصحّ حدیثاً وأتقی لله من أن یروی مثل هذا. واحتجّوا بما رواه البیهقی (1) من حدیث یحیی ، عن أُبیّ ، عن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم : أنّ الملائکة لمّا صلّت علی آدم فکبّرت علیه أربعاً وقالت : هذه سنّتکم یا بنی آدم. وهذا لا یصحّ. وقد روی مرفوعاً وموقوفاً. وکان أصحاب معاذ یکبّرون خمساً. قال علقمة : قلت لعبد الله : إنّ ناساً من أصحاب معاذ قدموا من الشام فکبّروا علی میّت لهم خمساً. فقال عبد الله : لیس علی المیّت فی التکبیر وقت ، کبّر ما کبّر الإمام فإذا انصرف الإمام فانصرف.

هذا نصّ کلام ابن القیّم وفیه فوائد.

- 75 -

الخلیفة ومسائل ملک الروم

اشارة

أخرج أحمد - إمام الحنابلة - فی الفضائل (2) قال : حدّثنا عبد الله القواریری حدّثنا مؤمّل ، عن یحیی بن سعید ، عن ابن المسیّب ، قال : کان عمر بن الخطّاب یقول : أعوذ بالله من معضلة لیس لها أبو حسن.

قال ابن المسیّب : ولهذا القول سبب ؛ وهو أنّ ملک الروم کتب إلی عمر یسأله عن مسائل فعرضها علی الصحابة فلم یجد عندهم جواباً ، فعرضها علی أمیر المؤمنین فأجاب عنها فی أسرع وقت بأحسن جواب. 2.

ص: 348


1- السنن الکبری : 4 / 36.
2- فضائل علیّ بن أبی طالب : ص 155 ح 222.

ذکر المسائل :

قال ابن المسیّب : کتب ملک الروم إلی عمر رضی الله عنه :

من قیصر ملک بنی الأصفر إلی عمر خلیفة المؤمنین - المسلمین - أمّا بعد : فإنّی مسائلک عن مسائل فأخبرنی عنها : ما شیء لم یخلقه الله؟ وما شیء لم یعلمه الله؟ وما شیء لیس عند الله؟ وما شیء کلّه فم؟ وما شیء کلّه رِجل؟ وما شیء کلّه عین؟ وما شیء کلّه جناح؟ وعن رجل لا عشیرة له ، وعن أربعة لم تحمل بهم رحم ، وعن شیء یتنفّس ولیس فیه روح ، وعن صوت الناقوس ما ذا یقول؟ وعن ظاعن ظعن مرّة واحدة ، وعن شجرة یسیر الراکب فی ظلّها مائة عام لا یقطعها ما مثلها فی الدنیا؟ وعن مکان لم تطلع فیه الشمس إلاّ مرّة واحدة ، وعن شجرة نبتت من غیر ماء؟ وعن أهل الجنّة فإنّهم یأکلون ویشربون ولا یتغوّطون ولا یبولون ما مثلهم فی الدنیا؟ وعن موائد الجنّة فإنّ علیها القصاع فی کلّ قصعة ألوان لا یخلط بعضها ببعض ما مثلها فی الدنیا؟ وعن جاریة تخرج من تفّاحة فی الجنّة ولا ینقص منها شیء؟ وعن جاریة تکون فی الدنیا لرجلین وهی فی الآخرة لواحد؟ وعن مفاتیح الجنّة ما هی؟

فقرأ علیّ علیه السلام الکتاب وکتب فی الحال خلفه :

بسم الله الرحمن الرحیم

«أمّا بعد : فقد وقفت علی کتابک أیّها الملک وأنا أُجیبک بعون الله وقوّته وبرکته وبرکة نبیّنا محمد صلی الله علیه وآله وسلم :

أمّا الشیء الذی لم یخلقه الله تعالی فالقرآن لأنّه کلامه وصفته ، وکذا کتب الله المنزلة والحقّ سبحانه قدیم وکذا صفاته. وأمّا الذی لا یعلمه الله فقولکم : له ولد

ص: 349

وصاحبة وشریک ، ما اتّخذ الله من ولد وما کان معه من إله لم یلد ولم یولد. وأمّا الذی لیس عند الله فالظلم (وَما رَبُّکَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِیدِ) (1). وأمّا الذی کلّه فم فالنار تأکل ما یُلقی فیها. وأمّا الذی کلّه رِجل فالماء. وأمّا الذی کلّه عین فالشمس. وأمّا الذی کلّه جناح فالریح. وأمّا الذی لا عشیرة له فآدم علیه السلام. وأمّا الذین لم یحمل بهم رحم فعصا موسی ، وکبش إبراهیم ، وآدم ، وحواء. وأمّا الذی یتنفّس من غیر روح فالصبح لقوله تعالی : (وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ) (2). وأمّا الناقوس فإنّه یقول طقّا طقّا ، حقّا حقّا ، مهلاً مهلاً ، عدلاً عدلاً ، صدقاً صدقاً ، إنّ الدنیا قد غرّتنا واستهوتنا ، تمضی الدنیا قرناً قرناً ، ما من یوم یمضی عنّا إلاّ أوهی منّا رکناً ، إنّ الموتی قد أخبرنا أنّا نرحل فاستوطنّا. وأمّا الظاعن فطور سیناء لمّا عصت بنو إسرائیل وکان بینه وبین الأرض المقدّسة أیّام ، فقلع الله منه قطعةً وجعل لها جناحین من نور فنتقه علیهم ، فذلک قوله : (وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ کَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ واقِعٌ بِهِمْ) (3) ، وقال لبنی إسرائیل إن لم تؤمنوا وإلاّ أوقعته علیکم ، فلمّا تابوا ردّه إلی مکانه. وأمّا المکان الذی لم تطلع علیه الشمس إلاّ مرّة واحدة ؛ فأرض البحر لمّا فلقه الله لموسی علیه السلام ، وقام الماء أمثال الجبال ویبست الأرض بطلوع الشمس علیها ثمّ عاد ماء البحر إلی مکانه. وأمّا الشجرة التی یسیر الراکب فی ظلّها مائة عام ؛ فشجرة طوبی وهی سدرة المنتهی فی السماء السابعة إلیها ینتهی أعمال بنی آدم ، وهی من أشجار الجنّة لیس فی الجنّة قصر ولا بیت إلاّ وفیه غصن من أغصانها ، ومثلها فی الدنیا الشمس أصلها واحد وضوؤها فی کلّ مکان. وأمّا الشجرة التی نبتت من غیر ماء فشجرة یونس وکان ذلک معجزة له لقوله تعالی : (وَأَنْبَتْنا عَلَیْهِ شَجَرَةً مِنْ یَقْطِینٍ) (4). وأمّا غذاء أهل الجنّة فمثلهم فی الدنیا الجنین فی 6.

ص: 350


1- فصّلت : 46.
2- التکویر : 18.
3- الأعراف : 171.
4- الصافّات : 146.

بطن أُمّه فإنّه یغتذی من سرّتها (1) ولا یبول ولا یتغوّط. وأمّا الألوان فی القصعة الواحدة فمثله فی الدنیا البیضة فیها لونان أبیض وأصفر ولا یختلطان. وأمّا الجاریة التی تخرج من التفّاحة فمثلها فی الدنیا الدودة تخرج من التفاحة ولا تتغیّر. وأمّا الجاریة التی تکون بین اثنین فالنخلة التی تکون فی الدنیا لمؤمن مثلی ولکافر مثلک ، وهی لی فی الآخرة دونک ، لأنّها فی الجنّة وأنت لا تدخلها ، وأمّا مفاتیح الجنّة فلا إله إلاّ الله ، محمد رسول الله».

قال ابن المسیّب : فلمّا قرأ قیصر الکتاب قال : ما خرج هذا الکلام إلاّ من بیت النبوّة. ثمّ سأل عن المجیب ، فقیل له : هذا جواب ابن عمّ محمد صلی الله علیه وآله وسلم. فکتب إلیه :

سلام علیک ، أمّا بعد ؛ فقد وقفت علی جوابک ، وعلمت أنک من أهل بیت النبوّة ، ومعدن الرسالة ، وأنت موصوف بالشجاعة والعلم ، وأُوثر أن تکشف لی عن مذهبکم والروح التی ذکرها الله فی کتابکم فی قوله : (وَیَسْئَلُونَکَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّی) (2).

فکتب إلیه أمیر المؤمنین : «أمّا بعد ؛ فالروح نکتة لطیفة ، ولمعة شریفة ، من صنعة باریها وقدرة منشئها ، أخرجها من خزائن ملکه ، وأسکنها فی ملکه ، فهی عنده لک سبب ، وله عندک ودیعة ، فإذا أخذت مالک عنده أخذ ماله عندک ، والسلام».

زین الفتی فی شرح سورة هل أتی للحافظ العاصمی ، وتذکرة خواصّ الأُمّة لسبط ابن الجوزی الحنفی (3) (ص 87). 4.

ص: 351


1- کذا فی المصدر ، والصحیح ظاهراً : سرّته.
2- الإسراء : 85.
3- تذکرة الخواص : ص 144.

- 76 -

موقف الخلیفة فی الأحکام

عن ابن أُذینة العبدی ؛ قال : أتیت عمر فسألته من أین أعتمر؟ قال : ائت علیّا فسله. فأتیته فسألته ، فقال لی علیّ : «من حیث أبدأت - یعنی من میقات أرضه -» (1) قال : فأتیت عمر فذکرت له ذلک ، فقال : ما أجد لک إلاّ ما قال ابن أبی طالب.

أخرجه ابن حزم فی المحلّی (7 / 76) مسنداً معنعناً. وذکره أبو عمر وابن السمّان فی الموافقة کما فی الریاض النضرة (2) (2 / 195) ، وذخائر العقبی (ص 79) ، ذکره محبّ الدین الطبری فی اختصاصه أمیر المؤمنین بإحالة جمع من الصحابة عند سؤالهم علیه ، وعدّ منهم معاویة وعائشة وعمر. فأخرج من طریق أحمد فی حدیث : کان عمر إذا أشکل علیه شیء أخذه منه ، ثمّ ذکر جملة من مراجعات عمر إلیه سلام الله علیه ، فأین أعلمیّة عمر المزعومة لموسی الوشیعة أو لغیره من أعلام القوم؟

- 77 -

رأی الخلیفة فی المناسک

أخرج مالک - إمام المالکیة - عن عبد الله بن عمر : أنّ عمر بن الخطّاب خطب الناس بعرفة وعلّمهم أمر الحجّ وقال لهم فیما قال : إذا جئتم منی ، فمن رمی الجمرة فقد حلّ له ما حرّم علی الحاجّ إلاّ النساء والطیب ، لا یمسّ أحد نساءً ولا طیباً حتی یطوف فی البیت.

وفی حدیثه الآخر : أنّ عمر بن الخطّاب قال : من رمی الجمرة ثمّ حلق أو قصّر 2.

ص: 352


1- قال ابن حزم فی المحلّی : هکذا فی الحدیث نفسه. (المؤلف)
2- الریاض النضرة : 3 / 142.

ونحر هدیاً إن کان معه فقد حلّ له ما حرّم إلاّ النساء والطیب حتی یطوف بالبیت.

وفی لفظ أبی عمر :

عن سالم بن عبد الله بن عمر ، عن أبیه قال : قال عمر : إذا رمیتم الجمرة سبع حصیات وذبحتم وحلقتم فقد حلّ لکم کلّ شیء إلاّ الطیب والنساء. قال سالم : وقالت عائشة : أنا طیّبت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لحلّه قبل أن یطوف بالبیت. قال سالم : فسنّة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أحقّ أن تتّبع (1).

قال صاحب إزالة الخفاء (2) - بعد ذکر الحدیثین الأوّلین - : قلت : ترک الفقهاء قوله : والطیب ، لما صحّ عندهم من حدیث عائشة وغیرها : أنّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم تطیّب قبل طواف الإفاضة.

قال الأمینی : واها لأُمّة یعلّمهم المناسک من لا یعلم ما به یحلّ للمحرم ما حرم علیه ، ومرحباً بخلیفة ترک الفقهاء قوله مهما وجدوه خلاف السنّة النبویّة ، وقد ثبتت بحدیث عائشة وغیرها ، أخرجه أئمّة الصحاح والمسانید (3) کالبخاری فی صحیحه (4 / 58) ، ومسلم فی صحیحه (1 / 330) ، والترمذی فی صحیحه (1 / 173) ، وأبو داود فی سننه (1 / 275) ، والدارمی فی سننه (2 / 32) ، وابن ماجة فی سننه (2 / 217) ، والنسائی فی سننه (5 / 137) ، والبیهقی فی سننه (5 / 205) أضف إلیها جلّ جوامع الحدیث والکتب الفقهیّة لو لا کلّها. 5.

ص: 353


1- موطّأ مالک : 1 / 285 [1 / 410 ح 221] ، صحیح الترمذی : 1 / 173 [3 / 259 ح 917] ، سنن البیهقی : 5 / 204 ، جامع بیان العلم : 2 / 197 [ص 435 ح 2100] ، وفی مختصره : ص 226 [ص 392] ، الإجابة للزرکشی : ص 88 [ص 81]. (المؤلف)
2- إزالة الخفاء : 2 / 105.
3- صحیح البخاری : 2 / 624 ح 1667 ، صحیح مسلم : 3 / 18 ح 31 کتاب الحجّ ، سنن الترمذی : 3 / 259 ح 917 ، سنن أبی داود : 2 / 144 ح 1745 ، سنن ابن ماجة : 2 / 976 ح 2926 ، السنن الکبری : 2 / 337 ح 3665.

وأخرج البیهقی (1) مثل حدیث عائشة عن ابن عبّاس ، وذکره الزرکشی فی الإجابة (2) (ص 89).

- 78 -

اجتهاد الخلیفة فی الخمر وآیاتها

1 - قال الزمخشری فی ربیع الأبرار (3) فی باب اللهو واللذات والقصف واللعب (4) وشهاب الدین الأبشیهی فی المستطرف (5) (2 / 291) : قد أنزل الله تعالی فی الخمر ثلاث آیات : الأُولی قوله تعالی : (یَسْئَلُونَکَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَیْسِرِ قُلْ فِیهِما إِثْمٌ کَبِیرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ) (6) الآیة فکان من المسلمین من شارب ومن تارک إلی أن شرب رجل فدخل فی الصلاة فهجر ، فنزل قوله تعالی : (یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُکاری حَتَّی تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ) (7) فشربها من شربها من المسلمین وترکها من ترکها حتی شربها عمر رضی الله عنه فأخذ بلحی بعیر وشجّ به رأس عبد الرحمن بن عوف ، ثمّ قعد ینوح علی قتلی بدر بشعر الأسود بن یعفر یقول :

وکائنٍ بالقلیبِ قلیبِ بدرٍ

من الفتیان والعربِ الکرامِ

وکائنٍ بالقلیبِ قلیبِ بدرٍ

من الشیزی المکلّل بالسنامِ (8)ف)

ص: 354


1- السنن الکبری : 5 / 204 - 205.
2- الإجابة : ص 81.
3- ربیع الأبرار : 4 / 51.
4- وقفنا من الکتاب علی عدّة نسخ فی مکتبات العراق وإیران. (المؤلف)
5- المستطرف : 2 / 260.
6- البقرة : 219.
7- النساء : 43.
8- هذا البیت لا یوجد فی المستطرف. (المؤلف)

أیوعدنی ابنُ کبشةَ أن سنحیی

وکیف حیاة أصداءٍ وهامِ؟

أیعجز أن یردّ الموتَ عنّی

وینشرنی إذا بَلِیتْ عظامی؟

ألا من مبلغُ الرحمن عنّی

بأنّی تارکٌ شهر الصیامِ

فقل للهِ یمنعنی شرابی

وقل للهِ یمنعنی طعامی

فبلغ ذلک رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فخرج مغضباً یجرّ رداءه فرفع شیئاً کان فی یده فضربه به فقال : أعوذ بالله من غضبه وغضب رسوله ، فأنزل الله تعالی : (إِنَّما یُرِیدُ الشَّیْطانُ أَنْ یُوقِعَ بَیْنَکُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِی الْخَمْرِ وَالْمَیْسِرِ وَیَصُدَّکُمْ عَنْ ذِکْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) (1) فقال عمر رضی الله عنه : انتهینا انتهینا.

ورواه الطبری فی تفسیره (2) (2 / 203) بتغییر فی أبیاته غیر أنّ فیه مکان عمر فی الموضع الأوّل : رجل.

2 - عن عمر بن الخطّاب رضی الله عنه ، قال : لمّا نزل تحریم الخمر قال عمر : اللهم بیّن لنا فی الخمر بیاناً شافیاً ، فنزلت الآیة التی فی البقرة : (یَسْئَلُونَکَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَیْسِرِ) قال : فدُعی عمر فقرأت علیه فقال : اللهمّ بیِّن لنا فی الخمر بیاناً شافیاً ، فنزلت الآیة التی فی النساء : (یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُکاری) فکان منادی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إذا أُقیمت الصلاة ینادی : ألا لا یقربنّ الصلاة سکران. فدُعی عمر فقرأت علیه فقال : اللهم بیّن لنا بیاناً شافیاً. فنزلت : (إِنَّما یُرِیدُ الشَّیْطانُ أَنْ یُوقِعَ بَیْنَکُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِی الْخَمْرِ وَالْمَیْسِرِ وَیَصُدَّکُمْ عَنْ ذِکْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ).

قال عمر : انتهینا ، انتهینا. 2.

ص: 355


1- المائدة : 91.
2- جامع البیان : مج 2 / ج 2 / 362.

أخرجه (1) أبو داود فی سننه (2 / 128) ، وأحمد فی المسند (1 / 53) ، والنسائی فی السنن (8 / 287) ، والطبری فی تفسیره (7 / 22) ، والبیهقی فی سننه (8 / 285) ، والجصّاص فی أحکام القرآن (2 / 245) ، والحاکم فی المستدرک (2 / 278) ، وصحّحه وأقرّه الذهبی فی تلخیصه ، والقرطبی فی تفسیره (5 / 200) ، وابن کثیر فی تفسیره (1 / 255 ، 500 و 2 / 92) نقلاً عن أحمد وأبی داود والترمذی والنسائی وابن أبی حاتم وابن مردویه وعلیّ بن المدینی وقال : قال علیّ بن المدینی : إسناد صالح صحیح ، وذکر تصحیح الترمذی وقرّره.

ویوجد فی تیسیر الوصول (1 / 124) ، وتفسیر الخازن (1 / 513) ، وتفسیر الرازی (3 / 458) ، وفتح الباری (8 / 225) ، والدرّ المنثور (1 / 252) نقلاً عن ابن أبی شیبة ، وأحمد ، وعبد بن حمید ، وأبی داود ، والترمذی ، والنسائی ، وأبی یعلی ، وابن جریر ، وابن المنذر ، وابن أبی حاتم ، والنحّاس فی ناسخه ، وأبی الشیخ ، وابن مردویه ، والحاکم ، والبیهقی ، والضیاء المقدسی فی المختارة.

3 - عن سعید بن جبیر : کان الناس علی أمر جاهلیّتهم حتی یُؤمروا أو یُنهوا ، فکانوا یشربونها أوّل الإسلام حتی نزلت : (یَسْئَلُونَکَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَیْسِرِ قُلْ فِیهِما إِثْمٌ کَبِیرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ). قالوا : نشربها للمنفعة لا للإثم فشربها رجل (2) ، فتقدّم یصلّی ف)

ص: 356


1- سنن أبی داود : 3 / 325 ح 3670 ، مسند أحمد 1 / 86 ح 380 ، السنن الکبری : 3 / 202 ح 5049 ، جامع البیان : مج 5 / ج 7 / 33 ، أحکام القرآن : 1 / 323 ، المستدرک علی الصحیحین : 2 / 305 ح 3101 ، وکذا فی تلخیصه ، الجامع لأحکام القرآن : 5 / 130 ، تیسیر الوصول : 1 / 148 ح 11 ، تفسیر الخازن : 1 / 491 ، التفسیر الکبیر : 12 / 81 ، فتح الباری : 8 / 279 ، الدرّ المنثور : 1 / 605.
2- هو عبد الرحمن بن عوف فی صلاة المغرب. أخرج حدیثه الجصّاص فی أحکام القرآن : 2 / 245 [2 / 201] ، والحاکم فی المستدرک : 4 / 142 [4 / 158 ح 7220] وقال فی : 2 / 307 [2 / 336 ح 3199] : إنّ الخوارج تنسب هذا السکر وهذه القراءة إلی أمیر المؤمنین علیّ بن أبی طالب دون غیره ، وقد برّأه الله منها ، فإنّه راوی هذا الحدیث. (المؤلف)

بهم فقرأ : قل یا أیّها الکافرون أعبد ما تعبدون. فنزلت : (یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُکاری). فقالوا : نشربها فی غیر حین الصلاة. فقال عمر : اللهم أنزل علینا فی الخمر بیاناً شافیاً فنزلت : (إِنَّما یُرِیدُ الشَّیْطانُ) الآیة. فقال عمر : انتهینا انتهینا. تفسیر القرطبی (1) (5 / 200).

4 - عن حارثة بن مضرب ، قال : قال عمر رضی الله عنه : اللهم بیّن لنا فی الخمر. فنزلت : (یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُکاری حَتَّی تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ). الآیة. فدعا النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم عمر فتلاها علیه فکأنّها لم توافق من عمر الذی أراد ، فقال : اللهمّ بیّن لنا فی الخمر ، فنزلت : (یَسْئَلُونَکَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَیْسِرِ قُلْ فِیهِما إِثْمٌ کَبِیرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ) الآیة. فدعا النبی صلی الله علیه وآله وسلم عمر فتلاها علیه ، فکأنها لم توافق من عمر الذی أراد فقال : اللهم بیّن لنا فی الخمر ، فنزلت : (یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَیْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّیْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ) (2) حتی انتهی إلی قوله : (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) فدعا النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم عمر فتلاها علیه ، فقال عمر : انتهینا یا ربّ.

أخرجه الحاکم فی المستدرک (3) (4 / 143) وصحّحه هو والذهبی فی تلخیصه ، والترمذی فی صحیحه (4) (2 / 176) من طریق عمرو بن شرحبیل ، وذکره الآلوسی فی روح المعانی (5) (7 / 15) طبع المنیریّة.

5 - وأخرج ابن المنذر ، عن سعید بن جبیر ، لمّا نزلت (یَسْئَلُونَکَ عَنِ الْخَمْرِ 7.

ص: 357


1- الجامع لأحکام القرآن : 5 / 131.
2- المائدة : 90.
3- المستدرک علی الصحیحین : 4 / 159 ح 7224 ، وکذا فی تلخیصه.
4- سنن الترمذی : 5 / 236 ح 3049.
5- روح المعانی : 7 / 17.

وَالْمَیْسِرِ قُلْ فِیهِما إِثْمٌ کَبِیرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ) شربها قوم لقوله : (مَنافِعُ لِلنَّاسِ) ، وترکها قوم لقوله : (إِثْمٌ کَبِیرٌ) منهم عثمان بن مظعون (1) حتی نزلت الآیة التی فی النساء (لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُکاری) فترکها قوم ، وشربها قوم یترکونها بالنهار حین الصلاة ویشربونها باللیل حتی نزلت الآیة التی فی المائدة : (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَیْسِرُ) الآیة ، قال عمر : أَقُرِنتِ بالمیسر والأنصاب والأزلام؟ بعداً لک وسحقاً فترکها الناس.

وأخرج الطبری (2) ، عن سعید بن جبیر ما یقرب منه وفی آخره : حتی نزلت : (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَیْسِرُ) الآیة ، فقال عمر : ضیعة لک الیوم قُرِنتِ بالمیسر.

وأخرج ابن المنذر عن محمد بن کعب القرظی حدیثاً فیه : ثمّ نزلت الرابعة التی فی المائدة ، فقال عمر بن الخطّاب : انتهینا یا ربّنا (3).

قال الأمینی : لم نرُم بسرد هذه الأحادیث إثبات شرب الخمر علی الخلیفة أیّام الجاهلیّة إذ الإسلام یجبّ ما قبله ، (لَیْسَ عَلَی الَّذِینَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِیما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللهُ یُحِبُّ الْمُحْسِنِینَ) (4). بل الغایة المتوخّاة إیقاف القارئ علی مبلغ علم الخلیفة بالکتاب ، وحدِّ عرفانه مغازی آیات الله وأنّه لم یکن یعرف الحظر من قوله تعالی : (یَسْئَلُونَکَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَیْسِرِ قُلْ فِیهِما إِثْمٌ کَبِیرٌ). وقد نزل بیاناً للنهی عنها ، وعرفته3.

ص: 358


1- هذا افتراء علی ذلک الصحابی العظیم ، وقد نصّ أئمّة التاریخ والحدیث علی أنّه ممّن حرّم علی نفسه الخمر فی الجاهلیة وقال : لا أشرب شراباً یُذهب عقلی ، ویُضحِک بی من هو أدنی منّی ، ویحملنی علی أن أنکح کریمتی. راجع الاستیعاب : 2 / 482 [القسم الثالث / 1054 رقم 1779] ، والدرّ المنثور : 2 / 315 [3 / 159 وفیه : أُنکح کریمتی من لا أرید]. (المؤلف)
2- جامع البیان : مج 2 / ج 2 / 361.
3- الدرّ المنثور : 2 / 315 ، 317 ، 318 [3 / 157 ، 159 ، 165]. (المؤلف)
4- المائدة : 93.

الصحابة منه ، وقالت عائشة : لمّا نزلت سورة البقرة نزل فیها تحریم الخمر ، فنهی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم عن ذلک (1). ولا یکون بیان شافٍ فی مقام الإعراب عن الحظر والحظر أولی منها ، ولا سیّما بملاحظة أمثال قوله تعالی : (إِنَّما حَرَّمَ رَبِّیَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْیَ) (2) من الآیات الواردة فی الإثم فقد حرّمت بکلِّ صراحة الإثم الذی هتفت الآیة الأُولی بوجوده فی الخمر ، والإثم : الذنب ، والآثم والأثیم : الفاجر. وقد یطلق علی نفس الخمرة کقول الشاعر :

نشرب الإثم بالصواع جهاراً

وتری المسک بیننا مستعارا

وقول الآخر :

شربت الإثم حتی ضلَّ عقلی

کذاک الإثمُ تذهب بالعقولِ (3)

ولیست منافع الخمر إلاّ أثمانها قبیل تحریمها وما یصلون إلیه بشربها من اللذّة ، وقد نصّ علی هذا کما فی تفسیر الطبری (4) (2 / 202).

وقال الجصّاص فی أحکام القرآن (5) (1 / 380) : هذه الآیة قد اقتضت تحریم الخمر ، لو لم یرد غیرها فی تحریمها لکانت کافیة مغنیة ، وذلک لقوله : (قُلْ فِیهِما إِثْمٌ کَبِیرٌ) والإثم کلّه محرّم بقوله تعالی : (قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّیَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ) فأخبر أنّ الإثم محرّم ولم یقتصر علی إخباره بأنّ فیها إثماً حتی وصفه بأنّه کبیر تأکیداً لحظرها. وقوله : (وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ) لا دلالة فیه علی إباحتها ، لأنّ المراد منافع 2.

ص: 359


1- أخرجه الخطیب البغدادی فی تاریخه : 8 / 358 [رقم 4457] ، وحکاه عنه السیوطی فی الدرّ المنثور : 1 / 252 [1 / 606]. (المؤلف)
2- الأعراف : 33.
3- لسان العرب : 14 / 272 [1 / 75] ، تاج العروس : 8 / 179. (المؤلف)
4- جامع البیان : مج 2 / ج 2 / 359.
5- أحکام القرآن : 1 / 322.

الدنیا وأنّ فی سائر المحرّمات منافع لمرتکبیها فی دنیاهم إلاّ أنّ تلک المنافع لا تفی بضررها من العقاب المستحق بارتکابها ، فذکره لمنافعها غیر دالّ علی إباحتها لا سیّما وقد أکّد حظرها مع ذکر منافعها بقوله فی سیاق الآیة (وَإِثْمُهُما أَکْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما) یعنی أنّ ما یستحقّ بهما من العقاب أعظم من النفع العاجل الذی ینبغی منهما.

فإن قیل : لیس فی قوله تعالی : (فِیهِما إِثْمٌ کَبِیرٌ) دلالة علی تحریم القلیل منها ، لأنّ مراد الآیة ما یلحق من المآثم بالسکر وترک الصلاة والمواثبة والقتال ، فإذا حصل المأثم بهذه الأُمور فقد وفینا ظاهر الآیة مقتضاها من التحریم ولا دلالة فیه علی تحریم القلیل منها.

قیل له : معلوم أنّ فی مضمون قوله : (فِیهِما إِثْمٌ کَبِیرٌ) ضمیر شربها لأنّ جسم الخمر هو فعل الله تعالی ولا مأثم فیها وإنّما المأثم مستحقّ بأفعالنا فیها ، فإذا کان الشرب مضمراً کان تقدیره فی شربها وفعل المیسر إثم کبیر فیتناول ذلک شرب القلیل منها والکثیر کما لو حرّمت الخمر لکان معقولاً أنّ المراد به شربها والانتفاع بها فیقتضی ذلک تحریم قلیلها وکثیرها. انتهی.

فهذه کلّها عزبت عن الخلیفة وکان یتطلّب البیان الشافی بعد هذه الآیة وآیة النساء بقوله : اللهمّ بیّن لنا بیاناً شافیاً. وما انتهی عنها إلاّ بعد لأی من عمر الدهر بعد نزول قوله تعالی : (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ). قال القرطبی فی تفسیره (1) (6 / 292) : لمّا علم عمر رضی الله عنه أنّ هذا وعید شدید زائد علی معنی انتهوا قال : انتهینا.

وقال ابن جزّی الکلبی فی تفسیره (1 / 187) : فیه توقیف یتضمّن الزجر والوعید ولذلک قال عمر لمّا نزلت : انتهینا انتهینا.

وقال الزمخشری فی الکشّاف (2) (1 / 433) : من أبلغ ما یُنهی به کأنّه قیل : قد 5.

ص: 360


1- الجامع لأحکام القرآن : 6 / 189.
2- الکشّاف : 1 / 675.

تلی علیکم ما فیها من أنواع الصوارف والموانع ، فهل أنتم مع هذه الصوارف منتهون؟ أم أنتم علی ما کنتم علیه ، کأن لم توعظوا ولم تزجروا؟

وقال البیضاوی فی تفسیره (1) (1 / 357) : فی قوله : (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) إیذانٌ بأنّ الأمر فی المنع والتحذیر بلغ الغایة وأنّ الأعذار قد انقطعت.

وما کان ذلک التأویل من الخلیفة وطلب البیان بعد البیان ، وعدم الانتهاء قبل الزجر والوعید إلاّ لحبّه لها وکونه أشرب الناس فی الجاهلیة کما ینمّ عنه قوله فیما أخرجه ابن هشام فی سیرته (2) (1 / 368) : کنت للإسلام مباعداً ، وکنت صاحب خمر فی الجاهلیة أُحبّها وأشربها (3) ، وکان لنا مجلس یجتمع فیه رجال من قریش بالحَزْوَرة (4) عند دور عمر بن عبد بن عمران المخزومی ، فخرجت لیلة أُرید جلسائی أُولئک فی مجلسهم ذلک ، فجئتهم فلم أجد فیه منهم أحداً فقلت : لو أنّی جئت فلاناً الخمّار ، وکان بمکة یبیع الخمر لعلّی أجد عنده خمراً فأشرب منها. الحدیث.

وفیما أخرجه البیهقی فی السنن الکبری (10 / 214) عن عبد الله بن عمر من قول والده فی أیّام خلافته : إنّی کنت لأشرب الناس لها فی الجاهلیة ، وإنّها لیست کالزنا (5)

ومن هنا خُصّ الخلیفة بالدعوة وقراءة النبیّ الأعظم علیه الآیات النازلة فی الخمر ، وکان ممّن یؤوّلها ولم ینتهِ عنها ، إلی أن نزل الزجر والوعید بآیة المائدة وهی آخرف)

ص: 361


1- تفسیر البیضاوی : 1 / 282.
2- السیرة النبویّة : 1 / 371.
3- فی المصدر : وأُسرّ بها.
4- الحزورة : کانت سوقاً من أسواق مکة ، وهی الآن جزء المسجد. (المؤلف)
5- وراجع سیرة عمر لابن الجوزی : ص 98 [ص 122] ، کنز العمّال : 3 / 107 [5 / 505 ح 13746] ، منتخب الکنز - بهامش مسند أحمد - : 2 / 428 [2 / 500] ، الخلفاء الراشدون لعبد الوهاب النجار : ص 238. (المؤلف)

سورة نزلت من القرآن (1) ومنها ما نزل فی حجّة الوداع (2). وفی الدرّ المنثور (3) (2 / 252) عن محمد بن کعب القرظی أنّه قال : نزلت سورة المائدة علی رسول الله فی حجّة الوداع فیما بین مکة والمدینة وهو علی ناقته. ویروی أنّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم قرأ سورة المائدة فی حجّة الوداع وقال : «یا أیّها الناس إنّ سورة المائدة [من] (4) آخر ما نزل فأحلّوا حلالها وحرّموا حرامها» تفسیر القرطبی (5) (6 / 31).

وبعد هذه کلّها لم یکن الخلیفة یعلم أنّ شرب الخمر من أعظم الکبائر کما تعرب عنه صحیحة الحاکم ، عن سالم بن عبد الله ، قال : إنّ أبا بکر وعمر وناساً جلسوا بعد وفاة النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فذکروا أعظم الکبائر ، فلم یکن عندهم فیها علم ، فأرسلونی إلی عبد الله بن عمر أسأله ، فأخبرنی أنّ أعظم الکبائر شرب الخمر ، فأتیتهم فأخبرتهم ، فأنکروا ذلک ووثبوا جمیعاً حتی أتوه فی داره ، فأخبرهم أنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قال : «إنّ ملکاً من ملوک بنی إسرائیل أخذ رجلاً فخیّره بین أن یشرب الخمر أو یقتل نفساً أو یزنی أو یأکل لحم خنزیر أو یقتلوه ، فاختار الخمر وأنّه لمّا شربه لم یمتنع من شیء أراده منه» (6).

مستدرک الحاکم (4 / 147) ، الترغیب والترهیب (3 / 105) ، الدرّ المنثور (2 / 323). 7.

ص: 362


1- مستدرک الحاکم : 2 / 311 [2 / 340 ح 3211] ، جامع الترمذی : 2 / 178 [5 / 243 ح 3063] ، الدرّ المنثور : 2 / 252 [3 / 3] نقلاً عن أحمد ، والترمذی ، والحاکم ، وابن مردویه ، والبیهقی ، وسعید ابن منصور ، وابن المنذری. (المؤلف)
2- تفسیر القرطبی : 6 / 30 [6 / 22] ، وإرشاد الساری : 7 / 95 [10 / 198]. (المؤلف)
3- الدرّ المنثور : 3 / 3 - 4.
4- ما بین المعقوفین من المصدر.
5- الجامع لأحکام القرآن : 6 / 22.
6- المستدرک علی الصحیحین : 4 / 163 ح 7236 ، الترغیب والترهیب : 3 / 258 ح 28 ، الدرّ المنثور : 3 / 177.

ولاعتیاده علیها منذ مدّة غیر قصیرة إلی نزول آیة المائدة فی حجّة الوداع طفق یشرب النبیذ الشدید بعد نزول ذلک الوعید ، وبعد قوله : انتهینا انتهینا. وکان یقول : إنّا نشرب هذا الشراب الشدید لنقطع به لحوم الإبل فی بطوننا أن تؤذینا فمن رابه من شرابه شیء فلیمزجه بالماء (1).

وقال : إنّی رجل معجار (2) البطن أو مسعار البطن ، وأشرب هذا النبیذ الشدید فیسهل بطنی. أخرجه ابن أبی شیبة کما فی کنز العمّال (3) (3 / 109).

وقال : لا یقطع لحوم هذه الإبل فی بطوننا إلاّ النبیذ الشدید.

جامع مسانید أبی حنیفة (2 / 190 ، 215).

وکان یشرب النبیذ الشدید إلی آخر نفَس لفظه ، قال عمرو بن میمون : شهدت عمر حین طُعن أُتی بنبیذ شدید فشربه. تاریخ بغداد للخطیب (6 / 156).

وکان حدّة شرابه وشدّته بحیث لو شرب غیره منه لسکر وکان یقیم علیه الحدّ ، غیر أنّ الخلیفة کان لم یتأثّر منه لاعتیاده أو کان یکسره ویشربه. قال الشعبی : شرب أعرابیّ من إداوة عمر فأُغشی فحدّه عمر. ثمّ قال : وإنّما حدّه للسکر لا للشرب.

العقد الفرید (4) (3 / 416).

وفی لفظ الجصّاص فی أحکام القرآن (5) (2 / 565) : إنّ أعرابیّا شرب من شراب 4.

ص: 363


1- السنن الکبری : 8 / 299 ، محاضرات الراغب : 1 / 319 [مج 1 / ج 2 / 669] ، کنز العمّال : 3 / 109 [5 / 514 ح 13772] نقلاً عن ابن أبی شیبة. (المؤلف)
2- لعلّه : مجعار البطن ، کما فی النهایة لابن الأثیر : 1 / 275.
3- کنز العمّال : 5 / 514 ح 13773.
4- العقد الفرید : 6 / 278.
5- أحکام القرآن : 2 / 464.

عمر فجلده عمر الحدّ ، فقال الأعرابی : إنّما شربت من شرابک. فدعا عمر شرابه فکسره بالماء ثمّ شرب منه وقال : من رابه من شرابه شیء فلیکسره بالماء. ثمّ قال الجصّاص : ورواه إبراهیم النخعی عن عمر نحوه وقال فیه : إنّه شرب منه بعد ما ضرب الأعرابی.

وفی جامع مسانید أبی حنیفة (2 / 192) قال : هکذا فاکسروه بالماء إذا غلبکم شیطانه. وکان یحبّ الشراب الشدید.

وعن ابن جریج : أنّ رجلاً عبّ فی شراب نُبِذ لعمر بن الخطّاب بطریق المدینة فسکر ، فترکه عمر حتی أفاق فحدّه ثمّ أوجعه عمر بالماء فشرب منه (1).

وعن أبی رافع : إنّ عمر بن الخطّاب رضی الله عنه قال : إذا خشیتم من نبیذ شدّته فاکسروه بالماء. أخرجه النسائی فی سننه (2) (8 / 326) وعدّه ممّا احتجّ به من أباح شرب المسکر.

وأخرج القاضی أبو یوسف فی کتاب الآثار (ص 226) من طریق أبی حنیفة عن إبراهیم أبی عمران الکوفی التابعی (3) ، قال : إنّ عمر بن الخطّاب رضی الله عنه أخذ رجلاً سکران فأراد أن یجعل له مخرجاً فأبی إلاّ ذهاب عقل ، فقال : احبسوه فإذا صحا (4) فاضربوه ، ثمّ أخذ فضل إداوته فذاقه فقال : أوه هذا عملَ بالرجال العمل ، ثمّ صبّ فیه ماء فکسره فشرب وسقی أصحابه ، وقال : هکذا اصنعوا بشرابکم إذا غلبکم شیطانه.

ومن العجیب حدّ من شرب من إداوة عمر فسکر لأنّه إن کان لا یعلم أنّ ما فی ف)

ص: 364


1- حاشیة سنن البیهقی لابن الترکمانی : 8 / 306 ، کنز العمّال : 3 / 110 [5 / 517 ح 13779]. (المؤلف)
2- السنن الکبری : 3 / 237 ح 5214.
3- المرجّح أن أبا حنیفة المولود سنة 80 ه لم یسمع من إبراهیم المتوفی سنة 96 ه مباشرة ؛ بل أخذ عنه بواسطة حماد بن أبی سلیمان الذی یعد أوّل من اتصل بهم أبو حنیفة لطلب العلم.
4- صحا السکران صحواً : زال سکره. (المؤلف)

الأداوة مسکر وشرب فلا حدّ علیه ، کما أخرجه أبو عمر فی العلم (1) (2 / 86) ومرّ (ص 174) عن الخلیفة نفسه من قوله : ما الحدّ إلاّ علی من علمه. وإن کان یعلم ذلک فإنّ له فی شرابه أُسوةً بالخلیفة ، والفرق بینهما بأنّه أسکره ولم یکن یسکر الخلیفة لاعتیاده به تافهاً ، فکأنّ المدار عند الخلیفة فی حلّیة الأشربة والحدّ علیها علی الإسکار وعدمه بالإضافة إلی شخص کلِّ شارب ، وینبئ عنه قوله : الخمر ما خامر العقل (2) ، والحدّ والحرمة مطلقان لکلّ مسکر ، وإن قورنت صفة الإسکار بمانع من خصوصیات الأمزجة أو لقلّة فی الشرب ، فالصفة صلتها بالمشروب فحسب لا الشارب ، ویدلّ علی ذلک أحادیث جمّة صحیحة تدلّ علی أنّ القلیل الذی لا یسکر ممّا یسکر کثیره حرام ، مثل قوله صلی الله علیه وآله وسلم : «أنهاکم عن قلیل ما أسکر کثیره».

أخرجه الدارمی فی سننه (2 / 113) ، والنسائی فی سننه (3) (8 / 301) ، والبیهقی فی سننه (8 / 296).

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم من طریق جابر ، وابن عمر ، وابن عمرو : «ما أسکر کثیره فقلیله حرام».

أخرجه (4) أبو داود فی سننه (2 / 129) ، وأحمد فی مسنده (2 / 167 و 3 / 343) والترمذی فی صحیحه (1 / 342) ، وابن ماجة فی سننه (2 / 332) ، والنسائی فی سننه (8 / 300) ، والبیهقی فی سننه (8 / 296) ، والبغوی فی مصابیح السنّة (2 / 67) ، والخطیب فی تاریخ بغداد (3 / 327). 7.

ص: 365


1- جامع بیان العلم : ص 308 ح 1548.
2- أخرجه الخمسة من أئمّة الصحاح الستّة کما فی تیسیر الوصول : 2 / 174 [2 / 213 ح 2]. (المؤلف)
3- السنن الکبری : 3 / 216 ح 5118.
4- سنن أبی داود : 3 / 327 ح 3681 ، مسند أحمد 2 / 353 ح 6522 و 4 / 304 ح 14293 ، سنن الترمذی : 4 / 258 ح 1865 ، سنن ابن ماجة : 2 / 1124 ح 3392 و 3394 ، السنن الکبری : 3 / 216 ح 5117 ، مصابیح السنّة : 2 / 562 ح 2747.

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «کلّ مسکر حرام وما أسکر منه الفرَق (1) فملء الکفِّ منه حرام».

وفی لفظ آخر : «ما أسکر منه الفرَق فالحسوة منه حرام».

أخرجه (2) أبو داود فی سننه (2 / 130) ، والترمذی فی صحیحه (1 / 342) ، والبیهقی فی سننه (8 / 296) ، والبغوی فی مصابیح السنّة (2 / 67) ، والخطیب البغدادی فی تاریخه (6 / 229) ، وابن الأثیر فی جامع الأُصول کما فی التیسیر (2 / 173).

وعن سعد : أنّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم نهی عن قلیل ما أسکر کثیره. أخرجه النسائی فی سننه (3) (8 / 301).

وقال السندی فی شرح سنن النسائی (4) : أی ما یحصل السکر بشرب کثیره فهو حرام قلیله وکثیره وإن کان قلیله غیر مسکر ، وبه أخذ الجمهور وعلیه الاعتماد عند علمائنا الحنفیّة ، والاعتماد علی القول بأنّ المحرّم هو الشربة المسکرة وما کان قبلها فحلال قد ردّه المحقّقون کما ردّه المصنّف رحمه الله تعالی.

وفی تفسیر الطبری (5) (2 / 104) عن قتادة : جاء تحریم الخمر فی آیة سورة المائدة ، قلیلها وکثیرها ما أسکر منها وما لم یسکر. وأخرجه عبد بن حمید کما فی الدرّ المنثور (6) (2 / 316). 0.

ص: 366


1- الفرق - بفتح الراء وسکونها - : إناء یسع ستة عشر رطلاً. والحسوة : الجرعة من الماء. (المؤلف)
2- سنن أبی داود : 3 / 329 ح 3687 ، سنن الترمذی : 4 / 259 ح 1866 ، مصابیح السنّة : 2 / 562 ح 2748 ، جامع الأصول : 6 / 64 ح 3111 ، تیسیر الوصول : 2 / 212 ح 3.
3- السنن الکبری : 3 / 216 ح 5118.
4- حاشیة السندی علی شرح السنن الکبری : 8 / 300.
5- جامع البیان : مج 2 / ج 2 / 363.
6- الدرّ المنثور : 3 / 160.

أخرج أبو حنیفة (1) بإسناده عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قوله : «حرمت الخمر لعینها القلیل منها والکثیر ، والمسکر من کلّ شراب».

ورواه الخطیب فی تاریخه (3 / 190) عن ابن عبّاس ولفظه : «حرمت الخمرة بعینها ، قلیلها وکثیرها والمسکر من کلّ شراب».

وإنّما أحلّ عمر الطلاء حین طبخ وذهب ثلثاه ، ولمّا قدم الشام شکوا له وباء الأرض إلی أن قالوا : هل لک أن تجعل لک من هذا الشراب شیئاً لا یسکر؟ قال : نعم. فطبخوه حتی ذهب منه الثلثان وبقی الثلث ، فأمرهم عمر أن یشربوه وکتب إلی عمّاله أن یرزقوا الناس الطلاء ما ذهب ثلثاه وبقی ثلثه (2).

وقال محمود بن لبید الأنصاری : إنّ عمر بن الخطّاب حین قدم الشام شکا إلیه أهل الشام وباء الأرض وثقلها. وقالوا : لا یصلحنا إلاّ هذا الشراب. فقال عمر : اشربوا هذا العسل. قالوا : لا یصلحنا العسل. فقال رجل من أهل الأرض : هل لک أن نجعل لک من هذا الشراب شیئاً لا یسکر؟ قال : نعم. فطبخوه حتی ذهب منه الثلثان وبقی الثلث فأتوا به عمر ، فأدخل فیه عمر إصبعه ثمّ رفع یده فتبعها یتمطّط ، فقال : هذا الطلاء هذا مثل طلاء الإبل ، فأمرهم عمر أن یشربوه ، فقال له عبادة بن الصامت : أحللتها والله ، فقال عمر : کلاّ والله ، اللهمّ إنّی لا أحلّ لهم شیئاً حرّمته علیهم ، ولا أُحرّم علیهم شیئاً أحللته لهم. أخرجه إمام المالکیّة مالک فی الموطّأ (3) (2 / 180) فی جامع تحریم الخمر. 4.

ص: 367


1- جامع مسانید أبی حنیفة : 2 / 183. (المؤلف)
2- سنن البیهقی : 8 / 300 - 301 ، سنن النسائی : 8 / 329 [3 / 240 ح 5224] ، سنن سعید بن منصور کما فی کنز العمّال : 3 / 109 ، 110 [5 / 514 ح 13774 و 515 ح 13775] ، تیسیر الوصول : 2 / 178 [2 / 218 ح 12] ، جامع مسانید أبی حنیفة : 2 / 191. (المؤلف)
3- موطّأ مالک : 2 / 847 ح 14.

فحجّ أبو مسلم الخولانی فدخل علی عائشة زوج النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فجعلت تسأله عن الشام وعن بردها ، فجعل یخبرها ، فقالت : کیف تصبرون علی بردها؟ فقال : یا أُمّ المؤمنین إنّهم یشربون شراباً لهم یقال له : الطلاء. فقالت : صدق الله وبلّغ حبّی ، سمعت حبّی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول : «إنّ أُناساً من أُمّتی یشربون الخمر یسمّونها بغیر اسمها» (1)

وقال صلی الله علیه وآله وسلم : «إنّ القوم سیُفتَنون بأموالهم ، ویمنّون بدینهم علی ربّهم ویتمنّون رحمته ، ویأمنون سطوته ، ویستحلّون حرامه بالشبهات الکاذبة ، والأهواء الساهیة ، فیستحلّون الخمر بالنبیذ ، والسحت بالهدیّة ، والربا بالبیع». نهج البلاغة (2) (2 / 65)

وسئل ابن عبّاس عن الطلاء ، فقال : وما طلاؤکم هذا إذ سألتمونی؟ فبیّنوا لی الذی تسألونی عنه. قالوا : هو العنب یعصر ثمّ یطبخ ثمّ یجعل فی الدنان. قال : وما الدنان؟ قالوا : أدنان مقیّرة. قال : مزفّتة؟ قالوا : نعم. قال : أیُسکر؟ قالوا : إذا أُکثر منه أسکر قال : فکلّ مسکر حرام.

وقبل هذه کلّها قول رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «اجتنب کلّ مسکر ینشُ (3) قلیله وکثیره». أخرجه النسائی فی سننه (4) (8 / 324) ، وحکاه عنه ابن الدیبع فی تیسیر الوصول (5) (2 / 172).

هذه آراء من شتّی النواحی فی باب الأشربة تخصّ بالخلیفة لا تساعده فیها البرهنة الشرعیّة من الکتاب والسنّة بل هی فتنة ولکنّ أکثرهم لا یعلمون. 5.

ص: 368


1- وفی لفظ أبی نعیم : «ستشرب أُمّتی من بعدی الخمر یسمّونها بغیر اسمها ، یکون عونهم علی شربها أُمراؤهم. الإصابة : 3 / 546 [رقم 8664]. (المؤلف)
2- نهج البلاغة : ص 220.
3- ینشّ : أی یغلی. (المؤلف)
4- السنن الکبری : 3 / 236 ح 5206.
5- تیسیر الوصول : 2 / 212 ح 5.

- 79 -

جهل الخلیفة بالغسل من الجنابة

عن رفاعة بن رافع ، قال : بینا أنا عند عمر بن الخطّاب رضی الله عنه إذ دخل علیه رجل فقال : یا أمیر المؤمنین هذا زید بن ثابت یفتی الناس فی المسجد برأیه فی الغسل من الجنابة - فی الذی یجامع ولا ینزل - فقال عمر : علیّ به. فجاء زید ، فلمّا رآه عمر قال : أی عدوّ نفسه قد بلغت أنّک تفتی الناس برأیک. فقال : یا أمیر المؤمنین بالله ما فعلت ، لکنّی سمعت من أعمامی حدیثاً فحدّثت به من أبی أیّوب ، ومن أُبیّ بن کعب ، ومن رفاعة بن رافع. فأقبل عمر علی رفاعة بن رافع فقال : وقد کنتم تفعلون ذلک إذا أصاب أحدکم من المرأة فأکسل لم یغتسل؟ فقال : قد کنّا نفعل ذلک علی عهد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فلم یأتنا فیه تحریم ولم یکن من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فیه نهی. قال : رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یعلم ذلک؟ قال : لا أدری. فأمر عمر بجمع المهاجرین والأنصار فجُمِعوا له فشاورهم ، فأشار الناس أن لا غسل فی ذلک إلاّ ما کان من معاذ وعلیّ فإنّهما قالا : إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل. فقال عمر رضی الله عنه : هذا وأنتم أصحاب بدر وقد اختلفتم فمن بعدکم أشدّ اختلافاً. قال : فقال علیّ رضی الله عنه : «یا أمیر المؤمنین إنّه لیس أحد أعلم بهذا من شأن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم من أزواجه». فأرسل إلی حفصة ، فقالت : لا علم لی بهذا ، فأرسل إلی عائشة ، فقالت : إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل ، فقال عمر رضی الله عنه : لا أسمع برجل فعل ذلک إلاّ أوجعته ضرباً. وفی لفظ : لا یبلغنی أنّ أحداً فعله ولا یغتسل إلاّ أنهکته عقوبة.

أخرجه (1) أحمد إمام الحنابلة فی مسنده (5 / 115) ، وابن أبی شیبة فی مصنّفه ، 8.

ص: 369


1- مسند أحمد : 6 / 133 ح 20593 ، المصنّف فی الأحادیث والآثار : 1 / 87 ، عمدة القاری : 3 / 254 ، شرح معانی الآثار : 1 / 59 ح 337 ، المعتصر من المختصر من مشکل الآثار : 1 / 142 ، المعجم الکبیر : 5 / 42 ح 4536 ، الإجابة : ص 78.

وأبو جعفر الطحاوی فی معانی الآثار ، وحکاه عن الأخیرین العینی فی عمدة القاری (2 / 72) ، وذکره القاضی أبو المجالس فی المعتصر من المختصر من مشکل الآثار (1 / 51) ، وأخرجه الهیثمی من طریق أحمد والطبرانی فی الکبیر وقال : رجال أحمد کلّهم ثقات. راجع مجمع الزوائد (1 / 266) ، والإجابة للزرکشی (ص 84).

هذه الروایة تنمّ عن عدم معرفة أُولئک الصحابة الذین شاورهم الخلیفة بالحکم - وفی مقدّمهم هو نفسه - ما خلا أمیر المؤمنین ومعاذ وعائشة ، وشتّان بین عدم معرفة الخلیفة بمثل هذا الحکم الذی یلزم المکلّف عرفانه قبل کثیر من الواجبات ، وبین عدم معرفة غیره لأنّ به القدوة والأُسوة فی الأحکام دون غیره.

- 80 -

الخلیفة وتوسیعه المسجدین

اشارة

أخرج عبد الرزّاق ، عن زید بن أسلم ، قال : کان للعبّاس بن عبد المطلب دار إلی جنب مسجد المدینة فقال عمر : بعنیها ، وأراد أن یدخلها فی المسجد ، فأبی العبّاس أن یبیعها إیّاه. فقال عمر : فهبها لی. فأبی. فقال عمر : فوسّعها أنت فی المسجد. [فأبی] (1) فقال عمر : لا بدّ لک من إحداهنّ. فأبی ، قال : فخذ بینی وبینک رجلاً ، فأخذ أُبیّ بن کعب فاختصما إلیه. فقال أُبیّ لعمر : ما أری أن تخرجه من داره حتی ترضیه. فقال له :

أرأیت قضاءک هذا فی کتاب الله وحدیثه ، أم سنّة من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم؟ قال أُبیّ : بل سنّة من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم. قال عمر : وما ذاک؟ قال : سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول : «إنّ سلیمان بن داود لمّا بنی بیت المقدس جعل کلّما بنی حائطاً أصبح منهدماً فأوصی ابنه إلیه أن لا تبنی فی حقّ رجل حتی ترضیه». فترکه عمر رضی الله عنه ، فوسّعها العبّاس بعد ذلک فی المسجد. 0.

ص: 370


1- من الدرّ المنثور : 5 / 230.

صورة أخری :

أخرج ابن سعد (1) ، عن سالم أبی النضر رضی الله عنه قال : لمّا کثر المسلمون فی عهد عمر رضی الله عنه ضاق بهم المسجد ، فاشتری عمر ما حول المسجد من الدور إلاّ دار العبّاس ابن عبد المطّلب وحُجَر أُمّهات المؤمنین ، فقال عمر رضی الله عنه للعبّاس : یا أبا الفضل ، إنّ مسجد المسلمین قد ضاق بهم وقد ابتعت ما حوله من المنازل نوسّع به علی المسلمین فی مسجدهم إلاّ دارک وحُجَر أمّهات المؤمنین ، فأمّا حجرات أُمّهات المؤمنین فلا سبیل إلیها ، وأمّا دارک فبعنیها بما شئت من بیت مال المسلمین أوسّع بها فی مسجدهم. فقال العبّاس رضی الله عنه : ما کنت لأفعل. فقال عمر رضی الله عنه : اختر منّی إحدی ثلاث : إمّا أن تبیعنیها بما شئت من مال المسلمین ، وإمّا أن أحطّک حیث شئت من المدینة وأبنیها لک من بیت مال المسلمین ، وإمّا أن تصّدّق بها علی المسلمین فیوسّع بها فی مسجدهم. فقال : لا ، ولا واحدة منها. فقال عمر رضی الله عنه : اجعل بینی وبینک من شئت. فقال : أُبیّ بن کعب رضی الله عنه. فانطلقا إلی أُبیّ فقصّا علیه القصّة ، فقال أُبیّ رضی الله عنه : إن شئتما حدّثتکما بحدیث سمعته من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم. فقالا : حدّثنا. فقال : سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول : «إنّ الله أوحی إلی داود : ابن لی بیتاً أُذکر فیه ، فخطّ له هذه الخطّة خطّة بیت المقدس فإذا بربعها زاویة بیت رجل من بنی إسرائیل فسأله داود أن یبیعه إیّاه فأبی ، فحدّث داود نفسه أن یأخذه منه فأوحی الله إلیه أن یا داود أمرتک أن تبنی لی بیتاً أُذکر فیه فأردت أن تدخل فی بیتی الغصب ولیس من شأنی الغصب وإنّ عقوبتک أن لا تبنیه. قال : یا ربّ فمن ولدی؟ قال : من ولدک». قال : فأخذ عمر رضی الله عنه بمجامع ثیاب أُبیّ بن کعب وقال : جئتک بشیء فجئت بما هو أشدّ منه لتخرجنّ ممّا قلت. فجاء یقوده حتی أدخله المسجد فأوقفه علی حلقة من أصحاب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فیهم أبو ذرّ رضی الله عنه ، فقال 1.

ص: 371


1- الطبقات الکبری : 4 / 21.

أُبیّ رضی الله عنه : إنّی نشدت الله رجلاً سمع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یذکر حدیث بیت المقدس حیث أمر الله تعالی داود أن یبنیه إلاّ ذکره. فقال أبو ذرّ : أنا سمعته من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، وقال آخر : أنا سمعته من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، فأرسل أُبیّا ، فأقبل أُبیّ علی عمر رضی الله عنه فقال : یا عمر أتتّهمنی علی حدیث رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم؟ فقال عمر : یا أبا المنذر لا والله ما اتّهمتک علیه ، ولکنّی کرهت أن یکون الحدیث عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ظاهراً. الحدیث.

صورة ثالثة :

أخرج الحاکم بإسناده عن عمر بن الخطّاب ، أنّه قال للعبّاس بن عبد المطّلب : إنّی سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول : نزد فی المسجد ، ودارک قریبة من المسجد فأعطِناها نزدها فی المسجد وأقطع لک أوسع منها. قال : لا أفعل. قال : إذاً أغلبک علیها. قال : لیس ذاک لک فاجعل بینی وبینک من یقضی بالحقّ. قال : ومن هو؟ قال : حذیفة بن الیمان. قال : فجاؤوا إلی حذیفة فقصّوا علیه ، فقال حذیفة : عندی فی هذا خبر. قال : وما ذاک؟ قال : إنّ داود النبیّ صلوات الله علیه أراد أن یزید فی بیت المقدس ، وقد کان بیت قریب من المسجد لیتیم فطلب إلیه فأبی ، فأراد داود أن یأخذها منه ، فأوحی الله إلیه : إنّ أنزه البیوت عن الظلم لَبیتی. قال : فترکه. فقال له العبّاس : فبقی شیء؟ قال : لا. قال : فدخل المسجد فإذا میزاب للعبّاس شارع فی مسجد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لیسیل ماء المطر منه فی مسجد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، فقال عمر بیده فقلع المیزاب فقال : هذا المیزاب لا یسیل فی مسجد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم. فقال له العبّاس : والذی بعث محمداً بالحقّ إنّه هو الذی وضع المیزاب فی هذا المکان ونزعته أنت یا عمر ، فقال عمر : ضع رجلیک علی عنقی لتردّه إلی ما کان هذا. ففعل ذلک العبّاس. ثمّ قال العبّاس : قد أعطیتک الدار تزیدها فی مسجد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم. فزادها عمر فی المسجد ثمّ قطع للعبّاس داراً أوسع منها بالزوراء.

ص: 372

فقال الحاکم : وقد وجدت له شاهداً من حدیث أهل الشام ... عن سعید بن المسیّب : أنّ عمر بن الخطّاب رضی الله عنه لمّا أراد أن یزید فی مسجد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وقعت منازعة علی دار العبّاس بن عبد المطّلب. الحدیث.

صورة رابعة :

عن عبد الله بن أبی بکر ، قال : کان للعبّاس بیت فی قبلة المسجد وکثر الناس وضاق المسجد ، فقال عمر للعبّاس : إنّک فی سعة فأعطنی بیتک هذا أوسّع به فی المسجد. فأبی العبّاس ذلک علیه ، فقال عمر : إنّی أُثمنک وأُرضیک. قال : لا أفعل لقد رکب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم علی عاتقی وأصلح میزابه بیده فلا أفعل. قال عمر : لآخذنّه منک. فقال أحدهما لصاحبه : فاجعل بینی وبینک حکماً.

فجعلا بینهما أُبیّ بن کعب فأتیاه فاستأذنا علی الباب فحبسهما ساعة ثمّ أذن لهما وقال : إنّما حبستکما أنّی کنت کما کانت الجاریة تغسل رأسی ، فقصّ علیه عمر قصّته ثمّ قصّ العبّاس قصّته ، فقال : إنّ عندی علماً ممّا اختلفتما فیه ولأقضینّ بینکما بما سمعت من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ؛ سمعته یقول : «إنّ داود لمّا أراد أن یبنی بیت المقدس وکان بیت لیتیمین من بنی إسرائیل فی قبلة المسجد ، فأراد منهما البیع فأبیا علیه فقال : لآخذنّه ، فأوحی الله عزّ وجلّ إلی داود : إنّ أغنی البیوت عن المظلمة بیتی وقد حرّمت علیک بنیان بیت المقدس. قال : فسلیمان؟ فأعطاه سلیمان» فقال عمر لأُبیّ : ومن لی بأنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قال هذا؟ فقال أُبیّ لعمر : أتظنّ أنَّی أکذب علی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لتخرجنّ من بیتی. فخرج إلی الأنصار فقال : أیّکم سمع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول : کذا وکذا؟ فقال هذا : أنا ، وقال هذا : أنا حتی قال ذلک رجال ، فلمّا علم ذلک عمر قال : أما والله لو لم یکن غیرک لأجزت قولک ، ولکنّی أردت أن أستثبت.

ص: 373

صورة خامسة :

أخرج البیهقی بإسناده عن أبی هریرة ، قال : لمّا أراد عمر بن الخطّاب رضی الله عنه أن یزید فی مسجد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وقعت زیادته علی دار العبّاس بن عبد المطّلب رضی الله عنه ، فأراد عمر رضی الله عنه أن یدخلها فی مسجد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ویعوّضه منها ، فأبی وقال : قطیعة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، واختلفا فجعلا بینهما أُبیّ بن کعب رضی الله عنه فأتیاه فی منزله وکان یسمّی سیّد المسلمین ، فأمر لهما بوسادة فأُلقیت لهما فجلسا علیها بین یدیه ، فذکر عمر ما أراد وذکر العبّاس قطیعة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، فقال أُبیّ : إنّ الله عزّ وجلّ أمر عبده ونبیّه داود علیه السلام أن یبنی له بیتاً قال : أی ربّ وأین هذا البیت؟ قال : حیث تری الملک شاهراً سیفه ، فرآه علی صخرة وإذا ما هناک یومئذٍ إلاّ دار لغلام من بنی إسرائیل ، فأتاه داود فقال : إنّی قد أُمرت أن أبنی هذا المکان بیتاً لله عزّ وجلّ ، فقال له الفتی : الله أمرک أن تأخذها منّی بغیر رضای؟ قال : لا. فأوحی الله إلی داود علیه السلام أنّی قد جعلت فی یدک خزائن الأرض فأرضه. فأتاه داود فقال : إنّی قد أُمرت برضاک فلک بها قنطار من ذهب. قال : قد قبلت یا داود وهی خیر أم القنطار؟ قال : بل هی خیر. قال : فأرضنی ، قال : فلک بها ثلاثة قناطیر. قال : فلم یزل یشدّد علی داود حتی رضی منه بتسعة قناطیر. قال العبّاس : اللهمّ لا آخذ لها ثواباً وقد تصدّقت بها علی جماعة المسلمین. فقبلها عمر رضی الله عنه منه فأدخلها فی مسجد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم.

صورة سادسة :

عن ابن عبّاس ، قال : کانت للعبّاس دار إلی جنب المسجد فی المدینة ، فقال عمر بن الخطّاب رضی الله عنه : بِعنیها أو هبها لی حتی أُدخلها فی المسجد. فأبی ، فقال : اجعل بینی وبینک رجلاً من أصحاب النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ، فجعلا بینهما أُبی بن کعب ، فقضی للعبّاس علی عمر ، فقال عمر : ما أجد من أصحاب النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم أجرأ علیّ منک. فقال أُبیّ بن

ص: 374

کعب : أوَأنصح لک منّی؟! ثمّ قال : یا أمیر المؤمنین ، أما بلغک حدیث داود أنّ الله عزّ وجلّ أمره ببناء بیت المقدس فأدخل فیه بیت امرأة بغیر إذنها ، فلمّا بلغ حُجَز الرجال منعه الله بناءه؟ قال داود : أی ربّ إن منعتنی بناءه فاجعله فی خلَفی ، فقال العبّاس : ألیس قد قضیت لی بها وصارت لی؟ قال : بلی. قال : فإنّی أُشهدک أنّی قد جعلتها لله.

وقال البلاذری : لمّا استخلف عثمان بن عفّان ابتاع منازل وسّع المسجد بها ، وأخذ منازل أقوام ووضع لهم الأثمان فضجّوا به عند البیت ، فقال : إنّما جرّأکم علیّ حلمی عنکم ولینی لکم ، لقد فعل بکم عمر مثل هذا فأقررتم ورضیتم ، ثمّ أمر بهم إلی الحبس حتی کلّمه فیهم عبد الله بن خالد بن أُسید فخلّی سبیلهم.

وقال الطبری وغیره : فی سنة (17) من الهجرة اعتمر عمر بن الخطّاب وبنی المسجد الحرام ووسّع فیه وأقام بمکة عشرین لیلة ، وهدم علی أقوام من جیران المسجد أبوا أن یبیعوا ووضع أثمان دورهم فی بیت المال حتی أخذوها بعدُ.

تاریخ الطبری (4 / 206) ، فتوح البلدان للبلاذری (ص 53) ، سنن البیهقی (6 / 168) ، مستدرک الحاکم ، الکامل لابن الأثیر (2 / 227) ، تذکرة الحفّاظ للذهبی (1 / 7) ، تاریخ ابن شحنة الحنفی - هامش الکامل - (7 / 176) ، الدرّ المنثور (4 / 159) ، وفاء الوفاء للسمهودی (1 / 341 - 349) (1).

قال الأمینی : الأخذ بمجامیع هذه الروایات یُعطینا درساً بأنّ الخلیفة لم یکن عالماً بالحکم عند توسیعه المسجدین حتی أنبأه به أُبیّ بن کعب ، ووافق أُبیّا فی روایته أبو ذر والرجل الآخر ، لکنّه عمل عند توسیعه المسجد الحرام بخلاف المأثور عن 1.

ص: 375


1- تاریخ الأُمم والملوک : 4 / 68 حوادث سنة 17 ه ، فتوح البلدان : ص 58 ، المستدرک علی الصحیحین : 3 / 374 ح 5428 ، الکامل فی التاریخ : 2 / 157 حوادث سنة 17 ه ، تذکرة الحفّاظ : 1 / 8 ، تاریخ ابن شحنة : 1 / 202 ، الدرّ المنثور : 5 / 230 - 231 ، وفاء الوفاء : 2 / 481.

رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم من حیث لا یعلم ، وأعجب من هذا صنیعة عثمان وهی بعد ظهور تلک السنّة النبویّة والعلم بها.

- 81 -

سکوت الخلیفة عن حکم الطلاق

عن قتادة ، قال : سُئل عمر بن الخطّاب عن رجل طلّق امرأته فی الجاهلیّة تطلیقتین وفی الإسلام تطلیقة ، فقال : لا آمرک ولا أنهاک. فقال عبد الرحمن : لکنّی آمرک لیس طلاقک فی الشرک بشیء (1).

لم یکن تحاشی الخلیفة عن الأمر والنهی عند حاجة السائل إلی عرفان الحکم إلاّ لعدم معرفته به ، ولیس جهله به بأقلّ من جهل ابنه عبد الله بحکم الطلاق فی حال الحیض ، وقد نقم منه ذلک أبوه ونفی عنه صلاحیّته للخلافة بذلک فی محاورة جرت بینه وبین ابن عبّاس وقد أسلفناها فی الجزء الخامس (ص 360).

- 82 -

رأی الخلیفة فی أکل اللحم

1 - عن عبد الله بن عمر ، قال : کان عمر یأتی مجزرة الزبیر بن العوّام رحمه الله بالبقیع ولم یکن بالمدینة مجزرة غیرها فیأتی معه بالدرّة ، فإذا رأی رجلاً اشتری لحماً یومین متتابعین ضربه بالدرّة وقال : ألا طویت بطنک یومین؟

2 - عن میمون بن مهران : أنّ رجلاً من الأنصار مرّ بعمر بن الخطّاب وقد تعلّق لحماً ، فقال له عمر : ما هذا؟ قال : لحمة أهلی یا أمیر المؤمنین ، قال : حسن ، ثمّ مرّ ف)

ص: 376


1- کنز العمّال : 5 / 161 [9 / 668 ح 27905] ، منتخب الکنز - بهامش مسند أحمد - : 3 / 482 [4 / 54]. (المؤلف)

به من الغد ومعه لحم ، فقال : ما هذا؟ قال : لحمة أهلی. قال : حسن ، ثمّ مرّ به الیوم الثالث ومعه لحم ، فقال : ما هذا؟ قال : لحمة أهلی یا أمیر المؤمنین ، فعلا رأسه بالدرّة ثمّ صعد المنبر فقال : إیّاکم والأحمرین : اللحم والنبیذ فإنّهما مفسدة للدین متلفة للمال (1).

قال الأمینی : هذا فقه عجیب لا نعرف مغزاه (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِینَةَ اللهِ الَّتِی أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّیِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ) (2) ، ولا یجتمع مع ما جاء عن النبیّ الأعظم من قوله صلی الله علیه وآله وسلم : «سیّد الإدام فی الدنیا والآخرة اللحم ، وسیّد الشراب فی الدنیا والآخرة الماء» (3).

وما جاء فی صحیحة عن ابن عبّاس من أنّ رجلاً أتی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فقال : یا رسول الله إنّی إذا أصبت اللحم انتشرت للنساء وأخذتنی شهوتی فحرّمت علیّ اللحم. فأنزل الله (یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَیِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَکُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لا یُحِبُّ الْمُعْتَدِینَ * وَکُلُوا مِمَّا رَزَقَکُمُ اللهُ حَلالاً طَیِّباً) (4).

وعلی تقدیر الکراهة فی إدمان أکل اللحم فهل أکله یومین متوالیین أو ثلاثة متوالیة من الإدمان؟ وهل یستتبع ذلک التعزیر بالدرّة؟ وهل یبلغ مفسدته مفسدة النبیذ المحرّم فکان لدته مفسدة للدین ومتلفة للمال؟ ولو أخذ بهذا الرأی فی أجیال المسلمین لوجب أن لا تهدأ الدرّة فی حال من الأحوال. ف)

ص: 377


1- سیرة عمر لابن الجوزی : ص 68 [ص 73] ، کنز العمّال : 3 / 111 [5 / 522 ح 13797] نقلاً عن أبی نعیم ، الفتوحات الإسلامیة : 2 / 424 [2 / 273]. (المؤلف)
2- الأعراف : 32.
3- مجمع الزوائد للحافظ الهیثمی : 5 / 35. (المؤلف)
4- ] المائدة : 87 - 88] ، صحیح الترمذی : 2 / 176 [5 / 238 ح 3054] ، تفسیر ابن کثیر : 2 / 87 ، الدرّ المنثور : 2 / 307 [3 / 139]. (المؤلف)

- 83 -

الخلیفة ویهودی مدنی

عن أبی الطفیل قال : شهدت الصلاة علی أبی بکر الصدّیق ثمّ اجتمعنا إلی عمر ابن الخطّاب فبایعناه وأقمنا أیّاماً نختلف إلی المسجد إلیه حتی أسموه أمیر المؤمنین ، فبینما نحن عنده جلوس إذا أتاه یهودیّ من یهود المدینة - وهم یزعمون أنّه من ولد هارون أخی موسی بن عمران علیهما السلام - حتی وقف علی عمر فقال له : یا أمیر المؤمنین أیّکم أعلم بنبیّکم وبکتاب نبیّکم حتی أسأله عمّا أُرید؟

فأشار له عمر إلی علیّ بن أبی طالب فقال : هذا أعلم بنبیّنا وبکتاب نبیّنا.

قال الیهودیّ : أکذاک أنت یا علیّ؟

قال : «سل عمّا ترید».

قال : إنّی سائلک عن ثلاث وثلاث وواحدة؟

قال له علیّ : «ولِمَ لا تقول إنّی سائلک عن سبع؟»

قال له الیهودی : أسألک عن ثلاث فإن أصبت فیهنّ أسألک عن الواحدة ، وإن أخطأت فی الثلاث الأُوَل لم أسألک عن شیء.

وقال له علیّ : «وما یدریک إذا سألتنی فأجبتک أخطأت أم أصبت؟».

قال : فضرب بیده علی کمّه فاستخرج کتاباً عتیقاً فقال : هذا کتاب ورثته عن آبائی وأجدادی بإملاء موسی وخطّ هارون ، وفیه هذه الخصال التی أُرید أن أسألک عنها.

فقال علیّ : «والله علیک إن أجبتک فیهنّ بالصواب أن تسلم».

ص: 378

قال له : والله لئن أجبتنی فیهنّ بالصواب لأسلمنّ الساعة علی یدیک.

قال له علیّ : «سل».

قال : أخبرنی عن أوّل حجر وُضع علی وجه الأرض ، وأخبرنی عن أوّل شجرة نبتت علی وجه الأرض ، وأخبرنی عن أوّل عین نبعت علی وجه الأرض.

قال له علیّ : «یا یهودیّ إنّ أوّل حجر وُضع علی وجه الأرض فإنّ الیهود یزعمون أنّه صخرة بیت المقدس ، وکذبوا ، لکنّه الحجر الأسود نزل به آدم معه من الجنّة فوضعه فی رکن البیت ، فالناس یمسحون به ویقبّلونه ویجدّدون العهد والمیثاق فیما بینهم وبین الله».

قال الیهودی : أشهد بالله لقد صدقت.

قال له علیّ : «وأمّا أوّل شجرة نبتت علی وجه الأرض فإنّ الیهود یزعمون أنّها الزیتونة وکذبوا ، ولکنّها نخلة العجوة نزل بها معه آدم من الجنة ، فأصل التمر کلّه من العجوة».

قال له الیهودی : أشهد بالله لقد صدقت.

قال : «وأمّا أوّل عین نبعت علی وجه الأرض فإنّ الیهود یزعمون أنّها العین التی تحت صخرة بیت المقدس ، وکذبوا ، ولکنّها عین الحیاة التی نسی عندها صاحب موسی السمکة المالحة ، فلمّا أصابها ماء العین عاشت وسمرت (1) فاتبعها موسی وصاحبه فأتیا الخضر».

فقال الیهودی : أشهد بالله لقد صدقت.

قال له علیّ : «سل». ت.

ص: 379


1- التسمیر : الإرسال ، وسمرت : ذهبت.

قال : أخبرنی عن منزل محمد أین هو فی الجنة؟

قال علیّ : «ومنزل محمد من الجنّة جنّة عدن فی وسط الجنّة أقربه من عرش الرحمن عزّ وجلّ».

قال الیهودی : أشهد بالله لقد صدقت.

قال له علیّ : «سل».

قال : أخبرنی عن وصیّ محمد فی أهله کم یعیش بعده وهل یموت أو یقتل؟

قال علیّ : «یا یهودیّ یعیش بعده ثلاثین سنة ویخضب هذه من هذه» وأشار إلی رأسه.

قال : فوثب الیهودیّ وقال : أشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمداً رسول الله.

أخرجه الحافظ العاصمی فی زین الفتی فی شرح سورة هل أتی. وفی الحدیث سقط کما تری ، وفیه : نصّ عمر علی أنّ علیّا أعلم الأُمّة بنبیّها وبکتابه ، وموسی الوشیعة یقول : عمر أعلم الأُمّة علی الإطلاق بعد أبی بکر ، والإنسان علی نفسه بصیرة.

- 84 -

الخلیفة أوّل من أعال الفرائض

عن ابن عبّاس ، قال : أوّل من أعال الفرائض عمر بن الخطّاب لمّا التوت علیه الفرائض ودافع بعضها بعضاً ، قال : والله ما أدری أیّکم قدّم الله ولا أیّکم أخّر وکان امرأً ورعاً ، فقال : ما أجد شیئاً هو أوسع لی من أن أُقسم المال علیکم بالحصص وأدخل علی کلّ ذی حقّ ما أدخل علیه من عول الفریضة.

وعن عبید الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، قال : دخلت أنا وزفر بن أوس

ص: 380

ابن الحدثان علی ابن عبّاس بعد ما ذهب بصره فتذاکرنا فرائض المیراث ، فقال : ترون الذی أحصی رمل عالج عدداً لم یُحصِ فی مال نصفاً ونصفاً وثلثاً إذا ذهب نصف ونصف فأین موضع الثلث؟ فقال له زفر : یا ابن عبّاس من أوّل من أعالَ الفرائض؟ قال : عمر بن الخطّاب رضی الله عنه. قال : ولِمَ؟ قال : لمّا تدافعت علیه ورکب بعضها بعضاً ، قال : والله ما أدری کیف أصنع بکم؟ والله ما أدری أیّکم قدّم الله ولا أیّکم أخّر. قال : وما أجد فی هذا المال شیئاً أحسن من أن أُقسمه علیکم بالحصص. ثمّ قال ابن عبّاس : وایم الله لو قدّم من قدّم الله ، وأخّر من أخّر الله ما عالت فریضة. فقال له زفر : وأیّهم قدّم وأیّهم أخّر؟ فقال : کلّ فریضة لا تزول إلاّ إلی فریضة فتلک التی قدّم الله ، وتلک فریضة الزوج له النصف ، فإن زال فإلی الربع لا ینقص منه ، والمرأة لها الربع ، فإن زالت عنه صارت إلی الثمن لا تنقص منه ، والأخوات لهنّ الثلثان والواحدة لها النصف ، فإن دخل علیهنّ البنات کان لهنّ ما بقی فهؤلاء الذین أخّر الله ، فلو أعطی من قدّم الله فریضته کاملة ثمّ قسّم ما یبقی بین من أخّر الله بالحصص ما عالت فریضة. فقال له زفر : فما منعک أن تشیر بهذا الرأی علی عمر؟ فقال : هبته والله (1).

وفی أوائل السیوطی وتاریخه (2) (ص 93) ، ومحاضرة السکتواری (ص 152) : إنّ عمر أوّل من قال بالعول فی الفرائض.

قال الأمینی : ما عسانی أن أقول بعد قول الخلیفة : والله ما أدری کیف أصنع بکم ، والله ما أدری أیّکم قدّم الله ولا أیّکم أخّر؟ أو بعد قول ابن عبّاس : وایم الله لو قدّم من قدّم الله وأخّر من أخّر الله ما عالت فریضة.

کیف لم یتزحزح الرجل عن القضاء فی الفرائض والحال هذه ویحکم بالرأی؟ 8.

ص: 381


1- أحکام القرآن للجصّاص : 2 / 109 [2 / 90] ، مستدرک الحاکم : 4 / 340 [4 / 378 ح 7985] وصحّحه ، والسنن الکبری : 6 / 253 ، کنز العمّال : 6 / 7 [11 / 27 ح 30489]. (المؤلف)
2- تاریخ الخلفاء : ص 128.

وهو القائل فی خطبة له : ألا إنّ أصحاب الرأی أعداء السنن أعیتهم الأحادیث أن یحفظوها فأفتوا برأیهم فضلّوا وأضلّوا ، ألا وإنّا نقتدی ولا نبتدی ، ونتّبع ولا نبتدع ، ما نضلّ ما تمسّکنا بالأثر (1).

أهکذا الاقتداء والاتّباع؟ أم هذه هی الابتداء والابتداع؟!

وکیف یسوغ لمثل الخلیفة أن یجهل الفرائض وهو القائل : لیس جهل أبغض إلی الله ولا أعمّ ضرّا من جهل إمام وخرقه (2)؟!

وکیف یشغل منصّة القضاء قبل أن یتفقّه فی دین الله وهو القائل : تفقّهوا قبل أن تسودوا (3)؟!

- 85 -

اجتهاد عمر فی تنطیر أموال عمّاله

اشارة

وهو أوّل من قاسم العمّال وشاطرهم أموالهم (4) :

1 - عن أبی هریرة ، قال : استعملنی عمر بن الخطّاب رضی الله عنه علی البحرین فاجتمعت لی اثنا عشر ألفاً ، فلمّا عزلنی وقدمت علی عمر قال لی : یا عدوّ الله وعدوّ المسلمین - أو قال : وعدوّ کتابه - سرقت مال الله؟ قال : قلت : لست بعدوّ لله ولا للمسلمین - أو قال : لکتابه - ولکنّی عدوّ من عاداهما ، ولکنّ خیلاً تناتجت وسهاماً اجتمعت. قال : فأخذ منّی اثنی عشر ألفاً ، فلمّا صلّیت الغداة قلت : اللهمّ اغفر لعمر. حتی إذا کان بعد ذلک. قال : ألا تعمل یا أبا هریرة؟ قلت : لا. قال : ولِمَ؟ قد عمل من هو خیر منک یوسف ، قال : اجعلنی علی خزائن الأرض. فقلت : یوسف نبیّ ابن نبی ف)

ص: 382


1- سیرة عمر لابن الجوزی : ص 107 [ص 116]. (المؤلف)
2- سیرة عمر لابن الجوزی : ص 100 ، 102 ، 161 [ص 108 ، 111 ، 166]. (المؤلف)
3- صحیح البخاری - باب الاغتباط فی العلم : 1 / 38 [1 / 39 باب 15]. (المؤلف)
4- شرح ابن أبی الحدید : 3 / 113 [12 / 75 الخطبة 223]. (المؤلف)

وأنا أبو هریرة ابن أُمیمة وأخاف منکم ثلاثاً واثنتین. قال : فهلاّ قلت خمساً؟ قلت : أخشی أن تضربوا ظهری ، وتشتموا عرضی ، وتأخذوا مالی ، وأکره أن أقول بغیر حلم ، وأحکم بغیر علم.

دعا عمر أبا هریرة فقال له : علمت أنّی استعملتک علی البحرین وأنت بلا نعلین ، ثمّ بلغنی أنّک ابتعت أفراساً بألف دینار وستمائة دینار. قال : کانت لنا أفراس تناتجت وعطایا تلاحقت. قال : قد حسبت لک رزقک ومئونتک وهذا فضل فأدّه. قال : لیس لک. قال : بلی والله أوجع ظهرک. ثمّ قام إلیه بالدرّة فضربه حتی أدماه ، ثمّ قال : ائت بها. قال : احتسبتها عند الله. قال : ذلک لو أخذتها من حلال وأدّیتها طائعاً ، أجئت من أقصی حجر البحرین یجبی الناس لک لا لله ولا للمسلمین؟ ما رجعت بک أُمیمة إلاّ لرعیة الحمر - وأُمیمة أُمّ أبی هریرة.

2 - کان سعد بن أبی وقّاص یقال له : المستجاب ، لقول النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم : اتّقوا دعوة سعد ، فلمّا شاطره عمر ، قال له سعد : لقد هممت. قال له عمر : بأن تدعو علیّ؟ قال : نعم. قال : إذاً لا تجدنی بدعاء ربّی شقیّا.

وأخرج البلاذری فی فتوح البلدان (1) (ص 286) عن ابن إسحاق ، قال : اتّخذ سعد بن أبی وقّاص باباً مبوّباً من خشب وخصّ علی قصره خصّا من قصب ، فبعث عمر بن الخطّاب محمد بن مسلمة الأنصاری حتی أحرق الباب والخصّ ، وأقام سعداً فی مساجد الکوفة فلم یقل فیه إلاّ خیراً.

وقال السیوطی (2) : أمر عمر عمّاله فکتبوا أموالهم منهم سعد بن أبی وقّاص فأخذ نصف مالهم.

3 - لمّا عزل عمر أبا موسی الأشعری عن البصرة شاطره ماله. 2.

ص: 383


1- فتوح البلدان : ص 277.
2- تاریخ الخلفاء : ص 132.

4 - کتب عمر بن الخطّاب إلی عمرو بن العاص وکان عامله علی مصر : من عبد الله عمر بن الخطّاب إلی عمرو بن العاص : سلام علیک فإنّه بلغنی أنّه فشت لک فاشیة من خیل وإبل وغنم وبقر وعبید ، وعهدی بک قبل ذلک أن لا مال لک ، فاکتب إلیَّ من أین أصل هذا المال؟ ولا تکتمه.

فکتب إلیه عمرو بن العاص : إلی عبد الله أمیر المؤمنین ، سلام علیک ، فإنّی أحمد إلیک الله الذی لا إله إلاّ هو ، أمّا بعد : فإنّه أتانی کتاب أمیر المؤمنین یذکر فیه ما فشا لی وأنّه یعرفنی قبل ذلک لا مال لی ، وإنّی أُعلم أمیر المؤمنین أنّی فی أرضٍ السعر فیه رخیص ، وأنّی أُعالج من الحرفة والزراعة ما یعالج أهله ، وفی رزق أمیر المؤمنین سعة ، والله لو رأیت خیانتک حلالاً ما خنتک ، فأقصر أیّها الرجل فإنّ لنا أحساباً هی خیر من العمل لک إن رجعنا إلیها عشنا بها ، ولعمری إنّ عندک من تذمّ معیشته ولا تذمّ له ، فأنّی کان ذلک ولم یفتح قفلک ولم نشرکک فی عملک.

فکتب إلیه عمر : أمّا بعد : فإنّی والله ما أنا من أساطیرک التی تسطّر ، ونسقک الکلام فی غیر مرجع ، لا یغنی عنک أن تزکّی نفسک ، وقد بعثت إلیک محمد بن سلمة (1) فشاطره مالک ، فإنّکم أیّها الرهط الأُمراء جلستم علی عیون المال ، لم یزعکم عذر تجمعون لأبنائکم ، وتمهّدون لأنفسکم ، أما إنّکم تجمعون العار ، وتورثون النار ، والسلام.

فلمّا قدم علیه محمد بن سلمة صنع له عمرو طعاماً کثیراً فأبی محمد بن سلمة أن یأکل منه شیئاً ، فقال له عمرو : أتحرّمون طعامنا؟ فقال : لو قدّمت إلیّ طعام الضیف أکلته ولکنک قدّمت إلیَّ طعاماً هو تقدمة شرٍّ ، والله لا أشرب عندک ماء ، فاکتب لی کلّ شیء هو لک ولا تکفه ، فشاطره ماله بأجمعه حتی بقیت نعلاه فأخذ إحداهما وترک الأُخری ، فغضب عمرو بن العاص فقال : یا محمد بن سلمة قبّح الله زماناً عمرو بن العاصی لعمر بن الخطّاب فیه عامل ، والله إنّی لأعرف الخطّاب یحمل ء.

ص: 384


1- هو محمد بن مسلمة ، وسلمة اسم جدّه ، کما فی الاستیعاب وسیر أعلام النبلاء.

فوق رأسه حزمة من الحطب ، وعلی ابنه مثلها ، وما منهما إلاّ فی نمرة لا تبلغ رسغیه ، والله ما کان العاصی بن وائل یرضی أن یلبس الدیباج مزرّراً بالذهب. قال له محمد : أُسکت والله عمر خیر منک ، وأمّا أبوک وأبوه ففی النار ، والله لو لا الزمان الذی سبقته فیه لا ألفیت معقل شاة یسرّک غزرها ویسرّک بکرها (1). فقال عمرو : هی عندک بأمانة الله ، فلم یخبر بها عمر.

5 - زار أبو سفیان معاویة ، فلمّا رجع من عنده دخل علی عمر ، فقال : أجزنا أبا سفیان قال : ما أصبنا شیئاً فنجیزک به. فأخذ عمر خاتمه فبعث به إلی هند وقال للرسول : قل لها یقول لک أبو سفیان انظری الخرجین اللذین جئت بهما فأحضریهما ، فما لبث عمر أن أُتی بخرجین فیهما عشرة آلاف درهم فطرحهما عمر فی بیت المال ، فلمّا ولی عثمان ردّهما علیه ، فقال أبو سفیان : ما کنت لآخذ مالاً عابه علیّ عمر.

6 - لمّا ولّی عمر بن الخطّاب عتبة بن أبی سفیان الطائف وصدقاتها ثمّ عزله ، تلقّاه فی بعض الطریق فوجد معه ثلاثین ألفاً فقال : أنّی لک هذا؟ قال : والله ما هو لک ولا للمسلمین ولکنّه مال خرجت به لضیعة أشتریها. فقال عمر : عاملنا وجدنا معه مالاً ما سبیله إلاّ بیت المال ، ورفعه ، فلمّا ولی عثمان قال لأبی سفیان : هل لک فی هذا المال؟ فإنّی لم أرَ لأخذ ابن الخطّاب فیه وجهاً ، قال : والله إنّ بنا إلیه حاجة ، ولکن لا تردّ فعل من قبلک فیردّ علیک من بعدک.

7 - مرّ عمر یوماً ببنّاء یبنی بحجارة وجصّ ، فقال : لمن هذا؟ فقالوا : لعامل من عمّالک بالبحرین ، فقاسمه ماله وکان یقول : لی علی کلّ خائن أمینان : الماء والطین.

8 - أرسل عمر إلی أبی عبیدة : إن أکذب خالد نفسه فهو أمیر علی ما کان علیه ، وإن لم یکذب نفسه فهو معزول ، فانتزع عمامته وقاسمه نصفین. فلم یکذب ).

ص: 385


1- فی الطبعة المعتمدة لدینا من العقد الفرید : ویسوؤک بکؤها (أی قلّة إدرارها).

نفسه فقاسمه أبو عبیدة ماله حتی أخذ إحدی نعلیه وترک له الأخری ، وخالد یقول : سمعاً وطاعة لأمیر المؤمنین.

بلغ عمر أنّ خالداً أعطی الأشعث بن قیس عشرة آلاف وقد قصده ابتغاء إحسانه ، فأرسل لأبی عبیدة أن یصعد المنبر ویوقف خالداً بین یدیه وینزع عمامته وقلنسوته ویقیّده بعمامته ، لأنّ العشرة آلاف إن کان دفعها من ماله فهو سرف ، وإن کان من مال المسلمین فهی خیانة ، فلمّا قدم خالد رضی الله عنه علی عمر رضی الله عنه قال له : من أین هذا الیسار الذی تجیز منه بعشرة آلاف؟ فقال : من الأنفال والسُّهمان. قال : ما زاد علی التسعین ألفاً فهو لک ، ثمّ قوّم أمواله وعروضه وأخذ منه عشرین ألفاً ، ثمّ قال له : والله إنّک علیّ لکریم ، وإنّک لحبیب ولم تعمل لی بعد الیوم علی شیء. وکتب رضی الله عنه إلی الأمصار : إنّی لم أعزل خالداً عن مبخلة (1) ولا خیانة ، ولکنّ الناس فُتِنوا به فأحببت أن یعلموا أنّ الله هو الصانع.

قال الحلبی فی السیرة (2) (3 / 220) : وأصل العداوة بین خالد وسیّدنا عمر رضی الله عنهما علی ما حکاه الشعبی : أنّهما وهما غلامان تصارعا ، وکان خالد ابن خال عمر فکسر ساق عمر فعولجت وجبرت ، ولمّا ولی سیّدنا عمر رضی الله تعالی عنه الخلافة أوّل شیء بدأ به عزل خالد ، وقال : لا یلی لی عملاً أبداً ، ومن ثمّ أرسل إلی أبی عبیدة : إن أکذب خالد ... إلخ. وذکره ابن کثیر فی تاریخه (7 / 115) (3).

وأخرج الطبری فی تاریخه (4) عن سلیمان بن یسار ، قال : کان عمر کلّما مرّ بخالد قال : یا خالد أخرج مال الله من تحت استک. فیقول : والله ما عندی من مال ،.

ص: 386


1- فی تاریخ الطبری [4 / 68 حوادث سنة 17 ه] : عن سخطة. (المؤلف)
2- السیرة الحلبیة : 3 / 198.
3- البدایة والنهایة : 7 / 131 حوادث سنة 21 ه.
4- تاریخ الأُمم والملوک : 3 / 437 حوادث سنة 13 ه.

فلمّا أکثر علیه عمر قال له خالد : یا أمیر المؤمنین ما قیمة ما أصبت فی سلطانکم : أربعین ألف درهم؟ فقال عمر : قد أخذت ذلک منک بأربعین ألف درهم. قال : هو لک ، قال : قد أخذته ، ولم یکن لخالد مال إلاّ عدّة ورقیق ، فحسب ذلک فبلغت قیمته ثمانین ألف درهم فناصفه عمر ذلک ، فأعطاه أربعین ألف وأخذ المال ، فقیل له : یا أمیر المؤمنین لو رددت علی خالد ماله؟ فقال : إنّما أنا تاجر للمسلمین والله لا أردّه علیه أبداً. فکان عمر یری أنّه قد اشتفی من خالد حین صنع به ذلک.

وفی تاریخ ابن کثیر (1) (7 / 117) : إنّ عمر قال لعلیّ بعد موت خالد : ندمت علی ما کان منّی. وقال عمر : رحم الله أبا سلیمان لقد کنّا نظنّ به أُموراً ما کانت.

وذکر ابن کثیر فی تاریخه (2) (7 / 115) ، عن محمد بن سیرین ، قال : دخل خالد علی عمر وعلیه قمیص حریر ، فقال عمر : ما هذا یا خالد؟ فقال : وما بأس یا أمیر المؤمنین؟ ألیس قد لبسه عبد الرحمن بن عوف؟ فقال : وأنت مثل ابن عوف؟ ولک مثل ما لابن عوف؟ عزمت علی من بالبیت إلاّ أخذ کلّ واحد منهم بطائفة ممّا یلیه. قال : فمزّقوه حتی لم یبق منه شیء.

وذکر البلاذری جمعاً من عمّال شاطرهم عمر بن الخطّاب أموالهم حتی أخذ نعلاً وترک نعلاً ، وهم :

9 - أبو بکرة نفیع بن الحرث بن کلدة الثقفی.

10 - نافع بن الحرث بن کلدة الثقفی ، أخو أبی بکرة.

11 - الحجّاج بن عتیک الثقفی ، وکان علی الفرات. .

ص: 387


1- البدایة والنهایة : 7 / 132 حوادث سنة 21 ه.
2- البدایة والنهایة : 7 / 131 حوادث سنة 21 ه.

12 - جزء بن معاویة ، عمّ الأحنف ، کان علی سُرَّق (1).

13 - بشر بن المحتفز ، کان علی جندی سابور.

14 - ابن غلاب خالد بن الحرث ، من بنی دهمان ، کان علی بیت المال بأصبهان.

15 - عاصم بن قیس بن الصلت السلمی ، کان علی مناذر.

16 - سمرة بن جندب ، کان علی سوق الأهواز.

17 - النعمان بن عدی بن نضلة الکعبی ، کان علی کور دجلة.

18 - مجاشع بن مسعود السلمی صهر بنی غزوان ، کان علی أرض البصرة وصدقاتها.

19 - شبل بن معبد البجلی ثمّ الأحمسی ، کان علی قبض المغانم.

20 - أبو مریم بن محرش الحنفی ، کان علی رام هرمز.

وهؤلاء ذکرهم أبو المختار یزید بن قیس بن یزید فی شعر قدّمه إلی عمر بن الخطّاب قال :

أبلغ أمیرَ المؤمنینَ رسالةً

فأنت أمینُ اللهِ فی النهیِ والأمرِ

وأنت أمینُ اللهِ فینا ومن یکن

أمیناً لربّ العرشِ یسلمْ له صدری

فلا تَدَعَنْ أهلَ الرساتیقِ والقری

یسیغون مالَ اللهِ فی الأدم والوفرِ

فأرسل إلی الحجّاج فاعرف حسابَه

وأرسل إلی جزءٍ وأرسلْ إلی بشرِ

ولا تنسینّ النافعینِ کلیهما

ولا ابنَ غلابٍ من سراةِ بنی نصرِ4.

ص: 388


1- سُرّق : إحدی کور الأهواز. معجم البلدان : 3 / 214.

وما عاصمٌ منها بصفرٍ عیابُه

وذاک الذی فی السوقِ مولی بنی بدرِ

وأرسل إلی النعمانِ واعرف حسابَهُ

وصهرِ بنی غزوانَ إنّی لذو خبرِ

وشبلاً فسله المالَ وابنَ محرّشٍ

فقد کان فی أهل الرساتیق ذا ذکرِ

فقاسمهمُ أهلی فداؤک إنّهم

سیرضون إن قاسمتهم منک بالشطرِ

ولا تدعونی للشهادة إنّنی

أغیب ولکنّی أری عجب الدهرِ

نئوب إذا آبوا ونغزو إذا غزوا

فأنّی لهم وفر ولسنا أولی وفرِ

إذا التاجر الداری جاء بفارةٍ

من المسک راحت فی مفارقِهم تجری

فقاسم عمر هؤلاء القوم فأخذ شطر أموالهم نعلاً بنعل ، وکان فیهم أبو بکرة فقال : إنّی لم ألِ لک شیئاً. فقال : أخوک علی بیت المال وعشور الأُبلّة فهو یعطیک المال تتّجر به ، فأخذ منه عشرة آلاف ویقال : قاسمه فأخذ شطر ماله.

21 - وصادر الحرث بن وهب أحد بنی لیث بکر بن کنانة وقال له : ما قلاص وأعبد بعتها بمائة دینار؟ قال : خرجت بنفقة لی فاتّجرت فیها. قال : وإنّا والله ما بعثناک للتجارة ، أدّها. قال : أما والله لا أعمل لک بعدها. قال : أنا والله لا أستعملک بعدها.

راجع (1) فتوح البلدان للبلاذری (ص 90 ، 226 ، 392) ، تاریخ الطبری (4 / 56 ، 205) ، العقد الفرید (1 / 18 - 21) ، معجم البلدان (2 / 75) ، صبح الأعشی (6 / 386 ، 4.

ص: 389


1- فتوح البلدان : ص 93 و 221 و 377 ، تاریخ الأُمم والملوک : 3 / 436 - 437 حوادث سنة 13 ه و 4 / 67 - 68 حوادث سنة 17 ه ، العقد الفرید : 1 / 39 ، صبح الأعشی : 6 / 373 و 468 ، شرح نهج البلاغة : 1 / 174 خطبة 3 و 12 / 42 الخطبة 223 ، تاریخ عمر بن الخطّاب : ص 58 ، البدایة والنهایة : 7 / 23 حوادث سنة 13 ه ، ص 93 حوادث سنة 17 ه ، ص 130 حوادث سنة 21 ه و 8 / 121 حوادث سنة 59 ه ، السیرة الحلبیة : 3 / 199 ، تاریخ الخلفاء : ص 132 ، الفتوحات الإسلامیة : 2 / 314.

477) ، شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید (1 / 58 و 3 / 104) ، سیرة عمر لابن الجوزی (ص 44) ، تاریخ ابن کثیر (7 / 18 ، 115 و 8 / 113) ، السیرة الحلبیة (3 / 220) ، الإصابة (3 / 384 ، 676) ، تاریخ الخلفاء للسیوطی (ص 96) ، الفتوحات الإسلامیة (2 / 480).

قال الأمینی : أنا لا أدری إن قامت البیّنة عند الخلیفة علی أنّ تلک الأموال مختلسة من بیت مال المسلمین ، فَلِمَ لم یُصادرها کلّها؟ وإن کان یحسب أنّ هناک أموالاً مملوکة لهم فهل من المعقول أن یقدّر ذلک فی الجمیع بنصف ما بأیدیهم حتی النعل والنعل؟ وقد عُدّ ذلک سیرةً له ، قال سعید بن عبد العزیز : کان عمر یقاسم عمّاله نصف ما أصابوا (1).

وإن لم تقم البیّنة علی ذلک فکیف رفع أیدی القوم عمّا کان فی حیازتهم ورفض دعاویهم بأنّها من ربح تجارة ، أو نتاج خیل ، أو منافع زرع ، أو ثمن ضیعة؟ ولِمَ لم یحاکمهم فی الأمر بإحضار الشهود والتدقیق فی القضیّة ، وغرم قبل ذلک بمجرّد الظنّة والتهمة؟ وید المسلم من أمارات الملک ، ودعواه له بلا معارض مسموع منه ، وإلاّ لما قام للمسلمین سوق.

علی أنّ ظاهر حال هؤلاء الصحابة المغرمین بمقتضی فقه الخلیفة أنّهم لصوص بأقبح التلصّص ، لأنّ السارق فی الغالب لا یسرق إلاّ من واحد أو اثنین أو أکثر یُعدّون بالأنامل لکن هؤلاء بحکم تلک المشاطرة سرّاق من مال المسلمین جمیعاً ، وکان قد ائتمنهم قبل ذلک وبعده علی نفوس المسلمین وأعراضهم وأموالهم وأحکامهم ، باستعمالهم علی البلاد والعباد ، غیر أنّه کان فیهم من تنصّل عن العمل بعد التغریم ، أصحیح أنّهم کانوا هکذا؟ أنا لا أدری. أصحیح أنّهم کلّهم عدول؟ أیضاً لا أدری. ف)

ص: 390


1- الإصابة : 2 / 410 [رقم 5157]. (المؤلف)

- 86 -

الخلیفة فی شراء الإبل

عن أنس بن مالک ، قال : إنّ أعرابیّا جاء بإبل له یبیعها ، فأتاه عمر یساومه بها ، فجعل عمر ینخس بعیراً بعیراً یضربه برجله لیبعث البعیر لینظر کیف قواده ، فجعل الأعرابی یقول : خلِّ إبلی لا أبا لک. فجعل عمر لا ینهاه قول الأعرابی أن یفعل ذلک ببعیر بعیر ، فقال الأعرابی لعمر : إنّی لأظنّک رجل سوء. فلمّا فرغ منها اشتراها فقال : سقها وخذ أثمانها. فقال الأعرابی : حتی أضع عنها أحلاسها وأقتابها. فقال عمر : اشتریتها وهی علیها فهی لی کما اشتریتها ، فقال الأعرابی : أشهد أنّک رجل سوء ، فبینما هما یتنازعان إذ أقبل علیّ ، فقال عمر : ترضی بهذا الرجل بینی وبینک؟ قال الأعرابی : نعم.

فقصّا علی علیّ قصّتهما ، فقال علیّ : «یا أمیر المؤمنین إن کنت اشترطت علیه أحلاسها وأقتابها فهی لک کما اشترطت ، وإلاّ فإنّ الرجل یزین سلعته بأکثر من ثمنها». فوضع عنها أحلاسها وأقتابها. فساقها الأعرابیّ فدفع إلیه عمر الثمن.

کنز العمّال (1) (2 / 221) ، منتخب الکنز (2) - هامش مسند أحمد - (2 / 231).

جزی الله أمیر المؤمنین علیّا علیه السلام عن الأعرابی خیراً یوم حفظ له الأحلاس والأقتاب عن أن تؤخذ منه بغیر ثمن ، وأمّا حلّ مشکلة عمل الخلیفة وفقهه فی المقام فنکله إلی نظرة التنقیب للباحث الحرّ. 1.

ص: 391


1- کنز العمّال : 4 / 142 ح 9910.
2- منتخب کنز العمّال : 2 / 221.

- 87 -

رأی الخلیفة فی بیت المقدس

عن سعید بن المسیّب ، قال : استأذن رجل عمر بن الخطّاب فی إتیان بیت المقدس فقال له : اذهب فتجهّز فإذا تجهّزت فأعلمنی. فلمّا تجهّز جاءه فقال له عمر : اجعلها عمرة. قال : ومرّ به رجلان وهو یعرض إبل الصدقة فقال لهما : من أین جئتما؟ قالا : من بیت المقدس ، فعلاهما بالدرّة وقال : أحجّ کحجّ البیت؟ قالا : إنّا کنّا مجتازین (1).

قال الأمینی : إنّ بیت المقدس أحد المساجد الثلاثة التی تشدّ إلیها الرحال وتُقصد بالزیارة والصلاة فیها ، لکن الخلیفة عزبت عنه تلکم المأثورات النبویّة فلم یسمعها منه صلی الله علیه وآله وسلم أو لم یعِها أو نسیها ، فمنع الرجل المتأهِّب لزیارته عنها ، وعلا بالدرّة من حسب أنّه زاره فتترّسا عنها بإبداء أنّهما مرّا به مجتازین ، وإلیک نصوص أحادیث الباب فاقرأها وأعجب.

1 - عن أبی هریرة ، عنه صلی الله علیه وآله وسلم : «لا تشدّ الرحال إلاّ إلی ثلاثة مساجد : المسجد الحرام ، ومسجدی هذا ، والمسجد الأقصی».

أخرجه (2) أحمد فی مسنده (2 / 238 ، 278) ، والبخاری فی صحیحه کما فی السنن الکبری (5 / 244) ، ومسلم فی صحیحه (1 / 392) ، والدارمی فی سننه (1 / 330) ، 7.

ص: 392


1- أخرجه الأزرقی [فی أخبار مکة : 2 / 63] کما فی کنز العمّال : 7 / 157 [14 / 146 ح 38194]. (المؤلف)
2- مسند أحمد : 2 / 473 ح 7208 و 542 ح 7678 ، صحیح البخاری : 1 / 398 ح 1132 ، صحیح مسلم : 3 / 183 ح 511 ، 513 کتاب الحجّ ، سنن أبی داود : 2 / 216 ح 2033 ، سنن ابن ماجة : 1 / 452 ح 1409 ، السنن الکبری : 1 / 258 ح 779 ، مصابیح السنّة : 1 / 280 ح 481 ، البحر الزخّار (مسند البزّار) : 1 / 291 ح 187 ، المعجم الکبیر : 2 / 276 ح 2158 و 2159 ، المعجم الأوسط : 1 / 471 ح 857.

وأبو داود فی سننه (1 / 318) ، وابن ماجة فی سننه (1 / 430) ، والنسائی فی سننه (2 / 37) ، والبیهقی فی سننه (5 / 244) ، والبغوی فی مصابیحه (1 / 47) ، وقال الهیثمی فی مجمع الزوائد (4 / 3) : رواه أحمد والبزّار والطبرانی فی الکبیر والأوسط ورجال أحمد ثقات أثبات.

لفظ آخر لأبی هریرة :

«إنّما یسافر إلی ثلاثة مساجد : مسجد الکعبة ، ومسجدی ، ومسجد إیلیا».

أخرجه مسلم فی صحیحه (1) (1 / 392) ، والبیهقی فی سننه (5 / 244).

قال الأمینی : إیلیاء اسم مدینة بیت المقدس ، قیل : معناه بیت الله. قال أبو علی : وسمّی بیت المقدس إیلیاء بقول الفرزدق :

وبیتان بیت الله نحن ولاته

وقصر بأعلی إیلیاء مشرَّفُ (2)

2 - عن علیّ أمیر المؤمنین ، بلفظ أبی هریرة الأوّل.

أخرجه الطبرانی (3) کما فی مجمع الزوائد (4 / 3).

3 - عن عبد الله بن عمر ، بلفظ أبی هریرة الأوّل.

أخرجه البزّار (4) ، وقال الهیثمی فی المجمع (4 / 4) : رجاله رجال الصحیح. وفی لفظ آخر له : «لا تُشدّ الرحال إلاّ إلی ثلاثة مساجد : المسجد الحرام ، ومسجد المدینة ، ومسجد بیت المقدس».7.

ص: 393


1- صحیح مسلم : 3 / 183 ح 513 کتاب الحجّ.
2- معجم البلدان : 1 / 293.
3- المعجم الصغیر : 1 / 173.
4- البحر الزخّار (مسند البزّار) : 1 / 291 ح 187.

أخرجه الطبرانی (1) فی الکبیر والأوسط. وقال الهیثمی فی المجمع : رجاله ثقات.

4 - عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، مرفوعاً : «إنّ سلیمان بن داود صلی الله علیه وآله وسلم لمّا بنی بیت المقدس سأل الله عزّ وجلّ خلالاً ثلاثة : سأل الله عزّ وجلّ حکماً یصادف حکمه ، فأُوتِیَه ، وسأل الله عزّ وجلّ ملکاً لا ینبغی لأحد من بعده ، فأُوتِیَه ، وسأل الله عزّ وجلّ حین فرغ من بناء المسجد أن لا یأتیه أحد لا ینهزه إلاّ الصلاة فیه أن یخرجه من خطیئته کیوم ولدته أُمّه».

أخرجه (2) ابن ماجة فی سننه (1 / 430) ، والنسائی فی سننه (2 / 34).

5 - عن أبی سعید الخدری ، مرفوعاً : «لا ینبغی للمطی أن تُشدَّ رحاله إلی مسجد یبتغی فیه الصلاة غیر المسجد الحرام ، والمسجد الأقصی ، ومسجدی هذا».

أخرجه (3) أحمد فی مسنده (3 / 64) ، وبلفظ أبی هریرة الأوّل فی (3 / 7 ، 34 ، 51 ، 77 ، 78 ، 93) ، وفی صحیفة (45) بدل المسجد الأقصی : مسجد بیت المقدس ، وبلفظ أبی هریرة أخرجه عن أبی سعید البخاری فی صحیحه (3 / 224) فی باب الصوم یوم النحر ، والترمذی فی صحیحه (1 / 67) ، وابن ماجة فی سننه (1 / 430) ، والخطیب التبریزی فی مشکاة المصابیح (ص 60).

6 - عن أبی الجعد الضمیری ، مرفوعاً : «لا تُشدّ الرحال ... إلخ» بلفظ أبی هریرة الأوّل.3.

ص: 394


1- المعجم الکبیر : 12 / 259 ح 13283 ، المعجم الأوسط : 10 / 191 ح 9415.
2- سنن ابن ماجة : 1 / 452 ح 1408 ، السنن الکبری : 1 / 256 ح 772.
3- مسند أحمد : 3 / 376 ح 10656 ، ص 441 ح 11025 ، ص 451 ح 11091 ، ص 471 ح 11215 ، ص 493 ح 11325 ، ص 494 ح 11329 ، ص 519 ح 11473 ، صحیح البخاری : 2 / 703 ح 1893 ، سنن الترمذی : 2 / 148 ح 326 ، سنن ابن ماجة : 1 / 452 ح 1410 ، مشکاة المصابیح : 1 / 223 ح 693.

رواه البزّار والطبرانی (1) فی الکبیر والأوسط ، ورجاله رجال الصحیح کما فی مجمع الزوائد (4 / 4).

7 - عن بصرة بن أبی بصرة الغفاری ، مرفوعاً : «لا تعمل المطیّ إلاّ إلی ثلاثة مساجد : إلی المسجد الحرام ، وإلی مسجدی هذا ، وإلی مسجد إیلیاء». أو : «بیت المقدس». یشکّ أیّهما قال. بغیة الوعاة (2) (ص 444).

8 - عن میمونة مولاة النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ، قالت : قلت : یا رسول الله أَفتِنا فی بیت المقدس. قال : «أرض المحشر والمنشر ، ائتوه فصّلوا فیه فإنّ صلاةً فیه کألف صلاة فی غیره». قلت : أرأیت إن لم أستطع أن أتحمّل إلیه؟ قال : «فتهدی له زیتاً یسرج فیه فمن فعل ذلک فهو کمن أتاه».

أخرجه ابن ماجة فی سننه (3) (1 / 429) ، والبیهقی فی سننه (2 / 441).

هذه جملة ممّا ورد فی بیت المقدس وقصده للصلاة ، وقد أسری المولی سبحانه بعبده المصطفی صلی الله علیه وآله وسلم من المسجد الحرام إلی المسجد الأقصی ، وکانت الصحابة تقصدها للصلاة فی مسجدها کما فی مجمع الزوائد (4 / 4) ، وأفرد الحافظ ابن عساکر کتاباً فیه وأسماه المستقصی فی فضائل المسجد الأقصی.

وإذا غضضنا الطرف عن هذه الأحادیث فإنّ شدّ الرحال إلی أیّ من المساجد یکون من المباحات الأوّلیة التی لم یرد عنها نهی ، فما معنی الإرهاب بالدرّة فی مثلها؟ مع أنّ من یمّم مسجداً للصلاة فیه یُحاسَب فی أجره ممشاه بالخطوات وقرب سیره وبعده کما فی صحاح أخرجها الترمذی فی صحیحه (4) (1 / 184). نعم ؛ کأنّ الخلیفة 3.

ص: 395


1- المعجم الکبیر : 22 / 366 ح 919 ، المعجم الأوسط : 6 / 51 ح 5106.
2- بغیة الوعاة : 2 / 401 رقم 9.
3- سنن ابن ماجة : 1 / 451 ح 1407.
4- سنن الترمذی : 2 / 499 ح 603.

کان یری إتیان تلکم المساجد إحیاءً لآثار الأنبیاء وله فیها رأیه الشاذّ کما أسلفناه صفحة (148) من هذا الجزء.

- 88 -

رأی الخلیفة فی المجوس

أخرج یحیی بن سعید ، بإسناده عن عمر بن الخطّاب أنّه قال : ما أدری ما أصنع بالمجوس ولیسوا أهل کتاب - وفی لفظ : ما أدری کیف أصنع فی أمرهم -؟ فقال عبد الرحمن بن عوف : سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول : «سنّوا بهم سنّة أهل الکتاب».

وعن بجالة قال : کنت کاتباً لجزء بن معاویة علی مناذر (1) ، فجاءنا کتاب عمر : أنظر المجوس من قبلک فخذ منهم الجزیة فإنّ عبد الرحمن بن عوف أخبرنی أنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أخذ الجزیة من مجوس هجر.

وعنه قال : لم یکن عمر أخذ الجزیة من المجوس حتی شهد عبد الرحمن بن عوف أنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أخذها من مجوس هجر.

راجع (2) الأموال لأبی عبید (ص 32) ، موطّأ مالک (1 / 207) ، صحیح البخاری کتاب فرض الخمس باب الجزیة ، مسند أحمد (1 / 190) ، جامع الترمذی (1 / 192) وفی طبعة (1 / 300) بعدّة طرق صحّح بعضها وحسّن أُخری ، سنن الدارمی (2 / 234) ، سنن أبی داود (2 / 45) ، کتاب الرسالة للشافعی (ص 114) ، أحکام القرآن 2.

ص: 396


1- کورة من کور الأهواز [معجم البلدان : 5 / 199]. (المؤلف)
2- الأموال : ص 40 ح 77 ، موطّأ مالک : 1 / 278 ح 42 ، صحیح البخاری : 3 / 1151 ح 2987 ، مسند أحمد : 1 / 312 ح 1660 ، سنن الترمذی : 4 / 124 ح 1586 ، سنن أبی داود : 3 / 168 ح 3043 ، الرسالة : ص 430 ح 1183 ، أحکام القرآن : 3 / 92 ، فتوح البلدان : ص 266 - 267 ، مصابیح السنّة : 3 / 109 ح 3077 ، تاریخ عمر بن الخطّاب : ص 122 ، مشکاة المصابیح : 2 / 413 ح 4035 ، تیسیر الوصول : 1 / 288 ح 2.

للجصّاص (3 / 114) ، فتوح البلدان للبلاذری (ص 276) ، سنن البیهقی (8 / 248 و 9 / 189) ، مصابیح البغوی (2 / 97) وصحّحه ، سیرة عمر لابن الجوزی (ص 114) ، مشکاة المصابیح (ص 344) ، تیسیر الوصول (1 / 245).

قال الأمینی : أوَلا تعجب ممّن یتصدّی للخلافة الکبری ولا یعرف أمسَّ لوازمها بها؟ فإنّ حکم المجوس من أولیات ما یلزم معرفته لمتولِّی السلطة الإسلامیة من الناحیة المالیة والسیاسیة والدینیة.

أوَلا تعجب من تعطیل حکم هامّ کهذا سنین متطاولة إلی شهادة عبد الرحمن ابن عوف وإجراء الحکم بعدها؟ وکان ذلک قبل موت الخلیفة بسنة (1) ومن الممکن أن یبتلی به وبمثله وعبد الرحمن أو مثله فی منتأیً عنه ، فبما ذا یعمل إذن؟ ولو لم تلد عبد الرحمن أُمّه فإلی ما کان یؤول أمره؟ ومن ذا الذی کان یفیض علمه علیه؟ وکیف یتولّی الأمر من یجد فی الرعیة من هو أعلم منه؟ وأین هو ومن ولاّه الأمر من قول النبیِّ الأعظم صلی الله علیه وآله وسلم : «من تولّی من أمر المسلمین شیئاً فاستعمل علیهم رجلاً وهو یعلم أنّ فیهم من هو أولی بذلک وأعلم منه بکتاب الله وسنّة رسوله فقد خان الله ورسوله وجمیع المؤمنین» (2)؟ (فَما لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ لا یَکادُونَ یَفْقَهُونَ حَدِیثاً) (3)؟

- 89 -

رأی الخلیفة فی صوم رجب

عن خرشة بن الحرّ ، قال : رأیت عمر بن الخطّاب یضرب أکفّ الرجال فی صوم رجب حتی یضعوها فی الطعام ویقول : رجب وما رجب ، إنّما رجب شهر کان 8.

ص: 397


1- راجع مشکاة المصابیح للخطیب التبریزی : ص 344 [2 / 413 ح 4035]. (المؤلف)
2- مجمع الزوائد للحافظ الهیثمی : 5 / 211. (المؤلف)
3- النساء : 78.

یعظّمه أهل الجاهلیّة فلمّا جاء الإسلام ترک (1).

قال الأمینی : لقد عزب عن الخلیفة ما جاء عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی خصوص صوم رجب والترغیب فیه وذکر المثوبات الجزیلة له من ناحیة.

وما جاء عنه صلی الله علیه وآله وسلم فی صوم ثلاثة أیّام من الأشهر کلّها وهو یعمّ رجباً وغیره من ناحیة أُخری.

وما جاء عنه صلی الله علیه وآله وسلم فی صوم خصوص الأشهر الحرم ومنها شهر رجب من ناحیة ثالثة.

وما جاء عنه صلی الله علیه وآله وسلم فی الترغیب فی صوم یوم وإفطار یوم من تمام السنة وفیها شهر رجب من ناحیة رابعة.

وما جاء فی التطوّع بمطلق الصوم والترغیب فیه من أیّ شهر کان ، وهذه خامسة النواحی التی فاتت المانع عن صوم رجب فهلمّ معی فاقرأها :

الطائفة الأُولی :

1 - عن عثمان بن حکیم ، قال : سألت سعید بن جبیر عن صوم رجب ، فقال : سمعت ابن عبّاس رضی الله عنه یقول : کان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یصوم حتی نقول : لا یفطر ، ویفطر حتی نقول : لا یصوم.

وفی لفظ البخاری : کان یصوم حتی یقول القائل : لا والله لا یفطر ، ویفطر حتی یقول القائل : لا والله لا یصوم. ف)

ص: 398


1- أخرجه ابن أبی شیبة [فی المصنّف : 3 / 102] ، والطبرانی فی الأوسط کما فی مجمع الزوائد للحافظ الهیثمی : 3 / 191 ، وکنز العمّال : 4 / 341 [8 / 653 ح 24580]. (المؤلف)

راجع (1) صحیح البخاری (3 / 215) ، صحیح مسلم (1 / 318) ، مسند أحمد (1 / 326) ، سنن أبی داود (1 / 381) ، سنن البیهقی (4 / 291) ، تیسیر الوصول (2 / 328).

2 - عن أمیر المؤمنین علیّ علیه السلام ، مرفوعاً : «رجب شهر عظیم یضاعف الله فیه الحسنات ، من صام یوماً من رجب فکأنّما صام سنة ، ومن صام منه سبعة أیّام غلقت عنه سبعة أبواب جهنّم ، ومن صام منه ثمانیة أیّام فتحت له ثمانیة أبواب الجنّة ، ومن صام منه عشرة أیّام لم یسأل الله شیئاً إلاّ أعطاه ، ومن صام منه خمسة عشر یوماً نادی منادٍ فی السماء : قد غفر لک ما مضی فاستأنف العمل ، ومن زاد زاده الله».

مجمع الزوائد (3 / 191) ، الغنیة للجیلانی (2) (1 / 198) وله هناک أحادیث بألفاظ أُخر عن أمیر المؤمنین ، ورواه الجردانی فی مصباح الظلام (3) (2 / 82) من طریق البیهقی فی شعب الإیمان (4) عن أنس بن مالک.

3 - عن أبی هریرة ، مرفوعاً : «لم یتمّ صوم شهر بعد رمضان إلاّ رجب وشعبان». مجمع الزوائد (3 / 191) ، الغنیة (5) (1 / 200).

4 - عن أنس بن مالک ، مرفوعاً : «إنّ فی الجنّة قصراً لا یدخله إلاّ صوّام رجب»

أخرجه (6) ابن شاهین فی الترغیب کما فی کنز العمّال (4 / 341) ، وذکره الجیلانی فی الغنیة (1 / 200). 1.

ص: 399


1- صحیح البخاری : 2 / 696 ح 1870 ، صحیح مسلم : 2 / 513 ح 179 کتاب الصیام ، مسند أحمد : 1 / 537 ح 3002 ، سنن أبی داود : 2 / 323 ح 2430 ، تیسیر الوصول : 2 / 391.
2- الغنیة لطالبی طریق الحقّ : ص 278.
3- مصباح الظلام : 2 / 199 ح 456.
4- شعب الإیمان : 3 / 368 ح 3801.
5- الغنیة لطالبی طریق الحقّ : ص 281 ، وفیها : «لم یصم رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم شهراً بعد رمضان إلاّ رجب وشعبان».
6- کنز العمّال : 8 / 653 ح 24582 ، الغنیة لطالبی طریق الحق : ص 281.

وأخرج البیهقی (1) ، عن أنس مرفوعاً : «إنّ فی الجنّة نهراً یقال له : رجب ، أشدّ بیاضاً من اللبن ، وأحلی من العسل ، من صام یوماً من رجب سقاه الله من ذلک النهر».

ورواه الشیرازی فی الألقاب ، وذکره الزرقانی فی شرح المواهب (8 / 128) ، والجیلانی فی الغنیة (1 / 200) ، والسیوطی فی الجامع الصغیر (2) ، وقال المناوی فی شرحه (2 / 470) : هذا تنویه عظیم بفضل رجب ومزیّة الصیام فیه.

5 - أخرج ابن عساکر (3) عن أبی قلابة أنّه قال : «إنّ فی الجنّة قصراً لصوّام رجب». وذکره القسطلانی فی المواهب اللدنیّة کما فی شرحه (8 / 128) ، والسیوطی فی جمع الجوامع کما فی ترتیبه (4) (4 / 341).

6 - أخرج أبو داود ، عن عطاء بن أبی رباح : إنّ عروة بن الزبیر قال لعبد الله ابن عمر : هل کان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یصوم فی رجب؟ قال : نعم ویشرّفه ، قالها ثلاثاً.

وذکره القسطلانی فی المواهب کما فی شرحه (8 / 128) ، والرفاعی فی ضوء الشمس (2 / 67).

7 - عن مکحول ، قال : سأل رجل أبا الدرداء رضی الله عنه عن صیام رجب ، فقال له : سألت عن شهر کانت الجاهلیة تعظّمه فی جاهلیّتها وما زاده الإسلام إلاّ فضلاً وتعظیماً ، ومن صام منه یوماً تطوّعاً یحتسب به ثواب الله تعالی ویبتغی به وجهه مخلصاً أطفأ صومه ذلک الیوم غضب الله تعالی ، وأغلق عنه باباً من أبواب النار ، ولو أُعطی ملء الأرض ذهباً ما کان جزاءً له ولا یستکمل له أجر شیء من الدنیا دون یوم1.

ص: 400


1- شعب الإیمان : 3 / 367 ح 3800.
2- الجامع الصغیر : 1 / 355 ح 2326.
3- تاریخ مدینة دمشق : 25 / 334 رقم 3046 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 11 / 249.
4- کنز العمّال : 8 / 653 ح 24581.

الحساب. الحدیث. ذکره الجیلانی فی الغنیة (1) (1 / 198).

وهناک أحادیث جمّة فی فضل صوم رجب وأوّل خمیس منه ویوم السابع والعشرین منه خاصّة من طریق أبی سعید الخدری ، والإمامین السبطین ، وأنس بن مالک ، وأبی هریرة ، وسلمان الفارسی ، وأبی ذرّ الغفاری ، وسلامة بن قیس ، وابن عبّاس ، أسلفنا شطراً منها فی الجزء الأوّل (ص 407) ، وجمعها الجیلانی فی الغنیة (2) (1 / 196 - 205) ، وذکر بعضها صاحب مفتاح السعادة (3) (3 / 46) ، وأورد عدّة منها الجردانی فی مصباح الظلام (4) (2 / 81 ، 82) ، والرفاعی فی ضوء الشمس (2 / 67) ثمّ قال :

ذُکر فی طبقات السبکی (5) : أنّ البیهقی ضعّف حدیث النهی عن صوم رجب ، ثمّ حکی عن الشافعی فی القدیم أنّه قال : أکره أن یتّخذ الرجل صوم شهر کامل غیر رمضان لئلاّ یظنّ الجاهل وجوبه. وقال الشیخ عزّ الدین بن عبد السلام رضی الله تعالی عنه : من نهی عن صوم رجب فهو جاهل. والمنقول استحباب صیام الأشهر الحرم وهی أربعة : رجب ، وذو القعدة ، وذو الحجّة ، والمحرّم ، وعن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم : «رجب شهر الله» ، قیل : ما معناه؟ قال : «لأنّه مخصوص بالمغفرة وفیه تحقن الدماء». وفی الحدیث : «أخبرنی جبریل إذا کان أوّل لیلة من رجب أمر الله ملکاً ینادی : ألا إنّ شهر التوبة قد استهلَّ فطوبی لمن استغفر الله فیه». وروی أنّه قال آدم علیه الصلاة والسلام : «یا ربّ أخبرنی بأحبِّ الأوقات إلیک وأحبِّ الأیّام إلیک. قال : أحبّ الأیّام إلیَّ النصف من رجب فمن تقرّب إلیَّ یوم النصف من رجب بصیام وصلاة وصدقة فلا یسألنی شیئاً إلاّ أعطیته ، ولا استغفرنی إلاّ غفرت له ، یا آدم من أصبح یوم النصف من 0.

ص: 401


1- الغنیة لطالبی طریق الحقّ : ص 278.
2- الغنیة لطالبی طریق الحقّ : ص 277 - 283 و 286 - 288.
3- مفتاح السعادة : 3 / 75.
4- مصباح الظلام : 2 / 199 ح 456.
5- طبقات الشافعیة الکبری : 4 / 12 رقم 250.

رجب صائماً ذاکراً حافظاً لفرجه متصدِّقاً من ماله لم یکن له جزاء إلاّ الجنّة» ... إلخ.

وقد ذهب فقهاء المذاهب الأربعة إلی استحباب صوم رجب وعدّوها من الصوم المندوب ، غیر أنّ الحنابلة قالوا بکراهة إفراد رجب بالصوم إلاّ إذا أفطر فی أثنائه فلا یکره (1) ، ولعلّه أخذاً بما فی إحیاء العلوم (2) (1 / 244) من قوله : وکره بعض الصحابة أن یصام رجب کلّه حتی لا یضاهی بشهر رمضان.

الطائفة الثانیة :

1 - عن معاذة العدویّة ، قالت : سألت عائشة أکان النبیّ یصوم من کلِّ شهر ثلاثة أیّام؟ قالت : نعم. قلت : من أیّ أیّام الشهر کان یصوم؟ قالت : لم یکن یبالی من أیّ الأیّام یصوم.

وفی لفظ أبی داود والبیهقی : ما کان یبالی من أیّ الشهر کان یصوم (3).

وفی لفظ ابن ماجة : قلت : من أیّه؟ قالت : لم یکن یبالی من أیّه کان.

أخرجه (4) مسلم فی صحیحه (1 / 321) ، والترمذی فی صحیحه (1 / 147) ، وأبو داود فی سننه (1 / 384) ، وابن ماجة فی سننه (1 / 523) ، والبیهقی فی سننه (4 / 295) ، والخطیب التبریزی فی المشکاة (ص 171).

2 - عن أبی ذرّ الغفاری مرفوعاً : «من صام من کلّ شهر ثلاثة أیّام فذلک صیام الدهر». 6.

ص: 402


1- الفقه علی المذاهب الأربعة : 1 / 439 [1 / 557]. (المؤلف)
2- إحیاء علوم الدین : 1 / 213.
3- هکذا علی ما فی السنن الکبری. وفی سنن أبی داود (أیام الشهر).
4- صحیح مسلم : 2 / 520 ح 194 کتاب الصیام ، سنن الترمذی : 3 / 135 ح 763 ، سنن أبی داود : 2 / 328 ح 2453 سنن ابن ماجة : 1 / 545 ح 1709 ، مشکاة المصابیح : 1 / 563 ح 2046.

وفی لفظ آخر له : «أوصانی حبیبی بثلاثة لا أدعهنَّ إن شاء الله تعالی أبداً ، أوصانی بصلاة الضحی ، وبالوتر قبل النوم ، وبصیام ثلاثة أیّام من کلّ شهر».

أخرجه (1) الترمذی فی صحیحه (1 / 146) ، وابن ماجة فی سننه (1 / 522) ، والنسائی فی سننه (4 / 218 ، 219) ، والمنذری فی الترغیب والترهیب (2 / 31) ، وابن الأثیر فی جامع الأصول کما فی تلخیصه (2 / 330).

3 - عن عثمان بن أبی العاص مرفوعاً : «صیام حسن ثلاثة أیّام من کلّ شهر».

أخرجه (2) ابن خزیمة فی صحیحه ، والنسائی فی سننه (4 / 219) ، والمنذری فی الترغیب والترهیب (2 / 13).

4 - عن أبی هریرة مرفوعاً : «صوم شهر الصبر ، وثلاثة أیّام من کلّ شهر ، صوم الدهر».

وعنه ؛ قال : أوصانی خلیلی صلی الله علیه وآله وسلم بثلاث : صیام ثلاثة من کلّ شهر. الحدیث. وفی لفظ الترمذی : عهد إلیّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ثلاثة : وصوم ثلاثة أیّام من کلّ شهر.

راجع (3) صحیح البخاری (3 / 220) ، صحیح مسلم (1 / 200) ، سنن الدارمی (2 / 18) ، مسند أحمد (2 / 263) ، صحیح الترمذی (1 / 146) ، سنن النسائی (4 / 218) ، 1.

ص: 403


1- سنن الترمذی : 3 / 135 ح 762 ، سنن ابن ماجة : 1 / 545 ح 1708 ، السنن الکبری : 2 / 133 ح 2712 ، الترغیب والترهیب : 2 / 121 ح 9 ، جامع الأُصول : 7 / 226 ح 4486 ، تیسیر الوصول : 2 / 394 ح 4.
2- صحیح ابن خزیمة : 3 / 301 ح 2125 ، السنن الکبری : 2 / 134 ح 2719 ، الترغیب والترهیب : 2 / 83 ح 13.
3- صحیح البخاری : 2 / 699 ح 1880 ، صحیح مسلم : 2 / 163 ح 85 کتاب صلاة المسافرین ، مسند أحمد : 2 / 517 ح 7523 ، سنن الترمذی : 3 / 133 ح 760 ، السنن الکبری : 2 / 134 ح 2716 ، الترغیب والترهیب : 2 / 120 ح 1.

سنن البیهقی (4 / 293) ، تاریخ بغداد (7 / 430) ، الترغیب والترهیب (2 / 30).

5 - عن أبی الدرداء ، قال : أوصانی حبیبی صلی الله علیه وآله وسلم بثلاث لن أدعهنَّ ما عشت ، بصیام ثلاثة أیّام من کلّ شهر.

أخرجه (1) مسلم فی صحیحه (1 / 200) ، والمنذری فی الترغیب (2 / 30).

6 - عن عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعاً : «صوم ثلاثة أیّام من کلّ شهر صوم الدهر کلّه».

وفی لفظ آخر له : «أما یکفیک من کلّ شهر ثلاثة أیّام؟»

وفی لفظ ثالث له : «حسبک من کلّ شهر ثلاثاً (2) فذلک صیام الدهر کلّه».

وفی لفظ رابع له : «أدلّک علی صوم الدهر ثلاثة أیّام من الشهر».

وفی لفظ خامس له : «صُم من کلّ شهر ثلاثة أیّام».

راجع (3) صحیح البخاری (3 / 219) ، صحیح مسلم (1 / 320) ، سنن أبی داود (1 / 380) ، سنن النسائی (4 / 210 - 215) ، الترغیب والترهیب (2 / 30).

7 - عن قرّة بن إیاس مرفوعاً : «صیام ثلاثة أیّام من کلّ شهر صیام الدهر کلّه وإفطاره».

أخرجه (4) أحمد فی مسنده (5 / 34) ، بإسناد صحیح ، والبزّار ، والطبرانی ، وابن 2.

ص: 404


1- صحیح مسلم : 2 / 163 ح 86 کتاب صلاة المسافرین ، الترغیب والترهیب : 2 / 120 ح 2.
2- کذا.
3- صحیح البخاری : 2 / 698 ح 1877 ، صحیح مسلم : 2 / 514 ح 181 کتاب الصیام ، سنن أبی داود : 2 / 322 ح 2427 ، السنن الکبری : 2 / 128 - 132 ح 2699 - 2709.
4- مسند أحمد : 6 / 12 ح 19851 ، البحر الزخّار (مسند البزّار) : 5 / 215 ، المعجم الکبیر : 19 / 26 ح 53 ، الإحسان فی تقریب صحیح ابن حبّان : 8 / 413 ح 3653 ، الترغیب والترهیب : 2 / 121 ح 6 ، الجامع الصغیر : 2 / 102 ح 5052.

حبّان فی صحیحه ، کما فی الترغیب والترهیب (2 / 31) ، والجامع الصغیر (2 / 78)

8 - عن ابن عبّاس مرفوعاً : «صوم شهر الصبر ، وثلاثة أیّام من کلّ شهر یذهبن وحرَ الصدر».

قال الحافظ المنذری فی الترغیب (2 / 31) : رواه البزّار ورجاله رجال الصحیح. ورواه أحمد وابن حبّان فی صحیحه والبیهقی ، الثلاثة من حدیث الأعرابی ولم یسمّوه. ورواه البزّار أیضاً من حدیث علیّ (1).

9 - عن عمرو بن شرحبیل مرفوعاً : «ألا أُخبرکم بما یذهب وحرَ الصدر؟ صوم ثلاثة أیّام من کلّ شهر».

أخرجه (2) النسائی فی سننه (4 / 208) ، والمنذری فی الترغیب (2 / 31).

10 - عن أبی عقرب مرفوعاً : «صم ثلاثة أیّام من کلّ شهر».

أخرجه النسائی فی سننه (3) (4 / 225).

11 - عن عبد الله بن مسعود ، قال : إنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم کان یصوم ثلاثة أیّام من غرّة کلّ شهر.

أخرجه (4) أبو داود فی سننه (1 / 384) ، والترمذی فی صحیحه (1 / 143) ، 8.

ص: 405


1- الترغیب والترهیب : 2 / 121 ح 7 ، مسند أحمد : 6 / 499 ح 22561 ، الإحسان فی تقریب صحیح ابن حبّان : 14 / 498 ح 6557 ، السنن الکبری : 4 / 293 ، البحر الزخّار (مسند البزّار) : 2 / 271 ح 688.
2- السنن الکبری : 2 / 126 ح 2693 ، الترغیب والترهیب : 2 / 122 ح 11.
3- السنن الکبری : 2 / 138 ح 2740 و 2741.
4- سنن أبی داود : 2 / 328 ح 2450 ، سنن الترمذی : 3 / 118 ح 742 ، السنن الکبری : 2 / 122 ح 2677 ، مشکاة المصابیح : 1 / 564 ح 2058.

والنسائی فی سننه (4 / 204) ، والبیهقی فی سننه (4 / 294) ، والخطیب التبریزی فی المشکاة (ص 172).

12 - عن عبد الله بن عمر ، قال : کان النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم یصوم ثلاثة أیّام من کلّ شهر.

أخرجه النسائی فی سننه (1) (4 / 219) ، وفی صحیح البخاری (2) (3 / 218) من طریقه مرفوعاً : «صم من الشهر ثلاثة أیّام».

13 - عن أُمّ سلمة ، قالت : کان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یصوم من کلّ شهر ثلاثة أیام ، وبهذا اللفظ جاء عن حفصة أیضا ، وفی لفظٍ لأم سلمة : کان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یأمرنی أن أصوم ثلاثة أیّام من کلّ شهر.

راجع (3) سنن النسائی (4 / 203) ، سنن البیهقی (4 / 295) ، سنن أبی داود (1 / 384) ، مشکاة المصابیح (ص 172).

وقبل هذه کلّها ما أخرجه أئمّة الحدیث عن عمر نفسه مرفوعاً : «ثلاث من کلّ شهر ، ورمضان إلی رمضان فهذا صیام الدهر کلّه».

أخرجه (4) مسلم فی صحیحه (1 / 321) ، وأبو داود فی سننه (1 / 380) ، والنسائی فی سننه (4 / 209) ، والمنذری فی الترغیب (2 / 31) ، والخطیب التبریزی فی المشکاة (ص 171). 4.

ص: 406


1- السنن الکبری : 2 / 134 ح 2721.
2- صحیح البخاری : 2 / 698 ح 1877.
3- السنن الکبری : 2 / 136 ح 2727 ، سنن أبی داود : 2 / 328 ح 2452 ، مشکاة المصابیح : 1 / 565 ح 2060.
4- صحیح مسلم : 2 / 520 ح 196 و 197 کتاب الصیام ، سنن أبی داود : 2 / 321 ح 2425 ، السنن الکبری : 2 / 126 ح 2695 ، الترغیب والترهیب : 2 / 121 ح 5 ، مشکاة المصابیح : 1 / 562 ح 2044.

الطائفة الثالثة :

عن الباهلی مرفوعاً : «صم شهر الصبر ، وثلاثة أیّام بعده ، وصم أشهر الحرم».

وفی لفظ آخر له : «صم من الحرُم واترک ، صم من الحرُم واترک ، صُم من الحُرم واترک».

وفی لفظ ثالث له : «صُم من الأشهر الحرُم واترک». قالها ثلاثاً.

أخرجه (1) أبو داود فی سننه (1 / 381) ، وابن ماجة فی سننه (1 / 530) ، والبیهقی فی سننه (4 / 292) ، ویوجد فی المواهب اللدنیّة ، وشرح المواهب للزرقانی (8 / 127).

2 - عن أنس مرفوعاً : «من صام ثلاثة أیّام من شهر حرام : الخمیس ، والجمعة والسبت کتب له عبادة سنتین».

أخرجه الطیالسی والأزدی والغزالی فی إحیاء العلوم (2) (1 / 244) ، وحکاه عن الطیالسی السیوطی فی الجامع الصغیر (3) وحسّنه.

3 - ذکر أبو داود فی سننه (4) : إنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ندب إلی الصوم من الأشهر الحرُم ، ورجب أحدها.

وحکاه عن أبی داود القسطلانی فی المواهب اللدنیّة (5) ، والنووی فی شرح 5.

ص: 407


1- سنن أبی داود : 2 / 322 ح 2428 ، سنن ابن ماجة : 1 / 554 ح 1741 ، المواهب اللدنیّة : 4 / 375.
2- إحیاء علوم الدین : 1 / 212.
3- الجامع الصغیر : 2 / 614 ح 8785.
4- سنن أبی داود : 2 / 323 ح 2428 ، 2430.
5- المواهب اللدنیّة : 4 / 375.

صحیح مسلم (1) - هامش إرشاد الساری - (5 / 150).

الطائفة الرابعة :

1 - عن عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعاً : «أحبّ الصیام إلی الله صیام داود ، وأحبّ الصلاة صلاة داود ، کان ینام نصف اللیل ویقوم ثلثه وینام سدسه ، وکان یفطر یوماً ویصوم یوماً».

وفی لفظ آخر له : «صم صوم داود علیه السلام صم یوماً وافطر یوماً».

وفی لفظ ثالث له : «صم أفضل الصیام عند الله صوم داود ، کان یصوم یوماً ویفطر یوماً».

ولهذا الحدیث ألفاظ کثیرة توجد فی الصحاح والمسانید. راجع (2) صحیح البخاری (3 / 217) ، صحیح مسلم (1 / 319 - 321) ، صحیح الترمذی (1 / 148) ، مسند أحمد (2 / 205 ، 225) ، سنن الدارمی (2 / 20) ، سنن أبی داود (1 / 383) ، سنن النسائی (4 / 209 - 215) ، سنن ابن ماجة (1 / 523) ، سنن البیهقی (4 / 296 ، 299) ، الترغیب والترهیب (2 / 32 ، 36 ، 37) ، مشکاة المصابیح (ص 171).

2 - أخرج مسلم والنسائی بالإسناد عن عمر فی حدیث ، قال : کیف بمن یصوم یوماً ویفطر یوماً؟ قال صلی الله علیه وآله وسلم : «ذلک صوم داود علیه السلام». 4.

ص: 408


1- شرح صحیح مسلم : 8 / 39.
2- صحیح البخاری : 1 / 380 ح 1079 ، صحیح مسلم : 2 / 514 - 520 ح 181 - 183 وح 186 - 193 کتاب الصیام ، سنن الترمذی : 3 / 140 ح 770 ، مسند أحمد : 2 / 417 ح 6875 ، 6876 ، ص 449 ح 7058 ، سنن أبی داود : 2 / 327 ح 2448 ، السنن الکبری : 2 / 118 - 123 ح 2653 - 2681 ، سنن ابن ماجة : 1 / 546 ح 1712 و 1713 ، الترغیب والترهیب : 2 / 122 ح 12 ، ص 129 - 131 ح 1 - 6 ، مشکاة المصابیح : 1 / 564 ح 2054.

صحیح مسلم (1 / 321) ، سنن النسائی (4 / 209) (1).

الطائفة الخامسة :

1 - عن أبی أُمامة ، قال : قلت : یا رسول الله مرنی بأمر ینفعنی الله تعالی به. فقال : «علیک بالصوم فإنّه لا عِدل له» (2).

سنن النسائی (4 / 165) ، الترغیب (2 / 14) ، تیسیر الوصول (2 / 321)

2 - عن أبی سعید مرفوعاً : «من صام یوماً فی سبیل الله باعدَ الله وجهه عن النار سبعین خریفاً».

أخرجه (3) مسلم فی صحیحه (1 / 318) ، وأحمد فی مسنده (3 / 83) ، والبیهقی فی سننه (9 / 173 و 4 / 296) ، والنسائی فی سننه (4 / 173) ، وابن ماجة فی سننه (1 / 525) ، والبغوی فی مصابیح السنّة (1 / 135).

3 - عن أبی هریرة مرفوعاً : «من صام یوماً فی سبیل الله عزّ وجلّ زحزح الله وجهه عن النار بذلک الیوم سبعین خریفاً».

وفی لفظ آخر له : «من صام یوماً فی سبیل الله تعالی جعل الله بینه وبین النار خندقاً کما بین السماء والأرض».

راجع (4) صحیح الترمذی (1 / 145) ، سنن النسائی (4 / 172) ، سنن ابن 4.

ص: 409


1- صحیح مسلم : 2 / 521 ح 196 کتاب الصیام ، السنن الکبری : 2 / 126 ح 2695.
2- السنن الکبری : 2 / 92 ح 2530 - 2533 ، الترغیب والترهیب : 2 / 85 ح 21 ، تیسیر الوصول : 2 / 384 ح 4.
3- صحیح مسلم : 2 / 510 ح 168 کتاب الصوم ، مسند أحمد : 3 / 504 ح 11381 ، السنن الکبری : 2 / 97 ح 2554 - 2558 ، سنن ابن ماجة : 1 / 548 ح 1717 ، مصابیح السنّة : 2 / 92 ح 1467.
4- سنن الترمذی : 4 / 142 ، 143 ح 1622 ، 1624 ، السنن الکبری : 2 / 97 ح 2552 ، سنن ابن ماجة : 1 / 548 ح 1718 ، مشکاة المصابیح : 1 / 565 ح 2064.

ماجة (1 / 525) ، مشکاة المصابیح (ص 172) ، تاریخ الخطیب البغدادی (4 / 8).

4 - عن عبد الله بن سفیان الأزدی مرفوعاً : «ما من رجل یصوم یوماً فی سبیل الله إلاّ باعده الله عن النار مقدار مائة عام». أخرجه الطبرانی (1) کما فی الإصابة (2 / 319).

أضف إلی هذه طوائف أخری تعمّ بإطلاقها صوم رجب ، منها ما ورد فی صوم الأربعاء والخمیس والجمعة من دون اختصاص بأیّام شهر دون آخر.

ومنها ما ورد فی صوم الأیّام البیض من کلّ شهر ، وأنّه صیام الشهر.

ومنها ما ورد فی صوم کلّ أربعاء والخمیس من الأیام.

ومنها ما ورد فی صوم أربعة أیّام من کلّ شهر.

ومنها ما ورد فی صوم الإثنین والخمیس فی أیّام السنة بأسرها.

توجد أحادیث هذه الطوائف (2) فی صحیح البخاری (3 / 219) ، صحیح مسلم (1 / 321 ، 322) ، سنن الدارمی (2 / 19) ، سنن أبی داود (1 / 380 - 383) ، صحیح الترمذی (1 / 143 ، 144) ، سنن ابن ماجة (1 / 522 ، 529) ، سنن النسائی (4 / 217 - 223) ، سنن البیهقی (4 / 294) ، الترغیب والترهیب (2 / 30 - 37).

ولا أحسبک بعد ذلک کلّه تقیم وزناً لما انفرد به ابن ماجة عن ابن عبّاس من أنّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم نهی عن صیام رجب. إن کانت الروایة صحیحة فإنّها معارضَة بما عرفته من المتواتر معنیً أو بالتواتر الإجمالی من استحباب صوم رجب المرغّب فیه 6.

ص: 410


1- المعجم الکبیر : 8 / 198 ح 7806.
2- صحیح البخاری : 2 / 699 ح 1880 ، صحیح مسلم : 2 / 520 - 522 ح 194 - 198 کتاب الصیام ، سنن أبی داود : 2 / 322 ح 2426 ، ص 325 ح 2436 ، سنن الترمذی : 3 / 121 ح 745 ، ص 123 ح 748 ، سنن ابن ماجة : 1 / 544 ح 1707 - 1709 ، السنن الکبری : 2 / 133 - 139 ح 2712 - 2741 ، الترغیب والترهیب : 2 / 124 - 126.

بصدور قطعیّ کما أفتی به علماء المذاهب الأربعة فکیف بها وهی ضعیفة بمکان داود ابن عطاء. قال أحمد (1) : لیس بشیء. وقال أبو حاتم (2) : لیس بالقوی ، ضعیف الحدیث منکره. وقال البخاری (3) وأبو زرعة : منکر الحدیث. وقال النسائی : ضعیف. وقال الدارقطنی : متروک. وقال ابن حبّان (4) : کثیر الوهم فی الأخبار لا یحتجّ به بحال لکثرة خطئه (5). وقال السندی فی شرح سنن ابن ماجة (1 / 531) فی نفس الحدیث : فی إسناده داود بن عطاء وهو ضعیف متّفق علی تضعیفه ، وقال الزرقانی فی شرح المواهب (8 / 127) : قال الذهبی وغیره : حدیث لا یصحّ ، فیه راوٍ ضعیف متروک ، وقد أخذ به الحنابلة فقالوا : یکره إفراده بالصوم.

علی أنّه من متفرّدات ابن ماجة ولا یؤبه بها عند نقّاد الفنّ ، قال أبو الحجّاج المزّی : کلّ ما انفرد به ابن ماجة فهو ضعیف ، یعنی بذلک ما انفرد به من الحدیث عن الأئمّة الخمسة - أصحاب الصحاح (6) - ولذلک نصّ غیر واحد من الأعلام - وحدیث النهی نصب أعینهم - علی عدم النهی عن صوم رجب کما فی المواهب اللدنیّة (7) ، وإرشاد الساری (8) (5 / 148) ، وشرح المواهب للزرقانی (8 / 127).

فبعد هذه کلّها لا أدری ما محلّ ضرب الأیدی حتی یضعوها فی الطعام؟ وما معنی قول القائل : رجب وما رجب إنّما رجب شهر کان یعظّمه أهل الجاهلیة فلمّا جاء 8.

ص: 411


1- العلل ومعرفة الرجال : 2 / 47 رقم 1509.
2- الجرح والتعدیل : 3 / 421 رقم 1919.
3- التاریخ الکبیر : 3 / 243 رقم 836.
4- کتاب المجروحین : 1 / 289.
5- راجع تهذیب التهذیب : 3 / 194 [3 / 168]. (المؤلف)
6- تهذیب التهذیب : 9 / 531 [9 / 469]. (المؤلف)
7- المواهب اللدنیّة : 4 / 375.
8- إرشاد الساری : 4 / 608.

الإسلام ترک؟ راجع (ص 282) وتأمّل فیما جاء به الخلیفة فعلاً وقولاً.

- 90 -

اجتهاد الخلیفة فی السؤال عن مشکلات القرآن

اشارة

1 - عن سلیمان بن یسار : إنّ رجلاً یقال له صبیغ قدم المدینة فجعل یسأل عن متشابه القرآن ، فأرسل إلیه عمر وقد أعدّ له عراجین النخل فقال : من أنت؟ قال : أنا عبد الله صبیغ ، فأخذ عمر عرجوناً من تلک العراجین فضربه ، وقال : أنا عبد الله عمر. فجعل له ضرباً حتی دمی رأسه ، فقال : یا أمیر المؤمنین حسبک قد ذهب الذی کنت أجد فی رأسی.

وعن نافع مولی عبد الله : إنّ صبیغ العراقی جعل یسأل عن أشیاء من القرآن فی أجناد المسلمین حتی قدم مصر فبعث به عمرو بن العاص إلی عمر بن الخطّاب ، فلمّا أتاه الرسول بالکتاب فقرأه فقال : أین الرجل؟ فقال : فی الرحل. قال عمر : أبصر أن یکون ذهب فتصیبک منّی العقوبة الموجعة. فأتاه به ، فقال عمر : تسأل محدثة؟ فأرسل عمر إلی رطائب من جرید فضربه بها حتی ترک ظهره دبرة (1) ، ثمّ ترکه حتی برأ ، ثمّ عاد له ثمّ ترکه حتی برأ ، فدعا به لیعود له. قال صُبیغ : إن کنت ترید قتلی فاقتلنی قتلاً جمیلاً ، وإن کنت ترید أن تداوینی فقد والله برئت. فأذن له إلی أرضه وکتب إلی أبی موسی الأشعری : أن لا یجالسه أحد من المسلمین. فاشتدّ ذلک علی الرجل ، فکتب أبو موسی إلی عمر : أن قد حسنت توبته ، فکتب عمر : أن یأذن للناس بمجالسته.

وعن السائب بن یزید ، قال : أُتی عمر بن الخطّاب فقیل : یا أمیر المؤمنین إنّا ف)

ص: 412


1- فی سنن الدارمی : وبرة. وفی حاشیته : أی ذات فروج. وفی لفظ ابن عساکر والسیوطی : دبرة. وهو الصحیح والمعنی واضح. (المؤلف)

لقینا رجلاً یسأل عن تأویل مشکل القرآن. فقال عمر : اللهمّ مکّنی منه. فبینما عمر ذات یوم جالساً یغدّی الناس إذ جاء الرجل وعلیه ثیاب وعمامة صفدی حتی إذا فرغ قال : یا أمیر المؤمنین والذاریات ذرواً فالحاملات وقراً؟ فقال عمر : أنت هو؟ فقام إلیه وحسر عن ذراعیه فلم یزل یجلده حتی سقطت عمامته. فقال : والذی نفس عمر بیده لو وجدتک محلوقاً لضربت رأسک ، ألبسوه ثیاباً واحملوه علی قتب وأخرجوه حتی تقدموا به بلاده ثمّ لیقم خطیب ثمّ یقول : إنّ صبیغاً ابتغی العلم فأخطأه. فلم یزل وضیعاً فی قومه حتی هلک وکان سیّد قومه.

وعن أنس : إنّ عمر بن الخطّاب جلد صبیغاً الکوفی فی مسألة عن حرف من القرآن حتی اضطربت الدماء فی ظهره.

وعن الزهری : إنّ عمر جلد صبیغاً لکثرة مساءلته عن حروف القرآن حتی اضطربت الدماء فی ظهره (1).

قال الغزالی فی الإحیاء (2) (1 / 30) : وعمر هو الذی سدّ باب الکلام والجدل وضرب صبیغاً بالدرّة لما أورد علیه سؤالاً فی تعارض آیتین فی کتاب الله وهجره وأمر الناس بهجره. انتهی.

وصبیغ هذا هو صبیغ بن عسل. ویقال : ابن عسیل. ویقال : صبیغ بن شریک من بنی عسیل. 8.

ص: 413


1- سنن الدارمی : 1 / 54 ، 55 ، تاریخ ابن عساکر : 6 / 384 [23 / 411 رقم 2846 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 11 / 46] ، سیرة عمر لابن الجوزی : ص 109 [ص 117] ، تفسیر ابن کثیر : 4 / 232 ، إتقان السیوطی : 2 / 5 [3 / 7] ، کنز العمّال : 1 / 228 ، 229 [2 / 331 ح 4161] نقلاً عن الدارمی ، ونصر المقدسی ، والأصبهانی ، وابن الأنباری ، واللالکائی ، وابن عساکر ، الدرّ المنثور : 6 / 111 [7 / 614] ، فتح الباری : 8 / 17 [8 / 211] ، الفتوحات الإسلامیة : 2 / 445 [2 / 288]. (المؤلف)
2- إحیاء علوم الدین : 1 / 28.

2 - عن أبی العدیّس ، قال : کنّا عند عمر بن الخطّاب فأتاه رجل فقال : یا أمیر المؤمنین ما الجوار الکنّس؟ فطعن عمر بمخصرة معه فی عمامة الرجل فألقاها عن رأسه ، فقال عمر : أحروریّ؟ والذی نفس عمر بن الخطّاب بیده لو وجدتک محلوقاً لأنحیت القمل عن رأسک.

کنز العمّال (1) (1 / 229) نقلاً عن الکنی للحاکم ، الدرّ المنثور (2)(6/ 32).

3 - عن عبد الرحمن بن یزید : أنّ رجلاً سأل عمر عن (فاکِهَةً وَأَبًّا) فلمّا رآهم یقولون أقبل علیهم بالدرّة (3).

قال الأمینی : أحسب أنّ فی مقول العراجین ، ولسان المخصرة ، ومنطق الدرّة الجواب الفاصل عن کلّ ما لا یعلمه الإنسان ، وإلیه یوعز قول الخلیفة : نهینا عن التکلّف ، فی الجواب عن أبسط سؤال یعلمه کلّ عربی صمیم ألا وهو معنی الأبّ المفسّر فی نفس الکتاب المبین بقوله تعالی : (مَتاعاً لَکُمْ وَلِأَنْعامِکُمْ) (4).

وأنا لا أعلم أنّ السائلین بما ذا استحقّوا الإدماء والإیجاع بمحض السؤال عمّا لا یعلمونه من مشکل القرآن أو ما غاب عنهم من لغته؟ ولیس فی ذلک شیء ممّا یوجب الإلحاد ، لکنّ القصص جرت علی ما تری.

ثمّ ما ذنب المجیبین بعلم عن السؤال عن الأبّ؟ ولما ذا أقبل علیهم الخلیفة بالدرّة؟ وهل تبقی قائمة لأُصول التعلیم والتعلّم والحالة هذه؟ ولعلّ الأُمّة قد حرمت ببرکة تلک الدرّة عن التقدّم والرقیّ فی العلم بعد أن آل أمرها إلی أن هاب مثل ابن 2.

ص: 414


1- کنز العمّال : 2 / 334 ح 4171.
2- الدرّ المنثور : 8 / 432 - 433.
3- فتح الباری : 13 / 230 [13 / 271] ، الدرّ المنثور : 6 / 317 [8 / 422]. (المؤلف)
4- عبس : 32.

عبّاس أن یسأل الخلیفة عن قوله تعالی : (وَإِنْ تَظاهَرا عَلَیْهِ) (1) وقال : مکثت سنتین أُرید أن أسأل عمر بن الخطّاب عن حدیث ما منعنی منه إلاّ هیبته (2). وقال : مکثت سنة وأنا أُرید أن أسأل عمر بن الخطّاب رضوان الله علیه عن آیة فلا أستطیع أن أسأله هیبةً (3).

- 91 -

رأی الخلیفة فی السؤال عمّا لم یقع

أضف إلی اجتهاد الخلیفة فی مشکلات القرآن رأیه الخاص به فی السؤال عمّا لم یقع فإنّه کان ینهی عنه. قال طاووس : قال عمر علی المنبر : أُحرِّج بالله علی رجل سأل عمّا لم یکن ، فإنّ الله قد بیّن ما هو کائن (4).

وقال : لا یحلّ لأحد أن یسأل عمّا لم یکن ، إنّ الله تبارک وتعالی قد قضی فیما هو کائن. وقال : أُحرّج علیکم أن لا تسألوا عمّا لم یکن فإنّ لنا فیما کان شغلاً.

وجاء رجل یوماً إلی ابن عمر فسأله عن شیء لا أدری ما هو ، فقال له ابن عمر : لا تسأل عمّا لم یکن فإنّی سمعت عمر بن الخطّاب یلعن من سأل عمّا لم یکن (5).

فساق اللّعن أعلام الصحابة إلی هذا الحادث ، وعمّت البلیّة ، وطفقوا لم یجیبوا عن السؤال عمّا لم یکن ، فهذا ابن عبّاس سأله میمون عن رجل أدرکه رمضانان فقال : ف)

ص: 415


1- مجمع الزوائد للحافظ الهیثمی : 5 / 8. (المؤلف)
2- کتاب العلم لأبی عمر : ص 56 [ص 135 ح 664]. (المؤلف)
3- سیرة عمر بن الخطّاب لابن الجوزی : ص 118 [ص 126]. (المؤلف)
4- سنن الدارمی 1 / 50 ، جامع بیان العلم : 2 / 141 [ص 372 ح 1807]. (المؤلف)
5- سنن الدارمی : 1 / 50 ، کتاب العلم لأبی عمر : 2 / 143 [ص 369 ح 1794] ، وفی مختصره : ص 190 [ص 326 ح 232] ، فتح الباری : 13 / 225 [13 / 266] ، کنز العمّال : 2 / 174 [3 / 839 ح 8906]. (المؤلف)

أکان أو لم یکن؟ قال : لم یکن بعدُ. قال : اترک بلیّة حتی تنزل. قال : فدلّسنا له رجلاً فقال : قد کان. فقال : یطعم من الأوّل منهما ثلاثین مسکیناً لکلّ یوم مسکین (1).

وهذا أُبی بن کعب سأله رجل فقال : یا أبا المنذر ما تقول فی کذا وکذا؟ قال : یا بنیّ أکان الذی سألتنی عنه؟ قال : لا. قال : أمّا لا فأجّلنی حتی یکون فنعالج أنفسنا حتی نخبرک (2)سنن الدارمی : 1 / 56. (المؤلف)(3).

وقال مسروق : کنت أمشی مع أُبیّ بن کعب فقال فتیً : ما تقول یا عمّاه کذا وکذا؟ قال : یا ابن أخی أکان هذا؟ قال : لا. قال : فاعفنا حتی یکون (3).

- 92 -

نهی الخلیفة عن الحدیث

وأردف الحادثین فی مشکل القرآن والسؤال عمّا لم یقع ، بثالث أفظع وهو نهی الخلیفة عن الحدیث عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أو عن إکثاره ، وضربه وحبسه وجوه الصحابة بذلک.

قال قرظة بن کعب : لمّا سیّرنا عمر إلی العراق مشی معنا عمر وقال : أتدرون لِمَ شیّعتکم؟ قالوا : نعم مکرمةً لنا. قال : ومع ذلک إنّکم تأتون أهل قریة لهم دویّ بالقرآن کدویّ النحل فلا تصدّوهم بالأحادیث فتشغلوهم ، جرّدوا القرآن وأقلّوا الروایة عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وأنا شریککم. فلمّا قدم قرظة بن کعب قالوا : حدّثنا. فقال : نهانا عمر رضی الله عنه (4). ف)

ص: 416


1- سنن الدارمی : 1 / 57. (المؤلف)
2- و
3- سنن الدارمی : 1 / 56. (المؤلف)
4- سنن الدارمی : 1 / 85 ، سنن ابن ماجة : 1 / 16 [1 / 12 ح 28] ، مستدرک الحاکم : 1 / 102 [1 / 183 ح 347] ، جامع بیان العلم : 2 / 120 [ص 347 ح 1690] ، تذکرة الحفّاظ : 1 / 7 [رقم 2]. (المؤلف)

وفی لفظ أبی عمر : قال قرظة : فما حدّثت بعده حدیثاً عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم.

وفی لفظ الطبری (1) : کان عمر یقول : جرّدوا القرآن ولا تفسّروه ، وأقلّوا الروایة عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وأنا شریککم (2).

ولمّا بعث أبا موسی إلی العراق قال له : إنّک تأتی قوماً لهم فی مساجدهم دویّ بالقرآن کدویّ النحل فدعهم علی ما هم علیه ولا تشغلهم بالأحادیث وأنا شریکک فی ذلک. ذکره ابن کثیر فی تاریخه (3) (8 / 107) فقال : هذا معروف عن عمر رضی الله عنه.

وأخرج الطبرانی عن إبراهیم بن عبد الرحمن : إنّ عمر حبس ثلاثة : ابن مسعود ، وأبا الدرداء ، وأبا مسعود الأنصاری ، فقال : قد أکثرتم الحدیث عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، حبسهم بالمدینة حتی استشهد (4).

وفی لفظ الحاکم فی المستدرک (1 / 110) (5) :

إنّ عمر بن الخطّاب قال لابن مسعود ولأبی الدرداء ولأبی ذر : ما هذا الحدیث عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم؟ وأحسبه حبسهم بالمدینة حتی أُصیب.

وفی لفظ جمال الدین الحنفی : إنّ عمر حبس أبا مسعود وأبا الدرداء وأبا ذر حتی أُصیب ، وقال : ما هذا الحدیث عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم؟ ثمّ قال : وممّا روی عنه أیضاً ؛ أنّ عمر قال لابن مسعود وأبی ذر : ما هذا الحدیث؟ قال : أحسبه حبسهم حتی أُصیب. فقال : 4.

ص: 417


1- تاریخ الأُمم والملوک : 4 / 204 حوادث سنة 23 ه.
2- شرح ابن أبی الحدید : 3 / 120 [12 / 93 الخطبة 223]. (المؤلف)
3- البدایة والنهایة : 8 / 115 حوادث سنة 59 ه.
4- تذکرة الحفّاظ : 1 / 7 [رقم 2] ، مجمع الزوائد : 1 / 149 وصحّحه محشّی الکتاب فقال : هذا صحیح عن عمر من وجوه کثیرة ، وکان عمر شدیداً فی الحدیث. (المؤلف)
5- المستدرک علی الصحیحین : 1 / 193 ح 374.

وکذلک فعل بأبی موسی الأشعری مع عدله عنده. المعتصر (1) (1 / 459).

وقال عمر لأبی هریرة : لتترکنّ الحدیث عن رسول الله أو لألحقنّک بأرض دوس (2)

وقال لکعب الأحبار : لتترکنّ الحدیث عن الأُول أو لألحقنّک بأرض القردة. تاریخ ابن کثیر (3) (8 / 106).

وأخرج الذهبی فی التذکرة (1 / 7) عن أبی سلمة ، قال : قلت لأبی هریرة : أکنت تحدّث فی زمان عمر هکذا؟ فقال : لو کنت أُحدّث فی زمان عمر مثل ما أُحدّثکم لضربنی بمخفقته.

وأخرج أبو عمر عن أبی هریرة : لقد حدّثتکم بأحادیث لو حدّثت بها زمن عمر بن الخطّاب لضربنی عمر بالدرّة. جامع بیان العلم (4) (2 / 121).

وفی لفظ الزهری : أفکنت محدّثکم بهذه الأحادیث وعمر حیّ أما والله إذاً لأیقنت أنّ المخفقة ستباشر ظهری. وفی لفظ ابن وهب : إنّی لأُحدّث أحادیث لو تکلّمت بها فی زمان عمر أو عند عمر لشجّ رأسی. تاریخ ابن کثیر (5) (8 / 107).

فمن جرّاء هذا الحادث قال الشعبی : قعدت مع ابن عمر سنتین أو سنة ونصفاً فما سمعته یحدّث عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إلاّ حدیثاً (6). ف)

ص: 418


1- المعتصر من المختصر : 2 / 380.
2- أخرجه ابن عساکر [وفی مختصر تاریخ دمشق : 29 / 192] کما فی کنز العمّال : 5 / 239 [10 / 291 ح 29472] ، وأخرجه أبو زرعة کما فی تاریخ ابن کثیر : 8 / 106 [8 / 115 حوادث سنة 59 ه]. (المؤلف)
3- البدایة والنهایة : 8 / 115 حوادث سنة 59 ه.
4- جامع بیان العلم : ص 348 ح 1694.
5- البدایة والنهایة : 8 / 115 حوادث سنة 59 ه.
6- سنن الدارمی : 1 / 84 ، سنن ابن ماجة : 1 / 15 [1 / 11 ح 26]. (المؤلف)

وقال السائب بن یزید : صحبت سعد بن مالک من المدینة إلی مکة فما سمعته یحدّث بحدیث واحد. سنن ابن ماجة (1) (1 / 16).

وقال أبو هریرة : ما کنّا نستطیع أن نقول : قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم حتی قبض عمر.

تاریخ ابن کثیر (2) (8 / 107).

قال الأمینی : هل خفی علی الخلیفة أنّ ظاهر الکتاب لا یغنی الأُمّة عن السنّة ، وهی لا تفارقه حتی یردا علی النبیّ الحوض ، وحاجة الأُمّة إلی السنّة لا تقصر عن حاجتها إلی ظاهر الکتاب؟ والکتاب کما قال الأوزاعی ومکحول : أحوج إلی السنّة من السنّة إلی الکتاب. جامع بیان العلم (3) (2 / 191).

أو رأی هناک أُناساً لعبوا بها بوضع أحادیث علی النبیّ الأقدس - وحقّا رأی - فهمّ قطع جراثیم التقوّل علیه صلی الله علیه وآله وسلم ، وتقصیر تلکم الأیدی الأثیمة عن السنّة الشریفة؟ فإن کان هذا أو ذاک فما ذنب مثل أبی ذر المنوّه بصدقه بقول النبیِّ الأعظم : «ما أظلّت الخضراء ، ولا أقلّت الغبراء علی رجل أصدق لهجة من أبی ذر» (4) ، أو مثل عبد الله بن مسعود صاحب سرّ رسول الله ، وأفضل من قرأ القرآن ، وأحلّ حلاله ، وحرّم حرامه ، الفقیه فی الدین ، العالم بالسنّة (5) ، أو مثل أبی الدرداء عویمر کبیر الصحابة صاحب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم (6) فلما ذا حبسهم حتی أُصیب؟ ولما ذا هتک أُولئک ف)

ص: 419


1- سنن ابن ماجة : 1 / 12 ح 29.
2- البدایة والنهایة : 8 / 115 حوادث سنة 59 ه.
3- جامع بیان العلم : ص 429 ح 2071 و 2073.
4- مستدرک الحاکم : 3 / 342 ، 344 [3 / 385 ح 5460 ، ص 387 ح 5467] ، ویأتی تفصیل هذا الحدیث ومصادره. (المؤلف)
5- مستدرک الحاکم : 3 / 312 ، 315 [3 / 353 ح 5362 ، ص 357 ح 5380]. (المؤلف)
6- مستدرک الحاکم : 3 / 337 [3 / 381 ح 5450]. (المؤلف)

العظماء فی الملأ الدینی وصغّرهم فی أعین الناس؟ وهل کان أبو هریرة وأبو موسی الأشعری من أُولئک الوضّاعین حتی استحقّا بذلک التعزیر والنهر والحبس والوعید؟ أنا لا أدری.

نعم ؛ هذه الآراء کلّها أحداث السیاسة الوقتیّة سدّت علی الأُمّة أبواب العلم ، وأوقعتها فی هوّة الجهل ومعترک الأهواء وإن لم یقصدها الخلیفة ، لکنّه تترّس بها یوم ذاک ، وکافح عن نفسه قحم المعضلات ، ونجا بها عن عویصات المسائل.

وبعد نهی الأُمّة المسلمة عن علم القرآن ، وإبعادها عمّا فی کتابها من المعانی الفخمة والدروس العالیة من ناحیة العلم والأدب والدین والاجتماع والسیاسة والأخلاق والتاریخ ، وسدّ باب التعلّم والأخذ بالأحکام والطقوس ما لم یتحقّق ویقع موضوعها ، والتجافی عن التهیّؤ للعمل بدین الله قبل وقوع الواقعة ، ومنعها عن معالم السنّة الشریفة والحجز عن نشرها فی الملأ ، فبأیّ علم ناجع ، وبأیّ حُکم وحِکَم تترفّع وتتقدّم الأُمّة المسکینة علی الأُمم؟ وبأیّ کتاب وبأیّة سنّة تتأتّی لها سیادة العالم التی أسّسها لها صاحب الرسالة الخاتمة؟ فسیرة الخلیفة هذه ضربة قاضیة علی الإسلام وعلی أُمّته وتعالیمها وشرفها وتقدّمها وتعالیها علم بها هو أو لم یعلم ، ومن ولائد تلک السیرة الممقوتة حدیث کتابة السنن ، ألا وهو :

- 93 -

حدیث کتابة السنن

عن عروة : أنّ عمر بن الخطّاب أراد أن یکتب السنن ، فاستفتی أصحاب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی ذلک ، فأشاروا علیه أن یکتبها ، فطفق عمر یستخیر الله فیها شهراً ، ثمّ أصبح یوماً وقد عزم الله له فقال : إنّی کنت أُرید أن أکتب السنن ، وإنّی ذکرت قوماً کانوا قبلکم کتبوا کتباً فأکبّوا علیها وترکوا کتاب الله ، وإنّی والله لا أشوب

ص: 420

کتاب الله بشیء أبداً (1).

وقد اقتفی أثر الخلیفة جمع وذهبوا إلی المنع عن کتابة السنن خلافاً للسنّة الثابتة عن الصادع الکریم (2).

- 94 -

رأی الخلیفة فی الکتب

أضف إلی الحوادث الأربعة : حادث مشکلات القرآن ، وحادث السؤال عمّا لم یقع ، وحادث الحدیث عن رسول الله ، وحادث کتابة السنن ، رأی الخلیفة واجتهاده حول الکتب والمؤلّفات :

أتی رجل من المسلمین إلی عمر فقال : إنّا لمّا فتحنا المدائن أصبنا کتاباً فیه علم من علوم الفرس وکلام معجب. فدعا بالدرّة فجعل یضربه بها ثمّ قرأ : (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَیْکَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ) (3) ویقول : ویلک أقصص أحسن من کتاب الله؟ إنّما هلک من کان قبلکم ، لأنّهم أقبلوا علی کتب علمائهم وأساقفتهم وترکوا التوراة والإنجیل حتی درسا وذهب ما فیهما من العلم.

صورة أخری :

عن عمرو بن میمون ، عن أبیه قال : أتی عمر بن الخطّاب : رضی الله عنه رجل فقال : یا أمیر المؤمنین إنّا لمّا فتحنا المدائن أصبت کتاباً فیه کلام معجب ، قال : أمن کتاب الله؟3.

ص: 421


1- طبقات ابن سعد : 3 / 206 [3 / 287] ، مختصر جامع بیان العلم : ص 33 [ص 62 ح 58]. (المؤلف)
2- راجع سنن الدارمی : 1 / 125 ، مستدرک الحاکم : 1 / 104 - 106 [1 / 186 - 187 ح 357 - 359] ، مختصر جامع العلم : ص 36 ، 37 [ص 68 - 72 ح 61 - 63]. (المؤلف)
3- یوسف : 3.

قال : لا. فدعا بالدرّة وجعل یضربه بها فجعل یقرأ : (الر تِلْکَ آیاتُ الْکِتابِ الْمُبِینِ * إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِیًّا لَعَلَّکُمْ تَعْقِلُونَ) ، إلی قوله تعالی : (وَإِنْ کُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِینَ) (1) ثمّ قال : إنّما أهلک من کان قبلکم أنّهم أقبلوا علی کتب علمائهم وأساقفتهم وترکوا التوراة والإنجیل حتی درسا وذهب ما فیهما من العلم.

وأخرج عبد الرزاق (2) ، وابن الضریس فی فضائل القرآن والعسکری فی المواعظ ، والخطیب عن إبراهیم النخعی ، قال : کان بالکوفة رجل یطلب کتب دانیال وذلک الضرب ، فجاء فیه کتاب من عمر بن الخطّاب أن یرفع إلیه ، فلمّا قدم علی عمر علاه بالدرّة ثمّ جعل یقرأ علیه : (الر تِلْکَ آیاتُ الْکِتابِ الْمُبِینِ - حتی بلغ - الْغافِلِینَ) قال : فعرفت ما یرید ، فقلت : یا أمیر المؤمنین دعنی فو الله لا أدع عندی شیئاً من تلک الکتب إلاّ أحرقته ، فترکه.

راجع (3) سیرة عمر لابن الجوزی (ص 107) ، شرح ابن أبی الحدید (3 / 122) ، کنز العمّال (1 / 59).

وجاء فی تاریخ مختصر الدول (4) لأبی الفرج الملطی المتوفّی (684) (ص 180) من طبعة بوک فی اوکسونیا سنة (1663 م) ما نصّه :

وعاش - یحیی الغراماطیقی - إلی أن فتح عمرو بن العاص مدینة الاسکندریة ودخل علی عمرو وقد عرف موضعه من العلوم فأکرمه عمرو وسمع من ألفاظه الفلسفیة التی لم تکن للعرب بها أُنسة ما هاله ، ففُتِن به وکان عمرو عاقلاً ، حسن 3.

ص: 422


1- یوسف : 1 - 3.
2- المصنّف : 6 / 114 ح 10116.
3- تاریخ عمر بن الخطّاب : ص 116 ، شرح نهج البلاغة : 12 / 101 الخطبة 223 ، کنز العمّال : 1 / 374 ح 1632.
4- تاریخ مختصر الدول : ص 103.

الاستماع ، صحیح الفکر ، فلازمه وکان لا یفارقه.

ثمّ قال له یحیی یوماً : إنّک قد أحطت بحواصل الإسکندریة وختمت علی کلّ الأصناف الموجودة بها ، فما لک به انتفاع فلا نعارضک فیه ، وما لا انتفاع لک به فنحن أولی به. فقال له عمرو : ما الذی تحتاج إلیه؟ قال : کتب الحکمة التی فی الخزائن الملوکیّة. فقال عمرو : هذا ما لا یمکننی أن آمر فیه إلاّ بعد استئذان أمیر المؤمنین عمر ابن الخطّاب. فکتب إلی عمر وعرّفه قول یحیی ، فورد علیه کتاب عمر یقول فیه : وأمّا الکتب التی ذکرتها ؛ فإن کان فیها ما وافق کتاب الله ، ففی کتاب الله عنه غنی ، وإن کان فیها ما یخالف کتاب الله فلا حاجه إلیه. فتقدّم بإعدامها. فشرع عمرو بن العاص فی تفریقها علی حمّامات الإسکندریة وإحراقها فی مواقدها فاستنفدت فی مدّة ستّة أشهر ، فاسمع ما جری وأعجب.

هذه الجملة من کلام الملطی ذکرها جرجی زیدان فی تاریخ التمدّن الإسلامی (1) (3 / 40) برمّتها ، فقال فی التعلیق علیها : النسخة المطبوعة فی مطبعة الآباء الیسوعیین فی بیروت قد حذفت منها هذه الجملة کلّها لسبب لا نعلمه.

وقال عبد اللطیف البغدادی المتوفّی (629) هجری فی الإفادة والاعتبار (2) (ص 28) : رأیت أیضاً حول عمود السواری من هذه الأعمدة بقایا صالحة بعضها صحیح وبعضها مکسور ، ویظهر من حالها أنّها کانت مسقوفة والأعمدة تحمل السقف وعمود السواری علیه قبّة هو حاملها. وأری أنّه الرواق الذی کان یدرس فیه أرسطوطالیس وشیعته من بعده ، وأنّه دار المعلّم التی بناها الإسکندر حین بنی مدینته ، وفیها کانت خزانة الکتب التی أحرقها عمرو بن العاص بإذن عمر رضی الله عنه. 2.

ص: 423


1- مؤلّفات جرجی زیدان الکاملة - تاریخ التمدن الإسلامی : مج 11 / 635.
2- الإفادة والاعتبار : ص 132.

صورة مفصّلة :

وقال القاضی الأکرم جمال الدین أبو الحسن علیّ بن یوسف القفطی المتوفّی (646) فی کتابه تراجم الحکماء (1) المخطوط (2) فی ترجمة یحیی النحوی :

وعاش - یحیی النحوی - إلی أن فتح عمرو بن العاص مصر والإسکندریة ، ودخل علی عمرو وقد عرف موضعه من العلم واعتقاده وما جری له مع النصاری فأکرمه عمرو ورأی له موضعاً ، وسمع کلامه فی إبطال التثلیث ، فأعجبه وسمع کلامه أیضاً فی انقضاء الدهر ، ففتن به وشاهد من حججه المنطقیّة ، وسمع من ألفاظه الفلسفیّة التی لم یکن للعرب بها أنسة ما هاله ، وکان عمرو عاقلاً ، حسن الاستماع ، صحیح الفکر ، فلازمه وکاد لا یفارقه ، ثمّ قال له یحیی یوماً : إنّک قد أحطت بحواصل الإسکندریة وختمت علی کلّ الأجناس الموصوفة الموجودة بها ، فأمّا ما لک به انتفاع فلا أُعارضک فیه ، وأمّا ما لا نفع لکم به فنحن أولی به ، فأمر بالإفراج عنه. فقال له عمرو : وما الذی تحتاج إلیه؟ قال : کتب الحکمة فی الخزائن الملوکیّة ، وقد أوقعت الحوطة علیها ونحن محتاجون إلیها ولا نفع لکم بها ، فقال له : ومن جمع هذه الکتب؟ وما قصّتها؟ فقال له یحیی : إن بطولوماوس فیلادلفوس من ملوک الإسکندریة لمّا ملک حبّب إلیه العلم والعلماء ، وفحص عن کتب العلم وأمر بجمعها وأفرد لها خزائن فجمعت ، وولّی أمرها رجلاً یعرف بابن زمرة - زمیرة - ، وتقدّم إلیه بالاجتهاد فی جمعها وتحصیلها والمبالغة فی أثمانها وترغیب تجّارها ففعل ، واجتمع من ذلک فی مدّة خمسون ألف کتاباً ومائة وعشرون کتاباً.ف)

ص: 424


1- تراجم الحکماء : ص 354.
2- توجد نسخة فی دار الکتب الخدیویّة مکتوبة سنة 1197 ، کما فی تاریخ التمدّن الإسلامی : 3 / 42 [مج 11 / 635]. (المؤلف)

ولمّا علم الملک باجتماعها وتحقّق عدّتها قال لزمیرة : أتری بقی فی الأرض من کتب العلم ما لم یکن عندنا؟ فقال له زمیرة : قد بقی فی الدنیا شیء فی السند والهند وفارس وجرجان والأرمان وبابل والموصل وعند الروم. فعجب الملک من ذلک وقال له : دُم علی التحصیل ، فلم یزل علی ذلک إلی أن مات. وهذه الکتب لم تزل محروسة محفوظة یراعیها کلّ من یلی الأمر من الملوک وأتباعهم إلی وقتنا هذا ، فاستکثر عمرو ما ذکره یحیی وعجب منه وقال له : لا یمکننی أن آمر بأمرٍ إلاّ بعد استئذان أمیر المؤمنین عمر بن الخطّاب. وکتب إلی عمر وعرّفه بقول یحیی الذی ذکر ، واستأذنه ما الذی یصنعه فیها؟ فورد علیه کتاب عمر یقول فیه : وأمّا الکتب التی ذکرتها ؛ فإن کان فیها ما یوافق کتاب الله ، ففی کتاب الله عنه غنی ، وإن کان فیها ما یخالف کتاب الله تعالی ، فلا حاجة إلیها فتقدّم بإعدامها. فشرع عمرو بن العاص فی تفریقها علی حمّامات الإسکندریة وإحراقها فی مواقدها ، وذکرت عدّة الحمامات یومئذٍ وأنسیتها ، فذکروا أنّها استنفدت فی مدّة ستّة أشهر ، فاسمع ما جری وأعجب. انتهی.

وفی فهرست ابن الندیم المتوفّی (385) إیعاز إلی تلک المکتبة المحروقة ، قال فی صحیفة : (334) (1) ، وحکی إسحاق الراهب فی تاریخه أنّ بطولوماوس فیلادلفوس من ملوک الإسکندریة لمّا ملک فحص عن کتب العلم ، وولّی أمرها رجلاً یعرف بزمیرة ، فجمع من ذلک علی ما حکی أربعة وخمسین ألف کتاب ومائة وعشرین کتاباً. وقال له : أیّها الملک قد بقی فی الدنیا شیء کثیر فی السند والهند وفارس وجرجان والأرمان وبابل والموصل وعند الروم. انتهی.

ومؤسّس تلک المکتبة هو بطلیموس الأوّل ، وهو الذی بنی مدرسة الإسکندریّة المعروفة باسم الرواق ، وجمع فیها جمیع علوم تلک الأزمان من فلسفة وریاضیّات وطبّ وحکمة وآداب وهیئة ، وکانت المدرسة توصل للقصر الملکی ، 1.

ص: 425


1- فهرست الندیم : ص 301.

وبویع لولده بطلیموس الثانی الملقّب بفیلادلفوس - أی محبّ أخیه - بالملک حیاة أبیه قبل موته بسنتین سنة خمس وثمانین ومائتین قبل المیلاد أی سنّة سبع وتسعمائة قبل الهجرة وله من العمر أربع وعشرون سنة ، ومات سنة ستّ وأربعین ومائتین قبل المیلاد أی سنة ثمان وستّین وثمانمائة قبل الهجرة ، فکانت مدّة حکمه ثمانی وثلاثین سنة ، وکان علی سیرة أبیه فی حبِّ العلم وأهله والعنایة بخزانة کتب الاسکندریّة وجمع الکتب فیها (1).

وکان رأی الخلیفة هذا عامّا علی جمیع الکتب فی الأقطار التی فتحتها ید الإسلام. قال صاحب کشف الظنون (2) (1 / 446) : إنّ المسلمین لمّا فتحوا بلاد فارس وأصابوا من کتبهم ، کتب سعد بن أبی وقّاص إلی عمر بن الخطّاب یستأذنه فی شأنها وتنقیلها للمسلمین ، فکتب إلیه عمر رضی الله عنه : أن اطرحوها فی الماء ، فإن یکن ما فیها هدیً فقد هدانا الله تعالی بأهدی منه ، وإن یکن ضلالاً فقد کفانا الله تعالی. فطرحوها فی الماء وفی النار فذهبت علوم الفرس فیها.

وقال (3) فی (1 / 25) فی أثناء کلامه عن أهل الإسلام وعلومهم : إنّهم أحرقوا ما وجدوا من الکتب فی فتوحات البلاد.

وقال ابن خلدون فی تاریخه (4) (1 / 32) : فالعلوم کثیرة والحکماء فی أُمم النوع الإنسانی متعدّدون ، وما لم یصل إلینا من العلوم أکثر ممّا وصل ، فأین علوم الفرس التی أمر رضی الله عنه بمحوها عند الفتح؟

قال الأمینی : لیس النظر فی کتب الأوّلین علی إطلاقه محظوراً ولا سیّما إذا کانت 0.

ص: 426


1- راجع الکافی فی تاریخ مصر : 1 / 208 - 210. (المؤلف)
2- کشف الظنون : 1 / 679.
3- کشف الظنون : 1 / 33 فی المقدمة.
4- تاریخ ابن خلدون : 1 / 50.

کتباً علمیّة أو صناعیّة أو حکمیّة أو أخلاقیّة أو طبّیة أو فلکیّة أو ریاضیّة إلی أمثالها ، وأخصّ منها ما کان معزوّا إلی نبیٍّ من الأنبیاء علیهم السلام کدانیال إن صحّت النسبة ولم یطرقه التحریف ، نعم ؛ إذا کان کتاب ضلال من دعایة إلی مبدأ باطلٍ ، أو دین منسوخ ، أو شبهةٍ موجّهة إلی مبادئ الإسلام یحرم النظر فیه للبسطاء القاصرین عن الجواب والنقد ، وأمّا من له منّة الدفع أو مقدرة الحجاج فإنّ نظره فیه لإبطال الباطل وتعریف الناس بالحقِّ الصراح من أفضل الطاعات.

ولا منافاة بین کون القرآن أحسن القصص وبین أن یکون فی الکتب علم ناجع ، أو حکمة بالغة ، أو صناعة تفید المجتمع ، أو علوم یستفید بها البشر ، وإن کان ما فی القرآن أبعد من ذلک مغزیً ، وأعمق منتهیً ، وأحکم صنعاً ، غیر أنّ قصر الأفهام عن مغازی القرآن الکریم ترک الناس لا یستنبطون تلک العلوم ، مع إخباتهم إلی أنّه لا یغادر صغیرةً ولا کبیرة إلاّ أحصاها ، ولا رطب ولا یابس إلاّ فی کتاب مبین ، فالمنع عن النظر فی تلک الکتب جنایة علی المجتمع وإبعاد عن العلوم ، وتعزیر الناظر فیها لا یساعده قانون الإسلام العامّ کتاباً وسنّة.

والله یعلم ما خسره المسلمون بإبادة تلک الثروة العلمیّة فی الإسکندریّة وتشتیت ما فی بلاد الفرس من حضارة راقیة ، وصنائع مستطرفة لا ترتبطان بهدی أو ضلال کما حسبه الخلیفة فی کتب الفرس ، ولا تناطان بموافقة الکتاب أو مخالفته کما زعمه فی أمر مکتبة الإسکندریة العامرة ، وما کان یضرّ المسلمین لو حصلوا علی ذلک الثراء العلمی؟ فأوقفهم علی ثروة مالیّة ، وبسطة فی العلم ، وتقدّم فی المدنیّة ، ورقیّ فی العمران ، وکمال فی الصحّة ، وکلّ منها یستتبع قوّةً فی الملک ، وهیبةً عند الدول ، وبذخاً فی العالم کلّه ، وسعةً فی أدیم السلطة ، فهل یفتّ شیء من ذلک فی عضد الهدی؟ أو یثلم جانباً من الدین؟ نعم ؛ أعقب ذلک العمل الممقوت تقهقراً فی العلوم ، وفقراً فی الدنیا ، وسمعةً سیّئةً لحقت العروبة والإسلام ، وفی النقّاد من یحسبه توحّشاً ، وفیهم من

ص: 427

یعدّه من عمل الجاهلین ، ونحن نکل الحکم فیه إلی العقل السلیم ، والمنطق الصحیح.

علی أنّ الخلیفة کان یسعه أن ینتقی من هذه الکتب ما أوعزنا إلیه ممّا ینجع المجتمع البشری ، ویتلف ما فیه الإلحاد والضلال ، لکنّه لم یفعل ومضی التاریخ کما وقعت القصّة.

- 95 -

الخلیفة والقراءات

اشارة

1 - عن محمد بن کعب القرظی ؛ مرّ عمر بن الخطّاب برجل یقرأ هذه الآیة : (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِینَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِینَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِیَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) (1).

فأخذ عمر بیده فقال : من أقرأک هذا؟ فقال : أُبیّ بن کعب. فقال : لا تفارقنی حتی أذهب بک إلیه ، فلمّا جاءه قال عمر : أنت أقرأت هذا هذه الآیة هکذا؟ قال : نعم. قال : أنت سمعتها من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم؟ قال : نعم. قال : لقد کنت أری أنّا رفعنا رفعة لا یبلغها أحد بعدنا.

وأخرج الحاکم وأبو الشیخ ، عن أبی سلمة ومحمد التیمی قالا : مرّ عمر بن الخطّاب برجل یقرأ : والذین اتّبعوهم بإحسان - بالواو - ، فقال : من أقرأک هذه؟ فقال : أُبیّ. فأخذ به إلیه فقال : یا أبا المنذر أخبرنی هذا أنَّک أقرأته هکذا. فقال أُبیّ : صدق وقد تلقّنتها کذلک من فی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم. فقال عمر : أنت تلقّنتها کذلک من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم؟ فقال : نعم ، فأعاد علیه فقال فی الثالثة وهو غضبان : نعم والله لقد أنزلها الله علی جبریل علیه السلام وأنزلها جبریل علی قلب محمد صلی الله علیه وآله وسلم ولم یستأمر فیها الخطّاب ولا ابنه. فخرج عمر رافعاً یدیه وهو یقول : الله أکبر ، الله أکبر. 0.

ص: 428


1- التوبة : 100.

وفی لفظ من طریق عمر بن عامر الأنصاری : فقال أُبیّ : والله أقرأنیها رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وأنت تبیع الخیط. فقال عمر : نعم إذن فنعم ، إذن نتابع أُبیّا.

وفی لفظ : قرأ عمر : والأنصار - رفعاً - الذین بإسقاط الواو نعتاً للأنصار ، حتی قاله زید بن ثابت : إنّه بالواو فسأل عمر أُبیّ بن کعب فصدّق زیداً فرجع إلیه عمر وقال : ما کنّا نری إلاّ أنّا رُفِعنا رفعة لا ینالها معنا أحد.

وفی لفظ : فقال عمر : فنعم إذن نتابع أُبیّا. وفی لفظ الطبری : إذن نتابع أُبیّا.

وفی لفظ : إنّ عمر سمع رجلاً یقرأه بالواو ، فقال : من أقرأک؟ قال : أُبیّ. فدعاه فقال : أقرأنیه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وإنّک لتبیع القرظ بالبقیع. قال : صدقت وإن شئت قلت : شهدنا وغبتم ، ونصرنا وخذلتم ، وآوینا وطردتم ، ثمّ قال عمر : لقد کنت أرانا رُفِعنا رفعةً لا یبلغها أحد بعدنا.

راجع (1) تفسیر الطبری (1 / 7) ، مستدرک الحاکم (3 / 305) ، تفسیر القرطبی (8 / 238) ، تفسیر ابن کثیر (2 / 383) ، تفسیر الزمخشری (2 / 46) ، الدرّ المنثور (3 / 269) ، کنز العمّال (1 / 287) ، ذکر لفظ أبی الشیخ ثمّ حکاه عن جمع من الحفّاظ ، وذکر تصحیح الحاکم إیّاه ، وفی (ص 285) نقله عن أبی عبید فی فضائله وابن جریر وابن المنذر وابن مردویه ، تفسیر الشوکانی (2 / 379) ، روح المعانی - طبع المنیریّة - (11 / 8).

2 - أخرج أحمد فی مسنده ، عن ابن عبّاس ، قال : جاء رجل إلی عمر فقال : أکلتنا الضبع. قال مسعر : یعنی السنة. قال : فسأله عمر : ممّن أنت؟ فما زال ینسبه حتی 8.

ص: 429


1- جامع البیان : مج 7 / ج 11 / 8 ، المستدرک علی الصحیحین : 3 / 345 ح 5329 ، الجامع لأحکام القرآن : 8 / 151 - 152 ، الکشّاف : 2 / 304 ، کنز العمّال : 2 / 605 ح 4858 ، ص 597 ح 4823 ، فتح القدیر : 2 / 398.

عرفه فإذا هو موسی ، فقال عمر : لو أنّ لامرئً وادیاً أو وادیین لابتغی إلیهما ثالثاً. فقال ابن عبّاس : ولا یملأ جوف ابن آدم إلاّ التراب ثمّ یتوب الله علی من تاب. فقال عمر لابن عبّاس : ممّن سمعت هذا؟ قال : من أُبیّ. قال : فإذا کان بالغداة فاغدُ علیّ. قال : فرجع إلی أُمّ الفضل فذکر ذلک لها ، فقالت : وما لک وللکلام عند عمر؟ وخشی ابن عبّاس أن یکون أُبیّ نسی ، فقالت أُمّه : إنّ أُبیّا عسی أن لا یکون نسی. فغدا إلیَّ عمر ومعه الدرّة فانطلقنا إلی أُبیّ ، فخرج أُبیّ علیهما وقد توضّأ فقال : إنّه أصابنی مذیّ فغسلت ذکری أو فرجی - مسعر شکّ - فقال عمر : أوَیُجزئ ذلک؟ قال : نعم. قال : سمعته من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم؟ قال : نعم. قال : وسأله عمّا قال ابن عبّاس فصدّقه.

وفی المسند : عن ابن عبّاس قال : جاء رجل إلی عمر یسأله ، فجعل ینظر إلی رأسه مرّة وإلی رجلیه أخری هل یری علیه من البؤس شیئاً ، ثمّ قال له عمر : کم مالک؟ قال : أربعون من الإبل. قال ابن عبّاس : فقلت : صدق الله ورسوله : «لو کان لابن آدم وادیان من ذهب لابتغی الثالث ولا یملأ جوف ابن آدم إلاّ التراب ویتوب الله علی من تاب». فقال عمر : ما هذا؟ فقلت : هکذا أقرأنیها أُبیّ. قال : فمر بنا إلیه. قال : فجاء إلی أُبیّ فقال : ما یقول هذا؟ قال أُبیّ : هکذا أقرأنیها رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قال : أفأثبتها؟ فأثبتها.

وفی المحکیّ عن أحمد ؛ قال عمر : إذاً أثبتها فی المصحف؟ قال : نعم.

وأخرج ابن الضریس ، عن ابن عبّاس قال : قلت : یا أمیر المؤمنین إنّ أُبیّا یزعم أنّک ترکت من آیات الله آیة لم تکتبها. قال : والله لأسألن أُبیّا فإن أنکر لتکذبنّ ، فلمّا صلّی صلاة الغداة غدا علی أُبیّ ، فأذن له وطرح له وسادة وقال : یزعم هذا أنّک تزعم أنّی ترکت آیة من کتاب الله لم أکتبها. فقال : إنّی سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول : «لو أنّ لابن آدم وادیین من مال لابتغی إلیهما وادیاً ثالثاً ولا یملأ جوف ابن آدم إلاّ التراب ، ویتوب الله علی من تاب». فقال عمر : أفأکتبها؟ قال : لا أنهاک. فکأنّ أُبیّا

ص: 430

شکّ أقول من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أو قرآن منزل.

راجع (1) مسند أحمد (5 / 117) ، کنز العمّال (1 / 279) نقلاً عن أحمد ، وسعید بن منصور ، وأبی عوانة ، الدرّ المنثور (6 / 378).

3 - عن أبی إدریس الخولانی ، قال : کان أُبیّ یقرأ (إِذْ جَعَلَ الَّذِینَ کَفَرُوا فِی قُلُوبِهِمُ الْحَمِیَّةَ حَمِیَّةَ الْجاهِلِیَّةِ) (2) ولو حمیتم کما حموا لفسد المسجد الحرام ، فأنزل الله سکینته علی رسوله. فبلغ ذلک عمر فاشتدّ ، فبعث إلیه فدخل علیه فدعا ناساً من أصحابه فیهم زید بن ثابت فقال : من یقرأ منکم سورة الفتح؟ فقرأ زید علی قراءتنا الیوم ، فغلظ له عمر فقال أُبیّ : أأتکلّم؟ قال : تکلّم. فقال : لقد علمت أنّی کنت أدخل علی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ویقرئنی وأنت بالباب ، فإن أحببت أن أقرئ الناس علی ما أقرأنی أقرأت وإلاّ لم أقرأ حرفاً ما حییت. قال : بل أقرئ الناس.

وفی لفظ : فقال أُبیّ : والله یا عمر إنّک لتعلم أنّی کنت أحضر وتغیبون ، وأُدعی وتحجبون ، ویصنع بی ، والله لئن أحببت لألزمنَّ بیتی فلا أحدّث أحداً بشیءٍ.

راجع (3) تفسیر ابن کثیر (4 / 194) ، الدرّ المنثور (6 / 79) حکاه عن النسائی والحاکم وذکر تصحیح الحاکم له ، کنز العمّال (1 / 285) نقلاً عن النسائی وابن أبی داود فی المصاحف والحاکم. ثمّ قال : وروی ابن خزیمة بعضه.

4 - عن ابن مجلز ، قال : إنّ أُبی بن کعب قرأ : (مِنَ الَّذِینَ اسْتَحَقَّ عَلَیْهِمُ الْأَوْلَیانِ) (4) فقال عمر : کذبت. قال : أنت أکذب. فقال رجل : تکذّب أمیر المؤمنین؟ 7.

ص: 431


1- مسند أحمد : 6 / 136 ح 20607 و 20608 ، کنز العمّال : 2 / 569 ح 4747 ، الدرّ المنثور : 8 / 587.
2- الفتح : 26.
3- الدرّ المنثور : 7 / 535 ، السنن الکبری : 6 / 463 ح 11505 ، المستدرک علی الصحیحین : 2 / 245 ح 2891 ، کنز العمّال : 2 / 568 ح 4745.
4- المائدة : 107.

قال : أنا أشدّ تعظیماً لحقّ أمیر المؤمنین منک ، ولکن کذّبته فی تصدیق کتاب الله ، ولم أُصدِّق أمیر المؤمنین فی تکذیب کتاب الله. فقال عمر : صدق.

أخرجه ابن جریر الطبری (1) وعبد بن حمید وابن عدی ، کما فی الدرّ المنثور (2) (2 / 344) ، وکنز العمّال (1 / 285).

5 - عن خرشة بن الحرّ ، قال : رأی معی عمر بن الخطّاب لوحاً مکتوبة فیه : (إِذا نُودِیَ لِلصَّلاةِ مِنْ یَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلی ذِکْرِ اللهِ) (3) ؛ فقال : من أملی علیک هذا؟ قلت : أُبیّ بن کعب. قال : إنّ أُبیّا أقرأنا للمنسوخ ، قرأها : فامضوا إلی ذکر الله.

عن عبد الله بن عمر ، قال : ما سمعت عمر یقرؤها قطّ إلاّ : فامضوا إلی ذکر الله.

عن إبراهیم ، قال : قیل لعمر : إنّ أُبیّا یقرأ : (فَاسْعَوْا إِلی ذِکْرِ اللهِ). قال عمر : أُبیّ أعلمنا بالمنسوخ کان یقرؤها : فامضوا إلی ذکر الله.

أخرجه أبو عبید فی فضائله ، وسعید بن منصور ، وابن أبی شیبة ، وابن المنذر ، وابن الأنباری فی المصاحف ، وعبد الرزّاق (4) ، والشافعی (5) ، والفریابی ، وعبد بن حمید ، وابن جریر (6) ، وابن أبی حاتم ، والبیهقی فی السنن (7) کما فی الدرّ المنثور (8) (6 / 219) ، وکنز العمّال (9) (1 / 285). 2.

ص: 432


1- جامع البیان : مج 5 / ج 7 / 119.
2- الدرّ المنثور : 3 / 226.
3- الجمعة : 9.
4- المصنّف : 3 / 207 ح 5350.
5- کتاب الأُمّ : 1 / 196.
6- جامع البیان : مج 14 / ج 28 / 100.
7- السنن الکبری : 3 / 227.
8- الدرّ المنثور : 8 / 161.
9- کنز العمّال : 2 / 597 ح 4822.

6 - عن بجالة ، قال : مرّ عمر بن الخطّاب بغلام وهو یقرأ فی المصحف : (النَّبِیُّ أَوْلی بِالْمُؤْمِنِینَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ) (1) وهو أب لهم. فقال : یا غلام حکّها. قال : هذا مصحف أُبیّ. فذهب إلیه فسأله ، فقال له أُبیّ : إنّه کان یلهینی القرآن ویلهیک الصفق بالأسواق. وأغلظ لعمر.

أخرجه سعید بن منصور ، والحاکم ، والبیهقی فی السنن (7 / 69) ، والقرطبی فی تفسیره (2) (14 / 126) ، وحُکی عن الأوّلین فی کنز العمّال (3) (1 / 279).

7 - قرأ أبیّ بن کعب : ولا تقربوا الزنا إنّه کان فاحشةً ومقتاً وساءَ سبیلاً إلاّ من تاب فإنّ الله کان غفوراً رحیماً. فذکر لعمر فأتاه فسأله عنها. قال : أخذتها من فی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ولیس لک عمل إلاّ الصفق بالبیع.

أخرجه ابن مردویه وعبد الرزّاق کما فی کنز العمّال (4) (1 / 278).

8 - عن المسور بن مخرمة ، قال : قال عمر بن الخطّاب لعبد الرحمن بن عوف : ألم تجد فیما أُنزل علینا : أن جاهدوا کما جاهدتم أوّل مرّة؟ فإنّا لم نجدها. قال : أُسقط فیما أُسقط من القرآن.

أخرجه أبو عبید کما فی الإتقان (5) (2 / 42) ، وکنز العمّال (6) (1 / 278).

9 - عن ابن عبّاس وعدیّ بن عدیّ ، عن عمر أنّه قال : إنّا کنّا نقرأ فیما نقرأ من کتاب الله ، أن لا ترغبوا عن آبائکم فإنّه کفر بکم. أو : إنّ کفراً بکم أن ترغبوا عن1.

ص: 433


1- الأحزاب : 6.
2- الجامع لأحکام القرآن : 14 / 84.
3- کنز العمّال : 2 / 569 ح 4746.
4- کنز العمّال : 2 / 568 ح 4744. وفیه : بالبقیع ، بدلاً من : بالبیع.
5- الإتقان فی علوم القرآن : 3 / 74.
6- کنز العمّال : 2 / 567 ح 4741.

آبائکم. ثمّ قال لزید بن ثابت : أکذلک؟ قال : نعم.

أخرجه البخاری فی صحیحه (1) (10 / 43) ، وأبو عبید کما فی الإتقان (2) (2 / 42).

10 - أخرج مالک والشافعی ، عن سعید بن المسیّب ، عن عمر فی خطبة له قال : إیّاکم أن تهلکوا عن آیة الرجم یقول قائل : لا نجد حدّین فی کتاب الله فقد رجم رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ورجمنا ، والذی نفسی بیده لو لا أن یقول الناس زاد عمر فی کتاب الله تعالی لکتبتها : الشیخ والشیخة فارجموهما البتّة. فإنّا قد قرأناها.

وفی لفظ أحمد ، عن عبد الرحمن بن عوف : لو لا أن یقول قائلون أو یتکلّم متکلّمون أنّ عمر زاد فی کتاب الله ما لیس منه لأثبتّها کما نزلت.

وفی لفظ البخاری ، عن ابن عبّاس : إنّ الله بعث محمداً صلی الله علیه وآله وسلم بالحقِّ وأنزل علیه الکتاب فکان ممّا أنزل الله آیة الرجم فقرأناها وعقلناها وو عیناها ، رجم رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ورجمنا بعده ، فأخشی إن طال بالناس زمان أن یقول قائل : والله ما نجد آیة الرجم فی کتاب الله فیضلّوا بترک فضیلة أنزلها الله ، والرجم فی کتاب الله حقّ علی من زنی إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت البیّنة أو کان الحبَل أو کان الاعتراف.

وفی لفظ ابن ماجة ، عن ابن عبّاس : لقد خشیت أن یطول بالناس زمان حتی یقول قائل : ما أجد الرجم فی کتاب الله فیضلّوا بترک فریضة من فرائض الله. ألا وإنّ الرجم حقّ إذا أحصن الرجل وقامت البیّنة أو کان حمل أو اعتراف وقد قرأتها : الشیخ والشیخة إذا زنیا فارجموهما البتّة. رجم رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ورجمنا بعده.

وفی لفظ أبی داود : وایم الله لو لا أن یقول الناس زاد عمر فی کتاب الله لکتبتها. 4.

ص: 434


1- صحیح البخاری : 6 / 2505 ح 6442.
2- الإتقان فی علوم القرآن : 3 / 74.

وفی لفظ البیهقی : ولولا أنّی أکره أن أزید فی کتاب الله لکتبته فی المصحف ، فإنّی أخاف أن یأتی أقوام فلا یجدونه فلا یؤمنون به.

راجع (1) مسند أحمد (1 / 29 ، 50) ، اختلاف الحدیث للشافعی - المطبوع هامش کتاب الأُمّ له - (7 / 251) ، موطّأ مالک (2 / 168) ، صحیح البخاری (10 / 43) ، صحیح مسلم (2 / 33) ، صحیح الترمذی (1 / 299) ، سنن الدارمی (2 / 179) ، سنن ابن ماجة (2 / 115) ، سنن أبی داود (2 / 230) ، مسند الطیالسی (ص 6) ، سنن البیهقی (8 / 211 - 213) ، أحکام القرآن للجصّاص (3 / 317).

قال الأمینی : کلّ هذه تکشف عن انحسار علم الخلیفة عن ترتیل القرآن الکریم وأنّ هؤلاء المذکورین أعلم منه به ، وإنّما ألهاه عنه الصفق بالأسواق ، أو بیع الخیط أو القرظة (2) ، ولم یکن له عمل إلاّ الصفق بالبیع.

وما بال الخلیفة - وهو القدوة والأُسوة فی الکتاب والسنّة - یتّبع آراء الناس فی کتاب الله؟ ویمحو ویثبت فی المصحف بقول أُناس آخرین؟ ولم یفرّق بین الکتاب والسنّة؟ ویعیر سمعه إلی هذا وذلک؟ ویقبل من هذا قوله : أثبتها ، ویصدِّق لآخر رأیه فی إسقاط شیء من القرآن؟ ویری آیاً محرّفة من الکتاب تمنعه عن إدخالها فیه خشیة قول القائلین وتکلّم المتکلّمین؟ وهذا هو التحریف الذی یعزونه إلی الشیعة ، ویشنّون به علیهم الغارات ، والشیعة عن بکرة أبیهم براء من تلکم الخزایة ، فقد أصفق المحقِّقون منهم علی نفی ذلک نفیاً باتّا کما أسلفناه فی الجزء الثالث (ص 101). د.

ص: 435


1- مسند أحمد : 1 / 49 ح 198 ، ص 81 ح 354 ، اختلاف الحدیث : ص 533 ، موطّأ مالک : 2 / 824 ح 10 ، صحیح البخاری : 6 / 2504 ح 6442 ، صحیح مسلم : 3 / 524 ح 15 کتاب الحدود ، سنن الترمذی : 4 / 29 ح 1431 ، سنن ابن ماجة : 2 / 853 ح 2553 ، سنن أبی داود : 4 / 145 ح 4418 ، أحکام القرآن : 3 / 257.
2- القرظة - جمعها قرظ - : شجر تدبغ به الجلود.

وشتّان بین من هذا شأنه وبین من قال فیه التابعیّ العظیم أبو عبد الرحمن السلمی القارئ المجمع علی ثقته وجلالته : ما رأیت ابن أُنثی أقرأ لکتاب الله تعالی من علیّ. وقال أیضاً : ما رأیت أقرأ من علیّ ، عرض القرآن علی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وهو من الذین حفظوه أجمع بلا شکّ عندنا (1). وقد مرّ بعض أحادیث علمه علیه السلام بالکتاب (ص 193).

- 96 -

اجتهاد الخلیفة فی الأسماء والکنی

1 - عن زید بن أسلم ، عن أبیه : أنّ عمر بن الخطّاب رضی الله عنه ضرب ابناً له تکنّی أبا عیسی ، وأنّ المغیرة بن شعبة تکنّی بأبی عیسی ، فقال له عمر : أما یکفیک أن تکنّی بأبی عبد الله؟ فقال : رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم کنّانی أبا عیسی ، فقال : إنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قد غفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر وإنّا فی جلستنا (2) فلم یزل یکنّی بأبی عبد الله حتی هلک.

صورة أخری :

إنّ المغیرة استأذن علی عمر فقال : أبو عیسی. قال : من أبو عیسی؟ فقال : المغیرة بن شعبة. قال : فهل لعیسی من أب؟ فشهد له بعض الصحابة أنّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم کان یکنّیه بها فقال : إنّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم غُفر له وإنّا لا ندری ما یُفعل بنا وکنّاه أبا عبد الله.

راجع (3) : سنن أبی داود (2 / 309) ، سنن البیهقی (9 / 310) ، الاستیعاب (1 / 250) ، تیسیر الوصول (1 / 39) ، الکنی والأسماء للدولابی (1 / 85) ، زاد المعاد لابن 3.

ص: 436


1- طبقات القرّاء : 1 / 546 ، مفتاح السعادة : 1 / 351 [2 / 9]. (المؤلف)
2- وفی لفظ أبی داود : جَلجَتِنا. (المؤلف)
3- سنن أبی داود : 4 / 291 ح 4963 ، الاستیعاب : القسم الرابع / 1445 رقم 2483 ، تیسیر الوصول : 1 / 47 ح 7 ، زاد المعاد : 2 / 8 ، النهایة فی غریب الحدیث والأثر : 1 / 283.

القیّم (1 / 262) ، نهایة ابن الأثیر (1 / 198) ، الإصابة (2 / 413 و 3 / 453).

2 - جاءت سریّة لعبید الله بن عمر إلی عمر تشکوه فقالت : یا أمیر المؤمنین ألا تعذرنی من أبی عیسی؟ قال : ومن أبو عیسی؟ قالت : ابنک عبید الله. قال : ویحک! وقد تکنّی بأبی عیسی؟ ودعاه وقال : إیهاً اکتنیت بأبی عیسی؟ فحذر وفزع فأخذ یده فعضّها حتی صاح ، ثمّ ضربه وقال : ویلک هل لعیسی أب؟ أما تدری ما کنی العرب؟ : أبو سلمة ، أبو حنظلة ، أبو عرفطة ، أبو مرّة. راجع شرح ابن أبی الحدید (1) (3 / 104).

3 - کان عمر رضی الله عنه کتب إلی أهل الکوفة : لا تسمّوا أحداً باسم نبیّ ، وأمر جماعة بالمدینة بتغییر أسماء أبنائهم المسمّین بمحمد ، حتی ذکر له جماعة من الصحابة أنّه صلی الله علیه وآله وسلم أذن لهم فی ذلک فترکهم. عمدة القاری (2) (7 / 143).

4 - عن حمزة بن صهیب : أنّ صهیباً کان یکنّی أبا یحیی ، ویقول : إنّه من العرب ، ویطعم الطعام الکثیر. فقال له عمر بن الخطّاب : یا صهیب ما لک تتکنّی أبا یحیی ولیس لک ولد؟ وتقول إنّک من العرب ، وتطعم الطعام الکثیر ، وذلک سرف فی المال. فقال صهیب : إنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم کنّانی أبا یحیی ، وأمّا قولک فی النسب فأنا رجل من النمر بن قاسط من أهل الموصل ، ولکنّی سبیت غلاماً صغیراً قد عقلت (3) أهلی وقومی. وأمّا قولک فی الطعام ، فإنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم کان یقول : «[خیارکم من] أطعم الطعام ، وردّ السلام». فذلک الذی یحملنی علی أن أُطعم الطعام.

وفی لفظ لأبی عمر : قال عمر : ما فیک شیء أعیبه یا صهیب إلاّ ثلاث خصال لولاهنّ ما قدّمت علیک أحداً ، هل أنت مُخبری عنهنّ؟ فقال صهیب : ما أنت بسائل عن شیء إلاّ صدقتک عنه. قال : أراک تنسب عربیّا ولسانک أعجمیّ ، وتتکنّی بأبی ب.

ص: 437


1- شرح نهج البلاغة : 12 / 44 خطبة 223.
2- عمدة القاری : 15 / 39.
3- فی مسند أحمد : غفلت ، وفی المستدرک : عرفت وکذا فی الاستیعاب.

یحیی اسم نبیّ ، وتبذّر مالک. قال : أمّا تبذیر مالی فما أنفقه إلاّ فی حقِّه ، وأمّا اکتنائی بأبی یحیی فإنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم کنّانی بأبی یحیی أفأترکها لک؟ وأمّا انتسابی إلی العرب فإنّ الروم سَبَتنی صغیراً فأخذت لسانهم وأنا رجل من النمر بن قاسط ، لو انفلقت عنّی روثة لانتسبت إلیها.

أخرجه (1) أحمد فی مسنده (6 / 16) ، والحاکم فی المستدرک (4 / 288) ، وابن ماجة شطراً منه فی سننه (2 / 406) ، وأبو عمر فی الاستیعاب فی ترجمة صهیب (1 / 315) ، والهیثمی فی مجمع الزوائد (8 / 16).

5 - سمع عمر بن الخطّاب رضی الله عنه رجلاً ینادی رجلاً : یا ذا القرنین. قال : أفرغتم من أسماء الأنبیاء فارتفعتم إلی أسماء الملائکة؟

راجع (2) حیاة الحیوان (2 / 21) ، فتح الباری (6 / 295).

قال الأمینی : تکشف هذه الروایات عن موارد من الجهل :

1 - نهی الخلیفة عن التسمیة باسم النبیّ الأعظم صلی الله علیه وآله وسلم ، وأمره المسمَّین به بتغییر أسمائهم ، وقد قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «من ولد له ثلاثة أولاد فلم یسمّ أحدهم محمداً فقد جهل» (3).

وقال صلی الله علیه وآله وسلم : «إذا سمّیتم محمداً فلا تضربوه ولا تحرموه» (4).ف)

ص: 438


1- مسند أحمد : 7 / 26 ، 27 ح 23408 ، 23411 ، المستدرک علی الصحیحین : 4 / 310 ح 7739 ، سنن ابن ماجة : 2 / 1231 ح 3738 ، الاستیعاب : القسم الثانی / 730 - 731 رقم 1226.
2- حیاة الحیوان : 1 / 556 ، فتح الباری : 6 / 383.
3- أخرجه الطبرانی [فی المعجم الکبیر : 11 / 59 ح 11077] ، وابن عدی [فی الکامل فی ضعفاء الرجال : 6 / 89 رقم 1617] ، والهیثمی فی مجمع الزوائد : 8 / 49 ، والسیوطی فی الجامع الصغیر - فی حرف المیم - [: 2 / 653 ح 9084]. (المؤلف)
4- مجمع الزوائد : 8 / 48 ، السیرة الحلبیة : 1 / 89 [1 / 83]. (المؤلف)

وقال صلی الله علیه وآله وسلم : «إذا سمّیتم الولد محمداً فأکرموه ، وأوسعوا له فی المجلس ، ولا تقبّحوا له وجهاً» تاریخ بغداد (3 / 91).

وقال صلی الله علیه وآله وسلم : «إنّ الله لیوقف العبد بین یدیه یوم القیامة اسمه أحمد أو محمد فیقول الله تعالی له : عبدی أما استحییتنی وأنت تعصینی واسمک اسم حبیبی محمد؟ فینکّس العبد رأسه حیاءً ویقول : اللهمّ إنّی قد فعلت ، فیقول الله عزّ وجلّ : یا جبریل خذ بید عبدی وأدخله الجنّة فإنّی أستحی أن أُعذِّب بالنار من اسمه اسم حبیبی» (1).

وقال صلی الله علیه وآله وسلم : «من وُلد له مولود فسمّاه محمداً حبّا لی وتبرّکاً باسمی کان هو ومولوده فی الجنّة» (2).

وقالت عائشة : جاءت امرأة إلی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فقالت : یا رسول الله إنّی قد ولدت غلاماً فسمّیته محمداً وکنّیته أبا القاسم فذُکِر لی أنّک تکره ذلک ، فقال : «ما الذی أحلَّ اسمی وحرّم کنیتی؟» أو : «ما الذی حرّم کنیتی وأحلَّ اسمی؟» (3).

وقد سمّی صلی الله علیه وآله وسلم محمد بن طلحة بن عبید الله محمداً وکنّاه بأبی القاسم (4) ، ومحمد هذا کان ممّن همَّ عمر أن یغیِّر اسمه (5).

وقد سمّی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم غیر واحد من ولدان عصره محمداً منهم : ف)

ص: 439


1- المدخل لابن الحاج : 1 / 129. (المؤلف)
2- أخرجه ابن عساکر ، وذکره المناوی فی فیض القدیر : 6 / 237 ، والحلبی فی السیرة النبویّة : 1 / 89 [1 / 82]. (المؤلف)
3- السنن الکبری للبیهقی : 9 / 310 ، مصابیح السنّة : 2 / 149 [3 / 309 ح 3716] ، زاد المعاد : 1 / 262 [2 / 8 وأخرجه ابن عساکر فی تاریخه : 3 / 42]. (المؤلف)
4- الاستیعاب : 1 / 236 [القسم الثالث / 1371 رقم 2334] ، أُسد الغابة : 4 / 322 [5 / 98 رقم 4738]. (المؤلف)
5- مجمع الزوائد : 8 / 48 ، 49. (المؤلف)

محمد بن ثابت بن قیس الأنصاری (1).

ومحمد بن عمرو بن حزم الأنصاری (2).

ومحمد بن عمارة بن حزم الأنصاری (3).

ومحمد بن أنس بن فضالة الأنصاری (4).

ومحمد بن یفدیدویه - بالمهملتین - الهروی (5).

وقال صلی الله علیه وآله وسلم لرجل أنصاری همَّ بأن یسمّی ابنه محمداً فکرهوه وسألوه صلی الله علیه وآله وسلم : «سمّوا باسمی» (6).

وفی رجل وُلد له غلام فسمّاه القاسم فقالوا له : لا نکنّیک به ، فسأله صلی الله علیه وآله وسلم فقال : «تسمّوا باسمی ولا تکنّوا بکنیتی» (7).

علی أنّ تحسین الأسماء ممّا رغّبت فیه الشریعة المطهّرة ومحمد أحسنها ، وخیر الأسماء ما عُبد به وحُمد ، فجاء عنه صلی الله علیه وآله وسلم قوله : «إنّکم تُدعون یوم القیامة بأسمائکم وأسماء آبائکم فأحسنوا أسماءکم» (8). ف)

ص: 440


1- الاستیعاب : 1 / 233 [القسم الثالث / 1367 رقم 2321] ، أُسد الغابة : 4 / 313 [5 / 83 رقم 4705] ، الإصابة : 3 / 472 [رقم 8295]. (المؤلف)
2- الاستیعاب 1 / 237 [القسم الثالث / 1375 رقم 2339] ، أُسد الغابة : 4 / 327 [5 / 106 رقم 4751] ، الإصابة : 3 / 476 [رقم 8310]. (المؤلف)
3- الإصابة : 3 / 476 [رقم 8309]. (المؤلف)
4- الاستیعاب : 1 / 234 [القسم الثالث / 1365 رقم 2317] ، أُسد الغابة : 4 / 312 [5 / 81 رقم 4698] ، الاصابة : 3 / 370 [رقم 7757]. (المؤلف)
5- أُسد الغابة : 4 / 332 [5 / 115 رقم 4767] ، الإصابة : 3 / 385 [رقم 7811]. (المؤلف)
6- مسند أحمد : 3 / 369 ، 385 [4 / 346 ح 14547 ، ص 373 ح 14710]. (المؤلف)
7- مسند أحمد : 3 / 303 [4 / 235 ح 13837]. (المؤلف)
8- سنن أبی داود : 2 / 307 [4 / 287 ح 4948] ، سنن البیهقی : 9 / 306 ، مصابیح السنّة : 2 / 148 [3 / 306 ح 3704]. (المؤلف)

وقال صلی الله علیه وآله وسلم : «من حقّ الولد علی الوالد أن یحسن اسمه وأن یحسن أدبه» (1).

وقال صلی الله علیه وآله وسلم : «إذا أبردتم إلیّ بریداً فابعثوه حسن الوجه حسن الاسم» (2).

وفی جامع الترمذی (3) (2 / 107) ، عن عائشة قالت : کان النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم یغیّر الاسم القبیح.

وممّن غیّر اسمه عاصیة بنت عمر ؛ فسمّاها رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم جمیلة کما فی صحیح الترمذی (4) (2 / 137) ، ومصابیح السنّة (5) (2 / 148).

2 - نهیه عن التسمّی بأسماء الأنبیاء وهی أحسن الأسماء بعد تلکم الأسماء المشتقّة من أسماء الله الحسنی من محمد وعلیّ والحسن والحسین. وقد ورد عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قوله : «ما من أهل بیت فیه اسم نبیّ إلاّ بعث الله تبارک وتعالی إلیهم ملکاً یقدِّسهم بالغداوة والعشیِّ» (6).

وقال صلی الله علیه وآله وسلم : «سمّوا بأسماء الأنبیاء ، وأحبّ الأسماء إلی الله عبد الله وعبد الرحمن ، وأصدقها حارث وهمام ، وأقبحها حرب ومرّة» (7).

3 - تذمّره من التکنّی بأبی عیسی مستدلاّ بقوله : فهل لعیسی من أب؟ أکان ف)

ص: 441


1- مجمع الزوائد للحافظ الهیثمی : 8 / 47. (المؤلف)
2- مجمع الزوائد للحافظ الهیثمی : 8 / 47 ، زاد المعاد لابن القیّم : 1 / 258 [2 / 5]. (المؤلف)
3- سنن الترمذی : 5 / 124 ح 2839.
4- سنن الترمذی : 5 / 123 ح 2838.
5- مصابیح السنّة : 3 / 304 ح 3696.
6- المدخل لابن الحاج : 1 / 128. (المؤلف)
7- سنن أبی داود : 2 / 307 [4 / 287 ح 4950] ، سنن البیهقی : 9 / 306 ، الاستیعاب فی ترجمة أبی وهب : 2 / 700 [القسم الرابع / 1775 رقم 3218] ، زاد المعاد لابن القیّم : 1 / 258 ، 260 [2 / 4 ، 6] وأثبته. (المؤلف)

الخلیفة یحسب أنّ من یکنّی به یری نفسه أباً لعیسی بن مریم ویکنّی به حتی یُقال علیه : فهل لعیسی من أب؟ أو أنّه لم یرَ لعیسی الذی کنّاه به أبوه من أب؟ وکان یحسب أنّ الآباء یکنّون بأسماء أولادهم ، ومن هنا قال لصهیب : مالک تکنّی أبا یحیی ولیس لک ولد؟

4 - وأعجب من هذه کلّها أنّ الخلیفة بعد سماعه من المغیرة أنّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم کنّاه بأبی عیسی لم یتزحزح عن رأیه ، وقد صدّقه فی مقاله ، لکنّه عدَّ ذلک ذنباً مغفوراً لرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، وأراد أن لا یذنب هو ولفیفه إذ لا یدری ما یُفعل بهم ، ولیت شعری هل أثبت کون ذلک إثماً مستتبعاً للعذاب أو المغفرة ببرهان قاطع؟ ثمّ علم أنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ارتکبه فحکم بالمغفرة له بدلالة الآیة الکریمة من سورة الفتح؟ لا ، لم یثبت ذلک إلاّ بتلک السفسطة من قوله : هل لعیسی من أب؟ إن کان الأوّل - ولا أقوله - فمرحباً بنبیّ غیر معصوم! والعیاذ بالله ، وإن کان الثانی فزهٍ بقائل لا یعلم!

5 - إنّه بعد ما حسب کون هاتیک التکنیة سیّئة جعل التعزیر بها عَضّ الید قبل الضرب ، ولم تسمع أذن الدهر بمثل ذلک التعزیر القاسی قطّ.

6 - إنّ ممّا اختاره الخلیفة من کنی العرب : أبا مرّة. وقد مرّ نهی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم عن التسمیة بمرّة. علی أنّ أبا مرّة کنیة إبلیس کما فی المعاجم (1). وقیل تکنّی بابنة له تسمّی مرّة. وقد نهی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم عن التسمیة بحیات وقال : فإنّ الحیات الشیطان. وأخرج أبو داود فی سننه (2) (2 / 308) ، عن مسروق ، قال : لقیت عمر بن الخطّاب رضی الله عنه فقال : من أنت؟ قلت : مسروق بن الأجدع ، فقال عمر : سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول : الأجدع الشیطان. فکأنّه کان ناسیاً ذلک حین أمر بالتکنّی 7.

ص: 442


1- قاموس اللغة : 2 / 133 [ص 610] ، تاج العروس : 3 / 539 ، لسان العرب : 7 / 18 [13 / 76]. (المؤلف)
2- سنن أبی داود : 4 / 289 ح 4957.

بأبی مرّة ، أولم یکن یعلم أنّها کنیة إبلیس؟ أو کان له رأی تجاه الرأی النبویّ. والله أعلم.

وکذلک التکنّی بأبی حنظلة ، فقد عدّ ابن القیّم حنظلة من أقبح الأسماء کما فی زاد المعاد (1) (1 / 260).

7 - حسبانه أنّ ذا القرنین من أسماء الملائکة وقد عزب عنه أنّه کان غلاماً رومیّا أُعطی الملک ، کما فیما أخرجه الطبری (2) ، وفی صحیحة عن أمیر المؤمنین علیه السلام : أنّه کان رجلاً أحبّ الله فأحبّه ، وناصح الله فناصحه ، لم یکن نبیّا ولا ملکاً (3).

وفی القرآن الکریم آیات کریمة فی ذکر ذی القرنین کأنّها عزبت عن الخلیفة برمّتها ، وخفیت علیه تسمیة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم علیّا أمیر المؤمنین بذی القرنین ، فقال علی رءوس الأشهاد : «یا أیّها الناس أُوصیکم بحبِّ ذی قرنیها أخی وابن عمّی علیِّ ابن أبی طالب فإنّه لا یحبّه إلاّ مؤمن ولا یبغضه إلاّ منافق ، من أحبّه فقد أحبّنی ، ومن أبغضه فقد أبغضنی» (4)

وقال صلی الله علیه وآله وسلم لعلیّ علیه السلام : «إنّ لک فی الجنّة بیتاً - ویروی : کنزاً - وأنت لذو قرنیها».

وقال شرّاح الحدیث : أی ذو طرفی الجنّة وملکها الأعظم تسلک ملک جمیع الجنّة کما سلک ذو القرنین جمیع الأرض. أو ذو قرنی الأُمّة فأضمرت وإن لم یتقدّم ف)

ص: 443


1- زاد المعاد : 2 / 6.
2- تاریخ الأُمم والملوک : 1 / 575.
3- فتح الباری : 6 / 295 [6 / 383] ، کنز العمّال : 1 / 254 [2 / 457 ح 4493]. (المؤلف)
4- الریاض النضرة : 2 / 214 [3 / 166] ، تذکرة السبط : ص 17 [ص 28] ، شرح ابن أبی الحدید : 2 / 451 [9 / 172 خطبة 154]. (المؤلف)

ذکرها کقوله تعالی : (حَتَّی تَوارَتْ بِالْحِجابِ) (1). أراد الشمس ولا ذکر لها ، قال أبو عبید : وأنا أختار هذا التفسیر الأخیر علی الأوّل.

قالوا : ویروی عن علیّ رضی الله عنه ، وذلک أنّه ذکر ذا القرنین فقال : «دعا قومه إلی عبادة الله تعالی فضربوه علی قرنه ضربتین وفیکم مثله». فنری أنّه أراد نفسه ، یعنی : أدعو إلی الحقّ حتی یُضرب رأسی ضربتین یکون فیهما قتلی. أو ذو جبلیها الحسن والحسین - سبطی الرسول - رضی الله عنهما روی ذلک عن ثعلب. أو ذو شجنتین فی قرنی رأسه إحداهما من عمرو بن عبد ودّ یوم الخندق ، والثانیة من ابن ملجم لعنه الله. قال أبو عبید : وهذا أصحّ ما قیل (2) انتهی.

وبعد خفاء ما فی الکتاب والسنّة علی الخلیفة لا یسعنا أن نؤاخذه بالجهل بشعر رجالات الجاهلیة ، وقد ذُکر ذو القرنین فی شعر امرئ القیس ، وأوس بن حجر ، وطرفة بن العبد ، وقال الأعشی بن ثعلبة :

والصعبُ ذو القرنین أمسی ثاویاً

بالحنو فی جدثٍ هناک مقیم

وقال الربیع بن ضُبیع :

والصعبُ ذو القرنین عمّر ملکه

ألفین أمسی بعد ذاک رمیما

وقال قُس بن ساعدة :

والصعبُ ذو القرنین أصبح ثاویاً

باللحد بین ملاعبِ الأریاحف)

ص: 444


1- سورة ص : 32.
2- نوادر الأُصول للحکیم الترمذی : ص 307 [2 / 187 الأصل 241] ، مستدرک الحاکم : 3 / 123 [3 / 133 ح 4623] ، الریاض النضرة : 2 / 210 [3 / 161] ، النهایة لابن الأثیر : 3 / 278 [4 / 51] ، لسان العرب : 17 / 210 [11 / 136] ، قاموس اللغة : 4 / 258 [ص 1579] ، تاج العروس : 9 / 307 ، کنز العمّال : 1 / 254 [2 / 456 - 457 ح 4491 - 4493]. (المؤلف)

وقال تبّع الحمیری :

قد کان ذو القرنین قبلی مسلماً

ملکاً تدین له الملوکُ وتحشد

بلغ المشارقَ والمغاربَ یبتغی

أسبابَ أمرٍ من حکیمٍ مرشد

فرأی مغیبَ الشمسِ عند غروبها

فی عینِ ذی خُلب وثأطٍ حرمد

من بعده بلقیس کانت عمّتی

مَلَکَتْهمُ حتی أتاها الهدهد

وقال النعمان بن بشیر الصحابیّ الأنصاریّ :

ومن ذا یعادینا من الناس معشر

کرام وذو القرنین منّا وحاتم

ثمّ ما المانع عن التسمّی بأسماء الملائکة؟ وما أکثر من سُمّی بأسماء أفضل الملائکة کجبرئیل ، ومیکائیل ، وإسرافیل؟ فإنّها بالعبرانیّة وترجمتها بالعربیة عبد الله وعبید الله وعبد الرحمن کما فیما أخرجه ابن حجر (1) ، وفی صحیح البخاری عن عکرمة أنّ جبر ، ومیک ، وسراف : عبد. وإیل : الله (2). وقد ورد فی الصحیح : «إنّ أحبّ الأسماء إلی الله تعالی عبد الله وعبد الرحمن» (3) ولا وازع إذا وقعت التسمیة بتلکم الألفاظ العبرانیّة أیضاً.

8 - حسبانه أنّ فی إطعام الطعام سرفاً فی المال ، فأفحمه صهیب بقول رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فیه ، وجاء عنه صلی الله علیه وآله وسلم : «یا أیّها الناس أفشوا السلام ، وأطعموا الطعام وصلوا الأرحام».

وعن عبد الله بن عمرو : أنّ رجلاً سأل رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فقال : یا رسول الله أیّ ف)

ص: 445


1- الإصابة : 2 / 399 رقم 5126.
2- صحیح البخاری ، باب من کان عدوّا لجبریل ، فی کتاب التفسیر : [4 / 1628 ح 4210] ، صحیح الترمذی : 1 / 340 [5 / 121 ح 2833 ، 2834] ، فتح الباری : 8 / 134 [8 / 165]. (المؤلف)
3- أخرجه أحمد [فی المسند : 5 / 456 ح 18553] ، وابن حبّان فی صحیحه : [13 / 142 ح 5828] کما فی الإصابة : 2 / 399 [رقم 5126]. (المؤلف)

الإسلام خیر؟ قال : «تطعم الطعام ، وتقرأ السلام علی من عرفت ومن لم تعرف» (1).

وأخرج الخطیب فی تاریخه (4 / 212) من طریق ابن عمر قوله صلی الله علیه وآله وسلم : «أفشوا السلام ، وأطعموا الطعام ، وکونوا عباداً کما وصفکم الله عزّ وجلّ».

9 - أخذه صهیباً بالتکنیة ولیس له ولد ولم یکن هذا من شرطها ، هذا عبد الله ابن مسعود کنّاه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أبا عبد الرحمن قبل أن یولد له. کما فی المستدرک (2) (3 / 313).

وهذا محمد بن طلحة کنّاه صلی الله علیه وآله وسلم أبا القاسم وهو رضیع. وهذا أخو أنس بن مالک بین عینیه کنّاه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بأبی عمیر وکان صغیراً لم یبلغ الحلم ، وهذا أنس کنّاه صلی الله علیه وآله وسلم أبا حمزة ولا حمزة له ، وهذه نساء النبیّ کلّها کانت تکنّی غیر عائشة فکنّاها النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم بأُمّ عبد الله ، وغیر واحد منهنّ لم یکن لها ولد.

راجع (3) صحیحی البخاری ومسلم ، وسنن البیهقی (9 / 310) ، ومصابیح السنّة (2 / 149) ، وزاد المعاد (1 / 261) ، والاستیعاب ، وأُسد الغابة ، والإصابة.

- 97 -

حدُّ الخلیفة ابنه بعد الحدِّ

عن عبد الله بن عمر ، قال : شرب أخی عبد الرحمن بن عمر وشرب معه 1.

ص: 446


1- سنن ابن ماجة : 2 / 399 [2 / 1218 ح 3694] ، تاریخ الخطیب : 8 / 169 [رقم 4279] ، زاد المعاد لابن القیّم : 1 / 277 [2 / 22] ، قال : ثبت عنه فی الصحیحین [البخاری : 1 / 19 ح 28 ، ومسلم : 1 / 95 ح 63 کتاب الإیمان]. (المؤلف)
2- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 354 ح 5366.
3- صحیح البخاری : 5 / 2291 ح 5850 ، صحیح مسلم : 4 / 358 ح 30 کتاب الآداب ، مصابیح السنّة : 3 / 307 ح 3707 ، زاد المعاد : 2 / 7 و 9 ، الاستیعاب : القسم الرابع / 1882 رقم 4029 ، أُسد الغابة : 1 / 151 رقم 258 ، الإصابة : 3 / 376 رقم 7781.

أبو سروعة عقبة بن الحارث ونحن بمصر فی خلافة عمر بن الخطّاب رضی الله عنه فسکرا ، فلمّا صَحَوا انطلقا إلی عمرو بن العاص وهو أمیر مصر فقالا : طهّرنا فإنّا قد سکرنا من شراب شربناه. قال عبد الله بن عمر : فلم أشعر أنّهما أتیا عمرو بن العاص ، قال : فذکر لی أخی أنّه قد سکر. فقلت له : ادخل الدار أُطهّرک. قال : إنّه قد حدّث الأمیر ، قال عبد الله : فقلت : والله لا تُحلَق الیوم علی رءوس الناس ، ادخل أحلقک. وکانوا إذ ذاک یحلقون مع الحدّ ، فدخل معی الدار ، قال عبد الله : فحلقت أخی بیدی ثمّ جلدهما عمرو بن العاص ، فسمع عمر بن الخطّاب رضی الله عنه بذلک فکتب إلی عمرو : أن ابعث إلیَّ عبد الرحمن بن عمر علی قتب ، ففعل ذلک عمرو. فلمّا قدم عبد الرحمن علی عمر رضی الله عنه جلده وعاقبه من أجل مکانه منه ، ثمّ أرسله فلبث أشهراً صحیحاً ثمّ أصابه قدره ، فیحسب عامّة الناس أنّه مات من جلد عمر ولم یمت من جلده.

عن عمرو بن العاص - فی حدیث - قال قائل : هذا عبد الرحمن بن عمر وأبو سروعة علی الباب یستأذنان ، فقلت : یدخلان. فدخلا وهما منکسران فقالا : أقم علینا حدّ الله فإنّا قد أصبنا البارحة شراباً فسکرنا ، قال : فزبرتهما وطردتهما ، فقال عبد الرحمن : إن لم تفعل أخبرت أبی إذا قدمت. قال : فحضرنی رأی وعلمت أنّی إن لم أُقم علیهما الحدّ غضب علیَّ عمر فی ذلک وعزلنی وخالفه ما صنعت ، فنحن علی ما نحن علیه إذ دخل عبد الله بن عمر ، فقمت إلیه فرحّبت به وأردت أن أجلسه فی صدر مجلسی فأبی علیَّ ، وقال : أبی نهانی أن أدخل علیک إلاّ أن لا أجد من ذلک بدّا ، إنّ أخی لا یحلق علی رءوس الناس شیئاً ، فأمّا الضرب فاصنع ما بدا لک. قال : وکانوا یحلقون مع الحدِّ. قال : فأخرجتهما إلی صحن الدار فضربتهما الحدّ ، ودخل ابن عمر بأخیه إلی بیته من الدار فحلق رأسه ورأس أبی سروعة ، فو الله ما کتبت إلی عمر بشیء ممّا کان حتی إذا تحیّنت کتابه ، (وذکر فیه) : فإذا جاءک کتابی هذا فابعث بعبد الرحمن بن عمر فی عباءة علی قتب حتی یعرف سوء ما صنع. فبعث به کما قال أبوه ، وأقرأت ابن عمر کتاب أبیه ، وکتبت إلی عمر کتاباً أعتذر فیه وأخبره أنّی

ص: 447

ضربته فی صحن داری ، وبالله الذی لا یُحلف بأعظم منه إنّی لأُقیم الحدود فی صحن داری علی الذمّی والمسلم ، وبعث بالکتاب مع عبد الله بن عمر. قال أسلم : فقدم بعبد الرحمن علی أبیه ، فدخل علیه وعلیه عباءة ولا یستطیع المشی من مرکبه ، فقال : یا عبد الرحمن فعلت کذا وفعلت ، السیاط. فکلّمه عبد الرحمن بن عوف وقال : یا أمیر المؤمنین قد أُقیم علیه الحدُّ مرّة. فلم یلتفت إلی هذا عمر وزبره ، فجعل عبد الرحمن یصیح : أنا مریض وأنت قاتلی. فضربه الحدّ ثانیة وحبسه ثمّ مرض فمات رحمه الله.

ذکره (1) البیهقی فی السنن الکبری (8 / 312) ، وابن عبد ربّه فی العقد الفرید (3 / 470) ، والخطیب البغدادی فی تاریخه (5 / 455) ، وابن الجوزی فی سیرة عمر (ص 170) وفی طبعة (207) ، والمحبّ الطبری فی الریاض النضرة (2 / 32) ، والقسطلانی فی إرشاد الساری (9 / 439) وصحّحه.

وقال أبو عمر فی الاستیعاب (2) (2 / 394) : عبد الرحمن بن عمر الأوسط هو أبو شحمة ، وهو الذی ضربه عمرو بن العاص بمصر فی الخمر ، ثمّ حمله إلی المدینة ، فضربه أبوه أدب الوالد ، ثمّ مرض ومات بعد شهر ، هکذا یرویه معمر عن الزهری عن سالم عن أبیه ، وأمّا أهل العراق فیقولون : إنّه مات تحت سیاط عمر وذلک غلط ، وقال الزبیر : أقام علیه حدّ الشارب فمرض ومات.

وذکر ابن حجر فی الإصابة (3 / 72) کلام أبی عمر فقال : أخرج عبد الرزّاق القصّة مطوّلة عن معمر بالسند المذکور وهو صحیح.

وقال الطبری فی تاریخه (3) (4 / 150) ، وابن الأثیر فی الکامل (4) (2 / 207) ، وابن .

ص: 448


1- العقد الفرید : 6 / 265 ، تاریخ عمر بن الخطّاب : ص 213 ، الریاض النضرة : 2 / 301 ، إرشاد الساری : 14 / 216.
2- الاستیعاب : القسم الثانی / 842 رقم 1443.
3- تاریخ الأُمم والملوک : 3 / 597 حوادث سنة 13 ه.
4- الکامل فی التاریخ : 2 / 124 حوادث سنة 14 ه.

کثیر فی تاریخه (1) (7 / 48) : وفی هذه السنة - أی سنة (14) - ضرب عمر بن الخطّاب ابنه فی الشراب هو وجماعة فیه (2).

قال الأمینی : یقع الکلام علی هذه المسألة من شتّی النواحی ؛ فإنّ الحدّ کفّارة وطهور ، فلا یبقی معه علی المحدود بعد وزر یُحدّ علیه ثانیاً ، وقد ثبت ذلک فی السنّة الشریفة.

1 - عن خزیمة بن ثابت مرفوعاً : «من أُقیم علیه حدّ غفر له ذلک الذنب».

وفی لفظ آخر له : «من أصاب ذنباً فأُقیم علیه حدّ ذلک الذنب فهو کفّارته».

أخرجه أحمد فی مسنده (3) (5 / 214 ، 215) ، والدارمی فی سننه (2 / 182) ، والبیهقی فی سننه (8 / 328) ، والخطیب التبریزی فی المشکاة (4) (ص 308).

2 - عن عبادة بن الصامت مرفوعاً : «من أصاب منکم حدّا فعجّلت له عقوبته فهو کفّارته وإلاّ فأمره إلی الله».

وفی لفظ آخر له : «من أتی منکم حدّا ممّا نُهی عنه فأُقیم علیه الحدُّ فهو کفّارة له ، ومن أُخِّر عنه الحدّ فأمره إلی الله إن شاء عذّبه ، وإن شاء غفر له».

وفی لفظ ثالث له : «من أصاب من ذلک شیئاً فعوقب فهو کفّارة له».

راجع (5) صحیح البخاری (10 / 25) ، صحیح مسلم (2 / 39) ، صحیح الترمذی (1 / 271) ، 3.

ص: 449


1- البدایة والنهایة : 7 / 57 حوادث سنة 14 ه.
2- البدایة والنهایة : 7 / 57 حوادث سنة 14 ه. معه.
3- مسند أحمد : 6 / 280 ، 281 ح 21359 ، 21369.
4- مشکاة المصابیح : 2 / 325 ح 3628.
5- صحیح البخاری : 6 / 2490 ح 6402 ، صحیح مسلم : 3 / 540 ح 41 کتاب الحدود ، سنن الترمذی : 4 / 36 ح 1439 ، سنن ابن ماجة : 2 / 868 ح 2603.

مسند أبی داود (ص 79) ، سنن ابن ماجة (2 / 129) ، سنن البیهقی (8 / 328)

3 - وأخرج الشافعی فی حدیث مرفوعاً : «ما یدریک لعلّ الحدود نزلت کفّارةً للذنوب» سنن البیهقی (8 / 328).

4 - عن علیّ أمیر المؤمنین أنَّه قال : «من أتی شیئاً من حدٍّ فأُقیم علیه الحدّ فهو کفّارته» سنن البیهقی (8 / 329).

5 - عن عبد الرحمن بن أبی لیلی : إنّ علیّا رضی الله عنه أقام علی رجل حدّا فجعل الناس یسبّونه ویلعنونه ، فقال علیّ رضی الله عنه : «أمّا عن ذنبه هذا فلا یُسأل». سنن البیهقی (8 / 329).

6 - عن عبد الله بن معقل : إنّ علیّا رضی الله عنه ضرب رجلاً حدّا فزاده الجلاّد سوطین فأقاده منه علیّ رضی الله عنه. سنن البیهقی (8 / 322).

وإن کان الخلیفة یحسب أن حدّ عمرو بن العاص کان ملغیً لوقوعه فی صحن الدار ، فقد أخبره الرجل أنّ ذلک عادته الجاریة فی الحدود کلّها ، ولیس من شرط الحدّ أن یکون علی رءوس الأشهاد بل یُکتفی بضرب الحدّ سرّا کما عزاه القسطلانی فی إرشاده (1) (9 / 439) إلی الجمهور ، ولو صدق هذا الحسبان لوجب أن یحدّ أبا سروعة أیضاً فی القضیة وغیره ممّن حدّه عمرو بن العاص فی صحن داره.

ولو أراد بذلک تعزیراً أو تأدیباً کما اعتذر عنه البیهقی فی سننه (8 / 313) ، وأبو عمر کما مرّ ، والقسطلانی فی الإرشاد (9 / 439) فإنّه بعد مخالفته للفظ الحدیث من أنّه أقام علیه الحدّ ثانیاً زیادة لم تفوّض إلیه ، لما ذکرناه من أنّ الحدّ کفّارة ولا یُسأل بعده المحدود عن ذنبه فلا حدّ ولا تعزیر ، ولا بأس ولا تأدیب.

ثمّ إن صحّ التعزیر فإنّه لا یزید فی السنّة علی عشرة أسواط ، کما مرّ فی (ص 175) فلما ذا ساوی بینه وبین الحدّ؟ 6.

ص: 450


1- إرشاد الساری : 14 / 216.

وأعطف علی هذا أمره عمرو بن العاص بأن یبعث ولده علی قتب فی عباءة ، فدخل علیه ولم یستطع المشی من مرکبه ، فإنّ کلّ ذلک إیذاء درأه الحدُّ ولم یبحه الشرع.

ثمّ لما ذا لم یکن له مرتدع عن تأجیل ما ارتآه من الحدِّ الجدید بمرضه ولم یرجئه حتی یبرأ؟ وهو حکم المریض المحدود فی السنّة الشریفة.

وإن تعجب بعد ذلک کلّه فعجب قول ابن الجوزی فی سیرة عمر (1) ؛ من أنّه لا ینبغی أن یُظنّ بعبد الرحمن بن عمر أنّه شرب الخمر ، وإنّما شرب النبیذ متأوّلاً وظنّ أنّ ما شرب منه لا یسکر ، وکذلک أبو سروعة ، وأبو سروعة من أهل بدر ، فلمّا خرج بهما الأمر إلی السکر طلبا التطهیر بالحدّ ، وقد کان یکفیهما مجرّد الندم علی التفریط غیر أنّهما غضبا لله سبحانه علی أنفسهما المفرّطة فأسلماها إلی إقامة الحدّ ، وأمّا کون عمر أعاد الضرب علی ولده فلیس ذلک حدّا وإنّما ضربه غضباً وتأدیباً وإلاّ فالحدّ لا یکرّر. انتهی بلفظه.

وإن صحّت هذه المزعمة یُوجّه النقد إلی عمرو وعمر إن علما ذلک وإلی نفس المحدودین ، حیث عرضا أنفسهما علی الحدّ من دون أی موجب له ، وکان یکفیهما الندم کما حسبه ابن الجوزی ، والحقّ أنّه لا حاجة إلیه أیضاً لأنّهما لم یقترفا ذنباً بعد اعتقاد أنّه لا یسکر فلا توبة عنه ، وإن کان کامل الإیمان یتضجّر عن مثله. وعلی هذا فإنّهما لا یملکان لأنفسهما أن یعرضاها علی هذا الإیلام الشدید والإضرار المؤلم إن لم یکن ذلک تشریعاً. لکن من أین أتت ابن الجوزی هذه الرؤیا الصادقة؟ فأراد تبرئة الرجلین ممّا اجترحاه من السیّئة مع اعترافهما بذلک بکلِّ صراحة ، فألقاهما فی هوّة الإضرار بالنفس المحظور شرعاً ، والتشرّع فی الدین المحرّم ، والکذب الصراح الذی هو من الکبائر ، وألحق بمن أقام الحدّ أوّلاً تبعة إقامته من دون موجب له ، والغضب 5.

ص: 451


1- تاریخ عمر بن الخطّاب : ص 215.

الذی عزاه إلی الخلیفة فی حدّه الثانی سواء کانا شربا الخمر کما اعترفا به أو لم یشرباها علی ما تحمّله ابن الجوزی ، وشذّ به عن أئمّة الحدیث ورجال التاریخ ، وذلک واضح من هذا البیان الضافی.

- 98 -

جهل الخلیفة بما یقرأ یوم العید

عن عبید الله ، قال : خرج عمر رضی الله عنه یوم عید فأرسل إلی أبی واقد اللیثی : بأیّ شیء کان النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم یقرأ فی مثل هذا الیوم؟ فقال : بقاف واقتربت (1).

صحیح مسلم (1 / 242) ، سنن أبی داود (2 / 280) ، موطّأ مالک (1 / 147) ، سنن ابن ماجة (1 / 188) ، صحیح الترمذی (1 / 106) ، سنن النسائی (3 / 184) ، سنن البیهقی (3 / 294) واللفظ لابن ماجة.

قال الأمینی : هذه روایة صحیحة أخرجها الأئمّة فی الصحاح کما عرفت ، ورمیها بالإرسال بأنّ عبید الله بن عبد الله لم یدرک عمر مدفوع بأنّ الروایة فی صحیح مسلم عن عبید الله بن عبد الله عن أبی واقد ، ولا شکّ أنّ عبید الله أدرک أبا واقد ، وبهذا ردّ هذه الرمیة البیهقی والسندی والسیوطی وغیرهم.

فهلمّ معی نسائل الخلیفة عن أنّه لما ذا عزب عنه العلم بما کان یقرأه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی صلاة العیدین؟ أو کان ناسیاً له فأراد أن یستثبت کما اعتذر به السیوطی فی تنویر الحالک (2) (1 / 147)؟ أو أنّه ألهاه عنه الصفق فی الأسواق؟ کما 1.

ص: 452


1- صحیح مسلم : 2 / 288 ح 14 کتاب العیدین ، سنن أبی داود : 1 / 300 ح 1154 ، موطّأ مالک : 1 / 180 ح 8 ، سنن ابن ماجة : 1 / 408 ح 1282 ، سنن الترمذی : 2 / 415 ح 534 ، السنن الکبری للنسائی : 1 / 546 ح 1773.
2- تنویر الحوالک : 1 / 191.

اعتذر به هو فی غیر هذا المورد ، وقد تقدّم فی (ص 158) ویأتی بُعید هذا ووصفه به غیر واحد ، ویبعِّد النسیان أنّ حکماً مطّرداً کهذا یکرّر فی کلِّ عام مرّتین علی رءوس الأشهاد ومزدحم الجماهیر لا یُنسی عادةً.

وأمّا احتمال السیوطی الآخر من أنّه أراد إعلام الناس بذلک ، فکان من الممکن إعلامهم بهتاف نفسه هتافاً مسمعاً وعمله المستمر المتّبع فیه سنّة الرسول صلی الله علیه وآله وسلم ، فالحاجة غیر ماسّة إلی الإرسال والسؤال.

- 99 -

الخلیفة ومعانی الألفاظ

1 - عن عمر رضی الله عنه أنّه قال علی المنبر : ما تقولون فی قوله تعالی : (أَوْ یَأْخُذَهُمْ عَلی تَخَوُّفٍ) (1)؟ فسکتوا ، فقام شیخ من هذیل فقال : هذه لغتنا ، التخوّف : التنقّص.

قال : فهل تعرف العرب ذلک فی أشعارها؟ قال : نعم. قال شاعرنا - زهیر - أبو کبیر الهذلی یصف ناقةً تنقّص السیر سنامها بعد تمکه واکتنازه :

تخوّفَ الرحل منها تامکاً قرداً

کما تخوّف عود النبعة السفن (2)

فقال عمر : أیّها الناس علیکم بدیوانکم لا یضلّ. قالوا : وما دیواننا؟ قال : شعر الجاهلیّة فإنّ فیه تفسیر کتابکم ومعانی کلامکم.

راجع (3) تفسیر الکشّاف (2 / 165) ، تفسیر القرطبی (10 / 110) ، تفسیر البیضاوی (1 / 667). 5.

ص: 453


1- النحل : 47.
2- تمک السنام : طال وارتفع. القرد : المتراکم بعض لحمه فوق بعض. النبعة : شجرة من أشجار الجبال یتّخذ منها القسی. السفن : القشر. (المؤلف)
3- الکشّاف : 2 / 608 - 609 ، الجامع لأحکام القرآن : 10 / 73 ، تفسیر البیضاوی : 1 / 545.

2 - عن أبی الصلت الثقفی : أنّ عمر بن الخطّاب قرأ هذه الآیة : (وَمَنْ یُرِدْ أَنْ یُضِلَّهُ یَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَیِّقاً حَرَجاً) (1) - بنصب الراء - ، وقرأها بعض من عنده من أصحاب رسول الله حرِجاً بالخفض فقال : ائتونی رجلاً من کنانة واجعلوه راعیاً ولیکن مدلجیّا. فأتوا به ، فقال له عمر : یا فتی ما الحرجة؟ فقال : الحرجة فینا الشجرة تکون بین الأشجار لا تصل إلیها راعیة ولا وحشیة ولا شیء. فقال عمر رضی الله عنه : کذلک قلب المنافق لا یصل إلیه شیء من الخیر.

راجع (2) تفسیر ابن کثیر (2 / 175) ، تفسیر الخازن (2 / 53) ، الدرّ المنثور (3 / 45) ، کنز العمّال (1 / 285) نقلاً عن عبد بن حمید وابن جریر وابن المنذر وأبی الشیخ.

3 - عن عبد الله بن عمر ، قال : قرأ عمر بن الخطّاب هذه الآیة : (وَما جَعَلَ عَلَیْکُمْ فِی الدِّینِ مِنْ حَرَجٍ) (3) ، ثمّ قال : ادعو لی رجلاً من بنی مدلج ، قال عمر : ما الحرج فیکم؟ قال : الضیق. کنز العمّال (1 / 257) (4).

4 - أخرج الحاکم ، عن سعید بن المسیّب : أنّ عمر بن الخطّاب أتی علی هذه الآیة : (الَّذِینَ آمَنُوا وَلَمْ یَلْبِسُوا إِیمانَهُمْ بِظُلْمٍ) (5) ، فأتی أُبیّ بن کعب فسأله أیّنا لم یظلم؟ فقال له : یا أمیر المؤمنین إنّما ذاک الشرک ، أما سمعت قول لقمان لابنه : (یا بُنَیَّ لا تُشْرِکْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْکَ لَظُلْمٌ عَظِیمٌ)؟ المستدرک (6) (3 / 305).

إنّی أعذر الخلیفة إن عزب عنه علم الکتاب والسنّة أو تقاصر عن الحکم فی ن.

ص: 454


1- الأنعام : 125.
2- تفسیر الخازن : 2 / 51 ، الدرّ المنثور : 3 / 356 ، کنز العمّال : 2 / 596 ح 4820.
3- الحجّ : 78.
4- کنز العمّال : 2 / 470 ح 4523.
5- الأنعام : 82.
6- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 345 ح 5330. والآیة : 13 من سورة لقمان.

القضایا ، فإنّ الامتهان بالبرطشة (1) والصفق بالأسواق ، والاحتراف ببیع الخیط والقرظة (2) فی إملاق لا یحدوه إلاّ إلی تحرّی لماظة یقتات بها ألهته عن العلوم ، لکن لا أعذره علی عدم معرفته باللغة وهی لغته تلوکها أشداقه فی آناء اللیل وأطراف النهار.

- 100 -

رأی الخلیفة فی صوم الدهر

عن أبی عمر الشیبانی ، قال : خُبّر عمر بن الخطّاب رضوان الله علیه برجل یصوم الدهر فجعل یضربه بمخفقته (3) ویقول : کل یا دهر [کل] یا دهر (4).

قال الأمینی : لقد أربکنی الموقف فلا أدری علی أیّ النقلین ألقی ثقتی؟ أعلی روایة ابن الجوزی هذه من حدیث المخفقة؟ أم علی نقله الآخر فی سیرة عمر (5) (ص 146) من أنّه کان یصوم الدهر. وروی الطبری وجعفر الفریابی فی السنن وحکی عنهما السیوطی فی جمع الجوامع کما فی ترتیبه (6) (4 / 332) من أنّه کان یسرد الصیام ، وفی سنن البیهقی (4 / 301) : أنّ عمر بن الخطّاب قد کان یسرد الصیام قبل أن یموت ، وسرد عبد الله بن عمر فی آخر زمانه ، وذکره ابن کثیر فی تاریخه (7) (7 / 135) ، ورواه .

ص: 455


1- راجع النهایة : 1 / 78 [1 / 119] ، قاموس اللغة [القاموس المحیط : ص 754] ، تاج العروس : 4 / 721 ، وقال : هو الذی یکتری للناس الإبل والحمیر ویأخذ علیه جعلاً. (المؤلف)
2- راجع صحیفة : 158 ، 303 ، 306. (المؤلف)
3- المخفقة : الدرّة التی یضرب بها. (المؤلف)
4- سیرة عمر لابن الجوزی : ص 174 [ص 179 والزیادة منه]. (المؤلف)
5- تاریخ عمر بن الخطّاب : ص 153.
6- کنز العمّال : 8 / 619 ح 24417.
7- البدایة والنهایة : 7 / 152 حوادث سنة 23 ه.

المحبّ الطبری فی الریاض (1) (2 / 38) واستدلّ به علی أنّ سرد الصوم أفضل من صوم یوم وفطر یوم.

ولیس هناک نهی عن ذلک فی السنّة الشریفة ، وما یشعر بظاهره النهی عنه مثل قوله صلی الله علیه وآله وسلم : «لا صام من صام الأبد». وقوله : «من صام الأبد فلا صام ولا أفطر». فهو منزّل علی صوم الأبد المستلزم لصوم الأیّام المحرّم صومها أو علی صورتی إیجابه الضعف أو تفویت الحقّ ، وبدون هذه لا نهی عنه کما فی صحیح مسلم (2) (1 / 319) ، وسنن البیهقی (4 / 299) ، وکثیر من کتب الفقه وشروح مجامع الحدیث. وأخرج ابن جریر عن أُمّ کلثوم قالت : قیل لعائشة : تصومین الدهر وقد نهی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم عن صیام الدهر؟ قالت : نعم ؛ سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ینهی عن صیام الدهر ، ولکن من أفطر یوم الفطر ویوم النحر فلم یصم الدهر (3).

وقال النووی فی شرح صحیح مسلم (4) - هامش الإرشاد (5 / 51) : وفی هذه الروایات المذکورة فی الباب النهی عن صیام الدهر ، واختلف العلماء فیه ، فذهب أهل الظاهر إلی منع صیام الدهر نظراً لظواهر هذه الأحادیث ، قال القاضی وغیره : وذهب جماهیر العلماء إلی جوازه إذا لم یصم الأیّام المنهیّ عنها وهی العیدان والتشریق ، ومذهب الشافعی وأصحابه أنّ سرد الصیام إذا أفطر العیدین والتشریق لا کراهة فیه بل هو مستحب بشرط أن لا یلحقه به ضرر ولا یفوّت حقّا ، فإن تضرّر أو فوّت حقّا فمکروه ، واستدلّوا بحدیث حمزة بن عمرو وقد رواه البخاری ومسلم أنّه قال : یا رسول الله إنّی أسرد الصوم أفأصوم فی السفر؟ فقال : «إن شئت فصم». وهذا لفظ 2.

ص: 456


1- الریاض النضرة : 2 / 309.
2- صحیح مسلم : 2 / 517 ح 186 و 187 کتاب الصیام.
3- کنز العمّال : 4 / 334 [8 / 627 ح 24451 نقلاً عن تهذیب الآثار للطبری : 1 / 315 ح 507 مسند عمر بن الخطّاب]. (المؤلف)
4- شرح صحیح مسلم : 8 / 40 - 42.

روایة مسلم فأقرّه صلی الله علیه وآله وسلم علی سرد الصیام ، ولو کان مکروهاً لم یقرّه لا سیّما فی السفر ، وقد ثبت عن ابن عمر بن الخطّاب أنّه کان یسرد الصیام ، وکذلک أبو طلحة وعائشة وخلائق من السلف قد ذکرت منهم جماعة فی شرح المهذّب فی باب صوم التطوّع وأجابوا عن حدیث «لا صام من صام الأبد» بأجوبة أحدها : أنّه محمول علی حقیقته بأن یصوم معه العیدین والتشریق ، وبهذا أجابت عائشة.

والثانی : أنّه محمول علی من تضرّر به أو فوّت به حقّا ، ویؤیّده قول رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «فإنّک لا تستطیع ذلک فصم وأفطر ونَم وقم ، وصم من الشهر ثلاثة أیّام فإنّ الحسنة بعشر أمثالها وذلک مثل صیام الدهر». والنهی کان خطاباً لعبد الله بن عمرو بن العاص ، وقد ذکر مسلم عنه أنّه عجز فی آخر عمره وندم علی کونه لم یقبل الرخصة ، قالوا : فنهی ابن عمرو وکان لعلمه بأنّه سیعجز ، وأقرّ حمزة بن عمرو لعلمه بقدرته بلا ضرر.

والثالث : أنّ معنی «لا صام» أنّه یجد من مشقّته ما یجدها غیره ، فیکون خبراً لا دعاءً. إلی آخره.

وقال فی شرح حدیث : «صم یوماً وأفطر یوماً» : اختلف العلماء فیه ؛ فقال المتولّی من أصحابنا وغیره من العلماء : هو أفضل من السرد لظاهر هذا الحدیث. وفی کلام غیره إشارة إلی تفضیل السرد ، وتخصیص هذا الحدیث بعبد الله بن عمرو ومن فی معناه ، وتقدیره لا أفضل من هذا فی حقّک ، ویؤیّد هذا أنّه صلی الله علیه وآله وسلم لم ینهَ حمزة بن عمرو عن السرد وأرشده إلی یوم ویوم ، ولو کان أفضل فی حقّ کلّ الناس لأرشده إلیه وبیّنه له ، فإنّ تأخیر البیان عن وقت الحاجة لا یجوز. والله أعلم.

والباحث یجد کثیراً من هذه الکلمات فی غضون التآلیف لأئمّة الفقه وشرّاح الحدیث ، وممّن یؤثر عنه صوم الدهر :

ص: 457

1 - عثمان بن عفّان : المقتول (35). الاستیعاب (1) (2 / 477).

2 - عبد الله بن مالک الأزدی : المتوفّی (56 ، 59). البدایة والنهایة (2) (8 / 99) ، الإصابة (6 / 364).

3 - أسود بن یزید النخعی : المتوفّی (75). البدایة والنهایة (3) (9 / 12).

4 - أبو بکر بن عبد الرحمن القرشی : المتوفّی (94). البدایة والنهایة (4) (9 / 116).

5 - الفقیه أبو خالد مسلم المخزومی : المتوفّی (108). طبقات الحفّاظ (5) (1 / 235).

6 - سعد بن إبراهیم المدنی : المتوفّی (125). خلاصة التهذیب (113) ، شذرات الذهب (1 / 173) (6).

7 - وکیع بن الجرّاح : المتوفّی (196). تاریخ بغداد (13 / 501) ، طبقات الحفّاظ (7) (1 / 282).

8 - مصعب بن عبد الله بن الزبیر : المتوفّی (233). میزان الاعتدال (8) (3 / 172).

9 - محمد بن علی أبو العبّاس الکرخی : المتوفّی (343). المنتظم (9) (6 / 376). 8.

ص: 458


1- الاستیعاب : القسم الثالث / 43. 1 رقم 1778.
2- البدایة والنهایة : 8 / 107 حوادث سنة 59 ه.
3- البدایة والنهایة : 9 / 17 حوادث سنة 75 ه.
4- البدایة والنهایة : 9 / 135 حوادث سنة 94 ه.
5- تذکرة الحفّاظ : 1 / 255 رقم 241.
6- خلاصة الخزرجی : 1 / 367 رقم 2371 ، شذرات الذهب : 2 / 119 حوادث سنة 127 ه.
7- تذکرة الحفّاظ : 1 / 307 رقم 284.
8- میزان الاعتدال : 4 / 119 رقم 8558.
9- المنتظم : 14 / 96 رقم 2548.

10 - أبو بکر النجاد ، شیخ الحنابلة بالعراق : المتوفّی (348). المنتظم (6 / 390) ، البدایة والنهایة (11 / 234) (1).

11 - أحمد بن إبراهیم النیسابوری : المتوفّی (386). البدایة والنهایة (2) (11 / 319).

12 - أبو القاسم عبد الله بن أحمد الحربی : المتوفّی (412). تاریخ بغداد (3) (10 / 382) ، المنتظم (4) (8 / 4).

13 - أبو الفرج المعدّل أحمد بن محمد : المتوفّی (415). تاریخ بغداد (5 / 67) ، البدایة والنهایة (12 / 18) ، المنتظم (8 / 17) (5).

14 - أبو العبّاس أحمد الأبیوردی : المتوفّی (425). تاریخ بغداد (5 / 51).

15 - أبو عبد الله الصوری محمد بن علیّ : المتوفّی (441). تاریخ بغداد (3 / 103) ، المنتظم (6) (8 / 143).

16 - عبد الملک بن الحسن : المتوفّی (472). البدایة والنهایة (7) (12 / 120)

17 - أبو البرکات یحیی الأنباری : المتوفّی (552). البدایة والنهایة (8) (12 / 237).

18 - الحافظ عبد الغنی المقدسی : المتوفّی (600). البدایة والنهایة (9)(13/ 39). .

ص: 459


1- المنتظم : 14 / 119 رقم 2586 ، البدایة والنهایة : 11 / 266 حوادث سنة 348 ه
2- البدایة والنهایة : 11 / 365 حوادث سنة 386 ه
3- وفیه : عبید الله ، بدلاً من : عبد الله.
4- المنتظم : 15 / 147 رقم 3099 وفیه : محمد بن عمر ، بدلاً من : عبد الله بن أحمد.
5- البدایة والنهایة : 12 / 22 حوادث سنة 415 ه ، المنتظم : 15 / 164 رقم 3123.
6- المنتظم : 15 / 322 رقم 3293.
7- البدایة والنهایة : 12 / 147 حوادث سنة 472 ه.
8- البدایة والنهایة : 12 / 296 حوادث سنة 552 ه.
9- البدایة والنهایة : 13 / 47 حوادث سنة 600 ه.

19 - الفقیه محمود البغدادی الحنبلی : المتوفّی (609). شذرات الذهب (1) (5 / 39).

20 - الشیخ محیی الدین النووی : المتوفّی (677). البدایة والنهایة (2) (13 / 279).

21 - عبد العزیز بن دنف (3) الحنبلی البغدادی ، شذرات الذهب (4) (5 / 184)

ولیس هذا الإصفاق منهم إلاّ لما عرفوه من جوازه فی شرع الإسلام ، هذا کلّه ولکن للمخفقة شأنها ، وللخلیفة اجتهاده ، ولعلّه کان یری اختصاص هذا الحکم به من دون الناس وإلاّ فما وجه ضرب الرجل المتعبّد بالمخفقة؟

(إِنَّ هذا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُ) (5) ، (وَلَقَدْ جِئْناهُمْ بِکِتابٍ فَصَّلْناهُ عَلی عِلْمٍ) (6)

(وَما لَهُمْ بِذلِکَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ یَظُنُّونَ) (7) ، (إِنَّ الظَّنَّ لا یُغْنِی مِنَ الْحَقِّ شَیْئاً) (8)6.

ص: 460


1- شذرات الذهب : 7 / 72 حوادث سنة 609 ه.
2- البدایة والنهایة : 13 / 326 حوادث سنة 676 ه.
3- کذا فی الطبعة التی اعتمدها المؤلف من الشذرات ، وأمّا المصادر الأخری - فضلاً عن طبعة الشذرات المعتمدة لدینا - ففیها جمیعاً : عبد العزیز بن دُلف.
4- شذرات الذهب : 7 / 323 حوادث سنة 637 ه.
5- آل عمران : 62.
6- الأعراف : 52.
7- الجاثیة : 24.
8- یونس : 36.

نتاج البحث

اشارة

هذا قلیل من کثیر ممّا وقفنا علیه من نوادر الأثر فی علم عمر ، وبوسعنا الآن أن نأتی بأضعاف ما سردناه لکنّا نقتصر علی هذا رعایة لمقتضی الحال ، وعندنا لمّة جمّة نقدّمها بین یدی القارئ فی مستقبل الأجزاء إن شاء الله تعالی ، والذی تلخّص من هذا البحث الضافی أُمور :

1 - أنّ الخلیفة أخذ العلم عن أُناس من الصحابة حیث کان یفقد ما عندهم من الفقه ، وفیهم من لم یُعرف بالعلم ، وهم :

1 - عبد الرحمن بن عوف.

10 - أبو موسی الاشعری

2 - معاذ بن جبل.

11 - ابو سعید الخدری

3 - عبد الله بن العبّاس.

12 ابی بن کعب

4 - زید بن ثابت.

13 - صهیب أبو یحیی.

5 - عمّار بن یاسر.

14 - الضحّاک بن سفیان.

6 - أبو عبیدة [بن] الجرّاح.

15 - حمل بن نابغة.

7 - عبد الله بن مسعود.

16 - عبد الله بن عمرو بن العاص.

8 - مغیرة بن شعبة

17 - أبو واقد اللیثی.

9 - محمد بن مسلمة

18 - امرأة من قریش.

ص: 461

19 - شابّ من فتیان الأنصار.

22

- عجوز مدنیّة.

20

- رجل لا یُعرف.

23

- شیخ من هذیل.

21

- عبد أسود.

24

- رجل من بنی مدلج.

25 - رجل شامی.

وقبل هؤلاء کلّهم مولانا أمیر المؤمنین علیّ صلوات الله علیه ، وأخذ الخلیفة عنه أکثر من غیره کما عرفت شطراً من ذلک ، وهناک أشطار کثیرة لم تذکر بعدُ ، ولهذا أکثر من قوله : لو لا علیّ لهلک عمر.

وقوله : لو لا علیّ لضلّ عمر. تمهید الباقلانیّ (ص 199).

وقوله : اللهمّ لا تُبقِنی لمعضلة لیس لها ابن أبی طالب.

وقوله : لا أبقانی الله بأرض لست فیها یا أبا الحسن.

وقوله : اللهمّ لا تنزل بی شدیدة إلاّ وأبو حسن إلی جنبی.

وقوله : کاد یهلک ابن الخطّاب لو لا علیّ بن أبی طالب.

وقوله : أعوذ بالله من معضلة لا علیّ بها.

وقوله : عجزت النساء أن تلدن مثل علیِّ بن أبی طالب ، لو لا علیّ لهلک عمر.

وقوله : ردّوا قول عمر إلی علیّ ، لو لا علیّ لهلک عمر.

وقوله : لا أبقانی الله بعد ابن أبی طالب.

وقوله : یا أبا الحسن ، أنت لکلِّ معضلة وشدّة تُدعی.

وقوله : هل طفحت حرّة بمثله وأبرعته؟!

وقوله : هیهات هناک شجنة من بنی هاشم ، وشجنة من الرسول ، وأثرة من علم یُؤتی لها ولا یأتی ، وفی بیته یؤتی الحکم.

وقوله : أبا حسن ، لا أبقانی الله لشدّة لست لها ، ولا فی بلد لست فیه.

ص: 462

وقوله : یا ابن أبی طالب فما زلت کاشف کلّ شبهة ، وموضح کلِّ حکم.

وقوله : لولاک لافتضحنا.

وقوله : أعوذ بالله من معضلة لیس لها أبو الحسن.

وقوله مشیراً إلی علیّ : هذا أعلم بنبیّنا وبکتاب نبیّنا. مرّ تفصیل هذه کلّها.

ولکثرة حاجته إلی علم الصحابة ، وتقویمهم أودَهُ فی مواقف لا تحصی فی القضاء والفتیا ، کان یستفتی کبار الصحابة ویراجعهم ویستشیرهم فی الأحکام ، وکان یعرب عن جلیّة الحال بحقّ المقال من قوله : کلّ أحد أفقه من عمر.

وقوله : تسمعوننی أقول مثل القول فلا تنکرونه حتی تردَّ علیّ امرأة لیست من أعلم النساء.

وقوله : کلّ أحد أعلم من عمر.

وقوله : کلّ الناس أفقه منک یا عمر.

وقوله : کلّ الناس أفقه من عمر حتی ربّات الحجال.

وقوله : کلّ الناس أفقه من عمر حتی المخدّرات فی البیوت.

وقوله : کلّ الناس أعلم منک یا عمر.

وقوله : کلّ واحد أفقه منک حتی العجائز یا عمر.

وقوله : کلّ أحد أفقه منّی. مرّ تفصیل هذه کلّها فی نوادر الأثر.

إنّ الأخذ بمجامع تلکم الأحادیث من النوادر المذکورة ومئات من أمثالها ، یعطینا خبراً بأنّ الخلیفة لم یک متحلّیاً بما أوجبته أعلام الأُمّة فی الإمامة من الاجتهاد. قال إمام الحرمین الجوینی فی الإرشاد إلی قواطع الأدلّة فی أُصول الاعتقاد (1) (ص 426) : من شرائط الإمام أن یکون من أهل الاجتهاد بحیث لا یحتاج إلی استفتاء 8.

ص: 463


1- کتاب الإرشاد : ص 358.

غیره فی الحوادث ، وهذا متّفق علیه. انتهی.

فأین یقع من هذا الشرط بعد إصفاق الأُمّة علیه رجل لم یُعطَ بسطة من العلم ولم یک ما کان یعلمه یغنیه عن الناس ، وإنّما الأُمّة کانت فی غنیً عن ثری علمه ، وحدیث استفتاء غیره ملأ کتب الحدیث والسنن ، وشحن معاجم التاریخ والسیر ، (فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ) (1).

وبما ذکرناه کلّه تعرف قیمة قول ابن حزم الأندلسی فی کتابه الفصل (2) : علم کلّ ذی حسّ علماً ضروریاً ، أنّ الذی کان عند عمر من العلم أضعاف ما کان عند علیّ من العلم إلی آخر کلامه المذکور فی الجزء الثالث من کتابنا هذا (ص 95).

وقول ابن تیمیّة فی منهاج السنّة (3 / 128) : وقد جمع الناس الأقضیة والفتاوی المنقولة عن أبی بکر وعمر وعثمان وعلیّ فوجدوا أصوبها وأدلّها علی علم صاحبها أُمور أبی بکر ثمّ عمر ، ولهذا کان ما یوجد من الأُمور التی وجد نصّ یخالفها عن عمر أقلّ ممّا وجد من علیّ ، وأمّا أبو بکر فلا یکاد یوجد نصّ یخالفه.

فقال : ولم یکن أبو بکر ولا عمر ولا غیرهما من أکابر الصحابة یخصّان علیّا بسؤال ، والمعروف أنّ علیّا أخذ العلم عن أبی بکر ، کما فی السنن عن علیّ ، قال : کنت إذا سمعت عن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم حدیثاً نفعنی الله به ما شاء أن ینفعنی ، وإذا حدّثنی غیره حدیثاً استحلفته ، فإذا حلف لی صدّقته ، وحدّثنی أبو بکر وصدق أبو بکر ، قال : سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول : «ما من عبد مؤمن یذنب ذنباً فیحسن الطهور ثمّ یقوم فیصلّی ثمّ یستغفر الله إلاّ غفر الله له». انتهی.

وعجیب أنّ الرجل یموّه علی نفسه ویحسب أنّ ذلک ینطلی علی غیره أیضاً ، أو 8.

ص: 464


1- یونس : 32.
2- الفِصَل فی الملل والنحل : 4 / 138.

هل فی الحدیث المذکور - بعد فرض صحّته وقد زیّفه غیر واحد من الحفّاظ (1) - غیر أنّ أمیر المؤمنین علیه السلام کان یثق بروایة أبی بکر وأین هو عن أخذ العلم عنه؟ وهل علمه صلوات الله علیه مقصور علی هذا الحدیث الوارد فی أدب من آداب الشریعة فحسب؟ وهل یبتنی علیه شیء من أقضیته وفتاواه ، وما حلّه من عویصات المسائل فی الفرائض والأحکام؟ وهل جهل علیه السلام موقع هذا الحدیث فعلمه أبو بکر؟ أو جهل شیئاً ممّا یبتنی علیه فسدّده هو کما وقع کلّ ذلک فیما سردناه من نوادر الأثر؟ والمحتمل أنّ تصدیقه علیه السلام أبا بکر فی روایته هذه لأنّه علیه السلام کان سمعها عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم نفسه فلم یُلغِ الواسطة إذن لضرب من المصلحة ، وکیف یأخذ أمیر المؤمنین العلم من أبی بکر وهو باب مدینة علم الرسول؟ کما أسلفناه (ص 61 - 81) ، وهو وارث علومه وحکمه کما مرّ فی الجزء الثالث (ص 100) هذا لا یکون مهما هملج ابن تیمیّة فی ترکاضه ، وهو یدّعی شیخوخة الإسلام ، وعلی هذا فقس بقیّة ما افتعله فی کلامه هذا. وبعد ابنی حزم وتیمیّة قول صاحب الوشیعة المذکور (ص 82).

2 - وتعرف أیضاً بما ذکرناه قیمة تأوّل القوم للصحیحة المرویّة عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم من قوله : «علیکم بسنّتی وسنّة الخلفاء الراشدین المهدیّین فتمسّکوا بها ، وعضّوا علیها النواجذ ، وإیّاکم ومحدثات الأُمور فإنّ کلّ محدثة بدعة وکلّ بدعة ضلالة» (2) حیث نزّلوه علی من تسنّم عرش الخلافة من بعده صلی الله علیه وآله وسلم بالاختیار وبنصّ أبی بکر بعده وبالشوری ، ولم یسعهم إلاّ أن یذکروا علیّا أمیر المؤمنین معهم ، إذ لیس من المعقول أن یأمر صلی الله علیه وآله وسلم باتّباع سیرة من لا سیرة له إلاّ الأخذ من أفواه الرجال فی الفقه والکتاب والسنّة أو الفتیا برأیه ، قائلاً : إنّی سأقول فیها برأیی فإن یک صواباً فمن ف)

ص: 465


1- راجع تهذیب التهذیب : 1 / 268 [1 / 234]. (المؤلف)
2- راجع سنن ابن ماجة : 1 / 20 [1 / 15 ح 42] ، سنن أبی داود : 2 / 261 [4 / 200 ح 4607] ، سنن الدارمی : 1 / 45 ، مستدرک الحاکم : 1 / 96 [1 / 175 ح 329]. (المؤلف)

الله ، وإن یک خطأً فمنّی ومن الشیطان (1). إذن لأمر صلی الله علیه وآله وسلم باتّباع سیر الناس والرأی المجرّد فی دین الله. ولیس هذا کالأمر باتّباع المجتهدین الذین یستنبطون الفتیا ممّا عرفوه من کتاب وسنّة وإجماع أو فقل من قیاس ؛ فإنّ المجتهد یستنبط کما قلناه ممّا عرف ، والذی لا یعرف شیئاً ، ولم یحر جواباً عن واضحات المسائل ، وقد یحلف بأنّه ما یدری ما یصنع (2) ، وتعزب عنه المسائل المطّردة مع کثرة الابتلاء بها : کالتیمّم ، والشکوک ، والغسل ، وفروع الصلاة ، والصوم ، والحجّ ، وأمثالها لا یمکن أن یکون متبعاً للأُمّة وأن تعطیه الخلافة قیادها.

علی أنّ العلماء خالفوا سنّة عمر فی موارد أسلفناها لمضادّة النصّ النبویّ لها ، ولو صحّ هذا التأویل لکانت مناقضة بین الحدیث وبین النصوص المضادّة لفتیا عمر التی أوجبت إعراض العلماء عن قوله ، وکذلک بین شطری هذا الحدیث نفسه وهما : قوله صلی الله علیه وآله وسلم : «علیکم بسنّتی وسنّة الخلفاء بعدی». والمفروض أنّ سنّته صلی الله علیه وآله وسلم تخالف فی الجملة سنّة الرجل.

والصحیح من معنی الحدیث أنّه صلی الله علیه وآله وسلم لم یرد من الخلفاء إلاّ الذین لم یزل ینصّ بهم بأسمائهم ، وجعلهم أعدال القرآن الکریم فی قوله : «إنّی تارک فیکم الخلیفتین ، أو مخلِّف فیکم الثقلین : کتاب الله وعترتی أهل بیتی لن یفترقا حتی یردا علیَّ الحوض» (3).

کما یقتضیه لام العهد وقد وصفهم بالرشد والهدی ، وهم الذین طابقت سیرتهم سیرته حَذو القذّة بالقذّة ، لا الذین لم یعرفهم بعد ولا نصبهم ولا أوصی إلیهم ولا بهم ، ولا یذکر صلی الله علیه وآله وسلم هناک عدداً ینطبق علیهم ، وإنّما ذکر أوصافاً لا تنطبق إلاّ علی الذین ف)

ص: 466


1- کما مرّ فی نوادر الأثر : ص 129 [184]. ویأتی تفصیل القول فیه فی الجزء السابع. (المؤلف)
2- کما مرّ فی نوادر الأثر فی غیر موضع. (المؤلف)
3- هذا الحدیث ممّا اتّفقت الأئمّة والحفّاظ علی صحّته. (المؤلف)

أرادهم من الخلفاء من أهل بیته المعصومین ، ولیس التمسّک بهذا الحدیث فیما ارتأوه من أمر الخلافة إلاّ کالتمسّک بالعامّ فی الشبهات المصداقیّة.

3 - إنّ هناک أحادیث موضوعة تذکر فی فضائل عمر لا تلتئم مع شیء ممّا ذکرناه بأسانیده الوثیقة ، وکلّ من ذلک یفنّدها ، منها ما یُعزی إلیه صلی الله علیه وآله وسلم من قوله : لو لم أُبعث فیکم لبعث عمر (1).

وروایة : لو لم أُبعث لبعثت یا عمر (2).

وروایة : لو کان نبیّ بعدی لکان عمر بن الخطّاب (3).

وروایة : قد کان فی الأُمم محدّثون فإن یکن فی أُمّتی أحد فهو عمر (4).

وروایة : إنّ الله جعل الحقّ علی لسان عمر وقلبه (5).

وروایة : إنّ الله ضرب بالحقّ علی لسان عمر وقلبه (6).

ومنها : ما رووه عن علیّ أمیر المؤمنین علیه السلام من قوله : کنّا نتحدّث أنّ ملکاً ینطق علی لسان عمر (7).

وقوله : ما کنّا نبعد أنّ السکینة تنطق علی لسان عمر (8).

ومنها : ما یُروی عن أعاظم الصحابة مثل ما یعزی إلی ابن مسعود من قوله : لو وضع علم عمر فی کفّة وعلم أهل الأرض فی کفّة لرجح علم عمر. ف)

ص: 467


1- راجع الجزء الخامس : ص 312. (المؤلف)
2- راجع الجزء الخامس : ص 316. (المؤلف)
3- الریاض النضرة : 1 / 199 [2 / 245]. (المؤلف)
4- راجع الجزء الخامس : ص 42. (المؤلف)
5- حلیة الأولیاء : 1 / 42. (المؤلف)
6- الأموال لأبی عبید : ص 543 [ص 652 ح 1702]. (المؤلف)
7- حلیة الأولیاء : 1 / 42. (المؤلف)
8- الأموال لأبی عبید : ص 543 [ص 652 ح 1704]. (المؤلف)

وأمثال هذه من الأکاذیب ، فإنّ من یکون بتلک المثابة حتی یکاد أن یبعث نبیّا لا یفقد علم واضحات المسائل عند ابتلائه أو ابتلاء من یرجع أمره إلیه من أُمّته بها ، ولا یتعلّم مثله سورة من القرآن فی اثنتی عشرة سنة (1). وأین کان الحقّ والملک والسکینة یوم کان لا یهتدی إلی أُمّهات المسائل سبیلاً فلا تسدّده ولا تفرغ الجواب علی لسانه ، ولا تضع الحقّ فی قلبه؟

وکیف یسع المسدّد بذلک کلّه أن یحسب کلّ الناس أفقه منه حتی ربّات الحجال؟ وکیف کان یأخذ علم الکتاب والسنّة من نساء الأُمّة وغوغاء الناس فضلاً عن رجالها وأعلامها؟

وکیف کان یری عرفان لفظة مفسّرة بالقرآن تکلّفاً ویقول : هذا لعمر الله هو التکلّف ، ما علیک یا ابن أُمّ عمر أن لا تدری ما الأبّ (2)؟

وکیف کان یأخذ عن أُولئک الجمّ الغفیر من الصحابة ویستفتیهم فی الأحکام؟

وکیف کان یعتذر عن جهله أوضح ما یکون من السنّة بقوله : ألهانی عنه الصفق بالأسواق (3)؟

وکیف کان لم یسعه أن یعلم الکلالة ویقیمها ولم یتمکّن من تعلّم صور میراث الجدّ

وکان النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم یقول : «ما أراه یعلمها. وما أراه یقیمها».

ویقول : «إنّی أظنّک تموت قبل أن تعلم ذلک» (4)؟

وکیف کان مثل أُبیّ بن کعب یغلظ له فی القول ویراه ملهیً عن علم الکتاب ف)

ص: 468


1- راجع صحیفة : 196 من هذا الجزء. (المؤلف)
2- راجع : ص 99. (المؤلف)
3- راجع : ص 158. (المؤلف)
4- راجع : ص 116 ، 128. (المؤلف)

بالصفق بالأسواق وبیع الخیط والقرظة (1)؟

وکیف کان یراه أمیر المؤمنین جاهلاً بتأویل القرآن الکریم (2)؟ وکیف؟ وکیف؟ إلی مائة کیف؟!

نعم ؛ راق القوم أن ینحتوا له فضائل ویغالوا فیها ولم یتروّوا فی لوازمها وحسبوا أنّ المستقبل الکشّاف یمضی کما مضت القرون خالیاً عن باحث أو منقّب ، أو أنّ بواعث الإرهاب تلجم لسانه عن أن ینطق ، وتضرب علی یده عن أن تکتب ، ولا تفسح حریّة القلم والمذاهب والأفکار للعلماء أن یبوحوا بما عندهم (فَاحْکُمْ بَیْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوی فَیُضِلَّکَ عَنْ سَبِیلِ اللهِ) (3).

عود إلی ما یتبع شعر شمس الدین المالکی

3 - وممّا ذکره شاعرنا المالکی فی شعره من مناقب أمیر المؤمنین علیه السلام حدیث الولایة وهو حدیث الغدیر موضوع کتابنا هذا.

4 - حدیث المنزلة : «أنت منّی بمنزلة هارون من موسی إلاّ أنّه لا نبیّ بعدی» ، أشار إلیه بقوله :

وإنّک منّی خالیاً من نبوّةٍ

کهارون من موسی وحسبک فاحمدِ

وقد أسلفنا الکلام حول هذا الحدیث وأنّه الصحیح الثبت بنصّ من أئمّة الحدیث وحفّاظه فی الجزء الثالث (ص 198) ، قال ابن عبد البرّ فی الاستیعاب (4) : رواه 5.

ص: 469


1- راجع : ص 303 ، 306. (المؤلف)
2- راجع : ص 103. (المؤلف)
3- سورة ص : 26.
4- الاستیعاب : القسم الثالث / 1097 رقم 1855.

جماعة من الصحابة ، وهو من أثبت الآثار وأصحّها ؛ رواه سعد بن أبی وقّاص ، وطرق حدیث سعد فیه کثیرة جدّا قد ذکرها ابن أبی خیثمة وغیره ، ورواه ابن عبّاس ، وأبو سعید الخدری ، وأُمّ سلمة ، وأسماء بنت عمیس ، وجابر بن عبد الله ، وجماعة یطول ذکرهم. انتهی.

5 - حدیث سبق أمیر المؤمنین علیه السلام إلی الإسلام أوعز إلیه بقوله :

وکان من الصبیان أوّل سابق

إلی الدین لم یسبق بطائع مرشدِ

وقد فصّلنا القول فیه فی الجزء الثالث (ص 219 - 243).

6 - حدیث تکنیة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أمیر المؤمنین علیه السلام بأبی تراب ، قال فیه :

وجاءَ رسولُ اللهِ مرتضیاً له

وکان عن الزهراءِ بالمتشرّدِ

فمسّح عنه التربَ إذ مسَّ جلدَهُ

وقد قام منها آلفاً للتفرّدِ

وقال له قولَ التلطّفِ قم أبا

ترابٍ کلام المخلص المتودّدِ

هذا التکنّی إنّما کان فی غزوة العشیرة الواقعة فی جمادی الأُولی أو الثانیة أو فیهما من السنة الثانیة الهجریة ، حین وجد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم علیّا أمیر المؤمنین وعمّاراً نائمین فی دقعاء (1) من التراب فأیقظهما وحرّک علیّا ، فقال : «قم یا أبا تراب ألا أُخبرک بأشقی الناس؟ رجلین : أُحیمر (2) ثمود عاقر الناقة ، والذی یضربک علی هذه - یعنی قرنه - فیخضب هذه منها - یعنی لحیته».

وهذا الحدیث صحیح السند ممّا استدرک به الحاکم أبو عبد الله النیسابوری وصحّحه الهیثمی. ف)

ص: 470


1- الدقعاء : التراب اللیّن. (المؤلف)
2- أُحیمر : لقب قدار بن سالف عاقر ناقة صالح. الریاض النضرة : [3 / 95]. (المؤلف)

أخرجه (1) إمام الحنابلة فی مسنده (4 / 263 ، 264) ، والحاکم فی المستدرک (3 / 140) ، والطبری فی تاریخه (2 / 261) ، وابن هشام فی السیرة النبویّة (2 / 236) ، وابن کثیر فی تاریخه (3 / 247) ، والهیثمی فی المجمع (9 / 136) وقال : رواه أحمد والطبرانی والبزّار ورجال الجمیع موثّقون ، والسیوطی فی الجامع الکبیر کما فی ترتیبه (6 / 399) ، نقلاً عن ابن عساکر وابن النجّار ، والعینی فی عمدة القاری (7 / 630).

ویجده القارئ من المتسالم علیه فی : طبقات ابن سعد (ص 509) ، وعیون الأثر لابن سیّد الناس (1 / 226) ، والإمتاع للمقریزی (ص 55) ، والسیرة الحلبیّة (2 / 142) ، وتاریخ الخمیس (2 / 364) ، وغیرها (2).

وأخرج الطبرانی فی الأوسط والکبیر بإسناده عن أبی الطفیل قال : جاء النبیُّ صلی الله علیه وآله وسلم وعلیّ رضی الله عنه نائم فی التراب فقال : «إنّ أحقّ أسمائک أبو تراب ، أنت أبو تراب». وذکره الهیثمی فی مجمع الزوائد (9 / 100) فقال : رجاله ثقات.

وأخرج البزّار وأحمد وغیرهما عن عمّار بن یاسر أنّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم کنّی علیّا رضی الله عنه بأبی تراب ، فکانت من أحبّ کناه إلیه. وذکره الهیثمی فی مجمع الزوائد (9 / 100) فقال : رجال أحمد ثقات.

وأخرج الطبرانی فی الکبیر والأوسط (3) ، بإسناده عن ابن عبّاس ، قال : لمّا 0.

ص: 471


1- مسند أحمد : 5 / 326 ح 17857 ، ص 327 ح 17862 ، المستدرک علی الصحیحین : 3 / 151 ح 4679 ، تاریخ الأُمم والملوک : 2 / 408 حوادث سنة 2 ه ، السیرة النبویّة : 2 / 249 ، البدایة والنهایة : 3 / 303 حوادث سنة 2 ه ، کنز العمّال : 13 / 141 ح 36443 ، ترجمة الإمام علی بن أبی طالب علیه السلام من تاریخ ابن عساکر - الطبعة المحققة - : رقم 1398 ، عمدة القاری : 22 / 263.
2- الطبقات الکبری : 2 / 10 ، عیون الأثر : 1 / 300 ، السیرة الحلبیة : 2 / 127 ، فتح الباری : 7 / 58 طبعة دار إحیاء التراث العربی ، الطبعة الرابعة.
3- المعجم الکبیر : 11 / 62 ح 11092 ، المعجم الأوسط : 8 / 435 ح 7890.

آخی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم بین أصحابه من المهاجرین والأنصار فلم یؤاخِ بین علیّ بن أبی طالب رضی الله عنه وبین أحد منهم ، خرج علیّ مغضباً حتی أتی جدولاً فوسّد ذراعه فسفت علیه الریح فطلبه النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم حتی وجده فوکزه برجله فقال له : «قم فما صلحت أن تکون إلاّ أبا تراب أغَضبتَ علیّ حین آخیت بین المهاجرین والأنصار ولم أُؤاخ بینک وبین أحد منهم؟ أمَا ترضی أن تکون منّی بمنزلة هارون من موسی؟ إلاّ أنّه لیس بعدی نبیّ ، ألا من أحبّک حُفَّ بالأمن والإیمان ، ومن أبغضک أماته الله میتة جاهلیة وحوسب بعمله فی الإسلام».

مجمع الزوائد (9 / 111) ، مناقب الخوارزمی (1) (ص 22) ، الفصول المهمّة لابن الصبّاغ (2) (ص 22).

وأخرج أبو یعلی فی مسنده (3) ، بإسناده عن علیّ علیه السلام ، قال : «طلبنی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فوجدنی فی جدول نائماً فقال : [قم] (4) ما ألوم الناس یسمّونک أبا تراب ، فرآنی کأنّی وجدت فی نفسی من ذلک ، فقال : قم فو الله لأُرضینّک أنت أخی وأبو ولدی ، تقاتل عن سنّتی ، وتبرئ ذمّتی ، من مات فی عهدی فهو کنز الله. ومن مات فی عهدک فقد قضی نحبه ، ومن مات یحبّک بعد موتک ختم الله له بالأمن والإیمان ما طلعت شمس أو غربت ، ومن مات یبغضک مات میتة جاهلیة وحوسب بما عمل فی الإسلام».

ذکره السیوطی فی الجامع الکبیر کما فی ترتیبه (5) (6 / 404) وقال : قال البوصیری : رواته ثقات. 1.

ص: 472


1- المناقب : ص 39 ح 7.
2- الفصول المهمّة : ص 37 - 38.
3- مسند أبی یعلی : 1 / 402 ح 528.
4- الزیادة من مسند أبی یعلی وکنز العمّال.
5- کنز العمّال : 13 / 159 ح 36491.

وأخرج ابن عساکر (1) ، بإسناده عن سماک بن حرب ، قال : قلت لجابر بن عبد الله : إنّ هؤلاء القوم یدعوننی إلی شتم علیّ بن أبی طالب. قال : وما عسیت أن تشتمه به؟ قال : أُکنّیه بأبی تراب. قال : فو الله ما کانت لعلیّ کنیة أحبُّ إلیه من أبی تراب ، إنّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم آخی بین الناس ولم یؤاخ بینه وبین أحد فخرج مغضباً حتی أتی کثیباً من رمل فنام علیه فأتاه النبیُّ صلی الله علیه وآله وسلم ، فقال : «قم یا أبا تراب ، أغضبت أن آخیت بین الناس ولم أُؤاخ بینک وبین أحد؟ قال : نعم. قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : أنت أخی وأنا أخوک». کفایة الطالب (2) (ص 82).

وهناک صحیحة أخرجها مسلم (3) والبخاری (4) فی موضعین من صحیحه : 1 - فی باب مناقب أمیر المؤمنین. 2 - کتاب الصلاة فی باب نوم الرجال فی المسجد. وأخرجها الطبری فی تاریخه (5) (2 / 363) عن عبد العزیز بن أبی حازم ، عن أبیه ، قال : قلت لسهل بن سعد : إنّ بعض أُمراء المدینة یرید أن یبعث إلیک تسبّ علیّا فوق المنبر. قال : أقول ما ذا؟ قال : تقول : لعن الله أبا تراب ، قال : والله ما سمّاه بذلک إلاّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، قال : قلت : وکیف ذاک یا أبا العبّاس؟ قال : دخل علیّ علی فاطمة ثمّ خرج من عندها فاضطجع فی فیء المسجد ، قال : ثمّ دخل رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم علی فاطمة فقال لها : «أین ابن عمّک؟» فقالت : هو ذاک مضطجع فی المسجد. قال : فجاءه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فوجده قد سقط رداؤه علی ظهره وخلص التراب إلی ظهره فجعل یمسح التراب عن ظهره ویقول : «اجلس أبا تراب». فو الله ما سمّاه به إلاّ .

ص: 473


1- مختصر تاریخ دمشق : 17 / 302 ، وفی ترجمة الإمام علی بن أبی طالب علیه السلام من تاریخ ابن عساکر - الطبعة المحققة - : رقم 31.
2- کفایة الطالب : ص 193 و 194 باب 47.
3- صحیح مسلم : 5 / 27 ح 38 کتاب فضائل الصحابة.
4- صحیح البخاری : 3 / 1358 ح 3500 و 1 / 169 - 170 ح 430.
5- تاریخ الأُمم والملوک : 2 / 409 حوادث سنة 2 ه.

رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، وو الله ما کان له اسم أحبُّ إلیه منه.

وفی لفظ البیهقی فی السنن الکبری (2 / 446) : استعمل علی المدینة رجل من آل مروان ، فدعا سهل بن سعد فأمره أن یشتم علیّا رضی الله عنه قال : فأبی سهل فقال له : أمّا إذا أبیت فقل : لعن الله أبا تراب. فقال سهل : ما کان لعلیّ رضی الله عنه اسم أحبُّ إلیه من أبی تراب ، وإن کان لیفرح إذا دُعی بها. فقال له : أخبرنا عن قصّته لِمَ سمّی أبا تراب؟ الحدیث.

لا تعارض بین هذا الصحیح وبین ما مرّ من الأحادیث الصحیحة الدالّة علی تکنِّی أمیر المؤمنین بأبی تراب یوم العشیرة أو یوم التآخی ، ولیس فی کلٍّ منها ومن هذا إلاّ عدّ موقف من المواقف التی سمّاه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بأبی تراب ، ولعلّ سهل بن سعد ما کان یعلم من تلکم المواقف إلاّ ما حدّث به ، فلا وازع هناک عن ثبوت الجمیع ، ومن زعم التعارض بین هذا وتلک (1) ، واختلق بزعمه ما یتأتّی به الجمع ، فقد کشف عن خداج رأیه.

نعم ؛ عند الحفّاظ فی متن حدیث سهل اضطراب ینبئ عن تصرّف الأهواء فیه ، وفی بعض ألفاظه إیهام المباغضة بین أمیر المؤمنین وابنة عمّه الطاهرة الصدیقة فاطمة کما أوعز إلیها شاعرنا المالکی المترجم بقوله :

وکان عن الزهراء بالمتشرّد

وهما سلام الله علیهما بعیدان عن ذلک بما منحهما الله تعالی من العصمة بنصّ الکتاب الکریم.

وروی ابن إسحاق (2) عن بعض أهل العلم أنّه حدّثه : أنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إنّما ف)

ص: 474


1- راجع شرح المواهب اللدنیّة للزرقانی : 1 / 395. (المؤلف)
2- ذکره ابن هشام فی السیرة النبویة : 2 / 237 [2 / 250] ، والعینی فی عمدته : 7 / 630 [22 / 214 و 263]. (المؤلف)

سمّی علیّا أبا تراب أنَّه کان إذا عتب علی فاطمة فی شیء لم یکلّمها ، ولم یقل لها شیئاً تکرهه إلاّ أنّه یأخذ تراباً فیضعه علی رأسه ، قال : فکان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إذا رأی علیه التراب عرف أنّه عاتب علی فاطمة فیقول : ما لک یا أبا تراب؟

قال الأمینی : إن هی إلاّ نفثات قوم حنّاق لفظتها رمیة القول علی عواهنه تلویثاً لقداسة أمیر المؤمنین ، وتشویهاً لعشرته الحمیدة مع حلیلته المطهّرة ، وفیها حطّ للصدّیق الأکبر والصدّیقة الکبری عن مکانتهما الراقیة فی مکارم الأخلاق ، وقد أثمر الیوم ما بذرته أمس ید الإحن والشحناء من تلکم المفتعلات حتی سوّد مؤلّف الیوم صحائف تاریخه (1) بقوله : وکان علیّ یحرد بعد کلّ منافرة ویذهب لینام فی المسجد ، وکان حموه یربته علی کتفه ویعظه ویوفّق بینه وبین فاطمة إلی حین ، وممّا حدث أن رأی النبیُّ ابنته فی بیته ذات مرّة وهی تبکی من لَکمِ علیّ لها. انتهی.

وقال الحاکم أبو عبد الله النیسابوری : کان بنو أُمیّة تنقِّص علیّا علیه السلام بهذا الاسم الذی سمّاه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ویلعنونه علی المنبر بعد الخطبة مدّة ولایتهم ، وکانوا یستهزئون به وإنّما استهزؤوا الذی سمّاه به ، وقد قال الله تعالی : (قُلْ أَبِاللهِ وَآیاتِهِ وَرَسُولِهِ کُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ کَفَرْتُمْ بَعْدَ إِیمانِکُمْ) (2) الآیة.

وقال سبط ابن الجوزی فی التذکرة (3) (ص 4) : والذی ذکره الحاکم صحیح فإنّهم ما کانوا یتحاشون من ذلک بدلیل ما روی مسلم عن سعد بن أبی وقّاص : أنّه دخل علی معاویة بن أبی سفیان فقال : ما منعک أن تسبّ أبا تراب؟ الحدیث (4). ف)

ص: 475


1- راجع الجزء الثالث : ص 17 من کتابنا هذا. (المؤلف)
2- التوبة : 65 - 66.
3- تذکرة الخواص : ص 6.
4- راجع تمام الحدیث فی الجزء الثالث من کتابنا هذا : ص 200. (المؤلف)

مکرمة حول الحدیث :

قال الشیخ علاء الدین السکتواری فی محاضرة الأوائل (1) (ص 113) : أوّل من کنّی بأبی تراب علیّ بن أبی طالب رضی الله عنه کنّاه به رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم حین وجده راقداً وعلی جنبه التراب ، فقال له ملاطفاً : «قم یا أبا تراب» فکان أحبَّ ألقابه ، وکان بعد ذلک له کرامة ببرکة النفس المحمدی ، کان التراب یحدّثه بما یجری علیه إلی یوم القیامة وبما جری ، فافهم سرّا جلیّا. دلائل النبوّة (2). انتهی.

وقد أبدع الشاعر المفلق عبد الباقی أفندی العمری فی قوله :

یا أبا الأوصیاءِ أنت لطه

صهرُهُ وابنُ عمّه وأخوهُ

إنّ للهِ فی معانیک سرّا

أکثرُ العالمین ما علموهُ

أنت ثانی الآباءِ فی منتهی الدو

رِ وآباؤه تعدّ بنوهُ

خلقَ اللهُ آدماً من ترابٍ

فهو ابنٌ له وأنتَ أبوهُ

7 - وممّا أشار إلیه شاعرنا المالکی من مناقب مولانا أمیر المؤمنین علیه السلام حدیث البراءة وتبلیغها قال :

وأرسله عنه الرسولُ مبلّغاً

وخصَّ بهذا الأمر تخصیصَ مفردِ

وقال هل التبلیغُ عنِّیَ ینبغی

لمن لیس من بیتی من القوم فاقتدی

وذلک ؛ أنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بعث أبا بکر إلی مکة بآیات من صدر سورة البراءة لیقرأها علی أهلها ، فجاء جبرئیل من عند الله العزیز فقال : لن یؤدِّی عنک إلاّ أنت أو 2.

ص: 476


1- محاضرة الأوائل : ص 123.
2- دلائل النبوّة للبیهقی : 3 / 12.

رجل منک. فبعث رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم علیّا علی ناقته العضباء أو الجدعاء أثره ، فقال : «أدرکه فحیثما لقیته فخذ الکتاب منه واذهب إلی أهل مکّة فاقرأه علیهم». فلحقه علیّ علیه السلام فی العرج أو فی ذی الحلیفة أو فی ضجنان أو الجحفة وأخذ الکتاب منه ، وحجَّ وبلّغ وأذّن.

هذه الأثارة أخرجها کثیر من أئمّة الحدیث وحفّاظه بعدّة طرق صحیحة یتأتّی التواتر بأقلّ منها عند جمع من القوم ، وإلیک أُمّة ممّن أخرجها :

1 - أبو محمد إسماعیل السدّی الکوفی

المتوفّی (128)

2 - أبو محمد عبد الملک بن هشام البصری

المتوفّی (218)

3 - أبو عبد الله محمد بن سعد الزهری

المتوفّی (230)

4 - الحافظ أبو بکر بن أبی شیبة العبسی الکوفی

المتوفّی (235)

5 - الحافظ أبو الحسن بن أبی شیبة العبسی الکوفی

المتوفّی (239)

6 - إمام الحنابلة أحمد بن حنبل الشیبانی

المتوفّی (241)

7 - الحافظ أبو محمد عبد الله الدارمی ، صاحب السنن

المتوفّی (255)

8 - الحافظ أبو عبد الله بن ماجة القزوینی ، صاحب السنن

المتوفّی (273)

9 - الحافظ أبو عیسی الترمذی ، صاحب الصحیح

المتوفّی (279)

10 - الحافظ أبو بکر أحمد بن أبی عاصم الشیبانی

المتوفّی (287)

11 - الحافظ أبو عبد الرحمن أحمد النسائی ، صاحب السنن

المتوفّی (303)

12 - الحافظ أبو جعفر محمد بن جریر الطبری

المتوفّی (310)

13 - الحافظ أبو بکر محمد بن إسحاق بن خزیمة النیسابوری

المتوفّی (311)

14 - الحافظ أبو عوانة یعقوب النیسابوری ، صاحب المسند

المتوفّی (316)

15 - الحافظ أبو القاسم عبد الله البغوی ، صاحب المصابیح

المتوفّی (317)

16 - الحافظ عبد الرحمن بن أبی حاتم التمیمی

المتوفّی (327)

ص: 477

17 - الحافظ أبو حاتم محمد بن حبّان

التمیمی

المتوفّی (354)

18 - الحافظ أبو القاسم سلیمان بن أحمد الطبرانی

المتوفّی (360)

19 - الحافظ أبو الشیخ (1)

المتوفّی (369)

20 - الحافظ علیّ بن عمر الدارقطنی

المتوفّی (385)

21 - الحافظ أبو عبد الله الحاکم النیسابوری ، صاحب

المستدرک

المتوفّی (405)

22 - الحافظ أبو بکر بن مردویه الأصبهانی

المتوفّی (416)

23 - الحافظ أبو نعیم أحمد الأصبهانی ، صاحب الحلیة

المتوفّی (430)

24 - الحافظ أبو بکر أحمد بن الحسین البیهقی ، صاحب السنن

المتوفّی (458)

25 - الفقیه أبو الحسن علیّ بن المغازلی الشافعی

المتوفّی (483)

26 - الحافظ أبو محمد الحسین البغوی الشافعی

المتوفّی (516)

27 - الحافظ نجم الدین أبو حفص النسفی السمرقندی الحنفی

المتوفّی (537)

28 - الحافظ أبو القاسم جار الله الزمخشری الشافعی

المتوفّی (538)

29 - أبو عبد الله یحیی القرطبی ، صاحب التفسیر الکبیر

المتوفّی (567)

30 - الحافظ أبو المؤیّد موفّق بن أحمد الخوارزمی الحنفی

المتوفّی (568)

31 - الحافظ أبو القاسم ابن عساکر الدمشقی الشافعی

المتوفّی (571)

32 - أبو القاسم عبد الرحمن الخثعمی السهیلی الأندلسی

المتوفّی (581)

33 - أبو عبد الله محمد بن عمر الفخر الرازی الشافعی

المتوفّی (606)

34 - أبو السعادات بن الأثیر الشیبانی الشافعی

المتوفّی (606)

35 - الحافظ أبو الحسن علی بن الأثیر الشیبانی

المتوفّی (630)

36 - أبو عبد الله ضیاء الدین محمد المقدسی الحنبلی

المتوفّی (643)

37 - أبو سالم محمد بن طلحة القرشی النصیبی الشافعی

المتوفّی (652)9.

ص: 478


1- هو أبو عبد الله محمد بن جعفر بن حیّان المعروف بأبی الشیخ الأصبهانی المولود سنة 274 والمتوفّی 369.

38 - أبو المظفّر یوسف سبط الحافظ ابن الجوزی الحنفی

المتوفّی (654)

39 - عزّ الدین بن أبی الحدید المعتزلی

المتوفّی (655)

40 - الحافظ أبو عبد الله الکنجی الشافعی

المتوفّی (658)

41 - القاضی ناصر الدین أبو الخیر البیضاوی الشافعی

المتوفّی (685)

42 - الحافظ أبو العبّاس محبّ الدین الطبری الشافعی

المتوفّی (694)

43 - شیخ الإسلام أبو إسحاق إبراهیم الحمّوئی

المتوفّی (722)

44 - ولیّ الدین محمد الخطیب العمری التبریزی ، صاحب

مشکاة المصابیح

المتوفّی (737)

45 - علاء الدین علیّ بن محمد الخازن ، صاحب التفسیر

المتوفّی (741)

46 - أثیر الدین أبو حیّان الأندلسی ، صاحب التفسیر

المتوفّی (745)

47 - الحافظ شمس الدین محمد الذهبی الشافعی

المتوفّی (748)

48 - نظام الدین الحسن النیسابوری (1) ، صاحب

التفسیر

المتوفّی (000)

49 - الحافظ عماد الدین إسماعیل بن کثیر الدمشقی الشافعی

المتوفّی (774)

50 - الحافظ أبو الحسن علیّ بن أبی بکر الهیثمی الشافعی

المتوفّی (807)

51 - تقیّ الدین أحمد بن علی المقریزی الحنفی

المتوفّی (845)

52 - الحافظ أبو الفضل بن حجر أحمد العسقلانی الشافعی

المتوفّی (852)

53 - نور الدین علیّ بن محمد بن الصبّاغ المکی المالکی

المتوفّی (855)

54 - بدر الدین محمود بن أحمد العینی الحنفی

المتوفّی (855)

55 - شمس الدین محمد بن عبد الرحمن السخاوی ، نزیل

الحرمین

المتوفّی (902)

56 - الحافظ جلال الدین عبد الرحمن السیوطی الشافعی

المتوفّی (911)

57 - الحافظ أبو العبّاس أحمد القسطلانی الشافعی

المتوفّی (923)ن.

ص: 479


1- هو الحسن بن محمد بن الحسین المعروف بالنظام الأعرج. کان حیاً إلی صفر من عام 730 ه ، وهی سنة الانتهاء من تألیفه تفسیره الموسوم بغرائب القرآن ورغائب الفرقان.

58 - الحافظ أبو محمد عبد الرحمن بن

الدّیبع الشیبانی الشافعی

المتوفّی (944)

59 - المؤرّخ الدیار بکری ، صاحب تاریخ الخمیس

المتوفّی (966 / 982)

60 - الحافظ شهاب الدین أحمد بن حجر الهیتمی الشافعی

المتوفّی (974)

61 - المتّقی علیّ بن حسام الدین القرشی الهندی ، نزیل

مکة

المتوفّی (975)

62 - الحافظ زین الدین عبد الرؤوف المناوی الشافعی

المتوفّی (1031)

63 - الفقیه شیخ بن عبد الله العیدروس الحسینی الیمنی

المتوفّی (1041)

64 - الشیخ أحمد بن با کثیر المکی الشافعی ، صاحب الوسیلة

المتوفّی (1047)

65 - أبو عبد الله محمد الزرقانی المصری المالکی

المتوفّی (1122)

66 - میرزا محمد البدخشی (1) ، صاحب

مفتاح النجا

المتوفّی (0000)

67 - السیّد محمد بن إسماعیل الصنعانی الحسینی

المتوفّی (1182)

68 - أبو العرفان الشیخ محمد الصبّان الشافعی ، صاحب /

الإسعاف المتوفّی

(1206)

69 - القاضی محمد بن علیّ الشوکانی الصنعانی

المتوفّی (1250)

70 - أبو الثناء شهاب الدین السیّد محمود الآلوسی الشافعی

المتوفّی (1270)

71 - الشیخ سلیمان بن إبراهیم القندوزیّ الحسینی الحنفی

المتوفّی (1293)

72 - السیّد أحمد زینی دحلان المکی الشافعی

المتوفّی (1304)

73 - السیّد مؤمن الشبلنجی (2) ، مؤلّف

نور الأبصار

المتوفّی (0000)

أسلفنا ترجمة کثیر من هؤلاء الأعلام فی الجزء الأوّل (ص 73 - 151) تنتهی أسانیدهم فی مأثرة أذان البراءة وتبلیغها إلی جمع من الصحابة الأوّلین منهم :

1 - علیّ أمیر المؤمنین ، من طریق زید بن یثیع ، قال رضی الله عنه : «لمّا نزلت عشر آیات من براءة علی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم دعا أبا بکر رضی الله عنه لیقرأها علی أهل مکة ، ثمّ دعانی فقال .

ص: 480


1- محمد بن رستم خان البدخشی المتوفّی 922 ه.
2- مؤمن بن حسن بن مؤمن المتوفّی بعد 1308 ه.

لی : أدرک أبا بکر فحیثما لقیته فخذ الکتاب منه ، فاذهب به إلی أهل مکة فاقرأه علیهم. فلحقته بالجحفة فأخذت الکتاب منه ، ورجع أبو بکر رضی الله عنه فقال : یا رسول الله نزل فیَّ شیء؟ قال : لا ، ولکنّ جبریل جاءنی فقال : لن یؤدّی عنک إلاّ أنت أو رجل منک».

أخرجه (1) عبد الله بن أحمد فی زوائد المسند ، والحافظ أبو الشیخ ، وابن مردویه ، وحکاه عنهم السیوطی فی الدرّ المنثور (3 / 209) ، وکنز العمّال (1 / 247) ، والشوکانی فی تفسیره (2 / 319) ، ویوجد فی الریاض النضرة (2 / 147) ، وذخائر العقبی (ص 69) ، وتاریخ ابن کثیر (5 / 38 و 7 / 357) ، وفی تفسیره (2 / 333) ، ومناقب الخوارزمی (ص 99) ، وفرائد السمطین للحمّوئی ، ومجمع الزوائد (7 / 29) ، وشرح صحیح البخاری للعینی (8 / 637) ، ووسیلة المآل لابن با کثیر ، وشرح المواهب اللدنیّة للزرقانی (3 / 91) ، وتفسیر المنار (10 / 157).

صورة أخری :

عن زید : قال : نزلت براءة فبعث رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أبا بکر ثمّ أرسل علیّا فأخذها منه ، فلمّا رجع أبو بکر قال : هل نزل فیَّ شیء؟ قال : «لا ، ولکنّی أُمرت أن أُبلّغها أنا أو رجل من أهل بیتی». فانطلق علیّ إلی مکة ، فقام فیهم بأربع.

تفسیر الطبری (2) (10 / 46) ، تفسیر ابن کثیر (2 / 333). 4.

ص: 481


1- زوائد المسند : ص 353 ح 146 ، الدرّ المنثور : 4 / 122 ، کنز العمّال : 2 / 422 ح 4400 ، فتح القدیر : 2 / 334 ، الریاض النضرة : 3 / 119 ، البدایة والنهایة : 5 / 44 حوادث سنة 9 ه و 7 / 394 حوادث سنة 40 ه ، المناقب : ص 165 ح 196 ، فرائد السمطین : 1 / 61 باب 8 ، عمدة القاری : 18 / 260 ، وسیلة المآل : ص 122.
2- جامع البیان : مج 6 / ج 10 / 64.

صورة ثالثة :

عن زید : أنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بعث ببراءة إلی أهل مکة مع أبی بکر ثمّ أتبعه بعلیّ فقال له : «خذ الکتاب فامض إلی أهل مکة» قال : فلحقه فأخذ الکتاب منه ، فانصرف أبو بکر وهو کئیب فقال لرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : أنزَلَ فیَّ شیء؟ قال : «لا ، إلاّ أنّی أُمرت أن أُبلّغه أنا أو رجل من أهل بیتی» (1).

خصائص النسائی (ص 2) ، الأموال لأبی عبید (ص 165).

صورة رابعة :

عن علیّ أمیر المؤمنین ، من طریق حنش باللفظ الأوّل المذکور من ألفاظ زید ابن یُثیع حرفیّا. أخرجه أحمد فی مسنده (2) (1 / 151) ، والکنجی فی الکفایة (3) (ص 126) نقلاً عن أحمد وابن عساکر (4) ، والهیثمی فی مجمع الزوائد (7 / 29).

صورة خامسة :

عن حنش ، عن أمیر المؤمنین : قال : إنّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم حین بعثه ببراءة فقال : یا نبی الله إنّی لست باللسن ولا بالخطیب ، قال : «ما بدّ أن أذهب بها أنا أو تذهب بها أنت» ، قال : فإن کان لا بدّ فسأذهب أنا. قال : «فانطلق فإنّ الله یثبّت لسانک ویهدی قلبک». قال : ثمّ وضع یده علی فمه. 0.

ص: 482


1- السنن الکبری : 5 / 128 ح 8461 ، وفی خصائص أمیر المؤمنین : ص 92 ح 76 ، الأموال : ص 215 ح 457.
2- مسند أحمد : 1 / 243 ح 1299.
3- کفایة الطالب : ص 255 باب 62.
4- ترجمة الإمام علیّ بن أبی طالب علیه السلام من تاریخ ابن عساکر - الطبعة المحققة - : رقم 890.

مسند أحمد (1 / 150) ، الریاض النضرة (2 / 174) ، تفسیر ابن کثیر (2 / 333) ، الدرّ المنثور (3 / 210) نقلاً عن أبی الشیخ ، کنز العمّال (1 / 247) (1).

صورة سادسة :

عن أبی صالح ، عن أمیر المؤمنین : قال : بعث رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أبا بکر ببراءة إلی أهل مکة وبعثه علی الموسم ثمّ بعثنی فی أثره فأدرکته فأخذتها منه ، فقال أبو بکر : ما لی؟ قال : «خیر أنت صاحبی فی الغار ، وصاحبی علی الحوض ، غیر أنّه لا یبلّغ عنّی غیری أو رجل منّی».

أخرجه الطبری (2) کما فی فتح الباری لابن حجر العسقلانی (3) (8 / 256).

2 - أبو بکر بن أبی قحافة ، قال : إنّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم بعثه ببراءة إلی أهل مکة لا یحجُّ بعد العام مشرک ، ولا یطوف بالبیت عریان ، ولا یدخل الجنّة إلاّ نفس مسلمة ، من کان بینه وبین رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم عهد فأجله إلی مدّته والله بریء من المشرکین ورسوله ، فسار ثلاثاً ثمّ قال لعلیّ : «الحقه ، فردَّ علیّ أبا بکر وبلّغها أنت». قال : ففعل فلمّا قدم علی النبیّ أبو بکر بکی ، فقال : یا رسول الله حدث فیَّ شیء؟ قال : «ما حدث فیک إلاّ خیر ولکن أُمرت أن لا یبلّغه إلاّ أنا أو رجل منّی».

أخرجه (4) أحمد فی مسنده (1 / 3) ، وابن خزیمة ، وأبو عوانة ، والدارقطنی فی .

ص: 483


1- مسند أحمد : 1 / 242 ح 1289 ، الریاض النضرة : 3 / 119 ، الدرّ المنثور : 4 / 125 ، کنز العمّال : 2 / 422 ح 4401.
2- جامع البیان : مج 6 / ج 10 / 64.
3- فتح الباری : 8 / 318.
4- مسند أحمد : 1 / 7 ح 4 ، کنز العمّال : 2 / 417 ح 4389 ، کفایة الطالب : ص 254 ، مختصر تاریخ دمشق : 18 / 6 وفی ترجمة الإمام علی بن أبی طالب علیه السلام من تاریخ ابن عساکر - الطبعة المحققة - : رقم 889 ، البدایة والنهایة : 7 / 394 حوادث سنة 40 ه.

الأفراد کما فی کنز العمّال (1 / 246) ، والکنجی فی الکفایة (ص 125) نقلاً عن أحمد وأبی نعیم وابن عساکر ، وابن کثیر فی تاریخه (7 / 357).

3 - ابن عبّاس ، قال : بعث رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أبا بکر وأمره أن ینادی بهذه الکلمات ثمّ أتبعه علیّا ، فبینا أبو بکر ببعض الطریق إذ سمع رغاء ناقة رسول الله القصواء ، فخرج أبو بکر فزعاً فظنّ أنّه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فإذا هو علیّ رضی الله عنه ، فدفع إلیه کتاب رسول الله ، وأمر علیّا أن ینادی بهؤلاء الکلمات ، (فإنّه لا ینبغی أن یبلّغ عنّی إلاّ رجل من أهلی ثمّ اتّفقا) (1) فانطلقا ، فقام علیّ أیام التشریق ینادی : «ذمّة الله ورسوله بریئة عن کلّ مشرک». الحدیث.

أخرجه (2) الترمذی فی جامعه (2 / 135) ، والبیهقی فی سننه (9 / 224) ، والخوارزمی فی المناقب (ص 99) ، وابن طلحة فی مطالب السؤول (ص 17) ، والشوکانی فی تفسیره (2 / 319) ، نقلاً عن الترمذی وابن أبی حاتم والحاکم وابن مردویه والبیهقی بلفظ أخصر ، وأشار إلیه ابن حجر فی فتح الباری (8 / 256).

صورة أُخری :

من لفظ ابن عبّاس : قال : إنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بعث أبا بکر ببراءة ثمّ أتبعه علیّا فأخذها منه فقال أبو بکر رضی الله عنه : یا رسول الله حدث فیَّ شیء؟ قال : «لا ، أنت صاحبی فی الغار وعلی الحوض ، ولا یؤدّی عنّی إلاّ أنا أو علیّ». الحدیث.

أخرجه الطبری فی تفسیره (3) (10 / 46). 4.

ص: 484


1- لا یوجد ما بین القوسین فی بعض المصادر. (المؤلف)
2- سنن الترمذی : 5 / 257 ح 3091 ، المناقب : ص 164 ح 195 ، فتح القدیر : 2 / 334 ، المستدرک علی الصحیحین : 2 / 361 ح 3275 ، السنن الکبری للبیهقی : 9 / 224 - 225 ، فتح الباری : 8 / 318.
3- جامع البیان : مج 6 / ج 10 / 64.

حدیث آخر :

عن ابن عبّاس : قال فی حدیث طویل عدّ فیه جملة من فضائل مولانا أمیر المؤمنین علیه السلام ممّا تسالمت الأُمّة علیه : بعث رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فلاناً بسورة التوبة فبعث علیّا خلفه فأخذها منه وقال : «لا یذهب بها إلاّ رجل هو منّی وأنا منه».

وحدیث ابن عبّاس هذا أخرجه کثیرون من أئمّة الحدیث وحفّاظه فی المسانید بإسناد صحیح رجاله کلّهم ثقات مصرِّحین بصحّته وثقة رجاله ، أسلفناه فی الجزء الأوّل (ص 49 - 51) ومرّ الکلام حوله فی الجزء الثالث (ص 195 - 217).

حدیث آخر :

عن ابن عبّاس : أخرج ابن عساکر (1) ، بإسناده من طریق الحافظ عبد الرزّاق ، عن ابن عبّاس ، قال : مشیت وعمر بن الخطّاب فی بعض أزقّة المدینة فقال : یا ابن عبّاس أظنّ القوم استصغروا صاحبکم إذ لم یولّوه أُمورکم. فقلت : والله ما استصغره رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إذ اختاره لسورة براءة یقرؤها علی أهل مکة. فقال لی : الصواب تقول ، والله لسمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول لعلیّ بن أبی طالب : «من أحبّک أحبّنی ، ومن أحبّنی أحبّ الله ، ومن أحبّ الله أدخله الجنّة مدلاّ». کنز العمّال (2) (6 / 391) ، شرح ابن أبی الحدید (3) (3 / 105) ذکره إلی قوله : فقال لی.

4 - جابر بن عبد الله الأنصاری : أنّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم حین رجع من عمرة 3.

ص: 485


1- مختصر تاریخ دمشق : 20 / 68.
2- کنز العمّال : 13 / 109 ح 36357.
3- شرح نهج البلاغة : 12 / 46 خطبة 223.

الجِعْرانة (1) بعث أبا بکر علی الحجّ فأقبلنا معه ، حتی إذا کنّا بالعرج ثوّب (2) بالصبح ، فلمّا استوی للتکبیر سمع الرغوة خلف ظهره فوقف عن التکبیر فقال : هذه رغوة ناقة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم الجدعاء ، لقد بدا لرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی الحجّ ، فلعلّه أن یکون رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فنصلّی معه ، فإذا علیّ رضی الله عنه علیها ، فقال له أبو بکر : أمیر أم رسول؟ قال : «لا ، بل رسول أرسلنی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ببراءة أقرؤها علی الناس فی مواقف الحجّ». فقدمنا مکة ، فلمّا کان قبل الترویة بیوم قام أبو بکر فخطب الناس فحدّثهم عن مناسکهم ، حتی إذا فرغ قام علیّ فقرأ علی الناس حتی ختمها ، ثمّ خرجنا معه حتی إذا کان یوم عرفة قام أبو بکر فخطب الناس فحدّثهم عن مناسکهم ، حتی إذا فرغ قام علیّ رضی الله عنه فقرأ علی الناس براءة حتی ختمها. فلمّا کان النفر الأوّل قام أبو بکر فخطب الناس فحدّثهم کیف ینفرون أو کیف یرمون فعلّمهم مناسکهم ، فلمّا فرغ قام علی رضی الله عنه فقرأ علی الناس براءة حتی ختمها.

أخرجه (3) الدارمی فی سننه (2 / 67) ، والنسائی فی الخصائص (ص 20) ، وابن خزیمة وصحّحه ، وابن حبّان من طریق ابن جریج ، والطبری ، ومحبّ الدین الطبری فی الریاض النضرة (2 / 173) من طریق أبی حاتم والنسائی. ویوجد فی تیسیر الوصول (1 / 133) ، تفسیر القرطبی (8 / 67) ، المواهب اللدنیّة للقسطلانی ، شرح 4.

ص: 486


1- الجِعْرانة : ماء بین الطائف ومکة ، وهی إلی مکة أقرب. نزلها النبی صلّی الله علیه وآله وسلّم لما قسم غنائم هوازن مرجعه من غزاة حنین وأحرم منها.
2- التثویب : هو الدعاء للصلاة وغیرها. وأصله أنّ الرجل إذا جاء مستصرخاً لوّح بثوبه لیُری ویشتهر.
3- السنن الکبری : 5 / 129 ح 8463 ، خصائص أمیر المؤمنین : ص 93 ح 78 ، صحیح ابن خزیمة : 4 / 319 ح 2974 ، الإحسان فی تقریب صحیح ابن حبّان : 15 / 19 ح 6645 ، جامع البیان : مج 6 / ج 10 / 65 ، الریاض النضرة : 3 / 118 ، تیسیر الوصول : 1 / 158 - ح 10 ، الجامع لأحکام القرآن : 8 / 44 ، المواهب اللدنیّة : 1 / 640 ، السیرة النبویّة لزینی دحلان : 2 / 140 ، روح المعانی : 10 / 44.

المواهب للزرقانی (3 / 91) ، تاریخ الخمیس (2 / 141) ، سیرة زینی دحلان (2 / 365) ، تفسیر الآلوسی روح المعانی (3 / 268) ، تفسیر المنار (10 / 156) نقلاً عن الحفّاظ الخمسة المذکورین من الدارمی إلی محبّ الدین الطبری.

5 - أنس بن مالک ، قال : إنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بعث ببراءة مع أبی بکر إلی أهل مکة ثمّ دعاه فقال : «لا ینبغی أن یبلّغ هذا إلاّ رجل من أهلی» ، فدعا علیّا فأعطاه إیّاها.

وفی لفظ آخر لأحمد :

إنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بعث ببراءة مع أبی بکر الصدِّیق رضی الله عنه ، فلمّا بلغ ذا الحلیفة قال : «لا یبلّغها إلاّ أنا أو رجل من أهل بیتی» ، فبعث بها مع علیّ.

طرق الحدیث صحیحة رجاله کلّهم ثقات ، أخرجه (1) أحمد فی مسنده (3 / 212 ، 283) ، والترمذی فی جامعه (2 / 135) طبع الهند ، والنسائی فی خصائصه (ص 20) ، وابن کثیر فی تاریخه (5 / 38) عن الترمذی وأحمد ، وفی تفسیره (2 / 333) ، والخوارزمی فی المناقب (ص 99) ، والقسطلانی فی شرح صحیح البخاری (7 / 136) ، وابن حجر فی شرح الصحیح (8 / 256) ، والعینی فی شرح الصحیح (8 / 637) ، وابن طلحة فی مطالب السؤول (ص 17) ، والسیوطی فی الدرّ المنثور (3 / 209) نقلاً عن ابن أبی شیبة وأحمد والترمذی وأبی الشیخ وابن مردویه ، وفی کنز العمّال (1 / 249) عن ابن أبی شیبة ، والزرقانی فی شرح المواهب (3 / 91) ، والشوکانی فی تفسیره (2 / 319) نقلاً عمّن نقل عنه السیوطی فی الدرّ المنثور ، والآلوسی فی تفسیره (3 / 268) نقلاً عن أحمد 5.

ص: 487


1- مسند أحمد : 4 / 77 ح 12802 ، ص 198 ح 13605 ، سنن الترمذی : 5 / 256 ح 3090 ، السنن الکبری للنسائی : 5 / 128 ح 8460 ، خصائص أمیر المؤمنین : ص 92 ح 75 ، البدایة والنهایة : 5 / 46 حوادث سنة 9 ه ، المناقب : ص 165 ح 197 ، إرشاد الساری : 10 / 283 ، فتح الباری : 8 / 318 ، عمدة القاری : 4 / 78 ، الدرّ المنثور : 4 / 123 ، کنز العمّال : 2 / 431 ح 4421 ، فتح القدیر : 2 / 334 ، روح المعانی : 10 / 45.

والترمذی وأبی الشیخ ، وصاحب المنار فی تفسیره (10 / 157).

6 - أبو سعید الخدری ، قال : بعث رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أبا بکر رضی الله عنه یؤدّی عنه براءة ، فلمّا أرسله بعث إلی علیّ رضی الله عنه فقال : «یا علیّ إنّه لا یؤدّی عنّی إلاّ أنا أو أنت». فحمله علی ناقته العضباء فسار حتی لحق بأبی بکر رضی الله عنه فأخذ منه براءة ، فأتی أبو بکر النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وقد دخله من ذلک مخافة أن یکون قد أُنزل فیه شیء ، فلمّا أتاه قال : ما لی یا رسول الله؟ قال : «خیر أنت أخی وصاحبی فی الغار ، وأنت معی علی الحوض ، غیر أنّه لا یبلّغ عنّی غیری أو رجل منّی».

أخرجه (1) ابن حبّان وابن مردویه کما فی الدرّ المنثور للسیوطی (3 / 209) ، وروح المعانی للآلوسی (3 / 268) وفی طبع المنیریّة (10 / 40) ، وأوعز إلیه ابن حجر فی فتح الباری (8 / 256) من طریق عمرو بن عطیّة ، عن أبیه ، عن أبی سعید.

7 - أبو رافع ، قال رضی الله عنه : بعث رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أبا بکر رضی الله عنه ببراءة إلی الموسم ؛ فأتی جبریل علیه السلام فقال : إنّه لن یؤدِّیها عنک إلاّ أنت أو رجل منک ، فبعث علیّا رضی الله عنه علی أثره حتی لحقه بین مکة والمدینة فأخذها ، فقرأها علی الناس فی الموسم.

أخرجه ابن مردویه والطبرانی بإسنادهما کما فی الدرّ المنثور للسیوطی (2) (3 / 210) ، وفتح الباری لابن حجر (3) (8 / 256).

8 - سعد بن أبی وقّاص ، قال : بعث رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أبا بکر ببراءة حتی إذا کان ببعض الطریق أرسل علیّا رضی الله عنه فأخذها منه ثمّ سار بها فوجد أبو بکر فی نفسه ، فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «لا یؤدِّی عنّی إلاّ أنا أو رجل منّی» (4). 8.

ص: 488


1- الإحسان فی تقریب صحیح ابن حبّان : 15 / 16 ح 6644 ، الدرّ المنثور : 4 / 124 ، فتح الباری : 8 / 318.
2- الدرّ المنثور : 4 / 124.
3- فتح الباری : 8 / 318.
4- السنن الکبری : 5 / 129 ح 8462 ، وفی خصائص أمیر المؤمنین : ص 93 ح 77 ، الدرّ المنثور : 4 / 123 ، فتح القدیر : 2 / 334 ، فتح الباری : 8 / 318.

خصائص النسائی (ص 20) ، الدرّ المنثور (3 / 209) نقلاً عن ابن مردویه ، تفسیر الشوکانی (2 / 319) ، وأوعز إلیه ابن حجر فی فتح الباری (8 / 255).

حدیث آخر :

عن سعد : أخرج ابن عساکر (1) ، بإسناده عن الحرث بن مالک ، قال : أتیت مکة فلقیت سعد بن أبی وقّاص فقلت : هل سمعت لعلیّ منقبة؟ قال : لقد شهدت له أربعاً لأن تکون لی واحدة منهنّ أحبّ إلیَّ من الدنیا أُعمَّر فیها مثل عمر نوح : إنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بعث أبا بکر ببراءة إلی مشرکی قریش فسار بها یوماً ولیلة ، ثمّ قال لعلیّ : «اتبع أبا بکر فخذها وبلّغها» فردّ علیّ أبا بکر فرجع یبکی ، فقال : یا رسول الله أنزل فیَّ شیء؟ قال : «لا ، إلاّ خیراً إنّه لیس یبلّغ عنّی إلاّ أنا أو رجل منّی ، أو قال : من أهل بیتی». الحدیث - راجع الجزء الأوّل (ص 40).

9 - أبو هریرة ، قال : کنت مع علیِّ بن أبی طالب رضی الله عنه لمّا بعثه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، فنادی بأربع حتی صهل صوته. الحدیث.

أخرجه الدارمی فی سننه (2 / 237) ، والنسائی فی سننه (2) (5 / 234) مع اختصار غیر مخلّ ، کما قاله السیوطی فی شرحه ، وحدیث أبی هریرة أخرجه کثیر من الحفّاظ غیر أنّه لعبت به أیدی الهوی ، ومهّدت لرماة القول علی عواهنه مجال التره (3) والدجل حول هذه الأثارة الکریمة.

وأخرج الحافظ محبّ الدین الطبری فی الریاض النضرة (4) (2 / 173) ، وذخائر 8.

ص: 489


1- مختصر تاریخ دمشق : 17 / 333 ، وفی ترجمة الإمام علی بن أبی طالب علیه السلام من تاریخ ابن عساکر - الطبعة المحققة - : رقم 278.
2- السنن الکبری : 2 / 407 ح 3949.
3- التره : الباطل.
4- الریاض النضرة : 3 / 118.

العقبی (ص 69) من طریق أبی حاتم ، عن أبی سعید أو أبی هریرة ، قال : بعث رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أبا بکر ، فلمّا بلغ ضجنان (1) سمع بغام (2) ناقة علیّ فعرفه ، فأتاه فقال : ما شأنی؟ قال : «خیر إنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بعثنی ببراءة». فلمّا رجعنا انطلق أبو بکر إلی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فقال : یا رسول الله ما لی؟ قال : «خیر أنت صاحبی فی الغار غیر أنّه لا یبلّغ غیری أو رجل منّی» یعنی علیّا.

10 - عبد الله بن عمر ، ذکر ابن حجر العسقلانی فی فتح الباری (3) (8 / 256) ما مرّ عن أمیر المؤمنین علیه السلام من طریق أبی صالح ، ثمّ قال : ومن طریق العمری ، عن نافع ، عن ابن عمر کذلک.

11 - حبشی بن جنادة ، قال : قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «علیّ منِّی وأنا منه لا یؤدِّی عنِّی إلاّ أنا أو علیّ».

حدیث صحیح رجاله کلّهم ثقات أخرجه (4) بطرق أربعة أحمد بن حنبل فی مسنده (4 / 164 ، 165) ، والترمذی فی صحیحه (2 / 213) وصحّحه وحسّنه ، والنسائی فی الخصائص (ص 20) ، وابن ماجة فی السنن (1 / 57) ، والبغوی فی المصابیح (2 / 275) ، 3.

ص: 490


1- قال الواقدی : بین ضجنان ومکة خمسة وعشرون میلاً. معجم البلدان : 3 / 453.
2- البُغام : صوت الإبل.
3- فتح الباری : 8 / 318.
4- مسند أحمد : 5 / 170 ح 17051 ، ص 171 ح 17056 - 17058 ، سنن الترمذی : 5 / 594 ح 3719 ، السنن الکبری : 5 / 128 ح 8459 ، وفی خصائص أمیر المؤمنین : ص 91 ح 74 ، سنن ابن ماجة : 1 / 44 ح 119 ، مصابیح السنّة : 4 / 172 ح 4768 ، مشکاة المصابیح : 3 / 356 ح 6092 ، مناقب علیّ بن أبی طالب : ص 222 ح 267 ، کفایة الطالب : ص 276 باب 67 ، تهذیب الأسماء واللغات : 1 / 348 ، الریاض النضرة : 3 / 119 ، تذکرة الخواص : ص 36 ، تذکرة الحفّاظ : 2 / 455 رقم 462 ، البدایة والنهایة : 7 / 394 حوادث سنة 40 ه ، المقاصد الحسنة : ص 124 ح 189 ، کنوز الحقائق : 2 / 16 ، فرائد السمطین : 1 / 59 ح 24 ، الجامع الصغیر : 2 / 177 ح 5595 ، کنز العمّال : 11 / 603 ح 32913.

والخطیب العمری فی المشکاة (ص 556) ، والفقیه ابن المغازلی فی المناقب ، والکنجی فی الکفایة (ص 557) ، والنووی فی تهذیب الأسماء واللغات ، والمحبّ الطبری فی الریاض (2 / 74) ، عن الحافظ السلفی ، وسبط ابن الجوزی فی التذکرة (ص 23) ، والذهبی فی تذکرة الحفّاظ فی ترجمة سوید بن سعید ، وابن کثیر فی تاریخه (7 / 356) ، والسخاوی فی المقاصد الحسنة ، والمناوی فی کنوز الدقائق (ص 92) والحمّوئی فی الباب السابع من فرائد السمطین ، وجلال الدین السیوطی فی الجامع الصغیر ، وفی جمع الجوامع کما فی ترتیبه (6 / 153).

وذکره (1) ابن حجر فی الصواعق (ص 73) ، والمتّقی الهندی فی کنز العمّال عن أحد عشر حافظاً ، والبدخشانی فی نزل الأبرار (ص 9) نقلاً عن ابن أبی شیبة ، وأحمد ، وابن ماجة ، والترمذی ، والبغوی ، وابن أبی عاصم ، والنسائی ، وابن قانع ، والطبرانی ، والضیاء المقدسی ، والجارودی ، والفقیه شیخ بن العیدروس فی العقد النبوی ، والأمیر محمد الصنعانی فی الروضة الندیة ، والقندوزی فی ینابیع المودّة ، والشبلنجی فی نور الأبصار (ص 78) ، والصبّان فی الإسعاف - هامش نور الأبصار - (ص 155).

قال الأمینی : هذه الجملة المرویّة من حبشی بن جنادة ، وعمران ، وأبی ذرّ الغفاری مأخوذة من حدیث التبلیغ وهی شطره کما نصَّ علیه صاحب اللمعات والمرقاة (2) والسندی الحنفی فی شرح سنن ابن ماجة (1 / 57) وقالوا : قال صلی الله علیه وآله وسلم هذا تکریماً لعلیّ واعتذاراً إلی أبی بکر.

12 - عمران بن حصین ، فی حدیث مرفوعاً : «علیّ منّی وأنا منه ، ولا یؤدّی 2.

ص: 491


1- الصواعق المحرقة : ص 122 ، نزل الأبرار : ص 38 ، المصنّف لابن أبی شیبة : 12 / 59 ح 12120 ، المعجم الکبیر : 4 / 16 ح 3511 و 3513 ، الروضة الندیة : ص 257 ، ینابیع المودّة : 1 / 52 باب 7 ، نور الأبصار : ص 160.
2- مرقاة المفاتیح : 10 / 464 ح 6092.

عنّی إلاّ علیّ». أخرجه الترمذی وقال : حدیث حسن غریب کذا فی تذکرة السبط (1) (ص 22).

13 - أبو ذرّ الغفاری ، مرفوعاً : «علیّ منِّی وأنا من علیّ ، ولا یؤدّی إلاّ أنا أو علیّ». مطالب السؤول (ص 18).

المراسیل :

1 - عن أبی جعفر محمد بن علیّ - الإمام الباقر علیه السلام - ، قال : «لمّا نزلت براءة علی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وقد کان بعث أبا بکر الصدِّیق رضی الله عنه لیقیم للناس الحجّ قیل له : یا رسول الله لو بعثت بها إلی أبی بکر ، فقال : لا یؤدِّی عنِّی إلاّ رجل من أهل بیتی ، ثمّ دعا علیّ بن أبی طالب رضوان الله علیه ، فقال له : اخرج بهذه القصة من صدر براءة وأذِّن فی الناس یوم النحر إذا اجتمعوا بمنی : أنّه لا یدخل الجنّة کافر ، ولا یحجّ بعد العام مشرک ، ولا یطوف بالبیت عریان ، ومن کان له عند رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم عهد فهو له إلی مدّته ، فخرج علیّ بن أبی طالب رضوان الله علیه علی ناقة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم العضباء حتی أدرک أبا بکر بالطریق ، فلمّا رآه أبو بکر بالطریق قال : أمیر أو مأمور؟ فقال : بل مأمور. ثمّ مضیا فأقام أبو بکر للناس الحجّ ، والعرب إذ ذاک فی تلک السنة علی منازلهم من الحجّ التی کانوا علیها فی الجاهلیة ، حتی إذا کان یوم النحر قام علیّ بن أبی طالب رضی الله عنه فأذّن فی الناس بالذی أمره به رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم». الحدیث (2).

سیرة ابن هشام (4 / 203) ، تفسیر الطبری (10 / 47) ، تفسیر الکشّاف (2 / 23) ، 8.

ص: 492


1- تذکرة الخواص : ص 36.
2- السیرة النبویّة : 4 / 190 ، جامع البیان : مج 6 / ج 10 / 65 ، الکشّاف : 2 / 243 ، البدایة والنهایة : 5 / 44 حوادث سنة 9 ه ، عمدة القاری : 4 / 78.

تفسیر ابن کثیر (2 / 334) ، تاریخ ابن کثیر (5 / 37) ، عمدة القاری (4 / 633).

2 - رُوی أنّ أبا بکر لمّا کان ببعض الطریق هبط جبریل علیه السلام وقال : یا محمد لا یبلّغن رسالتک إلاّ رجل منک فأرسل علیّا ، فرجع أبو بکر إلی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فقال : یا رسول الله أشیء نزل من السماء؟ قال : «نعم ؛ فسِرْ وأنت علی الموسم وعلیّ ینادی بالآی». الحدیث ذکره نظام الدین النیسابوری فی تفسیره (1) المطبوع فی هامش تفسیر الطبری (10 / 36).

3 - عن السدّی ، قال : لمّا نزلت هذه الآیات إلی رأس أربعین آیة بعث بهنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم مع أبی بکر وأمّره علی الحجّ ، فلمّا سار فبلغ الشجرة من ذی الحلیفة أتبعه بعلیّ فأخذها منه ، فرجع أبو بکر إلی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فقال : یا رسول الله بأبی أنت وأُمّی أنزل فی شأنی شیء؟ قال : لا ، ولکن لا یبلّغ عنّی غیری أو رجل منّی ، أما ترضی یا أبا بکر أنّک کنت معی فی الغار وأنّک صاحبی علی الحوض؟ قال : بلی یا رسول الله. فسار أبو بکر علی الحاج وعلیّ یؤذّن ببراءة (2). الحدیث.

تفسیر الطبری (10 / 47) ، تاریخ الطبری (3 / 154).

4 - قال البغوی المفسِّر فی تفسیره (3) - هامش تفسیر الخازن - (3 / 49): لمّا کان سنة تسع أراد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أن یحجّ ثمّ قال : إنّه یحضر المشرکون فیطوفون عراة ، فبعث أبا بکر تلک السنة أمیراً علی الموسم لیقیم للناس الحجّ وبعث معه أربعین آیة من صدر براءة لیقرأها علی أهل الموسم ، ثمّ بعث بعده علیّا کرّم الله وجهه علی ناقته العضباء لیقرأ علی الناس صدر براءة وأمره أن یؤذِّن بمکّة ومنی وعرفة : أن قد برئت ذمّة الله وذمّة رسوله من کلِّ مشرک ولا یطوف بالبیت عریان. فرجع أبو بکر 7.

ص: 493


1- تفسیر غرائب القرآن : 3 / 429.
2- جامع البیان : مج 6 / ج 10 / 65 ، تاریخ الأُمم والملوک : 3 / 122 حوادث سنة 9 ه.
3- تفسیر البغوی : 2 / 267.

فقال : یا رسول الله بأبی أنت وأُمّی أنزل فی شأنی شیء؟ قال : لا ، ولکن لا ینبغی لأحد أن یبلِّغ هذا إلاّ رجل من أهلی أما ترضی یا أبا بکر أنَّک کنت معی فی الغار ، وأنّک صاحبی علی الحوض؟ قال : بلی یا رسول الله. فسار أبو بکر رضی الله عنه أمیراً علی الحاجّ وعلیّ رضی الله عنه لیؤذّن ببراءة. الحدیث.

وتجده مرسلاً إرسال المسلّم بلفظ موجز أو مفصّل (1) فی طبقات ابن سعد (ص 685) ، تفسیر ابن حیّان (5 / 6) ، تفسیر الکشّاف (3 / 23) ، تفسیر الخازن (2 / 213) ، تفسیر البیضاوی (1 / 488) ، تفسیر النسفی هامش الخازن (2 / 212) ، تفسیر النیسابوری هامش الطبری (10 / 36) ، تذکرة السبط (ص 22) ، إمتاع المقریزی (ص 499) ، الروض الأُنُف (2 / 328) ، کامل ابن الأثیر (2 / 121) ، تفسیر الرازی (4 / 408) ، شرح النهج لابن أبی الحدید (2 / 260) ، شرح المواهب للزرقانی (3 / 91) ، الإصابة لابن حجر (2 / 509) ، تاریخ الخمیس (2 / 41) ، الصواعق (ص 19) ، السیرة النبویة لزینی دحلان (2 / 364).

وینبئ عن إطباق الصحابة الأوّلین علی هذه المأثرة لأمیر المؤمنین استنشاده علیه السلام بها أصحاب الشوری یوم ذاک بقوله : «أفیکم من ائتُمن علی سورة براءة وقال له رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : إنّه لا یؤدّی عنّی إلاّ أنا أو رجل منّی ، غیری؟» قالوا : لا.

وقد أسلفنا حدیث المناشدة یوم الشوری فی الجزء الأوّل (ص 159 - 163) وأنّ هذه الجملة المذکورة عدّها ابن أبی الحدید من الصحیح وممّا استفاض فی الروایات من المناشدة یوم الشوری. 0.

ص: 494


1- الطبقات الکبری : 2 / 168 ، الکشّاف : 2 / 243 ، تفسیر الخازن : 2 / 203 ، تفسیر البیضاوی : 1 / 394 ، تفسیر النسفی : 2 / 115 ، تفسیر غرائب القرآن : 3 / 429 ، تذکرة الخواص : ص 37 ، الروض الأُنف : 7 / 374 ، الکامل فی التاریخ : 1 / 644 ، التفسیر الکبیر : 15 / 218 ، شرح نهج البلاغة : 7 / 288 خطبة 119 ، الصواعق المحرقة : ص 32 ، السیرة النبویّة : 2 / 140.

المتخلّص من سرد هذه الأحادیث هو تواتر معنوی أو إجمالی لوقوع أصل القصّة من استرداد الآی من أبی بکر وتشریف أمیر المؤمنین علیه السلام بتبلیغها ونزول الوحی المبین بأنّه لا یبلّغ عنه صلی الله علیه وآله وسلم إلاّ هو أو رجل منه ، ولا یجب علینا البخوع لبعض الخصوصیات التی تفرّد بها بعض الطرق والمتون فإنّها لا تعدو أن تکون آحاداً ، وفی القصّة إیعاز إلی أنّ من لا یستصلحه الوحی المبین لتبلیغ عدّة آیات من الکتاب کیف یأتمنه علی التعلیم بالدین کلّه ، وتبلیغ الأحکام والمصالح کلّها؟

الشاعر

أبو عبد الله شمس الدین محمد بن أحمد بن علیّ الهواری المالکی الأندلسی النحوی المعروف بابن جابر الأعمی ، من أهل المریّة (1). أحد رجالات الشعر والأدب ، متضلّع فی النحو والتاریخ والسیر والحدیث ، ولد سنة (698) وقرأ القرآن والنحو علی محمد بن یعیش ، والفقه علی محمد بن سعید الرندی ، والحدیث علی أبی عبد الله الزواوی ، ثمّ رحل إلی الشرق وصحب أبا جعفر أحمد بن یوسف الألبیری (2) الطلیطلی (3) الشهیر بالبصیر المتوفّی سنة (779) ، وشمّرا لطلب العلم والأدب ذراعاً ، ومدّا إلی التاریخ باعاً ، فکان المترجم یؤلّف وینظم ویملی ، وصاحبه یقرأ علیه ویکتب ، حتی نبغا فی الأدب ، غیر أنّ المترجم أکثر نظماً ، ولم یزالا علی ذلک طیلة عمرهما ، وسمعا بمصر من أبی حیّان ، ثمّ حجّا ورجعا إلی الشام وسمعا الحدیث من المزّی أبی الحجّاج الدمشقی المتوفّی (742) والجزری وابن کامیار ، ثمّ قطنا حلب وحدّثا بها ، ف)

ص: 495


1- المریّة - بالفتح ثمّ الکسر وتشدید الیاء - : مدینة کبیرة من کورة البیرة من أعمال الأندلس [معجم البلدان : 5 / 119]. (المؤلف)
2- ألبیرة - بألف قطع - : کورة کبیرة من الأندلس [معجم البلدان : 1 / 244]. (المؤلف)
3- طلیطلة - بضمّ الطائین وفتح اللام أو ضمّ الأُولی وفتح الثانیة - : مدینة کبیرة بالأندلس [معجم البلدان : 4 / 39]. (المؤلف)

ثمّ غادراها إلی ألبیرة فاستمرّا بها نحواً من خمسین سنة إلی أن تزوّج ابن جابر فی الآخر فتهاجرا. یروی عن المترجم جماعة منهم : محمد بن أحمد الحریری قاضی حلب وأجاز لمن أدرک حیاته ومات فی جمادی الآخرة سنة (780).

تآلیفه :

1 - شرح الألفیة لابن مالک ، قال السیوطی فی البغیة : کتاب مفید یعتنی بالإعراب للأبیات ، وهو جلیل جدّا نافع للمبتدئین.

2 - نظم الفصیح لثعلب أبی العبّاس الشیبانی المتوفّی (291).

3 - نظم کفایة المتحفّظ.

4 - شرح ألفیّة ابن معطٍ فی ثمان مجلّدات ، قاله السیوطی فی بغیة الوعاة وفی شذرات الذهب : ثلاث مجلّدات.

5 - دیوان شعره الکثیر المتنوّع.

6 - مقصورة فی مدح النبیّ الأعظم فی (296) بیتاً أوّلها :

بادر قلبی للهوی وما ارتأی

لمّا رأی من حسنها ما قد رأی

7 - بدیعیّته المشهورة ببدیعیّة العمیان المسمّاة بالحلّة السیرا فی مدح خیر الوری.

مرّ مستهلّها والإیعاز إلی شرحها فی ترجمة صفیّ الدین الحلّی ، سمعها منه شرف الدین أبو بکر محمد بن عمر العجلونی المتوفّی (801) ، وسمعها منه ابن حجر کما فی شذرات الذهب (1) (7 / 10). .

ص: 496


1- شذرات الذهب : 9 / 22 حوادث سنة 801 ه.

توجدترجمته (1) فی الدرر الکامنة (3 / 339) ، بغیة الوعاة فی طبقات النحاة (ص 14) ، شذرات الذهب (6 / 268) ، نفح الطیب (4 / 373 - 408) ذکر جملة ضافیة من شعره ، وذکر له قصیدة یمدح بها النبیّ الأعظم صلی الله علیه وآله وسلم وفیها التوریة بسور القرآن وهی :

فی کلِّ فاتحةٍ للقولِ معتبره

حقُّ الثناءِ علی المبعوث بالبقرَه

فی آلِ عمرانَ قدماً شاع مبعثُه

رجالُهم والنساءُ استوضحوا خبرَه

من مدَّ للناسِ من نعماه مائدةً

عمّت فلیست علی الأنعامِ مقتصرَه

أعرافُ نعماه ما حلَّ الرجاءُ بها

إلاّ وأنفالُ ذاک الجودِ مبتدرَه

به توسّلَ إذ نادی بتوبتِهِ

فی البحر یونسُ والظلماءُ معتکرَه

هودٌ ویوسفُ کم خوفٍ به أَمِنا

ولن یروّع صوت الرعد من ذکرَه

مضمونُ دعوةِ إبراهیمَ کان وفی

بیتِ الإله وفی الحجرِ التمسْ أثرَه

ذو أُمّة کدویّ النحل ذکرهمُ

فی کلِّ قطرٍ فسبحانَ الذی فطرَه

بکهفِ رحماهُ قد لاذ الوری وبه

بشری ابنِ مریمَ فی الإنجیلِ مشتهرَه

سمّاه طه وحضَّ الأنبیاءَ علی

حجّ المکانِ الذی من أجلِه عمرَه

قد أفلحَ الناسُ بالنورِ الذی عمروا

من نورِ فرقانِه لمّا جلا غررَه

أکابرُ الشعراءِ اللُّسنِ قد عجزوا

کالنملِ إذ سمعت آذانُهم سورَه

وحسبُه قصصٌ للعنکبوتِ أتی

إذ حاک نسجاً ببابِ الغارِ قد ستَرَه

فی الرومِ قد شاع قدماً أمرُه وبه

لقمانُ وفّقَ للدرِّ الذی نثَرَه

کم سجدةٍ فی طلی الأحزابِ قد سجدت

سیوفُه فأراهم ربُّه عِبَره

سباهمُ فاطرُ السبع العلی کرماً

لمن بیاسینَ بین الرسلِ قد شهرَه1.

ص: 497


1- بغیة الوعاة : 1 / 34 رقم 55 ، شذرات الذهب : 8 / 462 حوادث سنة 780 ه ، نفح الطیب : 10 / 166 - 231.

فی الحربِ قد صُفّتِ الأملاکُ تنصرُه

فصار جمعُ الأعادی هازماً زمرَه

لغافرِ الذنبِ فی تفضیلِهِ سورٌ

قد فصّلتْ لمعان غیرِ منحصرَه

شوراه أَن تهجرَ الدنیا فزخرفُها

مثلُ الدخانِ فیعشی عینَ من نظرَه

عزّت شریعتُهُ البیضاءُ حین أتی

أحقافَ بدرٍ وجندُ الله قد نصرَه

فجاء بعد القتالِ الفتحُ متّصلاً

وأصبحت حجراتُ الدینِ منتصرَه

بقاف والذاریاتِ اللهُ أقسمَ فی

أنّ الذی قاله حقٌّ کما ذکرَه

فی الطورِ أبصر موسی نجمَ سؤددِهِ

والأُفقُ قد شقّ إجلالاً له قمرَه

أسری فنالَ من الرحمنِ واقعةً

فی القربِ ثبّتَ فیه ربُّه بصرَه

أراه أشیاءَ لا یقوی الحدیدُ لها

وفی مجادلةِ الکفّار قد أزرَه

فی الحشرِ یوم امتحانِ الخلقِ یقبلُ فی

صفٍّ من الرسل کلٌّ تابعٌ أثرَه

کفٌّ یسبّحُ للهِ الحصاةُ بها

فاقبلْ إذا جاءَکَ الحقُّ الذی قدرَه

قد أبصرتْ عنده الدنیا تغابنَها

نالت طلاقاً ولم یصرفْ لها نظرَه

تحریمه الحبَّ للدنیا ورغبته

عن زهرةِ الملکِ حقّا عندما نظرَه

فی نون قد حقّت الأمداحُ فیه بما

أثنی به اللهُ إذ أبدی لنا سیرَه

بجاهِه سال نوحٌ فی سفینتِهِ

سفن النجاةِ وموجُ البحر قد غمرَه

وقالت الجنُّ جاءَ الحقُّ فاتّبعوا

مزّمّلاً تابعاً للحقّ لن یذرَه

مدَّثراً شافعاً یومَ القیامةِ هل

أتی نبیٌّ له هذا العلی ذخَره

فی المرسلاتِ من الکتبِ انجلی نبأٌ

عن بعثهِ سائرُ الأخبارِ قد سطرَه

ألطافُه النازعاتُ الضیم فی زمنٍ

یومٌ به عبس العاصی لما ذعرَه

إذ کُوِّرتْ شمسُ ذاک الیوم وانفطرتْ

سماؤه ودعت ویلٌ به الفجرَه

وللسماءِ انشقاقٌ والبروجُ خلتْ

من طارقِ الشهبِ والأفلاکُ مستترَه

فسبّحِ اسمَ الذی فی الخلقِ شفّعه

وهل أتاک حدیثُ الحوض إذ نهرَه

کالفجرِ فی البلدِ المحروسِ غرّتُه

والشمسُ من نوره الوضّاح مستترَه

ص: 498

واللیلُ مثلُ الضحی إذ لاحَ فیه ألمْ

نشرحْ لک القولَ فی أخبارِه العطِرَه

ولو دعا التینَ والزیتونَ لابتدرا

إلیه فی الحینِ واقرأ تستبنْ خبرَه

فی لیلةِ القدرِ کم قد حازَ من شرفٍ

فی الفخرِ لم یکنِ الإنسانُ قد قدرَه

کم زُلزلتْ بالجیادِ العادیاتِ له

أرضٌ بقارعةِ التخویفِ منتشرَه

له تکاثرُ آیاتٍ قد اشتهرتْ

فی کلِّ عصرٍ فویلٌ للذی کفرَه

ألم ترَ الشمس تصدیقاً له حُبِستْ

علی قریشٍ وجاءَ الروحُ إذ أمرَه

أرأیت أنّ إلهَ العرشِ کرّمَه

بکوثرٍ مرسلٍ فی حوضِه نهرَه

والکافرون إذا جاء الوری طُرِدوا

عن حوضِهِ فلقد تبّت یدا الکفرَه

إخلاصُ أمداحِه شغلی فکم فلقٍ

للصبح أسمعتُ فیه الناسَ مفتخرَه

أزکی صلاتی علی الهادی وعترتِهِ

وصحبهِ وخصوصاً منهمُ عشره (1)

ثمّ سمّی العشرة المبشَّرة وبعدها خصّ بالذکر حمزة والعبّاس وجعفراً وعقیلاً وخدیجة وبنتها الزهراء سلام الله علیها ، وقد جاراه فی قصیدته هذه أئمّة الأدب فی مدح النبیِّ صلی الله علیه وآله وسلم ، منهم الشیخ القلقشندی بقصیدة ذات (51) بیتاً أوّلها :

عوّذت حبِّی بربِّ الناس والفلقِ

المصطفی المجتبی الممدوح بالخلقِ

والشیخ أبو عمران موسی الفاسی بقصیدة ذات (154) بیتاً أوّلها :

بدأتُ باسمِ اللهِ فی أوّلِ السطرِ

فأسماؤه حصنٌ منیعٌ من الضرِّ

ولغیرهما قصیدة ذات (40) بیتاً مستهلّها :

بحمدِ إلهِ العرشِ أستفتحُ القولا

وفی آیة الکرسیّ أستمنحُ الطولا

ولآخر قصیدة ذات (37) بیتاً مطلعها : 6.

ص: 499


1- نفح الطیب : 10 / 186.

بسم الإلهِ افتتاحُ الحمدِ والبقره

مصلّیاً بصلاةٍ لم تزلْ عطره

وللمترجم فی نفح الطیب (1) قوله :

جعلوا لأبناءِ الرسولِ علامةً

إنّ العلامةَ شأنُ من لم یشهرِ

نورُ النبوّة فی کریمِ وجوههِمْ

یغنی الشریفَ عن الطراز الأخضرِ

قال الحافظ القسطلانی فی المواهب اللدنیّة (2) کما فی شرحه (7 / 21) : فهذه الذریّة الطاهرة قد خصّوا بمزایا التشریف ، وعمّوا بواسطة السیّدة فاطمة بفضل ضیف (3) ، وألبسوا رداء الشرف ، ومنحوا بمزید الإکرام والتحف ، وقد وقع الاصطلاح علی اختصاصهم من بین الشرف کالعبّاسیّین والجعافرة - ذریة جعفر بن أبی طالب - بالشطفة (4) الخضراء لمزید شرفهم ، والسبب فی ذلک کما قیل : أنّ المأمون الخلیفة العبّاسی أراد أن یجعل الخلافة فی بنی فاطمة فاتّخذ لهم شعاراً أخضر ، وألبسهم ثیاباً خضراً ، لکون السواد شعار العبّاسیّین ، والبیاض شعار سائر المسلمین فی جمعهم ونحوها ، والأحمر مختلف فی کراهته ، والأصفر شعار الیهود بآخره ، ثمّ انثنی عزمه عن ذلک ، وردّ الخلافة لبنی العبّاس فبقی ذلک شعاراً لأشراف العلویّین من الزهراء ، لکنّهم اختصروا الثیاب إلی قطعة من ثوب أخضر توضع علی عمائمهم هی المسمّاة : بالشطفة ، شعاراً لهم ، ثمّ انقطع ذلک إلی أواخر القرن الثامن ؛ قال فی حوادث سنة ثلاث وسبعین وسبعمائة من إنباء الغمر بأبناء العمر (5) : وفیها أمر السلطان الأشرف أن یمتازوا عن الناس بعصائب - جمع عصابة - خضر علی العمائم ففعل ذلک بمصر والشام 8.

ص: 500


1- نفح الطیب : 10 / 200.
2- المواهب اللدنیّة : 3 / 374.
3- کذا فی شرح المواهب. وفی المواهب : منیف.
4- الشطفة - بضمّ المعجمة - : القطعة. (المؤلف)
5- إنباء الغمر بأبناء العمر فی التاریخ : 1 / 8.

وغیرهما ، وفی ذلک یقول الأدیب أبو عبد الله بن جابر الأندلسی - وذکر البیتین المذکورین - والأدیب شمس الدین الدمشقی :

أطرافُ تیجانٍ أتتْ من سندسٍ

خضرٍ بأعلامٍ علی الأشرافِ

والأشرفُ السلطانُ خصّصهمْ بها

شرفاً لیفرقهم من الأطرافِ

والأشرف هو شعبان بن حسن بن الناصر ، خُنق سنة (778).

ص: 501

ص: 502

- 71 -

علاء الدین الحلّی

اشارة

أجآذرٌ منعتْ عیونَکَ ترقدُ

بعراصِ بابلَ أم حِسانٌ خُرّدُ

ومعاطفٌ عطفتْ فؤادَکَ أم غصو

نُ نقیً علی هضباتِها تتأوّدُ

وبروقُ غادیةٍ شجاکَ ومیضُها

أم تلک درٌّ فی الثغورِ تنضّدُ

وعیونُ غزلانِ الصریمِ بسحرِها

فتنتْکَ أم بیضٌ علیک تُجرَّدُ

یا ساهرَ اللیلِ الطویلِ یمدُّهُ

عوناً علی طولِ السهادِ الفرقدُ

ومُهاجراً طیبَ الرقادِ وقلبُه

أسفاً علی جمرِ الغضا یتوقّدُ

ألا کففتَ الطرفَ إذ سفرت بدو

ر السعد بالسعدی علیک وتسعدُ

أسلمتَ نفسَکَ للهوی متعرِّضاً

وکذا الهوی فیه الهوانُ السرمدُ

وبعثتَ طرفَکَ رائداً ولربّما

صَرعَ الفتی دون الورود الموردُ

فغدوتَ فی شرکِ الظباءِ مقیّداً

وکذا الظباءُ یصدن من یتصیّدُ

فلعبن أحیاناً بلبِّکَ لاهیاً

بجمالهنّ فکادَ منک الحسّدُ

حتی إذا علقت بهنّ بعدتَ من

کثبٍ فهل لک بعد نجد منجدُ

رحلوا فما أبقَوا لجسمِکَ بعدَهمْ

رمقاً ولا جَلَداً به تتجلّدُ

واها لنفسِکَ حیث جسمُک بالحمی

یبلی وقلبُکَ بالرکائب منجدُ

ألِفَتْ عیادتَکَ الصبابةُ والأسی

وجفاکَ من طول السقامِ العُوَّدُ

وتظنُّ أنّ البعدَ یُعقِبُ سلوةً

وکذا السلوُّ مع التباعدِ یبعدُ

ص: 503

یا نائماً عن لیلِ صبٍ (1) جفنه

أَرِقٌ إذا غفت العیون الهجّدُ

لیس المنامُ لراقدٍ جهل الهوی

عجباً بلی عجبٌ لمن لا یرقدُ

نام الخلیُّ من الغرامِ وطرفُ من

أَلِفَ الصبابةَ والهیامَ مُسهَّدُ

أتری تقرُّ عیونُ صبٍّ قلبُهُ

فی أسرِ مائسةِ القوامِ مقیّدُ

شمسٌ علی غصنٍ یکاد مهابةً

لجمالِها تعنو البدورُ وتسجدُ

تفترّ عن شنبٍ کأنّ جمانَه

بردٌ به عذبُ الزلالِ مبرَّدُ

ویصدُّنی عن لثمِه نارٌ غدتْ

زفراتُ أنفاسی بها تتصعّدُ

من لی بقربِ غزالةٍ فی وجهِها

صبحٌ تجلّی عنه لیلٌ أسودُ

أعنو لها ذلاّ فتعرض فی الهوی

دَلاّ وأمنحها الدنوّ وتبعدُ

تحمی بناظرها مخافة ناظرٍ

خدّا لها حسن الصقال مورَّدُ

یا خالَ وجنتِها المخلّدَ فی لظی

ما خلتُ قبلک فی الجحیمِ یخلّدُ

إلاّ الذی جحد الوصیَّ وما حکی

فی فضلِهِ یومَ الغدیرِ محمدُ

إذ قام یصدعُ خاطباً ویمینُه

بیمینِه فوق الحدائجِ تعقدُ

ویقول والأملاکُ مُحدِقةٌ به

والله مطّلعٌ بذلک یشهدُ

من کنتُ مولاه فهذا حیدرٌ

مولاه من دون الأنامِ وسیّدُ

یا ربّ والِ ولیَّه واکبت مُعا

دیه وعاند من لحیدر یعندُ

والله ما یهواه إلاّ مؤمنٌ

برٌّ ولا یقلوه إلاّ ملحدُ

کونوا له عوناً ولا تتخاذلوا

عن نصره واسترشدوه ترشدوا

قالوا سمعنا ما تقول وما أتی

الروحُ الأمین به علیکَ یؤکّدُ

هذا علیُّ إمامُنا وولیُّنا

وبه إلی نهجِ الهدی نسترشدُ

حتی إذا قُبِضَ النبیُّ ولم یکن

من بعده فی وسط لحدٍ یلحدُف)

ص: 504


1- الصبّ : العاشق ، یقال : رجل صبّ والجمع صبون. (المؤلف)

خانوا مواثیقَ النبیِّ وخالفوا

ما قاله خیرُ البریةِ أحمدُ

واستبدلوا بالرشدِ غیّا بعد ما

عرفوا الصوابَ وفی الضلالِ تردّدوا

وغدا سلیلُ أبی قحافةَ سیّداً

لهمُ ولم یکُ قبلَ ذلک سیّدُ (1)

یا للرجالِ لأُمّةٍ مفتونةٍ

سادتْ علی السادات فیها الأعبدُ

أضحی بها الأقصی البعیدُ مقرّباً

والأقربُ الأدنی یذاد ویبعدُ

هلاّ تقدّمه غداة براءة

إذ ردّ وهو بفرط غیظ مکمدُ

ویقول معتذراً أقیلونی وفی

إدراکها قد کان قِدماً یجهدُ

أیکون منها المستقیل وقد غدا

فی آخرٍ یوصی بها ویؤکّدُ

ثمّ اقتفی :

فقضی بها خشناءَ یغلظُ کلمُها

ذلَّ الولیُّ بها وعزَّ المفسدُ

وأشار بالشوری فقرَّب نعثلاً

منها فبئس الخائن ...... (2)

فغدا لمالِ اللهِ فی قربائِهِ

عمداً یفرِّق جمعه ویبدِّدُ

ونفی أبا ذرّ وقرّبَ فاسقاً (3)

کان النبیُّ له یصدُّ ویطردُ

لعبوا بها حیناً وکلٌّ منهمُ

متحیّرٌ فی حکمِها متردِّدُ

ولو اقتدوا بإمامِهم وولیّهمْ

سعدوا به وهو الولیُّ الأوکدُ

لکن شقَوا بخلافِهِ أبداً وما

سعدوا به وهو الوصیُّ الأسعدُ

صنوُ النبیِّ ونفسُه وأمینُه

وولیُّه المتعطّفُ المتودّدُ

کُتِبا علی العرشِ المجیدِ ولم یکنْ

فی سالفِ الأیّامِ آدمُ یوجدُف)

ص: 505


1- کذا.
2- بیاض فی الأصل.
3- هو الحکم بن أبی العاص بن أُمّیة عمّ عثمان بن عفّان ، أخرجه رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم من المدینة وطرده عنها ، راجع الاستیعاب [القسم الأوّل / 359 رقم 529] وغیر واحد من المعاجم. (المؤلف)

نورانِ قدسیّانِ ضمَّ علاهما

من شیبةِ الحمدِ ابن هاشم محتدُ

من لم یُقم وجهاً إلی صنمٍ ولا

للاّت والعزّی قدیماً یسجدُ

والدینُ والإشراکُ لو لا سیفُه

ما قام ذا شرفاً وهذا یقعدُ

سَلْ عنه بدراً حین وافی شیبةً

شلواً علیهِ النائحاتُ تعدّدُ

وثوی الولیدُ بسیفِه متعفّراً

وعلیه ثوبٌ بالدماءِ مجسّدُ

وبیوم أُحدٍ والرماحُ شوارعٌ

والبیضُ تصدر فی النحورِ وتوردُ

من کان قاتلَ طلحةَ لمّا أتی

کاللیثِ یرعدُ للقتالِ ویزبدُ

وأبادَ أصحابَ اللواءِ وأصبحوا

مثلاً بهم یروی الحدیثُ ویُسندُ

هذا یُجرُّ وذاک یُرفعُ رأسُه

فی رأسِ منتصبٍ وذاک مقیّدُ

وبیومِ خیبرَ إذ برایةِ أحمدٍ

ولّی عتیقٌ والبریّةُ تشهدُ

ومضی بها الثانی فآب یجرُّها

ذلاّ یوبّخ نفسَه ویفنّدُ

حتی إذا رجعا تمیّز أحمدٌ

حرداً وحقّ له بذلک یحردُ

وغدا یحدِّثُ مُسمعاً من حولَهُ

والقولُ منه موفَّقٌ ومؤیَّدُ

إنّی لأعطی رایتی رجلاً وفی

بطلٌ بمختلسِ النفوسِ معوّدُ

رجلٌ یحبُّ الله ثمّ رسولَهُ

ویحبّه اللهُ العلیُّ وأحمدُ

حتی إذا جنحَ الظلامُ مضی علی

عجلٍ وأسفرَ عن صبیحته غدُ

قال ائت یا سلمانُ لی بأخی فقال

لَ الطهرُ سلمانٌ علیٌّ أرمدُ

ومضی وعاد به یُقادُ ألا لقد

شرُفَ المقودُ عُلاً وعزَّ القَیِّدُ

فجلا قذاهُ بتفلةٍ وکساه سا

بغةً بها الزردُ الحدید منضَّدُ (1)

فیدٌ تناولُه اللواءَ وکفُّهُ

الأُخری تُزرِّد درعَه وتُبنِّدُ

ومضی بها قدماً وآبَ مظفَّراً

مستبشراً بالنصرِ وهو مؤیَّدُف)

ص: 506


1- درع سابغة : واسعة ، والجمع سوابغ. الزرد : الدرع المزرودة یتداخل بعضها فی بعض ، والجمع زرود. (المؤلف)

وهوی بحدِّ السیفِ هامةَ مرحبٍ

فبراه وهو الکافرُ المتمرِّدُ

ودنا من الحصنِ الحصینِ وبابُهُ

مستغلقٌ حذرَ المنیّةِ موصدُ

فدحاه مقتلعاً له فغدا له

حسّان ثابت فی المحافلِ ینشدُ (1)

إنَّ امرأً حملَ الرتاجَ (2) بخیبرٍ

یومَ الیهودِ لقدره لمؤیّدُ

حمل الرتاجَ وماجَ باب قموصِها

والمسلمون وأهلُ خیبرَ تشهدُ

واسأل حنیناً حین بادرَ جرولٌ (3)

شاکی السلاحِ لفرصةٍ یترصَّدُ

حتی إذا ما أمکنته غشاهمُ

فی فیلقٍ یحکیه بحرٌ مزبدُ

وثوی قتیلاً أیمنٌ (4) وتبادرت

عُصَبُ الضلال لحتفِ أحمدَ تقصدُ

وتفرّقت أنصارُه من حولِهِ

جزعاً کأنّهمُ النعامُ الشرّدُ

ها ذاک منحدرٌ إلی وَهدٍ وذا

حذرَ المنیّةِ فوقَ تلعٍ یصعدُ

هلاّ سألتَ غداة ولّی جمعُهمْ

خوفَ الردی إن کنتَ من یسترشدُ

من کان قاتلَ جرولٍ ومذلَّ جی

شِ هوازنَ إلاّ الولیّ المرشدُ

کلٌّ له فقدَ النبیُّ سوی أبی

حسنٍ علیٍّ حاضرٌ لا یفقدُف)

ص: 507


1- مرّ شعر حسّان بن ثابت فی هذه المأثرة الکریمة وشرحه ، فی الجزء الثانی : ص 40. (المؤلف)
2- الرتاج : الباب العظیم. الباب المغلق وفیه باب صغیر. (المؤلف)
3- هو أبو جرول صاحب رایة هوازن یوم حنین ، کان یوم ذاک علی جمل له أحمر ، بیده رایة سوداء فی رأس رمح طویل أمام الناس وهوازن خلفه ، إذا أدرک طعن برمحه ، وإذا فاته الناس رفع رمحه لمن وراءه ، وکان یرتجز بقوله : أنا أبو جرول لا براح حتی یبیح القوم أو یباح فهوی له علیّ أمیر المؤمنین من خلفه فضرب عرقوبی الجمل فوقع علی عجزه ثمّ ضربه فقطره ثمّ قال : قد علم القوم لدی الصباح إنّی لدی الهیجاء ذو نضاح(لمؤلف)
4- أیمن - ابن أُمّ أیمن - بن عبید ، من المستشهدین فی غزوة حنین. (المؤلف)

ومبیتُهُ فوقَ الفراشِ مجاهداً

بمهادِ خیرِ المرسلین یُمهّدُ

وسواه محزونٌ خلال الغارِ من

حذر المنیّةِ نفسُهُ تتصعّدُ

وتعدُّ منقبةً لدیه وإنّها

إحدی الکبائرِ عند من یتفقّدُ

ومسیرُهُ فوق البساطِ مخاطباً

أهلَ الرقیمِ فضیلةٌ لا تُجحدُ

وعلیه قد رُدّت (1) ذُکاءُ وأحمدٌ

من فوقِ رکبتهِ الیمین موسَّدُ

وعلیه ثانیةً بساحةِ بابلٍ

رجعت کذا ورد الحدیث المسندُ

وولیُّ عهد محمدٍ أفهل تری

أحداً إلیه سواه أحمد یعهدُ

إذ قال إنّک وارثی وخلیفتی

ومغسِّلٌ لی دونهم ومُلَحّدُ

أم هل تری (2) فی العالمین

بأسرِهمْ

بشراً سواه ببیت مکّةَ یولدُ

فی لیلةٍ جبریلُ جاء بها مع ال

-ملأ المقدَّس حوله یتعبّدُ

فلقد سما مجداً علیُّ کما علا

شرفاً به دون البقاعِ المسجدُ

أم هل سواه فتیً تصدَّق (3) راکعاً

لمّا أتاه السائل المسترفدُ

المؤثر المتصدِّق المتفضّلُ ال

-متمسّکُ المتنسّکُ المتزهّدُ

الشاکرُ المتطوّعُ المتضرّعُ ال

-متخضّعُ المتخشّعُ المتهجّدُ

الصابرُ المتوکّلُ المتوسِّلُ ال

-متذلِّلُ المتململُ المتعبِّدُ

رجلٌ یتیهُ به الفخارُ مفاخراً

ویسود إذ یُعزی إلیه السؤددُ

إن یحسدوه علی عُلاه فإنّما

أعلی البریّة رتبةً من یُحسدُ

وتتبّعت أبناؤهم أبناءه

کلٌّ لکلٍّ بالأذی یتقصّدُ

حسدوه إذ لا رتبةٌ وفضیلةٌ

إلاّ بما هو دونهم متفرّدُف)

ص: 508


1- أسلفنا تفصیل القول فی فضیلة ردّ الشمس للإمام علیه السلام فی الجزء الثالث : ص 126 - 141. (المؤلف)
2- قد مرّ حدیث ولادته علیه السلام ببطن الکعبة المشرفة فی هذا الجزء ص 21 - 38. (المؤلف)
3- هذه الفضیلة فصّلنا القول فیها تفصیلاً فی : 2 / 47 و 3 / 156 - 166. (المؤلف)

بالله أُقسمُ والنبیِّ وآلِهِ

قسماً یفوزُ به الولیُّ ویسعدُ

لو لا الأُلی نقضوا عهودَ محمدٍ

من بعدِهِ وعلی الوصیِّ تمرّدوا

لم تستطعْ مَدّا لآل أُمیّةٍ

یومَ الطفوفِ علی ابنِ فاطمةٍ یدُ

بأبی القتیلَ المستضامَ ومن له

نارٌ بقلبی حرُّها لا یبردُ

بأبی غریبَ الدارِ منتهکَ الخبا

عن عُقرِ منزله بعیدٌ مفردُ

بأبی الذی کادت لفرطِ مصابِه

شمُّ الرواسی حسرةً تتبدّدُ

کتبت إلیه علی غرورِ أُمیّةٍ

سفهاً ولیس لهم کریمٌ یحمدُ

بصحائفٍ کوجوههم مسودّةٍ

جاءت بها رکبانُهمْ تتردّدُ

حتی توجّه واثقاً بعهودِهمْ

وله عیونهمُ انتظاراً ترصدُ

أضحی الذین أعدَّهمْ لعدوّهمْ

إلباً (1) جنودُهمُ علیهِ تُجنّدُ

وتبادروا یتسارعون لحربِهِ

جیشاً یُقاد له وآخرُ یُحشَدُ

حتی تراءی منهمُ الجمعانِ فی خرقٍ

وضمّهمُ هنالک فدفدُ (2)

ألفوه لا وَکِلاً ولا مستشعراً ذلاّ

ولا فی عزمِه یتردّدُ

ماضٍ علی عزمٍ یفلُّ بحدِّهِ

الماضی حدودَ البیضِ حین تُجَرَّدُ

مستبشراً بالحرب علماً أنّه

یتبوّأ الفردوسَ إذ یُستشهَدُ

فی أُسرةٍ من هاشمٍ علویّةٍ

عزّت أرومتُها وطاب المولدُ

وسراة أنصارٍ ضراغمةٍ لهمْ

أهوالُ أیّامِ الوقائع تشهدُ

یتسارعون إلی القتال یسابق ال

-کهلَ المسنَّ علی القتالِ الأمردُ

فکأنّما تلک القلوبُ تقلّبتْ

زبراً علیهنَّ الصفیح یضمّدُ (3)

وتخال فی إقدامِهمْ أقدامَهمْ

عُمداً علی صمِّ الجلامِد توقدُف)

ص: 509


1- الإلب : القوم تجمعهم عداوة واحد یقال : هم علی إلب واحد. (المؤلف)
2- الفدفد : الفلاة التی لا شیء بها.
3- الزبرة : القطعة الضخمة من الحدید والجمع زُبُر. الصفیح جمع الصفیحة : السیف العریض. (المؤلف)

جادوا بأنفسِهمْ أمامَ إمامِهمْ

والجودُ بالنفسِ النفیسةِ أجودُ

نصحوا غَنُوا غرسوا جَنَوا شادوا بَنَوا

قَرُبوا دنَوا سکنوا النعیم فخلّدوا

حتی إذا انتهبت نفوسَهمُ الظبا

من دون سیّدِهم وقلَّ المسعدُ

طافوا به فرداً وطوعُ یمینِهِ

متذلّقٌ ماضی الغرار مهنّدُ (1)

عضبٌ (2) بغیرِ جفونِ هاماتِ العدی

یومَ الکریهةِ حدُّه لا یغمَدُ

یسطو به ثبتُ الجَنانِ ممنّعٌ

ماضی العزیمةِ دارعٌ ومُزرّدُ

ندبٌ متی ندبوه (3) کرّ معاوداً

والأُسدُ فی طلبِ الفرائسِ عُوَّدُ

فیروعُهمْ من حدِّ غربِ حسامِهِ

ضربٌ یقدُّ به الجماجمَ أهودُ

یا قلبَهُ یومَ الطفوفِ أزبرةٌ

مطبوعةٌ أم أنت صخرٌ جلمدُ

فکأنّه وجوادَه وسنانَه

وحسامَه والنقعُ داجٍ أسودُ (4)

فلکٌ به قمرٌ وراه مذنَّبٌ

وأمامه فی جنح لیلٍ فرقدُ

فی ضیقِ معترکٍ تقاعصَ دونه

جرداءُ مائلةٌ وشیظم أجردُ (5)

فکأنّما فیه مسیلُ دمائِهمْ

بحرٌ تهیّجُه الریاحُ فیزبدُل.

ص: 510


1- الذلق : الحدّ. المتذلّق المحدّد الطرف. الماضی فاعل من مضی مضاء السیف : أی قطع. الغرار بالکسر : حدّ السیف. المهنّد : السیف المطبوع من حدید الهند. (المؤلف)
2- العضب : السیف القاطع ، ویقال : سیف عضب أی قاطع. والعضب : الرجل الحدید الکلام. (المؤلف)
3- الندب : السریع إلی الفضائل. الظریف النجیب. ندب فلاناً للأمر أو إلیه دعاه ووجّهه إلیه. (المؤلف)
4- هذا البیت وما بعده فی بعض النسخ یوجد کذا : فکأنّه وجوادَهُ وسنانَ صعدتِه ولیلُ النقع داجٍ أسود قمرٌ به فلکٌ یمرّ یؤمّه متقدّماً فی جنح لیلٍ فرقدُ (المؤلف)
5- تقاعص : من القعص وهو القتل المعجّل. یقال ، مات فلان قعصاً إذا أصابته ضربة فمات مکانه. الشیظم : الطویل الجسیم الفتیّ من الناس والخیل والإبل.

فکأنّ جُرْدَ الصافناتِ سفائنٌ

طوراً تعوم به وطوراً ترکدُ (1)

حتی شفی بالسیفِ غلّةَ صدرِهِ

ومن الزلال العذب لیس تبرّدُ

لهفی له یردُ الحتوفَ ودونَهُ

ماءُ الفراتِ محرّمٌ لا یوردُ

شزراً (2) یلاحظه ودونَ ورودِهِ

نارٌ بأطرافِ الأسنّةِ توقدُ

ولقد غَشَوهُ فضاربٌ ومفوّقٌ

سهماً إلیه وطاعنٌ متقصِّدُ

حتی هوی کالطودِ غیرَ مذمَّمٍ

بالنفسِ من أسفٍ یجود ویجهدُ

لهفی علیه مرمّلاً بدمائِهِ

تربَ الترائبِ بالصعید یوسّدُ

تطأ السنابکُ (3) منه صدراً طال ما

للدرسِ فیه وللعلومِ تردّدُ

ألقت علیه السافیاتُ ملابساً

فکسته وهو من اللباس مجرّدُ

خضبت عوارضَهُ دماه فخیّلت

شفقاً له فوق الصباح تورّدُ

لهفی لِفِتیَتِهِ خموداً فی الثری

ودماؤهم فوق الصعیدِ تبدّدُ

فکأنّما سیلُ الدماءِ علی عوا

رضِهمْ عقیقٌ ثمّ منه زبرجدُ

لهفی لنسوتِهِ برزنَ حواسراً

وخدودُهنَّ من الدموعِ تخدّدُ

هاتیک حاسرة القناع وهذه

عنها یُماط رِداً ویُنزعُ مِرودُ

ویقلن جهراً للجوادِ لقد هوی

من فوقِ صهوتِکَ الجوادُ الأجودُ

یا یومَ عاشوراءَ حسبُک إنّک ال

یومُ المشومُ بل العبوسُ الأنکدُ

فیک الحسینُ ثوی قتیلاً بالعرا

إذ عزَّ ناصرُه وقلَّ المُسعدُ

والتائبون الحامدون العابدو

ن السائحون الراکعون السجَّدُ

أضحت رءوسُهمُ أمام نسائِهمْ

قُدُماً تمیل بها الرماح وتأودُف)

ص: 511


1- الجرد - بفتح الجیم - : الترس [والجُرد : جمع أجرد وهو الفرس قصیر الشعر]. الصافنات جمع الصافن من صفن الفرس : قام علی ثلاث قوائم وطرف حافر الرابعة. تعوم : تسیر. (المؤلف)
2- شزر : نظر بجانب عینه مع إعراض أو غضب. (المؤلف)
3- السنبک : طرف الحافر. (المؤلف)

والسیّدُالسجّادُالجبری المصری یُحمَلُ صاغراً

ویُقادُ فی الأغلالِ وهو مقیّدُ

لا راحماً یشکو إلیه مصابَهُ

فی دارِ غربتِهِ ولا مُتودّدُ

یُهدی به وبرأسِ والدِه إلی

لکعٍ زنیمٍ کافرٍ یتمرّدُ

لا خیرَ فی سفهاءِ قومٍ عبدُهمْ

ملکٌ یطاعُ وحرُّهم مستعبدُ

یا عینُ إن نفدتْ دموعُکِ فاسمحی

بدمٍ ولستُ إخالُ دمعَکِ ینفدُ

أسفاً علی آلِ الرسولِ ومن بهمْ

رکنُ الهدی شرفاً یُشاد ویُعضدُ

منهم قتیلٌ لا یُجارُ ومن سُقی

سمّا وآخرُ عن حماه یشرَّدُ

ضاقت بلادُ اللهِ وهی فسیحةٌ

بهمُ ولیس لهم بأرضٍ مقعدُ

متباعدون لهم بکلِّ تنوفةٍ (1)

مستشهدٌ وبکلِّ أرضٍ مشهدُ

أَبَنی المشاعرِ والحطیمِ ومن هُمُ

حججٌ بهم تشقی الأنامُ وتسعدُ

أقسمتُ لا ینفکُّ حزنی دائماً

بکمُ ونارُ حشاشتی لا تخمدُ

بکم یمیناً لا جری فی ناظری

حزناً علیکم غیر دمعی مِرودُ

یفنی الزمانُ وتنقضی أیّامه

وعلیُّکم بکمُ الحزینُ المکمدُ

فلجسمِهِ حللُ السقامِ ملابسٌ

ولطرفِهِ حرُّ المدامعِ أثمدُ

ولو انّنی استمددتُ من عینی دماً

ویقلّ من عینی دماً یستمددُ

لم أقضِ حقَّکمُ علیَّ وکیف أن

تقضی حقوقَ المالکینَ الأعبُدُ

یا صفوةَ الجبّارِ یا مستودعی ال

-أسرارِ یا من ظلُّهم لی مقصدُ

عاهدتُکمْ فی الذرِّ معرفةً بکم

ووفیتُ أیماناً بما أتعهّدُ

ووعدتمونی فی المعادِ شفاعةً

وعلی الصراطِ غداً یصحّ الموعدُ

فتفقّدونی فی الحسابِ فإنّنی

ثقةً بکم لوجوهِکمْ أتقصّدُ

کم مدحةٍ لی فیکمُ فی طیِّها

حِکمٌ تفوز بها الرکاب وتنجدُف)

ص: 512


1- التنوفة : البرّیة لا ماء فیها ولا أنیس ، والجمع تنائف. (المؤلف)

وبناتُ أفکارٍ تفوق صفات أب

کارٍ یقوم لها القریضُ ویقعدُ

لیس النضارُ (1) لها نظیراً بل هی

الدرُّ المفصَّلُ لا الخلاصُ العسجدُ

هذا ولو أنّ العبادَ بأسرِهمْ

تحکی مناقبَ مجدِکمْ وتعدّدُ

لم یدرکوا إلاّ الیسیرَ وأنتمُ

أعلی علاً ممّا حکوه وأزیدُ

ولکان فی أُمّ الکتابِ کفایةٌ

عمّا تُنظّمُهُ الوری وتُنضّدُ

صلّی الإلهُ علیکمُ ما باکرتْ

وِرقٌ علی وَرقِ الغصونِ تُغرّدُ

وله من قصیدة یمدح بها مولانا أمیر المؤمنین علیه السلام ، وفیها من البدیع الجناس فی القوافی فی (56) بیتاً قوله :

یا روحَ قدسٍ من اللهِ البدیء بدا

وروحَ أُنسٍ علی العرش العلیِّ بدا

یا علّةَ الخلقِ یا من لا یُقاربُ خی

ر المرسلین سواه مشبهٌ أبدا

یا سرَّ موسی کلیمِ اللهِ حین رأی

ناراً فآنس منها للظلامِ هدی

ویا وسیلةَ إبراهیمَ حین خبتْ

نارُ ابنِ کنعانَ برداً والضرامُ هدا

أنت الذی قسماً لو لا علاک لما

کلّت لدی النحرِ عن نحر الذبیح مُدی

ولا غدا شملُ یعقوب النبیّ مع الص

-دِّیق مشتملاً من بعد طول مَدی

ألیَّةً بک لو لا أنت ما کشفت

مسرّة الأمنِ عن قلب النبیِّ صدی

ولا غدت عرصاتُ الکفر موحشةً

یبکی علیهنَّ من بعد الأنیسِ صدی (2)

یا من به کَمُلَ الدینُ الحنیفُ ولل

إسلامِ من بعدِ وهنٍ میلَهُ عضدا

وصاحبَ النصِّ فی خمٍّ وقد رفع الن

بیّ منه علی رغم العدا عَضُدا

أنت الذی اختارک الهادی البشیرُ أخاً

وما سواک ارتضی من بینهم أحدا

أنت الذی عجبتْ منه الملائکُ فی

بدرٍ ومن بعدِها إذ شاهدوا أُحداف)

ص: 513


1- النضار : الجوهر الخالص من التبر ، الذهب والفضة وقد غلب علی الذهب. (المؤلف)
2- الصدی : نوع من البوم یأوی إلی الأماکن الخربة المظلمة ویسمّی أیضاً : الهامة. (المؤلف)

وحقِّ نصرک للإسلامِ تکلؤه

حیاطةً بعد خطبٍ فادحٍ ورَدی

ما فصّلَ المجدُ جلباباً لذی شرفٍ

إلاّ وکان لمعناک البهیجِ رِدا

یا کاشفَ الکربِ عن وجه النبیِّ لدی

بدرٍ وقد کثرت أعداؤه عَددا

استشعروا الذلَّ خوفاً من لقاک وقد

تکاثروا عدداً واستصحبوا عُددا

ویومَ عمروِ بن ودِّ العامریّ وقد

سارتْ إلیک سرایا جیشه مَددا

أضحکتَ ثغرَ الهدی بشراً به وبکتْ

عینُ الضلالِ له بعد الدما مُددا

وفی هوازنَ لمّا نارُها استعرتْ

من عزمِ عزمِکَ یوماً حرُّها بردا

أجری حسامُک صوباً من دمائهمُ

هدراً وأمطرتهمْ من أسهم بَردا (1)

أقدمتَ وانهزمَ الباقون حین رأوا

علی النبیِّ محیطاً جحفلاً لَبدا (2)

لو لا حسامُکَ ما ولّوا ولا اطّرحوا

من الغنائمِ مالاً وافراً لُبدا (3)

إلی آخره

الشاعر

أبو الحسن علاء الدین الشیخ علیّ بن الحسین الحلّی الشهیفی (4) ، المعروف بابن الشهفیّة ، عالم فاضل ، وأدیب کامل ، وقد جمع بین الفضیلتین علم غزیر وأدب بارع بفکر نابغ ، ونظر صائب ، ونبوغ ظاهر ، وفضل باهر ، وجاء فی الطلیعة من شعراء أهل البیت علیهم السلام ، وقصائده الرنّانة السائرة الطافحة بالحجاج ، الزاهیة بالرقائق ، المشحونة بالدقائق ، المتبلّجة بالمحسّنات البدیعیّة علی جزالةٍ فی اللفظ ، وحصافةٍ فی

ص: 514


1- ثلج جامد ینزل من السحاب یسمّی حبّ الغمام وحبّ المزن. (المؤلف)
2- لبد القوم بالرجل : لزموه وأطافوا به. (المؤلف)
3- لبد بضمّ اللام ؛ أی الکثیر الجمّ. (المؤلف)
4- لم نعرف وجه هذه النسبة ونجد فی ضبطها اختلافاً فی النسخ بین الشهیفی ، والشفهینی ، والشهفینی ، والشفهی ، والشهیفینی. (المؤلف)

المعنی ، ومتانةٍ فی الأُسلوب ، وقوّةٍ فی المبنی ، ورصانةٍ فی النضد ، ورشاقةٍ فی النظیم فی مدائح أمیر المؤمنین ومراثی ولده الإمام السبط أعدل شاهد لعبقریّته ، وتقدّمه فی محاسن الشعر ، وثباته علی نوامیس المذهب ، واقتفائه أثر أئمّة دینه علیهم السلام. ولشیخنا الشهید الأوّل معاصره المقتول سنة (786) شرح إحدی قصائده وهی الغدیریّة الثانیة المذکورة ، ولمّا وقف المترجم علی ذلک الشرح فخر به ومدح الشارح بمقطوعة.

ترجمه وأثنی علیه بالعلم والفضل والأدب القاضی فی المجالس (1) ، وشیخنا الحرّ فی أمل الآمل (2) ، والمیرزا صاحب ریاض العلماء (3) ، وسیّدنا مؤلّف ریاض الجنّة ، وابن أبی شبانة فی تتمیم الأمل وغیرهم.

وقصائده السبع الطوال التی أوعز إلی عددها فی بعضها ، وهی التی رآها صاحب ریاض العلماء بخطِّ العلاّمة الشیخ محمد بن علیّ بن الحسن الجباعی العاملی تلمیذ ابن فهد الحلّی المتوفّی (841) ، وقفنا منها علی عدّة نسخ ، إحداها غدیریّته الأُولی المذکورة ، وإلیک الستّ الباقیة :

القصیدة الأولی

ذهبَ الصبا وتصرّمَ العمرُ

ودنا الرحیلُ وقوّضَ السفرُ

ووهتْ قواعدُ قوّتی وذوی

غصنُ الشبیبة وانحنی الظهرُ

وبکت حمائمُ دوحتی أسفاً

لمّا ذوت عذباتُها الخضرُ

وخلت من الینع الجنیِّ فلا

قطفٌ بها یُجنی ولا زهرُ

وتبدّلت لذهابِ سندسِها

ذهبیّةٌ أوراقُها الصفرُ

وتغیّبت شمسُ الضحی فخلا

للبیض عن أوطانیَ النفرُ7.

ص: 515


1- مجالس المؤمنین : 2 / 571.
2- أمل الآمل : 2 / 190 رقم 565.
3- ریاض العلماء : 3 / 427.

وجَفوننِی بعد الوصالِ فلا

هَدیٌ یقرِّبنی ولا نحرُ

وهجرن بیتی أن یطفنَ به

ولهنَّ فی هجرانِه عذرُ

ذهبت نضارةُ منظری وبدا

فی جنحِ لیلِ عذاریَ الفجرُ

وإذا الفتی ذهبتْ شبیبتُه

فیما یضرُّ فربحُه خسرُ

وعلیه ما اکتسبتْ یداه إذا

سکنَ الضریحَ وضمّه القبرُ

وإذا انقضی عمرُ الفتی فرطاً

فی کسبِ معصیةٍ فلا عمرُ

ما العمرُ إلاّ ما به کثُرتْ

حسناتُه وتضاعفَ الأجرُ

ولقد وقفتُ علی منازلِ من

أهوی وفیضُ مدامعی غمرُ

وسألتُها لو أنّها نطقتْ

أم کیف ینطقُ منزلٌ قفرُ

یا دارُ هل لکِ بالأُلی رحلوا

خَبرٌ وهل لمعالمٍ خُبرُ

أین البدورُ بدورُ سعدِک یا

مغنی وأین الأنجمُ الزهرُ

أین الکفاةُ ومن أکفُّهم

فی النائبات لمُعسرٍ یسرُ

أین الربوعُ المخصباتُ إذا

عفتِ السنون وأعوز البشرُ

أین الغیوث الهاطلات إذا

بخل السحابُ وأَنجمَ القطرُ (1)

ذهبوا فما وأبیک بعدهمُ

للناس نیسانٌ ولا غمرُ

تلک المحاسنُ فی القبورِ علی

مرِّ الدهور هوامدٌ دثرُ

أبکی اشتیاقاً کلّما ذُکِروا

وأخو الغرام یهیجُه الذکرُ

ورجوتهم فی منتهی أجلی

خلفاً فأخلف ظنّیَ الدهرُ

فأنا الغریبُ الدارِ فی وطنی

وعلی اغترابی ینقضی العمرُ

یا واقفاً فی الدارِ مفتکراً

مهلاً فقد أودی بک الفکرُ

إن تُمسِ مکتئباً لبینهمُ

فعقیب کلِّ کآبةٍ وَزرُ (2)ف)

ص: 516


1- أنجم المطر : أقلع.
2- الوزر - بفتح الواو وتالیها - : الملجأ. (المؤلف)

هلاّ صبرتَ علی المصاب بهمْ

وعلی المصیبةِ یُحمدُ الصبرُ

وجعلتَ رزءَکَ فی الحسینِ ففی

رزءِ ابن فاطمةٍ لک الأجرُ

مکروا به أهلُ النفاقِ وهل

لمنافقٍ یستبعد المکرُ

بصحائفٍ کوجوههم وردت

سوداً وفحوُ کلامِهم هجرُ

حتی أناخَ بعقرِ ساحتهمْ

ثقةً تأکّدَ منهم الغدرُ

وتسارعوا لقتالِهِ زمراً

ما لا یحیط بعدِّه حصرُ

طافوا بأروعَ (1) فی عرینتهِ

یحمی النزیل ویأمن الثغرُ

جیشٌ لُهامٌ یوم معرکةٍ

ولیوم سلمٍ واحدٌ وترُ (2)

فکأنّهم سربٌ قد اجتمعتْ

إلفاً فبدّد شملَها صقرُ

أو حاذرٌ ذو لبدة وجمتْ

لهجومِهِ فی مرتعٍ عفرُ (3)

یا قلبه وعِداه من فَرَقٍ

فِرَقٌ وملءُ قلوبِهم ذعرُ

أمن الصلابِ الصلب أم زبرٌ

طبعت وصبَّ خلالها قطرُ

وکأنّه فوق الجواد وفی

متن الحسام دماؤهم هدرُ

أسدٌ علی فلکٍ وفی یدِه ال

مرِّیخ قانی اللون محمرُّ

حتی إذا قرب المدی وبه

طاف العدی وتقاصرَ العمرُ

أردوه منعفراً تمجُّ دماً

منه الظبا والذّبل السمرُ

تطأُ الخیولُ إهابَه وعلی ال

-خدِّ التریبِ لوطیِها أثرُ

ظامٍ یبلّ أُوام غلّته

ریّا یفیضُ نجیعه النحرُ (4)د.

ص: 517


1- الأروع : من یعجب الناس بحسنه أو شجاعته. (المؤلف)
2- جیش لُهام : أی کثیر یلتهم کلّ شیء.
3- الحاذر : المتأهّب المستعد. اللبدة - بالکسر والضم - : الشعر المجتمع بین کتفی الأسد. الوجم والوجوم : السکوت والعجز من الغیظ أو الخوف والإمساک عن أمر کرهاً. العفر : بالکسر والضمّ - : الخنزیر ، الشجاع ، الغلیظ الشدید. (المؤلف)
4- الأُوام : العطش الشدید.

تأباه إجلالاً فتزجرُها

فئةٌ یقودُ عصاتَها شمرُ

فتجول

فی صدرٍ أحاط علی

علم النبوّة ذلک الصدرُ

بأبی القتیلَ ومن بمصرعِه

ضعفَ الهدی وتضاعفَ الکفرُ

بأبی الذی أکفانه نُسجت

من عِثْیَرٍ وحنوطه عفرُ (1)

ومغسَّلاً بدمِ الوریدِ فلا

ماءٌ أُعدَّ له ولا سِدرُ

بدرٌ هوی من سعدِهِ فبکی

لخمودِ نورِ ضیائِه البدرُ

هوتِ النسورُ علیه عاکفةً

وبکاه عند طلوعِهِ النسرُ

سلبت یدُ الطلقاءِ مِغفرَهُ

فبکی لسلبِ المِغفرِ العفرُ

وبکت ملائکةُ السماءِ له

حزناً ووجه الأرض مغبرُّ

والدهرُ مشقوق الرداء ولا

عجبٌ یشقُّ رداءَه الدهرُ

والشمسُ ناشرة ذوائبَها

وعلیه لا یُستقَبحُ النشرُ

برزت له فی زیِّ ثاکلةٍ

أثیابُها دمویّةٌ حمرُ

وبکت علیه المعصراتُ دماً

فأدیمُ خدِّ الأرضِ محمرُّ

لا عذرَ عندی للسماءِ وقد

بخلتْ ولیس لباخلٍ عذرُ

تبکی دماً لمّا قضی عطشاً

لِم لا بکی حبّا له القطرُ

وکریمةُ المقتولِ یوجدُ من

دمِهِ علی أثوابِها أثرُ

بأبی کریماتِ الحسینِ وما

من دونهنّ لناظرٍ سترُ

لا ظلُّ سجفٍ یکتنفن به

عن کلِّ أفّاکٍ ولا خِدرُ

ما بین حاسرةٍ وناشرةٍ

برزت یواری شعرها (2) العشرُ

یندبنَ أکرمَ سیّدٍ ظفرتْ

لأقلِّ أعبدِهِ به ظفرُ

ویقلن جهراً للجواد وقد

أمَّ الخیامَ عُقِرتَ یا مهرُف)

ص: 518


1- العِثْیر : الغبار.
2- وفی بعض النسخ : نشرها. (المؤلف)

ما بالُ سرجِک یا جواد من الن

-دبِ الجواد أخی العلی صِفرُ

آهاً لها نارٌ تأجّجُ فی

صدری فلا یُطفی لها حرُّ

أیموتُ ظمآناً حسینٌ وفی

کلتا یدیه من الندی بحرُ

وبنوه فی ضیقِ القیودِ ومن

ثقلِ الحدید علیهمُ وقرُ

حُملوا علی الأقتابِ عاریةً

شعثاً ولیس لکسرِهم جبرُ

تسری بهم خوضُ الرکابِ

وللطلقاءِ فی أعقابِها زجرُ

لا راحمٌ لهمُ یرقُّ ولا

فیما أصابهمُ له نکرُ

ویزید فی أعلی القصورِ له

تشدو القیانُ وتُسکَبُ الخمرُ

ویقول جهلاً والقضیب به

تدمی شفاهُ حسینِ والثغرُ

یا لیت أشیاخی الأُلی شهدوا

لسراة هاشم فیهمُ بدرُ

شهدوا الحسینَ وشطرُ أُسرتِهِ

أسری ومنهم هالکٌ شطرُ

إذ لاستهلّوا فیهمُ فرحاً

کأبی غداة غزاهمُ بسرُ (1)

ویقول وزراً إذ بطشت بهم

لا خفّ عنه ذلک الوزرُ

زعموا بأن سنعودُ ثانیةً

وأبیک لا بعثٌ ولا نشرُ

یا ابن الهداةِ الأکرمین ومن

شرفُ الفخارِ بهم ولا فخرُ

قسماً بمثواک الشریفِ وما

ضمّت منی والرکن والحجرُ (2)

فهمُ سواء فی الجلالة إذ

بهمُ التمامُ یحلُّ والقصرُ

تعنو به الألباب تلبیةً

ویطوف ظاهر حجرهِ الحجرُ

ما طائرٌ فقد الفراخَ فلا

یُؤویه بعد فراخِهِ وکرُف)

ص: 519


1- أشار إلی حرب صفّین ، وبسر هو ابن أرطاة أحد الرجلین اللذین کشفا عن سوأتهما یوم ذاک من بأس أمیر المؤمنین وتخلّصا من سطوته ، کما مرّ حدیثه فی : 2 / 156. (المؤلف)
2- وفی بعض النسخ : والخیف بدل الرکن. (المؤلف)

بأشدَّ من حزنی علیک ولا

الخنساءُ جدّد حزنَها صخرُ (1)

ولقد وددتُ بأن أراک وقد

قلّ النصیرُ وفاتَکَ النصرُ

حتی أکونَ لک الفداءَ کما

کرماً فداک بنفسه الحرُّ (2)

ولئن تفاوتَ بیننا زمنٌ

عن نصرِکمْ وتقادم العصرُ

فلأبکینّکَ ما حییتُ أسیً

حتی یواری أعظمی القبرُ

ولأمنحنّکَ کلَّ نادبةٍ

یعنو لنظمِ قریضِها الشعرُ

أبکارُ فکری فی محاسنِها

نظمٌ وفیضُ مدامعی نثرُ

ومصابُ یومک یا ابن فاطمةٍ

میعادنا وسلوّنا الحشرُ

أو فرحةٌ بظهورِ قائِمکمْ

فیها لنا الإقبال والبشرُ

یوماً تردّ الشمس ضاحیةً

فی الغرب لیس لعرفها نکرُ

وتکبِّر الأملاکُ مسمعةً

إلاّ لمن فی أُذنه وقرُ

ظهر الإمامُ العالمُ العلَمُ ال

برّ التقیّ الطاهر الطهرُ

من رکنِ بیتِ الله حاجبُه

عیسی المسیحُ وأحمدُ الخضرُ

فی جحفلٍ لَجبٍ یکاد بهمْ

من کثرةٍ یتضایق القُطرُ

فهمُ النجومُ الزاهراتُ بدا

فی تمّه من بینها البدرُ

عجّل قدومَکَ یا ابن فاطمةٍ

قد مسّ شیعةَ جدِّکَ الضرُّ

علماؤهم تحت الخمولِ فلا

نفعٌ لأنفسهم ولا ضرُّ

یتظاهرون بغیر ما اعتقدوا

لا قوّة لهم ولا ظهرُ

استعذبوا مرَّ الأذی فَحَلا

لهم ویحلو فیکمُ المرُّ

فهم الأقلُّ الأکثرون ومن

ربِّ العبادِ نصیبهمْ وَفرُف)

ص: 520


1- صخر بن عمرو بن الشرید ، کانت الخنساء أُخته ملهوفة القلب علی موته ، ولم تزل ترثیه وتبکیه حتی عمیت. (المؤلف)
2- الحرّ بن یزید الریاحی ، أوّل قتیل سعید بین یدی الإمام السبط یوم کربلاء. (المؤلف)

أعلامُ دینٍ رُسَّخٍ لهمُ

فی نشر کلِّ فضیلةٍ صدرُ

فکفاهمُ فخراً إذا افتخروا

ما دام حیّا فیهمُ الفخرُ

وصلوا نهارَهمُ بلیلهمْ

نظراً وما لوصالِهم هجرُ

وطووا علی مَضضٍ سرائرَهمْ

صبراً ولیس لطیّها نشرُ

حتی یفضَّ ختامَها وبکمْ

یطفی بُعید شرارِها الشرُّ

یا غائبینَ متی بقربکمُ

من بَعد وهن یُجبرُ الکسرُ

الفیءُ مقتسَمٌ لغیرِکمُ

وأکفُّکمْ من فیئکمْ صفرُ

والمال حلٌّ للعصاةِ ویُح

-رَمُه الکرامُ السادةُ الغرُّ

فنصیبهمْ منه الأعمُّ علی

عصیانِهمْ ونصیبُکمْ نزرُ

یُمسون فی أمنٍ ولیس لهم

من طارقٍ (1) یغتالهم حذرُ

ویکاد من خوفٍ ومن جزعٍ

بکمُ یضیق البرُّ والبحرُ

ویقول بعد سبعة أبیات :

وإذا ذُکرتمْ فی محافلهمْ

فوجوههمْ مُربِدةٌ صُفرُ

یتمیّزون لذکرکمْ حنقاً

وعیونُهم مُزورّةٌ خزرُ

وعلی المنابرِ فی بیوتکمُ

لأُولی الضلالةِ والعمی ذِکرُ

حال یسوء ذوی النهی وبه

یستبشر المتجاهل الغمرُ

ویصفِّقون علی أکفّهمُ

فرحاً إذا ما أقبل العشرُ

جعلوه من أهنی مواسمهم

لا مرحباً بک أیّها الشهرُ

تلک الأناملُ من دمائِکمْ

یوم الطفوف خضیبةٌ حمرُ

فتوارثَ الهمجُ الخضابَ فمن

کفر تولّدَ ذلک الکفرُ

نبکی فیضحکُهمْ مصابکُمُ

وسرورُهمْ بمصابِکمْ نکرُف)

ص: 521


1- فی بعض النسخ : من طارقٍ یغشاهم خدر. (المؤلف)

تالله ما سرّوا النبیّ ولا

لوصیّه بسرورِهمْ سرّوا

فإلی مَ هذا الإنتظارُ وفی

لهواتِنا من صبرِنا صَبرُ (1)

لکنّه لا بدَّ من فرجٍ

والأمرُ یحدثُ بعده الأمرُ

أبنی المفاخرِ والذین علا

لهمُ علی هامِ السها (2) قدرُ

أسماؤکم فی الذکرِ معلنةٌ

یجلو محاسنَها لنا الذکرُ

شهدت بها الأعرافُ معرفةً

والنحلُ والأنفالُ والحجرُ

وبراءةٌ شهدتْ بفضلِکمُ

والنورُ والفرقانُ والحشرُ

وتعظّم التوراةُ قدرَکمُ

فإذا انتهی سِفرٌ حکی سفرُ

ولکم مناقبُ قد أحاط بها ال

إنجیلُ حارَ لوصفِها الفکرُ

ولکم علومُ الغائباتِ فمن

-ها الجامعُ المخزونُ والجفرُ

هذا ولو شجرُ البسیطةِ أقلا

مٌ وسبعةُ أبحرٍ حبرُ

وفسیح هذی الأرض مجملةً

طرسٌ فمنها السهلُ والوعرُ

والإنسُ والأملاکُ کاتبةٌ

والجنُّ حتی ینقضی العمرُ

لیعدِّدوا ما فیه خصّکمُ

ذو العرشِ حتی ینفد الدهرُ

لم یذکروا عُشرَ العشیر وهل

یحصی الحصی أو یحصر الذرُّ

فأنا المقصّرُ فی مدیحِکمُ

حصراً فما لمقصّرٍ عذرُ

ولقد بلوتُ من الزمانِ ولی

فی کلّ تجربةٍ بهمُ خُبرُ

فوجدت ربَّ الفقرِ محتقراً

وأخو الغنی یزهو به الکِبرُ

فقطعتُ عمّا خُوّلوا أملی

ولذی الجلالِ الحمد والشکرُ

وثنیتُ نحوکمُ الرکابَ فلا

زیدٌ نؤمّلُه ولا عمروم.

ص: 522


1- لهوات جمع لهات وهی : اللحمة المشرفة علی الحلق فی أقصی سقف الفم. الصبر - بالفتح - : عصارة شجر مرّ. (المؤلف)
2- السها : کویکب صغیر خفیّ الضوء ، والناس یمتحنون به أبصارهم.

حتی إذا أمّت جنابَکمُ

ومن القریضِ حمولُها دُرُّ

آبتْ من الحسناتِ مثقلةً

فأنا الغنیُّ بکم ولا فقرُ

سمعاً بنی الزهراءِ سائغةً

ألفاظُها من رقّةٍ سحرُ

عبقتْ مناقبُکمْ بها فذکا

فی کلّ ناحیةٍ لها عطرُ

یرجو علیُّ بها النجاةَ إذا

مُدَّ الصراطُ وأعوزَ العبرُ

أعددتُها یومَ القیامةِ لی

ذخراً ونعمَ لدیکمُ الذخرُ

فتقبّلوها من ولیّکمُ

بکراً فنعم الغادةُ البکرُ

فقبولُکمْ نعم القرینُ لها

وهی العروسُ فبورک الصهرُ

لکمُ علیَّ کمالُ زینتِها

ولی الجنانُ علیکمُ مهرُ

أنا عبدُکمْ والمستجیرُ بکُم

وعلیَّ من مرحِ الصبا إصرُ

فتعطّفوا کرماً علیَّ وقد

یتفضّلُ المتعطّفُ البرُّ

وتفقّدونی فی الحسابِ کما

فقد العبیدَ المالکُ الحرُّ

صلّی الإلهُ علیکمُ أبداً

ما جنّ لیلٌ أو بدا فجرُ

وعلیکمُ منّی التحیّةُ ما

سحَّ الحیا وتبسّم الزهرُ (1)

القصیدة الثانیة

أبرقٌ تراءی عن یمین ثغورِها (2)

أم ابتسمت عن لؤلؤٍ من ثغورِها (3)

ومرّت بلیلٍ فی بَلیلِ (4) عراصها

بنا نسمةٌ أم نفحةٌ من عبیرِها

وطلعةُ بدرٍ أم تراءت عن اللوی

لعینیک لیلی من خلال ستورِهاف)

ص: 523


1- أعیان الشیعة : 8 / 197.
2- الثغر : الحدّ بین المتعادیین وکلّ فرجة فی جبل أو وادٍ. (المؤلف)
3- الثغر : مقدّم الأسنان. (المؤلف)
4- البلیل والبلیلة : الریح الباردة مع ندی. (المؤلف)

نعم هذه لیلی وهاتیک دارُها

بسقطِ اللوی یغشاک لألاءُ نورِها (1)

سلامٌ علی الدارِ التی طالما غدت

جلاءً لعینی درّةٍ من درورِها (2)

وما عطفتْ بالصبِّ میلاً إلی الصبا

بها شغفاً إلاّ بدورٌ بدورِها

قضیت بها عصرَ الشباب بریئةً

من الریبِ ذاتی مع ذوات خدورِها

أتمّ جمالاً من جمیلٍ وسؤدداً

وأکثرُ کسباً للعلی من کثیرِها

وبتُّ بریئاً من دنوِّ دناءةٍ

أُعاتب من محظورِها وخطیرِها

لعلمی بأنِّی فی المعادِ مناقشٌ

حساباً علی قطمیرِها ونقیرِها

وما کنت من یسخو بنفسٍ نفیسةٍ

فأرخص بذلاً سعرها بسعیرها

وأجمل ما یعزی إلی المجد عزوةً

غدا مسفراً بالبشر وجه بشیرها

أعذرٌ لمبیضِّ العذار إذا صبا

وأکبر مقتاً صبوةٌ من کبیرها

کفی بنذیرِ الشیبِ نهیاً لذی النهی

وتبصرة فیها هدیً لبصیرِها

وما شبتُ إلاّ من وقوعِ شوائبٍ

لأصغرِها یبیضُّ رأسُ صغیرِها

ولولا مصابُ السبطِ بالطفِّ ما بدا

بلیلِ عذاری السبط وخْطُ قتیرِها (3)

رمته بحربٍ آلُ حربٍ وأقبلتْ

إلیه نفوراً فی عدادِ نفورِها

تقود إلیه القودَ فی کلِّ جحفلٍ

إلی غارةٍ معتدّةٍ من مغیرِها

وما عدلتْ فی الحکمِ بل عدلتْ به

وقائعَ صفّینٍ ولیلَ هریرِها

وعاضدها فی غیِّها شرُّ أُمّة

علی الکفرِ لم تسعدْ برأیِ مشیرِها

خلاف سطورٍ فی طروسٍ تطلّعتْ

طلائع غدرٍ فی خلالِ سطورِهاه.

ص: 524


1- السقط : ناحیة الخباء. اللوی : ما التوی وانعطف من الرمل أو مسترقّه والجمع ألواء ، وهو وادٍ من أودیة بنی سلیم. ویوم اللوی : وقعة کانت فیه لبنی ثعلبة علی بنی یربوع. وقد أکثرت الشعراء من ذکره وخلطت بین هذا وذاک وعزّ الفصل بینهما [معجم البلدان : 5 / 23]. (المؤلف)
2- وفی بعض النسخ : ذرّة من ذرورها. (المؤلف)
3- القتیر : الشیب أو هو أول ما یظهر منه.

فحین أتاها واثقَ القلبِ أصبحتْ

نواظرُها مزورّةً غبّ زورِها

فما أوسعتْ فی الدینِ خرقاً ولا سعتْ

إلی جورِها إلاّ لترکِ أُجورِها

بنفسیَ إذ وافی عصاة عصابة

غرارُ الظبا مشحوذة من غرورِها

قؤولاً لأنصارٍ لدیه وأُسرةٍ

لذی العرش سرٌّ مودعٌ فی صدورِها

أُعیذکم أن تطعموا الموتَ فاذهبوا

بمغفرةٍ مرضیّةٍ من غفورِها

فأجمل فی ردّ الندا کلُّ ذی ندی

ینافسُ عن نفسٍ بما فی ضمیرِها

أعن فَرَقٍ نبغی الفراقَ وتصطلی

وحیداً بلا عونٍ شرارَ شرورِها

وما العذرُ فی الیومِ العصیبِ لعصبةٍ

وقد خفرت یوماً ذمامَ خفیرِها (1)

وهل سکنتْ روحٌ إلی روحِ جنّةٍ

وقد خالفت فی الدین أمر أمیرِها

أبی اللهُ إلاّ أن تُراقَ دماؤنا

ونُصبح نهباً فی أکفِّ نسورها

وثابوا إلی کسبِ الثوابِ کأنَّهم

أُسود الشری فی کرِّها وزئیرِها

تهشُّ إلی الأقدامِ علماً بأنّها

تحلُّ محلَّ القدسِ عند مصیرِها

قضت فقضت من جنّةِ الخلدِ سؤلَها

وسادت علی أحبارِها بحبورِها

وهان علیها الصعبُ حین تأمّلتْ

إلی قاصراتِ الطرفِ بین قصورِها

وما أنس لا أنسی الحسینَ مجاهداً

بنفسٍ خلت من خلّها وعشیرِها

یصولُ إذا زرقُ النصولِ تأوّهتْ

لنزعِ قنیٍّ أعجمتْ من صریرِها (2)

تری الخیلَ فی أقدامِها منه ما تری

محاذرةً إن أمَّها من هصورِها

فتصرفُ عن بأسٍ مخافةَ بأسِهِ

کما جفلتْ کدرُ القطا من صقورِهاف)

ص: 525


1- أخفر الذمة : لم یفِ بها ، خفیر القوم : مجیرهم الذی یکونون فی ضمانه.
2- وفی بعض النسخ : یصول إذا زرقُ النصولِ تأوّدت ِ لقرع قسیّ أعجمت عن صریرها (المؤلف)

یُفلّق هاماتِ الکماةِ حسامُهُ

له بدلاً من جفنِها وجفیرِها (1)

فلا فرقةٌ إلاّ وأوسعَ سیفَهُ

بها فرقاً أو فرقة من نفورِها

أجدّک هل سمر العواسل تجتنی

لکم عسلاً مستعذباً من مریرِها

أم استنکرت أُنس الحیاةِ نفاسةً

نفوسکمُ فاستبدلت أُنسَ حورِها

بنفسیَ مجروحَ الجوارحِ آیساً

من النصر خلواً ظهرُهُ من ظهیرِها

بنفسیَ محزوزَ الوریدِ معفّراً

علی ظماً من فوقِ حرِّ صخورِها

یتوق إلی ماءِ الفراتِ ودونه

حدودُ شفارٍ أحدقت بشفیرِها

قضی ظامیاً والماءُ یلمعُ طامیاً

وغودر مقتولاً دُوَینَ غدیرِها

هلال دجیً أمسی بحدِّ غروبِها

غروباً علی قیعانِها ووعورِها

فیا لک مقتولاً علتْ بهجةَ العلی

به ظلمةٌ من بعد ضوء سفورِها

وقارن قَرنَ الشمسِ کسفٌ ولم تعدْ

نظارتُها حزناً لفقدِ نظیرِها

وأعلنتِ الأملاک نَوْحاً وأعولت

له الجنّ فی غیطانها وحفیرِها

وکادت تمورُ الأرضُ من فرط حسرةٍ

علی السبطِ لو لا رحمةٌ من مُمیرِها

ومرّت علیهم زعزعٌ لتذیقَهم

مریرَ عذابٍ مهلکٍ بمریرِها

أسفتْ وقد آبوا نجیّا ولم ترح

لهم دابرٌ مقطوعة بدبورِها

وأعجبُ إذ شالتْ کریم کریمها

لتکبیرها فی قتلِها لکبیرِها

فیا لکِ عیناً لا تجفُّ دموعُها

وناراً یذیب القلبَ حرُّ زفیرِها

علی مثلِ هذا الرزءِ یستحسنُ البکا

وتقلعُ منّا أنفسٌ عن سرورِها

أیُقتَلُ خیرُ الخلق أُمّا ووالداً

وأکرمُ خلقِ اللهِ وابنُ نذیرِها

ویُمنعُ من ماءِ الفراتِ وتغتدی

وحوش الفلا ریّانةً من نمیرِها

أُجلُّ حسیناً أن یمثّل شخصُهُ

بمثلةِ قتلٍ کان غیرَ جدیرِهاف)

ص: 526


1- الکماة جمع الکمی - کغنی - : الشجاع أو لابس السلاح. الجفیر : جعبة من جلود لا خشب فیها أومن خشب لا جلود فیها. (المؤلف)

یدیرُ علی رأسِ السنانِ برأسِهِ

سنانٌ ألا شلّتْ یمینُ مُدیرِها

ویُؤتی بزینِ العابدینِ مکبّلاً

أسیراً ألا روحی الفدا لأسیرِها

یُقاد ذلیلاً فی القیودِ ممثَّلاً

لأکفرِ خلقِ اللهِ وابنِ کفورِها

ویمسی یزیدٌ رافلاً فی حریرِهِ

ویمسی حسینٌ عاریاً فی حرورِها

ودار بنی صخرِ بنِ حربٍ أنیسةٌ

بنشدِ أغانیها وسکبِ خمورِها

تظلُّ علی صوتِ البغایا بغاتُها

بها زمرٌ تلهو بلحنِ زمورِها

ودارُ علیٍّ والبتولِ وأحمدٍ

وشبّرها مولی الوری وشبیرها

معالمُها تبکی علی علمائِها

وزائرُها یبکی لفقد مَزورِها

منازلُ وحیٍ أقفرتْ فصدورُها

بوحشتها تبکی لفقد صدورِها

تظلُّ صیاماً أهلُها ففطورُها

التلاوةُ والتسبیحُ فضلُ سحورِها

إذا جنّ لیلٌ زان فیه صلاتَهم

صِلاتٌ فلا یحصی عدادُ یسیرِها

وطول علی طولِ الصلاةِ ومن غدا

مُقیماً علی تقصیرِه فی قصیرِها

قفا نسألِ الدارَ التی درسَ البلی

معالمَها من بعدِ درسِ زبورِها

متی أَفلَتْ عنها شموسُ نهارِها

وأظلمَ ظلماً أُفقُها من بدورِها

بدورٌ بأرضِ الطفِّ طافَ بها الردی

فأهبطها من جوِّها فی قبورِها

کواسرُ عقبانٍ علیها تعاقبتْ

بغاثٌ بغاةٌ إذ نأتْ عن وکورِها (1)

قضت عطشاً والماءُ طامٍ فلم تجدْ

لها منهلاً إلاّ دماءَ نحورِها

عراةٌ عراها وحشة فأذاقَها

وقد رمیت بالهجرِ حرّ هجیرِها

ینوحُ علیها الوحشُ من طولِ وحشةٍ

وتندبها الأصداء (2) عند بکورِهاف)

ص: 527


1- الکواسر جمع الکاسرة : یقال : عقاب کاسر : منقضّ یکسر جناحیه یرید الوقوع ، أو یکسر مایصیده کسراً. عقبان جمع العقاب : طائر قویّ المخالب. بغاث : طائر أغبر بطیء الطیران. (المؤلف)
2- الأصداء جمع الصدی : أی الموتی یقال : هم الیوم أعداء وهم غداً أصداء. والصدی نوع من البوم کما مرّ : ص 365. (المؤلف)

سیُسأَلُ تیمٌ عنهمُ وعدیُّها

أوائلُها ما أکّدتْ لأخیرِها

ویُسألُ عن ظلمِ الوصیِّ وآلهِ

مشیرُ غواةِ القومِ من مستشیرِها

وما جرَّ یومَ الطفِّ جورَ أُمیّة

علی السبط إلاّ جرأة ابن أجیرِها

تقمّصَها ظلماً فأعقبَ ظلمهُ

تعقّبَ ظلمٍ فی قلوبِ حمیرِها

فیا یومَ عاشوراءَ حسبُکَ أنَّک ال

مشوم وإن طال المدی من دهورِها

لأنت وإن عُظّمتَ أعظمُ فجعةٍ

وأشهرُ عندی بدعةً من شهورِها

فما محنُ الدنیا وإن جلَّ خطبُها

تشاکلُ من بلواک عُشرَ عشیرِها

بنی الوحی هل من بعدِ خبرةِ ذی العلی

بمدحکمُ من مدحةٍ لخبیرِها

کفی ما أتی فی هل أتی من مدیحِکمْ

وأعرافِها للعارفین وطورِها

إذا رمتُ أن أجلو جمالَ جمیلِکمْ

وهل حَصِرٌ یُنهی صفاتِ حصورِها

تضیق بکم ذرعاً بحورُ عروضِها

ویحسدُکمْ شحّا عریضُ بحورِها

منحتکمُ شکراً ولیس بضائعٍ

بضائعُ مدحٍ منحةً من شکورِها

أقیلوا عثاری یوم لا فیه عثرةٌ

تُقال إذا لم تشفعوا لعثورِها

فلی سیئات بتُّ من خوفِ نشرِها

علی وجلٍ أخشی عقاب نشورِها

فما مالکٌ یومَ المعادِ بمالکی

إذا کنتمُ لی جُنّةً من سعیرِها

وإنّی لمشتاقٌ إلی نور بهجةٍ

سنا فجرِها یجلو ظلامَ فجورِها

ظهور أخی عدلٍ له الشمسُ آیةٌ

من الغربِ تبدو معجزاً فی ظهورِها

متی یجمعُ اللهُ الشتات وتجبر ال

قلوبُ التی لا جابرٌ لکسیرِها

متی یظهرُ المهدیُّ من آل هاشمٍ

علی سیرةٍ لم یبقَ غیرُ یسیرِها

متی تقدِمُ الرایات من أرض مکةٍ

ویضحکنی بشراً قدومُ بشیرِها

وتنظرُ عینی بهجةً علویّةً

ویسعد یوماً ناظری من نضیرِها

وتهبطُ أملاکُ السماءِ کتائباً

لنصرتِه عن قدرةٍ من قدیرِها

وفتیانُ صدقٍ من لؤیِّ بن غالبٍ

تسیر المنایا رهبةً لمسیرِها

ص: 528

تخالهمُ فوقَ الخیولِ أهلّةً

ظهرنَ من الأفلاکِ أعلی ظهورِها

هنالک تعلو همّةٌ طال همُّها

لإدراک ثارٍ سالفٍ من مثیرِها

وإن حان حینی قبل ذاک ولم یکن

لنفسِ علیٍّ نصرةٌ من نصیرِها

قضی صابراً حتی انقضاءِ مرادِه

ولیس یُضیعُ اللهُ أجرَ صبورِها

القصیدة الثالثة

یا عینُ ما سفحتْ غروبُ دِماکِ

إلاّ بما أُلهمتِ حبَّ دُماکِ (1)

ولطولِ إلفِکِ بالطلولِ أراکِ

أقماراً بزغن علی غصونِ أراکِ

ما ریقُ دمعِکِ حین راقَ لکِ الهوی

إلاّ لأمرٍ فی عناکِ عناکِ

لک ناظرٌ فی کلِّ عضوٍ ناضرٍ

منّاک تسویفاً بلوغ مُناکِ

کم نظرةٍ أسلفتِ نحو سوالفٍ

سامت أساکِ بها علاج أساکِ

فجنیتِ دون الوردِ ورداً متلفاً

وانهار دون شِفاک فیه شفاکِ

یا بانةَ السعدی ما سُلّت ظُباک

علیَّ إلاّ من عیون ظِباکِ

شعبتْ فؤادی فی شعابِکِ ظبیةٌ

تصمی القلوبَ بناظرٍ فتّاکِ

تبدو هلالَ دجیً وتلحظُ جؤذراً

وتمیسُ دَلاّ فی منیع حِماکِ

شمسٌ تبوّأتِ القلوبَ منازلاً

مأنوسةً عوضاً عن الأفلاکِ

سکنت بها فسکونُها متحرِّکٌ

وجسومُها ضعفت بغیرِ حراکِ

أسدیّة الآباء إلاّ أنّ مُن

-تَسِبَ الخؤولةِ من بنی الأتراکِ

أشقیقةَ الحسبینِ هل من زورةٍ

فیها یبلُّ من الضنا مُضناکِ

ما ذا یضرُّکِ یا ظُبیّة بابل

لو أنّ حسنَکِ مثلُه حسناکِ

أنکرتِ قتل متیّمٍ شهدت له

خدّاکِ ما صنعتْ به عیناکِة.

ص: 529


1- غروب : جمع غَرَب وهو عرق فی العین یفیض بالدمع. والدمی : جمع دمیة وهی الصورة ، ویکنّی بها عن المرأة الجمیلة.

وخضبتِ من دمِهِ بنانَکِ عَنوةً

وکفاکِ ما شهدت به کفّاکِ

حجبتک عن أسدٍ أُسودُ عرینِها

وحَماک لحظُکِ عن أُسود حماکِ

حجبوک عن نظری فیا للهِ ما

أدناکِ من قلبی وما أقصاکِ

ضنّ الکری بالطیفِ منک فلم یکنْ

إسراک بل هجرَ الکری أَسراکِ

لیت الخیالَ یجودُ منکِ بنظرةٍ

إن کان عزَّ علی المحبِّ لقاکِ

فأرقت أرضَ الجامعینِ (1) فلا الصبا

عذبٌ ولا طرفُ السحائبِ باکی

کلاّ ولا برد الکلا بید الحبا (2)

فیها یحاک ولا الحمامُ یحاکی

ودّعت راحلةً فکم من فاقدٍ

باکٍ وکم من مُسعفٍ متباکی

أبکی فراقُکمُ الفریقَ فأعینُ ال

-مشکوِّ تبکی رحمةً للشاکی

کنّا وکنتِ عن الفراقِ بمعزلٍ

حتی رمانا عامداً ورماکِ

وکذا الأُلی من قبلِنا بزمانِهمْ

وثقوا فصیّرهم حکایَة حاکی

یا نفسُ لو أدرکتِ حظّا وافراً

لنهاکِ عن فعلِ القبیح نُهاکِ

وعرفت من أنشاکِ من عدمٍ إلی

هذا الوجود وصانعاً سوّاکِ

وشکرت مِنّته علیکِ وحسن ما

أولاکِ من نعمائِه مولاکِ

أولاک حبَّ محمدٍ ووصیِّه

خیرِ الأنامِ فنعم ما أولاکِ

فهما لعمرُکِ علّماکِ الدینَ فی

الأُولی وفی الأخری هما عَلماکِ

وهما أمانکِ یوم بعثِکِ فی غدٍ

وهما إذا انقطع الرجاءُ رجاکِ

وإذا الصحائفُ فی القیامةِ نُشّرتْ

سترا عیوبَکِ عند کشف غطاکِ

وإذا وقفتِ علی الصراطِ تبادرا

فتقدّماکِ فلم تزل قدماکِ

وإذا انتهیتِ إلی الجنانِ تلقّیا

کِ وبشّراکِ بها فیا بُشراکِف)

ص: 530


1- أرض الجامعین : اسم للحلة الفیحاء فی سابقها ، وأمّا الیوم فهو إحدی محلاّتها [معجم البلدان : 2 / 294]. (المؤلف)
2- الحبا : السحاب الکثیف الذی یدنو من الأرض. (المؤلف)

هذا رسولُ اللهِ حسبُکِ فی غدٍ

یومَ الحسابِ إذا الخلیلُ جفاکِ

ووصیُّهُ الهادی أبو حسنٍ إذا

أقبلتِ ظامیةً إلیه سقاکِ

فهو المشفّعُ فی المعادِ وخیرُ من

علقتْ به بعد النبیِّ یداکِ

وهو الذی للدینِ بعد خمولِهِ

حقّا أراکِ فهذّبت آراکِ

لولاه ما عُرف الهدی ونجوت من

متضایقِ الأشراکِ والإشراکِ

هو فُلکُ نوحٍ بین ممتسکٍ به

ناجٍ ومطّرحٍ مع الهلاّکِ

کم مارقٍ من مازقٍ قد غادرت

مزقاً حدود حسامه البتّاکِ (1)

سل عنه بدراً حین بادرَ قاصمُ

الأملاکِ قائدَ موکبِ الأملاکِ

من صبَّ صوبَ دم الولید ومن تری

أخلا من الدهمِ الحماةِ حِماکِ

واسأل فوارسَها بأُحدٍ من تری

ألقاک وجهَ الحتف عند لقاکِ

وأطاح طلحةَ عند مشتبکِ القنا

ولَواک قسراً عند نکسِ لواکِ

واسأل بخیبرَ خابریها من تری

عفّی فناک ومن أباح فناکِ

وأذاق مرحبَکِ الردی وأحلّه

ضیقَ الشباکِ وفلَّ حدَّ شباکِ

واستخبری الأحزاب لمّا جرّدت

بیض المذاکی (2) فوق جرد مذاکی

واستشعرت فرقاً جموعکِ إذ غدتْ

فرقاً وأدبر إذ قفاکِ قفاکِ

قد قلت حین تقدّمته عصابةٌ

جهلوا حقوقَ حقیقةِ الإدراکِ

لا تفرحی فبکثر ما استعذبتِ فی

أولاکِ قد عُذِّبتِ فی أُخراکِ

یا أُمّةً نقضت عهودَ نبیِّها

أفمن إلی نقضِ العهودِ دعاکِ

وصّاکِ خیراً بالوصیِّ کأنّما

متعمّداً فی بغضِهِ وصّاکِ

أوَلم یقل فیه النبیُّ مبلِّغاً

هذا علیُّکِ فی العلی أعلاکِف)

ص: 531


1- إلی هنا القصیدة موجودة فی أعیان الشیعة : 8 / 195.
2- جمع مذکاة وهی ما تذکی به النار من قطنة ونحوها وهی اسم آلة استعیرت للسیف بعلاقة أنّه تلتهب منه نار الحرب کما یلتهب الحطب بالمذکاة. (المؤلف)

وأمینُ وحی الله بعدی وهو فی

إدراک کلِّ قضیّةٍ إدراک

والمؤثرُ المتصدِّقُ الوهّابُ إذ

ألهاکِ فی دنیاکِ جمع لُهاکِ

إیّاک أن تتقدّمیه فإنّه

فی حکم کلِّ قضیّةٍ أقضاکِ

فأطعتِ لکن باللسانِ مخافةً

من بأسِه والغدرُ حشوُ حشاکِ

حتی إذا قُبض النبیُّ ولم یطُلْ

یوماً مَداکِ له سننت مُداکِ

وعدلتِ عنه إلی سواه ضلالةً

ومددتِ جهلاً فی خَطاکِ خُطاکِ

وزویتِ بضعةَ أحمدٍ عن إرثها

ولبعلِها إذ ذاک طال أذاکِ

یا بضعةَ الهادی النبیِّ وحقِّ من

أسماکِ حین تقدّست أسماکِ

لا فاز من نارِ الجحیم معاندٌ

عن إرث والدکِ النبیِّ زواکِ

أتراه یغفرُ ذنبَ من أقصاکِ عن

سخطٍ وأسخط إذ أباکِ أباکِ

کلاّ ولا نالَ السعادةَ من غوی

وعداک ممتسکاً بحبل عداکِ

یا تیمُ لا تمّت علیکِ سعادةٌ

لکن دعاکِ إلی الشقاء شقاکِ

لولاکِ ما ظفرتْ علوجُ أُمیّة

یوماً بعترةِ أحمدٍ لولاکِ

تالله ما نلتِ السعادةَ إنّما

أهواکِ فی نارِ الجحیمِ هواکِ

أنّی استقلتِ وقد عقدت لآخرٍ

حکماً فکیف صدقتِ فی دعواکِ

ولأنت أکبر یا عدیُّ عداوةً

والله ما عضدَ النفاقَ سواکِ

لا کان یومٌ کنت فیه وساعةٌ

فضَّ النفیل بها ختامَ صهاکِ

وعلیکِ خزیٌ یا أُمیّة دائماً

یبقی کما فی النار دام بقاکِ

هلاّ صفحتِ عن الحسینِ ورهطِهِ

صفحَ الوصیِّ أبیه عن آباکِ

وعففتِ یومَ الطفِّ عفّة جدِّه

المبعوثِ یوم الفتحِ عن طُلقاکِ

أفهل یدٌ سلبت إماءَکِ مثل ما

سلبت کریماتِ الحسینِ یداکِ

أم هل برزن بفتح مکة حُسّرا

کنسائه یوم الطفوفِ نساکِ

یا أُمّةً باءت بقتلِ هُداتها

أفمن إلی قتل الهُداة هداکِ

ص: 532

أم أیّ شیطانٍ رماکِ بغیِّه

حتی عراکِ وحلَّ عقد عُراکِ

بئس الجزاءُ لأحمدٍ فی آلِهِ

وبنیه یوم الطفِّ کان جزاکِ

فلئن سُررتِ بخدعةٍ أسررتِ فی

قتلِ الحسینِ فقد دهاکِ دهاکِ

ما کان فی سلبِ ابنِ فاطمَ ملکَهُ

ما عنه یوماً لو کفاکِ کفاکِ

لهفی علی الجسدِ المغادَرِ بالعرا

شلواً تقلّبه حدودُ ظُباکِ

لهفی علی الخدِّ التریبِ تخدُّه

سفهاً بأطراف القنا سُفهاکِ

لهفی لآلکَ یا رسولَ اللهِ فی

أیدی الطغاةِ نوائحاً وبواکی

ما بین نادبةٍ وبین مروعةٍ

فی أسر کلِّ مُعاندٍ أفّاکِ

تالله لا أنساکِ زینبُ والعدا

قسراً تجاذبُ عنک فضلَ رداکِ

لم أنس لا والله وجهَکِ إذ هوت

بالردنِ ساترةً له یمناکِ

حتی إذا همّوا بسلبک صحتِ باسم

أبیکِ واستصرختِ ثَمّ أخاکِ

لهفی لندبِکِ باسم ندبِکِ وهو

مجروحُ الجوارحِ بالسیاق یراکِ

تستصرخیه أسیً وعزَّ علیه أن

تستصرخیه ولا یجیبُ نِداکِ

والله لو أنّ النبیَّ وصنوَه

یوماً بعرصةِ کربلا شهداکِ

لم یمسِ منهتکاً حماکِ ولم تُمِطْ

یوماً أُمیّة عنک سجفَ خباکِ

یا عین إن سفحتْ دموعُکِ فلیکن

أسفاً علی سبطِ الرسول بکاکِ

وابکی القتیل المستضام ومن بکت

لمصابه الأملاکُ فی الأفلاکِ

أقسمتُ یا نفسَ الحسینِ ألیّةً

بجمیلِ حسنِ بلاکِ عند بلاکِ

لو أنّ جدّکِ فی الطفوفِ مشاهدٌ

وعلی التراب تریبةٌ خدّاکِ

ما کان یؤثر أن یری حرّ الصفا

یوماً وطاک ولا الخیول تطاکِ

أو أنّ والدَکِ الوصیَّ بکربلا

یوماً علی تلک الرمولِ یراکِ

لفداک مجتهداً وودَّ بأنّه

بالنفسِ من ضیقِ الشراک شَراکِ

عالوک لمّا أن علوت فآهِ من

خطبٍ نراه علی عُلاک علاکِ

ص: 533

قد کنت شمساً یستضاءُ بنورِها

یعلو علی هام السماک سماکِ

وحمیً یلوذ به المخوفُ ومنهلاً

عذباً یصوب نداک قبل نِداکِ

ما ضرَّ جسمَک حرُّ جندلِها وقد

أضحی سحیقُ المسکِ تربَ ثراکِ

فلئن حرمتِ من الفراتِ ووردِهِ

فمن الرحیقِ العذبِ ریّ صداکِ

ولئن حرمتِ نعیمها الفانی فمن

دار البقاء تضاعفت نعماکِ

ولئن بکتکِ الطاهراتُ لوحشةٍ

فالحورُ تبسمُ فرحةً بلقاکِ

ما بتِّ فی حمر الملابس غدوةً

إلاّ انثنتْ خُضراً قُبیل مَساکِ

إنّی لیقلقنی التلهّفُ والأسی

إذ لم أکن بالطفِّ من شهداکِ

لأقیکِ من حرِّ السیوفِ بمهجتی

وأکونَ إذ عزَّ الفداءُ فداکِ

ولئن تطاولَ بعد حینِکِ بیننا

حینٌ ولم أکُ مُسعداً سُعداکِ

فلأبکینّک ما استطعتُ بخاطرٍ

تحکی غرائبه غروب مَداکِ

وبمقولٍ ذربِ اللسانِ أشدَّ من

جندٍ مجنّدةٍ علی أعداکِ

ولقد علمت حقیقةً وتوکّلاً

أنّی سأسعدُ فی غدٍ بولاکِ

وولاء جدِّکِ والبتولِ وحیدرٍ

والتسعةِ النجباءِ من أبناکِ

قومٌ علیهم فی المعاد توکّلی

وبهم من الأسرِ الوثیقِ فکاکی

فلیهن عبدکمُ علیّا فوزه

بجنانِ خلدٍ فی جناب علاکِ

صلّی علیکِ اللهُ ما أملاکُه

طافت مقدّسةً بقدسِ حِماکِ

القصیدة الرابعة

نمَّ العذارُ بعارضیه وسلسلا

وتضمّنت تلک المراشفُ سلسلا

قمرٌ أباح دمی الحرامَ محلّلا

إذ مرَّ یخطر فی قباه محلّلا

رشأٌ تردّی بالجمالِ فلم یدعْ

لأخی الصبابة فی هواه تجمّلا

کُتِبَ الجمالُ علی صحیفةِ خدِّه

بیراعِ معناه البهیج ومثّلا

فبدا بنونی حاجبیه معرّقاً

من فوق صادی مقلتیه وأقفلا

ص: 534

ثمّ استمدّ فمدّ أسفلَ صدغِه

ألفاً ألفتُ به العذابَ الأطولا

فاعجب له إذ همَّ ینقطُ نقطةً

من فوق حاجبِهِ فجاءت أسفلا

فتحقّقت فی حاءِ حمرةِ خدِّه

خالاً فعمَّ هواه قلبی المبتلی

ولقد أری قمرَ السماءِ إذا بدا

فی عقربِ المرِّیخ حلَّ مؤیِّلا

وإذا بدا قمری وقارن عقربی

صدغیه حلَّ به السعود فأکملا

أنا بین طرّتِه وسحرِ جفونِهِ

رهنُ المنیّةِ إذ علیه توکّلا

دبّت لتحرسَ نورَ وجنةِ خدِّه

عینی فقابلتِ العیونَ الغزّلا

جاءت لتلقفَ سحرَها فتلقّفتْ

منّا القلوبَ وسحرُها لن یبطلا

فاعجب لمشترِکَینِ فی دم عاشقٍ

حرم المنی ومُحرّمٌ ما حُلّلا

جاءت وحین سعت لقلبی أوسعتْ

لسعاً وتلک نضتْ لقتلی مُنصلا

قابلته شاکی السلاحِ قد امتطی

فی غرّةِ الأضحی أغرّ محجّلا

متردِّیاً خضرَ الملابسِ إذ لها

باللؤلؤِ الرطبِ المنضّدِ مجتلی

فنظرتُ بدراً فوق غصنٍ مائسٍ

خَضِرٍ تعاودَهُ الحیا فتکلّلا

وکأنّ صلتَ جبینِهِ فی شعرِهِ

کلآلی صفّتْ علی بندِ الکلا

صبحٌ علی الجوزاء لاح لناظرٍ

متبلّجٍ فأزاحَ لیلاً ألیلا

حتی إذا قصد الرمیّةَ وانثنی

بسهامِهِ خاطبتُه متمثّلا

لک ما ینوبُ عن السلاح بمثلِها

یا من أصابَ من المحبِّ المقتلا

یکفیک طرفُکَ نابلاً والقدُّ

خطّاراً وحاجبُکَ المعرّقُ عیطلا

عاتبتُه فشکوتُ مجملَ صدِّه

لفظاً أتی لطفاً فکان مفصّلا

وأبان تبیان الوسیلة مدمعی

فاعجب لذی نطقٍ تحمّل مُهملا

فتضرّجت وجناتُه مستعذباً

عتبی ویعذبُ للمعاتبِ ما حَلا

وافترَّ عن وردٍ وأصبح عن ضحیً

من لی بلثم المجتنی والمجتلی

من لی بغصنِ نقاً تبدّی فوقه

قمرٌ تغشّی جنحَ لیلٍ فانجلی

ص: 535

حلوُ الشمائل لا یزید علی الرضا

إلاّ علیَّ قساوةً وتدلّلا

نجلتْ به صیدُ الملوکِ فأصبحتْ

شرفاً له هام المجرّة منزلا

فالحکم منسوبٌ إلی آبائه

عدلاً وبی فی حکمه لن یعدلا

أدنو فیصدفُ مُعرضاً متدلّلاً

عنِّی فأخضعُ طائعاً متذلّلا

أبکی فیبسمُ ضاحکاً ویقول لی

لا غرو إن شاهدتَ وجهی مقبلا

أنا روضةٌ والروضُ یبسمُ نورُهُ

بشراً إذا دمعُ السحاب تهلّلا

وکذاک لا عجبٌ خضوعُکَ طالما

أُسدُ العرین تُقاد فی أسر الطلا (1)

قسماً بفاء فتور جیم جفونه

لأُخالفنَّ علی هواه العُذّلا

ولأوقفنَّ علی الهوی نفساً علت

فغلت وَیرخص فی المحبّةِ ما غلا

ولأحسننَّ وإن أسا وألین طو

عاً إن قسا وأزید حبّا إن قلا

لا نلت ممّا أرتجیه مآربی

إن کان قلبی من محبّتِه سلا

إن کنت أهواهُ لفاحشةٍ فلا

بُوّئت فی دارِ المقامةِ منزلا

یا حبّذا متحاببینِ تواصلا

دهراً وما اعتلقا بفحشٍ أذیلا

لا شیءَ أجملُ من عفافٍ زانه

ورعٌ ومن لبسَ العفافَ تجمّلا

طُبعت سرائرنا علی التقوی ومن

طُبعت سریرته علی التقوی علا

أهواه لا لخیانةٍ حاشا لمن

أنهی الکتاب تلاوةً أن یجهلا

لی فیه مزدجرٌ بما أخلصته

فی المصطفی وأخیه من عقدِ الولا

فهما لعمرُکَ علّةُ الأشیاء فی ال

-علل الحقیقة إن عرفت الأمثلا

الأوّلانِ الآخرانِ الباطنا

نِ الظاهرانِ الشاکرانِ لذی العلا

الزاهدانِ العابدانِ الراکعا

نِ الساجدانِ الشاهدانِ علی الملا

خُلقا وما خُلِقَ الوجودُ کلاهما

نوران من نورِ العلیِّ تفصّلاف)

ص: 536


1- الطلا : ولد الظبی. (المؤلف)

فی علمِه المخزونِ مجتمعان لن

یتفرّقا أبداً ولن یتحوّلا

فاسأل عن النورِ الذی تجدنّه

فی النورِ مسطوراً وسائل من تلا

واسأل عن الکلماتِ لمّا أنّها

حقّا تلقّی آدمٌ فتقبّلا

ثمّ اجتباه فأُودِعا فی صلبِهِ

شرفاً له وتکرُّماً وتبجّلا

وتقلّبا فی الساجدین وأودِعا

فی أطهرِ الأرحامِ ثمّ تنقّلا

حتی استقرَّ النورُ نوراً واحداً

فی شیبةِ الحمدِ بن هاشم یجتلی

قُسما لحکمٍ ارتضاه فکان ذا

نِعمَ الوصیُّ وذاک أشرفَ مرسلا

فعلیُّ نفسُ محمدٍ ووصیُّه

وأمینُه وسواهُ مأمونٌ فلا

وشقیقُ نبعتِهِ وخیرُ من اقتفی

منهاجَه وبه اقتدی وله تلا

مولی به قَبل المهیمنُ آدماً

لمّا دعا وبه توسّل أوّلا

وبه استقرَّ الفلکُ فی طوفانِهِ

لمّا دعا نوحٌ به وتوسّلا

وبه خبتْ نارُ الخلیلِ وأصبحتْ

برداً وقد أذکت حریقاً مشعلا

وبه دعا یعقوبُ حین أصابَهُ

من فقد یوسفَ ما شجاه وأثقلا

وبه دعا الصدِّیق یوسفُ إذ هوی

فی جبِّهِ وأقام أسفلَ أسفلا

وبه أماطَ اللهُ ضرَّ نبیِّه

أیّوبَ وهو المستکینُ المبتلی

وبه دعا عیسی فأحیا میِّتاً

من قبرِهِ وأهال عنه الجندلا (1)

وبه دعا موسی فأوضحت العصا

طرقاً ولجّة بحرها طامٍ ملا

وبه دعا داودُ حین غشاهمُ

جالوتُ مقتحماً یقودُ الجحفلا

ألقاه دامغةً فأردی شلوه

ملقیً وولّی جمعُه متجفّلا

وبه دعا لمّا علیه تسوّر ال

خصمان محرابَ الصلاةِ وأُدخلا

فقضی علی احدیهما بالظلمِ فی

حکمِ النعاجِ وکان حکماً فیصلاف)

ص: 537


1- وفی نسخة : فی الغابرین وشقّ عنه الجندلا. (المؤلف)

فتجاوز الرحمنُ عنه تکرّماً

وبه ألان له الحدید وسهّلا

وبه سلیمانٌ دعا فتسخّرتْ

ریحُ الرخاءِ لأجلِهِ ولها علا

وله استقرَّ الملکُ حین دعا به

عمرَ الحیاةِ فعاش فیه مُخوّلا

وبه توسّل آصفٌ لمّا دعا

بسریرِ بلقیسٍ فجاءَ معجّلا

العالمُ العلمُ الرضیُّ المرتضی

نوُر الهدی سیفُ العلاءِ أخُ العلا

من عنده علمُ الکتاب وحکمُه

وله تأوّل مُتقناً ومحصّلا

وإذا علت شرفاً ومجداً هاشمٌ

کان الوصیُّ بها المعمَّ المخولا

لا جدُّه تیمُ بن مرّةَ لا ولا

أبواه من نسل النُّفَیلِ تنقّلا

ومکسِّرُ الأصنامِ لم یسجدْ لها

متعفّراً فوق الثری متذلّلا

لکن له سجدتْ مخافةَ بأسِهِ

لمّا علی کتف النبیِّ علاً علا

تلک الفضیلة لم یفز شرفاً بها

إلاّ الخلیلُ أبوه فی عصرٍ خلا

إذ کسّر الأصنامَ حین خلا بها

سرّا وولّی خائفاً مستعجلا (1)

فتمیّز الفعلینِ بینهما وقِس

تجدِ الوصیَّ بها الشجاعَ الأفضلا

وانظر تری أزکی البریّة مولداً

فی الفعلِ متّبعاً أباه الأوّلا

وهو القؤول وقولهُ الصدقُ الذی (2)

لا ریبَ فیه لمن وعی وتأمّلا

واللهِ لو أنّ الوسادةَ ثنّیتْ

لی فی الذی حظر العلیُّ وحلّلا

لحکمتُ فی قومِ الکلیمِ بمقتضی

توراتِهمْ حکماً بلیغاً فیصلا

وحکمتُ فی قومِ المسیحِ بمقتضی

إنجیلِهمْ وأقمتُ منه الأمیلا

وحکمتُ بین المسلمین بمقتضی

فرقانِهمْ حکماً بلیغاً فیصلا

حتی تقرَّ الکتْبُ ناطقةً لقد

صدق الأمینُ علیُّ فی ما علّلا

فاستخبرونی عن قرونٍ قد خلتْ

من قبلِ آدمَ فی زمانِ قد خلاف)

ص: 538


1- إلی هنا توجد القصیدة فی مجالس المؤمنین : 2 / 572 - 575.
2- راجع : ص 194 من هذا الجزء. (المؤلف)

فلقد أحطتُ بعلمِها الماضی وما

منها تأخّر آتیاً مستقبلا

وانظر إلی نهجِ البلاغةِ هل تری

لأولی البلاغة منه أبلغ مقولا

حکمٌ تأخّرتِ الأواخرُ دونها

خرساً وأفحمتِ البلیغَ المِقولا

خسأت ذوو الآراءِ عنه فلن تری

من فوقِهِ إلاّ الکتاب المنزلا

وله القضایا والحکوماتُ التی

وضحتْ لدیه فحلَّ منها المشکلا

وبیومِ بعثِ الطائرِ المشویِّ إذ

وافی النبیّ فکان أطیبَ مأکلا

إذ قال أحمدُ آتنی بأحبِّ من

تهوی ومن أهواه یا ربَّ العلی

هذا روی أنسُ بنُ مالک لم یکن

ما قد رواه مُصحَّفاً ومُبدّلا

وشهادةُ الخصمِ الألدّ فضیلةٌ

للخصمِ فاتّبعِ الطریقَ الأسهلا

وکسدِّ أبوابِ الصحابةِ غیرَهُ

لممیّزٍ عرف الهدی متوصّلا

إذ قال قائلُهمْ نبیُّکمُ غوی

فی زوج إِبنتِه ویعذر إن غلا

تالله ما أوحی إلیه وإنّما

شرفاً حباه علی الأنام وفضّلا

حتی هوی النجمُ المبینُ مکذّباً

من کان فی حقِّ النبیِّ تقوّلا

أبِدارِهِ حتی الصباح أقام أم

فی دارِ حیدرةٍ هوی وتنزّلا

هذی المناقبُ ما أحاطَ بمثلِها

أحدٌ سواه فترتضیه مُفضَّلا

یا لیتَ شعری ما فضیلةُ مدّعٍ

حکمَ الخلافةِ ما تقدّم أوّلا

أبعزله عند الصلاة مؤخّراً

ولو ارتضاه نبیّه لن یعزلا

أم ردِّه فی یومِ بعثِ براءةٍ

من بعد قطعِ مسافةٍ مُتعجّلا

إن کان أوحی الله جلَّ جلاله

لنبیِّه وحیاً أتاه منزّلا

أن لا یؤدِّیها سواک فترتضی

رجلاً کریماً منک خیراً مفضلا

أفهل مضی قصداً بها متوجِّهاً

إلاّ علیٌّ یا خلیلیَّ اسألا

أم یوم خیبرَ إذ برایةِ أحمدٍ

ولّی لعمرُکَ خائفاً مُتوجِّلا

ومضی بها الثانی فآب یجرُّها

حذرَ المنیّة هارباً ومهرولا

ص: 539

هلاّ سألتهما وقد نکصا بها

متخاذلین إلی النبیِّ وأقبلا

من کان أوردَها الحتوف سوی أبی

حسنٍ وقام بها المقام المهولا

وأباد مرحبَهمْ ومدَّ یمینَهُ

قلعَ الرتاجَ وحصنَ خیبر زلزلا

یا علّةَ الأشیاءِ والسببَ الذی

معنی دقیقِ صفاتِهِ لن یُعقلا

إلاّ لمن کُشِفَ الغطاءُ له ومن

شُقَّ الحِجابُ مجرّداً وتوصّلا

یکفیک فخراً أنَّ دینَ محمدٍ

لو لا کمالُکَ نقصُه لن یکملا

وفرائضُ الصلواتِ لو لا أنّها

قرنت بذکرک فرضُها لن یقبلا

یا من إذا عدّتْ مناقبُ غیرِهِ

رجحتْ مناقبُه وکان الأفضلا

إنّی لأعذرُ حاسدیک علی الذی

أولاک ربُّک ذو الجلال وفضّلا

إن یحسدوک علی علاک فإنَّما

متسافلُ الدرجاتِ یحسدُ من علا

إحیاؤک الموتی ونطقُکَ مخبراً

بالغائباتِ عذرتُ فیک لمن غلا

وبردِّک الشمسَ المنیرةَ بعد ما

أَفَلتْ وقد شهدت برجعتِها الملا

ونفوذُ أمرِکَ فی الفراتِ وقد طما

مدّا فأصبحَ ماؤه مستسفلا

وبلیلةٍ نحو المدائنِ قاصداً

فیها لسلمانٍ بعثتَ مغسِّلا

وقضیّةُ الثعبانِ حین أتاکَ فی

إیضاحِ کشفِ قضیّةٍ لن تعقلا

فحللتَ مشکلَها فآبَ لعلمِهِ

فرحاً وقد فصّلتَ فیها المجملا

واللیثُ یوم أتاک حین دعوتَ فی

عُسرِ المخاضِ لعرسِه فتسهّلا

وعلوت من فوق البساط مخاطباً

أهلَ الرقیمِ فخاطبوک معجّلا

أمخاطبَ الأذیابِ فی فلواتِها

ومکلِّمَ الأمواتِ فی رمس البلی

یا لیت فی الأحیاءِ شخصَکَ حاضرٌ

وحسینُ مطروحٌ بعرصةِ کربلا

عریانَ یکسوه الصعیدُ ملابساً

أفدیه مسلوبَ اللباسِ مُسربلا

متوسّداً حرَّ الصخورِ معفّراً

بدمائِهِ تربَ الجبینِ مُرمّلا

ظمآنَ مجروحَ الجوارحِ لم یجد

ممّا سوی دمِهِ المبدَّدِ منهلا

ص: 540

ولصدره تطأ الخیولُ وطالما

بسریره جبریلُ کان موکّلا

عُقرتْ أما علمت لأیِّ معظّمٍ

وطأتْ وصدرٍ غادرته مفصّلا

ولثغرِهِ یعلو القضیبُ وطالما

شرفاً له کان النبیُّ مُقبّلا

وبنوه فی أسرِ الطغاةِ صوارخٌ

ولهاءُ معولةٌ تجاوبُ معولا

ونساؤه من حولِه یندبنَهُ

بأبی النساءَ النادبات الثکّلا

یندبنَ أکرمَ سیّدٍ من سادةٍ

هجروا القصورَ وآنسوا وحش الفلا

بأبی بدوراً فی المدینة طُلّعاً

أمست بأرضِ الغاضریّةِ أُفّلا

آسادُ حربٍ لا یمسُّ عفاتَها

ضرُّ الطوی ونزیلها لن یخذلا (1)

من تلقَ منهم تلقَ غیثاً مُسبلاً

کرماً وإن قابلت لیثاً مُشبلا

نزحتْ بهم عن عقرِهمْ أیدی العدا

بأبی الفریقَ الظاعنَ المترحّلا

ساروا حثیثاً والمنایا حولَهمْ

تسری فلن یجدون عنها معزلا

ضاقت بهم أوطانُهمْ فتبیّنوا

شاطی الفراتِ عن المواطنِ موئلا

ظفرت بهم أیدی البغاةِ فلم أَخَلْ

وأبیک تقتنص البغاثُ الأَجدَلا (2)

منعوهمُ ماءَ الفراتِ ودونَه

بسیوفِهمْ دمُهمْ یُراق مُحلّلا

هجرت رءوسُهمُ الجسومَ فواصلتْ

زرقَ الأسنّةِ والوشیجَ الذبّلا

یبکی أسیرُهمُ لفقدِ قتیلهمْ

أسفاً وکلٌّ فی الحقیقةِ مبتلی

هذا یمیلُ علی الیمینِ مُعفرّا

بدمِ الوریدِ وذا یُساق مغلّلا

ومن العجائبِ أن تقاد أُسودها

أسراً وتفترسُ الکلابُ الأشبلا

لهفی لزینِ العابدین یُقاد فی

ثقلِ الحدیدِ مقیّداً ومکبّلا

متقلقلاً فی قیدِهِ متثقِّلاً

متوجّعاً لمصابِهِ متوجّلا

أفدی الأسیرَ ولیت خدِّی موطئاً

کانت له بین المحامل محملار.

ص: 541


1- العفاة : جمع عافٍ وهو الفقیر.
2- البغاث : کلّ طائر لیس من جوارح الطیر ، وقیل : طائر أبغث بطیء الطیران. الأجدل : الصقر.

أقسمتُ بالرحمنِ حلفةَ صادقٍ

لو لا الفراعنةُ الطواغیتُ الأُلی

ما بات قلبُ محمدٍ فی سبطِهِ

قلقاً ولا قلبُ الوصیِّ مقلقلا

خانوا مواثیقَ النبیِّ وأجّجوا

نیرانَ حربٍ حرُّها لن یصطلی

یا صاحبَ الأعرافِ یُعرَضُ کلُ

مخلوقٍ علیه محقّقاً أو مبطلا

یا صاحبَ الحوضِ المباحِ لحزبِهِ

حلٌّ ویمنعُه العصاةَ الضلّلا

یا خیرَ من لبّی وطاف ومن سعی

ودعا وصلّی راکعاً وتنفّلا

ظفرت یدی منکمْ بقسم وافرٍ

سبحانَ من وهبَ العطاءَ وأجزلا (1)

شُغِلتْ بنو الدنیا بمدحِ ملوکهمْ

وأنا الذی بسواکمُ لن أُشغلا

وتردّدوا لوفادةٍ لکنَّهم

ردّوا وقد کسبوا علی القیل القلا

ومنحتُکمْ مدحی فرحتُ خزانتی

بنفائسِ الحسناتِ مفعمةٌ مَلا

وأنا الغنیُّ بکم ولا فقرٌ ومن

ملک الغنی لسواکمُ لن یسألا

مولای دونک من علیٍّ مدحةً

عربیّةَ الألفاظِ صادقةَ الولا

لیس النضارُ نظیرَها لکنّها

درٌّ تکاملَ نظمُه فتفصّلا

فاستجلها منِّی عروساً غادةً

بکراً لغیرِک حسنها لن یجتلی

فصداقها منک القبولُ فکن لها

یا ابن المکارمِ سامعاً متقبِّلا

وعلیکمُ منِّی التحیّةُ ما دعا

داعی الفلاحِ إلی الصلاةِ مهلّلا

صلّی علیک اللهُ ما سحَّ الحیا

وتبسّمت لبکائِهِ ثغُر الکلا (2)

القصیدة الخامسة

حلّت علیک عقودُ المُزنِ یا حللُ (3)

وصافحتکَ أکفُّ الطلِّ یا طللُ

وحاکتِ الوِرقُ فی أعلی غصونِک إذ

حاکت بک الودقَ جلباباً له مثلُف)

ص: 542


1- وفی نسخة : سبحان من قسم العطاء الأجزلا. (المؤلف)
2- إلی هنا من أولها توجد فی أعیان الشیعة : 8 / 192 - 193.
3- الحلل جمع الحلة وهی : المحلّة ، المجلس والمجتمع. (المؤلف)

یزهو علی الربعِ من أنواره لمعٌ

ویشمل الربع من نوّاره حللُ

وافترَّ فی ثغرِکَ المأنوسِ مبتسماً

ثغرُ الأقاح وحیّاک الحیا الهطلُ

ولا انثنت فیک بانات اللوی طرباً

إلاّ وللوِرقِ فی أوراقها زَجَلُ

وقارن السعد یا سعدی وما حجبت

عن الجآذر فیک الحجب والکللُ

یروق طرفی بروقٌ منک لامعةٌ

تحت السحابِ وجنحُ اللیلِ منسدلُ

یذکی من الشوقِ فی قلبی لهیب جویً

کأنَّما لمعُها فی ناظری شُعلُ

فإن تضوّعَ من أعلی رباک لنا

ریّاک والروضُ مطلولٌ به خضِلُ

فهو الدواءُ لأدواءٍ مبرِّحةٍ

نعلُّ منها إذا أودت بنا العللُ

أقسمتُ یا وطنی لم یهننی وطری

مذ بان عنِّی منک البانُ والأثلُ

لی بالربوعِ فؤادٌ منک مرتبعٌ

وفی الرواجلِ جسمٌ عنک مرتحلُ

لا تحسبنَّ اللیالی حدّثت خلدی

بحادثٍ فهو عن ذکراک مشتغلُ

لا کنت إن قادنی عن قاطنیک هویً

أو مال بی مَلل أو حال بی حوَلُ

أنّی ولی فیک بین السربِ جاریةٌ

مقیدی فی هواها الشکل والشکلُ (1)

غرّاءُ ساحرةُ الألحاظِ مانعةُ ال

ألفاظ مائسةٌ فی مشیها میلُ

فی قدِّها هیفٌ فی خصرها نحفٌ

فی خدِّها صَلفٌ فی ردفها ثقلُ (2)

یرنّح الدلّ عطفیها إذا خطرتْ

کما ترنّح سکراً شاربٌ ثَملُ

تُریک حولَ بیاضٍ حمرةً ذهبتْ

بنضرتی فی الهوی خدٌّ لها صقلُ

ما خلتُ من قبلِ فتکٍ من لواحظِها

أن تَقتُل الأُسدَ فی غاباتِها المقلُ

عهدی بها حینَ ریعانِ الشبیبةِ لم

یرعه شیبٌ وعیشی ناعمٌ خَضِلُ

ولیلُ فودیَ ما لاح الصباحُ به

والدار جامعةٌ والشمل مشتملُف)

ص: 543


1- وفی نسخة : مقیدی فی هواها الشکل لا الشکل. (المؤلف) الشکل - بفتح المعجمة - : الصورة. وبالفتح والکسر : دلال المرأة وغنجها. (المؤلف)
2- وفی نسخة : فی طرفها کحل. (المؤلف)

وربع لهویَ مأنوسٌ جوانبُه

تروق فیه لیَ الغزلان والغَزَلُ

حتی إذا خالط اللیلُ الصباحَ وأض

-حی الرأسُ وهو بشهبِ الشیبِ مشتعلُ

وخطَّ وخط مشیبی فی صحیفتِهِ

لی أحرفاً لیس معنی شکلِها شکلُ

مالت إلی الهجرِ من بعدِ الوصالِ و

عهدُ الغانیاتِ کفیء الظلِّ منتقلُ

من معشرٍ عدلوا عن عهدِ حیدرةٍ

وقابلوه بعدوانٍ وما قبلوا

وبدّلوا قولَهمْ یومَ الغدیرِ له

غدراً وما عدلوا فی الحبّ بل عدلوا

حتی إذا فیهمُ الهادی البشیرُ قضی

وما تهیّا له لحدٌ ولا غسلُ

مالوا إلیه سراعاً والوصیُّ برز

ء المصطفی عنهمُ لاهٍ ومشتغلُ

وقلّدوها عتیقاً لا أبا لهم

أنّی تسودُ أُسودَ الغابةِ الهمَلُ

وخاطبوه أمیرَ المؤمنین وقد

تیقّنوا أنّه فی ذاک منتحلُ

وأجمعوا الأمرَ فیما بینهمْ وغوتْ

لهم أمانیّهم والجهلُ والأملُ

أن یحرقوا منزلَ الزهراءِ فاطمةٍ

فیا له حادثٌ مستصعبٌ جللُ

بیتٌ به خمسةٌ جبریلُ سادسُهمْ

من غیرِ ما سببٍ بالنارِ یشتعلُ

وأُخرِجَ المرتضی عن عقرِ منزلِهِ

بین الأراذل محتفٌّ بهم وَکلُ

یا للرجالِ لدینٍ قلَّ ناصرُه

ودولةٍ ملکتْ أملاکَها السفلُ

أضحی أجیرُ ابنِ جدعانٍ له خلفاً

برتبةِ الوحیِ مقرونٌ ومتّصلُ

فأین أخلافُ تیمٍ والخلافة وال

-حکمُ الربوبیُّ لو لا معشر جهلوا

ولا فخارٌ ولا زهدٌ ولا ورعٌ

ولا وقارٌ ولا علمٌ ولا عملُ

وقال : منها أقیلونی فلست إذاً

بخیرِکمْ وهو مسرورٌ بها جذلُ

وفضّها وهو منها المستقیلُ علی

الثانی ففی أیِّ قولٍ یصدق الرجلُ

ثمّ اقتفتها عدیٌّ من عداوتِها

وافتضّ من فضّها العدوانُ والجدلُ

أضحی یسیر بها عن قصدِ سیرتِها

فلم یسدَّ لها من حادثٍ خللُ

وأجمع الشور فی الشوری فقلّدها

أُمیّةً وکذا الأحقادُ تنتقلُ

ص: 544

تداولوها علی ظلمٍ وأرّثها

بعضٌ لبعضٍ فبئس الحکمُ والدولُ

وصاحبُ الأمرِ والمنصوصُ فیه بإذ

ن اللهِ عن حکمِهِ ناءٍ ومعتزلُ

أخو الرسولِ وخیرُ الأوصیاءِ ومن

بزهده فی البرایا یُضرَبُ المثلُ

وأقدمُ القومِ فی الإسلام سابقةً

والناس باللاّتِ والعزی لهم شُغُلُ

ورافعُ الحقِّ بعد الخفضِ حین قنا

ةُ الدینِ واهیةٌ فی نصبها مَیلُ

الأروعُ الماجدُ المقدامُ إذ نکصوا

واللیثُ لیثُ الشری والفارسُ البطلُ

من لم یعشْ فی غواةِ الجاهلینَ ذوی

غیٍّ ولا مقتدی آرائه هَبلُ

عافوه وهو أعفُّ الناسِ دونهمُ

طفلاً وأعلی محلاّ وهو مکتهلُ

وإنّه لم یزل حلماً ومکرمةً

یقابلُ الذنبَ بالحسنی ویحتملُ

حتی قضی وهو مظلومٌ وقد ظُلم ال

حسینُ من بعدِهِ والظلمُ متّصلُ

من بعد ما وعدوه النصرَ واختلفت

إلیه بالکتبِ تسعی منهمُ الرسلُ

فلیته کفَّ کفّا عن رعایتِهمْ

یوماً ولا قرّبته منهمُ الإبلُ

قومٌ بهم نافقٌ سوقُ النفاقِ ومن

طباعِهمُ یُستمَدُّ الغدرُ والدخلُ

تالله ما وصلوا یوماً قرابتَه

لکن إلیه بما قد ساءه وصلوا

وحرّموا دونه ماءَ الفراتِ ولل

کلابِ من سعةٍ فی وردها عللُ

وبیّتوه وقد ضاقَ الفسیحُ به

منهم علی موعدٍ من دونِهِ العطلُ

حتی إذا الحربُ فیهم من غدٍ کشفتْ

عن ساقِها وذکا من وقدِها شعلُ

تبادرت فتیةٌ من دونِه غررٌ

شمُّ العرانینِ ما مالوا ولا نکلوا

کأنّما یُجتنی حلواً لأنفسهم

دون المنون من العسّالة العسلُ

تسربلوا فی متونِ السابقات دلا

ص السابغات وللخطّیّة اعتقلوا (1)

وطلّقوا دونه الدنیا الدنیّة وار

تاحوا إلی جنّة الفردوس وارتحلواق.

ص: 545


1- دلاص السابغات : ای الدروع الملساء اللینة ذات البریق.

تراءت الحورُ فی أعلی الجنانِ لهم

کشفاً فهان علیهم فیه ما بذلوا

سالت علی البیضِ منهم أنفسٌ طهرت

نفیسةٌ فعلَوا قدراً بما فعلوا

إن یُقتلوا طالما فی کلِّ معرکةٍ

قد قاتلوا ولَکَم من مارقِ قتلوا

لهفی لسبطِ رسولِ اللهِ منفرداً

بین الطغاةِ وقد ضاقت به السُّبلُ

یلقی العداةَ بقلبٍ لا یُخامره

رهبٌ ولا راعه جبنٌ ولا فشلُ

کأنّه کلّما مرّ الجوادُ به

سیلٌ تمکّن فی أمواجِه جبلُ

ألقی الحسام علیهم راکعاً فهوت

بالترب ساجدةً من وقعه القللُ

قدّت نعالاتُهُ هاماتِهمْ فبها

أخدی الجواد فأمسی وهو منتعلُ

وقد رواه حمیدٌ نجلُ مسلم ذو ال

قولِ الصدوقِ وصدقُ القولِ ممتثلُ

إذ قال لم أرَ مکثوراً عشیرتُه

صرعی فمنعفرٌ منهم ومُنجدلُ

یوماً بأربطَ جاشاً من حسینِ وقد

حفّت به البیضُ واحتاطت به الأسَلُ

کأنّما قَسْورٌ ألقی علی حُمرٍ

عطفاً فخامرها من بأسه ذَهلُ

أو أجدلٌ مرَّ فی سربٍ فغادره

شطراً خموداً وشطرٌ خیفةً وجلُ

حتی إذا آن ما إن لا مردَّ له

وحان عند انقضاءِ المدّةِ الأجلُ

أَرْدَوه کالطودِ عن ظهرِ الجوادِ حمی

-دَ الذکرِ ما راعه ذلٌّ ولا فشلُ

لهفی وقد راح ینعاه الجوادُ إلی

خبائِهِ وبه من أسهمٍ قَزلُ (1)

لهفی لزینبَ تسعی نحوه ولها

قلبٌ تزاید فیه الوجدُ والوجلُ

فمذ رأته سلیباً للشمال علی

معنی شمائله من نسجها سملُ

هوت مُقبِّلةً منه المحاسن وال

-حسینُ عنها بکربِ الموتِ مشتغلُ

تُدافعُ الشمرَ عنه بالیمین وبا

لشمال تسترُ وجهاً شأنهُ الخجلُ

تقولُ یا شمرُ لا تعجلْ علیه ففی

قتلِ ابنِ فاطمةٍ لا یُحمد العَجَلُف)

ص: 546


1- قزل قزلاناً وقزلاً : وثب ومشی مشیة العرجان. القزل - محرّکة - : أسوأ العرج. (المؤلف)

ألیس ذا ابنَ علیٍّ والبتولِ ومن

بجدِّه خُتِمتْ فی الأُمّة الرسلُ

هذا الإمامُ الذی یُنمی إلی شرفٍ

ذریّةٌ لا یُدانی مجدَها زحلُ

إیّاک من زلّة تصلی بها أبداً

نارَ الجحیمِ وقد یردی الفتی الزللُ

أبی الشقیُّ لها إلاّ الخلافَ وهل

یجدی عتابٌ لأهل الکفرِ إن عُذلوا

ومرَّ یحتزُّ رأساً طالما لرسو

لِ الله مرتشفاً فی ثغره قُبَلُ

حتی إذا عاینت منه الکریم علی

لدنٍ یمیل به طوراً ویعتدلُ

ألقت لفرطِ الأسی منها البنانَ علی

قلبٍ تقلّب فیه الحزنُ والثکلُ

تقول یا واحداً کنّا نؤمِّله

دهراً فخاب رجانا فیه والأملُ

ویا هلالاً علا فی سعدِهِ شرفاً

وغاب فی التربِ عنّا وهو مکتملُ

أخی لقد کنت شمساً یُستضاء بها

فحلّ فی وجهها من دوننا الطفلُ

ورکن مجدٍ تداعی من قواعده

والمجد منهدمُ البنیان منتقلُ

وطرف سبق یفوت الطرفَ سرعتُه (1)

مذ أدرک المجدَ أمسی وهو معتقلُ

ما خلت من قبل ما أمسیت مرتهناً

بین اللئامِ وسدّت دونک السبلُ

أن یوغل البوم فی البازیِّ إن ظفرت

ظفراً ولا أسداً یغتاله حملُ (2)

کلاّ ولا خلت بحراً مات من ظمأ

ومنه رَیٌّ إلی العافین متّصلُ

فلیت عینَکَ بعد الحجبِ تنظرنا

أسری تجاذبَنا الأشرارُ والسفلُ

یسیّرونا علی الأقتابِ عاریةً

وزاجرُ العیسِ لا رفقٌ ولا مَهلُ

فلیت لم ترَ کوفاناً ولا وخدت

بنا إلی ابن زیاد الأینق الذللُ (3)

إیهاً علی حسرةٍ فی کلِّ جانحةٍ

ما عشت جائحة تعلو لها شعلُ

أیُقتلُ السبطُ ظمآناً ومن دمِهِ

تروی الصوارمُ والخطیّةُ الذبلُل.

ص: 547


1- الطرف : الکریم الطرفین من الناس والخیل. (المؤلف)
2- الحمل : الخروف أو الجذع من أولاد الضأن والجمع الحملان وأحمال. (المؤلف)
3- الوخد : ضرب من سیر الإبل.

ویسکن التربَ لا غسلٌ ولا کفنٌ

لکن له من نجیعِ النحرِ مغتسلُ

وتستباحُ بأرضِ الطفِّ نسوتُه

ودون نسوةِ حربٍ تُضرَبُ الکِللُ

بالله أُقسم والهادی البشیرِ وبیت

الله طاف به حافٍ ومنتعلُ

لو لا الأُلی نقضوا عهد الوصیِّ وما

جاءت به قدماً فی ظلمِها الأُولُ

لم یُغلِ قوماً علی أبناء حیدرة

من الموارد ما تروی به الغللُ

یا صاح طف بی إذا جئت الطفوفَ علی

تلک المعالمِ والآثارِ یا رجلُ

وابک البدورَ التی فی الترب آفلةً

بعد الکمالِ تغشّی نورَها الظللُ

وابک الشفاه التی لم تروَ من عطشٍ

لکن علیهنّ من سیل الدما بللُ

یا آلَ أحمدَ یا سفنَ النجاةِ ومن

علیهمُ بعد ربِّ العرش أتّکلُ

وحقِّکم ما بدا شهر المحرّم لی

إلاّ ولی ناظرٌ بالسهد مکتحلُ

ولا استهلَّ بنا إلاّ استهلّ من ال

أجفان لی مدمعٌ فی الخدِّ منهملُ

حُزناً لکم ومواساةً ولیس لمم

-لوکٍ بدمعٍ علی ملاّکه بُخلُ

فإن یکن فاتکم نصری فلی مِدَحٌ

بمجدکم أبداً ما عشت تتّصلُ

عرائسٌ حدت الحادون من طربٍ

بها تُعرّس أحیاناً وترتحلُ

فدونکم من علیٍّ عبدِ عبدِکمُ

فریدةً طاب منها المدحُ والغزلُ

رقّت فراقتْ معانیها الحسانُ فلا

یُماثلُ الطولَ منها السبعة الطولُ

أعددتها جُنّةً من حرِّ نار لظیً

أرجو بها جنّةً أنهارُها عسلُ

صلّی الإله علیکم ما شدتْ طرباً

وِرْقٌ علی وَرَقٍ واللیلُ منسدلُ (1)

القصیدة السادسة

عسی موعدٌ إن صحَّ منک قبولُ

تؤدِّیه إن عزَّ الرسول قبولُ

فربّ صباً تهدی إلیَّ رسالةً

لها منک إن عزَّ الوصولُ وصولُ6.

ص: 548


1- أعیان الشیعة : 8 / 196.

تطاول عمرُ العتبِ یا عتبُ بیننا

ولیس إلی ما نرتجیه سبیلُ

أفی کلِّ یومٍ للعتاب رسائلٌ

مجدّدةٌ ما بیننا ورسولُ

رسائلُ عتبٍ لا یُردّ جوابُها

ونفثُ صدورٍ فی السطور یطولُ

یدلُّ علیها من وسائلِ سائلٍ

خضوعٌ ومن شکوی الفصال فصولُ

عسی مُسمَعٌ یصغی إلی قول مُسمِعٍ

فیعطف قاسٍ أو یرقّ ملولُ

وأعجبُ شیءٍ أن أراکِ غریّةً

بهجری وللواشی علیَّ قبولُ

سجیّة نفسی بالوعود مع القلی

وکلُّ سخیٍّ بالوعودِ بخیلُ

عذرتُکِ إن میّلتِ أو مِلتِ أنّنی

أخالک غصناً والغصونُ تمیلُ

وما لظباءِ السربِ خلقُکِ إنّما

لخلقِکِ منها فی العدولِ عدولُ

وقد کنت أبکی والدیارُ أنیسةٌ

وما ظعنتْ للظاعنین قفولُ

فکیف وقد شطَّ المزار وروّعت

فریقَ التدانی فُرقةٌ ورحیلُ

إذا غبتمُ عن ربعِ حلّةِ بابلٍ

فلا سحبت للسحب فیه ذیولُ

ولا ابتسمت للثغر فیه مباسمٌ

ولا ابتهجت للطلِّ فیه طُلولُ

ولا هبَّ معتلُّ النسیمِ ولا سرت

بلیلٍ علی تلک الربوع بَلیلُ

ولا صدرت عنها السوام ولا غدا

بها راتعاً بین الفصولِ فصیلُ

ولا برزت فی حُلّةٍ سُندسیّةٍ

لذات هدیرٍ فی الغصونِ هدیلُ (1)

وما النفعُ فیها وهی غیرُ أواهلٍ

ومعهدُها ممّن عهدتِ مَحیلُ

تنکّر منها عرفُها فأُهیلُها

غریبٌ وفیها الأجنبیُّ أهیلُ

رعی الله أیاماً بظلّ جنابها

ونحن بشرقیِّ الأثیلِ نزولُ

لیالیَ لا عودُ الربیعِ یُجِفُّه

ذُبولٌ ولا عودُ الربوعِ هزیلُ

بها کنت أصبو والصبا لیَ مسعدٌ

وصعبُ الهوی سهلٌ لدیَّ ذلولُف)

ص: 549


1- هدر الحمام : قرقر وکرّر صوته فی حنجرته. الهدیل : صوت الحمام. (المؤلف)

وإذ نحن لا طرفُ الوعودِ عن اللقا

بطیّ ولا طرفُ السعودِ کلیلُ

نبیتُ ولا غیرُ العفاف شعارُنا

وللأمنِ من واشٍ علیَّ شمولُ

کروحینِ فی جسمٍ أقاما علی الوفا

عفافاً وأبناءُ العفافِ قلیلُ

إلی أن تداعی بالفراقِ فریقُکمْ

ولمَّ بکم حادٍ وأمَّ دلیلُ

تقاضی الهوی منِّی فما لضلاله

مَقیلٌ ولا ممّا جناهُ مُقیلُ

فحسبیَ إذ شطّت بکم غربةُ النوی

علاجُ نحولٍ لا یکاد یحولُ

أروم بمعتلِّ الصبا برء علّتی

وأعجبُ ما یشفی العلیلَ علیلُ

لعلَّ الصبا إن شطّتِ الدارُ أودنا

مثالُکمُ أو عزَّ منک مثیلُ

أُحیّی الحیا إن شطَّ من صوبِ أرضِکمْ

بنادیه من لمعِ البروقِ زمیلُ

تمرُّ بنا فی اللیل وهناً بریّها

یُبَلُ (1) غلیلٌ أو یَبَلُ (2) علیلُ

سری وبریقُ الثغرِ وهناً کأنّما

لدیَّ بریقُ الثغرِ منک بدیلُ

وأنشا شمال الغور لی منک نشوةً

عساه لمعتلِّ الشمالِ شَمولُ (3)

أمتّهمٌ قلبی من البینِ سلوةً

ومُتهِمةٌ (4) فی الرکب لیس تؤولُ

أغرّک أنِّی ساترٌ عنکِ لوعةً

لها ألمٌ بین الضلوعِ دخیلُ

فلا تحسبی أنّی تناسیتُ عهدَکمْ

ولکنّ صبری یا أُمَیمُ جمیلُ

ثقی بخلیلٍ لا یغادرُ خلَّهُ

بغدرٍ ولا یثنیه عنک عذولُ

جمیلُ خلالٍ لا یُراع خلیلُه

إذا ریعَ فی جنبِ الخلیلِ خلیلُ

خلیقٌ بأفعالِ الجمیلِ خلاقُه

وکلُّ خلیقٍ بالجمیلِ جمیلُ

یزین مقالَ الصدق منه فعالُهُ

وما کلُّ قوّالٍ لدیکِ فعولُف)

ص: 550


1- البلة : الندوة. (المؤلف)
2- بل من مرضه : برأ. (المؤلف)
3- الشمول : الخمر أو الباردة منها. (المؤلف)
4- من أتهم أی أتی تهامة أو نزل فیها. (المؤلف)

غضیضٌ إذا البیضُ الحسانُ تأوّدتْ

لهنّ قدودٌ فی الغلائلِ میلُ

ففی الطرف دون القاصراتِ تقاصرٌ

وفی الکفِّ من طَولِ المکارم طُولُ

أما وعفافٍ لا یدنِّسه الخنا

وسرِّ عتابٍ لم یُزله مزیلُ

لأنتِ لقلبی حیث کنتِ مسرّةٌ

وأکرمُ مسؤولٍ لدیَّ سؤولُ

یقصّر آمالی صدودُک والقِلی

وینشرُها منک الرجا فتطولُ

وتعلق آمالی غروراً بقربِکمْ

کما غُرَّ یوماً بالطفوفِ قتیلُ

قتیلٌ بکت حزناً علیه سماؤها

وصبَّ لها دمعٌ علیه همولُ

وزلزلت الأرضُ البسیطُ لفقدِهِ

وریعَ له حزنٌ بها وسهولُ

أأنسی حسیناً للسهامِ رمیّةً

وخیلُ العدی بغیاً علیه تجولُ

أأنساه إذ ضاقت به الأرضُ مذهباً

یشیر إلی أنصارِه ویقولُ

أُعیذکمُ باللهِ أن ترِدوا الردی

ویطمعَ فی نفسِ العزیزِ ذلیلُ

ألا فاذهبوا فاللیلُ قد مدَّ سجفَهُ

وقد وضحتْ للسالکین سبیلُ

فثابَ إلیه قائلاً کلُّ أقیلٍ

نمته إلی أزکی الفروعِ أصولُ

یقولون والسمرُ اللدانُ شوارعٌ

وللبیضِ من وقعِ الصفاحِ صلیلُ

أنُسلم مولانا وحیداً إلی العدی

وتسلمُ فتیانٌ لنا وکهولُ

ونعدل خوفَ الموت عن منهج الهدی

وأین عن العدل الکریم عدولُ

نودُّ بأن نبلی ونُنشَرَ للبلی

مراراً ولسنا عن علاکَ نحولُ

وثاروا لأخذِ الثارِ قدماً کأنّهم

أُسودٌ لها بین العرین شبولُ

مغاویرُ عرسٍ عرسُها یومَ غارةٍ

لها الخطُّ فی یومِ الکریهةِ غیلُ

حماةٌ إذا ما خیف للثغرِ جانبٌ

کماةٌ علی قبِّ الفحول فحولُ (1)

لیوثٌ لها فی الدارعین وقائعٌ

غیوثٌ لها للسائلین سیولُس.

ص: 551


1- قبّ الأسد والفحل : إذا سمعت قعقعة أنیابه ، کنّی بها عن شدة البأس.

أدلّتُها فی اللیلِ أضواءُ نورِها

وفی النقعِ أضواءُ السیوف دلیلُ

یؤمُّ بها قصدَ المغالب أغلبٌ

فروسٌ لأشلاءِ الکماةِ أکولُ

له الخطُّ کوبٌ والجماجمُ أکؤسٌ

لدیه وآذیُّ الدماءِ شمولُ (1)

یری الموتَ لا یخشاهُ والنبلُ واقعٌ

ولا یختشی وقعَ النبالِ نبیلُ

صئولٌ إذا کرَّ الکمیُّ مناجزٌ

بلیغُ إذا فاه البلیغُ قؤولُ

له من علیٍّ فی الخطوبِ شجاعةٌ

ومن أحمدٍ عند الخطابة قیلُ

إذا شمختْ فی ذروةِ المجدِ هاشمٌ

فعمّاه منها جعفرٌ وعقیلُ

کفاه علوّا فی البریّةِ أنّه

لأحمدَ والطهرِ البتولِ سلیلُ

فما کلُّ جدٍّ فی الرجالِ محمدٌ

ولا کلُّ أُمٍّ فی النساءِ بتولُ

حسینٌ أخو المجدِ المنیفِ ومن له

فخارٌ إذا عُدَّ الفخارُ أثیلُ

أری الموتَ عذباً فی لهاک وصابُهُ

لغیرک مکروه المذاق وبیلُ

فما مرَّ ذو باس إلی مرِّ باسِهِ

علی مهلٍ إلاّ وأنت عجولُ

کأنّ الأعادیَ حین صُلْتَ مبارزاً

کثیبٌ ذرته الریحُ وهو مهیلُ

وما نهل الخطیُّ منک ولا الظبا

ولا علَّ إلاّ وهو منک علیلُ

بنفسی وأهلی عافرَ الخطِّ حولَهُ

لدی الطفِّ من آل الرسولِ قبیلُ

کأنّ حسیناً فیهمُ بدرُ هالةٍ

کواکبُها حول السماکِ حلولُ

قضی ظامیاً والماءُ طامٍ تصدّه

شرارُ الوری عن وردِهِ ونغولُ

وحُزَّ وریدُ السبطِ دون ورودِهِ

وغالته من أیدی الحوادثِ غولُ

وآب جواد السبط یهتف ناعیاً

وقد ملأ البیداء منه صهیلُ

فلمّا سمعنَ الطاهراتُ نعیّه

لراکبه والسرجُ منه یمیلُ

برزن سلیباتِ الحلیِّ نوادباً

لهنَّ علی الندبِ الکریمِ عویلُج.

ص: 552


1- الآذیّ : الموج.

بنفسیَ أُختَ السبطِ تعلنُ ندبَها

علی ندبِها محزونةً وتقولُ

أخی یا هلالاً غابَ بعد طلوعِهِ

وحاق به عند الکمالِ أُفولُ

أخی کنت شمساً یکسفُ الشمسَ نورُها

ویخسأ عنها الطرفُ وهو کلیلُ

وغصناً یروق الناظرین نضارةً

تغشّاه بعد الإخضرار ذبولُ

وربعاً یمیرُ الوافدین ربیعُه

تعاهده غبَّ العهادِ مُحولُ (1)

وعضباً رماه الدهر فی دار غربةٍ

وفی غربه للمرهفات (2) فلولُ

وضرغام غیل غیلَ من دونِ عرسِهِ

ومخلبُه ماضی الغرارِ (3) صقیلُ

فلم أر دون الخدر قبلک خادراً

له بین أشراکِ الضباعِ حصولُ

أصبت فلا ثوب المآثر صَیّبٌ

ولا فی ظلال المکرمات مقیلُ

ولا الجودُ موجودٌ ولا ذو حمیّةٍ

سواک فیحمی فی حماه نزیلُ

ولا صافحت منک الصفاحُ محاسناً

ولا کاد حسن الحال منک یحولُ

ولا تربت منک الترائبُ فی البلا

ولا غالها فی القبرِ منک مغیلُ

لتنظرنا من بعد عزٍّ ومنعةٍ

تلوح علینا ذلّةٌ وخمولُ

تعالج سلبَ الحلی عنّا علوجُها

وتحکم فینا أعبدٌ ونغولُ

وتبتزُّ أهلُ اللبسِ عنّا لباسَنا

وتُنزعُ أقراطٌ لنا وحجولُ

تری أوجهاً قد غاب عنها وجیهُها

وأعوزَها بعد الکفاةِ کفیلُ

سوافرُ بین السفرِ فی مهمهِ الفلا

لنا کلَّ یومٍ رحلةٌ ونزولُ

تزید خفوقاً یا ابن أُمّ قلوبُنا

إذا خفقتْ للظالمین طبولُ

فیا لکِ عیناً لا تجفُّ دموعُها

وناراً لها بین الضلوعِ دخیلُف)

ص: 553


1- یمیر الوافدین : یمدّهم بالطعام.
2- العضب : السیف القاطع ، والرجل الحدید الکلام. الغرب : الحدّة. المرهف : المحدّد المرقّق الحدّ. (المؤلف)
3- الغرار : حدّ السیف. (المؤلف)

أیُقتلُ ظمآناً حسینٌ وجدُّه

إلی الناسِ من ربِّ العباد رسولُ

ویُمنَعُ شربَ الماءِ والسربُ آمنٌ

علی الشربِ منها صادرٌ ونهولُ

وآلُ رسولِ اللهِ فی دار غربةٍ

وآلُ زیادٍ فی القصورِ نزولُ

وآلُ علیٍّ فی القیودِ شواحبٌ

إذا أنّ مأسورٌ بکته ثکولُ

وآلُ أبی سفیان فی عزِّ دولةٍ

تسیر بهم تحت البنود خیولُ

مصابٌ أُصیب الدینُ منه بفادحٍ

تکادُ له شمُّ الجبالِ تزولُ

علیک ابنَ خیرِ المرسلینَ تأسّفی

وحزنی وإن طال الزمانُ طویلُ

جللتَ فجلّ الرزءُ فیک علی الوری

کذا کلُّ رزءٍ للجلیلِ جلیلُ

فلیس بمُجدٍ فیک وجدی ولا البکا

مفیدٌ ولا الصبرُ الجمیلُ جمیلُ

إذا خفّ حزنُ الثاکلاتِ لسلوةٍ

فحزنی علی مرِّ الدهورِ ثقیلُ

وإن سَئِمَ الباکون فیک بکاءَهم

ملالاً فإنِّی للبکاء مُطیلُ

فما خفَّ من حزنی علیک تأسّفی

ولا جفَّ من دمعی علیک مسیلُ

وینکر دمعی فیک من باتَ قلبُهُ

خلیّا وما دمعُ الخلیِّ هطولُ

وما هیَ إلاّ فیک نفسٌ نفیسةٌ

یحلّلها حَرُّ الأسی فتسیلُ

تباینَ فیک القائلون فمعجبٌ

کثیرٌ وذو حزنٍ علیکَ قلیلُ

فأجرُ بنی الدنیا علیک لشأنِهمْ

دنیٌّ وأجرُ المخلَصین جزیلُ

فإن فاتنی إدراکُ یومِک سیّدی

وأخّرنی عن نصرِ جیلِکَ جیلُ

فلی فیک أبکارٌ لوفقِ جناسِها

أصولُ بها للشامتین نُصولُ

لها رقّةُ المحزونِ فیک وخطبُها

جسیمٌ علی أهلِ النفاق مَهولُ

یهیمُ بها سرُّ الولیِّ مسرّةً

وینصب منها ناصبٌ وجهولُ

لها فی قلوبِ الملحدین عواسلٌ

ووقعُ نصولٍ ما لهنَّ نصولُ

بها من علیٍّ فی علاکَ مناقبٌ

یقوم علیها فی الکتابِ دلیلُ

ینمُّ عن الأعرافِ طیِّبُ عَرفِها

فتعلقُها للعاقلین عقولُ

ص: 554

إذا نطقتْ آیُ الکتابِ بفضلِکمْ

فما ذا عسی فیما أقول أقولُ

لسانی علی التقصیرِ فی شرحِ وصفِکمْ

قصیرٌ وشرحُ الاعتذارِ طویلُ

علیکم سلامُ اللهِ ما اتّضح الضحی

وما عاقبت شمسَ الأصیلِ أُفولُ (1)

وذکر له العلاّمة السیّد أحمد العطّار فی الجزء الثانی من موسوعته الموسومة بالرائق ، وقال : قد قالها فی مرض موته ، قوله :

آن الرحیلُ وحقَّ فینا ما تری

وسرتْ لقطعِ مفازةِ البین البری

وظعنتُ عمّن ودَّ یوم ترحّلی

لو أنّها بالروحِ لی عوضٌ تُری

ونقلتُ من سعةِ القصورِ وروحِها

فرداً إلی ظلماتِ أطباقِ الثری

وتصرّمتْ أیّامُنا فکأنّها

کانت وکنّا طیفَ أحلامِ الکری

ومروعةٌ بالبینِ کاد فؤادُها

من هولِ یوم البین أن یتفطّرا

وتقول إذ آن الرحیلُ ودمعُها

قد خطَّ فی الخدِ المخدّد أسطرا

یا نازلاً بحشاشتی ومخلّفی

عرَضَ المخافةِ والمجاعةِ والعرا

فإلی من الملجا سواک لنا إذا

شطّت صروفُ الدهرِ أو خطبٌ عرا

فأجبتُها والعینُ کوبُ فراقِها

تهمی علی خدِّی نجیعاً أحمرا

أنتم ودیعةُ ذی الجلالِ کما غدا

شخصی ودیعةَ حیدرٍ خیرِ الوری

یا مونسی فی وحدتی إذ عاینتْ

عینی نکیراً فی اللحودِ ومنکرا

أنا واثقٌ بک لا أری شخصیهما

إلاّ بشیراً سائلی ومبشّرا

فبحقِّ قوم ائتمنتَهمُ علی

مکنونِ سرِّک عارفاً ومخبّرا

إلاّ غفرتَ ذنوبَ عبدٍ نازلٍ

بفناءِ من ألزمتَ طاعتَه الوری

لا زاهدٍ ورعٍ ولا متجنّبٍ

إثماً ولا یوماً بعسرٍ أیسرا4.

ص: 555


1- أعیان الشیعة : 8 / 194.

لکن یدی علقت بحبلِ ولاکمُ

ثقةً بکم ولنا بذلک مفخرا (1)

یا ناصرَ الإسلامِ حین تأوّدتْ

منه الدعائمُ فاستقامَ بلا مرا

ومذلَّ عزِّ الکفرِ بعد حمیّةٍ

خشناءَ عالیةِ الجوانبِ والذری

الله فی عبدٍ أتاک مجاوراً

متحصّناً بولائِکمْ متستّرا

إنّی أتیتُکَ وافداً ومجاوراً

ولکلِّ جارٍ وافدٍ حقُّ القِری

انتهی الجزء السادس من کتاب الغدیر

ویلیه السابع إن شاء الله

وما توفیقی إلاّ بالله علیه توکّلت وإلیه انیب ا.

ص: 556


1- کذا.

محتویات الکتاب

شعراء الغدیر فی القرن الثامن

9 - 556

أبو محمد بن داود الحلی............................................. 11 - 17

الشاعر.................................................................. 14

تألیفه القیّمة.............................................................. 16

جمال الدین الخلعی.................................................. 19 - 31

الشاعر.................................................................. 22

لفت نظر................................................................ 31

السریجی الاوالی.................................................... 33 - 58

مایتبع الشعر............................................................. 35

الشاعر.................................................................. 58

صفیّ الدین الحلّی.................................................. 59 - 78

الشاعر.................................................................. 62

آثاره ومآثره............................................................. 65

ولادته ووفاته............................................................ 75

الامام الشیبانی الشافعی............................................. 79 - 82

ما یتبع الشعر............................................................ 80

الشاعر.................................................................. 81

شمس الدین المالکی............................................... 83 - 501

مایتبع الشعر............................................................. 86

1 - حدیث تزویج المولی سبحانه فاطمة من علی........................ 87

2 - حدیث (أنا مدینة العلم وعلی بابها) ومن أخرجه من الحفاظ.......... 87

صحّة الحدیث....................................................... 111

لفظ الحدیث......................................................... 113

ما عشت أراک الدهر عجباً............................................... 118

نوادر الأثر فی علم عمر................................................... 120

1 - رأی الخلیفة فی فاقد الماء........................................... 120

تحریف وتدجیل...................................................... 121

الخلیفة لایعرف حکم الشکوک........................................ 132

جهل الخلیفة بکتاب الله.............................................. 133

العجب العجاب..................................................... 135

امرأة اخری وضعت لستة أشهر....................................... 136

5 - کل الناس أفقه من عمر............................................ 136

جهل الخلیفة بمعنی الاب.............................................. 142

قضاء الخلیفة علی مجنونة قد زنت...................................... 145

لفت نظر............................................................ 148

جهل الخلیفة بتأویل کتاب الله......................................... 148

جهل الخلیفة بکفّارة بیض نعام........................................ 149

10 - کل الناس افقه من عمر.......................................... 150

امر الخلیفة بضرب غلام خاصم امة.................................... 150

جهل الخلیفة بمعاریض الکلم.......................................... 151

اجتهاد الخلیفة فی قراءة الصلاة......................................... 155

رای الخلیفة فی المیراث................................................ 157

15 - جهل الخلیفة بطلاق الامة........................................ 158

لولا علی لهلک عمر.................................................. 158

کل احد افقه من عمر................................................ 159

رأی الخلیفة فی الحائض بعد الافاضة.................................... 159

جهل الخلیفة بالسنة................................................... 162

20 - اجتهاد الخلیفة فی امراة تسرّرت غلامها............................ 164

الخلیفة وامراة مغنیة................................................... 169

حکم الخلیفة برجم مضطرّة........................................... 171

الخلیفة لایدری ما یقول.............................................. 172

25 - قضایا فی عسّه وتجسّمه........................................... 172

رای الخلیفة فی حد الخمر............................................. 176

الخلیفة وامراة احتالت علی شابّ...................................... 180

الا أبقانی الله بعد أین ابی طالب........................................ 180

الخلیفة والکلالة...................................................... 181

30 - رأی الخلیفة فی الأرنب........................................... 186

رأی الخلیفة فی القود................................................. 189

لولا معاد لهلک عمر.................................................. 188

رأی الخلیفة فی القود................................................. 188

رأی الخلیفة فی ذمّی مقتول............................................ 189

35 - قصّة اخری فی ذمّی مقتول....................................... 190

رأی الخلیفة فی قاتل معفو عنه......................................... 190

رای الخلیفة فی الاصابع............................................... 191

رأی الخلیفة فی دیة الجنین............................................. 192

رأی الخلیفة فی سارق................................................. 194

40 - اجتهاد الخلیفة فی هدیة ملکة الروم................................ 194

رأی الخلیفة فی جلد المغیرة............................................ 196

کل افقه من عمر حتی العجائز........................................ 204

استشارة الخلیفة فی متسابین........................................... 205

رأی الخلیفة فی شجرة الرضوان........................................ 207

45 - رأی الخلیفة فی آثار الأنبیاء....................................... 208

الخلیفة وقوم من أحبار الیهود.......................................... 209

رأی الخلیفة فی الزکاة................................................ 219

رأی الخلیفة فی لیلة القدر............................................. 220

ضرب الخلیفة بالدّرة لغیر موجب...................................... 222

50 - جهل الخلیفة بالسنّة المشهورة..................................... 223

اجتهاد الخلیفة فی البکاء علی المیت.................................... 224

اجتهاد الخلیفة فی الاضحیة............................................ 236

الخلیفة فی إرث الزوجة من الدیة....................................... 237

زبدة الخض.......................................................... 240

رأی الخلیفة فی تحقّق البلوغ........................................... 241

55 - تنقیص الخلیفة من الحدّ........................................... 241

أبا حسن لا أبقانی الله لشدّة لست لها.................................. 242

الخلیفة ومولود عجیب................................................ 244

اجتهاد الخلیفة فی حدّ امة............................................. 245

نهی الخلیفة عما أمر به رسول الله صلی الله علیه واله..................... 247

60 - اجتهاد الخلیفة فی حلی الکعبة..................................... 249

اجتهاد الخلیفة فی طلاق الثلاث........................................ 251

اجتهاد الخلیفة فی الصلاة بعد العصر.................................... 258

رأی الخلیفة فی العجم................................................. 262

تجسّس الخلیفة بالسعایة............................................... 265

65 - استئذان الخلیفة من عائشة........................................ 266

خطبة الخلیفة فی الجاییة............................................... 269

لفت نظر............................................................ 273

الخلیفة وتعلّم سورة البقرة............................................. 276

متعة الحجّ........................................................... 278

متعة النساء.......................................................... 289

أحادیث النهی عن المتعتین................................................. 296

نظرة فی المتعتین...................................................... 202

متعة الحج........................................................... 302

متعة النساء.......................................................... 311

المتعة فی الکتاب...................................................... 323

هلّم معی............................................................ 332

حدود المتعة فی الإسلام............................................... 333

إقرأ واضحک أو ابک................................................. 335

70 - رأی الخلیفة فیمن قال : إنیّ مؤمن................................. 339

قدوم أسقف نجران علی الخلیفة........................................ 341

جلد صائم فعد علی شراب........................................... 343

رأی الخلیفة فی مسک بیت المال....................................... 343

اجتهاد الخلیفة فی صلاة المیت......................................... 344

75 - الخلیفة ومسائل ملک الروم....................................... 348

ذکر السائل......................................................... 349

موقف الخلیفة فی الاحکام............................................. 352

رأی الخلیفة فی المناسک............................................... 352

رأی الخلیفة فی الخمر وآیاتها........................................... 354

جهل الخلیفة بالغسل من الجنابة........................................ 369

80 - الخلیفة وتوسعة المسجدین........................................ 370

سکوت الخلیفة عن حکم الطلاق...................................... 376

رأی الخلیفة فی اکل اللحم............................................ 376

الخلیفة ویهودی مدتی................................................. 378

الخلیفة أوّل من أعال الفرائض......................................... 380

85 - اجتهاد عمر فی تنطیر أموال عمّاله................................. 382

الخلیفة فی شراء الإبل................................................. 391

رأی الخلیفة فی بیت المقدس........................................... 392

رأی الخلیفة فی المجوس............................................... 396

رأی الخلیفة فی صوم رجب........................................... 397

90 - اجتهاد الخلیفة فی السؤال عن مشکلات القرآن..................... 412

رأی الخلیفة فی السؤال عمّا لم یقع..................................... 415

نهی الخلیفة عن الحدیث............................................... 416

حدیث کتابة السنن.................................................. 420

رأی الخلیفة فی الکتب................................................ 421

95 - الخلیفة والقراءات................................................ 428

اجتهاد الخلیفة فی الأسماء والکنی....................................... 436

حد الخلیفة ابنه بعد الحد.............................................. 446

حدّ الخلیفة بما یقرأ یوم العید.......................................... 452

الخلیفة ومعانی الالفاظ................................................ 453

100 - رأی الخلیفة فی صوم الدهر...................................... 455

نتاج البحث............................................................. 461

عود الی ما یتبع شعر شمس الدین المالکی.................................. 469

3 - حدیث الولایة.................................................. 469

4 - حدیث المنزلة................................................... 469

5 - حدیث سبق علی علیه السلام الی الاسلام......................... 470

6 - حدیث تکنیة علی علیه السلام بأبی تراب......................... 470

مکرمة حول الحدیث................................................. 476

7 - حدیث سورة براءة وتبلیغها..................................... 476

المراسیل من حدیث سورة براءة....................................... 492

الشاعر................................................................. 495

تألیفه.................................................................. 496

علاء الدین الحلّی............................................... 503 - 556

القصیدة الغدیریة الأولی............................................... 503

الشاعر................................................................. 514

القصیدة الثانیة....................................................... 515

القصیدة الثالثة....................................................... 523

القصیدة الرابعة....................................................... 529

القصیدة الخامسة..................................................... 534

القصیدة السادسة.................................................... 542

القصیدة السابعة...................................................... 548

ص: 557

ولادته ووفاته............................................................ 75

الامام الشیبانی الشافعی............................................. 79 - 82

ما یتبع الشعر............................................................ 80

الشاعر.................................................................. 81

شمس الدین المالکی............................................... 83 - 501

مایتبع الشعر............................................................. 86

1 - حدیث تزویج المولی سبحانه فاطمة من علی........................ 87

2 - حدیث (أنا مدینة العلم وعلی بابها) ومن أخرجه من الحفاظ.......... 87

صحّة الحدیث....................................................... 111

لفظ الحدیث......................................................... 113

ما عشت أراک الدهر عجباً............................................... 118

نوادر الأثر فی علم عمر................................................... 120

1 - رأی الخلیفة فی فاقد الماء........................................... 120

تحریف وتدجیل...................................................... 121

الخلیفة لایعرف حکم الشکوک........................................ 132

جهل الخلیفة بکتاب الله.............................................. 133

العجب العجاب..................................................... 135

امرأة اخری وضعت لستة أشهر....................................... 136

5 - کل الناس أفقه من عمر............................................ 136

جهل الخلیفة بمعنی الاب.............................................. 142

قضاء الخلیفة علی مجنونة قد زنت...................................... 145

لفت نظر............................................................ 148

ص: 558

جهل الخلیفة بتأویل کتاب الله......................................... 148

جهل الخلیفة بکفّارة بیض نعام........................................ 149

10 - کل الناس افقه من عمر.......................................... 150

امر الخلیفة بضرب غلام خاصم امة.................................... 150

جهل الخلیفة بمعاریض الکلم.......................................... 151

اجتهاد الخلیفة فی قراءة الصلاة......................................... 155

رای الخلیفة فی المیراث................................................ 157

15 - جهل الخلیفة بطلاق الامة........................................ 158

لولا علی لهلک عمر.................................................. 158

کل احد افقه من عمر................................................ 159

رأی الخلیفة فی الحائض بعد الافاضة.................................... 159

جهل الخلیفة بالسنة................................................... 162

20 - اجتهاد الخلیفة فی امراة تسرّرت غلامها............................ 164

الخلیفة وامراة مغنیة................................................... 169

حکم الخلیفة برجم مضطرّة........................................... 171

الخلیفة لایدری ما یقول.............................................. 172

25 - قضایا فی عسّه وتجسّمه........................................... 172

رای الخلیفة فی حد الخمر............................................. 176

الخلیفة وامراة احتالت علی شابّ...................................... 180

الا أبقانی الله بعد أین ابی طالب........................................ 180

الخلیفة والکلالة...................................................... 181

30 - رأی الخلیفة فی الأرنب........................................... 186

ص: 559

رأی الخلیفة فی القود................................................. 189

لولا معاد لهلک عمر.................................................. 188

رأی الخلیفة فی القود................................................. 188

رأی الخلیفة فی ذمّی مقتول............................................ 189

35 - قصّة اخری فی ذمّی مقتول....................................... 190

رأی الخلیفة فی قاتل معفو عنه......................................... 190

رای الخلیفة فی الاصابع............................................... 191

رأی الخلیفة فی دیة الجنین............................................. 192

رأی الخلیفة فی سارق................................................. 194

40 - اجتهاد الخلیفة فی هدیة ملکة الروم................................ 194

رأی الخلیفة فی جلد المغیرة............................................ 196

کل افقه من عمر حتی العجائز........................................ 204

استشارة الخلیفة فی متسابین........................................... 205

رأی الخلیفة فی شجرة الرضوان........................................ 207

45 - رأی الخلیفة فی آثار الأنبیاء....................................... 208

الخلیفة وقوم من أحبار الیهود.......................................... 209

رأی الخلیفة فی الزکاة................................................ 219

رأی الخلیفة فی لیلة القدر............................................. 220

ضرب الخلیفة بالدّرة لغیر موجب...................................... 222

50 - جهل الخلیفة بالسنّة المشهورة..................................... 223

اجتهاد الخلیفة فی البکاء علی المیت.................................... 224

اجتهاد الخلیفة فی الاضحیة............................................ 236

الخلیفة فی إرث الزوجة من الدیة....................................... 237

ص: 560

زبدة الخض.......................................................... 240

رأی الخلیفة فی تحقّق البلوغ........................................... 241

55 - تنقیص الخلیفة من الحدّ........................................... 241

أبا حسن لا أبقانی الله لشدّة لست لها.................................. 242

الخلیفة ومولود عجیب................................................ 244

اجتهاد الخلیفة فی حدّ امة............................................. 245

نهی الخلیفة عما أمر به رسول الله صلی الله علیه واله..................... 247

60 - اجتهاد الخلیفة فی حلی الکعبة..................................... 249

اجتهاد الخلیفة فی طلاق الثلاث........................................ 251

اجتهاد الخلیفة فی الصلاة بعد العصر.................................... 258

رأی الخلیفة فی العجم................................................. 262

تجسّس الخلیفة بالسعایة............................................... 265

65 - استئذان الخلیفة من عائشة........................................ 266

خطبة الخلیفة فی الجاییة............................................... 269

لفت نظر............................................................ 273

الخلیفة وتعلّم سورة البقرة............................................. 276

متعة الحجّ........................................................... 278

متعة النساء.......................................................... 289

أحادیث النهی عن المتعتین................................................. 296

نظرة فی المتعتین...................................................... 202

متعة الحج........................................................... 302

متعة النساء.......................................................... 311

المتعة فی الکتاب...................................................... 323

ص: 561

هلّم معی............................................................ 332

حدود المتعة فی الإسلام............................................... 333

إقرأ واضحک أو ابک................................................. 335

70 - رأی الخلیفة فیمن قال : إنیّ مؤمن................................. 339

قدوم أسقف نجران علی الخلیفة........................................ 341

جلد صائم فعد علی شراب........................................... 343

رأی الخلیفة فی مسک بیت المال....................................... 343

اجتهاد الخلیفة فی صلاة المیت......................................... 344

75 - الخلیفة ومسائل ملک الروم....................................... 348

ذکر السائل......................................................... 349

موقف الخلیفة فی الاحکام............................................. 352

رأی الخلیفة فی المناسک............................................... 352

رأی الخلیفة فی الخمر وآیاتها........................................... 354

جهل الخلیفة بالغسل من الجنابة........................................ 369

80 - الخلیفة وتوسعة المسجدین........................................ 370

سکوت الخلیفة عن حکم الطلاق...................................... 376

رأی الخلیفة فی اکل اللحم............................................ 376

الخلیفة ویهودی مدتی................................................. 378

الخلیفة أوّل من أعال الفرائض......................................... 380

85 - اجتهاد عمر فی تنطیر أموال عمّاله................................. 382

الخلیفة فی شراء الإبل................................................. 391

رأی الخلیفة فی بیت المقدس........................................... 392

رأی الخلیفة فی المجوس............................................... 396

ص: 562

رأی الخلیفة فی صوم رجب........................................... 397

90 - اجتهاد الخلیفة فی السؤال عن مشکلات القرآن..................... 412

رأی الخلیفة فی السؤال عمّا لم یقع..................................... 415

نهی الخلیفة عن الحدیث............................................... 416

حدیث کتابة السنن.................................................. 420

رأی الخلیفة فی الکتب................................................ 421

95 - الخلیفة والقراءات................................................ 428

اجتهاد الخلیفة فی الأسماء والکنی....................................... 436

حد الخلیفة ابنه بعد الحد.............................................. 446

حدّ الخلیفة بما یقرأ یوم العید.......................................... 452

الخلیفة ومعانی الالفاظ................................................ 453

100 - رأی الخلیفة فی صوم الدهر...................................... 455

نتاج البحث............................................................. 461

عود الی ما یتبع شعر شمس الدین المالکی.................................. 469

3 - حدیث الولایة.................................................. 469

4 - حدیث المنزلة................................................... 469

5 - حدیث سبق علی علیه السلام الی الاسلام......................... 470

6 - حدیث تکنیة علی علیه السلام بأبی تراب......................... 470

مکرمة حول الحدیث................................................. 476

7 - حدیث سورة براءة وتبلیغها..................................... 476

المراسیل من حدیث سورة براءة....................................... 492

الشاعر................................................................. 495

تألیفه.................................................................. 496

ص: 563

شعراء الغدیر فی القرن الثامن

9 - 556

أبو محمد بن داود الحلی............................................. 11 - 17

الشاعر.................................................................. 14

تألیفه القیّمة.............................................................. 16

جمال الدین الخلعی.................................................. 19 - 31

الشاعر.................................................................. 22

لفت نظر................................................................ 31

السریجی الاوالی.................................................... 33 - 58

مایتبع الشعر............................................................. 35

الشاعر.................................................................. 58

صفیّ الدین الحلّی.................................................. 59 - 78

الشاعر.................................................................. 62

آثاره ومآثره............................................................. 65

ولادته ووفاته............................................................ 75

الامام الشیبانی الشافعی............................................. 79 - 82

ما یتبع الشعر............................................................ 80

الشاعر.................................................................. 81

شمس الدین المالکی............................................... 83 - 501

مایتبع الشعر............................................................. 86

1 - حدیث تزویج المولی سبحانه فاطمة من علی........................ 87

2 - حدیث (أنا مدینة العلم وعلی بابها) ومن أخرجه من الحفاظ.......... 87

صحّة الحدیث....................................................... 111

لفظ الحدیث......................................................... 113

ما عشت أراک الدهر عجباً............................................... 118

نوادر الأثر فی علم عمر................................................... 120

1 - رأی الخلیفة فی فاقد الماء........................................... 120

تحریف وتدجیل...................................................... 121

الخلیفة لایعرف حکم الشکوک........................................ 132

جهل الخلیفة بکتاب الله.............................................. 133

العجب العجاب..................................................... 135

امرأة اخری وضعت لستة أشهر....................................... 136

5 - کل الناس أفقه من عمر............................................ 136

جهل الخلیفة بمعنی الاب.............................................. 142

قضاء الخلیفة علی مجنونة قد زنت...................................... 145

لفت نظر............................................................ 148

جهل الخلیفة بتأویل کتاب الله......................................... 148

جهل الخلیفة بکفّارة بیض نعام........................................ 149

10 - کل الناس افقه من عمر.......................................... 150

امر الخلیفة بضرب غلام خاصم امة.................................... 150

جهل الخلیفة بمعاریض الکلم.......................................... 151

اجتهاد الخلیفة فی قراءة الصلاة......................................... 155

رای الخلیفة فی المیراث................................................ 157

15 - جهل الخلیفة بطلاق الامة........................................ 158

لولا علی لهلک عمر.................................................. 158

کل احد افقه من عمر................................................ 159

رأی الخلیفة فی الحائض بعد الافاضة.................................... 159

جهل الخلیفة بالسنة................................................... 162

20 - اجتهاد الخلیفة فی امراة تسرّرت غلامها............................ 164

الخلیفة وامراة مغنیة................................................... 169

حکم الخلیفة برجم مضطرّة........................................... 171

الخلیفة لایدری ما یقول.............................................. 172

25 - قضایا فی عسّه وتجسّمه........................................... 172

رای الخلیفة فی حد الخمر............................................. 176

الخلیفة وامراة احتالت علی شابّ...................................... 180

الا أبقانی الله بعد أین ابی طالب........................................ 180

الخلیفة والکلالة...................................................... 181

30 - رأی الخلیفة فی الأرنب........................................... 186

رأی الخلیفة فی القود................................................. 189

لولا معاد لهلک عمر.................................................. 188

رأی الخلیفة فی القود................................................. 188

رأی الخلیفة فی ذمّی مقتول............................................ 189

35 - قصّة اخری فی ذمّی مقتول....................................... 190

رأی الخلیفة فی قاتل معفو عنه......................................... 190

رای الخلیفة فی الاصابع............................................... 191

رأی الخلیفة فی دیة الجنین............................................. 192

رأی الخلیفة فی سارق................................................. 194

40 - اجتهاد الخلیفة فی هدیة ملکة الروم................................ 194

رأی الخلیفة فی جلد المغیرة............................................ 196

کل افقه من عمر حتی العجائز........................................ 204

استشارة الخلیفة فی متسابین........................................... 205

رأی الخلیفة فی شجرة الرضوان........................................ 207

45 - رأی الخلیفة فی آثار الأنبیاء....................................... 208

الخلیفة وقوم من أحبار الیهود.......................................... 209

رأی الخلیفة فی الزکاة................................................ 219

رأی الخلیفة فی لیلة القدر............................................. 220

ضرب الخلیفة بالدّرة لغیر موجب...................................... 222

50 - جهل الخلیفة بالسنّة المشهورة..................................... 223

اجتهاد الخلیفة فی البکاء علی المیت.................................... 224

اجتهاد الخلیفة فی الاضحیة............................................ 236

الخلیفة فی إرث الزوجة من الدیة....................................... 237

زبدة الخض.......................................................... 240

رأی الخلیفة فی تحقّق البلوغ........................................... 241

55 - تنقیص الخلیفة من الحدّ........................................... 241

أبا حسن لا أبقانی الله لشدّة لست لها.................................. 242

الخلیفة ومولود عجیب................................................ 244

اجتهاد الخلیفة فی حدّ امة............................................. 245

نهی الخلیفة عما أمر به رسول الله صلی الله علیه واله..................... 247

60 - اجتهاد الخلیفة فی حلی الکعبة..................................... 249

اجتهاد الخلیفة فی طلاق الثلاث........................................ 251

اجتهاد الخلیفة فی الصلاة بعد العصر.................................... 258

رأی الخلیفة فی العجم................................................. 262

تجسّس الخلیفة بالسعایة............................................... 265

65 - استئذان الخلیفة من عائشة........................................ 266

خطبة الخلیفة فی الجاییة............................................... 269

لفت نظر............................................................ 273

الخلیفة وتعلّم سورة البقرة............................................. 276

متعة الحجّ........................................................... 278

متعة النساء.......................................................... 289

أحادیث النهی عن المتعتین................................................. 296

نظرة فی المتعتین...................................................... 202

متعة الحج........................................................... 302

متعة النساء.......................................................... 311

المتعة فی الکتاب...................................................... 323

هلّم معی............................................................ 332

حدود المتعة فی الإسلام............................................... 333

إقرأ واضحک أو ابک................................................. 335

70 - رأی الخلیفة فیمن قال : إنیّ مؤمن................................. 339

قدوم أسقف نجران علی الخلیفة........................................ 341

جلد صائم فعد علی شراب........................................... 343

رأی الخلیفة فی مسک بیت المال....................................... 343

اجتهاد الخلیفة فی صلاة المیت......................................... 344

75 - الخلیفة ومسائل ملک الروم....................................... 348

ذکر السائل......................................................... 349

موقف الخلیفة فی الاحکام............................................. 352

رأی الخلیفة فی المناسک............................................... 352

رأی الخلیفة فی الخمر وآیاتها........................................... 354

جهل الخلیفة بالغسل من الجنابة........................................ 369

80 - الخلیفة وتوسعة المسجدین........................................ 370

سکوت الخلیفة عن حکم الطلاق...................................... 376

رأی الخلیفة فی اکل اللحم............................................ 376

الخلیفة ویهودی مدتی................................................. 378

الخلیفة أوّل من أعال الفرائض......................................... 380

85 - اجتهاد عمر فی تنطیر أموال عمّاله................................. 382

الخلیفة فی شراء الإبل................................................. 391

رأی الخلیفة فی بیت المقدس........................................... 392

رأی الخلیفة فی المجوس............................................... 396

رأی الخلیفة فی صوم رجب........................................... 397

90 - اجتهاد الخلیفة فی السؤال عن مشکلات القرآن..................... 412

رأی الخلیفة فی السؤال عمّا لم یقع..................................... 415

نهی الخلیفة عن الحدیث............................................... 416

حدیث کتابة السنن.................................................. 420

رأی الخلیفة فی الکتب................................................ 421

95 - الخلیفة والقراءات................................................ 428

اجتهاد الخلیفة فی الأسماء والکنی....................................... 436

حد الخلیفة ابنه بعد الحد.............................................. 446

حدّ الخلیفة بما یقرأ یوم العید.......................................... 452

الخلیفة ومعانی الالفاظ................................................ 453

100 - رأی الخلیفة فی صوم الدهر...................................... 455

نتاج البحث............................................................. 461

عود الی ما یتبع شعر شمس الدین المالکی.................................. 469

3 - حدیث الولایة.................................................. 469

4 - حدیث المنزلة................................................... 469

5 - حدیث سبق علی علیه السلام الی الاسلام......................... 470

6 - حدیث تکنیة علی علیه السلام بأبی تراب......................... 470

مکرمة حول الحدیث................................................. 476

7 - حدیث سورة براءة وتبلیغها..................................... 476

المراسیل من حدیث سورة براءة....................................... 492

الشاعر................................................................. 495

تألیفه.................................................................. 496

علاء الدین الحلّی............................................... 503 - 556

القصیدة الغدیریة الأولی............................................... 503

الشاعر................................................................. 514

القصیدة الثانیة....................................................... 515

القصیدة الثالثة....................................................... 523

القصیدة الرابعة....................................................... 529

القصیدة الخامسة..................................................... 534

القصیدة السادسة.................................................... 542

القصیدة السابعة...................................................... 548

ص: 564

المجلد 7

اشارة

سرشناسه:امینی، عبدالحسین، 1281 - 1349.

عنوان و نام پدیدآور:الغدیر فی الکتاب و السنه و الادب: کتاب دینی ،علمی، فنی،.../ عبدالحسین احمد الامینی النجفی؛ تحقیق مرکز الغدیر للدراسات الاسلامیه.

مشخصات نشر:قم: مرکز الغدیر للدراسات الاسلامیه، 1416ق.-= 1995م.-= 1374-

وضعیت فهرست نویسی:برونسپاری

یادداشت:عربی.

یادداشت:ج.2 (چاپ اول: 1375).

یادداشت:ج. 3، 6 و 8 (چاپ اول: 1416ق. = 1376).

یادداشت:ج. 13 (چاپ اول: 1422ق. = 2002م. = 1380).

یادداشت:کتابنامه.

موضوع:علی بن ابی طالب (ع)، امام اول، 23 قبل از هجرت - 40ق -- اثبات خلافت

موضوع:غدیر خم

شناسه افزوده:موسسه دایرةالمعارف فقه اسلامی بر مذهب اهل بیت (ع). مرکز الغدیر للدراسات الاسلامیه

رده بندی کنگره:BP223/54/الف8غ4 1374

رده بندی دیویی:297/452

شماره کتابشناسی ملی:م 75-8389

ص: 1

اشارة

ص: 2

الغدیر فی الکتاب و السنه و الادب

عبدالحسین احمد الامینی النجفی

تحقیق مرکز الغدیر للدراسات الاسلامیه

ص: 3

ص: 4

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 5

ص: 6

**شعراء الغدیر فی القرن التاسع**

ص: 7

بسم الله الرحمن الرحیم

سُبحانکَ أنتَ وَلِیُّنا مِنْ دونِهِمْ ، وَاجعَلْ لَنا مِنْ لَدُنکَ وَلِیّا واجعَلْ لنَا مِنْ لَدُنکَ نَصیراً ، یا أیّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَکُمُ الحَقُّ مِن رَبِّکم فَمَنِ اهتَدی فَإنَّما یَهتَدی لِنَفسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فإنَّما یَضِلُّ عَلیها وَمَا أنا عَلیکُمْ بِوَکِیلْ ، وَمَا عَلینا إلاَّ البَلاغ ، قَد جاءکُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَکِتابٌ مبِینٌ ، لِیَهلکَ مَنْ هَلکَ عَنْ بَیِّنةٍ ویَحیَی مَن حَیَّ عنْ بیِّنةٍ ، وَیُحَذِّرکُمُ اللهُ نفْسَهُ وَأنْ تَقولوا عَلی اللهِ ما لا تَعْلَمُون ، هذا کِتابٌ أنزَلْناهُ مُبَارَکٌ فاتَّبعوُهُ وَاتَّقُوا لَعلّکُمْ تُرحَمُون ، وَلقدْ جِئناکُم بِالحَقِّ وَلکِنَّ أکثَرکُمْ لِلحَقِّ کارِهُون ، یَعرفونَ نِعمةَ اللهِ ثُمَّ یُنکِرونَها ، تُحاجّونَ فِیما لیسَ لَکم به عِلمٌ ، إن تَتَّبِعونَ إلاّ الظَنَّ وَإنْ أنتُمْ إلاَّ تَخرُصُون ، لا تَتَّبِعوا أهواءَ قومٍ قَدْ ضَلّوا مِنْ قَبلُ وأضَلُّوا کَثیراً ، أطِیعُوا اللهَ وأطِیعُوا الرَّسُول وأُولی الأمْرِ منکُمْ ، الَّذینَ یُنفِقُونَ أمْوالَهُم باللَّیْلِ وَالنَّهارِ سِرّا وَعَلانیَةً ، وَیُطعِمُونَ الطَّعامَ علی حُبِّهِ مِسکیناً وَیَتِیماً وأسِیراً ، الَّذِینَ آمنُوا وَعَملوُا الصّالِحاتِ أُولئِکَ هُمْ خیرُ البریَّة.

الأمینی

ص: 8

شعراء الغدیر فی القرن التاسع

اشارة

1 - ابن العرندس الحلّی

2 - ابن داغر الحلّی

3 - الحافظ البرسی الحلّی

ص: 9

ص: 10

- 72 -

ابن العرندس الحلّی

أضحی یمیسُ کغصنِ بانٍ فی حُلی

قمرٌ إذا ما مرَّ فی قلبی حلا

سلبَ العقولَ بناظرٍ فی فترةٍ

فیها حرامُ السحرِ بان محلّلا

وانحلَّ شدُّ عزائمی لمَّا غدا

عن خصرِهِ بندُ القباءِ محلّلا

وزها بها کافورُ سالفِ خدِّه

لمّا بریحانِ العذارِ تسلسلا

وتسلسلتْ عبثاً سلاسلُ صدغِه

فلذاک بتُّ مقیّداً ومسلسلا

قمرٌ قویمُ قوامِهِ کقناتِهِ

ولحاظُه فی القتلِ تحکی المنصلا

وجناتُه جوریَّةٌ وعیونُه

حوریّةٌ تسبی الغزالَ الأکحلا

أهوی فواترَها المراضَ إذا رنتْ

وأحبُّ جفنیها المراضَ الغُزَّلا

جارت وما صفحت علی عشّاقه

فتکاً وعاملُ قدِّه ما أعدلا

ملکت محاسنُهُ ملوکاً طالما

أضحی لها الملکُ العزیزُ مذلّلا

کِسری بعینیه الصحاحِ وخدُّه

النعمانُ بالخال النجاشی خوّلا

کتب العلیُّ علی صحائفِ خدِّهِ

نونی قسیِّ الحاجبین ومَثّلا

فرمی بها فی عینِ غنجِ عیونِهِ

سهمَ السهامِ أصابَ منِّی المقتلا

فاعجب لعینِ عبیرِ عنبرِ خالِهِ

فی جیمِ جمرةِ خدِّه لن تشعلا

وسَلا الفؤادَ بحرِّ نیرانِ الجوی

منِّی فذاب وعن هواهُ ما سلا

فمتی بشیرُ الوصلِ یأتی منجحاً

وأبیتُ مسروراً سعیداً مُقبلا

ص: 11

ولقد بری منّی السقامَ وبتُّ فی

لججِ الغرامِ معالجاً کربَ البلا

وجرت سحائبُ عبرتی فی وجنتی

کدمِ الحسینِ علی أراضی کربلا

الصائمِ القوّامِ والمتصدّق الطعّامِ

أفرس من علی فرسٍ علا

رجلٌ بصیوانِ الغمامةِ جدُّهُ

المختارُ فی حرِّ الهجیر تظلّلا

وأبوه حیدرةُ الذی بعلومِهِ

وبفضلهِ شُرِحَ الکتابُ تفصّلا

والأُمُّ فاطمةُ المطهَّرةُ التی

بالمجدِ تاجُ فخارِها قد کُلّلا

نسبٌ کمنبلجِ الصباحِ یزینه

حسبٌ شبیه الشمس زاهی المجتلی

السیّدُ السندُ السعیدُ الساجدُ

السبطُ الشهیدُ المستضامُ المبتلی

قمرٌ بکت عینُ السماءِ لأجلِهِ

أسفاً وقلبُ الدهرِ باتَ مقلقلا

تالله لا أنساه فرداً ظامیاً

والماءُ ینهلُ منه ذیبانُ الفلا

والسیّدُ العبّاسُ قد سلبَ العدی

عنه اللباسَ وصیّروه مجدّلا

والطفلُ شمسُ حیاتِه قد أصبحتْ

بالخسفِ فی طَفَلٍ وجلّ مؤثّلا (1)

وبنو أُمیّةَ فی جسومِ صحابِهِ

قد حطّموا السمرَ اللدان الذبَّلا

شربوا بکاساتِ القنا خمرَ الفنا

مُزِجَ البلاءُ به فأمسوا فی البلا

وتقاطعتْ أرحامُهمْ وجسومُهمْ

کرماً وأوصلتِ الرؤوسَ الأرجلا

وتوارثوا من بعد سلبِ نفوسِهم

دارَ المقامةِ فی القیامةِ موئلا

والسبطُ شاکٍ ما له من ناصرٍ

شاکٍ إلی ربِّ السمواتِ العلی

ظامٍ إلی ماءِ الفراتِ فإن یَرُم

نهلاً یری البیضَ الصوارمَ منهلا

والقومُ محدقةٌ علیه بجحفلٍ

کالبحرِ آخرُه یحاکی الأوَّلا

متلاطمٌ سغبتْ (2) به أسیافُهمْ

فغدا لهم لحمُ الفوارسِ مأکلا

ومن العجائبِ أنّه یشکو الظما

وأبوه یسقی فی المعادِ السلسلاف)

ص: 12


1- الطفل من طفلت الشمس : دنت للغروب. المؤثل : الدائم. (المؤلف)
2- السغوب والسغب : الجوع. (المؤلف)

حامت علیه للحمامِ کواسرٌ

ظمئت فأشربتِ الحمام دمَ الطلا (1)

أمستْ به سمرُ الرماحِ وزرقُها

حمراً وشهبُ الخیلِ دُهْماً جفَّلا (2)

هاتیک بالدمِ قد صُبغنَ وهذه

صُبغتْ بنقعٍ صبغةً لن تنصُلا

عقدتْ سنابکُ صافناتِ خیولِهِ

من فوقِ هاماتِ الفوارسِ قسطلا (3)

ودجتْ عجاجتُه ومدَّ سواده

حتی أعادَ الصبحَ لیلاً ألیلا

وکأنَّما لمعُ الصوارم تحتَهُ

برقٌ تألّقَ فی غمامٍ فانجلی

جیشٌ ملا فوه الفلا وأتی فلا

أمست سنابکُ خیلِه تفلی الفلا

أبناءُ من جحدَ الوصیَّ وکذَّب

الهادی النبیَّ وکان حقّا مرسلا

بذلوا النفوسَ وبدَّلوا من جهلِهمْ

ما لیس فی الإسلام کان مبدَّلا

فمحلّلٌ قد صیّروه محرَّماً

ومحرَّمٌ قد غادروه محلّلا

وتعمّدوا قتل الوصیِّ وحرّفوا

ما کان أحمدُ فی الکتابِ له تلا

وأتوا إلی قتلِ الحسینِ وأجّجوا

ناراً لهیبُ ضرامِها لن یُصطلی

فسطا علیهمْ بالنزالِ بعزمةٍ

تذرُ الحسامَ المشرفیَّ مفلّلا

من فوقِ طرفٍ أعوجیّ سابحٍ

کالبرقِ یسبقُ فی سُراه الشمألا (4)

فرسٌ حوافرُهُ بغیرِ جماجمِ ال

فرسانِ فی یومِ الوغی لن تنعلا

أضحی بمبیضِّ الصباحِ مجلّلا

وغدا بمسودِّ الظلام مسربلاف)

ص: 13


1- الکواسر جمع الکاسرة مؤنّث الکاسر : العقاب. الطلا : ولد الظبی ساعة یولد ، الصغیر من کلّ شیء. (المؤلف)
2- الشهب والشهباء : بیاض یتخلّله سواد. الدهمة : السواد. الجفل من جفل الشعر : شعث وثار. (المؤلف)
3- السنبک : طرف الحافر ، والجمع السنابک. الصافنات جمع الصافن من الخیل القائم علی ثلاث قوائم مطرفاً حافر الرابعة. القسطل : المنیة ، الغبار الساطع فی الحرب. (المؤلف)
4- الطرف من الخیل : الکریم الطرفین. السابح من سبح فی الماء : عام وانبسط فیه ، ویستعار لمرّ النجوم وجری الفرس. الشمأل : ریح الشمال. (المؤلف)

وبکفِّهِ سیفٌ جُرازٌ باترٌ

عضبٌ یضمّ الغمدُ منه جدولا (1)

فقرَ الجماجمَ والطلا بغراره (2)

من کلِّ کفّارٍ وأبری المفصلا

فکأنّه وجوادَه وحسامَه (3)

یا صاحبیَّ لمن أراد تأمّلا

شمسٌ علی الفلَکِ المدارِ بکفِّهِ

قمرٌ منازلُهُ الجماجمُ والطلا

والخیلُ محدقةٌ بجیمِ جمالِه

وقلوبهُمْ فی الغلی تحکی المرجلا (4)

والسبطُ یخترقُ المواکبَ حاملاً

بعزیمةٍ تُردی الخمیسَ الجحفلا

فبسینِ سمرِ الخطّ یطعنُ أنجلاً

وبباءِ بیضِ الهندِ یضربُ أهدلا (5)

فتخالُ طاءَ الطعنِ أنّی أعجمتْ

نقطاً وضاد الضربِ کیف تشکّلا

حتی إذا ما السبطُ آن مماتُهُ

وعلیه سلطانُ الحِمامِ توکّلا

داروا به النفرُ الطغاةُ بنو الزنا

ة العاهراتِ وطبّقوا رحبَ الفلا

ورماه بعضُ المارقین بعیطلٍ

سهماً فخرَّ علی الصعید مجدّلا

وأتی بغیُّ بنی ضبابٍ صائلاً

بالقسّ تغمیض القطامی الأجدلا (6)

وجثا علی صدرِ الحسین وقلبُهُ

حقداً وعدواناً علیه قد امتلا

فبری بسیفِ البغی رأساً طالما

لثمَ النبیُّ ثنیّتیه وقبّلا

واسودّ قرصُ الشمسِ ساعةَ قتلِهِ

أسفاً وشهبُ الفلک أمست أُفَّلا

ونعاهُ جبریلٌ ومیکالٌ وإس

رافیلُ والعرشُ المجیدُ تزلزلار.

ص: 14


1- الجراز بضم المعجمة : السیف القطّاع. الباتر : السیف القاطع والجمع بواتر. العضب : السیف القاطع. (المؤلف)
2- الفقر : الحز. الطلا بضم المهملة وکسرها : قشرة الدم. الغرار : حدّ السیف. (المؤلف)
3- سبقه إلی مثل هذه البداعة شیخنا علاء الدین الشفهینی بما هو أوسع وأبلغ. راجع : 6 / 362. (المؤلف)
4- المرجل : القدر. (المؤلف)
5- الأنجل من نجل الرجل نجلا : وسعت عینه وحسنت. الأهدل : المسترخی المشفر أو الشفة. (المؤلف)
6- القسّ : السیف. القطامی الأجدل : الصقر.

والطیرُ فی الأغصانِ ناحَ مغرّداً

والوحشُ فی القیعانِ ناحَ وأعولا

وأتی الجوادُ ولا جوادٌ فوقَهُ

متوجّعاً متفجِّعاً متوجّلا

عالی الصهیل بمقلةٍ إنسانُها

باکٍ یسحّ الدمعَ نقطاً مهملا

فسمعن نسوانُ الحسینِ صهیلَهُ

فبرزن من خَلَلِ المضاربِ ثکّلا

ینثون من جَون العیون مدامعاً

حمراً علی بیض السوالف هُطّلا (1)

حتی إذا قُتِلَ الحسینُ وأصبحتْ

من بعدِهِ غرُّ المدارسِ عُطّلا

ومنازلُ التنزیلِ حلَّ بها العزا

ومِن الجلیسِ أنیسُ مربعِها خلا

بغتِ البغاةُ جهالةً سبیَ النسا

وبغت وحقَّ لمن بغی أن یجهلا

نصبوا بمرفوع القناة کریمةً (2)

جهراً وجرّوا للمعاصی أذیُلا

وسروا بنسوته السراةُ بلا ملا

حسری یلاحظهنّ ألحاظُ الملا

وغدوا بزینِ العابدین الساجدِ

الحبرِ الأمینِ مقیّداً ومغلّلا

وسکینةٌ أمستْ وساکنُ قلبِها

متحرّکٌ فیه الأسی لن یرحلا

وبدالِ دمعِ العینِ منها غرّقتْ

صاد الصعیدِ وأنبتت کاف الکلا

ودیارُهنَّ الآنساتُ بلاقعٌ

أقوتْ (3) وکنّ بها الأحبّة نزّلا

والصبر عنِّی ظاعنٌ مترحّلٌ

لمّا شددن علی المطیّ الأرحلا

ومدامعی فوق الخدودِ نوازلٌ

لمّا زممن جمالهنَّ البزَّلا (4)

تسری بهنّ إلی الشآمِ عصابةٌ

أمویّةٌ تبغی العطاءَ الأجزلا

تُرضی یزید لکی یزید لها العطا

جهلاً ویتحفها السؤال معجّلاف)

ص: 15


1- ینثون من نثا نثواً : فرق ونشر. الجون : الأبیض. الأسود ، السوالف : جمع السالفة صفحة العنق ، وسالفة الفرس : ما تقدم من عنقه. هطل المطر : نزل متتابعاً متفرّقاً عظیم القطر فهو هاطل والجمع هطّل. (المؤلف)
2- الکریمة : کلّ جارحة شریفة. (المؤلف)
3- أقوت الدار : خلت من ساکنیها. (المؤلف)
4- زمم الجمال : خطمها. بزل البعیر : انشق نابه : فهو بازل والجمع بوازل وبزل. (المؤلف)

فلألعننَّ بنی أُمیّةَ ما حدا

الحادی وما سرتِ الرکائبُ قُفَّلا

ولألعننَّ زیادَها ویزیدَها

ویزیدُها ربّی عذاباً منزلا

تبّا لهم فعلوا بآل محمدٍ

ما لیس تفعله الجبابرة الألی

ولأبکینَّ علی الحسینِ بمدمعٍ

قانٍ أبلُّ به الصعیدَ الممحلا

یا طفُّ طافَ علی ثراکَ من الحیا

هامٍ تسیر به السحائب جفّلا (1)

ذو هیدبٍ متراکبٍ مُتلاحمٍ (2)

عالی البروق یسحُّ دمعاً مُسبلا

یشفیک إذ یسقیک منه بوابلٍ

عذبٍ له أرَجٌ یحاکی المندلا (3)

ثمّ السلامُ من السلامِ علی الذی

نُصبت له فی خمّ رایاتُ الولا

تالی کتابِ اللهِ أکرمِ من تلا

وأجلِّ من للمصطفی الهادی تلا

زوجِ البتولِ أخِ الرسولِ مطلّقِ

الدنیا وقالیها بنیرانِ القلا

رجلٌ تسربل بالعفافِ وحبّذا

رجلٌ بأثوابِ العفافِ تسربلا

تلقاه یوم السلم غیثاً مُسبلاً

وتراه یومَ الحربِ لیثاً مشبلا

ذو الراحة الیمنی التی حسناتُها

مدّت علی کیوان باعاً أطولا (4)

والمعجزاتُ الباهراتُ النیرا

تُ المشرقاتُ المعذراتُ لمن غلا

منها رجوعُ الشمسِ بعد غروبها (5)

نبأ تصیرُ له البصائر ذُهّلا

ولسیرِه فوق البساطِ فضیلةٌ (6)

أوصافها تُعیی الفصیحَ المقولاف)

ص: 16


1- الحیا : المطر. هام : فاعل من همی یهمی همیاً ، أی سال لا یثنیه شیء. جفل : أی أسرع. والجفیل : الکثیر. (المؤلف)
2- الهیدب من السحاب : المتدلی الذی یدنو من الأرض. المتلاحم : المتلاصق والمتلائم. (المؤلف)
3- الوابل : المطر الشدید. الأرج : الرائحة الطیّبة. المندل بفتح المیم : العود الطیّب الرائحة. (المؤلف)
4- کیوان : زحل تحیط به منطقة نیّرة یضرب به المثل فی العلو والبعد. الباع : قدر مدّ الیدین. (المؤلف)
5- مرّ حدیث ردّ الشمس فی الجزء الثالث : ص 126 - 141. (المؤلف)
6- أخرجها الثعلبی [ فی الکشف والبیان : الورقة 310 سورة الکهف ] ، والفقیه المغازلی [ فی مناقب ، علی بن أبی طالب : ص 232 ح 280 ] ، والقزوینی عن ابن عباس وأنس بن مالک ، وستأتی بلفظها فی محلها إن شاء الله تعالی. (المؤلف)

وخطابُ أهلِ الکهفِ منقبةٌ غلتْ

وعلتْ فجاوزتِ السماکَ الأعزلا

وصعودُ غاربِ أحمدٍ فضلٌ له

دونَ القرابةِ والصحابةِ أفضلا

هذا الذی حاز العلومَ بأسرِها

ما کان منها مجملاً ومفصّلا

هذا الذی بصَلاتِه وصِلاتِه

للدینِ والدنیا أتمّ وأکملا

هذا الذی بحسامِه وقناتِه

فی خیبرٍ صعبُ الفتوحِ تسهّلا

وأبادَ مرحبَ فی النزالِ بضربةٍ

ألقتْ علی الکفّارِ عبئاً مُثقلا

وکتائبُ الأحزابِ صیّرَ عَمرَها

بدمائِه فوقَ الرمالِ مُرمّلا

وتبوکُ نازلَ شوسَها فأبادَهمْ

ضرباً بصارمِ عزمةٍ لن یُفللا

وبه توسّل آدمُ لمّا عصی

حتی اجتباهُ ربُّنا وتقبّلا

وبه دعا نوحٌ فسارت فلکُه

والأرضُ بالطوفانِ مفعمةٌ ملا

وبه الخلیلُ دعا فأضحتْ نارُه

برداً وقد أذکت حریقاً مُشعلا

وبه دعا موسی تلقّفتِ العصا

حیّاتِ سحرٍ کُنَّ قِدماً أحبُلا

وبه دعا عیسی المسیحُ فأنطقَ

المیتَ الدفینَ به وقام من البلا

وبخمّ واخاه النبیُّ محمدٌ

حقّا وذلک فی الکتابِ تنزّلا

عذلَ النواصبُ فی هواه وعنّفوا

فعصیتُهمْ وأطعتُ فیه من غلا

ومدحتُه رغماً علی آنافِهمْ

مدحاً به ربِّی صدا قلبی جلا

وترابُ نعلِ أبی ترابٍ کلّما

مسَّ القذا عینی یکون لها جلا

فعلیه أضعافُ التحیّةِ ما سری

سارٍ وما سحَّ السحابُ وأهملا

سمعاً أمیرَ المؤمنین قصائداً

تزدادُ ما مرَّ الزمان تجمّلا

عربیَّةً نشأت بحلّةِ بابلٍ

فغدت تُخجّلُ بالفصاحة جرولا (1)

سادت فشادت للعرندسِ صالحٍ

مجداً علی هامِ النجومِ مؤثّلال.

ص: 17


1- جرول من خطباء العرب وفصحائها المشهورین ، یضرب المثل به فی الخطابة فیقال : أخطب من جرول.

وسمت قلوبُ حواسدی وسمت علی

(نمّ العذارِ بعارضیه وسلسلا) (1)

وعلت بمدحِکَ یا علیُّ ووازنت

(لم أبک ربعاً للأحبّة قد خلا) (2)

ما یتبع الشعر

ذکر شاعرنا ابن العرندس فی قصیدته هذه جملة من مناقب مولانا أمیر المؤمنین وقد مرّ تفصیل بعضها ، وستوافیک کلمتنا الضافیة فی بعضها الآخر ، ونقتصر فی المقام علی ما أشار إلیه بقوله :

وصعودُ غاربِ أحمدٍ فضلٌ له

دون القرابة والصحابةِ أفضلا

عن علیّ رضی الله عنه قال : «انطلق بی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إلی الأصنام فقال : اجلس. فجلست إلی جنب الکعبة ثمّ صعد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم علی منکبی ثمّ قال : انهض بی إلی الصنم. فنهضت به فلمّا رأی ضعفی تحته قال : اجلس فجلست وأنزلته عنّی وجلس لی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ثمّ قال لی : یا علیُّ اصعد علی منکبی. فصعدت علی منکبیه ثمّ نهض بی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فلمّا نهض بی خیّل لی أنّی لو شئت نلت أُفق السماء ، وصعدت علی الکعبة وتنحّی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، فألقیت صنمهم الأکبرصنم قریش وکان من نحاس موتداً بأوتاد من حدید إلی الأرض ، فقال لی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : عالجه فعالجته فما زلت أعالجه ورسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول إیه إیه إیه. فلم أزل أعالجه حتی استمکنت منه. فقال : دقّه فدققته وکسرته ونزلت».

وفی لفظ : «قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : اقذف به. فقذفت به فتکسّر کما تنکسر القواریر ثمّ نزلت. وفی لفظ : ونزوت من فوق الکعبة». ف)

ص: 18


1- مطلع قصیدة للشیخ علاء الدین الحلّی المذکورة فی الجزء السادس : ص 383. (المؤلف)
2- هی قصیدة جمال الدین الخلعی المترجم فی الجزء السادس : ص 12 - 19 والقصیدة فی الإمام السبط الشهید تقدّر ب (75) بیتاً کما مرّ فی 6 / 18. (المؤلف)

وعن جابر بن عبد الله قال : دخلنا مع النبیَّ صلی الله علیه وآله وسلم مکّة وفی البیت وحوله ثلاثمائة وستّون صنماً ، فأمر بها رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فأُلقیت کلّها لوجوهها ، وکان علی البیت صنم طویل یقال له : هبل. فنظر النبیُّ صلی الله علیه وآله وسلم إلی علیّ وقال له : «یا علیُّ ترکب علیَّ أو أرکب علیک لأُلقی هبل عن ظهر الکعبة؟ قلت : یا رسول الله بل ترکبنی ، فلمّا جلس علی ظهری لم استطع حمله لثقل الرسالة قلت : یا رسول الله بل أرکبک. فضحک ونزل وطأطأ لی ظهره واستویت علیه فوالذی فلق الحبّة وبرأ النسمة لو أردت أن أمسک السماء لأمسکتها بیدی ، فألقیت هبل عن ظهر الکعبة فأنزل الله تعالی : (وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ کانَ زَهُوقاً) (1).

وعن ابن عبّاس قال : قال النبیُّ صلی الله علیه وآله وسلم لعلیّ : «قم بنا إلی الصنم فی أعلی الکعبة لنکسره» فقاما جمیعاً ، فلمّا أتیاه قال له النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم : «قم علی عاتقی حتی أرفعک علیه» فأعطاه علیٌّ ثوبه فوضعه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم علی عاتقه ثمّ رفعه حتی وضعه علی البیت فأخذ علیٌّ الصنم وهو من نحاس ، فرمی به من فوق الکعبة فنادی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «انزل» فوثب من أعلی الکعبة کأنّما کان له جناحان.

هذه الأثارة أخرجتها أُمّة من الحفّاظ وأئمّة الحدیث والتاریخ ، وأخذها منهم رجال التألیف فی القرون المتأخّرة وذکروها فی کتبهم مرسلین إیّاها إرسال المسلّم من دون أیّ غمز فی سندها.

وإلیک جملة منهم :

1 - أسباط بن محمد القرشی : المتوفّی (200) روی عنه أحمد فی المسند (2).

2 - الحافظ أبو بکر الصنعانی : المتوفّی (211) حکاه عنه السیوطی (3). 7.

ص: 19


1- الإسراء : 81.
2- مسند أحمد : 1 / 136 ح 645.
3- جامع الأحادیث : 16 / 272 ح 7927.

3 - الحافظ ابن أبی شیبة (1) : المتوفّی (235) حکاه عنه الزرقانی (2) والسیوطی.

4 - إمام الحنابلة أحمد : المتوفّی (241) فی مسنده (3) (1 / 84) بإسناد صحیح رجاله کلّهم ثقات.

5 - أبو علیّ أحمد المازنی : المتوفّی (263) روی عنه النسائی (4).

6 - الحافظ أبو بکر البزّار : المتوفّی (292) ، کما فی الینابیع (5).

7 - الحافظ ابن شعیب النسائی : المتوفّی (303) ، فی الخصائص (ص 31) (6).

8 - الحافظ أبو یعلی الموصلی : المتوفّی (307) ، فی مسنده (7).

9 - الحافظ أبو جعفر الطبری : المتوفّی (310) ، کما فی جمع الجوامع (8).

10 - الحافظ أبو القاسم الطبرانی : المتوفّی (360) ، کما فی تاریخ الخمیس (9).

11 - الحافظ الحاکم النیسابوری : المتوفّی (405) ، فی المستدرک (2 / 367) وصححه (10).

12 - الحافظ أبو بکر الشیرازی : المتوفّی (407 ، 410) ، فی نزول القرآن من طریق جابر. 7.

ص: 20


1- المصنّف : 8 / 534 ح 9.
2- شرح المواهب : 2 / 336.
3- مسند أحمد : 1 / 136 ح 645.
4- السنن الکبری : 5 / 142 ح 8507.
5- ینابیع المودّة : 1 / 138 باب 48.
6- خصائص أمیر المؤمنین : ص 134 ح 122.
7- مسند أبی یعلی : 1 / 251 ح 292.
8- جامع الأحادیث : 16 / 272 ح 7927.
9- تاریخ الخمیس : 2 / 86 - 87.
10- المستدرک علی الصحیحین : 2 / 398 ح 3387.

13 - الحافظ أبو محمد أحمد بن محمد العاصمی فی زین الفتی شرح سورة هل أتی.

14 - الحافظ أبو نعیم الأصبهانی : المتوفّی (340) ، روی عنه الخطیب إملاءً.

15 - الحافظ أبو بکر البیهقی : المتوفّی (458) ، روی من طریقه الخوارزمی (1).

16 - الحافظ الخطیب البغدادی : المتوفّی (463) ، فی تاریخه (13 / 302).

17 - الفقیه أبو الحسن ابن المغازلی : المتوفّی (483) ، فی مناقبه من طریق أبی هریرة (2).

18 - الحافظ أبو عبد الله الفراوی : المتوفّی (350) ، کما فی کفایة الکنجی (3).

19 - أخطب خطباء خوارزم : المتوفّی (568) ، فی المناقب (4) (ص 73) من طریق الحافظین : البیهقی والحاکم.

20 - الحافظ أبو الفرج ابن الجوزی : المتوفّی (597) ، فی صفة الصفوة (5) (1 / 119).

21 - الحافظ رضی الدین أبو الخیر الحاکمی فی أربعینه فی فضائل علیّ علیه السلام (6).

22 - الحافظ أبو عبد الله ابن النجّار : المتوفّی (643) ، کما فی الکفایة (7).

23 - أبو سالم بن طلحة الشافعی : المتوفّی (652) ، فی مطالب السؤول (ص 12).

24 - أبو المظفر یوسف سبط ابن الجوزی : المتوفّی (654) ، فی التذکرة (8). 7.

ص: 21


1- المناقب : ص 123 ح 139.
2- مناقب علیّ بن أبی طالب : ص 202.
3- کفایة الطالب : ص 257 باب 62.
4- المناقب : ص 123 - 124 ح 139.
5- صفة الصفوة : 1 / 310 رقم 5.
6- الأربعین فی فضائل علی علیه السلام : ص 127 باب 40 ح 63.
7- کفایة الطالب : ص 257 باب 62.
8- تذکرة الخواص : ص 27.

25 - الحافظ أبو عبد الله الکنجی : المتوفّی (658) ، فی الکفایة (ص 128) (1). وقال : رواه الحاکم والبیهقی ، وهو حدیث حسن ثابت عند أهل النقل.

26 - الحافظ الصالحانی ، کما فی تاریخ الخمیس.

27 - الحافظ محبّ الدین الطبری : المتوفّی (694) ، فی الریاض النضرة (2) (2 / 200) نقلاً عن أحمد وابن الجوزی والحاکمی.

28 - جمال الدین أبو عبد الله ابن النقیب المتوفّی (698) ، فی تفسیره والعبر.

29 - شیخ الإسلام الحمّوئی : المتوفّی (722) ، فی فرائد السمطین (3).

30 - الحافظ شمس الدین الذهبی : المتوفّی (748) ، فی تلخیص المستدرک (4)

وقال : إسناده نظیفٌ والمتن منکرٌ.

قال الأمینی : لم یک یعرف أیّ حافظ هذه النکارة فی تلکم القرون الخالیة إلی أن جاد الدهر بالذهبی ، وکوی الحدیث بعینه ، فکوّه نار حقده ، غیر أنّ تلک النکارة الموهومة دفنت معه ولم یتّبع أثره فیها أیّ محدّث بعده.

31 - الحافظ الزرندی : المتوفّی بضع و (750) فی نظم درر السمطین (5).

32 - الحافظ جلال الدین السیوطی : المتوفّی (911) ، فی الجامع الکبیر کما فی ترتیبه (6) (6 / 407) عن ابن أبی شیبة ، وعبد الرزّاق ، وأحمد ، وابن جریر ، والخطیب 6.

ص: 22


1- کفایة الطالب : ص 257 - 258 باب 62.
2- الریاض النضرة : 3 / 150.
3- فرائد السمطین : 1 / 249 ح 193.
4- تلخیص المستدرک : 2 / 398 ح 3387.
5- نظم درر السمطین : ص 125.
6- کنز العمّال : 13 / 171 ح 36516.

والحاکم وقال : صحّحه. وذکره فی الخصائص الکبری (1) (1 / 264).

33 - الحافظ أبو العبّاس القسطلانی : المتوفّی (923) ، فی المواهب اللدنیّة (2) (1 / 204) نقلاً عن ابن النقیب.

34 - القاضی الدیاربکری المالکی : المتوفّی (966 ، 982) ، فی تاریخ الخمیس (3) (2 / 95) نقلاً عن الطبرانی والزرندی والصالحانی وابن النقیب المقدسی والمحبّ الطبری وصاحب شواهد النبوّة فقال : ثمّ إنّ علیّا أراد أن ینزل فألقی نفسه من صوب المیزاب تأدّباً وشفقةً علی النبیِّ صلی الله علیه وآله وسلم ولمّا وقع علی الأرض تبسّم فسأله النبیُّ صلی الله علیه وآله وسلم عن تبسّمه ، قال : «لأنِّی ألقیت نفسی من هذا المکان الرفیع وما أصابنی ألم». قال : «کیف یصیبک ألم وقد رفعک محمد وأنزلک جبریل؟» وقال الشاعر :

قیل لی قل فی علیٍّ مِدحَاً

ذکرُه یخمدُ ناراً موصده

قلت لا أُقدم فی مدحِ امرئ

ضلّ ذو اللبِّ إلی أن عبده

والنبیُّ المصطفی قال لنا

لیلةَ المعراجِ لمّا صعده

وضعَ اللهُ بظهری یدَهُ

فأحسَّ القلبُ أن قد برده

وعلیٌّ واضعٌ أقدامَهُ

فی محلٍّ وضعَ اللهُ یده

35 - نور الدین الحلبی الشافعی : المتوفّی (1044) ، فی السیرة الحلبیّة (3 / 97) (4).

36 - أبو عبد الله الزرقانی المالکی : المتوفّی (1122) ، فی شرح المواهب (2 / 336) عن ابن أبی شیبة والحاکم فقال : قد أجاد القائل :

یا ربِّ بالقدمِ التی أوطأتَها

من قابِ قوسینِ المحلَّ الأعظما6.

ص: 23


1- الخصائص الکبری : 1 / 438.
2- المواهب اللدنیّة : 1 / 586.
3- تاریخ الخمیس : 2 / 86.
4- السیرة الحلبیة : 3 / 86.

وبحرمةِ القدمِ التی جُعِلتْ لها

کتفُ المؤیّد بالرسالةِ سلّما

ثبِّت علی متنِ الصراطِ تکرّماً

قدمی وکن لی منقذاً ومسلّما

واجعلهما ذخری فمن کانا له

ذخراً فلیس یخاف قطّ جهنّما

37 - السیّد أحمد زینی دحلان المکی : المتوفّی (1232) ، فی السیرة النبویّة (1) هامش الحلبیّة (2 / 293) فقال : وقد أجاد القائل :

یا ربّ بالقدم التی أوطأتها

إلی آخر الأبیات المذکورة.

38 - شهاب الدین الآلوسی : المتوفّی (1270) ، فی شرح العینیّة (ص 75) وقد مرّت کلمته فی (6 / 22).

39 - خواجه کلان القندوزیّ : المتوفّی (1293) ، فی ینابیع المودّة (2) (ص 193) عن البزّار وأبی یعلی الموصلی.

40 - الشیخ أبو بکر بن محمد الحنفی : المتوفّی (1270) ، فی قرّة العیون المبصرة (1 / 185).

41 - السیّد محمود القراغولی الحنفی ، فی جوهرة الکلام (ص 55 ، 59).

الشاعر

الشیخ صالح بن عبد الوهاب بن العرندس الحلّی الشهیر بابن العرندس ، أحد أعلام الشیعة ومن مؤلِّفی علمائها فی الفقه والأصول ، وله مدائح ومراثٍ لأئمة 8.

ص: 24


1- السیرة النبویّة : 2 / 102.
2- ینابیع المودّة : 1 / 138 باب 48.

أهل البیت علیهم السلام تنمُّ عن تفانیه فی ولائهم ومناوأته لأعدائهم ، ذکر شطراً منها شیخنا الطریحی فی المنتخب (1) ، وجملة منها مبثوثة فی المجامیع والموسوعات ، وعقد له العلاّمة السماوی فی الطلیعة ترجمة أطراه فیها بالعلم والفضل والتقی والنسک والمشارکة فی العلوم. وأشفع ذلک الخطیب الفاضل الیعقوبی فی البابلیات (2) ، وأثنی علیه ثناءً جمیلاً ، وذکر فی الطلیعة أنّه توفّی حدود (840) بالحلّة الفیحاء ودفن فیها وله قبر یزار ویتبرّک به.

کان ابن العرندس یحاول فی شعره کثیراً الجناس علی نمط الشیخ علاء الدین الشفهینی المترجم فی الجزء السادس (ص 356) وتعلوه القوّة والمتانة ، ویعرب عن تضلّعه من العربیّة واللغة ، ولولا تهالکه علی ما تجده فی شعره من الجناس الکثیر لکان ما ینظمه أبلغ وأبرع ممّا هو الآن.

ومن شعر شیخنا الصالح رائیة اشتهر بین الأصحاب أنَّها لم تقرأ فی مجلس إلاّ وحضره الإمام الحجّة المنتظر عجّل الله تعالی فرجه ، توجد برمّتها فی منتخب شیخنا الطریحی (3) (2 / 75) وهی :

طوایا نظامی فی الزمان لها نشر (4)

یعطِّرها من طیب ذکراکمُ نشرُ

قصائدُ ما خابت لهنَّ مقاصد

بواطنُها حمدٌ ظواهرُها شکرُ

مطالعُها تحکی النجومَ طوالعاً

فأخلاقها زُهرٌ وأنوارُها زَهرُ

عرائس تجلی حین تُجلی قلوبَنا

أکالیلُها درٌّ وتیجانُها تبرُ

حسانٌ لها حسّانُ بالفضلِ شاهدٌ

علی وجهها تبرٌ یُزان بها التِّبرُر.

ص: 25


1- المنتخب : 2 / 254.
2- البابلیات : 1 / 144 رقم 47.
3- المنتخب : 2 / 352.
4- فی المصدر : نثر.

أُنظِّمها نظم اللآلی وأسهر اللیال

ی لیحیی لی بها وبکم ذکرُ

فیا ساکنی أرضِ الطفوفِ علیکمُ

سلامُ مُحبٍّ ما له عنکمُ صبرُ

نشرتُ دواوینَ الثنا بعد طیِّها

وفی کلِّ طرسٍ من مدیحی لکمْ سطرُ

فطابق شعری فیکمُ دمع ناظری

فمبیضُّ ذا نظمٌ ومحمرُّ ذا نثرُ

فلا تتهمونی بالسلوِّ فإنّما

مواعیدُ سلوانی وحقّکمُ الحشرُ

فذلّی بکم عزٌّ وفقری بکم غنیً

وعسری بکم یسرٌ وکسری بکم جبرُ

ترقُّ بروقُ السحبِ لی من دیارِکمْ

فینهلُّ من دمعی لبارقِها القطرُ

فعینای کالخنساءِ (1) تجری دموعُها

وقلبی شدیدٌ فی محبَّتکم صخرُ

وقفت علی الدار التی کنتمُ بها

فمغناکمُ من بَعد معناکمُ فقرُ

وقد درست منها الدروس وطالما

بها درّس العلمُ الإلهیّ والذکرُ

وسالت علیها من دموعی سحائبٌ

إلی أن تروّی البانُ بالدمعِ والسدرُ

فَراقَ فِراقُ الروحِ لی بَعد بُعدِکمْ

ودارَ برسمِ الدارِ فی خاطری الفکرُ

وقد أقلعت عنها السحابُ ولم یَجُد

ولا درَّ من بعد الحسین لها دَرُّ

إمامُ الهدی سبطُ النبوّةِ والد الأئمّ

ة ربّ النهی مولیً له الأمرُ

إمامٌ أبوه المرتضی علم الهدی

وصیُّ رسولِ اللهِ والصنوُ والصهرُ

إمامٌ بکته الإنسُ والجنُّ والسما

ووحش الفلا والطیرُ والبرُّ والبحرُ

له القبّةُ البیضاءُ بالطفِّ لم تزل (2)

تطوفُ بها طوعاً ملائکةٌ غرُّ

وفیه رسولُ اللهِ قال وقولُه

صحیحٌ صریحُ لیس فی ذلکمْ نکرُ

حُبی بثلاثٍ ما أحاطَ بمثلِها

ولیٌّ فمن زیدٌ هناک ومن عمروف)

ص: 26


1- هی الخنساء بنت عمرو بن الحارث شاعرة صحابیّة شهیرة ، لها شعر کثیر فی رثاء أخیها لأبیها صخر وقد قتله بنو أسد. (المؤلف)
2- تلک القبّة المقدّسة کانت بیضاء فی تلکم القرون ، وأمّا الیوم فقد تغشّتها صفائح النضار ، فهی صفراء لونها تسرّ الناظرین کما أنّ باطنها صرح ممرّد من قواریر. (المؤلف)

له تربةٌ فیها الشفاءُ وقبّةٌ

یجابُ بها الداعی إذا مسّه الضرُّ

وذُریّةٌ دریَّةٌ منه تسعةٌ

أئمّةُ حقِّ لا ثمانٍ ولا عشرُ

أیُقتَلُ ظمآناً حسینٌ بکربلا

وفی کلّ عضوٍ من أناملِهِ بحرُ

ووالدُه الساقی علی الحوضِ فی غدٍ

وفاطمةٌ ماءُ الفراتِ لها مهرُ

فوا لهفَ نفسی للحسینِ وما جنی

علیه غداة الطفِّ فی حربِهِ الشمرُ

رماهُ بجیشٍ کالظلامِ قسیُّه الأ

هلّةُ والخرصانُ أنجمُه الزهرُ (1)

لرایاتِهمْ نصبٌ وأسیافُهم جزمٌ

وللنقعِ رفعٌ والرماحُ لها جرُّ

تجمّع فیها من طغاةِ أُمیّةٍ

عصابةُ غدرٍ لا یقوم لها عذرُ

وأرسلها الطاغی یزیدُ لیملکَ ال

عراقَ وما أغنته شامٌ ولا مصرُ

وشدَّ لهم أزراً سلیلُ زیادِها

فحلَّ به من شدِّ أزرِهمُ الوزرُ

وأمّرَ فیهم نجلَ سعدٍ لنحسِهِ

فما طال فی الریِّ اللعینِ له عُمرُ

فلمّا التقی الجمعانِ فی أرضِ کربلا

تباعد فعلُ الخیرِ واقترب الشرُّ

فحاطوا به فی عشرِ شهرِ محرّمٍ

وبیضُ المواضی فی الأکفِّ لها شَمرُ

فقام الفتی لمّا تشاجرتِ القنا

وصال وقد أودی بمهجته الحَرُّ

وجال بطرفٍ فی المجالِ کأنَّه

دجی اللّیلِ فی لألاءِ غرَّتِهِ الفجرُ

له أربعٌ للریحِ فیهنَّ أربعٌ

لقد زانه کرٌّ وما شانه الفرُّ

ففرّقَ جمَع القومِ حتی کأنَّهم

طیوُر بُغاثٍ (2) شتَّ شملَهمُ

الصقرُ

فأذکرَهمْ لیلَ الهریرِ فأجمعَ الکلا

بُ علی اللیثِ الهزبرِ وقد هرّوا (3)ف)

ص: 27


1- الخرصان والمخارص : الأسنّة.
2- البغاث بتثلیث الباء : طائر أبغث أصغر من الرخم بطیء الطیران والجمع بغثان. (المؤلف)
3- لیلة الهریر من لیالی صفین ؛ قتل فیها ما یقرب من سبعین ألف قتیل ، ولمولانا أمیر المؤمنین ولأصحابه فی تلک اللیلة مواقف شجاعة تذکر مع الأبد. الهریر - کأمیر - : هریر الکلب صوته دون نباحه من قلّة صبره علی البرد. (المؤلف)

هناک فدتْهُ الصالحون بأنفسٍ

یُضاعَفُ فی یومِ الحسابِ لها الأجرُ

وحادوا عن الکفّارِ طوعاً لنصرِهِ

وجاد له بالنفسِ من سَعدِه الحُرُّ (1)

ومدّوا إلیه ذُبّلاً سمهریّةً (2)

لطولِ حیاةِ السبطِ فی مدِّها جزرُ

فغادره فی مارق (3) الحرب مارقٌ

بسهمٍ لنحرِ السبط من وقعه نحرُ

فمالَ عن الطرفِ الجواد أخو الندی

الجوادُ قتیلاً حوله یصهلُ المهرُ (4)

سِنانُ سنانٍ خارقٌ منه فی الحشا

وصارمُ شمرٍ فی الوریدِ له شَمرُ (5)

تجرّ علیه العاصفاتُ ذیولَها

ومن نسجِ أیدی الصافناتِ له طمرُ (6)

فرجّت له السبعُ الطباقُ وزلزلتْ

رواسی جبالِ الأرضِ والتطمَ البحرُ

فیا لکَ مقتولاً بکته السما دماً

فمغبرُّ وجه الأرض بالدمِ محمرُّ

ملابسُه فی الحربِ حمرٌ من الدما

وهنَّ غداةَ الحشرِ من سندسٍ خضرُ

ولهفی لزینِ العابدینَ وقد سری

أسیراً علیلاً لا یفکُّ له أسرُ

وآلُ رسولِ اللهِ تسبی نساؤهم

ومن حولهنَّ السترُ یهتَکُ والخدرُ

سبایا بأکوارِ المطایا حواسراً

یلاحظُهنَّ العبدُ فی الناسِ والحرُّ

ورملةُ (7) فی ظلّ القصورِ مصونةٌ

یُناطُ علی أقراطِها الدرُّ والتِّبرُف)

ص: 28


1- الحرّ بن یزید الریاحی التمیمی الیربوعی ؛ کان سلام الله علیه شریف قومه جاهلیة وإسلاماً کما قاله ابن الأثیر. (المؤلف)
2- الذبّل - بضم المعجمة ثمّ الموحّدة المفتوحة - جمع الذابل : الرقیق. السمهری : الرمح الصلب. (المؤلف)
3- فی المنتخب : فی مأزق الحرب. (المؤلف)
4- الطرف - کما مرّ - من الخیل : الکریم الطرفین : الأب والأم. المهر : ولد الفرس. (المؤلف)
5- الشمر - بفتح المعجمة - من شمر تشمیراً : مرّ مسرعاً. وأشمره بالسیف : أدرجه. (المؤلف)
6- العاصفات : الأریاح الشدیدة. الصافنات - راجع ص 5 [13] - الطمر : الثوب البالی. (المؤلف)
7- رملة بنت معاویة بن أبی سفیان ، شبّب بها عبد الرحمن بن حسان بأبیات أولها : رملُ هل تذکرین یومَ غزالِ إذ قطعنا مسیرَنا بالتمنّی ولهذا التشبیب قصّة توجد فی معاجم التراجم. (المؤلف)

فویلُ یزیدٍ من عذابِ جهنّم

إذا أقبلتْ فی الحشرِ فاطمةُ الطُهرُ

ملابسُها ثوبٌ من السمِّ أسودٌ

وآخرُ قانٍ من دمِ السبطِ محمرُّ

تنادی وأبصارُ الأنامِ شواخصٌ

وفی کلِّ قلبِ من مهابتها ذُعرُ (1)

وتشکو إلی الله العلیِّ وصوتُها

علیٌّ ومولانا علیٌّ لها ظهرُ

فلا ینطقُ الطاغی یزیدُ بما جنی

وأنّی له عذرٌ ومن شأنه الغدرُ

فیؤخذُ منه بالقصاصِ فیحرم النع

یم ویُخلی فی الجحیم له قصرُ

ویشدو له الشادی فیطربُه الغنا

ویسکبُ فی الکاسِ النضارِ له خمرُ

فذاک الغنا فی البعثِ تصحیفُه العَنا

وتصحیفُ ذاک الخمرِ فی قلبِه الجمرُ

أیُقرع جهلاً ثغرُ سبطِ محمدٍ

وصاحبُ ذاک الثغرِ یُحمی به الثغرُ

فلیس لأخذِ الثارِ إلاّ خلیفةٌ

یکونُ لکسرِ الدینِ من عدلِهِ جبرُ

تحفُّ به الأملاکُ من کلِّ جانبٍ

ویقدمُه الإقبال والعزُّ والنصرُ

عوامله فی الدارعین شوارعٌ

وحاجبه عیسی وناظره الخضرُ

تظلّله حقّا عمامة جدِّه

إذا ما ملوکُ الصیدِ ظلّلها الجبرُ

محیطٌ علی علمِ النبوّةِ صدرُه

فطوبی لعلمٍ ضمّه ذلک الصدرُ

هو ابنُ الإمامِ العسکریِّ محمدُ الت

قیُّ النقیُّ الطاهرُ العلَمُ الحَبرُ

سلیلُ علی الهادی ونجلُ محمدِ ال

جواد ومن فی أرضِ طوسٍ له قبرُ

علیّ الرضا وهو ابن موسی الذی قضی

ففاح علی بغدادَ من نشرِهِ عطرُ

وصادقُ وعدٍ إنّه نجلُ صادقٍ

إمامٌ به فی العلمِ یفتخرُ الفخرُ

وبهجة مولانا الإمام محمد

إمام لعلمِ الأنبیاء له بَقرُ

سلالةُ زینِ العابدین الذی بکی

فمن دمعِهِ یُبس الأعاشیبِ مُخضرُّ

سلیل حسینِ الفاطمی وحیدر ال

وصیِّ فمن طُهرٍ نمی ذلک الطهرُف)

ص: 29


1- الشواخص من شخص البصر ، أی : فتح علیه عینیه فلم یطرف. الذعر : الفزع والخوف. (المؤلف)

له الحسنُ المسموم عمٌّ فحبّذا الإ

مامُ الذی عمَّ الوری جودهُ الغمرُ

سمیُّ رسولِ الله وارثُ علمِهِ

إمامٌ علی آبائه نزلَ الذِکرُ

هم النورُ نورُ اللهِ جلَّ جلالُه

همُ التینُ والزیتونُ والشفعُ والوترُ

مهابطُ وحیِ اللهِ خزّانُ علمِهِ

میامینُ فی أبیاتِهم نزلَ الذِکرُ

وأسماؤهم مکتوبةٌ فوقَ عرشِهِ

ومکنونةٌ مِن قبلِ أن یُخلَقَ الذرُّ

ولولاهمُ لم یخلقِ اللهُ آدماً

ولا کان زیدٌ فی الأنامِ ولا عمرو

ولا سُطِحتْ أرضٌ ولا رُفعت سما

ولا طلعت شمسٌ ولا أشرقَ البدرُ

ونوحٌ به فی الفلک لمّا دعا نجا

وغیض به طوفانُه وقضی الأمرُ

ولولاهمُ نارُ الخلیلِ لما غدتْ

سلاماً وبرداً وانطفی ذلک الجمرُ

ولولاهمُ یعقوبُ ما زالَ حزنُهُ

ولا کان عن أیّوبَ ینکشفُ الضرُّ

ولانَ لداودَ الحدیدُ بسرِّهمْ

فقدَّر فی سردٍ یحیر به الفکرُ

ولمّا سلیمانُ البساطُ به سری

أُسیلت له عینٌ یفیض له القطرُ

وسخّرتِ الریحُ الرخاءُ بأمرِه

فغدوتُها شهرٌ وروحتُها شهرُ

وهم سرُّ موسی والعصا عندما عصی

أوامرَه فرعونُ والتقف السحرُ

ولولاهمُ ما کان عیسی بنُ مریمٍ

لعازر من طیِّ اللحودِ له نشرُ

سری سرّهمْ فی الکائناتِ وفضلُهمْ

وکلُّ نبیٍّ فیه من سرِّهم سرُّ

علا بهمُ قدری وفخری بهم غلا

ولولاهمُ ما کان فی الناسِ لی ذکرُ

مصابکمُ یا آلَ طه مصیبةٌ

ورزءٌ علی الإسلامِ أحدثَه الکفرُ

سأندبُکمْ یا عدّتی عند شدّتی

وأبکیکمُ حزناً إذا أقبل العَشرُ

وأبکیکمُ ما دمتُ حیّا فإن أمت

ستبکیکُم بعدی المراثی والشعرُ

عرائسُ فکرِ الصالحِ بنِ عرندسٍ

قبولکمُ یا آل طه لها مهرُ

وکیف یحیطُ الواصفون بمدحِکمْ

وفی مدحِ آیاتِ الکتابِ لکم ذکرُ

ومولدُکمْ بطحاءُ مکةَ والصفا

وزمزمُ والبیتُ المحرَّمُ والحجرُ

ص: 30

جعلتکُمُ یومَ المعادِ وسیلتی

فطوبی لمن أمسی وأنتمْ له ذخرُ

سیُبلی الجدیدانِ الجدیدَ وحبُّکمْ

جدیدٌ بقلبی لیس یُخلِقُه الدهرُ

علیکم سلامُ اللهِ ما لاح بارقٌ

وحلّت عقودُ المزنِ وانتشر القطرُ

وله من قصیدة یرثی بها الحسین علیه السلام :

باتَ العذولُ علی الحبیبِ مسهّدا

فأقام عذری فی الغرامِ ومهّدا

ورأی العذار بسالفیه مُسلسلاً

فأقامَ فی سجنِ الغرامِ مقیّدا

هذا الذی أمسی عذولی عاذری

فیه وراقدُ مقلتیه تسّهدا

ریمٌ (1) رمی قلبی بسهمِ لحاظِهِ

عن قوسِ حاجبِه أصابَ المقصدا

قمرٌ هلالُ الشمسِ فوق جبینِه

عالٍ تغارُ الشمسُ منه إذا بدا

وقوامُهُ کالغصنِ رنّحه الصبا

فیه حمامُ الحیِّ بات مغرِّدا

فإذا أرادَ الفتکَ کان قوامُهُ

لدناً وجرَّدتِ اللحاظُ مُهنّدا

تلقاه منعطفاً قضیباً أمْیَداً

وتراه ملتفتاً غزالاً أغیدا (2)

فی طاء طرّته وجیم جبینه

ضدّانِ شأنُهما الضلالُة والهدی

لیلٌ وصبحٌ أسودٌ فی أبیضٍ

هذا أضلَّ العاشقین وذا هدی

لا تحسبوا داودَ قدّرَ سردَهُ

فی سین سالفِهِ فبات مُسرَّدا

لکنَّما یاقوتُ خاءِ خدودِهِ

نمَ (3) العذارُ به فصار زبرجدا

یا قاتلَ العشّاقِ یا من طرفُهُ

الرشّاقُ یرشُقنا سهاماً من ردی (4)ف)

ص: 31


1- الریم : الظبی الخالص البیاض. (المؤلف)
2- منعطفاً : منثنیاً. القضیب : السیف القطّاع ، القوس عملت من قضیب أو غصن غیر مشقوق. الأمید من ماد یمید میداً : تحرّک واضطرب. الأغید من غید یغید غیداً : مالت عنقه لانت أعطافه فهو أغید وهی غیداء. (المؤلف)
3- نمَّ نماً : زین [ ونمَّ : ظهر ]. (المؤلف)
4- الرشق : الرمی. الردی : الهلاک. (المؤلف)

قسماً بثاءِ الثغرِ منک لأنَّه

ثغرٌ به جیمُ الجمان تنضّدا (1)

وبراءِ ریقٍ کالمدامِ مزاجُه

شهدٌ به تروی القلوبُ من الصدی

إنِّی لقد أصبحت عبدَک فی الهوی

وغدوتُ فی شرح المحبّةِ سیّدا

فاعدل بعبدِک لا تجُرْ واسمحْ ولا

تبخلْ بقربٍ من وفاکَ الأبعدا

وابدِ الوفا ودَعِ الجفا وذَرِ العفا

فلقد غدوتُ أخا غرامٍ مُکْمدا

وفجعت قلبی بالتفرُّقِ مثلما

فجعت أُمیّةُ بالحسینِ محمدا

سبط النبیِّ المصطفی الهادی الذی

أهدی الأنامَ من الضلالِ وأرشدا

وهو ابن مولانا علیِّ المرتضی

بحرِ الندی مُروی الصدا مُردی العدا

أسمی الوری نسباً وأشرفُهم أباً

وأجلُّهم حسباً وأکرمُ محتدا

بحرٌ طما لیثٌ حمی غیثٌ همی

صبحٌ أضا نجمٌ هدی بدرٌ بدا

السیّد السندُ الحسینُ أعمُّ أه

لِ الخافقینِ ندیً وأسمحُهم یدا

لم أنسه فی کربلا متلظّیا

فی الکرب لا یلقی لماءٍ موردا

والمقنب الأمویُّ حول خبائه

النبویِّ قد ملأ الفدافدَ فُدفدا (2)

عُصَبٌ عصت غصّت بخیلهمُ الفضا

غصبت حقوقَ بنی الوصیِّ وأحمدا

حمّت کتائبه وثارَ عجاجه

فحکی الخضمَّ المدلهمَّ المزبدا

للنصب فیه زماجرٌ مرفوعةٌ

جزمت بها الأسماء من حرف الندا

صامت صوافنُه وبیضُ صفاحِه

صلّت فصیّرتِ الجماجمَ سجّدا

نسج الغبارُ علی الأُسود مدارعاً

فیه فجسّدت النجیعَ وعسجدا

والخیلُ عابسةُ الوجوهِ کأنَّها

العقیانُ تخترقُ العجاجَ الأربدا

حتی إذا لمعتْ بروقُ صفاحِها

وغدا الجبانُ من الرواعدِ مُرعداف)

ص: 32


1- الثغر : مقدم الأسنان. الجمان : اللؤلؤ. (المؤلف)
2- المقنب : الجماعة من الخیل تجتمع للغارة. الفدافد - بفتح الفاء - : الفلاة. فدفد بضم الفاء الجافی الکلام المرتفع الصوت. (المؤلف)

صال الحسینُ علی الطغاةِ بعزمِهِ

لا یختشی من شربِ کاساتِ الردی

وغدا بلامِ اللدن یطعن أنجلاً

وبغینِ غربِ العضبِ یضرب أهودا (1)

فأعاد بالضربِ الحسامَ مفلَّلا

وثنی السنانَ من الطعانِ مقصّدا (2)

فکأنَّما فتکاتُهُ فی جیشِهمْ

فتکاتُ حیدر یوم أُحدٍ فی العدی

جیشٌ یریدُ رضا یزیدَ عصابةٌ

غصبتْ فأغضبتِ العلیَّ وأحمدا

جحدوا العلیَّ مع النبیِّ وخالفوا

الهادی الوصیَّ ولم یخافوا الموعدا

وغواهمُ شیطانُهمْ فأضلّهمْ

عمداً فلم یجدوا ولیّا مُرشدا

ومن العجائبِ أنَّ عذب فراتِها

تسری مسلسلةً ولن تتقیّدا

طامٍ وقلبُ السبطِ ظامٍ نحوه

وأبوه یسقی الناسَ سَلسلَه غدا

وکأنَّه والطرف والبتّار والخر

صان فی ظُللِ العجاج وقد بدا (3)

شمسٌ علی فلکٍ وطوع یمینه

قمرٌ یقابل فی الظلام الفرقدا (4)

والسیّدُ العباسُ قد سلبَ العدا

عنه اللباسَ وصیّروه مجرّدا

وابنُ الحسینِ السبطِ ظمآنُ الحشا

والماءُ تنهلهُ الذئاب مُبرّدا

کالبدرِ مقطوعُ الوریدِ له دمٌ

أمسی علی تربِ الصعید مُبدّدا

والسادةُ الشهداء صرعی فی الفلا

کلٌّ لأحقافِ (5) الرمال توسّداف)

ص: 33


1- الأنجل : الواسع الطویل العریض ، یقال : طعنه طعنة نجلاء ، أی واسعة. الأهود من الهوادة : اللین والرفق. (المؤلف)
2- المقصدة من القصدة بالکسر : القطعة مما یکسر. یقال : رمح قصد وقصید وأقصاد : أی متکسّر.(المؤلف)
3- الطرف - راجع ص 5 [13] - البتّار : السیف القاطع. الخرصان ، جمع الخرص : الرمح القصیر السنان. (المؤلف)
4- هذه البداعة مأخوذة من علاء الدین الشفهینی کما مرّت فی 6 / 362 ومرّت لابن العرندس أیضاً فی هذا الجزء : ص 5 [15]. (المؤلف)
5- الأحقاف جمع الحقف : ما اعوجّ من الرمح واستطال. (المؤلف)

فأولئک القومُ الذین علی هدیً

من ربِّهم فمن اقتدی بهمُ اهتدی

والسبطُ حرّانُ الحشا لمصابِهمْ

حیرانُ لا یلقی نصیراً مُسعدا

حتی إذا اقتربت أباعید الردی

وحیاتُه منها القریبُ تبعّدا

دارت علیه علوجُ آل أُمیّةٍ

من کلّ ذی نقص یزید تمرّدا

فرموه عن صُفر القسیِّ بأسهمٍ (1)

من غیر ما جُرم جناهُ ولا اعتدا

فهوی الجوادُ عن الجوادِ فرجّت

السبع الشداد وکان یوماً أنکدا

واحتزَّ منه الشمرُ رأساً طالما

أمسی له حجرُ النبوّةِ مرقدا

فبکته أملاکُ السمواتِ العلی

والدهرُ بات علیه مشقوقَ الردا

وارتدَّ کفُّ الجود مکفوفاً وطر

فُ العلمِ مطروفاً (2) علیه أرمدا

والوحشُ صاحَ لما عراه من الأسی

والطیرُ ناحَ علی عزاه وعدّدا (3)

وسروا بزینِ العابدینَ الساجدِ

الباکی الحزینِ مُقیّداً ومُصفّدا

وسکینةٌ سکنَ الأسی فی قلبِها

فغدا بضامرها (4) مُقیماً مُقعدا

وأسال قتلُ الطفِّ مدمعَ زینبٍ

فجری ووسطَ الخدِّ منها خدّدا

ورأیت ساجعةً تنوحُ بأیکةٍ (5)

سجعتْ فأخرستِ الفصیحَ المنشدا

بیضاءُ کالصبحِ المضیءِ أکفُّها

حمرٌ تطوّقت الظلامَ الأسودا

ناشدتها یا وِرقُ ما هذا البکا

ردِّی الجوابَ فجعتِ قلبی المکمدا

والطوقُ فوقَ بیاضِ عنقکِ أسودٌ

وأکفُّکِ حمرٌ تحاکی العسجدا

لمّا رأت ولهی وتسآلی لها

ولهیبَ قلبی نارُه لن تخمداف)

ص: 34


1- الصفر : الدائرة. القسی جمع القوس : آلة معروفه ترمی بها السهام. (المؤلف)
2- المطروفة من العین : التی أصابها شیء فدمعت. (المؤلف)
3- عدّد المیت : عدّ مناقبه ووصفها. (المؤلف)
4- ضمر فهو ضامر : هزل ودقّ وقلّ لحمه. (المؤلف)
5- الأیکة : الشجر الکثیر الملتفّ. (المؤلف)

رفعت بمنصوبِ الغصونِ لها یداً

جزمت به نوح النوائح سرمدا

قُتِلَ الحسینُ بکربلا یا لیته

لاقی النجاةَ بها وکنتُ له الفدا

فإذا تطوّق ذاک دمعی أحمرٌ

قانٍ مسحتُ به یدیّ تورّدا

ولبستُ فوق بیاضِ عنقی من أسیً

طوقاً بسینِ سوادِ قلبی أسودا

فالآن ها ذی قصّتی یا سائلی

ونجیعُ دمعی سائلٌ لن یجمدا

فاندب معی بتقرّحٍ وتحرّقٍ

وابکی وکن لی فی بکائی مُسعدا

فلألعننَّ بنی أُمیّةَ ما حدا

حادٍ وما غار الحجیجُ وأنجدا (1)

ولألعننَّ یزیدَها وزیادَها

ویزیدُها ربِّی عذاباً سرمدا

ولأبکینَّ علیک یا ابن محمدٍ

حتی أُوسَّدَ فی التراب مُلحّدا

ولأحلینَّ علی عُلاک مدائحاً

من درِّ ألفاظی حساناً خُرَّدا

عُرُباً فصاحاً فی الفصاحةِ جاوزت

قُسّا (2) وبات لها لبید (3) مُبلّدا

قلّدتُها بقلائدٍ من جودِکمْ

أضحی بها جیدُ الزمان مُقلَّدا

یرجو بها نجلُ العرندسِ صالحٌ

فی الخلدِ مع حورِ الجنانِ تخلّدا

وسقی الطفوف الهامرات من الحیا

سُحباً تسحُّ عیونها دمع الندی (4)

ثمّ السلام علیک یا ابن المرتضی

ما ناح طیرٌ فی الغصون وغرّدا

وله قصیدة تناهز (56) بیتاً یرثی بها الإمام السبط الشهید صلوات الله علیه ، توجد فی المنتخب لشیخنا الطریحی (5) (2 / 19) طبع بمبی مطلعها :

نوحوا أیا شیعةَ المولی أبی حسنِ

علی الحسین غریبِ الدارِ والوطنِ4.

ص: 35


1- غار الرجل : سار. أنجد الرجل : أتی نجداً ، قرب من أهله. (المؤلف)
2- قسّ بن ساعدة الایادی خطیب العرب قاطبة والمضروب به المثل فی البلاغة. (المؤلف)
3- لبید بن ربیعة العامری توفّی فی أوّل خلافة معاویة وهو ابن مائة وسبع وخمسین سنة. (المؤلف)
4- الهامرات من همر الماء : انصبَّ. والهمّار من السحاب : السیّال. الحیا : المطر. سحّ الماء : صبّه صبّا متتابعاً غزیراً. الندی : المطر. (المؤلف)
5- المنتخب : 2 / 254.

ص: 36

- 73 -

ابن داغر الحلّی

حیّا الإلهُ کتیبةً مرتادُها

یطوی له سهلُ الفلا ووهادُها

قصدت أمیرَ المؤمنین بقبّةٍ

یُبنی علی هامِ السماک عمادُها

وفدت علی خیرِ الأنامِ بحضرةٍ

عند الإلهِ مکرّمٌ وُفّادُها

فیها الفتی وابن الفتی وأخو الفتی

أهلُ الفتوّةِ ربُّها مقتادُها

فله الفخارُ قدیمُه وحدیثُه

والفاضلاتُ طریفُها وتلادُها (1)

مولی البریّةِ بعد فقد نبیِّها

وإمامُها وهمامُها وجوادُها

وإذا القرومُ تصادمت فی معرکٍ

والخیلُ قد نسج القتامَ طرادُها

وتری القبائلَ عند مختلفِ القنا

منه یحذِّر جمعَها آحادُها

والشوسُ تعثرُ فی المجالِ وتحتَها

جردٌ تجذُّ إلی القتالِ جیادُها (2)

فکأنَّ منتشرَ الرعالِ لدی الوغی

زجلٌ تنشّر فی البلادِ جرادُها

ورماحُهمْ قد شظِّیتْ عیدانُها (3)

وسیوفُهم قد کسِّرت أغمادُهاف)

ص: 37


1- الطریف : المکتسب حدیثاً. التلاد والتلید : ما کان من قدیم. (المؤلف)
2- الشوس جمع أشوس : الشدید الجری فی القتال. تعثّر : یقال : عثر الرجل عثوراً إذا هجم علی أمر لم یهجم علیه غیره. المجال : محل الجولان أی المیدان. جرد جمع الأجرد : السباق من الخیل. یجذ من جذَّ فی سیره : أسرع. الجیاد جمع الجواد : السریع من الفرس. (المؤلف)
3- شظی تشظیة : فرق. تشظی العود : تطایر شظایا. عیدان وأعود وأعواد جمع العود : الخشب. (المؤلف)

والشهب تُغمَدُ فی الرؤوس نصولُها

والسمرُ تصعد فی النفوسِ صعادُها (1)

فتری هناک أخا النبیِّ محمدٍ

وعلیه من جهدِ البلاءِ جلادُها

متردِّیاً عند اللقا بحسامِهِ

متصدِّیاً لکماتِها یصطادُها

عضَدَ النبیَّ الهاشمیَّ بسیفِهِ

حتی تقطّعَ فی الوغی أعضادُها

واخاهُ دونهمُ وسدَّ دُوینَه

أبوابَهمْ فتّاحُها سدّادُها

وحباه فی یومِ الغدیرِ ولایةً

عام الوداع وکلُّهم أشهادُها

فغدا به یومَ الغدیر مفضّلاً

برکاتُه ما تنتهی أعدادُها

قبلت وصیّة أحمد وبصدرها

تخفی لآل محمدٍ أحقادُها

حتی إذا مات النبیُّ فأظهرت

أضغانها فی ظلمِها أجنادُها

منعوا خلافةَ ربِّها وولیِّها

ببصائرٍ عمیت وضلَّ رشادُها

واعصوصبوا فی منعِ فاطمَ حقَّها

فقضتْ وقد شاب الحیاةَ نکادُها (2)

وتوفّیت غصصاً وبعد وفاتِها

قُتلَ الحسینُ وذُبِّحت أولادُها

وغدا یُسَبُّ علی المنابرِ بعلُها

فی أمّةٍ ضلّت وطالَ فسادُها

ولقد وقفتُ علی مقالةِ حاذقٍ

فی السالفین فراقَ لی إنشادُها

(أعلی المنابرِ تعلنون بسبِّهِ

وبسیفِهِ نُصبتْ لکم أعوادُها) (3)

یا آلَ بیتِ محمدٍ یا سادةً

ساد البریّةَ فضلُها وسدادُها

أنتم مصابیحُ الظلامِ وأنتمُ

خیرُ الأنامِ وأنتمُ أمجادُها

فضلاؤها علماؤها حلماؤها

حکماؤها عبّادُها زهّادُهاف)

ص: 38


1- الشهب جمع الشهاب : السنان ، سمّی به لما فیه من بریق. نصولٍ جمع النصل : حدیدة الرمح والسهم. السمر : الرمح. صعاد جمع الصعدة : القناة المستویة. (المؤلف)
2- اعصوصبوا : اجتمعوا وصاروا عصائب. شاب : خلط وغش. النکاد : الکدر. (المؤلف)
3- هذا البیت من قصیدة لأبی محمد عبد الله بن محمد بن سنان الخفاجی الحلبی رحمه الله المتوفّی 466. (المؤلف)

أمّا العبادُ فأنتمُ ساداتُها

أمّا الحروبُ فأنتمُ آسادُها

تلک المساعی للبریّة أوضحتْ

نهجَ الهدی ومشت به عبّادُها

وإلیکمُ من شارداتِ (مغامسٍ)

بکراً یقرُّ بفضلِها حسّادُها

کملت بوزنِ کمالِکمْ وتزیّنتْ

بمحاسنٍ من حسنِکمْ تزدادُها

نادیتها صوتاً فمذ أسمعتها

لبّتْ ولم یصلدْ علیَّ زنادُها

نفقتْ لدیّ لأنّها فی مدحِکمْ

فلذاک لا یخشی علیَّ کسادُها

رحمَ الإلهُ مُمِدَّها أقلامَهُ

ورجاؤه أن لا یخیب مدادُها

فتشفّعوا لکبائرٍ أسلفتها

قلقتْ لها نفسی وقلّ رقادُها

جرماً لو انَّ الراسیاتِ حملنَه

دکّتْ وذاب صخورُها وصلادُها

هیهات تُمنعُ عن شفاعةِ جدِّکمْ

نفسٌ وحبُّ أبی ترابٍ زادُها

صلّی الإلهُ علیکمُ ما أرعدتْ

سحبٌ وأسبلَ ممطراً أرعادُها

وله قوله من قصیدة تناهز الاثنین والتسعین بیتاً :

کیف السلامةُ والخطوبُ تنوبُ

ومصائبُ الدنیا الغَرورُ تصوبُ

إنَّ البقاءَ علی اختلافِ طبائعٍ

ورجاء أن ینجو الفتی لعصیبُ

العیشُ أهونُه وما هو کائنٌ

حتمٌ وما هو واصلٌ فقریبُ

والدهر أطوارٌ ولیس لأهلِهِ

إن فکّروا فی حالتیه نصیبُ

لیس اللبیب من استغرّ بعیشِهِ

إنَّ المفکّرَ فی الأمورِ لبیبُ

یا غافلاً والموتُ لیس بغافلٍ

عِش ما تشاءُ فإنّکَ المطلوبُ

أبدیتَ لهوکَ إذ زمانُک مقبلٌ

زاهٍ وإذ غصنُ الشبابِ رطیبُ

فمن النصیرُ علی الخطوبِ إذا أتت

وَعلا علی شرخِ الشباب مشیبُ

علل الفتی من علمِه مکفوفةٌ

حتی الممات وعمرُه مکتوبُ

وتراه یکدحُ فی المعاشِ ورزقُه

فی الکائناتِ مقدّرٌ محسوبُ

ص: 39

إنَّ اللیالی لا تزال مجدَّةً

فی الخلقِ أحداثٌ لها وخطوبُ

من سرَّ فیها ساءه من صرفِها

ریبٌ له طولُ الزمانِ مریبُ

عصفت بخیرِ الخلقِ آلِ محمدٍ

نکباءُ إعصارٌ لها وهبوبُ (1)

أمّا النبیُّ فخانه من قومِهِ

فی أقربیه مجانبٌ وصحیبُ

من بعد ما ردُّوا علیه وصاتَه

حتی کأنَّ مقالَه مکذوبُ

ونسوا رعایة حقِّه فی حیدرٍ

فی خمّ وهو وزیرُه المصحوبُ

فأقام فیهم برهةً حتی قضی

فی الغیظِ وهو بغیظِهمْ مغضوبُ

ومنها قوله فی رثاء الإمام السبط علیه السلام :

بأبی الإمامَ المستضامَ بکربلا

یدعو ولیس لما یقولُ مجیبُ

بأبی الوحیدَ وما له مِن راحمٍ

یشکو الظما والماءُ منه قریبُ

بأبی الحبیبَ إلی النبیِّ محمدٍ

ومحمدٌ عند الإله حبیبُ

یا کربلاءُ أفیک یُقتلُ جهرةً

سبطُ المطهّرِ إنّ ذا لعجیبُ

ما أنتِ إلاّ کربةٌ وبلیّةٌ

کلُّ الأنامِ بهولِها مکروبُ

لهفی علیه وقد هوی متعفِّراً

وبه أُوامٌ فادحٌ ولغوبُ (2)

لهفی علیه بالطفوفِ مجدّلاً

تسفی علیهِ شمألٌ وجنوبُ

لهفی علیه والخیولُ ترضُّهُ

فلهنَّ رکضٌ حوله وخبیبُ (3)

لهفی له والرأسُ منه ممیّزٌ

والشیبُ من دمه الشریفِ خضیبُ

لهفی علیه ودرعُه مسلوبةٌ

لهفی علیه ورحلُهُ منهوبُف)

ص: 40


1- الإعصار : ریح ترتفع بالتراب. الهبوب من الریاح : المثیرة للغبرة. (المؤلف)
2- الأوام : العطش. الفادح : الصعب المثقل. اللغوب : المتعب المعیی. (المؤلف)
3- الخبیب من خبّ الفرس فی عدوه : راوح بین یدیه ورجلیه ؛ أی قام علی إحداهما مرّة وعلی الأخری مرّة. (المؤلف)

لهفی علی حُرَمِ الحسینِ حواسراً

شعثاً وقد رِیعتْ لهنَّ قلوبُ

حتی إذا قطع الکریم بسیفِهِ

لم یثنه خوفٌ ولا ترعیبُ

للهِ کم لطمتْ خدودٌ عندَهُ

جزعاً وکم شُقّت علیه جیوبُ

ما أنس إن أنسَ الزکیّةَ زینباً

تبکی له وقناعُها مسلوبُ

تدعو وتندبُ والمصابُ تکظُّها

بین الطفوفِ ودمعُها مسکوبُ (1)

أَأُخیَّ بعدکَ لا حییتُ بغبطةٍ

واغتالنی حتفٌ إلیَّ قریبُ

أَأُخیَّ بعدَکَ من یدافعُ جاهلاً

عنِّی ویسمع دعوتی ویجیبُ

حزنی تذوب له الجبالُ وعنده

یسلو وینسی یوسفاً یعقوبُ

الشاعر

الشیخ مغامس بن داغر الحلّی ، طفح بذکر المغامس فی حبِّ آل الله صلّی الله علیهم غیر واحد من المعاجم المتأخّرة کالحصون المنیعة للعلاّمة الشیخ علی آل کاشف الغطاء ، والطلیعة للعلاّمة السماوی ، والبابلیّات للخطیب الیعقوبی (2) ، وذکر شطراً من شعره شیخنا فخر الدین الطریحی فی المنتخب (3) ، والأدیب الأصبهانی فی التحفة الناصریّة ، وتضمّن غیر واحد من المجامیع قریضه المتدفِّق بمدح أهل بیت الوحی أئمّة الهدی ورثائهم صلوات الله علیهم حتی جمع منها الشیخ السماوی دیواناً باسم المترجم یربو علی ألف وثلاثمائة وخمسین بیتاً ولعلّ التالف منها أکثر وأکثر.

فهو من شعراء أهل البیت المکثرین المتفانین فی حبّهم وولائهم غیر أنَّ الدهر أنسی ذکره الخالد ، ولعلّ هذا الانقطاع عن غیرهم علیهم السلام هو الذی قطع اطّراد ذکره فی جملة من الموسوعات أو المعاجم لمن لا یألف إلی ودِّهم کما فعلوا ذلک بالنسبة إلی 3.

ص: 41


1- تکظّها من کظّ الأمر کظّا : غمّ وبهظ. الطفوف جمع الطف : ما أشرف من الأرض. (المؤلف)
2- البابلیّات : 1 / 132 رقم 44.
3- المنتخب : 2 / 284 و 292 و 300 و 323.

کثیرین من أمثال المترجم فترکوا ذکره أو أثبتوه بصورة مصغّرة ، وعندهم مکبّرات لذکریات أُناس هم دون أولئک فی الفضیلة والأدب ، وکم للتاریخ من جنایات فی الخفض والرفع والجرّ والنصب لا تستقصی!

کان الشیخ مغامس من إحدی القبائل العربیّة فی ضواحی الحلّة الفیحاء فهبطها للدراسة ، ولم یبارحها حتی قضی بها نحبه شاعراً خطیباً فی أواسط القرن التاسع ، ویعرب شعره عن أنَّه کان له شوط فی مضمار الخطابة کما کان یرکض فی کلِّ حلبة من حلبات القریض ، قال :

فتارةً أنظمُ الأشعارَ ممتدحاً

وتارةً أنثرُ الأقوالَ فی الخطبِ

وکان أبوه داغر شاعراً موالیاً وهو الذی علّمه قرض الشعر ومرّنه علی ولاء العترة الطاهرة کما یأتی فی قوله :

أعملتُ فی مدحِکمْ فکری فعلّمنی

نظمَ المدیحِ وأوصانی بذاک أبی

فحیّی الله الوالد والولد. وإلیک فهرست قصائده التی وقفنا علیها فی مجامیع الأدب :

عدد

القصائد

المطلع

عدد

الأبیات

محبُّ اللیالی فی مساعیه متعبُ

یساق إلیه حتفُه وهو یدأبُ

(93) (1) تذکّرَ ما أحصی الکتابُ فتابا

وحاذرَ من مسِّ العذابِ عقابا (92) (3)

أصبحتَ للتقوی بجهلِکَ تدّعی

دعواک باطلةٌ إذا لم تقلعِ (81) (4)

هل حین عمّمه المشیبُ وقنّعا

أتراه یصنعُ فی الهدایةِ مصنعا (90) (5)

أتطلب دنیاً بعد شیب قذالِ (2)

وتذکر أیّاماً مضت ولیالی (92)

توجد جملة من هذه القصیدة فی المنتخب (2) (2 / 45) طبع بمبی. 0.

ص: 42


1- المنتخب : 2 / 300.
2- القذال بفتح القاف : ما بین الأذنین من مؤخر الرأس. (المؤلف)

فصلتْ صروفُ الحادثاتِ مفاصلی

وأصاب سهمُ النائباتِ مقاتلی

قطع الزمان عری قوای وکلّ ما

قطعَ الزمانُ فما له من واصلِ (77)

هذه القصیدة ذکرها شیخنا الطریحی فی المنتخب (1) (2 / 36)

لغیرِکِ یا دنیا ثنیتُ عنانی

وذاک لأمر عن غناکِ عنانی (99)

توجد هذه القصیدة برمّتها فی المنتخب (2) (2 / 58).

لبنی الهادی مناحی

فی غدوّی ورواحی

صاحِ ما قلبی بصاحِ

ما لحزنی من براحِ (105) (9)

هجر الغمضَ وسادی

وکوی الحزنُ فؤادی

فحیاتی فی نکادی

لقتیلِ ابن زیادِ (62) (10)

لیتنی کنت فداءً للحسینْ

وهو بالطفِّ قطیعُ الودجینْ

ینظرُ الشمرَ بعینٍ وبعینْ

ینظر النسوةَ بین العسکرینْ

(106) (11) بکیت وما لریعان الشبابِ

ولا لدروسِ منزلةٍ خرابِ

ولا لفوات عیش مستطابِ

ولا لفراق زینب والربابِ (80) (12)

صحبتکِ لا أنِّی بودِّک مغرمُ

فبینی فغیری فی هواکِ المتیَّمُ

(88) (13) رحل الشبابُ وإنّه لکریمُ

وفراغُه عند النفوسِ عظیمُ (81) (14)

أزال الشباب الغضَّ عنک مزیلُ

فهل أنت للبیض الحسان خلیلُ (75)

(15) یمدح بها النبیّ الأعظم صلی الله علیه وآله وسلم قوله :

عرّج علی المصطفی یا سائق النجبِ

عرِّج علی خیرِ مبعوثٍ وخیرِ نبی

عرّج علی السیّد المبعوثِ من مُضرٍ

عرِّج علی الصادقِ المنعوتِ فی الکتبِ

عرّج علی رحمةِ الباری ونعمتِهِ

عرِّج علی الأبطحیِّ الطاهرِ النسبِ3.

ص: 43


1- المنتخب : 2 / 284.
2- المنتخب : 2 / 323.

رآه آدمُ نوراً بین أربعةٍ

لألاؤها فوق ساقِ العرشِ من کثبِ

فقال یا ربّ من هذا فقیل له

قولَ المحبِّ وما فی القولِ من ریبِ

هم أولیائی وهم ذرّیةٌ لکما

فقرَّ عیناً ونفساً فیهمُ وطبِ

أما وحقِّهمُ لو لا مکانُهمُ

منِّی لما دارتِ الأفلاکُ بالقطبِ

کلاّ ولا کان من شمسٍ ولا قمرٍ

ولا شهابٍ ولا أُفقٍ ولا حجبِ

ولا سماءٍ ولا أرضٍ ولا شجرٍ

للناس یهمی علیه واکفُ السحبِ (1)

ولا جنانٍ ولا نارٍ مؤجَّجةٍ

جعلت أعداءهم فیها من الحطبِ

وقال للملإ الأعلی ألا أحدٌ

یُنبی بأسمائِهمْ صدقاً بلا کذبِ

فلم یجیبوا فأنبا آدمٌ بهمُ

لها بعلمٍ من الجبّارِ مُکتسبِ

فقال للملإ الأعلی اسجدوا کملاً

لآدمٍ وأطیعوا واتّقوا غضبی

وصیّر اللهُ ذاک النورَ ملتمعاً

فی الوجهِ منه بوعدٍ منه مرتقبِ

وخاف نوحٌ فناجی ربَّه فنجا

بهم علی دُسُر الألواحِ والخشبِ

وفی الجحیمِ دعا اللهَ الخلیلُ بهمْ

فأُخمدتْ بعد ذاک الحرّ واللهبِ

وقد دعا اللهَ موسی إذ هوی صَعِقاً

بحقِّهمْ فنجا من شدّة الکربِ

فظَلَّ منتقلاً واللهُ حافظُه

علی تنقّلِهِ من حادثِ النُوبِ

حتی تقسّم فی عبدِ الإلهِ معاً

وفی أبی طالبٍ عن عبد مُطّلبِ

فأودعَ اللهُ ذاک القسمَ آمنةً

یوماً إلی أجلٍ بالحملِ مقتربِ

حتی إذا وضعتْه انهدَّ من فزعٍ

رکنُ الضلالِ ونادی الشرکُ بالحربِ

وانشقَّ إیوانُ کسری وانطفت حذراً

نیرانُهمْ وأقرَّ الکفرُ بالغلبِ

تساقطت أنجمُ الأملاکِ مؤذنةً

بالرجمِ فاحترقَ الأصنامُ باللهبِ

حتی إذا حاز سنَّ الأربعین دعا

ربِّی به فی لسانِ الوحی بالکتبِ

فقال لبّیک من داعٍ وأرسلَهُ

إلی البریّةِ من عُجمٍ ومن عربِف)

ص: 44


1- همی الماء یهمی همیاً : سال لا یثنیه شیء. الواکف : المطر المنهلّ. (المؤلف)

فأظهر المعجزاتِ الواضحاتِ لهم

بالبیِّنات ولم یحذرْ ولم یهبِ

أراهمُ الآیةَ الکبری فوا عجباً

ما بالهم خالفوا من أعجب العجبِ

رامت بنو عمِّهِ تبییتَهُ سحراً

فعاذ منهم رسولُ اللهِ بالهربِ

وبات یفدیه خیرُ الخلقِ حیدرةٌ (1)

علی الفراشِ وفی یُمناه ذو شطبِ (2)

فأدبروا إذ رأوا غیرَ الذی طلبوا

وأوغلوا لرسولِ اللهِ فی الطلبِ

فرابهمْ عنکبٌ فی الغارِ إذ جعلتْ

تسدی وتلحم فی أبرادِها القُشبِ

حتی إذا ردّهم عنه الإلهُ مضی

ذاک النجیبُ علی المهریّة النُّجبِ

فحلَّ دارَ رجالٍ بایعوه علی

أعدائه فدماء القوم فی صَببِ

فی کلِّ یومٍ لمولی الخلق واقعةٌ

منه علی عابدی الأوثان والصلبِ

یمشی إلی حربِهمْ واللهُ ناصرُهُ

مشیَ العفرناة فی غابِ القنا السلبِ (3)

فی فتیةٍ کالأسودِ المحذراتِ لها

براثنٌ (4) من رماح الخطِّ والقضبِ

عافوا المعاقلَ للبیضِ الحسانِ فما

معاقلُ القومِ غیرُ البیض والیلبِ (5)

فالحقُّ فی فرحٍ والدینُ فی مَرَحٍ

والشرکُ فی ترحٍ والکفرُ فی نصبِ

حتی استراح نبیُّ الله قاضیةً

بهم وراحتُهمْ فی ذلک التعبِ

یا من به أنبیاءُ اللهِ قد خُتِموا

فلیس من بعدِهِ فی العالمین نبی

إن کنتَ فی درجاتِ الوحیِ خاتمَهم

فأنت أوّلُهم فی أوّلِ الرُتبِ

قد بشّرت بک رسلُ اللهِ فی أُممٍ

خلتْ فما کنتَ فیما بینهم بغبی (6)ف)

ص: 45


1- مرّ حدیث لیلة المبیت فی الجزء الثانی : ص 47. (المؤلف)
2- الشطب جمع الشطبة بضم الأول وکسره : الخط فی متن السیف. (المؤلف)
3- یقال : أسد عفرنی ولبوة عفرناة : أی قویة.
4- البرثن من السباع والطیر بمنزلة الإصبع من الانسان. والجمع : براثن. (المؤلف)
5- المعقل : الملجأ. البیض جمع بیضاء : السیف. الیلب : الترس أو الدروع الیمانیة من الجلود ، خالص الحدید. (المؤلف)
6- المستور ، المجهول. (المؤلف)

شهدتُ أنَّک أحسنتَ البلاغَ فما

تکون فی باطلٍ یوماً بمنجذبِ

حتی دعاک إلهی فاستجبتَ له

حبّا ومن یدْعُهُ المحبوبُ یستجبِ

وقد نصبتَ لهم فی دینِهمْ خلفاً

وکان بعدَکَ فیهم خیرَ منتصبِ

لکنّهم خالفوهُ وابتغوا بدلاً

تخیّروه ولیس النبعُ کالغربِ (1)

ویقول فیها :

یا راکبَ الهوجلِ المحبوکِ تحملهُ (2)

إلی زیارةِ خیرِ العجمِ والعربِ

إذا قضیتَ فروضَ الحجِّ مکتملاً

ونلتَ إدراکَ ما فی النفسِ من إربِ

وزرتَ قبرَ رسولِ اللهِ سیَّدِنا

وسیّدِ الخلقِ من ناءٍ ومقتربِ

قِف موقفی ثمّ سلّم لی علیه معاً

حتی کأنِّیَ ذاک الیومَ لم أغِبِ

واثنِ السلامَ إلی أهلِ البقیعِ فلی

بها أحبّةُ صبٍّ دائمِ الوصبِ

وبثّهم صبوتی طولَ الزمانِ لهم

وقل بدمعٍ علی الخدّین منسکبِ

یا قدوةَ الخلقِ فی علمٍ وفی عملٍ

وأطهرَ الخلقِ فی أصلٍ وفی نسبِ

وصلتُ حبلَ رجائی فی حبائلِکمْ

کما تعلّق فی أسبابِکمْ سببی

دنوتُ فی الدینِ منکم والودادِ فلو

لا دان لم یدنُ من أحسابِکم حسبی

مدیحُکمْ مکسبی والدینُ مکتسبی

ما عشتُ والظنُّ فی معروفِکمْ نشبی

فإن عدَتنی اللیالی عن زیارتِکمْ

فإنَّ قلبیَ عنکم غیرُ منقلبِ

قد سیط لحمی وعظمی فی محبّتِکمْ

وحبُّکم قد جری فی المخِّ والعَصبِ

هجری وبغضی لمن عاداکمُ ولکمْ

صدقی وحبّی وفی مدحی لکم طربی

فتارةً أنظمُ الأشعارَ ممتدحاً

وتارةً أنثرُ الأقوالَ فی الخطبِ

حتی جعلتُ مقال الضدِّ من شبهٍ

إذ صغتُ فیکم قریضَ القولِ من ذهبِف)

ص: 46


1- النبع : خروج الماء من العین. الغرب : الماء المقطّر من الدلو بین الحوض والبئر. (المؤلف)
2- الهوجل : الناقة التی بها هوج من سرعتها. المحبوک : مشدود الوسط. (المؤلف)

أعملتُ فی مدحِکمْ فکری فعلّمنی

نظمَ المدیحِ وأوصانی بذاک أبی

فهل أنالُ مفازاً فی شفاعتِکمْ

ممّا أحتقبتُ له فی سائرِ الحقبِ

فیا مغامس احبس فی مدائحِهمْ

تلک القوافی وأجرَ اللهِ فاحتسبِ

ص: 47

ص: 48

- 74 -

الحافظ البرسی الحلّی

هو الشمسُ أم نورُ الضریح یلوحُ

هو المسکُ أم طیبُ الوصیِّ یفوحُ

وبحرُ ندی أم روضةٌ حوتِ الهدی

وآدمُ أم سرُّ المهیمنِ نوحُ

وداودُ هذا أم سلیمانُ بعدَه

وهارونُ أم موسی العصا ومسیحُ

وأحمدُ هذا المصطفی أم وصیُّه

علیٌّ نماه هاشمٌ وذبیحُ

محیطُ سماءِ المجدِ بدرُ دجنّةٍ

وفلکُ جمالٍ للأنام ویوحُ (1)

حبیبُ حبیبِ اللهِ بل سرُّ سرِّه

وجثمانُ أمرٍ للخلائقِ روحُ

له النصُّ فی یومِ الغدیرِ ومدحُه

من اللهِ فی الذکرِ المبینِ صریحُ

إمامٌ إذا ما المرءُ جاءَ بحبِّه

فمیزانُه یومَ المعادِ رجیحُ

له شیعةٌ مثلُ النجومِ زواهرٌ

لها بین کلِّ العالمینَ وضوحُ

إذا قاولتَ فالحقُّ فیما تقولهُ

به النورُ بادٍ واللسانُ فصیحُ

وإن جاولتَ أو جادلتَ عن مرامِها

تولّی العدوُّ الجَلْدُ وهو طریحُ

علیک سلامُ اللهِ یا رایةَ الهدی

سلامُ سلیمٍ یغتدی ویروحُ

وتأتی له قصیدة منها قوله :

مولیً له بغدیرِ خمِّ بیعةٌ

خضعتْ لها الأعناق وهی طوائحُف)

ص: 49


1- یوح : الشمس. (المؤلف)

الشاعر

الحافظ الشیخ رضی الدین رجب بن محمد بن رجب البرسی الحلّی ، من عرفاء علماء الإمامیّة وفقهائها المشارکین فی العلوم ، علی فضله الواضح فی فنِّ الحدیث ، وتقدّمه فی الأدب وقرض الشعر وإجادته ، وتضلّعه من علم الحروف وأسرارها واستخراج فوائدها ، وبذلک کلّه تجد کتبه طافحة بالتحقیق ودقّة النظر ، وله فی العرفان والحروف مسالک خاصّة ، کما أنَّ له فی ولاء أئمّة الدین علیهم السلام آراء ونظریّات لا یرتضیها لفیف من الناس ، ولذلک رموه بالغلوِّ والارتفاع ، غیر أنّ الحقّ أنّ جمیع ما یثبته المترجم لهم علیهم السلام من الشؤون هی دون مرتبة الغلوِّ وغیر درجة النبوّة ، وقد جاء عن مولانا أمیر المؤمنین علیه السلام قوله : «إیّاکم والغلوّ فینا ، قولوا : إنّا عبید مربوبون ، وقولوا فی فضلنا ما شئتم» (1) ، وقال الإمام الصادق علیه السلام : «اجعل لنا ربّا نئوب إلیه وقولوا فینا ما شئتم». وقال علیه السلام : «اجعلونا مخلوقین وقولوا فینا ما شئتم فلن تبلغوا» (2).

وأنّی لنا البلاغ مدیة ما منحهم المولی سبحانه من فضائل ومآثر؟ وأنّی لنا الوقوف علی غایة ما شرّفهم الله به من ملکات فاضلة ، ونفسیّات نفیسة ؛ وروحیّات قدسیّة ، وخلائق کریمة ، ومکارم ومحامد ؛ فمن ذا الذی یبلغ معرفة الإمام؟ أو یمکنه اختیاره؟ هیهات هیهات ضلّت العقول ، وتاهت الحلوم ، وحارت الألباب ، وخسئت العیون ، وتصاغرت العظماء ، وتحیّرت الحکماء ، وتقاصرت الحلماء ، وحصرت الخطباء ، وجهلت الألبّاء ، وکلّت الشعراء ، وعجزت الأدباء ، وعییت البلغاء عن وصف شأن من شأنه ، وفضیلة من فضائله ، وأقرّت بالعجز والتقصیر ؛ وکیف یوصف ف)

ص: 50


1- الخصال لشیخنا الصدوق [ ص 614 ]. (المؤلف)
2- بصائر الدرجات للصفّار [ ص 236 ، 507 ]. (المؤلف)

بکلّه؟ أو ینعت بکنهه؟ أو یفهم شیء من أمره؟ أو یوجد من یقوم مقامه ویغنی غناه؟ لا. کیف؟ وأنّی؟ فهو بحیث النجم من ید المتناولین ووصف الواصفین ، فأین الاختیار من هذا؟ وأین العقول عن هذا؟ وأین یوجد مثل هذا؟ (1).

ولذلک تجد کثیراً من علمائنا المحقّقین فی المعرفة بالأسرار یثبتون لأئمة الهدی صلوات الله علیهم کلّ هاتیک الشؤون وغیرها ممّا لا یتحمّله غیرهم ، وکان فی علماء قم من یرمی بالغلوّ کلّ من روی شیئاً من تلکم الأسرار ، حتی قال قائلهم : إنَّ أوّل مراتب الغلوّ نفی السهو عن النبیِّ صلی الله علیه وآله وسلم إلی أن جاء بعدهم المحقِّقون وعرفوا الحقیقة فلم یقیموا لکثیر من تلکم التضعیفات وزناً ، وهذه بلیّة مُنی بها کثیرون من أهل الحقائق والعرفان ومنهم المترجم ، ولم تزل الفئتان علی طرفی نقیض ، وقد تقوم الحرب بینهما علی أشدِّها ، والصلح خیر.

وفذلکة المقام أنَّ النفوس تتفاوت حسب جبلاّتها واستعداداتها فی تلقّی الحقائق الراهنة ، فمنها ما تبهظه المعضلات والأسرار ، ومنها ما ینبسط لها فیبسط إلیها ذراعاً ویمدُّ لها باعاً ، وبطبع الحال إنّ الفئة الأولی لا یسعها الرضوخ لما یعلمون ، کما أنّ الآخرین لا تبیح لهم المعرفة أن یذروا ما حقّقوه فی مدحرة البطلان ، فهنالک تثور المنافرة ، وتحتدم الضغائن ، ونحن نقدِّر للفریقین مسعاهم لما نعلم من نوایاهم الحسنة وسلوکهم جَدَد السبیل فی طلب الحقِّ ونقول :

علی المرء أن یسعی بمقدار جهده

ولیس علیه أن یکون موفّقا

ألا إنَّ الناس لمعادن کمعادن الذهب والفضّة (2) وقد تواتر عن أئمّة أهل البیت علیهم السلام : «إنَّ أمرنا ، أو حدیثنا صعب مستصعب لا یتحمّله إلاّ نبیٌّ مرسل أو ملک ف)

ص: 51


1- من قولنا : فمن ذا الذی یبلغ. إلی هنا مأخوذ من حدیث رواه شیخنا الکلینی ثقة الإسلام فی أصول الکافی : ص 99 [ 1 / 201 ] عن الإمام الرضا صلوات الله علیه. (المؤلف)
2- حدیث ثابت عند الفریقین. (المؤلف)

مقرّب ، أو مؤمنٌ امتحن الله قلبه بالإیمان» (1). إذن فلا نتحرّی وقیعة فی علماء الدین ولا نمسُّ کرامة العارفین ، ولا ننقم من أحد عدم بلوغه إلی مرتبة من هو أرقی منه ، إذ لا یکلّف الله نفساً إلاّ وسعها. وقال مولانا أمیر المؤمنین علیه السلام : «لو جلست أحدِّثکم ما سمعت من فم أبی القاسم صلی الله علیه وآله وسلم لخرجتم من عندی وأنتم تقولون : إنَّ علیّا من أکذب الکاذبین» (2).

وقال إمامنا السیّد السجاد علیه السلام : «لو علم أبو ذرّ ما فی قلب سلمان لقتله ، ولقد آخی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بینهما فما ظنّکم بسائر الخلق» (3) (وَکُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنی وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِینَ عَلَی الْقاعِدِینَ أَجْراً عَظِیماً) (4).

وإلی هذا یشیر سیّدنا الإمام السجّاد زین العابدین علیه السلام بقوله :

إنِّی لأکتمُ من علمی جواهرَهُ

کی لا یری الحقَّ ذو جهلٍ فیفتتنا

وقد تقدّم فی هذا أبو حسنٍ

إلی الحسینِ وأوصی قبله الحسنا

فرُبَّ جوهر علمٍ لو أبوح به

لقیل لی أنت ممّن یعبد الوثنا

ولاستحلَّ رجال مسلمون دمی

یرون أقبح ما یأتونه حسنا (5)

ولسیّدنا الأمین فی أعیان الشیعة (6) (31 / 193 - 205) فی ترجمة الرجل کلمات لا تخرج عن حدود ما ذکرناه ، وممّا نقم علیه به اعتماده علی علم الحروف والأعداد8.

ص: 52


1- بصائر الدرجات للصفّار : ص 6 [ ص 20 ] ، أصول الکافی : ص 216 [ 1 / 401 ]. (المؤلف)
2- منح المنّة للشعرانی : ص 14. (المؤلف)
3- بصائر الدرجات للصفّار : ص 7 [ ص 25 ] آخر الباب الحادی عشر من الجزء الأوّل. أصول الکافی لثقة الإسلام الکلینی : ص 216 [ 1 / 401 ]. (المؤلف)
4- النساء : 95.
5- تفسیر الآلوسی : 6 / 190. (المؤلف)
6- أعیان الشیعة : 6 / 465 - 468.

الذی لا تتمّ به برهنة ولا تقوم به حجّة ، ونحن وإن صافقناه علی ذلک ، إلاّ أنّ للمترجم له ومن حذا حذوه من العلماء کابن شهرآشوب ومن بعده عذراً فی سرد هاتیک المسائل ؛ فإنَّها أشبه شیء بالجدل تجاه من ارتکن إلی أمثالها فی أبواب أخری من علماء الحروف من العامّة کقول العبیدی المالکی فی عمدة التحقیق (1) (ص 155) : قال بعض علماء الحروف : یؤخذ دوام ناموس آل الصدِّیق وقیام عزّته إلی انتهاء الدنیا من سرِّ قوله تعالی : فی (ذُرِّیَّتِی). فإنَّ عدّتها بالجمل الکبیر ألف وأربعمائة وعشرة وهی مظنّة تمام الدنیا کما ذکره بعضهم فلا یزالون ظاهرین بالعزّة والسیادة مدّة الدنیا ، وقد استنبط تلک المدّة عمدة أهل التحقیق مصطفی لطف الله الرزنامجی بالدیوان المصری من قوله تعالی : (لا یَلْبَثُونَ خِلافَکَ إِلاَّ قَلِیلاً) (2) قال ما لفظه : إذا أسقطنا مکرّرات الحروف کان الباقی (ل ا ی ب ث و ن خ ف ک ق) أحد عشر حرفاً عددهم بالجمل الکبیر ألف وثلاثمائة وتسعة وتسعین زدنا علیه عدد الحروف وهو أحد عشر صار المجموع وهو ألف وأربعمائة وعشرة وهو مطابق لقوله تعالی : ذریّتی. وسمعت ختام الأعلام شیخنا الشیخ یوسف الفیشی رحمه الله یقول : قال محمد البکری الکبیر : یجلس عقبنا مع عیسی بن مریم علی سجّادة واحدة وهذا یقوّی تصحیح ذلک الاستنباط. انتهی.

ونحن لا ندری ما ذا یعنی سیّدنا الأمین بقوله : وفی طبعه شذوذ وفی مؤلّفاته خبط وخلط وشیء من المغالاة لا موجب له ولا داعی إلیه وفیه شیء من الضرر إن أمکن أن یکون له محل صحیح. لیت السیّد یوعز إلی شیء من شذوذ طبع شاعرنا الفحل حتی لا یبقی قوله دعوی مجرّدة. وبعد اعترافه بإمکان محمل صحیح لما أتی به المترجم له فأیّ داعٍ إلی حمله علی الخبط والخلط ، ونسیان حدیث : ضع أمر أخیک 6.

ص: 53


1- عمدة التحقیق : ص 262.
2- الإسراء : 76.

علی أحسنه؟ وأیّ ضرر فیه علی ذلک التقدیر؟ علی أنّا سبرنا غیر واحد من مؤلّفات البرسی فلم نجد فیه شاهداً علی ما یقول ، وستوافیک نبذ ممتعة من شعره الرائق فی مدائح أهل البیت علیهم السلام ومراثیهم ولیس فیها إلاّ إشادة إلی فضائلهم المسلّمة بین الفریقین أو ثناء جمیل علیهم هو دون مقامهم الأسمی ، فأین یقع الارتفاع الذی رماه به بعضهم؟ وأین المغالاة التی رآها السیّد؟ والبرسی لا یحذو فی کتبه إلاّ حذو شعره المقبول ، فأین مقیل الخبط والضرر والغلو التی حسبها سیّد الأعیان؟

وأمّا ما نقم به علیه من اختراع الصلوات والزیارة بقوله : واختراع صلاة علیهم وزیارة لهم لا حاجة إلیه بعد ما ورد ما یغنی عنه ولو سلّم أنَّه فی غایة الفصاحة کما یقول صاحب الریاض ، فإنّه لا مانع منه إلاّ ما یوهم المخترع أنَّها مأثورة ، وأیّ وازع من إبداء کلِّ أحد تحیّته بما یجریه الله تعالی علی لسانه وهو لا یقصد وروداً ولا یرید تشریعاً؟ وقد فعله فطاحل العلماء من الفریقین ممّن هو قبل المترجم وبعده ، ولا تسمع أُذن الدنیا الغمز علیهم بذلک من أیِّ أحد من أعلام الأمّة. وأمّا قول سیّدنا : وإنَّ مؤلّفاته لیس فیها کثیر نفع وفی بعضها ضرر ولله فی خلقه شئون سامحه الله وإیّانا. فإنَّه من شطفة القلم صدر عن المشطف (1) ، سامحه الله وإیّانا.

تآلیفه القیّمة :

1 - مشارق أنوار الیقین فی حقائق أسرار أمیر المؤمنین.

2 - مشارق الأمان ولباب حقائق الإیمان ألّفه سنة (813).

3 - رسالة فی الصلوات علی النبیّ وآله المعصومین.

4 - رسالة فی زیارة أمیر المؤمنین طویلة ، قال شیخنا صاحب الریاض (2) : فی 5.

ص: 54


1- المشطف کمنبر : من یعرض بالکلام علی غیر القصد. (المؤلف)
2- ریاض العلماء : 2 / 305.

نهایة الحسن والجزالة واللطافة والفصاحة [ وهی ] (1) معروفة.

5 - رسالة اللمعة من أسرار الأسماء والصفات والحروف والآیات والدعوات ، فیها فوائد ولا تخلو من غرابة کما قاله شیخنا صاحب الریاض (2).

6 - الدرّ الثمین ، فی خمسمائة آیة نزلت فی مولانا أمیر المؤمنین باتّفاق أکثر المفسّرین من أهل الدین ، ینقل عنه المولی محمد تقی الزنجانی فی کتابه : طریق النجاة.

7 - أسرار النبیّ وفاطمة والأئمّة علیهم السلام.

8 - لوامع أنوار التمجید وجوامع أسرار التوحید ، فی أصول العقائد.

9 - تفسیر سورة الإخلاص.

10 - رسالة مختصرة فی التوحید والصلوات علی النبیِّ وآله.

11 - کتاب فی مولد النبیّ وعلیّ وفاطمة وفضائلهم.

12 - کتاب فی فضائل أمیر المؤمنین غیر المشارق.

13 - کتاب الألفین فی وصف سادة الکونین.

شعره الرائق :

للحافظ البرسی شعر رائق وجلّه بل کلّه فی مدائح النبیّ الأقدس وأهل بیته الطاهر صلوات الله علیهم ویتخلّص فی شعره ب : (الحافظ). ومن شعره یمدح به النبیّ الأعظم صلی الله علیه وآله وسلم قوله :

أضاءَ بک الأُفُقُ المشرقُ

ودان لمنطقِکَ المنطقُ

وکنتَ ولا آدمٌ کائناً

لأنَّک من کونه أسبقُ5.

ص: 55


1- الزیادة من المصدر.
2- ریاض العلماء : 2 / 305.

أشار بهذا البیت إلی ما جاء عنه صلی الله علیه وآله وسلم من قوله : «کنت أوّل الناس فی الخلق وآخرهم فی البعث».

أخرجه (1) ابن سعد فی الطبقات ، والطبری فی تفسیره (21 / 79) ، وأبو نعیم فی الدلائل (1 / 6) ، وذکره ابن کثیر فی تاریخه (2 / 307) ، والغزالی فی المضنون الصغیر هامش الإنسان الکامل (2 / 97) والسیوطی فی الخصائص الکبری (1 / 3) ، والزرقانی فی شرح المواهب (3 / 164).

وفی حدیث الإسراء : إنَّک عبدی ورسولی وجعلتک أوّل النبیّین خلقاً وآخرهم بعثاً (2). وجاء عنه صلی الله علیه وآله وسلم : «أوّل ما خلق الله نوری» (3). وتواتر عنه صلی الله علیه وآله وسلم من طرق صحیحة : «کنت نبیّا وآدم بین الماء والطین. أو : بین الروح والجسد. أو : بین خلق آدم ونفخ الروح فیه».

ولولاک لم تخلق الکائنات

ولا بان غربٌ ولا مشرقُ

أشار به إلی ما أخرجه (4) الحاکم فی المستدرک (2 / 615) والبیهقی ، والطبرانی ، والسبکی ، والقسطلانی ، والعزامی ، والبلقینی ، والزرقانی وغیرهم من طریق ابن عبّاس قال : أوحی الله إلی عیسی علیه السلام : یا عیسی آمن بمحمد وأمر من أدرکه من أمّتک أن یؤمنوا به ، فلو لا محمد ما خلقت آدم ، ولولا محمد ما خلقت الجنّة ولا النار.

ومن طریق عمر بن الخطّاب قال : قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «لمّا اقترف آدم 4.

ص: 56


1- الطبقات الکبری : 1 / 149 ، جامع البیان : مج 11 / ج 21 / 125 ، دلائل النبوّة : 1 / 44 ح 3 ، البدایة والنهایة : 2 / 376 ، الخصائص الکبری : 1 / 7.
2- مجمع الزوائد : 1 / 71. (المؤلف)
3- السیرة الحلبیة : 1 / 159 [ 1 / 147 ]. (المؤلف)
4- المستدرک علی الصحیحین : 2 / 671 ح 4227 و 4228 ، شفاء السقام : ص 162 ، شرح المواهب للزرقانی : 1 / 44.

الخطیئة قال : یا رب أسألک بحقِّ محمد لمّا غفرت لی. فقال الله : یا آدم وکیف عرفت محمداً ولم أخلقه؟ قال : یا رب لأنَّک لمّا خلقتنی بیدک ونفخت فیَّ من روحک رفعت رأسی فرأیت علی قوائم العرش مکتوباً لا إله إلاّ الله محمد رسول الله ، فعلمت أنّک لم تضف إلی اسمک إلاّ أحبَّ الخلق إلیک. فقال الله : صدقت یا آدم إنَّه لأحبُّ الخلق إلیَّ ادعنی بحقّه قد غفرت لک. ولولا محمد ما خلقتک».

فمیمُکَ مفتاحُ کلِّ الوجودِ

ومیمک بالمنتهی یغلقُ

تجلّیتَ یا خاتمَ المرسلین

بشأوٍ من الفضلِ لا یُلحَقُ

فأنت لنا أوّلٌ آخرٌ

وباطنُ ظاهرِکَ الأسبقُ

فی هذه الأبیات إشارة إلی أسمائه الشریفة : الفاتح ، الخاتم ، الأوّل ، الآخر ، الظاهر ، الباطن. راجع شرح المواهب للزرقانی (3 / 163 ، 164).

تعالیتَ عن صفةِ المادحین

وإن أطنبوا فیک أو أغمقوا

فمعناکَ حول الوری دارةٌ

علی غیبِ أسرارِها تحدقُ

وروحُکَ من ملکوتِ السماءِ

تنزّلُ بالأمرِ ما یُخلقُ

ونشرُکَ یسری علی الکائنات

فکلٌّ علی قدرِه یعبقُ

إلیک قلوبُ جمیعِ الأنامِ

تحنُّ وأعناقُها تعنقُ

وفیضُ أیادیک فی العالمین

بأنهارِ أسرارِها یدفَقُ

وآثارُ آیاتِکَ البیِّناتِ

علی جبهاتِ الوری تشرقُ

فموسی الکلیمُ وتوراتُهُ

یدلاّن عنک إذا استنطقوا

وعیسی وإنجیلُه بشّرا

بأنَّک أحمدُ من یُخلقُ

فیا رحمةَ اللهِ فی العالمینَ

ومن کان لولاه لم یُخلَقوا

لأنَّک وجهُ الجلالِ المنیر

ووجهُ الجمالِ الذی یشرقُ

وأنت الأمینُ وأنت الأمانُ

وأنت ترتِّق ما یُفتَقُ

ص: 57

أتی رجبٌ لک فی عاتقٍ

ثقیلِ الذنوبِ فهل تعتقُ؟

وله یمدح الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام قوله :

العقلُ نورٌ وأنت معناهُ

والکونُ سرٌّ وأنت مبداهُ

والخلقُ فی جمعِهمْ إذا جمعوا

الکلّ عبدٌ وأنت مولاهُ

أنت الولیُّ الذی مناقبه

ما لعلاها فی الخلقِ أشباهُ

یا آیةَ اللهِ فی العبادِ ویا

سرَّ الذی لا إله إلاّ هو

تناقض العالمون فیک وقد

حاروا عن المهتدی وقد تاهوا

فقال قومُ بأنَّه بشرٌ

وقال قومٌ بأنَّه اللهُ

یا صاحبَ الحشرِ والمعاد ومن

مولاه حکمَ العبادِ ولاّهُ

یا قاسم النار والجنان غداً

أنت ملاذُ الراجی ومنجاهُ

کیف یخافُ البرسیُّ حرَّ لظیً

وأنت عند الحسابِ غوثاهُ (1)

لا یختشی النارَ عبدُ حیدرةٍ

إذ لیس فی النارِ من تولاّهُ

وله فی مدح مولانا أمیر المؤمنین صلوات الله علیه قوله :

أَیّها اللائمُ دعنی

واستمع من وصف حالی

کلّما ازددتُ مدیحاً

فیه قالوا لا تغالِ

وإذا أبصرتُ فی الحقِ

یقیناً لا أُبالی

آیةُ اللهِ التی فی

وصفها القول حلا لی

کم إلی کم أیّها العا

ذل أکثرت جدالی

یا عذولی فی غرامی

خلّنی عنک وحالی

رُح إلی من هو ناجٍ (2)

واطّرحنی وضلالیی.

ص: 58


1- فی أعیان الشیعة : 6 / 467 : منجاه.
2- فی روضات الجنّات : 3 / 340 : رُح إذا ما کنت تأبی.

إنَّ حبِّی لوصیِّ ال

مصطفی عینُ الکمالِ (1)

هو زادی فی معادی

ومعاذی فی مآلی

وبه إکمالُ دینی

وبه ختمُ مقالی

ومن شعره یمدح أمیر المؤمنین سلام الله علیه قوله :

بأسمائِک الحسنی أُروِّحُ خاطری

إذا هبَّ من قدسِ الجلالِ نسیمُها

لئن سقمتْ نفسی فأنت طبیبُها

وإن شقیت یوماً فمنک نعیمُها

رضیت بأن ألقی القیامَة خائفاً

دماء نفوسٍ حاربتک جسومُها

أبا حسنٍ لو کان حبُّکَ مُدخلی

جحیماً لکان الفوزَ عندی جحیمُها

وکیف یخافُ النارَ من کان موقناً

بأنَّک مولاهُ وأنت قسیمُها

فوا عجباً من أمّةٍ کیف ترتجی

من اللهِ غفراناً وأنت خصیمُها

ووا عجباً إذ أخّرتک وقدّمت

سواکَ بلا جرمٍ وأنت زعیمُها

وقال فی مدح مولانا أبی السبطین سلام الله علیه :

تعالی علیٌّ فی الجلال فرائدٌ

یعودُ وفی کفّیهِ منه فرائدُ

وواردُ فضلٍ منه یصدر عزلها

تضیقُ بها منه اللها والأواردُ

تبارک موصولاً وبورک واصلاً

له صلةٌ فی کلِّ نفسٍ وعائدُ

روی فضلَه الحسّادُ من عظمِ شأنِه

وأعظمُ فضلٍ جاء یرویه حاسدُ

محبّوه أخفوا فضلَه خیفةَ الهدی

وأخفاه بغضاً حاسدٌ ومعاندُ

فشاعَ له ما بین ذین مناقبٌ

تجلُّ بأن تُحصی إذا عدَّ قاصدُ

إمامٌ له فی جبهةِ المجدِ أنجمٌ

علت فعلت إن یدنُ منهنَّ راصدُ (2)

لها الفرق من فرع السماک منابرٌ

وفی عنق الجوزاء منها قلائدُد.

ص: 59


1- وفی نسخة بدل : إنّ حبّی لعلیّ المرتضی عین الکمال. (المؤلف)
2- فی أعیان الشیعة والبابلیات ورد هذا الشطر هکذا : تعالت فلا یدنو إلیهن راصد.

مناقب إذ جلَّت جلت کلَّ کربةٍ

وطابت فطابت من شذاها المشاهدُ

إمامٌ یحارُ الفکرُ فیه فعابدٌ

له ومقرٌّ بالولاء وجاهدُ

إمامٌ مبینٌ کلَّ أُکرومةٍ حوی

بمدحتهِ التنزیلُ والذکرُ شاهدُ

علیه سلام الله ما ذکر اسمَهُ

محبٌّ وفی البرسیِّ ذلک خالدُ

وله فی سیّد العترة أمیر المؤمنین علیه وعلیهم السلام :

أبدیتَ یا رجب الغریبْ

فقیل یا رجب المرجَّبْ

أبدیت للسرِّ المصو

ن المضمر الخافی المغیَّبْ

وکشفتَ أستاراً وأس

- راراً عن الأشرارِ تُحجبْ

حلَّ الوری فإذا الظوا

هر فضّةٌ والبطنُ أسربْ

إلاّ قلیلاً من رجا

ل أصلهم زاکٍ مهذَّبْ

وکتبتَ ما بالنور منهُ

علی خدود الحور یکتبْ

فلذاک أضحی الناس قل

باً من قوی الجهل المرکّبْ

رجلٌ یحبُّ ومبغضٌ

قالٍ وحزب الله أغلبْ

وطویلُ أنفٍ إن رآ

نیَ مُقبلاً ولّی وقطّبْ

فی أُمِّه شکٌّ بلا

شکّ ولو صدقت لأنجبْ

یزورُّ إن سمع الحدی

إلی أمیر النحل یُنسبْ

وتراه إن کرّرت ذک

- ر فضائل الکرّار یغضبْ

وله رائیّة غرّاء رنّانة یمدح بها أمیر المؤمنین علیه السلام خمّسها ابن السبعی (1) نذکرها معه :

أعیت صفاتُکَ أهلَ الرأیِ والنظرِ

وأوردتْهم حیاضَ العجزِ والخطرِف)

ص: 60


1- العلاّمة الحجّة الشیخ فخر الدین أحمد بن محمد الأحسائی نزیل الهند والمتوفّی بها من تلمذة ابن المتوّج وقرناء ابن فهد الحلّی المتوفّی 841. (المؤلف)

أنت الذی دقَّ معناه لمعتبرِ

یا آیةَ اللهِ بل یا فتنةَ البشرِ

وحجّةَ اللهِ بل یا منتهی القَدَرِ

عن کشفِ معناه ذو الفکر الدقیقِ وَهنْ

وفیک ربُّ العلی أهلَ العقولِ فتنْ

أنَّی بحدِّکَ یا نورَ الإله فطنْ

یا من إلیه إشارات العقولِ ومنْ

فیه الألبّاءُ تحت العجزِ والخطرِ

ففی حدوثِکَ قومٌ فی هواک غووا

إن أبصروا منک أمراً معجزاً فغَلوا

حیّرتَ أذهانَهمْ یا ذا العلی فعَلوا

هیّمتَ أفکارَ ذی الأفکارِ حین رأوا

آیاتِ شأنِکَ فی الأیّامِ والعصرِ

أوضحتَ للناسِ أحکاماً محرَّفةً

کما أتیت أحادیثاً مصحّفةً

أنت المقدّمُ أسلافاً وسالفةً

یا أوّلاً آخراً نوراً ومعرفةً

یا ظاهراً باطناً فی العینِ والأثرِ

یا مطعمَ القرصِ للعافی الأسیرِ وما

ذاقَ الطعامَ وأمسی صائماً کرما

ومُرجع القرصِ إذ بحرُ الظلام طما

لک العبارةُ بالنطقِ البلیغِ کما

لک الإشارةُ فی الآیات والسورِ

أنوارُ فضلِک لا تطفی لهنَّ عدا

ممّا یکتّمه أهلُ الضلال بدا

تخالفت فیک أفکارُ الوری أبدا

کم خاض فیک أناس وانتهی فغدا

معناک محتجباً عن کلِّ مقتدرِ

لولاک ما اتّسقت للطُهرِ ملَّتُهُ

کلاّ ولا اتّضحت للناسِ شرعتُهُ

ولا انتفت عن أسیرِ الشکِّ شبهتُهُ

أنت الدلیلُ لمن حارتْ بصیرتُهُ

فی طیِّ مشتبکاتِ القولِ واعبرِ

أدرکت مرتبةً ما الوهمُ یدرکُها

وخضتَ من غمراتِ الحرب مهلکَها

مولای یا مالکَ الدینا وتارکَها

أنت السفینةُ مَن صِدقاً تمسّکَها

نجا ومن حادَ عنها خاض فی الشررِ

ص: 61

من نورِ فضلِکَ ذو الأفکارِ مقتبسُ

ومن معالمِ ربِّ العلمِ مختلسُ

لو لا بیانُکَ أمرُ الکلِّ ملتبسُ

فلیس قبلکَ للأفکارِ ملتمسُ

ولیس بعدک تحقیقٌ لمعتبرِ

جاءت بتأمیرِکَ الآیاتُ والصحفُ

فالبعضُ قد آمنوا والبعضُ قد وقفوا

لولاک ما اتّفقوا یوماً ولا اختلفوا

تفرّق الناس إلاّ فیک وائتلفوا

فالبعضُ فی جنّةٍ والبعضُ فی سقرِ

خیرُ الخلیقةِ قومٌ نهجَکَ اتَّبعتْ

وشرُّها من علی تنقیصِک اجتمعتْ

وفرقةٌ أوّلت جهلاً لما سمعتْ

فالناسُ فیک ثلاثٌ فرقةٌ رفعتْ

وفرقةٌ وقعت بالجهلِ والقذرِ

یا ویحَها فرقةً ما کان یمنعُها

لو أنَّها اتَّبعت ما کان ینفعُها

یا فرقةً غیُّها بالشوم موقِعُها

وفرقةٌ وقعتْ لا النورُ یرفعُها

ولا بصائرُها فیها بذی غورِ

بعظمِ شأنِک کلُّ الصحفِ تعترفُ

ومن علومِک ربُّ العلمِ یقترفُ

لولاک ما اصطلحوا یوماً وما اختلفوا

تصالحَ الناسُ إلاّ فیک واختلفوا

إلاّ علیک وهذا موضعُ الخطرِ

جاءت بتعظیمِکَ الآیاتُ والسورُ

فالبعضُ قد آمنوا والبعضُ قد کفروا

والبعض قد وقفوا جهلاً وما اختبروا

وکم أشاروا وکم أبدوا وکم ستروا

والحقّ یظهر من بادٍ ومستترِ

أقسمتُ بالله باری خلقِنا قسما

لولاک ما سمَکَ الله العلیُّ سما

یا من له اسمٌ بأعلی العرشِ قد رُسِما

أسماءک الغرُّ مثل النیّرات کما

صفاتک السبع کالأفلاک ذی الأکرِ

أنت العلیمُ إذا ربُّ العلومِ جهلْ

إذ کلُّ علمٍ فشا فی الناس عنک نقلْ

وأنت نجمُ الهدی تهدی لکلِّ مضلْ

وولدک الغرُّ کالأبراج فی فلک الْ

معنی وأنتَ مثالُ الشمسِ والقمرِ

ص: 62

أئمّةٌ سورُ القرآن قد نطقتْ

بفضلِهمْ وبهم طرقُ الهدی اتَّسقتْ

طوبی لنفسٍ بهم لا غیرهم وثقتْ

قومٌ هم الآلُ آلُ اللهِ من علقتْ

بهم یداه نجا من زلّة الخطرِ

علیهمُ محکمُ القرآنِ قد نزلا

مفصّلاً من معانی فضلهمْ جملا

هم الهداةُ فلا تبغی لهم بدلا

شطر الأمانة معراج النجاة إلی

أوجِ العلومِ وکم فی الشطرِ من غیرِ

بلطف سرِّک موسی فجّرَ الحجرا

وأنت صاحبُه إذ صاحبَ الخضرا

وفیک نوحٌ نجا والفُلْکُ فیه جری

یا سرَّ کلِّ نبیٍّ جاءَ مشتهرا

وسرَّ کلِّ نبیٍّ غیرِ مشتهرِ

یلومنی فیک ذو جهلٍ أخو سفهِ

ولا یضرُّ محقّا قولُ ذی شُبَهِ

ومن تنزَّه عن ندٍّ وعن شَبهِ

أُجلُّ وصفَکَ عن قدرٍ لمشتبهِ

وأنت فی العینِ مثلُ العینِ فی الصورِ

ولهُ قوله یمدح به أمیر المؤمنین علیه السلام :

یا منبعَ الأسرارِ یا

سرَّ المهیمن فی الممالکْ

یا قطبَ دائرةِ الوجو

د وعین منبعِهِ کذلکْ

والعینَ والسرَّ الذی

منه تلقّنتِ الملائکْ

ما لاح صبحٌ فی الدجی (1)

إلاّ وأسفرَ عن جمالکْ

یا ابن الأطایبِ والطوا

هرِ والفواطم والعواتِکْ

أنت الأمانُ من الردی

أنت النجاةُ من المهالکْ

أنت الصراطُ المستقی

م قسیمُ جنّاتِ الأرائکْ

والنارُ مفزعُها إلی

ک وأنت مالکُ أمرِ مالکْف)

ص: 63


1- ما لاح صبحٌ للهدی. کذا فی بعض النسخ. (المؤلف)

یا من تجلّی بالجمالِ

فشقَّ بردةَ کلِّ حالکْ

صلّی علیکَ اللهُ من

هادٍ إلی خیرِ المسالکْ

والحافظ البرسیّ لا

یخشی وأنت له هنالکْ

وله أبیات فی أهل البیت خمّسها الشاعر المفلق الشیخ أحمد بن الحسن النحوی نذکرها مع تخمیسها :

ولائی لآلِ المصطفی وبنیهمُ

وعترتهم أزکی الوری وذَویهمُ

بهم سمةٌ من جدِّهم وأبیهمُ

همُ القومُ أنوارُ النبوّةِ فیهمُ

تلوحُ وآثارُ الإمامةِ تُلمَحُ

نجومُ سماءِ المجدِ أقمارُ تمِّهِ

معالمُ دینِ اللهِ أطوادُ حلمهِ

منازلُ ذکرِ اللهِ حکّامُ حکمهِ

مهابطُ وحیِ اللهِ خزّانُ علمهِ

وعندهمُ سرُّ المهیمن مودعُ

مدیحُهمُ فی محکمِ الذکرِ محکمُ

وعندَهمُ ما قد تلقّاه آدمُ

فدَع حکمَ باقی الناسِ فهو تحکّمُ

إذا جلسوا للحکم فالکلُّ أبکمُ

وإن نطقوا فالدهرُ أُذنٌ ومسمعُ

بحبِّهمُ طاعاتُنا تُتَقبّلُ

وفی فضلِهمْ جاءَ الکتابُ المنزَّلُ

یعمُّ شذاهمُ کلَّ أرضٍ ویشملُ

وإن ذکروا فالکون نَدٌّ ومندلُ (1)

لهم أرجٌ من طیبهم یتضوعُ

دعا بهمُ موسی ففُرِّجَ کربُهُ

وکلّمه من جانب الطور ربُّهُ

إذا حاولوا أمراً تسهّلَ صعبُهُ

وإن برزوا فالدهرُ یخفقُ قلبُهُ

لسطوتِهمْ والأُسدُ فی الغابِ تفزعُ

فلولاهمُ ما سار فلکٌ ولا جری

ولا ذرأَ اللهُ الأنامَ ولا براف)

ص: 64


1- الندّ بفتح المعجمة وکسرها : عود یُتبخّر به. المندل : العود الطیّب الرائحة. (المؤلف)

کرامٌ متی مازرتهم عجّلوا القِری

وإن ذُکر المعروفُ والجودُ فی الوری

فبحرُ نداهم زاخرٌ یتدفَّعُ

أبوهم أخو المختار طه ونفسُهُ

وهم فرعُ دوحٍ فی الجلالةِ غرسُهُ

وأُمّهمُ الزهراءُ فاطمُ عرسُهُ

أبوهم سماءُ المجدِ والأُمُّ شمسُهُ

نجومٌ لها برجُ الجلالةِ مطلعُ

لهم نسبٌ أضحی بأحمدَ مُعرِقا

رقا منه للعلیاءِ أبعدَ مرتقی

وزادهمُ من رونقِ القدسِ رونقا

فیا نسباً کالشمسِ أبیضَ مشرقا

ویا شرفاً من هامةِ النجمِ أرفعُ

کرامٌ نماهم طاهرٌ متطهِّرُ

وبُثَّ بهم من أحمد الطهرِ عنصرُ

وأُمُّهمُ الزهراءُ والأبُ حیدرُ

فمن مثلُهم فی الناس إن عُدّ مفخرُ

أعد نظراً یا صاح إن کنت تسمعُ

علیٌّ أمیرُ المؤمنین أمیرُهمْ

وشُبّرُهمْ أصلُ التُقی وشبیرُهمْ

بَهالیلُ صوّامون فاحَ عبیرُهمْ

میامینُ قوّامون عزَّ نظیرُهمْ

هداةٌ ولاةٌ للرسالةِ منبعُ

مناجیبُ ظلُّ اللهِ فی الأرضِ ظلُّهمْ

وهم معدنٌ للعلم والفضلِ کلُّهمْ

وفضلهمُ أحیا البرایا وبذلهمْ

فلا فضلَ إلاّ حین یُذکر فضلُهمْ

ولا علم إلاّ علمُهم حین یرفعُ

إلیهم یفرُّ الخاطئون بذنبهمْ

وهم شفعاءُ المذنبین لربِّهمْ

فلا طاعةٌ ترضی لغیرِ محبّهمْ

ولا عملٌ ینجی غداً غیرُ حبِّهم

إذا قام یومُ البعثِ للخلقِ مجمعُ

حلفتُ بمن قد أمّ مکّةَ وافدا

لقد خابَ من قد کان للآلِ جاحدا

ولو أنّه قد قطّع العمرَ ساجدا

ولو أنَّ عبداً جاء للهِ عابدا

بغیرِ ولا أهلِ العبا لیس ینفعُ

ص: 65

بنی أحمدٍ مالی سواکم أری غدا

إذا جئتُ فی قیدِ الذنوبِ مقیَّدا

أُنادیکمُ یا خیرَ من سمعَ الندا

أیا عترةَ المختارِ یا رایةَ الهدی

إلیکم غداً فی موقفی أتطلّعُ

فو الله لا أخشی من النارِ فی غدِ

وأنتم وُلاةُ الأمرِ یا آلَ أحمدِ

وها أنا قد أدعوکمُ رافعاً یدی

خذوا بیدی یا آلَ بیتِ محمدِ

فمن غیرُکم یوم القیامة یشفعُ

وهذه القصیدة خمّسها الشیخ هادی المتوفّی (1235) ، ابن الشیخ أحمد النحوی المخمِّس المذکور أوّل تخمیسه :

بنو أحمدٍ قد فاز من یرتضیهمُ

أئمّةُ حقٍّ للنجا یرتضیهمُ

وطوبی لمن فی هدیه یقتضیهمُ

همُ القومُ أنوارُ النبوّةِ فیهمُ

تلوح وآثارُ الإمامة تلمعُ

وله فی العترة الطاهرة صلوات الله علیهم قوله :

فرضی ونفلی وحدیثی أنتمُ

وکلُّ کلّی منکمُ وعنکمُ

وأنتمُ عندَ الصلاةِ قبلتی

إذا وقفتُ نحوکم أُیمّمُ

خیالُکم نصبٌ لعینی أبداً

وحبُّکم فی خاطری مخیِّمُ

یا سادتی وقادتی أعتابکم

بجفنِ عینی لثراها ألثمُ

وقفاً علی حدیثِکم ومدحِکم

جعلتُ عمری فاقبلوه وارحموا

مُنّوا علی الحافظ من فضلِکمْ

واستنقذوه فی غدٍ وأنعموا

وله فی أهل البیت الطاهر سلام الله علیهم قوله :

یا آل طه أنتمُ أملی

وعلیکمُ فی البعث متّکلی

إن ضاق بی ذنبٌ فحبُّکمُ

یوم الحساب هناک یوسع لی

ص: 66

بولائکم وبطیبِ مَدحِکمُ

أرجو الرضا والعفوَ عن زللی

رجبُ المحدّثُ عبد عبدِکمُ

والحافظ البرسیّ لم یزلِ

لا یختشی فی الحشرِ حرَّ لظی

إذ سیِّداه محمدٌ وعلی

سیثقلان وزان صالحه

ویُبیِّضان صحیفة العملِ

لم ینشعبْ فیکون منطلقاً

من ضلّةٍ للشعبِ ذی الظللِ

وله مسمِّطاً فیهم صلوات الله علیهم قوله :

سرُّکمُ لا تنالُه الفِکَرُ

وأمرُکُم فی الوری خطرُ

مستصعبٌ فکُّ رمزِه خطرُ

ووصفُکم لا یطیقُه البشرُ

ومدحُکم شرُفت به السورُ

وجودُکم للوجودِ علّتُه

ونورُکم للظُهورِ آیتُه

وأنتمُ للوجودِ قبلتُه

وحبُّکم للمحبِّ کعبتُه

یسعی بها طائفاً ویعتمرُ

لولاکمُ ما استدارت الأکرُ

ولا استنارت شمسٌ ولا قمرُ

ولا تدلّی غصنٌ ولا ثمرُ

ولا تندّی ورقٌ ولا خضرُ

ولا سری بارقٌ ولا مطرُ

عندکمُ فی الإیابِ مجمعُنا

وأنتمُ فی الحسابِ مفزعُنا

وقولُکم فی الصراطِ مرجعُنا

وحبُّکم فی النشورِ ینفعُنا

به ذنوبُ المحبِّ تُغتفرُ

یا سادةً قد زکت معارفهمْ

وطاب أصلاً وساد عارفُهمْ

وخاف فی بعثِه مخالفهمْ

إن یختبرْ للوری صیارفُهمْ

فأصلُهم بالولاءِ یُختبرُ

أنتم رجائی وحبُّکم أملی

علیه یوم المعاد متَّکلی

ص: 67

فکیف یخشی حرَّ السعیر ولی

وشافعاه محمدٌ وعلی

أو یعتریه من شرِّها شررٌ

عبدُکمُ الحافظُ الفقیرُ علی

أعتابِ أبوابِکمْ یروم فلا

تخیّبوه یا سادتی أملا

وأقسموه یوم المعاد إلی

ظلٍّ ظلیلٍ نسیمُه عَطرُ

صلّی علیکم ربُّ السماء کما

أصفاکمُ واصطفاکمُ کرما

وزاد عبداً والاکمُ نعما

ما غرّد الطیر فی الغصونِ وما

ناح حمامٌ وأورق الشجرُ

وله فی العترة الطاهرة وسیّدهم صلوات الله علیه وعلیهم قوله :

إذا رمتَ یومَ البعثِ تنجو من اللظی

وَیُقبلُ منک الدینُ والفرضُ والسننْ

فوالِ علیّا والأئمّةَ بعدَه

نجومَ الهدی تنجو من الضیقِ والمحنْ

فهم عترةٌ قد فوّضَ اللهُ أمرَه

إلیهم لما قد خصّهم منه بالمننْ

أئمّةُ حقٍّ أوجبَ اللهُ حقَّهمْ

وطاعتُهم فرضٌ بها الخلقُ تمتحنْ

نصحتُکَ أن ترتاب فیهم فتنثنی

إلی غیرهم من غیرهم فی الأنام منْ

فحبُّ علیٍّ عدّةٌ لولیِّه

یلاقیه عند الموتِ والقبر والکفنْ

کذلک یومَ البعثِ لم ینجُ قادمٌ

من النارِ إلاّ من تولّی أبا الحسنْ

وله فی رثاء الإمام السبط الشهید صلوات الله علیه قوله :

یمیناً بنا حادی السری إن بدت نجدُ

یمیناً فللعانی العلیل بها نجدُ

وعُج فعسی من لاعجِ الشوقِ یشتفی

غریمُ غرامٍ حشوُ أحشائِه وقدُ

وسر بی لسربٍ فیه سربُ جآذر

لسربیَ من جهد العهاد بهم عهدُ

ومُر بی بلیلٍ فی بَلیلِ عراصها

لأروی بریّا تربةٍ تربُها نَدُّ

وقف بی أُنادی وادیَ الأیکِ علّنی

هناک أری ذاک المساعدَ یا سعدُ

ص: 68

فبالربع لی من عهد جَیرون جیرةٌ

یُجیرون إن جارَ الزمانُ إذا استعدوا

همُ الأهلُ إلاّ أنَّهم لی أهلّةٌ

سوی أنَّهم قصدی وأنّی لهم عبدُ

عزیزون رُبعُ العمر فی ربعِ عزِّهمْ

تقضّی ولا روعٌ عرانی ولا جهدُ

وربعیَ مُخضرٌّ وعیشیَ مُخضِلُ

ووجهیَ مُبیضٌّ وفودی مُسودُّ

وشملیَ مَشمولٌ وبُردُ شبیبتی

قشیبٌ وبردُ العیش ما شانه نکدُ

معالمُ کالأعلامِ معلمةُ الربی

فأنهارُها تجری وأطیارها تشدو

طوت حادثات الدهر منشور حسنها

کما رسمت فی رسمها شمألٌ تغدو

وأضحت تجرُّ الحادثاتُ ذیولَها

علیه ولا دَعدٌ هناک ولا هِندُ

ولا غروَ إن جارت ومارت صروفها

وغارت وأغرت واعتدت واغتدت تشدو

فقد غدرتْ قِدماً بآل محمدٍ

وطاف علیهم بالطفوفِ لها جندُ

وجاشت بجیشٍ جاش طامٍ عرمرمٍ

خمیسٍ لهامٍ حامَ یحمومه أسدُ (1)

وعمّت بأشرارٍ عن الرشدِ قد عَموا

وهل یسمع الصمُّ الدعاءَ إذا صدّوا

فیا أمّةً قد أدبرتْ حین أقبلتْ

فرافقَها نحسٌ وفارقَها سعدُ

أبت إذ أتت تنأی وتنهی عن النهی

وولّت وألوتْ حین مال بها الجدُّ

سرت وسرت بغیاً وسرّت بِغیِّها

بغیّا دعاها إذ عداها به الرشدُ

عصابة عصبٍ (2) أوسعت إذ سعت إلی

خطاء خطاها والشقاءُ بها یحدو

أثاروا وثاروا ثارَ بدرٍ وبادروا

لحربِ بُدورٍ من سناها لهم رشدُ

بغت فبغت عمداً قتالَ عمیدِها

صدورُ طغاةِ فی الصدورِ لها حقدُف)

ص: 69


1- طام من طمی یطمی الفرس : أی أسرع. ویقال : البحر الطامی : أی الغزیر. العرمرم : الجیش الکثیر. الخمیس : الجیش ذو الخمس فرق : المقدمة ، القلب ، المیمنة ، المیسرة ، الساقة. اللهام : الجیش العظیم. حام : أی دار به. الیحموم : اسم فرس الإمام السبط الحسین علیه السلام ، وفرس هشام ابن عبد الملک ، وفرس حسّان الطائی ، وفرس النعمان بن المنذر. (المؤلف)
2- العصابة : الجماعة من الرجال أو الخیل. العصب : الطی واللی ، والقبض علی الشیء. (المؤلف)

وساروا یسنّون العنادَ وقد نسوا ال

معادَ فهم من قومِ عادٍ إذا عُدّوا

فیا قلبُ قلب الدینِ فی یوم أقبلوا

إلی قتلِ مأمولٍ هو العَلَمُ الفردُ

فرکنَ الهدی هدّوا وقدَّ العلی قدّوا

وأزرَ الهوی شدّوا ونهجَ التقی سدّوا

کأنِّی بمولای الحسینِ ورهطِهِ

حیاری ولا عونٌ هناک ولا عضدُ

بکربِ البلا فی کربلاء وقد رُمی

بعادٍ وشطّت دارُهمْ وسطتْ جندُ

وقد حدقتْ عینُ الردی حین أحدقت (1)

عتاةُ عداةٍ لیس یُحصی لهم عدُّ

وقد أصبحوا حِلاّ لهم حین أصبحوا

حُلولاً ولا حَلٌّ لدیهم ولا عقدُ

فنادی ونادی الموتُ بالخطب خاطب

وطیر الفنا یشدو وحادی الردی یحدو

یسائلهم هل تعرفونی مسائلاً

وسائل دمع العین سالَ به الخدُّ

فقالوا نعم أنت الحسین بن فاطمٍ

وجدّک خیر المرسلین إذا عُدّوا

وأنت سلیل المجد کهلاً ویافعاً

إلیک إذا عُدّ العلی ینتهی المجدُ

فقال لهم إذ تعلمون فما الذی

دعاکم إلی قتلی فما عن دمی بُدُّ

فقالوا إذا رمتَ النجاة من الردی

فبایع یزیداً إنَّ ذاک هو القصدُ

وإلاّ فهذا الموت عبّ عبابه (2)

فخض ظامیاً فیه تروحُ ولا تغدو

فقال ألا بُعداً بما جئتمُ به

ومن دونه بیضٌ وخطِّیةٌ مَلدُ (3)

فضربٌ لهشمِ الهامِ تتری بنظمِه

فمن عقدِه حَلٌّ وفی حلِّه عقدُ

فهل سیّدٌ قد شیّدَ الفخرُ بیتَهُ

حذارَ الردی یشقی لعبدٍ له عبدُ

وما عذرُ لیثٍ یرهبُ الموتُ بأسَهُ

یذلُّ ویضحی السید یرهبه الأُسدُ

إذا سام منّا الدهرُ یوماً مذلّةً

فهیهات یأبی ربُّنا وله الحمدُ

وتأبی نفوسٌ طاهراتٌ وسادةٌ

مواضیهمُ هامُ الکماةِ لها غمدُف)

ص: 70


1- حدق : فتح عینیه وطرف بهما. أحدقت : أحاطت. (المؤلف)
2- عبّ عبابه : کثر موجه وارتفع. (المؤلف)
3- الملد - بالفتح - : الناعم اللیّن. (المؤلف)

لها الدمُ وردٌ والنفوسُ قنائصٌ

لها القَدم قِدمٌ والنفوس لها جندُ (1)

لیوثُ وغیً ظِلُّ الرماح مقیلُها

مغاویرُ طعمُ الموتِ عندهمُ شهدُ (2)

حماةٌ عن الأشبالِ یومَ کریهةٍ

بدور دجیً سادوا الکهولَ وهم مُردُ

إذا افتخروا فی الناس عزَّ نظیرُهم

ملوکٌ علی أعتابِهم یسجدُ المجدُ

أیادی عطاهم لا تُطاوَلُ فی الندی

وأیدی علاهم لا یطاقُ لها ردُّ

مَطاعیمُ للعافی مَطاعینُ فی الوغی

مُطاعینَ (3) إن قالوا لهم حججٌ

لُدُّ (4)

مفاتیح للداعی مصابیح للهدی

معالیمُ للساری بها یهتدی النجدُ (5)

نزیلهمُ حرمٌ مُنازلهم لقیً

مَنازلهمْ أمنٌ بهم یُبلَغُ القصدُ

فضائلُهمْ جلّتْ فواضلُهمْ جلتْ

مدائحُهمْ شهدٌ منائحهمْ نَدُّ (6)

مَرابعُهم تسقی مُرابعُهم تُلقی

مُطالعُهم یُکفی مَطالعهم سعدُ

کرامٌ إذا عافٍ عفی منه معهدٌ

وصَوّحَ من خضرائِه السَّبط والجَعدُ (7)

وآملُهم راجٍ وأمَّ لهم رجاً

وحلَّ بنادیهم أحلّ له الرفدُ

زکوا فی الوری أُمّا وجدّا ووالداً

وطابوا فطاب الأُمُّ والأب والجدُّ

بأسمائِهم یُستجلب البرُّ والرضا

بذکرِهمُ یُستدفعُ الضرُّ والجهدُف)

ص: 71


1- الورد : الماء الذی یورد. قنائص : الصیود. القدم بفتح القاف : الشرف القدیم. القدم بکسر القاف : الزمان القدیم. (المؤلف)
2- الوغی : الحرب. المقیل : موضع النوم والراحة. مغاویر جمع المغوار : کثیر الغارة. (المؤلف)
3- کذا فی أعیان الشیعة أیضاً ، فإن کان جمعاً سالماً ل (مُطاع) فهو منصوب بالیاء ، ولا أری وجهاً لنصبه ، وإن کان جمعاً ل (مطعان) فهو مرفوع بالضمة معطوف علی (مطاعین) قبله.
4- لُدّ بضم اللام جمع الألد : الخصم الشدید الخصومة. (المؤلف)
5- النجد : الدلیل الماهر. (المؤلف)
6- الند - بفتح النون وکسرها - عود یُتبخّر به. (المؤلف)
7- العافی : الوارد ، الضیف ، کلّ طالب فضل أو رزق. عفی : درس وبلی. صوّح : جفف یبس. السبط : ضدّ الجعد. الجعد : القبض خلاف المسترسل. (المؤلف)

ومال إلی فتیانهِ ورجالِه

یقول لقد طاب الممات ألا اشتدّوا

فسارَ لأخذِ الثارِ کلُّ شمردلٍ

إذا هاج قدحٌ للهیاج له زندُ (1)

وکلُّ کمیٍّ أریحیٍّ غشمشمٍ (2)

تجمّعَ فیه الفضلُ وانعدمَ الضدُّ

إذا ما غدا یوم الندا أسر العدی

ولمّا بدا یوم الندی أُطلق الوعدُ

لیوثُ نزالٍ بل غیوثٌ نوازلٌ

سراةٌ کأُسدِ الغابِ لا بل هم الأُسدُ

إذا طُلبوا راموا وإن طَلبوا رموا

وإن ضُربوا صَدّوا وإن ضَربوا قدّوا (3)

فوارس أُسد الغیل منها فرائسٌ

وفتیان صدقٍ شأنها الطعن والطردُ

وجوهُهُمُ بیضٌ وخضرٌ ربُوعهمْ

وبیضُهمُ (4) حمرٌ إذا النقعُ

مُسودُّ

إذا ما دُعوا یوماً لدفعِ مُلمّةٍ

غدا الموتُ طوعاً والقضاءُ هو العبدُ

بها کلُّ ندبٍ یسبق الطرفَ طِرفُه

جوادٌ علی ظهرِ الجوادِ له أفدُ (5)

کأنّهمُ نبتُ الربی فی سروجِهمْ

لشدّة حزمٍ لا بحُزمٍ لها شُدّوا (6)

لباسُهمُ نسجُ الحدیدِ إذا بدوا

جبالاً وأقیالاً تقلُّهمُ الجردُ (7)

إذا لبسوا فوقَ الدروعِ قلوبَهمْ

وصالوا فَحرُّ الکرِّ عندهمُ بَردُف)

ص: 72


1- الشمردل بالمهملة والشمرذل بالمعجمة : الفتیّ السریع من الإبل وغیره. هاج : ثار وتحرک. القدح : الفولاذة التی تقدح بها النار. الهیاج : الحرب. زند النار : قدحها وأخرجها من الزند. (المؤلف)
2- الکمیّ : الشجاع أو لابس السلاح. الغشمشم : المغشّم وهو الشجاع الذی یرکب رأسه فلا یثنیه شیء عمّا یرید. (المؤلف)
3- فی أعیان الشیعة : وإن ضربوا جدّوا.
4- البیض : السیوف.
5- الندب : السریع إلی الفضائل ، الظریف النجیب. الطرف بکسر المهملة مرّ [ الکریم الطرفین ، الأب والأم ] : ص 16. الأفد : العجلة والسرعة. (المؤلف)
6- الربی جمع الربوة : ما ارتفع من الأرض. الحزم بفتح المهملة : ضبط الأمر. الحزم بضم الأوّل والثانی جمع الحزام بالکسر : ما یشدّ به وسط الدابّة. (المؤلف)
7- أقیال جمع القیل : الرئیس. تقلّهم من قلّ الشیء قلاّ : أی حمله. وقلّه عن الأرض : رفعه. الجرد ؛ جمع الأجرد : السبّاق من الخیل. (المؤلف)

یخوضون تیّارَ الحِمام ظوامیاً

وبحرُ المنایا بالمنایا لها مدُّ

یرون المنایا نیلُها غایةُ المنی

إذا استشهدوا مُرُّ الردی عندهم شَهدُ

إذا فُلّلتْ أسیافُهمْ فی کریهةٍ

غدا فی رءوسِ الدارعین لها حَدُّ

فمن أبیضٍ یلقی الأعادی بأبیضٍ

ومن أسمرٍ فی کفّه أسمرٌ صلدُ

یذبّون عن سبط النبی محمدٍ

وقد ثارَ عالی النقعِ واصطخب الوقدُ

یُخال بَریقُ البیضِ برقاً سجالُه ال

دماءُ وأصواتُ الکماةِ لها رعدُ

إلی أن تدانی العمرُ واقترب الردی

وشأنُ اللیالی لا یدومُ لها عهدُ

أعدّوا نفوساً للفناء وما اعتدوا

فطوبی لهم نالوا البقاءَ بما عَدّوا

أحلّوا جسوماً للمواضی وأحرموا

فحلّوا جنانَ الخلدِ فیها لهم خلدُ

أمامَ الإمامِ السبطِ جادوا بأنفسٍ

بها دونه جادوا وفی نصرِهِ جدّوا

شروا عندما باعوا نفوساً نفائساً

ففی هجرِها وصلٌ وفی وصلِها نقدُ

قضوا إذ قضوا حقَّ الحسینِ وفارقوا

وما فرّقوا بل وافقوا السعدَ یا سعدُ

فلمّا رأی المولی الحسینُ رجالَه

وفتیانَه صرعی وشادی الردی یشدو

غدا طالباً للموتِ کاللیثِ مغضباً

یُحامی عن الأشبالِ یشتدُّ إن شدّوا

وإن جمعوا سبعین ألفاً لقتلِه

فیحملُ فیهم وهو بینهمُ فردُ

إذا کرَّ فرّوا من جریحٍ وواقعٍ

ذبیحٍ ومهزومٍ به طوّح الهدُّ (1)

ینادی ألا یا عصبةً عصت الهدی

وخانت فلم یُرعَ الذمامُ ولا العهدُ

فبعداً لکم یا شیعةَ الغدرِ إنَّکمْ

کفرتم فلا قلبٌ یلین ولا وُدُّ

ولایتنا فرضٌ علی کلِّ مسلمٍ

وعصیانُنا کفرٌ وطاعتنا رشدُ

فهل خائفٌ یرجو النجاةَ بنصرنا

ویخشی إذا اشتدّت سعیرٌ لها وَقدُ

ویرنو لنحوِ الماء یشتاقُ وردَه

إذا ما مضی یبغی الورودَ له رَدُّ

فیحملُ فیهم حملةً علویّةً

بها للعوالی فی أعالی العدی قصدُف)

ص: 73


1- طوّح به : حمله علی رکوب المهالک وقذفه. الهدّ : الکسر ، الصوت الغلیظ. (المؤلف)

کفعلِ أبیه حیدرٍ یومَ خیبرٍ

کذلک فی بدرٍ ومن بعدِها أُحدُ

إذا ما هوی فی لبّةِ اللیثِ عضبُه

فمن نحرِه بحرٌ ومن جزرِه مَدُّ

وعادَ إلی أطفالهِ وعیاله

وغربُ المنایا لا یُفلُّ لها حَدُّ (1)

یقول علیکنَّ السلام مودِّعاً

فها قد تناهی العمر واقترب الوعدُ

ألا فاسمعی یا أُخت إن مسّنی الردی

فلا تلطمی وجهاً ولا یُخمش الخدُّ

وإن برحت فیک الخطوبُ بمصرعی

وجلَّ لدیک الحزنُ والثکلُ والفقدُ

فأرضی بما یرضی إلهکِ واصبری

فما ضاع أجرُ الصابرین ولا الوعدُ

وأوصیکِ بالسجّاد خیراً فإنَّه

إمامُ الهدی بعدی له الأمرُ والعهدُ

فضجَّ عیالُ المصطفی وتعلّقوا

به واستغاثَ الأهلُ بالندبِ والولدُ

فقالَ وکربُ الموتِ یعلو کأنَّه

رکامٌ ومن عظمِ الظما انقطع الجهدُ (2)

ألا قد دنا الترحالُ فاللهُ حسبُکمْ

وخیرُ حسیبٍ للوری الصمَدُ الفردُ

وعاد إلی حربِ الطغاةِ مجاهداً

وللبیضِ والخرصانِ فی قَدِّه قَدُّ

إلی أن غدا مُلقیً علی الترب عاریاً

یُصافح منه إذ ثوی للثری خدُّ

وشمّر شِمرُ الذیلَ فی حزّ رأسه

ألا قُطعتْ منه الأناملُ والزندُ

فوا حزنَ قلبی للکریمِ علا علی

سِنانِ سنانٍ والخیولُ لها وَخدُ (3)

تزلزلت السبعُ الطباقُ لفقدِهِ

وکادت لهُ شمُّ الشماریخِ تنهدُّ (4)ف)

ص: 74


1- الغرب یوصف به السیف أی قاطع حدید. المنایا جمع المنیة : الموت. الفلّ : الثلمة فی حدّ السیف. الحدّ من السیف : مقطعه. (المؤلف)
2- الرکام : المتراکم بعضه فوق بعض. الجهد : الطاقة. (المؤلف)
3- الوخد من وخد البعیر : أی أسرع وصار یرمی بقوائمه کالنعام. وهذا البیت فی نسخة : فوا لهفَ نفسی للمحیا علا علی سنانِ سنانٍ والخیولُ به تعدو (المؤلف)
4- الشمراخ : رأس الجبل. تنهدّ : تقع وتنهدم. الأوصاب جمع الوصب : المرض والوجع الدائم ونحول الجسم. (المؤلف)

وأرجف عرشُ اللهِ من ذاک خیفةً

وضجّت له الأملاکُ وانفجرَ الصلدُ

وناحت علیه الطیرُ والوحشُ وحشةً

وللجنِّ إذ جنَّ الظلامُ به وَجدُ

وشمسُ الضحی أمستْ علیه علیلةً

علاها اصفرارٌ إذ تروحُ وإذ تغدو

فیا لک مقتولاً بکته السما دماً

وثُلّ سریرُ العزِّ وانهدمَ المجدُ

شهیداً غریباً نازحَ الدارِ ظامیاً

ذبیحاً ومن قانی الوریدِ له وردُ

بروحی قتیلاً غسله من دمائِهِ

سلیباً ومن سافی الریاح له بُردُ

ترضُّ خیولُ الشرکِ بالحقدِ صدرَه

وترضخ منه الجسم فی رکضها جردُ (1)

ومذ راحَ لمّا راحَ للأهلِ مهرُه

خلیّا یخدُّ الأرضَ بالوجهِ إذ یعدو

برزن حیاری نادباتٍ بذلّةٍ

وقلبٍ غدا من فارطِ الحزن ینقدُّ

فحاسرةٌ بالردنِ تستر وجهَها

وبرقعُها وَقدٌ ومدمعُها رفدُ

ومن ذاهلٍ لم تدرِ أین مُعزُّها

تضیقُ علیها الأرضُ والطرقُ تنسدُّ

وزینب حسری تندبُ الندبَ عندها

من الحزنِ أوصابٌ یضیق بها العدُّ

تنادی أخی یا واحدی وذخیرتی

وعونی وغوثی والمؤمّلُ والقصدُ

ربیعَ الیتامی یا حسینُ وکافلُ ال

أیامی رمانا بعد بُعدکم البعدُ

أخی بعد ذاک الصونِ والخدرِ والخبا

یُعالجنا علجٌ ویسلبُنا وَغدُ

بناتک یا ابن الطهر طه حواسرٌ

ورحلُکَ منهوبٌ تقاسمه الجندُ

لقد خابتِ الآمالُ وانقطع الرجا

بموتک مات العلمُ والدینُ والزهدُ

وأضحت ثغورُ الکفرِ تبسمُ فرحةً

وعینُ العلی ینخدُّ من سحِّها الخدُّ (2)

وصوّح نبتُ الفضلِ بعد اخضرارِه

وأصبح بدرُ التمِّ قد ضمّه اللحدُ

تُجاذبنا أیدی العدا فضلةَ الرِّدا

کأن لم یکن خیر الأنام لنا جَدُّ

فأین حصونی والأُسود الأُلی بهمْ

یُصالُ علی ریبِ الزمان إذا یعدوف)

ص: 75


1- الرضّ : الدقّ والجرش. الرضخ : الکسر. الجرد ، راجع : ص 24. (المؤلف)
2- ینخدّ : ینشقّ. السحُّ : الصبّ المتتابع الغزیر. (المؤلف)

إذا غربت یا ابن النبیِّ بدورُکمْ

فلا طلعتْ شمسٌ ولا حلّها سعدُ

ولا سحبت سحبٌ ذیولاً علی الربی

ولا ضحکَ النوّارُ وانبعق الرعدُ (1)

وساروا بآلِ المصطفی وعیالِهِ

حیاری ولم یُخش الوعیدُ ولا الوعدُ

وتطوی المطایا الأرض سیراً إذا سرت

تجوبُ بعید البیدِ فیها لها وَخدُ

تأمُّ یزیداً نجل هندٍ إمامَها

ألا لُعنت هندٌ وما نجلت هندُ

فیا لکَ من رزءٍ عظیمٍ مصابُه

یُشقُّ الحشا منه ویُلتدمُ الخدُّ

أیُقتل ظمآناً حسینٌ بکربلا

ومن نحرِه البیضُ الصقالُ لها وردُ

وتضحی کریماتُ الحسینِ حواسراً

یلاحظُها فی سیرِها الحرُّ والعبدُ

فلیس لأخذ الثارِ إلاّ خلیفةٌ

هو الخلفُ المأمولُ والعَلمُ الفردُ

هو القائم المهدیُّ والسیّد الذی

إذا سار أملاکُ السماءِ له جُندُ

یُشیِّد رکنَ الدین عند ظهورِهِ

علوّا ورکنُ الشرکِ والکفرِ ینهدُّ

وغصنُ الهدی یضحی وریقاً ونبته

أنیقاً وداعی الحقِّ لیس له ضدُّ

لعلَّ العیونَ الرمدَ تحظی بنظرةٍ

إلیه فتجلی عندها الأعینُ الرمدُ

إلیک انتهی سرُّ النبیّین کلِّهمْ

وأنت ختامُ الأوصیاءِ إذا عُدّوا

بنی الوحی یا أُمَّ الکتابِ ومن لهم

مناقبُ لا تحصی وإن کثر العدُّ

إلیکم عروساً زفّها الحزنُ ثاکلاً

تنوحُ إذا الصبُّ الحزینُ بها یشدو

لها عبرةٌ فی عشرِ عاشورَ أرسلت

إذا أنشدتْ حادی الدموع بها تحدو

رجا (رجبٌ) رَحب المقام بها غداً

إذا ما أتی والحشرُ ضاقَ به الحشدُ

بذلت اجتهادی فی مدیحِکمُ وما

قدارُ مدیحی بعد أن مَدح الحمدُ

ولی فیکمُ نظمٌ ونثرٌ غَناؤه

فقیرٌ وهذا جهد من لا له جهدُ

مصابی وصوبُ الدمع فیکم مجدّد

وصبری وسلوانی به أخلق الجهدُف)

ص: 76


1- سحبت ، من السحب : الجرّ علی وجه الأرض. النوار : الزهر أو الأبیض منه. انبعق : انبعج المطر. (المؤلف)

تذکّرنی یا ابن النبیِّ غداً إذا

غدا کلُّ مولیً یستجیر به العبدُ

فأنتم نصیبُ المادحین وإنَّنی

مدحتُ وفیکم فی غدٍ یُنجَزُ الوعدُ

إذا أصبح الراجی نزیلَ ربوعِکمْ

فقد نجحتْ منه المطالبُ والقصدُ

فإن مالَ عنکم یا بنی الفضلِ راغبٌ

یظلُّ ویضحی عند من لا له عندُ

فیا عدّتی فی شدّتی یوم بعثتی

بکم غلّتی من عِلّتی حرُّها بردُ

عُبَیدکُمُ (البرسیُّ) مولی فخارِکم

کفاه فخاراً أنَّه لکمُ عبدُ

علیکم سلامُ الله ما سکبَ الحیا

دموعاً علی روضٍ وفاح لها نَدُّ

وله فی رثاء الإمام السبط الشهید صلوات الله علیه قوله :

دمعٌ یبدّده مقیمٌ نازحُ

ودمٌ یبدِّده مقیمٌ نازحُ

والعین إن أمست بدمعٍ فجّرتْ

فجرت ینابیعٌ هناک موانحُ

أظهرت مکنونَ الشجون فکلّما

شجّ الأمون سجا الحَرون الجامحُ (1)

وعلیَّ قد جعل الأسی تجدیده

وقفاً یُضاف إلی الرحیبِ الفاسحُ

وشهود ذلِّی مع غریم صبابتی

کتبوا غرامی والسقام الشارحُ

أوهی اصطباری مطلقٌ ومقیّدٌ

غربٌ وقلبٌ بالکآبة بائحُ (2)

فالجفنُ منسجمٌ غریقٌ سائحٌ

والقلبُ مضطرم حریقٌ قادحُ

والخدُّ خدّده طلیقٌ فاترٌ

والوجدُ جدّده مُجدٌّ مازحُ

أصبحتُ تخفضنی الهمومُ بنصبِها

والجسمُ مُعتلٌّ مثالٌ لائحُ

حلّتْ له حلل النحولِ فبردُهُ

بُرد الذبولِ تحلُّ فیه صفائحُ

وخطیبُ وجدی فوق منبرِ وحشتی

لفراقِهمْ لهو البلیغُ الفاصحُف)

ص: 77


1- الشج من شجّ المفازة : قطعها. الأمون من الناقة : وثیقة الخلق ، القویّة. سجا یسجو سجواً : مدّحنینه. الحرون من الدابّة : الذی لا ینقاد ، وإذا استدبر جریه وقف. الجامح : المتغلّب علی راکبه والذاهب به وهو لا ینثنی. (المؤلف)
2- بائح من باح یبوح بوحاً بسرّه : أظهره کأباحه. (المؤلف)

ومحرّمٌ حزنی وشوّال العنا

والعید عندی لاعجٌ ونوائحُ

ومدید صبری فی بسیط تفکّری

هزجٌ ودمعی وافرٌ ومُسارحُ (1)

ساروا فمعناهم ومغناهم عفا

والیومَ فیه نوائحٌ وصوائحُ

درس الجدیدُ جدیدَها فتنکّرت

ورنا بها للخطبِ طرفٌ طامحُ (2)

نسج البلی منه محقّق حسنِه

ففناؤه ماحی الرسوم الماسحُ

فطفقتُ أندبه رهینَ صبابةٍ

عدم الرفیقُ وغاب عنه الناصحُ

وأقول والزفراتُ تذکی جذوةً

بین الضلوعِ لها لهیبٌ لافحُ

لاغروَ إن غدر الزمانُ بأهلِهِ

وجفا وحان وخانَ طرفٌ لامحُ

فلقد غوی فی ظلمِ آلِ محمدٍ

وعوی علیهم منه کلبٌ نابحُ

وسطا علی البازی غرابٌ أسحمٌ

وشبا علی الأشبالِ زنجٌ ضابحُ (3)

وتطاول الکلبُ العقورُ فصاول ال

لیثَ الهصورَ وذاک أمرٌ فادحُ (4)

وتواثبت عرجُ الضباع وروّعت (5)

والسید أضحی للأسود یکافحُ

آلُ النبیِّ بنو الوصیِّ ومنبعُ

الشرفِ العلیِّ وللعلومِ مفاتحُ

خزّانُ علمِ اللهِ مهبطُ وحیهِ

وبحارُ علمٍ والأنامُ ضحاضحُ (6)

التائبونَ العابدونَ الحامدو

نَ الذاکرونَ وجنحُ لیلٍ جانحُف)

ص: 78


1- إشارة إلی أنواع الشعر. (المؤلف)
2- رنا إلیه وله : أدام النظر إلیه بسکون الطرف. الطامح من طبع البصر : ارتفع ونظر شدیداً. (المؤلف)
3- البازی من طیور الصید وله أنواع کثیرة. الأسحم : الأسود. شبا : علا. الزنج : قوم من السودان. الضابح : المتغیّر اللون کلون الضبح أی الرماد. (المؤلف)
4- صاوله : واثبه. الهصور من الأسد : الذی یهصر فریسته أی یکسرها کسراً. الفادح : الصعب المثقل. (المؤلف)
5- تواثبت من وثب وثباً : نهض وقام. عُرج جمع الأعرج : المصاب فی رجله الماشی مشیة غیر متساویة. الضباع : جمع الضبع. (المؤلف)
6- الضحضاح : الماء الیسیر أو القریب القعر. (المؤلف)

الصائمون القائمونَ المطعمو

نَ المؤثرونَ لهم یدٌ ومَنائحُ

عند الجدی سحبٌ وفی وقت الهدی

سمتٌ وفی یوم النزال جَحاجحُ (1)

هم قبلةٌ للساجدینَ وکعبةٌ

للطائفینَ ومَشعرٌ وبَطائحُ

طرقُ الهدی سُفنُ النجاة محبُّهمْ

میزانُه یومَ القیامةِ راجحُ

ما تبلغُ الشعراءُ منهم فی الثنا

واللهُ فی السبع المثانی مادحُ

نسبٌ کمنبلجِ الصباحِ ومنتمیً

زاکٍ له یعنو السماک الرامحُ (2)

الجدُّ خیرُ المرسلین محمدُ ال

هادی الأمینُ أخو الختامِ الفاتحُ

هو خاتمٌ بل فاتحٌ بل حاکمٌ

بل شاهدٌ بل شافعٌ بل صافحُ

هو أوّل الأنوارِ بل هو صفوة ال

جبّارِ والنشرُ الأریج الفائحُ

هو سیّدُ الکونین بل

هو أشرف الثقلین حقّا والنذیر الناصحُ

لولاک ما خُلقَ الزمانُ ولا بدت

للعالمین مساجدٌ ومصابحُ

والأُمُّ فاطمةُ البتولُ وبضعةُ ال

هادی الرسولِ لها المهیمنُ مانحُ

حوریةٌ إنسیّةٌ لجلالِها

وجمالِها الوحیُ المنزّلُ شارحُ

والوالد الطهر الوصیُّ المرتضی

عَلمُ الهدایةِ والمنارُ الواضحُ

مولیً له النبأُ العظیمُ وحبُّه

النهجُ القویمُ به المتاجرُ رابحُ

مولیً له بغدیرِ خمٍّ بیعةٌ

خضعتْ لها الأعناقُ وهی طوامحُ

القسوَرُ البتّاکُ والفتّاکُ والس

فّاکُ فی یومِ العراکِ الذابحُ

أسدُ الإلهِ وسیفُهُ وولیُّه

وشقیقُ أحمَد والوصیُّ الناصحُ

وبعضدِهِ وبعضبِه وبعزمهِ

حقّا علی الکفّارِ ناحَ النائحُف)

ص: 79


1- الجدی : العطیّة. السمت : المحجّة والطریق. الجحاجح جمع الجحجح : السیّد المسارع إلی المکارم ، المبادر. (المؤلف)
2- یعنو : یذلّ ویخضع. السماک الرامح : نجم معروف یسمّی بذلک لأنّه یقدمه کوکب یقولون : هو رمحه. (المؤلف)

یا ناصرَ الإسلامِ یا بابَ الهدی

یا کاسرَ الأصنامِ فهی طوامحُ (1)

یا لیتَ عینَکَ والحسینُ بکربلا

بین الطغاةِ عن الحریمِ یکافحُ

والعادیاتُ صواهلٌ وجوائلٌ

بالشوسِ فی بحر النجیع سوابحُ (2)

والبیضُ والسمرُ اللدان بوارقٌ

وطوارقٌ ولوامعٌ ولوائحُ (3)

یلقی الردی بحرُ الندی بین العدا

حتی غَدا مُلقیً ولیس مُنافحُ

أفدیه محزوزَ الوریدِ مرمّلاً

ملقیً علیه التربُ سافٍ سافحُ (4)

والماءُ طامٍ وهو ظامٍ بالعرا

فردٌ غریبٌ مستضامٌ نازحُ

والطاهراتُ حواسرٌ وثواکلٌ

بین العدا ونوادبٌ ونوائحُ

فی الطفّ یَسحبنَ الذُیولَ بذلّةٍ

والدهرُ سهمَ الغدرِ رامٍ رامحُ (5)

یسترنَ بالأردانِ نورَ محاسنٍ

صوناً وللأعداءِ طَرفٌ طامحُ

لهفی لزینبَ وهی تندبُ نَدبَها

فی نَدبِها والدمعُ سارٍ سارحُ (6)

تدعو أخی یا واحدی ومؤمّلی

من لی إذا ما ناب دهرٌ کالحٌ (7)

من للیتامی راحمٌ من للأیامی

کافلٌ من للجفاة مناصحُ

حزنی لفاطمَ تلطمُ الخدّین من

عظمِ المصابِ لها جویً وتبارحُ (8)ف)

ص: 80


1- مرّ حدیث کسره علیه السلام الأصنام فی صفحة : 9 - 13 من هذا الجزء. (المؤلف)
2- الشوس جمع الأشوس. راجع : ص 24. النجیع الدم المائل إلی السواد. سوابح جمع سابح : السریع غیر المضطرب فی جریه. (المؤلف)
3- البیض جمع الأبیض : السیف. السمر : الرماح. اللدان جمع لدن بفتح اللام : اللیّن. (المؤلف)
4- ساف من سفی یسفی سفیا : التراب تذرّی وتبدّد. سافح : المصبوب الذی لا یحبسه شیء. (المؤلف)
5- یسحبن من سحب سحباً : جرّ علی وجه الأرض. الرامح : الطاعن بالرمح. (المؤلف)
6- السارح : الجاری جریا سهلاً. (المؤلف)
7- ناب : نزل. الکالح من کلح وجهه : عبس وتکشّر فهو کالح. (المؤلف)
8- الجوی : شدّة الوجد من حزن أو عشق ، داء فی الصدر. التبارح من البرح : الأذی والعذاب الشدید والمشقّة. (المؤلف)

أجفانُها مقروحةٌ ودموعُها

مسفوحةٌ والصبرُ منها جامحُ

تهوی لتقبیلِ القتیلِ تضمُّه

بفتیلِ مِعجرِها الدماءُ نَواضحُ (1)

تحنو علی النحر الخضیب وتلثمُ

الثغر التریب لها فؤادٌ قادحُ

أسفی علی حرَمِ النبوّةِ جئن مط

روحاً هنالک بالعتاب تطارحُ (2)

یندبن بدراً غاب فی فلَکِ الثری

وهزبرَ غابٍ غیّبتهُ ضرائحُ

هذی أخی تدعو وهذی یا أبی

تشکو ولیس لها ولیٌّ ناصحُ

والطهرُ مشغولٌ بکربِ الموتِ من

ردِّ الجوابِ وللمنیّةِ شابحُ (3)

ولفاطم الصغری نحیبٌ مقرحٌ

یذکی الجوانحَ للجوارحِ جارحُ

عِلجٌ یعالجُها لسلبِ حلیِّها

فتظلُّ فی جهدِ العفافِ تطارحُ (4)

بالردنِ تسترُ وجهَها وتمانع ال

ملعون عن نهبِ الرِّدا وتکافحُ

تستصرخُ المولی الإمامَ وجدَّها

وفؤادُها بعد المسرّةِ نازحُ

یا جدُّ قد بلغَ العدی ما أمّلوا

فینا وقد شمتَ العدوُّ الکاشحُ

یا جدُّ غابَ ولیُّنا وحمیُّنا

وکفیلُنا ونصیرُنا والناصحُ

ضیّعتمونا والوصایا ضُیِّعت

فینا وسهمُ الحورِ سارٍ سارحُ

یا فاطمَ الزهراءَ قومی وانظری

وجهَ الحسینِ له الصعیدُ مصافحُ

أکفانه نسجُ الغبار وغُسلُه

بدمِ الوریدِ ولم تنحْهُ نوائحُ

وشبوله نهبُ السیوفِ تزورُها

بین الطفوفِ فراعلٌ وجوارحُ (5)ف)

ص: 81


1- المِعجر والعجار : ثوب تلفّه المرأة علی استدارة رأسها.
2- تطارح : تجاوب. (المؤلف)
3- الشابح من شبح شبحاً الجلد : مدّه بین أوتاد ، [ شبح ] الرجل : مدّه کالمصلوب. (المؤلف)
4- تطارح : تباعد. (المؤلف)
5- فراعل جمع الفرعل : ولد الضبع. الجوارح جمع الجارحة : ذات الصید من السباع والطیر والکلاب. (المؤلف)

وعلی السنانِ سنانٌ رافعٌ رأسَهُ

ولجسمِه خیلُ العداةِ روامحُ (1)

والوحشُ یندبُ وحشةً لفراقِهِ

والجنُّ إن جنَّ الظلامُ نوائحُ

والأرضُ ترجفُ والسماءُ لأجلِه

تبکی معاً والطیرُ غادٍ رائحُ

والدهر من عظم الشجی شقّ الردا

أسفاً علیه وفاضَ جفنٌ دالحُ (2)

یا للرجالِ لظلمِ آلِ محمدٍ

ولأجل ثارهمُ وأین الکادحُ (3)

یضحی الحسینُ بکربلاءَ مرمّلاً

عریانَ تکسوه الترابُ صحاصحُ (4)

وعیالُه فیها حیاری حسّرٌ

للذلِّ فی أشخاصِهنَّ ملامحُ (5)

یُسری بهم أسری إلی شرِّ الوری

من فوق أقتابِ الجمالِ مضایحُ (6)

ویُقاد زین العابدین مغلّلاً

بالقیدِ لم یُشفِقْ علیه مسامحُ

ما یکشف الغمّاء إلاّ نفحةٌ

یُحیی بها الموتی نسیمٌ نافحُ

نبویّةٌ علویّةٌ مهدیّةٌ

یشفی بریّاها العلیلُ البارحُ

یضحی منادیها ینادی یا لثا

راتِ الحسینِ وذاک یومٌ فارحُ

والجنُّ والأملاکُ حول لوائِه

والرعبُ یقدمُ والحتوفُ تُناوحُ (7)

و... و... فی جذعیهما

خفضاً ونصب الصلب رفع فاتحُ

و... و... والإثم وال

عدوان فی ذلِّ الهوانِ شوائحُ

لعنوا بما اقترفوا وکلُّ جریمةٍ

شبّت لها منهم زنادٌ قادحُف)

ص: 82


1- روامح من رمحته الدابّة : رفسته. (المؤلف)
2- الدالح : الکثیر الماء. (المؤلف)
3- الکادح : الذی جهد نفسه فی العمل. (المؤلف)
4- صحاصح جمع الصحصح : الأرض الجرداء المستویة ذات حصی صغار. (المؤلف)
5- الملاح : ما بدا من محاسن الوجه ومساویه. (المؤلف)
6- المضایح : المقالی والمخاصم. (المؤلف)
7- تناوح : تقابل. (المؤلف)

یا ابن النبیِّ صبابتی لا تنقضی

کمداً وحزنی فی الجوانح جانحُ (1)

أبکیکمُ بمدامعٍ تتری إذا

بخلَ السحابُ لها انصبابٌ سافحُ

فاستجلِ من مولاک عبد ولاک من

لولاک ما جادت علیه قرائحُ

برسیّةً کملتْ عقودُ نظامِها

حلّیةً ولها البدیعُ وشائحُ (2)

مدّتْ إلیک یداً وأنت منیلُها

یا ابن النبیِّ وعن خطاها صافحُ

یرجو بها (رجبُ) القبولَ إذا أتی

وهو الذی بک واثقٌ لک مادحُ

أنت المعاذُ لدی المعادِ وأنت لی

إن ضاق بی رَحبُ البلادِ الفاسحُ

صلّی علیک اللهُ ما سکبَ الحیا

دمعاً وما هبَّ النسیمُ الفائحُ

وله فی رثاء الإمام السبط صلوات الله علیه قوله :

ما هاجنی ذکرُ ذاتِ البانِ والعلمِ

ولا السلامُ علی سلمی بذی سلمِ

ولا صبوتُ لصبٍّ صابَ مدمعُه

من الصبابةِ صبَّ الوابلِ الرزمِ (3)

ولا علی طللٍ یوماً أطلتُ بهِ

مخاطباً لأُهیل الحیِّ والخیمِ

ولا تمسّکتُ بالحادی وقلت له

إن جئتَ سلعاً فسل عن جیرةِ العلمِ (4)

لکن تذکّرتُ مولای الحسینَ وقد

أضحی بکربِ البلا فی کربلاءَ ظمی

ففاضَ صبری وفاض الدمعُ وابت

عد الرّقاد واقترب السهاد بالسقمِ

وهامَ إذ هَمتِ العبراتُ من عدمٍ (5)

قلبی ولم أستطعْ مع ذاک منعَ دمیف)

ص: 83


1- الجوانح : الضلوع تحت الترائب ممّا یلی الصدر. الجانح من جنحت السفینة : لزقت بالأرض فلم تمض. (المؤلف)
2- وشائح جمع وشاح : شبه قلادة یرصّع بالجوهر تشدّه المرأة بین عاتقها وکشحیها. (المؤلف)
3- صبوت من صبا یصبو : حنّ. الصبّ : العاشق. الصبابة : الشوق ورقة الهوی. الوابل : المطر الشدید. الرزم : الذی لا ینقطع رعده. (المؤلف)
4- مطلع بدیعیة صفیّ الدین الحلّی. راجع : 6 / 44. (المؤلف)
5- همت من همی یهمی همیاً : سال لا یثنیه شیء. (المؤلف)

لم أنسَهُ وجیوشُ الکفرِ جائشةٌ

والجیشُ فی أملٍ والدینُ فی ألمِ

تطوفُ بالطفِّ فرسانُ الضلالِ به

والحقُّ یسمعُ والأسماعُ فی صممِ

وللمنایا بفرسانِ المنی عجلٌ

والموتُ یسعی علی ساقٍ بلا قدمِ

مسائلاً ودموعُ العینِ سائلةٌ

وهو العلیمُ بعلمِ اللوحِ والقلمِ

ما اسم هذا الثری یا قومُ فابتدروا

بقولِهم یوصلونَ الکلمَ بالکلمِ

بکربلا هذه تُدعی فقال أجل

آجالُنا بین تلک الهضبِ والأکمِ

حطّوا الرحالَ فحال الموتُ حلَّ بنا

دون البقاءِ وغیر الله لم یدمِ

یا للرجالِ لخطبٍ حلَّ مخترم ال

آجالِ معتدیاً فی الأشهرِ الحرمِ

فها هنا تصبحُ الأکبادُ من ظمأ

حرّی وأجسادُها تروی بفیض دمِ

وهاهنا تصبحُ الأقمارُ آفلةً

والشمسُ فی طَفَلٍ والبدرُ فی ظُلَمِ

وهاهنا تملکُ الساداتِ أعبدُها

ظلماً ومخدومُها فی قبضةِ الخدمِ

وهاهنا تصبحُ الأجسادُ ثاویةً

علی الثری مَطعماً للبوم والرخمِ (1)

وهاهنا بعد بُعد الدار مدفنُنا

وموعدُ الخصمِ عند الواحدِ الحکمِ

وصاح بالصحبِ هذا الموتُ فابتدروا

أُسداً فرائسُها الآسادُ فی الأجَمِ

من کل أبیضَ وضّاحِ الجبینِ فتیً

یغشی صلی الحربِ لا یخشی من الضرمِ

من کلِّ منتدبٍ لله محتسبٍ

فی اللهِ مُنتجبٍ باللهِ مُعتصمِ

وکلِّ مصطلِمِ الأبطالِ مصطلمِ ال

آجال مُلتمسِ الآمالِ مُستلمِ

وراح ثَمّ جوادُ السبطِ یندبُه

عالی الصهیلِ خلیّا طالبَ الخیمِ

فمذ رأته النساءُ الطاهراتُ بدا

یکادمُ (2) الأرضَ فی خدٍّ له وفمِ

برزن نادبةً حسری وثاکلةً

عبری ومعلولةً بالمدمعِ السجمِف)

ص: 84


1- البوم : طائر یسکن الخراب. الرخم : طائر من الجوارح الکبیرة الجثة الوحشیة الطباع. (المؤلف)
2- یکادم : یعضّ. (المؤلف)

فجئن والسبطُ ملقیً بالنصالِ أبت

من کفّ مُستلمٍ أو ثغرِ ملتثمِ

والشمرُ ینحرُ منه النحرَ من حنقٍ

والأرضُ ترجفُ خوفاً من فعالهمِ

فتستر الوجهَ فی کمٍّ عقیلتُه

وتنحنی فوقَ قلبٍ والهٍ کلمِ (1)

تدعو أخاها الغریبَ المستضامَ أخی

یا لیت طرفَ المنایا عن علاک عمی

من اتّکلتَ علیه فی النساء ومن

أوصیت فینا ومن یحنو علی الحرمِ

هذی سکینةُ قد عزّتْ سکینتُها

وهذه فاطمٌ تبکی بفیض دمِ

تهوی لتقبیلِهِ والدمعُ منهمرٌ

والسبطُ عنها بکربِ الموتِ فی غممِ (2)

فیمنع الدمُ والنصلُ الکسیرُ به

عنها فتنصلُّ لم تبرح ولم ترمِ

تضمُّه نحوها شوقاً وتلثمُه

ویخضبُ النحرُ منه صدرَها بدمِ

تقول من عظمِ شکواها ولوعتِها

وحزنُها غیرمنقضٍ ومنفصمِ

أخی لقد کنتَ نوراً یستضاءُ به

فما لنور الهدی والدین فی ظلمِ

أخی لقد کنتَ غوثاً للأراملِ یا

غوثَ الیتامی وبحرَ الجودِ والکرمِ

یا کافلی هل تری الأیتامَ بعدَکَ فی

أسر المذلّةِ والأوصابِ (3) والألمِ

یا واحدی یا ابن أُمِّی یا حسینُ لقد

نال العدی ما تمنّوا من طلابهم

وبرّدوا غلل الأحقادِ من ضغنٍ

وأظهروا ما تخفّی فی صدورهم

أین الشفیقُ وقد بان الشقیقُ وقد

جار الرفیقُ ولجُّ الدهر فی الأزمِ (4)

مات الکفیلُ وغابَ اللیثُ فابتدرتْ

عُرْجُ الضباعِ علی الأشبال فی نهمِ

وتستغیثُ رسولَ اللهِ صارخةً

یا جدُّ أین الوصایا فی ذوی الرحمِف)

ص: 85


1- الکلم ، من کلمه کلماً : جرحه. (المؤلف)
2- غُمَم بضمّ المعجمة جمع الغمّة : الحیرة واللبس. (المؤلف)
3- الأوصاب جمع الوصب راجع : ص 55. (المؤلف)
4- الأزم : من أزم الدهر القوم : استأصلهم. وأزم بصاحبه : لزم. وأزم الحبل : أحکم فعله. والأزم جمع الأزمة : الشدّة. (المؤلف)

یا جدُّ لو نظرتْ عیناک من حزنٍ

للعترةِ الغرِّ بعد الصونِ والحشمِ

مشرّدین عن الأوطانِ قد قهروا

ثکلی أساری حیاری ضُرِّجوا بدمِ

یُسری بهنَّ سبایا بعد عزِّهمُ

فوق المطایا کَسَبی الرومِ والخدمِ

هذا بقیّةُ آلِ الله سیّدُ أه

ل الأرضِ زینُ عبادِ اللهِ کلِّهم

نجلُ الحسینِ الفتی الباقی ووارثُه

والسیّدُ العابدُ السجّادُ فی الظلمِ

یُساق فی الأسر نحو الشام مهتضماً

بین الأعادی فمن باکٍ ومبتسمِ

أین النبیُّ وثغرُ السبطِ یقرعُه

یزیدُ بغضاً لخیرِ الخلق کلّهم

أینکتُ الرجسُ ثغراً کان قبّلَهُ

من حبِّه الطهرُ خیرُ العربِ والعجمِ

ویدّعی بعدها الإسلامَ من سفهٍ

وکان أکفرَ من عادٍ ومن ارمِ

یا ویلَهُ حین تأتی الطُهرُ فاطمةٌ

فی الحشرِ صارخةً فی موقفِ الأممِ

تأتی فیُطرقُ أهلُ الجمعِ أجمعُهمْ

منها حیاءً ووجهُ الأرض فی قتمِ (1)

وتشتکی عن یمینِ العرشِ صارخةً

وتستغیثُ إلی الجبّارِ ذی النقمِ

هناک یظهرُ حکمُ اللهِ فی ملاً

عصَوا وخانوا فیا سحقاً لفعلهم

وفی یدیها قمیصٌ للحسینِ غدا

مضمّخاً بدمٍ قرناً إلی قَدمِ

أیا بنی الوحیِ والذکرِ الحکیمِ ومن

ولاهمُ أملی والبرءُ من ألمی

حزنی لکم أبداً لا ینقضی کمداً

حتی المماتِ وردِّ الروحِ فی رممِ

حتی تعود إلیکم دولةٌ وُعدِتْ

مهدّیةً تملأُ الأقطارَ بالنعمِ

فلیس للدین من حامٍ ومُنتصرٍ

إلاّ الإمامُ الفتی الکشّافُ للظلمِ

القائمُ الخلفُ المهدیُّ سیّدُنا

الطاهرُ العلمُ ابنُ الطاهرِ العلمِ

بدرُ الغیاهبِ تیّارُ المواهبِ مَن

- صورُ الکتائبِ حامی الحلِّ والحرَمِ (2)ف)

ص: 86


1- الأقتم : الذی یعلوه سواد لیس بالشدید ، وقیل : هو الذی فیه حمرة وغبرة.
2- الغیاهب جمع الغیهب : الظلمة ، الشدید السواد من اللیل. التیّار : موج البحر الهائج. الکتائب جمع الکتیبة : القطعة من الجیش أو الجماعة من الخیل. (المؤلف)

یا ابن الإمامِ الزکیّ العسکریّ فتی ال

هادی التقیّ علیِّ الطاهرِ الشیمِ

یا ابن الجوادِ ویا نجل الرضاءِ ویا

سلیلَ کاظم غیظٍ مَنبعِ الکرمِ

خلیفةَ

الصادقِ المولی الذی ظهرت

علومُه فأنارتْ غیهبَ الظلَمِ

خلیفةَ الباقرِ المولی خلیفةَ زی

ن العابدین علیٍّ طیِّب الخیمِ

نجلَ الحسینِ شهیدِ الطفِّ سیّدِنا

وحبّذا مفخرٌ یعلو علی الأممِ

نجلَ الحسینِ سلیلَ الطُهرِ فاطمةٍ

وابن الوصیّ علیٍّ کاسِر الصنمِ (1)

یا بنَ النبیِّ ویا ابن الطُهرِ حیدرةٍ

یا ابن البتولِ ویا ابن الحلِّ والحرمِ

أنت الفخارُ ومعناه وصورتُه

ونقطةُ الحکمِ لا بل خطّةُ الحکمِ

أیّامُکَ البیضُ خضرٌ فهی خاتمةُ

الدنیا وختمُ سعودِ الدینِ والأممِ

متی نراک فلا ظلمٌ ولا ظُلَمُ

والدینُ فی رغَدٍ والکفرُ فی رغمِ

أقبل فسبلُ الهدی والدینِ قد طمستْ

ومسَّها نصَبٌ والحقُّ فی عدمِ

یا آلَ طه ومن حبّی لهم شرفٌ

أعدُّه فی الوری من أعظمِ النعمِ

إلیکمُ مِدحةً جاءت منظّمةً

میمونةً صغتُها من جوهرِ الکلمِ

بسیطةً إن شذَتْ أو أُنشدَتْ عطرتْ

بمدحِکمْ کبساطِ الزهرِ منخرمِ

بکراً عروساً ثکولاً زفّها حزنٌ

علی المنابرِ غیرَ الدمعِ لم تسمِ

یرجو بها (رجبٌ) رحبَ المقامِ غداً

بعد العناءِ غناءً غیرَ منهدمِ

یا سادةَ الحقِّ ما لی غیرَکم أملٌ

وحبُّکم عدّتی والمدحُ معتصمی

ما قدرُ مدحیَ والرحمنُ مادحُکمْ

فی هل أتی قد أتی مع نون والقلمِ

حاشاکم تحرموا الراجی مکارمَکمْ

ویرجعُ الجارُ عنکم غیرَ محترمِ

أو یختشی الزلّةَ (البرسیُّ) وهو یری

ولاکمُ فوق ذی القربی وذی الرحمِ

إلیکمُ تحفُ التسلیمِ واصلةٌ

ومنکمُ وبکم أنجو من النقمِ

صلّی الإلهُ علیکم ما بدا نسمٌ (2)

وما أتت نسماتُ الصبحِ فی الحرمِف)

ص: 87


1- راجع من هذا الجزء : ص 9 - 13. (المؤلف)
2- نسم جمع النسمة : الإنسان أو کلّ دابة فیها روح. (المؤلف)

وله قوله :

أما والذی لِدَمی حلّلا

وخصَّ أُهیل الولا بالبلا

لئن أُسقَ فیه کؤوسَ الحمامِ

لما قال قلبی لساقیه لا

فموتی حیاتی وفی حبِّهِ

یلذُّ افتضاحیَ بین الملا

فمن یسلُ عنه فإنَّ الفؤا

دَ تسلّی وما قطُّ آناً سلا

مضت سنّةُ اللهِ فی خلقِهِ

بأنَّ المحبَّ هو المبتلی

وله قوله :

لقد أظهرتَ یا حاف

ظُ سرّا کان مخفیّا

وأبرزتَ من الأنوا

رِ نوراً کان مطویّا

به قد صرت عند الله

والساداتِ علویّا

ومقبولاً ومسعوداً

ومحسوداً ومرضیّا

فطبْ نفساً وعِشْ فرداً

وکن طیراً سماویّا

غریباً یألف الخلو

ةَ لا یقربُ إنسیّا

غدا فی الناس بالخلو

ةِ والوحدة منسیّا

وإن أصبحت مرفوضاً

بسهمِ البغض مرمیّا

فلم یبغضک إلاّ من

أبوه الزنجُ بصریّا (1)

عمانیّا مرادیّا

مجوسیّا یهودیّا

لهذا قد غدا یبغ

- ض ذاک الطینَ کوفیّا

وفی المولدِ والمحت

- د برسیّا وحلّیا

وله فی الغزل قوله :

لقد شاع عنّی حبُّ لیلی وإنَّنی

کلفتُ بها عشقاً وهمتُ بها وجداا.

ص: 88


1- کذا.

وأصبحت أُدعی سیّداً بین قومِها

کما أنَّنی أصبحتُ فیهم لها عبدا

ألاقی الوری فی حبِّها فی تنکّرٍ

فذا مانحٌ صدّا وذا صاعرٌ خدّا

وذا عابسٌ وجهاً یطوِّل أنفَهُ

علیَّ کأنّی قد قتلتُ له ولدا

ولا ذنبَ لی فی هجرِهم لی وهجرهم

سوی أنَّنی أصبحتُ فی حبِّها فردا

ولو عرفوا ما قد عرفتُ ویمّموا

حماها کما یمّمتُه أعذروا حدّا

وظنّوا وبعضُ الظنِّ إثمٌ وشنّعوا

بأنّ امتداحی جاوزَ الحدَّ والعدّا

فو اللهِ ما وصفی لها جاز حدَّهُ

ولکنّها فی الحسنِ قد جازت الحدّا

هذه جملة ما وقفنا علیه من شعر شیخِنا الحافظ البرسی وهی (540) بیتاً ، ولا یوجد فیها کما تری شیء ممّا یرمی به من الارتفاع والغلوّ ، فالأمر کما قال هو :

وظنّوا وبعض الظنِّ إثمٌ وشنّعوا

بأنَّ امتداحی جاوز الحدّ والعدّا

فو الله ما وصفی لها جاز حدّه

ولکنَّها فی الحسن قد جازت الحدّا

توجد ترجمته (1) فی أمل الآمل ، وریاض العلماء ، وریاض الجنّة فی الروضة الرابعة ، وروضات الجنات ، وتتمیم الأمل للسیّد ابن أبی شبانة ، والکنی والألقاب ، وأعیان الشیعة ، والطلیعة ، والبابلیات.

ولم نقف علی تاریخ ولادة شاعرنا الحافظ ووفاته ، غیر أنَّه أرّخ بعض تآلیفه بقوله : إنَّ بین ولادة المهدی علیه السلام وبین تألیف هذا الکتاب خمسمائة وثمانیة عشر سنة. فیوافق (773) ، أخذاً بروایة (255) فی ولادة الإمام المنصور صلوات الله علیه ، ومرَّ فی تاریخ بعض کتبه أنّه أرخه ب (813) ، ولعلّه توفّی حدود هذا التاریخ والله العالم. 1.

ص: 89


1- أمل الآمل : 2 / 117 رقم 329 ، ریاض العلماء : 2 / 304 ، روضات الجنّات : 3 / 337 رقم 302 ، الکنی والألقاب : 2 / 166 ، أعیان الشیعة : 6 / 465 - 468 ، البابلیات : 1 / 118 رقم 41.

ص: 90

المغالاة فی الفضائل

لمّا وقع غیر واحد من شعراء الغدیر نظراء المترجم - البرسی - فی شبک النقد والاعتراض ، ورُموا بالغلوِّ ؛ وجاء غیر واحد من المؤلّفین (1) فشنَّ علیهم الغارات بالقذف والسباب المقذع فیهمّنا إیقاف الباحث علی هذا المهمِّ حتی لا یستهویه اللغب والصخب ، ولا یصیخ إلی النعرات الطائفیة الممقوتة ، وقول الزور ، فنقول :

الغلوّ علی ما صرّح به أئمّة اللغة (2) کالجوهری والفیّومی والراغب وغیرهم هو تجاوز الحدِّ ، ومنه غلا السعر یغلو غلاء ، وغلا الرجل غلوّا ، وغلا بالجاریة لحمها وعظمها إذا أسرعت الشباب فجاوزت لِداتها ، قال الحرث بن خالد المخزومی :

خمصانةٌ قلقٌ موشّحُها

رَودُ الشبابِ غلا بها عظمُ

ومنه قوله رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «لا تغالوا فی النساء فإنَّما هنَّ سقیا الله» (3) وقول عمر : لا تغالوا فی مهور النساء (4). والغلوُّ ممقوت لا محالة أینما کان وحیثما کان فی أیِ ف)

ص: 91


1- کابن تیمیّة ، وابن کثیر ، والقصیمی ، وموسی جار الله. ومن لفّ لفّهم. (المؤلف)
2- صحاح اللغة : 6 / 2448 ، المصباح المنیر : 2 / 452 ، المفردات : ص 364.
3- البیان والتبیین : 2 / 21 [ 2 / 19 - 20 ]. (المؤلف)
4- راجع الجزء السادس من الکتاب : ص 96. (المؤلف)

أمر کان ، ولا سیّما فی الدین وعلیه ینزّل قوله تعالی فی موضعین (1) من الذکر الحکیم : (یا أَهْلَ الْکِتابِ لا تَغْلُوا فِی دِینِکُمْ) ویعنی فی ذلک کما ذکره المفسّرون (2) غلوّ الیهود فی عیسی حتی قذفوا مریم ، وغلوّ النصاری فیه حتی جعلوه ربّا ؛ فالإفراط والتقصیر کلّه سیّئة. والحسنة بین السیِّئتین کما قاله مطرف بن عبد الله ، وقال الشاعر :

وأوفِ ولا تستوفِ حقَّکَ کلَّهُ

وصافحْ فلم یستوفِ قطُّ کریمُ

ولا تغلُ فی شیءٍ من الأمرِ واقتصد

کلا طرفی قصدِ الأُمور ذمیمُ

وقال آخر :

علیکَ بأوساطِ الأُمور فإنَّها

نجاةٌ ولا ترکب ذلولاً ولا صعبا

وقال مولانا أمیر المؤمنین : «إنَّ دین الله بین المقصّر والغالی فعلیکم بالنمرقة الوسطی فبها یلحق المقصّر ، ویرجع إلیها الغالی» (3) غیر أنّ من الواجب تعیین الحدِّ الذی لا یجوز فی الدین أن یتجاوزه الإنسان لاستلزام الغلوِّ والکذب تارة ، والإغراء بالجهل أخری ، وبخس الحقوق الواجبة آونة ، لا ما دأبت علیه أمّة من الرمی بالغلوِّ کلّ قائل ما لا یروقها ، وتحدوها العصبیّة العمیاء إلی التجهّم أمام القول بما لا یلائم ذوقها ، ومن هذا الباب أکثر ما تُرمی به الشیعة الإمامیّة من الغلوِّ لاعتقادهم أو روایتهم فضائل لأئمّة أهل البیت علیهم السلام ، وقد طفحت بها الصحاح والمسانید ، وتدفّقت بنقلها الکتب والمؤلّفات ، حیث لم یُقِم من نَبزَهم به لأئمّة الهدی وزناً تقیمه الحقیقة ویقتضیه مقامهم الأسمی ، ذلک المقام الشامخ المستنبط من الکتاب والسنّة والاعتبار الصحیح والقضایا الخارجیة الصادقة المتسالم علیها بین الأمّة ، لو لا أنّ هناک من یتعامی أو یتصامم عن رؤیة هذه وسماع هاتیک ، أو تقصر منّته العلمیة عن تحلیل ف)

ص: 92


1- النساء : 171 والمائدة : 77.
2- تفسیر القرطبی : 6 / 21 [ 6 / 16 و 163 ]. (المؤلف)
3- ربیع الأبرار للزمخشری [ 2 / 63 ]. (المؤلف)

الفلسفة الصحیحة ، أو یقصر باعه عن الإحاطة بالکائنات التاریخیّة ، من الذین استأسرهم الهوی وتدهور بهم الجهل إلی هوّة التیه والضلال ، فعدّوا من الغلوِّ الفاحش القول بعلم الغیب فیهم ، أو إخبارهم عمّا فی الضمیر ، أو تکلّم الموتی معهم ، أو علمهم بمنطق الطیر والحیوانات ، أو إحیاء الله الموتی بدعائهم ، أو استجابة دعواتهم فی برء الأکمه والأبرص ، وبلّ کلّ ذی عاهة ، أو القول بالرجعة لهم ، أو ظهور کرامة لهم تخرق العادة ، أو الشخوص إلی زیارة قبورهم والتوسّل بهم ، والتبرّک بتربتهم ، والدعاء والصلاة عند مراقدهم ، أو التلهّف والتأسّف علی ما انتابهم من المصائب ، إلی کثیر من أمثال هذه من مبادئ تراها الشیعة فی العترة الهادیة من فضائلهم المدعومة بالبرهنة الصحیحة والحجج القویّة ممّا أنکرته أبناء حزم وجوزیّ وتیمیّة وقیّم وکثیر ومن حذا حذوهم ولفّ لفّهم.

ولعلّ لهم العذر فی ذلک بأنَّ الذی یرتئونه فی الخلیفة لا یزید علی أنَّه رجل یقطع السارق ویقتصُّ من القاتل ، ویحفظ الثغور ، ویدحر الهرج فی الأوساط ، ویجمع الفیء ویقسم ، إلی أمثال هذه ممّا هو شأن الملوک والأمراء فی الأمم والأجیال ، وتُعرب عنه خطب أبی بکر وعمر لمّا استخلفا (1) ، واستخلاف عثمان ومعاویة وابنه الطاغی ، وهلمّ جرّا ، وحدیث عبد الله بن عمر وحمید بن عبد الرحمن کما یأتی بیانه.

وهم لا یوجبون فی الخلیفة قوّةً فی النفس منبعثةً عن نزاهة وقداسة وعصمة یتصرّف بها صاحبها فی الکائنات کیفما اقتضته المصلحة ، ویبصر المغیَّب بعین بصیرته ، أو بنور بصره الذی لا یقلُّ عن أشعّة (رنتجن) التی یبصر صاحبها الأمعاء من وراء الجلد الغلیظ وتُری ما فی قبضة الماسک بیده من ظهر الید ، وبلغت بها القوّة حتی أخذت بها الصورة الشمسیّة من وراء سیاج الصندوق الحدیدی.

والذی یخبت فی القوی النفسیّة إلی مثل التنویم المغناطیسی الصناعی ، أو ف)

ص: 93


1- راجع الجزء السادس من الکتاب : ص 191 وهذا الجزء فیما یأتی. (المؤلف)

استحضار الأرواح واستخدامها للجواب عن کلِّ مسألة یریدها الإنسان ممّا فی وراء عالم الشهود بقوّة نفسه ، کیف یسعه إنکار ردّ الأرواح إلی الأجسام بإذن ربِّها لدعاء ولیٍّ ، أو مقدرة صدِّیق موهوبة له من بارئ کیانه؟ ولیس علی الله بعزیز (هُوَ الَّذِی یُحْیِی وَیُمِیتُ فَإِذا قَضی أَمْراً فَإِنَّما یَقُولُ لَهُ کُنْ فَیَکُونُ) (1).

وکذلک من یشهد : أنَّ الطائرات الجوّیة تطوی مئات من الفراسخ فی آونة قصیرة ، وکان یستدعی ذلک إشغال أشهر من الزمن یوم کانوا یطوونها علی الظهور ، أنّی یُسیغ له حِجاه أن ینکر طیّ الأرض لمن یحمل بین جنبیه قویً مفاضةً من المبدأ الحقِّ سبحانه : (وَتَرَی الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِیَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ) (2).

ومثله : الذی یبصر المذیاع وهو ینقل الأصوات من أبعد المسافات فیسمعها کأنَّه یتلو القرآن الکریم ، أو یُلقی خطابته ، أو یسرد أخباره ، أو یغنّی بأهازیجه إلی جنبه ، فهو لا یسعه إنکار ما یشابه ذلک فی إمام حقّ مؤیَّد من عند الله (إِنَّ اللهَ یُسْمِعُ مَنْ یَشاءُ وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِی الْقُبُورِ) (3).

ونظیره : المتکلّم الذی تُمثَّل له بالقوی الممثِّلة صورةُ من یخاطبه ویتکلّم معه فی الهاتف من صقعٍ شاسعٍ کأنّه یراه وینظر إلیه من کَثَب (وَکَذلِکَ نُرِی إِبْراهِیمَ مَلَکُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) (4).

وأمثال هذه فی المکتشفات الحدیثة من آثار الکهرباء وغیره کثیرة ذلّلت فیهم المعضلات التی کانت تقصر عنها العقول السذّج قبل هذا الیوم ، ولعلّ فی المستقبل الکشّاف یکون ما هو أعظم وأعظم من هذه کلّها ، فإنَّ العلم لم یقف علی حدّ ، 5.

ص: 94


1- غافر : 68.
2- النمل : 88.
3- فاطر : 22.
4- الأنعام : 75.

ولا دلّت البرهنة علی وصول الکشف إلی غایته المحدودة ، فمن الجائز أن یتدرّج إلی الأمام کما تدرّج فی هذه القرون الأخیرة جلّت قدرة بارئها.

أنا لا أُحاول جعل تلکم المعاجز وکرامات الأولیاء من قبیل ما ذکرته من مجاری الناموس الطبیعیِّ ، ولو أنَّها لا یعدوها الإعجاز حتی لو کانت علی تلک المجاری ، لأنَّها حدثت یوم لم تکن هذه الآثار مکتشفة ، ولا عرفها أحدٌ من الناس ، حتی إنَّه لو فاهَ بها أحدٌ لما کانوا یحفلون به إلاّ بالهزء والسخریّة معتقدین بأنّه یلهج بالمحال ، فصدورها من إنسان هذا ظرفه وتلک أحوال أمّته ، ولم یعهد أنّه دخل کلِّیة أو تخرّج علی ید أستاذ لا یعدوه أن تکون معجزة ، لکنّا نعتقد أنَّ أولئک الأئمّة - بما أنَّهم مقیّضون لإصلاح الأمّة ولا یکون إلاّ بخضوعها لهم. وأقوی الحجج لاستلانة جماحها لذلک الخضوع هو صدور المعجزات والخوارق - لهم صلة بالمبدأ الأقدس یسدّدهم بها من فوق عالم الطبیعة ، وهو لازم اللطف الواجب علی الله سبحانه من تقریب البعید إلی ما ذکرناه من الاکتشافات الحدیثة لتقریب الأذهان وشحذها ، وإیقاف المنصف علی الحقائق. وقد فصّلنا القول فی بعض الموضوع فی الجزء الخامس (ص 52 ، 65).

فهلمَّ معی إلی أُناس یشنِّعون علی الشیعة بإثبات تلکم النسب ، ویقذفونهم بالغلوِّ والکفر والشرک وهم یثبتونها لغیر واحد من أولیائهم ، وذکروا أضعاف ما عند الشیعة من تلکم الفضائل المرمیّة بالغلوِّ فی تراجم العادیِّین من رجالهم ، ونشروها فی الملأ واتّخذوها تاریخاً صحیحاً من دون أیِّ غمز وإنکار فی السند ، ومن غیر مناقشة ونظرةٍ صحیحة فی المتون ، کلّ ذلک حبّا وکرامة لأولئک الرجال ، وحبُّ الشیء یعمی ویصمّ ، وهذه السیرة مطّردة فیهم منذ القرن الأول حتی الیوم ، ولا یسع لأیِّ باحثٍ رمیُ أولئک المؤلِّفین الحفّاظ بالضلال والشرک والغلوِّ وخروجهم عمّا أجمعت علیه الأمّة الإسلامیّة کما

ص: 95

هم رموا الشیعة بذلک ، علی أنّ الباحث یجد فیما لفّقته ید الدعایة والنشر ، ونسجته أکفُّ المخرقة والغلوِّ فی الفضائل ، عجائب وغرائب أو قل : سفاسف وسفسطات ، تبعد عن نطاق العقل السلیم ، فضلاً عن أن تکون مشروعة أو غیر مشروعة. وإلیک البیان :

ص: 96

الغلوّ فی أبی بکر

اشارة

لیس من العسیر الشدید عرفان حدود أیِّ فرد شئت من الصحابة ، إذ التاریخ - مع ما فیه من الخبط والخلط ، مع ما نسجت علیه أیدی المعرّة الأثیمة ، مع ما طمس صحیحه بالفتن المظلمة فی أدوارها وقرونها الخالیة ، مع ما لعبت به الأهواء المضلّة بالتحریف والاختلاق ، مع ما دسَّ فیه عباقرة الإفک والافتعال ، مع ما سوِّدت صفحاته بآراء تافهة ، ونظریّات سخیفة ، ومبادئ فاسدة ، ونعرات طائفیّة ، ومخاریق قومیّة ، وجنایات شعوبیّة - فیه رمز من الحقیقة ، لا یختلط للناقد البصیر زُبده بخاثره ، وصحیحه بسقیمه ، ویسع له أن یستخرج المحض بالمخض ، یتّخذ منه دروس الحقائق ، ویعرف به حدود الرجال ، ومقاییس السلف ، ومقادیر الأمم الغابرة.

ومن اللازم المحتوم علینا النظرة فی تراجم الشخصیّات البارزة من رجال الإسلام سلفاً وخلفاً بعین الإکبار دون عین رمصة ، ولا سیّما من عُرف منهم بالخلافة الراشدة بین الملأ الدینیِّ ولو بالانتخاب الدستوری الذی لیس له أیّ قیمة وکرامة فی سوق الاعتبار ومیزان العدل : (وَرَبُّکَ یَخْلُقُ ما یَشاءُ وَیَخْتارُ ما کانَ لَهُمُ الْخِیَرَةُ) (1) (وَما کانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَی اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ یَکُونَ لَهُمُ الْخِیَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) (2) 6.

ص: 97


1- القصص : 68.
2- الأحزاب : 36.

(لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ) (وَکَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ وَکُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ) (1). (2) (وَهُوَ وَلِیُّهُمْ بِما کانُوا یَعْمَلُونَ) (3)

فصاحب النبیّ الأعظم فی الغار ، والمهاجر الوحید معه فی الرعیل الأوّل من المهاجرین السابقین یهمّنا إکباره وإعظامه ، ویُعَدُّ من الجنایات الفاحشة بخس حقّه ، والتقصیر فی تحدید نفسیّاته ، والخروج عن قضاء العدل فیها ، والنزول علی حکم العاطفة.

ونحن لا نحوم حول موضوع الخلافة وأنّها کیف تمّت؟ کیف صارت؟ کیف قامت؟ کیف دامت؟ وأنّ الآراء فیها هل کانت حرّة؟ ووصایا المشرِّع الأعظم هل کانت متّبعة؟ أو کانت للأهواء والشهوات یوم ذاک حکومة جبّارة هی تبطش وتقبض ، وهی ترفع وتخفض ، وهی ترتق وتفتق ، وهی تنقض وتبرم ، وهی تحلُّ وتعقد.

لا یهمّنا البحث عن هذه کلّها بعد ما سمعت أُذن الدنیا حدیث السقیفة مجتمع الثویلة ، وقُرِّطت بنبإ تلک الصاخّة الکبری ، والتحارش العظیم بین المهاجرین والأنصار ، (إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ* لَیْسَ لِوَقْعَتِها کاذِبَةٌ* خافِضَةٌ رافِعَةٌ) (4).

ما عسانی أن أقول؟ والتاریخ بین یدی الباحث یدرسه بأنّ کلّ رجل من سواد الناس یوم ذاک کان یری الفوز والسلامة لنفسه فی عدم التحزّب بأحد من تلکم الأحزاب المتکثّرة ، وترک الاقتحام فی تلک الثورات النائرة ، وکانت الخواطر تهدِّده بالقتل مهما أبدی الشقاق ، أو التحیّز إلی فئة دون فئة ، بعد ما رأت عیناه فِرند الصارم 3.

ص: 98


1- القمر : 3.
2- الروم : 4.
3- الأنعام : 127.
4- الواقعة : 1 - 3.

المسلول ، وسمعت أُذناه نداء محزّ (1) یتوعّد بالقتل کلَّ قائل بموت رسول الله ، ویقول : لا أسمع رجلاً یقول : مات رسول الله إلاّ ضربته بسیفی. أو یقول : من قال : إنَّه مات علوت رأسه بسیفی ، وإنّما ارتفع إلی السماء (2).

یصیح من قالَ نفسُ المصطفی قُبِضت

عَلَوتُ هامته بالسیف أبریها (3)

بعد ما تشازرت الأمّة وتلاکمت وتکالمت وقام الشیخان یعرض کلٌّ منهما البیعة لصاحبه قبل أخذ الرأی من أیّ أحد ، کأنَّ الأمر دبّر بلیل ، فیقول هذا لصاحبه : ابسط یدک فلأبایعک. ویقول آخر : بل أنت. وکلٌّ منهما یرید أن یفتح ید صاحبه ویبایعه ، ومعهما أبو عبیدة الجرّاح حفّار القبور بالمدینة (4) یدعو الناس إلیهما (5) ، والوصیُّ الأقدس والعترة الهادیة وبنو هاشم ألهاهم النبیّ الأعظم وهو مسجّیً بین یدیهم وقد أغلق دونه الباب أهله (6) ، وخلّی أصحابه صلی الله علیه وآله وسلم بینه وبین أهله فوَلوا (7) إجنانه (8) ومکث ثلاثة أیّام لا یُدفن (9) أو من یوم الاثنین إلی یوم ف)

ص: 99


1- المحزّ : الرجل الغلیظ الکلام. (المؤلف)
2- تاریخ الطبری : 3 / 198 [ 3 / 201 حوادث سنة 11 ه ] ، شرح ابن أبی الحدید : 1 / 128 [ 2 / 40 خطبة 26 ] ، تاریخ ابن کثیر : 5 / 242 [ 5 / 263 حوادث سنة 11 ه ] تاریخ أبی الفداء : 1 / 156 ، المواهب اللدنیّة للقسطلانی [ 4 / 544 - 546 ] ، روضة المناظر لابن شحنة [ 1 / 188 حوادث سنة 11 ] ، هامش الکامل : 7 / 164 ، شرح المواهب للزرقانی : 8 / 280 ، السیرة النبویّة لزینی دحلان ، هامش الحلبیّة : 3 / 371 - 374 [ 2 / 306 ] ، ذکری حافظ للدمیاطی : ص 36 نقلاً عن الغزالی [ فی إحیاء علوم الدین : 4 / 433 ]. (المؤلف)
3- من أبیات القصیدة العمریّة لحافظ إبراهیم [ دیوان حافظ إبراهیم : 1 / 81 ] شاعر النیل. (المؤلف)
4- راجع الجزء الخامس من هذا الکتاب : ص 367 ، 368. (المؤلف)
5- تاریخ الطبری : 3 / 199 [ 3 / 203 حوادث سنة 11 ه ]. (المؤلف)
6- سیرة ابن هشام : 4 / 336 [ 4 / 307 ] ، الریاض النضرة : 1 / 163 [ 1 / 203 ]. (المؤلف)
7- ولوا إجنانه : تولّوا دفنه.
8- طبقات ابن سعد : ص 821 ، طبع لیدن ج 2 من القسم الثانی : ص 76 [ 2 / 301 ]. (المؤلف)
9- تاریخ ابن کثیر : 5 / 271 [ 5 / 292 حوادث سنة 11 ه ] ، تاریخ أبی الفداء : 1 / 152. (المؤلف)

الأربعاء أو لیلته (1) فدفنه أهله ولم یله إلاّ أقاربه (2) دفنوه فی اللیل أوفی آخره (3) ، ولم یعلم به القوم إلاّ بعد سماع صریف المساحی وهم فی بیوتهم من جوف اللیل (4) ولم یشهد الشیخان دفنه صلی الله علیه وآله وسلم (5).

بعد ما رأی الرجل عمر بن الخطّاب محتجراً یهرول بین یدی أبی بکر وقد نبر حتی أزبد شدقاه (6).

بعد ما قرعت سمعه عقیرة صحابیّ بدریّ عظیم - الحباب بن المنذر - وقد انتضی سیفه علی أبی بکر ویقول : والله لا یردُّ علیَّ أحدٌ ما أقول إلاّ حطمت أنفه بالسیف ، أنا جُذیلها المحکّک (7) وعُذیقها المرجّب ، أنا أبو شبل فی عرینة الأسد یُعزی إلی به

ص: 100


1- طبقات ابن سعد طبع لیدن : 2 / 58 ، 79 [ 2 / 273 ، 305 ] ، سیرة ابن هشام : 4 / 343 ، 344 [ 4 / 314 ] ، مسند أحمد : 6 / 274 [ 7 / 390 ح 25817 ] ، سنن ابن ماجة : 1 / 499 [ 1 / 521 ، ح 1628 ] ، سیرة ابن سیّد الناس : 2 / 340 [ 2 / 434 ] ، تاریخ أبی الفداء : 1 / 152 وقال : الأصح دفنه لیلة الأربعاء ، تاریخ ابن کثیر 5 / 271 [ 5 / 291 حوادث سنة 11 ه ] وقال : هو المشهور عن الجمهور. وقال : والصحیح أنه دفن لیلة الأربعاء ، السیرة الحلبیّة : 3 / 394 [ 3 / 365 ] ، شرح المواهب للزرقانی : 8 / 284 ، سیرة زینی دحلان هامش الحلبیّة : 3 / 380 [ 2 / 308 ]. (المؤلف)
2- طبقات ابن سعد : ص 824 طبع ، لیدن ج 2 من القسم الثانی : ص 78 [ 2 / 304 ]. (المؤلف)
3- سنن ابن ماجة : 1 / 499 [ 1 / 521 ح 1628 ] ، مسند أحمد : 6 / 274 [ 7 / 390 ح 25817 ]. (المؤلف)
4- الطبقات لابن سعد : ص 824 ، طبع لیدن ج 2 من القسم الثانی : ص 78 [ 2 / 304 ] ، مسند أحمد : 6 / 274 [ 7 / 390 ح 25817 ] ، سیرة ابن هشام : 4 / 344 [ 4 / 314 ] ، تاریخ ابن کثیر : 5 / 270 [ 5 / 291 حوادث سنة 11 ه ]. (المؤلف)
5- أخرجه ابن أبی شیبة [ فی المصنّف : 14 / 568 ح 18892 ] کما فی کنز العمّال : 3 / 140 [ 5 / 652 ح 14139 ]. (المؤلف)
6- طبقات ابن سعد : ص 787 ، طبع لیدن ، ج 2 من القسم الثانی : ص 53 [ 2 / 267 ] ، شرح ابن أبی الحدید : 1 / 133 [ 2 / 56 خطبة 26 ]. (المؤلف)
7- الجذل بالکسر والفتح : أصل الشجرة والعود الذی ینصب للإبل الجرباء لتحتکّ به فتستشفی به

الأسد ، فیقال علیه : إذن یقتلک الله. فیقول : بل إیاک یقتل. أو : بل أراک تقتل (1) ، فأخذ ووُطِئ فی بطنه ، ودُسَّ فی فیه التراب (2).

بعد ما شاهد ثالثاً یخالف البیعة لأبی بکر وینادی : أما والله أرمیکم بکلِّ سهم فی کنانتی من نبل ، وأخضب منکم سنانی ورمحی ، وأضربکم بسیفی ما ملکته یدی ، وأُقاتلکم مع من معی من أهلی وعشیرتی (3).

بعد ما رأی رابعاً یتذمّر علی البیعة ویشبُّ نار الحرب بقوله : إنّی لأری عجاجة لا یطفئها إلاّ دم (4).ف)

ص: 101


1- صحیح البخاری : 10 / 45 [ 6 / 2506 ح 6442 ] ، مسند أحمد : 1 / 56 [ 1 / 90 ح 393 ] ، البیان والتبیین : 3 / 181 [ 3 / 198 ] ، سیرة ابن هشام : 4 / 339 [ 4 / 310 ] ، العقد الفرید : 2 / 248 [ 4 / 86 ] ، الإمامة والسیاسة : 1 / 9 [ 1 / 15 ] ، تاریخ الطبری : 3 / 209 ، 210 [ 3 / 220 ، 223 حوادث سنة 11 ه ] ، تاریخ ابن الأثیر : 2 / 136 ، 137 [ 2 / 12 و 13 حوادث سنة 11 ه ] ، الریاض النضرة : 1 / 162 و 164 [ 1 / 202 و 204 ] ، تاریخ ابن کثیر : 5 / 246 [ 5 / 267 حوادث سنة 11 ه ] ، 7 / 142 [ 7 / 160 حوادث سنة 23 ه ] ، صفة الصفوة : 1 / 97 [ 1 / 256 رقم 2 ] ، تیسیر الوصول : 2 / 45 [ 2 / 54 رقم 4 ] ، شرح ابن أبی الحدید : 1 / 128 [ 2 / 38 خطبة 26 ] ، 2 / 4 [ 6 / 9 خطبة 66 ] ، السیرة الحلبیة : 3 / 387 [ 3 / 358 ] ، أبو بکر الصدّیق للأستاذ محمد رضا المصری : ص 25. (المؤلف)
2- شرح ابن أبی الحدید : 2 / 16 [ 6 / 40 خطبة 66 ]. (المؤلف)
3- الإمامة والسیاسة : 1 / 11 [ 1 / 17 ] ، تاریخ الطبری : 3 / 210 [ 3 / 222 حوادث سنة 11 ه ] ، تاریخ ابن الأثیر : 2 / 137 [ 2 / 14 حوادث سنة 11 ه ] ، شرح ابن أبی الحدید : 1 / 128 [ 2 / 39 خطبة 26 ] ، السیرة الحلبیة : 3 / 387 [ 3 / 359 ]. (المؤلف)
4- راجع الجزء الثالث من کتابنا هذا صفحة : 253. (المؤلف)

بعد ما نظر إلی مثل سعد بن عبادة أمیر الخزرج وقد وقع فی ورطة الهون یُنزی علیه ، ویُنادی علیه بغضب : اقتلوا سعداً قتله الله إنّه منافق. أو : صاحب فتنة. وقد قام الرجل علی رأسه ویقول : لقد هممت أن أطأک حتی تندر (1) عضوک. أو تندر عیونک (2).

بعد ما شاهد قیس بن سعد قد أخذ بلحیة عمر قائلاً : والله لو حصصت منه شعرة ما رجعت وفی فیک واضحة. أو : لو خفضت منه شعرة ما رجعت وفیک جارحة (3).

بعد ما عاین الزبیر وقد اخترط سیفه ویقول : لا أغمده حتی یبایع علیّ. فیقول عمر : علیکم بالکلب ، فیؤخذ سیفه من یده ویُضرب به الحجر ویُکسر (4).

بعد ما بصر مقداداً ذلک الرجل العظیم وهو یدافع فی صدره ، أو نظر إلی الحباب ابن المنذر وهو یحطَّم أنفه ، وتُضرب یده. أو إلی اللائذین بدار النبوّة ، مأمن الأمّة ، وبیت شرفها ، بیت فاطمة وعلیٍّ - سلام الله علیهما - وقد لحقهم الإرهاب والترعید (5) ، وبعث إلیهم أبو بکر عمر بن الخطّاب وقال له : إن أبوا فقاتلهم. فأقبل ف)

ص: 102


1- ندر الشیء : سقط.
2- مسند أحمد : 1 / 56 ، [ 1 / 90 ح 393 ] ، العقد الفرید 2 / 249 [ 4 / 86 ] ، تاریخ الطبری : 3 / 210 ، [ 3 / 222 حوادث سنة 11 ه ] ، سیرة ابن هشام : 4 / 339 [ 4 / 310 ] ، الریاض النضرة : 1 / 162 ، 164 [ 1 / 202 ، 205 ] ، السیرة الحلبیة : 3 / 387 [ 3 / 359 ]. (المؤلف)
3- تاریخ الطبری : 3 / 210 [ 3 / 222 حوادث سنة 11 ه ] ، السیرة الحلبیة : 3 / 387 [ 3 / 359 ]. (المؤلف)
4- الإمامة والسیاسة : 1 / 11 [ 1 / 18 ] ، تاریخ الطبری : 3 / 199 [ 3 / 203 حوادث سنة 11 ه ] ، الریاض النضرة : 1 / 167 [ 1 / 207 ] ، شرح ابن أبی الحدید : 1 / 58 ، 132 [ 1 / 174 خطبة 3 و 2 / 56 خطبة 26 ] ، 2 / 5 ، 19 [ 6 / 11 و 47 خطبة 66 ]. (المؤلف)
5- تاریخ الطبری : 3 / 210 [ 3 / 223 حوادث سنة 11 ه ] ، شرح ابن أبی الحدید : 1 / 58 [ 1 / 174 خطبة 3 ]. (المؤلف)

عمر بقبس من نار علی أن یضرم علیهم الدار ، فلقیته فاطمة فقالت : «یا ابن الخطّاب أجئت لتحرق دارنا؟» قال : نعم ، أو تدخلوا فیما دخل فیه الأمّة (1).

بعد ما رأی هجوم رجال الحزب السیاسی دار أهل الوحی وکشف بیت فاطمة (2) ، وقد علت عقیرة قائدهم بعد ما دعا بالحطب : والله لتحرقنَّ علیکم أو لتخرجنَّ إلی البیعة. أو لأحرقنّها علی من فیها. فیقال للرجل : إنَّ فیها فاطمة. فیقول : وإن (3)!

بعد قول ابن شحنة : إنَّ عمر جاء إلی بیت علیٍّ لیحرقه علی من فیه فلقیته فاطمة فقال : ادخلوا فیما دخلت فیه الأمّة. تاریخ ابن شحنة (4) هامش الکامل (7 / 164).

بعد ما سمع أنّةً وحنّةً من حزینة کئیبة - بضعة المصطفی - وقد خرجت عن خدرها وهی تبکی وتنادی بأعلی صوتها : «یا أبت یا رسول الله ما ذا لقینا بعدک من ابن الخطّاب وابن أبی قحافة؟» (5).ف)

ص: 103


1- العقد الفرید : 2 / 250 [ 4 / 87 ] ، تاریخ أبی الفداء : 1 / 156 ، أعلام النساء : 3 / 1207 [ 4 / 114 ]. (المؤلف)
2- الأموال لأبی عبید : ص 131 [ ص 174 ح 353 ] ، الإمامة والسیاسة لابن قتیبة : 1 / 18 [ 1 / 19 ] ، تاریخ الطبری : 4 / 52 [ 3 / 222 حوادث سنة 11 ه ] ، مروج الذهب : 1 / 414 [ 2 / 137 ] ، العقد الفرید : 2 / 254 [ 4 / 93 ] ، تاریخ الیعقوبی : 2 / 105 [ 2 / 317 ]. (المؤلف)
3- تاریخ الطبری : 3 / 198 [ 3 / 202 حوادث سنة 11 ه ] ، الإمامة والسیاسة : 1 / 13 [ 1 / 19 ] ، شرح ابن أبی الحدید : 1 / 134 و 2 / 19 [ 2 / 56 خطبة 26 و 6 / 48 خطبة 66 ] ، أعلام النساء : 3 / 1205 [ 4 / 114 ]. (المؤلف)
4- روضة المناظر : 1 / 189 حوادث سنة 11 ه.
5- الإمامة والسیاسة : 1 / 13 [ 1 / 20 ] ، أعلام النساء : 3 / 1206 [ 4 / 115 ] ، الإمام علی لعبد الفتّاح عبد المقصود : 1 / 225 [ مج 1 / ج 1 / 191 ]. (المؤلف)

بعد ما رآها وهی تصرخ وتولول ومعها نسوة من الهاشمیّات تنادی : «یا أبا بکر ما أسرع ما أغرتم علی أهل بیت رسول الله ، والله لا أکلّم عمر حتی ألقی الله». شرح ابن أبی الحدید (1) (1 / 134 ، 2 / 19).

بعد ما شاهد هیکل القداسة والعظمة - أمیر المؤمنین - یُقاد إلی البیعة کما یقاد الجمل المخشوش (2) ، ویُدفع ویُساق سوقاً عنیفاً واجتمع الناس ینظرون ، ویُقال له : بایع.

فیقول : «إن أنا لم أفعل فمه؟» فیقال : إذن والله الذی لا إله إلاّ هو نضرب عنقک فیقول : «إذن تقتلون عبد الله وأخا رسوله» (3).

بعد ما رأی صنو المصطفی علیّا لاذ بقبر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وهو یصیح ویبکی ویقول : «یا ابن أُمّ إنَّ القوم استضعفونی وکادوا یقتلوننی» (4).

بعد نداء أبی عبیدة الجرّاح لعلیّ علیه السلام یوم سیق إلی البیعة : یا ابن عمّ إنَّک حدیث السنِّ وهؤلاء مشیخة قومک لیس لک مثل تجربتهم ومعرفتهم بالأُمور ، ولا أری أبا بکر إلاّ أقوی علی هذا الأمر منک وأشدّ احتمالاً واضطلاعاً به ، فسلّم لأبی بکر هذا الأمر ؛ فإنَّک إن تعش ویطل بک بقاء فأنت لهذا الأمر خلیقٌ وبه حقیقٌ فی فضلک ودینک وعلمک وفهمک وسابقتک ونسبک وصهرک (5).

بعد رفع الأنصار عقیرتهم فی ذلک الیوم العصبصب بقولهم : لا نبایع إلاّ علیّا. ف)

ص: 104


1- شرح نهج البلاغة : 2 / 57 خطبة 26 و 6 / 49 خطبة 66.
2- العقد الفرید : 2 / 285 [ 4 / 137 ] ، صبح الأعشی : 1 / 228 [ 1 / 273 ] ، شرح ابن أبی الحدید : 3 / 407 [ 15 / 74 کتاب 9 ]. (المؤلف)
3- الإمامة والسیاسة : 1 / 13 [ 1 / 20 ] ، شرح ابن أبی الحدید : 2 / 8 و 19 [ 6 / 49 خطبة 66 ] ، أعلام النساء : 3 / 1206 [ 4 / 115 ]. (المؤلف)
4- الإمامة والسیاسة : 1 / 14 [ 1 / 20 ]. (المؤلف)
5- الإمامة والسیاسة : 1 / 13 [ 1 / 18 ] ، شرح ابن أبی الحدید : 2 / 5 [ 6 / 12 خطبة 66 ]. (المؤلف)

وبعد صیاح بدریِّهم : منّا أمیرٌ ومنکم أمیرٌ ، وقول عمر له : إذا کان ذلک فمت إن استطعت (1).

بعد قول أبی بکر للأنصار : نحن الأُمراء وأنتم الوزراء ، وهذا الأمر بیننا وبینکم نصفان کشقِّ الأبلمة - یعنی الخوصة (2).

مدّت لها الأوسُ کفّا کی تناولها

فمدّت الخزرجُ الأیدی تباریها

وظنَّ کلُّ فریق أنّ صاحبَهم

أولی بها وأتی الشحناء آتیها (3)

بعد قول أمّ مسطح بن أثاثة واقفةً عند قبر النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وهی تنادی : یا رسول الله :

قد کان بعدک أنباءٌ وهنبثةٌ (4)

لو کنتَ شاهدَها لم تکثر الخطبُف)

ص: 105


1- صحیح البخاری فی مناقب أبی بکر وفی باب رجم الحبلی : 10 / 45 [ 3 / 1341 ح 3467 و 6 / 2506 ح 6442 ] ، طبقات ابن سعد : 2 / 55 [ 2 / 269 ] ، 3 / 129 [ 3 / 182 ] ، البیان والتبیین للجاحظ : 3 / 181 [ 3 / 198 ] ، سیرة ابن هشام : 4 / 339 [ 4 / 310 ] ، التمهید للباقلاّنی : ص 197 ، تاریخ الطبری : 3 / 206 ، 209 [ 3 / 203 ، 206 حوادث سنة 11 ه ] ، مستدرک الحاکم : 3 / 67 [ 3 / 70 ح 4423 ] ، الریاض النضرة : 1 / 162 ، 163 ، 164 [ 2 / 201 - 205 ] ، تاریخ ابن کثیر : 5 / 146 [ 5 / 267 حوادث سنة 11 ه ] ، تیسیر الوصول : 2 / 41 ، 45 [ 2 / 50 ، 54 ح 3 و 4 ]. (المؤلف)
2- صحیح البخاری - فی مناقب أبی بکر - [ 3 / 1341 ح 3467 ] ، البیان والتبیین : 1 / 181 [ 3 / 199 ] ، عیون الأخبار لابن قتیبة : 2 / 234 [ مج 1 / ج 5 / 233 - 234 ] ، طبقات ابن سعد : 2 / 55 و 3 / 129 [ 2 / 269 و 3 / 182 ] ، العقد الفرید : 2 / 158 [ 4 / 86 ] ، تیسیر الوصول : 2 / 452 [ 2 / 50 ح 3 ] ، السیرة الحلبیة : 3 / 386 [ 3 / 357 ] ، نهایة ابن الأثیر : 1 / 13 [ 1 / 17 ] وفیه : کقدّ الأبلمة ، تاج العروس : 8 / 205. (المؤلف)
3- من أبیات القصیدة العمریة لحافظ إبراهیم شاعر النیل [ أنظر دیوان حافظ إبراهیم : 1 / 81 ]. (المؤلف)
4- الهنبثة : الأمر الشدید والاختلاط فی القول. (المؤلف)

إنّا فقدناک فقدَ الأرضِ وابلَها

واختلَّ قومک فاشهدهمْ ولا تغب (1)

هذه کلّها کانت تهدّد السواد ، وتروّع عامّة الناس وما کان لأحد فی إصلاح القوم مطمع ، ولا لأیّ من الأمّة بعد ما شاهد الحال یوم ذاک حسبان حرمة ولا کرامة لنفسه یقوم بها تجاه ذلک التیّار المتدفّق.

وکانت هناک أمّة تراها سکری - وما هی بسکری - من حراجة الموقف تسارّها هواجسها بالتربّص إلی حین ، حتی تضع الغائلة أوزارها ، ویتّضح مآل أمر دبّر بلیل ، ویتبیّن الرشد من الغیِّ ، وهواجس تجعل جماعة کالنزیعة (2) تجهش وتحنُّ وتقرع سنّ الأسف ، وکم حنون لا یجدیه حنینه.

وما عسانی أن أقول فی تلک الخلافة بعد ما رآها أبو بکر وعمر بن الخطّاب فلتة کفلتة الجاهلیّة وقی الله شرّها (3)؟

بعد ما حکم عمر بقتل من عاد إلی مثل تلک البیعة (4).

بعد قوله یوم السقیفة : من بایع أمیراً عن غیر مشورة المسلمین فلا بیعة له ولا بیعة للذی بایعه تغرّة أن یقتلا (5).56

ص: 106


1- طبقات ابن سعد : ص 853 [ 2 / 332 ] ، شرح ابن أبی الحدید : 2 / 17 [ 6 / 43 خطبة 66 ] ، 1 / 132 [ 2 / 50 خطبة 26 ] ، وقد یعزی البیتان مع أبیات أخری إلی الصدّیقة فاطمة سلام الله علیها. (المؤلف)
2- یقال : نزعت الناقة إلی وطنها فهی نزیعة : أی حنّت واشتاقت.
3- التمهید للباقلاّنی : ص 196 ، شرح ابن أبی الحدید : 2 / 19 [ 6 / 47 خطبة 66 ] ، الغدیر لنا : 5 / 370. (المؤلف)
4- التمهید للباقلاّنی : ص 196 ، شرح ابن أبی الحدید : 1 / 123 ، 124 [ 2 / 26 خطبة 26 ] ، الصواعق لابن حجر : ص 21 [ ص 36 ]. (المؤلف)
5- صحیح البخاری : 10 / 44 [ 6 / 2507 ح 6442 ] باب رجم الحبلی من الزنا ، مسند أحمد : 1 / 56

بعد قوله لابن عباس : لقد کان علیّ فیکم أولی بهذا الأمر منّی ومن أبی بکر (1).

بعد قوله : إنّا والله ما فعلناه عن عداوة ولکن استصغرناه ، وحسبنا أن لا یجتمع علیه العرب وقریش لما قد وترها.

بعد قول ابن عبّاس له فی جوابه : کان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یبعثه فینطح کبشها فلم یستصغره ، أفتستصغره أنت وصاحبک (2)؟

بعد قول عمر لابن عبّاس : یا ابن عبّاس ما أظنُّ صاحبک إلاّ مظلوماً. وقول ابن عبّاس له : والله ما استصغره الله حین أمره أن یأخذ سورة براءة من أبی بکر. شرح ابن أبی الحدید (3) (2 / 18).

بعد قول أبی السبطین أمیر المؤمنین : «أنا عبد الله وأخو رسول الله ، أنا أحقُّ بهذا الأمر منکم ، لا أُبایعکم وأنتم أولی بالبیعة لی» ، فیقول عمر : لستَ متروکاً حتی تبایع ، فیقول علیّ : «احلب یا عمر حلباً لک شطره» (4).

بعد قوله علیه السلام : «الله الله یا معشر المهاجرین ألاّ تخرجوا سلطان محمد فی العرب من داره ، وقعر بیته إلی دورکم ، وتدفعوا أهله عن مقامه فی الناس وحقّه ، فو الله یا معشر المهاجرین فنحن أحقُّ الناس به لأنّا أهل البیت ونحن أحقُّ بهذا الأمر ف)

ص: 107


1- شرح ابن أبی الحدید : 1 / 132 [ 2 / 57 خطبة 26 ] ، 2 / 20 [ 6 / 50 خطبة 66 ] ، الغدیر کتابنا هذا : 1 / 389. (المؤلف)
2- راجع الجزء الأوّل من کتابنا هذا : ص 389 ، کنز العمّال : 6 / 391 [ 13 / 109 ح 36357 ]. (المؤلف)
3- شرح نهج البلاغة : 6 / 45 خطبة 66.
4- الإمامة والسیاسة : 1 / 12 [ 1 / 18 ] ، شرح ابن أبی الحدید : 2 / 5 [ 6 / 11 خطبة 66 ]. (المؤلف)

منکم ، ما کان فینا القارئ لکتاب الله ، العالم بسنن الله ، المضطلع بأمر الرعیّة ، الدافع عنهم الأمور السیّئة ، القاسم بینهم بالسویّة ، والله إنَّه لفینا ، فلا تتّبعوا الهوی فتضلّوا عن سبیل الله فتزدادوا من الحقِّ بعدا» (1).

بعد قوله علیه السلام : «لمّا مضی - المصطفی - لسبیله تنازع المسلمون الأمر بعده ، فو الله ما کان یُلقی فی روعی ، ولا یخطر علی بالی أنَّ العرب تعدل هذا الأمر بعد محمد عن أهل بیته ، ولا أنَّهم مُنحّوه عنّی من بعده ، فما راعنی إلاّ انثیال الناس علی أبی بکر ، وإجفالهم إلیه لیبایعوه ، فأمسکت یدی ، ورأیت أنِّی أحقُّ بمقام محمد فی الناس ممّن تولّی الأمر من بعده» (2).

بعد ما خرج علیّ کرّم الله وجهه یحمل فاطمة بنت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم علی دابّة لیلاً فی مجالس الأنصار تسألهم النصرة ، فکانوا یقولون : یا بنت رسول الله قد مضت بیعتنا لهذا الرجل ، ولو أنَّ زوجک وابن عمّک سبق إلینا قبل أبی بکر ما عدلنا به ، فیقول علیّ کرّم الله وجهه : «أفکنت أدع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی بیته لم أدفنه ، وأخرج أُنازع سلطانه؟ فقالت فاطمة : ما صنع أبو الحسن إلاّ ما کان ینبغی له ولقد صنعوا ما الله حسیبهم وطالبهم» (3).

بعد قوله علیه السلام : «أما والله لقد تقمّصها ابن أبی قحافة ، وإنَّه لیعلم أنَّ محلّی منها محلُّ القطب من الرحی ، ینحدر عنّی السیل ، ولا یرقی إلیَّ الطیر ، فسدلت دونها ثوباً ، وطویت عنها کشحاً ، وطفقت أرتئی بین أن أصول بیدٍ جذّاء ، أو أصبر علی طخیة عمیاء ، یهرم فیها الکبیر ، ویشیب فیها الصغیر ، ویکدح فیها مؤمن حتی یلقی ربَّه ، ف)

ص: 108


1- الإمامة والسیاسة : 1 / 12 [ 1 / 19 ] ، شرح ابن أبی الحدید : 2 / 5 [ 6 / 12 خطبة 66 ]. (المؤلف)
2- الإمامة والسیاسة : 1 / 120 [ 1 / 133 ]. (المؤلف)
3- الإمامة والسیاسة : 1 / 12 [ 1 / 19 ] ، شرح ابن أبی الحدید : 1 / 131 ، 2 / 5 [ 2 / 47 خطبة 26 و 6 / 13 خطبة 66 ]. (المؤلف)

فرأیت أنَّ الصبر علی هاتا أحجی ، فصبرت وفی العین قذی ، وفی الحلق شجی ، أری تراثی نهباً ، حتی مضی الأوّل لسبیله فأدلی بها إلی ابن الخطّاب بعده.

ثمّ تمثّل بقول الأعشی :

شتّان ما یومی علی کورها

ویوم حیّان أخی جابر

فیا عجباً یستقیلها فی حیاته إذ عقدها لآخر بعد وفاته ، لشدّ ما تشطّرا ضرعیها ، فصیّرها فی حوزة خشناء یغلظ کلمها ، ویخشن مسُّها ، ویکثر العثار فیها والاعتذار منها ، فصاحبها کراکب الصعبة ، إن أشنق لها خرم ، وإن أسلس لها تقحّم ، فمُنی الناس - لعمر الله - بخبط وشماس ، وتلوّن واعتراض ، فصبرت علی طول المدّة ، وشدّة المحنة حتی إذا مضی لسبیله جعلها فی جماعة زعم أنّی أحدهم فیا لله وللشوری ، متی اعترض الریب فیَّ مع الأوّل منهم حتی صرت أُقرن إلی هذه النظائر ، لکنِّی أسففت إذا سفّوا ، وطرت إذا طاروا ، فصغا رجلٌ منهم لضغنه ، ومال الآخر لصهره مع هنٍ وهنٍ ، إلی أن قام ثالث القوم نافجاً حضنیه بین نثیله ومعتلفه ، وقام معه بنو أبیه یخضمون مال الله خضمة الإبل نبتة الربیع ، إلی أن انتکث فتله ، وأجهز علیه عمله ، وکبت به بطنته». الحدیث.

کلمتنا حول هذه الخطبة :

هذه الخطبة تسمّی بالشقشقیّة ، وقد کثر الکلام حولها فأثبتها مَهرَة الفنِّ من الفریقین ورأوها من خطب مولانا أمیر المؤمنین الثابتة التی لا مغمز فیها ، فلا یُسمع إذن قول الجاهل بأنَّها من کلام الشریف الرضی ، وقد رواها غیر واحد فی القرون الأولی قبل أن تنعقد للرضی نطفته ، کما جاءت بإسناد معاصریه والمتأخِّرین عنه من غیر طریقه ، وإلیک أمّة من أولئک :

ص: 109

1 - الحافظ یحیی بن عبد الحمید الحِمّانی : المتوفّی (228) ، کما فی طریق الجلودی فی العلل (1) والمعانی (2).

2 - أبو جعفر دعبل الخزاعی : المتوفّی (246) ، رواها بإسناده عن ابن عبّاس کما فی أمالی شیخ الطائفة (3) (ص 237) ، ورواها عنه أخوه أبو الحسن علیّ.

3 - أبو جعفر أحمد بن محمد البرقی : المتوفّی (274 ، 280) ، کما فی علل الشرائع (4).

4 - أبو علی الجبّائی شیخ المعتزلة : المتوفّی (303) ، کما فی الفرقة الناجیة للشیخ إبراهیم القطیفی ، والبحار للعلاّمة المجلسی (5) (8 / 161).

5 - وجدت بخطّ قدیم علیه کتابة الوزیر أبی الحسن علیّ بن الفرات : المتوفّی (312) ، کما فی شرح ابن میثم (6).

6 - أبو القاسم البلخی أحد مشایخ المعتزلة : المتوفّی (317) ، کما فی شرح ابن أبی الحدید (7) (1 / 69).

7 - أبو أحمد عبد العزیز الجلودی البصری : المتوفّی (332) ، کما فی معانی الأخبار (8). 0.

ص: 110


1- علل الشرائع : 1 / 184 ح 13.
2- معانی الأخبار : ص 360.
3- أمالی الطوسی : ص 372 - 374 ح 803.
4- علل الشرائع : 1 / 181 ح 12.
5- بحار الأنوار : 8 / 155 - الطبعة الحجریة.
6- شرح نهج البلاغة لابن میثم : 1 / 252 - 253 خطبة 3.
7- شرح نهج البلاغة : 1 / 205 خطبة 3.
8- معانی الأخبار : ص 360.

8 - أبو جعفر بن قبة تلمیذ أبی القاسم البلخی المذکور ، رواها فی کتابه الإنصاف کما فی شرح ابن أبی الحدید (1) (1 / 69) ، وشرح ابن میثم (2).

9 - الحافظ سلیمان بن أحمد الطبرانی : المتوفّی (360) ، کما فی طریق القطب الراوندی فی شرح النهج (3).

10 - أبو جعفر بن بابویه القمی : المتوفّی (381) ، فی کتابیه : علل الشرائع (4) ومعانی الأخبار (5).

11 - أبو أحمد الحسن بن عبد الله العسکری : المتوفّی (382) ، حکی عنه شیخنا الصدوق شرح الخطبة فی معانی الأخبار (6) والعلل (7).

لفت نظر :

عدّه السیّد العلاّمة الشهرستانی فی ما هو نهج البلاغة (ص 22) ممّن روی الشقشقیّة فأرّخ وفاته بسنة (395) ، وذکره فی (ص 23) فقال : من أبناء القرن الثالث. لا یتمُّ هذا ولا یصحّ ذاک ، وقد خفی علیه أنَّ الحسن بن عبد الله العسکری راوی الشقشقیة هو أبو أحمد صاحب کتاب الزواجر وقد توفّی سنة (382) وولد (293) ، وحسبه أبا هلال الحسن بن عبد الله العسکری صاحب کتاب الأوائل تلمیذ أبی أحمد العسکری ، والتاریخ الذی ذکره تاریخ فراغه من کتابه الأوائل لا تاریخ وفاته. توجد 2.

ص: 111


1- شرح نهج البلاغة : 1 / 206 خطبة 3.
2- شرح نهج البلاغة لابن میثم : 1 / 252 خطبة 3.
3- منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة : 1 / 132.
4- علل الشرائع : 1 / 181 ح 12.
5- معانی الأخبار : ص 360.
6- معانی الأخبار : ص 362.
7- علل الشرائع : 1 / 182 ح 12.

ترجمة کلا الحسنین العسکریین فی معجم الأدباء (8 / 233 - 268) ، وبغیة الوعاة (1) : (ص 221).

12 - أبو عبد الله المفید : المتوفّی (412) ، أستاذ الشریف الرضی رواها فی کتابه الإرشاد (2) (ص 135).

13 - القاضی عبد الجبّار المعتزلی : المتوفّی (415) ، ذکر فی کتابه المغنی (3) تأویل بعض جمل الخطبة ومنع دلالتها علی الطعن فی خلافة من تقدّم علی أمیر المؤمنین من دون أیّ إیعاز إلی الغمز فی إسنادها.

14 - الحافظ أبو بکر بن مردویه : المتوفّی (416) ، کما فی طریق الراوندی فی شرح النهج (4).

15 - الوزیر أبو سعید الآبی : المتوفّی (422) ، فی کتابه نثر الدرر ونزهة الأدب (5).

16 - الشریف المرتضی أخو الشریف الرضی الأکبر : توفّی سنة (436) ، ذکر جملة منها فی الشافی (6) (ص 203) فقال : مشهور. وذکر صدرها فی (ص 204) فقال : معروف.

17 - شیخ الطائفة الطوسی : المتوفّی (460) ، رواها فی أمالیه (7) (ص 327) عن 3.

ص: 112


1- بغیة الوعاة : 1 / 506 رقم 1045 ، 1046.
2- الإرشاد : ص 152.
3- المغنی : ص 295.
4- منهاج البراعة : 1 / 132.
5- نثر الدرر ونزهة الأدب : ص 99.
6- الشافی فی الإمامة : 3 / 224 ، 228.
7- أمالی الطوسی : ص 372 - 374 ح 803.

السیّد أبی الفتح هلال بن محمد بن جعفر الحفّار المترجم فی مستدرک العلاّمة النوری (3 / 509) من طریق الخزاعیّین ، وفی تلخیص الشافی (1).

18 - أبو الفضل المیدانی : المتوفّی (518) ، فی مجمع الأمثال (2) (ص 383) قال : ولأمیر المؤمنین علیّ رضی الله عنه خطبة تعرف بالشقشقیّة ، لأنّ ابن عبّاس قال له حین قطع کلامه : یا أمیر المؤمنین لو اطّردت مقالتک من حیث أفضیت. فقال : هیهات یا ابن عبّاس تلک شقشقةٌ هدرت ثمّ قرّت.

19 - أبو محمد عبد الله بن أحمد البغدادی الشهیر بابن الخشاب : المتوفّی (567) ، قرأها علیه أبو الخیر مصدّق الواسطی النحوی ، وسیوافیک بُعید هذا کلامه فیها.

20 - أبو الحسن قطب الدین الراوندی : المتوفّی (573) ، رواها فی شرح نهج البلاغة (3) من طریق الحافظین : ابن مردویه والطبرانی وقال : أقول : وجدتها فی موضعین تاریخهما قبل مولد الرضی بمدّة ، أحدهما : أنَّها مضمنة کتاب الإنصاف لأبی جعفر بن قبة تلمیذ أبی القاسم الکعبی أحد شیوخ المعتزلة وکانت وفاته قبل مولد الرضی. الثانی : وجدتها بنسخة علیها خطّ الوزیر أبی الحسن علیّ بن محمد بن الفرات وکان وزیر المقتدر بالله ، وذلک قبل مولد الرضی بنیف وستّین سنة ، والذی یغلب علی ظنّی أنَّ تلک النسخة کانت کتبت قبل وجود ابن الفرات بمدة.

21 - أبو منصور الطبرسی أحد مشایخ ابن شهرآشوب : المتوفّی (588) فی کتابه الاحتجاج (4) (ص 95) فقال : روی جماعة من أهل النقل من طرق مختلفة عن ابن عبّاس. 5.

ص: 113


1- تلخیص الشافی : 3 / 53.
2- مجمع الأمثال : 2 / 170 رقم 1987.
3- منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة : 1 / 118 ، 135.
4- الاحتجاج : 1 / 451 ح 105.

22 - أبو الخیر مصدّق بن شبیب الصلحی النحوی : المتوفّی (605) ، قرأها علی أبی محمد بن الخشّاب وقال : لمّا قرأت هذه الخطبة علی شیخی أبی محمد بن الخشّاب ووصلت إلی قول ابن عبّاس : ما أسفت علی شیء قطُّ کأسفی علی هذا الکلام. قال : لو کنت حاضراً لقلت لابن عبّاس : وهل ترک ابن عمّک فی نفسه شیئاً لم یقله فی هذه الخطبة؟ فإنّه ما ترک لا الأوّلین ولا الآخرین. قال مصدّق : وکانت فیه دعابة ، فقلت له : یا سیّدی فلعلّها منحولةٌ إلیه. فقال : لا والله إنّی أعرف أنَّها من کلامه کما أعرف أنّک مصدّق. قال فقلت : إنَّ الناس ینسبونها إلی الشریف الرضی. فقال : لا والله ، ومن أین للرضی هذا الکلام وهذا الأُسلوب ، فقد رأینا کلامه فی نظمه ونثره لا یقرب من هذا الکلام ولا ینتظم فی سلکه ، ثمّ قال : والله لقد وقفت علی هذه الخطبة فی کتب صُنّفت قبل أن یخلق الرضی بمائتی سنة ، ولقد وجدتها مسطورة بخطوط أعرفها وأعرف خطوط من هو من العلماء وأهل الأدب قبل أن یُخلق النقیب أبو أحمد والد الرضی. راجع شرح ابن میثم (1). وشرح ابن أبی الحدید (2) (1 / 69).

23 - مجد الدین أبو السعادات ابن الأثیر الجزری المتوفّی (606) ، أوعز إلیها فی کلمة شقشق فی النهایة (3) (2 / 249) فقال : ومنه حدیث علیّ فی خطبة له : تلک شقشقة هدرت ثم قرّت.

24 - أبو المظفّر سبط ابن الجوزی : المتوفّی (654) فی تذکرته (4) (ص 73) من طریق شیخه أبی القاسم النفیس الأنباری بإسناده عن ابن عبّاس فقال : تُعرف بالشقشقیّة ، ذکر بعضها صاحب نهج البلاغة وأخلَّ بالبعض وقد أتیت بها مستوفاة. ثمّ ذکرها مع اختلاف ألفاظها. 4.

ص: 114


1- شرح نهج البلاغة لابن میثم : 1 / 252 خطبة 3.
2- شرح نهج البلاغة : 1 / 205 خطبة 3.
3- النهایة فی غریب الحدیث : 2 / 490.
4- تذکرة الخواص : ص 124.

25 - عزّ الدین ابن أبی الحدید المعتزلی : المتوفّی (655) قال فی شرح النهج (1) (1 / 69) : قلت : وقد وجدت أنا کثیراً من هذه الخطبة فی تصانیف شیخنا أبی القاسم البلخی إمام البغدادیّین من المعتزلة وکان فی دولة المقتدر قبل أن یخلق الرضی بمدّة طویلة. ووجدت أیضاً کثیراً منها فی کتاب أبی جعفر بن قبة أحد متکلّمی الإمامیّة وهو الکتاب المشهور بکتاب الإنصاف ، وکان أبو جعفر هذا من تلامذة الشیخ أبی القاسم البلخی رحمه الله تعالی ومات فی ذلک العصر قبل أن یکون الرضی رحمه الله تعالی موجوداً.

26 - کمال الدین بن میثم البحرانی : المتوفّی (679) ، حکاها عن نسخة قدیمة علیها خطُّ الوزیر علیّ بن الفرات : المتوفّی (312) ، وعن کتاب الإنصاف لابن قبة ، وذکر کلمة ابن الخشّاب المذکورة وقراءة أبی الخیر إیّاها علیه.

27 - أبو الفضل جمال الدین بن منظور الإفریقی المصری : المتوفّی (711) قال فی مادّة : شقشق من کتابه لسان العرب (2) (12 / 53) : وفی حدیث علیّ رضوان الله علیه فی خطبة له : تلک شقشقةٌ هدرت ثمّ قرّت.

28 - مجد الدین الفیروزآبادی : المتوفّی (816 ، 817) أوعز إلیها فی القاموس (3) (3 / 251) قال : والخطبة الشقشقیة العلویّة لقوله لابن عبّاس لمّا قال له : لو اطّردت مقالتک من حیث أفضیت ، یا ابن عبّاس هیهات تلک شقشقةٌ هدرت ثمّ قرّت.

ثمّ ما عسانی أن أقول بعد ما یعربد شاعر النیل (4) الیوم ، ویؤجّج النیران الخامدة ویُجدّد تلکم الجنایات المنسیّة - لاها الله لا تُنسی مع الأبد - ویعدّها ثناء علی ف)

ص: 115


1- شرح نهج البلاغة : 1 / 205 - 206 خطبة 3.
2- لسان العرب : 7 / 168.
3- القاموس المحیط : ص 1160.
4- محمد حافظ إبراهیم : المتوفّی سنة : 1933 م 1351 ه. (المؤلف)

السلف ، ویرفع عقیرته بعد مضی قرون علی تلکم المعرّات ، ویتبهّج ویتبجّح بقوله فی القصیدة العمریّة تحت عنوان : عمر وعلیّ :

وقولةٍ لعلیٍّ قالها عُمرُ

أکرم بسامعها أعظِم بملقیها

حرّقتُ دارَکَ لا أُبقی علیک بها

إن لم تبایعْ وبنتُ المصطفی فیها

ما کان غیرُ أبی حفصٍ یفوهُ بها

أمامَ فارسِ عدنانٍ وحامیها

ما ذا أقول بعد ما تحتفل الأمّة المصریّة فی حفلة جامعة فی أوائل سنة (1918) بإنشاد هذه القصیدة العمریّة التی تتضمّن ما ذکر من الأبیات؟ وتنشرها الجرائد فی أرجاء العالم ، ویأتی رجال مصر نظراء أحمد أمین ، وأحمد الزین ، وإبراهیم الأبیاری (1) ، وعلی الجارم ، وعلی أمین (2) ، وخلیل مطران (3) ، ومصطفی الدمیاطی بک (4) وغیرهم (5) ویعتنون بنشر دیوانٍ هذا شعره ، وبتقدیر شاعر هذا شعوره ، ویخدشون العواطف فی هذه الأزمة ، فی هذا الیوم العصبصب ، ویعکِّرون بهذه النعرات الطائفیّة صفو السلام والوئام فی جامعة الإسلام ، ویشتّتون بها شمل المسلمین ، ویحسبون أنّهم یحسنون صنعاً.

وتراهم یجدّدون طبع دیوان الشاعر وقصیدته العمریّة خاصّة مرّة بعد أخری ، ویعلِّق علیها شارحها الدمیاطی قوله فی البیت الثانی : المراد أنَّ علیّا لا یعصمه من ف)

ص: 116


1- ضبط وصحّح وشرح هؤلاء الثلاثة الدیوان طبعة سنة 1937 م بدار الکتب فی جزءین والأبیات المذکورة توجد فیها : 1 / 82. (المؤلف)
2- هما ومعهما ثالث التزموا تصحیح الدیوان فی طبعة أخری. (المؤلف)
3- له مقدّمة لدیوان حافظ فی طبعة مکتبة الهلال سنة 1935 م 1353 ه والأبیات فیها : ص 184 ، غیر أنَّ الشطر الثانی من البیت الثانی محرّف ب : إن لم تبالغ وبنت المصطفی فیها. (المؤلف)
4- شارح القصیدة العمریة طبع بمطبعة السعادة فی مصر فی 90 صفحة. توجد الأبیات فیه مشروحة : ص 38. (المؤلف)
5- فی عدّة طبعات أخری. (المؤلف)

عمر سکنی بنت المصطفی فی هذه الدار.

وقال فی (ص 39) من الشرح : وفی روایة لابن جریر الطبری قال : حدّثنا جریر ، عن مغیرة ، عن زیاد بن کلیب قال : أتی عمر بن الخطّاب منزل علیّ وبه طلحة والزبیر ورجال من المهاجرین فقال : والله لأحرقنَّ علیکم أو لتخرجنَّ إلی البیعة ، فخرج علیه الزبیر مصلتاً بالسیف فسقط السیف من یده فوثبوا علیه فأخذوه. فإن کان زیاد هذا هو الحنظلی أبو معشر الکوفی فهو موثّق. والظاهر أنَّ حافظاً رحمه الله عوّل علی هذه الروایة. انتهی.

وتراهم بالغوا فی الثناء علی الشاعر وقصیدته هذه کأنَّه جاء للأمّة بعلم جمّ ، أو رأی صالح جدید ، أو أتی لعمر بفضیلة رابیة تسرُّ بها الأمّة ونبیُّها المقدّس ، فبشری بل بشریان للنبیّ الأعظم بأنَّ بضعته الصدِّیقة لم تکن لها أیّ حرمة وکرامة عند من یلهج بهذا القول ، ولم یکن سکناها فی دار طهّر الله أهلها یعصمهم منه ومن حرق الدار علیهم. فزهٍ زهٍ بانتخاب هذا شأنه ، وبخٍ بخٍ ببیعة تمّت بذلک الإرهاب ، وقضت بتلک الوصمات.

لا تهمّنا هذه کلّها وإنَّما یهمّنا الساعة - بعد أن درسنا تاریخ حیاة الخلیفة الأوّل فوجدناه لدة غیره من الناس العادیِّین فی نفسیّاته قبل إسلامه وبعده ، وإنَّما سنّمه عرش الخلافة الانتخاب فحسب - البحث فی موضوعین ، ألا وهما : فضائله المأثورة وملکاته النفسیّة.

- 1 -

فضائله المأثورة

هل صحّ عن النبیّ الأعظم صلی الله علیه وآله وسلم فیه حدیث فضیلة؟ وهل صحیح ما رووه فیه من الثناء الکثیر الحافل؟ نحن هاهنا نقف موقف المستشفّ للحقیقة ، ولا ننبس

ص: 117

فی القضاء ببنتِ شفة ، غیر ما ننقله عن أئمة فنّ الحدیث الممیّزین بین صحیحه وسقیمه. ثمّ نردفه بالاعتبار الذی یساعده.

قال الفیروزآبادی فی خاتمة کتابه سفر السعادة (1) المطبوع : خاتمة الکتاب فی الإشارة إلی أبواب روی فیها أحادیث ولیس منها شیء صحیح ، ولم یثبت منها عند جهابذة علماء الحدیث شیءٌ. ثمّ عدَّ أبواباً إلی أن قال (2) :

باب فضائل أبی بکر الصدّیق رضی الله عنه. أشهر المشهورات من الموضوعات أنَّ الله یتجلّی للناس عامّة ولأبی بکر خاصّة. وحدیث : ما صبَّ الله فی صدری شیئاً إلاّ وصبّه فی صدر أبی بکر. وحدیث : کان صلی الله علیه وآله وسلم إذا اشتاق الجنّة قبّل شیبة أبی بکر. وحدیث : أنا وأبو بکر کفرسی رهان. وحدیث : إنَّ الله لمّا اختار الأرواح اختار روح أبی بکر. وأمثال هذا من المفتریات المعلوم بطلانها ببدیهة العقل. انتهی.

وعدَّ العجلونی فی کتابه کشف الخفاء (ص 2 / 419 - 424) مائة باب من أبواب الفقه وغیره فقال : لم یصحّ فیه حدیث. أو : لیس فیه حدیث صحیح. وما یقاربهما وقال فی (ص 419) : باب فضائل أبی بکر الصدّیق رضی الله عنه أشهر المشهورات من الموضوعات کحدیث : إن الله یتجلّی للناس عامّة ولأبی بکر خاصّة. إلی آخر عبارة الفیروزآبادی المذکورة.

وذکر السیوطی فی اللآلئ المصنوعة (1 / 286 - 302) ثلاثین حدیثاً من أشهر فضائل أبی بکر ممّا أتخذه المؤلِّفون فی القرون الأخیرة من المتسالم علیه ، وأرسلوه إرسال المسلّم بلا أیِّ سند أو أیِّ مبالاة وزیّفها وحکم فیها بالوضع وذکر رأی الحفّاظ فیها.1.

ص: 118


1- سفر السعادة : 2 / 207.
2- سفر السعادة : 2 / 211.

کان السیوطی یهملج وراء القوم فبهظه أن لا یستصحّ حتی حدیثاً واحداً من تلکم الثلاثین فقال فی (ص 296) فیما عزا إلیه صلی الله علیه وآله وسلم من قوله : عُرج بی إلی السماء فما مررت بسماء إلاّ وجدت فیها مکتوباً : محمد رسول الله ، أبو بکر الصدّیق من خلفی بعد ما حکم علیه بالوضع لمکان عبد الله بن إبراهیم الغفاری (1) الوضّاع. ومکان شیخه عبد الرحمن بن زید المتّفق علی ضعفه بنصّ منه علیهما بذلک ما لفظه :

قلت : الذی أستخیر الله فیه الحکم علی هذا الحدیث بالحسن لا بالوضع ولا بالضعف لکثرة شواهده. ثمّ ذکر شواهد عن طرق لا یصحُّ شیء منها ، وفی کلِّ واحد منها وضّاع أو کذّاب ، أو من اتّفق علی ضعفه ، أو مجهول لا یُعرف یروی عن مجهول مثله ، وقد عزب عنه أنَّ الاستخارة لا تقلّب الشر خیراً ، ولا یعید السقیم صحیحاً ولا المنکر معروفاً.

وراحت إلی العطار تبغی شبابها

فهل یُصلح العطار ما أفسد الدهرُ

والله سبحانه لا یجازف فی إسداء الخیر ، والشواهد المکذوبة لا تقوّی الضعف مع نصِّ الحفّاظ علی کلّ واحد منها بالوضع أو الضعف ، وإلیک بیان طرق تلک الشواهد.

1 - طریق الخطیب البغدادی ، مرَّ فی الجزء الخامس (ص 303 ، 325) الطبعة الثانیة.

2 - طریق البزّار فی مسنده وفیه عبد الله بن إبراهیم الغفاری الوضّاع ، وشیخه عبد الرحمن بن زید المتّفق علی ضعفه کما فی تهذیب التهذیب (2) (6 / 178) ، واللآلئ المصنوعة (1 / 296). 1.

ص: 119


1- راجع الجزء الخامس من هذا الکتاب : ص 303. (المؤلف)
2- تهذیب التهذیب : 6 / 161.

3 - طریق ابن شاهین فی السنّة وهو طریق الخطیب البغدادی وحدیثه ، وقد حکم الذهبی (1) وابن حجر (2) ببطلانه کما مرَّ فی الجزء الخامس.

4 - طریق الدارقطنی فی الأفراد ، قال السیوطی فی اللآلئ (1 / 297) بعد ذکره : قال الدارقطنی : تفرّد به محمد بن فضیل عن ابن جریج لا أعلم أحداً حدّث به غیر هذین. وأورده المؤلّف فی الواهیات من طریق السری وقال : لا یصحّ. قال ابن حبّان (3) : لا یحلُّ الاحتجاج بالسری بن عاصم.

قال الأمینی : السری بن عاصم راوی الحدیث أحد الکذّابین مرّت ترجمته فی الجزء الخامس (ص 231) ، وللدارقطنی (4) طریق آخر وفیه عمر بن إسماعیل بن مجالد أحد الکذّابین (5) وبهذا الطریق ذکره السیوطی فی اللآلئ (1 / 309) فقال : لا یصحُّ ، آفته عمر کذّاب.

5 - طریق الدیلمی فی مسند الفردوس ، فیه بعد رجال مجاهیل عبد المنعم بن بشیر أبو الخیر الکذّاب الوضّاع الذی له مائتا حدیث کذب (6) ، وعبد الرحمن بن زید ابن أسلم المجمع علی ضعفه کما مرَّ.

6 - طریق الختلی فی دیباجه عن نصر بن حریش (7) عن أبی سهل مسلم الخراسانی عن عبد الله بن إسماعیل عن الحسن البصری قال : قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : ف)

ص: 120


1- میزان الاعتدال : 3 / 609 رقم 7809.
2- تهذیب التهذیب : 5 / 121.
3- کتاب المجروحین : 1 / 356.
4- الضعفاء والمتروکون : ص 293 رقم 371.
5- راجع الجزء الخامس من کتابنا هذا : ص 246. (المؤلف)
6- راجع الجزء الخامس من الکتاب : ص 241. (المؤلف)
7- فی اللآلئ [ 1 / 298 ] : جریش ، والصحیح ما ذکرناه. (المؤلف)

مکتوب علی ساق العرش : لا إله إلاّ الله وحده لا شریک له ، محمد رسول الله ، ووزیراه أبو بکر الصدّیق وعمر الفاروق.

قال الدارقطنی کما فی تاریخ بغداد (13 / 286) : هذا إسناد ضعیف لا یثبت ، أبو سهل ونصر بن حریش ضعیفان. وقال العقیلی (1) کما فی لسان المیزان (2) (3 / 26) : عبد الله بن إسماعیل منکر الحدیث لا یُتابع علی شیء من حدیثه. والحدیث مع هذا مرسل والحسن البصری لا یروی عن رسول الله ولم یدرکه وللخطیب طریق بهذا اللفظ لیست فیه کلمة : ساق ، ووزیراه. وفی إسناده أحمد بن رجاء بن عبیدة ، قال الخطیب فی تاریخه (4 / 158) : مجهول.

7 - طریق ابن عساکر فیه عبد العزیز الکتانی ، لیّنه الذهبی (3) کما فی لسان المیزان (4) (4 / 33) ، وفیه الحارث بن زیاد المحاربی ، قال الذهبی (5) وغیره : ضعیف مجهول کما فی اللسان (6) (2 / 149) ، وفیه من لا یُعرف ولا توجد له ترجمة فی المعاجم.

ولابن عساکر (7) طریق آخر بالإسناد عن محمد بن عبد بن عامر المعروف بوضع الحدیث (8) عن عصام بن یوسف ضعّفه ابن سعد ، وخطّأه ابن حبّان (9) ، وقال 1.

ص: 121


1- الضعفاء الکبیر : 2 / 234 رقم 784.
2- لسان المیزان : 3 / 325 رقم 4493.
3- میزان الاعتدال : 2 / 630 رقم 5111.
4- لسان المیزان : 4 / 40 رقم 5194.
5- میزان الاعتدال : 1 / 433 رقم 1618.
6- لسان المیزان : 2 / 190 رقم 2185.
7- تاریخ مدینة دمشق : 30 / 204 رقم 3397.
8- راجع الجزء الخامس من کتابنا هذا : ص 259 الطبعة الثانیة. (المؤلف)
9- الثقات : 8 / 521.

ابن عدی (1) : روی أحادیث لا یُتابع علیها. کما فی لسان المیزان (2) (4 / 168).

ویرشدک إلی صحّة قول الفیروزآبادی والعجلونی ما أوضحناه فی الجزء الخامس (ص 297 - 332) من تفنید مائة منقبة مکذوبة علی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم مختلقة لأبی بکر ولزبائنه بحکم الأئمّة والحفّاظ. وکذا ما زیّفناه من خمس وأربعین روایة موضوعة فی الخلافة فی صفحة (333 - 356) کلُّ ذلک بقضاء من رجالات الفنِّ نظراء : ابن عدیّ ، الطبرانی ، ابن حبّان ، النسائی ، الحاکم ، الدارقطنی ، العقیلی ، ابن المدینی ، أبو عمر ، الجوزقانی ، المحبّ الطبری ، الخطیب البغدادی ، ابن الجوزی ، أبو زرعة ، ابن عساکر ، الفیروزآبادی ، إسحاق الحنظلی ، ابن کثیر ، ابن القیِّم ، الذهبی ، ابن تیمیّة ، ابن أبی الحدید ، ابن حجر الهیثمی ، ابن حجر العسقلانی ، الحافظ المقدسی ، السیوطی ، الصغانی ، الملاّ علی القاری ، العجلونی ، ابن درویش الحوت ، وغیرهم.

ویشهد لبطلان تلکم الروایات الجمّة فی فضائل الخلیفة الأوّل خلوُّ الصحاح الستة والسنن والمسانید القدیمة منها ، فلو کان مؤلّفوها یجدون علی شیء منها مسحة من الصحّة بل لو کانوا واقفین علیها ولو علی واحدة منها لما أجمعوا علی ترکها فیرویها متحرّو الزوایا ، ونبّاشة الدفائن ، فیبرزونها إلی الملأ من تحت غبار الهجر ، أو وراء نسج عناکب النسیان ، فیرشدنا ذلک إلی أنَّ موالید هذه الروایات متأخر تاریخها عن عهد أرباب الصحاح وحسبها ذلک مهانة وضعة. کما أنَّ ما فی الصحاح من النزر الیسیر ولائد متأخِّرة عن عهد النبیِّ الأعظم صلی الله علیه وآله وسلم.

علی أنَّ الخلیفة نفسه لو کان علی ثقة من صدور شیء من تلکم الأحادیث ولو یسیراً منها من قائلها صلی الله علیه وآله وسلم لما کان یری مثل أبی عبیدة الجرّاح حفّار القبور أولی 9.

ص: 122


1- الکامل فی ضعفاء الرجال : 5 / 371 رقم 1534.
2- لسان المیزان : 4 / 194 رقم 5619.

منه بالخلافة ، ولما قدّمه علی نفسه ، ولما ترک الاحتجاج بها یوم کانت حاجته إلیه مسیسة ، ویوم کان الحوار فی أمر الخلافة قائماً علی قدمٍ وساق ، وطفق کلُّ ذی فضل یُدلی بحججه ، وقد احتدم الجدال حتی کاد أن یکون جلاداً ، واستحرَّ الحجاج حتی عاد لجاجاً ، لکن الرجل لم یکن عنده حجّة ولا لزبانیته إلاّ أنَّه صاحب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وثانی اثنین إذ هما فی الغار ، وأنَّه أکبر القوم سنّا - وکان أبوه أکبر منه لا محالة - وقد اختارته الجماعة وانعقدت له البیعة بعد هوس وهیاج رکوناً إلی أمثال هذه ممّا لا تثبت بها حجّة ، ولا یخضع لها ذو مسکة ، ولا یصلح بها شأن الأمّة ، ولا یجمع بها شمل ، ولا یتمُّ بها الأمر.

نعم ؛ روی عن أبی بکر أنَّه ذکر فی الحجاج له أشیاء حذفتها الرواة ولم یذکروا منها إلاّ أنَّه أوّل من أسلم. أو : أوّل من صلّی. عن أبی سعید الخدری قال : قال أبو بکر : ألست أحقّ الناس بها؟ ألست أوّل من أسلم؟ ألست صاحب کذا؟ ألست صاحب کذا؟ (1)

وعن أبی نضرة (2) قال : لمّا أبطأ الناس عن أبی بکر قال : من أحقّ بهذا الأمر منِّی؟ ألست أوّل من صلّی؟ ألست؟ ألست؟ ألست؟ فذکر خصالاً فعلها مع النبیِّ صلی الله علیه وآله وسلم (3). ف)

ص: 123


1- أخرجه الترمذی [ فی السنن : 5 / 571 رقم 3667 ] ، والبزّار ، وابن حبّان [ فی الإحسان فی تقریب صحیح ابن حبّان : 15 / 279 ح 6863 ] ، وأبو نعیم فی المعرفة [ معرفة الصحابة : 1 / 159 ] ، وابن مندة فی غرائب شعبة ، وسعید بن منصور ، وأبو داود کما فی کنز العمّال : 3 / 125 [ 5 / 585 ح 14041 ] ، وذکره ابن الأثیر فی أُسد الغابة : 3 / 209 [ 3 / 314 رقم 3064 ] ، وابن کثیر فی تأریخه : 3 / 27 [ 3 / 37 ]. (المؤلف)
2- فی کنز العمّال : أبی بصرة.
3- أخرجه ابن سعد فی الطبقات الکبری طبع لیدن : 3 / 129 [ 3 / 182 ] ، وخیثمة الطرابلسی فی فضائل الصحابة کما فی کنز العمّال : 3 / 126 [ 5 / 590 ح 14051 ]. (المؤلف)

ونحن لا نعرف شیئاً ممّا حذفوه من فضائله المزعومة أو اختلقوا نسبته إلیه إذ من الممکن - بل المحقّق - أنَّه لم یقل شیئاً ، وإنما اصطنعوا له هذه الصورة لإیهام أنَّه کانت له یوم ذاک فضائل مسلّمة ، لکن نعطف النظرة علی المذکور من تلک المناقب وهو کون الخلیفة أوّل من أسلم. أو : أوّل من صلّی ، ولم یکن کذلک. والقول به یخالف رأی النبیّ الأعظم ونصوص الصحابة ، وقد فصّلنا القول فیه فی الجزء الثالث (ص 219 - 243) وذکرنا مائة نصّ عن النبیّ الأقدس وأمیر المؤمنین صلوات الله علیهما وآلهما ، وعن الصحابة الأوّلین والتابعین لهم بإحسان علی أنَّ أوّل من أسلم وأوّل من صلی من ذکر هو مولانا أمیر المؤمنین علیه السلام. وأوضحنا هنالک أنَّ أبا بکر لیس أوّل من أسلم. أو : صلّی. بل فی صحیحة الطبری (1) : أنَّه أسلم بعد أکثر من خمسین رجلاً ، فراجع.

ولو کانت الصحابة الأوّلون یعرفون شیئاً من تلکم الموضوعات الجمّة لمَا ترکوا الاحتجاج به یوم ذاک فی إخضاع الناس بدلاً عن إشفاع الدعوة بالإرهاب والترعید ، ولما اقتصر عمر بن الخطّاب یوم السقیفة بقوله : من له مثل هذه الثلاث : ثانی اثنین إذ هما فی الغار ، إذ یقول لصاحبه لا تحزن ، إنَّ الله معنا.

وبقوله : إنَّ أولی الناس بأمر نبیّ الله ثانی اثنین إذ هما فی الغار ، وأبو بکر السبّاق المسنُّ.

وبقوله یوم بیعة العامّة : إنَّ أبا بکر صاحب رسول الله ، وثانی اثنین إذ هما فی الغار (2). ف)

ص: 124


1- تاریخ الأمم والملوک : 2 / 316.
2- سیرة ابن هشام : 4 / 340 [ 4 / 311 ] ، الریاض النضرة : 1 / 162 ، 166 [ 2 / 203 ، 206 ] ، تاریخ ابن کثیر : 5 / 247 ، 248 [ 5 / 267 ، 268 حوادث سنة 11 ه ] ، شرح ابن أبی الحدید : 2 / 16 [ 6 / 38 خطبة 66 ] ، السیرة الحلبیة 3 / 388 [ 3 / 359 ]. (المؤلف)

ولما قال سلمان للصحابة : أصبتم ذا السنّ منکم ولکنکم أخطأتم أهل بیت نبیّکم (1)

ولما اکتفی عثمان بن عفّان فی الدعوة إلی أبی بکر بقوله : إنَّ أبا بکر الصدّیق أحقّ الناس بها ، إنّه لصدّیق وثانی اثنین وصاحب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم (2).

ولما فاه المغیرة بن شعبة بمقاله لأبی بکر وعمر : تلقوا العبّاس فتجعلوا له فی هذا الأمر نصیباً ، فیکون له ولعقبه ، فتقطعوا به من ناحیة علیّ ویکون لکم حجّة عند الناس علی علیّ إذا مال معکم العبّاس.

ولما دخل أبو بکر وعمر وأبو عبیدة والمغیرة علی العبّاس لیلاً ، ولما قال أبو بکر له : لقد جئناک ونحن نرید أن نجعل لک فی هذا الأمر نصیباً یکون لک ویکون لمن بعدک من عقبک إذ کنت عمّ رسول الله (3).

ولما تمّ الأمر له ببیعة اثنین فحسب : عمر وأبی عبیدة. أو : ببیعة أربعة : هما مع أسید وبشر. أو بخمسة : هم مع سالم مولی أبی حذیفة کما یأتی تفصیله.

ولما تخلّف عن بیعته رءوس المهاجرین والأنصار : علیّ وابناه السبطان ، والعبّاس وبنوه فی بنی هاشم ، وسعد بن عبادة وولده وأسرته ، والحباب بن المنذر وتابعوه ، والزبیر ، وطلحة ، وسلمان ، وعمّار ، وأبو ذرّ ، والمقداد ، وخالد بن سعید ، وسعد بن أبی وقّاص ، وعتبة بن أبی لهب ، والبراء بن عازب ، وأُبیّ بن کعب ، ف)

ص: 125


1- شرح ابن أبی الحدید : 1 / 131 ، 2 / 17 [ 2 / 49 خطبة 26 ، 6 / 43 خطبة 66 ]. (المؤلف)
2- أخرجه الأطرابلسی فی فضائل الصحابة کما فی کنز العمّال : 3 / 140 [ 5 / 653 رقم 14142 ]. (المؤلف)
3- الإمامة والسیاسة : 1 / 15 [ 1 / 21 ] ، تاریخ الیعقوبی : 2 / 103 ، 104 [ 2 / 124 - 125 ] ، شرح ابن أبی الحدید : 1 / 132 [ 2 / 52 خطبة 26 ]. (المؤلف)

وأبو سفیان بن حرب وغیرهم (1).

ولما کان مجال لقول محمد بن إسحاق : کان عامّة المهاجرین وجلّ الأنصار لا یشکّون أنَّ علیّا صاحب الأمر بعد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم. شرح ابن أبی الحدید (2) (2 / 8).

ولما قال عتبة بن أبی لهب یوم ذاک بملإ من مدّعی الفضائل :

ما کنت أحسبُ أنّ الأمرَ منصرفٌ

عن هاشمٍ ثمّ منها عن أبی حسنِ

عن أوّلِ الناسِ إیماناً وسابقةً

وأعلمِ الناسِ بالقرآن والسننِ

وآخر الناس عهداً بالنبیّ ومن

جبریلُ عونٌ له فی الغسل والکفنِ

من فیه ما فیهمُ لا یمترون به

ولیس فی القوم ما فیه من الحسنِ

ما ذا الذی ردّکم عنه فنعلمه

ها إنَّ بیعتکم من أوّل الفتنِ (3)

ولما قال قصیّ یوم ذاک :

بنی هاشم لا تُطمعوا الناسَ فیکمُ

ولا سیّما تیم بن مرّة أو عدی

فما الأمرُ إلاّ فیکمُ وإلیکمُ

ولیس لها إلاّ أبو حسنٍ علی

أبا حسنٍ فاشدد بها کفَّ حازمٍ

فإنَّک بالأمر الذی یُرتجی ملی

وإنَّ امرأً یرمی قصیٌّ وراءه

عزیز الحمی والناس من غالبٍ قصی (4)ف)

ص: 126


1- تاریخ الیعقوبی : 2 / 103 [ 2 / 124 ] ، الریاض النضرة : 1 / 167 [ 2 / 207 ] ، تاریخ أبی الفداء : 1 / 156 ، روضة المناظر لابن شحنة [ 1 / 189 حوادث سنة 11 ه ] هامش الکامل : 7 / 164 ، شرح ابن أبی الحدید : 1 / 134 [ 2 / 56 خطبة 26 ]. (المؤلف)
2- شرح نهج البلاغة : 6 / 21 خطبة 66.
3- تاریخ الیعقوبی : 2 / 103 [ 2 / 124 ] ، رسائل الجاحظ : ص 22 ، أُسد الغابة : 4 / 40 [ 4 / 124 رقم 3783 ] ، تاریخ أبی الفداء : 1 / 164 ، شرح ابن أبی الحدید : 3 / 259 [ 13 / 232 خطبة 238 ] ، الغدیر : 3 / 232 ، تعزی هذه الأبیات إلی عدة شعراء ، راجع المصادر المذکورة. (المؤلف)
4- تاریخ الیعقوبی : 2 / 105 [ 2 / 126 ]. (المؤلف)

- 2 -

ملکاته ونفسیّاته

یهمّنا النظر إلی ملکات الخلیفة وما انحنت علیه أضالعه من علوم أو نفسیّات حتی نعلم أنَّها هل تجعل له صلة بفضیلة؟ أو تقرّب مبوّأه من التأهّل لهاتیک المرویّات؟ أو تعیِّن له حدّا یکون التفریط به إجحافاً به ، وبخساً بحقِّه ، وتحطیماً لمقامه؟ أو یعرف الغلوُّ بالإفراط فیه؟

أمّا هو قبل الإسلام فلا نفیض عنه قولاً لأنَّ الإسلام یجبُّ ما قبله ، فلا التفات إذن إلی ما جاء به عکرمة من قوله : کان أبو بکر رضی الله عنه یقامر أُبیّ بن خلف وغیره من المشرکین وذلک قبل أن یحرّم القمار. ذکره الإمام الشعرانی فی کتابه کشف الغمّة (2 / 154).

وقال الإمام أبو بکر الجصّاص الرازی الحنفی المتوفّی (370) فی أحکام القرآن (1) (1 / 388) : لا خلاف بین أهل العلم فی تحریم القمار وأنَّ المخاطرة من القمار ، قال ابن عبّاس : إنَّ المخاطرة قمار ، وإنَّ أهل الجاهلیّة کانوا یخاطرون علی المال والزوجة وقد کان ذلک مباحاً إلی أن ورد تحریمه ، وقد خاطر أبو بکر الصدّیق المشرکین حین نزلت : الم غلبت الروم.

کما لا یلتفت إلی ما ذکره أبو بکر الإسکافی فی الردّ علی الرسالة العثمانیّة للجاحظ (2) من أنَّ أبا بکر کان قبل إسلامه مذکوراً ورئیساً معروفاً ، یجتمع إلیه کثیر من أهل مکة فینشدون الأشعار ، ویتذاکرون الأخبار ، ویشربون الخمر ، وقد سمع ف)

ص: 127


1- أحکام القرآن : 1 / 329.
2- رسائل الجاحظ : ص 34 [ ص 143 - الرسائل السیاسیة ] ، شرح ابن أبی الحدید : 3 / 264 [ 13 / 249 خطبة 238 ]. (المؤلف)

دلائل النبوّة وحجج الرسالة ، وسافر إلی البلدان ، ووصلت إلیه الأخبار.

وأخرج الفاکهی فی کتاب مکّة بإسناده عن أبی القموص ، قال : شرب أبو بکر الخمر فی الجاهلیّة (1) فأنشأ یقول :

تحیّی أُمَّ بکرٍ بالسلامِ

وهل لی بعد قومک من سلامِ

الأبیات

فبلغ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فقام یجرُّ إزاره حتی دخل ، فتلقّاه عمر وکان مع أبی بکر ، فلمّا نظر إلی وجهه محمرّا قال : نعوذ بالله من غضب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، والله لا یلج لنا رأساً أبداً ، فکان أوّل من حرّمها علی نفسه.

وذکره الحکیم الترمذی فی نوادر الأصول (2) (ص 66) فقال : هو ممّا تنکره القلوب ، فکأنَّ الحکیم وجد الحدیث دائراً سائراً فی الألسن غیر أنَّه رأی القلوب تنکره.

وذکره ابن حجر فی الإصابة (4 / 22) فقال : واعتمد نفطویه علی هذه الروایة فقال : شرب أبو بکر الخمر قبل أن تُحرَّمَ ورثی قتلی بدر من المشرکین.

وحدیث أبی القموص هذا أخرجه الطبری فی تفسیره (3) (2 / 203) ، وفی طبعة (211) عن ابن بشار (4) ، عن عبد الوهّاب (5) ، عن عوف (6) ، عن أبی القموص زید ف)

ص: 128


1- هذه الکلمة دخیلة فی الروایة ، وذیل الروایة یکذّبها أیضاً ، وسنوقفک علی التاریخ الصحیح. (المؤلف)
2- نوادر الأصول : 1 / 157 الأصل 44.
3- جامع البیان : مج 2 / ج 2 / 362.
4- الحافظ أبو بکر محمد بن بشّار العبدی البصری ، من رجال الصحاح الستّة. (المؤلف)
5- ابن عبد المجید البصری ، من رجال الصحاح الستّة. (المؤلف)
6- ابن أبی جمیلة العبدی البصری ، من رجال الصحاح الستّة. (المؤلف)

ابن علیّ (1) قال : أنزل الله عزّ وجلّ فی الخمر ثلاث مرّات ، فأوّل ما أنزل قال الله : (یَسْئَلُونَکَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَیْسِرِ قُلْ فِیهِما إِثْمٌ کَبِیرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُما أَکْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما) (2) قال : فشربها من المسلمین من شاء الله منهم علی ذلک حتی شرب رجلان فدخلا فی الصلاة فجعلا یهجران کلاماً لا یدری عوف ما هو ، فأنزل الله عزّ وجلّ فیها : (یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُکاری حَتَّی تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ) (3) فشربها من شربها منهم وجعلوا یتّقونها عند الصلاة حتی شربها فیما زعم أبو القموص رجلٌ فجعل ینوح علی قتلی بدر :

تحیّی بالسلامة أمّ عمرو

وهل لک بعد رهطک من سلامِ

ذرینی أصطبح بکراً فإنِّی

رأیت الموتَ نقَّب عن هشامِ

وودَّ بنو المغیرةِ لو فدوهُ

بألفٍ من رجالٍ أو سوامِ

کأنّی بالطویِّ طویِّ بدرٍ

من الشیزی یکلّل بالسنامِ

کأنّی بالطویِّ طویِّ بدرٍ

من الفتیان والحللِ الکرامِ

قال : فبلغ ذلک رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فجاء فزعاً یجرُّ رداءه من الفزع حتی انتهی إلیه ، فلمّا عاینه الرجل فرفع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم شیئاً کان بیده لیضربه قال : أعوذ بالله من غضب الله ورسوله ، والله لا أطعمها أبداً فأنزل الله تحریمها : (یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَیْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ). إلی قوله : (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) (4). فقال عمر بن الخطّاب رضی الله عنه : انتهینا. انتهینا (5).ف)

ص: 129


1- ثقة کما فی تهذیب التهذیب : 3 / 420 [ 3 / 363 ]. (المؤلف)
2- البقرة : 219.
3- النساء : 43.
4- المائدة : 90 و 91.
5- لا یخفی علی القارئ أنّ الطبری حرّف اسم أبی بکر وجعل مکانه : رجل. وحرّف کلمة : أمّ بکر ، فی الشعر وبدّلها بأم عمرو ، صوناً للکرامة. (المؤلف)

وأخرج البزّار عن أنس بن مالک قال : کنت ساقی القوم تیناً وزبیباً خلطناهما جمیعاً ، وکان فی القوم رجلٌ یقال له : أبو بکر ، فلمّا شرب قال :

أحیّی أُمّ بکر بالسلامِ

وهل لک بعد قومک من سلامِ

یحدّثُنا الرسولُ بأنَّ سحتاً

وکیف حیاة أصلٍ أو هشامِ (1)

فبینا نحن کذلک والقوم یشربون إذ دخل علینا رجلٌ من المسلمین فقال : ما تصنعون؟ إنَّ الله تبارک وتعالی قد نزّل تحریم الخمر. الحدیث.

وقال ابن حجر فی فتح الباری (2) (10 / 30) ، والعینی فی عمدة القاری (3) (20 / 84) : من المستغربات ما أورده ابن مردویه فی تفسیره من طریق عیسی بن طهمان (4) عن أنس : أنّ أبا بکر وعمر کانا فیهم. وهو منکر مع نظافة سنده ، وما أظنّه إلاّ غلطاً.

وقد أخرج أبو نعیم فی الحلیة (5) فی ترجمة شعبة من حدیث عائشة قالت : حرّم أبو بکر الخمر علی نفسه فلم یشربها فی جاهلیّة ولا إسلام.

ویحتمل - إن کان محفوظاً - أن یکون أبو بکر وعمر زارا أبا طلحة فی ذلک الیوم ولم یشربا معهم (6). ثمّ وجدت عند البزّار من وجه آخر عن أنس قال : کنت ف)

ص: 130


1- مجمع الزوائد : 5 / 51. (المؤلف)
2- فتح الباری : 10 / 37.
3- عمدة القاری : 21 / 168.
4- وثقه أحمد [ فی العلل ومعرفة الرجال : 3 / 456 رقم 5942 ] ، وابن معین [ فی التاریخ : 3 / 333 رقم 1602 ] ، وأبو حاتم [ فی الجرح والتعدیل : 6 / 280 رقم 1552 ] ، ویعقوب بن سفیان [ فی المعرفة والتاریخ : 3 / 232 ] ، وأبو داود ، والحاکم ، والدارقطنی ، تهذیب التهذیب 8 / 216 [ 8 / 193 ]. (المؤلف)
5- حلیة الأولیاء : 7 / 160.
6- هنا ینتهی کلام العینی والبقیة کلمة ابن حجر فحسب. (المؤلف)

ساقی القوم وکان فی القوم رجلٌ یقال له أبو بکر ، فلمّا شرب قال :

تحیّی بالسلامة أمّ بکر

فدخل علینا رجل من المسلمین فقال : قد نزل تحریم الخمر. الحدیث. وأبو بکر هذا یقال له ابن شغوب ؛ فظنَّ بعضهم أنَّه أبو بکر الصدّیق ولیس کذلک ، ولکنّ قرینة ذکر عمر تدلُّ علی عدم الغلط فی وصف الصدّیق فحصّلنا تسمیة عشرة. انتهی.

قال الأمینی : تری ابن حجر یتلعثم فی ذکر الحدیث ، فلا یدعه حبّه للخلیفة أن یقبله ، ولا تخلّیه صحّته أن یصفح عنه ، فجاء یستغرب أوّلاً ثمّ یستنکره مع الحکم بنظافة سنده ، ویظنّه غلطاً تارةً ویراه محفوظاً أخری ، وبالأخیر یأخذه صدق النبأ وصحّته فیتخلّص منه بالحکم بأنّ المذکور فیه هو أبو بکر الصدّیق بقرینة عمر ، فیعدُّهما من الأحد عشر الذین کانوا یشربون الخمر فی دار أبی طلحة.

وابن حجر یعلم بأنّ ما أخرجه أبو نعیم فی الحلیة من حدیث عائشة لا یقاوم هذا النبأ الثابت المرویّ بالطرق الصحیحة عن رجال الصحاح ، ذکر أبو نعیم حدیثه فی الحلیة (7 / 160) من طریق عبّاد بن زیاد الساجی عن ابن عدی عن شعبة عن محمد ابن عبد الرحمن أبی الرجال عن أُمّه عمرة عن عائشة. وقال : غریب من حدیث شعبة لم نکتبه إلاّ من حدیث عباد بن أبی عدی. انتهی. وفیه :

عباد بن زیاد الساجی ، یتهم بالقدر. قال موسی بن هارون : ترکت حدیثه ، وقال ابن عدی (1) : هو من أهل الکوفة الغالین فی التشیّع له أحادیث مناکیر فی الفضائل. تهذیب التهذیب (2) (5 / 294). 2.

ص: 131


1- الکامل فی ضعفاء الرجال : 4 / 348 رقم 1182.
2- تهذیب التهذیب : 5 / 82.

وفیه : شعبة عن محمد بن عبد الرحمن أبی الرجال. قال الخطیب : هذا وهمٌ شعبة لم یرو عن أبی الرجال شیئاً ، وکذلک من قال فیه عن شعبة ، عن محمد بن عبد الرحمن ، عن أُمّه عمرة. تهذیب التهذیب (1) (9 / 295).

وقال ابن حجر والعینی : وقع عند عبد الرزّاق عن معمر بن ثابت وقتادة وغیرهما عن أنس : أنَّ القوم کانوا أحد عشر رجلاً (2).

نادی الخمر هذا کان عام الفتح سنة ثمان من الهجرة بالمدینة المشرّفة فی دار أبی طلحة زید بن سهل ، وکانت السقایة لأنس کما فی صحیح البخاری (3) کتاب التفسیر فی سورة المائدة فی آیة الخمر ، وفی صحیح مسلم فی کتاب الأشربة باب تحریم الخمر (4) ، وقال السیوطی فی الدرّ المنثور (5) (2 / 321) : أخرجه عبد بن حمید ، وأبو یعلی (6) ، وابن المنذر ، وأبو الشیخ ، وابن مردویه عن أنس.

وأخرجه أحمد فی المسند (7) (3 / 181 ، 227) ، والطبری فی تفسیره (8) (7 / 24) ، والبیهقی فی السنن الکبری (8 / 286 ، 290) وابن کثیر فی تفسیره (2 / 93 ، 94).

وکان عدّة الحضور فی ذلک النادی کما مرّت عن معمر وقتادة أحد عشر رجلاً ، ذکر منهم ابن حجر فی فتح الباری (10 / 30) عشرة أنفس ، وقال کما مرّ 7.

ص: 132


1- تهذیب التهذیب : 9 / 263.
2- فتح الباری : 10 / 30 [ 10 / 37 ] ، عمدة القاری : 10 / 84 [ 21 / 168 ]. (المؤلف)
3- صحیح البخاری : 4 / 1688 ح 4341.
4- صحیح مسلم : 4 / 229 - 231 ح 3 - 7.
5- الدرّ المنثور : 3 / 172.
6- مسند أبی یعلی : 6 / 101 ح 3362.
7- مسند أحمد : 4 / 25 ح 12458 و 102 ح 12963.
8- جامع البیان : مج 5 / ج 7 / 37.

(ص 98) : فحصّلنا تسمیة عشرة ، وهم :

1 - أبو بکر بن أبی قحافة ، وکان یوم ذاک ابن ثمان وخمسین سنة.

2 - عمر بن الخطّاب ، وکان یوم ذاک ابن خمس وأربعین سنة.

3 - أبو عبیدة الجرّاح ، وکان ابن ثمان وأربعین سنة.

4 - أبو طلحة زید بن سهل صاحب النادی ، وکان له أربع وأربعون سنة ، قال ابن الجوزی فی الصفوة (1) (1 / 191 : توفی سنة أربع وثلاثین وهو ابن سبعین سنة.

5 - سهیل بن بیضاء ، توفّی بعد القضیّة وهو کبیر السنّ.

6 - أُبیّ بن کعب.

7 - أبو دجانة سماک بن خرشة.

8 - أبو أیوب الأنصاری.

9 - أبو بکر بن شغوب (2).

10 - أنس بن مالک ساقی القوم ، کان یوم ذاک ابن ثمانیة عشر عاماً علی الأصحّ ، وفی صحیحة مسلم فی الأشربة فی باب تحریم الخمر ، والبیهقی فی السنن (8 / 290) عن أنس أنَّه قال : إنّی لقائم أسقیهم وأنا أصغرهم.

وقد عزب عن ابن حجر حادی عشر القوم وهو : معاذ بن جبل ، کما ورد فی حدیث قتادة عن أنس. أخرجه ابن جریر فی تفسیره (3) (7 / 24) ، والهیثمی فی مجمع 7.

ص: 133


1- صفة الصفوة : 1 / 480 رقم 44.
2- فی الإصابة : 4 / 22 رقم 143 : أبو بکر بن شعوب اللیثی ، اسمه شداد وقیل : الأسود ، وقیل : شداد بن الأسود ، وأما شعوب فهی أمه. وأبوه من بنی لیث بن بکر بن کنانه ، أسلم ابن شعوب بعد أُحد.
3- جامع البیان : مج 5 / ج 7 / 37.

الزوائد (5 / 52) ، والعینی فی عمدة القاری (1) (8 / 589) ، والسیوطی فی الدرّ المنثور (2) (2 / 321) نقلاً عن ابن جریر وأبی الشیخ وابن مردویه ، والنووی فی شرح مسلم (3) هامش إرشاد القسطلانی (8 / 232).

وکان معاذ یوم ذاک ابن ثلاث وعشرین سنة إذ توفّی سنة (18) وله (33) عاماً کما ذکره ابن الجوزی فی صفة الصفوة (4).

وهؤلاء المذکورون من الذین کانوا یشربون الخمر بعد نزول الآیتین فیها بتأویل فیهما کما مرّ فی الجزء السادس (ص 251) ، إلی أن نزل آیة المائدة : (یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَیْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّیْطانِ) إلی قوله تعالی (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) وکان ذلک فی عام الفتح ، فلمّا رأوا غضب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وعلموا من الآیة الثالثة التحذیر والوعید انتهوا وقال عمر : انتهینا ، انتهینا.

قال الآلوسی فی تفسیره (2 / 115) : شربها کبار الصحابة بعد نزولها - یعنی آیة الخمر فی البقرة - وقالوا : إنّما نشرب ما ینفعنا ولم یمتنعوا حتی نزلت آیة المائدة. انتهی.

وأخرج ابن أبی حاتم من حدیث أنس أنّه قال : کنّا نشرب الخمر فأُنزلت : (یَسْئَلُونَکَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَیْسِرِ) (5) الآیة. فقلنا : نشرب منها ما ینفعنا. فأُنزلت فی المائدة : (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَیْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ) ، الآیة. فقالوا : اللهمّ قد انتهینا (6). ف)

ص: 134


1- عمدة القاری : 21 / 168.
2- الدرّ المنثور : 3 / 172.
3- شرح صحیح مسلم : 13 / 150.
4- صفة الصفوة : 1 / 502 رقم 51.
5- البقرة : 219.
6- الدرّ المنثور : 1 / 252 [ 1 / 606 ] ، تفسیر الشوکانی : 1 / 197 [ 1 / 222 ]. (المؤلف)

وأخرج عبد بن حمید عن عطاء أنّه قال : أوّل ما نزل فی تحریم الخمر (یَسْئَلُونَکَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَیْسِرِ) الآیة ، فقال بعض الناس : نشربها لمنافعها التی فیها. وقال آخرون : لا خیر فی شیء فیه إثم ، ثمّ نزل : (یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُکاری) (1) الآیة ، فقال بعض الناس : نشربها ونجلس فی بیوتنا. وقال آخرون : لا خیر فی شیء یحول بیننا وبین الصلاة مع المسلمین. فنزلت (یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَیْسِرُ) الآیة. فانتهوا (2).

ولتعدّد آیات الخمر واختلاف السلف فیها وتأویل جمع منهم آیتی البقرة والنساء من تلکم الآیات وقع الخلاف فی تاریخ حرمتها علی أقوال :

1 - الأخذ بما أخرجه الطبرانی (3) من طریق معاذ بن جبل ؛ من أنّ أوّل ما نهی عنه النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم حین بعث : شرب الخمر وملاحاة الرجال (4) فتحریم الخمر کان فی أولیات الهجرة إن لم تکن فی أولیات البعثة ، ویساعده ما صحّ عنه صلی الله علیه وآله وسلم من أنّ أعظم الکبائر شرب الخمر (5) ویبرمه النظر فی آیات الخمر ؛ فالآیة الأولی منها من سورة البقرة ، وهی أوّل سورة نزلت بالمدینة (6) ، والآیة الثانیة فی سورة النساء وقد نزلت فی أوائل الهجرة (7).

ولعلّ هذا رأی کلّ من رأی حرمة الخمر بآیة البقرة ، قالت عائشة : لمّا نزلت ف)

ص: 135


1- النساء : 43.
2- تفسیر الآلوسی : 7 / 17. (المؤلف)
3- المعجم الکبیر : 20 / 83 ح 157.
4- أوائل السیوطی : ص 90. (المؤلف)
5- الغدیر : 6 / 257. (المؤلف)
6- تفسیر القرطبی : 1 / 132 [ 1 / 107 ] ، تفسیر ابن کثیر : 1 / 35 ، تفسیر الخازن : 1 / 19. (المؤلف)
7- راجع ما یأتی فی الجزء الثامن صفحة : 11 من الطبعة الأولی. (المؤلف)

سورة البقرة نزل فیها تحریم الخمر ، فنهی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم عن ذلک (1) ، وقد نزلت سورة البقرة بعد زواج عائشة کما مرَّ فی الجزء السادس (ص 197).

واختار الجصّاص (2) حرمة الخمر بآیة البقرة کما أسلفنا کلامه فی الجزء السادس صفحة (254) ، وقال القرطبی فی تفسیره (3) (3 / 60) : قال قوم من أهل النظر : حرّمت الخمر بهذه الآیة یعنی التی فی سورة البقرة ، وقال الرازی فی تفسیره (4) (2 / 229) : إنَّ هذه الآیة - یعنی آیة البقرة - دالّة علی تحریم شرب الخمر. وذکر فی (ص 231) فی وجه دلالتها علیه وجوهاً.

2 - رأی البلاذری أنّه کان سنة أربع من الهجرة کما فی الإمتاع للمقریزی (ص 193) ، وذکر ابن إسحاق : أنّه کان فی وقعة بنی النضیر سنة أربع علی الراجح (5) ، وقال ابن هشام فی سیرته (6) (2 / 192) : نزل ببنی النضیر وذلک فی شهر ربیع الأوّل - سنة أربع - فحاصرهم فیها ستّ لیال ، ونزل تحریم الخمر. وذکره ابن سیّد الناس فی عیون الأثر (7) (2 / 48).

ویؤیّد هذا الرأی ما أخرجه ابن مردویه عن جابر أنّه قال : حرّمت الخمر بعد أُحد (8) ، وقد وقعت غزوة أُحد فی سنة ثلاث فبعدها تکون سنة أربع تقریباً.

3 - جزم الدمیاطی علی أنّ تحریم الخمرکان فی سنة الحدیبیّة سنة ستّ کما فی ف)

ص: 136


1- تاریخ الخطیب : 8 / 358 ، الدرّ المنثور : 1 / 252 [ 1 / 606 ]. (المؤلف)
2- أحکام القرآن : 1 / 322.
3- الجامع لأحکام القرآن : 3 / 41.
4- التفسیر الکبیر : 6 / 41 و 44.
5- فتح الباری : 10 / 24 [ 10 / 31 ] ، عمدة القاری : 10 / 82 [ 21 / 166 ]. (المؤلف)
6- السیرة النبویّة : 3 / 200.
7- عیون الأثر : 2 / 24.
8- تفسیر الشوکانی : 2 / 71 [ 2 / 75 ]. (المؤلف)

فتح الباری (10 / 24) وعمدة القاری (1) (10 / 82).

4 - حرمتها فی سنة الفتح عام ثمانیة من الهجرة یوم الندوة المذکورة المنعقدة فی دار أبی طلحة بآیة المائدة التی فیها الإرهاب والتحذیر ، وبها کفَّ عمر ومن کان معه فی تلک الندوة عن الشرب وقال : انتهینا ، انتهینا.

وهذا القول غیر مدعوم بحجّة ، ولیس إلاّ لتصحیح شرب أولئک الرجال من الصحابة وجعله قبل التحریم ، فتری مثل ابن حجر لا یحکم به حکماً باتّا بل یستظهره من حدیث أحمد (2) ، قال فی فتح الباری (3) (8 / 274) : الذی یظهر أنّ تحریمها کان عام الفتح سنة ثمان لما روی أحمد من طریق عبد الرحمن بن وعلة ، قال : سألت ابن عباس عن بیع الخمر فقال : کان لرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم صدیق من ثقیف أو من دوس فلقیه بمکة عام الفتح براویة خمر یهدیها إلیه ، فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : یا أبا فلان أما علمت أنَّ الله حرّمها؟ فأقبل الرجل علی غلامه فقال : اذهب فبعها ، فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : یا أبا فلان بما ذا أمرته؟ قال : أمرته أن یبیعها ، قال : إنّ الذی حرّم شربها حرّم بیعها. فأمر بها فأُفرغت فی البطحاء.

وقصاری ما فی هذا الحدیث أنّ تحریم الخمر بلغ الرجل فی عام الفتح لا أنَّها حُرّمت فیه ، لأنّ الرجل کان فی منتأیً عن مستوی تبلیغ الأحکام ، متخبّطاً بین أعراب البوادی ، غیر عارف حتی بأصول المراودة والتحابب ، ویشهد لذلک إهداؤه الخمر لرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، فإنَّها علی فرض عدم حرمتها لیست ممّا یُهدی إلی مثله صلی الله علیه وآله وسلم ، لکن الرجل کان من دهماء الناس ، وجری علی ما هو المطّرد بین الرعرعة والساقة. 9.

ص: 137


1- فتح الباری : 10 / 31 ، عمدة القاری : 21 / 166.
2- مسند أحمد : 1 / 381 ح 2042.
3- فتح الباری : 8 / 279.

الخلیفة فی الإسلام :

وأمّا هو - أبو بکر - فی الإسلام فلم نعهد له نبوغاً فی علم ، أو تقدّماً فی جهاد ، أو تبرّزاً فی الأخلاق ، أو تهالکاً فی العبادة ، أو ثباتاً علی مبدأ.

أمّا نبوغه فی علم التفسیر فلم یؤثر عنه فی هذا العلم شیء یُحفل به ، فدونک کتب التفسیر والحدیث فلا تکاد تجد فیها عنه ما یُروی غُلّة صادٍ ، أو یُنجع طلبة طالب.

نعم ؛ یروی عنه أنَّه شارک صاحبه - عمر بن الخطّاب - فی عدم المعرفة لمعنی الأبّ (1) الذی عرفه کلّ عربیّ صمیم حتی أعراب البادیة ، ولیس من البدع أن یعرفه حتی الساقة من الناس ؛ فإنّه لا یعدوه أن یکون لدة بقیّة الکلمات العربیّة التی لا تزال العرب تلهج بها فی کلّ حلّ ومرتحل ، ولا هو الدخیل (2) حتی یُعذر فیه الجاهل به ، ولا من شواذّ الکلم التی قلّما تتعاطاه الجامعة العربیّة حتی یشذّ عرفانه عن بعضهم.

وإن تعجب فعجب اعتذار من جنح إلیه (3) بأنّه کان یلتزم الحائطة فی تفسیر القرآن ، ولذلک تورّع عن الإفاضة فی معنی الأبّ ، لکن عرف من عرف أنّ الحائطة إنّما تجب فی بیان مغازی القرآن الکریم وتعیین إرادته ، وتبیین مجمله ، وتأویل ف)

ص: 138


1- فی قوله تعالی فی سورة عبس : (فَأَنْبَتْنا فِیها حَبًّا* وَعِنَباً وَقَضْباً* وَزَیْتُوناً وَنَخْلاً* وَحَدائِقَ غُلْباً* وَفاکِهَةً وَأَبًّا) (المؤلف)
2- أما ما زعمه ابن حجر فی فتح الباری [ 13 / 271 ] من أنّ الکلمة من الدخیل ولذلک لم یعرفها الخلیفتان ؛ فقد مرّ الجواب عنه فی الجزء السادس : ص 100. (المؤلف)
3- نظراء القرطبی [ فی الجامع لأحکام القرآن : 1 / 27 و 19 / 145 ] ، والسیوطی [ فی الدرّ المنثور : 8 / 421 ]. (المؤلف)

متشابهه ، وما یجری مجری ذلک ممّا یحظر فی الدین التسرّع إلیه من دون تثبّت وتوقیف ، وأمّا معانی ألفاظه العربیّة للعریق فی لغة الضاد ، فأیّ حائطة تضرب علی یده عن أن یفهمها وهو یعرفها بطبعه وجبلّته؟

وهب أنّ الرجل لم یُحِط خُبراً بلغة قومه فهلاّ تروّی فی الذکر الحکیم فی ذیل الآیة الکریمة من قوله سبحانه : (مَتاعاً لَکُمْ وَلِأَنْعامِکُمْ) بیاناً للفاکهة والأبّ؟ لیعلم أنّه سبحانه وتعالی امتنّ علی الناس بالفاکهة لیأکلوها ، وبالأبّ لترعاه أنعامهم ، فتلک فاکهة ، وهذا العشب.

أخرج أبو القاسم البغوی عن ابن أبی ملیکة قال : سُئل أبو بکر عن آیةٍ فقال : أیّ أرض تسعنی - أو أیّ سماء تظلّنی - إذا قلت فی کتاب الله ما لم یرد الله؟

وأخرج أبو عبیدة عن إبراهیم التیمی قال : سُئل أبو بکر عن قوله تعالی : (وَفاکِهَةً وَأَبًّا) فقال : أیّ سماء تظلّنی - أو أیّ أرض تقلّنی - إن قلت فی کتاب الله ما لا أعلم؟

وفی لفظ القرطبی : أیّ سماء تظلّنی؟ وأی أرض تقلّنی؟ وأین أذهب؟ وکیف أصنع؟ إذا قلت فی حرف من کتاب الله بغیر ما أراد تبارک وتعالی.

ذکره (1) القرطبی فی تفسیره (1 / 29) ، ابن تیمیّة فی مقدمة أصول التفسیر (ص 30) ، الزمخشری فی الکشّاف (3 / 253) ، ابن کثیر فی تفسیره (1 / 5) وصحّحه فی (ص 6) ، ابن القیّم فی أعلام الموقّعین (ص 29) وصحّحه ، الخازن فی تفسیره (4 / 374) ، 1.

ص: 139


1- الجامع لأحکام القرآن : 1 / 27 و 19 / 145 ، مقدمة فی أصول التفسیر : ص 47 ، الکشّاف : 4 / 704 ، أعلام الموقّعین : 1 / 54 ، تفسیر الخازن : 4 / 354 ، تفسیر أبی السعود : 9 / 112 ، الدرّ المنثور : 8 / 421 ، فتح الباری : 13 / 271.

أبو السعود فی تفسیره هامش الرازی (ص 389) ، السیوطی فی الدرّ المنثور (6 / 317) نقلاً عن أبی عبید فی فضائله وعبد بن حمید ، ابن حجر فی فتح الباری (13 / 230) ، وأوعز إلیه ابن جزی الکلبی فی تفسیره (4 / 180).

الکلالة :

وتجد الخلیفة علی شاکلة صنوه فی عدم العلم بالکلالة النازلة فی آیة الصیف آخر سورة النساء : (یَسْتَفْتُونَکَ قُلِ اللهُ یُفْتِیکُمْ فِی الْکَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَکَ لَیْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَکَ) الآیة.

أخرج أئمّة الحدیث بإسناد صحیح رجاله ثقات عن الشعبی قال : سُئل أبو بکر رضی الله عنه عن الکلالة؟ فقال : إنِّی سأقول فیها برأیی فإن یک صواباً فمن الله وإن یک خطأ فمنّی ومن الشیطان ، والله ورسوله بریئان منه ، أراه ما خلا الولد والوالد ، فلمّا استخلف عمر رضی الله عنه قال : إنّی لأستحیی الله أن أردّ شیئاً قاله أبو بکر.

أخرجه (1) سعید بن منصور ، عبد الرزّاق ، ابن أبی شیبة ، الدارمی فی سننه (2 / 365) ، وابن جریر الطبری فی تفسیره (6 / 30) ، ابن المنذر ، البیهقی فی السنن الکبری (6 / 223) ، وحکی عنهم السیوطی فی الجامع الکبیر کما فی ترتیبه (6 / 20) ، وذکره ابن کثیر فی تفسیره (1 / 460) ، والخازن فی تفسیره (1 / 367) ، وابن القیِّم فی أعلام الموقّعین (ص 29).

قال الأمینی : هذا رأیه الثانی وکان أوّلاً یری أنّ الکلالة من لا ولد له خاصّة ، وکان یشارکه فی رأیه هذا عمر بن الخطّاب ثمّ رجعا عنه إلی ما سمعت (2) ثمّ اختلفا ف)

ص: 140


1- المصنّف لعبد الرزاق : 10 / 304 ح 19191 ، المصنّف لابن أبی شیبة : 11 / 415 ح 11646 ، جامع البیان : مج 3 / ج 4 / 284 ، کنز العمّال : 11 / 79 ح 30691 ، تفسیر الخازن : 1 / 333 ، أعلام الموقّعین : 1 / 82.
2- تفسیر القرطبی : 5 / 77 [ 5 / 51 ]. (المؤلف)

فیها ، قال ابن عبّاس کنت آخر الناس عهداً بعمر بن الخطّاب قال : اختلفت أنا وأبو بکر فی الکلالة والقول ما قلت (1) ، وفی صحیحة البیهقی والحاکم والذهبی وابن کثیر (2) عن ابن عبّاس قال : کنت آخر الناس عهداً بعمر فسمعته یقول : القول ما قلت. قلت : وما قلت؟ قال : قلت : الکلالة ما لا ولد له.

هذا القول کان من عمر لمّا طعن بعد قوله لمّا استخلف : إنّی لاستحیی أن أُخالف فیه أبا بکر کما مرّ. وبعد قوله : أتی علیّ زمان لا أدری ما الکلالة ، وإذا الکلالة من لا أب له ولا ولد (3) ، وبعد هذه کلّها قال ما قال وهو علی ما یقول بصیر.

أنا لا أدری أین ولّت تلک الحائطة التی التزمها الخلیفة الأوّل فی معنی الأبّ لتلک الحدّة والشدّة؟ وأیّ سماء أظلّته؟ وأیّ أرض أقلّته؟ وأین ذهب؟ وکیف صنع لمّا قال فی دین الله برأی لا یعرف غیّه من رشده ، ولا یعلمه أمن الله أم منه ومن الشیطان؟ وکیف خفیت علیه آیة الصیف؟ وقد رأی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فیها الکفایة فی عرفان الکلالة کما مرّ (6 / 127) ، وکیف عزب عنه قوله تعالی (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّکْرِ إِنْ کُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (4) ولِم لم یسأل ولم یتعلّم ولم یعبأ بأهل الذکر وهو یعرفه لا محالة؟ فکأنّ الأحکام لیست بتوقیفیّة ، وکأنَّها منوطة بالحظّ والنصیب ولکلّ إنسان ما رأی ، ولو صدقت هذه الأحلام فیسع کلّ امرئ أن یُفتی برأیه فیما یُسأل عنه من الکتاب والسنّة ویقول : إن کان صواباً فمن الله ، وإن کان خطأ فمنّی ومن الشیطان.

نعم هذا الإفتاء بالرأی یفتقر إلی جرأة علی الله وعلی رسوله ، وتلک لا تتأتّی 3.

ص: 141


1- تفسیر ابن کثیر : 1 / 595. (المؤلف)
2- المستدرک للحاکم : 2 / 304 وصحّحه [ 2 / 332 ح 3187 ، وکذا فی تلخیصه ] ، تلخیص المستدرک للذهبی وأقرّ تصحیح الحاکم ، السنن الکبری للبیهقی : 6 / 225 ، تفسیر ابن کثیر : 1 / 595 وذکر تصحیح الحاکم وأقرّه. (المؤلف)
3- السنن الکبری : 6 / 224. (المؤلف)
4- النحل : 43.

لأیّ أحد فتخصّ لا محالة بجماعة دون أخری ، وکأنّ هذا هو معنی الاجتهاد عند القوم لا استنباط الأحکام من أدلّتها التفصیلیّة من الکتاب والسنّة. ومن هنا یرون نظراء عبد الرحمن بن ملجم قاتل مولانا أمیر المؤمنین (1).

وأبی الغادیة قاتل الصحابیِّ العظیم عمّار بن یاسر سلام الله علیه (2).

ومعاویة بن أبی سفیان قاتل آلاف من الأبریاء والأزکیاء (3).

وعمرو بن النابغة ، العاصی ابن العاصی (4).

وخالد بن الولید ، قاتل مالک ظلماً والزانی بامرأته (5).

وطلحة والزبیر (6) ، الخارجین علی الإمام الحقّ الثابت إمامته بالنصّ والاختیار. ویزید الخمور والفجور صاحب الطامّات والصحائف السوداء (7).

مجتهدین فی دین الله متأوّلین فی تلکم الآراء الشاذّة عن حکم الإسلام وشرعة الحقّ ، مأجورین فی تلک المظالم العادیة. وقال ابن حجر فی الإصابة (4 / 151) : والظنّ بالصحابة فی تلک الحروب أنّهم کانوا فیها متأوّلین وللمجتهد المخطئ أجر ، وإذا ثبت هذا فی حقّ آحاد الناس فثبوته للصحابة بالطریق الأَولی. انتهی.

مرحباً مرحباً بهذا الدین ، وبخٍ بخٍ ما أکثر المجتهدین من أمّة محمد صلی الله علیه وآله وسلم حتی ف)

ص: 142


1- راجع الجزء الأوّل من کتابنا هذا : ص 323. (المؤلف)
2- راجع الجزء الأوّل من الکتاب : ص 328. (المؤلف)
3- الفِصَل لابن حزم : 4 / 89 ، تاریخ ابن کثیر : 7 / 279 [ 7 / 310 حوادث سنة 37 ه ].(المؤلف)
4- تاریخ ابن کثیر : 7 / 283 [ 7 / 314 حوادث سنة 37 ه ]. (المؤلف)
5- تاریخ ابن کثیر : 6 / 223 [ 6 / 355 حوادث سنة 11 ه ] ، روضة المناظر لابن شحنة - هامش الکامل - : 7 / 167 [ 1 / 190 - 192 حوادث سنة 11 ه ] وسیأتی تفصیله. (المؤلف)
6- التمهید للباقلاّنی : ص 232. (المؤلف)
7- تاریخ ابن کثیر : 8 / 223 [ 8 / 245 حوادث سنة 63 ه ]. (المؤلف)

أصبحت غوغاء الشام ، وطغام الأمّة ، وحثالة الأعراب ، وأجلاف الأحزاب ، وأبناء الطلقاء مجتهدین متأوّلین.

وزهٍ زهٍ بأولئک المتحلّین بأبراد الاجتهاد جراثیم الفساد ، قتلة الصفوة الأبرار ، الهاجمین علی ناموس الإسلام ، وقدس صاحب الرسالة ، الخارجین عن طوع الکتاب والسنّة ، الفئة الباغیة الطاغیة ، المدرّبین بالشرّ والفساد وبغض العترة الطاهرة تحت رایة الطلیق ابن الطلیق ، اللعین ابن اللعین بلسان النبیّ الأعظم (1) ، صدق رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی قوله : «آفة الدین ثلاثة : فقیه فاجر ، وإمام جائر ، ومجتهد جاهل» (2).

وحسب الإسلام عاراً وشناراً أولئک الأعلام أصحاب هذه الآراء المضلّة والأقلام المسمومة التی تنزّه ساحة المجرمین عن دنس الفجور والنفاق ، وتجعل المحسن والمسیء والمبطل والمحق ، والطیّب والخبیث ، عکمَی (3) بعیر ، وتضلّ الأمّة عن رشدها بأمثال هذه الکلم التافهة ، والدعاوی الفارغة ، والآراء الساقطة ، وتصغّر فی عین المجتمع الدینی تلکم الجنایات العظیمة علی الله وعلی رسوله وکتابه وسنّته وخلیفته وعترته وموالیهم. (کَبُرَتْ کَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ إِنْ یَقُولُونَ إِلاَّ کَذِباً) (4). (فَمَنْ یَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَیْراً یَرَهُ* وَمَنْ یَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا یَرَهُ) (5).

وأوّل من فتح باب التأویل والاجتهاد ، وقدّس ساحة المجرمین بذینک ، وحابی رجال الجرائم والمعرّات بهما هو الخلیفة الأوّل ، فقد نزّه بهذا العذر المفتعل ذیل خالد ابن الولید عن دنس آثامه الخطیرة ، ودرأ عنه الحدّ بذلک کما سنوقفک علی تفصیله إن شاء الله تعالی. 8.

ص: 143


1- راجع الجزء الثالث من الکتاب : ص 251 ، 252. (المؤلف)
2- کنز العمّال : 5 / 212 [ 10 / 183 ح 28954 ]. (المؤلف)
3- العکمان : عدلان یشدّان علی جانبی الهودج بثوب.
4- الکهف : 5.
5- الزلزلة : 7 و 8.

هذا أنموذج من تقدّم الخلیفة فی علم التفسیر علی قلّة ما روی عنه فی ذلک. قال الحافظ جلال الدین السیوطی فی الإتقان (1) (2 / 328) :

اشتهر بالتفسیر من الصحابة عشرة : الخلفاء الأربعة ، وابن مسعود ، وابن عبّاس ، وأُبیّ بن کعب ، وزید بن ثابت ، وأبو موسی الأشعری ، وعبد الله بن الزبیر. أمّا الخلفاء فأکثر من روی عنه منهم علیّ بن أبی طالب ، والروایة عن الثلاثة نزرة جدّا ، وکان السبب فی ذلک تقدّم وفاتهم ، کما أنّ ذلک هو السبب فی قلّة روایة أبی بکر رضی الله عنه للحدیث ، ولا أحفظ عن أبی بکر رضی الله عنه فی التفسیر إلاّ آثاراً قلیلة جدّا لا تکاد تجاوز العشرة.

وأمّا علیّ فروی عنه الکثیر ، وقد روی معمر ، عن وهب بن عبد الله ، عن أبی الطفیل قال : شهدت علیّا یخطب وهو یقول : «سلونی فو الله لا تسألون عن شیء إلاّ أخبرتکم ، وسلونی عن کتاب الله ، فو الله ما من آیة إلاّ وأنا أعلم أبلیل نزلت أم بنهار ، أم فی سهل أم فی جبل».

وأخرج أبو نعیم فی الحلیة (2) عن ابن مسعود قال : إنّ القرآن أُنزل علی سبعة أحرف ما منها حرف إلاّ وله ظهر وبطن ، وإنّ علیّ بن أبی طالب عنده منه الظاهر والباطن.

وأخرج (3) أیضاً من طریق أبی بکر بن عیّاش ، عن نصیر بن سلیمان الأحمسی ، عن أبیه ، عن علیّ قال : «والله ما نزلت آیة إلاّ وقد علمت فیم أُنزلت وأین أُنزلت ، إنّ ربّی وهب لی قلباً عقولاً ولساناً سؤولاً».

قال الأمینی : ما هذا التهافت فی کلام السیوطی هذا؟ ألا مسائل الرجل عن أنّ 8.

ص: 144


1- الإتقان فی علوم القرآن : 4 / 204.
2- حلیة الأولیاء : 1 / 65.
3- حلیة الأولیاء : 1 / 67 - 68.

الذی لم یجد له هو نفسه وهو ذلک المتتبّع الضلیع عشرة أحادیث فی علم التفسیر ، کیف عدّه ممّن اشتهر بالتفسیر من الصحابة؟ نعم راقه ألاّ یفرّق بینه وبین مولانا أمیر المؤمنین وقد روی فیه ما روی ذاهلاً عن قوله تعالی : (هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَالَّذِینَ لا یَعْلَمُونَ) (1).

تقدّم الخلیفة فی السنّة :

أمّا تقدّمه فی السنّة فکلّ ما أثبته عنه إمام الحنابلة أحمد فی المسند (2) (1 / 2 - 14) ثمانون حدیثاً ، ویربو المتکرّر منها علی العشرین ، فلم یصف منها إلاّ ما یقرب الستّین حدیثاً ، وقد التقط ما فی مسنده من أکثر من سبعمائة وخمسین ألف حدیث ، وکان یحفظ ألف ألف حدیث (3).

وجمع ابن کثیر بعد جهود جبّارة أحادیثه فی اثنین وسبعین حدیثاً وسمّی مجموعه : مسند الصدّیق (4).

واستدرک ما جمعه ابن کثیر جلال الدین السیوطی بعد تصعید وتصویب ومع تضلّع وإحاطة بالحدیث ، فأنهی أحادیثه إلی مائة وأربعة ، وذکرها برمّتها فی تاریخ الخلفاء (5) (ص 59 - 64).

وقد یروی أنّ له مائة واثنین وأربعین حدیثاً اتّفق الشیخان علی ستّة أحادیث 8.

ص: 145


1- الزمر : 9.
2- مسند أحمد : 1 / 5 - 25 ح 1 - 82.
3- طبقات الحفّاظ للذهبی : 2 / 17 [ 2 / 431 رقم 438 ] ، ترجمة أحمد فی آخر الجزء الأوّل من مسنده. (المؤلف)
4- تاریخ الخلفاء للسیوطی : ص 62 [ ص 86 ]. (المؤلف)
5- تاریخ الخلفاء للسیوطی : ص 81 - 88.

منها. وانفرد البخاری بأحد عشر ، ومسلم بواحد (1).

وفی وسع الباحث المناقشة فی غیر واحد من تلک الأحادیث سنداً أو متناً ، فإنّ من جملتها ما لیس بحدیث وإنّما هو قول قاله کقوله للحسن السبط سلام الله علیه : بأبی شبیه بالنبیّ لیس شبیهاً بعلیّ.

وقوله : شاور رسول الله فی أمر الحرب.

وقوله : إنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أهدی جملاً لأبی جهل.

ومنها ما هو محکوم علیه بالوضع ، أو یخالف الکتاب والسنّة ، ویکذّبه العقل والمنطق والطبیعة مثل قوله :

1 - لو لم أُبعث فیکم لبُعث عمر.

2 - وقوله : ما طلعت الشمس علی رجل خیر من عمر.

3 - وقوله : إنّ المیت یُنضح علیه الحمیم ببکاء الحیّ.

4 - وقوله : إنّما حرّ جهنّم علی أمّتی مثل الحمّام.

أمّا الأوّل فله عدّة طرق لا یصحّ شیء منها. الطریق الأوّل لابن عدی (2) وفی إسناده

1 - زکریّا بن یحیی الوکّار. أحد الکذّابین الکبار ، مرّت ترجمته فی سلسلة الکذّابین فی الجزء الخامس (ص 230).

2 - بشر بن بکر. قال الأزدی : منکر الحدیث ولا یعرف. لسان المیزان (3) (2 / 20). 1.

ص: 146


1- شرح ریاض الصالحین للصدّیقی : 2 / 23. (المؤلف)
2- الکامل فی ضعفاء الرجال : 3 / 216 رقم 713.
3- لسان المیزان : 2 / 26 رقم 1591.

3 - أبو بکر بن عبد الله بن أبی مریم الغسّانی. قال أحمد (1) : ضعیف ، کان عیسی بن یونس لا یرضاه ، وعن أبی داود عن أحمد : إنّه لیس بشیء. وقال أبو حاتم (2) : سألت ابن معین عنه فضعّفه. وقال أبو زرعة : ضعیف منکر الحدیث. وقال أبو حاتم : ضعیف الحدیث طرقه لصوص فأخذوا متاعه فاختلط (3). وقال الجوزقانی : لیس بالقوی. وقال النسائی (4) : ضعیف. وقال ابن سعد (5) : کان کثیر الحدیث ضعیفاً. وقال الدارقطنی : متروک (6).

الطریق الثانی لابن عدی أیضاً ، وفی إسناده :

1 - مصعب بن سعید ، أبو خیثمة المصّیصی. قال ابن عدی (7) : یحدّث عن الثقات بالمناکیر ویصحّف. وقال : والضعف علی روایاته بیّن. وقال ابن حبّان (8) : کان مدلّساً ، وقال صالح جزرة : شیخ ضریر لا یدری ما یقول. وذکر الذهبی له أحادیث فقال : ما هذه إلاّ مناکیر وبلایا (9).

2 - عبد الله بن واقد. قال ابن عدی والجوزقانی والنسائی (10) : متروک الحدیث. 4.

ص: 147


1- العلل ومعرفة الرجال : 2 / 39 رقم 1484.
2- الجرح والتعدیل : 2 / 405 رقم 1590.
3- قال الأمینی : لو لم یکن لاختلاط الرجل آیة غیر حدیثه هذا لکفی وحسبه. (المؤلف)
4- کتاب الضعفاء والمتروکین : ص 262 رقم 699.
5- الطبقات الکبری : 7 / 467.
6- تهذیب التهذیب : 12 / 29 [ 12 / 33 ]. (المؤلف)
7- الکامل فی ضعفاء الرجال : 6 / 364 رقم 1846.
8- الثقات : 9 / 175.
9- میزان الاعتدال : 3 / 173 [ 4 / 119 رقم 8561 ] ، لسان المیزان : 6 / 44 [ 6 / 51 رقم 8404 ]. (المؤلف)
10- کتاب الضعفاء والمتروکین : ص 150 رقم 354.

وقال غیرهما : لیس بشیء. وقال الأزدی : عنده مناکیر. وقال أحمد (1) : أظنّه کان یدلّس. وقال أبو زرعة : ضعیف الحدیث لا یحدّث عنه. وقال البخاری (2) : ترکوه ، منکر الحدیث. وقال ابن حبّان (3) : وقع المناکیر فی حدیثه فلا یجوز الاحتجاج بخبره. وقال صالح جزرة ضعیف مهین. وقال أبو أحمد الحاکم : حدیثه لیس بالقائم (4).

3 - مشرح بن عاهان (5). قال ابن عدی (6) وابن حبّان (7) : لا یحتجّ به. وقال غیرهما : یروی عن عقبة مناکیر لا یتابع علیهما. وقال آخرون : الصواب ترک ما انفرد به (8).

أورده بهذین الطریقین ابن الجوزی فی الموضوعات (9) فقال : هذان حدیثان لا یصحّان عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، أمّا الأوّل : فإنّ زکریّا بن یحیی کان من الکذّابین. قال ابن عدی (10) : کان یضع الحدیث. وأمّا الثانی : فقال أحمد ویحیی (11) : عبد الله بن واقد لیس بشیء. وقال النسائی : متروک. وقال ابن حبّان : انقلبت علی مشرح صحائفه فبطل الاحتجاج به. انتهی (12). 0.

ص: 148


1- العلل ومعرفة الرجال : 2 / 55 رقم 1533.
2- التاریخ الکبیر : 5 / 219 رقم 713.
3- کتاب المجروحین : 2 / 29.
4- تهذیب التهذیب : 6 / 66 [ 6 / 60 ] ، میزان الاعتدال : 2 / 84 [ 2 / 517 رقم 4672 ] ، لسان المیزان : 3 / 374 [ 3 / 458 رقم 4857 ] ، اللآلئ المصنوعة : 1 / 302. (المؤلف)
5- کذا فی الخلاصة : 3 / 80 رقم 7404 وفی المصادر الأخری : هاعان.
6- الکامل فی ضعفاء الرجال 6 / 469 رقم 1953.
7- کتاب المجروحین : 3 / 28.
8- اللآلئ المصنوعة : 1 / 302 ، میزان الاعتدال : 3 / 172 [ 4 / 117 رقم 8549 ]. (المؤلف)
9- الموضوعات : 1 / 320.
10- الکامل فی ضعفاء الرجال : 3 / 215 رقم 713.
11- التاریخ : 2 / 336 رقم 3301.
12- مرّت الإشارة إلیه فی الجزء الخامس : ص 500.

الطریق الثالث : لأبی العبّاس الزوزنی فی کتاب شجرة العقل بلفظ : لو لم أُبعث لبعثت یا عمر ، وفی إسناده :

1 - عبد الله بن واقد. وقد مرّ فی الطریق الثانی.

2 - راشد بن سعد الحمصی ، ذکر الحاکم أنّ الدارقطنی ضعّفه ، وکذا ضعّفه ابن حزم ، وذکر البخاری (1) أنّه شهد صفّین مع معاویة (2) ، فالرجل من الفئة الباغیة بنصّ من النبیّ الأعظم ، وذکره الصغانی فقال : موضوع. کما فی کشف الخفاء (2 / 163).

الطریق الرابع للدیلمی (3) : عن أبی هریرة بلفظ : لو لم أُبعث فیکم لبعث عمر. أیّد الله عمر بملکین یوفّقانه ویسدّدانه ، فإذا أخطأ صرفاه حتی یکون صواباً.

فی إسناده : إسحاق بن نجیح الملطی أبو صالح الأزدی. قال أحمد (4) : من أکذب الناس. وقال ابن معین (5) : کذّاب عدوّ الله رجل سوء خبیث. کان ببغداد قوم یضعون الحدیث منهم إسحاق الملطی. وقال ابن أبی مریم عنه : من المعروفین بالکذب ووضع الحدیث. وقال علیّ بن المدینی : لیس بشیء وضعّفه ، روی عجائب. وقال عمر بن علی : کذّاب کان یضع الحدیث. وقال الجوزقانی : غیر ثقة ولا من أوعیة الأمانة ، وقال : کذّاب وضّاع لا یجوز قبول خبره ولا الاحتجاج بحدیثه ویجب بیان أمره. وقال الجهضمی والبخاری (6) : منکر الحدیث. وقال النسائی (7) : کذّاب متروک الحدیث. 0.

ص: 149


1- التاریخ الکبیر : 3 / 292 رقم 994.
2- تهذیب التهذیب : 3 / 226 [ 3 / 195 ]. (المؤلف)
3- الفردوس بمأثور الخطاب : 3 / 372 ح 5127.
4- العلل ومعرفة الرجال : 2 / 30 رقم 1454.
5- معرفة الرجال : 1 / 51 رقم 7.
6- التاریخ الکبیر : 1 / 404 رقم 1293.
7- کتاب الضعفاء والمتروکین : ص 53 رقم 50.

وقال ابن عدی (1) : أحادیثه موضوعات وضعها هو وعامّة ما أتی عن ابن جریج بکلّ منکر ووضعه علیه ، وهو بیّن الأمر فی الضعفاء ، وهو ممّن یضع الحدیث. وقال ابن حبّان (2) : دجّال من الدجاجلة یضع الحدیث صراحاً. وقال البرقی : نسب إلی الکذب. وقال أبو سعید النقّاش : مشهور بوضع الحدیث. وقال ابن طاهر : دجّال کذّاب. وقال ابن الجوزی : أجمعوا علی أنّه کان یضع الحدیث (3).

قال الدیلمی بعد ذکر الحدیث بالطریق المذکور : وتابعه راشد بن سعد عن المقدام بن معدی کرب عن أبی بکر الصدّیق والله أعلم.

قال الأمینی : عرفت فی الطریق الثالث ضعف راشد ، وأنَّ الصغانی حکم علی حدیثه هذا بالوضع ، وأقرّه العجلونی وزیّفه فی کشف الخفاء (2 / 154 ، 163). وذکره السیوطی فی اللآلئ المصنوعة فی الأحادیث الموضوعة (1 / 302) غیر أنّه عدّه بهذا الطریق الوعر فی تاریخ الخلفاء (4) من أحادیث أبی بکر ، ولا تخفی علیه تراجم هؤلاء الرجال أمثال إسحاق الملطی. نعم ، راقه أن یکثّر عدد أحادیث الخلیفة ولو بمثل هذا ، وقد حذف الأسانید منها حتی لا یقف القارئ علی ما فیها من الوضع والاختلاق والله من ورائه حسیب.

أمّا الحدیث الثانی :

فأخرجه الحاکم فی المستدرک (5) (3 / 90) بإسناده عن عبد الله بن داود الواسطی التمّار عن عبد الرحمن ابن أخی محمد بن المنکدر ، عن محمد بن المنکدر ، عن جابر رضی الله عنه ه.

ص: 150


1- الکامل فی ضعفاء الرجال : 1 / 332 رقم 155.
2- کتاب المجروحین : 1 / 134.
3- مرّت المصادر فی الجزء الخامس : ص 218. (المؤلف)
4- تاریخ الخلفاء : ص 87.
5- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 96 ح 4508 ، وکذا فی تلخیصه.

قال : قال عمر بن الخطّاب ذات یوم لأبی بکر الصدّیق : یا خیر الناس بعد رسول الله ، فقال أبو بکر : أما إنّک إن قلت ذلک سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول : ما طلعت الشمس علی رجل خیر من عمر.

عقّبه الذهبی فی تلخیص المستدرک فقال : قلت : عبد الله ضعّفوه ، وعبد الرحمن متکلَّم فیه ، والحدیث شبه موضوع. وقال فی میزان الاعتدال (1) (2 / 123) : رواه عبد الله بن داود التمّار وهو هالک ، عن عبد الرحمن ابن أخی محمد [ بن ] المنکدر لا یکاد یُعرف ، ولا یتابع علی حدیثه ، وقال الترمذی (2) : لیس إسناده بذلک.

قال الأمینی : أمّا عبد الله بن داود التمّار فقال البخاری (3) : فیه نظر. وقال أبو حاتم (4) لیس بقویّ ، فی حدیثه مناکیر. وقال الحاکم أبو أحمد : لیس بالمتین عندهم ، وقال النسائی (5) : ضعیف. وقال ابن حبّان (6) : منکر الحدیث جدّا یروی المناکیر عن المشاهیر ، لا یجوز الاحتجاج بروایته. وقال الدارقطنی : ضعیف (7).

وأمّا عبد الرحمن فقال یحیی بن معین : ما أعرف عبد الرحمن. فقرأه إبراهیم بن الجنید الحدیث ، فقال یحیی : ما أعرف عبد الرحمن. وأنکر الحدیث ولم یعرفه (8).

جاء العلاّمة الحریفیش فی القرن الثامن وأتی فی کتابه الروض الفائق (ص 388) ف)

ص: 151


1- میزان الاعتدال : 2 / 602 رقم 5023.
2- سنن الترمذی : 5 / 577 ح 3684.
3- التاریخ الکبیر : 3 / 82 رقم 226.
4- الجرح والتعدیل : 5 / 48 رقم 222.
5- کتاب الضعفاء والمتروکین : ص 151 رقم 355.
6- کتاب المجروحین : 2 / 34.
7- تهذیب التهذیب : 5 / 200 [ 5 / 176 ]. (المؤلف)
8- لسان المیزان : 3 / 448 [ 3 / 544 رقم 5106 وفیه : قاله إبراهیم بن الجنید بدلاً من : فقرأه إبراهیم ابن الجنید ]. (المؤلف)

بحدیث مختلق فی فضیلة مولانا أمیر المؤمنین وأبی بکر وجعل هذه الروایة فی فضل أبی بکر عن لسان علیّ علیه السلام ، قال : روی أبو هریرة : أنّ أبا بکر الصدّیق وعلیّ بن أبی طالب قدما یوماً إلی حجرة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فقال : علیّ لأبی بکر : تقدّم فکن أوّل قارع یقرع الباب وألحّ علیه ، فقال أبو بکر : تقدّم أنت یا علیّ ، فقال علیّ : ما کنت بالذی یتقدّم علی رجل سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول فی حقّه : ما طلعت الشمس ولا غربت من بعدی علی رجل أفضل من أبی بکر الصدّیق. فقال أبو بکر : ما کنت بالذی یتقدّم علی رجل قال فی حقّه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : أعطیت خیر النساء لخیر الرجال. إلی آخره. وفیه مناقب ستّ لأبی بکر ، علی لسان علیّ وکذلک لعلیّ علی لسان أبی بکر لم یذکر السیوطی شیئاً منها فی عدّ أحادیث أبی بکر مع اهتمامه بإکثار عددها وذلک لبداهة الکذب فیه ، ورکّة لفظه ، ووضوح الاختلاق فی معانیه وألفاظه ، وظهور التهافت بین جمله کما تری. نعم لکلّ من الوضّاعین فی وضع الحدیث ذوق ، ولکلّ واحد منهم طریقة وسلیقة ، ولیس أمرهم سُلکی (1).

أمّا الحدیث الثالث :

فمن المنکر الواضح وهو لِدة ما سبق عن عمر فی الجزء السادس صفحة (162) من قوله : إنّ المیّت یعذّب ببکاء الحیِّ. وقد أنکرته علیه عائشة ، وهو مخالف للکتاب المجید حیث یقول : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْری) (2) ، وأمثالها ، وقد فصّلنا القول فیه تفصیلاً فی الجزء السابق فراجع (ص 159 - 167).

ومخالف للعدل ؛ فإنّ تعذیب أیّ أحد لما اجترحه غیره من سیّئة - بعد تسلیم کون البکاء علیه سیّئة - یرفضه ناموس العدل الإلهی ، وتلفظه العقول السلیمة ، ویتوجّه إلی قائله اللوم من کلّ ذی مسکة ، تعالی الله عمّا یقولون علوّا کبیراً. 4.

ص: 152


1- یقال : أمرهم سُلْکی أی علی طریقة واحدة.
2- الأنعام : 164.

أمّا الحدیث الرابع - إنما حرّ جهنم علی أمّتی مثل الحمّام :

فإنّه أشبه شیء بمخاریق المعتوهین ، أو من یرید تحطیماً من عظمة أمر المولی سبحانه ، أو إغراءً لبسطاء الأمّة علی اقتحام الجرائر ، بحسبان أنّ حرّ الجحیم الشدید الذی أوقده المنتقم الجبّار للعصاة عامّة لا یصیب هذه الأمّة ، وإنّما هو للأمم السابقة ومن لم یعتنق الإسلام من الموجودین ، وأنت إذا تأمّلت فی : (نارُ اللهِ الْمُوقَدَةُ* الَّتِی تَطَّلِعُ عَلَی الْأَفْئِدَةِ) (1) ، (الَّتِی وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ) (2) ، (یَوْمَ یُحْمی عَلَیْها فِی نارِ جَهَنَّمَ فَتُکْوی بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ) (3) ، (وَإِذَا الْجَحِیمُ سُعِّرَتْ) (4) ، (وَبُرِّزَتِ الْجَحِیمُ لِمَنْ یَری) (5) ، (تَرْمِی بِشَرَرٍ کَالْقَصْرِ کَأَنَّهُ جِمالَتٌ صُفْرٌ) (6) ، (کَلاَّ إِنَّها لَظی * نَزَّاعَةً لِلشَّوی) (7) ، (یَوْمَ یُسْحَبُونَ فِی النَّارِ عَلی وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ) (8) ، (وَما أَدْراکَ ما سَقَرُ* لا تُبْقِی وَلا تَذَرُ* لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ* عَلَیْها تِسْعَةَ عَشَرَ) (9) ، قالوا (ما سَلَکَکُمْ فِی سَقَرَ* قالُوا لَمْ نَکُ مِنَ الْمُصَلِّینَ* وَلَمْ نَکُ نُطْعِمُ الْمِسْکِینَ* وَکُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِینَ) (10) ، (إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ* طَعامُ الْأَثِیمِ* کَالْمُهْلِ یَغْلِی فِی الْبُطُونِ* کَغَلْیِ الْحَمِیمِ) (11). 6.

ص: 153


1- الهمزة : 6 ، 7.
2- البقرة : 24.
3- التوبة : 35.
4- التکویر : 12.
5- النازعات : 36.
6- المرسلات : 32 - 33.
7- المعارج : 15 - 16.
8- القمر : 48.
9- المدثّر : 27 - 30.
10- المدثّر : 42 - 45.
11- الدخان : 43 - 46.

أو تأمّلت فیما هدّد به المولی سبحانه المتثاقلین عن النفر للجهاد فی الحرِّ بقوله : (قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ کانُوا یَفْقَهُونَ) (1) ومن یأکل أموال الیتامی بقوله : (إِنَّما یَأْکُلُونَ فِی بُطُونِهِمْ ناراً وَسَیَصْلَوْنَ سَعِیراً) (2) إلی کثیر من أمثال هذه لا ترتاب فی أنّ الأمم کلّها بالنسبة إلیها شرع سواء ، بل إنّ توجیه تلکم الخطابات إلی الأمّة المرحومة المعنیّة بالتهذیب وإیقافها عن المعصیة بالتهدید أولی من توجیهها إلی الأمم البائدة التی جری علیها ما جری من عاقبة طاعة ، أو مغبّة عصیان ، فذهبوا رهائن أعمالهم ، وبه یتمّ اللطف ، وتحسن التربیة ، وهو الذی کان یُبکی الصالح ، ویُفجع المتّقین ، ویدرّ عبرات الأولیاء ، ویجعل سیّدهم أمیر المؤمنین یتململ فی جنح اللیل البهیم تململ السلیم قابضاً علی لحیته ، یبکی بکاء الحزین وهو یقول :

«یا ربّنا! یا ربّنا! - یتضرّع إلیه - ثمّ یقول للدنیا : إلیّ تغرّرت؟ إلیّ تشوّقت؟ هیهات هیهات ، غرّی غیری قد بتتُّکِ ثلاثاً ، فعمرکِ قصیر ، ومجلسکِ حقیر ، وخطرکِ یسیر ، آهٍ آهٍ من قلّة الزاد ، وبُعد السفر ، ووحشة الطریق» (3).

ثمّ أی مشابهة بین ذلک اللهب المصطلم وبین الحمّام الذی لا یکون الحرّ فیه إلاّ صحیّا ، تُزاح به الأوساخ ، وتعرق به الأبدان ، وترفع به الأتعاب ، وترتاح به الأجسام؟ وهل یهدّد بمثله عصاة البشر الذی خُلق ظلوماً جهولاً جموحاً ، البشر الذی هذا عقله ورشده وحدیثه؟ ف)

ص: 154


1- التوبة : 81.
2- النساء : 10.
3- حلیة الأولیاء : 1 / 85 ، الاستیعاب : 2 / 462 [ القسم الثالث / 1108 رقم 1855 ] ، الریاض النضرة : 2 / 212 [ 3 / 164 ] ، زهر الآداب للقیروانی : 1 / 38 [ 1 / 78 ] ، تذکرة السبط : ص 270 [ ص 119 ] ، مطالب السؤول : ص 33 ، إتحاف الشبراوی : ص 7 [ ص 25 ]. (المؤلف)

غایة جهد الباحث :

هذه غایة جهد الباحث عن علم الخلیفة بالسنّة وهذه سعة اطّلاعه علیها ، فنحن إذا قسنا مجموع ما ورد عن الخلیفة من الصحیح والموضوع فی التفسیر والأحکام والفوائد من المائة وأربعة أحادیث أو المائة واثنین وأربعین حدیثاً إلی ما جاء عن النبیّ الأقدس من السنّة الشریفة لتجدها کقطرة من بحر لجِّی ، لا تقام بها قائمة للإسلام ، ولا تدعم بها أیّ دعامة للدین ، ولا تُروی بها غلّة صادٍ ، ولا تنحلّ بها عقدة أیّة مشکلة. هذا أبو هریرة ، وأنس بن مالک ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن العبّاس ، وعبد الله بن عمرو بن العاص ، وعبد الله بن مسعود ، وو ویروون آلافاً من السنّة النبویّة ، فقد أخرج تقیّ بن مخلد فی مسنده من حدیث أبی هریرة فحسب خمسة آلاف وثلاثمائة حدیث وکسراً (1) ، وأبو هریرة لم یصحب النبیّ إلاّ ثلاث سنین.

وهذا أحمد بن الفرات کتب ألف الف وخمسمائة ألف حدیث ، وانتخب منها ثلاثمائة ألف فی التفسیر والأحکام والفوائد. خلاصة التهذیب (2) (ص 9).

وهذا حرملة بن یحیی أبو حفص المصری صاحب الشافعی یروی عن طریق ابن وهب فحسب مائة ألف حدیث. خلاصة التهذیب (3) (ص 63).

وهذا أبو بکر الباغندی یجیب عن ثلاثمائة ألف مسألة فی حدیث رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم. تاریخ بغداد (3 / 210). 4.

ص: 155


1- الإصابة : 4 / 205 [ رقم 1190 ]. (المؤلف)
2- خلاصة الخزرجی : 1 / 27 رقم 104.
3- خلاصة الخزرجی : 1 / 203 رقم 1284.

وهذا الحافظ روح بن عبادة القیسی له أکثر من مائة ألف حدیث. میزان الاعتدال (1) (1 / 342).

وهذا الحافظ مسلم صاحب الصحیح عنده ثلاثمائة ألف حدیث مسموعة. طبقات الحفّاظ (2) (2 / 151).

وهذا الحافظ أبو محمد عبدان الأهوازی یحفظ مائة ألف حدیث. تاریخ ابن عساکر (3) (7 / 288).

وهذا الحافظ أبو بکر بن الأنباری یحفظ ثلاثمائة ألف بیت شاهد فی القرآن ، وکان یحفظ مائة وعشرین تفسیراًبأسانیدها. شذرات الذهب (4) (2 / 316).

وهذا الحافظ أبو زرعة حفظ مائة ألف حدیث کما یحفظ الإنسان قل هو الله أحد ، ویقال : سبعمائة ألف حدیث. تاریخ ابن کثیر (5) (11 / 37) ، تهذیب التهذیب (6) (7 / 33).

وهذا الحافظ ابن عقدة یجیب فی ثلاثمائة ألف حدیث من حدیث أهل البیت علیهم السلام وبنی هاشم حدّث بها عنه الدارقطنی. تذکرة الحفّاظ (7) (3 / 56).

وهذا الحافظ أبو العبّاس أحمد بن منصور الشیرازی کتب عن الطبرانی 0.

ص: 156


1- میزان الاعتدال : 2 / 59 رقم 2802.
2- تذکرة الحفّاظ : 2 / 589 رقم 613.
3- تاریخ مدینة دمشق : 27 / 54 رقم 3168 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 12 / 26.
4- شذرات الذهب : 4 / 152 حوادث سنة 328 ه.
5- البدایة والنهایة : 11 / 44 حوادث سنة 264 ه.
6- تهذیب التهذیب : 7 / 30.
7- تذکرة الحفّاظ : 3 / 840 رقم 820.

ثلاثمائة ألف حدیث. تذکرة الحفّاظ (1) (3 / 122).

وهذا الحافظ أبو داود السجستانی کتب عن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم خمسمائة ألف حدیث. تذکرة الحفّاظ (2) (2 / 154).

وهذا عبد الله ابن إمام الحنابلة أحمد سمع من أبیه مائة ألف وبضعة أحادیث. طبقات الحفّاظ (3) (2 / 214).

وهذا ثعلب البغدادی سمع من القواریری مائة ألف حدیث. طبقات الحفّاظ (4) (2 / 214).

وهذا أبو داود الطیالسی یملی من حفظه مائة ألف حدیث. شذرات الذهب (5) (2 / 12).

وهذا أبو بکر الجعابی یحفظ أربعمائة ألف حدیث بأسانیدها ومتونها ویذاکر ستمائة ألف حدیث ، ویحفظ من المراسیل والمقاطیع والخطابات قریباً من ذلک. تاریخ ابن کثیر (6) (11 / 261).

وهذا إمام الحنابلة أحمد عنده أکثر من سبعمائة وخمسین ألفاً. راجع آخر الجزء الأوّل من مسنده (7). ت.

ص: 157


1- تذکرة الحفّاظ : 3 / 916 رقم 875.
2- تذکرة الحفّاظ : 2 / 593 رقم 615.
3- تذکرة الحفّاظ : 2 / 665 رقم 685 ، وفیه : وبضعة عشر ألفاً.
4- تذکرة الحفّاظ : 2 / 666 رقم 686.
5- شذرات الذهب : 3 / 25 حوادث سنة 204 ، وفیه : ... من حفظه ثلاثین ألف حدیث.
6- البدایة والنهایة : 11 / 296 حوادث سنة 355 ه.
7- طبعة دار صادر - بیروت.

وهذا الحافظ أبو عبد الله الختّلی یحدّث من حفظه بخمسین ألف حدیث. تاریخ ابن کثیر (1) (11 / 217).

وهذا یحیی بن یمان العجلی یحفظ عن سفیان أربعة آلاف حدیث فی التفسیر فقط. تاریخ بغداد (14 / 122).

وهذا الحافظ ابن أبی عاصم یملی من ظهر قلبه خمسین ألف حدیث بعد ما ذهبت کتبه. تذکرة الحفّاظ (2) (2 / 194).

وهذا الحافظ أبو قلابة عبد الملک حدّث من حفظه ستّین ألف حدیث. طبقات الحفّاظ (3) (2 / 143).

وهذا أبو العبّاس السرّاج کتب لمالک سبعین ألف مسألة. تاریخ بغداد (1 / 251)

وهذا الحافظ ابن راهویه یملی سبعین ألف حدیث من حفظه. تاریخ ابن عساکر (4) (2 / 413).

وهذا الحافظ إسحاق الحنظلی یحفظ سبعین ألف حدیث. تاریخ الخطیب (6 / 352).

وهذا إسحاق بن بهلول التنوخی یحدّث من حفظه خمسین ألف حدیث. تاریخ الخطیب (6 / 368).

وهذا محمد بن عیسی الطبّاع کان یحفظ نحواً من أربعین ألف حدیث. تاریخ بغداد (2 / 396). 3.

ص: 158


1- البدایة والنهایة : 11 / 245 حوادث سنة 335 ه.
2- تذکرة الحفّاظ : 2 / 641 رقم 663.
3- تذکرة الحفّاظ : 2 / 580 رقم 604.
4- تاریخ مدینة دمشق : 8 / 137 رقم 617 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 4 / 273.

وهذا الحافظ ابن شاهین یکتب من حفظه بعد ما ذهبت کتبه عشرین أو ثلاثین ألف حدیث. تاریخ بغداد (11 / 268).

وهذا الحافظ یزید بن هارون یحفظ أربعة وعشرین ألف حدیث بأسنادها. شذرات الذهب (1) (2 / 16).

فهلمّ معی نر أنّ إسلاماً هذه سعة نطاق علمه ، وکثرة طقوسه وسننه ، وغزارة فنونه وعلومه ، ونبیّا هذا حدیثه وسنّته ، وهذه ودائعه المصلحة لأمّته ، وهذا شأن الأعلام أُمناء ودائع العلم والدین ، وهذه سیرة حفظة السنّة الشریفة ، کیف یجب أن یتحلّی خلیفة ذلک النبیّ الأقدس بأبراد علوم الکتاب والسنّة؟ وکیف یحقّ أن یکون حاملاً لأعباء علوم مستخلفه ومعالمه ، وارثاً مآثره وآثاره؟ أفهل یُقتصر منه علی مائة وأربعة أحادیث؟ أو تقبل الأمّة المسکینة أو تُجدیها هذه الکمیّة الیسیرة من ذلک الحوش الحائش؟ أو یسدّ ذلک الفراغ ، ویمثّل تلک العلوم الإسلامیّة الجمّة من هذا شأنه وشعاره ، وهذه سیرته وسنّته ، وهذا علمه وحدیثه؟ أو یُتلقّی بالقبول عذر المدافع عن الخلیفة بأنّ قلّة حدیثه لقصر مدّة خلافته؟

أیّ صلة بین قصر العمر بعد النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وقلّة الروایة؟ فإنّ رواة الأحادیث علی العهد النبویّ ما کان حجر علیها ، ولم یکن عقال فی ألسن أولئک الصحابة الأوّلین ، ولا علی الأفواه أوکیة عن بثّ العلم من الکتاب والسنّة طیلة حیاة النبیّ الأقدس.

ولم یکن المکثرون من الروایة قصروا أحادیثهم علی ما بعد أیّامه صلی الله علیه وآله وسلم ، فقلّة حدیث الرجل إن هی إلاّ لقلّة تلقّیه ، وقصر حفظه ، إنّما الإناء ینضح بما فیه ، والأوعیة إذا طفحت فاضت. .

ص: 159


1- شذرات الذهب : 3 / 33 حوادث سنة 206 ه.

ثمّ أنّی یسوغ للخلیفة أن تُثقله أعباء الخلافة ، وتعییه معضلات المسائل ویتترّس بمثل قوله : أیّ سماء تظلّنی. إلخ؟ أو قوله : سأقول فیها برأیی.

أو یخطب بعد أیّام قلائل من خلافته وقد أحرجته المواقف ، ویتطلّب الفوز منها بقوله : لوددت أنّ هذا کفانیه غیری ، ولئن أخذتمونی بسنّة نبیّکم صلی الله علیه وآله وسلم لا أُطیقها ، إن کان لمعصوماً من الشیطان ، وإن کان لینزل علیه الوحی من السماء (1).

أو بقوله : أما والله ما أنا بخیرکم ، ولقد کنت لمقامی هذا کارهاً ، ولوددت أنّ فیکم من یکفینی ، أفتظنّون أنّی أعمل فیکم بسنّة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم؟ إذن لا أقوم بها. إنّ رسول الله کان یُعصم بالوحی ، وکان معه ملک ، وإنّ لی شیطاناً یعترینی ، فإذا غضبت فاجتنبونی أن لا أؤثر فی أشعارکم وأبشارکم ، ألا فراعونی فإن استقمت فأعینونی وإن زغت فقوِّمونی.

وفی لفظ ابن سعد : ألا وإنّما أنا بشر ولست بخیر من أحد منکم فراعونی ، فإذا رأیتمونی استقمت فاتّبعونی وإن رأیتمونی زغت فقوّمونی ، واعلموا أنّ لی شیطاناً یعترینی ، فإذا رأیتمونی غضبت فاجتنبونی لا أؤثّر فی أشعارکم وأبشارکم (2). ف)

ص: 160


1- مسند أحمد : 1 / 14 [ 1 / 24 ح 81 ] ، الریاض النضرة : 1 / 177 [ 2 / 219 ] ، کنز العمّال : 3 / 126 [ 5 / 588 ح 14046 ]. (المؤلف)
2- طبقات ابن سعد : 3 / 151 [ 3 / 212 ] ، الإمامة والسیاسة : 1 / 16 [ 1 / 22 ] ، تاریخ الطبری : 3 / 210 [ 3 / 224 حوادث سنة 11 ه ] ، صفة الصفوة : 1 / 99 [ 1 / 261 رقم 2 ] ، شرح نهج البلاغة : 3 / 8 و 4 / 167 [ 6 / 20 خطبة 66 و 17 / 156 کتاب 62 ] ، کنز العمّال : 3 / 126 [ 5 / 589 ح 14050 ]. (المؤلف)

أو بقوله : إنّی ولّیت علیکم ولست بخیرکم ، فإن رأیتمونی علی الحقّ فأعینونی وإن رأیتمونی علی الباطل فسدّدونی (1).

وفی لفظ ابن الجوزی فی صفة الصفوة (2) (1 / 98) : قد وُلّیت أمرکم ولست بخیرکم ، فإن أحسنت فأعینونی ، وإن زغت فقوّمونی.

وهل الخلیفة حریّ بأن ترعاه أمّته ورعیّته فتعینه وتسدّده وتقوّمه عند الخطأ والزیغ؟ وکیف لا یؤاخذ الخلیفة بالسنّة وهو وارث علم النبیّ وحامل سنّته؟ وقد أکمل الله دینه وأوحی إلی نبیّه ما تحتاج إلیه أمّته ، وبلّغ صلی الله علیه وآله وسلم کلّ ما جاء حتی حقّ له أن ینهی عن الرأی والقیاس فی دین الله ، أو یقول : «ما ترکت شیئاً ممّا أمرکم الله به إلاّ وقد أمرتکم به ، ولا ترکت شیئاً ممّا نهاکم عنه إلاّ وقد نهیتکم عنه» (3).

وقد فتح الخلیفة لقصر باعه فی علوم الکتاب والسنّة باب القول بالرأی بمصراعیه بعد ما سدّه النبیّ الأعظم علی أمّته ، ولم تکن عند الخلیفة مندوحة سواه ، قال ابن سعد فی الطبقات (4) ، وأبو عمر فی کتاب العلم (5) (2 / 51) ، وابن القیّم فی أعلام 8.

ص: 161


1- طبقات ابن سعد : 3 / 139 [ 3 / 183 ] ، المجتنی لابن درید : ص 27 [ ص 15 ] ، عیون الأخبار لابن قتیبة : 2 / 234 [ مج 1 / ج 5 / 234 ] ، تاریخ الطبری : 3 / 203 [ 3 / 210 حوادث سنة 11 ه ] ، سیرة ابن هشام : 4 / 340 [ 4 / 311 ] ، تهذیب الکامل : 1 / 6 ، العقد الفرید : 2 / 158 [ 3 / 238 ] ، إعجاز القرآن : ص 115 [ للباقلاّنی : ص 209 ] ، الریاض النضرة : 1 / 167 ، 177 [ 2 / 207 ، 218 - 219 ] ، تاریخ ابن کثیر : 5 / 247 [ 5 / 269 حوادث سنة 11 ه ] وصحّحه ، شرح ابن أبی الحدید : 1 / 134 [ 2 / 56 خطبة 26 ] ، تاریخ الخلفاء للسیوطی : ص 47 ، 48 [ ص 66 و 67 ] ، السیرة الحلبیّة : 3 / 388 [ 3 ص 359 ]. (المؤلف)
2- صفة الصفوة : 1 / 260 رقم 2.
3- کتاب العلم لأبی عمر [ ص 428 ح 2067 ] ، وفی مختصره : ص 222 [ ص 384 ح 249 ]. (المؤلف)
4- الطبقات الکبری : 3 / 178.
5- جامع بیان العلم : ص 270 ح 1398.

الموقّعین (1) (ص 19) : إنّ أبا بکر نزلت به قضیّة فلم یجد فی کتاب الله منها أصلاً ، ولا فی السنّة أثراً ، فاجتهد رأیه ثمّ قال : هذا رأیی فإن یکن صواباً فمن الله ، وإن یکن خطأً فمنّی وأستغفر الله. وذکره السیوطی فی تاریخ الخلفاء عن ابن سعد (2) (ص 71).

وقال میمون بن مهران : کان أبو بکر إذا ورد علیه الخصم فإن وجد فی الکتاب أو علم من رسول الله ما یقضی بینهم قضی به ، فإن أعیاه خرج فسأل المسلمین وقال : أتانی کذا وکذا فهل علمتم أنّ رسول الله قضی فی ذلک بقضاء؟ فربما اجتمع إلیه النفر کلّهم یذکر من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فیه قضاءً ، فیقول أبو بکر : الحمد لله الذی جعل فینا من یحفظ علی نبیّنا ، فإن أعیاه أن یجد فیه سنّة من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم جمع رءوس الناس وخیارهم فاستشارهم فإذا اجتمع رأیهم علی أمر قضی به (3).

هکذا کان شأن الخلیفة فی القضاء ، وهذا مبلغ علمه ، وهذه سیرته فی العمل بالرأی المجرّد وقد قال عمر بن الخطّاب : أصبح أهل الرأی أعداء السنن أعیتهم الأحادیث أن یعوها ، وتفلّتت منهم أن یرووها ، فاشتقّوا الرأی ، أیّها الناس إنّ الرأی إنما کان من رسول الله مصیباً ؛ لأنّ الله کان یریه ، وإنّما هو منّا الظنّ والتکلّف (4).

ثمّ ما المسوّغ لمن سدّ فراغ النبیّ وأشغل منصّته أن یسأل الناس عن السنّة الشریفة ، ویأخذها ممّن هو خلیفة علیه؟ ولما ذا خالف سیرته هذه لمّا سُئل عن الأبّ ف)

ص: 162


1- أعلام الموقّعین : 1 / 54.
2- تاریخ الخلفاء : : ص 98.
3- سنن الدارمی : 1 / 58 ، وأخرجه البغوی کما فی الصواعق : ص 10 [ ص 18 ]. (المؤلف)
4- کتاب العلم لأبی عمر : 2 / 134 [ ص 351 ح 1700 و 363 ح 1759 ] ، وفی مختصره : ص 185 [ ص 321 ح 231 ] ، أعلام الموقّعین : ص 19 [ 1 / 54 ]. (المؤلف)

والکلالة وترک سؤال الصحابة واستشارتهم فأفتی برأیه ما أفتی ، وقال بحریّته ما قال.

وفیما اتّفق لأبی بکر من القضایا غیر ما مرّ مع قلّته غنیة وکفایة فی عرفان مبلغ علمه ، وإلیک منها :

- 1 -

رأی الخلیفة فی الجدّة

عن قبیصة بن ذؤیب قال : جاءت الجدّة إلی أبی بکر الصدّیق رضی الله عنه تسأله عن میراثها ، فقال لها أبو بکر : مالک فی کتاب الله شیء ، وما علمت لک فی سنّة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم شیئاً فارجعی حتی أسأل الناس. فقال المغیرة بن شعبة : حضرت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أعطاها السدس. فقال أبو بکر : هل معک غیرک؟ فقام محمد بن مسلمة الأنصاری فقال مثل ما قال المغیرة. فأنفذه لها أبو بکر رضی الله عنه. الحدیث (1).

فانظر إلی ما عزب عنه علم الخلیفة فی مسألة تکثر بها البلوی ویطّرد الحکم فیها ، حتی اضطرّته الحاجة إلی الرکون إلی روایة مثل المغیرة أزنی ثقیف وأکذب الأمّة (2) ، وکان من تغییره للسنّة ولعبه بها أنّه صلّی صلاة العید یوم عرفة مخافة أن یعزل سنة أربعین (3) ، وکان ینال من أمیر المؤمنین علیه السلام کلّما رقی صهوة المنبر (4). ف)

ص: 163


1- موطّأ مالک : 1 / 335 [ 2 / 513 ح 4 ] ، سنن الدارمی : 2 / 359 ، سنن أبی داود : 2 / 17 [ 3 / 121 ح 2894 ] ، سنن ابن ماجة : 3 / 163 [ 2 / 909 ح 2724 ] ، مسند أحمد : 4 / 224 [ 5 / 265 ح 17519 ] ، سنن البیهقی : 6 / 234 ، بدایة المجتهد : 2 / 347 ، مصابیح السنّة : 2 / 22 [ 2 / 391 ح 2273 ]. (المؤلف)
2- راجع الجزء السادس من کتابنا هذا : ص 141. (المؤلف)
3- الأغانی : 14 / 142 [ 16 / 96 ]. (المؤلف)
4- مرّ فی الجزء السادس : ص 143 ، 144. (المؤلف)

- 2 -

رأی الخلیفة فی الجدّتین

عن القاسم بن محمد أنّه قال : أتت الجدّتان إلی أبی بکر الصدّیق رضی الله عنه فأراد أن یجعل السدس للتی من قبل الأُمّ ، فقال له رجلٌ من الأنصار : أما إنّک تترک التی لو ماتت وهو حیّ کان إیّاها یرث ، فجعل أبو بکر السدس بینهما.

لفظ آخر :

إنّ جدّتین أتتا أبا بکر الصدّیق رضی الله عنه أُمّ الأُمّ وأُمّ الأب ، فأعطی المیراث أُمّ الأُمّ دون أُمّ الأب ، فقال له عبد الرحمن بن سهیل - سهل - أخو بنی حارثة : یا خلیفة رسول الله لقد أعطیت التی لو أنّها ماتت لم یرثها. فجعله أبو بکر بینهما یعنی ، السدس.

راجع (1) موطّأ مالک (1 / 335) ، سنن البیهقی (6 / 235) ، بدایة المجتهد (2 / 344) ، الاستیعاب (2 / 400) ، الإصابة (2 / 402) وقال : رجاله ثقات ، کنز العمّال (6 / 6) نقلاً عن مالک ، وسعید بن منصور ، وعبد الرزّاق ، والدارقطنی ، والبیهقی.

قال الأمینی : أوَلا تعجب من جهل الرجل بحکم إرث الجدّتین ، وسرعة انقلابه عمّا ارتآه أوّلاً بنقد رجل من الأنصار أو أخی بنی حارثة؟ وکان ذلک النقد یستدعی حرمان الجدّة من قبل الأمّ لکنّه شرکهما فی المیراث واتّخذته الفقهاء مصدراً لحکمهم ، وأصل الحکم مأخوذ من روایة المغیرة المخصوصة بالجدّة الواحدة فانظر واعتبر. 3.

ص: 164


1- موطّأ مالک : 2 / 513 ح 5 ، بدایة المجتهد : 2 / 348 ، الاستیعاب : 2 / 836 رقم 1424 ، کنز العمّال : 11 / 22 ح 30466 ، سنن سعید بن منصور : 1 / 55 ح 81 ، 82 ، المصنّف لعبد الرزاق : 10 / 275 رقم 19084 ، سنن الدارقطنی : 4 / 90 - 91 ح 72 و 73.

وأمّا رأی الرجل الأنصاری فی الجدّة الذی زحزح الخلیفة عن حکمه فلم یکن أخذاً بالکتاب والسنّة بل کان مخالفاً لهما وفقاً لقول الشاعر :

بنونا بنو أبنائنا وبناتُنا

بنوهنّ أبناء الرجال الأباعدِ

فخصّ القوم به قول الله تعالی : (یُوصِیکُمُ اللهُ فِی أَوْلادِکُمْ لِلذَّکَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَیَیْنِ) (1) لعقب الأبناء دون من عقبته البنات ، وذهبوا إلی عدم شمول أحکام الأولاد فی الفروض وغیرها علی ولید بنت الرجل محتجّین بقول الشاعر.

قال ابن کثیر فی تفسیره (2 / 155) : قالوا : إذا أعطی الرجل بنیه أو وقف علیهم فإنّه یختص بذلک بنوه لصلبه وبنو بنیه واحتجّوا بقول الشاعر :

بنونا بنو أبنائنا وبناتُنا

بنوهنّ أبناء الرجال الأباعدِ

وقال البغدادی فی خزانة الأدب (2) (1 / 300) : هذا البیت لا یُعرف قائله مع شهرته فی کتب النحاة وغیرهم. قال العینی : هذا البیت استشهد به النحاة علی جواز تقدیم الخبر ، والفرضیّون علی دخول أبناء الأبناء فی المیراث ، وأنّ الانتساب إلی الآباء ، والفقهاء کذلک فی الوصیّة ، وأهل المعانی والبیان فی التشبیه ، ولم أرَ أحداً منهم عزاه إلی قائله.

وقال : رأیت فی شرح الکرمانی فی شواهد شرح الکافیة للخبیصی (3) أنّه قال : هذا البیت قائله أبو فراس همام الفرزدق بن غالب (4) ثمّ ترجمه والله أعلم بحقیقة الحال. انتهی.ف)

ص: 165


1- النساء : 11.
2- خزانة الأدب : 1 / 445.
3- شمس الدین أبو بکر الخبیصی أسمی شرحه بالمرشح. (المؤلف)
4- نسبه صاحب جامع الشواهد إلی عمر فی صفحة : 91 [ 1 / 317 ] فقال : هو من أبیات لعمر بن الخطّاب. وهذا أقرب إلی ما یشاهد فیه من الإلمام بالسیاسة. (المؤلف)

سبحانک اللهمّ ما أجرأهم علی هذا الرأی - السیاسی - فی دین الله لإخراج آل الله عن بنوّة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم! ما قیمة قول الشاعر تجاه قول الله تعالی (فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَکُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَکُمْ) (1) فهو نصّ صریح علی أنّ الحسنین السبطین ابنی النبیّ الأقدس.

وقد سمّی الله سبحانه أسباط نوح ذریّة له ، ولیست الذریّة إلاّ ولد الرجل کما فی القاموس (2) (2 / 34) فقال سبحانه : (وَمِنْ ذُرِّیَّتِهِ داوُدَ وَسُلَیْمانَ) - إلی قوله - : (وَیَحْیی وَعِیسی) (3) فعدّ عیسی من ذریّة نوح وهو ابن بنته مریم.

قال الرازی فی تفسیره (4) ، (2 / 488) : هذه الآیة - یعنی آیة قل تعالوا - دالّة علی أن الحسن والحسین علیهما السلام کانا ابنی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، وعد أن یدعو أبناءه ، فدعا الحسن والحسین ، فوجب أن یکونا ابنیه ، وممّا یؤکّد هذه قوله تعالی فی سورة الأنعام : (وَمِنْ ذُرِّیَّتِهِ داوُدَ وَسُلَیْمانَ) إلی قوله : (وَزَکَرِیَّا وَیَحْیی وَعِیسی) ، ومعلوم أنّ عیسی علیه السلام إنّما انتسب إلی إبراهیم علیه السلام بالأمّ لا الأب ، فثبت أنّ ابن البنت قد یُسمّی ابناً والله أعلم.

وقال القرطبی فی تفسیره (5) (4 / 104) : فیها - یعنی آیة تعالوا - دلیل علی أنّ أبناء البنات یسمّون أبناءً. وقال (6) (7 / 31) : عُدّ عیسی من ذریّة إبراهیم وإنّما هو ابن البنت ، فأولاد فاطمة ذریّة النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ، وبهذا تمسّک من رأی أنّ ولد البنات یدخلون فی اسم الولد. قال أبو حنیفة والشافعی : من وقف وقفاً علی ولده وولد ولده3.

ص: 166


1- آل عمران : 61.
2- القاموس المحیط : ص 507.
3- الأنعام : 84 و 85.
4- التفسیر الکبیر : 8 / 81.
5- الجامع لأحکام القرآن : 4 / 67.
6- الجامع لأحکام القرآن : 7 / 22 - 23.

أنّه یدخل فیه ولد ولده ، وولد بناته ما تناسلوا. وکذلک إذا أوصی لقرابته یدخل فیه ولد البنت ، والقرابة عند أبی حنیفة کلّ ذی رحم مَحْرَم. إلی أن قال :

وقال مالک : لا یدخل فی ذلک ولد البنات ، وقد تقدّم نحو هذا عن الشافعی (1) (4 / 104) ، والحجّة لهما قوله سبحانه : (یُوصِیکُمُ اللهُ فِی أَوْلادِکُمْ) فلم یعقل المسلمون (2) من ظاهر الآیة إلاّ ولد الصلب وولد الابن خاصّة. إلی أن قال : وقال ابن القصّار : وحجّة من أدخل البنات فی الأقارب قوله علیه السلام للحسن بن علیّ : «إنّ ابنی هذا سیّد». ولا نعلم أحداً یمتنع أن یقول فی ولد البنات لأنّهم ولد لأبی أُمّهم. والمعنی یقتضی ذلک ؛ لأنّ الولد مشتقّ من التولّد وهم متولّدون عن أبی أمّهم لا محالة ، والتولّد من جهة الأمّ کالتولّد من جهة الأب ، وقد دلّ القرآن علی ذلک ، قال الله تعالی : (وَمِنْ ذُرِّیَّتِهِ داوُدَ وَسُلَیْمانَ) إلی قوله : (مِنَ الصَّالِحِینَ) فجعل عیسی من ذریّته وهو ابن بنته. انتهی.

وأخرج ابن أبی حاتم ؛ بإسناده عن أبی حرب بن الأسود قال : أرسل الحجّاج إلی یحیی بن یعمر فقال : بلغنی أنّک تزعم أنّ الحسن والحسین من ذریّة النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم. تجده فی کتاب الله؟ وقد قرأته من أوّله إلی آخره فلم أجده. قال : ألیس تقرأ سورة الأنعام : (وَمِنْ ذُرِّیَّتِهِ داوُدَ وَسُلَیْمانَ) حتی بلغ : (وَیَحْیی وَعِیسی)؟ قال بلی. قال : ألیس عیسی من ذرّیة إبراهیم ولیس له أب؟ قال : صدقت.

فلهذا إذا أوصی الرجل لذریّته أو وقف علی ذریّته أو وهبهم دخل أولاد البنات فیهم. إلخ. تفسیر ابن کثیر (2 / 155).

فبعد کون ذریّة الرجل ولده علی الإطلاق ودخل فیهم أولاد البنات لا ینبغی ف)

ص: 167


1- أنظر الجامع لأحکام القرآن : 4 / 67.
2- هذه فریة علی المسلمین وحاشاهم أن یعقلوا من الآیة خلاف ظاهرها من دون أی دلیل صارف. (المؤلف)

التفکیک فی الأحکام عندئذٍ بین الذریّة والأولاد ، ولا یسع لأیّ أحد أن یری أبناء البنات أبناء الرجال الأباعد خارجین عن ولد الرجل علی الحقیقة ، ویصحّ له مع ذلک عدُّهم من ذریّته ، ولیست إلاّ ولد الرجل.

ویشهد علی لغة القرآن المجید ، وأنّ ولد البنت ابن أبیها علی الحقیقة ، قول رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم :

1 - «أخبرنی جبریل : أنّ ابنی هذا - یعنی الحسین - یُقتل. وفی لفظ : إنّ أمّتی ستقتل ابنی هذا» (1).

طبقات ابن سعد ، مستدرک الحاکم (3 / 177) ، أعلام النبوّة للماوردی (ص 83) ، ذخائر العقبی (ص 148) ، الصواعق (ص 115).

2 - وقوله : «ابنی هذا یُقتل بأرض من العراق».

دلائل النبوّة لأبی نعیم (2) (3 / 202) ، ذخائر العقبی (ص 146).

3 - وقوله للحسن السبط : «ابنی هذا سیّد».

المستدرک (3 / 175) ، أعلام الماوردی (3) (ص 83) ، تفسیر ابن کثیر (2 / 155).

4 - وقوله لعلی : «أنت أخی وأبو ولدی».

ذخائر العقبی (ص 66).

5 - وقوله : «إنّ جبریل أخبرنی أنّ الله قتل بدم یحیی بن زکریّا سبعین ألفاً وهو قاتل بدم ولدک الحسین سبعین ألفاً».

ذخائر العقبی (ص 150). 7.

ص: 168


1- ترجمة الإمام الحسین من طبقات ابن سعد غیر المطبوع : ص 44 ح 268 ، المستدرک علی الصحیحین : 3 / 194 ح 4818 ، أعلام النبوّة : ص 137 ، الصواعق المحرقة : ص 192.
2- دلائل النبوّة : 2 / 710 ح 493.
3- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 191 ح 4809 ، أعلام النبوّة ص 137.

6 - وقوله : «المهدی من ولدی وجهه کالکوکب الدرّی».

ذخائر العقبی (ص 136).

7 - «هذان ابنای من أحبّهما فقد أحبّنی» (1) الحسن والحسین.

المستدرک (3 / 166) ، تاریخ ابن عساکر (4 / 204) ، کنز العمّال (6 / 221).

8 - وقوله لفاطمة الصدّیقة : «ادعی لی ابنیَّ».

تاریخ ابن عساکر (2) (4 / 316).

9 - وقوله لأنس : «ادع لی ابنی».

تاریخ ابن کثیر (3) (8 / 205).

10 - وقوله : «ادعوا ابنی» ، فأتی الحسن بن علیّ.

ذخائر العقبی (ص 122).

11 - وقوله : «اللهم إنّ هذا ابنی - الحسن - وأنا أحبّه فأحبّه وأحبّ من یحبّه»

تاریخ ابن عساکر (4) (4 / 203).

12 - وقوله لعلیّ : «أیّ شیء سمّیت ابنی؟ قال : ما کنت لأسبقک بذلک ، فقال : وما أنا السابق ربّی فهبط جبریل فقال : یا محمد إنّ ربّک یقرئک السلام ویقول لک : علیّ منک بمنزلة هارون من موسی لکن لا نبیّ بعدک ، فسمّ ابنک هذا باسم ولد هارون».

ذخائر العقبی (ص 120). 0.

ص: 169


1- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 181 ح 4776 ، تاریخ مدینة دمشق : 13 / 199 رقم 1383 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 7 / 12 ، کنز العمّال : 12 / 120 ح 34286.
2- تاریخ مدینة دمشق : 14 / 153 رقم 1566 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 7 / 120.
3- البدایة والنهایة : 8 / 223 حوادث سنة 61 ه.
4- تاریخ مدینة دمشق : 13 / 197 رقم 1383 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 7 / 10.

13 - وقوله : «أرونی ابنی ما سمّیتموه» (1). قاله لمّا ولد الحسن ، وفی ولادة الحسین ، وکذلک فی ولادة محسن بن علیّ.

المستدرک (3 / 180) ، کنز العمّال (7 / 107 ، 108) عن الدارقطنی ، وأحمد ، وابن أبی شیبة ، وابن جریر ، وابن حبّان ، والدولابی ، والبیهقی ، والحاکم والخطیب.

14 - وقوله : «اطلبوا ابنیَّ» لمّا ضلّ الحسن والحسین.

کنز العمّال (2) (7 / 108).

15 - وقوله : «إنّ ابنیَّ هذین ریحانتای من الدنیا» (3) ، یعنی الحسنین.

الصواعق (ص 114) ، کنز العمّال (6 / 220 ، 7 / 109).

16 - وقوله : «ابنی ارتحلنی» (4).

أخرجه أحمد. والبغوی. والطبرانی. والحاکم. والبیهقی. وسعید بن منصور. وابن عساکر فی تاریخه (4 / 317) ، وابن کثیر فی تاریخه (8 / 36) ، وراجع کنز العمّال (6 / 222 و 7 / 109). 3.

ص: 170


1- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 180 ح 4773 ، کنز العمّال : 13 / 660 و 664 ح 37676 و 37692 ، مسند أحمد : 1 / 190 ح 956 ، الإحسان فی تقریب صحیح ابن حبّان : 15 / 409 ح 6958 ، الذریّة الطاهرة : ص 99 ح 91 ، سنن البیهقی : 6 / 166.
2- کنز العمّال : 13 / 662 ح 37685.
3- الصواعق المحرقة : ص 191 ، کنز العمّال : 12 / 113 ح 34252 و 13 / 667 ح 37699.
4- مسند أحمد : 7 / 622 ح 27100 ، المعجم الکبیر : 7 / 270 ح 7107 ، المستدرک علی الصحیحین : 3 / 726 ح 6631 ، تاریخ مدینة دمشق : 14 / 160 رقم 1566 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 7 / 15 و 121 ، البدایة والنهایة : 8 / 40 حوادث سنة 49 ه ، کنز العمّال : 12 / 124 ح 34308 و 13 / 668 ح 37703.

17 - وقوله : «هاتوا ابنیَّ أعوّذهما بما عوّذ به إبراهیم ابنیه».

تاریخ ابن عساکر (1) (4 / 209).

18 - وقوله لأنس : «ویحک یا أنس دع ابنی وثمرة فؤادی - یعنی الحسن».

کنز العمّال (2) (6 / 222).

19 - وقوله : «ابنای هذان : الحسن والحسین سیّدا شباب أهل الجنّة».

الصواعق لابن حجر (3) (ص 114).

20 - وقوله فی علیّ : «هذا أخی وابن عمّی وصهری وأبو ولدی».

کنز العمّال (4) (6 / 154).

21 - وقوله : «سمّیت ابنیَّ هذین باسم ابنی هارون شبّر وشبیر» (5).

الصواعق (ص 115) ، کنز العمّال (6 / 222).

22 - وقوله : «لو لم یبقَ من الدنیا إلاّ یوم واحد لطوّل الله ذلک الیوم حتی یبعث رجلاً من ولدی اسمه کاسمی».

فقال سلمان : من أیّ ولدک یا رسول الله؟ قال : «من ولدی هذا ، وضرب بیده علی الحسین».

ذخائر العقبی (ص 136). 5.

ص: 171


1- تاریخ مدینة دمشق : 13 / 224 رقم 1383 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 7 / 18.
2- کنز العمّال : 12 / 125 ح 34310.
3- الصواعق المحرقة : ص 191.
4- کنز العمّال : 11 / 609 ح 32947.
5- الصواعق المحرقة : ص 192 ، کنز العمّال : 12 / 118 ح 34275.

23 - وقول الحسن السبط سلام الله علیه فی خطبة له : «أنا الحسن بن علی ، وأنا ابن النبیّ ، وأنا ابن البشیر ، وأنا ابن النذیر ، وأنا ابن الداعی إلی الله بإذنه والسراج المنیر» (1).

المستدرک (3 / 172) ، ذخائر العقبی (ص 138 ، 140) ، شرح ابن أبی الحدید (4 / 11) ، مجمع الزوائد (9 / 146) ، إتحاف الشبراوی (ص 5).

24 - وقوله لأبی بکر وهو فی منبر جدّه الأقدس : «إنزل عن مجلس أبی». فقال أبو بکر : صدقت إنّه مجلس أبیک. وفی لفظ : «إنزل عن منبر أبی». فقال أبو بکر : منبر أبیک لا منبر أبی (2).

الریاض النضرة (1 / 139) ، شرح ابن أبی الحدید (2 / 17) ، الصواعق (ص 108) ، تاریخ الخلفاء للسیوطی (ص 54) ، کنز العمّال (3 / 132).

25 - وقوله فی وصیّته : «ادفنونی عند أبی» - یعنی المصطفی.

إتحاف الشبراوی (3) (ص 11).

26 - وقول الحسین السبط علیه السلام لعمر : «إنزل عن منبر أبی». فقال عمر : منبر أبیک لا منبر أبی ، من أمرک بهذا؟

تاریخ ابن عساکر (4) (4 / 321). 7.

ص: 172


1- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 188 - 189 ح 4802 ، شرح نهج البلاغة 16 / 30 کتاب 31 ، الإتحاف بحب الأشراف : ص 18.
2- الریاض النضرة : 1 / 175 ، شرح نهج البلاغة : 6 / 42 خطبة 66 ، الصواعق المحرقة : ص 177 ، تاریخ الخلفاء : ص 75 ، کنز العمّال : 5 / 616 ح 14084 و 14085.
3- الإتحاف بحب الأشراف : ص 38.
4- تاریخ مدینة دمشق : 14 / 175 رقم 1566 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 7 / 127.

27 - وقول ابن عبّاس : هذان - الحسن والحسین - ابنا رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم.

تاریخ ابن عساکر (1) (4 / 212 ، 322).

28 - وقول زهیر بن القین مخاطباً الحسین علیه السلام : قد سمعنا یا ابن رسول الله مقالتک. جمهرة خطب العرب (2) (2 / 40).

29 - وقول الإمام السبط الحسن الزکیّ کما فی الإتحاف للشبراوی (3) (ص 49):

خیرةُ اللهِ من الخلقِ أبی

بعد جدّی وأنا ابن الخیرتین

فضّةٌ قد صُیغت من ذهب

فأنا الفضّة ابن الذهبین

30 - وقوله کما فی الإتحاف (4) (ص 57):

أنا ابن الذی قد تعلمون مکانَه

ولیس علی الحقّ المبینِ طحاءُ

ألیس رسولُ اللهِ جدّی ووالدی

أنا البدرُ إن حلّ النجومَ خفاءُ

31 - وقول الفرزدق فی مدح الإمام السجّاد علیّ بن الحسین علیهما السلام :

هذا ابنُ خیرِ عبادِ اللهِ کلِّهمُ

هذا التقیُّ النقیُّ الطاهرُ العلَمُ

32 - وقول ابن بشر فی زید بن الحسن بن علیّ بن أبی طالب علیهما السلام یمدحه :

إذا نزل ابنُ المصطفی بطنَ تلعةٍ

نفی جدبَها واخضرّ بالنبتِ عودُها

وزیدٌ ربیعُ الناس فی کلّ شتوةٍ

إذا أخلفتْ أبراقُها ورعودُها3.

ص: 173


1- تاریخ مدینة دمشق : 13 / 239 رقم 1383 و 14 / 179 رقم 1566 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 7 / 22 و 128.
2- جمهرة خطب العرب : 2 / 48 رقم 33.
3- الإتحاف بحب الأشراف : ص 136.
4- الإتحاف بحب الأشراف : ص 193.

33 - وقول أبی عاصم بن حمزة الأسلمی یمدح الحسن بن زید بن الحسن بن علیّ بن أبی طالب علیهم السلام ، کما فی زهر الآداب للحصری القیروانی (1) (1 / 80):

ستأتی مدحتی الحسنَ بنَ زیدٍ

وتشهدُ لی بصفّینَ القبورُ

قبورٌ لم تزلْ مُذ غابَ عنها

أبو حسنٍ تعادیها الدهورُ

قبورٌ لو بأحمدَ أو علیٍ

یلوذُ مجیرُها حُمِی المجیرُ

هما أبواک من وضعا فضعه

وأنت برفعِ من رفعا جدیرُ

34 - وقول إبراهیم بن علیّ بن هرمة لمّا نصحه الحسن بن زید المذکور کما فی زهر الآداب (2) (1 / 81):

نهانی ابنُ الرسولِ عن المدامِ

وأدّبنی بآدابِ الکرامِ

35 - وقول أبی تمام الطائی (3) :

فعلتمْ بأبناءِ النبیِّ ورهطِهِ

أفاعیلَ أدناها الخیانةُ والغدرُ

36 - وقول دعبل الخزاعی :

فکیف ومن أنّی بطالبِ زلفةٍ

إلی اللهِ بعد الصومِ والصلواتِ

سوی حبّ أبناءِ النبیِّ ورهطِه

وبغضِ بنی الزرقاءِ والعبلاتِ

37 - وقوله :

ألم یحزنْکَ أنَّ بنی زیادٍ

أصابوا بالترات بنی النبیِ (4)ر.

ص: 174


1- زهر الآداب : 1 / 127.
2- زهر الآداب : 1 / 129.
3- راجع فیما یلی من الأبیات تراجم شعرائها فی أجزاء کتابنا هذا. (المؤلف)
4- الترات : جمع ترة وهی الثأر.

38 - وقول الحِمّانی :

قومٌ لماءِ المعالی فی وجوههمُ

عند التکرّم تصویبٌ وتصعیدُ

یدعون أحمد إن عُدّ الفخارُ أباً

والعودُ یُنسَبُ فی أفنائه العودُ

39 - وقول التنوخی :

من ابن رسولِ اللهِ وابنِ وصیِّهِ

إلی مدخلٍ فی عقبةِ الدینِ ناصبِ

40 - وقول الزاهی :

بنو المصطفی تفنون بالسیف عنوةً

ویسلمنی طیفُ الهجوعِ فأهجعُ

41 - وقول الناشئ :

بنی أحمدٍ قلبی بکم یتقطّعُ

بمثل مصابی فیکمُ لیس یُسمعُ

42 - وقول الصاحب بن عبّاد :

ما لعلیّ العلی أشباهُ

لا والذی لا إله إلاّ هو

مبناه مبنی النبیّ تعرفُه

وابناهُ عند التفاخر ابناهُ

43 - وقوله :

أیُجَزُّ رأسُ ابنِ النبیّ وفی الوری

حیٌّ أمام رکابِه لم یقتلِ

44 - وقوله :

محمد ووصیّه وابنیهما

وبعابدٍ وبباقرین وکاظمِ

45 - وقوله :

بمحمد ووصیِّه وابنیهما

الطاهرین وسیّد العبّادِ

ص: 175

46 - وقول الصوری (1) :

فلهذا أبناء أحمد أبنا

ء علیٍّ طرائدُ الآفاقِ

47 - وقول مهیار الدیلمی (2) :

بأیّ حکمٍ بنوهُ یتبعونکمُ

وفخرکم أنَّکم صحبٌ له تَبعُ

48 - وقوله (3) :

فیومُ السقیفةِ یا ابن النبیّ

طرَّق یومک فی کربلا

49 - وقول ابن جابر :

جعلوا لأبناءِ الرسولِ علامةً

إنَّ العلامةَ شأنُ من لم یشهرِ

50 - وقال الشبراوی (4) :

یا ابن الرسول بأمّک الزهرا البتولِ

وجدّک المأمول عند الناسِ

وغدوت فی الأشراف یا ابن المصطفی

کالعقل أو کالروح أو کالراسِ

فما المبرّر عندئذٍ للخلیفة فی صفحه عمّا فی کتاب الله وسنّة نبیّه وتلقّیه بالقبول قول الأنصاریّ الشاذّ عن الکتاب والسنّة؟

وما عذر فقیه أو حافظ اتّخذ رأی الأنصاری دیناً محتجّا بقول شاعرٍ لم یُعرف بعدُ ، وبین یدیه القرآن والحدیث والأدب؟ 7.

ص: 176


1- دیوان الصوری : 1 / 309.
2- دیوان مهیار الدیلمی : 2 / 183.
3- دیوان مهیار الدیلمی : 3 / 50.
4- الإتحاف بحب الأشراف : ص 107.

- 3 -

رأی الخلیفة فی قطع السارق

عن صفیّة بنت أبی عبید : أنَّ رجلاً سرق علی عهد أبی بکر رضی الله عنه مقطوعة یده ورجله فأراد أبو بکر رضی الله عنه أن یقطع رجله ویدع یده یستطیب بها ویتطهّر بها ، وینتفع بها ، فقال عمر : لا والذی نفسی بیده لتقطعنّ یده الأخری. فأمر به أبو بکر رضی الله عنه فقطعت یده. وعن القاسم بن محمد : أنّ أبا بکر رضی الله عنه أراد أن یقطع رجلاً بعد الید والرجل ، فقال عمر رضی الله عنه : السنّة الید (1).

إنّ من موارد الحیرة أنّ الخلیفة لا یعلم حدّ السارق الذی هو من أهمّ ما تجب علیه معرفته لحفظ الأمن العامّ ، وتهدئة الحالة ، وقطع جرثومة الفساد ، ومن المحیّر أیضاً تسرّعه إلی الحکم قبل ما عزی إلیه فیما مرّ (ص 119) من الرجوع إلی الکتاب والسنّة ثم الاستعلام من الصحابة ثمّ المشورة.

ثمّ إنّ الذی سدّده فی هذه القضیّة لِمَ نسی الحکم إبّان خلافته فأراد عین ما أراده صاحبه؟ راجع الجزء السادس (ص 136).

- 4 -

رأی الخلیفة فی الجدّ

عن ابن عبّاس وعثمان وأبی سعید وابن الزبیر قالوا : إنّ أبا بکر جعل الجدّ أباً (2) ، یعنون أنّه کان یحجب الأخوة بالجدّ ولم یشرک بینهما کما أنّ الأب یحجب الأخوة والأخوات. ف)

ص: 177


1- سنن البیهقی : 8 / 273 - 274. (المؤلف)
2- صحیح البخاری باب میراث الجدّ [ 6 / 2477 ] ، سنن الدارمی : 2 / 352 ، أحکام القرآن للجصّاص : 1 / 94 [ 1 / 82 ] ، سنن البیهقی : 6 / 246 ، تاریخ الخلفاء للسیوطی : ص 65 [ ص 90 ]. (المؤلف)

قال الأمینی : لم یکن رأی الخلیفة هذا متّخذاً من الکتاب والسنّة ، ولم یکن یعمل به أحد من الصحابة طیلة حیاته ، وما اتّفق لجدّ یرث فی أیّامه حتی یؤیّد رأیه ویقال : إنّ أحداً من الصحابة لم یخالف أبا بکر فی حیاته فی رأیه هذا کما قاله البخاری والقرطبی (1). وأوّل جدّ کان فی الإسلام وأراد أن یأخذ المال کلّه مال ابن ابنه دون أخوته هو عمر بن الخطّاب ، فأتاه علیّ وزید فقالا : لیس لک ذلک إنّما کنت کأحد الأخوین ، وقد فصّلنا القول فیه فی الجزء السادس (ص 115 - 118). فأوّل رجل خالف الخلیفة فی الجدّ هو خلیفته بعده ، وقد اتّفق علیّ وعمر وعثمان وعبد الله بن عمر وزید بن ثابت وابن مسعود علی خلاف الخلیفة علی توریث الأخوة مع الجدّ (2) وهو قول مالک والأوزاعی وأبی یوسف ومحمد والشافعی وابن أبی لیلی (3).

وافتعل القوم للخلیفة عذراً بأنّه کان یری الجدّ أباً لمکان قوله تعالی : (مِلَّةَ أَبِیکُمْ إِبْراهِیمَ) (4) وقوله : (یا بَنِی آدَمَ) بتقریر إطلاق الأب علی الجدّ علی الحقیقة. ولا یخفی علی أیّ أحد أنّ صحّة هذا الإطلاق لا توجب اتّحاد الأب والجدّ فی جمیع الأحکام ، ألا تری أنّ صحّة إطلاق الأمّ علی الجدّة علی الحقیقة وقولهم فی تعریف الجدّة : إنّها الأمّ العلیا (5) لا تستدعی الاشتراک فی النصیب فیرون مع هذه للجدّة السدس بالاتّفاق. وفریضة الأمّ هی الثلث بالکتاب والسنّة.

علی أنّ الصحابة الأوّلین لم یکن عندهم أیّ إیعاز إلی هذا العذر المنحوت ، ولو ف)

ص: 178


1- راجع صحیح البخاری باب میراث الجدّ [ 6 / 2478 ] ، وتفسیر القرطبی : 5 / 68 [ 5 / 46 ]. (المؤلف)
2- صحیح البخاری باب میراث الجدّ [ 6 / 2478 ] ، سنن الدارمی : 2 / 354 ، بدایة المجتهد : 2 / 340 [ 2 / 343 ]. (المؤلف)
3- أحکام القرآن للجصّاص : 1 / 94 [ 1 / 82 ] ، تفسیر القرطبی : 5 / 68 [ 5 / 46 ]. (المؤلف)
4- الحج : 78.
5- تفسیر القرطبی : 5 / 68 [ 5 / 46 ]. (المؤلف)

کان لرأی الخلیفة قیمة وکرامة لأباحه أحد منهم ، وفاهَ به عندما خالف علیّ وزید عمر بن الخطّاب ونهیاه عن إعمال هذا الرأی.

بل فیما رواه الدارمی عن الحسن من أنّ الجدّ قد مضت سنّته ، وأنّ أبا بکر جعل الجدّ أباً ، ولکن الناس تخیّروا (1). إیعاز إلی أنّ السنّة فی الجدّ ماضیة ثابتة وقد خالفها الخلیفة ، وتخیّر الناس فخالفوه وعملوا بالسنّة الشریفة.

- 5 -

رأی الخلیفة فی تولیة المفضول

قال الحلبی فی السیرة النبویّة (2) (3 / 386) : إنّ أبا بکر رضی الله عنه کان یری جواز تولیة المفضول علی من هو أفضل منه ، وهو الحقّ عند أهل السنّة لأنّه قد یکون أقدر من الأفضل علی القیام بمصالح الدین ، وأعرف بتدبیر الأمر ، وما فیه انتظام حال الرعیّة.

أجاب الحلبی بهذا عن تقدیم أبی بکر عمر بن الخطّاب وأبا عبیدة الجرّاح علی نفسه فی الخلافة وقوله : بایعوا أیّ الرجلین إن شئتم.

وقال الباقلانیّ فی التمهید (ص 195) عند الجواب عن قول أبی بکر : ولیتکم ولست بخیرکم : یمکن أن یکون قد اعتقد أنّ فی الأمّة أفضل منه إلاّ أنّ الکلمة علیه أجمع والأمّة بنظره أصلح ، لکی یدلّهم علی جواز إمامة المفضول عند عارض یمنع من نصب الفاضل ، ولهذا قال للأنصار وغیرهم : قد رضیت لکم أحد هذین الرجلین فبایعوا أحدهما : عمر بن الخطّاب وأبا عبیدة الجرّاح ، وهو یعلم أنّ أبا عبیدة دونه ودون عثمان وعلیّ فی الفضل ، غیر أنّه قد رأی أنّ الکلمة تجتمع علیه ، وتنحسم الفتنة بنظره. وهذا أیضاً ممّا لا جواب لهم عنه. 8.

ص: 179


1- سنن الدارمی : 2 / 353. (المؤلف)
2- السیرة الحلبیّة : 3 / 358.

قال الأمینی : الذی نرتئیه فی الخلافة أنَّها إمرة إلهیّة کالنبوّة ، وإن کان الرسول خُصّ بالتشریع والوحی الإلهی ، وشأن الخلیفة التبلیغ والبیان ، وتفصیل المجمل ، وتفسیر المعضل ، وتطبیق الکلمات بمصادیقها ، والقتال دون التأویل (1) کما یُقاتل النبیّ دون التنزیل ، وإظهار ما لم یتسنّ للنبیّ الإشادة به إمّا لتأخّر ظرفه ، أو لعدم تهیّؤ النفوس له ، أو لغیر ذلک من العلل ، فکلّ منهما داخل فی اللطف الإلهیّ الواجب علیه بمعنی تقریب العباد إلی الطاعة وتبعیدهم عن المعصیة ، ولذلک خلقهم واستعبدهم وعلّمهم ما لم یعلموا ، فلم یدع البشر کالبهائم لیأکلوا ویتمتّعوا ویُلهیهم الأمل. ولکن خلقهم لیعرفوه ، ولیمکّنهم من الحصول علی مرضاته ، وسهّل لهم الطریق إلی ذلک ببعث الرسل ، وإنزال الکتب ، وتواصل الوحی فی الفینة بعد الفینة.

وبما أنّ أیّ نبیّ لم یُنط عمره بمنصرم الدنیا ، ولا قُدّر له البقاء مع الأبد ، وللشرائع ظروف مدیدة ، کما أنّ للشریعة الخاتمة أمد لا منتهی له ، فإذا مات الرسول ولشریعته إحدی المدّتین وفی کلّ منهما نفوس لم تکمل بعد ، وأحکام لم تُبلّغ وإن کانت مشرّعة ، وأخری لم تأت ظروفها ، وموالید قدّر تأخیر تکوینها ، لیس من المعقول بعد أن تترک الأمّة سُدی والحالة هذه ، والناس کلّهم فی شمول ذلک اللطف الواجب علیه سبحانه شرع سواء ، فیجب علیه جلّت عظمته أن یقیّض لهم من یکمل الشریعة ببیانه ، ویزیح شبه الملحدین ببرهانه ، ویجلو ظلم الجهل بعرفانه ، ویدرأ عن الدین عادیة أعدائه بسیفه وسنانه ، ویقیم الأمت والعوج بیده ولسانه.

ومهما کان للمولی جلّت مننه عنایة بعبیده ، وقد ألزم نفسه بإسداء البرّ إلیهم ، ف)

ص: 180


1- وبهذا عرّف النبی صلی الله علیه وآله وسلم مولانا أمیر المؤمنین بقوله : «إنّ فیکم من یقاتل علی تأویل القرآن کما قاتلت علی تنزیله». قال أبو بکر : أنا هو یا رسول الله؟! قال : «لا». قال عمر : أنا هو یا رسول الله؟! قال «لا ، ولکن خاصف النعل» ، وکان أعطی علیّا نعله یخصفها. أخرجه جمع من الحفّاظ وصحّحه الحاکم والذهبی [ فی المستدرک علی الصحیحین : 3 / 132 ح 4621 ، وکذا فی تلخیصه ] ، والهیثمی [ فی مجمع الزوائد : 9 / 133 ] کما یأتی تفصیله. (المؤلف)

وأن لا یولیهم إلاّ الخیر والسعادة ، فعلیه أن یختار لهم من ینوء بذلک العبء الثقیل ویمثّل مخلّفه الرسول فی الوظائف کلّها ، فینصّ علیه بلسان ذلک النبیّ المبعوث ، ولا یجوز أن یخلی سربهم ، ویترکهم سُدی ، ألا تری أنّ عبد الله بن عمر قال لأبیه : إنّ الناس یتحدّثون أنّک غیر مستخلف ، ولو کان لک راعی إبل أو راعی غنم ثمّ جاء وترک رعیّته رأیت أن قد فرّط - لرأیت أن قد ضیّع - ورعیّة الناس أشدّ من رعیة الإبل والغنم ، ما ذا تقول لله إذ لقیته ولم تستخلف علی عباده (1)؟

وقالت عائشة لابن عمر : یا بنیّ أبلغ عمر سلامی وقل له : لا تدع أمّة محمد بلا راعٍ ، استخلف علیهم ولا تدعهم بعدک هملاً ، فإنّی أخشی علیهم الفتنة (2) ، فترک الناس مهملین فیه خشیة الفتنة علیهم.

وقال عبد الله بن عمر لأبیه : لو استخلفت. قال : من؟ قال : تجتهد فإنّک لست لهم بربّ تجتهد (3) ، أرأیت لو أنّک بعثت إلی قیّم أرضک ألم تکن تحبّ أن یستخلف مکانه حتی یرجع إلی الأرض؟ قال : بلی. قال : أرأیت لو بعثت إلی راعی غنمک ألم تکن تحبّ أن یستخلف رجلاً حتی یرجع (4)؟

وهذا معاویة بن أبی سفیان یتمسّک بهذا الحکم العقلیّ المسلّم فی استخلاف یزید ویقول : إنّی أرهب أن أدع أمّة محمد بعدی کالضأن لا راعی لها (5). ف)

ص: 181


1- سنن البیهقی : 8 / 149 عن صحیح مسلم [ 4 / 102 ح 12 کتاب الإمارة ] ، سیرة عمر لابن الجوزی : ص 190 [ ص 195 ] ، الریاض النضرة : 2 / 74 [ 2 / 353 ] ، حلیة الأولیاء : 1 / 44 ، فتح الباری : 13 / 175 [ 13 / 206 ] عن مسلم. (المؤلف)
2- الإمامة والسیاسة : 1 / 22 [ 1 / 28 ]. (المؤلف)
3- کذا فی المصدر.
4- طبقات ابن سعد : 3 / 249 [ 3 / 343 ]. (المؤلف)
5- تاریخ الطبری : 6 / 170 [ 5 / 304 حوادث سنة 56 ه ] ، الإمامة والسیاسة : 1 / 151 [ 1 / 159 ]. (المؤلف)

لیت شعری هذا الدلیل العقلیّ المتسالم علیه لِمَ أهملته الأمّة فی استخلاف النبیّ الأعظم واتّهمته بالصفح عنه؟ أنا لا أدری.

ولا یجوز أیضاً توکیل الأمر إلی أفراد الأمّة ، أو إلی أهل الحلّ والعقد منهم لأنّ ممّا أوجبه العقل السلیم أن یکون الإمام مکتنفاً بشرائط بعضها من النفسیّات الخفیّة والملکات التی لا یعلمها إلاّ العالم بالسرائر (1) کالعصمة والقداسة الروحیّة ، والنزاهة النفسیّة لتبعده عن الأهواء والشهوات ، والعلم الذی لا یضلّ معه فی شیء من الأحکام إلی کثیر من الأوصاف التی تقوم بها النفس ، ولا یظهر فی الخارج منها إلاّ جزئیّات من المستصعب الحکم باستقرائها علی ثبوت کلیّاتها : (وَرَبُّکَ یَعْلَمُ ما تُکِنُّ صُدُورُهُمْ وَما یُعْلِنُونَ) (2) و (اللهُ أَعْلَمُ حَیْثُ یَجْعَلُ رِسالَتَهُ) (3).

فالأمّة المنکفئ علمها عن الغیوب لا یمکنها تشخیص من تحلّی بتلک الصفات ، فالغالب علی خیرتها الخطأ ، فإذا کان نبیّ کموسی علی نبیّنا وآله وعلیه السلام تکون ولیدة اختیاره من الآلاف المؤلّفة سبعین رجلاً ، وأنّهم لمّا بلغوا المیقات قالوا : أرنا الله جهرة فما ظنّک بأفراد عادیّین واختیارهم؟ وأناس مادیّین وانتخابهم؟ وما عساهم أن ینتخبوا غیر أمثالهم ممّن هو وإیّاهم سواسیة کأسنان المشط فی الحاجة إلی المسدّد؟ ولیس من المأمون أن یقع انتخابهم علی عائث ، أو یکون التیاثهم (4) بمشاغب ، أو یکون انثیالهم وراء من یسرّ علی الأمّة حسواً فی ارتغاء (5) أو یقع ف)

ص: 182


1- وقد أشبعنا القول فی البرهنة علی لزوم هذه الملکات الفاضلة فی الإمامة فی غیر هذا المورد. (المؤلف)
2- القصص : 69.
3- الأنعام : 124.
4- الالتیاث : الاختلاط والالتفاف.
5- مثل یضرب لمن یظهر أمراً ویرید غیره. تاج العروس : 10 / 153 [ ومجمع الأمثال : 3 / 525 رقم 4680 ]. (المؤلف)

اختیارهم علی جاهل یرتبک فی الأحکام فیرتکب العظام ، ویأتی بالجرائم ، ویقترف المآثم وهو لا یعلم ، أو یعلم ولا یکترث لأن یقول زوراً ، ویحکم غروراً ، فیفسدوا من حیث أرادوا أن یصلحوا ، ویقعوا فی الهلکة وهم لا یشعرون ، کما وقعت أمثال ذلک فی البیعة لمعاویة ویزید وخلفاء الأمویّین.

فعلی البارئ الذی یکره کلّ ذلک فی خلقه أن لا یجعل لأحد من خلقه الخیرة فیها وقد خلقه ظلوماً جهولاً (1) (أَلا یَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِیفُ الْخَبِیرُ) (2) ، (وَرَبُّکَ یَخْلُقُ ما یَشاءُ وَیَخْتارُ ما کانَ لَهُمُ الْخِیَرَةُ) (3) فی الأمر (وَما کانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَی اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ یَکُونَ لَهُمُ الْخِیَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ، وَمَنْ یَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِیناً) (4).

وقد أخبر به النبیّ الأعظم من أوّل یومه یوم عرض نفسه علی القبائل فبلغ بنی عامر بن صعصعة ودعاهم إلی الله ، فقال له قائلهم : أرأیت إن نحن تابعناک علی أمرک ثمّ أظهرک الله علی من خالفک ، أیکون لنا الأمر من بعدک؟ قال : «إنّ الأمر إلی الله یضعه حیث یشاء» (5).

أنّی تسوغ أن تکون للخلق خیرة فی الأمر مع شیوع الغایات والأغراض والدعاوی والمیول والشهوات فی الناس حول الانتخاب ، مع اختلاف الأنظار وتضارب الآراء والمعتقدات فی تحلیل نفسیّات الرجال والشخصیّات البارزة ، مع کثرة ف)

ص: 183


1- راجع الأحزاب : 72. (المؤلف)
2- الملک : 14.
3- القصص : 67.
4- الأحزاب : 36.
5- سیرة ابن هشام : 2 / 32 [ 2 / 66 ] ، الروض الأُنف : 1 / 264 [ 4 / 38 - 39 ] ، بهجة المحافل لعماد الدین العامری : 1 / 138 ، السیرة الحلبیّة : 2 / 3 ، سیرة زینی دحلان : 1 / 302 [ 1 / 147 ] هامش الحلبیّة ، حیاة محمد لهیکل : ص 152 [ ص 201 - 202 ]. (المؤلف)

الأحزاب والفرق والأقوام والطوائف المتشاکسة ، مع شقاق القومیّة والطائفیة والشعوبیّة الذائع الشائع فی المسکین ابن آدم من أوّل یومه.

وقد اقترن الانتخاب من بدء بدئه بالتحارش والتلاکم والتکالم والتشازر والتصاخب والتخاصم حتی قدّت برود یمانیّة (1) ووقع البرح براحاً (2) وکم بالانتخاب هُتکت حرمات وأهینت مقدّسات ، وأضیعت حقائق ، ودُحض الحقّ الثابت ، ودُحس الصالح العالم ، واختلّ الوئام ، وأقلق السلام ، وسفحت دماء زکیّة ، وتشلشلت أشلاء الإسلام الصحیح ، فجاء یطمع فی الأمر من لا خلاق له من سوقی بردیّ ، أو مبرطش ألهاه الصفق بالأسواق ، أو بزّاز یحمل بنی أبیه علی رقاب الناس ، أو حفّار قبور لا یعرف عرضه من طوله ، أو طلیق غاشم ، أو خمّار سکّیر ، أو مستهتر مشاغب ، من الذین اتّخذوا عباد الله خولاً ، ومال الله نحلاً ، وکتاب الله دغلاً ، ودین الله حولاً.

ومقتضی هذا البیان الضافی أن یکون الخلیفة أفضل الخلیقة أجمع فی أمّته ، لأنّه لو کان فی وقته من یماثله فی الفضیلة أو من ینیف علیه استلزم تعیینه الترجیح بلا مرجّح أو التطفیف فی کفّة الرجحان.

علی أنّ الإمام لو قصر فی شیء من تلک الصفات لأمکن حصول حاجته إلی المورد الذی نبا عنه علمه ، أو تضاءلت عنه بصیرته ، أو ضعفت عنه منّته ، فعندئذٍ الطامّة الکبری من الفتیا المجرّدة ، والرأی لا عن دلیل ، أو الأخذ عمّن یسدّده ، وفی الأوّل العیث والفشل ، وفی الثانی سقوط المکانة ، وقد أخذ فی الإمام مثل النبی أن یکون بحیث یُطاع (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ لِیُطاعَ بِإِذْنِ اللهِ) (3) وقرنت طاعة الإمام بطاعة الله ورسوله فی قوله تعالی : (أَطِیعُوا اللهَ وَأَطِیعُوا الرَّسُولَ وَأُولِی الْأَمْرِ مِنْکُمْ) (4) 9.

ص: 184


1- مثل یضرب فی شدة الخصومة ، أی تخاصموا حتی تشاقّوا الثیاب الغالیة. (المؤلف)
2- البرح : الشدة والأذی والشرّ ، والبراح : الصراح البیّن. (المؤلف)
3- النساء : 64.
4- النساء : 59.

وذلک لیمکنه إقامة الحدود الإلهیّة ، ودحض الأباطیل ، وربما تسرّبت الشبهة عن جهله إلی نفس الدعوة وحقیقة الدین إن کان عمیده الداعی إلیه یقصر عن الدفاع عنه وإزاحة الشکوک المتوجّهة إلیه.

فکلّ هذا یستدعی کماله فی الصفات الکمالیّة کلّها فیفضل علی الأمّة جمعاء ، (قُلْ هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَالَّذِینَ لا یَعْلَمُونَ) (1) (قُلْ هَلْ یَسْتَوِی الْأَعْمی وَالْبَصِیرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِی الظُّلُماتُ وَالنُّورُ) (2) (أَفَمَنْ یَهْدِی إِلَی الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ یُتَّبَعَ أَمَّنْ لا یَهِدِّی إِلاَّ أَنْ یُهْدی فَما لَکُمْ کَیْفَ تَحْکُمُونَ) (3).

الخلافة عند القوم :

نعم ؛ الخلافة التی تقول بها الجماعة لا تستدعی کلّ ما ذکرنا ، فإنَّهم یحسبون الخلیفة أیّ مستحوذٍ علی الأمّة یقطع السارق ، ویقتصّ القاتل ، ویکلأ الثغور ، ویحفظ الأمن العام إلی ما یشبه هذه ، ولا یخلع بفسق ، ولا ینتقد بفاحشة مبیّنة ، ولا یعاب بجهل ، ولا یُؤاخذ بعثرة ، ولا یُشترط فیه أیّ من الملکات الکریمة ، وله العتبی فی کلّ ذلک ، ولیس علیه من عتب.

کلمة الباقلانیّ :

قال الباقلانیّ فی التمهید (ص 181) باب الکلام فی صفة الإمام الذی یلزم العقد له : فإن قال قائل : فخبِّرونا ما صفة الإمام المعقود له عندکم؟ قیل لهم : یجب أن یکون علی أوصاف : منها أن یکون قرشیّا من الصمیم ، ومنها : أن یکون من العلم بمنزلة من یصلح أن یکون قاضیاً من قضاة المسلمین ، ومنها : أن یکون ذا بصیرة بأمر 5.

ص: 185


1- الزمر : 9.
2- الرعد : 16.
3- یونس : 35.

الحرب ، وتدبیر الجیوش والسرایا ، وسدّ الثغور ، وحمایة البیضة ، وحفظ الأمّة ، والانتقام من ظالمها ، والأخذ لمظلومها ، وما یتعلّق به من مصالحها.

ومنها : أن یکون ممّن لا تلحقه رقّة ولا هوادة فی إقامة الحدود ولا جزع لضرب الرقاب والأبشار.

ومنها : أن یکون من أمثلهم فی العلم وسائر هذه الأبواب التی یمکن التفاضل فیها ، إلاّ أن یمنع عارض من إقامة الأفضل فیسوغ نصب المفضول ، ولیس من صفاته أن یکون معصوماً ، ولا عالماً بالغیب ، ولا أفرس الأمّة وأشجعهم ، ولا أن یکون من بنی هاشم فقط دون غیرهم من قبائل قریش.

وقال فی صفحة (185) : فإن قالوا : فهل تحتاج الأمّة إلی علم الإمام وبیان شیء خُصّ به دونهم ، وکشف ما ذهب علمه عنهم؟ قیل لهم : لا ؛ لأنّه هو وهم فی علم الشریعة وحکمها سیّان. فإن قالوا : فلما ذا یقام الإمام؟ قیل لهم : لأجل ما ذکرناه من قبل من تدبیر الجیوش ، وسدّ الثغور ، وردع الظالم ، والأخذ للمظلوم ، وإقامة الحدود ، وقسم الفیء بین المسلمین والدفع بهم فی حجّهم وغزوهم ، فهذا الذی یلیه ویُقام لأجله ، فإن غلط فی شیء منه ، أو عدل به عن موضعه کانت الأمّة من ورائه لتقویمه والأخذ له بواجبه.

وقال فی (ص 186) : قال الجمهور من أهل الإثبات وأصحاب الحدیث : لا ینخلع الإمام بفسقه وظلمه بغصب الأموال ، وضرب الأبشار ، وتناول النفوس المحرّمة ، وتضییع الحقوق ، وتعطیل الحدود ، ولا یجب الخروج علیه ، بل یجب وعظه وتخویفه وترک طاعته فی شیء ممّا یدعو إلیه من معاصی الله ، واحتجّوا فی ذلک بأخبار کثیرة متظافرة عن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وعن الصحابة فی وجوب طاعة الأئمّة وإن جاروا واستأثروا بالأموال ، وأنّه قال علیه السلام : اسمعوا وأطیعوا ولو لعبد أجدع ، ولو لعبد حبشیّ ، وصلّوا وراء کلّ برّ وفاجر. وروی أنّه قال : أطعهم وإن أکلوا مالک ، وضربوا

ص: 186

ظهرک ، وأطیعوهم ما أقاموا الصلاة. فی أخبار کثیرة وردت فی هذا الباب ، وقد ذکرنا ما فی هذا الباب فی کتاب إکفار المتأوّلین ، وذکرنا ما روی فی معارضتها وقلنا فی تأویلها بما یغنی الناظر فیه إن شاء الله.

وقال فی (ص 186) : ولیس ممّا یوجب خلع الإمام حدوث فضل فی غیره ویصیر به أفضل منه ، وإن کان لو حصل مفضولاً عند ابتداء العقد لوجب العدول عنه إلی الفاضل ، لأنّ تزاید الفضل فی غیره لیس بحدث منه فی الدین ، ولا فی نفسه یوجب خلعه ، ومثل هذا ما حکیناه عن أصحابنا أنّ حدوث الفسق فی الإمام بعد العقد له لا یوجب خلعه ، وإن کان ما لو حدث فیه عند ابتداء العقد لبطل العقد له ووجب العدول.

قال الأمینی : وممّا أوعز إلیه الباقلانیّ من الأخبار الکثیرة الدالّة علی وجوب طاعة الأئمّة وإن جاروا واستأثروا بالأموال ، ولا ینعزل الإمام بالفسق ما یلی :

1 - عن حذیفة بن الیمان قال : قلت : یا رسول الله إنّا کنّا بشرٍّ ، فجاء الله بخیر فنحن فیه ، فهل من وراء هذا الخیر شرّ؟ قال : نعم. قلت : وهل وراء هذا الشرّ خیر؟ قال : نعم. قلت : فهل وراء ذلک الخیر شرّ؟ قال : نعم. قلت : کیف یکون؟ قال : یکون بعدی أئمّة لا یهتدون بهدای ولا یستنّون بسنّتی ، وسیقوم فیهم رجال قلوبهم قلوب الشیاطین فی جثمان إنس. قلت : کیف أصنع یا رسول الله إن أدرکت ذلک؟ قال : تسمع وتطیع للأمیر وإن ضرب ظهرک وأخذ مالک فاسمع وأطع!

صحیح مسلم (1) (2 / 119) ، سنن البیهقی (8 / 157).

2 - عن عوف بن مالک الأشجعی قال : سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول : خیار أئمّتکم الذین تحبّونهم ویحبّونکم ، وتصلّون علیهم ویصلّون علیکم ، وشرار أئمّتکم ة.

ص: 187


1- صحیح مسلم : 4 / 124 ح 52 کتاب الإمارة.

الذین تبغضونهم ویبغضونکم ، وتلعنونهم ویلعنونکم ، قال : قلنا : یا رسول الله أفلا ننابذهم عند ذلک؟ قال : لا ، ما أقاموا فیکم الصلاة ، ألا ومن ولی علیه وال فرآه یأتی شیئاً من معصیة الله فلیکره ما یأتی من معصیة الله ولا ینزعنّ یداً من طاعة.

صحیح مسلم (1) (2 / 122) ، سنن البیهقی (8 / 159).

3 - سأل سلمة بن یزید الجعفی النبی صلی الله علیه وآله وسلم فقال : یا رسول الله إن قامت علینا أمراء یسألوننا حقّهم ویمنعوننا حقّنا فما تأمرنا؟ قال : فأعرض عنه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، ثم سأله فأعرض عنه ، ثم سأله فقال : اسمعوا وأطیعوا فإنّما علیهم ما حمّلوا وعلیکم ما حمّلتم. صحیح مسلم (2 / 119) (2) ، سنن البیهقی : (8 / 158).

4 - عن المقدام : أنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قال : أطیعوا أمراءکم ما کان ، فإن أمروکم بما حدّثتکم به فإنّهم یؤجرون علیه وتؤجرون بطاعتکم ، وإن أمروکم بشیء ممّا لم آمرکم به فهو علیهم وأنتم منه برآء ، ذلک بأنّکم إذا لقیتم الله قلتم : ربّنا لا ظلم. فیقول : لا ظلم. فتقولون : ربّنا أرسلت إلینا رسلاً فأطعناهم بإذنک. واستخلفت علینا خلفاء (3) فأطعناهم بإذنک. وأمّرت علینا أُمراء فأطعناهم. قال : فیقول : صدقتم هو علیهم وأنتم منه برآء. سنن البیهقی (8 / 159).

5 - عن سوید بن غفلة ، قال : قال لی عمر بن الخطّاب رضی الله عنه : یا أبا أمیّة لعلّک أن تخلف بعدی ، فأطع الإمام وإن کان عبداً حبشیّا ، إن ضربک فاصبر ، وإن أمرک بأمر فاصبر ، وإن حرمک فاصبر ، وإن ظلمک فاصبر ، وإن أمرک بأمر ینقص دینک فقل : سمع وطاعة ، دمی دون دینی (4).ف)

ص: 188


1- صحیح مسلم : 4 / 129 ح 66 کتاب الإمارة.
2- صحیح مسلم : 4 / 122 ح 49. وأنظر أیضاً أُسد الغابة : 5 / 494 رقم 5554.
3- هذا افتراء علی الله ، إنّ الله قطّ لم یستخلف ولم یُؤَمّر علی الأمّة أولئک الخلفاء والأمراء وإنما هم خیرة أمّتهم ، والشکر والعتب علیها مهما صلحوا أو جاروا. (المؤلف)
4- سنن البیهقی : 8 / 159. (المؤلف)

وأخذاً بهذه الأحادیث قال الجمهور بعدم عزل الإمام بالفسق ، قال النووی فی شرح مسلم (1) هامش إرشاد الساری (8 / 36) فی ذیل هذه الأحادیث المذکورة عن صحیح مسلم : ومعنی الحدیث : لا تنازعوا ولاة الأمور فی ولایتهم ، ولا تعترضوا علیهم إلاّ أن تروا منهم منکراً محقّقاً تعلمونه من قواعد الإسلام ، فإذا رأیتم ذلک فأنکروه علیهم ، وقولوا بالحقّ حیث ما کنتم ، وأمّا الخروج علیهم وقتالهم فحرام بإجماع المسلمین وإن کانوا فسقةً ظالمین ، وقد تظاهرت الأحادیث بمعنی ما ذکرته ، وأجمع أهل السنّة أنّه لا ینعزل السلطان بالفسق - إلی أن قال - : فلو طرأ علی الخلیفة فسق قال بعضهم : یجب خلعه إلاّ أن تترتّب علیه فتنة وحرب ، وقال جماهیر أهل السنّة من الفقهاء والمحدّثین والمتکلّمین : لا ینعزل بالفسق والظلم وتعطیل الحقوق ، ولا یخلع ، ولا یجوز الخروج علیه بذلک ، بل یجب وعظه وتخویفه.

قال الأمینی : فما عذر عائشة وطلحة والزبیر ومن تبعهم من الناکثین والمارقین فی الخروج علی مولانا أمیر المؤمنین؟ هبه صلوات الله علیه آوی قتلة عثمان ، وعطّل الحدود معاذ الله فأین العمل بهذه الأحادیث التی أخذتها الأمّة المسکینة سنّة ثابتة مشروعة؟ أنا لا أدری.

کلمة التفتازانی :

وقال التفتازانی فی شرح المقاصد (2) (2 / 271) : ولا یشترط أن یکون الإمام هاشمیّا ولا معصوماً ولا أفضل من یولّی علیهم.

وقال فی (ص 272) : إذا مات الإمام وتصدّی للإمامة من یستجمع شرائطها من غیر بیعة واستخلاف وقهر الناس بشوکته انعقدت الخلافة له ، وکذا إذا کان فاسقاً أو جاهلاً علی الأظهر إلاّ أنّه یُعصی فیما فعل ، ویجب طاعة الإمام ما لم یخالف حکم 3.

ص: 189


1- شرح صحیح مسلم : 12 / 229.
2- شرح المقاصد : 5 / 233.

الشرع ، سواء کان عادلاً أو جائراً.

کلمة القاضی الإیجی (1) :

قال فی المواقف (2) : الجمهور علی أنّ أهل الإمامة مجتهد فی الأصول والفروع لیقوم بأمور الدین ، ذو رأی لیقوم بأمور الملک ، شجاع لیقوی علی الذبّ عن الحوزة ، وقیل : لا یشترط هذه الصفات لأنّها لا توجد فیکون اشتراطها عبثاً أو تکلیفاً بما لا یطاق ، ومستلزماً للمفاسد التی یمکن دفعها بنصب فاقدها.

نعم ؛ یجب أن یکون عدلاً لئلاّ یجور ، عاقلاً لیصلح للتصرفات ، بالغاً لقصور عقل الصبیّ ، ذکراً إذ النساء ناقصات عقل ودین ، حرّا لئلاّ یشغله خدمة السیّد ، ولئلاّ یُحتقر فیعصی ، فهذه الصفات مشروطة بالإجماع.

وهاهنا صفات فی اشتراطها خلاف :

الأولی : أن یکون قرشیّا.

الثانیة : أن یکون هاشمیّا ، شرطه الشیعة.

الثالثة : أن یکون عالماً بجمیع مسائل الدین ، وقد شرطه الإمامیّة.

الرابعة : ظهور المعجزة علی یده إذ به یعلم صدقه فی دعوی الإمامة ، والعصمة وبه قال الغلاة. ویبطل الثلاثة أنّا ندلّ علی خلافة أبی بکر ولا یجب له شیء ممّا ذکر (3).

الخامسة : أن یکون معصوماً شرطها الإمامیّة والإسماعیلیّة ، ویبطله أنّ أبا بکر لا تجب عصمته اتّفاقاً (4). ف)

ص: 190


1- إمام الشافعیة القاضی عبد الرحمن الإیجی ، المتوفّی 756. (المؤلف)
2- المواقف : ص 398.
3- دلیل یضحک الثکلی ؛ لأنّه لا یعدوه أن یکون مصادرة بالمطلوب ، وأخذ المدّعی دلیلاً. (المؤلف)
4- اقرأ واضحک أو اعطفه علی ما قبله. (المؤلف)

کلمة أبی الثناء (1) :

قال فی مطالع الأنظار (ص 470) : صفات الأئمّة هی تسع :

الأولی : أن یکون الإمام مجتهداً فی أصول الدین وفروعه.

الثانیة : أن یکون ذا رأی وتدبیر ، یدیر الوقائع ، أمر الحرب والسلم وسائر الأمور السیاسیّة.

الثالثة : أن یکون شجاعاً قویّ القلب لا یجبن عن القیام بالحرب ، ولا یضعف قلبه عن إقامة الحدّ ولا یتهوّر بإلقاء النفوس فی التهلکة. وجمع تساهلوا فی الصفات الثلاث وقالوا : إذا لم یکن الإمام متّصفاً بالصفات الثلاث ینیب من کان موصوفاً بها.

الرابعة : أن یکون الإمام عدلاً ؛ لأنّه متصرّف فی رقاب الناس وأموالهم وأبضاعهم ، فلو لم یکن عدلاً لا یؤمن تعدّیه.

الخامسة : العقل.

السادسة : البلوغ.

السابعة : الذکورة.

الثامنة : الحریّة.

التاسعة : أن یکون قرشیّا.

ولا یشترط فیه العصمة خلافاً للإسماعیلیّة والاثنی عشریّة. دلیلنا إمامة أبی بکر (2) والأمّة اجتمعت علی کونه غیر واجب العصمة ، لا أقول إنّه غیر معصوم! ف)

ص: 191


1- شمس الدین بن محمود الأصبهانی المتوفّی 749. (المؤلف)
2- ما أتقنها من برهنة ویا للعجب! (المؤلف)

ما تنعقد به الإمامة :

قال القاضی عضد الإیجی فی المواقف (1) : المقصد الثالث فیما تثبت به الإمامة : أنّها تثبت بالنص من الرسول ، ومن الإمام السابق بالإجماع ، وتثبت ببیعة أهل الحلّ والعقد خلافاً للشیعة ؛ دلیلنا ثبوت إمامة أبی بکر رضی الله عنه بالبیعة (2).

وقال : إذا ثبت حصول الإمامة بالاختیار والبیعة ، فاعلم أنّ ذلک لا یفتقر إلی الإجماع (3) إذ لم یقم علیه دلیل من العقل أو السمع ، بل الواحد والاثنان من أهل الحلّ والعقد کافٍ لعلمنا أنّ الصحابة مع صلابتهم فی الدین اکتفوا بذلک کعقد عمر لأبی بکر ، وعقد عبد الرحمن بن عوف لعثمان ، ولم یشترطوا اجتماع من فی المدینة فضلاً عن إجماع الأمّة. هذا ولم ینکر علیهم أحد ، وعلیه انطوت الأعصار إلی وقتنا هذا.

وقال بعض الأصحاب : یجب کون ذلک بمشهد بیّنة عادلة کفّا للخصام فی ادّعاء من یزعم عقد الإمامة له سرّا قبل من عقد له جهراً ، وهذا من المسائل الاجتهادیّة.

ثمّ إذا اتّفق التعدد تفحص عن المتقدّم فأُمضی ، ولو أصرّ الآخر فهو من البغاة ، ولا یجوز العقد لإمامین فی صقع متضایق الأقطار ، أمّا فی متّسعها بحیث لا یسع الواحد تدبیره فهو محل الاجتهاد. انتهی ما فی المواقف. وقد أقرّه شرّاحه وهم : السیّد الشریف الجرجانی ، والمولی حسن چلبی ، والشیخ مسعود الشیروانی. راجع شرح المواقف (4) (3 / 265 - 267). 2.

ص: 192


1- المواقف : ص 399.
2- أُنظر إلی هذا النول الذی تشابهوا فی النسج علیه. (المؤلف)
3- قال السید الشریف الجرجانی : یعنی من جمیع أهل الحلّ والعقد. (المؤلف)
4- شرح المواقف : 8 / 352.

کلمة الماوردی :

وقال الماوردی فی الأحکام السلطانیّة (1) (ص 4) : اختلفت العلماء فی عدد من تنعقد به الإمامة منهم علی مذاهب شتّی ، فقالت طائفة : لا تنعقد إلاّ بجمهور أهل العقد والحلّ من کلّ بلد لیکون الرضاء به عامّا ، والتسلیم لإمامته إجماعاً ، وهذا مذهب مدفوع ببیعة أبی بکر رضی الله عنه علی الخلافة باختیار من حضرها ولم ینتظر ببیعته قدوم غائب عنها.

وقالت طائفة أخری : أقلّ من تنعقد به منهم الإمامة خمسة یجتمعون علی عقدها أو یعقدها أحدهم برضی الأربعة استدلالاً بأمرین :

أحدهما : أنّ بیعة أبی بکر رضی الله عنه انعقدت بخمسة اجتمعوا علیها ثمّ تابعهم الناس فیها ، وهم : عمر بن الخطّاب ، وأبو عبیدة بن الجرّاح ، وأُسید بن حضیر ، وبشیر بن سعد ، وسالم مولی أبی حذیفة.

الثانی : أنّ عمر رضی الله عنه جعل الشوری فی ستّة لیعقد لأحدهم برضی الخمسة وهذا قول أکثر الفقهاء والمتکلّمین من أهل البصرة.

وقال آخرون من علماء الکوفة : تنعقد بثلاثة یتولاّها أحدهم برضی الاثنین لیکونوا حاکماً وشاهدین کما یصحّ عقد النکاح بولیّ وشاهدین.

وقالت طائفة أُخری : تنعقد بواحد ؛ لأنّ العبّاس قال لعلیّ : امدد یدک أُبایعک فیقول الناس : عمّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بایع ابن عمّه فلا یختلف علیک اثنان ، ولأنّه حُکم وحکم الواحد نافذ. 7.

ص: 193


1- الأحکام السلطانیّة : 2 / 6 ، 7.

کلمة الجوینی :

قال إمام الحرمین الجوینی المتوفّی (478) فی الإرشاد (1) (ص 424) : باب فی الاختیار وصفته وذکر ما تنعقد الإمامة به :

اعلموا أنّه لا یشترط فی عقد الإمامة الإجماع ، بل تنعقد الإمامة وإن لم تجمع الأُمّة علی عقدها ، والدلیل علیه أنّ الإمامة لمّا عقدت لأبی بکر ابتدر لإمضاء أحکام المسلمین ، ولم یتأنّ لانتشار الأخبار إلی من نأی من الصحابة فی الأقطار ، ولم ینکر علیه منکر ، ولم یحمله علی التریّث حامل ، فإذا لم یشترط الإجماع فی عقد الإمامة ، لم یثبت عدد معدود ، ولا حدّ محدود ، فالوجه الحکم بأنّ الإمامة تنعقد بعقد واحد من أهل الحلّ والعقد.

ثمّ قال بعض أصحابنا : لا بدّ من جریان العقد بمشهد من الشهود ، فإنّه لو لم یشترط ذلک لم نأمن أن یدّعی مدّع عقداً سراً متقدّماً علی الحق المظهر المعلن ، ولیست الإمامة أحطّ رتبة من النکاح ، وقد شرط فیه الإعلان ، ولا یبلغ القطع ، إذ لیس یشهد له عقل ، ولا یدلّ علیه قاطع سمعیّ ، وسبیله سبیل سائر المجتهدات. انتهی.

وقال الإمام ابن العربی المالکی فی شرح صحیح الترمذی (13 / 229) : لا یلزم فی عقد البیعة للإمام أن تکون من جمیع الأنام ، بل یکفی لعقد ذلک اثنان أو واحد علی الخلاف المعلوم فیه.

کلمة القرطبی :

وقال القرطبی فی تفسیره (2) (1 / 230) : فإن عقدها واحد من أهل الحلّ والعقد86

ص: 194


1- کتاب الإرشاد : ص 357
2- الجامع لأحکام القرآن : 1 / 186

فذلک ثابت ویلزم الغیر فعله ، خلافاً لبعض الناس حیث قال : لا تنعقد إلاّ بجماعة من أهل الحلّ والعقد ، ودلیلنا أنّ عمر رضی الله عنه عقد البیعة لأبی بکر ولم ینکر أحد من الصحابة ذلک (1) ، ولأنّه عقد فوجب ألاّ یفتقر إلی عدد یعقدونه کسائر العقود ، قال الإمام أبو المعالی : من انعقدت له الإمامة بعقد واحد فقد لزمت ، ولا یجوز خلعه من غیر حدث وتغیّر أمر ، قال : وهذا مجمع علیه.

قال الأمینی : فما المبرّر عندئذٍ لتخلّف عبد الله بن عمر ، وأسامة بن زید ، وسعد ابن أبی وقاص ، وأبی موسی الأشعری ، وأبی مسعود الأنصاری ، وحسّان ابن ثابت ، والمغیرة بن شعبة ، ومحمد بن مسلمة وبعض آخر من ولاة عثمان علی الصدقات وغیرها عن بیعة مولانا أمیر المؤمنین بعد إجماع الأمّة علیها؟ وما عذر تأخّرهم عن طاعته فی حروبه ، وقد عُرفوا بین الصحابة وسمّوا المعتزلة لاعتزالهم بیعة علیّ (2)؟

رأی الخلیفة الثانی فی الخلافة وأقواله فیها :

عن عبد الرحمن بن أبزی قال : قال عمر : هذا الأمر فی أهل بدر ما بقی منهم أحد ، ثمّ فی أهل أحد ما بقی منهم أحد ، وفی کذا وکذا ، ولیس فیها لطلیق ولا لولد طلیق ولا لمسلمة الفتح شیء. طبقات ابن سعد (3) (3 / 248). وفی کلمة له ذکرها ابن2.

ص: 195


1- کأنّ بنی هاشم کلّهم ، والأنصار بأجمعهم إلاّ رجلین ، والزبیر وعمّار وسلمان ومقداداً وأبا ذر وآخرین کثیرین من المهاجرین والمتخلّفین عن بیعه أبی بکر المنکرین إیّاها کما فصّل فی محلّه لم یکونوا من الصحابة عند القرطبی ، وإلاّ فلا یجوز للمفسّر أن یکذب وهو یعلم أنّ التاریخ الصحیح سیکشف الستر عن دَجَله. (المؤلف)
2- المستدرک للحاکم : 3 / 115 [ 3 / 124 ح 4596 ] ، تاریخ الطبری : 5 / 155 [ 4 / 431 حوادث سنة 35 ه ] ، الکامل لابن الأثیر : 3 / 80 [ 2 / 303 حوادث سنة 35 ه ] ، تاریخ أبی الفداء : 1 / 115 ، 171. (المؤلف)
3- الطبقات الکبری : 3 / 342.

حجر فی الإصابة (2 / 305) : إنّ هذا الأمر لا یصلح للطلقاء ولا لأبناء الطلقاء.

وقال : لو أدرکنی أحد رجلین فجعلت هذا الأمر إلیه لوثقت به : سالم مولی أبی حذیفة ، وأبی عبیدة الجرّاح. ولو کان سالم حیّا ما جعلتها شوری (1).

وقال لمّا طُعن : إن ولّوها الأجلح سلک بهم الطریق الأجلح المستقیم ، یعنی علیّا. فقال له ابن عمر : ما یمنعک أن تقدّم علیّا؟ قال : أکره أن أحملها حیّا ومیّتاً.

الأنساب للبلاذری (5 / 16) ، الاستیعاب لأبی عمر (2) (2 / 419).

وقال : لو ولّیتها عثمان لحمل آل أبی معیطٍ علی رقاب الناس ، والله لو فعلت لفعل ، ولو فعل لأوشکوا أن یسیروا إلیه حتی یجزّوا رأسه. فقالوا : علیّ؟ قال : رجل قُعدد (3) ، قالوا : طلحة؟ قال : ذاک رجل فیه بأو (4) ، قالوا : الزبیر؟ قال : لیس هناک ، قالوا : سعد؟ قال : صاحب فرس وقوس ، فقالوا : عبد الرحمن بن عوف؟ قال : ذاک فیه إمساک شدید ، ولا یصلح لهذا الأمر إلاّ معط فی غیر سرف ، وممسک فی غیر تقتیر.

أخرجه القاضی أبو یوسف الأنصاری المتوفّی (182) فی کتابه الآثار (5) نقلاً 0.

ص: 196


1- طبقات ابن سعد : 3 / 248 [ 3 / 343 ] ، التمهید للباقلاّنی : ص 204 ، الاستیعاب لأبی عمر : 2 / 561 [ القسم الثانی / 568 رقم 881 ] ، طرح التثریب : 1 / 49 ، أُسد الغابة : 2 / 246 [ 2 / 308 رقم 1892 ]. (المؤلف)
2- الاستیعاب : القسم الثالث / 1154 رقم 1878.
3- القعدد : الجبان الخامل. کأنّ الخلیفة نسی سوابق مولانا أمیر المؤمنین فی المغازی والحروب وعزمه الماضی وبسالته المشهودة إلی غیرها من صفاته الکمالیة ، وتغافل عن أنّ الذی أقعده عن مناجزته بعد وفاة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم هو خوف الردّة من الناس بوقوع الفتنة لا حذار بارقة عمر وراعدته وشجاعته التی هو سلام الله علیه جدّ علیم بکمّها وکیفها ، نعم ؛ الجوّ الخالی یبعث الإنسان علی أن یقول هکذا. (المؤلف)
4- البأو : الکبر والتعظیم فیه. (المؤلف)
5- الآثار : ص 217 ح 960.

عن شیخه إمام الحنفیّة أبی حنیفة.

هذه الکلمات وما یتلوها سلسلة بلاء تشذّ عن الحقّ والمنطق غیر أنّا نمرّ بها کراماً.

وعن ابن عبّاس قال : قال عمر : لا أدری ما أصنع بأمّة محمد؟ وذلک قبل أن یُطعن ، فقلت : ولِمَ تهتمّ وأنت تجد من تستخلفه علیهم؟ قال : أصاحبکم؟ یعنی علیّا ، قلت : نعم ، هو أهل لها فی قرابته برسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وصهره وسابقته وبلائه. فقال عمر : إنّ فیه بطالة وفکاهة. قلت : فأین أنت عن طلحة؟ قال : أین الزهو والنخوة؟ قلت : عبد الرحمن بن عوف؟ قال : هو رجل صالح علی ضعف. قلت : فسعد؟ قال : ذاک صاحب مقنب وقتال ، لا یقوم بقریة لو حمّل أمرها. قلت : فالزبیر؟ قال : لقیس مؤمن الرضی کافر الغضب شحیح. إنّ هذا الأمر لا یصلح إلاّ لقویّ فی غیر عنف ، رفیق فی غیر ضعف ، جواد فی غیر سرف. قلت : فأین عن عثمان؟ قال : لو ولیها لحمل بنی أبی معیط علی رقاب الناس ، ولو فعلها لقتلوه.

ذکره البلاذری فی الأنساب (5 / 16) ، وفی لفظ آخر له (ص 17) : قیل : طلحة؟ قال : أنفه فی السماء واسته فی الماء.

نظرة فی الخلافة التی جاء بها القوم :

قال الأمینی : هذا ما جاء به القوم من الخلافة الإسلامیّة والإمامة العامّة ، فهی عندهم لیست إلاّ رئاسة عامّة لتدبیر الجیوش ، وسدّ الثغور ، وردع الظالم ، والأخذ للمظلوم ، وإقامة الحدود ، وقسم الفیء بین المسلمین ، والدفع بهم فی حجّهم وغزوهم ، ولا یشترط فیها نبوغ فی العلم زائداً علی علم الرعیّة ، بل هو والأمّة فی علم الشریعة سیّان ، ویکفی له من العلم ما یکون عند القضاة ، وهؤلاء القضاة بین یدیک وأنت جدّ علیم بعلمهم ویسعک إمعان النظر فیه من کثب ، ولا ینخلع الإمام بفسقه وظلمه

ص: 197

وجوره وفجوره ، ویجب علی الأمّة طاعته علی کلّ حال برّا کان أو فاجراً ، ولا یسوغ لأحد مخالفته ولا القیام علیه والتنازع فی أمره.

فعلی هذا الأساس کان یزحزح خلفاء الانتخاب الدستوری فی القضاء والإفتاء عن حکم الکتاب والسنّة ولم یکن هناک أیّ وازع ، ولم یکن یوجد قطّ أحد یأمر بالمعروف وینهی عن المنکر ؛ خوفاً ممّا افتعلته ید السیاسة ؛ وجعلت به علی الأفواه أوکیة (1).

من حدیث عرفجة مرفوعاً : ستکون هنات وهنات ؛ فمن أراد أن یفرّق أمر هذه الأمّة وهی جمیع فاضربوه بالسیف کائناً من کان (2).

وروایة عبد الله مرفوعاً : ستکون بعدی أثرة وأمور تنکرونها. قالوا : یا رسول الله کیف تأمر من أدرک منّا ذلک؟ قال : تؤدّون الحقّ الذی علیکم ، وتسألون الله الذی لکم. صحیح مسلم (3) (2 / 118)

وعلی هذا الأساس تمکّن معاویة بن أبی سفیان من أن یجلس بالکوفة للبیعة ویبایعه الناس علی البراءة من علیّ بن أبی طالب. البیان والتبیین (4) (2 / 85).

وعلی هذا الأساس أقرّ عبد الله بن عمر بیعة یزید الخمور ، قال نافع : لمّا خلع أهل المدینة یزید بن معاویة جمع ابن عمر حشمه وموالیه. وفی روایة سلیمان : حشمه وولده وقال : إنّی سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول : «ینصب لکلّ غادر لواء یوم القیامة». زاد الزهرانی : قال : وإنّا قد بایعنا هذا الرجل علی بیعة الله ورسوله ، وإنّی لا أعلم غدراً أعظم من أن تبایع رجلاً علی بیعة الله ورسوله ثمّ تنصب له القتال ، وإنّی لا أعلم أحداً منکم خلع ولا بایع فی هذا الأمر إلاّ کانت الفیصل فیما بینی وبینه. 2.

ص: 198


1- جمع وکاء ، وهو ما یشدّ به الکیس وغیره.
2- صحیح مسلم : 2 / 121 [ 4 / 127 ح 59 ] ، سنن أبی داود : 2 / 283 [ 4 / 242 ح 4762 ]. (المؤلف)
3- صحیح مسلم : 4 / 120 ح 45 کتاب الإمارة.
4- البیان والتبیین : 2 / 72.

وفی لفظ : إنّ عبد الله بن عمر جمع أهل بیته حین انتزی أهل المدینة مع عبد الله ابن الزبیر ، وخلعوا یزید بن معاویة ، فقال : إنّا بایعنا هذا الرجل علی بیعة الله ورسوله ، وإنّی سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول : إنّ الغادر ینصب له لواء یوم القیامة فیقال : هذه غدرة فلان ، وإنّ من أعظم الغدر بعد الإشراک بالله أن یبایع رجل رجلاً علی بیع الله ورسوله ، ثمّ ینکث بیعته ، ولا یخلعن أحد منکم یزید ، ولا یشرفن أحد منکم فی هذا الأمر فیکون صیلماً بینی وبینه (1).

وعلی هذا الأساس جاء عن حمید بن عبد الرحمن أنّه قال : دخلت علی یُسَیر الأنصاری الصحابیّ حین استخلف یزید بن معاویة فقال : إنّهم یقولون : إنّ یزید لیس بخیر أمّة محمد صلی الله علیه وآله وسلم وأنا أقول ذلک ، ولکن لَأن یجمع الله أمر أمّة محمد صلی الله علیه وآله وسلم أحبّ إلیّ من أن یفترق ، قال النبی صلی الله علیه وآله وسلم : لا یأتیک فی الجماعة إلاّ خیر (2).

وعلی هذا الأساس تکلّمت عائشة فیما رواه الأسود بن یزید قال : قلت لعائشة : ألا تعجبین من رجل من الطلقاء ینازع أصحاب محمد فی الخلافة؟ قالت : وما تعجب من ذلک؟ هو سلطان الله یؤتیه البرّ والفاجر ، وقد ملک فرعون أهل مصر أربعمائة سنة (3).

وعلی هذا الأساس یوجّه قول مروان بن الحکم ، قال : ما کان أحد أدفع عن عثمان من علیّ ، فقیل له : ما لکم تسبّونه علی المنابر؟ قال : إنّه لا یستقیم لنا الأمر إلاّ بذلک (4) ف)

ص: 199


1- صحیح البخاری : 1 / 166 [ 6 / 2603 ح 6694 ] ، سنن البیهقی : 8 / 159 ، 160 ، مسند أحمد : 2 / 96 [ 2 / 228 ح 5676 ]. (المؤلف)
2- الاستیعاب : 2 / 635 [ القسم الرابع / 1584 رقم 2812 ] ، أُسد الغابة : 5 / 126 [ 5 / 520 رقم 5633 ]. (المؤلف)
3- أخرجه ابن أبی حاتم کما فی الدرّ المنثور : 6 / 19 [ 7 / 383 ]. (المؤلف)
4- الصواعق المحرقة : ص 33 [ ص 55 ]. (المؤلف)

وعلی هذا الأساس صحّ قتل معاویة عبد الرحمن بن خالد لمّا أراد البیعة لیزید ، أنّه خطب أهل الشام وقال لهم : یا أهل الشام إنّه قد کبرت سنّی ، وقرب أجلی ، وقد أردت أن أعقد لرجل یکون نظاماً لکم ، إنّما أنا رجل منکم فروا رأیکم ؛ فأصقعوا واجتمعوا وقالوا : رضینا عبد الرحمن بن خالد (1) فشقّ ذلک علی معاویة وأسرّها فی نفسه ، ثمّ إنّ عبد الرحمن مرض فأمر معاویة طبیباً عنده یهودیّا وکان عنده مکیناً أن یأتیه فیسقیه سقیة یقتله بها ، فأتاه فسقاه فانخرق بطنه فمات ، ثمّ دخل أخوه المهاجر ابن خالد دمشق مستخفیاً هو وغلام له فرصدا ذلک الیهودی فخرج لیلاً من عند معاویة فهجم علیه ومعه قوم هربوا عنه ، فقتله المهاجر.

ذکره أبو عمر فی الاستیعاب (2) (2 / 408) فقال : وقصّته هذه مشهورة عند أهل السیر والعلم بالآثار والأخبار اختصرناها. ذکرها عمر بن شبّه فی أخبار المدینة ، وذکرها غیره ، وذکرها ابن الأثیر فی أُسد الغابة (3) (3 / 289).

وعلی هذا الأساس یتمّ اعتذار شمر بن ذی الجوشن قاتل الإمام السبط فی ما رواه أبو إسحاق ، قال : کان شمر بن ذی الجوشن یصلّی معنا ثمّ یقول : اللهم إنّک شریف تحبّ الشرف ، وإنّک تعلم أنّی شریف فاغفر لی. قلت : کیف یغفر الله لک وقد أعنت علی قتل ابن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم؟ قال : ویحک فکیف نصنع؟ إنّ أُمراءنا هؤلاء أمرونا بأمر فلم نخالفهم ، ولو خالفناهم کنّا شرّا من هذه الحمر الشقاة (4) (5). ة.

ص: 200


1- صحابی من فرسان قریش له هدی حسن وفضل وکرم إلاّ أنّه کان منحرفاً عن علیّ وبنی هاشم. أُسد الغابة : 3 / 289 [ 3 / 440 رقم 3287 ]. (المؤلف)
2- الاستیعاب : القسم الثانی / 829 رقم 1402.
3- أُسد الغابة : 3 / 440 رقم 3287.
4- تاریخ ابن عساکر : 6 / 338 [ 23 / 189 رقم 2762 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 10 / 332 ] ، میزان الاعتدال للذهبی : 1 / 449 [ 2 / 280 رقم 3742 ]. (المؤلف)
5- فی المصادر الثلاثة المتقدمة : السقاة.

وفی لفظ : اللهم اغفر لی فإنّی کریم لم تلدنی اللئام. فقلت له : إنّک لسیّئ الرأی والفکر تسارع إلی قتل ابن بنت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وتدعو بهذا الدعاء؟ فقال : إلیک عنّی ، فلو کنّا کما تقول أنت وأصحابک لکنّا شرّا من الحمر فی الشعاب.

وعلی هذا الأساس جری ما جری علی أبی بکر الطائی وأصحابه. قال سلیمان ابن ربوة : اجتمعت أنا وعشرة من المشایخ فی جامع دمشق فیهم أبو بکر بن أحمد بن سعید الطائی فقرأنا فضائل علیّ بن أبی طالب رضی الله عنه ، فوثب علینا قریب من مائة یضربوننا ویسحبوننا إلی الوالی ، فقال لهم أبو بکر الطائی : یا سادة اسمعوا لنا إنّما قرأنا الیوم فضائل علیّ وغداً نقرأ فضائل أمیر المؤمنین معاویة رضی الله عنه ، وقد حضرتنی أبیات فإن رأیتم أن تسمعوها ، فقالوا له : هات ، فأنشأ بدیهاً :

حبُّ علیّ کلّهُ ضربُ

یرجف من خیفته القلبُ

ومذهبی حبُّ إمامِ الهدی

یزیدَ والدینُ هو النَّصبُ

من غیرَ هذا قال فهو امرؤ

لیس له عقلٌ ولا لبُ

والناسُ مَن یغدُ لأهوائِهمْ

یسلم وإلاّ فالقضا نهبُ

قال : فخلّوا عنّا. تمام المتون للصفدی (1) (ص 188).

وعلی هذا الأساس هتکت حرمات آل الله ، وأُضیعت مقدّسات العترة الهادیة ، وسُفکت دماء الأبریاء الأزکیاء من شیعة أهل البیت الطاهر ، وشاع وذاع لعن سیّد العترة نفس النبیّ الأقدس ، والمطهّر بلسان الله علی صهوات المنابر ، واتّخذه خلفاء بنی أُمیّة سنّة متّبعة فی أرجاء العالم الإسلامی ، حتی وبّخ معاویة سعد بن أبی وقاص لسکوته عن سبّ أبی السبطین مولانا أمیر المؤمنین (2) حتی تمکّن عبد الله بن ف)

ص: 201


1- تمام المتون : ص 251.
2- راجع الجزء الثالث : ص 200. (المؤلف)

الولید بن عثمان بن عفّان من أن قام إلی هشام بن عبد الملک عشیّة عرفة وهو علی المنبر فقال : یا أمیر المؤمنین إنّ هذا یوم کانت الخلفاء تستحبّ فیه لعن أبی تراب (1).

وقال سعید بن عبد الله لهشام بن عبد الملک : یا أمیر المؤمنین إنّ أهل بیتک فی مثل هذه المواطن الصالحة لم یزالوا یلعنون أبا تراب ، فالعنه أنت أیضاً (2).

وعلی هذا الأساس من معنی الخلافة لا عسف ولا حزازة فی رأی الخلیفة الأوّل ومن حذا حذوه من صحّة اختیار المفضول علی الفاضل ، وتقدیم المتأخّر علی المتقدّم بأعذار مفتعلة ، وأوهام مختلقة ، ومرجّحات واهیة ، وسیاسة وقتیّة ، إذ الأمر الذی لا یشترط فی صاحبه شیء من القداسة الروحیّة ، والملکات الفاضلة ، والخلائق الکریمة ، والنفسیّات الشریفة ، ومعالم ومعارف ، ومدارج ومراتب ، ولا یؤاخذ هو بما فعل ، ولا یخلع بتعطیل الأحکام ، وترک إقامة الحدود ، ولا ینابذ ما دام یقیم فی أمّته الصلاة ، کما سمعت تفصیل ذلک کلّه ، لا وازع عندئذٍ من أن یکون أمثال أبی عبیدة الجرّاح حفّار القبور حاملاً لهذا العبء الثقیل ، متحلّیاً بأبراد الخلافة ولا مانع من تقدیم الخلیفة الأوّل إیّاه أو صاحبه علی نفسه فی بدء الأمر ، ولا حاجز من اختیار أیّ مستأهل لتنفیذ ما ذکر (ص 138) ممّا یُقام له الإمام ولو بمعونة سماسرته وجلاوزته ومن یهمّه أمره ، بل من له الشدّة والفظاظة والعنف والتهوّر إلی أمثالها ربّما یکون أولی من غیره مهما اقتضته السیاسة الوقتیّة.

واتّبع الأکثرون الخلیفة فی تقدیم المفضول علی الفاضل ، قال القاضی فی المواقف (3) : جوّز الأکثرون إمامة المفضول مع وجود الفاضل ، إذ لعلّه أصلح للإمامة من الفاضل ، إذ المعتبر فی ولایة کلّ أمر معرفة مصالحه ومفاسده ، وقوّة القیام 3.

ص: 202


1- رسائل الجاحظ : ص 92 [ ص 435 الرسائل السیاسیة ] ، أنساب البلاذری : 5 / 116. (المؤلف)
2- تاریخ ابن کثیر : 9 / 432 [ 9 / 262 حوادث سنة 606 ه ]. (المؤلف)
3- المواقف فی علم الکلام : ص 413.

بلوازمه ، وربّ مفضول فی علمه وعمله هو بالزعامة أعرف ، وبشرائطها أقوم ، وفصّل قوم فقالوا : نصب الأفضل إن أثار فتنة لم یجب وإلاّ وجب. وقال الشریف الجرجانی : کما إذا فرض أنّ العسکروالرعایة لاینقادون للفاضل بل للمفضول شرح المواقف (1)(3 / 279).

قال الأمینی : إنّا لا نرید بالأفضل إلاّ الجامع لجمیع صفات الکمال التی یمکن اجتماعها فی البشر لا الأفضلیّة فی صفة دون أُخری ، فیکون حینئذٍ الأفقه مثلاً هو الأبصر بشؤون السیاسة ، والأعرف بمصالح الأمور ومفاسدها ، والأثبت فی إدارة الصالح العامّ ، والأبسل فی مواقف الحروب ، والأقضی فی المحاکمات ، والأخشن فی ذات الله ، والأرأف بضعفاء الأمّة ، والأسمح علی محاویج الملأ الدینی ، إلی أمثالها من الشرائط والأوصاف ، إذن فلا تصویر لما حسبوه من أنّ المفضول قد یکون أقدر وأعرف وأقوم.

وعلی المولی سبحانه أن لا یخلی الوقت عن إنسان هو کما قلناه ، بعد أن أثبتنا أنّ تقییضه من اللطف الواجب علیه سبحانه ، وهو عدیل القرآن الکریم ، ولا یفترقا حتی یردا علی النبیّ الحوض.

وأمّا من لا ینقاد له من الجیش وغیره فهو کمن لا ینقاد لصاحب الرسالة ، لا یزحزح بذلک صاحب الأمر عمّا قیّضه الله له من الولایة الکبری ، بل یجب علی بقیّة الأمّة إخضاعهم کما أخضعوا أهل الردّة أو من حسبوه منهم ، وأن یفوّقوا إلیه سهم الجنّ کما فوّقوه إلی سعد بن عبادة أمیر الخزرج.

ولم تکن للخلیفة مندوحة عن رأیه فی تقدیم المفضول ، وما کان إلاّ تصحیحاً لخلافة نفسه ، ولتقدّمه علی من قدّسه المولی سبحانه فی کتابه العزیز ، ورآه نفس النبیّ 3.

ص: 203


1- شرح المواقف : 8 / 373.

الأقدس وقرن طاعته بطاعته ، وولایته بولایته ، وأکمل به الدین ، وأتمّ به النعمة ، وأمر نبیّه بالبلاغ وضمن له العصمة من الناس ، وهتف هاتف الوحی بولایته وأولویّته بالمؤمنین من أنفسهم فی محتشد رهیب بین مائة ألف أو یزیدون قائلاً : «یا أیّها الناس إنّ الله مولای ، وأنا مولی المؤمنین ، وأنا أولی بهم من أنفسهم من کنت مولاه فعلیّ مولاه ، اللهمّ وال من والاه ، وعاد من عاداه».

ولم تکن تخفی لأیّ أحد فضائل أبی السبطین وملکاته وروحیّاته ، وطیب عنصره ، وطهارة محتده ، وقداسة مولده ، وعظمة شأنه ، وبُعد شأوه فی حزمه وعزمه وسبقه فی الإسلام ، وتفانیه فی ذات الله ، وأفضلیته فی العلم والفضائل کلّها.

نعم ؛ علی رأی الخلیفة فی تقدیم المفضول علی الفاضل وقع الانتخاب من أوّل یومه ، فبویع أبو بکر بعقد رجلین لیس إلاّ : عمر بن الخطّاب وأبی عبیدة الحفّار ابن الجرّاح ، وکان الأمر أمر نهار قضی لیلاً ، مدبّراً بین أولئک الرجال مؤسّسی الانتخاب الدستوری ، وما اتّبعهما یوم ذاک إلاّ أُسید بن حضیر ، وبشر بن سعد ، ثمّ دَرْدَب الناس لمّا عضّه الثقاف (1) واتّسع الخرق علی الراقع ، وما أُدرکت القویمة حتی أکلتها الهویمة (2) ، وأصبح المصلح الهضیم یقول : دع الرجل واختیاره (3) ، وإنّ فی الشرّ خیاراً ، ولا یجتنی من الشوک العنب.

بویع أبو بکر ودبّ قمله (4) ، وقسمت الوظائف الدینیّة من أوّل یومه بین ثلاث : له الإمامة ، وقال عمر : وإلیّ القضاء. وقال أبو عبیدة : وإلیّ الفیء. وقال عمر : فلقد ف)

ص: 204


1- مثلٌ یضرب لمن یمتنع مما یراد منه ثم یذلّ وینقاد [ مجمع الأمثال : 1 / 464 رقم 1383 ]. (المؤلف)
2- أصل المثل : أدرک القویمة لا تأکلها الهویمة. والمراد : إدراک الرجل الجاهل حتی لا یقع فی هلکة [ المستقصی فی أمثال العرب : 1 / 116 رقم 453 ]. (المؤلف)
3- مثل یضرب لمن لا یقبل الوعظ. (المؤلف)
4- مثل یضرب للإنسان إذا سمن وحسن حاله [ مجمع الأمثال : 1 / 470 رقم 1403 ]. (المؤلف)

کان یأتی علیّ الشهر ما یختصم إلیّ فیه اثنان (1) ، ولم یکن هناک من یزعم أو یفوه بأفضلیّة أبی بکر وعمر من مولانا أمیر المؤمنین ، هذا أبو بکر ینادی علی صهوات المنابر : ولّیت ولست بخیرکم ، ولی شیطان یعترینی. ویطلب من أمّته العون له علی نفسه وإقامة أمته وعوجه (2).

وهذا عمر بن الخطّاب ونصوصه بین یدیک. علی أنّ الأمر کان لعلیّ غیر أنّهم زحزحوه عنه لحداثة سنّه والدماء التی علیه (3) ، أو لِما قاله لمّا عزم علی الاستخلاف : لله أبوک لو لا دعابة فیک ، کما فی الغیث المنسجم للصفدی (4) (1 / 168) ، وکان یدعو الله ربّه أن لا یبقیه لمعضلة لیس فیها أبو الحسن ، ویری أنّ علیّا لولاه لضلّ هو (5) ، ولولاه لهلک هو ، ولولاه لافتضح هو ، وعقمت النساء أن یلدن مثل علیّ. إلی کثیر ممّا مرّ عنه فی الجزء السادس فی نوادر الأثر ، ولم یکن قط یختلج فی هواجس ضمیره ولن یختلج - وأنّی یختلج؟ - أنّه کان یماثل مولانا علیّا فی إحدی فضائله ، أو یدانیه فی شیء منها ، أو یبعد عنه بقلیل.

وبعد ما عرفت معنی الخلافة عند القوم ، ووقفت علی رأی سلفهم فیها وفی مقدّمهم الخلیفة الأوّل ، هلمّ معی إلی التهافت بین تلکم الکلمات وبین مزاعم أخری جنح إلیها لفیف آخر : (وَلَوْ کانَ مِنْ عِنْدِ غَیْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِیهِ اخْتِلافاً کَثِیراً) (6).

قال أحمد بن محمد الوتری البغدادی فی روضة الناظرین (ص 2) : اعلم أنّ جماهیر أهل السنّة والجماعة یعتقدون أنّ أفضل الناس بعد النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم أبو بکر ثمّ 2.

ص: 205


1- طبقات ابن سعد : 3 / 130 [ 3 / 184 ]. (المؤلف)
2- راجع ما مرّ فی هذا الجزء : ص 118. (المؤلف)
3- راجع ما مرّ فی الجزء الأوّل : ص 389 ، وفی هذا الجزء : ص 80. (المؤلف)
4- الغیث المنسجم : 1 / 276.
5- التمهید للباقلاّنی : ص 199. (المؤلف)
6- النساء : 82.

عمر ثمّ عثمان ثمّ علیّ رضی الله تعالی عنهم ، وأنّ المتقدّم فی الخلافة هو المقدّم فی الفضیلة لاستحالة تقدیم المفضول علی الفاضل لأنّهم کانوا یراعون الأفضل فالأفضل ، والدلیل علیه أنّ أبا بکر رضی الله عنه لما نصّ علی عمر رضی الله عنه قام إلیه طلحة رضی الله عنه فقال له : ما تقول لربّک وقد ولّیت علینا فظاً غلیظاً؟ قال أبو بکر رضی الله عنه : فرکت لی عینیک ، ودلکت لی عقبیک ، وجئتنی تکفّنی عن رأیی ، وتصدّنی عن دینی أقول له إذا سألنی : خلّفت علیهم خیر أهلک. فدلّ علی أنّهم کانوا یُراعون الأفضل فالأفضل. انتهی.

وأنت تری أنّ هذه المزعمة فیها دجل لإغراء البسطاء من الأمّة المسکینة وهی تصادم رأی الجمهور ونظریّات علماء الکلام منهم ، وعمل الصحابة ونصوصهم ، وقبل کلّ شیء رأی الخلیفة أبی بکر ، وکأنّ ما حسبه من الاستحالة قد خفی علی الخلیفة وعلی من آزره علی أمره ، واعتنق إمامته فی القرون والأجیال من بعده.

وکأنّ أفضلیّة الرجل الفظّ الغلیظ کانت تخفی علی الصحابة ، ولم یکن یعلمها أحد فأعرب عنها أبو بکر ، وکأنّ التاریخ ونوادر الأثر لم تکن بین یدی الوتری حتی یعرف مقادیر الرجال ، ولا یغلو فیهم ، ولا یتحکّم ولا یجازف فی القول ولا یسرف فی الکلام ویعلم بأنّ عمر لو کان خیر الأمّة وتلک سیرته ونوادر أثره فعلی الإسلام السلام.

نعم ؛ إنّما هی أهواء وشهوات أخذ کلّ بطرف منها ، وفتاوی مجرّدة هملج وراءها کلّ حسب میوله ، ونحن نضع عقلک السلیم مقیاساً بین هذین الإمامین : من نصفه نحن ، ومن یقول به هؤلاء. فراجعه إلی أیّهما یجنح ، وأیّا منهما یتّخذه وسیلة بینه وبین ربّه سبحانه ، وأیّهما یحقّ له أن یستحوذ علی رقاب المسلمین ونفوسهم ونوامیسهم وأحکامهم فی دنیاهم وأخراهم؟ إن لم تکن فی میزان نصفته عین. فویل للمطفّفین.

ص: 206

- 6 -

رأی الخلیفة فی القَدَر

أخرج اللالکائی فی السنّة عن عبد الله بن عمر قال : جاء رجل إلی أبی بکر فقال : أرأیت الزنا بقدر؟ قال : نعم. قال : فإنّ الله قدّره علیّ ثمّ یعذّبنی؟ قال : نعم ، یا ابن اللخناء ، أما والله لو کان عندی إنسان أمرت أن یجأ (1) أنفک (2).

قال الأمینی : أتری الخلیفة عرف معنی القدر الصحیح؟ بمعنی ثبوت الأمر الجاری فی العلم الأزلی الالهی ، مع إعطاء القدرة علی الفعل والترک ، مع تعریف الخیر والشرّ وتبیان عاقبة الأوّل ومغبّة الأخیر.

(إِنَّا هَدَیْناهُ السَّبِیلَ إِمَّا شاکِراً وَإِمَّا کَفُوراً) (3) (وَهَدَیْناهُ النَّجْدَیْنِ) (4) (وَمَنْ شَکَرَ فَإِنَّما یَشْکُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ کَفَرَ فَإِنَّ رَبِّی غَنِیٌّ کَرِیمٌ) (5) (وَمَنْ یَشْکُرْ فَإِنَّما یَشْکُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ کَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِیٌّ حَمِیدٌ) (6).

کلّ ذلک مع تکافؤ العقل والشهوة فی الإنسان ، مع خلق عوامل النجاح تجاه النفس الأمّارة بالسوء ، فمن عاملٍ بالطاعة بحسن اختیاره ، ومن مقترفٍ للمعصیة بسوء الخیرة.

(فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَیْراتِ) (7) (فَمَنِ اهْتَدی 2.

ص: 207


1- وجأ عنقه : ضربه ، ووجأه : رضّه ودقّه. (المؤلف)
2- تاریخ الخلفاء للسیوطی : ص 65 [ ص 89 ]. (المؤلف)
3- الإنسان : 3.
4- البلد : 10.
5- النمل : 40.
6- لقمان : 12.
7- فاطر : 32.

فَإِنَّما یَهْتَدِی لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما یَضِلُّ عَلَیْها) (1) (فَمَنِ اهْتَدی فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما یَضِلُّ عَلَیْها) (2) (مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَیْها ثُمَّ إِلی رَبِّکُمْ تُرْجَعُونَ) (3) (فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِیَ فَعَلَیْها) (4) (قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّما أَضِلُّ عَلی نَفْسِی وَإِنِ اهْتَدَیْتُ فَبِما یُوحِی إِلَیَّ رَبِّی) (5) (إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِکُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها) (6) (إِنَّ رَبَّکَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِیلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدی) (7) (رَبِّی أَعْلَمُ مَنْ جاءَ بِالْهُدی وَمَنْ هُوَ فِی ضَلالٍ مُبِینٍ) (8).

فالقدَر لا یستلزم جبراً وعلم المولی سبحانه بمقادیر ما یختاره العباد من النجدین ویأتون به من العمل من خیر أو شرّ لا ینافی التکلیف. کما لا أثر له فی اختیار المکلّفین ، ولا یقبح معه العقاب علی المعصیة ، ولا یسقط معه الثواب علی الطاعة.

(فَمَنْ یَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَیْراً یَرَهُ* وَمَنْ یَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا یَرَهُ) (9) (وَنَضَعُ الْمَوازِینَ الْقِسْطَ لِیَوْمِ الْقِیامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَیْئاً وَإِنْ کانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَیْنا بِها وَکَفی بِنا حاسِبِینَ) (10) (الْیَوْمَ تُجْزی کُلُّ نَفْسٍ بِما کَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْیَوْمَ) (11) (فَکَیْفَ 7.

ص: 208


1- الإسراء : 15.
2- الزمر : 41.
3- الجاثیة : 15.
4- الأنعام : 104.
5- سبأ : 50.
6- الإسراء : 7.
7- النجم : 30.
8- القصص : 85.
9- الزلزلة : 7 و 8.
10- الأنبیاء : 47.
11- غافر : 17.

إِذا جَمَعْناهُمْ لِیَوْمٍ لا رَیْبَ فِیهِ وَوُفِّیَتْ کُلُّ نَفْسٍ ما کَسَبَتْ وَهُمْ لا یُظْلَمُونَ) (1).

فهل الخلیفة عرف هذا المعنی من القدَر ، فأجاب بما أجاب؟ لکن السائل لم یفهم ما أراده فانتقده بما انتقد؟ غیر أنّه لو کان یرید ذلک لَما جابَه المنتقد بالسباب المقذع والتمنِّی بأن یکون عنده من یجأ أنفه قبل بیان المراد فیفیء الرجل إلی الحقّ.

أو أنّ الخلیفة لم یکن یعرف من القدَر إلاّ ما ارتفعت به عقیرة جماهیر من أشیاعه من القول بخلق الأعمال؟ فیتّجه إذن ما قاله المنتقد سبّه الخلیفة أو لم یسبّه.

والذی یؤثر عن ابنته عائشة هو الجنوح إلی المعنی الثانی یوم اعتذرت عن نهضتها علی مولانا أمیر المؤمنین ، وتبرّجها عن خدرها المضروب لها تبرّج الجاهلیّة الأولی بعد أن لیمت علی ذلک ، بأنّها کانت قدَراً مقدوراً وللقدَر أسباب. أخرجه الخطیب البغدادی بإسناده فی تاریخه (1 / 160).

وإن کان یوقفنا موقف السادر ما یؤثر عنها فیما أخرجه الخطیب أیضاً فی تاریخه (9 / 185) عن عروة قال : ما ذکرت عائشة مسیرها فی وقعة الجمل قطّ إلاّ بکت حتی تبلّ خمارها وتقول : یا لیتنی کنت نسیاً منسیّا (2). قال سفیان الثوری : النسی المنسی الحیضة الملقاة.

کأنّها کانت تری مسیرها حوباً کبیراً جدیراً أن تبکی علیه مدی الدهر ، وتبلّ بدمعها خمارها ، وتتمنّی ما تمنّت ، وهذا ینافی ذلک الاعتذار البارد المأخوذ أصله عن ف)

ص: 209


1- آل عمران : 25.
2- وذکره ابن الأثیر فی النهایة : 4 / 151 [ 5 / 51 ] ، وابن منظور فی لسان العرب : 20 / 196 [ 14 / 133 ] ، والزبیدی فی تاج العروس : 10 / 367. (المؤلف)

رأی أبیها الخلیفة الذی لم یجد مساغاً فی دفع ما یتّجه علیه إلا السباب.

- 7 -

ترک الخلیفة الضحیّة مخافة أن تُستنَ

قد مرّ فی الجزء السادس (ص 167) من الصحیح الوارد فی أنّ أبا بکر وعمر کانا لا یضحّیان کراهة أن یقتدی بهما ، فیظنّ فیها الوجوب. وقد استوفینا حقّ القول هناک فراجع.

- 8 -

ردّة بنی سلیم

عن هشام بن عروة ، عن أبیه ، قال : کان فی بنی سلیم ردّة ، فبعث إلیهم أبو بکر خالد بن الولید ، فجمع رجالاً منهم فی الحظائر ثمّ أحرقها علیهم بالنار ، فبلغ ذلک عمر فأتی أبا بکر فقال : تدع رجلاً یعذّب بعذاب الله عزّ وجلّ. فقال أبو بکر : والله لا أشیم سیفاً سلّه الله علی عدوّه حتی یکون هو الذی یشیمه ، ثمّ أمره فمضی من وجهه ذلک إلی مسیلمة. الریاض النضرة (1) (1 / 100)

لیس فی هذا الجواب مخرج عن اعتراض عمر فقد جاء فی الکتاب العزیز قوله تعالی : (إِنَّما جَزاءُ الَّذِینَ یُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَیَسْعَوْنَ فِی الْأَرْضِ فَساداً أَنْ یُقَتَّلُوا أَوْ یُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَیْدِیهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ یُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذلِکَ لَهُمْ خِزْیٌ فِی الدُّنْیا وَلَهُمْ فِی الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِیمٌ) (2).

وصحّ عنه صلی الله علیه وآله وسلم النهی عن الإحراق وقوله : «لا یُعذّب بالنار إلاّ ربّ النار». 3.

ص: 210


1- الریاض النضرة : 1 / 129.
2- المائدة : 33.

وقوله : «إنّ النار لا یعذّب بها إلاّ الله» ، وقوله : «لا یعذّب بالنار إلاّ ربّها» (1) ، وقوله : «من بدّل دینه فاقتلوه» (2) ، وقوله : «لا یحلّ دم امرئ مسلم یشهد أن لا اله إلاّ الله وأنّ محمداً رسول الله إلاّ بإحدی ثلاث : زناً بعد إحصان فإنّه یرجم ، ورجل یخرج محارباً لله ورسوله فإنّه یُقتل أو یُصلب أو یُنفی من الأرض ، أو یقتل نفساً فیُقتل بها».

سنن أبی داود (2 / 219) ، مصابیح السنّة (2 / 59) ، مشکاة المصابیح (ص 300) (3).

وأمّا فعل أمیر المؤمنین علیه السلام بعبد الله بن سبأ وأصحابه فلم یکن إحراقاً ولکن حفر لهم حفائر ، وخرق بعضها إلی بعض ، ثمّ دخّن علیهم حتی ماتوا کما قال عمّار الدهنی ، فقال عمرو بن دینار : قال الشاعر :

لترمِ بی المنایا حیث شاءت

إذا لم ترمِ بی فی الحفرتینِ

إذا ما أجَّجوا حطباً وناراً

هناک الموت نقداً غیر دینِ (4)

وأمّا قول أبی بکر : لا أشیم سیفاً. الخ. فهو تحکّم تجاه النصّ النبویّ ، وما کان السیف أنطق من القول ، ومتی شهر الله سبحانه هذا السیف صاحب الدواهی الکبری ف)

ص: 211


1- صحیح البخاری : 4 / 325 [ 3 / 1098 ح 2853 ] کتاب الجهاد باب : لا یعذّب بعذاب الله ، مسند أحمد : 3 / 494 [ 4 / 550 ح 15604 ] ، 2 / 307 [ 2 / 592 ح 8007 ] ، سنن أبی داود : 2 / 219 [ 3 / 54 - 55 ح 2673 ، 2675 ] ، صحیح الترمذی [ 4 / 117 ح 1571 ] ، سنن البیهقی : 9 / 71 ، 72 ، مصابیح السنّة : 2 / 57 ، 58 [ 2 / 528 ح 2658 و 530 ح 2667 ] ، تیسیر الوصول : 1 / 236 [ 1 / 279 ح 16 ]. (المؤلف)
2- صحیح البخاری : 10 / 83 [ 6 / 2537 ح 6524 ] کتاب استتابة المرتدّین ، سنن أبی داود : 2 / 219 [ 4 / 126 ح 4351 ] ، مصابیح السنّة : 2 / 57 [ 2 / 528 ح 2658 ]. (المؤلف)
3- سنن أبی داود : 4 / 126 ح 4353 ، مصابیح السنّة : 2 / 531 ح 2669 ، مشکاة المصابیح : 2 / 304 ح 3544.
4- سنن البیهقی : 9 / 71. (المؤلف)

والطامّات فی یومه هذا؟ ویومه الآخر المخزی فی بنی حنیفة ومع مالک بن نویرة وأهله؟ ویومه قبلهما مع بنی جذیمة الذی تبرّأ فیه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم من عمله؟ إلی غیرها من المخاریق والمخازی التی تغمد بها هذا السیف.

- 9 -

حرق الخلیفة الفجاءة

قدم علی أبی بکر رجل من بنی سلیم یقال له الفجاءة ، وهو إیاس بن عبد الله ابن عبد یالیل بن عمیرة بن خفاف فقال لأبی بکر : إنّی مسلم وقد أردت جهاد من ارتدّ من الکفّار فاحملنی وأعنّی ، فحمله أبو بکر علی ظهر وأعطاه سلاحاً ، فخرج یستعرض الناس المسلم والمرتدّ یأخذ أموالهم ویصیب من امتنع منهم ومعه رجل من بنی الشرید یقال له نجبة بن أبی المیثاء. فلمّا بلغ أبا بکر خبره کتب إلی طریفة بن حاجز : إنّ عدوّ الله الفجاءة أتانی یزعم أنّه مسلم ویسألنی أن أقوّیه علی من ارتدّ عن الإسلام فحملته وسلّحته ثمّ انتهی إلیّ من یقین الخبر أنّ عدوّ الله قد استعرض الناس المسلم والمرتدّ یأخذ أموالهم ویقتل من خالفه منهم ، فسر إلیه بمن معک من المسلمین حتی تقتله أو تأخذه فتأتینی به فسار إلیه طریفة ، فلمّا التقی الناس کانت بینهم الرمیّا بالنبل فقتل نجبة بن أبی المیثاء بسهم رُمی به ، فلمّا رأی الفجاءة من المسلمین الجدّ قال لطریفة : والله ما أنت بأولی بالأمر منّی أنت أمیر لأبی بکر وأنا أمیره ، فقال له طریفة : إن کنت صادقاً فضع السلاح وانطلق إلی أبی بکر فخرج معه ، فلمّا قدما علیه أمر أبو بکر طریفة بن حاجز فقال : اخرج به إلی هذا البقیع فحرّقه فیه بالنار. فخرج به طریفة إلی المصلّی فأوقد له ناراً فقذفه فیها.

وفی لفظ الطبری : فأوقد له ناراً فی مصلّی المدینة علی حطب کثیر ثمّ رمی فیها مقموطاً.

ص: 212

وفی لفظ ابن کثیر : فجمعت یداه إلی قفاه وألقی فی النار فحرّقه وهو مقموط (1).

قال الأمینی : القول فی هذا کالذی سبقه من عدم جواز الإحراق بالنار والتعذیب بها ، علی أنّ الفجاءة کان متظاهراً بالإسلام وتلقّاه الخلیفة بالقبول یوم أعطاه ظهراً وسلّحه ، وإن کان فاسقاً بالجوارح علی ما انتهی إلی الخلیفة من یقین الخبر ، ولم یکن سیف الله مشهوراً هاهنا حتی یتورّع عن إغماده ، ولا یُدّعی مثله لطریفة حتی یکون معذّراً فی مخالفة النصّ الشریف ، ولعلّ لذلک کلّه ندم أبو بکر نفسه یوم مات عن فعله ذلک کما فی الصحیح الآتی إن شاء الله تعالی. فإلی الملتقی.

والعجب کلّ العجب من دفاع القاضی عضد [ الدین ] الإیجی عن الخلیفة بقوله فی المواقف (2) : إنّ أبا بکر مجتهد ، إذ ما من مسألة فی الغالب إلاّ وله فیها قول مشهور عند أهل العلم ، وإحراق الفجاءة لاجتهاده وعدم قبول توبته ، لأنّه زندیق ، ولا تقبل توبة الزندیق فی الأصحّ.

وجاء بعده القوشجی مدافعاً عن الخلیفة بقوله فی شرح التجرید (ص 482) : إحراقه فجاءة بالنار من غلطة فی اجتهاده ، فکم مثله للمجتهدین!

إقرأ واضحک أو ابک ، زه زه بالاجتهاد تجاه نصّ الکتاب والسنّة ، ومرحباً بمجتهد یخالف دین الله. 3.

ص: 213


1- تاریخ الطبری : 3 / 234 [ 3 / 264 حوادث سنة 11 ه ] ، تاریخ ابن کثیر : 6 / 319 [ 6 / 351 حوادث سنة 11 ه ] ، الکامل لابن الأثیر : 2 / 146 [ 2 / 27 حوادث سنة 11 ه ] ، الإصابة : 2 / 223 [ رقم 4244 ]. (المؤلف)
2- المواقف : ص 403.

- 10 -

رأی الخلیفة فی قصّة مالک

سار خالد بن الولید یرید البطاح حتی قدمها فلم یجد بها أحداً ، وکان مالک بن نویرة قد فرّقهم ونهاهم عن الاجتماع وقال : یا بنی یربوع إنّا دُعینا إلی هذا الأمر فأبطأنا عنه فلم نفلح ، وقد نظرت فیه فرأیت الأمر یتأتّی لهم بغیر سیاسة ، وإذا الأمر لا یسوسه الناس ، فإیّاکم ومناوأة قوم صنع لهم ، فتفرّقوا وادخلوا فی هذا الأمر ، فتفرّقوا علی ذلک ، ولمّا قدم خالد البطاح بثّ السرایا وأمرهم بداعیة الإسلام وأن یأتوه بکلّ من لم یُجب ، وإن امتنع أن یقتلوه ، وکان قد أوصاهم أبو بکر أن یؤذّنوا ویقیموا إذا نزلوا منزلاً فإن أذّن القوم وأقاموا فکفّوا عنهم ، وإن لم یفعلوا فلا شیء إلاّ الغارة ثمّ تقتلوا کلّ قتلة ، الحرق فما سواه ، وإن أجابوکم إلی داعیة الإسلام فسائلوهم فإن أقرّوا بالزکاة فاقبلوا منهم وإن أبوها فلا شیء إلاّ الغارة ، ولا کلمة ، فجاءته الخیل بمالک بن نویرة فی نفر معه من بنی ثعلبة بن یربوع ومن عاصم وعبید وعرین وجعفر فاختلف السریّة فیهم ، وکان فیهم أبو قتادة فکان فیمن شهد أنّهم قد أذّنوا وأقاموا وصلّوا ، فلمّا اختلفوا فیهم أمر بهم فحبسوا فی لیلة باردة لا یقوم لها شیء وجعلت تزداد برداً ، فأمر خالد منادیاً فنادی : ادفئوا أسراکم. وکانت فی لغة کنانة القتل ، فظنّ القوم أنّه أراد القتل ولم یرد إلاّ الدفء فقتلوهم ، فقتل ضرار بن الأزور مالکاً وسمع خالد الواعیة فخرج وقد فرغوا منهم فقال : إذا أراد الله أمراً أصابه. وتزوّج خالد أمّ تمیم امرأة مالک ، فقال أبو قتادة : هذا عملک ، فزبره خالد فغضب ومضی.

وفی تاریخ أبی الفداء : کان عبد الله بن عمر وأبو قتادة الأنصاری حاضرین ، فکلّما خالداً فی أمره ، فکره کلامهما. فقال مالک : یا خالد ابعثنا إلی أبی بکر فیکون هو الذی یحکم فینا. فقال خالد : لا أقالنی الله إن أقلتک وتقدّم إلی ضرار بن الأزور بضرب عنقه.

ص: 214

فقال عمر لأبی بکر : إنّ سیف خالد فیه رهق وأکثر علیه فی ذلک ، فقال : یا عمر تأوّلَ فأخطأ فارفع لسانک عن خالد فإنّی لا أشیم سیفاً (1) سلّه الله علی الکافرین.

وفی لفظ الطبری (2) وغیره : أنّ أبا بکر کان من عهده إلی جیوشه أن إذا غشیتم داراً من دور الناس فسمعتم فیها أذاناً للصلاة فأمسکوا عن أهلها حتی تسألوهم ما الذی نقموا ، وإن لم تسمعوا أذاناً فشنّوا الغارة فاقتلوا وحرّقوا. وکان ممّن شهد لمالک بالإسلام أبو قتادة الحارث بن ربعیّ ، وقد کان عاهد الله أن لا یشهد مع خالد بن الولید حرباً أبداً بعدها ، وکان یحدّث أنّهم لمّا غشوا القوم راعوهم تحت اللیل فأخذ القوم السلاح ، قال : فقلنا : إنّا المسلمون. فقالوا : ونحن المسلمون ، قلنا : فما بال السلاح معکم؟ قالوا لنا : فما بال السلاح معکم؟ قلنا : فإن کنتم کما تقولون فضعوا السلاح. قال : فوضعوها ثمّ صلّینا وصلّوا ، وکان خالد یعتذر فی قتله أنّه قال وهو یراجعه : ما إخال صاحبکم إلاّ وقد کان یقول کذا وکذا. قال : أو ما تعدّه لک صاحباً. ثمّ قدّمه فضرب عنقه وعنق أصحابه.

فلمّا بلغ قتلهم عمر بن الخطّاب تکلّم فیه عند أبی بکر فأکثر وقال : عدوّ الله عدا علی امرئ مسلم فقتله ثمّ نزا علی امرأته ، وأقبل خالد بن الولید قافلاً حتی دخل المسجد وعلیه قباء له علیه صدأ الحدید ، معتجراً بعمامة له قد غرز فی عمامته أسهماً ، فلمّا أن دخل المسجد قام إلیه عمر فانتزع الأسهم من رأسه فحطّها ثمّ قال : أرئاء؟ قتلت امرأً مسلماً ثمّ نزوت علی امرأته ، والله لأرجمنّک بأحجارک. ولا یکلّمه خالد ابن الولیدو لا یظنّ إلاّ أنّ رأی أبی بکر علی مثل رأی عمر فیه حتی دخل علی أبی بکر ، فلمّا أن دخل علیه أخبره الخبر واعتذر إلیه فعذره أبو بکر وتجاوز عنه ما کان .

ص: 215


1- شام السیف یشیمه إذا أغمده.
2- تاریخ الأمم والملوک : 3 / 279 حوادث سنة 11 ه.

فی حربه تلک. قال : فخرج خالد حین رضی عنه أبو بکر ، وعمر جالس فی المسجد فقال خالد : هلمّ إلیّ یا ابن أمّ شملة. قال فعرف عمر أنّ أبا بکر قد رضی عنه ، فلم یکلّمه ودخل بیته.

وقال سوید : کان مالک بن نویرة من أکثر الناس شَعراً ، وإنّ أهل العسکر أثفّوا برءوسهم القدور ، فما منهم رأس إلاّ وصلت النار إلی بشرته ما خلا مالکاً فإنّ القِدر نضجت وما نضج رأسه من کثرة شعره ، وقی الشعر البشَر حرّها أن یبلغ منه ذلک.

وقال ابن شهاب : إنّ مالک بن نویرة کان کثیر شعر الرأس ، فلمّا قتل أمر خالد برأسه فنصب إثفیة (1) لقِدر فنضج ما فیها قبل أن یخلص النار إلی شئون رأسه.

وقال عروة : قدم أخو مالک متمّم بن نویرة ینشد أبا بکر دمه ویطلب إلیه فی سبیهم فکتب له بردّ السبی ، وألحّ علیه عمر فی خالد أن یعزله ، وقال : إنّ فی سیفه رهقاً. فقال : لا یا عمر لم أکن لأُشیم سیفاً سلّه الله علی الکافرین.

وروی ثابت فی الدلائل : إنّ خالداً رأی امرأة مالک وکانت فائقة فی الجمال ، فقال مالک بعد ذلک لامرأته : قتلتنی. یعنی : سأُقتل من أجلک (2).

وقال الزمخشری وابن الأثیر وأبو الفداء والزبیدی : إنّ مالک بن نویرة رضی الله عنه قال لامرأته یوم قتله خالد بن الولید : أقْتَلْتِنی. أی عرّضتنی بحسنِ وجهکِ للقتل لوجوب الدفع عنکِ ، والمحاماة علیک ، وکانت جمیلة حسناء تزوّجها خالد بعد قتله ، فأنکرف)

ص: 216


1- الإثفیة : حجارة توضع علیها القدور أثناء الطبخ.
2- تاریخ الطبری : 3 / 241 [ 3 / 277 حوادث سنة 11 ه ] ، تاریخ ابن الأثیر : 3 / 149 [ 2 / 32 حوادث سنة 11 ه ] ، أُسد الغابة : 4 / 295 [ 5 / 53 رقم 4648 ] ، تاریخ ابن عساکر : 5 / 105 ، 112 [ 16 / 256 ، 274 رقم 1922 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 8 / 17 - 18 ] ، خزانة الأدب : 1 / 237 [ 2 / 26 ] ، تاریخ ابن کثیر : 6 / 321 [ 6 / 354 حوادث سنة 11 ه ] ، تاریخ الخمیس : 2 / 233 [ 2 / 209 ] ، الإصابة : 1 / 414 [ رقم 2201 ] و 3 / 357 [ رقم 7696 ]. (المؤلف)

ذلک عبد الله بن عمر. وقیل فیه :

أفی الحق أنّا لم تجفّ دماؤنا

وهذا عروساً بالیمامة خالدُ (1)

وفی تاریخ ابن شحنة هامش الکامل (2) (7 / 165) : أمر خالد ضراراً بضرب عنق مالک ، فالتفت مالک إلی زوجته وقال لخالد : هذه التی قتلتنی. وکانت فی غایة الجمال ، فقال خالد : بل قتلک رجوعک عن الإسلام. فقال مالک : أنا مسلم. فقال خالد : یا ضرار اضرب عنقه فضرب عنقه ، وفی ذلک یقول أبو نمیر السعدی :

ألا قل لحیّ أُوطِئوا بالسنابکِ

تطاولَ هذا اللیلُ من بعد مالکِ

قضی خالدٌ بغیاً علیه بعرسِهِ

وکان له فیها هویً قبل ذلکِ

فأمضی هواهُ خالدٌ غیرَ عاطفٍ

عنانَ الهوی عنها ولا متمالکِ

وأصبح ذا أهلٍ وأصبحَ مالکٌ

إلی غیر أهلٍ هالکاً فی الهوالکِ

فلمّا بلغ ذلک أبا بکر وعمر قال عمر لأبی بکر : إنّ خالداً قد زنی فاجلده. قال أبو بکر : لا ، لأنّه تأوّل فأخطأ ، قال : فإنّه قتل مسلماً فاقتله. قال : لا ، إنّه تأوّل فأخطأ. ثمّ قال : یا عمر ما کنت لأغمد سیفاً سلّه الله علیهم ، ورثی مالکاً أخوه متمّم بقصائد عدیدة. وهذا التفصیل ذکره أبو الفداء أیضاً فی تاریخه (1 / 158).

وفی تاریخ الخمیس (3) (2 / 233) : اشتدّ فی ذلک عمر وقال لأبی بکر : ارجم خالداً فإنّه قد استحلّ ذلک. فقال أبو بکر : والله لا أفعل ، إن کان خالد تأوّل أمراً فأخطأ ، وفی شرح المواقف (4) : فأشار عمر علی أبی بکر بقتل خالد قصاصاً ، فقال 8.

ص: 217


1- الفائق : 2 / 154 [ 3 / 157 ] ، النهایة : 3 / 257 [ 4 / 15 ] ، تاریخ أبی الفداء : 1 / 158 ، تاج العروس : 8 / 75. (المؤلف)
2- روضة المناظر : 1 / 191 - 192 حوادث سنة 11 ه.
3- تاریخ الخمیس : 2 / 209.
4- شرح المواقف : 8 / 358.

أبو بکر : لا أغمد سیفاً شهره الله علی الکفار. وقال عمر لخالد : لئن ولیتُ الأمر لأقیدنّک به.

وفی تاریخ ابن عساکر (5 / 112) : قال عمر : إنّی ما عتبت علی خالد إلاّ فی تقدّمه وما کان یصنع فی المال. وکان خالد إذا صار إلیه شیء قسّمه فی أهل الغنی ولم یرفع إلی أبی بکر حسابه ، وکان فیه تقدّم علی أبی بکر یفعل الأشیاء التی لا یراها أبو بکر ، وأقدم علی قتل مالک بن نویرة ونکح امرأته ، وصالح أهل الیمامة ونکح ابنة مجاعة بن مرارة ، فکره ذلک أبو بکر ، وعرض الدیة علی متمّم بن نویرة وأمر خالداً بطلاق امرأة مالک ولم یر أن یعزله ، وکان عمر ینکر هذا وشبهه علی خالد.

نظرة فی القضیة :

قال الأمینی : یحقّ علی الباحث أن یمعن النظرة فی القضیّة من ناحیتین :

الأولی : ما ارتکبه خالد بن الولید من الطامّات والجرائم الکبیرة التی تُنزّه عنها ساحة کلّ معتنق للإسلام ، وتضادّ نداء القرآن الکریم والسنّة الشریفة ، ویتبرّأ منها وممّن اقترفها من آمن بالله ورسوله والیوم الآخر (أَیَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ یُتْرَکَ سُدیً) (1) (أَیَحْسَبُ أَنْ لَنْ یَقْدِرَ عَلَیْهِ أَحَدٌ) (2) (أَمْ حَسِبَ الَّذِینَ یَعْمَلُونَ السَّیِّئاتِ أَنْ یَسْبِقُونا ساءَ ما یَحْکُمُونَ) (3).

بأیّ کتاب أم بأیّة سنّة ساغ للرجل سفک تلکم الدماء الزکیّة من الذین آمنوا بالله ورسوله واتّبعوا سبیل الحقّ وصدّقوا بالحسنی ، وأذّنوا وأقاموا وصلّوا وقد علت عقیرتهم بأنّا مسلمون ، فما بال السلاح معکم؟ (لا تَحْسَبَنَّ الَّذِینَ یَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا4.

ص: 218


1- القیامة : 36.
2- البلد : 5.
3- العنکبوت : 4.

وَیُحِبُّونَ أَنْ یُحْمَدُوا بِما لَمْ یَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِیمٌ) (1).

ما عذر الرجل فی قتل مثل مالک الذی عاشر النبیّ الأعظم ، وأحسن صحبته ، واستعمله صلی الله علیه وآله وسلم علی صدقات قومه ، وقد عُدّ من أشراف الجاهلیّة والإسلام ، ومن أرداف الملوک (مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَیْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِی الْأَرْضِ فَکَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِیعاً) (2) ، (وَمَنْ یَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِیها) (3).

وما ذا أحلّ للرجل شنّ الغارة علی أهل أولئک المقتولین وذویهم الأبریاء وإیذائهم وسبیهم بغیر ما اکتسبوا إثماً ، أو اقترفوا سیّئة ، أو ظهر منهم فساد فی الملأ الدینیّ؟ (وَالَّذِینَ یُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِینَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَیْرِ مَا اکْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِیناً) (4).

ما هذه القسوة والعنف والفظاظة والتزحزح عن طقوس الإسلام ، وتعذیب رءوس أمّة مسلمة ، وجعلها إثفیةً للقدر وإحراقها بالنار؟ (فَوَیْلٌ لِلْقاسِیَةِ قُلُوبُهُمْ) (5) (فَوَیْلٌ لِلَّذِینَ ظَلَمُوا مِنْ عَذابِ یَوْمٍ أَلِیمٍ) (6).

ما خالد وما خطره بعد ما اتّخذ إلهه هواه ، وسوّلته له نفسه ، وأضلّته شهوته ، وأسکره شبقه؟ فهتک حرمات الله ، وشوّه سمعة الإسلام المقدّس ، ونزا علی زوجة مالک قتیل غیّه فی لیلته (7) (إِنَّهُ کانَ فاحِشَةً وَمَقْتاً وَساءَ سَبِیلاً) (8) ، ولم یکن قتل 2.

ص: 219


1- آل عمران : 188.
2- المائدة : 32.
3- النساء : 93.
4- الأحزاب : 58.
5- الزمر : 21.
6- الزخرف : 65.
7- الصواعق : ص 21 [ ص 36 ] ، تاریخ الخمیس : 2 / 333 [ 2 / 209 ]. (المؤلف)
8- النساء : 22.

الرجل إلاّ لذلک السفاح ، وکان أمراً مشهوداً وسرّا غیر مستسرّ ، وکان یعلمه نفس مالک ویخبر زوجته بذلک قبل وقوع الواقعة بقوله إیّاها : أقْتَلْتِنی. فقُتل الرجل مظلوماً غیرةً ومحاماةً علی ناموسه. وفی المتواتر : «من قتل دون أهله فهو شهید» (1). وفی الصحیحة : «من قتل دون مظلمته فهو شهید» (2).

والعذر المفتعل من منع مالک الزکاة لا یُبرّئ خالداً من تلکم الجنایات ، أیصدّق جحد الرجل فرض الزکاة ومکابرته علیها وهو مؤمن بالله وکتابه ورسوله ومصدّق بما جاء به نبیّه الأقدس ، یقیم الصلاة ویأتی بالفرائض بأذانها وإقامتها ، وینادی بأعلی صوته : نحن المسلمون ، وقد استعمله النبیّ الأعظم علی الصدقات ردحاً من الزمن؟ لاها الله.

أیوجب الردّة مجرّد امتناع الرجل المسلم الموحّد المؤمن بالله وکتابه عن أداء الزکاة لهذا الإنسان بخصوصه وهو غیر منکر أصل الفریضة؟ أو یُحکم علیه بالقتل عندئذٍ؟ وقد صحّ عن المشرّع الأعظم قوله : «لا یحلّ دم رجل یشهد أن لا إله إلاّ الله ، وأنّی رسول الله ، إلاّ بإحدی ثلاثة : النفس بالنفس ، والثیّب الزانی ، والتارک لدینه المفارق للجماعة» (3).ف)

ص: 220


1- مسند أحمد : 1 / 191 [ 1 / 311 ح 1655 ] ، نصّ علی تواتره المناوی فی الفیض القدیر : 6 / 195 [ ح 8917 ]. (المؤلف)
2- أخرجه النسائی [ فی السنن الکبری : 2 / 311 ح 3559 ] ، والضیاء المقدسی کما فی الجامع الصغیر [ 2 / 631 ح 8918 ] وصحّحه السیوطی ، راجع الفیض القدیر : 6 / 195 [ ح 8918 ]. (المؤلف)
3- صحیح البخاری : 10 / 63 [ 6 / 2521 ] کتاب الدیات ، باب : قول الله تعالی (إنّ النَّفْسَ بالنَّفْسِ) ، صحیح مسلم : 2 / 37 [ 3 / 506 ح 25 کتاب القسامة والمحاربین ] ، الدیات لابن أبی عاصم الضحاک : ص 10 ، سنن أبی داود : 2 / 219 [ 4 / 126 ح 4352 ] ، سنن ابن ماجة : 2 / 110 [ 2 / 847 ح 2534 ] ، مصابیح السنّة : 2 / 50 [ 2 / 502 ح 2584 ] ، مشکاة المصابیح : ص 291 [ 2 / 285 ح 3446 ]. (المؤلف)

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم: «لا یحلّ دم امرئ مسلم إلاّ باحدی ثلاث : رجل کفر بعد إسلامه ، أو زنی بعد إحصانه ، أو قتل نفساً بغیر نفس» (1).

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «أمرت أن أقاتل الناس حتی یقولوا : لا إله إلاّ الله ، فإذا قالوها منعوا منّی دماءهم وأموالهم ، وحسابهم علی الله» (2).

وعهد أبو بکر نفسه لسلمان بقوله : من صلّی الصلوات الخمس فإنّه یصبح فی ذمّة الله ویمسی فی ذمّة الله تعالی ، فلا تقتلنّ أحداً من أهل ذمّة الله فتخفر الله فی ذمّته فیکبّک الله فی النار علی وجهک (3).

أیسلب امتناع الرجل المسلم عن أداء الزکاة حرمة الإسلام عن أهله وماله وذویه ویجعلهم أعدال أولئک الکفرة الفجرة الذین حقّ علی النبیّ الطاهر شنّ الغارة علیهم؟ ویحکم علیهم بالسبی والقتل الذریع وغارة ما یملکون ،والنزو علی تلکم الحرائر المأسورات؟

وأمّا ما مرّ من الاعتذار بأنّ خالداً قال : ادفئوا أسراکم وأراد الدفء وکانت فی لغة کنانة : القتل. فقتلوهم فخرج خالد وقد فرغوا منهم. فلا یفوه به إلاّ معتوه استأسر هواه عقله ، وسفه فی مقاله ، لما ذا قتل ضرار مالکاً بتلک الکلمة وهو لم یکن من کنانة ولا من أهل لغتها؟ بل هو أسدیّ من بنی ثعلبة ، ولم یکن أمیره یتکلّم قبل ذلک الیوم بلغة کنانة. ف)

ص: 221


1- الدیات لابن أبی عاصم الضحاک : ص 9 ، سنن ابن ماجة : 2 / 110 [ 2 / 847 ح 2533 ] ، سنن البیهقی : 8 / 19. (المؤلف)
2- صحیح مسلم : 1 / 30 [ 1 / 81 ح 35 کتاب الإیمان ] ، الدیات لابن أبی عاصم الضحاک : ص 17 ، 18 ، سنن ابن ماجة : 2 / 457 [ 2 / 1295 ح 3927 ، 3928 ] ، خصائص النسائی : ص 7 [ ص 43 ح 19 ] ، سنن البیهقی : 8 / 19 ، 196. (المؤلف)
3- أخرجه أحمد فی الزهد [ ص 165 ح 570 وفیه : من صلّی صلاة الصبح ... ] ، کما فی تاریخ الخلفاء للسیوطی : ص 70 [ 95 - 96 ]. (المؤلف)

وإن صحّت المزعمة فلما ذا غضب أبو قتادة الأنصاری علی خالد وخالفه وترکه یوم ذاک وهو ینظر إلیه من کثب ، والحاضر یری ما لا یراه الغائب؟

ولما ذا اعتذر خالد بأنّ مالکاً قال : ما إخال صاحبکم إلاّ قال کذا وکذا؟ وهذا اعتراف منه بأنّه قتله غیر أنّه نحت علی الرجل مقالاً ، وهو من التعریض الذی لا یجوّز القتل - بعد تسلیم صدوره منه - عند الأمّة الإسلامیّة جمعاء ، والحدود تُدرأ بالشبهات.

ولما ذا رآه عمر عدوّا لله ، وقذفه بالقتل والزنا؟ وإن لم یفتل ذلک ذؤابة (1) أبی بکر.

ولما ذا هتکه عمر فی ملأ من الصحابة بقوله إیّاه : قتلت امرأً مسلماً ثمّ نزوت علی امرأته ، والله لأرجمنّک بأحجارک؟

ولما ذا رأی عمر رَهَقاً فی سیف خالد وهو لم یقتل مالکاً وصحبه وإنّما قتلتهم لغة کنانة؟

ولما ذا سکت خالد عن جوابه؟ وما أخرسه إلاّ عمله ، (بَلِ الْإِنْسانُ عَلی نَفْسِهِ بَصِیرَةٌ* وَلَوْ أَلْقی مَعاذِیرَهُ) (2).

ولما ذا صدّق أبو بکر عمر بن الخطّاب فی مقاله ووقیعته علی خالد وما أنکر علیه غیر أنّه رآه متأوّلاً تارةً ، ونَحَت له فضیلةً أخری؟

ولما ذا أمر خالد بالرؤوس فنصبت إثفیةً للقدور ، وزاد وصمة علی لغة کنانة؟ 5.

ص: 222


1- مثل یضرب یقال : فتل ذؤابة فلان. أی أزاله عن رأیه [ فی مجمع الأمثال : 2 / 436 رقم 2730 والمُستقصی فی أمثال العرب : 2 / 179 رقم 607 : فتل فی ذروته. أی خادعه حتی أزاله عن رأیه. یضرب فی الخداع والمماکرة ]. (المؤلف)
2- القیامة : 14 و 15.

ولما ذا نزا علی امرأة مالک ، وسبی أهله ، وفرّق جمعه ، وشتّت شمله ، وأباد قومه ، ونهب ماله؟ أکلّ هذه معرّة لغة کنانة؟

ولما ذا ذکر المؤرّخون أنّ مالکاً قُتل دون أهله محاماةً علیها؟

ولما ذا أثبت المترجمون ذلک القتل الذریع علی خالد دون لغة کنانة ، وقالوا فی ترجمة ضرار وعبد (1) بن الأزور : إنّه هو الذی أمره خالد بقتل مالک بن نویرة (2). وقالوا فی ترجمة مالک : إنّه قتله خالد. أو : قتله ضرار صبراً بأمر خالد (3). هذه أسئلة توقف المعتذر موقف السَّدِر (4) ، ولم یحر جواباً.

ما شأن أبناء السلف وقد غرّرت بهم سکرة الشبق ، وغالتهم داعیة الهوی ، وجاؤوا لا یرقبون فی مؤمن إلاّ ولا ذمّة وأولئک هم المعتدون؟ فتری هذا یقتل مثل مالک ویأتی بالطامّات رغبةً فی نکاح أمّ تمیم.

وهذا یقتل سیّد العترة أمیر المؤمنین شهوةً فی زواج قطام.

وآخر (5) شنّ الغارة علی حیّ من بنی أسد ، فأخذ امرأة جمیلة فوطأها بهبة من أصحابه ، ثمّ ذکر ذلک لخالد فقال : قد طیّبتها لک - کأنّ تلکم الجنود کانت مجنّدة لوطء النساء وفضّ ناموس الحرائر - فکتب إلی عمر ، فأجاب برضخه بالحجارة (6). ف)

ص: 223


1- الإصابة : 2 / 432 رقم 5270.
2- الاستیعاب : 1 / 338 [ القسم الثانی / 747 رقم 1254 ] ، أُسد الغابة : 3 / 39 [ 3 / 52 رقم 2560 ] ، خزانة الأدب للبغدادی : 2 / 9 [ 3 / 326 ] ، الإصابة : 2 / 209 [ رقم 4172 ].(المؤلف)
3- الإصابة : 3 / 357 [ رقم 7696 ] ، مرآة الجنان : 1 / 62 [ سنة 11 ه ]. (المؤلف)
4- السَّدِر : المتحیّر.
5- هو ضرار بن الأزور زمیل خالد بن الولید وشاکلته فی النزو علی الحرائر. (المؤلف)
6- تاریخ ابن عساکر : 7 / 31 [ 24 / 388 - 389 رقم 2931. وفی مختصر تاریخ دمشق : 11 / 154 ] ، خزانة الأدب : 2 / 8 [ 3 / 326 ] ، الإصابة : 2 / 209 [ رقم 4172 ]. (المؤلف)

وهذا یزید بن معاویة یدسّ إلی زوجة ریحانة رسول الله الحسن السبط الزکیّ السمّ النقیع لتقتله ویتزّوجها (1) ، أو فعله معاویة لغایة له کما یأتی.

ووراء هؤلاء المعتدین قوم ینزّهون ساحتهم بأعذار مفتعلة کالتأویل والاجتهاد - ولیتهما لم یکونا - وتخطئة لغة کنانة ، والله یعلم ما تکنّ صدورهم وما یعلنون ، (وَإِنْ حَکَمْتَ فَاحْکُمْ بَیْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللهَ یُحِبُّ الْمُقْسِطِینَ) (2).

الناحیة الثانیة :

الثانیة من الناحیتین التی یهمّنا أن نولّی شطرها وجه البحث ؛ تسلیط الخلیفة أوّلاً أمثال خالد وضرار بن الأزور شارب الخمور وصاحب الفجور (3) علی الأنفس والدماء ، علی الأعراض ونوامیس الإسلام ، وعهده إلی جیوشه فی حرق أهل الردّة وقد عرفت النهی عنه فی السنّة الشریفة (ص 155). وصفحه ثانیاً عن تلکم الطامّات والجنایات الفاحشة کأن لم تکن شیئاً مذکوراً ، فما سمعت أُذن الدنیا منه حولها رکزاً ، وما حُکیت عنه فی الإنکار علیها ذأمة ، وما رأی أحد منه حولاً.

لِم لَم یؤاخذ الخلیفة خالداً بقتل مالک وصحبه المسلمین الأبریاء ، وقد ثبت عنده کما یلوح ذلک عن دفاعه عنه ومحاماته علیه؟

لِمَ لم یقتصّ منه قصاص القاتل؟ ولم یُقم علیه جلدة الزانی؟ ولم یضربه حدّ المفتری؟ ولم یعزّره تعزیر المعتدی علی ما ملکته أیدی أولئک المسلمین؟

لِمَ لم یرَ عزل خالد وقد کره ما فعله ، وعرض الدیة علی متمّم بن نویرة أخی ف)

ص: 224


1- تاریخ ابن عساکر : 4 / 226 [ 13 / 284 رقم 1383 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 7 / 39 ]. (المؤلف)
2- المائدة : 42.
3- تاریخ ابن عساکر : 7 / 30 [ 24 / 389 - 390 رقم 2931 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 11 / 154 ] ، خزانة الأدب : 2 / 8 [ 3 / 326 ] ، الإصابة : 2 / 209 [ رقم 4172 ]. (المؤلف)

مالک؟ وأمر خالداً بطلاق امرأة مالک کما فی الإصابة (1 / 415).

دع هذه کلّها ولا أقلّ من الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر ، وتوبیخ الرجل وعتابه علی تلکم الجرائم ، وأقلّ الإنکار کما قال أمیر المؤمنین علیه السلام : «أن تلقی أهل المعاصی بوجوه مکفهرّة».

ما للخلیفة یتلعثم ویتلعذم فی الدفاع عن خالد وجنایاته؟ فیری تارة أنّه تأوّل وأخطأ ، ویعتذر أُخری بأنّه سیف من سیوف الله ، وینهی عمر بن الخطّاب عن الوقیعة فیه ، ویأمره بالکفّ عنه وصرف اللسان عن مغایظته ، ویغضب علی أبی قتادة لإنکاره علی خالد کما فی شرح ابن أبی الحدید (1) (4 / 187).

ونحن نقتصر فی البحث عن هذا الجانب علی توجیه القارئ إلیه ، ولم نذهب به قصاه ، ولم نبتغ فیه مداه ، إذ لم نر حداً تخفی علیه حزازة أیّ من العذرین ، هلاّ یعلم متشرّع فی الإسلام أنّ تلکم الطامّات والجرائم الخطیرة لا یتطرّق إلیها التأوّل والاجتهاد؟ ولا یسوغ لکلّ فاعل تارک أن یتترّس بأمثالهما فی معرّاته ، ویتدرّع بها فی أحناته ، ولا تُدرأ بها الحدود ، ولا تطلّ بها الدماء ، ولا تحلّ بها حرمات الحرائر ؛ ولا یرفض بها حکم الله فی الأنفس والأعراض والأموال ، ولم یُصخ الحاکم لمدّعیها کما ادّعی قدامة بن مظعون فی شربه الخمر بأنّه تأوّل واجتهد فأقام عمر علیه الحدّ وجلده ولم یقبل منه العذر. کما فی سنن البیهقی (8 / 316) وغیره.

وأخرج ابن أبی شیبة (2) وابن المنذر عن محارب بن دثار : أنّ ناساً من أصحاب النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم شربوا الخمر بالشام وقالوا : شربنا لقول الله (لَیْسَ عَلَی الَّذِینَ 8.

ص: 225


1- شرح نهج البلاغة : 17 / 213 کتاب 62.
2- المصنّف فی الأحادیث والآثار : 9 / 546 ح 8458.

آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِیما طَعِمُوا) (1) الآیة. فأقام عمر علیهم الحدّ (2).

وجلد أبو عبیدة أبا جندل العاصی بن سهیل وقد شرب الخمر متأوّلاً لقوله تعالی : (لَیْسَ عَلَی الَّذِینَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِیما طَعِمُوا) الآیة. کما فی الروض الأُنف للسهیلی (3) (2 / 231).

وهل یرتاب أحد فی أنّ سیفاً سلّه المولی سبحانه لا یکون فیه قطّ رهق ولا شغب ، ولا تسفک به دماء محرّمة ، ولا تُهتک به حرمات الله ، ولا یُرهف لنیل الشهوات ، ولا یُنضی للشبق ، ولا یُفتک به ناموس الإسلام ، ولا یحمله إلاّ ید أناس طیّبین ، ورجال نزیهین عن الخنابة (4) والعیث والفساد؟

فما خالد وما خطره حتی یهبه الخلیفة تلک الفضیلة الرابیة ویراه سیفاً سلّه الله علی أعدائه ، وهو عدوّ الله بنصّ من الخلیفة الثانی کما مرّ (ص 159). ألیست هذه کلّها تحکّماً وسرفاً فی الکلام ، وزوراً فی القول ، واتّخاذ الفضائل فی دین الله مهزأةً ومجهلةً؟

کیف یسعنا أن نعدّ خالداً سیفاً من سیوف الله سلّه علی أعدائه؟ وقد ورد فی ترجمته وهی بین أیدینا : أنّه کان جبّاراً فاتکاً ، لا یراقب الدین فیما یحمله علیه الغضب وهوی نفسه ، ولقد وقع منه فی حیاة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم مع بنی جذیمة بالغمیصاء (5) أعظم ممّا وقع منه فی حق مالک بن نویرة ، وعفا عنه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بعد أن غضب علیه مدّة وأعرض عنه ، وذلک العفو هو الذی أطمعه حتی فعل ببنی یربوع ما فعل بالبطاح (6). ف)

ص: 226


1- المائدة : 93.
2- الدرّ المنثور : 2 / 321 [ 3 / 174 ]. (المؤلف)
3- الروض الأُنف : 6 / 489.
4- الخنابة : الأثر القبیح.
5- الغمیصاء : موضع فی بادیة العرب قرب مکة کان یسکنه بنو جذیمة بن عامر.
6- شرح ابن أبی الحدید : 4 / 187 [ 17 / 214 کتاب 32 ]. (المؤلف)

إن کان عفو النبیّ الأعظم عن الرجل بعد ما غضب علیه وأخذه بذنبه ، وأعرض عنه ردحاً من الزمن أطمعه حتی فعل ما فعل ، فانظر ما ذا یصنع صفح الخلیفة عنه من دون أیّ غضب علیه وإعراض عنه ، وما الذی یؤثّر دفاعه عنه من الجرأة والجسارة ، فی نفس الرجل ونفوس مشاکلیه من أناس العیث والفساد ، وشعب الشغب والفتن؟

أنّی لنا أن نری خالداً سیفاً سلّه الله علی أعدائه وفی صفحة التاریخ کتاب أبی بکر إلیه وفیه قوله : لعمری یا ابن أمّ خالد إنّک لفارغ تنکح النساء وبفناء بیتک دم ألف ومائتی رجل من المسلمین لم یجفف بعدُ (1)؟ کتبه إلیه لمّا قال خالد لمجاعة : زوّجنی ابنتک فقال له مجاعة : مهلاً إنّک قاطع ظهری وظهرک معی عند صاحبک. قال : أیّها الرجل زوّجنی. فزوّجه ، فبلغ ذلک أبا بکر. فکتب إلیه الکتاب ، فلمّا نظر خالد فی الکتاب جعل یقول : هذا عمل الأعیسرة - یعنی عمر بن الخطّاب.

ولیست هذه بأوّل قارورة کسرت فی الإسلام بید خالد ، وقد صدرت منه لدة هذه الفحشاء المنکرة علی عهد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وتبرّأ صلی الله علیه وآله وسلم من صنیعه. قال ابن إسحاق : بعث رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فیما حول مکة السرایا تدعو إلی الله ، ولم یأمرهم بقتال ، وکان ممّن بعث خالد بن الولید ، وأمره أن یسیر بأسفل تهامة داعیاً ، ولم یبعثه مقاتلاً ، ومعه قبائل من العرب فوطأوا بنی جذیمة بن عامر ، فلمّا رآه القوم أخذوا السلاح ، فقال خالد : ضعوا السلاح فإنّ الناس قد أسلموا.

قال : حدّثنی بعض أصحابنا من أهل العلم من بنی جذیمة قال : لمّا أمرنا خالد أن نضع السلاح قال رجل منّا یقال له جحدم (2) : ویلکم یا بنی جذیمة إنّه خالد ، والله ف)

ص: 227


1- تاریخ الطبری : 3 / 254 [ 3 / 300 حوادث سنة 11 ه ] ، تاریخ الخمیس : 3 / 343 [ 2 / 218 ]. (المؤلف)
2- فی الإصابة : جحدم فی : 1 / 227 [ رقم 1104 ] ، وجذیم بن الحارث فی : 1 / 318 [ رقم 1650 ]. والصحیح هو الأول. (المؤلف)

ما بعد وضع السلاح إلاّ الإسار ، وما بعد الإسار إلاّ ضرب الأعناق ، والله لا أضع سلاحی أبداً ، قال : فأخذه رجال من قومه فقالوا : یا جحدم أترید أن تسفک دماءنا إنّ الناس قد أسلموا ، ووضعوا السلاح ، ووضعت الحرب ، وأمن الناس ، فلم یزالوا به حتی نزعوا سلاحه ، ووضع القوم السلاح لقول خالد ، فلمّا وضعوا السلاح أمر بهم خالد عند ذلک فکتّفوا ، ثم عرضهم علی السیف ، فقتل من قتل منهم ، فلما انتهی الخبر إلی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم رفع یدیه إلی السماء ثمّ قال : «اللهمّ إنِّی أبرأ إلیک ممّا صنع خالد ابن الولید». قال أبو عمر فی الاستیعاب (1) (1 / 153) : هذا من صحیح الأثر.

قال ابن هشام (2) : حدّث بعض أهل العلم عن إبراهیم بن جعفر المحمودی قال : قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «رأیت کأنّی لقمتُ لقمة من حَیسْ (3) فالتذذت طعمها ، فاعترض فی حلقی منها شیء حین ابتلعتها ، فأدخل علیّ یده فنزعه» فقال أبو بکر الصدّیق رضی الله عنه : یا رسول الله ، هذه سریّة من سرایاک تبعثها فیأتیک منها بعض ما تحبّ ، ویکون فی بعضها اعتراض ، فتبعث علیّا فیسهّله.

قال ابن إسحاق : ثمّ دعا رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم علیّ بن أبی طالب رضوان الله علیه فقال : «یا علیّ اخرج إلی هؤلاء القوم ، فانظر فی أمرهم ، واجعل أمر الجاهلیّة تحت قدمیک». فخرج علیّ حتی جاءهم ومعه مال قد بعث به رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فودی لهم الدماء وما أُصیب لهم من الأموال حتی إنّه لیدی لهم میلغة (4) الکلب ، حتی إذا لم یبق شیء من دمٍ ولا مال إلاّ وداه ، بقیت معه بقیة من المال. فقال لهم علیّ رضوان الله علیه حین فرغ منهم : هل بقی لکم بقیّة من دم أو مال لم یودَ لکم؟ قالوا : لا. قال : ف)

ص: 228


1- الاستیعاب : القسم الثانی / 428 رقم 603.
2- السیرة النبویّة : 4 / 72.
3- الحیس : بفتح فسکون أن یخلط السمن والتمر والأقط فیؤکل. والأقط : ما یعقد من اللبن ویجفف. (المؤلف)
4- المیلغة : خشبة تحفر لیلغ فیها الکلب. (المؤلف)

فإنّی أعطیکم هذه البقیة من هذا المال احتیاطاً لرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ممّا لا یعلم ولا تعلمون ، ففعل ، ثمّ رجع إلی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فأخبره الخبر ، فقال : «أصبت وأحسنت» قال : ثمّ قام رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فاستقبل القبلة قائماً شاهراً یدیه حتی إنّه لیری ما تحت منکبیه یقول : «اللهمّ إنّی أبرأ إلیک ممّا صنع خالد بن الولید» ثلاث مرّات.

وقد کان بین خالد وبین عبد الرحمن بن عوف کلام فی ذلک ، فقال له عبد الرحمن بن عوف : عملت بأمر الجاهلیة فی الإسلام (1). وفی الإصابة : أنکر علیه عبد الله بن عمر وسالم مولی أبی حذیفة. وقد تُعدّ هذه الفضیحة أیضاً من جنایات لغة کنانة کما فی الإصابة (2 / 81).

فهذا الرهق والسرف فی سیف خالد علی عهد أبی بکر من بقایا تلک النزعات الجاهلیّة ، وهذه سیرته من أوّل یومه ، فأنّی لنا أن نعدّه سیفاً من سیوف الله وقد تبرّأ منه نبیّ الإسلام الأعظم غیر مرّة ، مستقبل القبلة شاهراً یدیه وأبو بکر ینظر إلیه من کثب؟

- 11 -

ثلاثة وثلاثة وثلاثة

عن عبد الرحمن بن عوف قال : إنّه دخل علی أبی بکر الصدّیق رضی الله عنه فی مرضه الذی توفّی فیه فأصابه مهتّماً ، فقال له عبد الرحمن : أصبحت والحمد لله بارئاً ، فقال أبو بکر رضی الله عنه : أتراه؟ قال : نعم. قال : إنّی ولّیت أمرکم خیرکم فی نفسی ، فکلّکم ورم أنفه من ذلک ، یرید أن یکون الأمر له دونه ، ورأیتم الدنیا قد أقبلت ولمّا تقبل ، وهی مقبلة ف)

ص: 229


1- سیرة ابن هشام : 4 / 53 - 57 [ 4 / 70 - 73 ] ، طبقات ابن سعد طبع مصر رقم التسلسل : ص 659 [ 2 / 147 - 148 ] ، صحیح البخاری شطراً منه فی کتاب المغازی باب بعث خالد إلی بنی جذیمة [ 4 / 1577 ح 4084 ] ، تاریخ أبی الفداء : 1 / 145 أُسد الغابة : 3 / 102 [ 2 / 110 رقم 1399 ] ، الإصابة : 1 / 318 [ رقم 1650 ] و 2 / 81 [ رقم 3488 ]. (المؤلف)

حتی تتّخذوا ستور الحریر ، ونضائد الدیباج ، وتألموا الاضطجاع علی الصوف الأذری کما یألم أحدکم أن ینام علی حسک ، والله لأن یقدم أحدکم فتضرب عنقه فی غیر حدّ خیر له من أن یخوض فی غمرة الدنیا ، وأنتم أوّل ضالّ بالناس غداً فتصدّونهم عن الطریق یمیناً وشمالاً ، یا هادی الطریق إنّما هو الفجر أو البجر. فقلت له : خفّض علیک رحمک الله ، فإنّ هذا یهیضک فی أمرک ، إنّما الناس فی أمرک بین رجلین : إمّا رجل رأی ما رأیت فهو معک. وإمّا رجل خالفک فهو مشیر علیک وصاحبک کما تحبّ ، ولا نعلمک أردت إلاّ خیراً ، ولم تزل صالحاً مصلحاً ، وإنّک لا تأسی علی شیءٍ من الدنیا.

قال أبو بکر رضی الله عنه : أجل إنّی لا آسی علی شیء من الدنیا إلاّ علی ثلاث فعلتهنّ وددت أنّی ترکتهنّ. وثلاث ترکتهنّ وددت أنّی فعلتهنّ. وثلاث وددت أنّی سألت عنهنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم.

فأمّا الثلاث اللاتی وددت أنّی ترکتهنّ : فوددت أنّی لم أکشف بیت فاطمة عن شیء وإن کانوا قد غلقوه علی الحرب. ووددت أنّی لم أکن حرقت الفجاءة السلمی وأنّی کنت قتلته سریحاً ، أو خلّیته نجیحاً. ووددت أنّی یوم سقیفة بنی ساعدة کنت قذفت الأمر فی عنق أحد الرجلین - یرید عمر وأبا عبیدة - فکان أحدهما أمیراً وکنت وزیراً.

وأما اللاتی ترکتهنّ فوددت أنّی یوم أتیت بالأشعث بن قیس أسیراً کنت ضربت عنقه ، فإنّه تخیّل إلیّ أنّه لا یری شرّا إلاّ أعان علیه. ووددت أنّی حین سیّرت خالد بن الولید إلی أهل الردّة کنت أقمت بذی القصّة فإن ظفر المسلمون ظفروا ، وإن هُزموا کنت بصدد لقاء أو مدد. ووددت أنّی إذ وجّهت خالد بن الولید إلی الشام کنت وجّهت عمر بن الخطّاب إلی العراق ، فکنت قد بسطت یدی کلتیهما فی سبیل الله. ومدّ یدیه.

ووددت أنّی کنت سألت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لمن هذا الأمر؟ فلا ینازعه أحد ،

ص: 230

ووددت أنّی کنت سألته هل للأنصار فی هذا الأمر نصیب؟ ووددت أنّی کنت سألته عن میراث ابنة الأخ والعمّة فإنّ فی نفسی منهما شیئاً.

أخرجه (1) أبو عبید فی الأموال (ص 131) ، والطبری فی تاریخه (4 / 52) ، وابن قتیبة فی الإمامة والسیاسة (1 / 18) ، والمسعودی فی مروج الذهب (1 / 414) وابن عبد ربّه فی العقد الفرید (2 / 254).

والإسناد صحیح رجاله کلّهم ثقات أربعة منهم من رجال الصحاح الستّة.

قال الأمینی : إنّ فی هذا الحدیث أموراً تسعة ، ثلاثة منها فات الخلیفة فقهها یوم عمل بها ، وقد بسطنا القول فی إحراق الفجاءة منها. وأمّا تمنّی قذف الأمر فی عنق أحد الرجلین فإنّه ینمّ عن أنّ الخلیفة انکشف له فی أُخریات أیّامه أنّ ما ناء به من الأمر لم یکن علی القانون الشرعیّ فی الخلافة والوصیّة ؛ لأنّ المخلّف والموصی یجب أن یکون هو المعیِّن لمن ینهض بأمره من بعده ، وهو الذی تنبّه له الخلیفة الثانی بعد ردحٍ من الزمن فقال : کانت بیعة أبی بکر فلتة کفلتة الجاهلیّة وقی الله شرّها فمن عاد إلی مثلها فاقتلوه (2).

ولا أدری أنّ ما تنبّها له هل هو قصور فی المختار - بالفتح - أو فیه - بالکسر - أو فیهما معاً؟ أو فی کون الاختیار موجباً لتعیین الخلیفة؟ وأیّا ما أراد فلنا فیه المخرج. وهؤلاء زمر الأنبیاء والرسل لم یعدُهم التنصیص بالخلیفة من بعدهم ولم تنتخب أُممهم خلفاء لهم.

وهل هنالک ذو حجیً یزعم أنّ وصایة الفقید المبیحة للتصرّف فیما ترکه من ف)

ص: 231


1- الأموال : ص 174 ح 353 ، تاریخ الطبری : 3 / 429 حوادث سنة 13 ه ، الإمامة والسیاسة : 1 / 24 ، مروج الذهب : 2 / 317 ، العقد الفرید : 4 / 93.
2- راجع الجزء الخامس : ص 370 ، وهذا الجزء : ص 79. (المؤلف)

بعده موکولة إلی أناس أجانب لا یعرفون ما یرتئیه فی شئونه ، بعداء عن مغازیه وما یروقه فی ماله وأهله ، والفقید عاقل رشید یعرف الصالح من غیره ، ویعلم بنوایا من یلتاث (1) به ، ومن یحدوه الجشع ، وترقل (2) به النهمة ، ویستفزّه الطمع ، أفتراه والحالة هذه یترک الوصیّة فیدع ما ترکه أکلة للآکل ومطمعاً للناهب؟ لا.

لا یفعل ذلک وهو یرید خیراً بآله وصلاحاً فی ماله ، وعلی ذلک جرت سنّة المسلمین منذ عهد الصحابة إلی یومنا الحاضر ، وأقرّته الشریعة الإسلامیّة ، وشرّعت للوصایا أحکاماً ، وجاء فی الصحیحین (3) عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أنّه قال : «ما حقّ امرئٍ مسلم له شیء یوصی فیه یبیت لیلتین إلاّ ووصیّته مکتوبة عنده». کذا فی لفظ البخاری ، وفی لفظ مسلم (4) : «یبیت ثلاث لیال» ، قال ابن عمر : ما مرّت علیّ لیلة منذ سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قال ذلک إلاّ وعندی وصیّتی. قال النووی فی ریاض الصالحین (5) (156) : متّفق علیه.

وصّی الإلهُ وأوصتْ رسلُه فلذا

کان التأسّی بهم من أفضلِ العملِ

لو لا الوصیّةُ کان الخلقُ فی عمهٍ

وبالوصیّةِ دام الملکُ فی الدولِ

فاعمل علیها ولا تهمل طریقتَها

إنّ الوصیّةَ حکمُ اللهِ فی الأزلِ

ذکرت قوماً بما أوصی الإلهُ به

ولیس إحداثُ أمرٍ فی الوصیّةِ لی (6)ف)

ص: 232


1- یلتاث : یحوط.
2- الإرقال : الإسراع.
3- صحیح البخاری : 4 / 2 [ 3 / 1005 ح 2587 ] کتاب الوصیة ، وصحیح مسلم : 2 / 10 [ 3 / 446 ح 4 کتاب الوصیة ]. (المؤلف)
4- صحیح مسلم : 3 / 446 ح 4 کتاب الوصیة.
5- ریاض الصالحین : ص 243 ح 575.
6- الجزء الأخیر من الفتوحات المکیّة لابن عربی : ص 575 [ 4 / 444 ]. (المؤلف)

فإذا کانت الوصیة ثابتة فی حطام زائل ، فما بالها تنفی فی خلافة راشدة ، وشریعة خالدة ، متکفّلة بصلاح النفوس والنوامیس والأموال والأحکام والأخلاق والصالح العام والسلام والوئام؟ ومن المسلّم قصور الفهم البشریّ العادی عن غایات تلکم الشؤون فلا منتدح والحالة هذه عن أن یعیّن الرسول الأمین عن ربّه خلیفته من بعده لیقتصّ أثره فی أمّته.

وقد مرّ فی صفحة (132) رأی عائشة وعبد الله بن عمر ومعاویة وحدیث الناس بأنّ راعی إبل أو غنم أو قیّم أرض لأیّ أحد لا یسعهم ترک رعیتهم هملاً ، ورعیة الناس أشدّ من رعیة الإبل والغنم فالأمّة لما ذا صفحت یوم السقیفة عن هذا الحکم المتسالم علیه بینها؟ ولما ذا نبأت عنه الأسماع ، وخرست الألسُن؟ وذهلت الأحلام عنه یوم ذاک ، ثمّ حدّث به الناس ونبّأته الأمّة؟ ولما ذا ترک النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم أمّته سدیً هملاً ، وفتح بذلک أبواب الفتن المضلّة المدلهمّة ، واستحقر أمّته ورأی رعیتها أهون من رعیة الإبل والغنم؟ حاشا النبیّ الأعظم عن هذه الأوهام ، فإنّه صلی الله علیه وآله وسلم وصّی واستخلف ونصّ علی خلیفته وبلّغ أُمّته غیر أنّه عهد إلی وصیّه من بعده : إنّ الأمّة ستغدر به بعده کما ورد فی الصحیح (1). وقال له أیضاً : «أما إنّک ستلقی بعدی جهداً» ، قال علیّ : «فی سلامة من دینی» ، قال : «فی سلامة من دینک» (2). وقال لعلی : «ضغائن فی صدور أقوام لا یبدونها إلاّ من بعدی» (3). وقال له : «یا علیّ إنّک ستبتلی ف)

ص: 233


1- مستدرک الحاکم : 3 / 140 ، 142 [ 3 / 150 ح 4676 ، و 153 ح 4686 ] ، وصحّحهُ هو والذهبی فی تلخیصه ، تاریخ الخطیب : 11 / 216 [ رقم 5928 ] ، تاریخ ابن کثیر : 6 / 219 [ 6 / 244 ] ، کنز العمّال : 6 / 157 [ 11 / 617 ح 32997 ]. (المؤلف)
2- مستدرک الحاکم : 3 / 140 [ 3 / 151 ح 4677 ] وصحّحهُ هو وأقرّه الذهبی. (المؤلف)
3- أخرجه ابن عساکر [ فی ترجمة الإمام علیّ بن أبی طالب علیه السلام - الطبعة المحققه : رقم 834 - 837 ] ، والمحبّ الطبری فی الریاض : 2 / 210 [ 3 / 162 ] نقلاً عن أحمد فی المناقب ، والحافظ الکنجی فی الکفایة : ص 142 [ ص 273 باب 66 ] ، والخوارزمی فی المقتل : 1 / 36. (المؤلف)

بعدی فلا تقاتلنّ». کنوز الدقائق للمناوی (ص 188).

ثمّ إنّ الخلیفة النادم لما ذا تمنّی التسلّل عن الأمر یوم السقیفة؟ وقذفه فی عنق أحد الرجلین : أبی عبیدة أو عمر؟ أکان ندمه عن حقّ وقع؟ فالحقّ لا ندم فیه. وإن کان عن باطل سبق؟ فهو یهدم أساس الخلافة الراشدة.

ثمّ الذی ودّه من قذفه إلی عنق أحد الرجلین فإنّا لا نعرف وجهاً لتخصیصهما بالقذف وفی الصحابة أعاظم وذوو فضائل لا یبلغ الرجلان شأو أیّ منهم ، وهذان - بالنظر إلی ما عرفناه من أحوال الصحابة - إن لم نقل إنّهما من ساقتهم ، فإنّا نقول بکلّ صراحة إنّهما لم یکونا من الأعالی منهم وفیهم من فیهم ، وقبل جمیعهم سیّدنا أمیر المؤمنین علیه السلام صاحب السوابق والمناقب والصهر والقرابة والغَناء والعناء ، وصاحب یوم الغدیر ، والأیام المشهودة ، والمواقف المشهورة ، نفس النبیّ الأعظم بنصّ من الکتاب العزیز (1) المطهّر من کلّ رجس بآیة التطهیر (2).

فهلاّ ودّ أن یقذفه إلیه؟ فیسیر بالأمّة سیراً سجحاً ، ویحملهم علی المحجّة البیضاء ، ویأخذ بهم الطریق المستقیم ، ویجدونه هادیاً مهدیّا ، یدخلهم الجنّة. کما أخبر بهذه کلّها النبیّ الأعظم صلی الله علیه وآله وسلم وقد مرّ شطر منها فی الجزء الأوّل صفحة (12 ، 13).

وأمّا کشف بیت فاطمة سلام الله علیها فإنّه لا یروقنا هاهنا خدش العواطف بتلکم النوائب ، غیر أنّه سبق منّا بعض القول فی الجزء الثالث (ص 102 - 104) وفی هذا الجزء (ص 77 ، 86).

وفذلکة ذلک النبأ العظیم أنّ الصدّیقة سلام الله علیها قضت وهی واجدة علی 3.

ص: 234


1- بآیة المباهلة فی سورة آل عمران : 61. (المؤلف)
2- فی سورة الأحزاب : 33.

من ارتکبه ، وکانت صلوات الله علیها تدعو علیه بعد کلّ صلاة صلّتها (1).

وإن تعجب فعجب أنّ القوم ارتکب ما ارتکب من تلکم الفظائع وارتبک فیها وملء الأسماع هتاف النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم بقوله : «من عرف هذه فقد عرفها ، ومن لم یعرفها فهی بضعة منّی ، وهی قلبی وروحی التی بین جنبیّ ، فمن آذاها فقد آذانی».

وبقوله : «فاطمة بضعة منّی یریبنی ما رابها ، ویؤذینی ما آذاها».

وبقوله : «فاطمة بضعة منّی فمن أغضبها فقد أغضبنی».

وبقوله : «فاطمة بضعة منّی یقبضنی ما یقبضها ، ویبسطنی ما یبسطها» (2).

وبقوله : «فاطمة بضعة منی یسرّنی ما یسرّها» (3).

وبقوله : «یا فاطمة إنّ الله یغضب لغضبکِ ، ویرضی لرضاکِ» (4).

وبهذا الهتاف تعلم أنّ ندم الخلیفة کان فی محلّه ، غیر أنّه نَدم ولات حین مندم ، ندم وقد قضی الأمر ووقع ما وقع ، ندم والصدّیقة الطاهرة مقبورة وملء إهابها موجدة.

الثلاثة الوسطی :

وأمّا الثلاثة من هاتیک الأمور التسعة التی ندم علیها الخلیفة علی ترکها فإنّها تعرب عن أنّه ارتکب ما ارتکب فیها لا عن تروٍّ أو بصیرة فی الأمر ، أو استناد إلی ف)

ص: 235


1- الإمامة والسیاسة : 1 / 14 [ 1 / 20 ] ، رسائل الجاحظ : ص 301 [ ص 467 - الرسائل السیاسیة ] ، أعلام النساء 3 / 1215 [ 4 / 124 ]. (المؤلف)
2- راجع الجزء الثالث من کتابنا هذا : ص 21 ، وسنوقفک علی تفصیلها فی هذا الجزء إن شاء الله. (المؤلف)
3- الأغانی : 8 / 156 [ 9 / 301 ]. (المؤلف)
4- راجع الجزء الثالث من کتابنا هذا : ص 180 ، وسنفصّل فیه القول إن شاء الله. (المؤلف)

حکم شرعیّ ، حتی کشف له الخطأ فیها جمعاء ، وقد وقعت فیها عظائم ، وأعقبتها طامّات ، وخلیفة المسلمین یجب أن لا یرتکب ما یستتبعها ، ولا یفعل ما یوجب الندم فی مغبّته ، وقصّة الأشعث بن قیس تعرب عن أنّ ندم الخلیفة کان فی محلّه ، فإنّ الرجل بعد ما ارتدّ وأتی بمعرّات وقاتل المسلمین وأُخذ وأُتی به أسیراً إلی الخلیفة فقال : ما ذا ترانی أصنع بک؟ فإنک قد فعلت ما علمت. قال : تمنّ علیّ فتفکّنی من الحدید ، وتزوّجنی أختک ، فإنّی قد راجعت وأسلمت. فقال أبو بکر : قد فعلت فزوّجه أمّ فروة ابنة أبی قحافة ، فاخترط سیفه ودخل سوق الإبل فجعل لا یری جملاً ولا ناقة إلاّ عرقبه ، فصاح الناس : کفر الأشعث. فلمّا فرغ طرح سیفه وقال : إنّی والله ما کفرت ولکن زوّجنی هذا الرجل أخته ولو کنّا فی بلادنا کانت ولیمة غیر هذه ، یا أهل المدینة کلوا ، ویا أصحاب الإبل تعالوا خذوا شرواها ، فکان ذلک الیوم قد شبّه بیوم الأضحی ، وفی ذلک یقول وبرة بن قیس الخزرجی :

لقد أولم الکندیُّ یوم ملاکه

ولیمةَ حمّالٍ لثقل الجرائمِ

لقد سلّ سیفاً کان مُذ کان مغمداً

لدی الحرب منها فی الطلا والجماجمِ

فأغمده فی کلّ بکرٍ وسابحٍ

وعیرٍ وبغلٍ فی الحشا والقوائمِ

فقل للفتی الکندیّ یوم لقائِهِ

ذهبت بأسنی مجد أولاد آدمِ

وقال الأصبغ بن حرملة اللیثی متسخّطاً لهذه المصاهرة :

أتیت بکندیّ قد ارتدّ وانتهی

إلی غایة من نکث میثاقه کفرا

فکان ثوابُ النکثِ إحیاءَ نفسِهِ

وکان ثوابُ الکفر تزویجَه البکرا

ولو أنّه یأبی علیک نکاحَها

وتزویجَها منه لأمهرته مهرا

ولو أنّه رام الزیادةَ مثلَها

لأنکحته عشراً وأتبعته عشرا

فقل لأبی بکر لقد شنتَ بعدَها

قریشاً وأخملتَ النباهة والذکرا

أما کان فی تیمِ بنِ مرّةَ واحدٌ

تُزوّجه لو لا أردت به الفخرا

ص: 236

ولو کنت لمّا أن أتاک قتلته

لأحرزتها ذکراً وقدّمتها ذخراً

فأضحی یری ما قد فعلتَ فریضةً

علیک فلا حمداً حویتَ ولا أجرا (1)

الثلاثة الأخر :

أمّا الثلاثة الأُخر التی تمنّی الخلیفة أن یکون استعلمها من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فإنّها تنبئنا بقصوره فی علم الدین ، وأنّه کان نابیاً فی فقهه ، لا یعرف أحکام المواریث التی یکثر ابتلاء خلیفة المسلمین بها طبعاً ، وأنّه کان شاکّا فی أصل الخلافة هل هی بالنصّ أو الاختیار؟ وعلی الثانی هل تخصّ المهاجرین فحسب؟ أو أنّه یشارکهم فیها الأنصار؟ وعلی أیّ فهو فی تسنّمه عرش الخلافة غیر متیقّن بالرشد من أمره ، ولا نُحکّم هاهنا غیر ضمیرک الحرّ ، ولیس فی الحقّ مغضبة.

ثمّ إنّی لا أعرف لهذا التمنّی محصّلاً ، لأنّه لو کان سأله صلی الله علیه وآله وسلم عن ذلک لما کان یجیبه إلاّ بمثل قوله : «من کنت مولاه فعلیّ مولاه». راجع الغدیر الجزء الأول.

وقوله : «إنّی تارک فیکم الثقلین کتاب الله وعترتی أهل بیتی» (2).

وقوله : «إنّی تارک فیکم خلیفتین کتاب الله وأهل بیتی» (3).

وقوله : «علیّ منّی بمنزلة هارون من موسی إلاّ أنّه لا نبیّ بعدی». الغدیر (3 / 199).

وقوله لعلّی : «أما ترضی أن تکون منّی بمنزلة هارون من موسی إلاّ أنّک لست لف

ص: 237


1- تاریخ الطبری : 3 / 276 [ 3 / 339 حوادث سنة 11 ه ] ، ثمار القلوب للثعالبی : ص 69 [ ص 88 رقم 129 ] ، الاستیعاب : 1 / 51 [ القسم الأول / 133 - 134 رقم 135 ] ، الکامل لابن الأثیر : 2 / 160 [ 2 / 49 حوادث سنة 11 ه ] ، مجمع الأمثال للمیدانی : 2 / 341 [ 3 / 454 رقم 4442 ] ، الإصابة : 1 / 51 [ رقم 205 ] و 3 / 630 [ رقم 9106 ]. (المؤلف)
2- مرّ الإیعاز إلی حدیث الثقلین غیر مرّة ، وسنفصّل القول فیه إن شاء الله. (المؤلف)
3- (مرّ الإیعاز إلی حدیث الثقلین غیر مرّة ، وسنفصّل القول فیه إن شاء الله. (المؤلف

بنبیّ ، إنّه لا ینبغی أن أذهب إلاّ وأنت خلیفتی». الغدیر (3 / 196).

وقوله : «أوحی إلیّ فی علیّ ثلاث : أنّه سیّد المسلمین ، وإمام المتّقین ، وقائد الغرّ المحجّلین». مستدرک الحاکم (1) (3 / 138).

وقوله : «إنّ الله اطّلع علی أهل الأرض فاختار منهم أباکِ فبعثه نبیّا ، ثمّ اطّلع الثانیة فاختار بعلکِ فأوحی إلیّ فأنکحته واتّخذته وصیّاً». الغدیر (2 / 318 و 3 / 23).

وقوله : «علیّ الصدّیق الأکبر وفاروق هذه الأمّة ، یفرق بین الحقّ والباطل ، ویعسوب المؤمنین ، وهو بابی الذی أوتی منه ، وهو خلیفتی من بعدی». الغدیر (2 / 313).

وقوله : «علیٌّ رایة الهدی ، وإمام أولیائی ، ونور من أطاعنی ، والکلمة التی ألزمتها المتّقین ، من أحبّه أحبّنی ومن أبغضه أبغضنی». الغدیر (3 / 118).

وقوله : «علیّ أخی ووصیّی ووارثی وخلیفتی من بعدی». الغدیر (2 / 279 - 281).

وقوله : «علیٌّ سیّد مبجّل ، مؤمل المسلمین ، وأمیر المؤمنین ، وموضع سرّی وعلمی ، وبابی الذی یؤوی إلیه وهو الوصیّ علی أهل بیتی ، وعلی الأخیار من أمّتی ، وهو أخی فی الدنیا والآخرة». الغدیر (3 / 116).

وقوله : «علیّ أخی ووزیری وخیر من أترک بعدی». الغدیر (2 / 313)

وقوله : «علیّ مع الحقّ والحقّ مع علی لن یفترقا حتی یردا علیَّ الحوض». الغدیر (3 / 177). ف)

ص: 238


1- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 148 ح 4668. (المؤلف)

وقوله : «علیّ مع الحقّ والحقّ معه وعلی لسانه ، والحقّ یدور حیثما دار علیّ». الغدیر (3 / 178).

وقوله : «علیّ مع القرآن والقرآن معه لا یفترقان حتی یردا علیّ الحوض». الغدیر (3 / 180).

وقوله : «علیّ منّی وأنا منه ، وهو ولیّ کلّ مؤمن بعدی». الغدیر (3 / 22 ، 215)

وقوله : «علیّ مولی کلّ مؤمن بعدی ومؤمنة». الغدیر (1 / 15 ، 51).

وقوله : «علیّ أنزله الله منّی بمنزلتی منه». الغدیر (1 / 22).

وقوله : «علیّ ولیّی فی کلّ مؤمن بعدی». مسند أحمد (1) (1 / 231).

وقوله : «علیّ منی بمنزلتی من ربّی». السیرة الحلبیّة (2) (3 / 391).

وقوله : «علیّ ولیّ المؤمنین من بعدی». تاریخ الخطیب (4 / 339).

وقوله : «من کان الله ورسوله ولیّه فعلیّ ولیّه». الغدیر (1 / 38).

وقوله : «لا یُبلّغ عنّی إلاّ أنا أو رجل منّی». الغدیر (6 / 338 - 350).

وقوله : «ما من نبیّ إلاّ وله نظیر فی أمّته وعلیّ نظیری». الغدیر (3 / 23).

وقوله : «أنا وعلیّ حجّة علی أُمّتی یوم القیامة». تاریخ الخطیب (2 / 88).

وقوله : «من أطاع علیّا فقد أطاعنی ، ومن عصی علیّا فقد عصانی». مستدرک الحاکم (3) (3 / 121 ، 128).

کیف تمنّی الخلیفة ما تمنّی مع هذه النصوص؟ أو کان فی الآذان وقر یوم 1.

ص: 239


1- مسند أحمد : 1 / 545 ح 3052.
2- السیرة الحلبیّة : 3 / 362.
3- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 131 ح 4617 و 139 ح 4641.

هتف صلی الله علیه وآله وسلم بهاتیک الکلم الجامعة المعربة عن الخلافة بکلّ ما یمکن من التعبیر؟ أم أنّ فی القوم من تصامم عنها لأمر دُبّر بلیل؟

أوَلم یکفِ الخلیفة أنّه صلی الله علیه وآله وسلم لمّا عرض نفسه علی القبائل وکان معه علیّ أمیر المؤمنین ومعهما أبو بکر وبلغ بنی عامر بن صعصعة ودعاهم إلی الله فقال له قائلهم : أرأیت إن نحن تابعناک علی أمرک ثمّ أظهرک الله علی من خالفک ، أیکون لنا الأمر من بعدک؟ قال : «إنّ الأمر إلی الله یضعه حیث یشاء» (1)؟

أفکان یزعم الخلیفة أنّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم الذی أناط الأمر بعده إلی المولی سبحانه ومشیئته کان لو سأله عن ذلک أجابه بالتردید بین اختیار الأمّة ولو لم تکتمل فیه شرائط الإجماع والانتخاب الصحیح کما فی البیعة الأولی ، وبین وصیّة الخلیفة واستخلافه کما وقع فی أمر الثانی ، وبین الشوری مع إرهاب المخالف بالقتل کما کان فی منتهی الثلاثة؟

لکنّه لو کان یحسب ذلک لما ودّ أن لو کان سأله صلی الله علیه وآله وسلم وکان یعلم أیضاً أنّ التردیدفی الجواب علی فرضه إغراء للأمّة بالفوضی ، وفی ذلک مسرح لکل مدّع محقّ أو مبطل ، ولاحتجّ به کلّ ناعب وناعق حتی تنتهی النوبة إلی الطلقاء وأبناء الطلقاء أمثال معاویة ویزید وهلمّ جرّا.

تحفّظ علی کرامة :

حذف أبو عبید من الحدیث ذکر الأمر الأوّل من الثلاثة الأُوَل وهو : کشف بیت فاطمة ، وجعل مکانه قوله : فوددت أنّی لم أکن فعلت کذا وکذا - لخلّة ذکرها - فقال : لا أرید أذکرها. وما حرّف ما حرّف إلاّ تحفّظاً علی کرامة الخلیفة ، والأسف علی أنّ غیره ما شارکه فیما فعل ، فظهرت خیانته علی ودائع التاریخ. ف)

ص: 240


1- مرّت مصادره فی هذا الجزء : ص 134. (المؤلف)

- 12 -

سؤال یهودیّ أبا بکر

عن أنس بن مالک قال : أقبل یهودیّ بعد وفاة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فأشار القوم إلی أبی بکر فوقف علیه فقال : أرید أن أسألک عن أشیاء لا یعلمها إلاّ نبیّ أو وصیّ نبیّ ، قال أبو بکر : سل عمّا بدا لک.

قال الیهودی : أخبرنی عمّا لیس لله ، وعمّا لیس عند الله ، وعمّا لا یعلمه الله. فقال أبو بکر : هذه مسائل الزنادقة یا یهودیّ ، وهمّ أبو بکر والمسلمون بالیهودیّ ، فقال ابن عبّاس رضی الله عنه : ما أنصفتم الرجل. فقال أبو بکر : أما سمعت ما تکلّم به؟ فقال ابن عبّاس : إن کان عندکم جوابه وإلاّ فاذهبوا به إلی علیّ رضی الله عنه یجیبه ، فإنّی سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول لعلیّ بن أبی طالب : «اللهمّ اهدِ قلبه ، وثبّت لسانه».

قال : فقام أبو بکر ومن حضره حتی أتوا علیّ بن أبی طالب فاستأذنوا علیه فقال أبو بکر : یا أبا الحسن إنّ هذا الیهودی سألنی مسائل الزنادقة. فقال علیّ : ما تقول یا یهودی؟ قال : أسألک عن أشیاء لا یعلمها إلاّ نبیّ أو وصیّ نبیّ. فقال له : قل ، فردّ الیهودی المسائل. فقال علیّ رضی الله عنه : أمّا ما لا یعلمه الله فذلک قولکم یا معشر الیهود : إنّ العُزَیر ابن الله ، والله لا یعلم أنّ له ولداً. وأمّا قولک : أخبرنی بما لیس عند الله. فلیس عنده ظلم للعباد ، وأما قولک : أخبرنی بما لیس لله فلیس له شریک. فقال الیهودیّ : أشهد أن لا اله إلا الله ، وأنّ محمداً رسول الله ، وأنّک وصیّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم. فقال أبو بکر والمسلمون لعلیّ علیه السلام : یا مفرّج الکرب. المجتنی لابن درید (1) (ص 35).

قال الأمینی : إقرأ واحکم. 2.

ص: 241


1- المجتنی : ص 22.

- 13 -

وفد النصاری وأسئلتهم

أخرج الحافظ العاصمی عن سلمان الفارسی رضی الله عنه ، قال : لمّا قبض النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم اجتمعت النصاری إلی قیصر ملک الروم فقالوا له : أیّها الملک إنّا وجدنا فی الإنجیل رسولاً یخرج من بعد عیسی اسمه أحمد وقد رمقنا خروجه وجاءنا نعته فأشر علینا فإنّا قد رضیناک لدیننا ودنیانا.

قال : فجمع قیصر من نصاری بلاده مائة رجل وأخذ علیهم المواثیق أن لا یغدروا ولا یخفوا علیه من أمورهم شیئاً وقال : انطلقوا إلی هذا الوصیّ الذی من بعد نبیّهم فسلوه عمّا سئل عنه الأنبیاء علیهم السلام ، وعمّا أتاهم به من قبل ، والدلائل التی عرفت بها الأنبیاء. فإن أخبرکم فآمنوا به وبوصیّه واکتبوا بذلک إلیّ ، وإن لم یخبرکم فاعلموا أنّه رجل مطاعٌ فی قومه ، یأخذ الکلام بمعانیه ، ویردّه علی موالیه ، وتعرّفوا خروج هذا النبیّ.

قال : فسار القوم حتی دخلوا بیت المقدس ، واجتمعت الیهود إلی رأس جالوت فقالوا له مثل مقالة النصاری بقیصر ، فجمع رأس جالوت من الیهود مائة رجل.

قال سلمان : فاغتنمت صحبة القوم فسرنا حتی دخلنا المدینة وذلک یوم عروبة (1) وأبو بکر رضی الله عنه قاعد فی المسجد یفتی الناس ، فدخلت علیه فأخبرته بالذی قدم له النصاری والیهود فأذن لهم بالدخول علیه ، فدخل علیه رأس جالوت فقال : ف)

ص: 242


1- یعنی یوم الجمعة : وکان یسمی قدیماً بیوم عروبة ، ویوم العروبة. والأفصح ترک الألف واللام. (المؤلف)

یا أبا بکر إنّا قوم من النصاری والیهود جئناکم لنسألکم عن فضل دینکم فإن کان دینکم أفضل من دیننا قبلناه ، وإلاّ فدیننا أفضل الأدیان.

قال أبو بکر : سل عمّا تشاء أجبک إن شاء الله. قال : ما أنا وأنت عند الله؟ قال أبو بکر : أمّا أنا فقد کنت عند الله مؤمناً وکذلک عند نفسی إلی الساعة ولا أدری ما یکون من بعد. فقال الیهودی : فصف لی صفة مکانک فی الجنّة ، وصفة مکانی فی النار ، لأرغب فی مکانک وأزهد عن مکانی.

فقال : فأقبل أبو بکر ینظر إلی معاذ مرّة وإلی ابن مسعود مرّة ، وأقبل رأس جالوت یقول لأصحابه بلغة أمّته : ما کان هذا نبیّا.

قال سلمان : فنظر إلیّ القوم ، قلت لهم : أیّها القوم ابعثوا إلی رجل لو ثنیتم الوسادة لقضی لأهل التوراة بتوراتهم ، ولأهل الإنجیل بإنجیلهم ، ولأهل الزبور بزبورهم ، ولأهل القرآن بقرآنهم ، ویعرف ظاهر الآیة من باطنها ، وباطنها من ظاهرها.

قال معاذ : فقمت فدعوت علیّ بن أبی طالب وأخبرته بالذی قدمت له الیهود والنصاری ، فأقبل حتی جلس فی مسجد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، قال ابن مسعود : وکان علینا ثوب ذلّ ، فلمّا جاء علیّ بن أبی طالب کشفه الله عنّا. قال علیّ : «سلنی عمّا تشاء أخبرک إن شاء الله». قال الیهودی : ما أنا وأنت عند الله؟

قال : «أمّا أنا فقد کنت عند الله وعند نفسی مؤمناً إلی الساعة فلا أدری ما یکون بعد. وأمّا أنت فقد کنت عند الله وعند نفسی إلی الساعة کافراً ولا أدری ما یکون بعد»

قال رأس جالوت : فصف لی صفة مکانک فی الجنّة وصفة مکانی فی النار

ص: 243

فأرغب فی مکانک وأزهد عن مکانی.

قال علیّ : «یا یهودی لم أر ثواب الجنّة ولا عذاب النار فأعرف ذلک ، ولکن کذلک أعدّ الله للمؤمنین الجنّة وللکافرین النار ، فإن شککت فی شیء من ذلک فقد خالفت النبی صلی الله علیه وآله وسلم ولست فی شیء من الإسلام.

قال : صدقت رحمک الله ؛ فإنّ الأنبیاء یوقنون علی ما جاءوا به فإن صدقوا آمنوا ، وإن خولفوا کفروا. قال : فأخبرنی ؛ أعرفت الله بمحمد أم محمداً بالله؟

فقال علیّ : «یا یهودی ما عرفت الله بمحمد ولکن عرفت محمداً بالله ؛ لأنّ محمداً محدود مخلوق وعبد من عباد الله اصطفاه الله واختاره لخلقه وألهم الله نبیّه کما ألهم الملائکة الطاعة ، وعرّفهم نفسه بلا کیف ولا شبه».

قال : صدقت. قال : فأخبرنی : الربّ فی الدنیا أم فی الآخرة؟

فقال علیّ : «إنّ (فی) وعاء ، فمتی ما کان بفی کان محدوداً ، ولکنه یعلم ما فی الدنیا والآخرة ، وعرشه فی هواء الآخرة وهو محیط بالدنیا ، والآخرة بمنزلة القندیل فی وسطه إن خلیت یکسر ، وإن أخرجته لم یستقم ، مکانه هناک ، فکذلک الدنیا وسط الآخرة».

قال : صدقت. قال : فأخبرنی : الربّ یحمل أو یحمل؟

قال علیّ بن أبی طالب : «یَحمل».

قال رأس جالوت : فکیف وإنّا نجد فی التوراة مکتوباً ویحمل عرش ربّک فوقهم یومئذٍ ثمانیة؟

قال علیّ : «یا یهودیّ : إن الملائکة تحمل العرش ، والثری یحمل الهواء ، والثری

ص: 244

موضوع علی القدرة وذلک قوله تعالی : (لَهُ ما فِی السَّماواتِ وَما فِی الْأَرْضِ وَما بَیْنَهُما وَما تَحْتَ الثَّری)» (1).

قال الیهودیّ : صدقت رحمک الله. الحدیث. زین الفتی فی شرح سورة هل أتی للحافظ العاصمی.

هلمّ معی إلی الغلو :

هذه جملة ممّا وقفنا علیه من فتاوی أبی بکر وآرائه وهی علی قلّتها تدلّک علی مکانته من علم الکتاب ، وعرفان السنّة ، وفقه الشریعة ، وأحکام الدین ، أوَلیس من المغالاة إذن أن یقال : عَلِم کلّ ذی حظّ من العلم أنّ الذی کان عند أبی بکر من العلم أضعاف ما کان عند علیّ منه (2)؟

ألیس من المغالاة أن یقال : إنّ المعروف أنّ الناس قد جمعوا الأقضیة والفتاوی المنقولة عن أبی بکر وعمر وعثمان وعلیّ فوجدوا أصوبها وأدلّها علی علم صاحبها أمور أبی بکر ثمّ عمر ، ولهذا کان ما یوجد من الأمور التی وجد نصّ یخالفها عن عمر أقلّ ممّا وجد عن علیّ ، وأمّا أبو بکر فلا یکاد یوجد نصّ یخالفه؟

ألیس من المغالاة أن یقال : لم یکن أبو بکر وعمر ولا غیرهما من أکابر الصحابة یخصّان علیّا بسؤال ، والمعروف : أنّ علیّا أخذ العلم عن أبی بکر (3)؟

ألیس من المغالاة أن یقال : إنّ أبا بکر من أکابر المجتهدین بل هو أعلم الصحابة علی الإطلاق ، قاله ابن حجر فی الصواعق (4) (ص 19). 3.

ص: 245


1- طه : 6.
2- قاله ابن حزم فی الفصل : 4 / 136. راجع ما مرّ فی الجزء الثالث : ص 95. (المؤلف)
3- منهاج السنّة لابن تیمیة : 3 / 128. راجع ما أسلفناه فی : 6 / 329. (المؤلف)
4- الصواعق المحرقة : ص 33.

ألیس من المغالاة أن یقال : إنّ أبا بکر أعلم الصحابة وأذکاهم ، وکان مع ذلک أعلمهم بالسنّة کما رجع إلیه الصحابة فی غیر موضع ، یبرز علیهم بنقل سنن عن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم یحفظها هو ویستحضرها عند الحاجة إلیها لیست عندهم؟ وکیف لا یکون کذلک وقد واظب علی صحبة الرسول صلی الله علیه وآله وسلم من أوّل البعثة إلی الوفاة (1)؟

ألیس من المغالاة ما عزوه إلی النبیّ الأقدس من قیله صلی الله علیه وآله وسلم : ما صبّ الله فی صدری شیئاً إلاّ صببته فی صدر أبی بکر (2)؟

ألیس من المغالاة ما رووه عنه صلی الله علیه وآله وسلم أنّه قال : رأیت کأنّی أعطیت عسّا مملوّا لبناً. فشربت منه حتی امتلأت ، فرأیتها تجری فی عروقی بین الجلد واللحم ، ففضلت منها فضلة فأعطیتها أبا بکر ، قالوا : یا رسول الله هذا علم أعطاکه الله ، حتی إذا امتلأت فضلت فضلة فأعطیتها أبا بکر ، قال صلی الله علیه وآله وسلم : قد أصبتم؟ الریاض النضرة (3) (1 / 101).

ألیس من المغالاة ما جاء به ابن سعد (4) عن ابن عمر من أنّه سُئل عمّن کان یفتی فی زمن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فقال : أبو بکر وعمر ولا أعلم غیرهما؟

راجع (5) : أُسد الغابة (3 / 216) ، الصواعق (ص 10 ، 20) ، تاریخ الخلفاء للسیوطی (ص 35).

قال الأمینی : لیتنی أدری وقومی ما بال القوم فی نحت هذه الدعاوی الفارغة ، واختلاق هذه الأکاذیب المکردسة ، وزعق (6) بسطاء الأمّة إلی المزالق والطامّات ، ا.

ص: 246


1- تاریخ الخلفاء للسیوطی : ص 29 [ ص 39 ]. (المؤلف)
2- راجع الجزء الخامس من کتابنا هذا : ص 316 ، وهذا الجزء : ص 87. (المؤلف)
3- الریاض النضرة : 1 / 130.
4- الطبقات الکبری : 2 / 334 - 335.
5- أسد الغابة : 3 / 324 رقم 3064 ، الصواعق المحرقة : ص 18 - 34 ، تاریخ الخلفاء : ص 48.
6- الزّعق : السّوْق : زعق بإبله ؛ أی : طردها مسرعاً وصاح فی آثارها.

وردعهم عن مهیع الحقّ ، وجدد الصدق فی عرفان الرجال ، ومقادیر السلف؟

ألیست هذه الآراء تضادّ نداء المشرّع الأقدس وقوله لفاطمة : «أما ترضین أنّی زوّجتکِ أوّل المسلمین إسلاماً وأعلمهم علماً»؟

وقوله لها : «زوّجتکِ خیر أمّتی أعلمهم علماً»؟

وقوله : «إنّ علیّا لأوّل أصحابی إسلاماً وأکثرهم علماً»؟

وقوله : «أعلم أمّتی من بعدی علیّ»؟

وقوله : «أنا مدینة العلم وعلیّ بابها»؟

وقوله : «علیّ وعاء علمی»؟

وقوله : «علیّ باب علمی»؟

وقوله : «علیّ خازن علمی»؟

وقوله : «علیّ عیبة علمی»؟

وقوله : «أنا دار الحکمة وعلیّ بابها»؟

وقوله : «أنا دار العلم وعلیّ بابها»؟

وقوله : «أنا میزان العلم وعلیّ کفّتاه»؟

وقوله : «أنا میزان الحکمة وعلیّ لسانه»؟

وقوله : «أقضی أمّتی علیّ»؟

وقوله : «أقضاکم علیّ» (1)

؟ إلی أمثال هذه من الکثیر الطیّب.

ألیست تلکم الآراء المجرّدة تخالف ما أسلفناه فی الجزء الثالث (ص 95 - 101) وفی نوادر الأثر فی الجزء السادس من أقوال الصحابة الأوّلین والتابعین بإحسان فی علم علیّ نظراء عائشة ، وعمر ، ومعاویة ، وابن عبّاس ، وابن مسعود ، وعدیّ بن حاتم ، وسعید بن المسیب ، وهشام بن عتبة ، وعطاء ، وعبد الله بن حجل؟ ف)

ص: 247


1- راجع الجزء الثالث من کتابنا هذا : ص 95 ، والجزء السادس : ص 61 - 81. (المؤلف)

أنّی یسوغ القول بأعلمیة أیّ أحد من الأمّة غیر علیّ أمیر المؤمنین بعد ما مرّ فی الجزء الثالث (ص 100) من إجماع أهل العلم علی أنّ علیّا علیه السلام هو وارث علم النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم دونهم. وما أسلفناه هناک من الصحیح الوارد عن مولانا أمیر المؤمنین من قوله : «والله إنّی لأخوه وولیّه وابن عمّه ووارث علمه ، فمن أحقّ به منّی؟».

ثمّ أیّ نُجفةٍ من العلم کانت آیةَ فضلةِ عسٍّ شربها الخلیفة من ید النبیّ الأعظم إن صحّت الأحلام؟ أقوله فی الأبّ؟ أم رأیه فی الکلالة والجدّ والجدّتین والخلافة وغیرها؟ أبمثل هذه کان هو وصاحبه یفتیان فی حیاة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم؟

وأیّ صدرٍ هذا لم یک ینضح بشیء من العلم - والإناء ینضح بما فیه - بعد ما صبّ فیه رسول الله کلّ ما صبّ الله فی صدره صلی الله علیه وآله وسلم؟

وأنت جدّ علیم بأنّ الأخذ بمجامع تلکم الصحاح المأثورة عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وأقوال الصحابة والتابعین فی علم أمیر المؤمنین علیه السلام والجمع بینها وبین تلکم الآراء فی علم أبی بکر یستلزم القول بأعلمیّته من رسول الله أیضاً بعد کونه وعلیّ صلی الله علیهما وآلهما صنوین فی الفضائل ، بعد کون علیّ ردیف أخیه الأقدس ونفسه فی مآثره ، بعد کونه وارث علمه وبابه وعیبته ووعاءه وخازنه ، ولا أحسب کلّ القوم ولا جلّهم یقول بذلک.

نعم ؛ من لم یتحاشَ عن الغلوّ فی أبی حنیفة والقول بأعلمیّته من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی القضاء کما مرّ فی الجزء الخامس (ص 279) لا یکترث للقول بذلک فی أبی بکر الأفضل من أبی حنیفة.

هذا هو الغلوّ الممقوت الذی تصکّ به المسامع لا ما تقول به الشیعة یا أتباع أبناء حزم وتیمیّة وکثیر وجوزیّة!

ص: 248

مظاهر علم الخلیفة :

وأوّل مظهر من مظاهر علم الخلیفة عند الباقلانیّ من المتقدّمین کما فی تمهیده (ص 191) ، وعند السیّد أحمد زینی دحلان من المتأخّرین کما فی سیرته هامش الحلبیّة (1) (3 / 376) هو إعلامه الناس بموت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وحجاجه عمر بن الخطّاب بقول العزیز الحکیم (وَما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلی أَعْقابِکُمْ) (2).

ما أذهل الرجلین عن أنّ الأمر لم یعضل علی أیّ امرئٍ من الصحابة ، وحاشاهم عن أن یکون هذا مبلغ علمهم ، وقد کان حملة القرآن الکریم بأسرهم علی علم من موته صلی الله علیه وآله وسلم أخذاً بما أجری الله بین البشر من الطبیعة المطّردة و (قَضی أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمًّی) (3) (وَما کانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ کِتاباً مُؤَجَّلاً) (4) ، (وَلِکُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا یَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا یَسْتَقْدِمُونَ) (5) ، وتمسّکاً بالقرآن العظیم ، ونصوصه صلی الله علیه وآله وسلم الکثیرة علیه فی مواقف لا تحصی ، أحفلها حجّة الوداع ومن هنا سُمّیت تلک الحجّة بحجّة الوداع.

ولم یکن إنکار عمر موته صلی الله علیه وآله وسلم لجهله بذلک ، وقد قرأ عمرو بن زائدة علیه وعلی الصحابة فی مسجد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم الآیة المذکورة قبل تلاوة أبی بکر إیّاها وأشفعها بقوله تعالی (إِنَّکَ مَیِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَیِّتُونَ) (6) فضرب الرجل عنها وعن قارئها صفحاً ، وعمرو بن زائدة صحابیّ عظیم استخلفه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم علی المدینة ثلاث ف)

ص: 249


1- السیرة النبویّة : 2 / 306.
2- آل عمران : 144.
3- الأنعام : 2.
4- آل عمران : 145.
5- یونس : 49.
6- راجع تاریخ ابن کثیر : 5 / 243 [ 5 / 262 - 263 حوادث سنة 11 ه ] ، شرح المواهب للزرقانی : 8 / 281 والآیة : 30 من سورة الزمر. (المؤلف)

عشرة مرّة فی غزواته کما فی الإصابة (2 / 523).

وإنّما کان إنکاره ذلک وإرهابه الناس لسیاسة مدبّرة ، وذلک صرف فکرة الشعب عن الفحص عن الخلیفة إلی أن یحضر أبو بکر وکان غائباً بالسُّنْح (1) خارج المدینة (2) ، وکان الأمر دُبّر بلیل.

ألا تری أنّ غیر واحد من أعلام القوم قد اعتذروا ، عن إنکار عمر موته صلی الله علیه وآله وسلم بغیر الجهل ، فمنهم من قال : إنّ ذلک کان لتشوّش البال ، واضطراب الحال ، والذهول عن جلیّات الأحوال (3) ومنهم من اعتذر بقوله : خبل عمر فی وفاة النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فجعل یقول : إنّه والله ما مات ولکنّه ذهب إلی ربّه (4).

المظهر الثانی : وجاء ابن حجر (5) من علم الخلیفة بمظاهر أخری واحتجّ بها علی کونه أعلم الصحابة علی الإطلاق. منها : ما أخرجه البخاری فی صحیحه (6) فی صلح الحدیبیّة عن عمر بن الخطّاب رضی الله عنه قال : فأتیت نبیّ الله صلی الله علیه وآله وسلم. فقلت : یا نبیّ الله ألست نبیّ الله حقّا؟ قال : «بلی». قلت : ألسنا علی الحقّ وعدوّنا علی الباطل؟ قال : «بلی». قلت : فلِمَ نعطی الدنیّة فی دیننا إذاً؟ قال : «إنّی رسول الله ، ولست أعصیه ، وهو ناصری». قلت : أوَلیس کنت تحدّثنا أنّا سنأتی البیت ونطوف به؟ قال : «بلی ، أفأخبرتک أنّک تأتیه العام؟» قال : قلت : لا. قال : «فإنّک آتیه ومطَّوِّف به». قال : 1.

ص: 250


1- السُّنْح : إحدی محالّ المدینة کان بها منزل أبی بکر. معجم البلدان : 3 / 256.
2- تاریخ الطبری : 3 / 197 [ 3 / 200 حوادث سنة 11 ه ] ، طبقات ابن سعد رقم التسلسل طبع مصر : 786 [ 2 / 265 ] ، تفسیر القرطبی : 4 / 223 [ 4 / 143 ] ، عیون الأثر : 2 / 339 [ 2 / 433 ]. (المؤلف)
3- شرح المقاصد للتفتازانی : 2 / 294 [ 5 / 282 ]. (المؤلف)
4- عیون الأثر لابن سیّد الناس : 2 / 339 [ 2 / 433 ]. (المؤلف)
5- الصواعق المحرقة : ص 33.
6- صحیح البخاری : 3 / 978 ح 2581.

فأتیت أبا بکر رضی الله عنه فقلت : یا أبا بکر : ألیس هذا نبیّ الله حقّا؟ قال : بلی. قلت : ألسنا علی الحقّ وعدوّنا علی الباطل؟ قال : بلی. قلت : فلِمَ نعطی الدنیّة فی دیننا إذاً؟ فقال : أیّها الرجل إنّه لرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، ولن یعصی ربّه وهو ناصره ، فاستمسک بغرزه ، فو الله إنّه علی الحقّ. فقلت : ألیس کان یحدّثنا أنّا سنأتی البیت ونطَّوَّف به؟ قال : بلی ، أفأخبرک أنّک تأتیه العام؟ قلت : لا. قال : فإنّک آتیه ومطّوِّف به.

قال الأمینی : هل فی هذه الروایة غیر أنّ أبا بکر کان مؤمناً بنبوّة رسول الله ، وبطبع الحال أنّ کلّ من اعتنق هذا المبدأ یری أنّه صلی الله علیه وآله وسلم لا یعصی ربّه وهو ناصره ، وأنّ کلّ میعاد جاء به لا بدّ وأن یقع فی الأجل المضروب له إن کان موقّتاً وإلاّ فهو یقع لا محالة فی ظرفه الخاصّ به ، فلا یخالجه شکّ إذا لم یعجّل.

هذه غایة ما یوصف به أبو بکر بهذا الحدیث ، وهو معنی یشترک فیه جمیع المسلمین ، ولیس من خاصّته ، فأیّ دلالة فیه علی کون أبی بکر أعلم الصحابة علی الإطلاق؟ ولو کان عمر یسأل أیّ صحابیّ بسؤاله هذا لما سمع إلاّ لِدة ما أجاب به أبو بکر ومثل ما أجاب به رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، وکذلک المسلمون کلّهم إلی منصرم الدنیا ، فإنّک لا تجد عند أحدهم ضمیراً غیر هذا ، وإذا فاتحته بالکلام عن مثله فلا تسمع جواباً غیره ، فهل فاتح عمر به غیر أبی بکر أحداً من الصحابة وسمع جواباً غیر ما أجاب به حتی یُستدلّ به علی أعلمیّته علی الإطلاق أو علی التقیید؟

وهل کان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی صدد بیان غامض من علومه لمّا أجاب عمر ، حتی یکون إذا وافقه أبو بکر فی الجواب یصبح به أعلم الصحابة علی الإطلاق؟

وابن حجر یعلم ذلک کلّه ، ولذلک تعمّد إسقاط لفظ الروایة ، وقال فی الصواعق (1) (ص 19) : هو - أبو بکر - من أکابر المجتهدین بل هو أعلم الصحابة علی 3.

ص: 251


1- الصواعق المحرقة : ص 33.

الإطلاق للأدلّة الواضحة علی ذلک ، منها : ما أخرجه البخاری وغیره أنّ عمر فی صلح الحدیبیّة سأل رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم عن ذلک الصلح وقال : علام نعطی الدنیّة فی دیننا. فأجابه النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ، ثمّ ذهب إلی أبی بکر فسأله عمّا سأل عنه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم من غیر أن یعلم بجواب النبی صلی الله علیه وآله وسلم فأجابه بمثل ذلک الجواب سواء بسواء.

یوهم ابن حجر أنّ هناک معضلة کشفها أبو بکر ، أو عویصة من العلوم حلّها ممّا یُعدّ الخوض فیه من الأدلّة الواضحة علی أعلمیّة صاحبه من الصحابة علی الإطلاق ، فلیفعل ابن حجر ما شاء ، فإنّ نظّارة التنقیب رقیبة علیه ، والله من ورائه حسیب.

المظهر الثالث : ومن الأدلّة الواضحة عند ابن حجر علی أنّ الخلیفة أعلم الصحابة علی الإطلاق ما روی فی الصواعق (ص 19) عن عائشة مرسلاً أنّها قالت : لمّا توفّی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ؛ اشرأبّ النفاق - أی رفع رأسه - وارتدّت العرب ، وانحازت الأنصار ، فلو نزل بالجبال الراسیات ما نزل بأبی لهاضها - أی فتّتها - فما اختلفوا فی لفظة إلاّ طار أبی بعبئها وفصلها ، قالوا : أین ندفن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم؟ فما وجدنا عند أحد فی ذلک علماً ، فقال أبو بکر : سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول : ما من نبیّ یقبض إلاّ دفن تحت مضجعه الذی مات فیه. واختلفوا فی میراثه ، فما وجدنا عند أحد فی ذلک علماً ، فقال أبو بکر : سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول : إنّا معشر الأنبیاء لا نُورَث ما ترکنا صدقة.

ثمّ قال (1) : قال بعضهم : وهذا أوّل اختلاف وقع بین الصحابة فقال بعضهم : ندفنه بمکّة مولده ومنشئه ، وبعضهم بمسجده ، وبعضهم بالبقیع ، وبعضهم ببیت المقدس مدفن الأنبیاء ، حتی أخبرهم أبو بکر بما عنده من العلم ، قال ابن زنجویه : وهذه سنّة تفرّد بها الصدّیق من بین المهاجرین والأنصار ورجعوا إلیه فیها. 4.

ص: 252


1- الصواعق المحرقة : ص 34.

قال الأمینی : غایة ما فی هذه المرسلة عن عائشة أنّ أبا بکر روی حدیثین عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم شذّت روایتهما عن الحضور فی ذینک الموقفین ، فإن یکن بهما أبو بکر أعلم الصحابة علی الإطلاق حتی من لم یحضرهما ولو بنحو من التهجّم والرجم بالغیب ، فکیف بمن روی آلافاً مؤلّفة من الأحادیث شذّت عن أبی بکر روایتها جمعاء أو روایة أکثرها؟ ومع ذلک لا یُعدّ أحد منهم أعلم الصحابة أو أعلم من أبی بکر علی الأقلّ.

ألیس هو صاحب نادرة الأبّ والکلالة والجدّ والجدّتین إلی نوادر أخری؟ ألیس هو الآخذ بالسنّة الشریفة من نظراء المغیرة بن شعبة ومحمد بن مسلمة وعبد الرحمن بن سهیل إلی أناس آخرین عادیّین؟

کأنّ ابن حجر یقیس الناس إلی نفسه ویحسبهم ولائدَ حَجَر لا یعقلون شیئاً وهم یسمعون ، ألا یقول الرجل ما الذی فهمه الصحابة من هتاف رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یوم هتف بقوله :

1 - «ما بین قبری ومنبری روضة من ریاض الجنّة».

2 - وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «ما بین بیتی ومنبری روضة من ریاض الجنّة».

3 - وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «ما بین حجرتی إلی منبری روضة من ریاض الجنّة».

4 - وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «ما بین المنبر وبیت عائشة روضة من ریاض الجنّة».

5 - وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «من سرّه أن یصلّی فی روضة من ریاض الجنّة فلیصلّ بین قبری ومنبری».

وهذه الأحادیث أخرجها باللفظ الأول (1) : البخاری (2) ، وأحمد ، وعبد الرزّاق ، ف)

ص: 253


1- مسند أحمد : 3 / 472 ح 11216 ، شعب الإیمان : 3 / 491 ح 4163 ، مسند البزّار : 4 / 44 ح 1206 ، المعجم الکبیر : 12 / 227 ح 13156 والمعجم الأوسط : 1 / 360 ح 614 و 412 ح 737 ، حلیة الأولیاء : 9 / 324 رقم 461.
2- حکاه الأنصاری عن نسخة من صحیحه فی تحفة الباری المطبوع فی ذیل إرشاد الساری : 4 / 412. (المؤلف)

وسعید بن منصور ، والبیهقی فی شعب الإیمان ، والخطیب ، والبزّار ، والطبرانی ، والدارقطنی ، وأبو نعیم ، وسمویه ، وابن عساکر من طریق جابر ، وسعد بن أبی وقّاص ، وعبد الله بن عمر ، وأبو سعید الخدری.

راجع (1) تاریخ الخطیب (11 / 228 ، 290) ، إرشاد الساری للقسطلانی (4 / 413) وصحّح إسناد البزّار وقال : عند البزّار بسند رجاله ثقات ، کنز العمّال (6 / 254) ، شرح النووی لمسلم هامش الإرشاد (6 / 103) ، تحفة الباری فی ذیل الإرشاد (4 / 412) ، وحکاه السمهودی فی وفاء الوفا (1 / 303) عن الصحیحین ، وصحّحه من طریق البزّار.

وأخرجها (2) باللفظ الثانی : البخاری ، ومسلم ، والترمذی ، وأحمد ، والدارقطنی ، وأبو یعلی ، والبزّار ، والنسائی ، وعبد الرزّاق ، والطبرانی ، وابن النجّار ، من طریق جابر وعبد الله بن عمر ، وعبد الله المازنی ، وأبی بکر.

راجع (3) : صحیح البخاری کتاب الصلاة : باب فضل ما بین القبر والمنبر ، وکتاب الحجّ ، وصحیح مسلم کتاب الحج ، باب : فضل ما بین قبره صلی الله علیه وآله وسلم ومنبره ، تیسیر الوصول (3 / 323) ، تمییز الطیّب (ص 139) ، فقال : متّفق علیه ، کنوز الدقائق 8.

ص: 254


1- إرشاد الساری : 4 / 491 - 492 ح 1888 ، کنز العمّال : 12 / 260 ح 34947 و 261 ح 34956 ، شرح صحیح مسلم : 9 / 161 ، وفاء الوفا : 2 / 427 - 428.
2- سنن الترمذی : 5 / 675 ح 3915 ، 3916 ، مسند أحمد : 2 / 469 - 470 ح 7182 و 3 / 71 ح 8668 ، مسند أبی یعلی : 1 / 109 ح 118 ، مسند البزّار : 4 / 44 ح 1206 ، السنن الکبری للنسائی : 1 / 257 ح 774 ، المصنّف لعبد الرزّاق : 3 / 182 ح 5243 ، المعجم الکبیر : 23 / 255 ح 526 ، المعجم الأوسط : 1 / 101 ح 98 ، المعجم الصغیر : 2 / 122.
3- صحیح البخاری : 1 / 399 ح 1137 و 1138 و 2 / 667 ح 1789 ، صحیح مسلم : 3 / 179 ح 500 - 502 کتاب الحج ، تیسیر الوصول : 3 / 375 ح 13 ، تمییز الطیّب من الخبیث : ص 161 ح 1188 ، کنوز الدقائق : 2 / 82 ، کنز العمّال : 12 / 259 ح 34944 و 260 ح 34945 و 261 ح 34955 ، الجامع الصغیر : 2 / 489 ح 7860 ، وفاء الوفا : 2 / 426 ، 428.

(ص 129) ، کنز العمّال (6 / 254) ، الجامع الصغیر وصحّحه وقال : حدیث متواتر کما فی الفیض القدیر (5 / 433) ، تحفة الباری فی ذیل الإرشاد (4 / 412) ، وفاء الوفا (1 / 302 ، 303) وصحّحه بإسناد أحمد والبزّار.

وأخرجه (1) باللفظ الثالث : أحمد ، والشاشی ، وسعید بن منصور ، والخطیب من طریق جابر وعبد الله المازنی کما فی تاریخ الخطیب (3 / 360) ، وکنز العمّال (6 / 254) ، وشرح النووی لمسلم هامش الإرشاد (6 / 103).

واللفظ الرابع (2) : تجده فی الأوسط للطبرانی من طریق أبی سعید الخدری کما فی إرشاد الساری (4 / 413) ، ووفاء الوفا (1 / 303).

والخامس منها أخرجه (3) : الدیلمی من طریق عبید الله بن لبید کما فی کنز العمّال (6 / 254).

وقال ابن أبی الحدید فی شرحه (4) (3 / 193) : قلت : کیف اختلفوا فی موضع دفنه وقد قال لهم : «فضعونی علی سریری فی بیتی هذا علی شفیر قبری»؟ وهذا تصریح بأنّه دفن فی البیت الذی جمعهم فیه وهو بیت عائشة.

وهذا الحدیث أخرجه (5) : ابن سعد ، وابن منیع ، والحاکم ، والبیهقی ، والطبرانی فی الأوسط من طریق ابن مسعود کما فی الخصائص الکبری للحافظ السیوطی (2 / 276). 4.

ص: 255


1- مسند أحمد : 3 / 352 ح 10525 ، کنز العمّال : 12 / 260 ح 34948 ، شرح صحیح مسلم : 9 / 161.
2- إرشاد الساری : 4 / 492 ح 1888 ، وفاء الوفا : 2 / 427.
3- الفردوس بمأثور الخطاب : 3 / 538 ح 5676 ، کنز العمّال : 12 / 260 ح 34950.
4- شرح نهج البلاغة : 13 / 39 خطبة 230.
5- الطبقات الکبری : 2 / 257 ، المستدرک علی الصحیحین : 3 / 62 ح 3499 ، دلائل النبوّة : 7 / 232 ، الخصائص الکبری : 2 / 484.

أیری ابن حجر أنّ الصحابة بعد تلکم الأحادیث کانوا غیر عارفین تلک الروضة المقدّسة التی أنبأهم بها نبیّهم الأقدس ، وأمرهم بالصلاة علیها؟ أو یراهم أنّهم عرفوا القبر والمنبر وما بینهما من الروضة ، ووقفوا علی حدودها من کَثَب أخذاً منه صلی الله علیه وآله وسلم ثمّ اختلفوا فی المدفن الشریف ، فباح به أبو بکر فأصبح بذلک أعلمهم علی الإطلاق؟

علی أنّه لو صحّت روایة الدفن لوجب أن یبوح بها رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لمن أوصاه بغسله ودفنه (1) ، لمن ولی غسله وکفنه وإجنانه (2) ، لمن یعلم أنّه یباشر دفنه ویلی إجنانه (3) فی منتصف اللیل من دون حضور غیر أهله کما مرّ فی (ص 75) ، لا الذی یغیب عن ذلک المشهد ، وغلبت علی أجفانه عند ذاک سنة الکری ، وتعیین المدفن من أهمّ ما یوصی به عند کلّ أحد فضلاً عن سیّد البشر ، وهذا الاعتبار یعاضد ما أخرجه أبو یعلی (4) من حدیث عائشة أیضاً ، وإن یعارض حدیثها عن أبیها. قالت : اختلفوا فی دفنه صلی الله علیه وآله وسلم. فقال علیّ : «إنّ أحبّ البقاع إلی الله مکان قبض فیه نبیّه». الخصائص الکبری (5) (ص 2 / 278).

ولعلّ تجاه هذا الحدیث اختُلقت روایة الدفن.

ولو کان عند دفن جثمان القداسة حوار کما یصفه ابن حجر لتناقلته الألسن وتداولته السیر والمدوّنات نقلاً عن الصحابة الحضور یوم ذاک الواقفین علی الجلبة ، والمستمعین للّغط ، ولما اختصّت بوصفه صفحات الصواعق أو ما یشاکله من کتب المتأخرین ، ولا تفرّدت بروایة شیء منها عائشة ، وکیف تفرّدت بها! وهی التی 6.

ص: 256


1- طبقات ابن سعد رقم التسلسل : 798 ، 801 [ 2 / 278 و 280 - 281 ] ، الخصائص الکبری : 2 / 276 ، 277 [ 2 / 482 ، 483 ]. (المؤلف)
2- طبقات ابن سعد : ص 798 [ 2 / 278 ]. (المؤلف)
3- یقال : أجنّه أی ستره والمراد دفنه صلی الله علیه وآله وسلم.
4- مسند أبی یعلی : 8 / 279 ح 4865.
5- الخصائص الکبری : 2 / 486.

تقول : ما علمنا بدفن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم حتی سمعنا صوت المساحی من جوف اللیل (1).

ثمّ إنّ أوّل مفنّد لهذه السنّة المزعوم اطّرادها هو مدفن أوّل الأنبیاء آدم علیه السلام ، فإنّه توفّی بمکة ودفن عند الجبل الذی أهبط منه فی الهند ، وقیل بجبل أبی قبیس بمکّة (2).

وقد اشتری إبراهیم الخلیل علی نبیّنا وآله وعلیه السلام مغارة فی حبرون (3) من عفرون بن صخر ، فدفن فیها سارة ثمّ دُفِن فیها هو وابنه إسحاق.

وتوفّی یعقوب علیه السلام فی مصر ، واستأذن یوسف سلام الله علیه ملک مصر فی الخروج مع أبیه لیدفنه عند أهله ، فأذن له ، وخرج معه أکابر مصر ، فدفنه فی المغارة بحبرون (4).

المظهر الرابع : أمّا روایة الإرث ؛ فسرعان ما ناقض ابن حجر (5) فیها نفسه ؛ فتراه یحسب هاهنا فی (ص 19) : أنّها مختصّة بأبی بکر ، وهی من الأدلّة الواضحة علی أعلمیّته ، وهو یعتقد فی صفحة (21) : أنّه رواها علیّ والعبّاس وعثمان وعبد الرحمن بن عوف والزبیر وسعد وأمّهات المؤمنین وقال : کلّهم کانوا یعلمون أنّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم قال ذلک ، وأنّ أبا بکر إنّما انفرد باستحضاره أوّلاً ثمّ استحضره الباقون. 9.

ص: 257


1- راجع ما مرّ فی : ص 75. (المؤلف)
2- تاریخ الطبری : 1 / 80 ، 81 [ 1 / 161 و 162 ] ، العرائس للثعلبی : ص 29 [ ص 48 ] ، الکامل لابن الأثیر : 1 / 22 [ 1 / 61 ] ، تاریخ ابن کثیر : 1 / 98 [ 1 / 110 ]. (المؤلف)
3- فی تاریخ الطبری : جیرون ، والصحیح : حبرون [ وفی الطبعة التی فی أیدینا 1 / 312 : حبرون ]. (المؤلف)
4- تاریخ الطبری : 1 / 161 ، 169 [ 1 / 312 و 330 ] ، معجم البلدان : 3 / 208 [ 2 / 212 ] ، تاریخ ابن کثیر : 1 / 174 ، 197 ، 220 [ 1 / 202 و 226 و 253 ]. (المؤلف)
5- الصواعق : ص 34 و 39.

ما هذا التهافت بین کلامی الرجل؟ وما أذهله أخیراً عمّا جاء به أوّلاً؟ وهل الأعلمیّة مترشّحة من محض الاستحضار أوّلاً؟ أو السبق إلی الهتاف به؟ وکلّ منهما کما تری لا یفید مزیّة إلاّ فی الحفظ دون العلم.

ثمّ لو کان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قال ذلک لوجب أن یفشیه إلی آله وذویه الذین یدّعون الوراثة منه لیقطع معاذیرهم فی ذلک بالتمسک بعمومات الإرث من آی القرآن الکریم والسنّة الشریفة ، فلا یکون هناک صخب وحوار تتعقّبهما محن وإحن ، ولا تموت بضعته الطاهرة وهی واجدة علی أصحاب أبیها (1) ، ویکون ذلک کلّه مثاراً للبغضاء والعداء فی الأجیال المتعاقبة بین أشیاع کلّ من الفریقین ، وقد بُعث هو صلی الله علیه وآله وسلم لکسح تلکم المعرّات وعقد الإخاء بین الأمم والأفراد.

ألم یکن صلی الله علیه وآله وسلم علی بصیرة ممّا یحدث بعده من الفتن الناشئة من عدم إیقاف أهله وذویه علی هذا الحکم المختصّ به صلی الله علیه وآله وسلم المخصّص لشرعة الإرث؟ حاشاه. وعنده علم المنایا والبلایا والقضایا والفتن والملاحم.

وهل تری أنّ دعوی الصدّیق الأکبر أمیر المؤمنین وحلیلته الصدّیقة الکبری صلوات الله علیهما وآلهما علی أبی بکر ما استولت علیه یده ممّا ترکه النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم من ماله کانت بعد علم وتصدیق منهما بتلک السنّة المزعومة صفحاً منهما عنها لاقتناء حطام الدنیا؟ أو کانت عن جهل منهما بما جاء به أبو بکر؟ نحن نقدّس ساحتهما - أخذاً بالکتاب والسنّة - عن علم بسنّة ثابتة والصفح عنها ، وعن جهل یربکهما فی المیزان.

ولما ذا یصدّق أبو بکر فی دعواه الشاذّة عن الکتاب والسنّة ، فیما لا یُعلم إلاّ من قِبَل ورثته صلی الله علیه وآله وسلم ووصیّه الذی هتف صلی الله علیه وآله وسلم به وبوصایته من بدء دعوته فی الأندیةف)

ص: 258


1- سیوافیک فی هذا الجزء تفصیل ذلک. (المؤلف)

والمجتمعات (1) ، ولم تکن أُذنٌ واعیة لدعوی الصدّیقة وزوجها الطاهر بکون فدک نِحلة لها من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وهی لا تُعلم إلاّ من قبلهما؟

قال مالک بن جعونة عن أبیه أنّه قال : قالت فاطمة لأبی بکر : «إنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم جعل لی فدک فأعطنی إیّاها» ، وشهد لها علیّ بن أبی طالب ، فسألها شاهداًآخر فشهدت لها أُمّ أیمن : فقال : قد علمت یا بنت رسول الله أنّه لا تجوز إلاّ شهادة رجلین أو رجل وامرأتین ، فانصرفت.

وفی روایة خالد بن طهمان ؛ أنّ فاطمة قالت لأبی بکر رضی الله عنه : «أعطنی فدک فقد جعلها رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لی» ، فسألها البیّنة ، فجاءت بأمّ أیمن ورباح مولی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فشهدا لها بذلک ، فقال : إنّ هذا الأمر لا تجوز فیه إلاّ شهادة رجل وامرأتین (2).

ثمّ مِمّ کان غضب الصدّیقة الطاهرة سلام الله علیها؟ وهی التی جاء فیها عن أبیها الأقدس : «إنّ الله یرضی لرضاها ویغضب لغضبها» (3) أمن حکم صدع به والدها؟ (وَما یَنْطِقُ عَنِ الْهَوی * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْیٌ یُوحی) (4) وحاشاها. أم لأنّ ذلک الحکم الباتّ رواه عنه صدّیق أمین یرید بثّ حکم الشریعة وتنفیذه وهی غیر مصدّقة له؟ نحاشی ساحة البضعة الطاهرة بنصّ آیة التطهیر عن هذه الخزایة ، فلم یبق إلاَّ شقّ ثالث وهو أنّها کانت تتّهم الراوی ، أو تعتقد خللاً فی الروایة ، وتراه حکماً خلاف الکتاب والسنّة ، وهذا الذی دعاها إلی أن لاثت خمارها علی رأسها ، واشتملت بجلبابها ، وأقبلت فی لمّة من حفدتها (5) ونساء قومها تطأ ذیولها ، ما تخرمم.

ص: 259


1- راجع الجزء الثانی : ص 278. (المؤلف)
2- فتوح البلدان للبلاذری : ص 38 [ ص 44 ]. (المؤلف)
3- راجع : 3 / 20 وسیأتیک فی هذا الجزء. (المؤلف)
4- النجم : 3 و 4.
5- الحَفَدَة : الأعوان والخدم.

مشیتها مشیة رسول الله ، حتی دخلت علی أبی بکر وهو فی حشد من المهاجرین والأنصار وغیرهم ، فنیطت دونها ملاءة ، ثم أنّت أنّة أجهش لها القوم بالبکاء ، وارتجّ المجلس ، ثمّ أمهلت هنیهة حتی إذا سکن نشیج القوم ، وهدأت فورتهم ، افتتحت کلامها بالحمد لله عزّ وجلّ والثناء علیه والصلاة علی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم. ثمّ قالت ما قالت وفیما قالت : «أنتم الآن تزعمون أن لا إرث لنا ، (أَفَحُکْمَ الْجاهِلِیَّةِ یَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُکْماً لِقَوْمٍ یُوقِنُونَ) (1)؟ یا ابن أبی قحافة أترث أباک ولا أرِث أبی؟ لقد جئت شیئاً فریّا ، فدونکها مخطومة مرحولة تلقاک یوم حشرک ، فنعم الحَکَم الله ، والزعیم محمد ، والوعد القیامة ، وعند الساعة یخسر المبطلون». ثمّ انکفأت إلی قبر أبیها صلی الله علیه وآله وسلم فقالت :

قد کان بعدک أنباءٌ وهنبثةٌ

لو کنت شاهدها لم تکثرِ الخطبُ

إنّا فقدناک فقدَ الأرضِ وابلَها

واختلّ قومکَ فاشهدهم ولا تغب

فلیت بعدک کان الموتُ صادفَنا

لمّا قضیت وحالت دونک الکثبُ (2)

وهذا الذی ترکها غضبی علی من خالفها وتدعو علیه بعد کلّ صلاة حتی لفظت نفسها الأخیر صلّی الله علیها کما سیوافیک تفصیله.

وهل هذا الحکم مطّرد بین الأنبیاء جمیعاً؟ أو أنّه من خاصّة نبیّنا صلی الله علیه وآله وسلم؟ والأوّل ینقضه الکتاب العزیز بقوله تعالی (وَوَرِثَ سُلَیْمانُ داوُدَ) (3).

وقوله سبحانه عن زکریّا : (فَهَبْ لِی مِنْ لَدُنْکَ وَلِیًّا* یَرِثُنِی وَیَرِثُ مِنْ آلِ یَعْقُوبَ) (4). 6.

ص: 260


1- المائدة : 50.
2- بلاغات النساء لابن طیفور : ص 12 [ ص 23 ] ، شرح ابن أبی الحدید : 4 / 93 [ 16 / 251 خطبة 45 ] ، أعلام النساء : 8 / 120 [ 4 / 122 ]. (المؤلف)
3- النمل : 16.
4- مریم : 5 و 6.

ومن المعلوم أنّ حقیقة المیراث انتقال ملک الموروث إلی ورثته بعد موته بحکم المولی سبحانه ، فحمل الآیة الکریمة علی العلم والنبوّة کما فعله القوم خلاف الظاهر لأنّ النبوّة والعلم لا یورثان ، والنبوّة تابعة للمصلحة العامّة ، مقدّرة لأهلها من أوّل یومها عند بارئها ، والله أعلم حیث یجعل رسالته ، ولا مدخل للنسب فیها کما لا أثر للدعاء والمسألة فی اختیار الله تعالی أحداً من عباده نبیّا ، والعلم موقوف علی من یتعرّض له ویتعلّمه.

علی أنّ زکریّا سلام الله علیه - إنّما سأل ولیّا من ولده یحجب موالیه - کما هو صریح الآیة - من بنی عمّه وعصبته من المیراث ، وذلک لا یلیق إلاّ بالمال ، ولا معنی لحجب الموالی عن النبوّة والعلم.

ثمّ إنّ اشتراطه علیه السلام فی ولیّه الوارث کونه رضیّا بقوله : (وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِیًّا) لا یلیق بالنبوّة ، إذ العصمة والقداسة فی النفسیّات والملکات لا تفارق الأنبیاء ، فلا محصّل عندئذٍ لمسألته ذلک. نعم ، یتمّ هذا فی المال ومن یرثه فإنّ وارثه قد یکون رضیّا وقد لا یکون.

وأمّا کون الحکم من خاصّة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فالقول به یستلزم تخصیص عموم آی الإرث مثل قوله تعالی : (یُوصِیکُمُ اللهُ فِی أَوْلادِکُمْ لِلذَّکَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَیَیْنِ) (1).

وقوله سبحانه : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلی بِبَعْضٍ فِی کِتابِ اللهِ) (2).

وقوله العزیز : (إِنْ تَرَکَ خَیْراً الْوَصِیَّةُ لِلْوالِدَیْنِ وَالْأَقْرَبِینَ بِالْمَعْرُوفِ) (3). 0.

ص: 261


1- النساء : 11.
2- الأنفال : 75.
3- البقرة : 180.

ولا یسوغ تخصیص الکتاب إلاّ بدلیل ثابت مقطوع علیه ، لا بالخبر الواحد الذی لم یصحّ الأخذ بعموم ظاهره لمخالفته ما ثبت من سیرة الأنبیاء الماضین صلوات الله علی نبیّنا وآله وعلیهم.

لا بالخبر الواحد الذی لم یخبت إلیه صدّیقة الأمّة وصدّیقها الذی ورث علم نبیّها الأقدس ، وعدّه المولی سبحانه فی الکتاب نفساً لنبیّه صلی الله علیهما وآلهما.

لا بالخبر الواحد الذی لم یُنبّأ عنه قطّ خبیر من الأمّة وفی مقدّمها العترة الطاهرة وقد اختصّ الحکم بهم وهم الذین زُحزحوا به عن حکم الکتاب والسنّة الشریفة ، وحرموا من وراثة أبیهم الطاهر ، وکان حقّا علیه صلی الله علیه وآله وسلم أن یخبرهم بذلک ، ولا یؤخّر بیانه عن وقت حاجتهم ، ولا یکتمه فی نفسه عن کلّ أهله وذویه وصاحبته وأمّته إلی آخر نَفَس لفظه.

لا بالخبر الواحد الذی جرّ علی الأمّة کلّ هذه المحن والإحن ، وفتح علیها باب العداء المحتدم بمصراعیه ، وأجّج فیها نیران البغضاء والشحناء فی قرونها الخالیة ، وشقّ عصا المسلمین من أوّل یومهم ، وأقلق من بینهم السلام والوئام وتوحید الکلمة. جزی الله محدّثه عن الأمّة خیراً.

ثمّ إن کان أبو بکر علی ثقة من حدیثه فِلمَ ناقضه بکتاب کتبه لفاطمة الصدّیقة سلام الله علیها ، بفدک؟ غیر أنّ عمر بن الخطّاب دخل علیه فقال : ما هذا؟ فقال : کتاب کتبته لفاطمة بمیراثها من أبیها. فقال : ممّا ذا تنفق علی المسلمین ، وقد حاربتک العرب کما تری؟ ثمّ أخذ عمر الکتاب فشقّه. ذکره سبط ابن الجوزی کما فی السیرة الحلبیة (1) (3 / 391). 2.

ص: 262


1- السیرة الحلبیّة : 3 / 362.

وإن کان صحّ الخبر وکان الخلیفة مصدّقاً فیما جاء به فما تلکم الآراء المتضاربة بعد الخلیفة؟ وإلیک شطراً منها :

1 - لمّا ولی عمر بن الخطّاب الخلافة ردّ فدکاً إلی ورثة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فکان علیّ بن أبی طالب والعباس بن عبد المطّلب یتنازعان فیها. فکان علیّ یقول : «إنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم جعلها فی حیاته لفاطمة». وکان العبّاس یأبی ذلک ویقول : هی ملک رسول الله وأنا وارثه. فکانا یتخاصمان إلی عمر ، فیأبی أن یحکم بینهما ویقول : أنتما أعرف بشأنکما أمّا أنا فقد سلّمتها إلیکما.

راجع (1) صحیح البخاری کتاب الجهاد والسیر باب فرض الخمس (5 / 3 - 10) ، صحیح مسلم کتاب الجهاد والسیر باب حکم الفیء ، الأموال لأبی عبید (ص 11) ذکر حدیث البخاری وبتره ، سنن البیهقی (6 / 299) ، معجم البلدان (6 / 343) ، تفسیر ابن کثیر (4 / 335) ، تاریخ ابن کثیر (5 / 288) ، تاج العروس (7 / 166).

لفت نظر :

نحن لانناقش فیما نجده من المخازی فی أحادیث الباب کأصل التنازع المزعوم بین علیّ والعبّاس ، وما جاء فی لفظ مسلم فی صحیحه من قول العبّاس لعمر : یا أمیر المؤمنین اقض بینی وبین هذا الکاذب الآثم الغادر الخائن.

أهکذا کان العبّاس یقذف سیّد العترة الطاهر المطهّر بهذا السباب المقذع وبین یدیه آیة التطهیر وغیرها ممّا نزل فی علیّ أمیر المؤمنین فی آی الکتاب العزیز؟ فما .

ص: 263


1- صحیح البخاری : 3 / 1128 ح 2927 ، صحیح مسلم : 4 / 27 - 29 ح 49 و 50 کتاب الجهاد السیر ، الأموال : ص 18 ح 26 ، معجم البلدان : 4 / 238 ، البدایة والنهایة : 5 / 308 حوادث سنة 11 ه.

العبّاس وما خطره عندئذ؟ وبما ذا یُحکم علیه أخذاً بقول النبیّ الطاهر : «من سبّ علیّا فقد سبّنی ، ومن سبّنی فقد سبّ الله ، ومن سبّ الله کبّه الله علی منخریه فی النار» (1)؟

لاها الله ؛ نحن نحاشی العبّاس عن هذه النسب المخزیة ، ونری القوم راقهم سبّ مولانا أمیر المؤمنین فنحتوا هذه الأحادیث وجعلوها للنیل منه قنطرة ومعذرة والله یعلم ما تکنّ صدورهم وما یعلنون. وإلی الله المشتکی.

2 - أقطع مروان بن الحکم فدکاً فی أیّام عثمان بن عفان کما فی سنن البیهقی (6 / 301) وما کان إلاّ بأمر من الخلیفة.

3 - لمّا ولی معاویة بن أبی سفیان الأمر أقطع مروان بن الحکم ثلث فدک ، وأقطع عمرو بن عثمان بن عفان ثلثها ، وأقطع یزید بن معاویة ثلثها ، وذلک بعد موت الحسن بن علیّ ، فلم یزالوا یتداولونها حتی خلصت لمروان بن الحکم أیّام خلافته فوهبها لعبد العزیز ابنه فوهبها عبد العزیز لابنه عمر بن عبد العزیز.

4 - ولمّا ولی عمر بن عبد العزیز الخلافة خطب فقال : إنّ فدک کانت ممّا أفاء الله علی رسوله ولم یوجف المسلمون علیه بخیل ولا رکاب فسألته إیّاها فاطمة فقال : ما کان لک أن تسألینی وما کان لی أن أعطیک فکان یضع ما یأتیه منها فی أبناء السبیل ، ثمّ ولی أبو بکر وعمر وعثمان وعلیّ فوضعوا ذلک بحیث وضعه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ثمّ ولی معاویة فأقطعها مروان بن الحکم فوهبها مروان لأبی ولعبد الملک فصارت لی وللولید وسلیمان ، فلمّا ولی الولید سألته حصّته منها فوهبها لی ، وسألت سلیمان حصّته منها فوهبها لی فاستجمعتها ، وما کان لی من مال أحبّ إلیّ منها ، فاشهدوا أنّی قد رددتها إلی ما کانت علیه.

5 - فکانت فدک بید أولاد فاطمة مدّة ولایة عمر بن عبد العزیز ، فلمّا ولی یزید ف)

ص: 264


1- مرّ الإیعاز إلیه فی الجزء الثانی : ص 299 ، وسیوافیک تفصیل مصادره إن شاء الله. (المؤلف)

ابن عبد الملک قبضها منهم فصارت فی أیدی بنی مروان کما کانت یتداولونها حتی انتقلت الخلافة عنهم.

6 - ولمّا ولی أبو العباس السفّاح ردّها علی عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علی أمیر المؤمنین.

7 - ثمّ لمّا ولی أبو جعفر المنصور قبضها من بنی حسن.

8 - ثمّ ردّها المهدی بن المنصور علی ولدِ فاطمة سلام الله علیها.

9 - ثمّ قبضها موسی بن المهدی وأخوه من أیدی بنی فاطمة فلم تزل فی أیدیهم حتی ولی المأمون.

10 - ردّها المأمون علی الفاطمیّین سنة (210) وکتب بذلک إلی قُثم بن جعفر عامله علی المدینة :

أمّا بعد : فإنّ أمیر المؤمنین بمکانه من دین الله وخلافة رسوله صلی الله علیه وآله وسلم والقرابة به ، أولی من استنّ بسنّته ، ونفّذ أمره ، وسلّم لمن منحه منحةً ، وتصدّق علیه بصدقة منحته وصدقته وبالله توفیق أمیر المؤمنین وعصمته ، وإلیه - فی العمل بما یقرّبه إلیه - رغبته ، وقد کان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أعطی فاطمة بنت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فدک ، وتصدّق بها علیها ، وکان ذلک أمراً ظاهراً معروفاً لا اختلاف فیه بین آل رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، ولم تزل تدّعی منه ما هو أولی به من صُدّق علیه ، فرأی أمیر المؤمنین أن یردّها إلی ورثتها ، ویسلّمها إلیهم تقرّباً إلی الله تعالی بإقامة حقّه وعدله ، وإلی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بتنفیذ أمره وصدقته ، فأمر بإثبات ذلک فی دواوینه ، والکتاب إلی عمّاله ، فلئن کان ینادی فی کلّ موسم بعد أن قبض الله نبیّه صلی الله علیه وآله وسلم أن یذکر کلّ من کانت له صدقة أو هبة أوعدة ذلک ، فیُقبل قوله ، وتنفّذ عدته ، إنّ فاطمة لأولی بأن یصدّق قولها فیما جعل رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لها.

ص: 265

وقد کتب أمیر المؤمنین إلی المبارک الطبری مولی أمیر المؤمنین یأمره بردّ فدک علی ورثة فاطمة بنت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بحدودها وجمیع حقوقها المنسوبة إلیها ، وما فیها من الرقیق والغلاّت وغیر ذلک ، وتسلیمها إلی محمد بن یحیی بن الحسین بن زید ابن علیّ بن الحسین بن علیّ بن أبی طالب ، ومحمد بن عبد الله بن الحسن بن علیّ بن الحسین بن علیّ بن أبی طالب ، لتولیة أمیر المؤمنین إیّاهما القیام بها لأهلها.

فاعلم ذلک من رأی أمیر المؤمنین ، وما ألهمه الله من طاعته ، ووفّقه له من التقرّب إلیه وإلی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، وأعلمه من قِبَلک ، وعامل محمد بن یحیی ومحمد ابن عبد الله بما کنت تعامل به المبارک الطبری ، وأعنهما علی ما فیه عمارتها ومصلحتها ووفور غلاّتها إن شاء الله ، والسلام.

وکتب یوم الأربعاء للیلتین خلتا من ذی القعدة سنة (210 ه).

11 - ولمّا استخلف المتوکّل علی الله أمر بردّها إلی ما کانت علیه قبل المأمون.

راجع (1) : فتوح البلدان للبلاذری (ص 39 - 41) ، تاریخ الیعقوبی (3 / 48) ، العقد الفرید (2 / 323) ، معجم البلدان (6 / 344) ، تاریخ ابن کثیر (9 / 200) وله هناک تحریف دعته إلیه شنشنة أعرفها من أخزم ، شرح ابن أبی الحدید (4 / 103) ، تاریخ الخلفاء للسیوطی (ص 154) ، جمهرة رسائل العرب (3 / 510) ، أعلام النساء (3 / 1211).

کلّ هذه تضادّ ما جاء به الخلیفة من خبره الشاذّ عن الکتاب والسنّة ، فأنّی لابن حجر ومن لفّ لفّه أن یعدّه من الأدلّة الواضحة علی علمه وهذا شأنه (فَما لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ لا یَکادُونَ یَفْقَهُونَ حَدِیثاً) (2). 8.

ص: 266


1- فتوح البلدان : ص 46 - 47 ، تاریخ الیعقوبی : 2 / 305 ، العقد الفرید : 4 / 51 ، معجم البلدان : 4 / 240 ، البدایة والنهایة : 9 / 224 - 225 حوادث سنة 101 ه ، شرح نهج البلاغة : 16 / 278 کتاب 45 ، تاریخ الخلفاء : ص 215 ، أعلام النساء : 4 / 120 - 122.
2- النساء : 78.

التمسّک بالأفائک :

والعجب العجاب قول ابن حجر فی الصواعق (1) (ص 20) : لا یقال بل علیّ أعلم من أبی بکر للخبر الآتی فی فضائله : «أنا مدینة العلم وعلیّ بابها». لأنّا نقول : سیأتی أنّ ذلک الحدیث مطعون فیه ، وعلی تسلیم صحّته أو حسنه فأبو بکر محرابها. وروایة فمن أراد العلم فلیأتِ الباب لا تقتضی الأعلمیّة ، فقد یکون غیر الأعلم یقصد لما عنده من زیادة الإیضاح والبیان والتفرّغ للناس بخلاف الأعلم. علی أنّ تلک الروایة معارضة بخبر الفردوس : أنا مدینة العلم ، وأبو بکر أساسها ، وعمر حیطانها ، وعثمان سقفها ، وعلیّ بابها. فهذه صریحة فی أنّ أبا بکر أعلمهم ، وحینئذٍ فالأمر بقصد الباب إنّما هو لنحو ما قلناه لا لزیادة شرفه علی ما قبله لما هو معلوم ضرورة أنّ کلاّ من الأساس والحیطان والسقف أعلی من الباب. انتهی.

قال الأمینی : إنّ الطعن فی حدیث «أنا مدینة العلم» لم یصدر إلاّ من ابن الجوزی ومن یشاکله من رماة القول علی عواهنه ، وقد عرفت فی الجزء السادس (ص 61 - 81) نصوص العلماء علی صحّة الحدیث ، واعتبار قوم حسنه ، وتقریر آخرین ما صدر ممّن تقدّمهم إلی ذینک الوجهین وتزییف ما ارتآه ابن الجوزی.

وأمّا ما ذکره من روایة الفردوس فلا یختلف اثنان فی ضعفها وضعف ما یقاربها فی اللفظ ممّا تدرّج نحته فی الأزمنة المتأخرة تجاه ما یثبته هتاف النبیّ الأعظم من فضیلة العلم الرابیة لمولانا أمیر المؤمنین علیه السلام ، وابن حجر نفسه من أولئک الذین زیّفوه وحکموا علیه بالضعف کما فی کتابه الفتاوی الحدیثیّة (2) (ص 197) فقال : حدیث ضعیف ، ومعاویة حلقتها فهو ضعیف أیضاً. فأذهله لجاجه فی حجاجه عن 9.

ص: 267


1- الصواعق المحرقة : ص 34.
2- الفتاوی الحدیثیّة : ص 269.

حکمه ذاک ، ورأی ما حکم علیه بالضعف نصّا فی أعلمیّة أبی بکر.

وقال العجلونی فی کشف الخفاء (1 / 204) : روی الدیلمی فی الفردوس (1) بلا إسناد عن ابن مسعود رفعه : أنا مدینة العلم ، وأبو بکر أساسها ، وعمر حیطانها ، وعثمان سقفها ، وعلیّ بابها. وروی أیضاً عن أنس مرفوعاً : أنا مدینة العلم ، وعلیّ بابها ، ومعاویة حلقتها. قال فی المقاصد (2) : وبالجملة فکلّها ضعیفة وألفاظ أکثرها رکیکة.

وقال السیّد محمد درویش الحوت فی أسنی المطالب (3) (ص 73) : أنا مدینة العلم ، وأبو بکر أساسها ، وعمر حیطانها. وذلک لا ینبغی ذکره فی کتب العلم لا سیّما مثل ابن حجر الهیتمی ذکر ذلک فی الصواعق (4) والزواجر وهو غیر جیّد من مثله. انتهی.

فلم یبق إذن مجال للمناقشة بالتعبیر بالباب لمولانا صلوات الله علیه وبالأساس والحیطان والسقف والحلقة لغیره ، حسب المسکین ناحِتُ هذه المهزأة مدینة خارجیّة یرمق إلیها ، ویتجوّل بین جدرانها ، ویتفیّأ تحت سقفها ، ویدقّ بابها بالحلقة ، وقد عزب عنه أنّه صلی الله علیه وآله وسلم یرید أنّ السبب الوحید للاستفادة من علوم النبوّة هو خلیفته مولانا أمیر المؤمنین علیه السلام ، کما أنّ المدخل الوحید للمدینة بابها ، فهو معنیً کنائی جیء به لإفادة ما ذکرناه ، والأساس لا فضیلة له غیر أنّه یقوم علیه سیاج المدینة المشاد للوقایة عن الغارات والسرقات ، وأمّا معنویّات المدینة فلا صلة لها بشیء من ذلک ، والاستفادة بالسقف علی فرض تصویره فی المدن لیس إلاّ الاستظلال 4.

ص: 268


1- الفردوس بمأثور الخطاب : 1 / 43 ح 105 و 44 ح 108.
2- المقاصد الحسنة : ص 124 ح 189.
3- أسنی المطالب : ص 137 ح 391.
4- الصواعق المحرقة : ص 34.

ودفع عائدة الحرّ والقرّ ولذلک لا یسقف إلاّ المحالّ التی یتصوّر فیها ذلک کالبیوت والحمّامات والحوانیت والربط وأمثالها. فقاصد المدینة للاستفادة ممّا فیها من علم أو ثروة أو أیّ من أقسام النفع معنویّة ومادیّة لا یتوصّل بها إلاّ بالدخول من الباب ، فهو أهمّ ممّا جاء به ابن حجر من الأساس والجدار والسقف. وأمّا الحلقة فیُحتاج إلیه لفتح الباب وسدّه والدقّ إذا کان مرتجاً غیر أنّ باب علم النبوّة غیر موصود ، ولا یزال مفتوحاً علی البشر بمصراعیه أبد الدهر.

ثمّ إنّ من الواضح أنّ المراد من التعبیر بالباب لیس الولوج والخروج فحسب وإنّما هو الاستفادة والأخذ ، ولا یتمّ هذا إلاّ أن یکون عنده کلّ علم النبوّة الذی أراد صلی الله علیه وآله وسلم سوق الأمّة إلیه ، وحصر الطریق إلی ذلک بمن عبّر عنه بالباب تأکیداً للحصر ثمّ زاد فی التأکید بقوله : فمن أراد المدینة فلیأتِ الباب.

فعلیّ أمیر المؤمنین هو الباب المبتلی به الناس ، ومن عنده کلّ علم النبوّة وکلّ ما یحتاج إلیه البشر من فقه أو عظة أو خلق أو حکم أو حِکم أو سیاسة أو حزم أو عزم ، فهو أعلم الناس لا محالة ، وأمّا زیادة الإیضاح والبیان والتفرّغ للناس ، فلا یجوز أن تنفکّ عمّن سیق إلیه البشر لغایة التفهّم ، وإزاحة الجهل ، لا لمحض البیان وجودة السرد ، لأنّ وضوح البیان بمجرّده غیر واف بالغرض ، لارتباک صاحبه عند الجهل بما یقدّم إلیه من المعضلات ، کارتباک الأعلم عند التفهیم إذا أعوزه البیان عن الإفهام ، فمن الواجب أن یجتمعا فی إنسان واحد هو مرجع الأمّة جمعاء ، وهو قضیّة اللطف الواجب علیه سبحانه ، فذلک الإنسان هو عِدل الکتاب العزیز وهما الثقلان خلیفتا النبیّ الأقدس لا یتفرّقان حتی یردا علیه الحوض ، (فَمَنْ شاءَ فَلْیُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْیَکْفُرْ) (1). 9.

ص: 269


1- الکهف : 29.

- 3 -

شجاعة الخلیفة

لم یؤثر عن الخلیفة قبل الإسلام مشهد یدلّ علی فروسیّته ، کما أنّه لم نجد له فی مغازی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم مع کثرتها وشهوده فیها موقفاً یشهد له بالبسالة ، أو وقفة تخلّد له الذکر فی التاریخ ، أو خطوة قصیرة فی میادین تلک الحروب الدامیة تُعرب عن شیء من هذا الجانب الهامّ غیر ما کان فی واقعة خیبر من فراره عن مناضلة مرحب الیهودی کصاحبه عمر بن الخطّاب.

قال علیّ وابن عبّاس : بعث رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أبا بکر إلی خیبر فرجع منهزماً ومن معه ، فلمّا کان من الغد بعث عمر فرجع منهزماً یُجبِّن أصحابَه ویُجبِّنه أصحابُه.

أخرجه الطبرانی والبزّار کما فی مجمع الزوائد (9 / 124) ورجال إسناد البزّار رجال الصحیح غیر محمد بن عبد الرحمن ومحلّه الصدق (1) ، وذکر انهزام الرجلین یوم خیبر القاضی عضد [ الدین ] الإیجی فی المواقف (2) وأقرّه شرّاحه کما فی شرحه (3) (3 / 276) ، وذکره القاضی البیضاوی فی طوالع الأنوار کما فی المطالع (ص 48).

ویُعرب عن فرارهما یوم ذاک قول رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بعد ما فرّا : «لأعطینّ الرایة غداً رجلاً یحبّ الله ورسوله ، ویحبّه الله ورسوله ، یفتح الله علی یدیه لیس بفرّار». وفی لفظ : «کرّار غیر فرّار». وفی لفظ : «والذی کرّم وجه محمد لأعطینّها رجلاً لا یفرّ» ، وفی لفظ : «لأدفعنّ إلی رجل لن یرجع حتی یفتح الله له». وفی لفظ :9.

ص: 270


1- الجرح والتعدیل : 7 / 323 رقم 1739.
2- المواقف : ص 410.
3- شرح المواقف للجرجانی : 8 / 269.

«لا یولّی الدبر» (1).

وقال ابن أبی الحدید المعتزلی فیما یعزی إلیه من القصیدة العلویّة :

وما أنس لا أنس اللذَین تقدّما

وفرَّهما والفرُّ قد علما حوبُ (2)

وللرایة العظمی وقد ذهبا بها

ملابسُ ذلٍّ فوقها وجلابیبُ

یشلُّهما من آلِ موسی شمردلُ

طویلُ نجادِ السیفِ أجیدُ یعبوبُ (3)

یمجُّ منوناً سیفُه وسِنانُه

ویلهبُ ناراً غمدُه والأنابیبُ

أحضرُهما أم حضرُ أخرجَ خاضبٍ

وذانِ هما أم ناعمُ الخدّ مخضوبُ (4)

عذرتکما إنّ الحِمامَ لمبغَضٌ

وإنّ بقاءَ النفسِ للنفسِ محبوبُ

لیُکره طعمَ الموتِ والموتُ طالبٌ

فکیفَ یلذُّ الموتُ والموتُ مطلوبُف)

ص: 271


1- صحیح البخاری : 6 / 191 [ 3 / 1357 ح 3498 و 3499 ] ، صحیح مسلم : 2 / 324 [ 4 / 87 ح 132 کتاب الجهاد والسیر ] ، طبقات ابن سعد : ص 618 ، 630 رقم التسلسل طبع مصر [ 2 / 110 - 111 ] ، مسند أحمد : 1 / 184 ، 185 ، 353 ، 358 [ 1 / 302 ح 1611 و 3 / 391 ح 10738 و 6 / 455 ح 22314 ، و 492 ح 22522 ] ، خصائص النسائی : ص 4 - 8 [ ص 42 ح 17 ] ، سیرة ابن هشام : 3 / 386 [ 3 / 349 ] ، مستدرک الحاکم : 3 / 109 [ 3 / 117 ح 4575 ] ، حلیة الأولیاء : 1 / 62 ، أسد الغابة : 4 / 21 [ 4 / 98 رقم 3783 ] ، الإمتاع للمقریزی : ص 314 ، تاریخ ابن کثیر : 4 / 185 - 187 [ 4 / 211 - 214 حوادث سنة 7 ه ] ، تیسیر الوصول : 3 / 227 [ 3 / 315 ح 5 ] ، الریاض النضرة : 2 / 184 - 188 [ 3 / 130 - 134 ]. وهناک مصادر کثیرة تأتی فی محلها إن شاء الله تعالی. (المؤلف)
2- الحوب : الإثم. (المؤلف)
3- شمردل ؛ مرّ فی : ص 52 ، یرید من طول النجاد طول القامة. الأجید : الطویل الجید ، هو العنق. الیعبوب : الفرس الکثیر الجری. أطلق علی مرحب هذه اللفظة لشدّته وسرعة حرکته. (المؤلف)
4- الحضر : العَدْو. الأخرج : ذکر النعام الذی فیه بیاض وسواد. الخاضب : الذی أکل الربیع فاحمرّ طنبوباه أو اصفر. ناعم الخد مخضوب : کنایة عن المرأة. یعنی : هما رجلان أم امرأتان فی ضعفهما ورقّة قلوبهما؟ (المؤلف)

وممّا ینبئنا عن هذا الجانب حدیث کعّ الخلیفة عن ذی الثدیة لمّا أمره رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بقتله وهو فی صلاته غیر شاک السلاح ، فرأی مخالفة الأمر النبویّ أهون من قتل الرجل ، فآب إلیه صلی الله علیه وآله وسلم معتذراً بما سیوافیک تفصیله إن شاء الله.

نعم ؛ یراه ابن حزم فی کتاب المفاضلة بین الصحابة (1) ومن لفّ لفّه أشجع الصحابة علی الإطلاق ونحتوا له حدیثاً علی أمیر المؤمنین أنّه قال : أخبرونی من أشجع الناس؟ فقالوا : أنت ، قال : أما إنّی ما بارزت أحداً إلاّ انتصفت منه ولکن أخبرونی بأشجع الناس؟ قالوا : لا نعلم ، فمن؟ قال : أبو بکر ، إنّه لمّا کان یوم بدر فجعلنا لرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم عریشاً فقلنا : من یکون مع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لئلاّ یهوی إلیه أحد من المشرکین؟ فو الله ما دنا منّا أحد إلاّ أبا بکر شاهراً بالسیف علی رأس رسول الله لا یهوی إلیه أحد إلاّ هوی إلیه ، فهو أشجع الناس. الحدیث (2).

لیت القوم لم یحذفوا سند هذه الأثارة المفتعلة وکانوا یروونها بالإسناد حتی نعرّف الملأ العلمی بالذی اختلقها ، وحسبنا أنّ الحافظ الهیثمی ذکرها بلا إسناد فی مجمع الزوائد (9 / 46) وضعّفه وقال : فیه من لم أعرفه.

وتکذّبها صحیحة ابن إسحاق قال : کان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یوم بدر فی العریش وسعد بن معاذ قائم علی باب العریش الذی فیه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم متوشّح السیف فی نفر من الأنصار یحرسون رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یخافون علیه کرّة العدوّ (3).

ثمّ إنّ حراسة النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم لم تکن تنحصر بیوم بدر ولا بأبی بکر بل فی کلّ موقف من مواقفه صلی الله علیه وآله وسلم کان یتعهّد أحد من الصحابة بحراسته ، فکانت الحراسة لسعد ف)

ص: 272


1- الفصل : 4 / 143.
2- الریاض النضرة : 1 / 92 [ 1 / 120 ] ، تاریخ الخلفاء للسیوطی : ص 25 [ ص 34 ]. (المؤلف)
3- عیون الأثر لابن سیّد الناس : 1 / 258 [ 1 / 326 ]. (المؤلف)

ابن معاذ لیلة بدر وفی یومه لأبی بکر علی ما ذکره الحلبی فی السیرة (1) (3 / 353) ، ولمحمد بن مسلمة یوم أُحد ، وللزبیر بن العوّام یوم الخندق ، وللمغیرة بن شعبة یوم الحدیبیّة ، ولأبی أیوب الأنصاری لیلة بنی بصفیّة ببعض طرق خیبر ، ولبلال وسعد ابن أبی وقّاص وذکوان بن عبد قیس بوادی القری ، ولابن أبی مرثد الغنوی لیلة وقعة حنین (2).

وکانت هذه السیرة فی الحراسة مستمرّة إلی أن نزل قوله تعالی فی حجّة الوداع (وَاللهُ یَعْصِمُکَ مِنَ النَّاسِ) (3) فترک الحرس (4) فأبو بکر ردیف أولئک الحرسة بعد تسلیم ما جاء فی حراسته.

ولو صدق النبأ وکانت یوم بدر لأبی بکر تلک الأهمیّة الکبری لکان هو أولی وأحقّ بنزول القرآن فیه یوم ذاک دون علیّ وحمزة وعبیدة لمّا نزل فیهم ذلک الیوم : (هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِی رَبِّهِمْ) (5) (6). ف)

ص: 273


1- السیرة الحلبیة : 3 / 327.
2- عیون الأثر : 2 / 316 [ 2 / 402 ] ، المواهب اللدنیّة : 1 / 283 [ 2 / 122 ] ، السیرة الحلبیة : 3 / 354 [ 3 / 327 ] ، شرح المواهب للزرقانی : 3 / 304. (المؤلف)
3- المائدة : 67.
4- مستدرک الحاکم : 2 / 313 [ 2 / 342 ح 3221 ] ، تفسیر القرطبی : 6 / 244 [ 6 / 158 ] ، تفسیر ابن جزّی الکلبی : 1 / 183 ، تفسیر ابن کثیر : 2 / 78 ، الخصائص الکبری : 1 / 126 [ 1 / 210 ] عن الترمذی [ فی سننه : 5 / 234 ح 3046 ] والحاکم [ فی المستدرک : 2 / 342 ] والبیهقی [ فی دلائل النبوّة : 2 / 184 ] وأبی نعیم. (المؤلف)
5- الحج : 19.
6- صحیح البخاری : 6 / 98 کتاب التفسیر [ 4 / 1769 ح 4467 ] ، صحیح مسلم : 2 / 550 [ 5 / 528 ح 34 کتاب التفسیر ] ، طبقات ابن سعد : ص 518 [ 2 / 17 ] ، مستدرک الحاکم : 2 / 386 [ 2 / 418 ح 3454 ، وکذا فی تلخیصه ] وصحّحه هو والذهبی ، تفسیر القرطبی : 12 / 25 ، 26 [ 12 / 18 و 19 ] ، تفسیر ابن کثیر : 3 / 212 ، تفسیر ابن جزّی : 3 / 38 ، تفسیر الخازن : 3 / 298 [ 3 / 284 ]. (المؤلف)

ولو صحّت المزعمة لما خُصّ علیّ وحمزة وعبیدة بقوله تعالی (مِنَ الْمُؤْمِنِینَ رِجالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُو اللهَ عَلَیهِ) (1) (2).

ولما نزل فی علیّ أمیر المؤمنین قوله تعالی : (هُوَ الَّذِی أَیَّدَکَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِینَ) (3) ، ولما ورد فیها ما ورد عن النبیّ الأعظم ممّا أسلفناه فی الجزء الثانی (ص 46 - 51).

ولما خصّ بمولانا علیّ قوله تعالی : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ یَشْرِی نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ) (4) ، کما ذکره القرطبی فی تفسیره (5) (3 / 21) وفصّلنا القول فیه فی الجزء الثانی (ص 47 - 49).

وکان حقّا علی رضوان منادی الله یوم بدر بقوله :

لا سیف إلاّ ذو الفقا

ر ولا فتی إلاّ علی (6)

أن ینوّه باسم أبی بکر وبسیفه المشهور علی رأس رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ثمّ هل تنحصر مغازی النبیّ الأعظم وحروبه الدامیة ببدر؟ وهل العریش کان فی بدر فحسب دون سائر الغزوات؟ وهل سیّد العریش النبیّ الأعظم کان یلازم عریشه ولم یحضر قطّ فی میادین القتال؟ أو کان ینزل بالمعارک ویستخلف صاحبه علی العریش؟

ما أعوز النبیّ الأعظم یوم خیبر مجاهداً کرّاراً غیر فرّار لا یولّی الدبر ، وکان ف)

ص: 274


1- الأحزاب : 23.
2- راجع ما مرّ فی الجزء الثانی : ص 51. (المؤلف)
3- الأنفال : 62.
4- البقرة : 207.
5- الجامع لاحکام القرآن : 3 / 16.
6- راجع ما أسلفناه فی الجزء الثانی صفحة : 59 - 61. (المؤلف)

معه الخلیفة الأشجع؟ أکان فرّاراً غیر کرّار؟ ومن المعنیّ فی قول المؤرّخین من أنّ النبی صلی الله علیه وآله وسلم دفع لواءه لرجل من المهاجرین فرجع ولم یصنع شیئاً ، فدفعه إلی آخر من المهاجرین فرجع ولم یصنع شیئاً؟ أهذا الرجل وصاحبه نکرتان لا یُعرفان؟ لاها الله.

وأین کان الأشجع یوم خرجت کتائب الیهود یقدمهم یاسر ، فکشف الأنصار حتی انتهی إلی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی موقفه ، فاشتدّ ذلک علی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وأمسی مهموماً (1)؟

ولما ذا بعث صلی الله علیه وآله وسلم یوم ذاک - وکان الأشجع معه - سلمة بن الأکوع إلی علیّ وکان قد تخلّف بالمدینة لرمد عینیه ، وکان لا یبصر موضع قدمه ، فذهب إلیه سلمة وأخذ بیده یقوده (2)؟ وملء المسامع قوله صلی الله علیه وآله وسلم : «لأُعطینّ الرایة إلی رجل کرّار غیر فرّار».

أکان الأشجع فی العریش یوم خیبر لمّا قاتل المصطفی بنفسه یومه ذلک أشدّ القتال وعلیه درعان وبیضة ومغفر ، وهو علی فرس یقال له : الظرب (3) وفی یده قناة وترس؟ کما فی السیرة الحلبیّة (4) (3 / 39).

أکان الأشجع فی العریش یوم أحد یوم بلاء وتمحیص؟ حتی خلص العدوّ إلی 4.

ص: 275


1- الإمتاع للمقریزی : ص 314 ، السیرة الحلبیة : 3 / 39 [ 3 / 34 ]. (المؤلف)
2- صحیح مسلم : 2 / 102 [ 4 / 87 ح 132 کتاب الجهاد والسیر ] ، سنن البیهقی : 9 / 131 ، الریاض النضرة : 2 / 186 [ 3 / 132 ] ، السیرة الحلبیّة : 3 / 41 [ 3 / 35 ] ، شرح المواهب للزرقانی : 2 / 223. (المؤلف)
3- من أشهر خیله صلی الله علیه وآله وسلم وأعرفها ، سمّی بذلک لکبره أو لسمنه أو لقوّته وصلابته تشبیهاً له بالجبل. قالوا : أهداه له صلی الله علیه وآله وسلم فروة بن عمرو الجذامی. أو : ربیعة بن أبی البراء. أو : جنادة بن المعلّی. (المؤلف)
4- السیرة الحلبیّة : 3 / 34.

رسول الله فدُثّ (1) بالحجارة حتی وقع لشقّه فأُصیبت رباعیته ، وشجّ فی وجهه ، وکلمت شفته ، فجعل الدم یسیل علی وجهه ، وجعل یمسح الدم ویقول : «کیف یفلح قوم خضبوا وجه نبیّهم وهو یدعوهم إلی ربّهم» (2).

أکان الأشجع فی العریش یوم قال فیه علیّ : «لما تخلّی الناس عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یوم أُحد نظرت فی القتلی فلم أرَ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فقلت : والله ما کان لیفرّ وما أراه فی القتلی ، ولکن الله غضب علینا بما صنعنا ، فرفع نبیّه ، فما فیّ خیر من أن أُقاتل حتی أُقتل ، فکسرت جفن سیفی ثمّ حملت علی القوم فأفرجوا لی فإذا برسول الله بینهم». وقد أصابت علیّا یوم ذاک ست عشرة ضربة ، کلّ ضربة تلزمه الأرض فما کان یرفعه إلاّ جبریل؟ أُسد الغابة (3) (4 / 20).

أکان الأشجع فی العریش یوم وقع رسول الله فی حفرة من الحفر التی عمل أبو عامر لیقع فیها المسلمون وهم لا یعلمون ، فأخذ علیّ بن أبی طالب بیده صلی الله علیه وآله وسلم واحتضنه ورفعه طلحة حتی استوی قائماً (4)؟

أکان الأشجع فی العریش یوم رأی رسول الله فی میدان النزال وهو لابس درعین : درعه ذات الفضول ودرعه فضة ، أو یوم حنین وله درعان : درعه ذات الفضول والسعدیّة؟ شرح المواهب للزرقانی (2 / 24).

أکان الأشجع فی العریش یوم ضُرب وجه النبیّ بالسیف سبعین ضربة وقاه الله ف)

ص: 276


1- الدثّ : الرمی.
2- سیرة ابن هشام : 3 / 27 [ 3 / 84 ] ، طبقات ابن سعد رقم التسلسل : 549 [ 2 / 44 - 45 ] ، تاریخ ابن کثیر : 4 / 23 ، 29 [ 4 / 26 ، 33 حوادث سنة 3 ه ] ، إمتاع المقریزی : ص 135 ، شرح المواهب للزرقانی : 2 / 37. (المؤلف)
3- أُسد الغابة : 4 / 98 رقم 3783.
4- سیرة ابن هشام : 3 / 27 [ 3 / 85 ] ، الإمتاع للمقریزی : ص 135 ، تاریخ ابن کثیر : 4 / 24 [ 4 / 27 حوادث سنة 3 ه ] ، عیون الأثر : 2 / 12 [ 1 / 418 ]. (المؤلف)

شرّها کلها؟ المواهب اللدنیّة (1) (1 / 124)

أکان الأشجع فی العریش یوم بایع رسول الله علی الموت ثمانیة ، هم : علیّ ، والزبیر ، وطلحة ، وأبو دجانة ، والحارث بن الصمّة ، وحباب بن المنذر ، وعاصم بن ثابت ، وسهل بن حنیف ، ورسول الله یدعوهم فی أخراهم؟ الإمتاع للمقریزی (ص 132).

أکان الأشجع فی العریش یوم کان علیّ یذبّ عن رسول الله من ناحیة ، وأبو دجانة مالک بن خرشة من ناحیة ، وسعد بن أبی وقّاص یذبّ طائفة ، والحباب بن المنذر یحوش المشرکین کما تُحاش الغنم؟ الإمتاع للمقریزی (ص 143)

أکان الأشجع فی العریش یوم حمی الوطیس ، وجلس رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم تحت رایة الأنصار ، وأرسل إلی علیّ أن قدّم [ الرایة ] فقدّم علیّ وهو یقول : أنا أبو القصم (2)؟

أکان الأشجع فی العریش یوم انتهی رسول الله إلی أهله ناول سیفه ابنته فاطمة فقال : «اغسلی عن هذا دمه یا بنیّة فو الله صدقنی الیوم»؟ یوم ملأ علیّ درقته ماء من المهراس فجاء به إلی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لیشرب منه ، وغسل عن وجهه الدم وصبّ علی رأسه ، وأخذت فاطمة - سلام الله علیها - قطعة حصیر فأحرقته فألصقته علیه فاستمسک الدم (3)؟

أکان الأشجع فی العریش لمّا ملأ الفضاء نداء جبرئیل :

لا سیف إلاّ ذو الفقا

ر ولا فتی إلاّ علیف)

ص: 277


1- المواهب اللدنیّة : 1 / 402.
2- سیرة ابن هشام : 3 / 19 [ 3 / 77 - 78 وما بین المعقوفین منه ] ، شرح المواهب للزرقانی : 2 / 31. (المؤلف)
3- طبقات ابن سعد : 3 / 90 رقم التسلسل : 252 [ 2 / 48 ] ، سیرة ابن هشام : 3 / 34 ، 51 [ 3 / 90 و 106 ] ، الإمتاع : ص 138 ، تاریخ ابن کثیر : 4 / 35 [ 4 / 33 حوادث سنة 3 ه ] ، عیون الأثر : 2 / 15 [ 1 / 431 ] ، المواهب اللدنیّة : 1 / 125 [ 1 / 405 ] ، شرح الزرقانی : 2 / 56. (المؤلف)

أکان الأشجع فی العریش یوم نظم حسّان بن ثابت :

جبریل نادی معلناً

والنقع لیس بمنجلی

والمسلمون أحدقوا

حول النبیّ المرسلِ

لا سیف إلاّ ذو الفقا

ر ولا فتی إلاّ علی (1)

أکان الأشجع فی العریش یوم حمراء الأسد ، وقد خرج صلی الله علیه وآله وسلم وهو مجروح فی وجهه ، مشجوج فی جبهته ، ورباعیّته قد شظیت ، وشفته السفلی قد کلمت فی باطنها ، وهو متوهّن منکبه الأیمن من ضربة ابن قمیئة ، ورکبتاه مجحوشتان؟

طبقات ابن سعد ، رقم التسلسل (2) (553).

أکان الأشجع فی العریش یوم حنین؟ لمّا حمی الوطیس وفرّ الناس عن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ولم یبق معه إلاّ أربعة : ثلاثة من بنی هاشم ورجل من غیرهم : علیّ بن أبی طالب والعبّاس وهما بین یدیه ، وأبو سفیان بن الحارث آخذ بالعنان ، وابن مسعود من جانبه الأیسر ، ولا یقبل أحد من المشرکین جهته صلی الله علیه وآله وسلم إلاّ قتل؟ السیرة الحلبیّة (3) (3 / 123).

أکان الأشجع فی العریش یوم الأحزاب؟ وکان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ینقل مع صحبه من تراب الخندق وقد واری التراب بیاض بطنه ویقول :

لا همّ لو لا أنت ما اهتدینا

ولا تصدّقنا ولا صلّینا

فأنزلن سکینةً علینا

وثبّت الأقدام إن لاقینا

إنّ الأُلی لقد بغوا علینا

إذا أرادوا فتنةً أبینا9.

ص: 278


1- راجع ما مرّ فی الجزء الثانی : ص 59 - 61. (المؤلف)
2- الطبقات الکبری : 2 / 49.
3- السیرة الحلبیّة : 3 / 109.

طبقات ابن سعد رقم التسلسل (1) (575) ، تاریخ ابن کثیر (2) (4 / 96).

أکان الأشجع فی العریش یوم قال صلی الله علیه وآله وسلم : «لضربة علیّ خیر من عبادة الثقلین» ، وفی لفظ : «قتل علیّ لعمرو أفضل من عبادة الثقلین» وفی لفظ : «لمبارزة علیّ لعمرو بن ودّ أفضل من أعمال أُمّتی إلی یوم القیامة» (3)؟

نعم ؛ للرجل موقف یوم أُحد لمّا طلع یومئذ عبد الرحمن بن أبی بکر - وکان من المشرکین - فقال : من یبارز وارتجز یقول :

لم یبق إلاّ شکّة ویعبوب

وصارم یقتل ضلاّل الشیب

فنهض إلیه أبو بکر رضی الله عنه وهو یقول : أنا ذلک الأشیب ثمّ ارتجز فقال :

لم یبق إلاّ حسبی ودینی

وصارم تقضی به یمینی

فقال له عبد الرحمن : لو لا أنّک أبی لم أنصرف. الإمتاع (ص 144).

حجاج بالعریش :

قال المحاملی : کنت عند أبی الحسن بن عبدون وهو یکتب لبدر ، وعنده جمع فیهم أبو بکر الداودی وأحمد بن خالد المادرائی ، فذکر قصّة مناظرته مع الداودی فی التفضیل. إلی أن قال : فقال الداودی : والله ما نقدر نذکر مقامات علیّ مع هذه العامّة. قلت : أنا والله أعرفها : مقامه ببدر ، وأُحد ، والخندق ، ویوم حنین ، ویوم خیبر. قال : ف)

ص: 279


1- الطبقات الکبری : 2 / 71.
2- البدایة والنهایة : 4 / 110 حوادث سنة 5 ه.
3- مستدرک الحاکم : 3 / 32 [ 3 / 34 ح 4327 ] ، المواقف للقاضی الإیجی : 3 / 276 [ ص 412 ] ، کنز العمّال : 6 / 158 [ 11 / 623 ح 33035 ] ، السیرة الحلبیّة : 2 / 349 [ 2 / 320 ] وهناک کلمة ردّ علی ابن تیمیة فی ردّه علی هذا الحدیث ، هدایة المرتاب فی فضائل الأصحاب : ص 148. (المؤلف)

فإن عرفتها ینفعنی أن تقدّمه علی أبی بکر وعمر؟ قلت : قد عرفتها ومنه قدّمت أبا بکر وعمر علیه. قال : من أین؟ قلت : أبو بکر کان مع النبی صلی الله علیه وآله وسلم علی العریش یوم بدر مقامه مقام الرئیس والرئیس ینهزم به الجیش ، وعلیّ مقامه مقام مبارز ، والمبارز لا ینهزم به الجیش.

ذکره الخطیب فی تاریخه (8 / 21) ، وابن الجوزی فی المنتظم (1) (6 / 327) ، وأحسب أنّ مبتدع هذه الباکورة ، ومؤسّس فکرة العریش والاستدلال بها فی التفضیل هو الجاحظ ، قال فی خلاصة کتاب العثمانیّة (ص 10) : والحجّة العظمی للقائلین بتفضیل علیّ علیه السلام قتله الأقران ، وخوضه الحروب ، ولیس له فی ذلک کبیر فضیلة ، لأنّ کثرة القتل والمشی بالسیف إلی الأقران لو کان من أشد المحن وأعظم الفضائل وکان دلیلاً علی الرئاسة والتقدّم ، لوجب أن یکون للزبیر وأبی دجانة ومحمد ابن مسلمة وابن عفراء والبراء بن مالک من الفضل ما لیس لرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم! لأنّه لم یقتل إلاّ رجلاً واحداً ولم یحضر الحرب یوم بدر ولا خالط الصفوف ، وإنّما کان معتزلاً عنهم فی العریش ومعه أبو بکر.

وأنت تری الرجل الشجاع قد یقتل الأقران ، ویجندل الأبطال ، وفوقه من العسکر من لا یقتل ولا یبارز وهو الرئیس ، أو ذو الرأی والمستشار فی الحرب ، لأنّ للرؤساء من الاکتراث والاهتمام وشغل البال والعنایة والتفقّد ما لیس لغیرهم ، ولأنّ الرئیس هو المخصوص بالمطالبة وعلیه مدار الأمور ، وبه یستبصر المقاتل ویستنصر ، وباسمه ینهزم العدوّ ، ولو لم یکن له إلاّ أنّ الجیش لو ثبت وفرّ هو لم یغن ثبوت وکانت الدولة له ، ولهذا لا یضاف النصر والهزیمة إلاّ إلیه. ففضل أبی بکر بمقامه فی العریش مع رسول الله یوم بدر أعظم من جهاد علیّ ذلک الیوم وقتله أبطال قریش. انتهی. 8.

ص: 280


1- المنتظم : 14 / 21 - 22 رقم 2448.

قال الأمینی : نحن لا ننبس فی الجواب عن هذه الأساطیر المشمرجة (1) ببنت شفة ، وإنّما نقتصر فیه بما أجاب به عنها أبو جعفر الإسکافی المعتزلی البغدادی المتوفّی (240) ، قال فی الردّ علیها (2) :

لقد أعطی أبو عثمان مقولاً وحرم معقولاً ، إن کان یقول هذا علی اعتقاد وجدّ ، ولم یذهب به مذهب اللعب واللهو ، أو علی طریق التفاصح والتشادق وإظهار القوّة والسلاطة وذلاقة اللسان وحدّة الخاطر والقوّة علی جدال الخصوم. ألم یعلم أبو عثمان أنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم کان أشجع البشر وأنّه خاض الحروب وثبت فی المواقف التی طاشت فیها الألباب ، وبلغت القلوب الحناجر؟ فمنها یوم أحد ووقوفه بعد أن فرّ المسلمون بأجمعهم ولم یبق معه إلاّ أربعة : علیّ ، والزبیر ، وطلحة ، وأبو دجانة ، فقاتل ورمی بالنبل حتی فنیت نبله وانکسرت سِیة (3) قوسه ، وانقطع وتره ، فأمر عکاشة ابن محصن أن یوترها ، فقال : یا رسول الله لا یبلغ الوتر ، فقال : أوتر ما بلغ. قال عکاشة : فوالذی بعثه بالحقّ لقد أوترت حتی بلغ وطویت منه شبراً علی سِیة القوس ، ثمّ أخذها فما زال یرمیهم حتی نظرت إلی قوسه قد تحطّمت ، وبارز أُبیّ بن خلف ، فقال له أصحابه : إن شئت عطف علیه بعضنا فأبی ، وتناول الحربة من الحارث بن الصمّة ثم انتفض بأصحابه کما ینتفض البعیر ، قالوا : فتطایرنا عنه تطایر الشعاریر (4) فطعنه بالحربة فجعل یخور کما یخور الثور ، ولو لم یدلّ علی ثباته حین انهزم أصحابه وترکوه إلاّ قوله تعالی : (إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلی أَحَدٍ وَالرَّسُولُ یَدْعُوکُمْ فِی أُخْراکُمْ) (5) فکونه صلی الله علیه وآله وسلم فی أُخراهم وهم یصعدون ولا یلوُون هاربین ؛ 3.

ص: 281


1- المشمرجة : المنسوجة.
2- رسائل الجاحظ : ص 54 [ ص 155 - 156 الرسائل السیاسیة ] ، شرح ابن أبی الحدید : 3 / 275 [ 13 / 277 - 278 خطبة 238 ]. (المؤلف)
3- سیة القوس : ما اعوجّ من طرفیها.
4- الشعاریر : ما یجتمع علی دبرة البعیر من الذبّان ، فإذا هیجت تطایرت عنها. النهایة 2 / 480.
5- آل عمران : 153.

دلیل علی أنّه ثبت ولم یفرّ. وثبت یوم حنین فی تسعة من أهله ورهطه الأدنین ، وقد فرّ المسلمون کلّهم والنفر التسعة محدقون به ، العبّاس آخذ بحَکَمَةِ (1) بغلته ، وعلیّ بین یدیه مصلت سیفه ، والباقون حول بغلته یمنةً ویسرةً ، وقد انهزم المهاجرون والأنصار ، وکلّما فرّوا أقدم هو صلی الله علیه وآله وسلم وصمّم مستقدماً یلقی السیوف والنبال بنحره وصدره ، ثمّ أخذ کفّا من البطحاء وحصب المشرکین وقال : «شاهت الوجوه» ، والخبر المشهور عن علیّ وهو أشجع البشر : «کنّا إذا اشتدّ البأس وحمی الوطیس اتّقینا برسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ولذنا به». فکیف یقول الجاحظ : إنّه ما خاض الحروب ولا خالط الصفوف؟ وأیّ فریة أعظم من فریة من نسب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إلی الإحجام واعتزال الحرب؟ ثمّ أیّ مناسبة بین أبی بکر ورسول الله فی هذا المعنی لیقیسه وینسبه إلی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم صاحب الجیش والدعوة ورئیس الإسلام والملّة ، والملحوظ بین أصحابه وأعدائه بالسیادة ، وإلیه الإیماء والإشارة ، وهو الذی أحنق قریشاً والعرب ، ووری أکبادهم بالبراءة من آلهتهم ، وعیب دینهم وتضلیل أسلافهم ، ثمّ وترهم فیما بعد بقتل رؤسائهم وأکابرهم ، وحقّ لمثله إذا تنحّی عن الحرب واعتزلها أن یتنحّی ویعتزل ، لأنّ ذلک شأن الملوک والرؤساء إذ کان الجیش منوطاً بهم وببقائهم ، فمتی هلک الملک هلک الجیش ، ومتی سلم الملک أمکن أن یبقی علیه ملکه ، وإن عطب جیشه فإنّه یستجدّ جیشاً آخر ، ولذلک نهی الحکماء أن یباشر الملک الحرب بنفسه ، وخطّئوا الإسکندر لمّا بارز فوسر ملک الهند ونسبوه إلی مجانبة الحکمة ومفارقة الصواب والحزم ، فلیقل لنا الجاحظ : أیّ مدخل لأبی بکر فی هذا المعنی؟ ومن الذی کان یعرفه من أعداء الإسلام لیقصده بالقتل؟ وهل هو إلاّ واحد من عرض المهاجرین حکمه حکم عبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفّان وغیرهما؟ بل کان عثمان أکثر منه صیتاً ، وأشرف منه مرکباً ، والعیون إلیه أطمح ، والعدوّ علیه أحنق وأکلب. ولو قُتل أبو بکر فی بعض تلک المعارک هل کان یؤثّر قتله فی الإسلام ضعفاً؟ أو یحدث فیه وهناً؟ أو یخاف علی الملّة لو قُتل أبو بکر فی بعض تلک الحروب أن تندرس وتُعفّی آثارها وتنطمس منارها؟ لیقول الجاحظ : إنّ أبا بکر کان حکمه حکم ا.

ص: 282


1- الحَکَمَة : حدیدة فی اللجام تکون علی أنف الدابة وحنکها تمنعها من مخالفة راکبها.

رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی مجانبة الحروب واعتزالها. نعوذ بالله من الخذلان. وقد علم العقلاء کلّهم ممّن له بالسیر معرفة وبالآثار والأخبار ممارسة حال حروب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم کیف کانت ، وحاله علیه الصلاة والسلام فیها کیف کان ، ووقوفه حیث وقف وحربه حیث حارب ، وجلوسه فی العریش یوم جلس ، وأنّ وقوفه صلی الله علیه وآله وسلم وقوف رئاسةٍ وتدبیر ، ووقوف ظهر وسند ، یتعرّف أُمور أصحابه ویحرس صغیرهم وکبیرهم بوقوفه من ورائهم وتخلّفه عن التقدّم فی أوائلهم ، لأنّهم متی علموا أنّه فی أُخراهم اطمأنّت قلوبهم ولم تتعلّق بأمره نفوسهم ، فیشتغلوا بالاهتمام به عن عدوّهم ، ولا یکون لهم فئة یلجئون إلیها وظهر یرجعون إلیه ، ویعلمون أنّه متی کان خلفهم تفقّد أُمورهم وعلم مواقفهم وآوی کلّ إنسان مکانه فی الحمایة والنکایة وعند المنازلة فی الکرّ والحملة ، فکان وقوفه حیث وقف أصلح لأمرهم ، وأحمی وأحرس لبیضتهم ، ولأنّه المطلوب من بینهم ، إذ هو مدبّر أُمورهم ووالی جماعتهم ، ألا ترون أنّ موقف صاحب اللواء موقف شریف؟ وأنّ صلاح الحرب فی وقوفه ، وأنّ فضیلته فی ترک التقدّم فی أکثر حالاته ، فللرئیس حالات :

الأولی : حالة یتخلّف ویقف آخراً لیکون سنداً وقوّة وردأً وعُدّة ، ولیتولّی تدبیر الحرب ویعرف مواضع الخلل.

والحالة الثانیة : یتقدّم فیها فی وسط الصفّ لیقوی الضعیف ویُشجّع الناکس.

وحالة ثالثة : وهی إذا اصطدم الفیلقان ، وتکافح السیفان ، اعتمد ما یقتضیه الحال من الوقوف حیث یستصلح ، أو من مباشرة الحرب بنفسه فإنّها آخر المنازل ، وفیها تظهر شجاعة الشجاع النجد وفسالة (1) الجبان المموّه.

فأین مقام الرئاسة العظمی لرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم؟ وأین منزلة أبی بکر لیسوّی بین المنزلتین ، ویناسب بین الحالتین؟ ه.

ص: 283


1- الفسل : الذی لا مروءة ولا جَلَد له.

ولو کان أبو بکر شریکاً لرسول الله فی الرسالة وممنوحاً من الله بفضیلة النبوّة ، وکانت قریش والعرب تطلبه کما تطلب محمداً صلی الله علیه وآله وسلم لکان للجاحظ أن یقول ذلک ، فأمّا وحاله حاله ، وهو أضعف المسلمین جناناً ، وأقلّهم عند العرب ترةً (1) ، لم یَرمِ قَطّ بسهمٍ ، ولا سلّ سیفاً ، ولا أراق دماً ، وهو أحد الأتباع ، غیر مشهور ولا معروف ، ولا طالب ولا مطلوب ، فکیف یجوز أن یجعل مقامه ومنزلته مقام رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ومنزلته؟ ولقد خرج ابنه عبد الرحمن مع المشرکین یوم أُحد فرآه أبو بکر ، فقام مغیظاً علیه ، فسلّ من السیف مقدار إصبع یروم البروز إلیه فقال له رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «یا أبا بکر شِم سیفک وأمتعنا بنفسک». ولم یقل له : «وامتعنا بنفسک» ، إلاّ لعلمه بأنّه لیس أهلاً للحرب وملاقاة الرجال وأنّه لو بارز لقُتل.

وکیف یقول الجاحظ : لا فضیلة لمباشرة الحروب ولقاء الأقران وقتل أبطال الشرک؟ وهل قامت عمد الإسلام إلاّ علی ذلک؟ وهل ثبت الدین واستقرّ إلاّ بذلک؟ أتراه لم یسمع قول الله تعالی (إِنَّ اللهَ یُحِبُّ الَّذِینَ یُقاتِلُونَ فِی سَبِیلِهِ صَفًّا کَأَنَّهُمْ بُنْیانٌ مَرْصُوصٌ) (2)؟ والمحبَّة من الله تعالی هی إرادة الثواب ، فکلّ من کان أشد ثبوتاً فی هذا الصفّ وأعظم قتالاً ، کان أحبّ إلی الله ، ومعنی الأفضل هو الأکثر ثواباً ، فعلیّ علیه السلام إذ هو أحبّ المسلمین إلی الله لأنّه أثبتهم قدماً فی الصفّ المرصوص ، لم یفرّ قطّ بإجماع الأمّة ، ولا بارزه قرن إلاّ قتله ، أوَتراه لم یسمع قول الله تعالی : (وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِینَ عَلَی الْقاعِدِینَ أَجْراً عَظِیماً) (3)؟ وقوله : (إِنَّ اللهَ اشْتَری مِنَ الْمُؤْمِنِینَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ یُقاتِلُونَ فِی سَبِیلِ اللهِ فَیَقْتُلُونَ وَیُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَیْهِ حَقًّا فِی التَّوْراةِ وَالْإِنْجِیلِ وَالْقُرْآنِ) (4)؟ 1.

ص: 284


1- الترة : الثأر.
2- الصف : 4.
3- النساء : 95.
4- التوبة : 111.

ثمّ قال سبحانه مؤکّداً لهذا البیع والشراء : (وَمَنْ أَوْفی بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَیْعِکُمُ الَّذِی بایَعْتُمْ بِهِ وَذلِکَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِیمُ) (1) ، وقال الله تعالی : (ذلِکَ بِأَنَّهُمْ لا یُصِیبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِی سَبِیلِ اللهِ وَلا یَطَؤُنَ مَوْطِئاً یَغِیظُ الْکُفَّارَ وَلا یَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَیْلاً إِلاَّ کُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ) (2) ، فمواقف الناس فی الجهاد علی أحوال ، وبعضهم فی ذلک أفضل من بعض ، فمن دلف إلی الأقران واستقبل السیوف والأسنّة ، کان أثقل علی أکتاف الأعداء لشدّة نکایته فیهم ، ممّن وقف فی المعرکة وأعان ولم یقدم ، وکذلک من وقف فی المعرکة ، وأعان ولم یقدم ؛ إلاّ أنّه بحیث تناله السهام والنبل أعظم عناءً ، وأفضل ممّن وقف حیث لا یناله ذلک ، ولو کان الضعیف والجبان یستحقّان الرئاسة بقلّة بسط الکفّ وترک الحرب ، وأنّ ذلک یشاکل فعل النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ، لکان أوفر الناس حظّا فی الرئاسة وأشدّهم لها استحقاقاً حسّان بن ثابت. وإن بطل فضل علیّ فی الجهاد ؛ لأنّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم کان أقلّهم قتالاً - کما زعم الجاحظ - لیبطلنّ علی هذا القیاس فضل أبی بکر فی الإنفاق ، لأنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم کان أقلّهم مالاً ، وأنت إذا تأمّلت أمر العرب وقریش ، ونظرت السیر ، وقرأت الأخبار ، عرفت أنها تطلب محمداً صلی الله علیه وآله وسلم وتقصد قصده ، وتروم قتله ، فإن أعجزها وفاتها طلبت علیّا وأرادت قتله ، لأنّه کان أشبههم بالرسول حالاً ، وأقربهم منه قرباً ، وأشدّهم عنه دفعاً ، وأنّهم متی قصدوا علیّا فقتلوه أضعفوا أمر محمد صلی الله علیه وآله وسلم وکسروا شوکته ، إذ کان أعلی من ینصره فی البأس والقوّة والشجاعة والنجدة والإقدام والبسالة. ألا تری إلی قول عتبة بن ربیعة یوم بدر وقد خرج هو وأخوه شیبة وابنه الولید بن عتبة فأخرج إلیهم الرسول نفراً من الأنصار ، فاستنسبوهم فانتسبوا لهم ، فقالوا : ارجعوا إلی قومکم ، ثمّ نادوا : یا محمد أخرج إلینا أکفاءنا من قومنا ، فقال النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم لأهله الأدنین : «قوموا یا بنی هاشم فانصروا حقّکم الذی آتاکم الله علی 0.

ص: 285


1- التوبة : 111.
2- التوبة : 120.

باطل هؤلاء ، قم یا علیّ قم یا حمزة قم یا عبیدة» ألا تری ما جعلت هند بنت عتبة لمن قتله یوم أُحد لأنّه اشترک هو وحمزة فی قتل أبیها یوم بدر؟ ألم تسمع قول هند ترثی أهلها

ما کان لِی عن عُتبةٍ من صبر

أبی وعمّی وشقیق صدری (1)

أخی الذی کان کضوءِ البدرِ

بهم کَسرتَ یا علیُّ ظهری

وذلک لأنّه قتل أخاها الولید بن عتبة ، وشرک فی قتل أبیها عتبة ، وأمّا عمّها شیبة فإنّ حمزة تفرّد بقتله.

وقال جبیر بن مطعم لوحشی مولاه یوم أُحد : إن قتلت محمداً فأنت حرّ ، وإن قتلت علیّا فأنت حرّ ، وإن قتلت حمزة فأنت حرّ. فقال : أمّا محمد فسیمنعه أصحابه ، وأمّا علیّ فرجل حذِر کثیر الالتفات فی الحرب ، ولکنّی سأقتل حمزة. فقعد له وزرقه بالحربة فقتله.

ولِما قلنا من مقاربة حال علیّ فی هذا الباب لحال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ومناسبتها إیّاه ما وجدناه فی السیر والأخبار ، من إشفاق رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وحذره علیه ، ودعائه له بالحفظ والسلامة ، قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یوم الخندق ، وقد برز علیّ إلی عمرو ، ورفع یدیه إلی السماء بمحضر من أصحابه : «اللهمّ إنّک أخذت منّی حمزة یوم أُحد ، وعبیدة یوم بدر ، فاحفظ الیوم عَلیَّ علیّا ، ربّ لا تذرنی فرداً وأنت خیر الوارثین». ولذلک ضنّ به عن مبارزة عمرو حین دعا عمرو الناس إلی نفسه مراراً ، فی کلّها یُحجمون ویقدم علیّ ، فیسأل الإذن له فی البراز حتی قال له رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «إنّه عمرو!» فقال : «وأنا علیّ». فأدناه وقبّله وعمّمه بعمامته وخرج معه خطوات کالمودّع له ، القلق لحاله ، المنتظر لما یکون منه. ثمّ لم یزل صلی الله علیه وآله وسلم رافعاً یدیه إلی السماء ِ.

ص: 286


1- فی شرح النهج : 13 / 283 ورد الشطر الأول هکذا : ما کان عن عتبة لی من صبرِ.

مستقبلاً لها بوجهه والمسلمون صموت حوله کأنّما علی رءوسهم الطبر ، حتی ثارت الغبرة ، وسمعوا التکبیر من تحتها فعلموا أنّ علیّا قتل عمراً. فکبّر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وکبّر المسلمون تکبیرة سمعها مَنْ وراء الخندق من عساکر المشرکین. ولذلک قال حذیفة بن الیمان : لو قُسمت فضیلة علیّ بقتل عمرو یوم الخندق بین المسلمین بأجمعهم لوسعتهم. وقال ابن عبّاس فی قوله تعالی : (وَکَفَی اللهُ الْمُؤْمِنِینَ الْقِتالَ) (1) ؛ قال : بعلیّ بن أبی طالب. انتهی.

الغریق یتشبّث بکلّ حشیش :

أعیت القوم شجاعة الخلیفة ، وأضلّتهم عن المذاهب ، وجعلتهم فی الرُّونة (2) ، وأرکبتهم علی الزحلوقة تسفّ بهم تارةً وتُعلّیهم أُخری ، فلم یجدوا مهیعاً یوصلهم إلی ما یرومون من إثباتها له مهما وجدوا غضون التاریخ خالیةً عن کلّ عین وأثر یسعهم الرکون إلیه فی الحجاج لها ، فتشبّثوا بالتفلسف فیها ، فهذا یبنی فلسفة العریش ، والآخر ینسج نسج العناکیب ویعدّ ثباته فی موت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وعدم تضعضعه فی تلک الهائلة دلیلاً علی کمال شجاعته. قال القرطبی فی تفسیره (3) (4 / 222) فی سورة آل عمران : 144 عند قوله تعالی : (وَما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلی أَعْقابِکُمْ وَمَنْ یَنْقَلِبْ عَلی عَقِبَیْهِ فَلَنْ یَضُرَّ اللهَ شَیْئاً) : هذه الآیة أدلّ دلیل علی شجاعة الصدّیق وجرأته ، فإنّ الشجاعة والجرأة حدّهما ثبوت القلب عند حلول المصائب ، ولا مصیبة أعظم من موت النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فظهرت عنده شجاعته وعلمه. وقال الناس : لم یمت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، منهم عمر ، وخرس عثمان ، واستخفی علیّ ، واضطرب الأمر فکشفه الصدّیق بهذه الآیة حین 3.

ص: 287


1- الأحزاب : 25.
2- الرُّونة : الشدة.
3- الجامع لأحکام القرآن : 4 / 143.

قدومه من مسکنه بالسُّنح (1).

وهذا الاستدلال أقرّه الحلبی فی سیرته (2) (3 / 35) وقال : لمّا توفّی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم طاشت العقول ؛ فمنهم من خبَل ، ومنهم من أقعد ولم یطق القیام ، ومنهم من أخرس فلم یطق الکلام ، ومنهم من أضنی ، وکان عمر رضی الله عنه ممّن خبل ، وکان عثمان رضی الله عنه ممّن أخرس ، فکان لا یستطیع أن یتکلّم ، وکان علیّ رضی الله عنه ممّن أقعد فلم یستطع أن یتحرّک ، وأضنی عبد الله بن أنیس فمات کمداً ، وکان أثبتهم أبو بکر الصدّیق رضی الله عنه. إلی أن قال : قال القرطبی : وهذا أدلّ دلیل علی کمال شجاعة الصدّیق. إلی آخره.

قال الأمینی : یوهم القرطبی أنّ فی کتاب الله العزیز ما یدلّ علی شجاعة الخلیفة وعلمه ، ولیس فیما جاء به أکثر من أنّه استدلّ بالآیة الشریفة یوم ذاک علی موت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فأیّ صلة لها بشجاعة الرجل؟! وأیّ قسم فیها من أنحاء الدلالة الثلاثة فضلاً عن أن تکون أدلّ دلیل؟ فإن یکن هناک شیء من الدلالة - وأین وأنّی - فهو فی ثبات جأشه وتمسّکه بالآیة الکریمة لا فی الآیة نفسها.

ثمّ کیف خفی علی الرجل وعلی من تبعه الفرق بین ملکتی الشجاعة والقسوة؟ وأنّ هذا النسج الذی أوهن من بیت العنکبوت إنّما نسجته ید السیاسة لدفع مشکلات هناک ، فخبّلوا عمر بن الخطّاب - وحاشاه الخبل - تصحیحاً لإنکاره موت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وأنّه کان من ذلک لقلق کما مرّ فی (ص 184) ، وأقعدوا علیّا لإیهام العذر فی تخلّفه عن البیعة ، وأخرسوا عثمان لأنّه لم ینبس فی ذلک الموقف ببنت شفة.

علی أنّ ما جاء به القرطبی من میزان الشجاعة یستلزم کون الخلیفة أشجع من 4.

ص: 288


1- بضمّ أوّله وسکون النون وقد تضم : موضع خارج المدینة بینها وبین منزل النبیّ میل [ فی معجم البلدان : 3 / 265 أنها إحدی محالّ المدینة ]. (المؤلف)
2- السیرة الحلبیة : 3 / 354.

رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أیضاً ، إذ لم یُرو عن أبی بکر فی رزیّة النبیّ الأعظم أکثر من أنّه کشف عن وجه النبیّ وقبّله وهو یبکی وقال : طبت حیّا ومیتاً (1) وقد فعل صلی الله علیه وآله وسلم أکثر وأکثر من هذا فی موت عثمان بن مظعون ؛ فإنّه صلی الله علیه وآله وسلم انکبّ علیه ثلاث مرّات مرّةً بعد أُخری وقبّله باکیاً علیه وعیناه تذرفان والدموع تسیل علی وجنتیه وله شهیق (2) ، وشتّان بین عثمان بن مظعون وبین سیّد البشر روح الخلیقة وعلّة العوالم کلّها ، وشتّان بین المصیبتین.

کما یستدعی مقیاس الرجل کون عمر بن الخطّاب أشجع من النبیّ الأقدس لحزنه العظیم فی موت زینب وبکائه علیها ، وعمر کان یوم ذاک یضرب النسوة الباکیات علیها بالسوط ، کما مرّ فی الجزء السادس (ص 159) ، فضلاً عن عدم تأثّره بتلک الرزیّة.

وعلی هذا المیزان یغدو عثمان بن عفّان أشجع من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لوجده (3) صلی الله علیه وآله وسلم لموت إحدی بنتیه : رقیة أو أمّ کلثوم زوجة عثمان ، وبکائه علیها ، وعثمان غیر متأثر به ولا بانقطاع صهره من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، غیر مشغول بذلک عن مقارفة بعض نسائه فی لیلة وفاتها کما فی صحیحة أنس (4). ف)

ص: 289


1- صحیح البخاری : 6 / 281 [ 4 / 1618 ح 4187 ] کتاب المغازی ، سیرة ابن هشام : 4 / 334 [ 4 / 306 ] ، طبقات ابن سعد ، طبع مصر ، رقم التسلسل : 785 [ 2 / 268 ] ، تاریخ الطبری : 3 / 198 [ 3 / 201 حوادث سنة 11 ه ]. (المؤلف)
2- سنن البیهقی : 3 / 407 ، حلیة الأولیاء : 1 / 105 ، الاستیعاب : 2 / 495 [ القسم الثالث / 1055 رقم 1779 ] ، أُسد الغابة 3 / 387 [ 3 / 600 رقم 3588 ] ، الإصابة : 2 / 464 [ رقم 5453 ]. (المؤلف)
3- أی : لحزنه.
4- مستدرک الحاکم : 4 / 47 [ 4 / 51 ح 6852 ] ، الاستیعاب : 2 / 748 [ القسم الرابع / 1841 رقم 3343 ] وصحّحه ، الإصابة : 4 / 304 [ رقم 430 ] و 489 [ رقم 1470 ] ، الغدیر : 3 / 24. (المؤلف)

وقبل هذه کلّها ما ذکره أعلام القوم فی موت أبی بکر من طریق ابن عمر من قوله : کان سبب موت أبی بکر موت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ؛ ما زال جسمه یجری حتی مات. وقوله : کان سببَ موته کمد لحقه علی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ما زال یذیبه حتی مات. وفی لفظ القرمانی : ما زال جسمه ینقص حتی مات.

راجع (1) مستدرک الحاکم (3 / 63) ، أُسد الغابة (3 / 224) ، صفة الصفوة (1 / 100) ، الریاض النضرة (1 / 180) ، تاریخ الخمیس (2 / 263) ، حیاة الحیوان للدمیری (1 / 49) ، الصواعق (ص 53) ، تاریخ الخلفاء للسیوطی (ص 55) ، أخبار الدول للقرمانی هامش الکامل (1 / 198) ، نزهة المجالس للصفوری (2 / 197) ، مصباح الظلام للجردانی (2 / 25).

کأنّ هذا الحدیث عزب عن القرطبی والحلبی ، فأخذاً بهذا مشفوعاً بکلامهما المذکور فی شجاعة أبی بکر یکون هو شاکلة عبد الله بن أنیس فی موته کمداً علی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، ولم ینبّئ قطّ خبیر بموت أحدٍ من الصحابة غیرهما بموته صلی الله علیه وآله وسلم ، وهذا دلیل علی ضعف قلبهما عند حلول المصائب ، فهما أجبن الصحابة علی الإطلاق إذا وزنا بمیزان القرطبی وفیه عین.

ووراء هذه المغالاة فی شجاعة الخلیفة وعدّه أشجع الصحابة ما عزاه القوم إلی ابن مسعود من أنّه قال : أوّل من أظهر الإسلام بسیفه محمد صلی الله علیه وآله وسلم وأبو بکر والزبیر ابن العوام (2). وما یُعزی إلی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم من أنّه قال : لو لا أبو بکر الصدّیق لذهب الإسلام (3)ف)

ص: 290


1- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 66 ح 4410 ، أُسد الغابة : 3 / 335 رقم 3064 ، صفة الصفوة : 1 / 263 رقم 2 ، الریاض النضرة : 1 / 222 ، حیاة الحیوان : 1 / 71 ، الصواعق المحرقة : ص 88 ، تاریخ الخلفاء : ص 76 ، أخبار الدول : 1 / 281 ، مصباح الظلام : 2 / 62 ح 362.
2- نزهة المجالس للصفوری : 2 / 182. (المؤلف)
3- نور الأبصار للشبلنجی : ص 54 [ ص 113 ]. (المؤلف)

قال الأمینی : لقد کانت علی الأبصار غشاوة عن رؤیة هذا السیف الذی کان بید الخلیفة ، فلم یُؤثر أنّه تقلّده یوماً ، أو سلّه فی کریهة ، أوهابه إنسان فی معمعة ، حتی یقرن برسول الله صلی الله علیه وآله وسلم الذی کان منذ بعث سیفاً لله تعالی مجرّداً.

إنّ الرسولَ لنورٌ یُستضاءُ به

مُهنّدٌ من سیوفِ اللهِ مسلولُ (1)

أو یقرن بمثل الزبیر الذی عرفته وسیفه الحرب الزبون فشکرته ، وقد سجّل التاریخ مواقفه المشهودة ، وسجّل للخلیفة یوم خیبر وأمثاله.

وأنا لا أدری بأیّ خصلة فی الخلیفة نیط بقاء الإسلام ، أبشجاعته هذه؟ أم بعلمه الذی عرفت کمیّته؟ أم بما ذا؟ فظُنّ خیراً ولا تسأل عن الخبر.

- 4 -

ثبات الخلیفة علی المبدأ

عن أبی سعید الخدری : أنّ أبا بکر جاء إلی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فقال : یا رسول الله إنّی مررت بوادی کذا وکذا ، فاذا رجل متخشّع حسن الهیئة یصلّی ، فقال له رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «إذهب إلیه فاقتله» ، قال : فذهب الیه أبو بکر ، فلمّا رآه علی تلک الحالة کره أن یقتله فجاء إلی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، فقال النبی صلی الله علیه وآله وسلم لعمر : «اذهب إلیه فاقتله» : قال فذهب عمر فرآه علی تلک الحال التی رآه أبو بکر فکره أن یقتله فرجع ، فقال : یا رسول الله إنّی رأیته متخشّعاً فکرهت أن أقتله ، قال : «یا علیّ اذهب فاقتله». فذهب علی فلم یره فرجع ، فقال : «یا رسول الله إنّی لم أره». فقال النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم : إنّ هذا وأصحابه یقرؤون القرآن لا یجاوز تراقیهم یمرقون من الدین کما یمرق السهم من الرمیة ثمّ لا یعودون فیه حتی یعود السهم فی فُوقه فاقتلوهم هم شرّ البریّة» (2). ف)

ص: 291


1- البیت من قصیدة لکعب بن زهیر المشهورة ب : بانت سعاد. (المؤلف)
2- مسند أحمد : 3 / 15 [ 3 / 390 ح 10734 ] ، تاریخ ابن کثیر : 7 / 298 [ 7 / 330 حوادث سنة 37 ه ]. (المؤلف)

وعن أنس بن مالک قال : کان فی عهد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم رجل یعجبنا تعبّده واجتهاده ، وقد ذکرنا ذلک لرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم باسمه فلم یعرفه ، فوصفناه بصفته فلم یعرفه ، فبینا نحن نذکره إذ طلع الرجل قلنا : هو هذا. قال : «إنّکم لتخبرونی عن رجل إنّ فی وجهه لسفعة من الشیطان» فأقبل حتی وقف علیهم ولم یسلّم. فقال له رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم «أنشدک الله هل قلت حین وقفت علی المجلس : ما فی القوم أحد أفضل منّی أو خیر منّی؟» قال : اللهمّ نعم. ثمّ دخل یصلّی فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «من یقتل الرجل؟» فقال أبو بکر : أنا ، فدخل علیه فوجده قائماً یصلّی ، فقال : سبحان الله أقتل رجلاً یصلّی؟ وقد نهی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم عن قتل المصلّین ، فخرج. فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «ما فعلت؟» قال : کرهت أن أقتله وهو یصلّی وأنت قد نهیت عن قتل المصلّین. قال : «من یقتل الرجل؟» قال عمر : أنا. فدخل فوجده واضعاً جبهته. فقال عمر : أبو بکر أفضل منّی ، فخرج فقال له النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم «مَه؟» قال : وجدته واضعاً وجهه لله فکرهت أن أقتله. فقال : «من یقتل الرجل؟» فقال علیّ : أنا. فقال : «أنت إن أدرکته». فدخل علیه فوجده قد خرج. فرجع إلی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فقال له : «مَه؟» قال : وجدته قد خرج. قال : «لو قُتل ما اختلف من أمّتی رجلان کان أوّلهم وآخرهم» (1).

صاحب القصّة هو ذو الثُّدیّة رأس الفتنة یوم النهروان قتله أمیر المؤمنین الإمام علیّ یوم ذاک کما فی صحیح مسلم (2) وسنن أبی داود (3) ، قال الثعالبی فی ثمار القلوب (4) 7.

ص: 292


1- حلیة الأولیاء : 317 ، 3 / 227 [ رقم 245 ] ، مسند البزّار من طریق الأعمش ، وأبو یعلی فی مسنده [ 1 / 90 ح 90 ] کما فی تاریخ ابن کثیر : 7 / 298 [ 7 / 330 حوادث سنة 37 ه ] ، الإصابة : 1 / 484 [ رقم 2446 ]. (المؤلف)
2- صحیح مسلم : 2 / 443 ح 156 کتاب الزکاة.
3- سنن أبی داود : 4 / 244 - 245 ح 4768 - 4769.
4- ثمار القلوب : ص 290 رقم 437.

(ص 232): ذو الثُدیّة شیخ الخوارج وکبیرهم الذی علّمهم الضلال ، وکان النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم أمر بقتله وهو فی الصلاة ، فکعّ عنه أبو بکر وعمر ، فلمّا قصده علیّ رضی الله عنه لم یره ، فقال له النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم : «أما إنّک لو قتلته لکان أوّل فتنة وآخرها» ، ولمّا کان یوم النهروان وُجد بین القتلی ، فقال علیّ رضی الله عنه : ائتونی بیده المخدجة ، فأُتی بها فأمر بنصبها.

قال الأمینی : هلمّ معی نسائل الرجلین ممّن أخذا أنّ الصلاة تحقن دم صاحبها؟ هل أخذاها عن شریعةٍ غابَ الصادع بها ، فارتبکا بین قولیه؟ ألیست هی الشریعة المحمدیّة وصاحبها هو الذی أمر بقتل الرجل؟ وهو ینظر إلیه من کَثب ، ویعلم أنّه یصلّی ، وقد أخبرته الصحابة وفیهم الرجلان بخضوعه وخشوعه فی صلاته ، وإعجابهم بتعبّده واجتهاده ، وفی المخبرین أبو بکر نفسه ، غیر أنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم عرف بواسع علمه النبویّ أنّ کلّ ذلک عن دهاء وتصنّع یرید به إغراء الدهماء للحصول علی أُمنیّته الفاسدة التی لم یتمکّن منها إلاّ علی عهد الخوارج فأراد صلی الله علیه وآله وسلم قمع تلک الجرثومة الخبیثة بقتله ، ولقد أراد صلی الله علیه وآله وسلم تعریف الناس بالرجل وإیقافهم علی ما انطوت علیه أضالعه فاستحفاه عمّا دار فی خَلَده حین وقف علی القوم وفیهم النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وأراد أن یعلموا أنّه یجد نفسه خیراً أو أفضل منهم ومنه صلی الله علیه وآله وسلم.

أیّ کافر هذا یجب قتله لا سیّما بعد قوله صلی الله علیه وآله وسلم : «إنّ فی وجهه لسفعة من الشیطان»؟ وأیّ شقیّ هذا یقف علی المنتدی وقد ضمّ صدره نبیّ العظمة ولم یسلّم؟ وأیّ صفیق یُعرب عن سوء ما هجس فی ضمیره بکلّ صراحة ، غیر محتشم عن موقفه ، ولا مکترث لمقاله؟.

نعم ؛ لذلک کلّه أمر صلی الله علیه وآله وسلم بقتله وهو لا ینطق عن الهوی إن هو إلاّ وحی یوحی ، لکنّ الشیخین رأفا به حین وجداه یصلّی تثبّتاً علی المبدأ ، وتحفّظاً علی کرامة الصلاة ومن أتی بها ، وزاد عمر : إنّ أبا بکر خیر منّی ولم یقتله. أو لم یکن النبیّ الآمر بقتله خیراً منهما؟ أو لم یکن هو مشرّع الصلاة والآتی بحرمتها؟ أو لم یکن مصدّقاً

ص: 293

لدی الصدّیق وصاحبه فی قوله حول الرجل وإعرابه عن نوایاه؟

کان خیراً للشیخین أن یترکا هذا التعلّل الواضح فساده ویتعلّلا بما فی لفظ أبی نعیم فی الحلیة من أنّهما هابا أن یقتلاه ، وبما أسلفناه عن ثمار القلوب للثعالبی من أنّهما کعّا عن الرجل. أی جبنا وضعفا وتهیّبا الرجل ، وإن کان مصلّیاً غیر شاک السلاح ، فلعلّه یکون معذّراً لهما عن ترک الامتثال ، فلا یکلّف الله نفساً إلاّ وسعها ، لکنّهما یوم عرفا نفسهما کذلک والإنسان علی نفسه بصیرة ولو ألقی معاذیره لما ذا أقدما علی قتل الرجل ، ففوّتا علی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم طلبته وعلی الأمّة السلام والأمن ولو بعد لأی من عمر الدهر عند ثورات الخوارج؟ وأبو بکر هذا هو الذی یحسبه ابن حزم والمحبّ الطبری والقرطبی والسیوطی أشجع الناس کما مرّ (ص 201) وقد یهابه ظلّ الرجال فی مصلاّهم!

وللرجل - ذی الثُدیّة - سابقة سوء عند الشیخین من یوم قسم رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم غنیمة هوازن ، قال ذو الثدیّة للنبیّ صلی الله علیه وآله وسلم : لم أرک عدلت! أو : لم تعدل هذه قسمة ما أُرید بها وجه الله! فغضب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وقال : «ویحک إذا لم یکن العدل ، عندی فعند من یکون؟» فقال عمر : یا رسول الله ألا أقتله؟ قال : «لا ، سیخرج من ضئضئ هذا الرجل قوم یخرجون من الدین کما یخرج السهم من الرمیّة لا یجاوز إیمانهم تراقیهم». تاریخ أبی الفداء (1 / 148) ، الإمتاع للمقریزی (ص 425).

- 5 -

تهالک الخلیفة فی العبادة

لم یؤثر عن الخلیفة دأب علی العبادة علی العهد النبویّ أو بعده غیر أشیاء لا تُنجع من أثبتها له إلاّ بعد تمحّل متطاول ، أو تفلسف فی القول لو أجْدَت الفلسفة علی لا شیء.

ص: 294

روی المحبّ الطبری فی الریاض النضرة (1) (1 / 133) : أنّ عمر بن الخطّاب أتی إلی زوجة أبی بکر بعد موته ، فسألها عن أعمال أبی بکر فی بیته ما کانت ، فأخبرته بقیامه فی اللیل وأعمال کان یعملها ، ثمّ قالت : إلاّ إنّه کان فی کلّ لیلة جمعة یتوضّأ ویصلّی [ العشاء ] (2) ثمّ یجلس مستقبل القبلة رأسه علی رکبتیه ، فإذا کان وقت السحر رفع رأسه وتنفّس الصعداء ، فیشمّ فی البیت روائح کبدٍ مشویٍ. فبکی عمر وقال : أنّی لابن الخطّاب بکبدٍ مشویّ.

وفی مرآة الجنان (1 / 68) : جاء أنّ أبا بکر کان إذا تنفّس یشمّ منه رائحة الکبد المشویّة.

وفی عمدة التحقیق للعبیدی المالکی (3) (ص 135) : لمّا مات أبو بکر الصدّیق رضی الله عنه واستخلف عمر رضی الله عنه کان یتبع آثار الصدّیق رضی الله عنه ، ویتشبّه بفعله ، فکان یتردّد کلّ قلیل إلی عائشة وأسماء رضی الله تعالی عنهما ویقول لهما : ما کان یفعل الصدّیق إذا خلا بیته ، لیلاً؟ فیقال له : ما رأینا له کثیر صلاة باللیل ولا قیام ، إنّما کان إذا جنّه اللیل یقوم عند السحر ویقعد القرفصاء ، ویضع رأسه علی رکبتیه ثمّ یرفعها إلی السماء ویتنفّس الصعداء ویقول : أخ ، فیطلع الدخان من فیه ، فیبکی عمر ویقول : کلّ شیء یقدر علیه عمر إلا الدخان. فقال :

وأصل ذلک أن شدّة خوفه من الله تعالی أوجبت احتراق قلبه ، فکان جلیسه یشمّ منه رائحة الکبد المشوی ، وسببه أنّ الصدّیق لم یتحمل أسرار النبوّة الملقاة إلیه ، وفی الحدیث : «أنا أعلمکم بالله وأخوفکم منه» ، فالمعرفة التامّة تکشف عن جلال المعروف وجماله ، وکلاهما أمر عظیم جدّا ، تتقطّع دونه الغایات ، ولولا أنّ الله تعالی 0.

ص: 295


1- الریاض النضرة : 1 / 168.
2- ما بین المعقوفین زیادة من المصدر.
3- عمدة التحقیق : ص 230.

ثبّت من أراد ثباته وقوّاه علی ذلک ، ما استطاع أحد الوقوف ذرّة علی کلیهما جلالاً وجمالاً ، والغایة فی الطرفین قد نالها الصدّیق رضی الله عنه ، فقد ورد : ما صُبّ فی صدری شیء إلاّ صببته فی صدر أبی بکر. ولو صبّه جبریل علیه السلام فی صدر أبی بکر ما أطاقه ، لعدم مجراه من المماثل ، لکن لما صبّ فی صدر النبی صلی الله علیه وآله وسلم وهو من جنس البشریّة ، فجری فی قناة مماثلة للصدّیق ، فبواسطتها أطاق حمله ، ومع ذلک احترق قلبه.

وروی الترمذی الحکیم فی نوادر الأصول (1) (ص 31 و 261) ، عن بکر بن عبد الله المزنی قال : لم یفضل أبو بکر رضی الله عنه الناس بکثرة صوم ولا صلاة ، إنّما فضلهم بشیء کان فی قلبه. وذکر أبو محمد الأزدی فی شرح مختصر صحیح البخاری (2 / 41 ، 105 و 3 / 98 و 4 / 63) ، والشعرانی فی الیواقیت والجواهر (2) (2 / 221) ، والیافعی فی مرآة الجنان (1 / 68) ، والصفوری فی نزهة المجالس (2 / 183) : أنّ فی الحدیث : ما فضلکم أبو بکر بکثرة صوم ولا صلاة ولکن بشیء وقر فی صدره.

قال الأمینی : لو صحّ حدیث الکبد المشوی لوجب اطّراده فی الأنبیاء والرسل ویقدمهم سیّد المرسلین محمد صلی الله علیه وآله وسلم لأنّهم أخوف من الله من أبی بکر وخاتم النبیّین أخوفهم ، ولوجب أن تکون الرائحة فیهم أشدّ وأنشر ، فإنّ الخوف فرع الهیبة المسبّبة عن إحاطة العلم بما هناک من عظمة وقهر وجبروت ومنعة ، وینبئنا عن ذلک قوله تعالی : (إِنَّما یَخْشَی اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) (3) قال ابن عبّاس : یرید إنّما یخافنی من خلفی من علم جبروتی وعزّتی وسلطانی. وقیل : عظّموه وقدّروا قدره ، واخشوه حقّ خشیته ، ومن ازداد به علماً ازداد به خشیة. تفسیر الخازن (4) (3 / 525). 9.

ص: 296


1- نوادر الأصول : 1 / 88 الأصل : 21 و 2 / 98 الأصل : 220.
2- الیواقیت والجواهر : 2 / 73.
3- فاطر : 28.
4- تفسیر الخازن : 3 / 499.

وفی الحدیث : «أعلمکم بالله أشدّکم له خشیة». تفسیر ابن جزی (3 / 158).

وفی خطبة له صلی الله علیه وآله وسلم : «فو الله إنّی لأعلمهم بالله وأشدّهم له خشیة» (1).

وفی خطبة أخری له صلی الله علیه وآله وسلم : «لو تعلمون ما أعلم لضحکتم قلیلاً ولبکیتم کثیراً» (2).

وقال مولانا أمیر المؤمنین : «أعلمکم أخوفکم». غرر الحکم للآمدی (3) (ص 62).

وقال مقاتل : أشدّ الناس خشیة لله أعلمهم. تفسیر الخازن (3 / 525).

وقال الشعبی ومجاهد : إنّما العالم من خشی الله (4).

وقال الربیع بن أنس : من لم یخش الله تعالی فلیس بعالم (5).

ومن هنا قوله صلی الله علیه وآله وسلم : «إنّی أعلمکم بالله وأخشاکم لله» (6) ولذلک تجد أنّ أزلف الناس إلی السلطان یتهیّبه أکثر ممّن دونه فی الزلفة. فتری الوزیر یکبره ویخافه أبلغ ممّن هو أدنی منه ، والأمر علی هذه النسبة فی رجال الوظائف ، حتی تنتهی إلی أبسطها کالشرطی مثلاً ، ثمّ إلی سائر أفراد الرعیة.

وهلمّ معی إلی الأولیاء والمقرّبین والمتهالکین فی الخشیة من الله والمتفانین فی ف)

ص: 297


1- صحیح مسلم [ 4 / 508 ح 127 ] کتاب المناقب - باب علمه بالله وشدّة خشیته ، تفسیر الخازن : 3 / 525 [ 3 / 499 ]. (المؤلف)
2- صحیح البخاری [ 5 / 2379 ح 6120 ، 6121 ] کتاب الرقاق. باب لو تعلمون ما أعلم ، مسند أحمد : 6 / 164 [ 7 / 236 ح 24784 ] ، تیسیر الوصول : 2 / 26 [ 2 / 33 ] ، تفسیر الخازن : 3 / 525 [ 3 / 499 ]. (المؤلف)
3- غرر الحکم ودرر الکلم : ص 63 ح 785.
4- تفسیر القرطبی : 14 / 343 [ 14 / 219 ] ، تفسیر الخازن : 3 / 525 [ 3 / 449 ]. (المؤلف)
5- تفسیر القرطبی : 14 / 343 [ 14 / 219 ] ، تفسیر الخازن : 3 / 525 [ 3 / 449 ]. (المؤلف)
6- تفسیر البیضاوی : 2 / 302 [ 2 / 272 ] ، اللمع لأبی نصر : ص 96 [ ص 134 ]. (المؤلف)

العبادة وفی مقدّمهم سیّدهم مولانا أمیر المؤمنین علیّ علیه السلام الذی کان فی حلک الظلام یتململ تململ السلیم ، ویبکی بکاء الحزین ، ویتأوّه ویتفوّه بما ینمّ عن غایة الخوف والخشیة ، وهو قسیم الجنة والنار بنصّ من الرسول الأمین کما مرّ فی الجزء الثالث (ص 299) ، وکان یُغشی علیه عدّة غشوات فی کلّ لیلة ، ولم یشم أحد منه ولا منهم رائحة الکبد المشوی.

ولو اطّرد ما یزعمونه لوجب تکیّف الفضاء من لدن آدم إلی عهد الخلیفة بتلک الرائحة المنتشرة من تلکم الأکباد المشویّة ، ولاسودّ وجه الدنیا بذلک الدخان المتصاعد من الأکباد المحترقة.

أیحسب راوی هذه المهزأة أنّ علی کبد المختشی ناراً موقدة یعلوها ضرم ، ویتولّد منها دخان؟ فلِمَ لم تُحرق ما فی الحشا کلّه ویکون إنضاجها مقصوراً علی الکبد فحسب؟ وهل للکبد حال المعذّبین الذی کلّما نضجت جلودهم بدّلوا جلوداً أخری؟ وإلاّ فالعادة قاضیة بفناء الکبد بذلک الحریق المتواصل.

وإن تعجب فعجب بقاء الإنسان بعد فناء کبده ، ولعلّک إذا أحفیت الراوی السؤال عن هذه لأجابک بأنّها کلّها معاجز تخصّ بالخلیفة.

وأحسب أنّ صاحب المزاعم من المتطفّلین علی موائد العربیّة ؛ فإنّ العربیّ الصمیم جدّ علیم بکثیر الکنایة والاستعارة فی لغة الضاد ، فإذا قالوا : إنّ نار الخوف أحرقت فلاناً لا یریدون لهباً متّقداً یصعد منه الدخان أو تشمّ منه رائحة شیّ الأکباد ، وإنّما یعنون لهفةً شدیدة ، وحرقةً معنویّة تشبّه بالنیران.

وأمّا ما سرده العبیدی من فلسفة ذلک الحریق فی کبد الخلیفة فإنّها من الدعاوی الفارغة وفیها الغلوّ الفاحش ، وإن شئت قلت : إنّما هی أوهام لم تقم لها حجّة ، ولیس من السهل أن یدعمها ببرهنة یمسکها عن التزحزح ، فهی کالریشة فی

ص: 298

مهبّ الریح تجاه حجاج المجادل ، وو جاه سیرة الخلیفة نفسه ، وما عزاه إلی الروایة من حدیث خرافة : ما صبّ الله فی صدری شیئاً إلاّ وصببته فی صدر أبی بکر. فهو علی تنصیص العلماء علی وضعها کما مرّ فی (5 / 316) لا یلزم به الخصم ، ولا یثبت به المدّعی ، وفیه من سرف القول ما لا یخفی علی العارف بالرجال وتاریخهم.

- 6 -

تبرّز الخلیفة فی الأخلاق

لم نقف من أخلاقیّات الخلیفة علی شیء یرفع الإنسان من هذه الناحیة عدا ما فی صحیح البخاری فی کتاب التفسیر من طریق ابن أبی ملیکة عن عبد الله بن الزبیر قال : قدم رکب من بنی تمیم علی النبی صلی الله علیه وآله وسلم قال أبو بکر : أمّر القعقاع بن معبد ، وقال عمر : أمّر الأقرع بن حابس (1). فقال أبو بکر : ما أردت إلاّ خلافی ، فقال عمر : ما أردت خلافک ، فتماریا حتی ارتفعت أصواتهما ، فنزل فی ذلک : (یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَیْنَ یَدَیِ اللهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ سَمِیعٌ عَلِیمٌ) (2).

وأخرج البخاری من طریق ابن أبی ملیکة أیضاً ، قال : کاد الخیّران أن یهلکا أبو بکر وعمر ، رفعا أصواتهما عند النبی صلی الله علیه وآله وسلم حین قدم علیه رکب بنی تمیم ، فأشار أحدهما بالأقرع بن حابس أخی بنی مجاشع ، وأشار الآخر برجل آخر. قال نافع : لا أحفظ اسمه. فقال أبو بکر لعمر : ما أردت إلاّ خلافی ، قال : ما أردت خلافک ، فارتفعت أصواتهما فی ذلک ، فأنزل الله : (یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَکُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِیِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ کَجَهْرِ بَعْضِکُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ 1.

ص: 299


1- الأقرع بن حابس هو ذلک الأعرابی الذی رآه النبی صلی الله علیه وآله وسلم وهو یبول فی المسجد ، وقد أخرج حدیثه البخاری فی صحیحه [ 4 / 1834 ح 4566 ] ، راجع إرشاد الساری : 1 / 284 [ 1 / 520 ] (المؤلف)
2- الحجرات : 1.

أَعْمالُکُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ) (1) (2).

قال الأمینی : ألا تعجب من الرجلین أنّهما طیلة مصاحبتهما هذا النبی المعظّم صلی الله علیه وآله وسلم لم یحدُهما التأثّر بأخلاقه الکریمة إلی الحصول علی أدب محاضرة العظماء والمثول بین أیدیهم لا سیّما هذا العظیم ، العظیم خلقه بنصّ الذکر الحکیم ، وما عرفا أنّ الکلام بین یدیه لا بدّ أن یکون تخافتاً وهمساً إکباراً لمقامه وإعظاماً لمرتبته. وأن لا یتقدّم أحد إلیه بالکلام إلاّ أن یکون جواباً عن سؤال ، أو ما ینمّ عن امتثال أمر ، أو إخباراً عن مهمّة ، أو سؤالاً عن حکم لکنّهما تقدّما بالکلام الخارج عن ذلک کلّه ، وتماریا واحتدم الحوار بینهما ، وارتفعت أصواتهما فی ذلک ، وکاد الخیّران أن یهلکا حتی جعلا أعمالهما فی مظنّة الإحباط ، فنزلت الآیة الکریمة.

وما أخرجه ابن عساکر (3) عن المقدام أنّه قال : استبّ عقیل بن أبی طالب وأبو بکر وکان أبو بکر سبّاباً. وکأنّ ابن حجر استشعر من هذه الکلمة ما لا یروقه فقال : سبّاباً أو نسّاباً ، لکن الرجل أنصف فی التردید وقد جاء بعده السیوطی فحذف کلمة : سبّاباً وجعلها نسّاباً بلا تردید (4) ، والمنقّب یعلم أنّ لفظة (نسّاباً) لا صلة لها بقوله استبّا بل المناسب کونه سبّاباً ، وکأن الراوی یرید بذلک أنّه فاق عقیلاً بالسبّ لأنّه کان مَلَکة له ، وإن کان یسع المحوّر أن یقول بإرادة کونه نسّاباً أنّه کان عارفاً بحلقات الأنساب ومواقع الغمز فیها ، فکان إذا استبّ یطعن مستابّه فی عرضه ونسبه ، لکنّه لا یجدی المتمحّل نفعاً فإنّه من أشنع مصادیق السبّ ، وفیه القذف وإشاعة الفحشاء. ف)

ص: 300


1- صحیح البخاری : 7 / 225 [ 4 / 1833 ح 4564 ] ، الاستیعاب فی ترجمة القعقاع : 2 / 535 [ القسم الثالث / 1284 رقم 2122 ] ، تفسیر القرطبی : 16 / 300 [ 16 / 198 ] ، ابن کثیر : 4 / 206 ، تفسیر الخازن : 4 / 172 [ 4 / 164 ] ، الاصابة : 1 / 58 [ رقم 231 ] ، 3 / 240 [ رقم 7128 ]. (المؤلف)
2- تاریخ مدینة دمشق : 30 / 110 رقم 3398.
3- تاریخ مدینة دمشق : 9 / 582.
4- الصواعق : ص 43 [ ص 72 ] ، تاریخ الخلفاء : ص 37 [ ص 50 ]. (المؤلف)

ویظهر من لفظ الحدیث کما فی الخصائص الکبری (1) (2 / 86) ؛ أنّ السباب بین أبی بکر وعقیل کان بمحضر من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، وکان ذلک فی أخریات أیّامه صلی الله علیه وآله وسلم.

ومن شواهد کونه سبّاباً - وسباب المسلم فسوق (2) - ما مرّ فی صفحة (153) من قوله للسائل عن القدر : یا ابن اللخناء. وقوله لعمر : ثکلتک أمّک وعدمتک یا ابن الخطّاب ، لمّا بلّغه طلب الأنصار أن یولّی علیهم رجلاً أقدم سنّا من أسامة ، فأخذ بلحیته فقال : استعمله رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وتأمرنی أن أنزعه (3).

علی أنّه وهم فی قوله هذا من ناحیتین :

إحداهما : أنّ الذی یجب أن لا یعزل من منصوبی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم هو الخلیفة فحسب لا یتسرّب إلیه الرأی والمقاییس ، کما لا یتطرّقان إلی الأحکام والسنن المشرّعة ، لأنّه صلی الله علیه وآله وسلم نصبه یوم نصب بأمر من المولی سبحانه رئیساً عالمیّا مدی أمد حیاته ، کما أنّه شرّعها أحکاماً عالمیّة مدی أمد الدهر. بخلاف أُمراء الجنود والولاة والعمّال فإنّه صلی الله علیه وآله وسلم کان یولّیهم الأمر لمصالح وقتیّة بعد الفراغ من تأهّلهم للإمارة والولایة والعمل ، وإذا انقضی ظرف المصلحة أو تبدّلت بأخری أو سلب التأهّل من أحدهم کان یزحزحه من عمل إلی عمل ، أو یسقطه عن الوظیفة نهائیّا ، أو إلی أمد تعود بعده إلیه جدارته ، وکذلک شأن الخلیفة من بعده فإنّه قائم مقامه صلی الله علیه وآله وسلم وله ف)

ص: 301


1- الخصائص الکبری : 2 / 145.
2- مسند أحمد : 1 / 411 [ 1 / 679 ح 3893 ] ، سنن ابن ماجة : 2 / 461 [ 2 / 1299 - 1300 ح 3939 - 3941 ] ، تاریخ الخطیب : 5 / 144 [ رقم 2577 ] ، وصحّحه السیوطی فی الجامع الصغیر [ 2 / 40 - 41 ح 4633 ، 4634 ] ، وقال النووی فی ریاض الصالحین : ص 323 [ ص 518 ح 1562 ] متّفق علیه. (المؤلف)
3- التمهید للباقلانی : ص 193 ، تاریخ الطبری : 3 / 212 [ 3 / 226 حوادث سنة 11 ه ] ، تاریخ ابن عساکر : 1 / 117 [ 2 / 50 ] ، وفی مختصر تاریخ دمشق [ 1 / 171 ] ، الکامل لابن الاثیر : 2 / 139 [ 2 / 17 حوادث سنة 11 ه ] ، تاریخ ابی الفداء : 1 / 156 ، الروض الأُنف : 2 / 375 [ 7 / 583 ]. (المؤلف)

النصب والنزع ، والخفض والرفع ، ولذلک أمّر أبو بکر نفسه خالد بن سعید علی مشارق الشام فی الردّة ، وکان قد استعمله النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم علی ما بین زمع وزبید إلی حدّ نجران أو علی صدقات مذحج ومات صلی الله علیه وآله وسلم وهو علی عمله.

واستعمل أبو بکر نفسه أیضاً یعلی بن أُمیّة علی حلوان ، ثمّ عمل لعمر علی بعض الیمن ، ثمّ استعمله عثمان علی صنعاء ، وکان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قد استعمله علی الجند وتوفّی وهو علی عمله.

واستعمل أبو بکر عکرمة علی عمان ثمّ عزله واستعمل علیها حذیفة بن محصن وکان قد استعمل رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم عمرو بن العاص علی عمان فمات رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وهو أمیرها ، واستعمل عکرمة علی صدقات هوازن عام وفاته.

واستعمل عمر عثمان بن أبی العاص علی عمان والبحرین سنة (15) ، وکان قد استعمله النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم علی الطائف وأقرّه أبو بکر بعد وفاته صلی الله علیه وآله وسلم.

واستعمل عمر عبد الله بن قیس أبا موسی الأشعری علی البصرة ، ثمّ عزله عثمان وأقرّه علی الکوفة ، ثمّ عزله علیّ علیه السلام عنها ، وکان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ولاّه مخالیف الیمن.

وقال أبو الفدا فی تاریخه (1 / 166) : أقرّ عثمان ولاة عمر سنةً ؛ لأنّه کان أوصی بذلک ثمّ عزل المغیرة بن شعبة عن الکوفة ، وولاّها سعد بن أبی وقاص ثمّ عزله ، وولّی الکوفة الولید بن عقبة وکان أخا عثمان من أُمّه.

راجع (1) : تاریخ الطبری ، والکامل لابن الأثیر ، والاستیعاب ، وأُسد الغابة ، وتاریخ أبی الفداء ، وتاریخ ابن کثیر ، والإصابة ، وغیرها من کتب التاریخ ومعاجم التراجم. 4.

ص: 302


1- تاریخ الأمم والملوک : 4 / 244 حوادث سنة 24 ه ، الکامل فی التاریخ : 2 / 229 حوادث سنة 24 ه ، الاستیعاب : القسم الثانی / 640 رقم 963 ، أُسد الغابة : 5 / 452 رقم 5468 ، البدایة والنهایة : 7 / 168 حوادث سنة 24 ه ، الإصابة : 2 / 34 رقم 3194.

وکم وکم لهؤلاء الولاة المذکورین من نظیر ، فلیس أُسامة ببدع من هؤلاء ، وإنّما هو کأحدهم ، له مالهم وعلیه ما علیهم.

فاقتصار الخلیفة فی الحِجاج بنصب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أسامة فی غیر محلّه ، إلاّ أن یقیّده بأنّ ما ارتآه صلی الله علیه وآله وسلم من المصلحة یوم ذلک باقیة بعد من غیر حاجة إلی أیّ من القول والفعل اللذین ارتکبهما.

الناحیة الثانیة : أنّ طلبة الأنصار هذه متّخذه عن عمل الخلیفة نفسه وصاحبیه ، حیث قدّماه یوم السقیفة بکبر سنّه وشیبته کما مرّ فی صفحة (91 ، 92) فلا غضاضة علی الأنصار إذن أن یتحرّوا للإمارة علیهم من هو أقدم سنّا من أُسامة تأسّیا بالخلافة.

وإذا کان تولیة الرسول صلی الله علیه وآله وسلم أُسامة للقیادة مانعة عن نزعه فما بال منصوبه صلی الله علیه وآله وسلم للخلافة یوم غدیر خمّ بمشهد من مائة ألف أو یزیدون ، وفی مواقف أُخری متکثّرة یعزل عن الأمر؟ ولا منکر یصاخ إلیه ، ولا وازع یسمع منه ، هب أنّ قیساً أخذ بلحیة عمر یوم ذاک کما أخذ بها أبو بکر یوم أُسامة ، واحتجّ آخرون لأمیر المؤمنین علیه السلام واحتدم الحوار ، لکن : لا رأی لمن لا یطاع.

نعم ، أخرج ابن حبّان (1) فی خلق الخلیفة من طریق إسماعیل بن محمد الکذّاب الوضّاع مرفوعاً عن جبرئیل أنّه قال : أبو بکر لفی السماء أشهر منه فی الأرض ، فإنّ الملائکة لتسمّیه حلیم قریش. انتهی. وقد أسلفناه فی الجزء الخامس (ص 344) وبینّا هناک بأنه کذب موضوع.

ولو کان الخلیفة حلیم قریش أو کان یرث النبیّ الأعظم شیئاً فی خلقه العظیم ؛ لما توفّیت بضعته الطاهرة سلام الله علیها وهی واجدة علیة من جرّاء ما تلقّت منه من 1.

ص: 303


1- کتاب المجروحین : 1 / 131.

غلظةٍ وعنف فی کشفِ بیتها الذی تمنّی ترکه عند وفاتهِ ولم یکن یأمر بقتال من فیه (1) ، الی هناتٍ وهنات.

أخرج البخاری فی باب فرض الخمس (2) (5 / 5) ، عن عائشة : أنّ فاطمة علیها السلام ابنة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم سألت أبا بکر الصدّیق رضی الله عنه بعد وفاة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أن یقسم لها میراثها ، ما ترک رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ممّا أفاء الله علیه ، فقال لها أبو بکر : إنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قال : لا نُورَث ، ما ترکنا صدقة. فغضبت فاطمة بنت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فهجرت أبا بکر ، فلم تزل مهاجرتهُ حتی توفّیت.

وأخرج فی الغزوات باب غزوة خیبر (3) (6 / 196) ، عن عائشة قالت : إنّ فاطمة ... إلی أن قالت : فأبی أبو بکر أن یدفع إلی فاطمة منها شیئاً ، فوجدت فاطمة علی أبی بکر فی ذلک ، فهجرته فلم تکلّمه حتی توفّیت ، وعاشت بعد النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ستّة أشهر ، فلمّا توفّیت دفنها زوجها علیّ لیلاً ، ولم یؤذِن بها أبا بکر ، وصلّی علیها.

ویوجد الحدیث (4) فی صحیح مسلم (2 / 72) ، مسند أحمد (1 / 6 ، 9) ، تاریخ الطبری (3 / 202) ، مشکل الآثار للطحاوی (1 / 48) ، سنن البیهقی (6 / 300 ، 301) ، کفایة الطالب (ص 226) ، تاریخ ابن کثیر (5 / 285). وقال فی (6 / 333) : لم تزل فاطمة تبغضه مدّة حیاتها ، وذکره بلفظ الصحیحین الدیاربکری فی تاریخ الخمیس (2 / 193).

ولأیّ الأُمورِ تُدفنُ لیلاً

بَضعةُ المصطفی ویُعفی ثراها.

ص: 304


1- راجع صفحة : 77 و 174. (المؤلف)
2- صحیح البخاری : 3 / 1126 ح 2926.
3- صحیح البخاری : 4 / 1549 ح 3998.
4- صحیح مسلم : 4 / 29 ح 52 ، مسند أحمد : 1 / 13 ح 26 ، وص 18 ح 56 ، تاریخ الأمم والملوک : 3 / 208 حوادث سنة 11 ه ، کفایة الطالب : ص 370 ، البدایة والنهایة : 5 / 306 حوادث سنة 11 ه و 6 / 366 حوادث سنة 11 ه.

بلغت من موجدتها أنّها أوصت بأن تُدفَن لیلاً ، وأن لا یدخل علیها أحد ، ولا یصلّی علیها أبو بکر ، فدفنت لیلاً ولم یشعر بها أبو بکر ، وصلّی علیها علیّ وهو الذی غسّلها مع أسماء بنت عمیس (1).

وقال الواقدی کما فی السیرة الحلبیّة (2) (3 / 390) : ثبت عندنا أنّ علیّا - کرّم الله وجهه دفنها لیلاً وصلّی علیها ومعه العبّاس والفضل ، ولم یُعلموا بها أحداً.

وقال ابن حجر فی الإصابة (4 / 379) ، والزرقانی فی شرح المواهب (3 / 207) : روی الواقدی من طریق الشعبی قال : صلّی أبو بکر علی فاطمة. وهذا فیه ضعف وانقطاع ، وقد روی بعض المتروکین عن مالک عن جعفر بن محمد عن أبیه نحوه ووهّاه الدارقطنی وابن عدی (3) ، وقد روی البخاری عن عائشة : أنّها لمّا توفّیت دفنها زوجها علیّ لیلاً ، ولم یؤذن بها أبا بکر ، وصلّی علیها.

قال الأمینی : حدیث مالک عن جعفر بن محمد أسلفناه فی الجزء الخامس صحیفة (350) ولفظه : توفّیت فاطمة لیلاً ، فجاء أبو بکر وعمر وجماعة کثیرة ، فقال أبو بکر لعلیّ : تقدّم فصلِّ. قال : لا والله لا تقدّمت وأنت خلیفة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، فتقدّم أبو بکر فصلّی أربعاً. وقد بیّنا هنالک أنّه من موضوعات عبد الله بن محمد القدامی المصّیصی کما عدّه الذهبی فی المیزان (4) (2 / 7) من مصائبه. 4.

ص: 305


1- طبقات ابن سعد : 8 / 29 - 30 ، رسائل الجاحظ : ص 300 [ ص 467 الرسائل السیاسیة ] ، حلیة الأولیاء : 2 / 43 ، مستدرک الحاکم : 3 / 163 [ 3 / 178 - 179 ح 4764 و 4769 ] ، طرح التثریب : 1 / 150 ، أُسد الغابة : 5 / 254 [ 7 / 226 رقم 7175 ] ، الاستیعاب : 2 / 751 [ القسم الرابع / 1897 - 1898 رقم 4057 ] ، مقتل الخوارزمی : 1 / 83 ، إرشاد الساری للقسطلانی : 6 / 362 [ 8 / 279 ] ، الإصابة : 4 / 378 ، 380 [ رقم 830 ] ، تاریخ الخمیس : 1 / 313 [ 1 / 277 - 278 ]. (المؤلف)
2- السیرة الحلبیّة : 3 / 361.
3- الکامل فی ضعفاء الرجال : 4 / 258 رقم 1092.
4- میزان الاعتدال : 2 / 488 رقم 4544.

ومن جرّاء تلک الموجدة منعت عن أن تدخلها یوم ذاک عائشة کریمة أبی بکر فضلاً عن أبیها ، فجاءت تدخل فمنعتها أسماء فقالت : لا تدخلی. فشکت إلی أبی بکر وقالت : هذه الخثعمیّة تحول بیننا وبین بنت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، فوقف أبو بکر علی الباب وقال : یا أسماء ما حملک علی أن منعت أزواج النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم أن یدخلن علی بنت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، وقد صنعتِ لها هودج العروس؟ قالت : هی أمرتنی أن لا یدخل علیها أحد ، وأمرتنی أن أصنع لها ذلک.

راجع (1) : الاستیعاب (2 / 772) ، ذخائر العقبی (ص 53) ، أُسد الغابة (5 / 524) ، تاریخ الخمیس (1 / 313) ، کنز العمّال (7 / 114) ، شرح صحیح مسلم للسنوسی (6 / 281) ، شرح الآبی لمسلم (6 / 282) ، أعلام النساء (3 / 1221)

اعتذار الخلیفة إلی الصدّیقة :

هذه المذکورات کلّها وبعض سواها تکذّب ما اختلقته رماة القول علی عواهنه من روایة الشعبی أنّه قال : جاء أبو بکر إلی فاطمة وقد اشتدّ مرضها فاستأذن علیها فقال لها علیّ : هذا أبو بکر علی الباب یستأذن فإن شئت أن تأذنی له؟ قالت : أوَذاک أحبّ إلیک؟ قال : نعم. فدخل فاعتذر إلیها وکلّمها فرضیت عنه.

وعن الأوزاعی قال : بلغنی أنّ فاطمة بنت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم غضبت علی أبی بکر فخرج أبو بکر حتی قال علی بابها فی یوم حارّ ، ثمّ قال : لا أبرح مکانی حتی ترضی عنّی بنت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فدخل علیها علیّ فأقسم علیها لترضی ، فرضیت (2).ف)

ص: 306


1- الاستیعاب : القسم الرابع / 1897 - 1898 رقم 4057 ، أُسد الغابة : 7 / 226 رقم 7175 ، تاریخ الخمیس : 1 / 277 ، کنز العمّال : 13 / 686 ح 37756 ، أعلام النساء : 4 / 131.
2- الریاض النضرة : 2 / 120 [ 1 / 152 ] ، تاریخ ابن کثیر : 5 / 289 [ 5 / 310 حوادث سنة 11 ه ]. (المؤلف)

ما قیمة هذه الروایة تجاه تلکم الصحاح؟ ولا یوجد لها أثر فی أیّ أصل من أصول الحدیث ومسانید الحفّاظ ، وقد بلغت إلی الأوزاعی المتوفّی (157) وأرسل بها الشعبی المتوفّی (104 ، 107 ، 109 ، 110) ولا یعرف من بلّغها ، ومن أتی بها ، ومن أوحاها إلی الرجلین.

نعم ؛ تساعد نصوص الصحاح ما أتی به ابن قتیبة والجاحظ ؛ قال الأوّل : إنّ عمر قال لأبی بکر : انطلق بنا إلی فاطمة ، فإنّا قد أغضبناها ، فانطلقا جمیعاً فاستأذنا علی فاطمة فلم تأذن لهما فأتیا علیّا فکلّماه ، فأدخلهما علیها ، فلمّا قعدا عندها حوّلت وجهها إلی الحائط ، فسلّما علیها ، فلم تردّ علیهما السلام ، فتکلّم أبو بکر فقال : یا حبیبة رسول الله والله إنّ قرابة رسول الله أحبّ إلیّ من قرابتی ، وإنّکِ لأحبّ إلیّ من عائشة ابنتی ، ولوددت یوم مات أبوکِ أنّی متّ ولا أبقی بعده ، أفتُرانی أعرفکِ وأعرف فضلکِ وشرفکِ وامنعکِ حقّکِ ومیراثکِ من رسول الله؟ إلاّ أنّی سمعت أباک رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول : لا نُورَث ، ما ترکنا فهو صدقة. فقالت : «أرأیتکما إن حدّثتکما حدیثاً عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم تعرفانه وتفعلان به؟» فقالا : نعم : فقالت : «نشدتکما الله ألم تسمعا رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول : رضا فاطمة من رضای ، وسخط فاطمة من سخطی ، فمن أحبّ فاطمة ابنتی فقد أحبّنی ، ومن أرضی فاطمة فقد أرضانی ، ومن أسخط فاطمة فقد أسخطنی؟» قالا : نعم سمعناه من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم. قالت : «فإنّی أُشهدُ الله وملائکته أنّکما أسخطتمانی وما أرضیتمانی ، ولئن لقیت النبیّ لأشکونّکما إلیه». فقال أبو بکر : أنا عائذ بالله تعالی من سخطه وسخطک یا فاطمة. ثمّ انتحب أبو بکر یبکی حتی کادت نفسه أن تزهق ، وهی تقول : «والله لأدعونّ علیک فی کلّ صلاة أُصلّیها» ، ثمّ خرج باکیاً فاجتمع الناس إلیه ، فقال لهم : یبیت کلّ رجل [ منکم ] (1) معانقاً حلیلته مسروراً بأهله وترکتمونی وما أنا ر.

ص: 307


1- ما بین المعقوفین أثبتاه من المصدر.

فیه ، لا حاجة لی فی بیعتکم ، أقیلونی بیعتی (1).

وقال الجاحظ فی رسائله (2) (ص 300): وقد زعم أناس أنّ الدلیل علی صدق خبرهما - یعنی أبا بکر وعمر - فی منع المیراث وبراءة ساحتهما ترک أصحاب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم النکیر علیهما .. قد یقال لهم : لئن کان ترک النکیر دلیلاً علی صدقهما ، إنّ ترک النکیر علی المتظلّمین والمحتجّین علیهما والمطالبین لهما دلیل علی صدق دعواهم ، أو استحسان مقالتهم ، ولا سیّما وقد طالت المناجاة وکثرت المراجعة والملاحاة ، وظهرت الشکیّة ، واشتدّت الموجدة ، وقد بلغ ذلک من فاطمة أنّها أوصت أن لا یصلّی علیها أبو بکر. ولقد کانت قالت له حین أتته مطالبة بحقّها ومحتجّة لرهطها : «من یرثک یا أبا بکر إذا متّ؟» قال : أهلی وولدی. قالت : «فما بالنا لا نرث النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم؟» (3) فلمّا منعها میراثها ، وبخسها حقّها واعتلّ علیها ، وجلح أمرها ، وعاینت التهضّم ، وأیست فی التورّع ، ووجدت نشوة الضعف وقلّة الناصر ، قالت : «والله لأدعونّ الله علیک». قال : والله لأدعونّ الله لک. قالت : «والله لا کلّمتک أبداً» قال : والله لا أهجرکِ أبداً. فإن یکن ترک النکیر علی أبی بکر دلیلاً علی صواب منعها ، فإنّ فی ترک النکیر علی فاطمة دلیلاً علی صواب طلبها؟ وأدنی ما کان یجب علیهم فی ذلک تعریفها ما جهلت ، وتذکیرها ما نسیت ، وصرفها عن الخطأ ، ورفع قدرها عن البذاء ، وأن تقول هجراً ، وتجوّر عادلاً ، أو تقطع واصلاً ، فإذا لم تجدهم أنکروا علی الخصمین جمیعاً فقد تکافأت الأُمور واستوت الأسباب ، والرجوع إلی أصل حکم الله فی المواریث أولی بنا وبکم ، وأوجب علینا وعلیکم.

فإن قالوا : کیف تظنّ به ظلمها والتعدّی علیها ، وکلّما ازدادت علیه غلظة ازداد ف)

ص: 308


1- الإمامة والسیاسة : 1 / 14 [ 1 / 20 ] ، أعلام النساء : 3 / 214 [ 4 / 123 - 124 ].(المؤلف)
2- رسائل الجاحظ [ ص 467 / الرسائل السیاسیة ].
3- هذا الحدیث أخرجه أحمد فی المسند : 1 / 10 [ 1 / 19 ح 61 ] ، والبلاذری فی فتوح البلدان : ص 38 [ ص 44 ] ، وابن کثیر فی تاریخه : 5 / 289 [ 5 / 309 حوادث سنة 11 ه ]. (المؤلف)

لها لیناً ورقّةً؟ حیث تقول له : «والله لا أکلّمک أبداً» فیقول : والله لا أهجرکِ أبداً. ثمّ تقول : «والله لأدعونّ الله علیک». فیقول : والله لأدعُوَنّ الله لکِ. ثمّ یتحمّل منها هذا الکلام الغلیظ والقول الشدید فی دار الخلافة وبحضرة قریش والصحابة مع حاجة الخلافة إلی البهاء والتنزیه وما یجب لها من الرفعة والهیبة ، ثمّ لم یمنعه ذلک عن أن قال معتذراً متقرّباً کلام المعظّم لحقّها ، المکبّر لمقامها ، الصائن لوجهها ، المتحنّن علیها : ما أحد أعزّ علیّ منک فقراً ، ولا أحبّ إلیّ منکِ غنی ، ولکن سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول : إنّا معاشر الأنبیاء لا نُورَث ما ترکناه فهو صدقة.

قیل لهم : لیس ذلک بدلیل علی البراءة من الظلم والسلامة من الجور ، وقد یبلغ من مکر الظالم ودهاء الماکر إذا کان أرباً وللخصومة معتاداً أن یظهر کلام المظلوم ، وذلّة المنتصف ، وحدب الوامق ، ومقت المحقّ. وکیف جعلتم ترک النکیر حجّة قاطعة ودلالةً واضحة؟ وقد زعمتم أنّ عمر قال علی منبره : متعتان کانتا علی عهد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : متعة النساء ومتعة الحجّ ، أنا أنهی عنهما وأُعاقب علیهما (1) ، فما وجدتم أحداً أنکر قوله ، ولا استشنع مخرج نهیه ، ولا خطّأه فی معناه ، ولا تعجّب منه ولا استفهمه.

وکیف تقضون بترک النکیر؟ وقد شهد عمر یوم السقیفة وبعد ذلک أنّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم قال : «الأئمّة من قریش» (2) ثمّ قال فی شکایته : لو کان سالم حیّا ما تخالجنی فیه الشکّ (3) ، حین أظهر الشکّ فی استحقاق کلّ واحد من الستّة الذین ف)

ص: 309


1- راجع الجزء السادس من کتابنا هذا : ص 211. (المؤلف)
2- أخرجه غیر واحد من الحفّاظ وصحّحه ابن حزم فی الفصل : 4 / 89 فقال : هذه روایة جاءت مجیء التواتر ، ورواها أنس بن مالک وعبد الله بن عمر ومعاویة ، وروی جابر بن عبد الله وجابر بن سمرة وعبادة بن الصامت معناها ، ومما یدلّ علی صحة ذلک إذعان الأنصار له یوم السقیفة. (المؤلف)
3- أخرجه ابن سعد [ فی الطبقات الکبری : 3 / 343 ] ، والباقلاّنی [ فی التمهید : ص 204 ] ، وأبو عمر [ فی الاستیعاب : القسم الثانی / 568 رقم 881 ] ، والحافظ العراقی [ فی طرح التثریب : 1 / 49 ] کما مرّ : ص 144. (المؤلف)

جعلهم شوری وسالم عبد لامرأة من الأنصار وهی أعتقته وحازت میراثه ، ثمّ لم ینکر ذلک من قوله منکر ، ولا قابل إنسان بیّن قوله ولا تعجّب منه ، وإنّما یکون ترک النکیر علی من لا رغبة ولا رهبة عنده دلیلاً علی صدق قوله وصواب عمله ، فأمّا ترک النکیر علی من یملک الضعة والرفعة والأمر والنهی والقتل والاستحیاء والحبس والإطلاق فلیس بحجّة تشفی ولا دلالة تضیء. انتهت کلمة الجاحظ.

نظرة فی کلمة قارصة :

لا یسعنا أن نفوه فی الدفاع عن الخلیفة بما قال ابن کثیر فی تاریخه (1) (5 / 249) من أنّ فاطمة حصل لها - وهی امرأة من البشر لیست بواجبة العصمة - عتب وتغضّب ، ولم تکلّم الصدّیق حتی ماتت. وقال فی (ص 289) : وهی امرأة من بنات آدم تأسف کما یأسفون ، ولیست بواجبة العصمة ، مع وجود نصّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ومخالفة أبی بکر الصدّیق رضی الله عنه.

أنّی لنا السرف والمجازفة فی القول بمثل هذا تجاه آیة التطهیر فی کتاب الله العزیز النازلة فیها وفی أبیها وبعلها وبنیها؟

أنّی لنا بذلک وبین یدینا هتاف النبیّ الأقدس صلی الله علیه وآله وسلم : «فاطمة بضعة منّی فمن أغضبها أغضبنی».

وفی لفظة : «فاطمة بضعة منّی یؤذینی ما آذاها ، ویغضبنی ما أغضبها».

وفی لفظة : «فاطمة بضعة منّی یقبضنی ما یقبضها ، ویبسطنی ما یبسطها».

وفی لفظة : «فاطمة بضعة منّی یؤذینی ما آذاها ، وینصبنی ما أنصبها» فی تاج العروس (2) : أی یتعبنی ما أتعبها. 5.

ص: 310


1- البدایة والنهایة : 5 / 270 ، 310 حوادث سنة 11 ه.
2- تاج العروس : 1 / 485.

وفی لفظة : «فاطمة بضعة منّی یریبنی ما رابها ، ویؤذینی ما آذاها».

وفی لفظة : «فاطمة بضعة منّی یسعفنی ما یسعفها» ، فی تاج العروس (1) : أی ینالنی ما ینالها ، ویلمّ بی ما یلمّ بها.

وفی لفظة : «فاطمة شجنة منّی یبسطنی ما یبسطها ، ویقبضنی ما یقبضها».

وفی لفظة : «فاطمة مضغة منّی فمن آذاها فقد آذانی».

وفی لفظة : «فاطمة مضغة منّی یقبضنی ما قبضها ، ویبسطنی ما بسطها».

وفی لفظة : «فاطمة مضغة منّی یسرّنی ما یسرّها».

أخرجها علی اختلاف ألفاظها أئمّة الصحاح الستّة ، وعدّة أخری من رجال الحدیث فی السنن والمسانید والمعاجم ، وإلیک جملة ممّن رواها :

1 - ابن أبی ملیکة : المتوفّی (117) ، کما فی روایة البخاری ومسلم وابن ماجة وأبی داود وأحمد والحاکم (2).

2 - عمرو بن دینار المکی : المتوفّی (125 ، 126) کما فی صحیحی البخاری ومسلم (3).

3 - اللیث بن سعد المصری : المتوفّی (175) ، کما فی إسناد ابن ماجة وابن داود وأحمد (4). 47

ص: 311


1- تاج العروس : 6 / 139.
2- صحیح البخاری : 3 / 1374 ح 3556 ، صحیح مسلم : 5 / 53 - 54 ح 93 ، 94 کتاب فضائل الصحابة ، سنن ابن ماجة : 1 / 643 - 644 ح 1998 ، سنن أبی داود : 2 / 226 ح 2071. ، مسند أحمد : 5 / 430 ح 18447 ، مستدرک الحاکم : 3 / 173 ح 4751.
3- صحیح البخاری : 3 / 1374 ح 3556 ، صحیح مسلم : 5 / 54 ح 94 کتاب فضائل الصحابة.
4- سنن ابن ماجة : 1 / 643 ح 1998 ، سنن أبی داود : 2 / 226 ح 2071 ، مسند أحمد : 5 / 430 ح 18447

4 - أبو محمد بن عیینة الکوفی : المتوفّی (198) ، کما فی الصحیحین (1).

5 - أبو النضر هاشم البغدادی : المتوفّی (205 ، 207) وأبی کما فی مسند أحمد (2).

6 - أحمد بن یونس الیربوعی : المتوفّی (227) ، کما فی صحیح مسلم وسنن أبی داود (3).

7 - الحافظ أبو الولید الطیالسی : المتوفّی (227) ، کما فی صحیح البخاری (4).

8 - أبو المعمر الهذلی : المتوفّی (236) کما فی صحیح مسلم (5).

9 - قتیبة بن سعید الثقفی : المتوفّی (240) ، روی عنه مسلم وأبو داود (6).

10 - عیسی بن حمّاد المصری : المتوفّی (248 ، 249) ، روی عنه ابن ماجة (7)

11 - إمام الحنابلة أحمد : المتوفّی (241) فی مسنده (8) (4 / 323 ، 328).

12 - الحافظ البخاری أبو عبد الله : المتوفّی (256) ، فی صحیحه فی المناقب (9) (5 / 274).

13 - الحافظ مسلم القشیری : المتوفّی (261) ، فی صحیحه فی الفضائل (10) (2 / 261). ة.

ص: 312


1- صحیح مسلم : 5 / 54 ح 94 کتاب فضائل الصحابة ، صحیح البخاری : 3 / 1374 ح 3556.
2- مسند أحمد : 5 / 430 ح 18447.
3- صحیح مسلم : 5 / 53 ح 93 کتاب فضائل الصحابة ، وسنن أبی داود : 2 / 226 ح 2071.
4- صحیح البخاری : 3 / 1374 ح 3556.
5- صحیح مسلم : 5 / 54 ح 94 کتاب فضائل الصحابة.
6- صحیح مسلم : 5 / 53 ح 93 کتاب فضائل الصحابة ، سنن أبی داود : 2 / 226 ح 2071.
7- سنن ابن ماجة : 1 / 643 ح 1998.
8- مسند أحمد : 5 / 423 ح 18428 ، وص 430 ح 18447.
9- صحیح البخاری : 3 / 1374 ح 3556.
10- صحیح مسلم : 5 / 53 ح 93 ، 94 کتاب فضائل الصحابة.

14 - الحافظ أبو عبد الله بن ماجة : المتوفّی (272) ، فی سننه (1) (1 / 216).

15 - الحافظ أبو داود السجستانی : المتوفّی (275) ، فی سننه (2) (1 / 324).

16 - الحافظ أبو عیسی الترمذی : المتوفّی (275) ، فی جامعه (3) (2 / 319).

17 - الحکیم أبو عبد الله الترمذی ، المحدّث : المتوفّی (285) ، فی نوادر الأصول (4) (308).

18 - الحافظ أبو عبد الرحمن النسائی : المتوفّی (303) ، فی خصائصه (5) (ص 35).

19 - أبو الفرج الأصبهانی : المتوفّی (356) ، فی الأغانی (6) (8 / 156).

20 - الحاکم أبو عبد الله النیسابوری : المتوفّی (405) ، فی المستدرک (7) (3 / 154 ، 158 ، 159).

21 - الحافظ أبو نعیم الأصبهانی : المتوفّی (430) ، فی حلیة الأولیاء (2 / 40)

22 - الحافظ أبو بکر البیهقی : المتوفّی (458) ، فی السنن الکبری (7 / 307)

23 - أبو زکریّا الخطیب التبریزی : المتوفّی (502) ، فی مشکاة المصابیح (8) (ص 560). 9.

ص: 313


1- سنن ابن ماجة : 1 / 643 ح 1998.
2- سنن أبی داود : 2 / 226 ح 2071.
3- سنن الترمذی : 5 / 655 ح 3867 و 656 ح 3869.
4- نوادر الأصول : 2 / 187 الأصل 241.
5- السنن الکبری : 5 / 147 ح 8518 - 8522 کتاب الخصائص.
6- الأغانی : 9 / 301.
7- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 168 ح 4734 ، ص 172 ح 4747 ، ص 173 ح 4749 - 1751.
8- مشکاة المصابیح : 3 / 369 ح 6139.

24 - الحافظ أبو القاسم البغوی : المتوفّی (510 ، 516) ، فی مصابیح السنّة (1) (2 / 278).

25 - القاضی أبو الفضل عیاض : المتوفّی (544) ، فی الشفا (2) (2 / 19).

26 - أخطب الخطباء الخوارزمی : المتوفّی (568) ، فی مقتله (1 / 53).

27 - الحافظ أبو القاسم ابن عساکر : المتوفّی (57) ، فی تاریخه (3) (1 / 298)

28 - أبو القاسم السهیلی : المتوفّی (581) ، فی الروض الأُنف (4) (2 / 196)

وقال : إنّ أبا لبابة رفاعة بن عبد المنذر ربط نفسه فی توبته ، وإنّ فاطمة أرادت حلّه حین نزلت توبته فقال : قد أقسمت ألا یحلّنی إلاّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «إنّ فاطمة مضغة منّی».

فصلّی الله علیه وعلی فاطمة ، فهذا حدیث یدلّ علی أنّ من سبّها فقد کفر ، ومن صلّی علیها فقد صلّی علی أبیها صلی الله علیه وآله وسلم.

29 - ابن أبی الحدید المعتزلی : المتوفّی (586) ، فی شرح النهج (5) (2 / 458)

30 - أبو الفرج بن الجوزی المتوفّی (597) ، فی صفة الصفوة (6) (2 / 5).

31 - الحافظ أبو الحسن بن الأثیر الجزری : المتوفّی (630) ، فی أُسد الغابة (7) (5 / 521).

32 - أبو سالم بن طلحة الشافعی : المتوفّی (652) ، فی مطالب السؤول (ص 6 - 7). 5.

ص: 314


1- مصابیح السنّة : 4 / 185 ح 4799.
2- الشفا بتعریف حقوق المصطفی : 2 / 60 ، 560 ، 652.
3- تاریخ مدینة دمشق : 1 / 156 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 2 / 269.
4- الروض الأنف : 2 / 430.
5- شرح نهج البلاغة : 9 / 193 خطبة 156.
6- صفة الصفوة : 2 / 13 رقم 7175.
7- اسد الغابة : 7 / 222 رقم 7175.

33 - سبط ابن الجوزی الحنفی : المتوفّی (654) ، فی التذکرة (1) (ص 175).

34 - الحافظ الکنجی الشافعی : المتوفّی (658) ، فی الکفایة (2) (ص 220).

35 - الحافظ محبّ الدین الطبری : المتوفّی (694) ، فی ذخائر العقبی (ص 37)

36 - الحافظ أبی محمد الأزدی الأندلسی : المتوفّی (699) ، فی شرح مختصر صحیح البخاری (3 / 91).

37 - الحافظ الذهبی الشافعی : المتوفّی (747) ، فی تلخیص المستدرک (3).

38 - القاضی الإیجی: المتوفّی (756) ،فی المواقف کما فی شرحه (4)(3 / 268).

39 - جمال الدین محمد الزرندی الحنفی : المتوفّی فی (بضع و 750) ، فی درر السمطین (5).

40 - أبو السعادات الیافعی : المتوفّی (768) ، فی مرآة الجنان (1 / 61).

41 - الحافظ زین الدین العراقی : المتوفّی (806) ، فی طرح التثریب (1 / 150).

42 - الحافظ نور الدین الهیثمی : المتوفّی (807) ، فی مجمع الزوائد (9 / 203)

43 - الحافظ ابن حجر العسقلانی : المتوفّی (852) ، فی تهذیب التهذیب (6) (12 / 441).

44 - الحافظ جلال الدین السیوطی : المتوفّی (911) ، فی الجامع الصغیر والکبیر (7). 5.

ص: 315


1- تذکرة الخواص : ص 310.
2- کفایة الطالب : ص 365.
3- تلخیص المستدرک : 3 / 172 ح 4747.
4- المواقف : ص 402 وشرح المواقف للجرجانی : 8 / 355.
5- نظم درر السمطین : ص 176.
6- تهذیب التهذیب : 12 / 469.
7- جامع الأحادیث : 5 / 258 ح 14724 و 14725.

45 - الحافظ أبو العبّاس القسطلانی : المتوفّی (923) ، فی المواهب اللدنیّة (1) (1 / 257).

46 - القاضی الدیار بکری المالکی : المتوفّی (966 ، 982) ، فی الخمیس (2) (1 / 464).

47 - ابن حجر الهیتمی : المتوفّی (974) ، فی الصواعق (3) (ص 112 ، 114)

48 - صفیّ الدین الخزرجی : المتوفّی (000) ، فی الخلاصة (4) (ص 435).

49 - زین الدین المناوی : المتوفّی (1031 ، 1035) ، فی کنوز الدقائق (5) (ص 96).

وقال فی شرح الجامع الصغیر (4 / 421) : استدلّ به السهیلی علی أنّ من سبّها کفر ، لأنّه یغضبه ، وأنّها أفضل من الشیخین ، قال الشریف السمهودی : ومعلوم أنّ أولادها بضعة منها فیکونون بواسطتها بضعة منه ، ومن ثمّ لمّا رأت أمّ الفضل فی النوم أنّ بضعة منه وضعت فی حجرها أوّلها رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بأن تلد فاطمة غلاماً فیوضع فی حجرها ، فولدت الحسن فوضع فی حجرها ، فکلّ من یشاهد الآن من ذرّیتها بضعة من تلک البضعة ، وإن تعدّدت الوسائط ، ومن تأمّل ذلک انبعث من قلبه داعی الإجلال لهم وتجنّب بغضهم علی أیّ حال کانوا علیه.

قال ابن حجر : وفیه تحریم أذی من یتأذّی المصطفی صلی الله علیه وآله وسلم بتأذّیه ، فکلّ من وقع منه فی حقّ فاطمة شیء فتأذّت به ، فالنبیّ صلی الله علیه وآله وسلم یتأذّی به بشهادة هذا الخبر ، 4.

ص: 316


1- المواهب اللدنیّة : 2 / 65.
2- تاریخ الخمیس : 1 / 412.
3- الصواعق المحرقة : ص 188 ، 190.
4- خلاصة الخزرجی : 3 / 389 رقم 122.
5- کنوز الدقائق : 2 / 24.

ولا شیء أعظم من إدخال الأذی علیها من قِبَل ولدها ، ولهذا عرف بالاستقراء معاجلة من تعاطی ذلک بالعقوبة فی الدنیا ، ولعذاب الآخرة أشدّ.

50 - الشیخ أحمد المغربی المالکی : المتوفّی (1041) فی فتح المتعال (1) (ص 385). قال فی قصیدة کبیرة یمدح بها رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم :

فما کسبطَی رسولِ اللهِ من أحدٍ

ولا یضاهیهما فی الفخرِ مفتخرُ

وهل کفاطمةَ الزهراءِ أُمِّهما

بنتِ النبیِّ المصطفی بشرُ

فإنّها بَضعةٌ منه وما أحدٌ

کبَضعةِ المصطفی إن حُقّقَ النظرُ

51 - الشیخ أحمد با کثیر المکی الشافعی : المتوفّی (1047) فی وسیلة المآل (2).

52 - أبو عبد الله الزرقانی المالکی : المتوفّی (1122) فی شرح المواهب (3 / 205) فقال : استدلّ به السهیلی علی أنّ من سبّها کفر ، وتوجیهه أنّها تغضب ممّن سبّها وقد سوّی بین غضبها وغضبه ومن أغضبه کفر.

53 - الزبیدی الحنفی : المتوفّی (1205) ، فی تاج العروس (5 / 227 و 6 / 139).

54 - القندوزیّ الحنفی : المتوفی (1293) ، فی ینابیع المودّة (3) (ص 171).

55 - الحمزاوی المالکی : المتوفّی (1303) ، فی النور الساری هامش البخاری (5 / 274).

56 - الشیخ مصطفی الدمشقی (4) فی مرقاة الوصول (ص 109).

57 - السیّد حمید الدین الآلوسی : المتوفّی (1324) ، فی نثر اللآلئ (ص 181) .

ص: 317


1- فتح المتعال : ص 383.
2- وسیلة المال : ص 85.
3- ینابیع المودّة : 1 / 169 باب 55.
4- هو الشیخ مصطفی بن إسماعیل الإمام ، توفّی بعد 1294 ه.

58 - السیّد محمود القراغولی البغدادی الحنفی ، فی جوهرة الکلام (ص 105).

59 - عمر رضا کحالة ، فی أعلام النساء (1) (3 / 1216).

ثمّ أنّی لنا القول بمقال ابن کثیر وملء الأسماع قول رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «فاطمة قلبی وروحی التی بین جنبیّ فمن آذاها فقد آذانی» (2). وقوله : «إنّ الله یغضب لغضب فاطمة ویرضی لرضاها». أو : «إنّ الله یغضب لغضبک ویرضی لرضاک» قاله لفاطمة؟

راجع (3) : معجم الطبرانی ، مستدرک الحاکم (3 / 154) وصحّحه ، مسند ابن النجّار ، مقتل الخوارزمی (1 / 52) ، تذکرة السبط (ص 175) ، کفایة الطالب للکنجی (ص 219) ، ذخائر العقبی للمحبّ الطبری (ص 39) ، میزان الاعتدال (2 / 72) ، مجمع الزوائد (9 / 203) ، تهذیب التهذیب (12 / 443) ، کنز العمّال (7 / 111) ، أخبار الدول هامش الکامل (1 / 185) ، کنوز الدقائق للمناوی (ص 30) ، شرح المواهب للزرقانی (3 / 205) ، الإسعاف (ص 171) ، ینابیع المودّة (ص 173 ، 174) ، الشرف المؤبّد (ص 59).

هذه مطلقات تشمل جمیع موجبات الرضا والغضب من الصدّیقة - سلام الله علیها - حتی المباحات شأن أبیها الأقدس کما فهمه القسطلانی والحمزاوی فی شرح البخاری ، وذلک یکشف عن أنّها - صلوات الله علیها - لا ترضی إلاّ لما فیه مرضاة 5.

ص: 318


1- أعلام النساء : 4 / 112.
2- راجع الجزء الثالث من کتابنا هذا : ص 20. (المؤلف)
3- المعجم الکبیر : 1 / 108 ح 182 ، المستدرک علی الصحیحین 3 / 167 ح 4730 ، ذیل تاریخ بغداد : 17 / 203 رقم 427 ، تذکرة الخواص : ص 310 ، کفایة الطالب : ص 364 ، میزان الاعتدال : 1 / 535 رقم 2002 ، تهذیب التهذیب : 12 / 469 ، کنز العمّال : 13 / 674 ح 37725 ، أخبار الدول : 1 / 257 ، کنوز الدقائق : 1 / 57 ، ینابیع المودّة : 1 / 169 باب 55 ، الشرف المؤبّد : ص 125.

المولی سبحانه ، ولا تغضب إلاّ علی ما یغضبه ، حتی إنّها لو رضیت أو غضبت علی أمر مباح فإنّ هناک جهة شرعیّة تدخله فی الراجحات ، أو یجعله من المکروهات ، فلن تجد منها فی أیّ من الرضا والغضب وجهة نفسیّة أو صیغة شهویّة ، وذلک معنی العصمة التی نفاها المتحذلق - ابن کثیر - بعد أن تصامم أو تعامی عن دلالة آیة التطهیر النازلة فیها وفی أبیها وبعلها وبنیها : (إِنَّما یُرِیدُ اللهُ لِیُذْهِبَ عَنْکُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَیْتِ وَیُطَهِّرَکُمْ تَطْهِیراً) (1) 3.

ص: 319


1- الأحزاب : 33.

بِسمِ اللهِ الرَّحمن الرَّحیم

أحادیث الغلوّ أو قصص الخرافة

اشارة

هذه أبحاث مجملة تمثّل لنا نفسیّات الخلیفة ، وملکاته الفاضلة ، نقتصر بها فی هذه العجالة وإن لم تزحفنا (1) ولم یتأتّ بها القصوی ، غیر أنّ فیها بلغة فی إیقاف الباحث علی حدّ الخلیفة ، ومقیاساً یُعرف به القالی له من الغالی فیه ، والمقتصد فیه من القاسط علیه ، ویمتاز به سرف القول فی امتداحه عن جزاف الامتداح علیه ، فیهمُّنا عندئذ ذکر نزرٍ یسیر ممّا سرده القوم من فضائله التی فیها من الغلوّ الفاحش ما لا یخفی علی أیّ أحد ، ثمّ نشفعه بما جاء فی غیره حتی یُعرف أهل الغلوّ فی الفضائل.

- 1 -

الشمس علی العجلة

ذکر الشیخ إبراهیم العبیدی المالکی فی کتابه عمدة التحقیق فی بشائر آل الصدّیق (2) نقلاً عن کتاب العقائق ، والصفوری فی نزهة المجالس (2 / 184) نقلاً عن عیون المجالس ، قالوا :

روی أنّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم قال یوماً لعائشة : إنّ الله تعالی لمّا خلق الشمس خلقها من لؤلؤة بیضاء بقدر الدنیا مائة وأربعین مرّة وجعلها علی عجلة ، وخلق ف)

ص: 320


1- کذا.
2- ص 184 [ ص 309 ] هامش روض الریاحین للیافعی المطبوع بمصر سنة : 1315. (المؤلف)

للعجلة ثمانمائة (1) وستّین عروة ، وجعل فی کلّ عروة سلسلة من الیاقوت الأحمر ، وأمر ستّین ألفاً من الملائکة المقرّبین أن یجرّوها بتلک السلاسل مع قوّتهم التی اختصّهم الله بها ، والشمس مثل الفلک علی تلک العجلة وهی تدور فی القبّة الخضراء ، وتجلو جمالها علی أهل الغبراء ، وفی کلّ یوم تقف علی خطّ الاستواء فوق الکعبة لأنّها مرکز الأرض وتقول : یا ملائکة ربّی إنّی لأستحی من الله عزّ وجلّ إذا وصلت إلی محاذاة الکعبة التی هی قبلة المؤمنین أن أجوز علیها ، والملائکة تجرّ الشمس لتعبر علی الکعبة بکلّ قوّتها فلا تقبل منهم وتعجز الملائکة عنها ، فالله تعالی یوحی إلی الملائکة وحی إلهام فینادون : أیّتها الشمس بحرمة الرجل الذی اسمه منقوش علی وجهک المنیر إلاّ رجعت إلی ما کنت فیه من السیر ، فإذا سمعت ذلک تحرّکت بقدرة المالک.

فقالت عائشة : یا رسول الله من هو الرجل الذی اسمه منقوش علیها؟ قدیم أنّه یخلق الهواء ، ویخلق علی الهواء هذه السماء ، ویخلق بحراً من الماء ، ویخلق علیه عجلة کما یشاء ، ویجعل العجلة مرکباً للشمس المشرقة علی الدنیا ، وأنّ الشمس تتمرّد علی الملائکة إذا وصلت إلی الاستواء ، وأنّ الله تعالی قدّر أن یخلق فی آخر الزمان نبیّا مفضّلاً علی الأنبیاء وهو بعلک یا عائشة علی رغم الأعداء ، ونقش علی وجه الشمس اسم وزیره أعنی أبا بکر صدّیق المصطفی ، فإذا أقسمت الملائکة علیها به زالت الشمس ، وعادت إلی سیرها بقدرة المولی ، وکذلک إذا مرّ العاصی من أُمّتی علی نار جهنّم وأرادت النار علی المؤمن أن تهجم ، فلحرمة محبة الله فی قلبه ونقش اسمه علی لسانه ترجع النار إلی ورائها هاربة ، ولغیره طالبة.

قال الأمینی : إنّ ممّا یغمرنی فی الحیرة أنّ هذه العجلة ، لِمَ لم یکشف عنها علماء الهیئة قدیماً وحدیثاً ، مع توفّر أدوات الکشف ومحصّلاته لأهل الهیئة الجدیدة خاصّة؟ ة.

ص: 321


1- فی روض الریاحین : ثلاثمائة.

وأنّهم لما ذا استقرّت آراؤهم بعد تقدّم العلم واستفحال أمره وکثرة اکتشافاته علی دوران الأرض علی الشمس.

وتُعلمنا الروایة عن أنّ البخار لم یکن مستخدماً عند إنشاء تلک العجلة فیمدّها الله سبحانه به حتی لا یشعر بإرادة مرید ، ولا حیاء من یستحی ، فیمضی بالعجلة ویوصلها فی أسرع وقت إلی حیث شِیءَ لها قدما ، ولکنّ العجب أنّ الله سبحانه لم یستبدل الملائکة بالبخار بعد اکتشافه فیطلق سراح أولئک الآلاف المؤلّفة المقیّدة بسلاسل بلاء العجلة ، ویعتقهم من مکابدة تمرّد الشمس فی کلّ یوم!

وهناک مسألة لا أدری من المجیب عنها وهی : أنّ إرادة الله سبحانه الفائقة علی کلّ قوّة جامحة وهی تمسک السماء بغیر عمد ترونها ، وتسیّر الجبال تحسبها جامدة وهی تمرّ مرّ السحاب ، صنع الله الذی أتقن کلّ شیء ، لِمَ لم تقم مقام أولئک المسخّرین لجرّ الشمس حتی لا یوقفها تمرّد ، ولا تحتاج إلی عری وسلاسل ، أو الإقسام بمن کتب اسمه علیها؟ وما الذی أحوج المولی سبحانه فی تسییر الشمس إلی هذه الأدوات من العجلة والعری والسلاسل ، وخلق أولئک الجمّ الغفیر من الملائکة واستخدامهم بالجرّ الثقیل ، وهو الذی إذا أراد شیئاً أن یکون یقول له کن فیکون؟

ثمّ إنّ الشمس هلاّ کانت تعلم أنّ إرادة الله سبحانه ماضیة علیها بجریها إلی الغایة المقصودة؟ فما هذا التوقّف والتمرّد؟ والله تعالی أعلم بعظمة الکعبة وشرفها منها وقد جعلها فی خطّة سیرها. أنّی للشمس أن تجهل بها ، وهی هی الشاعرة بخطّ الاستواء ، ومحاذاة الکعبة ووصولها إلی تلک النقطة المقدّسة ، وهی العارفة بمقامات الصدّیق ، وأنّ اسمه منقوش علیها ، وأنّ من واجبها أن تنقاد ولا تجمح علی من أقسم به علیها.

ومن عویصات لا تنحلّ : تجدید الشمس تمرّدها کلّ یوم (وَالشَّمْسُ تَجْرِی لِمُسْتَقَرٍّ لَها ذلِکَ تَقْدِیرُ الْعَزِیزِ الْعَلِیمِ) (1) (لَا الشَّمْسُ یَنْبَغِی لَها أَنْ تُدْرِکَ الْقَمَرَ وَلَا 8.

ص: 322


1- یس : 38.

اللَّیْلُ سابِقُ النَّهارِ وَکُلٌّ فِی فَلَکٍ یَسْبَحُونَ) (1).

وأعوص من ذلک إنشاد الملائکة إیّاها فی کلّ نهار تلک الأُنشودة الضخمة ووحی الله إلیهم بها طیلة عمر الدنیا.

هکذا تشوّه رواة السوء سمعة السنّة الشریفة ، وهی مقدّسة عن هذه الأوهام الخرافیّة ، وأنّ هذه کلّها من جرّاء الغلوّ الممقوت فی الفضائل ، ولو کان مختلق هذه المرسلة المقطوعة عن الإسناد یعلم ما ذکرناه من الفضائح المترتبة علی افتعالها لما اقتحم هذا الاقتحام المزری.

- 2 -

التوسّل بلحیة أبی بکر

ذکر الیافعی فی روض الریاحین (2) عن أبی بکر الصدّیق رضی الله عنه أنّه قال : بینما نحن جلوس بالمسجد وإذا نحن برجل أعمی قد دخل علینا وسلّم فرددنا علیه السلام وأجلسناهُ بین یدی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فقال : من یقضینی حاجة فی حبّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم؟ فقال أبو بکر رضی الله عنه : ما حاجتک یا شیخ؟ فقال : إنّ لی أهلاً ولم یکن عندی ما نقتات به ، وأرید من یدفع لنا شیئاً نقتات به فی حبّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم. قال : فنهض أبو بکر الصدّیق رضی الله عنه وقال : نعم أنا أعطیک ما یقوم بک فی حبّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم. ثمّ قال : هل من حاجة أخری؟ فقال : نعم إنّ لی ابنة ارید من یتزوّج بها فی حیاتی حبّا فی محمد صلی الله علیه وآله وسلم. فقال أبو بکر : أنا أتزوّج بها فی حیاتک حبّا فی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، هل من ف)

ص: 323


1- یس : 40.
2- طبع بمصر فی المطبعة السعیدیة هامش العرائس للثعلبی ، توجد الروایة فی : ص 443. ینقل عنه القسطلانی فی المواهب [ 2 / 28 ] ، وقال الزرقانی فی شرح المواهب : 3 / 157 : مؤلّف حسن ، وطبع للیافعی کتاب آخر مستقل فی مصر سنة 1315 باسم روض الریاحین أیضاً ، وهو تألیفه الآخر غیر المطبوع فی حاشیة العرائس. (المؤلف)

حاجة أخری؟ فقال : نعم ارید أن أضع یدی فی شیبة أبی بکر الصدّیق رضی الله تعالی عنه حبّا فی محمد صلی الله علیه وآله وسلم. فنهض أبو بکر رضی الله عنه ووضع لحیته فی ید الأعمی وقال : امسک لحیتی فی حبّ محمد صلی الله علیه وآله وسلم. قال : فقبض الأعمی بلحیة أبی بکر الصدّیق صلی الله علیه وآله وسلم وقال : یا ربّ أسألک بحرمة شیبة أبی بکر إلاَّ رددت علیّ بصری. قال : فردّ الله علیه بصره لوقته ، فنزل جبریل علیه السلام علی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وقال : یا محمد السلام یقرئک السلام ، ویخصّک بالتحیّة والإکرام ، ویقول لک : وعزّته وجلاله لو أقسم علیّ کل أعمی بحرمة شیبة أبی بکر الصدّیق لرددت علیه بصره ، وما ترکت علی وجه الأرض أعمی ، وهذا کلّه ببرکتک وعلوّ قدرک وشأنک عند ربّک.

قال الأمینی : إنّها لا تعمی الأبصار ولکن تعمی القلوب التی فی الصدور. حقّا إنّ هذا الضریر قد عمی قلبه قبل بصره ، فلم یعقل أنّ القسَم بشیبة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أولی من شیبة أبی بکر ، فهی مقدّمة قداسةً وشرفاً وزلفةً عند الله سبحانه ، وهو صلی الله علیه وآله وسلم أکبر من أبی بکر سنّا وأکثر شیبة ، فما أعمی الرجل عنها إن کان یرید مقسماً به یبرّ الله سبحانه به قسمه؟ أو أنّه کان له فی شیبة أبی بکر غایة لم نعرفها؟ ثمّ أین عن هذه الشیبة عمیان أهل السنّة؟ وما أغفلهم عن الوحی المنزل فیها؟ فیقسمون علی الله بها فیکشف عن أبصارهم ، وما بال الحفّاظ وأئمّة الحدیث أرجأوا نشر هذه الروایة إلی القرن الثامن عهد الیافعی؟ هل بخلوا علی عمیان الأمّة بمثل هذا النجاح الباهر وفی الوحی المزعوم قوله سبحانه : وعزّتی وجلالی لو أقسم علیّ کل أعمی. إلی آخره؟ أو أنّهم وجدوا مولد هذا الحدیث بعد عصورهم فلم یشیدوا بذکره؟ أو رأوا فیه غلوّا فاحشاً بتقدیم لحیة أبی بکر علی شیبة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فطووا عن روایته کشحاً؟ أو عقلوا فیه مهزأة بالله ووحیه وأمینه ونبیّه فضربوا عنه صفحاً؟

وللقوم حول شیبة أبی بکر روایات منها ما أسلفناه فی الجزء الخامس (ص 317) من أنّه صلی الله علیه وآله وسلم کان إذا اشتاق إلی الجنّة قبّل شیبة أبی بکر. ومرّ هنالک أنّها

ص: 324

من أشهر المشهورات من الموضوعات ، ومن المفتریات المعلوم بطلانها ببدیهة العقل کما قاله الفیروزآبادی والعجلونی (1).

ومنها ذکره العجلونی فی کشف الخفاء (1 / 233) من أنّ لإبراهیم الخلیل وأبی بکر الصدّیق شیبة فی الجنّة.

ثمّ قال فی المقاصد (2) نقلاً عن شیخه ابن حجر : لم یصحّ أنّ للخلیل فی الجنّة لحیة ولا للصدّیق ، ولا أعرف ذلک فی شیء من کتب الحدیث المشهورة ولا الأجزاء المنثورة. ثمّ قال : وعلی تقدیر ثبوت وروده فیظهر لی أنّ الحکمة فی ذلک : أمّا فی حقّ الخلیل فلکونه مُنزّلاً منزلة الوالد للمسلمین ، لأنّه الذی سمّاهم بالمسلمین وأُمروا باتّباع ملّته ، وأمّا فی حقّ الصدّیق فلأنّه کالوالد الثانی للمسلمین ، إذ هو الفاتح لهم باب الدخول إلی الإسلام.

قال الأمینی : إنّ الذی سمّی الأمّة المرحومة بالمسلمین هو الله سبحانه کما فی قوله تعالی : (وَجاهِدُوا فِی اللهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباکُمْ وَما جَعَلَ عَلَیْکُمْ فِی الدِّینِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِیکُمْ إِبْراهِیمَ هُوَ سَمَّاکُمُ الْمُسْلِمِینَ مِنْ قَبْلُ وَفِی هذا) (3).

وإن أمکنت التسمیة من إبراهیم من قبل فإنّها غیر ممکنة منه فی هذا وهو القرآن الکریم ، وإنّما وقع ذکر ملّة إبراهیم فی البین امتناناً منه سبحانه علی الأمّة بجعل الإسلام شریعة سهلة لا حرج فیها ترغیباً فی الدخول فیه. فالقول بأنّ إبراهیم سمّاهم مسلمین لا یتمّ مع قوله تعالی : (وَفِی هذا) یعنی فی القرآن. قال القرطبی (4) : هذا 8.

ص: 325


1- کشف الخفاء : 2 / 419 الخاتمة.
2- المقاصد الحسنة : ص 144 ح 228.
3- الحج : 78.
4- الجامع لأحکام القرآن : 12 / 68.

القول مخالف لقول عظماء الأمّة. وقال الطبری (1) : هذا لا وجه له لأنّه من المعلوم أنّ إبراهیم لم یسمّ هذه الأمّة فی القرآن مسلمین.

وقال ابن عبّاس : الله سمّاکم المسلمین من قبل فی الکتب المتقدّمة وفی الذّکر. وکذا قال مجاهد وعطاء والضحّاک والسدی ومقاتل وقتادة وابن مبارک.

وتدلّ علی تعیّن هذا القول قراءة أُبیّ بن کعب : (الله سمّاکم المسلمین) کما فی تفسیر البیضاوی ، (2 / 112) ، وکشّاف الزمخشری (2 / 286) ، وتفسیر الرازی (6 / 210) وتفسیر ابن جزّی الکلبی (3 / 47).

واستقرَبه الرازی فی تفسیره فقال : لأنّه تعالی قال : (لِیَکُونَ الرَّسُولُ شَهِیداً عَلَیْکُمْ وَتَکُونُوا شُهَداءَ عَلَی النَّاسِ) (2) فبیّن أنّه سمّاهم بذلک لهذا الغرض وهذا لا یلیق إلاّ بالله.

واستصوبه ابن کثیر فی تفسیره (3 / 236) وقال : لأنّه تعالی قال : (هُوَ اجْتَباکُمْ وَما جَعَلَ عَلَیْکُمْ فِی الدِّینِ مِنْ حَرَجٍ) ثمّ حثّهم وأغراهم علی ما جاء به الرسول صلوات الله علیه بأنّه ملّة أبیهم الخلیل ، ثمّ ذکر منّته تعالی علی هذه الأمّة بما نوّه به من ذکرها والثناء علیها فی سالف الدهر وقدیم الزمان فی کتب الأنبیاء یُتلی علی الأحبار والرهبان فقال : (هُوَ سَمَّاکُمُ الْمُسْلِمِینَ مِنْ قَبْلُ). أی من قبل هذا القرآن. (وَفِی هذا).

وبهذا تعرف قیمة ما حسبه المتفلسف من أنّ تنزیل إبراهیم منزلة الأب للمسلمین لمحض التسمیة فإنّه ممّا لا یُقام له وزن وإلاّ لوجب اتّخاذ من سمّی أحداً باسمٍ أباً تنزیلیّا ، ومن المعلوم بطلانه ، وإنّما سمّاه الله أباً للمسلمین لأنّه علیه السلام أب الرسول الأمین ، وأنّ قریشاً من ذریّته ، وهو صلی الله علیه وآله وسلم أبو الأمّة ، وأمّته فی حکم أولاده ، 8.

ص: 326


1- جامع البیان : مج 10 / ج 17 / ص 208.
2- الحج : 78.

وأزواجه أمّهاتهم کما ورد عنه صلی الله علیه وآله وسلم من قوله : «إنّما أنا لکم کالوالد ، أو : مثل الوالد» (1).

أنا لا أدری ما هی الخاصّة فی الأب التنزیلیّ لأمّة خاصّة أن تکون له لحیة فی الجنّة دون الأب الحقیقیّ للأمم جمعاء ، وهو أبو البشر آدم علیه السلام ، ولا لحیة له؟ مع ما ورد عن کعب الأحبار أنّه قال : لیس أحد فی الجنة له لحیة إلاّ آدم ، له لحیة سوداء إلی سرّته. ذکره ابن کثیر فی تاریخه (2) (1 / 97).

وإن کانت الحکمة فی لحیة إبراهیم الخلیل وأبی بکر ما زعمه العجلونی من الأُبوّة فما الحکمة فی لحیة موسی بن عمران؟ وقد جاء فی الحدیث : لیس أحد یدخل الجنّة إلاّ جرد مرد إلاّ موسی بن عمران فإنّ لحیته إلی سرّته. السیرة الحلبیّة (3) (1 / 425).

ثمّ إنّ للأُمّة المسلمة أباً تنزیلیّا روحیّا هو أحقّ بالأبوّة من الخلیل علیه السلام وهو نبیّها الأقدس محمد صلی الله علیه وآله وسلم کما مرّ حدیثه ، وبها حیاتها الحقیقیّة ، وهو الذی یدعوهم لما یحییهم ، ومنه کیانها المستقرّ ، وعزّها الخالد ، فهو أولی باللحیة من أبیه الخلیل وصاحبه أبی بکر.

والعجب کلّ العجب فی عدّ أبی بکر أباً ثانیاً للأمّة لأنّه فتح لها باب الدخول إلی الإسلام ، وأنّ الذی فتح باب الإسلام بمصراعیه لدخول الأُمم فیه ، ورأیت الناس یدخلون فی دین الله أفواجاً ، هو رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بدعوته الکریمة ، وبراهینه الصادقة ، ومعاجزه المعلومة ، ونوامیسه المقدّسة ، وخلائقه الرضیّة ، ومغازیه الدامیة فهو أولی بأن تکون له لحیة فی الجنّة. 7.

ص: 327


1- تفسیر الخازن : 3 / 314 [ 3 / 299 ] ، تفسیر النسفی هامش الخازن : 3 / 314 [ 3 / 112 ]. (المؤلف)
2- البدایة والنهایة : 1 / 108.
3- السیرة الحلبیة : 1 / 397.

علی أنّ الأمّة قطّ لم تعرف باباً فتحه الخلیفة لها إلی الإسلام ، ولم یدر أیّ أحد أنّه متی فتحه؟ وأین فتحه؟ ولما ذا فتحه؟ وأیّ باب هو؟

نعم ؛ لا تخفی علی الأُمّة جمعاء أنّه غلّق باباً علیها وحرمها من خیر أهله وعلمه ورشده وهداه ، ألا وهو باب مدینة علم النبیّ مولانا أمیر المؤمنین بالنصّ المتواتر ، وهو الباب الذی منه یؤتی إلی الله ، وإلیه یتوجّه الأولیاء.

فلو لا انتزاع الأمر منه لانتشرت علومه ، وزهرت معالمه ، وتبلّغت حکمه ، وعُمِل بأحکامه ، فأکل الناس من فوقهم ومن تحت أرجلهم ، منهم أُمّة مقتصدة وکثیر منهم ساء ما یعملون ، لکنّه علیه السلام مُنع عن حقّه فجهلت العباد ، وأجدبت البلاد ، وصوّحت المرابع ، وظهر الفساد فی البرّ والبحر بما کسبت أیدی الناس ، وإلی الله المشتکی.

وإن أراد القائل من فتح الباب بدأة الفتوح فی أیام الخلیفة ، فالخلیفة الثانی علی ذلک أجدر باللحیة منه ، لأنّ عمدة الفتوح وقعت فی أیّامه.

نعم ؛ إن یکن هناک من یحقّ أن یعدّ للأُمّة أباً ثانیاً تنزیلاً بعد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فهو مولانا أمیر المؤمنین علیه السلام الذی به کان تمام الدعوة والنجاح فی المغازی ، وهو نفس النبیّ القدسیّة وخلیفته المنصوص علیه ، ولذلک جاء من طریق أنس بن مالک عنه صلی الله علیه وآله وسلم قوله : «حقّ علیّ علی هذه الأمّة کحقّ الوالد علی الولد» ، ومن طریق عمّار وأبی أیّوب الأنصاری قوله : «حقّ علیّ علی کلّ مسلم حقّ الوالد علی ولده» (1).ف)

ص: 328


1- الریاض النضرة : 2 / 172 [ 3 / 117 ] نقلاً عن الحاکمی ، کنوز الدقائق : ص 64 [ 1 / 119 ] نقلاً عن الدیلمی [ الفردوس بمأثور الخطاب : 2 / 132 ح 2674 ] ، مناقب الخوارزمی : ص 244 ، 254 [ 309 - 310 ح 306 ، ص 321 ح 327 ] ، فرائد السمطین لشیخ الاسلام الحمّوئی [ 1 / 296 - 297 ح 234 و 235 ] ، نزهة المجالس : 2 / 212. (المؤلف)

- 3 -

شهادة أبی بکر وجبرئیل

ذکر النسفی : أنّ رجلاً مات بالمدینة ، فأراد النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم أن یصلّی علیه فنزل جبریل وقال : یا محمد لا تُصلّ علیه. فامتنع فجاء أبو بکر فقال : یا نبیّ الله صلّ علیه فما علمتُ منه إلاّ خیراً. فنزل جبریل وقال : یا محمد صلّ علیه ، فإنّ شهادة أبی بکر مقدّمة علی شهادتی. مصباح الظلام للجردانی) (1) (2 / 25 ، نزهة المجالس (2 / 184).

قال الأمینی : هلمّ معی نناقش راوی هذه السفسطة الحساب بعد أن لم نقف لها علی إسناد نناقش رجاله ، ونسائله عن أنّ ما أدّاه جبریل من الشهادة أکان من عند نفسه ، ولم یکن لأمین الله علی وحیه أن یأتی رسوله بشیء من قِبَل نفسه فحابی أبا بکر بتقدیم شهادته؟ أم کان وحیاً من المولی سبحانه - وهو المطّرد فی کلّ هبوط له إلی الرسول الأمین - فأبطل ذلک الوحی المبین مجازفةً لمحض أنّ أبا بکر شهد بضدّ ما جاء به؟ وأیّا ما کان فإنّ إخباره کان لا محالة عن عدم تأهّل الرجل فی الواقع للصلاة علیه فی صورة نهی مفید للتحریم ، ومؤدّاه أنّ الله سبحانه یبغض أن تُرفع إلیه صلاة علی مثله من نبیّه المحبوب ، فهل یکون قول أبی بکر بتأهّله المستنبط من ظاهر الحال الذی یخطئ ویصیب ، ولا شکّ أنّه مخطئ فی هذا المورد بالخصوص لنزول الوحی بخلافه ، فهل یکون قول هذا شأنه مبطلاً للوحی المبین؟ تبصّر واحکم.

- 4 -

خاتم النبیّ وسجلّه

روی أنّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم دفع خاتمه الی أبی بکر وقال : اکتب علیه : لا إله إلاّ الله ، فدفعه أبو بکر إلی النقّاش وقال : اکتب علیه : لا إله إلاّ الله ، محمد رسول الله. فکتب 2.

ص: 329


1- مصباح الظلام : 2 / 61 ح 362.

علیه. فلمّا جاء به أبو بکر إلی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وجد علیه لا إله إلاّ الله محمد رسول الله ، أبو بکر الصدّیق. فقال : ما هذه الزیادة یا أبا بکر؟ فقال : ما رضیت أن أُفرّق اسمک عن اسم الله ، وأمّا الباقی فما قلته ، فنزل جبریل وقال : إنّ الله سبحانه وتعالی یقول : إنّی کتبت اسم أبی بکر لأنّه ما رضی أن یفرّق اسمک عن اسمی ، فأنا ما رضیت أن أُفرّق اسمه عن اسمک. نزهة المجالس للصفوری (2 / 185) نقلاً عن تفسیر الرازی ، مصباح الظلام للجردانی (1) (ص 25).

قال الأمینی : المتسالم علیه بین المحدّثین أنّ نقش خاتم رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم کان : محمد رسول الله بلا أیّ زیادة ، ففی الصحاح عن أنس أنّه صلی الله علیه وآله وسلم صنع خاتماً من ورِق (2) ونقش فیه : محمد رسول الله. وقال : فلا ینقش أحد علی نقشه.

صحیح البخاری (8 / 309) ، صحیح مسلم (2 / 214 ، 215) ، صحیح الترمذی (1 / 324) ، سنن ابن ماجة (2 / 384 ، 385) ، سنن النسائی (8 / 173) (3).

وفی روایة البخاری والترمذی عن أنس قال : کان نقش الخاتم ثلاثة أسطر : محمد سطر ، ورسول سطر. والله ، سطر. صحیح البخاری (4) (8 / 309) ، صحیح الترمذی (5) (1 / 325).

وروی ابن سعد فی طبقاته (6) من مرسل ابن سیرین ؛ أنّ نقشه کان : باسم الله4.

ص: 330


1- مصباح الظلام : 2 / 61 ح 362.
2- الورِق : الفضّة.
3- صحیح البخاری : 5 / 2205 ح 5539 ، صحیح مسلم : 4 / 319 ح 55 کتاب اللباس والزینة ، سنن الترمذی : 4 / 201 ح 1745 ، سنن ابن ماجة : 2 / 1201 ح 3639 ، سنن الکبری : 5 / 450 ح 9509 - 9513.
4- صحیح البخاری : 5 / 2205 ح 5540.
5- سنن الترمذی : 4 / 202 ح 1748.
6- الطبقات الکبری : 1 / 474.

محمد رسول الله. وقال ابن حجر : ولم یتابع علی هذه الزیادة. ذکره عنه الزرقانی فی شرح المواهب (5 / 39).

وأخرج أبو الشیخ فی الأخلاق النبویّة من روایة عرعرة بن البرند ، عن أنس قال : کان مکتوباً علی فصّ خاتم رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : لا إله إلاّ الله ، محمد رسول الله.

قال : ابن حجر فی فتح الباری (1) 10 / 210 : عرعرة ضعّفه ابن المدینی وزیادته هذه شاذة. وقال الزرقانی فی شرح المواهب 5 / 39 : کان نقش الخاتم النبوی کما فی الصحیحین وغیرهما : محمد رسول الله. فلا عبرة بهذه الروایة کروایة أنه کان فیه کلمتا الشهادة معاً ، وروایة ابن سعد (2) عن أبی العالیة أنّ نقشه : صدق الله. ثمّ ألحق الخلفاء : محمد رسول الله.

فما قیمة ما جاء به من النقش صوّاغ القرون المتأخّرة ، وصاغته ید الإفک والغلوّ بعد لأیٍ من وفاة النبیّ الأعظم وانقطاع الوحی عنه ، ولا یوجد فی تآلیف الأوّلین منه عین ولا أثر؟ وأنت تری السلف حاکمین فی حدیث زیادة کلمة الإخلاص والبسملة بالشذوذ وأنّه لا عبرة به ولا یُتابع علیه ، ولا یبحث أیّ متضلع فی الفنّ عن هذه الزیادة المختلقة التی لا صلة لها بالموضوع ، ولیست هی إلاّ استهزاءً بالله ونبیّه ووحیه وأمین وحیه.

ثمّ قد صحّ عند القوم أنّ ذلک الخاتم المنقوش الخاصّ بالنبیّ صلی الله علیه وآله وسلم - وکان یتختّم به ویختم صلی الله علیه وآله وسلم ولم یکن له خاتم غیره ولم یحتمل التعدّد قطّ أحد فی رفع اختلاف أحادیث النقش - کان عند أبی بکر فی یمینه بعد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، وبعده فی ید عمر ، وبعده عند عثمان فی یمینه وسقط سنة ثلاثین من یده أو : من ید غیره فی بئر 6.

ص: 331


1- فتح الباری : 10 / 329.
2- الطبقات الکبری : 1 / 476.

أریس (1) واتّخذ له خاتماً آخر (2) ، وفی روایة ابن سعد (3) عن الأنصاری کما فی فتح الباری (4) (10 / 270) وسنن النسائی (5) (8 / 179) : أنّه کان فی ید عثمان ستّ سنین من عمله. فلو کانت تلکم الأسطورة صحیحة وکان اسم الخلیفة منقوشاً فی خاتم کان یلبسه النبیّ الأقدس طیلة حیاته وتنظر إلیه الصحابة من کثب وتری بریقه فی خنصره کما فی صحیح البخاری (6) (8 / 308 ، 309) ، کان حقّا علی الخلیفة والخاتم بیده أن یحتجّ بها یوم تسنّم عرش الخلافة ، وکان هناک حوار وصخب ، لکنّه لم یحتج لأنّ ذلک الخاتم ما کان مصوغاً بعد ولا منقوشاً ، ولم یُعطَ من المغیّب أنّه یُستنحت له ذلک بعد قرون متطاولة. وکان حقّا علی الصحابة الملتاثین به أن یحتجّوا بذلک النقش المصنوع فی عالم الملکوت ، فإنّ الاحتجاج به أولی من الاحتجاج بکبر السنّ وأمثاله ، لکنّهم ترکوا الحجاج لأنّ هذا المولود لم یکن یولد بعد ، وإنّما ولدته أمّ الغلوّ فی الفضائل فی آخر الدهر.

ولا یتأتّی لأحد عرفان سرّ ما جاء به جبریل الخیالی من القران بین اسم النبیّ الأعظم وبین اسم أبی بکر فی ذلک النقش المصوغ فی عالم الغیب ، أکان أبو بکر نفس النبیّ الأعظم بنصّ القرآن الکریم؟ أم کان قرینه فی العصمة والقداسة فی الذکر 7.

ص: 332


1- هی علی میلین من المدینة : وهی من أقل الآبار ماءً [ معجم البلدان : 1 / 298 ]. (المؤلف)
2- صحیح البخاری : 8 / 306 [ 5 / 2202 ح 5528 ، ص 2204 ح 5535 ، ص 2206 ح 5540 ] ، صحیح مسلم : 2 / 214 [ 4 / 319 ح 5554 کتاب اللباس والزینة ] ، سنن النسائی : 8 / 179 [ 5 / 457 ح 9550 ] ، تاریخ الطبری : 5 / 65 [ 4 / 282 حوادث سنة 30 ه ] ، تاریخ ابن کثیر : 8 / 155 [ 7 / 174 و 175 حوادث سنة 30 ه ] ، تاریخ الخمیس : 2 / 223 ، 269 [ 2 / 191 - 192 ] ، تاریخ أبی الفداء : 1 / 168. (المؤلف)
3- الطبقات الکبری : 1 / 476.
4- فتح الباری : 10 / 329.
5- السنن الکبری : 5 / 457 ح 9550.
6- صحیح البخاری : 5 / 2204 ح 5534 ، ص 2205 ح 5536 ، 5537.

الحکیم؟ أم نزلت فیه آیة التبلیغ مع ذلک الإرهاب؟ أم أکمل الله به الدین ، وأتمّ به النعمة کما بدأ بالنبیّ الطاهر؟ أم کان ردیف النبیّ الأقدس فی الإسلام والدعوة إلی الله من أوّل یومه ، أم کان وصیّه وخلیفته المنصوص علیه من بدء الدعوة؟ أم قُرنت طاعته بطاعته ومعصیته بمعصیته کما فی صحاح جاءت عنه صلی الله علیه وآله وسلم؟ أم کان نظیره فی أُمّته بنصّ منه صلی الله علیه وآله وسلم؟ أم؟ أم؟ إلی مائة أم. لما ذا ذلک القران؟ أنا لا أدری ، ومختلق الروایة أیضاً لا یدری.

- 5 -

عرض جنّة أبی بکر

قال الصفوری فی نزهة المجالس (2 / 183) : رأیت فی الحدیث : أنّ الملائکة اجتمعت تحت شجرة طوبی فقال ملک : وددت أنّ الله تعالی أعطانی قوّة ألف ملک ، وکسانی ریش ألف طیر ، فأطیر حول الجنّة حتی أبلغ طرفها ، فأعطاه الله ذلک ، فطار ألف سنة حتی ذهبت قوّته وتساقط ریشه ، ثمّ أعطاه الله تعالی قوّةً وأجنحة ، فطار ألف سنة ثانیة حتی ذهبت قوّته وتساقط ریشه ، ثمّ أعطاه الله تعالی قوّة وأجنحة ، فطار ألف سنة ثالثة حتی ذهبت قوّته وتساقط ریشه ، فوقع علی باب قصر باکیاً ، فأشرفت علیه حوراء فقالت : أیّها الملک مالی أراک باکیاً ولیست هذه بدار بکاء وحزن ، وإنّما هی دار فرح وسرور؟ فقال : لأنّی عارضت الله فی قدرته ، ثمّ أعلمها بحدیثه. فقالت له : لقد خاطرت بنفسک ، أتدری کم طرت فی هذه الثلاثة آلاف سنة؟ قال : لا. قالت : وعزّة ربّی ما طرت أکثر من جزء واحد من عشرة آلاف جزء ممّا أعدّه الله تعالی لأبی بکر الصدّیق رضی الله عنه. وذکره الجردانی فی مصباح الظلام (1) (2 / 25).

قال الأمینی : فمجموع ما أعدّه الله تعالی لأبی بکر فی الجنّة هو مسیر ثلاثین 2.

ص: 333


1- مصباح الظلام : 2 / 61 ح 362.

ألف ألف سنة لطائر یطیر بقوّة ألف ملک وریش ألف طیر! جلّت قدرة الباری.

أنا أکِل حساب هذه الروایة إلی الشباب النابه العصری المتخرّج من المدارس العالیة فی أرجاء العالم. کما أری النظرة فی رجال سندها من وظائف رجال الغیب إذ من المستحیل أن یقف علیه متتبّع ، ویعرفه حافظ ضلیع ، أو محدّث بعید الظن أو رجالیّ واسع الخطوة من رجال عالم الشهود.

- 6 -

الله یستحیی من أبی بکر

عن أنس بن مالک قال : جاءت امرأة من الأنصار فقالت : یا رسول الله رأیت فی المنام کأنّ النخلة التی فی داری وقعت ، وزوجی فی السفر. فقال : یجب علیک الصبر فلن تجتمعی به أبداً. فخرجت المرأة باکیةً فرأت أبا بکر ، فأخبرته بمنامها ولم تذکر له قول النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ، فقال : اذهبی فإنّک تجتمعین به فی هذه اللیلة. فدخلت إلی منزلها وهی متفکّرة فی قول النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وقول أبی بکر. فلمّا کان اللیل وإذا بزوجها قد أتی ، فذهبت إلی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وأخبرته بزوجها ، فنظر إلیها طویلاً فجاء جبریل وقال : یا محمد الذی قلته هو الحقّ ، ولکن لمّا قال الصدّیق : إنّکِ تجتمعین به فی هذه اللیلة استحیا الله منه أن یجری علی لسانه الکذب ، لأنّه صدّیق فأحیاه کرامةً له. نزهة المجالس (2 / 184).

قال الأمینی : لیتنا کنّا نقف علی رجال هذا الخیال النبهاء الذین أرادوا کسح معرّة الکذب عن ساحة الصدّیق فجرّوها إلی الساحة النبویّة ، فکأنّ الله لم یبالِ بأن یجری الکذب علی لسان نبیّه الصادق المصدّق ، حیث إنّه لم یخبر عن موت الرجل وإنّما أخبر امرأته بأنّها لن تجتمع به أبداً بکلمة لن المفیدة لتأبید النفی المؤکّد بقوله أبداً فظهر خلافه ، لکنّه استحی من أبی بکر بعد أن رجم بالغیب إفکاً ظاهراً ، فأراد أن

ص: 334

یرحض عنه ذلک بإحیاء الرجل وعدم إماتته کرامة له ، وهل یرحضه ذلک بعد أن وقع الکذب؟ أنا لا أدری.

وهل کانت کرامة أبی بکر علی الله أعظم من کرامة رسول الله علیه؟ حیث لم یرضَ بظهور الکذب علیه ورضیه علی مصطفاه ، ولم یکن فی انتشاره عنه کسر للإسلام لکن انتشاره عن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فتّ فی عضد الدین.

ثمّ اعجب من تعلیل الروایة بأنّ أبا بکر کان صدّیقاً. أو لم یکن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم سیّد الصدّیقین أجمع؟ وهب أنّ وحی هذه المزعمة خفّف عن ساحة النبوّة شیئاً یمکن أن یفوه به من اختلقها بأنّ الأمر کان کما أخبر به رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لکن أحیا الله الرجل للغایة التی ذکرها فلا کذب صلی الله علیه وآله وسلم ، لکن یدفعه ما قدّمناه من أنّه صلی الله علیه وآله وسلم لم یخبر عن موت الرجل وإنّما أخبر عن أنّها لن تجتمع به أبداً وقد وقع خلاف ما أنبأ به. نعم ؛ لعلّ ما مرّ من رأی الخلیفة من جواز تقدیم المفضول علی الفاضل ، أو الغلوّ فی الفضائل ، یرخّصان بکلّ ما ذکر.

- 7 -

کرامة دفن أبی بکر

أخرج ابن عساکر فی تاریخه (1) قال : روی أن أبا بکر رضی الله عنه لمّا حضرته الوفاة قال لمن حضره : إذا أنا متّ وفرغتم من جهازی فاحملونی حتی تقفوا بباب البیت الذی فیه قبر النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فقفوا بالباب وقولوا : السلام علیک یا رسول الله هذا أبو بکر یستأذن ، فإن أذن لکم بأن فتح الباب وکان الباب مغلقاً بقفل فأدخلونی وادفنونی ، وإن لم یفتح الباب فأخرجونی إلی البقیع وادفنونی به ، فلمّا وقفوا علی الباب وقالوا ما ذکر سقط القفل وانفتح الباب وإذا بهاتف یهتف من القبر : أدخلوا الحبیب إلی الحبیب ، فإنّ الحبیب إلی الحبیب مشتاق. 5.

ص: 335


1- تاریخ مدینة دمشق : 30 / 436 رقم 3398 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 13 / 125.

وذکره (1) الرازی فی تفسیره (5 / 378) ، والحلبی فی السیرة النبویّة (3 / 394) ، والدیار بکری فی تاریخ الخمیس (2 / 264) ، والقرمانی فی أخبار الدول هامش الکامل (1 / 200) ، والصفوری فی نزهة المجالس (2 / 198).

قال الأمینی : أراد رواة هذه الروایة تصحیح عمل القوم فی دفن الخلیفة فی موطن القداسة حجرة النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم بعد أن أعیتهم المشکلة وعجزوا عن الجواب ، فإنّ الحجرة الشریفة إمّا أن تکون باقیة علی ملکه صلی الله علیه وآله وسلم کما هو الحقّ المبین. أو أنّها عادت صدقة یؤول أمرها إلی المسلمین أجمع؟ وعلی الأوّل کان یشترط فیه رضاء أولاد وارثته الوحیدة السبطین الإمامین وأخواتهما ولم یستأذن منهم أحد. وعلی الثانی کان یجب علی الخلیفة أو علی من تولّی الأمر بعده أن یستأذن الجامعة الإسلامیّة ولم یکن من أیّ منهما شیء من ذلک ، فبقی الدفن هنالک خارجاً عن ناموس الشریعة. وإن قیل : إنّه دفن بحقّ ابنته ، فأیّ حق لها بعد ما جاء به أبوها من قوله : إنّا معاشر الأنبیاء لا نُورَث ما ترکناه صدقة؟ علی أنّا أسلفنا فی الجزء السادس (ص 190) : أنّه لم یکن لأمّهات المؤمنین إلاّ السکنی فی حجرهنّ کالمعتدّة ولم یکن لهنّ ترتیب آثار الملک علی شیء منها. وقدّمنا هنالک أیضاً أنّ علی فرض المیراث وعلی تقدیر الإرث من العقار فإنّ لعائشة تسع الثمن من حجرتها لأنّه صلی الله علیه وآله وسلم توفّی عن تسع ، ومساحة المحلّ لا یسع تسع ثمنها جثمان إنسان مهما کبرت الحجرة ، علی أنّ حقّها کان مشاعاً ولیس لها التصرّف فیه بغیر إذن شریکاتها فی المیراث.

أراد القوم التفصّی عن هذه المشکلات فکوّنوا ما یستتبع مشکلةً بعد مشکلة وهی : أنّ الخلیفة هل قال ما قاله بعهد من النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم أو أنّه أحاط علماً بالمغیّب؟ أمّا الثانی فلا أحسب أحداً یدّعی له ذلک بعد ما أحطنا خُبراً بکلّ ما قیل فی فضائله ، 3.

ص: 336


1- التفسیر الکبیر : 21 / 87 ، السیرة الحلبیّة : 3 / 365 ، تاریخ الخمیس : 2 / 237 ، أخبار الدول : 1 / 283.

وبعد ما أوقفناک علی مبلغ علمه فی المشهودات ، فأین هو عن الغیوب؟

وأمّا الأوّل فلو کان ذلک لما کان لتردیده بین الدفن فی الحجرة إن فتح الباب وسقط القفل ، وبین الذهاب به إلی البقیع إن لم یکن ذلک [ أی معنی ] ، فإنّ ما أخبر به النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم لا بدّ أن یکون ، فلا تردید فیه.

نعم ؛ من المحتمل أنّه صلی الله علیه وآله وسلم لم یعهد ذلک لنفس أبی بکر وإنّما رواه عنه من لا یثق به الخلیفة ولذلک نوّه بما قال بالتردید ، أو أنّ الروایة لا صحّة لها ، ولذلک لم تنتشر فی الصحاح والمسانید إلی عهد الحافظ ابن عساکر ، وهی علی فرض صحّتها مکرمة عظمی وقعت بمشهد الصحابة ومزدحم المهاجرین والأنصار یوم شیّعوه إلی مقرّه الأخیر ، وکان یجب والحالة هذه أن یتواصل الهتاف بها ، وبذلک الهتاف المسموع من القبر الشریف منذ ذلک العهد إلی منصرم الدهر ، ولم یکن یوم ذاک فی الأبصار غشاوة ، ولا فی الآذان وقر ، ولا فی الألسنة بکم ، لکنه ویا للأسف لم ینبس أحد عنها ببنت شفة ، وما ذلک إلاّ لأنّ المکرمة لم تقع ، والقفل ما سقط ، والباب ما انفتح ، والهتاف لم یکن ، وأدخلوا الحبیب إلی الحبیب ، فإنّ الحبیب إلی الحبیب مشتاق مهزأة نشأت من الغلوّ فی الفضائل تنبیء عن روح التصوّف فی مختلق الروایة. نعم :

ما کلّ من زار الحمی سمع الندا

من أهله أهلاً بذاک الزائرِ

هذه الکرامة المنحوتة المنحولة ذکرها الرازی ومن بعده مرسلین إیّاها إرسال المسلّم ، محتجّین بها عداد فضائل أبی بکر ، غیر مکترثین لما فی إسنادها من العلل أو جاهلین بها ، وإنّما أخرجها ابن عساکر (1) من طریق أبی طاهر موسی بن محمد بن عطاء المقدسی عن عبد الجلیل المدنی عن حبّة العرنی فقال : هذا منکر ، وأبو الطاهر 5.

ص: 337


1- تاریخ مدینة دمشق : 5 / 756 - 757 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 13 / 125.

کذاب ، وعبد الجلیل مجهول. وفی لسان المیزان (1) (3 / 391) : خبر باطل.

وأبو الطاهر المقدسی ؛ کذّبه أبو زرعة وأبو حاتم (2). وقال النسائی لیس بثقة. وقال ابن حبّان (3) : لا تحلّ الروایة عنه کان یضع الحدیث. وقال ابن عدی (4) : کان یسرق الحدیث. وقال العقیلی (5) : یحدّث عن الثقات بالبواطیل والموضوعات ، منکر الحدیث وقال منصور بن إسماعیل : کان یضع الحدیث علی مالک. راجع المصادر المذکورة (5 / 267)

- 8 -

جبریل یسجد مهابة من أبی بکر

حدّث عالم الأُمّة الشیخ یوسف الفیشی المالکی قال : کان جبریل إذا قدم أبو بکر علی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وهو یحادثه یقوم إجلالاً للصدّیق دون غیره ، فسأله النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم عن ذلک؟ فقال جبریل : أبو بکر له علیّ مشیخة فی الأزل ، وما ذاک إلاّ أنّ الله تعالی لمّا أمر الملائکة بالسجود لآدم ، حدّثتنی نفسی بما طُرد به إبلیس فحین قال الله تعالی : اسجدوا ؛ رأیت قبّة عظیمة علیها مکتوب : أبو بکر ، أبو بکر مراراً وهو یقول : اسجد. فسجدت من هیبة أبی بکر ، فکان ما کان.

ذکره العبیدی المالکی فی عمدة التحقیق هامش روض الریاحین (6) (ص 111) فقال : وحدّثنی أیضاً شیخنا الأستاذ محمد زین العابدین البکری بما یقارب ما قاله الفیشی ، وسمعتها من غالب مشایخنا بالأزهر. 3.

ص: 338


1- لسان المیزان : 3 / 477 رقم 4918.
2- الجرح والتعدیل : 8 / 161 رقم 715.
3- کتاب المجروحین : 2 / 242.
4- الکامل فی ضعفاء الرجال : 6 / 347 رقم 1829.
5- الضعفاء الکبیر : 4 / 169.
6- عمدة التحقیق : ص 193.

قال الأمینی : عجباً لهؤلاء القوم لم یسلم منهم حتی أمین الله علی وحیه - جبرائیل - المعصوم من الزلل من أوّل یومه فجعلوه فی عداد إبلیس اللعین الطرید لو لا أنّ أبا بکر تدارک أمره!

عجباً لهذا الملک المزعوم یأتمنه المولی سبحانه ثمّ یرتاب فی أمره ، ولا یُصلح ذلک الشنار القول بأنّه إنّما ائتمنه بعد زلّته تلک ، فإنّه سبحانه لا یأتمن من یمکن فی حدیث نفسه الکفر ، فلعلّ تلک الخاطرة دبّت فیه ولم یحصل من یسدّده فتعود هاجسته کفراً صریحاً.

عجباً لهذا الملک المقرّب تروعه هیبة أبی بکر ولا تأخذه هیبة الإله العظیم فیطیع أبا بکر وهو یهم أن یطیع الله فی أمره بالسجدة ، وأیّ سجدة هذه وما قیمتها من مثل جبرئیل وقد وقعت من هیبة أبی بکر لا بصفة القربان إلی المولی سبحانه والزلفی لدیه والامتثال لأمره؟ فکأن هیبة أبی بکر فی الملأ الأعلی أعظم وأفخم من هیبة بارئه جلّت عظمته!

ثمّ أین کانت قبّة أبی بکر من مستوی عالم الملکوت؟ ومن الأحری أن تضرب هنالک قبّة نبیّ العظمة حتی یسدّد فیها من شارف الزلّة لا قبّة إنسان من الممکن أن تکتنفه المآثم ، وتموت بضعة المصطفی وهی واجدة علیه.

ومن أین علم أبو بکر بهاجسة جبرئیل وحدیث نفسه؟ أو هل کان یعلم الغیب؟ أو أُوحی إلیه بواسطة غیر أمین الوحی؟ لک الحکم فی هذه کلّها أیّها القارئ الکریم.

ثمّ العجب من مشایخ الأزهر الذین أخبتوا إلی هذه الخزایة فأثبتوها فی الکتب ولهجوا بها فی الأندیة ، وخلف من بعدهم خلف ورثوا الکتاب یأخذون عرض هذا الأدنی فنشروها فی الملأ العلمی وشوّهوا بها صفحة التاریخ وسمعة الاسلام المقدّس ، نعم : أرادوا نحت فضیلة للخلیفة فأعماهم الغلوّ فی الفضائل فنحتوها رذیلةً لجبرئیل

ص: 339

الأمین ، کلّ ذلک لأنّهم افتعلوها من غیر بصیرة فی الدین ، أو رویّة شاعرة فی المبادئ الإسلامیّة.

وأحسب أنّ من اختلق هذه الروایة أراد إثباتها تجاه ما یروی لمولانا أمیر المؤمنین علیه السلام من تسدیده لجبرئیل یوم خاطبه الله سبحانه : من أنا ومن أنت؟ فتروّی قلیلاً وقد أخذته هیبة الجلیل سبحانه حتی أدرکته نورانیّة مولانا الإمام علیه السلام ، فعلّمه أن یقول : أنت الجلیل وأنا عبدک جبرئیل. وقد نظم ذلک الشاعر المبدع الشیخ صالح التمیمی من قصیدة له فی مدح مولانا أمیر المؤمنین علیه السلام وخمّسها الشاعر المفلق عبد الباقی أفندی العمری کما فی دیوانه (ص 126) وفی دیوان صاحب الأصل (ص 4) قالا :

روضةٌ أنت للعقول ودوحُ

یُجتنی من طوباک رشدٌ ونصحُ

ومتی هبَّ من عبیرک نفحُ

شمل الروح من نسیمک روحُ

حین من ربّه أتاه النداءُ

طالما للأملاک کنتَ دلیلا

ولناموسهم هدیتَ سبیلا

یوم نادی ربّ السما جبرئیلا

قائلاً من أنا فروّی قلیلا

وهو لولاک فاته الاهتداء (1)

لک شکلٌ نتیجةٌ للقضایا

لک قلبٌ للعالمین مرایا

لک فعلٌ حوی رفیع المزایا

لک اسمٌ رآه خیر البرایا

مذ تدلّی وضمّه الإسراءُ

ولیست هذه کقصّة أبی بکر ؛ فلیس فیها أنّ جبریل نوی ما نواه إبلیس من المروق عن أمره سبحانه ، ولا فیها أنّ أمیر المؤمنین أنبأ عن مغیّب ، ولا أنّ هیبته غلبت هیبة الله العظیم ، ولا أنّ جبریل سجد من هیبته ، ولا أنّ له هنالک قبّة عظیمة ف)

ص: 340


1- یعنی الاهتداء إلی ذلک الجواب الحسن الجمیل. (المؤلف)

مکتوب علیها : علیّ علیّ ، ولا أنّه هتف مخاطباً لجبرئیل بقوله : اسجد. وروّعه بذلک ، لیست فیها هذه کلّها لأنّ الشیعة فی المنتأی عن الغلوّ فی الفضائل.

- 9 -

قصّة فیها کرامة لأبی بکر

أخبر أبو العبّاس بن عبد الواحد ، عن الشیخ الصالح عمر بن الزغبی (1) قال : کنت مجاوراً بالمدینة المشرّفة علی مشرّفها أفضل الصلاة والسلام فخرجت یوم عاشوراء الذی تجتمع فیه الإمامیة فی قبّة العباس وقد اجتمعوا فی القبّة. قال : فوقفت أنا علی باب القبّة وقلت : أرید فی محبّة أبی بکر شیئاً ، فخرج إلیّ شیخ منهم ، وقال : اجلس حتی نفرغ ونعطیک ، فجلست حتی فرغوا ، ثمّ خرج إلیّ ذلک الرجل وأخذ بیدی ومضی بی إلی داره وأدخلنی الدار وأغلق ورائی الباب ، وسلّط علیّ عبدین فکتّفانی وأوجعانی ضرباً ، ثمّ أمرهما بقطع لسانی فقطعاه ، ثمّ أمرهما فحلاّ کتافی ، وقال : اخرج إلی الذی طلبت فی محبّته لیردّ إلیک لسانک. قال : فخرجت من عنده إلی الحجرة الشریفة النبویّة وأنا أبکی من شدّة الوجع والألم ، فقلت فی نفسی : یا رسول الله قد تعلم ما أصابنی فی محبّة أبی بکر ، فإن کان صاحبک حقّا فأحبّ أن یرجع إلیّ لسانی. وبتّ فی الحجرة قلقاً من شدّة الألم فأخذتنی سنة من النوم فنمت فرأیت فی منامی أنّ لسانی قد عاد إلی حاله کما کان ، فاستیقظت فوجدته فی فیّ صحیحاً کما کان وأنا أتکلّم ، فقلت : الحمد لله الذی ردّ علیّ لسانی ، وازددت محبّة فی أبی بکر رضی الله عنه.

فلمّا کان العام الثانی فی یوم عاشوراء اجتمعوا علی عادتهم فخرجت إلی باب القبّة وقلت : أرید فی محبّة أبی بکر دیناراً ، فقام إلیّ شابّ من الحاضرین وقال لی : اجلس حتی نفرغ. فجلست ، فلمّا فرغوا خرج إلیّ ذلک الشابّ وأخذ بیدی ومضی بی إلی تلک الدار فأدخلنی فیها ووضع بین یدیّ طعاماً ، فلمّا فرغنا قام الشابّ وفتح ی.

ص: 341


1- فی المصدر : الزعنی.

علیّ باباً علی بیت فی الدار وجعل یبکی ، فقمت لأنظر ما سبب بکائه فرأیت فی البیت قرداً مربوطاً ، فسألته عن قضیّته فزاد بکاءً ، فسکّنته حتی سکن ، فقلت له : بالله أخبرنی عن حالک. فقال : إن حلفت لی أن لا تخبر أحداً من أهل المدینة أخبرتک ، فحلفت له ، فقال : اعلم أنّه أتانا فی عام أوّل رجل وطلب فی محبّة أبی بکر رضی الله عنه شیئاً فی قبّة العبّاس یوم عاشوراء ، فقام إلیه أبی وکان من أکابر الإمامیّة والشیعة ، فقال له : اجلس حتی نفرغ. فلمّا فرغوا أتی به إلی هذه الدار وسلّط علیه عبدین فضرباه ، وأمر بقطع لسانه فقطع ، وأخرجه فمضی لسبیله ولم نعرف له خبراً ، فلمّا کان اللیل ونمنا صرخ أبی صرخة عظیمة فاستیقظنا من شدّة صرخته فوجدناه قد مسخه الله قرداً ففزعنا منه وأدخلناه هذا البیت وربطناه ، وأظهرنا للناس موته ، وهو ذا نبکی علیه بکرة وعشیّا. فقلت له : إذا رأیت الذی قطع أبوک لسانه تعرفه؟ قال : لا والله : فقلت : أنا هو والله ، أنا الذی قطع أبوک لسانی ، وقصصت علیه القصّة فأکبّ علیّ یقبّل رأسی ویدی ، ثمّ أعطانی ثوباً ودیناراً ، وسألنی کیف ردّ الله علیّ لسانی؟ فأخبرته وانصرفت.

مصباح الظلام للجردانی (1) (ص 23) من الطبعة الرابعة المصریّة المطبوعة بمطبعة الرحمانیّة بمصر سنة (1347 ه) ، ونزهة المجالس للصفوری (2 / 195).

قال الأمینی : ما أحوج القوم إلی اختلاق هذه الأساطیر المشمرجة وهی لا یصدّقها أیّ قارٍ وبادٍ (2) مهما یُقرّها قصّاص فی أُذنیه ، ولا یصیر بها الأمر إلی قراره مهما حبکت نسقه ید الإفک ، وأبدعت فی نسجه مهرة الافتعال.

أنّی یصدّق ذو مسکة بأنّ رجلاً شهیراً یُعدّ من عِلْیة قوم ومن أکابر أُمّة یُمسَخُ ة.

ص: 342


1- مصباح الظلام : 2 / 57 ح 362.
2- قرا الأرض قرواً : تتبعها أرضاً أرضاً وسار فیها ینظر حالها وأمرها. البادی : الضارب فی البادیة.

ویُربط فی داره وهو بعدُ مجهول لا یعرف اسمه ، ولا ینبّئ عنه خبیر ، ویسع لخلفه إخفاء أمره بدعوی موته ، ولم یُسأل أهله عن تجهیزه وتشییعه ودفنه ومقبره وسبب موته ، وتتأتّی لولده الغشیة علیها عن أعین الناس وأسماعهم کأنّ فی آذانهم صمماً وفی أبصارهم عمی.

ولما ذا أخذ ابن الجانی - الذی لم یُخلق بعد لا هو ولا أبوه - ضیفه إلی والده وهو لا یعرف الرجل ولم یخش من الفضیحة ، ولما ذا أوقفه علی أمر أبیه وعواره وقد کان یستخفیه ویُظهر للناس موته؟

وأنّی یُصدَّق بأنّ رجلاً قُطع لسانه دون مبدئه وحبّه لخلیفته قد استخفی قصّته ، وما أشاع بها ، وما صاح وما باح بمظلمته ، وما أبان أمره عند قومه ، وما أفاض عن شأنه بکلمة ، ولا یمّم قاضیاً ولا حاکماً ولا الدوائر الحکومیّة الصالحة للنظر فی مظلمته من عدلیّة أو دائرة شرطة ، وعقیرته مرفوعة من شدّة الألم ، ولم یزل القوم یتربّص الدوائر علی الشیعة ، ویختلق علیهم طامّات کهذه.

وأنّی یُصدّق أنّه لمّا خرج من دار من جنی علیه وهو مقصوص اللسان وقد ملأ فمه دمه ، ولاذ بالحجرة الشریفة باکیاً قلقاً من شدّة الألم ، ما باه له أیّ أحد ، وما عرفت مع هذه کلّها من أمره قُذَعْمِلة (1) ، ولا تنبّه لأمره سدنة الحضرة الشریفة؟

وما بال الرجل لم یُمط الستر فی وقته عن جنایة عدوّ خلیفته ، ولم یُفش سرّه ، ولم یُعلن کرامة الصدّیق ، ولم یفضح عدوّه ، ولم یُعرب عن هذه المکرمة الغالیة ، ولم یقرّط الآذان بسماعها ، وینبس أمره ولم ینبشه ، کأنّ لسانه بعدُ مقطوع ، وأنّه لم یجده فی فیه صحیحاً؟ أو رضی بأن یفشفش (2) بعده أعلام قومه؟

وإن تعجب فعجب عود هذا الشحّاذ الجریء إلی سؤاله مرّة ثانیة فی سنته ف)

ص: 343


1- القُذَعْمِلة : الشیء الیسیر.
2- فشفش : أفرط فی الکذب ، وانتحل ما لغیره. (المؤلف)

القابلة بعد أن رأی ما رأی قبل أن أعوم (1) ، ووقوفه فی ذلک الموقف الخطر فی قبّة العبّاس یوم عاشوراء ، ومضیّه من دون أیّ تحاشٍ إلی تلک الدار التی وقعت فیها واقعته الخطرة الهائلة ، ودخوله فیها رابطاً جأشه ، وإلقاؤهُ نفسه إلی التهلکة ، ولم یکن یعرف شیئاً من قصّة الشیعیّ ومسخه ، ولا من حنوّ الشابّ وعطفه ، وقد قال الله تعالی (وَلا تُلْقُوا بِأَیْدِیکُمْ إِلَی التَّهْلُکَةِ) (2).

ولعلّه کان فی هذه کلّها علی ثقة وطمأنینة من أنّه قطّ لا یبقی بلا لسان ، وأنّ لسانه مهما قُطع یُردّ إلیه کما کان من برکة الخلیفة ، وهو فی حسبانه هذا وقدومه إلی المهالک مجتهد وله أجره وإن أخطأ کاجتهاد سلفه.

وقد أنصف الشیخ الصالح المدنی فی اختلاق هذه القصّة علی شیعیّ کبیر لم یولد بعد ولم تسمّه أُمّه. وجاء غیره بأسطورة معتوه قموص الحنجرة (3) وافتجر (4) فی القول وأفجس (5) ألا وهو الشیخ علیا المالکی ، قال الشیخ إبراهیم العبیدی المالکی فی عمدة التحقیق (6) المطبوع بمصر فی هامش روض الریاحین (ص 133) : سمعت خالی العالم الشیخ علیا المالکی یقول : إنّ الرافضیّ إذا أشرف علی الموت یقلب الله صورة وجهه وجه خنزیر ، فلا یموت إلاّ إذا مسخ وجهه وجه خنزیر ، ویکون ذلک علامة علی أنّه مات علی الرفض ، فیستبشرون بذلک الروافض ، وإن لم یقلب وجهه عند الموت یحزنون ویقولون : إنّه مات سنّیاً. انتهی.

وتخرّق بعض الثقات فی تاریخ حلب شاهداً علی هذه المخرقة فقال : لمّا مات ابن 7.

ص: 344


1- أی قبل أن یمرّ علیه عام.
2- البقرة : 195.
3- یقال : فلان قموص الحنجرة ؛ أی کذّاب. (المؤلف)
4- افتجر فی الکلام : أی اختلقه وذکره من غیر أن یسمعه من أحد. (المؤلف)
5- أفجس : افتخر بالباطل. (المؤلف)
6- عمدة التحقیق : ص 227.

منیر (1) خرج جماعة من شبّان حلب یتفرّجون ، فقال بعضهم لبعض : قد سمعنا أنّه لا یموت أحد ممّن کان یسبّ أبا بکر وعمر إلاّ ویمسخه الله تعالی فی قبره خنزیراً ، ولا شکّ أنّ ابن منیر کان یسبّهما ، فأجمعوا رأیهم علی المضیّ إلی قبره ، فمضوا ونبشوه ، فوجدوا صورته خنزیراً ووجهه منحرفاً عن جهة القبلة إلی جهة الشمال ، فأخرجوه علی قبره لیشاهده الناس ، ثمّ بدا لهم أن یحرقوه فأحرقوه بالنار وأعادوه فی قبره وردّوا علیه التراب وانصرفوا.

وذکره العلاّمة الجردانی فی مصباح الظلام (2) المؤلّف سنّة (1301) والمطبوع بمصر سنة (1347) وقرّظه جمع من الأعلام ألا وهم کما فی آخر الکتاب : العالم العفیف السیّد محمود أنسی الشافعی الدمیاطی ، والعلاّمة الشیخ محمد جودة ، والعلاّمة الأوحد الشیخ محمد الحمامصی ، وحضرة الفاضل اللبیب الشیخ عطیة محمود قطاریة ، والعالم العامل الشیخ محمد القاضی ، وحضرة الشاعر اللبیب محمد أفندی نجل العلاّمة الشیخ محمد النشّار.

لیست هذه النفثات إلاّ کتیت (3) الإحن ، ونغران (4) الشحناء. وإن شئت قلت : إنّها سکرة الحبّ ، وسرَف المغالاة. قد أعمت الأهواء بصائر أولئک الرجال فجاؤوا بهذه المخاریق المخزیة ، والأفائک المزخرفة ، بیّتوها غیر مکترثین لمغبّة صنیعهم ، ولا متحاشین عن معرّة قیلهم ، وشتّان بینها وبین أدب الدین ، أدب العلم ، أدب التألیف ، أدب العفّة ، أدب الدعایة والنشر : (وَإِنَّهُمْ لَیَقُولُونَ مُنْکَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً) (5) 2.

ص: 345


1- أحد شعراء الغدیر ، مرّت ترجمته فی الجزء الرابع : ص 326 - 337 مات فی دمشق ثمّ نقل إلی حلب فدفن بها. (المؤلف)
2- مصباح الظلام : 2 / 57 ح 362.
3- الکتیت : صوت غلیان القدر والنبیذ ونحوهما. (المؤلف)
4- نغر الرجل علی فلان نغراً ونغراناً : غلا جوفه علیه غضباً. (المؤلف)
5- المجادلة : 2.

(وَلا یَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ یُبَیِّتُونَ ما لا یَرْضی مِنَ الْقَوْلِ) (1).

کأنّ هؤلاء یحدّثون عن أُمّة بائدة لم یُبقِ لها الملوان من یشاهده أحد من الأجیال الحاضرة ، أو لیست الشیعة هؤلاء الذین هم مبثوثون فی أرجاء العالم وأجواء الأمم ، یشاهدهم کلّ ذی بصر وبصیرة أحیاءً وأمواتاً؟ فمن ذا الذی شهد أحدهم أنّه انقلب عند موته خنزیراً غیر أولئک الشبّان الموهومین الذین شاهدوا ابن منیر فی قبره؟ وهل الشیخ علیا المالکی هو وجد أحداً من الشیعة کما وصفه؟ أو رُوی له ذاک الإفک فوثق به کما وثق العبیدی؟ وهل کان یمکنه أن یقف علی الموتی جمیعاً أو أکثرهم ولیس هو بمغسّل الموتی أو من حفّاری القبور ولا من نبّاشیها؟

علی أنّ التشیّع لیس من ولائد تلکم العصور وإنّما بدأ به منذ العهد النبویّ ، فهل کان السلف الشیعیّ من الصحابة والتابعین یموتون کذلک وکان فیهم من یعرف بالتشیّع کأبی ذر وسلمان وعمّار والمقداد وأبی الطفیل؟ فهل یسحب هذا الرجل ذیل مزعمته إلی ساحة أُولئک الأعاظم؟ قطعت جهیزة قول کلّ خطیب (2).

- 10 -

أبو بکر شیخ یُعرف والنبیّ شابّ لا یُعرف

عن أنس بن مالک قال : أقبل النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم إلی المدینة ، وأبو بکر شیخ یُعرف والنبیّ صلی الله علیه وآله وسلم شابّ لا یُعرف ؛ فیلقی الرجل أبا بکر (3) فیقول : یا أبا بکر من هذا الذی ف)

ص: 346


1- النساء : 108.
2- مثل یضرب لمن یقطع علی الناس ما هم فیه بحماقة یأتی بها [ مجمع الأمثال : 2 / 474 رقم 27830 ]. (المؤلف)
3- فی الانتقال من بنی عمرو. کذا قاله القسطلانی فی إرشاد الساری : 6 / 214 [ 8 / 440 رقم 3911 ] وبنو عمرو بن عوف هم من الأنصار النازلین بقباء کان قد نزل علیهم رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم فی هجرته إلی المدینة کما یأتی تفصیله. (المؤلف)

بین یدیک؟ فیقول : یهدینی السبیل ، فیحسب الحاسب أنّه یهدیه الطریق وإنّما یعنی سبیل الخیر.

وفی لفظ : إنّ أبا بکر کان ردیف النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وکان أعرف بذلک الطریق فیراه الرجل یعرفه فیقول : یا أبا بکر من هذا الغلام بین یدیک؟ وفی لفظ أحمد : کانوا یقولون : یا أبا بکر ما هذا الغلام بین یدیک؟ فیقول : هذا یهدینی السبیل. وفی لفظ : قالوا : یا أبا بکر من هذا الذی تعظّمه هذا الإعظام؟ قال : هذا یهدینی الطریق وهو أعرف به منّی.

وفی روایة : رکب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وراء أبی بکر ناقته. وفی التمهید لابن عبد البرّ : أنّه لمّا أُتی براحلة أبی بکر سأل أبو بکر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أن یرکب ویردفه ، فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : بل أنت ارکب وأردفک أنا فإنّ الرجل أحقّ بصدر دابّته ، فکان إذا قیل له : من هذا وراءک؟ قال : هذا یهدینی السبیل.

وفی لفظ : لمّا قدم صلی الله علیه وآله وسلم المدینة تلقّاه المسلمون ، فقام أبو بکر للناس ، وجلس النبیّ صامتاً ، وأبو بکر شیخ والنبیّ شابّ ، فطفق من جاء من الأنصار ممّن لم یر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یجیء (1) أبا بکر فیعرّفه بالنبیّ صلی الله علیه وآله وسلم حتی أصابت الشمس رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فأقبل أبو بکر حتی ظلّل علیه برادئه ، فعرفه الناس عند ذلک.

صحیح البخاری باب هجرة النبیّ (6 / 53) ، سیرة ابن هشام (2 / 109) ، طبقات ابن سعد (1 / 222) ، مسند أحمد (3 / 287) ، معارف ابن قتیبة (ص 75) ، الریاض النضرة (1 / 78 ، 79 ، 80) ، المواهب اللدنیّة (1 / 86) ، السیرة الحلبیة (2 / 46 ، 61) (2). 4.

ص: 347


1- کذا فی السیرة الحلبیة ، وفی غیرها من المصادر : یحیِّی.
2- صحیح البخاری : 3 / 1421 ح 3694 ، سیرة ابن هشام : 2 / 137 ، الطبقات الکبری : 1 / 235 ، مسند أحمد : 4 / 205 ح 13649 ، المعارف : ص 172 ، الریاض النضرة : 1 / 103 - 105 ، المواهب اللدنیّة : 1 / 306 ، السیرة الحلبیّة : 2 / 41 - 42 ، 54.

قال الأمینی : ما أنزل الدهر نبیّ الإسلام حتی قیل : إنّه شابّ لا یُعرف. کأنّه غلام نکرة اتّخذه شیخ انتشر صوته کصیته بین الناس دلیلاً فی مسیره یرتدفه تارة ویمشّیه بین یدیه أخری ، ومهما سئل عنه یقول : هذا یهدینی الطریق وهو أعرف به منّی ، کأنّ نبی الإسلام صلی الله علیه وآله وسلم لم یکن ذلک الذی کان یعرض نفسه علی القبائل فی کلّ موسم فعرفوه علی بَکرة أبیهم من آمن منهم ومن لم یؤمن ، خصوصاً الأنصار المدنیین منهم وفیهم رجال الأوس والخزرج ، وقد بایعوه عند العقبة الأولی مرة ، وبایعه منهم مرّة ثانیة عند العقبة ثلاثة وسبعون رجلا وامرأتان.

وکأنّه صلی الله علیه وآله وسلم لم یکن ذلک الذی أمر أصحابه بالهجرة إلی المدینة قبله ، وکان بتلک الهجرة غلّقت أبواب ، وخلت دور أُناس من السکنی وهاجر أهلها رجالاً ونساءً وکان فی مقدّم المهاجرین ما یناهز ستّین رجلاً ، فلم یبق فی مکة المعظّمة من أسلم معه صلی الله علیه وآله وسلم إلاّ أمیر المؤمنین وأبو بکر وکأنّ المدینة لیست بدار بنی النجّار وهم خؤولة النبیّ الأقدس.

وکأنّه صلی الله علیه وآله وسلم لم یکن الذی اتّخذ المدینة قاعدة ملکه ، وعاصمة حکومته ، ومعسکر نهضته ، فبثّ فیها رجاله وخاصّته من أهلها ومن المهاجرین ، فکانوا یرقبون مقدمه الشریف فی کلّ حین حتی إذا وافوه مقبلاً علیهم استقبلوه بقضّهم وقضیضهم وفیهم أهل البیعتین ومن تقدّمه من المهاجرین وکلّهم یعرفونه کما یعرفون أبناءهم ، وأنّه صلی الله علیه وآله وسلم مکث فی قباء عند بنی عمرو بن عوف أیّاماً ولیالی حتی أسّس مسجده الشریف فیها ، فعرفه کلّ من فی قباء ممّن لم یکن یعرفه قبل من رجال الأوس والخزرج ، واتّصل به کلّ من قدمها من المدینة فعرفوه جمیعاً ، وقد صلّی الجمعة فی قباء وفی بطن الوادی وادی رانونا وائتمّ به من حضر من المسلمین عامّة.

وبقضاء من الطبیعة أنّ الناس عند التطلّع إلی رؤیته صلی الله علیه وآله وسلم کان یومی إلیه کلّ عارف ، ویسأل عنه کلّ جاهل ، ویتقدّم المبایعون إلی التعرّف به والتزلّف إلیه ، فلا

ص: 348

یبقی فی المجتمع جاهل به حتی یسأل أبا بکر عنه فی انتقاله من بنی عمرو بقوله : من هذا الغلام بین یدیک یا أبا بکر؟

فکأنّ القادم رجل عادی ما دوّخ صیته الأقطار ، ولم یره بشر من ذلک الجمع الحافل ، ولم یحتفل به ذلک الاحتفال ، ولا احتفی به تلک الحفاوة ، وما صعدت ذوات الخدور علی الأجاجیر (1) وما هزجت الصبیان والولائد بقولهنّ :

طلع البدر علینا

من ثنّیات الوداعِ

وجب الشکر علینا

ما دعا لله داع

أیُّها المبعوث فینا

جئت بالأمر المطاعِ

وکأنّه قدم فی صورة منکرة بلا أیّ تقدمة إلی بلد لا یعرفه فیه أحد حتی خصّ السؤال عنه بأبی بکر فحسب.

ثمّ ما هذه التعمیة فی جواب أبی بکر بقوله : إنّه یهدینی السبیل. یرید سبیل السعادة فیحسب الحاسب أنّه یهدیه الطریق؟ ألخوف کانت ولم یَرِد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إلاّ علی العدّة والعدد والمتعة والعزّة ، وقد بایعته الأنصار علی التفانی دونه؟ أو کان یخاف أبو بکر قریشاً وهو فی حصن الدین المنیع ودرعه الحصینة؟ أم کانت لغیر ذلک؟ فاسأل عنه خبیراً. والعجب کلّ العجب أنّ رجلاً هذه سیرته فی التقیّة عن الناس فی عاصمة الإسلام بین فرسان المهاجرین والأنصار کیف صحّ عنه ما جاء عن ابن مسعود وما روی عن مجاهد مرسلاً من قولهم : إنّ أوّل من أظهر الاسلام سبعة : رسول الله ، وأبو بکر إلی آخره (2). ف)

ص: 349


1- جمع الإجّار بکسر الأول وتشدید الجیم : السطح. (المؤلف)
2- تاریخ ابن کثیر : 3 / 58 [ 3 / 38 ] ، تاریخ ابن عساکر : 6 / 448 [ 24 / 221 رقم 2905 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 11 / 113 ]. (المؤلف)

علی أنّ الحالة کانت تقتضی أن یُسأل کلّ قادم إلی المدینة یوم ذاک عن شخص رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وأوان نزوله بها لا عن الغلام بین أیدی أبی بکر.

والعجب أنّ الجهل برسول الله فی مزعمة هذا الراوی کان مستمرّا بین مستقبلیه - وکلّهم نفوسهم نزّاعة إلی عرفانه والتبرّک برؤیته - حتی ظلّله أبو بکر بردائه فعرفه الناس عند ذلک.

ومتی کان أبو بکر شیخاً والنبیّ شابّا وهو صلی الله علیه وآله وسلم أکبر منه بسنتین وعدّة أشهر کما یأتی تفصیله إن شاء الله؟ وابن قتیبة أخذ هذا الحدیث بظاهره فقال فی المعارف (1) (ص 75):

هذا الحدیث یدلّ علی أنّ أبا بکر کان أسنّ من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بمدّة طویلة ، والمعروف عند أهل الأخبار ما حکیناه. انتهی. وحکی قبل هذا أنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم هو أکبر سنّا من أبی بکر.

نعم ؛ عرف شرّاح البخاری من المتأخّرین موضع الغمز ، فأوّلوا کون أبی بکر شیخاً بظهور الشیب فی لحیته ، وکون النبیّ شابّا بسواد کریمته ، والعارف بأسالیب الکلام یعلم أنّه تمحّل محض ، وأنّ المفهوم من تلک کما فهمه ابن قتیبة ؛ کون أبی بکر شیخاً ورسول الله شابّا لا غیر ذلک. وإلاّ فما معنی قولهم : ما هذا الغلام بین یدیک؟ أو : من هذا الغلام بین یدیک؟ ومن المعلوم أنّ الغلام لا یطلق علی من عمره خمسون سنة تقریباً مهما اسودّ عارضه.

وعلی صحّة هذا التأویل أین المؤوّلون من صحیحة ابن عبّاس ، قال : قال أبو بکر : یا رسول الله قد شبت. قال : «شیّبتنی هود والواقعة» الحدیث. وروی مثله الحفّاظ عن ابن مسعود ، وفی لفظ أبی جحیفة : قالوا : یا رسول الله نراک قد شبت. 2.

ص: 350


1- المعارف : ص 172.

قال : «شیّبتنی هود وأخواتها» (1).

فهذه الصحیحة تعرب عن أنّه صلی الله علیه وآله وسلم کان قد بان فیه الشیب علی خلاف الطبیعة ، وأسرع فیه حتی أصبح مسؤولاً عنه وعمّا أثّره فیه صلی الله علیه وآله وسلم ، فأین منها ذلک التأویل البارد؟

وربما یُقال فی حلّ مشکلة - یُعرف ولا یُعرف - : إنّ أبا بکر کان تاجراً عرفه الناس فی المدینة عند اختلافه إلی الشام ، لکنّه علی فرض تسلیم کونه تاجراً ، وعلی تقدیر تسلیم سفره إلی الشام ودون إثباته خرط القتاد ، مقابل بأنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أیضاً کان یحاول التجارة یستطرق المدینة إلی الشام ، فلو کانت التجارة بمجرّدها تستدعی معرفة الناس بالتاجر فهو فی النبیّ الأعظم أولی لأنّ شرفه المکتسب ، وشهرته بالأمانة ، وعظمته فی النفوس ، وتحلّیه بالفضائل ، وبروز عصمته وقداسته عند الناس من أوّل یومه ، وشرفه الطائل فی نسبه ؛ أجلب لتوجّه النفوس إلیه ، بخلاف التاجر الذی هو خلو من کلّ ذلک.

علی أنّ التاجر متی هبط مصراً فعارفوه رجال معدودون ممّن شارکوه فی الحرفة ، أو شارفوه فی المعاملة ، وهذا التعارف یخصّ بأُناس تُعدّ بالأنامل لا عامّة الناس کما حسبوه. وأنّی هذا من سفر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إلی المدینة وأبو بکر یوم ذاک یرضع من ثدی أُمّه ، خرجت به صلی الله علیه وآله وسلم [ أمّه ] لمّا بلغ ستّ سنین من عمره إلی أخواله بنی عدی بن النجّار بالمدینة تزور به أخواله ومعه أمّ أیمن ، فنزلت به فی دار النابغة ف)

ص: 351


1- أخرجه الحافظ الترمذی فی جامعه [ 5 / 375 ح 3297 ] ، والحکیم الترمذی فی نوادر الأصول [ 2 / 28 الأصل 186 ] ، وأبو یعلی [ فی المسند : 1 / 102 ح 107 ، 108 ، 2 / 184 ح 880 ] ، والطبرانی [ فی المعجم الکبیر : 6 / 148 ح 5804 ، 10 / 102 ح 10091 ] ، وابن أبی شیبة ، والحاکم فی المستدرک : 2 / 343 [ 2 / 374 ح 3314 ] وصحّحه هو وأقرّه الذهبی ، والقرطبی فی تفسیره : 7 / 1 [ 9 / 3 ] ، وأبو نصر فی اللمع : ص 280 [ ص 352 ] ، وابن کثیر فی تفسیره : 2 / 435 ، والخازن فی تفسیره : 2 / 335 [ 2 / 319 ]. (المؤلف)

رجل من بنی عدیّ بن النجار فأقامت به شهراً. وممّا وقع فی تلک السفرة :

قالت أُمّ أیمن : أتانی رجلان من الیهود یوماً نصف النهار بالمدینة فقالا : أخرجی لنا أحمد. فأخرجته ونظرا إلیه وقلّباه ملیّا ثمّ قال أحدهما لصاحبه : هذا نبیّ هذه الأُمّة ، وهذه دار هجرته ، وسیکون بهذه البلدة من القتل والسبی أمر عظیم. قالت أُمّ أیمن : وعیت ذلک کلّه من کلامهما (1). أبعد هذه کلّها ، وبعد تلکم الإرهاصات للنبوّة التی ملأت بین الخافقین ، وبعد ذلک الصیت الطائل الذی دوّخ الأقطار ، وبعد مضیّ خمسین سنة من عمره الشریف صلی الله علیه وآله وسلم رسول الله شابّ لا یُعرف وأبو بکر شیخ یُعرف ، یُسأل عنه : من هذا الغلام بین یدیک؟

ولإیضاح هذه الجمل من الحریّ أن نسرد کیفیّة هجرته صلی الله علیه وآله وسلم حتی تزید بصیرة القارئ علی موقع الإفک من هذه المجهلة المأثورة فی الصحاح والمسانید الصادرة عن الغلوّ فی الفضائل عمیاً وصمّا. فأقول :

الأنصار فی البیعتین :

کان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یعرض نفسه علی القبائل فی المواسم إذ کان یدعوهم إلی الله ویخبرهم أنّه نبیّ مرسل فعرض نفسه علی کندة ، وعلی بنی عبد الله بطن من کلب ، وعلی بنی حنیفة ، وعلی بنی عامر بن صعصعة ، وعلی قوم من بنی عبد الأشهل. فلمّا أراد الله عزّ وجلّ إظهار دینه ، وإعزاز نبیّه صلی الله علیه وآله وسلم وإنجاز موعده له ، خرج صلی الله علیه وآله وسلم فی الموسم الذی لقی فیه النفر من الأنصار فعرض نفسه علی قبائل العرب کما کان یصنع فی کلّ موسم ، فبینما هو عند العقبة لقی رهطاً من الخزرج أراد الله بهم خیراً وفیهم : أسعد بن زرارة أبو أُمامة النجاری ، وعوف بن الحرث بن عفراء ، ورافع بن مالک ، وقطبة بن عامر بن حدیدة ، وعقبة بن عامر بن نابی ، وجابر بن عبد الله. ف)

ص: 352


1- دلائل النبوّة لأبی نعیم : 1 / 50 [ 1 / 204 ح 99 ] ، صفة الصفوة لابن الجوزی : 1 / 20 [ 1 / 64 رقم 1 ] ، تاریخ ابن کثیر : 2 / 279 [ 2 / 340 ] ، بهجة المحافل : 1 / 44. (المؤلف)

فکلّمهم رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ودعاهم إلی الله ، وعرض علیهم الإسلام ، وتلا علیهم القرآن فأجابوه فیما دعا إلیهم ثمّ انصرفوا عنه صلی الله علیه وآله وسلم راجعین إلی بلادهم وقد آمنوا وصدّقوا.

فلمّا قدموا المدینة إلی قومهم ذکروا لهم رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ودعوهم إلی الإسلام حتی فشا فیهم ، فلم تبق دار من دور الأنصار إلاّ وفیها ذکر من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، حتی إذا کان العام المقبل وافی الموسم من الأنصار إثنا عشر رجلاً فلقوه بالعقبة الأولی فبایعوا رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم علی بیعة النساء وذلک قبل أن یفترض علیهم الحرب ، وهم : أبو أُمامة أسعد بن زرارة ، وعوف بن عفراء ، ومعاذ بن عفراء ، ورافع بن مالک ، وذکوان بن عبد قیس ، وعبادة بن الصامت ، ویزید بن ثعلبة ، والعبّاس بن عبادة ، وعقبة بن عامر ، وقطبة بن عامر ، وأبو الهیثم بن التیّهان ، وعویم بن ساعدة.

قال عبادة بن الصامت : بایعنا رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لیلة العقبة الأولی : علی أن لا نشرک بالله شیئاً ، ولا نسرق ، ولا نزنی ، ولا نقتل أولادنا ، ولا نأتی ببهتان نفتریه بین أیدینا وأرجلنا ، ولا نعصیه فی معروف.

فلمّا انصرف القوم عنه صلی الله علیه وآله وسلم بعث رسول الله معهم مصعب بن عمیر بن هاشم ابن عبد مناف (1) وأمره أن یقرئهم القرآن ، ویعلّمهم الإسلام ، ویفقّههم فی الدین ، ویقیم فیهم الجمعة والجماعة ، وکان مصعب یسمّی بالمدینة : المقرئ ، وکان منزله علی أسعد ابن زرارة أبی أُمامة النجاری. وکان یصلّی بهم الجمعة والجماعة فأقام عنده یدعوان الناس الی الإسلام حتی لم تبق دار من دور الأنصار إلاّ وفیها رجال ونساء مسلمون.

ثمّ إنّ مصعب بن عمیر رجع إلی مکّة ، وخرج من خرج من الأنصار من المسلمین إلی الموسم مع حجّاج قومهم من أهل الشرک حتی قدموا مکّة فواعدوا رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم العقبة من أوسط أیّام التشریق. قال کعب : فلمّا فرغنا من الحجّ وکانت اللیلة التی واعدنا رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لها ومعنا عبد الله بن عمرو بن حرامب.

ص: 353


1- ابن عبد الدار بن قُصیّ بن کلاب.

أبو جابر سیّد من ساداتنا وشریف من أشرافنا أخذناه معنا ، ثمّ دعوناه إلی الإسلام فأسلم وشهد معنا العقبة ، وکان نقیباً ، فنمنا تلک اللیلة مع قومنا فی رحالنا ، حتی إذا مضی ثلث اللیل خرجنا من رحالنا لمیعاد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم حتی اجتمعنا فی الشعب عند العقبة ونحن ثلاثة وسبعون رجلاً ، ومعنا امرأتان من نسائنا : نسیبة بنت کعب أمّ عمارة ، وأسماء بنت عمرو أمّ منیع.

قال : فتکلّم رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فتلا القرآن ودعا إلی الله ورغّب فی الإسلام ثمّ قال : «أبایعکم علی أن تمنعونی ممّا تمنعون منه نساءکم وأبناءکم». فأخذ البراء بن معرور بیده ثمّ قال : نعم والذی بعثک بالحقّ لنمنعنّک عمّا نمنع منه أُزُرَنا (1) فبایعنا یا رسول الله ، فنحن والله أهل الحروب ، وأهل الحلقة ، ورثناها کابراً عن کابر ، فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «أخرجوا إلیّ منکم اثنی عشر نقیباً لیکونوا علی قومهم بما فیهم». فأخرجوا منهم اثنی عشر نقیباً تسعة من الخزرج وثلاثة من الأوس. وهم :

1 - أبو أمامة أسعد بن زرارة الخزرجی.

2 - سعد بن الربیع بن عمرو الخزرجی.

3 - عبد الله بن رواحة بن امرئ القیس الخزرجی.

4 - رافع بن مالک بن العجلان الخزرجی.

5 - البراء بن معرور بن صخر الخزرجی.

6 - عبد الله بن عمرو بن حرام الخزرجی.

7 - عبادة بن الصامت بن قیس الخزرجی.

8 - سعد بن عبادة بن دُلیم الخزرجی.

9 - المنذر بن عمرو بن خنیس الخزرجی.

10 - أسید بن حضیر بن سماک الأوسی. ف)

ص: 354


1- أزرنا : یعنی نساءنا ، والمرأة یُکنّی عنها بالإزار. (المؤلف)

11 - سعد بن خیثمة بن الحرث الأوسی.

12 - رفاعة بن عبد المنذر بن زنبر الأوسی. وقد یعدّ بمکانه أبو الهیثم بن التّیهان.

فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم للنقباء : «أنتم علی قومکم بما فیهم کفلاء ککفالة الحواریّین لعیسی بن مریم وأنا کفیل علی قومی - یعنی المسلمین -». قالوا : نعم.

قال العبّاس بن عبادة بن نضلة الأنصاری : یا معشر الخزرج هل تدرون علام تبایعون هذا الرجل؟ قالوا : نعم. قال : إنّکم تبایعونه علی حرب الأحمر والأسود من الناس ، فإن کنتم ترون أنّکم إذا نهکت أموالکم مصیبةً ، وأشرافکم قتلاً اسلمتموه فمن الآن ، فهو والله إن فعلتم خزی الدنیا والآخرة. وإن کنتم ترون أنکم وافون له بما دعوتموه إلیه علی نهکة الأموال وقتل الأشراف فهو والله خیر الدنیا والآخرة. قالوا : فإنّا نأخذه علی مصیبة الأموال وقتل الأشراف ، فما لنا بذلک یا رسول الله إن نحن وفینا؟ قال : «الجنّة». قالوا : ابسط یدک. فبسط یده فبایعوه.

فقال له العبّاس بن عبادة : والله الذی بعثک بالحقّ إن شئت لنمیلنّ علی أهل منی غداً بأسیافنا. قال : فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «لم نُؤمر بذلک ولکن ارجعوا إلی رحالکم». فرجعوا إلی مضاجعهم. فلمّا قدموا المدینة أظهروا الإسلام بها وفی قومهم بقایا من شیوخ لهم علی دینهم من الشرک. وکان أهل بیعة العقبة الآخرة ثلاثة وسبعین رجلاً وامرأتین وهم :

أُسید بن حُضیر النقیب ، أبو الهیثم بن التیّهان النقیب ، سلمة بن سلامة الأسهلی ، ظهیر بن رافع الخزرجی ، أبو بردة بن نِیار بن عمرو ، نُهَیر بن الهیثم الحارثی ، سعد بن خیثمة النقیب ، رفاعة بن عبد المنذر النقیب ، عبد الله بن جبیر

ص: 355

ابن النعمان ، معن بن عدیّ بن الجد ، عویم بن ساعدة الأوسی ، أبو أیّوب خالد الأنصاری ، معاذ بن الحارث الأنصاری ، أسعد بن زرارة النقیب ، سهیل بن عتیک النجاری ، أوس بن ثابت الخزرجی ، أبو طلحة زید بن سهل ، قیس بن أبی صعصعة النجاری ، عمرو بن غزیة الخزرجی ، سعد بن الربیع النقیب ، خارجة بن زید الخزرجی ، عبد الله بن رواحة النقیب ، بشیر بن سعد الخزرجی ، خلاّد بن سوید الخزرجی ، عقبة بن عمرو الخزرجی ، زیاد بن لبید الخزرجی ، فروة بن عمرو الخزرجی ، خالد بن قیس الخزرجی ، رافع بن مالک النقیب ، ذکوان بن عبد قیس الخزرجی ، عبادة بن قیس الخزرجی ، الحارث بن قیس الخزرجی ، البراء بن معرور النقیب ، بشر بن البراء الخزرجی ، سنان بن صیفی الخزرجی ، الطفیل بن النعمان الخزرجی ، معقل بن المنذر الخزرجی ، یزید بن المنذر الخزرجی ، مسعود بن یزید الخزرجی ، الضحّاک بن حارثة الخزرجی ، یزید بن خزام الخزرجی ، جبار بن صخر الخزرجی ، الطفیل بن مالک الخزرجی ، کعب بن مالک الخزرجی ، سلیم بن عمرو الخزرجی ، قطبة بن عامر الخزرجی ، یزید بن عامر الخزرجی ، کعب بن عمرو الخزرجی ، صیفی بن سواد الخزرجی ، ثعلبة بن غنمة السلمی ، عمرو بن غنمة السلمی ، عبد الله بن أنیس السلمی ، خالد بن عمرو السلمی ، عبد الله بن عمر النقیب ، جابر بن عبد الله السلمی ، ثابت بن ثعلبة السلمی ، عمیر بن الحارث السلمی ، خدیج ابن سلامة بن الفرافر ، معاذ بن جبل الخزرجی ، أوس بن عباد الخزرجی ، عبادة بن الصامت النقیب ، غنم بن عوف الخزرجی ، العبّاس بن عبادة الخزرجی ، أبو عبد الرحمن بن یزید الخزرجی ، عمرو بن الحرث الخزرجی ، رفاعة بن عمرو الخزرجی ، عقبة بن وهب الجشمی ، سعد بن عبادة النقیب ، المنذر بن عمرو النقیب ، عوف بن الحارث الأنصاری ، معوذ بن الحارث الأنصاری ، عمارة بن حزم الأنصاری ، عبد الله بن زید مناة الخزرجی.

ص: 356

نبأ الهجرة :

فلمّا عتت قریش علی الله عزّ وجلّ ، وردّوا علیه ما أرادهم به من الکرامة ، وکذّبوا نبیّه صلی الله علیه وآله وسلم ، وعذّبوا ونفوا من عبده ووحّده وصدّق نبیّه واعتصم بدینه أذن الله عزّ وجلّ لرسوله صلی الله علیه وآله وسلم فی القتال فنزل قوله تعالی (أُذِنَ لِلَّذِینَ یُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا) (1) ثمّ الآیة أنزل الله تعالی : (وَقاتِلُوهُمْ حَتَّی لا تَکُونَ فِتْنَةٌ وَیَکُونَ الدِّینُ کُلُّهُ لِلَّهِ) (2).

فلمّا أذن الله تعالی له صلی الله علیه وآله وسلم فی الحرب وتابعه هذا الحیّ من الأنصار علی الإسلام والنصرة له ولمن اتّبعه ، وأوی إلیهم من المسلمین ، أمر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أصحابه من المهاجرین من قومه ومن معه بمکّة من المسلمین بالخروج إلی المدینة والهجرة إلیها ، واللحوق بإخوانهم من الأنصار ، وقال : إنّ الله عزّ وجلّ قد جعل لکم إخواناً وداراً تأمنون بها. فخرجوا أرسالاً (3) وأقام رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بمکة ینتظر أن یأذن له ربّه فی الخروج من مکّة والهجرة إلی المدینة ، فهاجر بنو جحش فغلّقت دورهم هجرة تخفق أبوابها یَبابا ، لیس فیها ساکن خلاء من أهلها. وکان بنو غنم بن دودان أهل إسلام قد أوعبوا إلی المدینة هجرةً نساءهم ورجالهم ، ثمّ تتابع المهاجرون وفیهم :

أبو سلمة بن عبد الأسد ، عامر بن ربیعة الکعبی ، عبد الله بن جحش ، عبد بن جحش أبو أحمد ، عکاشة بن محصن ، شجاع بن وهب ، عقبة بن وهب ، عربد بن حمیر ، منقذ بن نباتة ، سعید بن رُقیش ، محرز بن نضلة ، یزید بن رُقیش ، قیس بن ة.

ص: 357


1- الحج : 39.
2- الانفاق : 39.
3- أرسالاً : جماعة فی إثر جماعة.

جابر ، عمرو بن محصن ، مالک بن عمرو ، صفوان بن عمرو ، ثقف بن عمرو ، ربیعة بن أکثم ، الزبیر بن عبیدة ، تمام بن عبیدة ، سخبرة بن عبیدة ، محمد بن عبد الله بن جحش ، عمر بن الخطّاب ، عیاش بن أبی ربیعة ، زید بن الخطّاب ، عمرو بن سراقة ، عبد الله بن سراقه ، خنیس بن حذافة ، إیاس بن البکیر ، عاقل بن البکیر ، عامر بن البکیر ، خالد بن البکیر ، طلحة بن عبید الله ، حمزة بن عبد المطّلب ، صهیب بن سنان ، زید بن حارثة ، کنار بن حصین ، عبیدة بن الحارث ، الطفیل بن الحارث ، الحصین بن الحرث ، مسطح بن أثاثة ، سویبط بن سعد ، طلیب بن عمیر ، خبّاب مولی عتبة ، عبد الرحمن بن عوف ، الزبیر بن عوام ، أبو سبرة بن أبی رهم ، مصعب بن عمیر ، أبو حذیفة بن عتبة ، سالم مولی أبی حذیفة ، عتبة بن غزوان ، عثمان بن عفان ، أنسة مولی رسول الله ، أبو کبشة مولی رسول الله.

وأقام رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بمکة بعد أصحابه من المهاجرین ینتظر أن یؤذن له فی الهجرة. ولم یتخلّف معه بمکّة أحد من المهاجرین إلاّ من حُبس أو فُتن ، إلاّ علیّ بن أبی طالب وأبو بکر بن أبی قحافة حتی إذا کان الیوم الذی أذن الله فیه لرسوله صلی الله علیه وآله وسلم فی الهجرة والخروج من مکّة من بین ظهری قومه ، وما کان یعلم بخروجه صلی الله علیه وآله وسلم أحد حین خرج إلاّ علیّ بن أبی طالب وأبو بکر الصدّیق وآل أبی بکر ، أما علیّ فإنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أخبره بخروجه وأمره أن یتخلّف بعده بمکّة ، حتی یؤدّی عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم الودائع التی کانت عنده للناس ، وکان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لیس بمکّة أحد عنده شیء یخشی علیه إلاّ وضعه عنده لما یعلم من صدقه وأمانته صلی الله علیه وآله وسلم.

فلمّا أجمع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم الخروج خرج ومعه أبو بکر ثمّ عمدا إلی غارٍ بثور - جبل بأسفل مکّة - فدخلاه فأقام فیه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ثلاثاً ومعه صاحبه.

ثمّ خرج بهما دلیلهما عبد الله بن أرقط سلک بهما أسفل مکّة ثمّ مضی بهما علی

ص: 358

الساحل أسفل من عُسفان (1) ثمّ سلک بهما علی أسفل أمج (2) ثمّ استجاز بهما حتی عارض بهما الطریق بعد أن أجاز قُدَیداً (3) ثمّ أجاز بهما من مکانه ذلک فسلک بهما الخرّار (4) ثمّ سلک بهما ثنیّة (5) المرة ، ثمّ سلک بهما لقفاً (6) ، ثمّ استبطن بهما مدلجة مجاج (7) ثمّ سلک بهما مرجح مجاج ثمّ تبطّن بهما مرجح (8) من ذی العضوین - الغضوین - ثمّ بطن ذی کشر (9) ثمّ أخذ بهما علی الجداجد (10) ثمّ علی الأجرد (11) ثمّ سلک بهما ذا سلم من بطن أعدا مدلجة تعهن (12) ثمّ علی العبابید (13) ثمّ أجاز بهما الفاجة (14) ثمّ هبط بهما العرْج (15) ، فحمل رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم رجل من أسلم یقال له أوس بن حجر علی جمل له - یقال له : ابن الرداء - إلی المدینة ، وبعث معه غلاماً له ، یقال له مسعود بن هُنیدة ، ثمّ خرج بهما دلیلهما من العرج فسلک بهما ثنیّةف)

ص: 359


1- بضم الأوّل ثمّ السکون : محل من مکّة علی مرحلتین [ معجم البلدان : 4 / 121 ]. (المؤلف)
2- بفتح الهمزة والمیم : بلد من أعراض المدینة [ معجم البلدان : 249 ]. (المؤلف)
3- بضم الأوّل وفتح الدال : موضع فیه ماء بین مکّة والمدینة. بها منازل خزاعة. (المؤلف)
4- بفتح المعجمة وتشدید الراء : موضع قرب الجحفة. (المؤلف)
5- ثنیة المرة مخفف الراء. (المؤلف)
6- ویقال : لقف بالتحریک. وبفتح اللام وسکون الفاء. وبکسر اللام وسکون الفاء. (المؤلف)
7- بفتح المیم وکسره بجیمین وصحّحه بعض بفتح المیم ثمّ المعجمة وآخره مهملة. (المؤلف)
8- بفتح المیم وسکون الراء بعدها معجمة مکسورة وآخره مهملة. (المؤلف)
9- بفتح الکاف وسکون الشین وآخره مهملة. (المؤلف)
10- بالمعجمتین والمهملتین بینهما ألف. من الآبار القدیمة. (المؤلف)
11- اسم جبل هناک. (المؤلف)
12- تعهن بکسر أوّله وهائه وتسکین العین وآخره نون : اسم عین ماء سمّی به علی ثلاثة أمیال من السقیا بین مکّة والمدینة ، ویقال فی ضبطه غیر هذا. (المؤلف)
13- ویقال : العبابیب ، ویقال : العثیانة. (المؤلف)
14- ویقال : الفاحة بالمهملة. والقاحة : مدینة علی ثلاث مراحل من المدینة. (المؤلف)
15- بفتح العین وسکون الراء : عقبة بین مکّة والمدینة. (المؤلف)

العائر (1) عن یمین رکوبة (2) حتی هبط بهما بطن رئم (3) ثمّ قدم بهما قباء (4) علی بنی عمرو بن عوف حین اشتدّ الضحاء وکادت الشمس تعتدل.

ولمّا دنوا من قباء بعثوا رجلاً من أهل البادیة إلی أبی أمامة وأصحابه من الأنصار ، فثار المسلمون إلی السلاح واستقبله زهاء خمسمائة من الأنصار فوافوه وهو مع أبی بکر فی ظلّ نخلة ، ثمّ قالوا لهما : ارکبا آمنین مطاعین. فعدل بهم ذات الیمین حتی نزل بقباء فی دار بنی عمرو بن عوف ، فأقام رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بقباء فی بنی عمرو بن عوف یوم الإثنین ویوم الثلاثاء ویوم الأربعاء ویوم الخمیس وأسّس مسجده ، وقد یقال کما فی سنن أبی داود (5) (1 / 74) : إنّه أقام فی قباء أربع عشرة لیلة ، وحکی موسی ابن عقبة اثنتین وعشرین لیلة. وقال البخاری (6) : بضع عشرة لیلة ، وبقباء کانت منازل الأوس والخزرج.

ثمّ أخرجه الله من بین أظهرهم یوم الجمعة فأدرکت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم الجمعة فی بنی سالم بن عوف فصلاّها فی المسجد الذی فی بطن الوادی وادی رانوناء ، فکانت أوّل جمعة صلاّها بالمدینة.

قال عبد الرحمن بن عویم : حدّثنی رجال من قومی من أصحاب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم 4.

ص: 360


1- قال محمد یحیی الدین المصری فی حاشیة سیرة ابن هشام : 2 / 108 : لم یذکر یاقوت العائر لا بالعین المهملة ولا بالغین المعجمة. أقول : ذکره فی العین المهملة : 6 / 103 [ معجم البلدان : 4 / 73 ] وقال : جبل بالمدینة. وفی حدیث الهجرة : ثنیة العائر عن یمین رَکوبة. ویقال : ثنیة الغائر ، بالغین المعجمة. انتهی ملخّصاً. (المؤلف)
2- بفتح الراء : ثنیة صعبة عند العرج. (المؤلف)
3- بکسر الراء المهملة موضع علی أربعة برد من المدینة. وقیل : ثلاثة برد. (المؤلف)
4- بضم أوّله : قریة علی میلین من المدینة. (المؤلف)
5- سنن أبی داود : 1 / 123 ح 453.
6- صحیح البخاری : 3 / 1421 ح 3694.

قالوا : لمّا سمعنا بمخرج رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم من مکّة وتوکّفنا (1) قُدومه کنّا نخرج إذا صلّینا الصبح إلی ظاهر حرّتنا ننتظر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، فو الله ما نبرح حتی تغلبنا الشمس علی الظلال ، فإذا لم نجد ظلاّ دخلنا ، وذلک فی أیّام حارّة.

فلمّا قدم رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم المدینة وصلّی الجمعة أتاه عتبان بن مالک وعبّاس بن عبادة بن نضلة فی رجال من بنی سالم بن عوف ، فقالوا : یا رسول الله أقم عندنا فی العدد والعُدّة والمنعة. قال : «خلّوا سبیلها فإنّها مأمورة» - یعنی ناقته - فخلّوا سبیلها. فانطلقت ، حتی إذا وازنت دار بنی بیاضة ، تلقّاه زیاد بن لبید ، وفروة بن عمرو فی رجال من بنی بیاضة ، فقالوا : یا رسول الله هلمّ إلینا إلی العَدَد والعدّة والمنعة. قال : «خلّوا سبیلها فإنّها مأمورة» ، فخلّوا سبیلها. فانطلقت ، حتی إذا مرّت بدار بنی ساعدة ، اعترضه سعد بن عبادة ، والمنذر بن عمرو فی رجال من بنی ساعدة ، فقالوا : یا رسول الله هلمّ إلینا إلی العَدَد والعُدّة والمنعة. قال : «خلّوا سبیلها فإنّها مأمورة» ، فخلّوا سبیلها. فانطلقت ، حتی إذا وازنت دار بنی الحرث بن الخزرج اعترضه سعد ابن الربیع ، وخارجة بن زید ، وعبد الله بن رواحة فی رجال من بنی الحرث بن الخزرج ، فقالوا : یا رسول الله هلمّ إلینا إلی العَدَد والعُدّة والمنعة. قال : «خلّوا سبیلها فإنّها مأمورة». فخلّوا سبیلها. فانطلقت ، حتی إذا مرّت بدار بنی عدیّ بن النجار اعترضها سلیط بن قیس ، وأبو سلیط أسیرة بن أبی خارجة فی رجال من بنی عدیّ فقالوا : یا رسول الله هلمّ إلی أخوالک إلی العَدَد والعُدّة والمنعة. قال : «خلّوا سبیلها ، فإنّها مأمورة». فخلّوا سبیلها. فانطلقت ، حتی إذا أتت دار بنی مالک بن النجار ، برکت علی باب مسجده صلی الله علیه وآله وسلم وهو یومئذ مربد (2) لغلامین یتیمین من بنی النجّار : سهل وسهیل ابنی عمرو ، فلمّا برکت ورسول الله صلی الله علیه وآله وسلم علیها لم ینزل وثبَتْ ، فسارت غیرف)

ص: 361


1- استشعرناه وانتظرناه. (المؤلف)
2- بکسر المیم وفتح الباء بینهما مهملة ساکنة أصله الموضع الذی یجفّف فیه التمر. (المؤلف)

بعید ورسول الله صلی الله علیه وآله وسلم واضع لها زمامها لا یثنیها به ، ثمّ التفتت إلی خلفها فرجعت إلی مبرکها أوّل مرّة ، فبرکت فیه ، ثمّ تحلحلت (1) ورزمت (2) ووضعت جرانها (3) فنزل عنها رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فاحتمل أبو أیّوب خالد بن زید رحله فوضعه فی بیته ونزل علیه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وسأل عن المربد لمن هو؟ فقال له معاذ بن عفراء : هو یا رسول الله لسهل وسهیل ابنی عمرو وهما یتیمان لی ، وسأرضیهما منه فاتّخذه مسجداً.

راجع (4) سیرة ابن هشام (2 / 31 - 114) ، تاریخ الطبری (2 / 233 - 249) ، طبقات ابن سعد (1 / 201 - 224) ، عیون الأثر (1 / 152 - 159) ، الکامل لابن الأثیر (2 / 38 ، 44) ، تاریخ ابن کثیر (3 / 138 - 205) ، تاریخ أبی الفدا (1 / 121 - 124) ، الإمتاع للمقریزی (ص 30 - 47) ، السیرة الحلبیّة (2 / 3 - 61).

- 11 -

أبو بکر أسنّ من النبیّ

عن یزید (5) بن الأصم : أنّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم قال لأبی بکر : أنا أکبر أو أنت؟ قال : لا بل أنت أکبر منّی وأکرم وخیر منّی ، وأنا أسنّ منک. ف)

ص: 362


1- تحلحلت : تحرکت. وقد یقال : تلحلحت. أی لزمت مکانها. (المؤلف)
2- وعند ابن الأثیر : أرزمت. أی رغت ورجعت فی رغائها. (المؤلف)
3- الجران ، ککتاب : قال السهیلی : أی عنقها. وقال غیره : الجران. ما یصیب الأرض من صدرها وباطن حلقها. (المؤلف)
4- السیرة النبویّة : 2 / 63 - 141 ، تاریخ الأُمم والملوک : 2 / 352 - 383 ، الطبقات الکبری : 1 / 225 - 238 ، عیون الأثر : 1 / 253 - 259 ، الکامل فی التاریخ : 1 / 520 حوادث السنة الأولی للهجرة ، البدایة والنهایة : 3 / 240 - 248 ، تاریخ أبی الفداء : 126 - 127 ، السیرة الحلبیّة : 2 / 41 - 60 ، الروض الأُنف : 4 / 181 - 233.
5- فی الریاض [ 1 / 160 ] : زید. والصحیح : یزید. (المؤلف)

أخرجه ابن الضحّاک ، وذکره أبو عمر فی الاستیعاب (2 / 226) ، والمحبّ الطبری فی الریاض النضرة (1) (1 / 127) ، والسیوطی فی تاریخ الخلفاء (2) (ص 72) نقلاً عن خلیفة بن خیّاط ، وأحمد بن حنبل ، وابن عساکر (3).

قال الأمینی : أو لا تعجب من أُکذوبة تُعدّ أُکرومة؟ متی تصحّ روایة یزید بن الأصم عن النبی صلی الله علیه وآله وسلم ولم یُدرکه ، فإنّ الرجل توفّی سنة (101 ، 103 ، 104) وهو ابن ثلاث وسبعین سنة ، فولادته بعد وفاة النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم بدهر.

ثمّ متی کان أبو بکر أسنّ من النبیّ وقد وُلد صلی الله علیه وآله وسلم فی عام الفیل ، ووُلد أبو بکر بعد عام الفیل بثلاث سنین. وقال سعید بن المسیب : استکمل أبو بکر بخلافته سنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، فتوفّی وهو بسنّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ابن ثلاث وستین سنة. راجع :

المعارف (4) لابن قتیبة (ص 75) وقال : اتّفقوا علی أنّ عمره ثلاث وستون سنة ، فکان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أسنّ من أبی بکر بمقدار سنّی خلافته. صحیح الترمذی (5) (2 / 288) وفیه : أنّه صلی الله علیه وآله وسلم توفّی وهو ابن خمس وستین سنة ، سیرة ابن هشام (1 / 205) ، تاریخ الطبری (6) (2 / 125 و 4 / 47) ، الاستیعاب (7) (1 / 335) وقال : لا یختلفون أنّ سنّه انتهت إلی حین وفاته ثلاثاً وستّین سنة إلاّ ما لا یصحّ ، وأنّه استوفی بخلافته بعد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم سنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وقال فی الجزء الثانی (ص 626) بعد ذکر حدیث یزید الأصم : هذا الخبر لا یعرف إلاّ بهذا الإسناد ، وأحسبه وهماً لأنّ3.

ص: 363


1- الریاض النضرة : 1 / 160.
2- تاریخ الخلفاء : ص 99.
3- تاریخ مدینة دمشق : 30 / 25 رقم 3398.
4- المعارف : ص 172.
5- سنن الترمذی : 5 / 564 ح 3650 ، 3651.
6- تاریخ الأُمم والملوک : 2 / 155 ، 3 / 216 حوادث سنة 13 ه.
7- الاستیعاب : القسم الثالث / 977 رقم 1633.

جمهور أهل العلم بالأخبار والسیر والآثار یقولون : إنّ أبا بکر استوفی بمدّة خلافته سنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم. توفّی وهو ابن ثلاث وستین سنة (1). الکامل (1 / 185 و 2 / 176) ، أُسد الغابة (3 / 223) ، مرآة الجنان (1 / 56 ، 69) ، مجمع الزوائد (9 / 60) ، عیون الأثر (1 / 43) ، الإصابة (2 / 341 ، 344) ، السیرة الحلبیّة (3 / 396).

نعم : هذه المساءلة وقعت بینه صلی الله علیه وآله وسلم وبین سعید بن یربوع المخزومی کما رواها البغوی وابن مندة (2) ، وابن یربوع توفّی سنة (54) وله (120) سنة. وقیل : وزیادة أربع. ولمّا کانت شیبة أبی بکر وکبر سنّه هی الحجّة الوحیدة علی مخالفیه یوم السقیفة فأیّدها المغالون فی فضائله بأمثال هذه المخاریق المفتعلة ، وتحریف التاریخ عن مواضعه والله یعلم إنَّهم لکاذبون.

- 12 -

إسلام أبی بکر قبل ولادة علیّ

عن شبابة عن فرات بن السائب قال : قلت لمیمون بن مهران : أبو بکر الصدّیق أوّل إیماناً بالنبیّ صلی الله علیه وآله وسلم أم علیّ بن أبی طالب؟ قال : والله لقد آمن أبو بکر بالنبیّ صلی الله علیه وآله وسلم زمن بحیرا الراهب ، واختلف فیما بینه وبین خدیجة حتی أنکحها إیّاه ، وذلک کلّه قبل أن یولد علیّ بن أبی طالب.

وعن ربیعة بن کعب (3) قال : کان إسلام أبی بکر شبیهاً بالوحی من السماء وذلک أنّه کان تاجراً بالشام فرأی رؤیا فقصّها علی بحیرا الراهب ، فقال له : من أین أنت؟ فقال : من مکّة. فقال : من أیّها؟ قال : من قریش. قال : فأیّ شیء أنت؟ قال : ف)

ص: 364


1- الکامل فی التاریخ : 2 / 75 حوادث سنة 13 ه ، أُسد الغابة : 3 / 334 رقم 3064 ، عیون الأثر : 1 / 64 ، السیرة الحلبیّة : 3 / 367.
2- الإصابة : 2 / 51 [ رقم 3291 ]. (المؤلف)
3- فی الخصائص الکبری [ 1 / 50 ] : عن کعب. وهو الصحیح. (المؤلف)

تاجر. قال : إن صدّق الله رؤیاک فإنّه یُبعث نبیّ من قومک تکون وزیره فی حیاته وخلیفته من بعد وفاته. فأسرّ ذلک أبو بکر فی نفسه حتی بُعث النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فجاءهُ فقال : یا محمد ما الدلیل علی ما تدّعی؟ قال : الرؤیا التی رأیت بالشام ، فعانقه وقبّل بین عینیه وقال : أشهد أن لا إله إلاّ الله ، وأشهد أنّک رسول الله.

وقال الإمام النووی : کان أبو بکر أسبق الناس إسلاماً ، أسلم وهو ابن عشرین سنة ، وقیل : خمس عشرة سنة.

راجع (1) الریاض النضرة (1 / 51 ، 54) ، أُسد الغابة (1 / 168) ، تاریخ ابن کثیر (9 / 319) ، الصواعق المحرقة (ص 45) ، تاریخ الخلفاء للسیوطی (ص 24) ، الخصائص الکبری (1 / 29) ، نزهة المجالس (2 / 182).

قال الأمینی : هلمّ معی ننظر إلی هذه المراسیل هل توجد فیها مسحة من الصدق؟ أمّا روایة ابن مهران سنداً :

1 - فشبابة بن سوار (2) أبو عمرو المدائنی : قال أحمد : ترکته لم أکتب عنه للإرجاء وکان داعیة ، وقال ابن خراش : کان أحمد لا یرضاه وهو صدوق فی الحدیث ، وقال الساجی وابن عبد الله وابن سعد (3) والعجلی (4) وابن عدی (5) : إنّه کان یقول بالإرجاء.

وقبل هذه کلّها یظهر ممّا رواه أبو علی المدائنی : أنّه کان یبغض أهل بیت 5.

ص: 365


1- الریاض النضرة : 1 / 74 ، أُسد الغابة : 3 / 310 رقم 3064 ، البدایة والنهایة : 9 / 348 حوادث سنة 13 ه ، الصواعق المحرقة : ص 76 ، تاریخ الخلفاء : ص 32 ، الخصائص الکبری : 1 / 50.
2- فی میزان الاعتدال : سواد [ 2 / 260 رقم 3653 ، وفی الطبعة التی بین أیدینا : سوار ]. (المؤلف)
3- الطبقات الکبری : 7 / 320.
4- تاریخ الثقات : ص 214 رقم 651.
5- الکامل فی ضعفاء الرجال : 4 / 45 رقم 905.

النبیّ صلوات الله علیهم ، وضربه الله بالفالج لدعاء من دعا علیه بقوله : اللهمّ إن کان شبابة یبغض أهل نبیّک فاضربه الساعة بالفالج ، ففلج فی یومه ومات. میزان الاعتدال (1 / 440). تهذیب التهذیب (1) (4 / 302).

2 - فرات بن السائب الجزری : قال البخاری : منکر الحدیث. وقال یحیی بن معین (2) : لیس بشیء ، منکر الحدیث. وقال الدارقطنی (3) وغیره : متروک. وقال أحمد بن حنبل : قریب من محمد بن زیاد الطحان فی میمون یتّهم بما یتّهم به ذاک. ومحمد بن زیاد هو الیشکری أحد الکذّابین الوضّاعین کما مرّ فی (5 / 258) ، ففرات عند إمام الحنابلة کذّاب وضّاع. وقال أبو حاتم (4) : ضعیف الحدیث ، منکر الحدیث. وقال الساجی : ترکوه. وقال النسائی : متروک الحدیث. وقال أبو أحمد الحاکم : ذاهب الحدیث. وقال ابن عدی (5) : له أحادیث غیر محفوظة وعن میمون مناکیر. میزان الاعتدال (6) (2 / 325) ، لسان المیزان (7) (4 / 430).

3 - میمون بن مهران : حسبه ما مرّ فی روایة فرات عنه ، أضف إلی ذلک قول العجلی : إنّه کان یحمل علی علیّ. کما فی تهذیب ابن حجر (8) (10 / 391). هب أنّه وثَّقه من وثّقه ، فما قیمته وقیمة حدیثه بعد تحامله علی علیّ أمیر المؤمنین صلوات الله علیه.

ثمّ قد أتی میمون فی حدیثه بأمرین : إسلام أبی بکر زمن بحیرا ، واختلافه فی 9.

ص: 366


1- تهذیب التهذیب : 4 / 264.
2- التاریخ : 4 / 421 رقم 5080.
3- الضعفاء والمتروکون : ص 325 رقم 433.
4- الجرح والتعدیل : 7 / 80 رقم 455.
5- الکامل فی ضعفاء الرجال : 6 / 22 رقم 1570.
6- میزان الاعتدال : 3 / 341 رقم 6689.
7- لسان المیزان : 4 / 503 رقم 6522.
8- تهذیب التهذیب : 10 / 349.

زواج رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم من خدیجة. أمّا اختلافه بینه صلی الله علیه وآله وسلم وبین خدیجة فلم ینبّئ عنه قطّ خبیر. ولیس من الجائز أن یکون الوسیط فی قران رجل عظیم کمحمد وامرأة من بیت مجد وسؤدد ورئاسة کخدیجة ، شابّ حدث ابن اثنتین وعشرین سنة وللزوج أعمام أشراف أعاظم کالعبّاس وحمزة وأبی طالب وهو بینهم وفی بیتهم ، وکان عمّه أبو طالب کما یأتی یحبّه حبّا شدیداً لا یحبّ أولاده مثله ، وکان لا ینام إلاّ إلی جنبه ، ویخرجه معه حین یخرج (1) وکان هو الذی کلّم خدیجة حتی وکّلت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بتجارتها ، کما فی الامتاع للمقریزی (ص 8).

والذی جاء فی السیر والتاریخ فی أمر هذا القِران أنّ خدیجة بعثت إلی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ورغبت فی زواجه لقرابته وأمانته وحسن خلقه وصدق حدیثه ، وعرضت نفسها علیه صلی الله علیه وآله وسلم ، فذکر ذلک رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لأعمامه فخرج معه عمّه حمزة وفی لفظ ابن الأثیر : خرج معه حمزة وأبو طالب وغیرهما من عمومته. حتی دخل علی خویلد بن أسد ، أو علی عمرو بن أسد عمّ خدیجة فخطبها إلیه فتزوّجها علیه وآله الصلاة والسلام ، وخطب أبو طالب علیه السلام خطبة النکاح ، فقال :

الحمد لله الذی جعلنا من ذریّة إبراهیم ، وزرع إسماعیل ، وضئضئ (2) معد ، وعنصر مضر ، وجعلنا حضنة بیته ، وسوّاس حرمه ، وجعل لنا بیتاً محجوجاً ، وحرماً آمناً ، وجعلنا الحکّام علی الناس ، ثمّ إنّ ابن أخی هذا محمد بن عبد الله لا یوزن برجل إلاّ رجح به شرفاً ونبلاً وفضلاً وعقلاً ، فإن کان فی المال قلّ فإنّ المال ظلّ زائل ، وأمر حائل ، ومحمد من قد عرفتم قرابته ، وقد خطب خدیجة بنت خویلد ، وبذل لها من الصداق ما آجله وعاجله من مالی کذا ، وهو والله بعد هذا له نبأ عظیم ، وخطر جلیل. فزوّجها. ن.

ص: 367


1- یأتی تفصیل ذلک فی الکلام عن أبی طالب علیه السلام. (المؤلف)
2- الضئضئ : الأصل والمعدن.

راجع (1) طبقات ابن سعد (1 / 113) ، تاریخ الطبری (2 / 127) ، أعلام الماوردی (ص 114) ، الصفوة لابن الجوزی (1 / 25) ، الکامل لابن الأثیر (2 / 15) ، تاریخ ابن کثیر (2 / 294) ، تاریخ الخمیس (1 / 299) ، عیون الأثر (1 / 49) ، أُسد الغابة (5 / 435) ، الروض الأنف (1 / 122) ، تاریخ ابن خلدون (2 / 172) ، المواهب اللدنیّة (1 / 50) ، السیرة الحلبیّة (1 / 149 ، 150) ، شرح المواهب للزرقانی (1 / 200) ، سیرة زینی دحلان هامش الحلبیّة (1 / 114).

فأین مزعمة ابن مهران من هذا التاریخ الصحیح المتواتر؟

وأمّا إسلام أبی بکر قبل ولادة علیّ أمیر المؤمنین زمن بحیرا الراهب فإنّه مأخوذ ممّا أخرجه ابن مندة (2) من طریق عبد الغنی بن سعید الثقفی عن ابن عبّاس : أنّ أبا بکر الصدّیق صحب النبیّ وهو ابن ثمانی عشرة سنة والنبیّ ابن عشرین وهم یریدون الشام فی تجارة ، حتی إذا نزل منزلاً فیه سدرة قعد فی ظلّها ومضی أبو بکر إلی راهب یقال له : بحیرا یسأله عن شیء.

هذه الروایة ضعّفها غیر واحد من الحفّاظ. قال الذهبی فی میزان الاعتدال (3) (2 / 243) : عبد الغنی ضعّفه ابن یونس. وأقرّ ضعفه ابن حجر فی لسانه (4) (4 / 45) ، وقال فی الإصابة (1 / 177) : أحد الضعفاء المتروکین. 6.

ص: 368


1- الطبقات الکبری : 1 / 131 ، تاریخ الأمم والملوک : 2 / 281 ، أعلام النبوة : ص 180 ، صفة الصفوة : 1 / 73 - 74 رقم 1 ، الکامل فی التاریخ : 1 / 471 ، البدایة والنهایة : 2 / 358 ، تاریخ الخمیس : 1 / 263 ، عیون الأثر : 1 / 71 ، أُسد الغابة : 7 / 80 رقم 6867 ، الروض الأُنف : 2 / 238 ، تاریخ ابن خلدون : 2 / 409 ، المواهب اللدنیّة : 1 / 192 ، السیرة الحلبیّة : 1 / 137 - 139 ، السیرة النبویّة : 1 / 55.
2- أبو عبد الله محمد بن إسحاق الأصبهانی الحافظ الرحّال : المتوفّی 355. (المؤلف)
3- میزان الاعتدال : 2 / 642 رقم 5051.
4- لسان المیزان : 4 / 53 رقم 5236.

وذکره السیوطی فی الخصائص الکبری (1) (1 / 86) فقال : سند ضعیف ، وضعّفه القسطلانی فی المواهب (2) (1 / 50) ، والحلبی فی السیرة النبویّة (3) (1 / 130)

وأفظع من هذا روایة أخرجها الحفّاظ من طریق أبی نوح قراد عن یونس بن أبی إسحاق عن أبیه عن أبی بکر بن أبی موسی الأشعری عن أبی موسی قال : خرج ، أبو طالب إلی الشام ومعه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی أشیاخ من قریش ، فلمّا أشرفوا علی الراهب - یعنی بحیرا - هبطوا فحلّوا رحالهم فخرج إلیهم الراهب ، وکانوا قبل ذلک یمرّون به فلا یخرج ولا یلتفت إلیهم ، قال : فنزل وهم یحلّون رحالهم ، فجعل یتخلّلهم حتی جاء فأخذ بید النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فقال : هذا سیّد العالمین ، هذا رسول ربّ العالمین ، هذا یبعثه الله رحمةً للعالمین ، إلی أن قال :

فبایعوه وأقاموا معه عنده ، فقال الراهب : أنشدکم الله أیّکم ولیّه؟ قالوا : أبو طالب. فلم یزل یناشده حتی ردّه ، وبعث معه أبو بکر بلالاً ، وزوّده الراهب من الکعک والزیت.

أخرجه (4) الترمذی فی صحیحه (2 / 284) فقال : حسن غریب لا نعرفه إلاّ من هذا الوجه ، والحاکم فی المستدرک (2 / 616) ، وأبو نعیم فی الدلائل (1 / 53) ، والبیهقی فی الدلائل ، والطبری فی تاریخه (2 / 195) ، وابن عساکر فی تاریخه (1 / 267) ، وابن کثیر فی تاریخه (2 / 284) ، نقلاً عن الحافظ أبی بکر الخرائطی والحفّاظ المذکورین ، 7.

ص: 369


1- الخصائص الکبری : 1 / 145.
2- المواهب اللدنیّة : 1 / 189.
3- السیرة الحلبیّة : 1 / 121.
4- سنن الترمذی : 5 / 550 ح 3620 ، المستدرک علی الصحیحین : 2 / 672 ح 4229 ، دلائل النبوّة : 1 / 217 ح 109 ، دلائل النبوّة للبیهقی : 2 / 24 ، تاریخ الأمم والملوک : 2 / 278 ، تاریخ مدینة دمشق : 3 / 4 - 8 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 2 / 6 ، البدایة والنهایة : 2 / 347 ، عیون الأثر : 1 / 63 ، المواهب اللدنیّة : 1 / 187.

وابن سیّد الناس فی عیون الأثر (1 / 42) ، والقسطلانی فی المواهب (1 / 49).

رجال الروایة :

1 - أبو نوح قراد عبد الرحمن بن غزوان : قال عبّاس الدوری : لیس فی الدنیا أحد یحدّث بهذا الحدیث غیر قراد أبی نوح ، وقد سمعه منه أحمد ویحیی لغرابته وانفراده. تاریخ ابن کثیر (1) (2 / 285).

وقال الذهبی فی المیزان (2) (2 / 113) : کان یحفظ ، قوله مناکیر ، وأنکر ما له حدیث عن یونس - وذکر شطراً من الحدیث - فقال : وممّا یدلّ علی أنّه باطل قوله : وبعث معه أبو بکر بلالاً ، وبلال لم یکن خُلق بعد ، وأبو بکر کان صبیّا.

وقال فی تلخیص المستدرک تعلیقاً علی تصحیحه : قلت : أظنّه موضوعاً فبعضه باطل. وقال ابن حجر فی التهذیب (3) (6 / 248) : ذکره ابن حبّان فی الثقات (4) وقال : کان یخطئ یتخالج فی القلب منه لروایته عن اللیث قصّة الممالیک. وقال أحمد : هذا - یعنی حدیث الممالیک - باطل ممّا وضع الناس. وقال الدارقطنی : قال أبو بکر : أخطأ فیه قراد.

2 - یونس بن أبی اسحاق : ضعّف أحمد (5) حدیثه عن أبیه ، وقال : حدیثه عن أبیه مضطرب. وقال أبو حاتم (6) : کان صدوقاً إلاّ أنّه لا یُحتجّ بحدیثه. وقال أبو أحمد الحاکم : ربّما وهم فی روایته. تهذیب التهذیب (7) (11 / 434). وقال أبو حاتم : صدوق1.

ص: 370


1- البدایة والنهایة : 2 / 348.
2- میزان الاعتدال : 2 / 581 رقم 4934.
3- تهذیب التهذیب : 6 / 224.
4- الثقات : 8 / 375.
5- العلل ومعرفة الرجال : 2 / 519 رقم 3424 وفیه : حدیثه حدیث مضطرب.
6- الجرح والتعدیل : 9 / 244 رقم 1024.
7- تهذیب التهذیب : 11 / 381.

لا یحتج به. وقال ابن خراش : فی حدیثه لین. وقال ابن حزم فی المحلّی : ضعّفه یحیی وأحمد جداً. وقال أحمد : حدیثه مضطرب. میزان الاعتدال (1) (3 / 339).

3 - أبو إسحاق السبیعی : قال ابن حبّان (2) : مدلّس ، وذکره الکرابیسی فی المدلّسین ، وقال معن : أفسد حدیث أهل الکوفة الأعمش وأبو إسحاق للتدلیس. تهذیب التهذیب (3) (8 / 66) (4).

4 - أبو بکر بن أبی موسی توفّی سنة (106) ، ضعّفه ابن سعد (5) ، وقال أحمد (6) : لم یسمع من أبیه. تهذیب التهذیب (7) (12 / 41).

5 - أبو موسی الأشعری المتوفّی سنة (42 ، 50 ، 51 ، 53) : وهو ابن (63) سنة بلا خلاف أجده ، وقد وقعت الواقعة بعد عام الفیل بتسع سنین أو اثنی عشر عاماً قبل ولادة أبی موسی الأشعری (17 ، 22 ، 23 ، 25) عاماً ، فإن کان أبو موسی هو الشاهد للقصّة قبل مولده فحبّذا ، وإن کان یرویها عمّن شاهدها فمن هو حتی ننظر فی حاله؟ هذا شأن الروایة سنداً.

أهذه کلّها تخفی علی مثل الترمذی ومن بعده من الحفّاظ فیحکمون فیها بالحسن؟ أو بالصحّة کما فعله ابن حجر والحلبی؟ أنا لا أدری. نعم ؛ الحبّ یُعمی أو یُصمّ. 2.

ص: 371


1- میزان الاعتدال : 4 / 482 رقم 9914.
2- الثقات : 5 / 177.
3- تهذیب التهذیب : 8 / 59.
4- میزان الاعتدال : 2 / 270 رقم 6393.
5- الطبقات الکبری : 6 / 269.
6- العلل ومعرفة الرجال : 1 / 541 رقم 1280.
7- تهذیب التهذیب : 12 / 42.

وأمّا متن الروایة فهو یکفی فی تکذیبها ، إذ سفر أبی طالبعلیه السلام إلی الشام وأخذه معه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم کان وقد مضی من عمره صلی الله علیه وآله وسلم تسع سنین علی ما قاله أبو جعفر الطبری والسهیلی وغیرهما ، أو اثنا عشر عاماً علی ما قاله آخرون (1) وکان أبو بکر یوم ذاک ابن ستّ أو تسع سنین ، فأین کان هو؟ وما ذا کان یصنع بالشام؟ وأیّ اختیار کان له بین شیوخ قریش؟ ولم تکن تنعقد نطفة بلال یوم ذاک أخذاً بقول من قال : إنّه توفّی سنة (25) وله بضع وستون سنة (2) أو أنّه ولد فی تلکم السنین أخذاً بقول ابن الجوزی فی الصفوة (3) (1 / 174) من أنّه مات سنة عشرین وهو ابن بضع وستّین سنة. کأنّ أبا بکر وُلد وهو شیخ وبلال عتیقه ، وکان معه من أوّل یومه ، وکان من یوم ولد له الحلّ والعقد!

ثمّ أیّ بیعة کانت یوم ذاک؟ وما معنی قول أبی موسی الأشعری : فبایعوه وأقاموا معه عنده؟ وأیّ إیمان وإسلام علی زعم رواة هذه الأفیکة ، وکان قبل البعثة بإحدی وثلاثین سنة ، أو ثمانیة وعشرین عاماً ، أو اثنین وعشرین ، أو سبع عشرة سنة علی زعم النووی؟ ولم تکن للنبیّ صلی الله علیه وآله وسلم یومئذٍ دعوة ، ولا کلّف أحداً بالإیمان به ، فلا یُقال لمن عرف شیئاً من إرهاصات النبوّة إنّه أسلم یوم عرف وإلاّ لکان بحیرا الراهب ونسطور وأمثالهما من الرهبان والکهنة أقدم إسلاماً من أبی بکر ، وکم هنالک أُناس عرفوا أمر الرسالة قبلها وبشّروا بها ثمّ بعد البعثة عاندوا وحسدوا ، فمنهم من مات مشرکاً ، ومنهم من أدرکته الهدایة بعد حین کما یأتی فی کعب الأحبار بُعید هذا. وکیف أثبت ذلک الیوم إیماناً لأبی بکر وصار بذلک أقدم الناس إسلاماً ولم یُثبت لأبی 4.

ص: 372


1- طبقات ابن سعد : 1 / 102 [ 1 / 121 ] ، تاریخ الطبری : 2 / 278 ، تاریخ ابن عساکر : 1 / 2 ، 269 [ 3 / 9 ] ، تاریخ ابن کثیر : 2 / 285 [ 2 / 348 ] ، الروض الأُنف : 1 / 118 [ 2 / 221 ] ، إمتاع المقریزی : ص 8 ، عیون الأثر : 1 / 43 [ 1 / 64 ] ، شرح المواهب للزرقانی : 1 / 196. (المؤلف)
2- تهذیب التهذیب : 1 / 503 [ 1 / 441 ]. (المؤلف)
3- صفة الصفوة : 1 / 440 رقم 24.

طالب لا ذاک ولا غیره؟ وأبو موسی لم یستثنِ أبا طالب من أولئک الذین بایعوا یوم ذاک نظراء أبی بکر وبلال الخیالی.

قال الحافظ الدمیاطی : فی هذا الحدیث وهمان : الأوّل : قوله : فبایعوه وأقاموا معه. والثانی : قوله : وبعث معه أبو بکر بلالاً ، ولم یکونا معه ، ولم یکن بلال أسلم ولا ملکه أبو بکر ، بل کان أبو بکر حینئذ لم یبلغ عشر سنین ، ولم یملک أبو بکر بلالاً إلاّ بعد ذلک بأکثر من ثلاثین سنة. وکذا ضعّفه الذهبی (1).

وقال الزرکشی فی الإجابة (ص 50) : هذا من الأوهام الظاهرة لأنّ بلالاً إنّما اشتراه أبو بکر بعد مبعث النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وبعد أن أسلم بلال وعذّبه قومه ، ولمّا خرج النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم إلی الشام مع عمّه أبی طالب کان له من العمر اثنتا عشرة سنة وشهران وأیّام ، ولعلّ بلالاً لم یکن بعدُ ولد.

وقال ابن کثیر فی تاریخه (2) (2 / 285) : إنّ قوله : وبعث أبو بکر معه بلالاً إن کان عمره علیه الصلاة والسلام إذ ذاک اثنتی عشرة سنة فقد کان عمر أبی بکر إذ ذاک تسع سنین أو عشراً ، وعمر بلال أقلّ من ذلک ، فأین کان أبو بکر إذ ذاک؟ ثمّ أین کان بلال؟ کلاهما غریب ، اللهمّ إلاّ أن یقال : إنّ هذا کان ورسول الله صلی الله علیه وآله وسلم کبیر ، إمّا بأن یکون سفره بعد هذا ، أو إن کان القول بأنّ عمره کان إذ ذاک اثنتی عشرة سنة غیر محفوظ ، (3) فإنّه إنّما ذکره مقیّداً بهذا الواقدی ، وحکی السهیلی عن بعضهم أنّه کان عمره علیه الصلاة والسلام إذ ذاک تسع سنین ، والله أعلم.

قال الأمینی : إنّ ابن کثیر غضّ البصر عمّا فی الروایة من خرافة البیعة کأن لم خ.

ص: 373


1- حیاة الحیوان للدمیری : 2 / 275 [ 2 / 246 ] ، تاریخ الخمیس : 1 / 292 [ 1 / 258 ] ، [ وضعّفه الذهبی فی تاریخ الإسلام : 55 - 57 ]. (المؤلف)
2- البدایة والنهایة : 2 / 348.
3- أی غیر مذکور فی کتب التاریخ.

یکن شیئاً مذکوراً. ثمّ أتی فی تصحیح بعث أبی بکر بلالاً بما لا یخفی علیه فساده ، إذ لم یزد سفر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إلی الشام مع أبی طالب علیه السلام علی المرّة الواحدة ، وکون عمره صلی الله علیه وآله وسلم اثنی عشر عاماً محفوظ عند ابن سعد وابن جریر وابن عساکر وابن الجوزی ، ولم ینحصر بالواقدی کما حسبه. وقد سافر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إلی الشام مرّة ثانیة سنة خمس وعشرین من عام الفیل مع میسرة غلام السیّدة خدیجة سلام الله علیها ، ولیس هناک أیّ ذکر عن بحیرا وإنّما فیه قضیّة نسطور الراهب (1).

وقال ابن سیّد الناس فی عیون الأثر (2) (1 / 43) مثل مقالة الدمیاطی المذکورة ، وکذلک الحلبی فی السیرة النبویّة (3) (1 / 129) ، والحدیث أخرجه ابن الجوزی فی صفة الصفوة (4) (1 / 21) من طریق داود بن الحصین ولیس فیه أثر من الوهمین ولا ذکر عن أبی بکر.

نظرة فی حدیث کعب :

وأمّا روایة کعب ؛ فإنّی لم أجدها فی أصل من أصول الحدیث ، ولم أرَ لها سنداً قطّ ، وفی ذکر کعب وهو کعب الأحبار من رجال سندها کفایة ، وحسبنا فی کعب ما أخرجه البخاری من حدیث الزهری عن حمید بن عبد الرحمن أنّه سمع معاویة یحدّث رهطاً من قریش بالمدینة وذکر کعب الأحبار ، فقال : إن کان لمن أصدق هؤلاء المحدّثین الذین یحدّثون عن أهل الکتاب وإن کنّا مع ذلک لنبلو علیه الکذب (5). ف)

ص: 374


1- تاریخ ابن عساکر : 1 / 267 ، 272 [ 3 / 3 ، 14 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 2 / 5 ، 9 ] ، دلائل النبوّة لأبی نعیم : 1 / 54 [ 1 / 219 ح 110 ] ، صفة الصفوة لابن الجوزی : 1 / 24 [ 1 / 71 رقم 1 ] ، تاریخ أبی الفداء : 1 / 114 ، الإجابة للزرکشی : ص 50 ، تاریخ الخمیس : 1 / 262. (المؤلف)
2- عیون الأثر : 1 / 64.
3- السیرة الحلبیة : 1 / 121.
4- صفة الصفوة : 1 / 67 رقم 1.
5- تهذیب التهذیب : 8 / 439 [ 8 / 394 ] ، الإصابة : 3 / 316 [ رقم 7496 ]. (المؤلف)

وقال ابن أبی الحدید فی شرحه (1) (1 / 362) : روی جماعة من أهل السیر أنّ علیّا کان یقول فی کعب الأحبار : «إنّه الکذّاب» وکان کعب منحرفاً عن علیّ علیه السلام.

وأخرج ابن أبی خیثمة ، بإسناد حسّنه ابن حجر ، عن قتادة قال : بلغ حذیفة أنّ کعباً یقول : إنّ السماء تدور علی قطب کالرحی. فقال : کذب کعب ، إنّ الله یقول : (إِنَّ اللهَ یُمْسِکُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا) (2).

علی أنّ کعباً لو کان یصدّق نفسه فیما أخبره من الإرهاصات والبشائر لما کان یبقی علی دین الیهود طیلة حیاة النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وما کان یؤخّر إسلامه إلی عهد عمر بن الخطّاب ، ولما کان یتعلّل عندما سُئل عمّا منعه عن إسلامه فی العهد النبویّ بقوله : إنّ أبی کان کتب لی کتاباً من التوراة فقال : اعمل بهذا ، وختم علی سائر کتبه ، وأخذ علیّ بحقّ الوالد علی الولد أن لا أفضّ الختم عنها. فلمّا رأیت ظهور الإسلام قلت : لعلّ أبی غیّب عنّی علماً ، ففتحتها فإذا صفة محمد وأمّته ، فجئت الآن مسلماً (3). وکان له یوم توفّی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم اثنان وثمانون عاماً (4) ، وأثر الکذب لائح فی جلّ ما جاء به کعب ، وحسبه ما أخرجه ابن عساکر فی تاریخه (5) (5 / 260) من حدیث ذی قربات الذی حکم الحفّاظ بعدم صحّته ، وما جاء به السیوطی فی الخصائص الکبری (6) (1 / 31) من حدیث إخباره عمر وعثمان بأنّهما مذکوران بالخلافة فی التوراة ، وفیها أنّ 4.

ص: 375


1- شرح نهج البلاغة : 4 / 77 خطبة 56.
2- الإصابة : 3 / 316 [ رقم 7496 ]. (المؤلف)
3- الإصابة : 3 / 316 [ رقم 7496 ]. (المؤلف)
4- راجع الإصابة : [ 3 / 316 رقم 7496 ] ، أُسد الغابة : [ 4 / 487 رقم 4477 ] ، تهذیب التهذیب [ 8 / 393 ]. (المؤلف)
5- تاریخ مدینة دمشق : 17 / 365 رقم 2108 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 21 / 181.
6- الخصائص الکبری : 1 / 54.

عثمان یُقتل مظلوماً. ومع هذه کلّها لم یُعلم صدور هذه البشارة منه فی أیّام إسلامه ، ولعلّه کان قبله فلا یُقبل قوله ولا یصدّق فی حدیثه.

علی أنّ الأحلام إن صحّت وصدقت فلم لم یحدّث أبو بکر أحداً من الصحابة بما أخبره بحیرا من البشارة فی نفسه من أنّه یکون وزیراً وخلیفة لرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم حتی یدور حدیثه فی دور النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم علی ألسنتهم ، وتخبت إلیه أفئدتهم ، وتزهر بمذاکرته أندیتهم؟ أو أنّه حدّث بها لکن الصحابة ضربوا عنها صفحاً فلم تُنْهَ إلی المحدّثین ، ولا انتهت إلی أحد من أرباب الصحاح والمسانید حتی انتهت النوبة إلی الغلاة فی الفضائل من المتأخّرین فأرسلوها إرسال المسلّم تجاه الحقائق الراهنة.

ولو کان أبو بکر أوّل من أسلم بتلکم التقاریب فأین کان هو إلی منتهی سبع سنین من البعثة التی یقول رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فیها : «لقد صلّت الملائکة علیّ وعلی علیّ سبع سنین ، لأنّا کنّا نصلّی ولیس معنا أحد یصلّی غیرنا» (1)؟

فی أوّلیّة أمیر المؤمنین فی الإسلام أحادیث صحیحة عنه صلی الله علیه وآله وسلم وعن مولانا أمیر المؤمنین علیه السلام قدّمناها فی الجزء الثالث ، وأسلفنا هناک ما یربو علی ستّین حدیثاً من الصحابة والتابعین فی أنّ علیّا أوّل الناس إسلاماً وأوّل من صلّی وآمن من ذَکر. وقد مرّت هناک صحیحة الطبری أنّ أبا بکر أسلم بعد أکثر من خمسین رجلاً ، ولو کان أبو بکر أوّل من أسلم وقد آمن به صلی الله علیه وآله وسلم قبل ولادة علیّ علیه السلام فأین کان هو یوم قال العبّاس لعبد الله بن مسعود : ما علی وجه الأرض أحد یعبد الله بهذا الدین إلاّ هؤلاء الثلاثة : محمد وعلیّ وخدیجة؟ تاریخ ابن عساکر (2) (1 / 318).

فلا یحق آنئذ لأیّ مُغالٍ فی الفضائل أن یدع تلکم الصحاح عن النبیّ الأعظم ووصیّه الأقدس والصحابة الأوّلین والتابعین لهم بإحسان ، ویأخذ تجاهها بروایة 8.

ص: 376


1- راجع الجزء الثالث من کتابنا هذا : ص 220 - 224. (المؤلف)
2- تاریخ مدینة دمشق : 3 / 266 مختصر تاریخ دمشق : 2 / 68.

کعب ، وإن هو إلاّ کعب لیس إلاّ ، ولا یثبت الحقّ بالکعاب! (لَیْسَ بِأَمانِیِّکُمْ وَلا أَمانِیِّ أَهْلِ الْکِتابِ) (1) ، (وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ یَفْتِنُوکَ) (2).

- 13 -

أبو بکر أسنّ أصحاب النبیّ

أخرج ابن سعد (3) والبزّار بسند حسن ، عن أنس قال : کان أسنّ أصحاب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أبو بکر الصدّیق وسهیل بن عمرو بن بیضاء.

وأخرجه أبو عمر فی الاستیعاب (4) (1 / 576) ، وابن الأثیر فی أُسد الغابة (5) (2 / 370) وذکره الحافظ الهیثمی فی مجمع الزوائد (9 / 60) فقال : رواه البزّار وإسناده حسن ، ورواه ابن حجر فی الإصابة (2 / 85). وفیه : سهل ، بدل : سهیل ، وهو أخوه أو هو هو ، والسیوطی فی تاریخ الخلفاء (6) (ص 73) نقلاً عن ابن سعد والبزّار.

قال الأمینی : کنّا نعتقد أنّ المغالاة یمکن أن تقع فی النفسیّات التی لا تدرک بالحواس الظاهرة کالعلم والتقوی وأمثالهما ، وأمّا الغلوّ فی المشهودات فلم یَدَع المنطق له مساغاً ، فسرعان ما یظهر فیه کذب الغالی ، ویفتضح به المائن حتی أوقفنا السیر علی أمثال هذه الأقاویل ، فرأینا الرجل یقول بملء فیه : إنّ أبا بکر أسنّ أصحاب النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ، وهو یجد فی معاجم الصحابة کثیرین هم أسنّ منه بکثیر ، وإلیک أسماء أمّة منهم : 0.

ص: 377


1- النساء : 123.
2- المائدة : 49.
3- الطبقات الکبری : 3 / 202.
4- الاستیعاب : القسم الثانی / 668 رقم 1100.
5- أُسد الغابة : 2 / 478 رقم 2315.
6- تاریخ الخلفاء : ص 100.

1 - أماناة بن قیس بن شیبان الکندی : أسلم وقد عاش دهراً ، ویقال : إنّه عاش ثلاثمائة وعشرین سنة. کما فی الإصابة (1 / 63).

2 - أمد بن أبد الحضرمی : أدرک هشام بن عبد مناف وأُمیّة بن عبد شمس ویقال : إنّه کان فی عهد معاویة له ثلاثمائة سنة. الإصابة (1 / 63).

3 - أنس بن مدرک أبو سفیان الخثعمی : قتل مع علیّ ، کان سیّد خثعم فی الجاهلیّة عاش مائة وأربعاً وخمسین سنة. الإصابة (1 / 72).

4 - أوس بن حارثة الطائی والد خریم ، صاحب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : عاش مائتی سنة ، وأکثر هذه المدّة من أیّام الجاهلیّة. الإصابة (1 / 82).

5 - ثور - ثوب - بن تلدة : أنشد له ابن الکلبی :

وإن امرأً قد عاش تسعین حجّة

إلی مائتین کلّما هو ذاهب

قال : ولا أدری ما عاش بعد ما أنشد هذا لمعاویة. وقد یقال : إنّه کان له یوم بدر عشرون ومائة عامٍ. الإصابة (1 / 206).

6 - الجعد بن قیس المرادی : أسلم ، وکان قد بلغ مائة سنة. الإصابة (1 / 235).

7 - حسّان بن ثابت الأنصاری : عاش فی الجاهلیّة ستّین وفی الإسلام ستّین عاماً. الإصابة (1 / 326).

8 - حکیم بن حزام الأسدی ابن أخی خدیجة زوج النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم : ولد قبل عام الفیل بثلاث وعشرین سنة ، وتوفّی وهو ابن عشرین ومائة سنة. الإصابة (1 / 349).

9 - حمزة بن عبد المطلّب عمّ النبیّ الأعظم : ولد قبله صلی الله علیه وآله وسلم بسنتین أو بأربع. الإصابة (1 / 353).

ص: 378

10 - حنیفة بن جبیر بن بکر التمیمی : أدرک أحفاده النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ولهم صحبة وکانوا یوم ذاک ذا لحی ، کما فی الإصابة (1 / 359).

11 - حویطب بن عبد العزّی بن أبی قیس العامری ، المتوفّی سنة (54) : له مائة وعشرون عاماً. الإصابة (1 / 364).

12 - حیدة بن معاویة العامری ، مات وهو عمّ ألف رجل وأمرأة وأدرک عبد المطّلب بن هاشم جدّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وکان بالغاً مبلغ الرجال. الإصابة (1 / 365).

13 - خنابة بن کعب العبسی : کان له علی عهد معاویة بن أبی سفیان مائة وأربعون سنة ، وله قوله فی الإصابة (1 / 463):

حویت من الغایات تسعین حِجّة

وخمسین حتی قیل أنت المقزّع

14 - خویلد بن مرّة الهذلی ، أبو خراش : أدرک الاسلام شیخاً کبیراً. الإصابة (1 / 465).

15 - ربیعة بن الحارث بن عبد المطّلب بن هاشم ، أبو أروی الهاشمی. کان أسنّ من عمّه العبّاس الآتی ذکره. الإصابة (1 / 506).

16 - سعید بن یربوع القرشی المخزومی ، المتوفّی (54) : وله (120 ، 124) عاماً. الإصابة (2 / 52).

17 - سلمة السلمی : أقبل إلی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وأسلم وهو شیخ کبیر.

18 - سلمان أبو عبد الله الفارسی ، مات سنة (32 ، 33 ، 36) : روی أبو الشیخ عن العباس بن یزید أنّه قال : أهل العلم یقولون : عاش سلمان ثلاثمائة وخمسین سنة ، فأمّا مائتان وخمسون فلا یشکّون فیها. الإصابة (2 / 62).

19 - أبو سفیان القرشی الأموی : کان أسنّ من أبی بکر باثنی عشر عاماً وعدّة أشهر. الإصابة (2 / 179).

ص: 379

20 - صرمة بن أنس أبو قیس الأوسی : أدرک الإسلام فأسلم وهو شیخ کبیر ، عاش نحواً من مائة وعشرین عاماً ، وهو القائل کما فی الإصابة (2 / 183):

بدا لیَ أنّی عشت تسعین حِجّةً

وعشراً وما بعدها لی ثمانیا

فلم ألفها لمّا مضت وعددتها

یحسّبها (1) فی الدهر إلاّ

لیالیا

21 - صرمة بن مالک الأنصاری : أدرک الإسلام فأسلم وهو شیخ کبیر. الإصابة (2 / 183).

22 - طارق بن المرقع الکنانی : کان فی حجّة الوداع شیخاً کبیراً. الإصابة (2 / 221).

23 - الطفیل بن زید الحارثی : هو الذی أخبر عمر بأمر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی الجاهلیّة ، وکان یوم ذاک قد أتت علیه مائة وستون سنة. الإصابة (2 / 224).

24 - عاصم بن عدیّ العجلانی : توفّی سنة خمس وأربعین ، وله مائة وعشرون سنة. الإصابة (2 / 246).

25 - العبّاس بن عبد المطّلب عمّ النبیّ الأعظم : ولد قبل رسول الله بسنتین أو ثلاث. الإصابة (2 / 271).

26 - عبد الله بن الحارث بن أُمیّة : أدرک الاسلام وهو شیخ کبیر. الإصابة (2 / 291).

27 - عدی بن حاتم الطائی : مات بعد الستّین وبلغ مائة وثمانین کما قاله أبو حاتم السجستانی ، أو مائة وعشرین کما فی قول خلیفة. الإصابة (2 / 468).

28 - عدی بن وداع الدوسی : من رجال الجاهلیّة ، أدرک الإسلام فأسلم ر.

ص: 380


1- کذا فی المصدر.

وغزا ، وتوفّی وله ثلاثمائة سنة. الإصابة (2 / 472).

29 - عمرو بن المُسبّح (1) الطائی : مات وله مائة وخمسون عاماً. قال ابن قتیبة : لست أدری أقبض قبل وفاة النبیّ أم بعده. الإصابة (3 / 16).

30 - فضالة بن زید العدوانی : سأله معاویة : کم أتت لک یا فضالة؟ قال : عشرون ومائة سنة. الإصابة (3 / 214).

31 - قباث بن أشیم : سأله عثمان بن عفان : أنت أکبر أم رسول الله؟ فقال : رسول الله أکبر منّی وأنا أسنّ منه. الإصابة (3 / 221).

32 - قردة بن نفاثة السلولی : أدرک الإسلام وهو شیخ کبیر ، وعاش مائة وخمسین سنة ، وله کما فی الإصابة (3 / 231) من أبیات :

بانَ الشبابُ فلم أحفلْ به بالا

وأقبلَ الشیبُ والإسلامُ إقبالا

33 - لبید بن ربیعة بن عامر الکلابی الجعفری : توفّی سنة (41) وهو ابن مائة وأربعین أو مائة وسبع وخمسین سنة أو مائة وستین سنة. الإصابة (3 / 326).

34 - اللجلاج الغطفانی : وفد إلی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وهو ابن سبعین وعاش مائة وعشرین سنة. الإصابة (3 / 328).

35 - المستوعز بن ربیعة بن کعب : کان من فرسان العرب فی الجاهلیّة ، عاش إلی أیّام معاویة وکان له 320 / 330 سنة. الإصابة (3 / 492).

36 - معاویة بن ثور البکائی : أسلم بید النبیّ وهو شیخ کبیر. الإصابة (1 / 156) وفی بعض المعاجم : کان ابن مائة سنة. ف)

ص: 381


1- بضم المیم وفتح المهملة وتشدید الموحّدة کما فی الإصابة : 3 / 16 ، وفی المعارف لابن قتیبة : ص 136 [ ص 314 ] : المسیح. (المؤلف)

37 - منقذ بن عمرو الأنصاری : کان قد أتی علیه مائة وثلاثون فی حیاة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم کما فی أُسد الغابة (1).

38 - النابغة الجعدی : عاش فی الجاهلیّة مائتی سنة ، ومات وهو ابن 225 / 230 عاماً ، وهو القائل کما فی الإصابة (3 / 538):

ألا زعمت بنو أُسدٍ بأنّی

أبو ولدٍ کبیرُ السنِّ فانی

فمن یک سائلاً عنِّی فإنّی

من الفتیان أیّام الخنانِ (2)

أتت مائةٌ لعام ولدتُ فیه

وعشرٌ بعد ذاک وحِجّتانِ

وقد أبقت صروفُ الدهرِ منّی

کما أبقت من السیفِ الیمانی

وقال أبو حاتم : عاش مائتی سنة ، وهو القائل :

قالت أمامة کم عمرت زمانه

وذبحت من عنزٍ علی الأوثانِ

ولقد شهدتُ عکاظَ قبل محلّها

فیها وکنت أُعدُّ من الفتیانِ

والمنذرَ بنَ محرّقٍ فی ملکِهِ

وشهدتُ یوم هجائنِ النعمانِ

وعمرتُ حتی جاءَ أحمدُ بالهدی

وقوارعٌ تُتلی من القرآنِ

ولبستُ فی الإسلامِ ثوباً واسعاً

من سیبِ لا حرمٍ ولا منّانِ

39 - نوفل بن الحرث بن عبد المطّلب الهاشمی ابن عمّ النبیّ الطاهر : کان أسنّ من أسلم من بنی هاشم حتی من عمّیه حمزة والعبّاس المذکورین. الإصابة (3 / 577).

40 - نوفل بن معاویة بن عروة الدؤلی : کان ممّن عاش فی الجاهلیّة ستین وفی الإسلام ستین سنة. الإصابة (3 / 578).

وقبل هؤلاء کلّهم أبو قحافة والد الخلیفة ؛ فإنّه کان أکبر سنّا من الخلیفة ً.

ص: 382


1- أُسد الغابة : 5 / 273 رقم 5117.
2- الخُنان : داء یأخذ الإبل فی مناخرها وتموت منه ، وأرّخ به لأنّه جاء جارفاً.

لا محالة إن لم تُصغّره المعاجز من ابنه کما صغّرت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وجعلته غلاماً وشابّا لا یُعرف بین یدی أبی بکر وهو أکبر منه!

راجع فی تراجم هؤلاء المذکورین المعارف لابن قتیبة ، معجم الشعراء للمرزبانی ، الاستیعاب لأبی عمر ، أُسد الغابة لابن الأثیر ، تاریخ ابن کثیر ، الإصابة لابن حجر ، مرآة الجنان للیافعی ، شذرات الذهب لابن العماد الحنبلی.

هؤلاء جملة ممّن وقفنا علی أسمائهم ممّن أربوا علی أبی بکر فی السنّ من الصحابة الأوّلین ، وهب أنّا غضضنا الطرف عن کلّ ذلک فهلاّ نسائل القوم عن وجه الفضیلة فی کبر السنّ؟ أو لیس فی الأمم والأجیال من طعنوا فی السنّ فبلغوا من العمر عتیّا ، وفیهم الحالی بالفضائل والعاطل عنها ، وإذا مُدح أحدهم فإنّما یُمدح بمآثره لا بطول عمره ، ومهما طال عمر الخلیفة فإن أکثره انقضی فی الجاهلیّة ، بُعث النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وللخلیفة ثمان وثلاثون سنة ، وقد مرّ فی الجزء الثالث (ص 220) أنّه صلی الله علیه وآله وسلم صلّی سبع سنین ولم یصلّ معه غیر علیّ أمیر المؤمنین. إذن فلأبی بکر عند إسلامه خمسة وأربعون عاماً وتوفّی وهو ابن ثلاثة وستّین ، فقد أشغل فی الإسلام ثمانی عشرة سنة ، وهذه المدّة الأخیرة هی التی یمکن أن تزدان بشیء من المناقب ، فهل ازدانت أو لا؟

وفی الغایة أحسب أنّه لیس للقوم غایة یعتدّ بها فی کبر السنّ والاهتمام بذلک غیر أنّهم جعلوا الحجر الأساس للخلافة الراشدة أشیاء منها : أنّ أبا بکر قُدّم علی أمیر المؤمنین لأنّه شیخ محنّک لا تِرَة لأحد عنده فیُبَغض ؛ وعلی هذا الأساس جعلوه تارة أکبر سنّا من النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ، وقد عرفت حاله فی صفحة (270) وأُخری أنّه کان شیخاً یُعرف والنبیّ شابّا لا یُعرف ، وأوقفناک علی حقیقة الحال فی (ص 257). وآونة أنّه أسنّ الصحابة لیحسموا مادّة النقض بشیوخ فی الصحابة کلّهم أکبر من الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام وفیهم رؤساء وأعاظم ، وما عرفوا أنّ المستقبل الکشّاف سیوقف الباحثین علی أناس هم أکبر من الرجل سنّا ، وأوفر علماً ، وأبلغ حنکةً ، وأقدم شرفاً ، وأسبق إسلاماً.

ص: 383

- 14 -

أبو بکر فی کفّة المیزان

أخرج الخطیب فی تاریخه (14 / 78) من طریق عبد الله بن أحمد بن حنبل عن الهذیل عن مطرح بن یزید عن عبید الله بن زحر عن علیّ بن زید (1) عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبی أمامة ؛ قال : قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : دخلت الجنة فسمعت فیها خشفة بین یدیّ. فقلت : ما هذا؟ قال : بلال ، فمضیت فإذا أکثر أهل الجنّة فقراء المهاجرین وذراری المسلمین ، ولم أرَ فیها أحداً أقلّ من الأغنیاء والنساء. إلی أن قال : ثمّ خرجنا من أحد أبواب الجنّة الثانیة ، فلمّا کنت عند الباب أُتِیتُ بکفّة فوُضِعتُ فیها ووضعت أُمّتی فی کفّة فرجحت بها ، ثمّ أُتی بأبی بکر فوُضِع فی کفّة وجیء بجمیع أُمّتی فوضعوا فی کفّة فرجح أبو بکر ، ثمّ أتی بعمر فوُضِع فی کفّة وجیء بجمیع أُمّتی فوُضِعوا فرجح عمر ، ثمّ رُفع المیزان إلی السماء. وذکره الحکیم الترمذی فی نوادر الأصول (2) (ص 288).

رجال الروایة :

1 - مطرح بن یزید الکوفی : قال الدوری عن ابن معین (3) : لیس بشیء ، وقال أبو زرعة : ضعیف الحدیث ، وقال أبو حاتم (4) : لیس بالقویّ ضعیف الحدیث یروی أحادیث عن ابن زحر عن علیّ بن یزید ، فلا أدری البلاء منه أو من علیّ بن یزید ، 0.

ص: 384


1- کذا والصحیح : یزید. (المؤلف) [ أنظر : التاریخ الکبیر : 6 / 301 رقم 2470 ، وتهذیب الکمال : 21 / 178 رقم 4154. ])
2- نوادر الأصول : 2 / 153 الأصل 239.
3- التاریخ : 2 / 569 رقم 2209.
4- الجرح والتعدیل : 8 / 409 رقم 1870.

وقال الآجری عن أبی داود : زعموا أنّ البلیّة من قِبَل علیّ بن یزید ، وقال النسائی (1) : ضعیف لیس بشیء ، وقال ابن عدی (2) : یجانب روایته عن ابن زحر والضعف علی حدیثه بیّن. میزان الاعتدال (3) (3 / 174) ، تهذیب التهذیب (4) (10 / 171).

2 - عبید الله بن زحر الإفریقی : مُجمَع علی ضعفه کما فی المیزان (5). ضعّفه أحمد (6). وقال ابن معین (7) : لیس بشیء کلّ حدیثه عندی ضعیف. وقال ابن المدینی : منکر الحدیث. وقال الحاکم : لیّن الحدیث. وقال ابن عدی (8) : یقع فی أحادیثه مالا یتابع علیه. وقال أبو مسهر : صاحب کلّ معضلة. وقال الدارقطنی : ضعیف ، وقال ابن حبّان (9) : یروی الموضوعات عن الأثبات ، فإذا روی عن علیّ بن یزید أتی بالطامّات ، وإذا اجتمع فی إسناد خبر عبد الله بن زحر وعلیّ بن یزید والقاسم بن عبد الرحمن لم یکن متن ذلک الخبر إلاّ ما عملته أیدیهم (10).

قال الأمینی : هذه الروایة ممّا اجتمع فیه هؤلاء الثلاثة فهو ممّا عملته أیدیهم.

3 - علیّ بن یزید الألهانی : قال ابن معین : علیّ بن یزید ، عن القاسم ، عن أبی أمامة ضعاف کلّها. وقال یعقوب : واهی الحدیث کثیر المنکرات. وقال الجوزجانی : رأیت غیر واحد من الأئمّة ینکر أحادیثه التی یرویها عنه عبید الله بن زحر. وقال ف)

ص: 385


1- کتاب الضعفاء والمتروکین : ص 227 رقم 594.
2- الکامل فی ضعفاء الرجال : 6 / 449 رقم 1930.
3- میزان الاعتدال : 4 / 123 رقم 8580.
4- تهذیب التهذیب : 10 / 155.
5- میزان الاعتدال : 3 / 6 رقم 5359.
6- راجع الجرح والتعدیل : 5 / 315 رقم 1499.
7- التاریخ : 4 / 426 رقم 5107.
8- الکامل فی ضعفاء الرجال : 4 / 325 رقم 1157.
9- کتاب المجروحین : 2 / 62.
10- تهذیب التهذیب : 7 / 13 [ 7 / 12 ]. (المؤلف)

أبو زرعة : لیس بالقویّ. وقال أبو حاتم (1) : ضعیف الحدیث أحادیثه منکرة ، وقال البخاری (2) : منکر الحدیث ضعیف. وقال النسائی (3) : لیس بثقة متروک الحدیث. وقال الأزدی والدارقطنی (4) والبرقی : متروک. وقال أبو أحمد الحاکم : ذاهب الحدیث. وقال الساجی : اتّفق أهل العلم علی ضعفه. وقال أبو نعیم : منکر الحدیث. وقال ابن حجر : متّهم.

میزان الاعتدال (5) (2 / 240) : تهذیب التهذیب (6) (7 / 13 ، 369).

4 - القاسم بن عبد الرحمن الشامی : قال أحمد (7) : هذه المناکیر التی یرویها عنه جعفر وبشر ومطرح مناکیر ممّا یرویها الثقات أنّها من قِبَل القاسم. وقال الأثرم : حملها أحمد علی القاسم. وقال : ما أری هذا إلاّ من قِبَل القاسم. وقال الحرّانی : قال أحمد : ما أری البلاء إلاّ من القاسم. وقال الغلابی : منکر الحدیث. وقال ابن حبّان (8) : یروی عن الصحابة المعضلات. میزان الاعتدال (9) (2 / 34) ، تهذیب التهذیب (10) (8 / 323).

وهذا الحدیث ذکره الهیثمی فی مجمع الزوائد (9 / 59) فقال : رواه أحمد والطبرانی (11) وفیهما : مطرح بن زیاد وعلیّ بن یزید الألهانی وکلاهما مجمع علی ضعفه. 4.

ص: 386


1- الجرح والتعدیل : 6 / 208 رقم 1142.
2- التاریخ الکبیر : مج 6 ج 3 / 301 رقم 2470.
3- کتاب الضعفاء والمتروکین : ص 180 رقم 455.
4- الضعفاء والمتروکون : ص 312 رقم 408.
5- میزان الاعتدال : 3 / 161 رقم 5966.
6- تهذیب التهذیب : 7 / 12 ، 346.
7- العلل ومعرفة الرجال : 1 / 565 رقم 1353.
8- کتاب المجروحین : 2 / 211.
9- میزان الاعتدال : 3 / 373 رقم 6817.
10- تهذیب التهذیب : 8 / 289.
11- المعجم الکبیر : 8 / 214 ح 7864.

قال الأمینی : هذا شأن الروایة سنداً ورجاله کما تری ، واستدلّ الهیثمی علی ضعفه بما فی متنه. راجع مجمع الزوائد (9 / 59).

- 15 -

توسّل الشمس بأبی بکر

قال النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم : عُرض علیّ کلّ شیء لیلة المعراج ، حتی الشمس ، فإنّی سلّمت علیها وسألتها عن کسوفها ، فأنطقها الله تعالی وقالت : لقد جعلنی الله تعالی علی عجلة تجری حیث یرید ، فأنظر إلی نفسی بعین العجب فتزلّ بی العجلة فأقع فی البحر ، فأری شخصین أحدهما یقول : أحد أحد. والآخر یقول : صدق صدق. فأتوسّل بهما إلی الله تعالی فینقذنی من الکسوف ، فأقول : یا ربّ من هما؟ فیقول : الذی یقول : أحد أحد هو حبیبی محمد صلی الله علیه وآله وسلم والذی یقول : صدق صدق هو أبو بکر الصدیق رضی الله عنه. نزهة المجالس (2 / 184).

أنا لا أحکّم فی هذه الروایة إلاّ علماء علم الفلک سواء فی ذلک القدماء منهم والمحدثون. وقد تکلّمنا فی صحیفة (238) عن العجلة التی حملت الشمس وبحثنا عنها بحثاً ضافیاً ، ولیت الهیئیّین درسوا هذه الروایة فأخذوا عنها علماً غزیراً ، وعرفوا أنّ الکسوف یکون بغمس الشمس فی البحر عقوبة علی نظرها إلی نفسها بعین العجب وإنّ انجلاءها یتمّ بالتوسّل ، ولعلّ المستقبل الکشّاف یأتی بمن یعلّم الأُمّة بسرّ خسوف القمر وتتأتّی به للمجالس نزهة بعد نزهة.

وهنا أسئلة جمّة :

1 - لیس الکسوف یخصّ بهذه الأمّة فحسب ، ولا بأیّام حیاة أبی بکر خاصّة ، فمن ذا الذی کان یقول : صدق صدق. قبل میلاد أبی بکر؟ ومن ذا الذی یقولها بعد وفاته؟ وبمن کانت الشمس تتوسّل قبل ذلک؟ وبمن تتوسّل بعده؟

ص: 387

2 - أین کان یقول أبو بکر : صدق صدق؟ أیقولها وهو فی محلّه بمرأی من الناس ومسمع فیُسمعها الشمس بالإعجاز؟ أو کان یحضر علی ذلک البحر الذی لم یحدّد بأیّ ساحل فیغیب عن الناس وتطوی له المسافة بخرق العادات؟ فَلِمَ لم یُحدّث عنه ذلک ولو مرّة واحدة؟ أو أنّه یذهب هو ویدع قالبه المثالی بین الناس فیحسبونه هو هو؟ أو أنّه یثبت فی مکانه فیرسل قالبه ذلک فتحسبه الشمس أنّه هو؟.

3 - هب أنّ الشمس تحمل حیاة روحیّة ، فهل تحمل معها نفساً أمّارة بالسوء بها تعجب بنفسها؟ أنا لا أدری. وعلی فرض ثبوت النفس الأمّارة ، فما بالها تدأب علی المعصیة وهی تری استمرار العقوبة مع کلّ عصیان؟ فهل هی تتوب بعد کلّ معصیة ثمّ تعود إلیها بنسیان العقاب أو غلبة الشهوة؟ ومن المعلوم أنّ الکسوف لم ینقطع لیلة المعراج فهو من الکائنات المتجدّدة إلی انقراض العالم ، فکأنّ الشمس حینئذٍ کانت تخبر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بتصمیمها علی الاستمرار علی المعصیة منذ کلّ کسوف ، فمتی تتوب هذه العاصیة الشاعرة؟ أنا لا أدری. وفی ذمّة الصفوری صاحب الکتاب الخروج عن عهدة هذه الأسئلة. فهل یخرج؟ أنا لا أدری ، وهذا أیضاً من الغلوّ فی الفضائل والحبّ المعمی والمصمّ.

- 16 -

کلبة من الجنّ مأمورة

عن أنس بن مالک قال. کنّا جلوساً عند رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إذ أقبل إلیه رجل من أصحابه وساقاه تشخبان دماً ، فقال النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم : ما هذا؟ قال : یا رسول الله ، مررت بکلبة فلان المنافق فنهشتنی. فقال صلی الله علیه وآله وسلم : اجلس ، فجلس بین یدی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم. فلمّا کان بعد ذلک بساعة إذ أقبل إلیه رجل آخر من أصحابه وساقاه تشخبان دماً مثل الأوّل ، فقال النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم : ما هذا؟ فقال : یا رسول الله إنّی مررت بکلبة فلان المنافق فنهشتنی ، قال : فنهض النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم : وقال لأصحابه : هلمّوا بنا إلی هذه الکلبة نقتلها ،

ص: 388

فقاموا کلّهم وحمل کلّ واحد منهم سیفه. فلمّا أتوها وأرادوا أن یضربوها بالسیوف وقعت الکلبة بین یدی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وقالت بلسان طَلِق ذَلِق : لا تقتلنی یا رسول الله فأنی مؤمنة بالله ورسوله ، فقال : ما بالک نهشتِ هذین الرجلین؟ فقالت : یا رسول الله إنّی کلبة من الجنّ مأمورة أن أنهش من سبّ أبا بکر وعمر. فقال النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم : یا هذین أما سمعتما ما تقول الکلبة؟ قالا : نعم یا رسول الله إنّا تائبان إلی الله عزّ وجلّ. عمدة التحقیق للعبیدی المالکی (1) (ص 105).

قال الأمینی : ما أعظم شأن هذه الکلبة وأثبتها فی میدان البسالة حتی استدعی أمرها أن یتجهّز لحربها النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ویحمل علیها أصحابه شاهرین السیوف! فهل هی کلبة أو أسد ضارٍ؟ أو عفرنی (2) باسل؟ أو حَشِد (3) لُهام؟ وأحسب أنّ اللذین نهشتهما کانا من هیّابة الصحابة ، فإنّ شجعانهم ما کانوا یبالون بالضراغم فضلاً عن الکلاب.

وأین کانت هذه الکلبة عمّن کان ینال من أبی بکر غیر الرجلین فی ذلک العهد وبعد العهد النبویّ وهلمّ جرّا؟ فلم تُشهد لها نهشة ، ولا سُمع لها عواء ، فلیتهیّأ صاحب عمدة التحقیق لتحلیل هذه المسائل وذلک بعد الغضّ عن إسناده الموهوم.

ثمّ ما أخرس ألسنة أولئک الصحابة الحضور یوم أطلق الله لسان تلک الکلبة الطلقة الذلقة عن بثّ هذه الفضیلة الرابیة؟ ومثلها تتوفّر الدواعی لنقلها ، وما أذهل الحفّاظ وأئمة الحدیث وأرباب السیر عن روایتها؟ فلا یجدها الباحث فی المسانید والصحاح والفضائل ومعاجم السیر وأعلام النبوّة ودلائلها ، إلی أن بشّر بها العبیدی آل الصدّیق بعد لأی من عمر الدهر وقذف بهذه الأکذوبة أنس بن مالک. ة.

ص: 389


1- عمدة التحقیق : ص 182.
2- العفرنی : الأسد.
3- الحَشِد : الشجاع الذی لا یدع عند نفسه شیئاً من الجهد والنصرة.

أهکذا تکون المغالاة فی الفضائل؟ ... لعلّها تکون.

نعم ؛ لله کلاب مفترسة وأُسود ضاریة سلّطها الله علی أعدائه بدعاء نبیّه الأعظم أو أحد من أولاده الصادقین صلوات الله علیه وعلیهم ، منها : کلب سلّطه الله علی لهب بن أبی لهب بدعاء النبی الأقدس کما مرّ فی الجزء الأوّل (ص 261). ومنها ، کلب أخذ برأس عتبة بدعاء رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم کما مرّ فی (1 / 261).

قال الحلبی فی السیرة النبویّة (1) (1 / 310): ووقع مثل ذلک لجعفر الصادق ، قیل له : هذا فلان ینشد الناس هجاءکم - یعنی أهل البیت - بالکوفة ، فقال لذلک القائل : «هل علقت من قوله بشیء» قال : نعم. قال : فأنشد. فأنشد :

صلبنا لکم زیداً علی جذعِ نخلةٍ

ولم أرَ مهدیّا علی الجذع یصلبُ

وقستم بعثمان علیّا سفاهةً

وعثمانُ خیرٌ من علیّ وأطیبُ

فعند ذلک رفع جعفر یدیه وقال : «اللهمّ إن کان کاذباً فسلّط علیه کلباً من کلابک» ، فخرج ذلک الرجل فافترسه الأسد. وإنّما سمّی الأسد کلباً لأنّه یشبه الکلب فی أنّه إذا بال رفع رجله.

قال الأمینی : الشاعر المفترس هو الحکیم الأعور أحد الشعراء المنقطعین إلی بنی أُمیّة بدمشق ، وقصّته هذه من المتسالم علیه ، غیر أنّ فی معجم الادباء (2) کما مرّ فی الجزء الثانی (ص 197) من کتابنا هذا : أنّ الداعی علی الرجل هو عبد الله ابن جعفر وأحسبه تصحیف أبی عبد الله جعفر ، فعلی کلّ قد وقع من أهله فی محلّه. 9.

ص: 390


1- السیرة الحلبیّة : 1 / 291.
2- معجم الأدباء : 10 / 249.

- 17 -

هبة أبی بکر لمحبّیه

عن عکرمة عن ابن عبّاس قال : قال علیّ رضی الله عنه : کنت جالساً مع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ولیس معنا ثالث إلاّ الله عزّ وجلّ ، فقال : یا علیّ ترید أن أُعرّفک بسیّد کهول أهل الجنّة وأعظمهم عند الله قدراً ومنزلة یوم القیامة؟ فقلت : إی وعیشک یا رسول الله. قال : هذان المقبلان. قال علیّ. فالتفتّ فإذا أبو بکر وعمر ، ثمّ رأیت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم تبسّم ثمّ قطّب وجهه حتی ولجا المسجد ، فقال أبو بکر : یا رسول الله لمّا قربنا من دار أبی حنیفة (1) تبسّمت لنا ثمّ قطّبت وجهک ، فلِمَ ذلک یا رسول الله؟ فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : لمّا صرتما لجانب دار أبی حنیفة (2) عارضکما إبلیس ونظر فی وجوهکما ثمّ رفع یدیه إلی السماء أسمعه وأراه وأنتما لا تسمعانه ولا تریانه وهو یدعو ویقول : اللهمّ إنّی أسألک بحقّ هذین الرجلین أن لا تعذّبنی بعذاب باغضی هذین الرجلین. قال أبو بکر : ومن هو الذی یبغضنا یا رسول الله ، وقد آمنّا بک وآزرناک وأقررنا بما جئت به من عند ربّ العالمین؟ قال : نعم یا أبا بکر ، قوم یظهرون فی آخر الزمان یقال لهم الرافضة ، یرفضون الحقّ ویتأوّلون القرآن علی غیر صحّته ، وقد ذکرهم الله فی کتابه العزیز وهو قوله تعالی : (یُحَرِّفُونَ الْکَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ) (3). فقال : یا رسول الله فما جزاء من یبغضنا عند الله؟ قال : یا أبا بکر حسبک أنّ إبلیس لعنه الله تعالی یستجیر بالله تعالی أن لا یعذّبه بعذاب باغضیکما. قال : یا رسول الله هذا جزاء من قد أبغض فما جزاء من قد أحبّ؟ فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : أن تهدیا له هدیّة من أعمالکما. فقال : أبو بکر رضی الله عنه : یا رسول الله أُشهدک وأشهد الله وملائکته 3.

ص: 391


1- کذا فی المصدر.
2- کذا فی المصدر.
3- النساء : 46 ، والمائدة : 13.

أنّی قد وهبت لهم ربع أجری - أی عملی - منذ آمنت بالله إلی أن نلقاه. فقال عمر رضی الله عنه : وأنا مثل ذلک یا رسول الله. قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : فضعا خطّکما بذلک. قال علیّ کرّم الله وجهه : فأخذ أبو بکر زجاجة وقال له رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : اکتب ، فکتب :

بسم الله الرحمن الرحیم. یقول عبد الله عتیق بن أبی قحافة : إنّی قد أشهدتُ الله ورسوله ومن حضر من المسلمین أنّی قد وهبت ربع عملی لمحبّیّ فی دار الدنیا منذ آمنت بالله إلی أن ألقاه ، وبذلک وضعت خطّی.

قال : وأخذ عمر وکتب مثل ذلک. فلمّا فرغ القلم من الکتابة هبط الأمین جبریل علیه السلام وقال : یا رسول الله الربّ یُقرئک السلام ویخصّک بالتحیّة والإکرام ، ویقول لک : هات ما کتبه صاحباک. فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : هذا هو. فأخذه جبریل وعرج به إلی السماء ثمّ إنّه عاد إلی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، فقال له رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : أین ما أخذت یا جبریل منّی؟ قال : هو عند الله تعالی وقد شهد الله فیه ، وأشهد حملة العرش وأنا ومیکائیل وإسرافیل. وقال الله تعالی : هو عندی حتی یفی أبو بکر وعمر بما قالا یوم القیامة. عمدة التحقیق للعبیدی المالکی (1) (ص 105 - 107).

قال الأمینی : أنا لا أحاول إطناباً فی تفنید هذه الروایة الشبیهة بأساطیر القصّاصین أو الروایات الخیالیّة ، فإنّ کلّ فصل منها شاهد صدق علی عدم صحّتها.

أنا لا أخدش فی کهولة الشیخین بما مرّ فی الجزء الخامس (ص 313) من القول المعزوّ إلی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : یا علیّ أتحبّ هذین الشیخین؟ ولا بما مرّ فی هذا الجزء (ص 241) من أنّ أبا بکر له شیبة فی الجنّة ولیست لأحد لحیة هناک إلاّ هو وإبراهیم الخلیل ولا بما مرّ (ص 241) من أنّ رسول الله کان یقبّل شیبة أبی بکر. ولا بما مرّ فی 6.

ص: 392


1- عمدة التحقیق : ص 183 - 186.

صفحة (257) من أنّ أبا بکر کان یوم هجرة النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم إلی المدینة شیخاً والنبیّ شابّا. ولا بما مرّ فی (ص 270) من أنّ أبا بکر کان أکبر من النبیّ. ولا بما مرّ فی (ص 280) من أنّه کان أسنّ أصحاب النبیّ.

ولا أتکلّم فی عذاب باغضی أبی بکر وعمر ، وأنّه ما الذی أربی به علی عذاب من تکبّر وتجبّر تجاه المولی سبحانه وعانده وخالف أمره وهو من من المنظرین إلی یوم الوقت المعلوم یغوی عباد الله ویضلّهم عن سبیل الحقّ؟

ولا أُناقش فی أنّ إبلیس کیف کان یصحّ له أن یتعوّذ بالله من عذاب باغضیهما؟ أکان یحبّهما فلما ذا هو؟ أو کان یبغضهما کما یبغض کلّ مؤمن بالله؟ فالدعاء لما ذا؟ وما ذا ینتج له وهو یعلم عذاب مبغضیهما وهو یبغضهما ولا یزال یغری الناس ببغضهما؟

ولا أمدّ یراعی إلی الزجاجة المکتوبة فیها تلک الهبة الموهومة لئلاّ تنکسر فتحرم الأمّة المرحومة من تلک البضاعة الغالیة.

ولا أُسائل رواة هذه المهزأة عن تلکم الشهادات من الله إلی حملة عرشه إلی أمین وحیه إلی میکائیل وإسرافیل. لما ذا هی کلّها؟ وما الذی أحوج المولی سبحانه إلی ذلک الاهتمام البالغ فی استحکام ذلک الصکّ؟ وما الذی أهمّ ادّخاره عند الله حتی یفی أبو بکر وعمر بما قالا یوم القیامة؟

ولا أقول : لما ذا ترکت الأئمّة وحفّاظ الحدیث هذه الفضیلة العظیمة إلی قرن العبیدی المالکی - القرن الحادی عشر - وفیها بشارة کبیرة لمحبّ الشیخین وإرشاد للأُمّة إلی ما فیه نجاتهم ونجاحهم والمثوبة الجزیلة بجزاء ربُعَی أعمالهما؟ ولما ذا شحّ أُولئک الحفظة علی الأمّة وسمع العبیدی؟

ولکن هلمّ معی إلی مفاد الآیة الکریمة فهی فی موضعین من القرآن الکریم :

ص: 393

1 - (مِنَ الَّذِینَ هادُوا یُحَرِّفُونَ الْکَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَیَقُولُونَ سَمِعْنا وَعَصَیْنا) (1).

2 - (وَلَقَدْ أَخَذَ اللهُ مِیثاقَ بَنِی إِسْرائِیلَ وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَیْ عَشَرَ نَقِیباً وَقالَ اللهُ إِنِّی مَعَکُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَیْتُمُ الزَّکاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِی وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً لَأُکَفِّرَنَّ عَنْکُمْ سَیِّئاتِکُمْ وَلَأُدْخِلَنَّکُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِی مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ فَمَنْ کَفَرَ بَعْدَ ذلِکَ مِنْکُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِیلِ* فَبِما نَقْضِهِمْ مِیثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِیَةً یُحَرِّفُونَ الْکَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُکِّرُوا بِهِ) (2).

ألا تعجب من تحریف الکلم بإسناد ما ناء به الیهود وبنو إسرائیل بنصّ القرآن الحکیم إلی قوم لم یأتوا بعدُ وسیضمنهم الزمان فی أخریاته؟ حاشا رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أن یقول ذلک ، ولکنّها ورطات القالة ، وأهواء وشهوات ، حبّذت الوقیعة فی قوم مؤمنین اتّبعوا النبیّ الأمین ، وهُدوا إلی الصراط المستقیم ، (وَهُدُوا إِلَی الطَّیِّبِ مِنَ الْقَوْلِ ، وَهُدُوا إِلی صِراطِ الْحَمِیدِ) (3) ، (وَمَنْ یَعْتَصِمْ بِاللهِ فَقَدْ هُدِیَ إِلی صِراطٍ مُسْتَقِیمٍ) (4).

- 18 -

أبو بکر فی قاب قوسین

بلغنا أنّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم لمّا کان قاب قوسین أو أدنی أخذته وحشة فسمع فی حضرة الله تعالی صوت أبی بکر رضی الله عنه فاطمأنّ قلبه واستأنس بصوت صاحبه.

ذکره العبیدی المالکی فی عمدة التحقیق (5) (ص 154) فقال : هذه کرامة للصدّیق انفرد بها رضی الله تعالی عنه. 0.

ص: 394


1- النساء : 46.
2- المائدة : 12 ، 13.
3- الحج : 24.
4- آل عمران : 100.
5- عمدة التحقیق : ص 260.

قال الأمینی : لما ذا تلک الوحشة؟ ولما ذا ذلک الأُنس؟ وهو صلی الله علیه وآله وسلم فی ساحة القدس الربوبیّ ، وکان لا یأنس إلاّ بالله ، وکانت نفسه القدسیّة فی کلّ آنائه منعطفة إلیها ، فهل هو یستوحش إذا حصل فیها؟ وهی أزلف مباءة إلی المولی سبحانه لا تقلّ غیره. حتی أنّ جبرئیل الأمین انکفأ (1) عنها فقال : إن تجاوزت احترقت بالنار. لمّا جذبه الله تعالی إلیها وحفّته قداسة إلهیة ترکته مستعدّا لتلقّی الفیض الأقدس ، وهل هناک وحشة لمثله صلی الله علیه وآله وسلم یسکّنها صوت أبی بکر؟! وهل کانت له صلی الله علیه وآله وسلم وهو فی مقام الفناء لفتة إلی غیره جلّت عظمته حتی یأنس بصوته؟ لاها الله ، وما کان قلب النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم یقلّ غیره سبحانه فهو مستأنس به ومطمئنّ بآلائه ، فلا مدخل فیه لأیّ أحد یطمئنّ به ، وما جعل الله لرجل من قلبین فی جوفه ، ولقد رآه بالأُفق المبین ، فأوحی إلی عبده ما أوحی ، ما کذب الفؤاد ما رأی ، أفتمارونه علی ما یری؟ ولقد رآه نزلةً أُخری عند سدرة المنتهی ، ما زاغ البصر وما طغی ، لقد رأی من آیات ربّه الکبری ، ولم تبرح نفسه الکریمة مطمئنّة ببارئها حتی خوطب بقوله سبحانه : (یا أَیَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِی إِلی رَبِّکِ راضِیَةً مَرْضِیَّةً) (2)

هذا مبلغ الروایة من نفس الأمر لکن الغلوّ فی الفضائل آثر أن یعدّوها من فضائل الخلیفة وإن کانت مقطوعةً عن الإسناد.

- 19 -

الدین وسمعه وبصره

عن حذیفة بن الیمان ، قال : سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول : لقد هممت أن أبعث إلی الآفاق رجالاً یُعلّمون الناس السنن والفرائض کما بعث عیسی بن مریم الحواریّین. قیل له : فأین أنت عن أبی بکر وعمر؟ قال : إنّه لا غنی بی عنهما إنّهما من 8.

ص: 395


1- الکامل : 2 / 21 [ 1 / 482 ] ، السیرة الحلبیة : 1 / 431 [ 1 / 373 ]. (المؤلف)
2- الفجر : 27 ، 28.

الدین کالسمع والبصر. أخرجه الحاکم فی المستدرک (1) (3 / 74) فقال : هذا حدیث تفرّد به حفص بن عمر العدنی عن مسعر. وقال الذهبی فی تلخیصه : هو واهٍ.

قال الأمینی : قال النسائی (2) : حفص بن عمر لیس بثقة. وقال ابن عدیّ (3) : عامّة حدیثه غیر محفوظ. وقال ابن حبّان (4) : کان ممّن یقلّب الأسانید لا یجوز الاحتجاج به إذا. انفرد وقال ابن معین (5) : رجل سوء ، لیس بثقة. وقال مالک بن عیسی : لیس بشیء ، وقال العقیلی (6) : یحدّث بالأباطیل ، وقال أحمد : کان مع حمّاد (7) فی تلک البلایا ، وقال أبو داود : منکر الحدیث ، وقال الدارقطنی (8) : ضعیف ، لیس بقویّ ، متروک (9).

هذا علی ما فرّق جمع بینه وبین حفص بن عمر بن دینار الأیلی. وأمّا إن کان هو هو فقال ابن عدی (10) : أحادیثه کلّها منکرة المتن والسند وهو إلی الضعف أقرب. وقال أبو حاتم (11) : کان شیخاً کذّاباً. وقال العقیلی (12) : یحدّث عن شعبة ومسعر ومالک 9.

ص: 396


1- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 78 ح 4448 وکذا فی تلخیصه.
2- کتاب الضعفاء والمتروکین : ص 82 رقم 135.
3- الکامل فی ضعفاء الرجال : 2 / 387 رقم 508.
4- کتاب المجروحین : 1 / 257.
5- التاریخ : 4 / 298 رقم 4969.
6- الضعفاء الکبیر : 1 / 273 رقم 338.
7- أحد الکذّابین والوضاعین. (المؤلف) [ هو حمّاد البربری ولاّه الرشید مکة والیمن ، وقال عنه أحمد فی العلل 2 / 350 رقم 2547 : کان رجل سوء ]
8- الضعفاء والمتروکون : ص 184 رقم 168.
9- میزان الاعتدال : 1 / 262 [ 1 / 560 رقم 2130 ] ، تهذیب التهذیب : 2 / 410 [ 2 / 353 ]. (المؤلف)
10- الکامل فی ضعفاء الرجال : 2 / 390 رقم 511.
11- الجرح والتعدیل : 3 / 183 رقم 789.
12- الضعفاء الکبیر : 1 / 275 رقم 339.

ابن مِغْول والأئمّة بالبواطیل ، وقال الساجی : کان یکذب ، وقال أبو أحمد الحاکم : ذاهب الحدیث (1).

هذا شأن سند الروایة ؛ ولیت شعری أیّ سنّة أو فریضة کان یعلّمها الرجلان علی فرض إرسالهما؟ وبما ذا کان یفتیان فی الکلالة وإرث الجدّ والجدّة والتیمّم وشکوک الصلاة إلی مسائل أُخری ، عرّفناک بعضها فی الجزء السادس وجملة منها فی هذا الجزء؟ وبما ذا کانا یجیبان لو سُئِلا عن آیات القرآن وهما یتقاعسان عن معرفة بعض ألفاظها اللغویّة فکیف بالغوامض والمعضلات؟

ثمّ بما ذا کان غناء الرجلین لرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم؟ وبما ذا کانا من الدین کالسمع والبصر؟ أبصولاتهما فی الحروب؟ أم بأیادیهما فی الجدوب؟ أم ببصائرهما فی الأُمور؟ أم بعلمهما الناجع فی الکتاب والسنّة؟ أم بتوقّف الدعوة علیهما فی عاصمة الإسلام؟ أم بإناطة تنفیذ الأحکام بهما؟ إقرأ السیر ثمّ استحفِ الخبر.

وقد مرّ فی (5 / 325) عن المقدسی : أنّ أبا بکر وعمر من الإسلام بمنزلة السمع والبصر ، من موضوعات الولید بن الفضل الوضّاع.

وذکر أبو عمر فی الاستیعاب (2) (1 / 146) مرفوعاً لأبی بکر وعمر : هذان منّی بمنزلة السمع والبصر من الرأس ، وقال : إسناده ضعیف. أخبرنا أبو عبد الله یعیش بن سعید قال : حدّثنا أبو بکر بن محمد بن معاویة ، قال جعفر بن محمد الفریابی ، قال عبد السلام بن محمد الحرّانی ، قال ابن أبی فدیک ، عن المغیرة بن عبد الرحمن ، عن المطّلب بن عبد الله بن حنطب ، عن أبیه ، عن جدّه : انّ النبیّ ... لیس له غیر هذا الإسناد ، والمغیرة بن عبد الرحمن هذا هو الحزامی ضعیف ولیس بالمخزومی الفقیه9.

ص: 397


1- میزان الاعتدال : 1 / 263 [ 1 / 561 رقم 2132 ] ، لسان المیزان : 2 / 324 [ 2 / 394 رقم 2849 ]. (المؤلف)
2- الاستیعاب : القسم الأوّل / 400 رقم 559.

صاحب الرأی. إلی آخره. وقال (1) فی (1 / 348) : حدیث مضطرب الإسناد لا یثبت. وفی الإصابة (2 / 299) : حدیث هذان السمع والبصر ؛ فی أبی بکر وعمر قال أبو عمر : حدیث مضطرب لا یثبت.

أقول : فی الإسناد المذکور غیر واحد من المجاهیل والضعاف ولا ینحصر ضعفه بمکان المغیرة فحسب ، وقال فیه ابن معین (2) : إنّه لیس بشیء. وقال النسائی : لیس بالقویّ. تهذیب التهذیب (3) (10 / 266).

- 20 -

أبو بکر ومنزلته عند الله

عن ابن عبّاس قال : کان أبو بکر مع النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فی الغار فعطش عطشاً شدیداً فشکا إلی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فقال له النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم : اذهب إلی صدر الغار فاشرب. قال أبو بکر : فانطلقت إلی صدر الغار فشربت ماءً أحلی من العسل وأبیض من اللبن وأذکی رائحة من المسک ثمّ عدت إلی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فقال : شربت؟ قلت : نعم. قال : ألا أُبشّرک یا أبا بکر؟ قلت : بلی یا رسول الله. قال : إنّ الله تبارک وتعالی أمر الملک الموکّل بأنهار الجنّة أن اخرق نهراً من جنّة الفردوس إلی صدر الغار لیشرب أبو بکر ، فقلت : یا رسول الله ولی عند الله هذه المنزلة؟ فقال النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم : نعم وأفضل ، والذی بعثنی بالحقّ نبیّا لا یدخل الجنّة مبغضک ولو کان له عمل سبعین نبیّا.

الریاض النضرة (4) (1 / 71) ، مرقاة الوصول (ص 114). 6.

ص: 398


1- الاستیعاب : القسم الثالث / 892 رقم 1516.
2- التاریخ : 3 / 202 رقم 928.
3- تهذیب التهذیب : 10 / 238.
4- الریاض النضرة : 1 / 96.

قال الأمینی : کیف تصحّ هذه الروایة وقد ضرب عنها حفّاظ الحدیث وأئمّة التاریخ والسیر صفحا؟ مع ما فیها من نبأ عظیم وکرامة هامّة وهی بین أیدیهم وهم یهتمّون بجمع دلائل النبوّة ومعاجز الرسالة ، فلم تخرّج فی أصل ، ولم تذکر فی سیرة ، وإنّما ذکرها السیوطی فی الخصائص (1) (1 / 187) فقال : أخرجه ابن عساکر (2) بسند واهٍ.

ولما ذا خصّت روایتها بابن عبّاس وقد ولد فی شعب أبی طالب قبل الهجرة بقلیل فکان یوم الغار ابن سنة أو سنتین ولم یسندها إلی أحد ولم یکن فی الغار غیر النبی صلی الله علیه وآله وسلم وصاحبه؟ فأین روایتهما إیّاها؟ وأین أُولئک الصحابة عنها؟ أیحقّ لحکیم أو حافظ أن یرسل مثل هذه الواهیة إرسال المسلّم فی عدّ الفضائل؟

نعم ؛ للقوم فی محبّة أبی بکر وصاحبه روایات تشبّه بالقصص الخیالیّة نسجتها ید الغلوّ فی الفضائل ، وإلیک منها :

1 - عن عبد الله بن عمر مرفوعاً : لمّا ولد أبو بکر فی تلک اللیلة اطّلع الله علی جنّة عدن فقال : وعزّتی وجلالی لا أدخلک إلاّ من أحبّ هذا المولود.

من موضوعات أحمد بن عصمة النیشابوری کما مرّ فی (5 / 300).

2 - عن أبی هریرة مرفوعاً : إنّ فی السماء الدنیا ثمانین ألف ملک یستغفرون الله لمن أحبّ أبا بکر وعمر ، وفی السماء الثانیة ثمانون ألف ملک یلعنون من أبغض أبا بکر وعمر.

من طامّات أبی سعید الحسن بن علیّ البصری کما أسلفناه فی (5 / 300).

3 - عن أنس : أنّ یهودیّا أتی أبا بکر فقال : والذی بعث موسی وکلّمه تکلیما إنّی 0.

ص: 399


1- الخصائص الکبری : 1 / 307.
2- تاریخ مدینة دمشق : 30 / 150.

لأحبّک ، فلم یرفع أبو بکر رأسه تهاوناً بالیهودی ، فهبط جبرئیل علی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وقال : یا محمد إنّ العلیّ الأعلی یقرأ علیک السلام ویقول لک : قل للیهودیّ : إنّ الله قد أحاد عنک النار. الحدیث. إقرأ واحکم بعد قراءتک القرآن والتدبّر فی الآی النازلة فی عذاب الکفّار. من موضوعات أبی سعید البصری. راجع الجزء الخامس (ص 301).

4 - عن أنس مرفوعاً : إنّ لله تعالی فی کلّ لیلة جمعة مائة ألف عتیق من النار إلاّ رجلین فإنّهما یدخلان فی أُمّتی ولیسا منهم ، وإنّ الله لا یعتقهما فیمن عتق منهم مع أهل الکبائر فی طبقتهم ، مصفّدین مع عبدة الأوثان : مبغضی أبی بکر وعمر ، ولیس هم داخلین فی الإسلام ، وإنّما هم یهود هذه الأُمّة.

من وضع أبی شاکر مولی المتوکّل کما مرّ فی (5 / 303).

5 - عن عبد الله بن عمر مرفوعاً : إنّ الله أمرنی بحبّ أربعة : أبی بکر ، وعمر ، وعثمان ، وعلیّ. من بلایا السجزی کما مرّ فی (5 / 310).

6 - عن أبی هریرة مرفوعاً قال لعلیّ : أتحبّ هذین الشیخین؟ قال : نعم یا رسول الله ، قال : أحبّهما تدخل الجنّة. من صناعة الأشنانی کما مرّ فی (5 / 313).

7 - عن جابر مرفوعاً : لا یبغض أبا بکر وعمر مؤمن ولا یحبّهما منافق.

من موضوعات معلّی الطحان. راجع (5 / 323).

8 - عن أبی هریرة مرفوعاً : هذا جبریل یخبرنی عن الله : ما أحبّ أبا بکر وعمر إلاّ مؤمن تقیّ ، ولا أبغضهما إلاّ منافق شقیّ.

من موضوعات إبراهیم الأنصاری کما مرّ فی (5 / 354).

9 - عن أبی سعید مرفوعاً : من أبغض عمر فقد أبغضنی. راجع (5 / 329).

10 - عن علیّ مرفوعاً قد أخذ الله بکم المیثاق فی أُمّ الکتاب لا یحبّکم - یعنی

ص: 400

أبا بکر ، وعمر ، وعثمان ، وعلیّا - إلاّ مؤمن تقیّ ، ولا یبغضکم إلاّ منافق شقیّ.

من موضوعات إبراهیم الأنصاری کما مرّ فی (5 / 326).

11 - عن علیّ مرفوعاً فی أبی بکر : من أحبّنی فلیحبّه ، ومن أراد کرامتی فلیکرمه. مرّ فی الجزء الخامس (ص 355).

12 - عن أنس مرفوعاً : إنّ لعرش الرحمن ثلاثمائة وستّین قائمة ، کلّ قائمة کطباق الدنیا ستّین ألف مرّة ، بین کلّ قائمتین ستّون ألف صخرة ، کلّ صخرة مثل الدنیا ستّون ألف مرّة ، فی کلّ صخرة ستّون ألف عالم ، کلّ عالم مثل الثقلین ستّون ألف مرّة. قد ألهمهم الله تعالی الاستغفار لمن یحبّ أبا بکر وعمر ، ویلعنون مبغضهما إلی یوم القیامة (1).

کأنّ لعدد ستّین ألف خاصّة عند واضع هذه الخرافة فجعل سلسلة الأکوان الخیالیّة علی ذلک العدد ، لیست هذه کلّها إلاّ حلقة بلاء جاءت بها رماة القول علی عواهنه المغالون فی الفضائل تجاه الحقائق الراهنة ، غیر أنّا لا نخدش العواطف ببسط القول فی متونها ، ونکل القضاء فیها إلی ضمیر الباحث النابه الحرّ.

- 21 -

النبیّ مؤیّد بالشیخین

عن أبی أروی الدوسی ، قال : کنت جالساً عند النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فاطّلع أبو بکر وعمر فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : الحمد لله الذی أیّدنی بکما.

قال الأمینی : أخرجه الحاکم فی المستدرک (2) (3 / 74) من طریق ابن أبی فدیک ، 7.

ص: 401


1- عمدة التحقیق للعبیدی المالکی : ص 183 [ ص 307 ] نقلاً عن کتاب العقائق. (المؤلف)
2- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 77 ح 4447.

وهو وإن وثّقه ابن معین (1) غیر أنّ ابن سعد (2) قال : لیس بحجّة.

عن : عاصم بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطّاب : ضعّفه أحمد وابن معین (3) وأبو حاتم (4) ، وابن عدی (5) ، وقال الفروی : لیس بقویّ ، وقال الجوزجانی : یضعف حدیثه ، وقال البخاری (6) : منکر الحدیث ، وقال الترمذی : متروک لیس بثقة ، وقال ابن حبّان (7) : یخطی ویخالف ، وقال أیضا (8) : منکر الحدیث جدّا یروی عن الثقات ما لا یشبه حدیث الأثبات ، لا یجوز الاحتجاج به إلاّ فیما وافق الثقات ، وقال ابن الجارود : لیس حدیثه بحجّة. وتکلّم النسائی علی أحمد بن صالح حیث وثّقه.

عن سهیل بن أبی صالح : قال ابن معین (9) : حدیثه لیس بحجّة. وقال أبو حاتم (10) : حدیثه لا یُحتجّ به ، وقال ابن حبّان : یخطئ ، وقال ابن أبی خیثمة عن یحیی : لم یزل أهل الحدیث یتّقون حدیثه. وذکر العقیلی (11) عن یحیی أنّه قال : هو صویلح وفیه لین.

عن محمد بن إبراهیم بن الحارث المدنی : وثّقه غیر واحد ، غیر أنّ إمام الحنابلة 9.

ص: 402


1- التاریخ : 3 / 158 رقم 671.
2- الطبقات الکبری : 5 / 437.
3- التاریخ : 3 / 210 رقم 970.
4- الجرح والتعدیل : 6 / 347 رقم 1915.
5- الکامل فی ضعفاء الرجال : 5 / 228 رقم 1382.
6- التاریخ الکبیر : مج 6 / ص 492 رقم 3082.
7- الثقات : 7 / 259.
8- کتاب المجروحین : 2 / 127.
9- التاریخ : 3 / 230 رقم 1077.
10- الجرح والتعدیل : 4 / 247 رقم 1063.
11- الضعفاء الکبیر : 2 / 155 رقم 659.

أحمد (1) قال : فی حدیثه شیء یروی أحادیث مناکیر أو منکرة (2). والحدیث ذکره ابن حجر فی الإصابة (4 / 5) وضعّفه.

هذا مجمل القول فی رجال سند الروایة ، وأمّا متنه فکما تری آیة فی الغلوّ.

- 22 -

الأشباح الخمسة من ذریّة آدم

عن أنس بن مالک قال : سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول : أخبرنی جبریل أنّ الله تعالی لمّا خلق آدم وأدخل الروح فی جسده أمرنی أن آخذ تفّاحةً من الجنّة فأعصرها فی حلقه فعصرتها فی فمه فخلقک الله من النقطة الأولی أنت یا محمد ، ومن الثانیة أبا بکر ، ومن الثالثة عمر ، ومن الرابعة عثمان ، ومن الخامسة علیّ. فقال آدم : من هؤلاء الذین کرّمتهم؟ فقال الله تعالی : هؤلاء خمسة أشباح من ذرّیتک ، وقال : هؤلاء أکرم عندی من جمیع خلقی. قال : فلمّا عصی آدم ربّه. قال : ربّ بحرمة أُولئک الأشباح الخمسة الذین فضّلتهم إلاّ تبت علیّ فتاب الله علیه.

ذکره الحافظ محبّ الدین الطبری فی الریاض النضرة (3) (1 / 30) ، وابن حجر فی الصواعق (4) (ص 50) نقلاً عن ریاض المحبّ الطبری وقال : عهدته علیه.

قال الأمینی : ما أبعد المسافة بین من یجوّز توسّل آدم أوّل الأنبیاء إلی الله تعالی بأُناس عادیّین فی سیاق توسّله بأفضل الرسل وسیّد الأوصیاء علیهما وآلهما السلام ، 3.

ص: 403


1- العلل ومعرفة الرجال : 1 / 566 رقم 1355.
2- راجع میزان الاعتدال : 2 / 4 ، 1 / 432 [ 3 / 445 رقم 7097 ، 2 / 243 رقم 3604 ] ، تهذیب التهذیب : 9 / 6 ، 61 / [ 9 / 6 ، 52 ] ، و 4 / 263 [ 4 / 231 ] و 5 / 51 [ 5 / 45 ] وبهذا الطریق أخرجه البزّار کما فی الصواعق : ص 47 [ ص 79 ]. (المؤلف)
3- الریاض النضرة : 1 / 44.
4- الصواعق المحرقة : ص 83.

وبین من ینکر التوسّل لأیّ أحد بأیّ أحد ، ولا یری لتوسّل آدم بالنبیّ الأعظم صلی الله علیه وآله وسلم أیّ قیمة وکرامة ، فیعتقد الأوّل صحّة مثل هذه الروایة التی حکم السیوطی بأنّها کذب موضوع ، وارتضاه ابن حجر فی نقله عنه کما فی کشف الخفاء ، وإن عدّه فی صواعقه من الفضائل زعماً منه بأنّ الدهر لم یأتِ بعده بمن یناقشه فی الحساب ، وصافقهما علی التکذیب والوضع العجلونی ، فقال فی کشف الخفاء (1) (1 / 233) : قال ابن حجر الهیثمی نقلاً عن السیوطی : کذب موضوع.

ومتن الروایة أوضح شاهد علی ذلک ، غیر أنّ المغالاة فی الفضائل اختلقتها لمعارضة ما ورد فی قوله تعالی : (فَتَلَقَّی آدَمُ مِنْ رَبِّهِ کَلِماتٍ فَتابَ عَلَیْهِ) (2).

أخرج الدیلمی فی مسند الفردوس کما فی الدرّ المنثور (3) (1 / 60) بإسناده عن علیّ قال : «سألت النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم عن قول الله : (فَتَلَقَّی آدَمُ مِنْ رَبِّهِ کَلِماتٍ فَتابَ عَلَیْهِ)؟ فقال : إنّ الله أهبط آدم بالهند وحوّاء بجدّة - إلی أن قال - : حتی بعث الله إلیه جبریل ، وقال : یا آدم ألم أخلقک بیدی؟ ألم أنفخ فیک من روحی؟ ألم أُسجِد لک ملائکتی؟ ألم أزوّجک حوّاء أمتی؟ قال : بلی. قال : فما هذا البکاء. قال : وما یمنعنی من البکاء وقد أُخرجت من جوار الرحمن؟ قال : فعلیک بهؤلاء الکلمات ، فإنّ الله قابل توبتک وغافر ذنبک. قل : اللهمّ إنّی أسألک بحقّ محمد وآل محمد سبحانک لا إله إلاّ أنت ، عملت سوءاً ، وظلمت نفسی فاغفر لی إنّک أنت الغفور الرحیم. فهؤلاء الکلمات التی تلقّی آدم».

وأخرج ابن النجّار عن ابن عبّاس قال : سألت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم عن الکلمات التی تلقّاها آدم من ربّه فتاب علیه؟ قال : «سأل بحقّ محمد وعلیّ وفاطمة والحسن والحسین إلاّ تبت علیّ ، فتاب علیه». الدرّ المنثور (1 / 60). 7.

ص: 404


1- کشف الخفاء : 1 / 249 ح 762.
2- البقرة : 37.
3- الدرّ المنثور : 1 / 147.

وأخرجه الفقیه ابن المغازلی فی المناقب (1) کما فی ینابیع المودّة (2) (ص 239).

وروی أبو الفتح محمد بن علی النطنزی المولود (480) فی کتاب الخصائص : عن ابن عبّاس أنّه قال : لمّا خلق الله آدم ونفخ فیه من روحه عطس فقال : الحمد لله. فقال له ربّه : یرحمک ربّک. فلمّا أسجد له الملائکة فقال : یا ربّ خلقت خلقاً هو أحبّ إلیک منّی؟ قال : نعم ، ولولاهم ما خلقتک. قال : یا ربّ فأرِنیهم.

فأوحی الله إلی ملائکة الحجب : أن ارفعوا الحجب. فلمّا رفعت إذا آدم بخمسة أشباح قدّام العرش قال : یا ربّ من هؤلاء؟ قال : یا آدم هذا محمد نبیّی ، وهذا علیّ أمیر المؤمنین ابن عمّ نبیّی ووصیّه ، وهذه فاطمة بنت نبیّی ، وهذان الحسن والحسین ابنا علی وولدا نبیّی. ثمّ قال یا آدم هم ولدک ، ففرح بذلک. فلمّا اقترف الخطیئة قال : یا ربّ أسألک بمحمد وعلیّ وفاطمة والحسن والحسین لمّا غفرت لی ، فغفر الله له. فهذا الذی قال الله تعالی : (فَتَلَقَّی آدَمُ مِنْ رَبِّهِ کَلِماتٍ). إنّ الکلمات التی تلقّاها آدم من ربّه : اللهمّ بحقّ محمد وعلیّ وفاطمة والحسن والحسین إلاّ تبت علیّ. فتاب الله علیه.

وهذا الرجل یُروی له بسند صحیح توسّل عمر - أحد الاشباح المزعومة - بالعبّاس عمّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فی الاستسقاء ، خرج یستسفی به وقد أجدب الناس فقال : اللهمّ إنّا نستشفع إلیک بعمّ نبیّک أن تذهب عنّا المحل ، وأن تسقینا الغیث. فقال العبّاس : اللهمّ إنّه لم ینزل بلاء من السماء إلاّ بذنب ، ولا یکشف إلاّ بتوبة ، وقد توجّه بی القوم إلیک لمکانی من نبیّک ، وهذه أیدینا إلیک بالذنوب ، ونواصینا بالتوبة ، وأنت الراعی لا تهمل الضالّة ، ولا تدع الکسیر بدار مضیعة ، فقد ضرع الصغیر ، ورقّ الکبیر ، وارتفعت الشکوی ، وأنت تعلم السرّ وأخفی ، اللهمّ فأغثهم بغیاثک قبل أن 3.

ص: 405


1- المناقب : ص 63 ح 89.
2- ینابیع المودّة : 2 / 63.

یقنطوا فیهلکوا ، فإنّه لا ییأس من رحمتک إلاّ القوم الکافرون.

فما تمّ کلامه حتی أرخت السماء مثل الحبال ، فنشأت السحاب ، وهطلت السماء ، فطفق الناس بالعبّاس یمسحون أرکانه ویقولون : هنیئاً لک ساقی الحرمین. فقال حسّان بن ثابت :

سأل الإمامُ وقد تتابعَ جدبُنا

فسُقی الغمامَ بغرّةِ العبّاسِ

عمِّ النبیِّ وصنوِ والدِهِ الذی

ورثَ النبیَّ بذاک دون الناسِ

أحیا الإلهُ به البلادَ فأصبحتْ

مخضرّةَ الأجنابِ بعد الیاسِ

وقال ابن عفیف النصری :

ما زال عبّاسُ بن شیبةَ غایةً

للناسِ عند تنکّر الأیّامِ

رجلٌ تفتّحتِ السماءُ لصوتِهِ

لمّا دعا بدعاوةِالإسلامِ

فتحت له أبوابَها لمّا دعا

فیها بجندٍ معلمینَ کرامِ

عمُّ النبیِّ فلا کمن هو عمُّهُ

ولدٌ ولا کالعمِّ فی الأقوامِ

عرفت قریشٌ یوم قام مقامَهُ

فبهِ له فضلٌ علی الأقوامِ (1)

وقال شاعر بنی هاشم :

رسولُ اللهِ والشهداءُ منّا

وعبّاسُ الذی بعجَ الغماما

وقال العبّاس بن عتبة بن أبی لهب :

بعمّی سقی اللهُ الحجازَ وأهلَهُ

عشیّةَ یستسقی بشیبتهِ عمرْ

توجّه بالعباسِ فی الجدبِ دائماً (2)

إلیه فما إن رام حتی أتی المطرًْ.

ص: 406


1- فی تاریخ مدینة دمشق ، وتهذیبه : ... فی الأعمام.
2- فی الطبعة المحققة من تاریخ دمشق : راغباً ، بدلاً من : دائماً.

ومنّا رسولُ اللهِ فینا تراثُه

فهل فوق هذا للمفاخرِ مفتخرْ (1)

فهلاّ هذا الرجل هو المتوسّل به فی حدیث الأشباح - المختلق - الواقع فی ردیف صاحب الرسالة وسید الوصیّین صلّی الله علیهما وآلهما ، وهو ومن معه أکرم خلق الله جمیعاً باعتراف ممّن خلقهم وفی خلقه سبحانه الأنبیاء وأولو العزم من الرسل والأوصیاء والملائکة والمقرّبون؟

فهلاّ هذا الرجل دعا الله بنفسه؟ وما محلّ توسّله بالعبّاس وهو أکرم عند الله منه ومن أبیه آدم وولده وهلمّ جرّا؟ أو أنّه وجد استثناء فی العبّاس فحسب ، فهو أکرم علی الله منه ومن کلّ من هو أکرم علی الله منه؟

أنا لا أدری ما ذا أقول ، ولک الفسحة والمجال لأن تقول الحقّ وما یحدوک إلیه ضمیرک الحرّ وتقول : کیف یکون المذکورون فی الحدیث - غیر محمد وصنوه - أکرم علی الله من جمیع خلقه وفیهم من ذکرناهم من الأنبیاء والرسل والأوصیاء والأولیاء والملائکة؟ وکیف یتوسّل أبو البشر النبیّ المعصوم بمثل أبی بکر وصاحبیه وهم هم؟ وسیرتهم بین یدیک ، وکیف یکونون ردیف النبیّ الأعظم وصنوه المعصوم بنصّ الکتاب العزیز ونفسه المطهّر الناطق به القرآن الکریم؟ وکیف یشارکونهما فی فضیلة الخلقة ، وکرامة التوسّل؟ ولا أحسب أنّ أحداً من شیعة القوم یصافق رواة هذه الأفیکة علی هذه المزاعم ، ولعلّهم یصافقونهم ویجعلونها علی عهدتهم کما فعل ف)

ص: 407


1- صحیح البخاری کتاب الصلاة باب سؤال الناس الإمام الاستسقاء [ 1 / 342 ح 964 ] ، صحیح مسلم کتاب الصلاة ، الأغانی : 12 / 81 ، أعلام الماوردی : ص 78 [ ص 132 ] ، تاریخ ابن عساکر : 7 / 245 - 248 [ 26 / 355 - 361 ] ، مستدرک الحاکم : 3 / 334 [ 3 / 377 ح 5438 ] ، تاریخ ابن کثیر : 7 / 92 [ 7 / 104 حوادث سنة 18 ه ] ، مرآة الجنان : 1 / 72 ، طرح التثریب : 1 / 63 ، فتح الباری : 2 / 398 [ 2 / 497 ] وقال : یستفاد من القصّة استحباب الاستشفاع بأهل الخیر والصلاح وأهل بیت النبوّة ، عمدة القاری : 3 / 438 [ 7 / 32 ] ، شذرات الذهب : 1 / 29 [ 1 / 164 حوادث سنة 17 ه ]. (المؤلف)

ابن حجر إذ غلوّهم فی الفضائل غیر محدود.

وأمّا الرجل الثانی الذی أربکه التفریط وأسفّ به إلی هوّة الجهل فکالقصیمی الذی أنکر ما جاء فی الصحیح عن عمر بن الخطّاب رضی الله عنه قال : قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «لمّا اقترف آدم الخطیئة قال : یا ربّ أسألک بحقّ محمد لمّا غفرت لی ، فقال الله : یا آدم وکیف عرفت محمداً ولم أخلقه؟ قال : یا ربّ لأنّک لمّا خلقتنی بیدک ونفخت فیّ من روحک رفعت رأسی فرأیت علی قوائم العرش مکتوباً : لا إله إلاّ الله ، محمد رسول الله ، فعلمت أنّک لم تضف إلی اسمک إلاّ أحبّ الخلق إلیک. فقال الله : صدقت یا آدم إنّه لأحبّ الخلق إلیّ ، ادعنی بحقّه قد غفرت لک ، ولولا محمد ما خلقتک».

أخرجه (1) : البیهقی فی دلائل النبوّة (2) ، والحاکم فی المستدرک (2 / 615) وصحّحه ، والطبرانی فی المعجم الصغیر ، وأبو نعیم فی الدلائل ، وابن عساکر کما فی الخصائص ، وأقرّ صحته السبکی فی شفاء السقام (ص 120) ، والقسطلانی فی المواهب (1 / 16) ، والسمهودی فی وفاء الوفا (2 / 419) ، والزرقانی فی شرح المواهب (1 / 62) ، والعزّامی فی فرقان القرآن (ص 117) ، وذکره السیوطی فی الخصائص الکبری عن عدّة من الحفّاظ (1 / 6).

فقال القصیمی فی الصراع (2 / 593) تبعاً أثر ابن تیمیّة فی الردّ علی هذه المأثرة النبویّة الصحیحة : والسؤال بحقّ النبیّ أو بحقّ غیره من الأنبیاء والصالحین لیس له من القیمة العملیّة الدینیّة ما یوجب أن یکون عملاً صالحاً مبروراً فضلاً عن أن یکون أداة غفران وعفو تامّ ، وما ذا فی قول القائل : أسألک یا الله بحقّ فلان أو فلانة من عمل صالح یؤهّل قائله لأن یکون من المغفور لهم؟ وإنّما یغفر للمستغفر. ف)

ص: 408


1- دلائل النبوّة : 5 / 489 ، المستدرک علی الصحیحین : 2 / 672 ح 4228 ، المعجم الصغیر : 2 / 82 ، شفاء السقام : ص 161 ، المواهب اللدنیّة : 1 / 82 ، وفاء الوفا : 4 / 1371 ، الخصائص الکبری : 1 / 12.
2- قال الذهبی فی الثناء علیه : علیک به فکلّه هدیً ونور. (المؤلف)

وقال : وأمّا الألفاظ المجرّدة فلا وزن لها عند الله ولا ینظر إلیها فضلاً عن أن تکون عملا تحطّ به الذنوب والخطایا الثقیلة ، فما فی قول القائل : أسألک بحقّ محمد لمّا غفرت لی من الشأن والقیمة؟ حتی یُقال له : وإذ سألتنی بحقّه فقد غفرت لک. وأجهل الناس وأرقّهم دیناً وتقوی وفضیلة وأشدّهم بعداً عن الله وعن رضاه یقولون ذلک ، ویلهجون به ، وهم علی رغمهم لا یجدر بهم الغفران ولا التجاوز والعفو والرضا بل وهم خلیقون بالانتقام والطرد والعذاب الألیم الموجع ، ولن تجدیهم هذه المقالة ولا هذا التوسل قلیلاً ولا کثیراً ، فنحن لا نشکّ فی أنّ آدم ما غفر له ذنبه إلاّ لتوبته ولرجوعه إلی ربّه ولإقلاعه عن ذنبه ، ولاعتذاره واستغفاره الصادرین عن جمیع نفسه وقلبه وعقله ، أمّا السؤال بالحقّ فلا قیمة ولا وزن له عند الله البتة. انتهی.

نحن لا نقابل هذا المغفّل المستهتر البذی إلاّ بالسلام ، حذا فی هذیانه هذا حذو شیخه ابن تیمیّة ، وقد ردّ علیه جمع من أئمّة الحدیث وحفّاظه بکلمات ضافیة نقتصر منها بکلام السبکی ، قال فی شفاء السقام (1) (ص 121) : قال ابن تیمیّة : أمّا ما ذکر فی قصّة آدم من توسّله فلیس له أصل ، ولا نقله أحد من النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم بإسناد یصلح للاعتماد علیه ولا الاعتبار ولا الاستشهاد. ثمّ ادّعی ابن تیمیّة أنّه کذب وأطال الکلام فی ذلک جدّا بما لا حاصل تحته بالوهم والتخرّص ، ولو بلغه أنّ الحاکم صحّحه لما قال ذلک ، أو لتعرّض للجواب عنه ، وکأنّی به إن بلغه بعد ذلک یطعن فی عبد الرحمن بن یزید راوی الحدیث ، ونحن نقول : قد اعتمدنا فی تصحیحه علی الحاکم ، وأیضاً عبد الرحمن بن یزید لا یبلغ فی الضعف إلی الحد الذی ادّعاه ، وکیف یحلّ لمسلم أن یتجاسر علی منع هذا الأمر العظیم الذی لا یردّه عقل ولا شرع؟ وقد ورد فیه هذا الحدیث ، وأمّا ما ورد من توسّل نوح وإبراهیم وغیرهما من الأنبیاء فذکره المفسّرون واکتفینا عنه بهذا الحدیث لجودته وتصحیح الحاکم له ، ولا فرق فی هذا المعنی بین أن 2.

ص: 409


1- شفاء السقام : ص 162.

یعبّر عنه بالتوسّل أو الإستعانة أو التشفّع أو التجوّه (1). والداعی بالدعاء المذکور ما فی معناه متوسّل بالنبیّ صلی الله علیه وآله وسلم لأنّه جعله وسیلة لإجابة الله دعاءه ، أو مستغیث به ، والمعنی أنّه استغاث الله به علی ما یقصده.

وقد أسلفنا الکلام حول الموضوع فی الجزء الخامس (ص 143 - 156) راجع.

- 23 -

أبو بکر خیر أهل السموات والأرض

عن أبی هریرة : أنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قال : أبو بکر وعمر خیر أهل السموات والأرض ، وخیر الأوّلین والآخرین ، إلاّ النبیّین والمرسلین.

ذکره ابن حجر فی الصواعق (2) (45) نقلاً عن الحاکم وابن عدی (3) ، وأخرجه الخطیب فی تاریخه (5 / 253) وسکت عمّا فی سنده من العلل - علی عادته الجاریة فی مناقب الشیخین - وفیه : جبرون بن واقد الإفریقی والراوی عنه محمد بن داود القنطری ، قال الذهبی فی المیزان (4) : جبرون متّهم فانّه روی بقلّة حیاء عن سفیان ، وروی عنه محمد بن داود القنطری ، عن أبی هریرة مرفوعاً : أبو بکر وعمر خیر الأوّلین. الحدیث تفرّد به وبالذی قبله وهما موضوعان. وزاد ابن حجر فی اللسان (5) (2 / 94) عن ابن عدی (6) أنّه قال : لا أعرف له غیر هذین الحدیثین ولا أعلم یرویهما عنه غیر محمد بن داود وهما منکران. ً.

ص: 410


1- التجوّه : التوسل بالجاه.
2- الصواعق المحرقة : ص 76.
3- الکامل فی ضعفاء الرجال : 2 / 180 رقم 368.
4- میزان الاعتدال : 1 / 387 رقم 1435.
5- لسان المیزان : 2 / 121 رقم 1900.
6- تقدم تخریجه آنفاً.

وقال الذهبی (1) فی ترجمة محمد بن داود : عن جبرون الإفریقی بحدیثین باطلین ذکرهما ابن عدی فی ترجمة جبرون ، وقال : تفرّد بهما محمد.

وقال ابن حجر فی اللسان (2) (5 / 161) : أحسب الآفة فی الحدیث من جبرون ، وقد ساق المؤلّف الحدیثین فی ترجمته وصرّح بأنّهما موضوعان وأشار إلی أنّ المشتهر بهما جبرون.

قال الأمینی : ومن الحریّ لمثل هذین المبطلین أن یرویا باطلاً کمثل هذا الذی یرتئی مفتعله تفضیل الرجلین علی الملائکة المقرّبین المعصومین من أهل السموات وفیهم سیّدهم أمین الوحی جبرئیل ، وعلی من ثبتت زلفتهم وقربهم من أولیاء الله وأصفیائه وأوصیاء الأنبیاء ، أنا لا أدری بما ذا فضّلا علیهم : أبعلمهما المتدفّق وقد عرفت مبلغهما منه؟ أم بالعصمة عن الخطایا والذنوب وأنت لا تقول بها؟ أو أنّ ما حفظه التاریخ من سیرتهما لا یدع أن تقول بها ، لکن عصمة الملائکة ثابتة لا ریب فیها ، وعصمة الأوصیاء واجبة بالبرهنة الصحیحة ، وزلفی المقرّبین کلقمان والخضر وذی القرنین من القضایا التی قیاساتها معها ، أم ببأسهما المرهب فی ذات الله وعنائهما فی سبیل الدین وجهودهما الجبّارة؟

لا یخفی علی أحد حقّ القول فی ذلک کلّه ، ضع یدک هاهنا علی أیّ فضیلة فإنّک لا تجد فیهما منها ما یربی بهما علی کثیر من الصحابة والتابعین هلمّ جرّا فضلاً عن من ذکرناهم ، غیر أنّ الغلوّ فی الفضائل حدا صاحبه إلی أن یقول بذلک ، فدعه یقل ؛ فإنّ الحقائق الثابتة غیر قابلة للزوال والأصول الموضوعة یرکن إلیها علی کلّ حال. 9.

ص: 411


1- میزان الاعتدال : 3 / 540 رقم 7500.
2- لسان المیزان : 5 / 181 رقم 7329.

- 24 -

ثواب النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وأبی بکر

عن علیّ بن أبی طالب قال : سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول لأبی بکر : یا أبا بکر إنّ الله أعطانی ثواب من آمن به منذ خلق آدم إلی أن بعثنی ، وإنّ الله أعطاک ثواب من آمن بی منذ بعثنی إلی أن تقوم الساعة.

أخرجه الخلعی والملاّ کما فی الریاض النضرة (1) (1 / 129) ، والخطیب البغدادی فی تاریخه (5 / 53) من طریق أحمد بن محمد بن عبید الله أبی الحسن التمّار المقرئ فقال : کان غیر ثقة روی أحادیث باطلة ، ذاکرت أبا القاسم الأزهری حال هذا الشیخ وقلت : أراه ضعیفاً لأنّ فی حدیثه مناکیر. فقال : نعم هو مثل أبی سعید العدوی.

قال الأمینی : أبو سعید العدوی هو الحسن بن علی العدوی البصری شیخ قلیل الحیاء کذّاب یضع الحدیث ، أسلفنا ترجمته فی سلسلة الکذّابین فی الجزء الخامس (ص 224) ، فقول الأزهری فی أبی الحسن التمّار إنّه مثل أبی سعید یومی إلی أنّه أیضاً کذّاب وضّاع.

وفی الإسناد أبو معاویة الضریر وقد اشتهر عنه الغلوّ غلوّ التشیّع ، وقال یعقوب بن شیبة : ثقة ربّما یدلّس. میزان الاعتدال (2) (3 / 382):

وفیه : أبو البختری عن علیّ. قال سلمة بن کهیل : ما کان من حدیث أبی البختری [ سماعاً ] (3) فهو حسن ، وما کان عن (4) فهو ضعیف. میزان الاعتدال (5) (3 / 344) 6.

ص: 412


1- الریاض النضرة : 1 / 162.
2- میزان الاعتدال : 4 / 575 رقم 10618.
3- من المصدر.
4- کذا فی المصدر أیضاً.
5- میزان الاعتدال : 4 / 494 رقم 9986.

هذا شأن سند الروایة ، وأمّا متنه فضمیرک الحرّ نعم الحَکَم فیه.

- 25 -

الحبّ والشکر الواجبان علی الأُمّة

عن سهل بن سعد قال : قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : حبّ أبی بکر وشکره واجب علی أُمّتی.

أخرجه الخطیب البغدادی فی تاریخه (5 / 453) من طریق عمر بن إبراهیم الکردی وقال : تفرّد به عمر ، وهو ذاهب الحدیث. وذکره الذهبی فی میزان الاعتدال (1) (2 / 249) فقال : الحدیث منکر جدّا.

ورواه الخطیب فی تاریخه (5 / 73) من طریق عمر الکردی. أیضاً بلفظ : إنّ أمنّ الناس علیّ فی صحبته وذات یده أبو بکر الصدّیق ، فحبّه وشکره وحفظه واجب علی أُمّتی.

قال الأمینی : هذه الروایة من موضوعات عمر الکردی ، قال الدارقطنی : کذّاب خبیث ، وقال الخطیب (2) : غیر ثقة یروی مناکیر من الأثبات. راجع ما مرّ فی سلسلة الکذّابین فی الجزء الخامس (ص 246).

والعجب من الخطیب فی تاریخه أنّه ، مع قوله المذکور فی ترجمة الکردی ، تری عقدةً فی لسانه لمّا یذکر الروایة ، فیسکت عمّا فیها تارة ولم یتکلّم بذأمة تعرب عن وضعها ، ویقتصر أخری بقوله : تفرّد بروایته عمر وغیر عمر أوثق منه. کما قاله فی الموضع الثانی ، ولیست هذه کلّها إلاّ لإغفال القرّاء عن جلیّة الحال ، والتمویه علی الحقائق الراهنة ، فمن جرّائها یأتی الصفوری بعد حین ویذکر الروایة فی نزهة 5.

ص: 413


1- میزان الاعتدال : 3 / 179 رقم 6044.
2- تاریخ بغداد : 11 / 202 رقم 5905.

المجالس (1) (2 / 186) مرسلاً إیّاها إرسال المسلّم.

- 26 -

أبو بکر فی کفّة المیزان

أخرج الحکیم الترمذی کما فی مرقاة الوصول (ص 112) قال : حدّثنا رزق الله ابن موسی الباجی البصری ، قال : حدّثنا مؤمل بن إسماعیل - العدوی البصری - قال : حدّثنا حماد بن سلمة ، قال : حدّثنا سعید بن جمهان البصری عن سفینة مولی أمّ سلمة ، قال : کان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إذا صلّی الصبح أقبل علی أصحابه فقال : أیّکم رأی اللیلة رؤیا؟ قال : فصلّی ذات یوم الصبح ثمّ أقبل علی أصحابه فقال : أیّکم رأی اللیلة رؤیا؟ فقال رجل : أنا یا رسول الله ، رأیت کأنّ میزاناً أدلی من السماء فوضعت فی کفّة المیزان ووضع أبو بکر فی کفّة أخری فرجحت بأبی بکر فرفعت ، وتُرک أبو بکر فجیء بعمر فوضع فی الکفّة الأخری فوزن بأبی بکر فرجح أبو بکر بعمر ، ورفع أبو بکر وترک عمر مکانه ، فجیء بعثمان فوضع فی الکفّة الأخری فرجح عمر بعثمان ، ورفع عمر وتُرک عثمان مکانه ، فجیء بعلیّ فوضع فی الکفّة الأخری فرجح عثمان بعلیّ ورفع المیزان. فتغیّر وجه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ثمّ قال : خلافة نبوّة ثلاثین عاماً ثمّ تکون ملکاً.

رجال إسناده :

1 - رزق الله البصری المتوفّی (256 ، 260) : قال الأندلسی : روی أحادیث منکرة وهو صالح لا بأس به. تهذیب التهذیب (2) (3 / 273).

2 - مؤمّل العدوی البصری المتوفّی (206) : قال أبو حاتم (3) : صدوق شدید فی 9.

ص: 414


1- نزهة المجالس : 2 / 183.
2- تهذیب التهذیب : 3 / 235.
3- الجرح والتعدیل : 8 / 374 رقم 179.

السنّة کثیر الخطأ. وقال البخاری : منکر الحدیث. وقال یعقوب بن سفیان : شیخ جلیل سنّی سمعت سلیمان بن حرب یحسن الثناء - علیه - کان مشیختنا یوصون به إلاّ أن حدیثه لا یشبه حدیث أصحابه ، وقد یجب علی أهل العلم أنّ یقفوا عن حدیثه ، فإنّه یروی المناکیر عن ثقات شیوخه ، وهذا أشدّ فلو کانت هذه المناکیر عن الضعفاء لکنّا نجعل له عذراً ، وقال الساجی : صدوق کثیر الخطأ ، وله أوهام یطول ذکرها ، وقال ابن سعد (1) والدارقطنی : کثیر الخطأ. وقال المروزی : إذا انفرد بحدیث وجب أن یتوقّف ویتثبّت فیه ، لأنّه کان سیّئ الحفظ کثیر الغلط.

میزان الاعتدال (2) (2 / 221) ، تهذیب التهذیب (3) (10 / 381).

3 - سعید بن جمهان البصری المتوفّی (136). قال أبو حاتم (4) : یکتب حدیثه ولا یحتجّ به. وقال الساجی : لا یُتابَع علی حدیثه.

میزان الاعتدال (5) (1 / 377) ، تهذیب التهذیب (6) (4 / 14).

قال الأمینی : (وَیْلٌ لِلْمُطَفِّفِینَ* الَّذِینَ إِذَا اکْتالُوا عَلَی النَّاسِ یَسْتَوْفُونَ* وَإِذا کالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ یُخْسِرُونَ* أَلا یَظُنُّ أُولئِکَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ* لِیَوْمٍ عَظِیمٍ* یَوْمَ یَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِینَ) (7).

هذه المیزان التی جاء بها البصریّون وأُدلیت من سماء البصرة فی منجمها عین ، 6.

ص: 415


1- الطبقات الکبری : 5 / 501.
2- میزان الاعتدال : 4 / 228 رقم 8949.
3- تهذیب التهذیب : 10 / 339.
4- الجرح والتعدیل : 4 / 10 رقم 30.
5- میزان الاعتدال : 2 / 131 رقم 3149.
6- تهذیب التهذیب : 4 / 13.
7- المطففین : 1 - 6.

وفی إحدی کفّتیها شول ، وفی لسانها عوج (قُلْ هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَالَّذِینَ لا یَعْلَمُونَ) (1) (قُلْ هَلْ یَسْتَوِی الْأَعْمی وَالْبَصِیرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِی الظُّلُماتُ وَالنُّورُ) (2).

کیف یوزن فی میزان العدل والنصفة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وهو هو مع ابن أبی قحافة الذی لیس إلاّ أبو بکر ، أیّ خلائق کریمة؟ أیّ نفسیّات طاهرة؟ أیّ ملکات فاضلة؟ أی حکم علمیّة أو عملیّة؟ أی عوارف ومعارف راقیة؟ أیّ بصیرة نافذة؟ أیّ علم؟ أیّ شجاعة؟ أیّ عصمة؟ أیّ قداسة؟ أیّ عظمة؟ أیّ عزم؟ أی حزم؟ أیّ أیّ؟ جعلت فی کفّة جعل فیها أبو بکر؟ هل هذه الموازنة یقبلها الوجدان والمنطق حتی یقال بالرجحان فی إحدی کفّتی المیزان؟ (فَما لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ لا یَکادُونَ یَفْقَهُونَ حَدِیثاً) (3).

ثمّ کیف رجح أبو بکر بعمر وإنّهما کانا عکمی بعیر فی الفضائل کلّها أیّام حیاتهما ، غیر أنّ فتوحات عمر وأیادیه فی بسط الإسلام فی أرجاء العالم لا تُنسی ، ولم تزل تذکر فی صفحات التاریخ ، فله فضیلة الرجحان علی أبی بکر إن وزنا بمیزان غیر معیبة.

وکیف فُصِل بین النبیّ الأعظم وبین أمیر المؤمنین فی المیزان؟ وهو نفسه بنصّ القرآن الکریم ، وله العصمة بحکم الکتاب العزیز ، وهو وارث علمه ، وباب حکمته ، وهو عدل القرآن وخلیفة نبیّ الإسلام بقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «إنّی مخلّف فیکم اثنین : کتاب الله وعترتی أهل بیتی» وأیّ فضیلة رابیة لعثمان جعلت فی کفّة المیزان ورجح بها علی علیّ ردیف رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی فضائله؟ أنا لا أدری.

ثمّ إن کان التعبیر الذی عزوه إلی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم حقّا فهو لا محالة بتقدیر من 8.

ص: 416


1- الزمر : 9.
2- الرعد : 16.
3- النساء : 78.

الله تعالی ومشیئة منه رعایة للنظام الأصلح ، فلما ذا تغیّر وجهه صلی الله علیه وآله وسلم ممّا قدّره المولی سبحانه وشاءه وأحبّه؟ ولم تکن له غایة إلاّ الحصول علی مرضاته والدعوة إلیها وإیقاف الأمّة علیها أوَلیس هذا ممّا ینافی عصمته ویضادّ مقامه الأسمی؟ لکن الغلوّ فی الفضائل قد یصحّح أمثال ذلک. فإنّا لله وإنّا إلیه راجعون.

- 27 -

ما أسلم أبو مهاجر إلاّ أبو أبی بکر

أخرج ابن مندة وابن عساکر (1) عن عائشة رضی الله عنها قالت : ما أسلم أبو أحد من المهاجرین إلاّ أبو أبی بکر. تاریخ الخلفاء للسیوطی (2) (ص 73).

وروی المحبّ الطبری فی ریاضه (3) (1 / 47) عن الواحدی مرسلاً بلا إسناد عن علیّ بن أبی طالب أنّه قال فی أبی بکر : أسلم أبواه جمیعاً ولم یجتمع لأحد من الصحابة المهاجرین أسلم أبواه غیره. وذکره القرطبی فی تفسیره (4) (16 / 194).

وأخذ غیر واحد من المتأخرین کالشبلنجی ونظرائه هذین الحدیثین فعدّوهما من فضائل أبی بکر المتسالم علیها.

قال الأمینی : نحن نقدّس ساحة علیّ وعائشة عن مثل هذا الکذب الفاحش الذی ینادی التاریخ بخلافه ، وتکذّبه سیرة الصحابة المهاجرین ، وإنّما الحبّ الدفین قد أعمی رواة هذه الأفیکة وأصمّهم عمّا فی غضون الکتب ، فأسرفوا فی القول وتغالوا فی الفضائل غیر مکترثین لمغبّة قیلهم ، أهذا مبلغهم من العلم؟ أم یقولون علی الله الکذِب وهم یعلمون؟ 9.

ص: 417


1- تاریخ مدینة دمشق : 30 / 24 رقم 3398.
2- تاریخ الخلفاء : ص 100.
3- الریاض النضرة : 1 / 68.
4- الجامع لأحکام القرآن : 16 / 129.

هاجر بنو مظعون من بنی جمح ، وبنو جحش بن رئاب حلفاء بنی أُمیّة ، وبنو البکیر من بنی سعد بن لیث حلفاء بنی عدی بن کعب بأهلیهم وأموالهم ، وغلقت دورهم بمکة هجرةً لیس فیها ساکن کما فی سیرة ابن هشام (1) (2 / 79 ، 117) أکانت نساء تلکم الأُسَرِ الکبیرة أرامل أو عقائم؟ أو کانت أبناؤها أیتاماً من الأبوین أیامی؟ أو کانت آباؤها رجالاً بلا أعقاب؟ قاتل الله الحبّ کیف یُعمی ویُصمّ.

وهلمّ معی نقرأ صحیفة من تراجم المهاجرین :

هذا عمّار بن یاسر ، مهاجر عظیم وأبواه فی الرعیل الأوّل من المعذّبین فی الإسلام. قال مسدّد کما فی تهذیب التهذیب (2) (7 / 408) : لم یکن فی المهاجرین من أبواه مسلمان غیر عمّار بن یاسر. فهذا ینفی إسلام والدَی أبی بکر ویکذّب ذلک المختلق.

وهذا عبد الله بن جعفر ، هاجر أبوه ومعه عبد الله وأخواه محمد وعون ومعهم أمّهم أسماء بنت عمیس.

وهذا عمرو بن أبان بن سعید الأموی ، من المهاجرین وأبوه شهد خیبراً مع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وأُمّه فاطمة بنت صفوان مسلمة.

وهذا خالد بن أبان الأموی أخو عمرو بن أبان المذکور.

وهذا إبراهیم بن الحارث بن خالد التمیمی ، هاجر مع أبیه وأمّه ریطة بنت الحارث بن جبلة.

وهذا الحاطب بن الحارث الجمحی ، من المهاجرین وهاجر معه أبوه وأُمّه فاطمة بنت المجلّل. 7.

ص: 418


1- السیرة النبویّة : 2 / 144 - 145.
2- تهذیب التهذیب : 7 / 357.

وهذا الحطّاب بن الحارث الجمحی ، هاجر مع أبیه وأُمّه وأخیه الحاطب ومعه امرأته فکیهة بنت یسار.

وهذا حکیم بن الحارث الطائفی ، هاجر مع امرأته وبنیه ومعه أبواه وهما مسلمان.

وهذا خزیمة بن جهم بن قیس العبدری ، هاجر مع أبیه وأخیه عمرو ومعهم أُمّهما أُمّ حرملة بنت عبد الأسود.

وهذا جابر بن سفیان بن معمر الجمحی ، هاجر هو وأبوه وأُمّه حسنة.

وهذا جنادة بن سفیان الجمحی ، هاجر ومعه أُمّه حسنة وأخوه جابر المذکور.

وهذا سلمة بن أبی سلمة بن عبد الأسد المخزومی ، هاجر أبوه وهاجرت بعده أُمّه أُمّ سلمة زوج النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم مع ابنها سلمة.

وهذا جناب بن الحارثة بن صخر العذری ، هاجر إلی المدینة وأبوه قد أسلم.

وهذا الحارث بن قیس السهمی ، هاجر مع بنیه الحارث وبشر ومعمر ، فهم مهاجرون وأبوهم الحارث قد أسلم وهاجر.

وهذا السائب بن عثمان بن مظعون الجمحی ، من المهاجرین وأبوه مهاجر عظیم.

وهذا سلیط بن سلیط بن عمرو العامری ، قال عمر : دلّونی علی فتی مهاجر هو وأبوه. فدلّوه علیه.

وهذا عبد الرحمن بن صفوان بن قدامة ، هاجر هو وأبوه.

وهذا عبد الله بن صفوان بن قدامة ، هاجر هو وأبوه.

وهذا عامر بن غیلان بن سلمة الثقفی ، هاجر إلی رسول الله وأبوه قد أسلم.

ص: 419

وهذا عبد الله بن بدیل بن ورقاء الخزاعی ، من المهاجرین ووالده صحابیّ عظیم.

وهذا عبد الله بن أبی بکر بن أبی قحافة ، مهاجر وهاجر أبوه وأسلم جدّه وجدّته أمّ الخیر علی زعم القوم ، وسیأتی الکلام فی إسلامهما.

وهذا عبد الله بن عمر بن الخطّاب ، مهاجر وأبوه قد أسلم وهاجر.

وهذا محمد بن عبد الله بن جحش ، أحد المهاجرین ومعه أبوه وأُمّه.

وهذا عبد الله بن المطّلب بن أزهر ، أحد المهاجرین وأبوه مهاجر.

وهذا معمر بن عبد الله بن نضلة ، أحد المهاجرین ووالده مهاجر.

وهذا مهاجر بن قنفذ بن عمیر القرشی التیمی ، من المهاجرین السابقین إلی الإسلام وأبوه له صحبة.

وهذا موسی بن الحرث بن خالد القرشی التیمی ، مهاجر ابن مهاجر.

وهذا النعمان بن عدی بن نضلة ، مهاجر هو ووالده.

راجع (1) سیرة ابن هشام (ص 21) ، طبقات ابن سعد ، تاریخ الطبری ، الاستیعاب ، أُسد الغابة ، کامل ابن الأثیر ، تاریخ ابن کثیر ، عیون الأثر لابن سیّد الناس ، الإصابة ، تهذیب التهذیب ، السیرة الحلبیّة.

ولعلّ الباحث یقف فی غضون السیر وکتب التاریخ ومعاجم التراجم کثیراً من نظراء هؤلاء من المهاجرین الذین أسلم آباؤهم أو آباؤهم وأُمّهاتهم. فما جاء به المحبّ 7.

ص: 420


1- سیرة ابن هشام : 2 / 112 - 117 ، الطبقات الکبری : 4 / 34 ، 142 ، 203 ، 294 ، تاریخ الأمم والملوک : 2 / 369 ، الاستیعاب : القسم الثالث / 950 رقم 1612 ، أُسد الغابة : 3 / 198 رقم 2862 ، الکامل فی التاریخ : 2 / 366 ، البدایة والنهایة : 3 / 209 ، عیون الأثر : 1 / 227.

الطبری والسیوطی ومن لفّ لفّهما من فضیلة إسلام والد أبی بکر أو والدیه دون سائر الصحابة وعزوه إلی مولانا أمیر المؤمنین لیس إلا مجهلة ومخرقة نشأت من الغلوّ الفاحش فی الفضائل.

إسلام والدی أبی بکر :

هلمّ معی نحاسب إسلام والدی أبی بکر أحقّا هما أسلما؟ فضلاً عن أن یخصّ بهما الإسلام من بین آباء المهاجرین وأُمّهاتهم ، أم لم ینبّأ به خبیر؟ بل هو نبأ کنبإ إسلام والدَی غیره من المهاجرین یناقش فیه وإنّما ولّده الغلوّ فی الفضائل. أمّا إسلام أبی قحافة فیقال : إنّه أسلم یوم الفتح وقد أتی به ابنه أبو بکر إلی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ولم یؤثر إتیانه إلی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم طیلة حیاته غیر مرّة واحدة فی تلک السنة یوم ذاک. وها نحن نذکر جمیع ما ورد فی إتیانه ذاک ، ونجعل تلکم الروایات المرویّة فیه قسمین : الأوّل ما لم یذکر فیه إیعاز إلی إسلامه. والثانی ما یوعز فیه إلی إسلامه.

القسم الأوّل :

1 - أخرج الحاکم فی المستدرک (1) (3 / 245) عن أبی عبد الله محمد بن أحمد القاضی ابن القاضی ، قال : حدّثنی أبی ، حدّثنا محمد بن شجاع ، حدّثنا الحسین (2) بن زیاد عن أبی حنیفة ، عن یزید بن أبی خالد ، عن أنس رضی الله عنه قال : کأنّی أنظر إلی لحیة أبی قحافة کأنّه ضرام عرفج من شدّة حمرته ، فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : لو أقررت الشیخ فی بیته لأتیناه تکرمةً لأبی بکر.

سکت الحاکم عمّا فی سند هذه الروایة ولم یصحّحه علی عادته فی الکتاب ، ف)

ص: 421


1- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 273 ح 5070.
2- الصحیح : الحسن بن زیاد. (المؤلف)

وتبعه فی ذلک الذهبی فی تلخیصه (1) ، کلّ ذلک تکرمةً لأبی بکر ، وإن بخسا الحقّ والحقیقة. فیه :

1 - محمد بن شجاع البغدادی أبو عبد الله بن الثلجی الفقیه : قال أحمد إمام الحنابلة : مبتدع صاحب هوی. وقال عبد الله بن أحمد : سمعت القواریری قبل أن یموت بعشرة أیّام وذکر ابن الثلجی فقال : هو کافر. فذکرت ذلک لإسماعیل القاضی فسکت ، فقلت : ما أکفره إلاّ بشیء سمعه منه. قال : نعم.

وقال زکریا الساجی : فأمّا ابن الثلجی فکان کذّاباً احتال فی إبطال حدیث رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وردّه نصرة لمذهبه ، وفی المنتظم (2) : نصرةً لأبی حنیفة ورأیه.

وقال ابن عدی (3) : کان یضع أحادیث فی التشبیه وینسبها إلی أصحاب الحدیث یبلیهم (4) بذلک.

وقال الأزدی : کذّاب لا تحلّ الروایة عنه لسوء مذهبه ، وزیغه عن الدین.

وقال الجوزجانی : قال موسی بن القاسم الأشیب : کان کذّاباً خبیثاً (5). وفیه :

2 - الحسن ابن اللؤلؤی الکوفی : قال یحیی بن معین : کذّاب.

وقال ابن المدینی : لا یکتب حدیثه.

وقال محمد بن عبد الله بن نمیر : یکذب علی ابن جریج. ف)

ص: 422


1- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 273 ح 5070.
2- المنتظم : 12 / 210 رقم 1724.
3- الکامل فی ضعفاء الرجال : 6 / 291 رقم 1776.
4- کذا فی تهذیب التهذیب ، وفی الکامل فی الضعفاء : یثلبهم.
5- میزان الاعتدال : 3 / 71 [ 3 / 577 رقم 7664 ] ، المنتظم لابن الجوزی : 5 / 57 [ 12 / 209 رقم 1724 ] ، تهذیب التهذیب : 9 / 220 [ 9 / 195 ]. (المؤلف)

وقال أبو داود : کذّاب غیر ثقة.

وقال أبو حاتم (1) : لیس بثقة. وقال الدارقطنی (2) : ضعیف متروک.

وقال نضر بن شمیل لرجل کتب کُتب الحسن : لقد جلبت إلی بلدک شرّا.

وقال أبو ثور : ما رأیت أکذب من اللؤلؤی ، کان علی طرف لسانه : ابن جریح عن عطاء.

وقال أحمد بن سلیمان : رأیته یوماً فی الصلاة وغلام أمرد إلی جانبه فی الصفّ ، فلمّا سجد مدّ یده إلی خدّ الغلام فقرصه فلا أحدّث عنه.

وقال ابن أبی شیبة : کان أبو أُسامة یسمّیه الخبیث.

وقال یعقوب بن سفیان ، والعقیلی ، والساجی : کذّاب.

وقال النسائی (3) : لیس بثقة ولا مأمون (4). إقرأ واحکم. أتخفی هذه کلّها علی مثل الحاکم والذهبی؟ لاها الله.

2 - أخرج الحاکم فی المستدرک (5) (3 / 244) عن أبی العبّاس محمد بن یعقوب ، قال : حدّثنا محمد بن إسحاق الصغانی ، حدّثنا حسین بن محمد المروزی ، حدّثنا عبد الله بن عبد الملک الفهری ، حدّثنا القاسم بن محمد بن أبی بکر ، عن أبیه ، عن أبی بکر قال : جئت بأبی أبی قحافة إلی رسول الله ، فقال : هلاّ ترکت الشیخ 5.

ص: 423


1- الجرح والتعدیل : 3 / 15 رقم 491.
2- الضعفاء والمتروکون : ص 192 رقم 187.
3- کتاب الضعفاء والمتروکین : ص 89 رقم 158.
4- میزان الاعتدال : 1 / 228 [ 1 / 491 رقم 1849 ] ، لسان المیزان : 2 / 208 [ 2 / 260 رقم 2449 ]. (المؤلف)
5- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 272 ح 5065.

حتی آتیه. فقلت : بل هو أحقّ أن یأتیک. قال : إنّا لنحفظه لأیادی ابنه عندنا.

وذکره الحافظ الهیثمی فی مجمع الزوائد (9 / 50) فقال : رواه البزّار وفیه عبد الله ابن عبد الملک الفهری ولم أعرفه. وقال الذهبی فی تلخیص المستدرک (1) : عبد الله منکر الحدیث.

وقال الذهبی فی المیزان (2) (2 / 55) ، وابن حجر فی لسانه (3) (2 / 311) : قال ابن حبّان (4) : عبد الله لا یشبه حدیثه حدیث الثقات یروی العجائب. وقال العقیلی (5) : منکر الحدیث لا یتابع علیه ، وقال أبو زرعة : هو ضعیف یضرب علی حدیثه. وقال البرقانی : سألت أبا الحسن عنه قلت : ثقة؟ قال : لا ولا کرامة. انتهی ما فی المیزان ولسانه. وفی السند : القسام بن محمد عن أبیه عن أبی بکر ، توفّی القاسم بن محمد سنة (108 ، 109) وهو ابن (70 - 72) سنة کما فی صفة الصفوة لابن الجوزی (6) (2 / 50) وتوفّی والده محمد سنة (38) فتکون ولادة القاسم سنة وفاة أبیه محمد ، وإن أخذنا قول ابن سعد (7) من أنّ القاسم توفّی سنة (112) وهو ابن سبعین سنة فیکون القاسم عند وفاة والده ابن أربع سنین فأنّی له الروایة عن أبیه؟!!

وأمّا روایة محمد عن أبیه أبی بکر فلا یصحّ ؛ إذ محمد ولد عام حجّة الوداع سنة عشرة من الهجرة وتوفّی والده فی جمادی الآخرة عام ثلاثة عشر ، فأین یکون مقیل هذه الروایة من الصحّة؟ قال الذهبی فی تلخیص المستدرک فی تعقیب هذه 4.

ص: 424


1- تلخیص المستدرک : 3 / 272 ح 5065.
2- میزان الاعتدال : 3 / 457 رقم 4433.
3- لسان المیزان : 3 / 384 رقم 4653.
4- کتاب المجروحین : 2 / 17.
5- الضعفاء الکبیر : 2 / 275 رقم 839.
6- صفة الصفوة : 2 / 90 رقم 162.
7- الطبقات الکبری : 5 / 194.

الروایة : القاسم لم یدرک أباه ولا أبوه أبا بکر (1).

3 - أخرج الحاکم فی المستدرک (2) (3 / 244) عن القاضی أبو بکر محمد بن عمر ابن سالم بن الجعابی الحافظ الأوحد ، حدّثنا أبو شعیب عبد الله بن الحسن الحرّانی ، بإسناده عن أنس قال : جاء أبو بکر رضی الله عنه یوم فتح مکة بأبیه أبی قحافة إلی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : لو أقررت الشیخ فی بیته لأتیناه.

لیت شعری ما الذی دعا الذهبی إلی تسلیم روایة الجعابی هذه وترک الغمز فیها وقد ترجمه فی میزانه (3) (3 / 113) وقذفه بقوله : إنّه فاسق رقیق الدین ، وقال الخطیب : کثیر الغرائب ، ومذهبه فی التشیّع معروف ، ونسب إلیه ابن الجوزی ما هو بریء منه ، وحکی عن الحاکم أنّه قال : قلت للدارقطنی : بلغنی أنّ ابن الجعابی تغیّر بعدنا. فقال : وأیّ تغیّر؟ فقلت : هذا فهمه فی الحدیث. قال : إی والله حدّث عن الخلیل بن أحمد صاحب العروض بعشرین حدیثاً بأسانید لیس له فیها أصل. إلی آخر ما أتی به القوم فی ترجمته. راجع : تاریخ الخطیب (3 / 26) ، المنتظم لابن الجوزی (4) (7 / 38) ، لسان المیزان (5) (5 / 322).

ثمّ کیف خفی علیه وعلی الحاکم أنّ الجعابی ولد سنة (285) وتوفّی (355) باتفاق المؤرّخین ، فأنّی تصحّ روایته عن أبی شعیب عبد الله بن الحسن المتوفّی (292)؟ کما أرّخه الذهبی فی میزان الاعتدال ، هذا أخذاً بما فی لفظ الذهبی فی تلخیصه من حذف حرف (ألا وَ) من السند وأمّا علی ما فی لفظ الحاکم من (ألا وَ) فیکون 8.

ص: 425


1- وقبلها : عبد الله بن عبد الملک منکر الحدیث.
2- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 272 ح 5064.
3- میزان الاعتدال : 3 / 670 رقم 8006.
4- المنتظم : 14 / 179 رقم 2652.
5- لسان المیزان : 5 / 363 رقم 7848.

الراوی عن أبی شعیب المتوفّی (292) هو نفس الحاکم المولود سنة (321) (1).

علی أنّ الذهبی قال فی المیزان (2) (2 / 30) : کان أبو شعیب غیر متّهم لکنه أخذ الدراهم علی الحدیث ؛ وحکی ابن حجر عن ابن حبّان (3) فی لسان المیزان (4) (3 / 271) أنّه قال : کان یخطئ ، ویهم.

4 - أخرج الحاکم فی المستدرک (5) (3 / 244) عن أبی العبّاس محمد بن یعقوب ، حدّثنا بحر بن نصر ، حدّثنا عبد الله بن وهب ، أخبرنی ابن جریج عن أبی الزبیر عن جابر أنّ عمر بن الخطّاب أخذ بید أبی قحافة فأتی به النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ، فلمّا وقف به علی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : غیّروه (6) ولا تقرّبوه سوادا.

متن هذه الروایة یکذّبه کلّ ما ورد فی إتیان أبی قحافة إلی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ، فإنّ فی الجمیع أنّ الآتی به هو أبو بکر. ثمّ مرّ فی حدیث أنس أنّه نظر إلی لحیة أبی قحافة کأنّها ضرام عرفج من شدّة حمرتها ، فما معنی ما ورد فی هذا الروایة من قول رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : غیّروه ولا تقرّبوه سوادا؟ ف)

ص: 426


1- لم یذکر مترجمو ابن الجعابی أنّه حدّث عن أبی شعیب الحرّانی ، ولا الذین ترجموا لأبی شعیب أنّ ابن الجعابی روی عنه. وبما أنّ الطبقة لا تسمح بأن یروی القاضی ابن الجعابی عن أبی شعیب ، فالظاهر أنّ سند الروایة منقطع بمجهولیة أحد رجاله. أمّا لفظ (ألا وَ) فهو لیس زائداً ، بل هو جزء کلمة (الأوحد) التی وصف الحاکم بها القاضی ابن الجعابی بقوله : الحافظ الأوحد ، وحذفها الذهبی فی تلخیصه. لأنّ الحاکم یختصر کلمة (حدّثنا) ب (ثنا) ولا یکتبها کاملة إلاَّ فی أول السند. وعلی هذا السهو أسس المؤلف رحمه الله تعلیقته ، وکأنّه یری تجزئة کلمة (الأوحد) إلی جزءین. ولا یوجد هذا الالتباس فی الطبعة المعتمدة لدینا من المستدرک.
2- میزان الاعتدال : 2 / 406 رقم 4266 وفیه : مات سنة (295).
3- الثقات : 8 / 369.
4- لسان المیزان : 3 / 338 رقم 4527.
5- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 273 ح 5068.
6- قال الذهبی فی تلخیص المستدرک : غیّروه ، یعنی الشیب. (المؤلف)

وأمّا سندها ففیها عبد الله بن وهب ؛ قال ابن معین : ابن وهب لیس بذاک. وفی ابن جریج کان یستصغر. میزان الاعتدال (1) (2 / 86).

وفیها أبو الزبیر محمد بن مسلم الأسدی المکی ، ففی المیزان (2) (3 / 125) : یردّ ابن حزم من حدیث أبی الزبیر ما یقول : عن جابر ونحوه ، لأنّه عندهم ممّن یدلّس ، فإذا قال : سمعت وأخبرنا احتُجّ به.

قال الأمینی : هذا الحدیث ممّا قال فیه أبو الزبیر : عن جابر فهو یُردّ علی ما قاله ابن حزم.

وقال أبو زرعة وأبو حاتم : أبو الزبیر لا یحتجُّ به. وقال یونس بن عبد الأعلی : سمعت الشافعی واحتجّ علیه رجل بحدیث عن أبی الزبیر فغضب وقال : أبو الزبیر محتاج إلی دعامة. وعن ورقاء قال : قلت لشعبة : مالک ترکت حدیث أبی الزبیر؟ قال : رأیته یزن ویسترجح فی المیزان ، وقال شعبة : قدمت مکة فسمعت من أبی الزبیر ، فبینا أنا جالس عنده إذ جاءه رجل یوماً فسأله عن مسألة فردّ علیه ، فقلت له : یا أبا الزبیر تفتری علی رجل مسلم ، قال : إنّه أغضبنی. قلت : من یغضبک تفتری علیه؟! لا رویت عنک حدیثاً أبداً. وذکره ابن حجر فی تهذیب التهذیب (3) (9 / 440) وحکی تضعیف أیّوب وأحمد وغیرهما إیّاه.

وعن أبی الزبیر هذا أخرج الحاکم فی المستدرک (4) (3 / 245) عن جابر أنّه قال : أُتی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم یوم الفتح بأبی قحافة ورأسه ولحیته کالثغامة (5) فقال ه.

ص: 427


1- میزان الاعتدال : 2 / 522 رقم 4677.
2- میزان الاعتدال : 4 / 37 رقم 8169.
3- تهذیب التهذیب : 9 / 391.
4- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 273 ح 5069.
5- الثغامة : نبت أبیض الثمر والزهر ، یشبّه بیاض الشیب به.

رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : اخضبوا لحیته.

5 - أخرج ابن حجر من طریق محمد بن زکریا العلائی (1) عن العبّاس بن بکّار ، عن أبی بکر الهذلی ، عن الکلبی ، عن أبی صالح ، عن ابن عبّاس قال : جاء أبو بکر بأبی قحافة وهو شیخ قد عمی ، فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : ألا ترکت الشیخ حتی آتیه؟ قال : أردت أن یؤجره الله ، والذی بعثک بالحقّ لأنا کنت أشدّ فرحاً بإسلام أبی طالب منّی بإسلام أبی ، ألتمس بذلک قرّة عینک. الإصابة (4 / 116).

رجال الإسناد :

1 - محمد بن زکریّا الغلابی البصری : قال الذهبی : ضعیف. وقال ابن حبّان (2) : یعتبر بحدیثه إذا روی عن ثقة. وقال ابن مندة : تکلّم فیه. وقال الدارقطنی (3) : یضع الحدیث. وذکر الصولی بإسناده حدیثاً فقال : هذا کذب من الغلابی. میزان الاعتدال (4) (3 / 58).

2 - العباس بن بکّار البصری : قال الدارقطنی (5) : کذّاب. وقال العقیلی (6) : الغالب علی حدیثه الوهم والمناکیر. میزان الاعتدال (7) (2 / 18).

3 - أبو بکر الهذلی البصری : قال الدوری : لیس بشیء ، وقال أیضاً : لیس بثقة. وقال ابن معین (8) : لیس بشیء. وقال غندر : کان یکذب. وقال أبو زرعة : 1.

ص: 428


1- الصحیح : الغلابی. (المؤلف)
2- کتاب الثقات : 9 / 154.
3- الضعفاء والمتروکون : ص 350 رقم 483.
4- میزان الاعتدال : 3 / 550 رقم 7537.
5- الضعفاء والمتروکون : ص 321 رقم 423.
6- الضعفاء الکبیر : 3 / 363 رقم 1399.
7- میزان الاعتدال : 2 / 382 رقم 4160.
8- التاریخ : 4 / 88 رقم 3281.

ضعیف. وقال أبو حاتم (1) : لیّن الحدیث یکتب حدیثه ولا یحتجّ بحدیثه. وقال النسائی (2) : لیس بثقة ولا یُکتب حدیثه. وقال ابن الجنید : متروک الحدیث. وقال ابن المدینی : ضعیف لیس بشیء ، ضعیف جدّا ، ضعیف ضعیف. وقال الجوزجانی : یضعف حدیثه. وقال الدارقطنی (3) : منکر الحدیث متروک. وقال یعقوب بن سفیان : ضعیف لیس حدیثه بشیء. وقال المروزی : کان أبو عبد الله یضعّف أمره. وقال ابن عمّار : بصریّ ضعیف. وقال أبو إسحاق : لیس بحجّة. وقال أبو أحمد الحاکم : لیس بالقویّ عندهم. وقال ابن عدی (4) : عامّة ما یرویه لا یُتابع علیه.

وقال الذهبی (5) : ضعّفه أحمد وغیره. وقال غندر وابن معین (6) : لم یکن بثقة. وقال یزید بن زریع : عدلت عنه عمداً. وقال النسائی : لیس بثقة. وقال البخاری (7) : 7 / 318 لیس بالحافظ عندهم.

راجع : میزان الاعتدال (8) (3 / 345) ، تهذیب التهذیب (12 / 46) ، وقال ابن حجر فی الإصابة بعد ذکر الحدیث : إسناد واهٍ.

6 - قال ابن حجر فی الإصابة (4 / 117) : أخرج أبو قرة موسی بن طارق ، عن موسی بن عبیدة ، عن عبد الله بن دینار ، عن ابن عمر قال : جاء أبو بکر بأبی قحافة یقوده یوم فتح مکة فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : ألا ترکت الشیخ حتی نأتیه؟ قال أبو بکر : أردت أن یؤجره الله ، والذی بعثک بالحقّ لأنا کنت أشدّ فرحاً بإسلام أبی 6.

ص: 429


1- الجرح والتعدیل : 4 / 313.
2- کتاب الضعفاء والمتروکین : ص 116 رقم 245.
3- الضعفاء والمتروکون : ص 223 رقم 245.
4- الکامل فی ضعفاء الرجال : 3 / 325 رقم 778.
5- میزان الاعتدال : 4 / 497 رقم 10005.
6- التاریخ : 4 / 238 رقم 4141.
7- التاریخ الکبیر : 4 / 198 رقم 2478.
8- میزان الاعتدال : مرَّ تخریجه ، تهذیب التهذیب : 12 / 47 ، الإصابة : 4 / 116.

طالب لو کان أسلم (1) منّی بأبی.

هذا الحدیث کسابقه لا یدلّ علی إسلام أبی قحافة وهو نظیر قول عمر للعبّاس : أنا بإسلامک إذا أسلمت أفرح منّی بإسلام الخطّاب ، یعنی لو کان أسلم (2).

وأمّا رجال إسناده ففیه :

1 - موسی بن طارق. قال أبو حاتم (3) : یُکتب حدیثه ولا یُحتجّ به کما قاله الذهبی فی المیزان (4) (3 / 211).

2 - موسی بن عبیدة : قال الذهبی : قال أحمد (5) : لا یُکتب حدیثه ، وقال النسائی (6) وغیره (7) : ضعیف. وقال ابن عدی (8) : الضعف علی روایته بیّن. وقال ابن معین : لیس بشیء. وقال مرّة : لا یُحتجّ بحدیثه. وقال یحیی بن سعید : کنّا نتّقی حدیثه. وقال یعقوب بن شیبة : صدوق ضعیف الحدیث جدّا. میزان الاعتدال (9) (3 / 214).

3 - عبد الله بن دینار : قال العقیلی (10) : روی عنه موسی بن عبیدة ونظراؤه أحادیث مناکیر ، الحمل فیها علیهم. تهذیب التهذیب (11) (5 / 202). 0.

ص: 430


1- هذه الجملة أعنی : «لو کان أسلم» دخیل من المتأخرین نظراء ابن حجر ولا توجد فی الأصول القدیمة. راجع الریاض النضرة : 1 / 45 [ 1 / 66 ]. (المؤلف)
2- الإصابة : 4 / 117 [ رقم 685 ]. (المؤلف)
3- الجرح والتعدیل : 8 / 148 رقم 669.
4- میزان الاعتدال : 4 / 207 رقم 8882.
5- راجع الکامل فی ضعفاء الرجال : 6 / 334 ، تهذیب الکمال : 29 / 104 - 109.
6- کتاب الضعفاء والمتروکین : ص 224 رقم 581.
7- التاریخ الکبیر : 7 / 291 رقم 1242.
8- الکامل فی ضعفاء الرجال : 6 / 337 رقم 1813.
9- میزان الاعتدال : 4 / 213 رقم 8895.
10- الضعفاء الکبیر : 2 / 249 رقم 802.
11- تهذیب التهذیب : 5 / 177 رقم 350.

القسم الثانی :

لا یوجد فی کتب الحدیث ومعاجم التراجم ما یدلّ علی إسلام أبی قحافة إلاّ ما أخرجه أحمد فی مسنده (1) (6 / 349) من طریق ابن إسحاق عن أسماء بنت أبی بکر قالت : لمّا وقف رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بذی طوی قال أبو قحافة لابنة له من أصغر ولده : أی بنیّة اظهری بی علی أبی قبیس. قالت : وقد کفّ بصره ، قالت : فأشرفت به علیه ، فقال : یا بنیّة ما ذا ترین؟ قالت : أری سواداً مجتمعاً. قال : تلک الخیل. قالت : وأری رجلاً یسعی بین ذلک السواد مقبلاً ومدبراً. قال : یا بنیّة ذاک الوازع یعنی الذی یأمر الخیل ویتقدّم الیها. ثمّ قالت : قد والله انتشر السواد. فقال : قد والله إذا دفعت الخیل فاسرعی بی إلی بیتی ، فانحطّت به وتلقّاه الخیل قبل أن یصل إلی بیته وفی عنق الجاریة طوق لها من ورِق فتلقّاها رجل فاقتلعه من عنقها. قالت : فلمّا دخل رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم مکة ودخل المسجد أتاه أبو بکر بأبیه یقوده. فلمّا رآه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قال : هلاّ ترکت الشیخ فی بیته حتی أکون أنا آتیه فیه. قال أبو بکر : یا رسول الله هو أحقّ أن یمشی إلیک من أن تمشی أنت إلیه. قال : فأجلسه بین یدیه ثمّ مسح صدره ثمّ قال له : أسلم ، فأسلم ودخل به أبو بکر رضی الله عنه علی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ورأسه کأنّه ثغامة ، فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : غیّروا هذا من شعره. ثمّ قام أبو بکر فأخذ بید أُخته فقال : أنشد بالله وبالإسلام طوق أُختی فلم یجبه أحد ، فقال : یا أُخیّة : احتسبی طوقک.

وفی لفظ المحبّ الطبری فی الریاض (2) (1 / 45) : احتسبی طوقک ، فو الله إنّ الأمانة فی الناس الیوم قلیل.

قال الأمینی : هذه الروایة لا تصحّ لمکان محمد بن إسحاق بن یسار بن خیار 6.

ص: 431


1- مسند أحمد : 7 / 489 ح 26416.
2- الریاض النضرة : 1 / 65 - 66.

المدنی نزیل العراق ، ولیست هی إلاّ من موضوعاته. قال سلیمان التیمی : ابن إسحاق کذّاب. وقال هشام بن عروة : کذّاب.

وقال مالک : دجّال من الدجاجلة.

وقال یحیی القطّان : أشهد أنّ محمد بن إسحاق کذّاب.

وقال الجوزجانی : الناس یشتهون حدیثه ، وکان یرمی بغیر نوع من البدع.

وقال ابن نمیر : یحدّث عن المجهولین أحادیث باطلة.

وقال أیّوب بن إسحاق : سألت أحمد فقلت له : یا أبا عبد الله إذا انفرد ابن إسحاق بحدیث تقبله؟ قال : لا والله إنّی رأیته یحدّث عن جماعة بالحدیث الواحد ولا یفصل کلام ذا من کلام ذا.

وقال أبو داود : سمعت أحمد ذکر محمد بن إسحاق فقال : کان رجلاً یشتهی الحدیث فیأخذ کتب الحدیث فیضعها فی کتبه ، وکان یدلّس ، وکان لا یبالی عمّن یحکی عن الکلبی وغیره.

وقال عبد الله بن أحمد : ما رأیت أبی أتقن حدیثه قطّ ، وکان یتتبّعه بالعلوّ والنزول ، قیل له : یحتجّ به؟ قال : لم یکن یحتجّ فی السنن.

وقال ابن معین (1) : لیس بذاک ، ضعیف ، لیس بقویّ.

وقال النسائی (2) : لیس بقویّ.

وقال ابن المدینی : کذّبه سلیمان التمیمی ، ویحیی القطّان ، ووهیب بن خالد.

وقال الدارقطنی : لا یحتجّ به. وقال : اختلفت الأئمّة فیه ولیس بحجّة إنّما یعتبر به.

وقال هشام بن عروة : یحدّث ابن إسحاق عن امرأتی فاطمة بنت المنذر ، والله إن رآها قطّ. 8.

ص: 432


1- التاریخ : 3 / 247 رقم 1158.
2- کتاب الضعفاء والمتروکین : ص 211 رقم 538.

وقال وهیب : سألت مالکاً عنه ، فاتّهمه.

وقال أحمد : هو کثیر التدلیس جدّا (1).

وأخرج الحاکم فی المستدرک (2) (ج 3) : من طریق الحدیث الرابع المذکور عن عبد الله بن وهب ، عن عمر بن محمد ، عن زید بن أسلم رضی الله عنه : أنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم هنّأ أبا بکر بإسلام أبیه.

وفیه - مضافاً إلی ما أسلفناه فی الحدیث الرابع - أنّ زید بن أسلم توفّی سنة (136) وعُدّ ممّن لقی ابن عمر (3) ، فلا تصحّ روایته عن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وقد ولد بعده بکثیر.

علی أنّ ابن حجر قال فی تهذیب التهذیب (4) (3 / 397) : ذکر ابن عبد البرّ فی مقدّمة التمهید ما یدلّ علی أنّه کان یدلّس. وقال فی موضع آخر : لم یسمع من محمود ابن لبید وحکی عن ابن عیینة أنّه قال : کان زید رجلاً صالحاً وکان فی حفظه شیء. ونقل عن غیره قوله : لا أعلم به بأساً إلاّ أنّه یفسّر برأیه القرآن ویکثر منه ، وفی میزان الاعتدال (5) (1 / 361) : إنّه کان یفسّر القرآن برأیه.

هذا إسلام أبی قحافة وحدیثه ولیس إلاّ دعوی مجرّدة مدعومة بالواهیات ، ولا یثبت بها إسلام أیّ أحد ، ویظهر من نفس روایة أحمد أنّ إتیانهُ إلی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم - علی فرض تسلیمه - لم یکن إلاّ لاسترداد ما أخذه المسلمون من ابنته من الطوق ، ولو کان له إسلام ثابت وکان إتیانه للإسلام لکان یعید زیارته صلی الله علیه وآله وسلم 9.

ص: 433


1- راجع میزان الاعتدال : 3 / 21 - 24 [ 3 / 468 رقم 7197 ] ، تهذیب التهذیب : 9 / 38 - 46 [ 9 / 34 - 40 ]. (المؤلف)
2- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 273 ح 5068.
3- تاریخ ابن کثیر : 10 / 61 [ 10 / 66 حوادث سنه 136 ه ] ، مرآة الجنان : 1 / 284. (المؤلف)
4- تهذیب التهذیب : 3 / 342.
5- میزان الاعتدال : 2 / 98 رقم 2989.

مرّة بعد أُخری ، وکان ینتهز الفرص أیّام إقامته تلک فی مکة ویستفید من نمیر علمه ، ویأخذ منه معالم دینه ، وکان حقّا علیه أن یزوره فی حجّة الوداع ، ولو کان له إسلام لکان یروی عنه صلی الله علیه وآله وسلم ولو حدیثاً واحداً ، أو کان یروی عن أصحابه ولو عن واحد منهم ، ولو کان قد أسلم لکان تُنقل عنه کلمة فی الإسلام ، أو قول فی الذبّ عنه ، أو حرف واحد فی الدعوة إلیه أو کان له فی التاریخ ذکر عن أیّام إسلامه ، ونبأ عن آثار إیمانه بالله وبرسوله ، ولا أقلّ من روایته هو لحدیث إسلامه.

ثمّ إن صحّ الخبر وقد أکرمه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بقوله : هلاّ ترکت الشیخ فی بیته. إلی آخر. وکان ذلک - کما مرّ - تکرمةً لأبی بکر فما بال الصحابة تردّ شفاعة مثل هذا الرجل العظیم؟ الذی عظّمه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بتلک الکلمة القیّمة التی لم تُؤثر عنه صلی الله علیه وآله وسلم فی أحد من الصحابة حتی فی أعمامه صلی الله علیه وآله وسلم وفیهم العبّاس الذی یستسقی به الغمام ، وهم یسمعونها منه صلی الله علیه وآله وسلم ، ما بالهم یصفحون عن شفاعته فی والده بإعادة الطوق إلیه وهو شیخ کبیر حدیث العهد بالإسلام حریّ بأن یُکرَم؟ وما بال أبی بکر الذی أنفق جلّ ماله لرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم علی زعم القوم یأخذ بید أُخته ویأتی بها إلی مجتمع الثویلة (1) وینشد الحضور بالله وبالإسلام ویسألهم ردّ طوقها إلیها؟ وما الطوق وما قیمته والصحابة لم تقبل فیه شفاعة شیخهم یوم ذاک وخلیفتهم فی الغد؟ وکیف یستعظم أبو بکر أمر الطوق ویأمر أُخته بالاحتساب ویری الأمانة قلیلة فی الصحابة یوم ذاک مع حضور نبیّهم فیهم؟ فما کان محلّهم من الأمانة بعد یومهم ذاک بثلاث سنین وقد ارتحل النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم من بین ظهرانیهم؟ وکیف صاروا بعد فقدهم نبیّهم عدولاً؟ أنا لا أدری!

إسلام أمّ أبی بکر :

لیس إسلام أمّ الخیر أُمّ أبی بکر إلاّ کإسلام أبیه أبی قحافة ، لا یُدعم بدلیل ولا تقوّمه البرهنة. ب.

ص: 434


1- الثویلة من الناس : الجماعة تجیء من کلّ وجه. یقال : انثال علیه الناس أی انصبّوا علیه من کلّ جانب.

أخرج الحافظ أبو الحسن خیثمة بن سلیمان الأطرابلسی قال : حدّثنا عبید الله ابن محمد بن عبد العزیز العمری قاضی المصیصة ، حدّثنا أبو بکر عبد الله بن عبید الله ابن إسحاق بن محمد بن عمران بن موسی بن طلحة بن عبید الله ، حدّثنی أبی عبید الله ، حدّثنی عبد الله بن محمد بن عمران بن إبراهیم بن محمد بن طلحة ، قال : حدّثنی أبی محمد بن عمران عن القاسم بن محمد بن أبی بکر عن عائشة قالت : لمّا اجتمع أصحاب النبیّ وکانوا ثمانیة وثلاثین رجلاً ألحّ أبو بکر علی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی الظهور ، فقال : یا أبا بکر إنّا قلیل. فلم یزل أبو بکر یلحّ حتی ظهر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وتفرّق المسلمون فی نواحی المسجد ، کلّ رجل فی عشیرته ، وقام أبو بکر فی الناس خطیباً ، ورسول الله صلی الله علیه وآله وسلم جالس ، فکان أوّل خطیب دعا إلی الله وإلی رسوله ، وثار المشرکون علی أبی بکر وعلی المسلمین فضُرِبوا فی نواحی المسجد ضرباً شدیداً ، ووُطئ أبو بکر وضُرب ضرباً شدیداً ، ودنا منه الفاسق عتبة بن ربیعة فجعل یضربه بنعلین مخصوفین ویحرّفهما لوجهه ، وأثّر ذلک حتی ما یُعرف أنفه من وجهه ، وجاءت بنو تیم تتعادی فأجلوا المشرکین عن أبی بکر ، وحملوا أبا بکر فی ثوب حتی أدخلوه بیته ولا یشکّون فی موته ، ورجع بنو تیم فدخلوا المسجد وقالوا : والله لئن مات أبو بکر لنقتلنّ عتبة. ورجعوا إلی أبی بکر فجعل أبو قحافة وبنو تیم یکلّمون أبا بکر حتی أجابهم فتکلّم آخر النهار : ما فعل رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم؟ فنالوه بألسنتهم وعذلوه ثمّ قاموا وقالوا لأُمّ الخیر بنت صخر : انظری أن تطعمیه شیئاً أو تسقیه إیّاه ، فلمّا خلت به وألحّت جعل یقول : ما فعل رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم؟ قالت : والله ما أعلم بصاحبک. قال : فاذهبی إلی أُمّ جمیل بنت الخطّاب فاسألیها عنه ، فخرجت حتی جاءت إلی أُمّ جمیل فقالت : إنّ أبا بکر یسألک عن محمد بن عبد الله. قالت : ما أعرف أبا بکر ولا محمد بن عبد الله ، وإن تحبّی أن أمضی معک إلی ابنک فعلت. قالت : نعم. فمضت معها حتی وجدت أبا بکر صریعاً دنفاً ، فدنت منه أُمّ جمیل وأعلنت بالصیاح ، وقالت : إنّ قوماً نالوا منک هذا لأهل فسق وإنّی لأرجو أن ینتقم الله لک. قال : ما فعل رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم؟ قالت : هذه أُمّک تسمع.

ص: 435

قال : فلا عین علیک منها. قالت : سالم صالح. قال : فأنّی هو؟ قالت : فی دار الأرقم. قال : فإنّ لله علیّ آلیت لا أذوق طعاماً ولا شراباً أو آتی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فأمهلتاه حتی إذا هدأت الرِّجل وسکن الناس خرجتا به یتّکئ علیهما حتی دخلتا علی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم قال : فانکبّ علیه فقبّله وانکبّ علیه المسلمون ورقّ له رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم رقّةً شدیدة ، فقال أبو بکر : بأبی أنت وأمّی لیس بی إلاّ ما نال الفاسق من وجهی ، هذه أُمّی برّة بوالدیها ، وأنت مبارک ، فادعها إلی الله وأدع الله عزّ وجلّ لها عسی أن یستنقذها بک من النار. فدعاها رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فأسلمت (1).

قال الأمینی : تفرّد بهذا الحدیث عبید الله بن محمد العمری ، رماه النسائی بالکذب ، وحکاه عنه الذهبی وابن حجر (2) ، وقال الدارقطنی فی حدیث آخر تفرّد به العمری أیضاً : لیس بصحیح تفرّد به العمری وکان ضعیفاً.

وبقیّة رجال السند کلّهم تیمیّون ، فیهم عبد الله وعبید الله من أولاد طلحة بن عبید الله مجهولان لا یعرفان. وعبد الله ومحمد بن عمران من أولاد طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبی بکر ، أو : من أولاد طلحة بن عبید الله أیضاً وهما مجهولان کسابقیهما ، علی أنّ أبا بکر لا یعدّ من المعذّبین فی الإسلام ، ولو کان له هذا الموقف فی ذلک الیوم العصبصب وکانت علی النبأ مسحة من الصحّة لکان یُذکر فی صفحة کلّ تاریخ ، ولم یکن یهمله أیّ مؤرّخ ، أمن المعقول أن یحفظ التاریخ فی طیّاته تعذیب الموالی ولم یکن فی صفحته ذکر عن مثل هذا الموقف لمثل أبی بکر؟

ثمّ لو لم یکن الحفّاظ عدّوا هذه الروایة من موضوعات عبید الله العمری وکان عندهم ثقة برجالها ولو بالعلاج ولو بقیل قائل ، لما أعرضوا عنها فی تلکم القرون ف)

ص: 436


1- الریاض النضرة : 1 / 46 [ 1 / 66 ] ، تاریخ ابن کثیر : 3 / 30 [ 3 / 40 ]. (المؤلف)
2- میزان الاعتدال : 2 / 180 [ 3 / 15 رقم 5392 ] ، لسان المیزان : 4 / 112 [ 4 / 130 رقم 5435 ]. (المؤلف)

الخالیة کلّها ، وکان یتلّقاها حافظ عن حافظ وإمام عن إمام ولم تکن تخصّ روایتها بالمحبّ الطبری وابن کثیر المتخصّصین لذکر الموضوعات والأحادیث المفتعلة أو من یحذو حذوهما. وفی نفس الروایة ما یکذّبها من شتّی النواحی :

1 - إنّ عائشة ولدت فی السنة الرابعة أو الخامسة من البعثة (1) ، والقضیّة علی تسلیم قبولها قد وقعت فی السادسة من البعثة ، فأین کانت عائشة یوم ذاک؟ أشاهدت موقف أبیها وهی علی ثدی أُمّها بنت سنة أو سنتین؟ لما ذا لم یُرو ذلک عن أبیها أو عن أُمّها أو عن أُمّ جمیل؟ لعلّ الروایة من ولائد القرون المتأخّرة عنهم ، ولدتها أمّ الفضائل بعد قضاء الدهر علی حیاة من خُلقت لأجله.

2 - إنّ فی لفظ الروایة : لمّا اجتمع أصحاب النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وکانوا ثمانیة وثلاثین رجلاً. فعلی هذا لم یکن أبو بکر یوم ذاک مسلماً أخذاً بقول النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم «صلّت الملائکة علیّ وعلی علیّ سبع سنین لأنّا کنا نصلّی ولیس معنا أحد یصلّی غیرنا» (2). وما مرّت من الصحیحة عن أمیر المؤمنین علیه السلام : «لقد صلّیت مع رسول صلی الله علیه وآله وسلم قبل الناس بسبع سنین» (3). وما أسلفنا من صحیحة الطبری : أنّ أبا بکر أسلم بعد أکثر من خمسین رجلاً (4).

3 - فی الروایة : ألحّ أبو بکر علی رسول الله فی الظهور ، فقال : یا أبا بکر إنّا قلیل ، فلم یزل أبو بکر یلحّ حتی ظهر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم. إلخ. یکذّبه ما فی السیر من أنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أظهر الدعوة قبل ذلک الیوم بثلاث سنین.

وروی ابن سعد وابن هشام والطبری وغیرهم : أنّ الله عزّ وجلّ أمر نبیّه ف)

ص: 437


1- طرح التثریب : 1 / 147 ، الإصابة : 4 / 359 [ رقم 704 ]. (المؤلف)
2- راجع الجزء الثالث : ص 220. (المؤلف)
3- راجع الجزء الثالث : ص 221. (المؤلف)
4- تاریخ الطبری : 2 / 215 [ 2 / 316 ]. (المؤلف)

محمداً صلی الله علیه وآله وسلم بعد مبعثه بثلاث سنین أن یصدع بما جاءه منه ، وأن ینادی الناس بأمره ویدعو إلیه فقال له : (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِکِینَ) (1) وکان قبل ذلک فی السنین الثلاث من مبعثه إلی أن أُمر بإظهار الدعوة إلی الله مستسرّا مخفیاً أمره صلی الله علیه وآله وسلم وأنزل علیه : (وَأَنْذِرْ عَشِیرَتَکَ الْأَقْرَبِینَ* وَاخْفِضْ جَناحَکَ لِمَنِ اتَّبَعَکَ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ* فَإِنْ عَصَوْکَ فَقُلْ إِنِّی بَرِیءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ) (2) (3).

فإظهار النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم دعوته کان بأمر من المولی سبحانه من دون سبق أیّ إلحاح من أیّ أحد علیه من أبی بکر أو غیره سواء کان أسلم أبو بکر یوم ذاک أو لم یسلم.

علی أنّ أبا بکر عُدّ ممّن کان یدعو سرّا بعد ذلک الیوم بعد ظهور الدعوة من المسلمین ، فأین مقیل إلحاحه علی رسول الله فی الظهور من الصحّة یوم ذاک؟ قال ابن سعد فی طبقاته (4) (1 / 185) : کان أبو بکر یدعو ناحیة سرّا ، وکان سعد بن زید مثل ذلک ، وکان عثمان مثل ذلک ، وکان عمر یدعو علانیة وحمزة بن عبد المطلب. فإسرار أبی بکر فی الدعوة یوم إعلان عمر کان بعد ذلک الیوم ، إذ أسلم عمر بعد خروج المهاجرین إلی أرض الحبشة بعد أربعین رجلاً (5). وقد مرّ فی الروایة أنّ القضیّة وقعت والمسلمون ثمان وثلاثون نسمة. ف)

ص: 438


1- الحجر : 94.
2- الشعراء : 214 - 216.
3- تاریخ الطبری : 2 / 216 [ 2 / 318 ] ، طبقات ابن سعد : 1 / 183 [ 1 / 199 ] ، سیرة ابن هشام : 1 / 274 [ 1 / 280 ] ، الکامل : 2 / 23 [ 1 / 486 ] ، تفسیر القرطبی : 10 / 62 [ 10 / 41 ] ، عیون الأثر لابن سیّد الناس : 1 / 99 [ 1 / 131 ] ، تاریخ أبی الفدا : 1 / 116 ، تفسیر ابن کثیر : 2 / 559 ، تفسیر الخازن : 3 / 109 [ 3 / 371 ] ، تفسیر الشوکانی : 3 / 139 [ 3 / 144 ]. (المؤلف)
4- الطبقات الکبری : 1 / 200.
5- الاستیعاب - هامش الإصابة - : 2 / 459 [ الاستیعاب : القسم الثالث / 1145 رقم 1878 ] ، تاریخ ابن کثیر : 3 / 31 [ 3 / 42 ]. (المؤلف)

وذکر الحافظ الهیثمی فی مجمع الزوائد (9 / 259) حدیثین فی إسلام أمّ أبی بکر ؛ أحدهما عن ابن عبّاس قال : أسلمت أمّ أبی بکر وأُمّ عثمان وأُمّ طلحة وأُمّ الزبیر وأُمّ عبد الرحمن بن عوف وأُمّ عمّار. فقال :

فیه : خازم بن الحسین وهو ضعیف. وقال الذهبی فی المیزان (1) (1 / 315) : قال ابن معین (2) : خازم لیس بشیء. وقال أبو داود : روی مناکیر. وقال ابن عدی (3) : عامّة ما یرویه لا یُتابَع علیه.

والحدیث الثانی للهیثمی عن طریق الهیثم بن عدی قال : هلک أبو بکر فورثاه أبواه جمیعاً وکانا أسلما. ثمّ قال : إسناده منقطع.

قال الأمینی : کأنّ الحافظ الهیثمی یوهم بکلمته الأخیرة أنّ علّة الحدیث هی انقطاعه فحسب ، ولم یذکر بقیّة رجاله حتی تقف علیها نظّارة التنقیب ، غیر أنّ فی ذکر الهیثم بن عدی الکذّاب کفایة. قال البخاری : لیس بثقة کان یکذب. وقال أبو داود : کذّاب. وقال النسائی (4) وغیره : متروک الحدیث. وقالت جاریة الهیثم : کان مولای یقوم عامّة اللیل یصلّی فإذا أصبح جلس یکذب ، وقال النسائی أیضاً : منکر الحدیث. وذکر حدیثاً وعدّه من افتراء الهیثم علی هشام بن عروة. وقال أبو حاتم (5) : متروک الحدیث. وقال أبو زرعة : لیس بشیء. وقال العجلی (6) : کذّاب وقد رأیته. وقال الساجی : سکن مکة وکان یکذب. وقال إمام الحنابلة أحمد : کان صاحب أخبار وتدلیس. وقال الحاکم النقّاش : حدّث عن الثقات بأحادیث منکرة. وعدّ 7.

ص: 439


1- میزان الاعتدال : 1 / 626 رقم 2398.
2- التاریخ : 4 / 57 رقم 3130.
3- الکامل فی ضعفاء الرجال : 3 / 75 رقم 621.
4- کتاب الضعفاء والمتروکین : ص 241 رقم 637.
5- الجرح والتعدیل : 9 / 85 رقم 350.
6- تاریخ الثقات : ص 462 رقم 1757.

البیهقی والنقّاش والجوزجانی الحدیث من الموضوعات لکون الهیثم فیه. وقال أبو نعیم : یوجد فی حدیثه المناکیر (1).

فإسلام أُمّ أبی بکر کإسلام والده أبی قحافة قطّ لا یثبت. والذی ذکر إسلامهما من المؤرّخین کابن کثیر والدیاربکری والحلبی وغیرهم لا یعوّل علی قولهم بعد ما عرفت الحال فی مستند أقوالهم ، فلا قیمة للدعوی المجرّدة والتقوّل بلا دلیل.

ویُعرب عن جلیّة الحال بقاء أُمّ الخیر - أُمّ أبی بکر - فی حبالة أبی قحافة فی مکة ، وقد أسلمت هی علی قول من یقول بإسلامها فی السادسة من البعثة ، وأسلم أبو قحافة فی الثامنة من الهجرة سنة الفتح کما سمعت ، فتخلّل بین إسلامهما خمسة عشر عاماً ، فبأیّ کتاب أم بأیّة سنّة بقیت تلک المسلمة أُمّ مثل أبی بکر تلک السنین المتطاولة فی نکاح أبی قحافة الذی لم یسلم بعد؟ وما الذی جمع بینهما؟ والفراق بینهما کان أوّل شعار الإسلامیّة. فأین إسلامها؟ وبما ذا یثبت والحال هذه؟

- 28 -

أبو بکر وأبواه فی القرآن

لعبت أیدی الهوی بکتاب الله ، وحرّفت الکلم عن مواضعها ، وجاء من یؤلّف فی التفسیر وقد أعماه الحبّ وأصمّه ، یخبط خبط عشواء ، فتراه کحاطب لیل یروی فی کتابه أساطیر السلف الأوّلین من الوضّاعین مرسلاً إیّاها إرسال المسلّم من دون أیّ تحقیق وتثبّت وهم یحسبون أنّهم یحسنون صنعاً ، ومع ذلک یرون أنفسهم أئمّة وقادة فی علم القرآن العزیز. حتی یروون أنّ قوله تعالی فی الأحقاف (15) : (وَوَصَّیْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَیْهِ إِحْساناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ کُرْهاً وَوَضَعَتْهُ کُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً حَتَّی إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِینَ سَنَةً قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِی أَنْ أَشْکُرَ نِعْمَتَکَ الَّتِی أَنْعَمْتَ عَلَیَ ف)

ص: 440


1- میزان الاعتدال : 3 / 265 [ 4 / 324 رقم 9311 ] ، لسان المیزان : 6 / 209 [ 6 / 251 رقم 8977 ] ، الغدیر : 5 / 270. (المؤلف)

وعلی والِدَیَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَصْلِحْ لِی فِی ذُرِّیَّتِی إِنِّی تُبْتُ إِلَیْکَ وَإِنِّی مِنَ الْمُسْلِمِینَ) نزلت فی أبی بکر.

ویروون عن علیّ أمیر المؤمنین وابن عبّاس أنّ الآیة نزلت فی أبی بکر الصدّیق ، وکان حمله وفصاله ثلاثین شهراً ، حملته أُمّه تسعة أشهر وأرضعته واحداً وعشرین شهراً ، أسلم أبواه جمیعاً ولم یجتمع لأحد من المهاجرین أن أسلم أبواه غیره ، فأوصاه الله بهما ولزم ذلک من بعده. فلمّا نُبّئ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وهو ابن أربعین سنة صدّق أبو بکر رضی الله عنه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وهو ابن ثمانٍ وثلاثین سنة ، فلمّا بلغ أربعین سنة قال : (رَبِّ أَوْزِعْنِی أَنْ أَشْکُرَ نِعْمَتَکَ الَّتِی أَنْعَمْتَ عَلَیَّ وَعَلی والِدَیَ) ، واستجاب الله له فأسلم والداه وأولاده کلّهم.

الکشّاف (3 / 99) ، تفسیر القرطبی (16 / 193 ، 194) ، الریاض النضرة (1 / 47) ، مرقاة الوصول (ص 121) ، تفسیر الخازن (4 / 132) ، تفسیر النسفی هامش الخازن (4 / 132) ، تفسیر الشوکانی (5 / 18) (1).

ألا مسائل هؤلاء الأعلام المغفّلین عن أنّ کون مدّة الحمل والفصال ثلاثین شهراً هل یخصّ بأبی بکر فحسب حتی یُخصّ بالذکر؟ أم هو مطّرد فی خلق الله ، إمّا بکون مدّة الحمل ستة أشهر ومدّة الإرضاع حولین کاملین ، وإمّا بکون الحمل تسعة أشهر والإرضاع واحداً وعشرین شهراً؟ وإنّ الحریّ بالذکر هو الأوّل لشذوذه عن العادة المطّردة.

ثمّ إن کان هذا من خاصّة أبی بکر وحکایة لحمله وفصاله فکیف یصحّ لمولانا أمیر المؤمنین وابن عبّاس الاستدلال بالآیة مع ما فی سورة لقمان علی کون أقل الحمل 0.

ص: 441


1- الکشّاف : 4 / 303 ، الجامع لأحکام القرآن : 16 / 129 ، الریاض النضرة : 1 / 68 ، تفسیر الخازن : 4 / 125 ، تفسیر النسفی : 4 / 143 ، فتح القدیر : 5 / 20.

ستة أشهر؟ کما مرّ فی الجزء السادس (ص 93 - 95) ، فالآیة الکریمة لا تبیّن إلاّ ما هو السائر الدائر بین البشر بأحد الوجهین المذکورین وبهذا یتمّ الاستدلال. وفیه قال ابن کثیر فی تفسیره (4 / 157) : وهو استنباط قویّ صحیح ووافقه علیه عثمان وجماعة من الصحابة. وابن کثیر مع إکثاره بنقل الموضوعات لم یوعز إلی نزول الآیة فی أبی بکر لما یری فی نقله من الفضیحة علی نفسه.

ثمّ إنّ فی نصّ الآیة أنّ ذلک الانسان قال ما قاله وقد بلغ أشدّه وبلغ من عمره أربعین عاما. وأبو بکر لم یکن مسلماً یوم ذاک لا هو ولا أبوه ولا أُمّه ، أمّا هو فقد قدّمنا أنّه أسلم بعد سبع من البعثة بنصوص مرّت فی الجزء الثالث (ص 220 - 223).

وأمّا أبوه فقد أسلم - إن أسلم - یوم الفتح فی السنة الثامنة من الهجرة ، وکان لأبی بکر یومئذ ستّ وخمسون سنة أو أکثر.

وأمّا أُمّه فقد أسلمت - إن أسلمت - فی السنة السادسة من البعثة ، وأبو بکر یوم ذاک ابن أربع وأربعین سنة أو أکثر منها.

فبما ذا أنعم الله علیه وعلی والدیه یوم قال : ربّ أوزعنی أن أشکر نعمتک التی أنعمت علیّ وعلی والدیّ ، وکلّهم غیر مسلمین؟ والجملة دُعائیّة بالنسبة إلی إلهام الشکر علی ما أنعم الله به علیه وعلی والدیه فحسب ، وأمّا بالنسبة إلی کونهم من المنعم علیهم فخبریّة تقتضی سبق تلک النعمة علی ظرف الدعاء ، فالقول بأنّ الله سبحانه استجاب له فأسلم والداه وأولاده کلّهم ، مهزأة غیر مدعومة بشاهد.

علی أنّ أخبار إسلام والدیه - بعد تسلیمها والغضّ عمّا فیها - تدلّ علی أنّ إسلام أُمّه کان بدعاء رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لها بالإسلام ، وإسلام أبیه من برکة مسحه صلی الله علیه وآله وسلم یده علی صدره ، فأین دعاء أبی بکر؟.

وأمّا ما فی ذیل الروایة ممّا عزی إلی أمیر المؤمنین علیه السلام من أنّه لم یجتمع لأحد

ص: 442

من المهاجرین أن أسلم أبواه غیر أبی بکر. فحاشا أمیر المؤمنین یقول مثل ذلک ، وقد عرّفناک (ص 310 - 312) زرافات من المهاجرین أسلموا هم وآباؤهم وأُمّهاتهم ویقدّمهم هو سلام الله علیه بالأوّلیّة والأولویّة.

آیة أخری فی أبی بکر وأبیه :

وردت فی قوله تعالی من سورة المجادلة (22) (لا تَجِدُ قَوْماً یُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْیَوْمِ الْآخِرِ یُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ کانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِیرَتَهُمْ أُولئِکَ کَتَبَ فِی قُلُوبِهِمُ الْإِیمانَ وَأَیَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَیُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِی مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِینَ فِیها رَضِیَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولئِکَ حِزْبُ اللهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)

من طریق ابن جریج : أنَّ أبا قحافة سبّ النبی صلی الله علیه وآله وسلم فصکّه أبو بکر ابنه صکّة فسقط منها علی وجهه ، ثمّ أتی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فذکر ذلک له ، فقال : أو فعلته لا تعد إلیه ، فقال : والذی بعثک بالحقّ نبیّا لو کان السیف منّی قریباً لقتلته. فنزلت قوله : لا تجد قوماً. الآیة.

تفسیر القرطبی (1) (17 / 307) ، تفسیر الزمخشری (2) (3 / 172) ، مرقاة الوصول حاشیة نوادر الأصول (ص 121) ، تفسیر الآلوسی (28 / 36).

قال الأمینی : أصفق رجال التفسیر علی أنّ سورة الأحقاف التی مرّت فیها الآیة الأولی مکیّة ، وعلی أنّ سورة المجادلة مدنیّة ، وعلی أنّ هذه الآیة نزلت بعد ردح من الزمن من نزول الأحقاف ، ویظهر من تفسیر القرطبی وابن کثیر (3) والرازی (4) أنّها 6.

ص: 443


1- الجامع لأحکام القرآن : 17 / 199.
2- الکشّاف : 4 / 497.
3- تفسیر ابن کثیر : 4 / 330.
4- التفسیر الکبیر : 29 / 276.

نزلت بعد بدر وأحد فیقع نزولها علی هذا فی السنة الرابعة من الهجرة تقریباً ، فما وجه الجمع بین الآیتین علی تقدیر تسلیم نزولهما فی أبی بکر؟ والأولی منهما کما مرّ نصّ علی أنّ أبا قحافة ممّن أنعم الله علیه یوم کان لأبی بکر أربعون سنة ، ولمّا بلغ أشدّه وبلغ أربعین سنة قال : (رَبِّ أَوْزِعْنِی أَنْ أَشْکُرَ نِعْمَتَکَ الَّتِی أَنْعَمْتَ عَلَیَّ وَعَلی والِدَیَ) ، وهذه الآیة کما تری نصّ فی أنّ أبا قحافة یوم نزولها - وکان یوم ذاک لأبی بکر ثلاث وخمسون سنة تقریباً - کان ممّن حادّ الله ورسوله.

والذی یهوّن الخطب أنّ متن هذه الروایة - کالروایة السابقة الواردة فی الآیة الأولی - یکذّب نفسها. إذ الآیة کما سمعت نزلت بالمدینة ، وظاهر الروایة وقوع القصّة بها ، ویوم ذاک کان أبو قحافة بمکّة ، فأین وأنّی اجتمع أبو بکر مع أبیه وصکّه؟

ثمّ هل یشترط وجوب قتل من سبّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بقرب السیف ممّن سمعه؟ أو شُرّع هذا الحکم بعد القضیّة؟ أو خُصّ أبو قحافة منه بالدلیل؟ سل من أعماه الغلوّ فی الفضائل وأصمّه : (إِنَّهُمْ لَیَقُولُونَ مُنْکَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً) (1) ، (وَیَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَیَقُولُونَ عَلَی اللهِ الْکَذِبَ وَهُمْ یَعْلَمُونَ) (2).

ایمان ابی طالب و سیرته

الغایة للقالة

أحسب أنّ القوم لم ینسجوا هذا الإفک علی نول الجهل بتراجم الرجال فحسب ، ولا أنّ لهم مأرباً فی آباء المهاجرین أسلموا أو لم یسلموا ، أو أنّ لهم غایة فی إسلام أبوی أبی بکر ، لکنّهم زمّروا لِما لم یزل لهم فیه مکاء وتصدیة من تکفیر سیّد الأباطح شیخ الأئمّة أبی طالب والد مولانا أمیر المؤمنین سلام الله علیهما ، وذلک بعد أن عجزوا عن الوقیعة فی الولد فوجّهوها إلی الوالد أو إلی الوالدین کما فعله الحافظ 8.

ص: 444


1- المجادلة : 2.
2- آل عمران : 78.

العاصمی فی زین الفتی. وکان من تهویلهم فی تخفیف تلکم الوطأة أن جرّوا ذلک إلی والدی النبیّ المعظّم صلی الله علیه وآله وسلم وعلیهما حتی قال العاصمی فی زین الفتی عند بیان وجه الشبه بین النبیّ والمرتضی صلی الله علیهما وآلهما : أمّا تشبیه الأبوین فی الحکم والتسمیة ، فإنّ النبیّ فی کثرة ما أنعم الله تعالی علیه ووفور إحسانه إلیه لم یرزقه إسلام أبویه ، وعلی هذا جمهور المسلمین (1) إلاّ شرذمة قلیلین لا یلتفت إلیهم ، فکذلک المرتضی فیما أکرمه الله به من الأخلاق والخصال وفنون النعم والأفعال لم یرزقه إسلام أبویه. انتهی.

فلم تفتأ لهم فی ذلک جلبة ولغط مکابرین فیهما المعلوم من سیرة شیخ الأبطح وکفالته لصاحب الرسالة ، ودرئه عنه کلّ سوء وعادیة ، وهتافه بدینه القویم ، وخضوعه لناموسه الإلهیّ فی قوله وفعله وشعره ونثره ، ودفاعه عنه بکلّ ما یملکه من حول وطول.

ولولا أبو طالبٍ وابنه

لما مَثُلَ الدینُ شخصاً وقاما

فذاک بمکة آوی وحامی

وهذا بیثرب جسَّ الحماما

تکفّل عبد منافٍ بأمرٍ

وأودی فکان علیٌّ تماما

فقل فی ثبیر مضی بعد ما

قضی ما قضاه وأبقی شماما (2)

فَلِلّه ذا فاتحاً للهدی

ولله ذا للمعالی ختاما

وما ضرّ مجدَ أبی طالبٍ

جهولٌ لغا أو بصیرٌ تعامی

کما لا یضرُّ إیاب (3) الصبا

حِ مَن ظنَّ ضوء النهار الظلاما (4)ف)

ص: 445


1- أفک الرجل علی جمهور المسلمین ، فانّ الإمامیة والزیدیة علی بکرة أبیهم ومن حذا حذوهم من محقّقی أهل السنّة ذهبوا إلی إسلام والدی النبیّ الأقدس ، ومن شذّ عنهم فلا یؤبه به ولا یلتفت إلیه. (المؤلف)
2- ثبیر وثَمام : اسما جبلین.
3- فی شرح النهج : إیاة ، ومعناه الضوء.
4- ذکرها ابن أبی الحدید لنفسه فی شرحه : 3 / 317 [ 14 / 84 کتاب 9 ]. (المؤلف)

وهناک طرق لا یمکن التوصّل إلی الإذعان بنفسیّات أیّ أحد إلاّ بها ، ألا وهی :

1 - استنباطها ممّا یلفظ به من قول.

2 - أو ممّا ینوء به من عمل.

3 - أو ممّا یروی عنه آله وذووه. فإنّ أهل البیت أدری بما فیه.

4 - أو ممّا أسنده إلیه من لاث به وبخع له.

- 1 -

أمّا أقوال أبی طالب سلام الله علیه : فإلیک عقوداً عسجدیّة من شعره الرائق مثبتة فی السیر والتواریخ وکتب الحدیث.

أخرج الحاکم فی المستدرک (1) (2 / 623) بإسناده عن ابن إسحاق قال : قال أبو طالب أبیاتاً للنجاشی یحضّه علی حسن جوارهم والدفع عنهم - یعنی عن المهاجرین إلی الحبشة من المسلمین :

لیعلمْ خیارُ الناسِ أنّ محمداً

وزیرٌ لموسی والمسیحِ ابنِ مریمِ

أتانا بهدیٍ مثل ما أَتیا بهِ

فکلٌّ بأمرِ اللهِ یهدی ویعصم (2)

وإنَّکمُ تتلونه فی کتابِکمْ

بصدقِ حدیثٍ لا حدیثِ المبرجِمِ

وإنَّک ما تأتیک منها عصابةٌ

بفضلِکَ إلاّ أُرجعوا بالتکرُّمِ

وقال سلام الله علیه من قصیدة :

فبلّغ عن الشحناء أفناء غالبٍ

لویّا وتیماً عند نصر الکرائمِ

لأنّا سیوفُ اللهِ والمجدُ کلُّه

إذا کان صوتُ القومِ وجی الغمائمِ

ألم تعلموا أنّ القطیعة مأثمٌ

وأمر بلاء قاتم غیر حازمِ

وأنّ سبیلَ الرشدِ یُعلَمُ فی غدٍ

وأنّ نعیمَ الدهرِ لیس بدائمِء.

ص: 446


1- المستدرک علی الصحیحین : 2 / 680 ح 4247.
2- فی البیت إقواء.

فلا تسفَهَنْ أحلامُکمْ فی محمدٍ

ولا تتبعوا أمر الغواةِ الأشائمِ

تمنّیتمُ أن تقتلوه وإنَّما

أمانیُّکم هذی کأحلام نائمِ

وإنَّکمُ واللهِ لا تقتلونه

ولمّا تروا قطف اللحی والغلاصمِ (1)

ولم تبصروا والأحیاءَ منکم ملاحماً

تحوم علیها الطیرُ بعد ملاحمِ

وتدعو بأرحامٍ أواصر بیننا

فقد قطّع الأرحامَ وقعُ الصوارمِ

زعمتم بأنّا مسلمون محمداً

ولمّا نقاذفْ دونه ونزاحمِ

من القومِ مفضالٌ أبیٌ علی العدی

تمکّن فی الفرعینِ من آل هاشمِ

أمینٌ حبیبٌ فی العباد مسوَّمٌ

بخاتم ربٍّ قاهرٍ فی الخواتمِ

یری الناسُ برهاناً علیه وهیبةً

وما جاهلٌ فی قومه مثلُ عالمِ

نبیٌّ أتاه الوحی من عند ربِّه

ومن قال لا یقرعْ بها سنّ نادمِ

تطیف به جرثومةٌ هاشمیّةٌ

تُذبِّب عنه کل عاتٍ وظالمِ

دیوان أبی طالب (ص 32) ، شرح ابن أبی الحدید (3 / 313) (2).

ومن شعره فی أمر الصحیفة التی سنوقفک علی قصّتها قوله :

ألا أبلغا عنّی علی ذاتِ بینِها

لویّا وخُصّا من لویّ بنی کعبِ

ألم تعلموا أنّا وجدنا محمداً

رسولاً کموسی خُطَّ فی أوّل الکتبِ

وأَنَّ علیه فی العبادِ محبّةً

ولا حیفَ فیمن خصَّه اللهُ بالحبّ

وأَنَّ الذی رقّشتمُ فی کتابِکمْ

یکون لکم یوماً کراغیة السقبِ (3)ف)

ص: 447


1- فی روایة : والجماجم. الغلاصم جمع الغلصمة : اللحم بین الرأس والعنق. (المؤلف)
2- دیوان أبی طالب : 84 - 85 ، شرح نهج البلاغة : 14 / 73 کتاب 9.
3- فی روایة ابن هشام : وإنّ الذی ألصقتمُ من کتابِکمْ لکم کائنٌ نحساً کراغیة السقب رقش : کتب وسطر. الراغیة من الرغاء : أصوات الإبل. السقب : ولد الناقة. (المؤلف)

أفیقوا أفیقوا قبل أن تحفر الزُّبی (1)

ویصبحَ من لم یجنِ ذنباً کذی ذنبِ

ولا تتبعوا أمر الغواة وتقطعوا

أواصرَنا بعد المودّةِ والقربِ

وتستجلبوا حَرباً عواناً (2) وربّما

أمرّ علی مَن ذاقه حَلَبُ الحربِ

فلسنا وبیتِ اللهِ نُسلمُ أحمداً

لعزّاء من عضِّ الزمان ولا کربِ (3)

ولَمّا تبِنْ منّا ومنکم سوالفٌ

وأیدٍ أترّت (4) بالمهنّدة الشهبِ

بمُعترکٍ ضنکٍ تری کِسَرَ القنا

به والضباعَ العرجَ تعکفُ کالشربِ (5)

کأنَّ مجالَ الخیلِ فی حجراتِهِ

ومعمعةَ الأبطالِ معرکةُ الحربِ

ألیس أبونا هاشمٌ شدَّ أزره

وأوصی بنیه بالطعانِ وبالضربِ

ولسنا نملُّ الحرب حتی تملّنا

ولا نشتکی ممّا ینوب من النکبِ

ولکنّنا أهلُ الحفائظِ والنُّهی

إذا طار أرواحُ الکماةِ من الرعبِ

سیرة ابن هشام (1 / 373) ، شرح ابن أبی الحدید (3 / 313) ، بلوغ الأرب (1 / 325) ، خزانة الأدب للبغدادی (1 / 261) ، الروض الأُنف (1 / 220) ، تاریخ ابن کثیر (3 / 87) ، أسنی المطالب (ص 6 ، 13) ، طلبة الطالب (ص 10) (6).

ومن شعره قوله :

ألا ما لهمٍّ آخرَ اللیل معتمِ

طوانی وأخری النجم لمّا تقحّمِ8.

ص: 448


1- فی سیرة ابن هشام [ 1 / 377 ] : الثری ، بدل الزبی. (المؤلف)
2- الحرب العوان : التی قوتل فیها مرّة بعد أخری. أشدّ الحروب. (المؤلف)
3- العزّاء : السنة الشدیدة. عضّ الزمان : شدته وکلبه. (المؤلف)
4- تَبِنْ : تنفصل. السوالف : صفحات الاعناق. أَترّت : قطعت. (المؤلف)
5- ضنک : ضیق. الضباع العرج مرّ ص 58. الشرب : الجماعة من القوم یشربون. والشطر الثانی فی سیرة ابن هشام [ 1 / 379 ] : به والنسور الطخم یعکفن کالشرب. (المؤلف)
6- السیرة النبویّة : 1 / 377 - 379 ، شرح نهج البلاغة : 14 / 72 کتاب 9 ، خزانة الأدب : 2 / 76 ، الروض الأُنف : 3 / 283 ، البدایة والنهایة : 3 / 108.

طوانی وقد نامت عیونٌ کثیرة

وسامَرَ أخری قاعدٌ لم یُنوِّمِ

لأحلامِ أقوامٍ أرادوا محمداً

بظلمٍ ومن لا یتّقی البغی یُظلمِ

سعوا سفهاً واقتادهم سوءُ أمرِهمْ

علی خائلٍ من أمرهم غیر محکمِ

رجاة أمورٍ لم ینالوا نظامها

وإن نشدوا فی کلِّ بدوٍ وموسمِ

یرجُّون منّا خطّة دون نیلها

ضرابٌ وطعنٌ بالوشیج المقوَّمِ (1)

یرجُّون أن نسخی بقتل محمدٍ

ولم تختضب سمرُ العوالی من الدمِ

کذبتم وبیتِ اللهِ حتی تُفَلَّقوا

جماجمَ تُلقی بالحمیم وزمزمِ (2)

وتُقطعَ أرحامٌ وتنسی حلیلةٌ

حلیلاً ویغشی محرمٌ بعد محرمِ

وینهضَ قومٌ بالحدید إلیکمُ

یذبّون عن أحسابهم کلَّ مجرمِ

هم الأُسدُ أُسد الزأرتینِ إذا غدتْ

علی حنقٍ لم تخشَ إعلامَ معلمِ

فیا لِبَنی فهرٍ أفیقوا ولم تُقَمْ

نوائحُ قتلی تدَّعی بالتسدّمِ (3)

علی ما مضی من بغیِکم وعقوقِکمْ

وغشیانِکم فی أمرِنا کلّ مأتمِ

وظلم نبیٍّ جاء یدعو إلی الهدی

وأمرٍ أتی من عند ذی العرش قیِّمِ (4)

فلا تحسبونا مسلمیهِ ومثلُهُ

إذا کان فی قومٍ فلیس بمسلمِ

فهذی معاذیرٌ وتقدمةٌ لکم

لکیلا تکون الحربُ قبل التقدُّمِ

دیوان أبی طالب (5) (ص 29) ، شرح ابن أبی الحدید (3 / 312) (6).

وله قوله مخاطباً للنبیِّ الأعظم صلی الله علیه وآله وسلم : 9.

ص: 449


1- الوشیج : الرماح.
2- فی الدیوان : تفرّقوا. بدلاً من : تفلّقوا. و: بالحطیم. بدلاً من : بالحمیم.
3- التسدّم من السدم : الهمّ مع الندم ، الغیظ مع الحزن. (المؤلف)
4- فی روایة شیخ الطائفة : مبرم. (المؤلف)
5- دیوان أبی طالب : ص 82 - 83.
6- شرح نهج البلاغة : 14 / 71 کتاب 9.

والله لن یصلوا إلیک بجمعهم

حتی أُوَسَّد فی التراب دفینا

فاصدعْ بأمرِکَ ما علیک غضاضةٌ

وابشر بذاک وقرّ منک عیونا

ودعوتنی وعلمتُ أنَّک ناصحی

ولقد دعوتَ وکنتَ ثمّ أمینا (1)

ولقد علمتُ بأنَّ دینَ محمدٍ

من خیر أدیانِ البریّة دینا

رواها الثعلبی فی تفسیره وقال : قد اتّفق علی صحّة نقل هذه الأبیات عن أبی طالب : مقاتل ، وعبد الله بن عبّاس ، والقسم بن محضرة ، وعطاء بن دینار.

راجع : (2) خزانة الأدب للبغدادی (1 / 261) ، تاریخ ابن کثیر (3 / 42) ، شرح ابن أبی الحدید (3 / 306) ، تاریخ أبی الفدا (1 / 120) ، فتح الباری (7 / 153 ، 155) ، الإصابة (4 / 116) ، المواهب اللدنیّة (1 / 61) ، السیرة الحلبیّة (1 / 305) ، دیوان أبی طالب (ص 12) ، طلبة الطالب (ص 5) ، بلوغ الأرب (1 / 325) ، السیرة النبویّة لزینی دحلان هامش الحلبیّة (1 / 91 ، 211) ، وذکر البیت الأخیر فی أسنی المطالب (ص 6) فقال : عدّه البرزنجی من کلام أبی طالب المعروف.

لفت نظر :

زاد القرطبی وابن کثیر فی تاریخه علی الأبیات :

لو لا الملامةُ أو حذاری سُبّةً

لوجدتنی سمحاً بذاک مبینا0.

ص: 450


1- وفی روایة القسطلانی : ودعوتنی وزعمت أنک ناصحی ولقد صدقت وکنتَ ثمّ أمینا (المؤلف)
2- خزانة الأدب : 2 / 76 ، البدایة والنهایة : 3 / 56 ، شرح نهج البلاغة : 14 / 55 کتاب 9 ، فتح الباری : 7 / 194 ، 196 ، المواهب اللدنیّة : 1 / 223 ، السیرة الحلبیّة : 1 / 287 ، دیوان أبی طالب : ص 41 ، السیره النبویّة لزینی دحلان : 1 / 45 ، أسنی المطالب : ص 10.

قال السیّد أحمد زینی دحلان فی أسنی المطالب (1) (ص 14) : فقیل : إنّ هذا البیت موضوع أدخلوه فی شعر أبی طالب ولیس من کلامه.

قال الأمینی : هب أنّ البیت الأخیر من صُلب ما نظمه أبو طالب علیه السلام فإنّ أقصی ما فیه أنّ العار والسبّة ، اللذین کان أبو طالب علیه السلام یحذرهما خیفة أن یسقط محلّه عند قریش فلا تتسنّی له نصرة الرسول المبعوث صلی الله علیه وآله وسلم ، إنّما منعاه عن الإبانة والإظهار لاعتناق الدین ، وإعلان الإیمان بما جاء به النبیّ الأمین ، وهو صریح قوله : لوجدتنی سمحاً بذاک مبینا. أی مظهراً ، وأین هو عن اعتناق الدین فی نفسه ، والعمل بمقتضاه من النصرة والدفاع؟ ولو کان یرید به عدم الخضوع للدین لکان تهافتاً بیّناً بینه وبین أبیاته الأولی التی ینصّ فیها بأنّ دین محمد صلی الله علیه وآله وسلم من خیر أدیان البریّة دینا ، وأنّه صلی الله علیه وآله وسلم صادق فی دعوته أمین علی أُمّته.

ومن شعره قوله قد غضب لعثمان بن مظعون حین عذّبته قریش ونالت منه :

أمن تذکّرِ دهرٍ غیرِ مأمونِ

أصبحتَ مکتئباً تبکی کمحزونِ

أم مِن تذکّرِ أقوامٍ ذوی سفهٍ

یغشون بالظلمِ من یدعو إلی الدینِ

ألا ترون أذلَّ اللهُ جمعَکمُ

إنَّا غضبنا لعثمانَ بنِ مظعونِ

ونمنع الضیم من یبغی مضیّمنا

بکلِّ مطَّردٍ فی الکفِّ مسنونِ

ومرهفاتٍ کأنَّ الملحَ خالطها

یُشفی بها الداءُ من هام المجانینِ

حتی تقرّ رجالٌ لا حلومَ لها

بعد الصعوبةِ بالأسماح واللینِ

أو تؤمنوا بکتابٍ مُنزلٍ عجبٍ

علی نبیٍّ کموسی أو کذی النونِ (2)

ومن شعره یمدح النبیّ الأعظم صلی الله علیه وآله وسلم قوله : ف)

ص: 451


1- أسنی المطالب : ص 25.
2- شرح ابن أبی الحدید : 3 / 313 [ 14 / 73 کتاب 9 ]. (المؤلف)

لقد أکرمَ اللهُ النبیَّ محمداً

فأکرمُ خلقِ اللهِ فی الناسِ أحمدُ

وشقَّ له من اسمه لِیجلّه

فذو العرشِ محمودٌ وهذا محمدُ

أخرجه (1) البخاری فی تاریخه الصغیر من طریق علی بن یزید ، وأبو نعیم فی دلائل النبوّة (1 / 6) ، وابن عساکر فی تاریخه (1 / 275) ، وذکره له ابن أبی الحدید فی شرحه (3 / 315) ، وابن کثیر فی تاریخه (1 / 266) ، وابن حجر فی الإصابة (4 / 115) ، والقسطلانی فی المواهب اللدنیّة (1 / 518) نقلاً عن تاریخ البخاری ، والدیار بکری فی تاریخ الخمیس (1 / 254) فقال : أنشأ أبو طالب فی مدح النبیّ أبیاتاً منها هذا البیت :

وشقّ له من اسمه لیجلّه

حسّان بن ثابت ضمّن شعره هذا البیت فقال :

ألم ترَ أنّ اللهَ أرسلَ عبده

بآیاتِهِ واللهُ أعلی وأمجدُ

وشقَّ له من اسمه لیجلّه

والزرقانی فی شرح المواهب (3 / 156) وقال : توارد حسّان معه أو ضمّنه شعره وبه جزم فی الخمیس ، أسنی المطالب (2) (ص 14).

ومن شعره المشهور کما قاله ابن أبی الحدید فی شرحه (3) (3 / 315):

أنت النبیُّ محمدُ

قرمٌ أغرُّ مسوَّدُ

لمسوّدینَ أکارمٍ

طابوا وطاب المولدُ

نعم الأُرومةُ أصلُها

عمرو الخضمّ الأوحدُ9.

ص: 452


1- التاریخ الصغیر : 1 / 38 ، دلائل النبوّة : 1 / 44 ح 2 ، تاریخ مدینة دمشق : 3 / 32 - 33 ، شرح نهج البلاغة : 14 / 78 کتاب 9 ، البدایة والنهایة : 2 / 325 ، المواهب اللدنیّة : 2 / 25.
2- أسنی المطالب : ص 24.
3- شرح نهج البلاغة : 14 / 77 کتاب 9.

هشم الربیکةَ فی الجفا

نِ وعیشُ مکةَ أنکدُ (1)

فجرت بذلک سنّةٌ

فیها الخبیزة تثردُ

ولنا السقایةُ للحجی

- جِ بها یماث العُنجدُ (2)

والمأزمان (3) وما حوت

عرفاتُها والمسجدُ

أنّی تُضامُ ولم أمُتْ

وأنا الشجاعُ العربدُ

وبطاحُ مکةَ لا یُری

فیها نجیعٌ أسودُ

وبنو أبیک کأنَّهم

أُسد العرین توقّدوا

ولقد عهدتک صادقاً

فی القول لا یتزیَّدُ

ما زلتَ تنطق بالصوا

ب وأنت طفلٌ أمردُ

جاء أبو جهل بن هشام إلی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وهو ساجد وبیده حجر یرید أن یرمیه به ، فلمّا رفع یده لصق الحجر بکفّه فلم یستطع ما أراد ، فقال أبو طالب :

أفیقوا بنی غالبٍ وانتهوا

عن الغیِّ من بعض ذا المنطقِ

وإلاّ فإنّی إذن خائفٌ

بوائقَ فی دارکم تلتقی

تکون لغیرکمُ عبرةً

وربِّ المغارب والمشرقِ

کما نال من کان مِن قبلکم

ثمودُ وعادٌ وما ذا بقی

غداة أتاهم بها صرصرٌ

وناقة ذی العرش قد تستقی

فحلَّ علیهم بها سخطه

من الله فی ضربةِ الأزرقِ (4)ح.

ص: 453


1- عمرو : اسم هاشم بن عبد مناف. الخضم : کثیر العطاء. الربیکة : طعام یعمل من تمر وأقط وسمن.
2- ماث الشیء میثاً : مرسه. وماث الملح فی الماء : أذابه. العُنجُد : الزبیب.
3- المأزمان : موضع بمکة بین المشعر الحرام وعرفة وهو شعب بین جبلین [ معجم البلدان : 5 / 40 ]. (المؤلف)
4- الأزرق : عاقر ناقة صالح.

غداة یعضُّ بعرقوبها

حساماً من الهند ذا رونقِ

وأعجب مِن ذاک فی أمرِکمْ

عجائبُ فی الحجرِ الملصقِ

بکفِّ الذی قام من خبثِهِ

إلی الصابرِ الصادقِ المتَّقی

فأثبته اللهُ فی کفِّه

علی رغمِه الجائرِ الأحمقِ

أُحیمق مخزومکم إذ غوی

لغیِّ الغواة ولم یصدقِ

دیوان أبی طالب (1) (ص 13) ، شرح ابن أبی الحدید (3 / 314) (2).

قال ابن أبی الحدید فی شرحه (3) (3 / 314) : قالوا : وقد اشتهر عن عبد الله المأمون رحمه الله أنّه کان یقول : أسلم أبو طالب والله بقوله :

نصرتُ الرسولَ رسول الملیکِ

ببیضٍ تلألا کلمعِ البروقِ

أذبُّ وأحمی رسول الإلهِ

حمایةَ حامٍ علیه شفیقِ

وما إن أدبّ لأعدائِهِ

دبیبَ البکار حذار الفنیقِ (4)

ولکن أزیر لهم سامیاً

کما زار لیث بغیل مضیقِ

وتوجد هذه الأبیات مع بیت زائد فی دیوانه (5) (ص 24).

ولسیّدنا أبی طالب أبیات کتبها إلی النجاشی بعد ما خرج عمرو بن العاص إلی بلاد الحبشة لیکید جعفر بن أبی طالب وأصحابه عند النجاشی. یحرّض النجاشی علی إکرام جعفر والإعراض عن ما یقوله عمرو (6) ، منها : ه.

ص: 454


1- دیوان أبی طالب : ص 42.
2- شرح نهج البلاغة : 14 / 74 کتاب 9.
3- شرح نهج البلاغة : 14 / 74 کتاب 9.
4- الفنیق : الفحل المکرم لا یؤذی ولا یرکب لکرامته جمع فنق وأفناق. (المؤلف)
5- دیوان أبی طالب : ص 70.
6- دیوان أبی طالب ص 109 وهی مما استدرکه محقق الدیوان علی جامعه.

ألا لیتَ شعری کیف فی الناسِ جعفرٌ

وعمروٌ وأعداءُ النبیِّ الأقاربُ

وهل نالَ إحسانُ النجاشیِّ جعفراً

وأصحابَهُ أم عاقَ عن ذاک شاغبُ

تعلّم أبیت اللعنَ (1) أنَّک ماجدٌ

کریمٌ فلا یشقی إلیک المجانبُ

ونعلم أنَّ الله زادک بسطةً

وأسباب خیرٍ کلَّها بک لازبُ

تاریخ ابن کثیر (2) (3 / 77) ، شرح ابن أبی الحدید (3 / 314).

قال ابن أبی الحدید فی شرحه (3) (3 / 315) : ومن شعره المشهور أیضاً قوله یخاطب محمداً ، ویسکّن جأشه ، ویأمره باظهار الدعوة :

لا یمنعنّک من حقٍّ تقوم به

أیدٍ تصول ولا سلق بأصواتِ

فإنَّ کفّک کفّی إن بهم ملیت (4)

ودون نفسک نفسی فی الملِمّاتِ

قال ابن هشام (5) : ولمّا خشی أبو طالب دهماء العرب أن یرکبوه مع قومه قال قصیدته التی تعوّذ فیها بحرم مکّة وبمکانه منها ؛ وتودّد فیها أشراف قومه وهو علی ذلک یخبرهم وغیرهم فی ذلک من شعره أنّه غیر مسلم رسول الله صلی الله علیه وسلم ، ولا تارکه لشیء أبداً ، حتی یهلک دونه ، فقال أبو طالب :

خلیلیّ ما أُذنی لأوّل عاذلٍ

بصغواءَ فی حقٍّ ولا عند باطلِ

ولمّا رأیتُ القومَ لا وُدَّ فیهمُ

وقد قطّعوا کلَّ العُری والوسائلِ

وقد صارحونا بالعداوةِ والأذی

وقد طاوعوا أمرَ العدوِّ المزایلِ1.

ص: 455


1- أبیت اللعن ، کلمة کانت العرب تحیی بها ملوکها فی الجاهلیة ؛ معناها : أبیت أیها الملک أن تأتی ماتُلعن علیه.
2- البدایة والنهایة : 3 / 97.
3- شرح نهج البلاغة : 14 / 77 کتاب 9.
4- فی المصدر : إن بلیت بهم.
5- السیرة النبویّة : 1 / 291.

وقد حالفوا قوماً علینا أظنّةً (1)

یعضّون غیظاً خلفنا بالأناملِ

صبرتُ لهم نفسی بسمراءَ سمحةٍ

وأبیضَ عضبٍ من تراث المقاولِ (2)

* * *

أعوذُ بربِّ الناسِ من کلِّ طاعنٍ

علینا بسوءٍ أو مُلحٍّ بباطلِ

ومن کاشحٍ یسعی لنا بمعیبةٍ

ومن مُلحقٍ فی الدین ما لم نحاولِ

وثورٍ ومن أرسی ثبیراً مکانه

وراقٍ لیرقی فی حراءٍ ونازلِ (3)

وبالبیتِ حقَّ البیتِ من بطنِ مکّةٍ

وباللهِ إنّ اللهَ لیس بغافلِ

وبالحجرِ المسودّ إذ یمسحونه

إذا اکتنفوه بالضحی والأصائلِ

* * *

کذبتم وبیتِ اللهِ نترکُ مکّةً

ونظعن إلاّ أمرکم فی بلابلِ

کذبتم وبیتِ اللهِ نُبزَی محمداً

ولمّا نُطاعن دونه ونناضلِ (4)

ونسلمه حتی نُصرَّعَ حوله

ونُذهلَ عن أبنائنا والحلائلِ

وینهضَ قومٌ بالحدید إلیکمُ

نهوض الرَّوایا تحت ذاتِ الصلاصلِ (5)

وحتی نری ذا الظِّغن یرکب ردعه

من الطعن فعل الأنکب المتحاملِ (6)

وإنّا لعمرُ الله إن جدَّ ما أری

لتلتبس أسیافنا بالأماثلِ

بکفَّی فتیً مثل الشهاب سمیدع

أخی ثقة حامی الحقیقة باسلِف)

ص: 456


1- أظنّة : جمع ظنین : المتهم. (المؤلف)
2- سمراء سمحة : أراد بها قناة لینة تسمح بالانعطاف عند هزها. العضب : القاطع. المقاول : أراد بها السادات. (المؤلف)
3- ثور وثبیر وحراء : جبال فی مکة. (المؤلف)
4- نُبزَی : نُسلب.
5- الروایا : الإبل التی تحمل الماء ، واحدتها : راویة. الصلاصل جمع الصلصلة : الصوت وذات الصلاصل : المزادات التی فیها بقیة من الماء یسمع لها صوت حین تسیر الإبل. (المؤلف)
6- یقال : رکب ردعه ، أی خرّ صریعاً لوجهه. الأنکب : الذی یمشی علی شق. (المؤلف)

شهوراً وأیّاماً وحولاً مجرَّماً (1)

علینا وتأتی حجّةٌ بعدَ قابلِ

وما ترک قومِ - لا أبا لک - سیِّداً

یحوط الذمار غیر ذربٍ مواکلِ (2)

وأبیض یُستسقی الغمامُ بوجهه

ثمالُ الیتامی عصمةٌ للأراملِ

یلوذ به الهُلاّکُ من آل هاشمٍ

فهم عنده فی رحمةٍ وفواضلِ

* * *

بمیزان قسطٍ لا یخیس شعیرةً

له شاهدٌ من نفسه غیرُ عائلِ (3)

لقد سفِهت أحلامُ قومٍ تبدّلوا

بنی خَلَفٍ قیضاً بنا والغیاطلِ (4)

ونحن الصمیمُ من ذُؤابة هاشمٍ

وآلِ قصیٍّ فی الخطوب الأوائلِ

وسهمٌ ومخزومٌ تمالوا وألّبوا

علینا العدا من کلِّ طملٍ وخاملِ (5)

فعبد مناف أنتمُ خیرُ قومِکم

فلا تُشرکوا فی أمرِکم کلَّ واغلِ (6)

* * *

ألم تعلموا أنَّ ابننا لا مکذَّبٌ

لدینا ولا نعبا بقول الأباطلِ

أشمُّ من الشُمِّ البهالیل ینتمی

إلی حسب فی حومة المجدِ فاضِلِ

لعمری لقد کلّفت وجداً بأحمدٍ

وأحببته حبَّ الحبیبِ المواصلِف)

ص: 457


1- حولا مجرّماً : أی مکملاً. یقال : تجرّمت السنة ، إذا کملت وانقضت. (المؤلف)
2- الذمار : ما یلزمک أن تحمیه. ذرب : فاسد. مواکل : یتّکل علی غیره. (المؤلف)
3- لا یخیس من قولهم : خاس بالعهد إذا نقضه وأفسده ، ویروی لا یخسّ أی لا ینقص. عائل : جائر.(المؤلف)
4- قیضاً بنا : عوضاً منّا تقول : قاضه بکذا أی عوضه به. الغیطلة : من بنی مرة بن عبد مناة إخوة مدلج بن مرّة وهی أُمّ الغیاطل ، فقیل لولدها : الغیاطل وهم من بنی سهم بن عمرو بن هصیص. (المؤلف)
5- الطمل : الرجل الفاحش لا یبالی ما صنع. اللئیم ، الأحمق ، اللص الفاسق. (المؤلف)
6- کلّ واغل : أراد کل ملصق لیس من صمیم ، وأصل الواغل الداخل علی القوم وهم یشربون من غیر أن یدعی. (المؤلف)

فلا زال فی الدنیا جمالاً لأهلها

وزیناً لمن والاه ربُّ المشاکلِ

فأصبحَ فینا أحمدٌ فی أرومةِ

تقصِّر عنه سورةُ المتطاولِ

حدبتُ بنفسی دونه وَحمَیته

ودافعت عنه بالذری والکلاکلِ (1)

فأیَّده ربُّ العباد بنصره

وأظهر دیناً حقُّه غیر باطلِ

هذه القصیدة ذکر منها ابن هشام فی سیرته (2) (1 / 286 - 298) ، أربعة وتسعین بیتاً وقال : هذا ما صحّ لی من هذه القصیدة. وذکر ابن کثیر منها اثنین وتسعین بیتاً فی تاریخه (3) (3 / 53 - 57) ، وفی روایة ابن هشام ثلاثة أبیات لم توجد فی تاریخ ابن کثیر وقال (ص 57) قلت : هذه قصیدة عظیمة بلیغة جدّا لا یستطیع یقولها إلاّ من نُسبت إلیه ، وهی أفحل من المعلّقات السبع ، وأبلغ فی تأدیة المعنی فیها جمیعها ، وقد أوردها الأمویّ فی مغازیه مطوّلة بزیادات أُخر والله أعلم.

وذکرها أبو هفّان العبدی فی دیوان أبی طالب (4) (ص 2 - 12) فی مائة وأحد عشر بیتاً ولعلّها تمام القصیدة.

وقال ابن أبی الحدید فی شرحه (5) (3 / 315) بعد ذکر جملة من شعر أبی طالب : فکلّ هذه الأشعار قد جاءت مجیء التواتر ؛ لأنَّه إن لم تکن آحادها متواترة فمجموعها یدلّ علی أمر واحد مشترک وهو تصدیق محمد صلی الله علیه وآله وسلم ، ومجموعها متواتر کما أنّ کل واحدة من قتلات علیّ علیه السلام الفرسان منقولة آحاداً ومجموعها متواتر یفیدنا 9.

ص: 458


1- حدبت : عطفت ومنعت. الذری جمع ذرة : أعلی ظهر البعیر. الکلاکل جمع کلکل : معظم الصدر. (المؤلف)
2- السیرة النبویّة : 1 / 291 - 299.
3- البدایة والنهایة : 3 / 70 - 74.
4- دیوان أبی طالب : ص 21 - 38.
5- شرح نهج البلاغة : 14 / 78 کتاب 9.

العلم الضروریّ بشجاعته ، وکذلک القول فیما روی من سخاء حاتم وحلم الأحنف ومعاویة وذکاء أیاس وخلاعة أبی نواس وغیر ذلک. قالوا : واترکوا هذا کلّه جانباً ، ما قولکم فی القصیدة اللامیّة التی شهرتها کشهرة قفا نبک؟ وإن جاز الشکّ فیها أو فی شیء من أبیاتها جاز الشکّ فی قفا نبک وفی بعض أبیاتها.

وقال القسطلانی فی إرشاد الساری (1) (2 / 227) : قصیدة جلیلة بلیغة من بحر الطویل ، وعدّة أبیاتها مائة وعشرة أبیات ، قالها لمّا تمالأ قریش علی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ونفّروا عنه من یرید الإسلام.

وذکر منها فی المواهب اللدنیّة (2) (1 / 48) ، أبیاتاً فقال : هی أکثر من ثمانین بیتاً قال ابن التین : إنّ فی شعر أبی طالب هذا دلیلاً علی أنّه کان یعرف نبوّة النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم قبل أن یبعث لِما أخبره به بحیرا وغیره من شأنه. وقال العینی فی عمدة القاری (3) : (3 / 434) قصیدة طنّانة وهی مائة بیت وعشرة أبیات أوّلها :

خلیلیَّ ما أُذنی لأوّل عاذلِ

بصغواءَ فی حقٍّ ولا عند باطلِ

ذکر منها البغدادی فی خزانة الأدب (4) (1 / 252 - 261) اثنین وأربعین بیتاً مع شرحها ، وقال : أوّلها :

خلیلیَّ ما أُذنی لأوّل عاذلِ

بصغواء فی حقٍّ ولا عند باطلِ

خلیلیّ إنَّ الرأی لیس بشرکةٍ

ولا نهنهٍ عند الأُمور البلابلِ (5)ر.

ص: 459


1- إرشاد الساری : 3 / 26.
2- المواهب اللدنیّة : 1 / 185.
3- عمدة القاری : 7 / 30.
4- خزانة الأدب : 2 / 59 - 75.
5- النهنه : المضیء ، والنیِّر الشفّاف الذی یظهر الأشیاء علی جلیّتها. البلابل : جمع بلبلة أو بلبال ، وهما بمعنی الهمّ ووساوس الصدر.

ولمّا رأیت القوم لا ودّ عندهم

وقد قطّعوا کلَّ العری والوسائلِ

وذکر الآلوسی عدّة منها فی بلوغ الأرب (1) (1 / 237) وذکر کلمة ابن کثیر المذکور وقال : هی مذکورة مع شرحها فی کتاب لبّ لباب لسان العرب.

وذکر منها السیّد زینی دحلان أبیاتاً فی السیرة النبویّة هامش الحلبیّة (2) (1 / 88) فقال : قال الإمام عبد الواحد السفاقسی (3) فی شرح البخاری : إنّ فی شعر أبی طالب هذا دلیلاً علی أنّه کان یعرف نبوّة النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم قبل أن یبعث لما أخبره به بحیرا الراهب وغیره من شأنه ، مع ما شاهده من أحواله ، ومنها الاستسقاء به فی صغره ومعرفة أبی طالب بنبوّته صلی الله علیه وآله وسلم ، جاءت فی کثیر من الأخبار زیادة علی أخذها من شعره.

قال الأمینی : أنا لا أدری کیف تکون الشهادة والاعتراف بالنبوّة إن لم یکن منها هذه الأسالیب المتنوّعة المذکورة فی هذه الأشعار؟ ولو وجد واحد منها فی شعر أیّ أحد أو نثره لأصفق الکلّ علی إسلامه ، لکن جمیعها لا یدلّ علی إسلام أبی طالب. فاعجب واعتبر

هذه جملة من شعر أبی طالب علیه السلام الطافح من کلّ شطره الإیمان الخالص ، والإسلام الصحیح ، قال العلاّمة الأوحد ابن شهرآشوب المازندرانی فی کتابه متشابهات القرآن عند قوله تعالی : (وَلَیَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ یَنْصُرُهُ) (4) : إنّ أشعار أبی طالب الدالّة علی إیمانه تزید علی ثلاثة آلاف بیت یکاشف فیها من یکاشف النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ویصحّح نبوّته. ثمّ ذکر جملة ضافیة وممّا ذکر له قوله فی وصیّته : 0.

ص: 460


1- بلوغ الإرب : 1 / 326.
2- السیرة النبویّة : 1 / 43.
3- هو ابن التین المذکور فی کلام القسطلانی. (المؤلف)
4- الحج : 40.

أُوصی بنصرِ نبیِّ الخیرِ أربعةً

ابنی علیّا وشیخَ القومِ عبّاسا

وحمزةَ الأَسَدَ الحامی حقیقتَهُ

وجعفراً أن تذودا دونه الناسا

کونوا فداءً لکم أُمِّی وما ولدت

فی نصرِ أحمدَ دون الناس أتراسا (1)

- 2 -

ما ناء به من عمل بارّ وقول مشکور

أمّا ما ناء به سیّد الأباطح أبو طالب سلام الله علیه من عمل بارّ وسعی مشکور فی نصرة النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وکلاءته والذبّ عنه والدعوة إلیه وإلی دینه الحنیف منذ بدء البعثة إلی أن لفظ أبو طالب نفسه الأخیر ، وقد تخلّل ذلک جمل من القول کلّها نصوص علی إسلامه الصحیح ، وإیمانه الخالص ، وخضوعه للرسالة الإلهیّة ، فإلی الملتقی. روی القوم :

1 - قال ابن إسحاق : إنّ أبا طالب خرج فی رکب إلی الشام تاجراً ، فلمّا تهیّأ للرحیل وأجمع السیر هبّ له رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فأخذ بزمام ناقته وقال : یا عمّ إلی من تکلنی لا أب لی ولا أمّ لی؟ فرقّ له أبو طالب وقال : والله لأخرجنّ به معی ولا یفارقنی ولا أُفارقه أبداً. قال : فخرج به معه ، فلمّا نزل الرکب بصری من أرض الشام وتهیّأ راهب یُقال له بحیرا فی صومعة له ، وکان أعلم أهل النصرانیّة ، ولم یزل فی تلک الصومعة راهب إلیه یصیر علمهم من کتاب فیهم کما یزعمون یتوارثونه کائناً عن کائن ، فلمّا نزلوا ذلک العام ببحیرا وکانوا کثیراً ما یمرّون علیه قبل ذلک فلا یکلّمهم ولا یتعرّض لهم ، حتی إذا کان ذلک العام نزلوا به قریباً من صومعته فصنع لهم طعاماً کثیراً وذلک فیما یزعمون عن شیء رآه وهو فی صومعته فی الرکب حین أقبلوا ، وغمامة تظلّه صلی الله علیه وآله وسلم من بین القوم. ثمّ أقبلوا حتی نزلوا بظلّ شجرة قریباً منه فنظر إلی الغمامة حتی أظلّت الشجرة وتهصّرت ، یعنی تدلّت أغصانها علی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم حتی ف)

ص: 461


1- فی النسخة المطبوعة من متشابهات القرآن تصحیف وتحریف فی الأبیات. راجع : 2 / 65. (المؤلف)

استظلّ تحتها ، فلمّا رأی بحیرا ذلک نزل من صومعته وقد أمر بذلک الطعام فصنع ، ثمّ أرسل إلیهم فقال : إنّی قد صنعت لکم طعاماً یا معشر قریش ، وأنا أحبّ أن تحضروا کلّکم صغیرکم وکبیرکم وحرّکم وعبدکم ، فقال له رجل منهم : یا بحیرا إنّ لذلک الیوم لشأناً ما کنت تصنع هذا فیما مضی وقد کنّا نمرّ بک کثیراً ، فما شأنک الیوم؟ فقال له بحیرا : صدقت قد کان ما تقولون ، ولکنکم ضیوف فأحببت أن أکرمکم وأصنع لکم طعاماً تأکلون منه کلّکم ، فاجتمعوا إلیه وتخلّف رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم من بین القوم لحداثة سنّه فی رحال القوم تحت الشجرة.

فلمّا نظر بحیرا فی القوم لم یر الصفة التی یعرفها وهی موجودة عنده ، فقال : یا معشر قریش لا یتخلّف أحد منکم عن طعامی هذا ، فقالوا : یا بحیرا ما تخلّف عنک أحد ینبغی أن یأتیک إلاّ غلام هو أحدث القوم سنّا تخلّف فی رحالهم ، قال : فلا تفعلوا ادعوه فلیحضر هذا الطعام معکم ، فقال رجل من قریش : واللاّت والعزّی إنّ لهذا الیوم نبأ. أیلیق أن یتخلّف ابن عبد الله عن الطعام من بیننا؟ ثمّ قام إلیه فاحتضنه ثمّ أقبل به حتی أجلسه مع القوم. فلمّا رآه بحیرا جعل یلحظه لحظاً شدیداً وینظر إلی أشیاء من جسده قد کان یجدها عنده فی صفته حتی إذا فرغ القوم من الطعام وتفرّقوا قام بحیرا فقال له : یا غلام أسألک باللاّت والعزّی إلاّ أخبرتنی عمّا أسألک عنه. فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : لا تسألنی باللاّت والعزّی شیئاً قطّ ، فقال بحیرا : فبالله إلاّ ما أخبرتنی عمّا أسألک عنه. فقال : سلنی عمّا بدا لک. فجعل یسأله عن أشیاء من نومه وهیئته وأموره ورسول الله یخبره فیوافق ذلک ما عند بحیرا من صفته ، ثمّ نظر إلی ظهره فرأی خاتم النبوّة بین کتفیه علی موضعه من صفته التی عنده. الحدیث.

فقال أبو طالب فی ذلک :

إنَّ ابن آمنة النبیَّ محمداً

عندی یفوق منازلَ الأولادِ

ص: 462

لمّا تعلّقَ بالزمام رحمتُه

والعیس قد قلّصن (1) بالأزوادِ

فارفضَّ من عینیَّ دمعٌ ذارفٌ

مثلُ الجمان مفرِّقُ الأفرادِ

راعیتُ فیه قرابةً موصولةً

وحفظتُ فیه وصیّةَ الأجدادِ

وأمرتهُ بالسیرِ بین عمومةٍ

بیضِ الوجوهِ مصالتٍ أنجادِ (2)

ساروا لأبعد طیَّةٍ معلومةٍ

فلقد تباعد طیّةُ (3) المرتادِ

حتی إذا ما القومُ بصری عاینوا

لاقوا علی شرکٍ من المرصادِ (4)

حبراً فأخبرهم حدیثاً صادقاً

عنه وردَّ معاشر الحسّادِ

قومٌ یهودٌ قد رأوا لمّا رأی

ظلَّ الغمام وعنَّ ذی الأکبادِ (5)

ثاروا لقتل محمد فنهاهمُ

عنه وجاهد أحسن التجهادِ

فثنی زبیراً من بحیرا فانثنی

فی القوم بعد تجاولٍ وبعادِ (6)

ونهی دریساً فانتهی عن قوله

حبرٌ یوافق أمره برشادِ

وقال أیضاً :

ألم ترنی من بعد همّ هممته

بفرقة حرّ الوالدین حرامِ (7)م.

ص: 463


1- قلص القوم : اجتمعوا فساروا. قلصت الناقة : استمرّت فی مضیّها. تقلص : انضم وانزوی ، تدانی. (المؤلف)
2- مصالت : الماضی فی الحوائج. الصلت الجبین : الواضح. نجد جمع النجد : الضابط للأمور یذّلل المصاعب. الشجاع الماضی فیما یعجز غیره. سریع الإجابة إلی ما دعی إلیه. (المؤلف)
3- فی الموضعین فی روایة : طبّة. بالموحدة مؤنث الطبّ بفتح الطاء. الناحیة. (المؤلف)
4- فی الدیوان : علی شرف من المرصاد.
5- وفی روایة : قومٌ یهودٌ قد رأوا ما قد رأوا ظلّ الغمامة ناغری الأکباد (المؤلف)
6- کذا فی تهذب تاریخ دمشق : 1 / 272 ، وفی الدیوان : وثنی بحیراءُ زبیراً فانثنی ...
7- کذا فی تهذیب تاریخ دمشق ، وفی الدیوان والروض الأنف : کرام ، بدلاً من حرام.

بأحمد لمّا أن شددت مطیّتی

برحلی وقد ودّعته بسلامِ

بکی حزناً والعیس قد فصلت بنا

وأخذت بالکفّین فضل زمامِ

ذکرت أباه ثمّ رقرقتُ عبرةً

تجود من العینین ذات سجامِ

فقلت : ترحّل راشداً فی عمومةٍ

مواسیر فی البأساء غیر لئامِ (1)

فجاء مع العیر التی راح رکبها

شآمی الهوی والأصل غیر شآمِ

فلمّا هبطنا أرضَ بصری تشرّفوا

لنا فوق دورٍ ینظرون جسامِ

فجاء بحیرا عند ذلک حاشداً

لنا بشرابٍ طیِّبٍ وطعامِ

فقال اجمعوا أصحابکم لطعامنا

فقلنا جمعنا القوم غیر غلامِ

یتیم فقال ادعوه إنَّ طعامَنا

کثیرٌ علیه الیومَ غیرُ حرامِ

فلو لا الذی خبّرتمُ عن محمدٍ

لکنتم لدینا الیومَ غیرَ کرامِ

فلمّا رآه مقبلاً نحو داره

یوقِّیه حرَّ الشمس ظلُّ غمامِ

حنا رأسَه شبهَ السجودِ وضمّه

إلی نحرِه والصدرِ أیَّ ضمامِ

وأقبل رکبٌ یطلبون الذی رأی

بحیرا من الأعلامِ وسط خیامِ

فثار إلیهم خشیةً لعرامهم (2)

وکانوا ذوی بغی لنا وعرامِ

دریس وتمام وقد کان فیهم (3)

زبیرٌ وکلُّ القوم غیرُ نیامِ

فجاؤوا وقد همّوا بقتل محمدٍ

فردّهمُ عنه بحسنِ خصامِ

بتأویلهِ التوراةَ حتی تیقّنوا

وقال لهم رمتمْ أشدَّ مرامِ

أتبغون قتلاً للنبیِّ محمدٍ

خصصتم علی شؤم بطول أثامِ

وإنَّ الذی نختاره منه مانعٌ

سیکفیه منکم کید کلِّ طغامِ

فذلک من أعلامِه وبیانِه

ولیس نهارٌ واضحٌ کظلامِف)

ص: 464


1- فی الدیوان والروض الأُنف ، مواسین بدلاً من : مواسیر.
2- العرام : الشراسة والأذی. (المؤلف)
3- دریس ، وتمام ، وزبیر - فی بعض النسخ : زدیر. أحبار من الیهود. (المؤلف)

دیوان أبی طالب (1) (ص 33 - 35) ، تاریخ ابن عساکر (2) (1 / 269 - 272) ، الروض الأُنف (3) (1 / 120).

وذکر السیوطی الحدیث من طریق البیهقی فی الخصائص الکبری (4) (1 / 84) فقال فی (ص 85) : وقال أبو طالب فی ذلک أبیاتاً منها :

فما رجعوا حتی رأوا من محمدٍ

أحادیث تجلو غمَّ کلِّ فؤادِ

وحتی رأوا أحبار کلِّ مدینةٍ

سجوداً له من عصبةٍ وفرادِ

زبیراً وتمّاماً وقد کان شاهداً

دریساً وهمُّوا کلّهم بفسادِ

فقال لهم قولاً بحیرا وأیقنوا

له بعد تکذیبٍ وطولِ بعادِ

کما قال للرهط الذین تهوّدوا

وجاهدهم فی الله کلّ جهادِ

فقال ولم یترک له النصح ردّه

فإنّ له إرصاد کلّ مصادِ

فإنِّی أخاف الحاسدین وإنَّه

لفی الکتب مکتوبٌ بکلِّ مدادِ

2 - استسقاء أبی طالب بالنبیّ صلی الله علیه وآله وسلم :

أخرج ابن عساکر فی تاریخه (5) عن جلهمة بن عرفطة قال : قدمت مکّة وهم فی قحط فقالت قریش : یا أبا طالب أقحط الوادی ، وأجدب العیال ، فهلمَّ واستسق. فخرج أبو طالب ومعه غلام کأنَّه شمس دجن تجلّت عنه سحابه قتماء وحوله أُغیلمة ، فأخذه أبو طالب فألصق ظهره بالکعبة ، ولاذَ بإصبعه الغلام ، وما فی السماء قزعة (6) ، ف)

ص: 465


1- دیوان أبی طالب : ص 89 - 90.
2- تاریخ مدینة دمشق : 3 / 12 - 14.
3- الروض الأُنف : 2 / 227.
4- الخصائص الکبری : 1 / 144.
5- مختصر تاریخ دمشق : 2 / 161 - 162.
6- القزعة : القطعة من السحاب. (المؤلف)

فأقبل السحاب من هاهنا وهاهنا ، وأغدق واغدودق ، وانفجر له الوادی ، وأخصب البادی والنادی ، وفی ذلک یقول أبو طالب :

وأبیض یُستسقی الغمام بوجهه

ثمالُ الیتامی عصمةٌ للأراملِ

یلوذ به الهلاّکُ من آلِ هاشمٍ

فهم عنده فی نعمةٍ وفواضلِ

ومیزان عدلٍ لا یخیس شعیرةً

ووزان صدقٍ وزنُه غیرُ هائلِ

شرح البخاری للقسطلانی (2 / 227) ، المواهب اللدنیّة (1 / 48) ، الخصائص الکبری (86 ، 124) ، شرح بهجة المحافل (1 / 119) ، السیرة الحلبیّة (1 / 125) ، السیرة النبویّة لزینی دحلان هامش الحلبیّة (1 / 87) ، طلبة الطالب (ص 42) (1).

ذکر الشهرستانی فی الملل والنحل (2) بهامش الفصل (3 / 225) سیّدنا عبد المطّلب وقال : وممّا یدلّ علی معرفته بحال الرسالة وشرف النبوّة أنّ أهل مکّة لمّا أصابهم ذلک الجدب العظیم ، وأمسک السحاب عنهم سنتین ، أمر أبا طالب ابنه أن یحضر المصطفی علیه الصلاة والسلام وهو رضیع فی قماط ، فوضعه علی یدیه واستقبل الکعبة ورماه إلی السماء وقال : یا ربّ بحقّ هذا الغلام. ورماه ثانیاً وثالثاً وکان یقول : بحقّ هذا الغلام اسقنا غیثاً مغیثاً دائماً هاطلاً. فلم یلبث ساعة أن طبّق السحاب وجه السماء وأمطر حتی خافوا علی المسجد ، وأنشد أبو طالب ذلک الشعر اللاّمی الذی منه :

وأبیض یستسقی الغمامُ بوجهِهِ

ثمالُ الیتامی عصمةٌ للأرامل

ثمّ ذکر أبیاتاً من القصیدة ، ولا یخفی علی الباحث أنّ القصیدة نظمها أبو طالب علیه السلام أیّام کونه فی الشعب کما مرّ. 9.

ص: 466


1- إرشاد الساری : 3 / 27 ، المواهب اللدنیّة : 1 / 184 ، الخصائص الکبری : 1 / 146 ، 208 ، السیرة الحلبیّة : 1 / 116 ، السیرة النبویّة : 1 / 43.
2- الملل والنحل : 2 / 249.

فاستسقاء عبد المطلّب وابنه سیّد الأبطح بالنبیّ الأعظم یوم کان صلی الله علیه وآله وسلم رضیعاً یافعاً یُعرب عن توحیدهما الخالص ، وإیمانهما بالله ، وعرفانهما بالرسالة الخاتمة ، وقداسة صاحبها من أوّل یومه ، ولو لم یکن لهما إلاّ هذان الموقفان لکفیاهما ، کما یکفیان الباحث عن دلیل آخر علی اعتناقهما الإیمان.

3 - أبو طالب فی مولد أمیر المؤمنین علیه السلام :

عن جابر بن عبد الله قال : سألت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم عن میلاد علیّ بن أبی طالب فقال : «لقد سألتنی عن خیر مولود ولد فی شبه المسیح علیه السلام ، إنّ الله تبارک وتعالی خلق علیّا من نوری وخلقنی من نوره وکلانا من نور واحد ، ثمّ إنّ الله عزّ وجلّ نقلنا من صلب آدم علیه السلام فی أصلاب طاهرة إلی أرحام زکیّة ، فما نُقلت من صلب إلاّ ونقل علیّ معی ، فلم نزل کذلک حتی استودعنی خیر رحم وهی آمنة. واستودع علیّا خیر رحم وهی فاطمة بنت أسد». وکان فی زماننا رجل زاهد عابد یقال له المبرم بن دعیب بن الشقبان قد عبد الله تعالی مائتین وسبعین سنة لم یسأل الله حاجة ، فبعث الله إلیه أبا طالب ، فلمّا أبصره المبرم قام إلیه وقبّل رأسه وأجلسه بین یدیه ثمّ قال : من أنت؟ فقال : رجل من تهامة. فقال : من أیِّ تهامة؟ فقال : من بنی هاشم. فوثب العابد فقبّل رأسه ثمّ قال : یا هذا إنّ العلیّ الأعلی ألهمنی إلهاماً. قال أبو طالب : وما هو؟ قال : ولد یولد من ظهرک وهو ولیّ الله. فلمّا کان اللیلة التی ولد فیها علیّ أشرقت الأرض ، فخرج أبو طالب وهو یقول : أیّها الناس ولد فی الکعبة ولیّ الله ، فلمّا أصبح دخل الکعبة وهو یقول :

یا ربَّ هذا الغسق الدجیِ

والقمرِ المنبلجِ المُضیِ

بیِّن لنا من أمرک الخفیِ

ما ذا تری فی اسم ذا الصبیِ

قال : فسمع صوت هاتف یقول :

ص: 467

یا أهل بیت المصطفی النبیِ

خصصتمُ بالولدِ الزکیِ

إنَّ اسمه من شامخِ العلیِ

علیٌّ اشتقَّ من العلیِ

أخرجه الحافظ الکنجی الشافعی فی کفایة الطالب (1) (ص 260) وقال : تفرّد به مسلم بن خالد الزنجی وهو شیخ الشافعی ، وتفرّد به عن الزنجی عبد العزیز بن عبد الصمد وهو معروف عندنا.

4 - بدء أمر النبی وأبو طالب :

أخرج فقیه الحنابلة إبراهیم بن علی بن محمد الدینوری فی کتابه نهایة الطلب وغایة السؤول فی مناقب آل الرسول (2) بإسناده عن طاووس عن ابن عبّاس فی حدیث طویل : إنّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم قال للعبّاس رضی الله عنه إنّ الله قد أمرنی بإظهار أمری وقد أنبأنی واستنبأنی فما عندک؟ فقال له العبّاس رضی الله عنه : یا ابن أخی تعلم أنّ قریشاً أشدّ الناس حسداً لولد أبیک ، وإن کانت هذه الخصلة کانت الطامة الطمّاء والداهیة العظیمة ورمینا عن قوس واحد وانتسفونا نسفاً ، صلتا (3) ولکن قرّب إلی عمّک أبی طالب فإنّه کان أکبر أعمامک إن لا ینصرک لا یخذلک ولا یسلمک ، فأتیاه ، فلمّا رآهما أبو طالب قال : إنّ لکما لظنّة وخبراً ، ما جاء بکما فی هذا الوقت؟ فعرّفه العبّاس ما قال له النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وما أجابه به العبّاس ، فنظر إلیه أبو طالب وقال له : أخرج یا بن أخی فإنّک الرفیع کعباً ، والمنیع حزباً ، والأعلی أباً ، والله لا یسلقک لسان إلاّ سلقته ألسن حداد ، واجتذبته سیوف حداد ، والله لتذلّنّ لک العرب ذلّ البهم لحاضنها ، ولقد کان أبی یقرأ الکتاب جمیعاً ، ولقد قال : إنّ من صلبی لنبیّا ، لوددت أنِّی أدرکت ذلک د.

ص: 468


1- کفایة الطالب : ص 406.
2- راجع الطرائف لسیّدنا ابن طاووس : ص 85 [ ص 302 - 303 ح 388 ] ، وضیاء العالمین لشیخنا أبی الحسن الشریف. (المؤلف)
3- الصلت : الشدید.

الزمان فآمنت به ، فمن أدرکه من ولدی فلیؤمن به.

قال الأمینی : أتری أنّ أبا طالب یروی ذلک عن أبیه مطمئنّا به؟ وینشّط رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم هذا التنشیط لأوّل یومه ، ویأمره بإشهار أمره والإشادة بذکر الله ، وهو مخبت بأنّه هو ذلک النبیّ الموعود بلسان أبیه والکتب السالفة ، ویتکهّن بخضوع العرب له ، أتراه سلام الله علیه یأتی بهذه کلّها ثمّ لا یؤمن به؟ إن هذا إلاّ اختلاق.

5 - أبو طالب وفقده النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم :

ذکر ابن سعد الواقدی فی الطبقات الکبری (1) (1 / 186) طبع مصر و (ص 135) طبع لیدن حدیث ممشی قریش إلی أبی طالب فی أمره صلی الله علیه وآله وسلم إلی أن قال : فاشمأزّوا ونفروا منها - یعنی من مقالة محمد - وغضبوا وقاموا وهم یقولون : اصبروا علی آلهتکم ، إنّ هذا لشیء یُراد ، ویقال المتکلّم بهذا عقبة بن أبی معیط. وقالوا : لا نعود إلیه أبداً ، وما خیرٌ من أن نغتال محمداً. فلمّا کان مساء تلک اللیلة فقد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وجاء أبو طالب وعمومته إلی منزله فلم یجدوه ، فجمع فتیاناً من بنی هاشم وبنی المطلّب ثمّ قال : لیأخذ کلّ واحد منکم حدیدة صارمة ، ثمّ لیتبعنی إذا دخلت المسجد ، فلینظر کلّ فتی منکم فلیجلس إلی عظیم من عظمائهم فیهم ابن الحنظلیة - یعنی أبا جهل - فإنّه لم یغب عن شرّ إن کان محمد قد قُتل ، فقال الفتیان : نفعل ، فجاء زید بن حارثة فوجد أبا طالب علی تلک الحال ؛ فقال : یا زید أحسست ابن أخی؟ قال : نعم کنت معه آنفاً. فقال أبو طالب : لا أدخل بیتی أبداً حتی أراه ؛ فخرج زید سریعاً حتی أتی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وهو فی بیت عند الصفا ومعه أصحابه یتحدّثون ، فأخبره الخبر ، فجاء رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إلی أبی طالب ، فقال : یا بن أخی أین کنت؟ أکنت فی خیر؟ قال : نعم. قال : ادخل بیتک ، فدخل

ص: 469


1- الطبقات الکبری : 1 / 202 - 203.

رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم. فلمّا أصبح أبو طالب غدا علی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ، فأخذ بیده فوقف به علی أندیة قریش ومعه الفتیان الهاشمیّون والمطّلبیّون فقال : یا معشر قریش هل تدرون ما هممت به؟ قالوا : لا. فأخبرهم الخبر ، وقال للفتیان : اکشفوا عمّا فی أیدیکم فکشفوا ، فإذا کلّ رجل منهم معه حدیدة صارمة. فقال : والله لو قتلتموه ما بقیت منکم أحداً. حتی نتفانی نحن وأنتم ، فانکسر القوم وکان أشدّهم انکساراً أبو جهل.

** لفظ آخر :

وأخرج الفقیه الحنبلی إبراهیم بن علیّ بن محمد الدینوری فی کتابه نهایة الطلب (1) بإسناده عن عبد الله بن المغیرة بن معقب ، قال : فقد أبو طالب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فظنّ أنّ بعض قریش اغتاله فقتله ، فبعث إلی بنی هاشم فقال : یا بنی هاشم أظنّ أنّ بعض قریش اغتال محمداً فقتله ، فلیأخذ کلّ واحد منکم حدیدة صارمة ولیجلس إلی جنب عظیم من عظماء قریش ، فإذا قلت : أبغی محمداً. قتل کلّ منکم الرجل الذی إلی جانبه. وبلغ رسول الله جمع أبی طالب وهو فی بیت عند الصفا ، فأتی أبا طالب وهو فی المسجد ، فلمّا رآه أبو طالب أخذ بیده ثمّ قال : یا معشر قریش ، فقدت محمداً فظننت أنّ بعضکم اغتاله فأمرت کلّ فتی شهد من بنی هاشم أن یأخذ حدیدةً ویجلس کلّ واحد منهم إلی عظیم منکم ، فإذا قلت : أبغی محمداً قتل کلّ واحد منهم الرجل الذی إلی جنبه ، فاکشفوا عمّا فی أیدیکم یا بنی هاشم فکشف بنو هاشم عمّا فی أیدیهم فنظرت قریش إلی ذلک فعندها هابت قریش رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، ثمّ أنشأ أبو طالب :

ألا أبلغ قریشاً حیث حلّت

وکلّ سرائر منها غرورف)

ص: 470


1- راجع الطرائف لسیّدنا ابن طاووس : ص 85 [ ص 303 ح 389 ]. (المؤلف)

فإنّی والضوابحُ عادیاتٌ (1)

وما تتلو السفاسرة الشهور (2)

لآلِ محمدٍ راعٍ حفیظٌ

وودّ الصدر منِّی والضمیرُ

فلستُ بقاطعٍ رحمی وولدی

ولو جرّت مظالمها الجزورُ

أیأمر جمعُهم أبناءَ فهرٍ

بقتل محمدٍ والأمرُ زورُ

فلا وأبیک لا ظفرتْ قریشٌ

ولا أمَّت رشاداً إذ تشیرُ

بُنیّ أخی ونوطُ القلبِ منِّی

وأبیضُ ماؤه غدقٌ کثیرُ

ویشرب بعده الولدان ریّا

وأحمد قد تضمّنه القبورُ

أیا بن الأنف أنف بنی قصیّ (3)

کأنَّ جبینَکَ القمرُ المنیرُ

لفت نظر : قال شیخنا العلاّمة المجلسی فی البحار (4) (9 / 31) : روی جامع الدیوان - یعنی دیوان أبی طالب - نحو هذا الخبر مرسلاً ثمّ ذکر الأشعار هکذا ...

فذکر الأشعار وفیها زیادة عشرین بیتاً علی ما ذکر ، وهی لا توجد فی الدیوان المطبوع لسیّدنا أبی طالب.

لفظ ثالث :

وقال السیّد فخار بن معد فی کتابه الحجّة (5) (ص 61) : وأخبرنی الشیخ الحافظ أبو الفرج عبد الرحمن بن محمد ابن الجوزی المحدّث البغدادی - وکان ممّن یری کفر أبی طالب ویعتقده - بواسط العراق سنة إحدی وتسعین وخمسمائة بإسناد له إلی الواقدی ،4.

ص: 471


1- فی تاج العروس : 3 / 272 : فإنّی والسوابح کلّ یوم. وفی ص 320 : فإنّی والضوابح کلّ یوم(المؤلف)
2- السفاسرة : أصحاب الأسفار وهی الکتب. الشهور : العلماء جمع الشهر. کذا فسّر البیت کما فی تاج العروس : 3 / 272 ، 320. (المؤلف)
3- الأنف : السیّد. (المؤلف)
4- بحار الأنوار : 35 / 149 ح 85.
5- الحجّة علی الذاهب إلی تکفیر أبی طالب : ص 254.

قال : کان أبو طالب بن عبد المطّلب لا یغیب صباح النبیّ ولا مساءه ، ویحرسه من أعدائه ویخاف أن یغتالوه ، فلمّا کان ذات یوم فقده فلم یره ، وجاء المساء فلم یره ، وأصبح الصباح فطلبه فی مظانّه فلم یجده فلزم أحشاءه ، وقال : وا ولداه ، وجمع عبیده ومن یلزمه فی نفسه فقال لهم : إنّ محمداً قد فقدته فی أمسنا ویومنا هذا ولا أظنّ إلاّ أنّ قریشاً قد اغتالته وکادته ، وقد بقی هذا الوجه ما جئته ، وبعید أن یکون فیه. واختار من عبیده عشرین رجلاً ، فقال : امضوا وأعدّوا سکاکین ولیمض کلّ رجل منکم ولیجلس إلی جنب سیّد من سادات قریش ، فان أتیت ومحمد معی فلا تُحدثُنّ أمراً وکونوا علی رسلکم حتی أقف علیکم ، وإن جئت وما محمد معی فلیضرب کلّ منکم الرجل الذی إلی جانبه من سادات قریش. فمضوا وشحذوا سکاکینهم حتی رضوها ، ومضی أبو طالب فی الوجه الذی أراده ومعه رهطه من قومه فوجده فی أسفل مکّة قائماً یصلّی إلی جنب صخرة فوقع علیه وقبّله وأخذ بیده وقال : یا بن أخ قد کدت أن تأتی علی قومک ، سر معی ، فأخذ بیده وجاء إلی المسجد وقریش فی نادیهم جلوس عند الکعبة ، فلمّا رأوه قد جاء ویده فی ید النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم قالوا : هذا أبو طالب قد جاءکم بمحمد إنّ له لشأناً ، فلمّا وقف علیهم والغضب فی وجهه قال لعبیده : أبرزوا ما فی أیدیکم فأبرز کلّ واحد منهم ما فی یده. فلمّا رأوا السکاکین قالوا : ما هذا یا أبا طالب؟ قال : ما ترون ؛ إنِّی طلبت محمداً فلم أره منذ یومین فخفت أن تکونوا کدتموه ببعض شأنکم ، فأمرت هؤلاء أن یجلسوا حیث ترون وقلت لهم : إن جئت ولیس محمد معی فلیضرب کلّ منکم صاحبه الذی إلی جنبه ولا یستأذنّی فیه ، ولو کان هاشمیّا ، فقالوا : وهل کنت فاعلاً؟ فقال : أی وربّ هذه وأومی إلی الکعبة ، فقال له المطعم بن عدی بن نوفل بن عبد مناف وکان من أحلافه : لقد کدت تأتی علی قومک؟ قال هو ذلک. ومضی به وهو یقول :

اذهب بُنیَّ فما علیک غضاضةٌ

اذهب وقرَّ بذاک منک عیونا

ص: 472

والله لن یصلوا إلیک بجمعِهمْ

حتی أُوسَّدَ فی التراب دفینا

ودعوتنی وعلمت أنّک ناصحی

ولقد صدقتَ وکنتَ قبلُ أمینا

وذکرت دیناً لا محالة أنَّه

من خیرِ أدیان البریّة دینا (1)

فرجعت قریش علی أبی طالب بالعتب والاستعطاف وهو لا یحفل بهم ولا یلتفت إلیهم.

قال الأمینی : هذا شیخ الأبطح یروقه أن یُضحّی کلّ قومه دون نبیّ الإسلام وقد تأهّب لأن یطأ القومیّات کلّها والأواصر المتّشجة بینه وبین قریش بأخمص الدین ، فحیّاها الله من عاطفة إلهیّة ، وآصرة دینیّة هی فوق أواصر الرحم.

6 - أبو طالب فی بدء الدعوة :

لمّا نزلت : (وَأَنْذِرْ عَشِیرَتَکَ الْأَقْرَبِینَ) (2). خرج رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فصعد علی الصفا فهتف : یا صباحاه. فاجتمعوا إلیه ، فقال : «أرأیتکم لو أخبرتکم أنّ خیلاً تخرج بسفح الجبل أکنتم مصدّقی؟» قالوا : نعم ما جرّبنا علیک کذباً. قال : «فإنّی نذیر لکم بین یدی عذاب شدید». فقال أبو لهب : تبّا لک ، أما جمعتنا إلاّ لهذا؟ ثمّ أحضر قومه فی داره ، فبادره أبو لهب وقال : هؤلاء هم عمومتک وبنو عمّک فتکلّم ودع الصبأة (3) واعلم أنّه لیس لقومک بالعرب قاطبة طاقة ، وأنّ أحقّ من أخذک فحبسک بنو أبیک ، وإن أقمت ما أنت علیه فهو أیسر علیهم من أن ینبّ لک بطون قریش ، وتمدّهم العرب ، فما رأیت أحداً جاء علی بنی أبیه بشرّ ممّا جئتهم به. فسکت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ولم یتکلّم. ف)

ص: 473


1- راجع ما أسلفناه : ص 334. (المؤلف)
2- مرّ حدیثها فی الجزء الثانی : ص 278. (المؤلف)
3- الصبأ : الخروج من دین إلی دین آخر. (المؤلف)

ثمّ دعاهم ثانیة وقال : «الحمد لله أحمده وأستعینه وأؤمن به وأتوکّل علیه ، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شریک له. ثمّ قال : إنّ الرائد لا یکذب أهله ، والله الذی لا إله إلاّ هو إنّی رسول الله إلیکم خاصّة وإلی الناس عامّة ، والله لتموتُنّ کما تنامون ، ولتبعثُنّ کما تستیقظون ، ولتحاسبُنّ بما تعملون ، وإنّها الجنّة أبداً والنار أبداً».

فقال أبو طالب : ما أحبّ إلینا معاونتک ، وأقبلنا لنصیحتک ، وأشدّ تصدیقنا لحدیثک ، وهؤلاء بنو أبیک مجتمعون وإنّما أنا أحدهم غیر أنّی أسرعهم إلی ما تحبّ ، فامض لما أُمرت به ، فو الله لا أزال أحوطک وأمنعک ، غیر أنّ نفسی لا تطاوعنی علی فراق دین عبد المطّلب (1).

قال الأمینی : لم یکن دین عبد المطّلب سلام الله علیه إلاّ دین التوحید والإیمان بالله ورسله وکتبه غیر مشوب بشیء من الوثنیّة ، وهو الذی کان یقول فی وصایاه : إنّه لن یخرج من الدنیا ظلوم حتی ینتقم منه وتصیبه عقوبة. إلی أن هلک ظلوم لم تصبه عقوبة. فقیل له فی ذلک ، ففکّر فی ذلک ، فقال : والله إنّ وراء هذه الدار داراً یجزی فیها المحسن بإحسانه ، ویعاقب المسیء باساءته ، وهو الذی قال لأبرهة : إنّ لهذا البیت ربّا یدبّ عنه ویحفظه ، وقال وقد صعد أبا قبیس :

لاهُمَّ إنَّ المرء یم

نع حلّه فامنع حلالکْ

لا یغلبنَّ صلیبهم

ومحالهم عدوا محالکْ

فانصر علی آل الصلی

ب وعابدیه الیوم آلکْ

إن کنت تارکهم وکع

بتنا فأمرٌ ما بدا لکْ (2)ف)

ص: 474


1- الکامل لابن الأثیر : 2 / 24 [ 1 / 486 ]. (المؤلف)
2- الملل والنحل للشهرستانی هامش الفصل : 3 / 224 [ 2 / 249 ] ، الدرج المنیفة للسیوطی : ص 15 مسالک الحنفاء : ص 37. (المؤلف)

ویعرب عن تقدّمه فی الإیمان الخالص والتوحید الصحیح انتماء رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إلیه ومباهاته به یوم حنین بقوله :

أنا النبیّ لا کذب

أنا ابن عبد المطلب (1)

وقد أجَاد الحافظ شمس الدین بن ناصر الدین الدمشقی فی قوله :

تنقّل أحمدٌ نوراً عظیماً تلالا

فی جباه الساجدینا

تقلّب فیهمُ قرناً فقرناً

إلی أن جاء خیرُ المرسلینا (2)

وهذا هو الذی أراده أبو طالب - سلام الله علیه - بقوله : نفسی لا تطاوعنی علی فراق دین عبد المطّلب. وهو صریح بقیّة کلامه ، وقد أراد بهذا السیاق التعمیة علی الحضور لئلاّ یناصبوه العداء بمفارقتهم ، وهذا السیاق من الکلام من سنن العرب فی محاوراتهم ، قد یریدون به التعمیة ، وقد یراد به التأکید للمعنی المقصود کقول الشاعر :

ولا عیبَ فیهم غیر أنّ سیوفهم

بهنَّ فلولٌ من قراع الکتائبِ

ولو لم یکن لسیّدنا أبی طالب إلاّ موقفه هذا لکفی بمفرده فی إیمانه الثابت ، وإسلامه القویم ، وثباته فی المبدأ.

قال ابن الأثیر (3) : فقال أبو لهب : هذه والله السوء (4) ، خذوا علی یدیه قبل أن یأخذ غیرکم ، فقال أبو طالب : والله لنمنعنّه ما بقینا. وفی السیرة الحلبیّة (5) (1 / 304) : إنّ الدعوة کانت فی دار أبی طالب. 5.

ص: 475


1- طبقات ابن سعد طبع مصر رقم التسلسل ص 665 [ 2 / 151 ] ، تاریخ الطبری : [ 3 / 76 حوادث سنة 8 ه ]. (المؤلف)
2- مسالک الحنفاء للسیوطی : ص 40 ، الدرج المنیفة ص 14. (المؤلف)
3- الکامل فی التاریخ : 1 / 487.
4- فی المصدر : السوأة.
5- السیرة الحلبیّة : 1 / 285.

قال عقیل بن أبی طالب : جاءت قریش إلی أبی طالب فقالوا : إنّ ابن أخیک یؤذینا فی نادینا وفی کعبتنا وفی دیارنا ویُسمعنا ما نکره ، فإن رأیت أن تکفّه عنّا فافعل. فقال لی : یا عقیل التمس لی ابن عمّک. فأخرجته من کِبْس (1) من کباس أبی طالب. فجاء یمشی معی یطلب الفیء یطأ فیه لا یقدر علیه ، حتی انتهی إلی أبی طالب فقال : یا بن أخی والله لقد کنت لی مطیعاً ، جاء قومک یزعمون أنّک تأتیهم فی کعبتهم وفی نادیهم فتؤذیهم وتسمعهم ما یکرهون ، فإن رأیت أن تکفّ عنهم. فحلّق بصره إلی السماء وقال : والله ما أنا بقادر أن أردّ ما بعثنی به ربّی ، ولو أن یشعل أحدهم من هذه الشمس ناراً. فقال أبو طالب : والله ما کذب قطّ ، فارجعوا راشدین.

قال الأمینی : هکذا أخرجه البخاری فی تاریخه (2) بإسناد رجاله کلّهم ثقات ، وبهذا اللفظ ذکره المحبّ الطبری فی ذخائر العقبی (ص 223). غیر أنّ ابن کثیر لمّا رأی لکلمة : راشدین. قیمة فی إیمان أبی طالب حذفها فی تاریخه (3) (3 / 42). حیّا الله الأمانة!

وأخرج ابن سعد فی الطبقات الکبری (4) (1 / 171) حدیث الدعوة عن علیّ وفیه : «ثمّ قال لهم صلی الله علیه وآله وسلم : من یؤازرنی علی ما أنا علیه ویجیبنی علی أن یکون أخی وله الجنّة؟ فقلت : أنا یا رسول الله ، وإنّی لأحدثهم سنّا ، وأحمشهم ساقاً. وسکت القوم ، ثمّ قالوا : یا أبا طالب ألا تری ابنک؟ قال : دعوه فلن یألو (5) ابن عمّه خیرا».

وروی أبو عمرو الزاهد الطبری عن تغلب عن ابن الأعرابی أنّه قال فی لغة - العور - إنّه الردیّ من کلّ شیء قال : ومن العور ما فی روایة ابن عبّاس. ثمّ ذکر ف)

ص: 476


1- الکِبس : البیت الصغیر.
2- التاریخ الکبیر : 7 / 50 رقم 230.
3- البدایة والنهایة : 3 / 55.
4- الطبقات الکبری : 1 / 187.
5- یألو : یقصّر. (المؤلف)

حدیث علیّ علیه السلام بطوله إلی أن قال : قال : «فلمّا أراد النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم أن یتکلّم اعترضه أبو لهب ، فتکلّم بکلمات وقال : قوموا. فقاموا وانصرفوا. قال : فلمّا کان من الغد أمرنی فصنعت مثل ذلک الطعام والشراب ودعوتهم فأقبلوا ودخلوا فأکلوا وشربوا ، فقام رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لیتکلّم فاعترضه أبو لهب فقال له أبو طالب : اسکت یا أعور ما أنت وهذا؟ ثمّ قال : لا یقومنّ أحد. قال : فجلسوا ثمّ قال للنبیّ صلی الله علیه وآله وسلم : قم یا سیّدی فتکلّم بما تحبّ وبلّغ رسالة ربّک فإنّک الصادق المصدّق».

وإلی هذا الحدیث وکلمة أبی طالب - اسکت یا أعور ما أنت وهذا؟ - وقع الإیعاز فی النهایة لابن الأثیر (1) (3 / 156) ، والفائق للزمخشری (2) (2 / 98) نقلاً عن ابن الأعرابی ، وفی لسان العرب (3) (6 / 294) ، تاج العروس (3 / 428).

قال الأمینی : أیّ کافر طاهر هذا سلام الله علیه وهو یدافع عن الإسلام المقدّس بکلّ حوله وطوله ، ویسلق رجال قومه بلسان حدید ، ویحضّ النبیّ الأعظم علی الدعوة وتبلیغ رسالته عن ربّه ، ویراه الصادق المصدّق؟.

7 - قول أبی طالب لعلیّ : الزم ابن عمّک :

قال ابن إسحاق : ذکر بعض أهل العلم أنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم کان إذا حضرت الصلاة خرج إلی شعاب مکّة وخرج معه علیّ بن أبی طالب مستخفیاً من أبیه أبی طالب ومن جمیع أعمامه وسائر قومه ، فیصلّیان الصلوات فیها ، فاذا أمسیا رجعا فمکثا کذلک ما شاء الله أن یمکثا ، ثمّ إنّ أبا طالب عثر علیهما یوماً وهما یصلّیان ، فقال لرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : یا بن أخی ما هذا الدین الذی أراک تدین به؟ قال : «أی عمّ هذا 9.

ص: 477


1- النهایة : 3 / 319.
2- الفائق : 3 / 37.
3- لسان العرب : 9 / 469.

دین الله ودین ملائکته ودین رسله ودین أبینا إبراهیم».

وذکروا أنّه قال لعلیّ : أی بُنیّ ما هذا الدین الذی أنت علیه؟ فقال : «یا أبت آمنت بالله وبرسول الله وصدّقته بما جاء به ، وصلّیت معه لله واتّبعته» فزعموا أنّه قال له : أما إنّه لم یدعُک إلاّ إلی خیر ، فالزمه. وفی لفظ عن علیّ : إنّه لمّا أسلم قال له أبو طالب : الزم ابن عمّک.

سیرة ابن هشام (1 / 265) ، تاریخ الطبری (2 / 214) ، تفسیر الثعلبی ، عیون الأثر (1 / 94) الإصابة (4 / 116) ، أسنی المطالب (ص 10) (1).

وفی شرح ابن أبی الحدید (2) (3 / 314) : روی عن علیّ قال : قال أبی : یا بنیّ الزم ابن عمّک فإنّک تسلم به من کلّ بأس عاجل وآجل. ثمّ قال لی :

إنّ الوثیقةَ فی لزوم محمدٍ

فاشدد بصحبته علی أیدیکا

فقال : ومن شعره المناسب لهذا المعنی قوله :

إنّ علیّا وجعفراً ثقتی

عند ملمّ الزمان والنوبِ

لا تخذلا وانصرا ابن عمّکما

أخی لأُمّی من بینهم وأبی

والله لا أخذل النبیّ ولا

یخذله من بنیّ ذو حسبِ

هذه الأبیات الثلاثة توجد فی دیوان أبی طالب (3) أیضاً (ص 36) وذکرها العسکری کتاب الأوائل (4) قال : إنّ أبا طالب مرّ بالنبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ومعه جعفر فرأی 5.

ص: 478


1- السیرة النبویّة : 1 / 263 ، تاریخ الأمم والملوک : 2 / 313 ، عیون الأثر : 1 / 125 ، أسنی المطالب : ص 17.
2- شرح نهج البلاغة : 14 / 75 کتاب 9.
3- دیوان أبی طالب : ص 94 - 95.
4- الأوائل : ص 75.

رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یصلّی وعلیّ معه ، فقال لجعفر : یا بنیّ صل جناح ابن عمّک. فقام إلی جنب علیّ ، فأحسّ النبیّ فتقدّمهما ، وأقبلوا علی أمرهم حتی فرغوا ، فانصرف أبو طالب مسروراً وأنشأ یقول :

إنَّ علیّا وجعفراً ثقتی

عند ملمِّ الزمان والنوبِ

وذکر أبیاتاً لم یذکرها ابن أبی الحدید ومنها :

نحن وهذا النبی ننصرُهُ

نضربُ عنه الأعداءَ کالشهبِ

وأخرج أبو بکر الشیرازی فی تفسیره : أنّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم لمّا أُنزِل علیه الوحی أتی المسجد الحرام وقام یصلّی فیه ، فاجتاز به علیّ علیه السلام وکان ابن تسع سنین فناداه : یا علیّ إلیّ أقبل. فأقبل إلیه ملبّیاً فقال له النبیّ : «إنّی رسول الله إلیک خاصّة وإلی الخلق عامّة فقف عن یمینی وصلّ معی». فقال : «یا رسول الله حتی أمضی وأستأذن أبا طالب والدی» ؛ فقال له : «اذهب فإنّه سیأذن لک» ، فانطلق إلیه یستأذنه فی اتّباعه ، فقال : یا ولدی تعلم أنّ محمداً أمین الله منذ کان ، امض إلیه واتّبعه ترشد وتفلح. فأتی علیّ علیه السلام ورسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قائم یصلّی فی المسجد ، فقام عن یمینه یصلّی معه ، فاجتاز أبو طالب بهما وهما یصلّیان فقال : یا محمد ما تصنع؟ قال : «أعبد إله السموات والأرض ومعی أخی علیّ یعبد ما أعبد وأنا أدعوک إلی عبادة الواحد القهّار» فضحک أبو طالب حتی بدت نواجده وأنشأ یقول :

والله لن یصلوا إلیک بجمعِهمْ

حتی أُغیّبَ فی الترابِ دفینا

إلی آخر الأبیات التی أسلفناها (ص 334).

8 - قول أبی طالب : صل جناح ابن عمّک :

أخرج ابن الأثیر : أنّ أبا طالب رأی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وعلیّا یصلّیان وعلیّ علی

ص: 479

یمینه ، فقال لجعفر رضی الله تعالی عنه : صل جناح ابن عمّک ، وصلّ عن یساره ، وکان إسلام جعفر بعد إسلام أخیه علیّ بقلیل. وقال أبو طالب :

فصبراً أبا یعلی علی دین أحمدٍ

وکن مظهراً للدین وُفِّقت صابرا

وحط من أتی بالحقِّ من عند ربِّه

بصدقٍ وعزمٍ لا تکن حمزُ کافرا

فقد سرّنی إذ قلت إنَّک مؤمنٌ

فکن لرسول الله فی الله ناصرا

وبادِ قریشاً بالذی قد أتیته

جهاراً وقل ما کان أحمد ساحرا

أُسد الغابة (1) (1 / 287) ، شرح ابن أبی الحدید (2) (3 / 315) ، الإصابة (4 / 116) ، السیرة الحلبیّة (3) (1 / 286) ، أسنی المطالب (4) (ص 6) وقال : قال البرزنجی : تواترت الأخبار أنّ أبا طالب کان یحبّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ویحوطه وینصره ویعینه علی تبلیغ دینه ویُصدّقه فیما یقوله ؛ ویأمر أولاده کجعفر وعلیّ باتّباعه ونصرته.

وقال فی (ص 10) : قال البرزنجی : هذه الأخبار کلّها صریحة فی أنّ قلبه طافح وممتلئ بالإیمان بالنبیّ صلی الله علیه وآله وسلم.

9 - أبو طالب وحنوّه علی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم :

قال أبو جعفر محمد بن حبیب رحمه الله فی أمالیه : کان أبو طالب إذا رأی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أحیاناً یبکی وبقول : إذا رأیته ذکرت أخی ، وکان عبد الله أخاه لأبویه ، وکان شدید الحبّ والحنوّ علیه ، وکذلک کان عبد المطّلب شدید الحبّ له ، وکان أبو طالب کثیراً ما یخاف علی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم البیات إذا عرف مضجعه ، فکان یقیمه لیلاً من 7.

ص: 480


1- أُسد الغابة : 1 / 341 رقم 759.
2- شرح نهج البلاغة : 14 / 76 کتاب 9.
3- السیرة الحلبیّة : 1 / 269.
4- أسنی المطالب : ص 10 و 17.

منامه ویضجع ابنه علیّا مکانه ، فقال له علیّ لیلة : «یا أبت إنّی مقتول» ، فقال له :

أصبرن یا بنیَّ فالصبر أحجی

کلُّ حیٍّ مصیرُه لشعوبِ

قد بذلناک والبلاءُ شدیدٌ

لفداء الحبیبِ وابنِ الحبیبِ

لفداءِ الأغرِّ ذی الحسب الثا

قب والباعِ والکریمِ النجیبِ

إن تُصِبکَ المنونُ فالنبلُ تبری (1)

فمصیبٌ منها وغیرُ مصیبِ

کلُّ حیٍّ وإن تملّی بعمرٍ (2)

آخذٌ من مذاقها بنصیبِ

فأجاب علیّ بقوله :

أتأمرنی بالصبرِ فی نصرِ أحمدٍ

وواللهِ ما قلتُ الذی قلتُ جازعا

ولکنَّنی أحببت أن ترَی نصرتی

وتعلمَ أنِّی لم أزل لک طائعا

سأسعی لوجهِ اللهِ فی نصرِ أحمدٍ

نبیِّ الهدی المحمودِ طفلاً ویافعا

وذکره ابن أبی الحدید (3) نقلاً عن الأمالی (3 / 310) وهناک تصحیف فی البیت الثانی والثالث من أبیات أبی طالب صحّحناه من طبقات السیّد علی خان الناقل عن شرح ابن أبی الحدید المخطوط ، وذکر القصّة أبو علی الموضّح العمری العلوی کما فی کتابه الحجّة (4) (ص 69).

قال الأمینی : إنّ القرابة والرحم تبعثان إلی المحاماة إلی حدّ محدود ، لکنّه إذا بلغت حدّ التضحیة بولد کأمیر المؤمنین هو أحب العالمین إلی والده ، فهناک یقف التفانی 5.

ص: 481


1- فی بعض المصادر : تتری. (المؤلف)
2- فی مصادر مخطوطة عتیقة : کلّ حیّ وإن تطاول عمراً. (المؤلف)
3- شرح نهج البلاغة : 14 / 64 کتاب 9.
4- الحجّة علی الذاهب إلی تکفیر أبی طالب : ص 275.

علی موقفه ، فلا یستسهل الوالد أن یعرض ابنه علی القتل کلّ لیلة فینیمه علی فراش المفدّی ، ویستعوض منه ابن أخیه ، إلاّ أن یکون مندفعاً إلی ذلک بدافع دینیّ وهو معنی اعتناق أبی طالب للدین الحنیف ، وهو الذی تعطیه المحاورة الشعریّة بین الوالد والولد فتری الولد یصارح بالنبوّة ، فلا ینکر علیه الوالد بأنّ هذا التهالک لیس إلاّ بدافعٍ قومیٍّ ، غیر فاتر عن حضِّ ابنه علی ما یبتغیه من النصرة ولا متثبّط عن النهوض بها. فسلام الله علی والد وما ولد.

10 - أبو طالب وابن الزبعری :

قال القرطبی فی تفسیره (1) (ص 406) : روی أهل السیر قال : کان النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم قد خرج إلی الکعبة یوماً وأراد أن یصلّی ، فلمّا دخل فی الصلاة قال أبو جهل لعنه الله : من یقوم إلی هذا الرجل فیفسد علیه صلاته؟ فقام ابن الزبعری فأخذ فرثاً ودماً فلطخ به وجه النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فانفتل النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم من صلاته ، ثمّ أتی أبا طالب عمّه فقال : «یا عمّ ألا تری إلی ما فُعِلَ بی؟» فقال أبو طالب : من فعل هذا بک؟ فقال النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم : «عبد الله بن الزبعری». فقام أبو طالب ووضع سیفه علی عاتقه ومشی معه حتی أتی القوم ، فلمّا رأوا أبا طالب قد أقبل جعل القوم ینهضون ؛ فقال أبو طالب : والله لئن قام رجل لجللته بسیفی فقعدوا حتی دنا إلیهم ، فقال : یا بُنیّ من الفاعل بک هذا؟ فقال : «عبد الله بن الزبعری» ؛ فأخذ أبو طالب فرثاً ودماً فلطّخ به وجوههم ولحاهم وثیابهم ، وأساء لهم القول.

حدیث موقف أبی طالب هذا یوجد فی غیر واحد من کتب القوم وقد لعبت به أیدی الهوی ، وسنوقفک إن شاء الله علی حقّ القول فیه تحت عنوان : أبو طالب فی الذکر الحکیم (2). 6.

ص: 482


1- الجامع لأحکام القرآن : 6 / 261.
2- الغدیر : 8 / 11 - 36.

11 - سیّدنا أبو طالب وقریش :

قال ابن إسحاق : لمّا بادی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قومه بالإسلام ، وصدع به کما أمره الله لم یبعد منه قومه ولم یردّوا علیه ، فیما بلغنی ، حتی ذکر آلهتهم وعابها. فلمّا فعل ذلک أعظموه وناکروه ، وأجمعوا خلافه وعداوته ، إلاّ من عصم الله تعالی منهم بالإسلام وهم قلیل مستخفون ، وحَدِب (1) علی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم عمّه أبو طالب ومنعه وقام دونه ، ومضی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم علی أمر الله مظهراً لأمره ، لا یردّه عنه شیء.

وقال : إنّ قریشاً حین قالوا لأبی طالب هذه المقالة بعث إلی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فقال له : یا ابن أخی إنّ قومک جاءونی فقالوا لی کذا وکذا ، فأبق علیّ وعلی نفسک ، ولا تحمّلنی من الأمر ما لا أُطیق ، قال : فظنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أنّه قد بدا لعمّه فیه بداء ، وأنّه خاذله ومسلمه ، وأنّه قد ضعف عن نصرته والقیام معه ، قال : فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «یا عمّ والله لو وضعوا الشمس فی یمینی ، والقمر فی یساری علی أن أترک هذا الأمر حتی یظهره الله أو أهلک فیه ما ترکته». قال : ثمّ استعبر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فبکی ثمّ قام ، فلمّا ولّی ناداه أبو طالب ، فقال : أقبل یا ابن أخی. قال : فأقبل علیه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فقال : اذهب یا بن أخی فقل ما أحببت فو الله لا أسلمک لشیء أبداً.

ثمّ إنّ قریشاً حین عرفوا أنّ أبا طالب قد أبی خذلان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وإسلامه وإجماعه لفراقهم فی ذلک وعداوتهم مشوا إلیه بعمارة بن الولید بن المغیرة ، فقالوا له : یا أبا طالب هذا عمارة بن الولید أنهد فتیً فی قریش وأجمله ، فخذه فلک عقله ونصره ، واتّخذه ولداً فهو لک ، وأسلم إلینا ابن أخیک ، هذا الذی قد خالفک دینک ودین آبائک ف)

ص: 483


1- حدب : عطف علیه ومنع له. (المؤلف)

وفرّق جماعة قومک ، وسفّه أحلامهم ، فنقتله ، فإنّما هو رجل برجل ، قال : والله لبئس ما تسوموننی ؛ أتعطوننی ابنکم أغذوه لکم وأعطیکم ابنی تقتلونه؟ هذا والله ما لا یکون أبدا. قال : فقال المطعم بن عدیّ بن نوفل : والله یا أبا طالب لقد أنصفک قومک وجهدوا علی التخلّص ممّا تکرهه ، فما أراک ترید أن تقبل منهم شیئاً ، فقال أبو طالب لمطعم : والله ما أنصفونی ، ولکنّک قد أجمعت خذلانی ومظاهرة القوم علیّ فاصنع ما بدا لک أو کما قال.

قال : فحقب الأمر ، وحمیت الحرب ، وتنابذ القوم ، وبادی بعضهم بعضاً ، فقال أبو طالب عند ذلک یعرض بالمطعم بن عدیّ ویعمّ من خذله من عبد مناف ومن عاداه من قبائل قریش ؛ ویذکر ما سألوه وما تباعد من أمرهم :

ألا قل لعمرو والولید ومطعمٍ

ألا لیت حظِّی من حیاطتکم بَکرُ (1)

من الخورِ حبحابٌ کثیرٌ رُغاؤه

یرشُّ علی الساقین من بوله قطرُ (2)

تخلّف خلف الورد لیس بلاحقٍ

إذا ما علا الفیفاء قیل له وَبرُ (3)

أری أخوینا من أبینا وأُمِّنا

إذا سُئلا قالا إلی غیرنا الأمرُ

بلی لهما أمرٌ ولکن تجرجما

کما جرجمت من رأس ذی علقٍ صخرُ (4)

أخصّ خصوصاً عبدَ شمسٍ ونوفلاً

هما نبذانا مثل ما یُنبَذُ الجمرُ

هما أغمزا للقومِ فی أخویهما

فقد أصبحا منهم أکفّهما صِفرُ

هما أشرکا فی المجد من لا أبا له

من الناس إلاّ أن یُرسَّ له ذکرُ (5)ف)

ص: 484


1- البکر : الفتیّ من الإبل. (المؤلف)
2- الخور جمع أخوَر : الضعیف. حبحاب بالمهملتین : القصیر. ویروی بالجیمین المعجمتین : الکثیر الکلام. ویروی بالخاء المعجمة ومعناه : الضعیف. (المؤلف)
3- الفیفاء : الأرض القفر. وبر : دویبة علی قدر الهرّة. (المؤلف)
4- تجرجما : سقطا وانحدرا ، یقال : تجرجم الشیء إذا سقط. ذو علق : جبل فی دیار بنی أسد. (المؤلف)
5- یرسّ له ذکر : یذکر ذکراً خفیفاً. رسّ الحدیث : حدّث به فی خفاء. (المؤلف)

وتیمٌ ومخزومٌ وزهرةُ منهمُ

وکانوا لنا مولیً إذا بُنی النصرُ (1)

فو الله لا تنفکُّ منّا عداوةٌ

ولا منهمُ ما کان من نسلنا شفرُ (2)

فقد سفهت أحلامهم وعقولهم

وکانوا کجفرٍ بئس ما صنعت جفرُ

قال ابن هشام : ترکنا منها بیتین أقذع فیهما.

قال الأمینی : حذف ابن هشام منها ثلاثة أبیات لا تخفی علی أیِّ أحد غایته الوحیدة فیه ، وإنَّ الإنسان علی نفسه بصیرة ولو ألقی معاذیره ، ألا وهی :

وما ذاک إلاّ سؤدد خصّنا به

إلهُ العبادِ واصطفانا له الفخرُ

رجالٌ تمالوا حاسدین وبغضة

لأهل العلی فبینهمُ أبداً وترُ

ولیدٌ أبوه کان عبداً لجدِّنا

إلی علجةٍ زرقاء جال بها السحرُ

یرید به الولید بن المغیرة وکان من المستهزئین بالنبیِّ الأعظم ومن الذین مشوا إلی أبی طالب علیه السلام فی أمر النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وقد نزل قوله تعالی : (ذَرْنِی وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِیداً) (3) وکان یسمّی : الوحید فی قومه (4).

ثمّ قام أبو طالب - حین رأی قریشاً یصنعون ما یصنعون - فی بنی هاشم وبنی المطّلب فدعاهم إلی ما هو علیه من منع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم والقیام دونه فاجتمعوا إلیه وقاموا معه ، وأجابوه ما دعاهم ، إلیه ، إلاّ ما کان من أبی لهب عدوّ الله الملعون.

فلمّا رأی أبو طالب من قومه ما سرّه فی جهدهم معه وحدبهم علیه ؛ جعل یمدحهم ویذکر قدیمهم ؛ ویذکر فضل رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فیهم ، ومکانه منهم ، لیشدّ لهم ف)

ص: 485


1- فی سیرة ابن هشام : 1 / 287 : إذا بغی النصر.
2- شفر. أحد. یقال : ما بالدار شفر ، أی ما بها أحد. (المؤلف)
3- المدثر : 11.
4- الروض الأُنف : 1 / 173 [ 3 / 62 ] ، تفسیر البیضاوی : 2 / 562 [ 2 / 542 ] ، الکشاف : 3 / 230 [ 4 / 647 ] ، تاریخ ابن کثیر : 4 / 443 [ 3 / 78 ] ، تفسیر الخازن : 4 / 345 [ 4 / 328 ]. (المؤلف)

رأیهم ، ولیحدبوا معه علی أمره ؛ فقال :

إذا اجتمعت یوماً قریشٌ لمفخرٍ

فعبدُ منافٍ سرّها وصمیمها (1)

فإن حُصّلتْ أشرافُ عبدِ منافِها

ففی هاشمٍ أشرافُها وقدیمها

وإن فخرتْ یوماً فإنّ محمداً

هو المصطفی من سرِّها وکریمها

تداعت قریشٌ غثُّها وسمینُها

علینا فلم تظفر وطاشت حلومها (2)

وکنّا قدیماً لا نقرُّ ظُلامةً

إذا ما ثنوا صُعرَ الخدود نُقیمها (3)

ونحمی حماها کلَّ یومِ کریهةٍ

ونضرب عن أحجارها من یرومها

بنا انتعش العود الذواء وإنَّما

بأکنافنا تندی وتنمی أرومها (4)

سیرة ابن هشام (1 / 275 - 283) ، طبقات ابن سعد (1 / 186) ، تاریخ الطبری (2 / 218 - 221) ، دیوان أبی طالب (ص 24) ، الروض الأُنف (1 / 171 ، 172) ، شرح ابن أبی الحدید (3 / 306) ، تاریخ ابن کثیر (2 / 126 ، 258 ، و 3 / 42 ، 48 ، 49) ، عیون الأثر (1 / 99 ، 100) ، تاریخ أبی الفداء (1 / 117) ، السیرة الحلبیّة (1 / 306) ، أسنی المطالب (ص 15) فقال : هذه الأبیات من غرر مدائح أبی طالب للنبیّ صلی الله علیه وآله وسلم الدالّة علی تصدیقه إیّاه ، طلبة الطالب (ص 5 - 9) (5).8.

ص: 486


1- سرّها وصمیمها : خالصها وکریمها. یقال : فلان من سرّ قومه. أی : من خیارهم ولبابهم وأشرافهم. (المؤلف)
2- طاشت حلومها : ذهبت عقولها. (المؤلف)
3- ثنوا : عطفوا. صعر جمع أصعر : المائل. یقال : صعّر خده. أی أماله الی جهة کما یفعل المتکبّر. (المؤلف)
4- انتعش : ظهرت فیه الخضرة. الذواء : الیابس. الأکناف : النواحی. الأرومة : الأصل. (المؤلف)
5- السیرة النبویّة : 1 / 282 - 288 ، الطبقات الکبری : 1 / 202 ، تاریخ الأمم والملوک : 2 / 322 - 328 ، دیوان أبی طالب : ص 72 ، الروض الأُنف : 3 / 48 ، 60 ، شرح نهج البلاغة : 14 / 53 - 55 کتاب 9 ، البدایة والنهایة : 2 / 148 ، 317 ، ج 3 / 56 ، 64 ، 65 ، عیون الأثر : 1 / 131 - 133 ، السیرة الحلبیّة : 1 / 287 ، أسنی المطالب : ص 28.

12 - سیّد الأباطح وصحیفة قریش :

اجتمع قریش وتشاوروا أن یکتبوا کتاباً یتعاقدون فیه علی بنی هاشم وبنی المطّلب أن لا ینکحوا إلیهم ، ولا یبیعوا منهم شیئاً ولا یتبایعوا ، ولا یقبلوا منهم صلحاً أبداً ، ولا تأخذهم بهم رأفة حتی یسلموا رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم للقتل ، ویخلوا بینهم وبینه ، وکتبوه فی صحیفة بخطّ منصور بن عکرمة ، أو بخطِّ بغیض بن عامر ، أو بخط النضر ابن الحرث ، أو بخطّ هشام بن عمرو ، أو بخطّ طلحة بن أبی طلحة ، أو بخطّ منصور ابن عبد ، وعلّقوا منها صحیفة فی الکعبة هلال المحرّم سنة سبع من النبوّة ، وکان اجتماعهم بخیف بنی کنانة وهو المحصّب ، فانحاز بنو هشام وبنو المطّلب إلی أبی طالب ودخلوا معه فی الشعب إلاّ أبا لهب فکان مع قریش ، فأقاموا علی ذلک سنتین وقیل ثلاث سنین ، وإنّهم جهدوا فی الشعب حتی کانوا یأکلون الخبط (1) وورق الشجر.

قال ابن کثیر : کان أبو طالب مدّة إقامتهم بالشعب یأمره صلی الله علیه وآله وسلم فیأتی فراشه کلّ لیلة حتی یراه من أراد به شرّا وغائلة ، فإذا نام الناس أمر أحد بنیه أو إخوانه أو بنی عمّه أن یضطجع علی فراش المصطفی صلی الله علیه وآله وسلم ویأمر هو أن یأتی بعض فرشهم فیرقد علیها.

ثمّ إنّ الله تعالی أوحی إلی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم أنّ الأرضة أکلت جمیع ما فی الصحیفة من القطیعة والظلم فلم تدع سوی اسم الله فقط ، فأخبر النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم عمّه أبا طالب بذلک ، فقال : یا بن أخی أربّک أخبرک بهذا؟ قال : «نعم». قال : والثواقب ما کذبتنی قطّ. فانطلق فی عصابة من بنی هاشم والمطّلب حتی أتوا المسجد ، فأنکر قریش ذلک ، وظنّوا أنّهم خرجوا من شدّة البلاء لیسلموا إلیهم رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، فقال أبو طالب : ر.

ص: 487


1- الخَبَط : الورق المتساقط من الشجر.

یا معشر قریش جرت بیننا وبینکم أُمور لم تذکر فی صحیفتکم ، فأتوا بها ، لعلّ أن یکون بیننا وبینکم صلح ، وإنّما قال ذلک خشیة أن ینظروا فیها قبل أن یأتوا بها فأتوا بها وهم لا یشکّون أنّ أبا طالب یدفع إلیهم النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ، فوضعوها بینهم وقبل أن تفتح قالوا لأبی طالب : قد آن لکم أن ترجعوا عمّا أحدثتم علینا وعلی أنفسکم ، فقال : أتیتکم فی أمر هو نصف بیننا وبینکم ، إنّ ابن أخی أخبرنی - ولم یکذبنی - أنّ الله قد بعث علی صحیفتکم دابّة فلم تترک فیها إلاّ اسم الله فقط ، فإن کان کما یقول فأفیقوا عمّا أنتم علیه ، فو الله لا نسلمه حتی نموت من عند آخرنا. وإن کان باطلاً دفعناه إلیکم فقتلتم أو استحییتم! فقالوا : رضینا. ففتحوها فوجدوها کما قال صلی الله علیه وآله وسلم. فقالوا : هذا سحر ابن أخیک وزادهم ذلک بغیاً وعدوانا.

وإنّ أبا طالب قال لهم بعد أن وجدوا الأمر کما أخبر به صلی الله علیه وآله وسلم : علام نحصر ونحبس وقد بان الأمر وتبیّن أنّکم أولی بالظلم والقطیعة؟ ودخل هو ومن معه بین أستار الکعبة وقال : اللهمّ انصرنا علی من ظلمنا ، وقطع أرحامنا ، واستحلّ ما یحرم علیه منّا.

وعند ذلک مشت طائفة من قریش فی نقض تلک الصحیفة ، فقال أبو طالب :

ألا هل أتی بَحریَّنا (1) صنعُ ربِّنا

علی نأیهم والله بالناس أرودُ (2)

فیخبرهم أنَّ الصحیفة مُزّقت

وأن کلّ ما لم یرضَه اللهُ مفسدُ

تراوحها إفکٌ وسحرٌ مُجمَّعٌ

ولم یُلفَ سحرٌ آخرَ الدهرِ یصعدُ

تداعی لها من لیس فیها بقرقر

فطائرُها فی رأسِها یتردّدُ (3)ف)

ص: 488


1- یرید به من کان هاجر من المسلمین إلی الحبشة فی البحر. (المؤلف)
2- أرود : أرفق. (المؤلف)
3- القرقر : اللیّن السهل. وقال السهیلی : من لیس فیها بقرقر : أی لیس بذلیل. وطائرها : أی حظّها من الشؤم والشرّ ، وفی التنزیل (أَلَزمْناهُ طائِرَهُ فِی عُنُقهِ) الإسراء : 13. (المؤلف)

وکانت کفاءً وقعةٌ بأثیمةٍ

لیُقطَعَ منها ساعدٌ ومقلّدُ

ویظعن أهل المکّتین فیهربوا

فرائصُهم من خشیةِ الشرِّ ترعدُ

ویُترک حرّاثٌ یقلّب أمرَهُ

أیُتهِمُ فیها عند ذاک ویُنجدُ (1)

وتصعد بین الأخشبین کتیبةٌ

لها حُدُجٌ سهمٌ وقوسٌ ومرهدُ (2)

فمن ینشَ من حضّارِ مکةَ عزُّه

فعزّتنا فی بطن مکّة أتلدُ (3)

نشأنا بها والناسُ فیها قلائلٌ

فلم نَنفَکِکْ نزدادُ خیراً ونحمدُ

ونُطعمُ حتی یترکَ الناسُ فضلَهمْ

إذا جعلت أیدی المفیضین ترعدُ (4)

جزی الله رهطاً بالحجون تتابعوا (5)

علی ملأ یهدی لحزمٍ ویُرشدُ

قعوداً لدی خطم الحجون کأنَّهم

مقاولةٌ (6) بل هم أعزُّ وأمجدُ

أعان علیها کلُّ صقرٍ کأنَّه

إذا ما مشی فی رفرف الدرع أحردُ (7)

ألا إنَّ خیر الناس نفساً ووالداً

إذا عُدَّ ساداتُ البریّةِ أحمدُ

نبیُّ الإلهِ والکریم بأصله

وأخلاقه وهو الرشید المؤیَّدُ

جریءٌ علی جُلّی الخطوب کأنَّه

شهابٌ بکفّی قابس یتوقَّدُ (8)ف)

ص: 489


1- الحرّاث : المکتسب. یُتْهم : یأتی تهامة. یُنْجد : یأتی نجداً. (المؤلف)
2- الأخشبان : جبلان بمکة. المرهد : الرمح اللین. (المؤلف)
3- ینش : أی ینشأ بحذف الهمزة علی غیر قیاس. أتلد : أقدم. (المؤلف)
4- المفیضین : الضاربون بقداح المیسر. یرید سلام الله علیه : أنّهم یطعمون إذا بخل الناس. (المؤلف)
5- فی سیرة ابن هشام : تبایعوا. والمقصود بهم الأشخاص الذین سعوا فی نقض الصحیفة التی تعاهدت فیها قریش علی مقاطعة بنی هاشم.
6- المقاولة : الملوک. (المؤلف)
7- رفرف الدرع : ما فضل منها. أحرد : بطیء المشی لثقل الدرع. (المؤلف)
8- وفی روایة : حزیم علی جلّ الأُمور کأنّه شهاب بکفّی قابسٍ یتوقّد (المؤلف)

من الأکرمین من لؤیِّ بن غالبٍ

إذا سیم خسفاً وجهه یتربّدُ (1)

طویل النجاد (2) خارجٌ نصف ساقه

علی وجهه یُسقی الغمام ویسعدُ

عظیمُ الرماد سیّدٌ وابنُ سیّدٍ

یحضُّ علی مَقری الضیوف ویحشدُ

ویبنی لأبناءِ العشیرةِ صالحاً

إذا نحن طُفنا فی البلاد ویمهدُ

ألَظَّ (3) بهذا الصلح کلَّ مبرّا

عظیمِ اللواء أمره ثمّ یحمدُ

قضوا ما قضوا فی لیلهم ثمّ أصبحوا

علی مَهَلٍ وسائر الناس رُقّدُ

همُ رجّعوا سهلَ بنَ بیضاءَ راضیاً

وسُرَّ أبو بکر بها ومحمدُ (4)

متی شرک الأقوام فی جُلِّ أمرنا

وکنّا قدیماً قبلها نتودّدُ

وکنّا قدیماً لا نُقِرُّ ظُلامَةً

وندرک ما شئنا ولا نتشدّدُ

فیالَ قُصیٍّ هل لکم فی نفوسکم

وهل لکمُ فیما یجیء به غدُ

فإنّی وإیّاکم کما قال قائلٌ

لدیک البیان لو تکلّمتَ أسودُ (5)

طبقات ابن سعد (1 / 173 ، 192) ، سیرة ابن هشام (1 / 399 - 404) ، عیون الأخبار لابن قتیبة (2 / 151) ، تاریخ الیعقوبی (2 / 22) ، الاستیعاب ترجمة سهل بن بیضاء (2 / 570) ، صفة الصفوة (1 / 35) ، الروض الأُنف (1 / 231) ، خزانة الأدب للبغدادی (1 / 252) ، تاریخ ابن کثیر (3 / 84 ، 95 ، 97) ، عیون الأثر (1 / 127) ، ف)

ص: 490


1- سیم - بالبناء للمجهول - : کلف. الخسف : الذل. یتربّد : یتغیّر إلی السواد. (المؤلف)
2- النجاد : حمائل السیف. (المؤلف)
3- ألظّ : ألحّ ولزم. (المؤلف)
4- ذُکِر الشطر الثانی فی الدیوان هکذا : وسُرَّ إمامُ العالمین محمد. وسهل بن بیضاء صحابی أسلم بمکة وأخفی إسلامه ، وهو الذی مشی إلی النفر الذین قاموا فی شأن الصحیفة ، حتی اجتمع له منهم عدة تبرءوا منها وأنکروها.
5- أسود : جبل ، قتل فیه قتیل فلم یعرف قاتله ، فقال أولیاء المقتول : لدیک البیان لو تکلمت أسود. فذهب مثلاً. توجد فی دیوان أبی طالب [ ص 46 و 96 ] أبیات من هذه القصیدة غیر ما ذکر لم نجدها فی غیره. (المؤلف)

الخصائص الکبری (1 / 151) ، دیوان أبی طالب (ص 13) ، السیرة الحلبیّة (1 / 357 - 367) ، سیرة زینی دحلان هامش الحلبیّة (1 / 286 - 290) ، طلبة الطالب (ص 9 ، 15 ، 44) ، أسنی المطالب (ص 11 - 13) (1).

وذکر ابن الأثیر قصّة الصحیفة فی الکامل (2) (2 / 36) فقال : قال أبو طالب فی أمر الصحیفة وأَکْلِ الأرضة ما فیها من ظلم وقطیعة رحمٍ أبیاتاً ، منها :

وقد کان فی أمرِ الصحیفةِ عبرةٌ

متی ما یُخبَّرْ غائبُ القومِ یعجبُ

محا الله منها کفرَهمْ وعقوقَهمْ

وما نقموا من ناطق الحقِّ مُعرِبُ

فأصبح ما قالوا من الأمر باطلاً

ومن یختلق ما لیس بالحقِّ یکذبُ

13 - وصیّة أبی طالب عند موته :

عن الکلبی قال : لمّا حضرت أبا طالب الوفاة جمع إلیه وجوه قریش فأوصاهم فقال : یا معشر قریش أنتم صفوة الله من خلقه وقلب العرب ، فیکم السیّد المطاع ، وفیکم المقدام الشجاع ، الواسع الباع ، واعلموا أنَّکم لم تترکوا للعرب فی المآثر نصیباً إلاّ أحرزتموه ، ولا شرفاً إلاّ أدرکتموه ، فلکم بذلک علی الناس الفضیلة ، ولهم به إلیکم الوسیلة ، والناس لکم حرب وعلی حربکم إلب ، وإنی أوصیکم بتعظیم هذه البنیّة - یعنی الکعبة - فإنَّ فیها مرضاةً للربّ ، وقواماً للمعاش ، وثباتاً للوطأة ، صلوا أرحامکم ولا تقطعوها ، فإنّ صلة الرحم منسأة فی الأجل ، وزیادة فی العدد ، واترکوا7.

ص: 491


1- الطبقات الکبری : 1 / 188 ، 208 ، السیره النبویّة : 2 / 14 - 19 ، تاریخ الیعقوبی : 2 / 31 ، الاستیعاب : القسم الثانی / 660 رقم 1080 ، صفة الصفوة : 1 / 98 رقم 1 ، الروض الأُنف : 3 / 341 ، خزانة الأدب : 2 / 57 ، البدایة والنهایة : 3 / 106 ، 121 ، 122 ، عیون الأثر : 1 / 165 ، الخصائص الکبری : 1 / 249 ، دیوان أبی طالب : ص 45 - 46 ، السیرة الحلبیّة : 1 / 337 - 345 ، السیرة النبویّة : 1 / 137 ، أسنی المطالب : ص 19 - 22.
2- الکامل فی التاریخ : 1 / 504 - 507.

البغی والعقوق ففیهما هلکة القرون قبلکم ، أجیبوا الداعی ، وأعطوا السائل فإنّ فیهما شرف الحیاة والممات ، وعلیکم بصدق الحدیث ، وأداء الأمانة ، فإنّ فیهما محبّة فی الخاصّ ، ومکرمة فی العام.

وإنّی أوصیکم بمحمد خیراً فإنّه الأمین فی قریش ، والصدّیق فی العرب ، وهو الجامع لکلّ ما أوصیتکم به ، وقد جاءنا بأمر قَبِله الجنان ، وأنکره اللسان مخافة الشنآن ، وایم الله کأنّی أنظر إلی صعالیک العرب وأهل الأطراف والمستضعفین من الناس قد أجابوا دعوته ، وصدّقوا کلمته ، وعظّموا أمره ، فخاض بهم غمرات الموت ، وصارت رؤساء قریش وصنادیدها أذناباً ، ودورها خراباً ، وضعفاؤها أرباباً ، وإذا أعظمهم علیه أحوجهم إلیه ، وأبعدهم منه أحظاهم عنده ، قد محضته العرب ودادها ، وأصفت له فؤادها ، وأعطته قیادها ، دونکم یا معشر قریش ابن أبیکم ، کونوا له ولاةً ولحزبه حماةً ، والله لا یسلک أحد سبیله إلاّ رَشَد ، ولا یأخذ أحد بهدیه إلاّ سَعد ، ولو کان لنفسی مدّة ، وفی أجلی تأخیر ، لکففت عنه الهزاهز ، ولدافعت عنه الدواهی.

الروض الأُنف (1 / 259) ، المواهب (1 / 72) ، تاریخ الخمیس (1 / 339) ، ثمرات الأوراق هامش المستطرف (2 / 9) ، بلوغ الإرب (1 / 327) ، السیرة الحلبیّة (1 / 375) السیرة لزینی دحلان هامش الحلبیّة (1 / 93) ، أسنی المطالب (ص 5) (1).

قال الأمینی : فی هذه الوصیّة الطافحة بالإیمان والرشاد دلالة واضحة علی أنّه علیه السلام إنّما أرجأ تصدیقه باللسان إلی هذه الآونة التی یئس فیها من الحیاة حذار شنآن قومه المستتبع لانثیالهم عنه ، المؤدی إلی ضعف المُنّة (2) وتفکّک القوی ، فلا یتسنّی له حینئذ الذبّ عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وإن کان الإیمان به مستقرّا فی الجنان من ة.

ص: 492


1- الروض الأُنف : 4 / 30 ، المواهب اللدنیّة : 1 / 265 ، تاریخ الخمیس : 1 / 300 ، ثمرات الأوراق : ص 294 ، السیرة الحلبیّة : 1 / 352 ، السیرة النبویّة : 1 / 45 ، أسنی المطالب : ص 11.
2- المُنّة : القوّة.

أوّل یومه ، لکنّه لمّا شعر بأزوف الأجل وفوات الغایة المذکورة أبدی ما أجنّته أضالعه (1) فأوصی بالنبیّ صلی الله علیه وآله وسلم بوصیّته الخالدة.

14 - وصیّة أبی طالب لبنی أبیه :

أخرج ابن سعد فی الطبقات الکبری (2) : أنّ أبا طالب لمّا حضرته الوفاة دعا بنی عبد المطّلب فقال : لن تزالوا بخیر ما سمعتم من محمد ، وما اتّبعتم أمره ، فاتّبعوه وأعینوه ترشدوا.

وفی لفظ : یا معشر بنی هاشم أطیعوا محمداً وصدّقوه تفلحوا وترشدوا.

وتوجد هذه الوصیّة (3) فی تذکرة السبط (ص 5) ، الخصائص الکبری (1 / 87) ، السیرة الحلبیّة (1 / 372 ، 375) ، سیرة زینی دحلان هامش الحلبیّة (1 / 92 ، 293) ، أسنی المطالب (ص 10). ورأی البرزنجی هذا الحدیث دلیلاً علی إیمان أبی طالب ونعمّا هو ، قال : قلت : بعید جدّا أن یَعرف أنّ الرشاد فی اتّباعه ویأمر غیره بذلک ثمّ یترکه هو.

قال الأمینی : لیس فی العقل السلیم مساغ للقول بأنّ هذه المواقف کلّها لم تنبعث عن خضوع أبی طالب للدین الحنیف وتصدیقه للصادع به صلی الله علیه وآله وسلم ، وإلاّ فما ذا الذی کان یحدوه إلی مخاشنة قریش ومقاساة الأذی منهم وتعکیر الصفو من حیاته لا سیّما أیّام کان هو والصفوة من فئته فی الشعب ، فلا حیاة هنیئة ، ولا عیش رغداً ، ولا أمن یُطمأنُّ به ، ولا خطر مدروءاً ، یتحمّل الجفاء والقطیعة والقسوة المؤلمة من قومه ، فما ذا 7.

ص: 493


1- أجنّه : أخفاه وستره.
2- الطبقات الکبری : 1 / 123.
3- تذکرة الخواص : ص 8 ، الخصائص الکبری : 1 / 147 ، السیرة الحلبیّة : 1 / 352 ، السیرة النبویّة : 1 / 45 و 140 ، أسنی المطالب : ص 17.

الذی أقدمه علی هذه کلّها؟ وما ذا الذی حصره وحبسه فی الشعب عدّة سنین تجاه أمر لا یقول بصدقه ولا یُخبت إلی حقیقته؟ لاها الله لم یکن کلّ ذلک إلاّ عن إیمان ثابت ، وتصدیق وتسلیم وإذعان بما جاء به نبیّ الإسلام ، یظهر ذلک للقارئ المستشفّ لجزئیّات کلّ من هذه القصص ، ولم تکن القرابة والقومیّة بمفردها تدعوه إلی مقاساة تلکم المشاقّ کما لم تدعُ أبا لهب أخاه ، وهب أنّ القرابة تدعوه إلی الذبّ عنه صلی الله علیه وآله وسلم لکنّها لا تدعو إلی المصارحة بتصدیقه وأنّ ما جاء به حقّ ، وأنّه نبیّ کموسی خطّ فی أوّل الکتب ، وأنّ من اقتصّ أثره فهو المهتدی ، وأنّ الضالّ من ازورّ عنه وتخلّف ، إلی أمثال ذلک من مصارحات قالها بملء فمه ، ودعا إلیه صلی الله علیه وآله وسلم فیها بأعلی هتافه.

15 - حدیث عن أبی طالب :

ذکر ابن حجر فی الإصابة (4 / 116) من طریق إسحاق بن عیسی الهاشمی عن أبی رافع قال : سمعت أبا طالب یقول : سمعت ابن أخی محمد بن عبد الله یقول : إنّ ربّه بعثه بصلة الأرحام ، وأن یعبد الله وحده ولا یعبد معه غیره ، ومحمد الصدوق الأمین.

وذکره السیّد زینی دحلان فی أسنی المطالب (1) (ص 6) وقال : أخرجه الخطیب ، وأخرجه السیّد فخار بن معد فی کتاب الحجّة (2) (ص 26) من طریق الحافظ أبی نعیم الأصبهانی ، وبإسناد آخر من طریق أبی الفرج الأصبهانی ، وروی الشیخ إبراهیم الحنبلی فی نهایة الطلب عن عروة الثقفی قال : سمعت أبا طالبرضی الله عنه یقول : حدّثنی ابن أخی الصادق الأمین وکان والله صدوقاً : إنّ ربّه أرسله بصلة الأرحام ، وإقام الصلاة ، وإیتاء الزکاة وکان یقول : اشکر ترزق ، ولا تکفر تُعذّب. 5.

ص: 494


1- أسنی المطالب : ص 15.
2- الحجّة علی الذاهب إلی تکفیر أبی طالب : ص 135.

- 3 -

ما یروی عنه آله وذووه

من طرق العامّة فحسب

أمّا رجال آل هاشم ، وأبناء عبد المطّلب ، وولد أبی طالب ، فلم یؤثر عنهم إلاّ الهتاف بإیمانه الثابت ، وأنّ ما کان یؤثره فی نصرة النبی الأقدس صلی الله علیه وآله وسلم کان منبعثاً عن تدیّن بما صدع به صلی الله علیه وآله وسلم وأهل البیت أدری بما فیه.

قال ابن الأثیر فی جامع الأصول : وما أسلم من أعمام النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم غیر حمزة والعبّاس وأبی طالب عند أهل البیت علیهم السلام. انتهی.

نعم : هتفوا بذلک فی أجیالهم وأدوارهم بملء الأفواه وبکلّ صراحة وجبهوا من خالفهم فی ذلک.

إذا قالت حذامِ فصدِّقوها

فإنَّ القول ما قالت حذامِ

1 - قال ابن أبی الحدید فی شرحه (1) (3 / 312) : روی بأسانید کثیرة بعضها عن العبّاس بن عبد المطّلب وبعضها عن أبی بکر بن أبی قحافة : إنّ أبا طالب ما مات حتی قال : لا إله إلاّ الله ، محمد رسول الله. والخبر مشهور أنّ أبا طالب عند الموت قال کلاماً خفیّا ، فأصغی إلیه أخوه العبّاس (2) ، وروی عن علیّ علیه السلام أنّه قال : «ما مات ف)

ص: 495


1- شرح نهج البلاغة : 14 / 71 کتاب 9.
2- راجع سیرة ابن هشام : 2 / 27 [ 2 / 59 ] ، دلائل النبوّة للبیهقی [ 2 / 346 ] ، تاریخ ابن کثیر : 3 / 123 [ 3 / 152 ] ، عیون الأثر لابن سیّد الناس : 1 / 131 [ 1 / 173 ] ، الإصابة : 4 / 116 [ رقم 685 ] ، المواهب اللدنیّة : 1 / 71 [ 1 / 262 ] ، السیرة الحلبیّة : 1 / 372 [ 1 / 350 ] ، السیرة الدحلانیة هامش الحلبیّة : 1 / 89 [ السیرة النبویّة : 1 / 44 ] ، أسنی المطالب : ص 20 [ ص 35 ]. (المؤلف)

أبو طالب حتی أعطی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم من نفسه الرضا».

وذکر أبو الفداء والشعرانی عن ابن عبّاس : أنّ أبا طالب لمّا اشتدّ مرضه قال له رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : یا عمّ قلها استحلّ لک بها الشفاعة یوم القیامة یعنی الشهادة ، فقال له أبو طالب : یا بن أخی لو لا مخافة السبّة وأن تظنّ قریش إنّما قلتها جزعاً من الموت لقلتها. فلمّا تقارب من أبی طالب الموت جعل یحرّک شفتیه فأصغی إلیه العبّاس بإذنه وقال : والله یا بن أخی لقد قال الکلمة التی أمرته أن یقولها. فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : الحمد لله الذی هداک یا عمّ (1).

وقال السیّد أحمد زینی دحلان فی السیرة الحلبیّة (2) (1 / 94) : نقل الشیخ السحیمی فی شرحه علی شرح جوهرة التوحید عن الإمام الشعرانی والسبکی وجماعة أنّ ذلک الحدیث - أعنی حدیث العبّاس - ثبت عند بعض أهل الکشف وصحّ عندهم إسلامه.

قال الأمینی : ذکرنا هذا الحدیث مجاراة للقوم ، وإلاّ فما کانت حاجة أبی طالب مسیسة عند الموت إلی التلفّظ بتینک الکلمتین اللتین کرّس حیاته الثمینة للهتاف بمفادهما فی شعره ونثره ، والدعوة إلیهما ، والذبّ عمّن صدع بهما ، ومعاناة الأهوال دونهما حتی یومه الأخیر. ما کانت حاجة أبی طالب مسیسة عندئذ إلی التفوّه بهما کأمر مستجدّ ، فمتی کفر هو؟ ومتی ضلّ؟ حتی یؤمن ویهتدی بهما ، ألیس من الشهادة قوله الذی أسلفناه (ص 331):

لیعلمْ خیارُ الناسِ أنّ محمداً

وزیرٌ لموسی والمسیحِ ابن مریم

أتانا بهدیٍ مثل ما أتیا به

فکلّ بأمرِ اللهِ یهدی ویعصم

وإنّکمُ تتلونه فی کتابکم

بصدق حدیثٍ لا حدیث مبرجمِ6.

ص: 496


1- تاریخ أبی الفداء : 1 / 120 ، کشف الغمّة للشعرانی : 2 / 144. (المؤلف)
2- السیرة النبویة : 1 / 46.

وقوله فی (ص 332):

أمینُ حبیبٍ فی العبادِ مسوّمُ

بخاتم ربٍّ قاهرٍ فی الخواتمِ

نبیٌّ أتاه الوحی من عند ربِّهِ

ومن قال لا یقرع بها سنّ نادمِ

وقوله فی (ص 332):

ألم تعلموا أنّا وجدنا محمداً

رسولاً کموسی خُطّ فی أوّل الکتب

وقوله فی (ص 334):

وظلم نبیٍّ جاء یدعو إلی الهدی

وأمرٌ أتی من عندِ ذی العرشِ قیِّمِ

وقوله فی (ص 334):

فاصدع بأمرِکَ ما علیک غضاضةٌ

وابشر بذاک وقرَّ منک عیونا

ودعوتنی وعلمتُ أنَّک ناصحی

ولقد دعوتَ وکنتَ ثَمَّ أمینا

ولقد علمتُ بأنَّ دینَ محمدٍ

من خیرِ أدیانِ البریّةِ دینا

وقوله فی (ص 335):

أو تؤمنوا بکتابٍ مُنزلٍ عجبٍ

علی نبیٍّ کموسی أو کذی النون

وقوله فی (ص 337):

نصرت الرسولَ رسولَ الملیک

ببیضٍ تلألا کلمعِ البروقِ

أذبُّ وأحمی رسول الاله

حمایةَ حامٍ علیه شفیقِ

وقوله فی (ص 340):

فأیَّده ربُّ العباد بنصرِهِ

وأظهر دیناً حقُّه غیر باطلِ

وقوله فی (ص 356):

ص: 497

والله لا أخذلُ النبیَّ ولا

یخذُله من بنیَّ ذو حسبِ

نحن وهذا النبیُّ ننصرُهُ

نضربُ عنه الأعداءَ بالشهبِ

وقوله فی (ص 345):

أتبغون قتلاً للنبیِّ محمدٍ

خصصتمْ علی شؤم بطول أثامِ

وقوله فی (ص 357):

فصبراً أبا یعلی علی دینِ أحمدٍ

وکن مظهراً للدینِ وُفِّقت صابرا

وحط من أتی بالحقِّ من عند ربِّه

بصدقٍ وعزمٍ لا تکن حمزُ کافرا

فقد سرّنی إذ قلت إنَّک مؤمنٌ

فکن لرسولِ اللهِ فی اللهِ ناصرا

وقوله وقد رواه أبو الفرج الأصبهانی :

زعمت قریشٌ أنَّ أحمدَ ساحرٌ

کذبوا وربِّ الراقصات إلی الحرم (1)

ما زلتُ أعرفُه بصدقِ حدیثِهِ

وهو الأمینُ علی الحرائب والحُرم

وقوله المرویُّ من طریق أبی الفرج الأصبهانی کما فی کتاب الحجّة (2) (ص 72) ومن طریق الحسن بن محمد بن جریر کما فی تفسیر أبی الفتوح (3) (4 / 212).

قل لمن کان من کنانَة فی العزِّ

وأهلِ الندی وأهلِ المعالی

قد أتاکم من الملیکِ رسولٌ

فاقبلوه بصالحِ الأعمالِ

وانصروا أحمداً فإنَّ من الله

رداءً علیه غیرَ مدالِ

وقوله من أبیات فی شرح ابن أبی الحدید (4) (3 / 315): 9.

ص: 498


1- أراد بالراقصات إلی الحرم الإبل الراکضات. رقص الجمل إذا رکض. (المؤلف)
2- الحجّة علی الذاهب إلی تکفیر أبی طالب : ص 281.
3- تفسیر أبی الفتوح : 8 / 473.
4- شرح نهج البلاغة : 4 / 78 کتاب 9.

فخیر بنی هاشم أحمدٌ

رسول الإله علی فترةِ (1)

ولو کان یؤثر أقلّ من هذا عن أحد من الصحابة لطبّل له ، وزمّر من یتشبّث بالطحلب فی سرد الفضائل لبعضهم مغالاةً فیهم ، لکنّی أجد إسلام أبی طالب مستعصیاً فهمه علی هؤلاء ولو صرخ بألف هتاف من ضرائب هذه. لما ذا؟ أنا لا أدری!

2 - أخرج ابن سعد فی طبقاته (2) (1 / 105) عن عبید الله بن أبی رافع عن علیّ قال : أخبرت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بموت أبی طالب ، فبکی ثمّ قال : اذهب فاغسله وکفّنه وواره غفر الله له ورحمه.

وفی لفظ الواقدی : فبکی بکاءً شدیداً ثمّ قال : اذهب فاغسله. إلخ.

وأخرجه (3) ابن عساکر کما فی أسنی المطالب (ص 21) ، والبیهقی فی دلائل النبوّة ، وذکره سبط ابن الجوزی فی التذکرة (ص 6) ، وابن أبی الحدید فی شرحه (3 / 314) ، والحلبی فی السیرة (1 / 373) ، والسیّد زینی دحلان فی هامش السیرة الحلبیّة (1 / 90) ، والبرزنجی فی نجاة أبی طالب وصحّحه کما فی أسنی المطالب (ص 35) وقال : أخرجه أیضاً أبو داود ، وابن الجارود ، وابن خزیمة وقال : إنّما ترک النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم المشی فی جنازته اتّقاءً من شرّ سفهاء قریش. وعدم صلاته لعدم مشروعیّة صلاة الجنازة یومئذٍ. 2.

ص: 499


1- أشار إلی قوله تعالی : (قَدْ جاءَکُمْ رَسُولُنا یُبَیِّنُ لَکُمْ عَلی فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ) [ المائدة : 19 ] وتوجد الأبیات فی کتاب الحجّة للسیّد فخار : ص 74 [ ص 283 ]. (المؤلف)
2- الطبقات الکبری : 1 / 123.
3- مختصر تاریخ مدینة دمشق : 29 / 32 أسنی المطالب : ص 38 ، دلائل النبوّة : 2 / 348 ، تذکرة الخواص : ص 8 ، شرح نهج البلاغة : 14 / 76 کتاب 9 ، السیرة الحلبیّة : 1 / 351 ، السیرة النبویّة : 1 / 44 ، أسنی المطالب : ص 62.

عن الأسلمی وغیره : توفّی أبو طالب للنصف من شوال فی السنة العاشرة من حین نُبِّئ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ؛ وتوفّیت خدیجة بعده بشهر وخمسة أیّام فاجتمع علی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم علیها وعلی عمّه حزن شدید حتی سمّی ذلک العام عام الحزن.

طبقات ابن سعد (1 / 106) ، الامتاع للمقریزی (ص 27) ، تاریخ ابن کثیر (3 / 134) ، السیرة الحلبیّة (1 / 373) ، السیرة لزینی دحلان هامش الحلبیّة (1 / 291) ، أسنی المطالب (ص 11) (1).

لفت نظر : عیّن ابن سعد لوفاة أبی طالب یوم النصف من شوّال کما سمعت ، وقال أبو الفداء فی تاریخه (1 / 120) توفّی فی شوّال ، وأوعز القسطلانی فی المواهب (2) (1 / 71) موته فی شوّال إلی القیل ، وقال المقریزی فی الإمتاع (ص 27) : توفّی أوّل ذی القعدة وقیل : النصف من شوّال ، وقال الزرقانی فی شرح المواهب (1 / 291) : مات بعد خروجهم من الشعب فی ثامن عشر رمضان سنة عشر ، وفی الاستیعاب : خرجوا من الشعب فی أوّل سنة خمسین وتوفّی أبو طالب بعده بستة أشهر فتکون وفاته فی رجب. انتهی. وهذا الاختلاف موجود فی تآلیف الشیعة أیضاً.

3 - أخرج البیهقی عن ابن عبّاس : أنّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم عاد من جنازة أبی طالب فقال : «وصلتک رحم ، وجزیت خیراً یا عمّ» وفی لفظ الخطیب : عارض النبیّ جنازة أبی طالب فقال : «وصلتک رحم ، جزاک الله خیراً یا عمّ».

دلائل النبوّة للبیهقی ، تاریخ الخطیب البغدادی (13 / 196) ، تاریخ ابن کثیر 2.

ص: 500


1- الطبقات الکبری : 1 / 125 ، البدایة والنهایة : 3 / 156 ، السیرة الحلبیّة : 1 / 346 ، السیرة النبویّة : 1 / 139 ، أسنی المطالب : ص 14 ، 20.
2- المواهب اللدنیّة : 1 / 262.

(3 / 125) ، تذکرة السبط (ص 6) ، نهایة الطلب للشیخ إبراهیم الحنفی کما فی الطرائف (ص 86) ، الإصابة (4 / 116) ، شرح شواهد المغنی (ص 136) (1).

وقال الیعقوبی فی تاریخه (2) (2 / 26): لمّا قیل لرسول الله : إنّ أبا طالب قد مات عظم ذلک فی قلبه واشتدّ له جزعه ، ثمّ دخل فمسح جبینه الأیمن أربع مرّات وجبینه الأیسر ثلاث مرّات ، ثمّ قال : «یا عمّ ربّیت صغیراً ، وکفلت یتیماً ، ونصرت کبیراً ، فجزاک الله عنّی خیراً ، ومشی بین یدی سریره وجعل یعرضه ویقول : وصلتک رحم ، وجُزیت خیراً».

4 - عن إسحاق بن عبد الله بن الحارث قال : قال العبّاس : یا رسول الله أترجو لأبی طالب؟ قال : «کلّ الخیر أرجو من ربّی».

أخرجه ابن سعد فی الطبقات (3) (1 / 106) بسند صحیح رجاله کلّهم ثقات رجال الصحاح وهم : عفّان بن مسلّم ، وحمّاد بن سلمة ، وثابت البنائی (4) ، وإسحاق ابن عبد الله.

وأخرجه ابن عساکر (5) کما فی الخصائص الکبری (6) (1 / 87) ، والفقیه الحنفی 7.

ص: 501


1- دلائل النبوّة : 2 / 349 ، البدایة والنهایة : 3 / 155 ، تذکرة الخواص : ص 8 ، الطرائف : ص 305 ح 393 ، شرح شواهد المغنی : 1 / 397 رقم 197.
2- تاریخ الیعقوبی : 2 / 35.
3- الطبقات الکبری : 1 / 124.
4- فی الخصائص الکبری : البنانی ، کذا ذکره ابن سعد فی الطبقات الکبری : 7 / 232 ، والذهبی فی سیر أعلام النبلاء : 5 / 220 ، وفی تذکرة الحفاظ : 1 / 125.
5- مختصر تاریخ مدینة دمشق : 29 / 32.
6- الخصائص الکبری : 1 / 147.

الشیخ إبراهیم الدینوری فی نهایة الطلب کما فی الطرائف (1) (ص 68) ، وذکره ابن أبی الحدید فی شرحه (2) (3 / 311) ، والسیوطی فی التعظیم والمنّة (ص 7) نقلاً عن ابن سعد.

5 - وعن أنس بن مالک قال : أتی أعرابیّ إلی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فقال : یا رسول الله لقد أتیناک وما لنا بعیر یئط ، ولا صبیّ یصطبح (3) ، ثمّ أنشد :

أتیناک والعذراءُ یدمی لبانُها

وقد شُغلتْ أمّ الصبیِّ عن الطفلِ

وألقی بکفّیه الصبیُّ استکانةً

من الجوع ضعفاً ما یمرُّ ولا یحلی

ولا شیءَ ممّا یأکلُ الناسُ عندنا

سوی الحنظلِ العامی والعِلْهِز الفسلِ (4)

ولیس لنا إلاّ إلیک فرارُنا

وأین فرارُ الناس إلاّ إلی الرُّسلِ

فقام رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یجرّ رداءه حتی صعد المنبر فحمد الله تعالی وأثنی علیه ثمّ قال : «اللهمّ اسقنا غیثاً مغیثاً سحّا طبقاً غیر رائث ، تنبت به الزرع وتملأ به الضرع ، وتحیی به الأرض بعد موتها ، وکذلک تخرجون».

فما استتمّ الدعاء حتی التقت السماء بروقها ؛ فجاء أهل البطانة یضجّون : یا رسول الله الغرق ، فقال : «حوالینا ولا علینا». فانجاب السحاب عن المدینة کالإکلیل ، فضحک رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم حتی بدت نواجذه وقال : «لله درّ أبی طالب لو کان حیّا لقرّت عیناه ، من الذی ینشدنا شعره؟ فقال علیّ بن أبی طالب کرّم الله ه.

ص: 502


1- الطرائف : ص 305 ح 394.
2- شرح نهج البلاغة : 14 / 68 کتاب 9.
3- أطّت الإبل : أنّت تعباً أو حنیناً. یصطبح : یشرب اللبن صباحاً.
4- العِلْهِز : وَبَر الإبل یُخلط بالدم ثم یشوی بالنار ، وکان أهل الجاهلیة یتخذونه طعاماً فی سنیّ المجاعة. الفسل : الحقیر الذی لا قیمة له.

وجهه : یا رسول الله کأنّک أردت قوله :

وأبیضُ یُستسقی الغمام بوجهه

ثمالُ الیتامی عصمةٌ للأراملِ

قال : أجل» فأنشده أبیاتاً من القصیدة ورسول الله یستغفر لأبی طالب علی المنبر ، ثمّ قام رجل من کنانة وأنشد :

لک الحمدُ والحمدُ ممّن شکر

سُقینا بوجه النبیِّ المطرْ

دعا اللهَ خالقَه دعوةً

وأشخصَ معْها إلیه البصرْ

فلم یک إلاّ کإلقاء الردا

وأسرع حتی رأینا الدَّررْ

دفاق العزالیّ جمّ البعاق (1)

أغاثَ به اللهُ علیا مضرْ

فکان کما قاله عمُّه

أبو طالب أبیض ذو (2) غررْ

به الله یسقی صیوب الغمام

وهذا العیانُ لذاک الخبرْ

فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «إن یک شاعراً یحسن فقد أحسنت».

أعلام النبوّة للماوردی (ص 77) ؛ بدائع الصنائع (1 / 283) ، شرح ابن أبی الحدید (3 / 316) ، السیرة الحلبیّة ، عمدة القاری (3 / 435) ، شرح شواهد المغنی للسیوطی (ص 136) ، سیرة زینی دحلان (1 / 87) ، أسنی المطالب (ص 15) ، طلبة الطالب (ص 43) (3).

قال البرزنجی کما فی أسنی المطالب : فقول النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم : «لله درّ أبی طالب» 6.

ص: 503


1- راجع ص 4 من الجزء الثانی من هذا الکتاب. (المؤلف)
2- کذا فی المصدر بالواو وحقّه النصب بالألف لأنّه خبر (کان).
3- أعلام النبوّة : ص 130 ، شرح نهج البلاغة : 14 / 81 کتاب 9 ، السیرة الحلبیّة : 1 / 116 ، عمدة القاری : 7 / 31 ، شرح شواهد المغنی : 1 / 398 رقم 197 ، السیرة النبویة : 1 / 43 ، أسنی المطالب : ص 26.

یشهد له بأنّه لو رأی النبیّ وهو یستسقی علی المنبر لسرّه ذلک ، ولقرّت عیناه ، فهذا من النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم شهادة لأبی طالب بعد موته أنّه کان یفرح بکلمات النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وتقرّ عینه بها ، وما ذلک إلاّ لسرّ وقر فی قلبه من تصدیقه بنبوّته وعلمه بکمالاته. انتهی.

قال الأمینی : وذکر جمع هذا الحدیث فی استسقاء النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وحذف منه کلمة : «لله درّ أبی طالب». وأنت أعرف منّی بالغایة المتوخّاة فی هذا التحریف ، ولا یفوتنا عرفانها.

6 - قال ابن أبی الحدید فی شرحه (1) (3 / 316) : ورد فی السیر والمغازی أنّ عتبة ابن ربیعة أو شیبة لمّا قطع رجل أبی عبیدة بن الحارث بن المطّلب یوم بدر أشبل (2) علیه علیّ وحمزة فاستنقذاه منه وخبطا عتبة بسیفهما حتی قتلاه ، واحتملا صاحبهما من المعرکة إلی العریش فألقیاه بین یدی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وإنّ مخّ ساقه لیسیل ، فقال : یا رسول الله لو کان أبو طالب حیّا لعلم أنّه قد صدق فی قوله :

کذبتم وبیتِ اللهِ نُخلی محمداً

ولمّا نطاعن دونه ونناضلِ

وننصره حتی نصرّع حوله

ونذهل عن أبنائنا والحلائلِ

فقالوا : إنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم استغفر له ولأبی طالب یومئذٍ.

7 - عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أنّه قال لعقیل بن أبی طالب : «یا أبا یزید إنّی أحبّک حبّین حبّا لقرابتک منّی ، وحبّا لما کنت أعلم من حبّ عمّی أبی طالب إیّاک». ف.

ص: 504


1- شرح نهج البلاغة : 14 / 80 کتاب 9.
2- أشبل : عطف.

أخرجه (1) أبو عمر فی الاستیعاب (2 / 509) ، والبغوی ، والطبرانی کما فی ذخائر العقبی (ص 222) ، وتاریخ الخمیس (1 / 163) ؛ وعماد الدین یحیی العامری فی بهجة المحافل (1 / 327) ، وذکره ابن أبی الحدید فی شرحه (3 / 312) وقال : قالوا : اشتهر واستفاض هذا الحدیث ، والهیثمی فی مجمع الزوائد (9 / 273) وقال : رجاله ثقات.

هذا شاهد صدق علی أنّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم کان یعتقد إیمان عمّه ، وإلاّ فما قیمة حبّ کافر لأیّ أحد حتی یکون سبباً لحبّه صلی الله علیه وآله وسلم أولاده؟

وقول رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم هذا لعقیل کان بعد إسلامه کما نصّ علیه الإمام العامری فی بهجة المحافل وقال : وفیها إسلام عقیل بن أبی طالب الهاشمی ، ولمّا أسلم قال له النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم : یا أبا یزید. إلی آخره.

وقال جمال الدین الأشخر الیمنی فی شرح البهجة عند شرح الحدیث : ومن شأن المحبّ محبّة حبیب الحبیب.

ألا تعجب من حبّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أبا طالب إن لم یک معتنقاً لدینه - العیاذ بالله - ومن إعرابه عنه بعد وفاته. ومن حبّه عقیلاً لحب أبیه إیّاه؟

8 - أخرج أبو نعیم (2) وغیره عن ابن عبّاس وغیره قالوا : کان أبو طالب یحبّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم حبّا شدیداً لا یحبّ أولاده مثله ، ویقدمه علی أولاده ؛ ولذا کان لا ینام إلاّ إلی جنبه ، ویخرجه معه حین یخرج. 2.

ص: 505


1- الاستیعاب : القسم الثالث / 1078 رقم 1834 ، المعجم الکبیر : 17 / 191 ح 510 ، شرح نهج البلاغة : 14 / 70 کتاب 9.
2- دلائل النبوّة : 1 / 209 و 212.

ولمّا مات أبو طالب نالت قریش منه من الأذی ما لم تکن تطمع فیه فی حیاة أبی طالب ، حتی اعترضه سفیه من سفهاء قریش فنثر علی رأسه تراباً ، فدخل رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بیته والتراب علی رأسه ؛ فقامت إلیه إحدی بناته تغسل عنه التراب وتبکی ورسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول لها : «یا بنیّة لا تبکی فإنّ الله مانع أباک ، ما نالت منّی قریش شیئاً أکرهه حتی مات أبو طالب» (1).

وفی لفظ : «ما زالت قریش کاعّین - أی جبناء - حتی مات أبو طالب».

وفی لفظ : «ما زالت قریش کاعّة حتی مات أبو طالب».

تاریخ الطبری (2 / 229) ، تاریخ ابن عساکر (1 / 284) ، مستدرک الحاکم (2 / 622) ، تاریخ ابن کثیر (3 / 122 ، 134) ، الصفوة لابن الجوزی (1 / 21) ، الفائق للزمخشری (2 / 213) ، تاریخ الخمیس (1 / 253) ، السیرة الحلبیّة (1 / 375) ، فتح الباری (7 / 153 ، 154) ، شرح شواهد المغنی (ص 136) نقلاً عن البیهقی ، أسنی المطالب (ص 11 ، 21) ، طلبة الطالب (ص 4 ، 54).

9 - عن عبد الله قال : لمّا نظر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یوم بدر إلی القتلی وهم مصرّعون قال لأبی بکر : «لو أنّ أبا طالب حیّ لعلم أنّ أسیافنا قد أخذت بالأماثل» یعنی قول أبی طالب :

کذبتم وبیت الله إن جدَّ ما أری

لتلتبسنْ أسیافُنا بالأماثلِ.8.

ص: 506


1- تاریخ الأمم والملوک : 2 / 344 ، مختصر تاریخ دمشق : 29 / 33 ، المستدرک علی الصحیحین : 2 / 679 ح 4243 ، البدایة والنهایة : 3 / 106 و 151 ، صفة الصفوة : 1 / 66 و 105 رقم 1 ، الفائق : 3 / 290 ، السیرة الحلبیّة : 1 / 353 ، فتح الباری : 7 / 194 ، شرح شواهد المغنی : 1 / 397 رقم 197 ، دلائل النبوّة : 2 / 350 ، أسنی المطالب : ص 19 و 38.

الأغانی (1) (17 / 28) ، طلبة الطالب (ص 38) نقلاً عن دلائل الإعجاز (2).

10 - أخرج الحافظ الکنجی فی الکفایة (3) (ص 68) : من طریق الحافظ ابن فنجویه عن ابن عبّاس فی حدیث مرفوعاً قال صلی الله علیه وآله وسلم لعلیّ : لو کنت مستخلفاً أحداً لم یکن أحد أحقّ منک لقدمتک فی الإسلام ، وقرابتک من رسول الله ، وصهرک وعندک فاطمة سیّدة نساء المؤمنین وقبل ذلک ما کان من بلاء أبی طالب ، إیای حین نزل القرآن وأنا حریص أن أرعی ذلک فی ولده بعده.

قال الأمینی : إنّ شیئاً من مضامین هذه الأحادیث لا یتّفق مع کفر أبی طالب ، فهو صلی الله علیه وآله وسلم لا یأمر خلیفته الإمام علیه السلام بتکفین کافر ولا تغسیله ، ولا یستغفر له ولا یترحّم علیه ، کما فی الحدیث الثانی ، ولا یُجزّیه خیراً کما فی الحدیث الثالث ، ولا یرجو له بعض الخیر - فضلاً عن کلّه - کما فی الحدیث الرابع ، ولا یستدرّ له الخیر کما فی حدیث الاستسقاء ، ولا یستغفر له کما فی الحدیث السادس ، ولا یحبّ عقیلاً لحبّه إیّاه ؛ فإنّ الکفر یزع المسلم عن بعض هذه ، فکیف بکلّها فضلاً عن نبیّ الإسلام صلی الله علیه وآله وسلم؟ وهو الصادع بقول الله العزیز : (لا تَجِدُ قَوْماً یُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْیَوْمِ الْآخِرِ یُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ کانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِیرَتَهُمْ) (4).

وقوله تعالی : (یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّی وَعَدُوَّکُمْ أَوْلِیاءَ تُلْقُونَ إِلَیْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ کَفَرُوا بِما جاءَکُمْ مِنَ الْحَقِ) (5). 1.

ص: 507


1- الأغانی : 18 / 214.
2- دلائل الإعجاز : ص 15.
3- کفایة الطالب : ص 166. وانظر الدر المنثور : 8 / 661.
4- المجادلة : 22.
5- الممتحنة : 1.

وقوله تعالی : (یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آباءَکُمْ وَإِخْوانَکُمْ أَوْلِیاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْکُفْرَ عَلَی الْإِیمانِ وَمَنْ یَتَوَلَّهُمْ مِنْکُمْ فَأُولئِکَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (1).

وقوله تعالی : (وَلَوْ کانُوا یُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالنَّبِیِّ وَما أُنْزِلَ إِلَیْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِیاءَ) (2). إلی آیات أخری.

الکلم الطیّب :

أخرج تمام الرازی فی فوائده ؛ بإسنادهِ عن عبد الله بن عمر قال : قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «إذا کان یوم القیامة شفعت لأبی وأُمّی وعمّی أبی طالب وأخٍ لی کان فی الجاهلیّة».

ذخائر العقبی (ص 7) ، الدرج المنیفة للسیوطی (ص 7) ، مسالک الحنفا (ص 14) ، وقال فیه : أخرجه أبو نعیم وغیره وفیه التصریح بأنّ الأخ من الرضاعة ، فالطرق عدّة یشدّ بعضها بعضاً ؛ فإنّ الحدیث الضعیف یتقوّی بکثرة طرقه ، وأمثلها حدیث ابن مسعود فإنّ الحاکم صحّحه.

وفی تاریخ الیعقوبی (3) (2 / 26) روی عنه صلی الله علیه وآله وسلم أنّه قال : «إنّ الله عزّ وجلّ وعدنی فی أربعة : فی أبی وأُمّی وعمّی وأخٍ کان لی فی الجاهلیّة».

أخرج ابن الجوزی بإسناده عن علیّ علیه السلام مرفوعاً : «هبط جبرئیل علیه السلام علیّ فقال : إنّ الله یقرئک السلام ویقول : حرِّمت النار علی صلب أنزلک ، وبطن حملک ، وحجر کفلک» ، أمّا الصلب فعبدالله ، وأمّا البطن فآمنة ، وأمّا الحجر فعمّه - یعنی أبا طالب - 5.

ص: 508


1- التوبة : 23.
2- المائدة : 81.
3- تاریخ الیعقوبی : 2 / 35.

وفاطمة بنت أسد. التعظیم والمنّة للحافظ السیوطی (ص 25).

وفی شرح ابن أبی الحدید (1) (3 / 311) : قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «قال لی جبرائیل : إنّ الله مشفّعک فی ستّة : بطن حملتک آمنة بنت وهب ، وصلب أنزلک عبد الله ابن عبد المطّلب ، وحجر کفلک أبو طالب ، وبیت آواک عبد المطّلب ، وأخ کان لک فی الجاهلیّة» إلی آخرهِ.

رثاء أمیر المؤمنین والده العظیم :

ذکر سبط ابن الجوزی فی تذکرته (2) (ص 6) : أنّ علیّا علیه السلام قال فی رثاء أبی طالب :

أبا طالبٍ عصمةَ المستجیرِ

وغیثَ المحولِ ونور الظلَمْ

لقد هدَّ فقدُک أهل الحفاظِ

فصلّی علیک ولیُّ النعمْ

ولقّاک ربُّک رضوانه

فقد کنت للطهر من خیر عمْ

هذه الأبیات توجد فی دیوان أبی طالب أیضاً (ص 36) ، وذکرها أبو علیّ الموضح کما فی کتاب الحجّة (3) (ص 24) للسیّد فخار ابن معد المتوفّی (630) ، وقال ابن أبی الحدید : قال أیضاً :

أرقتُ لِطیرٍ آخرَ اللیلِ غرّدا

یذکّرنی شجواً عظیماً مجدَّدا

أبا طالبٍ مأوی الصعالیکِ ذا الندی

جواداً إذا ما أصدر الأمرَ أوردا

فأمستْ قریشٌ یفرحون بموتِهِ

ولست أری حیّا یکون مخلّدا

أرادوا أموراً زیّنتها حُلومُهم

ستوردُهم یوماً من الغیِّ موردا2.

ص: 509


1- شرح نهج البلاغة : 14 / 67 کتاب 9.
2- تذکرة الخواص : ص 9.
3- الحجّة علی الذاهب إلی تکفیر أبی طالب : ص 122.

یُرجُّون تکذیبَ النبیِّ وقتلَهُ

وأن یُفتری قِدما علیه ویجحدا

کذبتمْ وبیتِ اللهِ حتی نذیقَکمْ

صدورَ العوالی والحسامَ المهنّدا

فإمّا تبیدونا وإمّا نبیدُکم

وإمّا تروا سلمَ العشیرةِ أرشدا

وإلاّ فإنَّ الحیَّ دون محمدٍ

بنی هاشم خیر البریّة محتدا (1)

هذه الأبیات توجد فی الدیوان المنسوب إلی مولانا أمیر المؤمنین علیه السلام مع تغییر یسیر وزیادة وإلیک نصّها :

أرقت لنوح آخر اللیل غرّدا

یُذکّرنی شجواً عظیماً مجدَّداً

أبا طالب مأوی الصعالیک ذا الندی

وذا الحلم لا خُلفاً ولم یک قُعددا

أخا الملک خلّی ثلمةً سیسدّها

بنو هاشم أو یستباح فیهمدا

فأمست قریشٌ یفرحون بفقدِهِ

ولست أری حیّا لشیء مُخلّدا

أرادت أموراً زیّنتها حلومهم

ستوردهم یوماً من الغیِّ موردا

یُرجُّون تکذیبَ النبیِّ وقتلَه

وأن یفتروا بهتاً علیه ویُجحدا

کذبتم وبیتِ اللهِ حتی نذیقَکمْ

صدورَ العوالی والصفیحَ المهنّدا

ویبدوَ مِنّا منظرٌ ذو کریهةٍ

إذا ما تسربلنا الحدیدَ المسرَّدا

فإمّا تبیدونا وإمّا نبیدُکمْ

وإمّا تروا سلمَ العشیرةِ أرشدا

وإلاّ فإنَّ الحیَّ دون محمدٍ

بنو هاشم خیرُ البریّة محتدا

وإنَّ له فیکم من اللهِ ناصراً

ولست بلاقٍ صاحب الله أوحدا

نبیٌّ أتی من کلِّ وحیٍ بحظّهِ

فسمّاه ربِّی فی الکتاب محمدا

أغرُّ کضوء البدر صورة وجهه

جلا الغیمَ عنه ضوؤه فتوقّدا

أمینٌ علی ما استودع اللهُ قلبَه

وإن کان قولاً کان فیه مسدَّدا9.

ص: 510


1- هذه الأبیات لم نعثر علیها فی شرح ابن أبی الحدید ، وهی موجودة بتمامها فی تذکرة الخواص : ص 9.

کلمة الإمام السجّاد :

قال ابن أبی الحدید فی شرحه (1) (3 / 312) : روی أنّ علیّ بن الحسین علیه السلام سئل عن هذا - یعنی عن إیمان أبی طالب - فقال : «وا عجبا إنّ الله تعالی نهی رسوله أن یقرّ مسلمة علی نکاح کافر وقد کانت فاطمة بنت أسد من السابقات إلی الإسلام ولم تزل تحت أبی طالب حتی مات».

کلمة الإمام الباقر :

سُئل علیه السلام عمّا یقول الناس إنّ أبا طالب فی ضحضاح من نار فقال : «لو وضع إیمان أبی طالب فی کفّة میزان وإیمان هذا الخلق فی الکفّة الأخری لرجح إیمانه» ثمّ قال : «ألم تعلموا أنّ أمیر المؤمنین علیّا علیه السلام کان یأمر أن یحجّ عن عبد الله وابنه (2) وأبی طالب فی حیاته ثمّ أوصی فی وصیّته بالحجّ عنهم».

شرح ابن أبی الحدید (3) (3 / 311).

کلمة الإمام الصادق :

روی عن أبی عبد الله جعفر بن محمد علیهما السلام أنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قال : «إنّ أصحاب الکهف أسرّوا الإیمان وأظهروا الکفر فآتاهم الله أجرهم مرّتین ، وإنّ أبا طالب أسرّ الإیمان وأظهر الشرک فآتاه الله أجرهُ مرّتین». شرح ابن أبی الحدید (4) (3 / 312)

قال الأمینی : هذا الحدیث أخرجه ثقة الإسلام الکلینی فی أصول الکافی (5) 8.

ص: 511


1- شرح نهج البلاغة : 14 / 69 و 68 کتاب 9.
2- کذا فی الطبعة التی اعتمدها العلاّمة رحمه الله من شرح النهج ، وفی الطبعة المحقّقه : وأبیه أبی طالب.
3- شرح نهج البلاغة : 14 / 68 کتاب 9.
4- شرح نهج البلاغة : 14 / 70 کتاب 9.
5- أصول الکافی : 1 / 448 ح 28.

(ص 244) عن الإمام الصادق غیر مرفوع ولفظه : «إنّ مثل أبی طالب مثل أصحاب الکهف أسرّوا الإیمان وأظهروا الشرک فآتاهم الله أجرهم مرّتین».

وبلفظ ابن أبی الحدید ذکره السیّد ابن معد فی کتابه الحجّة (1) (ص 17) من طریق الحسین بن أحمد المالکی وزاد فیه : «وما خرج من الدنیا حتی أتته البشارة من الله تعالی بالجنّة».

کلمة الإمام الرضا :

کتب أبان بن محمود إلی علیّ بن موسی الرضا علیه السلام : جعلت فداک إنّی قد شککت فی إسلام أبی طالب.

فکتب إلیه : (وَمَنْ یُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَیَّنَ لَهُ الْهُدی وَیَتَّبِعْ غَیْرَ سَبِیلِ الْمُؤْمِنِینَ) (2). الآیة ، وبعدها «إنّک إن لم تقرّ بإیمان أبی طالب کان مصیرک إلی النار» شرح ابن أبی الحدید (3) 3 / 311.

قصاری القول فی سیّد الأبطح عند القوم :

إنّ کلاّ من هذه العقود الذهبیّة بمفرده کافٍ فی إثبات الغرض فکیف بمجموعها ، ومن المقطوع به أنّ الأئمّة من ولد أبی طالب علیه السلام أبصر الناس بحال أبیهم ، وأنّهم لم ینوّهوا إلاّ بمحض الحقیقة ، فإنّ العصمة فیهم رادعة عن غیر ذلک ، ولقد أجاد مفتی الشافعیّة بمکّة المکرّمة فی أسنی المطالب ، حیث قال (4) فی (ص 33):

هذا المسلک الذی سلکه العلاّمة السیّد محمد بن رسول البرزنجی فی نجاة أبی 0.

ص: 512


1- الحجّة علی الذاهب إلی تکفیر أبی طالب : ص 84.
2- النساء : 115.
3- شرح نهج البلاغة : 14 / 68 کتاب 9.
4- أسنی المطالب : ص 59 - 60.

طالب لم یسبقه إلیه أحد فجزاه الله أفضل الجزاء ، ومسلکه هذا الذی سلکه یرتضیه کلّ من کان متّصفاً بالإنصاف من أهل الإیمان ، لأنّه لیس فیه إبطال شیء من النصوص ولا تضعیف لها ، وغایة ما فیه أنّه حملها علی معانٍ مستحسنة یزول بها الإشکال ویرتفع الجدال ، ویحصل بذلک قرّة عین النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ، والسلامة من الوقوع فی تنقیص أبی طالب أو بغضه ، فإنّ ذلک یؤذی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وقد قال الله تعالی : (إِنَّ الَّذِینَ یُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِی الدُّنْیا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِیناً) (1) وقال تعالی : (وَالَّذِینَ یُؤْذُونَ رَسُولَ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِیمٌ) (2).

وقد ذکر الإمام أحمد بن الحسین الموصلی الحنفی المشهور بابن وحشی فی شرحه علی الکتاب المسمّی بشهاب الأخبار للعلاّمة محمد بن سلامة القضاعی المتوفّی (454) : أنّ بغض أبی طالب کفر. ونصّ علی ذلک أیضاً من أئمّة المالکیّة العلاّمة علیّ الأجهوری فی فتاویه ، والتلمسانی فی حاشیته علی الشفاء ، فقال عند ذکر أبی طالب : لا ینبغی أن یذکر إلاّ بحمایة النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم لأنّه حماه ونصره بقوله وفعله ، وفی ذکره بمکروه أذیّة للنبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ومؤذی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم کافر ، والکافر یقتل ، وقال أبو طاهر : من أبغض أبا طالب فهو کافر.

وممّا یؤیّد هذا التحقیق الذی حقّقه العلاّمة البرزنجی فی نجاة أبی طالب أنّ کثیراً من العلماء المحقّقین وکثیراً من الأولیاء العارفین أرباب الکشف قالوا بنجاة أبی طالب ، منهم : القرطبی والسبکی والشعرانی وخلائق کثیرون ، وقالوا : هذا الذی نعتقده وندین الله به ، وإن کان ثبوت ذلک عندهم بطریق غیر الطریق الذی سلکه البرزنجی ، فقد اتّفق معهم علی القول بنجاته ، فقول هؤلاء الأئمّة بنجاته أسلم للعبد عند الله تعالی لا سیّما مع قیام هذه الدلائل والبراهین التی أثبتها العلاّمة البرزنجی. انتهی.1.

ص: 513


1- الأحزاب : 57.
2- التوبة : 61.

وذکر السیّد زینی دحلان فی أسنی المطالب (1) (ص 43) قال : ولله درّ القائل :

قفا بمطلعِ سعدٍ عزّ نادیه

وأملیا شرحَ شوقی فی مغانیه

واستقبلا مطلعَ الأنوار فی أُفق ال

حجون واحترسا أن تبهرا فیه

مغنیً به وابلُ الرضوانِ منهمرٌ

ونائراتُ الهدی دلّت منادیه

قفا فذا بلبلُ الأفراحِ من طربٍ

یروی بدیعَ المعانی فی أمالیه

واستملیا لأحادیث العجائب عن

بحرٍ هناک بدیعٍ فی معانیه

حامی الذمارِ مجیر الجارِ من کرمت

منه السجابا فلم یفخرْ مباریه

عمّ النبیِّ الذی لم یُثنِهِ حسدٌ

عن نصرِه فتغالی فی مراضیه

هو الذی لم یزل حصناً لحضرته

موفَّقاً لرسول الله یحمیه

وکلُّ خیر ترجّاه النبیُّ له

وهو الذی قطُّ ما خابت أمانیه

فیا من أمَّ العلی فی الخالدات غدا

أغث لِلَهفانه واسعف منادیه

قد خصّک اللهُ بالمختارِ تکلؤه

وتستعزُّ به فخراً وتطریه

عُنیتَ بالحبِّ فی طه ففزت به

ومن ینل حبَّ طه فهو یکفیه

کم شمتَ آیاتِ صدقٍ یستضاء بها

وتملأُ القلبَ إیماناً وترویه

من الذی فاز فی الماضین أجمعِهمْ

بمثل ما فزت من طه وباریه

کفلتَ خیرَ الوری فی یتمِهِ شغفاً

وبتَّ بالروحِ والأبناءِ تفدیه

عضدته حین عادته عشیرتهُ

وکنت حائطَه من بغیِ شانیه

نصرتَ من لم یَشمَّ الکونُ رائحةَ ال

وجودِ لو لم یقدَّر کونُه فیه

إنَّ الذی قمتَ فی تأییدِ شوکتِه

هو الذی لم یکن شیءٌ یساویه

إنَّ الذی أنت قد أحببتَ طلعتَهُ

حبیبُ مَن کلُّ شیء فی أیادیه

لله درُّک من قنّاص فرصتِهِ

مذشمت برق الأمانی من نواحیه9.

ص: 514


1- أسنی المطالب : 77 - 79.

یهنیک فوزُکَ أن قدّمت منک یداً

إلی ملیٍّ وفیٍّ فی جوازیه

من یُسْدِ أحسنَ معروفٍ لأحسنِ من

جازی ینلْ فوق ما نالت أمانیه

ومن سعی لسعیدٍ فی مطالبِهِ

فهو الحریُّ بأن تحظی أمالیه

فیا سعید المساعی فی متاجره

قد جئتُ ربعَکَ أستهمی غوادیه

مستمطراً منک مزنَ الخیرِ معترفاً

بأنَّ غرسَ المنی یعنی بصافیه

إلی آخره.

ثمّ قال (1) فی (ص 44) وقیل أیضاً :

إنَّ القلوبَ لتبکی حین تسمعُ ما

أبدی أبو طالبٍ فی حقِّ من عظما

فإن یکن أجمعَ الأعلامُ أنَّ له

ناراً فلله کلُّ الکون یفعل ما (2)

أمّا إذا اختلفوا فالرأی أن نردا

موارداً یرتضیها عقلُ من سلما

نتابع المثبتی الإیمان من زمرٍ

فی معظم الدین تابعناهمُ فکما (3)

وهم عدولٌ خیارٌ فی مقاصدِهم

فلا نقل إنَّهم لن یبلغوا عظما

لا تزدریهم أتدری من همو فهمو

همو عری الدین قد أضحوا به زُعَما

هم السیوطیُ (4) والسبکیُّ مع نفرٍ

کعدّة النقبا حفّاظٍ اهل حمی

وأهل کشف وشعرانیُّهم وکذا

القرطبی والسحیمی الجمیع کما (5)ف)

ص: 515


1- أسنی المطالب : ص 81.
2- أی یفعل ما یشاء. (المؤلف)
3- أی کما تابعناهم فی معظم الدین نتابعهم فی هذا. (المؤلف)
4- للسیوطی کتاب : بغیة الطالب لإیمان أبی طالب وحسن خاتمته. توجد نسخته فی مکتبة (قوله) بمصر ضمن مجموعة رقم 16 ، وهی بخطّ السیّد محمود ، فرغ من الکتابة : سنة 1105. راجع الذریعة لشیخنا الطهرانی : 2 / 511. (المؤلف)
5- أی کما تری فی الوثاقة. (المؤلف)

- 4 -

ما أسنده إلیه من لاث به ونجع له

هؤلاء شیعة أهل البیت علیهم السلام لا یشکّ أحد منهم فی إیمان أبی طالب علیه السلام ویرونه فی أسمی مراقیه وعلی صهوته العلیا آخذین ذلک یداً عن ید حتی ینتهی الدور إلی الصحابة منهم والتابعین لهم بإحسان ، ومذعنین فی ذلک بنصوص أئمّتهم علیهم السلام بعد ما ثبت عن جدّهم الأقدس رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، قال المعلّم الأکبر شیخنا المفید فی أوائل المقالات (1) (ص 45) : اتّفقت الإمامیّة علی أنّ آباء رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم من لدن آدم إلی عبد الله مؤمنون بالله موحّدون. إلی أن قال : وأجمعوا علی أنّ عمّه أبا طالب مات مؤمناً ، وأنّ آمنة بنت وهب کانت علی التوحید. إلخ.

وقال شیخ الطائفة أبو جعفر الطوسی فی التبیان (2) (2 / 398) : عن أبی عبد الله وأبی جعفر علیهما السلام أنّ أبا طالب کان مسلماً ، وعلیه إجماع الإمامیّة لا یختلفون فیه ، ولها علی ذلک أدلّة قاطعة موجبة للعلم.

وقال شیخنا الطبرسی فی مجمع البیان (3) (2 / 287) : قد ثبت إجماع أهل البیت علی إیمان أبی طالب وإجماعهم حجّة ؛ لأنّهم أحد الثقلین اللذین أمر النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم بالتمسّک بهما بقوله : «إن تمسّکتم بهما لن تضلّوا».

وقال سیّدنا ابن معد الفخار : لقد کان یکفینا من الاستدلال علی إیمان أبی طالب علیه السلام إجماع أهل بیت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وعلیهم أجمعین وعلماء شیعتهم علی إسلامه واتّفاقهم علی إیمانه ، ولو لم یرد عنه من الأفعال التی لا یفعلها إلاّ المؤمنون ،

ص: 516


1- أوائل المقالات : ص 51.
2- التبیان : 8 / 164.
3- مجمع البیان : 4 / 444.

والأقوال التی لا یقولها إلاّ المسلمون ، ما یشهد له بصحّة الإسلام وتحقیق الإیمان ، إذ کان إجماعهم حجّة یعتمد علیها ودلالة یصمد إلیها. کتاب الحجّة (1) (ص 13).

وقال شیخنا الفتّال فی روضة الواعظین (2) (ص 120) : اعلم أنّ الطائفة المحقّة قد أجمعت علی أنّ أبا طالب ، وعبد الله بن عبد المطّلب ، وآمنة بنت وهب ، کانوا مؤمنین وإجماعهم حجّة.

وقال سیّدنا الحجّة ابن طاووس فی الطرائف (3) (ص 84) : إنّنی وجدت علماء هذه العترة مجمعین علی إیمان أبی طالب. وقال (4) فی (ص 87) : لا ریب أنّ العترة أعرف بباطن أبی طالب من الأجانب ، وشیعة أهل البیت علیهم السلام مجمعون علی ذلک ، ولهم فیه مصنّفات ، وما رأینا ولا سمعنا أنّ مسلماً أُحوِجوا فیه إلی مثل ما أُحوِجوا فی إیمان أبی طالب ، والذی نعرفه منهم أنَّهم یثبتون إیمان الکافر بأدنی سبب ، وبأدنی خبر واحد وبالتلویح ، وقد بلغت عداوتهم لبنی هاشم إلی إنکار إیمان أبی طالب مع ثبوت ذلک علیه بالحجج الثواقب ، إنّ هذا من جملة العجائب.

وقال ابن أبی الحدید فی شرحه (5) (3 / 311) : اختلف الناس فی إیمان أبی طالب ؛ فقالت الإمامیّة وأکثر الزیدیّة : ما مات إلاّ مسلماً ، وقال بعض شیوخنا المعتزلة بذلک ؛ منهم الشیخ أبو القاسم البلخی وأبو جعفر الإسکافی وغیرهما.

وقال العلاّمة المجلسی فی البحار (6) (9 / 29) : قد أجمعت الشیعة علی إسلامه وأنّه4.

ص: 517


1- الحجّة علی الذاهب إلی تکفیر أبی طالب : ص 64.
2- روضة الواعظین : 1 / 138.
3- الطرائف : ص 298.
4- الطرائف : ص 306.
5- شرح نهج البلاغة : 14 / 65 کتاب 9.
6- بحار الأنوار : 35 / 138 ح 84.

قد آمن بالنبی صلی الله علیه وآله وسلم فی أوّل الأمر ، ولم یعبد صنماً قطّ ، بل کان من أوصیاء إبراهیم علیه السلام واشتهر إسلامه من مذهب الشیعة حتی إنّ المخالفین کلّهم نسبوا ذلک إلیهم وتواترت الأخبار من طرق الخاصّة والعامّة فی ذلک ، وصنّف کثیر من علمائنا ومحدّثینا کتاباً مفرداً (1) فی ذلک ، کما لا یخفی علی من تتبّع کتب الرجال.

ومستند هذا الإجماعات إنّما هو ما جاء به رجالات بیت الوحی فی سیّد الأبطح ، وإلیک أربعون حدیثاً :

1 - أخرج شیخنا أبو علی الفتّال وغیره عن أبی عبد الله الصادق علیه السلام قال : «نزل جبرئیل علیه السلام علی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فقال : یا محمد إنّ ربّک یقرئک السلام ویقول : إنّی قد حرّمت النار علی صُلب أنزلک ، وبطن حملک ، وحجر کفلک. فالصُلب صُلب أبیه عبد الله بن عبد المطّلب ، والبطن الذی حملک آمنة بنت وهب ، وأمّا حجر کفلک فحجر أبی طالب». وزاد فی روایة : «وفاطمة بنت أسد» (2). روضة الواعظین (3) (ص 121).

راجع (4) الکافی لثقة الإسلام الکلینی (ص 242) ، معانی الأخبار للصدوق ، کتاب الحجّة للسید فخار بن معد (ص 8) ، ورواه شیخنا المفسِّر الکبیر أبو الفتوح الرازی فی تفسیره (4 / 210) ولفظه : «إنّ الله عزّ وجلّ حرّم علی النار صُلباً أنزلک ، وبطناً حملک ، وثدیاً أرضعک ، وحجراً کفلک».

2 - عن أمیر المؤمنین قال : قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «هبط علیّ جبرئیل فقال لی : یا محمد إنّ الله عزّ وجلّ مشفّعک فی ستّة : بطن حملتک آمنة بنت وهب ، وصُلب

ص: 518


1- ستوافیک عدّة ممّن أفرد التألیف فی إیمان أبی طالب علیه السلام. (المؤلف)
2- راجع ما أسلفناه : ص 378. (المؤلف)
3- روضة الواعظین : 1 / 139.
4- أصول الکافی : 1 / 446 ح 21 ، معانی الأخبار : ص 136 ح 1 ، الحجّة علی الذاهب إلی تکفیر أبی طالب : ص 48 ، تفسیر أبو الفتوح الرازی : 8 / 470.

أنزلک عبد الله بن عبد المطّلب ، وحجر کفلک أبو طالب ، وبیت آواک عبد المطّلب ، وأخ کان لک فی الجاهلیّة ، وثدی أرضعک حلیمة بنت أبی ذؤیب».

رواه السید فخار بن معد فی کتاب الحجّة (1) (ص 8).

3 - روی شیخنا المعلّم الأکبر الشیخ المفید بإسناد یرفعه قال : لمّا مات أبو طالب أتی أمیر المؤمنین رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فآذنه بموته فتوجّع توجّعاً عظیماً وحزن حزناً شدیداً ثمّ قال لأمیر المؤمنین علیه السلام : «امض یا علیّ فتولَّ أمره ، وتولَّ غسله وتحنیطه وتکفینه ، فإذا رفعته علی سریره فأعلمنی». ففعل ذلک أمیر المؤمنین علیه السلام ، فلمّا رفعه علی السریر اعترضه النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فرقّ وتحزّن ، وقال : «وصلتک رحم وجُزیت خیراً یا عمّ ، فلقد ربّیت وکفلت صغیراً ، ونصرت وآزرت کبیراً» ، ثمّ أقبل علی الناس وقال : «أمَ والله لأشفعنّ لعمّی شفاعة یعجب بها أهل الثقلین».

وفی لفظ شیخنا الصدوق : «یا عم کفلت یتیماً ، وربّیت صغیراً ، ونصرت کبیراً فجزاک الله عنّی خیراً» (2).

راجع (3) : تفسیر علی بن إبراهیم (ص 355) ، أمالی ابن بابویه الصدوق ، الفصول المختارة لسیدنا الشریف المرتضی (ص 80) ، الحجّة علی الذاهب إلی تکفیر أبی طالب (ص 67) ، بحار الأنوار (9 / 15) ، الدرجات الرفیعة لسیّدنا الشیرازی ، ضیاء العالمین.

4 - عن العبّاس بن عبد المطّلب رضی الله عنه أنّه سأل رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فقال : ما ترجو لأبی طالب؟ فقال : «کلّ الخیر أرجو من ربّی عزّ وجلّ».

ص: 519


1- الحجّة علی الذاهب إلی تکفیر أبی طالب : 48.
2- راجع ما مرّ فی صفحة : 373. (المؤلف)
3- تفسیر علیّ بن إبراهیم القمی : 1 / 380 ، الأمالی : ص 330 ، الفصول المختارة : ص 228 ، الحجّة علی الذاهب إلی تکفیر أبی طالب : ص 265 ، بحار الأنوار : 35 / 68 ، الدرجات الرفیعة : ص 61.

کتاب الحجّة (1) (ص 15) الدرجات الرفیعة (2). راجع ما أسلفناه (ص 373).

5 - عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أنّه قال لعقیل بن أبی طالب : «أنا أحبّک یا عقیل حبّین : حبّا لک وحبّا لأبی طالب لأنّه کان یحبّک» (3).

علل الشرائع لشیخنا الصدوق. الحجّة (ص 34) ، بحار الأنوار (9 / 16) (4).

6 - عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قال : «لو قمت المقام المحمود لشفعت فی أبی وأمّی وعمّی وأخ [ کان ] (5) لی مواخیاً فی الجاهلیّة». تفسیر علی بن إبراهیم (ص 355 ، 490) ، تفسیر البرهان (6) (3 / 794). راجع ما أسلفناه فی صفحة (378).

7 - عن الإمام السبط الحسین بن علیّ عن والده أمیر المؤمنین أنّه کان جالساً فی الرحبة والناس حوله فقام إلیه رجل فقال له : یا أمیر المؤمنین إنّک بالمکان الذی أنزلک الله وأبوک معذّب فی النار ، فقال له : «مه فضّ الله فاک ، والذی بعث محمداً بالحقّ نبیّا لو شفع أبی فی کلّ مذنب علی وجه الأرض لشفّعه الله ، أبی معذّب فی النار وابنه قسیم الجنّة والنار؟ والذی بعث محمداً بالحقّ إنّ نور أبی طالب یوم القیامة لیطفئ أنوار الخلائق إلاّ خمسة أنوار : نور محمد ونور فاطمة ونور الحسن والحسین ونور ولده من الأئمّة ، ألا إنّ نوره من نورنا ، خلقه الله من قبل خلق آدم بألفی عام».

ص: 520


1- الحجّة علی الذاهب إلی تکفیر أبی طالب : ص 71.
2- الدرجات الرفیعة : ص 48.
3- راجع ما أسلفناه : ص 375. (المؤلف)
4- علل الشرائع : 1 / 162 ، الحجّة علی الذاهب إلی تکفیر أبی طالب : ص 179 ، بحار الأنوار : 35 / 75.
5- من المصدر.
6- تفسیر علی بن إبراهیم : 2 / 25 ، 142 ، تفسیر البرهان : 3 / 23.

المناقب المائة للشیخ أبی الحسن بن شاذان (1) ، کنز الفوائد للکراجکی (ص 80) ، أمالی ابن الشیخ (ص 192) ، احتجاج الطبرسی کما فی البحار ، تفسیر أبی الفتوح (4 / 211) ، الحجّة (ص 15) ، الدرجات الرفیعة ، بحار الأنوار (9 / 15) ، ضیاء العالمین ، تفسیر البرهان (3 / 794) (2).

8 - عن مولانا أمیر المؤمنین علیه السلام إنّه قال : «والله ما عبد أبی ولا جدّی عبد المطّلب ولا هاشم ولا عبد مناف صنماً قطّ» : قیل له : فما کانوا یعبدون؟ قال : «کانوا یصلّون إلی البیت علی دین إبراهیم علیه السلام متمسّکین به».

رواه (3) شیخنا الصدوق باسناده فی کمال الدین (ص 104) ، والشیخ أبو الفتوح فی تفسیره (4 / 210) ، والسیّد فی البرهان (3 / 795).

9 - عن أبی الطفیل عامر بن واثلة قال : قال علیّ علیه السلام : «إنّ أبی حین حضره الموت شهده رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فأخبرنی عنه بشیء خیر لی من الدنیا وما فیها».

رواه بإسناده السیّد فخار بن معد فی کتاب الحجّة (4) (ص 23) ، وذکره الفتونی فی ضیاء العالمین.

10 - عن أمیر المؤمنین علیه السلام قال : «ما مات أبو طالب حتی أعطی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم من نفسه الرضا» تفسیر علی بن إبراهیم (ص 355) ، کتاب الحجّة (ص 23) ، الدرجات

ص: 521


1- محمد بن أحمد القمّی الفامی أحد مشایخ شیخ الطائفة الطوسی والکراجکی والکتاب مخطوط موجود عندنا. (المؤلف)
2- المناقب المائة : ص 161 ، کنز الفوائد : 1 / 183 ، أمالی الطوسی : ص 305 ح 612 ، الاحتجاج : 1 / 546 ح 133 ، تفسیر أبی الفتوح : 8 / 471 ، الحجّة علی الذاهب إلی تکفیر أبی طالب : ص 72 ، الدرجات الرفیعة : ص 50 ، بحار الأنوار : 35 / 69 ، تفسیر البرهان : 3 / 231.
3- کمال الدین : ص 174 ، تفسیر أبی الفتوح : 8 / 470 ، تفسیر البرهان : 3 / 232.
4- الحجّة علی الذاهب إلی تکفیر أبی طالب : ص 112.

الرفیعة ، ضیاء العالمین (1).

11 - عن الشعبی یرفعه عن أمیر المؤمنین أنّه قال : کان والله أبو طالب عبد مناف بن عبد المطّلب مؤمناً مسلماً یکتم إیمانه مخافةً علی بنی هاشم أن تنابذها قریش. قال أبو علی الموضح : ولأمیر المؤمنین فی أبیه یرثیه :

أبا طالبٍ عصمةَ المستجیر

وغیثَ المحول ونور الظلمْ

لقد هدّ فقدُکَ أهلَ الحفاظِ

فصلّی علیک ولیّ النعمْ

ولقّاک ربُّکَ رضوانهُ

فقد کنت للمصطفی خیرَ عمّ (2)

کتاب الحجّة (3) (ص 24).

12 - عن الأصبغ بن نباته قال : سمعت أمیر المؤمنین علیّا علیه السلام یقول : مرّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بنفر من قریش وقد نحروا جزوراً وکانوا یسمّونها الفهیرة ویذبحونها علی النصف فلم یسلّم علیهم ، فلمّا انتهی إلی دار الندوة قالوا : یمرّ بنا یتیم أبی طالب فلا یسلّم علینا ، فأیّکم یأتیه فیفسد علیه مصلاّه؟ فقال عبد الله بن الزبعری السهمی : أنا أفعل ؛ فأخذ الفرث والدم ، فانتهی به إلی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وهو ساجد فملأ به ثیابه ومظاهره ، فانصرف النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم حتی أتی عمّه أبا طالب فقال : «یا عمّ من أنا؟» فقال : وَلِمَ یا بن أخی؟ فقصّ علیه القصّة فقال : وأین ترکتهم؟ فقال : «بالأبطح» فنادی فی قومه : یا آل عبد المطّلب یا آل هاشم یا آل عبد مناف ، فأقبلوا إلیه من کلّ مکان ملبّین ، فقال : کم أنتم؟ قالوا : نحن أربعون ، قال : خذوا سلاحکم. فأخذوا سلاحهم وانطلق بهم حتی انتهی إلی أولئک النفر ، فلمّا رأوه أرادوا أن یتفرّقوا ، فقال

ص: 522


1- تفسیر علی بن إبراهیم : 1 / 380 ، الحجة علی الذاهب إلی تکفیر أبی طالب : ص 108.
2- راجع ما أسلفناه : ص 378. (المؤلف)
3- الحجة علی الذاهب إلی تکفیر أبی طالب : ص 122.

لهم : وربّ هذه البنیّة لا یقومنّ منکم أحد إلاّ جللتهُ بالسیف. ثمّ أتی إلی صفاة کانت بالأبطح فضربها ثلاث ضربات حتی قطعها ثلاثة أفهار (1) ثمّ قال : یا محمد سألتنی من أنت؟ ثمّ أنشأ یقول ویومی بیده إلی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم :

أنت النبیُّ محمدُ

قرمٌ أغرّ مسوَّدُ

إلی آخر ما مرَّ فی (ص 336) ثمّ قال : یا محمد أیُّهم الفاعل بک؟ فأشار النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم إلی عبد الله بن الزبعری السهمی الشاعر ، فدعاه أبو طالب فوجأ أنفه حتی أدماها. ثمّ أمر بالفرث والدم فأمرّ علی رءوس الملأ کلّهم ثمّ قال : یا بن أخ أرضیت؟ ثمّ قال : سألتنی من أنت؟ أنت محمد بن عبد الله ، ثمّ نسّبه إلی آدم علیه السلام ثمّ قال : أنت والله أشرفهم حسباً ، وأرفعهم منصباً ، یا معشر قریش من شاء منکم أن یتحرّک فلیفعل ؛ أنا الذی تعرفونی (2).

رواه (3) السید ابن معد فی الحجّة (ص 106) ، وذکر لِدة هذه القضیّة الصفوری فی نزهة المجالس (2 / 122) وفی طبع (ص 91) ، وابن حجّة الحموی فی ثمرات الأوراق بهامش المستطرف (ص 2 / 3) نقلاً عن کتاب الأعلام للقرطبی.

13 - ذکر ابن فیّاض فی کتابه شرح الأخبار : أنّ علیّا علیه السلام قال فی حدیث له : إنّ أبا طالب هجم علیّ وعلی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ونحن ساجدان فقال : أفعلتماها؟ ثمّ أخذ بیدی فقال : انظر کیف تنصره ، وجعل یرغّبنی فی ذلک ویحضّنی علیه. الحدیث.

راجع ضیاء العالمین لشیخنا أبی الحسن الشریف الفتونی.

ص: 523


1- ثلاثة أفهار : ثلاث قطع کلّ منها تملأ الکف. (المؤلف)
2- راجع ما أسلفناه : ص 359 ، ویأتی فی الجزء الثامن فی الآیات ما یؤیّد هذه القصّة. (المؤلف)
3- الحجّة علی الذاهب إلی تکفیر أبی طالب : ص 346 ، نزهة المجالس : 2 / 91 ، ثمرات الأوراق : ص 285.

14 - روی أنّ أمیر المؤمنین علیه السلام قیل له : من کان آخر الأوصیاء قبل النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ؟ فقال : «أبی». ضیاء العالمین للفتونی.

15 - عن الإمام السجّاد زین العابدین علیّ بن الحسین بن علیّ علیهم السلام أنّه سُئل عن أبی طالب أکان مؤمناً؟ فقال علیه السلام : «نعم». فقیل له : إنّ هاهنا قوماً یزعمون أنّه کافر. فقال علیه السلام : «وا عجباً کلّ العجب أیطعنون علی أبی طالب أو علی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم؟ وقد نهاه الله تعالی أن یقرّ مؤمنة مع کافر فی غیر آیة من القرآن ، ولا یشکّ أحد أنّ فاطمة بنت أسد رضی الله تعالی عنها من المؤمنات السابقات ، فإنّها لم تزل تحت أبی طالب حتی مات أبو طالب رضی الله عنه».

راجع (1) : ما مر (ص 380) ، وکتاب الحجّة (ص 24) ، والدرجات الرفیعة ، ضیاء العالمین فقال : قیل : إنّها متواترة عندنا.

16 - عن أبی بصیر لیث المرادی قال : قلت لأبی جعفر علیه السلام : سیّدی إنّ الناس یقولون : إنّ أبا طالب فی ضحضاح من نار یغلی منه دماغه. فقال علیه السلام : «کذبوا والله إنّ إیمان أبی طالب لو وُضع فی کفّة میزان وإیمان هذا الخلق فی کفّة میزان لرجح إیمان أبی طالب علی إیمانهم». إلی آخر ما مرّ (ص 380). رواه (2) السیّد فی کتاب الحجّة (ص 18) من طریق شیخ الطائفة عن الصدوق ، والسیّد الشیرازی فی الدرجات الرفیعة ، والفتونی فی ضیاء العالمین.

وروی السیّد ابن معد فی کتاب الحجّة (ص 27) من طریق آخر عن الإمام الباقر علیه السلام إنّه قال : مات أبو طالب بن عبد المطّلب مسلماً مؤمناً. إلی آخره.

17 - عن الإمام الصادق أبی عبد الله جعفر بن محمد علیهم السلام قال : «إنّ مثل أبی

ص: 524


1- الحجة علی الذاهب إلی تکفیر أبی طالب : ص 123 ، الدرجات الرفیعة : ص 50.
2- الحجّة علی الذاهب إلی تکفیر أبی طالب : ص 85 ، الدرجات الرفیعة : ص 49.

طالب مثل أصحاب الکهف أسرّوا الإیمان وأظهروا الشرک فآتاهم الله أجرهم مرّتین».

راجع (1) : الکافی لثقة الإسلام الکلینی (ص 244) ، أمالی الصدوق (ص 366) ، روضة الواعظین (ص 121) ، کتاب الحجّة (ص 115) ، وفی (ص 17) ولفظه من طریق الحسین بن أحمد المالکی :

قال عبد الرحمن بن کثیر : قلت لأبی عبد الله علیه السلام : إنّ الناس یزعمون أنّ أبا طالب فی ضحضاح من نار. فقال : «کذبوا ، ما بهذا نزل جبریل علی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم» ، قلت : وبما نزل؟ قال : «أتی جبرائیل فی بعض ما کان علیه فقال : یا محمد إنّ ربّک یقرئک السلام ویقول لک : إنّ أصحاب الکهف أسرّوا الإیمان وأظهروا الشرک فآتاهم الله أجرهم مرّتین ، وإنّ أبا طالب أسرّ الإیمان وأظهر الشرک فآتاه الله أجره مرّتین ، وما خرج من الدنیا حتی أتته البشارة من الله تعالی بالجنّة ، ثمّ قال : کیف یصفونه بهذا وقد نزل جبرائیل لیلة مات أبو طالب فقال : یا محمد اخرج من مکّة فما لک بها ناصر بعد أبی طالب؟».

وذکره (2) العلاّمة المجلسی فی البحار (9 / 24) والسیّد فی الدرجات الرفیعة ، والفتونی فی ضیاء العالمین ، وروی شیخنا أبو الفتوح الرازی هذا الحدیث فی تفسیره (4 / 212).

18 - أخرج ثقة الإسلام الکلینی فی الکافی (3) (ص 244) ؛ بالإسناد عن إسحاق بن جعفر عن أبیه علیه السلام قال : قیل له : إنّهم یزعمون أنّ أبا طالب کان کافراً ، فقال : «کذبوا ، کیف وهو یقول :

ص: 525


1- أصول الکافی : 1 / 448 ، أمالی الصدوق : 492 ، روضة الواعظین : 1 / 139 ، الحجّة علی الذاهب إلی تکفیر أبی طالب : ص 362 ، ص 83.
2- بحار الأنوار : 35 / 72 ، الدرجات الرفیعة : ص 49 ، تفسیر أبی الفتوح : 8 / 474.
3- أصول الکافی : 1 / 448.

ألم تعلموا أنّا وجدنا محمداً

نبیّا کموسی خُطّ فی أوّل الکتب»

وذکره غیر واحد من أئمّة الحدیث فی تآلیفهم رضوان الله علیهم أجمیعن.

19 - أخرج ثقة الإسلام الکلینی فی أُصول الکافی (1) (244) ، عن الإمام الصادق قال : «کیف یکون أبو طالب کافراً وهو یقول :

لقد علموا أنَّ ابننا لا مکذّبٌ

لدینا ولا یعبا بقیل الأباطلِ

وأبیض یُستسقی الغمامُ بوجهِهِ

ثمالُ الیتامی عصمةٌ للأراملِ»

وذکره السیّد فی البرهان (2) (3 / 795) ، وکذلک غیر واحد من أعلام الطائفة أخذاً عن الکلینی.

20 - روی شیخنا أبو علی الفتّال فی روضة الواعظین (3) (ص 121) عن الإمام الصادق علیه السلام قال : لمّا حضر أبا طالب رضی الله عنه الوفاة جمع وجوه قریش فأوصاهم ، فقال : یا معشر قریش أنتم صفوة الله من خلقه ، وقلب العرب ، وأنتم خزنة الله فی أرضه وأهل حرمه ، فیکم السیّد المطاع ، الطویل الذراع ، وفیکم المقدام الشجاع ، الواسع الباع ، اعلموا أنّکم لم تترکوا للعرب فی المفاخر نصیباً إلاّ حزتموه ، ولا شرفاً إلاّ أدرکتموه ، فلکم علی الناس بذلک الفضیلة ، ولهم به إلیکم الوسیلة ، والناس لکم حرب إلی آخر ما مرّ فی (ص 366) من مواقف سیّدنا أبی طالب المشکورة المرویّة من طرق أهل السنّة ، وذکر هذه الوصیّة شیخنا العلاّمة المجلسی فی البحار (4) (9 / 23).

21 - حدّث شیخنا أبو جعفر الصدوق فی إکمال الدین (5) (ص 103) ، بالإسناد

ص: 526


1- أُصول الکافی : 1 / 449.
2- تفسیر البرهان : 3 / 231.
3- روضة الواعظین : 1 / 139.
4- بحار الأنوار : 35 / 106.
5- إکمال الدین : 1 / 174.

عن محمد بن مروان عن الإمام الصادق علیه السلام : «إنّ أبا طالب أظهر الکفر وأسرّ الإیمان ، فلمّا حضرته الوفاة أوحی الله عزّ وجلّ إلی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : أخرج منها فلیس لک بها ناصر. فهاجر إلی المدینة».

وذکره سیّدنا الشریف المرتضی فی الفصول المختارة (1) (ص 80) فقال : هذا یبرهن عن إیمانه لتحقیقه بنصرة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وتقویة أمره.

وذیل الحدیث رواه السیّد الحجّة ابن معد فی کتابه الحجّة (2) (ص 30) وقال فی (ص 103) : لمّا قبض أبو طالب اتّفق المسلمون علی أنّ جبرئیل علیه السلام نزل علی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وقال له : ربّک یقرئک السلام ویقول لک : إنّ قومک قد عوّلوا علی أن یُبیّتوک وقد مات ناصرک فاخرج عنهم. وأمره بالمهاجرة. فتأمّل إضافة الله تعالی أبا طالب رحمه الله إلی النبیّ علیه السلام وشهادته له أنّه ناصره ، فإنّ فی ذلک لأبی طالب أوفی فخر وأعظم منزلة ، وقریش رضیت من أبی طالب بکونه مخالطاً لهم مع ما سمعوا من شعره وتوحیده وتصدیقه للنبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ، ولم یمکنهم قتله والمنابذة له لأنّ قومه من بنی هاشم وإخوانهم من بنی المطّلب بن عبد مناف وأحلافهم وموالیهم وأتباعهم ، کافرهم ومؤمنهم کانوا معه ، ولو کان نابذ قومه لکانوا علیه کافّة ، ولذلک قال أبو لهب لمّا سمع قریشاً یتحدّثون فی شأنه ویفیضون فی أمره : دعوا عنکم هذا الشیخ فإنّه مغرم بابن أخیه ، والله لا یُقتل محمد حتی یُقتل أبو طالب ، ولا یقتل أبو طالب حتی تُقتل بنو هاشم کافّة ، ولا تُقتل بنو هاشم حتی تُقتل بنو عبد مناف ، ولا تقتل بنو عبد مناف حتی تُقتل أهل البطحاء ؛ فأمسکوا عنه وإلاّ ملنا معه. فخاف القوم أن یفعل فکفّوا. فلمّا بلغت أبا طالب مقالته طمع فی نصرته فقال یستعطفه ویرقّقه :

عجبت لحلمٍ یا بن شیبةَ حادثٍ

وأحلامُ أقوامٍ لدیک ضعافٌ

ص: 527


1- الفصول المختارة : ص 229.
2- الحجة علی الذاهب الی تکفیر أبی طالب : ص 84 ، ص 341.

إلی آخر أبیات ذکرها ابن أبی الحدید فی شرحه (1) (3 / 307) مع زیادة خمسة أبیات لم یذکرها السیّد فی الحجّة. وذکرها ابن الشجری فی حماسته (ص 16).

فقال السیّد : فلمّا أبطأ عنه ما أراد منه قال یستعطفه أیضاً :

وإنَّ امرأً من قومه أبو معتب

لفی منعة من أن یُسام المظالما

أقول له وأین منه نصیحتی

أبا معتب (2) ثبِّت سوادَک قائما

إلی أبیات خمسة. وقد ذکرها ابن هشام فی سیرته (3) (1 / 394) مع زیادة أربعة أبیات ، غیر أنّ البیت الأوّل فیه :

وإنَّ امرأً أبو عُتیبة عمُّه

لفی روضة ما إن یُسام المظالما

وذکرها (4) ابن أبی الحدید فی الشرح (3 / 307) ؛ وابن کثیر فی تاریخه (3 / 93).

22 - عن یونس بن نباتة عن الإمام الصادق علیه السلام قال : «یا یونس ما یقول الناس فی أبی طالب؟» قلت : جعلت فداک یقولون : هو فی ضحضاح من نار یغلی منها أُمّ رأسه فقال : «کذب أعداء الله ، إنّ أبا طالب من رفقاء النبیّین والصدّیقین والشهداء والصالحین وحسن أولئک رفیقا».

کنز الفوائد لشیخنا الکراجکی (ص 80) ، کتاب الحجّة (ص 17) ، ضیاء العالمین.

23 - روی الشریف الحجّة ابن معد فی کتابه الحجّة (5) (ص 22) من طریق

ص: 528


1- شرح نهج البلاغة : 14 / 57 کتاب 9 ، الحجّة علی الذاهب إلی تکفیر أبی طالب : ص 342.
2- یعنی أبا لهب. (المؤلف)
3- السیرة النبویّة : 2 / 10.
4- شرح نهج البلاغة : 14 / 57 کتاب 9 ، البدایة والنهایة : 3 / 116.
5- الحجّة علی الذاهب إلی تکفیر أبی طالب : ص 104.

شیخنا أبی جعفر الصدوق عن داود الرقّی قال : دخلت علی أبی عبد الله علیه السلام ولی علی رجل دین وقد خفت تواه (1) فشکوت ذلک إلیه فقال علیه السلام : إذا مررت بمکّة فطف عن عبد المطّلب طوافاً وصلّ عنه رکعتین ، وطف عن أبی طالب طوافاً وصلّ عنه رکعتین ، وطف عن عبد الله طوافاً وصلّ عنه رکعتین ، وطف عن آمنة طوافاً وصلّ عنها رکعتین ، وعن فاطمة بنت أسد طوافاً وصلّ عنها رکعتین. ثمّ ادع الله عزّ وجلّ أن یردّ علیک مالک. قال : ففعلت ذلک ثمّ خرجت من باب الصفا فإذا غریمی واقف یقول : یا داود جئنی هناک فاقبض حقّک.

وذکره العلاّمة المجلسی فی البحار (2) (9 / 24).

24 - أخرج ثقة الإسلام الکلینی فی الکافی (3) (ص 244) ؛ بالإسناد عن الإمام الصادق علیه السلام قال : بینا النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فی المسجد الحرام وعلیه ثیاب له جُدُد فألقی المشرکون علیه سلا (4) ناقة فملؤوا ثیابه بها فدخله من ذلک ما شاء الله ، فذهب إلی أبی طالب فقال له : «یا عمّ ، کیف تری حسبی فیکم؟» فقال له : وما ذاک یا ابن أخی؟ فأخبره الخبر ، فدعا أبو طالب حمزة وأخذ السیف وقال لحمزة : خذ السلا ثمّ توجّه إلی القوم والنبیّ صلی الله علیه وآله وسلم معه. فأتی قریشاً وهم حول الکعبة. فلمّا رأوه عرفوا الشرّ فی وجهه ثمّ قال لحمزة : أمرّ السلا علی أسبلتهم (5) ففعل ذلک حتی أتی علی آخرهم ثمّ التفت أبو طالب إلی النبیّ فقال : یا بن أخی هذا حسبک فینا.

وذکره جمع من الأعلام وأئمة الحدیث فی تآلیفهم.

ص: 529


1- التوی : الخسارة والضیاع.
2- بحار الأنوار : 35 / 112.
3- أصول الکافی : 1 / 449.
4- السلا : الجلدة التی یکون فیها الولد.
5- وفی بعض النسخ : سبالهم جمع السبلة : مقدّمة اللحیة وما علی الشارب من الشعر. (المؤلف)

25 - أخرج أبو الفرج الأصبهانی ؛ بإسناده عن الإمام الصادق علیه السلام قال : «کان أمیر المؤمنین علیه السلام یعجبه أن یروی شعر أبی طالب علیه السلام وأن یدوّن وقال : تعلّموه وعلّموه أولادکم فإنّه کان علی دین الله وفیه علم کثیر».

کتاب الحجّة (ص 25) ، بحار الأنوار (9 / 24) ، ضیاء العالمین للفتونی (1).

26 - روی شیخنا الصدوق فی أمالیه (2) (ص 304) ، بالإسناد عن الإمام الصادق علیه السلام قال : «أوّل جماعة کانت أنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم کان یصلّی وأمیر المؤمنین علی بن أبی طالب معه ، إذ مرّ أبو طالب به وجعفر معه قال : یا بنیّ صلْ جناح ابن عمّک ، فلمّا أحسّه رسول الله تقدّمهما ، وانصرف أبو طالب مسروراً وهو یقول :

إنَّ علیّا وجعفراً ثقتی

عند ملمِّ الزمان والکربِ

إلی آخر أبیات مرّت صحیفة (356) وتأتی فی (ص 397) ، والحدیث رواه الشیخ أبو الفتوح فی تفسیره (3) (4 / 211).

27 - أخرج ثقة الإسلام الکلینی فی الکافی (4) (ص 242) ، بإسناده عن درست ابن أبی منصور ؛ أنّه سأل أبا الحسن الأوّل - الإمام الکاظم - علیه السلام : أکان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم محجوجاً بأبی طالب؟ فقال : «لا ، ولکنّه کان مستودعاً للوصایا فدفعها إلیه» ، فقال : قلت : فدفع إلیه الوصایا علی أنّه محجوج به؟ فقال : «لو کان محجوجاً به ما دفع إلیه الوصیّة» ، قال : قلت : فما کان حال أبی طالب؟ قال : «أقرّ بالنبیّ وبما جاء به ودفع إلیه الوصایا ومات من یومه».

ص: 530


1- الحجّة علی الذاهب إلی تکفیر أبی طالب : ص 130 ، بحار الأنوار : 35 / 115.
2- أمالی الصدوق : ص 410.
3- تفسیر أبی الفتوح : 8 / 472.
4- أصول الکافی : 1 / 445.

قال الأمینی : هذه مرتبة فوق مرتبة الإیمان ، فإنّها مشفوعة بما سبق عن مولانا أمیر المؤمنین علیه السلام تثبت لأبی طالب مرتبة الوصایة والحجّیة فی وقته فضلاً عن بسیط الإیمان ، وقد بلغ ذلک من الثبوت إلی حدّ ظنّ السائل أنّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم کان محجوجاً به قبل بعثته ، فنفی الإمام علیه السلام ذلک ، وأثبت ما ثبت له من الوصایة وأنّه کان خاضعاً للإبراهیمیّة الحنیفیّة ، ثمّ رضخ للمحمدیّة البیضاء ، فسلّم الوصایا للصادع بها ، وقد سبق إیمانه بالولایة العلویّة الناهض بها ولده البارّ صلوات الله وسلامه علیه.

28 - أخرج شیخنا أبو الفتح الکراجکی (1) (ص 80) ؛ بإسناده عن أبان بن محمد ، قال : کتبت إلی الإمام الرضا علیّ بن موسی الرضا علیهما السلام : جعلت فداک. إلی آخر ما مرّ فی (ص 381) (2).

وذکره (3) السیّد فی کتاب الحجّة (ص 16) ، والسیّد الشیرازی فی الدرجات الرفیعة ، والعلاّمة المجلسی فی بحار الأنوار (ص 33) ، وشیخنا الفتونی فی ضیاء العالمین.

29 - روی شیخنا المفسّر الکبیر أبو الفتوح فی تفسیره (4) (4 / 211) ؛ عن الإمام الرضا سلام الله علیه ، وقال : روی عن آبائه بعدّة طرق : أنّ نقش خاتم أبی طالب علیه السلام کان : رضیت بالله ربّا ، وبابن أخی محمد نبیّا ، وبابنی علیّ له وصیّاً.

ورواه (5) : السیّد الشیرازی فی الدرجات الرفیعة ، والإشکوری فی محبوب القلوب.

ص: 531


1- کنز الفوائد : 1 / 182.
2- مرّ ذکره هناک باسم أبان بن محمود کما فی شرح ابن أبی الحدید ، وفی کنز الفوائد : أبان بن محمد.
3- الحجّة علی الذاهب إلی تکفیر أبی طالب : ص 76 ، الدرجات الرفیعة : ص 50 ، بحار الأنوار : 35 / 110.
4- تفسیر أبی الفتوح : 8 / 471.
5- الدرجات الرفیعة : ص 60 ، محبوب القلوب : 2 / 319.

30 - أخرج الشیخ أبو جعفر الصدوق بإسناد له : أنّ عبد العظیم بن عبد الله العلوی الحسنی المدفون بالریّ کان مریضاً فکتب إلی أبی الحسن الرضا علیه السلام : عرّفنی یا ابن رسول الله عن الخبر المرویّ أنّ أبا طالب فی ضحضاح من نار یغلی منه دماغه. فکتب إلیه الرضا علیه السلام :

«بسم الله الرحمن الرحیم ، أمّا بعد : فإنّک إن شککت فی إیمان أبی طالب کان مصیرک إلی النار».

کتاب الحجّة (1) (ص 16) ، ضیاء العالمین لأبی الحسن الشریف.

31 - أخرج شیخنا الفقیه أبو جعفر الصدوق ، بالإسناد عن الإمام الحسن بن علیّ العسکری ، عن آبائه علیهما السلام فی حدیث طویل : «إنّ الله تبارک وتعالی أوحی إلی رسوله صلی الله علیه وآله وسلم إنّی قد أیّدتک بشیعتین : شیعة تنصرک سرّا ، وشیعة تنصرک علانیة ؛ فأمّا التی تنصرک سرّا فسیّدهم وأفضلهم عمّک أبو طالب ، وأمّا التی تنصرک علانیة فسیّدهم وأفضلهم ابنه علیّ بن أبی طالب. ثمّ قال : وإنّ أبا طالب کمؤمن آل فرعون یکتم إیمانه».

کتاب الحجّة (2) (ص 115) : ضیاء العالمین لأبی الحسن الشریف.

32 - أخرج شیخنا الصدوق فی أمالیه (3) (ص 365) من طریق الأعمش عن عبد الله بن عبّاس عن أبیه قال : قال أبو طالب لرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یا ابن أخی الله أرسلک؟ قال : «نعم». قال : فأرنی آیة. قال : ادع لی تلک الشجرة. فدعاها فأقبلت حتی سجدت بین یدیه ثمّ انصرفت ، فقال أبو طالب : أشهد أنّک صادق ، یا علیّ صل جناح ابن عمّک.

ص: 532


1- الحجّة علی الذاهب إلی تکفیر أبی طالب : ص 82.
2- الحجّة علی الذاهب إلی تکفیر أبی طالب : ص 362.
3- أمالی الصدوق : ص 491.

ورواه أبو علی الفتّال فی روضة الواعظین (1) (ص 121) ، ورواه السیّد ابن معد فی الحجّة (2) (ص 25) ولفظه : قال أبو طالب للنبیّ صلی الله علیه وآله وسلم بمحضر من قریش لیریهم فضله : یا ابن أخی الله أرسلک؟ قال : نعم. قال : إنّ للأنبیاء معجزاً وخرق عادة فأرنا آیة قال : «ادع تلک الشجرة وقل لها : یقول لک محمد بن عبد الله : أقبلی بإذن الله». فدعاها فأقبلت حتی سجدت بین یدیه ثمّ أمرها بالانصراف فانصرفت ، فقال أبو طالب : أشهد أنّک صادق. ثمّ قال لابنه علیّ علیه السلام : یا بنیَّ الزم ابن عمّک.

وذکره غیر واحد من أعلام الطائفة.

33 - أخرج أبو جعفر الصدوق قدّس الله سرّه فی الأمالی (3) (ص 366) بإسناده عن سعید بن جبیر عن عبد الله بن عبّاس أنّه سأله رجل فقال له : یا بن عمّ رسول الله أخبرنی عن أبی طالب هل کان مسلماً؟ قال : وکیف لم یکن مسلماً وهو القائل :

وقد علموا أنَّ ابننا لا مکذّب

لدینا ولا یعبا بقیل الأباطلِ

إنّ أبا طالب کان مثله کمثل أصحاب الکهف حین أسرّوا الإیمان وأظهروا الشرک فآتاهم الله أجرهم مرّتین.

ورواه السیّد ابن معد فی الحجّة (4) (ص 94 ، 115) ، وذکره غیر واحد من أئمّة الحدیث.

34 - أخرج شیخنا أبو علی الفتّال النیسابوری فی روضة الواعظین (5)

ص: 533


1- روضة الواعظین : 1 / 139.
2- الحجّة علی الذاهب إلی تکفیر أبی طالب : ص 128.
3- أمالی الصدوق : ص 491.
4- الحجّة علی الذاهب إلی تکفیر أبی طالب : ص 319 - 322.
5- روضة الواعظین : 1 / 140.

(ص 123) عن ابن عبّاس قال : مرّ أبو طالب ومعه جعفر ابنه برسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وهو فی المسجد الحرام یصلّی صلاة الظهر وعلیّ علیه السلام عن یمینه ، فقال أبو طالب لجعفر : صِل جناح ابن عمّک ، فتقدّم جعفر وتأخّر علیّ واصطفّا خلف رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم حتی قضی الصلاة ، وفی ذلک یقول أبو طالب :

إنَّ علیّا وجعفراً ثقتی

عند ملمِّ الزمان والنُّوَبِ (1)

أجعلهما عرضة العداء إذا

أُترک میتاً وأنتمی إلی حسبی

لا تخذلا وانصرا ابن عمّکما

أخی لأُمِّی من بینهم وأبی

والله لا أخذل النبیَّ ولا

یخذله من بنیَّ ذو حسبِ (2)

وأخرج سیّدنا ابن معد فی کتاب الحجّة (3) (ص 59) ، بإسناده عن عمران بن الحصین الخزاعی قال : کان والله إسلام جعفر بأمر أبیه ، ولذلک : مرّ أبو طالب ومعه ابنه جعفر برسول الله وهو یصلّی وعلیّ علیه السلام عن یمینه ، فقال أبو طالب لجعفر : صل جناح ابن عمّک فجاء جعفر فصلّی مع النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ، فلمّا قضی صلاته قال له النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم : «یا جعفر وصلت جناح ابن عمّک ، إنّ الله یعوّضک من ذلک جناحین تطیر بهمافی الجنّة». فأنشأ أبو طالب رضوان الله علیه یقول :

إنَّ علیّا وجعفراً ثقتی

عند ملمِّ الزمان والنوبِ

لا تخذلا وانصرا ابنَ عمّکما

أخی لأمّی من بینهم وأبی

إنَّ أبا معتب قد أسلمنا

لیس أبو معتب بذی حدبِ (4)

والله لا أخذل النبیَّ ولا

یخذله من بَنیَّ ذو حسبِ

ص: 534


1- وفی نسخة : عند احتدام الهموم والکربِ. (المؤلف)
2- راجع فیما أسلفناه : ص 394. (المؤلف)
3- الحجّة علی الذاهب إلی تکفیر أبی طالب : ص 249.
4- أبو معتب کنیة أبی لهب کما مرّ. ذی حدب : ذی تعطّف. (المؤلف)

حتی ترون الرؤوس طائحةً

منّا ومنکم هناک بالقضبِ

نحن وهذا النبیُّ أُسرته

نضرب عنه الأعداءَ کالشهبِ

إن نلتموه بکلِّ جمعکمُ

فنحن فی الناس ألأم العربِ

ورواه شیخنا أبو الفتح الکراجکی (1) بطریق آخر عن أبی ضوء بن صلصال قال : کنت أنصر النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم مع أبی طالب قبل إسلامی ، فإنّی یوماً لجالس بالقرب من منزل أبی طالب فی شدّة القیظ إذ خرج أبو طالب إلیّ شبیهاً بالملهوف ، فقال لی : یا أبا الغضنفر هل رأیت هذین الغلامین؟ یعنی النبیّ وعلیّا علیهما السلام فقلت : ما رأیتهما مُذ جلست ، فقال : قم بنا فی الطلب لهما فلست آمن قریشاً أن تکون اغتالتهما ، قال : فمضینا حتی خرجنا من أبیات مکّة ثمّ صرنا إلی جبل من جبالها فاسترقیناه إلی قلّته ، فإذا النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وعلیّ عن یمینه وهما قائمان بإزاء عین الشمس یرکعان ویسجدان ، فقال أبو طالب لجعفر ابنه وکان معنا : صل جناح ابن عمّک. فقام إلی جنب علیّ فأحسّ بهما النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فتقدّمهما وأقبلوا علی أمرهم حتی فرغوا ممّا کانوا فیه ، ثمّ أقبلوا نحونا فرأیت السرور یتردّد فی وجه أبی طالب ثمّ انبعث یقول الأبیات.

35 - عن عکرمة عن ابن عبّاس قال : أخبرنی أبی أنّ أبا طالب رضی الله عنه شهد عند الموت أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمداً رسول الله. ضیاء العالمین.

36 - فی تفسیر وکیع (2) من طریق أبی ذرّ الغفاری ؛ أنّه قال : والله الذی لا إله إلاّ هو ما مات أبو طالب رضی الله عنه حتی أسلم بلسان الحبشة ، قال لرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : أتفقه الحبشة؟ قال : یا عمّ إنّ الله علّمنی جمیع الکلام. قال : یا محمد اسدن لمصاقا قاطا لاها یعنی أشهد مخلصاً لا إله إلاّ الله ، فبکی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وقال : إنّ الله أقرّ

ص: 535


1- کنز الفوائد : 1 / 181.
2- هو وکیع بن الجرّاح الرؤاسی ، توفی سنة 197 ه کان حافظاً للحدیث ، له عدة تصانیف ، منها : تفسیر القرآن ، والمعرفة ، والتاریخ.

عینی بأبی طالب. ضیاء العالمین لشیخنا أبی الحسن الشریف.

أحبّ سیّد الأبطح الشهادة بلغة الحبشة فی موقفه هذا بعد ما أکثرها بلغة الضاد وبغیرها ، کما فصّل القول فیها شیخنا الحجّة أبو الحسن الشریف الفتونی المتوفّی (1138) فی کتابه القیّم الضخم ضیاء العالمین ، وهو أثمن کتاب ألّف فی الإمامة.

37 - روی شیخنا أبو الحسن قطب الدین الراوندی فی کتابه الخرائج والجرائح (1) عن فاطمة بنت أسد أنّها قالت : لمّا توفّی عبد المطّلب أخذ أبو طالب النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم عنده لوصیّة أبیه به ، وکنت أخدمه ، وکان فی بستان دارنا نخلات ، وکان أوّل إدراک الرطب ، وکنت کلّ یوم ألتقط له حفنة من الرطب فما فوقها وکذلک جاریتی ، فاتّفق یوماً أن نسیت أن التقط له شیئاً ونسیت جاریتی أیضاً ، وکان محمد نائماً ودخل الصبیان وأخذوا کلّ ما سقط من الرطب وانصرفوا ، فنمت ووضعت الکمّ علی وجهی حیاءً من محمد صلی الله علیه وآله وسلم إذا انتبه ، فانتبه محمد صلی الله علیه وآله وسلم ودخل البستان فلم یر رطبةً علی وجه الأرض فأشار إلی نخلة وقال : أیّتها الشجرة أنا جائع. فرأیت النخلة قد وضعت أغصانها التی علیها الرطب حتی أکل منها ما أراد ثمّ ارتفعت إلی موضعها ، فتعجّبت من ذلک وکان أبو طالب رضی الله عنه غائباً ، فلمّا أتی وقرع الباب عدوت إلیه حافیة وفتحت الباب وحکیت له ما رأیت فقال هو : إنّما یکون نبیّا وأنت تلدین له وزیراً بعد یأس. فولدت علیّا علیه السلام کما قال.

38 - روی شیخنا الفقیه الأکبر ابن بابویه الصدوق فی أمالیه (2) (ص 158) ، بالإسناد عن أبی طالب سلام الله علیه قال : قال عبد المطّلب : بینا أنا نائمّ فی الحجر إذ رأیت رؤیا هالتنی فأتیت کاهنة قریش وعلیّ مطرف خزّ وجمّتی تضرب منکبی ، فلمّا نظرت إلیّ عرفت فی وجهی التغیّر ، فاستوت وأنا یومئذ سیّد قومی ، فقالت : ما شأن

ص: 536


1- الخرائج والجرائح : 1 / 138.
2- أمالی الصدوق : ص 216.

سیّد العرب متغیّر اللون؟ هل رابه من حدثان الدهر ریب؟ فقلت لها : بلی إنّی رأیت اللیلة وأنا نائم فی الحجر کأنّ شجرة قد نبتت علی ظهری قد نال رأسها السماء وضربت بأغصانها الشرق والغرب ، ورأیت نوراً یظهر منها أعظم من نور الشمس سبعین ضعفاً ، ورأیت العرب والعجم ساجدة لها ، وهی کلّ یوم تزداد عظماً ونوراً ، ورأیت رهطاً من قریش یریدون قطعها فإذا دنوا منها أخذهم شابّ من أحسن الناس وجهاً وأنظفهم ثیاباً فیأخذهم ویکسر ظهورهم ویقلع أعینهم ، فرفعت یدی لأتناول غصناً من أغصانها فصاح بی الشابّ وقال : مهلاً لیس لک منها نصیب ، فقلت : لمن النصیب والشجرة منِّی؟ فقال : النصیب لهؤلاء الذین قد تعلّقوا بها وسیعود إلیها ، فانتبهت مذعوراً فزعاً متغیّر اللون ، فرأیت لون الکاهنة قد تغیّر ثمّ قالت : لئن صدقت لیخرجنّ من صُلبک ولد یملک الشرق والغرب وینبّأ فی الناس. فتسرّی عنّی غمّی ، فانظر أبا طالب لعلّک تکون أنت ، وکان أبو طالب یحدّث بهذا الحدیث والنبیّ صلی الله علیه وآله وسلم قد خرج ویقول : کانت الشجرة والله أبا القاسم الأمین.

39 - قال السیّد الحجّة فی کتابه الحجّة (1) (ص 68) : ذکر الشریف النسّابة العلوی العمری المعروف بالموضّح ، بإسناده : أنّ أبا طالب لمّا مات لم تکن نزلت الصلاة علی الموتی ، فما صلّی النبیّ علیه ولا علی خدیجة ، وإنّما اجتازت جنازة أبی طالب والنبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وعلیّ وجعفر وحمزة جلوس ، فقاموا وشیّعوا جنازته واستغفروا له فقال قوم : نحن نستغفر لموتانا وأقاربنا المشرکین أیضاً ظنّا منهم أنّ أبا طالب مات مشرکاً لأنّه کان یکتم إیمانه ، فنفی الله عن أبی طالب الشرک ونزّه نبیّه صلی الله علیه وآله وسلم والثلاثة المذکورین علیهم السلام عن الخطأ فی قوله : (ما کانَ لِلنَّبِیِّ وَالَّذِینَ آمَنُوا أَنْ یَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِکِینَ وَلَوْ کانُوا أُولِی قُرْبی) (2) ، فمن قال بکفر أبی طالب فقد حکم علی النبیّ

ص: 537


1- الحجّة علی الذاهب إلی تکفیر أبی طالب : ص 268.
2- التوبة : 113.

بالخطإ والله تعالی قد نزّهه عنه فی أقواله وأفعاله. إلی آخره.

وأخرج أبو الفرج الأصبهانی ؛ بالإسناد عن محمد بن حمید قال : حدّثنی أبی قال : سئل أبو الجهم بن حذیفة : أصلّی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم علی أبی طالب؟ فقال : وأین الصلاة یومئذ؟ إنّما فرضت الصلاة بعد موته ، ولقد حزن علیه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وأمر علیّا بالقیام بأمره وحضر جنازته ، وشهد له العبّاس وأبو بکر بالإیمان وأشهد علی صدقهما لأنّه کان یکتم إیمانه ولو عاش إلی ظهور الإسلام لأظهر إیمانه.

40 - عن مقاتل : لمّا رأت قریش یعلو أمر النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم قالوا : لا نری محمداً یزداد إلاّ کبراً وإن هو إلاّ ساحر أو مجنون ، فتعاقدوا لئن مات أبو طالب رضی الله عنه لیجمعنّ القبائل کلّها علی قتله ، فبلغ ذلک أبا طالب فجمع بنی هاشم وأحلافهم من قریش فوصّاهم بالنبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وقال : ابن أخی کلّ ما یقول أخبرنا بذلک آباؤنا وعلماؤنا ، وإنّ محمداً نبیّ صادق ، وأمین ناطق ، وإنّ شأنه أعظم شأن ، ومکانه من ربّه أعلی مکان ، فأجیبوا دعوته واجتمعوا علی نصرته ، وراموا عدوّه من وراء حوضته ، فإنّه الشرف الباقی لکم طول الدهر ، ثمّ أنشأ یقول :

أُوصی بنصرِ النبیِّ الخیرِ مشهدهُ

علیّا ابنی وعمَّ الخیر عبّاسا

وحمزةَ الأسدَ المخشیَّ صولتهُ

وجعفراً أن یذودا دونه الناسا

وهاشماً کلّها أُوصی بنصرته

أن یأخذوا دون حربِ القومِ أمراسا (1)

کونوا فداءً لکم أُمّی وما ولدت

من دون أحمدَ عند الروعِ أتراسا

بکلِّ أبیضَ مصقولٍ عوارضُه

تخالهُ فی سوادِ اللیل مقباسا (2)

قال الأمینی : هذه جملة ممّا أوقفنا السیر علیه من أحادیث رواة الحقّ والحقیقة وصفحنا عمّا یربو علی الأربعین روماً للاختصار ، فأنت إذا أضفت إلیها ما أسلفناه ممّا

ص: 538


1- أمراس : جمع مرس ، وهو الحبل.
2- ضیاء العالمین لشیخنا الفتونی. (المؤلف)

یروی عن آل أبی طالب وذویه ، وأشفعتها بما مرّ من أحادیث مواقف سیّد الأباطح ، وجمعتها مع ما جاء من الشهادات الصریحة فی شعره تربو الأدلّة علی إیمانه الخالص وإسلامه القویم علی مائة دلیل ، فهل من مساغٍ لذی مسکة أن یصفح عن هذه کلّها؟ وکلّ واحد منها یحقّ أن یستند إلیه فی إسلام أیّ أحد ، نعم ، إنّ فی أبی طالب سرّا لا یثبت إیمانه بألف دلیل ، وإیمان غیره یثبت بقیل مجهول ودعوی مجرّدة! إقرأ واحکم.

وقد فصّل القول فی هذه الأدلة جمع من أعلام الطائفة ؛ کشیخنا العلاّمة الحجّة المجلسی فی بحار الأنوار (1) (9 / 14 - 33) ، وشیخنا العلم القدوة أبی الحسن الشریف الفتونی فی الجزء الثانی من کتابه القیّم الضخم ضیاء العالمین - والکتاب موجود عندنا - وهو أحسن ما کتب فی الموضوع ، کما أنّ ما ألّفه السید البرزنجی ولخّصه السید أحمد زینی دحلان أحسن ما ألّف فی الموضوع بقلم أعلام أهل السنّة ، وأفرد ذلک بالتألیف آخرون منهم :

1 - سعد بن عبد الله أبو القاسم الأشعری القمّی : المتوفی (299 ، 301) ، له کتاب فضل أبی طالب وعبد المطّلب وعبد الله أبی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم. رجال النجاشی (2) (ص 126).

2 - أبو علیّ الکوفی أحمد بن محمد بن عمار : المتوفّی (346) ، له کتاب إیمان أبی طالب کما فی فهرست الشیخ (ص 29) ، ورجال النجاشی (3) (ص 70).

3 - أبو محمد سهل بن أحمد بن عبد الله الدیباجی ، سمع منه التلعکبری سنة (370) له کتاب إیمان أبی طالب ، ذکره النجاشی فی فهرسته (4) (ص 133).

ص: 539


1- بحار الأنوار : 35 / 74 - 131.
2- رجال النجاشی : ص 177 رقم 467.
3- رجال النجاشی : ص 95 رقم 236.
4- رجال النجاشی : ص 186 رقم 493.

4 - أبو نعیم علیّ بن حمزة البصری التمیمی اللغوی : المتوفّی (375) ، له کتاب إیمان أبی طالب ، توجد نسخته عند شیخنا الحجّة میرزا محمد الطهرانی (1) فی سامرّاء المشرّفة ، نقل عنه بعض فصوله الحافظ ابن حجر فی الإصابة (2) فی ترجمة أبی طالب واتّهم مؤلّفه بالرفض.

5 - أبو سعید محمد بن أحمد بن الحسین الخزاعی النیسابوری جدّ المفسّر الکبیر الشیخ أبی الفتوح الخزاعی لأمّه ، له کتاب منی الطالب فی إیمان أبی طالب. رواه الشیخ منتجب الدین کما فی فهرسته (3) (ص 10) عن سبطه الشیخ أبی الفتوح عن أبیه عنه.

6 - أبو الحسن علیّ بن بلال بن أبی معاویة المهلّبی الأزدی ، له کتاب البیان عن خیرة الرحمن فی إیمان أبی طالب وآباء النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ، ذکره له الشیخ فی فهرسته (ص 96) والنجاشی (4) (ص 188).

7 - أحمد بن القاسم ، له کتاب إیمان أبی طالب ، رآه النجاشی کما فی فهرسته (5) (ص 69) بخطّ الحسین بن عبید الله الغضائری.

8 - أبو الحسین أحمد بن محمد بن أحمد بن طرخان الکندی الجرجانی صدیق النجاشی : المتوفّی (450) ، ذکر له النجاشی فی فهرسته (6) (ص 63) کتاب إیمان أبی طالب.

ص: 540


1- توفّی قدّس الله سرّه وأبقی له آثاراً ومآثر تذکر مع الأبد وتشکر. (المؤلف)
2- الإصابة : 4 / 115 - 119 رقم 685.
3- فهرس منتجب الدین : ص 157.
4- رجال النجاشی : ص 265 رقم 690.
5- رجال النجاشی : ص 95 رقم 234.
6- رجال النجاشی : ص 87 رقم 210 وفیه : الجرجرانی.

9 - شیخنا الأکبر أبو عبد الله المفید محمد بن محمد بن النعمان : المتوفّی (413) له کتاب إیمان أبی طالب ، کما فی فهرست النجاشی (1) (ص 284).

10 - أبو علیّ شمس الدین السیّد فخار بن معد الموسوی : المتوفّی (630) ، له کتاب الحجّة علی الذاهب إلی تکفیر أبی طالب ، قرّظه العلاّمة السیّد محمد صادق بحر العلوم بقوله :

بشراک فخار بما أولا

ک الخالق فی یوم المحشرْ

نزَّهت بحجّتک الغرّا

شیخَ البطحاء أبا حیدرْ

عمّا نسبوه إلیهِ من ال

کفرِ المردودِ دعاةُ الشرْ

أنّی وبه قامَ الإسلا

مُ فنال بعلیاه المفخرْ

قسماً بولاءِ أبی حسنٍ

لولاه الدینُ لما أزهرْ

فعلیه من الله الرضوا

نُ وللأعدا نارٌ تسعرْ

11 - سیّدنا الحجّة أبو الفضائل أحمد بن طاووس الحسنی : المتوفّی (673) ، له کتاب إیمان أبی طالب ، ذکره فی کتابه بناء المقالة العلویّة لنقض الرسالة العثمانیّة ، وهو کتاب فی الإمامة ألّفه فی الردّ علی رسالة أبی عثمان الجاحظ.

12 - السید الحسین الطباطبائی الیزدی الحائری الشهیر بالواعظ : المتوفّی (1306) ، له کتاب منیة الطالب فی إیمان أبی طالب ، فارسی مطبوع.

13 - المفتی الشریف السیّد محمد عباس التستری الهندی : المتوفّی (1306) ، له کتاب بغیة الطالب فی إیمان أبی طالب ، أحد شعراء الغدیر ، تأتی ترجمته فی القرن الرابع عشر إن شاء الله تعالی.

14 - شمس العلماء میرزا محمد حسین الکرکانی ، له کتاب مقصد الطالب فی

ص: 541


1- رجال النجاشی : ص 399 رقم 1067.

إیمان آباء النبیّ وعمّه أبی طالب ، فارسی طبع فی بمبی سنة (1311).

15 - الشیخ محمد علی بن میرزا جعفر علی الفصیح الهندی نزیل مکة المعظّمة ، له کتاب القول الواجب فی إیمان أبی طالب.

16 - شیخنا الحجّة الحاج میرزا محسن ابن العلاّمة الحجّة میرزا محمد التبریزی (1).

17 - السید محمد علی آل شرف الدین العاملی (2) ، له کتاب شیخ الأبطح أو أبو طالب ، طبع فی بغداد سنة (1349) فی (96) صفحة وقد جمع فیه فأوعی ، ولم یُبقِ فی القوس منزعاً.

18 - الشیخ میرزا نجم الدین ابن شیخنا الحجّة میرزا محمد الطهرانی ، له کتاب الشهاب الثاقب لرجم مکفّر أبی طالب.

19 - الشیخ جعفر بن الحاج محمد النقدی المرحوم ، له کتاب مواهب الواهب فی فضائل أبی طالب ، طبع فی النجف الأشرف سنة (1341) فی (154) صفحة ، فیه فوائد جمّة وطرائف ونوادر.

وقد نظم ذلک کثیرون من أعاظم الشیعة فی قریضهم ، وممّا یسعنا إثباته هاهنا قول السید أبی محمد عبد الله بن حمزة الحسنی الزیدی من قصیدة :

حماه أبونا أبو طالب

وأسلمَ والناسُ لم تسلم

وقد کان یکتمُ إیمانه

وأمّا الولاء فلم یکتم

ص: 542


1- له کتاب إیمان أبی طالب وأحواله وأشعاره. راجع الذریعة الی تصانیف الشیعة : 2 / 513 رقم 2015.
2- انتقل إلی دار البقاء سنة 1372 وأبقی لهفةً وجویً فی قلوب أُمّة کبیرة کانت تعرفه بفضائله وفواضله. (المؤلف)

وقول الشریف العلاّمة السیّد علی خان الشیرازی (1) فی الدرجات الرفیعة (2) :

أبو طالب عمُّ النبیّ محمدٍ

به قامَ أزرُ الدینِ واشتدَّ کاهله

ویکفیه فخراً فی المفاخرِ أنّه

موازرُه دون الأنامِ وکافلُه

لئن جهلت قومٌ عظیمَ مقامِهِ

فما ضرَّ ضوءَ الصبح من هو جاهله

ولولاه ما قامت لأحمدَ دعوةٌ

ولا انجاب لیلُ الغیِّ وانزاح باطله

أقرَّ بدین الله سرّا لحکمةٍ

فقال عدوُّ الحقِّ ما هو قائله

وما ذا علیه وهو فی الدین هضبةٌ

إذا عصفت من ذی العناد أباطله

وکیف یحلُّ الذمُّ ساحةَ ماجدٍ

أواخره محمودةٌ وأوائله

علیه سلامُ اللهِ ما ذرَّ شارقٌ

وما تلیت أحسابه وفضائله (3)

ومن قصیدة للشریف الأجلِّ سیّدنا آیة الله السیّد میرزا عبد الهادی الشیرازی (4) :

ولی ندحةٌ فی مدحة الندبِ والدِ ال

أئمّةِ أعدالِ الکتابِ أولی الأمرِ

هو العلم الهادی أزینُ بمدحِهِ

شعوری ویزهو فی مآثرِه شعری

أبو طالبِ حامی الحقیقةِ سیّدٌ

تُزانُ به البطحاءُ فی البرِّ والبحرِ

أبو طالبٍ والخیلُ واللیلُ واللوا

له شهدت فی ملتقی الحربِ بالنصرِ

أبو الأوصیاءِ الغرّ عمُّ محمدِ

تضوع به الأحسابُ عن طیِّب النجرِ

لقد عرفتْ منه الخطوبُ محنَّکاً

تدرّعَ یوم الزحفِ بالباس والحجرِ

کما عرفت منه الجدوبُ أخا ندیً

دُوین سداه الغمرِ ملتطمُ البحرِ

ص: 543


1- أحد شعراء الغدیر ، تأتی ترجمته إن شاء الله تعالی. (المؤلف)
2- الدرجات الرفیعة : ص 62.
3- فی المصدر : وما تلیت أخباره.
4- أحد شعراء الغدیر ، یأتی ذکره وترجمته فی شعراء القرن الرابع عشر إن شاء الله تعالی. (المؤلف)

فذا واحدُ الدنیا وثانٍ له الحیا

وقل فی سناه ثالث الشمس والبدرِ

وأنّی یحیط الوصفُ غُرَّ خصالِهِ

وقد عجزت عن سردِها صاغة الشعرِ

حمی المصطفی فی باس ندب مدجّجٍ

تذلُّ له الأبطالُ فی موقف الکرِّ

فلولاه لم تنجح لطه دعایةٌ

ولا کان للإسلامِ مستوسقُ الأمرِ

وآمن باللهِ المهیمنِ والوری

لهم وثباتٌ من یعوقَ إلی نسرِ

وجابه أسرابَ الضلالِ مصدِّقاً

نبیُّ الهدی إذ جاء یصدع بالأمرِ

کفی مفخراً شیخَ الأباطح أنّه

أبو حیدرِ المندوبِ فی شدّة الضرِّ

وصلّی علیه اللهُ ما هبّتِ الصبا

بریّا ثنا شیخِ الأباطحِ فی الدهرِ

وقال العلاّمة الحجّة شیخنا الأوردبادی (1) :

بشیخِ الأبطحین فشا الصلاحُ

وفی أنوارِه زهتِ البطاحُ

براهُ اللهُ للتوحیدِ عضباً

یلینُ به من الشرکِ الجماحُ

وعمّ المصطفی لولاه أضحی

حمی الإسلام نهباً یستباحُ

نضا للدین منه صفیحَ عزمٍ

عنت لمضائِهِ القضُبُ الصفاحُ

وأشرع للهدی بأساً مریعاً

تحطَّم دونه السمرُ الرماحُ

وأصحرَ بالحقیقةِ فی قریضٍ

علیه الحقُّ یطفحُ والصلاحُ

صریخةُ هاشمٍ فی الخطبِ لکن

تزمّ لنیلِهِ الإبلُ الطلاحُ (2)

أخو الشرفِ الصراحِ أقام أمراً

حداه لمثلِهِ الشرفُ الصراحُ

فلا عابٌ (3) یدنِّسه ولکن

غرائز ما برحن به سجاحُ

فعلمٌ زانه خلقٌ کریمٌ

ودینٌ فیه مشفوعٌ سماحُ

ومنه الغیث إمّا عمَّ جدب

وفیه الغوث إن عنّ الصیاحُب.

ص: 544


1- من شعراء الغدیر ، یأتی ذکره فی شعراء القرن الرابع عشر إن شاء الله تعالی. (المؤلف)
2- الطلاح : جمع الطلیحة وهی الناقة المتعبة.
3- العاب : الوصمة والعیب.

مناقبُ أعیتِ البلغاءَ مدحاً

وتنفدُ دونها الکَلِمُ الفِصاحُ

وصفو القولِ أنَّ أبا علیٍ

له الدینُ الأصیلُ ولا براحُ

ولکن لابنه نصبوا عداءً

وما عن حیدرٍ فضلٌ یزاحُ

فنالوا من أبیه وما المعالی

لکلِّ محاولٍ قصداً تُباحُ

وضوءُ البدرِ أبلجُ لا یواری

وإن یکُ حولَه کَثُر النباحُ

وهبنی قلت إنَّ الصبح لیلٌ

فهل یخفی لذی العینِ الصباحُ

فدع بمتاهةِ التضلیلِ قوماً

بمرتبکِ الهوی لهمُ التیاحُ

فذا شیخُ الأباطحِ فی هداه

تصافقه الإمامةُ والنجاحُ

أبو الصِّیدِ الأکارمِ من لؤیٍ

مقادیمٌ جحاجحةٌ وِضاحُ

لهم کأبیهمُ إن جال سهمٌ

لأهلِ الفضلِ فائزةٌ قداحُ

وقال العلاّمة الأوحد الشیخ محمد تقی صادق العاملی من قصیدة یمدح بها أهل البیت علیهم السلام :

بسیف علیٍّ قد أُشیدت صروحُه

کما بأبیهِ قامَ قدماً بناؤه

أبو طالبٍ أصلُ المعالی ورمزُها

ومبدأ عنوانِ الهدی وانتهاؤه

توحَّد فی جمعِ الفضائلِ والنهی

وضمَّ جمیع المکرماتِ رداؤه

وتنحطُّ عنه رفعةً هامة السُّها (1)

ویأرج فی عَرفِ الخزامی ثناؤه

حمی الخائفِ اللاجی ومربعُ أمنِهِ

وکعبةُ قصدِ المرتجی وغَناؤه

تحلّق فی جمعِ المکارمِ نفسه

ویسمو به للنیِّرین إباؤه

أصاخ إلی الدین الحنیف ملبِّیاً

لدعوته لمّا أتاه نداؤه

وباع بإعزاز الشریعةِ نفسَه

فبورک قدراً بیعُه وشراؤهء.

ص: 545


1- السُّها : کویکب صغیر خفیّ الضوء.

وقال العلاّمة الشریف المبجّل السید علی النقی اللکهنوی (1) :

زهت أُمُّ القری بأبی الوصیِ

غداةَ غدا یذود عن النبیِ

وقام بنصرةِ الإسلامِ فرداً

یراغم کلَّ مختالٍ غویِ

یذبُّ عن الهدی کیدَ الأعادی

بأمضی من ذبابِ المشرفیِ (2)

وأبصر رشده من دین طه

فجاهر فیه بالسرِّ الخفیِ

وآمن بالإلهِ الحقِّ صدقاً

بقلبِ موحِّدٍ بَرٍّ تقیِ

بنی للسؤددِ العربیِّ صرحاً

محاطاً بالفخارِ الهاشمیِ

تلقّی الرشدَ عن آباءِ صدقٍ

توارثُه صفیّا عن صفیِ

کأنَّ الأمّهاتِ لهم أبت أن

تلدن سوی نبیّ أو وصیِ

فکان علی الهدی کأبیه قِدماً

ولم یبرحْ علی النهجِ السویِ

وکان به رواءُ الشرعِ بدءاً

وتمَّ بنجله الزاکی علیِ

وقال العلاّمة الفاضل الشیخ محمد السماوی (3) من قصیدة نشرت فی آخر کتاب الحجّة (ص 135) مطلعها :

فؤادیَ بالغادةِ الکاعبِ

غدا کُرةً فی یدی لاعبِ

کأنّی بدائرةٍ من هوی

فمن طالعٍ لی ومن غاربِ

بلیتُ بمن ضربتْ خدرَها

بمنقطعِ النظر الصائبِ

بحیث الصفاحُ وحیث الرما

حُ فمن مشرفیٍّ إلی راغبی

لها منعةٌ فی ذری قومها

کأنَّ أباها أبو طالبِ

فخارُ الأبیِّ وعمُّ النبیِ

وشیخُ الأباطحِ من غالبِ

ص: 546


1- أحد شعراء الغدیر ، یأتی فی شعراء القرن الرابع عشر إن شاء الله تعالی. (المؤلف)
2- ذباب المشرفی : حدّ السیف.
3- أحد شعراء الغدیر ، یأتی ذکره إن شاء الله. توفّی فی یوم الأحد 2 محرّم سنة 1370. (المؤلف)

أمنعُ لا یرتقی أجدلٌ

إلی ذروةٍ منه أو غاربِ

إذا الرافع الطرف یرنو له

یعودُ بتنحیةِ الناصبِ

تهلّل طلعتُه للعیو

نِ کما جرّد الغمدُ عن قاضبِ

أقام عمادَ العلی سامکاً

بأربعةٍ کالسنا الثاقبِ

بمثل علیٍّ إلی جعفرٍ

ومثلِ عقیلٍ إلی طالبِ

أولئک لا زمعاتُ الرجا

لِ من قالصِ الذیلِ أو ساحبِ

ومن ذا کعبد منافٍ یطو

ل علی راجلٍ ثمّ أو راکبِ

حمی الدین فی سیفِهِ فانبری

بمکّة ممتنعَ الجانبِ

وآمن باللهِ فی سرِّه

لأمرٍ جلیٍّ علی الطالبِ

وصدَّق أحمدَ فی وحیه

وقام بما کان من واجبِ

فکم بین مخفٍ لتصدیقه

وآخر مبدٍ له کاذبِ

لَنعم ملاذُ الهدی والتقی

ومنتجعُ الوافدِ الراغبِ

ومعتصمُ الدینِ فی مکّة

إذ الدینُ منفردُ الصاحبِ

ومانح حوزةِ أهلِ الهدی

مدی العمرِ من وثبةِ الواثبِ

فلولاه ما طفقَ المصطفی

ینادی علی المنهجِ اللاحبِ

ولم یعب الشرک مستظهراً

بیومٍ یضیق علی العائبِ

وللبحّاثة الفاضل صاحب التآلیف القیّمة الشیخ جعفر ابن الحاج محمد النقدی (1) من قصیدة ذکرها فی کتابه مواهب الواهب فی فضائل أبی طالب (2). المطبوع فی النجف الأشرف فی (154) صفحة مطلعها :

ص: 547


1- من شعراء الغدیر ، یأتی تفصیل ترجمته فی شعراء القرن الرابع عشر إن شاء الله. ارتحل إلی رحمة ربّه الودود یوم السبت 8 محرّم 1369 بالکاظمیة ، ونقل جثمانه إلی النجف الأشرف. (المؤلف)
2- مواهب الواهب فی فضائل أبی طالب : ص 293.

برقُ ابتسامِک قد أضاء الوادی

وحیا خدودِک فیه ریُّ الصادی

قوله :

مهما تراکمتِ الخطوب فإنّها

تجلی متی بأبی الوصیّ أنادی

عبد المناف الطُهر عمُّ محمدٍ

الطاهرُ الآباءِ والأجدادِ

غیثُ المکارمِ لیثُ کلّ ملمّةٍ

غوثُ المنادی بدرُ أفق النادِ

شیخُ الأباطحِ من بصارِم عزمِهِ

بلغَ الأنامُ لخطّةِ الإرشادِ

دانت لدیه المکرماتُ رقابُها

وإلیه ألقی الدهرُ فضلَ قِیادِ

جدُّ الأئمّةِ شیخُ أُمّةِ أحمدٍ

ربعُ الأمانی مربعُ الوفّادِ

سیفٌ له المجدُ الأثیلُ حمائلٌ

وله الفخارُ غدا حلیَّ نجادِ

داعی الوری للرشد فی عصرٍ به

لا یعرفون الناس نهجَ رشادِ

وله قریشٌ کم رأت من معجزٍ

عرفوه فیه واحد الآحادِ

کرضاعِهِ خیرَ البریّة أحمداً (1)

وقبول دعوته لسقی الوادی (2)

وبشارة الأسدِ الهصورِ بنجلِه

وشفائِه بدعا النبیّ الهادی (3)

وکلامه بالوحی قبل صدورِه

وله انفجارُ الأرض إذ هو صادی

وبیومِ مولدِ أحمدٍ إخبارُه

عن حیدرِ الکرّارِ بالمیلادِ (4)

وله علی الإسلام من سننٍ غدت

للمسلمین قلائدَ الأجیادِ

کفلَ النبیّ المصطفی خیرَ الوری

ورعی الحقوقَ له بصدقِ ودادِ

ربّاه طفلاً واقتفاهُ یافعاً

وحماه کهلاً من أذی الأضدادِ

ص: 548


1- أخرج حدیث هذه المکرمة شیخنا ثقة الإسلام الکلینی فی أصول الکافی : ص 344 [ 1 / 448 ]. (المؤلف)
2- راجع ما أسلفناه صفحة : 345. (المؤلف)
3- یوجد حدیثه فی غیر واحد من کتب الفریقین. (المؤلف)
4- راجع ما مرّ فی صفحة : 347 ، 398. (المؤلف)

ولأجله عادی قریشاً بعد ما

سلکوا سبیل الغیّ والإفسادِ

ورآهمُ متعاضدین لیقتلوا

خیرَ البریّةِ سیّدَ الأمجادِ

فسطا بعزمٍ ناله من معشرٍ

شمِّ الأُنوفِ مصالتٍ أنجادِ

وانصاع یفدی أحمداً فی نفسِهِ

والجاهِ والأموالِ والأولادِ

وأقامَ ینصرُه إلی أن أصبحتْ

تزهو شریعتُه بکلّ بلادِ

أفدیه من صادٍ لواءً للهدی

یحمی لأفصح ناطق بالضادِ

قد کان یعلم أنَّه المختار من

ربِّ السماء عمید کلِّ عمادِ

ولقد روی عن أنبیاء جدودِه

فیه حدیثاً واضح الإسنادِ

وعلا به عیناً علی کلّ الوری

إذ قال فیه بمطرب الإنشادِ

إنَّ ابن آمنة النبیّ محمداً

عندی یفوق منازل الأولادِ (1)

راعیت فیه قرابةً موصولةً

وحفظتُ فیه وصیّةَ الأجداد

یا والد الکرّارِ والطیّارِ وال

أطهارِ أبناءِ النبیّ الهادی

کم معجزٍ أبصرته من أحمدٍ

باهلت فیه معاشر الحسّادِ

من لصق أحجارٍ ومزق صحیفةٍ

ونزول أمطارٍ ونطق جمادِ (2)

لا فخر إلاّ فخرُک السامی الذیّ

فقئت به أبصارُ أهل عنادِ

إنَّ المکارم لو رأت أجسادَها

عین رأتک الروح للأجسادِ

شکر الإلهُ فعالَکَ الغرَّ التی

فرحت بها أملاکُ سبعِ شدادِ

لله همّتُک التی خضعت لها

من خوفِ بأسِک شامخ الأطوادِ

لله هیبتک التی رجفت بها

أعداء مجدک عصبة الإلحادِ

لله کفّک کم بها من معدمٍ

أحییت فی الإصدارِ والإیرادِ

إلی آخره.ف)

ص: 549


1- راجع ما أسلفناه : ص 343. (المؤلف)
2- أشار شاعرنا النقدی بهذا البیت إلی أربع مکرمات لرسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم شاهدها شیخ الأبطح أبو طالب ، مرّ حدیثها صفحة : 336 ، 362 ، 375 ، 396. (المؤلف)

وله قصیدة (43) بیتاً یمدح بها شیخ الأباطح أبا طالب سلام الله علیه توجد فی الواهب (1) (ص 151) مستهلها :

بالله یا قاصد الأطلال فی العَلَم

سلمتَ سلّمْ علی سلمی بذی سَلَمِ

هاهنا نجعجع بالقلم عن الافاضة فی القول لأنّ نطاق الجزء

ضاق عن التبسّط فنرجئ تکملة البحث إلی اولیات

الجزء الثامن إن شاء الله تعالی

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمین

ص: 550


1- مواهب الواهب : ص 296.

محتویات الکتاب

شعراء الغدیر فی القرن التاسع

7 - 89

ابن العرندس الحلّی................................................. 35 - 11

ما یتبع الشعر............................................................ 18

الشاعر.................................................................. 24

ابن داغر الحلّی..................................................... 37 - 47

الشاعر.................................................................. 41

الحافظ البرسی الحلّی................................................ 49 - 89

الشاعر.................................................................. 50

تألیفه القیّمة.............................................................. 54

شعره الوائق.............................................................. 55

المغالاة فی الفضائل.................................................. 91 - 69

الغلّو فی ابی بکر.................................................. 97 - 319

مقاطع من الخطبة الشقشقیة.............................................. 107

کلمتنا حول هذه الخطبة.............................................. 109

فضائله المأثورة.......................................................... 117

ملکاته ونفسیّاته........................................................ 127

الخلیفة فی الاسلام....................................................... 138

الکسلالة............................................................... 140

تقدم الخلیفة فی السنّة.................................................... 145

غایة جهد الباحث من علم الخلیفة بالسّنة................................. 155

1 - رأی الخلیفة فی الجدّه............................................ 163

رأی الخلیفة فی الجدّتین............................................... 164

رأی الخلیفة فی قطع السارق........................................... 177

رأی الخلیفة فی الجدّ.................................................. 177

5 - رأی الخلیفة فی تولیة المفضول....................................... 179

الخلاقة عند القوم..................................................... 185

کلمة الباقّلانی....................................................... 185

کلمة التفتازانی....................................................... 189

کلمة القاضی الایجی................................................. 190

کلمة الب الثناء...................................................... 191

ما تتعقد به الامامة...................................................... 192

کلمة الماوردی....................................................... 193

کلمة الجوینی........................................................ 194

کلمة القرطبی........................................................ 194

رأی الخلیفة الثانی فی الخلافة........................................... 195

نظرة فی الخلافة التی جاء بهاء القوم....................................... 197

رأی ا لخلیفة فی القدر................................................ 207

ترک الخلیفة الضحیّة مخافة ان تستن..................................... 210

ردّة بنی سلیم........................................................ 210

حرق الخلیفة الفجاءة................................................. 212

10 - رای الخلیفة قصة مالک........................................... 214

نظرة فی القضیة...................................................... 218

الناحیة الاولی........................................................ 218

الناحیة الثانیة......................................................... 224

ثلاثة وثلاثة وثلاثة................................................... 229

الثلاثة الاولی......................................................... 230

الثلاثة الوسطی....................................................... 235

الثلاثة الاخر......................................................... 237

تحفظ علی کرامة..................................................... 240

سؤال یهودی ابابکر.................................................. 241

وقد النصاری واسئلتهم............................................... 242

علم معی الی الغلو...................................................... 245

مظاهر علم الخلیفة...................................................... 249

المظهر الاول......................................................... 249

المظهر الثانی......................................................... 250

المظهر الثالث........................................................ 252

المظهر الرابع......................................................... 275

لفت نظر............................................................ 263

التمسّک بالافائک....................................................... 267

شجاعة الخلیفة......................................................... 270

حجاج بالعریش........................................................ 279

الغریق یتشبث بکلّ حشیش.............................................. 287

ثبات الخلیفة علی المبدأ.................................................. 291

تهالک الخلیفة فی العبادة.................................................. 294

تبرّز الخلیفة فی الأخلاق................................................. 299

إعتذار الخلیفة الی الصدیقة............................................... 306

نظرة فی کلمة قارصة................................................... 310

أحادیث الغلو أو قصص الخرافة................................. 320 - 444

1 - الشمس علی العجلة............................................... 320

التوسل بلحیة أبی بکر................................................ 323

شهادة أبی بکر وجبرئیل.............................................. 329

خاتم النبی وسجلة.................................................... 329

5 - غرض جنّة أبی بکر................................................ 324

الله یستحبی من أبی بکر............................................... 324

کرامة دفن أبی بکر................................................... 335

جبرئیل یسجد مهابة من أبی بکر...................................... 338

قصة فیها کرامة لأبی بکر............................................. 341

10 - أبو بکر شیخ یعرف والنبی شاب لایعرف.......................... 346

الانصار فی البیعتین................................................... 352

نبا الهجرة........................................................... 357

أبوبکر أسن من النبی................................................. 362

إسلام أبی بکر قبل ولادة علیّ......................................... 364

رجال الروایة........................................................ 370

نظرة فی حدیث کعب................................................ 374

أبوبکر أسنّ أصحاب النبیّ............................................ 377

أبوبکر فی کفّة المیزان................................................. 384

رجال الروایة........................................................ 384

15 - توسّل الشمس بأبی بکر.......................................... 387

وهنا أسئلة جمسة..................................................... 387

کلبة من الجن مأمورة................................................. 388

هبة أبی بکر لمحبیه................................................... 391

أبو بکر فی قاب قوسین............................................... 394

الدین وسمعه وبصره.................................................. 395

20 - أبوبکر ومنزلته عندالله............................................ 398

النبی مؤید بالشیخین.................................................. 401

الاشباح الخمسة من ذریّة آدم......................................... 403

أبوبکر خیر أهل السموات والأرض.................................... 410

ثواب النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وأبی بکر.......................... 412

25 - الحبّ والشکر الواجبان علی الأمّة................................. 413

أبوبکر فی کفّة المیزان................................................. 414

رجال إسناده........................................................ 414

ما أسلم أبو مهاجر إلّا أبو أبی بکر..................................... 417

إسلام والدی أبی بکر................................................. 421

القسم الأوّل......................................................... 421

رجال الإسناد........................................................ 428

القسم الثانی......................................................... 431

إسلام أمّ أبّی بکر.................................................... 434

28 - أبوبکرو أبواه فی القرآن........................................ 440

إیمان أبی طالب وسیرته.......................................... 444 - 550

الغایة للقالة............................................................. 444

نظمه الدال علی إیمانه................................................... 446

لفت نظر.............................................................. 450

ما ناء به من عمل بازو قول مشکور...................................... 461

1 - استصحاب أبی طالب النبی صلی الله علیه وآله وسلم إلی الشام..... 461

2 - استسقاء أبی طالب بالنبی صلی الله علیه وآله وسلم................ 465

3 - أبو طالب فی مولد أمیر المؤمنین علیه السلام....................... 467

4 - بده أمر النبی وأبو طالب......................................... 468

5 - أبو طالب وفقده النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم................... 469

لفت نظر............................................................ 470

لفظ ثابت........................................................... 471

6 - أبو طالب فی بدء الدعوة........................................ 473

7 - قول أبی طالب لعلّی الزم ابن عمّک............................... 477

8 - قول أبی طالب صل جناح ابن عمّک............................. 479

9 - أبو طالب وحنوه علی النبی صلی الله علیه وآله وسلم.............. 480

10 - أبو طالب وابن الزیعری....................................... 482

11 - سیّدنا أبو طالب وقریش....................................... 483

12 - سیّد الاباطح وصحیفة قریش................................... 487

13 - وصیّة أبی طالب عند موته..................................... 491

14 - وصیّة أبی طالب لبنی أبیه....................................... 493

15 - حدیث عن أبی طالب......................................... 494

ما یروی عنه آله وذووه................................................. 495

الکلم الطیّب........................................................ 508

رثاء أمیر المؤمنین والده العظیم......................................... 509

کلمة الامام السجّاد.................................................. 511

کلمة الإمام الباقر.................................................... 511

کلمة الامام الصادق.................................................. 511

کلمة الامام الرضا.................................................... 512

قصاری القول فی سید الابطح عند القوم............................... 512

ما أسنده الیه من لاث به ونجع له......................................... 516

ص: 551

کلمتنا حول هذه الخطبة.............................................. 109

فضائله المأثورة.......................................................... 117

ملکاته ونفسیّاته........................................................ 127

الخلیفة فی الاسلام....................................................... 138

الکسلالة............................................................... 140

تقدم الخلیفة فی السنّة.................................................... 145

غایة جهد الباحث من علم الخلیفة بالسّنة................................. 155

1 - رأی الخلیفة فی الجدّه............................................ 163

رأی الخلیفة فی الجدّتین............................................... 164

رأی الخلیفة فی قطع السارق........................................... 177

رأی الخلیفة فی الجدّ.................................................. 177

5 - رأی الخلیفة فی تولیة المفضول....................................... 179

الخلاقة عند القوم..................................................... 185

کلمة الباقّلانی....................................................... 185

کلمة التفتازانی....................................................... 189

کلمة القاضی الایجی................................................. 190

کلمة الب الثناء...................................................... 191

ما تتعقد به الامامة...................................................... 192

کلمة الماوردی....................................................... 193

کلمة الجوینی........................................................ 194

کلمة القرطبی........................................................ 194

رأی الخلیفة الثانی فی الخلافة........................................... 195

نظرة فی الخلافة التی جاء بهاء القوم....................................... 197

ص: 552

رأی ا لخلیفة فی القدر................................................ 207

ترک الخلیفة الضحیّة مخافة ان تستن..................................... 210

ردّة بنی سلیم........................................................ 210

حرق الخلیفة الفجاءة................................................. 212

10 - رای الخلیفة قصة مالک........................................... 214

نظرة فی القضیة...................................................... 218

الناحیة الاولی........................................................ 218

الناحیة الثانیة......................................................... 224

ثلاثة وثلاثة وثلاثة................................................... 229

الثلاثة الاولی......................................................... 230

الثلاثة الوسطی....................................................... 235

الثلاثة الاخر......................................................... 237

تحفظ علی کرامة..................................................... 240

سؤال یهودی ابابکر.................................................. 241

وقد النصاری واسئلتهم............................................... 242

علم معی الی الغلو...................................................... 245

مظاهر علم الخلیفة...................................................... 249

المظهر الاول......................................................... 249

المظهر الثانی......................................................... 250

المظهر الثالث........................................................ 252

المظهر الرابع......................................................... 275

لفت نظر............................................................ 263

التمسّک بالافائک....................................................... 267

ص: 553

شجاعة الخلیفة......................................................... 270

حجاج بالعریش........................................................ 279

الغریق یتشبث بکلّ حشیش.............................................. 287

ثبات الخلیفة علی المبدأ.................................................. 291

تهالک الخلیفة فی العبادة.................................................. 294

تبرّز الخلیفة فی الأخلاق................................................. 299

إعتذار الخلیفة الی الصدیقة............................................... 306

نظرة فی کلمة قارصة................................................... 310

أحادیث الغلو أو قصص الخرافة................................. 320 - 444

1 - الشمس علی العجلة............................................... 320

التوسل بلحیة أبی بکر................................................ 323

شهادة أبی بکر وجبرئیل.............................................. 329

خاتم النبی وسجلة.................................................... 329

5 - غرض جنّة أبی بکر................................................ 324

الله یستحبی من أبی بکر............................................... 324

کرامة دفن أبی بکر................................................... 335

جبرئیل یسجد مهابة من أبی بکر...................................... 338

قصة فیها کرامة لأبی بکر............................................. 341

10 - أبو بکر شیخ یعرف والنبی شاب لایعرف.......................... 346

الانصار فی البیعتین................................................... 352

نبا الهجرة........................................................... 357

أبوبکر أسن من النبی................................................. 362

إسلام أبی بکر قبل ولادة علیّ......................................... 364

ص: 554

رجال الروایة........................................................ 370

نظرة فی حدیث کعب................................................ 374

أبوبکر أسنّ أصحاب النبیّ............................................ 377

أبوبکر فی کفّة المیزان................................................. 384

رجال الروایة........................................................ 384

15 - توسّل الشمس بأبی بکر.......................................... 387

وهنا أسئلة جمسة..................................................... 387

کلبة من الجن مأمورة................................................. 388

هبة أبی بکر لمحبیه................................................... 391

أبو بکر فی قاب قوسین............................................... 394

الدین وسمعه وبصره.................................................. 395

20 - أبوبکر ومنزلته عندالله............................................ 398

النبی مؤید بالشیخین.................................................. 401

الاشباح الخمسة من ذریّة آدم......................................... 403

أبوبکر خیر أهل السموات والأرض.................................... 410

ثواب النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وأبی بکر.......................... 412

25 - الحبّ والشکر الواجبان علی الأمّة................................. 413

أبوبکر فی کفّة المیزان................................................. 414

رجال إسناده........................................................ 414

ما أسلم أبو مهاجر إلّا أبو أبی بکر..................................... 417

إسلام والدی أبی بکر................................................. 421

القسم الأوّل......................................................... 421

رجال الإسناد........................................................ 428

ص: 555

القسم الثانی......................................................... 431

إسلام أمّ أبّی بکر.................................................... 434

28 - أبوبکرو أبواه فی القرآن........................................ 440

إیمان أبی طالب وسیرته.......................................... 444 - 550

الغایة للقالة............................................................. 444

نظمه الدال علی إیمانه................................................... 446

لفت نظر.............................................................. 450

ما ناء به من عمل بازو قول مشکور...................................... 461

1 - استصحاب أبی طالب النبی صلی الله علیه وآله وسلم إلی الشام..... 461

2 - استسقاء أبی طالب بالنبی صلی الله علیه وآله وسلم................ 465

3 - أبو طالب فی مولد أمیر المؤمنین علیه السلام....................... 467

4 - بده أمر النبی وأبو طالب......................................... 468

5 - أبو طالب وفقده النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم................... 469

لفت نظر............................................................ 470

لفظ ثابت........................................................... 471

6 - أبو طالب فی بدء الدعوة........................................ 473

7 - قول أبی طالب لعلّی الزم ابن عمّک............................... 477

8 - قول أبی طالب صل جناح ابن عمّک............................. 479

9 - أبو طالب وحنوه علی النبی صلی الله علیه وآله وسلم.............. 480

10 - أبو طالب وابن الزیعری....................................... 482

11 - سیّدنا أبو طالب وقریش....................................... 483

12 - سیّد الاباطح وصحیفة قریش................................... 487

13 - وصیّة أبی طالب عند موته..................................... 491

ص: 556

شعراء الغدیر فی القرن التاسع

7 - 89

ابن العرندس الحلّی................................................. 35 - 11

ما یتبع الشعر............................................................ 18

الشاعر.................................................................. 24

ابن داغر الحلّی..................................................... 37 - 47

الشاعر.................................................................. 41

الحافظ البرسی الحلّی................................................ 49 - 89

الشاعر.................................................................. 50

تألیفه القیّمة.............................................................. 54

شعره الوائق.............................................................. 55

المغالاة فی الفضائل.................................................. 91 - 69

الغلّو فی ابی بکر.................................................. 97 - 319

مقاطع من الخطبة الشقشقیة.............................................. 107

کلمتنا حول هذه الخطبة.............................................. 109

فضائله المأثورة.......................................................... 117

ملکاته ونفسیّاته........................................................ 127

الخلیفة فی الاسلام....................................................... 138

الکسلالة............................................................... 140

تقدم الخلیفة فی السنّة.................................................... 145

غایة جهد الباحث من علم الخلیفة بالسّنة................................. 155

1 - رأی الخلیفة فی الجدّه............................................ 163

رأی الخلیفة فی الجدّتین............................................... 164

رأی الخلیفة فی قطع السارق........................................... 177

رأی الخلیفة فی الجدّ.................................................. 177

5 - رأی الخلیفة فی تولیة المفضول....................................... 179

الخلاقة عند القوم..................................................... 185

کلمة الباقّلانی....................................................... 185

کلمة التفتازانی....................................................... 189

کلمة القاضی الایجی................................................. 190

کلمة الب الثناء...................................................... 191

ما تتعقد به الامامة...................................................... 192

کلمة الماوردی....................................................... 193

کلمة الجوینی........................................................ 194

کلمة القرطبی........................................................ 194

رأی الخلیفة الثانی فی الخلافة........................................... 195

نظرة فی الخلافة التی جاء بهاء القوم....................................... 197

رأی ا لخلیفة فی القدر................................................ 207

ترک الخلیفة الضحیّة مخافة ان تستن..................................... 210

ردّة بنی سلیم........................................................ 210

حرق الخلیفة الفجاءة................................................. 212

10 - رای الخلیفة قصة مالک........................................... 214

نظرة فی القضیة...................................................... 218

الناحیة الاولی........................................................ 218

الناحیة الثانیة......................................................... 224

ثلاثة وثلاثة وثلاثة................................................... 229

الثلاثة الاولی......................................................... 230

الثلاثة الوسطی....................................................... 235

الثلاثة الاخر......................................................... 237

تحفظ علی کرامة..................................................... 240

سؤال یهودی ابابکر.................................................. 241

وقد النصاری واسئلتهم............................................... 242

علم معی الی الغلو...................................................... 245

مظاهر علم الخلیفة...................................................... 249

المظهر الاول......................................................... 249

المظهر الثانی......................................................... 250

المظهر الثالث........................................................ 252

المظهر الرابع......................................................... 275

لفت نظر............................................................ 263

التمسّک بالافائک....................................................... 267

شجاعة الخلیفة......................................................... 270

حجاج بالعریش........................................................ 279

الغریق یتشبث بکلّ حشیش.............................................. 287

ثبات الخلیفة علی المبدأ.................................................. 291

تهالک الخلیفة فی العبادة.................................................. 294

تبرّز الخلیفة فی الأخلاق................................................. 299

إعتذار الخلیفة الی الصدیقة............................................... 306

نظرة فی کلمة قارصة................................................... 310

أحادیث الغلو أو قصص الخرافة................................. 320 - 444

1 - الشمس علی العجلة............................................... 320

التوسل بلحیة أبی بکر................................................ 323

شهادة أبی بکر وجبرئیل.............................................. 329

خاتم النبی وسجلة.................................................... 329

5 - غرض جنّة أبی بکر................................................ 324

الله یستحبی من أبی بکر............................................... 324

کرامة دفن أبی بکر................................................... 335

جبرئیل یسجد مهابة من أبی بکر...................................... 338

قصة فیها کرامة لأبی بکر............................................. 341

10 - أبو بکر شیخ یعرف والنبی شاب لایعرف.......................... 346

الانصار فی البیعتین................................................... 352

نبا الهجرة........................................................... 357

أبوبکر أسن من النبی................................................. 362

إسلام أبی بکر قبل ولادة علیّ......................................... 364

رجال الروایة........................................................ 370

نظرة فی حدیث کعب................................................ 374

أبوبکر أسنّ أصحاب النبیّ............................................ 377

أبوبکر فی کفّة المیزان................................................. 384

رجال الروایة........................................................ 384

15 - توسّل الشمس بأبی بکر.......................................... 387

وهنا أسئلة جمسة..................................................... 387

کلبة من الجن مأمورة................................................. 388

هبة أبی بکر لمحبیه................................................... 391

أبو بکر فی قاب قوسین............................................... 394

الدین وسمعه وبصره.................................................. 395

20 - أبوبکر ومنزلته عندالله............................................ 398

النبی مؤید بالشیخین.................................................. 401

الاشباح الخمسة من ذریّة آدم......................................... 403

أبوبکر خیر أهل السموات والأرض.................................... 410

ثواب النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وأبی بکر.......................... 412

25 - الحبّ والشکر الواجبان علی الأمّة................................. 413

أبوبکر فی کفّة المیزان................................................. 414

رجال إسناده........................................................ 414

ما أسلم أبو مهاجر إلّا أبو أبی بکر..................................... 417

إسلام والدی أبی بکر................................................. 421

القسم الأوّل......................................................... 421

رجال الإسناد........................................................ 428

القسم الثانی......................................................... 431

إسلام أمّ أبّی بکر.................................................... 434

28 - أبوبکرو أبواه فی القرآن........................................ 440

إیمان أبی طالب وسیرته.......................................... 444 - 550

الغایة للقالة............................................................. 444

نظمه الدال علی إیمانه................................................... 446

لفت نظر.............................................................. 450

ما ناء به من عمل بازو قول مشکور...................................... 461

1 - استصحاب أبی طالب النبی صلی الله علیه وآله وسلم إلی الشام..... 461

2 - استسقاء أبی طالب بالنبی صلی الله علیه وآله وسلم................ 465

3 - أبو طالب فی مولد أمیر المؤمنین علیه السلام....................... 467

4 - بده أمر النبی وأبو طالب......................................... 468

5 - أبو طالب وفقده النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم................... 469

لفت نظر............................................................ 470

لفظ ثابت........................................................... 471

6 - أبو طالب فی بدء الدعوة........................................ 473

7 - قول أبی طالب لعلّی الزم ابن عمّک............................... 477

8 - قول أبی طالب صل جناح ابن عمّک............................. 479

9 - أبو طالب وحنوه علی النبی صلی الله علیه وآله وسلم.............. 480

10 - أبو طالب وابن الزیعری....................................... 482

11 - سیّدنا أبو طالب وقریش....................................... 483

12 - سیّد الاباطح وصحیفة قریش................................... 487

13 - وصیّة أبی طالب عند موته..................................... 491

14 - وصیّة أبی طالب لبنی أبیه....................................... 493

15 - حدیث عن أبی طالب......................................... 494

ما یروی عنه آله وذووه................................................. 495

الکلم الطیّب........................................................ 508

رثاء أمیر المؤمنین والده العظیم......................................... 509

کلمة الامام السجّاد.................................................. 511

کلمة الإمام الباقر.................................................... 511

کلمة الامام الصادق.................................................. 511

کلمة الامام الرضا.................................................... 512

قصاری القول فی سید الابطح عند القوم............................... 512

ما أسنده الیه من لاث به ونجع له......................................... 516

ص: 557

المجلد 8

اشارة

سرشناسه:امینی، عبدالحسین، 1281 - 1349.

عنوان و نام پدیدآور:الغدیر فی الکتاب و السنه و الادب: کتاب دینی ،علمی، فنی،.../ عبدالحسین احمد الامینی النجفی؛ تحقیق مرکز الغدیر للدراسات الاسلامیه.

مشخصات نشر:قم: مرکز الغدیر للدراسات الاسلامیه، 1416ق.-= 1995م.-= 1374-

وضعیت فهرست نویسی:برونسپاری

یادداشت:عربی.

یادداشت:ج.2 (چاپ اول: 1375).

یادداشت:ج. 3، 6 و 8 (چاپ اول: 1416ق. = 1376).

یادداشت:ج. 13 (چاپ اول: 1422ق. = 2002م. = 1380).

یادداشت:کتابنامه.

موضوع:علی بن ابی طالب (ع)، امام اول، 23 قبل از هجرت - 40ق -- اثبات خلافت

موضوع:غدیر خم

شناسه افزوده:موسسه دایرةالمعارف فقه اسلامی بر مذهب اهل بیت (ع). مرکز الغدیر للدراسات الاسلامیه

رده بندی کنگره:BP223/54/الف8غ4 1374

رده بندی دیویی:297/452

شماره کتابشناسی ملی:م 75-8389

ص: 1

اشارة

ص: 2

الغدیر فی الکتاب و السنه و الادب

عبدالحسین احمد الامینی النجفی

تحقیق مرکز الغدیر للدراسات الاسلامیه

ص: 3

ص: 4

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 5

ص: 6

فی هذا الجزء أبحاث قیّمة ودروس دینیّة راقیة لا منتدح لأیّ دینیّ ارتاد مهیع الحق ،

وابتغی لاحب الحقیقة عن عرفانها والخوض فیها ، والبحث عنها بضمیرٍ حُرّ

غیر جانِحٍ إلی العصبیّة العمیاء والعاطفة الحمقاء ..

والله ولیّ التوفیق

ص: 7

أدب أمیر المؤمنین علیه السلام

أدب الشیعة ، أدب الأمینی

قال مولانا أمیر المؤمنین لحجر بن عدی وعمرو بن الحَمِق :

«کرهت لکم أن تکونوا لعّانین شتّامین ، تشتمون وتبرءون ، ولکن لو وصفتم مساوئ أعمالهم فقلتم من سیرتهم کذا وکذا ، ومن أعمالهم کذا وکذا ، کان أصوب فی القول ، وأبلغ فی العذر ، ولو قلتم مکان لعنکم إیّاهم وبراءتکم منهم : اللهمّ احقن دماءهم ودماءنا ، واصلح ذات بینهم وبیننا ، واهدهم من ضلالتهم ، حتی یَعرف الحقّ منهم من جهله ، ویرعوی عن الغیّ والعدوان منهم من لهج به ، لکان أحبّ إلیّ وخیراً لکم».

فقالا : یا أمیر المؤمنین نقبل عظتک ، ونتأدّب بأدبک (1).

وقال الأمینی مثل ما قالا ، وهو مقال الشیعة جمعاء.

والسلام علی من اتّبع الهدی

ص: 8


1- کتاب صفّین لنصر بن مزاحم ص 115 [ص 103]. (المؤلف)

بسم الله الرحمن الرحیم

سُبْحَانَکَ مَا یَکُونُ لی أَنْ أقُولَ مَا لَیسَ لِی بِحَقٍّ ، الَّذِینَ آتَینَاهُمُ الکِتَابَ یَتلُونَهُ حَقَّ تِلَاوتِهِ أُولئِکَ یُؤمِنوُنَ بِهِ ، وَإنَّ الَّذِینَ أُوتُوا الکِتَابَ لَیعلَموُنَ أَنَّهُ الحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ ، الَّذِینَ آتَینَاهُمُ الکِتَابَ یَعرِفُونَهُ کَمَا یَعرِفُونَ أَبنَاءَهُمْ ، مَا فرَّطْنَا فِی الکِتَابِ مِنْ شَیءٍ ، وَإنَّ فَرِیقَاً مِنْهُمْ لَیکتُمُونَ الحَقَّ وَهُمْ یَعلَموُن ، إذ یَقُولُ المُنافِقُونَ وَالَّذینَ فِی قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤلَاءِ دِینُهُمْ ، کَبُرَتْ کلِمَةً تَخرُجُ مِنْ أَفوَاهِهِمْ إنْ یَقُولُونَ إلاّ کَذِباً ، فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأرضِ إنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّکُمْ تَنطِقوُنَ ، قُلْ إیْ وَرَبِّی إِنَّهُ لَحَقٌّ ، وَإِنّا لَمّا سَمِعْنَا الهُدَی آمَنّا بِهِ ، مَا کَانَ حَدِیثَاً یُفتَرَی وَلَکِن تَصدِیقَ الَّذِی بَینَ یَدَیهِ ، فَهدَی اللهُ الَّذِینَ آمَنُوا لِما اخْتَلَفُوا فِیهِ مِنَ الحَقِّ بِإذنِهِ ، فَمَاذا بَعدَ الحَقِّ إلاَّ الضَّلالُ ، وَقُلِ الحَقُّ مِن رَبِّکُمْ فَمَن شاءَ فَلیُؤمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلیَکْفُرْ.

قُلِ الحَمدُ للهِ وَسلامٌ عَلی عِبادِهِ الَّذِین اصطَفی.

ص: 9

ص: 10

أبو طالب فی الذکر الحکیم

لقد أغرق القوم نزعاً فی الوقیعة والتحامل علی بطل الإسلام والمسلم الأوّل بعد ولده البارّ ، وناصر دین الله الوحید ، فلم یقنعهم ما اختلقوه من الأقاصیص حتی عمدوا إلی کتاب الله فحرّفوا الکلم عن مواضعه ، فافتعلوا فی آیات ثلاث أقاویل نأت عن الصدق ، وبعدت عن الحقیقة بُعد المشرقین ، وهی عمدة ما استند إلیه القوم فی عدم تسلیم إیمان أبی طالب ، فإلیک البیان :

الآیة الأولی :

قوله تعالی : (وَهُمْ یَنْهَوْنَ عَنْهُ وَیَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ یُهْلِکُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَما یَشْعُرُونَ) (1).

أخرج الطبری وغیره من طریق سفیان الثوری عن حبیب بن أبی ثابت عمّن سمع ابن عبّاس أنّه قال : إنّها نزلت فی أبی طالب ، ینهی عن أذی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أن یؤذی ، وینأی أن یدخل فی الإسلام (2).

وقال القرطبی : هو عامّ فی جمیع الکفّار ، أی ینهون عن اتّباع محمد صلی الله علیه وآله وسلم وینأون عنه ، عن ابن عبّاس والحسن. وقیل : هو خاصّ بأبی طالب ینهی الکفّار عن أذایة محمد صلی الله علیه وآله وسلم ویتباعد عن الإیمان به ، عن ابن عبّاس أیضاً. روی أهل السیر قال : کان النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم قد خرج إلی الکعبة یوماً وأراد أن یصلّی ، فلمّا دخل فی الصلاة ف)

ص: 11


1- الأنعام : 26.
2- طبقات ابن سعد : 1 / 105 [1 / 123] ، تفسیر الطبری : 7 / 110 [مج 5 / ج 7 / 173] ، تفسیر ابن کثیر : 2 / 127 ، الکشّاف : 1 / 448 [2 / 14] ، تفسیر ابن جزی : 2 / 6 ، تفسیر الخازن : 2 / 10. (المؤلف)

قال أبو جهل - لعنه الله - : من یقوم إلی هذا الرجل فیفسد علیه صلاته؟ فقام ابن الزبعری فأخذ فرثاً ودماً فلطّخ به وجه النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فانفتل النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم من صلاته ، ثمّ أتی أبا طالب عمّه فقال : «یا عمّ ألا تری إلی ما فُعل بی؟» فقال أبو طالب : من فَعل هذا بک؟ فقال النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم : «عبد الله بن الزبعری» ، فقام أبو طالب ووضع سیفه علی عاتقه ومشی معه حتی أتی القوم ، فلمّا رأوا أبا طالب قد أقبل جعل القوم ینهضون ، فقال أبو طالب : والله لئن قام رجل لجلّلته بسیفی. فقعدوا حتی دنا إلیهم ، فقال : یا بنیّ من الفاعل بک هذا؟ فقال : «عبد الله بن الزبعری». فأخذ أبو طالب فرثاً ودماً فلطّخ به وجوههم ولحاهم وثیابهم وأساء لهم القول ، فنزلت هذه الآیة : (وَهُمْ یَنْهَوْنَ عَنْهُ وَیَنْأَوْنَ عَنْهُ). فقال النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم : یا عم نزلت فیک آیة. قال : وما هی؟ قال تمنع قریشاً أن تؤذینی ، وتأبی أن تؤمن بی. فقال أبو طالب :

والله لن یصلوا إلیک بجمعهم

حتی أُوسَّد فی التراب دفینا

إلی آخر الأبیات التی أسلفناها (7 / 334 ، 352). فقالوا : یا رسول الله هل تنفع نصرة أبی طالب (1)؟ قال : نعم دفع عنه بذاک الغلّ ، ولم یقرن مع الشیاطین ، ولم یدخل فی جبّ الحیّات والعقارب ، إنّما عذابه فی نعلین من نار [فی رجلیه] (2) یغلی منهما دماغه فی رأسه ، وذلک أهون أهل النار عذاباً (3).

قال الأمینی : نزول هذه الآیة فی أبی طالب باطل لا یصحّ من شتّی النواحی :

1 - إرسال حدیثه بمن بین حبیب بن أبی ثابت وابن عبّاس ، وکم وکم غیر ثقة فی أُناس رووا عن ابن عبّاس ، ولعلّ هذا المجهول أحدهم.

2 - إنّ حبیب بن أبی ثابت انفرد به ولم یروه أحد غیره ولا یمکن المتابعة ف)

ص: 12


1- فی المصدر : هل تنفع أبا طالب نصرته؟
2- الزیادة من المصدر.
3- تفسیر القرطبی : 6 / 406 [6 / 261]. (المؤلف)

علی ما یرویه ، ولو فرضناه ثقة فی نفسه بعد قول ابن حبّان (1) : إنّه کان مدلّساً. وقول العقیلی (2) : غمزه ابن عون وله عن عطاء أحادیث لا یتابع علیها. وقول القطّان : له غیر حدیث عن عطاء لا یتابع علیه ولیست بمحفوظة. وقول الآجری عن أبی داود : لیس لحبیب عن عاصم بن ضمرة شیء یصحّ ، وقول ابن خزیمة : کان مدلّساً (3).

ونحن لا نناقش فی السند بمکان سفیان الثوری ، ولا نؤاخذه بقول من قال : إنّه یدلّس ویکتب عن الکذّابین (4).

3 - إنّ الثابت عن ابن عبّاس بعدّة طرق مسندة یضادّ هذه المزعمة ، ففیما رواه الطبری وابن المنذر وابن أبی حاتم وابن مردویه من طریق علیّ بن أبی طلحة وطریق العوفی عنه أنّها فی المشرکین الذین کانوا ینهون الناس عن محمد أن یؤمنوا به ، وینأون عنه یتباعدون عنه (5).

وقد تأکّد ذلک ما أخرجه الطبری وابن أبی شیبة وابن المنذر وابن أبی حاتم وعبد بن حمید من طریق وکیع عن سالم عن ابن الحنفیة ، ومن طریق الحسین بن الفرج عن أبی معاذ ، ومن طریق بشر عن قتادة.

وأخرج عبد الرزّاق وابن جریر وابن المنذر وابن أبی حاتم وأبو الشیخ عن قتادة والسدی والضحّاک ، ومن طریق أبی نجیح عن مجاهد ، ومن طریق یونس عن ابن زید قالوا : ینهون عن القرآن وعن النبیّ ، وینأون عنه یتباعدون عنه (6). ف)

ص: 13


1- الثقات : 4 / 137.
2- الضعفاء الکبیر : 1 / 263 رقم 322.
3- تهذیب التهذیب : 2 / 179 [2 / 156]. (المؤلف)
4- میزان الاعتدال : 1 / 396 [2 / 169 رقم 3322]. (المؤلف)
5- تفسیر الطبری : 7 / 109 [مج 5 / ج 7 / 172] ، الدرّ المنثور : 3 / 8 [3 / 260 - 261]. (المؤلف)
6- تفسیر الطبری : 7 / 109 [مج 5 / ج 7 / 172] ، الدرّ المنثور : 3 / 8 ، 9 [3 / 260 ، 261] ، تفسیر الآلوسی : 7 / 126. (المؤلف)

ولیس فی هذه الروایات أیّ ذکر لأبی طالب ، وإنّما المراد فیها الکفار الذین کانوا ینهون عن اتّباع رسول الله أو القرآن ، وینأون عنه بالتباعد والمناکرة ، وأنت جدّ علیم بأنّ ذلک کلّه خلاف ما ثبت من سیرة شیخ الأبطح الذی آواه ونصره وذبّ عنه ودعا إلیه إلی آخر نفس لفظه.

4 - إنّ المستفاد من سیاق الآیة الکریمة أنّه تعالی یرید ذمّ أُناس أحیاء ینهون عن اتّباع نبیّه ویتباعدون عنه ، وإنّ ذلک سیرتهم السیّئة التی کاشفوا بها رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وهم متلبّسون بها عند نزول الآیة ، کما هو صریح ما أسلفناه من روایة القرطبی وأنّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم أخبر أبا طالب بنزول الآیة.

لکن نظراً إلی ما یأتی عن الصحیحین فیما زعموه من أنّ قوله تعالی فی سورة القصص : (إِنَّکَ لا تَهْدِی مَنْ أَحْبَبْتَ وَلکِنَّ اللهَ یَهْدِی مَنْ یَشاءُ). نزلت فی أبی طالب بعد وفاته. لا یتمّ نزول آیة ینهون عنه وینأون النازلة فی أُناس أحیاء فی أبی طالب ، فإنّ سورة الأنعام التی فیها الآیة المبحوث عنها نزلت جملة واحدة (1) بعد سورة القصص بخمس سور کما فی الإتقان (2) (1 / 17) فکیف یمکن تطبیقها علی أبی طالب وهو رهن أطباق الثری ، وقد توفّی قبل نزول الآیة ببرهة طویلة؟

5 - إنّ سیاق الآیات الکریمة هکذا : (وَمِنْهُمْ مَنْ یَسْتَمِعُ إِلَیْکَ وَجَعَلْنا عَلی قُلُوبِهِمْ أَکِنَّةً أَنْ یَفْقَهُوهُ وَفِی آذانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ یَرَوْا کُلَّ آیَةٍ لا یُؤْمِنُوا بِها حَتَّی إِذا جاؤُکَ یُجادِلُونَکَ یَقُولُ الَّذِینَ کَفَرُوا إِنْ هذا إِلاَّ أَساطِیرُ الْأَوَّلِینَ* وَهُمْ یَنْهَوْنَ عَنْهُ وَیَنْأَوْنَ عَنْهُ 7.

ص: 14


1- أخرجه أبو عبید وابن المنذر والطبرانی [فی المعجم الکبیر : 12 / 166 ح 12930] وابن مردویه والنحّاس من طریق ابن عبّاس والطبرانی وابن مردویه من طریق عبد الله بن عمر ، راجع تفسیر القرطبی : 6 / 382 ، 383 [6 / 246] ، تفسیر ابن کثیر : 2 / 122 ، الدرّ المنثور : 3 / 2 [3 / 245] ، تفسیر الشوکانی : 3 / 91 ، 92 [2 / 96 ، 97]. (المؤلف)
2- الإتقان فی علوم القرآن : 1 / 24 ، 27.

وَإِنْ یُهْلِکُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَما یَشْعُرُونَ) (1).

وهو کما تری صریح بأنّ المراد بالآیات کفّار جاءوا النبیّ فجادلوه وقذفوا کتابه المبین بأنّه من أساطیر الأوّلین ، وهؤلاء الذین نهوا عنه صلی الله علیه وآله وسلم وعن کتابه الکریم ، ونأوا وباعدوا عنه ، فأین هذه کلّها عن أبی طالب ، الذی لم یفعل کلّ ذلک طیلة حیاته ، وکان إذا جاءه فلکلاءته والذبّ عنه بمثل قوله :

والله لن یصلوا إلیک بجمعهم

حتی أوسَّد فی التراب دفینا

وإن لهج بذکره نوّه برسالته عنه بمثل قوله :

ألم تعلموا أنّا وجدنا محمداً

رسولاً کموسی خطّ فی أوّل الکتب

وإن قال عن کتابه هتف بقوله :

أو یؤمنوا بکتاب منزل عجب

علی نبیٍّ کموسی أو کذی النونِ

وقد عرف ذلک المفسّرون فلم یقیموا للقول بنزولها فی أبی طالب وزناً ، فمنهم من عزاه إلی القیل ، وجعل آخرون خلافه أظهر ، ورأی غیر واحد خلافه أشبه ، وإلیک جملة من نصوصهم :

قال الطبری فی تفسیره (2) (7 / 109) : المراد المشرکون المکذّبون بآیات الله ینهون الناس عن اتّباع محمد صلی الله علیه وآله وسلم والقبول منه وینأون عنه ویتباعدون عنه. ثمّ رواه من الطرق التی أسلفناها عن ابن الحنفیة وابن عباس والسدی وقتادة وأبی معاذ ، ثمّ ذکر قولاً آخر بأنّ المراد ینهون عن القرآن أن یسمع له ویعمل بما فیه ، وعدّ ممّن قال به قتادة ومجاهد وابن زید ، ومرجع هذا إلی القول الأوّل ، ثمّ ذکر القول بنزولها فی 4.

ص: 15


1- الأنعام : 25 ، 26.
2- جامع البیان : مج 5 / ج 7 / 171 - 174.

أبی طالب وروی حدیث حبیب بن أبی ثابت عمّن سمع ابن عبّاس وأردفه بقوله فی (ص 110):

وأولی هذه الأقوال بتأویل الآیة قول من قال : تأویل وهم ینهون عنه عن اتّباع محمد صلی الله علیه وآله وسلم من سواهم من الناس وینأون عن اتّباعه ، وذلک أنّ الآیات قبلها جرت بذکر جماعة المشرکین العادین به والخبر عن تکذیبهم رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم والإعراض عمّا جاءهم به من تنزیل الله ووحیه ، فالواجب أن یکون قوله (وَهُمْ یَنْهَوْنَ عَنْهُ) خبراً عنهم ، إذ لم یأتنا ما یدلّ علی انصراف الخبر عنهم إلی غیرهم ، بل ما قبل هذه الآیة وما بعدها یدلّ علی صحّة ما قلنا من أنّ ذلک خبر عن جماعة مشرکی قوم رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم دون أن یکون خبراً عن خاصّ منهم ، وإذ کان ذلک کذلک فتأویل الآیة : وإن یرَ هؤلاء المشرکون یا محمد کلّ آیة لا یؤمنوا [بها] (1) حتی إذا جاءوک یجادلونک یقولون إن هذا الذی جئتنا به إلاّ أحادیث الأوّلین وأخبارهم ، وهم ینهون عن استماع التنزیل وینأون عنک ، فیبعدون منک ومن اتّباعک ، وإن یهلکون إلاّ أنفسهم. انتهی.

وذکر الرازی فی تفسیره (2) (4 / 28) قولین : نزولها فی المشرکین الذین کانوا ینهون الناس عن اتّباع النبیّ والإقرار برسالته. ونزولها فی أبی طالب خاصّة ، فقال : والقول الأوّل أشبه لوجهین :

الأوّل : أنّ جمیع الآیات المتقدّمة علی هذه الآیة تقتضی ذمّ طریقتهم فکذلک قوله : (وَهُمْ یَنْهَوْنَ عَنْهُ). ینبغی أن یکون محمولاً علی أمر مذموم ، فلو حملناه علی أنّ أبا طالب کان ینهی عن إیذائه لما حصل هذا النظم.

والثانی : أنّه تعالی قال بعد ذلک (وَإِنْ یُهْلِکُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ) یعنی به ما تقدّم 9.

ص: 16


1- من المصدر.
2- التفسیر الکبیر : 12 / 189.

ذکره ، ولا یلیق ذلک بأن یکون المراد من قوله وهم ینهون عنه النبی عن أذیّته ، لأنّ ذلک حسن لا یوجب الهلاک.

فإن قیل : إنّ قوله : (وَإِنْ یُهْلِکُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ) یرجع إلی قوله : (وَیَنْأَوْنَ عَنْهُ) لا إلی قوله (یَنْهَوْنَ عَنْهُ). لأنّ المراد بذلک أنّهم یبعدون عنه بمفارقة دینه وترک الموافقة له وذلک ذمّ فلا یصحّ ما رجحتم به هذا القول قلنا : إنّ ظاهر قوله : (وَإِنْ یُهْلِکُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ) یرجع إلی کلّ ما تقدّم ذکره لأنّه بمنزلة أن یقال : إنّ فلاناً یبعد عن الشیء الفلانی وینفر عنه ولا یضرّ بذلک إلاّ نفسه ، فلا یکون هذا الضرر متعلّقاً بأحد الأمرین دون الآخر. انتهی.

وذکر ابن کثیر فی تفسیره (2 / 127) القول الأوّل نقلاً عن ابن الحنفیّة وقتادة ومجاهد والضحّاک وغیر واحد ، فقال : وهذا القول أظهر والله أعلم ، وهو اختیار ابن جریر.

وذکر النسفی فی تفسیره (1) بهامش تفسیر الخازن (2 / 10) القول الأوّل ثمّ قال : وقیل : عنی به أبو طالب : والأوّل أشبه.

وذکر الزمخشری فی الکشّاف (2) (1 / 448) والشوکانی فی تفسیره (3) (2 / 103) وغیرهما القول الأوّل وعزوا القول الثانی إلی القیل ، وجاء الآلوسی (4) وفصّل فی القول الأوّل ثمّ ذکر الثانی وأردفه بقوله : وردّه الإمام. ثمّ ذکر محصّل قول الرازی.

ولیت القرطبی لمّا جاءنا یخبط فی عشواء وبین شفتیه روایة التقطها کحاطب لیل دلّنا علی مصدر هذا الذی نسجه ، ممّن أخذه؟ وإلی من ینتهی إسناده؟ ومن ذا 7.

ص: 17


1- تفسیر النسفی : 2 / 8.
2- الکشّاف : 2 / 14.
3- فتح القدیر : 2 / 108.
4- روح المعانی : 7 / 126 - 127.

الذی صافقه علی روایتها من الحفّاظ؟ وأیّ مؤلّف دوّنه قبله ، ومن الذی یقول : إنّ ما ذکره من الشعر قاله أبو طالب یوم ابن الزبعری؟ ومن الذی یروی نزول الآیة یوم ذلک؟ وأیّ ربط وتناسب بین الآیة وإخطارها النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم علی أبی طالب وبین شعره ذاک؟ وهل روی قوله فی هذا النسیج : یا عم نزلت فیک آیة. غیره من أئمّة الحدیث ممّن هو قبله أو بعده؟ وهل وجد القرطبی للجزء الأخیر من روایته مصدراً غیر تفسیره؟ وهل أطلّ علی جبّ الحیّات والعقارب فوجده خالیاً من أبی طالب؟ وهل شدّ الأغلال وفکّها هو لیعرف أنّ شیخ الأبطح لا یغلّ بها؟ أم أنّ مدرکه فی ذلک الحدیث النبویّ؟ حبّذا لو صدقت الأحلام ، وعلی کلّ فهو محجوج بکلّ ما ذکرناه من الوجوه.

الآیة الثانیة والثالثة :

1 - قوله تعالی : (ما کانَ لِلنَّبِیِّ وَالَّذِینَ آمَنُوا أَنْ یَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِکِینَ وَلَوْ کانُوا أُولِی قُرْبی مِنْ بَعْدِ ما تَبَیَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِیمِ) (1).

2 - قوله تعالی : (إِنَّکَ لا تَهْدِی مَنْ أَحْبَبْتَ وَلکِنَّ اللهَ یَهْدِی مَنْ یَشاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِینَ) (2).

أخرج البخاری فی الصحیح فی کتاب التفسیر فی القصص (3) (7 / 184) ، قال : حدّثنا أبو الیمان ، أخبرنا شعیب عن الزهری قال : أخبرنی سعید بن المسیب عن أبیه قال : لمّا حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فوجد عنده أبا جهل وعبد الله بن أبی أُمیّة بن المغیرة فقال : أی عم قل : لا اله إلاّ الله ، کلمة أحاجّ لک بها عند الله. فقال أبو جهل وعبد الله بن أبی أُمیّة : أترغب عن ملّة عبد المطّلب؟ فلم یزل4.

ص: 18


1- البراءة : 113.
2- القصص : 56.
3- صحیح البخاری : 4 / 1788 ح 4494.

رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یعرضها علیه ویعیدانه بتلک المقالة ، حتی قال أبو طالب آخر ما تکلّم (1) علی ملّة عبد المطّلب وأبی أن یقول : لا إله إلاّ الله. فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : والله لأستغفرنّ لک ما لم أُنه عنک. فأنزل الله : (ما کانَ لِلنَّبِیِّ وَالَّذِینَ آمَنُوا أَنْ یَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِکِینَ). وأنزل الله فی أبی طالب فقال لرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : (إِنَّکَ لا تَهْدِی مَنْ أَحْبَبْتَ وَلکِنَّ اللهَ یَهْدِی مَنْ یَشاءُ).

وفی مرسلة الطبری (2) : فنزلت : (ما کانَ لِلنَّبِیِ) الآیة. ونزلت : (إِنَّکَ لا تَهْدِی مَنْ أَحْبَبْتَ).

وأخرجه مسلم فی صحیحه (3) من طریق سعید بن المسیّب ، وتبع الشیخین جلّ المفسّرین لحسن ظنّهم بهما وبالصحیحین.

مواقع النظر فی هذه الروایة :

1 - إنّ سعیداً الذی انفرد بنقل هذه الروایة کان ممّن ینصب العداء لأمیر المؤمنین علیّ علیه السلام فلا یحتجّ بما یقوله أو یتقوّله فیه وفی أبیه وفی آله وذویه ، فإنّ الوقیعة فیهم أشهی مأکلة له ، قال ابن أبی الحدید فی الشرح (4) (1 / 370) : وکان سعید بن المسیّب منحرفاً عنه علیه السلام ، وجبهه عمر بن علیّ علیه السلام فی وجهه بکلام شدید ، روی عبد الرحمن بن الأسود عن أبی داود الهمدانی قال : شهدت سعید بن المسیّب وأقبل عمر بن علیّ بن أبی طالب علیه السلام فقال له سعید : یا ابن أخی ما أراک تکثر غشیان مسجد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، کما یفعل أخوتک وبنو أعمامک؟ فقال عمر : یا ابن المسیّب أکلّما دخلت المسجد أجیء ، فأشهدک؟ فقال سعید : ما أحبّ أن تغضب 6.

ص: 19


1- فی المصدر : آخر ما کلّمهم.
2- جامع البیان : مج 7 / ج 11 / 41.
3- صحیح مسلم : 1 / 82 ح 39 کتاب الإیمان.
4- شرح نهج البلاغة : 4 / 101 الأصل 56.

سمعت أباک یقول : إنّ لی من الله مقاماً لهو خیر لبنی عبد المطّلب ممّا علی الأرض من شیء. فقال عمر : وأنا سمعت أبی یقول : ما کلمة حکمة فی قلب منافق فیخرج من الدنیا إلاّ یتکلّم بها. فقال سعید : یا ابن أخی جعلتنی منافقاً؟ قال : هو ما أقول لک. ثمّ انصرف.

وأخرج الواقدی من أنّ سعید بن المسیّب مرّ بجنازة السجّاد علیّ بن الحسین ابن علیّ بن أبی طالب علیهم السلام ولم یصلّ علیها ، فقیل له : ألا تصلی علی هذا الرجل الصالح من أهل البیت الصالحین؟فقال : صلاة رکعتین أحب إلیّ من الصلاة علی الرجل الصالح!

ویعرّفک سعید بن المسیّب ومبلغه من الحیطة فی دین الله ما ذکره ابن حزم فی المحلّی (4 / 214) عن قتادة قال : قلت لسعید : أنصلّی خلف الحجّاج؟ قال : إنّا لنصلّی خلف من هو شرّ منه.

2 - إنّ ظاهر روایة البخاری کغیرها تعاقب نزول الآیتین عند وفاة أبی طالب علیه السلام ، کما أنّ صریح ما ورد فی کلّ واحدة من الآیتین نزولها عند ذاک ، ولا یصحّ ذلک لأنّ الآیة الثانیة منهما مکیّة والأولی مدنیّة نزلت بعد الفتح بالاتّفاق وهی فی سورة براءة المدنیّة التی هی آخر ما نزل من القرآن (1) فبین نزول الآیتین ما یقرب من عشر سنین أو یربو علیها.

3 - إنّ آیة الاستغفار نزلت بالمدینة بعد موت أبی طالب بعدّة سنین تربو ف)

ص: 20


1- صحیح البخاری : 7 / 67 فی آخر سورة النساء [4 / 1681 ح 4329] ، الکشّاف : 2 / 49 [2 / 315] ، تفسیر القرطبی : 8 / 273 [8 / 173] ، الإتقان : 1 / 17 [1 / 27] ، تفسیر الشوکانی : 3 / 316 [2 / 331] ، نقلاً عن ابن أبی شیبة [فی مصنّفه : 10 / 540 ح 1262] والبخاری والنسائی [فی السنن الکبری : 6 / 353 ح 11212] وابن الضریس وابن المنذر والنحّاس وأبی الشیخ وابن مردویه عن طریق البراء بن عازب. (المؤلف)

علی ثمانیة أعوام ، فهل کان النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم خلال هذه المدّة یستغفر لأبی طالب علیه السلام أخذاً بقوله صلی الله علیه وآله وسلم : والله لأستغفرنّ لک ما لم أُنه عنک؟ وکیف کان یستغفر له؟ وکان هو صلی الله علیه وآله وسلم والمؤمنون ممنوعین عن موادّة المشرکین والمنافقین وموالاتهم والاستغفار لهم - الذی هو من أظهر مصادیق الموادّة والتحابب - منذ دهر طویل بقوله تعالی : (لا تَجِدُ قَوْماً یُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْیَوْمِ الْآخِرِ یُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ کانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِیرَتَهُمْ أُولئِکَ کَتَبَ فِی قُلُوبِهِمُ الْإِیمانَ وَأَیَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ) الآیة.

هذه آیة (22) من سورة المجادلة المدنیّة النازلة قبل سورة براءة التی فیها آیة الاستغفار بسبع سور کما فی الإتقان (1) (1 / 17) ، وأخرج : (2) ابن أبی حاتم ، والطبرانی ، والحاکم ، وأبو نعیم ، والبیهقی ، وابن کثیر کما فی تفسیره (4 / 329) ، وتفسیر الشوکانی (5 / 189) ، وتفسیر الآلوسی (28 / 37) أنّ هذه الآیة نزلت یوم بدر وکانت فی السنة الثانیة من الهجرة الشریفة ، أو نزلت علی ما فی بعض التفاسیر فی أُحد وکانت فی السنة الثالثة باتّفاق الجمهور کما قاله الحلبی فی السیرة (3) ، فعلی هذه کلّها نزلت هذه الآیة قبل آیة الاستغفار بعدّة سنین.

وبقوله تعالی (یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْکافِرِینَ أَوْلِیاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِینَ أَتُرِیدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَیْکُمْ سُلْطاناً مُبِیناً).

هذه الآیة (144) من سورة النساء وهی مکیّة علی قول النحّاس وعلقمة وغیرهما ممّن قالوا : إنّ قوله تعالی : (یا أَیُّهَا النَّاسُ). حیث وقع إنّما هو مکّی (4) ، وإن ].

ص: 21


1- الإتقان فی علوم القرآن : 1 / 27.
2- المعجم الکبیر : 1 / 154 ح 360 ، المستدرک علی الصحیحین : 3 / 296 ح 5152 ، حلیة الأولیاء : 1 / 101 رقم 10 ، السنن الکبری للبیهقی : 9 / 27 ، فتح القدیر : 5 / 194.
3- السیرة الحلبیة : 2 / 216.
4- تفسیر القرطبی : 5 / 1 [5 / 3].

أخذنا بما صحّحه القرطبی فی تفسیره (5 / 1) وذهب إلیه الآخرون من أنّها مدنیّة أخذاً بما فی صحیح البخاری (1) من حدیث عائشة : ما نزلت سورة النساء إلاّ وأنا عند رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، فإنّها نزلت فی أولیات الهجرة الشریفة بالمدینة ، وعلی أیٍّ من التقدیرین نزلت قبل سورة آیة الاستغفار - البراءة - بإحدی وعشرین سورة کما فی الإتقان (2) (1 / 17).

وبقوله سبحانه : (الَّذِینَ یَتَّخِذُونَ الْکافِرِینَ أَوْلِیاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِینَ أَیَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ).

هذه الآیة (139) من سورة النساء وقد عرفت أنّها نزلت قبل براءة.

وبقوله تعالی : (لا یَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْکافِرِینَ أَوْلِیاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِینَ وَمَنْ یَفْعَلْ ذلِکَ فَلَیْسَ مِنَ اللهِ فِی شَیْءٍ إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً وَیُحَذِّرُکُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَإِلَی اللهِ الْمَصِیرُ).

هذه الآیة (28) من آل عمران ، نزل صدرها إلی بضع وثمانین آیة فی أوائل الهجرة الشریفة یوم وفد نجران کما فی سیرة ابن هشام (3) (2 / 207) ، وأخذاً بما رواه القرطبی وغیره (4) نزلت هذه الآیة فی عبادة بن الصامت یوم الأحزاب کانت فی الخمس من الهجرة ، وعلی أیّ من التقدیرین وغیرهما نزلت آل عمران قبل براءة - سورة آیة الاستغفار - بأربع وعشرین سورة کما فی الإتقان (5) (1 / 17).

وبقوله تعالی : (سَواءٌ عَلَیْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ یَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ) 7.

ص: 22


1- صحیح البخاری : 7 / 300 [4 / 1910 ح 4707] فی کتاب التفسیر باب تألیف القرآن ، وذکره القرطبی فی تفسیره : 5 / 1. (المؤلف)
2- الإتقان فی علوم القرآن : 1 / 27.
3- السیرة النبویة : 2 / 225.
4- تفسیر القرطبی : 4 / 58 [4 / 38] ، تفسیر الخازن : 1 / 235 [1 / 227]. (المؤلف)
5- الإتقان فی علوم القرآن : 1 / 27.

وهی الآیة السادسة من المنافقین نزلت عام غزوة بنی المصطلق سنة ست ، وهو المشهور عند أصحاب المغازی والسیر کما قاله ابن کثیر (1) ، ونزلت قبل براءة بثمانی سور کما فی الإتقان (1 / 17).

وبقوله تعالی : (یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آباءَکُمْ وَإِخْوانَکُمْ أَوْلِیاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْکُفْرَ عَلَی الْإِیمانِ وَمَنْ یَتَوَلَّهُمْ مِنْکُمْ فَأُولئِکَ هُمُ الظَّالِمُونَ). وبقوله تعالی : (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِینَ مَرَّةً فَلَنْ یَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ).

وهذه وما قبلها الآیتان (23 و 80) من سورة التوبة نزلتا قبل آیة الاستغفار.

أتری النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم مع هذه الآیات النازلة قبل آیة الاستغفار کان یستغفر لعمّه طیلة سنین وقد مات کافراً - العیاذ بالله - وهو ینظر إلیه من کثب؟ لاها الله ، حاشا نبیّ العظمة.

ولعلّ لهذه کلّها استبعد الحسین بن الفضل نزولها فی أبی طالب وقال : هذا بعید لأنّ السورة من آخر ما نزل من القرآن ، ومات أبو طالب فی عنفوان الإسلام والنبیّ صلی الله علیه وآله وسلم بمکّة ، وذکره القرطبی وأقرّه فی تفسیره (2) (8 / 273).

4 - إنّ هناک روایات تضادّ هذه الروایة فی مورد نزول آیة الاستغفار من سورة براءة ، منها :

صحیحة أخرجها (3) : الطیالسی ، وابن أبی شیبة ، وأحمد ، والترمذی ، 8.

ص: 23


1- تفسیر القرطبی : 18 / 127 [18 / 83] ، تفسیر ابن کثیر : 4 / 369. (المؤلف)
2- الجامع لأحکام القرآن : 8 / 173.
3- مسند أبی داود الطیالسی : ص 20 ح 131 ، المصنّف فی الأحادیث والآثار : 10 / 522 ح 10190 ، مسند أحمد : 1 / 210 ح 1088 ، سنن الترمذی : 5 / 262 ح 3101 ، السنن الکبری : 1 / 655 ح 2163 ، مسند أبی یعلی : 1 / 280 ح 335 ، جامع البیان : مج 7 / ج 11 / 43 ، المستدرک علی الصحیحین : 2 / 365 ح 3289 ، شعب الإیمان : 7 / 41 ح 9378.

والنسائی ، وأبو یعلی ، وابن جریر وابن المنذر ، وابن أبی حاتم ، وأبو الشیخ ، والحاکم وصحّحه ، وابن مردویه ، والبیهقی فی شعب الإیمان ، والضیاء فی المختارة عن علیّ قال : «سمعت رجلاً یستغفر لأبویه وهما مشرکان فقلت : تستغفر لأبویک وهما مشرکان؟ فقال : أوَلم یستغفر إبراهیم؟ فذکرت ذلک للنبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فنزلت : (ما کانَ لِلنَّبِیِّ وَالَّذِینَ آمَنُوا أَنْ یَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِکِینَ وَلَوْ کانُوا أُولِی قُرْبی مِنْ بَعْدِ ما تَبَیَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِیمِ* وَما کانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِیمَ لِأَبِیهِ إِلاَّ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِیَّاهُ فَلَمَّا تَبَیَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْراهِیمَ لَأَوَّاهٌ حَلِیمٌ) (1)».

یظهر من هذه الروایة أنّ عدم جواز الاستغفار للمشرکین کان أمراً معهوداً قبل نزول الآیة ولذلک ردع عنه مولانا أمیر المؤمنین الرجل ، وقوله علیه السلام هذا لا یلائم استغفار النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم لعمّه علی تقدیر عدم إسلامه ، وتری الرجل ما استند فی تبریر عمله إلی استغفار رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لعمّه علماً بأنّه صلی الله علیه وآله وسلم لم یستغفر لمشرک قطّ.

قال السیّد زینی دحلان فی أسنی المطالب (2) (ص 18) : هذه الروایة صحیحة وقد وجدنا لها شاهداً بروایة صحیحة من حدیث ابن عبّاس قال : کانوا یستغفرون لآبائهم حتی نزلت هذه الآیة ، فلمّا نزلت أمسکوا عن الاستغفار لأمواتهم ولم ینهوا أن یستغفروا للأحیاء حتی یموتوا ثمّ أنزل الله تعالی : (وَما کانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِیمَ) الآیة یعنی استغفر له ما دام حیّا فلمّا مات أمسک عن الاستغفار له ، قال : وهذا شاهد صحیح فحیث کانت هذه الروایة أصحّ کان العمل بها أرجح ، فالأرجح أنّها نزلت فی استغفار أُناس لآبائهم المشرکین لا فی أبی طالب. انتهی.

ومنها : ما أخرجه (3) - فی سبب نزول آیة الاستغفار - مسلم فی صحیحه ، 2.

ص: 24


1- التوبة : 113 ، 114.
2- أسنی المطالب : ص 45.
3- صحیح مسلم : 2 / 365 ح 106 کتاب الجنائز ، مسند أحمد : 3 / 186 ح 9395 ، سنن أبی داود : 3 / 218 ح 3234 ، السنن الکبری : 1 / 654 ح 2161 ، سنن أبن ماجة : 1 / 501 ح 1572.

وأحمد فی مسنده ، وأبو داود فی سننه ، والنسائی ، وابن ماجة عن أبی هریرة رضی الله عنه أنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أتی قبر أُمّه فبکی وأبکی من حوله ، فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : استأذنت ربّی فی أن أستغفر لها فلم یأذن لی ، واستأذنته أن أزور قبرها فأذن لی. فزوروا القبور فإنّها تذکرة الآخرة (1).

وأخرج : الطبری ، والحاکم (2) ، وابن أبی حاتم ، والبیهقی (3) عن ابن مسعود وبریدة ، والطبرانی (4) ، وابن مردویه ، والطبری من طریق عکرمة عن ابن عبّاس : أنّه صلی الله علیه وآله وسلم لمّا أقبل من غزوة تبوک اعتمر فجاء قبر أُمّه فاستأذن ربّه أن یستغفر لها ، ودعا الله تعالی أن یأذن له فی شفاعتها یوم القیامة فأبی أن یأذن فنزلت الآیة (5).

وأخرج الطبری فی تفسیره (6) (11 / 31) عن عطیّة : لمّا قدم رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم مکّة وقف علی قبر أمّه حتی سخنت علیه الشمس رجاء أن یؤذن له فیستغفر لها حتی نزلت : (ما کانَ لِلنَّبِیِ) إلی قوله : (تَبَرَّأَ مِنْهُ).

وروی الزمخشری فی الکشّاف (7) (2 / 49) حدیث نزول الآیة فی أبی طالب ، ثمّ ذکر هذا الحدیث فی سبب نزولها وأردفها بقوله : وهذا أصحّ لأنّ موت أبی طالب کان قبل الهجرة وهذا آخر ما نزل بالمدینة. 5.

ص: 25


1- إرشاد الساری فی شرح صحیح البخاری : 7 / 151 [10 / 314 ح 4675]. (المؤلف)
2- المستدرک علی الصحیحین : 2 / 366 ح 3292.
3- دلائل النبوة : 1 / 189.
4- المعجم الکبیر : 11 / 296 ح 12049.
5- تفسیر الطبری : 11 / 31 [مج 7 / ج 11 / 42] ، إرشاد الساری : 7 / 270 [10 / 314 ح 4675] ، الدرّ المنثور : 3 / 283 [4 / 302]. (المؤلف)
6- جامع البیان : مج 7 / ج 11 / 42.
7- الکشّاف : 2 / 315.

وقال القسطلانی فی إرشاد الساری (1) (7 / 270): قد ثبت أنّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم أتی قبر أُمّه لمّا اعتمر فاستأذن ربّه أن یستغفر لها فنزلت هذه الآیة. رواه الحاکم (2) وابن أبی حاتم عن ابن مسعود ، والطبرانی (3) عن ابن عبّاس ، وفی ذلک دلالة علی تأخّر نزول الآیة عن وفاة أبی طالب والأصل عدم تکرار النزول.

قال الأمینی : هلاّ کان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یعلم إلی یوم تبوک بعد تلکم الآیات النازلة التی أسلفناها فی (ص 10 - 12) ، أنّه غیر مسوغ له وللمؤمنین الاستغفار للمشرکین والشفاعة لهم ، فجاء یستأذن ربّه أن یستغفر لأُمّه ویشفع لها؟ أو کان یحسب أنّ لأُمّه حساباً آخر دون سائر البشر؟ أو أنّ الروایة مختلقة تمسّ کرامة النبیّ الأقدس ، وتدنّس ذیل قداسة أُمّه الطاهرة عن الشرک.

ومنها : ما أخرجه الطبری فی تفسیره (4) (11 / 31) عن قتادة قال : ذکر لنا أنّ رجالاً من أصحاب النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم قالوا : یا نبیّ الله إنّ من آبائنا من کان یحسن الجوار ، ویصل الرحم ، ویفکّ العانی ، ویوفی بالذمم ، أفلا نستغفر لهم؟ فقال النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم : [بلی] (5) والله لأستغفرنّ لأبی کما استغفر إبراهیم لأبیه ، فأنزل الله : (ما کانَ لِلنَّبِیِ) ، ثمّ عذر الله إبراهیم علیه الصلاة والسلام فقال : (وَما کانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِیمَ لِأَبِیهِ) إلی قوله : (تَبَرَّأَ مِنْهُ).

وأخرج الطبری من طریق عطیّة العوفی عن ابن عبّاس قال : إنّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم أراد أن یستغفر لأبیه فنهاه الله عن ذلک بقوله : (ما کانَ لِلنَّبِیِّ وَالَّذِینَ آمَنُوا أَنْ ر.

ص: 26


1- إرشاد الساری : 10 / 560 - 561 ح 4772.
2- المستدرک علی الصحیحین : 2 / 366 ح 3292.
3- المعجم الکبیر : 11 / 296 ح 12049.
4- جامع البیان : مج 7 / ج 11 / 43.
5- من المصدر.

یَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِکِینَ) الآیة. قال : فإنّ إبراهیم قد استغفر لأبیه ، فنزلت (وَما کانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِیمَ لِأَبِیهِ إِلاَّ عَنْ مَوْعِدَةٍ) الآیة : الدرّ المنثور (1) (3 / 283).

وفی هاتین الروایتین نصّ علی أن نزول الآیة الکریمة فی أبیه وآباء رجال من أصحابه صلی الله علیه وآله وسلم لا فی عمّه ولا فی أُمّه.

ومنها : ما جاء به الطبری فی تفسیره (2) (11 / 33) قال : قال آخرون : الاستغفار فی هذا الموضع بمعنی الصلاة. ثمّ أخرج من طریق المثنّی عن عطاء بن أبی رباح قال : ما کنت أدع الصلاة علی أحد من أهل هذه القبلة ولو کانت حبشیّة حبلی من الزنا ، لأنّی لم أسمع الله یحجب الصلاة إلاّ عن المشرکین یقول الله : (ما کانَ لِلنَّبِیِّ وَالَّذِینَ آمَنُوا أَنْ یَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِکِینَ) الآیة.

وهذا التفسیر إن صحّ فهو مخالف لجمیع ما تقدّم من الروایات الدالّة علی أنّ المراد من الآیة هو طلب المغفرة کما هو الظاهر المتفاهم من اللفظ.

ونفس هذا الاضطراب والمناقضة بین هذه المنقولات وبین ما جاء به البخاری ممّا یفتّ فی عضد الجمیع ، وینهک من اعتباره ، فلا یحتجّ بمثله ولا سیّما فی مثل المقام من تکفیر مسلم بارّ ، وتبعید المتفانی دون الدین عنه.

5 - إنّ المستفاد من روایة البخاری نزول آیة الاستغفار عند موت أبی طالب کما هو ظاهر ما أخرجه إسحاق بن بشر وابن عساکر عن الحسن ، قال : لمّا مات أبو طالب قال النبی : صلی الله علیه وآله وسلم إنّ إبراهیم استغفر لأبیه وهو مشرک وأنا أستغفر لعمّی حتی أبلغ ، فأنزل الله (ما کانَ لِلنَّبِیِّ وَالَّذِینَ آمَنُوا أَنْ یَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِکِینَ) الآیة. یعنی به أبا طالب ، فاشتدّ علی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فقال الله لنبیّه صلی الله علیه وآله وسلم (وَما کانَ اسْتِغْفارُ 4.

ص: 27


1- الدرّ المنثور : 4 / 302.
2- جامع البیان : مج 7 / ج 11 / 44.

إِبْراهِیمَ لِأَبِیهِ إِلاَّ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِیَّاهُ) الدرّ المنثور (1) (3 / 283). وإن ناقضها ما أخرجه ابن سعد وابن عساکر عن علیّ قال : أخبرت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بموت أبی طالب فبکی فقال : اذهب فغسّله وکفّنه وواره غفر الله له ورحمه. ففعلت وجعل رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یستغفر له أیّاماً ولا یخرج من بیته حتی نزل جبریل علیه السلام بهذه الآیة (ما کانَ لِلنَّبِیِّ وَالَّذِینَ آمَنُوا) الآیة (2).

ولعلّه ظاهر ما أخرجه ابن سعد وأبو الشیخ وابن عساکر من طریق سفیان بن عیینة عن عمر قال : لمّا مات أبو طالب قال له رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : رحمک الله وغفر لک ، لا أزال أستغفر لک حتی ینهانی الله ، فأخذ المسلمون یستغفرون لموتاهم الذین ماتوا وهم مشرکون فأنزل الله (ما کانَ لِلنَّبِیِّ وَالَّذِینَ آمَنُوا أَنْ یَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِکِینَ). الدرّ المنثور (3 / 283).

لکن الأُمّة أصفقت علی أنّ نزول سورة البراءة التی تضمّنت الآیة الکریمة آخر ما نزل من القرآن کما مرّ فی (ص 10) وکان ذلک بعد الفتح ، وهی هی التی بعث بها رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أبا بکر لیتلوها علی أهل مکّة ثمّ استرجعه بوحی من الله سبحانه وقیّض لها مولانا أمیر المؤمنین فقال : «لا یبلّغها عنّی إلاّ أنا أو رجل منّی» (3) وقد جاء فی صحیحة مرّت من عدّة طرق فی (ص 13) من أنّ آیة الاستغفار نزلت بعد ما أقبل رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم من غزوة تبوک وکانت فی سنة تسع فأین من هذه کلّها نزولها عند وفاة أبی طالب أو بعدها بأیّام؟ وأنّی یصحّ ما جاء به البخاری ومن یشاکله فی روایة البواطیل. ف)

ص: 28


1- الدرّ المنثور : 4 / 301.
2- طبقات ابن سعد : 1 / 105 [1 / 123] ، الدرّ المنثور : 3 / 282 [4 / 301] نقلاً عن ابنی سعد وعساکر [مختصر تاریخ مدینة دمشق : 29 / 32]. (المؤلف)
3- راجع الجزء السادس من کتابنا هذا : ص 338 - 350. (المؤلف)

6 - إنّ سیاق الآیة الکریمة - آیة الاستغفار - سیاق نفی لا نهی فلا نصّ فیها علی أنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم استغفر فنُهی عنه ، وإنّما یلتئم مع استغفاره لعلمه بإیمان عمّه ، وبما أنّ فی الحضور من کان لا یعرف ذلک من ظاهر حال أبی طالب الذی کان یماشی به قریشاً ، فقالوا فی ذلک أو اتّخذوه مدرکاً لجواز الاستغفار للمشرکین ، کما ربما احتجّوا بفعل إبراهیم علیه السلام ، فأنزل الله سبحانه الآیة وما بعدها من قوله تعالی (وَما کانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِیمَ). الآیة. تنزیهاً للنبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وتعذیراً لإبراهیم علیه السلام ، وإیعازاً إلی أنّ من استغفر له النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم لم یکن مشرکاً کما حسبوه ، وأنّ مرتبة النبوّة تأبی عن الاستغفار للمشرکین ، فنفس صدوره منه صلی الله علیه وآله وسلم برهنة کافیة علی أنّ أبا طالب لم یکن مشرکاً ، وقد عرفت ذلک أفذاذ من الأُمّة فلم یحتجّوا بعمل النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم لاستغفارهم لآبائهم المشرکین ، وإنّما اقتصروا فی الاحتجاج بعمل إبراهیم علیه السلام کما مرّ فی صحیحة عن مولانا أمیر المؤمنین علیه السلام قال : «سمعت رجلاً یستغفر لأبویه وهما مشرکان فقلت : تستغفر لأبویک وهما مشرکان؟ قال : أوَ لم یستغفر إبراهیم؟». الحدیث. راجع صفحة (12) من هذا الجزء.

ولو کان یعرف هذا الرجل أبا طالب مشرکاً لکان الاستدلال لتبریر عمله باستغفار نبیّ الإسلام له - ولم یکن یخفی علی أیّ أحد - أولی من استغفار إبراهیم لأبیه لکنّه اقتصر علی ما استدلّ به.

7 - إنّا علی تقدیر التسلیم لروایة البخاری وغضّ الطرف عمّا سبق عن العبّاس من أنّ أبا طالب لهج بالشهادتین ، وقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : الحمد لله الذی هداک یا عمّ وما مرّ عن مولانا أمیر المؤمنین من أنّه ما مات حتی أعطی رسول الله من نفسه الرضا ، وما مرّ من قوله صلی الله علیه وآله وسلم : «کلّ الخیر أرجو من ربّی لأبی طالب». وما مرّ من وصیّة أبی طالب عند الوفاة لقریش وبنی عبد المطّلب بإطاعة محمد صلی الله علیه وآله وسلم واتّباعه والتسلیم لأمره وأنّ فیه الرشد والفلاح ، وأنّه صلی الله علیه وآله وسلم الأمین فی قریش والصدّیق فی العرب. إلی تلکم النصوص الجمّة فی نثره ونظمه ، فبعد غضّ الطرف عن هذه کلّها

ص: 29

لا نسلّم أنّ أبا طالب علیه السلام أبی عن الإیمان فی ساعته الأخیرة لقوله : علی ملّة عبد المطّلب. ونحن لا نرتاب فی أنّ عبد المطّلب سلام الله علیه کان علی المبدأ الحقّ ، وعلی دین الله الذی ارتضاه للناس ربّ العالمین یومئذٍ ، وکان معترفاً بالمبدأ والمعاد ، عارفاً بأمر الرسالة ، اللائح علی أساریره نورها ، الساکن فی صلبه صاحبها ، وللشهرستانی حول سیّدنا عبد المطّلب کلمة ذکرنا جملة منها فی الجزء السابع (ص 346 و 353) فراجع الملل والنحل (1) والکتب التی ألّفها السیوطی (2) فی آباء النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم حتی تعرف جلیّة الحال ، فقول أبی طالب علیه السلام : علی ملّة عبد المطّلب. صریح فی أنّه معتنق تلکم المبادئ کلّها ، أضف إلی ذلک نصوصه المتواصلة طیلة حیاته علی صحّة الدعوة المحمدیّة.

8 - نظرة فی الثانیة من الآیتین ، ولعلّک عرفت بطلان دلالتها علی ما ارتأوه من کفر شیخ الأباطح - سلام الله علیه - من بعض ما ذکرناه من الوجوه ، فهلمّ معی لننظر فیها خاصّة وفیما جاء فیها بمفردها ، فنقول :

أوّلاً : إنّ هذه الآیة متوسّطة بین آیٍ تصف المؤمنین ، وأخری یذکر سبحانه فیها الذین لم یؤمنوا حذار أن یتخطّفوا من مکة المعظّمة ، فمقتضی سیاق الآیات أنّه سبحانه لم یرد بهذه الآیة إلاّ بیان أنّ الذین اهتدوا من المذکورین قبلها لم تستند هدایتهم إلی دعوة الرسول صلی الله علیه وآله وسلم فحسب ، وإنّما الاستناد الحقیقی إلی مشیئته وإرادته سبحانه علی وجه لا ینتهی إلی الإلجاء بنحو من التوفیق ، کما أنّ استناد الإضلال إلیه سبحانه بنحو من الخذلان ، وإن کان النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وسیطاً فی تبلیغ الدعوة (فَإِنْ تَوَلَّوْا ف)

ص: 30


1- الملل والنحل : 2 / 249.
2- منها : مسالک الحنفا فی والدَی المصطفی ، الدرج المنیفة فی الآباء الشریفة ، المقامة السندسیة فی النسبة المصطفویة ، التعظیم والمنّة فی أنّ أبوی رسول الله فی الجنّة ، نشر العلمین فی إحیاء الأبوین ، السبل الجلیّة فی الآباء العلیّة. (المؤلف)

فَإِنَّما عَلَیْهِ ما حُمِّلَ وَعَلَیْکُمْ ما حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِیعُوهُ تَهْتَدُوا وَما عَلَی الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِینُ) (1). وفی الذکر الحکیم (إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِی حَرَّمَها وَلَهُ کُلُّ شَیْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَکُونَ مِنَ الْمُسْلِمِینَ* وَأَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدی فَإِنَّما یَهْتَدِی لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّما أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِینَ) (2) ، کما أنّ إبلیس اللعین یزیّن للعاصی عمله (أَوَلَوْ کانَ الشَّیْطانُ یَدْعُوهُمْ إِلی عَذابِ السَّعِیرِ) (3) ، (وَزَیَّنَ لَهُمُ الشَّیْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِیلِ) (4) ، (اسْتَحْوَذَ عَلَیْهِمُ الشَّیْطانُ فَأَنْساهُمْ ذِکْرَ اللهِ) (5) (إِنَّ الَّذِینَ ارْتَدُّوا عَلی أَدْبارِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَیَّنَ لَهُمُ الْهُدَی الشَّیْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلی لَهُمْ) (6) وقد جاء فیما أخرجه العقیلی (7) وابن عدی (8) وابن مردویه والدیلمی (9) وابن عساکر وابن النجّار عن عمر بن الخطّاب رضی الله عنه قال : قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «بعثت داعیاً ومبلّغاً ولیس إلیّ من الهدی شیء ، وخلق إبلیس مزیّناً ولیس إلیه من الضلالة شیء» (10).

فهذه الآیة الکریمة کبقیّة ما جاء فی الذکر الحکیم من إسناد کلّ مِن الهدایة والضلال إلیه سبحانه کقوله تعالی :

1 - (لَیْسَ عَلَیْکَ هُداهُمْ وَلکِنَّ اللهَ یَهْدِی مَنْ یَشاءُ) البقرة : 272.

2 - (إِنْ تَحْرِصْ عَلی هُداهُمْ فَإِنَّ اللهَ لا یَهْدِی مَنْ یُضِلُ) النحل : 37. ف)

ص: 31


1- النور : 54.
2- النمل : 91 ، 92.
3- لقمان : 21.
4- العنکبوت : 38 ، النمل : 24.
5- المجادلة : 19.
6- محمد : 25.
7- الضعفاء الکبیر : 2 / 9 رقم 410.
8- الکامل فی ضعفاء الرجال : 3 / 39 رقم 597.
9- الفردوس بمأثور الخطاب : 2 / 11 ح 2094.
10- مجمع الزوائد للحافظ الهیثمی ، الجامع الصغیر للسیوطی [1 / 487 ح 3153]. (المؤلف)

3 - (أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِی الْعُمْیَ وَمَنْ کانَ فِی ضَلالٍ مُبِینٍ) الزخرف : 40.

4 - (وَما أَنْتَ بِهادِی الْعُمْیِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ) النمل : 81.

5 - (أَتُرِیدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللهُ) النساء : 88.

6 - (أَفَأَنْتَ تَهْدِی الْعُمْیَ وَلَوْ کانُوا لا یُبْصِرُونَ) یونس : 43.

7 - (مَنْ یَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ یُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِیًّا مُرْشِداً) الکهف : 17.

8 - (إِنَّ اللهَ یُضِلُّ مَنْ یَشاءُ وَیَهْدِی إِلَیْهِ مَنْ أَنابَ) الرعد : 27.

9 - (فَیُضِلُّ اللهُ مَنْ یَشاءُ وَیَهْدِی مَنْ یَشاءُ وَهُوَ الْعَزِیزُ الْحَکِیمُ) إبراهیم : 4.

10 - (وَلکِنْ یُضِلُّ مَنْ یَشاءُ وَیَهْدِی مَنْ یَشاءُ) النحل : 93.

إلی آیات کثیرة ممّا یدلّ علی استناد الهدایة والضلال إلی الله تعالی علی وجه لا ینافی اختیار العبد فیهما ، ولذلک أُسندا إلیه وإلی مشیئته أیضاً فی آی أخری کقوله تعالی :

1 - (فَمَنِ اهْتَدی فَإِنَّما یَهْتَدِی لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما یَضِلُّ عَلَیْها) یونس : 108.

2 - (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّکُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْیُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْیَکْفُرْ) الکهف : 29.

3 - (إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِکْرٌ لِلْعالَمِینَ* لِمَنْ شاءَ مِنْکُمْ أَنْ یَسْتَقِیمَ) التکویر : 27 ، 28.

4 - (مَنِ اهْتَدی فَإِنَّما یَهْتَدِی لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما یَضِلُّ عَلَیْها) الإسراء : 15.

5 - (فَمَنِ اهْتَدی فَإِنَّما یَهْتَدِی لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّما أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِینَ) النمل : 92.

6 - (أُولئِکَ الَّذِینَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدی فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ) البقرة : 16.

ص: 32

7 - (فَرِیقاً هَدی وَفَرِیقاً حَقَّ عَلَیْهِمُ الضَّلالَةُ) الأعراف : 30.

8 - (رَبِّی أَعْلَمُ مَنْ جاءَ بِالْهُدی وَمَنْ هُوَ فِی ضَلالٍ مُبِینٍ) القصص : 85.

9 - (إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِکُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها) الإسراء : 7.

10 - (فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَیْکَ الْبَلاغُ) آل عمران : 20.

إلی آیات أخری ، ولا مناقضة بین هذین الفریقین من الآی الکریمة بما قدّمناه وبما ثبت من صحّة إسناد الفعل إلی الباعث تارة وإلی المباشر المختار أخری.

فآیتنا هذه صاحبة البحث والعنوان من الفریق الأوّل ، وقد سیق بیانها بعد آیات المؤمنین لإفادة ما أُریدت إفادته من لداتها ، ولبیان أنّ هؤلاء المذکورین من المهتدین هم علی شاکلة غیرهم فی إسناد هدایتهم إلیه سبحانه ، فلا صلة لها بأیّ إنسان خاصّ أبی طالب أو غیره ، وإن ماشینا القوم علی وجود الصلة بینها وبین أبی طالب علیه السلام فإنّها بمعونة سابقتها علی إیمانه أدلّ. هکذا ینبغی أن تفسّر هذه الآیة غیر مکترث لما جاء حولها من التافهات ممّا سبق ویأتی.

وثانیاً : إنّ ما رُوی فیها بمفردها کلّها مراسیل ، فإنّ منها : ما رواه عبد بن حمید ومسلم (1) والترمذی (2) وغیرهم عن أبی هریرة رضی الله عنه عنه قال : لمّا حضرت وفاة أبی طالب فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : یا عمّاه قل : لا اله إلاّ الله ، أشهد لک بها عند الله یوم القیامة ، فقال : لو لا أن تعیّرنی قریش یقولون : ما حمله علیها إلاّ جزعه من الموت لأقررت بها عینک فأنزل الله علیه : (إِنَّکَ لا تَهْدِی مَنْ أَحْبَبْتَ) الآیة (3).

کیف یرویه أبو هریرة وکان یوم وفاة أبی طالب شحّاذاً من متکفّفی دوس ف)

ص: 33


1- صحیح مسلم : 1 / 84 ح 42 کتاب الإیمان.
2- سنن الترمذی : 5 / 318 ح 3188.
3- الدرّ المنثور : 5 / 133 [6 / 428]. (المؤلف)

بالیمن الکفرة ، یسأل الناس إلحافاً ، ویکتنفه البؤس من جوانبه ، وما ألمّ بالإسلام إلاّ عام خیبر سنة سبع من الهجرة الشریفة باتّفاق من الجمهور؟ فأین کان هو من وفاة أبی طالب ، وما دار هنالک من الحدیث؟ فإن صدق فی روایته فهو راوٍ عمّن لم ینوّه باسمه ، وإن کان تدلیس أبی هریرة قد اطّرد فی موارد کثیرة ، روی أشیاء ادّعی فیها المشاهدة أو دلّ علیها السیاق لکنه لم یشاهد شیئاً منها ، ومن أراد الوقوف علی هذه وغیرها من أمر أبی هریرة فلیراجع کتاب أبو هریرة لسیّدنا المصلح الشریف الحجّة السیّد عبد الحسین شرف الدین العاملی حیّاه الله وبیّاه فقد جمع ذلک فأوعی.

ومنها : ما أخرجه ابن مردویه وغیره من طریق أبی سهل السریّ بن سهل بالإسناد عن عبد القدوس ، عن أبی صالح ، عن ابن عبّاس قال : نزلت (إِنَّکَ لا تَهْدِی مَنْ أَحْبَبْتَ) الآیة ، فی أبی طالب ألحّ علیه النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم أن یسلم فأبی ، فأنزل الله (إِنَّکَ لا تَهْدِی). الحدیث (1).

أبو سهل السریّ أحد الکذّابین وضّاع کان یسرق الحدیث کما مرّ فی سلسلة الکذّابین (5 / 231) ، وعبد القدوس أبو سعید الدمشقی أحد الکذّابین کما أسلفناه فی الجزء الخامس (ص 238).

وظاهر هذه الروایة کسابقتها هو المشاهدة ، والأثبت علی ما قاله ابن حجر فی الإصابة (2 / 331) : أنّ ابن عبّاس ولد قبل الهجرة بثلاث. فهو عند وفاة عمّه أبی طالب کان یرضع ثدی أُمّه فلا یسعه الحضور فی ذلک المشهد.

وإن صدقت الروایة عنه - وأنّی تصدق؟ - فإنّ ابن عبّاس أسند ما یقوله إلی من لا نعرفه ، ولعلّ رواة السوء حذفوه لضعفه ، کما حذف غیر واحد من المؤلّفین أبا سهل السریّ وعبد القدوس ونظراءهما من أسانید هذه الأفائک ستراً علی عللها. ].

ص: 34


1- الدرّ المنثور : 5 / 133 [6 / 429].

والقول الفصل : إنّ حبر الأُمّة لم یلهج بتلکم الخزایة ، وإن لهج بشیء من أمر ذلک المشهد عن أحد فأولی له أن یقول ما قاله أبوه من أنّه سمع أبا طالب یشهد بالشهادتین عند وفاته (1). أو یفوه بما أسلفناه عن ابن عمّه الأقدس رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم (2) ، أو یروی ما جاء عن ابن عمّه الطاهر أمیر المؤمنین (3) ، ألیس ابن عبّاس راوی ما ثبت عنه من قول أبی طالب لرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم کما مرّ فی (7 / 355) : قم یا سیّدی فتکلّم بما تحبّ وبلّغ رسالة ربّک فإنّک الصادق المصدّق؟

ومنها : ما أخرجه أبو سهل السری الکذّاب المذکور من طریق عبد القدوس الکذّاب أیضاً ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : (إِنَّکَ لا تَهْدِی مَنْ أَحْبَبْتَ) : الآیة. نزلت فی أبی طالب عند موته ، والنبیّ صلی الله علیه وآله وسلم عند رأسه وهو یقول : یا عم قل لا إله إلاّ الله أشفع لک بها یوم القیامة ، قال أبو طالب : لا تعیّرنی نساء قریش بعدی أنّی جزعت عند موتی ، فأنزل الله تعالی : (إِنَّکَ لا تَهْدِی مَنْ أَحْبَبْتَ) الحدیث (4).

لعلّ ابن عمر لا یدّعی فی روایته الحضور فی ذلک المحضر. ولیس له أن یدّعی ذلک لأنّه کان وقتئذ ابن سبع سنین تقریباً ، فإنّ مولده کان بعد البعثة بثلاث (5) ، ومن طبع الحال أنّ من هو بهذا السنّ لا یُطلق سراحه إلی ذلک المنتدی الرهیب ، والمسجّی فیه سیّد الأباطح ویلی أمره نبیّ العظمة ، ویحضره مشیخة قریش ، فلا بدّ من أنّه سمع من یقول ذلک ممّن حضر واطّلع ، ولا یخلو أن یکون ذلک إمّا ولد المتوفّی وهو مولانا أمیر المؤمنین والثابت عنه ما مرّ فی الجزء السابع ، أو عن بقیّة أولاده من طالب وجعفر ف)

ص: 35


1- راجع ما أسلفناه فی صفحة : 370 من الجزء السابع. (المؤلف)
2- راجع ما مرّ فی صفحة 373 من الجزء السابع. (المؤلف)
3- راجع ما سبق فی صفحة 379 من الجزء السابع. (المؤلف)
4- الدرّ المنثور : 5 / 133 [6 / 429]. (المؤلف)
5- الإصابة : 2 / 347 [رقم 4834]. (المؤلف)

وعقیل ولم ینبسوا فی هذا الأمر ببنت شفة ، أو عن أخیه العبّاس وقد صحّ عنه ما أسلفناه فی الجزء السابع ، أو عن ابن أخیه الرسول الأعظم صلی الله علیه وآله وسلم فقد عرفت قوله فیه فیما مرّ ، فممّن أخذ ابن عمر؟ ولما ذا حذف اسمه؟ ولما شرّک أبا جهل مع أبی طالب فی إحدی روایتیه ، ولم یقل به أحد غیره؟ وهل فی الرواة من تقوّل علیه کلّ ذلک؟ فظنّ خیراً ولا تسأل عن الخبر.

واعطف علی هذه ما عزوه إلی مجاهد وقتادة فی شأن نزول الآیة (1) ، فإنّ مستند أقوالهما إمّا هذه الروایات أو أنّهما سمعاها من أُناس مجهولین ، فمراسیل کهذه لا یحتجّ بها علی أمر خطیر مثل تکفیر أبی طالب بعد ثبوت إیمانه بما صَدَع به الصادع الکریم وتفانیه دونه والذبّ عنه بالبرهنة القاطعة.

ومن التفسیر بالرأی والدعوی المجرّدة ما عن قتادة ومن یشاکله مرسلاً من تبعیض الآیة بین أبی طالب والعبّاس ، فجعل صدرها لأبی طالب وذیلها للعبّاس (2) الذی أسلم بعد نزول الآیة بعدّة سنین کما هو المتسالم علیه عنه الجمهور.

وأنت تعرف بعد هذه کلّها قیمة قول الزجّاج : أجمع المسلمون علی أنّها نزلت فی أبی طالب. وما عقّبه به القرطبی من قوله : والصواب أن یقال : أجمع جلّ المفسّرین علی أنّها نزلت فی شأن أبی طالب (3).

(انْظُرْ کَیْفَ یَفْتَرُونَ عَلَی اللهِ الْکَذِبَ وَکَفی بِهِ إِثْماً مُبِیناً) (4) 0.

ص: 36


1- تاریخ ابن کثیر : 3 / 124 [3 / 153]. (المؤلف)
2- تفسیر القرطبی : 13 / 299 [13 / 198] ، الدرّ المنثور : 5 / 133 [6 / 429]. (المؤلف)
3- تفسیر القرطبی : 13 / 299 [13 / 198]. (المؤلف)
4- النساء : 50.

حدیث الضحضاح

إلی هنا انتهی کلّ ما للقوم من نَبل تقلّه کنانة الأحقاد ، أو ذخیرة فی علبة الضغائن رموا بها أبا طالب ، وقد أتینا علیها فجعلناها هباءً منثوراً ، ولم یبق لهم إلاّ روایة الضحضاح ، وما لأعداء أبی طالب حولها من مُکاء وتصدیة ، وهی علی ما یلی :

أخرج البخاری ومسلم من طریق سفیان الثوری عن عبد الملک بن عمیر ، عن عبد الله بن الحارث قال : حدّثنا العبّاس بن عبد المطّلب أنّه قال : قلت للنبیّ صلی الله علیه وآله وسلم : ما أغنیت عن عمّک فإنّه کان یحوطک ویغضب لک. قال : هو فی ضحضاح من نار ، ولولا أنا لکان فی الدرک الأسفل.

وفی لفظ آخر : قلت : یا رسول الله إنّ أبا طالب کان یحفظک وینصرک فهل نفعه ذلک؟ قال : نعم وجدته فی غمرات من النار فأخرجته إلی ضحضاح.

ومن حدیث اللیث حدّثنی ابن الهاد عن عبد الله بن خباب ، عن أبی سعید أنّه سمع النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ذُکر أبو طالب عنده فقال : لعلّه تنفعه شفاعتی یوم القیامة ، فیجعل فی ضحضاح من النار یبلغ کعبیه یغلی منه دماغه.

وفی صحیح البخاری من طریق عبد العزیز بن محمد الدراوردی عن یزید بن الهاد نحوه ، غیر أنّ فیه تغلی منه أمّ دماغه.

راجع (1) : صحیح البخاری فی أبواب المناقب باب قصّة أبی طالب (6 / 33 ، 34) ، وفی کتاب الأدب باب کنیة المشرک (9 / 92) ، صحیح مسلم کتاب الإیمان 4.

ص: 37


1- صحیح البخاری : 3 / 1408 ح 3670 ، ص 1409 ح 3672 و 5 / 2293 ح 5855 ، ص 2400 - 2401 ح 6196 ، صحیح مسلم : 1 / 247 ح 357 کتاب الإیمان ، الطبقات الکبری : 1 / 124 ، مسند أحمد : 1 / 339 ح 1766 ، ص 340 ح 1771 ، عیون الأثر : 1 / 172 ، البدایة والنهایة : 3 / 154.

طبقات ابن سعد (1 / 106) طبعة مصر ، مسند أحمد (1 / 206 ، 207) ، عیون الأثر (1 / 132) ، تاریخ ابن کثیر (3 / 125).

قال الأمینی : نحن لا تروقنا المناقشة فی الأسانید لمکان سفیان الثوری وما مرّ فیه (ص 4) من أنّه کان یدلّس عن الضعفاء ویکتب عن الکذّابین. ولا لمکان عبد الملک بن عمیر اللخمی الکوفی الذی طال عمره وساء حفظه ، قال أبو حاتم (1) : لیس بحافظ تغیّر حفظه ، وقال أحمد (2) : ضعیف ، وقال ابن معین (3) مخلط ، وقال ابن خراش : کان شعبة لا یرضاه ، وذکر الکوسج عن أحمد أنّه ضعّفه جدّا (4).

ولا لمکان عبد العزیز الدراوردی ، قال أحمد بن حنبل : إذا حدّث من حفظه یهم لیس هو بشیء ، وإذا حدّث من کتابه فنعم ، وإذا حدّث جاء ببواطیل ، وقال أبو حاتم (5) : لا یحتجّ به ، وقال أبو زرعة : سیِّئ الحفظ (6).

کما أنّا لا نناقش بتضارب متون الروایة بأنّ قوله : لعلّه تنفعه شفاعتی یوم القیامة ، یعطی أنّ الضحضاح مؤجّل له إلی یوم القیامة بنحو من الرجاء المدلول علیه لقوله : لعلّه. وإنّ قوله : وجدته فی غمرات النار فأخرجته إلی ضحضاح. هو واضح فی تعجیل الضحضاح له وثبوت الشفاعة قبل صدور الکلام.

لکن لنا هاهنا کلمة واحدة وهی أنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أناط شفاعته لأبی طالب عند وفاته بالشهادة بکلمة الإخلاص بقوله صلی الله علیه وآله وسلم : یا عم قل لا إله إلاّ الله کلمةف)

ص: 38


1- الجرح والتعدیل : 5 / 361 رقم 1700.
2- العلل ومعرفة الرجال : 1 / 249 رقم 339.
3- التاریخ : 2 / 373.
4- میزان الاعتدال : 2 / 151 [2 / 660 رقم 5235]. (المؤلف)
5- الجرح والتعدیل : 5 / 395 رقم 1833.
6- میزان الاعتدال : 2 / 128 [2 / 633 رقم 5125]. (المؤلف)

استحلّ لک بها الشفاعة یوم القیامة (1) ، کما أنّه صلی الله علیه وآله وسلم أناطها بها فی مطلق الشفاعة ، وجاء ذلک فی أخبار کثیرة جمع جملة منها الحافظ المنذری فی الترغیب والترهیب (2) (4 / 150 - 158) منها فی حدیث عن عبد الله بن عمر مرفوعاً : قیل لی : «سل فإنّ کلّ نبیّ قد سأل فأخّرت مسألتی إلی یوم القیامة فهی لکم ولمن شهد أن لا إله إلاّ الله» فقال : رواه أحمد (3) بإسناد صحیح.

ومنها : عن أبی ذرّ الغفاری مرفوعاً فی حدیث : «أُعطیت الشفاعة وهی نائلة من أمّتی من لا یشرک بالله شیئاً» : فقال : رواه البزّار وإسناده جیّد إلاّ أنّ فیه انقطاعاً.

ومنها : عن عوف بن مالک الأشجعی فی حدیث : «إنّ شفاعتی لکلّ مسلم» فقال : رواه الطبرانی (4) بأسانید أحدها جیّد ، وابن حبّان فی صحیحه (5) وفی لفظه :

«الشفاعة لمن مات لا یشرک بالله شیئاً».

ومنها : عن أنس فی حدیث : أوحی الله إلی جبریل علیه السلام أن اذهب إلی محمد فقل له : ارفع رأسک سل تُعط واشفع تُشفّع - إلی قوله - : أدخل من أُمّتک من خلق الله من شهد أن لا إله إلاّ الله یوماً واحداً مخلصاً ومات علی ذلک.

فقال المنذری (6) : رواه أحمد (7) ورواته محتجّ بهم فی الصحیح. 3.

ص: 39


1- مستدرک الحاکم : 2 / 336 [2 / 366 ح 3291 ، وکذا فی تلخیصه] صححه هو والذهبی فی التلخیص ، تاریخ أبی الفداء : 1 / 120 ، المواهب اللدنیّة : 1 / 71 [1 / 262] ، کشف الغمّة للشعرانی : 2 / 144 ، کنز العمّال : 7 / 128 [14 / 37 ح 37874] ، شرح المواهب للزرقانی : 1 / 291. (المؤلف)
2- الترغیب والترهیب : 4 / 432 - 437 ح 91 ، 93 ، 94 ، 96 ، 98.
3- مسند أحمد : 2 / 444 ح 7028.
4- المعجم الکبیر : 18 / 59 ح 107.
5- الإحسان فی تقریب صحیح ابن حبان : 14 / 376 ح 6463.
6- الترغیب والترهیب : 4 / 436 ، ح 96.
7- مسند أحمد : 3 / 561 ح 11743.

ومنها : عن أبی هریرة مرفوعاً فی حدیث : «شفاعتی لمن شهد أن لا إله إلاّ الله مخلصاً ، وأنّ محمداً رسول الله ، یصدّق لسانه قلبه وقلبه لسانه». رواه أحمد (1) وابن حبّان فی صحیحه (2).

ومنها : ما مرّ فی (ص 13) من طریق أبی هریرة وابن عبّاس من أنّه صلی الله علیه وآله وسلم دعا ربّه واستأذنه أن یستغفر لأُمّه ویأذن له فی شفاعتها یوم القیامة فأبی أن یأذن.

وقال السهیلی فی الروض الأُنف (3) (1 / 113) : وفی الصحیح أنّه صلی الله علیه وآله وسلم قال : أستأذنت ربّی فی زیارة قبر أمّی فأذن لی ، واستأذنته أن أستغفر لها فلم یأذن لی. وفی مسند البزّار من حدیث بریدة أنّه صلی الله علیه وآله وسلم حین أراد أن یستغفر لأُمّه ضرب جبریل علیه السلام فی صدره وقال له : لا تستغفر لمن کان مشرکاً ، فرجع وهو حزین (4).

فالمنفیّ فی صورة انتفاء الشهادة جنس الشفاعة بمعنی عدمها کلّیة لعدم أهلیّة الکافر لها حتی فی بعض مراتب العذاب ، فالشفاعة للتخفیف فی العذاب من مراتبها المنفیّة ، کما أنّها نفیت کذلک فی کتاب الله العزیز بقوله تعالی : (وَالَّذِینَ کَفَرُوا لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ لا یُقْضی عَلَیْهِمْ فَیَمُوتُوا وَلا یُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها کَذلِکَ نَجْزِی کُلَّ کَفُورٍ) فاطر : 36.

وبقوله تعالی : (وَإِذا رَأَی الَّذِینَ ظَلَمُوا الْعَذابَ فَلا یُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلا هُمْ یُنْظَرُونَ) النحل : 85.

وبقوله تعالی : (خالِدِینَ فِیها لا یُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ یُنْظَرُونَ) البقرة : 162 ، آل عمران : 88. ف)

ص: 40


1- مسند أحمد : 3 / 323 ح 10335.
2- الإحسان فی تقریب ابن حبّان : 14 / 384 ح 6466.
3- الروض الأُنف : 2 / 185.
4- نحن لا نقیم لمثل هذه الروایة وزناً ولا کرامة ، غیر أنّ خضوع القوم لها یلجئنا إلی الحجاج بها. (المؤلف)

وبقوله تعالی : (وَقالَ الَّذِینَ فِی النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّکُمْ یُخَفِّفْ عَنَّا یَوْماً مِنَ الْعَذابِ* قالُوا أَوَلَمْ تَکُ تَأْتِیکُمْ رُسُلُکُمْ بِالْبَیِّناتِ قالُوا بَلی قالُوا فَادْعُوا وَما دُعاءُ الْکافِرِینَ إِلاَّ فِی ضَلالٍ) غافر : 49 ، 50.

وبقوله تعالی : (أُولئِکَ الَّذِینَ اشْتَرَوُا الْحَیاةَ الدُّنْیا بِالْآخِرَةِ فَلا یُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ یُنْصَرُونَ) البقرة : 86.

وبقوله تعالی : (وَذَرِ الَّذِینَ اتَّخَذُوا دِینَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ الْحَیاةُ الدُّنْیا وَذَکِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِما کَسَبَتْ لَیْسَ لَها مِنْ دُونِ اللهِ وَلِیٌّ وَلا شَفِیعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ کُلَّ عَدْلٍ لا یُؤْخَذْ مِنْها أُولئِکَ الَّذِینَ أُبْسِلُوا بِما کَسَبُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِیمٍ وَعَذابٌ أَلِیمٌ بِما کانُوا یَکْفُرُونَ) الأنعام : 70.

وبقوله تعالی : (کُلُّ نَفْسٍ بِما کَسَبَتْ رَهِینَةٌ* إِلاَّ أَصْحابَ الْیَمِینِ* فِی جَنَّاتٍ یَتَساءَلُونَ* عَنِ الْمُجْرِمِینَ* ما سَلَکَکُمْ فِی سَقَرَ) إلی قوله تعالی (فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِینَ). المدّثّر : 38 - 48.

وبقوله تعالی : (وَأَنْذِرْهُمْ یَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَی الْحَناجِرِ کاظِمِینَ ما لِلظَّالِمِینَ مِنْ حَمِیمٍ وَلا شَفِیعٍ یُطاعُ) غافر : 18.

وبقوله تعالی (وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِینَ إِلی جَهَنَّمَ وِرْداً* لا یَمْلِکُونَ الشَّفاعَةَ إِلاَّ مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً) مریم : 86 ، 87.

الاستثناء فی الآیة الشریفة منقطع ، والعهد : شهادة أن لا اله إلاّ الله والقیام بحقّها. أی لا یشفع إلاّ للمؤمن.

راجع (1) : تفسیر القرطبی (11 / 154) ، تفسیر البیضاوی (2 / 48) ، تفسیر ابن کثیر (3 / 138) ، تفسیر الخازن (3 / 243). 2.

ص: 41


1- الجامع لأحکام القرآن : 11 / 102 - 103 ، تفسیر البیضاوی : 2 / 40 ، تفسیر الخازن : 3 / 232.

فروایة الضحضاح علی تقدیر أنّ أبا طالب علیه السلام مات مشرکاً - العیاذ بالله - وما فیها من الشفاعة لتخفیف العذاب عنه بجعله فی الضحضاح منافیة لکلّ ما ذکرناه من الآیات والأحادیث ، فحدیث یخالف الکتاب والسنّة الثابتة یضرب به عرض الحائط ، وقد جاء فی الصحیح مرفوعاً : «تکثر لکم الأحادیث من بعدی فإذا روی لکم حدیث فاعرضوه علی کتاب الله تعالی فما وافق کتاب الله فاقبلوه وما خالفه فردّوه» (1) (2).

ولا یغرّنّک إخراج البخاری لها ، فإنّ کتابه المعبّر عنه بالصحیح هو علبة السفاسف وعیبة السقطات ، وسنوقفک علی جلیّة الحال فی البحث عنه إن شاء الله تعالی.

نختم البحث هاهنا عن إیمان سیّدنا أبی طالب - سلام الله علیه - بقصیدة شیخ الفقه والفلسفة والأخلاق شیخنا الأکبر آیة الله الشیخ محمد الحسین الأصبهانی النجفی (3) قال :

نورُ الهدی فی قلبِ عمِّ المصطفی

فی غایةِ الظهور فی عین الخفا

فی سرِّه حقیقةُ الإیمانِ

سرٌّ تعالی شأَنُه عن شانِ

إیمانُه یمثِّلُ الواجبَ فی

مقامِ غیبِ الذاتِ والکنزِ الخفی

إیمانه المکنون سام اسمه

إلاّ المطهّرون لا یمسّه

إیمانه بالغیب غیب ذاته

له التجلّی التامُ فی آیاته

آیاتُه عند أُولی الأبصارِ

أجلی من الشمسِ ضحی النهارِف)

ص: 42


1- أخرجه البخاری فی صحیحه. (المؤلف)
2- سنن الدارقطنی : 4 / 208 - 209 ح 17 - 20 ، المعجم الکبیر للطبرانی : 2 / 97 ح 1429 ، مجمع الزوائد : 1 / 170 ، کنز العمال : 1 / 179 و 196 ح 907 و 992 - 994 بألفاظ مختلفة.
3- أحد شعراء الغدیر فی القرن الرابع عشر تأتی ترجمته إن شاء الله تعالی. (المؤلف)

وهو کفیلُ خاتمِ النبوّه

وعنه قد حامی بکلِّ قوّه

ناصرُه الوحیدُ فی زمانِه

ورکنُه الشدیدُ فی أوانِه

عمیدُ أهلِه زعیمُ أُسرتِه

وکهفُه الحصینُ یومَ عسرتِه

حجابهُ العزیزُ عن أعدائِه

وحرزُه الحریزُ فی ضرّائِه

فما أجلّ شرفاً وجاها

من حرزِ یاسینَ وکهفِ طه

قام بنصرةِ النبیّ السامی

حتی استوت قواعدُ الإسلامِ

جاهد عنه أعظمَ الجهادِ

حتی علا أمرُ النبیِّ الهادی

حماه عن أذی قریشِ الکفره

بصولةٍ ذلّت لها الجبابره

صابرَ کلَّ محنةٍ وکربه

والشِّعبُ من تلک الکروبِ شُعبه

أکرم به من ناصرٍ وحامی

وکافلٍ لسیّدِ الأَنامِ

کفاه فخراً شرفُ الکفاله

لصاحبِ الدعوةِ والرساله

لسانُه البلیغُ فی ثنائِه

أمضی من السیفِ علی أعدائه

له من المنظومِ والمنثورِ

ما جعل العالم ملء النورِ

ینبئ عن إیمانِه بقلبِه

وأنَّه علی هدیً من ربِّه

وأشرقت أُمُّ القری بنوره

وکلُّ نورٍ هو نورُ طورِه

وکیف لا وهو أبو الأنوارِ

ومطلعُ الشموسِ والأقمارِ

مبدأ کلِّ نیّرٍ وشارقِ

وکیف وهو مشرقُ المشارق

بل هو بیضاءُ سماءِ المجدِ

ملیکُ عرشهِ أباً عن جدِّ

له السموّ کابراً عن کابرِ

فهو تراثُه من الأکابرِ

أزکی فروعِ دوحةِ الخلیلِ

فیا له من شرفٍ أصیلِ

بل شرفُ الأشراف من عدنانِ

ملاذُها فی نوبِ الزمانِ

له من السموِّ ما یسمو علی

ذری الصراحِ والسماوات العلی

وکیف لا وهو کفیل المصطفی

أبو المیامینِ الهداةِ الخلفا

ص: 43

ووالدُ الوصیِّ والطیّارِ

وهو لعمری منتهی الفخارِ

بضوئِهِ أضاءتِ البطحاءُ

لا بل به أضاءتِ السماءُ

والنیِّر الأعظمُ فی سمائه

مثلُ السها فی النور من سیمائه

کیف ومن غرّته تجلّی

لأهله نورُ العلیِّ الأعلی

ساد الوری بمکةَ المکرّمه

فحاز بالسؤددِ کلَّ مکرمه

بل هو فخرُ البلدِ الحرامِ

بل شرفُ المشاعرِ العظامِ

وقبلةُ الآمال والأمانی

بل مستجارُ کعبةِ الإیمانِ

وفی حمی سؤددِه وهیبتِه

تمَّ لداع الحقِّ أمرُ دعوتهِ

ما تمّتِ الدعوةُ للمختارِ

لولاه فهو أصلُ دینِ الباری

کیف وظلُ اللهِ فی الأنامِ

فی ظلّهِ دعا إلی الإسلامِ

وانتشر الإسلامُ فی حماهُ

مکرمةٌ ما نالها سواهُ

رایتُه علت بعالی همّتِه

کفاه هذا فی علوِّ رتبتِه

مفاخرٌ یعلو بها الفخارُ

مآثرٌ تحلو بها الآثارُ

ذاک أبو طالبٍ المنعوتُ

من قَصُرتْ عن شأنِه النعوتُ

یجلُّ عن أیِّ مدیحٍ قدرُهُ

لکنَّه یُحیی القلوبَ ذکرُهُ

القصیدة ومن قصیدة للعلاّمة الحجّة شیخنا الشیخ عبد الحسین صادق العاملی قدس سره قوله :

لولاه ما شُدَّ أزرُ المسلمین ولا

عین الحنیفة سالت فی مجاریها

آوی وحامی وساوی قیدَ طاقتِهِ

عن خیرِ حاضرِها طرّا وبادیها

ما کان ذاک الحفاظُ المرُّ أطّةَ أر

حامٍ وضربَ عروقٍ فار غالیها (1)ا.

ص: 44


1- أطیط الإبل : حنینها.

بل للإلهِ کما فاهت روائعُه ال

-عصماءُ فی کلِّ شطرٍ من قوافیها

ضاقت بما رحبت أُمُّ القری برسو

لِ اللهِ من بعدِه واسودّ ضاحیها

فانصاع یدعو له بالخیرِ مبتهلاً

بدعوةٍ لیس بالمجبوهِ داعیها

لو لم تکن نفسُ عمِّ المصطفی طهُرتْ

ما فاه فوه بما فیه یُنجّیها

عاماً قضی عمُّه فیه وزوجتُه

قضاهُ بالحزنِ یبکیه ویبکیها

أَعظِمْ بإیمانِ مبکیِّ المصطفی سنةً

أیّامُها البیضُ أدجی من لیالیها

من صلبهِ انبثَّتِ الأنوارُ قاطبةً

فالمرتضی بدؤها والذخرُ تالیها

هذا أبو طالب شیخ الأباطح وهذه نبذة من آیات إیمانه الخالص. (ما کَتَبْناها عَلَیْهِمْ إِلاَّ ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللهِ) (1) (لِیَسْتَیْقِنَ الَّذِینَ أُوتُوا الْکِتابَ وَیَزْدادَ الَّذِینَ آمَنُوا إِیماناً وَلا یَرْتابَ الَّذِینَ أُوتُوا الْکِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ) (2) (وَالَّذِینَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ یَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِینَ سَبَقُونا بِالْإِیمانِ وَلا تَجْعَلْ فِی قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِینَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّکَ رَؤُفٌ رَحِیمٌ) (3). 0.

ص: 45


1- الحدید : 27.
2- المدّثر : 31.
3- الحشر : 10.

عود إلی بدء أحادیث الغلوّ فی فضائل أبی بکر

ملَک یردّ علی شاتم الخلیفة

أخرج یوسف بن أبی یوسف فی الآثار (ص 208) عن أبیه یعقوب بن إبراهیم القاضی عن أبی حنیفة قال : بلغنی أنّ رجلاً شتم أبا بکر فحلم أبو بکر رضی الله عنه والنبیّ صلی الله علیه وآله وسلم قاعد ، ثمّ إنّ أبا بکر ردّ علیه ، فقام النبیّ ، فقال أبو بکر : شتمنی فلم تقم وقمت حین رددت علیه. فقال النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم : إنّ ملَکاً کان یردّ عنک فلمّا رددت أنت ذهب فقمت.

وأخرجه أحمد فی مسنده (1) (2 / 436) من طریق أبی هریرة : إنّ رجلاً شتم أبا بکر والنبیّ صلی الله علیه وآله وسلم جالس ، فجعل النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم یعجب ویتبسّم ، فلمّا أکثر ردّ علیه بعض قوله ، فغضب النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وقام فلحقه أبو بکر فقال : یا رسول الله کان یشتمنی وأنت جالس فلمّا رددت علیه بعض قوله غضبت وقمت ، قال : إنّه کان معک ملک یردّ عنک ، فلما رددت علیه بعض قوله وقع الشیطان فلم أکن لأقعد مع الشیطان.

قال الأمینی : لم نعرف طریق بلاغ الحدیث أبا حنیفة حتی نقف علی مبلغه من 1.

ص: 46


1- مسند أحمد : 3 / 177 ح 9341.

الصحّة ، ولعلّ أبا یوسف القاضی بمفرده یکفیه وهناً نظراً إلی بعض ما قیل فیه کقول الفلاس : صدوق کثیر الخطأ.

وقول أبی حفص : صدوق کثیر الغلط.

وقول البخاری (1) : ترکوه.

وقول یحیی بن آدم : شهد أبو یوسف عند شریک فردّه وقال : لا أقبل من یزعم أنّ الصلاة لیست من الإیمان.

وقول ابن عدیّ (2) : یروی عن الضعفاء.

وقول ابن المبارک بسند صحیح : إنّه وهّاه ، وقوله لرجل : إن کنت صلّیت خلف أبی یوسف صلوات تحفظها فأعدها. وقوله : لأن أخرّ من السماء إلی الأرض فتخطفنی الطیر أو تهوی بی الریح فی مکان سحیق أحبّ إلیّ من أن أروی عن ذلک. وقال رجل لابن المبارک : أیّهما أصدق أبو یوسف أو محمد؟ قال:لا تقل أیّهما أصدق. قل : أیّهما أکذب!

وقول عبد الله بن إدریس : کان أبو یوسف فاسقاً من الفاسقین.

وقول وکیع لرجل قال : أبو یوسف یقول کذا وکذا : أما تتّقی الله ، بأبی یوسف تحتجّ عند الله عزّ وجلّ؟

وقول أبی نعیم الفضل بن دکین : سمعت أبا حنیفة یقول لأبی یوسف : ویْحَکُم کم تکذبون علیّ فی هذه الکتب ما لم أقل!

وقول یحیی بن معین : لا یکتب حدیثه. وقوله : کان ثقة إلاّ أنّه کان ربّما غلط. 5.

ص: 47


1- التاریخ الکبیر : 8 / 397 رقم 3463.
2- الکامل فی ضعفاء الرجال : 7 / 144 رقم 2055.

وقول یزید بن هارون : لا تحلّ الروایة عنه کان یُعطی أموال الیتامی مضاربة ویجعل الربح لنفسه.

وقول ابن أبی کثیر مولی بنی الحارث [بن کعب] أو النظام لمّا دفن أبو یوسف :

سقی جدثاً به یعقوبُ أمسی

من الوسمیِّ منبجسٌ رکامُ

تلطّف فی القیاسِ لنا فأضحتْ

حلالاً بعد حرمتِها المدامُ

ولولا أنّ مدّتَهُ تقضّت

وعاجله بمیتتِهِ الحِمامُ

لأعمل فی القیاسِ الفکرَ حتی

تحلَّ لنا الخریدةُ والغلامُ (1)

وأمّا طریق أحمد ففیه سعید بن أبی سعید المدنی وقد اختلط قبل موته بأربع سنین کما فی تهذیب التهذیب (2) (4 / 39 ، 40) ، ومتن الروایة یشهد علی صدورها منه فی أیّام اختلاطه.

وممّا لا ریب فیه إساءة الأدب من کلا المتسابَّین بحضرة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ورفع أصواتهما بطبع من حال التشاتم ، فإنّه لا یؤتی به همساً والله یقول : (یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَکُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِیِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ) الآیة وقد نزلت فی أبی بکر وعمر لمّا تماریا عند رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم کما مرّ حدیثه فی الجزء السابع (ص 223).

وما ذا علی أبی بکر لو بقی متحلّماً مراعیاً لأدب حضرة النبیّ إلی آخر مجلسه؟ کما فعله أوّلاً لذلک - أو أنّ ما فعله أوّلاً کان منه رمیة من غیر رامٍ؟ - فلا ینقلب إلی الإساءة وإزعاج رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم حتی قام عنه. 4.

ص: 48


1- تاریخ الخطیب البغدادی : 14 / 257 [رقم 7558] ، میزان الاعتدال [4 / 447 رقم 9794] ، لسان المیزان : 6 / 300 [6 / 368 رقم 9319]. (المؤلف)
2- تهذیب التهذیب : 4 / 34.

وماذا علیه لو قام معه فیقطع مادّة البغضاء؟ وما ذا علیه لو سکت عن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ولم یُسیء الأدب بالاعتراض والنقد علی قیامه؟

وما ذا علیه لو أبقی الملَک وهو یحسبه مظلوماً فیسبّ الرجل ردّا علیه؟ لکنّه رآه مکافئ الظالم فترکه.

وعجبی ممّا فی لفظ أحمد من قول النبیّ لأبی بکر : فلمّا رددتَ علیه بعض قوله وقع الشیطان. إلی آخره. کیف کان ذلک المحفل خلواً من الشیطان إلی أن ردّ علیه أبو بکر والرجل کان یشتم أبا بکر ویُکثر ، ولمّا ردّ علیه وقع الشیطان؟ فکأنّ ردّ أبی بکر کان من همزات الشیطان دون سبّ الرجل إیّاه ، وکأنّ النبیّ الأعظم لم تکن له مندوحة عن سماع شتم الرجل أبا بکر ، أو لم تکن فیه مغضبة دون ردّ أبی بکر إیّاه؟ إنّ هذا لشیء عجاب!

ثمّ هل فی عالم الملکوت من یقابل البذاءة بمثلها؟ أو أنّ هناک عالم القداسة لا یطرقه الفحش والسباب المقذع لقبحهما الذاتی؟ وهل لله سبحانه ملائکة قیّضهم لذلک العمل القبیح؟ وهل هذا التقییض مخصوص بأبی بکر فحسب؟ أو أنّه یکون لکلّ متسابّین من المؤمنین إذا سکت أحدهما؟ وهل قُیّضت الملائکة للردّ علی من هجا رسول الله من المشرکین؟ أنا لم أقف علی أثر فی هذه کلّها ، ولیست المسألة عقلیّة فتعضدها البرهنة ، مع قطع النظر عن استهجان العقل السلیم لذلک ، والمتیقّن أنّ جزاء الشاتم إن کان ظالماً مُرجَأ إلی یوم الجزاء ، وأمّا ردّه بقول لا یسمعه الظالم فیتأدّب ویرتدع ، ولا المظلوم فیشفی غلیله ، ولا أیّ أحد فیکون فضیحة لمرتکب القبیح فعساه یترک شنعته ، فمن التافهات (1) ، نعم ؛ أخرج الخطیب فی تاریخه (5 / 280) ه.

ص: 49


1- من التافهات : متعلق بخبر لمبتدأ محذوف إذ التقدیر : فهو من التافهات ، والجملة الاسمیة خبر للمبتدإ فی قوله وأما ردّه.

من طریق سهل بن صقین عن أبی هریرة مرفوعاً : إنّ لله تعالی فی السماء سبعین ألف ملَک یلعنون من شتم أبا بکر وعمر.

غیر أنّ الخطیب نفسه أردفه بقوله : سهل یضع. راجع ما أسلفناه فی الجزء الخامس صفحة (328).

- 30 -

خطبة النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فی فضل الخلیفة

أخرج البخاری (1) فی المناقب باب قول النبیّ : سدّوا الأبواب إلاّ باب أبی بکر (5 / 242) وباب الهجرة (6 / 44) من طریق أبی سعید الخدری قال : خطب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم الناس وقال : إنّ الله خیّر عبداً بین الدنیا وبین ما عنده فاختار ذلک العبد ما عند الله قال : فبکی أبو بکر فعجبنا لبکائه أن یخبر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم عن عبد خیّر فکان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم هو المخیّر ، وکان أبو بکر أعلمنا ، فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : إنّ أمنّ الناس علیّ فی صحبته وماله أبو بکر ، ولو کنت متّخذاً خلیلاً غیر ربّی لاتّخذت أبا بکر ، ولکن أخوّة الإسلام ومودّته ، لا یبقین فی المسجد باب إلاّ سُدّ إلاّ باب أبی بکر.

وزاد فی لفظ ابن عساکر (2) : فعلمنا أنّه مستخلفه. وفی لفظ الرازی فی تفسیره (3) (2 / 347) : ما من الناس أحد أمنّ علینا فی صحبته ولا ذات یده من ابن أبی قحافة.

قال الأمینی : راجع الجزء الثالث من کتابنا هذا صفحة (202 - 215) تزدد 6.

ص: 50


1- صحیح البخاری : 3 / 1337 ح 3454 ، ص 1417 ح 3691.
2- تاریخ مدینة دمشق : 30 / 246 رقم 3398.
3- التفسیر الکبیر : 7 / 46.

وثوقاً بما تضمّنته هذه الروایة من أُکذوبة حدیث الأبواب وسدّها ، وما لابن تیمیّة هنالک من مکاء وتصدیة.

وأمّا بقیّة الحدیث فممّا فیه قول أبی سعید : وکان أبو بکر أعلمنا. لم یخصّ هذا العلم بأبی بکر وإنّما تحمّله کلّ من سمعه صلی الله علیه وآله وسلم ووعی أقواله فی حجّة الوداع الذی کان یقول فیها : «یوشک أن أُدعی فأجیب».

إلی ما یقارب ذلک ممّا هو مذکور فی الجزء الأوّل. وهب أنّ العلم بذلک کان مقصوراً علی الخلیفة لکنّه أیّ علم هذا یباهی به؟ أهو حلّ عویصة من الفقه؟ أو بیان مشکلة من الفلسفة؟ أو شرح غوامض من علوم الدین؟ أو کشف مخبّأ من أسرار الکون؟ لم یکن فی هذا العلم شیء من ذلک کلّه وإنّما هو علی فرض الصحّة تنبّه منه إلی أنّه صلی الله علیه وآله وسلم یرید نفسه ، ولعلّه سمعه قبل ذلک فتذکّره عندئذٍ ، وقد أسلفناه فی الجزء السابع عند البحث عن أعلمیّة الرجل بما لا مزید علیه. فراجع.

أمّا قوله : إنّ أمنّ الناس علیّ فی صحبته وماله أبو بکر. فأیّ منٍّ لأیّ أحد فی صحبته صلی الله علیه وآله وسلم وإنفاق ماله فی دعوته؟ (مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَیْها) (1) ، (إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِکُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها) (2) ، وکانت لرسول الله المنّة علی البشر عامّة بالدعوة والهدایة والتهذیب ، وإن صاحَبه أحد وناصَره فلنفسه نظر ولها نصح ، (یَمُنُّونَ عَلَیْکَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَیَّ إِسْلامَکُمْ بَلِ اللهُ یَمُنُّ عَلَیْکُمْ أَنْ هَداکُمْ لِلْإِیمانِ إِنْ کُنْتُمْ صادِقِینَ) (3) (لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَی الْمُؤْمِنِینَ إِذْ بَعَثَ فِیهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ یَتْلُوا عَلَیْهِمْ آیاتِهِ وَیُزَکِّیهِمْ وَیُعَلِّمُهُمُ الْکِتابَ وَالْحِکْمَةَ وَإِنْ کانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِی ضَلالٍ مُبِینٍ) (4). 4.

ص: 51


1- فصّلت : 46.
2- الإسراء : 7.
3- الحجرات : 17.
4- آل عمران : 164.

علی أنّ منّة المال لأبی بکر سالبة بانتفاء الموضوع وسنوقفک علی جلیّة الحال ، وقصّة الخلّة فی ذیل الروایة أوقفناک علیها فی الجزء الثالث وأنّها موضوعة ، ویعارضها موضوع آخر أخرجه الحافظ السکری من طریق أبیّ بن کعب أنّه قال : إنّ أحدث الناس عهدی (1) بنبیّکم صلی الله علیه وآله وسلم قبل وفاته بخمس لیال ، دخلت علیه وهو یقلّب یدیه وهو یقول : إنّه لم یکن نبیّ إلاّ وقد اتّخذ من أُمّته خلیلاً وإنّ خلیلی من أُمّتی أبو بکر بن أبی قحافة ، ألا وإنّ الله قد اتّخذنی خلیلاً کما اتّخذ إبراهیم خلیلاً (2).

وموضوع آخر أخرجه الطبرانی (3) من طریق أبی أمامة : إنّ الله اتّخذنی خلیلاً کما اتّخذ إبراهیم خلیلاً وإنّ خلیلی أبو بکر. کنز العمّال (4) (6 / 138).

وموضوع آخر أخرجه أبو نعیم من طریق أبی هریرة : لکلّ نبی خلیل فی أُمّته وإنّ خلیلی أبو بکر. کنز العمّال (5) (6 / 140).

هکذا تعارض سلسلة الموضوعات بعضها بعضاً لجهل کلّ من واضعیها بما أتی به الآخر. ولکلّ مُنّته (6) وسعة باعه فی نسج الأکاذیب : (وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا یَعْمَلُونَ) (7).

وقبل هذه کلّها ما فی رجال سند الروایة من الآفة لمکان إسماعیل بن عبد الله أبی عبد الله بن أبی أویس ابن أُخت مالک ونسیبه والراوی عنه. 4.

ص: 52


1- کذا فی الریاض النضرة ، وفی إرشاد الساری : إنّ أحدث عهدی بنبیّکم قبل موته بخمس.
2- الریاض النضرة للمحبّ الطبری : 1 / 83 [1 / 110] ، إرشاد الساری للقسطلانی : 6 / 83 [8 / 169]. (المؤلف)
3- المعجم الکبیر : 8 / 201 ح 7816.
4- کنز العمّال : 11 / 548 ح 32572.
5- کنز العمّال : 11 / 553 ح 32598.
6- المُنّة : القوّة.
7- البقرة : 144.

قال ابن أبی خیثمة : صدوق ضعیف العقل لیس بذلک ، یعنی أنّه لا یحسن الحدیث ولا یعرف أن یؤدّیه أو یقرأ من غیر کتابه.

وقال معاویة بن صالح : هو وأبوه ضعیفان.

وقال ابن معین (1) : هو وأبوه یسرقان الحدیث. وقال إبراهیم بن الجنید عن یحیی بن معین : مخلّط یکذب لیس بشیء.

وقال النسائی (2) : ضعیف. وقال فی موضع آخر : غیر ثقة. وقال اللالکائی : بالغ النسائی فی الکلام علیه إلی أن یؤدّی إلی ترکه ، ولعلّه بانَ له ما لم یبِن لغیره لأنّ کلام هؤلاء کلّهم یؤول إلی أنّه ضعیف.

وقال ابن عدی (3) : روی عن خاله أحادیث غرائب لا یتابعه علیها أحد.

قال الأمینی : هذه الروایة التی رواها عن خاله من تلک الغرائب.

وذکره الدولابی فی الضعفاء وقال : سمعت النصر بن سلمة المروزی یقول : ابن أبی أویس کذّاب کان یحدّث عن مالک بمسائل ابن وهب.

وقال العقیلی فی الضعفاء (4) عن یحیی بن معین أنّه قال : ابن أبی أویس لا یسوی فلسین (5) وقال الدارقطنی : لا أختاره فی الصحیح.

وذکره الإسماعیلی فی المدخل فقال : کان ینسب فی الخفّة والطیش إلی ما أکره ذکره. ن.

ص: 53


1- معرفة الرجال : 1 / 65 رقم 121.
2- کتاب الضعفاء والمتروکین : ص 51 رقم 44.
3- الکامل فی ضعفاء الرجال : 1 / 323 رقم 151.
4- الضعفاء الکبیر : 1 / 87 رقم 100.
5- فی الضعفاء الکبیر : یسوی فلساً ، وفی تهذیب التهذیب : یسوی فلسین.

وقال بعضهم : جانبناه للسنّة.

وقال ابن حزم فی المحلّی : قال أبو الفتح الأزدی : حدّثنی سیف بن محمد ، أنّ ابن أبی أویس کان یضع الحدیث.

وأخرج النسائی من طریق سلمة بن شبیب أنّه قال : سمعت إسماعیل بن أبی أویس یقول : ربّما کنت أضع الحدیث لأهل المدینة إذا اختلفوا فی شیء فیما بینهم (1).

ألیس من الجزاف وقول الزور ، قول النووی فی مقدّمة شرح صحیح مسلم (2) : اتّفق العلماء رحمهم الله علی أنّ أصحّ الکتب بعد القرآن العزیز الصحیحان : البخاری ومسلم؟ أکتاب هذا حدیثه وهذه ترجمة رجال إسناده وهو أخف ما فیه من الطامّات یصلح أن یکون أصحّ الکتب بعد القرآن؟ کبرت کلمة تخرج من أفواههم ، ولو کان هذا شأن الأصحّ المتّفق علیه فما قیمة غیره فی سوق الاعتبار؟!

- 31 -

ثناء أمیر المؤمنین علیه السلام علی الخلیفة

أخرج ابن الجوزی فی صفة الصفوة (3) (1 / 97) من طریق الحسن قال : قال علیّ علیه السلام : لمّا قبض رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم نظرنا فی أمرنا فوجدنا النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم قد قدّم أبا بکر فی الصلاة ، فرضینا لدنیانا من رضی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لدیننا فقدّمنا أبا بکر.

وأخرجه مرسلاً أیضاً المحبّ الطبری فی الریاض النضرة (4) (1 / 150) فقال : 8.

ص: 54


1- تهذیب التهذیب : 1 / 312 [1 / 272].
2- شرح صحیح مسلم : 1 / 14.
3- صفة الصفوة : 1 / 257 رقم 2.
4- الریاض النضرة : 1 / 188.

وعنه (1) قال : قال علیّ : قدّم رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أبا بکر یصلّی بالناس وقد رأی مکانی وما کنت غائباً ولا مریضاً ، ولو أراد أن یقدّمنی لقدّمنی ، فرضینا لدنیانا من رضیه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لدیننا.

وعن قیس بن عبادة ، قال : قال لی علیّ بن أبی طالب : إنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم مرض لیالی وأیّاماً ینادی بالصلاة فیقول : مروا أبا بکر فلیصلّ بالناس ، فلمّا قبض رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم نظرت فإذا الصلاة علم الإسلام ، وقوام الدین ، فرضینا لدنیانا من رضیه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لدیننا فبایعنا.

قال الأمینی : ما أجرأ الحفّاظ علی روایة هذه الأکاذیب الفاحشة ، وإغراء بسطاء الأُمّة المسکینة بالجهل ، والتمویه علی الحقائق بأمثال هذه الأفائک! وهم مهرة الفنّ ، ولا یعزب عن أیّ أحد منهم عرفان ما فی تلکم المختلقات من الغمز والاعتلال.

نعم ؛ وکم وکم یجد الباحث فی طیّات أجزاء کتابنا هذا ممّا یکذّب هذه الأفیکة من التاریخ المتسالم علیه ، والحدیث الصحیح ، والنصوص الصریحة من کلمات مولانا أمیر المؤمنین ؛ وشتّان بینه وبین کلمات الحفّاظ والمؤرّخین حول تخلّف علیّ علیه السلام عن بیعة أبی بکر ؛ مثل قول القرطبی فی المفهم شرح صحیح مسلم فی شرح حدیث منه ، قوله : کان لعلیّ من الناس جهة حیاة فاطمة. قال : جهة أی جاه واحترام ، کان الناس یحترمون علیّا فی حیاتها کرامةً لها کأنّها بضعة من رسول الله وهو مباشر لها ، فلمّا ماتت وهو لم یبایع أبا بکر. انصرف الناس عن ذلک الاحترام لیدخل فیما دخل فیه الناس ولا یفرّق جماعتهم.

نعم ؛ أکثر الوضّاعون فی الکذب علی سیّد العترة أمیر المؤمنین وبان ذلک فی الملأ حتی قال عامر بن شراحیل (2) : أکثر من کُذِب علیه من الأُمّة الإسلامیّة هو ه.

ص: 55


1- أی : عن الحسن.
2- هو المعروف بالشعبی ، ونصُّ قوله : ما کُذب علی أحد فی هذه الأُمة ما کذب علی علیّ رضی الله عنه.

أمیر المؤمنین علیه السلام (1). وإلیک نماذج ممّا یُعزی إلیه وهو سلام الله علیه بریء منه ، أضفها إلی أحادیث الغلوّ فی فضائل أبی بکر.

- 32 -

عن علیّ : أوّل من یدخل من الأُمّة الجنّة أبو بکر وعمر ، وإنّی لموقوف مع معاویة للحساب.

- 33 -

عن علیّ مرفوعاً : یا علیّ لا تکتب جوازاً لمن سبّ أبا بکر وعمر فإنّهماسیّدا کهول أهل الجنّة بعد النبیّین. ویأتی بلفظ آخر.

- 34 -

عن علیّ مرفوعاً : الخلیفة بعدی أبو بکر وعمر ثمّ یقع الاختلاف.

- 35 -

عن علیّ مرفوعاً : یا علیّ سألت الله ثلاثاً أن یقدّمک فأبی عَلَیَّ إلاّ أن یقدّم أبا بکر.

- 36 -

عن علیّ : لم یمت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم حتی أسرّ إلیّ أنّ أبا بکر سیتولّی بعده ثمّ عمر ثمّ عثمان ثمّ أنا.

- 37 -

عن علیّ : إنّ الله فتح هذه الخلافة علی یدی أبی بکر وثنّاه عمر وثلّثه عثمان وختمها بی بخاتمة نبوّة محمد صلی الله علیه وآله وسلم. ف)

ص: 56


1- تذکرة الحفّاظ للذهبی : 1 / 77 [1 / 82 رقم 76]. (المؤلف)

- 38 -

عن علیّ : ما خرج رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم من الدنیا حتی عهد إلیّ أنّ أبا بکر یلی الأمر بعده ثمّ عمر ثمّ عثمان ثمّ إلیّ فلا یُجتمع علیَّ.

- 39 -

عن علیّ مرفوعاً : أتانی جبرئیل فقلت : من یهاجر معی؟ قال : أبو بکر ، ویلی أمر أُمّتک من بعدک وهو أفضل أُمّتک من بعدک.

- 40 -

عن علیّ مرفوعاً : أعزّ أصحابی إلیّ ، وخیرهم عندی ، وأکرمهم علی الله ، وأفضلهم فی الدنیا والآخرة : أبو بکر الصدّیق. الحدیث بطوله.

- 41 -

عن علیّ : إنّا نری أبا بکر أحقّ الناس بها بعد رسول الله ، إنّه لصاحب الغار ، وثانی اثنین ، وإنّا لنعلم بشرفه وکبره. الحدیث.

- 42 -

عن علیّ مرفوعاً : یا علیّ إنّ الله أمرنی أن اتّخذ أبا بکر وزیراً ، وعمر مشیراً ، وعثمان سنداً ، وإیّاک ظهیراً ، أنتم أربعة فقد أخذ الله میثاقکم فی أمّ الکتاب ، لا یحبّکم إلاّ مؤمن ولا یبغضکم إلاّ فاجر ، أنتم خلائف نبوّتی ، وعقدة ذمّتی ، وحجّتی علی أمّتی لا تقاطعوا ، ولا تدابروا ، ولا تعافوا.

- 43 -

قیل لعلیّ : یا أمیر المؤمنین من خیر الناس بعد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم؟ قال : أبو بکر. قیل : ثمّ من؟ قال عمر. قیل : ثمّ من؟ قال : ثمّ عثمان. قیل : ثمّ من؟ قال : أنا.

ص: 57

- 44 -

خطب علیّ خطبة وقال فی آخرها : واعلموا أنّ خیر الناس بعد نبیّهم صلی الله علیه وآله وسلم أبو بکر الصدّیق ، ثمّ عمر الفاروق ، ثمّ عثمان ذو النورین ، ثمّ أنا. وقد رمیت بها فی رقابکم وراء ظهورکم فلا حجّة لکم علیّ.

- 45 -

سئل علیّ عن أصحاب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قالوا : أخبرنا عن أبی بکر بن أبی قحافة قال : ذاک امرؤ سمّاه الله الصدّیق علی لسان جبریل علیه السلام وعلی لسان محمد صلی الله علیه وآله وسلم ، کان خلیفة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم رضیه لدیننا فرضیناه لدنیانا.

- 46 -

عن علیّ : إنّه کان یحلف بالله إنّ الله تعالی أنزل اسم أبی بکر من السماء : الصدّیق.

- 47 -

عن علیّ : أوّل من أسلم من الرجال أبو بکر ، وأوّل من صلّی إلی القبلة علیّ ابن أبی طالب.

- 48 -

عن عبد الرحمن (1) بن أبی الزناد عن أبیه قال : أقبل رجل فتخلّص الناس حتی وقف علی علیّ بن أبی طالب فقال : یا أمیر المؤمنین ما بال المهاجرین والأنصار قدّموا ف)

ص: 58


1- قال ابن معین [فی معرفة الرجال : 1 / 73 رقم 183] : لیس ممّن یحتجّ به أصحاب الحدیث ، لیس بشیء. وعن ابن المدینی : کان عند أصحابنا ضعیفاً. وکان عبد الرحمن یخطّ علی حدیثه ، وضعّفه الساجی وابن شیبة ، وقال النسائی [فی کتاب الضعفاء والمتروکین : ص 160 رقم 387] : لا یحتجّ بحدیثه. تهذیب التهذیب : 6 / 171 [6 / 157]. (المؤلف)

أبا بکر وأنت أوری منقبة ، وأقدم إسلاماً ، وأسبق سابقة؟ قال : إن کنت قرشیّا فأحسبک من عائذة ، قال نعم. قال : لو لا أنّ المؤمن عائذ الله لقتلتک. ویحک إنّ أبا بکر سبقنی لأربع لم أوتهنّ ولم أعتض منهنّ : سبقنی إلی الإمامة. أو : تقدّم الإمامة. وتقدّم الهجرة ، وإلی الغار ، وإفشاء الإسلام. الحدیث بطوله وفی آخره : ثمّ قال : لا أجد أحداً یفضّلنی علی أبی بکر إلاّ جلدته جلد المفتری.

- 49 -

عن علیّ : جاء جبریل علیه السلام إلی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فقال له : من یهاجر معی؟ فقال : أبو بکر ، وهو الصدّیق. مرّ بلفظ آخر.

- 50 -

جاء أبو بکر وعلیّ یزوران النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم بعد وفاته بستة أیّام فقال علیّ لأبی بکر : تقدّم یا خلیفة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، فقال أبو بکر ؛ ما کنت لأتقدّم رجلاً سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول : علیّ منّی کمنزلتی من ربّی. فقال علیّ : سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول : ما منکم من أحد إلاّ وقد کذّبنی غیر أبی بکر ، وما منکم من أحد یصبح إلاّ علی بابه - علی باب قلبه - ظلمة إلاّ باب أبی بکر. فقال أبو بکر : سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقوله؟ قال : نعم. فأخذ أبو بکر بید علیّ ودخلا جمیعاً.

- 51 -

عن علیّ مرفوعاً : ما طلعت شمس ولا غربت علی أحد بعد النبیّین والمرسلین أفضل من أبی بکر.

- 52 -

عن علیّ : دخلنا علی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فقلنا : یا رسول الله ألا تستخلف؟

ص: 59

فقال : إن یعلم الله فیکم خیراً استعمل علیکم خیرکم. فعلم الله فینا خیراً فاستعمل علینا أبا بکر.

- 53 -

عن علیّ قال : أفضلنا أبو بکر.

- 54 -

عن علیّ مرفوعاً : ینادی منادٍ یوم القیامة : أین السابقون الأوّلون؟ فیقال : من؟ فیقول : أین أبو بکر الصدّیق؟ فیتجلّی الله لأبی بکر خاصّة وللناس عامّة.

- 55 -

عن علیّ مرفوعاً : الخیر ثلاثمائة وسبعون خصلة ، إذا أراد الله بعبد خیراً جعل فیه واحدةً منهنّ فدخل بها الجنّة ، قال : فقال أبو بکر : یا رسول الله هل فیّ شیء منها؟ قال : نعم جمع من کلّ.

- 56 -

عن علیّ مرفوعاً : یا أبا بکر إنّ الله أعطانی ثواب من آمن به منذ خلق آدم إلی أن بعثنی ، وإنّ الله أعطاک ثواب من آمن بی منذ بعثنی إلی أن تقوم الساعة.

- 57 -

التقی أبو بکر الصدّیق وعلیّ بن أبی طالب ، فتبسّم أبو بکر فی وجه علیّ فقال له علیّ : مالک تبسّمت؟ فقال : سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول : لا یجوز أحد الصراط إلاّ من کتب له علیّ بن أبی طالب الجواز. فضحک علیّ وقال : ألا أُبشّرک یا أبا بکر. قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : لا تکتب الجواز إلاّ لمن أحبّ أبا بکر.

ص: 60

- 58 -

عن علیّ مرفوعاً : نازلت ربّی فیک ثلاثاً فأبی إلاّ أبا بکر.

- 59 -

عن علیّ : إنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لم یعهد إلینا عهداً نأخذ به فی الإمارة ، ولکنّه شیء رأیناه من قبل أنفسنا ، فإن یکن صواباً فمن الله ، وإن یکن خطأ فمن قبل أنفسنا. ثمّ استخلف أبو بکر فأقام واستقام ، ثمّ استخلف عمر فأقام واستقام ، حتی ضرب الدین بجرانه.

- 60 -

قال أبو بکر لعلیّ بن أبی طالب : قد علمت أنّی کنت فی هذا الأمر قبلک؟ قال : صدقت یا خلیفة رسول الله ، فمدّ یده فبایعه.

- 61 -

قال أبو بکر بعد ما بویع له وبایع له علیّ وأصحابه فأقام ثلاثاً یقول : أیّها الناس قد أقلتکم بیعتکم ، هل من کاره؟ قال : فیقوم علیّ فی أوائل الناس یقول : لا والله لا نقیلک ولا نستقیلک قدّمک رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، فمن ذا الذی یؤخّرک؟

وفی لفظ : ولولا أنّا رأیناک أهلاً ما بایعناک.

وفی لفظ سوید بن غفلة : لمّا بایع الناس أبا بکر قام خطیباً فحمد الله وأثنی علیه ثمّ قال : أیّها الناس اذکر بالله أیّما رجل ندم علی بیعتی لمّا قام علی رجلیه ، قال : فقام إلیه علیّ بن أبی طالب ومعه السیف ، فدنا منه حتی وضع رجلاً علی عتبة المنبر والأخری علی الحصی ، وقال والله لا نقیلک. الحدیث.

- 62 -

عن علیّ مرفوعاً : خیر أُمّتی بعدی أبو بکر وعمر.

ص: 61

- 63 -

عن علیّ : إنّه دخل علی أبی بکر وهو مسجّی فقال : ما أحد لقی الله بصحیفة أحبّ إلیّ من هذا المسجّی.

- 64 -

عن علیّ : ما مات رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم حتی عرفنا أنّ أفضلنا بعد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أبو بکر ، وما مات رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم حتی عرفنا أنّ أفضلنا بعد أبی بکر عمر رضی الله تعالی عنهما.

- 65 -

عن علیّ : مرفوعاً : یا علیّ هذان سیّدا کهول أهل الجنّة من الأوّلین والآخرین إلاّ النبیّین والمرسلین ، لا تخبرهما یا علیّ. قال : فما أخبرتهما حتی ماتا.

- 66 -

عن علیّ مرفوعاً : أوّل من یحاسب یوم القیمة أبو بکر. یأتی بطوله.

هذه غیاهب الإفک والإحن ، وأغشیة التمویه والدجل ، ظلمات بعضها فوق بعض ، أو قل : هی أساطیر الأوّلین التی اکتتبوها ، أحادیث الغلوّ وقصص الخرافة لفّقتها ید الأمانة الخائنة علی السنّة النبویّة تقوّلاً علی مولانا أمیر المؤمنین ، لقد فصّلنا القول فیها طیّات أجزاء (1) کتابنا هذا ، (وَإِنَّهُمْ لَیَقُولُونَ مُنْکَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً) (2). 2.

ص: 62


1- تجد بسط المقال حول جلّها فی الجزء الخامس : ص 297 - 375. (المؤلف)
2- المجادلة : 2.

- 67 -

لیلة الغار والخلیفة فیها

أخرج أبو نعیم الأصبهانی فی حلیة الأولیاء (1 / 33) عن عبد الله بن محمد بن جعفر ، عن محمد بن العبّاس بن أیّوب ، عن أحمد بن محمد بن حبیب المؤدّب ، عن أبی معاویة ، عن هلال بن عبد الرحمن ، عن عطاء بن أبی میمونة أبی معاذ ، عن أنس ابن مالک قال : لمّا کان لیلة الغار قال أبو بکر : یا رسول الله دعنی فلأدخل قبلک ، فإن کانت حیّة أو شیء کانت لی قبلک. قال : ادخل ، فدخل أبو بکر فجعل یلتمس بیدیه ، فکلّما رأی جحراً جاء بثوبه فشقّه ثمّ ألقمه الجحر حتی فعل ذلک بثوبه أجمع ، قال : فبقی جحر فوضع عقبه علیه ، ثمّ أدخل رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، قال : فلمّا أصبح قال له النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم : فأین ثوبک یا أبا بکر؟ فأخبره بالذی صنع ، فرفع النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم یده فقال : اللهمّ اجعل أبا بکر معی فی درجتی یوم القیامة. فأوحی الله تعالی إلیه : إنّ الله قد استجاب لک.

وقال ابن هشام فی السیرة (1) (2 / 98) : حدّثنی بعض أهل العلم أنّ الحسن البصری قال : انتهی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وأبو بکر إلی الغار لیلاً ، فدخل أبو بکر رضی الله عنه قبل رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، فلمس الغار لینظر أفیه سبع أو حیّة ، یقی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بنفسه.

وذکره ابن کثیر فی تاریخه (2) (3 / 179) فقال : فیه انقطاع من طرفیه.

وفی مرسل المحبّ الطبری فی الریاض (3) (1 / 65) : دخل أبو بکر الغار فلم یرَ فیه جحراً إلاّ أدخل إصبعه فیه حتی أتی علی جحر کبیر فأدخل رجله فیه إلی فخذه 9.

ص: 63


1- السیرة النبویّة : 2 / 130.
2- البدایة والنهایة : 3 / 220.
3- الریاض النضرة : 1 / 89.

ثمّ قال : أُدخل یا رسول الله فقد مهّدت لک الموضع تمهیداً.

وبات أبو بکر بلیلة منکرة من الأفعی ، فلمّا أصبح قال له رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : ما هذا یا أبا بکر؟ وقد تورّم جسده فقال : یا رسول الله الأفعی ، فقال له رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : فهلاّ أعلمتنی؟ فقال أبو بکر : کرهت أن أفسد علیک ، فأمرّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یده علی أبی بکر فاضمحلّ ما کان بجسده من الألم وکأنّه أُنشط من عقال.

وقال فی مرسل آخر عن عمر (1) فی (ص 68) : کان فی الغار خروق فیها حیّات وأفاعٍ ، فخشی أبو بکر أن یخرج منها شیء یؤذی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فألقمه قدمه ، فجعلن یضربنه ویلسعنه الحیّات والأفاعی ، وجعلت دموعه تتحادر ورسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول له : یا أبا بکر لا تحزن إنّ الله معنا ، فأنزل الله سکینته وهی الطمأنینة لأبی بکر.

والذی صحّحه الحاکم فی المستدرک (2) من طریق عمر من الحدیث قوله : فلمّا انتهیا إلی الغار قال أبو بکر : مکانک یا رسول الله حتی أستبرئ الحجرة ، فدخل واستبرأ ثمّ قال : انزل یا رسول الله ، فنزل ، فقال عمر : والذی نفسی بیده لتلک اللیلة خیر من آل عمر. فقال الحاکم : صحیح لو لا إرسال فیه.

وفی حدیث زیّفه ابن کثیر بالإرسال أیضاً : قال أبو بکر : کما أنت حتی أدخل یدی فأحسّه وأقصّه ، فإن کانت فیه دابّة أصابتنی قبلک. قال نافع : فبلغنی أنّه کان فی الغار جحر فألقم أبو بکر رجله ذلک الجحر تخوّفاً أن یخرج منه دابّة أو شیء یؤذی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم.

وفی لفظ : لمّا دخل الغار سدّد تلک الأجحرة کلّها وبقی منها جحر واحد ، 8.

ص: 64


1- الریاض النضرة : 1 / 93.
2- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 7 ح 4268.

فألقمه کعبه فجعلت الأفاعی تنهشه ودموعه تسیل ، تاریخ ابن کثیر (1) (3 / 180) فقال : فی هذا السیاق غرابة ونکارة.

وزاد علیه الحلبی فی السیرة : قد کان صلی الله علیه وآله وسلم وضع رأسه فی حجر أبی بکر رضی الله تعالی عنه ونام فسقطت دموع أبی بکر رضی الله تعالی عنه علی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قال : مالک یا أبا بکر؟ قال : لُدِغت فداک أبی وأُمّی ، فتفل رسول الله علی محلّ اللدغة فذهب ما یجده.

وقال : زاد فی روایة : وأنّه رأی علی أبی بکر أثر الورم فسأل عنه فقال : من لدغة الحیة ، فقال : هلاّ أخبرتنی؟ قال : کرهت أن أوقظک ، فمسحه النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فذهب ما به من الورم والألم.

وقال : قال بعضهم : والسرّ فی اتخاذ رافضة العجم اللباد المقصّص علی رءوسهم تعظیماً للحیّة التی لدغت أبا بکر فی الغار ، لأنّهم یزعمون أنّ ذلک علی صورة تلک الحیّة.

السیرة الحلبیّة (2) (2 / 39 ، 40) ، السیرة النبویّة لزینی دحلان هامش الحلبیّة (3) (1 / 342).

قال الأمینی : للباحث حقّ النظر فی هذه الروایة من عدّة نواحٍ :

أوّلاً : من حیث رجال السند ولا إسناد لها منذ یوم وضعت ، ولا تروی فی کتب السلف والخلف إلاّ مرسلة إمّا من الطرفین کروایة ابن هشام ، وإمّا من طرف واحد کإسناد الحاکم وأبی نعیم ، ومن الغریب جدّا أنّ القضیّة مشترکة بین اثنین لیس إلاّ ، 3.

ص: 65


1- البدایة والنهایة : 3 / 220 - 221.
2- السیرة الحلبیة : 2 / 35.
3- السیرة النبویّة : 1 / 163.

وهما : رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وأبو بکر ، وروایتها بطبع الحال تنحصر بهما غیر أنّها لم تنقل عنهما ولم یوجد لهما ذکر فی أیّ سند ، والدواعی فی مثلها متوفّرة لأن یذکر مع الأبد ، وتتداولها الألسن ، إذ فیها من أعلام النبوّة ، وکرامة مع ذلک لأبی بکر.

وإسناد أبی نعیم المذکور لا یعوّل علیه لمکان عبد الله بن محمد بن جعفر ، قال ابن یونس : خلط فی الآخر ، ووضع أحادیث علی متون معروفة ، وزاد فی نسخ مشهورة فافتضح وحرقت الکتب فی وجهه.

وقال الحاکم عن الدارقطنی : کذّاب ألّف کتاب سنن الشافعی وفیها نحو مائتی حدیث لم یحدّث بها الشافعی.

وقال الدارقطنی : وضع فی نسخة عمرو بن الحارث أکثر من مائة حدیث.

وقال علیّ بن رزیق : کان إذا حدّث یقول لأبی جعفر بن البرقی فی حدیث بعد حدیث : کتبت هذا عن أحد؟ فکان یقول : نعم عن فلان وفلان. فاتّهمه الناس بأنّه یفتعل الأحادیث ، ویدّعیها ابن البرقی کعادته فی الکذب. قال : وکان یصحّف أسماء الشیوخ (1).

علی أنّ عبد الله بن محمد توفی سنة (315) کما فی لسان المیزان فلا تتمّ روایة أبی نعیم عنه وهو من موالید (336).

وفیه : محمد بن العباس بن أیّوب الحافظ الشهیر بابن الأخرم ، قال أبو نعیم نفسه : اختلط قبل موته بسنة ، کما فی لسان المیزان (2) (5 / 216) ، ولمّا لم یُعلم تاریخ صدور الروایة منه أهو قبل الاختلاط أم بعده؟ - إن لم تعدّ الروایة من بیّنات اختلاطه - سقطت عن الاعتبار کما هو الشأن فی روایة کلّ من اختلط. عن : 9.

ص: 66


1- لسان المیزان : 3 / 345 [3 / 425 رقم 4772]. (المؤلف)
2- لسان المیزان : 5 / 244 رقم 7539.

أحمد بن محمد بن حبیب المؤدّب ، أحسبه السرخسی ، أخرج الخطیب فی تاریخه (5 / 140) حدیثاً من طریقه فقال : رجاله کلهم ثقات معروفون بالثقة إلاّ المؤدّب. عن :

أبی معاویة محمد بن خازم ، مرجئ مدلّس رئیس المرجئة بالکوفة کما فی تهذیب التهذیب (1) (9 / 139). عن :

هلال بن عبد الرحمن ، قال العقیلی (2) : منکر الحدیث ، وقال بعد ما ذکر له أحادیث : کلّ هذه مناکیر لا أُصول لها ولا یتابع علیها. وقال الذهبی (3) : الضعف علی أحادیثه لائح فلیترک. لسان المیزان (4) (6 / 202). عن :

عطاء بن أبی میمونة ، ثقة صالح قدریّ لا یحتجّ بحدیثه. راجع تهذیب التهذیب (5) (7 / 215).

ولمّا لم یصحّ شیء من أسانید الروایة ومتونها لم یوعز إلیها السیوطی فی الخصائص الکبری فی باب ما وقع فی الهجرة النبویّة من الآیات والمعجزات ، وقد ذکر فیه أحادیث ضعیفة مع النصّ علی ضعفها ، فکأنّه عرف بأنّ ذکر هذه الروایة تمسّ کرامة المؤلّف وتحطّ مکانة تألیفه عن الأنظار ، وهکذا لم یذکرها أحد ممّن ألّف فی أعلام النبوّة ومعاجز النبیّ الأعظم.

ثانیاً : إنّ الأُصول القدیمة فی القرون الأولی لا یوجد فیها إلاّ أنّ أبا بکر دخل 2.

ص: 67


1- تهذیب التهذیب : 9 / 121.
2- الضعفاء الکبیر : 4 / 350 رقم 1956.
3- میزان الاعتدال : 4 / 315 رقم 9273.
4- لسان المیزان : 6 / 243 رقم 8955.
5- تهذیب التهذیب : 7 / 192.

الغار قبل النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم لینظر أفیه سبع أو حیّة کما فی سیرة ابن هشام (1) ، ولم یصحّ عند الحاکم من القصّة إلاّ هذا المقدار کما سمعت ، ولو صحّ شیء زائد علی هذا لما فاتته روایته ولو مرسلة.

وزیدت فی القرن الرابع قصّة الثوب وبقاء جحر واتّکاء أبی بکر علیه بعقبه ودعاء النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم له لاتّقائه عنه صلی الله علیه وآله وسلم بثوبه عن لدغ الحشرات المزعومة.

وجدّدت النغمات فی قرن المحبّ الطبری المتخصّص الفنّان فی روایة الموضوعات وجمع شتاتها ، فجاء فی روایته ما سمعت ، غیر أنّ ألفاظه مع وجازته مضطربة جدّا لا یلتئم شیء منها مع الآخر.

ثمّ جاء الحلبی فنوّم رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ورأسه فی حجر أبی بکر ، وسقی وجه رسوله الکریم بدموع أبی بکر المتساقطة من الألم ، کلّ هذه لم یبرّد کبد الحلبی وما شفی غلیله ، فوجّه قوارصه علی الرافضة وألبس رءوسهم لباداً مقصّصاً علی صورة تلک الحیّة الموهومة التی لم یُذعن رافضیّ قطّ بوجودها.

ثمّ لمّا أدخل أبو بکر رجله إلی فخذه فی الجحر ونزل النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ووجده قاعداً لا یتحرّک ، ورام أن ینام ، ووضع رأسه الشریف فی حجره ، هلاّ سأل صلی الله علیه وآله وسلم صاحبه عن حالته العجیبة وجلوسه المستغرب الذی لا یقوم عنه؟ وهل یمکن له أن یستر علی صاحبه کلّ ما فعل وهو معه ینظر إلیه من کَثب؟

وأیّ لدیغ هذا؟! وأیّ تصبّر وتجلّد؟! وأیّ منظر مهول؟! رجل الرجل فی الجحر إلی فخذه ولا ثوب علیه ، ورأس النبیّ العظیم فی حجره ، والأفاعی والحیّات تلدغه وتلسعه من هنا وهنا ، لا اللدیغ یتململ تململ السلیم ، حتی یحرّک رجله أو عقبه فتجد تلکم الحشرات مسرحاً فتبعد عنه ، ولا یئنّ ولا یحنّ ولا تُسمع له زفرة ، 0.

ص: 68


1- السیرة النبویة : 2 / 130.

وإنّ الدموع تتحادر حتی یستیقظ النبیّ الذی تنام عینه ولا ینام قلبه (1) فینجی صاحبه الذی اختاره لصحبته من لسعة الحیّات والأفاعی.

وهل من العدل والعقل والمنطق أن یحفظ الله نبیّه عن کلّ هاتیک النوازل؟ ویری له فی الدرء عنه آیة بعد آیة فی سویعات ؛ من ستره عن أعین مشرکی قریش لمّا مرّ بهم من بین أیدیهم ، وإنباته شجرةً فی وجهه تستره بها ، وإیقاعه حمامتین وحشیّتین بفم الغار ، ونسج العناکیب باب الغار بأمر منه تعالی شأنه (2) ، ویدع صاحبه الذی اتّخذه بأمره ، وتفانی فی حبّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ، وعرّض نفسه للمهالک دونه بدخوله الغار قبله ، فلم یدفع عنه لدغ الحیّات والأفاعی ، ولا یرحمه فی تلک الحالة التی تکسر القلوب ، وتشجی الأفئدة ، وینظر إلیه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، ویقول له : لا تحزن إنّ الله معنا. والمسکین یبکی وتسیل دموعه.

وهلاّ کان یعلم أبو بکر أنّ الله الذی أمر نبیّه بالهجرة وأدخله الغار یکلؤه عن لدغ الحیات والأفاعی بقدرته کما أعمی عنه عیون البشر الضاری ، وقصّر عن النیل منه مخالب تلک الفئة الجاهلة؟

وهلاّ کان یؤمن بأنّ صاحبه المفدّی لو اطّلع علی حاله لینجیه بمسحة مسیحیّة أو بدعوة مستجابة ، فکلّ ما حُکی عنه لما ذا؟

نعم ؛ أعمی الحبّ مختلق الروایة وأصمّه فجاء بالتافهات غلوّا فی الفضائل. ف)

ص: 69


1- أخرج الشیخان فی الصحیحین [صحیح البخاری : 1 / 385 ح 1096 ، صحیح مسلم : 2 / 174 ح 125 کتاب صلاة المسافرین] مرفوعاً : «إنّ عینیّ تنامان ولا ینام قلبی» ، وأخرجا أیضاً [صحیح البخاری : 3 / 1308 ح 3377 ، صحیح مسلم : 2 / 197 ح 186 بلفظ : أن النبیّ 6 تنام عیناه ولا ینام قلبه] مرفوعاً : «إن الأنبیاء تنام أعینهم ولا تنام قلوبهم». (المؤلف)
2- طبقات ابن سعد : 1 / 213 [1 / 229] ، الخصائص الکبری : 1 / 185 ، 186 [1 / 306]. المؤلف)

- 68 -

الشیطان لا یتمثّل بأبی بکرِ

أخرج الخطیب البغدادی فی تاریخه (8 / 334) عن محمد بن الحسین قطیط أبی الفتح الشیبانی الذی ترجمه فی تاریخه ولم یذکره بثقة. عن :

2 - خلف بن عامر الضریر ، قال الذهبی فی میزانه (1) : فیه جهالة ، قال ابن الجوزی (2) : روی حدیثاً منکراً - یعنی هذا الحدیث - (3). عن :

3 - محمد بن إسحاق بن مهران أبی بکر الشافعی قال الخطیب فی تاریخه (1 / 258) : حدیثه کثیر المناکیر. وحسبک فی عرفان حاله حدیثه الذی أخرجه الخطیب فی ترجمته مرفوعاً : إذا رأیتم معاویة یخطب علی منبری فاقبلوه فإنّه أمین مأمون. فراوٍ یکون هذا حدیثه لا یرتاب فی کذبه ووضعه. عن :

4 - أحمد بن عبید بن ناصح النحوی ذکره یاقوت فی المعجم (3 / 228) وقال : قالوا : کان ضعیفاً فیما یرویه. قال ابن عدی الحافظ (4) : یحدّث عن الأصمعی والقرقسانی بمناکیر ، وقال أبو أحمد الحافظ : لا یتابع علی جلّ حدیثه.

وحکی ابن حجر فی تهذیب التهذیب (5) (1 / 60) کلمة ابن عدیّ وأبی أحمد وزاد علیها : قال الحاکم أبو عبد الله : سکت مشایخنا عن الروایة عنه ، وقال ابن حبّان (6) 3.

ص: 70


1- میزان الاعتدال : 1 / 661 رقم 2541.
2- کتاب الضعفاء والمتروکین : 1 / 255 رقم 1118.
3- لسان المیزان : 2 / 403 [2 / 492 رقم 3177]. (المؤلف)
4- الکامل فی ضعفاء الرجال : 1 / 188 رقم 26.
5- تهذیب التهذیب : 1 / 52.
6- الثقات : 8 / 43.

ربّما خالف ، وقال الذهبی (1) : لیس بعمدة.

وقال السیوطی فی بغیة الوعاة (2) (5 / 144) : قال ابن عیسی (3) : یحدّث بمناکیر.

عن رجال ثقات عن حذیفة قال : سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول : من رآنی فی المنام فقد رآنی فإنّ الشیطان لا یتمثّل بی ، ومن رأی أبا بکر الصدّیق فی المنام فقد رآه فإنّ الشیطان لا یتمثّل به.

قال الأمینی : لم یدع القوم خاصّة للأنبیاء أماثل البشر إلاّ وقد أشرکوا بهم فیها أُناساً لیسوا أمثالهم فی العصمة والقداسة والنفسیّات الکریمة والملکات الفاضلة ، أخرج الشیخان (4) حدیث «من رآنی فی المنام فقد رآنی فإنّ الشیطان لا یتمثّل بی» ورواه الحفّاظ من طرق صحیحة لا مغمز لها ، ونصّ السیوطی کما فی شرح المناوی (5) علی تواتره ، ورآه أئمّة الفنّ من خاصّة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ومن فضائله التی تخصّ به ، وفصّلوا القول فی بیان أسراره ، وعدّه السیوطی من خصائصه صلی الله علیه وآله وسلم فی الخصائص الکبری (6) (2 / 258) تحت عنوان - باب ومن خصائصه أنّ رؤیته فی المنام حقّ - ولم أجد أحداً من شرّاح الحدیث سلفاً وخلفاً یوعز إلی هذه الموضوعة التی جاء بها الخطیب فی القرن الخامس ، فکأنّ الکلّ ضربوا عنها صفحاً وعرفوا أنّها مکذوبة مختلقة ، غیر أنّ الخطیب راقه أن یرویها ویسکت عمّا فی إسنادها من العلل شأنه فی فضائل غیر العترة الطاهرة ، وأعجب منه أنّ ابن حجر ذکرها فی لسان 2.

ص: 71


1- میزان الاعتدال : 2 / 662 رقم 5240.
2- بغیة الوعاة : 1 / 333 رقم 632.
3- کذا فی الطبعة التی اعتمدها المؤلف ، وفی الطبعة المحققة : عدی ، بدلاً من : عیسی ، وأشار محقّقها فی الهامش إلی أن : عیسی ، تصحیف.
4- صحیح البخاری : 6 / 2568 ح 6593 ، صحیح مسلم : 4 / 451 ح 10 کتاب الرؤیا.
5- فیض القدیر : 6 / 132 ح 8688.
6- الخصائص الکبری : 2 / 452.

المیزان (1) (2 / 403) فی ترجمة خلف بن عامر فقال : روی عن محمد بن إسحاق بن مهران بسند صحیح. وهو الذی ترجم ثلاثة من رجال السند بما سمعت. هکذا تخطّ ید الغلوّ فی الفضائل الجانیة علی ودائع العلم والدین (فَوَیْلٌ لَهُمْ مِمَّا کَتَبَتْ أَیْدِیهِمْ وَوَیْلٌ لَهُمْ مِمَّا یَکْسِبُونَ) (2).

- 69 -

أبو بکر لم یسؤ النبیّ قطّ

أخرج الخلعی وابن مندة وغیرهما من طریق سهل بن مالک قال : لمّا قدم رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم من حجّة الوداع صعد المنبر فقال : أیّها الناس إنّ أبا بکر لم یسؤنی قط فاعرفوا له ذلک (3).

قال ابن منده : غریب لا نعرفه إلاّ من وجه خالد بن عمرو الأموی. وقال ابن حجر بعد نقله : قلت : خالد بن عمرو متروک واهی الحدیث. إلی أن قال نقلاً عن أبی عمر : ومدار حدیثه (4) علی خالد بن عمرو وهو متروک ، وإسناد حدیثه مجهولون ضعفاء یدور علی سهل بن یوسف أو مالک بن یوسف (5).

وقال ابن حجر فی تهذیب التهذیب (6) (3 / 109) فی ترجمة خالد بن عمرو : قال أحمد (7) : منکر الحدیث ، لیس بثقة یروی أحادیث بواطیل ، وعن یحیی بن 2.

ص: 72


1- لسان المیزان : 2 / 492 رقم 3177.
2- البقرة : 79.
3- الریاض النضرة : 1 / 127 [1 / 160] ، الإصابة : 2 / 90 [رقم 3552]. (المؤلف)
4- یعنی حدیث سهل. (المؤلف)
5- الإصابة 2 / 90 [رقم 3552]. (المؤلف)
6- تهذیب التهذیب : 3 / 94.
7- العلل ومعرفة الرجال : 3 / 254 رقم 5122.

معین (1) قال : لیس حدیثه بشیء ، کان کذّاباً یکذب ، حدّث عن شعبة أحادیث موضوعة. وقال البخاری (2) والساجی وأبو زرعة : منکر الحدیث. وقال أبو حاتم (3) : متروک الحدیث ضعیف. وقال أبو داود : لیس بشیء. وقال النسائی (4) : لیس بثقة. وقال صالح بن محمد البغدادی : کان یضع الحدیث. وقال ابن حبّان (5) : کان یتفرّد عن الثقات بالموضوعات لا یحلّ الاحتجاج بخبره. وقال ابن عدی (6) : روی عن اللیث وغیره أحادیث مناکیر وأورد له أحادیث من روایته عن اللیث عن یزید. ثمّ قال : وهذه الأحادیث کلّها باطلة ، وعندی أنّه وضعها علی اللیث ، ونسخة اللیث عن یزید عندنا لیس فیها من هذا شیء.

وله غیر ما ذکرت وعامّتها أو کلّها موضوعة ، وهو بیّن الأمر من الضعفاء. وعن أحمد بن حنبل أنّه قال : أحادیثه موضوعة. إلی آخره.

قال الأمینی : اقرأ ثمّ انظر إلی أمانة الحافظ المحبّ الطبری یروی هذه الأکذوبة محذوفة الإسناد مرسِلاً إیّاها إرسال المسلّم ویعدّها من فضائل أبی بکر ، وتبعه فی جنایته هذه غیر واحد من المؤلّفین ، (وَهُمْ یَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ یُحْسِنُونَ صُنْعاً) (7) (وَیَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلی شَیْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْکاذِبُونَ) (8). 8.

ص: 73


1- التاریخ : 3 / 518 رقم 2536 ، معرفة الرجال : 1 / 60 رقم 85.
2- التاریخ الکبیر : 3 / 164 رقم 563.
3- الجرح والتعدیل : 3 / 343 رقم 1551.
4- کتاب الضعفاء والمتروکین : ص 95 رقم 174.
5- کتاب المجروحین : 1 / 283.
6- الکامل فی ضعفاء الرجال : 3 / 31 رقم 593.
7- الکهف : 104.
8- المجادلة : 18.

- 70 -

الآیات النازلة فی أبی بکر

قال العبیدی المالکی فی عمدة التحقیق (1) (ص 134) عن الشیخ زین العابدین البکری : لمّا قرأت علیه قصیدة جدّه محمد البکری ومنها :

لئن کان مدح الأوّلین صحائفاً

فإنّا لآیات الکتاب فواتحُ

قال : المراد بأوّل الکتاب : (الم ذلِکَ الْکِتابُ) فالألف أبو بکر ، واللام لله ، والمیم محمد.

وذکر البغوی (2) أنّ المراد من قوله تعالی (وَاتَّبِعْ سَبِیلَ مَنْ أَنابَ إِلَیَ) (3) هو أبو بکر.

وذکر أهل التفسیر فی قوله تعالی : (وَلا یَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْکُمْ وَالسَّعَةِ) (4) أنّه الصدّیق. قال الشیخ محمد زین العابدین : کان للصدّیق ثلاثمائة کرسی وستون کرسیّا علی کلّ کرسی حلّة بألف دینار.

قال الأمینی : هاهنا نُنهی البحث عن فضائل أبی بکر ، ولا یسعنا الولوج فی الکلام حول الآیات التی تقوّل القوم نزولها فیه ، وقد حرّفوا آیاً کثیرة ، وقالوا فی کتاب الله ما سوّلت لهم المیول والشهوات ، وراقهم الغلوّ فی الفضائل لدة ما سمعت من المخازی ، کما لا نفیض القول فی الغلوّ الفاحش فیه بالقریض مثل قول الشاعر العلاّمة 2.

ص: 74


1- عمدة التحقیق : ص 228.
2- تفسیر البغوی : 3 / 492.
3- لقمان : 15.
4- النور : 22.

الملاّ حسن أفندی البزّار الموصلی فی دیوانه (ص 42):

إنَّ قدرَ الصدِّیقِ جلَّ فأضحی

کلُّ مدحٍ مقصّراً عن عُلاهُ

لیت شعری ما قیمةُ الشعرِ فیمن

جاء فی محکمِ الکتاب ثناهُ

کلُّ من فی الوجود یبغی رضا

الله تعالی واللهُ یبغی رضاهُ

وقوله فی مدحه أیضاً :

إنَّ ذکرَ الصدِّیقِ ما دارَ إلاّ

ملأَ الکونَ هیبةً ووقارا

صاحبُ الغار کان للسیّدِ

المختارِ واللهِ صاحباً مختارا

تاهَ فی ذکره الوجودُ فلو لا

هیبةٌ منه أوقرته لطارا

نعم ؛ لنا حقّ النظر فی ثروة أبی بکر التی منحوه إیاها ، فکانت من جرّائها له المنن علی رسول الله وعلی الدین والمسلمین ، تلک الثروة الطائلة التی هیأت له ألف ألف أوقیة - کما جاء فیما أخرجه النسائی (1) عن عائشة قالت : فخرت بمال أبی فی الجاهلیّة وکان ألف ألف أوقیة (2) - ونضّدت له ثلاثمائة وستّین کرسیّا فی داره ، وأسدلت علی کلّ کرسی حلّة بألف دینار ، کما سمعته عن الشیخ محمد زین العابدین البکری ، وأنت تعلم ما یستتبع هذا التجمّل من لوازم وآثار ، وأثاث وریاش ، ومناضد وأوانی وفرش ، لا تقصر عنها فی القیمة ، وما یلزم من خدم وحشم ، وقصور شاهقة ، وغرف مشیّدة ، وما یلازم هذه البسطة فی المال من خیل ورکاب وأغنام ومواشی وضیعة وعقار ، إلی غیرها من توابع الجاه والمال.

أنا لا أدری أیّ باحة کانت تقلّ ذلک کلّه؟ ولم یفز بمثلها یومئذٍ أحد من ملوک الدنیا ، وهل کانت الکراسی المذکورة منضّدة فی غرفة واحدة؟ فما أکبرها من غرفة! ف)

ص: 75


1- میزان الاعتدال : 2 / 341 [3 / 375 رقم 6823] ، تهذیب التهذیب : 8 / 325 [8 / 291]. (المؤلف)
2- الأوقیة : أربعون درهماً. (المؤلف)

تضاهی میادین القتال ، ومفازات البراری ، وما أکبر الدار التی هی إحدی غرفها! وأیّ یوم کان یوم قبول أبی بکر؟ تزدلف إلیه فیه الرجال فتجلس علی تلکم الکراسی ، ولِمَ لا نسمع من السیر والتواریخ عن ذلک الیومِ رکزاً؟ أکان فی أفواه الجالسین علیها أوکیة عن نقل شیء من حدیثه؟ وطبع الحال یقضی أن یکون فی ذلک المحتشد العظیم المتکرّر فی کلّ أسبوع ، وعلی الأقلّ فی کلّ شهر. وأقلّ منه فی کلّ سنة ، ولا أقلّ من انعقاده فی العمر مرّة ، من الأنباء ما لا یلهو التاریخ عن ذکره ، ولا یستسهل المؤرّخ ترکه ، لکنّک بالرغم من ذلک کلّه لا تجد عنه إلاّ همساً یتخافت به العبیدی بعد لأی من عمر الدهر.

ومن أیّ حرفة أو مهنة أو صنعة أو ضیاع حصل الرجل علی ملیون أوقیة من النقود؟ وکان یومئذٍ یوم فاقة لقریش ، وکانوا کما وصفتهم الصدِّیقة الطاهرة فی خطبتها مخاطبة أبا بکر والقوم معه : «کنتم تشربون الطَّرَق (1) وتقتاتون الورق ، أذلّة خاشعین تخافون أن یتخطّفکم الناس من حولکم فأنقذکم الله برسوله» (2).

ولعلّ فی ذلک الیوم کان ما رواه الماوردی فی أعلام النبوّة (3) (ص 146) من طریق مالک بن أنس أنّه بلغه أنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم دخل المسجد فوجد أبا بکر وعمر رضی الله عنهما فسألهما فقال : ما أخرجکما؟ فقالا : أخرجنا الجوع. فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : وأنا أخرجنی الجوع فذهبوا إلی أبی الهیثم بن التیّهان فأمر له بحنطة أو شعیر عنده یعمل. الحدیث.

ثمّ متی أدرکت عائشة العهد الجاهلی وقد ولدت بعد المبعث بأربع أو خمس 0.

ص: 76


1- الطرق بفتح المهملة : الماء المجتمع الذی خیض فیه وبیل وبعر فکدر. لسان العرب [8 / 151] (المؤلف)
2- بلاغات النساء : ص 13 [ص 24] ، أعلام النساء : 3 / 1208 [4 / 117]. (المؤلف)
3- أعلام النبوة : ص 220 باب 20.

سنین (1)؟ وهل کانت تفخر فی دور الإسلام بثروة بائدة فی الجاهلیّة وصاحبها جائع فی الحال الحاضر؟

ولست أدری ما الذی قضی علی تلکم الآلاف المؤلّفة؟ وما الذی أفناها وأبادها وأفقر صاحبها؟ حتی أصبح ولا یملک شیئاً ، أو کان لا یملک یوم هجرته إلاّ أربعة أو خمسة أو ستة آلاف من الدراهم - إن کان ملکها - ولو کان أنفق أیّ أحد عشر معشار ذلک المال لدوّخ العالم صیته ، وکان یومئذٍ یُعدّ فی الرعیل الأوّل من أجواد الدنیا ولم یوجد فی صحیفة التاریخ ذکر من تلکم الآلاف والکراسی والحلل ، هب أنّ الذهبی قال فی حدیث عائشة : ألف الثانیة باطلة قطعاً فإنّ ذلک لا یتهیّأ لسلطان العصر.

وأقرّ ابن حجر تعقیبه فی تهذیب التهذیب (2) ، فأین قصّة ألف أوقیة الصحیحة فی صحائف التاریخ؟

وإن صحّت الأحلام ، وصُدّقت هذه القصص الوهمیّة ، وکان لأبی بکر ذلک المال الطائل الخیالی لما افتقر أبو قحافة والده لأن یکون أجیر عبد الله بن جدعان للنداء علی طعامه ، ولم یکن یقتنی بتلک الخسّة لماظة من العیش کما قاله الکلبی فی المثالب ، وأشار إلیه أُمیّة بن الصلت فی قصیدة یمدح بها ابن جدعان بقوله :

له داعٍ بمکة مشمعلٌ

وآخر فوق دارته ینادی (3)ف.

ص: 77


1- الإصابة : 4 / 359 [رقم 704] ، ویستفاد ذلک من صحیح البخاری فی باب زواج عائشة [3 / 1415 ح 3683] ، وتاریخ ابن عساکر : 1 / 304 [3 / 197] ، والاستیعاب [القسم الرابع / 1882 رقم 4029]. (المؤلف)
2- میزان الاعتدال للذهبی : 2 / 341 [3 / 375 رقم 6823] ، تهذیب التهذیب : 8 / 325 [8 / 291]. (المؤلف)
3- اشمعلّ الرجل : ارتفع وشرف.

إلی رُدُحٍ من الشیزی علیها (1)

لبابُ البُرِّ یُلبَکُ بالشهادِ (2)

قال الکلبی : المشمعل هو : سفیان بن عبد الأسد. وآخر : أبو قحافة ، وفی تعلیق مسامرة الأوائل (ص 88) یقال : إنّ الداعی هو أبو قحافة والد الصدّیق.

بل یحقّ علی صاحب ألف ألف أوقیة ، وثلاثمائة وستّین کرسیّا محلّیً بالدیباج أن ینادی علی الطعام فی دور ضیافته عشرة مثل أبی قحافة ، فضلاً عن أن یکون أجیر أُناس آخرین بدراهم زهیدة ، أو بشبع من الطوی.

وإن کان لأبی بکر عندئذٍ ما حسبوه من الثروة أو شطر منها لما احتاج إلی أن یبتاع للهجرة مع صحابة الرسول صلی الله علیه وآله وسلم راحلتین بثمانمائة درهم (3) ثمّ قدّم إحداهما لرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فلم یقبلها إلاّ بالثمن ، وقال صلی الله علیه وآله وسلم : إنّی لا أرکب بعیراً لیس لی ، قال أبو بکر : فهو لک یا رسول الله بأبی أنت وأُمّی. قال : لا ، ولکن ما الثمن الذی ابتعتها به؟ قال : کذا وکذا قال : قد أخذتها بذلک (4).

ولم یکن ردّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إیّاها إلاّ لضعف حال أبی بکر من ناحیة المال ، أو أنّه لم یرقه أن یکون لأحد علیه منّة حتی لا یُفتعل علیه بعد ملاوة من الدهر بقول من افتعل علیه : إنّ أمنّ الناس علیّ فی صحبته وماله أبو بکر. کما مرّ فی (ص 33) من هذا الجزء. ف)

ص: 78


1- الردُح : جمع رداح وهی القصعة. الشیزی : خشب أسود تصنع منه القصاع.
2- مثالب الکلبی ، الأغانی لأبی الفرج الأصبهانی : 8 / 4 [8 / 342] ، مسامرة الأوائل : ص 88. (المؤلف)
3- طبقات ابن سعد : 1 / 212 [1 / 228] ، تاریخ ابن کثیر : 3 / 177 ، 178 [3 / 218 ، 220]. (المؤلف)
4- صحیح البخاری : 6 / 47 [3 / 1419 ح 3692] ، تاریخ الطبری : 2 / 245 [2 / 376] ، سیرة ابن هشام : 3 / 98 ، 100 [2 / 131] ، طبقات ابن سعد : 1 / 213 [1 / 228] ، تاریخ ابن کثیر : 3 / 184 ، 188 [3 / 225 ، 231]. (المؤلف)

علی أنّ للنظر فی روایة الراحلتین مجالاً واسعاً بما رواه ابن الصبّاغ فی الفصول المهمّة (1) والحلبی فی السیرة (2) (2 / 44) من أنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أمر أسماء بنت أبی بکر أن تأتی علیّا وتخبره بموضعهما ، وتقول له یستأجر لهما دلیلاً ویأتی معه بثلاث من الإبل بعد مضیّ ساعة من اللیلة الآتیة وهی اللیلة الرابعة ، فجاءت أسماء إلی علیّ - کرّم الله وجهه - فأخبرته بذلک ، فاستأجر لهما رجلاً یقال له الأُریقط بن عبد الله اللیثی ، وأرسل معه بثلاث من الإبل ، فجاء بهنّ إلی أسفل الجبل لیلاً ، فلمّا سمع النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم رغاء الإبل نزل من الغار هو وأبو بکر فعرفاه.

وفیه صراحة بأنّه لم تکن هناک راحلتان لأبی بکر معبّأتان لرکوبهما ، وإنّما جیء بالرواحل مستأجرة ، وقد جمع الحلبی بین هذا وبین حدیث الراحلتین بأنّ المراد باستئجار علیّ رضی الله عنه إعطاؤه الأجرة. وهذا الجمع یأباه لفظ الحدیثین کما تری.

ولقد روی کما یأتی أنّ الذی استصحبه أبو بکر من المال - یوم هاجر من المدینة - وهو کلّ ما یملکه أربعة أو خمسة أو ستّة آلاف درهم ، فأین هذا من الألف ألف أُوقیة؟ والکراسی المذکورة وحللها المقوّمة بثلاثمائة وستین ألف دینار وما یتبعها؟ وأیّ نسبة بین صاحب تلک الثروة وبین ما لا یملک إلاّ هذه الدراهم المعدودة؟

وأیّ نسبة بینها وبین أیّامه وأیّام أبیه بمکة وبین ما کان یحترف به فی المدینة من بیع الأبراد والأقمشة علی عنقه وعلی ساعده ، حرفةً ضئیلة یدور بها فی الأزقّة والأسواق من دون أن یستقرّ فی متجر أو حانوت.

أخرج ابن سعد من طریق عطاء قال : لمّا استخلف أبو بکر أصبح غادیاً إلی السوق وعلی رقبته أثواب یتّجر بها فلقیه عمر بن الخطّاب وأبو عبیدة الجرّاح ، فقالا 0.

ص: 79


1- الفصول المهمّة : ص 48.
2- السیرة الحلبیّة : 2 / 40.

له : أین ترید یا خلیفة رسول الله؟ قال : السوق. قالا : تصنع ما ذا وقد ولیت أمر المسلمین؟ قال : فمن أین أطعم عیالی؟ قالا له : انطلق حتی نفرض لک شیئاً. فانطلق معهما ففرضوا له کلّ یوم شطر شاة وماکسوه فی الرأس والبطن.

وروی من طریق عمیر بن إسحاق : إنّ رجلاً رأی علی عنق أبی بکر الصدّیق عباءة فقال : ما هذا؟ هاتها أکفیکها. فقال : إلیک عنّی لا تغرّنی أنت وابن الخطّاب من عیالی.

وفی لفظ آخر لابن سعد أیضاً : إنّ أبا بکر لمّا استخلف راح إلی السوق یحمل أبراداً له وقال : لا تغرّونی من عیالی.

وفی لفظ الحلبی : لمّا بویع أبو بکر بالخلافة أصبح رضی الله عنه علی ساعده قماش وهو ذاهب إلی السوق ، فقال له عمر : أین ترید؟ إلی آخره (1).

ثمّ متی کان إنفاقه لثروته الطائلة علی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وفی مناجحه ومصالحه ، حتی کان به أمنّ الناس علیه بماله؟ وکیف أنفق ولم یره أحدّ ولا رواه أیّ ابن أُنثی؟ ولِمَ لم یذکر التاریخ مورداً من موارد نفقاته؟ وقد حفظ له تقدیم راحلة واحدة للنبیّ صلی الله علیه وآله وسلم مع ردّه إیّاها وأخذه ثمنها ، کما حفظ لکلّ من أنفق شیئاً فی مهمّات الرسول صلی الله علیه وآله وسلم وغزواته ومصالح الإسلام والمسلمین.

ولم یکن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یحتاجه فی شخصیّاته وما یتعلّق بها بمکة قبل الهجرة ، فإنّ عمّه أبا طالب سلام الله علیه کان متکفّلاً لذلک کلّه قبل زواجه بخدیجة ، وبعده کان مال خدیجة تحت یده وهی فی طوعه ، وإنّما وقعت الحاجة بعد الهجرة لتوسّع نطاق الإسلام ، وتمطّط أمره فکان یحتاج إلی تجهیز الجیوش وقیادة العساکر ، وهؤلاء ف)

ص: 80


1- راجع طبقات ابن سعد طبع لیدن : 3 / 130 ، 131 [3 / 184 ، 185] ، صفة الصفوة لابن الجوزی : 1 / 97 [1 / 257] ، السیرة الحلبیة : 2 / 388 [3 / 359]. (المؤلف)

رجال بنی سالم بن عوف ، ورجال بنی بیاضة ، ورجال بنی ساعدة وفی مقدّمهم سعد ابن عبادة ، ورجال بنی الحرث بن الخزرج ، ورجال بنی عدیّ أخوال رسول الله الأکرمین ، کلّ منهم رفع عقیرته یوم دخوله صلی الله علیه وآله وسلم المدینة بقوله : هلمّ إلینا إلی العَدد والعُدّة والمنعة (1)

ولم یکن عند أبی بکر یومئذٍ من المال غیر ما جاء به من مکّة أربعة أو خمسة أو ستّة آلاف درهم - إن کان جاء به وأنّی لک بإثباته؟ - وما عساها أن تجدی نفعاً لو أنفقها کلّها؟ وما هی وما قیمتها تجاه ذلک السلطان العظیم؟ لکنّا مع غضّ النظر عن ذلک نسائل أیضاً مدّعی الإنفاق أنّه متی أنفقها؟ وفی أیّ مصرف أدرّها؟ وفی أیّ أمر بذلها؟ ولأیّ حاجة سمح بها؟ ولِمَ خفی ذلک علی خلق الله من أولئک الصحابة؟ ولما ذا عزب عن المؤرّخین؟ فلم یسطروها فی صحائف التاریخ ولا ذکروها فی فضائل الخلیفة ، وهل قام عمود الإسلام وتمّ أمره بهذه الدریهمات المجهول مصرفها؟ وعاد أبو بکر أمنّ الناس علی رسول الله بماله؟

والعجب کلّ العجب أنّ أمیر المؤمنین علیّا علیه السلام کانت له أربعة دراهم فتصدّق بدرهم لیلاً ، وبدرهم نهاراً ، وبدرهم سرّا ، وبدرهم جهراً ، فأنزل الله فیه القرآن فقال : (الَّذِینَ یُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّیْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِیَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَیْهِمْ وَلا هُمْ یَحْزَنُونَ) (2) سورة البقرة (274). ف)

ص: 81


1- أسلفنا حدیثه فی الجزء السابع : ص 269. (المؤلف)
2- أخرجه عبد الرزاق وعبد بن حمید وابن المنذر وابن أبی حاتم والطبرانی [فی المعجم الکبیر : 11 / 80 ح 11164] وابن عساکر [ترجمة الإمام علی بن أبی طالب : رقم 918 ، 919 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 18 / 9] وابن جریر. راجع تفسیر القرطبی : 3 / 347 [3 / 225] ، تفسیر البیضاوی : 1 / 185 [1 / 141] ، تفسیر الزمخشری : 1 / 286 [1 / 319] ، تفسیر الرازی : 2 / 369 [7 / 83] ، تفسیر ابن کثیر : 1 / 326 ، تفسیر الدرّ المنثور : 1 / 363 [2 / 100 - 101] ، تفسیر الخازن : 1 / 208 [1 / 201] ، تفسیر الشوکانی : 1 / 265 [1 / 294] ، تفسیر الآلوسی : 3 / 48. (المؤلف)

وهو سلام الله علیه تصدّق بخاتمه للسائل فذکره تعالی فی کتابه العزیز بقوله : (إِنَّما وَلِیُّکُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِینَ آمَنُوا الَّذِینَ یُقِیمُونَ الصَّلاةَ وَیُؤْتُونَ الزَّکاةَ وَهُمْ راکِعُونَ) (1) سورة المائدة (55).

وأطعم هو وأهله مسکیناً ویتیماً وأسیراً فأنزل الله فیهم قوله (وَیُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلی حُبِّهِ مِسْکِیناً وَیَتِیماً وَأَسِیراً) سورة هل أتی. وقد أسلفنا تفصیل أمرهم هذا فی الجزء الثالث (ص 106 - 111).

وأمّا أبو بکر فینفق جمیع ماله فی سبیل الله ویراه النبیّ الأعظم أمنّ الناس علیه فی صحبته وماله ، ولم یوجد له مع ذلک کلّه ذکر فی الکتاب العزیز ، هذا لما ذا؟ أنت تدری.

والأعجب : أنّ أبا بکر غدا أمنّ الناس علی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بإنفاق أربعة أو خمسة أو ستّة آلاف درهماً - إن کانت له - ولم یکن عثمان کذلک وقد أنفق أضعاف ما أنفقه أبو بکر ، وبعث إلی رسول الله فی غزوة بعشرة آلاف دینار کما جاء فی مکذوبة أبی یعلی (2) فوضعها بین یدیه فجعل صلی الله علیه وآله وسلم یقلّبها ویدعو له بقوله : غفر الله لک یا عثمان ما أسررت وما أعلنت وما أخفیت وما هو کائن إلی یوم القیامة (3) ، ما یبالی عثمان ما فعل بعدها!

وإنّی أری الأنجح للمدّعی أن یسحب کلامه ویقول : لا أعلم بشیء من ذلک ولا أُثبت شیئاً منه ، وإنّما اختلقه الغلوّ فی الفضائل.

ولعلّ الباحث یقف علی ما أخرجه الحافظان الحاکم وأبو نعیم ، أو علی ما جاء ف)

ص: 82


1- راجع ما مرّ فی 2 / 47 و 3 / 155 - 163. (المؤلف)
2- أخرجه بإسناد واهٍ وذکره ابن کثیر فی تاریخه : 7 / 212 [7 / 238 حوادث سنة 35 ه]. (المؤلف)
3- هذه الجملة توهن متن الروایة ، وتعرب عن أنّها مکذوبة علی رسول الله. (المؤلف)

به البیضاوی والزمخشری ، فیقع ذلک منه موقعاً حسناً ویطالبنی المخرج منه ، فإلیک البیان :

أمّا الأخیران فقد ذکر البیضاوی فی تفسیره (1) (1 / 185) ، والزمخشری فی الکشاف (2) (1 / 286) أنّ قوله تعالی : (الَّذِینَ یُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّیْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِیَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ) الآیة. نزلت فی أبی بکر حین تصدّق بأربعین ألف دینار ، عشرة باللیل ، وعشرة بالنهار ، وعشرة بالسرّ ، وعشرة بالعلانیة.

هذه المرسلة التی لم أعرف قائلها من الصحابة والتابعین ، ولم أقف علی عزوها إلی أحد من السلف فی کتب القوم إلاّ سعید بن المسیّب المعروف بانحرافه عن أمیر المؤمنین علیّ علیه السلام ، اختلقتها ید الوضع تجاه ما أخرجه الحفّاظ من نزولها فی علیّ أمیر المؤمنین ، ومنحت فیها لأبی بکر أربعین ألف دینار لتقریب نزول الآیة فیمن أنفق کمّیة کبیرة کهذه إلی فهم بسطاء الأمّة دون مُنفق أربعة دراهم ، ذاهلاً عمّا هو المتسالم علیه عند القوم من أخذ أبی بکر یوم هجرته إلی المدینة أربعة أو خمسة أو ستّة آلاف درهم ، وهی جمیع ما کان یملکه. والآیة المذکورة فی سورة البقرة ، وقد أصفقت أئمّة الحدیث والتفسیر علی نزولها بالمدینة فی أُولیات الهجرة (3) ، قال ابن کثیر فی تفسیره : هکذا قال غیر واحد من الأئمّة والعلماء والمفسّرین ، ولا خلاف فیه.

فأنّی لأبی بکر عند نزول الآیة الأربعون ألف دینار؟ تصدّق بها أم لم یتصدّق ، ولم یکن یملک إلاّ دریهمات إن صحّ حدیثها أیضاً ، وستعرف أنّه لا یصحّ. ف)

ص: 83


1- تفسیر البیضاوی : 1 / 141.
2- الکشّاف : 1 / 319.
3- تفسیر القرطبی : 1 / 132 [1 / 107] ، تفسیر ابن کثیر : 1 / 35 ، تفسیر الخازن : 1 / 91 [1 / 19] تفسیر الشوکانی 1 / 61 [1 / 27]. (المؤلف)

وتعقّب السیوطی (1) هذه المرسلة بقوله : خبر أنّ الآیة نزلت فیه لم أقف علیه. وکأنّ من ادّعی ذلک فهمه ممّا أخرجه ابن المنذر عن ابن إسحاق قال : لمّا قُبض أبو بکر رضی الله تعالی عنه واستخلف عمر خطب الناس فحمد الله وأثنی علیه بما هو أهله ثمّ قال : أیّها الناس إنّ بعض الطمع فقر ، وإنّ بعض الیأس غنی ، وإنّکم تجمعون مالا تأکلون ، وتؤمّلون ما لا تدرکون ، واعلموا أنّ بعضاً من الشحّ شعبة من النفاق ، فأنفقوا خیراً لأنفسکم ، فأین أصحاب هذه الآیة؟ وقرأ الآیة الکریمة ، وأنت تعلم أنّها لا دلالة فیها علی المدّعی (2). انتهی.

وجاء مختلق آخر (3) فروی عن سعید بن المسیّب مرسلاً من الطرفین أنّ الآیة المذکورة نزلت فی عثمان بن عفّان وعبد الرحمن بن عوف فی نفقتهم فی جیش العسرة یوم غزوة تبوک.

وذکره الرازی فی تفسیره (4) (2 / 347) فقال : إنّ التی نزلت فی عثمان لإنفاقه جیش العسرة هی قوله تعالی : (الَّذِینَ یُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِی سَبِیلِ اللهِ ثُمَّ لا یُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذیً) الآیة.

وقد أعمی الحبّ بصائر القوم ، فحرّفوا الکلم عن مواضعه ، وقالوا فی کتاب الله ما زیّن لهم الشیطان ، خفی علی المغفّلین أنّ الآیتین من سورة البقرة آیة (262 و 274) ، وهی أوّل سورة نزلت بالمدینة المشرّفة کما قاله المفسّرون (5) ، وقد نزلت قبل ف)

ص: 84


1- الدرّ المنثور : 2 / 101.
2- راجع تفسیر الآلوسی : 3 / 48. (المؤلف)
3- راجع تفسیر الشوکانی : 1 / 265 [1 / 294] ، تفسیر الآلوسی : 3 / 48. (المؤلف)
4- التفسیر الکبیر : 7 / 45.
5- راجع تفسیر القرطبی : 1 / 132 [1 / 107] ، تفسیر الخازن : 1 / 19 ، تفسیر الشوکانی : 1 / 16 [1 / 27]. (المؤلف)

غزوة تبوک وجیشها - جیش العسرة الواقعة فی شهر رجب سنة تسع - بعدّة سنین ، فلا یصحّ نزول أیّ من الآیتین فی عثمان.

وأمّا ما أخرجه الحافظان :

1 - فأخرج أبو نعیم فی الحلیة (1 / 33) عن محمد بن أحمد بن محمد الورّاق ، عن إبراهیم بن عبد الله بن أیوب المخرمی ، عن سلمة بن حفص السعدی ، عن یونس بن بکیر ، عن محمد بن إسحاق ، عن هشام بن عروة ، عن یحیی بن عباد بن عبد الله بن الزبیر ، عن أبیه عن أسماء بنت أبی بکر قالت : کانت ید النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فی مال أبی بکر وید أبی بکر واحدة حین حجّا.

رجال السند :

(1) محمد بن أحمد الورّاق. کذّبه أبو بکر بن إسحاق قاله الحاکم. لسان المیزان (1) (5 / 51).

(2) إبراهیم بن عبد الله المخرمی. قال الدارقطنی : لیس بثقة حدّث عن الثقات بأحادیث باطلة. لسان المیزان (2) (1 / 72).

(3) سلمة بن حفص السعدی ، شیخ کوفیّ. قال ابن حبّان (3) : کان یضع الحدیث. فذکر له حدیثاً منکراً. وقال : لا یحلّ الاحتجاج به ولا الروایة عنه. وروی عنه حدیثاً فقال : لا أصل له. لسان المیزان (4) (3 / 67). 2.

ص: 85


1- لسان المیزان : 5 / 60 رقم 6957.
2- لسان المیزان : 1 / 65 رقم 194.
3- کتاب المجروحین : 1 / 339.
4- لسان المیزان : 3 / 81 رقم 3832.

2 - أخرج الحاکم فی المستدرک (1) (3 / 5) من طریق أحمد بن عبد الجّبار عن یونس بن بکیر عن محمد بن إسحاق عن یحیی بن عباد [بن عبد الله بن الزبیر] ، عن أسماء بنت أبی بکر قالت : لمّا توجّه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم من مکّة إلی المدینة ومعه أبو بکر حمل أبو بکر معه جمیع ماله خمسة ألف أو ستّة ألف (2) درهم ، فأتانی جدّی أبو قحافة وقد ذهب بصره فقال : إنّ هذا والله قد فجعکم بماله مع نفسه ، فقلت : کلاّ یا أبتِ قد ترک لنا خیراً کثیراً ، فعمدت إلی أحجار فجعلتهنّ فی کوّة البیت ، وکان أبو بکر یجعل أمواله فیها وغطّیت علی الأحجار بثوب ، ثمّ جئت فأخذت بیده فوضعتها علی الثوب فقال : أمّا إذا ترک هذا فنعم. قالت : وو الله ما ترک قلیلاً ولا کثیراً.

رجال السند :

(1) أحمد بن عبد الجبّار أبو عمر الکوفی. قال ابن أبی حاتم (3) : کتبت عنه وأمسکت عن الروایة عنه لکثرة کلام الناس فیه ، وقال مطین : کان یکذب. وقال أبو أحمد الحاکم : لیس بالقویّ عندهم ترکه ابن عقدة. وقال ابن عدی (4) : رأیت أهل العراق مجمعین علی ضعفه ، وکان ابن عقدة لا یحدّث عنه. وکان أحمد یلعب بالحمام الهدّی (5).

(2) محمد بن إسحاق. أسلفنا فی الجزء السابع صفحة (319) کلمات الحفّاظ فیه وأنّه کذّاب دجّال مدلّس لا یحتجّ به. ف)

ص: 86


1- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 6 ح 4267.
2- کذا فی الموضعین والصحیح : آلاف ، کما فی جمیع المصادر. (المؤلف)
3- الجرح والتعدیل : 2 / 62 رقم 99.
4- الکامل فی ضعفاء الرجال : 1 / 191 رقم 30.
5- تاریخ الخطیب : 4 / 263 [رقم 2004] ، تهذیب التهذیب : 1 / 51 [1 / 44]. (المؤلف)

(1) أخرج أبو نعیم فی حلیة الأولیاء (1 / 32) من طریق هشام بن سعد ، عن زید بن أرقم ، عن أبیه قال : سمعت عمر بن الخطّاب رضی الله عنه یقول : أمرنا رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أن نتصدّق ووافق ذلک مال عندی ، فقلت : الیوم أسبق أبا بکر إن سبقته یوماً ، قال : فجئت بنصف مالی قال : فقال لی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : ما أبقیت لأهلک؟ قال : فقلت : مثله ، وأتی أبو بکر بکلّ ما عنده. فقال له رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : ما أبقیت لأهلک؟ قال : أبقیت لهم الله ورسوله. قلت : لا أُسابقک إلی شیء أبداً.

ورواه من طریق عبد الله بن عمر العمری عن نافع عن ابن عمر عن عمر.

کفی الإسناد ضعفاً هشام بن سعد أبو عباد المدنی. کان یحیی بن سعد لا یروی عنه.

وعن أحمد (2) قال : لیس هو محکم الحدیث. وقال حرب : لم یرضه أحمد. وقال ابن معین (3) : ضعیف ، لیس بذاک القوی ، لیس بشیء حدیثه مختلط. وقال أبو حاتم (3) : یکتب حدیثه ولا یحتج به. وقال النسائی (4) : ضعیف. وقال مرّة : لیس بالقویّ. وقال ابن سعد (5) : کثیر الحدیث یستضعف وکان متشیّعاً. وقال ابن المدینی : صالح ولیس بالقویّ. وقال الخلیلی : أنکر الحفّاظ حدیثه فی المواقع. وذکره ابن سفیان فی الضعفاء (6).

وأمّا عبد الله بن عمر العمری فقال أبو زرعة الدمشقی عن أحمد : کان یزید فی الأسانید ویخالف ، وکان رجلاً صالحاً. وقال ابن المدینی : ضعیف. وعن یحیی ابن سعید : لا یحدّث عنه. وقال صالح جزرة : لیّن مختلط الحدیث. وقال ف)

ص: 87


1- الجرح والتعدیل : 9 / 61 رقم 241.
2- العلل ومعرفة الرجال : 2 / 507 رقم 3343.
3- التاریخ : 3 / 195 رقم 893 ، معرفة الرجال : 1 / 70 رقم 158.
4- کتاب الضعفاء والمتروکین : ص 242 رقم 640.
5- الطبقات الکبری - القسم المتمم - : ص 445 رقم 374.
6- تهذیب التهذیب : 11 / 40 [11 / 37]. (المؤلف)

النسائی (1) : ضعیف الحدیث. وقال ابن سعد (2) : کثیر الحدیث. وقال أبو حاتم (3) : یکتب حدیثه ولا یحتجّ به. وقال ابن حبّان (4) : کان ممّن غلب علیه الصلاح حتی غفل عن الضبط فاستحقّ الترک. وقال البخاری (5) : کان یحیی بن سعید یضعّفه. وقال أبو أحمد الحاکم : لیس بالقویّ عندهم. وقال ابن شیبة : یزید فی الأسانید کثیراً (6).

وأمّا زید بن أرقم فالصحیح : زید بن أسلم مولی عمر ففی النسخة تصحیف.

(وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ یَتَذَکَّرُونَ)

(وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقالُوا لَنا أَعْمالُنا)

(وَلَکُمْ أَعْمالُکُمْ سَلامٌ عَلَیْکُمْ لا نَبْتَغِی الْجاهِلِینَ) (7) 5.

ص: 88


1- کتاب الضعفاء والمتروکین : ص 146 رقم 341.
2- الطبقات الکبری - القسم المتمم - : ص 367 رقم 288.
3- الجرح والتعدیل : 5 / 109 رقم 499.
4- کتاب المجروحین : 2 / 6.
5- التاریخ الکبیر : 5 / 145 رقم 441.
6- تهذیب التهذیب : 5 / 327 [5 / 285]. (المؤلف)
7- القصص : 51 ، 55.

الغلوّ فی فضائل عمر

اشارة

قدّمنا فی الجزء السادس من نفسیّات الخلیفة الثانی وملکاته من فقهه وعلمه وخطواته الواسعة فی شتّی النواحی ما یوقفک علی أنّ کلّ ما نسرد هاهنا من ولائد الغلوّ فی الفضائل ، وقد التمط (1)

بحیاته الروحیّة ، من أوّل یومه إلی أن تسنّم عرش الخلافة بإدلاء من الخلیفة الأوّل إلیه ، حصوله علی لماظة من العیش یقتات بها.

کان ردحاً من الزمن یرعی الإبل فی وادی ضجنان (2) یُرعب ویُتعب إذا عمل ، ویُضرب إذا قصر (3).

وآونة کان یحتطب ویحمل فوق رأسه حزمة من الحطب مع أبیه الخطّاب وما منهما إلاّ فی نمرة (4) لا تبلغ رسغیه (5). ف)

ص: 89


1- الالتماط بالشیء : الذهاب به.
2- جبل بناحیة مکّة. (المؤلف)
3- الاستیعاب : 2 / 428 [القسم الثالث / 1157 رقم 1878] ، الریاض النضرة : 2 / 50 [2 / 324 - 325] ، تاریخ أبی الفدا : 1 / 165 ، الخلفاء للنجّار : ص 113 ، وأوعز إلی حدیثه ابن منظور فی لسان العرب : 17 / 112 [8 / 24] ، والزبیدی فی تاج العروس : 9 / 263. (المؤلف)
4- النمرة فی القاموس [ص 627] : بردة من صوف تلبسها الأعراب. وفی الفائق للزمخشری [4 / 27] : بردة تلبسها الإماء فیها تخطیط. (المؤلف)
5- الرسغ : مفصل ما بین الساعد والکف ، والساق والقدم. (المؤلف)

وکان مدّة یقف فی سوق عکاظ وبیده عصا ترعُّ الصبیان (1) به ، وکان یوم ذاک یُسمّی عمیراً (2).

وکان برهة من أیّام إسلامه یمتهن بالبرطشة (3) ، وکان مبرطشاً یلهیه عن أخذ الکتاب والسنّة الصفق بالأسواق (4).

وکان دهراً یبیع الخیط والقرظة بالبقیع (5).

أنا لا أدری فی أیّ من أیّامه هذه حصل علی جدارة لما یخبرنا به ابن الجوزی فی سیرة عمر (6) (ص 6) : من أنّه کانت السفارة - فی الجاهلیّة - إلی عمر بن الخطّاب إن وقعت حرب بین قریش وغیرهم بعثوه سفیراً؟ وزاد علیه أبو عمر فی الاستیعاب (7) قوله : وإن نافرهم منافر أو فاخرهم مفاخر رضوا به وبعثوه منافراً ومفاخراً (8).

أوَکانت قریش کلّهم من هذه الطبقة الواطئة؟ فکانوا یبعثون للسفارة والمفاخرة غلاماً هذا شأنه؟ وفیهم الصنادید والعظماء والرؤساء وذوو العارضة ورجال الکلام. ف)

ص: 90


1- کذا فی الإصابة ، والرعُّ : السکون ومعنی : تُرعّ الصبیان به ، تُسکّت الصبیان به. وفی الاستیعاب : ترعی الضأن.
2- الاستیعاب [القسم الرابع / 1831 رقم 3320] هامش الإصابة : 4 / 291 ، الإصابة : 4 / 290 [رقم 361] ، الفتوحات الإسلامیة : 2 / 413 [2 / 272] وفیه تحریف نلفت إلیه الأنظار. (المؤلف)
3- المبرطش : الذی یکتری للناس الإبل والحمیر ویأخذ علی ذلک جُعْلاً.
4- مرّ تفصیله فی الجزء السادس : ص 146 ، 287 ، 302 الطبعة الأولی [223 ، 429 ، 433]. (المؤلف)
5- راجع ما أسلفناه فی الجزء السادس : ص 303. (المؤلف)
6- سیرة عمر : ص 9 باب 5.
7- الاستیعاب : القسم الثالث / 1145 رقم 1878.
8- وذکر ابن عساکر ما رواه أبو عمر وابن الجوزی فی تاریخه : 6 / 432 [المنتظم : 24 / 118 رقم 2883]. (المؤلف)

أم کانوا لا یبالون بمن یرسلونه؟ - والرسول دلیل عقل المرسل - لم یکن هذا ولا ذاک ولکن الحبّ یُعمی ویصمّ ، وإنّک تجد من نظائر هذه شیئاً کثیراً ، وإلیک جملة منه مضافاً علی ما مرّ فی الجزء الخامس ممّا وضعته ید الغلوّ فی فضائله :

- 1 -

کلمات فی علم عمر

[1 -] ورد فی علمه عن ابن مسعود : لو وضع علم أحیاء العرب فی کفّة میزان ووضع علم عمر فی کفّة لرجح علم عمر ، ولقد کانوا یرون أنّه ذهب بتسعة أعشار العلم.

وفی لفظ المحبّ الطبری : لو وُضع علم عمر فی کفّة وعلم أهل الأرض فی کفّة لرجح علم عمر.

مستدرک الحاکم (3 / 86) ، الاستیعاب (2 / 430) ، الریاض النضرة (2 / 8) ، أعلام الموقّعین لابن القیّم (ص 6) ، تاریخ الخمیس (2 / 268) ، عمدة القاری (5 / 410) (1).

2 - وقال حذیفة : کان علم الناس کلّهم قد درس فی حجر عمر مع علم عمر. الاستیعاب (2) (2 / 420) ، أعلام الموقّعین (ص 6) (3).

3 - وقال مسروق : شاممت أصحاب محمد صلی الله علیه وآله وسلم فوجدت علمهم ینتهی إلی ستّة : إلی علی ، وعبد الله ، وعمر ، وزید بن ثابت ، وأبی الدرداء ، وأُبیّ. ثم شاممت ر.

ص: 91


1- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 92 ح 4497 ، الاستیعاب : القسم الثالث / 1149 - 1150 رقم 1878 ، الریاض النضرة : 2 / 274 ، أعلام الموقّعین : 1 / 16 ، تاریخ الخمیس : 2 / 240.
2- الاستیعاب : القسم الثالث / 1149 رقم 1878. وفیه : کان علم الناس کلّهم قد درس فی علم عمر.
3- وفیه : کأن علم الناس مع علم عمر دُسّ فی جحر.

الستّة فوجدت علمهم انتهی إلی علیّ وعبد الله. أعلام الموقّعین (1) (ص 6).

4 - وقال الشعبی : إذا اختلف الناس فی شیء فخذوا بما قال عمر. أعلام الموقّعین (ص 6).

5 - وقال ابن المسیّب : ما أعلم أحداً بعد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أعلم من عمر بن الخطّاب. أعلام الموقّعین (2) (ص 7).

6 - وقال بعض التابعین : دفعت إلی عمر ، فإذا الفقهاء عنده مثل الصبیان قد استعلی علیهم فی فقهه وعلمه. أعلام الموقّعین (3) (ص 7).

7 - وقال خلد الأسدی : صحبت عمر فما رأیت أحداً أفقه فی دین الله ولا أعلم بکتاب الله ولا أحسن مدارسة منه. الریاض النضرة (4) (2 / 8).

هاهنا لا نطیل القول وإنّما نحیلک إلی الجزء السادس من هذا الکتاب من صفحة (83 - 325) فإنّ هنالک ما یغنی الباحث عن الإسهاب فی المقام ، وأنت أیّها المخبت إلی هذه الأقاویل هل علمت شیئاً ممّا قدّمناه؟ ودریت فذلکة ذلک البحث الضافی أو لا؟

فإن کنتَ لا تدری فتلک مصیبةٌ

وإن کنتَ تدری فالمصیبة أعظمُ

وأنت جدّ علیم بأنّ هذه التقوّلات لا تلائم ما حفظه التاریخ من نوادر الأثر فی علم عمر ، والحریّ هو الأخذ بما مرّ من أقواله نفسه فی علمه (6 / 328) وبها تتضح جلیّة الحال ، والإنسان علی نفسه بصیرة. 4.

ص: 92


1- أعلام الموقّعین : 1 / 16.
2- أعلام الموقّعین : 1 / 20.
3- أعلام الموقّعین : 1 / 20.
4- الریاض النضرة : 2 / 274.

- 2 -

عمر أقرأ الصحابة وأفقههم

عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أنّه قال : أُمرت أن أقرأ القرآن علی عمر ، ذکره الحکیم الترمذی فی نوادر الأُصول (1) (ص 58).

وعن ابن مسعود رضی الله عنه قال : کان عمر أتقانا للربّ ، وأقرأنا الکتاب الله. أخرجه الحاکم فی المستدرک (2) (3 / 86).

وذکر المحبّ الطبری نقلاً عن علیّ بن حرب الطائی من طریق ابن مسعود أنّه قال لزید بن وهب : إقرأ بما أقرأکه عمر ، إنّ عمر أعلمنا بکتاب الله وأفقهنا فی دین الله (3).

هذه مراسیل مقطوعة عن الإسناد ، وأنصف الحاکم إذ سکت عن إسناد ما أخرجه أو أنّه لم یقف علیه فیصحّحه ، وسکت عنه الذهبی للعلّة نفسها ، وأحسب أنّ بطلان هذه الروایات فی غنیً عن إبطال إسنادها ، فإنّ العنایة الالهیة لو شملت الخلیفة بحیث أمر نبیّه صلی الله علیه وآله وسلم بقراءة القرآن علیه ، لا بدّ وأن تشمله بالتمکّن من تلقیّه وضبطه وحفظه وفقهه والوقوف علی مغازیه والعمل به ، وأن یکون أقرأ کما فی روایة الحاکم ، أو أعلم وأفقه کما فی روایة الطائی ، إذن فما تلکم الجهود المتعبة فی تعلّم سورة البقرة فحسب طیلة اثنتی عشرة سنة؟ کما مرّ فی الجزء السادس (ص 196).

وما هاتیک الأحکام الشاذّة عن موارد من القرآن الکریم؟ : ف)

ص: 93


1- نوادر الأصول : 1 / 142 الأصل 43.
2- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 92 ح 4498.
3- الریاض النضرة : 2 / 8 [2 / 274]. (المؤلف)

1 - کحکمه للجنب الفاقد للماء بترک الصلاة ، ذاهلاً عن قوله تعالی فی سورة النساء (43) ، وفی سورة المائدة (1).

2 - وحکمه علی امرأة ولدت لستة أشهر بالرجم ، ونصب عینه الآیة الکریمة (وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً) (2) وقوله تعالی : (وَالْوالِداتُ یُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَیْنِ کامِلَیْنِ) (3).

3 - ونهیه عن المغالاة فی مهور النساء وبین یدیه قوله تعالی : (وَآتَیْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً) (4).

4 - وجهله بمعنی الأبّ وهو یتلو : (مَتاعاً لَکُمْ وَلِأَنْعامِکُمْ) (5).

5 - وحسبانه أنّ الحجر الأسعد لا یضرّ ولا ینفع جهلاً بمغزی قوله تعالی : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّکَ مِنْ بَنِی آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ) (6) الآیة.

6 - ونهیه عن الطیّبات فی الحیاة الدنیا تمسّکاً بقوله تعالی : (أَذْهَبْتُمْ طَیِّباتِکُمْ فِی حَیاتِکُمُ الدُّنْیا) (6) ذاهلاً عمّا قبله ، غیر ملتفت إلی الآیة الأخری : (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِینَةَ اللهِ الَّتِی أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّیِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ) (7) الآیة.

7 - وجهله بمعاریض الکلم المتّخذة من الکتاب.

8 - وأمره برجم الزانیة المضطرّة ، وفی الذکر الحکیم : (فَمَنِ اضْطُرَّ غَیْرَ باغٍ وَلا 2.

ص: 94


1- الأحقاف : 20.
2- الأحقاف : 15.
3- البقرة : 233.
4- النساء : 20.
5- النازعات : 33.
6- الأعراف : 172.
7- الأعراف : 32.

عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَیْهِ) (1).

9 - وتجسّسه عن صوت ارتاب به ، فتسلّق الحائط ودخل البیت ولم یسلّم ، غیر مکترث لآیات ثلاث : (وَلا تَجَسَّسُوا) (2) (وَأْتُوا الْبُیُوتَ مِنْ أَبْوابِها) (3) (فَإِذا دَخَلْتُمْ بُیُوتاً فَسَلِّمُوا) (4).

10 - وجهله بالکلالة ، وبمسمع منه آیة الصیف.

11 - وقوله بتعذیب المیت ببکاء الحیّ کأنّه لم یقرأ قوله تعالی : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْری) (5).

12 - وقوله الشاذّ فی الطلاق قصوراً منه عن فهم قوله تعالی : (الطَّلاقُ مَرَّتانِ) (6).

13 - ونهیه عن متعة الحجّ وهو یتلو قوله تعالی : (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) (7).

14 - وتحریمه متعة النساء ذهولاً منه عن قوله تعالی : (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَ) (8) الآیة.

تجد تفاصیل هذه الجمل فی نوادر الأثر من الجزء السادس من کتابنا هذا ، وهناک موارد کثیرة من القرآن ، لم یهتدِ إلیها ، وتجد جملة منها فی طیّات أجزاء کتابنا هذا. 4.

ص: 95


1- البقرة : 173.
2- الحجرات : 12.
3- البقرة : 189.
4- النور : 61.
5- الأنعام : 164.
6- البقرة : 229.
7- البقرة : 196.
8- النساء : 24.

فهل من السائغ فی شریعة الحجی أن یکون الأقرأ والأعلم والأفقه بهذه المثابة من الابتعاد عن الآی الشریفة ، ومرامیها الکریمة؟ ولو کان کما زعموه فما قوله فی خطبته الصحیحة الثابتة له بإسناد صحیح رجاله کلهم ثقات : من أراد أن یسأل عن القرآن فلیأت أُبیّ بن کعب ، ومن أراد أن یسأل عن الحلال والحرام فلیأت معاذ بن جبل ، ومن أراد أن یسأل عن الفرائض فلیأت زید بن ثابت؟ راجع (6 / 191).

- 3 -

الشیطان یخاف ویفرّ من عمر

1 - عن بریدة : خرج رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی بعض مغازیه ، فلمّا انصرف جاءت جاریة سوداء فقالت : یا رسول الله إنّی کنت نذرت إن ردّک الله صالحاً أن أضرب بین یدیک بالدفّ وأتغنّی ، فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : إن کنت نذرت فاضربی وإلاّ فلا. فجعلت تضرب فدخل أبو بکر وهی تضرب ، ثمّ دخل علیّ وهی تضرب ، ثمّ دخل عثمان وهی تضرب ، ثمّ دخل عمر فألقت الدفّ تحت استها ثمّ قعدت علیها ، فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : إنّ الشیطان لیخاف منک یا عمر ، إنّی کنت جالساً وهی تضرب ، فدخل أبو بکر وهی تضرب ثمّ دخل علیّ وهی تضرب ، ثمّ دخل عثمان وهی تضرب ، فلمّا دخلت أنت یا عمر ألقت الدفّ!

وفی لفظ أحمد : إنّ الشیطان لیفرَق منک یا عمر.

وعن جابر قال : دخل أبو بکر رضی الله عنه علی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وکان یُضرب بالدفّ عنده ، فقعد ولم یزجر لما رأی من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، فجاء عمر رضی الله عنه فلمّا سمع رسول الله صوته کفّ عن ذلک ، فلمّا خرجا قالت عائشة رضی الله عنها : یا رسول الله کان حلالاً فلمّا دخل عمر صار حراماً؟ فقال علیه السلام : یا عائشة لیس کلّ الناس مُرخیً علیه.

ص: 96

أخرجه (1) : أحمد فی مسنده (5 / 353) ، والترمذی فی جامعه (2 / 293) فقال : هذا حدیث حسن صحیح غریب ، والحکیم الترمذی فی نوادر الأصول (ص 58) من طریق بریدة ، و (ص 138) من حدیث جابر ، فقال فی الموضع الأوّل : فلا یظنّ ذو عقل أنّ عمر فی هذا أفضل من أبی بکر ، وأبو بکر شبیه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی ذلک ، ولکن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قد جمع الأمرین والدرجتین ، فله درجة النبوّة لا یلحقه أحد ، وأبو بکر له درجة الرحمة ، وعمر له درجة الحقّ.

ورواه البیهقی فی سننه (10 / 77) ، والخطیب التبریزی فی مشکاة المصابیح (ص 550) ، وابن الأثیر فی أُسد الغابة (4 / 64) ، والشوکانی فی نیل الأوطار (8 / 271).

2 - عن عائشة قالت : کان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم جالساً فسمعنا لغطاً وصوت صبیان ، فقام رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فإذا حبشیّة تزفن - أی ترقص - والصبیان حولها ، فقال : یا عائشة تعالی فانظری ، فجئت فوضعت لحیی علی منکب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فجعلت أنظر إلیها ما بین المنکب إلی رأسه ، فقال لی : أما شبعت؟ أما شبعت؟ فجعلت أقول : لا لأنظر منزلتی عنده ، إذ طلع عمر فارفضّ الناس عنها ، فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : إنّی لأنظر شیاطین الجنّ والإنس قد فرّوا من عمر ، قالت : فرجعتُ.

أخرجه (2) : الترمذی فی صحیحه (2 / 294) فقال : هذا حدیث حسن صحیح غریب ، والبغوی فی مصابیح السنّة (2 / 271) ، والخطیب العمری التبریزی فی مشکاة المصابیح (ص 550) ، والمحبّ الطبری فی الریاض (2 / 208). 5.

ص: 97


1- مسند أحمد : 6 / 485 ح 22480 ، سنن الترمذی : 5 / 580 ح 3690 ، مشکاة المصابیح : 3 / 343 ح 6048 ، نوادر الأصول : 1 / 143 - 144 الأصل 43 ، ص 298 الأصل 100 ، أُسد الغابة : 4 / 161 رقم 3824 ، نیل الأوطار : 8 / 119.
2- سنن الترمذی : 5 / 580 ح 3691 ، مصابیح السنة : 4 / 159 ح 4737 ، مشکاة المصابیح : 3 / 343 ح 6049 ، الریاض النضرة : 2 / 255.

3 - أخرج أحمد فی مسنده (1) (2 / 208) من حدیث أبی هریرة قال : بینا الحبشة یلعبون عند رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بحرابهم ، دخل عمر فأهوی إلی الحصباء یحصبهم بها ، فقال له النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم : دعهم یا عمر.

وأخرج أبو داود الطیالسی فی مسنده (ص 204) من حدیث عائشة قال : کانت الحبشة یدخلون المسجد ، فجعلوا یلعبون ، ورسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یسترنی وأنا أنظر إلیهم جاریة حدیثة السن ، فجاء عمر فنهاهنّ ، فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : دعهنّ یا عمر. ثمّ قال : هنّ بنات أرفدة.

4 - روی أبو نصر الطوسی فی اللمع (2) (ص 274) : أنّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم دخل بیت عائشة ، فوجد فیه جاریتین تغنّیان وتضربان بالدفّ فلم ینههما عن ذلک ، وقال عمر بن الخطّاب رضی الله عنه حین غضب : أمزمار الشیطان فی بیت رسول الله؟ فقال صلی الله علیه وآله وسلم : دعهما یا عمر ؛ فإنّ لکلّ قوم عیداً.

قال الأمینی : لا حاجة لنا إلی البحث عن إسناد هذه الروایات فإنّ فی متونها من الخزایة ما فیه غنی عن ذلک. فدع الترمذی یستحسن إسناد ما رواه ویصحّحه ، ودع الحفّاظ یملؤون عیاب علمهم بعیوب مثلها ، ودع شاعر النیل یتّبع من لا خلاق له من الحفّاظ ویعدّها من فضائل عمر ، ویقول تحت عنوان : مثال من هیبته :

فی الجاهلیّةِ والإسلام هیبتهُ

تثنی الخطوبَ فلا تعدو عوادیها

فی طیّ شدّتِهِ أسرارُ مرحمةٍ

للعالمین ولکن لیس یُفشیها

وبین جنبیه فی أوفی صرامتِهِ

فؤادُ والدةٍ ترعی ذراریها

أغنت عن الصارمِ المصقولِ دِرَّتُه

فکم أخافتْ غویّ النفس عاتیها3.

ص: 98


1- مسند أحمد : 2 / 594 ح 8019.
2- اللمع : ص 345 رقم 153.

کانت له کعصا موسی لصاحبها

لا ینزل البُطْلُ مجتازاً بوادیها (1)

أخاف حتی الذراری فی ملاعبها

وراع حتی الغوانی فی ملاهیها

أَرَیْتَ تلک التی لله قد نذرت

أُنشودةً لرسول الله تهدیها (2)

قالت نذرتُ لَئن عاد النبیّ لنا

من غزوه لعَلی دُفّی أُغنّیها

ویمّمت حضرةَ الهادی وقد ملأت

أنوارُ طلعتِه أرجاءَ وادیها

واستأذنت ومشت بالدُّفّ واندفعتْ

تشجی بألحانِها ما شاء مشجیها (3)

والمصطفی وأبو بکرٍ بجانبه

لا ینکران علیها من أغانیها

حتی إذا لاح عن بُعدٍ لها عمرٌ

خارت قواها وکاد الخوف یُردیها

وخبّأت دُفَّها فی ثوبِها فَرَقاً

منه وودّت لو انّ الأرضَ تطویها

قد کان علمُ رسولِ الله یؤنسُها

فجاءَبطشُ أبی حفصٍ یخشّیها

فقال مهبطُ وحیِ اللهِ مبتسماً

وفی ابتسامته معنیً یواسیها

قد فرّ شیطانُها لمّا رأی عمراً

إنَّ الشیاطینَ تخشی بأس مخزیها (4)

لقد عزب عن المساکین أنّ ما تحرّوه من إثبات فضیلة للخلیفة الثانی یجلب الفضائح إلی ساحة النبوّة - تقدّست عنها - فأیّ نبیّ هذا یروقه النظر إلی الراقصات والاستماع لأهازیجهنّ وشهود المعازف ، ولا یقنعه ذلک کلّه حتی یُطلع علیها حلیلته عائشة ، والناس ینظر إلیهما من کثَب ، وهو یقول لها : شبعتِ شبعتِ؟ وهی تقول : لا. لعرفان منزلتها عنده ولا تزعه أُبّهة النبوّة عن أن یقف مع الصبیان للتطلّع علی مشاهد اللهو شأن الذنابی والأوباش وأهل الخلاعة والمجون ، وقد جاءت شریعته ف)

ص: 99


1- البُطْل : الباطل.
2- أریت : أی أرأیت.
3- تشجی : تثیر الشعور وتشوق. (المؤلف)
4- هذه الأبیات من العمریة الشهیرة لشاعر النیل محمد حافظ إبراهیم [دیوان حافظ إبراهیم : 1 / 94] ، وقد مرّ الإیعاز إلیها فی الجزء السابع : ص 86 ، 87. (المؤلف)

المقدّسة بتحریم کلّ ذلک بالکتاب والسنّة الشریفة.

[1 -] هذا قوله تعالی : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ یَشْتَرِی لَهْوَ الْحَدِیثِ لِیُضِلَّ عَنْ سَبِیلِ اللهِ بِغَیْرِ عِلْمٍ وَیَتَّخِذَها هُزُواً أُولئِکَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِینٌ) (1).

وقد جاء عنه صلی الله علیه وآله وسلم ، من حدیث أبی أُمامة : «لا تبیعوا القینات ، ولا تشروهنّ ولا تعلّموهنّ ولا خیر فی تجارة فیهنّ ، وثمنهنّ حرام» فی مثل هذا أُنزلت هذه الآیة : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ یَشْتَرِی) الآیة.

وفی لفظ الطبری والبغوی : «لا یحلّ تعلیم المغنّیات ولا بیعهنّ ، وأثمانهنّ حرام» وفی مثل ذلک نزلت هذه الآیة.

أخرجه (2) : سعید بن منصور ، أحمد ، الترمذی ، ابن ماجة ، ابن جریر ، ابن المنذر ، ابن أبی حاتم ، ابن أبی شببة ، ابن مردویه ، الطبرانی ، البیهقی ، ابن أبی الدنیا. وغیرهم. راجع تفسیر الطبری (21 / 39) ، تفسیر القرطبی (14 / 51) ، نقد العلم والعلماء لابن الجوزی (ص 347) ، تفسیر ابن کثیر (3 / 442) ، تفسیر الخازن (3 / 36) ، إرشاد الساری (9 / 163) ، الدرّ المنثور (5 / 159) ، تفسیر الشوکانی (4 / 228) ، نیل الأوطار (8 / 263) ، تفسیر الآلوسی (21 / 68).

وأخرج ابن أبی الدنیا وابن مردویه من طریق عائشة مرفوعاً : «إن الله تعالی 2.

ص: 100


1- لقمان : 6.
2- مسند أحمد : 6 / 335 ح 21665 ، ص 354 ح 21777 ، ص 343 ح 21715 ، ص 360 ح 21804 ، سنن الترمذی : 3 / 579 ح 1282 ، سنن ابن ماجة : 2 / 733 ح 2168 ، مصنّف ابن أبی شیبة : 6 / 309 ح 1171 ، المعجم الکبیر : 8 / 180 ح 7749 ، السنن الکبری للبیهقی : 6 / 14 ، جامع البیان : مج 11 / ج 21 / 60 ، الجامع لأحکام القرآن : 14 / 36 ، تلبیس ابلیس (نقد العلم والعلماء) : ص 232 ، 233 ، تفسیر الخازن : 3 / 438 ، إرشاد الساری : 13 / 350 ، الدرّ المنثور : 6 / 504 ، فتح القدیر : 4 / 236 ، نیل الأوطار : 8 / 112.

حرّم القینة وبیعها وثمنها وتعلیمها والاستماع إلیها» ثمّ قرأ : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ یَشْتَرِی لَهْوَ الْحَدِیثِ) ، الدرّ المنثور (5 / 159) ، تفسیر الشوکانی (4 / 228) ، تفسیر الآلوسی (21 / 68).

وعن ابن مسعود أنّه سُئل عن قوله : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ یَشْتَرِی لَهْوَ الْحَدِیثِ).

قال : هو والله الغناء. وفی لفظ : هو الغناء والله الذی لا إله إلاّ هو ، یردّدها ثلاث مرّات. وعن جابر فی الآیة قال : هو الغناء والاستماع له. ومعنی یشتری یستبدل ، کما فی قوله تعالی (أُولئِکَ الَّذِینَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدی) (1) أی استبدلوه منه واختاروه علیه ، وقال مطرف : شراء لهو الحدیث استحبابه. وقال قتادة : سماعه شراؤه.

وبالغناء فسّر لهو الحدیث فی الآیة الشریفة وأنّها نزلت فیه : ابن عبّاس ، وعبد الله بن عمر ، وعکرمة ، وسعید بن جبیر ، ومجاهد ، ومکحول ، وعمرو بن شعیب ، ومیمون بن مهران ، وقتادة ، والنخعی ، وعطاء ، وعلیّ بن بذیمة ، والحسن ، کما أخرجه : ابن أبی شیبة ، ابن أبی الدنیا ، ابن جریر ، ابن المنذر ، الحاکم ، البیهقی فی شعب الإیمان (2) ، ابن أبی حاتم ، ابن مردویه ، الفریابی ، ابن عساکر.

راجع (3) : تفسیر الطبری (21 / 39 ، 41) ، سنن البیهقی (10 / 221 ، 223 ، 225) ، مستدرک الحاکم (2 / 441) ، تفسیر القرطبی (14 / 51 ، 52 ، 53) ، نقد العلم والعلماء 3.

ص: 101


1- البقرة : 16.
2- شعب الإیمان : 4 / 278 ح 5096.
3- جامع البیان : مج 11 / ج 21 / 61 ، المستدرک علی الصحیحین : 2 / 445 ح 3542 ، الجامع لأحکام القرآن : 14 / 36 - 37 ، (نقد العلم والعماء) تلبیس إبلیس : ص 231 ، إرشاد الساری : 13 / 350 ، تفسیر الخازن : 3 / 438 ، تفسیر النسفی : 3 / 278 ، الدرّ المنثور : 6 / 504 ، فتح القدیر : 4 / 236 ، نیل الأوطار : 8 / 113.

لابن الجوزی (ص 246) ، تفسیر ابن کثیر (3 / 441 ، 442) ، إرشاد الساری للقسطلانی (9 / 163) ، تفسیر الخازن (3 / 460) ، تفسیر النسفی هامش الخازن (3 / 460) ، تفسیر الدرّ المنثور (5 / 159 ، 160) ، تفسیر الشوکانی (4 / 228) ، تفسیر الآلوسی (21 / 67) ، نیل الأوطار (8 / 263).

2 - ینذر الله تعالی أُمّة محمد صلی الله علیه وآله وسلم فی الکتاب العزیز بقوله : (وَأَنْتُمْ سامِدُونَ) (1) ، قال عکرمة عن ابن عبّاس ، إنّه قال : هو الغناء بلغة حِمیَر. یُقال : سمّد لنا. أی غنّ لنا ، ویقال للقینة : اسمدینا. أی : ألهینا بالغناء.

أخرجه : سعید بن منصور ، عبد بن حمید ، ابن جریر ، عبد الرزّاق ، الفریابی ، أبو عبید ، ابن أبی الدنیا ، البزّار ، ابن المنذر ، ابن أبی حاتم ، البیهقی.

راجع (2) : تفسیر الطبری (28 / 48) ، تفسیر القرطبی (17 / 122) ، نقد العلم والعلماء لابن الجوزی (ص 246) ، نهایة ابن الأثیر (2 / 195) ، الفائق للزمخشری (1 / 305) ، تفسیر ابن کثیر (4 / 260) ، تفسیر الخازن (4 / 212) ، الدرّ المنثور (6 / 132) ، تاج العروس (2 / 381) ، تفسیر الشوکانی (5 / 115) ، تفسیر الآلوسی (27 / 72) ، نیل الأوطار (8 / 263).

3 - وفی خطاب الله العزیز قوله تعالی لإبلیس : (وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِکَ) (3). 4.

ص: 102


1- النجم : 61.
2- جامع البیان : مج 13 / ج 27 / 82 ، الجامع لأحکام القرآن : 17 / 80 ، تلبیس إبلیس (نقد العلم والعلماء) : ص 231 ، النهایة لابن الأثیر : : 2 / 398 ، الفائق للزمخشری : 2 / 199 ، تفسیر الخازن : 4 / 201 ، الدرّ المنثور : 7 / 667 ، فتح القدیر : 5 / 118.
3- الإسراء : 64.

قال ابن عبّاس ومجاهد : إنّه الغناء والمزامیر واللهو (1). کما فی تفسیر الطبری (15 / 81) ، تفسیر القرطبی (10 / 288) ، نقد العلم والعلماء لابن الجوزی (ص 247) ، تفسیر ابن کثیر (3 / 49) ، تفسیر الخازن (3 / 178) ، تفسیر النسفی (3 / 178) ، تفسیر ابن جزی الکلبی (2 / 175) ، تفسیر الشوکانی (3 / 233) ، تفسیر الآلوسی (15 / 111).

الغناء والمعازف فی السنّة

[1 -] قد جاء فی السنّة الشریفة عنه صلی الله علیه وآله وسلم : «ما من رجل یرفع صوته بالغناء إلاّ بعث الله علیه شیطانین أحدهما علی هذا المنکب والآخر علی هذا المنکب ، فلا یزالان یضربانه بأرجلهما حتی یکون هو الذی یسکت».

وفی لفظ ابن أبی الدنیا وابن مردویه : «ما رفع أحد صوته بغناء إلاّ بعث الله تعالی إلیه شیطانین یجلسان علی منکبیه یضربان بأعقابهما علی صدره حتی یمسک».

راجع (2) : تفسیر القرطبی (14 / 53) ، تفسیر الزمخشری (2 / 411) ، نقد العلم والعلماء لابن الجوزی (ص 248) ، تفسیر الخازن (3 / 460) ، تفسیر النسفی هامش الخازن (3 / 460) ، إرشاد الساری (9 / 164) ، الدرّ المنثور (5 / 159) ، تفسیر الشوکانی (4 / 228) ، تفسیر الآلوسی (21 / 68).

2 - عن عبد الرحمن بن عوف : أنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قال : «إنّما نهیت عن صوتین أحمقین فاجرین : صوت عند نغمة لهو ومزامیر الشیطان ، وصوت عند مصیبة خمش وجوه ، وشقّ جیوب ، ورنّة شیطان». 6.

ص: 103


1- جامع البیان : مج 9 / ج 15 / 118 ، 10 / 187 ، الجامع لأحکام القرآن : تلبیس إبلیس (نقد العلم والعلماء) : ص 232 ، تفسیر الخازن : 3 / 170 ، تفسیر النسفی : 2 / 320 ، فتح القدیر : 3 / 241.
2- الجامع لأحکام القرآن : 14 / 37 ، الکشّاف : 3 / 490 و 491 ، تلبیس إبلیس (نقد العلم والعلماء) : ص 232 ، تفسیر الخازن : 3 / 438 ، تفسیر النسفی : 3 / 278 ، إرشاد الساری : 13 / 351 ، الدرّ المنثور : 6 / 506 ، فتح القدیر : 4 / 236.

وفی لفظ الترمذی (1) وغیره (2) من حدیث أنس مرفوعاً : «صوتان ملعونان فاجران أنهی عنهما : صوت مزمار ورنّة شیطان عند نغمة ومرح ، ورنّة عند مصیبة ، لطم خدود ، وشقّ جیوب».

تفسیر القرطبی (14 / 53) ، نقد العلم والعلماء (ص 248) ، الدرّ المنثور (5 / 160) ، کنز العمّال (7 / 333) ، تفسیر الشوکانی (4 / 229) ، نیل الأوطار (8 / 268) (3).

3 - عن عمر بن الخطّاب مرفوعاً : «ثمن القینة سحت ، وغناؤها حرام ، والنظر إلیها حرام ، وثمنها من ثمن الکلب وثمن الکلب سحت».

أخرجه (4) الطبرانی کما فی إرشاد الساری للقسطلانی (9 / 163) ونیل الأوطار للشوکانی (8 / 264).

4 - عن أبی موسی الأشعری مرفوعاً : «من استمع إلی صوت غناء لم یؤذن له أن یسمع الروحانیّین» فقیل : ومن الروحانیون یا رسول الله؟ قال : «قرّاء أهل الجنّة».

أخرجه (5) : الحکیم الترمذی فی نوادر الأصول ، والقرطبی فی تفسیره (14 / 54)

5 - مرفوعاً : «لیکوننّ فی أُمّتی قوم یستحلّون الخزّ والخمر والمعازف» (6). ف)

ص: 104


1- سنن الترمذی : 3 / 328 ح 1005.
2- أنظر : شرح معانی الآثار : 4 / 293 ح 6975 ، المصنّف لابن أبی شیبة : 3 / 175 ح 7.
3- الجامع لأحکام القرآن : 14 / 37 ، تلبیس إبلیس (نقد العلم والعلماء) : ص 233 ، الدرّ المنثور : 6 / 507 ، کنز العمّال : 15 / 219 ح 40661 ، فتح القدیر : 4 / 236 ، نیل الأوطار : 8 / 117.
4- المعجم الکبیر : 1 / 73 ح 87 ، إرشاد الساری : 13 / 351 ، نیل الأوطار : 8 / 113.
5- نوادر الأصول : 1 / 333 الأصل 121 ، الجامع لأحکام القرآن : 14 / 37.
6- فی حواشی الدمیاطی : المعازف : الدفوف وغیرها ممّا یضرب به. ویطلق علی الغناء عزف وعلی کل لعب. نیل الأوطار : 8 / 261 [8 / 109]. (المؤلف)

أخرجه (1) : أحمد ، وابن ماجة ، وأبو نعیم ، وأبو داود بأسانید صحیحة لا مطعن فیها ، وصحّحه جماعة آخرون من الأئمّة ، کما قاله بعض الحفّاظ. قاله الآلوسی فی تفسیره (21 / 76) ، وأخرجه البیهقی فی السنن الکبری (10 / 221) فقال : أخرجه البخاری فی الصحیح.

6 - عن ابن عبّاس وأنس وأبی أمامة مرفوعاً : «لیکونن فی هذه الأمّة خسف وقذف ومسخ ، وذلک إذا شربوا الخمور ، واتّخذوا القینات ، وضربوا بالمعازف».

أخرجه (2) : ابن أبی الدنیا ، وأحمد ، والطبرانی ، کما فی الدرّ المنثور (2 / 324) وتفسیر الآلوسی (21 / 76).

7 - عن عبد الله بن عمر - عمرو - قال : إنّ قوله تعالی (یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَیْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّیْطانِ) (3) هی فی التوراة : إنّ الله أنزل الحقّ لیذهب به الباطل ، ویبطل به اللعب ، والزفن ، والمزامیر ، والکبارات یعنی البرابط ، والزمارات یعنی الدف ، والطنابیر.

أخرجه ابن أبی حاتم ، وأبو الشیخ ، والبیهقی فی سننه (10 / 222) ، وراجع تفسیر ابن کثیر (2 / 96) ، والدرّ المنثور (4) (2 / 317).

8 - عن أنس وأبی أمامة مرفوعاً : «بعثنی الله رحمة وهدی للعالمین ؛ وبعثنی بمحق المعازف والمزامیر وأمر الجاهلیّة» (5). کتاب العلم لابن عبد البرّ (1 / 153) ، الدرّ 8.

ص: 105


1- سنن ابن ماجة : 2 / 1333 ح 4020 ، سنن أبی داود : 4 / 46 ح 4039 ، صحیح البخاری : 5 / 2123 ح 5268.
2- مسند أحمد : 2 / 347 ح 6485 ، المعجم الکبیر : 6 / 150 ح 5810 ، الدرّ المنثور : 3 / 179.
3- المائدة : 90.
4- الدرّ المنثور : 3 / 163.
5- جامع بیان العلم : ص 183 ح 937 ، الدرّ المنثور : 3 / 178.

المنثور (2 / 323) ، نیل الأوطار (1) (8 / 262).

9 - عن علیّ مرفوعاً : «تمسخ طائفة من أُمّتی قردة ، وطائفة خنازیر ، ویُخسف بطائفة ، ویرسل علی طائفة الریح العقیم بأنّهم شربوا الخمر ، ولبسوا الحریر ، واتّخذوا القیان ، وضربوا بالدفوف». الدرّ المنثور (2) (2 / 324).

10 - عن أبی هریرة مرفوعاً : «یُمسخ قوم من هذه الأُمّة فی آخر الزمان قردةً وخنازیر» قالوا : یا رسول الله ألیس یشهدون أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمداً رسول الله؟ قال : «بلی ویصومون ویصلّون ویحجّون» ، قالوا : فما بالهم؟ قال : «اتّخذوا المعازف والدفوف والقینات ، وباتوا علی شربهم ولهوهم ، فأصبحوا قد مسخوا قردة وخنازیر».

وقریب من هذا حدیث عبد الرحمن بن سابط ، والغازی بن ربیعة ، وصالح بن خالد ، وأنس بن مالک ، وأبو أمامة ، وعمران بن حصین.

أخرجها (3) : ابن أبی الدنیا ، ابن أبی شیبة ، ابن عدی ، الحاکم ، البیهقی ، أبو داود ، ابن ماجة. راجع الدرّ المنثور (2 / 324).

11 - عن أنس بن مالک مرفوعاً : «من جلس إلی قینة یسمع منها صُبّ فی أذنه الآنک (4) یوم القیامة» (5). تفسیر القرطبی (14 / 53) ، نیل الأوطار (8 / 264). 3.

ص: 106


1- نیل الأوطار : 8 / 111.
2- الدرّ المنثور : 3 / 179.
3- المصنّف : 7 / 107 ح 3810 ، المستدرک علی الصحیحین : 4 / 560 - 561 ح 8572 ، السنن الکبری : 8 / 295 ، سنن أبی داود : 4 / 46 ح 4039 سنن ابن ماجة : 2 / 1333 ح 4020 ، الدرّ المنثور : 3 / 179.
4- الآنک : الرصاص. (المؤلف)
5- الجامع لأحکام القرآن : 14 / 37 ، نیل الأوطار : 8 / 113.

12 - عن عائشة مرفوعاً : «من مات وعنده جاریة مغنیة فلا تصلّوا علیه». تفسیر القرطبی (1) (14 / 53).

13 - أخرج الترمذی (2) من حدیث علیّ مرفوعاً : «إذا فعلت أمّتی خمس عشرة خصلة حلّ بها البلاء - فذکر منها - : إذا اتّخذت القینات والمعازف». وفی لفظ أبی هریرة : «ظهرت القیان والمعازف» (3).

نقد العلم والعلماء لابن الجوزی (ص 249) ، تفسیر القرطبی (ص 14 / 53) ، نیل الأوطار (8 / 263).

14 - عن ابن المنکدر : بلغنا أنّ الله تعالی یقول یوم القیامة : أین عبادی الذین کانوا ینزّهون أنفسهم وأسماعهم عن اللهو ومزامیر الشیطان؟ أحلّوهم ریاض المسک وأخبروهم أنّی قد أحللت علیهم رضوانی. تفسیر القرطبی (4) (14 / 53).

15 - عن ابن مسعود : أنّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم سمع رجلاً یتغنّی من اللیل فقال : «لا 15 - صلاة له ، لا صلاة له ، لا صلاة له» نیل الأوطار (5) (8 / 264).

16 - قال رسول الله علیه السلام یوم فتح مکّة : «إنّما بعثت بکسر الدفّ والمزمار» ، فخرج الصحابة رضوان الله علیهم یأخذونها من أیدی الولدان ویکسرونها. بهجة النفوس شرح مختصر صحیح البخاری لأبی محمد بن أبی جمرة الأزدی (2 / 74).

17 - فی حدیث من طریق معاویة : یا أیّها الناس إنّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم نهی عن تسع 3.

ص: 107


1- الجامع لأحکام القرآن : 14 / 37.
2- سنن الترمذی : 4 / 428 ح 2210.
3- تلبیس إبلیس (نقد العلم والعلماء) : ص 233 - 234 ، الجامع لأحکام القرآن : 14 / 37 ، نیل الأوطار : 8 / 112.
4- الجامع لأحکام القرآن : 14 / 37.
5- نیل الأوطار : 8 / 113.

وأنا أنهی عنهنّ. وعدّ منها : الغناء. تاریخ البخاری (4 قسم 1 / 234).

الغناء فی المذاهب الأربعة

1 - حرّمه إمام الحنفیّة وعدّه وسماعه من الذنوب ، وهذا مذهب مشایخ أهل الکوفة : سفیان ، وحمّاد ، وإبراهیم ، والشعبی ، وعکرمة.

2 - عن مالک إمام المالکیة أنّه نهی عن الغناء وعن استماعه وقال : إذا اشتری أحد جاریة فوجدها مغنّیة فله أن یردّها بالعیب. وهو مذهب سائر أهل المدینة إلاّ إبراهیم بن سعد وحده.

وسُئل مالک : ما ترخّص فیه أهل المدینة من الغناء؟ فقال : إنّما یفعله عندنا الفسّاق. وسُئل مالک عن الغناء؟ فقال : قال الله تعالی : (فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ) (1). أفحقّ هو؟

3 - ونقل التحریم عن جمع من الحنابلة علی ما حکاه شارح المقنع ، وعن عبد الله ابن الإمام أحمد أنّه قال : سألت أبی عن الغناء. فقال : ینبت النفاق فی القلب لا یعجبنی ، ثمّ ذکر قول مالک : إنّما یفعله عندنا الفسّاق.

4 - وصرّح أصحاب الشافعی العارفون بمذهبه بتحریمه ، وأنکروا علی من نسب إلیه حلّه کالقاضی أبی الطیّب ، وله فی ذم الغناء والمنع عنه کتاب مصنّف ، والطبری والشیخ أبی إسحاق فی التنبیه.

وقال أبو الطیّب الطبری : أمّا سماع الغناء من المرأة التی لیست بمحرم فإنّ أصحاب الشافعی لا یجوّزونه سواء کانت حرّة أو مملوکة. قال : وقال الشافعی : وصاحب الجاریة إذا جمع الناس لسماعها فهو سفیه تردّ شهادته ، ثمّ غلّظ القول فیه 2.

ص: 108


1- یونس : 32.

فقال : فهی دیاثة. وإنّما جعل صاحبها سفیهاً لأنّه دعا الناس إلی الباطل ، ومن دعا الناس إلی الباطل کان سفیهاً.

وقال ابن الصلاح : هذا السماع حرام بإجماع أهل الحلّ والعقد من المسلمین.

وقال الطبری : أجمع علماء الأمصار علی کراهة الغناء والمنع منه ، وإنّما فارق الجماعة إبراهیم بن سعد ، وعبید الله العنبری.

وسُئل القاسم بن محمد عن الغناء فقال : أنهاک عنه وأکرهه لک. فقال السائل : أحرام هو؟ قال : أُنظر یا ابن أخی إذا میّز الله تعالی الحقّ من الباطل فی أیّهما یجعل سبحانه الغناء؟ وقال : لعن الله المغنّی والمغنّی له.

وقال المحاسبی فی رسالة الإنشاء : الغناء حرام کالمیتة.

وفی کتاب التقریب : إنّ الغناء حرام فعله وسماعه.

وقال النحّاس : ممنوع بالکتاب والسنّة.

وقال القفّال : لا تقبل شهادة المغنّی والرقّاص.

راجع (1) : سنن البیهقی (10 / 224) ، نقد العلم والعلماء لابن الجوزی (ص 242 - 246) ، تفسیر القرطبی (14 / 51 ، 52 ، 55 ، 56) ، الدرّ المنثور (5 / 159) ، عمدة القاری للعینی (5 / 160) ، تفسیر الآلوسی (21 / 68 ، 69).

وفی مفتاح السعادة (2) (1 / 334) : وقد قیل : التلذّذ بالغناء وضرب الملاهی کفر.

قال الأمینی : لعلّ القائل أخذ بما أخرجه أبو یعقوب النیسابوری من حدیث 6.

ص: 109


1- تلبیس إبلیس (نقد العلم العلماء) : ص 228 - 231 ، الجامع لأحکام القرآن : 14 / 36 - 39 ، الدرّ المنثور : 6 / 504 - 507 ، عمدة القاری : 6 / 271.
2- مفتاح السعادة : 1 / 376.

أبی هریرة مرفوعاً : «استماع الملاهی معصیة ، والجلوس علیها فسق ، والتلذّذ بها کفر». نیل الأوطار(1) (8 / 264).

وعن إبراهیم بن مسعود : الغناء باطل والباطل فی النار. وعنه : الغناء ینبت النفاق فی القلب کما ینبت الماء البقل. وعنه : إذا رکب الرجل الدابّة ولم یسمّ ردفه شیطان فقال : تغنّه. فإن کان لا یحسن قال : تمنّه (2).

ومرّ ابن عمر رضی الله عنه بقوم محرمین وفیهم رجل یغنّی ، قال : ألا لا سمع الله لکم. ومرّ بجاریة صغیرة تغنّی فقال : لو ترک الشیطان أحداً لترک هذه.

وقال الضحّاک : الغناء منفدة للمال ، مسخطة للربّ ، مفسدة للقلب.

وقال یزید بن الولید الناقص : یا بنی أُمیّة إیّاکم والغناء فإنّه ینقص الحیاء ، ویزید فی الشهوة ، ویهدم المروءة ، وأنّه لینوب عن الخمر ، ویفعل ما یفعل السکر ، فإن کنتم لا بدّ فاعلین فجنّبوه النساء فإنّ الغناء داعیة الزنا.

وفیما کتب عمر بن عبد العزیز إلی سهل مولاه : بلغنی عن الثقات من حملة العلم أنّ حضور المعازف واستماع الأغانی واللهج بهما ، ینبت النفاق فی القلب ، کما ینبت الماء العشب.

وقیل : الغناء جاسوس القلب ، وسارق المروءة والعقول ، یتغلغل فی سویداء القلوب ، ویطّلع علی سرائر الأفئدة ، ویدبّ إلی بیت التخییل ، فینشر ما غرز فیها الهوی والشهوة والسخافة والرعونة ، فبینما تری الرجل وعلیه سمت الوقار ، وبهاء العقل ، وبهجة الإیمان ، ووقار العلم ، کلامه حکمة ، وسکوته عبرة ، فإذا سمع الغناء نقص عقله وحیاؤه ، وذهبت مروءته وبهاؤه ، فیستحسن ما کان قبل السماع یستقبحه ، ویبدی من أسراره ما کان یکتمه ، وینتقل من بهاء السکوت والسکون إلی ً.

ص: 110


1- نیل الأوطار : 8 / 113.
2- الهاء فی تغنّه وتمنّه للسکت ولیست ضمیراً.

کثرة الکلام والهذیان والاهتزار کأنّه جانّ وربّما صفق بیدیه ، ودقّ الأرض برجلیه ، وهکذا تفعل الخمر إلی غیر ذلک.

راجع (1) : سنن البیهقی (10 / 223) ، نقد العلم والعلماء لابن الجوزی (ص 250) ، تفسیر الزمخشری (2 / 411) ، تفسیر القرطبی (14 / 52) ، إرشاد الساری (9 / 164) ، الدرّ المنثور (5 / 159 ، 160) ، کنز العمّال (7 / 333) ، تفسیر الخازن (3 / 46) ، تفسیر الشوکانی (4 / 228) ، نیل الأوطار (8 / 264) ، تفسیر الآلوسی (21 / 67 ، 68).

نظرة فی الأحادیث المعنونة :

هذا شأن الغناء والملاهی ، وتلک ما یؤثر عن نبیّ الإسلام صلی الله علیه وآله وسلم أفمن المعقول إذاً أن تعزی إلیه تلک المسامحة المزریة بعصمته ، المسقطة لمحلّه ، المسفّة به إلی هوّة الجهل؟ ثمّ یُحسب أنّ الذی تذمّر منهما وتجهّم أمام الباطل ودحضه هو عمر فحسب دون رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم؟ وما هذا الشیطان الذی کان یفرَقُ (2)من عمر وما کان یخاف رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم؟

أیّ نبیّ هذا وهو یسمع الملاهی ، وترقص بین یدیه الرقّاصة الأجنبیّة ، وتضرب بالدفّ وتغنّی ، أو یوقِف هو حلیلته علی تلک المواقف المخزیة ، ثمّ یقول : «لست من ددٍ ولا الدد (3) منّی. أو یقول : لست من ددٍ ولا ددٌ منّی. أو یقول : لست من الباطل ولا الباطل منّی» (4)؟ ف)

ص: 111


1- تلبیس إبلیس (نقد العلم والعلماء) : ص 235 - 236 ، الکشّاف : 3 / 491 ، الجامع لأحکام القرآن : 14 / 36 - 39 ، إرشاد الساری : 13 / 351 ، الدرّ المنثور : 6 / 506 ، کنز العمّال : 15 / 219 ح 40659 ، تفسیر الخازن : 3 / 438 ، فتح القدیر : 4 / 236 ، نیل الأوطار : 8 / 113 - 119.
2- یفرَق : یخاف.
3- الدّد : اللهو واللعب.
4- أخرجه البخاری فی الأدب [الأدب المفرد : ص 216 ح 806] ، والبیهقی [فی سننه : 10 / 217] ، والخطیب ، وابن عساکر. راجع کنز العمّال : 7 / 333 [15 / 219 ح 40664] ، فیض القدیر : 5 / 265 [ح 7241]. (المؤلف)

أیّ عظیم هذا یری فی بیته غناء الجواری وضربهنّ بالدف ولا ینبس ببنت شفة غیر أنّ عمر یغضبه ذلک ویقول : أمزمار الشیطان فی بیت رسول الله؟ ألیس هذا النبیّ هو الذی کان إذا سمع مزماراً یضع إصبعیه علی أذنیه ونأی عن الطریق؟

قال نافع : سمع عبد الله بن عمر مزماراً فوضع إصبعیه علی أُذنیه ونأی عن الطریق وقال لی : یا نافع هل تسمع شیئاً؟ فقلت : لا ، فرفع إصبعیه من أُذنیه وقال : کنت مع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فسمع مثل هذا فصنع مثل هذا (1). ألیس ابن عبّاس قال أخذاً بالسنّة الشریفة : الدّفُ حرام ، والمعازف حرام ، والکوبة حرام ، والمزمار حرام؟

ألا تعجب من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم والحبشة تلعب فی مسجده الشریف أشرف بقاع الدنیا وتزفن وتغنّی وهو صلی الله علیه وآله وسلم وحلیلته ینظران إلیها ، وعمر ینهاهنّ ، ویقول النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم : دعهنّ یا عمر؟

أصحیح ما جاء عن النبیّ الأقدس صلی الله علیه وآله وسلم من قوله بعدّة طرق : «جنّبوا مساجدکم صبیانکم ، ومجانینکم ، وشراءکم ، وبیعکم ، وخصوماتکم ، ورفع أصواتکم ، وإقامة حدودکم»؟

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «من سمع رجلاً ینشد ضالّة فی المسجد فلیقل : لا ردّها الله علیک. فإنّ المساجد لم تبن لهذا»؟ أخرجه (2) مسلم وأبو داود وابن ماجة والترمذی.

وما أخرجه (3) مسلم والنسائی وابن ماجة عن بریدة : أنّ رجلاً نشد فی 5.

ص: 112


1- سنن أبی داود : 2 / 304 [4 / 281 ح 4924] ، سنن البیهقی : 10 / 222 ، تاریخ ابن عساکر : 7 / 206 ، 284 [26 / 169 رقم 3068 ، 27 / 35 رقم 3153]. (المؤلف)
2- صحیح مسلم : 2 / 39 ح 79 کتاب المساجد ، سنن أبی داود : 1 / 128 ح 473 ، سنن ابن ماجة : 1 / 252 ح 767 ، سنن الترمذی : 2 / 139 ح 322.
3- صحیح مسلم : 2 / 39 ح 80 ، ص 40 ح 81 کتاب المساجد ، السنن الکبری : 1 / 263 ح 796 ، سنن ابن ماجة : 1 / 252 ح 765.

المسجد الجمل ،فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «لا وجدت ، إنّما بنیت المساجد لِما بنیت له»؟

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «سیکون فی آخر الزمان قوم یکون حدیثهم فی مساجدهم لیس لله فیهم حاجة»؟ أخرجه ابن حبّان فی صحیحه (1).

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «لا تتّخذوا المساجد طرقاً إلاّ لذکر أو صلاة» (2)؟

وما ظنّک بنبیّ العصمة یحول المولی سبحانه بینه وبین ما یهمّه من سماع المعازف والمزامیر قبل بعثته تشریفاً وتعظیماً لمکانته من القداسة ، ویخلّیه واسع السرب رخیّ البال بعد مبعثه الشریف یسمع غناء الأجنبیّات وهی تزفن (3)؟ أخرج الحفّاظ بالإسناد عن أمیر المؤمنین علیه السلام قال : سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول : ما هممت بشیء ممّا کان فی الجاهلیّة یعملون به غیر مرّتین ، کلّ ذلک یحول الله تعالی بینی وبین ما أرید ، فإنّی قلت لیلة لغلام من قریش کان یرعی معی بأعلی مکة : لو أبصرت إلی غنمی حتی أدخل مکة فأسمر بها ما یسمر الشباب. فقال : ادخل. فخرجت أُرید ذلک حتی إذا جئت أوّل دار من دور مکّة سمعت عزفاً بالدفوف والمزامیر ، فقلت : ما هذا؟ قالوا : فلان ابن فلان تزوّج فلانة ابنة فلان ، فجلست أنظر إلیهم فضرب الله علی أُذنی فنمت فما أیقظنی إلاّ مسّ الشمس ، قال : فجئت صاحبی فقال : ما فعلت؟ فقلت : ما صنعت شیئاً ، وأخبرته الخبر. قال : ثمّ قلت له لیلة أخری مثل ذلک ، فقال : افعل ، فخرجت فسمعت حین جئت مکة مثل ما سمعت ودخلت مکة تلک اللیلة فجلست أنظر فضرب الله علی أُذنی فو الله ما أیقظنی إلاّ مسّ الشمس ، فرجعت إلی صاحبی ص.

ص: 113


1- الإحسان فی صحیح ابن حبّان : 15 / 162 ح 6761.
2- جمع هذه الأحادیث وأمثالها الحافظ المنذری فی الترغیب والترهیب : 1 / 89 - 92 [1 / 196 - 225]. (المؤلف)
3- الزّفن : الرقص.

فأخبرته الخبر ، ثمّ ما هممت بعدهما بسوء حتی أکرمنی الله برسالته (1).

قال الماوردی فی أعلام النبوّة (2) (140) : هذه أحوال عصمته قبل الرسالة ، وصدّه عن دنس الجهالة ، فاقتضی أن یکون بعد الرسالة أعظم ، ومن الأدناس أسلم ، وکفی بهذه الحال أن یکون من الأصفیاء الخیرة إن أمهل ، ومن الأتقیاء البررة إن أغفل ، ومن أکبر الأنبیاء عند الله تعالی من أرسل مستخلص الفطرة ، علیّ النظرة ، وقد أرسله الله تعالی بعد الاستخلاص ، وطهّره من الأدناس ، فانتفت عنه تهم الظنون ، وسلم من ازدراء العیون ، لیکون الناس إلی إجابته أسرع ، وإلی الانقیاد له أطوع. انتهی.

وإلیّ نسائل ذلک الحکیم المتأوّل الذی مرّ کلامه (ص 65) عن أنّه کیف خصّ محمداً صلی الله علیه وآله وسلم بالنبوّة ، وأبا بکر بالرحمة ، وعمر بالحقّ ، وحسب أنّه فتح باباً مُرتجاً من المعضلات ، أو أتی بقرنی حمار ، أیّ نبوّة تفارق الحقّ؟ وأیّ نبیّ هو أوضع من صاحب الحقّ؟ وأیّ حقٍّ اقتناه عمر لنفسه وعزب عن الرسول صلی الله علیه وآله وسلم عرفانه؟

وهلمّ معی إلی طامّة أُخری من الزرکشی فی الإجابة (3) (ص 67) ، الذی عدّ فیها من خصائص عائشة : أنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم کان یتبع رضاها کلعبها باللعب ، ووقوفه فی وجهها لتنظر إلی الحبشة یلعبون. فقال : واستنبط العلماء من ذلک أحکاماً کثیرة فما أعظم برکتها! انتهی. 1.

ص: 114


1- دلائل النبوّة لأبی نعیم : 1 / 58 [1 / 236 ح 128]. أعلام النبوّة للماوردی : ص 140 [ص 211 باب 19]. تاریخ الطبری : 2 / 196 [2 / 279] ، الکامل لابن الأثیر : 2 / 14 [1 / 471] ، عیون الأثر لابن سیّد الناس : 1 / 44 [1 / 65] ، تاریخ ابن کثیر : 2 / 287 [2 / 350] ، الخصائص الکبری : 1 / 88 [1 / 149] ، السیرة الحلبیة : 1 / 132 [1 / 122]. (المؤلف)
2- أعلام النبوّة : ص 212 باب 19.
3- الإجابة : ص 63 باب 1.

أو هل یرید هذا الرجل إثبات مأثرة لعائشة؟ أو ذکر مَزلّة لبعلها؟ وهل کان صلی الله علیه وآله وسلم یتّبع رضاها فی المشروع؟ أو کان اتّباعه أعمّ من ذلک؟ - معاذ الله - وهل من الممکن أن یتّبع رضاها حتی فی نقض ما جاء به هو من الشریعة الالهیّة؟ وأیّ حکم یستنبط من مثل هذا المدرک الساقط؟ فمرحباً بالکاتب ، وزهٍ بالعلماء المستنبطین ، وکثّر الله أمثال هذه البرکات - لاکثّرها.

ثمّ هل النذر یبیح المحظور؟ وفی الحدیث الشریف قوله صلی الله علیه وآله وسلم : «لا نذر فی معصیة ولا نذر فیما لا یملک ابن آدم» (1).

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «من نذر أن یطیع الله فلیطعه ، ومن نذر أن یعصی الله فلا یعصه» (2).

وقال عقبة بن عامر : إنّ أخته نذرت أن تمشی حافیة غیر مختمرة وأنّه ذکر ذلک لرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فقال : «مرها فلترکب ولتختمر» (3).

وعن ابن عبّاس قال : إنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم مرّ برجل بمکة وهو قائم فی الشمس فقال : «ما هذا؟» قالوا : نذر أن یصوم ولا یستظلّ إلی اللیل ولا یتکلّم ولا یزال ف)

ص: 115


1- صحیح مسلم : 2 / 17 [3 / 462 ح 8 کتاب النذر] ، سنن أبی داود : 2 / 81 [3 / 228 ح 3274] ، سنن ابن ماجة : 1 / 652 [1 / 686 ح 2124] ، سنن النسائی : 7 / 19 ، 29 [3 / 136 ح 4754]. (المؤلف)
2- صحیح البخاری : 9 / 245 ، 246 [6 / 2463 ح 6318 ، ص 2464 ح 6322] ، صحیح الترمذی : 1 / 288 [4 / 88 ح 1526] ، سنن ابن ماجة : 1 / 653 [1 / 687 ح 2126] ، سنن أبی داود : 2 / 78 [3 / 233 ح 3289] ، سنن النسائی : 7 / 17 [3 / 134 ح 4749 ، 4750] ، سنن البیهقی : 10 / 75. (المؤلف)
3- سنن ابن ماجة : 1 / 654 [1 / 689 ح 2134] ، سنن النسائی : 7 / 20 [3 / 136 ح 4757] ، صحیح الترمذی : [4 / 94 ح 1536] کما فی تیسیر الوصول : 4 / 279 [4 / 335] ، سنن البیهقی : 10 / 80. (المؤلف)

قائماً. قال : «لیتکلّم ولیستظلّ ولیجلس ولیتمّ صومه» (1).

وقال صلی الله علیه وآله وسلم : «لا نذر إلاّ فیما یُبتغی به وجه الله تعالی» (2).

وقال صلی الله علیه وآله وسلم : «النذر نذران ، فمن کان نذره فی طاعة الله فذلک لله وفیه الوفاء ، ومن کان نذره فی معصیة الله فذلک للشیطان ولا وفاء فیه» (3).

أوَلیس من شرط انعقاد النذر علی هذا الرجحان فی متعلّقه وکونه ممّا یُبتغی به وجه الله لیکون مقرّباً إلیه سبحانه زلفی ، فیصحّ للناذر أن یقول : لله علیّ کذا؟ فأیّ رجحان فی ضرب المرأة الأجنبیّة الدفّ بین یدی الرجل الأجنبیّ وفی غنائها ورقصها أمامه؟ إلاّ أن یقول القائل : إنّ تلک الجاریة أو مسجد النبیّ الأعظم أباحا تلکم المحظورات. أو الغلوّ فی الفضائل - فضائل الخلیفة - أباح أن تستساغ.

رأی عمر فی الغناء

إن تعجب فعجب أنّ هذه المهازئ تشعر بکراهة عمر للغناء وقد عدّه العینی فی عمدة القاری شرح صحیح البخاری (4) (5 / 160) نقلاً عن کتاب التمهید لأبی عمر صاحب الاستیعاب ممّن ذهب إلی إباحته فی عداد عثمان ، وعبد الرحمن بن عوف ، وسعد بن أبی وقّاص ، وعبد الله بن عمر ، ومعاویة ، وعمرو بن العاصی ، والنعمان بن بشیر ، وحسّان بن ثابت. 2.

ص: 116


1- سنن ابن ماجة : 1 / 655 [1 / 690 ح 2136] ، صحیح البخاری : 9 / 247 [6 / 2465 ح 6326] ، سنن أبی داود : 2 / 79 [3 / 235 ح 3300] ، سنن البیهقی : 10 / 75. (المؤلف)
2- أخرجه أبو داود [فی سننه : 2 / 258 ح 2192] کما فی تیسیر الوصول : 4 / 281 [4 / 337] ، وأخرجه البیهقی فی السنن الکبری : 10 / 75. (المؤلف)
3- أخرجه النسائی [فی سننه : 7 / 29 طبعة دار الکتاب العربی] کما فی التیسیر : 4 / 281 [4 / 338]. (المؤلف)
4- عمدة القاری : 6 / 272.

وقال الشوکانی فی نیل الأوطار (1) (8 / 266) : قد روی الغناء وسماعه عن جماعة من الصحابة والتابعین ، فمن الصحابة : عمر. کما رواه ابن عبد البرّ (2) وغیره ، ثمّ عدّ جمعاً منهم : عثمان ، عبد الرحمن بن عوف ، أبو عبیدة الجرّاح ، سعد بن أبی وقّاص ، عبد الله بن عمر.

وروی المبرّد والبیهقی فی المعرفة کما فی نیل الأوطار (3) (8 / 272) عن عمر : أنّه إذا کان داخلاً فی بیته ترنّم بالبیت والبیتین. واستدلال الشوکانی بهذا علی إباحة الغناء فی بعض المواقف یومی إلی أنّ المراد من الترنّم : التغنّی.

وقال ابن منظور فی لسان العرب (4) (19 / 374) : قد رخّص عمر رضی الله عنه فی غناء الأعراب.

ویُعرب عن جلیّة الحال حدیث خوات بن جبیر الصحابی ، قال : خرجنا حجّاجاً مع عمر ، فسرنا فی رکب فیهم أبو عبیدة بن الجرّاح وعبد الرحمن بن عوف ، فقال القوم : غنّنا من شعر ضرار ، فقال عمر : دعوا أبا عبد الله فلیغنّ من بنیّات فؤاده (5). فما زلت أُغنّیهم حتی کان السحر ، فقال عمر : ارفع لسانک یا خوات فقد أسحرنا (6).

وزاد ابن عساکر فی تاریخه (7) (7 / 163) : فقال أبو عبیدة : هلمّ إلی رجل أرجو 1.

ص: 117


1- نیل الأوطار : 8 / 115.
2- الاستیعاب : القسم الثانی / 457 رقم 686.
3- نیل الأوطار : 8 / 120.
4- لسان العرب : 10 / 135.
5- یعنی : من شعره.
6- سنن البیهقی : 10 / 224 ، الاستیعاب : 1 / 170 [القسم الثانی / 457 رقم 686] ، الإصابة : 1 / 457 [رقم 2298] ، کنز العمّال : 7 / 335 [15 / 228 ح 40697]. (المؤلف)
7- تاریخ مدینة دمشق : 25 / 483 رقم 3051.

أن لا یکون شرّا من عمر. قال : فتنحّیت أنا وأبو عبیدة فما زلنا کذلک حتی صلّینا الفجر.

وفی کنز العمّال (1) (7 / 336) : کلّم أصحاب النبیّ خوات بن جبیر أن یغنّیهم فقال : حتی أستأذن عمر. فاستأذنه فأذن له ، فغنّی خوات ، فقال عمر : أحسن خوات ، أحسن خوات.

وفی حدیث رباح بن المعترف : قال : إنّه کان مع عبد الرحمن بن عوف یوماً فی سفر ، فرفع صوته رباح یغنّی غناء الرکبان ، فقال له عبد الرحمن : ما هذا؟ قال : غیر ما بأس نلهو ونقصّر عنّا السفر. فقال عبد الرحمن : إن کنتم لا بدّ فاعلین فعلیکم بشعر ضرار بن الخطّاب ، ویقال : إنّه کان معهم فی ذلک السفر عمر بن الخطّاب وکان یغنّیهم غناء النصب (2). فی تاج العروس (3) : النصب ضرب من أغانی الأعراب.

وعن عثمان بن نائل عن أبیه قال : قلنا لرباح بن المعترف : غنّنا بغناء أهل بلدنا ، فقال : مع عمر؟ قلنا : نعم ، فإن نهاک فانته.

وذکر الزبیر بن بکار : أنّ عمر مرّ به ورباح یغنّیهم غناء الرکبان (4) فقال : ما هذا؟ قال عبد الرحمن : غیر ما بأس یقصّر عنّا السفر ، فقال : إذا کنتم فاعلین فعلیکم بشعر ضرار بن الخطّاب. الإصابة (1 / 502).

وعن السائب بن یزید قال : بینا نحن مع عبد الرحمن بن عوف فی طریق مکّة إذ ف)

ص: 118


1- کنز العمّال : 15 / 229 ح 40700.
2- سنن البیهقی : 10 / 224 ، الاستیعاب : 1 / 186 [القسم الثانی / 486 رقم 746]. (المؤلف)
3- تاج العروس : 1 / 485.
4- قال ابن الأعرابی : کانت العرب تتغنّی بالرکبانی إذا رکبت وإذا جلست فی الأفنیة وعلی أکثر أحوالها ، فأحبّ النبی صلی الله علیه وآله وسلم أن یکون هِجّیراهم [أی : عادتهم ودأبهم] بالقرآن مکان التغنّی بالرکبانی. لسان العرب : 19 / 337 [10 / 135] ، تاج العروس : 10 / 273. (المؤلف)

قال عبد الرحمن لرباح : غنّنا. فقال له عمر : إن کنت آخذاً فعلیک بشعر ضرار بن الخطّاب. الإصابة (2 / 209).

وفی لفظ ابن عساکر فی تاریخه (1) (7 / 35) : فقال عمر : ما هذا؟ فقال عبد الرحمن : ما بأس بهذا اللهو ونقصّر عنّا سفرنا. فقال عمر : إن کنت ... إلی آخره.

وعن العلاء بن زیاد : أنّ عمر کان فی مسیر فتغنّی فقال : هلا زجرتمونی إذا لغوت. کنز العمّال (2) (7 / 335).

وعن الحارث بن عبد الله بن عباس : أنّه بینا هو یسیر مع عمر فی طریق مکّة فی خلافته ومعه المهاجرون والأنصار فترنّم عمر ببیت ، فقال له رجل من أهل العراق لیس معه عراقیّ غیره : غیرک فلیقلها یا أمیر المؤمنین ، فاستحیا عمر وضرب راحلته حتی انقطعت من الرکب. أخرجه الشافعی والبیهقی کما فی الکنز (3) (7 / 336).

هذا عمر وهذا رأیه وهذه سیرته فی الغناء ، فهل من المعقول أن یهابه المغنّون فیجفلون عمّا کانوا یقترفونه ، ویسمعه النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ولا یتحرّج؟ ویری أنّ الشیطان یفرق من عمر ، ولا یفرق منه؟ المستعاذ بک یا الله.

وقد تروی هذه المنقبة الموهومة لعثمان فیما أخرجه أحمد فی مسنده (4) (4 / 353) من طریق ابن أبی أوفی قال : استأذن أبو بکر رضی الله عنه علی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وجاریة تضرب بالدُّف فدخل ، ثمّ استأذن عمر رضی الله عنه فدخل ، ثمّ استأذن عثمان رضی الله عنه فأمسکت. قال : فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : إن عثمان رجل حیی.

وأخرجه فی (ص 354) بإسناد آخر بلفظ : کانت جاریة تضرب بالدفّ عند 8.

ص: 119


1- تاریخ مدینة دمشق : 24 / 400 رقم 2932.
2- کنز العمّال : 15 / 228 ح 40696.
3- کنز العمّال : 15 / 228 ح 40698.
4- مسند أحمد : 5 / 470 ح 18634 ، ص 471 ح 18638.

رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فجاء أبو بکر ثمّ جاء عمر ، ثمّ جاء عثمان فأمسکت ، فقال : إلی آخره. وسنوقفک علی حیاء عثمان حتی تعرف صحّة هذا الحدیث أیضاً.

ثمّ لنتوجّه إلی شاعر النیل المشبّه دِرّة عمر بعصا موسی التی کانت معجزة قاهرة لنبیٍّ معصوم أبطل بها الباطل ، وأقام الحقّ ، فقال کما مرّ فی (ص 66):

أغنتْ عن الصارمِ المصقولِ درّتهُ

فکم أخافت غویَّ النفسِ عاتیها

کانت له کعصا موسی لصاحبِها

لا ینزلُ البُطْلُ مجتازاً بوادیها

فنسأل الرجال عن وجه الشبه بین تلک العصا وبین هذه الدِرّة التی قیل فیها : لعلّ درّته لم یسلم من خفقتها إلاّ القلائل من کبار الصحابة ، وکانت الدرّة فی یده علی الدوام أنّی سار ، وکان الناس یهابونها أکثر ممّا تخیفهم السیوف ، وکان یقول : أصبحت أضرب الناس لیس فوقی أحد إلاّ ربّ العالمین (1) ، فقیل بعده : لدرّة عمر أهیب من سیف الحجّاج کما فی محاضرة السکتواری (ص 169).

فما وجه الشبه بین عصا نبیّ معصوم وبین درّة إنسان لم یسلم منها إلاّ القلائل من کبار الصحابة؟ أهی تشبهها حین ضرب صاحبها النساء الباکیات علی بنت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وأخذ صلی الله علیه وآله وسلم بیده وقال : «مه یا عمر»؟ (غ) (6 / 159) (2).

أم حین ضرب أمّ فروة بنت أبی قحافة حین بکت علی أبیها؟ (غ) (6 / 161)

أم حین ضرب تمیم الداری لإتیانه الصلاة بعد العصر وهی سنّة؟ (غ) (6 / 183 - 184).

أم حین ضرب المنکدر وزید الجهنی وآخرین للصلاة بعد العصر؟ (غ) (6 / 184). ف)

ص: 120


1- محاضرات الخضری : 2 / 15 ، الخلفاء للنجّار : ص 113 ، 239. (المؤلف)
2- غ : رمز کتابنا هذا (الغدیر) فی جمیع الأجزاء. (المؤلف)

أم حین ضرب فی المجزرة کلّ من اشتری اللحم لأهله یومین متتابعین؟ (غ) (6 / 267).

أم حین ضرب رجلاً أتی بیت المقدس وإتیانه سنّة؟ (غ) (6 / 278).

أم حین ضرب الصائمین فی رجب وصومه سنّة مؤکّدة؟ (غ) (6 / 282).

أم حین ضرب سائلاً عن آیة من القرآن لا یعرف مغزاها؟ (غ) (6 / 290).

أم حین ضرب مسلماً أصاب کتاباً فیه العلم؟ (غ) (6 / 297).

أم حین ضرب مسلماً اقتنی کتاباً لدانیال؟ (غ) (6 / 298).

أم حین ضرب من کنّی بأبی عیسی؟ (غ) (6 / 308).

أم حین ضرب سیّد ربیعة من غیر ذنب أتی به؟ (غ) (6 / 157).

أم حین ضرب معاویة من دون أن یقترف إثماً؟ کما فی تاریخ ابن کثیر (1) (8 / 125).

أم حین ضرب أبا هریرة لابتیاعه أفراساً من ماله؟ (غ) (6 / 271).

أم حین ضرب من صام دهراً؟ (غ) (6 / 322).

إلی مواقف لا تحصی. فانظر إلی من تتوجّه قارصة الرجل فی قوله : فکم أخافت غویّ النفس عاتیها.

(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ یُعْجِبُکَ قَوْلُهُ فِی الْحَیاةِ الدُّنْیا وَیُشْهِدُ اللهَ عَلی ما فِی قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ) (2). 4.

ص: 121


1- البدایة والنهایة : 8 / 134 حوادث سنة 60 ه.
2- البقرة : 204.

- 4 -

کرامات عمر الأربع

1 - لمّا فتح عمر مصر أتی أهلها إلی عمرو بن العاص حین دخل بؤنة من أَشهُر العجم ، فقالوا له : أیّها الأمیر إنّ لنیلنا هذا سنّة لا یجری إلاّ بها. فقال لهم : وما ذاک؟ فقالوا له : إنّا إذا کانت ثلاث عشرة لیلة نحواً (1) من هذا الشهر عمدنا إلی جاریة بکر بین أبویها ، فأرضینا أباها وحملنا علیها من الحلیّ والثیاب أفضل ما یکون ثمّ ألقیناها فی النیل ، فقال لهم عمرو : إنّ هذا شیء لا یکون فی الإسلام وإنّ الإسلام یهدم ما کان قبله ، فأقاموا بؤنة وأبیب ومسری (2) ، لا یجری قلیلاً ولا کثیراً ، فکتب إلی عمر بن الخطّاب رضی الله عنه ، فکتب إلیه عمر : أنّک قد أصبت بالذی فعلت ، إنّ الإسلام یهدم ما قبله ، وکتب إلی عمرو أنّی قد بعثت إلیک بطاقة داخل کتابی هذا إلیک فألقها فی النیل إذا وصل کتابی إلیک ، فلمّا قدم کتاب عمر رضی الله عنه إلی عمرو بن العاص فإذا فیها مکتوب :

من عبد الله عمر أمیر المؤمنین إلی نیل مصر : أمّا بعد : فان کنت إنّما تجری من قبلک فلا تجرِ ، وإن کان الله الواحد القهّار هو مجریک فنسأل الله الواحد القهّار أن یجریک.

وفی لفظ الواقدی : فان کنت مخلوقاً لا تملک ضراً ولا نفعاً وأنت تجری من قِبَل نفسک وبأمرک فانقطع ولا حاجة لنا بک ، وإن کنت تجری بحول الله وقوّته فاجر کما کنت ، والسلام.

فألقی البطاقة فی النیل قبل یوم الصلیب بشهر فقد تهیّأ أهل مصر للجلاء ة.

ص: 122


1- فی البدایة والنهایة : خلت.
2- أسماء الأشهر القبطیة.

والخروج فإنّه لا تقوم مصلحتهم فیها إلاّ بالنیل ، فلمّا ألقی البطاقة أصبحوا یوم الصلیب وقد أجراه الله تعالی ستة عشر ذراعاً فی لیلة واحدة ، فقطع الله تلک السنّة عن أهل مصر إلی الیوم.

2 - قال الرازی فی تفسیره : وقعت الزلزلة فی المدینة فضرب عمر الدرّة علی الأرض وقال : اسکنی بإذن الله. فسکنت وما حدثت الزلزلة بالمدینة بعد ذلک.

3 - فی تفسیر الرازی : وقعت النار فی بعض دور المدینة فکتب عمر علی خرقة : یا نار اسکنی بإذن الله. فألقوها فی النار فانطفأت فی الحال.

4 - فی محاضرة الأوائل للسکتواری : أوّل زلزلة کانت فی الإسلام سنة عشرین من الهجرة فی خلافة عمر رضی الله عنه فضرب أمیر المؤمنین رضی الله عنه برمحه قائلاً : یا أرض اسکنی ، ألم أعدل علیک؟ فسکنت. فکان من جملة کرامته ، فظهرت له کرامات أربعة فی العناصر الأربعة : تصرّف فی عنصر التراب ، والماء فی قصّة رسالته إلی نیل مصر ، وفی الهواء فی قصّة ساریة الجبل ، وفی النار فی قصّة احتراق قریة رجل حین کلّفه أن یغیّر اسمه فأبی ، وکان اسمه یتعلّق بالنار کالشهاب والقبس والثاقب کما ذکر فی تبصرة الأدلّة ودلائل النبوّة.

راجع (1) : فتوح الشام للواقدی (2 / 44) ، تفسیر الرازی (5 / 478) ، سیرة عمر لابن الجوزی (ص 150) ، الریاض النضرة (2 / 12) ، تاریخ ابن کثیر (7 / 100) ، تاریخ الخلفاء للسیوطی (ص 86) ، محاضرة الأوائل للسکتواری (ص 168) ، خزانة الأسرار (ص 132) تاریخ القرمانی هامش الکامل (1 / 203) ، الروض الفائق 8.

ص: 123


1- فتوح الشام : 2 / 69 ، التفسیر الکبیر : 21 / 88 ، سیرة عمر : ص 155 - 157 باب 55 ، الریاض النضرة : 2 / 278 ، البدایة والنهایة : 7 / 114 حوادث سنة 19 ه ، تاریخ الخلفاء : ص 117 - 119 ، خزانة الأسرار : ص 93 ، أخبار الدول وآثار الأوَل : 1 / 288 ، الفتوحات الإسلامیة : 2 / 282 ، نور الأبصار : ص 127 - 128.

(ص 246) ، الفتوحات الاسلامیّة (2 / 437) ، نور الأبصار (ص 62) ، جوهرة الکلام للقراغولی الحنفی (ص 44).

قال الأمینی : أمّا روایة النیل فراویها الوحید هو عبد الله بن صالح المصری أحد الکذّابین الوضّاعین کما مرّ فی الجزء الخامس (ص 239) قال أحمد بن حنبل (1) : کان أوّل أمره متماسکاً ثمّ فسد بآخره ، وقال أحمد بن صالح : متّهم لیس بشیء ، وقال صالح جزرة : کان ابن معین یوثّقه وهو عندی یکذب فی الحدیث ، وقال النسائی (2) : لیس بثقة ، وقال ابن المدینی : لا أروی عنه شیئاً ، وقال ابن حبّان (3) : کان فی نفسه صدوقاً إنّما وقعت المناکیر فی حدیثه من قبل جارٍ له [رجل سوء] (4) فسمعت ابن خزیمة یقول : کان له جار کان بینه وبینه عداوة کان یضع الحدیث علی شیخ أبی (5) صالح ویکتبه بخطّ یشبه خطّ عبد الله [بن صالح] (6) ویرمیه فی داره بین کتبه فیتوهّم عبد الله أنّه خطّه فیحدّث به ، وقال ابن عدی (7) : یقع فی أسانیده ومتونه غلط ولا یتعمّد.

قامت القیامة علی عبد الله بهذا الخبر الذی قال عن جابر مرفوعاً : إنّ الله اختار أصحابی علی العالمین سوی النبیّین والمرسلین ، واختار من أصحابی أربعة : أبا بکر وعمر وعثمان وعلیّا فجعلهم خیر أصحابی وأصحابی کلّهم خیر. ثمّ ذکر أقوال الحفّاظ فی بطلان هذا الحدیث وأنّه موضوع. راجع میزان الاعتدال (8) (2 / 46). 3.

ص: 124


1- العلل ومعرفة الرجال : 3 / 212 رقم 4919.
2- کتاب الضعفاء والمتروکین : ص 149 رقم 351.
3- کتاب المجروحین : 2 / 40.
4- من المصدر.
5- فی المصدر : عبد الله بن صالح.
6- من المصدر.
7- الکامل فی ضعفاء الرجال : 4 / 208 رقم 1015.
8- میزان الاعتدال : 2 / 442 رقم 4383.

فالروایة مکذوبة اختلقتها ید الغلوّ فی الفضائل ، وإن کنّا لا نناقش فی إمکان خضوع النیل لتلکم الکتابة ، فیکون معجزة للإسلام لمسیس حاجة القوم إلی مثلها لحداثة عهدهم بالإسلام.

وأمّا ما جاء به الرازی من حدیث الزلزلة فلم یوجد فی حوادث عهد عمر لا مسنداً ولا مرسلاً ، ولم یذکره قطّ مؤرّخ ضلیع ، ولم یخرجه الحفّاظ حتی ینظر فی إسناده. وقوله : وما حدثت الزلزلة بالمدینة بعد ذلک ، فکرامة مکذوبة یکذّبها التاریخ ، وقد وقعت الزلزلة بعد ذلک غیر مرّة فقد وقعت زلزلة عظیمة بالحجاز سنة (515) فتضعضع بسببها الرکن الیمانی وتهدّم بعضه ، وتهدّم بها شیء من مسجد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم کما ذکره ابن کثیر فی تاریخه (1) (12 / 188).

وحدثت بالمدینة زلزلة عظیمة لیلاً واستمرّت أیّاماً ، وکانت تزلزل کلّ یوم ولیلة قدر عشر نوبات. وذلک سنة (654) وقصّتها طویلة توجد فی تاریخ ابن کثیر (2) (13 / 188 ، 190 ، 191 ، 192).

واعطف علی ما قاله الرازی قول السکتواری من أنّها أوّل زلزلة کانت فی الإسلام سنة عشرین من الهجرة. فقد وقعت سنة ستّ من الهجرة الشریفة کما فی تاریخ الخمیس (3) (1 / 565) فقال النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم : إنّ الله عزّ وجلّ یستعتبکم فأعتبوه.

وأمّا حدیث قول عمر : یا ساریة الجبل الجبل ، فقال السیّد محمد بن درویش الحوت فی أسنی المطالب (4) (ص 265) : هو من کلام عمر قاله علی المنبر حین کُشِف 4.

ص: 125


1- البدایة والنهایة : 12 / 233 حوادث سنة 515 ه.
2- البدایة والنهایة : 13 / 220 حوادث سنة 654 ه.
3- تاریخ الخمیس : 1 / 502.
4- أسنی المطالب : ص 553 ح 1764.

له عن ساریة (1) وهو بنهاوند من أرض فارس ، روی قصّته الواحدی والبیهقی بسند ضعیف وهم فی المناقب یتوسّعون. انتهی.

کنّا نری السید ابن الحوت غیر منصف فی حکمه علی الحدیث بالضعف وأنّه کان حقّا علیه الحکم بالوضع إلی أن أوقفنا السیر علی تصحیح ابن بدران المتوفی (1346) إیّاه فیما علّق علیه فی تاریخ ابن عساکر (6 / 46) بعد ذکر الحدیث من طریق سیف بن عمر ، فوجدنا ابن الحوت عندئذٍ أنّه جاء بإحدی بنات طبق (2) فی حکمه ذلک ، ما أجرأ ابن بدران علی هذا التمویه والدجل! ألیست بین یدیه أقوال أعلام قومه حول سیف بن عمر؟ أم لیسوا أولئک الحفّاظ رجال الجرح والتعدیل فی کلّ إسناد؟ قال ابن حبّان (3) : کان سیف بن عمر یروی الموضوعات عن الأثبات. وقال : قالوا : إنّه کان یضع الحدیث واتّهم بالزندقة. وقال الحاکم : اتّهم بالزندقة وهو فی الروایة ساقط ، وقال ابن عدی (4) : بعض أحادیثه مشهورة وعامّتها منکرة لم یتابع علیها. وقال ابن عدی : عامّة حدیثه منکر. وقال البرقانی عن الدارقطنی (5) : متروک. وقال ابن معین (6) : ضعیف الحدیث فلیس خیر منه. وقال أبو حاتم (7) : متروک الحدیث یشبه حدیثه حدیث الواقدی. وقال أبو داود : لیس بشیء. وقال النسائی (8) : ضعیف. وقال السیوطی : وضّاع ، وذکر حدیثاً من طریق السری بن یحیی عن 1.

ص: 126


1- اسم قائد الجیش.
2- بنات طبق : الدواهی. یقال للداهیة إحدی بنات طبق ، وأصلها الحیّة. أی أنها استدارت حتی صارت مثل الطبق.
3- کتاب المجروحین : 1 / 345.
4- الکامل فی ضعفاء الرجال : 3 / 435 رقم 851.
5- الضعفاء والمتروکون : ص 243 رقم 283.
6- التاریخ : 3 / 460 رقم 2262.
7- الجرح والتعدیل : 4 / 278 رقم 1198.
8- کتاب الضعفاء والمتروکین : ص 123 رقم 271.

شعیب بن إبراهیم عن سیف فقال : موضوع ، فیه ضعفاء أشدّهم سیف.

راجع (1) : میزان الاعتدال (1 / 438) ، تهذیب التهذیب (4 / 295) ، اللآلئ المصنوعة (1 / 157 ، 1990 ، 429).

وأمّا احتراق القریة بإباء الرجل تغییر اسمه فخرافة یأباها الشرع والعقل والمنطق. إنّ ما تقدّم فی الجزء السادس (ص 308 - 315) من آراء الخلیفة الخاصّة به فی الأسماء والکنی - ومن جرّائها غیّر کنی رجال کنّاهم رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وأسماء آخرین سمّاهم بها هو صلی الله علیه وآله وسلم بحجّة داحضة من أنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم مات وغفر له ونحن لا ندری ما یفعل بنا - یستدعی ألاّ یُمتثل فی أمثال ذلک لا أن یُعذّب الله قریة آمنة مطمئنّة لعدم امتثال صاحبها بما یقوله الخلیفة دون أمر مباحٍ ، وهو من الظلم الفاحش لما احترق فیها من أبریاء وتلفت من أموال ، ولو وقفت بمطلع الأکمة من تلک القریة المضطرمة لبکیت علی الرضّع والبهائم بکاء الثکلی ، نحاشی ربّنا الحکم العدل عن مثل ذلک ، ونحاشی أعلام الأمّة عن قبول هذه المخاریق المخزیة. قاتل الله الحبّ ، ما ذا یفعل ویفتعل ویختلق!

- 5 -

تسمیة عمر بأمیر المؤمنین

قال الواقدی : حدّثنا أبو حمزة (2) یعقوب بن مجاهد ، عن محمد بن إبراهیم ، عن أبی عمرو قال : قلت لعائشة : من سمّی عمر الفاروق أمیر المؤمنین؟ قالت : النبی صلی الله علیه وآله وسلم قال : أمیر المؤمنین هو. ذکره ابن کثیر فی تاریخه (3) (7 / 137).

قال الأمینی : کان أبو حزرة قاصّا یقصّ ، فَرَاقه أن یکذب علی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم .

ص: 127


1- میزان الاعتدال : 2 / 255 رقم 3637 ، تهذیب التهذیب : 4 / 259.
2- کذا فی تاریخ ابن کثیر والصحیح : أبو حزرة. بفتح المهملتین بینهما معجمة ساکنة. (المؤلف)
3- البدایة والنهایة : 7 / 154 حوادث سنة 23 ه.

وعلی حلیلته أمّ المؤمنین ، لإرضاء مستمعیه بافتعال منقبة لعمر ذاهلاً عن أنّ التاریخ یکذّبه ویکشف عن سوأته ولو بعد حین.

أخرج الحاکم من طریق ابن شهاب قال : إنّ عمر بن عبد العزیز سأل أبا بکر ابن سلیمان بن أبی خیثمة : لأیّ شیء کان یُکتب : من خلیفة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی عهد أبی بکر رضی الله عنه ثمّ کان عمر یکتب أوّلاً : من خلیفة أبی بکر؟ فمن أوّل من کتب : من أمیر المؤمنین؟ فقال : حدّثتنی الشفاء وکانت من المهاجرات الأوّل : إنّ عمر بن الخطّاب رضی الله عنه کتب إلی عامل العراق بأن یبعث إلیه رجلین جلدین یسألهما عن العراق وأهله ، فبعث عامل العراق بلبید بن ربیعة وعدیّ بن حاتم ، فلمّا قدما المدینة أناخا راحلتیهما بفناء المسجد ثمّ دخلا المسجد فإذا هما بعمرو بن العاص فقالا : استأذن لنا یا عمرو علی أمیر المؤمنین ، فقال عمرو : أنتما والله أصبتما اسمه ، هو الأمیر ونحن المؤمنون ، فوثب عمرو فدخل علی أمیر المؤمنین. فقال : السلام علیک یا أمیر المؤمنین ، فقال عمر : ما بدا لک فی هذا الاسم یا ابن العاص ، ربّی یعلم لتخرجنّ ممّا قلت. قال : إنّ لبید بن ربیعة وعدی بن حاتم قدما فأناخا راحلتیهما بفناء المسجد ثمّ دخلا علیّ فقالا لی : استأذن لنا یا عمرو علی أمیر المؤمنین فهما والله أصابا اسمک ، نحن المؤمنون وأنت أمیرنا ، قال : فمضی به الکتاب من یومئذٍ.

أخرجه الحاکم فی المستدرک (1) وصحّحه. وقال الذهبی فی تلخیص المستدرک : صحیح. وقال السیوطی فی شرح شواهد المغنی (2) (ص 57) : روینا بسند صحیح أنّ لبید بن ربیعة وعدیّ بن حاتم هما اللذان سمّیا عمر بن الخطّاب أمیر المؤمنین حین قدما علیه من العراق. وذکر القصّة فی تاریخ الخلفاء (3) (ص 94). 9.

ص: 128


1- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 87 ح 4480.
2- شرح شواهد المغنی : 1 / 155 رقم 59.
3- تاریخ الخلفاء : ص 129.

وأخرج الطبری فی تاریخه (1) (5 / 22) بالإسناد عن حسّان الکوفی قال : لمّا ولی عمر قیل : یا خلیفة خلیفة رسول الله ، فقال عمر رضی الله عنه : هذا أمر یطول ، کلّ ما جاء خلیفة قالوا : یا خلیفة خلیفة خلیفة رسول الله ، بل أنتم المؤمنون وأنا أمیرکم ، فسمّی أمیر المؤمنین.

وقال ابن خلدون فی مقدّمة تاریخه (2) (ص 227) : اتّفق أن دعا بعض الصحابة عمر رضی الله عنه : یا أمیر المؤمنین فاستحسنه الناس واستصوبوه ودعوه به ، یقال : إنّ أوّل من دعا بذلک عبد الله بن جحش ، وقیل : عمرو بن العاصی ، والمغیرة بن شعبة ، وقیل : برید جاء بالفتح من بعض البعوث ودخل المدینة وهو یسأل عن عمر ویقول : أین أمیر المؤمنین؟ وسمعها أصحابه فاستحسنوه وقالوا : أصبت والله اسمه ، إنّه والله أمیر المؤمنین حقّا ، فدعوه بذلک وذهب لقباً له فی الناس ، وتوارثه الخلفاء من بعده سمة لا یشارکهم فیها أحد سواهم إلاّ سائر دولة بنی أُمیّة. انتهی.

فصریح هذه النقول أنّ عمر نفسه ما کانت له سابقة علم بهذا اللقب لا عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ولا عن غیره ، ولذلک استغربه وقال : ربّی یعلم لتخرجنّ ممّا قلت. ولا کان عمرو بن العاصی یعلم ذلک ولذلک نسب الإصابة بالتسمیة إلی الرجلین ونحت لها من عنده ما یبرّرها. ولا کانت عند الرجلین - اللذین صحّ کما مرّ أنّهما هما اللذان سمّیاه - أثارة من علم بما جاء به ابن کثیر وإنّما هو شیء جری علی لسانهما ، ثمّ أعطف نظرةً ثانیة علی کلمة ابن خلدون المقرّرة للخلاف فی أوّل من سمّاه بأمیر المؤمنین ولم یذکر فیه قولاً بأنّ الرسول صلی الله علیه وآله وسلم هو الذی سمّاه ، وصریح روایة الطبری أنّ عمر هو الذی رأی هذه التسمیة.

نعم ؛ إنّ الذی سمّاه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أمیر المؤمنین هو مولانا علیّ علیه السلام. أخرج 2.

ص: 129


1- تاریخ الأمم والملوک : 4 / 208.
2- مقدّمة ابن خلدون : 1 / 283 فصل 32.

أبو نعیم فی حلیة الأولیاء (1 / 63) بإسناده عن أنس قال : قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «یا أنس اسکب لی وضوءاً». ثمّ قام فصلّی رکعتین. ثمّ قال : «یا أنس أوّل من یدخل علیک من هذا الباب أمیر المؤمنین ، وسیّد المسلمین ، وقائد الغرّ المحجّلین ، وخاتم الوصیّین» ، قال أنس : قلت : اللهمّ اجعله رجلاً من الأنصار وکتمته إذ جاء علیّ ، فقال : «من هذا یا أنس؟» فقلت : علیّ ، فقام مستبشراً فاعتنقه ثمّ جعل یمسح عرق وجهه بوجهه ، ویمسح عرق علیّ بوجهه. قال علیّ : «یا رسول الله لقد رأیتک صنعت شیئاً ما صنعت بی من قبل؟ قال : وما یمنعنی وأنت تؤدّی عنّی ، وتُسمِعهم صوتی ، وتبیّن لهم ما اختلفوا فیه بعدی».

وأخرج ابن مردویه من طریق ابن عبّاس قال : کان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی بیته فغدا علیه علیّ بن أبی طالب - کرّم الله وجهه - بالغداة أن لا یسبقه إلیه أحد ، فدخل فإذا النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فی صحن البیت ، فإذا رأسه فی حجر دحیّة بن خلیفة الکلبی فقال : «السلام علیک ، کیف أصبح رسول الله؟» قال : بخیر یا أخا رسول الله ، فقال علیّ «جزاک الله عنّا خیراً أهل البیت» فقال له دحیة : إنّی لأحبّک وإنّ لک عندی مدحةً أزفّها لک ، أنت أمیر المؤمنین ، وقائد الغرّ المحجّلین إلی آخره. وفیه : فأخذ رأس النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فوضعه فی حجره فقال النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم : «ما هذه الهمهمة؟» فقال علیّ بما جری ، فقال : «یا علیّ لم یکن دحیّة ولکن کان جبرائیل سمّاک باسم سمّاک الله به».

وأخرج الحافظ أبو العلا الحسن بن أحمد العطّار من طریق ابن عبّاس فی حدیث : قال صلی الله علیه وآله وسلم : «یا أمّ سلمة اشهدی واسمعی هذا علیّ بن أبی طالب أمیر المؤمنین». الحدیث مرّ بتمامه فی الجزء السادس (ص 80).

وأخرج الطبرانی فی معجمه (1) من طریق عبد الله بن علیم الجهنی مرفوعاً : «إنّ الله عزّ وجلّ أوحی إلیّ فی علیّ ثلاثة أشیاء لیلة أسری بی : أنّه سیّد المؤمنین ، 8.

ص: 130


1- المعجم الصغیر : 2 / 88.

وإمام المتّقین ، وقائد الغرّ المحجّلین».

وتعضد هذه الأحادیث وتؤکّدها عدّة أحادیث ، منها ما أخرجه أبو نعیم فی حلیة الأولیاء من طریق ابن عبّاس قال : قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «ما أنزل الله آیة فیها یا أیّها الذین آمنوا إلاّ وعلیّ رأسها وأمیرها».

وفی لفظ الطبرانی (1) وابن أبی حاتم : «إلاّ وعلیّ أمیرها وشریفها» ولقد عاتب الله أصحاب محمد فی غیر مکان وما ذکر علیّا إلاّ بخیر (2).

ومنها ما أخرجه الخطیب والحاکم وصحّحه من طریق جابر بن عبد الله ، قال : سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یوم الحدیبیة وهو آخذ بید علیّ یقول : «هذا أمیر البررة ، وقاتل الفجرة ، منصور من نصره ، مخذول من خذله» (3).

وأخرجه ابن أبی حاتم من طریق ابن عبّاس کما فی تاریخ الخلفاء للسیوطی (ص 115) ، ونور الأبصار (4) (ص 80) ، وأخرجه شیخ الإسلام الحمّوئی (5) من طریق عبد الرحمن بن سهمان فی فرائد السمطین ، وذکره ابن حجر فی الصواعق (6) نقلاً عن الحاکم وحرّفه وجعل مکان أمیر البررة : إمام البررة. حیّا الله الأمانة. 5.

ص: 131


1- المعجم الکبیر : 11 / 210 ح 11687.
2- راجع حلیة الأولیاء : 1 / 64 [رقم 4] ، الریاض النضرة : 2 / 206 [3 / 158] ، کفایة الکنجی : ص 54 [ص 140 باب 31] ، تذکرة السبط : ص 8 [ص 13] ، درر السمطین لجمال الدین الزرندی [ص 89] ، الصواعق لابن حجر : ص 76 [ص 127] ، کنز العمّال : 6 / 291 [11 / 604 ح 32920] ، تاریخ الخلفاء : ص 115 [ص 160]. (المؤلف)
3- تاریخ الخطیب البغدادی : 2 / 377 [رقم 887] و 4 / 219 [رقم 1915] ، مستدرک الحاکم : 3 / 129 [3 / 140 ح 4644]. (المؤلف)
4- نور الأبصار : ص 163.
5- فرائد السمطین : 1 / 157 ح 119 باب 32.
6- الصواعق المحرقة : ص 125.

ومنها ما أخرجه ابن عدی فی کامله (1) من طریق علیّ : إنّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم قال : «علیّ یعسوب (2) المؤمنین ، والمال یعسوب المنافقین» ، وفی روایة : «یعسوب الظلمة» وفی روایة «یعسوب الکفّار» ذکره الدمیری فی حیاة الحیوان (3) (2 / 412) ، وابن حجر فی الصواعق (4) (ص 75) ، وقال الدمیری : ومن هنا قیل لأمیر المؤمنین علیّ کرّم الله وجهه : أمیر النحل.

ومنها قول علیّ : «أنا یعسوب المؤمنین ، والمال یعسوب الکفّار» وفی لفظ : «المنافقین» ، وفی لفظ : «الفجّار» نهج البلاغة (5) (2 / 211) ، تاج العروس (1 / 381).

هذه هی الحقیقة الراهنة لکن القوم نحتوا تجاهها بقضاء من الغلوّ فی الفضائل ما عرفته من روایة القصّاص أبی حزرة.

- 6 -

عمر لا یحبّ الباطل

أخرج أبو نعیم فی حلیة الأولیاء (2 / 46) من طریق الأسود بن سریع قال : أتیت النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فقلت : قد حمدت ربّی بمحامد ومِدَح وإیّاک. فقال : إنّ ربّک عزّ وجلّ یحبّ الحمد. فجعلت أنشده ، فاستأذن رجل طویل أصلع ، فقال لی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : اسکت ، فدخل فتکلّم ساعة ثمّ خرج فأنشدته ، ثمّ جاء فسکّتنی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فتکلّم ثمّ خرج ، ففعل ذلک مرّتین أو ثلاثاً فقلت : یا رسول الله من هذا الذی أسکتّنی له؟ فقال : هذا عمر ، رجل لا یحب الباطل. 6.

ص: 132


1- الکامل فی ضعفاء الرجال : 5 / 244 رقم 1389.
2- الیعسوب : الأمیر. الرئیس. (المؤلف)
3- حیاة الحیوان : 2 / 441.
4- الصواعق المحرقة : ص 125.
5- نهج البلاغة : ص 530 رقم 316.

ومن طریق آخر عن الأسود التمیمی قال : قدمت علی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فجعلت أنشده فدخل رجل أقنی (1) فقال لی : أمسک. فلمّا خرج قال : هات. فجعلت أنشده فلم ألبث أن عاد فقال لی : أمسک. فلمّا خرج قال : هات. فقلت : من هذا یا نبیّ الله الذی إذا دخل قلت : أمسک ، وإذا خرج قلت : هات؟ قال : هذا عمر بن الخطّاب ، ولیس من الباطل فی شیء.

ومن طریق آخر عن الأسود قال : کنت أنشده صلی الله علیه وآله وسلم ولا أعرف أصحابه حتی جاء رجل بعید ما بین المناکب أصلع ، فقیل : اسکت اسکت : قلت : وا ثکلاه ، من هذا الذی أسکت له عند النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم؟ فقیل : عمر بن الخطّاب ، فعرفت والله بعد أنّه کان یهون علیه لو سمعنی أن لا یکلّمنی حتی یأخذ برجلی فیسحبنی إلی البقیع.

قال الأمینی : هل علمت رواة السوء بالذی تلوکه بین أشداقها؟ أم درت فتعمّدت؟ أم أنّ حبّ عمر والمغالاة فی فضائله أعمیاهم عن تبعات هذه القول الشائن (فَإِنَّها لا تَعْمَی الْأَبْصارُ وَلکِنْ تَعْمَی الْقُلُوبُ الَّتِی فِی الصُّدُورِ) (2).

یقول القائل : إنّ ما أراد إنشاده محامد ومدح لله ولرسوله فیجیزه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ویقول : إنّ ربّک عزّ وجلّ یحبّ الحمد. فأیّ باطل فی هذا حتی یبغضه عمر؟ ولو کان باطلاً لمنعه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قبل عمر ، وأیّ نبیّ هذا یتّقی رجلاً من أمّته ولا یتّقی الله؟ وکیف خشی الرجل أن یسحبه عمر برجله إلی البقیع ولم یخش رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أن یفعل به ذلک أو یأمر فیُفعل به؟ أو أنّ عمر ما کان یمیّز بین الحقّ والباطل فیحسب أنّ کل ما ینشد من الباطل ، فیجاریه النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم علی مزعمته؟ فهل علم الراوی أو المؤلّف بهذه المفاسد ، أو لا؟

فإنّ کان لا یدری فتلک مصیبةٌ

وإن کان یدری فالمصیبةُ أعظمُ6.

ص: 133


1- قنی الأنف وأقنی : ارتفع وسط قصبته وضاق منخراه. (المؤلف)
2- الحج : 46.

- 7 -

الملائکة تُکلّم عمر بن الخطّاب

أخرج البخاری فی کتاب المناقب (1) باب مناقب عمر عن أبی هریرة قال : قال النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم : لقد کان فیمن قبلکم من بنی إسرائیل رجال یکلّمون من غیر أن یکونوا أنبیاء ، فإن یکن من أُمّتی منهم أحد فعمر.

وأخرج فی الصحیح (2) بعد حدیث الغار عن أبی هریرة قال : قال النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم : إنّه قد کان فیما مضی قبلکم من الأُمم محدّثون ، إن کان فی أُمّتی هذه منهم فإنّه عمر ابن الخطّاب. أسلفنا ألفاظ هذه الروایة فی الجزء الخامس (42 - 46) ، ومرّ هناک عن القسطلانی قوله : لیس قوله - فإن یکن - للتردید بل للتأکید کقولک : إن یکن لی صدیق ففلان ؛ إذ المراد الاختصاص بکمال الصداقة لا نفی الأصدقاء. إلی آخره.

قال الأمینی : أنا لست أدری ما الغایة فی حدیث الملائکة مع عمر؟ أهی محض إیناسه باختلاف الملک إلیه وتکلیمه إیّاه؟ أم هی إقالة عثراته ، وتسدید خطاه ، وردّ أخطائه وتعلیمه ما لم یعلم؟ حتی لا یکون خلیفة المسلمین خلواً عن جواب مسألة ، صفراً عن حلّ معضلة ، ولا یفتی بخلاف الشریعة المطهّرة ، ولا یرمی القول علی عواهنه ، إن کانت للمحادثة المزعومة غایة معقولة فهی هذه لا غیرها ، إذاً فراجع الجزء السادس وتتبّع الخطی ، وتروّ فی الأخطاء ، واسمع مالا یعنی ، وانظر إلی التافهات ، وعندنا أضعاف ما هنالک لعلّ بعض الأجزاء الآتیة یتکفّل بعضها إن شاء الله تعالی ، فهل هذا الملَک طیلة صدور ما فی نوادر الأثر فی الجزء السادس منه کان فی 2.

ص: 134


1- صحیح البخاری : 3 / 1349 ح 3486.
2- صحیح البخاری : 3 / 1279 ح 3282.

سنة عن أداء وظیفته؟ أو کان ما یصدر خافیاً علیه؟ أو أنّ الاستبداد فی الرأی کان یحول بینهما؟ أو أنّ الملک فی حلّه وترحاله قد یتأخّر عن الأوبة إلیه ، فیقع ما یقع فی غیبته ، أو أنّ القصّة مفتعلة لا مقیل لها فی مستوی الصحّة؟ وهذه أقوی الوجوه ولعلّه غیر خاف علی البخاری نفسه لکنّه ...

- 8 -

قرطاس فی کفن عمر

إنّ الحسن والحسین دخلا علی عمر بن الخطّاب وهو مشغول ، ثمّ انتبه لهما فقام فقبّلهما ووهب لکلّ واحد منهما ألفاً ، فرجعا فأخبرا أباهما فقال : سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول : عمر نور الإسلام فی الدنیا وسراج أهل الجنّة فی الجنّة. فرجعا إلی عمر فحدّثاه فاستدعی دواة وقرطاساً وکتب : حدّثنی سیّدا شباب أهل الجنّة عن أبیهما عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أنّه قال کذا وکذا ، فأوصی أن یجعل فی کفنه ففعل ذلک ، فأصبحوا وإذا القرطاس علی القبر وفیه : صدق الحسن والحسین وصدق رسول الله!

قال الأمینی : بلغ هذه القصّة الخیالیّة من الخرافة حدّا ذکرها ابن الجوزی فی الموضوعات کما فی تحذیر الخواصّ للسیوطی (1) صفحة (53) فقال : والعجب من هذا الذی بلغت به الوقاحة إلی أن یصنّف مثل هذا وما کفاه حتی عرضه علی أکابر الفقهاء فکتبوا علیه تصویب هذا التصنیف. انتهی.

قاتل الله الغلوّ فی الفضائل فإنّه شوّه سمعة أکابر الفقهاء ، کما سوّد صحیفة التاریخ ، وقبّح وجه التألیف. 7.

ص: 135


1- تحذیر الخواص : ص 207.

- 9 -

لسان عمر وقلبه

أخرج إمام الحنابلة أحمد فی المسند (1) (2 / 401) عن نوح بن میمون ، عن عبد الله ابن عمر العمری ، عن جهم بن أبی الجهم ، عن مسور بن المخرمة عن أبی هریرة قال : قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : إنّ الله جعل الحقّ علی لسان عمر وقلبه.

قال الأمینی : أمّا قلب الرجل فلا صلة لنا به لأنّ ما فیه من السرائر لا یعلمه إلاّ الله ، نعم ربّما ینمّ عنه ما جری علی لسانه ، وإن شئت فسائل الإمام أحمد أکان الحقّ علی لسان عمر لمّا جابه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بقوله الفظّ حین أراد الکتف والدواة لیکتب للمسلمین کتاباً لا یضلّون بعده؟ فحال بینه وبین ما أراده من هدایة الأمّة. ومهما کانت الکلمة القارصة فإنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم منزّه عنها فی کلّ حین فلا یغلبه الوجع ، ولا یهجر من شدّة ما به ، ولا سیّما وهو فی صدد تبلیغ ما به من الهدایة والصون عن الضلال (وَما یَنْطِقُ عَنِ الْهَوی * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْیٌ یُوحی) (2). وانتظر لهذه الجملة بحثاً ضافیاً إن شاء الله تعالی.

أم کان الحقّ علی لسانه فی المائة مورد التی أخطأ فیها جمعاء؟ وقد فصّلناها تفصیلاً فی نوادر الأثر من الجزء السادس ، وقد اتّخذناها مقیاساً لمعرفة حال هذه الروایة وأمثالها ممّا نسجته ید الغلوّ فی الفضائل.

أضف إلی هذا ما فی سنده من الضعف فإنّ فیه : نوح بن میمون ، قال ابن حبّان (3) : ربّما أخطأ (4). ف)

ص: 136


1- مسند أحمد : 3 / 116 ح 8960.
2- النجم : 3 و 4.
3- الثقات : 9 / 211.
4- تهذیب التهذیب : 10 / 489 [10 / 435]. (المؤلف)

وفیه : عبد الله بن عمر العمری. قال أبو زرعة عن أحمد إمام الحنابلة : إنّه کان یزید فی الأسانید ویخالف. وقال علیّ بن المدینی : ضعیف. وقال یحیی بن سعید : لا یحدّث عنه. وقال یعقوب بن شیبة : فی حدیثه اضطراب. وقال صالح جزرة : لیّن مختلط الحدیث. وقال النسائی (1) : ضعیف الحدیث. وقال ابن سعد (2) : کثیر الحدیث یستضعف. وقال أبو حاتم (3) : یکتب حدیثه ولا یحتجّ به. وقال ابن حبّان (4) : کان ممّن غلب علیه الصلاح حتی غفل عن الضبط فاستحقّ الترک. وقال البخاری فی التاریخ (5) : کان یحیی بن سعید یضعّفه. وقال أبو أحمد الحاکم : لیس بالقویّ عندهم. وقال المروزی : ذکره أحمد (6) فلم یرضه (7).

وفیه : جهم بن أبی الجهم ، قال الذهبی فی میزان الاعتدال (8) : لا یعرف.

- 10 -

رؤیا رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی علم عمر

أخرج البخاری فی صحیحه (9) (5 / 355) فی مناقب عمر ، عن عبد الله بن عمر ، عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أنّه قال : بینا أنا نائم شربت - یعنی اللبن - حتی أنظر إلی الریّ یجری فی ظفری أو فی أظفاری ، ثمّ ناولت عمر. فقالوا : فما أوّلته؟ قال : العلم. 8.

ص: 137


1- کتاب الضعفاء والمتروکین : ص 146 رقم 341.
2- الطبقات الکبری - القسم المتمّم - : ص 367 رقم 288.
3- الجرح والتعدیل : 5 / 109 رقم 499.
4- کتاب المجروحین : 2 / 6.
5- التاریخ الکبیر : 5 / 145 رقم 441.
6- العلل ومعرفة الرجال : 2 / 605 رقم 3877.
7- تهذیب التهذیب : 5 / 327 [5 / 287]. (المؤلف)
8- میزان الاعتدال : 1 / 426 رقم 1583.
9- صحیح البخاری : 3 / 1346 ح 3478.

وأخرجه (1) الحکیم الترمذی فی نوادر الأصول (ص 119) ، والبغوی فی المصابیح (2 / 270) ، وابن عبد البرّ فی الاستیعاب (2 / 429) ، والمحبّ الطبری فی الریاض (2 / 8). وفی لفظهم :

بینا أنا نائم أُتِیتُ بقدح لبن فشربت حتی رأیت الریّ یخرج من أظفاری ثمّ أعطیت فضلی عمر. الحدیث.

قال الحافظ ابن أبی جمرة الأزدی الأندلسی فی بهجة النفوس (4 / 244) عند شرحه الحدیث : فانظر بنظرک إلی الذی شرب فضله علیه السلام کیف کان قوّة علمه الذی لم یقدر أحد من الخلفاء یماثله فیه؟ فکیف بغیرهم من الصحابة؟ وکیف ممّن بعد الصحابة؟ إلی آخر ما جاء به من التافهات.

قال الأمینی : إنّ طبع الحال یستدعی أن تکون هذه الرؤیا بعد إسلام عمر وبعد مضیّ سنین من البعثة ، وهل کان صلی الله علیه وآله وسلم طیلة هذه المدّة خلواً من العلم؟ وهو فی دور الرسالة ، أو کان فی علمه إعواز أکمله هذا اللبن الساری ریّه فی ظفره أو أظفاره؟ أو کان فیها إعلام بمبلغ علم عمر فحسب ، وکنایة عن أنّه من مستقی الوحی؟ فهل تخفی علی من هو هذا شأنه جلیّة المسائل فضلاً عن معضلاتها؟ وهل یسعه أن یعتذر فی الجهل بکتاب الله بقوله : ألهانی عنه الصفق بالأسواق؟

وهلاّ تأثّرت نفس الرجل بالعلم لمّا شرب من منهل علم النبیّ العظیم؟ فما معنی قوله : کلّ الناس أفقه من عمر حتی ربّات الحجال؟ وأمثاله (2) ، وما الوجه فی أخطائه التی لا تحصی فی الفتیا وغیرها؟ ممّا سبق ویأتی إن شاء الله تعالی.

ولقد تلطّف المولی سبحانه علی الأمّة المرحومة أنّه ولی أمرها بعد شرب تلک ف)

ص: 138


1- نوادر الأصول : 1 / 260 الأصل 77 ، مصابیح السنّة : 4 / 155 ح 4728 ، الاستیعاب : القسم الثالث / 1148 رقم 1878 ، الریاض النضرة : 2 / 274.
2- راجع ما مرّ فی الجزء السادس : ص 328. (المؤلف)

الکأس. وأنا لا أدری لو کان ولیه قبل ذلک ما ذا کان یصدر من ولائد الجهل؟ وأیّ حدّ کانت تبلغ نوادر الأثر فی علمه؟

ولیت مصطنع هذه المهزأة اصطنعها علی وجه ینطبق حکمها علی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وعلی الخلیفة ، لکنّه لا ینطبق علی أیّ منهما کما بینّاه ، غیر أنّ وظیفة المائن أن یأتی بأساطیره علی کلّ حال ، وإنّما العتب علی البخاری الذی یعتبرها ویدرجها فی الصحیح غلوّا منه فی الفضائل ، وأشدّ منه وأعظم علی أمثال ابن أبی جمرة الأزدی من الذین یموّهون الحقائق بزخرف القول علی أغرار الأمّة ، ویحسبونه هیّناً وهو عند الله عظیم.

- 11 -

عمر وفَرَق الشیطان منه

أخرج البخاری فی صحیحه (1) فی کتاب بدء الخلق باب صفة إبلیس وجنوده (5 / 89) ، وفی کتاب المناقب باب مناقب عمر (5 / 256) عن سعد بن أبی وقّاص قال : استأذن عمر علی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وعنده نساء من قریش یُکلّمنه ویستکثرنه ، عالیة أصواتهنّ ، فلمّا استأذن عمر قمن یبتدرن الحجاب ، فأذن له رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، ورسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یضحک ، فقال عمر : أضحک الله سنّک یا رسول الله ، قال : عجبت من هؤلاء اللاتی کنّ عندی فلمّا سمعن صوتک ابتدرن الحجاب. قال عمر : فأنت یا رسول الله کنت أحقّ أن یهبنَ ، ثمّ قال - عمر - : أی عدوّات أنفسهنّ ، أتهبنَنی ولا تهبْنَ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم؟ قلن : نعم ، أنت أفظّ وأغلظ من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم. قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : والذی نفسی بیده ما لقیک الشیطان قطّ سالکاً فجّا إلاّ سلک فجّا غیر فجّک.

قال الأمینی : ما أوقح هذا الراوی الذی ساق هذا الحدیث فی عداد الفضائل وهو بعدِّه عند سیاق السفاسف أولی ، حسب أوّلاً أن النساء لم یکنَّ یهبنَ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم 0.

ص: 139


1- صحیح البخاری : 3 / 1199 ح 3120 ، ص 1347 ح 3480.

وهبن عمر ، فعلی هذا نسائله : أکنّ هذه النسوة نساءَه صلی الله علیه وآله وسلم؟ کما ذکره شرّاح الحدیث (1) ستراً لعوار الروایة ، أم کنّ أجنبیّات عنه صلی الله علیه وآله وسلم؟ وعلی الأوّل فلا وجه لهیبتهنّ إیّاه علی الإسفار أو الإکثار أمامه ، فإنّ للحلائل مع أزواجهنّ شئوناً خاصّة ، فتسترهنّ عن عمر لکونه أجنبیّا عنهنّ لا هیبةً له.

وعلی الثانی وهو الذی یعطیه سیاق الحدیث کقوله : وعنده نساء من قریش. وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : عجبت من هؤلاء اللاتی کنّ عندی. إلی آخره. وقول عمر : فأنت یا رسول الله کنت. إلی آخره. وقوله : یا عدوّات أنفسهن إلی آخره. فکلّ هذه لا یلتئم مع کونهنّ نساءَه لتنکیر النساء فی الأوّل ، وظهور قوله : کنّ عندی فی أنّ حضورهنّ لدیه من ولائد الاتفاق لا أنّهنّ نساؤه الکائنات معه أطراف اللیل وآناء النهار ، وقلنا أیضاً : إنّه لا وجه للهیبة مع کونهنّ أزواجه ، ولا هنّ علی ذلک عدوّات أنفسهنّ ، فإنّ إبداء الزینة والجمال للزوجة عبادة لا معصیة ، فجلوسهنّ وهنّ أجنبیّات عند رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم سافرات علی هذا الوجه إمّا لأنّه صلی الله علیه وآله وسلم لم یحرّم السفور ، وإمّا لأنّه حرّمه ونسیه ، أو أنّه صلی الله علیه وآله وسلم تسامح فی النهی عنه ، أو أنّه هابهنّ وإن لم یهبن ، وکان مع ذلک یروقه أن ینتهین عمّا هنّ علیه ، ولذلک استبشر لمّا بادرن الحجاب وأثنی علی عمر ، ولازم هذا أن یکون عمر أفقه من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، أو أثبت منه علی المبدأ ، أو أخشن منه فی ذات الله ، أو أقوی منه نفساً. أعوذ بالله من التقوّل بلا تعقّل.

وأمّا ما عُزی إلیه صلی الله علیه وآله وسلم ثانیاً من قوله : والذی نفسی بیده ما لقیک الشیطان قطّ سالکاً فجّا إلاّ سلک فجّا غیر فجّک ، فما بال الشیطان یهاب الخلیفة فیسلک فجاً غیر فجّه ولا تروعه عظمة النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ولاقوّة إیمانه؟ فیسلک فی فجّه فلا یدعه أن ینهی عن المنکر ، ویحدو بصواحب المنکر إلی أن یتظاهرن به أمامه. بل الشیطان لعنه الله یعرض له صلی الله علیه وآله وسلم لیقطع علیه صلاته وإن رجع عنه خائباً ، کما أخرجه البخاری فی ف)

ص: 140


1- راجع إرشاد الساری : 5 / 290 [8 / 198 ح 3683]. (المؤلف)

صحیحه (1) (1 / 143) فی کتاب الصلاة باب ما لا یجوز من العمل فی الصلاة. ومسلم فی صحیحه (2) (1 / 204) باب جواز لعن الشیطان فی الصلاة ، أخرجا بالإسناد عن أبی هریرة قال : صلّی رسول الله صلاة فقال : إنّ الشیطان عرض لی فشدّ علیّ لیقطع الصلاة علیّ ، فأمکننی الله منه فذعتُّه (3). الحدیث.

هب أنّ اللعین فی هذه المرّة لم یصب من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لکنّه تجرّأ علی مقامه الأسمی ، وقد جاء فی الصحیحین (4) عن أبی هریرة : أنّ الشیطان إذا سمع الأذان للصلاة من أی مسلم کان أدبر هارباً وولّی فرقاً ، وله ضراط هلِعٍ جزِع.

کیف یجرؤ اللعین علی رسول الله حتی فی حال صلاته؟ ولم یتجرّأ قطّ علی عمر لأنّه یسلک فجّا غیر فجّه. وجاء فیما أخرجه (5) أحمد والترمذی وابن حبّان عن بریدة : أنّ الشیطان لَیفرَقُ منک یا عمر (6) ، وفیما أخرجه الطبرانی (7) وابن مندة وأبو نعیم ، عن سدیسة مولاة حفصة ، عن حفصة بنت عمر مرفوعاً : إنّ الشیطان لم یلق عمر منذ أسلم إلاّ خرّ لوجهه (8).

إنّی وإن لا یروقنی خدش العواطف بذکر مواقف الرجل التی لم یکن العامل الوحید فیها إلاّ الشیطان ، غیر أنّی لست أدری هل الشیطان کان یفرق ویفرّ منه ، ف)

ص: 141


1- صحیح البخاری : 1 / 405 ح 1152.
2- صحیح مسلم : 2 / 23 ح 39 کتاب الصلاة.
3- فذعتّه : فخنقته. والذعت والدعت بالمهملة والمعجمة : الدفع العنیف. (المؤلف)
4- صحیح البخاری : 1 / 78 کتاب الأذان : [1 / 220 ح 583]. صحیح مسلم : 1 / 153 [1 / 369 ح 16] ، باب فضل الأذان. (المؤلف)
5- مسند أحمد : 6 / 485 ح 22480 ، سنن الترمذی : 5 / 580 ح 3690 ، الإحسان فی صحیح ابن حبان : 15 / 315 ح 6892.
6- فیض القدیر : 2 / 359 [ح 2037]. (المؤلف)
7- المعجم الکبیر : 24 / 305 ح 774.
8- الإصابة : 4 / 326 [رقم 533] ، فیض القدیر : 2 / 352 [ح 2026]. (المؤلف)

ویخرّ علی وجهه ، ویسلک فجّا غیر فجّه أیضاً منذ أسلم إلی سنة الفتح الثامنة من الهجرة النبویّة؟ إلی نزول آیة (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ)؟ إلی یوم قول الرجل : انتهینا انتهینا؟ إلی یوم النادی فی دار أبی طلحة الأنصاری (1)؟ فعلی الباحث الوقوف علی ما أسلفناه فی الجزء السادس (ص 251 - 261) وفی الجزء السابع (ص 95 - 102).

ثمّ أین کانت تلک البسالة من رسول الله - الحاجزة بین الشیطان الرجیم وبین صلاته صلی الله علیه وآله وسلم لمّا عرض له وشدّ علیه - یوم کانت عنده نساء قریش فتخنقه وتردع النسوة؟

فبهذه کلّها تعلم مقدار هذه الروایة ومقیلها من الصدق ، ومبلغ صحیح البخاری من الاعتبار ، وتعرف ما یفعله الغلوّ فی الفضائل والحبّ المعمی والمصمّ.

أضف إلی هذه المخاریق ما أسلفناه فی الجزء الخامس فی سلسلة الموضوعات ممّا وضعته ید الغلوّ فی فضائل عمر.

(کَذلِکَ نَقُصُّ عَلَیْکَ مِنْ أَنْباءِ ما قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَیْناکَ مِنْ لَدُنَّا ذِکْراً* مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ یَحْمِلُ یَوْمَ الْقِیامَةِ وِزْراً) (2). 0.

ص: 142


1- هو زید بن سهل الأنصاری ، فتح نادیاً لشرب الخمر فی داره ، وکان یحضره جماعة من الصحابة منهم عمر بن الخطاب.
2- سورة طه : 99 ، 100.

الغلوّ فی فضائل عثمان ابن عفان

اشارة

الغلوّ فی فضائل عثمان ابن عفان بن أبی العاص بن أمیّة الخلیفة الأموی

قبل الشروع فی سرد الفضائل نوقفک علی موادّ تعرّفک مبلغ الخلیفة من العلم ، ومقداره من النفسیّات الفاضلة ، وموقفه من التقوی ، ومبوّأه من الإیمان ، حتی یکون نظرک فی فضائله نظر عارف به وبها.

- 1 -

قضاؤه فی امرأة ولدت لستّة أشهر

أخرج الحفّاظ عن بعجة بن عبد الله الجهنی قال : تزوج رجل منّا امرأة من جهینة فولدت له تماماً لستّة أشهر ، فانطلق زوجها إلی عثمان ، فأمر بها أن ترجم ، فبلغ ذلک علیّا رضی الله عنه فأتاه فقال : «ما تصنع؟ لیس ذلک علیها ، قال الله تبارک وتعالی : (وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً) (1). وقال : (وَالْوالِداتُ یُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَیْنِ کامِلَیْنِ) (2) فالرضاعة أربعة وعشرون شهراً. والحمل ستّة أشهر». فقال عثمان : والله ما فطنت لهذا. فأمر بها عثمان أن تردّ فوجدت قد رجمت ، وکان من قولها لأختها : یا أُخیّة لا تحزنی فو الله ما کشف فَرجی أحد قطّ غیره ، قال : فشبّ الغلام بعد فاعترف 3.

ص: 143


1- الأحقاف : 15.
2- البقرة : 233.

الرجل به وکان أشبه الناس به ، وقال : فرأیت الرجل بعد یتساقط عضواً عضواً علی فراشه.

أخرجه (1) : مالک ، وابن المنذر ، وابن أبی حاتم ، والبیهقی ، وأبو عمر ، وابن کثیر ، وابن الدیبع ، والعینی ، والسیوطی کما مرّ فی الجزء السادس صفحة (94).

قال الأمینی : إن تعجب فعجب أنّ إمام المسلمین لا یفطن لما فی کتاب الله العزیز ممّا تکثر حاجته إلیه فی شتّی الأحوال ، ثمّ یکون من جرّاء هذا الجهل أن تودی بریئة مؤمنة ، وتتّهم بالفاحشة ، ویهتک ناموسها بین الملأ الدینی وعلی رءوس الأشهاد.

وهلاّ کان حین عزب عنه فقه المسألة قد استشار أحداً من الصحابة یعلم ما جهله فلا یبوء بإثم القتل والفضیحة؟ وهلاّ تذکّر لدة هذه القضیّة وقد وقعت غیر مرّة علی عهد عمر؟ حین أراد أن یرجم نساء ولدن ستّة أشهر فحال دونها أمیر المؤمنین وابن عبّاس کما مرّت فی الجزء السادس (ص 93 - 95).

ثمّ هب أنّه ذهل عن الآیتین الکریمتین ، ونسی ما سبق فی العهد العمری ، فما ذا کان مدرک حکمه برجم تلک المسکینة؟ أهو الکتاب؟ فأنّی هو؟ أو السنّة؟ فمن ذا الذی رواها؟ أو الرأی والقیاس؟ فأین مدرک الرأی؟ وما ترتیب القیاس؟ وإن کانت فتوی مجرّدة؟ فحیّا الله المفتی ، وزه بالفتیا ، ومرحباً بالخلافة والخلیفة ، نعم ؛ لا یُربّی بیت أُمیّة أربی من هذا البشر ، ولا یجتنی من تلک الشجرة أشهی من هذا الثمر. 1.

ص: 144


1- موطّأ مالک : 2 / 825 ح 11 ، السنن الکبری للبیهقی : 7 / 442 ، تفسیر ابن کثیر : 4 / 158 ، تیسیر الوصول : 2 / 11 ، عمدة القاری : 21 / 18 ، الدرّ المنثور : 7 / 441.

- 2 -

إتمام عثمان الصلاة فی السفر

أخرج الشیخان وغیرهما بالإسناد عن عبد الله بن عمر قال : صلّی بنا رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بمنی رکعتین وأبو بکر بعده وعمر بعد أبی بکر وعثمان صدراً من خلافته ، ثمّ إنّ عثمان صلّی بعد أربعاً ، فکان ابن عمر إذا صلّی مع الإمام صلّی أربعاً ، وإذا صلّی وحده صلّی رکعتین (1).

وفی لفظ ابن حزم فی المحلّی (4 / 270) : إنّ ابن عمر کان إذا صلّی مع الإمام بمنی أربع رکعات انصرف إلی منزله فصلّی فیه رکعتین أعادها.

وأخرج مالک فی الموطّأ (2) (1 / 282) عن عروة : أنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم صلّی الرباعیة بمنی رکعتین ، وأنّ أبا بکر صلاّها بمنی رکعتین ، وأنّ عمر بن الخطاب صلاّها بمنی رکعتین ، وأنّ عثمان صلاّها بمنی رکعتین شطر إمارته ثمّ أتمّها بعد.

وأخرج النسائی فی سننه (3) (3 / 120) عن أنس بن مالک أنّه قال : صلّیت مع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بمنی ومع أبی بکر وعمر رکعتین ومع عثمان رکعتین صدراً من إمارته.

وبإسناده عن عبد الرحمن بن یزید قال : صلّی عثمان بمنی أربعاً حتی بلغ ذلک عبد الله فقال : لقد صلّیت مع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم رکعتین. الحدیث.

ورواه إمام الحنابلة أحمد فی المسند (4) (1 / 378) ، وأخرج حدیث أنس المذکور 9.

ص: 145


1- صحیح البخاری : 2 / 154 [2 / 596 ح 1572] ، صحیح مسلم : 2 / 260 [2 / 142 ح 17 کتاب صلاة المسافرین] ، مسند أحمد : 2 / 148 [2 / 319 ح 6316] ، سنن البیهقی : 3 / 126. (المؤلف)
2- موطّأ مالک : 1 / 402 ح 201.
3- السنن الکبری : 1 / 586 ح 1095 و 1907.
4- مسند أحمد : 1 / 625 ح 3582 ، 3 / 611 ح 12069.

فی مسنده (3 / 145) ولفظه : صلّی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم الصلاة بمنی رکعتین وصلاّها أبو بکر بمنی رکعتین ، وصلاّها عمر بمنی رکعتین ، وصلاّها عثمان بن عفان بمنی رکعتین أربع سنین ثمّ أتمّها بعدُ.

وأخرج الشیخان وغیرهما بالإسناد عن عبد الرحمن بن یزید قال : صلّی بنا عثمان بن عفان رضی الله عنه بمنی أربع رکعات ، فقیل ذلک لعبد الله بن مسعود ، فاسترجع ثمّ قال : صلّیت مع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بمنی رکعتین ، وصلّیت مع أبی بکر رضی الله عنه بمنی رکعتین ، وصلّیت مع عمر بن الخطّاب رضی الله عنه بمنی رکعتین ، فلیت حظّی من أربع رکعات رکعتان متقبّلتان (1).

وأخرج أبو داود وغیره عن عبد الرحمن بن یزید قال : صلّی عثمان رضی الله عنه بمنی أربعاً ، فقال عبد الله : صلّیت مع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم رکعتین ، ومع أبی بکر رکعتین ، ومع عمر رکعتین ، ومع عثمان صدراً من إمارته ثمّ أتمّها ، ثمّ تفرّقت بکم الطرق فلوددت أنّ لی من أربع رکعات رکعتین متقبّلتین. قال الأعمش : فحدّثنی معاویة بن قرّة عن أشیاخه : أنّ عبد الله صلّی أربعاً فقیل له : عبت علی عثمان ثمّ صلّیت أربعاً؟ قال : الخلاف شرّ (2).

وأخرج البیهقی فی السنن الکبیر (3 / 144) عن عبد الرحمن بن یزید قال : کنّا مع عبد الله بن مسعود بجمع ، فلمّا دخل مسجد منی فقال : کم صلّی أمیر المؤمنین؟ قالوا : أربعاً ، فصلّی أربعاً قال : فقلنا : ألم تحدّثنا أنّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم صلّی رکعتین ، وأبا بکر صلّی رکعتین؟ فقال : بلی وأنا أحدّثکموه الآن ، ولکن عثمان کان إماما فما أخالفه والخلاف شرّ. ف)

ص: 146


1- صحیح البخاری : 2 / 154 [1 / 368 ح 1034] ، صحیح مسلم : 1 / 261 [2 / 143 ح 19 کتاب صلاة المسافرین] ، مسند أحمد : 1 / 425 [1 / 700 ح 4024]. (المؤلف)
2- سنن أبی داود : 1 / 308 [2 / 199 ح 1960] ، الآثار للقاضی أبی یوسف : ص 30 ، کتاب الأمُ للشافعی : 1 / 159 و 7 / 175 [1 / 185 و 7 / 248]. (المؤلف)

وأخرج البیهقی فی السنن (3 / 144) عن حمید ، عن عثمان بن عفّان أنّه أتمّ الصلاة بمنی ، ثمّ خطب الناس فقال : یا أیّها الناس إنّ السنّة سنّة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وسنّة صاحبیه ، ولکنّه حدث العام من الناس فخفت أن یستنّوا. وأخرجه ابن عساکر کما فی کنز العمّال (1) (4 / 239).

وأخرج أبو داود وغیره عن الزهری : أنّ عثمان بن عفّان رضی الله عنه أتمّ الصلاة بمنی من أجل الأعراب لأنّهم کثروا عامئذٍ فصلّی بالناس أربعاً لیعلمهم أنّ الصلاة أربعاً (2).

وروی ابن حزم فی المحلی (4 / 270) من طریق سفیان بن عیینه عن جعفر بن محمد عن أبیه قال : اعتلّ عثمان وهو بمنی ، فأتی علیّ فقیل له : صلّ بالناس فقال : إن شئتم صلّیت بکم صلاة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم. یعنی رکعتین قالوا : لا ، إلاّ صلاة أمیر المؤمنین - یعنون عثمان - أربعاً. فأبی.

وذکره ابن الترکمانی فی ذیل سنن البیهقی (3 / 144).

وأخرج إمام الحنابلة أحمد فی مسنده (3) (2 / 44) عن عبد الله بن عمر قال : خرجنا مع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فکان یصلّی صلاة السفر - یعنی رکعتین - ومع أبی بکر وعمر وعثمان ستّ سنین من إمرته ثمّ صلّی أربعاً.

وأخرج البیهقی فی السنن الکبری (3 / 153) بالإسناد عن أبی نضرة : أنّ رجلاً سأل عمران بن حصین عن صلاة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی السفر فقال : ائت مجلسنا. فقال : إنّ هذا قد سألنی عن صلاة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی السفر فاحفظوها عنّی : 1.

ص: 147


1- کنز العمّال : 8 / 234 ح 22701.
2- سنن أبی داود : 1 / 308 [2 / 199 ح 1964] ، سنن البیهقی : 3 / 144 ، تیسیر الوصول : 2 / 286 [2 / 343] ، نیل الأوطار : 2 / 260 [3 / 241]. (المؤلف)
3- مسند أحمد : 2 / 137 ح 5021.

ما سافر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم سفراً إلاّ صلّی رکعتین حتی یرجع ویقول : یا أهل مکة قوموا فصلّوا رکعتین فإنّا سفر ، وغزا الطائف وحنین فصلّی رکعتین ، وأتی الجعرانة فاعتمر منها ، وحججت مع أبی بکر رضی الله عنه واعتمرت فکان یصلّی رکعتین ، ومع عمر بن الخطّاب رضی الله عنه فکان یصلّی رکعتین ، ومع عثمان فصلّی رکعتین صدراً من إمارته ، ثمّ صلّی عثمان بمنی أربعاً. وفی لفظ الترمذی فی الصحیح (1) (1 / 71) : ومع عثمان ستّ سنین من خلافته أو ثمانی سنین فصلّی رکعتین. فقال : حسن صحیح.

وفی الکنز (2) (4 / 240) من طریق الدارقطنی عن ابن جریج قال : سأل حمید الضمری ابن عبّاس فقال : إنّی أسافر ؛ فأقصر الصلاة فی السفر أم أتمّها؟ فقال ابن عبّاس : لست تقصرها ولکن تمامها وسنّة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، خرج رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم آمناً لا یخاف إلاّ الله فصلّی اثنتین حتی رجع ، ثمّ خرج أبو بکر لا یخاف إلاّ الله فصلّی رکعتین حتی رجع ، ثمّ خرج عمر آمناً لا یخاف إلاّ الله فصلّی اثنتین حتی رجع ، ثمّ فعل ذلک عثمان ثلثی إمارته أو شطرها ثمّ صلاّها أربعاً ، ثمّ أخذ بها بنو أُمیّة. قال ابن جریج : فبلغنی أنّه أوفی أربعاً بمنی فقط من أجل أنّ أعرابیّا ناداه فی مسجد الخیف بمنی : یا أمیر المؤمنین ما زلت أُصلّیها رکعتین منذ رأیتک عام الأوّل صلّیتها رکعتین. فخشی عثمان أن یظنّ جهّال الناس الصلاة رکعتین وإنّما کان أوفاها بمنی.

وأخرج أحمد فی المسند (3) (4 / 94) من طریق عباد بن عبد الله قال : لمّا قدم علینا معاویة حاجّا صلّی بنا الظهر رکعتین بمکة ، ثمّ انصرف إلی دار الندوة فدخل علیه مروان وعمرو بن عثمان فقالا له : لقد عبت أمر ابن عمّک لأنّه کان قد أتمّ الصلاة. قال : وکان عثمان حیث أتمّ الصلاة إذا قدم مکّة صلّی بها الظهر والعصر والعشاء أربعاً أربعاً ، ثمّ إذا خرج إلی منی وعرفة قصّر الصلاة فإذا فرغ الحجّ وأقام 5.

ص: 148


1- سنن الترمذی : 2 / 430 ح 545.
2- کنز العمّال : 8 / 238 ح 22720.
3- مسند أحمد : 5 / 58 ح 16415.

بمنی أتمّ الصلاة. وذکره ابن حجر فی فتح الباری (1) (2 / 457) ، والشوکانی فی نیل الأوطار (2) (2 / 260).

وروی الطبری فی تاریخه (3) وغیره : حجّ بالناس فی سنة (29) عثمان فضرب بمنی فسطاطاً فکان أوّل فسطاطٍ ضربه عثمان بمنی ، وأتمّ الصلاة بها وبعرفة ، فذکر الواقدی بالإسناد عن ابن عبّاس قال : إنّ أوّل ما تکلّم الناس فی عثمان ظاهراً أنّه صلّی بالناس بمنی فی ولایته رکعتین حتی إذا کانت السنة السادسة أتمّها ، فعاب ذلک غیر واحد من أصحاب النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ، وتکلّم فی ذلک من یرید أن یکثر علیه حتی جاءه علیّ فیمن جاءه فقال : والله ما حدث أمر ولا قَدُم عهد ولقد عهدت نبیّک صلی الله علیه وآله وسلم یصلّی رکعتین ، ثمّ أبا بکر ، ثم عمر ، وأنت صدراً من ولایتک ، فما أدری ما یرجع إلیه؟ فقال : رأی رأیته.

وعن عبد الملک بن عمرو بن أبی سفیان الثقفی عن عمّه قال : صلّی عثمان بالناس بمنی أربعاً فأتی آتٍ عبد الرحمن بن عوف فقال : هل لک فی أخیک؟ قد صلّی بالناس أربعاً ، فصلّی عبد الرحمن بأصحابه رکعتین ، ثمّ خرج حتی دخل علی عثمان فقال له : ألم تُصلّ فی هذا المکان مع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم رکعتین؟ قال : بلی. قال : ألم تُصلّ مع أبی بکر رکعتین؟ قال : بلی. قال : أفلم تصلّ مع عمر رکعتین؟ قال : بلی. قال؟ ألم تُصلّ صدراً من خلافتک رکعتین؟ قال : بلی. قال : فاسمع منّی یا أبا محمد إنّی أُخبِرت أنّ بعض من حجّ من أهل الیمن وجفاة الناس قد قالوا فی عامنا الماضی : إنّ الصلاة للمقیم رکعتان هذا إمامکم عثمان یصلّی رکعتین. وقد اتّخذت بمکّة أهلاً فرأیت أن أصلّی أربعاً لخوف ما أخاف علی الناس ، وأخری قد اتّخذت بها زوجة ، ولی بالطائف مال ، فربّما اطلعته فأقمت فیه بعد الصدر. .

ص: 149


1- فتح الباری : 2 / 571.
2- نیل الأوطار : 3 / 240 - 241.
3- تاریخ الأمم والملوک : 4 / 267 حوادث سنة 29 ه.

فقال عبد الرحمن بن عوف : ما من هذا شیء لک فیه عذر ، أمّا قولک : اتّخذت أهلاً ، فزوجتک بالمدینة تخرج بها إذا شئت ، وتقدم بها إذا شئت ، إنّما تسکن بسکناک.

وأمّا قولک : ولی مال بالطائف. فإنّ بینک وبین الطائف مسیرة ثلاث لیال وأنت لست من أهل الطائف.

وأمّا قولک : یرجع من حجّ من أهل الیمن وغیرهم فیقولون : هذا إمامکم عثمان یصلّی رکعتین وهو مقیم ؛ فقد کان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ینزل علیه الوحی والناس یومئذٍ الإسلام فیهم قلیل ، ثمّ أبو بکر مثل ذلک ، ثمّ عمر ، فضرب الإسلام بجرانه فصلّی بهم عمر حتی مات رکعتین. فقال عثمان : هذا رأی رأیته.

قال : فخرج عبد الرحمن فلقی ابن مسعود فقال : أبا محمد غیّر ما یُعلم؟ قال : لا. قال : فما أصنع؟ قال : اعمل أنت بما تعلم. فقال ابن مسعود : الخلاف شرّ ، قد بلغنی أنّه صلّی أربعاً فصلّیت بأصحابی أربعاً. فقال عبد الرحمن بن عوف : قد بلغنی أنّه صلّی أربعاً فصلّیت بأصحابی رکعتین ، وأمّا الآن فسوف یکون الذی تقول ، یعنی نصلّی معه أربعاً.

أنساب البلاذری (5 / 39) ، تاریخ الطبری (5 / 56) ، کامل ابن الأثیر (3 / 42) ، تاریخ ابن کثیر (7 / 154) ، تاریخ ابن خلدون (2 / 386) (1).

نظرة فی رأی الخلیفة :

قال الأمینی : أنت تری أنّ ما ارتکبه الرجل مجرّد رأی غیر مدعوم ببرهنة ولا معتضد بکتاب أو سنّة ، ولم یکن عنده غیر ما تترّس به من حججه الثلاث التی دحضها عبد الرحمن بن عوف بأوفی وجه حین أدلی بها ، بعد أن أربکه النقد ، وکان 8.

ص: 150


1- تاریخ الأُمم والملوک : 4 / 268 حوادث سنة 29 ه ، الکامل فی التاریخ : 2 / 244 حوادث سنة 29 ه ، البدایة والنهایة : 7 / 173 حوادث سنة 29 ه ، تاریخ ابن خلدون : 2 / 588.

ذلک منه تشبّثاً کتشبّث الغریق ، ومن أمعن النظر فیها لا یشکّ أنّها ممّا لا یفوه به ذو 8 / 103 مرّة فی الفقاهة فضلاً عن إمام المسلمین ، ولو کان مجرّد أنّ زوجته مکّیة من قواطع السفر فأیّ مهاجر من الصحابة لیس کمثله؟ فکان إذن من واجبهم الإتمام ، لکنّ الشریعة فرضت التقصیر علی المسافر مطلقاً ، والزوجة فی قبضة الرجل تتبعه فی ظعنه وإقامته ، فلا تخرج زوجها عن حکم المسافر لمحض أنّه بمقربة من بیئتها الأصلیّة التی هاجر عنها وهاجرت.

قال ابن حجر فی فتح الباری (1) (2 / 456) : أخرج أحمد والبیهقی من حدیث عثمان وأنّه لمّا صلّی بمنی أربع رکعات أنکر الناس علیه فقال : إنّی تأهّلت بمکة لمّا قدمت وإنّی سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول : من تأهّل ببلدة فإنّه یصلّی صلاة مقیم. قال : هذا الحدیث لا یصحّ منقطع ، وفی رواته من لا یُحتجّ به ، ویردّه أنّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم کان یسافر بزوجاته وقصّر.

وقال ابن القیّم (2) فی عدّ أعذار الخلیفة : إنّه کان قد تأهّل بمنی ، والمسافر إذا أقام فی موضع وتزوّج فیه ، أو کان له به زوجة أتمّ. ویُروی فی ذلک حدیث مرفوع عن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ، فروی عکرمة بن إبراهیم الأزدی عن أبی ذئاب عن أبیه قال : صلّی عثمان بأهل منی أربعاً وقال : یا أیّها الناس لمّا قدمت تأهّلت بها ، وإنّی سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول : إذا تأهّل الرجل ببلدة فإنّه یصلّی بها صلاة مقیم. رواه الإمام أحمد رحمه الله فی مسنده (3) (1 / 62) ، وعبد الله بن الزبیر الحمیدی فی مسنده (4) أیضاً ، وقد أعلّه البیهقی بانقطاعه ، وتضعیفه عکرمة بن إبراهیم ، قال أبو البرکات بن تیمیّة : 6.

ص: 151


1- فتح الباری : 2 / 270.
2- زاد المعاد : 1 / 129 - 130.
3- مسند أحمد : 1 / 100 ح 445.
4- مسند الحمیدی : 1 / 21 ح 36.

ویمکن المطالبة بسبب الضعف ، فإنّ البخاری ذکره فی تاریخه (1) ولم یطعن فیه ، وعادته ذکر الجرح والمجروحین ، وقد نصّ أحمد وابن عباس قبله : إنّ المسافر إذا تزوّج لزمه الإتمام ، وهذا قول أبی حنیفة رحمه الله ، ومالک وأصحابهما ، وهذا أحسن ما اعتذر به عن عثمان. انتهی.

قال الأمینی : لو کان عثمان لهج بهذه المزعمة فی وقته علی رءوس الأشهاد ، وکان من المسلّم فی الإسلام أنّ التزویج من قواطع السفر - ولیس کذلک - لما بقیت کلمة مطویّة تحت أستار الخفاء حتی یکتشفها هذا الأثریّ المتمحّل ، أو یختلقها له رماة القول علی عواهنه.

ثمّ لأیّ شیء کانت ، والحالة هذه ، نقود الصحابة الموجّهة إلی الرجل؟ أو لم یسمعوه لمّا رفع عقیرته بعذره الموجّه؟ أو سمعوه ولم یقیموا له وزنا؟ أو أنّ الخطاب من ولائد أمّ الفریة بعد منصرم أیّامه؟

علی أنّ النکاح لا یتمّ عند القوم إلاّ بشاهدین عدلین ، وورد عن ابن عبّاس : «لا نکاح إلاّ بأربعة : ولیّ ، وشاهدین ، وخاطب» (2) ، فأین کان أرکان نکاح الخلیفة یوم توجیه النقود إلیه؟ حتی یدافعوا عنه تلک الجلبة واللغط.

ومتی تأهّل الرجل بهذه المرأة الموهومة قاطعة السفر له؟ وما المسوّغ له ذلک وقد دخل مکة محرماً؟ وکیف یشیع المنکر ویقول : تأهّلت بمکة مذ قدمت؟ ولم یکن متمتّعاً بالعمرة - لأنّه لم یکن یبیح ذلک أخذاً برأی من حرّمها کما یأتی تفصیله - حتی یقال : إنّه تأهّل بین الإحرامین بعد قضاء نسک العمرة ، فهو کان لم یزل محرماً من مسجد الشجرة حتی أحلّ بعد تمام النسک بمنی ، فیجب أن یکون إتمامه الصلاة إن ف)

ص: 152


1- التاریخ الکبیر : 7 / 50 رقم 227.
2- سنن البیهقی : 7 / 124 - 127 ، 142. (المؤلف)

صحّ الإتمام بالتأهّل ، وأنّی؟ من حیث أحلّ وتأهّل ، وقد صلاّها تامّة بمنی أیّام منی وبعرفات أیضاً محرماً مع الحاج ، فهذه مشکلة أخری قطّ لا تنحلّ لما صحّ من طریق عثمان نفسه عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم من قوله : «لا یَنکِحُ المحرمُ ولا یُنکَحُ ولا یخطب» (1).

وعن مولانا أمیر المؤمنین قال : «لا یجوز نکاح المحرم ، إن نکح نزعنا منه امرأته» (2).

قال ابن حزم فی المحلّی (7 / 197) : مسألة : لا یحلّ لرجل ولا لامرأة أن یتزوّج أو تتزوّج ، ولا أن یزوّج الرجل غیره من ولیّته ، ولا أن یخطب خطبة نکاح مذ یحرمان إلی أن تطلع الشمس من یوم النحر ، ویدخل وقت رمی جمرة العقبة ، ویفسخ النکاح قبل الوقت المذکور ، کان فیه دخول وطول مدّة وولادة أو لم یکن ، فإذا دخل الوقت المذکور حلّ لهما النکاح والإنکاح. ثمّ ذکر دلیل الحکم فقال :

فإن نکح المحرم أو المحرمة فسخ لقول رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : من عمل عملاً لیس علیه أمرنا فهو ردّ. وکذلک إن أنکح من لا نکاح لها إلاّ بإنکاحه فهو نکاح مفسوخ لما ذکرنا ، ولفساد الإنکاح الذی لا یصحّ النکاح إلاّ به ، ولا صحّة لما لا یصحّ ، إلاّ بما یصحّ ، وأمّا الخطبة فإن خطب فهو عاصٍ ولا یفسد النکاح ، لأنّ الخطبة لا متعلّق لهاف)

ص: 153


1- الموطّأ لمالک : 1 / 321 ، وفی طبعة 254 [1 / 348 ح 70] ، الأُم للشافعی : 5 / 160 [5 / 178] ، مسند أحمد : 1 / 57 ، 64 ، 65 ، 68 ، 73 [1 / 92 ح 403 ، ص 104 ح 464 ، ص 105 ح 468 ، ص 110 ح 494 ، ص 117 ح 535] ، صحیح مسلم : 1 / 935 [3 / 201 ح 41 کتاب النکاح] ، سنن الدارمی : 2 / 38 [2 / 141] ، سنن أبی داود : 1 / 290 [2 / 169 ح 1841] ، سنن ابن ماجة : 1 / 606 [1 / 632 ح 1966] ، سنن النسائی : 5 / 192 [2 / 376 ح 3825] ، سنن البیهقی : 5 / 65 ، 66. (المؤلف)
2- المحلّی لابن حزم : 7 / 199 [مسألة 869]. (المؤلف)

بالنکاح ، وقد یخطب ولا یتمّ النکاح إذا ردّ الخاطب ، وقد یتمّ النکاح بلا خطبة أصلاً ، لکن بأن یقول لها : أنکحینی نفسک فتقول : نعم قد فعلت. ویقول هو : قد رضیت ، ویأذن الولیّ فی ذلک. ثمّ بسط القول فی ردّ من زعم جواز نکاح المحرم بأحسن بیان. فراجع. وللإمام الشافعی فی کتابه الأمّ (1) کلمة حول نکاح المحرم ضافیة لدة هذه ، راجع (5 / 160).

ولیتنی أدری بأیّ کتاب أم بأیّة سنّة قال أبو حنیفة ومالک ونصّ أحمد - کما زعمه ابن القیّم (2) - : علی أنّ المسافر إذا تزوّج ببلدة لزمه الإتمام بها؟ وسنّة رسول الله الثابتة عنه صلی الله علیه وآله وسلم خلافه ؛ وکان المهاجرون کلّهم یقصّرون بمکّة ، وهی قاعدة أزواجهم کما سمعت ، ولیس مستند القوم إلاّ روایة عکرمة بن إبراهیم التی أعلّها البیهقی ، وقد مرّ عن ابن حجر أنّها لا تصحّ. وقال یحیی (3) وأبو داود : عکرمة لیس بشیء. وقال النسائی (4) : ضعیف لیس بثقة. وقال العقیلی (5) : فی حدیثه اضطراب. وقال ابن حبّان (6) : کان ممّن یقلّب الأخبار ، ویرفع المراسیل ، لا یجوز الاحتجاج به. وقال یعقوب : منکر الحدیث. وقال أبو أحمد الحاکم : لیس بالقوی ، وذکره ابن الجارود وابن شاهین فی الضعفاء (7).

نعم راق أولئک الأئمة التحفظ علی کرامة الخلیفة ولو بالإفتاء بغیر ما أنزل الله ، وکم له من نظیر! ونوقفک فی الأجزاء الآتیة علی شطر مهمّ من الفتاوی الشاذّة عن ف)

ص: 154


1- کتاب الأُم : 5 / 178.
2- زاد المعاد : 1 / 130.
3- التاریخ : 4 / 171 رقم 3770.
4- کتاب الضعفاء والمتروکین : ص 194 رقم 506.
5- الضعفاء الکبیر : 3 / 377 رقم 1414.
6- کتاب المجروحین : 2 / 188.
7- لسان المیزان : 4 / 182 [4 / 210 رقم 5676]. (المؤلف)

الکتاب والسنّة عند البحث عنها ، والعجب کلّ العجب عدّ ابن القیّم هذا العذر المفتعل أحسن ما اعتذر به عن عثمان ، وهو مکتنف بکلّ ما ذکرناه من النقود والعلل ، هذا شأن أحسن ما اعتذر به ، فما ظنّک بغیره؟!

وأمّا وجود مال له بالطائف فالرجل مکّی قد هاجر عنها لا طائفیّ ، وبینه وبین الطائف عدّة مراحل ، هب أنّ له مالاً بمکة أو بنفس منی وعرفة اللتین أتمّ فیهما الصلاة ، فإنّ مجرّد المال فی مکان لیس یقطع السفر ما لم یجمع الرجل مکثاً ، وقد قصّر أصحاب النبی صلی الله علیه وآله وسلم معه عام الفتح ، وفی حجة أبی بکر ولعدد منهم بمکة دار أو أکثر وقرابات. کما رواه الشافعی ، قال فی کتاب الأم (1) (1 / 165) : قد قصّر أصحاب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم معه عام الفتح ، وفی حجّته ، وفی حجّة أبی بکر ، ولعدد منهم بمکّة دار أو أکثر وقرابات منهم : أبو بکر له بمکّة دار وقرابة ، وعمر له بمکة دور کثیرة ، وعثمان له بمکة دار وقرابة ؛ فلم أعلم منهم أحداً أمره رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بالإتمام ، ولا أتمّ ولا أتمّوا بعد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی قدومهم مکة ، بل حفظ عمّن حفظ عنه منهم القصر بها. وذکره البیهقی فی السنن (3 / 153).

وأمّا الخیفة ممّن حجّ من أهل الیمن وجفاة الناس الذین لم یتمرّنوا بالأحکام أن یقولوا : إنّ الصلاة للمقیم رکعتان هذا إمام المسلمین یصلّیها کذلک. فقد کانت أولی بالرعایة علی العهد النبویّ والناس حدیثو عهد بالإسلام ، ولم تطرق جملة من الأحکام أسماعهم ، وکذلک علی العهدین قبله ، لکنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لم یرعها بعد بیان حکمی الحاضر والمسافر ، وکذلک من اقتصّ أثره من بعده ، ولقد صلّی صلی الله علیه وآله وسلم بمکة رکعتین أیّام إقامته بها ثمّ قال : أتمّوا الصلاة یا أهل مکة فإنّا سفر. أو قال : یا أهل البلد صلّوا أربعاً فإنّا سفر (2). فأزال صلی الله علیه وآله وسلم ما حاذره الخلیفة فی تعلیله المنحوت بعد ف)

ص: 155


1- کتاب الأُم : 1 / 187.
2- سنن البیهقی : 3 / 136 ، 157 ، سنن أبی داود : 1 / 191 [2 / 9 ح 1229] ، أحکام القرآن للجصّاص : 2 / 310. (المؤلف)

الوقوع ، فهلاّ کان منه اقتصاص لأثر النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فیما لم یزل دائباً علیه فی أسفاره؟ فهلاّ اقتصّ أثره مع ذلک البیان الأوفی؟ ولم یکن علی الأفواه أوکیة (1) ، ولا علی الآذان صمم ، وهل الواجب تعلیم الجاهل؟ أو تغییر الحکم الثابت من جرّاء جهله؟

علی أنّ الخلیفة إن أراد أن ینقذ الهمج من الجهل بتشریع الصلاة أربعاً فقد ألقاهم فی الجهل بحکم صلاة المسافر ، فکان تعلیمه العملی إغراء بالجهل ، وواجب التعلیم هو الاستمرار علی ما ثبت فی الشریعة مع البیان ، کما فعله رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی مکة کما مرّ ، وکان عمر إذا قدم مکة صلّی لهم رکعتین ثمّ یقول : یا أهل مکة أتمّوا صلاتکم فإنّا قوم سفر ، وروی البیهقی عن أبی بکر مثل ذلک. سنن البیهقی (3 / 126 ، 157) ، المحلّی لابن حزم (5 / 18) ، موطّأ مالک (2) (1 / 126).

هذه حجج الخلیفة التی أدلی بها یوم ضایقه عبد الرحمن بن عوف لکنّها عادت عنده مدحورة ، وقد أربکه عبد الرحمن بنقد ما جاء به فلم یبق عنده إلاَّ أن یقول : هذا رأی رأیته ، کما أنّ مولانا أمیر المؤمنین علیه السلام لمّا دخل علیه وخصمه بحجاجه فقال : والله ما حدث أمر ولا قدم عهد. إلخ. وعجز الرجل عن جوابه فقال : رأی رأیته.

هذا منقطع معاذیر عثمان فی تبریر أُحدوثته فلم یبق له بعد ارتحاضه إلاّ قوله : رأی رأیته ، لکنّ للرجل من بعده أنصاراً اصطنعوا له أعذاراً أخری هی أوهن من بیت العنکبوت ، ولم یهتد إلیها نفس الخلیفة حتی یُغبّر بها فی وجه منتقدیه ، ولکن کم ترک الأوّل للآخر ، منها :

1 - إنّ منی کانت قد بنیت وصارت قریة ، کثر فیها المساکن فی عهده ولم یکن ذلک فی عهد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، بل کانت فضاء ولهذا قیل له : یا رسول الله ألا تبنی لک 2.

ص: 156


1- جمع وکاء وهو ما یشدّ به فم القربة.
2- موطّأ مالک : 1 / 402 ح 202.

بمنی بیتاً یظلّک من الحرّ؟ فقال : لا ، منی مناخ من سبق ، فتأوّل عثمان أنّ القصر إنّما فی حال السفر (1).

أنا لا أدری ما صلة کثرة المساکن وصیرورة المحلّ قریة بحکم القصر والإتمام؟ وهل السفر یتحقّق بالمفاوز والفلوات دون القری والمدن حتی إذا لم ینو فیها الإقامة؟ إنّ هذا لحکم عجاب ، وهذه فتوی من لا یعرف مغزی الشریعة ، ولا ملاک تحقق السفر والحضر المستتبعین للقصر والإتمام ، علی أنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم صلّی أیّام إقامته بمکة قصراً وکذلک فی خیبر ، وکانت مکة أمّ القری ، وفی خیبر قلاع وحصون مشیّدة وقری ورساتیق ، وکذلک کان یفعل فی أسفاره ، وکان یمرّ بها علی قریة ویهبط أخری.

علی أنّ صیرورة المحلّ قریة لم تکن مفاجأة منها وإنّما عادت کذلک بالتدریج ، ففی أیّ حدّ منها کان یلزم الخلیفة تغییر الحکم؟ وعلی أیّ حدّ غیّر؟ أنا لا أدری.

2 - إنّه أقام بها ثلاثاً وقد قال النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم : «یقیم المهاجر بعد قضاء نسکه بمکة / ثلاثاً» فسمّاه مقیماً والمقیم غیر مسافر (2). وفی لفظ مسلم (3) : «یمکث المهاجر بمکة بعد قضاء نسکه ثلاثاً». وفی لفظ البخاری : «للمهاجر إقامة ثلاث بعد الصدر بمکة» انتهی (4).

إنّ ملاک قطع السفر لیس صدق لفظ الإقامة ، فلیست المسألة لغویّة وإنّما هی شرعیّة ، وقد أناطت السنّة الشریفة الإتمام فی السفر بإقامة محدودة لیس فیما دونها إلاّ ف)

ص: 157


1- ذکره ابن القیّم فی زاد المعاد [1 / 129] هامش شرح المواهب للزرقانی : 2 / 24 وفنّده بقول موجز. (المؤلف)
2- هذا الوجه ذکره ابن القیّم فی زاد المعاد [1 / 129] هامش شرح المواهب : 2 / 24 ونقده بکلام وجیز. (المؤلف)
3- صحیح مسلم : 3 / 159 ح 444 کتاب الحج.
4- ألفاظ هذا الحدیث مذکورة فی تاریخ الخطیب : 6 / 267 - 270 [رقم 3299]. (المؤلف)

التقصیر فی الصلاة ، ولیس لمکة حکم خاصّ یُعدل به عمّا سنّه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، والمراد من الإقامة فیما تشبّث به ناحت المعذرة هو المکث للمهاجر بمکة لما لهم بها من سوابق وعلائق وقرابات ، لا الإقامة الشرعیّة التی هی موضوع حکم الإتمام ، وقد أقام رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بمکة عشراً کما فی الصحیحین (1) أو أکثر منها کما فی غیره (2) ولم یزد علی التقصیر فی الصلاة ، فقصر المکث بمکة ثلاثاً علی المهاجر دون غیره من الوافدین إلی مکة ، وعلی مکة دون غیرها کما هو صریح تلکم الألفاظ المذکورة یُعرب عن إرادة المعنی المذکور ، ولا یسع لفقیه أن یری الإقامة ثلاثاً بمکة خاصّة من قواطع السفر للمهاجر فحسب ، وقد أعرض عن استیطانها بالهجرة ، ولم یتمّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی حجّة الوداع بمکة وقد أقام بها أکثر من ثلاثة أیام بلغ عشراً أو لم یبلغ أو زاد علیها.

علی أنّ الشافعی ومالکاً وأصحابهما وآخرین احتجّوا بالألفاظ المذکورة علی استثناء مکث المهاجر بمکة ثلاثاً من الإقامة المکروهة لهم بها ، قالوا : کره رسول الله للمهاجرین الإقامة بمکة التی کانت أوطانهم فأخرجوا عنها ، ثمّ أباح لهم المقام بها ثلاثاً بعد تمام النسک. وقال ابن حزم : إنّ المسافر مباح له أن یقیم ثلاثاً وأکثر من ثلاث لا کراهیة فی شیء من ذلک ، وأمّا المهاجر فمکروه له أن یقیم بمکة بعد انقضاء نسکه أکثر من ثلاث (3) ، فأین هذا الحکم الخاصّ بمکة للمهاجر فحسب من الإقامة القاطعة للسفر؟

ثمّ لو کان هذا عذر الرجل لکان علیه أن یتمّ بمکة لا بمنی وعرفة وقد أتمّ بهما. ف)

ص: 158


1- صحیح البخاری : 2 / 153 [1 / 367 ح 1031 و 4 / 1564 ح 4046] ، صحیح مسلم : 1 / 260 [2 / 141 ح 15]. (المؤلف)
2- المحلّی لابن حزم : 5 / 27 [المسألة 515]. (المؤلف)
3- المحلّی لابن حزم : 5 / 24. (المؤلف)

3 - إنّه کان قد عزم علی الإقامة والاستیطان بمنی واتّخاذها دار الخلافة ، فلهذا أَتمّ ثمّ بدا له أن یرجع إلی المدینة. انتهی.

کأنّ هذا المتأوّل استشفّ عالم الغیب من وراء ستر رقیق ولا یعلم الغیب إلاّ الله ، إنّ مثل هذه العزیمة وفسخها ممّا لا یُعلم إلاّ من قبل صاحبها ، أو من یخبره بها هو ، وقد علمت أنّ الخلیفة لمّا ضویق بالنقد لم یعدّ ذلک من معاذیره ، وإلاّ لکانت له فیه منتدح ، وکان خیراً له من تحشید التافهات ، لکن کشف ذلک لصاحب المزعمة بعد لأی من عمر الدهر فحیّا الله الکشف والشهود.

وکان من المستصعب جدّا والبعید غایته تغییر العاصمة الإسلامیّة والتعریجة علی التعرّب بعد الهجرة من دون استشارة أحد من أکابر الصحابة ، وإلغاء مقدّمات تستوعب برهة طویلة من الزمن کأبسط أمر ینعقد بمحض النیّة ویفسخ بمثلها.

وقال ابن حجر فی الفتح (1) (2 / 457) ، والشوکانی فی نیل الأوطار (2) (3 / 260) : روی عبد الرزاق عن معمر ، عن الزهری ، عن عثمان : إنّما أتمّ الصلاة لأنّه نوی الإقامة بعد الحجّ وأُجیب بأنّه مرسل ، وفیه أیضاً نظر لأنّ الإقامة بمکة علی المهاجرین حرام ، وقد صحّ عن عثمان أنّه کان لا یودّع البیت إلاّ علی ظهر راحلته ، ویسرع الخروج خشیة أن یرجع فی هجرته ، وثبت أنّه قال له المغیرة لمّا حاصروه : ارکب رواحلک إلی مکّة. فقال : لن أُفارق دار هجرتی. انتهی.

ولابن القیّم فی زاد المعاد (3) (2 / 25) وجه آخر فی دحض هذه الشبهة. فراجع.

4 - إنّه کان إماماً للناس والإمام حیث نزل فهو عمله ومحلّ ولایته ، فکأنّه وطنه. 9.

ص: 159


1- فتح الباری : 2 / 571.
2- نیل الأوطار : 3 / 241.
3- زاد المعاد : 1 / 129.

قال الأمینی : إنّ ملاک حکم الشریعة هو المقرّر من قبل الدین لا الاعتبارات المنحوتة ، والإمام والسوقة شرع سواء فی شمول الأحکام ، بل هو أولی بالاتّباع لنوامیس الدین حتی یکون قدوة للناس وتکون به أُسوتهم ، وهو وإن سرت ولایته وعمله مع مسیر نفوذه فی البلاد أو فی العالم کلّه إلاّ أنّ التکلیف الشرعیّ غیر منوط بهذا السیر ، بل هو مرتبط بتحقّق الموازین الشرعیّة ، فإن أقام فی محلّ جاءه حکم الإقامة ، وإن لم ینوِ الإقامة فهو علی حکم السفر ، وکان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إمام الخلائق علی الإطلاق ، ومع ذلک کان یقصّر صلاته فی أسفاره ، ولا یعزی إلیه أنّه ربّع بمکة أو فی منی أو بعرفة أو بغیرها ، وإنّما اتّبع ما استنّه للأمّة جمعاء وبهذا ردّه ابن القیّم فی زاد المعاد ، وابن حجر فی فتح الباری (1) (2 / 456)

أضف إلیه هتاف النبیّ الأعظم وأبی بکر وعمر بن الخطّاب بما مرّ (ص 107) من قولهم : أتمّوا صلاتکم یا أهل مکة فإنّا قوم سفر. فإنّه یعرب عن أنّ حکم القصر والإتمام یعمّ الصادع الکریم ومن شغل منصّة الخلافة بعده.

علی أنّه لو کان تربیع الرجل من هذه الناحیة لوجب علیه أن یهتف بین الناس بأنّ ذلک لمقام الإمامة فحسب ، وأمّا من لیس له ذلک المقام فحکمه التقصیر ، وإلاّ لکان إغراءً بالجهل بعمله ، وإبطالاً لصلاتهم بترک البیان ، فإذ لم یهتف بذلک ولم یعلّل عمله به جواباً لمنتقدیه علمنا أنّه لم یرد ذلک ، وأنّ من تابعه من الصحابة لم یعلّلوا عمله بهذا التعلیل ، وإنّما تابعوه دفعاً لشرّ الخلاف کما مرّ فی صفحة (99 ، 102) وهذا ینبئ عن عدم صحّة عمله عندهم.

ویشبه هذا التشبّث فی السقوط ما نحتوه لأمّ المؤمنین عائشة فی تربیعها الصلاة فی السفر بأنّها کانت أمّ المؤمنین ، فحیث نزلت فکان وطنها کما ذکره ابن القیّم فی زاد 0.

ص: 160


1- فتح الباری : 2 / 570.

معاده (1) (2 / 26) ، فإن کان لأمّ المؤمنین هذا الحکم الخاصّ ، وجب أن تکون أُمومتها منتزعة من أُبوّة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، وإنّ ثبوت الحکم فی الأصل أولی من الفرع ، لکن رسول الله کان یصلّی فی أسفاره عامّة رکعتین ، ولیس من الهیّن تغییر حکم الله بأمثال هذه السفاسف ، ولا من السهل نحت العذر لکلّ من یخالف حکماً من أحکام الدین لرأی ارتآه ، أو غلط وقع فیه ، أو لسیاسة وقتیّة حدته إلیه ، ولا ینقضی عجبی من العلماء الذین راقتهم أمثال هذه التافهات فدوّنوها فی الکتب ، وترکوها أساطیر من بعدهم یهزأ بها.

5 - إنّ التقصیر للمسافر رخصة لا عزیمة ، ذکره جمع ، وقال المحبّ الطبری فی الریاض (2) (2 / 151) : عذره فی ذلک ظاهر ، فإنّه ممّن لم یوجب القصر فی السفر. وتبعه فی ذلک شرّاح صحیح البخاری ، وهذا مخالف لنصوص الشریعة ، والمأثورات النبویّة ، والسنّة الشریفة الثابتة عن النبیّ الأقدس ، وکلمات الصحابة ، وإلیک نماذج منها :

1 - عن عمر : صلاة السفر رکعتان ، والجمعة رکعتان ، والعید رکعتان تمام غیر قصر علی لسان محمد. وفی لفظ : علی لسان النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم (3).

مسند أحمد (1 / 37) ، سنن ابن ماجة (1 / 329) ، سنن النسائی (3 / 118) ، سنن البیهقی (3 / 199) ، أحکام القرآن للجصّاص (2 / 308 ، 309) ، المحلّی لابن حزم (4 / 265) ، زاد المعاد هامش شرح المواهب (2 / 21) فقال : ثابت عن عمر.

2 - عن یعلی بن أُمیّة قال : سألت عمر بن الخطّاب قلت (فَلَیْسَ عَلَیْکُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ) (4) الآیة. وقد أمن الناس؟ فقال : عجبت ممّا عجبت منه ، 1.

ص: 161


1- زاد المعاد : 1 / 129.
2- الریاض النضرة : 3 / 89.
3- مسند أحمد : 1 / 62 ح 259 ، سنن ابن ماجة : 1 / 338 ح 1063 ، السنن الکبری : 1 / 584 ح 1898 ، أحکام القرآن : 2 / 252 ، زاد المعاد : 1 / 128.
4- النساء : 101.

فسألت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم عن ذلک ، فقال : صدقة تصدّق الله بها علیکم فاقبلوا صدقته (1)

صحیح مسلم (1 / 191 ، 192) ، سنن أبی داود (1 / 187) ، سنن ابن ماجة (1 / 329) ، سنن النسائی (3 / 116) ، سنن البیهقی (3 / 134 ، 141) ، أحکام القرآن للجصاص (2 / 308) ، المحلّی لابن حزم (4 / 267).

3 - عن عبد الله بن عمر قال : کان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إذا خرج من هذه المدینة لم یزد علی رکعتین حتی یرجع إلیها. وفی لفظ : صحبت رسول الله فکان لا یزید فی السفر علی الرکعتین (2). الحدیث.

مسند أحمد (2 / 45) ، سنن ابن ماجة (1 / 330) ، سنن النسائی (3 / 123) ، أحکام القرآن للجصّاص (2 / 310) ، زاد المعاد هامش شرح المواهب للزرقانی (2 / 29) وصحّحه.

4 - عن ابن عبّاس قال : فرض الله الصلاة علی لسان نبیّکم صلی الله علیه وآله وسلم فی الحضر أربعاً وفی السفر رکعتین ، وفی الخوف رکعة.

وفی لفظ لمسلم : إنّ الله عزّ وجلّ فرض الصلاة علی لسان نبیّکم صلی الله علیه وآله وسلم علی المسافر رکعتین وعلی المقیم أربعاً (3). 8.

ص: 162


1- صحیح مسلم : 2 / 138 ح 4 کتاب صلاة المسافرین ، سنن أبی داود : 2 / 3 ح 1399 ، سنن ابن ماجة : 1 / 339 ح 1065 ، السنن الکبری : 1 / 583 ح 1891 ، أحکام القرآن : 2 / 252.
2- مسند أحمد : 2 / 137 ح 5022 ، سنن ابن ماجة : 1 / 339 ح 1067 ، السنن الکبری : 1 / 588 ح 1916 ، أحکام القرآن : 2 / 254 ، زاد المعاد : 1 / 129.
3- صحیح مسلم : 2 / 138 ح 5 و 6 کتاب صلاة المسافرین ، مسند أحمد : 1 / 585 ح 3322 ، سنن ابن ماجة : 1 / 339 ح 1068 ، السنن الکبری : 1 / 585 ح 1900 ، أحکام القرآن : 2 / 251 و 254 ، الجامع لأحکام القرآن : 5 / 226 ، زاد المعاد : 1 / 128.

صحیح مسلم (1 / 258) ، مسند أحمد (1 / 355) ، سنن ابن ماجة (1 / 330) ، سنن النسائی (3 / 119) ، سنن البیهقی (3 / 135) ، أحکام القرآن للجصّاص (2 / 307 ، 310) ، المحلّی لابن حزم (4 / 271) فقال : ورویناه أیضاً من طریق حذیفة ، وجابر ، وزید بن ثابت ، وأبی هریرة ، وابن عمر کلّهم عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بأسانید فی غایة الصحّة.

تفسیر القرطبی (5 / 352) ، تفسیر ابن جزی (1 / 155) ، زاد المعاد لابن القیّم هامش شرح الزرقانی (2 / 221) ، مجمع الزوائد (2 / 154) من طریق أبی هریرة.

5 - عن عائشة قالت : فرضت الصلاة رکعتین رکعتین فی الحضر والسفر فأُقرّت صلاة السفر ، وزید فی صلاة الحضر.

وفی لفظ ابن حزم من طریق البخاری : فرضت الصلاة رکعتین ، ثمّ هاجر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ففرضت أربعاً ، وترکت صلاة السفر علی الأولی.

وفی لفظ أحمد : کان أوّل ما افترض علی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم الصلاة رکعتان رکعتان إلاّ المغرب فإنّها کانت ثلاثة ، ثمّ أتمّ الله الظهر والعصر والعشاء الآخرة أربعاً فی الحضر ، وأقرّ الصلاة علی فرضها الأوّل فی السفر.

راجع (1) : صحیح البخاری (1 / 159 و 2 / 105 و 5 / 172) ، صحیح مسلم (1 / 257) ، موطّأ مالک (1 / 124) ، سنن أبی داود (1 / 187) ، کتاب الأم للشافعی (1 / 159) أحکام القرآن للجصّاص (2 / 310) ، سنن البیهقی (3 / 135) ، المحلّی (4 / 265) ، زاد المعاد (2 / 21) ، تفسیر القرطبی (5 / 352 ، 358). 6.

ص: 163


1- مسند أحمد : 7 / 387 ح 25806 ، صحیح البخاری : 1 / 137 ح 343 ، ص 369 ح 1040 و 3 / 1431 ح 3720 ، صحیح مسلم : 2 / 137 ح 1 کتاب صلاة المسافرین وقصرها ، موطّأ مالک : 1 / 146 ح 8 ، سنن أبی داود : 2 / 3 ح 1198 ، کتاب الأم : 1 / 180 ، أحکام القرآن : 2 / 254 ، زاد المعاد : 1 / 128 ، الجامع لأحکام القرآن : 5 / 226.

6 - عن موسی بن مسلمة قال : قلت لابن عباس : کیف أُصلّی بمکة إذا لم أُصلِّ فی جماعة؟ قال : رکعتین ؛ سنّة أبی القاسم صلی الله علیه وآله وسلم (1).

مسند أحمد (1 / 290 ، 337) ، صحیح مسلم (1 / 258) ، سنن النسائی (3 / 119).

7 - عن أبی حنظلة قال : سألت ابن عمر عن الصلاة فی السفر فقال : رکعتان سنّة النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ، وفی لفظ البیهقی : قصر الصلاة فی السفر سنّة سنّها رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم.

مسند أحمد (2) (2 / 57) ، سنن البیهقی (3 / 136).

8 - عن عبد الله بن عمر قال : الصلاة فی السفر رکعتان من خالف السنّة فقد کفر.

سنن البیهقی (3 / 140) ، المحلّی لابن حزم (4 / 270) ، أحکام القرآن للجصّاص (3) (2 / 310) ، المعجم الکبیر للطبرانی کما فی مجمع الزوائد (2 / 154) وقال : رجاله رجال الصحیح.

9 - عن ابن عبّاس قال : من صلّی فی السفر أربعا کمن صلّی فی الحضر رکعتین.

مسند أحمد (4) (1 / 349) ، المحلّی (4 / 270).

10 - عن ابن عبّاس قال : کان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إذا خرج مسافراً صلّی رکعتین حتی یرجع. وفی لفظ : کان النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم إذا خرج لم یزد علی رکعتین حتی یرجع (5). 4.

ص: 164


1- مسند أحمد : 1 / 477 ح 2627 ، ص 554 ح 3109 ، صحیح مسلم : 2 / 139 ح 7 کتاب صلاة المسافرین ، السنن الکبری : 1 / 585 ح 1901 و 1902.
2- مسند أحمد : 2 / 160 ح 5191.
3- أحکام القرآن : 2 / 254 ، المعجم الأوسط : 8 / 412 ح 7842.
4- مسند أحمد : 1 / 575 ح 3258.
5- مسند أحمد : 1 / 469 ح 2570 ، ص 587 ، ح 3339 ، أحکام القرآن : 2 / 254.

مسند أحمد (1 / 285 ، 356) ، أحکام القرآن للجصّاص (2 / 309).

11 - عن عمران بن حصین قال : ما سافرت مع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم سفراً قطّ إلاّ صلّی رکعتین حتی یرجع ، وحججت مع النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فکان یصلّی رکعتین حتی یرجع إلی المدینة ، وأقام بمکة ثمانی عشرة لا یصلّی إلاّ رکعتین وقال لأهل مکة : صلّوا أربعاً فإنّا قوم سفر (1).

راجع سنن البیهقی (3 / 135) ، أحکام القرآن للجصّاص (3 / 310).

وعن عمران فی لفظ آخر : ما سافر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إلاّ صلّی رکعتین إلاّ المغرب. أخرجه أبو داود وأحمد کما فی مجمع الزوائد (2 / 155).

12 - عن عمر بن الخطّاب عن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم قال : صلاة المسافر رکعتان حتی یئوب إلی أهله أو یموت. أحکام القرآن للجصّاص (2) (3 / 310).

13 - عن إبراهیم : إنّ عمر بن الخطّاب رضی الله عنه صلّی الظهر بمکة رکعتین ، فلمّا انصرف قال : یا أهل مکة إنّا قوم سفر ، فمن کان منکم من أهل البلد فلیکمل. فأکمل أهل البلد.

الآثار للقاضی أبی یوسف (ص 30 ، 75) ، وراجع ما مرّ صفحة (107) من هذا الجزء.

14 - عن أنس بن مالک قال : خرجنا مع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم من المدینة إلی مکة ، فکان یصلّی رکعتین رکعتین حتی رجعنا إلی المدینة (3). 3.

ص: 165


1- أحکام القرآن : 2 / 254 ، سنن أبی داود : 2 / 9 ح 1229 ، مسند أحمد : 5 / 594 ح 19364.
2- أحکام القرآن : 2 / 254.
3- صحیح البخاری : 1 / 367 ح 1031 ، صحیح مسلم : 2 / 141 ح 15 کتاب صلاة المسافرین ، مسند أحمد : 4 / 40 ح 12653.

صحیح البخاری (2 / 153) ، صحیح مسلم (1 / 360) ، مسند أحمد (3 / 190) ، سنن البیهقی (3 / 136 ، 145).

15 - عن عبد الله بن عمر قال : إنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أتانا ونحن فی ضلال فعلّمنا ، فکان فیما علّمنا : أنّ الله عزّ وجلّ أمرنا أن نصلّی رکعتین فی السفر (1).

أخرجه النسائی کما مرّ فی تفسیر الخازن (1 / 412) ، ونیل الأوطار (3 / 250).

16 - عن أبی الکنود عبد الله الأزدی قال : سألت ابن عمر عن صلاة السفر فقال : رکعتان نزلتا من السماء ، فان شئتم فردّوهما.

أخرجه الطبرانی فی الصغیر (2) کما فی مجمع الزوائد للحافظ الهیثمی (2 / 154) فقال : رجاله موثّقون.

17 - عن السائب بن یزید الکندی قال : فرضت الصلاة رکعتین رکعتین ، ثمّ زید فی صلاة الحضر وأقرّت صلاة السفر.

قال الهیثمی فی مجمع الزوائد (2 / 155) : رواه الطبرانی فی الکبیر (3) ورجاله رجال الصحیح.

18 - عن ابن مسعود قال : من صلّی فی السفر أربعاً أعاد الصلاة.

أخرجه الطبرانی (4) کما فی مجمع الزوائد (2 / 155).

19 - عن حفص بن عمر قال : انطلق بنا أنس بن مالک إلی الشام إلی عبد الملک 9.

ص: 166


1- تفسیر الخازن : 1 / 395 ، نیل الأوطار : 3 / 232.
2- المعجم الصغیر : 2 / 84 ، وفیه : فردّوها.
3- المعجم الکبیر : 7 / 155 ح 6676.
4- المعجم الکبیر : 9 / 289 ح 9459.

ونحن أربعون رجلاً من الأنصار لیفرض لنا ، فلمّا رجع وکنّا بفجّ الناقة صلّی بنا الظهر (1) رکعتین ثمّ دخل فسطاطه ؛ وقام القوم یضیفون إلی رکعتیهم رکعتین أُخریین فقال : قبّح الله الوجوه ، فو الله ما أصابت السنّة ولا قبلت الرخصة ، فأشهد لسمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول : «إنّ قوماً (2) یتعمّقون فی الدین یمرقون کما یمرق السهم من الرمیّة».

أخرجه أحمد فی المسند (3) (3 / 159) ، وذکره الهیثمی فی المجمع (2 / 155).

20 - عن سلمان قال : فرضت الصلاة رکعتین رکعتین فصلاّها رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بمکة حتی قدم المدینة وصلاّها بالمدینة ما شاء الله ، وزید فی صلاة الحضر رکعتین وترکت الصلاة فی السفر علی حالها.

رواه الطبرانی فی الأوسط کما فی مجمع الزوائد (2 / 156).

21 - عن ثمامة بن شراحیل قال : خرجت إلی ابن عمر فقلت : ما صلاة المسافر؟ قال : رکعتین رکعتین إلاّ صلاة المغرب ثلاثاً. قلت : أرأیت إن کنّا بذی المجاز؟ قال : ما ذو المجاز؟ قلت : مکان نجتمع فیه ونبیع فیه ونمکث عشرین لیلة أو خمس عشرة لیلة. فقال : یا أیّها الرجل کنت بآذربیجان لا أدری قال : أربعة أشهر أو شهرین ، فرأیتهم یصلّونها رکعتین رکعتین ، ورأیت نبیّ الله صلی الله علیه وآله وسلم بصر عینی یصلّیها رکعتین ، تمّ نزع إلیّ بهذه الآیة : (لَقَدْ کانَ لَکُمْ فِی رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) (4).

أخرجه أحمد فی المسند (5) (2 / 154). 8.

ص: 167


1- فی مسند أحمد : صلّی بنا العصر.
2- فی المسند : أقواماً.
3- مسند أحمد : 3 / 633 ح 12204.
4- الأحزاب : 21.
5- مسند أحمد : 2 / 330 ح 6388.

22 - أخرج أحمد فی المسند (1) (2 / 400) من طریق أبی هریرة قال : أیّها الناس إنّ الله عزّ وجلّ فرض لکم علی لسان نبیّکم صلی الله علیه وآله وسلم الصلاة فی الحضر أربعاً وفی السفر رکعتین.

23 - عن عمر بن عبد العزیز قال : الصلاة فی السفر رکعتان حتمان لا یصحّ غیرهما. ذکره ابن حزم فی المحلّی (4 / 271).

وذهب عمر وابنه ، وابن عبّاس ، وجابر ، وجبیر بن مطعم ، والحسن ، والقاضی إسماعیل ، وحمّاد بن أبی سلیمان ، وعمر بن عبد العزیز ، وقتادة والکوفیّون إلی أنّ القصر واجب فی السفر. کما فی تفسیر القرطبی (2) (5 / 351) ، وتفسیر الخازن (3) (1 / 413).

أتری مع هذه الأحادیث مجالاً للقول بأنّ القصر فی السفر رخصة لا عزیمة؟ ولو کان یسوغ الإتمام فی السفر لکان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یُعرب عنه بقول أو بفعل ، ولو بإتیانه فی العمر مرّة لبیان جوازه کما کان یفعل فی غیر هذا المورد ، أخرج مسلم فی صحیحه (4) من حدیث بریدة قال : کان النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم یتوضّأ عند کلّ صلاة ، فلمّا کان یوم الفتح صلّی الصلوات بوضوء واحد ، فقال له عمر : إنّک صنعت شیئاً لم تکن تصنعه. فقال : «عمداً صنعته یا عمر» قال الشوکانی فی نیل الأوطار (5) (1 / 258) بعد ذکر الحدیث : أی لبیان الجواز.

وأخرج أحمد (6) وأبو یعلی (7) عن عائشة قالت : إنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بال فقام 0.

ص: 168


1- مسند أحمد : 3 / 115 ح 8947.
2- الجامع لأحکام القرآن : 5 / 226.
3- تفسیر الخازن : 1 / 396.
4- صحیح مسلم : 1 / 122 [1 / 294 ح 86 کتاب الطهارة]. (المؤلف)
5- نیل الأوطار : 1 / 248.
6- مسند أحمد : 7 / 138 ح 24122.
7- مسند أبی یعلی : 8 / 262 ح 4850.

عمر خلفه بکوز فقال : ما هذا یا عمر؟ فقال : ماء تتوضّأ به یا رسول الله. قال : «ما أُمرت کلّما بلت أن أتوضّأ ولو فعلت کانت سنّة». مجمع الزوائد (1 / 241). وکم للحدیثین من نظیر فی أبواب الفقه!

ولو کان هناک ترخیص لما خفی علی أکابر الصحابة حتی نقدوا عثمان نقداً مرّا وفنّدوا معاذیره وفیهم مولانا أمیر المؤمنین صلی الله علیه وآله وسلم الذی هو باب مدینة علم النبیّ ، ومستقی أحکام الدین من بعده ، یعرف رُخصها من عزائمها قبل کلّ الصحابة ، فهل یعزب عنه حکم الصلاة وهو أوّل من صلّی من ذکر مع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم؟

حتی إنّ الخلیفة نفسه لم یفُه بهذا العذر البارد ، ولو کان یعرف شیئاً ممّا قالوه لما أرجأ بیانه إلی هؤلاء المدافعین عنه ، ولما کان فی منصرم معاذیره بعد أن أعوزته أنّه رأی رآه ، ولما کان تابعه علی ذلک من تابعه محتجّا بدفع شرّ الخلاف فحسب من دون أیّ تنویه بمسألة الرخصة.

وأنت تعرف بعد هذه الأحادیث قیمة قول المحبّ الطبری فی ریاضه النضرة (1) (2 / 151) : إنّها مسألة اجتهادیّة ولذلک اختلف فیها العلماء ، فقوله - یعنی عثمان - فیها لا یوجب تکفیراً ولا تفسیقاً. انتهی.

خفی علی المغفّل أنّ الاجتهاد فی تجاه النصّ لا مساغ له ، وأنّ المسألة لم یکن فیها خلاف إلی یوم أُحدوثة عثمان بل کانت السنّة الثابتة عند جمیع الصحابة بقول واحد وجوب القصر للمسافر ، وما کان عمل الخلیفة إلاّ مجرّد رأی رآه خلاف سنّة أبی القاسم صلی الله علیه وآله وسلم ویعرب عن جلیّة الحال صحیح أحمد الآتی فی ترجمة مروان وفیه : إنّ معاویة لمّا قدم مکة صلّی الظهر قصراً فنهض إلیه مروان وعمرو بن عثمان فقالا له : ما عاب أحد ابن عمّک ما عبته به ، فقال لهما : وما ذاک؟ فقالا له : ألم تعلم أنّه أتمّ الصلاة بمکة؟ قال لهما : ویحکما وهل کان غیر ما صنعت؟ قد صلّیتهما مع 9.

ص: 169


1- الریاض النضرة : 3 / 89.

رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ومع أبی بکر وعمر. قالا : فإنّ ابن عمّک قد أتمّها وإنّ خلافک إیّاه له عیب ، فخرج معاویة إلی العصر فصلاّها أربعاً. واختلاف العلماء بعدُ لا قیمة له قطّ ویضرب به عرض الجدار بعد ثبوت السنّة ، ولیس إلاّ لتبریر ساحة الرجل ، وأنّی؟ بل عمله یدنّس ذیل کلّ مبرّر ، وأمّا عدم إیجاب القول بالإتمام للمسافر الکفر أو الفسق وإیجابه ذلک ، فالمرجع فیه الحدیث الثامن المذکور (ص 112) من صحیحة عبد الله بن عمر قال : الصلاة فی السفر رکعتان من خالف السنّة فقد کفر.

الدین عند السلف سیاسة وقتیّة :

تعطینا هذه الروایات الواردة فی صلاة الخلیفة درساً ضافیاً صافقه الاستقراء لکثیر من الموارد ، أنّ کثیرین من الصحابة ما کان یحجزهم الدین عن مخالفة التعالیم المقرّرة وکانوا یقدّمون علیها سیاسة الوقت ، وإلاّ فلا وجه لتربیعهم الصلاة وهم یرون أنّ المشروع خلافه لمحض أنّ الخلاف شرّ ، وهم أو من ناضل عنهم وحکم بعدالتهم أجمع لا یرون جواز التقیّة ، فعبدالله بن عمر یتّبع الخلیفة فی أحدوثته ، وکان یتمّ إذا صلّی مع الإمام ، وإذا صلّی وحده صلّی رکعتین ، وفی لسانه قوله : الصلاة فی السفر رکعتان من خالف السنّة فقد کفر (1) ، وبمسمع منه قوله صلی الله علیه وآله وسلم : «إنّ الله لا یقبل عمل امرئٍ حتی یتقنه». قیل : وما إتقانه؟ قال : «یخلصه من الریاء والبدعة» (2). وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «من عمل عملاً لیس علیه أمرنا فهو ردٌّ» (3).

وهذا عبد الله بن مسعود یری السنّة فی السفر رکعتین ، ویحدّث بها ثمّ یتمّ معتذراً بأنّ عثمان کان إماماً فما أُخالفه والخلاف شرّ. کما مرّ فی (ص 99). ف)

ص: 170


1- راجع صفحة 112 من هذا الجزء. (المؤلف)
2- بهجة النفوس للحافظ ابن أبی جمرة الأزدی الأندلسی : 4 / 160 [ح 241]. (المؤلف)
3- المحلّی : 7 / 197 [المسألة 866]. (المؤلف)

وهذا عبد الرحمن بن عوف لم یکن یری للخلیفة عذراً فیما أتی به من إتمام الصلاة فی السفر ، ویقول له مجیباً عن أعذاره : ما من هذا شیء لک فیه عذر. ویسمع منه قوله : إنّه رأی رأیته. خلافاً للسنّة الثابتة ، ومع ذلک کلّه یصلّی أربعاً بعد ما سمع من بن مسعود بأنّ الخلاف شرّ (1). لما ذا کانت مخالفة عثمان شرّا ، ولم تکن مخالفته ومخالفتهم علی ناموس الشریعة ونبیّها شرّا؟ دعنی واسأل الصحابة الأوّلین.

وهذا علیّ أمیر المؤمنین المقتصّ الوحید أثر النبیّ الأعظم یؤتی به للصلاة - کما مرّ فی (ص 100) - فیقول : «إن شئتم صلّیت بکم صلاة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم رکعتین». فیقال له : لا إلاّ صلاة أمیر المؤمنین عثمان أربعاً. فیأبی ولا یبالون.

نعم ، لم تکن الأحکام عند أُولئک الخلفاء الذین أدخلوا آراءهم الشاذّة فی دین الله والذین اتّبعوهم إلاّ سیاسة وقتیّة یدور بها الأمر والنهی ، ویتغیّر بتغیّرها الآراء حیناً بعد حین ؛ فتری الأوّل منهم یقول علی رءوس الأشهاد : لئن أخذتمونی بسنّة نبیّکم لا أطیقها. وقد جاء النبیّ الأعظم بسنّة سهلة سمحة. ویقول : إنّی أقول برأیی إن یک صواباً فمن الله ، وإن یک خطأً فمنّی ومن الشیطان. راجع الجزء السابع (ص 104 ، 118 ، 119).

ویأتی بعده من یفتی بترک الصلاة للجنب الفاقد للماء ولا یبالی ، وقد علّمه النبیّ الأعظم التیمّم فضلاً عمّا فی الکتاب والسنّة. راجع (6 / 83).

وکان لم یقرأ بفاتحة الکتاب فی الرکعة الأولی ، ویکرّرها فی الثانیة تارة ، وأُخری لم یقرأها فی رکعاتها ، ویقتصر علی حسن الرکوع والسجود ، وطوراً یترکها ولم یقرأ شیئاً ثمّ یعید. راجع (6 / 108).

وکان ینهی عن التطوّع بالصلاة بعد العصر ، ویضرب بالدرّة من تنفّل بها ، ف)

ص: 171


1- راجع من هذا الجزء : ص 99. (المؤلف)

والناس تخبره بأنّه سنّة محمد صلی الله علیه وآله وسلم ، وهو لا یصیخ إلی ذلک ، کما مرّ فی الجزء (6 / 184).

وتراه یحکم فی الجدّ بمائة قضیّة کلها ینقض بعضها بعضاً ، کما مرّ حدیثه فی الجزء (6 / 116).

وثبت عنه قوله : متعتان کانتا علی عهد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وأنا أنهی عنهما ، وأعاقب علیهما. کما فصّلناه فی (6 / 210).

وجاء عنه قوله : أیّها الناس ثلاث کنّ علی عهد رسول الله وأنا أنهی عنهنّ وأحرّمهنّ وأعاقب علیهنّ : متعة النساء ، ومتعة الحجّ ، وحیّ علی خیر العمل. راجع الجزء (6 / 213).

إلی قضایا أخری لدة هذه أسلفناها فی الجزء السادس فی نوادر الأثر فی علم عمر.

وهذا عثمان یخالف السنّة الثابتة فی مثل الصلاة عماد الدین ، ویعتذر بقوله : إنّه رأی رأیته.

ویحدث أذاناً بعد الأذان والإقامة ، ویتّخذه الملأ الإسلامی سنّةً فی الحواضر الإسلامیّة.

وینهی علیّا أمیر المؤمنین عن متعة الحج ، وهو یسمع منه

قوله : «لم أکن لأدع سنّة رسول الله لقول أحد من الناس».

ویأخذ الزکاة من الخیل ، وقد عفی الله عنها بلسان نبیّه الأقدس.

ویقدّم الخطبة علی الصلاة فی العیدین خلاف السنّة المسلّمة.

ویترک القراءة فی الأولیین ، ویقضیها فی الأخریین.

ویری فی عدّة المختلعة ما یخالف السنّة المتسالم علیها ؛ واتّخذ فی الأموال

ص: 172

والصدقات سیرة دون ما قرّره الکتاب والسنّة ، إلی کثیر من الآراء الشاذّة عن مقرّرات الإسلام المقدّس ، وسیوافیک تفصیلها.

وهذا معاویة ، وما أدراک ما معاویة؟! یتّبع أثر النبیّ الأعظم فی صلاة ظهره فیأتیه مروان وابن عثمان فیزحزحانه عن هدیه ، فیخالف السنّة الثابتة - باعتراف منه - فی صلاة عصره ، اتّباعاً لسیاسة الوقت ، وإحیاءً لبدعة ابن عمّه ، وإماتة لشرعة المصطفی ، تزلّفاً إلی مثل مروان وابن عثمان.

وتراه یحکم بجواز الجمع بین الأختین المملوکتین ، ویعترض علیه الناس فلا یبالی (1).

ویحلّل الربا ؛ وفی کتاب الله العزیز : (وَأَحَلَّ اللهُ الْبَیْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا) (2) فأخبره أبو الدرداء أنّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم نهی عن بیع باعه ، فقال معاویة : ما أری بهذا بأساً ، فقال أبو الدرداء : من یعذرنی من معاویة ، أخبره عن رسول الله ، ویخبرنی عن رأیه. لا أساکنک بأرض ؛ فخرج من ولایة معاویة. اختلاف الحدیث للشافعی (3) هامش کتابه الأم (7 / 23).

وأخذ ألف دینار دیة الذمّی ، وجعل خمسمائة فی بیت المال ، وخمسمائة لأهل القتیل. بدعة مسلّمة خلاف سنّة الله (4).

وأمر بالأذان فی العیدین ، ولا أذان فیهما ، ولا أذان إلاّ فی المکتوبة. ذکره الشافعی فی کتاب الأُم (5) (1 / 208). 5.

ص: 173


1- الدرّ المنثور : 2 / 137 [2 / 477]. (المؤلف)
2- البقرة : 275.
3- اختلاف الحدیث : ص 480.
4- کتاب الدیات لأبی عاصم الضحاک : ص 50. (المؤلف)
5- کتاب الأُم : 1 / 235.

وأخذ من الأعطیة زکاة ، وهو أوّل من أحدثها ،کما فی کتاب الأُم (1)(2 / 14).

وهو أوّل من نقص التکبیر ، کما أخرجه ابن أبی شیبة.

وأُتی إلیه بلصوص ، فقطع بعضهم ، وعفی عن أحدهم لسماعه منه ومن أُمّه کلاماً یروقه ، کما ذکره الماوردی فی الأحکام السلطانیة (2) (ص 219) ، وابن کثیر فی تاریخه (3) (8 / 136).

وقدّم الخطبة علی الصلاة فی العیدین کما یأتی تفصیله والمسنون خلافه.

وسنّ لعن أمیر المؤمنین علی علیه السلام ، وأمر به الخطباء وأئمّة الجمعة والجماعة فی جمیع الحواضر الإسلامیّة.

فکن علی بصیرةٍ من أمرک (وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِینَ لا یَعْلَمُونَ) (4) ، (وَاحْذَرْهُمْ أَنْ یَفْتِنُوکَ) (5) ، (سَواءً مَحْیاهُمْ وَمَماتُهُمْ ساءَ ما یَحْکُمُونَ) (6).

- 3 -

إبطال الخلیفة الحدود

أخرج البلاذری فی الأنساب (5 / 33) من طریق محمد بن سعد ، بالإسناد عن أبی اسحاق الهمدانی : أنّ الولید بن عقبة شرب فسکر فصلّی بالناس الغداة رکعتین (7) ف)

ص: 174


1- کتاب الأُم : 2 / 17.
2- الأحکام السلطانیّة : 1 / 228.
3- البدایة والنهایة : 8 / 145 حوادث سنة 60 ه.
4- الجاثیة : 18.
5- المائدة : 49.
6- الجاثیة : 21.
7- هکذا فی الأنساب وصحیح مسلم [3 / 539 ح 38 کتاب الحدود] وأما بقیّة المصادر فکلّها مطبقة علی أربع رکعات وستوافیک إن شاء الله تعالی. (المؤلف)

ثم التفت فقال : أزیدکم؟ فقالوا : لا قد قضینا صلاتنا ، ثمّ دخل علیه بعد ذلک أبو زینب وجندب بن زهیر الأزدی وهو سکران فانتزعا خاتمه من یده وهو لا یشعر سکراً.

قال أبو إسحاق : وأخبرنی مسروق أنّه حین صلّی لم یَرِمْ حتی قاء ، فخرج فی أمره إلی عثمان أربعة نفر : أبو زینب ، وجندب بن زهیر ، وأبو حبیبة الغفاری ، والصعب بن جثامة ، فأخبروا عثمان خبره ، فقال عبد الرحمن بن عوف : ماله؟ أجنّ؟ قالوا : لا ، ولکنّه سکر. قال : فأوعدهم عثمان وتهدّدهم ، وقال لجندب : أنت رأیت أخی (1) یشرب الخمر؟ قال. معاذ الله ، ولکنّی أشهد أنّی رأیته سکران یقلسها من جوفه ، وأنّی أخذت خاتمه من یده وهو سکران لا یعقل.

قال أبو إسحاق : فأتی الشهود عائشة فأخبروها بما جری بینهم وبین عثمان ، وأنّ عثمان زبرهم ، فنادت عائشة : أنّ عثمان أبطل الحدود وتوعّد الشهود.

وقال الواقدی : وقد یقال : إنّ عثمان ضرب بعض الشهود أسواطاً ، فأتوا علیّا فشکوا ذلک إلیه. فأتی عثمان فقال : «عطّلت الحدود وضربت قوماً شهدوا علی أخیک فقلّبت الحکم ، وقد قال عمر : لا تحمل بنی أُمیّة وآل أبی معیط خاصّة علی رقاب الناس» قال : فما تری؟ قال : «أری أن تعزله ولا تولّیه شیئاً من أُمور المسلمین ، وأن تسأل عن الشهود فإن لم یکونوا أهل ظنّة ولا عداوة أقمت علی صاحبک الحدّ».

قال : ویقال : إنّ عائشة أغلظت لعثمان وأغلظ لها ، وقال : وما أنت وهذا؟ إنّما أُمِرتِ أن تقرّی فی بیتک. فقال قوم مثل قوله : وقال آخرون : ومن أولی بذلک منها ، فاضطربوا بالنعال ، وکان ذلک أوّل قتال بین المسلمین بعد النبی صلی الله علیه وآله وسلم.

وأخرج من عدّة طرق : أنّ طلحة والزبیر أتیا عثمان فقالا له : قد نهیناک عن ف)

ص: 175


1- کان الولید أخاه لأمّه ، أمّهما أروی بنت کریز بن ربیعة بن حبیب بن عبد شمس. (المؤلف)

تولیة الولید شیئاً من أُمور المسلمین فأبیت وقد شُهد علیه بشرب الخمر والسکر فاعزله ، وقال له علیّ : «اعزله وحُدّه إذا شهد الشهود علیه فی وجهه». فولّی عثمان سعید بن العاص الکوفة وأمره بإشخاص الولید ، فلمّا قدم سعید الکوفة غسل المنبر ودار الإمامة وأشخص الولید ، فلمّا شهد علیه فی وجهه وأراد عثمان أن یحدّه ألبسه جبّة حبر وأدخله بیتاً ، فجعل إذا بعث إلیه رجلاً من قریش لیضربه قال له الولید : أنشدک الله أن تقطع رحمی وتغضب أمیر المؤمنین علیک. فیکفّ. فلمّا رأی ذلک علیّ ابن أبی طالب أخذ السوط ودخل علیه ومعه ابنه الحسن ، فقال له الولید مثل تلک المقالة ، فقال له الحسن : صدق یا أبتِ ، فقال علیّ : ما أنا إذاً بمؤمن. وجلده بسوط له شعبتان ؛ وفی لفظ : فقال علیّ للحسن ابنه : قم یا بنیّ فاجلده ، فقال عثمان : یکفیک ذلک بعض من تری ، فأخذ علیّ السوط ومشی إلیه فجعل یضربه والولید یسبّه ؛ وفی لفظ الأغانی : فقال له الولید : نشدتک بالله وبالقرابة ، فقال له علیّ : «اسکت أبا وهب فإنّما هلکت بنو إسرائیل بتعطیلهم الحدود» فضربه وقال : «لتدعونی قریش بعد هذا جلاّدها».

قالوا : وسئل عثمان أن یحلق ، وقیل له : إنّ عمر حلق مثله ، فقال : قد کان فعل ذلک ثمّ ترکه.

وقال أبو مخنف وغیره : خرج الولید بن عقبة لصلاة الصبح وهو یمیل فصلّی رکعتین ثمّ التفت إلی الناس فقال : أزیدکم؟ فقال له عتاب بن علاق أحد بنی عوافة بن سعد وکان شریفاً : لا زادک الله مزید الخیر ، ثمّ تناول حفنة من حصی فضرب بها وجه الولید وحصبه الناس وقالوا : والله ما العجب إلاّ ممّن ولاّک ، وکان عمر بن الخطّاب فرض لعتّاب هذا مع الأشراف فی ألفین وخمسمائة. وذکر بعضهم : أنّ القیء غلب علی الولید فی مکانه ، وقال یزید بن قیس الأرحبی ومعقل بن قیس الریاحی : لقد أراد عثمان کرامة أخیه بهوان أمّة محمد صلی الله علیه وآله وسلم. وفی الولید یقول الحطیئة جرول بن أوس بن مالک العبسی :

ص: 176

شهد الحطیئةُ یوم یلقی ربَّه

أنّ الولیدَ أحقُّ بالعذرِ

نادی وقد نفدت (1) صلاتُهمُ

أأزیدُکم؟ ثملاً وما یدری

لیزیدهم خیراً ولو قبلوا

منهُ لزادهمُ علی عشرِ

فأبوا أبا وهبٍ ولو فعلوا

لقرنتَ بین الشفع والوترِ

حبسوا عنانَکَ إذ جَریتَ ولو

خلَّوا عنانَکَ لم تزل تجری (2)

وذکر أبو الفرج فی الأغانی (3) (4 / 178) ، وأبو عمر فی الاستیعاب (4) بعد هذه الأبیات للحطیئة أیضاً قوله :

تکلّمَ فی الصلاة وزاد فیها

علانیةً وجاهر بالنفاقِ

ومجَّ الخمرَ فی سنن المصلّی

ونادی والجمیع إلی افتراقِ

أزیدکمُ علی أن تحمدونی

فما لکمُ وما لی من خلاقِ

ثمّ قال أبو عمر : وخبر صلاته بهم وهو سکران وقوله : أزیدکم؟ بعد أن صلّی الصبح أربعاً مشهور من روایة الثقات من نقل أهل الحدیث وأهل الأخبار.

وهکذا جاء (5) فی مسند أحمد (1 / 144) ، سنن البیهقی (8 / 318) ، تاریخ الیعقوبی (2 / 142) وقال : تهوّع فی المحراب. کامل ابن الأثیر (3 / 42) ، أُسد الغابة (5 / 91 ، 92) وقال : قوله لهم : أزیدکم؟ بعد أن صلّی الصبح أربعاً مشهور من روایة الثقات من 8.

ص: 177


1- فی الأغانی : 4 / 178 ، 179 [5 / 138 ، 140] : تمّت. بدل نفدت. (المؤلف)
2- وفی الأغانی : 4 / 179 [5 / 140] ، حول هذه الأبیات روایة لا تخلو عن فائدة. (المؤلف)
3- الأغانی : 5 / 139.
4- الاستیعاب : القسم الرابع / 1555 رقم 2721.
5- مسند أحمد : 1 / 233 ح 1234 ، تاریخ الیعقوبی : 2 / 165 ، الکامل فی التاریخ : 2 / 246 حوادث سنة 30 ه ، أُسد الغابة : 5 / 452 رقم 5468.

أهل الحدیث. ثمّ ذکر حدیث الطبری (1) فی تعصّب القوم علی الولید وقول عثمان له : یا أخی اصبر فإنّ الله یؤجرک ویبوء القوم بإثمک. فقال : قال أبو عمر (2) : والصحیح عند أهل الحدیث أنّه شرب الخمر وتقیّأها ، وصلّی الصبح أربعاً.

تاریخ أبی الفدا (1 / 176) ، الإصابة (3 / 638) وقال : قصّة صلاته بالناس الصبح أربعاً وهو سکران مشهورة مخرجة ، تاریخ الخلفاء للسیوطی (3) (ص 104) ، السیرة الحلبیّة (4) (2 / 314) وقال : صلّی بأهل الکوفة أربع رکعات وصار یقول فی رکوعه وسجوده : اشرب واسقنی. ثمّ قاء فی المحراب ثمّ سلّم وقال : هل أزیدکم؟ فقال له ابن مسعود رضی الله عنه : لا زادک الله خیراً ولا من بعثک إلینا ، وأخذ فردة خفّه وضرب به وجه الولید وحصبه الناس ، فدخل القصر والحصباء تأخذه وهو مترنّح. إلخ.

وحکی أبو الفرج فی الأغانی (5) (4 / 178) عن أبی عبید والکلبی والأصمعی : أنّ الولید بن عقبة کان زانیاً شرّیب خمر فشرب الخمر ، بالکوفة وقام لیصلّی بهم الصبح فی المسجد الجامع ، فصلّی بهم أربع رکعات ثمّ التفت إلیهم وقال لهم : أزیدکم؟ وتقیّأ فی المحراب وقرأ بهم فی الصلاة وهو رافع صوته :

علقَ القلبُ الربابا

بعد ما شابت وشابا

وذکره فی (ص 179) نقلاً عن عمر بن شبة ، وروی من طریق المدائنی فی 3.

ص: 178


1- أخرجه فی تاریخه : 5 / 60 ، 61 [4 / 273] ، من طریق مجمع علی بطلانه عن کذّاب عن مجهول عن وضّاع متّهم بالزندقة وهم : السری عن شعیب عن سیف بن عمر ، وسیوافیک تفصیل القول فی هذا الطریق الوعر وأنّه شوّه تاریخ الطبری. (المؤلف)
2- الاستیعاب : القسم الرابع / 1556 رقم 2721.
3- تاریخ الخلفاء : ص 144.
4- السیرة الحلبیّة : 2 / 284.
5- الأغانی : 5 / 139 ، 141 ، 143.

صفحة (180) عن الزهری أنّه قال : خرج رهط من أهل الکوفة إلی عثمان فی أمر الولید فقال : أکلّما غضب رجل منکم علی أمیره رماه بالباطل؟ لئن أصبحت لکم لأُنکلنّ بکم ، فاستجاروا بعائشة وأصبح عثمان فسمع من حجرتها صوتاً وکلاماً فیه بعض الغلظة ، فقال : أما یجد مُرّاق أهل العراق وفسّاقهم ملجأ إلاّ بیت عائشة. فسمعت فرفعت نعل رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وقالت : ترکت سنّة رسول الله صاحب هذا النعل. فتسامع الناس فجاءوا حتی ملأوا المسجد فمن قائل : أحسنت ، ومن قائل : ما للنساء ولهذا؟ حتی تحاصبوا وتضاربوا بالنعال ، ودخل رهط من أصحاب رسول الله علی عثمان فقالوا له : اتّق الله لا تعطّل الحدّ واعزل أخاک عنهم ، فعزله عنهم.

وأخرج من طریق مطر الورّاق قال : قدم رجل المدینة فقال لعثمان رضی الله عنه : إنّی صلّیت الغداة خلف الولید بن عقبة فالتفت إلینا فقال : أزیدکم؟ إنّی أجد الیوم نشاطاً ، وأنا أشمّ منه رائحة الخمر. فضرب عثمان الرجل ، فقال الناس : عطّلت الحدود ، وضربت الشهود.

وروی ابن عبد ربّه قصّة الصلاة فی العقد الفرید (1) (2 / 273) وفیه : صلّی بهم الصبح ثلاث رکعات وهو سکران. إلخ.

وجاء فی صحیح البخاری (2) فی مناقب عثمان فی حدیث : قد أکثر الناس فیه. قال ابن حجر فی فتح الباری (3) (7 / 44) فی شرح الجملة المذکورة : ووقع فی روایة معمر : وکان أکثر الناس فیما فعل به ، أی من ترکه إقامة الحدّ علیه - علی الولید - وإنکارهم علیه عزل سعد بن أبی وقّاص. 6.

ص: 179


1- العقد الفرید : 4 / 119.
2- صحیح البخاری : 3 / 1351 ح 3493.
3- فتح الباری : 7 / 56.

قال الأمینی : الولید هو هذا الذی تسمع حدیثه وسنوقفک فی هذا الجزء والأجزاء الآتیة إن شاء الله علی حقیقته حتی کأنّک مطلّ علیه من أمَم ، تراه یشرب الخمر ، ویقیء فی محرابه ، ویزید فی الصلاة من سَورة السکر ، ویُنتزع خاتمه من یده فلا یشعر به من شدّة الثمل ، وقد عرّفه الله تعالی قبل یومه هذا بقوله عزّ من قائل (أَفَمَنْ کانَ مُؤْمِناً کَمَنْ کانَ فاسِقاً لا یَسْتَوُونَ) سورة السجدة : (18) (1). وبقوله (إِنْ جاءَکُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَیَّنُوا) (2). وقال ابن عبد البرّ فی الاستیعاب (3) (2 / 620) : لا خلاف بین أهل العلم بتأویل القرآن فیما علمت أنّ قوله عزّ وجلّ (إِنْ جاءَکُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ) نزلت فی الولید. وحکاها عنه ابن الأثیر فی أُسد الغابة (4) (5 / 90).

فهل من الممکن أن یحوز مثله حنکة الولایة عن إمام المسلمین؟ فیحتنک النفوس ویستحوذ علی الأموال ، ویستولی علی النوامیس والأعراض ، وتؤخذ منه الأحکام وتُلقی إلیه أزمّة البسط والقبض فی حاضرة المسلمین ، ویؤمّهم علی الجمعة والجماعة؟ هل هذا شیء یکون فی الشریعة؟ أعزب عنّی واسأل الخلیفة الذی ولاّه وزبر الشهود علیه وتوعّدهم أو ضربهم بسوطه.

وهب أنّ الولایة سبقت منه لکنّ الحدّ الذی ثبت موجبه ولیمَ علی تعطیله ما وجه إرجائه إلی حین إدخال الرجل فی البیت مجلّلاً بجبّة حبر وقایة له عن ألم السیاط؟

ثمّ من دخل علیه لیحدّه دافعه المحدود بغضب الخلیفة وقطع رحمه ، فهل کان 8.

ص: 180


1- راجع الجزء الثانی صفحة 42 الطبعة الأولی و 46 الطبعة الثانیة. (المؤلف)
2- الحجرات : 6.
3- الاستیعاب : القسم الرابع / 1553 رقم 2721.
4- أُسد الغابة : 5 / 451 رقم 5468.

الخلیفة یعلم بنسبة الغضب إلیه علی إقامه حدّ الله وإیثار رحمه علی حکم الشریعة؟ فیغضّ الطرف عنه رضاً منه بما یقول ، أولا یبلغه؟ وهو خلاف سیاق الحدیث الذی ینمّ عن اطّلاعه علی کلّ ما هنالک ، وکان یتعلّل عن إقامة الحدّ بکلّ تلکم الأحوال ، حتی أنّه منع السبط المجتبی الحسن علیه السلام لما علم أنّه لا یجنح إلی الباطل بالرقّة علیه وأحبّ أن یجلده زبانیته الذین یتحرّون مرضاته ، لکن غلب أمر الله ونفذ حکمه بمولانا أمیر المؤمنین الذی باشر الحدّ بنفسه والظالم یسبّه وهو سلام الله علیه لا تأخذه فی الله لومة لائم ، أو أمر - سلام الله علیه - عبد الله بن جعفر فجلده وهو علیه السلام یعدّ کما فی الصحیح لمسلم (1) والأغانی (2) وغیرهما.

وهل الحدّ یعطّل بعد ثبوت ما یوجبه ، حتی یقع علیه الحجاج ، ویحتدم الحوار فیعود الجدال جلاداً ، وتتحوّل المکالمة ملاکمة ، وتعلو النعال والأحذیة ، ویُشکّل أوّل قتال بین المسلمین بعد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وعقیرة أمّ المؤمنین مرتفعة : إنّ عثمان عطّل الحدود وتوعّد الشهود. ویوبّخه علی ذلک سیّد العترة - صلوات الله علیه - بقوله : «عطّلت الحدود وضربت قوماً شهدوا علی أخیک» وهل بعد هذه کلّها یستأهل مثل هذا الفاسق المهتوک بلسان الکتاب العزیز أن یبعث علی الأموال؟ کما فعله عثمان وبعث الرجل بعد إقامة الحدّ علیه علی صدقات کلب وبلقین (3) ، وهل آصرة الإخاء تستبیح ذلک کلّه؟

لیست ذمّتی رهینة بالجواب عن هذه الأسئلة وإنّما علیّ سرد القصّة مشفوعة بالتعلیل والتحلیل ، وأمّا الجواب فعلی عهدة أنصار الخلیفة ، أو أنّ المحکّم فیه هو القارئ الکریم.ف)

ص: 181


1- راجع الجزء الثانی من صحیح مسلم : صفحة 52 [3 / 539 ح 38 کتاب الحدود]. (المؤلف)
2- الأغانی : 5 / 142.
3- تاریخ الیعقوبی : 2 / 142 [2 / 165]. (المؤلف)

- 4 -

النداء الثالث بأمر الخلیفة

أخرج البخاری وغیره بالإسناد عن السائب بن یزید : إنّ النداء یوم الجمعة کان أوّله فی زمان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وفی زمان أبی بکر وفی زمان عمر إذا خرج الإمام ، وإذا قامت الصلاة ، حتی کان زمان عثمان فکثر الناس فزاد النداء الثالث علی الزوراء فثبتت حتی الساعة (1).

وفی لفظ البخاری وأبی داود : إنّ الأذان کان أوّله حین یجلس الإمام علی المنبر یوم الجمعة فی عهد النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وأبی بکر وعمر ، فلمّا کان خلافة عثمان وکثر الناس ، أمر عثمان یوم الجمعة بالأذان الثالث ، فأذّن به علی الزوراء (2) فثبت الأمر علی ذلک.

وفی لفظ النسائی : أمر عثمان یوم الجمعة بالأذان الثالث فأذّن به علی الزوراء.

وفی لفظ له أیضاً : کان بلال یؤذّن إذا جلس رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم علی المنبر یوم الجمعة فإذا نزل أقام ، ثمّ کان کذلک فی زمن أبی بکر وعمر.

وفی لفظ الترمذی : کان الأذان علی عهد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وأبی بکر وعمر إذا 6.

ص: 182


1- صحیح البخاری : 2 / 95 ، 96 [1 / 309 ح 870 ، 874] ، صحیح الترمذی : 1 / 68 [2 / 392 ح 516] ، سنن أبی داود : 1 / 171 [1 / 285 ح 1087] ، سنن ابن ماجة : 1 / 348 [1 / 359 ح 1135] ، سنن النسائی : 3 / 100 [1 / 527 ح 1700] ، کتاب الأُم للشافعی : 1 / 173 [1 / 195] ، سنن البیهقی : 1 / 429 ، 3 / 192 ، 205 ، تاریخ الطبری : 5 / 68 [4 / 287 حوادث سنة 30 ه] ، کامل ابن الأثیر : 3 / 48 [2 / 253 حوادث سنة 30 ه] ، فیض الإله المالک للبقاعی : 1 / 193 [1 / 201]. (المؤلف)
2- الزوراء : اسم موضع فی سوق المدینة قرب المسجد ، وهو مرتفع کالمنارة. معجم البلدان : 3 / 156.

خرج الإمام أُقیمت الصلاة ؛ فلمّا کان عثمان زاد النداء الثالث علی الزوراء.

وفی لفظ البلاذری فی الأنساب (5 / 39) عن السائب بن یزید : کان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إذا خرج للصلاة أذّن المؤذّن ثمّ یقیم ، وکذلک کان الأمر علی عهد أبی بکر وعمر ، وفی صدر من أیّام عثمان ، ثمّ إنّ عثمان نادی النداء الثالث فی السنة السابعة (1) فعاب الناس ذلک وقالوا : بدعة.

وقال ابن حجر فی فتح الباری (2) (2 / 315) : والذی یظهر أنّ الناس أخذوا بفعل عثمان فی جمیع البلاد إذ ذاک لکونه خلیفة مطاع الأمر ، لکن ذکر الفاکهانی : أنّ أوّل من أحدث الأذان الأوّل بمکة الحجّاج وبالبصرة زیاد ، وبلغنی أنّ أهل المغرب الأدنی الآن لا تأذین عندهم سوی مرّة ؛ وروی ابن أبی شیبة (3) من طریق ابن عمر قال : الأذان الأوّل یوم الجمعة بدعة. فیحتمل أن یکون قال ذلک علی سبیل الإنکار ، ویحتمل أن یرید أنّه لم یکن فی زمن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ، وکلّ ما لم یکن فی زمنه یسمّی بدعة.

وحکی ما فی الفتح ، الشوکانی فی نیل الأوطار (4) (3 / 332) ، وذکر العینی فی عمدة القاری (5) حدیث ابن عمر من أنّ الأذان الأوّل یوم الجمعة بدعة ؛ وروی عن الزهری قوله : إنّ أوّل من أحدث الأذان الأوّل عثمان یؤذّن لأهل الأسواق. وقال : وفی لفظ : فأحدث عثمان التأذینة الثالثة علی الزوراء لیجتمع الناس - إلی أن قال - : وقیل : إنّ أوّل من أحدث الأذان الأوّل بمکة الحجّاج وبالبصرة زیاد. 1.

ص: 183


1- یعنی السنة السابعة من خلافة عثمان توافق الثلاثین من الهجرة کما فی تاریخ الطبری [4 / 287 حوادث سنة 30 ه] وغیره. (المؤلف)
2- فتح الباری : 2 / 394.
3- مصنّف ابن أبی شیبة : 2 / 48 ح 3.
4- نیل الأوطار : 3 / 298.
5- عمدة القاری : 6 / 211.

قال الأمینی : إنّ أوّل ما یُستفهم من رواة هذه الأحادیث أنّ المراد من کثرة الناس الموجبة لتکرّر الأذان هل هو کثرتهم فی مرکز الخلافة المدینة المنوّرة أو کثرتهم فی العالم؟ أمّا الثانی فلم یکن یُجدیهم فیه ألف أذان ، فإنّ صوت مؤذّن المدینة لا یبلغ المدن والأمصار ؛ ولا أنّ أولئک مکلّفون بالإصغاء إلی أذان المدینة ولا الصلاة معه.

وأمّا کثرة الناس فی المدینة نفسها لو تمّ کونها مصحّحاً للزیادة فی النداء ، فإنّما یصحّح تکثیر المؤذّنین فی أنحاء البلد فی وقت واحد لا الأذان بعد الإقامة الفاصل بینها وبین الصلاة ، وقد ثبت فی السنّة خلافه فی الترتیب ، وأُحدوثة الخلیفة إنّما هی الزیادة فی النداء بعد الإقامة لا إکثار المؤذّنین ، کما نبّه إلیه الترکمانی فی شرح السنن الکبری للبیهقی (1 / 429) ، ولذلک عابه علیه الصحابة ، وحسبوه بدعة ، ولا یخصّ تعدّد المؤذّنین بأیّام عثمان فحسب ، وقد کان فی أیّام رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یؤذّن بلال وابن أُمّ مکتوم ، واتّخذ عثمان أربعة للحاجة إلیها حین کثر الناس کما فی شرح الأُبّی علی صحیح مسلم (1) (2 / 136) ، ولا أجد خلافاً فی جواز تعدّد المؤذّنین ، بل رتّبوا علیه أحکاماً مثل قولهم هل الحکایة المستحبّة أو الواجبة کما قیل تتعدّد بتعدد المؤذّنین أم لا؟ وقولهم : إذا أذّن المؤذّن الأوّل ، هل للإمام أن یبطئ بالصلاة لیفرغ من بعده؟ أو له أن یخرج ویقطع من بعده أذانه؟ وقولهم : إذا تعدّد المؤذّنون لهم أن یؤذّن واحد بعد واحد ، أو یؤذّن کلّهم فی أوّل الوقت؟ وقال الشافعی فی کتاب الأُم (2) (1 / 72) : إن کان مسجداً کبیراً له مؤذّنون عدد فلا بأس أن یؤذّن فی کلّ منارة له مؤذّن فیسمع من یلیه فی وقت واحد.

وظاهر ما مرّ فی الصحیح من أنّه زاد النداء الثالث هو إحداث الأذان بعد 4.

ص: 184


1- شرح صحیح مسلم للأُبِّی : 2 / 239.
2- کتاب الأُم : 1 / 84.

الأذان والإقامة لا الأذان قبلهما کما یأتی عن الطبرانی (1) ، ویومی إلیه قول بعض شرّاح الحدیث من أنّ النداء الثالث ثالث باعتبار الشرعیّة لکونه مزیداً علی الأذان بین یدی الإمام وعلی الإقامة للصلاة (2) ، نعم : قال ابن حجر فی فتح الباری (3) (2 / 315) : تواردت الشرّاح علی أنّ معنی قوله : الأذان الثالث ، أنّ الأوّلین الأذان والإقامة ، فتسمیة ما أمر به عثمان ثالثاً یستدعی سبق اثنین قبله. وقال العینی فی عمدته (4) (2 / 290) : إنّما أطلق الأذان علی الإقامة لأنّها إعلام کالأذان ، ومنه قوله صلی الله علیه وآله وسلم : «بین کلّ أذانین صلاة لمن شاء» (5) ، ویعنی به بین الأذان والإقامة.

وعلی تقدیر إیجاب کثرة الناس الزیادة فی النداء یلزم کما قلنا أن یکون الأذان الزائد فی أطراف البلد وأقاصیه عن المسجد لیبلغ من لا یبلغه أذان المسجد الذی کان یؤذّن به علی باب المسجد علی العهد النبویّ ودور الشیخین ، کما ورد فی سنن أبی داود (6) (1 / 171) ، لا فی الزوراء التی هی دار بقرب المسجد کما فی القاموس (7) ، وتاج العروس (8) ، سواء کانت هی دار عثمان بن عفّان التی ذکرها الحموی فی المعجم (9) (4 / 412) ، وقال الطبرانی (10) : فأمر عثمان بالنداء الأوّل علی دار له یقال لها الزوراء 2.

ص: 185


1- المعجم الکبیر : 7 / 145 ح 6642.
2- شرح الترمذی فی هامشه : 2 / 68. (المؤلف)
3- فتح الباری : 2 / 395.
4- عمدة القاری : 5 / 211.
5- أخرجه البخاری فی صحیحه : 2 / 8 [1 / 225 ح 601]. (المؤلف)
6- سنن أبی داود : 1 / 285 ح 1087.
7- القاموس المحیط : ص 516.
8- تاج العروس : 3 / 246.
9- معجم البلدان : 3 / 156.
10- المعجم الکبیر : 7 / 145 ح 6642.

فکان یؤذّن له علیها (1) ، أو موضع عند سوق المدینة بقرب المسجد کما ذکره الحموی أیضاً ، أو حجر کبیر عند باب المسجد علی ما جزم به ابن بطّال کما فی فتح الباری (2 / 315) ، وعمدة القاری (3 / 291). فالنداء فی الزوراء علی کلّ حال کالنداء فی باب المسجد فی مدی الصوت ومبلغ الخبر ، فأیّ جدوی فی هذه الزیادة المخالفة للسنّة؟

ثمّ إنّ کثرة الناس علی فرضها فی المدینة هل حصلت فجائیّة فی السابعة من خلافة عثمان؟ أو أنّ الجمعیّة کانت إلی التکثّر منذ عادت عاصمة الخلافة الإسلامیّة؟ فما ذلک الحدّ الذی أوجب مخالفة السنّة أو ابتداع نداء ثالث؟ وهل هذه السنّة المبتدعة یجری ملاکها فی العواصم والأوساط الکبیرة التی تحتوی أضعاف ما کان بالمدینة من الناس فیکرّر فیها الأذان عشرات أو مئات؟ سل الخلیفة وأنصاره المبرّرین لعمله.

علی أنّ کثرة الناس فی المدینة إن کانت هی الموجبة للنداء الثالث فلما ذا أخذ فعل الخلیفة أهل البلاد جمعاء وعمل به؟ ولم یکن فیها التکثّر ، وکان علی الخلیفة أن ینهاهم عنه وینوّه بأنّ الزیادة علی الأذان المشروع تخصّ بالمدینة فحسب ، أو یؤخذ بحکمها فی کلّ بلدة کثر الناس بها.

نعم ، فتح الخلیفة باب الجرأة علی الله فجاء بعده معاویة ومروان وزیاد والحجّاج ولعبوا بدین الله علی حسب میولهم وشهواتهم والبادی أظلم.

- 5 -

توسیع الخلیفة المسجد الحرام

قال الطبری فی تاریخه (2) (5 / 47) فی حوادث سنة (26) الهجریّة : وفیها زاد 1.

ص: 186


1- فتح الباری لابن حجر : 2 / 315 [2 / 394] ، عمدة القاری : 3 / 291 [6 / 212].(المؤلف)
2- تاریخ الأمم والملوک : 4 / 251.

عثمان فی المسجد الحرام ووسّعه ، وابتاع من قوم وأبی آخرون ، فهدم علیهم ووضع الأثمان فی بیت المال ، فصاحوا بعثمان فأمر بهم الحبس وقال : أتدرون ما جرّأکم علیّ؟ ما جرّأکم علیّ إلاّ حلمی ، قد فعل هذا بکم عمر فلم تصیحوا به. ثمّ کلّمه فیهم عبد الله بن خالد بن أسید فأُخرجوا. وذکره هکذا الیعقوبی فی تاریخه (1) (2 / 142) ، وابن الأثیر فی الکامل (2) (3 / 39).

وأخرج البلاذری فی الأنساب (5 / 38) من طریق مالک عن الزهری قال : وسّع عثمان مسجد النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فأنفق علیه من ماله عشرة آلاف درهم ، فقال الناس : یوسّع مسجد رسول الله ویغیّر سنّته.

قال الأمینی : کأنّ الخلیفة لم یکن یری للید ناموساً مطّرداً فی الإسلام ، ولا للملک والمالکیّة قیمة ولا کرامة فی الشریعة المقدّسة ، وکأنّه لم یقرع سمعه قول نبیّ العظمة صلی الله علیه وآله وسلم : «لا یحلّ مال امرئ مسلم إلاّ عن طیب نفس منه» (3).

وإنّ من العجب العجاب أنّ الخلیفة نفسه أدرک عهد عمر وزیادته فی المسجد ، وشاهد محاکمة العبّاس بن عبد المطّلب معه وإباءه عن إعطاء داره ، وروایة أبیّ بن کعب وأبی ذر الغفاری وغیرهما حدیث بناء بیت المقدس عن داود علیه السلام ، وقد خصمه العبّاس بذلک ، وثبتت عند عمر السنّة الشریفة فخضع لها ، کما مرّ تفصیله فی الجزء السادس (ص 262 - 266). غیر أنّ الرجل لم یکترث لذلک کلّه ویخالف تلک السنّة الثابتة ، ثمّ یحتجّ بفعل عمر وهیبة الناس لکنّه حلم فلم یهابوه ، فهدم دور الناس من دون رضاهم وسجن من حاوره أو فاوضه فی ذلک ، ووضع الأثمان فی بیت المال ف)

ص: 187


1- تاریخ الیعقوبی : 2 / 164.
2- الکامل فی التاریخ : 2 / 234 حوادث سنة 26 ه.
3- ذکره بهذا اللفظ الحافظ ابن أبی جمرة الأزدی فی بهجة النفوس : 2 / 134 [ح 72] و 4 / 111 [ح 223]. (المؤلف)

حتی قال الناس : یوسّع مسجد رسول الله ویغیّر سنّته.

- 6 -

رأی الخلیفة فی متعة الحجّ

أخرج البخاری فی الصحیح بالإسناد عن مروان بن الحکم قال : سمعت (1) عثمان وعلیّا رضی الله عنهما بین مکة والمدینة ، وعثمان ینهی عن المتعة وأن یجمع بینهما ، فلمّا رأی ذلک علیّ أهلّ بهما جمیعاً ، قال : «لبّیک بعمرة وحجّة معاً» قال : فقال عثمان : ترانی أنهی الناس عن شیء وتفعله أنت؟ قال : «لم أکن لأدع سنّة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لقول أحد من الناس».

وفی لفظ أحمد : کنّا نسیر مع عثمان رضی الله عنه ، فإذا رجل یلبّی بهما جمیعاً ، فقال عثمان رضی الله عنه : من هذا؟ فقالوا : علیّ. فقال. ألم تعلم أنّی قد نهیت عن هذا؟ قال : «بلی. ولکن لم أکن لأدع قول رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لقولک».

وأخرج الشیخان بالإسناد عن سعید بن المسیب قال : اجتمع علیّ وعثمان رضی الله عنهما بعسفان وکان عثمان ینهی عن المتعة فقال له علیّ «ما ترید إلی امر فعله رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم تنهی عنه؟» قال دعا منک قال : «انّی لا أستطیع أن أدعک». فلمّا رأی ذلک علیّ أهلّ بهما جمیعاً.

وأخرج مسلم من طریق عبد الله بن شقیق قال : کان عثمان رضی الله عنه ینهی عن المتعة وکان علیّ رضی الله عنه یأمر بها ، فقال عثمان لعلیّ کلمة ، ثمّ قال علیّ : «لقد علمت أنّا قد تمتّعنا مع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم» قال : أجل ولکنّا کنّا خائفین.

راجع (2) : صحیح البخاری (3 / 69 ، 71) ، صحیح مسلم (1 / 349) ، مسند أحمد 3.

ص: 188


1- فی المصدر : شهدت عثمان وعلیّا ....
2- صحیح البخاری : 2 / 567 ح 1488 ، ص 569 ح 1494 ، صحیح مسلم : 3 / 68 ح 158 کتاب الحج ، مسند أحمد : 1 / 98 ح 433 ، ص 153 ح 735 ، السنن الکبری : 2 / 345 ح 3703 ، المستدرک علی الصحیحین : / 644 ح 1735 ، تیسیر الوصول : 1 / 333.

(1 / 61 ، 95) ، سنن النسائی (5 / 148 ، 152) ، سنن البیهقی (4 / 352 و 5 / 22) ، مستدرک الحاکم (1 / 472) ، تیسیر الوصول (1 / 282).

قال الأمینی : لقد فصّلنا القول فی هذه المسألة فی نوادر الأثر من الجزء السادس (ص 198 - 205 و 213 - 220) ، تفصیلاً وذکرنا هنالک أحادیث جمّة أنّ متعة الحجّ ثابتة بالکتاب والسنّة ، ولم تنزل آیة تنسخ متعة الحجّ ولم ینه عنها رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم حتی مات ، وإنّما النهی عنها رأی رآه الخلیفة الثانی کما أخرجه الشیخان وجمع من أئمّة الحدیث من طرقهم المتکثّرة. ولقد شاهد عثمان تلکم المواقف وما وقع فیها من الحوار وما أنکره الصحابة علی من نهی عنها ، وکان کلّ حجّته : إنّی لو رخّصت فی المتعة لهم لعرّسوا بهنّ فی الأراک ثمّ راحوا بهنّ حجّاجاً. وأنت تری أنّ هذه الحجّة الداحضة لم تکن إلاّ رأیاً تافهاً غیر مدعوم ببرهنة ، بل منقوض بالکتاب والسنّة ، وکان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أعرف من صاحب هذا الرأی بهذه الدقیقة التی اکتشفها بنظّارته المقرّبة ، والله سبحانه قبله یعلم کلّ ذلک ، فلم ینهیا عن متعة الحج بل أثبتاها.

ما العلمُ إلاّ کتابُ اللهِ والأثرُ

وما سوی ذاک لا عینٌ ولا أثرُ

إلاّ هویً وخصوماتٌ ملفّقةٌ

فلا یغرنّکَ من أربابِها هدَرُ (1)

نعم ، شهد عثمان کلّ ذلک لکنّه لم یکترث لشیء منها ، وطفق یقتصّ أثر من قبله ، وکان حقّا علیه أن یتّبع کتاب الله وسنّة نبیّه والحقّ أحقّ أن یتّبع ، ولم یقنعه کلّ ذلک حتی أخذ یعاتب أمیر المؤمنین علیّا علیه السلام - الذی هو نفس الرسول ، وباب مدینة علمه ، وأقضی أمّته وأعلمها - علی عدم موافقته له فی رأیه المجرد الشاذّ عن حکم الله ، حتی وقع الحوار بینهما فی عسفان وفی الجحفة وأمیر المؤمنین علیه السلام متمتّع بالحجّ ، وکاد من جرّاء ذلک یُقتَلُ علیّ - سلام الله علیه - کما مرّ حدیثه فی الجزء السادس ص (205) ف)

ص: 189


1- البیان للفقیه أبی زید علی الزبیدی المتوفّی 813 ، ذکرهما صاحب شذرات الذهب : 7 / 203 [9 / 153 حوادث سنة 813 ه]. (المؤلف)

[من] الطبعة الأُولی و (219) من الطبعة الثانیة.

ونحن لا ندری مغزی جواب الرجل لمولانا علیّ علیه السلام لمّا قال له : «لقد علمت أنّا تمتّعنا مع رسول الله». من قوله : أجل ولکنّا کنّا خائفین. أیّ خوف کان فی سنة حجّة التمتع مع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم؟ وهی حجّة الوداع والنبیّ الأقدس کان معه مائة ألف أو یزیدون ، وأنت تجد أعلام الأمّة غیر عارفین بهذا العذر التافه المختلق أیضاً ، قال إمام الحنابلة أحمد فی المسند بعد ذکر (1) الحدیث : قال شعبة لقتادة : ما کان خوفهم. قال : لا أدری!

أنا لا أدری ، هذا مبلغ علم الخلیفة ، أو مدی عقلیّته ، أو کمیّة إصراره علی تنفیذ ما أراد ، أو حدّ اتّباعه کتاب الله وسنّة نبیّه ، أو مقدار أمانته علی ودائع الدین؟ وهو خلیفة المسلمین (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّکْرِ إِنْ کُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (2).

ألیس من الغلوّ الممقوت الفاحش عندئذٍ ما جاء به البلاذری فی الأنساب (5 / 4) من قول ابن سیرین : کان عثمان أعلمهم بالمناسک وبعده ابن عمر؟

إن کان أعلم الأُمّة هذه سیرته وهذا حدیثه ، فعلی الإسلام السلام.

- 7 -

تعطیل الخلیفة القصاص

أخرج الکرابیسی فی أدب القضاء بسند صحیح إلی سعید بن المسیب أنّ عبد الرحمن بن أبی بکر قال : لمّا قتل عمر إنّی مررت بالهرمزان وجفینة وأبی لؤلؤة وهم نجیٌّ ، فلمّا رأونی ثاروا فسقط من بینهم خنجر له رأسان نصابه فی وسطه ، فنظروا إلی الخنجر الذی قتل به عمر فإذا هو الذی وصفه ، فانطلق عبید الله بن عمر 3.

ص: 190


1- مسند أحمد : 1 / 98 ح 433.
2- النحل : 43.

فأخذ سیفه حتی سمع ذلک من عبد الرحمن ، فأتی الهرمزان فقتله وقتل جفینة [وقتل] (1) بنت أبی لؤلؤة صغیرة وأراد قتل کلّ سبیّ بالمدینة فمنعوه ؛ فلمّا استخلف عثمان قال له عمرو بن العاص : إنّ هذا الأمر کان ولیس لک علی الناس سلطان فذهب دم الهرمزان هدراً.

وأخرجه الطبری فی تاریخه (2) (5 / 42) بتغییر یسیر والمحبّ الطبری فی الریاض (3) (2 / 150) ، وذکره ابن حجر فی الإصابة (3 / 619) وصحّحه باللفظ المذکور.

وذکر البلاذری فی الأنساب (5 / 24) عن المدائنی ، عن غیاث بن إبراهیم : أن عثمان صعد المنبر فقال : أیّها الناس إنّا لم نکن خطباء وإن نَعِش تأتکم الخطبة علی وجهها إن شاء الله ، وقد کان من قضاء الله أنّ عبید الله بن عمر أصاب الهرمزان وکان الهرمزان من المسلمین (4) ولا وارث له إلاّ المسلمون عامّة وأنا إمامکم وقد عفوت أفتعفون؟ قالوا : نعم. فقال علیّ : «أَقِدِ الفاسقَ فإنّه أتی عظیماً ، قتل مسلماً بلا ذنب». وقال لعبید الله : «یا فاسق لئن ظفرت بک یوماً لأقتلنّک بالهرمزان».

وقال الیعقوبی فی تاریخه (5) (2 / 141) : أکثر الناس فی دم الهرمزان وإمساک عثمان عبید الله بن عمر ، فصعد عثمان المنبر فخطب الناس ، ثمّ قال : ألا إنّی ولیّ دم الهرمزان وقد وهبته لله ولعمر وترکته لدم عمر. فقام المقداد بن عمرو فقال : إنّ الهرمزان مولی لله ولرسوله ولیس لک أن تهب ما کان لله ولرسوله. قال : فننظر وتنظرون ، ثمّ أخرج 3.

ص: 191


1- الزیادة من المصدر.
2- تاریخ الأمم والملوک : 4 / 240 حوادث سنة 23 ه.
3- الریاض النضرة : 3 / 89.
4- أسلم علی ید عمر وفرض له فی ألفین کما فی الإصابة وغیرها. (المؤلف)
5- تاریخ الیعقوبی : 2 / 163.

عثمان عبید الله بن عمر من المدینة إلی الکوفة ، وأنزله داراً فنُسِب الموضع إلیه - کُوَیْفة ابن عمر - فقال بعضهم.

أبا عمرو (1) عبیدُ اللهِ رهنٌ

فلا تشکُکْ بقتلِ الهرمزان

وأخرج البیهقی فی السنن الکبری (8 / 61) بإسناد عن عبد الله (2) بن عبید بن عمیر قال : لمّا طعن عمر رضی الله عنه وثب عبید الله بن عمر علی الهرمزان فقتله ، فقیل لعمر : إنّ عبید الله بن عمر قتل الهرمزان. قال : ولم قتله؟ قال : إنّه قتل أبی. قیل : وکیف ذاک؟ قال : رأیته قبل ذلک مستخلیاً بأبی لؤلؤة وهو أمره بقتل أبی. قال عمر : ما أدری ما هذا ، انظروا إذا أنا متّ فاسألوا عبید الله البیّنة علی الهرمزان : هو قتلنی؟ فإن أقام البیّنة فدمه بدمی ، وإن لم یقم البیّنة فأقیدوا عبید الله من الهرمزان. فلمّا ولی عثمان رضی الله عنه قیل له : ألا تمضی وصیّة عمر رضی الله عنه فی عبید الله؟ قال : ومن ولیّ الهرمزان؟ قالوا : أنت یا أمیر المؤمنین. فقال قد عفوت عن عبید الله بن عمر.

وفی طبقات ابن سعد (3) (5 / 8 - 10) طبع لیدن : انطلق عبید الله فقتل ابنة أبی لؤلؤة وکانت تدّعی الإسلام ، وأراد عبید الله ألاّ یترک سبیاً بالمدینة یومئذٍ إلاّ قتله. فاجتمع المهاجرون الأوّلون فأعظموا ما صنع عبید الله من قبل هؤلاء واشتدّوا علیه وزجروه عن السبی ، فقال : والله لأقتلنّهم وغیرهم. یعرّض ببعض المهاجرین ، فلم یزل عمرو بن العاص یرفق به حتی دفع إلیه سیفه ، فأتاه سعد فأخذ کلّ واحد منهما برأس صاحبه یتناصیان (4) ، حتی حجز بینهما الناس ، فأقبل عثمان وذلک فی الثلاثة الأیّام الشوری قبل أن یبایع له ، حتی أخذ برأس عبید الله بن عمر وأخذ عبید الله برأسه ثمّ حُجز بینهما وأظلمت الأرض یومئذٍ علی الناس ، فعظم ذلک فی صدور س.

ص: 192


1- أبو عمرو هی کنیة عثمان بن عفّان.
2- فی الأصل عبید الله ، وصحّحناه من السنن الکبری.
3- الطبقات الکبری : 5 / 15 - 17.
4- التناصی : هو الأخذ بالنواصی جمع ناصیة ، وهی شعر مقدّم الرأس.

الناس وأشفقوا أن تکون عقوبة حین قتل عبید الله جُفَینة والهرمزان وابنة أبی لؤلؤة.

وعن أبی وجزة عن أبیه قال : رأیت عبید الله یومئذٍ وإنّه لیناصی عثمان ، وإنّ عثمان لیقول : قاتلک الله قتلت رجلاً یصلّی وصبیّة صغیرة ، وآخر من ذمّة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ما فی الحقّ ترکک. قال : فعجبت لعثمان حین ولی کیف ترکه! ولکن عرفت أنّ عمرو بن العاص کان دخل فی ذلک فلفته عن رأیه.

وعن عمران بن منّاح قال : جعل سعد بن أبی وقّاص یناصی عبید الله بن عمر حیث قتل الهرمزان وابنة أبی لؤلؤة ، وجعل سعد یقول وهو یناصیه :

لا أُسْدَ إلاّ أنتَ تنهِتُ واحداً

وغالت أُسودَ الأرض عنک الغوائلُ (1)

فقال عبید الله :

تعلّمُ أنّی لحمُ ما لا تسیغه

فکلْ من خشاش الأرض ما کنت آکلا

فجاء عمرو بن العاص فلم یزل یکلّم عبید الله ، ویرفق به حتی أخذ سیفه منه ، وحبس فی السجن حتی أطلقه عثمان حین ولی.

عن محمود بن لبید : کنتُ أحسب أنّ عثمان إن ولی سیقتل عبید الله لما کنت أراه صنع به ، کان هو وسعد أشدّ أصحاب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم علیه.

وعن المطّلب بن عبد الله قال : قال علیّ لعبید الله بن عمر : «ما ذنب بنت أبی لؤلؤة حین قتلتها؟». قال : فکان رأی علیّ حین استشاره عثمان ورأی الأکابر من أصحاب رسول الله علی قتله ، لکن عمرو بن العاص کلّم عثمان حتی ترکه ، فکان علیّ یقول : «لو قدرت علی عبید الله بن عمر ولی سلطان لاقتصصت منه». ف)

ص: 193


1- الشعر لکلاب بن علاط أخی الحجّاج بن علاط. (المؤلف)

وعن الزهری : لمّا استخلف عثمان دعا المهاجرین والأنصار فقال : أشیروا علیّ فی قتل هذا الذی فتق فی الدین ما فتق. فأجمع رأی المهاجرین والأنصار علی کلمة واحدة یشجّعون عثمان علی قتله ، وقال جلّ الناس : أبعد الله الهرمزان وجفینة یریدون یُتبعون عبید الله أباه. فکثر ذلک القول ، فقال عمرو بن العاص : یا أمیر المؤمنین إنّ هذا الأمر قد کان قبل أن یکون لک سلطان علی الناس فأعرض عنه ، فتفرّق الناس عن کلام عمرو بن العاص.

وعن ابن جریح : إنّ عثمان استشار المسلمین فأجمعوا علی دیتهما ، ولا یقتل بهما عبید الله بن عمر ، وکانا قد أسلما ، وفرض لهما عمر ، وکان علیّ بن أبی طالب لمّا بویع له أراد قتل عبید الله بن عمر فهرب منه إلی معاویة بن أبی سفیان ، فلم یزل معه فقتل بصفین (1).

وذکر الطبری فی تاریخه (2) (5 / 41) قال : جلس عثمان فی جانب المسجد - لمّا بویع - ودعا عبید الله بن عمر ، وکان محبوساً فی دار سعد بن أبی وقّاص ، وهو الذی نزع السیف من یده بعد قتله جُفَینة والهرمزان وابنة أبی لؤلؤة ، وکان یقول : والله لأقتلنّ رجالاً ممّن شرک فی دم أبی. یعرّض بالمهاجرین والأنصار فقام إلیه سعد فنزع السیف من یده ، وجذب شعره حتی أضجعه إلی الأرض ، وحبسه فی داره حتی أخرجه عثمان إلیه ، فقال عثمان لجماعة من المهاجرین والأنصار : أشیروا علیّ فی هذا الذی فتق فی الإسلام ما فتق ، فقال علیّ : «أری أن تقتله». فقال بعض المهاجرین : قُتل عمر أمس ویُقتل ابنه الیوم؟ فقال عمرو بن العاص : یا أمیر المؤمنین إنّ الله قد أعفاک أن یکون هذا الحدث کان ولک علی المسلمین سلطان ، إنّما کان هذا الحدث ولا سلطان لک ، قال عثمان : أنا ولیّهم وقد جعلتها دیة واحتملتها فی مالی ، 9.

ص: 194


1- حذفنا أسانید هذه الأحادیث روماً للاختصار وهی کلّها مسندة. (المؤلف)
2- تاریخ الأُمم والملوک : 4 / 239.

قال : وکان رجل من الأنصار یقال له : زیاد بن لبید البیاضی إذا رأی عبید الله بن عمر قال :

ألا یا عبیدَ اللهِ ما لک مهربٌ

ولا ملجأٌ من ابن أروی (1) ولا خفرْ

أصبتَ دماً واللهِ فی غیرِ حلّهِ

حراماً وقتلُ الهرمزان له خطرْ

علی غیر شیءٍ غیر أنْ قالَ قائلٌ

أتتّهمون الهرمزانَ علی عمرْ

فقال سفیهٌ والحوادث جمّةٌ

نعم اتّهمه قد أشار وقد أمرْ

وکان سلاحُ العبدِ فی جوفِ بیتِهِ

یقلّبها والأمرُ بالأمرِ یعتبرْ

قال : فشکا عبید الله بن عمر إلی عثمان زیاد بن لبید وشعره ، فدعا عثمان زیاد ابن لبید فنهاه ، قال : فأنشأ زیاد یقول فی عثمان :

أبا عمرو عبیدُ اللهِ رهنٌ

فلا تشکک بقتلِ الهرمزانِ

فإنَّک إن غفرتَ الجرمَ عنه

وأسباب الخطا فَرَسا رهانِ

أتعفو إذ عفوت بغیر حقٍ

فما لک بالذی تحکی یدانِ

فدعا عثمان زیاد بن لبید فنهاه وشذّبه. وذکره ابن الأثیر فی الکامل (2) (5 / 31)

قال الأمینی : الذی یعطیه الأخذ بمجامع هذه النقول أنّ الخلیفة لم یُقِد عبید الله قاتل الهرمزان وجفینة وابنة أبی لؤلؤة الصغیرة ، مع إصرار غیر واحد من الصحابة علی القصاص ، ووافقهم علی ذلک مولانا أمیر المؤمنین علی علیه السلام ، لکنه قدّم علی رأیه الموافق للکتاب والسنّة ، وهو أقضی الأمّة بنص النبیّ الأمین وعلی آراء الصحابة إشارة عمرو بن العاصی ابن النابغة - المترجم فی الجزء الثانی صفحة (120 - 176) بترجمة ضافیة تعلمک حسبه ونسبه وعلمه ودینه - حیث قال له : إنّ هذا الأمر کان .

ص: 195


1- أروی بنت کریز أمّ عثمان کما مرّ فی : ص 120. (المؤلف)
2- الکامل فی التاریخ : 2 / 226 حوادث سنة 23 ه.

ولیس لک علی الناس سلطان ... إلخ. علی حین أنّ من کانت له السلطة عندئذٍ ، وهو الخلیفة المقتول ، فی آخر رمق من حیاته حکم بأن یقتصّ من ابنه إن لم یقم البیّنة العادلة بأنّ الهرمزان قتل أباه ، ومن الواضح أنّه لم یقمها ، فلم یزل عبید الله رهن هذا الحکم حتی أطلق سراحه ، وکان علیه مع ذلک دم جفینة وابنة أبی لؤلؤة.

وهل یشترط ناموس الإسلام للخلیفة فی إجرائه حدود الله وقوع الحوادث عند سلطانه؟ حتی یصاخ إلی ما جاء به ابن النابغة ، وإن صحّت الأحلام فاستیهاب الخلیفة لما ذا؟ وهب أنّ خلیفة الوقت له أن یهب أو یستوهب المسلمین حیث لا یوجد ولیّ للمقتول ، ولکن هل له إلغاء الحکم النافذ من الخلیفة قبله؟ وهل للمسلمین الذین استوهبهم فوهبوا مالا یملکون ردّ ذلک الحکم البات؟ وعلی تقدیر أن یکون لهم ذلک ، فهل هبة أفراد منهم وافیة لسقوط القصاص ، أو یجب أن یوافقهم علیها عامّة المسلمین؟ وأنت تری أنّ فی المسلمین من ینقم ذلک الإسقاط وینقد من فعله ، حتی أنّ عثمان لمّا رأی المسلمین أنّهم قد أبوا إلاّ قتل عبید الله أمره فارتحل إلی الکوفة وأقطعه بها داراً وأرضاً ، وهی التی یقال لها : کویفة ابن عمر ، فعظم ذلک عند المسلمین وأکبروه وکثر کلامهم فیه (1).

وکان أمیر المؤمنین علی علیه السلام وهو سیّد الأمّة وأعلمها بالحدود والأحکام یکاشف عبید الله ویهدّده بالقتل علی جریمته متی ظفر به ، ولمّا ولی الأمر تطلّبه لیقتله فهرب منه إلی معاویة بالشام ، وقتل بصفّین ، کما فی الکامل لابن الأثیر (2) (3 / 32). وفی الاستیعاب (3) لابن عبد البرّ : إنّه قتل الهرمزان بعد أن أسلم وعفا عنه عثمان ، فلمّا ولی علیّ خشی علی نفسه فهرب إلی معاویة فقتل بصفّین. وفی مروج 8.

ص: 196


1- راجع ما مرّ فی : ص 133 ، ومعجم البلدان : 7 / 307 [4 / 496]. (المؤلف)
2- الکامل فی التاریخ : 2 / 226 حوادث سنة 23 ه.
3- الاستیعاب : القسم الثالث / 1012 رقم 1718.

الذهب (1) (2 / 24): إنّ علیّا ضربه [ضربةً] (2) فقطع ما علیه من الحدید حتی خالط سیفه حشوة جوفه ، وإنّ علیّا قال حین هرب فطلبه لیقید منه بالهرمزان : «لئن فاتنی فی هذا الیوم ، لا یفوتنی فی غیره».

هذه کلّها تنمّ عن أنّ أمیر المؤمنین علیه السلام کان مستمرّا علی عدم العفو عنه ، وأنّه لم یکن هناک حکم نافذ بالعفو یُتّبع ، وإلاّ لما طلبه ولا تحرّی قتله ، وقد ذکّره بذلک یوم صفّین لمّا برز عبید الله أمام الناس فناداه علیّ : «ویحک یا ابن عمر علام تقاتلنی؟ والله لو کان أبوک حیّا ما قاتلنی». قال : أطلب (3) بدم عثمان. قال : «أنت تطلب بدم عثمان ، والله یطلبک بدم الهرمزان» ؛ وأمر علیّ الأشتر النخعی بالخروج إلیه (4).

إلی هنا انقطعت المعاذیر فی إبقاء عبید الله والعفو عنه ، لکن قاضی القضاة أطلع رأسه من مکمن التمویه ، فعزا إلی شیخه ، أبی علیّ أنّه قال (5) : إنّما أراد عثمان بالعفو عنه ما یعود إلی عزّ الدین ، لأنّه خاف أن یبلغ العدوّ قتله فیقال : قتلوا إمامهم ، وقتلوا ولده ، ولا یعرفون الحال فی ذلک فیکون فیه شماتة. انتهی.

أولا تسائل هذا الرجل؟ عن أیّ شماتة تتوجّه إلی المسلمین فی تنفیذهم حکم شرعهم وإجرائهم قضاء الخلیفة الماضی فی ابنه الفاسق قاتل الأبریاء ، وأنّهم لم تأخذهم علیه رأفة فی دین الله لتعدّیه حدوده سبحانه (وَمَنْ یَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَأُولئِکَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (6) ولم یکترثوا لأنّه فی الأمس أُصیب بقتل أبیه والیوم یقتل هو 9.

ص: 197


1- مروج الذهب : 2 / 403.
2- من المصدر.
3- فی المصدر : أطالب.
4- مروج الذهب : 2 / 12 [2 / 399]. (المؤلف)
5- راجع شرح ابن أبی الحدید : 1 / 242 [3 / 60 خطبة 43]. (المؤلف)
6- البقرة : 229.

فتشتبک المصیبتان علی أهله ، هذا هو الفخر المرموق إلیه فی باب الأدیان لأنّه منبعث عن صلابة فی إیمان ، ونفوذ فی البصیرة ، وتنمّر فی ذات الله ، وتحفّظ علی کتاب الله وسنّة نبیّه صلی الله علیه وآله وسلم؟ وأخذ بمجامیع الدین الحنیف ، فأیّ أمّة هی هکذا لا تنعقد علیها جمل الثناء ولا تفد إلیها ألفاظ المدح والإطراء؟ وإنّما الشماتة فی التهاون بالأحکام ، وإضاعة الحدود بالتافهات ، واتّباع الهوی والشهوات ، لکن الشیخ أبا علی راقه أن یکون له حظٌّ من الدفاع فدافع.

ثمّ إنّ ما ارتکبه الخلیفة خلق لمن یحتذی مثاله مشکلة ارتبکوا فی التأوّل فی تبریر عمله الشاذّ عن الکتاب والسنّة. فمن زاعم أنّه عفا عنه ولولیّ الأمر ذلک. وهم یقولون : إنّ الإمام له أن یصالح علی الدیة إلاّ أنّه لا یملک العفو ، لأنّ القصاص حقّ المسلمین بدلیل أنّ میراثه لهم ، وإنّما الإمام نائب عنهم فی الإقامة ، وفی العفو إسقاط حقّهم أصلاً ورأساً وهذا لا یجوز ، ولهذا لا یملکه الأب والجدّ وإن کانا یملکان استیفاء القصاص ، وله أن یصلح علی الدیة (1).

وثان یحسب أنّه استعفی المسلمین مع ذلک وأجابوه إلی طلبته وهم أولیاء المقتول إذ لا ولیّ له. ونحن لا ندری أنّهم هل فحصوا عن ولیّه فی بلاد فارس؟ والرجل فارسیّ هو وأهله ، أو أنّهم اکتفوا بالحکم بالعدم؟ لأنّهم لم یشاهدوه بالمدینة ، وهو غریب فیها لیس له أهل ولا ذوو قرابة ، أو أنّهم حکموا بذلک من تلقاء أنفسهم؟ وما کان یضرّهم لو أرجعوا الأمر إلی أولیائه ، فی بلاده فیؤمنوهم حتی یأتوا إلی صاحب ترتهم (2) فیقتصّوا منه أو یعفوا عنه؟

ثمّ متی أجاب المسلمون إلی طلبة عثمان؟ وسیّدهم یقول : «أقدِ الفاسق فإنّه أتی عظیماً». وقد حکم خلیفة الوقت قبله بالقصاص منه ، ولم یکن فی مجتمع الإسلام ر.

ص: 198


1- بدائع الصنائع لملک العلماء الحنفی : 7 / 245. (المؤلف)
2- الترة : الثأر.

من یدافع عنه ویعفو إلاّ ابن النابغة ، وقد مرّ عن ابن سعد قول الزهری من أنّه أجمع رأی المهاجرین والأنصار علی کلمة واحدة یشجّعون عثمان علی قتله.

وثالث یتفلسف بما سمعته عن الشیخ أبی علی ، وهل یتفلسف بتلک الشماتة والوصمة والمسبّة علی بنی أمیّة فی قتلهم من العترة الطاهرة والداً وما ولد وذبحهم فی یوم واحد منهم رضیعاً ویافعاً وکهلاً وشیخاً سید شباب أهل الجنّة؟

وهناک من یصوغ لهرمزان ولیّا یسمّیه القماذبان ، ویحسب أنّه عفا بإلحاح من المسلمین ، أخرج الطبری فی تاریخه (1) (5 / 43) عن السری وقد کتب إلیه عن شعیب ، عن سیف بن عمر ، عن أبی منصور قال : سمعت القماذبان یحدّث عن قتل أبیه قال : کانت العجم بالمدینة یستروح بعضها إلی بعض ، فمرّ فیروز بأبی ومعه خنجر له رأسان فتناوله منه وقال : ما تصنع فی هذه البلاد؟ فقال أبس (2) به ، فرآه رجل. فلمّا أُصیب عمر قال : رأیت هذا مع الهرمزان دفعه إلی فیروز ، فاقبل عبید الله فقتله ، فلمّا ولی عثمان دعانی فأمکننی منه ، ثمّ قال : یا بنیّ هذا قاتل أبیک وأنت أولی به منّا فاذهب فاقتله. فخرجت به وما فی الأرض أحد إلاّ معی إلاّ أنّهم یطلبون إلیّ فیه فقلت لهم : ألی قتله؟ قالوا : نعم. وسبّوا عبید الله ، فقلت : أفلکم أن تمنعوه؟ قالوا : لا ، وسبّوه. فترکته لله ولهم فاحتملونی ، فو الله ما بلغت المنزل إلاّ علی رءوس الرجال وأکفّهم.

لو کان هذا الولیّ المزعوم موجوداً عند ذاک فما معنی قول عثمان فی الصحیح المذکور علی صهوة المنبر : لا وارث له إلاّ المسلمون عامّة وأنا إمامکم؟ وما قوله الآخر فی حدیث الطبری نفسه : أنا ولیّهم وقد جعلته دیة واحتملتها فی مالی؟ ولو کان یعلم بمکان هذا الوارث فلم حوّل القصاص إلی الدیة قبل مراجعته؟ ثمّ لما حوّله فلم لم یدفع الدیة إلیه واحتملها فی ماله؟ ثمّ أین صارت الدیة وما فعل بها؟ أنا لا أدری! س.

ص: 199


1- تاریخ الأمم والملوک : 4 / 243.
2- بسّ الشیء : حطمه ، وفی المصدر : آنس بدلاً من أبس.

ولو کان المسلمون یعترفون بوجود القماذبان وما فی الأرض أحد إلاّ معه وهو الذی عفا عن قاتل أبیه ، فما معنی قول الخلیفة : وقد عفوت ، أفتعفون؟ وقوله فی حدیث البیهقی : قد عفوت عن عبید الله بن عمر؟ وما معنی استیهاب الخلیفة المسلمین وولیّ المقتول حیّ یرزق؟ وما معنی مبادرة المسلمین إلی موافقته فی العفو والهبة؟ وما معنی تشدید مولانا أمیر المؤمنین فی النکیر علی من تماهل فی القصاص؟ وما معنی قوله علیه السلام لعبید الله «یا فاسق لئن ظفرت بک یوماً لأقتلنّک بالهرمزان»؟ وما معنی تطلّبه لعبید الله لیقتله إبّان خلافته؟ وما معنی هربه من المدینة إلی الشام خوفاً من أمیر المؤمنین؟ وما معنی قول عمرو بن العاصی لعثمان : إنّ هذا الأمر کان ولیس لک علی الناس سلطان؟ وما معنی قول سعید بن المسیّب : فذهب دم الهرمزان هدراً؟ وما معنی قول لبید بن زیاد وهو یخاطب عثمان : أتعفو إذ عفوت بغیر حقّ .. الخ؟ وما معنی ما رواه ملک العلماء الحنفی فی بدائع الصنائع (7 / 245) وجعله مدرک الفتوی فی الشریعة؟ قال : روی أنّه لمّا قُتِل سیّدنا عمر رضی الله عنه خرج الهرمزان والخنجر فی یده ، فظنّ عبید الله أنّ هذا هو الذی قتل سیّدنا عمر رضی الله عنه فقتله ، فرجع ذلک إلی سیّدنا عثمان رضی الله عنه فقال سیّدنا علیّ رضی الله عنه لسیّدنا عثمان : «اقتل عبید الله» فامتنع سیّدنا عثمان رضی الله عنه وقال : کیف أقتل رجلاً قُتل أبوه أمس؟ لا أفعل ؛ ولکن هذا رجل من أهل الأرض وأنا ولیّة أعفو عنه وأودی دیته.

وما معنی قول الشیخ أبی علی : إنّه لم یکن للهرمزان ولیّ یطلب بدمه والإمام ولیّ من لا ولیّ له ، وللولیّ أن یعفو؟

ولبعض ما ذکر زیّفه ابن الأثیر فی الکامل (1) (3 / 32) فقال : الأول أصحّ فی إطلاق عبید الله ، لأنّ علیّا لمّا ولی الخلافة أراد قتله فهرب منه إلی معاویة بالشام ، ولو کان إطلاقه بأمر ولیّ الدم لم یتعرّض له علیّ. انتهی. .

ص: 200


1- الکامل فی التاریخ : 2 / 227 حوادث سنة 23 ه.

وقبل هذه کلّها ما فی إسناد الروایة من الغمز والعلّة ، کتبها إلی الطبری السری ابن یحیی الذی لا یوجد بهذه النسبة له ذکر قطّ ، غیر أنّ النسائی أورد عنه حدیثاً لسیف بن عمر فقال : لعلّ البلاء من السری (1) وابن حجر یراه السری بن إسماعیل الهمدانی الکوفی الذی کذّبه یحیی بن سعید وضعّفه غیر واحد من الحفّاظ ، ونحن نراه السری بن عاصم الهمدانی نزیل بغداد المتوفّی (258) ، وقد أدرک ابن جریر الطبری شطراً من حیاته یربو علی ثلاثین سنة ، کذّبه ابن خراش ، ووهّاه ابن عدی (2) ، وقال : یسرق الحدیث وزاد ابن حبّان (3) : ویرفع الموقوفات لا یحلّ الاحتجاج به ، وقال النقاش فی حدیث : وضعه السری (4) فهو مشترک بین کذّابین لا یهمّنا تعیین أحدهما.

والتسمیة بابن یحیی محمولة علی النسبة إلی أحد أجداده کما ذکره ابن حجر فی تسمیته بابن سهل (5) هذا إن لم تکن تدلیساً ، ولا یحسب القارئ أنّه السری بن یحیی الثقة لقدم زمانه وقد توفّی سنة (167) (6) قبل ولادة الطبری - الراوی عنه المولود سنة (224) - بسبع وخمسین سنة.

وفی الإسناد شعیب بن إبراهیم الکوفی المجهول ، قال ابن عدی (7) : لیس بالمعروف وقال الذهبی : راویة کتب سیف عنه فیه جهالة (8).ف)

ص: 201


1- تهذیب التهذیب : 3 / 460 [3 / 399]. (المؤلف)
2- الکامل فی ضعفاء الرجال : 3 / 460 رقم 874.
3- کتاب المجروحین : 1 / 355.
4- تاریخ الخطیب : 9 / 193 [رقم 4770] ، میزان الاعتدال : 1 / 380 [2 / 117 رقم 3089] ، لسان المیزان : 3 / 13 [3 / 16 رقم 3624] مرّ فی : 5 / 231. (المؤلف)
5- لسان المیزان : 3 / 13. (المؤلف)
6- تهذیب التهذیب : 3 / 461 [3 / 400]. (المؤلف)
7- الکامل فی ضعفاء الرجال : 4 / 4 رقم 885.
8- میزان الاعتدال : 1 / 448 [2 / 275 رقم 3704] ، لسان المیزان : 3 / 145 [3 / 176 رقم 4100]. (المؤلف)

وفیه سیف بن عمر التمیمی راوی الموضوعات ، المتروک ، الساقط ، المتسالم علی ضعفه : المتّهم بالزندقة ، کما مرّت ترجمته فی صفحة (84). وقد مرّ عن السیوطی (1) أنّه ذکر حدیثاً بهذا الطریق وقال : موضوع فیه ضعفاء أشدّهم سیف بن عمر.

وفیه : أبو منصور ، مشترک بین عدّة ضعفاء لا یعوّل علیهم ولا علی روایتهم.

عذر مفتعل :

إنّ المحبّ الطبری أعماه الحبّ وأصمّه فجاء بعذر مفتعل غیر ما ذکر ، قال فی ریاضه النضرة (2) (2 / 150) : عنه جوابان :

الأوّل : أنّ الهرمزان شارک أبا لؤلؤة فی ذلک ومالأه ، وإن کان المباشر أبا لؤلؤة وحده ، ولکن المعین علی قتل الإمام العادل یباح قتله عند جماعة من الأئمّة ، وقد أوجب کثیر عن الفقهاء القود علی الآمر والمأمور. وبهذا اعتذر عبید الله بن عمر وقال : إنّ عبد الرحمن بن أبی بکر أخبره أنّه رأی أبا لؤلؤة والهرمزان وجفینة یدخلون فی مکان یتشاورون وبینهم خنجر له رأسان مقبضه فی وسطه فقتل عمر فی صبیحة تلک اللیلة ، فاستدعی عثمان عبد الرحمن فسأله عن ذلک فقال : انظروا إلی السکّین فإن کانت ذات طرفین فلا أری القوم إلاّ وقد اجتمعوا علی قتله. فنظروا إلیها فوجدوها کما وصف عبد الرحمن ، فلذلک ترک عثمان قتل عبید الله بن عمر لرؤیته عدم وجوب القود لذلک ، أو لتردّده فیه فلم یر الوجوب بالشک.

والجواب الثانی : أنّ عثمان خاف من قتله ثوران فتنة عظیمة لأنّه کان بنو تیم وبنو عدی مانعین من قتله ، ومانعین عنه ، وکان بنو أُمیّة أیضاً جانحین إلیه ، حتی قال 8.

ص: 202


1- اللآلئ المصنوعة : 1 / 429.
2- الریاض النضرة : 3 / 88.

له عمرو بن العاص : قُتل أمیر المؤمنین عمر بالأمس ، ویُقتل ابنه الیوم؟ لا والله لا یکون هذا أبداً ، ومال فی بنی جمح ، فلمّا رأی عثمان ذلک اغتنم تسکین الفتنة وقال : أمره إلیّ وسأرضی أهل الهرمزان منه.

قال الأمینی : إنّ إثبات مشارکة هرمزان أبا لؤلؤة فی قتل الخلیفة علی سبیل البتّ لمحض ما قاله عبد الرحمن بن أبی بکر من أنّه رآهما متناجیین وعند أبی لؤلؤة خنجر له رأسان دونه خرط القتاد ، فإنّ من المحتمل أنّهما کانا یتشاوران فی أمر آخر بینهما ، أو أنّ أبا لؤلؤة استشاره فیما یرید أن یرتکب فنهاه عنه الهرمزان ، لکنّه لم یصغ إلی قیله فوقع القتل غداً ، إلی أمثال هذین من المحتملات ، فکیف یلزم الهرمزان والحدود تُدرَأ بالشبهات (1)؟

هبّ أنّ عبد الرحمن شهد بتلک المشارکة ، وادّعی أنّه شاهد الوقفة بعینه ، فهل یُقتل مسلم بشهادة رجل واحد فی دین الله؟ ولم تنعقد البیّنة الشرعیّة مصافقة لتلک الدعوی ، ولهذا لما أنهیت القضیّة من اختلاء الهرمزان بأبی لؤلؤة إلی آخرها إلی عمر نفسه قال : ما أدری هذا ، انظروا إذا أنا متّ فاسألوا عبید الله البیّنة علی الهرمزان ، هو قتلنی؟ فإن أقام البیّنة فدمه بدمی ، وإذا لم یقم البیّنة فأقیدوا عبید الله من الهرمزان.

وهبّ أنّ البیّنة قامت عند عبید الله علی المشارکة ، فهل له أن یستقلّ بالقصاص؟ أو أنّه یجب علیه أن یرفع أمره إلی أولیاء الدم؟ لاحتمال العفو فی بقیّة الورثة مضافاً إلی القول بأنّه من وظائف السلطان أو نائبه ، وعلی هذا الأخیر الفتوی المطّردة بین العلماء (2). ف)

ص: 203


1- سنن ابن ماجة : 2 / 112 [2 / 850 ح 2545] ، سنن البیهقی : 8 / 238 ، سنن الترمذی : 2 / 171 [4 / 25 ح 1424] ، أحکام القرآن للجصّاص : 3 / 330 [3 / 268] ، تیسیر الوصول : 2 / 20 [2 / 23]. (المؤلف)
2- کتاب الأم للشافعی : 6 / 11 ، المدوّنة الکبری : 4 / 502 [6 / 437] ، فیض الإله المالک للبقاعی : 2 / 286 [2 / 287]. (المؤلف)

علی أنّه لو کانت لعبید الله أو لمن عطّل القصاص منه معذرة کهذه لأبدیاها أمام الملأ المنتقد ، ولما قال مولانا أمیر المؤمنین : «اقتل هذا الفاسق» ، ولما تهدّده بالقتل متی ظفر به ، ولما طلبه لیقتله إبّان خلافته ، ولما هرب عنه عبید الله إلی معاویة ، ولما اقتصر عثمان بالعذر بأنّه ولیّ الدم ، وأنّ المسلمین کلّهم أولیاء المقتول ، ولما وهبه واستوهب المسلمین ، ولما کان یقع الحوار بین الصحابة الحضور فی نفس المسألة ، ولما قام إلیه سعد بن أبی وقّاص وانتزع السیف من یده وجرّه من شعره حتی أضجعه وحبسه فی داره.

وهب أنّه تمّت لعبید الله هذه المعذرة فبما ذا کان اعتذاره فی قتل بنت أبی لؤلؤة المسکینة الصغیرة ، وتهدیده الموالی کلّهم بالقتل (1)؟

2 - أنا لا أدری من أین جاء المحبّ بهذا التاریخ الغریب من نهضة تیم وعدی ومنعهم من قتل عبید الله ، وجنوح الأمویّین إلیهم بصورة عامّة ، حتی خافهم الخلیفة الجدید. وأیّ خلیفة هذا یستولی علیه الفرق من أوّل یومه؟ فإذا تبیّنت علیه هذه الضؤولة فی مفتتح خلافته ، فبأیّ هیبة یسوس المجتمع بعده؟ ویقتصّ القاتل ، ویقیم الحدود ، ولکلّ مقتصّ منه أو محدود قبیلة تغضب له ، ولها أحلاف یکونون عند مرضاتها.

لیس فی کتب التاریخ والحدیث أیّ أثر ممّا ادّعاه المحبّ المعتذر ، وإلاّ لکان سعد ابن أبی وقّاص أولی بالخشیة یوم قام إلی عبید الله وجرّ شعره ، وحبسه فی داره ، ولم یُر أیّ تیمیّ طرق باب سعد ، ولا عدویّ أنکر علیه ، ولا أمویّ أظهر مقته علی ذلک ، لکن المحبّ یرید أن یستفزّهم وهم رمم بالیة.

ثمّ لو کان عند من ذکرهم جنوح إلی تعطیل هذا الحکم الإلهی حتی أوجب ذلک حذار الخلیفة من بوادرهم ، فإنّه معصیة تنافی عدالة الصحابة ، وقد أطبق القوم ی.

ص: 204


1- ما تقدّم ردّ الجواب الأوّل للمحبّ الطبری.

علی عدالتهم. ولو کان الخلیفة یروعه إنکار المنکرین علی ما یرید أن یرتکب فلما ذا لم یرعه إنکار الصحابة علی الأحداث فی أُخریاته؟ حتی أودت به ، أکان هیّاباً ثمّ تشجّع؟ سل عنه المحبّ الطبری.

- 8 -

رأی الخلیفة فی الجنابة

أخرج مسلم فی الصحیح بالإسناد عن عطاء بن یسار : أنّ زید بن خالد الجهنی أخبره أنّه سأل عثمان بن عفّان قال : قلت : أرأیت إذا جامع الرجل امرأته ولم یُمنِ؟ قال عثمان : یتوضّأ کما یتوضّأ للصلاة ، ویغسل ذکره. قال عثمان : سمعته من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم (1).

وأخرجه البخاری فی صحیحه ، وزاد علیه ، ولفظه : سُئل عثمان بن عفّان عن الرجل یجامع فلا یُنزل ، فقال : لیس علیه غسل. ثمّ قال : سمعته من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم. قال : فسألت بعد ذلک علیّ بن أبی طالب والزبیر بن العوام وطلحة بن عبید الله وأبیّ ابن کعب فقالوا مثل ذلک عن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم. وأخرجه بطریق آخر وفیه : فأمروه بذلک ، بدل قوله : فقالوا مثل ذلک عن النبیّ (2).

وأخرجه أحمد فی مسنده (3) (1 / 63 ، 64) وفیه : فسألت عن ذلک علیّ بن أبی طالب رضی الله عنه ، والزبیر بن العوام ، وطلحة بن عبید الله ، وأبیّ بن کعب فأمروه بذلک. فلیس فی لفظه (عن رسول الله) وبالألفاظ الثلاثة ذکره البیهقی فی السنن الکبری (1 / 164 ، 165). 0.

ص: 205


1- صحیح مسلم : 1 / 142 [1 / 343 ح 86 کتاب الحیض]. (المؤلف)
2- صحیح البخاری : 1 / 109 [1 / 111 ح 288]. (المؤلف)
3- مسند أحمد : 1 / 101 ح 450 ، ص 103 ح 460.

قال الأمینی : هذا مبلغ فقه الخلیفة إبّان خلافته وبین یدیه قوله تعالی : (لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُکاری حَتَّی تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلاَّ عابِرِی سَبِیلٍ حَتَّی تَغْتَسِلُوا)(1).

قال الشافعی فی کتاب الأمُ (2) (1 / 31) : فأوجب الله عزّ وجلّ الغسل من الجنابة ، فکان معروفاً فی لسان العرب أنّ الجنابة الجماع وإن لم یکن مع الجماع ماء دافق ، وکذلک ذلک فی حدّ الزنا وإیجاب المهر وغیره ، وکلّ من خوطب بأنّ فلاناً أجنب من فلانة عقل أنّه أصابها وإن لم یکن مقترفاً ، قال الربیع : یرید أنّه لم ینزل.

ودلّت السنّة علی أنّ الجنابة أن یفضی الرجل من المرأة حتی یغیب فرجه فی فرجها إلی أن یواری حشفته ، أو أن یری الماء الدافق ، وإن لم یکن جماع. انتهی.

وقال فی اختلاف الحدیث فی هامش کتاب الأُم (3) (1 / 34) : فکان الذی یعرفه من خوطب بالجنابة من العرب أنّها الجماع دون الإنزال ، ولم تختلف العامّة أنّ الزنا الذی یجب به الحدّ الجماع دون الإنزال ، وأنّ من غابت حشفته فی فرج امرأة وجب علیه الحدّ ، وکان الذی یشبه أنّ الحدّ لا یجب إلاّ علی من أجنب من حرام. انتهی.

وفی تفسیر القرطبی (4) (5 / 204) : الجنابة : مخالطة الرجل المرأة. والجمهور من الأُمّة علی أنّ الجنب هو غیر الطاهر من إنزال أو مجاوزة ختان. انتهی.

ثمّ کیف عزب عن الخلیفة حکم المسألة ، وقد مرّنته الأسؤلة ، وعلّمته الجوابات النبویّة ، وبمسمع منه مذاکرات الصحابة لما وعوه عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وإلیک جملة منها : 3.

ص: 206


1- النساء : 43.
2- کتاب الأم : 1 / 36.
3- اختلاف الحدیث : ص 496.
4- الجامع لأحکام القرآن : 5 / 133.

1 - عن أبی هریرة مرفوعاً : «إذا قعد بین شعبها الأربع وألزق الختان بالختان فقد وجب الغسل».

وفی لفظ «إذا قعد بین شعبها الأربع ، ثمّ أجهد نفسه ، فقد وجب الغسل أنزل أو لم ینزل».

وفی لفظ ثالث : «إذا التقی الختان بالختان وجب الغسل أنزل أو لم ینزل».

وفی لفظ أحمد : «إذا جلس بین شعبها الأربع ، ثمّ جهد ، فقد وجب الغسل».

صحیح البخاری (1 / 108) صحیح مسلم (1 / 142) ، سنن الدارمی (1 / 194) ، سنن البیهقی (1 / 163) ، مسند أحمد (2 / 234 ، 347 ، 393) ، المحلّی لابن حزم (2 / 3) ، مصابیح السنّة (1 / 30) ، الاعتبار لابن حازم (ص 30) ، تفسیر القرطبی (5 / 200) ، تفسیر الخازن (1 / 375) (1).

2 - عن أبی موسی : أنّهم کانوا جلوساً فذکروا ما یوجب الغسل ، فقال من حضره من المهاجرین : إذا مسّ الختان الختان وجب الغسل. وقال من حضره من الأنصار : لا حتی یدفق. فقال أبو موسی : أنا آتی بالخبر ، فقام إلی عائشة فسلّم ثمّ قال : إنّی أُرید أن أسألک عن شیء وأنا أستحییک ، فقالت : لا تستحی أن تسألنی عن شیء کنت سائلاً عنه أُمّک التی ولدتک إنّما أنا أُمّک. قال : قلت : ما یوجب الغسل؟ قالت : علی الخبیر سقطت ، قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «إذا جلس بین شعبها الأربع ومسّ الختان الختان وجب الغسل».

صحیح مسلم (1 / 143) ، مسند أحمد (6 / 116) ، الموطّأ لمالک (1 / 51) ، کتاب 3.

ص: 207


1- صحیح البخاری : 1 / 110 ح 287 ، صحیح مسلم : 1 / 344 ح 87 کتاب الحیض ، مسند أحمد : 2 / 466 ح 7157 ، 3 / 23 ح 8369 ، ص 102 ح 8863 ، مصابیح السنّة : 1 / 212 ح 292 ، الاعتبار : ص 120 ، الجامع لأحکام القرآن : 5 / 134 ، تفسیر الخازن : 1 / 443.

الأُم للشافعی (1 / 31 ، 33) ، سنن البیهقی (1 / 164) ، المحلّی لابن حزم (2 / 2) ، المصابیح للبغوی (1 / 32) ، سنن النسائی ، وصححه ابن حبّان ، وابن القطان ، الاعتبار لابن حازم (ص 30) (1).

3 - عن أُم کلثوم عن عائشة : أنّ رجلاً سأل النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم عن الرجل یجامع أهله [ثم] (2) یکسل هل علیه من غسل؟ وعائشة جالسة ، فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «إنّی لأفعل ذلک أنا وهذه [ثم] (3) نغتسل».

صحیح مسلم (1 / 143) ، سنن البیهقی (1 / 164) ، المدوّنة الکبری (1 / 34) (4).

4 - عن الزهری : أنّ رجالاً من الأنصار فیهم أبو أیّوب وأبو سعید الخدری کانوا یفتون : الماء من الماء ، وأنّه لیس علی من أتی امرأته فلم ینزل غسل ، فلمّا ذکر ذلک لعمر ، وابن عمر ، وعائشة أنکروا ذلک ، وقالوا : إذا جاوز الختان الختان وجب الغسل.

صحیح الترمذی (5) (1 / 16) ، وصحّحه فقال : وهو قول أکثر أهل العلم من أصحاب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم. سنن البیهقی (1 / 165).

5 - عن عائشة قالت : «إذا التقی الختانان فقد وجب الغسل ، فعلته أنا ورسول الله فاغتسلنا».

وفی لفظ : «إذا قعد بین الشعب الأربع ، ثمّ ألزق الختان بالختان فقد وجب الغسل». 9.

ص: 208


1- صحیح مسلم : 1 / 344 ح 88 کتاب الحیض ، مسند أحمد : 7 / 163 ح 24296 ، موطّأ مالک : 1 / 45 ، کتاب الأُم : 1 / 37 ، 39 ، مصابیح السنّة : 1 / 216 ح 302 ، السنن الکبری : 1 / 108 ح 197 ، الإحسان فی تقریب صحیح ابن حبان : 3 / 452 ح 1176 ، الاعتبار : ص 120.
2- من المصدر.
3- من المصدر.
4- صحیح مسلم : 1 / 345 ح 89 کتاب الحیض ، المدوّنة الکبری : 1 / 30.
5- سنن الترمذی : 1 / 180 ح 109.

سنن ابن ماجة (1) ، مسند أحمد (2) (6 / 47 ، 112 ، 161).

6 - عن عمرو بن شعیب بن عبد الله بن عمرو بن العاصی عن أبیه مرفوعاً عن جدّه : «إذا التقی الختانان وتوارت الحشفة فقد وجب الغسل». وزاد فی المدوّنة : «أنزل أو لم ینزل».

سنن ابن ماجة (1 / 212) ، المدوّنة الکبری (1 / 34) ، مسند أحمد (2 / 178) ، وأخرجه ابن أبی شیبة کما فی نیل الأوطار (1 / 278) (3).

وکأنّ الخلیفة کان بمنتأی عن هذه الأحادیث فلم یسمعها ولم یعِها ، أو أنّه سمعها لکنّه ارتأی فیها رأیاً تجاه السنّة المحقّقة ، أو أنّه أدرک من أولیات الإسلام ظرفاً لم یشرّع فیه حکم الغسل ، وهو المراد ممّا زعم أنّه سمعه من رسول الله فحسب أنّه مستصحب إلی آخر الأبد حیث لم یتحرّ التعلّم ، ولم یُصِخ إلی المحاورات الفقهیّة حتی یقف علی تشریع الحکم إلی أن تقلّد الخلافة علی من یعلم الحکم وعلی من لا یعلمه ، فألهته عن الأخذ والتعلّم ، ثمّ إذ لم یجد منتدحاً عن الفتیا فی مقام السؤال فأجاب بما ارتآه أو بما علق فی خاطره منذ دهر طویل قبل تشریع الحکم.

أو أنّه کان سمع حکماً منسوخاً وعزب عنه ناسخه بزعم من یری أنّ قوله صلی الله علیه وآله وسلم «الماء من الماء» (4) وما یشابهه فی المعنی من قوله : «إذا أُعجِلت أو أُقحِطت (5) فلا ل.

ص: 209


1- سنن ابن ماجة : 1 / 199 ح 608.
2- مسند أحمد : 7 / 72 ح 23686 ، ص 163 ح 24296 ، ص 231 ح 24753.
3- سنن ابن ماجة : 1 / 200 ح 611 ، المدوّنة الکبری : 1 / 30 مسند أحمد : 2 / 373 ح 6632 ، مصنّف ابن أبی شیبة 1 / 112 ، نیل الأوطار : 1 / 261.
4- صحیح مسلم : 1 / 141 ، 142 [1 / 341 ح 80 کتاب الحیض] ، سنن ابن ماجة : 1 / 211 [1 / 200 ح 607] ، سنن البیهقی : 1 / 167. (المؤلف)
5- الإقحاط کنایة عن عدم الإنزال.

غسل علیک وعلیک ، الوضوء» (1) قد نسخ بتشریع الغسل إن کان الاجتزاء بالوضوء فحسب حکماً لموضوع المسألة ، وکان قوله صلی الله علیه وآله وسلم : «الماء من الماء» وارداً فی الجماع. وأمّا علی ما ذهب إلیه ابن عبّاس من أنّه لیس منسوخاً بل المراد به نفی وجوب الغسل بالرؤیة فی النوم إذا لم یوجد احتلام (2) کما هو صریح قوله صلی الله علیه وآله وسلم : «إن رأی احتلاماً ولم یر بللاً فلا غسل علیه» (3) فمورد سقوط الغسل أجنبی عن المسألة هذه فلا ناسخ ولا منسوخ.

قال القسطلانی فی إرشاد الساری (4) (1 / 331) ، والنووی فی شرح مسلم هامش الإرشاد (5) (2 / 426) : الجمهور من الصحابة ومن بعدهم قالوا : إنّه منسوخ ویعنون بالنسخ أنّ الغسل من الجماع بغیر إنزال کان ساقطاً ثمّ صار واجباً ، وذهب ابن عبّاس وغیره إلی أنّه لیس منسوخاً بل المراد نفی وجوب الغسل بالرؤیة فی النوم إذا لم ینزل ، وهذا الحکم باقٍ بلا شک. انتهی.

وأمّا ما مرّ فی روایات أوّل العنوان من موافقة مولانا أمیر المؤمنین علیّ علیه السلام وأبیّ ابن کعب وآخرین لعثمان فی الفتیا ، فمکذوب علیهم ستراً علی عوار جهل الخلیفة بالحکم فی مسألة سمحة سهلة کهذه ، أمّا الإمام علیه السلام فقد مرّ فی الجزء السادس (ص 244) (6) ف)

ص: 210


1- صحیح مسلم : 1 / 142 [1 / 342 ح 83 کتاب الحیض] ، سنن ابن ماجة : 1 / 211 [1 / 199 ح 606]. (المؤلف)
2- مصابیح البغوی : 1 / 31 [1 / 212 ح 293] ، تفسیر القرطبی : 5 / 205 [5 / 134] ، الاعتبار لابن حازم : ص 31 [ص 122] ، فتح الباری : 1 / 316 [1 / 398]. (المؤلف)
3- سنن الدارمی : 1 / 196 ، سنن البیهقی : 1 / 167 ، 168 ، مصابیح البغوی : 1 / 31 [1 / 215 ح 301]. (المؤلف)
4- إرشاد الساری : 1 / 613.
5- شرح صحیح مسلم : 4 / 36.
6- الطبعة الاولی وص 261 الطبعة الثانیة. (المؤلف)

ردّه علی الخلیفة الثانی فی نفس المسألة وقوله : «إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل». فأرسل عمر إلی عائشة فقالت مثل قول علیّ علیه السلام فأخبت إلیه الخلیفة فقال : لا یبلغنی أنّ أحداً فعله ولا یغسل إلاّ أنهکته عقوبة.

وقد علم یوم ذاک حکم المسألة کلّ جاهل به ورفع الخلاف فیها ، قال القرطبی فی تفسیره (1) (5 / 205) : علی هذا جماعة العلماء من الصحابة والتابعین وفقهاء الأمصار ، وأنّ الغسل یجب بنفس التقاء الختانین وقد کان فیه خلاف بین الصحابة ثمّ رجعوا فیه إلی روایة عائشة عن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم. أتری علیّا علیه السلام وافق عثمان وحکم خلاف ما أنزل الله تعالی بعد إفتائه به ، وسوق الناس إلیه ، وإقامة الحجّة علیه بشهادة من سمعه عن النبیّ الأعظم؟ (إِنْ یَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَما تَهْوَی الْأَنْفُسُ) (2).

وأمّا أبیّ بن کعب فقد جاء عنه من طرق صحیحة قوله : إنّ الفتیا التی کانت الماء من الماء رخصة أرخصها رسول الله فی أوّل الإسلام ثمّ أمر بالغسل.

وفی لفظ : إنّما کانت الفتیا فی الماء من الماء فی أوّل الإسلام ثمّ نهی عنها.

وفی لفظ : إنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إنّما جعل ذلک رخصة للناس فی أوّل الإسلام لقلّة الثیاب ، ثمّ أمر بالغسل. وفی لفظ : ثمّ أمر بالاغتسال بعد (3).

فلیس من الممکن أنّ أبیّا یروی هذه کلّها ، ثمّ یوافق عثمان علی سقوط الغسل بعد ما تبیّن حکم المسألة وشاع وذاع فی أیّام الخلیفة الثانی.

وأمّا غیرهما : ففی فتح الباری (4) (1 / 315) عن أحمد أنّه قال : ثبت عن هؤلاء7.

ص: 211


1- الجامع لأحکام القرآن : 5 / 134.
2- النجم : 23.
3- سنن الدارمی : 1 / 194 ، سنن ابن ماجة : 1 / 212 [1 / 200 ح 609] ، سنن البیهقی : 1 / 165 ، الاعتبار لابن حازم : ص 33 [ص 124]. (المؤلف)
4- فتح الباری : 1 / 397.

الخمسة الفتوی بخلاف ما فی هذا الحدیث.

فنسبة القول بعدم وجوب الغسل فی التقاء الختانین إلی الجمع المذکور بهت وقول زور ، وقد ثبت منهم خلافه ، تقوّل القوم علیهم لتخفیف الوطأة علی الخلیفة ، وافتعلوا للغایة نفسها أحادیث منها ما فی المدوّنة الکبری (1) (1 / 34) من طریق ابن المسیّب قال : إنّ عمر بن الخطّاب ، وعثمان بن عفّان ، وعائشة کانوا یقولون : إذا مسّ الختان الختان فقد وجب الغسل.

حسب المغفل أنّه باختلاق هذه الروایة یمحو ما خطّته ید التاریخ والحدیث فی صحائفهما من جهل الرجلین بالحکم ، ورأیهما الشاذّ عن الکتاب والسنّة.

وأعجب من هذا عدّ ابن حزم فی المحلّی (2 / 4) علیّا وابن عبّاس وأُبیّا وعثمان وعدّة أُخری وجمهور الأنصار ، ممّن رأی أن لا غسل من الإیلاج إن لم یکن أنزل ، ثمّ قال : وروی الغسل فی ذلک عن عائشة وأبی بکر وعمر وعثمان وعلیّ وابن مسعود وابن عبّاس إلخ. کلّ هذه آراء متضاربة ونسب مفتعلة لفّقها أمثال ابن حزم لتزحزح فتوی الخلیفتین عن الشذوذ.

وأخرج أحمد فی مسنده (2) (4 / 143) من طریق رشدین بن سعد ، عن موسی ابن أیوب الغافقی ، عن بعض ولد رافع بن خدیج ، عن رافع بن خدیج قال : نادانی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، وأنا علی بطن امرأتی ، فقمت ولم أنزل ، فاغتسلت وخرجت إلی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فاخبرته أنّک دعوتنی وأنا علی بطن امرأتی ، فقمت ولم أنزل ، فاغتسلت ، فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لا علیک ، الماء من الماء. قال رافع : ثم أمرنا رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بعد ذلک بالغسل. 7.

ص: 212


1- المدوّنة الکبری : 1 / 30.
2- مسند أحمد : 5 / 135 ح 16837.

هذه الروایة افتعلها واضعها لإبطال تأویل ابن عباس وإثبات النسخ ذاهلاً عن أنّ هذا لا یبرّر ساحة عثمان من لوث الجهل أیام خلافته بالحکم الناسخ.

وهل فی وسع ذی مرّة تعقل حکایة ابن خدیج قصّته لرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم؟ وأنّه کان علی بطن امرأته لما دعاه ، وأنّه قام ولم ینزل؟ هل العادة قاضیة لنقل مثل هذه لمثل رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم؟

ثمّ إن کان الرجل قام من فوره لدعوة نبیّه ، ولم یقض من حلیلته وطره ، فلما ذا أرجأ إجابة تلک الدعوة بالاغتسال ولم یکن واجباً؟ فممّن أخذه؟ ولما ذا اغتسل ولمّا أمروا به بعد؟

والنظرة فی إسناد الروایة تغنیک عن البحث عمّا فی متنها لمکان رشدین بن سعد أبی الحجّاج المصری ، ضعّفه أحمد (1) ، وقال ابن معین (2) : لا یکتب حدیثه ، لیس بشیء ، وقال أبو زرعة : ضعیف الحدیث. وقال أبو حاتم (3) : منکر الحدیث فیه غفلة ویحدّث بالمناکیر عن الثقات ، ضعیف الحدیث. وقال الجوزقانی : عنده معاضیل ومناکیر کثیرة وقال النسائی (4) : متروک الحدیث ضعیف لا یکتب حدیثه. وقال ابن عدی (5) : أحادیثه ما أقلّ من یتابعه علیها. وقال ابن سعد (6) : کان ضعیفاً. وقال ابن قانع ، والدارقطنی (7) ، وأبو داود : ضعیف الحدیث. وقال یعقوب بن سفیان : رشدین أضعف وأضعف. 0.

ص: 213


1- العلل ومعرفة الرجال : 2 / 479 رقم 3145.
2- معرفة الرجال : 1 / 51 رقم 15.
3- الجرح والتعدیل : 3 / 513 رقم 2320.
4- کتاب الضعفاء المتروکین : ص 107 رقم 212.
5- الکامل فی ضعفاء الرجال : 3 / 149 رقم 669.
6- الطبقات الکبری : 7 / 517.
7- الضعفاء والمتروکون : ص 209 رقم 220.

عن : موسی بن أیوب الغافقی وهو وإن حکیت ثقته عن ابن معین ، غیر أنّه نقل عنه أیضاً قوله فیه : منکر الحدیث ، وکذا قال الساجی ، وذکره العقیلی (1) فی الضعفاء (2).

عن : بعض ولد رافع ، مجهول لا یعرف ، فالروایة مرسلة بإسناد لا یعوّل علیه ، قال الشوکانی فی نیل الأوطار (3) (1 / 280) : حسّنه الحازمی ، وفی تحسینه نظر ، لأنّ فی إسناده رشدین ، ولیس من رجال الحسن ، وفیه أیضاً مجهول لأنّه قال عن بعض ولد رافع بن خدیج ، فالظاهر ضعف الحدیث لا حسنه. انتهی.

وأمّا تبریر عثمان بتوهّم کون السؤال عنه والجواب قبل تشریع الحکم ، أو قبل نسخه السابق فی أوّل الإسلام علی العهد النبویّ ، کما یعرب عنه کلام القسطلانی فی إرشاد الساری (4) (1 / 332) ، فمن المستبعد جدّا ، فإنّ المسؤول یومئذٍ عن الأحکام وعن کلّ مشکلة هو رسول الله لا غیره ، فما کان عثمان یُسأل عن حکم حتی إذا جهله رجع السائل إلی أفراد آخرین ، فتصل النوبة إلی طلحة والزبیر دون رسول الله ؛ وأین کان الشیخان یوم ذاک؟ وقد رووا عن ابن عمر أنّه لم یک یفتی علی عهد رسول الله أحد إلاّ أبو بکر وعمر کما مرّ فی (7 / 182) ، فلا یسع لأیّ أحد الدفاع عن الخلیفة بهذا التوهّم.

وإن تعجب فعجب قول البخاری (5) : الغسل أحوط ، وذاک الأخیر إنّما بیّناه لاختلافهم. قاله بعد إخراج روایة أبی هریرة الموجبة للغسل المذکورة (ص 144) ، 9.

ص: 214


1- الضعفاء الکبیر : 2 / 66 رقم 509.
2- تهذیب التهذیب : 3 / 277 و 10 / 336 [3 / 240 و 10 / 299]. (المؤلف)
3- نیل الأوطار : 1 / 262.
4- إرشاد الساری : 1 / 615.
5- صحیح البخاری : 1 / 111 ح 289.

وفتوی عثمان المذکورة وحدیث أبیّ الموافق معه ، فجنح إلی رأی عثمان ، وضرب عمّا جاء به نبیّ الإسلام ، وأجمعت علیه الصحابة والتابعون والعلماء ، کما سمعت عن القرطبی ، وقال النووی فی شرح مسلم (1) هامش إرشاد الساری (2 / 425) : إنّ الأُمّة مجتمعة الآن علی وجوب الغسل بالجماع ، وإن لم یکن معه إنزال ، وعلی وجوبه بالإنزال. انتهی.

وهذا الإجماع من عهد الصحابة وهلمّ جرّا ، وقال القاضی عیاض : لا نعلم أحداً قال به بعد خلاف الصحابة إلاّ ما حُکی عن الأعمش ، ثمّ بعده داود الأصبهانی.

وقال القسطلانی فی الإرشاد (2) (/ 3331) : قال البدر الدمامینی کالسفاقسی : فیه جنوح لمذهب داود ، وتعقّب هذا القول البرماوی بأنّه إنّما یکون میلاً لمذهب داود ، والجمهور علی إیجاب الغسل بالتقاء الختانین وهو الصواب.

وقال ابن حجر فی فتح الباری (3) (1 / 316) : قال ابن العربی : إیجاب الغسل أطبق علیه الصحابة ومن بعدهم ، وما خالف فیه إلاّ داود ، ولا عبرة بخلافه ، وإنّما الأمر الصعب مخالفة البخاری وحکمه بأنّ الغسل مستحبّ ، وهو أحد أئمّة الدین وأجلّة علماء المسلمین. انتهی.

فلا تعجب عن بخاریّ یقدّم فی الفتوی رأی مثل عثمان علی ما جاء به رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بعد إجماع الأُمّة علیه تقدیمه نظراء عمران بن حطّان الخارجی علی الإمام الصادق جعفر بن محمد فی الروایة :

(وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَکَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّکَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِینَ) (4). 5.

ص: 215


1- شرح صحیح مسلم : 4 / 36.
2- إرشاد الساری : 1 / 617.
3- فتح الباری : 1 / 398.
4- البقرة : 145.

- 9 -

کتمان الخلیفة حدیث النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم

أخرج أحمد فی مسنده (1) (1 / 65) عن أبی صالح قال : سمعت عثمان رضی الله عنه یقول علی المنبر : أیّها الناس إنّی کتمتکم حدیثاً سمعته من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم کراهیة تفرّقکم عنّی ، ثمّ بدا لی أن أحدّثکموه لیختار امرؤ لنفسه ما بدا له ، سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول : «رباط یوم فی سبیل الله تعالی خیر من ألف یوم فیما سواه من المنازل».

وأخرج فی المسند (2) (1 / 61 ، 65) عن مصعب قال : قال عثمان بن عفّان رضی الله عنه وهو یخطب علی منبره : إنّی محدّثکم حدیثاً سمعته من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ما کان یمنعنی أن أحدّثکم إلاّ الضنّ بکم ، وإنّی سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول : «حرس لیلة فی سبیل الله تعالی أفضل من ألف لیلة یقام لیلها ویصام نهارها».

وأخرج فی المسند (3) (1 / 57) عن حمران قال : توضّأ عثمان رضی الله عنه علی البلاط ثمّ قال : لأحدّثنکم حدیثاً سمعته من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لو لا آیة فی کتاب الله ما حدّثتکموه ، سمعت النبی صلی الله علیه وآله وسلم یقول : «من توضّأ فأحسن الوضوء ثمّ دخل فصلّی غُفر له ما بینه وبین الصلاة الأخری حتی یصلّیها».

وذکرها غیر واحد من الحفّاظ أخذاً من مسند أحمد.

قال الأمینی : لیت مخبراً یخبرنی عن مبرّر هذا الشحّ عن تعلیم أُمّة محمد صلی الله علیه وآله وسلم بتلکم الأحادیث ، والناس فی حاجة أکیدة إلی الحدیثین فی فضل الجهاد والمرابطة اللذین بهما قام عمود الدین ، ومُطط أدیمه ، ودخلت هیبته القلوب ، وکانوا یومئذٍ 2.

ص: 216


1- مسند أحمد : 1 / 105 ح 472.
2- مسند أحمد : 1 / 98 ح 435 ، ص 104 ح 465.
3- مسند أحمد : 1 / 92 ح 402.

یتسابقون علی الجهاد لکثرة ما انتهی إلیهم من فضله ، ولتعاقب الفتوح التی مرّنتهم علی الغزو وشوّقتهم إلی توسیع دائرة المملکة ، وحیازة الغنائم ، فلو کان الخلیفة یروی لهم شیئاً ممّا لم یزل له نقر فی آذانهم ، ونکت فی قلوبهم لازدادوا إلیه شوقاً ، وازدلفوا إلیه رغبة ، وکان یعلّم العالم منهم من لم یعلم ، لا أنّهم کانوا یتفرّقون عنه کما حسبه الخلیفة ، ولو کان یرید تفرّقهم عنه إلی الجهاد فهو حاجة الخلیفة إلی مجتمعه وحاجة المجتمع إلی الخلیفة الذی یکتنفون به ، فهی مقصورة من الجانبین علی التسرّب إلی الجهاد والدفاع والدعوة إلی الله تعالی ، وإلی دینه الحقّ وصراطه المستقیم ، لا أن یجتمعوا حوله فیؤنسونه بالمعاشرة والمکاشرة ؛ إذن فلا وجه للضنّة بهم عن نقل تلکم الروایات.

وأمّا ثالث الأحادیث فهو من حاجة الناس إلی أمیرهم فی ساعة السلم ، وأیّ نجعة فی الأمیر هی خیر من بعث الأمّة علی إحسان الوضوء ، والصلاة بعده التی هی خیر موضوع وهی عماد الدین ، ووسیلة إلی المغفرة ، ونجح الطلبات ، وأحد أصول الإسلام ، فلما ذا یشحّ به الخلیفة فیحرم أُمّته عن تلکم المثوبات والأجور؟

وأمّا الآیة التی بعثته علی التنویه بالحدیث ، فلیته کان یدلّنا علیها ویعرب عنها ، وقد کانت موجودة منذ نزولها ، وفی إبّان شحّ الخلیفة علی روایة الحدیث ، فما الذی جعجع به إلی هذا التاریخ ، وأرجأ روایته إلی الغایة المذکورة؟ ولعلّه أراد ما نصّ علیه أبو هریرة ، فیما أخرجه الجصّاص فی آیات الاحکام (1) (1 / 116) عن أبی هریرة أنّه قال : لو لا آیة فی کتاب الله عزّ وجلّ ما حدّثتکم ، ثمّ تلا : (إِنَّ الَّذِینَ یَکْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَیِّناتِ وَالْهُدی) (2). قال الجصّاص : فأخبر أنّ الحدیث عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم من البیّنات والهدی الذی أنزله الله تعالی. 9.

ص: 217


1- أحکام القرآن : 1 / 100.
2- البقرة : 159.

وهب أنّ الآیة لم تنزل ، فهل الحکم الذی هتف به رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یسدل علیه ستار الإخفاء إلی أن یرتئی الخلیفة أن یبوح به؟ أنا لا أدری السرّ فی هذه کلّها ، ولعلّ عند الخلیفة ما لا أعلمه.

وهل کان مبلغ جهل الصحابة الأوّلین بالسنّة هذا الحدّ بحیث کان یخفی علیهم مثل الحدیثین ، وکان علمهما یخصّ بالخلیفة فحسب والخلیفة مع هذا کان یعلم جهل جمیعهم بذلک وأنّه لو کتمه لما بان؟

علی أنّ کاتم العلم وتعالیم النبوّة بین اثنین : رحمة تزوی عنه ، وذموم تتوجّه إلیه. وإلیک فی المقامین أحادیث جمّة ، فمن الفریق الثانی ما ورد :

1 - عن ابن عمر مرفوعاً : «علم لا یُقال به ، ککنز لا یُنفق منه» (1). أخرجه ابن عساکر.

2 - عن ابن مسعود مرفوعاً : «علم لا ینفع ، ککنز لا یُنفق منه» (2). أخرجه القضاعی.

3 - عن أبی هریرة مرفوعاً : «مثل الذی یتعلّم العلم ، ثمّ لا یحدّث به ، کمثل الذی یکنز الکنز فلا ینفق منه» (3). أخرجه الطبرانی فی الأوسط (4) والمنذری.

4 - عن أبی سعید مرفوعاً : «کاتم العلم یلعنه کلّ شیء حتی الحوت فی البحر 1.

ص: 218


1- کنز العمال : 10 / 189 ح 28993.
2- کنز العمال : 10 / 190 ح 28994.
3- المعجم الأوسط : 1 / 394 ح 693 ، الترغیب والترهیب : 1 / 122 ، کنز العمال : 10 / 190 ح 28995.
4- فی الطبعات السابقة : الطیالسی ، وهو سهو منه قدس سره. إذ ترجم ما رمز إلیه المتقی فی کنز العمال ب (طس) بالطیالسی ، والحال أنه رمز للطبرانی فی الأوسط. وتکرر هذا السهو منه فی تخریج حدیث : اللهم ارحم خلفائی ... انظر ص 221.

والطیر فی السماء» (1) أخرجه ابن الجوزی فی العلل.

5 - عن ابن مسعود مرفوعاً : «أیّما رجل آتاه الله علماً فکتمه ألجمه الله یوم القیامة بلجام من نار» (2). أخرجه الطبرانی.

6 - عن أبی هریرة مرفوعاً : «ما آتی الله تعالی عالماً علماً إلاّ أخذ علیه المیثاق أن لا یکتمه» (3) أخرجه ابن النظیف وابن الجوزی.

7 - عن ابن مسعود مرفوعاً : «من کتم علماً عن أهله ألجم (4) یوم القیامة لجاماً من نار» (5). أخرجه ابن عدی.

8 - عن أبی هریرة مرفوعاً : «ما من رجل یحفظ علماً فیکتمه إلاّ أتی (6) یوم القیامة ملجماً بلجام من نار» (7). أخرجه ابن ماجة.

9 - عن أبی سعید مرفوعاً : «من کتم علماً ممّا ینفع الله به الناس فی أمر الدین ألجمه یوم القیامة بلجام من نار» (8) أخرجه ابن ماجة والمنذری.

10 - عن أبی هریرة مرفوعاً : «مثل الذی یتعلّم العلم ثمّ لا یحدّث به کمثل رجل رزقه الله مالاً فکنزه فلم ینفق منه» (9). أخرجه أبو خیثمة فی العلم وأبو نصر فی الإبانة.8.

ص: 219


1- العلل : 1 / 99 ح 125 ، کنز العمال : 10 / 190 ح 28997.
2- المعجم الکبیر 10 / 128 ح 10197 ، کنز العمال : 10 / 190 ح 28998.
3- العلل : 1 / 104 ح 141 ، کنز العمال : 10 / 190 ح 29000.
4- فی الکامل : لُجم.
5- الکامل فی ضعفاء الرجال : 3 / 206 رقم 702 ، کنز العمال : 10 / 191 ح 29002.
6- فی سنن ابن ماجة : أُتی به.
7- سنن ابن ماجة : 1 / 96 ح 261 ، کنز العمال : 10 / 196 ح 29031.
8- سنن ابن ماجة : 1 / 97 ح 265 ، الترغیب والترهیب : 1 / 121.
9- کنز العمال : 10 / 215 ح 29138.

11 - عن ابن عمر مرفوعاً : «من بخل بعلم أوتیه أُتی به یوم القیامة مغلولاً ملجوماً بلجام من نار» (1) أخرجه ابن الجوزی فی العلل.

12 - وفی لفظ ابن النجار عن ابن عمرو : «من علم علماً ثمّ کتمه ألجمه الله تعالی یوم القیامة بلجام من نار» (2).

وفی لفظ الخطیب (3) : «من کتم علماً ألجمه الله یوم القیامة بلجام من نار» (4). أخرجه ابن حبّان والحاکم والمنذری.

13 - عن ابن مسعود مرفوعاً : «من کتم علماً ینتفع به ألجمه الله یوم القیامة بلجام من نار» (5). أخرجه الطبرانی فی الکبیر وابن عدی فی الکامل والسجزی والخطیب.

14 - عن ابن عبّاس مرفوعاً : «من کتم علماً یعلمه ألجم یوم القیامة بلجام من نار» (6). أخرجه الطبرانی فی الکبیر.

15 - عن قتادة : «[هذا] (7) میثاق أخذه الله علی أهل العلم فمن علم علماً فلیعلّمه الناس ، وإیّاکم وکتمان العلم ، فإنّ کتمان العلم هلکة» أخرجه عبد بن حمید ، وابن جریر ، وابن المنذر ، وابن أبی حاتم کما فی تفسیر الشوکانی (8) (1 / 375). 9.

ص: 220


1- کنز العمال : 10 / 215 ح 29138.
2- کنز العمال : 10 / 217 ح 29146.
3- تاریخ بغداد : 5 / 39 رقم 2391.
4- الإحسان فی تقریب صحیح ابن حبان : 1 / 298 ح 96 ، المستدرک علی الصحیحین : 1 / 182 ح 346 ، الترغیب والترهیب : 1 / 121 ، کنز العمال : 10 / 217 ح 29147.
5- الکامل فی ضعفاء الرجال : 3 / 455 رقم 871 ، کنز العمال : 10 / 217 ح 29148 ، تاریخ بغداد : 6 / 77 رقم 3113.
6- المعجم الکبیر : 11 / 5 ح 10845 ، کنز العمال : 10 / 217 ح 29149.
7- الزیادة من المصدر.
8- فتح القدیر : 1 / 409.

16 - عن الحسن قال : «لو لا المیثاق الذی أخذه الله علی أهل العلم ما حدّثتکم بکثیر ممّا تسألون عنه». أخرجه ابن سعد (1).

وحسبک من الفریق الأوّل قوله صلی الله علیه وآله وسلم :

1 - «رحم الله امرأً سمع منّی حدیثاً فحفظ (2) حتی یبلّغه غیره» (3). أخرجه ابن حبّان.

2 - «رحم الله امرأً سمع منّا حدیثاً فوعاه ثمّ بلّغه من هو أوعی منه» (4) أخرجه ابن عساکر.

3 - «اللهمّ ارحم خلفائی الذین یأتون من بعدی ، یروون أحادیثی وسنّتی ویعلّمونها الناس» (5). أخرجه الطبرانی فی الاوسط (6) والرامهرمزی والخطیب وابن النجار.

4 - «رحمة الله علی خلفائی» ، قیل : من خلفاؤک یا رسول الله؟ قال : «الذین یحیون سنّتی ویعلّمونها الناس» (7). أخرجه أبو نصر فی الإبانة وابن عساکر والمنذری فی الترغیب.

5 - «نضّر الله امرأً سمع منّا حدیثاً فبلّغه غیره» (8). أخرجه المنذری. 5.

ص: 221


1- الطبقات الکبری : 7 / 158.
2- فی المصدر : فحفظه.
3- الإحسان فی تقریب صحیح ابن حبان : 1 / 270 ح 67 ، کنز العمال : 10 / 228 وح 29204.
4- کنز العمال : 10 / 229 ح 29206.
5- المعجم الاوسط : 6 / 395 ح 5842 ، کنز العمال : 10 / 229 ح 29208.
6- فی الطبعات السابقة : الطیالسی ، وقد أشرنا إلی ذلک فی ص 218.
7- الترغیب والترهیب : 1 / 110 ، کنز العمال : 10 / 229 ح 29209.
8- الترغیب والترهیب : 1 / 108 ، کنز العمال : 10 / 221 ح 29165.

راجع (1) مسند أحمد مسانید الصحابة المذکورین ، مسند الطیالسی ، الترغیب والترهیب للمنذری ، کتاب العلم لأبی عمر ، إحیاء العلوم للغزالی ، مجمع الزوائد للحافظ الهیثمی ، کنز العمّال کتاب العلم.

نعم ؛ لعلّ الخلیفة اتّبع فی کتمانه سنّة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم رأی الشیخین قبله فی نهیهما عن إکثار الحدیث عن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم کما فصّلنا القول فیه فی (6 / 294) ، ولست أدری أنّ قلّة روایة الخلیفة وقد بلغت عدّتها کما ذکرها السیوطی فی تاریخ الخلفاء (2) (ص 100) ، وابن العماد الحنبلی فی الشذرات (3) (1 / 136) مائة وستة وأربعین حدیثاً أهی لقلّة مُنّته فی السنّة ، وصفر یده من العلم بها؟ أو لشحّه علی بثّها وضنّه بالأُمّة؟ والله یعلم ما تکنّ صدورهم وما یعلنون.

- 10 -

رأی الخلیفة فی زکاة الخیل

أخرج البلاذری فی الأنساب (4) (5 / 26) بالإسناد من طریق الزهری : أنّ عثمان کان یأخذ من الخیل الزکاة ، فأنکر ذلک من فعله وقالوا : قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «عفوت لکم عن صدقة الخیل والرقیق».

وقال ابن حزم فی المحلّی (5 / 227) : قال ابن شهاب : کان عثمان بن عفّان یصدق الخیل. 6.

ص: 222


1- مسند أحمد : 2 / 8 ح 4146 3 / 291 ح 10109 ، 6 / 233 ح 21080 ، مسند أبی داود الطیالسی : 330 ح 2534 ، جامع بیان العلم : ص 47 ح 160 ، ص 146 ح 715 ، ص 147 ح 717 - 719 ، إحیاء علوم الدین : 1 / 16 - 17 ، مجمع الزوائد : 1 / 137 ، 163 ، 184 ح 28785.
2- تاریخ الخلفاء : ص 139.
3- شذرات الذهب : 1 / 263 حوادث سنة 57 ه. وفیه : مائة وأربعة وستون حدیثاً ، والرقم مائة وستة وأربعون ذکره النووی فی تهذیب الأسماء واللغات 1 / 322 ، ترجمة عثمان بن عفّان.
4- أنساب الأشراف : 5 / 26.

وأخرجه عبد الرزّاق (1) عن الزهری کما فی تعالیق الآثار للقاضی أبی یوسف (ص 87).

قال الأمینی : لیت هذه الفتوی المجرّدة من الخلیفة کانت مدعومة بشیء من کتاب أو سنّة ، لکن من المأسوف علیه أنّ الکتاب الکریم خال عن ذکر زکاة الخیل ، والسنّة الشریفة علی طرف النقیض ممّا أفتی به ، وقد ورد فیما کتبه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی الفرائض قوله : «لیس فی عبد مسلم ولا فی فرسه شیء».

وجاء عنه صلی الله علیه وآله وسلم قوله : «عفوت لکم عن صدقة الخیل والرقیق».

وفی لفظ ابن ماجة : «قد تجوّزت لکم عن صدقة الخیل والرقیق».

وقوله : «لیس علی المسلم صدقة فی عبده ولا فی فرسه».

وفی لفظ البخاری : «لیس علی المسلم فی فرسه وغلامه صدقة».

وفی لفظ له : «لیس علی المسلم صدقة فی عبده وفرسه» (2).

وفی لفظ مسلم : «لیس علی المسلم فی عبده ولا فی (3) فرسه صدقة».

وفی لفظ له : «لیس علی المرء المسلم فی فرسه ولا مملوکه صدقة».

وفی لفظ أبی داود : «لیس فی الخیل والرقیق زکاة إلاّ زکاة الفطر فی الرقیق».

وفی لفظ الترمذی : «لیس علی المسلم فی فرسه ولا فی عبده صدقة».

وفی لفظ النسائی کلفظ مسلم الأوّل.

وفی لفظ له : «لا زکاة علی الرجل المسلم فی عبده ولا فرسه».

وفی لفظ له : «لیس علی المرء فی فرسه ولا فی مملوکه صدقة». ).

ص: 223


1- المصنّف : 4 / 35 ح 6888.
2- فی البخاری : ولا فرسه.
3- فی مسلم : ولا فرسه بدون (فی).

وفی لفظ : «لیس علی المسلم صدقة فی غلامه ولا فی فرسه».

ولفظ ابن ماجة کلفظ مسلم الأوّل.

وفی لفظ أحمد : «لیس فی عبد الرجل ولا فی فرسه صدقة».

وفی لفظ البیهقی : «لا صدقة علی المسلم فی عبده ولا فی فرسه».

وفی لفظ عبد الله بن وهب فی مسنده : «لا صدقة علی الرجل فی خیله ولا فی رقیقه».

وفی لفظ ابن أبی شیبة : «ولا فی ولیدته».

وفی روایة للطبرانی فی الکبیر والبیهقی فی السنن (4 / 118) من طریق عبد الرحمن بن سمرة : «لا صدقة فی الکسعة والجبهة والنّخة» (1).

ومن طریق أبی هریرة : «عفوت لکم عن صدقة الجبهة والکسعة والنخّة».

راجع (2) صحیح البخاری (3 / 30 ، 31) ، صحیح مسلم (1 / 361) ، صحیح الترمذی (1 / 80) ، سنن أبی داود (1 / 253) ، سنن ابن ماجة (1 / 555 ، 556) ، سنن 6.

ص: 224


1- الجبهة : الخیل. الکسعة : البغال والحمیر. النخة. المربّیات فی البیوت. (المؤلف) [قال ابن منظور فی لسان العرب : النَّخَّة والنُّخَّة : اسم جامع للحُمُر ، والنَّخّة : الرقیق من الرجال والنساء یعنی بالرقیق الممالیک. والنّخة : أن یأخذ المصدّق دیناراً لنفسه بعد فراغه من الصدقة. وقیل : النَّخَّة الدینار الذی یأخذه ، وبکل ذلک فُسّر قوله 6 : لیس فی النّخّة صدقة ، وکان الکسائی یقول : إنما هو النّخة بالضم. وهو البقر العوامل ...].
2- صحیح البخاری : 2 / 532 ح 1394 ، 1395 ، صحیح مسلم : 2 / 371 ح 8 - 9 کتاب الزکاة ، سنن الترمذی : 3 / 23 ح 628 ، سنن أبی داود : 2 / 108 ح 1594 - 1595 ، سنن ابن ماجة : 1 / 579 ح 1813 ، السنن الکبری : 2 / 17 - 19 ح 2246 - 2257 ، مسند أحمد : 1 / 149 ح 713 ، ص 195 ح 987 ، ص 212 ح 1100 ، ص 234 ح 1237 ، ص 235 ح 1247 ، ص 239 ح 1270 و 2 / 479 ح 7253 ، ص 493 ح 7249 ، ص 545 ح 7699 و 3 / 126 ح 9028 ، ص 169 ح 9295 ، کتاب الأم : 2 / 26 ، موطّأ مالک : 1 / 277 ح 37 ، أحکام القرآن : 3 / 154 ، عمدة القاری : 9 / 36.

النسائی (5 / 35 ، 36 ، 37) ، سنن البیهقی (4 / 117) ، مسند أحمد (1 / 62 ، 121 ، 132 ، 145 ، 146 ، 148 و 2 / 243 ، 249 ، 279 ، 407 ، 432) ، کتاب الأُم للشافعی (2 / 22) ، موطّأ مالک (1 / 206) ، أحکام القرآن للجصّاص (3 / 189) ، المحلّی لابن حزم (5 / 229) ، عمدة القاری للعینی (4 / 383).

ولو کان فی الخیل شیء من الزکاة لوجب أن یذکر فی کتاب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم الذی فصّل فیه الفرائض تفصیلا (1) ، وقد أعطاه کبرنامج یعمل به فی الفرائض وعلیه کان عمل الصحابة ، ومنه أخذ أبو بکر ما کتبه دستوراً یعوّل علیه فی الصدقات (2) ، وکان مولانا أمیر المؤمنین علیه السلام یهتف بتلک السنّة الثابتة ، وعلیها کان عمله علیه السلام ، وعلیها أصفقت الصحابةو جرت الفتیا من التابعین ، وبها قال عمر بن عبد العزیز ، وسعید بن المسیب ، وعطاء ، ومکحول ، والشعبی ، والحسن ، والحکم بن عتیبة ، وابن سیرین ، والثوری ، والزهری ، ومالک ، والشافعی ، وأحمد ، وإسحاق ، وأهل الظاهر ، وأبو یوسف ، ومحمد بن الحنفیّة (3).

وقال ابن حزم : وذهب جمهور الناس إلی أن لا زکاة فی الخیل أصلاً. وقال مالک والشافعی ، وأحمد ، وأبو یوسف ، ومحمد ، وجمهور العلماء : لا زکاة فی الخیل بحال.

نعم ؛ للحنفیّة هاهنا تفصیل مجرّد عن أیّ برهنة ضربت عنه الأُمّة صفحاً قالوا : لا زکاة فی الخیل الذکور ، ولو کثرت وبلغت ألف فرس ، وإن کانت إناثاً ، أو إناثاً وذکوراً سائمة غیر معلوفة فحینئذ تجب فیها الزکاة. وصاحب الخیل مخیّر إن شاء أعطی عن کلّ فرس منها دیناراً أو عشرة دراهم ، وإن شاء قوّمها فأعطی من کلّ مائتی درهم خمسة دراهم.ف)

ص: 225


1- راجع سنن البیهقی : 4 / 85 - 90 ، مستدرک الحاکم : 1 / 390 - 398 [1 / 548 - 554 ح 1441 - 1447]. (المؤلف)
2- راجع مصابیح السنّة للبغوی : 1 / 119 [2 / 14 ح 1263]. (المؤلف)
3- راجع المحلّی لابن حزم : 5 / 229 [المسألة 641] ، عمدة القاری : 4 / 383 [9 / 36].(المؤلف)

کذا حکاه ابن حزم فی المحلّی (5 / 228) ، وأبو زرعة فی طرح التثریب (4 / 14) ، وملک العلماء فی بدائع الصنائع (2 / 34) ، والنووی فی شرح مسلم (1).

وهذا التفصیل ما کان قطّ یعرفه الصحابة والتابعون لأنّهم لم یجدوا له أثراً فی کتاب أو سنّة ، وکان من الحقیق إن کان للحکم مدرک یعوّل علیه أن یعرفوه ، وأن یثبته رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی کتابه ، وکذلک أبو بکر من بعده ، وهذا کاف فی سقوطه ، ولذلک خالف أبا حنیفة فیه أبو یوسف ومحمد ، وقالا بعدم الزکاة فی الخیل کما ذکره الجصاص فی أحکام القرآن (2) (3 / 188) ، وملک العلماء فی البدائع (2 / 34) ، والعینی فی العمدة (3) (4 / 383).

وغایة جهد أصحاب أبی حنیفة فی تدعیم قوله بالحجّة أحادیث لم یوجد فی شیء منها ما جاء به من الرأی المجرّد ، ألا وهی :

1 - أخرج البخاری (4) ومسلم (5) فی الصحیحین من طریق أبی هریرة مرفوعاً : ما من صاحب ذهب ولا فضّة لا یؤدّی منها حقّها. فذکر الوعید الذی فی منع حقّها وحقّ الإبل والبقر والغنم ، وذکر فی الإبل : ومن حقّها یوم وردها ، ثمّ قال : قیل : یا رسول الله. فالخیل؟ قال : الخیل لثلاثة : هی لرجل وزر ، وهی لرجل أجر ، وهی لرجل ستر. فأمّا الذی هی له وزر : فرجل ربطها ریاء وفخراً ونواء علی أهل الاسلام فهی له وزر ، وأمّا الذی هی له ستر : فرجل ربطها فی سبیل الله. ثمّ لم ینس حقّ الله فی ظهورها ، ولا رقابها فهی له ستر. وأمّا الذی هی له أجر : فرجل ربطها فی سبیل الله لأهل الاسلام. الحدیث. وفی لفظ مسلم بدل قوله : ثمّ لم ینس حقّ الله ... ة.

ص: 226


1- شرح صحیح مسلم : 7 / 55.
2- أحکام القرآن : 3 / 153.
3- عمدة القاری : 9 / 36.
4- صحیح البخاری : 3 / 1332 ح 3446.
5- صحیح مسلم : 2 / 376 ح 24 کتاب الزکاة.

إلخ : ولم ینس حقّ الله فی ظهورها وبطونها ، فی عسرها ویسرها.

استدلّ به ابن الترکمانی الماردینی فی الجوهر النقیّ - ذیل سنن البیهقی - (4 / 120) وقال : یدلّ علیه ظاهر قوله : ثمّ لم ینس حقّ الله. إلخ. مع قرینة قوله فی أوّل الحدیث : ما من صاحب کنز لا یؤدّی زکاته ، وما من صاحب إبل لا یؤدّی زکاتها ، وما من صاحب غنم لا یؤدّی زکاته. ونحن لا نعرف وجه الدلالة فی ظاهر قوله : ثمّ لم ینس. مع ضمّ القرینة إلیه علی ما أفتی به أبو حنیفة ، وغیرنا أیضاً لا یری فیه دلالة علی الزکاة فی الخیل ، کما قاله البیهقی فی السنن (4 / 119).

2 - أخرج البیهقی فی سننه الکبری (4 / 119) عن أبی الحسن علیّ بن أحمد بن عبدان عن أبیه ، عن أبی عبد الله محمد بن موسی الإصطخری ، عن إسماعیل بن یحیی ابن بحر الأزدی ، عن اللیث بن حماد الإصطخری ، عن أبی یوسف القاضی ، عن غورک بن الحصرم أبی عبد الله ، عن جعفر بن محمد ، عن أبیه ، عن جابر قال : قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : فی الخیل السائمة فی کلّ فرس دینار.

قال البیهقی : تفرّد به غورک ، وأخبرنا أبو بکر بن الحارث قال : قال علی بن عمر الحافظ - یعنی الدارقطنی : تفرّد به غورک عن جعفر ، وهو ضعیف جدّا ومن دونه ضعفاء.

قال الأمینی : فی رجال الإسناد :

1 - أحمد بن عبدان : مجهول. قاله مسلمة بن قاسم.

2 - محمد بن موسی الإصطخری : شیخ مجهول ، روی عن شعیب خبراً موضوعاً قاله ابن حجر.

3 - إسماعیل بن یحیی الأزدی : ضعّفه الدارقطنی ، وحکاه عنه ابن حجر.

4 - لیث بن حمّاد الإصطخری : ضعّفه الدارقطنی ، ونقله عنه الذهبی وابن حجر.

ص: 227

5 - أبو یوسف القاضی : قال البخاری : ترکوه ، وعن المبارک : أنّه وهّاه. وعن یزید بن هارون : لا تحلّ الروایة عنه. وقال الفلاس : صدوق کثیر الخطأ. إلی آخر ما مرّ من ترجمته فی هذا الجزء (ص 30 ، 31).

6 - غورک السعدی : قال الدارقطنی : ضعیف جدّا ، وذکره الذهبی فی المیزان (1).

ومما یوهن هذه الروایة عدم إخراج ابن أبی یوسف القاضی فیما جمعه من الأحادیث عن والده وأسماه بالآثار. وذکرها الذهبی فی المیزان (2) (2 / 323) فقال : ضعّف الدارقطنی اللیث وغیره فی إسناده.

علی أنّ الروایة خالیة عن التفصیل الذی جاء به أبو حنیفة من نفی الزکاة فی ذکور الخیل ولو کثرت ، ووجوبها إن کانت إناثا ، أو إناثا وذکوراً. إلی آخر ما تقوّل به.

3 - أخرج ابن أبی شیبة فی مسنده من طریق عمر مرفوعاً فی حدیث طویل قال : فلا أعرفنّ أحدکم یأتی یوم القیامة یحمل شاة لها ثغاء ینادی : یا محمد. یا محمد ، فأقول : لا أملک لک من الله شیئاً قد بلّغت. ولا أعرفنّ أحدکم یأتی یوم القیامة یحمل فرساً له حمحمة ینادی : یا محمد. یا محمد ، فأقول : لا أملک لک من الله شیئاً. الحدیث.

استدلّ به علی وجوب الزکاة فی الخیل ابن الترکمانی الماردینی فی الجوهر النقیّ ذیل سنن البیهقی (4 / 120). وقال : فدلّ علی وجوب الزکاة فی هذه الأنواع. انتهی. 4.

ص: 228


1- راجع میزان الاعتدال : 2 / 323 ، 360 [3 / 337 ، 420 رقم 6672 ، 6994] ، لسان المیزان : 1 / 192 ، 441 و 4 / 421 ، 493 و 5 / 401 و 6 / 300 [1 / 205 رقم 607 ، ص 492 رقم 1377 و 4 / 490 رقم 6503 ، ص 585 رقم 6779 و 5 / 454 رقم 8094 و 6 / 368 رقم 9319]. (المؤلف)
2- میزان الاعتدال : 3 / 420 رقم 6994.

أمعن النظر فی الحدیث لعلّک تعرف وجه الدلالة علی ما ارتآه الرجل ، وما أحسبک أن تعرفه ، غیر أنّ حبّ الماردینی إمامه أبا حنیفة أعماه وأصمّه ، فحسب أنّه أقام البرهنة علی ما خرق به الرجل إجماع الأُمّة ، وتقوّل تجاه النصّ الأغرّ ، والسنّة الثابتة ، وکلّ هذه من جرّاء رأی من صدّق الخیل بعد عفو الله ورسوله عنها.

4 - فعل عمر بن الخطّاب وأخذه الزکاة من الخیل ، ولیس فی فعله أیّ حجّة للحنفیة ولا لغیرهم ، لأنّه لم یکن ، فیما عمله ، التفصیل الذی ذکره القوم ، علی أنّه کان یأخذ ما أخذه من الخیل تطوّعاً لا فریضة باستدعاء من أرباب الخیل کما مرّ فی الجزء السادس (ص 155) ، وما کان یخافه مولانا أمیر المؤمنین علیه السلام ، ویحذّر به عمر فی أخذه الزکاة من الخیل من أن یعود جزیة یوجبها أُناس فی المستقبل ، فکان کما توسّم سلام الله علیه علی عهد عثمان ، فالتفصیل المذکور أحدوثة فی الدین خارجة عن السنّة الثابتة ، وهو کما قال ابن حزم فی المحلّی (5 / 228) : وأتوا بقول فی صفة زکاتها لا نعلم أحداً قاله قبلهم.

وقولهم هذا یخالف القیاس الذی هو أساس مذهبهم. قال ابن رشد فی ممهدات المدوّنة الکبری (1 / 263) : والقیاس أنّه لمّا اجتمع أهل العلم فی البغال والحمیر علی أنّه لا زکاة فیها وإن کانت سائمة ، واجتمعوا فی الإبل ، والبقر ، والغنم علی الزکاة فیها إذا کانت سائمة ، واختلفوا فی الخیل السائمة وجب ردّها إلی البغال والحمیر لا إلی الإبل والبقر والغنم ، لأنّها بها أشبه لأنّها ذات حافر کما أنّها ذوات حوافر ، وذو الحافر بذی الحافر أشبه منه بذی الخفّ أو الظلف ، ولأنّ الله تبارک وتعالی قد جمع بینها فجعل الخیل والبغال والحمیر صنفاً واحداً لقوله : (وَالْخَیْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِیرَ لِتَرْکَبُوها وَزِینَةً) (1) وجمع بین الأنعام وهی الإبل والبقر والغنم فجعلها صنفاً واحداً لقوله (وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَکُمْ فِیها دِفْءٌ وَمَنافِعُ وَمِنْها تَأْکُلُونَ* وَلَکُمْ فِیها جَمالٌ حِینَ 8.

ص: 229


1- النحل : 8.

تُرِیحُونَ وَحِینَ تَسْرَحُونَ) (1) ولقوله عزّ وجلّ : (اللهُ الَّذِی جَعَلَ لَکُمُ الْأَنْعامَ لِتَرْکَبُوا مِنْها وَمِنْها تَأْکُلُونَ) (2).

- 11 -

تقدیم عثمان الخطبة علی الصلاة

قال ابن حجر فی فتح الباری (3) (2 / 361) : روی ابن المنذر عن عثمان بإسناد صحیح إلی الحسن البصری قال : أوّل من خطب قبل الصلاة عثمان ، صلّی بالناس ثمّ خطبهم (4) فرأی ناساً لم یدرکوا الصلاة ، ففعل ذلک ، أی صار یخطب قبل الصلاة ، وهذه العلّة غیر التی اعتلّ بها مروان ، لأنّ عثمان رأی مصلحة الجماعة فی إدراکهم الصلاة ، وأمّا مروان فراعی مصلحتهم فی إسماعهم الخطبة.

لکن قیل : إنّهم کانوا فی زمن مروان یتعمّدون ترک سماع خطبته لما فیها من سبّ من لا یستحقّ السبّ ، والإفراط فی مدح بعض الناس ، فعلی هذا إنّما راعی مصلحة نفسه ، ویحتمل أن یکون عثمان فعل ذلک أحیاناً بخلاف مروان الذی واظب علیه.

وذکره الشوکانی فی نیل الأوطار (5) (3 / 362).

وأخرج ابن شبة (6) عن أبی غسان قال : أوّل من خطب الناس فی المصلّی علی منبر عثمان بن عفّان. وقال ابن حجر : یحتمل أن یکون عثمان فعل ذلک مرّة ثمّ ترکه 5.

ص: 230


1- النحل : 5 ، 6.
2- غافر : 79.
3- فتح الباری : 2 / 451.
4- علی الباحث مناقشة الحساب حول هذه الکلمة. (المؤلف)
5- نیل الأوطار : 3 / 334 ، 345.
6- تاریخ المدینة : 1 / 135.

حتی أعاده مروان. فتح الباری (1) (2 / 359) ، نیل الأوطار (2) (3 / 374).

وذکره السیوطی فی الأوائل ، وتاریخ الخلفاء (3) (ص 111) ، والسکتواری فی محاضرة الأوائل (4) (ص 145) : إنّ أوّل من خطب فی العیدین قبل الصلاة عثمان رضی الله عنه.

قال الأمینی : إنّ الثابت فی السنّة الشریفة أنّ الخطبة فی العیدین تکون بعد الصلاة ، قال الترمذی فی الصحیح (5) (1 / 70) : والعمل علی هذا عند أهل العلم من أصحاب النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وغیرهم أنّ صلاة العیدین قبل الخطبة ویقال : إنّ أوّل من خطب قبل الصلاة مروان بن الحکم. انتهی.

وإلیک جملة ممّا ورد فیها :

1 - عن ابن عبّاس قال : أشهد علی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أنّه صلّی یوم فطر أو أضحی قبل الخطبة ثمّ خطب (6).

صحیح البخاری (2 / 116) ، صحیح مسلم (1 / 325) ، سنن أبی داود (1 / 178 ، 179) ، سنن ابن ماجة (1 / 385) ، سنن النسائی (3 / 184) ، سنن البیهقی (3 / 296).

2 - عن عبد الله بن عمر قال : کان النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ثمّ أبو بکر ثمّ عمر یصلّون العید قبل الخطبة. وفی لفظ الشافعی : إنّ النبیّ وأبا بکر وعمر کانوا یصلّون فی العیدین قبل 6.

ص: 231


1- فتح الباری : 2 / 449.
2- نیل الأوطار : 3 / 345.
3- تاریخ الخلفاء : ص 154.
4- الأوائل : ص 145.
5- سنن الترمذی : 2 / 411 ح 531.
6- صحیح البخاری : 2 / 525 ح 1381 ، صحیح مسلم : 2 / 283 ح 2 کتاب صلاة العیدین ، سنن أبی داود : 1 / 297 ح 1142 ، سنن ابن ماجة : 1 / 406 ح 1273 ، السنن الکبری : 1 / 545 ح 1766.

الخطبة ، وفی لفظ للبخاری : إنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم کان یصلّی فی الأضحی والفطر ثمّ یخطب بعد الصلاة (1).

صحیح البخاری (2 / 111 ، 112) ، صحیح مسلم (1 / 326) ، موطّأ مالک (1 / 146) ، مسند أحمد (2 / 38) ، کتاب الأم للشافعی (1 / 208) ، سنن ابن ماجة (1 / 387) ، سنن البیهقی (3 / 296) ، سنن الترمذی (1 / 70) ، سنن النسائی (3 / 183) ، المحلّی لابن حزم (5 / 85) ، بدائع الصنائع (1 / 276)

3 - عن أبی سعید الخدری قال : کان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یخرج یوم العید فیصلّی بالناس رکعتین ثمّ یسلّم فیقف علی رجلیه (2). انتهی.

سنن ابن ماجة (1 / 389) ، المدوّنة الکبری لمالک (1 / 155) ، سنن البیهقی (3 / 297).

4 - عن عبد الله بن السائب ، قال : حضرت العید مع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فصلّی بنا العید ثمّ قال : «قد قضینا الصلاة فمن أحبّ أن یجلس للخطبة فلیجلس ، ومن أحبّ أن یذهب فلیذهب» (3).

سنن ابن ماجة (1 / 386) ، سنن أبی داود (1 / 180) ، سنن النسائی (3 / 185) ، سنن البیهقی (3 / 301) ، المحلّی (5 / 86).

5 - عن جابر بن عبد الله قال : إنّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم قام یوم الفطر فصلّی فبدأ بالصلاة9.

ص: 232


1- صحیح البخاری : 1 / 326 ح 914 ، ص 327 ح 920 ، صحیح مسلم : 2 / 286 ح 8 کتاب صلاة العیدین ، موطّأ مالک : 1 / 178 ، مسند أحمد : 2 / 126 ح 4943 ، کتاب الأُم : 1 / 235 ، سنن ابن ماجة : 1 / 407 ح 1276 ، سنن الترمذی : 2 / 411 ح 531 ، السنن الکبری : 1 / 545 ح 1767.
2- سنن ابن ماجة : 1 / 409 ح 1288 ، المدوّنه الکبری : 1 / 169.
3- سنن ابن ماجة : 1 / 410 ح 1290 ، سنن أبی داود : 1 / 300 ح 1155 ، السنن الکبری : 1 / 548 ح 1779.

قبل الخطبة ثمّ خطب الناس (1).

صحیح البخاری (2 / 111) ، صحیح مسلم (1 / 325) ، سنن أبی داود (1 / 178) ، سنن النسائی (3 / 186) ، سنن البیهقی (2 / 296 ، 698).

6 - عن ابن عبّاس وجابر بن عبد الله وعبد الله بن عمر وأنس بن مالک : أنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم کان یصلّی قبل الخطبة. المدوّنة الکبری (2) (1 / 155).

7 - عن البراء بن عازب قال : خطبنا رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یوم النحر بعد الصلاة (3).

صحیح البخاری (2 / 110) ، سنن النسائی (3 / 185).

8 - عن أبی عبید مولی ابن أزهر قال : شهدت العید مع علیّ بن أبی طالب وعثمان محصور ، فجاء فصلّی ثمّ انصرف فخطب (4).

موطّأ مالک (1 / 147) ، کتاب الأُم للشافعی (1 / 171) ذکر من طریق مالک شطراً منه.

هذه الأحادیث تکشف عن استمرار رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم علی هذه السنّة المرتّبة ولم یُعزَ إلیه غیرها قطّ ، وعلی ذلک مضی الشیخان ومولانا أمیر المؤمنین علی علیه السلام وعثمان نفسه ردحاً من أیّامه ، کما جاء فی روایة ابن عمر من أنّ النبیّ وأبا بکر وعمر وعثمان کانوا یصلّون فی العیدین قبل الخطبة (5). وظاهر هذا اللفظ وإن کان مطلقاً إلاّ أنّ الجمع بینه وبین ما جاء من مخالفة عثمان للقوم وأنّه أوّل من قدّم الخطبة أنّه کانف)

ص: 233


1- صحیح البخاری : 1 / 332 ح 935 ، صحیح مسلم : 2 / 284 ح 3 کتاب صلاة العیدین ، سنن أبی داود : 1 / 297 ح 1141 ، السنن الکبری : 1 / 545 ح 1765.
2- المدوّنة الکبری : 1 / 169.
3- صحیح البخاری : 1 / 334 ح 940 ، السنن الکبری : 1 / 547 ح 1777.
4- موطّأ مالک : 1 / 178 ، کتاب الأم : 1 / 192.
5- کتاب الأُم للشافعی : 1 / 208 [1 / 235] ، صحیح البخاری : 2 / 112 [1 / 327 ح 920]. (المؤلف)

أوّلاً علی وتیرتهم حتی بدا له أن یغیّر الترتیب ففعل ، ویؤیّده سکوت ابن عمر نفسه عن عثمان فیما مرّ (ص 161) من قوله : کان النبیّ ثمّ أبو بکر ثمّ عمر یصلّون العید قبل الخطبة. فإن کان عثمان أیضاً مستمرّا علی سیرتهم وسنّتهم لذکره ولم یفصل بینهم وبهذا یتأتّی الجمع أیضاً بین حدیثی ابن عبّاس من قوله : شهدت العید مع النبیّ وأبی بکر وعمر فبدءوا بالصلاة قبل الخطبة. ومن قوله : صلّی رسول الله ثمّ خطب وأبو بکر وعمر وعثمان (1).

ولیتنی أدری کیف یُتقرّب إلی المولی سبحانه بصلاة بدّلوا فیها سنّة الله التی لا تبدیل لها؟ قال الشوکانی فی نیل الأوطار (2) (3 / 363) : قد اختُلف فی صحّة العیدین مع تقدّم الخطبة ، ففی مختصر المزنی (3) عن الشافعی ما یدلّ علی عدم الاعتداد بها ، وکذا قال النووی فی شرح المهذّب : إنّ ظاهر نصّ الشافعی أنّه لا یعتدّ بها. قال : وهو الصواب.

ثمّ تابع عثمان المسیطرون من الأمویّین من بعده فخالفوا السنّة المتّبعة بتقدیم الخطبة لکن الوجه فی فعل عثمان غیره فی من تبعه ، أمّا هو فکان یُرتج علیه القول فلا یروق المجتمعین ما یتکلّفه من تلفیقه غیر المنسجم فیتفرّقون عنه ، فقدّمها لیصیخوا إلیه وهم منتظرون للصلاة ولا یسعهم التفرّق قبلها.

قال الجاحظ : صعد عثمان بن عفّان رضی الله عنه المنبر فأُرتج علیه فقال : إنّ أبا بکر وعمر کانا یعدّان لهذا المقام مقالاً ، وأنتم إلی إمام عادل أحوج منکم إلی إمام خطیب ، وستأتیکم الخطب علی وجهها وتعلمون إن شاء الله (4). ف)

ص: 234


1- مسند أحمد : 1 / 345 ، 346 [1 / 569 ح 3215 - 3217] ، صحیح مسلم : 1 / 324 [2 / 283 ح 1 کتاب صلاة العیدین]. (المؤلف)
2- نیل الأوطار : 3 / 335.
3- مختصر المزنی : ص 31.
4- البیان والتبیین : 1 / 272 و 2 / 195 [1 / 279 و 2 / 171]. (المؤلف)

وقال البلاذری فی الأنساب (1) (5 / 24) : إنّ عثمان لمّا بویع خرج إلی الناس ، فخطب فحمد الله وأثنی علیه ثمّ قال : أیّها الناس إنّ أوّل مرکب صعب ، وإنّ بعد الیوم أیّاماً ، وإن أعش تأتکم الخطبة علی وجهها ، فما کنّا خطباء وسیعلّمنا الله. وبهذا اللفظ أخرجه ابن سعد فی طبقاته (2) : (3 / 43) طبع لیدن ، وفی لفظ أبی الفداء فی تاریخه : (1 / 166) : لمّا بویع عثمان رقی المنبر وقام خطیباً فحمد الله وتشهّد ثمّ أُرتج علیه ، فقال : إنّ أوّل کلّ أمر صعب وإن أعش فستأتیکم الخطب علی وجهها. ثمّ نزل.

وروی أبو مخنف کما فی أنساب البلاذری : إنّ عثمان لمّا صعد المنبر قال : أیّها الناس إنّ هذا مقام لم أزوّر له خطبة ولا أعددت له کلاماً ، وسنعود فنقول إن شاء الله.

وعن غیاث بن إبراهیم : إنّ عثمان صعد المنبر فقال : أیّها الناس إنّا لم نکن خطباء ، وإن نعش تأتکم الخطبة علی وجهها إن شاء الله.

وروی أنّ عثمان خطب فقال : إنّ أبا بکر وعمر کانا یعدّان لهذا المقام مقالاً وسیأتی الله به. انتهی.

وذکره الیعقوبی فی تاریخه (3) (2 / 140) فقال : صعد عثمان المنبر وجلس فی الموضع الذی کان یجلس فیه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ولم یجلس أبو بکر ولا عمر فیه ، جلس أبو بکر دونه بمرقاة ، وجلس عمر دون أبی بکر بمرقاة (4) فتکلّم الناس فی ذلک فقال بعضهم : الیوم ولد الشرّ ، وکان عثمان رجلاً حییّا فأُرتج علیه فقام ملیّا لا یتکلّم ثمّ قال : إنّ أبا بکر وعمر کانا یعدّان لهذا المقام مقالاً ، وأنتم إلی إمام عادل أحوج منکم إلی إمام یشقّق الخطب ، وإن تعیشوا فستأتیکم الخطبة. ثمّ نزل. ف)

ص: 235


1- أنساب الأشراف : 5 / 24.
2- الطبقات الکبری : 3 / 62.
3- تاریخ الیعقوبی : 2 / 162.
4- وذکره غیر واحد من مؤلّفی القوم. (المؤلف)

وفی لفظ ملک العلماء فی بدائع الصنائع (1 / 262) : إنّ عثمان لمّا استخلف خطب فی أوّل جمعة ، فلمّا قال : الحمد لله. أُرتج علیه ، فقال : أنتم إلی إمام فعّال أحوج منکم إلی إمام قوّال ، وإنّ أبا بکر وعمر کانا یعدّان لهذا المکان مقالاً وستأتیکم الخطب من بعد ، وأستغفر الله لی ولکم. ونزل وصلّی بهم الجمعة.

ولعلّه لحراجة الموقف علیه کان یماطل الخطبة باستخبار الناس وسؤالهم عن أخبارهم وأسعارهم وهو علی المنبر ، کما أخرجه أحمد فی المسند (1) (1 / 73) من طریق موسی بن طلحة. وذکره الهیثمی فی المجمع (2 / 187) فقال : رجاله رجال الصحیح.

ولا یبرّر عمل الخلیفة ما احتجّ به ابن حجر فیما مرّ عن فتح الباری (ص 160) من أنّه رأی مصلحة الجماعة فی إدراکهم الصلاة ... إلخ. لأنّ هذه المصلحة المزعومة کانت مرموقة علی العهد النبویّ لکنّه صلی الله علیه وآله وسلم لم یرعها لما رآه من مصلحة التشریع الأقوی ، فهذا الرأی تجاه ما ثبت من السنّة نظیر الاجتهاد فی مقابلة النصّ ، ولو سوّغنا تغییر الأحکام ، وما قرّره الشرع الأقدس بآراء الرجال ، فلا تبقی قائمة للإسلام ، فلا فرق بینه وبین ما ارتآه مروان فی کونهما بدعة مستحدثة ، وإن ضمّ إلیه شنعة أخری من سبّ من لا یحلّ سبّه.

هذا مجمل القول فی أحدوثة الخلیفة ، وأمّا من عداه من آل أمیّة. فکانوا یسبّون ویلعنون مولانا أمیر المؤمنین علیّا - صلوات الله علیه - فی خطبهم علی صهوات المنابر ، فلا تجلس لهم الناس وینثالون عنهم (2) ، فقدّموا الخطبة لیضطرّ الناس إلی الاستماع له بالرغم من عدم استباحتهم ذلک القول الشائن ، لما وعوه من حدیث رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم الصحیح المأثور من طریق ابن عبّاس وأُمّ سلمة من قوله : «من سبّ علیّا فقد سبّنی ، ومن سبّنی فقد سبّ الله تعالی» (3). ف)

ص: 236


1- مسند أحمد : 1 / 118 ح 541.
2- أی : یتفرقون.
3- المستدرک : 3 / 121 [3 / 130 ح 4616] ، وستوافیک طرقه ومصادره. (المؤلف)

أخرج أئمّة الصحاح من طریق أبی سعید الخدری قال : أخرج مروان المنبر یوم العید ، فبدأ بالخطبة قبل الصلاة ، فقام رجل فقال : یا مروان خالفت السنّة ، أخرجت المنبر یوم عید ، ولم یکن یخرج به ، وبدأت بالخطبة قبل الصلاة ، ولم یکن یُبدأ بها. فقال مروان : ذاک شیء قد ترک. فقال أبو سعید : أمّا هذا فقد قضی ما علیه ، سمعت رسول الله یقول : «من رأی منکراً فاستطاع أن یغیّره بیده فلیغیّره بیده ، فإن لم یستطع فبلسانه ، فإن لم یستطع بلسانه فبقلبه ، وذلک أضعف الإیمان».

وفی لفظ الشافعی فی کتاب الأُم (1) من طریق عیاض بن عبد الله قال : إنّ أبا سعید الخدری قال : أرسل إلیّ مروان وإلی رجل قد سمّاه ، فمشی بنا حتی أتی المصلّی ، فذهب لیصعد فجبذته (2) إلیّ فقال : یا أبا سعید تُرک الذی تعلم. قال أبو سعید : فهتفت ثلاث مرّات ، فقلت : والله لا تأتون إلاّ شرّا منه.

وفی لفظ البخاری فی صحیحه : خرجت مع مروان - وهو أمیر المدینة - فی أضحی أو فطر ، فلمّا أتینا المصلّی إذا منبر بناه کثیر بن الصلت ، فإذا مروان یرید أن یرتقیه قبل أن یصلّی ، فجبذت بثوبه فجبذنی فارتفع فخطب قبل الصلاة ، فقلت له : غیّرتم والله. فقال : أبا سعید قد ذهب ما تعلم. فقلت : ما أعلم والله خیر ممّا لا أعلم ، فقال : إنّ الناس لم یکونوا یجلسون لنا بعد الصلاة فجعلتها قبل الصلاة (3).

وفی لفظ : قال أبو سعید : قلت : أین الابتداء بالصلاة؟ فقال : لا یا أبا سعید قد ف)

ص: 237


1- کتاب الأُم : 1 / 235.
2- جبذ : جذب. (المؤلف)
3- راجع صحیح البخاری : 2 / 111 [1 / 326 ح 913] ، صحیح مسلم : 1 / 242 [2 / 286 ح 9 کتاب صلاة العیدین] ، سنن أبی داود : 1 / 178 [1 / 296 ح 1140] ، سنن ابن ماجة : 1 / 386 [1 / 406 ح 1275] ، سنن البیهقی : 3 / 297 ، مسند أحمد : 3 / 10 ، 20 ، 52 ، 54 ، 92 [3 / 381 ح 10689 ، ص 397 ح 10766 ، ص 452 ح 11100 ، ص 456 ح 11122 ، ص 518 ، ح 11466] ، بدائع الصنائع : 1 / 276. (المؤلف)

تُرک ما تعلم ، قلت : کلاّ والذی نفسی بیده لا تأتون بخیر ممّا أعلم. ثلاث مرّات.

قال ابن حزم فی المحلّی (5 / 86) : أحدث بنو أمیّة تقدیم الخطبة قبل الصلاة واعتلّوا بأنّ الناس کانوا إذا صلّوا ترکوهم ، ولم یشهدوا الخطبة ، وذلک لأنّهم کانوا یلعنون علیّ بن أبی طالب رضی الله عنه ، فکان المسلمون یفرّون وحقّ لهم ، فکیف ولیس الجلوس واجباً؟

وقال ملک العلماء فی بدائع الصنائع (1 / 276) : وإنّما أحدث بنو أُمیّة الخطبة قبل الصلاة لأنّهم کانوا یتکلّمون فی خطبتهم بما لا یحلّ ، وکان الناس لا یجلسون بعد الصلاة لسماعها فأحدثوها قبل الصلاة لیسمعها الناس. وبمثل هذا قال السرخسی فی المبسوط (2 / 37).

وقال السندی فی شرح سنن ابن ماجة (1 / 386) : قیل : سبب ذلک أنّهم کانوا یسبّون فی الخطبة من لا یحلّ سبّه ، فتفرّق الناس عند الخطبة إذا کانت متأخّرة لئلاّ یسمعوا ذلک فقدّم الخطبة لیُسمعهم.

وقال الشوکانی فی نیل الأوطار (1) : (3 / 363) : قد ثبت فی صحیح مسلم (2) من روایة طارق بن شهاب عن أبی سعید قال : أوّل من بدأ بالخطبة یوم العید قبل الصلاة مروان ، وقیل : أوّل من فعل ذلک معاویة ، حکاه القاضی عیاض. وأخرجه الشافعی (3) عن ابن عبّاس بلفظ : حتی قدم معاویة فقدّم الخطبة. ورواه عبد الرزاق (4) عن الزهری بلفظ : أوّل من أحدث الخطبة قبل الصلاة فی العید معاویة. وقیل : أوّل 6.

ص: 238


1- نیل الأوطار : 3 / 335.
2- صحیح مسلم : 1 / 100 ح 78 کتاب الإیمان.
3- أخرجه فی کتاب الأُم : 1 / 208 [1 / 235] من طریق عبد الله بن یزید الخطمی ، ولعلّ حدیث ابن عبّاس مذکور فی غیر هذا الموضع. (المؤلف)
4- المصنّف : 3 / 284 ح 5646.

من فعل ذلک زیاد بالبصرة فی خلافة معاویة ، حکاه القاضی أیضاً. وروی ابن المنذر عن ابن سیرین أنّ أوّل من فعل ذلک زیاد بالبصرة قال : ولا مخالفة بین هذین الأثرین ، وأثر مروان ، لأنّ کلاّ من مروان وزیاد کان عاملاً لمعاویة فیحمل علی أنّه ابتدأ ذلک ، وتبعه عمّاله. انتهی.

لا شکّ أنّ کلاّ من هؤلاء الثلاثة جاء ببدعة وتردّی بالفضیحة ، لکنّ کلّ التبعة علی من جرّأهم علی تغییر السنّة فعلّوا علی أساسه ، ولعبوا بسنن المصطفی حتی الصلاة. أخرج الشافعی فی کتاب الأُم (1) (1 / 208) من طریق وهب بن کیسان قال : رأیت ابن الزبیر یبدأ بالصلاة قبل الخطبة ، ثمّ قال : کلّ سنن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قد غُیّرت حتی الصلاة.

فإن کان ما ینقم علی الخلیفة من هذا الوجه أمراً واحداً فهو فی بقیّة الأمویّین أمران : مخالفة السنّة ، والابتداع بسبّ أمیر المؤمنین. فهم مورد المثل السائر : أحشفاً وسوء کیلة (2). أنا لا أعجب من هؤلاء الثلاثة إن جاءوا بالبدع ، فإنّ بقیّة أعمالهم تلائم هاتیک الخطّة ، فإنّ الخلاعة والتهتّک مزیج نفسیّاتهم ، والمعاصی المقترفة ملء أردیتهم فلا عجب منهم إن غیّروا السنّة کلّها ، ولا أعجب من مروان إن قال لأبی سعید بکلّ ابتهاج : تُرک الذی تعلم. أو قال : قد ذهب ما تعلم ، ولا عجب إن بدّلوا الخطبة المجعولة للموعظة وتهذیب النفوس ؛ الخطبة التی قالوا فیها : وجبت لتعلیم ما یجب إقامته یوم العید والوعظ والتکبیر ، کما فی البدائع (1 / 276) بدّلوها بما هو محظور شرعاً أشدّ الحظر من الوقیعة فی أمیر المؤمنین ، وأوّل المسلمین ، وحامیة الدین ، الإمام المعصوم ، المطهّر بنصّ الکتاب العزیز ، نفس النبیّ الأقدس بصریح القرآن ، وعدل الثقل الأکبر فی حدیث الثقلین ، صلوات الله علیه. ولعلّک لا تعجب من الخلیفة 9.

ص: 239


1- کتاب الأُم : 1 / 235.
2- مثل یضرب لخلّتی الإساءة تجتمعان علی الرجل. المستقصی فی أمثال العرب : 1 / 259.

أیضاً تغییره سنّة الله وسنّة رسوله بعد أن درست تاریخ حیاته ، وسیرته المعربة عن نفسیّاته ، وهو وهم من شجرة واحدة اجتثّت من فوق الأرض مالها من قرار.

لکنّ العجب کلّه ممّن یری هؤلاء ، وأمثالهم من سماسرة الشهوات والمیول ، عدولاً بما أنّهم من الصحابة ، والصحابة کلّهم عدول عندهم ، وأعجب من هذا أن یُحتجّ فی غیر واحد من أبواب الفقه بقول هؤلاء وعملهم. نعم ، وافق شنّ طبقه.

- 12 -

رأی الخلیفة فی القصاص والدیة

أخرج البیهقی فی السنن الکبری (8 / 33) من طریق الزهری : أنّ ابن شاس الجذامی قتل رجلاً من أنباط الشام ، فرُفِع إلی عثمان رضی الله عنه فأمر بقتله ، فکلّمه الزبیر رضی الله عنه وناس من أصحاب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، فنهوه عن قتله ، قال : فجعل دیته ألف دینار. وذکره الشافعی فی کتاب الأُم (1) (7 / 293).

وأخرج البیهقی من طریق الزهری ، عن سالم ، عن ابن عمر رضی الله عنه : أنّ رجلاً مسلماً قتل رجلاً من أهل الذمّة عمداً ، ورُفِع إلی عثمان رضی الله عنه فلم یقتله وغلّظ علیه الدیة مثل دیة المسلم.

وقال أبو عاصم الضحّاک فی الدیات (ص 76) : وممّن یری قتل المسلم بالکافر عمر بن عبد العزیز ، وإبراهیم ، وأبان بن عثمان بن عفّان ، وعبد الله ؛ رواه الحکم عنهم ، وممّن أوجب دیة الذمّی مثل دیة المسلم عثمان بن عفّان.

قال الأمینی : إنّ عجبی مقسّم بین إرادة الخلیفة قتل المسلم بالکافر ، وبین جعل عقل الکافر مثل دیة المسلم ، فلا هذا مدعوم بحجّة ، ولا ذلک مشفوع بسنّة ، وأیّ خلیفة هذا یزحزحه مثل الزبیر ، المعروف سیرته والمکشوف سریرته ، عن رأیه فی 1.

ص: 240


1- کتاب الأُم : 7 / 321.

الدماء وینهاه عن فتیاه؟ غیر أنّه یفتی بما هو لدة رأیه الأوّل فی البعد عن السنّة ، ویسکت عنه الزبیر وأناس نهوا الخلیفة عمّا ارتآه أوّلاً ، واکتفوا بحقن دم المسلم وما راقهم مخالفة الخلیفة مرّة ثانیة ، وهذه النصوص النبویّة صریحة فی أنّ المسلم لا یُقتل بالکافر ، وأنّ عقل الکتابی الذمّی نصف عقل المسلم ، وإلیک لفظ تلکم النصوص فی المسألتین :

أمّا الأولی منهما فقد جاء :

1 - عن أبی جحیفة قال : قلت لعلیّ بن أبی طالب : هل عندکم شیء من العلم لیس عند الناس؟ قال : لا والله ما عندنا إلاّ ما عند الناس ، إلاّ أن یرزق الله رجلاً فهماً من القرآن أو ما فی هذه الصحیفة ، فیها الدیات عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وأن لا یُقتل مسلم بکافر.

وفی لفظ الشافعی : لا یقتل مؤمن بکافر. فقال : لا یُقتل مؤمن عبد ولا حرّ ولا امرأة بکافر فی حال أبدا ، وکلّ من وصف الإیمان من أعجمیّ وأبکم یعقل ویشیر بالإیمان ویصلّی فقتل کافراً فلا قود علیه ، وعلیه دیته فی ماله حالة ، وسواء أکثر القتل فی الکفار أو لم یکثر ، وسواء قتل کافراً علی مال یأخذه منه أو علی غیر مال ، لا یحلّ - والله أعلم - قتل مؤمن بکافر بحال فی قطع طریق ولا غیره.

راجع (1) : صحیح البخاری (10 / 78) ، سنن الدارمی (2 / 190) ، سنن ابن ماجة (2 / 145) ، سنن النسائی (8 / 23) ، سنن البیهقی (8 / 28) ، صحیح الترمذی (1 / 169) ، مسند أحمد (1 / 79) ، کتاب الأُم للشافعی (6 / 33 ، 92) ، أحکام القرآن للجصّاص (1 / 165) ، الاعتبار لابن حازم (ص 190) ، تفسیر ابن کثیر (1 / 210) فقال : ذهب 3.

ص: 241


1- صحیح البخاری : 6 / 2534 ح 6517 ، سنن ابن ماجة : 2 / 887 ح 2658 ، السنن الکبری 4 / 220 ح 6946 ، سنن الترمذی : 4 / 17 ح 1412 ، مسند أحمد : 1 / 128 ح 600 ، کتاب الأُم : 6 / 38 ، 105 ، أحکام القرآن : 1 / 142 ، الاعتبار : ص 453.

الجمهور إلی أنّ المسلم لا یُقتل بالکافر لما ثبت فی البخاری عن علیّ قال : «قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : لا یُقتل مسلم بکافر». ولا یصح حدیث ولا تأویل یخالف هذا ، وأمّا أبو حنیفة فذهب إلی أنّه یُقتل به لعموم آیة المائدة.

قال الأمینی : یعنی من آیة المائدة قوله تعالی : (وَکَتَبْنا عَلَیْهِمْ فِیها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَیْنَ بِالْعَیْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ) (1). وقد خفی علی المجتهد تجاه النصوص الصحیحة الثابتة أنّ عموم الآیة لا یأباها عن التخصیص ، وقد خصّصها هو نفسه بمخصّصات. أجاب عن هذا الاستدلال الواهی کثیر من الفقهاء وفی مقدّمهم الإمام الشافعی ، قال فی کتاب الأُم (2) (7 / 295) فی مناظرة وقعت بینه وبین بعض أصحاب أبی حنیفة : قلنا : فلسنا نرید أن نحتجّ علیک بأکثر من قولک إنّ هذه الآیة عامّة ، فزعمت أنّ فیها خمسة أحکام مفردة وحکماً سادساً جامعاً ، فخالفت جمیع الأربعة الأحکام التی بعد الحکم الأوّل والحکم الخامس والسادس جماعتها (3) فی موضعین : فی الحرّ یقتل العبد. والرجل یقتل المرأة. فزعمت أن عینه لیس بعینها ولا عین العبد ، ولا أنفه بأنفها ولا أنف العبد ، ولا أُذنه بأُذنها ، ولا أُذن العبد ، ولا سنّه بسنّها ولا سنّ العبد ، ولا جروحه کلّها بجروحها ولا جروح العبد ، وقد بدأت أوّلاً بالذی زعمت أنّک أخذت به فخالفته فی بعض ووافقته فی بعض ، فزعمت أنّ الرجل یقتل عبده فلا تقتله به ، ویقتل ابنه فلا تقتله به ، ویقتل المستأمن فلا تقتله به ، وکلّ هذه نفوس محرّمة.

قال - یعنی المدافع عن أبی حنیفة - : اتّبعت فی هذا أثراً. قلنا : فتخالف الأثر الکتاب؟ قال : لا. قلنا : فالکتاب إذاً علی غیر ما تأوّلت ، فلم فرّقت بین أحکام الله عزّ وجلّ علی ما تأوّلت؟ قال بعض من حضره : دع هذا فهو یلزمه کلّه. ر.

ص: 242


1- المائدة : 45.
2- کتاب الأُم : 7 / 325.
3- کذا فی المصدر.

قال : والآیة الأُخری : قال الله عزّ وجلّ : (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِیِّهِ سُلْطاناً فَلا یُسْرِفْ فِی الْقَتْلِ) (1) دلالة علی أنّ من قُتل مظلوماً فلولیّه أن یقتل قاتله. قیل له : فیُعاد علیک ذلک الکلام بعینه فی الابن یقتله أبوه ، والعبد یقتله سیده ، والمستأمن یقتله المسلم.

قال : فلی من کلّ هذه مخرج. قلت : فاذکر مخرجک. قال : إنّ الله تبارک وتعالی لمّا جعل الدم إلی الولیّ کان الأب ولیّا فلم یکن له أن یقتل نفسه. قلنا : أفرأیت إن کان له ابن بالغ أتخرج الأب من الولایة وتجعل للابن أن یقتله؟ قال : لا أفعل. قلت : فلا تخرجه بالقتل من الولایة؟ قال : لا. قلت : فما تقول فی ابن عمّ لرجل قتله وهو ولیّه ووارثه لو لم یقتله وکان له ابن عمّ هو أبعد منه ، أفتجعل للأبعد أن یقتل الأقرب؟ قال : نعم. قلنا : ومن أین وهذا ولیّه وهو قاتل؟ قال : القاتل یخرج بالقتل من الولایة. قلنا : والقاتل یخرج بالقتل من الولایة؟ قال : نعم. قلنا : فلم لم تخرج الأب من الولایة وأنت تخرجه من المیراث؟ قال : اتّبعت فی الأب الأثر. قلنا : فالأثر یدلّک علی خلاف ما قلت. قال : فاتّبعت فیه الإجماع. قلنا : فالإجماع یدلّک علی خلاف ما تأوّلت فیه القرآن ، فالعبد یکون له ابن حرّ فیقتله مولاه أیخرج القاتل من الولایة ویکون لابنه أن یقتل مولاه؟ قال : لا ، بالإجماع. قلت : فالمستأمن یکون معه ابنه أیکون له أن یقتل المسلم الذی قتله؟ قال : لا ، بالإجماع. قلت : أفیکون الإجماع علی خلاف الکتاب؟ قال : لا. قلنا : فالإجماع إذاً یدلّک علی أنّک قد أخطأت فی تأویل کتاب الله عزّ وجلّ ، وقلنا له : لم یجمع معک أحد علی أن لا یقتل الرجل بعبده إلاّ من مذهبه أن لا یُقتل الحرّ بالعبد ولا یُقتل المؤمن بالکافر ، فکیف جعلت إجماعهم حجّة ، وقد زعمت أنّهم أخطأوا فی أصل ما ذهبوا إلیه؟ والله أعلم.

2 - عن قیس بن عباد قال : انطلقت أنا والأشتر إلی علیّ فقلنا : هل عهد إلیک 3.

ص: 243


1- الإسراء : 33.

رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم شیئاً لم یعهده إلی الناس عامّة؟ قال : لا إلاّ ما فی کتابی هذا. فأخرج کتاباً فإذا فیه : لا یقتل مؤمن بکافر ولا ذو عهد فی عهده.

أخرجه (1) : أبو عاصم فی الدیات (ص 27) ، وأحمد فی المسند (1 / 119 ، 122) ، وأبو داود فی سننه (2 / 249) ، والنسائی فی سننه (8 / 24) ، والبیهقی فی السنن الکبری (8 / 29 ، 194) ، والجصّاص فی أحکام القرآن (1 / 65) ، وابن حازم فی الاعتبار (ص 189) ، وذکره الشوکانی فی نیل الأوطار (7 / 152) وقال :

هو دلیل علی أنّ المسلم لا یُقاد بالکافر ، أمّا الکافر الحربیّ فذلک إجماع کما حکاه البحر. وأمّا الذمّی فذهب إلیه الجمهور لصدق اسم الکافر علیه ، وذهب الشعبی والنخعی وأبو حنیفة وأصحابه إلی أنّه یُقتل المسلم بالذمیّ. ثمّ بسط القول فی أدلّتهم وزیّفها بأحسن بیان. فراجع.

3 - عن عائشة قالت : وجد فی قائم سیف رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم کتابان وفی أحدهما : «لا یُقتل مسلم بکافر ولا ذو عهد فی عهده».

أخرجه أبو عاصم فی الدیات (ص 27) ، والبیهقی فی سننه الکبری (8 / 30).

4 - عن معقل بن یسار مرفوعاً : «لا یُقتل مؤمن بکافر ، ولا ذو عهد فی عهده ، والمسلمون ید علی من سواهم تتکافأ دماؤهم».

أخرجه البیهقی فی السنن الکبری (8 / 30).

5 - عن ابن عبّاس مرفوعاً : «لا یُقتل مؤمن بکافر ، ولا ذو عهد فی عهده».

أخرجه ابن ماجة فی سننه (2) (2 / 145). 0.

ص: 244


1- مسند أحمد : 1 / 191 ح 962 ، ص 196 ح 994 ، سنن أبی داود : 4 / 180 ح 4530 ، السنن الکبری : 4 / 220 ح 6948 ، أحکام القرآن : 1 / 142 ، الاعتبار : ص 451 ، نیل الأوطار : 7 / 10.
2- سنن ابن ماجة : 2 / 888 ح 2660.

6 - عن عمرو بن شعیب عن أبیه عن جدّه عبد الله بن عمرو بن العاصی مرفوعاً : «لا یُقتل مسلم بکافر».

وفی لفظ أحمد : «لا یُقتل مؤمن بکافر ولا ذو عهد فی عهده».

أخرجه (1) : أبو عاصم الضحّاک فی الدیات (ص 51) ، وأبو داود فی سننه (2 / 249) ، وأحمد فی مسنده (2 / 211) ، والترمذی فی سننه (1 / 169) ، وابن ماجة فی سننه (2 / 145) ، والجصّاص فی أحکام القرآن (1 / 169) بلفظ أحمد ، وذکره الشوکانی فی نیل الأوطار (7 / 150) فقال : رجاله رجال الصحیح. وقال فی (ص 152):

هذا فی غایة الصحّة فلا یصحّ عن أحد من الصحابة شیء غیر هذا إلاّ ما رویناه عن عمر أنّه کتب فی مثل ذلک أن یُقاد به ثمّ ألحقه کتاباً فقال : لا تقتلوه ولکن اعتقلوه (2).

7 - عن عمران بن الحصین مرفوعاً : «لا یُقتل مؤمن بکافر».

قال الشافعی فی کتاب الأُم (3) (6 / 33): سمعت عدداً من أهل المغازی ، وبلغنی عن عدد منهم أنّه کان فی خطبة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یوم الفتح : «لا یُقتل مؤمن بکافر». وبلغنی عن عمران بن الحصین رضی الله تعالی عنه أنّه روی ذلک عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم.

أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن أبی حسین ، عن مجاهد وعطاء وأحسب طاوساً والحسن أنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قال فی خطبة عام الفتح : «لا یُقتل مؤمن بکافر».

وأخرجه البیهقی فی السنن (8 / 29) فقال : قال الشافعی رحمه الله : وهذا عامّ 8.

ص: 245


1- سنن أبی داود : 4 / 181 ح 4530 ، مسند أحمد : 2 / 426 ح 6931 ، سنن الترمذی : 4 / 18 ح 1413 ، سنن ابن ماجة : 2 / 888 ح 26660 ، أحکام القرآن : 1 / 142 ، نیل الأوطار : 7 / 10 ، 11.
2- أسلفنا فی : 6 / 133 ، 134 ما یعرب عن عدم وقوف الخلیفة علی حکم المسألة. (المؤلف)
3- کتاب الأُم : 6 / 38.

عند أهل المغازی أنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم تکلّم به فی خطبته یوم الفتح ، وهو یروی عن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم مسنداً من حدیث عمرو بن شعیب وحدیث عمران بن الحصین.

وذکره الشوکانی فی نیل الأوطار (1) (7 / 153) فقال : إنّ السبب فی خطبته صلی الله علیه وآله وسلم یوم الفتح بقوله : «لا یُقتل مسلم بکافر». ما ذکره الشافعی فی الأُم (2) ، حیث قال : وخطبته یوم الفتح کانت بسبب القتیل الذی قتلته خزاعة وکان له عهد فخطب النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فقال : «لو قتلت مسلماً بکافر لقتلته به». وقال : «لا یُقتل مؤمن بکافر». إلخ.

8 - عن عبد الله بن عمر مرفوعاً : «لا یُقتل مؤمن بکافر ، ولا ذو عهد فی عهده».

أخرجه الجصّاص فی أحکام القرآن (3) (1 / 165).

أمّا الثانیة ففیها :

عن عمرو بن شعیب ، عن أبیه ، عن جدّه : أنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قضی أنّ عقل أهل الکتابین نصف عقل المسلمین وهم الیهود والنصاری (4).

وفی لفظ أبی داود : کانت قیمة الدیة علی عهد رسول الله ثمانمائة دینار أو ثمانیة آلاف درهم ، ودیة أهل الکتاب یومئذٍ النصف من دیة المسلمین ، قال : فکان ذلک کذلک حتی استخلف عمر فقام خطیباً فقال : إنّ الإبل قد غلت. [قال :] (5) ففرضها ر.

ص: 246


1- نیل الأوطار : 7 / 12.
2- کتاب الأُم : 7 / 321.
3- أحکام القرآن : 1 / 142.
4- سنن ابن ماجة : 2 / 142 [2 / 883 ح 2644] ، سنن النسائی : 8 / 45 [4 / 235 ح 7009]. (المؤلف)
5- من المصدر.

عمر علی أهل الذهب ألف دینار. الحدیث. سنن أبی داود (1) (2 / 251).

وفی لفظ آخر لأبی داود : دیة المعاهد نصف دیة الحرّ (2 / 257).

وفی لفظ أبی عاصم الضحّاک فی الدیات (ص 51) : دیة الکافر علی النصف من دیة المسلم ، ولا یُقتل مسلم بکافر.

قال الخطابی فی شرح سنن ابن ماجة فی ذیل الحدیث (2 / 142) : لیس فی دیة أهل الکتاب شیء أثبت من هذا ، وإلیه ذهب مالک وأحمد ، وقال أصحاب أبی حنیفة : دیته کدیة المسلم. وقال الشافعی : ثلث دیة المسلم. والوجه الأخذ بالحدیث ولا بأس بإسناده.

وأخرج النسائی فی سننه (2) (8 / 45) من طریق عبد الله بن عمر [وابن العاص] (3) مرفوعاً : «عقل الکافر نصف عقل المؤمن». وأخرجه الترمذی فی سننه (4) (1 / 169).

هذه سنّة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، وإلیها ذهب الجمهور ، وعلیها جرت الفقهاء من المذاهب ، غیر أنّ لأبی حنیفة شذوذاً عنها فی المسألتین أخذاً بما یعرب عن قصوره عن فهم السنّة ، وعرفان الحدیث ، وفقه الکتاب ، وقد ذکر غیر واحد من أعلام المذاهب أدلّته فی المقامین وزیّفها ، وبسط القول فی بطلانها ، وحسبک فی المقام کلمة الإمام الشافعی فی کتاب الأُم (5) (7 / 291) فإنّه فصّل القول فیها تفصیلاً وجاء بفوائد جمّة. فراجع. وعمدة ما رکن إلیه أبو حنیفة فی المسألة الأولی تجاه تلکم الصحاح 0.

ص: 247


1- سنن أبی داود : 4 / 184 ح 4542 ، ص 194 ح 4583.
2- السنن الکبری : 4 / 235 ح 7010.
3- من المصدرین.
4- سنن الترمذی : 4 / 18 ح 1413.
5- کتاب الأُم : 7 / 320.

مرسلة عبد الرحمن بن البیلمانی ، وقد ضعّفها الدارقطنی (1) وابن حازم فی الاعتبار (2) (ص 189) وغیرهما ، وذکر البیهقی فی سننه (8 / 30) : باب بیان ضعف الخبر الذی روی فی قتل المؤمن بالکافر. وذکر لها طرقاً وزیّفها بأسرها.

- 13 -

رأی الخلیفة فی القراءة

قال ملک العلماء فی بدائع الصنائع (1 / 111) : إنّ عمر رضی الله عنه ترک القراءة فی المغرب فی إحدی الأُولیین فقضاها فی الرکعة الأخیرة وجهر ، وعثمان رضی الله عنه ترک القراءة فی الأولیین من صلاة العشاء فقضاها فی الأُخریین وجهر.

وقال فی صفحة (172) : روی عن عمر رضی الله عنه أنّه ترک القراءة فی رکعة من صلاة المغرب فقضاها فی الرکعة الثالثة وجهر. وروی عن عثمان رضی الله عنه أنّه ترک السورة فی الأُولیین فقضاها فی الأُخریین وجهر.

قال الأمینی : إنّ ما ارتکبه الخلیفتان مخالف للسنّة من ناحیتین ، الأولی : الاجتزاء برکعة لا قراءة فیها. والثانیة : تکریر الحمد فی الأخیرة أو الأُخریین بقضاء الفائتة مع صاحبة الرکعة ، وکلاهما خارجان عن السنّة الثابتة لا یجتزأ بالصلاة التی یکونان فیها ، أمّا الناحیة الأولی فإلیک نبذة ممّا ورد فیها :

1 - عن عبادة بن الصامت مرفوعاً : «لا صلاة لمن لم یقرأ بأمّ القرآن فصاعداً».

وفی لفظ : «لا صلاة لمن لم یقرأ بفاتحة الکتاب إمام أو غیر إمام».

وفی لفظ الدارمی : «من لم یقرأ بأمّ الکتاب فلا صلاة له». 2.

ص: 248


1- سنن الدارقطنی : 3 / 135 ح 165.
2- الاعتبار : ص 452.

راجع (1) : صحیح البخاری (1 / 302) ، صحیح مسلم (1 / 155) ، صحیح أبی داود (1 / 131) ، سنن الترمذی (1 / 34 ، 41) ، سنن النسائی (2 / 137 ، 138) ، سنن الدارمی (1 / 283) ، سنن ابن ماجة (1 / 276) ، سنن البیهقی (2 / 38 ، 61 ، 164) ، مسند أحمد (5 / 314 ، 321) ، کتاب الأُمّ (1 / 93) ، المحلّی لابن حزم (3 / 236) ، المصابیح للبغوی (1 / 57) وصحّحه ، المدوّنة الکبری (1 / 70).

2 - عن أبی هریرة مرفوعاً : «لا صلاة لمن لا یقرأ فیها بأمّ القرآن فهی خداج ، فهی خداج ، فهی خداج ، غیر تمام».

وفی لفظ : «من صلّی صلاة لم یقرأ فیها بفاتحة الکتاب ، فهی خداج - ثلاثاً - غیر تمام».

وفی لفظ الشافعی : «کلّ صلاة لم یقرأ فیها بأمّ القرآن فهی خداج». الحدیث.

وفی لفظ أحمد : «أیّما صلاة لا یقرأ فیها بفاتحة الکتاب فهی خداج ، ثمّ هی خداج ، ثمّ هی خداج».

راجع (2) : مسند أحمد (2 / 241 ، 285) ، کتاب الأُمّ للشافعی (1 / 93) ، موطّأ مالک (1 / 81) المدوّنة الکبری (1 / 70) ، صحیح مسلم (1 / 155 ، 156) ، سنن أبی داود (1 / 130) ، سنن ابن ماجة (1 / 277) ، سنن الترمذی (1 / 42) ، سنن النسائی (2 / 135) ، 8.

ص: 249


1- صحیح البخاری : 1 / 263 ح 723 ، صحیح مسلم : 1 / 375 ح 34 کتاب الصلاة ، سنن أبی داود : 1 / 217 ح 822 ، سنن الترمذی : 2 / 25 ح 247 ، السنن الکبری : 1 / 316 ح 982 - 983 ، سنن ابن ماجة : 1 / 273 ح 837 ، مسند أحمد : 6 / 427 ح 22169 ، ص 439 ح 22237 ، کتاب الأُم : 1 / 107 ، مصابیح السنّة : 1 / 319 ح 577 ، المدوّنة الکبری : 1 / 67.
2- مسند أحمد : 2 / 479 ح 7249 ، ص 555 ح 7777 ، کتاب الأُم : 1 / 107 ، موطّأ مالک : 1 / 84 ح 39 ، المدوّنة الکبری : 1 / 68 ، صحیح مسلم : 1 / 375 - 377 ح 38 - 41 کتاب الصلاة ، سنن أبی داود : 1 / 216 ح 821 ، سنن ابن ماجة : 1 / 273 ح 838 ، سنن الترمذی : 2 / 121 ح 312 ، السنن الکبری : 6 / 283 ح 10982 ، مصابیح السنّة 1 / 319 ح 578.

سنن البیهقی (2 / 38 ، 39 ، 40 ، 159 ، 167) ، مصابیح السنّة (1 / 57).

3 - عن أبی هریرة قال : إنّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم أمره أن یخرج فینادی : لا صلاة إلاّ بقراءة فاتحة الکتاب. فما زاد.

أخرجه (1) أحمد فی المسند (2 / 428) ، الترمذی فی صحیحه (1 / 42) ، أبو داود فی سننه (1 / 130) ، البیهقی فی سننه (2 / 37 ، 59) ، والحاکم فی المستدرک (1 / 239) وقال : صحیح لا غبار علیه.

4 - عن عائشة مرفوعاً : «من صلّی صلاة لم یقرأ فیها بأمّ القرآن فهی خداج».

أخرجه (2) أحمد فی مسنده (6 / 142 ، 275) ، وابن ماجة فی سننه (1 / 277). ویوجد فی کنز العمّال (4 / 95 ، 96) من طریق عائشة ، وابن عمر ، وعلیّ ، وأبی أمامة نقلاً عن أحمد ، وابن ماجة ، والبیهقی ، والخطیب ، وابن حبّان ، وابن عساکر ، وابن عدی.

5 - عن أبی سعید الخدری مرفوعاً : «لا صلاة لمن لم یقرأ فی کلّ رکعة الحمد وسورة فی فریضة أو غیرها» (3). صحیح الترمذی (1 / 32) ، سنن ابن ماجة (1 / 277) ، کنز العمّال (5 / 95).

6 - عن أبی سعید قال : أمرنا رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أن نقرأ بفاتحة الکتاب وبما تیسّر (4)1.

ص: 250


1- مسند أحمد : 3 / 163 ح 9245 ، سنن الترمذی : 2 / 121 ح 312 ، سنن أبی داود : 1 / 216 ح 820 ، المستدرک علی الصحیحین : 1 / 365 ح 872.
2- مسند أحمد : 7 / 205 ح 24575 ، ص 391 ح 25824 ، سنن ابن ماجة : 1 / 274 ح 840 ، کنز العمّال : 7 / 437 ح 19663 ، ص 438 ح 19668 ، سنن البیهقی : 2 / 167 ، الإحسان فی تقریب صحیح ابن حبّان : 5 / 84 ح 1784 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 6 / 284 رقم 1769.
3- سنن الترمذی : 2 / 3 ح 238 ، سنن ابن ماجة : 1 / 274 ح 839 ، کنز العمّال : 7 / 437 ح 19666.
4- سنن أبی داود : 1 / 216 ح 818 ، تیسیر الوصول : 2 / 272. وانظر کنز العمّال : 8 / 112 ح 22141.

سنن البیهقی (2 / 60) ، سنن أبی داود (1 / 130) ، تیسیر الوصول (2 / 223).

7 - عن أبی قتادة قال : إنّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم کان یقرأ فی الرکعتین الأُولیین من الظهر والعصر بفاتحة الکتاب وسورة ، وفی الأُخریین بفاتحة الکتاب.

وفی لفظ لمسلم وأبی داود : کان یصلّی بنا فیقرأ فی الظهر والعصر فی الرکعتین الأُولیین بفاتحة الکتاب وسورتین.

راجع (1) : صحیح البخاری (2 / 55) ، صحیح مسلم (1 / 177) ، سنن الدارمی (1 / 296) ، سنن أبی داود (1 / 128) ، سنن النسائی (2 / 165 ، 166) ، سنن ابن ماجة (1 / 275) ، سنن البیهقی (2 / 59 ، 63 ، 66 ، 193) ، مصابیح السنّة (1 / 57) وصحّحه.

8 - عن سمرة بن جندب قال : حفظت سکتتین فی الصلاة. وفی لفظ : حفظت سکتتین عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : سکتة إذا کبّر الإمام حتی یقرأ ، وسکتة إذا فرغ من فاتحة الکتاب وسورة عند الرکوع (2).

سنن أبی داود (1 / 124) ، صحیح الترمذی (1 / 34) ، سنن الدارمی (1 / 283) ، سنن ابن ماجة (1 / 278) ، سنن البیهقی (2 / 196) ، مستدرک الحاکم (1 / 215) ، مصابیح السنّة (1 / 56) ، تیسیر الوصول (2 / 229).

9 - عن رفاعة بن رافع قال : جاء رجل یصلّی فی المسجد قریباً من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ثمّ جاء فسلّم علی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فقال له النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم : «أعد صلاتک 9.

ص: 251


1- صحیح البخاری : 1 / 270 ح 745 ، صحیح مسلم : 1 / 420 ح 154 کتاب الصلاة ، سنن أبی داود : 1 / 212 ح 798 ، السنن الکبری : 1 / 336 ح 1049 - 1050 ، سنن ابن ماجة : 1 / 271 ح 829 ، مصابیح السنّة : 1 / 321 ح 852.
2- سنن أبی داود : 1 / 206 ح 777 ، سنن الترمذی : 2 / 31 ح 251 ، سنن ابن ماجة : 1 / 275 ح 845 ، المستدرک علی الصحیحین : 1 / 335 ح 780 ، مصابیح السنّة : 1 / 318 ح 575 ، تیسیر الوصول : 2 / 279.

فإنّک لم تصلّ». فعاد فصلّی کنحو ممّا صلّی ، فقال النبیّ ، صلی الله علیه وآله وسلم : «أعد صلاتک فإنّک لم تصلّ». فقال : علّمنی یا رسول الله کیف أُصلّی؟ قال : «إذا توجّهت إلی القبلة فکبّر ثمّ اقرأ بأمّ القرآن وما شاء الله أن تقرأ ، فإذا رکعت فاجعل راحتیک علی رکبتیک ومکّن رکوعک وامدد ظهرک فإذا رفعت فأقم صلبک ، وارفع رأسک حتی ترجع العظام إلی مفاصلها ، فإذا سجدت فمکّن سجودک ، فإذا رفعت فاجلس علی فخذک الیسری ، ثمّ اصنع ذلک فی کلّ رکعة وسجدة حتی تطمئنّ» وفی لفظ أحمد : «فإذا أتممت صلاتک علی هذا فقد أتممتها ، وما انتقصت من هذا من شیء فإنّما تنقصه من صلاتک» (1).

سنن أبی داود (1 / 137) ، سنن البیهقی (2 / 345) ، مسند أحمد (4 / 340) ، کتاب الأُم للشافعی (1 / 88) ، مستدرک الحاکم (1 / 241 ، 242) ، المحلّی لابن حزم (3 / 256).

وأخرج البخاری مثله من طریق أبی هریرة فی صحیحه (1 / 314) ، وکذلک مسلم فی صحیحه (1 / 117) ، وذکره البیهقی فی سننه (2 / 37 ، 62 ، 122) نقلاً عن الشیخین.

10 - عن وائل بن حجر قال : شهدت النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وأُتی بإناء - إلی أن قال : فدخل فی المحراب فصفّ الناس خلفه وعن یمینه وعن یساره ثمّ رفع یدیه حتی حاذتا شحمة أذنیه ، ثمّ وضع یمینه علی یساره وعند صدره ، ثمّ افتتح القراءة فجهر بالحمد ، ثمّ فرغ من سورة الحمد فقال : آمین. حتی سمع من خلفه ، ثمّ قرأ سورة أخری ، ثمّ رفع یدیه بالتکبیر حتی حاذتا بشحمة أُذنیه ، ثمّ رکع فجعل یدیه علی رکبتیه - إلی أن قال : ثمّ صلّی أربع رکعات یفعل فیهنّ ما فعل فی هذه. مجمع الزوائد (2 / 134).

11 - عن عبد الرحمن بن أبزی قال : ألا أریکم صلاة رسول الله؟ فقلنا : بلی. ة.

ص: 252


1- سنن أبی داود : 1 / 227 ح 859 ، مسند أحمد : 5 / 449 ح 18518 ، کتاب الأُم : 1 / 110 ، المستدرک علی الصحیحین : 1 / 368 ح 881 ، ص 369 ح 884 ، صحیح البخاری : 1 / 263 ح 724 ، صحیح مسلم : 1 / 378 ح 45 کتاب الصلاة.

فقام فکبّر ثمّ قرأ ، ثمّ رکع فوضع یدیه علی رکبتیه حتی أخذ کلّ عضو مأخذه ، ثمّ رفع حتی أخذ کلّ عضو مأخذه ، ثمّ سجد حتی أخذ کلّ عضو مأخذه ، ثمّ رفع حتی أخذ کلّ عضو مأخذه ، ثمّ سجد حتی أخذ کلّ عضو مأخذه ، ثمّ رفع فصنع فی الرکعة الثانیة کما صنع فی الرکعة الأولی. ثمّ قال : هکذا صلاة رسول الله.

أخرجه أحمد فی المسند (1) (3 / 407) ، وذکره الهیثمی فی مجمع الزوائد (2 / 130) فقال : رجاله ثقات.

12 - عن عبد الرحمن بن غنم قال : إنّ أبا مالک الأشعری قال لقومه : قوموا حتی أُصلّی بکم صلاة النبیّ ، صلی الله علیه وآله وسلم ، فصففنا خلفه وکبّر ثمّ قرأ بفاتحة الکتاب فسمع من یلیه ، ثمّ کبّر فرکع ، ثمّ رفع رأسه فکبّر ، فصنع ذلک فی صلاته کلّها.

صورة مفصّلة بلفظ أحمد :

إنّ أبا مالک الأشعری جمع قومه فقال : یا معشر الأشعریّین اجتمعوا واجمعوا نساءکم وأبناءکم أعلّمکم صلاة النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم صلّی لنا بالمدینة. فاجتمعوا وجمعوا نساءهم وأبناءهم ، فتوضّأ وأراهم کیف یتوضّأ ، فأحصی الوضوء إلی أماکنه حتی لمّا أن فاء الفیء وانکسر الظلّ قام فأذّن ، وصفّ الرجال فی أدنی الصفّ ، وصفّ الولدان خلفهم ، وصفّ النساء خلف الولدان ، ثمّ أقام الصلاة فتقدّم فرفع یدیه وکبّر فقرأ بفاتحة الکتاب وسورة یسرّ بهما (2) ، ثمّ کبّر فرکع فقال : سبحان الله وبحمده. ثلاث مرّات ثمّ قال : سمع الله لمن حمده ، واستوی قائماً ، ثمّ کبّر وخرّ ساجداً ، ثمّ کبّر فرفع رأسه ، ثمّ کبّر فسجد ، ثمّ کبّر فانتهض قائماً ، فکان تکبیره فی أوّل رکعة ستّ تکبیرات وکبّر حین قام إلی الرکعة الثانیة ، فلمّا قضی صلاته أقبل علی قومه بوجهه ا.

ص: 253


1- مسند أحمد : 4 / 412 ح 14946.
2- فی المصدر : یسرّهما.

فقال : احفظوا تکبیری وتعلّموا رکوعی وسجودی ؛ فإنّها صلاة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم التی کان یصلّی لنا کذی الساعة من النهار.

أخرجه (1) أحمد فی المسند (5 / 343) ، وعبد الرزّاق والعقیلی کما فی کنز العمّال (4 / 221) ، وذکره الهیثمی فی المجمع (2 / 130).

13 - أخرج أبو حنیفة وأبو معاویة وابن فضیل وأبو سفیان عن أبی نضرة ، عن سعید ، عن النبیّ علیه السلام قال : «لا تجزی صلاة لمن لم یقرأ فی کلّ رکعة بالحمد لله وسورة فی الفریضة وغیرها». أحکام القرآن للجصّاص (2) (1 / 23).

14 - عن أنس بن مالک : کان النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وأبو بکر وعمر یستفتحون القراءة بالحمد لله ربّ العالمین. کتاب الأُمّ للشافعی (3) (1 / 93).

15 - عن علیّ بن أبی طالب قال : «من السنّة أن یقرأ الإمام فی الرکعتین الأُولیین من صلاة الظهر بأمّ الکتاب وسورة سرّا فی نفسه ، وینصت من خلفه ویقرءون فی أنفسهم ، ویقرأ فی الرکعتین الأُخریین بفاتحة الکتاب فی کلّ رکعة ویستغفر الله ویذکره ویفعل فی العصر مثل ذلک».

بهذا اللفظ حکاه السیوطی عن البیهقی کما فی کنز العمّال (4) (4 / 251) وفی السنن الکبری للبیهقی (2 / 168) لفظه : إنّه کان یأمر أو یحثّ أن یقرأ خلف الإمام فی الظهر والعصر فی الرکعتین الأُولیین بفاتحة الکتاب وسورة ، وفی الرکعتین الأُخریین بفاتحة الکتاب. وقریباً من هذا اللفظ أخرجه الحاکم فی المستدرک (5) (1 / 239). 4.

ص: 254


1- مسند أحمد : 6 / 470 ح 2399 ، المصنّف : 2 / 63 ح 2499 ، کنز العمّال : 8 / 162 ح 22399.
2- أحکام القرآن : 1 / 22.
3- کتاب الأم : 1 / 107.
4- کنز العمّال : 8 / 284 ح 22932.
5- المستدرک علی الصحیحین : 1 / 365 ح 874.

16 - عن عائشة قالت : کان النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم یفتتح الصلاة بالتکبیر والقراءة بالحمد لله ربّ العالمین.

راجع (1) : صحیح مسلم (1 / 142) ، سنن أبی داود (2 / 125) ، سنن ابن ماجة (1 / 271) ، سنن البیهقی (2 / 113).

17 - عن أبی هریرة قال : فی کلّ الصلاة یُقرأ ، فما أسمعنا رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أسمعناکم ، وما أخفی علینا أخفینا علیکم. وفی لفظ : فی کلّ صلاة قراءة (2).

مسند أحمد (2 / 348) ، صحیح مسلم (1 / 116) ، سنن أبی داود (1 / 127) ، سنن النسائی (2 / 163) ، سنن البیهقی (2 / 40) عن مسلم ، وفی (ص 61) عن البخاری ، تیسیر الوصول (2 / 228).

18 - عن أبی هریرة قال : إنّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم کان یفتتح القراءة بالحمد لله ربّ العالمین. أخرجه (3) ابن ماجة فی سننه (1 / 271).

وأخرجه الدارمی من طریق أنس بن مالک مع زیادة فی سننه (1 / 283) ، والنسائی فی سننه (2 / 133) ، والشافعی فی کتاب الأمّ (1 / 93).

19 - عن عمرو بن شعیب ، عن أبیه ، عن جدّه عبد الله بن عمرو بن العاصی مرفوعاً : «کلّ صلاة لا یُقرأ فیها بفاتحة الکتاب فهی خداج ، فهی خداج ، فهی خداج». وفی لفظ أحمد : «فهی خداج ، ثمّ هی خداج ، ثمّ هی خداج». 7.

ص: 255


1- صحیح مسلم : 1 / 449 ح 240 کتاب الصلاة ، سنن أبی داود : 1 / 208 ح 783 ، سنن ابن ماجة : 1 / 267 ح 812.
2- مسند أحمد : 3 / 24 ح 8378 ، صحیح مسلم : 1 / 377 ح 43 کتاب الصلاة ، سنن أبی داود : 1 / 211 ح 797 ، السنن الکبری : 1 / 334 ح 1041 ، تیسیر الوصول : 2 / 271.
3- سنن ابن ماجة : 1 / 267 ح 814 ، السنن الکبری : 1 / 314 ح 975 ، کتاب الأُم : 1 / 107.

أخرجه (1) : أحمد فی المسند (2 / 204 ، 215) ، وابن ماجة فی سننه (1 / 278).

20 - أخرج أبو داود فی سننه (2) (1 / 119) من طریق علیّ بن أبی طالب رضی الله عنه عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أنّه کان إذا قام إلی الصلاة کبّر ورفع یدیه حذو منکبیه ، ویصنع [مثل] (3) ذلک إذا قضی قراءته وإذا أراد أن یرکع.

21 - کان أبو حمید الساعدی فی عشرة من أصحاب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم منهم أبو قتادة ، فقال أبو حمید : أنا أعلمکم بصلاة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، کان رسول الله إذا قام إلی الصلاة یرفع یدیه حتی یحاذی بهما منکبیه ، ثمّ یکبّر حتی یقرّ کلّ عظم فی موضعه معتدلاً ، ثمّ یقرأ ثمّ یکبّر فیرفع یدیه حتی یحاذی بهما منکبیه ثمّ یرکع - ثمّ ذکر کیفیّة الرکوع والسجدتین - فقال : ثمّ یصنع فی الرکعة الأخری مثل ذلک (4).

سنن أبی داود (1 / 116) ، سنن الدارمی (1 / 313) ، سنن ابن ماجة (1 / 283) وذکر شطراً منه ، سنن البیهقی (2 / 72) ، مصابیح السنّة (1 / 54).

22 - عن جابر بن عبد الله قال : یقرأ فی الأُولیین بفاتحة الکتاب وسورة وفی الأُخریین بفاتحة الکتاب. قال : وکنّا نحدّث أنّه لا صلاة إلاّ بفاتحة الکتاب فما فوق ذاک. وفی لفظ الطبرانی : سنّة القراءة فی الصلاة أن یقرأ فی الأُولیین بأُمّ القرآن وسورة ، وفی الأخریین بأُمّ القرآن.

سنن البیهقی (2 / 63) فقال : وروینا ما دلّ علی هذا عن علیّ بن أبی طالب وعبد الله بن مسعود وعائشة. وأخرجه (5) ابن أبی شیبة کما فی کنز العمّال : (4 / 2094.

ص: 256


1- مسند أحمد : 2 / 415 ح 6864 ، ص 433 ح 6977 ، سنن ابن ماجة : 1 / 274 ح 841.
2- سنن أبی داود : 1 / 198 ح 744.
3- من المصدر.
4- سنن أبی داود : 1 / 194 ح 730 ، سنن ابن ماجة : 1 / 280 ح 862 ، مصابیح السنّة : 1 / 309 ح 556.
5- مصنّف ابن أبی شیبة : 1 / 271 ، کنز العمّال : 8 / 109 ح 22125 ، ص 281 ح 22924.

250) ، ورواه الطبرانی باللفظ المذکور کما فی مجمع الزوائد (2 / 115).

23 - عن جابر بن عبد الله : من صلّی رکعة لم یقرأ فیها بأُمّ القرآن فلم یصلّ ، إلاّ وراء إمام (1).

صحیح الترمذی (2 / 42) ، وصحّحه ، موطّأ مالک (1 / 80) ، المدوّنة الکبری لمالک (1 / 70) ، سنن البیهقی (2 / 160) ، تیسیر الوصول (2 / 223).

24 - عن عبد الله بن عمر مرفوعاً : «من صلّی مکتوبة أو سبحة فلیقرأ بأُمّ القرآن وقرآن معها ، ومن صلّی صلاة لم یقرأ فیها فهی خداج - ثلاثا -».

أخرجه (2) عبد الرزاق کما فی کنز العمّال (4 / 96) وحسّنه.

25 - عن أبی هریرة مرفوعاً : «لا تجزئ صلاة لمن لم یقرأ فیها بفاتحةالکتاب».

وفی لفظ الدارقطنی (3) وصحّحه : «لا تجزئ صلاة لا یقرأ الرجل فیها فاتحة الکتاب». وفی لفظ أحمد (4) : «لا تُقبل صلاة لا یُقرأ فیها بأمّ الکتاب».

کنز العمّال (5) (4 / 96) نقلاً عن جمع من الحفّاظ.

26 - عن أبی الدرداء : أقرأ فی الرکعتین الأُولیین من الظهر والعصر والعشاء الآخرة فی کلّ رکعة بأمّ القرآن وسورة ، وفی الرکعة الآخرة من المغرب بأمّ القرآن. کنز العمّال (6) (4 / 207). 2.

ص: 257


1- سنن الترمذی : 5 / 123 ح 312 ، موطّأ مالک : 1 / 84 ح 38 ، المدوّنة الکبری : 1 / 68 ، تیسیر الوصول : 2 / 272.
2- المصنّف : 2 / 133 ح 2787 ، کنز العمّال : 7 / 442 ح 19688.
3- سنن الدارقطنی : 1 / 322.
4- مسند أحمد : 6 / 77 ح 20217.
5- کنز العمّال : 7 / 442 ح 19689 و 443 ح 19697 و 19698.
6- کنز العمّال : 8 / 110 ح 22132.

27 - عن حسین بن عرفطة مرفوعاً : «إذا قمت فی الصلاة فقل : بسم الله الرحمن الرحیم ، ألحمد لله ربّ العالمین. حتی تختمها ، قل هو الله أحد إلی آخرها». أخرجه الدارقطنی (1) کما فی کنز العمّال (2) (4 / 96).

28 - عن ابن عبّاس : «لا تصلّینّ صلاة حتی تقرأ بفاتحة الکتاب وسورة ، ولا تدع أن تقرأ بفاتحة الکتاب فی کلّ رکعة» (3). أخرجه عبد الرزّاق کما فی الکنز (4 / 208).

29 - عن ابن سیرین قال : إنّ ابن مسعود کان یقرأ فی الظهر والعصر فی الرکعتین الأُولیین بفاتحة الکتاب وسورة فی کلّ رکعة ، وفی الأُخریین بفاتحة الکتاب.

ذکره الهیثمی فی مجمع الزوائد (2 / 117) فقال : رجاله ثقات إلاّ أنّ ابن سیرین لم یسمع من ابن مسعود.

30 - عن زیدین ثابت قال : القراءة سنّة ، لا تخالف الناس برأیک. أخرجه الطبرانی فی الکبیر (4). کما فی مجمع الزوائد (2 / 115).

هذه سنّة نبیّ الإسلام فی قراءة الفاتحة فی کلّ رکعة من الفرائض والنوافل ، وعلی هذه فتاوی أئمّة المذاهب ، وإلیک نصوصها :

رأی الشافعی :

قال إمام الشافعیة فی کتاب الأُم (5) (1 / 93) : سنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أن یقرأ 3.

ص: 258


1- لم نجده عند الدارقطنی بهذا الإسناد ، ولکنه أخرج مضمونه بأسانید کثیرة أخری. أنظر سنن الدارقطنی 1 / 317 - 323.
2- کنز العمّال : 7 / 442 ح 19687.
3- المصنّف : 2 / 94 ح 2628 ، کنز العمّال : 8 / 114 ح 22153.
4- المعجم الکبیر : 5 / 133 ح 4855.
5- کتاب الأُم : 1 / 107 ، 102 - 103.

القارئ فی الصلاة بأُمّ القرآن ، ودلّ علی أنّها فرض علی المصلّی إذا کان یحسن أن یقرأها. فذکر عدّة من الأحادیث فقال : فواجب علی من صلّی منفرداً أو إماماً أن یقرأ بأمّ القرآن فی کلّ رکعة لا یجزیه غیرها ، وإن ترک من أمّ القرآن حرفاً واحداً ناسیاً أو تساهیاً لم یعتدّ بتلک الرکعة ، لأنّ من ترک منها حرفاً لا یقال له قرأ أمّ القرآن علی الکمال.

وقال فی صفحة (89) فیمن لا یحسن القراءة : فإن لم یحسن سبع آیات وأحسن أقلّ منهنّ لم یجزه إلاّ أن یقرأ بما أحسن کلّه إذا کان سبع آیات أو أقلّ ، فإن قرأ بأقلّ منه أعاد الرکعة التی لم یکمل فیها سبع آیات إذا أحسنهنّ. وقال : ومن أحسن أقلّ من سبع آیات ، فأمّ أو صلّی منفرداً ردّد بعض الآی حتی یقرأ به سبع آیات أو ثمان آیات وإن [لم یفعل] (1) لم أر علیه إعادة ، ولا یجزیه فی کلّ رکعة إلاّ قراءة ما أحسن ممّا بینه وبین أن یکمل سبع آیات أو ثمان آیات من أحسنهنّ.

وقال (2) : وأقلّ ما یجزئ من عمل الصلاة أن یحرم ویقرأ بأم القرآن یبتدئها ب (بسم الله الرحمن الرحیم) إن أحسنها ، ویرکع حتی یطمئنّ راکعاً ، ویرفع حتی یعتدل قائماً ، ویسجد حتی یطمئنّ ساجداً علی الجبهة ، ثمّ یرفع حتی یعتدل جالساً ، ثمّ یسجد الأخری کما وصفت ، ثمّ یقوم حتی یفعل ذلک فی کلّ رکعة ، ویجلس فی الرابعة ویتشهّد ویصلّی علی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ویسلّم تسلیمة یقول : السلام علیکم ، فإذا فعل ذلک أجزأته صلاته وضیّع حظّ نفسه فیما ترک ، وإن کان لا یحسن أمّ القرآن فیحمد الله ویکبّره مکان أمّ القرآن لا یجزئه غیره ، وإن کان لا یحسن غیر أمّ القرآن قرأ بقدرها سبع آیات لا یجزئه دون ذلک ، فإن ترک من أمّ القرآن حرفاً وهو فی الرکعة رجع إلیه وأتمّها ، وإن لم یذکر حتی خرج من الصلاة وتطاول ذلک أعاد. ف)

ص: 259


1- من المصدر ، وهی موجودة فی طبعة الغدیر الأولی.
2- ذکره المزنی فی مختصره هامش کتاب الأم : 1 / 90 ، 91 [ص 17 - 18]. (المؤلف)

وقال فی کتاب الأُم (1) (1 / 217) : إنّ من ترک أُمّ القرآن فی رکعة من صلاة الکسوف فی القیام الأوّل أو القیام الثانی لم یعتدّ بتلک الرکعة ، وصلّی رکعة أخری وسجد سجدتی السهو ، کما إذا ترک أمّ القرآن فی رکعة واحدة من صلاة المکتوبة لم یعتدّ بها.

رأی مالک :

وقال إمام المالکیة کما فی المدوّنة الکبری (2) (1 / 68) : لیس العمل علی قول عمر حین ترک القراءة (3) فقالوا له : إنّک لم تقرأ؟ فقال : کیف کان الرکوع والسجود؟ قالوا حسن. قال : فلا بأس إذن. وأری أن یعید من فعل هذا (4) وإن ذهب الوقت.

وقال فی رجل ترک القراءة فی رکعتین من الظهر أو العصر أو العشاء الآخرة : لا تجزئه الصلاة وعلیه أن یعید ، ومن ترک القراءة فی جلّ ذلک أعاد ، وإن قرأ فی بعضها وترک بعضها أعاد أیضاً ، وإذا قرأ فی رکعتین وترک القراءة فی رکعتین ، فإنّه یعید الصلاة من أیّ الصلوات کانت.

وقال : من نسی قراءة أُمّ القرآن حتی قرأ السورة فإنّه یرجع فیقرأ أُمّ القرآن ثمّ یقرأ سورة أیضاً بعد قراءته أُمّ القرآن. وقال : لا یقضی قراءة نسیها من رکعة فی رکعة أخری. وقال فیمن ترک أُمّ القرآن فی الرکعتین وقد قرأ بغیر أُمّ القرآن : یعید صلاته. وقال فی رجل ترک القراءة فی رکعة فی الفریضة : یلغی تلک الرکعة بسجدتیها ولا یعتدّ بها. ا.

ص: 260


1- کتاب الأُم : 1 / 245.
2- المدوّنة الکبری : 1 / 65 ، 66.
3- مرّ حدیثه فی الجزء السادس صفحة : 100 الطبعة الأولی و 108 الطبعة الثانیة. (المؤلف)
4- فی المصدر : ذلک ، بدلاً من : هذا.

رأی الحنابلة :

قال ابن حزم فی المحلّی (3 / 236) : وقراءة أُمّ القرآن فرض فی کلّ رکعة من کلّ صلاة إماماً کان أو مأموماً أو منفرداً ، والفرض والتطوّع سواء ، والرجال والنساء سواء. ثمّ ذکر جملة من أدلّة المسألة.

وذکر فی (ص 243) فعل عمر وما یعزی إلی علیّ - وحاشاه من ذلک - فقال : لا حجّة فی قول أحد بعد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم.

وقال فی (ص 250) : من نسی التعوّذ أو شیئاً من أُمّ القرآن حتی رکع أعاد متی ذکر فیها وسجد للسهو إن کان إماماً أو فذّا ، فإن کان مأموماً ألغی ما قد نسی إلی أن ذکر ، وإذا أتمّ الإمام قام یقضی ما کان ألغی ، ثمّ سجد للسهو ، ولقد ذکرنا برهان ذلک فیمن نسی فرضاً فی صلاته فإنّه یعید ما لم یصلّ کما أُمر ، ویعید ما صلّی کما أُمر. قال :

ومن کان لا یحفظ أُمّ القرآن [صلّی] (1) وقرأ ما أمکنه من القرآن إن کان یعلمه ، لا حدّ فی ذلک وأجزأه ، ولیسعَ فی تعلّم أُمّ القرآن فإن عرف بعضها ، ولم یعرف البعض قرأ ما عرف منها فأجزأه ، ولیسعَ فی تعلّم الباقی ، فإن لم یحفظ شیئاً من القرآن صلّی کما هو یقوم ویذکر الله کما یحسن بلغته ویرکع ویسجد حتی یتمّ صلاته ویجزیه ، ولیسعَ فی تعلّم أُمّ القرآن.

وقال الشوکانی فی نیل الأوطار (2) (2 / 233) : اختلف القائلون بتعیّن الفاتحة فی کلّ رکعة هل تصحّ صلاة من نسیها؟ فذهبت الشافعیّة وأحمد بن حنبل إلی عدم8.

ص: 261


1- من المصدر.
2- نیل الأوطار : 2 / 238.

الصحّة ، وروی ابن القاسم عن مالک أنّه إن نسیها فی رکعة من صلّی رکعتین فسدت صلاته ، وإن نسیها فی رکعة من صلّی ثلاثیّة أو رباعیّة ، فروی عنه أنّه یعیدها ولا تجزئه ، وروی عنه أنّه یسجد سجدتی السهو ، وروی عنه أنّه یعید تلک الرکعة ویسجد للسهو بعد السلام ، ومقتضی الشرطیّة التی نبّهناک علی صلاحیّة الأحادیث للدلالة علیها أنّ الناسی یعید الصلاة کمن صلّی بغیر وضوء ناسیاً. انتهی.

وأمّا أبو حنیفة إمام الحنفیّة فإنّ له فی مسائل الصلاة آراء ساقطة تشبه أقوال المستهزئ بها وحسبک برهنة صلاة القفال (1) ، وسنفصّل القول فی تلکم الآراء الشاذّة عن الکتاب والسنّة ، وقد اجتهد فی المسألة تجاه تلکم النصوص. قال الجصّاص فی أحکام القرآن (1 / 18) : قال أصحابنا - الحنفیّة - جمیعاً رحمهم الله : یقرأ بفاتحة الکتاب وسورة فی کلّ رکعة من الأُولیین ، فإن ترک قراءة فاتحة الکتاب وقرأ غیرها فقد أساء وتجزیه صلاته. انتهی.

قال ابن حجر فی فتح الباری (2) : إنّ الحنفیّة یقولون بوجوب قراءة الفاتحة لکن بنوا علی قاعدتهم أنّها مع الوجوب لیست شرطاً فی صحّة الصلاة ، لأنّ وجوبها إنّما ثبت بالسنّة ، والذی لا تتمّ الصلاة إلاّ به فرض ، والفرض عندهم لا یثبت بما یزید علی القرآن وقد قال تعالی : (فَاقْرَؤُا ما تَیَسَّرَ مِنْهُ) (3) فالفرض قراءة ما تیسّر ، وتعیّن الفاتحة إنّما یثبت بالحدیث فیکون واجباً یأثم من یترکه وتجزئ الصلاة بدونه ، وهذا تأویل علی رأی فاسد ، حاصله ردّ کثیر من السنّة المطهّرة بلا برهان ولا حجّة نیّرة ، فکم موطن من المواطن یقول فیه الشارع : لا یجزئ کذا ، لا یقبل کذا ، لا یصحّ کذا ، ویقول المتمسّکون بهذا الرأی یجزئ ، ویقبل ، ویصحّ ؛ ولمثل هذا حذّر السلف 0.

ص: 262


1- ذکرها ابن خلّکان فی تاریخه [5 / 180 رقم 713] فی ترجمة السلطان محمود السبکتکین. (المؤلف)
2- فتح الباری : 2 / 242.
3- المزمّل : 20.

من أهل الرأی. انتهی. وذکره الشوکانی فی نیل الأوطار (1) (2 / 230).

ونظراً إلی الأهمیّة الواردة فی قراءة أُمّ الکتاب فی الصلوات کلّها ، وأخذاً بظاهر : «لا صلاة إلاّ بفاتحة الکتاب» ، ذهب من ذهب من القوم إلی وجوبها علی المأموم أیضاً مطلقاً أو فی الصلوات الجهریّة ؛ قال الترمذی فی الصحیح (2) (1 / 42) : قد اختلف أهل العلم فی القراءة خلف الإمام ، فرأی أکثر أهل العلم من أصحاب النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم والتابعین من بعدهم القراءة خلف الإمام ، وبه یقول مالک وابن المبارک والشافعی وأحمد وإسحاق ، وروی عن عبد الله بن المبارک أنّه قال : أنا أقرأ خلف الإمام والناس یقرؤون إلاّ قوم (3) من الکوفیّین ، وأری أنّ من لم یقرأ صلاته جائزة ، وشدّد قوم من أهل العلم فی ترک قراءة فاتحة الکتاب وإن کان خلف الإمام فقالوا : لا تُجزئ صلاة إلاّ بقراءة فاتحة الکتاب وحده کان أو خلف الإمام. انتهی.

وقد جاء مع ذلک عن عبادة بن الصامت مرفوعاً : «إنّی أراکم تقرءون وراء إمامکم فلا تفعلوا إلاّ بأُمّ القرآن فإنّه لا صلاة لمن لم یقرأها».

وفی لفظ أبی داود : «لا تقرءوا بشیء من القرآن إذا جهرت إلاّ بأُمّ القرآن».

وفی لفظ النسائی وابن ماجة : «لا یقرأنّ أحد منکم إذا جهرت بالقراءة إلاّ بأُمّ القرآن».

وفی لفظ الحاکم : «إذا قرأ الإمام فلا تقرءوا إلاّ بأُمّ القرآن فإنّه لا صلاة لمن لم یقرأ بها». ء.

ص: 263


1- نیل الأوطار : 2 / 235.
2- سنن الترمذی : 2 / 122 ح 312.
3- کذا فی الطبعة التی اعتمدها المؤلف قدس سره ، وفی الطبعة المحققة : إلاّ قوماً ، وهو الصحیح لوجوب نصبه علی الاستثناء.

وفی لفظ الطبرانی : «من صلّی خلف الإمام فلیقرأ بفاتحة الکتاب».

وعن أنس بن مالک مرفوعاً : «أتقرؤون فی صلاتکم خلف الإمام بقرآن والإمام یقرأ؟ فلا تفعلوا ولیقرأ أحدکم بفاتحة الکتاب فی نفسه».

وعن أبی قلابة مرسلاً : «أتقرؤون خلفی وأنا أقرأ فلا تفعلوا ذلک ، لیقرأ أحدکم بفاتحة الکتاب فی نفسه سرّا» (1).

قال ابن حزم فی المحلّی (3 / 239) : اختلف أصحابنا فقالت طائفة : فرض علی المأموم أن یقرأ أُمّ القرآن فی کلّ رکعة أسرّ الإمام أو جهر ، وقالت طائفة : هذا فرض علیه فیما أسرّ فیه الإمام خاصّة ولا یقرأ فیما جهر فیه الإمام ، ولم یختلفوا فی وجوب قراءة أُمّ القرآن فرضاً فی کلّ رکعة علی الإمام والمنفرد.

وأخرج البیهقی أحادیث صحاحاً تدلّ علی أنّ القراءة تسقط مع الإمام جهر أو لم یجهر. وذکر قول من قال : یقرأ خلف الإمام مطلقاً ثمّ قال : هو أصحّ الأقوال علی السنّة وأحوطها. راجع السنن الکبری (2 / 159 - 166).

هذا تمام القول فی الناحیة الأولی من ناحیتی مخالفة عمل الخلیفتین فی الصلاة للسنّة الشریفة ، ومن ذلک کلّه یُعلم حکم الناحیة الثانیة وأنّ الأُمّة مطبقة علی أنّ تدارک الفائتة من قراءة رکعة فی رکعة أخری لم یرد فی السنّة النبویّة ، وأنّ رأی الرجلین غیر مدعوم بحجّة ، لا یُعمل به ، ولا یُعوّل علیه ، ولا یستنّ به قطّ أحد من رجال الفتوی ، والحقّ أحقّ أن یُتّبع. ف)

ص: 264


1- مسند أحمد : 2 / 302 ، 308 و 5 / 313 ، 316 ، 322 [2 / 583 ح 7947 ، ص 594 ح 8015 ، 6 / 427 ح 22163 ، ص 430 ح 22186 ، ص 440 ح 22244] ، سنن الترمذی : 1 / 42 [2 / 122 ح 312] ، المحلّی لابن حزم : 3 / 236 [المسالة 360] ، مستدرک الحاکم : 1 / 238 ، 239 [364 - 365 ح 870 - 871] سنن النسائی : 2 / 141 [1 / 319 ح 992] ، سنن البیهقی : 2 / 164 ، 165 ، مصابیح السنّة : 1 / 60 [1 / 319 ح 577 - 578]. (المؤلف)

- 14 -

رأی الخلیفة فی صلاة المسافر

أخرج أبو عبید فی الغریب (1) وعبد الرزّاق (2) والطحاوی وابن حزم عن أبی المهلّب ، قال کتب عثمان : أنّه بلغنی أنّ قوماً یخرجون إمّا لتجارة أو لجبایة أو لحشریّة (3) یقصرون الصلاة وإنّما یقصر الصلاة من کان شاخصاً أو بحضرة عدوّ.

ومن طریق قتادة عن عیاش المخزومی : کتب عثمان إلی بعض عمّاله : أنّه لا یصلّی الرکعتین المقیم ولا البادی ولا التاجر ، إنّما یصلی الرکعتین من معه الزاد والمزاد.

وفی لفظ ابن حزم : إنّ عثمان کتب إلی عمّاله : لا یصلّی الرکعتین جابٍ ولا تاجر ولا تان (4) ، إنّما یصلّی الرکعتین ... إلخ.

وفی لسان العرب : فی حدیث عثمان رضی الله عنه أنّه قال : لا یغرّنکم جشرکم من صلاتکم فإنّما یقصر الصلاة من کان شاخصاً أو یحضره عدوّ. قال أبو عبید : الجشر القوم یخرجون بدوابّهم إلی المرعی ، ویبیتون مکانهم ولا یأوون إلی البیوت (5).

وفی هامش سنن البیهقی (3 / 137) : شاخصاً : یعنی رسولاً فی حاجة ، وفی النهایة (6) : شاخصاً : أی مسافراً ومنه حدیث أبی أیوب : فلم یزل شاخصاً فی سبیل الله. 1.

ص: 265


1- غریب الحدیث : 3 / 419.
2- المصنّف : 2 / 521 ح 4282.
3- کذا فی النسخ بالمهملة ، والصحیح کما یأتی : الجشر بالمعجمة. (المؤلف)
4- التنایة : هی الفلاحة والزراعة. نهایة ابن الأثیر [1 / 199]. (المؤلف)
5- سنن البیهقی : 3 / 137 ، المحلّی لابن حزم : 5 / 1 [مسألة 513]. نهایة ابن الأثیر : 2 / 325 [1 / 273] ، لسان العرب : 5 / 207 [2 / 287] ، کنز العمّال : 4 / 239 [8 / 235 ح 22704] ، تاج العروس : 3 / 100 و 4 / 401. (المؤلف)
6- النهایة فی غریب الحدیث والأثر : 2 / 451.

قال الأمینی : من أین جاء عثمان بهذا القید فی السفر؟ والأحادیث المأثورة فی صلاته مطلقات کلّها ، کما أوقفناک علیها فی (ص 111 - 115) ، وقبلها عموم قوله تعالی : (وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِی الْأَرْضِ فَلَیْسَ عَلَیْکُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ) (1). ولأبی حنیفة وأصحابه والثوریّ وأبی ثور فی عموم الآیة نظر واسع لم یخصّوه بالمباح من السفر ، بل قالوا بأنّه یعم سفر المعصیة أیضاً کقطع الطریق والبغی کما ذکره ابن حزم فی المحلّی (4 / 264) ، والجصّاص فی أحکام القرآن (2) (2 / 312) ، وابن رشد فی بدایة المجتهد (3) (1 / 163) ، وملک العلماء فی البدائع (1 / 93) ، والخازن فی تفسیره (4) (1 / 413).

ولیس لحضور العدوّ أیّ دخل فی القصر والإتمام وإنّما الخوف وحضور العدوّ لهما شأن خاصّ فی الصلوات ، وأحکام تخصّ بهما ، وناموس مقرّر لا یعدوهما.

فمقتضی الأدلّة کما ذهبت إلیه الأُمّة جمعاء : أنّ التاجر والجابی والتانی والجشریة وغیرهم إذا بلغوا مبلغ السفر فحکمهم القصر ، فهم وبقیّة المسافرین شرع سواء ، وإلاّ فهم جمیعاً فی حکم الحضور یتمّون صلاتهم من دون أیّ فرق بین الأصناف ، ولیس تفصیل الخلیفة إلاّ فتوی مجرّدة ورأیاً یخصّ به ، وتقوّلاً لا یؤبه له تجاه النصوص النبویّة ، وإطباق الصحابة ، واتّفاق الأُمّة ، وتساند الأئمّة والعلماء ، وإنّما ذکرناه هنا لإیقافک علی مبلغ الرجل من الفقاهة ، أو تسرّعه فی الفتیا من غیر فحص عن الدلیل ، أو أنّه عرف الدلیل لکنّه لم یکترث له وقال قولاً أمام قول رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم.

کناطحٍ صخرةً یوماً لیوهنها

فلم یضرها وأوهی قرنه الوعل

علی أنّ التاجر جاء فیه ما أخرجه ابن جریر الطبری وغیره من طریق علیّ 6.

ص: 266


1- النساء : 101.
2- أحکام القرآن : 2 / 255.
3- بدایة المجتهد : 1 / 172.
4- تفسیر الخازن : 1 / 396.

کرّم الله وجهه قال : «سأل قوم من التجّار رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فقالوا : یا رسول الله إنّا نضرب فی الأرض فکیف نصلّی؟ فأنزل الله تعالی : (وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِی الْأَرْضِ فَلَیْسَ عَلَیْکُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ) (1)

. وأخرج أبو بکر بن أبی شیبة ، عن وکیع ، عن الأعمش ، عن إبراهیم قال : جاء رجل فقال : یا رسول الله إنّی رجل تاجر أختلف إلی البحرین ، فأمره أن یصلّی برکعتین (2).

- 15 -

رأی الخلیفة فی صید الحرم

أخرج إمام الحنابلة أحمد وغیره بإسناد صحیح عن عبد الله بن الحارث بن نوفل قال : أقبل عثمان إلی مکة ، فاستقبلتُهُ بقدید ، فاصطاد أهل الماء حجلاً فطبخناه بماء وملح ، فقدّمناه إلی عثمان وأصحابه فأمسکوا ، فقال عثمان : صید لم نصده ولم نأمر بصیده اصطاده قوم حِلّ فأطعموناه فما بأس به. فبعث إلی علیّ فجاء ، فذکر له فغضب علیّ وقال : «أنشد رجلاً شهد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم حین أُتی بقائمة حمار وحش فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إنّا قوم حرم فأطعموه أهل الحِلّ» فشهد اثنا عشر رجلاً من

ص: 267


1- تفسیر ابن جریر : 5 / 155 [مج 4 / ج 5 / 244] ، مقدمات المدوّنة الکبری لابن رشد : 1 / 139 ، تفسیر ابن عطیّة کما فی تفسیر القرطبی : 5 / 362 [5 / 232] ، الدرّ المنثور : 2 / 209 [2 / 656] ، تفسیر الشوکانی : 1 / 471 [1 / 508] ، تفسیر الآلوسی : 5 / 134. (المؤلف)
2- تفسیر ابن کثیر : 1 / 544 ، الدرّ المنثور : 2 / 210 [2 / 656]. (المؤلف)

أصحاب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، ثمّ قال علیّ : «أنشد الله رجلاً شهد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم حین أُتی - ببیض النعام - فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : إنّا قوم حرم أطعموه أهل الحلّ» فشهد دونهم من العدّة من الاثنی عشر قال : فثنی عثمان ورکه من الطعام فدخل رحله ، وأکل الطعام أهل الماء.

وفی لفظ آخر لأحمد عن عبد الله بن الحارث : إنّ أباه ولی طعام عثمان ، قال : فکأنّی أنظر إلی الحجل حوالی الجفان فجاء رجل فقال : إنّ علیّا رضی الله عنه یکره هذا ، فبعث إلی علیّ وهو ملطّخ یدیه بالخبط فقال : إنّک لکثیر الخلاف علینا ، فقال علیّ : «أُذکر الله من شهدا النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم أُتی بعجز حمار وحش وهو محرم فقال : إنّا محرمون فأطعموه أهل الحلّ». فقام رجال فشهدوا ثمّ قال : «أُذکر الله رجلاً شهد النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم أُتی بخمس بیضات بیض نعام فقال : إنّا محرمون فأطمعوه أهل الحلّ» فقام رجال فشهدوا ، فقام عثمان فدخل فسطاطه وترکوا الطعام علی أهل الماء.

وفی لفظ الإمام الشافعی : إنّ عثمان أُهدیت له حجل وهو محرم ، فأکل القوم إلاّ علیّا فإنّه کره ذلک.

وفی لفظ لابن جریر : حجّ عثمان بن عفّان فحجّ علیّ معه ، فأُتی عثمان بلحم صید صاده حلال ، فأکل منه ولم یأکله علیّ ، فقال عثمان : والله ما صدنا ولا أمرنا ولا أشرنا فقال علیّ (وَحُرِّمَ عَلَیْکُمْ صَیْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً) (1).

وفی لفظ : إنّ عثمان بن عفّان رضی الله عنه نزل قدیداً فأُتی بالحجل فی الجفان شائلة بأرجلها ، فأرسل إلی علیّ رضی الله عنه وهو یضفر (2) بعیراً له ، فجاء والخبط ینحات منف)

ص: 268


1- المائدة : 96.
2- ضفر الدابّة یضفرها ضفراً : ألقی اللجام فی فیها. والضفر : ما شددت به البعیر من الشعر المضفور. والمضفور والضفیر : الحبل المفتول. الضفائر : الذوائب المضفورة [لسان العرب : 8 / 70 ، 71]. (المؤلف)

یدیه ، فأمسک علیّ وأمسک الناس فقال علیّ : «من هاهنا من أشجع؟ هل تعلمون أنّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم جاءه أعرابیّ ببیضات نعام وتتمیر (1) وحش فقال : أطعمهنّ أهلک فإنّا حرم؟» قالوا : بلی. فتورّک عثمان عن سریره ونزل فقال : خبثت علینا.

وفی لفظ البیهقی : کان الحارث خلیفة عثمان رضی الله عنه علی الطائف ، فصنع لعثمان رضی الله عنه طعاماً وصنع فیه من الحجل والیعاقیب ولحوم الوحش قال : فبعث إلی علیّ بن أبی طالب رضی الله عنه فجاءه الرسول وهو یخبط لأباعر له ، فجاءه وهو ینفض الخبط من یده فقالوا له : کل. فقال : «أطعموه قوماً حلالاً فإنّا قوم حرم» ، ثمّ قال علیّ رضی الله عنه : «أنشد الله من کان هاهنا من أشجع ، أتعلمون أنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أُهدی إلیه رجل حمار وحش وهو محرم فأبی أن یأکله؟» قالوا : نعم.

وأخرج الطبری من طریق صبیح بن عبد الله العبسی قال : بعث عثمان بن عفّان أبا سفیان بن الحرث علی العروض ، فنزل قدیداً فمرّ به رجل من أهل الشام معه باز وصقر فاستعاره منه فاصطاد به من الیعاقیب فجعلهنّ فی حظیرة ، فلمّا مرّ به عثمان طبخهنّ ثمّ قدّمهنّ إلیه فقال عثمان : کلوا ، فقال بعضهم : حتی یجیء علیّ بن أبی طالب. فلمّا جاء فرأی ما بین أیدیهم قال علیّ : «إنّا لا نأکل منه». فقال عثمان مالک لا تأکل؟ فقال : «هو صید [و] (2) لا یحلّ أکله وأنا محرم». فقال عثمان : بیّن لنا. فقال علیّ : (یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّیْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ) (3). فقال عثمان : أو نحن قتلناه؟ فقرأ علیه : (أُحِلَّ لَکُمْ صَیْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعاً لَکُمْ وَلِلسَّیَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَیْکُمْ صَیْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً) (4). 6.

ص: 269


1- التتمیر : التقدید. والتتمیر : التیبیس. والتتمیر : أن یقطع اللحم صغاراً ویجفّف. واللحم المتمّر : المقطع. لسان العرب [2 / 50]. (المؤلف)
2- من المصدر.
3- المائدة : 95.
4- المائدة : 96.

وأخرج سعید بن منصور کما ذکره ابن حزم من طریق بسر بن سعید قال : إنّ عثمان بن عفّان کان یصاد له الوحش علی المنازل ثمّ یذبح فیأکله وهو محرم سنتین من خلافته ، ثمّ إنّ الزبیر کلّمه فقال : ما أدری ما هذا یُصاد لنا ومن أجلنا ، لو ترکناه ، فترکه.

قال الأمینی : هذه القصّة تشفّ عن تقاعس فقه الخلیفة عن بلوغ مدی هذه المسألة ، أو أنّه راقه اتّباع الخلیفة الثانی فی الرأی حیث کان یأمر المحرم بأکل لحم الصید ، ویحذّر أهل الفتوی عن خلافه مهدّداً بالدرّة إن فعل وسیوافیک تفصیله إن شاء الله تعالی. غیر أنّ عثمان أفحمه مولانا أمیر المؤمنین علیه السلام بالکتاب والسنّة فلم یجد ندحة من الدخول فی فسطاطه والاکتفاء بقوله : إنّک لکثیر الخلاف علینا. وهذا القول ینمّ عن توفّر الخلاف بین مولانا أمیر المؤمنین علیه السلام وبین الخلیفة ، ومن الواضح الجلیّ أنّ الحقّ کلّما شجر خلاف بین مولانا علیّ علیه السلام وبین غیره کائناً من کان لا یعدو کفّة الإمام صلوات علیه للنصّ النبویّ : «علیّ مع الحقّ والحقّ مع علیّ ولن یفترقا حتی یردا علیّ الحوض یوم القیامة» (1) وقوله : «علیّ مع القرآن والقرآن معه لا یفترقان حتی یردا علیّ الحوض» (2) وأنّه باب مدینة علم النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ، ووارث علمه ، وعیبة علمه ، وأقضی أُمّته (3) وکان سلام الله علیه منزّهاً عن الخلاف لاتّباع هوی أو احتدام بغضاء بینه وبین غیره ، فإنّ ذلک من الرجس الذی نفاه الله عنه علیه السلام فی آیة التطهیر. وقد طأطأ کلّ علیم لعلمه ، وکان من المتسالم علیه أنّه أعلم الناس بالسنّة ؛ ولذلک لمّا نهی عمر عبد الله بن جعفر عن لبس الثیاب المعصفرة فی الإحرام جابهه الإمام علیه السلام ف)

ص: 270


1- راجع ما مرّ فی الجزء الثالث : ص 155 - 158 الطبعة الأولی و 176 - 180 الطبعة الثانیة. (المؤلف)
2- راجع ما أسلفناه فی الجزء الثالث : ص 158 الطبعة الأولی و 180 الطبعة الثانیة. (المؤلف)
3- راجع ما فصّلناه فی الجزء السادس : ص 54 - 73 الطبعة الأولی و 61 - 81 الطبعة الثانیة. (المؤلف)

بقوله : «ما أخال أحداً یعلّمنا السنّة» (1) ، فسکت عمر إذ کان لم یجد منتدحاً عن الإخبات إلی قوله ، ولو کان غیره علیه السلام لعلاه بالدرّة ، ولذلک کان عمر یرجع إلیه فی کلّ أمر عصیب ، فإذا حلّه قال : لو لا علیّ لهلک عمر (2) ، أو نظیر هذا القول. وسیوافیک عن عثمان نفسه قوله : لو لا علیّ لهلک عثمان.

فرأی الإمام الطاهر هو المتّبع وهو المعتضد بالکتاب بقوله تعالی (وَحُرِّمَ عَلَیْکُمْ صَیْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً) ، کما استدلّ به علیه السلام علی عثمان ، فبعمومه کما حکاه ابن حزم فی المحلّی (7 / 249) عن طائفة ظاهر فی أنّ الشیء المتصیّد هو المحرّم ملکه وذبحه وأکله کیف کان ، فحرّموا علی المحرم أکل لحم الصید وإن صاده لنفسه حلال ، وإن ذبحه الحلال (3) ، وحرّموا علیه ذبح شیء منه وإن کان قد ملکه قبل إحرامه. وقال القرطبی فی تفسیره (4) (6 / 321) : التحریم لیس صفة للأعیان ، وإنّما یتعلّق بالأفعال. فمعنی قوله : (وَحُرِّمَ عَلَیْکُمْ صَیْدُ الْبَرِّ) أی فعل الصید ، وهو المنع من الاصطیاد ، أو یکون الصید بمعنی المصید علی معنی تسمیة المفعول بالفعل ، وهو الأظهر لإجماع العلماء علی أنّه لا یجوز للمحرم قبول صید وهب له ، ولا یجوز له شراؤه ولا اصطیاده ولا استحداث ملکه بوجه من الوجوه ، ولا خلاف بین علماء المسلمین فی ذلک لعموم قوله تعالی : (وَحُرِّمَ عَلَیْکُمْ صَیْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً) ولحدیث الصعب بن جثامة. وقال فی (ص 322): وروی عن علیّ بن أبی طالب وابن عباس وابن عمر : أنّه لا یجوز للمحرم أکل صید علی حال من الأحوال سواء صید من أجله أو لم یصد لعموم قوله تعالی (وَحُرِّمَ عَلَیْکُمْ صَیْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً) : قال ابن عبّاس : هی مبهمة. وبه قال طاووس ، وجابر بن زید وأبو الشعثاء ، وروی ذلک عن الثوری ، وبه 8.

ص: 271


1- کتاب الأُم للإمام الشافعی : 2 / 126 [2 / 147] ، المحلّی لابن حزم : 7 / 260 [المسألة 896]. (المؤلف)
2- راجع نوادر الأثر فی علم عمر فی الجزء السادس من کتابنا هذا. (المؤلف)
3- هکذا هی العبارة فی المحلّی ، وهی لا تخلو من اضطراب.
4- الجامع لأحکام القرآن : 6 / 207 - 208.

قال إسحاق ، واحتجّوا بحدیث ابن جثامة. انتهی.

ویعتضد رأی الإمام علیه السلام ومن تبعه بالسنّة الشریفة الثابتة بما ورد فی الصحاح والمسانید ، وإلیک جملة منه :

1 - عن ابن عبّاس قال : یا زید بن أرقم هل علمت أنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أُهدی إلیه عضد صید فلم یقبله وقال : «إنّا حُرُم»؟ قال : نعم.

وفی لفظ : قدم زید بن أرقم فقال له ابن عبّاس یستذکره : کیف أخبرتنی عن لحم صید أُهدی لرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وهو حرام؟ قال : نعم أهدی له رجل عضواً من لحم صید فردّه وقال : «إنّا لا نأکل إنّا حُرم».

وفی لفظ مسلم (1) : إنّ زید بن أرقم قدم فأتاه ابن عبّاس رضی الله عنه فاستفتاه فی لحم الصید فقال : أُتی رسول الله بلحم صید وهو محرم فردّه.

راجع (2) صحیح مسلم (1 / 450) سنن أبی داود (1 / 291) ، سنن النسائی (5 / 184) ، سنن البیهقی (5 / 194) ، المحلّی لابن حزم (7 / 250) وقال. رویناه من طرق کلّها صحاح.

2 - عن الصعب بن جثامة قال : مرّ بی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وأنا بالأبواء أو بودان (3) وأهدیت له لحم حمار وحش فردّه علیّ ، فلمّا رأی فی وجهی الکراهیة قال : «إنّه لیس بنا ردّ علیک ولکنّنا حُرم». ف)

ص: 272


1- کذا فی سنن البیهقی. والموجود فی صحیح مسلم هو اللفظ الذی قبله.
2- صحیح مسلم : 3 / 23 ح 55 کتاب الحج ، سنن أبی داود : 2 / 170 ح 1850 ، السنن الکبری : 2 / 370 ح 3803 - 3804.
3- ودان بفتح الواو قریة جامعة بین مکة والمدینة ، بینها وبین الأبواء نحو من ثمانیة أمیال من الجحفة ، ومنها الصعب بن جثامة. معجم البلدان [5 / 365]. (المؤلف)

وفی لفظ : إنّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم أُتی بلحم حمار وحش فردّه وقال : «إنّا حُرم لا نأکل الصید».

راجع (1). صحیح مسلم (1 / 449) ، مسند أحمد (4 / 37) ، سنن الدارمی (2 / 39) ، سنن ابن ماجة (3 / 262) ، سنن النسائی (5 / 184) ، سنن البیهقی (5 / 192) بعدّة طرق ، أحکام القرآن للجصّاص (2 / 586) ، تفسیر الطبری (7 / 48) ، تیسیر الوصول (1 / 272).

3 - عن سعید بن جبیر عن ابن عباس قال : أُهدی للنبیّ صلی الله علیه وآله وسلم شقّ حمار وحش وهو محرم فردّه.

وفی لفظ أحمد : إنّ الصعب بن جثامة أهدی إلی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وهو محرم عجز حمار ، فردّه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وهو یقطر دماً.

وفی لفظ طاووس فی حدیثه : عضداً من لحم صید.

وفی لفظ مقسم : لحم حمار وحش.

وفی لفظ عطاء فی حدیثه : أُهدی له صید فلم یقبله وقال : «إنّا حُرم».

وفی لفظ النسائی : أهدی الصعب بن جثامة إلی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم رجل حمار وحش تقطر دماً وهو محرم وهو بقدید فردّها علیه.

وفی لفظ ابن حزم : إنّه أهدی لرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم رجل حمار وحش فردّه علیه وقال : «إنّا حُرم لا نأکل الصید». وفی لفظ : «لو لا أنّا محرمون لقبلناه منک». 3.

ص: 273


1- صحیح مسلم : 3 / 22 ح 50 - 51 کتاب الحج ، مسند أحمد : 4 / 624 ح 15987 ، 15988 ، سنن ابن ماجة : 2 / 1032 ح 3090 ، السنن الکبری : 2 / 370 ح 3801 - 3802 ، أحکام القرآن : 2 / 481 ، جامع البیان : مج 5 / ج 7 / 74 ، تیسیر الوصول : 1 / 321 ح 43.

راجع (1) : صحیح مسلم (1 / 449) ، مسند أحمد (1 / 290 ، 338 ، 341) ، مسند الطیالسی (ص 171) ، سنن النسائی (5 / 185) ، سنن البیهقی (5 / 193) ، المحلّی لابن حزم (7 / 249) وقال : رویناه من طرق کلّها صحاح ، أحکام القرآن للجصّاص (2 / 586) ، تفسیر القرطبی (6 / 322).

لفت نظر :

أخرج البیهقی فی تجاه هذا الصحیح المتسالم علیه فی السنن الکبری (5 / 193) من طریق عمرو بن أُمیّة الضمری : أنّ الصعب بن جثامة أهدی للنبیّ عجز حمار وحش وهو بالجحفة فأکل منه وأکل القوم. ثمّ قال : وهذا إسناد صحیح ، فإن کان محفوظاً فکأنّه ردّ الحیّ وقبل اللحم والله أعلم. انتهی.

لا أحسب هذا مبلغ علم البیهقی ، وإنّما أعماه حبّه لتبریر الخلیفة فی رأیه الشاذّ عن الکتاب والسنّة ، فرأی الضعیف صحیحاً ، وأتی فی الجمع بینه وبین الصحیح المذکور بما یأباه صریح لفظه ، ولهذه الغایة أخرج البخاری ذلک الصحیح المتسالم علیه فی صحیحه (2) (3 / 165) وحذف منه کلمة : الشقّ ، والعجز ، والرجل ، والعضد ، واللحم. وتبعه فی ذلک الجصّاص فی أحکام القرآن (3) (2 / 586) حیّا الله الأمانة.

وعقّب ابن الترکمانی رأی البیهقی فیما أخرجه فقال فی شرح السنن الکبری (4) : قلت : هذا فی سنده یحیی بن سلیمان الجعفی عن ابن وهب ، أخبرنی یحیی بن أیّوب هو 3.

ص: 274


1- صحیح مسلم : 3 / 23 ح 53 - 54 کتاب الحج ، مسند أحمد : 1 / 477 ح 2625 ، ص 556 ح 3122 ، ص 561 ح 3158 ، السنن الکبری : 2 / 371 ح 3805 ، أحکام القرآن : 2 / 481 ، الجامع لأحکام القرآن : 6 / 208.
2- صحیح البخاری : 2 / 649 ح 1729.
3- أحکام القرآن : 2 / 481.
4- الجوهر النقی : 5 / 193.

الغافقی المصری ، ویحیی بن سلیمان ذکره الذهبی فی المیزان (1) والکاشف (2) عن النسائی أنّه لیس بثقة. وقال ابن حبّان (3) : ربّما أغرب. والغافقی قال النسائی (4) : لیس بذاک القوی. وقال أبو حاتم (5) : لا یحتجّ به. وقال أحمد (6) : کان سیّئ الحفظ یخطئ خطأً کثیراً ، وکذّبه مالک فی حدیثین ، فعلی هذا لا یشتغل بتأویل هذا الحدیث لأجل سنده ولمخالفته للحدیث الصحیح ، وقول البیهقی : ردّ الحیّ وقبل اللحم یردّه ما فی الصحیح أنّه علیه السلام ردّه. انتهی.

4 - عن عبد الله بن الحارث ، عن ابن عبّاس ، عن علیّ بن أبی طالب قال : «أُتی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم بلحم صید وهو محرم فلم یأکله» (7).

مسند أحمد (1 / 105) ، سنن ابن ماجة (2 / 263).

5 - عن هشام بن عروة ، عن أبیه ، عن عائشة أُمّ المؤمنین أنّها قالت له : یا ابن أُختی إنّما هی عشر لیال فإن یختلج فی نفسک شیء فدعه. یعنی أکل لحم الصید (8).

موطّأ مالک (1 / 257) ، سنن البیهقی (5 / 194) ، تیسیر الوصول (1 / 273).

6 - عن نافع قال : أهدی إلی ابن عمر ظبی مذبوحة بمکة فلم یقبلها ، وکان ابن عمر یکره للمحرم أن یأکل من لحم الصید علی کلّ حال. 8.

ص: 275


1- میزان الاعتدال : 4 / 382 رقم 9532.
2- الکاشف : 3 / 258 رقم 6285.
3- الثقات : 9 / 263.
4- کتاب الضعفاء والمتروکین : ص 249 رقم 657.
5- الجرح والتعدیل : 9 / 127 رقم 542.
6- العلل ومعرفة الرجال : 3 / 52 رقم 4125.
7- مسند أحمد : 1 / 169 ح 832 ، سنن ابن ماجة : 2 / 1032 ح 3091.
8- موطّأ مالک : 1 / 354 ح 85 ، تیسیر الوصول : 1 / 322 ح 48.

رواه ابن حزم فی المحلّی (7 / 250) من طریق رجاله کلّهم ثقات.

ولو کان عند الخلیفة علم بسنّة نبیه لعلّه لم یک یخالفها ، ولو کان عنده ما یجد به فی الحجاج تجاه هذه السنّة الثابتة لأفاضه وما ترک النوبة لأتباعه لیحتجّوا له بعد لأی من عمر الدهر بما لا یغنی من الحقّ شیئاً ، قال البیهقی فی سننه (5 / 194) : أمّا علیّ وابن عبّاس فإنّهما ذهبا إلی تحریم أکله علی المحرم مطلقاً ، وقد خالفهما عمر وعثمان وطلحة والزبیر وغیرهم ومعهم حدیث أبی قتادة وجابر والله أعلم. انتهی.

أمّاحدیث أبی قتادة قال : انطلقت مع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم عام الحدیبیّة فأحرم أصحابی ولم أحرم ، فانطلق النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وکنت مع أصحابی فجعل بعضهم یضحک إلی بعض ، فنظرت فإذا حمار وحش فحملت علیه فطعنته فأثبته ، فاستعنت بهم فأبوا أن یعینونی فأکلنا منه ، فلحقت برسول الله وقلت : یا رسول الله إنّی أصبت حمار وحش ومعی منه فاضلة. فقال النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم للقوم : «کلوا» وهم محرمون (1).

فهو غیر واف بالمقصود لأنّ قصّته کانت عام الحدیبیّة السادس من الهجرة کما هو صریح لفظه ، وکثیر من أحکام الحجّ شرّعت فی عام حجّة الوداع السنة العاشرة ومنها تعیین المواقیت ولذلک ما کان أبو قتادة محرماًعند ذاک ، مع إحرام رسول الله وإحرام أصحابه. قال ابن حجر فی فتح الباری (2) (4 / 19) : قیل : کانت هذه القصّة قبل أن یوقّت النبیّ المواقیت. وقال السندی فی شرح سنن النسائی (5 / 185) عند ذکر حدیث أبی قتادة : قوله عام الحدیبیّة بهذا تبیّن أنّ ترکه الإحرام ومجاوزته المیقات بلا إحرام کان قبل أن تُقرّر المواقیت ، فإنّ تقریر المواقیت کان سنة حجّ الوداع کما روی عن أحمد. 3.

ص: 276


1- صحیح البخاری : 3 / 163 [2 / 647 ح 1726] ، صحیح مسلم : 1 / 450 [3 / 24 ح 56 کتاب الحج] ، سنن النسائی : 5 / 185 [2 / 371 ح 3807] سنن ابن ماجة : 2 / 363 [2 / 1033 ح 3093] ، سنن البیهقی : 5 / 188. (المؤلف)
2- فتح الباری : 4 / 23.

ومنها أحکام الصید النازلة فی سورة المائدة التی هی آخر ما نزل من القرآن ، وروی عن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم أنّه قرأها فی حجّة الوداع وقال : «یا أیّها الناس إنّ سورة المائدة من آخر ما نزل فأحلّوا حلالها وحرّموا حرامها». وروی نحوه عن عائشة موقوفاً وصحّحه الحاکم وأقرّه ابن کثیر ، وأخرجه أبو عبید من طریق ضمرة بن حبیب ، وعطیة بن قیس مرفوعاً (1)

فلیس من البدع أن یکون غیر واحد من مواضیع الحجّ لم یشرّع لها حکم فی عام الحدیبیّة ثمّ شرّع بعده ومنها هذه المسألة ، وکان مولانا أمیر المؤمنین علیه السلام حاضراً فی عام الحدیبیّة وقد شاهد قصّة أبی قتادة کما شاهدها غیره - علی فرض صحّتها - ومع ذلک أنکر علی عثمان وکذلک الشهود الذین استنشدهم صلوات الله علیه فشهدوا له لم یعزب عنهم ما وقع فی ذلک العام ، لکنّهم شهدوا علی التشریع الأخیر الثابت.

ولو کان لقصّة أبی قتادة مقیل من الصحّة أو وزن یقام لما ترک عثمان الاحتجاج بها لکنّه کان یعلم أنّ الشأن فیها کما ذکرناه ، وأنّ العمل قبل التشریع لا حجّیّة له ، وأفحمه الإمام علیه السلام بحجّته الداحضة ، فتواری عن الحجاج فی فسطاطه وترک الطعام علی أهل الماء.

وأمّا حدیث جابر فقد أخرجه غیر واحد من أئمّة الفقه والحدیث ناصّین علی ضعفه من طریق عمرو بن أبی عمرو ، عن المطلب بن حنطب ، عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : صید البرّ لکم حلال وأنتم حرم إلاّ ما اصطدتم وصید لکم (2).ف)

ص: 277


1- مستدرک الحاکم : 2 / 311 [2 / 340 ح 3210] ، تفسیر القرطبی : 6 / 31 [6 / 22] ، تفسیر الزمخشری : 1 / 403 [1 / 602] ، تفسیر ابن کثیر : 2 / 2 ، تفسیر الخازن : 2 / 448 [1 / 429] ، تفسیر الشوکانی : 2 / 1 [2 / 3]. (المؤلف)
2- کتاب الأُم : 2 / 176 [2 / 208] ، سنن أبی داود : 1 / 291 [2 / 171 ح 1851] ، سنن النسائی : 5 / 187 [2 / 372 ح 3810] ، سنن البیهقی : 5 / 190 ، المحلّی لابن حزم : 7 / 253 [المسألة 892]. (المؤلف)

قال النسائی فی سننه : أبو عبد الرحمن عمرو بن أبی عمرو لیس بالقویّ فی الحدیث وإن کان قد روی عنه مالک.

وقال ابن حزم فی المحلّی : أمّا خبر جابر فساقط لأنّه عن عمرو بن أبی عمرو وهو ضعیف.

وقال ابن الترکمانی فی شرح سنن البیهقی (1) عند قول الشافعی : إنّ ابن أبی یحیی أحفظ من الدراوردی (2) : قلت : الدراوردی احتجّ به الشیخان وبقیّة الجماعة ، وقال ابن معین (3) : ثقة حجّة ، ووثّقه القطّان وأبو حاتم (4) وغیرهما ، وأمّا ابن أبی یحیی فلم یخرج له فی شیء من الکتب الخمسة ، ونسبه إلی الکذب جماعة من الحفّاظ کابن حنبل وابن معین وغیرهما ، وقال بشر بن المفضل : سألت فقهاء المدینة عنه فکلّهم یقولون : کذّاب أو نحو هذا ، وسُئل مالک : أکان ثقة؟ فقال : لا ولا فی دینه ، وقال ابن حنبل (5) : کان قدریّا معتزلیّا جهمیّا کلّ بلاء فیه ، وقال البیهقی (6) فی التیمّم والنکاح : مختلف فی عدالته. ومع هذا کلّه کیف یرجّح علی الدراوردی؟

قال : ثمّ لو رجح علیه هو ومن معه فالحدیث فی نفسه معلول عمرو بن أبی عمرو مع اضطرابه فی هذا الحدیث متکلّم فیه. قال ابن معین (7) : وأبو داود لیس بالقوی. زاد یحیی : وکان مالک یستضعفه. وقال السعدی : مضطرب الحدیث.

قال : والمطلب قال فیه ابن سعد (8) : لیس یحتجّ بحدیثه لأنّه یرسل عن 1.

ص: 278


1- الجوهر النقی : 5 / 190 - 191.
2- الرجلان وردا فی طریقی الشافعی للحدیث. (المؤلف)
3- التاریخ : 3 / 230 رقم 1079.
4- الجرح والتعدیل : 5 / 395 رقم 1833.
5- العلل ومعرفة الرجال : 2 / 503 رقم 3317.
6- سنن البیهقی : 1 / 205 ، 7 / 157.
7- التاریخ : 3 / 194 رقم 883.
8- الطبقات الکبری - القسم المتمم - : ص 116 رقم 21.

النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم کثیراً ، وعامّة أصحابه یدلّسون ، ثمّ الحدیث مرسل ، قال الترمذی (1) : المطلب لا یعرف له سماع من جابر. فظهر بهذا أنّ الحدیث فیه أربع علل : إحداها : الکلام فی المطلب. ثانیتها : أنّه ولو کان ثقة فلا سماع له من جابر فالحدیث مرسل. ثالثتها : الکلام فی عمرو. رابعتها : أنّه ولو کان ثقة فقد اختلف علیه فیه کما مرّ. انتهی.

ثمّ ذکر ما استشکل به الطحاوی فی الحدیث من جهة النظر من قوله : إنّ الشیء لا یحرم علی إنسان بنیّة غیره أن یصید له.

هذا مجمل القول فی حدیث أبی قتادة وجابر ، فلا یصلحان للاعتماد ورفع الید عن تلکم الصحاح المذکورة الثابتة ، ولا یخصّص بمثلهما عموم ، ولا یتمّ بهما تقیید مطلقات الکتاب ، والمعوّل علیه فی المسألة هو کتاب الله العزیز والسنّة الشریفة الثابتة ، وما شذّ عنهما من رأی أیّ بشر یضرب به عرض الجدار (فَاتَّبِعْها وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِینَ لا یَعْلَمُونَ) (2).

- 16 -

خصومة یرفعها الخلیفة إلی علیّ

أخرج أحمد والدورقی من طریق الحسن بن سعد عن أبیه : إنّ یحیس (3) وصفیّة کانا من سبی الخمس ، فزنت صفیّة برجل من الخمس وولدت غلاماً ، فادّعی الزانی ویحیس فاختصما إلی عثمان ، فرفعهما عثمان إلی علیّ بن أبی طالب ، فقال علیّ : «أقضی فیهما بقضاء رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم «الولد للفراش وللعاهر الحجر» وجلدهما خمسین خمسین (4).ف)

ص: 279


1- سنن الترمذی : 3 / 204 ح 846.
2- الجاثیة : 18.
3- فی مسند أحمد : یحنس. (المؤلف)
4- مسند أحمد : 1 / 104 [1 / 167 ح 822] ، تفسیر ابن کثیر : 1 / 478 ، کنز العمّال : 3 / 227 [6 / 198 ح 15340]. (المؤلف)

قال الأمینی : هل علمت أنّه لما ذا ردّ الخلیفة الحکم إلی أمیر المؤمنین علیه السلام؟ لقد رفعه إلیه إن کنت لا تدری لأنّه لم یکن عنده ما یفصل به الخصومة ، ولعلّه کان ملأ سمعه قوله تعالی : (الزَّانِیَةُ وَالزَّانِی فَاجْلِدُوا کُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ) (1) ویعلم فی الجملة أنّ هناک فرقاً فی کثیر من الأحکام بین الأحرار والمملوکین ، لکن عزب عنه أنّ مسألة الحدّ أیضاً من تلکم الفروع ، فکأنّه لم یلتفت إلی قوله تعالی : (وَمَنْ لَمْ یَسْتَطِعْ مِنْکُمْ طَوْلاً أَنْ یَنْکِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ ما مَلَکَتْ أَیْمانُکُمْ مِنْ فَتَیاتِکُمُ الْمُؤْمِناتِ وَاللهُ أَعْلَمُ بِإِیمانِکُمْ بَعْضُکُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْکِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَناتٍ غَیْرَ مُسافِحاتٍ وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَیْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَیْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَی الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ) الآیة (2).

أو أنّ الآیة الکریمة کانت نصب عینیه لکن لم یسعه فهم حقیقتها ، لأنّ قید ذاکرته أنّ حدّ المحصنات هو الرجم ، غیر أنّه لم یتسنَّ له تعرّف أنّ الرجم لا یتبعّض فالذی یمکن تنصیفه من العذاب هو الجلد ، فالآیة الشریفة دالّة بذلک علی سقوط الرجم عن المحصنات من الإماء وإنّما علیهنّ نصف الجلد الثابت علیها فی السنّة الشریفة (3).

وأخرج أحمد فی مسنده (4) (1 / 136) من طریق أبی جمیلة عن علیّ علیه السلام قال : «أرسلنی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إلی أمة له سوداء زنت لأجلدها الحدّ ، قال : فوجدتها فی دمائها فأتیت النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فأخبرته بذلک فقال لی : إذا تعالت من نفاسها فاجلدها 6.

ص: 280


1- النور : 2.
2- النساء : 25.
3- صحیح البخاری : 1 / 48 [6 / 2509 ح 6448] ، صحیح مسلم : 2 / 37 [3 / 535 ح 30 کتاب الحدود] ، سنن أبی داود : 2 / 239 [4 / 160 ح 4470 - 4471] ، سنن ابن ماجة : 2 / 119 [2 / 857 ح 2566] ، سنن البیهقی : 8 / 242 ، موطّأ مالک : 2 / 170 [2 / 827 ح 16] ، کتاب الأُم : 6 / 121 [6 / 135] ، تفسیر القرطبی : 12 / 159 [12 / 107]. (المؤلف)
4- مسند أحمد : 1 / 219 ح 1146.

خمسین» وذکره ابن کثیر فی تفسیره (1 / 476) وفیه : «إذا تعافت من نفاسها فاجلدها خمسین». وذکره الشوکانی فی نیل الأوطار (1) (7 / 292) باللفظ المذکور. وأخرجه (2) مسلم وأبو داود والترمذی وصحّحه ولیس فی لفظهم (خمسین).

هب أنّ الخلیفة نسیها لبعد العهد ، لکنّه هل نسی ما وقع بمطلع الأکمة منه علی العهد العمری؟ من جلده المحصنات من الإماء خمسین جلدة کما أخرجه الحفّاظ (3) ، أو أنّ الخلیفة وقف علی مغازی الآیات الکریمة ، ولم تذهب علیه السنّة النبویّة ، وکان علی ذکر ممّا صدر علی عهد عمر لکن أربکه حکم العبد ، لأنّه رأی الآیة الکریمة نصّا فی الإماء ، وکذلک نصوص الأحادیث ، ولم یهتدِ إلی اتّحاد الملاک بین العبید والإماء من المملوکیّة ، وهو الذی أصفق علیه أئمّة الحدیث والتفسیر کما فی (4) کتاب الأُم للشافعی (6 / 144) ، أحکام القرآن للجصّاص (2 / 206) ، سنن البیهقی (8 / 243) ، تفسیر القرطبی (5 / 146 ، 12 / 159) ، تفسیر البیضاوی (1 / 270) ، تیسیر الوصول (2 / 4) ، فیض الإله المالک للبقاعی (2 / 311) ، فتح الباری (12 / 137) ، فتح القدیر (1 / 416) ، تفسیر الخازن (1 / 360) ، وقال الشوکانی فی نیل الأوطار (7 / 292) : لا قائل بالفرق بین الأمة والعبد کما حکی ذلک صاحب البحر (5).

أو أنّ الخلیفة حسب أنّ ولد الزانیة لا بدّ وأن یکون للزانی ، ولم یشعر بمقاربة 3.

ص: 281


1- نیل الأوطار : 7 / 136.
2- صحیح مسلم : 3 / 537 ح 34 کتاب الحدود ، سنن أبی داود : 4 / 161 ح 73 44 ، سنن الترمذی : 4 / 37 ح 1441.
3- موطّأ مالک : 2 / 170 [2 / 827 ح 16] ، سنن البیهقی : 8 / 242 ، تفسیر ابن کثیر : 1 / 476 ، کنز العمّال : 3 / 86 [5 / 414 ح 13468]. (المؤلف)
4- کتاب الأُم للشافعی : 6 / 155 ، أحکام القرآن : 2 / 169 ، الجامع لأحکام القرآن : 5 / 96 ، 12 / 107 ، تفسیر البیضاوی : 1 / 210 ، تیسیر الوصول : 2 / 7 ، فتح الباری : 12 / 165 ، فتح القدیر : 1 / 452 ، تفسیر الخازن : 1 / 346 ، نیل الأوطار : 7 / 136.
5- هو أحمد بن یحیی بن المرتضی المتوفی سنة 840 ه فی البحر الزخار : 6 / 143.

زوجها إیّاها أو إمکان مقاربته منذ مدّة یمکن أن ینعقد الحمل فیها ، وبذلک یتحقّق الفراش الذی یلحق الولد بصاحبه ، کما حکم به مولانا أمیر المؤمنین علیه السلام والأصل فیه قوله صلی الله علیه وآله وسلم : «الولد للفراش وللعاهر الحجر».

لقد أنصف الخلیفة فی رفع حکم هذه المسألة إلی من عنده علم الکتاب والسنّة ، فإنّه کان یعلم علم الیقین إنّ ذلک عند العترة الطاهرة لا البیت الأموی ، ولیته أنصف هذا الإنصاف فی کلّ ما یرد علیه من المسائل ، ولیته علم أنّ حاجة الأمّة إنّما هی إلی إمام لا یعدوه علم الکتاب والسنّة فأنصفها ، غیر أنّ .....

إذا لم تستطع شیئاً فدعه

وجاوزه إلی ما تستطیع

- 17 -

رأی الخلیفة فی عدّة المختلعة

عن نافع ، أنّه سمع ربیع بنت معوذ بن عفراء وهی تخبر عبد الله بن عمر أنّها اختلعت من زوجها علی عهد عثمان فجاء معاذ بن عفراء إلی عثمان فقال : إنّ ابنة معوذ اختلعت من زوجها الیوم أتنتقل؟ فقال له عثمان : تنتقل ولا میراث بینهما ولا عدّة علیها إلاّ أنّها لا تنکح حتی تحیض حیضة ، خشیة أن یکون بها حبل. فقال عبد الله عند ذلک : عثمان خیرنا وأعلمنا. وفی لفظ آخر : قال عبد الله : أکبرنا وأعلمنا.

وفی لفظ عبد الرزّاق (1) عن نافع ، عن الربیع بنة معوذ أنّها قالت : کان لی زوج 0.

ص: 282


1- المصنّف : 6 / 504 ح 11850.

یُقلّ الخیر علیّ إذا حضر ویحزننی إذا غاب (1) ، فکانت منّی زلّة یوماً فقلت له : اختلعت منک بکلّ شیء أملکه فقال : نعم. ففعلت ، فخاصم عمّی معاذ بن عفراء إلی عثمان فأجاز الخلع وأمره أن یأخذ عقاص رأسی فما دونه ، أو قالت : دون عقاص الرأس.

وفی لفظ عن نافع : إنّه زوّج ابنة أخیه رجلاً فخلعها ، فرفع ذلک إلی عثمان فأجازه فأمرها أن تعتدّ حیضة. وفی لفظ ابن ماجة من طریق عبادة بن الصامت : قالت : - الربیع - : اختلعت من زوجی ثمّ جئت عثمان فسألت ما ذا علیّ من العدّة؟ فقال : لا عدّة علیک إلاّ أن یکون حدیث عهد بک فتمکثین عنده حتی تحیضی حیضة. انتهی.

قال الأمینی : (وَالْمُطَلَّقاتُ یَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) (2) نصّا من الله العزیز الحکیم من غیر فرق بین أقسام الطلاق المنتزعة من شقاق الزوج والزوجة ، فإن کان الکره من قبل الزوج فحسب فالطلاق رجعی. أو من قبل الزوجة فقط فهو خلعی. أو منهما معاً فمباراة. فلیس لکلّ من هذه الأقسام حکم خاصّ فی العدّة غیر ما ثبت لجمیعها بعموم الآیة الکریمة المنتزع من الجمع المحلّی باللام - المطلّقات - وعلی هذا تطابقت فتاوی الصحابة والتابعین والعلماء من بعدهم وفی مقدّمهم أئمّة المذاهب الأربعة. قال ابن کثیر فی تفسیره (1 / 276) : مسألة : وذهب مالک وأبو حنیفة والشافعی وأحمد وإسحاق بن راهویه فی روایة عنهما وهی المشهورة إلی أنّ المختلعة عدّتها عدّة المطلّقة بثلاثة قروء إن کانت ممّن تحیض ، وروی ذلک عن عمر وعلیّ وابن عمر ، وبه یقول سعید بن المسیب ، وسلیمان بن یسار ، وعروة ، وسالم ، وأبو سلمة ، وعمر بن عبد العزیز ، وابن شهاب ، والحسن ، والشعبی ، وإبراهیم النخعی ، 8.

ص: 283


1- فی المصدر : ویحرمنی إذا غاب.
2- البقرة : 228.

وأبو عیاض ، وخلاس بن عمر ، وقتادة ، وسفیان الثوری ، والأوزاعی ، واللیث بن سعد ، وأبو عبید ، وقال الترمذی (1) : وهو قول أکثر أهل العلم من الصحابة وغیرهم ، ومأخذهم فی هذا أنّ الخلع طلاق فتعتدّ کسائر المطلّقات. انتهی.

هذه آراء أئمّة المسلمین عند القوم ولیس فیها شیء یوافق ما ارتآه عثمان وهی مصافقة للقرآن الکریم کما ذکرناه.

وقد احتُجّ لعثمان بما رواه الترمذی فی صحیحه (2) (1 / 142) من طریق عکرمة عن ابن عباس : إنّ امرأة ثابت بن قیس رضی الله عنه اختلعت منه فجعل النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم عدّتها حیضة.

وهذه الروایة باطلة ، إذ المحفوظ عند البخاری (3) والنسائی (4) من طریق ابن عبّاس فی قصّة امرأة ثابت ما لفظه : قال ابن عبّاس : جاءت امرأة ثابت بن قیس إلی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فقالت : یا رسول الله إنّی ما أعتب علیه فی خلق ولا دین ولکنّی أکره الکفر فی الإسلام. فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم «أتردّین علیه حدیقته؟» - وکانت صداقها -» قالت : نعم. فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «اقبل الحدیقة وطلّقها تطلیقة».

فامرأة ثابت نظراً إلی هذه اللفظة مطلّقة تطلیقة والمطلّقات یتربّصن بأنفسهنّ ثلاثة قروء.

علی أنّ الاضطراب الهائل فی قصّة امرأة ثابت یوهن الأخذ بما فیها ، ففی لفظ : إنّها جمیلة بنت سلول. کما فی سنن ابن ماجة (5). وفی لفظ أبی الزبیر : إنّها زینب. وفی 8.

ص: 284


1- قاله فی صحیحه : 1 / 142 [3 / 492 ح 1185]. (المؤلف)
2- سنن الترمذی : 3 / 491 ح 1185.
3- صحیح البخاری : 5 / 2021 ح 4971.
4- السنن الکبری : 3 / 369 ح 5657.
5- سنن ابن ماجة : 1 / 663 ح 2056 ، 2058.

لفظ : إنّها بنت عبد الله. وفی لفظ لابن ماجة والنسائی : إنّها مریم العالیة. وفی موطّأ مالک (1) : إنّها حبیبة بنت سهل. وذکر البصریّون : أنّها جمیلة بنت أُبی (2). وجلّ هذه الألفاظ کلفظ البخاری والنسائی یخلو عن ذکر العدّة بحیضة ، فلا یخصّص حکم القرآن الکریم بمثل هذا.

علی أنّه لو کان لها مقیل فی مستوی الصدق والصحّة لما أصفقت الأئمّة علی خلافها کما سمعت من کلمة ابن کثیر.

وقد یعاضَد رأی الخلیفة بما أخرجه الترمذی فی صحیحه (1 / 142) عن الربیع بنت معوذ - صاحبة عثمان - أنّها اختلعت علی عهد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فأمرها النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم أو أُمرت أن تعتدّ بحیضة. قال الترمذی : حدیث الربیع الصحیح أنّها أُمرت أن تعتدّ بحیضة. وبهذا اللفظ جاء فی حدیث سلیمان بن یسار عن الربیع قالت : إنّها اختلعت من زوجها فأمرت أن تعتدّ بحیضة.

وقال البیهقی بعد روایة هذا الحدیث : هذا أصحّ ولیس فیه من أَمَرَها ولا علی عهد النبیّ ، صلی الله علیه وآله وسلم وقد روینا فی کتاب الخلع أنّها اختلعت من زوجها زمن عثمان بن عفّان رضی الله عنه. ثمّ أخرج حدیث نافع المذکور فی صدر العنوان فقال : هذه الروایة تصرّح بأنّ عثمان رضی الله عنه هو الذی أمرها بذلک ، وظاهر الکتاب فی عدّة المطلّقات یتناول المختلعة وغیرها ، فهو أولی وبالله التوفیق. انتهی (3).

فلیس للنبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فی قصّة بنت معوذ حکم وما رفعت إلیه صلی الله علیه وآله وسلم ، وإنّما وقعت فی عصر عثمان وهو الحاکم فیها ، وقد حرّفتها عن موضعها ید الأمانة علی ودائع العلم والدین لتبریر ساحة عثمان عن لوث الجهل ، ولو کان لتعدّد القصّة وزن یقام عند ف)

ص: 285


1- موطّأ مالک : 2 / 564 ح 31.
2- راجع نیل الأوطار : 7 / 34 - 37 [6 / 276 - 278]. (المؤلف)
3- سنن البیهقی : 7 / 451. (المؤلف)

الفقهاء وروایتها بمشهد منهم ومرأی لما عدلوا عنها علی بکرة أبیهم إلی عموم الکتاب ولما ترکوها متدهورة فی هوّة الإهمال.

وعلی الباحث أن ینظر نظرة عمیقة إلی قول ابن عمر وقد کان فی المسألة أوّلاً مصافقاً فی رأیه الکتاب ومن عمل به من الصحابة وعدّ فی عدادهم ، ثمّ لمحض أن بلغه رأی الخلیفة المجرّد عن الحجّة عدل عن فتواه فقال : عثمان خیرنا وأعلمنا. أو قال : أکبرنا وأعلمنا. هکذا فلیکن المجتهدون ، وهکذا فلتصدر الفتاوی.

- 18 -

رأی الخلیفة فی امرأة المفقود

أخرج مالک من طریق سعید بن المسیب أنّ عمر بن الخطّاب رضی الله عنه قال : أیّما امرأة فقدت زوجها فلم تدر أین هو فإنّها تنتظر أربع سنین ، ثمّ تنتظر أربعة أشهر وعشراً ، ثمّ تحلّ. وقضی بذلک عثمان بن عفّان بعد عمر.

وأخرج أبو عبید بلفظ : إنّ عمر وعثمان رضی الله عنه قالا : امرأة المفقود تربّص أربع سنین ، ثمّ تعتدّ أربعة أشهر وعشراً ، ثمّ تنکح.

وفی لفظ الشیبانی : إنّ عمر رضی الله عنه أجّل امرأة المفقود أربع سنین. وفی لفظ شعبة من طریق عبد الرحمن بن أبی لیلی قال : قضی عمر رضی الله عنه فی المفقود تربّص امرأته أربع سنین ثمّ یطلّقها ولیّ زوجها ، ثمّ تربّص بعد ذلک أربعة أشهر وعشراً ثمّ تزوّج.

ومن طریق ابن شهاب الزهری عن سعید بن المسیب عن عمر رضی الله عنه فی امرأة المفقود قال : إن جاء زوجها وقد تزوّجت خیّر بین امرأته وبین صداقها ، فإن اختار الصداق کان علی زوجها الآخر ، وإن اختار امرأته اعتدّت حتی تحلّ ، ثمّ ترجع إلی زوجها الأوّل وکان لها من زوجها الآخر مهرها بما استحلّ من فرجها. قال ابن شهاب : وقضی بذلک عثمان بعد عمر.

ص: 286

وفی لفظ الشافعی : إذا تزوّجت فقدم زوجها قبل أن یدخل بها زوجها الآخر کان أحقّ بها ، فإن دخل بها زوجها الآخر فالأوّل المفقود بالخیار بین امرأته والمهر (1).

قال الأمینی : من لی بمتفقّه فی المسألة ، یخبرنی عن علّة تریّث المفقود عنها زوجها أربع سنین ، أهو مأخوذ من کتاب الله؟ فأین هو منه؟ أم أُخذ من سنّة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فمن ذا الذی رواها ونقلها؟ والصحاح والمسانید للقوم خالیة عنها ، نعم ربّما یُتشبّث للتقدیر بأنّها نهایة مدّة الحمل. قال البقاعی فی فیض الإله المالک (2 / 263) : وسبب التقدیر بأربع سنین أنّها نهایة مدّة الحمل وقد أخبر بوقوعه لنفسه الإمام الشافعی وکذا الإمام مالک وحکی عنه أیضاً أنّه قال : جارتنا امرأة صدق وزوجها رجل صدق حملت ثلاثة أبطن فی اثنتی عشرة سنة ، تحمل کلّ بطن أربع سنین ، وورد هذا عن غیر تلک المرأة أیضاً. انتهی.

وهذا التعلیل حکاه ابن رشد فی مقدّمات المدوّنة الکبری (2 / 101) عن أبی بکر الأبهری ثمّ عقّبه بقوله : وهو تعلیل ضعیف لأنّ العلّة لو کانت فی ذلک هذا لوجب أن یستوی فیه الحرّ والعبد (2) لاستوائهما فی مدّة لحوق النسب. ولوجب أن یسقط جملة فی الصغیرة التی لا یوطأ مثلها إذا فقد عنها زوجها فقام عنها أبوها فی ذلک ، فقد قال : إنّها لو أقامت عشرین سنة ثمّ رفعت أمرها لضرب لها أجل أربعة أعوام وهذا یبطل تعلیله إبطالاً ظاهراً. انتهی.

ولیت هذا المتشبّث أدلی فی حجّته بذکر أُناس تریّثوا فی الأرحام النزیهة عن الخنا أربعاً قبل فتیا الخلیفتین ، وإلاّ فما غناء قصّة وقعت بعدهما بردح طویل من ف)

ص: 287


1- موطّأ مالک : 2 / 28 [2 / 575 ح 52] ، کتاب الأُم للشافعی : 7 / 219 [7 / 236] ، سنن البیهقی : 7 / 445 ، 446. (المؤلف)
2- التفصیل بین الحرّ والعبد بأنّ امرأة الحرّ یضرب لها الأجل أربعة أعوام ولامرأة العبد تربّص عامین کما نصّ علیه ابن رشد ، رأی مجرّد لا دلیل علیه. (المؤلف)

الزمن ولا یُدری أصحیحة هی أم مکذوبة؟ وعلی فرض الصحّة فهل کان الخلیفتان یعلمان الغیب؟ وأنّه سینتج المستقبل الکشّاف رجلاً یکون حجّة لما قدّراه من مدّة التربّص؟ أو کان ما قد رآه فتوی مجرّده؟ فنحتت لها الأیّام علّة بعد الوقوع.

علی أنّ أقصی مدّة الحمل محلّ خلاف بین الفقهاء ، ذهب أبو حنیفة وأصحابه والثوری إلی أنّه عامان ، ومذهب الشافعی أنّه أربعة أعوام ، واختار ابن القاسم أنّ أکثره خمسة أعوام (1) ، وروی أشهب عن مالک سبعة أعوام علی ما روی أنّ امرأة ابن عجلان ولدت ولداً مرّة لسبعة أعوام (2).

ولعلّ أبناء عجلان آخرین فی أرجاء العالم لا یُرفع أمر حلائلهم إلی مالک والشافعی وقد ولدن أولاداً لثمانیة أو تسعة أو عشرة أعوام ، دع العقل والطبیعة والبرهنة تستحیل ذلک کلّه ، ما هی وما قیمتها تجاه ما جاءت به امرأة عجلان وحکم به مالک؟! أو وجاه ما أتت به أمّ الإمام الشافعی فأفتی به؟!

ونقل ابن رشد فی سبب التقدیر بأربعة أعوام عللاً غیر هذا وإن ردّها وفنّدها ، منها : أنّها المدّة التی تبلغها المکاتبة فی بلد الإسلام مسیراً ورجوعاً ، ومنها : أنّه جهل إلی أیّ جهة سار من الأربع جهات ، فلکلّ جهة تربّص سنّة فهی أربع سنین. هذا مبلغ علمهم بفلسفة آراء جاء بها عمر وعثمان فأین یقع هو من حکم ما صدع به النبیّ الأقدس؟

ثمّ یخبرنی هذا المتفقّه عن هذه العدّة التی أثبتها الخلیفتان لما ذا هی؟ فإن کانت عدّة الوفا فإنّها غیر جازمة بها ، ولا تثبت بمجرّد مرور أربع سنین أو أکثر ، وفی روایة عن عمر کما سمعت أنّه قضی فی المفقود تربّص امرأته أربع سنین ثمّ یطلّقها ولیّف)

ص: 288


1- فی الفقه علی المذاهب الأربعة : 4 / 535 إنّه خمس سنین علی الراجح. (المؤلف)
2- راجع مقدّمات المدوّنة الکبری للقاضی ابن رشد : 2 / 102. (المؤلف)

زوجها ثمّ تربّص بعد ذلک الأربعة أشهر وعشر ثمّ تزوّج (1). فعلی هذا إنّها عدّة الطلاق فیجب أن تکون ثلاثة قروء ، فما هذه أربعة أشهر وعشراً؟ وعلی فرض ثبوت هذه العدّة ولو بعد الطلاق من باب الأخذ بالحائطة فما علاقة الزوج بها؟ حتی إنّه إذا جاء بعد النکاح خُیّر بین امرأته وبین صداقها ، وقد قطع الشرع أیّ صلة بینهما ورخّص فی تزویجها ، فنکحت علی الوجه المشروع ، قال ابن رشد (2) : ألا تری أنّها لو ماتت بعد العدّة لم یوقف له میراث منها ، وإن کان لو أتی فی هذه الحالة کان أحقّ بها ، ولو بلغ هو من الأجل ما لا یجیء إلی مثله من السنین وهی حیّة لم تورث منه ، وإنّما یکون لها الرضا بالمقام علی العصمة ما لم ینقض الأجل المفروض ، وأمّا إذا انقضی واعتدّت فلیس ذلک لها وکذلک إن مضت بعد العدّة.

ثمّ ما وجه أخذ الصداق من الزوج الثانی عند اختیار الأوّل الصداق ولم یأت بمأثم وإنّما تزوّج بامرأة أباحتها له الشریعة؟

وأعجب من کلّ هذه أنّ هذه الروایات بمشهد من الفقهاء کلّهم ولم یُفْتِ بمقتضاها أئمّة المذاهب فی باب الخیار. قال مالک فی الموطّأ (3) (2 / 28) : إن تزوّجت بعد انقضاء عدّتها فدخل بها زوجها أو لم یدخل بها فلا سبیل لزوجها الأوّل إلیها. وقال : وذلک الأمر عندنا ، وإن أدرکها زوجها قبل أن تتزوّج فهو أحقّ بها.

وقال الشافعی وأبو حنیفة والثوری : لا تحلّ امرأة المفقود حتی یصحّ موته. قاله القاضی ابن رشد فی بدایة المجتهد (2 / 52) فقال : وقولهم مرویّ عن علیّ وابن مسعود.

وقال الحنفیّة : یُشترط لوجوب النفقة علی الزوج شروط : أحدها أن یکون 2.

ص: 289


1- سنن البیهقی : 7 / 445. (المؤلف)
2- مقدّمات المدوّنة الکبری : 2 / 104. (المؤلف)
3- موطّأ مالک : 2 / 575 ح 52.

العقد صحیحاً ، فلو عقد علیها عقداً فاسداً أو باطلاً وأنفق علیها ثمّ ظهر فساد العقد أو بطلانه فإنّ له الحقّ فی الرجوع علیها بما أنفقه.

ومن ذلک ما إذا غاب عنها زوجها فتزوّجت بزوج آخر ودخل بها ثمّ حضر زوجها الغائب ، فإنّ نکاحها الثانی یکون فاسداً ، ویفرّق القاضی بینهما ، وتجب علیها العدّة بالوطء الفاسد ، ولا نفقة لها علی الزوج الأوّل ولا علی الزوج الثانی (1).

وقال الشافعی فی کتاب الأُمّ (2) (5 / 221) : لم أعلم مخالفاً فی أنّ الرجل أو المرأة لو غابا أو أحدهما برّا أو بحراً عُلم مغیبهما أو لم یعلم فماتا أو أحدهما فلم یُسمع لهما بخبر أو أسرهما العدوّ فصیّروهما إلی حیث لا خبر عنهما لم نورّث واحداً منهما من صاحبه إلاّ بیقین وفاته قبل صاحبه ، فکذلک عندی امرأة الغائب أیّ غیبة کانت ممّا وصفت أو لم أصف بأسار عدوّ أو بخروج الزوج ثمّ خفی مسلکه ، أو بهیام من ذهاب عقل أو خروج فلم یُسمَع له ذکر ، أو بمرکب فی بحر فلم یأت له خبر ، أو جاء خبر أن غرق کان یرون أنّه قد کان فیه ولا یستیقنون أنّه فیه ، لا تعتدّ امرأته ولا تنکح أبداً حتی یأتیها بیقین وفاته ، ثمّ تعتدّ من یوم استیقنت وفاته وترثه ، ولا تعتدّ امرأة من وفاة ومثلها یرث إلاّ ورثت زوجها الذی اعتدّت من وفاته ، ولو طلّقها وهو خفیّ الغیبة بعد أیّ هذه الأحوال کانت ، أو آلی منها ، أو تظاهر ، أو قذفها ، لزمه ما یلزم الزوج الحاضر فی ذلک کلّه ، وإذا کان هذا هکذا لم یجز أن تکون امرأة رجل یقع علیها ما یقع علی الزوجة تعتدّ لا من طلاق ولا وفاة ، کما لو ظنّت أنّه طلّقها أو مات عنها لم تعتدّ من طلاق إلاّ بیقین ، وهکذا لو تربّصت سنین کثیرة بأمر حاکم واعتدّت وتزوّجت فطلّقها الزوج الأوّل المفقود لزمها الطلاق ، وکذلک إن آلی منها ، أو تظاهر ، أو قذفها ، لزمه ما یلزم الزوج ، وهکذا لو تربّصت بأمر حاکم أربع سنین ثمّ اعتدّت 9.

ص: 290


1- الفقه علی المذاهب الاربعة : 3 / 565 [4 / 575]. (المؤلف)
2- کتاب الأُم : 5 / 239.

فأکملت أربعة أشهر وعشراً ونکحت ودخل بها ، أو نکحت ولم یدخل بها ، أو لم تنکح وطلّقها الزوج الأوّل المفقود فی هذه الحالات لزمها الطلاق لأنّه زوج ، وهکذا لو تظاهر منها أو قذفها أو آلی منها لزمه ما یلزم المولی غیر أنّه ممنوع من فرجها بشبهة بنکاح غیره ، فلا یقال له فیء حتی تعتدّ من الآخر إذا کانت دخلت علیه ، فإذا أکملت عدّتها أجّل من یوم تکمل عدّتها أربعة أشهر ، وذلک حین حلّ له فرجها وإن أصابها فقد خرج من طلاق الإیلاء وکفّر ، وإن لم یصبها قیل له : أصبها أو طلّق.

قال : وینفق علیها من مال زوجها المفقود من حین یُفقد حتی یعلم یقین موته ، وإن أجّلها حاکم أربع سنین أنفق علیها فیها وکذلک فی الأربعة الأشهر والعشر من مال زوجها ، فإذا نکحت لم ینفق علیها من مال الزوج المفقود لأنّها مانعة له نفسها ، وکذلک لا ینفق علیها وهی فی عدّة منه لو طلّقها أو مات عنها ولا بعد ذلک ، ولم أمنعها النفقة من قبل أنّها زوجة الآخر ، ولا أنّ علیها منه عدّة ، ولا أنّ بینهما میراثاً ، ولا أنّه یلزمها طلاقه ، ولا شیء من الأحکام بین الزوجین إلا لحوق الولد به إن أصابها ، وإنّما منعتها النفقة من الأوّل لأنّها مخرجة نفسها من یدیه ومن الوقوف علیه ، کما تقف المرأة علی زوجها الغائب بشبهة ، فمنعتها نفقتها فی الحال التی کانت فیها مانعة له نفسها بالنکاح والعدّة ، وهی لو کانت فی المصر مع زوج فمنعته نفسها منعتها نفقتها بعصیانها ، ومنعتها نفقتها بعد عدّتها من زوجها الآخر بترکها حقّها من الأوّل وإباحتها نفسها لغیره ، علی معنی أنّها خارجة من الأوّل ، ولو أنفق علیها فی غیبته ثمّ ثبتت البیّنة علی موته فی وقت ردّت کلّ ما أخذت من النفقة من حین مات فکان لها المیراث.

ولو حکم لها حاکم بأن تزّوج فتزوّجت فسخ نکاحها وإن لم یدخل بها فلا مهر لها ، وإن دخل بها فأصابها فلها مهر مثلها لا ما سمّی لها وفسخ النکاح وإن لم یفسخ حتی مات أو ماتت فلا میراث لها منه ولا له منها.

ص: 291

قال : ومتی طلّقها الأوّل وقع علیها طلاقه ، ولو طلّقها زوجها الأوّل أو مات عنها وهی عند الزوج الآخر کانت عند غیر زوج ، فکانت علیها عدّة الوفاة والطلاق ولها المیراث فی الوفاة والسکنی فی العدّة فی الطلاق وفیمن رآه لها بالوفاة ، ولو مات الزوج الآخر لم ترثه وکذلک لا یرثها لو ماتت. إلخ.

فأنت بعد هذه کلها جدّ علیم بأنّه لو کان علی ما أفتی به الخلیفتان مسحة من أصول الحکم والفتیا لما عدل عنه هؤلاء الأئمّة ، ولما خالفهما قبلهم مولانا أمیر المؤمنین علیه السلام ، ولما قال علیه السلام فی امرأة المفقود إذا قدم وقد تزوّجت امرأته : «هی امرأته إن شاء طلّق وإن شاء أمسک ولا تُخیَّر».

ولما قال علیه السلام : «إذا فقدت المرأة زوجها لم تتزوّج حتی تعلم أمره».

ولما قال علیه السلام : «إنّها لا تتزوّج».

ولما قال علیه السلام : «لیس الذی قال عمر رضی الله عنه بشیء ، هی امرأة الغائب حتی یأتیها یقین موته أو طلاقها ، ولها الصداق من هذا بما استحلّ من فرجها ونکاحه باطل».

ولما قال علیه السلام : «هی امرأة الأوّل دخل بها الآخر أو لم یدخل بها».

ولما قال علیه السلام : «امرأة ابتلیت فلتصبر لا تنکح حتی یأتیها یقین موته» (1). قال الشافعی بعد ذکر الحدیث : وبهذا نقول.

وأمیر المؤمنین کما تعلم أفقه الصحابة علی الإطلاق ؛ وأعلم الأمّة بأسرها ، وباب مدینة العلم النبویّ ، ووارث علم النبیّ الأقدس علی ما جاء عنه صلی الله علیه وآله وسلم ، فلیتهما رجعا إلیه صلوات الله علیه فی حکم المسألة ولم یستبدّا بالرأی المجرّد کما استعلماه فی ف)

ص: 292


1- کتاب الأُم للشافعی : 5 / 223 [5 / 241] ، سنن البیهقی : 7 / 444 ، 446 ، مقدّمات المدوّنة الکبری : 2 / 103. (المؤلف)

کثیر ممّا أربکهما من المشکلات ، وأنّی لهما باقتحام المعضلات وهما هما؟ وأیّ رأی هذا [الذی] ضربت عنه الأُمّة صفحاً؟ وکم له من نظیر! وکیف أوصی النبیّ الأعظم باتّباع أُناس هذه مقاییس آرائهم فی دین الله ، وهذا مبلغهم من العلم ، بقوله فیهم : علیکم بسنّتی وسنّة الخلفاء الراشدین المهدیّین فتمسّکوا بها (1)؟

(خَصْمانِ بَغی بَعْضُنا عَلی بَعْضٍ فَاحْکُمْ بَیْنَنا بِالْحَقِ) (2).

- 19 -

الخلیفة یأخذ حکم الله من أُبیّ

أخرج البیهقی فی السنن الکبری (7 / 417) بالإسناد عن أبی عبیدة قال : أرسل عثمان رضی الله عنه إلی أُبیّ یسأله عن رجل طلّق امرأته ثمّ راجعها حین دخلت فی الحیضة الثالثة. قال أُبیّ : إنّی أری أنّه أحقّ بها ما لم تغتسل من الحیضة الثالثة ، وتحلّ لها الصلاة. قال : لا أعلم عثمان رضی الله عنه إلاّ أخذ بذلک.

قال الأمینی : صریح الروایة أنّ الخلیفة کان جاهلاً بهذا الحکم حتی تعلّمه من أُبیّ وأخذ بفتیاه ، ولا شکّ أنّ الذی علّمه هو خیر منه ، فهلاّ ترک المقام له أو لمن هو فوقه؟ وفوق کلّ ذی علم علیم ، ولو ترک الأمر لمن لا یسأل غیره فی أیّ من مسائل الشریعة لدخل مدینة العلم من بابها.

وحسبک فی مبلغ علم الخلیفة قول العینی فی عمدة القاری (3) (2 / 733) : إنّ عمر کان أعلم وأفقه من عثمان. وقد أوقفناک علی علم عمر فی الجزء السادس وذکرنا نوادر الأثر فی علمه ، فانظر ما ذا تری؟ 3.

ص: 293


1- أسلفنا الحدیث فی الجزء السادس : ص 330 ، وبیّنا المعنی الصحیح المراد منه. (المؤلف)
2- سورة ص : 22.
3- عمدة القاری : 5 / 203.

- 20 -

الخلیفة یأخذ السنّة من امرأة

أخرج الإمامان الشافعی ومالک وغیرهما بالإسناد عن فریعة بنت مالک بن سنان أخبرت : أنّها جاءت النبی صلی الله علیه وآله وسلم تسأله أن ترجع إلی أهلها فی بنی خدرة وأنّ زوجها خرج فی طلب أعبد له أبقوا حتی إذا کانوا بطرف القدوم لحقهم فقتلوه ، فسألت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أنّی أرجع إلی أهلی فإنّ زوجی لم یترکنی فی مسکن یملکه ، قالت : فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «نعم» ، فانصرفت حتی إذا کنت فی الحجرة أو فی المسجد دعانی أو أمر بی فدعیت له قال : «فکیف قلت؟» فرددت علیه القصّة التی ذکرت له من شأن زوجی فقال : «امکثی فی بیتک حتی یبلغ الکتاب أجله». قالت : فاعتددت فیه أربعة أشهر وعشراً ، فلمّا کان عثمان أرسل إلیّ فسألنی عن ذلک فأخبرته فاتّبعه وقضی به.

قال الشافعی فی الرسالة : وعثمان فی إمامته وفضله وعلمه یقضی بخبر امرأة بین المهاجرین والأنصار.

وقال فی اختلاف الحدیث : اخبرت الفریعة بنت مالک عثمان بن عفّان أنّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم أمرها أن تمکث فی بیتها وهی متوفّی عنها حتی یبلغ الکتاب أجله ، فاتّبعه وقضی به.

قال ابن القیّم فی زاد المعاد : حدیث صحیح مشهور فی الحجاز والعراق وأدخله مالک فی موطّئهِ ، واحتجّ به وبنی علیه مذهبه ، ثمّ ذکر تضعیف ابن حزم إیّاه وفنّده وقال : ما قاله أبو محمد فغیر صحیح. وذکر قول ابن عبد البرّ فی شهرته ، وأنّه معروف عند علماء الحجاز والعراق.

راجع (1) الرسالة للشافعی (ص 116) ، کتاب الأُم له (5 / 208) ، اختلاف 1.

ص: 294


1- الرسالة : 438 ح 1214 ، کتاب الأُم : 5 / 227 ، اختلاف الحدیث : ص 479 ، موطّأ مالک : 2 / 591 ح 87 ، سنن أبی داود : 2 / 291 ح 2300 ، أحکام القرآن : 1 / 418 ، زاد المعاد : 4 / 215 ، نیل الأوطار : 6 / 335 ، سنن الترمذی : 3 / 508 ح 1204 ، السنن الکبری : 3 / 393 ح 5724 ، سنن ابن ماجة : 1 / 654 ح 2031.

الحدیث له هامش کتاب الأُم (7 / 22) ، موطّأ مالک (2 / 36) ، سنن أبی داود (1 / 362) ، سنن البیهقی (7 / 434) ، أحکام القرآن للجصّاص (1 / 496) ، زاد المعاد (2 / 404) ، الإصابة (4 / 386) ، نیل الأوطار (7 / 100) وقال : رواه الخمسة وصحّحه الترمذی ولم یذکر النسائی وابن ماجة إرسال عثمان.

قال الأمینی : هذه کسابقتها تکشف عن قصور علم الخلیفة عمّا توصّلت إلیه المرأة المذکورة ، وهاهنا نعید ما قلناه هنالک ، فارجع البصر کرّتین ، وأعجب من خلیفة یأخذ معالم دینه من نساء أُمّته ، وهو المرجع الوحید للأمّة جمعاء یومئذٍ فی کلّ ما جاء به الإسلام المقدّس کتاباً وسنّة ، وبه سُدّ فراغ النبیّ الأعظم ، وعلیه یُعوّل فی مشکلات الأحکام وعویصات المسائل فضلاً عن مثل هذه المسألة البسیطة.

ثمّ اعجب من ابن عمر أنّه یری من هذا مبلغ علمه أعلم الصحابة فی یومه ، ما عشت أراک الدهر عجباً.

- 21 -

رأی الخلیفة فی الإحرام قبل المیقات

أخرج البیهقی فی السنن الکبری (5 / 31) بالإسناد عن داود بن أبی هند أنّ عبد الله (1) بن عامر بن کریز حین فتح خراسان قال : لأجعلنّ شکری لله أن أخرج من موضعی محرماً ، فأحرم من نیسابور. فلمّا قدم علی عثمان لامه علی ما صنع قال : لیتک تضبط من الوقت الذی یحرم منه الناس.

لفظ آخر من طریق محمد بن إسحاق قال : خرج عبد الله بن عامر من ف)

ص: 295


1- هو ابن خال عثمان بن عفّان کما فی الإصابة راجع : 3 / 61 [رقم 6179]. (المؤلف)

نیسابور معتمرا قد أحرم منها ، وخلف علی خراسان الأحنف بن قیس ، فلمّا قضی عمرته أتی عثمان بن عفّان رضی الله عنه وذلک فی السنة التی قتل فیها عثمان رضی الله عنه فقال له عثمان رضی الله عنه : لقد غررت بعمرتک حین أحرمت من نیسابور.

وقال ابن حزم فی المحلّی (7 / 77) : روینا من طریق عبد الرزّاق ، حدثنا معمر عن أیوب السختیانی ، عن محمد بن سیرین قال : أحرم عبد الله بن عامر من حیرب (1) فقدم علی عثمان بن عفّان فلامه ، فقال له : غررت وهان علیک نسکک. وفی لفظ ابن حجر : غررت بنسکک.

فقال ابن حزم : قال أبو محمد - یعنی نفسه - : وعثمان لا یعیب عملاً صالحاً عنده ولا مباحاً ، وإنّما یعیب ما لا یجوز عنده لا سیّما وقد بیّن أنّه هوان بالنسک ، والهوان بالنسک لا یحلّ وقد أمر الله تعالی بتعظیم شعائر الحجّ.

وذکره ابن حجر فی الإصابة (3 / 61) وقال : أحرم ابن عامر من نیسابور شکراً لله تعالی وقدم علی عثمان فلامه علی تغریره بالنسک. فقال : کره عثمان أن یحرم من خراسان أو کرمان ، ثمّ ذکر الحدیث من طریق سعید بن منصور وأبی بکر بن أبی شیبة وفیه : أنّ ابن عامر أحرم من خراسان. فذکره من طریق محمد بن سیرین والبیهقی فقال : قال البیهقی : هو عن عثمان مشهور (2).

وذکر هذه کلّها فی تهذیب التهذیب (3) (5 / 273) غیر کلمة البیهقی فی شهرة الحدیث. وفی تیسیر الوصول (4) (1 / 265) : عن عثمان رضی الله عنه : أنّه کره أن یحرم الرجل 3.

ص: 296


1- وفی نسخة : جیرب. ولم أجدهما فی المعاجم. (المؤلف)
2- توجد کلمة البیهقی هذه فی سننه الکبری : 5 / 31. (المؤلف)
3- تهذیب التهذیب : 5 / 239.
4- تیسیر الوصول : 1 / 313.

من خراسان وکرمان. أخرجه البخاری (1) ترجمةً.

قال الأمینی : إنّ الذی ثبت فی الإحرام بالحجّ أو العمرة أنّ هذه المواقیت حدّ للأقلّ من مدی الإحرام ، بمعنی أنّه لا یعدوها الحاجّ وهو غیر محرم ، وأمّا الإحرام قبلها من أیّ البلاد شاء أو من دویرة أهل المحرم ، فإن عقده باتّخاذ ذلک المحلّ میقاتاً فلا شکّ أنّه بدعة محرّمة کتأخیره عن المواقیت ، وأمّا إذا جیء به للاستزادة من العبادة عملاً بإطلاقات الخیر والبرّ ، أو شکراً علی نعمة ، أو لنذر عقده المحرم فهو کالصلاة والصوم وبقیّة القرب للشکر أو بالنذر أو لمطلق البرّ ، تشمله کلّ من أدلّة هذه العناوین ولم یرد عنه نهی من الشارع الأقدس ، وإنّما المأثور عنه وعن أصحابه ما یلی :

1 - أخرج أئمّة الحدیث ؛ بإسنادٍ صحیح من طریق الأخنسی ، عن أُمّ حکیم ، عن أُم سلمة مرفوعاً : «من أهلّ من المسجد الأقصی بعمرة أو بحجّة غفر الله له ما تقدّم من ذنبه». قال الأخنسی : فرکبت أُمُّ حکیم عند ذلک الحدیث إلی بیت المقدس حتی أهلّت منه بعمرة.

وفی لفظ أبی داود والبیهقی والبغوی : «من أهلّ بحجّة أو عمرة من المسجد الأقصی إلی المسجد الحرام غُفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر». أو : «وجبت له الجنّة» وفی لفظ : «ووجبت له الجنّة».

وفی لفظ ابن ماجة : «من أهلّ بعمرة من بیت المقدس غُفر له».

وفی لفظ له أیضاً : «من أهلّ بعمرة من بیت المقدس کانت له کفّارة لما قبلها من الذنوب». قالت : فخرجت أُمّی (2) من بیت المقدس بعمرة. م.

ص: 297


1- صحیح البخاری : 2 / 565 باب 32 کتاب الحج.
2- کلمة : أمی غیر موجودة فی لفظ ابن ماجة. وفی لفظ أحمد : فرکبت أُم حکیم.

وقال أبو داود بعد الحدیث : یرحم الله وکیعاً أحرم من بیت المقدس یعنی إلی مکة.

راجع (1) مسند أحمد (6 / 299) ، سنن أبی داود (1 / 275) ، سنن ابن ماجة (2 / 235) ، سنن البیهقی (5 / 30) ، مصابیح السنّة للبغوی (1 / 170) ، والترغیب والترهیب للمنذری (2 / 61) ذکره بالألفاظ المذکورة وصحّحه من طریق ابن ماجة وقال : ورواه ابن حبّان فی صحیحه.

2 - أخرج ابن عدی (2) والبیهقی من طریق أبی هریرة عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی قوله تعالی (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) (3) : أنّ من تمام الحجّ أن تحرم من دُویرة أهلک.

سنن البیهقی (5 / 30) ، الدرّ المنثور (4) (1 / 208) ، نیل الأوطار (5) (5 / 26) قال : ثبت ذلک مرفوعاً من حدیث أبی هریرة.

3 - أخرج الحفّاظ من طریق علیّ أمیر المؤمنین ؛ أنّه قال فی قوله تعالی : (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) : «إتمامهما أن تحرم بهما من دُویرة أهلک».

أخرجه (6) وکیع ، وابن أبی شیبة ، وعبد بن حمید ، وابن المنذر ، وابن أبی حاتم ، 5.

ص: 298


1- مسند أحمد : 7 / 424 ح 26018 ، سنن أبی داود : 2 / 143 ح 1741 سنن ابن ماجة : 2 / 999 ح 3001 و 3002 ، مصابیح السنّة : 2 / 231 ح 1827 ، الترغیب والترهیب : 2 / 190 ، الإحسان فی تقریب صحیح ابن حبّان : 9 / 13 ح 3701.
2- الکامل فی ضعفاء الرجال : 2 / 120 رقم 328.
3- البقرة : 196.
4- الدرّ المنثور : 1 / 502.
5- نیل الأوطار : 4 / 335.
6- مصنّف ابن أبی شیبة : 4 / 195 ح 20 کتاب الحج ، جامع البیان : مج 2 / ج 2 / 207 ، المستدرک علی الصحیحین : 2 / 303 ح 3090 ، وکذا فی تلخیصه ، أحکام القرآن : 1 / 286 ، 300 ، التفسیر الکبیر : 5 / 144 ، الدرّ المنثور : 1 / 502 ، نیل الأوطار : 4 / 335.

والنحّاس فی ناسخه (ص 34) ، وابن جریر فی تفسیرهِ (2 / 120) ، والحاکم فی المستدرک (2 / 276) ، وصحّحه وأقرّه الذهبی ، والبیهقی فی السنن الکبری (5 / 30) ، والجصّاص فی أحکام القرآن (1 / 337 ، 354) ، تفسیر ابن جزی (1 / 74) ، تفسیر الرازی (2 / 162) ، تفسیر القرطبی (2 / 343) ، تفسیر ابن کثیر (1 / 230) ، الدرّ المنثور (1 / 208) ، نیل الأوطار (5 / 26).

4 - قال الجصّاص فی أحکام القرآن (1) (1 / 310) : رُوی عن علیّ وعمر وسعید ابن جبیر وطاوس ، قالوا : إتمامهما أن تحرم بهما من دُویرة أهلک.

وقال فی (ص 337) : أمّا الإحرام بالعمرة قبل المیقات فلا خلاف بین الفقهاء فیه. وروی عن الأسود بن یزید ، قال : خرجنا عُمّاراً ، فلمّا انصرفنا مررنا بأبی ذرّ فقال : أحلقتم الشعث وقضیتم التفث؟ أما إنّ العمرة من مدرکم. وإنّما أراد أبو ذرّ : أنّ الأفضل إنشاء العمرة من أهلک ، کما رُوی عن علیّ : تمامهما أن تحرم بهما من دُویرة أهلک.

وقال الرازی فی تفسیره (2) (2 / 162) : روی عن علیّ وابن مسعود : أنّ إتمامهما أن یحرم من دُویرة أهله. وقال فی (ص 172) : اشتهر عن أکابر الصحابة أنّهم قالوا : من إتمام الحجّ أن یحرم المرء من دُویرة أهله.

وقال القرطبی فی تفسیره (3) (2 / 343) بعد ذکره حدیث علیّ علیه السلام : وروی ذلک عن عمر وسعد بن أبی وقّاص وفعله عمران بن حصین. ثمّ قال : أمّا ما روی عن علیّ وفعله عمران بن حصین فی الإحرام قبل المواقیت التی وقّتها رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فقد قال به عبد الله بن مسعود وجماعة من السلف ، وثبت أنّ عمر أهلّ من إیلیاء (4) ، وکان ف)

ص: 299


1- أحکام القرآن : 1 / 263 ، 286.
2- التفسیر الکبیر : 5 / 144 ، 161.
3- الجامع لأحکام القرآن : 2 / 244.
4- إیلیاء - بالمد وتقصر - : اسم مدینة بیت المقدس [معجم البلدان : 1 / 293]. (المؤلف)

الأسود وعلقمة وعبد الرحمن وأبو إسحاق یُحرمون من بیوتهم ، ورخّص فیه الشافعی. ثمّ ذکر حدیث أُم سلمة المذکور.

وقال ابن کثیر فی تفسیره (1 / 230) بعد حدیث علیّ علیه السلام : وکذا قال ابن عبّاس وسعید بن جبیر وطاوس وسفیان الثوری.

5 - أخرج البیهقی فی السنن الکبری (5 / 30) من طریق نافع عن ابن عمر : أنّه أحرم من إیلیاء عام حکم الحکمین.

وأخرج مالک فی الموطّأ (1) (1 / 242) : أنّ ابن عمر أهلّ بحجّة من إیلیاء. وذکره ابن الدیبع فی تیسیر الوصول (2) (1 / 264) ، وسیوافیک عن ابن المنذر فی کلام أبی زرعة : أنّه ثابت.

قال الشافعی فی کتاب الأُمّ (3) (2 / 118) : أخبرنا سفیان بن عیینة ، عن عمرو ابن دینار ، عن طاووس ، قال : قال - ولم یسمّ عمرو القائل إلاّ أنّا نراه ابن عبّاس - : الرجل یهلّ من أهله ومن بعد ما یجاوز أین شاء ولا یجاوز المیقات إلاّ محرماً. إلی أن قال :

قلت : إنّه لا یضیق علیه أن یبتدئ الإحرام قبل المیقات کما لا یضیق علیه لو أحرم من أهله ، فلم یأت المیقات إلاّ وقد تقدّم بإحرامه ، لأنّه قد أتی بما أُمر به من أن یکون محرماً من المیقات. انتهی.

قال ملک العلماء فی بدائع الصنائع (2 / 164) : کلّما قدّم الإحرام علی المواقیت هو أفضل. وروی عن أبی حنیفة : أنّ ذلک أفضل إذا کان یملک نفسه أن یمنعها ما یمنع منه 9.

ص: 300


1- موطّأ مالک : 1 / 331 ح 26.
2- تیسیر الوصول : 1 / 313.
3- کتاب الأُمّ : 2 / 138 ، 139.

الإحرام. وقال الشافعی : الإحرام من المیقات أفضل بناءً علی أصله أنّ الإحرام رکن فیکون من أفعال الحجّ ، ولو کان کما زعم لما جاز تقدیمه علی المیقات ، لأنّ أفعال الحجّ لا یجوز تقدیمها علی أوقاتها (1) وتقدیم الإحرام علی المیقات جائز بالإجماع إذا کان فی أشهر الحجّ ، والخلاف فی الأفضلیّة دون الجواز ، ولنا قوله تعالی : (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) ، وروی عن علیّ وابن مسعود أنّهما قالا : إتمامهما أن تحرم بهما من دُویرة أهلک. وروی عن أمّ سلمة ... إلی آخره.

وقال القرطبی فی تفسیره (2) (2 / 345) : أجمع أهل العلم علی أنّ من أحرم قبل أن یأتی المیقات أنّه محرم ، وإنّما منع من ذلک من رأی الإحرام عند المیقات أفضل ، کراهیة أن یضیّق المرء علی نفسه ما وسّع الله علیه ، وأن یتعرّض بما لا یؤمن أن یحدث فی إحرامه ، وکلّهم ألزمه الإحرام إذا فعل ذلک ، لأنّه زاد ولم ینقص.

وقال الحافظ أبو زرعة فی طرح التثریب (5 / 5 - 6) : قد بیّنا أنّ معنی التوقیت بهذه المواقیت منع مجاوزتها بلا إحرام إذا کان مریداً للنسک ، أمّا الإحرام قبل الوصول إلیها فلا مانع منه عند الجمهور ، ونقل غیر واحد الإجماع علیه ، بل ذهب طائفة من العلماء إلی ترجیح الإحرام من دُویرة أهله علی التأخیر إلی المیقات وهو أحد قولی الشافعی ، ورجّحه من أصحابه القاضی أبو الطیّب والرویانی والغزالی والرافعی وهو مذهب أبی حنیفة ، وروی عن عمر وعلیّ أنّهما قالا فی قوله تعالی : (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) : إتمامهما أن تحرم بهما من دُویرة أهلک. وقال ابن المنذر : ثبت أنّ ابن عمر أهلّ من إیلیاء یعنی بیت المقدس ، وکان الأسود وعلقمة وعبد الرحمن وأبو إسحاق یحرمون من بیوتهم. انتهی. لکن الأصحّ عند النووی (3) من 7.

ص: 301


1- لا صلة بین رکنیّة الإحرام وکونه من أفعال الحج وبین عدم جواز تقدیمه علی المواقیت کما زعمه ملک العلماء ، بل هو رکن یجوز تقدیمه علیها لما مرّ من الأدلّة. (المؤلف)
2- الجامع لأحکام القرآن : 2 / 245.
3- شرح صحیح مسلم : 7 / 87.

قولی الشافعی : أنّ الإحرام من المیقات أفضل ، ونقل تصحیحه عن الأکثرین والمحقّقین ، وبه قال أحمد وإسحاق ، وحکی ابن المنذر فعله عن عوام أهل العلم بل زاد مالک عن ذلک فکرة تقدّم الإحرام علی المیقات ، قال ابن المنذر : وروینا عن عمر أنّه أنکر علی عمران بن حصین إحرامه من البصرة ، وکره الحسن البصری وعطاء بن أبی رباح ومالک الإحرام من المکان البعید. انتهی.

وعن أبی حنیفة روایة ؛ أنّه إن کان یملک نفسه عن الوقوع فی محظور فالإحرام من دویرة أهله أفضل ، وإلاّ فمن المیقات ، وبه قال بعض الشافعیّة.

وشذّ ابن حزم الظاهری (1) فقال : إن أحرم قبل هذه المواقیت وهو یمرُّ علیها فلا إحرام له إلاّ أن ینوی إذا صار [إلی] (2) المیقات تجدید إحرام. وحکاه عن داود وأصحابه (3) وهو قول مردود بالإجماع قبله علی خلافه قاله النووی ، وقال ابن المنذر : أجمع أهل العلم علی أنّ من أحرم قبل أن یأتی المیقات فهو محرم ، وکذا نقل الإجماع فی ذلک الخطابی وغیره. انتهی.

وذکر الشوکانی فی نیل الأوطار (4) (5 / 26) جواز تقدیم الإحرام علی المیقات مستدلاّ علیه بما مرّ فی قوله تعالی : (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ). ثمّ قال :

وأمّا قول صاحب المنار : إنّه لو کان أفضل لما ترکه جمیع الصحابة ؛ فکلام علی غیر قانون الاستدلال ، وقد حکی فی التلخیص أنّه فسّره ابن عیینة فیما حکاه عنه أحمد بأن ینشئ لهما سفراً من أهله ، ولکن لا یناسب لفظ الإهلال الواقع فی حدیث الباب ولفظ الإحرام الواقع فی حدیث أبی هریرة. انتهی. 5.

ص: 302


1- المحلّی : 7 / 70 المسألة 822.
2- من المصدر.
3- فی المصدر : وأصحابهم.
4- نیل الأوطار : 4 / 335.

والإمعان فی هذه المأثورات من الأحادیث والکلم یعطی حصول الإجماع علی جواز تقدیم الإحرام علی المیقات ، وأنّ الخلاف فی الأفضل من التقدیم والإحرام من المیقات ، لکن الخلیفة لم یعط النظر حقّه ، ولم یوفِ للاجتهاد نصیبه ، أو أنّه عزبت عنه السنّة المأثورة ، فطفق یلوم عبد الله بن عامر ، أو أنّه أحبّ أن یکون له فی المسألة رأی خاصّ ، وقد قال شمس الدین أبو عبد الله الذهبی :

العلمُ قال اللهُ قال رسولُه

إن صحَّ والإجماعُ فاجهد فیهِ

وحذارِ من نصبِ الخلافِ جهالةً

بین الرسولِ وبین رأی فقیهِ

وهلمّ معی واعطف النظرة فیما ذکرناه عن ابن حزم من أنّ عثمان لا یعیب عملاً صالحاً ... الی آخره. فإنّه غیر مدعوم بالحجّة غیر حسن الظنّ بعثمان ، وهذا یجری فی أعمال المسلمین کافّة ما لم یزع عنه وازع ، وسیرة الرجل تأبی عن الظنّ الحسن به ، وأمّا مسألتنا هذه فقد عرفنا فیها السنّة الثابتة وأنّ نهی عثمان مخالف لها ، ولیس من الهیّن الفتُّ فی عضد السنّة لتعظیم إنسان وتبریر عمله ، فإنّ المتّبع فی کافّة القُرَب ما ثبت من الشرع ، ومن خالفه عِیب علیه کائناً من کان.

وأمّا تشبّثه بالهوان بالنسک فتافه جدّا ، وأیّ هوان بها فی التأهّب لها قبل میقاتها بقربةٍ مطلقة إن لم یکن تعظیماً لشعائر الله ، وإنّما الهوان المحرّم بالنسک إدخال الآراء فیها علی المیول والشهوات ، (وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُکُمُ الْکَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَی اللهِ الْکَذِبَ إِنَّ الَّذِینَ یَفْتَرُونَ عَلَی اللهِ الْکَذِبَ لا یُفْلِحُونَ) (1).

- 22 -

لو لا علیٌّ لهلک عثمان

أخرج الحافظ العاصمی فی کتابه زین الفتی فی شرح سورة هل أتی ؛ من 6.

ص: 303


1- النحل : 116.

طریق شیخه أبی بکر محمد بن إسحاق بن محمشاد یرفعه : أنّ رجلاً أتی عثمان بن عفّان وهو أمیر المؤمنین وبیده جمجمة إنسان میّت ، فقال : إنّکم تزعمون النار یعرض علی هذا وأنّه یعذّب فی القبر وأنا قد وضعت علیها یدی فلا أحسُّ منها حرارة النار. فسکت عنه عثمان وأرسل إلی علیّ بن أبی طالب المرتضی یستحضره ، فلمّا أتاه وهو فی ملأ من أصحابه قال للرجل : أعد المسألة. فأعادها ، ثمّ قال عثمان بن عفّان : أجب الرجل عنها یا أبا الحسن فقال علیّ : «ائتونی بزند وحجر» والرجل السائل والناس ینظرون إلیه ، فأُتی بهما فأخذهما وقدح منهما النار ، ثمّ قال الرجل : «ضع یدک علی الحجر» ، فوضعها علیه ثمّ قال : «ضع یدک علی الزند» ، فوضعها علیه فقال : «هل أحسست منهما حرارة النار» ، فبهت الرجل ، فقال عثمان : لو لا علیّ لهلک عثمان.

قال الأمینی : نحن لا نرقب من عثمان ولید بیت أُمیّة الحیطة بأمثال هذه العلوم التی هی من أسرار الکون ، وقد تقاعست عنها معرفة من هو أرقی منه فی العلم ، فکیف به؟ وإنّما تُقلّها عیبة العلوم الإلهیّة المتلقّاة من المبدأ الأعلی منشئ الکون ومُلقی أسراره فیه ، وهو الذی أفحم السائل هاهنا وفی کلّ معضلة أعوز القوم عرفانها.

وإنّما کان المترقّب من عثمان - بعد ما تسنّم عرش الخلافة - الحیطة بما کان یسمعه ویراه ویفهم ویعقل من السنّة المفاضة علی أفراد الصحابة ، لئلا یرتبک فی موارد السؤال ، فیرتکب العظائم ویفتی بخلاف الوارد ، أو یرتئی رأیاً عدت عنه المراشد لکن ویا للأسف ..

- 23 -

رأی الخلیفة فی الجمع بین الأُختین بالملک

أخرج مالک فی الموطأ (1) (2 / 10) ، عن ابن شهاب ، عن قبیصة بن ذؤیب أنّ رجلاً سأل عثمان بن عفّان عن الأُختین من ملک الیمین ، هل یجمع بینهما؟ فقال عثمان : 4.

ص: 304


1- موطّأ مالک : 2 / 538 ح 34.

أحلّتهما آیة وحرّمتهما آیة ، أمّا أنا فلا أُحبُّ أن أصنع ذلک. قال : فخرج من عنده فلقی رجلاً من أصحاب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فسأله عن ذلک فقال : لو کان لی من الأمر شیء ثمّ وجدت أحداً فعل ذلک لجعلته نکالاً. قال ابن شهاب : أراه علیّ بن أبی طالب.

لفظ آخر للبیهقی :

عن ابن شهاب ؛ قال : أخبرنی قبیصة بن ذؤیب أنّ نیاراً الأسلمی سأل رجلاً من أصحاب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم عن الأُختین فیما ملکت الیمین ، فقال له : أحلّتهما آیة وحرّمتهما آیة ، ولم أکن لأفعل ذلک. قال : فخرج نیار من عند ذاک الرجل فلقیه رجل آخر من أصحاب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فقال : ما أفتاک به صاحبک الذی استفتیتهُ؟ فأخبره ، فقال : إنّی أنهاک عنهما ، ولو جمعت بینهما ولی علیک سلطان عاقبتک عقوبة منکلة.

قال ملک العلماء فی البدائع : وروی عن عثمان رضی الله عنه أنّه قال : کلُّ شیء حرّمه الله تعالی من الحرائر حرّمه الله تعالی من الإماء إلاّ الجمع فی الوطء بملک الیمین.

وقال الجصّاص فی أحکام القرآن : وروی عن عثمان وابن عباس أنّهما أباحا ذلک وقالا : أحلّتهما آیة وحرّمتهما آیة. وقال : روی عن عثمان الإباحة ، وروی عنه أنّه ذکر التحریم والتحلیل وقال : لا آمر به ولا أنهی عنه. وهذا القول منه یدلُّ علی أنّه کان ناظراً فیه غیر قاطع بالتحلیل والتحریم فیه ، فجائز أن یکون قال فیه بالإباحة ثمّ وقف فیه ، وقطع علیّ فیه بالتحریم.

وقال الزمخشری : أمّا الجمع بینهما فی ملک الیمین ؛ فعن عثمان وعلیّ أنّهما قالا : أحلّتهما آیة وحرّمتهما آیة. فرجّح علیّ التحریم وعثمان التحلیل.

وقال الرازی (1) : وعن عثمان ، أنّه قال : أحلّتهما آیة وحرّمتهما آیة ، والتحلیل أولی. 6.

ص: 305


1- التفسیر الکبیر : 10 / 36.

وقال ابن عبد البرّ فی کتاب الاستذکار (1) : إنّما کنّی قبیصة بن ذؤیب عن علیّ ابن أبی طالب لصحبته عبد الملک بن مروان ، وکانوا یستثقلون ذکر علیّ بن أبی طالب رضی الله عنه.

راجع (2) : السنن الکبری للبیهقی (7 / 163 ، 164) ، أحکام القرآن للجصّاص (2 / 158) ، المحلّی لابن حزم (9 / 522) ، تفسیر الزمخشری (1 / 359) ، تفسیر القرطبی (5 / 117) ، بدائع الصنائع لملک العلماء (2 / 264) تفسیر الخازن (1 / 356) الدرّ المنثور (2 / 136) نقلاً عن مالک والشافعی وعبد بن حمید وعبد الرزّاق وابن أبی شیبة وابن أبی حاتم والبیهقی ، تفسیر الشوکانی (1 / 418) نقلاً عن الحفّاظ المذکورین.

قال الأمینی : یقع البحث عن هذه المسألة فی موردین :

الأوّل : فی حکم الجمع بین الأُختین بملک الیمین ووطئهما جمیعاً ، فهو محرّم علی المشهور بین الفقهاء کما قاله الرازی فی تفسیره (3) (3 / 193).

وهو المشهور عن الجمهور والأئمّة الأربعة وغیرهم ، وإن کان بعض السلف قد توقّف فی ذلک کما قاله ابن کثیر فی تفسیره (1 / 472).

ولا یجوز الجمع عند عامّة الصحابة ، کما فی بدائع الصنائع (2 / 264).

کان فیه خلاف بین السلف ثمّ زال وحصل الإجماع علی تحریم الجمع بینهما بملک الیمین. واتّفق فقهاء الأمصار علیه کما قاله الجصّاص فی أحکام القرآن (4) (2 / 158). 2.

ص: 306


1- فی بیان حدیث الموطّأ المذکور فی أوّل العنوان فی قول قبیصة : فلقی رجلاً. (المؤلف)
2- أحکام القرآن : 2 / 130 ، الکشّاف : 1 / 496 ، الجامع لأحکام القرآن : 5 / 77 ، تفسیر الخازن : 1 / 342 ، الدرّ المنثور : 2 / 476 ، موطّأ مالک : 2 / 538 ح 34 ، کتاب الأُم للشافعی : 5 / 3 ، المصنّف لعبد الرزاق : 7 / 189 ح 12728 ، مصنّف ابن أبی شیبة : 4 / 169 ، فتح القدیر : 1 / 453.
3- التفسیر الکبیر : 10 / 36.
4- أحکام القرآن : 2 / 130 ، 132.

وذهب کافّة العلماء إلی عدم جوازه ولم یلتفت أحد من أئمّة الفتوی إلی خلافه - قول عثمان - لأنّهم فهموا من تأویل کتاب الله خلافه ولا یجوز علیهم تحریف التأویل. وممّن قال ذلک من الصحابة عمر وعلیّ وابن عبّاس وعمّار وابن عمر وعائشة وابن الزبیر ، وهؤلاء أهل العلم بکتاب الله فمن خالفهم فهو متعسّف فی التأویل. کذا قاله القرطبی فی تفسیره (1) (5 / 116 ، 117).

وقال أبو عمر فی الاستذکار : روی مثل قول عثمان عن طائفة من السلف منهم ابن عبّاس ، ولکن اختلف علیهم ولم یلتفت إلی ذلک أحد من فقهاء الأمصار والحجاز ، ولا العراق ولا ما وراءهما من المشرق ولا بالشام والمغرب إلاّ من شذّ عن جماعتهم باتّباع الظاهر ونفی القیاس ، وقد ترک من یعمل ذلک ظاهراً ما اجتمعنا علیه ، وجماعة الفقهاء متّفقون علی أنّه لا یحلُّ الجمع بین الأُختین بملک الیمین فی الوطء کما لا یحلُّ ذلک فی النکاح (2).

وحُکِیت الحرمة المتسالم علیهابین الأُمّة جمعاء عن علیّ ، وعمر ، والزبیر ، وابن عبّاس ، وابن مسعود ، وعائشة ، وعمّار ، وزید بن ثابت ، وابن عمر ، وابن الزبیر ، وابن منبه ، وإسحاق بن راهویه ، وإبراهیم النخعی ، والحکم بن عتیبة ، وحمّاد بن أبی سلیمان ، والشعبی ، والحسن البصری ، وأشهب ، والأوزاعی ، والشافعی ، وأحمد وإسحاق ، وأبی حنیفة ، ومالک (3).

ومع المجمعین الکتاب والسنّة ، فمن الکتاب إطلاق الذکر الحکیم فی عدّ ف)

ص: 307


1- الجامع لأحکام القرآن : 5 / 77.
2- تفسیر ابن کثیر 1 / 473 ، تفسیر الشوکانی : 1 / 411 [1 / 447]. (المؤلف)
3- راجع أحکام القرآن للجصّاص : 2 / 158 [2 / 130] ، المحلّی لابن حزم : 9 / 522 ، 523 ، تفسیر القرطبی : 5 / 117 ، 118 [5 / 77 ، 78] ، تفسیر أبی حیّان : 3 / 213 ، تفسیر الرازی : 3 / 193 [10 / 36] ، الدرّ المنثور : 2 / 137 [2 / 476]. (المؤلف)

المحرّمات فی قوله تعالی : (وَأَنْ تَجْمَعُوا بَیْنَ الْأُخْتَیْنِ) (1) ، فقد حرّمت الجمع بینهما بأیّ صورة من نکاح أو ملک یمین. قال ابن کثیر فی تفسیره (1 / 473) : وقد أجمع المسلمون علی أنّ معنی قوله : (حُرِّمَتْ عَلَیْکُمْ أُمَّهاتُکُمْ وَبَناتُکُمْ وَأَخَواتُکُمْ) إلی آخر الآیة (2) : أنّ النکاح وملک الیمین فی هؤلاء کلّهنّ سواء ، وکذلک یجب أن یکون نظراً وقیاساً الجمع بین الأُختین وأمّهات النساء والربائب ، وکذلک هو عند جمهورهم وهم الحجّة المحجوج بها علی من خالفها وشذّ عنها. انتهی.

وقد تمسّک بهذا الإطلاق الصحابة والتابعون والعلماء وأئمّة الفتوی والمفسّرون ، وکان مولانا أمیر المؤمنین علیه السلام یشدّد النکیر علی من یفعل ذلک ویقول : «لو کان لی من الأمر شیء ثمّ وجدت أحداً فعل ذلک لجعلته نکالاً». أو یقول للسائل : «إنّی أنهاک عنهما ولو جمعت بینهما ولی علیک سلطان عاقبتک عقوبة منکلة».

وروی عن إیاس بن عامر أنّه قال : سألت علیّ بن أبی طالب فقلت : إنّ لی أُختین ممّا ملکت یمینی اتّخذت إحداهما سریّة وولدت لی أولاداً ثمّ رغبت فی الأخری فما أصنع؟ قال : «تعتق التی کنت تطأ ثمّ تطأ الأخری» ثمّ قال : «إنّه یحرم علیک ممّا ملکت یمینک ما یحرم علیک فی کتاب الله من الحرائر إلاّ العدد». أو قال : «إلاّ الأربع ، ویحرم علیک من الرضاع ما یحرم علیک فی کتاب الله من النسب» (3).

ولو لم یکن فی هذا المورد غیر کلام الإمام علیه السلام لنهض حجّة للفتوی ، فإنّه أعرف الأُمّة بمغازی الکتاب وموارد السنّة ، وهو باب علم النبیّ صلّی الله علیهما وآلهما وهو الذی خلّفه صلی الله علیه وآله وسلم عدلاً للکتاب لیتمسّکوا بهما فلا یضلّوا.ف)

ص: 308


1- النساء : 23.
2- هی آیة (وأَنْ تَجْمَعُوا بَینَ الأُخْتَینِ) (المؤلف)
3- أخرجه الجصّاص فی أحکام القرآن : 2 / 158 [2 / 130] ، وأبو عمر فی الاستذکار ، وذکره ابن کثیر فی تفسیره : 1 / 472 ، والسیوطی فی الدرّ المنثور : 2 / 137 [2 / 476]. (المؤلف)

وقد أصفق علی ذلک أئمّة أهل البیت من ولده ، وهم عترته صلی الله علیه وآله وسلم أعدال الکتاب وأبوهم سیّدهم ، وقولهم حجّة فی کلّ باب.

وبهذه تعرف مقدار ما قد یعزی إلی أمیر المؤمنین علیه السلام من موافقته لعثمان فی رأیه الشاذّ عن الکتاب والسنّة وقوله : أحلّتهما آیة وحرّمتهما آیة وحاشاه علیه السلام من أن یختلف رأیه فی حکم من أحکام الله ، غیر أنّ رماة القول علی عواهنه راقهم أن یهون علی الأُمّة خطب عثمان فکذبوا علیه صلوات الله علیه واختلقوا علیه ، قال الجصّاص فی أحکام القرآن (1) (2 / 158) : قد روی إیاس بن عامر أنّه قال لعلیّ : إنّهم یقولون : إنّک تقول : أحلّتهما آیة وحرّمتهما آیة. فقال : «کذبوا».

ومن السنّة للمجمعین ما استدل به علی الحرمة ابن نجیم فی البحر الرائق (3 / 95) ، وملک العلماء فی بدائع الصنائع (2 / 264) وغیرهما من قوله صلی الله علیه وآله وسلم : «من کان یؤمن بالله والیوم الآخر فلا یجمعنّ ماءه فی رحم أُختین».

المورد الثانی : هل هناک ما یخصّص الحرمة المستفادة من القرآن بالنسبة إلی ملک الیمین؟ یدّعی عثمان ذلک فقال : أحلّتهما آیة وحرّمتهما آیة. ولم یعیّن الآیة المحلّلة کما یعیّنها غیره من السلف ، نعم ؛ أخرج عبد الرزّاق (2) وابن أبی شیبة (3) وعبد بن حمید وابن أبی حاتم والطبرانی من طریق ابن مسعود ؛ أنّه سُئل عن الرجل یجمع بین الأُختین الأمتین فکرهه ، فقیل : یقول الله تعالی : (إِلاَّ ما مَلَکَتْ أَیْمانُکُمْ). فقال : وبعیرک أیضاً ممّا ملکت یمینک. وفی لفظ ابن حزم : إنّ حملک ممّا ملکت یمینک (4). ف)

ص: 309


1- أحکام القرآن : 2 / 130.
2- المصنّف : 7 / 193 ح 12742.
3- مصنّف ابن أبی شیبة : 3 / 306 ح 3 باب 50 من کتاب النکاح.
4- المحلّی لابن حزم : 9 / 524 ، تفسیر ابن کثیر : 1 / 472 ، الدرّ المنثور : 2 / 137 [2 / 476] نقلاً عن الحفّاظ المذکورین. (المؤلف)

وقال الجصّاص فی أحکام القرآن (1) (2 / 158) : یعنون بالمحلّل قوله تعالی : (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلاَّ ما مَلَکَتْ أَیْمانُکُمْ). والقول بهذا بعید عن نطاق فهم القرآن وعرفان أسباب نزول الآیات ، ولا تساعده الأحادیث الواردة فی الآیة الکریمة ، وأنّی للقائل من ثبوت التعارض بین الآیتین بعد ورودهما فی موضوعین مختلفین؟ ولأعلام القوم فی المقام بیانات ضافیة قیّمة نقتصر منها بکلام (2) الجصّاص ، قال فی أحکام القرآن (3) (2 / 199) : إنّ الآیتین غیر متساویتین فی إیجاب التحریم والتحلیل وغیر جائز الاعتراض بأحدهما علی الأخری ؛ إذ کلُّ واحدة منهما ورودها فی سبب غیر سبب الأخری ، وذلک لأنّ قوله تعالی : (وَأَنْ تَجْمَعُوا بَیْنَ الْأُخْتَیْنِ) وارد فی حکم التحریم کقوله تعالی : (وَحَلائِلُ أَبْنائِکُمُ ... وَأُمَّهاتُ نِسائِکُمْ) وسائر من ذکر فی الآیة تحریمها. وقوله تعالی : (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلاَّ ما مَلَکَتْ أَیْمانُکُمْ) وارد فی إباحة المسبیّة التی لها زوج فی دار الحرب ، وأفاد وقوع الفرقة وقطع العصمة فیما بینهما ، فهو مستعمل فیما ورد فیه من إیقاع الفرقة بین المسبیّة وبین زوجها وإباحتها لمالکها ، فلا یجوز الاعتراض به علی تحریم الجمع بین الأُختین ، إذ کلّ واحدة من الآیتین واردة فی سبب غیر سبب الأخری ، فیستعمل حکم کلّ واحدة منهما فی السبب الذی وردت فیه. قال :

ویدلُّ علی ذلک أنّه لا خلاف بین المسلمین فی أنّها لم تعترض علی حلائل الأبناء وأُمّهات النساء وسائر من ذکر تحریمهنّ فی الآیة ، وأنّه لا یجوز وطء حلیلة الابن ولا أُمّ المرأة بملک الیمین ، ولم یکن قوله تعالی : (إِلاَّ ما مَلَکَتْ أَیْمانُکُمْ) موجباً لتخصیصهنّ لوروده فی سبب غیر سبب الآیة الأخری ، کذلک ینبغی أن یکون حکمه فی اعتراضه علی تحریم الجمع وامتناع علیّ رضی الله عنه ومن تابعه فی ذلک من الصحابة من الاعتراض بقوله تعالی : (إِلاَّ ما مَلَکَتْ أَیْمانُکُمْ) علی تحریم الجمع بین الأُختین یدلُ1.

ص: 310


1- أحکام القرآن : 2 / 130 ، والآیة : النساء : 24.
2- الظاهر أنه قدس سره ضمّن (نقتصر) معنی (نکتفی) فعدّاه بالباء.
3- أحکام القرآن : 2 / 131.

علی أنّ حکم الآیتین إذا وردتا فی سببین ، إحداهما فی التحلیل والأخری فی التحریم أنّ کلّ واحدة منهما تجری علی حکمها فی ذلک السبب ولا یعترض بها علی الأخری ، وکذلک ینبغی أن یکون حکم الخبرین إذا وردا عن الرسول صلی الله علیه وآله وسلم فی مثل ذلک. إلی آخره.

ونحن نردف کلام الجصّاص بما ورد فی سبب نزول قوله تعالی : (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلاَّ ما مَلَکَتْ أَیْمانُکُمْ). وأنّه کما سمعت من الجصّاص غیر السبب الوارد فیه قوله تعالی : (وَأَنْ تَجْمَعُوا بَیْنَ الْأُخْتَیْنِ).

أخرج مسلم فی صحیحه وغیره ؛ بالإسناد عن أبی سعید الخدری ، قال : أصبنا نساء من سبی أوطاس ولهن أزواج ، فکرهنا أن نقع علیهنّ ولهنّ أزواج ، فسألنا النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فنزلت هذه الآیة : (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلاَّ ما مَلَکَتْ أَیْمانُکُمْ). فاستحللنا بها فروجهنّ.

وفی لفظ أحمد : إنّ أصحاب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أصابوا سبایا یوم أوطاس لهنّ أزواج من أهل الشرک ، فکان أُناس من أصحاب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم کفّوا وتأثّموا من غشیانهنّ ، قال : فنزلت هذه الآیة فی ذلک : (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلاَّ ما مَلَکَتْ أَیْمانُکُمْ).

وفی لفظ النسائی : إنّ نبیّ الله صلی الله علیه وآله وسلم بعث جیشاً إلی أوطاس فلقوا عدوّا فقاتلوهم وظهروا علیهم ، فأصابوا لهم سبایا لهنّ أزواج فی المشرکین ، فکان المسلمون تحرّجوا من غشیانهنّ ، فأنزل الله عزّ وجلّ : (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلاَّ ما مَلَکَتْ أَیْمانُکُمْ).

راجع (1) : صحیح مسلم (1 / 416 ، 417) ، صحیح الترمذی (1 / 135) ، سنن أبی 4.

ص: 311


1- صحیح مسلم : 3 / 254 - 255 ح 33 - 35. کتاب الرضاع ، سنن الترمذی : 5 / 218 ح 3016 ، 3017 ، سنن أبی داود : 2 / 247 ح 2155 ، السنن الکبری : 3 / 308 ح 5491 و 5492 ، مسند أحمد : 3 / 486 ح 11294 ، وص 505 ح 11388 ، أحکام القرآن : 2 / 136 ، مصابیح السنّة : 2 / 421 ح 2356 ، الجامع لأحکام القرآن : 5 / 80 ، تفسیر البیضاوی : 1 / 209 ، تفسیر الخازن : 1 / 342 ، فتح القدیر : 1 / 454.

داود (1 / 336) ، سنن النسائی (6 / 110) ، مسند أحمد (3 / 72 ، 84) ، أحکام القرآن للجصّاص (2 / 165) ، سنن البیهقی (7 / 167) ، المحلّی لابن حزم (9 / 447) ، مصابیح السنّة (2 / 29) ، تفسیر القرطبی (5 / 121) ، تفسیر البیضاوی (1 / 269) ، تفسیر ابن کثیر (1 / 473) تفسیر الخازن (1 / 375) ، تفسیر الشوکانی (1 / 418).

وعلی ذلک تأوّله علیّ ، وابن عبّاس ، وعمر ، وعبد الرحمن بن عوف ، وابن عمر ، وابن مسعود ، وسعید بن المسیّب ، وسعید بن جبیر ، وقالوا : إنّ الآیة وردت فی ذوات الأزواج من السبایا أُبیح وطؤهنّ بملک الیمین ووجب بحدوث السبی علیها دون زوجها وقوع الفرقة بینهما (1).

وقال القرطبی فی تفسیره (2) (5 / 121) : قد اختلف العلماء فی تأویل هذه الآیة ؛ فقال ابن عبّاس وأبو قلابة وابن زید ومکحول والزهری وأبو سعید الخدری : المراد بالمحصنات هنا المسبیّات ذوات الأزواج خاصّة ، أی هنّ محرّمات إلاّ ما ملکت الیمین بالسبی من أرض الحرب ، فإنّ تلک حلال للذی تقع فی سهمه وإن کان لها زوج. وهو قول الشافعی فی أنّ السباء یقطع العصمة ، وقاله ابن وهب وابن عبد الحکم ورویاه عن مالک ، وقال به أشهب ، یدلُّ علیه ما رواه مسلم فی صحیحه عن أبی سعید الخدری وذکر الحدیث ، فقال : وهذا نصّ [صحیح] (3) صریح فی أنّ الآیة نزلت بسبب تحرّج أصحاب النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم عن وطء المسبیّات ذوات الأزواج ، فأنزل الله تعالی فی جوابهم : (إِلاَّ ما مَلَکَتْ أَیْمانُکُمْ). وبه قال مالک وأبو حنیفة وأصحابه والشافعی وأحمد وإسحاق وأبو ثور ، وهو الصحیح إن شاء الله تعالی. انتهی. ر.

ص: 312


1- أحکام القرآن للجصّاص : 2 / 165 [2 / 135] ، سنن البیهقی : 7 / 167 ، تفسیر الشوکانی : 1 / 418 [1 / 454]. (المؤلف)
2- الجامع لأحکام القرآن : 5 / 80.
3- الزیادة من المصدر.

قول آخر فی الآیة المحلّلة :

قال ملک العلماء فی بدائع الصنائع (2 / 264) ، والزمخشری فی تفسیره (1) (1 / 359) عنی عثمان بآیة التحلیل قوله عزّ وجلّ : (إِلاَّ عَلی أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَکَتْ أَیْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَیْرُ مَلُومِینَ).

وهذا إنّما یتمّ بالتمسّک بعموم ملک الیمین ، لکن الممعن فی لحن القول یجد أنّه لا یجوز الأخذ بهذا العموم لأنّه فی مقام بیان ناموس العفّة للمؤمنین بأنّ صاحبها یکون حافظاً لفرجه إلاّ فیما أباح له الشارع فی الجملة من زوجة أو ملک یمین فقال : (وَالَّذِینَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ* إِلاَّ عَلی أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَکَتْ أَیْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَیْرُ مَلُومِینَ) (2) ولا ینافی هذا وجود شروط فی کلّ منهما ، فإنّ العموم لا یبطل تلکم الشروط الثابتة من الشریعة ، وإنّما هی التی تضیّق دائرة العموم وهی الناظرة علیه ، مثلاً لا یقتضی هو إباحة وطء الزوجة فی حال الحیض والنفاس وفی أیّام شهر رمضان وفی الإحرام والإیلاء والظهار والمعتدّة من وطء بشبهة ، ولا إباحة وطء الأُختین ولا وطء الأمة ذات الزوج فإنّ هذه شرائط جاء بها الإسلام لا یخصّصها أیُّ شیء ، ولا یعارض أدلّتها عموم إلاّ علی أزواجهم أو ما ملکت أیمانهم.

ولو وسّعنا عموم الآیة لوجب أن نبیح کلّ هذه أو نراها تعارض أدلّتها ، ولنا عندئذٍ أن نقول فی نکاح الأُختین وفی بقیّة ما ورد فیه الکتاب ممّا ذکر : أحلّته آیة وحرّمته آیة! فقد استُثنِیا - الزوجة وملک الیمین - بنسق واحد وهذا ممّا لا یفوه به أیّ متفقّه.6.

ص: 313


1- الکشّاف : 1 / 496.
2- المؤمنون : 5 و 6.

وکذلک لو أخذنا بعمومها فی الرجال والنساء کما جوّزه الجصّاص لوجب أن نبیح للمرأة المالکة أن یطأها من تملکه ، وهذا لا یحلُّ إجماعاً من أئمّة المذاهب ، وقال ابن حزم فی المحلّی (9 / 524) : لا خلاف بین أحد من الأُمّة کلّها قطعاً متیقّناً فی أنّه لیس علی عمومه ، بل کلّهم مجمع قطعاً علی أنّه مخصوص ، لأنّه لا خلاف ولا شکّ فی أنّ الغلام من ملک الیمین وهو حرام لا یحلُّ ، وأنّ الأُمّ من الرضاعة من ملک الیمین والأُخت من الرضاعة من ملک الیمین ، وکلتاهما متّفق علی تحریمهما ، أو الأمة یملکها الرجل قد تزوّجها أبوه ووطأها وولد منها حرام علی الابن.

وقال : ثمّ نظرنا فی قوله تعالی : (وَأَنْ تَجْمَعُوا بَیْنَ الْأُخْتَیْنِ). (وَأُمَّهاتُ نِسائِکُمْ وَرَبائِبُکُمُ اللاَّتِی فِی حُجُورِکُمْ مِنْ نِسائِکُمُ اللاَّتِی دَخَلْتُمْ بِهِنَ). (وَلا تَنْکِحُوا الْمُشْرِکاتِ حَتَّی یُؤْمِنَ) (1). ولم یأت نصّ ولا إجماع علی أنّه مخصوص حاش زواج الکتابیّات فقط ، فلا یحلُّ تخصیص نصّ لا برهان علی تخصیصه ، وإذ لا بدّ من تخصیص ما هذه صفتها أو تخصیص نصّ آخر لا خلاف فی أنّه مخصوص ، فتخصیص المخصوص هو الذی لا یجوز غیره. انتهی.

وأمّا ما قیل (2) من أنّ الآیة المحلّلة قوله تعالی : (وَأُحِلَّ لَکُمْ ما وَراءَ ذلِکُمْ) فی ذیل آیة عدّ المحرّمات فباطل أیضاً ، فإنّه بمنزلة الاستثناء ممّا قبله من المحرّمات ومنها الجمع بین الأُختین ، وقد عرفت أنّ الأُمّة صحابیّها وتابعیّها وفقهاءها مجمعة علی عدم الفرق فی حرمة الجمع بین الأُختین فی الوطء نکاحاً وملک یمین ، ولم یفرّقوا بینهما قطُّ ، وهو الحجّة ، علی أنّ ملاک التحریم فی النکاح وهو الوطء موجود فی ملک الیمین ، فالحکم فیهما شرع سواء فی المراد ممّا وراء ذلک هو ما وراء المذکورات کلّها من الأُمّهات والبنات إلی آخر ما فیها ، ومنها الجمع بین الأُختین بقسمیه. ف)

ص: 314


1- البقرة : 221.
2- تفسیر القرطبی : 5 / 117 [5 / 77] ، تفسیر ابن کثیر : 1 / 474 (المؤلف)

وعلی فرض الإغضاء عن کلّ هذه وعن أسباب نزول الآیات وتسلیم إمکان المعارضة بین الآیتین ، فإنّ دلیل الحظر مقدّم علی دلیل الإباحة فی صورة التعارض ووحدة سبب الدلیلین ، کما بیّنه علماء علم الأُصول ونصّ علیه فی هذه المسألة الجصّاص فی أحکام القرآن (1) (2 / 158) والرازی فی تفسیره (2) (3 / 193).

لکن عثمان کان لا یعرف کلّ هذا ، ولا أحاط بشیء من أسباب نزول الآیات ، فطفق یغلّب دلیل الإباحة فی مزعمته علی دلیل التحریم المتسالم علیه عند الکلّ ، وقد عزب عنه حکم العقل المستدعی لتقدیم أدلّة الحرمة دفعاً للضرر المحتمل ، وقد شذّ بذلک عن جمیع الأُمّة کما عرفت تفصیله ، ولم یوافقه علی هذا الحسبان أیّ أحد إلاّ ما یعزی إلی ابن عبّاس بنقل مختلف فیه کما مرّ عن أبی عمر فی الاستذکار.

وفی کلام الخلیفة شذوذ آخر وهو قوله : کلُّ شیء حرّمه الله تعالی من الحرائر حرّمه الله تعالی من الإماء إلاّ الجمع بالوطء بملک الیمین. فهو باطل فی الاستثناء والمستثنی منه ، أمّا الاستثناء فقد عرفت إطباق الکلّ علی حرمة الجمع بین الأُختین بالوطء بملک الیمین معتضداً بالکتاب والسنّة ، وأمّا المستثنی منه فقد أبقی فیه ما هو خارج منه بالاتّفاق من الأُمّة جمعاء وهو العدد المأخوذ فی الحرائر دون الإماء.

لقد فتحت أمثال هذه المزاعم الباطلة الشاذّة عن الکتاب وفقه الإسلام باب الشجار علی الأُمّة بمصراعیه ، فإنّها فی الأغلب لا تفقد متابعاً أو مجادلاً قد ضلّوا وأضلّوا وهم لا یشعرون ، وهناک شرذمة سبقها الإجماع ولحقها من أهل الظاهر لا یُؤبه بهم لم یزالوا مصرّین علی رأی الخلیفة فی هذه المسألة ، لکنّهم شذّاذ عن الطریقة المثلی. قال القرطبی فی تفسیره (3) (5 / 117) : شذّ أهل الظاهر فقالوا : یجوز7.

ص: 315


1- أحکام القرآن : 2 / 130.
2- التفسیر الکبیر : 10 / 36.
3- الجامع لأحکام القرآن : 5 / 77.

الجمع بین الأُختین بملک الیمین فی الوطء کما یجوز الجمع بینهما فی الملک ، واحتجّوا بما روی عن عثمان فی الأُختین من ملک الیمین : حرّمتهما آیة وأحلّتهما آیة.

(وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَکَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّکَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِینَ) (1)

- 24 -

رأی الخلیفة فی ردِّ الأخوین الأُمّ عن الثلث

أخرج الطبری فی تفسیره (2) (4 / 188) ؛ من طریق شعبة ، عن ابن عبّاس : أنّه دخل علی عثمان رضی الله عنه فقال : لِم صار الأخوان یردّان الأُمّ إلی السدس ، وإنّما قال الله (فَإِنْ کانَ لَهُ إِخْوَةٌ) (3). والأخَوان فی لسان قومک وکلام قومک لیسا بإخوة؟ فقال عثمان رضی الله عنه : هل أستطیع نقض أمر کان قبلی ، وتوارثه الناس ، ومضی فی الأمصار.

وفی لفظ الحاکم والبیهقی : لا أستطیع أن أردّ ما کان قبلی ومضی فی الأمصار وتوارث به الناس.

أخرجه الحاکم فی المستدرک (4) (4 / 335) وصحّحه ، والبیهقی فی السنن الکبری (6 / 227) ، وابن حزم فی المحلّی (9 / 258) ، وذکره الرازی فی تفسیره (5) (3 / 163) ، وابن کثیر فی تفسیره (1 / 459) ، والسیوطی فی الدرّ المنثور (6) (2 / 126) ، والآلوسی فی روح المعانی (4 / 225).

قال الأمینی : ما أجاب به الخلیفة ابن عبّاس ینمُّ عن عدم تضلّعه فی العربیّة مع 7.

ص: 316


1- البقرة : 145.
2- جامع البیان : مج 3 / ج 4 / 278.
3- النساء : 11.
4- المستدرک علی الصحیحین : 4 / 372 ح 7960.
5- التفسیر الکبیر : 9 / 215.
6- الدرّ المنثور : 2 / 447.

أنّها لسان قومه ، ولو کان له قسط منها لأجاب ابن عبّاس بصحّة إطلاق الجمع علی الاثنین وأنّه المطّرد فی کلام العرب ، لا بالعجز عن تغییر ما غلط فیه الناس کلّهم - العیاذ بالله - وما هو ببدع فی ذلک عمّن تقدّماه یوم لم یعرفا معنی الأبّ وهو من صمیم لغة الضاد ومشروح بما بعده فی الذکر الحکیم ، فإنّ إطلاق الإخوة علی الأخوین قد لهج به جمهور العرب ، ولذلک لا تجد أیّ خلاف فی حجب الأخوین الأُمّ عن الثلث إلی السدس بین الصحابة العرب الأقحاح ، والتابعین الذین نزلوا منزلتهم من العربیّة الفصحاء ، والفقهاء من مذاهب الإسلام ، ولا استناد لهم فی الحکم إلاّ الآیة الکریمة ، وما ذلک إلاّ لتجویزهم إطلاق الجمع علی الإثنین سواء کان ذلک أقلّه أو توسّعاً مطّرداً فی الإطلاق.

قال الطبری فی تفسیره (1) (4 / 187) : قال جماعة أصحاب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم والتابعین لهم بإحسان ومن بعدهم من علماء أهل الإسلام فی کلّ زمان : عنی الله جلّ ثناؤه بقوله : (فَإِنْ کانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ). إثنین کان الإخوة أو أکثر منهما ، أُنثیین کانتا أو کنّ إناثاً ، أو ذکرین کانا أو کانوا ذکوراً ، أو کان أحدهما ذکراً والآخر أُنثی ، واعتلّ کثیر ممّن قال ذلک بأنّ ذلک قالته الأُمّة عن بیان الله جلّ ثناؤه علی لسان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فنقلته أُمّة نبیّه نقلاً مستفیضاً قطع العذر مجیئه ، ودفع الشک فیه عن قلوب الخلق وروده. ثمّ نقل حدیث ابن عبّاس المذکور فقال : والصواب من القول فی ذلک عندی أنّ المعنیّ بقوله : (فَإِنْ کانَ لَهُ إِخْوَةٌ) إثنان من إخوة المیت فصاعداً علی ما قاله أصحاب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم دون ما قاله ابن عبّاس رضی الله عنه (2) لنقل الأُمّة وراثة صحّة ما قالوه من ذلک عن الحجّة وإنکارهم ما قاله ابن عبّاس فی ذلک. قال :

فإن قال قائل : وکیف قیل فی الأخوین إخوة؟ وقد علمت أنّ الأخوین فی ف)

ص: 317


1- جامع البیان : مج 3 / ج 4 / 278 ، 279.
2- سیوافیک فساد عزو الخلاف إلی ابن عبّاس. (المؤلف)

منطق العرب مثالاً (1) لا یشبه مثال الإخوة فی منطقها؟ قیل : إنّ ذلک وإن کان کذلک فإنّ من شأنها (2) التألیف بین الکلامین بتقارب معنییهما وإن اختلفا فی بعض وجوههما. فلمّا کان ذلک کذلک وکان مستفیضاً فی منطقها ، منتشراً مستعملاً فی کلامها : ضربت من عبد الله وعمرو رءوسهما ، وأوجعت منهما ظهورهما. وکان ذلک أشدّ استفاضة فی منطقها من أن یقال : أوجعت منهما ظهرهما ، وإن کان مقولاً : أوجعت ظهرهما ، کما قال الفرزدق :

بما فی فؤادینا من الشوق والهوی

فیبرأ منهاضُ الفؤاد المشغَّف

غیر أنّ ذلک وإن کان مقولاً فأفصح منه بما فی أفئدتنا کما قال جلّ ثناؤه : (إِنْ تَتُوبا إِلَی اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُکُما) (3) فلمّا کان ما وصفت من إخراج کلّ ما کان فی الإنسان واحداً إذا ضمّ إلی الواحد منه آخر من إنسان آخر فصارا اثنین من اثنین ، فلفظ الجمع أفصح فی منطقها وأشهر فی کلامها ، وکان الأخوان شخصین کلّ واحد منهما غیر صاحبه من نفسین مختلفین أشبه معناهما معنی ما کان فی الإنسان من أعضائه واحداً لا ثانی له ، فأخرج أُنثییهما بلفظ أنثی العضوین اللذین وصفت ، فقیل : إخوة فی معنی الأخوین ، کما قیل : ظهور فی معنی الظهرین ، وأفواه فی معنی فموین ، وقلوب فی معنی قلبین. وقد قال بعض النحویّین : إنّما قیل إخوة ، لأنّ أقلّ الجمع إثنان ... إلی آخره. انتهی.

وأخرج الحاکم بإسناد صحّحه فی المستدرک (4) (4 / 335) ، والبیهقی فی السنن (6 / 227) عن زید بن ثابت أنّه کان یحجب الأُمّ بالأخوین فقال : إنّ العرب تسمّی 1.

ص: 318


1- کذا فی المصدر أیضاً ، ولعلّها فی الأصل : أن للأخوین ... مثالاً.
2- أی : العرب.
3- التحریم : 4.
4- المستدرک علی الصحیحین : 4 / 372 ح 7961.

الأخوین إخوة. وذکره الجصّاص فی أحکام القرآن (1) (2 / 99).

وأخرج ابن جریر فی تفسیره (2) (4 / 189) وعبد بن حمید وابن أبی حاتم عن قتادة فی قوله تعالی : (فَإِنْ کانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ). قال : اضرّوا بالأُمّ ، ولا یرثون ولا یحجبها الأخ الواحد من الثلث ویحجبها ما فوق ذلک. الدرّ المنثور (3) (2 / 126).

وذکر الجصّاص فی أحکام القرآن (4) (2 / 98) قول الصحابة بحجب الأخوین الأُمّ عن الثلث کالإخوة فقال : والحجّة : أنّ اسم الأخوة قد یقع علی الاثنین کما قال تعالی : (إِنْ تَتُوبا إِلَی اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُکُما) وهما قلبان. وقال تعالی (وَهَلْ أَتاکَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ) (5). ثم قال تعالی : (خَصْمانِ بَغی بَعْضُنا عَلی بَعْضٍ) (6). فأطلق لفظ الجمع علی اثنین. وقال تعالی : (وَإِنْ کانُوا إِخْوَةً رِجالاً وَنِساءً فَلِلذَّکَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَیَیْنِ) (7) فلو کان أخاً وأُختاً کان حکم الآیة جاریاً فیهما ... إلخ (8)

وقال مالک فی الموطّأ (9) (1 / 331) : فإن کان له إخوة فلأُمّه السدس فمضت السنّة أنّ الإخوة اثنان فصاعداً.

وفی عمدة السالک وشرحه فیض المالک (10) (2 / 122) : فإن کان معها - أی 8.

ص: 319


1- أحکام القرآن : 2 / 82.
2- جامع البیان : مج 3 / ج 4 / 280.
3- الدرّ المنثور : 2 / 447.
4- أحکام القرآن : 2 / 81.
5- سورة ص : 21 ، 22.
6- سورة ص : 21 ، 22.
7- النساء : 176.
8- بقیّة کلامه لا تخلو عن فوائد. فراجع الجصّاص أحد أئمّة الحنفیة. (المؤلف)
9- موطّأ مالک : 2 / 507.
10- عمدة السالک : ص 145 ، فیض الإله المالک : 2 / 128.

الأُمّ - ولد أو کان معها ولد ابن ذکر أو أنثی أو کان معها عدد اثنان فأکثر من الأخوة ومن الأخوات فلها السدس لقوله تعالی : (فَإِنْ کانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ). والمراد بهم اثنان فأکثر إجماعاً (1).

وقال الشافعی کما فی مختصر المزنی - هامش کتاب الأُم (2) (3 / 140) : وللأُمّ الثلث ، فإن کان للمیّت ولد أو ولد ولد أو اثنان من الأُخوة أو الأخوات فصاعداً فلها السدس.

وقال ابن کثیر فی تفسیره (1 / 459) : حکم الأخوین کحکم الإخوة عند الجمهور. ثمّ ذکر حدیث زید بن ثابت من أنّ أخوین یسمّیان إخوة.

وقال الشوکانی فی تفسیره (3) (1 / 398) : قد أجمع أهل العلم علی أن الاثنین من الإخوة یقومون مقام الثلاثة فصاعداً فی حجب الأُمّ إلی السدس.

هذا رأی الأُمّة فی الإخوة فقد عزب عن الخلیفة صحّة الإطلاق فی الآیة الکریمة فی لسان قومه ، وأنّ السلف لم یعرف من الإخوة معنی إلاّ ما یعمُّ الأخوین ، وزعم أنّ من کان قبله شذّوا عن لسان قومه ، وذهبوا إلی حجب الأُمّ بالأخوین خلاف کتاب الله ، وجاء یأسف علی أنّه لم یستطع تغییر ما وقع ونقض ما کان من الناس ، هذا مبلغ علم الرجل بالکتاب وأدلّة الأحکام والفروض المسلّمة بین الأُمّة.

وأمّا ابن عبّاس فإنّه لم یشذّ عن لغة قومه وهو من جبهة العرب وعلی سنام قریش ومن بیت هم أفصح من نطق بالضاد ، وإنّما أراد باستفهامه من الخلیفة أن یعرّف الملأ مقداره من أبسط شیء یجب أن یکون فی مثله ، فضلاً عن معضلات المسائل وهو الحیطة باللغة وعرفان موارد الاستعمال ، حتی یتسنّی له أخذ الحکم من 3.

ص: 320


1- هذا مذهب الحنابلة والکتاب لأحد أئمّتهم. (المؤلف)
2- مختصر المزنی : ص 138.
3- فتح القدیر : 1 / 433.

الکتاب والسنّة اللذین جاءا بهذه اللغة الکریمة ، ولذلک أتی فی قوله بصورة الاستفهام عن مدرک الحکم لا عن أصله ، فإنّ الحکم کان مسلّماً عنده لا أنّ ما قاله للخلیفة کان رأیاً له فی الخلاف فی حجب الأخوین ، وإلاّ لتبعه أصحابه المقتصّون أثره ، لکنهم کلّهم موافقون للأُمّة وعلمائها فی حجب الأخوین کما ذکره ابن کثیر فی تفسیره (1 / 459) فعدُّ ابن عبّاس مخالفاً فی المسألة بهذه الروایة ، کما فعله الطبری فی تفسیره (1) (4 / 188) ، وابن رشد فی البدایة (2) (2 / 327) وغیر واحد من الفقهاء وأئمّة الحدیث ورجال التفسیر أُغلوطة (3) نشأت من عدم فهم مغزی کلامه.

- 25 -

رأی الخلیفة فی المعترفة بالزنا

عن یحیی بن حاطب قال : توفّی حاطب فأعتق من صلّی من رقیقه وصام ، وکانت له أمة نوبیّة قد صلّت وصامت وهی أعجمیّة لم تفقه فلم ترعه إلاّ بحبلها وکانت ثیّباً. فذهب إلی عمر رضی الله عنه فحدّثه فقال : لأنت الرجل لا تأتی بخیر ، فأفزعه ذلک فأرسل إلیها عمر رضی الله عنه فقال : أحبلت؟ فقالت : نعم من مرغوش بدرهمین. فإذا هی تستهلُّ بذلک لا تکتمه قال : وصادف علیّا وعثمان وعبد الرحمن بن عوف فقال : أشیروا علیّ ، وکان عثمان رضی الله عنه جالساً فاضطجع ، فقال علیّ وعبد الرحمن : قد وقع علیها الحدُّ. فقال : أَشِر علیّ یا عثمان. فقال : قد أشار علیک أخواک ، قال : أشر علیّ أنت. قال : أراها تستهلُّ به کأنّها لا تعلمه ، ولیس الحدُّ إلاّ علی من علمه. فقال : صدقت صدقت والذی نفسی بیده ، ما الحدُّ إلاّ علی من علمه. فجلدها عمر مائة وغرّبها عاماً (4).2.

ص: 321


1- جامع البیان : مج 3 / ج 4 / 278.
2- بدایة المجتهد : 2 / 340.
3- خبر لقوله المتقدم : فَعَدُّ ابن عباس.
4- السنن الکبری للبیهقی : 8 / 238 ، کتاب الأُم للشافعی : 1 / 152.

قال الأمینی : أسلفنا هذا الحدیث فی الجزء السادس (1) ، وتکلّمنا هنالک حول رأی الخلیفة الثانی وما أمر به من الجلد والاغتراب وأنّه خارج عن نطاق الشرع ، وهاهنا ننظر إلی رأی عثمان وفتیاه بعدم الحدّ.

لو کان ما یقوله الخلیفة حقّا لبطلت الأقاریر والاعترافات فی أمثال المورد ، فیقال فی کلّها إنّه لا یعلم الحدّ ولو علمه لأخفاه خیفة إجرائه علیه ، وکان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یحدُّ بالإقرار ، ولو بعد استبراء الخبر والتریّث فی الحکم رجاء أن تکون هناک شبهة یدرأ بها الحدّ ، فکان صلی الله علیه وآله وسلم یقول للمعترف بالزنا «أبک جنون؟» (2) أو یقول : «لعلّک قبّلت أو غمزت أو نظرت؟» (3) وکذلک مولانا أمیر المؤمنین علیّ وقبله الخلیفة الثانی کانا یدافعان المعترف رجاء أن ینتج الأخذ والردّ لشبهة فی الإقرار ، لکنّهما بعد ثبات المعترف علی ما قال کانا یجریان علیه الحدّ ، ألا تری قول عمر للزانیة : ما یبکیک؟ أنّ المرأة ربّما استکرهت علی نفسها. فأخبرت أنّ رجلاً رکبها وهی نائمة فخلّی سبیلها ، وأنّ علیاً علیه السلام قال لشراحة حین أقرّت بالزنا : لعلّک عصیت نفسک؟ قالت : أتیت طائعة غیر مکرهة فرجمها (4).

ولعلّ من جرّاء أمثال هذه القضایا طرق سمع الخلیفة أنّ الحدود تدرأ بالشبهات ، والحدود تُدْفَعُ ما وجدلها مدفع ، غیر أنّه لم یدر أنّ للإقرار ناموساً فی الشریعة لا یعدوه ولا سیّما فی مورد الزنا ، فإنّه یؤاخذ به المعترف فی أوّل مرّة کما تعطیه ف)

ص: 322


1- صفحة 161 الطبعة الأولی ، وص 174 الطبعة الثانیة. (المؤلف)
2- کما فی صحیح أخرجه البخاری [6 / 2502 ح 6439] ومسلم [3 / 525 ح 17 کتاب الحدود] والبیهقی فی السنن : 8 / 225. (المؤلف)
3- کما فی حدیث ماعز ، وقد أخرجه غیر واحد من أصحاب الصحاح وفی مقدّمهم البخاری فی صحیحه : 10 / 39 [6 / 2502 ح 6438] ، [وفی صحیح مسلم : 3 / 529 ح 22 والسنن الکبری للبیهقی : 8 / 226]. (المؤلف)
4- أخرجهما الجصّاص فی أحکام القرآن : 3 / 325 [3 / 264]. (المؤلف)

قصّة العسیف الواردة فی صحیحی البخاری ومسلم وغیرهما (1) ، أو بعد أربعة أقاریر ، إمّا فی مجلس واحد کما ورد فی قصّة ماعز فی لفظ الشیخین فی الصحیحین ، أو فی عدّة مجالس کما یظهر من حدیث زانی بنی لیث الوارد فی سنن البیهقی (8 / 228) ، فتقوم تلکم الأقاریر مقام أربع شهادات ، کما وقع فی سارق جاء إلی علیّ فقال : إنّی سرقت ، فردّه ، فقال : إنّی سرقت ، فقال : شهدت علی نفسک مرّتین ، فقطعه (2). وقد عزب عن الخلیفة فقه المسألة کما بینّاه ، وهی علی ما جاءت فی الأحادیث المذکورة یختلف حکمها عند أئمّة المذاهب. قال القاضی ابن رشد فی بدایة المجتهد (3) (2 / 429) : أمّا عدد الإقرار الذی یجب به الحدُّ فإنّ مالکاً (4) والشافعی (5) یقولان : یکفی فی وجوب الحدّ علیه اعترافه به مرّة واحدة وبه قال داود وأبو ثور والطبری (6) وجماعة ، وقال أبو حنیفة وأصحابه وابن أبی لیلی : لا یجب الحدُّ إلاّ بأقاریر أربعة مرّة بعد مرّة ، وبه قال أحمد وإسحاق ، وزاد أبو حنیفة وأصحابه فی مجالس متفرّقة.

ثمّ ما ذا یعنی الخلیفة بقوله : أراها تستهلُّ به کأنّها لا تعلمه ، ولیس الحدُّ إلاّ علی من علمه؟ هل یرید جهلها بالحدّ أو بحرمة الزنا؟ أمّا العلم بثبوت الحدّ فلیس له أیّ صلة بإجراء حکم الله فإنّه یتبع تحقّق الزنا فی الخارج ، علم الزانی أو الزانیة بترتّب الحدّ علیهما أم لم یعلما. ی.

ص: 323


1- صحیح البخاری : 6 / 2631 ح 6770 ، صحیح مسلم : 3 / 532 ح 25 کتاب الحدود. وانظر : سنن ابن ماجة : 2 / 852 ح 2549 ، سنن الترمذی : 4 / 31 ح 1433.
2- کنز العمّال : 3 / 117 [5 / 549 ح 13909] نقلاً عن عبد الرزاق [فی المصنّف : 10 / 191 ح 18783] ، وابن المنذر ، والبیهقی [فی السنن الکبری : 8 / 275]. (المؤلف)
3- بدایة المجتهد : 2 / 434.
4- ذکر تفصیل ما ذهب إلیه فی الموطّأ [2 / 825 ، 826 ح 12 ، 13] ، والمدوّنة الکبری [6 / 209]. (المؤلف)
5- یوجد تفصیل قوله فی کتابه الأُم : 7 / 169 [7 / 183]. (المؤلف)
6- فی بدایة المجتهد : والبرطی ، بدلاً من الطبری.

علی أنّه لیس من الممکن فی عاصمة النبوّة أن یجهل ذلک أیُّ أحد وهو یشاهد فی الفینة بعد الفینة مجلوداً تنال منه السیاط ، ومرجوماً تتقاذفه الأحجار.

وأمّا حرمة الزنا فلا یقبل من المعتذر بالجهل بها ، إلاّ حیث یمکن صدقه کمن عاش فی أقاصی البراری والفلوات والبقاع النائیة عن المراکز الإسلامیّة ، فیمکن أن یکون الحکم لم یبلغه بعدُ ، وأمّا المدنیُّ یومئذٍ الکائن بین لوائح النبوّة ومجاری الأحکام والحدود وتحت سیطرة الخلفاء ، وهو یعی کلّ حین التشدید فی الزنا وحرمته ، ویشاهد العقوبات الجاریة علی الزناة من جرّاء حرمة السفاح ، فعقیرة ترتفع من ألم السیاط ، وجنازة تُشال بعد الرجم ، فلیس من الممکن فی حقّه عادةً أن یجهل حرمة الزنا ، فلا تقبل منه دعواه الجهل ، ولعلّ هذا ممّا اتّفقت علیه أئمّة المذاهب. قال مالک فی المدوّنة الکبری (1) (4 / 382) فی الرجل یطأ مکاتبته یغتصبها أو تطاوعه : لا حدّ علیه وینکّل إذا کان ممّن لا یُعذر بالجهالة.

وقال فیمن یطلّق امرأته تطلیقةً قبل البناء بها فیطؤها بعد التطلیقة ویقول : ظننت أنّ الواحدة لا تبینها منّی وأنّه لا یبرئها منّی إلاّ الثلاث : قال ابن القاسم : لیس علیه الحدُّ إن عذر بالجهالة ، فأری فی مسألتک إن کان ممّن یُعذر بالجهالة أن یدرأ عنه الحدّ لأنّ مالکاً قال فی الرجل یتزوّج الخامسة : إن کان ممّن یُعذر بالجهالة وممّن یظنُّ أنّه لم یعرف أنّ ما بعد الأربع لیس ممّا حرّم الله ، أو یتزوّج أُخته من الرضاع علی هذا الوجه ، فإنّ مالکاً درأ عنه الحدّ وعن هؤلاء.

وفی (ص 401) (2) : من وطئ جاریة هی عنده رهن أنّه یقام علیه الحدّ ، قال ابن القاسم : ولا یعذر فی هذا أحد ادّعی الجهالة. قال مالک : حدیث التی قالت : زنیت 2.

ص: 324


1- المدوّنة الکبری : 6 / 207.
2- المدوّنة الکبری : 6 / 242.

بمرغوش بدرهمین (1) أنّه لا یؤخذ به. وقال مالک : أری أن یقام الحدُّ ولا یُعذر العجم بالجهالة.

وقال الشافعی فی کتاب الأُم (2) (7 / 169) فی زناء الرجل بجاریة امرأته : إنّ زناه بجاریة امرأته کزناه بغیرها إلاّ أن یکون ممّن یُعذر بالجهالة ویقول : کنت أری أنّها لی حلال.

قال شهاب الدین أبو العبّاس ابن النقیب المصری فی عمدة السالک (3) : ومن زنی وقال : لا أعلم تحریم الزنا وکان قریب العهد بالإسلام أو نشأ ببادیة بعیدة لا یحدّ ، وإن لم یکن کذلک حدّ (4). انتهی.

ولو قُبل من کلّ معتذرٍ بالجهل لعطّلت حدود الله ، وتترّس به کلُّ زانٍ وزانیة ، وشاع الفساد ، وساد الهرج ، وارتفع الأمن عن الفروج والنوامیس ، ولو راجعت ما جاء فی مدافعة النبی صلی الله علیه وآله وسلم والخلفاء عن المعترف بالزنا لإلقاء الشبهة لدرء الحدّ تراهم یذکرون الجنون والغمز والتقبیل وما شبه ذلک ، ولا تجد ذکر الجهل بالحرمة فی شیء من الروایات ، فلو کان لمطلق الجهل تأثیر فی درء الحدّ لذکروه لا محالة من غیر شک.

علی أنّ الجهل حیث یُسمع یجب أن یکون بادّعاء من الرجل لا بالتوسّم من وجناته وأساریر جبهته واستهلاله فی إقراره کما زعمه الخلیفة ، وهو ظاهر کلمات الفقهاء المذکورة.

ولِما قلناه کلّه لم یعبأ الحضور بذلک الاستهلال ، فأخذها مولانا أمیر المؤمنین ف)

ص: 325


1- یعنی الحدیث المذکور فی عنوان المسألة الذی نبحث عمّا فیه. (المؤلف)
2- کتاب الأم : 7 / 182.
3- عمدة السالک : ص 180 - 181.
4- راجع فیض الإله المالک فی شرح عمدة السالک : 2 / 312 [2 / 314] (المؤلف)

وعبد الرحمن فقالا : قد وقع علیها الحدُّ. وأمّا عمر فالذی یظهر من قوله لعثمان صدقت. إلی آخره. وفعله من إجراء الجلد والاغتراب أنّه هزأ بهذا القول ، ولو کان مصدّقاً لما جلدها ، لکنّه جلدها وهی تستحقُّ الرجم کما مرّ فی الجزء السادس.

- 26 -

شراء الخلیفة صدقة رسول الله

أخرج الطبرانی فی الأوسط (1) من طریق سعید بن المسیب قال : کان لعثمان آذن ، فکان یخرج بین یدیه إلی الصلاة ، قال : فخرج یوماً فصلّی والآذن بین یدیه ثمّ جاء فجلس الآذن ناحیة ولفّ رداءه فوضعه تحت رأسه واضطجع ووضع الدرّة بین یدیه ، فأقبل علیّ فی إزار ورداء وبیده عصا ، فلمّا رآه الآذن من بعید قال : هذا علیّ قد أقبل ، فجلس عثمان فأخذ علیه رداءه ، فجاء حتی قام علی رأسه فقال : اشتریت ضیعة آل فلان ولوقف رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی مائها حقّ ، أما إنّی قد علمت أنّه لا یشتریها غیرک. فقام عثمان وجری بینهما کلام حتی ألقی الله عزّ وجلّ (2) وجاء العبّاس فدخل بینهما ، ورفع عثمان علی علیّ الدرّة ورفع علیّ علی عثمان العصا ، فجعل العباس یسکّنهما ویقول لعلیّ : أمیر المؤمنین. ویقول لعثمان : ابن عمّک. فلم یزل حتی سکتا. فلمّا أن کان من الغد رأیتهما وکلّ منهما آخذٌ بید صاحبه وهما یتحدّثان. مجمع الزوائد (7 / 226).

قال الأمینی : یعلمنا الحدیث أنّ الخلیفة ابتاع الضیعة وماءها وفیه حقّ لِوقف رسول الله لا یجوز ابتیاعه ، فإن کان یعلم بذلک ، وهو المستفاد من سیاق الحدیث حیث إنّه لم یعتذر بعدم العلم ، وهو الذی یلمح إلیه قول الإمام علیه السلام : وقد علمت أنّه لا یشتریها غیرک. فبأی مبرّر استساغ ذلک الشراء؟ وإن کان لا یعلم فقد أعلمه ه.

ص: 326


1- المعجم الأوسط : 8 / 363 ح 7740.
2- عبارة الطبرانی فی المعجم الأوسط : وجری بینهما کلام لا أرده حتی ألقی الله.

الإمام علیه السلام فما هذه المماراة والتلاحی ورفع الدرّة الذی اضطرّ الإمام إلی رفع العصا؟ حتی فصل بینهما العبّاس ، أو فی الحق مغضبة؟ وهل یکون تنبیه الغافل أو إرشاد الجاهل مجلبةً لغضب الإنسان الدینی؟ فضلاً عمّن یُقلّه أکبر منصّة فی الإسلام.

وأحسب أنّ ذیل الروایة مُلصق بها لإصلاح ما فیها ، وعلی فرض صحّته فإنّه لا یجدیهم نفعاً ، فإنّ الإمام علیه السلام لم یألُ جهداً فی النهی عن المنکر سواء ارتدع فاعله أو أنّه علیه السلام یئس من خضوعِه للحقّ ، وعلی کلّ فإنّه علیه السلام کان یماشیهم علی ولاء الإسلام ولا یثیره إلاّ الحقّ إذا لم یُعمل به ، فیجری فی کلّ ساعة علی حکمها من مکاشفة أو ملاینة ، وهکذا فلیکن المصلح المنزّه عن الأغراض الشخصیّة الذی یغضب لله وحده ویدعو إلی الحقّ للحقّ.

- 27 -

الخلیفة فی لیلة وفاة أُمّ کلثوم

أخرج البخاری فی صحیحه (1) فی الجنائز باب یعذّب المیت ببکاء أهله ، وباب من یدخل قبر المرأة (2 / 225 ، 244) ، بالإسناد من طریق فلیح بن سلیمان ، عن أنس ابن مالک ، قال : شهدنا بنت (2) رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ورسول الله صلی الله علیه وآله وسلم جالس علی القبر ، فرأیت عینیه تدمعان فقال : «هل فیکم من أحد لم یقارف اللیلة؟» فقال أبو طلحة - زید بن سهل الأنصاری - : أنا ، قال : «فانزل فی قبرها». قال : فنزل فی قبرها فقبرها. قال ابن مبارک : قال فلیح : أراه یعنی الذنب. قال أبو عبد الله - یعنی البخاری ف)

ص: 327


1- صحیح البخاری : 1 / 432 ح 1225 ، ص 450 ح 1277.
2- الصحیح عند شرّاح الحدیث أنها أمّ کلثوم زوجة عثمان بن عفّان ، وجاء فی لفظ أحمد [4 / 106 ح 12985] وغیره أنها رقیّة. وعقّبه السهیلی وقال : هو وهمٌ بلا شکّ. راجع الروض الأُنف : 2 / 107 [5 / 362] ، فتح الباری : 3 / 122 [3 / 158] ، عمدة القاری : 4 / 85 [8 / 76 ح 46]. (المؤلف)

نفسه - لیقترفوا : لیکتسبوا (1) وفی مسند أحمد ؛ قال سریج : یعنی ذنباً.

وأخرجه (2) ابن سعد فی الطبقات (8 / 31) طبع لیدن ، وأحمد فی مسنده (3 / 126 ، 228 ، 229 ، 270) ، والحاکم فی المستدرک (4 / 47) ، والبیهقی فی السنن الکبری (4 / 53) من طریقین ، وذکره السهیلی فی الروض الأُنف (2 / 107) نقلاً عن تاریخ البخاری وصحیحه وعن الطبری فقال : قال ابن بطّال : أراد النبیُّ صلی الله علیه وآله وسلم أن یحرم عثمان النزول فی قبرها ، وقد کان أحقّ الناس بذلک لأنّه کان بعلها وفقد منها علقاً لا عوض منه لأنّه حین قال علیه السلام : «أیّکم لم یقارف اللیلة أهله». سکت عثمان ولم یقل أنا ، لأنّه کان قد قارف لیلة ماتت بعض نسائه ولم یشغله الهمُّ بالمصیبة وانقطاع صهره من النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم عن المقارفة ، فحرم بذلک ما کان حقّا له وکان أولی من أبی طلحة وغیره ، وهذا بیّن فی معنی الحدیث ، ولعلّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم قد کان علم ذلک بالوحی فلم یقل له شیئاً لأنّه فعل فعلاً حلالاً ، غیر أنّ المصیبة لم تبلغ منه مبلغاً یشغله حتی حرم ما حرم من ذلک بتعریض غیر تصریح والله أعلم.

ویوجد الحدیث فی نهایة ابن الأثیر (3) (3 / 276) ، لسان العرب (4) (11 / 189) ، الإصابة (4 / 489) ، تاج العروس (6 / 220).

قال الأمینی : اضطربت کلمات العلماء حول هذا الحدیث غیر أنّ فلیحاً المتوفّی 7.

ص: 328


1- إیعاز إلی قوله تعالی (وَلِیَقْتَرِفُوا ما هُمْ مُقْتَرِفُونَ) [الأنعام : 113] کما فی فتح الباری : 3 / 163 [3 / 209] ، وفی قوله تعالی : (إِنَّ الَّذِینَ یَکْسِبُونَ الْإِثْمَ سَیُجْزَوْنَ بِما کانُوا یَقْتَرِفُونَ) [الأنعام : 120]. (المؤلف)
2- الطبقات الکبری : 8 / 38 ، مسند أحمد : 3 / 579 ح 11866 ، 4 / 104 ح 12970 ، ص 106 ح 12985 ، وص 175 ح 13441 ، المستدرک علی الصحیحین : 4 / 52 ح 6853 ، الروض الأنف : 5 / 362 ، تاریخ الأمم والملوک : 11 / 498 حوادث سنة 9 ه.
3- النهایة : 4 / 46.
4- لسان العرب : 11 / 127.

سنة (163) ، الذی فسّر المقارفة بالذنب ، وأیّد البخاری کلامه بقوله : لیقترفوا : لیکتسبوا ، وسریجاً المتوفّی سنة (217) هم أقدم من تکلّم فیه ، وقال الخطابی (1) : معناه لم یذنب (2). وجاء ابن بطّال (3) وخصّه بمقارفة النساء ، وجمع بینهما العینی (4) ، وأیّا ما کان فلا شکّ فی أنّه أمر استحقّ من جرّائه عثمان الحرمان من النزول فی قبر زوجته ابنة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وکان أولی الناس بها ، والمسلمون کلّهم کانوا یعلمون ذلک ، لکن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم الداعی إلی الستر علی المؤمنین والإغضاء عن العیوب ، الناهی عن إشاعة الفحشاء فی کتابه الکریم ، والمانع عن التجسّس عمّا یقع فی الخلوات ، المبعوث لإعزاز أهل الدین ، شاءَ - وما ینطق عن الهوی إن هو إلاّ وحی یوحی - أن یستثنی مورداً واحداً تلوّح بأمر عظیم حرم لأجله عثمان من الحظوة بالنزول فی قبر حلیلته أو معقد شرفه بصهر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وواسطة مفخره بهاتیک الصلة ، فعرف المسلمون ذلک المقتضی بالطبع الأوّل وهذا المانع من المقارفة المختلف فی تفسیرها ، فإن کان ذنباً أثّر فی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أن حطّ من رتبته بما قلناه. ولو کانت صغیرة وهی غیر ظاهرة تستّر علیها ، لکنّها بلغت من الکبر حدّا لم یَرَ صلی الله علیه وآله وسلم سترها ؛ ولا رعی حرمةً ولا کرامةً لمقترفها ، فإن کانت سیّئة هذا شأنها ، فلا خیر فیمن یجترح السیّئات.

وإن أُریدت مقارفة النساء علی الوجه المحلّل فهی من منافیات المروءة ومن لوازم الفظاظة والغلظة ، فأیّ إنسان تحبّذ له نفسه التمتّع بالجواری فی أعظم لیلة علیه هی لیلة تصرّم مجده ، وانقطاع فخره ، وانفصام عری شرفه ، فکیف هان ذلک علی الخلیفة؟ فلم یراعِ حرمة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم واستهانت تلک المصیبة العظیمة فتلذّذف)

ص: 329


1- أبو سلیمان حمد بن محمد البستی صاحب التآلیف القیّمة المتوفّی 388. (المؤلف)
2- ذکره العینی فی عمدة القاری : 4 / 85 [8 / 76 ح 46]. (المؤلف)
3- ذکر کلامه السهیلی فی الروض الأُنف : 2 / 107 [5 / 362] کما مرّ بلفظه. (المؤلف)
4- فی عمدة القاری : 4 / 85 [8 / 76 ح 46]. (المؤلف)

بالرّفَث إلی جاریة (1) ، والمطلوب من الخلفاء معرفة فوق هذه من أوّل یومهم ؛ ورأفة أربی ممّا وقع ، ورقّة تنیف علی ما صدر منه ، وحیاء یفضل علی ما ناء به.

ومن العسیر جدّا الخضوع للاعتقاد بأنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ارتکب ذلک الهتک والإهانة علی أمر مباح مع رأفته الموصوفة علی أفراد الأُمّة وإغراقه نزعاً فی الستر علیهم ؛ وکیف فی حقّ رجل یعلم صلی الله علیه وآله وسلم أنّه سیشغل منصّة الخلافة؟

هذا ما عندنا وأمّا أنت فظنّ خیراً ولا تسأل عن الخبر.

أیحکم ضمیرک الحرُّ عندئذٍ فی رجل هذا شأنه وهذه سیرته مع کریمة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بصحّة ما أخرجه ابن سعد فی طبقاته (2) (3 / 38) من القول المعزوّ إلی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یوم قارف الرجل ، یوم سمع من النبیّ الأعظم تلک القارصة : لو کان عندی ثالثة زوجتها عثمان ، قاله لمّا ماتت أُمّ کلثوم؟ کذا قال ابن سعد.

أو قوله : لو کنّ - یعنی بناته - عشراً لزوجتهنّ عثمان (3)؟

أو قوله فیما أخرجه ابن عساکر (4) : لو أنّ لی أربعین بنتاً لزوّجتک واحدة بعد واحدة حتی لا تبقی منهنّ واحدة (5)؟

أو قوله فیما جاء به ابن عساکر (6) من طریق أبی هریرة قال : إنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لقی عثمان بن عفّان علی باب المسجد فقال : یا عثمان هذا جبریل ف)

ص: 330


1- کما فی عمدة القاری : 4 / 85 [8 / 76 ح 46]. (المؤلف)
2- الطبقات الکبری : 3 / 56.
3- طبقات ابن سعد طبع لیدن : 8 / 25 [8 / 38]. (المؤلف)
4- تاریخ مدینة دمشق : 39 / 42.
5- تاریخ ابن کثیر : 7 / 212 [7 / 238 حوادث سنة 35 ه] وقال : إسناد ضعیف ، أخبار الدول للقرمانی : ص 98 [1 / 295]. (المؤلف)
6- راجع تاریخ ابن کثیر : 7 / 211. [7 / 238 حوادث سنة 35 ه]. (المؤلف)

یخبرنی أنّ الله قد زوّجک أُمّ کلثوم بمثل صداق رقیّة علی مثل مصاحبتها (1)؟

أکانت مصاحبة عثمان هذه أُمّ کلثوم ولِدَة مصاحبتها رقیّة وکانت مرضیّة للمولی سبحانه؟ أو تری عثمان متخلّفاً عن شرط الله فی أُمّ کلثوم؟ أنا لا أدری.

علی أنّ إسناد هذا الحدیث معلول من جهات ، وکفاه علّة عبد الرحمن بن أبی الزناد القرشی وقد ضعّفه ابن معین (2) وابن المدینی وابن أبی شیبة وعمرو بن علیّ والساجی وابن سعد (3) ، وقال ابن معین والنسائی (4) : ولا یحتجُّ بحدیثه (5).

- 28 -

اتِّخاذ الخلیفة الحمی له ولذویه

لقد جعل الإسلام منابت العیش من مساقط الغیث والمروج کلّها شرعاً سواء بین المسلمین إذا لم یکن لها مالک مخصوص کما هو الأصل فی المباحات الأصلیّة من أجواز الفلوات وأطراف البراری ؛ فترتع فیها مواشیهم وترعی إبلهم وخیلهم من دون أیّ مزاحمة بینهم ، ولیس لأیّ أحد أن یحمی لنفسه حمی فیمنع الناس عنه ؛ فقال صلی الله علیه وآله وسلم : «المسلمون شرکاء فی ثلاث : فی الکلأ والماء والنار».

وقال : «ثلاث لا یُمنعن : الماء والکلأ والنار».

وقال : «لا یُمنع فضل الماء لیمنع به الکلأ» وفی لفظ : «لا تمنعوا فضل الماء لتمنعوا به فضل الکلأ». وفی لفظ : «من منع فضل الماء لیمنع به فضل الکلأ منعه الله ف)

ص: 331


1- تاریخ مدینة دمشق : 39 / 39 ، 40.
2- التاریخ : 3 / 258 رقم 1211.
3- الطبقات الکبری : 5 / 416.
4- کتاب الضعفاء والمتروکین : ص 160 رقم 387.
5- تهذیب التهذیب : 6 / 171 [6 / 155]. (المؤلف)

فضله یوم القیامة» (1) نعم کان فی الجاهلیّة یحمی الشریف منهم ما یروقه من قِطَع الأرض لمواشیه وإبله خاصّة فلا یشارکه فیه أحد وإن شارکهم هو فی مراتعهم ، وکان هذا من مظاهر التجبّر السائد عندئذٍ ، فاکتسح رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ذلک فیما اکتسحه من عادات الطواغیت وتقالید الجبابرة فقال صلی الله علیه وآله وسلم : «لا حمی إلاّ لله ولرسوله» (2).

وقال الشافعی فی تفسیر الحدیث : کان الشریف من العرب فی الجاهلیّة إذا نزل بلداً فی عشیرته استعوی کلباً ، فحمی لخاصّته مدی عُواء الکلب لا یشرکه فیه غیره فلم یرعه معه أحد ، وکان شریک القوم فی سائر المراتع حوله. قال : فنهی النبیُّ صلی الله علیه وآله وسلم أن یُحمی علی الناس حمی کما کانوا فی الجاهلیّة یفعلون. قال :

وقوله : إلاّ لله ولرسوله. یقول : إلاّ ما یُحمی لخیل المسلمین ورکابهم التی تُرصد للجهاد ویُحمل علیها فی سبیل الله وإبل الزکاة کما حمی عمر النقیع (3) لنعم الصدقة والخیل المعدّة فی سبیل الله (4).

واستعمل عمر علی الحمی مولی له یقال له هنّی فقال له : یا هنّی ضمّ جناحک للناس ، واتّقِ دعوة المظلوم فإنّ دعوة المظلوم مجابة ، وأدخل ربّ الصریمة وربّ الغنیمة ، وإیّای ونعم ابن عفّان (5) ونعم ابن عوف فإنّهما إن تهلک ماشیتهما یرجعان إلی ف)

ص: 332


1- توجد هذه الأحادیث فی صحیح البخاری : 3 / 110 [2 / 830 ح 2226 و 2227] ، الأموال لأبی عبید : ص 296 [ص 373 ح 731 و 733] ، سنن أبی داود : 2 / 101 [3 / 277 ، 278 ح 3473 ، 3477] ، سنن ابن ماجة : 2 / 94 [2 / 828 ح 2478]. (المؤلف)
2- صحیح البخاری : 3 / 113 [2 / 835 ح 2241] ، الأموال لأبی عبید : ص 294 [ص 372 ح 728] ، کتاب الأُم للشافعی : 3 / 207 [4 / 47] وفی الأخیرین تفصیل ضافٍ حول المسألة. (المؤلف)
3- علی عشرین فرسخاً أو نحو ذلک من المدینة. معجم البلدان [5 / 301]. (المؤلف)
4- راجع کتاب الأُم : 3 / 208 [4 / 47] ، معجم البلدان : 3 / 347 [5 / 301] ، نهایة ابن الأثیر : 1 / 297 [1 / 447] ، لسان العرب : 18 / 217 [3 / 348] ، تاج العروس : 10 / 99. (المؤلف)
5- فی لفظ أبی عبید : ودعنی من نعم ابن عفّان. بدل : وإیّای ونعم ابن عفّان. (المؤلف)

نخل وزرع ، وإنّ ربّ الغنیمة والصریمة یأتی بعیاله فیقول : یا أمیر المؤمنین أفتارکهم أنا؟ لا أبا لک. الی آخره (1).

کان هذا الناموس متسالماً علیه بین المسلمین حتی تقلّد عثمان الخلافة فحمی لنفسه دون إبل الصدقة کما فی أنساب البلاذری (5 / 37) ، والسیرة الحلبیّة (2) (2 / 87) ، أو له ولحکم بن أبی العاص کما فی روایة الواقدی ، أو لهما ولبنی أُمیّة کلّهم کما فی شرح ابن أبی الحدید (3) (1 / 67) قال : حمی عثمان المراعی حول المدینة کلّها من مواشی المسلمین کلّهم إلاّ عن بنی أُمیّة. وحکی فی (ص 235) (4) عن الواقدی أنّه قال : کان عثمان یحمی الربذة والشرف والنقیع ، فکان لا یدخل الحمی بعیر له ولا فرس ولا لبنی أُمیّة حتی کان آخر الزمان ، فکان یحمی الشرف (5) لإبله ، وکانت ألف بعیر ولإبل الحکم بن أبی العاص ، ویحمی الربذة (6) لإبل الصدقة ، ویحمی النقیع لخیل المسلمین وخیله وخیل بنی أُمیّة. انتهی.

نقم ذلک المسلمون علی الخلیفة فیما نقموه علیه وعدّته عائشة ممّا أنکروه علیه ، فقالت : وإنّا عتبنا علیه کذا وموضع الغمامة المحماة (7) ، وضربه بالسوط والعصا ، فعمدوا ف)

ص: 333


1- صحیح البخاری : 4 / 71 [3 / 1113 ح 2894] ، الأموال لأبی عبید : ص 298 [ص 376 ح 741] ، کتاب الأُم : 3 / 271 [4 / 48]. (المؤلف)
2- السیرة الحلبیّة : 2 / 78.
3- شرح نهج البلاغة : 1 / 199 خطبة 3.
4- شرح نهج البلاغة : 3 / 39 خطبة 43.
5- کبد نجد. عند البخاری بالسین المهملة ، وفی موطّأ ابن وهب : الشرف - بالشین المعجمة وفتح الراء - وهذا هو الصواب. معجم البلدان [3 / 212 ، 336]. (المؤلف)
6- الربذة فی الشرف المذکورة هی الحمی الأیمن [معجم البلدان : 3 / 336]. (المؤلف)
7- یسمّی العشب بالغمامة کما یسمّی بالسماء. المحماة : من أحمیت المکان فهو محمی ؛ أی جعلته حمی. الفائق للزمخشری. (المؤلف)

إلیه حتی إذا ماصوه کما یماص الثوب (1) ، قال ابن منظور فی ذیل الحدیث : الناس شرکاء فیما سقته السماء من الکلأ إذا لم یکن مملوکاً فلذلک عتبوا علیه.

کانت فی اتّخاذ الخلیفة الحمی جِدّة وإعادة لعادات الجاهلیّة الأُولی التی أزاحها نبیُّ الإسلام صلی الله علیه وآله وسلم وجعل المسلمین فی الکلأ مشترکین ، وقال : «ثلاثة یبغضهم الله» ، وعدّ فیهم من استنّ فی الإسلام سنّة الجاهلیّة (2). وکان حقّا علی الرجل أن یحمی حمی الإسلام قبل حمی الکلأ ، ویتّخذ ما جاء به الرسول صلی الله علیه وآله وسلم سنّة متّبعة ولا یحیی سنّة الجاهلیّة ، (فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَبْدِیلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَحْوِیلاً) (3). ولکنّه ...

- 29 -

إقطاع الخلیفة فدک لمروان

عدّ ابن قتیبة فی المعارف (4) (ص 84) ، وأبو الفداء فی تاریخه (1 / 168) ممّا نقم الناس علی عثمان إقطاعه فدک لمروان وهی صدقة رسول الله ، فقال أبو الفداء : وأقطع مروان بن الحکم فدک وهی صدقة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم التی طلبتها فاطمة میراثاً ، فروی أبو بکر عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : نحن معاشر الأنبیاء لا نورث ما ترکناه صدقة ، ولم تزل فدک فی ید مروان وبنیه إلی أن تولّی عمر بن عبد العزیز فانتزعها من أهله وردّها صدقة.

وأخرج البیهقی فی السنن الکبری (6 / 301) من طریق المغیرة حدیثاً فی فدک 5.

ص: 334


1- راجع الفائق للزمخشری : 2 / 117 [3 / 77] ، نهایة ابن الأثیر : 1 / 298 ، و 4 / 121 [1 / 447 و 4 / 372] ، لسان العرب : 8 / 363 و 18 / 217 [3 / 349 و 13 / 223] ، تاج العروس : 10 / 99. (المؤلف)
2- بهجة النفوس للحافظ الأزدی ابن أبی جمرة : 4 / 197. (المؤلف)
3- فاطر : 43.
4- المعارف : ص 194 - 195.

وفیه : أنّها أقطعها مروان لمّا مضی عمر لسبیله. فقال : قال الشیخ : إنّما أقطع مروان فدکاً فی أیّام عثمان بن عفّان رضی الله عنه وکأنّه تأوّل فی ذلک ما روی عن رسول الله ، صلی الله علیه وآله وسلم إذا أطعم الله نبیّا طعمة فهی للذی یقوم من بعده ، وکان مستغنیاً عنها بماله فجعلها لأقربائه ووصل بها رحمهم ، وذهب آخرون إلی أنّ المراد بذلک التولیة وقطع جریان الإرث فیه ، ثمّ تصرف فی مصالح المسلمین کما کان أبو بکر وعمر رضی الله عنهما یفعلان.

وفی العقد الفرید (1) (2 / 261) فی عدّ ما نقم الناس علی عثمان : أنّه أقطع فدک مروان وهی صدقة لرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وافتتح إفریقیة وأخذ خمسها فوهبه لمروان.

وقال ابن أبی الحدید فی شرحه (2) (1 / 67) : وأقطع عثمان مروان فدک ، وقد کانت فاطمة علیها السلام طلبتها بعد وفاة أبیها صلوات الله علیه تارةً بالمیراث وتارةً بالنحلة فدفعت عنها.

قال الأمینی : أنا لا أعرف کنه هذا الإقطاع وحقیقة هذا العمل فإنّ فدک إن کانت فیئاً للمسلمین - کما ادّعاه أبو بکر - فما وجه تخصیصها بمروان؟ وإن کانت میراثاً لآل رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم کما احتجّت له الصدّیقة الطاهرة فی خطبتها ، واحتجّ له أئمّة الهدی من العترة الطاهرة وفی مقدّمهم سیّدهم أمیر المؤمنین علیه وعلیهم السلام ، فلیس مروان منهم ، ولا کان للخلیفة فیها رفع ووضع. وإن کانت نحلة من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لبضعته الطاهرة فاطمة المعصومة - صلوات الله علیها - کما ادّعته وشهد لها أمیر المؤمنین وابناها الإمامان السبطان وأُمّ أیمن المشهود لها بالجنّة فردّت شهادتهم بما لا یُرضی الله ولا رسوله ، وإذا رُدّت شهادة أهل آیة التطهیر فبأیّ شیء یُعتمد (3)؟ وعلی أیّ حجّة یُعوّل؟ ).

ص: 335


1- العقد الفرید : 4 / 103.
2- شرح نهج البلاغة : 1 / 198 - 199 خطبة 3.
3- ضمّن قدس سره (یُعتمد) معنی (یوثَق).

إن دام هذا ولم یحدثْ به غِیَرٌ

لم یُبکَ میتٌ ولم یُفرحْ بمولودِ

فإن کانت فدک نحلة فأیّ مساس بها لمروان؟ وأیُّ سلطة علیها لعثمان؟ حتی یقطعها لأحد. ولقد تضاربت أعمال الخلفاء الثلاثة فی أمر فدک فانتزعها أبو بکر من أهل البیت ، وردّها عمر إلیهم ، وأقطعها عثمان لمروان ، ثمّ کان فیها ما کان فی أدوار المستحوذین علی الأمر منذ عهد معاویة وهلمّ جرّا فکانت تؤخذ وتعطی ، ویفعلون بها ما یفعلون بقضاء من الشهوات ، کما فصّلناه فی الجزء السابع (ص 195 - 197) ولم یُعمل بروایة أبی بکر فی عصر من العصور ، فإن صانعه الملأ الحضور علی سماع ما رواه عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وحابوه وجاملوه ، فقد أبطله من جاء بعده بأعمالهم وتقلّباتهم فیها بأنحاء مختلفة.

بل إنّ أبا بکر نفسه أراد أن یبطل روایته بإعطاء الصکّ للزهراء فاطمة ، غیر أنّ ابن الخطّاب منعه وخرق الکتاب کما مرّ فی الجزء السابع عن السیرة الحلبیّة ، وبذلک کلّه تعرف قیمة تلک الروایة ومقدار العمل علیها وقیمة هذا الإقطاع ، وسیوافیک قول مولانا أمیر المؤمنین فی قطائع عثمان.

- 30 -

رأی الخلیفة فی الأموال والصدقات

لم تکن فدک ببدع من سائر الأموال من الفیء والغنائم والصدقات عند الخلیفة بل کان له رأی حرّ فیها وفی مستحقّیها ، کان یری المال مال الله ، ویحسب نفسه ولیّ المسلمین ، فیضعه حیث یشاء ویفعل فیه ما یرید ، فقام کما قال مولانا أمیر المؤمنین : «نافجاً حضنیه بین نثیله ومُعتلفه ، وقام معه بنو أبیه یَخضمون مال الله خَضمة الإبل نبتة الربیع» (1). ف)

ص: 336


1- نهج البلاغة : 1 / 35 [ص 49 خطبة 3]. (المؤلف)

کان یصل رحمه بمال یستوی فیه المسلمون کلّهم ، ولکلّ فرد من الملأ الدینیّ منه حقّ معلوم للسائل والمحروم ، لا یسوغ فی شرعة الحقّ وناموس الإسلام المقدّس حرمان أحد من نصیبه وإعطاء حقّه لغیره من دون مرضاته.

جاء عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی الغنائم : «لله خمسه وأربعة أخماس للجیش ، وما أحد أولی به من أحد ، ولا السهم تستخرجه من جنبک ، لیس أنت أحقّ به من أخیک المسلم» (1).

وکان صلی الله علیه وآله وسلم إذا جاءه فیء قسّمه من یومه فأعطی ذا الأهل حظّین ، وأعطی العزب حظّا (2).

والسنّة الثابتة فی الصدقات أنّ أهل کلّ بیئة أحقّ بصدقتهم ما دام فیهم ذو حاجة ، ولیس الولایة علی الصدقات للجبایة وحملها إلی عاصمة الخلافة وإنّما هی للأخذ من الأغنیاء والصرف فی فقراء محالّها ، وقد ورد فی وصیّة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم معاذاً حین بعثه إلی الیمن یدعوهم إلی الإسلام والصلاة أنّه قال : «فإذا أقرُّوا لک بذلک فقل لهم : إنّ الله قد فرض علیکم صدقة أموالکم تُؤخذ من أغنیائکم فتردّ فی فقرائکم» (3).

قال عمرو بن شعیب : إنّ معاذ بن جبل لم یزل بالجند إذ بعثه رسول الله إلی الیمن حتی مات النبیُّ صلی الله علیه وآله وسلم وأبو بکر ، ثمّ قدم علی عمر فردّه علی ما کان علیه فبعث ف)

ص: 337


1- سنن البیهقی : 6 / 324 ، 336. (المؤلف)
2- سنن أبی داود : 2 / 25 [3 / 136 ح 2953] ، مسند أحمد : 6 / 29 [7 / 45 ح 23484] ، سنن البیهقی : 6 / 346. (المؤلف)
3- صحیح البخاری : 3 / 215 [2 / 505 ح 1331] ، الأموال لأبی عبید : ص 580 ، 595 ، 612 [ص 693 ح 1852 ، ص 709 ح 1908 ، ص 728 ح 1990] ، المحلّی : 6 / 146 [مسألة 719]. (المؤلف)

إلیه معاذ بثلث صدقة الناس ، فأنکر ذلک عمر وقال : لم أبعثک جابیاً ولا آخِذَ جزیة ، ولکن بعثتک لتأخذ من أغنیاء الناس فتردّها علی فقرائهم. فقال معاذ : ما بعثت إلیک بشیء وأنا أجد أحداً یأخذه منّی. الحدیث (1).

ومن کتاب لمولانا أمیر المؤمنین إلی قثم بن العبّاس یوم کان عامله علی مکة : «وانظر إلی ما اجتمع عندک من مال الله فاصرفه إلی من قبلک من ذوی العیال والمجاعة مصیباً به مواضع الفاقة والخلاّت ، وما فضل عن ذلک فاحمله إلینا لنقسّمه فیمن قبلنا» نهج البلاغة (2) (2 / 128).

وقال علیه السلام لعبد الله بن زمعة لمّا قدم علیه فی خلافته یطلب منه مالاً : «إنّ هذا المال لیس لی ولا لک ، وإنّما هو فیء للمسلمین وجلب أسیافهم ، فإن شرکتهم فی حربهم کان لک مثل حظّهم ، وإلاّ فجناة (3) أیدیهم لا تکون لغیر أفواههم». نهج البلاغة (4) (4611)

ومن کلام له علیه السلام : «إنّ القرآن أُنزل علی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم والأموال أربعة : أموال المسلمین فقسّمها بین الورثة فی الفرائض ، والفیء فقسّمه علی مستحقّیه ، والخمس فوضعه الله حیث وضعه ، والصدقات فجعلها الله حیث جعلها». راجع ما أسلفناه فی (6 / 77).

وأتی علیّا أمیر المؤمنین مال من أصبهان فقسّمه بسبعة أسباع ففضل رغیف فکسره بسبع [کِسَر] (5) فوضع علی کلّ جزء کسرة ثمّ أقرع بین الناس أیُّهم یأخذ أوّل (6). ف)

ص: 338


1- الأموال : ص 596 [ص 710 ح 1912]. (المؤلف)
2- نهج البلاغة : ص 457 کتاب 67.
3- الجَناة : ما یجنی من الشجر ، أی یُقطف.
4- نهج البلاغة : ص 353 رقم 232.
5- من المصدر.
6- سنن البیهقی : 6 / 348. (المؤلف)

وأتته علیه السلام امرأتان تسألانه عربیّة ومولاة لها ، فأمر لکلّ واحدة منهما بکرّ من طعام وأربعین درهماً ، فأخذت المولاة الذی أُعطیت وذهبت ، وقالت العربیّة : یا أمیر المؤمنین تعطینی مثل الذی أعطیت هذه وأنا عربیّة وهی مولاة؟ قال لها علیّ رضی الله عنه : إنّی نظرت فی کتاب الله عزّ وجلّ فلم أرَ فیه فضلاً لولد إسماعیل علی ولد إسحاق (1).

ولذلک کلّه کانت الصحابة لا ترتضی من الخلیفة الثانی تقدیمه بعضاً من الناس علی بعض فی الأموال بمزیّة معتبرة کان یعتبرها فیمن فضّله علی غیره ، کتقدیم زوجات النبی صلی الله علیه وآله وسلم أُمّهات المؤمنین علی غیرهنّ ، والبدریّ علی من سواه ، والمهاجرین علی الأنصار ، والمجاهدین علی القاعدین ، من دون حرمان أیّ أحدٍ منهم (2) ، وکان یقول علی صهوات المنابر : من أراد المال فلیأتنی فإنّ الله جعلنی له خازناً وقاسماً (3).

ویقول بعد قراءة آیات الأموال : والله ما من أحد من المسلمین إلاّ وله حقّ فی هذا المال أُعطی منه أو مُنِع حتی راعٍ بعدن (4).

ویقول : أبدأ برسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ثمّ الأقرب فالأقرب إلیه. فوضع الدیوان علی ذلک.

وفی لفظ أبی عبید : إنّ رسول الله إمامنا فبرهطه نبدأ ، ثمّ بالأقرب فالأقرب (5). ف)

ص: 339


1- سنن البیهقی : 6 / 349. (المؤلف)
2- الأموال لأبی عبید : ص 224 - 227 [ص 286 - 290 ح 550 - 559] ، فتوح البلدان للبلاذری : ص 453 - 466 [ص 435 - 447] ، سنن البیهقی : 6 / 349 ، 350 ، تاریخ عمر بن الخطاب لابن الجوزی : ص 79 - 83 [ص 94 - 109 باب 39]. (المؤلف)
3- راجع الجزء 6 من کتابنا هذا ص 192 [أنظر الأموال : ص 285 ح 548]. (المؤلف)
4- الأموال : ص 213 [ص 272 - 273 ح 525] ، سنن البیهقی : 6 / 351. (المؤلف)
5- الأموال : ص 224 [ص 286 ح 549] ، سنن البیهقی : 6 / 364. (المؤلف)

وقبل هذه کلّها سنّة الله فی الذکر الحکیم حول الأموال مثل قوله تعالی :

1 - (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَیْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِی الْقُرْبی وَالْیَتامی وَالْمَساکِینِ وَابْنِ السَّبِیلِ) (1).

2 - (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساکِینِ وَالْعامِلِینَ عَلَیْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِی الرِّقابِ وَالْغارِمِینَ وَفِی سَبِیلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِیلِ فَرِیضَةً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَلِیمٌ حَکِیمٌ) (2).

3 - (وَما أَفاءَ اللهُ عَلی رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَیْهِ مِنْ خَیْلٍ وَلا رِکابٍ وَلکِنَّ اللهَ یُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلی مَنْ یَشاءُ وَاللهُ عَلی کُلِّ شَیْءٍ قَدِیرٌ* ما أَفاءَ اللهُ عَلی رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُری فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِی الْقُرْبی وَالْیَتامی وَالْمَساکِینِ وَابْنِ السَّبِیلِ) (3).

هذه سنّة الله وسنّة نبیّه غیر أنّ الخلیفة عثمان نسی ما فی الکتاب العزیز ، وشذّ عمّا جاء به النبیُّ الأقدس فی الأموال ، وخالف سیرة من سبقه ، وتزحزح عن العدل والنصفة ، وقدّم أبناء بیته الساقط ، أثمار الشجرة الملعونة فی کتاب الله ، رجال العیث والعبث ؛ والخمور والفجور ، من فاسق إلی لعین ؛ إلی حلاّف مهین همّاز مشّاء بنمیم ، وفضّلهم علی أعضاء الصحابة وعظماء الأُمّة الصالحین ، وکان یهب من مال المسلمین لأحد من قرابته قناطیر مقنطرة من الذهب والفضّة من دون أیّ کیل ووزن ، ویؤثرهم علی من سواهم کائناً من کان من ذی قربی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وغیرهم. ولم یکن یجرؤ أحد علیه بالأمر بالمعروف والنهی عن المنکر لما کان یری سیرته الخشنة مع أُولئک القائمین بذلک الواجب ، ویشاهد فیهم من الهتک والتغریب والضرب بدرّة کانت أشدّ من الدرّة العمریّة (4) مشفوعة بالسوط والعصا (5) ، وإلیک نبذة من سیرة الخلیفة فی الأموال :ف)

ص: 340


1- الأنفال : 41.
2- التوبة : 60.
3- الحشر : 6 و 7.
4- راجع محاضرة الأوائل للسکتواری : ص 169. (المؤلف)
5- یأتی حدیثه بعید هذا. (المؤلف)

- 31 -

أیادی الخلیفة عند الحکم بن أبی العاص

أعطی صدقات قضاعة الحکم بن أبی العاص عمّه ، طرید النبیّ بعد ما قرّبه وأدناه ، وألبسه یوم قدم المدینة وعلیه فزر (1) خلق وهو یسوق تیساً والناس ینظرون إلی سوء حاله وحال من معه ، حتی دخل دار الخلیفة ثمّ خرج وعلیه جبّة خزّ وطیلسان. تاریخ الیعقوبی (2) (2 / 41).

وقال البلاذری فی الأنساب (5 / 28) روایة عن ابن عبّاس أنّه قال : کان ممّا أنکروا علی عثمان أنّه ولّی الحکم بن أبی العاص صدقات قضاعة (3) ، فبلغت ثلاث مائة ألف درهم فوهبها له حین أتاه بها.

وقال ابن قتیبة وابن عبد ربّه والذهبی : وممّا نقم الناس علی عثمان أنّه آوی طرید النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم الحکم ولم یؤوِه أبو بکر وعمر وأعطاه مائة ألف (4).

وعن عبد الرحمن بن یسار قال : رأیت عامل صدقات المسلمین علی سوق المدینة إذا أمسی آتاها عثمان ، فقال له : ادفعها إلی الحکم بن أبی العاص ؛ وکان عثمان إذا أجاز أحداً من أهل بیته بجائزة جعلها فرضاً من بیت المال ، فجعل یدافعه ویقول له : یکون فنعطیک إن شاء الله. فألحّ علیه فقال : إنّما أنت خازن لنا ، فإذا أعطیناک فخذ ، وإذا سکتنا عنک فاسکت. فقال : کذبت والله ما أنا لک بخازنٍ ولا لأهل بیتک إنّما أنا ف)

ص: 341


1- من فزر الثوب : انشقّ وتقطّع وبلی. (المؤلف)
2- تاریخ الیعقوبی : 2 / 164.
3- أبو حیّ بالیمن. (المؤلف)
4- المعارف لابن قتیبة : ص 84 [ص 194] ، العقد الفرید : 2 / 261 [4 / 103] ، محاضرات الراغب : 2 / 212 [مج 2 / ج 4 / 476] ، مرآة الجنان للیافعی : 1 / 85 نقلاً عن الذهبی [فی تاریخ الإسلام : ص 365 - 366 حوادث سنة 31 ه]. (المؤلف)

خازن المسلمین ، وجاء بالمفاتیح یوم الجمعة وعثمان یخطب فقال : أیّها الناس زعم عثمان أنّی خازن له ولأهل بیته وإنما کنت خازناً للمسلمین وهذه مفاتیح بیت مالکم ، ورمی بها فأخذها ودفعها إلی زید بن ثابت. تاریخ الیعقوبی (1) (2 / 145).

قال الأمینی : یُروی نظیر هذه القضیة کما یأتی لزید بن أرقم وعبد الله بن مسعود ، ولعلّ هذه وقعت لغیرهم من الولاة علی الصدقات أیضاً ، والله العالم.

الحَکَم وما أدراک ما الحکَم؟ :

کان خصّاء یخصی الغنم (2) أحد جیران رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بمکة من أُولئک الأشدّاء علیه صلی الله علیه وآله وسلم المبالغین فی إیذائه شاکلة أبی لهب کما قاله ابن هشام فی سیرته (3) (2 / 25) ، وأخرج الطبرانی (4) من حدیث عبد الرحمن بن أبی بکر قال : کان الحکَم یجلس عند النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فإذا تکلّم اختلج ، فبصر به النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فقال : «کن (5) کذلک» فما زال یختلج حتی مات.

وفی لفظ مالک بن دینار : مرّ النبی صلی الله علیه وآله وسلم بالحکم فجعل الحکم یغمز النبی صلی الله علیه وآله وسلم بإصبعه فالتفت فرآه فقال : «اللهمّ اجعل به وزغاً» (6) فرجف مکانه وارتعش. وزاد الحلبی : بعد أن مکث شهراً مغشیّا علیه (7).ف)

ص: 342


1- تاریخ الیعقوبی : 2 / 168.
2- حیاة الحیوان للدمیری : 1 / 194 [1 / 276]. (المؤلف)
3- السیرة النبویة : 2 / 57.
4- المعجم الکبیر : 3 / 214 ح 3167.
5- کذا فی الإصابة ، وفی المعجم الکبیر : أنت.
6- الوزغ : الارتعاش والرعدة. (المؤلف)
7- الإصابة : 1 / 345 ، 346 [رقم 1781] ، السیرة الحلبیّة : 1 / 337 [1 / 317] ، الفائق للزمخشری : 2 / 305 [4 / 57 - 58] تاج العروس : 6 / 35. (المؤلف)

أسلفناه من طرق الحفّاظ (1) الطبرانی والحاکم والبیهقی. ومرّت صحّته فی الجزء الأوّل صفحة (260).

روی البلاذری فی الأنساب (5 / 27): إنّ الحکم بن أبی العاص کان جاراً لرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی الجاهلیّة وکان أشدّ جیرانه أذیً له فی الإسلام ، وکان قدومه المدینة بعد فتح مکة وکان مغموصاً علیه فی دینه ، فکان یمرُّ خلف رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فیغمز به ویحکیه ویخلج بأنفه وفمه ، وإذا صلّی قام خلفه فأشار بأصابعه ، فبقی علی تخلیجه وأصابته خبلة ، واطّلع علی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ذات یوم وهو فی بعض حُجر نسائه فعرفه وخرج إلیه بعنزة (2) وقال : «من عذیری من هذا الوزغة اللعین؟» ثم قال : لا یساکننی ولا ولده فغرّبهم جمیعاً إلی الطائف ، فلمّا قبض رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم کلّم عثمان أبا بکر فیهم وسأله ردّهم فأبی ذلک وقال : ما کنت لآوی طرداء رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم. ثمّ لمّا استخلف عمر کلّمه فیهم فقال مثل قول أبی بکر ، فلمّا استخلف عثمان أدخلهم المدینة وقال : قد کنت کلّمت رسول الله فیهم وسألته ردّهم فوعدنی أن یأذن لهم فقُبض قبل ذلک. فأنکر المسلمون علیه إدخاله إیّاهم المدینة.

قال الواقدی : ومات الحکم بن أبی العاص بالمدینة فی خلافة عثمان فصلّی علیه وضرب علی قبره فسطاطاً.

وعن سعید بن المسیب قال : خطب عثمان فأمر بذبح الحمام وقال : إنّ الحمام قد کثر فی بیوتکم حتی کثر الرمی ونالنا بعضه ، فقال الناس : یأمر بذبح الحمام وقد آوی طرداء رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم.

وذکره بلفظ أخصر من هذا فی صفحة (125) وذکر بیتین لحسان بن ثابت فی ح.

ص: 343


1- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 678 ح 4241 ، دلائل النبوة : 6 / 239 ، 240
2- العنزة : عصاً فی قدر نصف الرمح أو اکثر ، فیها سنان مثل سنان الرمح.

عبد الرحمن بن الحکم الآتیین فی لفظ أبی عمر فقال : کان یفشی أحادیث رسول الله ، فلعنه وسیّره إلی الطائف ومعه عثمان الأزرق والحارث وغیرهما من بنیه ، وقال : «لا یساکننی» فلم یزالوا طرداء حتی ردّهم عثمان ، فکان ذلک ممّا نُقم علیه.

وفی السیرة الحلبیّة (1) (1 / 337): اطّلع الحکم علی رسول الله من باب بیته وهو عند بعض نسائه بالمدینة ، فخرج إلیه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بالعنزة ، وقیل بمدری (2) فی یده وقال : «من عذیری من هذه الوزغة لو أدرکته لفقأت عینه» ، ولعنه وما ولد ، وذکره ابن الأثیر مختصراً فی أسد الغابة (3) (2 / 34).

وقال أبو عمر فی الاستیعاب : أخرج رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم الحکم من المدینة وطرده عنها فنزل الطائف وخرج معه ابنه مروان ، واختلف فی السبب الموجب لنفی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إیّاه فقیل : کان یتحیّل ویستخفی ویتسمّع ما یسرُّه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إلی کبار أصحابه فی مشرکی قریش وسائر الکفّار والمنافقین ، فکان یفشی ذلک عنه حتی ظهر ذلک علیه ، وکان یحکیه فی مشیته وبعض حرکاته ، إلی أُمور غیرها کرهت ذکرها ، ذکروا : أن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم کان إذا مشی یتکفأ وکان الحکم یحکیه فالتفت النبیُّ صلی الله علیه وآله وسلم یوماً فرآه یفعل ذلک فقال صلی الله علیه وآله وسلم : «فکذلک فلتکن». فکان الحکم مختلجاً یرتعش من یومئذٍ ، فعیّره عبد الرحمن بن حسان بن ثابت فقال فی عبد الرحمن بن الحکم یهجوه :

إنّ اللعین أبوک فارمِ عظامَه

إن تَرمِ تَرمِ مخلّجاً مجنونا

یمسی خمیصَ البطنِ من عملِ التقی

ویظلُّ من عملِ الخبیثِ بطینا (4)ف)

ص: 344


1- السیرة الحلبیة : 1 / 317.
2- المدری کالمسلة یفرق به شعر الرأس.
3- أُسد الغابة : 2 / 37 و 38 رقم 1217.
4- الاستیعاب 1 / 118 [القسم الأول 359 - 360 رقم 529] ، أُسد الغابة : 2 / 34 [2 / 37 و 38 رقم 1217]. (المؤلف)

وأخرج أبو عمر من طریق عبد الله بن عمرو بن العاصی قال : قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «یدخل علیکم رجل لعین» وکنت قد ترکت عمراً یلبس ثیابه لیقبل إلی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فلم أزل مشفقاً أن یکون أوّل من یدخل ، فدخل الحکم ابن أبی العاص (1).

وقال ابن حجر فی تطهیر الجنان هامش الصواعق (2) (ص 144): وبسند رجاله رجال الصحیح عن عبد الله بن عمر رضی الله عنه أنّه قال : «لیدخلنّ الساعة علیکم رجل لعین». فو الله ما زلت أتشوّف داخلاً وخارجاً حتی دخل فلان - یعنی الحکم - کما صرّحت به روایة أحمد (3).

وروی البلاذری فی الأنساب (5 / 126) ، والحاکم فی المستدرک (4) (4 / 481) وصحّحه والواقدی کما فی السیرة الحلبیّة (5) (1 / 337) بالإسناد عن عمرو بن مرّة قال : استأذن الحکم علی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فعرف صوته فقال : «ائذنوا له لعنة الله علیه وعلی من یخرج من صلبه إلاّ المؤمنین وقلیل ما هم ، ذوو مکر وخدیعة یُعطَون الدنیا وما لهم فی الآخرة من خلاق» (6).

وفی لفظ ابن حجر فی تطهیر الجنان هامش الصواعق (7) (ص 147) : «ائذنوا له 4.

ص: 345


1- الاستیعاب : 1 / 119 [القسم الأول / 360 رقم 529]. (المؤلف)
2- تطهیر الجنان : ص 63.
3- مسند أحمد : 2 / 347 ح 6484.
4- المستدرک علی الصحیحین : 4 / 528 ح 8484.
5- السیرة الحلبیة : 1 / 317.
6- وذکره الدمیری فی حیاة الحیوان : 2 / 299 [2 / 422] ، وابن حجر فی الصواعق : ص 108 [ص 181] ، والسیوطی فی جمع الجوامع کما فی ترتیبه : 6 / 90 [کنز العمّال : 11 / 357 ح 31729] نقلاً عن أبی یعلی ، والطبرانی ، والحاکم والبیهقی ، وابن عساکر [فی مختصر تاریخ دمشق : 24 / 191 ترجمة مروان بن الحکم]. (المؤلف)
7- تطهیر الجنان : ص 64.

فعلیه لعنة الله والملائکة والناس أجمعین وما یخرج من صلبه یشرفون فی الدنیا ، ویترذّلون فی الآخرة ، ذوو مکر وخدیعة إلاّ الصالحین منهم وقلیل ما هم».

وأخرج الحاکم فی المستدرک (1) (4 / 481) وصحّحه من طریق عبد الله بن الزبیر قال : إنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لعن الحکم وولده.

وأخرج الطبرانی (2) وابن عساکر والدارقطنی فی الأفراد من طریق عبد الله بن عمر قال : هجرت الرواح إلی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فجاء أبو الحسن فقال له رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «ادنُ» ، فلم یزل یدنیه حتی التقم أُذنیه ، فبینما النبیُّ صلی الله علیه وآله وسلم یساره إذ رفع رأسه کالفزع قال : فَدعّ (3) بسیفه الباب فقال لعلیّ : «اذهب فقده کما تقاد الشاة إلی حالبها» فإذا علیّ یدخل الحکم بن أبی العاص آخذاً بأذنه ولها زنمة (4) حتی أوقفه بین یدی النبی صلی الله علیه وآله وسلم فلعنه نبیُّ الله صلی الله علیه وآله وسلم ثلاثاً ثمّ قال : «أحلّه ناحیة» حتی راح إلیه قوم من المهاجرین والأنصار ثمّ دعا به فلعنه ثمّ قال : «إنّ هذا سیخالف کتاب الله وسنّة نبیّه ، وسیخرج من صلبه فتن یبلغ دخانها السماء». فقال ناس من القوم : هو أقلُّ وأذلُّ من أن یکون هذا منه قال «بلی وبعضکم یومئذٍ شیعته». کنز العمّال (5) (6 / 39 ، 90).

وأخرج ابن عساکر (6) من طریق عبد الله بن الزبیر ، قال وهو علی المنبر : وربّ هذا البیت الحرام والبلد الحرام إنّ الحکم بن أبی العاص وولده ملعونون علی لسان محمد صلی الله علیه وآله وسلم وفی لفظ : إنّه قال وهو یطوف بالکعبة : وربّ هذه البنیّة للعن 1.

ص: 346


1- المستدرک علی الصحیحین : 4 / 528 - 529 ح 8485.
2- المعجم الکبیر : 12 / 336 ح 13602.
3- الدعّ : الطرد والدفع.
4- زنمة : هی شیء یقطع من أذن الشاة ویترک معلّقاً بها.
5- کنز العمّال : 11 / 165 ح 31060 ، ص 359 ح 3174.
6- مختصر تاریخ دمشق : 24 / 191.

رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم الحکم وما ولد. کنز العمال (1) (6 / 90).

وأخرج ابن عساکر (2) من طریق محمد بن کعب القرظی أنّه قال : لعن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم الحکَم وما ولد ، إلاّ الصالحین وهم قلیل.

وأخرج ابن أبی حاتم وابن مردویه وعبد بن حمید والنسائی (3) وابن المنذر والحاکم وصحّحه عن عبد الله قال : إنّی لفی المسجد حین خطب مروان فقال : إنّ الله تعالی قد أری لأمیر المؤمنین - یعنی معاویة - فی یزید رأیاً حسناً أن یستخلفه فقد استخلف أبو بکر وعمر. فقال عبد الرحمن بن أبی بکر : أهرقلیة؟ إنّ أبا بکر رضی الله تعالی عنه والله ما جعلها فی أحد من ولده ولا أحد من أهل بیته ، ولا جعلها معاویة إلاّ رحمة وکرامة لولده. فقال مروان : ألست الذی قال لوالدیه : أُفّ لکما؟ فقال عبد الرحمن : ألست ابن اللعین الذی لعن رسول الله أباک؟ فسمعت عائشة فقالت : مروان أنت القائل لعبد الرحمن کذا وکذا ، کذبت والله ما فیه نزلت ، نزلت فی فلان بن فلان.

وفی لفظ آخر عن محمد بن زیاد : لمّا بایع معاویة لابنه قال مروان : سنّة أبی بکر وعمر. فقال عبد الرحمن : سنّة هرقل وقیصر. فقال مروان : هذا الذی قال الله فیه : (وَالَّذِی قالَ لِوالِدَیْهِ أُفٍّ لَکُما) (4) الآیة. فبلغ ذلک عائشة فقالت : کذب مروان ، کذب مروان والله ما هو به ولو شئت أن أُسمّی الذی نزلت فیه لسمّیته ، ولکنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لعن أبا مروان ومروان فی صلبه فمروان فضض من لعنة الله. وفی لفظ : ولکن رسول الله لعن أباک وأنت فی صلبه فأنت فضض من لعنة الله. وفی لفظ 7.

ص: 347


1- کنز العمّال : 11 / 357 ح 31732 و 31733.
2- کنز العمال : 11 / 361 ح 31746.
3- السنن الکبری : 6 / 458 ح 11491.
4- الأحقاف : 17.

الفائق : فأنت فظاظة (1) لعنة الله ولعنة رسوله.

راجع (2) مستدرک الحاکم (4 / 481) ، تفسیر القرطبی (16 / 197) ، تفسیر الزمخشری (3 / 99) ، الفائق له (2 / 325) ، تفسیر ابن کثیر (4 / 159) ، تفسیر الرازی (7 / 491) ، أُسد الغابة لابن الأثیر (2 / 34) ، نهایة ابن الأثیر (3 / 23) شرح ابن أبی الحدید (2 / 55) تفسیر النیسابوری هامش الطبری (26 / 13) ، الإجابة للزرکشی (ص 141) ، تفسیر النسفی هامش الخازن (4 / 132) ، الصواعق لابن حجر (ص 108) ، إرشاد الساری للقسطلانی (7 / 325) ، لسان العرب (9 / 73) ، الدرّ المنثور (6 / 41) ، حیاة الحیوان للدمیری (2 / 399) ، السیرة الحلبیة (1 / 337) ، تاج العروس (5 / 69) ، تفسیر الشوکانی (5 / 20) ، تفسیر الآلوسی (26 / 20) ، سیرة زینی دحلان هامش الحلبیة (1 / 245).

لفت نظر :

یوجد هذا الحدیث فی المصادر جلّها لو لا کلّها باللفظ المذکور ، غیر أنّ البخاری أخرجه فی تفسیر صحیحه (3) فی سورة الأحقاف وحذف منه لعن مروان وأبیه وما راقه ذکر ما قاله عبد الرحمن ، وهذا دأبه فی جلّ ما یرویه ، وإلیک لفظه :0.

ص: 348


1- قال الزمخشری : افتظظت الکرش إذا اعتصرت ماءها ، کأنّه عصارة قذرة من اللعنة. (المؤلف)
2- المستدرک علی الصحیحین : 4 / 528 ح 8483 ، الجامع لأحکام القرآن : 16 / 131 ، الکشّاف : 4 / 304 ، الفائق فی غریب الحدیث : 4 / 102 ، التفسیر الکبیر : 28 / 23 ، اسد الغابة : 2 / 38 رقم 1217 ، النهایة فی غریب الحدیث والأثر : 3 / 454 ، شرح نهج البلاغة : 6 / 150 خطبة 72 ، تفسیر غرائب القرآن للنیسابوری : 6 / 121 ، الإجابة : ص 129 - 130 باب 2 فصل 8 ، تفسیر النسفی : 4 / 143 - 144 ، الصواعق المحرقة : ص 181 ، إرشاد الساری : 11 / 69 ، لسان العرب : 10 / 279 ، الدرّ المنثور : 7 / 444 ، حیاة الحیوان : 2 / 422 ، السیرة الحلبیّة : 1 / 317 ، فتح القدیر : 5 / 21 ، السیرة النبویة لزینی دحلان : 1 / 117.
3- صحیح البخاری : 4 / 1827 ح 4550.

کان مروان علی الحجاز استعمله معاویة فخطب فجعل یذکر یزید بن معاویة لکی یُبایع له بعد أبیه ، فقال له عبد الرحمن بن أبی بکر شیئاً ، فقال : خذوه. فدخل بیت عائشة فلم یقدروا علیه (1) ، فقال مروان : إنّ هذا الذی أنزل الله فیه : (وَالَّذِی قالَ لِوالِدَیْهِ أُفٍّ لَکُما أَتَعِدانِنِی). فقالت عائشة من وراء الحجاب : ما أنزل الله فینا شیئاً من القرآن إلاّ أنّ الله أنزل عذری.

وهذا الحدیث یکذّب ما عزاه القوم إلی أمیر المؤمنین وابن عبّاس من قولهما بنزول آیة : (وَأَصْلِحْ لِی فِی ذُرِّیَّتِی) (2) فی أبی بکر کما مرّ فی الجزء السابع (ص 326).

وکان الحَکَم مع ذلک کلّه یدعو الناس إلی الضلال ویمنعهم عن الإسلام. اجتمع حویطب بمروان یوماً فسأله مروان عن عمره ، فأخبره ، فقال له : تأخّر إسلامک أیّها الشیخ حتی سبقک الأحداث. فقال حویطب : الله المستعان والله لقد هممت بالإسلام غیر مرّة کلّ ذلک یعوقنی أبوک یقول : تضع شرفک ، وتدع دین آبائک لدین مُحدث ، وتصیر تابعاً؟ فسکت مروان وندم علی ما کان قال له. تاریخ ابن کثیر (3) (8 / 70).

الحَکَم فی القرآن :

أخرج ابن مردویه عن أبی عثمان النهدی ، قال : قال مروان لمّا بایع الناس لیزید : سنّة أبی بکر وعمر ... إلی آخر الحدیث المذکور. فسمعت ذلک عائشة فقالت : إنّها لم تنزل فی عبد الرحمن ، ولکن نزل فی أبیک : (وَلا تُطِعْ کُلَّ حَلاَّفٍ مَهِینٍ* هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِیمٍ) الآیة. سورة القلم : 10 ، 11. .

ص: 349


1- کلمة (علیه) غیر موجودة فی المصدر. والصحیح - ظاهراً - ذکرها لحاجة السیاق إلیها.
2- الأحقاف : 15.
3- البدایة والنهایة : 8 / 76 حوادث سنة 53 ه.

راجع (1) ؛ الدر المنثور (6 / 41 ، 251) ، السیرة الحلبیّة (1 / 337) ، تفسیر الشوکانی (5 / 263) ، تفسیر الآلوسی (29 / 28) ، سیرة زینی دحلان هامش الحلبیّة (1 / 245). وأخرج ابن مردویه عن عائشة أنّها قالت لمروان : سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول لأبیک وجدّک - أبی العاص بن أُمیّة - : «إنّکم الشجرة الملعونة فی القرآن».

ذکره (2) السیوطی فی الدرّ المنثور (4 / 191) ، والحلبی فی السیرة (1 / 337) والشوکانی فی تفسیره (3 / 231) ، والآلوسی فی تفسیره (15 / 107). وفی لفظ القرطبی فی تفسیره (3) (10 / 286) :

قالت عائشة لمروان : لعن الله أباک وأنت فی صلبه ، فأنت بعضٌ من لعنة الله. ثمّ قالت : والشجرة الملعونة فی القرآن.

وأخرج ابن أبی حاتم عن یعلی بن مُرّة قال : قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «رأیت بنی أُمیّة علی منابر الأرض وسیملکونکم فتجدونهم أرباب سوء» ، واهتمّ رسول الله لذلک ، فأنزل الله : (وَما جَعَلْنَا الرُّؤْیَا الَّتِی أَرَیْناکَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِی الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَما یَزِیدُهُمْ إِلاَّ طُغْیاناً کَبِیراً) (4).

وأخرج ابن مردویه عن الحسین بن علی : «إنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أصبح وهو مهموم فقیل : ما لَک یا رسول الله؟ فقال : إنّی أُریت فی المنام کأنّ بنی أُمیّة یتعاورون منبری هذا ، فقیل : یا رسول الله لا تهتم فإنّها دنیا تنالهم ، فأنزل الله (وَما جَعَلْنَا الرُّؤْیَا الَّتِی) الآیة. 0.

ص: 350


1- الدرّ المنثور : 7 / 444 ، 8 / 246 ، السیرة الحلبیة : 1 / 317 ، فتح القدیر : 5 / 270 ، السیرة النبویة : 1 / 117.
2- الدرّ المنثور : 5 / 309 ، 310 ، السیرة الحلبیة : 1 / 317 ، فتح القدیر : 3 / 240.
3- الجامع لأحکام القرآن : 10 / 185.
4- الإسراء : 60.

وأخرج ابن أبی حاتم ، وابن مردویه ، والبیهقی (1) وابن عساکر (2) ، عن سعید ابن المسیّب قال : رأی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بنی أُمیّة علی المنابر فساءه ذلک ، فأوحی الله تعالی إلیه : إنّما هی دنیا أُعطوها. فقرّت عینه وذلک قوله تعالی (وَما جَعَلْنَا الرُّؤْیَا الَّتِی أَرَیْناکَ). الآیة.

وأخرج الطبری والقرطبی وغیرهما من طریق سهل بن سعد قال : رأی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بنی أُمیّة ینزون علی منبره نزو القردة فساءه ذلک ، فما استجمع ضاحکاً حتی مات ، وأنزل الله تعالی (وَما جَعَلْنَا الرُّؤْیَا الَّتِی أَرَیْناکَ) الآیة.

وروی القرطبی والنیسابوری عن ابن عبّاس : أنّ الشجرة الملعونة بنو أُمیّة.

وأخرج ابن أبی حاتم عن ابن عمرو (3) أنّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم قال : «رأیت ولد الحکم بن أبی العاص علی المنابر کأنّهم القردة» فأنزل الله : (وَما جَعَلْنَا الرُّؤْیَا الَّتِی أَرَیْناکَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ) یعنی الحکم وولده.

وفی لفظ : إنّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم رأی فی المنام أنّ ولد الحکم بن أُمیّة یتداولون منبره کما یتداول الصبیان الکرة فساءه ذلک (4).

وفی لفظ للحاکم والبیهقی فی الدلائل (5) وابن عساکر (6) وأبی یعلی من طریق أبی هریرة : «إنّی أریت فی منامی کأنّ بنی الحکم بن العاص ینزون علی منبری کما تنزو القردة» فما رؤی النبیُّ مستجمعاً ضاحکاً حتی توفّی. 0.

ص: 351


1- دلائل النبوة : 6 / 509.
2- مختصر تاریخ دمشق : 24 / 191.
3- وفی بعض المصادر : ابن عمر. (المؤلف)
4- کما فی تفسیر الخازن : 3 / 169.
5- دلائل النبوّة : 6 / 511.
6- مختصر تاریخ دمشق : 24 / 190.

مصادر ما رویناه (1) :

تفسیر الطبری (15 / 77) ، تاریخ الطبری (11 / 356) ، مستدرک الحاکم (4 / 48) ، تاریخ الخطیب (8 / 28 و 9 / 44) ، تفسیر النیسابوری هامش الطبری (15 / 55) ، تفسیر القرطبی (10 / 283 ، 286) ، النزاع والتخاصم للمقریزی (ص 52) ، أُسد الغابة (3 / 14) من طریق الترمذی ، تطهیر الجنان لابن حجر هامش الصواعق (ص 148) فقال : رجاله رجال الصحیح إلاّ واحداً فثقة ، والخصائص الکبری (2 / 118) ، الدرّ المنثور (4 / 191) ، کنز العمال (6 / 90) ، تفسیر الخازن (3 / 177) ، تفسیر الشوکانی (3 / 230 ، 231) ، تفسیر الآلوسی (15 / 107) فقال الآلوسی :

ومعنی جعل ذلک فتنة للناس جعله بلاءً لهم ومختبراً ، وبذلک فسّره ابن المسیّب ، وکان هذا بالنسبة إلی خلفائهم الذین فعلوا ما فعلوا ، وعدلوا عن سنن الحقّ وما عدلوا وما بعده بالنسبة إلی ما عدا خلفاءهم منهم ممّن کان عندهم عاملاً وللخبائث عاملاً ، أو ممّن کان أعوانهم کیف ما کان ، ویحتمل أن یکون المراد : ما جعلنا خلافتهم وما جعلنا أنفسهم إلاّ فتنة ، وفیه من المبالغة فی ذمّهم ما فیه ، وجعل ضمیر نخوّفهم علی هذا لِما کان له أولاً أو للشجرة باعتبار أنّ المراد بها بنو أُمیّة ، ولعنهم لِما صدر منهم من استباحة الدماء المعصومة ، والفروج المحصنة ، وأخذ الأموال من غیر حلّها ، ومنع الحقوق عن أهلها ، وتبدیل الأحکام ، والحکم بغیر ما أنزل الله تبارک وتعالی 0.

ص: 352


1- جامع البیان : مج 9 / ج 15 / 112 - 113 ، تاریخ الأُمم والملوک : 10 / 58 حوادث سنة 284 ه ، المستدرک علی الصحیحین : 4 / 527 ح 8481 ، تفسیر غرائب القرآن للنیسابوری : 4 / 361 - 362 ، 2 / 362 ، الجامع لأحکام القرآن : 10 / 183 - 185 ، النزاع والتخاصم : ص 79 ، أُسد الغابة : 2 / 14 رقم 1165 ، سنن الترمذی : 5 / 414 ح 3350 ، تطهیر الجنان : ص 65 ، الخصائص الکبری للسیوطی : 2 / 200 ، الدرّ المنثور : 5 / 309 ، کنز العمّال : 11 / 358 ح 31736 - 31737 ، تفسیر الخازن : 3 / 169 ، فتح القدیر : 3 / 240.

علی نبیّه علیه الصلاة والسلام ، إلی غیر ذلک من القبائح العظام والمخازی الجسام التی لا تکاد تُنسی ما دامت اللیالی والأیّام ، وجاء لعنهم فی القرآن إمّا علی الخصوص کما زعمته الشیعة ، أو علی العموم کما نقول ، فقد قال سبحانه وتعالی : (إِنَّ الَّذِینَ یُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِی الدُّنْیا وَالْآخِرَةِ) (1). وقال عزّ وجلّ : (فَهَلْ عَسَیْتُمْ إِنْ تَوَلَّیْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِی الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَکُمْ* أُولئِکَ الَّذِینَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمی أَبْصارَهُمْ) (2). إلی آیات أُخَر ، ودخولهم فی عموم ذلک یکاد یکون دخولاً أوّلیّا ... إلی آخر کلامه. راجع.

نظرة فی کلمتین :

1 - قال القرطبی بعد روایته حدیث الرؤیا : لا یدخل فی هذه الرؤیا عثمان ولا عمر بن عبد العزیز ولا معاویة.

لا یهمّنا بسط القول حول هذا التخصیص ، ولا ننبس ببنت شفة فی تعمیم العموم الوارد فی الأحادیث المذکورة وأمثالها الواردة فی بنی أُمیّة عامّة وفی بنی أبی العاص جدّ عثمان خاصّة ، من قوله صلی الله علیه وآله وسلم فی الصحیح من طریق أبی سعید الخدری : «إنّ أهل بیتی سیلقون من بعدی من أُمّتی قتلاً وتشریداً ، وإنّ أشدّ قومنا لنا بغضاً بنو أُمیّة وبنو المغیرة وبنو مخزوم» (3).

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم من طریق أبی ذر : «إذا بلغت بنو أُمیّة أربعین اتّخذوا عباد الله خولاً ، ومال الله نحلاً (4) ، وکتاب الله دغلاً» (5). ف)

ص: 353


1- الأحزاب : 57.
2- سورة محمد : 22 ، 23.
3- مستدرک الحاکم : 4 / 487 [4 / 534 ح 8500]. وصحّحه. (المؤلف)
4- فی کنز العمال : دخلاً.
5- مستدرک الحاکم : 4 / 479 [4 / 526 ح 8476] ، وأخرجه ابن عساکر کما فی کنز العمّال : 6 / 39 [11 / 165 ح 31058]. (المؤلف)

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم من طریق حمران بن جابر الیمامی : «ویل لبنی أُمیّة - ثلاث [مرات] (1) أخرجه ابن مندة کما فی الإصابة (1 / 353) ، وحکاه عن ابن مندة وأبی نعیم السیوطی فی الجامع الکبیر کما فی ترتیبه (2) (6 / 39 ، 91).

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم من طریق أبی ذر : «إذا بلغ بنو أبی العاص ثلاثین رجلاً اتّخذوا مال الله دولاً ، وعباد الله خولاً ، ودین الله دغلاً» قال حلام بن جفال (3) : فأنکر علی أبی ذر فشهد علیّ بن أبی طالب رضی الله عنه : «إنّی سمعت رسول الله یقول : ما أظلّت الخضراء ولا أقلّت الغبراء علی ذی لهجة أصدق من أبی ذرّ ، وأشهد أنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قاله».

أخرجه الحاکم من عدّة طرق وصحّحه هو والذهبی کما فی المستدرک (4) (4 / 480) وأخرجه (5) أحمد ، وابن عساکر ، وأبو یعلی ، والطبرانی ، والدارقطنی من طریق أبی سعید وأبی ذرّ وابن عبّاس ومعاویة وأبی هریرة کما فی کنز العمّال (6 / 39 ، 90).

وذکر ابن حجر فی تطهیر الجنان (6) هامش الصواعق (ص 147) بسند حسّنه : أنّ مروان دخل علی معاویة فی حاجة وقال : إنّ مؤنتی عظیمة أصبحت أبا عشرة ، وأخا عشرة ، وعمّ عشرة ثمّ ذهب ، فقال معاویة لابن عبّاس وکان جالساً معه علی سریره : أنشدک بالله یا ابن عبّاس أما تعلم أنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قال : «إذا بلغ بنو ً.

ص: 354


1- من الکنز والإصابة.
2- کنز العمّال : 11 / 165 ح 31059 ، ص 363 ح 31750.
3- فی المستدرک : حلام بن جذل ، وفی شرح النهج : 8 / 257 : جلاّم بن جندل.
4- المستدرک علی الصحیحین : 4 / 527 ح 8478 ، وکذا فی التلخیص.
5- مسند أحمد : 3 / 498 ح 11349 ، و 2 / 347 ح 6483 ، مختصر تاریخ دمشق : 24 / 183 ، 28 / 290 ، مسند أبی یعلی : 2 / 383 ح 1152 ، المعجم الکبیر : 12 / 182 ح 12982 ، کنز العمّال : 11 / 165 ح 31055 ، ص 359 ح 31738.
6- تطهیر الجنان : ص 64. وفیه : دغلاً ، بدلاً من : دخلاً.

أبی الحکم ثلاثین رجلاً اتّخذوا آیات الله بینهم دولاً ، وعباد الله خولاً ، وکتابه دخلاً ، فإذا بلغوا سبعة وأربعمائة کان هلاکهم أسرع من کذا»؟ قال : اللهم نعم.

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم بإسناد حسّنه ابن حجر فی تطهیر الجنان هامش الصواعق (1) (ص 143): «شرُّ العرب بنو أمیّة ، وبنو حنیفة ، وثقیف» ، وقال : صحّ. قال الحاکم : علی شرط الشیخین عن أبی برزة رضی الله عنه قال : کان أبغض الأحیاء أو الناس إلی رسول الله بنو أمیّة.

وقول مولانا أمیر المؤمنین علیه السلام : «لکلّ أُمّة آفة وآفة هذه الأُمّة بنو أُمیّة». کنز العمّال (2) (6 / 91).

فالحَکَم فی هذه العمومات ولا سیّما بعد ملاحظة ما أثبتته السیر ومدوّنات التاریخ وغیرها ، وبعد الإحاطة بأحوال الرجال وما ارتکبوه وما ارتبکُوا فیه ، أنت ووجدانک أیّها القارئ الکریم.

2 - قال ابن حجر فی الصواعق (3) (ص 108) : قال ابن ظفر : وکان الحَکَم هذا یُرمی بالداء العضال وکذلک أبو جهل ، کذا ذکره الدمیری فی حیاة الحیوان (4).

ولعنته صلی الله علیه وآله وسلم للحَکَم وابنه لا تضرهما لأنّه صلی الله علیه وآله وسلم تدارک ذلک بقوله ممّا بیّنه فی الحدیث الآخر : إنّه بشر یغضب کما یغضب البشر ، وإنّه سأل ربّه أنّ من سبّه أو لعنه أو دعا علیه أن یکون [ذلک] (5) رحمةً وزکاةً وکفّارةً وطهارةً. وما نقله الدمیری عن ابن ظفر فی أبی جهل لا تأویل علیه فیه بخلافه فی الحکم فإنّه صحابیّ ، وقبیح أیّ ر.

ص: 355


1- تطهیر الجنان : ص 63.
2- کنز العمّال : 11 / 364 ح 31755.
3- الصواعق المحرقة : 181.
4- حیاة الحیوان : 2 / 422.
5- من المصدر.

قبیح أن یُرمی صحابیّ بذلک ، فلیحمل علی أنّه إن صحّ ذلک کان یُرمی به قبل الإسلام. انتهی.

أنا لا أدری أیعلم ابن حجر ما ذا یلوک بین أشداقه؟ أهو مجدّ فیما یقول أم هازئ؟ أمّا ما اعتذر به من أنّ لعنته صلی الله علیه وآله وسلم لا تضرُّ الحَکَم وابنه. إلی آخره. فقد أخذه ممّا أخرجه الشیخان فی الصحیحین (1) من طریق أبی هریرة ، غیر أنّه حرّف منه کلماً وزاد فیه أخری وإلیک لفظه :

قال : اللهمّ إنّما محمد بشر یغضب کما یغضب البشر ، وإنّی قد اتّخذت عندک عهداً لم تخلفنیه فأیّما مؤمن آذیته أو سببته أو لعنته أو جلدته فاجعلها له کفارةً وقربةً تقرّبه بها إلیک.

هذا حطّ من مقام الرسالة لأجل أمویّ ساقط ، وحسبان أنّ صاحبها کإنسان عادیّ یثیره ما یثیر غیره فیغضب لما لا ینبغی أن یُغضب له ، ومخالف للکتاب العزیز من قوله سبحانه : (وَما یَنْطِقُ عَنِ الْهَوی * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْیٌ یُوحی) (2).

نعم ، هو صلی الله علیه وآله وسلم بشر غیر أنّه کما قال فی الذکر الحکیم : (قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُکُمْ یُوحی إِلَیَ) فإن کان فی الوحی أن یلعن الطرید وما ولد فما ذا ینجیه من اللعن؟ إلاّ أن یحسب ابن حجر أنّ الوحی أیضاً یتّبع الشهوات! کبرت کلمة تخرج من أفواههم.

وکیف یکون اللعن رحمةً وزکاةً وطهارةً وکفّارةً وقد أصاب موضعه بأمر من الله سبحانه؟ 4.

ص: 356


1- صحیح البخاری : 4 / 71 [5 / 2339 ح 6000 کتاب الدعوات] ، صحیح مسلم : 2 / 391 [5 / 170 ح 91 کتاب البرّ والصلة وبزیادة : یوم القیامة ، فی ذیل الحدیث]. (المؤلف)
2- النجم : 3 - 4.

وما یصنع ابن حجر بالصحیح المتضافر من أنّ سباب المسلم فسوق (1)؟

وکیف یسوّغ له إیمانه أن یکون رسول الله سبّاباً أو لعّاناً أو مؤذیاً لأحد أو جالداً لمسلم علی غیر حقّ؟ وکلُّ ذلک من منافیات العصمة والله سبحانه یقول (وَالَّذِینَ یُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِینَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَیْرِ مَا اکْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِیناً) (2). وجاء فی الصحیح : إنّه صلی الله علیه وآله وسلم لم یکن سبّاباً ولا فحّاشاً ولا لعّاناً ، وقد أبی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم عن الدعاء علی المشرکین ، وقال صلی الله علیه وآله وسلم : «إنّی لم أُبعث لعّاناً وإنّما بُعثت رحمة» (3) فهو صلی الله علیه وآله وسلم کان یأمل فی أُولئک المشرکین الهدایة فلم یلعنهم ولا دعا علیهم ، ولمّا کان لم یَرجُ فی الحَکَم وولده أیّ خیر لعنهم لعناً یُبقی علیهم خزی الأبد.

نعم ؛ روایة الصحیحین المنافیة لعصمة الرسول صلی الله علیه وآله وسلم اختلقتها ید الهوی علی عهد معاویة تزلّفاً إلیه ، وطمعاً فی رضیخته ، وتحبّباً إلی آل أبی العاص المقرّبین عنده. ومن أراد الوقوف علی أبسط ممّا ذکرناه فی المقام فلیراجع کتاب (أبو هریرة) لسیّدنا الآیة السیّد عبد الحسین شرف الدین العاملی (4) (ص 118 - 129). 5.

ص: 357


1- أخرجه أحمد [فی المسند : 2 / 24 ح 4250] ، والبخاری [فی الصحیح : 5 / 2247 ح 5697] ، والترمذی [فی السنن : 5 / 22 ح 2635] ، والنسائی [فی السنن الکبری : 2 / 313 - 314 ح 3567 - 3578] ، وابن ماجة [فی السنن : 2 / 1299 ح 3939] وغیرهم من طریق ابن مسعود. وابن ماجة [فی السنن 2 / 1299 - 1300 ح 3940 من طریق أبی هریرة ، 3941 من طریق سعد بن أبی وقاص] من طریق جابر وسعد ، والطبرانی [فی المعجم الأوسط : 1 / 413 ح 738 ، والکبیر : 17 / 39 ح 80] عن عبد الله بن المغفل وعمرو بن النعمان. وصحّحه غیر واحد من الحفاظ ؛ کالهیثمی [فی مجمع الزوائد : 8 / 73] ، والسیوطی [فی الدر المنثور : 1 / 530] ، والمناوی [فی فیض القدیر : 4 / 84 ح 4633].(المؤلف)
2- الأحزاب : 58.
3- أخرجه البخاری : 9 / 22 [5 / 2243 ح 5684] ، ومسلم فی صحیحه : 2 / 393 [5 / 168 ح 87]. (المؤلف)
4- أبو هریرة : ص 35 - 45.

هبنا - العیاذ بالله - ما شینا ابن حجر فی أساطیره فی نبیّ العصمة والقداسة ، فما حیلة المغفّل فیما نزل من الذکر الحکیم فی الحَکَم وبنیه؟ هل فیه ضیر؟ أم یراه أیضاً رحمةً وزکاةً وکفّارةً وطهارةً.

وشتّان بین رأی ابن حجر فی الحَکَم وبین ما یأتی من قول أبی بکر لعثمان فیه : عمّک إلی النار ، وقول عمر لعثمان : ویحک یا عثمان تتکلّم فی لعین رسول الله وطریده وعدوّ الله وعدوّ رسوله؟

وأمّا ما عالج به داء الحکم فهو یعلم أنّه موصوم بما هو أفظع من ذلک ؛ من لعن رسول الله وطرده إیّاه ، وکان الخبیث یهزأ برسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی مشیته حتی أخذته دعوته صلی الله علیه وآله وسلم ، وهل تجدیه الصحبة وحاله هذه؟ وهل تشمل الصحبة التی هی من أربی الفضائل اللصّ الذی ساکن الصحابة لاستراق أموالهم وإلقاح الفتن فیهم؟ وهل تشمل المنافقین الذی کانوا فی المدینة یومئذٍ؟ (وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِینَةِ مَرَدُوا عَلَی النِّفاقِ) (1) فإن طهّرت الصحبة أمثال الحکم فهی مطهّرة أُولئک بطریق أولی لأنّه لم یکشف عنهم الغطاء کما کشف عن الحکم علی العهد النبویّ وفی دور الشیخین ، حتی أراد ابن أخیه أن ینقذه من الفضیحة فزید ضغث علی إبّالة (2) ، ونبشت الدفائن ، وذکر ما کاد أن یُنسی.

ثمّ هب أنّ الصحبة مُزیحة لعلل النفس والأمراض القلبیّة فهل هی مزیلة للأدواء الجسمانیّة؟ لم نجد فی کتب الطبّ من وصفها بذلک ، ولاتعدادها فی صفّ الأدویة المفیدة لداء من الأدواء ، ولا لذلک الداء العضال الذی زعم ابن حجر أنّه منفیّ عن الحکم لمحض الإسلام والصحبة ، وجوّز أن یکون قبل اتّصاله بالمسلمین ، حیّا الله هذا الطبّ الجدید! 0.

ص: 358


1- التوبة : 101.
2- الإبّالة : الحزمة من الحطب .. الضغث : القبضة من الحشیش. ومعنی المثل : بلیّة علی أخری. أنظر مجمع الأمثال : 2 / 260.

إنّ من الممکن جدّا أن یکون هذا الداء العضال من علل طرد الرجل من المدینة ، فلم یُرد صلی الله علیه وآله وسلم أن یکون بین صحابته فی عاصمة نبوّته مخزیّ مثله.

إذا أنهاک البحث إلی هاهنا وعرفت الحَکَم ومقداره فی أدوار حیاته جاهلیّةً وإسلاماً ، فاقرأ ما جاء به سالم بن وابصة تزلّفاً إلی معاویة بن مروان بن الحکم من قوله :

إذا افتخرت یوماً أُمیّةُ أطرقتْ

قریش وقالوا معدن الفضل والکرمْ

فإن قیل هاتوا خَیرکم أطبقوا معاً

علی أنّ خیرَ الناسِ کلِّهمُ الحکمْ

ألستم بنی مروان غیثَ بلادِنا

إذا السنةُ الشهباءُ سدّتْ علی الکظمْ

سبحانک اللهمّ ما قیمة بشر خیره الحَکَم؟ وما شأن جدوب غیثها بنو مروان؟ إن هی إلاّ أساطیر الأوّلین نسجتها ید الغلوّ فی الفضائل.

المساءلة :

هلمّ معی نسائل الخلیفة فی إیواء لعین رسول الله وطریده - الحَکَم - وبمسمعٍ منه ومرأی نزول القرآن فیه واللعن المتواصل من مصدر النبوّة علیه وعلی من تناسل منه عدا المؤمنین ، وقلیل ما هم ، ما هو المبرّر لعمله هذا وردّه إلی مدینة الرسول؟ وقد طرده صلی الله علیه وآله وسلم وأبناءه منها تنزیها لها من تلکم الأرجاس والأدناس الأمویّة ، قد سأل أبا بکر وبعده عمر أن یردّاه ، فقال کلّ منهما : لا أحلُ عقدة عقدها رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم (1) وقال الحلبی فی السیرة (2) (2 / 85) : کان یقال له : طرید رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ولعینه ، وقد کان صلی الله علیه وآله وسلم طرده إلی الطائف ومکث به مدّة رسول الله ومدّة أبی بکر بعد أن سأله 7.

ص: 359


1- الأنساب للبلاذری : 5 / 27 ، الریاض النضرة : 2 / 143 [3 / 80] ، أُسد الغابة : 2 / 35 [2 / 38 رقم 1217] ، السیرة الحلبیة 1 / 337 [1 / 317] ، الإصابة : 1 / 345 [رقم 1781] (المؤلف)
2- السیرة الحلبیّة : 2 / 76 - 77.

عثمان فی إدخاله المدینة فأبی ، فقال له عثمان : عمّی ، فقال : عمُّک إلی النار ؛ هیهات هیهات أن أُغیّر شیئاً فعله رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، والله لا رددته أبداً ، فلمّا توفّی أبو بکر وولی عمر کلّمه عثمان فی ذلک فقال له : ویحک یا عثمان تتکلّم فی لعین رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وطریده وعدوّ الله وعدوّ رسوله؟ فلمّا ولی عثمان ردّه إلی المدینة فاشتدّ ذلک علی المهاجرین والأنصار فأنکر ذلک علیه أعیان الصحابة ، فکان ذلک من أکبر الأسباب علی القیام علیه. انتهی.

ألم تکن للخلیفة أُسوة فی رسول الله؟ والله یقول : (لَقَدْ کانَ لَکُمْ فِی رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ کانَ یَرْجُوا اللهَ وَالْیَوْمَ الْآخِرَ وَذَکَرَ اللهَ کَثِیراً) (1) أو کان قومه وحامّته أحبّ إلیه من الله ورسوله؟ وبین یدیه الذکر الحکیم : (قُلْ إِنْ کانَ آباؤُکُمْ وَأَبْناؤُکُمْ وَإِخْوانُکُمْ وَأَزْواجُکُمْ وَعَشِیرَتُکُمْ وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها وَتِجارَةٌ تَخْشَوْنَ کَسادَها وَمَساکِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إِلَیْکُمْ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهادٍ فِی سَبِیلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّی یَأْتِیَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لا یَهْدِی الْقَوْمَ الْفاسِقِینَ) (2).

ثمّ ما هو المبرّر لتخصیص الرجل بتلک المنحة الجزیلة من حقوق المسلمین وأُعطیاتهم؟ بعد تأمینه علی أخذ الصدقات المشترط فیه الثقة والأمانة واللعین لا یکون ثقةً ولا أمیناً.

ثمّ نسائل الحَکَم والخلیفة علی تقریره لما ارتکبه من حمل صدقات قضاعة إلی دار الخلافة وقد ثبت فی السنّة کما مرّ (ص 239) أنّها تُقسّط علی فقراء المحلّ وعلیها أتت الأقوال. قال أبو عبید فی الأموال (3) (ص 596) : والعلماء الیوم مجمعون علی هذه الآثار کلّها أنّ أهل کلّ بلد من البلدان ، أو ماء من المیاه أحقُّ بصدقتهم ما دام فیهم من ذوی الحاجة واحد فما فوق ذلک ، وإن أتی ذلک علی جمیع صدقتها حتی یرجع 1.

ص: 360


1- الأحزاب : 21.
2- التوبة : 24.
3- الأموال : ص 709 ح 1911.

الساعی ولا شیء معه منها ، بذلک جاءت الأحادیث مفسّرة. ثمّ ذکر أحادیث فقال (1) (ص 597) : قال أبو عبید : فکلّ هذه الأحادیث تثبت أنّ کلّ قوم أولی بصدقتهم حتی یستغنوا عنها ، ونری استحقاقهم ذلک دون غیرهم إنّما جاءت به السنّة لحرمة الجوار وقُرب دارهم من دار الأغنیاء. انتهی.

ألم یکن فی قضاعة ذو حاجة فیُعطی؟ أو لم یکن فی المدینة الطیّبة من فقراء المسلمین أحد فیقسّم ذلک المال الطائل بینهم بالسویّة؟ (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساکِینِ وَالْعامِلِینَ عَلَیْها) (2). الآیة. فتخصیصها للحَکَم لما ذا؟

وهلمّ معی إلی المسکین صاحب المال تُؤخذ منه الصدقات شاء أو أبی وهو یعلم مَصبّ تلکم الأموال ومدرّها من أیدی أولئک الجبابرة أو الجباة - نظراء الحکم ومروان والولید وسعید - وما یرتکبونه من فجور ومجون ، وبعد لم ینقطع من أذنه صدی ما ارتکبه خالد بن الولید سیف .. مع مالک بن نویرة وحلیلته وذویه وما یملکه ، وکان یسمع من وحی الکتاب قوله تعالی : (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَکِّیهِمْ بِها) (3) ، فهل یری المسکین أنّ هذا الأخذ یطهّره ویزکّیه؟ لا حکم إلاّ لله.

نعم ، یقول المغیرة بن شعبة - زانی ثقیف - : إنّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم أمرنا أن ندفعها إلیهم وعلیهم حسابهم (4) ویقول ابن عمر : ادفعوها إلیهم وإن شربوا بها الخمر. ویقول : ادفعها إلی الأمراء وإن تمزّعوا بها لحوم الکلاب علی موائدهم (5).

نحن لا نقیم لأمثال هذه الآراء وزناً ، ولا أحسب أنّ الباحث یقدّر لها قیمة. ف)

ص: 361


1- الأموال : ص 711 ح 1916.
2- التوبة : 60.
3- التوبة : 103.
4- سنن البیهقی : 4 / 115. (المؤلف)
5- سنن البیهقی : 4 / 115 ، الأموال لأبی عبید : ص 570 [ص 681 ح 1799]. (المؤلف)

فإنّها ولائد ظنون مجرّدة ، وقد جاء فی أولئک الأُمراء بإسناد صحّحه الحاکم والذهبی من طریق جابر بن عبد الله قال : قال صلی الله علیه وآله وسلم لکعب بن عجرة : «أعاذک الله یا کعب من إمارة السفهاء». قال : وما إمارة السفهاء یا رسول الله؟ قال : «أمراء یکونون بعدی لا یهدون بهدیی ولا یستنّون بسنّتی ، فمن صدّقهم بکذبهم وأعانهم علی ظلمهم فأولئک لیسوا منّی ولست منهم ، ولا یردون علیّ (1) حوضی ، ومن لم یصدّقهم بکذبهم ولم یعنهم علی ظلمهم فأولئک منّی وأنا منهم وسیردون علی حوضی» (2).

فإعطاء الصدقات لأولئک الأمراء من أظهر مصادیق الإعانة علی الإثم والعدوان والله تعالی یقول : (وَتَعاوَنُوا عَلَی الْبِرِّ وَالتَّقْوی وَلا تَعاوَنُوا عَلَی الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ) (3).

ثم إنّ الصدقات کضرائب مالیّة فی أموال الأغنیاء لإعاشة الضعفاء من الأُمّة. قال مولانا أمیر المؤمنین علیه السلام : «إنّ الله عزّ وجلّ فرض علی الأغنیاء فی أموالهم ما یکفی الفقراء ، فإن جاعوا أو عروا أو جهدوا فبمنع الأغنیاء ، وحقّ علی الله تبارک وتعالی أن یحاسبهم ویعذّبهم». الأموال لأبی عبید (4) (ص 595) ، المحلّی لابن حزم (6 / 158) ، وأخرجه الخطیب فی تاریخه (5 / 308) من طریق علیّ مرفوعاً.

وفی لفظ : «إنّ الله سبحانه فرض فی أموال الأغنیاء أقوات الفقراء ، فما جاع فقیر إلاّ بما متّع به غنیّ ، والله سائلهم عن ذلک» نهج البلاغة (5) (2 / 214).

هذا هو مجری الصدقات فی الشریعة المطهّرة ، وهو الذی یطهّر صاحب المال 8.

ص: 362


1- فی المصدر : علی.
2- مستدرک الحاکم : 4 / 422 [4 / 468 ح 8302 وکذا فی التلخیص]. (المؤلف)
3- المائدة : 2.
4- الأموال : ص 709 ح 1910.
5- نهج البلاغة : ص 533 رقم 328.

ویُزکّیه ، ویکتسح عن المجتمع معرّة الآراء الفاسدة من الفقراء ، المقلقة للسلام والمعکّرة لصفو الحیاة.

ثمّ الخلیفة یدّعی (1) أنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وعده ردّ الحکم بعد أن فاوضه فی ذلک ، إن کان هذا الوعد صحیحاً فلِم لَم یعلم به أحد غیره؟ ولا عرفه الشیخان وهلاّ رواه لهما حین کلّمهما فی ردّه فجبهاه بما عرفت؟ أو أنّهما لم یثقا بتلک الروایة؟ فهذه مشکلة أخری. أو أنّهما صدّقاه؟ غیر أنّهما رأیا أنّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وعده أن یردّه هو صلی الله علیه وآله وسلم ولم یردّه ، ولعلّ المصلحة الواقعیّة أو الظروف لم تساعده علی إنجاز الوعد حتی قضی نحبه ، فمن این عرف الترخیص له فی ردّه؟ ولو کانت هناک شبهة رخصة؟ لعمل بها الشیخان حین فاوضهما هو فی ذلک ، لکنّهما ما عرفا الشبهة ولا علما تلمیحاً للرخصة بل رأیاه عقدة لرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لا تنحلّ ، وفی الملل والنحل للشهرستانی (2) (1 / 25) : فما أجابا إلی ذلک ونفاه عمر من مقامه بالیمن أربعین فرسخاً. انتهی. ومن هنا رأی ابن عبد ربّه فی العقد ، وأبو الفدا فی تاریخه (1 / 168) أنّ الحکم طرید رسول الله وطرید أبی بکر وعمر أیضاً ، وکذلک الصحابة کلّهم ما عرفوا مساغاً لردّ الرجل وأبنائه ، وإلاّ لما نقموا به علیه ولعذروه علی ما ارتکبه وفیهم من لا تخفی علیه مواعید النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم.

وللخلیفة معذرة أخری ، قال ابن عبد ربّه فی العقد الفرید (3) (2 / 272) : لمّا ردّ عثمان الحَکَم طرید النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وطرید أبی بکر وعمر إلی المدینة تکلّم الناس فی ذلک ، فقال عثمان : ما ینقم الناس منّی؟ إنّی وصلت رحماً وقرّیت عیناً. انتهی. ونحن لا نخدش العواطف بتحلیل کلمة الخلیفة هذه ، ولا نفصّل القول فی مغزاها وإنّما نمرُّ به 8.

ص: 363


1- الأنساب للبلاذری : 5 / 27 ، الریاض النضرة : 2 / 142 [3 / 80] ، مرآة الجنان للیافعی : 1 / 85 ، الصواعق : ص 68 [ص 113] ، السیرة الحلبیة : 2 / 86 [2 / 77]. (المؤلف)
2- الملل والنحل : 1 / 32.
3- العقد الفرید : 4 / 118.

کراماً ، وأنت إذا عرفت الحَکَم وما ولد ، فعلمت أنّ ردّهم إلی المدینة المشرّفة وتولّیهم علی الأُمور ، وتسلیطهم علی ناموس الإسلام ، واتّخاذ الحمی لهم کما مرّ (ص 235) جنایة کبیرة علی الأُمّة لا تُغتفر ، ولا تقرّ بها قطُّ عین.

- 32 -

أیادی الخلیفة عند مروان

أعطی مروان بن الحکم بن أبی العاص ابن عمّه وصهره من ابنته أُمّ أبان خُمس غنائم إفریقیة وهو خمسمائة ألف دینار ، وفی ذلک یقول عبد الرحمن بن حنبل الجمحی الکندی مخاطباً الخلیفة :

سأحلف بالله جهد الیمی

(1) ما ترک الله أمراً سُدی

ولکن خلقت لنا فتنة

لکی نبتلی لَکَ (2) أو تبتلی

فإنَّ الأمینین قد بیّنا

منار الطریق علیه الهدی

فما أخذا درهماً غیلةً

وما جعلا درهماً فی الهوی

دعوت اللعینَ فأدنیتَهُ

خلافاً لسنّة من قد مضی

وأعطیت مروانَ خمس العبا

د ظُلماً لهم وحمیت الحمی (3)

هکذا رواه ابن قتیبة فی المعارف (4) (ص 84) ، وأبو الفداء فی تاریخه (1 / 168) ، وذکر البلاذری الأبیات فی الأنساب (5 / 38) ونسبها إلی أسلم بن أوس بن بجرة الساعدی الخزرجی الذی منع أن یدفن عثمان بالبقیع ، وإلیک لفظها : 5.

ص: 364


1- فی الطبعة المعتمدة لدینا من المعارف : أحلف بالله ربِّ الأنام.
2- فی المعتمدة : نبتلی بک.
3- فی المعتمدة ورد الشطر الثانی هکذا : فهیهات شأوک ممن سعی.
4- المعارف : ص 195.

أُقسمُ باللهِ ربِّ العبا

د ما ترک الله خلقاً سُدی

دعوتَ اللعینَ فأدنیته

خلافاً لسنّة من قد مضی

قال : یعنی الحکَم والد مروان.

وأعطیت مروان خمس العبا

د ظلماً لهم وحمیت الحمی

ومالٌ أتاک به الأشعریُ

من الفیء أنهیته من تری

فأمّا الأمینان إذ بیّنا

منار الطریق علیه الصُوی

فلم یأخذا درهماً غیلةً

ولم یصرفا درهماً فی هوی

وذکرها ابن عبد ربّه فی العقد الفرید (1) (2 / 261) ونسبها إلی عبد الرحمن ، وروی البلاذری من طریق عبد الله بن الزبیر أنّه قال : أغزانا عثمان سنة سبع وعشرین إفریقیة فأصاب عبد الله بن سعد بن أبی سرح غنائم جلیلة فأعطی عثمان مروان بن الحکم خمس الغنائم. وفی روایة أبی مخنف : فابتاع الخمس بمائتی ألف دینار فکلّم عثمان فوهبها له فأنکر الناس ذلک علی عثمان (2).

وفی روایة الواقدی کما ذکره ابن کثیر : صالحه بطریقها علی ألفی ألف دینار وعشرین ألف دینار ، فأطلقها کلّها عثمان فی یوم واحد لآل الحکَم ویقال : لآل مروان (3)

وفی روایة الطبری عن الواقدی ، عن أُسامة بن زید ، عن ابن کعب قال : لمّا وجّه عثمان عبد الله بن سعد إلی إفریقیة کان الذی صالحهم علیه بطریق إفریقیة جُرجیر ألفی ف)

ص: 365


1- العقد الفرید : 4 / 103.
2- الأنساب : 5 / 27 ، 28. (المؤلف)
3- تاریخ ابن کثیر : 7 / 152 [7 / 170 حوادث سنة 27 ه]. لا یخفی علی القارئ تحریف ابن کثیر روایة الواقدی ، والصحیح ما ذکره الطبری عنه. (المؤلف)

ألف دینار وخمسمائة ألف دینار وعشرین ألف دینار ، فبعث ملک الروم رسولاً وأمره أن یأخذ منهم ثلاثمائة قنطار کما أخذ منهم عبد الله بن سعد. إلی أن قال : کان الذی صالحهم علیه عبد الله بن سعد ثلاثمائة قنطار ذهب ، فأمر بها عثمان لآل الحکم. قلت : أو لمروان؟ قال : لا أدری. تاریخ الطبری (1) (5 / 50).

وقال ابن الأثیر فی الکامل (2) (3 / 38) : وحُمل خمس إفریقیة إلی المدینة فاشتراه مروان بن الحکم بخمسمائة ألف دینار فوضعها عنه عثمان ، وکان هذا ممّا أُخذ علیه ، وهذا أحسن ما قیل فی خمس إفریقیة ، فإنّ بعض الناس یقول : أعطی عثمان خمس إفریقیة عبد الله بن سعد. وبعضهم یقول : أعطاه مروان بن الحکم ، وظهر بهذا أنّه أعطی عبد الله خمس الغزوة الأولی ، وأعطی مروان خمس الغزوة الثانیة التی افتتحت فیها جمیع إفریقیة. والله أعلم.

وروی البلاذری وابن سعد : أنّ عثمان کتب لمروان بخمس مصر وأعطی أقرباءه المال ، وتأوّل فی ذلک الصلة التی أمر الله بها ، واتّخذ الأموال واستسلف من بیت المال وقال : إنّ أبا بکر وعمر ترکا من ذلک ما هو لهما ، وإنّی أخذته فقسّمته فی أقربائی. فأنکر الناس علیه ذلک (3).

وأخرج البلاذری فی الأنساب (5 / 28) من طریق الواقدی عن أُمّ بکر بنت المسور قالت : لمّا بنی مروان داره بالمدینة دعا الناس إلی طعامه وکان المسور فیمن دعا ، فقال مروان وهو یحدّثهم : والله ما أنفقت فی داری هذه من مال المسلمین درهماً فما فوقه. فقال المسور : لو أکلت طعامک وسکتّ لکان خیراً لک ، لقد غزوت معنا إفریقیة وإنّک لأقلّنا مالاً ورقیقاً وأعواناً وأخفّنا ثقلاً ، فأعطاک ابن عفّان خمس ف)

ص: 366


1- تاریخ الأُمم والملوک : 4 / 256 حوادث سنة 27 ه.
2- الکامل فی التاریخ : 2 / 237 حوادث سنة 27 ه.
3- طبقات ابن سعد : 3 / 44 طبع لیدن [3 / 64] ، الأنساب للبلاذری : 5 / 25. (المؤلف)

إفریقیة وعُمّلت علی الصدقات فأخذت أموال المسلمین. فشکاه مروان إلی عروة وقال : یغلظ لی وأنا له مکرمٌ متّقٍ.

وقال ابن أبی الحدید فی الشرح (1) (1 / 67) : أمر - عثمان - لمروان بمائة ألف من بیت المال وقد زوّجه ابنته أُمّ أبان ، فجاء زید بن أرقم صاحب بیت المال بالمفاتیح فوضعها بین یدی عثمان وبکی ، فقال عثمان : أتبکی أن وصلت رحمی؟ قال : لا. ولکن أبکی لأنّی أظنُّک أنّک أخذت هذا المال عوضاً عمّا کنت أنفقته فی سبیل الله فی حیاة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، ولو (2) أعطیت مروان مائة درهم لکان کثیراً. فقال : ألق المفاتیح یا ابن أرقم فإنّا سنجد غیرک ، وأتاه أبو موسی بأموال من العراق جلیلة ، فقسّمها کلّها فی بنی أُمیّة.

وقال الحلبی فی السیرة (3) (2 / 87) : وکان من جملة ما انتقم به علی عثمان رضی الله عنه أنّه أعطی ابن عمّه مروان بن الحکم مائة ألف وخمسین أوقیة.

مروان وما مروان؟

مرّ فی صفحة (246) ما صحّ من لعن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم علی أبیه وعلی من یخرج من صلبه. وأسلفنا ما صحّ من قول عائشة لمروان : لعن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أباک فأنت فضض من لعنة الله.

وأخرج الحاکم فی المستدرک (4) (4 / 479) من طریق عبد الرحمن بن عوف وصحّحه أنه قال : کان لا یولد لأحد بالمدینة ولد إلاّ أُتی به إلی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم [فدعاله] ، ه.

ص: 367


1- شرح نهج البلاغة : 1 / 199 خطبة 3.
2- فی المصدر : والله لو.
3- السیرة الحلبیة : 2 / 78.
4- المستدرک علی الصحیحین : 4 / 526 ح 8477. وما بین المعقوفین منه.

فأدخل علیه مروان بن الحکم فقال : هو الوزغ ابن الوزغ ، الملعون ابن الملعون.

وذکره الدمیری فی حیاة الحیوان (1) (2 / 399) ، وابن حجر فی الصواعق (2) (ص 108) ، والحلبی فی السیرة (3) (1 / 337). ولعلّ معاویة أشار إلیه بقوله لمروان : یا ابن الوزغ لست هناک. فیما ذکره ابن أبی الحدید (4) (2 / 56).

وأخرج ابن النجیب من طریق جبیر بن مطعم قال : کنّا مع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فمرّ الحکم بن أبی العاص فقال النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم : «ویل لأُمّتی ممّا فی صلب هذا» (5).

وفی شرح ابن أبی الحدید (6) (2 / 55) نقلاً عن الاستیعاب (7) : نظر علیّ علیه السلام یوماً إلی مروان فقال له : «ویل لک وویل لأُمّة محمد منک ومن بیتک إذا شاب صدغاک». وفی لفظ ابن الأثیر : «ویلک وویل أُمّة محمد منک ومن بنیک». أُسد الغابة (8) (4 / 348). ورواه ابن عساکر بلفظ آخر کما فی کنز العمّال (9) (6 / 91).

وقال مولانا أمیر المؤمنین یوم قال له الحسنان السبطان : «یبایعک مروان یا أمیر المؤمنین» : «أوَلم یبایعنی قبل قتل (10) عثمان؟ لا حاجة لی فی بیعته ، إنّها کفّ ..

ص: 368


1- حیاة الحیوان : 2 / 422.
2- الصواعق المحرقة : ص 181.
3- السیرة الحلبیة : 1 / 317.
4- شرح نهج البلاغة : 6 / 155 خطبة 72.
5- أُسد الغابة : 2 / 34 [2 / 37 رقم 1217] ، الإصابة : 1 / 346 [رقم 1781] ، السیرة الحلبیة : 1 / 337 [1 / 317] ، کنز العمّال : 6 / 40 [11 / 167 ح 31066]. (المؤلف)
6- شرح نهج البلاغة : 6 / 150 خطبة 72.
7- الاستیعاب : القسم الثالث / 1388 رقم 2370.
8- أُسد الغابة : 5 / 145 رقم 4841.
9- کنز العمّال : 11 / 167 ح 31067.
10- فی نهج البلاغة وشرحه : بعد قتل ...

یهودیّة لو بایعنی بیده لغدر بسبّته ، أما إنّ له إمرةً کلعقة الکلب أنفه ، وهو أبو الأکبش الأربعة (1) وستلقی الأُمّة منه ومن ولده یوماً أحمر». نهج البلاغة (2).

قال ابن أبی الحدید فی الشرح (3) (2 / 53) : قد روی هذا الخبر من طرق کثیرة ورویت فی زیادة لم یذکرها صاحب نهج البلاغة وهی قوله علیه السلام فی مروان : «یحمل رایة ضلالة بعد ما یشیب صدغاه وإنّ له إمرة» الی آخره.

هذه الزیادة أخذها ابن أبی الحدید من ابن سعد ذکرها فی طبقاته (4) (5 / 30) طبع لیدن قال : قال علیُّ بن أبی طالب یوماً ونظر إلیه : «لیحملنّ رایة ضلالة بعد ما یشیب صدغاه ، وله إمرة کلحسة الکلب أنفه». انتهی. وهذا الحدیث کما تری غیر ما فی نهج البلاغة ولیس کما حسبه ابن أبی الحدید زیادة فیه ، ولا توجد تلک الزیادة فی روایة السبط أیضاً فی تذکرته (5) (ص 45). والله العالم.

قال البلاذری فی الأنساب (5 / 126) : کان مروان یلقّب خیط باطل (6) لدقّته وطوله شبه الخیط الأبیض الذی یُری فی الشمس ، فقال الشاعر - ویقال : إنّه عبد الرحمن بن الحَکم أخوه - :

لعمرک ما أدری وإنِّی لسائلٌ

حلیلة مضروب القفا کیف یصنعُ (7)ف)

ص: 369


1- هم بنو عبد الملک : الولید ، سلیمان ، یزید ، هشام. کذا فسّره الناس وعند ابن أبی الحدید [6 / 147 - 148 خطبة 72] هم أولاد مروان : عبد الملک ، بشر ، محمد ، عبد العزیز. (المؤلف)
2- نهج البلاغة : ص 102 رقم 73.
3- شرح نهج البلاغة : 6 / 148 ، خطبة 72.
4- الطبقات الکبری : 5 / 43.
5- تذکرة الخواص : ص 78.
6- أنظر ثمار القلوب : ص 76 رقم 103.
7- أشار بقوله : مضروب القفا إلی ما وقع یوم الدار ، فإنّ مروان ضُرِب یوم ذاک علی قفاه کما یأتی حدیثه فی الجزء التاسع إن شاء الله تعالی. (المؤلف)

لحی الله قوماً أمّروا خیطَ باطلٍ

علی الناس یعطی ما یشاء ویمنعُ (1)

وذکر البلاذری فی الأنساب (5 / 144) فی مقتل عمرو بن سعید الأشدق الذی قتله عبد الملک بن مروان لیحیی بن سعید أخی الأشدق قوله :

غدرتم بعمروٍ یا بنی خیط باطل

ومثلکمُ یبنی البیوتَ علی الغَدرِ

وذکر ابن أبی الحدید فی شرحه (2) (2 / 55) لعبد الرحمن بن الحکَم فی أخیه قوله

وهبت نصیبی منک یا مروَ (3) کلّه

لعمرو ومروان الطویل وخالدِ

وربّ ابن أُمّ زائدٍ غیر ناقص

وأنت ابن أُمّ ناقصٍ غیر زائدِ

ومن شعر مالک بن الریب - المترجم فی الشعر والشعراء لابن قتیبة (4) - یهجو مروان قوله :

لعمرک ما مروانُ یقضی أُمورَنا

ولکنّما تقضی لنا بنتُ جعفرِ (5)

فیا لیتها کانت علینا أمیرةً

ولیتک یا مروانُ أمسیت ذا حِرِ

وروی الهیثمی فی مجمع الزوائد (10 / 72) من طریق أبی یحیی قال : کنت بین الحسن والحسین ومروان یتسابّان فجعل الحسن یسکّت الحسین ، فقال مروان : أهل بیت ملعونون. فغضب الحسن وقال : «قلت أهل بیت ملعونون ، فو الله لقد لعنک الله ف)

ص: 370


1- ورواهما وما قبلهما ابن الأثیر فی أسد الغابة : 4 / 348 [5 / 145 رقم 4841]. (المؤلف)
2- شرح نهج البلاغة : 6 / 151 خطبة 72.
3- هو مرخّم مروان.
4- الشعر والشعراء : ص 221.
5- بنت جعفر هی الهاشمیة الشهیرة بأم أبیها بنت عبد الله بن جعفر بن أبی طالب زوجة عبد الملک بن مروان. ثمّ طلّقها فتزوّجها علیّ بن عبد الله بن عباس. (المؤلف)

وأنت فی صلب أبیک». أخرجه (1) الطبرانی وذکره السیوطی فی جمع الجوامع کما فی ترتیبه (6 / 90) نقلاً عن ابن سعد وأبی یعلی وابن عساکر.

إنّ الذی یستشفّه المنقّب من سیرة مروان وأعماله أنّه ما کان یقیم لنوامیس الدین الحنیف وزناً ، وإنّما کان یلحظها کسیاسات زمنیّة فلا یبالی بإبطال شیء منها ، أو تبدیله إلی آخر حسب ما تقتضیه ظروفه وتستدعیه أحواله ، وإلیک من شواهد ذلک عظائم ، وعلیها فقس ما لم نذکره :

1 - أخرج إمام الحنابلة أحمد فی مسنده (2) (4 / 94) من طریق عباد بن عبد الله ابن الزبیر قال : لمّا قدم علینا معاویة حاجّا ، قدمنا معه مکة قال : فصلّی بنا الظهر رکعتین ثمّ انصرف إلی دار الندوة ، قال : وکان عثمان حین أتمّ الصلاة فإذا قدم مکة صلّی بها الظهر والعصر والعشاء الآخرة أربعاً أربعاً ، فإذا خرج إلی منی وعرفات قصر الصلاة ، فإذا فرغ من الحجّ وأقام بمنی أتمّ الصلاة حتی یخرج من مکة ، فلمّا صلّی بنا الظهر رکعتین نهض إلیه مروان بن الحکم وعمرو بن عثمان فقالا له : ما عاب أحد ابن عمّک بأقبح ما عبته به. فقال لهما : وما ذاک؟ قال : فقالا له : ألم تعلم أنّه أتمّ الصلاة بمکة؟ قال : فقال لهما : ویحکما وهل کان غیر ما صنعت؟ قد صلّیتهما مع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ومع أبی بکر وعمر رضی الله عنهما. قالا : فإنّ ابن عمّک قد أتمّها وإنّ خلافک إیّاه له عیب. قال : فخرج معاویة إلی العصر فصلاّها بنا أربعاً.

وذکره الهیثمی فی مجمع الزوائد (2 / 156) نقلاً عن أحمد والطبرانی فقال : رجال أحمد موثّقون.

فإذا کان لعب مروان وخلیفة وقته معاویة بالصلاة التی هی عماد الدین إلی 5.

ص: 371


1- المعجم الکبیر : 3 / 85 ح 2740 ، کنز العمّال : 11 / 357 ح 31730 ، مسند أبی یعلی : 12 / 135 ح 6764 ، مختصر تاریخ دمشق : 24 / 181.
2- مسند أحمد 5 / 58 ح 16415.

درجة یقدّم فیها التحفّظ علی عثمان فی عمله الشاذّ عن الکتاب والسنّة علی العمل بسنّة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم حتی أخضع معاویة لما ارتآه من الرأی الشائن فی صلاة العصر ، فما ذا یکون عبثهما بالدین فیما هو دون الصلاة من الأحکام؟

وإن تعجب فعجب أنّه یَعدُّ مخالفة عثمان فی رأیه الخاصّ له عیباً علیه یغیّر لأجله الحکم الدینیّ الثابت ، ولا یَعدّ مخالفة رسول الله وما جاء به محظورة تترک لأجلها الأباطیل والأحداث!

ومن العجیب أیضاً أن یُنهی معاویة عن مخالفة عثمان ، ولا یُنهی من خالف رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم عن مخالفته. أهؤلاء من خیر أُمّة أُخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنکر وتؤمنون بالله؟ وأعجب من کلّ ذلک حسبان أُولئک العابثین بدین الله عدولاً وهذه سیرتهم ومبلغهم من الدین الحنیف.

2 - أخرج البخاری (1) من طریق أبی سعید الخدری قال : خرجت مع مروان وهو أمیر المدینة فی أضحی أو فطر ، فلمّا أتینا المصلّی إذا منبر بناه کثیر بن الصلت ، فإذا مروان یرید أن یرتقیه قبل أن یصلّی ، فجبذت بثوبه فجبذنی ، فارتفع فخطب قبل الصلاة ، فقلت له : غیّرتم والله. فقال : أبا سعید قد ذهب ما تعلم. فقلت : ما أعلم والله خیر ممّا لا أعلم. فقال : إنّ الناس لم یکونوا یجلسون لنا بعد الصلاة فجعلتها قبل الصلاة. وفی لفظ الشافعی : یا أبا سعید تُرک الذی تعلم.

أتری مروان کیف یغیّر السنّة؟ وکیف یفوه ملء فمه بما لا یسوغ لمسلم أن یتکلّم به؟ کأنّ ذلک مفوّضٌ إلیه ، وکأنّ ترکها المنبعث عن التجرّی علی الله ورسوله یکون مبیحاً لإدامة الترک ، لما ذا ذهب ما کان یعلمه أبو سعید من السنّة؟ ولما ذا تُرک؟

نعم ؛ کان لمروان فی المقام ملحوظتان : الأُولی اقتصاصه أثر ابن عمّه عثمان ، 3.

ص: 372


1- صحیح البخاری : 1 / 326 ح 913.

والآخر أنّه کان یقع فی الخطبة فی مولانا أمیر المؤمنین علیه السلام ویسبُّه ویلعنه فتتفرّق عنه الناس لذلک ، فقدّمها علی الصلاة لئلاّ یجفلوا فیسمعوا العظائم ویصیخوا إلی ما یلفظ به من کبائر وموبقات. راجع تفصیلاً أسلفناه صفحة (164 - 167) من هذا الجزء.

ویستظهر ممّا سبق (ص 166) من کلام عبد الله بن الزبیر : کلُّ سنن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قد غیّرت حتی الصلاة. إنّ تسرّب التغییر ولعب الأهواء بالسنن لم یکن مقصوراً علی الخطبة قبل الصلاة فحسب ، وإنّما تطرّق ذلک إلی کثیر من الأحکام کما یجده الباحث السابر أغوار السیر والحدیث.

3 - سبّه لمولانا أمیر المؤمنین علیّ علیه السلام وکان الرجل کما قال أُسامة بن زید فاحشاً متفحّشاً (1).

الحجر الأساسی فی ذلک هو عثمان جرّأ الوزغ اللعین علی أمیر المؤمنین یوم قال له : أقد مروان من نفسک. قال علیه السلام : «ممّ ذا؟» قال : من شتمه وجذب راحلته. وقال له : لِمَ لا یشتمک؟ کأنّک خیر منه! (2) وعلاّه معاویة بکلّ ما عنده من حول وطول ، لکن مروان تبعه شرّ متابعة ، ولم یأل جهداً فی تثبیت ذلک کلّما أقلّته صهوة المنبر ، أو وقف علی منصّة خطابة ، ولم یزل مجدّا فی ذلک وحاضّا علیه حتی عاد مطّرداً بعد کلّ جمعة وجماعة فی أیّ حاضرة یتولّی أمرها ، وبین عمّاله یوم تولّی خلافة هی کلعقة الکلب أنفه تسعة أشهر کما وصفها مولانا أمیر المؤمنین ، ولم تکن هذه السیرة السیّئة إلاّ لسیاسة وقتیّة ، وقد أعرب عمّا فی سریرته بقوله ، فیما أخرجه الدارقطنی من طریقه عنه ، قال : ما کان أحد أدفع عن عثمان من علیّ. فقیل له : ما لکم تسبُّونه علی المنابر؟ قال : إنّه لا یستقیم لنا الأمر إلاّ بذلک (3). ف)

ص: 373


1- الاستیعاب فی ترجمة أُسامة [القسم الأول / 77 رقم 21]. (المؤلف)
2- یأتی حدیثه تفصیلاً فی قصة أبی ذر فی هذا الجزء إن شاء الله تعالی. (المؤلف)
3- الصواعق لابن حجر : ص 33 [ص 55]. (المؤلف)

قال ابن حجر فی تطهیر الجنان (1) هامش الصواعق (ص 142) وبسندٍ رجاله ثقات : إنّ مروان لمّا ولی المدینة کان یسبُّ علیّا علی المنبر کلّ جمعة ، ثمّ ولی بعده سعید بن العاص فکان لا یسبّ ، ثمّ أُعید مروان فعاد للسبّ ، وکان الحسن یعلم ذلک فیسکت ولا یدخل المسجد إلاّ عند الإقامة ، فلم یرض بذلک مروان حتی أرسل للحسن فی بیته بالسبّ البلیغ لأبیه وله ، ومنه : ما وجدت مثلک إلاّ مثل البغلة یقال لها : من أبوک؟ فتقول : أبی (2) الفرس. فقال للرسول : «ارجع إلیه فقل له : والله لا أمحو عنک شیئاً ممّا قلت بأنّی أسبّک ، ولکن موعدی وموعدک الله ، فإن کنت کاذباً فالله أشدُّ نقمة ، قد أکرم جدّی أن یکون مثلی مثل البغلة». الی آخره.

ولم یختلف من المسلمین اثنان فی أنّ سبّ الإمام ولعنه من الموبقات ، وإذا صحفَ ما قاله ابن معین (3) کما حکاه عنه ابن حجر فی تهذیب التهذیب (4) (1 / 509) من أنّ کلّ من شتم عثمان أو طلحة أو أحداً من أصحاب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم دجّال لا یکتب عنه وعلیه لعنة الله والملائکة والناس أجمعین. انتهی.

فما قیمة مروان عندئذٍ؟ ونحن مهما تنازلنا فإنّا لا نتنازل عن أنّ مولانا أمیر المؤمنین کأحد الصحابة الذین یشملهم حکم کلّ من سبّهم ولعنهم ، فکیف ونحن نری أنّه علیه السلام سیّد الصحابة علی الإطلاق ، وسیّد الأوصیاء ، وسیّد من مضی ومن غبر عدا ابن عمّه صلی الله علیه وآله وسلم وهو نفس النبیّ الأقدس بنصّ الذکر الحکیم ، فلعنه وسبُّه لعنه وسبُّه وقد قال صلی الله علیه وآله وسلم : «من سبّ علیّا فقد سبّنی ومن سبّنی فقد سبّ الله» (5).ف)

ص: 374


1- تطهیر الجنان : ص 63.
2- کذا فی المصدر.
3- التاریخ : 2 / 66.
4- تهذیب التهذیب : 1 / 447.
5- مستدرک الحاکم : 3 / 121 [3 / 131 ح 4616] ، مسند أحمد : 6 / 323 [7 / 455 ح 26208] ، وسیوافیک تفصیل طرقه. (المؤلف)

وکان مروان یتربّص الدوائر علی آل بیت العصمة والقداسة ، ویغتنم الفرص فی إیذائهم. قال ابن عساکر فی تاریخه (1) (4 / 227) : أبی مروان أن یُدفن الحسن فی حجرة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وقال : ما کنت لأدع ابن أبی تراب یُدفن مع رسول الله وقد دفن عثمان بالبقیع. ومروان یومئذٍ معزول یرید أن یرضی معاویة بذلک ، فلم یزل عدوّا لبنی هاشم حتی مات. انتهی.

أیّ خلیفة هذا یُجلب رضاه بإیذاء عترة رسول الله؟ ومن أولی بالدفن فی الحجرة الشریفة من السبط الحسن الزکیّ؟ وبأیّ کتاب وبأیّة سنّة وبأیّ حقّ ثابت کان لعثمان أن یدفن فیها؟ ومن جرّاء ذلک الضغن الدفین علی بنی هاشم ، کان ابن الحکم یحثُّ ابن عمر علی الخلافة والقتال دونها. أخرج أبو عمر من طریق الماجشون وغیره : أنّ مروان دخل فی نفر علی عبد الله بن عمر بعد ما قُتل عثمان رضی الله عنه فعرضوا علیه أن یبایعوا له قال : وکیف لی بالناس؟ قال : تقاتلهم ونقاتلهم معک. فقال : والله لو اجتمع علیّ أهل الأرض إلاّ فدک ما قاتلتهم ، قال : فخرجوا من عنده ومروان یقول :

والمُلک بعد أبی لیلی لمن غلبا (2)

لما ذا ترک الوزغ سنّة الانتخاب الدستوری فی الخلافة بعد انتهاء الدور إلی سیّد العترة؟ وما الذی سوّغ له ذلک الخلاف؟ وحضّ ابن عمر علی الأمر ، وتثبیطه علی القتال دونه ، بعد إجماع الأُمّة وبیعتهم مولانا أمیر المؤمنین؟ نعم : لم یکن من الیوم الأوّل هناک انتخاب صحیح قطُّ ، ورأی حرّ لأهل الحلّ والعقد ، أنّی کان ثمّ أنّی؟

والمُلک بعد أبی الزهرا لمن غلبا ف)

ص: 375


1- تاریخ مدینة دمشق : 13 / 287 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 7 / 41.
2- الاستیعاب ترجمة عبد الله بن عمر [القسم الثالث / 952 رقم 1612]. (المؤلف)

هذا مروان :

فهلمّ معی إلی الخلیفة نستحفیه الخبر عن هذا الوزغ اللعین فی صلب أبیه وبعد مولده بما ذا استباح إیواءه وتأمینه علی الصدقات والطمأنینة إلیه فی المشورة فی الصالح العام؟ ولِمَ استکتبه وضمّه إلیه فاستولی علیه؟ (1) ونصب عینیه ما لهج به النبیُّ الأعظم صلی الله علیه وآله وسلم ، وما ناء به هو من المخاریق والمخزیات ، ومن واجب الخلیفة تقدیم الصلحاء من المؤمنین وإکبارهم شکراً لأعمالهم لا الاحتفال بأهل المجانة والخلاعة کمروان الذی یجب الإنکار والتقطیب تجاه عمله الشائن ، وقد جاء عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «من رأی منکراً فاستطاع أن یغیّره بیده فلیغیّره بیده ، فإن لم یستطع فبلسانه ، فإن لم یستطع بلسانه فبقلبه ، وذلک أضعف الإیمان» (2) ، وقال مولانا أمیر المؤمنین علیه السلام : «أدنی الإنکار أن تلقی أهل المعاصی بوجوه مکفهرّة».

وهب أنّ الخلیفة تأوّل وأخطأ لکنّه ما هذا التبسّط إلیه بکلّه؟ وتقریبه وهو ممّن یجب إقصاؤه ، وإیواؤه وهو ممّن یستحقُّ الطرد ، وتأمینه وهو أهل بأن یُتّهم ، ومنحه أجزل المنح من مال المسلمین ومن الواجب منعه ، وتسلیطه علی أعطیات المسلمین ومن المحتّم قطع یده عنها؟

أنا لا أعرف شیئاً من معاذیر الخلیفة فی هذه المسائل - لعلّ لها عذراً وأنت تلومها - لکنّ المسلمین فی یومه ما عذروه وهم الواقفون علی الأمر من کَثب ، والمستشفّون للحقائق الممعنون فیها ، وکیف یعذره المسلمون ونصب أعینهم قوله عزّ من قائل : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَیْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِی الْقُرْبی ف)

ص: 376


1- کما ذکره أبو عمر فی الاستیعاب [القسم الثالث / 1387 رقم 2370] ، وابن الأثیر فی أُسد الغابة : 4 / 348 [5 / 144 - 145 رقم 4841]. (المؤلف)
2- مرّ الحدیث فی : ص 165. (المؤلف)

وَالْیَتامی وَالْمَساکِینِ وَابْنِ السَّبِیلِ إِنْ کُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ) (1)؟

ألیس إعطاء الخمس لمروان اللعین خروجاً عن حکم القرآن؟ ألیس عثمان هو الذی فاوض بنفسه ومعه جبیر بن مطعم رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أن یجعل لقومه نصیباً من الخمس فلم یجعل ونصّ علی أنّ بنی عبد شمس وبنی نوفل لا نصیب لهم منه؟

قال جبیر بن مطعم : لمّا قسم رسول الله سهم ذی القربی بین بنی هاشم وبنی المطّلب (2) أتیته أنا وعثمان فقلت : یا رسول الله هؤلاء بنو هاشم لا یُنکر فضلهم لمکانک الذی وضعک الله به منهم ، أرأیت بنی المطّلب أعطیتهم ومنعتنا؟ وإنّما نحن وهم منک بمنزلة واحدة. فقال : «إنّهم لم یفارقونی - أو : لم یفارقونا - فی جاهلیّة ولا إسلام وإنّما هم بنو هاشم وبنو المطّلب شیء واحد» وشبک بین أصابعه ، ولم یقسم رسول الله لبنی عبد شمس ولا لبنی نوفل من ذلک الخمس شیئاً کما قسم لبنی هاشم وبنی المطّلب (3).

ومن العزیز علی الله ورسوله أن یُعطی سهم ذوی قربی الرسول صلی الله علیه وآله وسلم لطریده ولعینه ، وقد منعه النبیُّ صلی الله علیه وآله وسلم وقومه من الخمس ، فما عذر الخلیفة فی تزحزحه عن حکم الکتاب والسنّة ، وتفضیل رحمه أبناء الشجرة الملعونة فی القرآن علی قربی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم الذین أوجب الله مودّتهم فی الذکر الحکیم؟ أنا لا أدری. والله من ورائهم حسیب. ف)

ص: 377


1- الأنفال : 41.
2- المطّلب أخو هاشم لأبٍ وأمٍّ ، وأمّهما عاتکة بنت مرّة. (المؤلف)
3- صحیح البخاری : 5 / 28 [3 / 1143 ح 2971] ، الأموال : ص 331 [ص 415 ح 843 ، 844] ، سنن البیهقی : 6 / 340 ، 342 ، سنن أبی داود : 2 / 31 [3 / 145 - 146 ح 2978 - 2980 ،] ، مسند أحمد : 4 / 81 [5 / 36 ح 16299] ، المحلّی : 7 / 328 [المسألة 949]. (المؤلف)

- 33 -

إقطاع الخلیفة وعطیّته الحارث

أعطی الحارث بن الحکم بن أبی العاص - أخا مروان وصهر الخلیفة من ابنته عائشة - ثلاثمائة ألف درهم کما فی أنساب البلاذری (5 / 52) ، وقال فی (ص 28) : قدمت إبل الصدقة علی عثمان فوهبها للحارث بن الحکم.

وقال ابن قتیبة فی المعارف (1) (ص 84) ، وابن عبد ربّه فی العقد الفرید (2) (2 / 261) ، وابن أبی الحدید فی شرحه (3) (1 / 67) ، والراغب فی المحاضرات (4) (2 / 212) : تصدّق رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بموضع سوق بالمدینة یعرف بمهزون (5) علی المسلمین فأقطعه عثمان الحارث بن الحکم.

وقال الحلبی فی السیرة (6) (2 / 87) : أعطی الحارث عشر ما یباع فی السوق ، أی سوق المدینة.

قال الأمینی : لقد اصطنع الخلیفة لهذا الرجل ثلاثاً لا أظنّه یخرج من عهدة النقد علیها :

1 - إعطاءه ثلاثمائة ألف ولم یکن من حرّ ماله. 8.

ص: 378


1- المعارف : ص 195.
2- العقد الفرید : 4 / 103.
3- شرح نهج البلاغة : 1 / 198 خطبة 3.
4- محاضرات الأدباء : مج 2 / ح 4 ص 476.
5- فی المعارف : مهزوز. وفی شرح ابن أبی الحدید : تهروز. وفی محاضرات الراغب : مهزور. [فی طبعتی المعارف وشرح النهج المعتمدتین لدینا : مهزور] (المؤلف)
6- السیرة الحلبیة : 2 / 78.

2 - هبته إبل الصدقة إیّاه وحده.

3 - إقطاعه إیّاه ما تصدّق به رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم علی عامّة المسلمین.

أنا لا أدری بما ذا استحقّ الرجل هذه الأعطیات الجزیلة؟ وکیف خصّ به ما تصدّق به رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم علی کافّة أهل الإسلام ، وحرمه الباقون؟ ولو کان الخلیفة موفّراً علیه بهذه الکمّیة من مال أبیه لاستکثر ذلک نظراً إلی حاجة المسلمین وجیوشهم ومرابطیهم ، فکیف به وقد وهبه ما لا یملک من مال المسلمین ومن الأوقاف والصدقات؟ وما کان الرجل یعرف بشیء من الأعمال البارّة والمساعی المشکورة فی سبیل الدعوة الإلهیّة وخدمة المجتمع الدینی حتی یحتمل فیه استحقاق زیادة فی عطائه ، وهب أنّا نجّزنا ذلک الاستحقاق لکنّه لا یعدو أن یکون مخرج الزیادة ممّا یسوغ للخلیفة التصرّف فیه ، لا ممّا لا یجوز تبدیله من إقطاع ما تصدّق به النبی صلی الله علیه وآله وسلم وجعله وقفاً عامّا علی المسلمین لا یخصُّ به واحد دون آخر ، (بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَی الَّذِینَ یُبَدِّلُونَهُ) (1).

فلم یبق مبرّر لتلکم الصنائع أو الفجائع إلاّ الصهر بینه وبین الخلیفة والنسب لأنّه ابن عمّه. ولک حقّ النظر فی صنیع کلّ من الخلیفتین : 1 - عثمان ؛ وقد علمت ما ارتکبه هاهنا وفی غیره. 2 - مولانا علیّ علیه السلام ؛ یوم جاءه عقیل یستمیحه صاعاً من البُرّ للتوسیع له ولعیاله ممّا قدّر له فی العطاء ، فأدّی علیه السلام ما هو حقُّ الأُخوّة والتربیة ، ولا سیّما فی مثل عقیل من الأشراف والأعاظم الذین یجب فیهم التهذیب أکثر من غیرهم ، فأدنی إلیه الحدیدة المحماة فتأوّه فقال علیه السلام : «تجزع من هذه وتعرّضنی لنار جهنّم؟» (2).

وفی روایة ابن الأثیر فی أُسد الغابة (3) (3 / 423) من طریق سعد : أنّ عقیل بن 6.

ص: 379


1- البقرة : 181.
2- الصواعق لابن حجر : ص 79 [ص 132]. (المؤلف)
3- أُسد الغابة : 4 / 65 رقم 3726.

أبی طالب لزمه دین فقدم علی علیّ بن أبی طالب الکوفة فأنزله وأمر ابنه الحسن فکساه ، فلمّا أمسی دعا بعشائه فإذا خبز وملح وبقل ، فقال عقیل : ما هو إلاّ ما أری. قال : «لا» قال : فتقضی دینی؟ قال : «وکم دینک؟» قال : أربعون ألفاً. قال : «ما هی عندی ولکن اصبر حتی یخرج عطائی فإنّه أربعة آلاف فأدفعه إلیک». فقال له عقیل : بیوت المال بیدک وأنت تسوّفنی بعطائک؟ فقال : «أتأمرنی أن أدفع إلیک أموال المسلمین وقد ائتمنونی علیها؟» إقرأ (فَاحْکُمْ بَیْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوی).

- 34 -

حظوة سعید من عطیّة الخلیفة

أعطی سعید بن العاص بن سعید بن العاص بن أُمیّة مائة ألف درهم ، قال أبو مخنف والواقدی : أنکر الناس علی عثمان إعطاءه سعید بن العاص مائة ألف درهم ، فکلّمه علیّ والزبیر وطلحة وسعد وعبد الرحمن بن عوف فی ذلک ، فقال : إنّ له قرابةً ورحماً. قالوا : أفما کان لأبی بکر وعمر قرابة وذو رحم؟ فقال : إنّ أبا بکر وعمر کانا یحتسبان فی منع قرابتهما وأنا أحتسب فی إعطاء قرابتی ؛ فقالوا : فهدیهما والله أحبُّ إلینا من هدیک. فقال : لا حول ولا قوّة إلاّ بالله (1).

قال الأمینی : کان العاص أبو سعید من جیران رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم الذین کانوا یؤذونه ، وقتله مولانا أمیر المؤمنین علیه السلام یوم بدر مشرکاً (2).

وأما خَلْفه سعید فهو ذلک الشابُّ المترف کما فی روایة ابن سعد (3) ورد الکوفة ف)

ص: 380


1- أنساب البلاذری : 5 / 28. (المؤلف)
2- طبقات ابن سعد : 1 / 185 طبع مصر [1 / 201] ، أُسد الغابة : 2 / 310 [2 / 391 رقم 2082]. (المؤلف)
3- الطبقات : 5 / 21 طبع لیدن [5 / 32]. وننقل عنه کلّ ما یأتی فی سعید بن العاص ، وذکره ابن عساکر فی تاریخه : 6 / 135 [7 / 257 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 9 / 306]. (المؤلف)

من غیر سابقة والیاً من قبل عثمان بعد عزله الولید ولم یحمل أیّ حنکة ، فطفق یلهج من أوّل یومه بما یثیر العواطف ویجیش الأفئدة ، فنسبهم إلی الشقاق والخلاف وقال : إنّ هذا السواد بستان لأغیلمة من قریش.

ولقد أزری هذا الغلام بهاشم بن عتبة المرقال الصحابیّ العظیم صاحب رایة مولانا أمیر المؤمنین علیه السلام بصفّین ، العبد الصالح الذی فُقِئت إحدی عینیه فی سبیل الله یوم الیرموک ومات شهیداً فی الجیش العلوی.

قال ابن سعد (1) : قال سعید مرّة بالکوفة : من رأی الهلال منکم؟ وذلک فی فطر رمضان ، فقال القوم : ما رأیناه. فقال هاشم بن عتبة بن أبی وقّاص : أنا رأیته. فقال له سعید : بعینک هذه العوراء رأیته من بین القوم؟ فقال هاشم : تعیّرنی بعینی وإنّما فُقئت فی سبیل الله؟ وکانت عینه أصیبت یوم الیرموک ؛ ثمّ أصبح هاشم فی داره مفطراً وغدّی الناس عنده ، فبلغ ذلک سعیداً فأرسل إلیه فضربه وحرّق داره.

ما أجرأ ابن العاص علی هذا العظیم من عظماء الصحابة فیضربه ویحرّق داره لعمله بالسنّة الثابتة فی الأهلّة بقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «إذا رأیتم الهلال فصوموا ، وإذا رأیتموه فأفطروا» وفی لفظ : «صوموا لرؤیته ، وافطروا لرؤیته» (2)!

لم یکن یعلم هاشم المرقال بأنّ آراء الولاة وأهواءهم لها صولة وجولة فی رؤیة الهلال أیضاً ، وأنّ الشهادة بها قد تکون من الجرائم التی لا تُغفر ، وأنّ السیاسة الوقتیّة لها دخل فی شهادات الرجال ، وأنّ حملة النزعة العلویّة لا تقبل شهاداتهم. ف)

ص: 381


1- الطبقات الکبری : 5 / 32.
2- صحیح البخاری [2 / 674 ح 1810] ، صحیح مسلم [2 / 461 ح 19 کتاب الصیام] ، سنن أبی داود [2 / 297 ، 298 ح 2320 ، 2326] ، سنن الدارمی [2 / 3] ، سنن النسائی [2 / 69 - 71 ح 2426 - 2435] ، سنن ابن ماجة [1 / 529 ح 1654] ، سنن البیهقی [4 / 206]. (المؤلف)

قد شکاه إلی الخلیفة الکوفیّون مرّة فلم یعبأ بها ، فقال : کلّما رأی أحدکم من أمیره جفوة أرادنا أن نعزله ، فانکفأ سعید إلی الکوفة ، وأضرّ بأهلها إضراراً شدیداً (1) ونفی فی سنة (33) بأمر من خلیفته جمعاً من صلحاء الکوفة وقرّائها إلی الشام کما یأتی تفصیله. ولم یفتأ علی سیرته السیّئة إلی أن رحل من الکوفة إلی عثمان مرّة ثانیة سنة (34) والتقی هناک بالفئة الشاکیة إلی عثمان وهم :

الأشتر بن الحارث ، یزید بن مکفّف ، ثابت بن قیس ، کمیل بن زیاد ، زید بن صوحان ، صعصعة بن صوحان ، الحارث الأعور ، جندب بن زهیر ، أبو زینب الأزدی أصغر بن قیس الحارثی.

وهم یسألون الخلیفة عزل سعید ، فأبی وأمره أن یرجع إلی عمله ، وقفل القوم قبله إلی الکوفة واحتلّوها ودخلها من ورائهم ، ورکب الأشتر مالک بن الحارث فی جیش یمنعه من الدخول فمنعوه حتی ردّوه إلی عثمان ، فجری هنالک ما جری ، ویأتی نبأه بعد حین إن شاء الله تعالی.

لقد أراد الخلیفة أن یصل رحمه من هذا الشابّ المجرم بإعطاء تلک الکمّیة الزائدة علی حدّه وحقّه من بیت المال ، إن کان له ثمّة نصیب ، ولو کان هذا العطاء حقّا لَما نقده علیه أعاظم الصحابة وفی طلیعتهم مولانا أمیر المؤمنین سلام الله علیه.

وأمّا ما تترّس به من المعذرة من الاحتساب بصلة الرحم کما احتسب مَن قبله بمنع رحمهم عن الزیادة فی أعطیاتهم من بیت المال فتافه ، لأنّ الصلة إنّما تستحسن من الإنسان إن کان الإنفاق من خالص ماله لا المال المشترک بین آحاد المسلمین ؛ ومن وهب مالا یملکه لا یُعَدُّ أمیناً علی أرباب المال ، فهو إلی الوزر أقرب منه إلی الأجر. ف)

ص: 382


1- أنساب البلاذری : 5 [ص 39 - 45]. (المؤلف)

- 35 -

هبة الخلیفة للولید من مال المسلمین

أعطی الولید بن عقبة بن أبی معیط بن أبی عمرو بن أُمیّة أخا الخلیفة من أُمّه ما استقرض عبد الله بن مسعود من بیت مال المسلمین ووهبه له. قال البلاذری فی الأنساب (5 / 30) : لمّا قدم الولید الکوفة ألفی ابن مسعود علی بیت المال فاستقرضه مالاً وقد کانت الولاة تفعل ذلک ثمّ تردُّ ما تأخذ ، فأقرضه عبد الله ما سأله ، ثمّ إنّه اقتضاه إیّاه ، فکتب الولید فی ذلک إلی عثمان ، فکتب عثمان إلی عبد الله بن مسعود : إنّما أنت خازن لنا فلا تعرض للولید فیما أخذ من المال. فطرح ابن مسعود المفاتیح وقال : کنت أظنُّ أنّی خازن للمسلمین ، فأمّا إذا کنت خازناً لکم فلا حاجة لی فی ذلک ، وأقام بالکوفة بعد إلقائه مفاتیح بیت المال.

وعن عبد الله بن سنان قال : خرج علینا ابن مسعود ونحن فی المسجد وکان علی بیت مال الکوفة ، وفی الکوفة الولید بن عقبة بن أبی معیط فقال : یا أهل الکوفة فقدت من بیت مالکم اللیلة مائة ألف لم یأتنی بها کتاب أمیر المؤمنین ولم یکتب لی بها براءة. قال : فکتب الولید بن عقبة إلی عثمان فی ذلک فنزعه عن بیت المال. العقد الفرید (1) (2 / 272).

الولید ومن ولده :

أمّا أبوه عقبة بن أبی معیط فکان أشدّ الناس علی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی إیذائه من جیرانه ، أخرج ابن سعد بالإسناد من طریق هشام بن عروة عن أبیه عن عائشة قالت : قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «کنت بین شرّ جارین بین أبی لهب وعقبة بن 9.

ص: 383


1- العقد الفرید : 4 / 119.

أبی معیط ، إن کانا لیأتیان بالفروث فیطرحانها علی بابی ، حتی إنّهم لیأتون ببعض ما یطرحون من الأذی فیطرحونه علی بابی» (1).

وقال ابن سعد فی الطبقات (2) (1 / 185) : کان أهل العداوة والمناواة لرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وأصحابه الذین یطلبون الخصومة والجدل أبو جهل ، أبو لهب ، إلی أن عدّ عقبة بن أبی معیط ، والحکم بن أبی العاص فقال : وذلک أنّهم کانوا جیرانه ، والذی کان تنتهی عداوة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إلیهم : أبو جهل ، وأبو لهب ، وعقبة بن أبی معیط.

وقال ابن هشام فی سیرته (3) (2 / 25) : کان النفر الذین یؤذون رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی بیته أبو لهب ، والحکم بن أبی العاص بن أُمیّة ، وعقبة بن أبی معیط.

وقال (4) فی (1 / 385) : کان أُبیّ بن خلف وعقبة بن أبی معیط متصافیین حَسَناً ما بینهما ، فکان عقبة قد جلس إلی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وسمع منه فبلغ ذلک أُبیّا فأتی عقبة فقال له : ألم یبلغنی أنّک جالست محمداً وسمعت منه؟ ثمّ قال : وجهی من وجهک حرام أن أکلّمک ، واستغلظ له من الیمین إن أنت جلست إلیه أو سمعت منه أو لم تأته فتتفل فی وجهه. ففعل ذلک عدوّ الله عقبة بن أبی معیط لعنه الله ، فأنزل الله تعالی فیهما : (وَیَوْمَ یَعَضُّ الظَّالِمُ عَلی یَدَیْهِ یَقُولُ یا لَیْتَنِی اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِیلاً یا وَیْلَتی لَیْتَنِی لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِیلاً* لَقَدْ أَضَلَّنِی عَنِ الذِّکْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِی وَکانَ الشَّیْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولاً) (5) وأخرج ابن مردویه وأبو نعیم فی الدلائل بإسنادٍ صححهُ السیوطی 9.

ص: 384


1- طبقات ابن سعد : 1 / 186 طبع مصر [1 / 201]. (المؤلف)
2- طبقات ابن سعد : 1 / 200 - 201.
3- السیرة النبویة : 2 / 57.
4- السیرة النبویة : 1 / 387.
5- الفرقان : 27 - 29.

من طریق (1) سعید بن جبیر عن ابن عبّاس : أنّ عقبة (2) بن أبی معیط کان یجلس مع النبیّ بمکة لا یؤذیه ، وکان له خلیل (3) غائب عنه بالشام ، فقالت قریش : صبا عقبة. وقدم خلیله من الشام لیلاً فقال لامرأته : ما فعل محمد ممّا کان علیه؟ فقالت : أشدّ مما کان أمراً. فقال : ما فعل خلیلی عقبة؟ فقالت : صبا. فبات بلیلة سوء. فلمّا أصبح أتاه عقبة فحیّاه فلم یردّ علیه التحیة ، فقال : ما لک لا تردّ علیّ تحیّتی؟ فقال : کیف أردُّ علیک تحیّتک وقد صبوت؟ قال : أوَ قد فعلتها قریش؟ قال : نعم ، قال : فما یبرئ صدورهم إن أنا فعلته؟ قال : تأتیه فی مجلسه فتبزق فی وجهه وتشتمه بأخبث ما تعلم من الشتم ، ففعل ، فلم یردّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم علی أن مسح وجهه من البزاق ثمّ التفت إلیه فقال : «إن وجدتک خارجاً من جبال مکة أضرب عنقک صبراً».

فلمّا کان یوم بدر وخرج أصحابه أبی أن یخرج ، فقال له أصحابه : أخرج معنا ، قال : وعدنی هذا الرجل إن وجدنی خارجاً من جبال مکة أن یضرب عنقی صبراً ، فقالوا : لک جمل أحمر لا یدرک فلو کانت الهزیمة طرت علیه. فخرج معهم ، فلمّا هزم الله المشرکین وحمل (4) به جمله فی جدود من الأرض فأخذه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أسیراً فی سبعین من قریش وقدّم إلیه عقبة فقال : أتقتلنی من بین هؤلاء؟ قال : «نعم ، بما بزقت فی وجهی». وفی لفظ الطبری : «بکفرک وفجورک وعتوّک علی الله ورسوله». فأمر علیّا فضرب عنقه فأنزل الله فیه : (وَیَوْمَ یَعَضُّ الظَّالِمُ عَلی یَدَیْهِ). إلی قوله تعالی : (وَکانَ الشَّیْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولاً). ض.

ص: 385


1- دلائل النبوّة : 2 / 606 - 607 خ 401.
2- وقع فی الدرّ المنثور [6 / 250] الاشتباه فی اسم الرجل فجعله أبا معیط ، وتبعه علی علاّته من حکاه عنه کالشوکانی [فی تفسیره : 4 / 74] وغیره. (المؤلف)
3- هو أُبیّ بن خلف کما سمعت ، وفی غیر واحد من المصادر : أُمیّة بن خلف : (المؤلف)
4- فی الدر المنثور : وَحَلَ به جملُهُ فی جدد من الأرض.

وقال الضحّاک : لمّا بزق عقبة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم رجع بزاقه علی وجهه لعنه الله تعالی ، ولم یصل حیث أراد فأحرق خدّیه وبقی أثر ذلک فیهما حتی ذهب إلی النار.

وفی لفظ : کان عقبة یکثر مجالسة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، واتّخذ ضیافة فدعا إلیها رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فأبی أن یأکل من طعامه حتی ینطق بالشهادتین ففعل ، وکان أُبیُّ بن خلف صدیقه فعاتبه وقال : صبأت یا عقبة ، قال : لا ولکن آلی أن لا یأکل من طعامی وهو فی بیتی فاستحییت منه فشهدت له ، والشهادة لیست فی نفسی ، فقال : وجهی من وجهک حرام إن لقیت محمداً فلم تطأ قفاه وتبزق وجهه وتلطم عینه. فوجده ساجداً فی دار الندوة ففعل ذلک ، فقال النبیُّ صلی الله علیه وآله وسلم : «لا ألقاک خارجاً من مکة إلاّ علوت رأسک بالسیف» الحدیث.

وقال الطبری فی تفسیره : قال بعضهم عنی بالظالم عقبة بن أبی معیط لأنّه ارتدّ بعد إسلامه طلباً منه لرضا أُبیّ بن خلف وقالوا : فلان هو أُبیّ.

وروی عن ابن عبّاس أنّه قال : کان أُبیّ بن خلف یحضر النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فزجره عقبة بن أبی معیط فنزل (وَیَوْمَ یَعَضُّ الظَّالِمُ عَلی یَدَیْهِ) إلی آخره. قال : الظالم : عقبة وفلان : أُبیّ. وروی مثله عن الشعبی وقتادة وعثمان ومجاهد.

أخرج نزول الآیات الکریمة (وَیَوْمَ یَعَضُّ الظَّالِمُ) إلی قوله : (خَذُولاً). فی عقبة ، وأنّ الظالم هو : ابن مردویه ، وأبو نعیم فی الدلائل (1) ، وابن المنذر ، وعبد الرزاق فی المصنّف (2) ، وابن أبی شیبة ، وابن أبی حاتم ، والفریابی ، وعبد بن حمید ، وسعید بن منصور ، وابن جریر. 1.

ص: 386


1- دلائل النبوة : 2 / 606 ح 401.
2- المصنّف : 5 / 357 ح 9731.

راجع (1) : تفسیر الطبری (19 / 6) ، تفسیر البیضاوی (2 / 161) ، تفسیر القرطبی (13 / 25) ، تفسیر الزمخشری (2 / 326) ، تفسیر ابن کثیر (3 / 317) ، تفسیر النیسابوری هامش الطبری (19 / 10) ، تفسیر الرازی (6 / 369 ، تفسیر ابن جزی الکلبی (3 / 77) ، إمتاع المقریزی (ص 61 ، 90) ، الدرّ المنثور للسیوطی (5 / 68) ، تفسیر الخازن (3 / 365) ، تفسیر النسفی هامش الخازن (3 / 365) ، تفسیر الشوکانی (4 / 72) ، تفسیر الآلوسی (19 / 11).

هذا الوالد ، وما أدراک ما ولد؟ :

أمّا الولید الفاسق بلسان الوحی المبین ، الزانی ، الفاجر ، السکّیر ، المدمن للخمر المتهتّک فی أحکام الدین وتعالیمه ، المهتوک بالجلد علی رءوس الأشهاد ، فسل عنه قوله تعالی : (إِنْ جاءَکُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَیَّنُوا) (2) فإنّ من المجمع علیه بین أهل العلم بتأویل القرآن نزوله فیه. کما مرّ فی (ص 124).

وسل عنه قوله تعالی : (أَفَمَنْ کانَ مُؤْمِناً کَمَنْ کانَ فاسِقاً لا یَسْتَوُونَ) (3) وهذه الآیة کسابقتها تومی بالفاسق إلیه کما أسلفناه فی الجزء الثانی (ص 42 ، 43 ، الطبعة الأولی و 46 ، 47 الطبعة الثانیة).

وسل عن محراب جامع الکوفة یوم قاء فیه من السکر وصلّی الصبح أربعاً وأنشد فیها رافعاً صوته :

علِقَ القلبُ الربابا

بعد ما شابت وشابا8.

ص: 387


1- جامع البیان : مج 11 / ج 19 / 7 - 8 ، تفسیر البیضاوی : 2 / 139 - 140 ، الجامع لأحکام القرآن : 13 / 19 ، الکشّاف : 3 / 276 ، تفسیر غرائب القرآن : 5 / 234 ، التفسیر الکبیر : 24 / 75 ، الدرّ المنثور : 6 / 250 - 253 ، تفسیر الخازن : 3 / 347 ، تفسیر النسفی : 3 / 164 ، فتح القدیر : 4 / 74.
2- الحجرات : 6.
3- السجدة : 18.

وقال : هل أزیدکم؟ فضربه ابن مسعود بفردة خفّه ، وأخذه الحصباء من المصلّین ، ففرّ عنهم حتی دخل داره والحصباء من ورائهِ ، کما فصّلناه فی هذا الجزء (ص 120 - 124).

وسل عنه سوط عبد الله بن جعفر لمّا جلده حدّ الشارب بأمر مولانا أمیر المؤمنین ، وهو یسبّه بمشهد عثمان بعد ضوضاء من المسلمین علی تأخیر الحدّ ، کما مرّ (ص 125)

وسل عنه ابن عمّه سعید بن العاص لمّا غسل منبر جامع الکوفة ومحرابه تطهیراً من أقذار الفاسق حین ولاّه عثمان علی الکوفة بعد الولید.

وسل عنه الإمام السبط الحسن المجتبی یوم تکلّم علیه فی مجلس معاویة فقال علیه السلام : «وأمّا أنت یا ولید فو الله ما ألومک علی بغض علیّ وقد جلدک ثمانین فی الخمر وقتل أباک بین یدی رسول الله صبراً ، وأنت الذی سمّاه الله الفاسق ، وسمّی علیّا المؤمن حیث تفاخرتما فقلت له : اسکت یا علیّ فأنا أشجع منک جناناً ، وأطول منک لساناً ، فقال لک علی : اسکت یا ولید فأنا مؤمن ، وأنت فاسق. فأنزل الله تعالی فی موافقته قوله : (أَفَمَنْ کانَ مُؤْمِناً کَمَنْ کانَ فاسِقاً لا یَسْتَوُونَ). ثم أنزل فیک علی موافقة قوله أیضاً : (إِنْ جاءَکُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَیَّنُوا) ویحک یا ولید مهما نسیت فلا تنس قول الشاعر (1) فیک وفیه

أنزل اللهُ والکتاب عزیزٌ

فی علیٍّ وفی الولید قرانا

فتبوّأ الولید إذ ذاک فسقاً

وعلیٌّ مبوّأ إیمانا

لیس من کان مؤمناً عمرک الل

-ه کمن کان فاسقاً خوّانا

سوف یُدعی الولید بعد قلیلٍ

وعلیٌّ إلی الحساب عیاناف)

ص: 388


1- هو حسّان بن ثابت. راجع الجزء الثانی ص 42 الطبعة الأولی و 45 الطبعة الثانیة. (المؤلف)

فعلیٌّ یُجزی بذاک جناناً

وولیدٌ یُجزی بذاک هوانا

ربّ جدٍّ لعقبة بن أبان (1)

لابسٌ فی بلادنا تبّانا

وما أنت وقریش؟ إنّما أنت علج من أهل صفوریّة ، وأقسم بالله لأنت أکبر فی المیلاد وأسنّ ممّن تُدعی إلیه». شرح ابن أبی الحدید : (2 / 103) (2).

وإن شئت فسل الخلیفة عثمان عن تأهیله إیّاه للولایة علی صدقات بنی تغلب ثمّ للإمارة علی الکوفة ، وائتمانه علی أحکام الدین وأعراض المسلمین ، وتهذیب الناس ودعوتهم إلی الدین الحنیف ، وإسقاط ما علیه من الدین لبیت مال المسلمین وإبراء ذمّته عمّا علیه من مال الفقراء ، هل فی الشریعة الطاهرة تسلیط مثل الرجل علی ذلک کلّه؟ أنا لا أعرف لذلک جواباً ، ولعلّک تجد عند الخلیفة ما یبرّر عمله ، أو تجد عند ابن حجر بعد اعترافه بصحّة ما قلناه ، وأنّه جاء من طریق الثقات جواباً منحوتاً لا نعرف المحصّل منه.

قال فی تهذیب التهذیب (3) (11 / 144) : قد ثبتت صحبته وله ذنوب أمرها إلی الله تعالی والصواب السکوت. انتهی.

أمّا نحن فلا نری السکوت صواباً بعد أن لم یسکت عنه الذکر الحکیم وسمّاه فاسقاً فی موضعین ، (أَفَمَنْ کانَ مُؤْمِناً کَمَنْ کانَ فاسِقاً لا یَسْتَوُونَ) ، ومهما سکتنا عن أمر بینه وبین الله سبحانه فلیس من السائغ أن نسکت عن ترتیب آثار العدالة علیه والروایة عنه وهو فاسق فی القرآن ، متهتّک بالجرائم علی رءوس الأشهاد ، متعدٍّ حدود الله (وَمَنْ یَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَأُولئِکَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (4). 9.

ص: 389


1- أبان اسم أبی معیط جدّ الولید. (المؤلف)
2- شرح نهج البلاغة : 6 / 292 - 293 خطبة 83.
3- تهذیب التهذیب : 11 / 127.
4- البقرة : 229.

- 36 -

هبة الخلیفة لعبد الله من مال المسلمین

أعطی لعبد الله بن خالد بن أُسید بن أبی العیص بن أمیّة ثلاثمائة ألف درهم ولکلّ رجل من قومه ألف درهم. وفی العقد الفرید (1) (2 / 261) ، والمعارف لابن قتیبة (2) (ص 84) ، وفی شرح ابن أبی الحدید (3) (1 / 66) : أنّه أعطی عبد الله أربعمائة ألف درهم.

قال أبو مخنف : کان علی بیت مال عثمان عبد الله بن الأرقم ، فاستسلف عثمان من بیت المال مائة ألف درهم وکتب علیه بها عبد الله بن الأرقم ذکر حقّ للمسلمین وأشهد علیه علیّا وطلحة والزبیر وسعد بن أبی وقّاص وعبد الله بن عمر ، فلمّا حلّ الأجل ردّه عثمان ، ثمّ قدم علیه عبد الله بن خالد بن أُسید من مکة وناس معه غزاة فأمر لعبد الله بثلاثمائة ألف درهم ولکلّ رجل من القوم بمائة ألف درهم ، وصکّ بذلک إلی ابن أرقم فاستکثره وردّ الصکّ له. ویقال : إنّه سأل عثمان أن یکتب علیه به ذکر حقّ فأبی ذلک ، فامتنع ابن الأرقم من أن یدفع المال إلی القوم ، فقال له عثمان : إنّما أنت خازن لنا فما حَمَلک علی ما فعلت؟ فقال ابن الأرقم : کنت أرانی خازناً للمسلمین وإنّما خازنک غلامک ، والله لا ألی لک بیت المال أبداً. وجاء بالمفاتیح فعلّقها علی المنبر ، ویقال : بل ألقاها إلی عثمان فدفعها عثمان إلی ناتل مولاه ، ثمّ ولّی زید بن ثابت الأنصاری بیت المال وأعطاه المفاتیح. ویقال : إنّه ولّی بیت المال معیقیب بن أبی فاطمة ، وبعث إلی عبد الله بن الأرقم ثلاثمائة ألف درهم فلم یقبلها. أنساب البلاذری (5 / 58). 3.

ص: 390


1- العقد الفرید : 4 / 103.
2- المعارف : ص 195.
3- شرح نهج البلاغة : 1 / 198 خطبة 3.

وذکر أبو عمر فی الاستیعاب (1) وابن حجر فی الإصابة (2) حدیث عبد الله بن أرقم فی ترجمته وردّه ما بعث إلیه عثمان من ثلاثمائة ألف. وفی روایة الواقدی : قال عبد الله : مالی إلیه حاجة وما عملت لأن یثیبنی عثمان ، والله لئن کان هذا من مال المسلمین ما بلغ قدر عملی أن أُعطی ثلاثمائة ألف درهم ، ولئن کان من مال عثمان ما أُحبّ أن آخذ من ماله شیئاً.

وقال الیعقوبی فی تاریخه (3) (2 / 145) : زوّج عثمان ابنته من عبد الله بن خالد بن أُسید وأمر له بستمائة ألف درهم ، وکتب إلی عبد الله بن عامر أن یدفعها إلیه من بیت مال البصرة.

قال الأمینی : أنا لا أدری هل قرّرت الشریعة لبیت مال المسلمین حساباً وعدداً؟ أو أنّها أمرت أن یُکال ویوزن لأیّ أحد بغیر حساب؟ إذن فمن ذا الذی أمرته بالقسمة علی السویّة ، والعدل فی الرعیّة؟ لقد بلغ الفوضی فی الأموال علی عهد هذا الخلیفة حدّا لم یسطع معه أمناؤه علی بیت المال أن یستمرّوا علی عملهم ، فکانوا یلقون مفاتیحه إلیه لما کانوا یجدونه من عدم تمکّنهم من الجری علی النوامیس المطّردة فی الأموال الثابتة فی السنّة الشریفة ، ولا علی ما مضی الأوّلان علیه من الحصول علی مرضاة العامّة فی تقسیمها ، فرأوا التنصّل من هذه الوظیفة أهون علیهم من تحمّل تبعاتها الوبیلة ، وقد ناقشوا الحساب فلم یجدوا لعبد الله بن خالد أیّ جدارة للتخصّص بهذه الکمّیات ، فهو لو عُدّ فی عداد غیرهم لم یحظ بغیر عطائه زنة أعطیات المسلمین ، لکن صهر الخلافة والاتّصال بالنسب الأمویّ لعلّهما یبرّران ما هو فوق الناموس المالیّ المطّرد فی الشریعة! 8.

ص: 391


1- الاستیعاب : القسم الثالث / 866 رقم 1469.
2- الإصابة : 2 / 274 رقم 4525.
3- تاریخ الیعقوبی : 2 / 168.

- 37 -

عطیّة الخلیفة أبا سفیان

أعطی أبا سفیان بن حرب مائتی ألف من بیت المال فی الیوم الذی أمر فیه لمروان بن الحکم بمائة ألف من بیت المال قاله ابن أبی الحدید فی الشرح (1) (1 / 67).

قال الأمینی : لا أری لأبی سفیان المستحقّ للمنع عن کلّ خیر أیّ موجب لذلک العطاء الجزل من بیت مال المسلمین ، وهو - کما فی الاستیعاب لأبی عمر عن طائفة - کان کهفاً للمنافقین منذ أسلم وکان فی الجاهلیّة ینسب إلی الزندقة. قال الزبیر یوم الیرموک لمّا حدّثه ابنه أنّ أبا سفیان کان یقول : إیه بنی الأصفر : قاتله الله یأبی إلاّ نفاقاً أوَلسنا خیراً له من بنی الأصفر؟ وقال له علیّ علیه السلام : «ما زلت عدوّا للإسلام وأهله». ومن طریق ابن المبارک عن الحسن : أنّ أبا سفیان دخل علی عثمان حین صارت الخلافة إلیه فقال : صارت إلیک بعد تیم وعدی فأدرها کالکرة ، واجعل أوتادها بنی أُمیّة ، فإنّما هو الملک ولا أدری ما جنّة ولا نار. فصاح به عثمان : قم عنّی فعل الله بک وفعل. الاستیعاب (2) (2 / 690).

وفی تاریخ الطبری (3) (11 / 357) : یا بنی عبد مناف تلقّفوها تلقّف الکرة ، فما هناک جنّة ولا نار.

وفی لفظ المسعودی : یا بنی أُمیّة تلقّفوها تلقّف الکرة ، فوالذی یحلف به أبو سفیان ما زلت أرجوها لکم ولتصیرنّ إلی صبیانکم وراثة. مروج الذهب (4) (1 / 440). 0.

ص: 392


1- شرح نهج البلاغة : 1 / 199 خطبة 3.
2- الاستیعاب : القسم الرابع / 1678 - 1679 رقم 3005.
3- تاریخ الأُمم الملوک : 10 / 58 حوادث سنة 284 ه.
4- مروج الذهب : 2 / 360.

وأخرج ابن عساکر فی تاریخه (1) (6 / 407) عن أنس : أنّ أبا سفیان دخل علی عثمان بعد ما عمی فقال : هل هنا أحد (2)؟ فقالوا : لا. فقال : اللهمّ اجعل الأمر أمر جاهلیّة ، والملک ملک غاصبیّة ، واجعل أوتاد الأرض لبنی أُمیّة.

وقال ابن حجر : کان رأس المشرکین یوم أُحد ویوم الأحزاب ، وقال ابن سعد فی إسلامه : لمّا رأی الناس یطئون عقب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم حسده ، فقال فی نفسه : لو عاودت الجمع لهذا الرجل. فضرب رسول الله فی صدره ثمّ قال : «إذاً یخزیک الله» وفی روایة : قال فی نفسه : ما أدری لِمَ (3) یغلبنا محمد؟ فضرب فی ظهره وقال : «بالله یغلبک». الإصابة (2 / 179).

وإن سألت مولانا أمیر المؤمنین عن الرجل فعلی الخبیر سقطت ، قال فی حدیث له : «معاویة طلیق ابن طلیق ، حزب من هذه الأحزاب ، لم یزل لله عزّ وجلّ ولرسوله صلی الله علیه وآله وسلم وللمسلمین عدوّا هو وأبوه حتی دخلا فی الإسلام کارهین» (4).

وحسبک ما فی کتاب له إلی معاویة بن أبی سفیان من قوله : «یا ابن صخر یا ابن اللعین» (5) ولعلّه علیه السلام یوعز بقوله هذا إلی ما رویناه من أنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لعنه وابنیه معاویة ویزید لمّا رآه راکباً وأحد الولدین یقود والآخر یسوق فقال : «اللهمّ العن الراکب والقائد والسائق» (6). ف)

ص: 393


1- تاریخ مدینة دمشق : 23 / 471 رقم 2849 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 11 / 67.
2- فی المصدر : هاهنا أحد؟
3- فی الإصابة : بِمَ ..
4- تاریخ الطبری 6 / 4 [5 / 8 حوادث سنة 37 ه]. (المؤلف)
5- شرح ابن أبی الحدید : 3 / 411 و 4 / 51 [15 / 82 کتاب 10 و 16 / 135 کتاب 32] (المؤلف)
6- راجع ما أسلفناه فی الجزء الثالث : صفحة 222 الطبعة الأولی ، و 252 الطبعة الثانیة [أنظر تاریخ الأُمم والملوک : 10 / 58 سنة 284 ه]. (المؤلف)

وذکر ابن أبی الحدید فی الشرح (1) (4 / 220) من کتاب للإمام علیه السلام کتبه إلی معاویة قوله : فلقد سلکت طرائق أبی سفیان أبیک وعتبة جدّک وأمثالهما من أهلک ذوی الکفر والشقاق والأباطیل (2).

ویعرّفک أبا سفیان قول أبی ذر لمعاویة - لمّا قال له : یا عدوّ الله وعدوّ رسوله - : ما أنا بعدوّ لله ولا لرسوله بل أنت وأبوک عدوّان لله ولرسوله ، أظهرتما الإسلام وأبطنتما الکفر. إلی آخر ما یأتی فی البحث عن مواقف أبی ذر مع عثمان.

هذا حال الرجل یوم کفره وإسلامه ولم یغیّر ما هو علیه حتی لفظ نفسه الأخیر ، فهل له فی أموال المسلمین قطمیر أو نقیر (3) فضلاً عن الآلاف؟ لو لا أنّ النسب الأمویّ برّر للخلیفة أن یخصّه بمنائحه الجمّة من مال الناس ، وافق السنّة أم خالفها.

- 38 -

عطاء الخلیفة من غنائم إفریقیة

أعطی عبد الله بن سعد بن أبی سرح أخاه من الرضاعة الخمس من غنائم إفریقیة فی غزوها الأوّل کما مرّ فی صفحة (259) وقال ابن کثیر : أعطاه خمس الخمس. وکان مائة ألف دینار علی ما ذکره أبو الفدا من تقدیر ذلک الخمس بخمسمائة ألف دینار. وکان حظُّ الفارس من تلک الغنیمة العظیمة ثلاثة آلاف [مثقال] ، ونصیب ر.

ص: 394


1- شرح نهج البلاغة : 18 / 23 الکتاب 65.
2- قوله علیه السلام لمعاویة هو : فلقد سلکت مدارج أسلافک بادعائک الأباطیل. وأما القول الذی ینقله العلاّمة قدس سره فهو لابن أبی الحدید فی شرحه لقول أمیر المؤمنین علیه السلام.
3- القطمیر : القشرة الدقیقة علی النواة بین النواة والتمر. النقیر : کنایة عن الشیء التافه. یقال : هو حقیر نقیر.

الراجل ألف [مثقال]. کما ذکره ابن الأثیر فی أُسد الغابة (1) (3 / 173) ، وابن کثیر فی تاریخه (2) (7 / 152).

وقال ابن أبی الحدید فی شرحه (3) (1 / 67) : أعطی عبد الله بن أبی سرح جمیع ما أفاء الله علیه من فتح إفریقیة بالمغرب ، وهی من طرابلس الغرب إلی طنجة ، من غیر أن یشرکه فیه أحد من المسلمین.

وقال البلاذری فی الأنساب (5 / 26): کان - عثمان - کثیراً ما یولّی من بنی أُمیّة من لم یکن له مع النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم صحبة ، فکان یجیء من أُمرائه ما ینکره أصحاب محمد صلی الله علیه وآله وسلم وکان یستعتب فیهم فلا یعزلهم ، فلمّا کان فی الستّ الأواخر استأثر ببنی عمّه فولاّهم وولّی عبد الله بن أبی سرح مصر ، فمکث علیها سنین فجاء أهل مصر یشکونه ویتظلّمون منه. إلی أن قال : فلمّا جاء أهل مصر یشکون ابن أبی سرح کتب إلیه کتاباً یتهدّده فیه ، فأبی أن ینزع عمّا نهاه عثمان عنه ، وضرب بعض من کان شکاه إلی عثمان من أهل مصر حتی قتله ، فخرج من أهل مصر سبع مائة إلی المدینة فنزلوا المسجد وشکوا ما صنع بهم ابن أبی سرح فی مواقیت الصلاة إلی أصحاب محمد ، فقام طلحة إلی عثمان فکلّمه بکلام شدید ، وأرسلت إلیه عائشة تسأله أن ینصفهم من عامله ، ودخل علیه علیُّ بن أبی طالب وکان متکلّم القوم ، فقال له : «إنّما یسألک القوم رجلاً مکان رجل وقد ادّعوا قِبَله دماً فاعزله عنهم واقض بینهم ، فإن وجب علیه حقّ فأنصفهم منه». فقال لهم : اختاروا رجلاً أُولّیه علیکم مکانه. فأشار الناس علیهم بمحمد بن أبی بکر الصدّیق ، فقالوا : استعمل علینا محمد بن أبی بکر ، فکتب عهده علی مصر ووجّه معهم عدّة من المهاجرین والأنصار ینظرون فیما بینهم وبین ابن 3.

ص: 395


1- أُسد الغابة : 3 / 260 رقم 2974. وما بین المعقوفین منه.
2- البدایة والنهایة : 7 / 170 حوادث سنة 27 ه.
3- شرح نهج البلاغة : 1 / 199 خطبة 3.

أبی سرح. وسیأتی تمام الخبر وکتاب عثمان إلی ابن أبی سرح یأمره بالتنکیل بالقوم.

قال الأمینی : ابن أبی سرح هذا هو الذی أسلم قبل الفتح وهاجر ثمّ ارتدّ مشرکاً وصار إلی قریش بمکة ، فقال لهم : إنّی أضرب محمداً حیث أُرید. فلمّا کان یوم الفتح أمر صلی الله علیه وآله وسلم بقتله وأباح دمه ولو وجد تحت أستار الکعبة ، ففرّ إلی عثمان فغیّبه حتی أتی به رسول الله بعد ما اطمأنّ أهل مکة فاستأمنه له ، فصمت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم طویلاً. ثمّ قال : «نعم» فلمّا انصرف عثمان قال صلی الله علیه وآله وسلم لمن حوله : «ما صمتُّ إلاّ لیقوم إلیه بعضکم فیضرب عنقه» وقال رجل من الأنصار : فهلاّ أومأت إلیّ یا رسول الله؟ فقال : «إنّ النبیّ لا ینبغی أن یکون له خائنة الأعین» (1).

ونزل القرآن بکفره فی قوله تعالی : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَری عَلَی اللهِ کَذِباً أَوْ قالَ أُوحِیَ إِلَیَّ وَلَمْ یُوحَ إِلَیْهِ شَیْءٌ وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللهُ) الآیة (2).

أطبق المفسّرون علی أنّ المراد بقوله : سأُنزل مثل ما أنزل الله هو عبد الله بن أبی سرح وسبب ذلک فیما ذکروه : أنّه لمّا نزلت الآیة التی فی المؤمنین (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِینٍ) (3). دعاه النبیُّ صلی الله علیه وآله وسلم فأملاها علیه ، فلمّا انتهی إلی قوله : (ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ) (4) عجب عبد الله فی تفصیل خلق الإنسان فقال : تَبارَکَ اللهُ أحسَنُ الخَالِقِین ، فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «هکذا أُنزلت علیّ» ، فشکّ عبد الله حینئذٍ وقال : لئن کان محمد صادقاً لقد أوحی إلیّ کما أُوحی إلیه ، وإن کان کاذباً لقد قلت کما 20

ص: 396


1- سنن أبی داود : 2 / 220 [4 / 128 ح 4359] ، أنساب البلاذری : 5 / 49 ، مستدرک الحاکم : 3 / 100 [3 / 107] ، الاستیعاب : 1 / 381 [القسم الثالث / 918 رقم 1553] ، تفسیر القرطبی : 7 / 40 [7 / 28] ، أُسد الغابة : 3 / 173 [3 / 259 رقم 2974] ، الإصابة : 2 / 317 [رقم 4711] ، تفسیر الشوکانی : 2 / 134 [2 / 141]. (المؤلف)
2- الأنعام : 93.
3- المؤمنون : 12.
4- 20

قال. فارتدّ عن الإسلام ولحق بالمشرکین فذلک قوله : (وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللهُ).

راجع (1) الأنساب للبلاذری (5 / 49) ، تفسیر القرطبی (7 / 40) ، تفسیر البیضاوی (1 / 391) ، کشّاف الزمخشری (1 / 461) ، تفسیر الرازی (4 / 96) ، تفسیر الخازن (2 / 37) ، تفسیر النسفی هامش الخازن (2 / 37) ، تفسیر الشوکانی (2 / 133 ، 135) نقلاً عن ابن أبی حاتم ، وعبد بن حمید ، وابن المنذر ، وابن جریج ، وابن جریر ، وأبی الشیخ.

کان الرجل أمویّ النزعة والنشأة ، أرضعته وعثمان ثدی الأشعریّة فقرّبته الأُخوّة من الرضاعة إلی الخلیفة ، وآثرته نزعاته الأمویّة علی المسلمین ، وأوصلته إلی الحظوة والثروة من حطام الدنیا ، وحلّلت له تلک المنحة الطائلة وإن لم تساعد الخلیفة علی ذلک النوامیس الدینیّة ، إذ لم یکن أمر الغنائم مفوّضاً إلیه وإنّما خمسها لله ولرسوله ولذی القربی ، وأدّی الرجل شکر تلکم الأیادی بامتناعه عن بیعة علیّ أمیر المؤمنین بعد قتل أخیه الخلیفة ، والله یعلم منقلبهم ومثواهم.

هذه سیرة عثمان وسنّته فی الأموال وفی لسانه قوله علی صهوة الخطابة : هذا مال الله أعطیه من شئت وأمنعه من شئت ، فأرغم الله أنف من رغم. ولا یصیخ إلی قوله عمّار یوم ذاک : أشهد الله أنّ أنفی أوّل راغم من ذلک.

وبین شفتیه قوله : لنأخذنّ حاجتنا من هذا الفیء وإن رغمت أُنوف أقوام. ولا یعبأ بقول مولانا أمیر المؤمنین فی ذلک الموقف : «إذاً تُمنع من ذلک ویُحال بینک وبینه» (2). ف)

ص: 397


1- الجامع لأحکام القرآن : 7 / 27 - 28 ، تفسیر البیضاوی : 1 / 311 - 312 ، الکشّاف : 2 / 45 - 46 ، التفسیر الکبیر : 13 / 84 ، تفسیر الخازن : 2 / 35 ، تفسیر النسفی : 3 / 116 ، فتح القدیر : 2 / 140 ، جامع البیان : مج 5 / ج 7 / 274.
2- سیوافیک تفصیل الحدیث فی الجزء التاسع إن شاء الله تعالی. (المؤلف)

نعم : هذا عثمان وهذا قیله ، والمشرّع الأعظم صلی الله علیه وآله وسلم یقول فیما أخرجه البخاری فی صحیحه (1) (5 / 15): «إنّما أنا قاسم وخازن والله یُعطی». ویقول : «ما أعطیکم ولا أمنعکم إنّما أنا قاسم حیث أُمرت». وفی لفظ : «والله ما أُوتیکم من شیء ولا أمنعکموه ، إن أنا إلاّ خازن أضع حیث أُمرت» (2). وقد حذّر صلی الله علیه وآله وسلم أُمّته من التصرّف فی مال الله بغیر حقّ بقوله : «إنّ رجالاً یتخوّضون فی مال الله بغیر حقّ فلهم النار یوم القیامة» (3).

(تِلْکَ حُدُودُ اللهِ فَلا تَقْرَبُوها) (وَمَنْ یَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَأُولئِکَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (4).

- 39 -

الکنوز المکتنزة ببرکة الخلیفة

اقتنی جماعة من رجال سیاسة الوقت ، وأصحاب الفتن والثورات من جرّاء الفوضی فی الأموال ضیاعاً عامرة ، ودوراً فخمة ، وقصوراً شاهقة ، وثروة طائلة ، ببرکة تلک السیرة الأمویّة فی الأموال ، الشاذّة عن الکتاب والسنّة الشریفة وسیرة السلف ، فجمعوا من مال المسلمین مالاً جمّا ، وأکلوه أکلا لمّا.

منهم ؛ الزبیر بن العوام : خلّف کما فی صحیح البخاری فی کتاب الجهاد باب برکة الغازی فی ماله (5) (5 / 21) : إحدی عشرة داراً بالمدینة ، ودارین بالبصرة ، وداراً بالکوفة ، وداراً بمصر ، وکان له أربع نسوة ، فأصاب کلّ امرأة بعد رفع الثلث ألف 1.

ص: 398


1- صحیح البخاری : 3 / 1133 باب 7.
2- صحیح البخاری : 5 / 17 [3 / 1134 ج 2949] ، سنن أبی داود : 2 / 25 [3 / 135 ح 2949] ، طرح التثریب : 7 / 160. (المؤلف)
3- صحیح البخاری : 5 / 17 [3 / 1138 ، 1139]. (المؤلف)
4- البقرة : 187 ، 229.
5- صحیح البخاری : 3 / 1138 ، 1139 ح 2961.

ألف ومائتا ألف. قال البخاری : فجمیع ماله خمسون ألف ألف ومائتا ألف. وقال ابن الهائم : بل الصواب أنّ جمیع ماله حسبما فرض : تسعة وخمسون ألف ألف وثمانمائة ألف (1) وصرّح ابن بطّال والقاضی عیاض وغیرهما : بأنّ الصواب ما قاله ابن الهائم ، وأنّ البخاری غلط فی الحساب.

کذا نجدها فی صحیح البخاری وغیره من المصادر غیر مقیّدة بالدرهم أو الدینار ، غیر أنّ فی تاریخ ابن کثیر (2) (7 / 249) قیّدها بالدرهم.

وقال ابن سعد فی الطبقات (3) (3 / 77) طبع لیدن : کان للزبیر بمصر خطط ، وبالإسکندریة خطط ، وبالکوفة خطط ، وبالبصرة دور ، وکانت له غلاّت تقدم علیه من أعراض المدینة.

وقال المسعودی فی المروج (4) (1 / 434) ، خلّف ألف فرس وألف عبد وألف أمة وخططاً.

ومنهم ؛ طلحة بن عبید الله التیمی : ابتنی داراً بالکوفة تُعرف بالکناس بدار الطلحتین ، وکانت غلّته من العراق کلّ یوم ألف دینار ، وقیل أکثر من ذلک وله بناحیة سراة (5) أکثر ممّا ذکر ، وشیّد داراً بالمدینة وبناها بالآجر والجصّ والساج.

وعن محمد بن إبراهیم قال : کان طلحة یغلُّ بالعراق ما بین أربعمائة ألف إلی خمسمائة ألف ، ویغلُّ بالسراة عشرة آلاف دینار أو أکثر أو أقلّ. ف)

ص: 399


1- ذکره شرّاح البخاری ، راجع فتح الباری [6 / 233] ، إرشاد الساری [7 / 50] ، عمدة القاری [15 / 53 ح 37] ، شذرات الذهب : 1 / 43 [1 / 208 حوادث سنة 36 ه]. (المؤلف)
2- البدایة والنهایة : 7 / 278 حوادث سنة 35 ه.
3- الطبقات الکبری : 3 / 110.
4- مروج الذهب : 2 / 350.
5- بین تهامة ونجد أدناها الطائف وأقصاها قرب صنعاء [معجم البلدان : 3 / 205]. (المؤلف)

وقال سفیان بن عیینة : کان غلّته کلّ یوم ألف وافٍ. والوافی وزنه وزن الدینار ، وعن موسی بن طلحة : أنّه ترک ألفی ألف درهم ومائتی ألف درهم ومائتی ألف دینار ، وکان ماله قد اغتیل.

وعن إبراهیم بن محمد بن طلحة قال : کان قیمة ما ترک طلحة من العقار والأموال وما ترک من الناضّ (1) ثلاثین ألف ألف درهم ؛ ترک من العین ألفی ألف ومائتی ألف درهم ومائتی ألف دینار والباقی عروض.

وعن سعدی أُمّ یحیی بن طلحة : قتل طلحة وفی ید خازنه ألفا ألف درهم ومائتا ألف درهم ، وقوّمت أُصوله وعقاره ثلاثین ألف ألف درهم.

وعن عمرو بن العاص : أنّ طلحة ترک مائة بُهار فی کلّ بُهار ثلاثة قناطیر ذهب. وسمعت أنّ البُهار (2) جلد ثور. وفی لفظ ابن عبد ربّه من حدیث الخشنی : وجدوا فی ترکته ثلاثمائة بُهار من ذهب وفضة.

وقال ابن الجوزی : خلّف طلحة ثلاثمائة جمل ذهباً.

وأخرج البلاذری من طریق موسی بن طلحة قال : أعطی عثمان طلحة فی خلافته مائتی ألف دینار.

راجع (3) طبقات ابن سعد (3 / 158) طبع لیدن ، الأنساب للبلاذری (5 / 7) ، مروج الذهب (1 / 434) ، العقد الفرید (2 / 279) ، الریاض النضرة (2 / 258) ، دول 5.

ص: 400


1- الناضّ : الدرهم والدینار. (المؤلف)
2- البُهار یساوی ثلاثمائة رطل. وقیل : هو ما یحمل علی البعیر بلغة أهل الشام. أنظر النهایة : 1 / 166.
3- الطبقات الکبری : 3 / 221 - 222 ، مروج الذهب : 2 / 350 ، العقد الفرید : 4 / 129 ، الریاض النضرة : 3 / 227 - 228 ، دول الإسلام : ص 22 ، 23 حوادث سنة 35 ه ، خلاصة الخزرجی : 2 / 12 رقم 3195.

الإسلام للذهبی (1 / 18) الخلاصة للخزرجی (ص 152).

وسیأتی عن عثمان قوله : ویلی علی ابن الحضرمیّة - یعنی طلحة - أعطیته کذا وکذا بُهاراً ذهباً ، وهو یروم دمی یحرّض علی نفسی.

ومنهم ؛ عبد الرحمن بن عوف الزهری : قال ابن سعد : ترک عبد الرحمن ألف بعیر ، وثلاثة آلاف شاة ، ومائة فرس ترعی بالبقیع ، وکان یزرع بالجرف علی عشرین ناضحاً.

وقال : وکان فیما خلّفه ذهب قُطّع بالفؤوس حتی مجلت (1) أیدی الرجال منه ، وترک أربع نسوة فأصاب کلّ امرأة ثمانون ألفاً. وعن صالح بن إبراهیم بن عبد الرحمن قال : صالحنا امرأة عبد الرحمن التی طلّقها فی مرضه من ربع الثمن بثلاثة وثمانین ألفاً.

وقال الیعقوبی : ورّثها عثمان فصولحت عن ربع الثمن علی مائة ألف دینار. وقیل : ثمانین ألف. وقال المسعودی : ابتنی داره ووسّعها وکان علی مربطه مائة فرس ، وله ألف بعیر ، وعشرة آلاف من الغنم ، وبلغ بعد وفاته ثمن ماله أربعة وثمانین ألفاً.

راجع (2) طبقات ابن سعد (3 / 96) طبع لیدن ، مروج الذهب (1 / 434) ، تاریخ الیعقوبی (2 / 146) ، صفة الصفوة لابن الجوزی (1 / 138) ، الریاض النضرة لمحِبّ الطبری (2 / 291).

ومنهم ؛ سعد بن أبی وقّاص ، قال ابن سعد : ترک سعد یوم مات مائتی ألف وخمسین ألف درهم ، ومات فی قصره بالعقیق. وقال المسعودی : بنی داره بالعقیق 2.

ص: 401


1- أی : صلُبت وثخُن جلدها من أثر العمل.
2- الطبقات الکبری : 3 / 136 ، مروج الذهب : 2 / 350 ، تاریخ الیعقوبی : 2 / 170 ، صفة الصفوة : 1 / 355 رقم 8 ، الریاض النضرة : 4 / 272.

فرفع سمکها ووسّع فضاءها وجعل أعلاها شرفات (1). طبقات ابن سعد (3 / 105) ، مروج الذهب (1 / 434).

ومنهم ؛ یعلی بن أُمیّة (2) : خلّف خمسمائة ألف دینار ، ودیوناً علی الناس وعقارات وغیر ذلک من الترکة ما قیمته مائة (3) ألف دینار. کذا ذکره المسعودی فی مروج الذهب (4) (1 / 434).

ومنهم ؛ زید بن ثابت - المدافع الوحید عن عثمان - ، قال المسعودی : خلّف من الذهب والفضّة ما کان یکسر بالفؤوس غیر ما خلّف من الأموال والضیاع ، بقیمة مائة ألف دینار. مروج الذهب (5) (1 / 434).

هذه نبذ ممّا وقع فیه التفریط المالی علی عهد عثمان ، ومن المعلوم أنّ التاریخ لم یُحصِ کلّ ما کان هناک من عظائم ، شأنه فی أکثر الحوادث والفتن ولا سیّما المتدرّجة منها فی الحصول.

وأمّا ما اقتناه الخلیفة لنفسه فحدّث عنه ولا حرج ، کان ینضّد أسنانه بالذهب ویتلبّس بأثواب الملوک. قال محمد بن ربیعة : رأیت علی عثمان مطْرَف خزّ ثُمِّن مائة دینار فقال : هذا لنائلة (6) کسوتها إیّاه ، فأنا ألبسه أسرّها به. وقال أبو عامر سلیم : رأیت علی عثمان برداً ثمنه مائة دینار (7). ف)

ص: 402


1- الطبقات الکبری : 3 / 148 - 149 ، مروج الذهب : 2 / 350.
2- فی المصدر : یعلی بن منیة.
3- فی المصدر : ثلاثمائة.
4- مروج الذهب : 2 / 351.
5- مروج الذهب : 2 / 351.
6- هی حلیلة عثمان بنت الفرافصة. (المؤلف)
7- طبقات ابن سعد : 3 / 40 طبع لیدن [3 / 58] ، أنساب البلاذری : ص 3 ، 4 [5 / 48] ، الاستیعاب فی ترجمة عثمان : 2 / 476 [القسم الثالث / 1042 رقم 1778]. (المؤلف)

قال البلاذری : کان فی بیت المال بالمدینة سفط فیه حلیٌّ وجواهر فأخذ منه عثمان ما حلّی به بعض أهله ، فأظهر الناس الطعن علیه فی ذلک وکلّموه فیه بکلام شدید حتی أغضبوه فقال : هذا مال الله أعطیه من شئت وأمنعه من شئت فأرغم الله أنف من رغم. وفی لفظ : لنأخذنّ حاجتنا من هذا الفیء وإن رغمت أنوف أقوام ، فقال له علیّ : «إذاً تُمنع من ذلک ویُحال بینک وبینه» إلی آخر الحدیث الآتی فی مواقف الخلیفة مع عمّار.

وجاء إلیه أبو موسی بکیلة ذهب وفضّة ، فقسّمها بین نسائه وبناته ، وأنفق أکثر بیت المال فی عمارة ضیاعه ودوره (1).

وقال ابن سعد فی الطبقات (2) (3 / 53) طبع لیدن : کان لعثمان عند خازنه یوم قُتل ثلاثون ألف ألف درهم وخمسائة ألف درهم ، وخمسون ومائة ألف دینار فانتُهبت وذهبت.

وترک ألف بعیر بالربذة وصدقات ببرادیس وخیبر ووادی القری قیمة مائتی ألف دینار.

وقال المسعودی فی المروج (3) (1 / 433) : بنی داره فی المدینة وشیّدها بالحجر والکلس وجعل أبوابها من الساج والعرعر (4) ، وأقتنی أموالاً وجناناً وعیوناً بالمدینة ، وذکر عبد الله بن عتبة : أنّ عثمان یوم قُتل کان عند خازنه من المال خمسون ومائة ألف دینار وألف ألف درهم ، وقیمة ضیاعه بوادی القری وحُنین وغیرهما مائة ألف دینار ، وخلّف خیلاً کثیراً وإبلاً. ی.

ص: 403


1- الصواعق المحرقة : ص 68 [ص 113] ، السیرة الحلبیة : 2 / 87 [2 / 78]. (المؤلف)
2- الطبقات الکبری : 3 / 76 - 77.
3- مروج الذهب : 2 / 349 - 350.
4- العرعر : شجر یقال له الساسم ویقال له الشیزی ، ویقال : هو شجر عظیم جبلی.

وقال الذهبی فی دول الإسلام (1) (1 / 12) : کان قد صار له أموال عظیمة رضی الله عنه وله ألف مملوک.

صورة متخذة

من أُعطیات الخلیفة والکنوز العامرة ببرکته

الدینار

الأعلام

500000

مروان

100000

ابن أبی سرح

200000

طلحة

2560000

عبد الرحمن

500000

یعلی بن أُمیّة

100000

زید بن ثابت

150000

عثمان الخلیفة

200000

عثمان الخلیفة

000 / 310 / 4 الجمع أربعة ملایین وثلاثمائة وعشرة آلاف دینار.

إقرأ ولا تنس قول مولانا أمیر المؤمنین فی عثمان : «قام نافجاً حضنیه بین نثیله ومعتلفه ، وقام معه بنو أبیه یخضمون مال الله خضمة الإبل نبتة الربیع».

وقوله الآتی بُعید هذا : «ألا إنّ کلّ قطیعة أقطعها عثمان ، وکلّ مال أعطاه من مال الله فهو مردود فی بیت المال».

الدرهم

الأعلام

300000

الحکَم6.

ص: 404


1- دول الإسلام : ص 16.

2020000

آل الحکَم

300000

الحارث

100000

سعید

100000

الولید

300000

عبد الله

600000

عبد الله

200000

أبو سفیان

100000

مروان

2200000

طلحة

30000000

طلحة

59800000

الزبیر

250000

ابن أبی وقّاص

30500000

عثمان الخلیفة

000 / 770 / 126 المجموع مائة وستة وعشرون ملیوناً وسبعمائة وسبعون ألف درهم.

بقی هنا أن نسأل الخلیفة عن علّة قصر هذه الأثرة علی المذکورین ومن جری مجراهم من زبانیته ؛ أهل خلقت الدنیا لأجلهم؟ أو أنّ الشریعة منعت عن الصلات وإعطاء الصدقات للصلحاء الأبرار من أمّة محمد صلی الله علیه وآله وسلم کأبی ذرّ الغفاری ، وعمّار بن یاسر ، وعبد الله بن مسعود إلی نظرائهم؟ فیجب علیهم أن یقاسوا الشدّة ، ویعانوا البلاء ، ویشملهم المنع بین منفیّ ومضروب ومهان ، وهذا سیّدهم أمیر المؤمنین یقول : «إنّ بنی أُمیّة لیُفوّقُوننی تراث محمد صلی الله علیه وآله وسلم تفویقاً» (1) أی یعطوننی من المال قلیلاً ف)

ص: 405


1- نهج البلاغة : 1 / 126 [ص 104 خطبة 77]. (المؤلف)

قلیلاً کفُواق الناقة (1).

وهل الوجود هو بذل الرجل ماله وما تملکه ذات یده؟ أو جدحه من سویق غیره (2) کما کان یفعل الخلیفة؟ لیتنی وجدت من یحیر جواباً عن مسألتی هذه. أمّا الخلیفة فلم أدرکه حتی أستحفی منه الخبر ، ولعلّه لو کنت مستحفیاً منه لسبقت الدِرّة الجواب.

نعم یُعلَم حکم تلکم الأعطیات والقطائع - وقد أقطع أکثر أراضی بیت المال (3) - من خطبة لمولانا أمیر المؤمنین ، ذکرها الکلبی مرفوعة إلی ابن عبّاس قال : إنّ علیّا علیه السلام خطب فی الیوم الثانی من بیعته بالمدینة فقال : «ألا إنّ کلّ قطیعة أقطعها عثمان ، وکلّ مال أعطاه من مال الله ؛ فهو مردود فی بیت المال ، فإنّ الحق القدیم لا یبطله شیء ، ولو وجدته قد تزُوّج به النساء ، وفرّق فی البلدان ، لرددته إلی حاله ، فإنّ فی العدل سعة ، ومن ضاق عنه الحقّ فالجور عنه أضیق» (4).

قال الکلبی : ثمّ أمر علیه السلام بکلّ سلاح وُجد لعثمان فی داره ممّا تقوّی به علی المسلمین فقبض ، وأمر بقبض نجائب کانت فی داره من إبل الصدقة فقبضت ، وأمر بقبض سیفه ودرعه ، وأمر أن لا یعرض لسلاح وُجد له لم یقاتل به المسلمین ، وبالکفّ عن جمیع أمواله التی وجدت فی داره وغیر داره ، وأمر أن ترجع الأموال التی أجاز بها عثمان حیث أُصیبت أو أُصیب أصحابها ، فبلغ ذلک عمرو بن العاص ، وکان بأیلة من أرض الشام أتاها حیث وثب الناس علی عثمان فنزلها ، فکتب إلی معاویة : ف)

ص: 406


1- فُواق الناقة : الحلبة الواحدة من لبنها.
2- یقال : جدح جوین من سویق غیره. مثل یضرب لمن یجود بأموال الناس [مجمع الامثال : 1 / 282 رقم 826]. (المؤلف)
3- السیرة الحلبیة : 2 / 87 [2 / 78]. (المؤلف)
4- نهج البلاغة : 1 / 46 [ص 57 خطبة 15] ، شرح ابن أبی الحدید : 1 / 90 [1 / 269 خطبة 15]. (المؤلف)

ما کنت صانعاً فاصنع إذ قشرک ابن أبی طالب من کلّ مال تملکه کما تقشر عن العصا لحاها. وقال الولید بن عقبة - المذکور آنفاً - یذکر قبض علیّ علیه السلام نجائب عثمان وسیفه وسلاحه :

بنی هاشمٍ ردّوا سلاحَ ابنِ أختِکمْ

ولا تنهبوه لا تحلُّ مناهبُه

بنی هاشمٍ کیف الهوادةُ بیننا

وعند علیٍّ درعُه ونجائبُه

بنی هاشمٍ کیف التودُّدُ منکمُ

وبزُّ ابنِ أروی فیکمُ وحرائبُه

بنی هاشمٍ إلاّ تردّوا فإننا

سواءٌ علینا قاتلاه وسالبُه

بنی هاشم إنّا وما کان منکمُ

کصدعِ الصفا لا یشعب الصدع شاعبُه

قتلتم أخی کیما تکونوا مکانه

کما غدرتْ یوماً بکسری مرازبُه

فأجابه عبد الله بن أبی سفیان بن الحارث بن عبد المطّلب بأبیات طویلة من جملتها :

فلا تسألونا سیفَکم إنّ سیفَکمْ

أُضیع وألقاه لدی الروعِ صاحبُه

وشبّهته کسری وقد کان مثلُه

شبیهاً بکسری هدیُه وضرائبُه

قال : أی کان کافراً کما کان کسری کافراً ؛ وکان المنصور رحمه الله تعالی إذا أنشد هذا البیت یقول : لعن الله الولید هو الذی فرّق بین بنی عبد مناف بهذا الشعر (1).

هذه الأبیات المعزوّة إلی عبد الله نسبها المسعودی فی مروج الذهب (2) (1 / 443) إلی الفضل بن العباس بن أبی لهب وذکر منها :

سلوا أهلَ مصرٍ عن سلاحِ ابنِ أختنا

فهم سلبوه سیفَه وحرائبه

وکان ولیَّ العهدِ بعد محمدٍ

علیٌّ وفی کلِّ المواطنِ صاحبه5.

ص: 407


1- شرح ابن أبی الحدید : 1 / 90 [1 / 270 - 271]. (المؤلف)
2- مروج الذهب : 2 / 365.

علیٌّ ولیُّ الله أظهرَ دینَه

وأنت مع الأشقین فیما تحاربه

وأنت امرؤٌ من أهلِ صیفورَ مارحٌ (1)

فما لک فینا من حمیمٍ تعاتبه

وقد أنزل الرحمنُ أنّک فاسقٌ

فما لک فی الإسلام سهمٌ تطالبه

- 40 -

الخلیفة والشجرة الملعونة فی القرآن

کان مزیج نفس الخلیفة حبّ بنی أبیه آل أُمیّة الشجرة الملعونة فی القرآن وتفضیلهم علی الناس ، وقد تنشّب ذلک فی قلبه وکان معروفاً منه من أوّل یومه ، وعرفه بذلک من عرفه. قال عمر بن الخطّاب لابن عبّاس : لو ولیها عثمان لحمل بنی أبی معیط علی رقاب الناس ولو فعلها لقتلوه (2).

وفی لفظ الإمام أبی حنیفة : لو ولیتُها عثمان لحمل آل أبی معیط علی رقاب الناس ، والله لو فعلت لفعل ، ولو فعل لأوشکوا أن یسیروا إلیه حتی یجزّوا رأسه. ذکره القاضی أبو یوسف فی الآثار (3) (ص 217).

ووصّی إلی عثمان بقوله : إن ولیتَ هذا الأمر فاتّق الله ولا تحمل آل أبی معیط علی رقاب الناس (4).

وبهذه الوصیّة أخذه علیّ وطلحة والزبیر لمّا ولّی الولید بن عقبة علی الکوفة وقالوا له : ألم یوصک عمر ألاّ تحمل آل أبی معیط وبنی أُمیّة علی رقاب الناس؟ فلم یجبهم بشیء. أنساب البلاذری (5 / 30). ف)

ص: 408


1- فی الطبعة المعتمدة لدینا من المروج : صفواء نازح.
2- أنساب البلاذری : 5 / 16. (المؤلف)
3- الآثار : ص 217 باب 34 ح 960.
4- طبقات ابن سعد : 3 / 247 [3 / 340] ، أنساب البلاذری : 5 / 16 ، الریاض النضرة : 2 / 76 [2 / 356]. (المؤلف)

کان یبذل کلّ جهده فی تأسیس حکومة أمویّة قاهرة فی الحواضر الإسلامیّة کلّها تقهر مَن عداهم ، وتنسی ذکرهم فی القرون الغابرة ، غیر أنّ القَدر الحاتم راغمه علی منویّاته فجعل الذکر الجمیل الخالد والبقیّة المتواصلة فی الحقب والأجیال کلّها لآل علیّ علیه وعلیهم السلام ، وأمّا آل حرب فلا تجد من ینتمی إلیهم غیر متوارٍ بانتسابه ، متخافت عند ذکر نسبه ؛ فکأنّهم حدیث أمس الدابر ، فلا تری لهم ذکراً ، ولا تسمع لأحد منهم رِکزاً.

کان الخلیفة یمضی وراء نیّته هاتیک قدماً ؛ وراء أمل أبی سفیان فیما قال له یوم استخلف : فأدرها کالکرة واجعل أوتادها بنی أُمیّة. فولّی علی الأمر فی المراکز الحسّاسة والبلاد العظیمة أغلمة بنی أمیّة ، وشبابهم المترَف المتبختر فی شرخ الشبیبة وغلوائها.

وأمّر فتیانهم الناشطین للعمل ، الذین لم تحنّکهم الأیّام ولم یؤدّبهم الزمان ، وسلّطهم علی رقاب الناس ، ووطّد لهم السبل ، وکسح عن مسیرهم العراقیل ، وفتح باب الفتن والجور بمصراعیه علی الجامع الصالح فی الأمصار الإسلامیّة ، وجرّ الویلات بید أُولئک الطغام علی نفسه وعلی الأُمّة المرحومة من یومه وهلمّ جراً.

قال أبو عمر (1) : دخل شبل بن خالد علی عثمان رضی الله عنه حین لم یکن عنده غیر أمویّ فقال : ما لکم معشر قریش؟ أما فیکم صغیر تریدون أن ینبُل؟ أو فقیر تریدون غناه؟ أو خامل تریدون التنویه باسمه؟ عَلام أقطعتم هذا الأشعری - یعنی أبا موسی - العراق یأکلها هضماً؟ فقال عثمان : ومن لها؟ فأشاروا بعبد الله (2) بن عامر ف)

ص: 409


1- الاستیعاب : القسم الثانی / 693 رقم 1155.
2- کان ابن خال عثمان ، لأن أُمّ عثمان أروی بنت کریز. وعبد الله بن عامر بن کریز بن ربیعة بن حبیب بن عبد شمس. (المؤلف)

وهو ابن ستّ عشرة سنة (1) فولاّه حینئذ.

وکان هؤلاء الأغلمة لا یبالی أحدهم بما یفعل ؛ ولا یکترث لما یقول ؛ والخلیفة لا یصیخ إلی شکایة المشتکی ، ولا یعی عذل أیّ عاذل ، ومن أُولئک الأغلمة والی الکوفة سعید بن العاص ذاک الشاب المترف ، کان یقول کما مرّ فی (ص 270) علی صهوة المنبر : إنّ السواد بستان لأغیلمة من قریش.

وهؤلاء الأغیلمة هم الذین أخبر عنهم رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بقوله : «إنّ فساد أُمّتی علی یدی غلمة سفهاء من قریش» (2).

وبقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «هلاک هذه الأُمّة علی ید أُغیلمة من قریش» (3).

وأُولئک السفهاء الأمراء هم المعنیّون بقوله صلی الله علیه وآله وسلم لکعب بن عجرة : «أعاذک الله یا کعب من إمارة السفهاء». قال : وما إمارة السفهاء یا رسول الله؟ قال : «أُمراء یکونون بعدی لا یهدون بهدیی ولا یستنّون بسنّتی». الحدیث مرّ فی صفحة (256).

وأُولئک هم المعنیّون بقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «اسمعوا هل سمعتم؟ إنّه سیکون بعدی أُمراء فمن دخل علیهم فصدّقهم بکذبهم ، وأعانهم علی ظلمهم ، فلیس منّی ولست منه ف)

ص: 410


1- أحسبه تصحیفاً ؛ قال أبو عمر [فی الاستیعاب : القسم الثالث / 932 - 933 رقم 1587] فی ترجمة عبد الله بن عامر : عزل عثمان أبا موسی الأشعری عن البصرة وعثمان بن أبی العاص عن فارس وجمع ذلک کلّه لعبد الله. قال صالح : وهو ابن أربع وعشرین سنة. وقال أبو الیقظان : قدم ابن عامر البصرة والیاً علیها وهو ابن أربع أو خمس وعشرین سنة. (المؤلف)
2- أخرجه البخاری فی صحیحه فی کتاب الفتن : 10 / 146 [3 / 1319 ح 3410 ، 6 / 2589 ح 6649] ، والحاکم فی المستدرک : 4 / 470 [4 / 517 ح 8450] صحّحه هو والذهبی ، وقال الحاکم : شهد حذیفة بن الیمان بصحّة هذا الحدیث. (المؤلف)
3- مستدرک الحاکم : 4 / 479 [4 / 526 ح 8476] : فقال : حدیث صحیح علی شرط الشیخین ولم یخرجاه ، ولهذا الحدیث توابع وشواهد عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وصحابته الطاهرین والأئمّة من التابعین لم یسعنی إلاّ ذکرها. ثمّ ذکر بعض ما أسلفنا فی الحَکم ومروان وبنی أبی العاص. (المؤلف)

ولیس بواردٍ علیّ الحوض ، ومن لم یدخل علیهم ولم یصدّقهم بکذبهم ولم یعنهم علی ظلمهم فهو منّی وأنا منه وسیرد علیّ الحوض» ، وفی لفظ : «سیکون أُمراء یکذبون ویظلمون فمن صدّقهم بکذبهم ...» (1).

وفی لفظ أحمد فی المسند (2) (4 / 267): «ألا إنّه سیکون بعدی أُمراء یکذبون ویظلمون ، فمن صدّقهم بکذبهم ومالأهم علی ظلمهم فلیس منّی ولا أنا منه ، ومن لم یصدّقهم بکذبهم ولم یمالئهم علی ظلمهم فهو منّی وأنا منه».

وهم المعنیّون بقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «سیکون أُمراء بعدی یقولون ما لا یفعلون ، ویفعلون مالا یُؤمرون» مسند أحمد (3) (1 / 456).

یستعملهم عثمان وهو أعرف بهم من أیّ ابن أُنثی وقد جاء عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قوله : «من استعمل عاملاً من المسلمین وهو یعلم أنّ فیهم أولی بذلک منه وأعلم بکتاب الله وسنّة نبیّه فقد خان الله ورسوله وجمیع المسلمین» (4) وفی تمهید الباقلانی (ص 190): «من تقدّم علی قوم من المسلمین وهو یری أنّ فیهم من هو أفضل منه خان الله ورسوله والمسلمین».

فعهد أُولئک الأُغیلمة عهد هلاک أُمّة محمد ودور فسادها ، منهم بدأت الفتن وعلیهم عادت ، فتری الولاة یوم ذاک من طریدٍ لعین إلی وزغٍ مثله ، ومن فاسقٍ مهتوک بالذکر الحکیم إلی طلیق منافق ، ومن شابّ مترف إلی أُغیلمة سفهاء.

وکان للخلیفة وراء ذلک کلّه أمل بأنّه لو بیده مفاتیح الجنّة لیعطیها بنی أُمیّة ف)

ص: 411


1- تاریخ الخطیب البغدادی : 2 / 107 [رقم 500] و 5 / 362 [رقم 2886]. (المؤلف)
2- مسند أحمد : 5 / 333 ح 17889.
3- مسند أحمد : 2 / 41 ح 4350.
4- سنن البیهقی : 10 / 118 ، مجمع الزوائد 5 / 211. (المؤلف)

حتی یدخلوها من عند آخرهم ؛ أخرج أحمد فی المسند (1) (1 / 62) من طریق سالم بن أبی الجعد قال : دعا عثمان رضی الله عنه ناساً من أصحاب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فیهم عمّار بن یاسر فقال : إنّی سائلکم وإنّی أُحبّ أن تصدقونی ، نشدتکم الله أتعلمون أنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم کان یؤثر قریشاً علی سائر الناس ، ویؤثر بنی هاشم علی سائر قریش؟ فسکت القوم ، فقال عثمان صلی الله علیه وآله وسلم : لو أنّ بیدی مفاتیح الجنّة لأعطیتها بنی أُمیّة حتی یدخلوا من عند آخرهم. إسناده صحیح رجاله کلّهم ثقات رجال الصحیح.

فکأنّ الخلیفة یحسب أنّ الهرج الموجود فی العطاء عنده سوف یتسرّب معه إلی باب الجنّة یحابی قومه بالنعیم کما حاباهم فی الدنیا بالأموال ، فما حظی الخلیفة بما أحبّ لهم فی الدنیا یوم طحنهم بکلکله البلا ، وأجهزت علیهم المآثم والجرائم ، وأمّا الآخرة فإنّ بینهم وبین الجنّة لَسدّا بما اقترفوه من الآثام ، فلا أری الخلیفة یحظی بأُمنیّته هنالک ؛ ونحن لا نعرف نظریّة الخلیفة فی أمر الثواب والعقاب ؛ ولا ما یؤوّل به الآی الواردة فیهما فی الذکر الحکیم ، ولا رأیه فی الجنّة والنار وأهلهما ، (أَیَطْمَعُ کُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ یُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِیمٍ) (2) (أَمْ حَسِبَ الَّذِینَ اجْتَرَحُوا السَّیِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ کَالَّذِینَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَواءً) (3) (إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِی نَعِیمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِی جَحِیمٍ* یَصْلَوْنَها یَوْمَ الدِّینِ) (4) (کَلاَّ إِنَّ کِتابَ الفُجَّارِ لَفِی سِجِّینٍ) (5) (کَلاَّ لَیُنْبَذَنَّ فِی الْحُطَمَةِ* وَما أَدْراکَ مَا الْحُطَمَةُ* نارُ اللهِ الْمُوقَدَةُ* الَّتِی تَطَّلِعُ عَلَی الْأَفْئِدَةِ) (6) 7.

ص: 412


1- مسند أحمد : 1 / 100 ح 441.
2- المعارج : 38.
3- الجاثیة : 21.
4- الانفطار : 13 - 15.
5- المطفّفین : 7.
6- الهمزة : 4 - 7.

(وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِینَ* وَبُرِّزَتِ الْجَحِیمُ لِلْغاوِینَ) (1) (إِنَّ الَّذِینَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَخْبَتُوا إِلی رَبِّهِمْ أُولئِکَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ) (2).

فهؤلاء الأمویّون لم یکونوا فی أمل الخلیفة ولا أغنوا عنه شیئاً یوم ضحّی بنفسه وجاهه وملکه لأجلهم حتی قُتل من جرّاء ذلک ، ولا أحسب أنّهم مغنون عنه شیئاً غداً عند الله یوم لا یغنی عنه مال ولا بنون.

ألا تعجب من خلیفة لا یروقه إیثار نبیّه بنی هاشم علی سائر قریش ، وتدعوه عصبیّته العمیاء إلی أن یعارض بمثل هذا التافه المخزی قوله صلی الله علیه وآله وسلم فیما أخرجه أحمد (3) : «یا معشر بنی هاشم والذی بعثنی بالحقّ نبیّا لو أخذت بحلقة الجنّة ما بدأت إلاّ بکم» (4)؟

- 41 -

تسییر الخلیفة أبا ذر إلی الربذة

روی البلاذری (5) : لمّا أعطی عثمان مروان بن الحکم ما أعطاه ، وأعطی الحارث ابن الحَکَم بن أبی العاص ثلاثمائة ألف درهم ، وأعطی زید بن ثابت الأنصاری مائة ألف درهم جعل أبو ذر یقول : بشّر الکانزین بعذاب ألیم ، ویتلو قول الله عزّ وجلّ : (وَالَّذِینَ یَکْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا یُنْفِقُونَها فِی سَبِیلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِیمٍ) (6) فرفع ذلک مروان بن الحکم إلی عثمان ، فأرسل إلی أبی ذر ناتلاً مولاه أن انته عمّا یبلغنی4.

ص: 413


1- الشعراء : 90 ، 91.
2- هود : 23.
3- مناقب علیّ بن أبی طالب علیه السلام : ص 122 ح 180.
4- الصواعق : ص 95 [ص 160]. (المؤلف)
5- أنساب الأشراف : 5 / 52.
6- التوبة : 34.

عنک ، فقال : أینهانی عثمان عن قراءة کتاب الله ، وعیب من ترک أمر الله؟ فو الله لأن أُرضی الله بسخط عثمان أحبُّ إلیّ وخیر لی من أن أُسخط الله برضاه. فأغضب عثمان ذلک وأحفظه فتصابر وکفّ ؛ وقال عثمان یوماً : أیجوز للإمام أن یأخذ من المال فإذا أیسر قضی؟ فقال کعب الأحبار : لا بأس بذلک. فقال أبو ذر : یا ابن الیهودیّین أتعلّمنا دیننا؟ فقال عثمان : ما أکثر أذاک لی وأولعک بأصحابی! الحق بمکتبک ، وکان مکتبه بالشام إلاّ أنّه کان یقدم حاجّا ویسأل عثمان الإذن له فی مجاورة قبر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فیأذن له فی ذلک ، وإنّما صار مکتبه بالشام لأنّه قال لعثمان حین رأی البناء قد بلغ سلعاً : إنّی سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول : «إذا بلغ البناء سلعاً فالهرب» فأذن لی آتی الشام فأغزو هناک فأذن له ، وکان أبو ذر ینکر علی معاویة أشیاء یفعلها ، وبعث إلیه معاویة بثلاثمائة دینار ، فقال : إن کانت من عطائی الذی حرمتمونیه عامی هذا قبلتها ، وإن کانت صلةً فلا حاجة لی فیها. وبعث إلیه حبیب بن مسلمة الفهری بمائتی دینار فقال : أما وجدت أهون علیک منّی حین تبعث إلیّ بمال؟ وردّها.

وبنی معاویة الخضراء بدمشق ، فقال : یا معاویة إن کانت هذه الدار من مال الله فهی الخیانة ، وإن کانت من مالک فهذا الإسراف ، فسکت معاویة. وکان أبو ذر یقول : والله لقد حدثت أعمال ما أعرفها ، والله ما هی فی کتاب الله ولا سنّة نبیّه ، والله إنّی لأری حقّا یُطفأ ، وباطلاً یُحیی ، وصادقاً یُکذّب ، وأثرهً بغیر تقی ، وصالحاً مستأثراً علیه. فقال حبیب بن مسلمة لمعاویة : إنّ أبا ذر مفسد علیک الشام فتدارک أهله إن کانت لکم به حاجة. فکتب معاویة إلی عثمان فیه ، فکتب عثمان إلی معاویة : أمّا بعد ؛ فاحمل جندباً إلیّ علی أغلظ مرکب وأوعره ، فوجّه معاویة من سار به اللیل والنهار ، فلمّا قدم أبو ذر المدینة جعل یقول : تستعمل الصبیان ، وتحمی الحمی ، وتقرّب أولاد الطلقاء. فبعث إلیه عثمان : الحق بأیّ أرض شئت. فقال بمکة. فقال : لا. قال : فبیت المقدس. قال : لا. قال : فبأحد المصرین. قال لا : ولکنّی مُسیّرک إلی الربذة. فسیّره إلیها فلم یزل بها حتی مات.

ص: 414

ومن طریق محمد بن سمعان قال : قیل لعثمان : أنّ أبا ذر یقول : إنّک أخرجته إلی الربذة. فقال : سبحان الله ما کان من هذا شیء قطُّ ، وإنّی لأعرف فضله ، وقدیم إسلامه ، وما کنّا نعدُّ فی أصحاب النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم أکلّ شوکة منه.

ومن طریق کمیل بن زیاد قال : کنت بالمدینة حین أمر عثمان أبا ذر باللحاق بالشام ، وکنت بها فی العام المقبل حین سیّره إلی الربذة.

ومن طریق عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال : تکلّم أبو ذر بشیء کرهه (1) عثمان فکذّبه (2) فقال : ما ظننت أنّ أحداً یکذّبنی بعد قول رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «ما أقلّت الغبراء وما أطبقت الخضراء علی ذی لهجة أصدق من أبی ذر» ، ثمّ سیّره إلی الربذة فکان أبو ذر یقول : ما ترک الحقُّ لی صدیقاً. فلمّا سار إلی الربذة قال : ردّنی عثمان بعد الهجرة أعرابیّا.

قال : وشیّع علیّ أبا ذر ، فأراد مروان منعه منه فضرب علیّ بسوطه بین أُذنی راحلته ، وجری بین علیّ وعثمان فی ذلک کلام حتی قال عثمان : ما أنت بأفضل عندی منه. وتغالظا فأنکر الناس قول عثمان ودخلوا بینهما حتی اصطلحا.

وقد روی أیضاً : أنه لمّا بلغ عثمان موت أبی ذر بالربذة قال : رحمه الله. فقال عمّار بن یاسر : نعم ، فرحمه الله من کلّ أنفسنا. فقال عثمان : یا عاضّ أیر أبیه أترانی ندمت علی تسییره؟ یأتی تمام الحدیث فی ذکر مواقف عمّار.

ومن طریق ابن حراش الکعبی (3) قال : وجدت أبا ذر بالربذة فی مظلّة شعرٍ فقال : ما زال بی الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر حتی لم یترک الحقُّ لی صدیقاً. ی.

ص: 415


1- فی روایة الواقدی ، والمسعودی [فی مروج الذهب 2 / 358] کما یأتی أنه قال : لسمعت رسول الله یقول : «إذا بلغ بنو أبی العاصّ ثلاثین رجلاً ...» الحدیث. (المؤلف)
2- فی لفظ الواقدی : قال عثمان : ویلک یا أبا ذر أتکذب علی رسول الله؟ (المؤلف)
3- طبقات ابن سعد 4 / 236 : عبد الله بن خراش الکعبی.

ومن طریق الأعمش عن إبراهیم التیمی عن أبیه قال : قلت لأبی ذرّ : ما أنزلک الربذة؟ قال : النصح لعثمان ومعاویة.

ومن طریق بشر بن حوشب الفزاری عن أبیه قال : کان أهلی بالشربّة (1) فجلبت غنماً لی إلی المدینة فمررت بالربذة وإذا بها شیخ أبیض الرأس واللحیة. قلت : من هذا؟ قالوا : أبو ذرّ صاحب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم. وإذا هو فی حِفش (2) ومعه قطعة من غنم فقلت : والله ما هذا البلد بمحلّة لبنی غفار. فقال : أُخرجت کارهاً. فقال بشر بن حوشب : فحدّثت بهذا الحدیث سعید بن المسیب فأنکر أن یکون عثمان أخرجه وقال : إنّما خرج أبو ذر إلیها راغباً فی سکناها (3).

وأخرج البخاری فی صحیحه (4) من حدیث زید بن وهب قال : مررت بالربذة فقلت لأبی ذر : ما أنزلک [منزلک] هذا؟ قال : کنت بالشام فاختلفت أنا ومعاویة فی هذه الآیة : (وَالَّذِینَ یَکْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ) فقال : نزلت فی أهل الکتاب. فقلت : [نزلت] فینا وفیهم. فکتب یشکونی إلی عثمان ، فکتب عثمان : اقدم المدینة. فقدمت فکثر الناس علیّ کأنّهم لم یرونی قبل ذلک ، فذکر [ت] ذلک لعثمان فقال : إن شئت تنحّیت فکنت قریباً. فذلک الذی أنزلنی هذا المنزل.

قال ابن حجر فی فتح الباری (5) فی شرح الحدیث : وفی روایة الطبری أنّهم کثروا علیه یسألونه عن سبب خروجه من الشام ، فخشی عثمان علی أهل المدینة 5.

ص: 416


1- الشربّة - بفتح أوّله وثانیه وتشدید الموحدة - : موضع بین السلیلة والربذة فی طریق مکة. (المؤلف)
2- الحفش - بکسر المهملة - : البیت الصغیر ، أو هو من الشعر. (المؤلف)
3- أنظر إلی ابن المسیّب یکذّب أبا ذر لتبریر عثمان من تسییره ، ولا یکترث لاستلزامه تکذیب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، وسیوافیک البحث عنه. (المؤلف)
4- صحیح البخاری : 2 / 509 ح 1341. وما بین المعقوفات منه.
5- فتح الباری : 3 / 275.

ما خشیه معاویة علی أهل الشام. وقال بعد قوله : إن شئت تنحّیت. فی روایة الطبری : تنحّ قریباً. قال : والله لن أدع ما کنت أقوله. ولابن مردویه : لا أدع ما قلت.

وذکر المسعودی أمر أبی ذر بلفظ هذا نصُّه قال : إنّه حضر مجلس عثمان ذات یوم ، فقال عثمان : أرأیتم من زکّی ماله هل فیه حقّ لغیره؟ فقال کعب : لا یا أمیر المؤمنین. فدفع أبو ذر فی صدر کعب وقال له : کذبت یا ابن الیهودیّ ثمّ تلا : (لَیْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَکُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلکِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْیَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِکَةِ وَالْکِتابِ وَالنَّبِیِّینَ وَآتَی الْمالَ عَلی حُبِّهِ ذَوِی الْقُرْبی وَالْیَتامی وَالْمَساکِینَ وَابْنَ السَّبِیلِ وَالسَّائِلِینَ وَفِی الرِّقابِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَی الزَّکاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا) الآیة (1)

فقال عثمان : أترون بأساً أن نأخذ مالاً من بیت مال المسلمین فننفقه فیما ینوبنا من أُمورنا ونعطیکموه؟ فقال کعب : لا بأس بذلک. فرفع أبو ذر العصا فدفع بها فی صدر کعب وقال : یا ابن الیهودی ما أجرأک علی القول فی دیننا! فقال له عثمان : ما أکثر أذاک لی ، غیّب وجهک عنّی فقد آذیتنی. فخرج أبو ذر إلی الشام فکتب معاویة إلی عثمان : إنّ أبا ذر تجتمع إلیه الجموع ولا آمن أن یفسدهم علیک ، فإن کان لک فی القوم حاجة فاحمله إلیک. فکتب إلیه عثمان بحمله ، فحمله علی بعیر علیه قتب یابس معه خمسة من الصقالبة یطیرون به حتی أتوا به المدینة قد تسلّخت بواطن أفخاذه وکاد أن یتلف ، فقیل له : إنّک تموت من ذلک فقال : هیهات لن أموت حتی أُنفی ، وذکر جوامع ما نزل به بعدُ ومن یتولّی دفنه ، فأحسن إلیه [عثمان] (2) فی داره أیّاماً ، ثمّ دخل إلیه فجلس علی رکبتیه وتکلّم بأشیاء ، وذکر الخبر فی ولد أبی العاص : «إذا بلغوا ثلاثین رجلاً اتّخذوا عباد الله خولاً». ومرّ فی الخبر بطوله وتکلّم بکلام کثیر ، وکان ر.

ص: 417


1- البقرة : 177.
2- من المصدر.

فی ذلک الیوم قد أُتی عثمان بترکة عبد الرحمن بن عوف الزهری من المال فنضت (1) البدر حتی حالت بین عثمان وبین الرجل القائم ، فقال عثمان : إنّی لأرجو لعبد الرحمن خیراً لأنّه کان یتصدّق ویقری الضیف وترک ما ترون. فقال کعب الأحبار : صدقت یا أمیر المؤمنین ، فشال أبو ذر العصا فضرب بها رأس کعب ولم یشغله ما کان فیه من الألم وقال : یا ابن الیهودیّ تقول لرجل مات وترک هذا المال إنّ الله أعطاه خیر الدنیا وخیر الآخرة ، وتقطع علی الله بذلک وأنا سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول : «ما یسرُّنی أن أموت وأدع ما یزن قیراطاً» فقال له عثمان : وارِ عنّی وجهک. فقال : أسیر إلی مکة. قال لا والله. قال : فتمنعنی من بیت ربّی أعبده فیه حتی أموت؟ قال : أی والله. قال : فإلی الشام. قال : لا والله. قال : البصرة. قال : لا والله فاختر غیر هذه البلدان. قال : لا والله ما أختار غیر ما ذکرت لک ، ولو ترکتنی فی دار هجرتی ما أردت شیئاً من البلدان ، فسیّرنی حیث شئت من البلاد. قال : فإنّی مُسیّرک إلی الربذة. قال : الله أکبر صدق رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قد أخبرنی بکلّ ما أنا لاقٍ. قال عثمان : وما قال لک؟ قال : أخبرنی بأنّی أُمنع عن مکة والمدینة وأموت بالربذة ، ویتولّی مواراتی نفر ممّن یردون من العراق نحو الحجاز. وبعث أبو ذر إلی جمل له فحمل علیه امرأته وقیل ابنته ، وأمر عثمان أن یتجافاه الناس حتی یسیر إلی الربذة. فلمّا طلع عن المدینة ومروان یسیّره عنها ، إذ طلع علیه علیّ بن أبی طالب رضی الله عنه ومعه ابناه وعقیل أخوه وعبد الله بن جعفر وعمّار بن یاسر ، فاعترض مروان فقال : یا علیّ إنّ أمیر المؤمنین قد نهی الناس أن یصحبوا أبا ذر فی مسیره ویشیّعوه ، فإن کنت لم تدرِ بذلک فقد أعلمتک. فحمل علیه علیُّ بن أبی طالب بالسوط [وضرب] (2) بین أُذنی راحلته وقال : «تنحّ نحّاک الله إلی النار» ومضی مع أبی ذر فشیّعه ثمّ ودّعه وانصرف. فلمّا أراد الانصراف بکی أبو ذر وقال : رحمکم الله أهل البیت إذا رأیتک یا أبا الحسنر.

ص: 418


1- نضّت : أی ظهرت ، وفی الطبعة المعتمدة لدینا من مروج الذهب : فنثرت.
2- من المصدر.

وولدک ذکرت بکم رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم. فشکا مروان إلی عثمان ما فعل به علیُّ بن أبی طالب ، فقال عثمان : یا معشر المسلمین من یعذرنی من علیّ؟ ردّ رسولی عمّا وجّهته له وفعل کذا والله لنعطینّه حقّه. فلمّا رجع علیّ استقبله الناس (1) فقالوا : إنّ أمیر المؤمنین علیک غضبان لتشییعک أبا ذر. فقال علیّ : «غضب الخیل علی اللجم» (2). ثمّ جاء. فلمّا کان بالعشیّ جاء إلی عثمان فقال له : ما حملک علی ما صنعت بمروان واجترأت علیّ ورددت رسولی وأمری؟ قال : «أمّا مروان فإنّه استقبلنی یردُّنی فرددته عن ردّی؟ وأمّا أمرک فلم أردُّه» قال عثمان : أوَلم یبلغک أنّی قد نهیت الناس عن أبی ذر وعن تشییعه؟ فقال علیّ : «أوَکلّ ما أمرتنا به من شیء نری طاعة لله والحقّ فی خلافه اتّبعنا فیه أمرک؟ بالله لا نفعل». قال عثمان : أقد مروان. قال : «وما أقیده»؟ قال : ضربت بین أُذنی راحلته (3) قال علیّ : «أمّا راحلتی فهی تلک فإن أراد أن یضربها کما ضربت راحلته فلیفعل ، وأمّا أنا فو الله لئن شتمنی لأشتمنّک أنت مثلها بما لا أکذب فیه ولا أقول إلاّ حقّا» قال عثمان : ولِمَ لا یشتمک إذا شتمته ، فو الله ما أنت عندی بأفضل منه. فغضب علیّ بن أبی طالب وقال : «إلیّ تقول هذا القول؟ وبمروان تعدلنی؟ فأنا والله أفضل منک ، وأبی أفضل من أبیک ، وأُمّی أفضل من أُمّک ، وهذه نبلی قد نثلتها وهلمّ فأقبل بنبلک». فغضب عثمان واحمرّ وجهه فقام ودخل داره وانصرف علیّ فاجتمع إلیه أهل بیته ورجال من المهاجرین والأنصار ، فلمّا کان من الغد واجتمع الناس إلی عثمان شکا إلیهم علیّا وقال : إنّه یعیبنی ویظاهر من یعیبنی ف)

ص: 419


1- هذه الجملة تعرب عن غیبة الإمام علیه السلام عن المدینة المشرّفة فی تشییع أبی ذر أیّاماً وتقرّب ما قاله الأُستاذ عبد الحمید جودت السحّار المصری فی کتابه الاشتراکی الزاهد : ص 192 : ومضی علیّ ورفقاؤه مع أبی ذر حتی بلغوا الربذة فنزلوا عن رواحلهم وجلسوا یتحدّثون. (المؤلف)
2- مجمع الأمثال : 2 / 412 رقم 2662. مثل یضرب لمن یغضب غضباً لا ینتفع به ، واللُجم جمع لجام : الحدیدة فی فم الفرس.
3- فی العبارة سقط یظهر فی الجواب وسیأتی صحیحها بُعید هذا إن شاء الله. (المؤلف)

یرید بذلک أبا ذر وعمّار بن یاسر وغیرهما ، فدخل الناس بینهما ، وقال له علیّ : «والله ما أردت تشییع أبی ذرّ إلاّ الله».

وفی روایة الواقدی من طریق صهبان مولی الأسلمیّین قال : رأیت أبا ذر یوم دخل به علی عثمان فقال له : أنت الذی فعلت ما فعلت (1)؟ فقال له أبو ذر : نصحتک فاستغشتنی ونصحت صاحبک فاستغشّنی. فقال عثمان : کذبت ولکنّک ترید الفتنة وتحبّها قد انغلت (2) الشام علینا ، فقال له أبو ذر : اتّبع سنّة صاحبیک لا یکن لأحد علیک کلام. قال عثمان : مالک وذلک لا أُمّ لک؟ قال أبو ذر : والله ما وجدت لی عذراً إلاّ الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر. فغضب عثمان وقال : أشیروا علیّ فی هذا الشیخ الکذّاب ؛ إمّا أن أضربه أو أحبسه أو أقتله ، فإنّه قد فرّق جماعة المسلمین ، أو أنفیه من أرض الإسلام. فتکلّم علیّ علیه السلام وکان حاضراً وقال : أُشیر علیک بما قاله مؤمن آل فرعون : (وَإِنْ یَکُ کاذِباً فَعَلَیْهِ کَذِبُهُ وَإِنْ یَکُ صادِقاً یُصِبْکُمْ بَعْضُ الَّذِی یَعِدُکُمْ إِنَّ اللهَ لا یَهْدِی مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ کَذَّابٌ) (3) قال : فأجابه عثمان بجواب غلیظ لا أُحبّ ذکره وأجابه علیّ بمثله.

قال : ثمّ إنّ عثمان حظر علی الناس أن یقاعدوا أبا ذر أو یکلّموه ، فمکث کذلک أیّاماً ، ثمّ أمر أن یؤتی به فأُتی به ، فلمّا وقف بین یدیه قال : ویحک یا عثمان أما رأیت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ورأیت أبا بکر وعمر؟ هل رأیت هذا هدیهم؟ إنّک لتبطش بی بطش جبار ، فقال : اخرج عنّا من بلادنا. فقال أبو ذر : ما أبغض إلیّ جوارک! فإلی أین أخرج؟ قال : حیث شئت. قال : فأخرج إلی الشام أرض الجهاد. قال : إنّما جلبتک من الشام لما قد أفسدتها ؛ أفأردُّک إلیها؟ قال : فأخرج إلی العراق. قال : لا. 8.

ص: 420


1- فی شرح النهج : فعلت وفعلت.
2- أنغل : أفسد.
3- غافر : 28.

قال : ولِمَ؟ قال : تقدم علی قوم أهل شبه وطعن فی الأُمّة؟ قال : فأخرج إلی مصر. قال : لا. قال : فإلی أین أخرج؟ قال : حیث شئت. قال أبو ذر : فهو إذن التعرّب بعد الهجرة أأخرج إلی نجد؟ فقال عثمان : الشرف الأبعد أقصی فأقصی ، امض علی وجهک هذا ولا تعدونّ الربذة فسر إلیها. فخرج إلیها.

وقال الیعقوبی : وبلغ عثمان أنّ أبا ذر یقعد فی مجلس رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ویجتمع إلیه الناس فیحدّث بما فیه الطعن علیه ، وأنّه وقف بباب المسجد فقال : أیُّها الناس من عرفنی فقد عرفنی ، ومن لم یعرفنی فأنا أبو ذر الغفاری ، أنا جندب بن جنادة الربذیّ ؛ (إِنَّ اللهَ اصْطَفی آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِیمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَی الْعالَمِینَ* ذُرِّیَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِیعٌ عَلِیمٌ) (1). محمد الصفوة من نوح ، فالأوّل من إبراهیم ، والسلالة من إسماعیل ، والعترة الهادیة من محمد ، إنّه شرُف شریفهم واستحقّوا الفضل فی قوم هم فینا کالسماء المرفوعة ، وکالکعبة المستورة ، أو کالقبلة المنصوبة ، أو کالشمس الضاحیة ، أو کالقمر الساری ، أو کالنجوم الهادیة ، أو کالشجر الزیتونیّة أضاء زیتها وبورک زیدها (2) ومحمد وارث علم آدم وما فضّلت به النبیّون. إلی أن قال :

وبلغ عثمان أنّ أبا ذر یقع فیه ویذکر ما غیّر وبدّل من سنن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وسنن أبی بکر وعمر فسیّره إلی الشام إلی معاویة ، وکان یجلس فی المجلس (3) فیقول کما کان یقول ، ویجتمع إلیه الناس حتی کثر من یجتمع إلیه ویسمع منه ، وکان یقف علی باب دمشق إذا صلّی صلاة الصبح فیقول : جاءت القطار تحمل النار ، لعن الله الآمرین بالمعروف والتارکین له ؛ ولعن الله الناهین عن المنکر والآتین له. فقال :

وکتب معاویة إلی عثمان : إنّک قد أفسدت الشام علی نفسک بأبی ذر. فکتب د.

ص: 421


1- آل عمران : 33 و 34.
2- ولعلّ الصحیح زندها ، کما فی بعض المصادر [وفی الطبعة المعتمدة لدینا : زبدها]. (المؤلف)
3- فی المصدر : فی المسجد.

إلیه أن احمله علی قتب بغیر وطاء ، فقدم به إلی المدینة وقد ذهب لحم فخذیه ، فلمّا دخل إلیه وعنده جماعة قال : بلغنی أنّک تقول : سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول : «إذا کملت بنو أمیّة ثلاثین رجلاً اتّخذوا بلاد الله دولا ؛ وعباد الله خولا ؛ ودین الله دغلا» ، فقال : نعم سمعت رسول الله یقول ذلک. فقال لهم : أسمعتم رسول الله یقول ذلک؟ فبعث إلی علیّ بن أبی طالب فأتاه فقال : یا أبا الحسن أسمعت رسول الله یقول ما حکاه أبو ذر؟ وقصّ علیه الخبر فقال علیّ «نعم». فقال : فکیف تشهد؟ قال : «لقول رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : ما أظلّت الخضراء ولا أقلّت الغبراء ذا لهجة أصدق من أبی ذر». فلم یقم بالمدینة إلاّ أیّاماً حتی أرسل إلیه عثمان : والله لتخرجنّ عنها ، قال : أتُخرجنی من حرم رسول الله؟ قال : نعم وأنفک راغم ، قال : فإلی مکة؟ قال : لا. قال : فإلی البصرة؟ قال : لا. قال : فإلی الکوفة؟ قال : لا. ولکن إلی الربذة التی خرجت منها حتی تموت فیها. یا مروان أخرجه ولا تدع أحداً یکلّمه حتی یخرج. فأخرجه علی جمل ومعه امرأته وابنته ، فخرج علیّ والحسن والحسین وعبد الله بن جعفر وعمّار بن یاسر ینظرون ، فلمّا رأی أبو ذر علیّا قام إلیه فقبّل یده ثمّ بکی وقال : إنّی إذا رأیتک ورأیت ولدک ذکرت قول رسول الله فلم أصبر حتی أبکی. فذهب علیّ یکلّمه ؛ فقال مروان : إنّ أمیر المؤمنین قد نهی أن یکلّمه أحد. فرفع علیّ السوط فضرب وجه ناقة مروان وقال : «تنحّ نحّاک الله إلی النار». ثمّ شیّعه وکلّمه بکلام یطول شرحه ، وتکلّم کلُّ رجل من القوم وانصرفوا وانصرف مروان إلی عثمان ، فجری بینه وبین علیّ فی هذا بعض الوحشة وتلاحیا کلاماً.

وأخرج ابن سعد من طریق الأحنف بن قیس قال : أتیت المدینة ثمّ أتیت الشام فجمّعت (1) فإذا أنا برجل لا ینتهی إلی ساریة إلاّ خرّ أهلها یصلّی ویخفُّ صلاته. قال : فجلست إلیه فقلت له : یا عبد الله من أنت؟ قال : أنا أبو ذر. فقال لی : ة.

ص: 422


1- أی : حضرت الجمعة.

فأنت من أنت؟ قال : قلت : أنا الأحنف بن قیس. قال : قم عنّی لا أعدک بشرّ. فقلت له : کیف تعدنی بشرّ؟ قال : إنّ هذا - یعنی معاویة - نادی منادیه ألاّ یجالسنی أحد.

وأخرج أبو یعلی من طریق ابن عبّاس قال : استأذن أبو ذر عثمان فقال : إنّه یؤذینا ، فلمّا دخل قال له عثمان : أنت الذی تزعم أنّک خیر من أبی بکر وعمر؟ قال : لا ، ولکن سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول : «إنّ أحبّکم إلیّ وأقربکم منّی من بقی علی العهد الذی عاهدته علیه وأنا باقٍ علی عهده» (1) قال : فأمره أن یلحق بالشام ، وکان یحدّثهم ویقول : لا یبیتنّ عند أحدکم دینار ولا درهم إلاّ ما ینفقه فی سبیل الله أو یعدُّه لغریم. فکتب معاویة إلی عثمان : إن کان لک بالشام حاجة فابعث إلی أبی ذر. فکتب إلیه عثمان : أن اقدم علیّ فقدم.

راجع (2) : الأنساب (5 / 52 - 54) ، صحیح البخاری فی کتابی الزکاة والتفسیر ، طبقات ابن سعد (4 / 168) ، مروج الذهب (1 / 438) ، تاریخ الیعقوبی (2 / 148) ، شرح ابن أبی الحدید (1 / 240 - 242) ، فتح الباری (3 / 213) ، عمدة القاری (4 / 291).

کلمة أمیر المؤمنین لمّا أُخرج أبو ذر إلی الربذة

«یا أبا ذر إنّک غضبت لله فارجُ من غضبت له ، إنّ القوم خافوک علی دنیاهم وخفتهم علی دینک ، فاترک فی أیدیهم ما خافوک علیه ، واهرب منهم بما خفتهم علیه ، فما أحوجهم إلی ما منعتهم ، وما أغناک عمّا منعوک ، وستعلم من الرابح غداً ، والأکثر 1.

ص: 423


1- حدیث العهد أخرجه أحمد فی مسنده [1 / 321 ح 1698]. (المؤلف) [والعینی فی عمدة القاری : 8 / 262]
2- صحیح البخاری : 2 / 509 ح 1341 ، 4 / 1711 ح 4383 ، الطبقات الکبری : 4 / 229 ، مروج الذهب : 2 / 357 - 360 ، تاریخ الیعقوبی : 2 / 171 - 172 ، شرح نهج البلاغة : 3 / 52 - 59 خطبة 43 ، فتح الباری : 3 / 274 ، عمدة القاری : 8 / 262 ح 11.

حسداً ، ولو أنّ السماوات والأرضین کانتا علی عبد رتقاً ثمّ اتّقی الله لجعل الله له منهما مخرجاً ، لا یؤنسنّک إلاّ الحقّ ، ولا یوحشنّک إلاّ الباطل ، فلو قبلت دنیاهم لأحبّوک ، ولو قرضتَ منها لأمّنوک» (1).

ذکر ابن أبی الحدید فی الشرح (2) (2 / 375 - 387) تفصیل قصّة أبی ذر ورآه مشهوراً متضافراً ، وإلیک نصّه قال :

واقعة أبی ذر وإخراجه إلی الربذة أحد الأحداث التی نقمت علی عثمان ، وقد روی هذا الکلام أبو بکر أحمد بن عبد العزیز الجوهری فی کتاب السقیفة (3) عن عبد الرزاق ، عن أبیه ، عن عکرمة ، عن ابن عبّاس ، قال : لمّا أُخرج أبو ذر إلی الربذة أمر عثمان فنودی فی الناس : أن لا یکلّم أحد أبا ذر ولا یشیّعه ، وأمر مروان بن الحکم أن یخرج به فخرج به ، وتحاماه الناس إلاّ علیّ بن أبی طالب علیه السلام وعقیلاً أخاه وحسناً وحسیناً علیهما السلام وعمّاراً ، فإنّهم خرجوا معه یشیّعونه ، فجعل الحسن علیه السلام یکلّم أبا ذر ، فقال له مروان : إیهاً یا حسن ألا تعلم أنّ أمیر المؤمنین قد نهی عن کلام هذا الرجل؟ فإن کنت لا تعلم فاعلم ذلک. فحمل علیّ علیه السلام علی مروان فضرب بالسوط بین أُذنی راحلته وقال : «تنحّ نحّاک الله إلی النار». فرجع مروان مغضباً إلی عثمان فأخبره الخبر فتلظّی علی علیّ علیه السلام ، ووقف أبو ذر فودّعه القوم ومعه ذکوان مولی أُم هانی بنت أبی طالب ، قال ذکوان : فحفظت کلام القوم - وکان حافظاً - فقال علیّ علیه السلام :

«یا أبا ذر إنّک غضبت لله ، إنّ القوم خافوک علی دنیاهم ، وخفتهم علی دینک ، فامتحنوک بالقلی ونفوک إلی الفلا ، والله لو کانت السموات والأرض علی عبد رتقاً ثمّ 1.

ص: 424


1- نهج البلاغة : 1 / 247 [ص 188 خطبة 130 وقرَضت منها : قطعت منها جزءاً]. (المؤلف)
2- نهج البلاغة : 8 / 252 - 262 خطبة 130.
3- السقیفة وفدک : ص 78 - 81.

اتّقی الله لجعل له منها مخرجاً ؛ یا أبا ذر لا یؤنسنّک إلاّ الحقّ ، ولا یوحشنّک إلاّ الباطل».

ثمّ قال لأصحابه : «ودّعوا عمّکم». وقال لعقیل : «ودّع أخاک» ، فتکلّم عقیل فقال : ما عسی ما نقول یا أبا ذر؟ وأنت تعلم أنّا نحبّک وأنت تحبّنا ، فاتّق الله فإنّ التقوی نجاة ، واصبر فإنّ الصبر کرم ، واعلم أنّ استثقالک الصبر من الجزع ، واستبطاءک العافیة من الیأس ، فدع الیأس والجزع.

ثمّ تکلّم الحسن فقال : «یا عمّاه لو لا أنّه لا ینبغی للمودّع أن یسکت وللمشیّع أن ینصرف لقصر الکلام وإن طال الأسف ، وقد أتی من القوم إلیک (1) ما تری ، فضع عنک الدنیا بتذکّر فراغها ، وشدّة ما اشتدّ منها برجاء ما بعدها ، واصبر حتی تلقی نبیّک صلی الله علیه وآله وسلم وهو عنک راضٍ».

ثمّ تکلّم الحسین علیه السلام فقال : «یا عمّاه إنّ الله تعالی قادر أن یغیّر ما قد تری ، والله کلّ یوم هو فی شأن ، وقد منعک القوم دنیاهم ومنعتهم دینک ، فما أغناک عمّا منعوک ، وأحوجهم إلی ما منعتهم! فاسأل الله الصبر والنصر ، واستعذ به من الجشع والجزع ، فإنّ الصبر من الدین والکرم ، وإنّ الجشع لا یُقدّم رزقاً ، والجزع لا یؤخّر أجلاً».

ثمّ تکلّم عمّار مغضباً فقال : لا آنس الله من أوحشک ، ولا آمن من أخافک. أما والله لو أردت دنیاهم لأمّنوک ، ولو رضیت أعمالهم لأحبّوک ، وما منع الناس أن یقولوا بقولک إلاّ الرضا بالدنیا والجزع من الموت ، ومالوا إلی ما سلطان جماعتهم علیه ، والملک لمن غلب ، فوهبوا لهم دینهم ومنحهم القوم دنیاهم ، فخسروا الدنیا والآخرة ، ألا ذلک هو الخسران المبین. ک.

ص: 425


1- فی المصدر : وقد أتی القوم إلیک.

فبکی أبو ذر رحمه الله - وکان شیخاً کبیراً - وقال : رحمکم الله یا أهل بیت الرحمة إذا رأیتکم ذکرت بکم رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، مالی بالمدینة سکن ولا شجن غیرکم ، إنّی ثقلتُ علی عثمان بالحجاز کما ثقلتُ علی معاویة بالشام ، وکره أن أُجاور أخاه وابن خاله بالمصرین (1) فأفسد الناس علیهما ، فسیّرنی إلی بلد لیس لی به ناصر ولا دافع إلاّ الله ، والله ما أُرید إلاّ الله صاحباً ، وما أخشی مع الله وحشة.

ورجع القوم إلی المدینة فجاء علیّ علیه السلام إلی عثمان فقال له : ما حملک علی ردّ رسولی وتصغیر أمری؟ فقال علیّ علیه السلام : «أمّا رسولک فأراد أن یردّ وجهی فرددته ، وأمّا أمرک فلم أصغّره» ، قال : أما بلغک نهیی عن کلام أبی ذر؟ قال : «أوَ کلّما أمرت بأمر معصیة أطعناک فیه؟» قال عثمان : أقد مروان من نفسک. قال : «مِمّ ذا؟» قال : من شتمه وجذب راحلته. قال : «أمّا راحلته فراحلتی بها ، وأمّا شتمه إیّای فو الله لا یشتمنی شتمة إلاّ شتمتک مثلها لا أکذب علیک». فغضب عثمان وقال : لِمَ لا یشتمک؟ کأنّک خیر منه؟ قال علیّ : «إی والله ومنک». ثمّ قام فخرج ، فأرسل عثمان إلی وجوه المهاجرین والأنصار وإلی بنی أُمیّة یشکو إلیهم علیّا علیه السلام ، فقال القوم : أنت الوالی علیه وإصلاحه أجمل. قال : وددت ذاک. فأتوا علیّا علیه السلام فقالوا : لو اعتذرت إلی مروان وأتیته. فقال : «کلاّ أمّا مروان فلا آتیه ولا أعتذر منه ، ولکن إن أحبّ عثمان أتیته». فرجعوا إلی عثمان فأخبروه ، فأرسل عثمان إلیه فأتاه ومعه بنو هاشم ، فتکلّم علیّ علیه السلام فحمد الله وأثنی علیه ثمّ قال : «أمّا ما وجدت علیّ فیه من کلام أبی ذر ووداعه فو الله ما أردت مساءتک ولا الخلاف علیک ولکن أردت به قضاء حقّه. وأمّا مروان فإنّه اعترض یرید ردّی عن قضاء حقّ الله عزّ وجلّ فرددته ، ردّ مثلی مثله ، وأمّا ما کان منّی إلیک فإنّک أغضبتنی فأخرج الغضب منّی ما لم أرده». ف)

ص: 426


1- یعنی مصر والبصرة ، کان والی مصر عبد الله بن سعد بن أبی سرح أخا عثمان من الرضاعة ، وکان علی البصرة عبد الله بن عامر ابن خاله کما مرّ : ص 290. (المؤلف)

فتکلّم عثمان فحمد الله وأثنی علیه ثمّ قال : أمّا ما کان منک إلیّ فقد وهبته لک ، وأمّا ما کان منک إلی مروان فقد عفا الله عنک ، وأمّا ما حلفت علیه فأنت البرُّ الصادق ، فأدنِ یدک. فأخذ یده فضمّها إلی صدره ، فلمّا نهض قالت قریش وبنو أُمیّة لمروان : أأنت رجل جبهک علیُّ وضرب راحلتک؟ وقد تفانت وائل فی ضرع ناقة ، وذبیان وعبس فی لطمة فرس ، والأوس والخزرج فی نسعة (1) أفتحمل لعلیّ علیه السلام ما أتاه إلیک؟ فقال مروان : والله لو أردت ذلک لما قدرت علیه.

فقال ابن أبی الحدید (2) : واعلم أنّ الذی علیه أکثر أرباب السیرة وعلماء الأخبار والنقل أنّ عثمان نفی أبا ذر أوّلاً إلی الشام ثمّ استقدمه إلی المدینة لمّا شکا منه معاویة ، ثمّ نفاه من المدینة إلی الربذة لمّا عمل بالمدینة نظیر ما کان یعمل بالشام.

أصل هذه الواقعة : أنّ عثمان لمّا أعطی مروان بن الحکم وغیره بیوت الأموال واختصّ زید بن ثابت بشیء منها ، جعل أبو ذر یقول بین الناس وفی الطرقات والشوارع : بشّر الکانزین (3) بعذاب ألیم ، ویرفع بذلک صوته ویتلو قوله تعالی : (وَالَّذِینَ یَکْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا یُنْفِقُونَها فِی سَبِیلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِیمٍ). فرفع ذلک إلی عثمان مراراً وهو ساکت. ثمّ إنّه أرسل إلیه مولی من موالیه أن انتهِ عمّا بلغنی عنک ، فقال أبو ذر : أینهانی عثمان عن قراءة کتاب الله تعالی ، وعیب من ترک أمر الله تعالی؟ فو الله لأن أُرضی الله بسخط عثمان أحبّ إلیّ وخیر لی من أن أُسخط الله برضا عثمان ، فأغضب عثمان ذلک وأحفظه فتصابر وتماسک ، إلی أن قال عثمان یوماً والناس حوله : أیجوز للإمام أن یأخذ من المال شیئاً قرضاً فإذا أیسر قضی؟ فقال کعب الأحبار : لا بأس بذلک. فقال أبو ذر : یا ابن الیهودیّین أتعلّمنا دیننا؟ فقالف)

ص: 427


1- النسعة - بکسر النون - : حبل عریض طویل تشدّ به الرحال. (المؤلف)
2- شرح نهج البلاغة : 8 / 255 خطبة 130.
3- فی النسخة : الکافرین. والصحیح کما مرّ عن البلاذری [فی الأنساب : 5 / 52]. (المؤلف)

عثمان : قد کثر أذاک لی وتولّعک بأصحابی ، الحق بالشام. فأخرجه إلیها ، فکان أبو ذر ینکر علی معاویة أشیاء یفعلها فبعث إلیه معاویة یوماً ثلاثمائة دینار ، فقال أبو ذر لرسوله : إن کانت من عطائی الذی حرمتمونیه عامی هذا أقبلها ، وإن کانت صلة فلا حاجة لی فیها. وردّها علیه. ثمّ بنی معاویة الخضراء بدمشق فقال أبو ذر : یا معاویة إن کانت هذه من مال الله فهی الخیانة ، وإن کانت من مالک فهی الإسراف ، وکان أبو ذر یقول بالشام : والله لقد حدثت أعمال ما أعرفها ، والله ما هی فی کتاب الله ولا سنّة نبیّه صلی الله علیه وآله وسلم ، والله إنّی لأری حقّا یُطفأ ، وباطلاً یُحیا ، وصادقاً مکذّباً ، وأثرةً بغیر تقی ، وصالحاً مستأثراً علیه. فقال حبیب بن مسلمة الفهری لمعاویة : إنّ أبا ذر لمفسد علیکم الشام فتدارک أهله إن کان لک فیه حاجة.

وروی شیخنا أبو عثمان الجاحظ فی کتاب السفیانیّة عن جلام بن جندل الغفاری قال : کنت غلاماً لمعاویة علی قنسرین والعواصم فی خلافة عثمان ، فجئت إلیه یوماً أسأله عن حال عملی إذ سمعت صارخاً علی باب داره یقول : أتتکم القطار تحمل النار ، اللهمّ العن الآمرین بالمعروف والتارکین له ، اللهمّ العن الناهین عن المنکر المرتکبین له. فازبأرّ (1) معاویة وتغیّر لونه وقال : یا جلام أتعرف الصارخ؟ فقلت : اللهمّ لا. قال : من عَذیری من جندب بن جنادة یأتینا کلّ یوم فیصرخ علی باب قصرنا بما سمعت ، ثمّ قال : ادخلوه علیّ ، فجیء بأبی ذر بین قوم یقودونه حتی وقف بین یدیه ، فقال له معاویة : یا عدوّ الله وعدوّ رسوله تأتینا فی کلّ یوم فتصنع ما تصنع ، أما إنّی لو کنت قاتل رجل من أصحاب محمد من غیر إذن أمیر المؤمنین عثمان لقتلتک ولکنّی أستأذن فیک. قال جلام : وکنت أُحبُّ أن أری أبا ذر لأنّه رجل من قومی ، فالتفتّ إلیه فإذا رجل أسمر ضرب (2) من الرجال خفیف العارضین فی ظهره ف)

ص: 428


1- ازبأرّ الرجل ازبئراراً : تهیّأ للشرّ. (المؤلف)
2- الضرب : الرجل الماضی الندب. (المؤلف)

حناء (1) ، فأقبل علی معاویة وقال : ما أنا بعدوّ لله ولا لرسوله ، بل أنت وأبوک عدوّان لله ولرسوله ، أظهرتما الإسلام وأبطنتما الکفر ، ولقد لعنک رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ودعا علیک مرّات أن لا تشبع ، سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول : «إذا ولی الأُمّة الأَعْیَن (2) الواسع البلعوم الذی یأکل ولا یشبع فلتأخذ الأُمّة حذرها منه» (3). فقال معاویة : ما أنا ذاک الرجل. قال أبو ذر : بل أنت ذلک الرجل أخبرنی بذلک رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وسمعته یقول وقد مررت به : «اللهمّ العنه ولا تشبعه إلاّ بالتراب». وسمعته صلی الله علیه وآله وسلم یقول : «است معاویة فی النار». فضحک معاویة وأمر بحبسه ، وکتب إلی عثمان فیه ، فکتب عثمان إلی معاویة : أن احمل جندباً إلیّ علی أغلظ مرکب وأوعره ، فوجّه به مع من سار به اللیل والنهار وحمله علی شارف لیس علیها إلاّ قتب حتی قدم به المدینة وقد سقط لحم فخذیه من الجهد.

فلمّا قدم بعث إلیه عثمان : الحق بأیّ أرض شئت قال : بمکة؟ قال : لا. قال : بیت المقدس؟ قال : لا. قال : بأحد المصرین؟ قال : لا ، ولکنی مسیّرک إلی الربذة ، فسیّره إلیها ، فلم یزل بها حتی مات.

وفی روایة الواقدی : أنّ أبا ذر لمّا دخل علی عثمان قال له :

لا أنعمَ اللهُ بقَینٍ عینا

نعم ولا لقّاه یوماً زینا

تحیّة السخط إذا التقینا ف)

ص: 429


1- کذا فی الطبعة التی اعتمدها المؤلف ، وفی الطبعة المعتمدة لدینا : فی ظهره جنأ. والجنأ : إشراف الکاهل علی الصدر.
2- فی لفظ الحدیث سقط کما لا یخفی [والأَعْیَن هو واسع العین ، ویبدو أن سیاق الحدیث متماسک]. (المؤلف)
3- وفی حدیث علیّ علیه السلام : «لا یذهب أمر هذه الأُمّة إلاّ علی رجل واسع السرم ، ضخم البلعوم» ذکره ابن الأثیر فی النهایة : 1 / 112 [2 / 362] ، لسان العرب : 14 / 322 [6 / 248] ، تاج العروس : 8 / 206. (المؤلف)

فقال أبو ذر : ما عرفت اسمی قیناً قطُّ. وفی روایة أخری : لا أنعم الله بک عیناً یا جنیدب. فقال أبو ذر : أنا جندب وسمّانی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم عبد الله ، فاخترت اسم رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم الذی سمّانی به علی اسمی ، فقال له عثمان : أنت الذی تزعم أنّا نقول : ید الله مغلولة وأنّ الله فقیر ونحن أغنیاء؟ فقال أبو ذر : لو کنتم لا تقولون هذا لأنفقتم مال الله علی عباده ، ولکنّی أشهد أنّی سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول : «إذا بلغ بنو أبی العاص ثلاثین رجلاً جعلوا مال الله دولاً ، وعباده خولاً ، ودینه دخلاً». فقال عثمان لمن حضر : أسمعتموها من رسول الله؟ قالوا : لا. قال عثمان : ویلک یا أبا ذر أتکذب علی رسول الله؟ فقال أبو ذر لمن حضر : أما تدرون أنّی صدقت؟ قالوا : لا والله ما ندری. فقال عثمان : ادعوا لی علیّا. فلمّا جاء قال عثمان لأبی ذر : اقصص علیه حدیثک فی بنی أبی العاص. فأعاده ، فقال عثمان لعلیّ علیه السلام : أسمعت هذا من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم؟ قال : «لا وقد صدق أبو ذر» فقال : کیف عرفت صدقه؟ قال : لأنّی سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول : «ما أظلّت الخضراء ولا أقلّت الغبراء من ذی لهجة أصدق من أبی ذر» فقال من حضر : أمّا هذا فسمعناه کلّنا من رسول الله. فقال أبو ذر : أحدّثکم أنّی سمعت هذا من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فتتّهموننی؟ ما کنت أظنُّ أنّی أعیش حتی أسمع هذا من أصحاب محمد صلی الله علیه وآله وسلم.

وروی الواقدی فی خبر آخر بإسناده عن صهبان مولی الأسلمیین ، قال : رأیت أبا ذر یوم دخل به علی عثمان فقال له : أنت الذی فعلت وفعلت؟ فقال أبو ذر : نصحتک فاستغشتنی ونصحت صاحبک فاستغشّنی. قال عثمان : کذبت ولکنّک ترید الفتنة وتحبّها وقد أنغلت الشام علینا. قال له أبو ذر : اتّبع سنّة صاحبیک لا یکن لأحد علیک کلام. فقال عثمان : مالک وذلک لا أُمّ لک؟ قال أبو ذر : والله ما وجدت لی عذراً إلاّ الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر. فغضب عثمان وقال : أشیروا علیّ فی هذا الشیخ الکذّاب ، إمّا أن أضربه أو أحبسه أو أقتله ، فإنّه قد فرّق جماعة المسلمین ، أو أنفیه من أرض الإسلام. فتکلّم علیّ علیه السلام وکان حاضراً فقال : «أُشیر علیک بما

ص: 430

قال مؤمن آل فرعون : (وَإِنْ یَکُ کاذِباً فَعَلَیْهِ کَذِبُهُ وَإِنْ یَکُ صادِقاً یُصِبْکُمْ بَعْضُ الَّذِی یَعِدُکُمْ إِنَّ اللهَ لا یَهْدِی مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ کَذَّابٌ). فأجابه عثمان بجواب غلیظ وأجابه علیّ علیه السلام بمثله ولم نذکر الجوابین تذمّماً منهما.

قال الواقدی : ثمّ إنّ عثمان حظر علی الناس أن یقاعدوا أبا ذر ویکلّموه فمکث کذلک أیّاماً ثمّ أُتی به فوقف بین یدیه ، فقال أبو ذر : ویحک یا عثمان أما رأیت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ورأیت أبا بکر وعمر؟ هل هدیک کهدیهم؟ أما إنّک لتبطش بی بطش جبّار. فقال عثمان : اخرج عنّا من بلادنا. فقال أبو ذر : ما أبغض إلیّ جوارک! فإلی أین أخرج؟ قال : حیث شئت. قال : أخرج إلی الشام أرض الجهاد. قال : إنّما جلبتک من الشام لما قد أفسدتها ، أفأردّک إلیها؟ قال : أفأخرج إلی العراق؟ قال : لا إنّک إن تخرج إلیها تقدم علی قوم أُولی شقّة (1) وطعن علی الأئمّة والولاة. قال : أفأخرج إلی مصر؟ قال : لا ، قال : فإلی أین أخرج؟ قال : إلی البادیة. قال أبو ذر : أصیر بعد الهجرة أعرابیّا؟ قال : نعم. قال أبو ذر : فأخرج إلی بادیة نجد. قال عثمان : بل إلی الشرق الأبعد أقصی فأقصی ، امض علی وجهک هذا فلا تَعدُوَنّ الربذة ، فخرج إلیها.

وروی الواقدی أیضاً عن مالک بن أبی الرجال ، عن موسی بن میسرة : أنّ أبا الأسود الدؤلی قال : کنت أُحبُّ لقاء أبی ذر لأسأله عن سبب خروجه إلی الربذة ، فجئته فقلت له : ألا تخبرنی : أخرجت من المدینة طائعاً أم أُخرجت کرهاً؟ فقال : کنت فی ثغرٍ من ثغور المسلمین أغنی عنهم فأُخرجت إلی المدینة ، فقلت : دار هجرتی وأصحابی ، فأُخرجت من المدینة إلی ما تری ، ثمّ قال : بینا أنا ذات لیلة نائم فی المسجد علی عهد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إذ مرّ بی علیه السلام فضربنی برجله وقال : «لا أراک نائماً فی المسجد» فقلت : بأبی أنت وأُمّی غلبتنی عینی ه.

ص: 431


1- فی شرح النهج : أُولی شُبَه.

فنمت فیه. قال : «فکیف تصنع إذا أخرجوک منه؟» قلت : إذاً ألحق بالشام فإنّها أرض مقدّسة وأرض الجهاد. قال : «فکیف تصنع إذا أخرجت منها؟» قلت : أرجع إلی المسجد قال : «فکیف تصنع إذا أخرجوک منه؟» قلت : آخذ سیفی فأضربهم به ، فقال : «ألا أدلُّک علی خیر من ذلک؟ انسَق (1) معهم حیث ساقوک وتسمع وتطیع». فسمعت وأطعت وأنا أسمع وأُطیع ، والله لیلقینّ الله عثمان وهو آثم فی جنبی.

ثمّ ذکر ابن أبی الحدید الخلاف فی أمر أبی ذر ، وحکی عن أبی علی حدیث البخاری الذی أسلفناه (ص 295) فقال : ونحن نقول : هذه الأخبار وإن کانت قد رویت لکنّها لیست فی الاشتهار والکثرة کتلک الأخبار ، والوجه أن یقال فی الاعتذار عن عثمان وحسن الظنّ بفعله : إنّه خاف الفتنة واختلاف کلمة المسلمین فغلب علی ظنّه أنّ إخراج أبی ذر إلی الربذة أحسم للشغب وأقطع لأطماع من یشرئبُّ إلی شقّ العصا ، فأخرجه مراعاةً للمصلحة ومثل ذلک یجوز للإمام ، هکذا یقول أصحابنا المعتزلة وهو الألیق بمکارم الأخلاق ، فقد قال الشاعر :

إذا ما أتت من صاحبٍ لک زلّةٌ

فکن أنت محتالاً لزلّته عذرا

وإنّما یتأوّل أصحابنا لمن یحتمل حاله التأویل کعثمان ، فأمّا من لم یحتمل حاله التأویل وإن کانت له صحبة سالفة کمعاویة وأضرابه فإنّهم لا یتأوّلون لهم ، إذا کانت أفعالهم وأحوالهم لا وجه لتأویلها ولا تقبل العلاج والإصلاح. انتهی.

من المستصعب جدّا التفکیک بین الخلیفتین وبین أعمالهم ، فأنّهما من شجرةٍ واحدة ، وهما فی العمل صنوان ، لا یشذّ أحدهما عن الآخر ، فتربّص حتی حین ، وسنوقفک علی جلیّة الحال. ق.

ص: 432


1- فعل أمر من : إنساق ینساق.

ایمان ابی ذر و سیرته

هلمّ معی إلی نظارة التنقیب

قال الأمینی : هل تعرف موقف أبی ذر الغفاری من الإیمان ، وثباته علی المبدأ ، ومحلّه من الفضل ، ومبلغه من العلم ، ومقامه من الصدق ، ومُبوّأه من الزهد ، ومُرتقاه من العظمة ، وخشونته فی ذات الله ، ومکانته عند صاحب الرسالة الخاتمة؟ فإن کنت لا تعرف فإلی الملتقی.

تعبّده قبل البعثة ، سبقه فی الإسلام ، ثباته علی المبدأ

1 - أخرج ابن سعد فی الطبقات (1) (4 / 161) من طریق عبد الله بن الصامت قال : قال أبو ذر : صلّیت قبل الإسلام قبل أن ألقی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ثلاث سنین. فقلت : لمن؟ قال : لله. فقلت : أین توجّه (2)؟ قال : أتوجّه حیث یوجّهنی الله.

وأخرج من طریق أبی معشر نجیح قال : کان أبو ذر یتألّه فی الجاهلیّة ویقول : لا إله إلاّ الله ، ولا یعبد الأصنام ، فمرّ علیه رجل من أهل مکة بعد ما أُوحی إلی النبی صلی الله علیه وآله وسلم فقال : یا أبا ذر إنّ رجلاً بمکة یقول مثل ما تقول : لا إله إلاّ الله. ویزعم أنّه نبیّ. وذکر حدیث إسلامه (3) (ص 164).

وفی صحیح مسلم فی المناقب (4) (7 / 153) ، بلفظ ابن سعد الأوّل ، وفی (ص 155) بلفظ : صلّیت سنتین قبل مبعث النبیّ ، قال : قلت : فأین کنت توجّه؟ قال : حیث وجّهنی الله.

ص: 433


1- الطبقات الکبری : 4 / 220. وفیه : صلّیت یا ابن أخی قبل أن ...
2- فعل مضارع للمفرد المخاطب ، وأصله : تتوجه ، فحذفت تاء المضارعة للتخفیف.
3- الطبقات الکبری : 4 / 222 - 223.
4- صحیح مسلم : 5 / 72 ح 132 کتاب فضائل الصحابة ص 76.

وفی لفظ أبی نعیم فی الحلیة (1 / 157) : یا ابن أخی صلّیت قبل الإسلام بأربع سنین. وذکره ابن الجوزی فی صفوة الصفوة (1) (1 / 238).

وفی حدیث أخرجه ابن عساکر فی تاریخه (2) (7 / 218) : أخذ أبو بکر بید أبی ذر وقال : یا أبا ذر هل کنت تتألّه فی جاهلیّتک؟ قال : نعم ، لقد رأیتنی أقوم عند الشمس ، فما أزال مصلّیاً حتی یؤذینی حرّها فأخرّ کأنّی خفاء ، فقال : فأین کنت تتوجّه؟ قال : لا أدری إلاّ حیث وجّهنی الله.

2 - أخرج ابن سعد فی الطبقات (3) (4 / 161) من طریق أبی ذر قال : کنت فی الإسلام خامساً. وفی لفظ أبی عمر وابن الأثیر : أسلم بعد أربعة. وفی لفظ آخر : یقال : أسلم بعد ثلاثة. ویقال : بعد أربعة. وفی لفظ الحاکم : کنت ربع الإسلام ، أسلم قبلی ثلاثة نفر وأنا الرابع. وفی لفظ أبی نعیم : کنت رابع الإسلام ، أسلم قبلی ثلاثة وأنا الرابع. وفی لفظ المناوی : أنا رابع الإسلام. وفی لفظ ابن سعد من طریق ابن أبی وضّاح البصری : کان إسلام أبی ذر رابعاً أو خامساً.

راجع (4) : حلیة الأولیاء (1 / 157) ، مستدرک الحاکم (3 / 342) الاستیعاب (1 / 83 و 2 / 664) ، أُسد الغابة (5 / 186) ، شرح الجامع الصغیر للمناوی (5 / 423) ، الإصابة (4 / 63).

3 - أخرج ابن سعد فی الطبقات (5) (4 / 161) من طریق أبی ذر قال : کنت أوّل 1.

ص: 434


1- صفة الصفوة : 1 / 585 رقم 64. وفیه : قبل أن القی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بثلاث سنین.
2- تاریخ مدینة دمشق : 26 / 227 رقم 3075 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 11 / 351.
3- الطبقات الکبری : 4 / 224.
4- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 385 ح 5459 ، الاستیعاب : القسم الأول / 252 رقم 339 ، والقسم الرابع / 1653 رقم 2944 ، أُسد الغابة : 1 / 357 رقم 800.
5- الطبقات الکبری : 4 / 221.

من حیّاه صلی الله علیه وآله وسلم بتحیّة الإسلام فقلت : السلام علیک یا رسول الله ، فقال : وعلیک ورحمة الله. وفی لفظ أبی نعیم : انتهیت إلی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم حین قضی صلاته ، فقلت : السلام علیک ، فقال : «وعلیک السلام».

وأخرجه مسلم فی المناقب من الصحیح (1) (7 / 154 ، 155) ، وأبو نعیم فی الحلیة (1 / 159) ، وأبو عمر فی الاستیعاب (2) (2 / 664).

4 - أخرج ابن سعد والشیخان فی الصحیحین من طریق ابن عبّاس واللفظ للأوّل قال : لمّا بلغه أنّ رجلاً خرج بمکة یزعم أنّه نبی أرسل أخاه فقال : اذهب فائتنی بخبر هذا الرجل وبما تسمع منه. فانطلق الرجل حتی أتی مکة فسمع من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فرجع إلی أبی ذر ، فأخبره أنّه یأمر بالمعروف وینهی عن المنکر ویأمر بمکارم الأخلاق. فقال أبو ذر : ما شفیتنی. فخرج أبو ذر ومعه شنّة (3) فیها ماؤه وزاده حتی أتی مکة ، ففرق أن یسأل أحداً عن شیء ولمّا یلقَ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، فأدرکه اللیل فبات فی ناحیة المسجد ، فلمّا أعتَمَ (4) مرّ به علیّ فقال : ممّن الرجل؟ قال : رجل من بنی غفار. قال : قم إلی منزلک. قال : فانطلق به إلی منزله ، ولم یسأل واحد منهما صاحبه عن شیء. وغدا أبو ذر یطلب ، فلم یَلقَه وکره أن یسأل أحداً عنه ، فعاد فنام حتی أمسی ، فمرّ به علیّ فقال : أما آن للرجل أن یعرف منزله؟ فانطلق به فبات حتی أصبح لا یسأل واحد منهما صاحبه عن شیء ، فأصبح الیوم الثالث فأخذ علی علیّ لئن أفشی إلیه الذی یرید لیکتمنّ علیه ولیسترنه ، ففعل فأخبره أنّه بلغه خروج هذا الرجل یزعم أنّه نبیّ ، فأرسلت أخی لیأتینی بخبره وبما سمع منه ، فلم یأتنی بما یشفینی من حدیثه ، فجئت بنفسی لألقاه ، فقال له علیّ : إنّی غادٍ فاتّبع أثری ، فإنّی إن ل.

ص: 435


1- صحیح مسلم : 5 / 74 ، 76 ح 132 کتاب فضائل الصحابة.
2- الاستیعاب : القسم الرابع / 1654 رقم 2944.
3- الشنّة : الخَلَقُ من کل آنیة صُنعت من جلد.
4- من العتمة : وهی دخول اللیل.

رأیتُ ما أخاف علیک اعتللتُ بالقیام کأنّی أُهریق الماء فآتیک ، وإن لم أرَ أحداً فاتّبع أثری حتی تدخل حیث أدخل. ففعل حتی دخل علی أثر علیّ علی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فأخبره الخبر وسمع قول رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فأسلم من ساعته ، ثمّ قال : یا نبیّ الله ما تأمرنی؟ قال : «ترجع إلی قومک حتی یبلغک أمری» قال : فقال له : والذی نفسی بیده لا أرجع حتی أصرخ بالإسلام فی المسجد. قال : فدخل المسجد فنادی بأعلی صوته : أشهد أن لا إله إلاّ الله ، وأنّ محمداً عبده ورسوله صلی الله علیه وآله وسلم. قال : فقال المشرکون : صبأ الرجل ، صبأ الرجل ، فضربوه حتی صرع ، فأتاه العبّاس فأکبّ علیه وقال : قتلتم الرجل ، یا معشر قریش أنتم تجّار وطریقکم علی غفار فتریدون أن یقطع الطریق؟ فأمسکوا عنه. ثمّ عاد الیوم الثانی فصنع مثل ذلک ثمّ ضربوه حتی صُرع ، فأکبّ علیه العباس وقال لهم مثل ما قال فی أوّل مرّة ، فأمسکوا عنه.

وذکر ابن سعد فی حدیث إسلامه : ضربه لإسلامه فتیة من قریش فجاء إلی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فقال : یا رسول الله أمّا قریش فلا أدعهم حتی أثأر منهم ، ضربونی. فخرج حتی أقام بعُسفان ، وکلّما أقبلت عِیر لقریش یحملون الطعام ینفّر بهم علی ثنیّة غزال (1) فتلقّی أحمالها فجمعوا الحِنَط (2). فقال لقومه : لا یمسُّ أحد حبّة حتی تقولوا : لا إله إلا الله. فیقولون لا إله إلاّ الله ، ویأخذون الغرائر.

راجع (3) طبقات ابن سعد (4 / 165 ، 166) ، صحیح البخاری کتاب المناقب باب إسلام أبی ذر (6 / 24) ، صحیح مسلم کتاب المناقب (7 / 156) ، دلائل النبوّة لأبی نعیم (2 / 86) ، حلیة الأولیاء له (1 / 159) ، مستدرک الحاکم (3 / 338) ، الاستیعاب (2 / 664). 4.

ص: 436


1- بینها وبین الجحفة ثلاثة أودیة.
2- الحِنَط : جمع حنطة.
3- الطبقات الکبری : 4 / 223 - 225 ، صحیح البخاری : 3 / 1294 ح 3328 ، صحیح مسلم : 5 / 76 ح 132 ، دلائل النبوة : 1 / 336 ح 197 ، المستدرک علی الصحیحین : 3 / 382 ح 5456 ، الاستیعاب : القسم الرابع / 1653 رقم 2944.

وأخرج أبو نعیم فی الحلیة (1 / 158) من طریق ابن عبّاس عن أبی ذر ، قال : أقمت مع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بمکة فعلّمنی الإسلام وقرأت من القرآن شیئاً ، فقلت : یا رسول الله إنّی أُرید أن أُظهر دینی. فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «إنّی أخاف علیک أن تُقتل». قلت : لا بد منه وإن قُتلت. قال : فسکت عنّی ، فجئت وقریش حلق یتحدّثون فی المسجد ، فقلت : أشهد أن لا إله إلاّ الله ، وأنّ محمداً رسول الله. فانتقضت الحلق ، فقاموا فضربونی حتی ترکونی کأنّی نصب أحمر ، وکانوا یرون أنّهم قد قتلونی. فأفقت فجئت إلی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فرأی ما بی من الحال فقال لی : «ألم أنهک؟» فقلت : یا رسول الله کانت حاجة فی نفسی فقضیتها ، فأقمت مع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فقال : «الحق بقومک فإذا بلغک ظهوری فأتِنی».

وأخرج من طریق عبد الله بن الصامت قال : قال لی أبو ذر رضی الله عنه : قدمت مکة فقلت : أین الصابئ؟ فقالوا : الصابئ الصابئ. فأقبلوا یرموننی بکلّ عظم وحجر حتی ترکونی مثل النصب الأحمر.

وأخرجه أحمد فی المسند (1) (5 / 174) بصورة مفصّلة ، ومسلم فی المناقب (2) ، والطبرانی (3) کما فی مجمع الزوائد (9 / 328).

حدیث علمه :

1 - أخرج ابن سعد فی الطبقات الکبری (4) (5 / 170) طبع لیدن من طریق زاذان سُئل علیّ عن أبی ذر فقال : «وعی علماً عجز فیه ، وکان شحیحاً حریصاً ، [شحیحاً] علی دینه ، حریصاً علی العلم ، وکان یکثر السؤال فیُعطی ویُمنَع ، أما أن قد ه.

ص: 437


1- مسند أحمد : 6 / 221 ح 21015.
2- صحیح مسلم : 5 / 72 ح 132.
3- المعجم الأوسط : 3 / 367 ح 2785.
4- الطبقات الکبری : 4 / 232. وما بین المعقوفین منه.

ملئ له فی وعائه حتی امتلأ».

وقال أبو عمر : روی عنه جماعة من الصحابة وکان من أوعیة العلم المبرّزین فی الزهد والورع والقول بالحقّ ، سُئل علیّ عن أبی ذر فقال : «ذلک رجل وعی علماً عجز عنه الناس ، ثمّ أوکأ فیه فلم یُخرج شیئاً منه». الاستیعاب (1) (1 / 83 و 2 / 664).

وحدیث علیّ علیه السلام ذکره ابن الأثیر فی أُسد الغابة (2) (5 / 186) ، والمناوی فی شرح الجامع الصغیر (5 / 423) ولفظه : «وعاء ملئ علماً ثمّ أوکأ علیه» ، وابن حجر فی الإصابة (4 / 64) وقال : أخرجه أبو داود بسند جیّد.

2 - أخرج (3) المحاملی فی أمالیه والطبرانی من طریق أبی ذر قال : ما ترک رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم شیئاً ممّا صبّه جبرئیل ومیکائیل فی صدره إلاّ وقد صبّه فی صدری. الحدیث. مجمع الزوائد (9 / 330) ، الإصابة (3 / 484).

قال أبو نعیم فی الحلیة (1 / 156) : العابد الزهید ، القانت الوحید ، رابع الإسلام ورافض الأزلام قبل نزول الشرع والأحکام ، تعبّد قبل الدعوة بالشهور والأعوام ، وأوّل من حیّا الرسول بتحیّة الإسلام ، لم یکن تأخذه فی الحقّ لائمة اللوّام ، ولا تفزعه سطوة الولاة والحکّام ، أوّل من تکلّم فی علم البقاء والفناء (4) ، وثبت علی المشقّة والعناء ، وحفظ العهود والوصایا ، وصبر علی المحن والرزایا ، واعتزل مخالطة البرایا ، إلی أن حلّ بساحة المنایا ؛ أبو ذر الغفار یرضی الله عنه. خدم الرسول ، وتعلّم الأُصول ، ونبذ الفضول. ر.

ص: 438


1- الاستیعاب : القسم الاول / 255 رقم 339 ، والقسم الرابع / 1655 رقم 2944. وفیه : ثم أوکأ علیه.
2- أُسد الغابة : 6 / 101 رقم 5862.
3- أمالی المحاملی : ص 100 - 101 ح 60 ، المعجم الکبیر : 2 / 149 ح 1624.
4- هذه الکلمة غیر موجودة فی المصدر.

وفی (ص 169) : قال الشیخ رحمه الله تعالی : کان أبو ذر رضی الله تعالی عنه للرسول صلی الله علیه وآله وسلم ملازماً وجلیساً ، وعلی مساءلته والاقتباس منه حریصاً ، وللقیام علی ما استفاد منه أنیساً ، سأله عن الأُصول والفروع ، وسأله عن الإیمان والإحسان ، وسأله عن رؤیة ربّه تعالی ، وسأله عن أحبّ الکلام إلی الله تعالی ، وسأله عن لیلة القدر أترفع مع الأنبیاء أم تبقی؟ وسأله عن کلّ شیء حتی [عن] (1) مسّ الحصی فی الصلاة. ثمّ أخرج من طریق عبد الرحمن بن أبی لیلی عن أبی ذر قال : سألت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم عن کلّ شیء حتی سألته عن مسّ الحصی. فقال : «مسّه مرّة أودع».

وأخرج أحمد فی المسند (2) (5 / 163) عن أبی ذر قال : سألت النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم عن کلّ شیء حتی سألته عن مسح الحصی فقال : «واحدة أو دع».

وقال ابن حجر فی الإصابة (4 / 64) : کان یوازی ابن مسعود فی العلم.

حدیث صدقه وزهده :

1 - أخرج ابن سعد والترمذی من طریق عبد الله بن عمرو بن العاص ، وعبد الله بن عمر ، وأبی الدرداء مرفوعاً : «ما أظلّت الخضراء ولا أقلّت الغبراء أصدق من أبی ذر».

وأخرج الترمذی بلفظ : «ما أظلّت الخضراء ولا أقلّت الغبراء من ذی لهجة أصدق ولا أوفی من أبی ذر ، شبه عیسی بن مریم». فقال عمر بن الخطّاب کالحاسد : یا رسول الله أفنعرّف ذلک له؟ قال : «نعم فاعرفوه له».

وفی لفظ الحاکم : «ما تقلُّ الغبراء ولا تظلُّ الخضراء من ذی لهجة أصدق 5.

ص: 439


1- من الحلیة.
2- مسند أحمد : 6 / 205 ح 20935.

ولا أوفی من أبی ذر شبیه عیسی بن مریم». فقام عمر بن الخطّاب فقال : یا رسول الله فنعرف ذلک له؟ قال : «نعم فاعرفوه له».

وفی لفظ ابن ماجة من طریق عبد الله بن عمرو : «ما أظلّت الخضراء ، ولا أقلّت الغبراء بعد النبیّین أصدق من أبی ذر».

وفی لفظ أبی نعیم من طریق أبی ذر : «ما تظلُّ الخضراء ولا تقلُّ الغبراء علی ذی لهجة أصدق من أبی ذر شبیه ابن مریم».

وفی لفظ ابن سعد من طریق أبی هریرة : «ما أظلّت الخضراء ولا أقلّت الغبراء علی ذی لهجة أصدق من أبی ذر ، من سرّه أن ینظر إلی تواضع عیسی بن مریم فلینظر إلی أبی ذر».

وفی لفظ لأبی نعیم : «أشبه الناس بعیسی نسکاً وزهداً وبرّا».

وفی لفظٍ من طریق الهجنع بن قیس : «ما أظلّت الخضراء ولا أقلّت الغبراء علی ذی لهجة أصدق من أبی ذر ثمّ رجل بعدی ، من سرّه أن ینظر إلی عیسی بن مریم زهداً وسمتاً فلینظر إلی أبی ذر».

وفی لفظٍ من طریق علیّ علیه السلام : «ما أظلّت الخضراء ولا أقلّت الغبراء من ذی لهجة أصدق من أبی ذر ، یطلب شیئاً من الزهد عجز عنه الناس».

وفی لفظٍ من طریق أبی هریرة : «ما أظلّت الخضراء ولا أقلّت الغبراء من ذی لهجة أصدق من أبی ذر ؛ فإذا أردتم أن تنظروا إلی أشبه الناس بعیسی بن مریم هدیاً وبرّا ونسکاً فعلیکم به».

وفی لفظٍ من طریق أبی الدرداء : «ما أظلّت الخضراء ولا أقلّت الغبراء من ذی لهجة أصدق من أبی ذر».

وفی لفظ ابن سعد من طریق مالک بن دینار : «ما أظلّت الخضراء ولا أقلّت

ص: 440

الغبراء علی ذی لهجة أصدق من أبی ذر ، من سرّه أن ینظر إلی زهد عیسی بن مریم فلینظر إلی أبی ذر».

أخرجه علی اختلاف ألفاظه : ابن سعد ، الترمذی ، ابن ماجة ، أحمد ، ابن أبی شیبة (1) ، ابن جریر (2) ، أبو عمر ، أبو نعیم ، البغوی ، الحاکم ، ابن عساکر (3) الطبرانی (4) ، ابن الجوزی.

راجع طبقات ابن سعد (5) (4 / 167 ، 168) طبع لیدن ، صحیح الترمذی (2 / 221) ، سنن ابن ماجة (1 / 68) ، مسند أحمد (2 / 163 ، 175 ، 223 و 5 / 197 و 6 / 442) ، مستدرک الحاکم (3 / 342) صحّحه وأقرّه الذهبی ، و (4 / 480) صحّحه أیضاً وأقرّه الذهبی ، مصابیح السنّة (2 / 228) ، صفة الصفوة (1 / 240) ، الاستیعاب (1 / 84) ، تمییز الطیّب لابن الدّیبع (ص 137) ، مجمع الزوائد (9 / 329) ، الإصابة لابن حجر (3 / 622 و 4 / 64) ، الجامع الصغیر للسیوطی من عدّة طرق ، شرح الجامع الصغیر للمناوی (5 / 423) فقال : قال الذهبی : سنده جیّد وقال الهیثمی : رجال أحمد وُثّقوا وفی بعضهم خلاف ، کنز العمّال (6 / 169 و 8 / 15 - 17). 8.

ص: 441


1- مصنّف ابن أبی شیبة : 12 / 124 ح 2315 - 2317.
2- تهذیب الآثار : ص 158 ح 18 من مسند علیّ بن أبی طالب علیه السلام.
3- مختصر تاریخ دمشق : 28 / 290.
4- المعجم الکبیر : 2 / 149 ح 1625.
5- الطبقات الکبری : 4 / 228 ، سنن الترمذی : 5 / 628 ح 3801 - 3802 ، سنن ابن ماجة : 1 / 55 ح 156 ، مسند أحمد : 2 / 347 ح 6483 ، ص 366 ح 6593 ، ص 446 ح 7038 و 6 / 255 ح 21217 و 7 / 595 ح 26947 ، المستدرک علی الصحیحین : 3 / 385 ح 5460 و 4 / 526 - 527 ح 8478 وکذا فی تلخیصه ، مصابیح السنّة : 4 / 220 ح 4897 ، ص 221 ح 4898 ، صفة الصفوة : 1 / 590 رقم 64 ، الاستیعاب : القسم الأول / 255 رقم 339 ، تمییز الطیّب من الخبیث : ص 159 ح 1173 ، الجامع الصغیر : 2 / 485 ح 7825 ، کنز العمّال : 11 / 666 - 668 ح 33221 - 33222 ، 33225 - 33229 و 13 / 316 ح 36898.

2 - أخرج الترمذی فی صحیحه (1) (2 / 221) مرفوعاً : «أبو ذر یمشی فی الأرض بزهد عیسی بن مریم علیه السلام».

وفی لفظ أبی عمر فی الاستیعاب (2 / 664): «أبو ذر فی أُمّتی علی زهد عیسی ابن مریم» وفی (1 / 84) : «أبو ذر فی أُمّتی شبیه عیسی بن مریم فی زهده». وبلفظ : «من سرّه أن ینظر إلی تواضع عیسی بن مریم فلینظر إلی أبی ذر» (2).

وذکره ابن الأثیر فی أُسد الغابة (3) (5 / 186) بلفظ أبی عمر الأوّل.

3 - أخرج الطبرانی مرفوعاً : «من أحبّ أن ینظر إلی المسیح عیسی بن مریم إلی برّه وصدقه وجدّه فلینظرإلی أبی ذر».

کنز العمّال (4) (6 / 169) ، مجمع الزوائد (9 / 330).

4 - أخرج الطبرانی (5) من طریق ابن مسعود مرفوعاً : «من سرّه أن ینظر إلی شبه عیسی خَلقاً وخُلقاً فلینظر إلی أبی ذر».

مجمع الزوائد (9 / 330) ، کنز العمّال (6) (6 / 169).

5 - أخرج الطبرانی (7) من طریق ابن مسعود مرفوعاً : «إنّ أبا ذر لیباری عیسی بن مریم فی عبادته». کنز العمّال (8) (6 / 169). 9.

ص: 442


1- سنن الترمذی : 5 / 629 ح 3802.
2- الاستیعاب : القسم الرابع / 1655 رقم 2944 ، القسم الأول / 255 رقم 339.
3- أُسد الغابة : 6 / 101 رقم 5862.
4- کنز العمّال : 11 / 668 ح 33230.
5- المعجم الکبیر : 2 / 149 ح 1626.
6- کنز العمّال : 11 / 668 ح 33231.
7- المعجم الکبیر : 2 / 149 ح 1625.
8- کنز العمّال : 11 / 666 ح 33219.

حدیث فضله :

1 - عن بریدة عن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم : «إنّ الله عزّ وجلّ أمرنی بحبّ أربعة وأخبرنی أنّه یحبّهم : علیّ وأبو ذر والمقداد وسلمان».

أخرجه (1) الترمذی فی صحیحه (2 / 213) ، وابن ماجة فی سننه (1 / 66) ، والحاکم فی المستدرک (3 / 130) وصححه ، وأبو نعیم فی الحلیة (1 / 172) ، وأبو عمر فی الاستیعاب (2 / 557) ، وذکره السیوطی فی الجامع الصغیر وصحّحه وأقرّ تصحیحه المناوی فی شرح الجامع (2 / 215). وابن حجر فی الإصابة (3 / 455) ، وقال السندی فی شرح سنن ابن ماجة (2) : الظاهر أنّه أمر إیجاب ویحتمل الندب ، وعلی الوجهین فما أُمر به النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فقد أمر به أُمّته ، فینبغی للناس أن یحبّوا هؤلاء الأربعة خصوصاً.

2 - أخرج ابن هشام فی السیرة (3) (4 / 179) مرفوعاً : «رحم الله أبا ذر یمشی وحده ، ویموت وحده ، ویُبَعث وحده».

وأخرج ابن هشام فی السیرة (4) ، وابن سعد فی الطبقات الکبری (4 / 170) فی حدیث دفنه قال : فاستهلّ عبد الله بن مسعود یبکی ویقول : صدق رسول الله : «تمشی وحدک وتموت وحدک ، وتبعث وحدک».

وذکره أبو عمر فی الاستیعاب (5) (1 / 83) ، وابن الأثیر فی أُسد الغابة (5 / 188) ، 2.

ص: 443


1- سنن الترمذی : 5 / 594 ح 3718 ، سنن ابن ماجة : 1 / 53 ح 149 ، المستدرک علی الصحیحین : 3 / 141 ح 4649 ، الاستیعاب : القسم الثانی / 636 رقم 1014 ، الجامع الصغیر : 1 / 258 ح 1692.
2- شرح سنن ابن ماجة : 1 / 66.
3- السیرة النبویة : 4 / 167.
4- السیرة النبویة : 4 / 168 ، الطبقات الکبری : 4 / 235.
5- الاستیعاب : القسم الأول / 253 رقم 339 ، أُسد الغابة : 6 / 101 رقم 5862.

وابن حجر فی الإصابة (4 / 64).

3 - أخرج البزّار من طریق أنس بن مالک مرفوعاً : «الجنّة تشتاق إلی ثلاثة : علیّ وعمّار وأبی ذر».

وذکره الهیثمی فی مجمع الزوائد (9 / 330) فقال : إسناده حسن.

4 - أخرج أبو یعلی (1) من طریق الحسین بن علیّ قال : أتی جبریل النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فقال : یا محمد إنّ الله یحبُّ من أصحابک ثلاثة فأحبّهم : علیُّ بن أبی طالب ، وأبو ذر ، والمقداد بن الأسود. مجمع الزوائد (9 / 330).

5 - أخرج الطبری (2) من طریق أبی الدرداء أنّه ذکر أبا ذر فقال : إنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم کان یأتمنه حین لا یأتمن أحداً ، ویسرُّ إلیه حین لا یسرُّ إلی أحد. کنز العمّال (3) (8 / 15).

وأخرج أحمد فی المسند (4) (5 / 197) من طریق عبد الرحمن بن غنم قال : إنّه زار أبا الدرداء بحمص فمکث عنده لیالی وأمر بحماره فأوکف ، فقال أبو الدرداء : ما أرانی إلاّ متّبعک ، فأمر بحماره فأُسرج فسارا جمیعاً علی حماریهما ، فلقیا رجلاً شهد الجمعة بالأمس عند معاویة بالجابیة ، فعرفهما الرجل ولم یعرفاه فأخبرهما خبر الناس ، ثمّ إنّ الرجل قال : وخبر آخر کرهت أن أخبرکما أراکما تکرهانه. فقال أبو الدرداء : فلعلّ أبا ذر نُفی؟ قال : نعم والله ، فاسترجع أبو الدرداء وصاحبه قریباً من عشر مرّات ، ثمّ قال أبو الدرداء : ارتقبهم واصطبر ، کما قیل لأصحاب الناقة. اللهمّ إن کذّبوا أبا ذر فإنّی لا أُکذّبه ، اللهمّ وإن اتّهموه فإنّی لا أتّهمه ، اللهمّ وإن استغشُّوه فإنّی لا أستغشُّه ، 7.

ص: 444


1- مسند أبی یعلی : 12 / 143 ح 6772.
2- تهذیب الآثار : ص 160 ح 260 من مسند علیّ بن أبی طالب علیه السلام.
3- کنز العمال : 13 / 311 ح 36886.
4- مسند أحمد : 6 / 255 - 256 ح 21217.

فإنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم کان یأتمنه حین لا یأتمن أحداً ، ویسرُّ إلیه حین لا یسرُّ إلی أحد ، أما والذی نفس أبی الدرداء بیده لو أنّ أبا ذر قطع یمینی ما أبغضته بعد الذی سمعت من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول : «ما أظلّت الخضراء ...» (1) الحدیث.

وأخرجه الحاکم ملخّصاً فی المستدرک (2) (3 / 344) وصحّحه وقال الذهبی : سند جید.

6 - من طریق ابن الحارث عن أبی الدرداء أنّه قال وذکرت له أبا ذر : والله إن کان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لیُدنیه دوننا إذا حضر ، ویتفقّده إذا غاب ، ولقد علمت أنّه قال : «ما تحمل الغبراء ولا تُظلّ الخضراء للبشر بقولٍ أصدق لهجة من أبی ذر».

کنز العمّال (3) (8 / 15) ، مجمع الزوائد (9 / 330) ، الإصابة (4 / 63) ، نقلاً عن الطبرانی لفظه : کان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یبتدئ أبا ذر إذا حضر ویتفقّده إذا غاب.

7 - أخرج أحمد فی مسنده (4) (5 / 181) من طریق أبی الأسود الدؤلی أنّه قال : رأیت أصحاب النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فما رأیت لأبی ذر شبیهاً.

وذکره الحافظ الهیثمی فی مجمع الزوائد (9 / 331).

8 - روی شهاب الدین الأبشیهی فی المستطرف (5) (1 / 166) قال : مرّ أبو ذر علی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ومعه جبریل علیه السلام فی صورة دحیة الکلبی فلم یسلّم فقال جبریل : هذا أبو ذر لو سلّم لرددنا علیه. فقال : «أتعرفه یا جبریل؟» قال : والذی بعثک بالحقّ نبیّا لهو فی ملکوت السماوات السبع أشهر منه فی الأرض قال : «بِمَ نال هذه 8.

ص: 445


1- أنظر : تهذیب الآثار : ص 159 - 160 ح 260 من مسند علیّ علیه السلام.
2- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 387 ح 5467.
3- کنز العمّال : 13 / 311 ح 36887.
4- مسند أحمد : 6 / 231 ح 21065.
5- المستطرف : 1 / 137 - 138.

المنزلة؟» قال : بزهده فی هذه الحطام الفانیة. وذکره الزمخشری فی ربیع الأبرار (1) باب 23.

عهد النبی الأعظم إلی أبی ذر :

1 - أخرج الحاکم فی المستدرک (2) (3 / 343) من طریق صحّحه عن أبی ذر قال : قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «یا أبا ذر کیف أنت إذا کنت فی حثالة؟» وشبک بین أصابعه ، قلت : یا رسول الله فما تأمرنی؟ قال : «اصبر اصبر اصبر ، خالقوا الناس بأخلاقهم ، وخالفوهم فی أعمالهم».

2 - أخرج أبو نعیم فی الحلیة (1 / 162) من طریق سلمة بن الأکوع عن أبی ذر رضی الله عنه قال : بینا أنا واقف مع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فقال لی : «یا أبا ذر أنت رجل صالح وسیصیبک بلاء بعدی». قلت : فی الله؟ قال : «فی الله». قلت : مرحباً بأمر الله.

3 - أخرج ابن سعد فی الطبقات الکبری (3) (4 / 166) طبع لیدن من طریق أبی ذر قال : قال النبیُّ صلی الله علیه وآله وسلم : «یا أبا ذر کیف أنت إذا کانت علیک أمراء یستأثرون بالفیء؟» قال : قلت : إذاً والذی بعثک بالحقّ أضرب بسیفی حتی ألحق به. فقال : «أفلا أدلّک علی ما هو خیر من ذلک؟ اصبر حتی تلقانی».

وفی لفظ أحمد وأبی داود : «کیف أنت وأئمّة من بعدی یستأثرون بهذا الفیء؟» قال : قلت : إذاً والذی بعثک بالحقّ أضع سیفی علی عاتقی ثمّ أضرب به حتی ألقاک أو ألحق بک. قال : «أوَلا أدلُّک علی ما هو خیر من ذلک؟ تصبر حتی تلقانی». وفی لفظ : «کیف أنت عند ولاة یستأثرون بهذا الفیء؟». 6.

ص: 446


1- ربیع الأبرار : 1 / 834.
2- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 386 ح 5464.
3- الطبقات الکبری : 4 / 226.

مسند أحمد (1) (5 / 180) ، سنن أبی داود (2) (2 / 282) ، ولأحمد طریقان کلاهما صحیحان رجالهما کلّهم ثقات ، وهم :

1 - یحیی بن آدم ، مجمع علی ثقته من رجال الصحاح الستّة.

2 - زهیر بن معاویة الکوفی ، متّفق علی ثقته من رجال الصحاح الستّة.

3 - یحیی بن أبی بکیر الکوفی ، مجمع علی ثقته من رجال الصحاح الستّة.

4 - مطرف بن طریف ، متّفق علی ثقته من رجال الصحاح الستّة.

5 - أبو الجهم سلیمان بن الجهم الحارثی ، تابعیّ لا خلاف فی ثقته.

6 - خالد بن وهبان ، تابعیّ ثقة.

4 - أخرج أحمد فی المسند (3) (5 / 178) من طریق أبی السلیل فی حدیث عن أبی ذر عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قال : «یا أبا ذر کیف تصنع إن أُخرجت من المدینة؟» قال : قلت : إلی السعة والدعة أنطلق حتی أکون حمامة من حمام مکة. قال : «کیف تصنع إن أُخرجت من مکة؟» قال : قلت : إلی السعة والدعة إلی الشام والأرض المقدّسة. قال : «وکیف تصنع إن أُخرجت من الشام؟» قال : إذاً والذی بعثک بالحقّ أضع سیفی علی عاتقی. قال : «أو خیر من ذلک؟» قال : قلت : أوَ خیر من ذلک؟ قال : «تسمع وتطیع وإن کان عبداً حبشیّا».

رجال الإسناد کلّهم ثقات وهم :

1 - یزید بن هارون بن وادی ، مجمع علی ثقته من رجال الصحیحین.

2 - کهمس بن الحسن البصری ، ثقة من رجال الصحیحین.

3 - أبو السلیل ضریب بن نقیر البصری ، ثقة من رجال مسلم والصحاح الأربعة غیر البخاری.1.

ص: 447


1- مسند أحمد : 6 / 228 - 229 ح 21048 ، 1049.
2- سنن أبی داود : 4 / 241 ح 4759.
3- مسند أحمد : 6 / 227 ح 21041.

وفی لفظ : «کیف تصنع إذا أُخرجت منه؟» أی المسجد النبویّ. قال : آتی الشام. قال : «کیف تصنع إذا أُخرجت منها؟» قال : أعود إلیه - أی المسجد - قال : «کیف تصنع إذا أُخرجت منه؟» ، قال : أضرب بسیفی. قال : «أدلّک علی ما هو خیر لک من ذلک وأقرب رشداً. قال : تسمع وتطیع وتنساق لهم حیث ساقوک».

فتح الباری (1) (3 / 213) ، عمدة القاری (2) (4 / 291).

5 - أخرج الواقدی من طریق أبی الأسود الدؤلی قال : کنت أُحبُّ لقاء أبی ذر لأسأله عن سبب خروجه ، فنزلت الربذة فقلت له : ألا تخبرنی : أَخَرجت من المدینة طائعاً ، أُم خرجت مکرهاً؟ فقال : کنت فی ثغر من ثغور المسلمین أغنی عنهم فأُخرجت إلی مدینة الرسول صلی الله علیه وآله وسلم فقلت : أصحابی ودار هجرتی ، فأُخرجت منها إلی ما تری. ثمّ قال : بینا أنا ذات لیلة نائم فی المسجد إذ مرّ بی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فضربنی برجله وقال : «لا أراک نائماً فی المسجد» ، فقلت : بأبی أنت وأُمّی غلبتنی عینی فنمت فیه ، فقال : «کیف تصنع إذا أخرجوک منه؟» فقلت : إذن ألحق بالشام فإنّها أرض مقدسة وأرض بقیّة الإسلام وأرض الجهاد ، فقال : «فکیف تصنع إذا أُخرجت منها؟». فقلت : أرجع إلی المسجد ، قال : «فکیف تصنع إذا أخرجوک منه». قلت : إذن آخذ سیفی فأضرب به ، فقال صلی الله علیه وآله وسلم : «ألا أدلُّک علی خیر من ذلک؟ انسق معهم حیث ساقوک وتسمع وتطیع». فسمعت وأطعت وأنا أسمع وأُطیع ، والله لیلقینّ الله عثمان وهو آثم فی جنبی. شرح ابن أبی الحدید (3) (1 / 241).

وبهذا الطریق واللفظ أخرجه أحمد فی المسند (4) (5 / 156) والإسناد صحیح 4.

ص: 448


1- فتح الباری : 3 / 275.
2- عمدة القاری : 8 / 263 ح 11 ، وفیه : ألا أدلّک.
3- شرح نهج البلاغة : 3 / 57 - 58 خطبة 43.
4- مسند أحمد : 6 / 194 ح 20874.

رجاله کلّهم ثقات ، وهم :

1 - علیّ بن عبد الله المدینی ، وثّقه جماعة ، وقال النسائی : ثقة مأمون ، أحد الأئمّة فی الحدیث.

2 - معمر بن سلیمان أبو محمد البصری ، متّفق علی ثقته من رجال الصحاح الستّة.

3 - داود بن أبی هند أبو محمد البصری ، مجمع علی ثقته من رجال الصحاح غیر البخاری ، وهو یروی عنه فی التاریخ (1) من دون غمز فیه.

4 - أبو الحرب بن الأسود الدؤلی ، ثقة من رجال مسلم.

5 - أبو الأسود الدؤلی ، تابعیّ متّفق علی ثقته من رجال الصحاح الستّة.

6 - مرّ فی (ص 296) فی حدیث تسییر أبی ذر : قال - عثمان - : فانّی مُسَیّرک إلی الربذة. قال - أبو ذر - : الله أکبر صدق رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قد أخبرنی بکلّ ما أنا لاقٍ. قال عثمان : وما قال لک؟ قال : أخبرنی بأنّی أُمنَع عن مکة والمدینة وأموت بالربذة. الحدیث.

هذا أبو ذر وفضائله وفواضله

وفضائله وفواضله وعلمه وتقواه وإسلامه وإیمانه ومکارمه وکرائمه ونفسیّاته وملکاته الفاضلة وسابقته ولاحقته وبدء أمره ومنتهاه ، فأیُّ منها کان ینقمه الخلیفة علیها (2) ، فطفق یعاقبه ویطارده من مُعتقل إلی منفی ، ویستجلبه علی قتب بغیر وطاء ، یطیر مرکبه خمسة من الصقالبة الأشدّاء حتی أتوا به المدینة وقد تسلّخت بواطن أفخاذه وکاد أن یتلف ، ولم یفتأ یسومه سوء العذاب حتی سالت نفسه فی منفاه الأخیر - الربذة - علی غیر ماء ولا کلأ ، یلفحه حرّ الهجیر ، ولیس له من ولیّ حمیم یمرّضه ، ولا أحد من قومه یواری جثمانه الطاهر ، مات رحمه الله وحده ، وسیحشر ا.

ص: 449


1- التاریخ الکبیر : 3 / 231 رقم 780.
2- کذا.

وحده کما أخبره رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم الذی خوّله بتلکم الفضائل ، والله سبحانه من فوقهما نعم الخصیم للمظلوم ، فانظر لِمن الفَلْج (1) یومئذٍ.

لقد کان الخلیفة یباری الریح فی العطاء لحامّته ومن ازدلف إلیه ممّن یجری مجراهم ، فملکوا من عطایاه وسماحه الملایین ، ولیس فیهم من یبلغ شأو أبی ذر فی السوابق والفضائل ، ولا یشقّ له غباراً فی أُکرومة ، فما ذا الذی أخّر أبا ذر عنهم حتی قطعوا عنه عطاءه الجاری؟ ومنعوه الحظوة بشیء من الدعة ، وأجفلوه عن عقر داره وجوار النبیّ الأعظم ، وضاقت علیه الأرض بما رحبت ، ولما ذا نودی علیه فی الشام أن لا یجالسه أحد (2)؟ ولما ذا یفرّ الناس منه فی المدینة؟ ولما ذا حظر عثمان علی الناس أن یقاعدوه ویکلّموه؟ ولما ذا یمنع الخلیفة عن تشییعه ویأمر مروان أن لا یدع أحداً یکلّمه؟ فلم یحلّ ذلک الصحابی العظیم إلاّ محلاّ وعراً ، ولم یرتحل إلاّ إلی متبوّأ الإرهاب ، کأنّما خلق أبو ذر للعقوبة فحسب ، وهو من عرّفته الأحادیث التی ذکرناها ، وقصّته لعمر الله وصمة علی الإسلام وعلی خلیفته لا تُنسی مع الأبد.

نعم ؛ إنّ أبا ذر ینقم ما کان مطّرداً عند ذاک من السرف فی العطاء من دون أیّ کفاءة فی المعطی - بالفتح - ومخالفة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی ذلک وفی کلّ ما یخالف السنّة الشریفة ، واضطهاد أهل السوابق من الأُمّة بید أُمراء البیت الأمویّ رجال العیث والعبث ؛ وکانوا یحسبون عرش ذلک الیوم قد استقرّ علی تلکم الأعمال ؛ فرأوا أنّ فی الإصاخة إلی قیل أبی ذر وشاکلته من صلحاء الصحابة تزحزحاً لذلک العرش عن مستقرّه ، أو أنّ مُهمْلجة الجشع الذین حصّلوا علی تلکم الثروات الطائلة خافوه أن یُسلب ما فی أیدیهم إن وعی واعٍ إلی هتافه ، فتألّبوا علیه وأغروا خلیفة الوقت به بتسویلات متنوّعة حتی وقع ما وقع ، والخلیفة أسیر هوی قومه ، ومسیّر بشهواتهم ، ف)

ص: 450


1- الفَلْج : الظفر والفوز.
2- أخرجه ابن سعد فی الطبقات : 4 / 168 [4 / 229]. (المؤلف)

مدفوع بحبّ بنی أبیه وإن کانوا من الشجرة الملعونة فی القرآن.

وما کان أبو ذر یمنعهم عن جلب الثروة من حقّها ، ولا یبغی سلب السلطة عمّن ملک شیئاً ملکاً مشروعاً ، لکنّه کان ینقم علی أهل الأثرة علی اغتصابهم حقوق المسلمین ، وخضمهم مال الله خضمة الإبل نبتة الربیع ، وما کان یتحرّی إلاّ ما أراد الله سبحانه بقوله عزّ من قائل : (وَالَّذِینَ یَکْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا یُنْفِقُونَها فِی سَبِیلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِیمٍ) ، وما جاء به رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی الجهات المالیّة.

أخرج أحمد فی مسنده (1) (5 / 164 ، 176) من طریق الأحنف بن قیس قال : کنت بالمدینة فإذا أنا برجل یفرّ الناس منه حین یرونه ، قال : قلت : من أنت؟ قال : أنا أبو ذر صاحب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم. قال : قلت : ما یفرّ الناس منک؟ قال : إنّی أنهاهم عن الکنوز بالذی کان ینهاهم عنه رسول الله.

وفی لفظ مسلم فی صحیحه (2) (3 / 77) قال الأحنف بن قیس : کنت فی نفر من قریش فمرّ أبو ذر رضی الله عنه وهو یقول : بشّر الکانزین بکیٍّ فی ظهورهم یخرج من جنوبهم ، وبکیٍّ من أقفیتهم یخرج من جباههم قال : ثمّ تنحّی فقعد إلی ساریة ، فقلت : من هذا؟ قالوا : هذا أبو ذر ، فقمت إلیه فقلت : ما شیء سمعتک تقول قُبَیْلُ؟ قال : ما قلت إلاّ شیئاً سمعته من نبیّهم صلی الله علیه وآله وسلم. قال : قلت : ما تقول فی هذا العطاء؟ قال : خذه فإنّ فیه الیوم معونة ، فإذا کان ثمناً لدینک فدعه. سنن البیهقی (6 / 359).

وأخرج أبو نعیم فی الحلیة (1 / 162) من طریق سفیان بن عیینة بإسناده عن أبی ذر ، قال : إنّ بنی أُمیّة تُهدّدنی بالفقر والقتل ؛ ولَبطن الأرض أحبّ إلیّ من ظهرها ، ولَلفقر أحبّ إلیّ من الغنی ، فقال له رجل : یا أبا ذر مالک إذا جلست إلی قوم قاموا وترکوک؟ قال : إنّی أنهاهم عن الکنوز. 5.

ص: 451


1- مسند أحمد : 6 / 206 ح 20940 ، ص 224 ح 21024.
2- صحیح مسلم : 2 / 385 ح 35.

وفی فتح الباری (1) (3 / 213) نقلاً عن غیره : الصحیح أنّ إنکار أبی ذر کان علی السلاطین الذین یأخذون المال لأنفسهم ولا ینفقونه فی وجهه. وتعقّبه النووی بالإبطال لأنّ السلاطین حینئذ کانوا مثل أبی بکر وعمر وعثمان وهؤلاء لم یخونوا. انتهی.

وفی هذا التعقیب تدجیل ظاهر ، فإنّ یوم هتاف أبی ذر بمناویه لم یکن العهد لأبی بکر وعمر ، وإنّما کان ذلک یوم عثمان المخالف لهما فی السیرة مخالفة واضحة ، والمبائن للسیرة النبویّة فی کلّ ما ذکرناه ؛ ولذلک کلّه کان سلام الله علیه ساکتاً عن هتافه فی العهدین وکان یقول لعثمان : ویحک یا عثمان أما رأیت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ورأیت أبا بکر وعمر؟ هل رأیت هذا هدیهم؟ إنّک تبطش بی بطش جبّار. ویقول : اتّبع سنّة صاحبیک لا یکن لأحد علیک کلام. راجع (ص 298 و 306).

ولم یکن لأبی ذر منتدح من ندائه والدعوة إلی المعروف الضائع ، والنهی عن المنکر الشائع ، وهو یتلو آناء اللیل وأطراف النهار قوله تعالی : (وَلْتَکُنْ مِنْکُمْ أُمَّةٌ یَدْعُونَ إِلَی الْخَیْرِ وَیَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَیَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْکَرِ وَأُولئِکَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (2). قال ابن خراش : وجدت أبا ذر بالربذة فی مظلّة شعر فقال : ما زال بی الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر حتی لم یترک الحقّ لی صدیقاً (3).

وکان ینکر مع ذلک علی معاویة المتّخذ شناشن الأکاسرة والقیاصرة بالترفّه والتوسّع والاستئثار بالأموال ، وکان فی العهد النبویّ صعلوکاً لا مال له ووصفه به رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم (4) وفی لفظ : إنّ معاویة ترب خفیف الحال (5).ف)

ص: 452


1- فتح الباری : 3 / 275.
2- آل عمران : 104.
3- الأنساب : 5 / 55 ، ومرّ مثله من طریق آخر : ص 294. (المؤلف)
4- صحیح مسلم : کتاب النکاح والطلاق : 4 / 195 [3 / 290 ح 36] ، سنن النسائی : 6 / 75 [3 / 274 ح 5352] ، سنن البیهقی : 7 / 135. (المؤلف)
5- صحیح مسلم : 4 / 199 [3 / 295 ح 48]. (المؤلف)

فما واجب أبی ذر عندئذٍ؟ وقد أمره النبیّ الأعظم فی حدیث (1) السبعة التی أوصاه بها ، بأن یقول الحقّ وإن کان مرّا ، وأمره بأن لا یخاف فی الله لومة لائم. وما الذی یجدیه قول عثمان : مالک وذلک؟ لا أُمّ لک؟ ولأبی ذر أن یقول له کما قال : والله ما وجدت لی عذراً إلاّ الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر.

ولم تکن لما رفع به أبو ذر عقیرته جدّة لیس لها سلف من العهد النبویّ ، فلم یهتف إلاّ بما تعلّمه من الکتاب والسنّة ، وقد أخده من الصادع الکریم من فَلق فیه ، ولم یکن صلی الله علیه وآله وسلم یسلب ثروة أحد من أصحابه وکان فیهم تجّار وملاّک ذوو یسار ، ولم یأخذ منهم زیادة علی ما علیهم من الحقوق الإلهیّة ، وعلی حذوه حذا أبو ذر فی الدعوة والتبلیغ.

کان صلی الله علیه وآله وسلم أخبره بما یجری علیه من البلاء والعناء وما یُصنع به من طرده من الحواضر الإسلامیّة : مکة ، والمدینة ، والشام ، والبصرة ، والکوفة. ووصفه عند ذلک بالصلاح وأمره بالصبر وأنّ ما یصیبه فی الله ، فقال أبو ذر : مرحباً بأمر الله. فصلاح أبی ذر یمنعه عن الأمر بخلاف السنّة بما یخلّ نظام المجتمع ، وکون بلائه فی الله یأبی أن یکون ما جرّ إلیه ذلک البلاء غیر مشروع.

وإن کان ذلک خلاف الصالح العام ولم تکن فیه مرضاة الله ورسوله لوجب علیه صلی الله علیه وآله وسلم أن ینهاه عمّا سینوء به من الإنکار وهو یعلم أنّ تلک الدعوة تجرّ علیه الأذی والبلاء الفادح ، وتشوّه سمعة خلیفة المسلمین ، وتسوّد صحیفة تاریخه ، وتبقی وصمة علیه مع الأبد. ف)

ص: 453


1- أخرجه ابن سعد فی الطبقات : ص 164 [4 / 229] من طریق عبد الله بن الصامت عن أبی ذر قال : أوصانی خلیلی بسبع : [أمرنی] بحبّ المساکین والدنوّ منهم ، وأمرنی أن أنظر إلی من هو دونی ولا أنظر إلی من هو فوقی ، وأمرنی أن لا أسأل أحداً شیئاً ، وأمرنی أن أصل الرحم وإن أدبرت ، وأمرنی أن أقول الحقّ وإن کان مُرّا ، وأمرنی أن لا أخاف فی الله لومة لائم ، وأمرنی أن أُکثِر من لا حول ولا قوّة إلاّ بالله. فإنّهنّ من کنزٍ تحت العرش. (المؤلف)

وما کانت الشریعة السمحاء تأتی بذلک الحکم الشاقّ الذی اتّهم به أبو ذر ؛ ولم یکن قطّ یقصده وهو شبیه عیسی فی أُمّة محمد صلی الله علیه وآله وسلم زهداً ونسکاً وبرّا وهدیاً وصدقاً وجدّا وخلقاً.

هکذا وصفه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم غیر أنّ عثمان قال لمّا غضب علیه : أشیروا علیّ فی هذا الشیخ الکذّاب ، إمّا أن أضربه أو أحبسه أو أقتله. وکذّبه حین روی عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم حدیث بنی العاص ، عجباً هذا جزاء من نصح لله ورسوله وبلّغ عنهما صادقاً؟ لاها الله هذا أدب یخصّ بالخلیفة. وأعجب من هذا جواب عثمان لمولانا أمیر المؤمنین لمّا دافع عن أبی ذر بقوله : «أُشیر علیک بما قال مؤمن آل فرعون». أجابه بجواب غلیظ أخفاه الواقدی وما أحبّ أن یذکره ، ونحن وإن وقفنا علیه من طریق آخر لکن ننزّه الکتاب عن ذکره.

وقد تجهّم عثمان مرّة أخری أمام أمیر المؤمنین علیه السلام بکلام فظّ ، لمّا شیّع هو وولداه السبطان أبا ذر فی سبیله إلی المنفی ومروان یراقبه وقد مرّ تفصیله (ص 294 ، 297) وفیه قوله لعلیّ علیه السلام : ما أنت بأفضل عندی من مروان.

إنّ من هوان الدنیا علی الله أن یقع التفاضل بین علیّ ومروان الوزغ ابن الوزغ اللعین ابن اللعین ، أنا لا أدری هل کان الخلیفة فی معزل عن النصوص النبویّة فی مروان؟ أو لم یکن مروان ونزعاته الفاسدة بمرأی منه ومسمع؟ أو القرابة والرحم بعثته إلی الإغضاء عنها ، فرأی ابن الحکم عدلاً لمن طهّره الجلیل ورآه نفس النبیّ الأعظم فی الذکر الحکیم؟ کبرت کلمة تخرج من أفواهم ...

(أَفَحُکْمَ الْجاهِلِیَّةِ یَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُکْماً لِقَوْمٍ یُوقِنُونَ) (1) 0.

ص: 454


1- المائدة : 50.

جنایة التاریخ

ما أکثر جنایة التاریخ علی ذوی الفضل والأحساب الذین تستفید الأُمّة من تاریخ حیاتهم ، وکرائم أخلاقهم ، وآثار مآثرهم ، ونفسیّاتهم الکاملة ، ومعاقد أقوالهم وبوالغ عظاتهم ، ودرر حکمهم ، وموارد إقدامهم وإحجامهم!

تجد التاریخ هنا یسرع السیر فیُنسی ذکرهم ، ویغمط فضلهم ، أو یأتی بمجمل من القول فی صورة مصغّرة ، أو یحوّر الکلام ومزیجه الخبر المائن أو روایة شائنة ، کلّ ذلک تأییداً لمبدإ ، وأخذاً بناصر نزعة ، وستراً علی أقوام آخرین تمسّ الحقیقة الراهنة بهم وبکرامتهم ، وتبعاً لأهواء وشهوات من ساسة الوقت أو زعماء الزمن.

فمن هذه النواحی کلّها أغفل التاریخ عن التبسّط فی حیاة أبی ذر الماثلة بالفضائل والفواضل الشاخصة بالعبقریّة والکمال ، التی یجب أن تُتّخذ قدوة فی السلوک والتهذیب ، وأن تکون للأمّة بها أسوة وقُدوة فی التقوی والمبدأ.

البلاذری :

فتجد البلاذری یذکر حدیث إخراج أبی ذر إلی الربذة من عدّة طرق بصورة مرّت فی صفحة (294) ویروی قول أبی ذر لحوشب الفزاری - وأبو ذر هو الذی ما أظلّت الخضراء ... إلخ - أُخرجت کارهاً. ثمّ عقّبه بأُکذوبة سعید بن المسیّب - الذی کان من مناوئی العترة الطاهرة وشیعتهم - من إنکار إخراج عثمان إیّاه ، وأنّه خرج إلیها راغباً فی سکناها.

ولا یعلم المغفّل أنّ فی ذلک تکذیباً لرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فیما أخبر أبا ذر بأنّه یُخرَج من المدینة کما مرّ (ص 316) بطرق صحیحة. وتکذیباً لمولانا أمیر المؤمنین علیه السلام حیث قال لعثمان بعد وفاة أبی ذر فی المنفی ، وقد صمّم عثمان أن یتبع ذلک بنفی عمّار : «یا عثمان

ص: 455

اتّق الله فإنّک سیّرت رجلاً صالحاً من المسلمین فهلک فی تسییرک» (1). وتکذیباً لأبی ذر فی قوله الآنف فیما رواه البلاذری نفسه من طریق صحیح : ردّنی عثمان بعد الهجرة أعرابیاً.

وتکذیباً لعثمان الذی روی عنه البلاذری أیضاً أنّه لمّا أنهی إلیه نعی أبی ذر قال : رحمه الله. فقال عمّار : نعم فرحمه الله من کلّ أنفسنا. فقال عثمان : یا عاضّ أیر أبیه أترانی ندمت علی تسییره؟ - یأتی تمام الحدیث فی مواقف عمّار.

وتکذیباً لما رواه البلاذری أیضاً عن کمیل بن زیاد النخعی فی حدیث أسلفنا (ص 294) وتکذیباً ، وتکذیباً.

ولا یعلم المسکین أنّ تلک الحادثة الفجیعة المتعلّقة بعظیم من عظماء الصحابة کأبی ذر وقد کثر حوله الحوار والأخذ والردّ وتوفّرت النقمة والنقد حتی عُدّت من عظائم الحوادث ، وسار بحدیثها الرکبان ، وتذمّر لها المؤمنون ، وشمت فیها من شمت ، ونقم بها علی الخلیفة ، وکان ممّا استتبعها أنّ ناساً من أهل الکوفة قالوا لأبی ذر وهو بالربذة : إنّ هذا الرجل فعل بک وفعل ، هل أنت ناصب لنا رایة؟ یعنی نقاتله. فقال : لا ، لو أنّ عثمان سیّرنی من المشرق إلی المغرب سمعت وأطعت (2).

وقال ابن بطّال کما فی عمدة القاری للعینی (3) (4 / 291) : إنّما کتب معاویة یشکو أبا ذر لأنّه کان کثیر الاعتراض علیه والمنازعة له ، وکان فی جیشه مَیل إلی أبی ذر ، فأقدمه عثمان خشیة الفتنة لأنّه کان رجلاً لا یخاف فی الله لومة لائم.

فما کنت یومئذٍ تمرّ بحاضرة من الحواضر الإسلامیّة إلاّ وتجد توغّلاً من أهلها فی هذا الحدیث ، وتغلغلاً بین أرجائها من جرّاء ذلک الحادث الجلل. 1.

ص: 456


1- سیوافیک الحدیث بتمامه إن شاء الله تعالی. (المؤلف)
2- طبقات ابن سعد : 3 / 212 [4 / 227]. (المؤلف)
3- عمدة القاری : 8 / 262 ح 11.

إنّ حادثة کمثلها لا تستر بإنکار مثل ابن المسیّب المنبعث عن الولاء الأموی لکنّه شاء أن یقول فقال ، ذاهلاً عن أنّه لا یقبل منه ذو مسکة أن یترک مثل أبی ذر دار هجرته ومهجر شرفه ویعرض عن جوار نبیّه ویختار الربذة منزلاً له ولأهله مع جدبها وقفرها ، ولو کانت له خیرة فی الأمر ، فما تلک المدامع الجاریة من لوعة المصاب وغصّة الاکتئاب؟ وما تلکم النفثات الملفوظة منه ومن مشیّعیه فی ذلک الوادی الوعر لمّا حان التودیع وآن الفرقان بین الأحبّة؟

ومن أمانة البلاذری فی النقل أنّه عند سرد قصّة أبی ذر ومشایعة مولانا أمیر المؤمنین له قال : جری بین علیّ وعثمان فی ذلک کلام. ولم یذکر ما جری لأنّ فیه نیلاً من صاحبه.

ابن جریر الطبری :

وإنّک تجد الطبری فی التاریخ (1) لمّا بلغ إلی تاریخ أبی ذر یقول : فی هذه السنة - أعنی سنة 30 - کان ما ذکر من أمر أبی ذر ومعاویة وإشخاص معاویة إیّاه من الشام إلی المدینة ، وقد ذُکِر فی سبب إشخاصه إیّاه منها إلیها أمورٌ کثیرة کرهت ذکر أکثرها ، فأمّا العاذرون معاویة فی ذلک فإنّهم ذکروا فی ذلک قصّة. انتهی.

لما ذا ترک الطبری تلکم الأمور الکثیرة ولم یذکر منها إلاّ قصّة العاذرین التی افتعلوها معذرة لمعاویة وتبریراً لعمل الخلیفة؟ وأمّا الحقائق الراهنة التی کانت تمسّ کرامة الرجلین ، وکانت حدیث أُمّة محمد وقتئذ وهلمّ جرا من ذلک الیوم حتی عصرنا الحاضر فکره إیرادها ، وحسب أنّها تبقی مستورة إن لم یلهج هو بها ، وقد ذهب علیه أنّ فی فجوات الدهر ، وثنایا التاریخ ، وغضون کتب الحدیث منها بقایا کافیة لمن.

ص: 457


1- تاریخ الأُمم والملوک : 4 / 283 حوادث سنة 30 ه.

تروقه نفسیّات مناوئی أبی ذر ، وتحقّق أعلام النبوّة التی جاء بها النبیّ الأعظم فی قصّة أبی ذر من المغیّبات.

ثمّ ذکر القصّة بصورة مکذوبة مختلقة لا یصحّ شیء منها ، وکلّ جملة منها یکذّبه التاریخ الصحیح أو الحدیث المتسالم علی صحّته ، وکفاها وهناً ما فی سندها من الغمز وإلیک رجاله :

1 - السریّ. مرّ الکلام فیه فی هذا الجزء (ص 140) وأنّه مشترک بین اثنین عُرفا بالکذب والوضع.

2 - شعیب بن إبراهیم الأُسیدی الکوفی. أسلفنا صفحة (140) من هذا الجزء قول الحافظین ابن عدیّ والذهبی فیه وأنّه مجهول لا یُعرف.

3 - سیف بن عمر التمیمی الکوفی. ذکرنا فی صفحة (84) من هذا الجزء أقوال الحفّاظ وأئمّة الجرح والتعدیل حول الرجل وأنّه ضعیف ، متروک ، ساقط ، وضّاع ، عامّة حدیثه منکر ، یروی الموضوعات عن الأثبات ، کان یضع الحدیث ، واتّهم بالزندقة.

أضف إلی المصادر السابقة : الاستیعاب (1) - ترجمة القعقاع - (2 / 535) ، الإصابة (3 / 239) ، مجمع الزوائد للهیثمی (10 / 21).

4 - عطیّة بن سعد العوفی الکوفی ، للقوم فیه آراء متضاربة بین توثیق وتضعیف وقال الساجی : لیس بحجّة وکان یقدّم علیّا علی الکلّ. وقال ابن سعد (2) : کتب الحجّاج إلی محمد بن القاسم أن یعرضه علی سبّ علیّ فإن لم یفعل فاضربه أربعمائة سوط واحلق لحیته ، فاستدعاه فأبی أن یسبّ فأمضی حکم الحجّاج فیه (3). وذکر ف)

ص: 458


1- الاستیعاب : القسم الثالث / 1283 رقم 2121.
2- الطبقات الکبری : 6 / 304.
3- تهذیب التهذیب لابن حجر : 7 / 227 [7 / 200 - 201]. (المؤلف)

ابن کثیر فی تفسیره (1 / 501) عن صحیح الترمذی (1) من طریق عطیّة فی علیّ مرفوعاً : «لا یحلّ لأحد یجنب فی هذا المسجد غیری وغیرک». فقال : ضعیف لا یثبت فإنّ سالماً متروک وشیخه عطیّة ضعیف. انتهی. وکون الرجل فی الإسناد آیة کذب الروایة ؛ إذ الشیعیّ الجلد کالعوفی لا یروی حدیث الخرافة.

5 - یزید الفقعسی : لا أعرفه ولا أجد له ذکراً فی کتب التراجم.

فانظر إلی أمانة الطبری علی ودائع التاریخ ، فإنّه یصفح عن ذلک الکثیر الثابت الصحیح ویقتصر علی هذه المکاتبة المکذوبة المفتعلة ، حیّا الله الأمانة!

نظرة قیّمة فی تاریخ الطبری :

شوّه الطبری تاریخه بمکاتبات السریّ الکذّاب الوضّاع ، عن شعیب المجهول الذی لا یُعرف ، عن سیف الوضّاع ، المتروک ، الساقط ، المتّهم بالزندقة ، وقد جاءت فی صفحاته بهذا الإسناد المشوّه (701) روایة وضعت للتمویه علی الحقائق الراهنة فی الحوادث الواقعة من سنة 11 إلی 37 عهد الخلفاء الثلاثة فحسب ، ولا یوجد شیء من هذا الطریق الوعر فی أجزاء الکتاب کلّها غیر حدیث واحد ذکره فی السنة العاشرة ، وإنّما بدأ بروایة تلکم الموضوعات من عام وفاة النبیّ الأقدس ، وبثّها فی الجزء الثالث والرابع والخامس ، وانتهت بانتهاء خامس الأجزاء.

ذکر فی الجز الثالث من (ص 210) فی حوادث سنة (11) 67 حدیثاً.

أخرج فی الجزء الرابع فی حوادث السنة الثانیة عشرة 427 حدیثاً.

أورد فی الجزء الخامس فی حوادث السنة ال (23 - 37) 207 حدیثاً.

المجموع 7017.

ص: 459


1- سنن الترمذی : 5 / 598 ح 3727.

وممّا یهمّ لفت النظر إلیه أنّ الطبری من صفحة (210) من الجزء الثالث إلی (1) (ص 241) یروی عن السریّ بقوله : حدّثنی ، المعرب عن السماع منه ، ومن (2) (ص 241) یقول : کتب إلیّ السریّ ، إلی آخر ما یروی عنه ، إلاّ حدیثاً واحداً فی الجزء الرابع (3) (ص 82) یقول فیه : حدّثنا.

ولست أدری أنّ السریّ ، وسیف بن عمر هل کان علمهما بالتاریخ مقصوراً علی حوادث تلکم الأعوام المحدودة فقط؟ ومن حوادثها علی ما یرجع إلی المذهب فحسب لا مطلقاً؟ أو کانت موضوعاتهما تنحصر بالحوادث الخاصّة المذهبیّة الواقعة فی الأیّام الخالیة من السنین المعلومة؟ لکونها الحجر الأساسی فی المبادئ والآراء والمعتقدات ، وقد أرادوا خلط التاریخ الصحیح وتعکیر صفوه بتلکم المفتعلات تزلّفاً إلی أناس ، واختذالاً عن آخرین ، ومن أمعن النظر فی هذه الروایات یجدها نسیج ید واحدة ، وولید نفس واحد ، ولا أحسب أنّ هذه کلّها تخفی علی مثل الطبری ، غیر أنّ الحبّ یعمی ویصم.

وقد سوّدت هاتیک المخاریق المختلقة صحائف تاریخ ابن عساکر ، وکامل ابن الأثیر ، وبدایة ابن کثیر ، وتاریخ ابن خلدون ، وتاریخ أبی الفداء إلی کتب أناس آخرین اقتفوا أثر الطبری علی العمی ، وحسبوا أنّ ما لفّقه هو فی التاریخ أصل متّبع لا غمز فیه ، مع أنّ علماء الرجال لم یختلفوا فی تزییف أیّ حدیث یوجد فیه أحد من رجال هذا السند فکیف إذا اجتمعوا فی إسناد روایة.

والتآلیف المتأخّرة الیوم المشحونة بالتافهات التی هی من ولائد الأهواء والشهوات کلّها متّخذة من هذه السفاسف التی عرفت حالها وسنوقفک علی نماذج .

ص: 460


1- تاریخ الأُمم والملوک : 3 / 223 - 276 حوادث سنة 11 ه.
2- تاریخ الأُمم والملوک : 3 / 276 حوادث سنة 11 ه.
3- تاریخ الأُمم والملوک : 3 / 476 حوادث سنة 13 ه.

منها فی الجزء التاسع إن شاء الله تعالی.

ابن الأثیر الجزری :

وأنت تری ابن الأثیر فی الکامل - الناقص - تبعاً للطبری فی الذکر والإهمال کما هو کذلک فی کلّ ما توافقا علیه من التاریخ ، لکنّه زاد ضغثاً علی إبّالة (1) فقال (2) : وفی هذه السنة کان ما ذکر فی أمر أبی ذر وإشخاص معاویة إیّاه من الشام إلی المدینة ، وقد ذکر فی سبب ذلک أموراً کثیرة من سبّ معاویة إیّاه وتهدیده بالقتل وحمله إلی المدینة من الشام بغیر وطاء ، ونفیه من المدینة علی الوجه الشنیع لا یصحّ النقل به ، ولو صحّ لکان ینبغی أن یعتذر عن عثمان ، فإنّ للإمام أن یؤدّب رعیّته ، وغیر ذلک من الأعذار ، لا أن یجعل ذلک سبباً للطعن علیه کرهت ذکرها. انتهی.

إنّ الذی لم یصحّح الرجل نقله صحّحه آخرون فنقلوه قبله وبعده فلم ینل المسکین مبتغاه ، وکان قد حسب أنّ الحقائق الثابتة تخفی عن أعین الناس إن سترها هو بذیل أمانته ، وقد ذهب علیه أنّ أهل النصفة من المؤلّفین وروّاد الحقائق من الرواة سوف لا یدَعون صغیرة ولا کبیرة إلاّ ویحصونها علی الأمّة ، وإنّ مدوّنة التاریخ لیست قصراً علی کتابه.

هبّ أنّه ستر التاریخ بالإهمال لکنّه ما ذا یصنع بالمحدّثین الذین أثبتوا حدیث إخراجه من المدینة وطرده عن مکة والشام فی باب الفتن وفی باب أعلام النبوّة (3)؟ أولا یبهظ ذلک أبا ذر وزملاءه من رجالات أهل البیت علیهم السلام ومن یری رأیه من صلحاء الأُمّة ، ولا سیّما أنّ سابقة الطرد من عاصمة النبوّة لم تکن إلاّ لمثل الحکم - عمّ ف)

ص: 461


1- الضغث : القبضة من الحشیش ، والإبّالة : الحزمة من الحطب ، وقد مرّ کراراً شرح هذا المثل.
2- الکامل فی التاریخ : 2 / 251 حوادث سنة 30 ه.
3- راجع : ص 324 - 328. (المؤلف)

الخلیفة - وابنه وعائلته زبانیة العیث والفساد تنزیهاً للعاصمة عن معرّتهم ، وتطهیراً لها عن لوث بقائهم فیها ، أفهل یُساوی أبو ذر ذلک العظیم عند الله ورسوله شبیه عیسی بن مریم فی أُمّة محمد صلی الله علیه وآله وسلم الذی ما أظلّت الخضراء ولا أقلّت الغبراء ذا لهجة أصدق منه ، وقد أمر الله سبحانه رسوله بحبّه ، وهو من الثلاثة الذین تشتاق إلیهم الجنّة ، والثلاثة الذین یحبّهم الله تعالی. أفهل یساوی من هو هذا بالطرید اللعین؟ فیشوّه ذکره بهذه التسویة ، ویشهر بین الملأ موصوماً بذلک ، ویُمنع الناس عن التقرّب إلیه ، وینادی علیه بذلّ الاستخفاف ، ویُحرَم الناس من علومه الجمّة التی هو وعاؤها ، ولعمر الحقّ ، وشرف الإسلام ، ومجد الإنسانیّة ، وقداسة أبی ذر ، إنّ النشر بالمناشیر ، والقرض بالمقاریض أهون علی الدینیّ الغیور من بعض هاتیک الشنائع.

ثمّ إنّ تأدیب الخلیفة للرعیّة إنّما یقع علی من فقد الآداب الدینیّة وطوّحت به طوائح الجهل إلی مساقط الضعة. وأمّا مثل أبی ذر الذی أطراه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بما لم یُطرِ به غیره ، وقرّبه وأدناه وعلّمه وإذا غاب عنه تفقّده ، وشهد أنّه شبیه عیسی بن مریم هدیاً وسمتاً وخلقاً وبرّا وصدقاً ونسکاً وزهداً. فبما ذا یؤدّب؟ لما ذا؟ وأیّ تأدیب هذا یراه النبیّ الأعظم بلاءً فی الله؟ ویأمر أبا ذر بالصبر وهو یقول : مرحباً بأمر الله. وبم ولم استحقّ أبو ذر التأدیب؟ وعمله مبرور مشکور عند المولی سبحانه ، ویراه مولانا أمیر المؤمنین غضباً لله ویقول له : «فارجُ من غضبت له» (1).

نعم ؛ یجب أن یکون أبو ذر هو المؤدّب للناس لما حمله من علم النبوّة وأحکام الدین وحکمه ، والنفسیّات الکریمة ، والملکات الفاضلة التی ترکته شبیهاً بعیسی بن مریم فی أُمّة محمد صلی الله علیه وآله وسلم.

ما بال الخلیفة یتحرّی تأدیب أبی ذر وهو هذا ، ویبهظه تأدیب الولید بن عقبة السکیر علی شرب الخمر واللعب بالصلاة المفروضة؟ ف)

ص: 462


1- راجع ما مرّ فی هذا الجزء صفحة : 300. (المؤلف)

ویبهظه تأدیب عبید الله بن عمر علی قتل النفوس المحترمة.

ویبهظه تأدیب مروان وهو یتّهمه بالکتاب المزوّر علیه.

ویبهظه تأدیب الوقاح المستهتر المغیرة بن الأخنس وهو یقول له : أنا أکفیک علیّ بن أبی طالب. فأجابه الإمام بقوله : «یا ابن اللعین الأبتر والشجرة التی لا أصل لها ولا فرع ، أنت تکفینی؟! فو الله ما أعزّ الله من أنت ناصره (1)» إلخ.

ما بال الخلیفة یطرد أبا ذر ویردفه بصلحاء آخرین ، ویری الإمام الطاهر أمیر المؤمنین أحقّ بالنفی منهم (2) ویؤوی طرید رسول الله الحکم وابنه ویرفدهما وهما هما؟

ما بال الخلیفة یخوّل مروان مهمّات المجتمع ، ویلقی إلیه مقالید الصالح العام؟ ولم یُصخ إلی قول صالح الأُمّة مولانا أمیر المؤمنین له : «أما رضیت من مروان ولا رضی منک إلاّ بتحرّفک عن دینک وعن عقلک مثل جمل الضعینة یُقاد حیث یُسار به؟ والله ما مروان بذی رأی فی دینه ولا فی نفسه ، وایم الله إنّی لأراه سیوردک ثمّ لا یُصدرک ، وما أنا بعائد بعد مقامی هذا لمعاتبتک ، أذهبت شرفک ، وغُلِبت علی أمرک» یأتی تمام الحدیث فی الجزء التاسع إن شاء الله تعالی.

ما بال الخلیفة یعطی مروان أزمّة أُموره ویشذّ عن السیرة الصالحة حتی توبّخه زوجته نائلة بنت الفرافصة؟ وتقول : قد أطعت مروان یقودک حیث شاء ، قال : فما أصنع؟ قالت. تتقی الله وتتّبع سنّة صاحبیک ، فإنّک متی أطعت مروان قتلک ، ومروان لیس له عند الناس قدر ولا هیبة ولا محبّة ، وإنّما ترکک الناس لمکانه ، فأرسل إلی علیّ فاستصلحه ، فإنّ له قرابة وهو لا یعصی (3). لیت الخلیفة کانت له أُذن واعیة تسمعف)

ص: 463


1- نهج البلاغة : 1 / 253 [ص 193 خطبة 135]. (المؤلف)
2- سیوافیک حدیثه فی مواقف عمّار إن شاء الله تعالی. (المؤلف)
3- تاریخ الطبری : 5 / 112 [4 / 362 - 363 حوادث سنة 35 ه] ، الکامل لابن الأثیر : 3 / 69 [2 / 285 حوادث سنة 35 ه]. (المؤلف)

من بنت الفرافصة کلمتها الحکمیّة التی کانت فیها نجاته فی النشأتین.

کان من صالح الخلیفة أن یدنی إلیه أبا ذر فیستفید بعلمه وخلقه ونسکه وأمانته وثقته وتقواه وزهده لکنّه لم یفعل ، وما ذا کان یجدیه لو فعل؟ وحوله الأمویّون وهو المتفانی فی حبّهم ، وهم لا یرون ذلک الرأی السدید سدیداً لأنّه علی طرف النقیض ممّا حملوه من النهمة والشره ، واکتناز الذهب والفضة ، والسیر مع الهوی والشهوات ، وهم المسیطرون علی رأی الخلیفة وأبو سفیان یقول : یا بنی أُمیّة تلقّفوها تلقّف الکرة فوالذی یحلف به أبو سفیان ما زلت أرجوها لکم ولتصیرنّ إلی صبیانکم وراثة. أو یقول لعثمان : صارت إلیک بعد تیم وعدی فأدرها کالکرة واجعل أوتادها بنی أُمیّة فإنّما هو الملک ولا أدری ما جنّة ولا نار. راجع (ص 278).

وعثمان وإن زبره تلک الساعة ، لکنّه لم یَعْدُ رأیه فی بنی أمیّة المتلاعبین بالدین لعبهم بالأکر ، ولا أدری هل تهجّس فی تأدیب أبی سفیان علی ذلک القول الإلحادی الشائن کما تهجّس وفعل فی أبی ذر البرّ التقی ، ومن یماثله من الصلحاء الأتقیاء؟

لقد فات ابن الأثیر کلّ هذا ، فاعتذر عن الرجل بأنّ الخلیفة یؤدّب رعیّته.

عماد الدین بن کثیر :

جاء ابن کثیر الدمشقی فی البدایة والنهایة (1) (7 / 155) فبنی علی أساس ما علاّه من قبله فی حذف ما کان هنالک من هنات وزاد فی الطنبور نغمات ، قال : کان أبو ذر ینکر علی من یقتنی مالاً من الأغنیاء ویمنع أن یدّخر فوق القوت ویوجب أن یتصدّق بالفضل ویتأوّل قول الله سبحانه وتعالی : (وَالَّذِینَ یَکْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا یُنْفِقُونَها فِی سَبِیلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِیمٍ) (2) فینهاه معاویة عن إشاعة ذلک فلا 4.

ص: 464


1- البدایة والنهایة : 7 / 175 حوادث سنة 30 ه.
2- التوبة : 34.

یمتنع ، فبعث یشکوه إلی عثمان ، فکتب عثمان إلی أبی ذر أن یقدم علیه المدینة فقدمها ، فلامه عثمان علی بعض ما صدر منه واسترجعه فلم یرجع. فأمره بالمقام بالربذة - وهی شرقی المدینة - ویقال : إنّه سأل عثمان أن یقیم بها ، وقال : إنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قال لی : إذا بلغ البناء سلعاً فاخرج منها. وقد بلغ البناء سلعاً ، فأذن له عثمان بالمقام بالربذة ، وأمره أن یتعاهد المدینة فی بعض الأحیان حتی لا یرتدّ أعرابیّا بعد هجرته ، ففعل ، فلم یزل مقیماً بها حتی مات. انتهی.

وقال (1) فی (ص 165) عند ذکر وفاته : جاء فی فضله أحادیث کثیرة ، من أشهرها ما رواه الأعمش عن أبی الیقظان عثمان بن عمیر ، عن أبی حرب بن أبی الأسود ، عن عبد الله بن عمرو أنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قال : «ما أظلّت الخضراء ولا أقلّت الغبراء أصدق لهجة من أبی ذر». وفیه ضعف. ثمّ لمّا مات رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ومات أبو بکر خرج إلی الشام ، فکان فیه حتی وقع بینه وبین معاویة ، فاستقدمه عثمان إلی المدینة ، ثمّ نزل الربذة ، فأقام بها حتی مات فی ذی الحجّة من هذه السنة ، ولیس عنده سوی امرأته وأولاده ، فبینما هم کذلک لا یقدرون علی دفنه ، إذ قدم عبد الله بن مسعود من العراق فی جماعة من أصحابه ، فحضروا موته وأوصاهم کیف یفعلون به ، وقیل : قدموا بعد وفاته فولوا غسله ودفنه ، وکان قد أمر أهله أن یطبخوا لهم شاة من غنمه لیأکلوها بعد الموت ، وقد أرسل عثمان بن عفّان إلی أهله فضمّهم مع أهله. انتهی.

هذا کلّ ما فی عیبة ابن کثیر من المخاریق فی المقام ، وفیه مواقع للنظر :

1 - اتّهامه أبا ذر بأنّه کان ینکر اقتناء المال علی الأغنیاء ... إلخ.

هذه النظریّة قدیماً ما عزوها إلی الصحابیّ العظیم اختلاقاً علیه وزوراً ، وقد تحوّلت فی الأدوار الأخیرة بصورة مشوّهة أخری من نسبة الاشتراکیّة إلیه ، .

ص: 465


1- البدایة والنهایة : 7 / 185 حوادث سنة 32 ه.

وسنفصّل القول عنها تفصیلاً إن شاء الله تعالی.

2 - إنّه حسب نزوله الشام وهبوطه الربذة بخیرة منه بعد ما أوعز إلی أنّ عثمان أمره بالمقام بالربذة ، أمّا حدیث الربذة فقد أوقفناک آنفاً علی أنّه کان منفیّا إلیها ، وأخرج من مدینة الرسول بصورة منکرة ، ووقع هنالک ما وقع بین علیّ علیه السلام ومروان ، وبینه وبین عثمان ، وبین عثمان وبین عمّار ، واعتراف عثمان بتسییره ، وتسجیل علیّ أمیر المؤمنین علیه ذلک ، وسماع غیر واحد من أبی ذر الصادق نفسه حدیثه ، وأنّ عثمان جعله أعرابیّا بعد الهجرة ، وهو مقتضی إعلام النبوّة فی إخبار رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إیّاه بأنّه سوف یُخرَج من المدینة ، ویُطرد من مکة والشام ، وأمّا خبر الشام فقد مرّ إخراجه إلیها ولم یکن ذلک باختیاره أیضاً.

3 - وأمّا حدیث بلوغ البناء سلعاً فإفک مفتریً علی أُمّ ذر ، وقد جاء فی مستدرک الحاکم (1) (3 / 344) ، وذکره البلاذری کما مرّ فی (ص 293) ورآه سبب خروج أبی ذر إلی الشام بإذن عثمان لا سبب خروجه إلی الربذة کما فی حدیث الطبری.

علی أنّ ابن کثیر أخذه من الطبری فی التاریخ ، وجلّ ما عنده إنّما هو ملخّص ما فیه مع التصرّف فیه علی ما یروقه ، وإسناد الروایة فی التاریخ رجاله بین کذّاب وضّاع وبین مجهول لا یُعرَف إلی ضعیف متّهم بالزندقة کما أسلفناه فی (ص 84 ، 140 ، 141 ، 327) وهم :

1 - السریّ. 2 - شعیب. 3 - سیف. 4 - عطیّة. 5 - یزید الفقعسی.

وحدیث یکون فی إسناده أحد هؤلاء لا یعوّل علیه ، وعلی فرض اعتباره فإنّه لا یقاوم الصحاح المعارضة له الدالّة علی إخبار رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بأنّه یُخرَج ویُطرَد من مکّة والمدینة والشام. راجع (ص 316 - 319) وهی معتضدة بما مرّ عن أبی ذر 8.

ص: 466


1- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 387 ح 5468.

وعثمان وغیرهما فی تسییر عثمان إیّاه ، أضف إلیها الأعذار الباردة الواردة عن أعلام القوم فی تبریر عثمان عن هذا الوزر الشائن.

4 - وأمّا ما ذکره من أمر عثمان أبا ذر أن یتعاهد المدینة حتی لا یرتدّ أعرابیّا فإنّه من جملة تلک الروایة المکذوبة التی تشتمل علی حدیث سلع ، وقد مرّ من طریق البلاذری بإسناد صحیح فی (ص 294) قول أبی ذر : ردّنی عثمان بعد الهجرة أعرابیّا. علی أنّه لم یذکر أحد أنّ أبا ذر قدم المدینة خلال أیّام نفیه من سنة ثلاثین إلی وفاته سنة اثنتین وثلاثین حتی یکون ممتثلاً لأمر عثمان بالتعاهد.

5 - ما ذکره من أنّه جاء فی فضله أحادیث کثیرة من أشهرها ... إلخ.

إنّ شنشنة الرجل فی الفضائل أنّه إذا قدم لسرد تاریخ من یهواه من الأمویّین ومن انضوی إلیهم من روّاد النهم جاء بأشیاء کثیرة وسرد التافه الموضوع فی صورة الصحاح من غیر تعرّض لإسنادها أو تعقیب لمضامینها ، ولا یملّ من تسطیرها وإن سوّدت أضابیر من القراطیس ، لکنّه إذا وصلت النوبة إلی ذکر فضل أحد من أهل البیت أو شیعتهم وبطانتهم من عظماء الأُمّة وصلحائها کأبی ذر تضیق علیه الأرض برحبها ، وتلکّأ وتلعثم کأنّ فی لسانه عقلة وفی شفتیه عقدة ، أو أنّه کان فی أُذنه وقر عن سماعها فلم تُنهَ إلیه ؛ وإن اضطرّته الحالة إلی ذکر شیء منها جاء به فی صورة مصغّرة ، کما تجده هاهنا حیث جعل ما هو من أشهر فضائل أبی ذر ضعیفاً ، وهو یعلم أنّ طریق هذا الإسناد لیس منحصراً بما ذکره هو من طریق ابن عمرو الذی أخرجه ابن سعد والترمذی وابن ماجة والحاکم ، وإنّما جاء من طریق علیّ أمیر المؤمنین وأبی ذر وأبی الدرداء وجابر بن عبد الله وعبد الله بن عمر وأبی هریرة ؛ وحسّن الترمذی غیر واحد من طرقه فی صحیحه (1) (2 / 221). 2.

ص: 467


1- سنن الترمذی : 5 / 628 ح 3801 ، 3802.

وإسناد أحمد من طریق أبی الدرداء فی مسنده (1) (5 / 197) صحیح رجاله کلّهم ثقات.

وإسناد الحاکم من طریق أبی ذر صحّحه هو وأقرّه الذهبی کما فی المستدرک (2) (3 / 342).

وإسناد الحاکم من طریق علیّ علیه السلام وأبی ذر أیضاً صحّحه هو وأقرّه الذهبی کما فی المستدرک (3) (4 / 480).

وأمّا إسناد ما أخرجه ابن کثیر من طریق ابن عمرو ، فقال الذهبی فیما نقله عنه المناوی فی شرح الجامع الصغیر (4) : سنده جیّد. وقال الهیثمی فی مجمع الزوائد (5) : رجال أحمد وثّقوا وفی بعضهم خلاف. وحسّنه السیوطی فی الجامع الصغیر (6). فأین الضعف المزعوم؟

ولا یهمّنا التعرّض لبقیّة ما رمی القول فیه علی عواهنه ؛ فإنّها مأخوذة من الطبری مع عدم الإجادة فی الأخذ ؛ ولعلّه أراد إصلاح ما فی روایته من التهافت فزاد عواراً علی عواره وروایته هی من جملة أساطیر أوقفناک علی وضعها (ص 327).

والممعن فی کتب المحدّثین یعلم أنّ هذه الجنایات التی أوعزنا إلی بعضها لم تَعْدُ کتب الحدیث ، فتجدها تثبت ما من حقّه الحذف ، وتحذف ما یجب أن یذکر ، ونَکِل عرفان ذلک إلی سعة باعک أیّها القارئ الکریم.

(لَقَدْ کُنْتَ فِی غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَکَشَفْنا عَنْکَ غِطاءَکَ فَبَصَرُکَ الْیَوْمَ حَدِیدٌ) (7)2.

ص: 468


1- مسند أحمد : 6 / 255 ح 21217.
2- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 385 ح 5460 ، وکذا فی التلخیص.
3- المستدرک علی الصحیحین : 4 / 527 ح 8478.
4- فیض القدیر : 5 / 423.
5- مجمع الزوائد : 9 / 330.
6- الجامع الصغیر : 2 / 485 ح 7825.
7- سورة ق : 22.

نظریة أبی ذر فی الأموال

وافی سیّدنا أبو ذر کغیره من قرنائه المقتصّین أثر الکتاب والسنّة یبغی صالح قومه ونجاح أمّته ، یبغی بهم أن لا یتخلّفوا عنهما قید ذرّة ، یرید أن ینفی عن الناس البخل الذمیم ، وأن تکون لضعفاء الأُمّة لماظة من منائح الأغنیاء ، وأن لا یُمنَعوا حقوقهم التی افترضها الله لهم ، وکان نکیره الشدید متوجّهاً إلی مغتصبی أموال الفقراء ، وإلی أهل الأثرة الذین کانت القناطیر المقنطرة من الذهب والفضّة منضّدة فی دورهم ، وکانت سبائک التبر تُقسّم بکسرها بالفؤوس ، من دون أن تُخرَج منها الحقوق المفروضة من أخماس وزکوات ، ومن غیر إغاثة للملهوفین الذین کان قوتهم السغب ، وریّهم الظمأ وراحتهم النکد ، وعند القوم أموال لهم متکدّسة لا تنتفع بها العفاة ، ولا یستفید من نمائها المجتمع ، ولا یُصرف شیء منها فی الصالح العام ، وقد شاء الله سبحانه للذهب والفضّة أن تتداولهما الأیدی ، ویتقلّبا فی وجوه الحرف والمهن والصنائع ، فتنتجع العامّة بهما ، فأربابهما بالأرباح ، والضعفاء بالأجور ، والبلاد بالعمران ، والأراضی بالإحیاء ، والمعالم والمعارف بالدعایة والنشر ، والملأ العلمی بالجوامع والکلّیات والکتب والصحف ، والمضطرّون بحقوقهما الإلهیّة [المخرجة ، والجنود بالعتاد ، والرواتب والرواحل ، وثغور الإسلام بالعِدّة والعُدّة] (1) واستحکامات تقتضیها الظروف ، حتی تکون الأُمّة سعیدة بما یتسنّی لها من تلکم الجهات من السعی وراء مناجحها ؛ ولذلک حرّم المولی سبحانه اتخاذ الأوانی من الذهب والفضّة لئلاّ یبقیا جامدین یعدوهما أعظم الفوائد وأکثرها المرقومة فیهما المترقّبة منهما من الوجوه التی ذکرناها.

کان نکیر سیّدنا أبی ذر موجّهاً إلی أمثال من ذکرناهم کمعاویة الذی کان ة.

ص: 469


1- ساقط من الطبعة الثانیة.

یرفع أبو ذر عقیرته علی بابه کلّ یوم ویتلو قوله تعالی : (وَالَّذِینَ یَکْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا یُنْفِقُونَها فِی سَبِیلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِیمٍ). وکان یری الأموال تُجبی إلیه فیقول : جاءت القطار تحمل النار.

وکمروان الذی کان إحدی منائح عثمان له خمس إفریقیة وهو خمسمائة ألف دینار.

وکعبد الرحمن بن عوف ، وقد خلّف ذهباً قُطّع بالفؤوس حتی مجلت أیدی الرجال منه ، وترک أربع نسوة فأصاب کلَّ امرأة ثمانون ألفاً ، فتکون ثروته من هذا الذهب المکنوز فحسب ما مرّ فی صفحة (284).

وکزید بن ثابت المخلّف من الذهب والفضّة غیر الأموال المکردسة والضیاع العامرة ما کان یُکسر عند تقسیمه بالفؤوس.

وکطلحة التارک بعده مائة بُهار فی کلّ بهار ثلاث قناطر ذهب - والبُهار جلد ثور - وهذه هی التی قال عثمان فیها : ویلی علی ابن الحضرمیّة - یعنی طلحة - أعطیته کذا وکذا بُهاراً ذهباً ، وهو یروم دمی یحرّض علی نفسی (1) أو طلحة التارک مائة جمل ذهباً کما مرّ عن ابن الجوزی.

وأمثال هؤلاء البخلاء علی المجتمع الدینی ، وهو یری أنّ خلیفة الوقت یأتیه أبو موسی بکیلة ذهب وفضّة فیقسمها بین نسائه وبناته من دون أیّ اکتراث لمخالفة السنّة الشریفة ، وهو یعلم الکمّیة المدّخرة من النقود التی نهبت یوم الدار : (زُیِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِینَ وَالْقَناطِیرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَیْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعامِ وَالْحَرْثِ ذلِکَ مَتاعُ الْحَیاةِ الدُّنْیا وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ) (2). 4.

ص: 470


1- شرح ابن أبی الحدید : 2 / 404 [9 / 35 خطبة 137]. (المؤلف)
2- آل عمران : 14.

فما ظنّک بالرجل الدینیّ الواقف علی کلّ هذه الکنوز من کثب؟ وهو یعلم بواسع ما وعاه من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم من المغیّبات ، وممّا یشاهده من نفسیّات القوم ، أنّ تلکم الأموال المکتنزة سوف یُصرَف أکثرها فی الدعوة إلی الباطل ، وفی تجهیز العساکر من ناکثی بیعة الإمام الطاهر والخارجین علیه والمزحزحین حلیلة المصطفی عن خدرها عن عقر داره صلی الله علیه وآله وسلم ؛ وفی أُجور الوضّاعین للأحادیث فی فضائل بنی أُمیّة والوقیعة فی رجالات أهل البیت علیهم السلام ، وفی محرّفی الکلم عن مواضعه ، وفی منائح لاعنی مولانا أمیر المؤمنین وقاتلی الصلحاء الأبریاء من موالی العترة الطاهرة ، ویُصرف شیء کثیر منها فی الخمور والفجور ، إلی غیر ذلک من وجوه الشرّ.

ما ظنّک بالرجل؟ وفی أُذنه نداء الصادع الکریم : «إذا بلغ بنو أبی العاص ثلاثین رجلاً اتّخذوا مال الله دولاً ، وعباد الله خولاً ، ودین الله دغلاً». ویری بین عینیه آل أبی العاص بلغوا ثلاثین وجاؤوا یلعبون بالملک تلاعب الصبیان بالأُکَر ، وقد اتّخذوا مال الله دولا ...

فهل تراه یخفق علی ذلک کلّه ، کأنّه لا یبصر ولا یسمع ولا یعلم؟ أو أنّه یُدوّخ العالم بعقیرته؟ ویلفت الأنظار إلی جهات الحکمة ووجوه الفساد؟ عساه یکسح شیئاً من الشرّ الحاضر ، ویسدّ عادیة المعرّة المقبلة ، وإنّ أسس هذا الدین الحنیف الدعوة إلی الحقّ والأمر بالمعروف والنهی عن المنکر ، (وَلْتَکُنْ مِنْکُمْ أُمَّةٌ یَدْعُونَ إِلَی الْخَیْرِ وَیَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَیَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْکَرِ وَأُولئِکَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (1).

لقد ناء أبو ذر بهذه المهمّة الدینیّة وهو الذی لا تأخذه فی الله لومة لائم ، وما کان یلهج إلاّ بقوله تعالی : (وَالَّذِینَ یَکْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا یُنْفِقُونَها فِی سَبِیلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِیمٍ) ولم یشذّ فی تأویل الآیة عمّا یقتضیه ظاهرها ، لأنّ مطمح نظره 4.

ص: 471


1- آل عمران : 104.

کان هؤلاء الذین ذکرناهم ممّن جمعوا من غیر حلّه ، وادّخروا علی غیر حقّه ، ولم یؤدّوا المفترض ممّا استباحوه من المال واکتنزوه ، ولذلک لم یوجّه نکیره إلی أُناس آخرین من زملائه ومعاصریه من أهل الیسار کقیس بن سعد بن عبادة الأنصاری الذی کان یهب غیر الحقوق الواجبة علیه آلافاً مؤلّفة ، وقد عرفت شطراً من یساره فی الجزء الثانی (85 - 88).

وکأبی سعید الخدری الذی کان یقول : ما أعلم أهل بیت من الأنصار أکثر أموالاً منّا (1).

وکعبد الله بن جعفر الطیّار الذی دوّخ الأجواء ذکر ثروته وعطایاه وقد فصّلها ابن عساکر فی تاریخه (2) (7 / 325 - 344) وغیره.

وعبد الله بن مسعود الذی خلّف تسعین ألفاً کما فی صفة الصفوة.

وحکیم بن حزام الذی کانت بیده دار الندوة فباعها من معاویة بمائة ألف درهم ، فقال له عبد الله بن الزبیر : بعت مکرمة قریش. فقال حکیم : ذهبت المکارم إلاّ التقوی یا ابن أخی ، إنّی اشتریت بها داراً فی الجنّة أُشهدک أنّی قد جعلتها فی سبیل الله. وحجّ حکیم ومعه مائة بدنة قد أهداها وجلّلها الحبرة (3) ؛ ووقف مائة وصیف یوم عرفة فی أعناقهم أطوقة الفضّة قد نقش فی رءوسها : عتقاء الله عزّ وجلّ عن حکیم. وأعتقهم ، وأهدی ألف شاة (4).

إلی أُناس آخرین لدة هؤلاء من أهل الیسار. فلم تسمع أُذن الدنیا أنّ أبا ذر وجّه إلی أحد من هؤلاء الأثریاء لوماً لأنّه کان یعلم بأنّهم اقتنوها من طرقها ف)

ص: 472


1- صفة الصفوة لابن الجوزی : 1 / 300 [1 / 715 رقم 105]. (المؤلف)
2- تاریخ مدینة دمشق : 27 / 248 - 298 رقم 3222 ، وأنظر : المنتظم : 6 / 214 رقم 477.
3- الحِبَرَة والحَبَرَة : ضربٌ من البرود الیمانیة.
4- صفة الصفوة لابن الجوزی : 1 / 304 [1 / 725 رقم 109]. (المؤلف)

المشروعة وأدّوا ما علیهم منها وزادوا ، وراعوا حقوق المروءة حقّ رعایتها ، وما کان یبغی بالناس إلاّ هذه.

لما ذا یری أبو ذر بناء معاویة الخضراء فی دمشق فیقول : یا معاویة إن کانت هذه الدار من مال الله فهی الخیانة ، وإن کانت من مالک فهذا الإسراف. فسکت معاویة. ویقول أبو ذر : والله لقد حدثت أعمال ما أعرفها ، والله ما هی فی کتاب الله ولا سنّة نبیّه ، والله إنّی لأری حقّا یطفأ ، وباطلاً یُحیی ، وصادقاً یکذّب ، وأثرة بغیر تقی ، وصالحاً مستأثراً علیه (1).

ویری بناء المقداد داره بالمدینة بالجرف وقد جعلها مجصّصة الظاهر والباطن کما فی مروج الذهب (2) (1 / 434) فلا ینکره علیه ولا ینهاه عنه ولا ینبس ببنت شفة ، ولیس ذلک إلاّ لما کان یراه من الفرق الواضح بین المالین والبناءین وصاحبیهما.

وأمّا وجوب إنفاق المال الزائد علی القوت کلّه الذی عزاه إلی سیّدنا أبی ذر المختلقون فمن أفائکهم المفتریات ، لم یدَّعه أبو ذر ولا دعا إلیه ، وکیف یکون ذلک وأبو ذر یعی من شریعة الحقّ وجوب الزکاة؟ وهل یمکن ذلک إلاّ بعد الیسار والوفر الزائد علی المؤن؟ والله سبحانه یقول : (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَکِّیهِمْ) (3) وفی تنکیر الصدقة و (من) التبعیض دلالة علی أنّ المأخوذ بعض المال لا کلّه.

علی أنّ النُصب الزکویّة المضروبة فی النقدین والأنعام والغلاّت کلّها نصوص علی أنّ الباقی من المال مباح لأربابه ، ولأبی ذر نفسه فی آداب الزکاة أحادیث أخرجها البخاری ومسلم وغیرهما من رجال الصحاح وأحمد والبیهقی وغیرهم.

فلو کان یجب إنفاق بعد إخراج الزکاة فما معنی التحدید بالنصب والإخراج 3.

ص: 473


1- راجع ما مرّ : ص 304. (المؤلف)
2- مروج الذهب : 2 / 351.
3- التوبة : 103.

منها؟ وهذا معنی واضح لا یخفی علی کلّ مسلم ، فضلاً عن مثل أبی ذر الذی هو وعاء العلم والمحیط بالسنّة الشریفة.

ولو کانت علی المکلّف بقیّة من الواجب بعد الزکاة لم یؤدّها فما معنی الفلاح؟ الذی وصف الله تعالی به المؤمنین : (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ* الَّذِینَ هُمْ فِی صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ* وَالَّذِینَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ* وَالَّذِینَ هُمْ لِلزَّکاةِ فاعِلُونَ) (1).

ولیت شعری إن کان من المفترض إنفاق کلّ ما للإنسان من المال بعد المؤن فبما ذا یحترف أو یمتهن؟ ولیس عنده فاضل علی المؤن. أبما ادّخره لقوته؟ أم بما رجع عنه بخفّی حنین؟ وممّا ذا یخرج الزکاة؟ فیسدّ بها خلّة الضعفاء ویقتات هو فی مستقبله الذی هو أوان فاقته. أمن المحتمل أنّ أبا ذر کان یوجب ترک کلّ هذه ویرید أن تکون الدنیا مشحونة بالعفاة المتکفّفین؟ فلا یری المتسوّل إلاّ شحّاذاً مثله ، ولا یجد العافی مُنتجعاً لکشف کربته وتسدید إعوازه إن دامت الحالة علی ما یُتقوّل به علی أبی ذر سنة أو دون سنة.

تالله لا یبغی أبو ذر بالمجتمع الدینی هذه الضعة وهو لا یحبّ لهم إلاّ الخیر کلّه ، ولا یرید هذا أیّ مصلح أو صالح فی نفسه ، فضلاً عن أبی ذر المعدود فی علماء الصحابة ومصلحیهم وصلحائهم.

نعم ؛ غضب أبو ذر لله کما قاله مولانا أمیر المؤمنین (2) وغضب للمسلمین حیث رأی فیئهم مدّخراً عنهم تتمتّع به سماسرة النهمة والجشع.

یری فیئهم فی غیرهم متقسّماً

وأیدیَهُمْ من فیئِهمْ صَفِراتِ

فکان کلّ ما انتابه من جرّاء هذا الأخذ والرد بعین الله وفی سبیله کما عهد إلیه ف)

ص: 474


1- المؤمنون : 1 - 4.
2- راجع : ص 300 من هذا الجزء. (المؤلف)

رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فقال : «أنت رجل صالح وسیصیبک بلاء بعدی». قال : فی الله؟ قال : «فی الله». قال : مرحباً بأمر الله. راجع (ص 316) من هذا الجزء.

ثمّ إنّ ما شجر من الخلاف بین أبی ذر ومعاویة فی قوله تعالی : (وَالَّذِینَ یَکْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا یُنْفِقُونَها فِی سَبِیلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِیمٍ). - فخصّه معاویة بأهل الکتاب وعمّمه أبو ذر علیهم وعلی المسلمین ، کما أخرجه البخاری ومرّ بلفظه (ص 295) وهذه الروایة هی المستند الوحید لجملة من الأفّاکین علی أبی ذر - ظاهر (1) فی أنّه لا خلاف بینهما فی المقدار المنفق من المال وإنّما هو فی توجیه الخطاب ، فارتأی معاویة أنّ المخاطب به أهل الکتاب ، وعلم أبو ذر من مستقی الوحی ولحن الآیة الکریمة أنّها تعمّ کلّ مکلّف. إذن فیجب إمّا أن یُعزی هذا الشذوذ إلیهما جمیعاً ، أو یبرّآن عنه جمیعاً ، فإفراد أبی ذر بالقذف من ولائد الضغائن والإحن.

وأیّا ما کان ، فالمراد إنفاق البعض لا الکلّ ، وإن کان النظر القاصر قد یجنح إلی الأخیر لأوّل وهلة. ولیست هذه الآیة بدعاً من آیات أُخری تماثلها فی السیاق کقوله تعالی : (مَثَلُ الَّذِینَ یُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِی سَبِیلِ اللهِ کَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ) الآیة ، البقرة : 261.

وقوله تعالی : (الَّذِینَ یُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّیْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِیَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ) البقرة : 274.

وقوله تعالی (الَّذِینَ یُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِی سَبِیلِ اللهِ ثُمَّ لا یُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذیً لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ) ، البقرة : 262.

وقوله تعالی : (وَمَثَلُ الَّذِینَ یُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ) الآیة ، البقرة : 265.

علی أنّ هذه الآیات أصرح من هاتیک فی العموم لمکان الجمع المضاف فیها ، ..

ص: 475


1- خبر «إنّ» فی أول الفقره ، من قوله : ثم إن ما شجر ....

لکن المعلوم بالضرورة من دین الإسلام أنّه نزّلها إلی البعض ، ولعلّ النکتة فی الإتیان بالجمع المضاف فیها أنّ الموصوفین بها بلغوا من نزاهة النفس وکرم الطباع وعلوّ الهمّة حدّا لا یبالون معه لو توقّفت الحالة علی إنفاق کلّ أموالهم. أو أنّهم حین یسمحون بإنفاق البعض فی سبیل الله تعالی یجعله سبحانه فی مکان إنفاق الکلّ بفضل منه ویثیبهم علی ذلک. وبهذا یُعلم السرّ فی قوله تعالی : (إِنَّ الَّذِینَ کَفَرُوا یُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِیَصُدُّوا عَنْ سَبِیلِ اللهِ) ، الأنفال : 36. وقوله تعالی (وَالَّذِینَ یُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النَّاسِ) الآیة ، النساء : 38.

فلیست هذه الآیات فی منتأی عن قوله تعالی : (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّی تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) ، آل عمران : 92.

وقوله تعالی : (قُلْ لِعِبادِیَ الَّذِینَ آمَنُوا یُقِیمُوا الصَّلاةَ وَیُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِیَةً) ، إبراهیم : 31.

وقوله تعالی : (الَّذِینَ یُؤْمِنُونَ بِالْغَیْبِ وَیُقِیمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ یُنْفِقُونَ) ، البقرة : 3.

وقوله تعالی : (الَّذِینَ یُقِیمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ یُنْفِقُونَ) ، الأنفال : 3.

وقوله تعالی : (وَالْمُقِیمِی الصَّلاةِ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ یُنْفِقُونَ) ، الحج : 35.

وقوله تعالی : (یَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ یُنْفِقُونَ) ، السجدة : 16.

وقوله تعالی : (یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناکُمْ) ، البقرة : 254.

وقوله تعالی : (یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَیِّباتِ ما کَسَبْتُمْ) ، البقرة : 267.

وقوله تعالی : (وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناکُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ یَأْتِیَ أَحَدَکُمُ الْمَوْتُ) ، المنافقون : 10.

علی أنّ غیر واحد من تلکم الآیات تومی إلی الإنفاق المندوب کما نصّ

ص: 476

علیه علماء التفسیر وحفّاظ الحدیث ، ومع ذلک لم یدعها سبحانه علی ما یتوهّم منها من جمعها المضاف حتی جعل لها حدّا بقوله عزّ وجلّ : (وَلا تَجْعَلْ یَدَکَ مَغْلُولَةً إِلی) عُنُقِکَ وَلَا تَبسُطْهَا کُلَّ البَسطِ فَتَقعُدَ مَلُوماً مَحسُورا) ، الإسراء : 29. وقوله تعالی : (وَالَّذِینَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ یُسْرِفُوا وَلَمْ یَقْتُرُوا وَکانَ بَیْنَ ذلِکَ قَواماً) ، الفرقان : 67.

أتری أنّ أبا ذر - سلام الله علیه - عزب عنه کلّ هذه الآیات الکریمة والأُصول المسلّمة؟ أو کان له رأی خاصّ فی تأویلها تجاه الحقائق الراهنة حتی جاء بعد لأی من عمر الدنیا رعرعة تجشّأهم الدهر فقاءهم وقفوا علی تلکم الکنوز المخیّأة؟!

ولو کان لأبی ذر أدنی شذوذ عن الطریقة المثلی فی حکم إلهی ، شذوذاً یخلّ بنظام المجتمع ویقلق السلام والوئام ، وتکثر حوله القلاقل ، وفیه إثارة العواطف والإخلال بالأمن أو التزحزح عن مبادئ الإسلام ، لکان مولانا أمیر المؤمنین علیه السلام أوّل من یردعه ویحبسه عن قصده السیّئ وأبو ذر أطوع له من الظلّ لذیه ، لکنّه علیه السلام بدلاً عن ذلک یقول : «غضبتَ لله فارجُ من غضبت له». ویقول : «والله ما أردتُ تشییع أبی ذر إلاّ لله». ویقول لعثمان : «اتّق الله فإنّک سیّرت رجلاً صالحاً من المسلمین فهلک فی تسییرک». وأمیر المؤمنین من تعرفه بتنمّره فی ذات الله لا تأخذه فی الله لومة لائم ، وهو مع الحقّ والحقّ معه فی کلّ ما یقول ویفعل.

وهل تری أنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم مع أنّه کان یعلم أنّ أبا ذر سوف ینوء فی أُخریاته بدعوة باطلة کهذه طفق ینوّه به ، ویعرّفه بین الملأ بصفات فاضلة تکبر مقامه ، وتعظّم مکانته عند الجامعة (1) ، وتمکّنه من القلوب الصالحة؟ ویقول عمر ی.

ص: 477


1- أی : المجتمع الإسلامی.

له صلی الله علیه وآله وسلم : یا رسول الله فنعرف ذلک له؟ فیقول صلی الله علیه وآله وسلم : «نعم فاعرفوه له». فیکون صلی الله علیه وآله وسلم مؤیّداً له علی عیثه ، ومؤسّساً لباطله ، ومعرّفاً لضلاله ، حاشا رسول العظمة من مثل ذلک.

(فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَری عَلَی اللهِ کَذِباً لِیُضِلَّ النَّاسَ بِغَیْرِ عِلْمٍ) (1)

(قُلْ هَلْ عِنْدَکُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنا) (2)

(إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِکُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْواهِکُمْ ما لَیْسَ لَکُمْ بِهِ عِلْمٌ) (3)

(ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لِآبائِهِمْ) (4)

(إِنْ یَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ یَخْرُصُونَ) (5)

أبو ذر والاشتراکیّة

لقد عرفت کلّ ما فی کنانة الأوّلین من نبال مرشوقة إلی العبد الصالح شبیه عیسی فی أُمّة محمد صلی الله علیه وآله وسلم ، فهلمّ هاهنا إلی رجرجة الآخرین من مقلّدة الدور الأخیر الخابطین خبط عشواء ، الذین رموا أبا ذر - وأُجلّه - بالاشتراکیّة تارة وبالشیوعیّة أخری.

هل أحاط علماً هؤلاء الأغرار بمبادئ الشیوعیّة التعیسة ، ومواد الاشتراک الذی هو بمقربة من ردیفته المبغوضة؟

وهل أُتیح لهم عرفان مغازی أبی ذر المصلح العظیم فیما قال ودعا إلیه حتی طفقوا یوفّقوا بین المبدأین؟ 6.

ص: 478


1- الأنعام : 144.
2- الأنعام : 148.
3- النور : 15.
4- الکهف : 5.
5- الأنعام : 116.

لا أحسب أنّهم عرفوا شیئاً من تلکم المغازی ، وأنّهم فی ظنّی الغالب بهم شیوعیّة خونة یدیفون السمّ فی الدسم ، ویُسرّون حسواً فی ارتغاء (1) ، اتّخذوا ما قالوه بل تقوّلوه أکبر دعایة إلی تلکم المبادئ الهدّامة لأُسس المدنیّة والحضارة ، المضادّة لناموس الطبیعة ، فضلاً عن حدود الإسلام ، یجعل مثل أبی ذر العظیم شیوعیّا أو اشتراکیّا ، وقد صافقه علی ما هتف به ونقم علی من ناوأه وآذاه من القوم جلّ الصحابة إن لم نقل کلّهم ممّن یعبأ به وبرأیه ، واستاءوا لما نُکب به من جرّاء ذلک الهتاف وفی مقدّمهم مولانا أمیر المؤمنین علیه السلام وابناه الإمامان إن قاما وإن قعدا ، وعمّار الذی قال فیه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «إنّ عمّاراً مع الحقّ والحقّ معه یدور عمّار مع الحقّ أینما دار» (2) إلی کثیرین وافقوا هؤلاء علی النقمة والاستیاء ، فلم یکن أبو ذر شاذّا فی رأیه ، ولا أُنهی إلینا أنّه خالفه أحد من الصحابة ، فدونک صحائف التاریخ وزبر الحدیث.

نعم ؛ خالفه الذین یریدون أن یخضموا مال الله خضمة الإبل نبتة الربیع ، وکانوا یکنزون الذهب والفضّة ولا یُنفقون منها ما یجب علیهم إنفاقه ، ویحرمون الأُمّة عن أعطیاتهم وما ینمو منها ، ویریدون للضعفاء أن یرزخوا تحت نیر الاضطهاد ، ویرسفوا فی قیود الفاقة والضعة ، خاضعین لهم مستعبدین ، وللقوم من أموالهم قصور مشیّدة ، ونمارق مصفوفة ، وزرابیّ مبثوثة ، یأکلون فیها مال الله أکلاً لمّا ، ویحبّون احتکاره حبّا جمّا.

نعم ؛ خالفه أولئک الذین عرّفهم یزید بن قیس الأرحبیّ یوم صفین بقوله من خطبة له : یحدّث أحدهم فی مجلسه بذیت وذیت (3) ، ویأخذ مال الله ، ویقول : لا إثم ت.

ص: 479


1- مثل یضرب لمن یُریک أنّه یعینک ، وإنما یجرّ النفع إلی نفسه. مجمع الأمثال 3 / 525 رقم 4680.
2- سیوافیک فی محلّه فی الجزء التاسع بإذن الله تعالی. (المؤلف)
3- من ألفاظ الکنایات. ومعناها : کیت وکیت.

علیّ فیه ، کأنّما أُعطی تراثه من أبیه ، کیف؟ إنّما هو مال الله أفاءه علینا بأسیافنا ورماحنا ، قاتلوا عباد الله القوم الظالمین الحاکمین بغیر ما أنزل الله ولا تأخذکم فیهم لومة لائم ، إنّهم إن یظهروا علیکم یفسدوا علیکم دینکم ودنیاکم ، وهم من قد عرفتم وجرّبتم (1).

فأیّ إنسان یبلغه أنّ العظماء الذین نوّهنا بذکرهم ، وهم أهل الفضائل والعلوم ، اعتنقوا مبدأً لا یروقه أن یقتصّ أثرهم؟ وهو لا یعلم أنّ ذلک العزو المختلق تقوّلوه دعایة إلی ضلالهم وترویجاً لباطلهم وستراً علی عوارهم.

دع ذلک کلّه وهلمّ معی إلی النظر فی مبادئ الشیوعیّة والفرق الاشتراکیّین ، إنّ القوم علی تعدّد فرقهم إلی الاشتراکیّة الدیمقراطیة ، والاشتراکیّة الوطنیّة النازیّة ، والشیوعیّة ، والمارکسیّة - اشتراکیّة رأس المال - وبالرغم من تباینهم الکثیر فی شتّی النواحی لا یختلفون فی موادّ ثلاثة تجمع شملهم المبدّد - بدّد الله شملهم :

1 - تقویض النظام الحالی ، وتشیید نظام جدید علی أنقاضه یضمن توزیع الثروة توزیعاً عادلاً بین الأفراد.

2 - إلغاء الملکیّة الخاصّة - ثروات الإنتاج - کرأس المال ، والأرض ، والمصانع ، علی أن تستولی الدولة علی هذه الملکیّات جمیعها وتجعلها ملکیّة عامّة تدیرها للمصلحة العامّة.

3 - یشتغل الأفراد لحساب الدولة بأجور تُعطی لهم بالتساوی ؛ علی أساس قیمة العمل الذی ینتجه کلّ منهم ، وتبعاً لذلک لا یکون هناک دخل للأفراد سوی الأجور. ف)

ص: 480


1- تاریخ الطبری : 6 / 10 [5 / 18 حوادث سنة 37 ه] ، کامل ابن الأثیر : 3 / 128 [2 / 373 حوادث سنة 37 ه] ، شرح ابن أبی الحدید : 1 / 485 [5 / 194 خطبة 65]. (المؤلف)

وتنفرد الشیوعیّة عن بقیّة الاشتراکیّین بأمرین :

أحدهما : إلغاء الملکیّة الخاصّة إلغاءً نهائیّا من غیر فرق بین ثروات الإنتاج وثروات الاستهلاک.

وثانیهما : توزیعها المال بین الأفراد لکلّ علی حسب حاجته ، ویستخدم من کلّ علی حسب قدرته ، فیکلّف العامل بالعمل علی قدر استطاعته ، ویدرّ علیه المعاش بما یسدّ حاجته.

فعلینا هاهنا أن نعید ذکر ما هتف به أبو ذر فی شتّی مواقفه ، وما رواه عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی باب الأموال ، وما قال فی حقّه عظماء الصحابة من الإطراء له والدفاع عنه بعد هتافه بما هتف ، وما یؤثر فیه عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم من الثناء الجمیل وعهده إلیه بما ینتابه من النکبات. فننظر إلیها نظرة مُستشفّ للحقیقة فنری هل ینطبق شیء منها علی موادّ الشیوعیّة والاشتراکیّة؟ أو ینحسر عنه ذلک الإفک المفتری داحراً إلی حضیض البهت والافتراء.

إنّ من قول أبی ذر لعثمان : ویحک یا عثمان أما رأیت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ورأیت أبا بکر وعمر ؛ هل رأیت هذا هدیهم؟ إنک لتبطش بی بطش جبّار.

ومن قوله له أیضاً : اتّبع سنّة صاحبیک لا یکن لأحد علیک کلام. قال عثمان : مالک وذلک لا أُمّ لک؟ قال أبو ذر : والله ما وجدت لی عذراً إلاّ الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر.

تجد أبا ذر هاهنا یلفت نظر عثمان إلی عهد الرسالة ثمّ إلی عهد الشیخین ویدعوه إلی اتّباع تلکم السیر ؛ ومن جلیّة الحال عند هاتیک الأدوار الثلاثة اطّراد الملکیّة الخاصّة ، ووجود أهل الیسار من الملاّکین والتجّار ؛ وحرّیتهم فی ثروتی الإنتاج والاستهلاک ، واختصاص کلّ مالیّة من نقود أو عقار أو ضیاع أو مصانع أو

ص: 481

أطعمة بأربابها ، ومن النوامیس المسلّمة عند نبیّ الإسلام صلی الله علیه وآله وسلم أنّه لا یحلّ مال امرئٍ إلاّ بطیب نفسه (1) وفی الذکر الحکیم : (لا تَأْکُلُوا أَمْوالَکُمْ بَیْنَکُمْ بِالْباطِلِ إِلاَّ أَنْ تَکُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ) (2) ، فتجده یعزو الأموال إلی أربابها ویحرّم أکلها بالباطل إلاّ أنْ تستباح بتجارة شرعیّة تستتبع رضا المالک الخاصّ ، وهناک آیات کریمة کثیرة تربو علی خمسین آیة لم یعدها عزو الأموال إلی مالکیها. تقدّم شطر منها فی صفحة (340).

فأبو ذر فی هذا الموقف یدعو إلی ضدّ الدعوة الاشتراکیّة الملغیة للملکیّة الخاصّة ، ویری مخالفة ذلک من المنکر الذی یجب النهی عنه ، فلم یردعه عمّا مضی فیه قول عثمان : مالک وذلک لا أُمّ لک.

ومن قوله لمعاویة لمّا بنی الخضراء : إن کانت هذه الدار من مال الله فهی الخیانة ، وإن کانت من مالک فهذا الإسراف.

فأبو ذر هاهنا یجوّز أن یکون المال مقسوماً إلی مال الله وإلی ما یخصّ للإنسان نفسه ، فیرتّب علی الأوّل الخیانة ، وعلی الثانی السرف ، ولم ینقم علی معاویة نفس تصرّفه فی المال وإنّما نقم علیه أحد الأمرین الخیانة أو الإسراف ، ولو کان ملغیاً للملکیّة لکان الواجب علیه أن ینتقد منه أصل تصرّفه فی تلکم الأموال.

وتراه یسمّی مال المسلمین من الفیء والصدقات والغنائم مال الله ؛ وقد روی ذلک عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أیضاً لعثمان حیث قال له : أشهد أنّی سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول : «إذا بلغ بنو أبی العاص ثلاثین رجلاً جعلوا مال الله دولاً ، وعباده خولاً ، ودینه دخلا» وصدّقه فی حدیثه مولانا أمیر المؤمنین علیه السلام.

وهذه التسمیة لم تکن قصراً علی عهد أبی ذر ومعاویة وإنّما کانت دارجة قبله 9.

ص: 482


1- مرّ الحدیث ص 129. (المؤلف)
2- النساء : 29.

وبعده ، هذا عمر بن الخطّاب وقوله لأبی هریرة لمّا قدم من البحرین : یا عدوّ الله وعدوّ کتابه أسرقت مال الله؟ قال : لست بعدوّ الله ولا بعدوّ کتابه ؛ ولکنّی عدوّ من عاداهما ، ولم أسرق مال الله (1).

وقال الأحنف بن قیس : کنّا جلوساً بباب عمر فخرجت جاریة ، فقلنا : هذه سُرّ سُرّیّة عمر ، فقالت : إنّها لیست بسُرّیّة عمر إنّها لا تحلّ لعمر ، إنّها من مال الله. قال : فتذاکرنا بیننا ما یحلّ له من مال الله ، قال : فرقی ذلک إلیه فأرسل إلینا ، فقال : ما کنتم تذاکرون؟ فقلنا : خرجت علینا جاریة فقلنا : هذه سُریّة عمر. فقالت : إنّها لیست بسُریّة عمر إنّها لا تحلّ لعمر ، إنّها من مال الله ، فتذاکرنا بیننا ما یحلّ لک من مال الله. فقال : ألا أُخبرکم بما أستحلّ من مال الله؟ حُلّتین : حلّة الشتاء والقیظ (2).

وقال عمر : لا یترخّصنّ أحدُکم فی البرذعة أو الحبل أو القتب ؛ فإنّ ذلک للمسلمین لیس أحد منهم إلاّ وله فیه نصیب ، فإن کان لإنسان واحد رآه عظیماً ، وإن کان لجماعة المسلمین ارتخص فیه وقال : مال الله (3)؟!

ومن قوله فی حدیث : البلاد بلاد الله ، وتحمی لنعم مال الله ، یحمل علیها فی سبیل الله (4).

وفی حدیث من قوله : المال مال الله ، والعباد عباد الله ، والله لو لا ما أحمل علیه فی سبیل الله ما حمیت من الأرض شبراً فی شبر (5). ف)

ص: 483


1- الأموال لأبی عبید : ص 269 [ص 342 ح 667] ، راجع ما أسلفناه فی : 6 / 254 الطبعة الأُولی و 271 الطبعة الثانیة. (المؤلف)
2- الأموال لأبی عبید : ص 268 [ص 341 ح 663]. (المؤلف)
3- الأموال لأبی عبید : ص 268 [ص 342 ح 665]. (المؤلف)
4- الأموال لأبی عبید : ص 299 [ص 377 ح 741]. (المؤلف)
5- الأموال لأبی عبید : ص 299 [ص 377 ح 742]. (المؤلف)

وکان عمر کلّما مرّ بخالد قال : یا خالد أَخرِج مال الله من تحت استک (1).

وهذا مولانا أمیر المؤمنین یقول فی خطبته الشقشقیّة (2) : «إلی أن قام ثالث القوم نافجاً حضنیه بین نثیله ومعتلفه ، وقام معه بنو أبیه یخضمون مال الله خضمة الإبل نبتة الربیع».

وفی خطبة له علیه السلام : «لو کان المال لی لسوّیت بینهم ، فکیف و [إنما] المال مال الله؟ ألا وإنّ إعطاء المال فی غیر حقّه تبذیر وإسراف» (3).

ومن کتاب له إلی عامله بآذربیجان : «لیس لک أن تفتات فی رعیّة ، ولا تخاطر إلاّ بوثیقة ، وفی یدیک مال من مال الله عزّ وجلّ وأنت من خزّانه» (4).

ومن کتاب له إلی أهل مصر : «ولکننی آسی أن یلی أمر هذه الأُمّة سفهاؤها وفجّارها فیتّخذوا مال الله دولاً ، وعباده خولاً ، والصالحین حرباً ، والفاسقین حزبا» (5).

ومن کتاب له إلی قُثَم بن العباس : «وانظر إلی ما اجتمع عندک من مال الله فاصرفه إلی من قبلک من ذوی العیال والمجاعة» (6).

وروی أنّه علیه السلام رفع إلیه رجلان سرقا من مال الله ، أحدهما عبد من مال الله والآخر من عُروض الناس. فقال علیه السلام : «أمّا هذا فهو من مال الله ولا حدّ علیه ، مال ف)

ص: 484


1- راجع ما أسلفناه فی الجزء السادس : ص 257 الطبعة الأُولی وص 274 الطبعة الثانیة. (المؤلف)
2- أسلفنا مصادرها فی الجزء السابع : ص 82 - 87. (المؤلف)
3- نهج البلاغة : 1 / 242 [ص 183 خطبة 126 والزیادة منه]. (المؤلف)
4- نهج البلاغة : 2 / 6 [ص 366 کتاب 5] ، العقد الفرید : 2 / 283 [4 / 134]. (المؤلف)
5- نهج البلاغة : ص 120 [ص 452 کتاب 62]. (المؤلف)
6- نهج البلاغة : ص 128 [ص 457 کتاب 67]. (المؤلف)

الله أکل بعضه بعضاً» الحدیث. نهج البلاغة (1) (2 / 202).

کما أنّ التسمیة بمال المسلمین أیضاً کان مطّرداً قبل هذا العهد وبعده ، قال عمر ابن الخطّاب لعبد الله بن الأرقم : اقسم بیت مال المسلمین فی کلّ شهر مرّة ، اقسم مال المسلمین فی کلّ جمعة مرّة. ثمّ قال : اقسم بیت المال فی کلّ یوم مرّة. قال : فقال رجل من القوم : یا أمیر المؤمنین لو أبقیت فی مال المسلمین بقیّة تعدّها لنائبة. سنن البیهقی (6 / 357).

وقال عمر فی خالد لمّا أعطی الأشعث بن قیس عشرة آلاف : إن کان دفعها من ماله فهو سرف ، وإن کان من مال المسلمین فهی خیانة (2). الغدیر (6 / 274).

وقال مولانا أمیر المؤمنین علیه السلام فی خطبة له فی ذکر أصحاب الجمل : «فقدموا علی عاملی بها وخزّان بیت مال المسلمین وغیرهم من أهلها» نهج البلاغة (3) (1 / 320).

وقال لعبد الله بن زمعة : إنّ هذا المال لیس لی ولا لک وإنّما هو فیء للمسلمین. نهج البلاغة (4) (1 / 461).

ومن کتاب له إلی زیاد بن أبیه : «وإنّی أقسم بالله قسماً صادقاً لئن بلغنی أنّک خُنت من فیء المسلمین شیئاً صغیراً أو کبیراً لأشدنّ علیک شدّة» نهج البلاغة (5) (2 / 19).

وفی کتاب لعبد الحمید بن عبد الرحمن إلی عمر بن عبد العزیز : إنّی قد أخرجت للناس أُعطیاتهم وقد بقی فی بیت المال مال. فکتب إلیه : انظر کلّ من أدان فی غیر 0.

ص: 485


1- نهج البلاغة : ص 523 رقم 271.
2- انظر : تاریخ الطبری : 4 / 67 حوادث سنة 17 ه ، البدایة والنهایة : 7 / 93 حوادث سنة 17 ه.
3- نهج البلاغة : ص 247 خطبة 172.
4- نهج البلاغة : ص 353 رقم 232.
5- نهج البلاغة : ص 377 کتاب 20.

سفه ولا سرف فاقض عنه. فکتب إلیه : إنّی قد قضیت عنهم وبقی فی بیت مال المسلمین مال. فکتب إلیه : أن انظر کلّ بکر لیس له مال فشاء أن تزوّجه [فزوّجه] وأصدق عنه. فکتب إلیه : إنّی قد زوّجت کلّ من وجدت وقد بقی فی بیت مال المسلمین مال. الأموال لأبی عبید (1) (ص 251).

ولکلّ من التسمیتین وجه معقول ، أمّا التسمیة بمال الله فلأنّه لله سبحانه وهو الآمر بإخراجه ومعیّن النُصب ، ومبیّن الکمّیات المخرجة ، ومشخّص المصارف والمستحقّین ، وأمّا التسمیة بمال المسلمین فلأنّهم المصرف والمدرّ له ، فلا غضاضة علی أبی ذر لو سمّاه بأیّ من الاسمین ، ولا یعرب أیّ منهما عن مبدأ سوء.

وما رواه الطبری فی تاریخه (2) (5 / 66) من طریق عرّفناک رجاله فی (ص 326 - 328) وأنّه باطل لا یُعوّل علیه ، من أنّه لمّا ورد ابن السوداء (3) الشام لقی أبا ذر فقال : یا أبا ذر ألا تعجب إلی معاویة یقول : المال مال الله ، ألا إنّ کلّ شیء لله ، کأنّه یرید أن یحتجنه دون المسلمین ویمحو اسم المسلمین. فأتاه أبو ذر فقال : ما یدعوک إلی أن تسمّی مال المسلمین مال الله : قال؟ یرحمک الله یا أبا ذر ألسنا عباد الله والمال ماله والخلق خلقه والأمر أمره؟ قال : فلا تقله. قال : فإنّی لا أقول : إنّه لیس لله ولکن سأقول : مال المسلمین.

فهذا بعد الغضّ عن إسناده الباطل ومتنه الرکیک وبعد الإغضاء عن أنّ مثل أبی ذر الذی هو من أوعیة العلم وعلب الفضائل وحملة الرأی السدید لیس بالذی یحرّکه ابن السوداء الیهودیّ فیعیره أُذناً واعیة ، ثم یمضی لما ألقاه علیه من التلبیس ف)

ص: 486


1- الأموال : ص 320 ح 625.
2- تاریخ الأُمم والملوک : 4 / 283 حوادث سنة 30 ه.
3- یعنی عبد الله بن سبأ الیهودی الممقوت لکافّة فرق المسلمین خصوصاً الشیعة منهم ، فإنّه محکوم علیه عندهم بالکفر ، وقد نقم علیه وعلی أصحابه مولانا أمیر المؤمنین علیه السلام لإلحادهم. (المؤلف)

فیخبط الجوّ ویعکّر الصفو. فقصاری ما فیه أنّ أبا ذر وجد معاویة متذرّعاً بهذه التسمیة إلی الحیف فی أموال المسلمین والتقلّب فیها علی حسب المیول والشهوات بإیهام أنّ المال مال الله ، فهو مباح لعبیده یتصرّف کلّ منهم فیه کیف شاء ویتملّک منه ما شاء کالمباحات الأصلیّة ، فأراد أبو ذر أن یدحر حجّته الداحضة ورأیه الضئیل بأنّ المال للمسلمین کافّة بأمر من مالکه الأصلیّ جلّت آلاؤه ، فلیس لأحد أن یستبدّ بشیء منه دونهم ، ویستغلّه بحرمانهم واکتناز الذهب والفضّة ، وفیهم أمسّ الحاجة إلی مقدّراتهم.

ویُعرب عن رأی معاویة ما جری بینه وبین صعصعة بن صوحان ، رواه المسعودی فی مروج الذهب (1) (2 / 79) من طریق إبراهیم بن عقیل البصری ، قال : قال معاویة یوماً وعنده صعصعة وکان قدم علیه بکتاب علیّ وعنده وجوه الناس : الأرض لله ، وأنا خلیفة الله ، فما آخذ من مال الله فهو لی ، وما ترکت منه کان جائزاً لی ، فقال صعصعة :

تمنّیک نفسک ما لا یکو

ن جهلاً معاویُ لا تأثم

فهذا الحوار بین أبی ذر ومعاویة فی منتأی عن إثبات المالکیّة ونفیها ، ولیس فیه إلی المبدأ الاشتراکیّ أیّ طرف رامق ، وتُعرب عن رأی معاویة خطبة الأرحبی المذکورة (ص 344).

ومن کلمات أبی ذر قوله لمعاویة لمّا بعث إلیه بثلاثمائة دینار : إن کانت من عطائی الذی حرمتمونیه عامی هذا قبلتها ، وإن کانت صلة فلا حاجة لی فیها.

فإنّک تشهد هاهنا أبا ذر یقسّم المال إلی العطاء المفترض الذی منع منه عامه ذلک - لأمره بالمعروف ونهیه عن المنکر - وإلی المال المملوک الذی یُخرج منه الصلة 3.

ص: 487


1- مروج الذهب : 3 / 53.

بطوع من صاحبه ورغبة ، فإنّ الصلة من المروءات وهی لا تکون إلاّ من خالص مال الرجل ، ومن غیر الحقوق الإلهیّة ، ومن غیر الأموال المسروقة ، فأین هو عن إلغاء الملکیّة الذی هو الحجر الأساسی للاشتراکیّین؟ علی أنّه لیس عندهم صلة ولا غیرها من حقوق الإنسانیّة ، وإنّما هی عندهم أُجور علی قیم أعمال الرعیّة.

روایاته فی الأموال :

وأمّا ما رواه أبو ذر فی باب الأموال عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فینادی بما لا یلائم الاشتراکیّة قطّ ، وإلیک جملة منه :

1 - «ما من مسلم ینفق من کلّ مال له زوجین فی سبیل الله عزّ وجلّ إلاّ استقبلته حجبة الجنّة کلّهم یدعوه إلی ما عنده». قلت : وکیف ذلک؟ قال صلی الله علیه وآله وسلم : «إن کانت رجالاً فرجلین ، وإن کانت إبلاً فبعیرین ، وإن کانت بقراً فبقرتین».

وفی لفظ : «من أنفق زوجین من ماله فی سبیل الله ابتدرته حجبة الجنّة» (1).

ففیه إثبات المال لکلّ إنسان بالرغم من المبدأ الاشتراکیّ ، والترغیب بالتطوّع بالإنفاق فی سبیل الله من کلّ نوع زوجین.

2 - «فی الإبل صدقتها ، وفی الغنم صدقتها ، وفی البقر صدقتها ، وفی البرّ صدقته».

3 - «ما من رجل یموت فیترک غنماً أو إبلاً أو بقراً لم یؤدّ زکاته إلاّ جاءت یوم القیامة أعظم ما تکون وأسمن حتی تطأه بأظلافها وتنطحه بقرونها». ف)

ص: 488


1- أخرجه أحمد فی مسنده : 5 / 151 ، 153 ، 159 ، 164 [6 / 187 ح 20834 ، ص 190 ح 20851 ، ص 199 ح 20904 ، ص 206 ح 20942]. (المؤلف)

وفی لفظ : «ما من صاحب إبل ولا بقر ولا غنم لا یؤدّی زکاتها إلاّ جاءت یوم القیامة ...» الحدیث (1).

فهی تثبت المالیّة وأنّه لا فریضة علی الإنسان فی ماله غیر الزکاة ، وهی من بعضها ، وأنّ الباقی لصاحبه ، رضی الاشتراکیّ أو غضب.

وأمّا ما وقع له مع کعب الأحبار فی مشهد عثمان - وهو من عمدة ما تشبّث به المتحاملون علی أبی ذر وقاذقوه - ممّا أخرجه الطبری بإسناده الواهی عن السریّ الکذّاب الوضّاع ، عن شعیب المجهول الذی لا یعرف ، عن سیف بن عمر الوضّاع المتّهم بالزندقة الذین عرفت حالهم فی صفحة (326 - 327) من طریق ابن عبّاس قال : کان أبو ذر یختلف من الربذة إلی المدینة مخافة الأعرابیّة ، وکان یحبّ الوحدة والخلوة ، فدخل علی عثمان وعنده کعب الأحبار ، فقال لعثمان : لا ترضوا من الناس بکفّ الأذی حتی یبذلوا المعروف ، وقد ینبغی لمؤدّی الزکاة أن لا یقتصر علیها حتی یحسن إلی الجیران والإخوان ویصل القرابات. فقال کعب : من أدّی الفریضة فقد قضی ما علیه. فرفع أبو ذر محجنه فضربه فشجّه ، فاستوهبه عثمان فوهبه له وقال : یا أبا ذر اتّق الله واکفف یدک ولسانک. وقد کان قال له : یا ابن الیهودیّة ما أنت وما هاهنا؟ والله لتسمعنّ منّی أو لأدخل علیک (2).

ومرّ (ص 295) فی لفظ المسعودی (3) : أنّ أبا ذر حضر مجلس عثمان ذات یوم ، فقال عثمان : أرأیتم من زکّی ماله هل فیه حقّ لغیره؟ فقال کعب : لا یا أمیر المؤمنین ، 7.

ص: 489


1- مسند أحمد : 5 / 152 ، 158 ، 169 ، 179 [6 / 189 ح 20844 ، ص 197 ح 20892 ، ص 214 ح 20980 ، ص 228 ح 21047] ، الأموال لأبی عبید : ص 355 [ص 443 ح 922] ، سنن ابن ماجة : 1 / 544 [1 / 569 ح 1785]. (المؤلف)
2- تاریخ الطبری : 5 / 67 [4 / 284 حوادث سنة 30 ه]. (المؤلف)
3- مروج الذهب : 2 / 357.

فدفع أبو ذر فی صدر کعب وقال له : کذبت یا ابن الیهودیّ ثم تلا : (لَیْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَکُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلکِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْیَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِکَةِ وَالْکِتابِ وَالنَّبِیِّینَ وَآتَی الْمالَ عَلی حُبِّهِ ذَوِی الْقُرْبی وَالْیَتامی وَالْمَساکِینَ وَابْنَ السَّبِیلِ وَالسَّائِلِینَ وَفِی الرِّقابِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَی الزَّکاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا) ، الآیة (1). فقال عثمان : أترون بأساً أن نأخذ مالاً من بیت مال المسلمین فننفقه فیما ینوبنا من أُمورنا ونعطیکموه؟ فقال کعب : لا بأس بذلک. فرفع أبو ذر العصا فدفع بها فی صدر کعب وقال : یا ابن الیهودیّ ما أجرأک علی القول فی دیننا! فقال له عثمان : ما أکثر أذاک لی! غیّب وجهک عنّی فقد آذیتنی. فخرج أبو ذر إلی الشام (2).

فإنّما دعا أبو ذر فی هذه الواقعة إلی العطاء المندوب المدلول علیه بقوله : - ینبغی - الوارد فی روایة الطبری ، وبالآیة الکریمة الواردة فی حدیث المسعودی : وهو من واجبات البشریّة وفروض الإنسانیّة التی ضیّعتها الشیوعیّة الممقوتة ، والأحادیث المرغّبة لکلّ ممّا ذکر أبو ذر أکثر من أن تحصی.

جاء من طریق فاطمة بنت قیس عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أنّه قال : «إنّ فی المال حقّا سوی الزکاة» ثمّ قرأ : (لَیْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَکُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلکِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْیَوْمِ الْآخِرِ). الآیة المذکورة. وروی بیان وإسماعیل هذا الحدیث عن الشعبی.

أخرجه (3) ابن أبی حاتم ، والترمذی ، وابن ماجة ، وابن عدی ، وابن مردویه ، والدارقطنی ، وابن جریر ، وابن المنذر. 6.

ص: 490


1- البقرة : 177.
2- هذه القضیّة کما تری وقعت قبل إخراج أبی ذر إلی الشام وهی السبب الوحید فی نفیه إلیها ، فهذا اللفظ یکذّب ما فی روایة الطبری من أنّ أبا ذر کان یختلف من الربذة إلی المدینة ... إلخ. ولم یختلف اثنان فی أنّ أبا ذر فی مدّة نفیه إلی الربذة لم یأتِ قطّ إلی المدینة کما مرّ فی : ص 333. (المؤلف)
3- سنن الترمذی : 3 / 48 ح 660 ، سنن ابن ماجة : 1 / 570 ح 1789. الکامل فی ضعفاء الرجال : 4 / 11 رقم 888 ، سنن الدارقطنی : 2 / 125 ح 11 ، جامع البیان : مج 2 / ج 2 / 96.

راجع (1) سنن البیهقی (4 / 84) ، أحکام القرآن للجصّاص (1 / 153) ، تفسیر القرطبی (2 / 223) ، تفسیر ابن کثیر (1 / 208) ، شرح سنن ابن ماجة (1 / 546) تفسیر الشوکانی (1 / 151) ، تفسیر الآلوسی (2 / 47).

وأخرج البخاری فی الصحیح (2) فی کتاب الزکاة (3 / 29) من طریق أنس قال : کان أبو طلحة أکثر الأنصار بالمدینة مالاً من نخل ، وکان أحبّ أمواله إلیه بیرحاء (3) وکانت مستقبلة المسجد ، وکان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یدخلها ویشرب من ماء فیها طیّب. قال أنس : فلمّا أنزلت هذه الآیة : (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّی تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) قام أبو طلحة إلی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فقال : یا رسول الله إنّ الله تبارک وتعالی یقول : (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّی تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ). وإنّ أحبّ أموالی إلیّ بیرحاء ، وإنّها صدقة لله أرجو برّها وذخرها عند الله ، فضعها یا رسول الله حیث أراک الله ، قال : فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم «بخ ذلک مال رابح ، ذلک مال رابح ، وقد سمعت ما قلت وإنّی أری أن تجعلها فی الأقربین» ، فقال أبو طلحة : أفعل یا رسول الله ، فقسّمها أبو طلحة فی أقاربه وبنی عمّه.

وأخرجه (4) مسلم والترمذی وأبو داود والنسائی مختصراً.

وأخرج أبو عبید فی الأموال (5) (ص 358) من طریق ابن جریج قال : سأل المؤمنون رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : ما ذا ینفقون؟ فنزلت : (یَسْئَلُونَکَ ما ذا یُنْفِقُونَ قُلْ ما أَنْفَقْتُمْ3.

ص: 491


1- أحکام القرآن : 1 / 131 ، الجامع لأحکام القرآن : 2 / 162 ، فتح القدیر : 1 / 174.
2- صحیح البخاری : 2 / 530 ح 1392.
3- بیرحاء - بفتح الموحّدة والراء المهملة - : موضع بقرب المسجد بالمدینة یعرف بقصر بنی جدیلة [معجم البلدان : 1 / 524]. (المؤلف)
4- صحیح مسلم : 2 / 388 ح 42 کتاب الزکاة ، سنن الترمذی : 5 / 209 ح 2997 ، السنن الکبری : 6 / 311 ح 11066.
5- الأموال : ص 446 ح 933.

مِنْ خَیْرٍ فَلِلْوالِدَیْنِ وَالْأَقْرَبِینَ وَالْیَتامی وَالْمَساکِینِ وَابْنِ السَّبِیلِ) (1). قال : فتلک التطوّع والزکاة سوی ذلک.

وقال أبو عبید فی الأموال (2) (ص 358) : إنّ هذا مذهب (3) ابن عمر وأبی هریرة ، وأصحاب رسول الله أعلم بتأویل القرآن وأولی بالاتّباع ، و [هو] (4) مذهب طاووس ، والشعبی أنّ فی المال حقوقاً سوی الزکاة مثل برّ الوالدین ، وصلة الرحم ، وقری الضیف ، مع ما جاء فی المواشی من الحقوق.

وفی الأموال (5) (ص 357) من طریق أبی حمزة قال : قلت للشعبی : إذا أدّیت زکاة مالی أیطیب لی مالی؟ قال : فقرأ علیّ هذه الآیة : (لَیْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَکُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلکِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْیَوْمِ الْآخِرِ) إلی آخر الآیة المذکورة.

فنداء أبی ذر فی موقفه هذا نداء القرآن الکریم ونداء المشرّع الأعظم ونداء تابعیهما من الصحابة والتابعین ، ولا یردّ ذلک إلاّ مثل کعب الأحبار الذی هو حدیث عهد بالیهودیّة ، وقد اعتنق الإسلام أمس ، علی حین أنّه لم یسلم طیلة عهد النبوّة وإنّما سالم علی عهد عمر ، ولا أدری هل حدته إلی ذلک الحقیقة؟ أو الفَرَق من بطش المسلمین وشوکتهم؟ أو الطمع فی العطاء الجاری؟ ولا أدری أیضاً أنّه فی مدّة إسلامه القصیرة هل أحاط خبراً بنوامیس الإسلام وفروضه وسننه أو لا؟ ولا أحسب ، کما أوعز إلیه أبو ذر الناظر إلیه من کثب ، حیث قال له : یا ابن الیهودیّة ما أنت وما هاهنا؟ وکان من حقّه أن یؤدّب بالمحجن کما فعله سیّد غفار - ساء الخلیفة أم سرّه - 9.

ص: 492


1- البقرة : 215.
2- الأموال : ص 446 ح 931.
3- فی المصدر : فهذا غیر مذهب ...
4- من المصدر.
5- الأموال : ص 446 ح 929.

لأنّه لم یکن أهلاً للفتیا ، فأفتی تجاه عالم من علماء الصحابة الذی ملء إهابه العلم بالکتاب والسنّة ، وحشو ردائه الفروض والسنن ، ولا یُفرغ إلاّ عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «ما أظلّت الخضراء وما أقلّت الغبراء من ذی لهجة أصدق وأوفی من أبی ذر».

(الَّذِینَ یَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِینَ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ فِی الصَّدَقاتِ وَالَّذِینَ لا یَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَیَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِیمٌ) (1).

وإثبات العطاء مندوباً ومفترضاً فرع إثبات المالیّة للأشخاص ، ولا تتّفق معه الشیوعیّة بحال ، وأین یقع أبو ذر منها؟

4 - «ثلاثة یبغضهم الله : الشیخ الزانی ، والفقیر المختال ، والغنیّ الظلوم».

وفی لفظ : «إنّ الله یبغض الشیخ الزانی ، والفقیر المختال ، والمکثر البخیل».

وفی لفظ : «إنّ الله لا یحبّ کلّ مختال فخور ، والبخیل المنّان ، والتاجر الحلاّف» (2).

فی هذه الروایات ذکر اختلاف طبقات الناس وحدودهم بما یملکون ، ففقیر وغنیّ ، ومکثر وتاجر تتقوّم تجارته برأس ماله ، والاشتراکیّ یری أنّ الناس شرع سواء بالنسبة إلی الأموال.

5 - قلت : یا رسول الله ذهب الأغنیاء بالأجر یصلّون ویصومون ویحجّون. ف)

ص: 493


1- التوبة : 79.
2- مسند أحمد : 5 / 153 ، 176 [6 / 190 ح 20848 - 20849 ، ص 223 ح 21020] ، وأخرجه أبو داود ، وابن خزیمة فی صحیحه [4 / 104 ح 2456] ، والنسائی [فی السنن الکبری : 4 / 269 ح 7137] ، والترمذی فی باب کلام الحور العین وصحّحه [4 / 601 ح 2568] ، وابن حبّان فی صحیحه [8 / 136 ح 3349] ، والحاکم [فی المستدرک : 2 / 123 ح 2532] وصحّحه. راجع الترغیب والترهیب للمنذری : 1 / 247 ، و 2 / 230 ، 238 [2 / 33 ، ص 589 ، ص 610]. (المؤلف)

قال : «وأنتم تصلّون وتصومون وتحجّون». قلت : یتصدّقون ولا نتصدّق. قال : «وأنت فیک صدقة : رفعک العظم عن الطریق صدقة ، وهدایتک الطریق صدقة ، وعونک الضعیف بفضل قوتک صدقة ، وبیانک عن الأرتم (1) صدقة ، ومباضعتک امرأتک صدقة» قال : قلت : یا رسول الله نأتی شهوتنا ونؤجر؟ قال : «أرأیت لو جعلته فی حرام أکان تأثم؟». قال : قلت : نعم. قال : «فتحتسبون بالشرّ ، ولا تحتسبون بالخیر؟».

وفی لفظ : قالوا : یا رسول الله ذهب أهل الدثور بالأُجور ، یصلّون کما نصلّی ویصومون کما نصوم ویتصدّقون بفضول أموالهم ، قال : فقال رسول الله : «أو لیس قد جعل الله لکم ما تصّدّقون؟ إنّ بکلّ تسبیحة صدقة وبکلّ تحمیدة صدقة». الحدیث.

وفی لفظ : قیل للنبیّ صلی الله علیه وآله وسلم : ذهب أهل الأموال بالأجر. فقال النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم : «إنّ فیک صدقة کثیرة فاذکر فضل سمعک وفضل بصرک». الحدیث.

وفی لفظ : «علی کلّ نفس فی کلّ یوم طلعت فیه الشمس صدقة عنه علی نفسه». قلت یا رسول الله : من أین أتصدّق ولیس لنا أموال؟ قال : «لأنّ من أبواب الصدقة : التکبیر ، وسبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلاّ الله ، وأستغفر الله ، وتأمر بالمعروف وتنهی عن المنکر ، وتعزل الشوکة عن طریق الناس والعظم والحجر ، وتهدی الأعمی ، وتُسمع الأصمّ والأبکم حتی یفقه ، وتدلّ المستدلّ علی حاجة له وقد علمت مکانها ، وتسعی بشدّة ساقیک إلی اللهفان المستغیث ، وترفع بشدّة ذراعیک مع الضعیف ، کلّ ذلک من أبواب الصدقة منک علی نفسک» (2).ف)

ص: 494


1- قال ابن الأثیر فی النهایة : 2 / 194 بعد روایته الحدیث : کذا وقع فی الروایة ، فإن کان محفوظاً فلعله من قولهم : رتمت الشیء إذا کسرته ، ویکون معناه معنی الأرَتّ ، وهو الذی لا یفصح الکلام ولا یصحّحه ولا یبینه.
2- مسند أحمد : 5 / 154 ، 167 ، 178 [6 / 191 ح 20856 ، ص 210 ح 20958 ، 211 ح 20962 ، 212 ح 220972 ص 226 ح 21038] ، صحیح مسلم : 3 / 82 [2 / 393 ح 53 کتاب الزکاة] ، سنن البیهقی : 4 / 188. (المؤلف)

وفی هذه الأحادیث تقریر الأغنیاء وأهل الدثور والأموال علی أحوالهم المنوطة بالوفر المخصوص بهم والیسار الممنوح لهم وأنّه لیس منهم ، وذکر الصدقة من فضول أموال المثرین ، والتأسف علی ما یفوت الفقراء من صدقاتهم بالأموال فرضاً وتطوّعاً ، وأین یثبت الاشتراکیّ مالاً لأحد فیثبت له فضولاً؟ ومتی یری فی العالم غنیّا غیر غاصب؟ وأنّی یُبقی موضوعاً للصلات والصدقات وفروض الإنسانیّة؟ لکن روایات أبی ذر تثبت کلّ ذلک.

6 - أمرنی خلیلی صلی الله علیه وآله وسلم بسبع : أمرنی بحبّ المساکین والدنوّ منهم ، وأمرنی أن أنظر إلی من هو دونی ولا أنظر إلی من هو فوقی.

وفی لفظ : أوصانی حِبیّ بخمس : أرحم المساکین وأجالسهم ، وأنظر إلی من هو تحتی ولا أنظر إلی من هو فوقی (1).

... وممّا لا غبار علیه أنّ المراد من الدون والتحت فی الحدیثین : من هو دونه فی المال لیشکر الله سبحانه علی تفضیله علیهم ، ولا ینظر إلی من فوقه لئلاّ یشغله الاستیاء أو الحسد علی تفضیل غیره علیه عن الذکر والشکر والنشاط فی العبادة ، وأمّا الأعمال والطاعات والملکات الفاضلة ، فینبغی للإنسان أن ینظر إلی من هو فوقه فیها لیتنشّط علی مثل عمله فیتحرّی شأوه ، ولا ینظر إلی من هو دونه فیفتر عن العمل ویقعد عن اکتساب الفضائل والفواضل ، وربّما داخله العجب.

ففی الحدیثین إثبات المالیّة والتفاضل فیها بالرغم من المبدأ الشیوعیّ.

7 - لیس من فرس عربیّ إلاّ یؤذن له مع کلّ فجر یدعو بدعوتین یقول : اللهمّ ف)

ص: 495


1- مسند أحمد : 5 / 159 ، 173 [6 / 199 ح 20906 ، ص 219 ح 21006] ، حلیة أبی نعیم : 1 / 160. (المؤلف)

خوّلتنی من خوّلتنی من بنی آدم ، فاجعلنی من أحبّ أهله وماله إلیه. أو : أحبّ أهله وماله إلیه (1).

نحن لا نحتجّ هنا بدعوة الفرس ورأیه ، لکن بما أخبر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم من إلهام الله سبحانه إیّاه أنّه یدعو بتلک الدعوة وفیها إثبات التحویل والمالیّة وإن ازورّ عنهما الشیوعیّ.

هذه جملة من روایات أبی ذر الصدوق المصدّق تضادّ بنصّها ما اتّهم به من المبدأ الممقوت ، وإن هی إلاّ نداء القرآن الکریم وما صدع به الرسول الأمین.

(الَّذِینَ یَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَیَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِکَ)

(الَّذِینَ هَداهُمُ اللهُ وَأُولئِکَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ) (2)

(فَأَمَّا الَّذِینَ فِی قُلُوبِهِمْ زَیْغٌ فَیَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِیلِهِ) (3)

نظرة فی الکلمات الواردة فی إطراء أبی ذر

هل تلائم ما اتّهم به؟

أمّا ثناء الصحابة علیه بعد نفیه ودأبه علی ما هتف به فحسبک من ذلک قول مولانا أمیر المؤمنین علیه السلام : «إنّک غضبت لله فارجُ من غضبت له ، إنّ القوم خافوک علی دنیاهم وخفتهم علی دینک» إلی آخرما مرّ فی صفحة (ص 300).

صدرت هذه الکلمة الذهبیّة من الإمام علیه السلام فی منصرم ما صعّد به أبو ذر وصوّب ، فلیس له بعد هذا إلاّ طفائف سمعها منه من زاره بالمنفی - الربذة - فلم یکن 7.

ص: 496


1- مسند أحمد : 5 / 170 [6 / 215 ح 20986]. (المؤلف)
2- الزمر : 18.
3- آل عمران : 7.

لها شأن کبیر ، وفی الکلمة صراحة بأنّ غضب أبی ذر کان لله فعلیه أن یرجو من غضب له ، وهو فرع رضا الله سبحانه علی ما ناء به ودعا إلیه ، وأنّ ما لهج به ممّا أغضب القوم کانت کلمة دینیّة محضة تجاه الدنیویّة المحضة التی خافها أبو ذر علی دینه وخافها القوم علی دنیاهم ، فامتحنوه بالقلی ونفوه إلی الفلا ، وأنّه هو الرابح غداً ، وإنّما القوم حاسدوه ، وأیّ من هذه تلتئم مع الشیوعیّة التی هی مادّیة محضة لیس بینها وبین مرضاة الله تعالی أیّ صلة؟

أتحسب أنّ مولانا أمیر المؤمنین علیه السلام أطری أبا ذر بهذا الإطراء البالغ ویقول فی کلمته الأخری لعثمان : «اتّق الله سیّرت رجلاً صالحاً من المسلمین فهلک فی تسییرک» ، فیراه صالحاً ویری هلاکه فی ذلک التسییر حوباً لا یصدر من المتّقی ، إنّه أطراه وهو غیر مستشفّ لنظریّته؟ ولا عارف بنفسیّته وهو کروحه التی بین جنبیه؟ أو أنّه یوافقه علی المذهب الشیوعیّ؟ أو أنّه یراغم أعداءه مع حیطته بباطله؟ وقد قال لعثمان - وهو الصادق الأمین - : والله ما أردت مساءتک ولا الخلاف علیک ولکن أردت به قضاء حقّه. وأیّ حقّ للشیوعیّ مُتحرّی الفساد فی الجامعة وباخس حقوق الأُمّة؟ وإنّما الحقّ للمؤمن الکامل فی نفسه ، المحقّ فی دعائه ، الصالح فی رأیه.

وهناک ما هو أصرح من ذلک فی کون أبی ذر محقّا وأنّ نظریّة من خالفه من الباطل المحض ، وه وقول الإمام فی ذیل کلمته فی تودیع أبی ذر : «یا أبا ذر لا یؤنسنّک إلاّ الحقّ ، ولا یوحشنّک إلاّ الباطل». وأیّ اشتراکیّ یکون هکذا؟ نعوذ بالله من السفاسف.

أضف إلی کلمة الإمام قول ولده الإمام الزکیّ السبط المجتبی أبی محمد الحسن لأبی ذر : «قد أتی من القوم إلیک ما تری فضع عنک الدنیا بتذکّر فراغها ، واصبر حتی تلقی نبیّک وهو عنک راض». راجع (ص 301).

فتری الإمام المعصوم یتذمّر ممّا أصاب أبا ذر من القوم ، ویأمره بالصبر المقابل

ص: 497

بالأجر الجزیل ، وأنّه سیلقی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وهو عنه راض ، وهل تجد توفیقاً بین [رضا] (1) الرسول ومعتقد الإمام المجتبی وبین الشیوعیّة؟ ذلک المعول الهدّام لأساس دین المصطفی وسنّة الله التی لن تجد لها تحویلاً.

وأشفع الکلمتین بقول الإمام السبط الشهید أبی عبد الله لأبی ذر : «قد منعک القوم دنیاهم ومنعتهم دینک ؛ فاسأل الله الصبر والنصر».

وهذه الکلمة لدة کلمات أبیه وأخیه - صلوات الله علیهم - فی المصارحة بأنّ دعوة أبی ذر کانت دینیّة ولم یکن فیها أیّ شذوذ ، ودعوة مناوئیه دنیویّة ، والمرجع فی الإفراج عنه إزاء ما انتابه من المحن هو الله ، لرضاه سبحانه بدعوة المنکوب وسخطه علی من نال منه ؛ ولا یحسب عاقل أنّ شیئاً من ذلک یلتئم مع الاشتراکیّة الممقوتة.

وبعد تلکم الکلمات الذهبیّة خطاب عمّار بن یاسر أبا ذر بقوله : لا آنس الله من أوحشک ولا آمن من أخافک ، والله لو أردت دنیاهم لآمنوک ، ولو رضیت أعمالهم لأحبّوک.

أیجوز لمسلم عادیّ فضلاً عن مثل عمّار الذی لا یفارق الحقّ ولا یفارقه نصّا من النبیّ الکریم أن یدعو علی أُناس نکبوا بعائث فی المجتمع الدینیّ مقلق فیهم السلام بذلک الدعاء المجهد؟ ویحکم علیهم بأنّهم أهل دنیا غرّتهم الأمانیّ ، وأنّ أعمالهم غیر مرضیّة ، وأنّهم خسروا الدنیا والآخرة ذلک هو الخسران المبین؟

یدعو علیهم بذلک فی مشهد إمام معصوم خشن فی ذات الله کمولانا أمیر المؤمنین وشبلیه السبطین الحسنین ثمّ لا ینکر ذلک علیه أحد منهم. إنّ هذا لا یکون. وإنّ مشایعة القوم لأبی ذر قبل هذه الکلمات کلّها مع العلم بنهی الخلیفة عنها إشادة بأمره ؛ وتصدیق لمقاله ، والإمام یری أنّ النهی عن مشایعته معصیة أو أنّه ة.

ص: 498


1- ساقط من الطبعة الثانیة.

خلاف الحقّ لا یُتّبع کما قاله لعثمان (1) ولا یجتمع شیء من ذلک مع ما قذفوه به من الطامّة الکبری.

کانت الصحابة کلّهم المهاجرون منهم والأنصار ینقمون ما نیل به أبو ذر من النفی والتعذیب ، وکان قیل النقمة بین شفاههم ، وفی طیّات قلوبهم ، وأسطر خطاباتهم ، یوم التجمهر ویوم الدار ، وکانت إحدی العلل المعدّة لما جری هنالک من مغبّات الأعمال ، فلم تکن الغضبة عمّن ذکرنا أسماءهم بدعاً من جمهرة الأصحاب ، غیر أنّ منهم من صبّها فی بوتقة الإطراء لأبی ذر ؛ ومنهم من أفرغها فی قالب العیب علی من نال منه ، ولهم هنالک لهجات مختلفة فی الصورة متّحدة فی المآل ، ولذلک عدّ المؤرّخون ممّا أنکر الصحابة من سیرة عثمان تسییره أبا ذر. وقال البلاذری : قد کانت من عثمان قبل هنات إلی عبد الله بن مسعود وأبی ذر وعمّار ، فکان فی قلوب هذیل وبنی زهرة وبنی غفار وأحلافها من غضب لأبی ذر (2).

وهذه النقمة العامّة المنبعثة عن مودّة القوم لأبی ذر مودّة خالصة دینیّة وإخاء فی الإیمان وولاء فی الطریقة المثلی. کلّ ذلک أخذاً بما وعوه عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی أبی ذر وهدیه وسمته ونسکه وتقواه وإیمانه وصدقه لا تلتئم مع شیء ممّا قذفوا به أبا ذر من الشیوعیّة ، أو تقول : إنّ الصحابة کلّهم شیوعیّون؟ أعوذ بالله من الفریة الشائنة. ولو کان أبو ذر شیوعیّا کان فی الحقّ نفیه عن أدیم الأرض لا عن المدینة فحسب ، وکان من واجب الصحابة أن یرضوا بذلک الحکم البات. قال الله تعالی : (إِنَّما جَزاءُ الَّذِینَ یُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَیَسْعَوْنَ فِی الْأَرْضِ فَساداً أَنْ یُقَتَّلُوا أَوْ یُصَلَّبُواف)

ص: 499


1- راجع صفحة : 297 و 302. (المؤلف)
2- أنساب البلاذری : 5 / 26 ، تاریخ الیعقوبی : 2 / 150 [2 / 170 - 171] ، مروج الذهب : 1 / 438 ، 441 [2 / 356 ، 362] ، الریاض النضرة : 2 / 124 [3 / 73 - 75] ، تاریخ ابن خلدون : 2 / 385 [2 / 587] ، الصواعق : ص 68 [ص 114] ، تاریخ الخمیس : 2 / 261 [2 / 268]. (المؤلف)

أَوْ تُقَطَّعَ أَیْدِیهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ یُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذلِکَ لَهُمْ خِزْیٌ فِی الدُّنْیا وَلَهُمْ فِی الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِیمٌ) (1) وأیّ فساد فی الأرض أعظم من هذا المبدأ التعیس المضادّ للکتاب والسنّة؟ وفی الکتاب الکریم قوله سبحانه : (أَهُمْ یَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّکَ نَحْنُ قَسَمْنا بَیْنَهُمْ مَعِیشَتَهُمْ فِی الْحَیاةِ الدُّنْیا وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِیَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِیًّا وَرَحْمَتُ رَبِّکَ خَیْرٌ مِمَّا یَجْمَعُونَ) (2). وأما السنّة الشریفة فحدّث عنها فی باب الأموال والاختصاص فیها وتقریر میسرة الأغنیاء ولا حرج. وبذلک کلّه تقوم دعائم المدنیّة ، وتشاد علالی الحضارة الراقیة.

ثناء النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم علیه وعهده إلیه :

أمّا ما أُثر عن نبیّ الإسلام من ذلک فقد قدّمنا شطراً منه فی صفحة (312 - 319) ولا منتدح من أن نقول : إنّ نبیّ العظمة کان جدّ علیم بواسع علم النبوّة بما سوف ینوء به أبو ذر فی خواتیم أیّامه بأقوال وأعمال تبهظ مناوئیه ، وکان یعلم أیضاً أنّ أُمّته سیتّخذون کلّ ما لهج به أصولاً متّبعة. فلو کان یعلم فی أبی ذر شذوذاً لما أغری الأُمّة بموافقته بتلکم الکلم الدرّیة ، علی أنّه صلی الله علیه وآله وسلم عهد إلیه وأخبره أنّ ما یصیبه من الکوارث من جرّاء ما یدعو إلیه فی الله وبعینه ؛ فلا یعقل أن یکون فی رأیه شذوذ عن طریقة الدین ، بل کان من واجبه صلی الله علیه وآله وسلم أن یُنبّهه علی خطئه فی الرأی وغلطه فی الدعوة ، فإذ لم یفعل وأشفع ذلک بثنائه البالغ علیه وعهده إلیه علمنا أنّ أبا ذر هو ذلک البرّ التقیّ ، ورجل الإصلاح ، ومثال العطف والحنوّ علی ضعفاء الأُمّة ، وطالب الخیر والسعادة لأقویائها ، ولقد تحمّل الشدائد لینقذ المکبّین علی الدنیا من مغبّة العمل السیّئ ، ولیسعد آخرین برغد العیش وبُلهنیة الحیاة ، موصولة حلقات حیاتهم الدنیا بدرجات الآخرة العلیا ، لکن جهلوه وجهلوا أمره وجهلوا حقّه ، 2.

ص: 500


1- المائدة : 33.
2- الزخرف : 32.

وأضاعوه وأیّ فتیً أضاعوا؟ وأضاعوا فیه وصیّة نبیّه صلی الله علیه وآله وسلم وناوأه قوم لیسوا له بأکفاء.

ولو أنّی بُلیت بهاشمیٍ

خؤولته بنو عبد المدانِ

لهان علیَّ ما ألقی ولکن

تعالوا وانظروا بمن ابتلانی

(فَأَیَّدْنَا الَّذِینَ آمَنُوا عَلی عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظاهِرِینَ) (1)

نظرة فی مقال

أصدرته لجنة الفتوی بالأزهر

جاء فی جریدة الوقت المصریّة العدد الثانی لسنتها الأُولی الموافقة سنة (1367) ما نصّه :

لجنة الفتوی بالأزهر تقول : لا شیوعیّة فی الإسلام.

عن الأهرام الغرّاء

کانت وزارة الداخلیّة قد أحالت إلی فضیلة الأستاذ الأکبر شیخ الجامع الأزهر کتاباً تناول فیه مؤلّفه مذهب العالم الصحابیّ أبی ذر الغفاریّ غفر الله له ، وخلص من بحثه إلی القول بوجود الشیوعیّة فی الإسلام ، وذلک لکی تعرف الوزارة رأی الدین فی ذلک ، وما إذا کان هذا الکتاب یمکن تداوله. وقد أحال فضیلة الأستاذ الأکبر هذا الموضوع إلی لجنة الفتوی فی الأزهر ، فاجتمعت برئاسة فضیلة الأستاذ الشیخ عبد المجید سلیم المفتی السابق ورئیس هذه اللجنة ، وبحثت موضوع الکتاب بحثاً مستفیضاً ، ثمّ أصدرت فیه فتواها وقد تلقّت وزارة الداخلیّة هذه الفتوی من فضیلة الأستاذ الأکبر. وهذا نصّها بعد الدیباجة : 4.

ص: 501


1- الصف : 14.
لا شیوعیّة فی الإسلام

إنّ من مبادئ الدین الإسلامیّ احترام الملکیّة ، وإنّ لکلّ امرئٍ أن یتّخذ من الوسائل والسبل المشروعة لاکتساب المال وتنمیته ما یحبّه ویستطیعه ویتملّک بهذه السبل ما یشاء ، هذا وقد ذهب جمهور من الصحابة وغیرهم من الفقهاء المجتهدین إلی أنّه لا یجب فی مال الأغنیاء إلاّ ما أوجبه الله من الزکاة والخراج والنفقات الواجبة بسبب الزوجیّة أو القرابة ، وما یکون لعوارض موقّتة وأسباب خاصّة کإغاثة ملهوف وإطعام جائع مضطرّ ، وکالکفّارات وما یتّخذ من العدّة للدفاع عن الأوطان وحفظ النظام إذا کان ما فی بیت مال المسلمین لا یکفی لهذا ، ولسائر المصالح العامّة المشروعة کما هو مفصّل فی کتب التفسیر وشروح السنّة وکتب الفقه الإسلامیّ. هذا هو الواجب. غیر أنّ الإسلام یدعو کلّ قادر من المسلمین أن یتطوّع بما شاء من ماله یصرفه فی وجوه البرّ والخیر مع عدم الإسراف والتبذیر فی ذلک کما قال الله تعالی : (وَلا تَجْعَلْ یَدَکَ مَغْلُولَةً إِلی عُنُقِکَ وَلا تَبْسُطْها کُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً) (1) وکما قال عزّ وجلّ فی وصف عباده الذین أثنی علیهم : (وَالَّذِینَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ یُسْرِفُوا وَلَمْ یَقْتُرُوا وَکانَ بَیْنَ ذلِکَ قَواماً) (2) وکما تدلّ علیه السنّة فی أحادیث کثیرة. وذهب أبو ذر الغفاری رضی الله عنه إلی أنَّه یجب علی کلّ شخص أن یدفع ما فضل عن حاجته من مال مجموع عنده - فی سبیل الله - أی فی سبیل البرّ والخیر ، وأنّه یحرم ادّخار ما زاد عن حاجته ونفقته ونفقة عیاله.

هذا هو مذهب أبی ذر ولا یُعلم أنّ أحداً من الصحابة وافقه علیه. وقد تکفّل کثیر من علماء المسلمین بردّ مذهبه وتصویب ما ذهب إلیه جمهور الصحابة والتابعین 7.

ص: 502


1- الإسراء : 29.
2- الفرقان : 67.

بما لا مجال للشکّ معه فی أنّ أبا ذر رضی الله عنه مخطئ فی هذا الرأی. والحقّ أنّ هذا مذهب غریب من صحابیّ جلیل کأبی ذر ، وذلک لبعده عن مبادئ الإسلام وعمّا هو الحقّ الظاهر الواضح ، ولذلک استنکره الناس فی زمنه واستغربوه منه.

قال الآلوسی فی تفسیره (1) بعد ما بیّن مذهبه ما نصّه : وکثر المعترضون علی أبی ذر فی دعواه تلک ، وکان الناس یقرءون له آیة المواریث ویقولون : لو وجب إنفاق کلّ المال لم یکن للآیة وجه. وکانوا یجتمعون علیه مزدحمین حیث حلّ مستغربین منه ذلک. انتهی.

ومن هذا یتبیّن أنّ هذا الرأی خطأ وصاحبه مجتهد مخطئ مغفور له خطؤه بل مأجور علی اجتهاده ، ولکنّه لا یُتابع فیما أخطأ فیه بعد تبیین أنّه خطأ لا یتّفق هو وما یدلّ علیه کتاب الله وسنّة رسوله وقواعد الدین الإسلامیّ.

ولمّا کان مذهبه داعیاً إلی الإخلال بالنظام والفتنة بین الناس طلب معاویة والی الشام من الخلیفة عثمان رضی الله عنه أن یستدعیه إلی المدینة - وکان أبو ذر وقتئذٍ فی الشام فاستدعاه الخلیفة ، فأخذ أبو ذر یقرّر مذهبه ویفتی به ویذیعه بین الناس ، فطلب منه عثمان أن یقیم بجهة بعیدة عن الناس ، فأقام بالربذة - مکان بین مکة والمدینة.

وقال ابن کثیر فی تفسیره (2) : کان من مذهب أبی ذر رضی الله عنه تحریم ادّخار ما زاد علی نفقة العیال. وکان یفتی بذلک ویحثّهم علیه ویأمرهم به ویغلظ فی خلافه ، فنهاه معاویة فلم ینته ، فخشی أن یضرّ بالناس فی هذا فکتب یشکوه إلی عثمان وأن یأخذه إلیه ، فاستقدمه عثمان إلی المدینة وأنزله بالربذة وحده ، وبها مات رضی الله عنه فی خلافة عثمان. 3.

ص: 503


1- روح المعانی : 10 / 87.
2- تفسیر ابن کثیر : 2 / 353.

وجاء فی فتح الباری (1) للحافظ ابن حجر ما خلاصته : أنّ دفع المفسدة مقدّم علی جلب المصلحة ، ولذلک أمر عثمان أبا ذر أن یقیم بالربذة مع أنّ فی بقائه بالمدینة مصلحة کبیرة لطالبی العلم لما فی بقائه بالمدینة من مفسدة تترتّب علی نشر مذهبه.

وممّا ذکرنا یتبیّن أنّ ما فی هذا الکتاب - الشیوعیّة فی الإسلام - لا یتّفق هو ومبادئ الإسلام وقواعده. کما یتبیّن أنه لا شیوعیّة فی الإسلام بالمعنی الذی یفهمه الناس ، والذی صرّح به صاحب هذا الکتاب وسمّاه شیوعیّة الإسلام ، ومن أجل هذا نری ألاّ یذاع مثل هذا الکتاب بین الناس لئلاّ یتّخذها المفسدون فی الأرض الهدّامون للنظم الصالحة ذریعة للإخلال بالنظام وإفساد عقول ضعفاء الإیمان والجاهلین بمبادئ الإسلام.

قال الأمینی : إنّ وزارة الداخلیّة أو شیخ الأزهر لو أحال کلّ منهما النظر فی هذه المهمّة إلی لجنة عارفة بحال أبی ذر ، واقفة علی مقاله ، مطّلعة علی کتب الحدیث والسیر والتفاسیر ، بصیرة بما فیها من الغثّ والسمین خالیة عن الأغراض ، بعیدة عن النعرات الطائفیّة ، لحکمت بما هو الحقّ الصراح ، وعرفت أنّ ما دعا إلیه أبو ذر لم یکن خارجاً عمّا سردته هی فی مفتتح مقالها من اعتبار المالکیّة لکلّ إنسان ، وما یجب علیه إنفاقه من المال ، وما یتطوّع به الرجل من النفقات ، وقد أوقفناک قبل هذا علی کلّ ذلک ، وأنّ هیاجه لم یکن موجّهاً إلاّ إلی أناس معلومین کانوا یکنزون الذهب والفضّة ولا ینفقون منها فی سبیل الله ، ویحرمون الأُمّة من منافعها المفروضة لها فضلاً عن المندوب إلیها والمرغّب فیها. وبذلک کلّه تعرف أن ما عزت إلیه اللجنة الحاکمة - من غیر بصیرة - من وجوب إنفاق ما فضل من المال علی حاجة الإنسان ونفقته ونفقة عیاله زور من القول ، وفند (2) من الرأی ، ولیتها أشارت إلی مصدر ما ادّعته من م.

ص: 504


1- فتح الباری : 3 / 275.
2- الفند : الکذب ، والمحرّف من الکلام.

مذهب أبی ذر الذی حسبته مخالفاً لجمهور الصحابة والتابعین ، وقد أسلفنا لک جملة ممّا أثر عنه فی ذلک ، ولیس فی شیء منه أیّ دلالة علی ما ادّعته من العزو المختلق ، ولیتها بیّنت العلماء الذین تصدّوا لنقض مذهب أبی ذر ، وأشارت إلی ما جاءوا به فی تدعیم حجّتهم ، ولعلّها أرادت بهم المؤرّخ محمد الخضری ، وأحمد أمین ، وصادق إبراهیم عرجون ، وعمر أبی نصر ، ومحمد أحمد جاد المولی بک ، وعبد الحمید بک العبادی ، وأمثالهم من المحدثین المتسرّعین الذین مُنیت بهم البلاد والعباد.

وأسلفنا لک أیضاً قول عظماء الصحابة فی أبی ذر وموافقتهم له علی حقیقة رأیه ، واستیائهم لما نکب به من جرّاء ذلک ، وإجماع صلحائهم علی أنّ ما جاء به کان رأیاً صحیحاً دینیّا محضاً مستفاداً من الکتاب والسنّة.

وعجیب استغرابها مذهب أبی ذر وهی لا تعرفه ، وأعجب منه اعتذارها له ببعده عن مبادئ الإسلام وعمّا هو الحقّ الظاهر الواضح مع قولها باجتهاد أبی ذر ، أیّ اجتهاد هذا من عیلم أخذ المبادئ من مشرّعها یبعد حامله عن مبادئ الإسلام وعمّا هو الحقّ الظاهر الواضح؟ نعم ؛ کم وکم عند القوم من المجتهدین البعیدة آراؤهم عن مبادئ الإسلام کابن ملجم قاتل الإمام أمیر المؤمنین ، وأبی الغادیة قاتل عمّار ، وابنی هند والنابغة قائدی الفئة الباغیة ، وأمثالهم (1) لکن شتّان بین هؤلاء وسیّد غفار!

أوَلیس ممّا یُضحک الثکلی ویبکی کلّ مسلم أن یُحسب أنّ مذهب أبی ذر بعید عن مبادئ الإسلام وعمّا هو الحقّ الظاهر الواضح؟ وهو الذی لم یعبد الصنم قبل إسلامه وصلّی سنین قبل المبعث الشریف مولّیاً وجهه إلی الله وهو محسن ، وهو ربع الإسلام ورابع المسلمین ، وقد طوی جُلّ سنیّه علی عهد النبوّة فی صحبة الرسول الأعظم ولم یفتأ متعلّماً منه ، مصیخاً إلی کلّ ما یدعو إلیه ویهتف به ، فتنتقش کلّ تلکم ف)

ص: 505


1- ممّن أسلفنا ذکرهم فی الجزء السابع : ص 105 ، 106. (المؤلف)

المثل العلیا فی نفسه کما تنتقش الصور فی المرآة الصافیة ، بل تثبت فیها کما تثبت فی العدسة اللاقطة.

کان صلی الله علیه وآله وسلم یدنیه دون الصحابة إذا حضر ویتفقّده إذا غاب ، وکان شحیحاً علی دینه حریصاً علی العلم ، وقد سأل رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم عن کلّ شیء حتی عن مسّ الحصی فی الصلاة ، وقد صبّ صلی الله علیه وآله وسلم فی صدره ما صبّه جبریل ومیکائیل فی صدره صلی الله علیه وآله وسلم ، وعرّفه صلی الله علیه وآله وسلم لأمته بأنّه شبیه عیسی هدیاً وسمتاً ونسکاً وبرّا وصدقاً وخلقاً وخُلقاً (1).

وما ظنّک برجل قال فیه باب مدینة علم النبیّ مولانا أمیر المؤمنین علیه السلام لمّا سُئل عنه : «وعاء ملئ علماً ثمّ أوکی (2) علیه» (3).

أو لیس من العجب العجاب أنّ من هو هکذا وهو فی عهد النبوّة لم یزل فی مدینة الرسول یتلقّی منه صلی الله علیه وآله وسلم کلّ إفاضاته ، ویستقی من مستقی الوحی یکون مذهبه بعیداً عن مبادئ الإسلام وعمّا هو الحقّ الواضح ، ویکون رأی کعب الأحبار الیهودیّ حدیث العهد بالإسلام أو من بعده بعد لأی من عمر الدهر - وقد نمی وترعرع وشبّ وشاب فی عاصمة الفراعنة یوم غشیت الحقائق ظلمات بعضها فوق بعض - قریباً منها ، ویکون صاحبه عارفاً بها حاکماً علی مثل أبی ذرّ بما حکم؟! کأنّ الحقائق الإسلامیّة نصب عینه دون سیّد غفّار ، أو معلّقة علی شحمة أُذنه یسمع رنّتها دون ذلک الصحابیّ العظیم!

هب أنّا تنازلنا للّجنة الحاکمة عن کلّ ما قلناه ، ولکن هل یسعنا التغاضی عمّا جاء به الحفّاظ وأئمّة الحدیث من طرق صحیحة عن نبیّ الإسلام صلی الله علیه وآله وسلم فی إطراء ف)

ص: 506


1- راجع فی کلّ ذلک صفحة : 312 - 316 من هذا الجزء. (المؤلف)
2- یقال : أوکی القربة وأوکی علیها إذا شدها.
3- راجع : ص 311 من هذا الجزء. (المؤلف)

الرجل والثناء علیه وإکباره وتقریر هدیه وهداه مع عدم استثناء شیء من أطواره فی أولیاته أو أخریاته؟ وهو العارف بعلم النبوّة بکلّ ما ینهض به أبو ذر بعده ، فهلاّ بدر صلی الله علیه وآله وسلم إلی ردعه عمّا سینوء به بدل أمره إیّاه بالصبر علی ما ینتابه من جرّاء ما قام به ودعا إلیه؟ بدل عدّه ما أصابه من المحن ممّا هو لله وفیه؟ بدل إخباره بکلّ ما یجری علیه من النفی والجلاء مقصوراً علی ذلک من غیر ردع؟

ونسائل اللجنة الحاکمة عن الذین استنکروا مذهب أبی ذر واستغربوه منه من الصحابة أهُم من علیة الصحابة أو من أذنابها؟ وبطبع الحال أنّها ستجیبنا أنّهم الحکم ابن أبی العاص ، وأخوه الحارث بن الحکم ، ومروان بن الحکم ، والولیدین عقبة ، ومعاویة بن أبی سفیان ، وسعید بن العاص ، وعبد الله بن خالد ، وعبد الله بن سعد بن أبی سرح ، وإن شئت قلت حثالة من بنی أُمیّة البعداء عن مبادئ الإسلام وعمّا هو الحقّ الواضح ، ومن حذا حذوهم فی الإکباب علی حطام الدنیا واکتناز المال من غیر حلّه ممّن أقلقوا السلام ، وجرّوا الویلات إلی خلیفة الوقت ، وحرموا ضعفاء الأُمّة عن حقوقهم ، وولغوا فی الدماء المحرّمة وأثاروها حروباً دامیة ، وألقحوها فتنة شعواء ، فلم تزل عداءً محتدماً تتلقّاها الأجیال من بعدهم حتی انتهت إلی عصرنا الحاضر ، وهو الذی حفز اللجنة الحاکمة علی رمیها القول علی عواهنه ، ولکن صافق أبا ذر علی رأیه الصحیح الموافق لمبادئ الدین الإمام أبو السبطین وشبلاه الإمامان وصلحاء الأُمّة کلّهم ومن استاء لنکبات أبی ذر ونقم بها علی خلیفة الوقت.

حنّ قدح لیس منها (1) :

لقد جرّأ تقحّم هذه اللجنة الجائرة فی حکمها جبران ملکون الصحافی 8.

ص: 507


1- مثل یُضَرب للرجل یفتخر بقبیلة لیس هو منها ، أو یتمدّح بما لا یوجد فیه. مجمع الأمثال : 1 / 241 رقم 1018.

النصرانیّ صاحب جریدة الأخبار العراقیّة فی سنتها العاشرة (1368 ه) فی عددها المتسلسل (2503) الصادر فی جمادی الأولی ، فطفق یرقص لما هنالک من مکاء وتصدیة ، والمسکین لا یعرف مبادئ الإسلام ولو عرفها لاتّبعها ، ولا مبالغ رجالات المسلمین ولو عرفهم لنزّههم وذبّ عنهم ، لکنّه حسب ما لفّقوه حقیقة راهنة وصبّها فی بوتقة من القول هو أربی فی إفادة ما حاولوه ، غیر أنّه یطفو علیه القوارص واللواذع قال :

لکن أبا ذر الغفاری یعتقد أنّه یتعیّن علی کلّ فرد أن ینفق فی سبیل الله کلّ ما یفیض عن حاجته وحاجة أُسرته ، ولکن لم یُعرف أنّ أحداً من الصحابة شاطره هذا الرأی ، وإنّما عارض الکثیر من عقلاء المسلمین وحکمائهم فی هذا المبدأ ، فلا شکّ إذن فی أنّ أبا ذر کان مخطئاً فی رأیه ، ولا ینبغی اتّباعه بعد أن ثبت أنّه خطأ ، وأنّ رأیه لا یتّفق مع القرآن ولا السنّة ولا المبادئ الإسلامیّة وتعالیمها. انتهی.

ونحن هاهنا لا نعاتبه ولا نستعتبه ، أمّا الأوّل فإنّ الرجل کما قلناه بعید عن کلّ ما یجب أن یقرب منه فی أمثال هذه المباحث حتی یتسنّی له الحکم الباتّ فیها ، وإنّما أحسن ظنّه بأولئک المتقوّلین زاعماً أنّهم هم الأقرباء من المبادئ الإسلامیّة العرفاء بحقیقة ما حکموا به ، ولو کان الأمر کما زعم لکان الحقّ معهم ، وإن کان لنا أن نؤاخذه بأنّ مرحلة حسن الظنّ لا یکتفی بها فی باب القضاء الحاسم علی عظیم من عظماء الأُمّة ، فکان من واجبه أن یستفرغ وسعه فی تحقیق تلکم المزاعم وهو فی عاصمة من عواصم الإسلام - بغداد - وبمطلع الأکمة منه عاصمة الدنیا فی العلم والدین - النجف الأشرف - وفیها العلماء ، والمؤلّفون ، والمحقّقون ، والجهابذة ، وعباقرة الوقت فی کلّ جیل ، فکان من السهل علیه أن یستحفی الخبر هنالک أو هاهنا ، ولهذا لسنا نستعتبه لخروجه عن الطریقة المثلی فی القضاء ، ونحن نعدّ هذه وأمثالها سیّئة من سیّئات اللجنة الحاکمة وهی المؤاخذة بها. وکأنّی بها وهی تحسب أنّها تحسن صنعاً ، وتبتهج بما نشرته من الحکم الساقط وقذف عظیم من عظماء الأُمّة بما تبرأ منه ساقة

ص: 508

المسلمین ، وتراه دفاعاً عن بیضة الإسلام المقدّس ، وکفاحاً للشیوعیّة الهدّامة ، وردماً لثلمة أتت علی الدین من ذلک المبدأ التعس ، وکأنّها جاءت بقرنی حمار (1) لمّا استشهدت علی ما ارتأته بأقاویل أُناس زورٍ عن مواقف الحقّ والصدق.

شهود اللجنة :

لقد استشهدت اللجنة علی ما أرادت بکلام الآلوسی وابنی کثیر وحجر ، کأنّها لم تجد فی أبی ذر کلاماً لغیر هؤلاء من ناصبی العداوة لأهل البیت وشیعتهم ، وما أذهلها - أو تذاهلت هی - عمّا قدّمناه من الکلمات فیه! وما کان أغناه عن الرکون إلی هذه التافهات المختلقة المائنة! لکنّا نعذرها علی ذلک لأنّها تتحرّی ما یدعم دعواها ، وما أشرنا إلیه من الکلمات السابقة تنقض تلکم الدعوی وتدحرها ، ولذلک اقتصرت فی النقل علی بعض تلکم الکلم ، وإنّما أسقطت البعض الآخر ممّا لفّقوه للتهافت الظاهر بینها ، فکأنّها شعرت بذلک فحذفته ، وهی تحسب أنّ البحّاثة لا تراجع تلک الکتب ولا تقف علی تناقضها ، أو أنّ الآراء لا مناقشة فی حسابها ، ولیس وراءها محاسب ولو بعد حین ، فنقول هاهنا : أمّا الآلوسی فإلیک تمام کلامه فی تفسیره (10 / 87) قال فی تفسیر قوله تعالی : (وَالَّذِینَ یَکْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا یُنْفِقُونَها فِی سَبِیلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِیمٍ) :

أخذ بظاهر الآیة فأوجب إنفاق جمیع المال الفاضل عن الحاجة أبو ذر رضی الله عنه ، وجری بینه لذلک وبین معاویة فی الشام ما شکاه له إلی عثمان رضی الله عنه فی المدینة ، فاستدعاه إلیها فرآه مصرّا علی ذلک حتی إنّ کعب الأحبار قال له : یا أبا ذر إنّ الملّة الحنیفیّة أسهل الملل وأعدلها ، وحیث لم یجب إنفاق کلّ المال فی الملّة الیهودیّة وهی أضیق الملل وأشدّها کیف یجب فیها؟ فغضب رضی الله تعالی عنه وکانت فیه حدّة 3.

ص: 509


1- مجمع الأمثال : 1 / 296 رقم 873.

وهی التی دعته إلی تعییر بلال رضی الله عنه بأُمّه وشکایته إلی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وقوله فیه : إنّک امرؤ فیک جاهلیّة ، فرفع عصاه لیضربه وقال له : یا یهودیّ ما ذاک من هذه المسائل. فهرب کعب فتبعه حتی استعاذ بظهر عثمان رضی الله عنه فلم یرجع حتی ضربه ، وفی روایة : إنّ الضربة وقعت علی عثمان ، وکثر المعترضون علی أبی ذر فی دعواه ، وکان الناس یقرؤون له آیة المواریث ویقولون : لو وجب إنفاق کلّ المال لم یکن للآیة وجه ، وکانوا یجتمعون علیه مزدحمین حیث حلّ مستغربین منه ذلک ، فاختار العزلة فاستشار عثمان فیها ، وأشار إلیه بالذهاب إلی الربذة ، فسکن فیها حسبما یرید ، وهذا ما یُعوّل علیه فی هذه القصّة. ورواها الشیعة علی وجه جعلوه من مطاعن ذی النورین وغرضهم بذلک إطفاء نوره ویأبی الله إلاّ أن یتمّ نوره. انتهی.

فی هذه الکلمة مواقع للنظر :

1 - قوله : أخذ بظاهر الآیة. إلخ. لیس للآیة ظاهر غیر باطنها ، ولیس فیها إیجاب لإنفاق جمیع المال المؤداة زکاته الفاضل عن الحاجة ، فأیّ ظهور فیها یعاضد ما عزوه إلی أبی ذر حتی یسعه الأخذ به والتعویل علیه؟ وإنّما هی زاجرة عن الاکتناز الذی بینّاه فی صفحة (320) ولم یؤثر قطّ عن أبی ذر المصارحة ولا الإشارة إلی شیء ممّا عزاه إلیه ، بل أوقفناک علی أنّ کلّ ما روی عنه أو فیه منافٍ لذلک.

2 - ما رتّبه علی ذلک من وقوع النزاع بینه وبین معاویة ، وقد أسلفنا فی صفحة (295) عن صحیح البخاری من أنّ النزاع بینهما کان فی نزول الآیة لا فی مفادها ، فکان معاویة یزعم أنّها نزلت فی أهل الکتاب وأبو ذر یعمّمها علیهم وعلی المسلمین ، ومرّ أیضاً مراد أبی ذر من الإنفاق ومقدار المنفق من المال وأنّه لیس ما فضل عن الحاجة وإنّما هو ما ندب إلیه الشرع واجباً أو تطوّعاً ، ولم یکن إنکاره إلاّ علی الاکتناز الذی هو لدة الاحتکار فی الأطعمة ، یحرم الملأ من منافع النقدین ونمائهما ،

ص: 510

ویحرم الفقراء خاصّة عن حقوقهم المجعولة فیهما من ناحیة الدین ، وقد فصّلنا القول فی هذه کلّها.

3 - ما رواه من قصّة کعب الأحبار : لقد أقرأناک المأثور من هذه القصّة وکیفیّة الحال فیها واختلاف ألفاظها ، ولیس فی شیء منها أکثر ما لفّقه الآلوسی من قول الرجل لأبی ذر : إنّ الملّة الحنیفیة. إلخ. ومن استعاذته بظهر عثمان ، وعدم اکتراث أبی ذر لذلک ووقوع الضربة علی عثمان ، ولیته ذکر لما تقوّله مصدراً ولو من 3 - أضعف الکتب أو من مدوّنات القصّاصین ، لکنّه أراد أن ینشب علی أبی ذر ثورة وهو فی عالم البرزخ بوقوع الضربة علی عثمان ؛ غیر أنّه أخفق ظنّه وأکدی أمله بفضل التنقیب الصحیح.

ونذکر لک هنا لفظ أحمد فی مسنده (1) (1 / 63) من طریق مالک بن عبد الله الزیادی عن أبی ذر : أنّه جاء یستأذن علی عثمان بن عفّان رضی الله عنه فأذن له وبیده عصاه ، فقال عثمان رضی الله عنه : یا کعب إنّ عبد الرحمن توفّی وترک مالاً ، فما تری فیه؟ فقال : إن کان یصل فیه حقّ الله فلا بأس [علیه]. فرفع أبو ذر عصاه فضرب کعباً وقال : سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول : «ما أُحبّ لو أنّ لی هذا الجبل ذهباً أنفقه ویتقبّل منّی أذر خلفی منه ستّ أواق». أُنشدک الله یا عثمان أسمعته؟ ثلاث مرّات. قال : نعم.

ومنه یتجلّی أنّها قضیّة فی واقعة ترجع إلی مال عبد الرحمن بن عوف الذی ترک ذهباً قطع بالفؤوس حتی مجلت أیدی الرجال منه ، وبلغ ربع ثُمنه ثمانین ألفاً ، وقد أُعطی له ذلک بغیر استحقاق من مال الله الذی یستوی فیه المسلمون ، فکانت أثرة ممقوتة واکتنازاً منهیّا عنه ، وما کانت فتوی کعب تُبرّر شیئاً من عمله ، لأنّه لم یکن من نماء زرع أو نتاج ماشیة أو ربحاً من تجارة حتی یطهّره إخراج حقوق الله منه ، وإنّما کان المال کلّه لله ، وأفراد المسلمین فیه شرع سواء ، وإن کان لابن عوف فیه حقٌّ فعلی زنة بقیّة المسلمین فحسب. ه.

ص: 511


1- مسند أحمد : 1 / 102 ح 455. وما بین المعقوفین منه.

والعجب من هذا الاستفتاء ومن توجیهه إلی کعب خاصّة - وهو یهودیّ قریب العهد بالإسلام - وفی المنتدی مثل أبی ذر عالم الصحابة ، والمستفتی جدّ علیم بحقیقة ذلک المال لأنّه هو الذی أدرّه علیه جزاء حسن اختیاره للخلافة یوم الشوری ، ولم تکن ثروته الشخصیّة تفی بتلکم العطایا الجزیلة ، فلیس لها مدرّ إلاّ مال الله ، فعلی أبی ذر البصیر بمواقع أحکام الشرع أن ینکر تلکم المنکرات علی من استباح ذلک العطاء ، وعلی من استباح أخذه واکتنازه ؛ وعلی من حاول أن یُبرّر تلکم الأعمال. (وَلْتَکُنْ مِنْکُمْ أُمَّةٌ یَدْعُونَ إِلَی الْخَیْرِ وَیَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَیَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْکَرِ وَأُولئِکَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).

وإن کانت توجب نظریّة أبی ذر هذه الشیوعیّة أو الاشتراکیّة فقد سبقه إلیها الخلیفة الثانی ببیان أوفی وتقریر أوضح ، أخرجه الطبری فی تاریخه (1) (5 / 33) من طریق أبی وائل ، قال : قال عمر بن الخطاب رضی الله عنه : لو استقبلت من أمری ما استدبرت لأخذت فضول أموال الأغنیاء فقسّمتها علی فقراء المهاجرین.

وأخرجه ابن حزم فی المحلّی (6 / 158) فقال : هذا إسناد فی غایة الصحّة والجلالة.

وفی عصر المأمون (2) (1 / 2) : حرّم عمر بن الخطّاب علی المسلمین اقتناء الضیاع والزراعة لأنّ أرزاقهم وأرزاق عیالهم وما یملکون من عبید وموال ، کلّ ذلک یدفعه لهم من بیت المال ، فما بهم إلی اقتناء المال من حاجة.

نعم ؛ عزبت عن اللجنة نظریّة الخلیفة الثانی فی ناحیة المال ، أو أنّ عظمة الخلافة صدّتهم عن الجرأة علیه ، لکنّ أبا ذر لم یکن خلیفة فتمنعهم عظمته عن التقوّل ً.

ص: 512


1- تاریخ الأُمم والملوک : 4 / 226 حوادث سنة 23 ه.
2- لمؤلفه أحمد فرید رفاعی ، المفتش فی وزارة الداخلیة المصریة سابقاً.

علیه ، وقد مات فی المنفی فریداً وحیداً لا یجد من یعینه أو یدافع عنه أو یجهّزه بعد موته فیتوثّب علیه حتی الخنافس والدیدان ، غیر أنّ له یوماً آخر یُحشر فیه أُمّة واحدة ، هنالک تُبلی السرائر ویُعلم ما ارتآه أبو ذر وما رُمی به ، ذلک یوم مشهودٌ له الناس ، والحکم هنالک لله الواحد القهّار.

4 - ما عزا إلیه من الحدّة ، وهو ینافی تشبیه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إیّاه بعیسی بن مریم فی هدیه وخلقه ونسکه وزهده (1) فهو ممثّل المسیح علیه السلام فی هذه الأُمّة ، وأنّی تقع الحدّة منه؟ إلاّ أن یدعوه إلیها الدین کما هو من خصال المؤمنین الموصوفین بالوداعة بینهم ، والخشونة فی ذات الله ، وأبو ذر فی الرعیل الأوّل منهم ؛ فلیس من المستطاع أن نخضع لصحّة هذه الروایة ، وفیها الوقیعة من أبی ذر فیمن یعلم أنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقرّبه ویدنیه ویحبّه.

فلا تکاد تنهض حجّة علی مفادها ولو جاءت بسند صحیح ؛ لأنّ المعلوم من حال أبی ذر هو ما أخبر به النبیّ الصادق الأمین ، وعلی فرض صحّتها قضیّة فی واقعة لا تعدو أن تکون فلتة لیست لها لدة ، ولعلّها صدرت منه قبل تحریم ذلک کما ذهب إلیه شرّاح صحیح البخاری (2) وبمثلها لا یمکن أن تثبت لأبی ذر غریزة الحدّة فیحمل ما صدر منه فی المقام علیها.

وکأنّ الرجل هاهنا ذهل عمّا ذکره فی کتابه مسائل الجاهلیّة (ص 129) من قوله : إنّ أبا ذر رضی الله عنه قبل بلوغه المرتبة القصوی من المعرفة تسابّ هو وبلال الحبشی المؤذّن فقال له : یا ابن السوداء. فلمّا شکا بلال إلی رسول الله صلّی الله تعالی علیه وآله وسلّم قال له : «شتمت بلالاً وعیّرته بسواد أُمّه؟» قال : نعم. قال : «حسبت أنّهف)

ص: 513


1- راجع : ص 312 - 314 من هذا الجزء. (المؤلف)
2- راجع فتح الباری لابن حجر [1 / 87] ، وإرشاد الساری للقسطلانی [3 / 586 - 587 ح 1406] ، وعمدة القاری للعینی [8 / 262 ح 11]. (المؤلف)

بقی فیک شیء من کبر الجاهلیّة». فألقی أبو ذر خدّه علی التراب ثمّ قال : لا أرفع خدّی حتی یطأ بلال خدّی بقدمه. انتهی.

وهکذا رواه البرماوی ، وذکره القسطلانی فی إرشاد الساری (1) (1 / 113) وقال : زاد ابن الملقن : فوطأ خدّه.

هذا أبو ذر وهذا أدبه وکرم أخلاقه ، وإنّه لعلی خلق عظیم.

5 - ما ادّعاه من کثرة المتعرّضین لأبی ذر ... إلخ. لیته سمّی واحداً من أولئک المتعرّضین ، أو سمّی مصدراً ولو من أتفه المصادر یصافقه علی هذه الدعوی ، وإنّما کانت الصحابة یومئذٍ بین مصافق لأبی ذر علی هتافه ، ومُسلّ له علی نکبته ، ومُستاء علی ما أصابه من الأذی ، وناقم علی من فعل به ذلک ، لم یکن عندئذٍ من یردّ علیه قوله ویحفظ آیة المواریث ، وأبو ذر ناسیها وهو وعاء ملئ علماً بشهادة من أعلم الأُمّة باب مدینة علم النبیّ صلّی الله علیهما وآلهما.

کان من العزیز علی صلحاء الصحابة المنابأة (2) بالفادح الجلل تسییر أبی ذر إلی الربذة لکرههم ذلک ونُبوِّ (3) سمعهم عنه ، وکان الصحابیّ الصالح یسترجع مراراً لمّا قرع سمعه ذلک النبأ المزری ، وکان یقول : ارتقبهم واصطبر ، اللهمّ إن کذّبوا أبا ذر فإنّی لا أُکذّبه ، اللهمّ وإن اتّهموه فإنّی لا أتّهمه ، اللهمّ وإن استغشّوه فانّی لا أستغشّه ، فإنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم کان یأتمنه حین لا یأتمن أحداً ، ویسرّ إلیه حین لا یسرّ إلی أحد (4).

ولعلّ الآلوسی یرید بمن ذکرهم من المتعرّضین طغمة آل أُمیّة المتّخذین مال الله ف)

ص: 514


1- إرشاد الساری : 1 / 196 - 197 ح 30.
2- کذا ، ولعله رحمه الله أراد : المُنابة : من نابه أمر إذا نزل به أو أصابه.
3- نبا سمعه نبوّا : أی تجافی وکره.
4- راجع من هذا الجزء صفحة : 315. (المؤلف)

دولاً ، وعباده خولاً ، ودینه دخلاً ، وکتابه دغلاً ، غیر أنّهم ما کانوا یجادلون بالقرآن ، وما کانوا یعرفون منه إلاّ ظاهراً من قوله تعالی : (وَلَا تَنسَ نَصِیبَکَ مِنَ الدُّنیَا) (1) وکانت مجادلتهم مجالدة بالحراب والعتاد ، وکان قولهم فی ذلک صخباً وجلبة ، فتبعهم الآلوسی تحت جامع النزعة.

6 - حسبانه بأنّ خروجه إلی الربذة کان مللاً منه من تعرّض الناس وازدحامهم علیه مستغربین منه رأیه ، بعد أن استشار عثمان فأشار إلیه بالذهاب إلیها فسکن فیها حسبما یرید. وهذه أُکذوبة أخری ، فقد مرّ فیما تقدّم أنّه نُفی إلی الربذة ، ومُنع الناس عن مشایعته ، فلم یدنُ منه أحد إلاّ مولانا أمیر المؤمنین علیه السلام وابناه الإمامان وعمّار معهم ، وما جری بینهم وبین مروان ، ثمّ ما جری بین الإمام وبین عثمان ، وما قال له مشایعوه من کلمات التسلیة ، وما قاله أبو ذر نفسه لمن زاره فی الربذة ، وقول عثمان لعمّار : یا عاضّ أیر أبیه أتحسب أنّی ندمت من تسییره؟ إلی کلمات أخری کلّها صریحة فی تسییره علی صورة غیر مرضیة ، ونقمة الصحابة جمعاء علی من فعل به ذلک. وقد عرفت قبل هذه کلّها إخبار رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بذلک النفی والإخراج بالرغم من أشواق أبی ذر المحتدمة علی جواره مرقد النبیّ الأعظم ، فراجع تفاصیل هذه الجمل فیما تقدّم من صحائف هذا الجزء. لکن الآلوسی أراد أن یخفّف وطأة النقد علی من والاه وردّ النقمة عنه فصدّر للقصّة صورة خیالیّة ، وحسب أنّ التنقیب لا یکشف عن عوارها ، ولیت اللجنة الحاکمة لم تتغافل عن أنّ هذه الجملة الأخیرة تنافی ما استشهدت به من کلام ابنی کثیر وحجر ، فقد اعترفا بأنّ خروج أبی ذر إلی الربذة کان تسییراً بلا اختیار منه ، غیر أنّهما حاولا الاعتذار عن قِبَل من ارتکب ذلک.

7 - قوله : هذا ما یُعوّل علیه فی هذه القصّة ... إلخ. انظر إلی هذا الرجل کیف 7.

ص: 515


1- القصص : 77.

یحاول أن یغمط الحقائق الثابتة حسب میوله وأهوائهِ ، وهو یزعم أنّ الأُمّة ستتّخذ ما لفّقه أصلاً متّبعاً ، فتمحو الکتب وتلقی الستار علی صفحة التاریخ ، وتحذف الأحادیث من مدوّناتها ، وتضرب صفحاً عن غیر کتابه ممّا ثبت فیها کلّ ما نفاه هو کما قدّمنا لک ذلک فی أبحاثنا هذه. وقصاری القول أنّ العلماء فی هذه المسألة فریقان : فقسم سرد تلکم الأحوال سرداً تاریخیّا أو أخرجها إخراج الحدیث من غیر تعرّض لما لها أو علیها وقد عرفت هؤلاء ، وفریق یعترف بکلّ ما هنالک غیر أنّه یعتذر عمّن ارتکب هاتیک الأحوال بأنّها کانت لحفظ أبّهة الخلافة ، وصیانة منصب الشریعة ، وإقامة حرمة الدین (1) ولیس أحد من هؤلاء من الشیعة حتی یجعل الآلوسی روایتهم غیر معوّل علیها ، وهل من الجائز أن لا یتفطّن أعلام القوم وحفّاظهم فی کلّ تلکم القرون الخالیة لما جاء به الآلوسی ، وحسبوا أُولئک ما روته الشیعة صحیحاً وجعلوه من مطاعن عثمان المتسالم علیه عندهم ، وجاؤوا ینحتون له الأعذار فی تبریره؟ وبعد هذه کلّها فلا عذر للجنة الحاکمة فی أن تعتمد علی مثل هذه الکلمة التی مزیجها الکذب ، وحشوها الأغلاط ، والعوار مکتنف بها من شتّی نواحیها ، هذا حال الشاهد الأوّل الذی استشهدت به اللجنة الحاکمة.

الشاهد الثانی : أمّا شاهد اللجنة الثانی وهو ابن کثیر ، وما أدراک ما ابن کثیر؟ وما أدراک ما کتاباه فی التفسیر والتاریخ؟ مجامیع الفحش ، وموسوعات البهت ، وکراریس الدجل ، ومن تدجیله هاهنا ما ادّعاه من نسبة تحریم ادّخار ما زاد علی نفقة العیال إلی أبی ذر وأنّه کان یفتی به ویحثّهم علیه ... إلخ. علی حین أنّه لا یوجد لأبی ذر أیّ فتوی تصرّح أو تلوّح بذلک التحریم أو حثّ له علی ذلک أو أمر به أو تغلیظ فیه غیر ما لفّقه الأفّاکون فی الأدوار المتأخّرة من عزو مختلق ، نعم ؛ وربما یتّخذ ف)

ص: 516


1- راجع الریاض النضرة : 2 / 146 [3 / 74 - 75] ، الصواعق : ص 68 [ص 114] ، تاریخ الخمیس : 2 / 268. (المؤلف)

مصدراً لهذه الأفائک ما شوّه به الطبری صحیفة تاریخه من مکاتبة السریّ الکذّاب من طریق شعیب المجهول عن سیف الساقط المتّهم بالزندقة ، الذین عرفت موقفهم من الدین والصدق والأمانة وعرفت حال روایتهم خاصّة فی (ص 326 - 328) ؛ وغیر خاف ذلک علی مثل ابن کثیر ومن لفّ لفّه ، لکنّهم نبذوا الرجل نبذةً لیسقطوه عن محلّه ، ویسقطوا آراءه عن الاعتبار فتشبّثوا بالحشیش کالغریق ، لکنّهم خابوا وفشلوا ، وإنّما المأثور عنه تلاوة الآیة الکریمة ، ونقل السنّة الواردة عن نبیّ الإسلام فی اکتناز الذهب والفضّة ، وأمّا الآیة الکریمة فقد عرفت مقدار دلالتها وأنّ الخلاف الواقع بین أبی ذر ومعاویة إنّما هو بالنسبة إلی نزولها دون المفاد ، وأنّه لو صحّت النسبة لوجب قذفهما معاً أو تبرئتهما معاً.

علی أنّ لأبی ذر فی ما ادّعاه من شأن الآیة مصافقین ، فروی ابن کثیر نفسه عن ابن عبّاس : أنّها عامّة. وعن السدی أنّه قال : هی فی أهل القبلة. فهو أیضاً یوافقه فی الجملة.

وفی تفسیر الخازن (1) (2 / 232) : قال ابن عبّاس والسدی : نزلت فی مانعی الزکاة من المسلمین ، وقال القرطبی فی تفسیره (2) (8 / 123) : قال أبو ذر وغیره : المراد بها أهل الکتاب وغیرهم من المسلمین ، وهو الصحیح لأنّه لو أراد أهل الکتاب خاصّة لقال : ویکنزون بغیر (والذین) فلمّا قال : (والذین) فقد استأنف معنیً آخر یبیّن أنّه عطف جملة علی جملة ، فالذین یکنزون کلام مستأنف وهو رفع علی الابتداء ، قال السدی : عنی أهل القبلة.

وقال الزمخشری فی الکشّاف (3) (2 / 31) : ویجوز أن یراد المسلمون الکانزون6.

ص: 517


1- تفسیر الخازن : 2 / 221.
2- الجامع لأحکام القرآن : 8 / 79.
3- الکشّاف : 2 / 266.

غیر المنفقین. وقال البیضاوی فی تفسیره (1) (1 / 499) : ویجوز أن یراد به المسلمون الذین یجمعون المال ویقتنونه ولا یؤدّون حقّه. وقال الشوکانی فی تفسیره (2) (2 / 339) : والأولی حمل الآیة علی عموم اللفظ فهو أوسع من ذلک. وقال الآلوسی فی تفسیره (10 / 87) : والمراد من الموصول إمّا الکثیر من الأحبار والرهبان ، وإمّا المسلمون وهو الأنسب لقوله : (وَلا یُنْفِقُونَها فِی سَبِیلِ اللهِ).

فرأی أبی ذر أخذاً بمجامیع هذه الکلمات ، هو الصحیح والأنسب والأولی ، وما تفرّد به بل ذهب إلیه آخرون ، فلما ذا لا یقذفون هؤلاء بما قُذف به أبو ذر؟ وهل لأبی ذر حساب آخر یسوّغ الفریة علیه دون أولئک؟ نعم. نعم.

وأمّا السنّة فقد روی نظیر ما رواه غیر واحد من الصحابة ، لکن القوم لم یضمروا علی أحد منهم من الحقد ما أضمروه علی أبی ذر لمکان رأیه فی الإمامة منذ الصدر الأوّل ، ونزعته العلویّة التی لم یزل مجاهراً بها ، ومناوأته للبیت الأمویّ ، فحاولوا تشویه ذکره وتفنید رأیه بکلّ ما تیسّر لهم ، فمن أولئک الصحابة :

1 - عبد الله بن مسعود ، قال : دخل النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم علی بلال وعنده صبرة من تمر فقال : «ما هذا یا بلال؟» قال : أُعدّ ذلک لأضیافک. قال : «أما تخشی أن یکون لک دخان فی نار جهنّم؟ انفق بلال ولا تخش من ذی العرش إقلالاً».

رواه البزّار (3) بإسناد حسن والطبرانی فی الکبیر (4) وقال : «أما تخشی أن یفور له بخار فی نار جهنّم».

2 - أبو هریرة ، قال : إنّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم عاد بلالاً فأخرج له صبراً من تمر فقال : م.

ص: 518


1- تفسیر البیضاوی : 1 / 403.
2- فتح القدیر : 2 / 366.
3- البحر الزخّار (مسند البزّار) : 5 / 348.
4- المعجم الکبیر : 1 / 340 ح 1020 وفیه : یفور لها بخار من جهنم.

«ما هذا یا بلال؟» قال : ادّخرته لک یا رسول الله ، قال : «أما تخشی أن یجعل لک بخار فی نار جهنّم؟ أنفق یا بلال ولا تخش من ذی العرش إقلالاً».

رواه (1) أبو یعلی والطبرانی فی الکبیر والأوسط بإسناد حسن.

3 - أسماء بنت أبی بکر ، قالت : قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «لا توکی فیوکی علیک». وفی روایة : «انفقی - أو انفحی - أو انضحی - ولا تحصی فیحصی الله علیک ، ولا توعی فیوعی الله علیک». رواه (2) البخاری ومسلم وأبو داود.

4 - بلال مرفوعاً : «یا بلال مُت فقیراً ولا تمت غنیّا» ، قلت : وکیف لی بذلک؟ قال «ما رزقت فلا تخبأ ، وما سُئلت فلا تمنع». فقلت : یا رسول الله وکیف لی بذلک؟ قال : «هو ذاک أو النار».

رواه الطبرانی فی الکبیر (3) ، وابن حبّان فی کتاب الثواب ، والحاکم (4) وصحّحه.

5 - أنس بن مالک ، قال أُهدیت للنبیّ ثلاث طوائر فأعطی خادمه طائراً ، فلمّا کان من الغد أتته بها ، فقال لها رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «ألم أنهَکِ أن ترفعی شیئاً لغد؟ فإنّ الله یأتی برزق غد». رواه (5) أبو یعلی والبیهقی ، ورجال أبی یعلی ثقات.

6 - أنس بن مالک ، قال : کان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لا یدّخر شیئاً لغد. 8.

ص: 519


1- مسند أبی یعلی : 10 / 430 ح 6040 ، المعجم الکبیر : 1 / 342 ح 1025 ، المعجم الأوسط : 3 / 272 ح 2593.
2- صحیح البخاری : 2 / 520 ح 1366 ، ص 915 ح 2451 ، صحیح مسلم : 2 / 409 ح 88 و 89 ، کتاب الزکاة ، سنن أبی داود : 2 / 133 ح 1699 - 1700.
3- المعجم الکبیر : 1 / 341 ح 1021.
4- المستدرک علی الصحیحین : 4 / 352 ح 7887.
5- مسند أبی یعلی : 7 / 224 ح 4223 ، شعب الإیمان : 2 / 119 ح 1348.

رواه (1) ابن حبّان فی صحیحه والبیهقی.

7 - سمرة بن جندب ، مرفوعاً : «إنّی لأَلجُ هذه الغرفة ما ألجها إلاّ خشیة أن یکون فیها مال فأتوفّی ولم أنفقه». رواه الطبرانی فی الکبیر (2) بإسناد حسن.

8 - أبو سعید الخدری ، مرفوعاً : «ما أُحبّ أنّ لی أُحداً ذهباً أبقی صبح ثالثة وعندی منه شیء إلاّ شیء أُعدّه لدین» (3).

رواه البزّار وهو إسناد حسن وله شواهد کثیرة.

9 - أبو أمامة : إنّ رجلاً توفّی علی عهد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فلم یوجد له کفن ، فأُتی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فقال : «انظروا إلی داخلة إزاره» فأصیب دینار أو دیناران ، فقال : «کیّتان» (4).

10 - توفّی رجل من أهل الصفّة فوجد فی مئزره دینار ، فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «کیّة». ثمّ تُوفّی آخر فوجد فی مئزره دیناران ، فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «کیّتان».

رواه (5) أحمد والطبرانی من عدّة طرق ، وابن حبّان فی صحیحه من طریق عبد الله بن مسعود.

11 - سلمة بن الأکوع ، قال : کنت جالساً عند النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فأُتی بجنازة ثمّ أُتی 3.

ص: 520


1- الإحسان فی تقریب صحیح ابن حبّان : 14 / 270 ح 6356 ، شعب الإیمان : 2 / 171 - 172 ح 1464.
2- المعجم الکبیر : 7 / 269 - 270 ح 7105.
3- مجمع الزوائد : 10 / 239.
4- الکیّتان : أی لذعة علی کلّ دینار کنز.
5- مسند أحمد : 6 / 344 ح 21718 ، المعجم الکبیر : 8 / 105 ح 7506 و 7508 ، الإحسان فی تقریب صحیح ابن حبّان : 8 / 54 ح 3263.

بأخری فقال : «هل ترک من دین؟» قالوا : لا. قال : «فهل ترک شیئاً؟» قالوا : نعم ثلاثة دنانیر. فقال بإصبعه : «ثلاث کیّات».

أخرجه (1) أحمد بإسناد جیّد وابن حبّان فی صحیحه باللفظ المذکور والبخاری نحوه.

12 - أبو هریرة : أنّ أعرابیّا غزا مع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم خیبر ، فأصابه من سهمه دیناران فأخذهما الأعرابی ، فجعلهما فی عباءة فخیط علیهما ولفّ علیهما ، فمات الأعرابیّ فوجد الدیناران ، فذکر ذلک لرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فقال : «کیّتان».

رواه أحمد (2) وإسناده حسن لا بأس به.

هذه جملة من تلکم الأحادیث ، وقد جمعها الحافظ المنذری فی الترغیب والترهیب (3) (1 / 253 - 258).

13 - أخرج أحمد فی مسنده (4) (1 / 300) من طریق ابن عبّاس قال : إنّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم التفت إلی أُحد فقال : «والذی نفس محمد بیده ما یسرّنی أنّ أُحداً یحوّل لآل محمد ذهباً أنفقه فی سبیل الله أموت یوم أموت أدع منه دینارین ، إلاّ دینارین أعدّهما لدین إن کان».

14 - أخرج ابن کثیر نفسه فی تفسیره (2 / 352) من طریق عبد الله بن مسعود : «والذی لا إله غیره لا یکون عبد یکنز فیمسّ دینار دیناراً ولا درهم درهماً ، ولکن 9.

ص: 521


1- مسند أحمد : 4 / 639 ح 16075 ، الإحسان فی تقریب صحیح ابن حبّان : 8 / 54 ح 3264 ، صحیح البخاری : 2 / 799 ح 2168.
2- مسند أحمد : 3 / 38 - 39 ح 8463.
3- الترغیب والترهیب : 2 / 51 - 58.
4- مسند أحمد : 1 / 493 ح 2719.

یُوسع جلده فیوضع کلّ دینار ودرهم علی حدته».

رواه سفیان عن عبد الله بن عمر (1) بن مرّة عن مسروق عن ابن مسعود ، ورواه ابن مردویه عن أبی هریرة.

15 - حکی ابن کثیر (2) عن أبی جعفر بن جریر الطبری (3) من طریق ثوبان مرفوعاً : «من ترک بعده کنزاً مُثّل له یوم القیامة شجاعاً أقرع له زبیبتان یتبعه ویقول : ویلک ما أنت؟ فیقول : أنا کنزک الذی ترکته بعدک. ولا یزال یتبعه حتی یلقمه یده فیقضمها ثمّ یتبعها سائر جسده». قال : ورواه ابن حبّان فی صحیحه (4).

16 - ونقل فی (ص 353) عن ابن أبی حاتم بإسناده من طریق ثوبان مرفوعاً : «ما من رجل یموت وعنده أحمر أو أبیض إلاّ جعل الله بکلّ قیراط صفحة من نار یکوی بها من قدمه إلی ذقنهِ».

17 - وذَکر (5) عن أبی یعلی بالإسناد من طریق أبی هریرة مرفوعاً : «لا یوضع الدینار علی الدینار ، ولا الدرهم علی الدرهم ، ولکن یُوسع جلده فیکوی بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما کنزتم لأنفسکم فذوقوا ما کنتم تکنزون».

18 - أخرج أحمد (6) من طریق عبد الله بن أبی الهذیل ، قال : حدّثنی صاحب لی : أنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قال : «تبّا للذهب والفضّة» وقال : إنّه انطلق مع عمر بن الخطّاب فقال : یا رسول الله! قولک : «تبّا للذهب والفضّة». ما ذا ندّخر؟ قال 1.

ص: 522


1- فی المصدر : عمرو.
2- تفسیر ابن کثیر : 2 / 353.
3- جامع البیان : مج 6 / ج 10 / 124.
4- الإحسان فی تقریب صحیح ابن حبّان : 8 / 49 ح 3257.
5- تفسیر ابن کثیر : 2 / 354.
6- مسند أحمد : 6 / 503 ح 22591.

رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «لساناً ذاکراً ، وقلباً شاکراً ، وزوجة تعین علی الآخرة». تفسیر ابن کثیر (2 / 351).

19 - أخرج (1) أحمد والترمذی وابن ماجة من طریق سالم بن أبی الجعد عن ثوبان قال : لمّا نزلت فی الذهب والفضّة ما نزل قالوا : فأیّ المال نتّخذ؟ قال عمر : فأنا أعلم لکم ذلک فأَوضَعَ (2) علی بعیر ، فأدرکه (3) وأنا فی أثره ، فقال : یا رسول الله أیّ المال نتّخذ؟ قال : «قلباً شاکراً ، ولساناً ذاکراً ، وزوجة تعین أحدکم علی أمر الآخرة».

20 - وقبل هذه کلّها ما أخرجه إمام الحنابلة أحمد فی مسنده (4) (1 / 62) من طریق عثمان بن عفّان من أنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قال : «کلّ شیء سوی ظلّ بیت ، وجِلْف (5) الخبز ، وثوب یواری عورته والماء ، فما فضل عن هذا فلیس لابن آدم فیهنّ حقّ». وأخرجه أبو نعیم فی حلیة الأولیاء (1 / 61).

هذه الأحادیث أخرجها أئمّة الفقه وحفّاظ الحدیث وأعلام التفسیر فی تآلیفهم محتجّین بها لما ارتأوه من الترغیب إلی الزهد والتطوّع بالإنفاق ، والترهیب عن الاکتناز والادّخار ، ولم یتکلّم أحد منهم فی راوٍ من رواتها ، وما اتّهم فی أیّ منهم بما اتّهم به أبو ذر ، فإن کان للتأویل والحمل علی معنیً صحیح فیها مجال فهی وما رواه أبو ذر علی شرع سواء ، فأیّ وازعٍ عن تأویل ما جاء به أبو ذر؟ ولما ذا رشقوه بین أولئک الصحابة بنبال القذف؟ مع أنّ أبا ذر لم یکن هتافه ذلک للدعوة إلی تهذیب ن.

ص: 523


1- مسند أحمد : 6 / 381 ح 21931 ، سنن الترمذی : 5 / 259 ح 3094 ، سنن ابن ماجة : 1 / 596 ح 1856.
2- یقال : أوضع الراکب إیضاعاً إذا سار بین القوم.
3- فی سنن ابن ماجة : فأدرک النبیّ.
4- مسند أحمد : 1 / 100 ح 442.
5- جِلْفُ الخبز : الخبز الیابس الغلیظ بلا أُدْم ولا لبن.

النفس بالزهادة فی حطام الدنیا والفوز بمراتب الکمال ، وإنّما کان نکیره علی أُمّة اتّخذت کنوزاً مکدّسة من الذهب والفضّة علی غیر وجه حلّها ، کما فصّلنا القول فی ذلک تفصیلاً.

وإذ لم یجد ابن کثیر شاهداً قویماً لما ادّعاه من أقوال أبی ذر تشبّث بعمله ، فقال : وقد اختبره معاویة رضی الله عنه وهو عنده ، هل یوافق عمله قوله؟ فبعث إلیه بألف دینار ففرّقها من یومه ، ثمّ بعث إلیه الذی أتاه بها فقال : إنّ معاویة إنّما بعثنی إلی غیرک فأخطأت فهات الذهب ، فقال : ویحک إنّها خرجت ، ولکن إذا جاء مالی حاسبناک به (1).

ولیس فیه إلاّ زهد أبی ذر المهلک سبده ولبده (2) ، ولم یکن عمله هذا عن فتوی ولا إیجاب ، وإنّما کان تطوّعاً ومبالغة فی الزهادة والجود ، وقد سبقه إلی ذلک سیّد البشر صلی الله علیه وآله وسلم ، عاش صلی الله علیه وآله وسلم کما عرفت ومات ولم یدع دیناراً ولا درهماً ولا عبداً ولا أمةً ولا شاةً ولا بعیراً ، وترک درعه رهناً عند یهودی بثلاثین صاعاً من شعیر (3) وحذا حذوه آله سلام الله علیهم الذین کانوا (یُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلی حُبِّهِ مِسْکِیناً وَیَتِیماً وَأَسِیراً) ، (وَیُؤْثِرُونَ عَلی أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ کانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ) (الَّذِینَ آمَنُوا الَّذِینَ یُقِیمُونَ الصَّلاةَ وَیُؤْتُونَ الزَّکاةَ وَهُمْ راکِعُونَ) (4) ، (الَّذِینَ یُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّیْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِیَةً) (5) وقد خرج الإمام السبط الحسن الزکیّ من ماله ف)

ص: 524


1- تفسیر ابن کثیر : 2 / 3353.
2- السَّبَد : الوبر ، وقیل : الشعر. والعرب تقول : ماله سَبَدٌ ولا لَبَد ، أی ماله ذو وبر ولا صوف متلبد ، یکنّی بهما عن الإبل والغنم.
3- طبقات ابن سعد طبع مصر ، رقم التسلسل : 836 ، 837 [2 / 317] ، مسند أحمد : 1 / 300 [1 / 493 ح 2719] ، تاریخ الخطیب البغدادی : 4 / 396 [رقم 2288]. (المؤلف)
4- راجع ما فصّلناه فی الجزء الثانی : ص 47 ، 52 و 3 / 155 - 163. (المؤلف)
5- نزلت فی أمیر المؤمنین کما مرّ فی هذا الجزء : ص 54. (المؤلف)

مرّتین. وقاسم الله عزّ وجلّ ماله ثلاث مرار حتی أن کان لیعطی نعلاً ویمسک نعلاً ، ویعطی خفّا ویمسک خفّا (1).

وما أکثر الزهّاد أمثال أبی ذر فی أُمّة محمد صلی الله علیه وآله وسلم ، وقد أفنت الزهادة کلّ مالهم من ثُمّةٍ ورُمّة (2) وقد عُدّ ذلک فی الجمیع فضیلة یُذکرون بها ویُشکرون علیها ، إلاّ فی أبی ذر شبیه عیسی بن مریم فی الأُمّة المرحومة فاتّخذوه مدرکاً لتلک الفتوی المزعومة. غفرانک اللهمّ وإلیک المصیر.

استشهاد اللجنة بکلمة ابن حجر :

أمّا الشاهد الثالث - ابن حجر - فلیت اللجنة الحاکمة لم تلخّص کلامه ، ففیما سرده فی فتح الباری (3) (3 / 213) ما لا یلائم خطّة اللجنة ، ففیه من أعلام النبوّة ما قدّمنا ذکره من عهد النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم بذلک النفی والإخراج فی سیاق یؤدّی أنّ أبا ذر سیکون مضطهداً فی ذلک مظلوماً ، ویؤکّد هذا السیاق ما أسلفناه من قوله صلی الله علیه وآله وسلم : «یا أبا ذر أنت رجل صالح وسیصیبک بلاءٌ بعدُ». قال : فی الله؟ فقال صلی الله علیه وآله وسلم : «فی الله» قال : مرحباً بأمر الله. وما کان فی الله وبعین الله ویعرّف صلی الله علیه وآله وسلم صاحبه بالصلاح ، ویراه فی هدیه ونسکه وزهده شبیه نبیّ معصوم کعیسی سلام الله علیه ؛ ویأمره بالصبر لا یکون فاسداً ولا تترتّب علیه مفسدة ، إذن فلا أدری أین یکون مقیل نظریّة ابن حجر الملخّصة عند اللجنة من الصدق؟

وممّا ذکره ابن حجر فی فتح الباری ما حکاه عن بعض أعلام قومه : الصحیح أنّ إنکار أبی ذر کان علی السلاطین الذین یأخذون المال لأنفسهم ولا ینفقونه فی وجهه. 5.

ص: 525


1- حلیة الأولیاء : 2 / 38 ، صفة الصفوة : 1 / 330 [1 / 761 رقم 120] ، الصواعق : ص 82 [ص 139]. (المؤلف)
2- أی : من قلیل وکثیر.
3- فتح الباری : 3 / 275.

نعم هذا هو الصحیح کما قدّمناه فی صفحة (335) ویعرفه کلّ من سبر التاریخ والحدیث. إذن فلیس من المتسالم علیه ما حاوله ابن حجر فی ملخّص قوله وتحرّته اللجنة فی حکمها والاستشهاد بکلامه ، مثل هذا الأساس لا تبنی علیه برهنة ، ولا یصحّ به حکم لأیّ إنسان أو علیه ، لکنّ ابن حجر قال ، واللجنة حکمت ؛ والقوّة نفّذت ذلک الحکم ، فإنّا لله وإنّا إلیه راجعون.

هؤلاء شهود اللجنة الحاکمة ، وقد اختبرت أنت أیّها القارئ حالهم ومقالهم ، إذن فما ظنّک بما ابتنوه علی ذلک من شفا جرفٍ هارٍ؟ (نَحْنُ أَعْلَمُ بِما یَقُولُونَ وَما أَنْتَ عَلَیْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَکِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ یَخافُ وَعِیدِ) (1).

هاهنا أکرّر مخاطبة اللجنة بأنّ دلیلها فی إثبات شیوعیّة أبی ذر غیر ناهضة لإثبات ما ترتئیه ، لأنّ نظریّة أبی ذر علی ما ادّعته هی وجوب إنفاق ما فضل عن حاجة الإنسان ، ومقتضاه أنّه یملک التصرّف فی قدر الحاجة ، والشیوعیّ لا یقول بذلک وإنّما یحاول إلغاء الملکیّة رأساً ، ثمّ إنّ الحکومة الشیوعیّة تدرّ علیه قدر الحاجة أو بمقدار العمل صوناً لحیاته فهو کالأجیر عندها یقتات بما یعمل أو کعائلتها تسدّ عیلتها بمقدار خلّتها ، علی ما قدّمناه من أنّ رأی أبی ذر لا یستوعب المال کلّه وإنّما یرید الإخراجات الواجبة وما تدعو إلیه العاطفة البشریّة والمروءات من الأعطیات المندوبة ، فاللجنة لم تعط النصفة حقّها فی إسناد ما أسندته إلی أبی ذر ؛ کما أنّها لم تؤدّ حقّ الردّ علی الشیوعیّة الممقوتة ، فهی مائنةٌ فیما تقول خبریّا أو مخبریّا ، وجائرة فی حکمها من حیث لا تشعر.

کان حقّا علینا أن ننظر فی بقیّة الکلمات المقولة فی شیوعیّة أبی ذر علی وجه التفصیل ککلمة الخضری فی المحاضرات (2 / 36 ، 37) وعبد الحمید بک العبادی عمید کلیّة الآداب فی صور من التاریخ الإسلامی (ص 109 - 113) تحت عنوان : أبو ذر 5.

ص: 526


1- سورة ق : 45.

الغفاری. وأحمد أمین فی فجر إسلامه (1 / 136) (1) ومحمد أحمد جاد المولی بک فی : إنصاف عثمان (ص 41 - 45) ، وصادق إبراهیم عرجون فی : عثمان بن عفّان (ص 35) ، وعبد الوهاب النجّار فی : الخلفاء الراشدون (ص 317) ، ومن حذا حذوهم ممّن اقتحم معارک التاریخ والأبحاث الخطرة من دون مُنّة (2) علمیّة تنقذهم من القحمة وصرعة الاسترسال التی لا تُستقال ، لکنّهم لم یألوا بأکثر ممّا فنّدناه ، غیر ما ذکره بعضهم (3) من أنّ أبا ذر أخذ المبدأ الشیوعیّ من عبد الله بن سبأ استناداً إلی روایة الطبری السابقة فی (ص 326 و 349) عن السری ، عن شعیب ، عن سیف ، عن عطیّة ، عن یزید الفقعسی ، وقد عرّفناک هنالک ما فی رجالها من أفّاک وضّاع ، أو معتدٍ أثیم ، أو ضعیف متّفق علی ضعفه ، أو مجهولٍ لا یُعرف ، وما فی متنها من ملامح الکذب وآثار الافتعال.

علی أنّ عبد الله بن سبأ المعروف بالیهودیّة والإفساد وتفریق کلمة المسلمین الذی عزوا إلیه ثورة المصریّین ، وأنّه یمّم الحواضر الإسلامیّة لإلقاح الفتن وإثارة الملأ علی خلیفة الوقت ، وبثِّ تلکم المبادئ التعیسة ، ولم ینظر إلیه رامقٌ شزراً ، ولا وقع علیه قبض من سلطات الوقت ، ولا أصابه نفی عن الأوساط الدینیّة ، وقد تُرک یلهو ویلعب کما تشاء له المیول والشهوات ، لکن النقمات کلّها توجّهت علی الأبرار من صحابة محمد صلی الله علیه وآله وسلم والتابعین لهم بإحسان کأبی ذر ، وعبد الله بن مسعود ، وعمّار بن یاسر ، ومالک بن الحارث الأشتر ، وزید وصعصعة ابنی صوحان ، وجندب بن زهیر ، وکعب بن عبدة الناسک ، ویزید الأرحبی العظیم عند الناس ، وعامر بن قیس الزاهد الناسک ، وعمرو بن الحَمِق المعروف بدعاء النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم له ، وعروة البارقی الصحابیّ الجلیل ، وکمیل بن زیاد الثقة الأمین ، والحارث الهمدانی الفقیه الثقة (4) فمن منفیّ هلک ف)

ص: 527


1- فجر الإسلام : ص 110.
2- المُنّة : القدرة.
3- کالخضری وأحمد أمین. (المؤلف)
4- سیوافیک حدیث أمرهم فی الجزء التاسع بإذن الله تعالی. (المؤلف)

فی تسییره ، إلی مضروب کسرت أضالعه ، إلی مهان توجّهت إلیه لسبات الألسن.

وقبل هؤلاء مولانا أمیر المؤمنین صالح الأُمّة ، یراه عثمان أحقّ بالنفی من أولئک کما یأتی حدیثه ؛ وأخرجه إلی ینبع مرّة بعد أخری لیقلّ هتاف الناس باسمه للخلافة ، وقال لابن عبّاس : اکفنی ابن عمّک. وقال ابن عبّاس : ابن عمّی لیس بالرجل یُری له ، ولکنّه یری لنفسه فأرسلنی إلیه بما أحببت. قال : قل له فلیخرج إلی ماله بینبع فلا أغتم به ولا یغتمّ بی. فأتی علیّا فأخبره ، فقال : «ما اتّخذنی عثمان إلاّ ناضحاً» ثم أنشد یقول :

فکیف به إنّی أُداوی جراحَهُ

فیدوی فلا ملّ الدواءُ ولا الداءُ

وقال : «یا ابن عبّاس ما یرید عثمان إلاّ أن یجعلنی جملاً ناضحاً بالغَرْب (1) أُقبل وأُدبر ، بعث إلیّ أن أخرج ، ثمّ بعث إلیّ أن أقدم ، ثمّ هو الآن یبعث إلیّ أن أخرج والله لقد دفعت عنه حتی خشیت أن أکون آثماً» (2).

فهلاّ کان ابن سبأ وأصحابه بمرأی من الخلیفة ومسمع وقد طغوا فی البلاد وأکثروا فیها الفساد ، وکیف بهضه أمر أولئک الآمرین بالمعروف والناهین عن المنکر ولا یهمّه قمع تلکم الجرثومة الخبیثة باجتثاث أصلها بإعدام عبد الله بن سبأ ، أو صلبه علی جذوع النخل ، أو قطع یده ورجله من خلاف ، أو نفیه من الأرض؟

هلاّ کان واجب الخلیفة أن یشاور صلحاء الصحابة فی الرجل الضالّ المضلّ ، بدل ما شاور أبناء بیته الساقط فی أبی ذر العظیم بقوله القارص : أشیروا علیّ فی هذا الشیخ الکذّاب ، إمّا أن أضربه أو أحبسه أو أقتله ، فإنّه قد فرّق جماعة المسلمین ، ف)

ص: 528


1- نضح الجمل الماء : حمله من بئر أو نهر لیسقی به الزرع فهو ناضح. والغرب - بالفتح فسکون - : الدلو العظیمة ، والکلام تمثیل للتسخیر. (المؤلف)
2- نهج البلاغة : 1 / 468 [ص 358 رقم 240] ، العقد الفرید : 2 / 274 [4 / 121]. (المؤلف)

أو أنفیه من أرض الإسلام (1)؟

نعم ؛ کان عبد الله بن سبأ من جراثیم العیث والفساد ، وجذوم الکفر والإلحاد ، ولم یفتأ یتقلّب بین المسلمین بنوایاه السیّئة وإن لم یثبت عنه المبدأ الشیوعیّ قطّ ، ولا إثارة الثائرین علی عثمان إلاّ بمکتوبة السری ، عن شعیب ، عن سیف المکذوبة الساقطة التی لا قیمة لها فی سوق الاعتبار (2) فإنّ المسلمین خصوصاً الثائرین علی عثمان والمتجمهرین علیه ، وهم جلّ الصحابة - لو لم نقل کلّهم - کما یأتی تفصیله فی الجزء التاسع بإذن الله - وخصوصاً من لاث بمولانا أمیر المؤمنین من علیة الصحابة کأبی ذر وعمّار ومالک الأشتر وابنی صوحان وأمثالهم ما کانوا یقیمون وزناً لنعرات أیّ ابن أُنثی تجاه ما اتّخذوه من مستقی الوحی ، فضلاً عن مثل ابن سبأ المعروف عندهم ملکاته ونزعاته فی أمسه ویومه ذاک ، فأنّی یصیخون إلی ماله من هلجة وهم رجال الفکرة الصالحة فی المجتمع الدینیّ ، ولم یُثبت التاریخ الصحیح اتّصال أحد منهم بهذا الرجل فضلاً عن تأثیره فی نفسیّاتهم وإثارة الفتن فی المجتمع الدینیّ بأیدیهم ، وهلاّ کان خلیفة الوقت أراح المسلمین من شرّه بتشتیت شمله وتمزیق جمعه ، کما فعله مولانا أمیر المؤمنین علیه السلام ، فقطع عن أدیم الأرض أُصول تلک النزعات الوبیلة بإلقاء الدخان علی حاملیها ، کما مرّ فی الجزء السابع (ص 156) ، وذکره ابن حزم فی الفصل (4 / 186).

کلمتنا الأخیرة

لو درست الأساتذة حقیقة الشیوعیّة وما یهتفون به من أصولها وحقیقة أبی ذر العالم الصحابیّ ونظرائه وما یؤثر عنهم من قول وعمل وأحادیث جاءت فیهم عرفوا البون الشاسع بین المبدأین ، وإنّ مثل أبی ذر لا یکون شیوعیّا مهما أسفّ من ف)

ص: 529


1- راجع ما مرّ : ص 298 ، 306 من هذا الجزء. (المؤلف)
2- راجع : ص 326 - 328 من هذا الجزء. (المؤلف)

أوج عظمته وانکفأ عن صهوة علمه ، وتنازل عن مبادئه المقدّسة ، وأنّه لا یعتنق ذلک المذهب عالم وإن قلّت بضاعته ، وضعفت مُنّته العلمیّة.

أنّی یهتف بالشیوعیّة ویعتنقها من وقف واطّلع علی ما جاء به الإسلام المقدّس فی تأمین مؤن الفقراء وسدّ عیلتهم ، وما وطّد من مشارع تُخفّف عنهم ما یبهضهم من عبء حزانتهم ، وما شرّع لهم من منابع الحیاة المادیّة فی أموال الأغنیاء ، بقدر ما یسعهم کما أخبر به النبیّ الأعظم بقوله : «إنّ الله فرض علی أغنیاء المسلمین فی أموالهم بقدر الذی یسع فقراءهم ، ولن یجهد الفقراء إذا جاعوا وعروا إلاّ بما یصنع أغنیاؤهم ، ألا وإنّ الله یحاسبهم حساباً شدیداً ویعذّبهم عذاباً ألیماً» (1). فبعد ترصیف السیاسة المالیّة علی أحسن نظام وأرقی منهج وتعبئة ما یسدّ خلّة الفقراء ، سدّ علیهم أبواب السؤال والتکدّی وشدّد النکیر علیهما بمثل قوله صلی الله علیه وآله وسلم : «إنّ المسألة لا تصلح إلاّ لثلاث : لذی فقر مُدقع ، أو لذی غرم مُفظع ، أو لذی دم موجع» (2). ورغّبهم إلی الاستعفاف والاستغناء عن الناس بکلّ ما تیسّر من العمل بقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «لَأن یأخذ أحدکم حبلاً فیأتی الجبل فیجیء بحزمة من حطب علی ظهره فیبیعها فیستغنی بها خیر له من أن یسأل الناس أعطوه أو منعوه» (3) وقرّر علی أهل الیسار للفقراء والمساکین حقوقاً محدودة من شتّی النواحی بعناوین مختلفة کرواتب سنویّة أو کجرایة شهریّة تتعلّق بالأنعام والغلاّت والنقدین وأرباح المکاسب والرکاز والمعادن ف)

ص: 530


1- أخرجه الطبرانی فی الأوسط [4 / 353 ح 3603] والصغیر [1 / 162] کما فی الترغیب والترهیب : 1 / 213 [1 / 538] ، وروی موقوفاً علی أمیر المؤمنین کما مرّ : ص 256. (المؤلف)
2- الترغیب والترهیب : 1 / 233 [1 / 591] نقلاً عن أبی داود [فی السنن : 2 / 120 - 121 ح 1641] ، والبیهقی فی السنن [7 / 25]. (المؤلف)
3- صحیح البخاری : 3 / 34 [2 / 535 ح 1401] ، صحیح مسلم : 3 / 97 [2 / 417 ح 107 کتاب الزکاة] ، سنن البیهقی : 4 / 195 ، الترغیب والترهیب : 1 / 233 [1 / 592]. (المؤلف)

والأنفال وغیرها من الواجب المالی المقرّر ، مضافاً علی ما قد یجب علی الإنسان حیناً بعد حین لموجب هنالک کالکفّارات والنذور والمظالم.

وأمّا التطوّع بالصدقات والإنفاق ممّا فضل وهو الذی کاد أن یُعدّ من فروض الإنسانیّة فحدّث عنه ولا حرج ، وقد بالغ الصادع الکریم فی الحث علیه ومرّ شطر من أحادیثه ، وأخرج مسلم (1) والترمذی (2) وغیرهما من طریق أبی أمامة مرفوعاً : «یا ابن آدم إنّک إن تبذل الفضل خیر لک ، وإن تمسکه شرّ لک ، ولا تُلام علی کفاف». الترغیب والترهیب (3) (1 / 232 ، 252).

وأخرج مسلم (4) من طریق أبی سعید الخدری مرفوعاً : «من کان معه فضل من ظهر فلیعد به علی من لا ظهر له ، ومن کان عنده فضل من زاد فلیعد به علی من لا زاد له». سنن البیهقی (4 / 182).

وفی صحیح مرّ فی (ص 354) قوله صلی الله علیه وآله وسلم : «علی کلّ نفس فی کلّ یوم طلعت فیه الشمس صدقة عنه علی نفسه».

وللإسلام وراء هذه کلّها آداب وسنن تُعرب عن حرمة من قتر علیه رزقه وعن کرامته فی الملأ الدینیّ تصدیقاً للإنکار الوارد فی قوله تعالی : (فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَکْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَیَقُولُ رَبِّی أَکْرَمَنِ* وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَیْهِ رِزْقَهُ فَیَقُولُ رَبِّی أَهانَنِ* کَلاَّ) (5). فأمر کتابه المقدّس بالإنفاق من جیّد المال ونفیسه بقوله : (یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَیِّباتِ ما کَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَکُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلا تَیَمَّمُوا 7.

ص: 531


1- صحیح مسلم : 2 / 413 ح 97 کتاب الزکاة.
2- سنن الترمذی : 4 / 495 ح 3343.
3- الترغیب والترهیب : 1 / 590 و 2 / 49.
4- صحیح مسلم : 3 / 566 ح 18 کتاب اللقطة.
5- الفجر : 15 ، 16 ، 17.

الْخَبِیثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ) الآیة (1). وقوله تعالی : (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّی تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَیْءٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِیمٌ) (2) ونهی عن نهر السائل وإبطال الصدقات بالمنّ والأذی وریاء الناس ، فقال عزّ من قائل : (وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ) (3) وقال : (یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِکُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذی کَالَّذِی یُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ وَلا یُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْیَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ کَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَیْهِ تُرابٌ فَأَصابَهُ وابِلٌ فَتَرَکَهُ صَلْداً لا یَقْدِرُونَ عَلی شَیْءٍ مِمَّا کَسَبُوا) (4). وقال : (الَّذِینَ یُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِی سَبِیلِ اللهِ ثُمَّ لا یُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذیً لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَیْهِمْ وَلا هُمْ یَحْزَنُونَ) (5). وقال : (قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَیْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ یَتْبَعُها أَذیً وَاللهُ غَنِیٌّ حَلِیمٌ) (6).

وقال النبیّ الأعظم صلی الله علیه وآله وسلم : «لا یقبل الله من مُسمعٍ ولا مُراءٍ ولا منّانٍ ، والمتحدّث بصدقته یطلب السمعة ، والمعطی فی ملأ من الناس یبغی الریاء» (7).

وأخرج مسلم فی صحیحه (8) مرفوعاً : «ثلاثة لا یکلّمهم الله یوم القیامة ولا ینظر إلیهم ولا یزکّیهم ولهم عذاب ألیم : المنّان بما أعطی ...». سنن البیهقی (4 / 191).

وذکر ابن کثیر مرفوعاً : «لا یدخل الجنّة عاقّ ، ولا منّان ، ولا مُدمن خمر». تفسیر ابن کثیر (1 / 318).

ولقطع أُصول المنّ بالإعطاء وتنزیه نفوس أهل الیسار عن الاستعلاء والترفّع والعُجب بأعطیاتهم ، ومن کان غنیّا فلیستعفف ، وتطهیر قلوب الفقراء الشریفة عمّا ن.

ص: 532


1- البقرة : 267.
2- آل عمران : 92.
3- الضحی : 10.
4- البقرة : 264.
5- البقرة : 262 ، 263.
6- البقرة : 262 ، 263.
7- إحیاء العلوم : 1 / 222 [1 / 194]. (المؤلف)
8- صحیح مسلم : 1 / 141 ح 171 کتاب الایمان.

یعتریها من ذلّ المسکنة ، وتطییب خواطرهم من هوان بسط ید الأخذ إلی الأغنیاء ، ال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «إنّ الصدقة تقع بید الله عزَّ وجلَّ قبل أن تقع فی ید السائل» (1).

وفی صحیح أخرجه مسلم (2) (3 / 85) من طریق أبی هریرة مرفوعاً : «ما تصدّق أحد بصدقة من طیّب - ولا یقبل الله إلاّ الطیّب - إلاّ أخذها الرحمن بیمینه وإن کانت تمرة ، فتربو فی کفّ الرحمن حتی تکون أعظم من الجبل». الحدیث.

فیری المعطی المسلم وجهه إلی الله وهو محسن أنّه مسلّم إلی الله جلّ وعلا حقّه ممّا خوّله سبحانه بمنّه إیّاه. والفقیر یری أنّه آخذ من الله وباسط کفّه إلی الله وید الله هی مدرّ الأنعم ، وهی الید العلیا ، وهی الوسیطة بین المعطی والآخذ ، وله المنّ علیهما ، (وَاللهُ الْغَنِیُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ) (3) (إِنْ یَکُنْ غَنِیًّا أَوْ فَقِیراً فَاللهُ أَوْلی بِهِما) (4).

فالشیوعیّ لا یکون شیوعیّا إلاّ ویغمره تیّار الجهل الهائج ، وإنّ سماسرة الشیوعیّة یمنعون قبل کلّ شیء عن تحرّی العلم الصحیح ویسوقون الملأ إلی مستوی الجهل والبساطة ، ولعلّک لا تشکّ فی ذلک متی جست خلال الدیار فی المملکة السوفیتیّة ومن جنح إلیها من أقطار الأرض ، فإنّک لا تجد من یُهملج إلی الغایة الشیوعیّة إلاّ الرجرجة الدهماء الذین لم یعطوا من العلم شیئاً ، لکن البلاد الخصبة بالعلم والعلماء کلّها من إسلامیّ وغیره فی منتأیً من تلک الخسّة ، وکذلک کلّ من أُوتی نصیباً من العلم لا تدعه عقلیّته أن یسفّ إلی تلکم الهوّة الوبیئة ، وکیف بأبی ذر - وعاء العلم - وأمثاله؟ 5.

ص: 533


1- أخرجه الدارقطنی والبیهقی فی شعب الإیمان [3 / 274 ح 3525]. (المؤلف)
2- صحیح مسلم : 2 / 397 ح 63 کتاب الزکاة.
3- محمد : 38.
4- النساء : 135.

نعم ؛ للبلاد الإسلامیّة خاصّتها فی الابتعاد عن هاتیک السفاسف لوجود العلم الصحیح الناجع عند علمائها - لا ما جاءت به اللجنة الحاکمة - والمواد الحیویّة المبثوثة فی دینها الإسلامیّ الحنیف ، فهی وهم سدّان قویّان لدفع ذلک السیل الأتیّ ، فلیس لمجابهة الشیوعیّة ومکافحتها شیء أقوی من العلم والدین ، وتنویر فکرة الشعب الإسلامیّ بهما. فمن واجب الدول الإسلامیّة - وقد شعرت هی بهذا الواجب - توسیع نطاق العلم ، وبثّ نوامیس الدین ، وإحیاء ناشئة الإنسان الذی خُلق جهولاً بروح الثقافة الدینیّة وتربیة أبناء الوطن العزیز فی صفوف المدارس الابتدائیّة إلی العالیة بدراسة العلوم الناجعة ، والتحفّظ علی حقوق ضعفاء الأمّة ، والأخذ بناصر أخی عیلة العائل بإجراء مقرّرات الدین المبین ، وتعظیم العلماء الصالحین ، وتقدیر رجالات الوعظ والخطابة لتستمرّ طهارة البلاد عن تلکم الرجاسة ، فحیّا الله العلماء العاملین ، وحیّا الله الحکومات الإسلامیّة ، الناهضین بکلاءة العباد والبلاد.

(فَلِذلِکَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ کَما أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللهُ مِنْ کِتابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَیْنَکُمُ اللهُ رَبُّنا وَرَبُّکُمْ لَنا أَعْمالُنا وَلَکُمْ أَعْمالُکُمْ لا حُجَّةَ بَیْنَنا وَبَیْنَکُمُ اللهُ یَجْمَعُ بَیْنَنا وَإِلَیْهِ الْمَصِیرُ) (1).

والحمد لله أوّلاً وآخراً

انتهی الجزء الثامن من کتاب الغدیر

ویتلوه الجزء التاسع

یُبتدأ فیه بتتمّة هذه المباحث إن شاء الله فتربَّص حتی حین

(وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ یُقْضی إِلَیْکَ وَحْیُهُ) (2) 4.

ص: 534


1- الشوری : 15.
2- سورة طه : 114.

محتویات الکتاب

أبو طالب فی الذکر الحکیم................................................... 11

الایة الأولی.............................................................. 11

الآیة الثانیة والثالثة........................................................ 18

مواقع النظر فی روایة نزول الأیتین....................................... 19

حدیث الضحضاح.......................................................... 37

عود إلی بدء أحادیث الغلو فی فضائل أبی بکر........................... 46 - 88

29 - ملک یردّ علی شاتم الخلیفة............................................ 46

30 - خطبة النبیّ صلی الله علیه واله فی فضل الخلیفة.......................... 50

ثناء أمیر المؤمنین علیه السلام علی الخلیفة................................. 54

32 - 66 - أحادیث تعزی إلی أمیر المؤمنین علیه السلام فی حق أبی بکر....... 56

لیلة الغار والخلیفة فیها.................................................. 63

الشیطان لا یثمثّل بأبی بکر............................................. 70

أبو بکر لم بسؤ النبی قط................................................ 72

70 - الآیات النازلة فی أبی بکر............................................. 74

الغلوّ فی فضائل عمر بن الخطّاب..................................... 89 - 142

1 - کلمات فی علم عمر................................................ 91

عمر أقرأ الصحابة وأفقهم.................................................... 93

الشیطان یخاف ویفر من عمر................................................. 96

الغناء فی الذکر الحیکم.................................................. 100

الغناء والمعارف فی السنّة................................................. 103

الغناء فی المذاهب الأربعة................................................ 108

نظرة فی الأحادیث المعنونة............................................ 111

رأی عمر فی الغناء................................................... 116

کرامات عمر الاربع....................................................... 122

5 - تسمیة عمر بأمیر المؤمنین............................................. 127

عمر لا یحبّ الباطل........................................................ 132

الملائکتة تکلمّ عمر بن الخطاب............................................. 134

قرطاس فی کفن عمر...................................................... 135

لسان عمرو قلبه........................................................... 136

10 - رؤیا رسول الله صلی الله علیه واله فی علم عمر....................... 137

عمر وفرق الشیطان منه................................................. 139

الغلوّ فی فضائل عثمان بن عفان.................................... 143 - 432

1 - قضاؤه فی امرأة ولدت لستة أشهر..................................... 143

إتمام عثمان الصلاة فی السفر................................................ 145

نظرة فی رأی الخلیفة.................................................. 150

النصوص الواردة فی صلاة المسافر...................................... 161

الدین عند السلف سیاسة وقتیة........................................ 170

إبطال الخلیفة الحدود.................................................... 174

النداء الثالث بأمر الخلیفة................................................. 182

5 - توسیع الخلیفة المسجد الحرام.......................................... 186

رأی الخلیفة فی متعة الحج................................................... 188

تعطیل الخلیفة القصاص..................................................... 190

عذر مفتعل............................................................. 202

رأی الخلیفة فی الجنابة...................................................... 205

کتمان الخلیفة حدیث النبی صلی الله علیه واله................................ 216

10 - رأی الخلیفة فی زکاة الخیل.......................................... 222

تقدیم عثمان الخطبة علی الصلاة............................................ 230

رأی الخیلفة فی القصاص والدّیة............................................. 240

الطائفة الأولی من النصوص النبویة..................................... 241

الطائفة الثانیة........................................................ 246

رأی الخلیفة فی القراءة................................................... 248

صورة مفصلّة بلفظ أحمد.............................................. 253

رأی الشافعی........................................................ 258

رأی مالک........................................................... 260

رأی الحنابلة......................................................... 261

رأی الخلیفة فی صلاة المسافر............................................. 265

15 - رأی الخلیفة فی صید الحرم........................................... 267

لفت نظر............................................................ 274

خصومة یرفعها الخلیفة الی علی علیه السلام............................... 279

رأی الخلیفة فی عدّة المختلفة............................................. 282

رأی الخلیفة فی امرأة المفقود.............................................. 286

الخلیفة یأخذ حکم الله من أبیّ............................................ 293

20 - الخلیفة یأخذ السنة من امرأة......................................... 294

رأی الخلیفة فی الاحرام قبل المیقات....................................... 295

لو لا علیّ لهلک عثمان.................................................. 302

رأی الخلیفة فی الجمع بین الأختین بالهلک.................................. 304

لفظ آخر للبیهقی.................................................... 305

قول آخر فی الأیة المحللّة.............................................. 313

رأی الخلیفة فی رد الأخوین الأمّ عن الثلث................................ 316

25 - رأی الخلیفة فی المعترفة بالزنا......................................... 321

شراء الخلیفة صدقة رسول الله............................................ 326

الخلیفة فی لیلة وفاة امّ کلثوم............................................. 327

اتخاذ الخلیفة الحمی له ولذویه............................................ 331

إقطاع الخلیفة فدک لمروان................................................ 334

30 - رأی الخلیفة فی الاموال والصدقات................................... 336

أیادی الخلیفة عند الحکم بن أبی العاص................................... 341

الحکم وما أدراک ما الحکم............................................ 342

لفت نظر............................................................ 348

الحکم فی القرآن..................................................... 349

مصادر ما رویناه..................................................... 352

نظرة فی کلمتین...................................................... 353

المساءلة.............................................................. 359

أیادی الخلیفة عند مروان................................................ 364

مروان ومامروان..................................................... 367

هذا مروان........................................................... 376

اقطاع الخلیفة وعطیته الحارث......................................... 378

حظوة سعید من عطیّة الخلیفة......................................... 380

35 - هبة الخلیفة للولید من مال المسلمین.................................. 383

الولید ومن ولده..................................................... 383

هذا الوالد وما ادراک ما ولد........................................... 387

هبة الخلیفة لعبدالله من مال المسلمین...................................... 390

عطبة الخلیفة اباسفیان................................................... 392

عطاء الخلیفة من غنائم افر بقیة........................................... 394

الکنوز المکتزه ببرکة الخلیفة.............................................. 398

40 - الخلیفة والشجرة الملعونة فی القرآن................................... 408

تسیر الخلیفة أباذر إلی الواردة............................................ 413

کلمة أمیر المؤمنین علیه السلام لما اخرج أبوذر الی الریده................. 423

ایمان ابی ذر وسیرته................................................ 433 - 534

هلم معی الی نظارة الشعب................................................. 433

تعبّد فیل البعثة سیفة فی الاسلام ثباته علی المبدأ............................... 433

حدیث علمه.............................................................. 437

حدیث صدقة وزهده...................................................... 439

حدیث فضله عهد النبی الأعظم الی ابی ذر................................... 446

هذا ابو ذر................................................................ 449

جنابة التاریخ.............................................................. 455

البلاذری............................................................... 455

ابن جریر الطبری....................................................... 457

نظرة قیّمة فی تاریخ الطبری........................................... 459

ابن الاثیر الجزری....................................................... 461

عماد الدین بن کثیر..................................................... 464

نظریة ابی ذرّ فی الاموال.................................................... 469

أبو ذرّ والاشتراکیّة........................................................ 478

روایاته فی الاموال......................................................... 488

نظرة فی الکمات الواردة فی إطراء أبی ذر.................................... 496

ثناء النبیّ صلی الله علیه واله علیه وعهده إلیه................................. 500

نظرة فی مقال أصدرته لجنة الفتوی بالأزهر................................... 501

لاشیوعیّة فی الاسلام....................................................... 502

حنّ قدح لیس منها................................................... 507

شهود اللجنة......................................................... 509

فی هذه الکلمة مواقع للنظر............................................ 510

استشهاد اللجنة بکلمة ابن حجر...................................... 525

کلمتنا الأخیرة.......................................................... 529

ص: 535

عمر أقرأ الصحابة وأفقهم.................................................... 93

الشیطان یخاف ویفر من عمر................................................. 96

الغناء فی الذکر الحیکم.................................................. 100

الغناء والمعارف فی السنّة................................................. 103

الغناء فی المذاهب الأربعة................................................ 108

نظرة فی الأحادیث المعنونة............................................ 111

رأی عمر فی الغناء................................................... 116

کرامات عمر الاربع....................................................... 122

5 - تسمیة عمر بأمیر المؤمنین............................................. 127

عمر لا یحبّ الباطل........................................................ 132

الملائکتة تکلمّ عمر بن الخطاب............................................. 134

قرطاس فی کفن عمر...................................................... 135

لسان عمرو قلبه........................................................... 136

10 - رؤیا رسول الله صلی الله علیه واله فی علم عمر....................... 137

عمر وفرق الشیطان منه................................................. 139

الغلوّ فی فضائل عثمان بن عفان.................................... 143 - 432

1 - قضاؤه فی امرأة ولدت لستة أشهر..................................... 143

إتمام عثمان الصلاة فی السفر................................................ 145

نظرة فی رأی الخلیفة.................................................. 150

النصوص الواردة فی صلاة المسافر...................................... 161

الدین عند السلف سیاسة وقتیة........................................ 170

إبطال الخلیفة الحدود.................................................... 174

النداء الثالث بأمر الخلیفة................................................. 182

ص: 536

5 - توسیع الخلیفة المسجد الحرام.......................................... 186

رأی الخلیفة فی متعة الحج................................................... 188

تعطیل الخلیفة القصاص..................................................... 190

عذر مفتعل............................................................. 202

رأی الخلیفة فی الجنابة...................................................... 205

کتمان الخلیفة حدیث النبی صلی الله علیه واله................................ 216

10 - رأی الخلیفة فی زکاة الخیل.......................................... 222

تقدیم عثمان الخطبة علی الصلاة............................................ 230

رأی الخیلفة فی القصاص والدّیة............................................. 240

الطائفة الأولی من النصوص النبویة..................................... 241

الطائفة الثانیة........................................................ 246

رأی الخلیفة فی القراءة................................................... 248

صورة مفصلّة بلفظ أحمد.............................................. 253

رأی الشافعی........................................................ 258

رأی مالک........................................................... 260

رأی الحنابلة......................................................... 261

رأی الخلیفة فی صلاة المسافر............................................. 265

15 - رأی الخلیفة فی صید الحرم........................................... 267

لفت نظر............................................................ 274

خصومة یرفعها الخلیفة الی علی علیه السلام............................... 279

رأی الخلیفة فی عدّة المختلفة............................................. 282

رأی الخلیفة فی امرأة المفقود.............................................. 286

الخلیفة یأخذ حکم الله من أبیّ............................................ 293

ص: 537

20 - الخلیفة یأخذ السنة من امرأة......................................... 294

رأی الخلیفة فی الاحرام قبل المیقات....................................... 295

لو لا علیّ لهلک عثمان.................................................. 302

رأی الخلیفة فی الجمع بین الأختین بالهلک.................................. 304

لفظ آخر للبیهقی.................................................... 305

قول آخر فی الأیة المحللّة.............................................. 313

رأی الخلیفة فی رد الأخوین الأمّ عن الثلث................................ 316

25 - رأی الخلیفة فی المعترفة بالزنا......................................... 321

شراء الخلیفة صدقة رسول الله............................................ 326

الخلیفة فی لیلة وفاة امّ کلثوم............................................. 327

اتخاذ الخلیفة الحمی له ولذویه............................................ 331

إقطاع الخلیفة فدک لمروان................................................ 334

30 - رأی الخلیفة فی الاموال والصدقات................................... 336

أیادی الخلیفة عند الحکم بن أبی العاص................................... 341

الحکم وما أدراک ما الحکم............................................ 342

لفت نظر............................................................ 348

الحکم فی القرآن..................................................... 349

مصادر ما رویناه..................................................... 352

نظرة فی کلمتین...................................................... 353

المساءلة.............................................................. 359

أیادی الخلیفة عند مروان................................................ 364

مروان ومامروان..................................................... 367

هذا مروان........................................................... 376

ص: 538

اقطاع الخلیفة وعطیته الحارث......................................... 378

حظوة سعید من عطیّة الخلیفة......................................... 380

35 - هبة الخلیفة للولید من مال المسلمین.................................. 383

الولید ومن ولده..................................................... 383

هذا الوالد وما ادراک ما ولد........................................... 387

هبة الخلیفة لعبدالله من مال المسلمین...................................... 390

عطبة الخلیفة اباسفیان................................................... 392

عطاء الخلیفة من غنائم افر بقیة........................................... 394

الکنوز المکتزه ببرکة الخلیفة.............................................. 398

40 - الخلیفة والشجرة الملعونة فی القرآن................................... 408

تسیر الخلیفة أباذر إلی الواردة............................................ 413

کلمة أمیر المؤمنین علیه السلام لما اخرج أبوذر الی الریده................. 423

ایمان ابی ذر وسیرته................................................ 433 - 534

هلم معی الی نظارة الشعب................................................. 433

تعبّد فیل البعثة سیفة فی الاسلام ثباته علی المبدأ............................... 433

حدیث علمه.............................................................. 437

حدیث صدقة وزهده...................................................... 439

حدیث فضله عهد النبی الأعظم الی ابی ذر................................... 446

هذا ابو ذر................................................................ 449

جنابة التاریخ.............................................................. 455

البلاذری............................................................... 455

ابن جریر الطبری....................................................... 457

ص: 539

أبو طالب فی الذکر الحکیم................................................... 11

الایة الأولی.............................................................. 11

الآیة الثانیة والثالثة........................................................ 18

مواقع النظر فی روایة نزول الأیتین....................................... 19

حدیث الضحضاح.......................................................... 37

عود إلی بدء أحادیث الغلو فی فضائل أبی بکر........................... 46 - 88

29 - ملک یردّ علی شاتم الخلیفة............................................ 46

30 - خطبة النبیّ صلی الله علیه واله فی فضل الخلیفة.......................... 50

ثناء أمیر المؤمنین علیه السلام علی الخلیفة................................. 54

32 - 66 - أحادیث تعزی إلی أمیر المؤمنین علیه السلام فی حق أبی بکر....... 56

لیلة الغار والخلیفة فیها.................................................. 63

الشیطان لا یثمثّل بأبی بکر............................................. 70

أبو بکر لم بسؤ النبی قط................................................ 72

70 - الآیات النازلة فی أبی بکر............................................. 74

الغلوّ فی فضائل عمر بن الخطّاب..................................... 89 - 142

1 - کلمات فی علم عمر................................................ 91

عمر أقرأ الصحابة وأفقهم.................................................... 93

الشیطان یخاف ویفر من عمر................................................. 96

الغناء فی الذکر الحیکم.................................................. 100

الغناء والمعارف فی السنّة................................................. 103

الغناء فی المذاهب الأربعة................................................ 108

نظرة فی الأحادیث المعنونة............................................ 111

رأی عمر فی الغناء................................................... 116

کرامات عمر الاربع....................................................... 122

5 - تسمیة عمر بأمیر المؤمنین............................................. 127

عمر لا یحبّ الباطل........................................................ 132

الملائکتة تکلمّ عمر بن الخطاب............................................. 134

قرطاس فی کفن عمر...................................................... 135

لسان عمرو قلبه........................................................... 136

10 - رؤیا رسول الله صلی الله علیه واله فی علم عمر....................... 137

عمر وفرق الشیطان منه................................................. 139

الغلوّ فی فضائل عثمان بن عفان.................................... 143 - 432

1 - قضاؤه فی امرأة ولدت لستة أشهر..................................... 143

إتمام عثمان الصلاة فی السفر................................................ 145

نظرة فی رأی الخلیفة.................................................. 150

النصوص الواردة فی صلاة المسافر...................................... 161

الدین عند السلف سیاسة وقتیة........................................ 170

إبطال الخلیفة الحدود.................................................... 174

النداء الثالث بأمر الخلیفة................................................. 182

5 - توسیع الخلیفة المسجد الحرام.......................................... 186

رأی الخلیفة فی متعة الحج................................................... 188

تعطیل الخلیفة القصاص..................................................... 190

عذر مفتعل............................................................. 202

رأی الخلیفة فی الجنابة...................................................... 205

کتمان الخلیفة حدیث النبی صلی الله علیه واله................................ 216

10 - رأی الخلیفة فی زکاة الخیل.......................................... 222

تقدیم عثمان الخطبة علی الصلاة............................................ 230

رأی الخیلفة فی القصاص والدّیة............................................. 240

الطائفة الأولی من النصوص النبویة..................................... 241

الطائفة الثانیة........................................................ 246

رأی الخلیفة فی القراءة................................................... 248

صورة مفصلّة بلفظ أحمد.............................................. 253

رأی الشافعی........................................................ 258

رأی مالک........................................................... 260

رأی الحنابلة......................................................... 261

رأی الخلیفة فی صلاة المسافر............................................. 265

15 - رأی الخلیفة فی صید الحرم........................................... 267

لفت نظر............................................................ 274

خصومة یرفعها الخلیفة الی علی علیه السلام............................... 279

رأی الخلیفة فی عدّة المختلفة............................................. 282

رأی الخلیفة فی امرأة المفقود.............................................. 286

الخلیفة یأخذ حکم الله من أبیّ............................................ 293

20 - الخلیفة یأخذ السنة من امرأة......................................... 294

رأی الخلیفة فی الاحرام قبل المیقات....................................... 295

لو لا علیّ لهلک عثمان.................................................. 302

رأی الخلیفة فی الجمع بین الأختین بالهلک.................................. 304

لفظ آخر للبیهقی.................................................... 305

قول آخر فی الأیة المحللّة.............................................. 313

رأی الخلیفة فی رد الأخوین الأمّ عن الثلث................................ 316

25 - رأی الخلیفة فی المعترفة بالزنا......................................... 321

شراء الخلیفة صدقة رسول الله............................................ 326

الخلیفة فی لیلة وفاة امّ کلثوم............................................. 327

اتخاذ الخلیفة الحمی له ولذویه............................................ 331

إقطاع الخلیفة فدک لمروان................................................ 334

30 - رأی الخلیفة فی الاموال والصدقات................................... 336

أیادی الخلیفة عند الحکم بن أبی العاص................................... 341

الحکم وما أدراک ما الحکم............................................ 342

لفت نظر............................................................ 348

الحکم فی القرآن..................................................... 349

مصادر ما رویناه..................................................... 352

نظرة فی کلمتین...................................................... 353

المساءلة.............................................................. 359

أیادی الخلیفة عند مروان................................................ 364

مروان ومامروان..................................................... 367

هذا مروان........................................................... 376

اقطاع الخلیفة وعطیته الحارث......................................... 378

حظوة سعید من عطیّة الخلیفة......................................... 380

35 - هبة الخلیفة للولید من مال المسلمین.................................. 383

الولید ومن ولده..................................................... 383

هذا الوالد وما ادراک ما ولد........................................... 387

هبة الخلیفة لعبدالله من مال المسلمین...................................... 390

عطبة الخلیفة اباسفیان................................................... 392

عطاء الخلیفة من غنائم افر بقیة........................................... 394

الکنوز المکتزه ببرکة الخلیفة.............................................. 398

40 - الخلیفة والشجرة الملعونة فی القرآن................................... 408

تسیر الخلیفة أباذر إلی الواردة............................................ 413

کلمة أمیر المؤمنین علیه السلام لما اخرج أبوذر الی الریده................. 423

ایمان ابی ذر وسیرته................................................ 433 - 534

هلم معی الی نظارة الشعب................................................. 433

تعبّد فیل البعثة سیفة فی الاسلام ثباته علی المبدأ............................... 433

حدیث علمه.............................................................. 437

حدیث صدقة وزهده...................................................... 439

حدیث فضله عهد النبی الأعظم الی ابی ذر................................... 446

هذا ابو ذر................................................................ 449

جنابة التاریخ.............................................................. 455

البلاذری............................................................... 455

ابن جریر الطبری....................................................... 457

نظرة قیّمة فی تاریخ الطبری........................................... 459

ابن الاثیر الجزری....................................................... 461

عماد الدین بن کثیر..................................................... 464

نظریة ابی ذرّ فی الاموال.................................................... 469

أبو ذرّ والاشتراکیّة........................................................ 478

روایاته فی الاموال......................................................... 488

نظرة فی الکمات الواردة فی إطراء أبی ذر.................................... 496

ثناء النبیّ صلی الله علیه واله علیه وعهده إلیه................................. 500

نظرة فی مقال أصدرته لجنة الفتوی بالأزهر................................... 501

لاشیوعیّة فی الاسلام....................................................... 502

حنّ قدح لیس منها................................................... 507

شهود اللجنة......................................................... 509

فی هذه الکلمة مواقع للنظر............................................ 510

استشهاد اللجنة بکلمة ابن حجر...................................... 525

کلمتنا الأخیرة.......................................................... 529

ص: 540

المجلد 9

اشارة

سرشناسه:امینی، عبدالحسین، 1281 - 1349.

عنوان و نام پدیدآور:الغدیر فی الکتاب و السنه و الادب: کتاب دینی ،علمی، فنی،.../ عبدالحسین احمد الامینی النجفی؛ تحقیق مرکز الغدیر للدراسات الاسلامیه.

مشخصات نشر:قم: مرکز الغدیر للدراسات الاسلامیه، 1416ق.-= 1995م.-= 1374-

وضعیت فهرست نویسی:برونسپاری

یادداشت:عربی.

یادداشت:ج.2 (چاپ اول: 1375).

یادداشت:ج. 3، 6 و 8 (چاپ اول: 1416ق. = 1376).

یادداشت:ج. 13 (چاپ اول: 1422ق. = 2002م. = 1380).

یادداشت:کتابنامه.

موضوع:علی بن ابی طالب (ع)، امام اول، 23 قبل از هجرت - 40ق -- اثبات خلافت

موضوع:غدیر خم

شناسه افزوده:موسسه دایرةالمعارف فقه اسلامی بر مذهب اهل بیت (ع). مرکز الغدیر للدراسات الاسلامیه

رده بندی کنگره:BP223/54/الف8غ4 1374

رده بندی دیویی:297/452

شماره کتابشناسی ملی:م 75-8389

ص: 1

اشارة

ص: 2

الغدیر فی الکتاب و السنه و الادب

عبدالحسین احمد الامینی النجفی

تحقیق مرکز الغدیر للدراسات الاسلامیه

ص: 3

ص: 4

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 5

ص: 6

الجزء التاسع

یتضمّن تراجم جمع من أعاظم الصحابة رجال الدعوة الصالحة. والبحث عمّا لفّقته ید الافتعال من التاریخ المزوّر. وما ألّفته سماسرة الجهل والدجل من الکتب. والإعراب عن صحیح ما فی قصّة قتیل الصحابة عثمان ، وإخفاق ما هنالک من جلبة ولغط ، أو مکاء وتصدیة. والله ولیّ التوفیق.

ص: 7

ص: 8

بسم الله الرحمن الرحیم

سُبحانَکَ مَا کانَ یَنبَغِی لَنا أنْ نَتَّخِذَ مِن دُوِنکَ مِنْ أوْلِیَاء ، فَالحَقُّ وَالحَقَّ أَقُولُ ، حَقیقٌ عَلَیَّ أنْ لا أَقُولَ عَلی اللهِ إلاّ الحَقَّ ، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ یُجادِلُ فِی اللهِ بِغیرِ عِلمٍ ولا هُدیً ولا کِتابٍ مُنِیرٍ ، وَلَدَینا کِتابٌ یَنطِقُ بِالحَقِّ ، کِتابٌ مُصَدِّقٌ لِساناً عَرَبِیّا ، اذهبْ بِکتابِی هذا فألقِهِ إلَیهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنهُمْ ، وقُلْ جاءَ الحَقُّ وَزَهَقَ الباطِلُ إنَّ الباطِلَ کانَ زَهُوقاً ، ولقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ القَولَ لَعَلَّهُمْ یَتذَکّرونَ ، وَلِیَعْلَمَ الَّذِینَ اوتُوا العِلمَ أنَّهُ الحَقُّ مِنْ رَبِّکَ فَیُؤمِنُوا بِهِ فَتُخبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ ، إنَّما کان قَولَ المُؤمِنِینَ إذا دُعُوا إلی اللهِ وَرَسُولِهِ لِیَحکُمَ بَینَهُمْ أنْ یقُولُوا سَمِعْنا وَأطَعْنا ، الَّذِینَ یستمِعُونَ القَولَ فَیَتَّبِعُونَ أحسَنَهُ أُولئِکَ الَّذِینَ هَداهُمُ اللهُ وَأُولئِکَ هُم أُولُوا الألبَابِ ، وَیَا قَومِ لا أسْألُکُمْ عَلَیهِ مالاً إنْ أجْرِیَ إلاّ عَلَی اللهِ ، لا أسْألُکُمْ عَلیهِ أَجراً إلاّ المَوَدَّة فِی القُربی ، وَمَا عَلَینا إلاَّ البَلاغُ المُبینُ ، إنَّما وَلیُّکُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِینَ آمَنُوا الَّذینَ یُقِیمونَ الصَّلاةَ وَیُؤتُونَ الزَّکاةَ وَهُم راکِعُون.

فَالحَمدُ للهِ وَسلامُ عَلی المُرسلینَ.

الأمینی

ص: 9

ص: 10

- 42 -

الخلیفة یخرج ابن مسعود من المسجد عنفاً

أخرج البلاذری فی الأنساب (1) (5 / 36) قال : حدّثنی عبّاس بن هشام عن أبیه عن أبی مخنف وعوانة فی إسنادهما : أنّ عبد الله بن مسعود حین ألقی مفاتیح بیت المال إلی الولید بن عقبة قال : من غیّر غیّر الله ما به ، ومن بدّل أسخط الله علیه ، وما أری صاحبکم إلاّ وقد غیّر وبدّل ، أیُعزل مثل سعد بن أبی وقّاص ویولّی الولید؟ وکان یتکلّم بکلام لا یدعه وهو :

إنّ أصدق القول کتاب الله ، وأحسن الهدی هدی محمد صلی الله علیه وآله وسلم ، وشرّ الأُمور مُحدَثاتها ، وکلّ مُحدَث بدعة ، وکلّ بدعة ضلالة ، وکلّ ضلالة فی النار (2).

فکتب الولید إلی عثمان بذلک وقال : إنّه یعیبک ویطعن علیک ، فکتب إلیه عثمان یأمره بإشخاصه ، فاجتمع الناس فقالوا : أقم ونحن نمنعک أن یصل إلیک شیء تکرهه ، فقال : إنّ له علیّ حقّ الطاعة ولا أُحبّ أن أکون أوّل من فتح باب الفتن. وفی لفظ أبی عمر : إنّها ستکون أمور وفتن لا أُحبّ أن أکون أوّل من فتحها. فردّ الناس وخرج إلیه (3).

قال البلاذری : وشیّعه أهل الکوفة ، فأوصاهم بتقوی الله ولزوم القرآن ، فقالوا له : جُزِیت خیراً فلقد علّمت جاهلنا ، وثبّت عالمنا ، وأقرأتنا القرآن ، وفقّهتنا فی الدین ، فنعم أخو الإسلام أنت ونعم الخلیل. ثمّ ودّعوه وانصرفوا. ف)

ص: 11


1- أنساب الأشراف : 6 / 146.
2- هذه جملة من کلمة ابن مسعود ، وقد أخرجها برمّتها أبو نعیم فی حلیة الأولیاء : 1 / 138 [رقم 21] وهی کلمة قیّمة فیها فوائد جمّة. (المؤلف)
3- الاستیعاب : 1 / 373 [القسم الثالث / 993 رقم 1659]. (المؤلف)

وقدم ابن مسعود المدینة وعثمان یخطب علی منبر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، فلمّا رآه قال : ألا إنّه قد قدمت علیکم دُویبة سوء ، من یمشی علی طعامه یقیء ویسلح ، فقال ابن مسعود : لست کذلک ولکنّی صاحب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یوم بدر ویوم بیعة الرضوان. ونادت عائشة : أی عثمان أتقول هذا لصاحب رسول الله؟ ثمّ أمر عثمان به فأُخرج من المسجد إخراجاً عنیفاً ، وضرب به عبد الله بن زمعة (1) الأرض ، ویقال : بل احتمله - یحموم - غلام عثمان ورجلاه تختلفان علی عنقه حتی ضرب به الأرض فدُقّ ضلعه ، فقال علیّ : «یا عثمان - أتفعل هذا بصاحب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بقول الولید ابن عقبة؟» فقال : ما بقول الولید فعلت هذا ولکن وجّهت زُبید بن الصلت الکندی إلی الکوفة فقال له ابن مسعود فقال علیّ : «أحلت عن زبید علی : إنّ دم عثمان حلال ، غیر ثقة».

وفی لفظ الواقدی : إنّ ابن مسعود لمّا استقدم المدینة دخلها لیلة جمعة ، فلمّا علم عثمان بدخوله قال : یا أیّها الناس إنّه قد طرقکم اللیلة دویبة ؛ من یمشی علی طعامه یقیء ویسلح ، فقال ابن مسعود : لست کذلک ولکنّنی صاحب رسول الله یوم بدر ، وصاحبه یوم بیعة الرضوان ، وصاحبه یوم الخندق ، وصاحبه یوم حنین. قال : وصاحت عائشة : یا عثمان أتقول هذا لصاحب رسول الله؟ فقال عثمان : اسکتی .. ثمّ قال لعبد الله بن زمعة : أخرجه إخراجاً عنیفاً ، فأخذه ابن زمعة فاحتمله حتی جاء به باب المسجد فضرب به الأرض فکسر ضلعاً من أضلاعه ، فقال ابن مسعود : قتلنی ابن زمعة الکافر بأمر عثمان.

قال البلاذری (2) : وقام علیّ بأمر ابن مسعود حتی أتی به منزله ، فأقام ابن مسعود بالمدینة لا یأذن له عثمان فی الخروج منها إلی ناحیة من النواحی ، وأراد حین 7.

ص: 12


1- هو عبد الله بن زمعة بن الأسود القرشی الأسدی ، قُتل مع عثمان یوم الدار.
2- أنساب الأشراف : 6 / 147.

برئ الغزوَ ، فمنعه من ذلک وقال له مروان : إنّ ابن مسعود أفسد علیک العراق ، أفترید أن یُفسد علیک الشام؟ فلم یبرح المدینة حتی توفّی قبل مقتل عثمان بسنتین ، وکان مقیماً بالمدینة ثلاث سنین.

وقال قوم : إنّه کان نازلاً علی سعد بن أبی وقّاص ، ولمّا مرض ابن مسعود مرضه الذی مات فیه أتاه عثمان عائداً فقال : ما تشتکی؟ قال : ذنوبی. قال : فما تشتهی؟ قال : رحمة ربّی. قال : ألا أدعو لک طبیباً؟ قال : الطبیب أمرضنی. قال : أفلا آمر لک بعطائک (1)؟ قال : منعتنیه وأنا محتاج إلیه ، وتعطینیه وأنا مستغنٍ عنه؟ قال : یکون لولدک ، قال : رزقهم علی الله. قال : استغفر لی یا أبا عبد الرحمن ، قال : أسأل الله أن یأخذ لی منک بحقّی ، وأوصی أن لا یصلّی علیه عثمان. فدفن بالبقیع وعثمان لا یعلم. فلمّا علم غضب وقال : سبقتمونی به؟ فقال له عمّار بن یاسر : إنّه أوصی أن لا تصلّی علیه. فقال ابن الزبیر (2) :

لأعرفنّک بعد الموت تندبنی

وفی حیاتی ما زوّدتنی زادی

وفی لفظ ابن کثیر فی تاریخه (3) (7 / 163): جاءه عثمان فی مرضه عائداً فقال له : ما تشتکی؟ قال : ذنوبی. قال : فما تشتهی؟ قال : رحمة ربّی. قال : ألا آمر لک بطبیب؟ قال : الطبیب أمرضنی. قال : ألا آمر لک بعطائک؟ - وکان قد ترکه سنتین - فقال : لا حاجة لی. فقال : یکون لبناتک من بعدک ، فقال : أتخشی علی بناتی الفقر؟ إنّی أمرت بناتی أن یقرأن کلّ لیلة سورة الواقعة ، وإنّی سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول : «من قرأ الواقعة کلّ لیلة لم تصبه فاقة أبداً». .

ص: 13


1- قال ابن کثیر فی تاریخه : 7 / 163 [7 / 183 حوادث سنة 32 ه] : کان قد ترکه سنتین(المؤلف)
2- کذا ، والصحیح کما فی شرح ابن أبی الحدید : 1 / 236 [3 / 42 خطبة 43] : فتمثل الزبیر. (المؤلف) [وسیأتی فی صفحة 201 أنّ البیت لعَبِید بن الأبرص].
3- البدایة والنهایة : 7 / 183 حوادث سنة 32 ه.

وقال البلاذری (1) : کان الزبیر وصیّ ابن مسعود فی ماله وولده ، وهو کلّم عثمان فی عطائه بعد وفاته حتی أخرجه لولده ، وأوصی ابن مسعود أن یصلّی علیه عمّار بن یاسر ، وقوم یزعمون أنّ عمّاراً کان وصیّه ، ووصیّة الزبیر أثبت.

وأخرج البلاذری (2) من طریق أبی موسی القروی بإسناده : أنّه دخل عثمان علی ابن مسعود فی مرضه فاستغفر کلّ واحد منهما لصاحبه ، فلمّا انصرف عثمان قال بعض من حضر : إنّ دمه لحلال. فقال ابن مسعود : ما یسرّنی أنّنی سدّدت إلیه سهماً یخطئه وأنّ لی مثل أُحد ذهباً.

وقال الحاکم وأبو عمر وابن کثیر : أوصی ابن مسعود إلی الزبیر بن العوام ، فیقال : إنّه هو الذی صلّی علیه ودفنه بالبقیع لیلاً بإیصائه بذلک إلیه ولم یعلم عثمان بدفنه ، ثمّ عاتب عثمان الزبیر علی ذلک ، وقیل : بل صلّی علیه عثمان ، وقیل : عمّار (3).

وفی روایة توجد فی شرح ابن أبی الحدید (4) (1 / 236) : لمّا حضره الموت قال : من یتقبّل منّی وصیّة أوصیه بها علی ما فیها؟ فسکت القوم وعرفوا الذی یرید. فأعادها ، فقال عمّار : أنا أقبلها ، فقال ابن مسعود : أن لا یصلّی علیّ عثمان. قال : ذلک لک. فیقال : إنّه لمّا دفن جاء عثمان منکراً لذلک ، فقال له قائل : إنّ عمّاراً ولی الأمر. فقال لعمّار : ما حملک علی أن لم تؤذنّی؟ فقال : عهد إلیّ أن لا أوذنک ... إلخ. وذکر کلّ ما رویناه عن البلاذری مع زیادة ، فراجع.

وفی لفظ الیعقوبی : اعتلّ ابن مسعود ، فأتاه عثمان یعوده ، فقال له : ما کلام 3.

ص: 14


1- أنساب الأشراف : 6 / 148.
2- أنساب الأشراف : 6 / 148.
3- المستدرک : 3 / 313 [3 / 353 ح 5363] ، الاستیعاب : 1 / 373 [القسم الثالث / 994 رقم 1659] تاریخ ابن کثیر : 7 / 163 [7 / 183 حوادث سنة 32 ه]. (المؤلف)
4- شرح نهج البلاغة : 3 / 42 خطبة 43.

بلغنی عنک؟ قال : ذکرت الذی فعلته بی ، إنّک أمرت بی فوُطئ جوفی فلم أعقل صلاة الظهر ولا العصر ومنعتنی عطائی. قال : فإنّی أقیدک من نفسی فافعل بی مثل الذی فُعل بک. قال : ما کنت بالذی أفتح القصاص علی الخلفاء. قال : فهذا عطاؤک فخذه ، قال : منعتنیه وأنا محتاج إلیه ، وتعطینیه وأنا غنیّ عنه ، لا حاجة لی به ، فانصرف. فأقام ابن مسعود مغاضباً لعثمان حتی توفّی. تاریخ الیعقوبی (1) (2 / 147).

وأخرج محمد بن إسحاق عن محمد بن کعب القرظی : إنّ عثمان ضرب ابن مسعود أربعین سوطاً فی دفنه أبا ذر. شرح ابن أبی الحدید (2) (1 / 237).

وفی تاریخ الخمیس (2 / 268) : حبس - عثمان - عن عبد الله بن مسعود وأبی ذر عطاءهما ، وأخرج أبا ذر إلی الربذة وکان بها إلی أن مات. وأوصی - عبد الله - إلی الزبیر وأوصاه أن یصلّی علیه ولا یستأذن عثمان لئلاّ یصلّی علیه ، فلمّا دفن وصل عثمان ورثته بعطاء أبیهم خمس سنین. وأجاب بأنّ عثمان کان مجتهداً ولم یکن من قصده حرمانه ، إمّا التأخیر إلی غایة أدباً ، وإمّا مع حصول تلک الغایة أو دونها وصل به ورثته ولعلّه کان أنفع له.

وفی السیرة الحلبیة (3) (2 / 87) : من جملة ما انتقم به علی عثمان أنّه حبس عبد الله بن مسعود وهجره ، وحبس عطاء أُبیّ بن کعب ، وأشخص عبادة بن الصامت من الشام لمّا شکاه معاویة ، وضرب عمّار بن یاسر وکعب بن عبدة ضربه عشرین سوطاً ونفاه إلی بعض الجبال ، وقال لعبد الرحمن بن عوف : إنّک منافق ... إلخ.

قال الأمینی : لعلّک لا تستکنه هذه الجرأة ولا تبلغ مداها حتی تعلم أنّ ابن مسعود من هو ، فهنالک تؤمن بأنّ ما فعل به حوب کبیر لا یبرّر فعل مرتکبه أیّ 8.

ص: 15


1- تاریخ الیعقوبی : 2 / 170.
2- شرح نهج البلاغة : 3 / 44 خطبة 43.
3- السیرة الحلبیة : 2 / 78.

عذر معقول فضلاً عن التافهات.

1 - أخرج (1) مسلم وابن ماجة من طریق سعد بن أبی وقّاص ، قال : نزل قوله تعالی : (وَلا تَطْرُدِ الَّذِینَ یَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِیِّ یُرِیدُونَ وَجْهَهُ ما عَلَیْکَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَیْءٍ وَما مِنْ حِسابِکَ عَلَیْهِمْ مِنْ شَیْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَکُونَ مِنَ الظَّالِمِینَ) (2).

فی ستة نفر منهم عبد الله بن مسعود.

راجع (3) : تفسیر الطبری (7 / 128) ، المستدرک للحاکم (3 / 319) ، تاریخ ابن عساکر (6 / 100) ، تفسیر القرطبی (16 / 432 ، 433) ، تفسیر ابن کثیر (2 / 135) ، تفسیر ابن جزی (2 / 10) ، تفسیر الدرّ المنثور (3 / 13) ، تفسیر الخازن (2 / 18) ، تفسیر الشربینی (1 / 404) ، تفسیر الشوکانی (2 / 115).

2 - أخرج ابن سعد فی الطبقات الکبری (4) (3 / 108) طبع لیدن ، من طریق عبد الله بن مسعود نزول قوله تعالی : (الَّذِینَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِینَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِیمٌ) (5). فی ثمانیة عشر رجلاً هو أحدهم.

وذکر ابن کثیر والخازن فی تفسیرهما (6) : أنّ ابن مسعود ممّن نزلت فیهم الآیة. 5.

ص: 16


1- صحیح مسلم : 5 / 31 ح 45 کتاب فضائل الصحابة ، سنن ابن ماجة : 2 / 1383 ح 4128.
2- الأنعام : 52.
3- جامع البیان : مج 5 / ج 7 / 202 ، المستدرک علی الصحیحین : 3 / 360 ح 5393 ، تاریخ مدینة دمشق : 20 / 330 رقم 2426 و 33 / 74 رقم 3573 ، الجامع لأحکام القرآن : 6 / 278 ، الدرّ المنثور : 3 / 274 ، فتح القدیر : 2 / 121.
4- الطبقات الکبری : 3 / 152 - 153.
5- آل عمران : 172.
6- تفسیر ابن کثیر : 1 / 430 ، تفسیر الخازن : 1 / 305.

3 - ذکر الشربینی والخازن (1) نزول قوله تعالی : (أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّیْلِ ساجِداً وَقائِماً یَحْذَرُ الْآخِرَةَ) (2) فی ابن مسعود وعمّار وسلمان. یأتی تفصیله بُعید هذا فی ترجمة عمّار.

4 - عن علیّ علیه السلام مرفوعاً : «عبد الله یوم القیامة فی المیزان أثقل من أُحد».

وفی لفظ : «والذی نفسی بیده لهما - یعنی ساقَی ابن مسعود - أثقل فی المیزان من أُحد».

وفی لفظ : «والذی نفسی بیده لساقا عبد الله یوم القیامة أشدّ وأعظم من أُحد وحراء».

راجع (3) : مستدرک الحاکم (3 / 317) ، حلیة الأولیاء (1 / 127) ، الاستیعاب (1 / 371) صفة الصفوة (1 / 157) ، تاریخ ابن کثیر (7 / 163) ، الإصابة (2 / 370) ، مجمع الزوائد للهیثمی (9 / 289) ، وقال : أخرجه أحمد وأبو یعلی والطبرانی ورجالهم رجال الصحیح غیر أمّ موسی وهی ثقة ، ورواه من طریق البزّار والطبرانی ، فقال (4) : رجالهما رجال الصحیح ، کنز العمّال (6 / 180 ، 181 و 7 / 55) نقلاً عن الطبرانی والضیاء وابن خزیمة وصحّحه.

5 - عن علقمة وعمر فی حدیث عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «من سرّه أن یقرأ د.

ص: 17


1- تفسیر الخازن : 4 / 50.
2- الزمر : 9.
3- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 358 ح 5385 ، الاستیعاب : القسم الثالث / 989 رقم 1659 ، صفة الصفوة : 1 / 399 رقم 17 ، البدایة والنهایة : 7 / 183 حوادث سنة 32 ه ، مسند أحمد : 1 / 693 ح 3981 ، مسند أبی یعلی : 9 / 209 ح 5310 ، المعجم الکبیر : 9 / 78 ح 8452 - 8454 ، کنز العمّال : 11 / 709 ح 33456 و 33457 و 13 / 466 ح 37212.
4- أی : الهیثمی فی مجمع الزوائد.

القرآن غضّا أو رطباً کما أُنزِل ، فلیقرأه علی قراءة ابن أُمّ عبد».

أخرجه (1) : أبو عبید فی فضائله ، أحمد ، الترمذی ، النسائی ، البخاری فی تاریخه ، ابن أبی خزیمة ، ابن أبی داود ، ابن الأنباری ، عبد الرزاق ، ابن حبّان ، الدارقطنی ، ابن عساکر ، أبو نعیم ، الضیاء المقدسی ، البزّار ، الطبرانی ، أبو یعلی ، وغیرهم.

راجع (2) : سنن ابن ماجة (1 / 63) ، حلیة الأولیاء (1 / 124) ، مستدرک الحاکم (3 / 318) ، الاستیعاب (1 / 371) ، صفة الصفوة (1 / 156) ، طرح التثریب (1 / 85) ، الإصابة (2 / 369) ، مجمع الزوائد (9 / 287) ، کنز العمّال (6 / 181)

. 6 - عن أبی الدرداء مرفوعاً فی حدیث : «رضیت لأُمّتی ما رضی الله لها وابن أُمّ عبد ، وسخطت لأُمّتی ما سخط الله لها وابن أُمّ عبد».

أخرجه (3) البزّار والطبرانی ، ورجال البزّار ثقات کما قاله الهیثمی فی مجمع الزوائد (9 / 290) ، ورواه الحاکم فی المستدرک (3 / 317 ، 318) ، وأبو عمر فی الاستیعاب (1 / 371) ویوجد فی کنز العمّال (6 / 181 و 7 / 56). 3.

ص: 18


1- مسند أحمد : 1 / 44 ح 176 ، السنن الکبری : 5 / 71 ح 8255 ، التاریخ الکبیر : مج 7 / 199 رقم 875 ، صحیح ابن خزیمة : 2 / 186 ح 1156 ، الإحسان فی تقریب صحیح ابن حبان : 15 / 542 ح 7066 ، تاریخ مدینة دمشق : 33 / 62 رقم 3573 ، مسند البزّار (البحر الزخار) : 4 / 239 ، المعجم الکبیر : 9 / 67 ح 8415 ، مسند أبی یعلی : 1 / 172 ح 193 ، 194.
2- سنن ابن ماجة : 1 / 49 ح 138 ، المستدرک علی الصحیحین : 3 / 359 ح 5390 ، الاستیعاب : القسم الثالث / 990 رقم 1659 ، صفة الصفوة : 1 / 399 رقم 19 ، طرح التثریب : 1 / 75 ، کنز العمّال : 11 / 710 ح 33461 - 33463 و 13 / 460 ح 37197.
3- مسند البزّار (البحر الزخار) : 5 / 354 ، المعجم الکبیر : 9 / 80 ح 8458 ، المستدرک علی الصحیحین : 3 / 359 و 360 ح 5387 و 5394 ، الاستیعاب : القسم الثالث / 989 رقم 1659 ، کنز العمّال : 11 / 710 ح 33460 و 13 / 466 ح 37213.

7 - عن عبد الله بن مسعود قال : قال لی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «آذنک علی (1) أن ترفع الحجاب وتسمع سِوادی (2) حتی أنهاک». قال ابن حجر : أخرجه أصحاب الصحاح.

مسند أحمد (1 / 388) ، سنن ابن ماجة (1 / 63) ، حلیة الأولیاء (2 / 126) ، الاستیعاب (1 / 371) ، تاریخ ابن کثیر (7 / 162) ، الإصابة (3 / 369) (3).

8 - أخرج الترمذی (4) من طریق عبد الله فی حدیث قال : قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «تمسّکوا بعهد ابن أُمّ عبد».

وفی لفظ أحمد : «تمسّکوا بعهد عمّار ، وما حدّثکم ابن مسعود فصدّقوه».

راجع (5) : مسند أحمد (5 / 385) ، حلیة الأولیاء (1 / 128) ، تاریخ ابن کثیر (2 / 162) ، الإصابة (2 / 369) ، کنز العمّال (7 / 55).

9 - سُئل علیّ أمیر المؤمنین عن ابن مسعود ، قال : «علم القرآن وعلم السنّة ثمّ انتهی وکفی به علماً».

راجع (6) : حلیة الأولیاء لأبی نعیم (1 / 129) ، المستدرک للحاکم (3 / 318) ، 9.

ص: 19


1- کذا فی الحلیة ، وفی غیرها : إذنک علیّ.
2- کذا فی جمیع المصادر ، والسواد بالکسر : السرار. یقال : ساودت الرجل أی ساررته. وحسبه ناشر حلیة الأولیاء غلطاً فجعله فی المتن : سراری. وقال فی التعلیق : فی الأصلین : سوادی. (المؤلف)
3- مسند أحمد : 1 / 642 ح 3675 ، سنن ابن ماجة : 1 / 49 ح 139 ، الاستیعاب : القسم الثالث / 988 رقم 1659 ، البدایة والنهایة : 7 / 182 حوادث سنة 32 ه.
4- سنن الترمذی : 5 / 630 ح 3805.
5- مسند أحمد : 6 / 533 ح 22765 ، البدایة والنهایة : 7 / 183 حوادث سنة 32 ه ، کنز العمّال : 13 / 465 ح 37211.
6- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 360 ح 5392 ، الاستیعاب : القسم الثالث / 993 رقم 1659 ، صفة الصفوة : 1 / 401 رقم 19.

الاستیعاب (1 / 373) ، صفة الصفوة (1 / 157).

10 - أخرج الحاکم فی المستدرک (1) (3 / 315) من طریق حبّة العرنی قال : إنّ ناساً أتوا علیّا فأثنوا علی عبد الله بن مسعود ، فقال : «أقول فیه مثل ما قالوا وأفضل : من قرأ القرآن وأحلّ حلاله ، وحرّم حرامه ، فقیه فی الدین ، عالم بالسنّة».

11 - أخرج الترمذی (2) بإسناد رجاله ثقات من طریق حذیفة بن الیمان : أنّ أشبه الناس هدیاً ودلاّ وسمتاً بمحمد صلی الله علیه وآله وسلم عبد الله.

وفی لفظ البخاری : ما أعرف أحداً أقرب سمتاً وهدیاً ودلاّ برسول الله صلی الله علیه وآله وسلم من ابن أمّ عبد ، وزاد الترمذی : ولقد علم المحفوظون من أصحاب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أنّ ابن أمّ عبد أقربهم إلی الله زلفی. وفی لفظ أبی نعیم : إنّه من أقربهم وسیلة یوم القیامة. وفی لفظ أبی عمر : سمع حذیفة یحلف بالله : ما أعلم أحداً أشبه دلاّ وهدیاً برسول الله صلی الله علیه وآله وسلم من حین یخرج من بیته إلی أن یرجع إلیه من عبد الله بن مسعود ، ولقد علم المحفوظون من أصحاب محمد صلی الله علیه وآله وسلم أنّه من أقربهم وسیلة إلی الله یوم القیامة. وفی لفظ علقمة : کان یشبّه بالنبیّ فی هدیه ودلّه وسمته.

راجع (3) : صحیح البخاری کتاب المناقب ، مسند أحمد (5 / 389) ، المستدرک (3 / 315 ، 320) ، حلیة الأولیاء (1 / 126 ، 127) ، الاستیعاب (1 / 372) ، مصابیح السنّة (2 / 283) ، صفة الصفوة (1 / 156 ، 158) ، تاریخ ابن کثیر (7 / 162) ، تیسیر الوصول (3 / 297) الإصابة (2 / 369) ، کنز العمّال (7 / 55). 0.

ص: 20


1- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 357 ح 5380.
2- سنن الترمذی : 5 / 631 ح 3807.
3- صحیح البخاری : 3 / 1373 ح 3551 ، مسند أحمد : 6 / 538 ح 22797 ، المستدرک علی الصحیحین : 3 / 356 و 361 ح 5376 و 5396 ، الاستیعاب : القسم الثالث / 991 رقم 1659 ، مصابیح السنّة : 4 / 204 ح 4855 ، صفة الصفوة : 1 / 398 و 402 رقم 19 ، البدایة والنهایة : 7 / 183 حوادث سنة 32 ه ، تیسیر الوصول : 3 / 324 ح 1 ، کنز العمّال : 13 / 465 رقم 37210.

12 - أخرج (1) الشیخان والترمذی عن أبی موسی قال : قدمت أنا وأخی من الیمن وما نری ابن مسعود إلاّ أنّه رجل من أهل بیت النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم لما نری من دخوله ودخول أُمّه علی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم.

راجع (2) : المستدرک للحاکم (3 / 314) ، مصابیح السنّة (2 / 284) ، تیسیر الوصول (3 / 279) نقلاً عن الشیخین والترمذی ، تاریخ ابن کثیر (7 / 162) ، مرآة الجنان للیافعی (1 / 87) ، الإصابة (2 / 369) قال : عند البخاری فی التاریخ بسند صحیح (3).

13 - أخرج أحمد فی مسنده (4) (4 / 203) من طریق عمرو بن العاصی قال : مات رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وهو یحبّ عبد الله بن مسعود وعمّار بن یاسر.

وذکره الهیثمی فی مجمع الزوائد (9 / 290) بلفظ : مات رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وهو راضٍ عنهما. حکاه عن أحمد والطبرانی فقال : رجال أحمد رجال الصحیح. وأخرجه ابن عساکر (5) من طریق عثمان بن أبی العاص الثقفی کما فی کنز العمّال (6) (7 / 56). 8.

ص: 21


1- صحیح البخاری : 3 / 1373 ح 3552 ، صحیح مسلم : 5 / 63 ح 110 کتاب فضائل الصحابة ، سنن الترمذی : 5 / 631 ح 3806.
2- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 355 ح 5375 ، مصابیح السنّة : 4 / 204 ح 4856 ، تیسیر الوصول : 3 / 324 ، البدایة والنهایة : 7 / 183 حوادث سنة 32 ه.
3- قال ابن حجر فی الإصابة : وعند البخاری فی التاریخ [الصغیر : 1 / 60] بسند صحیح عن حریث ابن ظهیر : جاء نعی عبد الله بن مسعود إلی أبی الدرداء فقال : ما ترک بعده مثله. انتهی. فما ورد فی المتن من نسبة العبارة المذکورة إلی ابن حجر وإلحاقها بما أخرجه الشیخان والترمذی عن أبی موسی ، سهو من قلمه الشریف منشؤه مجیء العبارة فی الإصابة عقیب ما اخرج عن أبی موسی مباشرة وبلا فصل.
4- مسند أحمد : 5 / 230 ح 17351.
5- مختصر تاریخ دمشق : 18 / 213.
6- کنز العمّال : 13 / 468 ح 37218.

14 - أخرج البخاری (1) من طریق عبد الله بن مسعود ، قال : أخذت من فی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم سبعین سورة وإنّ زید بن ثابت لصبیّ من الصبیان. وفی لفظ : أحکمتها قبل أن یسلم زید بن ثابت وله ذؤابة یلعب مع الغلمان. وفی لفظ : ما ینازعنی فیها أحد (2).

حلیة الأولیاء (1 / 125) ، الاستیعاب (1 / 373) ، تهذیب التهذیب (6 / 28) وصحّحه ، کنز العمّال (7 / 56) نقلاً عن ابن أبی داود.

15 - أخرج البغوی من طریق تمیم بن حرام (3) ، قال : جالست أصحاب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فما رأیت أحداً أزهد فی الدنیا ولا أرغب فی الآخرة ولا أحبّ إلیّ أن أکون فی صلاحه من ابن مسعود ، الإصابة لابن حجر (2 / 370).

وأخرجه البخاری فی تاریخه (1 / قسم 2 / ص 152) ولفظه : أدرکت أبا بکر وعمر وأصحاب محمد : فما رأیت أحداً ... إلی آخره.

16 - عن عبید الله بن عبد الله بن عتبة : کان عبد الله صاحب سِواد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یعنی سرّه. وعن أبی الدرداء : ألم یکن فیکم صاحب السواد عبد الله؟ وعن عبد الله بن شدّاد : إنّ عبد الله کان صاحب السواد والوِساد والسواک والنعلین (4).

راجع (5) : طبقات ابن سعد (3 / 108) ، حلیة الأولیاء (1 / 126) ، الاستیعاب (1 / 371) ، صفة الصفوة (1 / 156) ، طرح التثریب (1 / 75). 9.

ص: 22


1- التاریخ الکبیر : مج 3 / 227 رقم 762.
2- الاستیعاب : القسم الثالث / 993 رقم 1659 ، تهذیب التهذیب : 6 / 25 ، کنز العمّال : 13 / 468 ح 37217.
3- فی تاریخ البخاری : حذلم. (المؤلف)
4- کان یلزم رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ویحمل نعلیه. قاله ابن حجر فی تهذیب التهذیب : 6 / 28 [6 / 25]. (المؤلف)
5- الطبقات الکبری : 3 / 153 ، الاستیعاب : القسم الثالث / 988 رقم 1659 ، صفة الصفوة : 1 / 397 رقم 19.

17 - عن أبی وائل ، قال ابن مسعود : إنّی لأعلمهم بکتاب الله وما أنا بخیرهم وما فی کتاب الله سورة ولا آیة إلاّ وأنا أعلم فیم أُنزلت ومتی نزلت. قال أبو وائل : فما سمعت أحداً أنکر ذلک علیه.

أخرجه (1) الشیخان والنسائی کما فی تیسیر الوصول (3 / 279) ، وأبو عمر فی الاستیعاب (1 / 372) ، وذکره الیافعی فی مرآته (1 / 87).

هذا ابن مسعود :

وهذا علمه وهدیه وسمته وصلاحه وزلفته إلی نبیّ العظمة صلی الله علیه وآله وسلم ، أضف إلی ذلک کلّه سابقته فی الإسلام وهو سادس ستة ، وهجرته إلی الحبشة ثمّ إلی المدینة ، وشهوده بدراً ومشاهد النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم کلّها ، وهو أحد العشرة المبشّرة بالجنّة کما فی روایة أبی عمر فی الاستیعاب ، ولعّلک لا تشکّ بعد سیرک الحثیث فی غضون السیرة والتاریخ فی أنّه لم یکن له دأب إلاّ علی نشر علم القرآن وسنّة الرسول وتعلیم الجاهل ، وتنبیه الغافل ، وتثبیت القلوب ، وشدّ أزر الدین ، فی کلّ ذلک هو شبیه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی هدیه وسمته ودلّه ، فلا تجد فیه مغمزاً لغامز ، ولا محلاّ لِلَمز لامز ، وقد بعثه عمر إلی الکوفة لیعلّمهم أُمور دینهم ، وبعث عمّاراً أمیراً وکتب إلیهم : إنّهما من النجباء من أصحاب محمد من أهل بدر ، فاقتدوا بهما واسمعوا من قولهما ، وقد آثرتکم بعبد الله بن مسعود علی نفسی (2). وقد سمعتَ ثناء أهل الکوفة علیه بقولهم : جُزیت خیراً ، فلقد علّمت جاهلنا وثبّت عالمنا ، وأقرأتنا القرآن ، وفقّهتنا فی الدین ، فنعم أخو الإسلام أنت ونعم الخلیل. ف)

ص: 23


1- صحیح البخاری : 4 / 1912 ح 4716 ، صحیح مسلم : 5 / 65 ح 115 کتاب فضائل الصحابة : السنن الکبری : 5 / 72 ح 8260 ، تیسیر الوصول : 3 / 324 ح 2 ، الاستیعاب : القسم الثالث / 991 رقم 1659.
2- الاستیعاب : 1 / 373 و 2 / 436 [القسم الثالث / 988 رقم 1659 و 1140 رقم 1863] ، الإصابة : 2 / 369 [رقم 4954]. (المؤلف)

کان ابن مسعود أوّل من جهر بالقرآن بمکة ، اجتمع یوماً أصحاب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فقالوا : والله ما سمعت قریش هذا القرآن یجهر لها به قطّ ، فمن رجلٌ یسمعهموه؟ فقال عبد الله بن مسعود : أنا. قالوا : إنّا نخشاهم علیک ، إنّما نرید رجلاً له عشیرة یمنعونه من القوم إن أرادوه ، قال : دعونی فإنّ الله سیمنعنی ، قال : فغدا ابن مسعود حتی أتی المقام فی الضحی ، وقریش فی أندیتها ، حتی قام عند المقام ثمّ قرأ : بسم الله الرحمن الرحیم - رافعاً بها صوته - الرحمن علّم القرآن. قال : ثمّ استقبلها یقرؤها ، قال : وتأمّلوه ، فجعلوا یقولون : ما ذا قال ابن أُم عبد؟ قال : ثمّ قالوا : إنّه لیتلو بعض ما جاء به محمد صلی الله علیه وآله وسلم فقاموا إلیه ، فجعلوا یضربون فی وجهه ، وجعل یقرأ حتی بلغ منها ما شاء الله أن یبلغ ، ثمّ انصرف إلی أصحابه وقد أثّروا فی وجهه ، فقالوا له : هذا الذی خشینا علیک ، فقال : ما کان أعداء الله أهون علیّ منهم الآن ، ولئن شئتم لأُغادینّهم بمثلها غداً ، قالوا : لا ، حسبک قد أسمعتهم ما یکرهون (1).

وقد هذّبته تلکم الأحوال وکهربته ، فلم یُسق لمغضبة علی باطل ، ولم یحدهُ طیش إلی غایة ، فهو إن قال فعن هدیً ، وإن حدّث فعن الصادع الکریم صدقاً ، وإن جال ففی مستوی الحقّ ، وإن صال فعلی الضلالة ، وعرفه بذلک من عرفه من أوّل یومه ، وکان معظّماً مبجّلاً لدی الصحابة وکانوا یحذرون خلافه والردّ علیه ویعدّونه حوباً. قال أبو وائل : إنّ ابن مسعود رأی رجلاً قد أسبل إزاره فقال : ارفع إزارک. فقال : وأنت یا ابن مسعود فارفع إزارک. فقال : إنّی لست مثلک إنّ بساقی حموشة وأنا آدم (2) الناس. فبلغ ذلک عمر ، فضرب الرجل ویقول (3) : أتردّ علی ابن مسعود (4)؟ ف)

ص: 24


1- سیرة ابن هشام : 1 / 337 [1 / 336]. (المؤلف)
2- کذا فی الإصابة ، وفی کنز العمّال : أَؤم.
3- کذا فی الإصابة ، وفی تاریخ دمشق : 33 / رقم 3573 ، وسیر أعلام النبلاء : 1 / 491 - 492 رقم 87 ، وکنز العمّال : فجعل یضرب الرجل ویقول.
4- الإصابة : 2 / 370 [رقم 4954] ، کنز العمّال : 7 / 55 [13 / 464 رقم 37206]. (المؤلف)

وأخرج أبو عمر فی الاستیعاب (1) (1 / 372) بالإسناد عن علقمة قال : جاء رجل إلی عمر وهو بعرفات فقال : جئتک من الکوفة وترکت بها رجلاً یحکی المصحف عن ظهر قلبه ، فغضب عمر غضباً شدیداً وقال : ویحک ومن هو؟ قال : عبد الله بن مسعود. قال : فذهب عنه ذلک الغضب وسکن وعاد إلی حاله ، وقال : والله ما أعلم من الناس أحداً هو أحقّ بذلک منه.

فلما ذا یحرم هذا البدریّ العظیم عطاءه سنین؟ ثمّ یأتیه من سامه سوء العذاب وقد خالجه الندم ولات حین مندم متظاهراً بالصلة فلا یقبلها ابن مسعود وهو فی منصرم عمره ، ویسأل ربّه أن یأخذ له منه بحقّه ، ثمّ یتوجّه إلی النعیم الخالد مُعرضاً عن الحطام الزائل ، موصیاً بأن لا یصلّی علیه من نال منه ذلک النیل الفجیع.

لما ذا فُعل به هذا؟ ولما ذا شُتم علی رءوس الأشهاد؟ ولما ذا أُخرج من مسجد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم مُهاناً عنفاً ، ولما ذا ضُرب به الأرض فدُقّت أضالعه؟ ولما ذا بطشوا به بطش الجبّارین؟

کلّ ذلک لأنّه امتنع عن أن یبیح للولید بن عقبة الخالع الماجن من بیت مال الکوفة یوم کان علیه ما أمر به ، فألقی مفاتیح بیت المال لمّا لم یجد من الکتاب والسنّة وهو العلیم بهما مساغاً لهاتیک الإباحة ولا لأثرة الآمر بها ، وعلم أنّها سوف تتبعها من الأعطیات التی لا یقرّها کتاب ولا سنّة ، فتسلّل عن عمله وتنصّل ، وما راقه أن یبوء بذلک الإثم ، فلهج بما علم ، وأبدی معاذیره فی إلقاء المفاتیح ، فغاظ تلکم الأحوال داعیة الشهوات ، وشاخص الهوی الولید بن عقبة ، فکتب فی حقّه ونمّ وسعی ، فکان من ولائد ذلک أن ارتکب من ابن مسعود ما عرفت ، ولم تمنع عن ذلک سوابقه فی الإسلام وفضائله وفواضله وعلمه وهدیه وورعه ومعاذیره وحججه ، فضلاً علی أن یُشکر علی ذلک کلّه ، فأوجب نقمة الصحابة علی من نال ذلک منه ، 9.

ص: 25


1- الاستیعاب : القسم الثالث / 992 رقم 1659.

وإنکار مولانا أمیر المؤمنین علیه السلام وصیحة أُمّ المؤمنین فی خدرها ، ولم تزل البغضاء محتدمة علی هذه وأمثالها حتی کان فی مغبّة الأمر ما لم یحمده خلیفة الوقت وزبانیته الذین جرّوا إلیه الویلات.

ولو ضرب المسیطر علی الأمر صفحاً عن الفظاظة فی الانتقام ، أو أعار لنصح صلحاء الأُمّة أُذناً واعیة ، أو لم یستبدل جراثیم الفتن بمحنکی الرجال ، أو لم ینبذ کتاب الله وسنّة نبیّه وراء ظهره ، لما استقبله ما جری علیه وعلی من اکتنفه من الوأد والهوان. لکنّه لم یفعل ففعلوا ، ولمحکمة العدل الإلهیّ غداً حکمها الباتّ.

ولابن مسعود عند القوم مظلمة أُخری وهی جلده أربعین سوطاً فی موقف آخر ، لما ذا کان ذلک؟ لأنّه دفن أبا ذر لمّا حضر موته فی حجّته. وجد بالربذة فی ذلک الوادی القفر الوعر میتاً کان فی الغارب والسنام من العلم والإیمان.

وجد صحابیّا عظیماً کان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقرّبه ویدنیه قد فارق الدنیا.

وجد عالماً من علماء المسلمین قد غادرته الحیاة.

وجد مثالاً للقداسة والتقوی ، فتمثّل أمام عینیه تلک الصورة المکبّرة التی کان یشاهدها علی العهد النبویّ.

وجد شبیه عیسی بن مریم فی الأُمّة المرحومة هدیاً وسمتاً ونُسکاً وزُهداً وخلقاً ، طرده خلیفة الوقت عن عاصمة الإسلام.

وجد عزیزاً من أعزّاء الصحابة علی الله ورسوله وعلی المؤمنین قد أودی علی مستوی الهوان فی قاعة المنفی مظلوماً مضطهداً.

وجد فی قارعة الطریق جثمان طیّب طاهر غریب وحید نازح عن الأوطان تصهره الشمس ، وتسفی علیه الریاح ، وذکر قول رسول الله : «رحم الله أبا ذر یمشی وحده ، ویموت وحده ، ویُحشر وحده».

ص: 26

فلم یدع العلم والدین ابن مسعود ومن معه من المؤمنین أن یمرّوا علی ذلک المنظر الفجیع دون أن یمتثلوا حکم الشریعة بتعجیل دفن جثمان کلّ مسلم ، فضلاً عن أبی ذر الذی بشّر بدفنه صلحاء المؤمنین رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، فنهضوا بالواجب فأودعوه فی مقرّه الأخیر والعیون عبری ، والقلوب واجدة علی ما ارتکب من هذا الإنسان المبجّل ، فلمّا هبطوا یثرب نقم علی ابن مسعود من نقم علی أبی ذر ، فحسب ذلک الواجب الذی ناء به ابن مسعود حوباً کبیراً ، حتی صدر الأمر بجلده أربعین سوطاً ، وذلک أمر لا یُفعل بمن دفن زندیقاً لطمّ جیفته فضلاً عن مسلم لم یبلغ مبلغ أبی ذر من العظمة والعلم والتقوی والزلفة ، فکیف بمثل أبی ذر وعاء العلم ، وموئل التقوی ، ومنبثق الإیمان ، وللعداء مفعول قد یبلغ أکثر من هذا.

أیّ خلیفة هذا لم یُراعِ حرمة ولا کرامة لصلحاء الأُمّة وعظماء الصحابة من البدریّین الذین نزل فیهم القرآن ، وأثنی علیهم النبیّ العظیم؟ وقد جاء فی مجرم بدریّ (1) قوله صلی الله علیه وآله وسلم لمّا قال عمر : إئذن لی یا رسول الله فأضرب عنقه ، فقال : مهلاً یا ابن الخطّاب إنّه قد شهد بدراً ، وما یدریک لعلّ الله قد اطّلع علی أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم فإنّی غافر لکم (2). واختلق القوم حدیثاً لإدخال عثمان فی زمرتهم لفضلهم المتسالم علیه عند الأُمّة جمعاء ، کأنّ الرجل آلی علی نفسه أن یُطلّ علی الأُمّة الداعیة إلی الخیر ، الآمرة بالمعروف والناهیة عن المنکر ، بالذلّ والهوان ، ویُسرّ بذلک سماسرة الأهواء من بنی أبیه ، فطفق بمراده ، والله من ورائهم حسیب.

والمدافع إن أعوزته المعاذیر تشبّث بالطحلب فقال (3) : حداه إلی ذلک الاجتهاد! ذلک العذر العام المصحّح للأباطیل ، والمبرّر للشنائع ، والوسیلة المتّخذة لإغراء بسطاءف)

ص: 27


1- هو حاطب بن بلتعة حین کتب إلی کفار قریش کتاباً یتنصّح لهم فیه.
2- أحکام القرآن : 3 / 535 [3 / 435]. (المؤلف)
3- راجع : التمهید للباقلانی : 221 [ص 231] الریاض النضرة : 2 / 145 [3 / 82] ، الصواعق : ص 68 [ص 113] ، تاریخ الخمیس : 2 / 268. (المؤلف)

الأُمّة ، وذلک قولهم بأفواههم : (وَإِنَّ رَبَّکَ لَیَعْلَمُ ما تُکِنُّ صُدُورُهُمْ وَما یُعْلِنُونَ) (1) (بَلِ الْإِنْسانُ عَلی نَفْسِهِ بَصِیرَةٌ* وَلَوْ أَلْقی مَعاذِیرَهُ) (2).

- 43 -

مواقف الخلیفة مع عمّار

1 - أخرج البلاذری فی الأنساب (3) (5 / 48) بالإسناد من طریق أبی مخنف قال : کان فی بیت المال بالمدینة سفط فیه حلیّ وجوهر ، فأخذ منه عثمان ما حلّی به بعض أهله فأظهر الناس الطعن علیه فی ذلک وکلّموه فیه بکلام شدید حتی أغضبوه ، فخطب فقال : لنأخذنّ حاجتنا من هذا الفیء وإن رغمت أُنوف أقوام. فقال له علیّ : إذاً تُمنع من ذلک ویُحال بینک وبینه. وقال عمّار بن یاسر : أُشهد الله أنّ أنفی أوّل راغم من ذلک. فقال عثمان : أعلیّ یا ابن المتکاء (4) تجترئ؟ خذوه ، فأُخذ ودخل عثمان ودعا به فضربه حتی غُشی علیه ، ثمّ أخرج فحمل حتی أُتی به منزل أُمّ سلمة زوج رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فلم یصلِّ الظهر والعصر والمغرب ، فلمّا أفاق توضّأ وصلّی وقال : الحمد لله لیس هذا أوّل یوم أُوذینا فیه فی الله. وقام هشام بن الولید بن المغیرة المخزومی وکان عمّار حلیفاً لبنی مخزوم ، فقال : یا عثمان أمّا علیّ فاتّقیته وبنی أبیه ، وأمّا نحن فاجترأت علینا وضربت أخانا حتی أشفیتَ به علی التلف. أما والله لئن مات لأقتلنّ به رجلاً من بنی أُمیّة عظیم السُرّة ، فقال عثمان : وإنّک لهاهنا یا ابن القسریّة؟ قال : فإنّهما قسریّتان - وکانت أُمّه وجدّته قسریّتین من بجیلة - فشتمه عثمان وأمر به فأُخرج ، فأتی أُمّ سلمة فإذا هی قد غضبت لعمّار ، وبلغ عائشة ما صنع بعمّار ، فغضبت وأخرجت شعراً من شعر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وثوباً من ثیابه ونعلاً من نعاله ثمّ قالت : ما أسرع ما ترکتم سنّة ف)

ص: 28


1- النمل : 74.
2- القیامة : 14 - 15.
3- أنساب الأشراف : 6 / 161.
4- المتکاء : البظراء ، المفضاة التی لا تمسک البول ، العظیمة البطن. (المؤلف)

نبیّکم وهذا شعره وثوبه ونعله لم یبلَ بعد! فغضب عثمان غضباً شدیداً حتی ما دری ما یقول ، فالتجّ المسجد (1) وقال الناس : سبحان الله ، سبحان الله ، وکان عمرو بن العاص واجداً علی عثمان لعزله إیّاه عن مصر وتولیته إیّاها عبد الله بن سعد بن أبی سرح ، فجعل یُکثر التعجب والتسبیح.

وبلغ عثمان مصیر هشام بن الولید ومن مشی معه من بنی مخزوم إلی أُمّ سلمة وغضبها لعمّار فأرسل إلیها : ما هذا الجمع؟ فأرسلت إلیه : دع ذا عنک یا عثمان ، ولا تحمل الناس فی أمرک علی ما یکرهون. واستقبح الناس فعله بعمّار وشاع فیهم فاشتدّ إنکارهم له.

وفی لفظ الزهری کما فی أنساب البلاذری (2) (ص 88) : کان فی الخزائن سفط فیه حلیّ ، وأخذ منه عثمان فحلّی به بعض أهله ، فأظهروا عند ذلک الطعن علیه وبلغه ذلک فخطب فقال : هذا مال الله أُعطیه من شئت وأمنعه من شئت فأرغم الله أنف من رغم ، فقال عمّار : أنا والله أوّل من رغم أنفه من ذلک. فقال عثمان : لقد اجترأت علیّ یا ابن سمیّة! وضربه حتی غشی علیه ، فقال عمّار : ما هذا بأوّل ما أوذیت فی الله. وأطلعت عائشة شعراً من رسول صلی الله علیه وآله وسلم ونعله وثیاباً من ثیابه - فیما یحسب وهب - ثمّ قالت : ما أسرع ما ترکتم سنّة نبیّکم! وقال عمرو بن العاص : هذا منبر نبیّکم وهذه ثیابه وهذا شعره لم یبلَ فیکم وقد بدّلتم وغیّرتم. فغضب عثمان حتی لم یدرِ ما یقول.

2 - قال البلاذری فی الأنساب (3) (5 / 49) : إنّ المقداد بن عمرو وعمّار بن یاسر وطلحة والزبیر فی عدّة من أصحاب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم کتبوا کتاباً عدّدوا فیه أحداث عثمان ، وخوّفوه ربّه ، وأعلموه أنّهم مواثبوه إن لم یُقلع ، فأخذ عمّار الکتاب وأتاه به 2.

ص: 29


1- التجّت الأصوات : ارتفعت فاختلطت.
2- أنساب الأشراف : 6 / 209.
3- أنساب الأشراف : 6 / 162.

فقرأ صدراً منه ، فقال له عثمان : أعلیّ تقدم من بینهم؟ فقال عمّار : لأنّی أنصحهم لک. فقال : کذبت یا ابن سمیّة. فقال : أنا والله ابن سمیّة وابن یاسر. فأمر غلمانه فمدّوا بیدیه ورجلیه ثمّ ضربه عثمان برجلیه وهی فی الخفّین علی مذاکیره ، فأصابه الفتق ، وکان ضعیفاً کبیراً فغُشی علیه.

وذکره ابن أبی الحدید فی الشرح (1) (1 / 239) نقلاً عن الشریف المرتضی من دون غمز فیه.

وقال أبو عمر فی الاستیعاب (2) (2 / 422) : وللحلف والولاء اللذین بین بنی مخزوم وبین عمّار وأبیه یاسر کان اجتماع بنی مخزوم إلی عثمان حین نال من عمّار غلمان عثمان ما نالوا من الضرب ، حتی انفتق له فتق فی بطنه ، ورغموا وکسروا ضلعاً من أضلاعه ، فاجتمعت بنو مخزوم وقالوا : والله لئن مات لا قتلنا به أحداً غیر عثمان.

صورة مفصّلة :

قال ابن قتیبة : ذکروا أنّه اجتمع ناس من أصحاب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم کتبوا کتاباً ذکروا فیه :

1 - ما خالف فیه عثمان من سنّة رسول الله وسنّة صاحبیه.

2 - وما کان من هبته خمس إفریقیة لمروان وفیه حقّ الله ورسوله ، ومنهم ذوو القربی والیتامی والمساکین.

3 - وما کان من تطاوله فی البنیان ، حتی عدّوا سبع دور بناها بالمدینة داراً لنائلة وداراً لعائشة وغیرهما من أهله وبناته. 3.

ص: 30


1- شرح نهج البلاغة : 3 / 50 خطبة 43.
2- الاستیعاب : القسم الثالث / 1136 رقم 1863.

4 - وبنیان مروان القصور بذی خشب ، وعمارة الأموال بها من الخمس الواجب لله ولرسوله.

5 - وما کان من إفشائه العمل والولایات فی أهله وبنی عمّه من بنی أُمیّة من أحداث وغلمة لا صحبة لهم من الرسول ولا تجربة لهم بالأُمور.

6 - وما کان من الولید بن عقبة بالکوفة إذ صلّی بهم الصبح وهو أمیر علیها سکران أربع رکعات ثمّ قال لهم : إن شئتم أن أزیدکم رکعة (1) زدتکم.

7 - وتعطیله إقامة الحدّ علیه وتأخیره ذلک عنه.

8 - وترکه المهاجرین والأنصار لا یستعملهم علی شیء ولا یستشیرهم واستغنی برأیه عن رأیهم.

9 - وما کان من الحمی الذی حمی حول المدینة.

10 - وما کان من إدراره القطائع والأرزاق والأعطیات علی أقوام بالمدینة لیست لهم صحبة من النبیّ - علیه الصلاة والسلام - ثمّ لا یغزون ولا یذبّون.

11 - وما کان من مجاوزته الخیزران إلی السوط ، وأنّه أوّل من ضرب بالسیاط ظهور الناس ، وإنّما کان ضرب الخلیفتین قبله بالدرّة والخیزران.

ثم تعاهد القوم لیدفعُنَّ الکتاب فی ید عثمان ، وکان ممّن حضر الکتاب عمّار بن یاسر والمقداد بن الأسود وکانوا عشرة ، فلمّا خرجوا بالکتاب لیدفعوه إلی عثمان والکتاب فی ید عمّار جعلوا یتسلّلون عن عمّار حتی بقی وحده ، فمضی حتی جاء دار عثمان ، فاستأذن علیه ، فأذن له فی یوم شاتٍ ، فدخل علیه وعنده مروان بن الحکم وأهله من بنی أُمیّة ، فدفع إلیه الکتاب فقرأه ، فقال له : أنت کتبت هذا الکتاب؟ قال : ة.

ص: 31


1- فی الإمامة والسیاسة : صلاة.

نعم. قال : ومن کان معک؟ قال : معی نفر تفرّقوا فرقاً منک. قال : ومن هم؟ قال : [لا] (1) أُخبرک بهم. قال : فلم اجترأت علیّ من بینهم؟ فقال مروان : یا أمیر المؤمنین ، إنّ هذا العبد الأسود - یعنی عمّاراً - قد جرّأ علیک الناس ، وإنّک إن قتلته نکّلت به من وراءه. قال عثمان : اضربوه. فضربوه وضربه عثمان معهم حتی فتقوا بطنه ، فغشی علیه ، فجرّوه حتی طرحوه علی باب الدار ، فأمرت به أُمّ سلمة زوج النبیّ علیه الصلاة والسلام فأُدخل منزلها وغضب فیه بنو المغیرة وکان حلیفهم ، فلمّا خرج عثمان لصلاة الظهر ؛ عرض له هشام بن الولید بن المغیرة فقال : أما والله لئن مات عمّار من ضربه هذا لأقتلنّ به رجلاً عظیماً من بنی أُمیّة ، فقال عثمان : لست هناک. قال : ثمّ خرج عثمان إلی المسجد فإذا هو بعلیّ وهو شاکٍ معصوب الرأس ، فقال له عثمان : والله یا أبا الحسن ما أدری أشتهی موتک أم أشتهی حیاتک؟! فو الله لئن متّ ما أُحبّ أن أبقی بعدک لغیرک ، لأنّی لا أجد منک خلفاً ، ولئن بقیت لا أعدم طاغیاً یتّخذک سُلّماً وعضداً ویعدّک کهفاً وملجأ ، لا یمنعنی منه إلاّ مکانه منک ومکانک منه ، فأنا منک کالابن العاقّ من أبیه ، إن مات فجعه وإن عاش عقّه ، فإمّا سلم فنسالم وإمّا حرب فنحارب ، فلا تجعلنی بین السماء والأرض ، فإنّک والله إن قتلتنی لا تجد منّی خلفاً ، ولئن قتلتک لا أجد منک خلَفاً ، ولن یلی أمر هذه الأُمّة بادئ فتنة. فقال علیّ : إنّ فی ما تکلّمت به لجواباً ، ولکنّی عن جوابک مشغول بوجعی ، فأنا أقول کما قال العبد الصالح (فَصَبْرٌ جَمِیلٌ وَاللهُ الْمُسْتَعانُ عَلی ما تَصِفُونَ) (2) قال مروان : إنّا والله إذاً لنکسرن رماحنا ولنقطعن سیوفنا ولا یکون فی هذا الأمر خیر لمن بعدنا ، فقال له عثمان : اسکت ، ما أنت وهذا؟ الإمامة والسیاسة (3) (1 / 29). 5.

ص: 32


1- من المصدر.
2- یوسف : 18.
3- الإمامة والسیاسة : 1 / 35.

وذکره مختصراً ابن عبد ربّه فی العقد الفرید (1) (3 / 272) نقلاً عن أبی بکر بن أبی شیبة من طریق الأعمش ، قال : کتب أصحاب عثمان عیبه وما ینقم الناس علیه فی صحیفة ، فقالوا : من یذهب بها إلیه؟ قال عمّار : أنا. فذهب بها إلیه ، فلمّا قرأها قال : أرغم الله أنفک ، قال : وبأنف أبی بکر وعمر ، قال : فقام إلیه فوطئه حتی غشی علیه. ثمّ ندم عثمان ، وبعث إلیه طلحة والزبیر یقولان له : اختر إحدی ثلاث : إمّا أن تعفو ، وإمّا أن تأخذ الأرش ، وإمّا أن تقتصّ ، فقال : والله لا قبلت واحدةً منها حتی ألقی الله.

3 - قال البلاذری فی الانساب (2) (5 / 54) : وقد روی أیضاً : أنّه لمّا بلغ عثمان موت أبی ذر بالربذة قال : ;. فقال عمّار بن یاسر : نعم ف; من کلِّ أنفسنا. فقال عثمان : یا عاضّ أیر أبیه أترانی ندمت علی تسییره؟ وأمر فدفع فی قفاه وقال : الحق بمکانه ، فلمّا تهیّأ للخروج جاءت بنو مخزوم إلی علیّ فسألوه أن یکلّم عثمان فیه ، فقال له علیّ : «یا عثمان اتّق الله ، فإنّک سیّرت رجلاً (3) صالحاً من المسلمین فهلک فی تسییرک ، ثمّ أنت الآن ترید أن تنفی نظیره» وجری بینهما کلام حتی قال عثمان : أنت أحقّ بالنفی منه. فقال علیّ : «رُم ذلک إن شئت» واجتمع المهاجرون فقالوا : إن کنت کلّما کلّمک رجل سیّرته ونفیته فإنّ هذا شیء لا یسوغ. فکفّ عن عمّار.

وفی لفظ الیعقوبی : لمّا بلغ عثمان وفاة أبی ذر قال : رحم الله أبا ذر. قال عمّار : نعم رحم الله أبا ذر من کلّ أنفسنا. فغلظ ذلک علی عثمان ، وبلغ عثمان عن عمّار کلام ، فأراد أن یسیّره أیضاً ، فاجتمعت بنو مخزوم إلی علیّ بن أبی طالب علیه السلام وسألوه إعانتهم ، فقال علیّ : لا ندع عثمان ورأیه. فجلس عمّار فی بیته ، وبلغ عثمان ما تکلّمت ف)

ص: 33


1- العقد الفرید : 4 / 119.
2- أنساب الأشراف : 6 / 169.
3- یعنی سیّدنا أبا ذر الغفاری. (المؤلف)

بنو مخزوم فأمسک عنه. تاریخ الیعقوبی (1) (2 / 150).

4 - قال البلاذری فی الأنساب (2) (5 / 49) : إنّ عثمان مرّ بقبر جدید فسأل عنه فقیل : قبر عبد الله بن مسعود ، فغضب علی عمّار لکتمانه إیّاه موته إذ کان المتولّی للصلاة علیه والقیام بشأنه فعندها وطئ عمّاراً حتی أصابه الفتق.

وذکره ابن أبی الحدید فی شرحه (3) (1 / 239) نقلاً عن الشریف المرتضی من دون غمز فیه.

وفی لفظ الیعقوبی : توفّی - ابن مسعود - وصلّی علیه عمّار بن یاسر ، وکان عثمان غائباً فستر أمره ، فلمّا انصرف رأی عثمان القبر فقال : قبر من هذا؟ فقیل : قبر عبد الله ابن مسعود ، قال : فکیف دُفن قبل أن أعلم؟ فقالوا : ولی أمره عمّار بن یاسر ، وذکر أنّه أوصی أن لا یُخبرَ به ، ولم یلبث إلاّ یسیراً حتی مات المقداد (4) ، فصلّی علیه عمّار وکان أوصی إلیه ولم یؤذن عثمان به ، فاشتدّ غضب عثمان علی عمّار وقال : ویلی علی ابن السوداء ، أما لقد کنت به علیماً. تاریخ الیعقوبی (5) (2 / 147).

وفی طبقات ابن سعد (6) (3 / 185) طبع لیدن : إنّ عقبة بن عامر هو الذی قتل عمّاراً ، وهو الذی کان ضربه حین أمره عثمان بن عفّان.

قال الأمینی : هذه أفاعیل الخلیفة فی رجل نزل فیه القرآن شهیداً علی طمأنینته بالإیمان والرضا بقنوته آناء اللیل ساجداً وقائماً یحذر الآخرة ، فی رجل هو أوّل مسلم 9.

ص: 34


1- تاریخ الیعقوبی : 2 / 173.
2- أنساب الأشراف : 6 / 163.
3- شرح نهج البلاغة : 3 / 50 خطبة 43.
4- اتّفقوا علی أنّه مات سنة ثلاث وثلاثین ، وتوفّی ابن مسعود قبله بسنة أو أقلّ أو أکثر. (المؤلف)
5- تاریخ الیعقوبی : 2 / 170.
6- الطبقات الکبری : 3 / 259.

اتّخذ مسجداً فی بیته یتعبّد فیه (1) ، فی رجل تضافر الثناء علیه عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم مشفوعاً بالنهی المؤکّد عن بغضه ومعاداته وسبّه وتحقیره وانتقاصه بألفاظ ستقف علیها إن شاء الله تعالی. وقد أکبرته الصحابة الأوّلون ونقمت علی من آذاه وأغضبه وأبغضه وفُعل به کلّ تلکم المناهی ، ولم یؤثر عن عمّار إلاّ الرضا بما یُرضی الله ورسوله والغضب لهما والهتاف بالحقّ والتجهّم أمام الباطل رضی الناس أم غضبوا ، ولم یزل علی ذلک کلّه منذ بدء أمره الذی أوذی فیه هو وأبواه ، فکان مرضیّا عند الله إیمانهم وخضوعهم وبعین الله ما قاسوه من المحن فعاد ذکرهم ورداً لنبیّ الإسلام فلم یزل یلهج بهم ویدعو لهم ویقول :

«اصبروا آل یاسر موعدکم الجنّة». من طریق عثمان بن عفّان (2).

ویقول : «ابشروا آل یاسر موعدکم الجنّة». من طریق جابر (3).

ویقول : «اللهمّ اغفر لآل یاسر وقد فعلتَ». رواه عثمان أیضاً (4). ف)

ص: 35


1- طبقات ابن سعد : 3 / 178 طبع لیدن [3 / 250] ، وذکره ابن کثیر فی تاریخه : 7 / 311 [7 / 345 حوادث سنة 37 ه ، والحاکم فی المستدرک : 3 / 434 ح 5655 ، 5656 ، والذهبی فی تاریخ الإسلام : ص 572 عهد الخلفاء الراشدین ، وابن أبی شیبة فی المصنّف : 7 / 524]. (المؤلف)
2- أخرجه الطبرانی [فی المعجم الکبیر : 24 / 303 ح 769] کما فی مجمع الزوائد : 9 / 293 فقال : رجاله ثقات ، وأخرجه الطبرانی عن عمّار ، والبغوی ، وابن مندة ، والخطیب [فی تاریخ بغداد : 11 / 343 رقم 6182] ، وأحمد ، وابن عساکر [مختصر تاریخ دمشق : 18 / 205] عن عثمان کما فی کنز العمّال : 6 / 185 [11 / 728 ح 33568 ، والحاکم فی المستدرک 3 / 432 رقم 5644]. (المؤلف)
3- مجمع الزوائد : 9 / 293 نقلاً عن الطبرانی [فی المعجم الأوسط : 2 / 305 ح 1531] فقال : رجاله رجال الصحیح غیر إبراهیم وهو ثقة [وأخرجه البیهقی فی دلائل النبوّة : 2 / 282 ، والحاکم فی المستدرک : 3 / 438 ح 5666 ، والذهبی فی تاریخ الإسلام : ص 572 عهد الخلفاء الراشدین]. (المؤلف)
4- مسند أحمد : 1 / 62 [1 / 100 ح 441] ، مجمع الزوائد : 9 / 293 فقال : رجاله رجال الصحیح ، وأخرجه البیهقی ، والبغوی ، والعقیلی ، والحاکم فی الکنی ، وابن الجوزی [فی صفة الصفوة : 1 / 443 رقم 27] ، وابن عساکر [انظر : مختصر تاریخ دمشق : 18 / 208] کما فی کنز العمّال : 7 / 72 [13 / 528 ح 37365 ، وأخرجه الذهبی فی تاریخ الاسلام : ص 572 عهد الخلفاء الراشدین]. (المؤلف)

وکانت بنو مخزوم یخرجون بعمّار وبأبیه وأُمّه - وکانوا أهل بیت إسلام - إذا حَمِیت الظهیرة یعذّبونهم برمضاء مکة ، فیمرّ بهم رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فیقول : «صبراً آل یاسر موعدکم الجنّة ، صبراً آل یاسر فإنّ مصیرکم إلی الجنّة» (1)

. نعم ؛ کان عمّار هکذا عند مفتتح حیاته الدینیّة إلی منصرم عمره الذی قتلته فیه الفئة الباغیة.

وقد أخبر به النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم بقوله :

«ویحک یا ابن سمیّة تقتلک الفئة الباغیة».

وفی لفظ : «تقتل عمّاراً الفئة الباغیة ، وقاتله فی النار».

وفی لفظ : «ویح عمّار أو ویح ابن سمیّة تقتله الفئة الباغیة».

وفی لفظ معاویة : «تقتل عمّاراً الفئة الباغیة».

وفی لفظ عثمان : «تقتلک الفئة الباغیة ، قاتل عمّار فی النار».

وفی لفظ : «تقتل عمّاراً الفئة الباغیة عن الطریق ، وإنّ آخر رزقه من الدنیا ضیاح من لبن».

وفی لفظ عمّار : أخبرنی حبیبی صلی الله علیه وآله وسلم أنّه تقتلنی الفئة الباغیة ، وأنّ آخر زادی مذقة من لبن.

وفی لفظ حذیفة : «إنّک لن تموت حتی تقتلک الفئة الباغیة الناکبة عن الحقّ ، یکون آخر زادک من الدنیا شربة لبن».

وفی لفظ : «ویح عمّار تقتله الفئة الباغیة ، یدعوهم إلی الجنّة ویدعونه إلی النار» ف)

ص: 36


1- سیرة ابن هشام : 1 / 342 ، حلیة الأولیاء : 1 / 140 [رقم 22] ، طرح التثریب : 1 / 87 ، وأخرجه الحارث ، والضیاء ، والحاکم [فی المستدرک علی الصحیحین : 3 / 432 ح 5646] ، والطیالسی ، والبغوی ، وابن مندة ، وابن عساکر [أنظر مختصر تاریخ دمشق : 8 / 208] کما فی کنز العمّال : 7 / 72 [13 / 528 ح 37366]. (المؤلف)

وفی لفظ أنس : «ابن سمیّة تقتله الفئة الباغیة قاتله وسالبه فی النار».

وفی لفظ عائشة : «اللهمّ بارک فی عمّار ، ویحک ابن سمیّة تقتلک الفئة الباغیة ، وآخر زادک من الدنیا ضیاح من لبن».

وفی لفظ : «ویح ابن سمیّة لیسوا بالذین یقتلونک إنّما تقتلک الفئة الباغیة».

جاء هذا الحدیث من طرق کثیرة تربو حدّ التواتر منها طریق : عثمان بن عفّان ، عمرو بن العاص ، معاویة بن أبی سفیان ، حذیفة بن الیمان ، عبد الله بن عمر ، خزیمة بن ثابت ، کعب بن مالک ، جابر بن عبد الله ، ابن عباس ، أنس بن مالک ، أبی هریرة الدوسی ، عبد الله بن مسعود ، أبی سعد ، أبی أُمامة ، أبی رافع ، أبی قتادة ، زید ابن أبی أوفی ، عمّار بن یاسر ، عبد الله بن أبی هذیل ، أبی الیسر ، زیاد بن الفرد ، جابر ابن سمرة ، عبد الله بن عمرو بن العاص ، أُمّ سلمة ، عائشة.

راجع (1) : طبقات ابن سعد (3 / 180) ، سیرة ابن هشام (2 / 114) ، مستدرک الحاکم (3 / 386 ، 387 ، 391) ، الاستیعاب (2 / 436) وقال : تواترت الآثار عن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم أنّه قال : «تقتل عمّاراً الفئة الباغیة» ، وهذا من إخباره بالغیب وأعلام نبوّته صلی الله علیه وآله وسلم وهو من أصحّ الأحادیث. طرح التثریب (1 / 88) وصحّحه ، تیسیر الوصول (3 / 278) ، شرح ابن أبی الحدید (2 / 274) ، تاریخ ابن کثیر (7 / 267 ، 270) ، مجمع الزوائد (9 / 296) وصحّحه من عدّة طرق ، تهذیب التهذیب (7 / 409) وذکر تواتره ، الإصابة (2 / 512) وقال : تواترت الأحادیث [عن النبی صلی الله علیه وآله وسلم 9.

ص: 37


1- الطبقات الکبری : 3 / 251 ، السیرة النبویّة : 2 / 142 ، المستدرک علی الصحیحین : 3 / 435 ح 5657 و 436 ح 5659 و 442 ح 5676 ، الاستیعاب : القسم الثالث / 1140 رقم 1863 ، تیسیر الوصول : 3 / 323 ح 2 ، شرح نهج البلاغة : 8 / 24 خطبة 124 ، البدایة والنهایة : 7 / 296 و 298 حوادث سنة 37 ه ، تهذیب التهذیب : 7 / 358 ، کنز العمّال : 11 / 726 ح 33555 و 13 / 529 ح 37370 و 536 ح 37400 ، الخصائص الکبری : 2 / 239.

أنّ عمّاراً تقتله الفئة الباغیة] ، کنز العمّال (6 / 184 و 7 / 73 ، 74) ، ونصّ علی تواتره السیوطی فی الخصائص کما مرّ فی الجزء الثالث (250).

وأخرجه (1) : البخاری ، ومسلم ، وأحمد ، والبزّار ، وعبد الرزّاق ، والطبرانی ، والدارقطنی ، وأبو یعلی ، وأبو عوانة ، والإسماعیلی ، والضیاء المقدسی ، وأبو نعیم ، وتمام ، وابن قانع ، وابن مندة ، والبارودی ، والبرقانی ، وابن عساکر ، والخطیب.

عمّار فی الذکر الحکیم :

هذا عمّار بین البدء والختام المحمودین وهو بینهما کما أثنی علیه الذکر الحکیم بقوله تعالی (أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّیْلِ ساجِداً وَقائِماً یَحْذَرُ الْآخِرَةَ) (2).

أخرج (3) ابن سعد فی الطبقات (3 / 178) - طبع لیدن - وابن مردویه وابن عساکر عن ابن عباس : أنها نزلت فی عمّار بن یاسر.

وذکر الزمخشری فی تفسیره (4) (3 / 22) : أنّها نزلت فی عمّار وأبی حذیفة بن المغیرة المخزومی.

وذکر القرطبی فی تفسیره (5) (15 / 239) عن مقاتل : أنّ من هو قانت : عمّار بن یاسر. 6.

ص: 38


1- صحیح البخاری : 1 / 172 ح 436 ، صحیح مسلم : 5 / 431 ح 73 کتاب الفتن ، مسند أحمد : 6 / 281 ح 21366 ، مسند البزّار (البحر الزخّار) : 4 / 256 ح 1428 ، المصنّف : 11 / 240 ح 20426 و 20427 ، المعجم الکبیر : 5 / 266 ح 5296 ، مسند أبی یعلی : 11 / 403 ح 6524 ، حلیة الأولیاء : 4 / 172 ، 7 / 197 - 198 ، تاریخ مدینة دمشق : 13 / 9 رقم 1279 ، تاریخ بغداد : 7 / 414 رقم 3965.
2- الزمر : 9.
3- الطبقات الکبری : 3 / 250 ، مختصر تاریخ دمشق : 18 / 210.
4- الکشّاف : 4 / 117.
5- الجامع لأحکام القرآن : 15 / 156.

وذکر الخازن فی تفسیره (1) (3 / 53) : أنّها نزلت فی ابن مسعود وعمّار وسلمان. وذکره الخطیب الشربینی فی تفسیره (2) (3 / 410). وذکر الشوکانی فی تفسیره (3) (4 / 442) حدیث ابن سعد وابن مردویه وابن عساکر. وزاد الآلوسی علیه فی تفسیره (23 / 247) قوله : وأخرج جویبر عن ابن عباس أنّها نزلت فی عمّار وابن مسعود وسالم مولی أبی حذیفة. وعن عکرمة : الاقتصار علی عمّار. وعن مقاتل : المراد بمن هو قانت : عمّار وصهیب وابن مسعود وأبو ذر. وجلّ ما ذکره الآلوسی مأخوذ من الدرّ المنثور (4) (5 / 323).

آیة ثانیة : أخرج ابن ماجة (5) فی قوله تعالی : (وَلا تَطْرُدِ الَّذِینَ یَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِیِّ یُرِیدُونَ وَجْهَهُ ما عَلَیْکَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَیْءٍ) الآیة (الأنعام : 52) أنّها نزلت فی عمّار وصهیب وبلال وخبّاب.

راجع (6) : تفسیر الطبری (7 / 127 ، 128) ، تفسیر القرطبی (16 / 432) ، تفسیر البیضاوی (1 / 380) ، تفسیر الزمخشری (1 / 453) ، تفسیر الرازی (4 / 50) ، تفسیر ابن کثیر (2 / 134) ، تفسیر ابن جزی (2 / 10) ، الدرّ المنثور (3 / 14) ، تفسیر الخازن (2 / 18) ، تفسیر الشربینی (1 / 404) ، تفسیر الشوکانی (2 / 115).

آیة ثالثة : أخرج جمع من الحفّاظ نزول قوله تعالی : (إِلاَّ مَنْ أُکْرِهَ وَقَلْبُهُ 0.

ص: 39


1- تفسیر الخازن : 4 / 50.
2- السراج المنیر : 3 / 436.
3- فتح القدیر : 4 / 454.
4- الدرّ المنثور : 7 / 214.
5- سنن ابن ماجة : 2 / 1383 ح 4128.
6- جامع البیان : مج 5 / ج 7 / 200 - 201 ، الجامع لأحکام القرآن : 6 / 278 ، أنوار التنزیل وأسرار التأویل : 1 / 302 ، الکشّاف : 2 / 27 ، التفسیر الکبیر : 12 / 234 ، الدرّ المنثور : 3 / 273 ، فتح القدیر : 2 / 120.

مُطْمَئِنٌّ بِالْإِیمانِ) (1) فی عمّار. وقال أبو عمر فی الاستیعاب : هذا ممّا اجتمع أهل التفسیر علیه. وقال القرطبی : نزلت فی عمّار فی قول أهل التفسیر. وقال ابن حجر فی الإصابة : اتّفقوا علی أنّه نزل فی عمّار.

قال ابن عبّاس - فی لفظ الواحدی - : نزلت فی عمّار بن یاسر ؛ وذلک أنّ المشرکین أخذوه وأباه یاسراً وأُمّه سمیّة وصهیباً وبلالاً وخبّاباً وسالماً ، فأمّا سمیّة فإنّها رُبطت بین بعیرین ووُجئ قُبلها بحربة ، وقیل لها : إنّک أسلمت من أجل الرجال. فقتلت ، وقتل زوجها یاسر ، وهما أوّل قتیلین قُتلا فی الإسلام ، وأمّا عمّار فإنّه أعطاهم ما أرادوا بلسانه مکرهاً فأُخبر النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم بأنّ عمّاراً کفر. فقال : «کلاّ إنّ عمّاراً ملئ إیماناً من قرنه إلی قدمه ، واختلط الإیمان بلحمه ودمه» فأتی عمّار رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وهو یبکی ، فجعل رسول الله - علیه الصلاة والسلام - یمسح عینیه وقال : «إن عادوا لک فعُد لهم بما قلت». فأنزل الله تعالی هذه الآیة.

أخرج حدیث نزولها فی عمّار : ابن المنذر ، وابن أبی حاتم ، وابن مردویه ، والطبری عن ابن عبّاس ، وعبد الرزّاق ، وابن سعد ، وابن جریر ، وابن أبی حاتم ، والحاکم وصحّحه ، وابن مردویه ، والبیهقی ، وابن عساکر (2) من طریق أبی عبیدة بن محمد بن عمّار عن أبیه ، وابن أبی شیبة (3) ، وابن جریر ، وابن المنذر ، وابن عساکر عن أبی مالک.

راجع (4) : طبقات ابن سعد (3 / 178) ، تفسیر الطبری (14 / 122) ، أسباب 8.

ص: 40


1- النحل : 106.
2- مختصر تاریخ دمشق : 18 / 209.
3- مصنّف ابن أبی شیبة : 7 / 524.
4- الطبقات الکبری : 3 / 249 ، جامع البیان : مج 8 / ج 14 / 181 ، أسباب النزول : ص 190 ، المستدرک علی الصحیحین : 2 / 389 ح 3362 ، الاستیعاب : القسم الثالث / 1136 رقم 1863 ، الجامع لأحکام القرآن : 10 / 118 ، الکشّاف : 2 / 636 ، تفسیر البیضاوی : 1 / 558 ، التفسیر الکبیر : 20 / 121 ، غرائب القرآن ورغائب الفرقان : 4 / 309 ، الدرّ المنثور : 5 / 169 - 170 ، تفسیر الخازن : 3 / 136 ، فتح القدیر : 3 / 198.

النزول للواحدی (ص 212) ، مستدرک الحاکم (2 / 357) ، الاستیعاب (2 / 435) ، تفسیر القرطبی (10 / 180) ، تفسیر الزمخشری (2 / 176) ، تفسیر البیضاوی (1 / 683) ، تفسیر الرازی (5 / 365) ، تفسیر ابن جزی (2 / 162) ، تفسیر النیسابوری هامش الطبری (14 / 122) ، بهجة المحافل (1 / 94) ، تفسیر ابن کثیر (2 / 587) ، الدرّ المنثور (4 / 132) ، تفسیر الخازن (3 / 143) ، الإصابة (2 / 512) ، تفسیر الشوکانی (3 / 191) ، تفسیر الآلوسی (14 / 237).

آیة رابعة : ذکر الواحدی من طریق السدّی أنّ قوله تعالی : (أَفَمَنْ وَعَدْناهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لاقِیهِ کَمَنْ مَتَّعْناهُ مَتاعَ الْحَیاةِ الدُّنْیا ثُمَّ هُوَ یَوْمَ الْقِیامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِینَ) (1) ؛ نزل فی عمّار والولید بن المغیرة.

راجع (2) : أسباب النزول للواحدی (ص 255) ، تفسیر القرطبی (13 / 303) ، تفسیر الزمخشری (2 / 286) ، تفسیر الخازن (3 / 43) ، تفسیر الشربینی (3 / 105).

آیة خامسة : أخرج أبو عمر من طریق ابن عبّاس فی قوله تعالی : (أَوَمَنْ کانَ مَیْتاً فَأَحْیَیْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً یَمْشِی بِهِ فِی النَّاسِ) (3) ؛ أنّه عمّار بن یاسر.

وأخرج نزولها فی عمّار : ابن أبی شیبة ، وابن المنذر ، وابن أبی حاتم ، وأبو الشیخ.

راجع (4) : الاستیعاب (2 / 435) ، تفسیر ابن جزّی (2 / 20) ، تفسیر ابن کثیر (2 / 172) ، تفسیر البیضاوی (1 / 400) ، تفسیر السیوطی (3 / 43) ، تفسیر الشربینی 0.

ص: 41


1- القصص : 61.
2- أسباب النزول : ص 229 ، الجامع لأحکام القرآن : 13 / 200 ، الکشّاف : 3 / 425 ، تفسیر الخازن : 3 / 409 السراج المنیر : 3 / 112.
3- الأنعام : 122.
4- الاستیعاب : القسم الثالث / 1137 رقم 1863 ، تفسیر البیضاوی : 1 / 319 ، الدرّ المنثور : 3 / 352 ، تفسیر الخازن : 2 / 50 ، فتح القدیر : 2 / 160.

(1 / 429) ، تفسیر الخازن (2 / 32) ، تفسیر الشوکانی (2 / 152).

الثناء الجمیل علی عمّار :

أمّا الأحادیث الواردة فی الثناء علیه فحدّث عنها ولا حرج ، وإلیک نزراً منها :

1 - عن ابن عبّاس عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی حدیث : «إنّ عمّاراً مُلئ إیماناً من قرنه إلی قدمه ، واختلط الإیمان بلحمه ودمه».

راجع (1) : حلیة الأولیاء (1 / 139) ، تفسیر الزمخشری (2 / 176) ، تفسیر البیضاوی (1 / 683) ، بهجة المحافل (1 / 94) ، تفسیر الرازی (5 / 365) ، تفسیر الخازن (3 / 143) ، کنز العمّال (6 / 184 و 7 / 75) ، تفسیر الآلوسی (14 / 237).

2 - أخرج ابن عساکر (2) من طریق علیّ : «عمّار خلط الله الإیمان ما بین قرنه إلی قدمه ، وخلط الإیمان بلحمه ودمه ، یزول مع الحقّ حیث زال ، ولیس ینبغی للنار أن تأکل منه شیئاً». کنز العمّال (3) (6 / 183).

3 - أخرج البزّار من طریق عائشة ، قالت : ما أحد من أصحاب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إلاّ لو شئت لقلت فیه ما خلا عمّاراً ، فإنّی سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول : «مُلئ إیماناً إلی مُشاشه (4)». وفی لفظ أبی عمر : «مُلئ عمّار إیماناً إلی أخمص قدمیه». وفی لفظ له : «إنّ عمّار بن یاسر حُشِی ما بین أخمص قدمیه إلی شحمة أُذنیه إیماناً». ن.

ص: 42


1- الکشّاف : 2 / 636 ، تفسیر البیضاوی : 1 / 558 ، التفسیر الکبیر : 20 / 121 ، تفسیر الخازن : 3 / 136 ، کنز العمّال : 11 / 724 ح 33541.
2- مختصر تاریخ دمشق : 18 / 213.
3- کنز العمّال : 11 / 720 ح 33520.
4- المُشاش : رءوس العظام کالمرفقین والکفّین والرکبتین.

ذکره الهیثمی فی مجمع الزوائد (9 / 295) وقال : رجاله رجال الصحیح ، وأخرجه ابن ماجة (1) من طریق علیّ کما فی طرح التثریب (1 / 87) ، وأخرجه ابن دیزیل والنسائی (2) من طریق عمرو بن شرحبیل عن رجل مرفوعاً کما فی تیسیر الوصول (3) (3 / 279) ، والبدایة والنهایة (4) (7 / 311) ولفظه : «لقد مُلئ عمّار إیماناً من قدمه إلی مُشاشه». ورواه عبد الرزاق والطبرانی وابن جریر (5) وابن عساکر (6) کما فی کنز العمّال (7) (6 / 184). وأخرجه أبو عمر بالألفاظ الثلاثة فی الاستیعاب (8) (2 / 435).

4 - أخرج ابن ماجة وأبو نعیم من طریق هانی بن هانی ، قال : کنّا عند علیّ فدخل علیه عمّار فقال : «مرحباً بالطیّب المطیّب ، سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول : عمّار مُلئ إیماناً إلی مُشاشه».

سنن ابن ماجة (9) (1 / 65) ، حلیة الأولیاء (1 / 139) ، الإصابة (2 / 512).

5 - أخرج ابن سعد فی الطبقات (10) (3 / 187) - طبع لیدن - مرفوعاً : «إنّ عمّاراً مع الحقّ والحقّ معه ، یدور عمّار مع الحقّ أینما دار ، وقاتل عمّار فی النار».2.

ص: 43


1- سنن ابن ماجة : 1 / 52 ح 147.
2- السنن الکبری : 5 / 74 ح 8273.
3- تیسیر الوصول : 3 / 323.
4- البدایة والنهایة : 7 / 345 حوادث سنة 37 ه.
5- تهذیب الآثار : ص 157 ح 33450 مسند علیّ بن أبی طالب.
6- مختصر تاریخ دمشق : 18 / 213.
7- کنز العمّال : 11 / 724 ح 33540.
8- الاستیعاب : القسم الثالث / 1137 رقم 1863.
9- سنن ابن ماجة : 1 / 52 ح 147.
10- الطبقات الکبری : 3 / 262.

وأخرج الطبرانی (1) والبیهقی (2) والحاکم (3) من طریق ابن مسعود مرفوعاً : «إذا اختلف الناس کان ابن سمیّة مع الحقّ».

ذکره ابن کثیر فی تاریخه (4) (7 / 270) ، والسیوطی فی الجامع الکبیر کما فی ترتیبه (5) (6 / 184) ، وفی لفظ إبراهیم بن الحسین بن دیزیل - فی سیرة علیّ - : جاء رجل إلی ابن مسعود فقال : أرأیت إذا نزلت فتنة کیف أصنع؟ قال : علیک بکتاب الله. قال : أرأیت إن جاء قوم کلّهم یدعون إلی کتاب الله؟ فقال : سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول : «إذا اختلف الناس کان ابن سمیّة مع الحقّ».

وأخرج أبو عمر فی الاستیعاب (6) (2 / 436) من طریق حذیفة : «علیکم بابن سمیّة ، فإنّه لن یُفارق الحقّ حتی یموت» ، أو قال : «فإنّه یدور مع الحقّ حیث دار».

6 - أخرج ابن ماجة (7) من طریق عطاء بن یسار عن عائشة ، مرفوعاً : «عمّار ما عُرض علیه أمران إلاّ اختار الأرشد منهما».

وفی لفظ أحمد من طریق ابن مسعود مرفوعاً : «ابن سمیّة ما عُرض علیه أمران قطّ إلاّ أخذ بالأرشد منهما». وفی لفظ آخر له من طریق عائشة : «لا یخیّر بین أمرین إلاّ اختار أرشدهما». وفی لفظ الترمذی : «ما خُیّر عمّار بین أمرین إلاّ اختار أرشدهما». 8.

ص: 44


1- المعجم الکبیر : 10 / 95 ح 10071.
2- دلائل النبوّة : 6 / 422.
3- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 442 ح 5676.
4- البدایة والنهایة : 7 / 300 حوادث سنة 37 ه.
5- کنز العمّال : 11 / 721 ح 33525.
6- الاستیعاب : القسم الثالث / 1139 رقم 1863.
7- سنن ابن ماجة : 1 / 52 ح 148.

راجع (1) : مسند أحمد (1 / 389 و 6 / 113) ، سنن ابن ماجة (1 / 66) ، مصابیح البغوی (2 / 288) ، تفسیر القرطبی (10 / 181) ، تیسیر الوصول (3 / 279) ، شرح ابن أبی الحدید (2 / 274) ، کنز العمّال (6 / 184) ، الإصابة (2 / 512).

7 - أخرج الترمذی (2) من طریق علیّ ، قال : استأذن عمّار علی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فقال : «إئذنوا له ، مرحباً بالطیّب المطیّب» ، فقال : حسن صحیح.

وأخرجه (3) : الطبرانی (4) ، وابن أبی شیبة ، وأحمد فی المسند (1 / 100 ، 126 ، 138) ، والبخاری فی تاریخه (4 / 229) من القسم الثانی ، وابن جریر وصحّحه ، والحاکم والشاشی ، وسعید بن منصور ، وأبو نعیم فی حلیة الأولیاء (1 / 140) ، والبغوی فی المصابیح (2 / 288) ، وأبو عمر فی الاستیعاب (2 / 435) ، وابن ماجة فی السنن (1 / 65) ، وابن کثیر فی البدایة (7 / 311) ، وابن الدیبع فی التیسیر (3 / 278) ، 8.

ص: 45


1- مسند أحمد : 1 / 643 ح 3685 و 7 / 163 ح 24299 ، سنن ابن ماجة : 1 / 52 ح 148 ، مصابیح السنّة : 4 / 220 ح 4895 ، الجامع لأحکام القرآن : 10 / 119 ، تیسیر الوصول : 3 / 323 ح 3 ، شرح نهج البلاغة : 8 / 26 خطبة 124 ، کنز العمّال : 11 / 721 ح 33528 ، سنن الترمذی : 5 / 627 ح 3799.
2- سنن الترمذی : 5 / 626 ح 3798.
3- المصنّف : 12 / 118 ح 12293 ، مسند أحمد : 1 / 160 ح 781 و 202 ح 1036 و 222 ح 1164 ، تهذیب الآثار : ص 155 ح 14 - 17 مسند علی بن أبی طالب ، المستدرک علی الصحیحین : 3 / 437 ح 5662 ، مصابیح السنّة : 4 / 220 ح 4894 ، الاستیعاب : القسم الثالث / 1138 رقم 1863 ، سنن ابن ماجة : 1 / 52 ح 146 ، البدایة والنهایة : 7 / 345 حوادث سنة 37 ه ، تیسیر الوصول : 3 / 323 ح 1 ، جامع الأحادیث : 21 / 53 ح 18314.
4- الحدیث أخرجه أبو داود الطیالسی فی المسند : ص 18 ح 117 ، والذی رمز له المتقی الهندی فی کنز العمّال : 13 / 526 ح 37362 بالحرف (ط) وحسبه المؤلف 1 رمزاً للطبرانی ، کما حسب (طس) رمزاً للطیالسی والحال أنه رمز للطبرانی فی الأوسط ، وقد أشرنا إلی ذلک فی هامش : 8 / 218.

والعراقی فی طرح التثریب (1 / 87) ، والسیوطی فی الجامع الکبیر (7 / 71).

8 - عن أنس بن مالک مرفوعاً : «إنّ الجنّة تشتاق إلی أربعة : علیّ بن أبی طالب ، وعمّار بن یاسر ؛ وسلمان الفارسی ، والمقداد».

وفی لفظ الترمذی والحاکم وابن عساکر : «اشتاقت الجنّة إلی ثلاثة : علیّ وعمّار وسلمان».

وفی لفظ لابن عساکر : «اشتاقت الجنّة إلی ثلاثة : إلی علیّ وعمّار وبلال».

أخرجه (1) أبو نعیم فی الحلیة (1 / 142) ، والحاکم فی المستدرک (3 / 137) ، وصحّحه هو والذهبی ، والترمذی والطبرانی کما فی تفسیر القرطبی (10 / 181) ، وتاریخ ابن کثیر (7 / 311) ، ومجمع الزوائد للهیثمی (9 / 307) ، وأخرجه ابن عساکر فی تاریخه (3 / 306 و 6 / 198 ، 199) ، وأبو عمر فی الاستیعاب (2 / 435).

9 - أخرج البزّار من طریق علیّ مرفوعاً : «دم عمّار ولحمه حرام علی النار أن تطعمه». وفی لفظ ابن عساکر (2) : «دم عمّار ولحمه حرام علی النار أن تأکله أو تمسّه».

مجمع الزوائد (9 / 295) ، کنز العمّال (3) (6 / 184 و 7 / 75).

10 - أخرج ابن هشام مرفوعاً : «مالهم ولعمّار؟ یدعوهم إلی الجنّة ویدعونه 2.

ص: 46


1- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 148 ح 4666 ، وکذا فی تلخیصه ، سنن الترمذی : 5 / 626 ح 3797 ، المعجم الکبیر : 6 / 215 ح 6045 ، الجامع لأحکام القرآن : 10 / 119 ، البدایة والنهایة : 7 / 354 حوادث سنة 37 ه. تاریخ مدینة دمشق : 10 / 451 رقم 974 ، 21 / 410 - 411 رقم 2599 وفی مختصر تاریخ دمشق : 5 / 259 ، 10 / 40 ، 18 / 212 ، الاستیعاب : القسم الثالث / 1138 رقم 1863.
2- وفی مختصر تاریخ دمشق : 18 / 215.
3- کنز العمّال : 11 / 721 ح 33521 و 13 / 539 ح 37412.

إلی النار ، إنّ عمّاراً جلدة ما بین عینی وأنفی ، فإذا بلغ ذلک من الرجل فلم یُستبق فاجتنبوه».

سیرة ابن هشام (2 / 115) ، العقد الفرید (2 / 289) ، شرح ابن أبی الحدید (3 / 274) ولفظه : «ما لقریش ولعمّار یدعوهم إلی الجنّة ویدعونه إلی النار ، قاتله وسالبه فی النار» (1). وبهذا اللفظ ذکره ابن کثیر فی تاریخه (2) (7 / 268).

11 - أخرج (3) الطبرانی وابن عساکر من طریق عائشة مرفوعاً : «کم من ذی طمرین لا ثوب له لو أقسم علی الله لأبرّه ، منهم : عمّار بن یاسر». مجمع الزوائد (9 / 294) ، کنز العمّال (4) (6 / 184).

12 - أخرج أحمد (5) من طریق خالد بن الولید مرفوعاً : «من عادی عمّاراً عاداه الله ، ومن أبغض عمّاراً أبغضه الله». صحّحه الحاکم والذهبی بطریقین (6) ، وصحّحه الهیثمی (7).

وفی لفظ : «من یسبّ عمّاراً یسبّه الله ، ومن یبغض عمّاراً یبغضه الله ، ومن یسفّه عمّاراً یسفّهه الله». صحّحه الحاکم والذهبی (8).

وفی لفظ : «من یسبّ عماراً ، یسبّه الله ومن یُعادِ عمّاراً یُعادِه الله». صحّحه ه.

ص: 47


1- السیرة النبویّة : 2 / 143 ، العقد الفرید : 4 / 143 ، شرح نهج البلاغة : 8 / 25 خطبة 124.
2- البدایة والنهایة : 7 / 298 حوادث سنة 37 ه.
3- المعجم الأوسط : 6 / 321 ح 5682 ، مختصر تاریخ دمشق : 18 / 216.
4- کنز العمّال : 11 / 721 ح 33523.
5- مسند أحمد : 5 / 50 ح 16373.
6- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 441 ح 5674 ، وکذا فی تلیخصه.
7- مجمع الزوائد : 9 / 293.
8- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 439 ح 5667 ، وکذا فی تلخیصه.

الحاکم والذهبی (1).

وفی لفظ لأحمد (2) : «من یعادِ عمّاراً یعادِه الله عزّ وجلّ ، ومن یبغضه یبغضه الله عزّ وجلّ ، ومن یسبّه یسبّه الله عزّ وجلّ».

وفی لفظ الحاکم (3) : «من یحقّر عمّاراً یحقّره الله ، ومن یسبّ عمّاراً یسبّه الله ، ومن یبغض عمّاراً یبغضه الله».

وفی لفظ ابن النجار : «من سبّ عمّاراً سبّه الله ، ومن حقّر عمّاراً حقّره الله ، ومن سفّه عمّاراً سفّهه الله».

وفی لفظ ابن عساکر (4) : «من یبغض عمّاراً یبغضه الله ، ومن یلعن عمّاراً یلعنه الله».

وفی لفظ الطبرانی (5) : «من یُعادی عمّاراً یعادیه الله ، ومن یبغض عمّاراً یبغضه الله ، ومن یسبّ عمّاراً یسبّه الله ، ومن یسفّه عمّاراً یسفّهه الله ، ومن یحقّر عمّاراً یحقّره الله».

وفی لفظ الطبرانی (6) أیضاً : «من یحقّر عمّاراً یحقّره الله ، ومن یسب عمّاراً یسبّه الله ، ومن ینتقص عمّاراً ینتقصه الله ، ومن یعاد عمّاراً یعاده الله». قال الهیثمی (7) : رجاله ثقات. 4.

ص: 48


1- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 439 ح 5670 ، وکذا فی تلخیصه.
2- مسند أحمد : 5 / 52 ح 16380.
3- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 440 ح 5673.
4- مختصر تاریخ دمشق : 18 / 214.
5- المعجم الکبیر : 4 / 112 ح 3831.
6- المعجم الکبیر : 4 / 113 ح 3232.
7- مجمع الزوائد : 9 / 294.

أخرج هذا الحدیث علی اختلاف ألفاظه جمع کثیر من الحفّاظ وأئمّة الفنّ ، راجع (1) : مسند أحمد (4 / 89) ، مستدرک الحاکم (3 / 390 ، 391) ، تاریخ الخطیب (1 / 152) ، الاستیعاب (2 / 435) ، أُسد الغابة (4 / 45) ، طرح التثریب (1 / 88) ، تاریخ ابن کثیر (7 / 311) ، الإصابة (2 / 512) ، کنز العمّال (6 / 185 و 7 / 71 - 75).

13 - عن حذیفة أنّه قیل له : إنّ عثمان قد قُتل فما تأمرنا؟ قال : الزموا عمّاراً. قیل : إنّ عمّاراً لا یفارق علیّا ، قال : إنّ الحسد هو أهلک للجسد ، وإنّما ینفّرکم من عمّار قربه من علیّ ، فو الله لعلیّ أفضل من عمّار أبعد ما بین التراب والسحاب ، وإنّ عمّاراً من الأخیار. أخرجه ابن عساکر کما فی کنز العمّال (2) (7 / 73).

14 - عن عبد الله بن جعفر قال : ما رأیت مثل عمّار بن یاسر ومحمد بن أبی بکر کانا لا یحبّان أن یعصیا الله طرفة عین ، ولا یخالفان الحقّ قید شعرة.

أخرجه الطبرانی کما فی مجمع الزوائد (9 / 292).

15 - ذکر الأبشیهی فی المستطرف (3) (1 / 166) فی حدیث : هبط جبرئیل علی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یوم أُحد - وکان یسأل عن أصحابه - إلی أن قال : من هذا الذی بین یدیک یتّقی عنک؟ قال : «عمّار بن یاسر». قال : بشّره بالجنّة حرمت النار علی عمّار.

هذا عمّار :

إذا درست هذه کلّها ، فهل تجد من الحقّ أن یُعمل معه تلکم الفظاظات مرّة بعد 7.

ص: 49


1- مسند أحمد : 5 / 50 ح 16373 ، المستدرک علی الصحیحین : 3 / 440 ح 5670 و 441 ح 5673 ، الاستیعاب : القسم الثالث / 1138 رقم 1863 ، أُسد الغابة : 4 / 132 رقم 3798 ، البدایة والنهایة : 7 / 345 حوادث سنة 37 ه ، کنز العمّال : 11 / 722 ح 33534 و 13 / 532 ح 37387.
2- کنز العمّال : 13 / 532 ح 37385.
3- المستطرف : 1 / 137.

أخری؟ وهل تجد مبرّراً لشیء منها؟ فإن زعمت أنّها تأدیب من خلیفة الوقت فإنّ التأدیب لا یسوغ إلاّ علی إساءة فی الأدب ، وزور من القول ، ومناقضة للحقّ ، ومضادّة للشریعة ، ویجلّ عمّار عن کلّ ذلک ، فلم یصدر منه غیر دعاء إلی الحقّ ، وأذان بالحقیقة ، وتضجّر لمظلوم ، وعمل بالوصیّة واجب ، ورسالة عن أناس مؤمنین یأمرون بالمعروف وینهون عن المنکر ، فهل حظر الإسلام شیئاً من هذه فأراد الخلیفة أن یعید عمّاراً إلی نصاب الحقّ؟ أو أنّ الخلیفة مُفوّض فی النفوس کما یری أنّه مفوض فی الأموال ، فیراغم فیها عامّة المسلمین بإرضاء من یجب إرغامهم من أُناس لا خلاق لهم؟ وکذلک یفعل بالنفوس فعل المستبدّین ولوازم الدکتاتوریّة ومقتضیات الملک العضوض.

ولو کان الخلیفة ناصباً نفسه للتأدیب فهل أدّب أمثال عبید الله بن عمر ، والحکم بن أبی العاص ، ومروان بن الحکم ، والولید بن عقبة ، وسعید بن العاص ، ونظراءهم من رجال العیث والفساد المستحقّین للتأدیب حیناً بعد حین؟ وهو کان یرنو إلی أعمالهم من کثب ، لکنّه لم یصدر منه إلاّ إرضاؤهم وتوفیر العطاء لهم والدفاع عنهم ، وتسلیطهم علی النفوس والأموال حتی أوردوه مورد الهلکة ، ولقد ادّخر تأدیبه کلّه لصلحاء الأُمّة مثل عمّار وأبی ذر وابن مسعود ومن حذا حذوهم ، فإلی الله المشتکی.

وإنّک لو أمعنت النظرة فی أعماله وأفعاله لتجدنّه لا یقیم وزناً لأیّ صالح من الأُمّة ، ولقد ترقی ذلک أو تسافل حتی إنّه جابه مولانا أمیر المؤمنین علیه السلام غیر مرّة بقوارص کلماته ، وممّا قال له ممّا مرّ فی صفحة (18 - 19) قوله : أنت أحقّ بالنفی منه. وقوله : لئن بقیت لا أعدم طاغیاً یتخذک سلّماً وعضداً وکهفاً وملجأً ، یرید بالطاغی أبا ذر وعمّار وأمثالهما ، ویجعل الإمام علیه السلام سلّماً وعضداً وکهفاً وملجأً لمن سمّاهم الطغاة.

ص: 50

(کَبُرَتْ کَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ) (1).

کأنّ الرجل لم یصاحب النبیّ الأعظم صلی الله علیه وآله وسلم ، أو لم یَعِ ما هتف به من فضائل مولانا أمیر المؤمنین علیه السلام من أوّل یومه آناء اللیل وأطراف النهار فی حلّه ومرتحله ، فی ظعنه وإقامته ، عند أفراد من أصحابه أو فی محتشد منهم ، ولدی الحوادث والوقائع ، وعند کلّ مناسبة ، وفی حروبه ومغازیه.

وکأنّه لم یشهد بلاء مولانا الإمام علیه السلام فی مآزق الإسلام الحرجة ، ولم یشهد کرّاته وقد فرّ أصحابه ، وتفانیه فی سبیل الدعوة عند خذلان غیره ، واقتحامه المهالک لصالح الإسلام حیث رکنوا إلی دعة ، وتقهقر بهم الفرق ، وثبّطهم الخول (2).

یزعم القوم أنّ الخلیفة کان حافظاً للقرآن وأنّه کان یتلوه فی رکعة فی لیالیه. ولو صحّ ما یقولون فهلاّ کان یمرّ بآیة التطهیر ومولانا الإمام علیه السلام أحد الخمسة الذین أُریدوا بها ، وبآیة المباهلة وهو نفس النبیّ فیها. إلی آیات أُخری نازلة فیه بالغة إلی ثلاثمائة آیة کما یقوله حبر الأُمّة عبد الله بن العباس (3) أو أنّه کان یمرّ بها علی حین غفلة من مفادها؟ أو یمرّ بها وقد بلغ منه اللغوب من کثرة التلاوة فلا یلتفت إلیها؟ أو أنّه کان یرتّلها ملتفتاً إلی مغازیها؟ ولکن ....

أنا لا أدری بما ذا یُعلّل قوارص الخلیفة علیّا علیه السلام ابنا حجر وکثیر وأمثالهما المعلّلون أقوال الخلیفة وأفعاله فی مثل أبی ذر وابن مسعود ومالک الأشتر ، بأنّ مصلحة بقائهم فی الأوساط الإسلامیّة مع الحریة فی المقال لا تکافئ المفسدة المترتّبة علیه من سقوط أُبّهة الخلافة؟ علی أنّه ما کان عند القوم إلاّ الأمر بالمعروف والنهیف)

ص: 51


1- الکهف : 5.
2- لعله بمعنی التفرّق ، من : ذهب القوم أخولَ أخول ، إذا تفرّقوا شتّی.
3- راجع ما مرّ فی الجزء الأوّل : ص 334. (المؤلف)

عن المنکر فهل یجرّهم الحبّ المعمی والمصمّ إلی أن یقولوا بمثل ذلک فی حقّ عظیم الدنیا والدین مولانا أمیر المؤمنین علیه السلام؟ فهل کانت مفسدة هنالک مترتّبة علی مقام الإمام فی المدینة حتی یکون نفیه عنها أولی؟ وهل هو إلاّ الصلاح کلّه؟ وهل المصالح النوعیّة والفردیّة تُستقی من غیره؟ ولعمر الحقّ إنّ أُبّهة تسقط لمکان أمیر المؤمنین علیه السلام وفضله ونزاهته وعلمه وإصلاحه لَحرِیّة بالسقوط ، وایم الله لو وسع أُولئک المدافعین عن تلکم العظائم لدنّسوا ساحة قدس الإمام بالفریة الشائنة ، واتّهموه بمثل ما اتّهموا به غیره من صُلحاء الأُمّة وأعلام الصحابة والخیرة الآمرین بالمعروف والناهین عن المنکر ، ولکن ....

ولو کان الخلیفة یعیر لنصائح الإمام علیه السلام أُذناً واعیة لصانه عن المهالک ، ولم تزل الأُبّهة مصونة له ، والعزّ والنجاح ذخراً له ولأهل الإسلام ، وکان خیراً له من رکوبه النهابیر التی جرّعته الغصص وأودت به وجرّت الویلات علی الأُمّة حتی الیوم ، ولکنّه ....

(لا جَرَمَ أَنَّ اللهَ یَعْلَمُ ما یُسِرُّونَ وَما یُعْلِنُونَ) (1)

(إِنَّ هؤُلاءِ یُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ وَیَذَرُونَ وَراءَهُمْ یَوْماً ثَقِیلاً) (2)

- 44 -

تسییر الخلیفة صلحاء الکوفة إلی الشام

روی البلاذری عن عبّاس بن هشام عن أبیه عن أبی مخنف فی إسناده قال : لمّا عزل عثمان رضی الله عنه الولید بن عقبة عن الکوفة ولاّها سعید بن العاص وأمره بمداراة أهلها ، فکان یجالس قرّاءها ووجوه أهلها ویسامرهم فیجتمع عنده منهم : مالک بن

ص: 52


1- النحل : 23.
2- الإنسان : 27.

الحارث الأشتر النخعی ، وزید وصعصعة ابنا صوحان العبدیّان ، وحرقوص بن زهیر السعدی ، وجندب بن زهیر الأزدی ، وشریح بن أوفی بن یزید بن زاهر العبسی ، وکعب بن عبدة النهدی ، وکان یقال لعبدة بن سعد : ابن ذی الحبکة - وکان کعب ناسکاً وهو الذی قتله بُسر بن أرطاة بتثلیث (1) - وعدیّ بن حاتم الجواد الطائی ویکنّی أبا طریف ، وکدام بن حضری بن عامر ، ومالک بن حبیب بن خراش ، وقیس ابن عطارد بن حاجب ، وزیاد بن خصفة بن ثقف ، ویزید بن قیس الأرحبی ، وغیرهم ، فإنّهم لعنده وقد صلّوا العصر إذ تذاکروا السواد والجبل ففضّلوا السواد ، وقالوا : هو ینبت ما ینبت الجبل وله هذا النخل ، وکان حسّان بن محدوج الذهلی الذی ابتدأ الکلام فی ذلک ، فقال عبد الرحمن بن خُنیس الأسدی صاحب شرطته : لوددت أنّه للأمیر وأنّ لکم أفضل منه. فقال له الأشتر : تمنّ للأمیر أفضل منه ولا تمنّ له أموالنا. فقال عبد الرحمن : ما یضرّک من تمنّی حتی تزوی ما بین عینیک فو الله لو شاء کان له. فقال الأشتر : والله لو رام ذلک ما قدر علیه. فغضب سعید وقال : إنّما السواد بستان لقریش. فقال الاشتر : أتجعل مراکز رماحنا وما أفاء الله علینا بستاناً لک ولقومک؟ والله لو رامه أحد لقُرع قرعاً یتصأصأ (2) منه. ووثب بابن خُنیس فأخذته الأیدی.

فکتب سعید بن العاص بذلک إلی عثمان وقال : إنّی لا أملک من الکوفة مع الأشتر وأصحابه الذین یُدعون القرّاء وهم السفهاء شیئاً. فکتب إلیه أن سیّرهم إلی الشام. وکتب إلی الأشتر : إنّی لأراک تضمر شیئاً لو أظهرته لحلّ دمک ، وما أظنّک منتهیاً حتی یصیبک قارعة لا بُقیا بعدها ، فإذا أتاک کتابی هذا فسر إلی الشام لإفسادک من قبلک وإنّک لا تألوهم خبالا. فسیّر سعید الأشتر ومن کان وثب مع ف.

ص: 53


1- تثلیث : موضع بالحجاز قرب مکة : معجم البلدان : 2 / 15.
2- تصأصأ من الرجل إذا فرِق منه وخاف.

الأشتر وهم : زید وصعصعة ابنا صوحان ، وعائذ بن حملة الطُهوی من بنی تمیم ، وکمیل بن زیاد النخعی ، وجُندب بن زهیر الأزدی ، والحارث بن عبد الله الأعور الهمدانی ، ویزید بن المکفف النخعی ، وثابت بن قیس بن المنقع النخعی ، وأصعر (1) بن قیس بن الحارث الحارثی.

فخرج المسیّرون من قرّاء أهل الکوفة فاجتمعوا بدمشق ، نزلوا مع عمرو بن زرارة فبرّهم معاویة وأکرمهم ، ثمّ إنّه جری بینه وبین الأشتر قول حتی تغالظا فحبسه معاویة ، فقام عمرو بن زرارة فقال : لئن حبسته لتجدنّ من یمنعه. فأمر بحبس عمرو فتکلّم سائر القوم فقالوا : أحسن جوارنا یا معاویة ، ثمّ سکتوا فقال معاویة : ما لکم لا تکلّمون؟ فقال زید بن صوحان : وما نصنع بالکلام؟ لئن کنّا ظالمین فنحن نتوب إلی الله ، وإن کنّا مظلومین فإنّا نسأل الله العافیة. فقال معاویة : یا أبا عائشة أنت رجل صدق. وأذن له فی اللحاق بالکوفة ، وکتب إلی سعید بن العاص : أمّا بعد : فإنّی قد أذنت لزید بن صوحان فی المسیر إلی منزله بالکوفة لما رأیت من فضله وقصده وحسن هدیه ، فأحسن جواره وکفّ الأذی عنه وأقبل إلیه بوجهک وودّک ، فإنّه قد أعطانی موثقاً أن لا تری منه مکروهاً. فشکر زید معاویة وسأله عند وداعه إخراج من حبس ففعل.

وبلغ معاویة أنّ قوماً من أهل دمشق یجالسون الأشتر وأصحابه فکتب إلی عثمان : إنّک بعثت إلیّ قوماً أفسدوا مصرهم وأنغلوه ، ولا آمن أن یفسدوا طاعة من قبلی ویعلّموهم ما لا یُحسنونه حتی تعود سلامتهم غائلة ، واستقامتهم اعوجاجا.

فکتب إلی معاویة یأمره أن یسیّرهم إلی حمص ، ففعل وکان والیها عبد الرحمن ابن خالد بن الولید بن المغیرة ، ویقال : إنّ عثمان کتب فی ردّهم إلی الکوفة فضجّ منهم ف)

ص: 54


1- کذا فی أنساب الأشراف بالعین المهملة ، وفی الإصابة : بالمعجمة. (المؤلف)

سعید ثانیة فکتب فی تسییرهم إلی حمص فنزلوا الساحل. الأنساب (1) (5 / 39 - 43).

صورة مفصّلة :

إنّ عثمان أحدث أحداثاً مشهورة نقمها الصحابة علیه من تأمیر بنی أُمیّة ولا سیّما الفسّاق منهم وأرباب السفه وقلّة الدین ، وإخراج مال الفیء إلیهم وما جری فی أمر عمّار وأبی ذر وعبد الله بن مسعود وغیر ذلک من الأُمور التی جرت فی أواخر خلافته ، ثمّ اتّفق أنّ الولید بن عقبة لمّا کان عاملاً علی الکوفة وشُهِد علیه بشرب الخمر صرفه وولّی سعید بن العاص مکانه ، فقدم سعید الکوفة واستخلص من أهلها قوماً یسمرون عنده ، فقال سعید یوماً : إنّ السواد بستان لقریش وبنی أُمیّة ، فقال الأشتر النخعی : وتزعم أنّ السواد الذی أفاءه الله علی المسلمین بأسیافنا بستان لک ولقومک؟ فقال صاحب شرطته : أتردّ علی الأمیر مقالته؟ وأغلظ له ، فقال الأشتر لمن حوله من النخع وغیرهم من أشراف الکوفة : ألا تسمعون؟ فوثبوا علیه بحضرة سعید فوطؤه وطأً عنیفاً وجرّوا برجله ، فغلظ ذلک علی سعید وأبعد سمّاره ، فلم یأذن بعدُ لهم فجعلوا یشتمون سعیداً فی مجالسهم ثمّ تعدّوا ذلک إلی شتم عثمان ، واجتمع إلیهم ناس کثیر حتی غلظ أمرهم ، فکتب سعید إلی عثمان فی أمرهم فکتب إلیه أن یسیّرهم إلی الشام لئلا یفسدوا أهل الکوفة وکتب إلی معاویة وهو والی الشام : إنّ نفراً من أهل الکوفة قد همّوا بإثارة الفتنة وقد سیّرتهم إلیک ، فانهَهم ، فإن آنست منهم رشداً فأحسن إلیهم وارددهم إلی بلادهم. فلمّا قدموا علی معاویة ، وکانوا : الأشتر ، ومالک بن کعب الأرحبی ، والأسود بن یزید النخعی ، وعلقمة بن قیس النخعی ، وصعصعة بن صوحان العبدی وغیرهم ، جمعهم یوماً وقال لهم :

إنّکم قوم من العرب ذوو أسنان وألسنة وقد أدرکتم بالإسلام شرفاً وغلبتم 6.

ص: 55


1- أنساب الأشراف : 6 / 151 - 156.

الأمم وحویتم مواریثهم ؛ وقد بلغنی أنّکم ذممتم قریشاً ، ونقمتم علی الولاة فیها ، ولولا قریش لکنتم أذلّة ، إنّ أئمّتکم لکم جُنّة فلا تَفرّقوا عن جُنّتکم. إنّ أئمّتکم لیصبرون علی الجور ویحتملون فیکم العتاب ، والله لَتنتهُنّ أو لیبتلینّکم الله بمن یسومکم الخسف ولا یحمدکم علی الصبر ، ثمّ تکونون شرکاءهم فیما جررتم علی الرعیّة فی حیاتکم وبعد وفاتکم.

فقال له صعصعة بن صوحان : أمّا قریش فإنّها لم تکن أکثر العرب ولا أمنعها فی الجاهلیّة ، وإنّ غیرها من العرب لأکثر منها وأمنع.

فقال معاویة : إنّک لخطیب القوم ولا أری لک عقلاً ، وقد عرفتکم الآن وعلمت أنّ الذی أغراکم قلّة العقول ، أُعظّم علیکم أمر الإسلام فتذکّرونی الجاهلیّة ، أخزی الله قوماً عظّموا أمرکم ، افقهوا عنّی ولا أظنّکم تفقهون : إنّ قریشاً لم تعزّ فی جاهلیّة ولا إسلام إلاّ بالله وحده ، لم تکن بأکثر العرب ولا أشدّها ولکنّهم کانوا أکرمهم أحساباً ، وأمحضهم أنساباً ، وأکملهم مروءة ، ولم یمتنعوا فی الجاهلیّة والناس تأکل بعضهم بعضا إلاّ بالله ، فبوّأهم حرماً آمناً یُتَخَطَّفُ الناس من حولهم ، هل تعرفون عرباً أو عجماً أو سوداً أو حمراً إلاّ وقد أصابهم الدهر فی بلدهم وحرمهم؟ إلاّ ما کان من قریش ، فإنّه لم یُردهم أحد من الناس بکید إلاّ جعل الله خدّه الأسفل ، حتی أراد الله تعالی أن یستنقذ من أکرمه باتّباع دینه من هوان الدنیا وسوء مردّ الآخرة ، فارتضی لذلک خیر خلقه ، ثمّ ارتضی له أصحاباً ، وکان خیارهم قریشاً ، ثمّ بنی هذا الملک علیهم وجعل هذه الخلافة فیهم فلا یصحّ الأمر إلاّ بهم ، وقد کان الله یحوطهم فی الجاهلیّة وهم علی کفرهم ، أفتراه لا یحوطهم وهم علی دینه؟ أُفّ لک ولأصحابک ، أمّا أنت یا صعصعة فإنّ قریتک شرّ القری ، أنتنها نبتاً ، وأعمقها وادیاً ، وألأمها جیراناً ، وأعرفها بالشرّ ، لم یسکنها شریف قطّ ، ولا وضیع إلاّ شبّ بها ، نُزّاع الأُمم وعبید فارس ، وأنت شرّ قومک ، أحین أبرزک الإسلام وخلطک بالناس أقبلت تبغی

ص: 56

دین الله عوجا ، وتنزع إلی الغوایة؟ إنّه لن یضرّ ذلک قریشاً ولا یضعهم ولا یمنعهم من تأدیة ما علیهم ، إنّ الشیطان عنکم لغیر غافل ، قد عرفکم بالشرّ فأغراکم بالناس ، وهو صارعکم وإنّکم لا تدرکون بالشرّ أمراً إلاّ فتح علیکم شرّ منه وأخزی ، قد أذنت لکم فاذهبوا حیث شئتم ، لا ینفع الله بکم أحداً أبداً ولا یضرّه ، ولستم برجال منفعة ولا مضرّة ، فإن أردتم النجاة فالزموا جماعتکم ولا تبطرنّکم النعمة ، فإنّ البطر لا یجرّ خیراً ، اذهبوا حیث شئتم ، فسأکتب إلی أمیر المؤمنین فیکم.

وکتب إلی عثمان : إنّه قدم علیّ قوم لیست لهم عقول ولا أدیان ، أضجرهم العدل لا یریدون الله بشیء ، ولا یتکلّمون بحجّة ، إنّما همّهم الفتنة والله مبتلیهم وفاضحهم ، ولیسوا بالذین نخاف نکایتهم ، ولیسوا الأکثر ممّن له شغب ونکیر (1). ثمّ أخرجهم من الشام.

وروی الحسن المدائنی : إنّه کان لهم مع معاویة بالشام مجالس طالت فیها المحاورات والمخاطبات بینهم ، وإنّ معاویة قال لهم فی جملة ما قاله : إنّ قریشاً قد عرفت أنّ أبا سفیان أکرمها وابن أکرمها إلاّ ما جعل الله لنبیّه صلی الله علیه وآله وسلم فإنّه انتجبه وأکرمه ، ولو أنّ أبا سفیان ولد الناس کلّهم لکانوا حلماء.

فقال له صعصعة بن صوحان : کذبت ، قد ولدهم خیر من أبی سفیان ، من خلقه الله بیده ونفخ فیه من روحه وأمر الملائکة فسجدوا له ، فکان فیهم البرّ والفاجر والکیّس والأحمق.

قال : ومن المجالس التی دارت بینهم أنّ معاویة قال لهم : أیّها القوم ردّوا خیراً واسکنوا (2) وتفکّروا وانظروا فیما ینفعکم والمسلمین فاطلبوه وأطیعونی. ا.

ص: 57


1- فی شرح النهج : ولیسوا بأکثر ممّن له شغب ونکیر. وفی تاریخ الطبری والکامل : فإنهم لیسوا لأکثر من شغب ونکیر.
2- کذا فی الطبعة المعتمدة لدی المؤلف من شرح النهج ، وفی الطبعة المعتمدة لدینا : أو اسکتوا.

فقال له صعصعة : لست بأهل لذلک ولا کرامة لک أن تطاع فی معصیة الله.

فقال : إنّ أول کلام ابتدأت به أن أمرتکم بتقوی الله وطاعة رسوله وأن تعتصموا بحبل الله جمیعاً ولا تفرّقوا.

فقال صعصعة : بل أمرت بالفرقة وخلاف ما جاء به النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم.

فقال : إن کنت فعلت فإنّی الآن أتوب وآمرکم بتقوی الله وطاعته ولزوم الجماعة وأن توقّروا أئمّتکم وتطیعوهم.

فقال صعصعة : إذا کنت تبت فإنّا نأمرک أن تعتزل أمرک ؛ فإنّ فی المسلمین من هو أحقّ به منک ممّن کان أبوه أحسن أثراً فی الإسلام من أبیک ، وهو أحسن قدماً فی الإسلام منک.

فقال معاویة : إنّ لی فی الإسلام لقدماً وإن کان غیری أحسن قدماً منّی لکنّه لیس فی زمانی أحد أقوی علی ما أنا فیه منّی ، ولقد رأی ذلک عمر بن الخطّاب ، فلو کان غیری أقوی منّی لم یکن عند عمر هوادة لی ولغیری ، ولا حدث ما ینبغی له أن اعتزل عملی ، ولو رأی ذلک أمیر المؤمنین لکتب إلیّ فاعتزلت عمله ، ولو قضی الله أن یفعل ذلک لرجوت أن لا یعزم له علی ذلک إلاّ وهو خیر ، فمهلاً فإنّ فی دون ما أنتم فیه ما یأمر فیه الشیطان وینهی ، ولعمری لو کانت الأمور تُقضی علی رأیکم وأهوائکم ما استقامت الأُمور لأهل الإسلام یوماً ولیلة ، فعاودوا الخیر وقولوه.

فقالوا : لست لذلک أهلاً. فقال : أما والله إنّ لله لسطوات ونقمات ، وإنّی لخائف علیکم أن تتبایعوا إلی مطاوعة الشیطان ومعصیة الرحمن فیحلّکم ذلک دار الهوان فی العاجل والآجل.

فوثبوا علیه فأخذوا برأسه ولحیته ، فقال : مه ، إنّ هذه لیست بأرض الکوفة ، والله لو رأی أهل الشام ما صنعتم بی وأنا إمامهم ما ملکت أن أنهاهم عنکم حتی

ص: 58

یقتلوکم ، فلعمری إنّ صنیعکم لیشبه بعضه بعضا. ثمّ قام من عندهم فقال : والله لا أدخل علیکم مدخلاً ما بقیت ، وکتب إلی عثمان :

بسم الله الرحمن الرحیم. لعبد الله عثمان أمیر المؤمنین من معاویة بن أبی سفیان ، أمّا بعد : یا أمیر المؤمنین فإنّک بعثت إلیّ أقواماً یتکلّمون بألسنة الشیاطین وما یملون علیهم ویأتون الناس - زعموا - من قبل القرآن فیشبّهون علی الناس ، ولیس کلّ الناس یعلم ما یریدون ، وإنّما یریدون فرقة ، ویقرّبون فتنة ، قد أثقلهم الإسلام وأضجرهم ، وتمکّنت رُقی الشیطان من قلوبهم ، فقد أفسدوا کثیراً من الناس ممّن کانوا بین ظهرانیهم من أهل الکوفة ، ولست آمن إن أقاموا أهل الشام أن یغرّوهم بسحرهم وفجورهم فارددهم إلی مصرهم ، فلتکن دارهم فی مصرهم الذی نجم فیه نفاقهم. والسلام.

فکتب إلیه عثمان یأمره أن یردّهم إلی سعید بن العاص بالکوفة ، فردّهم إلیه فلم یکونوا إلاّ أطلق ألسنة منهم حین رجعوا ، وکتب سعید إلی عثمان یضجّ منهم ، فکتب عثمان إلی سعید : أن سیّرهم إلی عبد الرحمن بن خالد بن الولید وکان أمیراً علی حمص وهم : الأشتر ، وثابت بن قیس الهمدانی (1) وکمیل بن زیاد النخعی ، وزید بن صوحان وأخوه صعصعة ، وجندب بن زهیر الغامدی ، وحبیب بن کعب الأزدی ، وعروة بن الجعد (2) وعمرو بن الحمق الخزاعی.

وکتب عثمان إلی الأشتر وأصحابه : أمّا بعد : فإنّی قد سیّرتکم إلی حمص فإذا أتاکم کتابی هذا فاخرجوا إلیها ، فإنّکم لستم تألون الإسلام وأهله شرّا. والسلام.

فلمّا قرأ الأشتر الکتاب قال : اللهمّ أسوأنا نظراً للرعیّة ، وأعملنا فیهم بالمعصیة فعجّل له النقمة. فکتب بذلک سعید إلی عثمان ، وسار الأشتر وأصحابه إلی حمص ف)

ص: 59


1- فی تاریخ الطبری [4 / 326 حوادث سنة 33 ه] : النخعی ، بدل : الهمدانی. (المؤلف)
2- فی أُسد الغابة : 3 / 403 [4 / 27 رقم 3640] : کان ممّن سیّره عثمان رضی الله عنه إلی الشام من أهل الکوفة. (المؤلف)

فأنزلهم عبد الرحمن بن خالد الساحل وأجری علیهم رزقاً.

وروی الواقدی : أنّ عبد الرحمن بن خالد جمعهم بعد أن أنزلهم أیّاماً وفرض لهم طعاماً قال لهم : یا بنی الشیطان لا مرحباً بکم ولا أهلاً ، قد رجع الشیطان محسوراً وأنتم بعد فی بساط ضلالکم وغیّکم ، جزی الله عبد الرحمن أن لم یؤذکم (1) ، یا معشر من لا أدری أعرب هم أم عجم ، أتراکم تقولون لی ما قلتم لمعاویة؟ أنا ابن خالد بن الولید ، أنا ابن من عجمته العاجمات ، أنا ابن فاقئ عین الردّة ، والله یا ابن صوحان لأطیرنّ بک طیرة بعیدة المهوی ، إن بلغنی أنّ أحداً ممّن معی دقّ أنفک فاقتنعت رأسک. قال : فأقاموا عنده شهراً کلّما رکب أمشاهم معه ویقول لصعصعة : یا بن الخطیئة! إنّ من لم یصلحه الخیر أصلحه الشرّ ، ما لک لا تقول کما کنت تقول لسعید ومعاویة؟ فیقولون : نتوب إلی الله ، أقلنا أقالک الله ، فما زال ذاک دأبه ودأبهم حتی قال : تاب الله علیکم. فکتب إلی عثمان یسترضیه عنهم ویسأله فیهم فردّهم إلی الکوفة (2).

تاریخ الطبری (5 / 88 - 90) ، الکامل لابن الأثیر (3 / 57 - 60) ، شرح ابن أبی الحدید (1 / 158 - 160) ورأی هذه الصورة أصحّ ما ذکر فی القضیّة ، تاریخ ابن خلدون (2 / 387 - 389) ، تاریخ أبی الفداء (1 / 168) فی حوادث سنة (33).

قال الأمینی : کان فی عظمة أکثر هؤلاء القوم وصلاحهم المتسالم علیه وتقواهم المعترف بها مرتدع عن أذاهم وإجفالهم عن مستوی عزّهم وموطن إقامتهم وتسییرهم من منفیً إلی منفی ، والإصاخة إلی سعایة ذلک الشابّ المستهتر ، والله سبحانه یقول : (إِنْ جاءَکُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَیَّنُوا أَنْ تُصِیبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلی 1.

ص: 60


1- کذا فی شرح نهج البلاغة ، وفی الکامل فی التاریخ وتاریخ ابن خلدون : خسّر الله عبد الرحمن إن لم یؤدّبکم.
2- تاریخ الأُمم والملوک : 4 / 317 حوادث سنة 33 ه ، الکامل فی التاریخ : 2 / 267 حوادث سنة 33 ه ، شرح نهج البلاغة : 2 / 129 - 134 خطبة 30 ، تاریخ ابن خلدون : 2 / 589 - 591.

ما فَعَلْتُمْ نادِمِینَ) (1). وکان علی الخلیفة أن یبعث إلیه باللائمة بل یعاقبه علی ما فرّطفی جنب أولیاء الله بتسمیته إیّاهم السفهاء وهم قرّاء المصر ، وزعماء الملأ ، ونسّاک القطر ، وفقهاء القارة ، وهم القدوة فی التقوی والنسک ، وبهم الأُسوة فی الفقه والأخلاق ، ولم یکن علیهم إلاّ عدم التنازل لمیول ذلک الغلام الزائف ، وعدم مماشاتهم إیّاه علی شهواته ومزاعمه ، وهلاّ استشفّ الخلیفة حقیقة ما شجر بینه وبین القوم حتی یحکم فیه بالحقّ ، لکنّه بدل أن یتّخذ تلکم الطریقة المثلی فی القضیّة استهواه ذلک الشابّ المترف فمال إلیه بکلّه ، ونال من القوم ما نال ، وأوقع بهم ما حبّذه له الحبّ المعمی والمصمّ ، لکن الدین وملأه أنکرا ذلک علیه وحفظه التاریخ ممّا نقم به علی عثمان.

کانت لائمة معاویة للقوم مزیجها الملاینة لا عن حلم ، وخشونة لا یستمرّ علیها ، کلّ ذلک لم یکن لنصرة حقّ أو ابتغاء إصلاح ، وإنّما کان یکاشفهم جلباً لمرضاة الخلیفة ، ویوادعهم لما کان یدور فی خلده من هوی الخلافة غداً ، وکان یعرف القوم بالشدّة والمتبوعیّة ، فما کان یروقه قطع خطّ الرجعة بینه وبینهم متی تسنّی له الحصول علی غایته المتوخّاة ، وکانت هذه الخواطر لا تبارحه ، ولا یزال هو یعدّ الدقائق والثوانی للتوصّل إلیها ، وکان أحبّ الأشیاء إلیه اکتساح العراقیل دونها ، ولذلک أطلق سراح القوم وتثبّط عن النهضة لنصرة عثمان لمّا استنصره - کما سیأتی تفصیله - حتی قتل ومعاویة فی الخاذلین له.

وأمّا ابن خالد فقد جری مجری أبیه فی الفظاظة والغلظة ، فلم یعاملهم إلاّ بالرعونة ولم یجاملهم إلاّ بالقسوة ، وکلّ إناء بالذی فیه ینضح.

وهاهنا نوقفک علی نُبذ من أحوال من یهمّک الوقوف علی حیاته الثمینة من أولئک الرجال المنفیّین الأبرار ، حتی تعلم أنّ ما تقوّلوه فیهم وفعلوه بهم فی منتأیً 6.

ص: 61


1- الحجرات : 6.

عنهم ، وإنّما کان ذلک ظلماً وعدواناً ، وتعلم أنّ ابن حجر مائن فیما یصف به الأشتر من المروق (1) غیر مصیب فی قذفه ، متجانف للإثم فی الدفاع عن عثمان بقوله : إنّ المجتهد لا یُعترض علیه فی أُموره الاجتهادیّة ، لکن أُولئک الملاعین المعترضین لا فهم لهم بل ولا عقل (2).

الأشتر :

1 - مالک بن الحارث الأشتر : أدرک النبیّ الأعظم وقد أثنی علیه کلّ من ذکره ؛ ولم أجد أحداً یغمز فیه ، وثّقه العجلی (3) وذکره ابن حبّان فی الثقات (4) ، ولا یُحمل عدم روایة أیّ إمام عنه علی تضعیفه ، قال ابن حجر فی تهذیب التهذیب (5) (10 / 12) : قال مهنّا : سألت أحمد عن الأشتر یروی عنه الحدیث؟ قال : لا. قال : ولم یرد أحمد بذاک تضعیفه ، وإنّما نفی أن تکون له روایة.

وکفاه فضلاً ومنعة کلمات مولانا أمیر المؤمنین فی الثناء علیه فی حیاته وبعد المنون ، وإلیک بعض ما جاء فی ذلک البطل العظیم :

1 - من کتاب لمولانا أمیر المؤمنین کتبه إلی أهل مصر لمّا ولّی علیهم الأشتر : «أمّا بعد : فقد بعثت إلیکم عبداً من عباد الله لا ینام أیّام الخوف ، ولا ینکل عن الأعداء ساعات الروع ، أشدّ علی الفجّار من حریق النار. وهو مالک بن الحارث أخو مذحج ، فاسمعوا له وأطیعوا أمره فیما طابق الحقّ ، فإنّه سیف من سیوف الله ، لا 1.

ص: 62


1- راجع الصواعق : ص 68 [ص 115]. (المؤلف)
2- راجع الصواعق : 68 [ص 113]. (المؤلف)
3- تاریخ الثقات : ص 417 رقم 1520.
4- الثقات : 5 / 389.
5- تهذیب التهذیب : 10 / 11.

کلیل الظُبة (1) ولا نابی الضریبة ، فإن أمرکم أن تنفروا فانفروا ، وإن أمرکم أن تقیموا فأقیموا ، فإنّه لا یُقدم ولا یُحجم ، ولا یؤخّر ولا یُقدّم إلاّ عن أمری ، وقد آثرتکم به علی نفسی لنصیحته لکم ، وشدّة شکیمته علی عدوّکم (2)».

تاریخ الطبری (6 / 55) ، نهج البلاغة (2 / 61) ، شرح ابن أبی الحدید (2 / 30).

صورة أخری :

رواها الشعبی من طریق صعصعة بن صوحان.

«أمّا بعد : فإنّی قد بعثت إلیکم عبداً من عباد الله لا ینام أیّام الخوف ، ولا ینکل عن الأعداء حذار الدوائر ، لا ناکِلٌ من قدم ، ولا واهٍ فی عزم ، من أشدّ عباد الله بأساً وأکرمهم حسباً ، أضرّ علی الفجّار من حریق النار ، وأبعد الناس من دنس أو عار ، وهو مالک بن الحارث الأشتر ، حسام صارم ، لا نابی الضریبة ، ولا کلیل الحدّ ، حکیم فی السلم ، رزین فی الحرب ، ذو رأی أصیل ، وصبر جمیل ، فاسمعوا له وأطیعوا أمره ، فإن أمرکم بالنفر فانفروا ، وإن أمرکم أن تقیموا فأقیموا ، فإنّه لا یُقدم ولا یُحجم إلاّ بأمری ، وقد آثرتکم به علی نفسی نصیحةً لکم ، وشدّة شکیمته علی عدوّکم» ... إلخ (3).

2 - من کتاب للمولی أمیر المؤمنین کتبه إلی أمیرین من أُمراء جیشه :

«وقد أمّرت علیکما وعلی من فی حیّزکما مالک بن الحارث الأشتر ، فاسمعا له ف)

ص: 63


1- الظبة : بتخفیف الموحدة : حدّ السیف. (المؤلف)
2- تاریخ الأُمم والملوک : 5 / 96 حوادث سنة 38 ه ، نهج البلاغة : ص 410 خطبة 38 ، شرح نهج البلاغة : 6 / 77 خطبة 67.
3- شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید : 2 / 29 [6 / 75 خطبة 67] ، جمهرة الرسائل : 1 / 549 [رقم 504]. (المؤلف)

وأطیعا واجعلاه درعاً ومجنّا ، فإنّه ممّن لا یُخاف وهنه ولا سقطته ، ولا بطؤه عمّا الإسراع إلیه أحزم ، ولا إسراعه إلی ما البطء عنه أمثل».

قال ابن أبی الحدید فی شرحه (1) (3 / 417) : فأمّا ثناء أمیر المؤمنین علیه السلام علیه فی هذا الفصل فقد بلغ مع اختصاره ما لا یبلغ بالکلام الطویل ، ولعمری لقد کان الأشتر أهلاً لذلک ، کان شدید البأس جواداً رئیساً حلیماً فصیحاً شاعراً ، وکان یجمع بین اللّین والعنف ، فیسطو فی موضع السطوة ، ویرفق فی موضع الرفق ؛ ومن کلام عمر : إنّ هذا الأمر لا یصلح إلاّ لقویّ فی غیر عنف ، ولیّن فی غیر ضعف. انتهی.

3 - من کتاب کتبه مولانا أمیر المؤمنین إلی محمد بن أبی بکر یذکر فیه الأشتر فیقول :

«إنّ الرجل الذی کنت ولیّته مصر کان لنا نصیحاً ، وعلی عدوّنا شدیداً ، وقد استکمل أیّامه ، ولاقی حمامه ، ونحن عنه راضون ، فرضی الله عنه ، وضاعف له الثواب ، وأحسن له المآب» (2).

تاریخ الطبری (6 / 55) ، نهج البلاغة (2 / 59) ، الکامل لابن الأثیر (3 / 153) ، شرح ابن أبی الحدید (2 / 30).

4 - لمّا بلغ علیّا - أمیر المؤمنین - موت الأشتر قال : «(إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَیْهِ راجِعُونَ) والحمد لله ربّ العالمین ؛ اللهمّ إنّی أحتسبه عندک ، فإنّ موته من مصائب الدهر. ثمّ قال : رحم الله مالکاً فقد کان وفّی (3) بعهده ، وقضی نحبه ، ولقی ربّه ، مع أنّا قد وطّنّا ی.

ص: 64


1- شرح نهج البلاغة : 15 / 101 کتاب 13.
2- تاریخ الأُمم والملوک : 5 / 97 حوادث سنة 38 ه ، نهج البلاغة : ص 407 خطبة 34 ، الکامل فی التاریخ : 2 / 411 حوادث سنة 38 ه ، شرح نهج البلاغة : 6 / 78 خطبة 67.
3- کذا فی الطبعة التی اعتمدها المؤلف قدس سره ، وفی الطبعة المعتمدة لدینا : فلقد وفّی.

أنفسنا أن نصبر علی کلّ مصیبة بعد مصابنا برسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فإنّها من أعظم المصائب» ، قال المغیرة الضبی : لم یزل أمر علیّ شدیداً حتی مات الأشتر (1).

5 - عن جماعة من أشیاخ النخع ، قالوا : دخلنا علی علیّ أمیر المؤمنین حین بلغه موت الأشتر فوجدناه یتلهّف ویتأسّف علیه ثمّ قال : «لله درّ مالک ، وما مالک؟ لو کان من جبل لکان فنداً (2) ، ولو کان من حجر لکان صلداً ، أما والله لیهدّنّ موتک عالَماً ، ولیُفرحنّ عالماً ، علی مثل مالک فلیبکِ البواکی ، وهل موجود کمالک؟».

وقال علقمة بن قیس النخعی : فما زال علیّ یتلهّف ویتأسّف ؛ حتی ظننّا أنّه المصاب به دوننا ، وعُرف ذلک فی وجهه أیّاماً.

وفی لفظ الشریف الرضی والزبیدی : «لو کان جبلاً لکان فنداً ، لا یرتقیه الحافر ، ولا یوفی علیه الطائر» (3).

نهج البلاغة (2 / 239) ، شرح ابن أبی الحدید (2 / 30) ، لسان العرب (4 / 336) ، الکامل لابن الأثیر (3 / 153) ، تاج العروس (2 / 454).

6 - قال ابن أبی الحدید فی شرحه (4) (3 / 416) : کان فارساً شجاعاً رئیساً من أکابر الشیعة وعظمائها ، شدید التحقّق بولاء أمیر المؤمنین علیه السلام ونصره ، وقال فیه بعد موته : «رحم الله مالکاً ، فلقد کان لی کما کنت لرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم».

7 - دسّ معاویة بن أبی سفیان للأشتر مولیً لآل عمر ، فسقاه شربة سویق 3.

ص: 65


1- شرح ابن أبی الحدید : 2 / 29 [6 / 77 الأصل 67]. (المؤلف)
2- الفند بالکسر : القطعة العظیمة من الجبل. (المؤلف)
3- نهج البلاغة : ص 554 خطبة 443 ، شرح نهج البلاغة : 6 / 77 خطبة 67 ، لسان العرب : 10 / 333 ، الکامل فی التاریخ : 2 / 410.
4- شرح نهج البلاغة : 15 / 98 کتاب 13.

فیها سمّ فمات. فلمّا بلغ معاویة موته قام خطیباً فی الناس فحمد الله وأثنی علیه وقال : أمّا بعد : فإنّه کان لعلیّ بن أبی طالب یدان یمینان ، قطعت إحداهما یوم صفّین وهو عمّار بن یاسر ، وقطعت الأخری الیوم وهو مالک الأشتر (1).

تاریخ الطبری (6 / 255) ، الکامل لابن الأثیر (3 / 153) ، شرح ابن أبی الحدید (2 / 29).

قال الأمینی : ما أجرأ الطلیق ابن الطلیق الطاغیة علی السرور والتبهّج بموت الأخیار الأبرار بعد ما یقتلهم ، ویقطع عن أدیم الأرض أُصول برکاتهم ، ویبشّر بذلک أُمّته الفئة الباغیة ، ویأمرهم بالدعاء علیهم (أُوْلئِکَ الَّذِینَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذابِ وَهُمْ فِی الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ) (2) ، (وَسَوْفَ یَعْلَمُونَ حِینَ یَرَوْنَ الْعَذابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِیلاً) (3).

8 - وقبل هذه کلّها ما جاء عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی دفن أبی ذر سیّد غفار من قوله فی لفظ الحاکم وأبی نعیم وأبی عمر : «لیموتنّ أحدکم بفلاة من الأرض یشهده عصابة من المؤمنین» ، وفی لفظ البلاذری : «یلی دفنه رهط صالحون» ، وقد دفنه مالک الأشتر وأصحابه الکوفیّون ، کما فی (4) أنساب البلاذری (5 / 55) ، وحلیة الأولیاء لأبی نعیم (1 / 170) ، والمستدرک للحاکم (3 / 337) ، والاستیعاب لأبی عمر (1 / 83) ، وشرح ابن أبی الحدید (3 / 416) فقال : هذا الحدیث یدلّ علی فضیلة عظیمة للأشتر ; ؛ وهی شهادة قاطعة من النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم بأنّه مؤمن.

قال الأمینی : ما أبعد المسافة بین هذه الشهادة وبین وصف ابن حجر إیّاه فی 3.

ص: 66


1- تاریخ الأُمم والملوک : 5 / 96 حوادث سنة 38 ه ، الکامل فی التاریخ : 2 / 410 ، شرح نهج البلاغة : 6 / 76 خطبة 67.
2- النمل : 5.
3- الفرقان : 42.
4- أنساب الأشراف : 6 / 171 ، المستدرک علی الصحیحین : 3 / 388 ح 5470 ، الاستیعاب : القسم الأول / 254 رقم 339 ، شرح نهج البلاغة : 15 / 99 کتاب 13.

الصواعق (1) (ص 68) بالمروق وعدم الفهم والعقل ، ولعنه إیّاه وأصحابه الصلحاء ، وقد عزب عنه أنّه لا یلفظ من قول إلاّ ولدیه رقیب عتید.

نحن لسنا الآن فی صدد التبسّط فی فضائل مالک وتحلیل نفسیّاته الکریمة ومآثره الجمّة وإلاّ لأریناک منه کتاباً ضخماً ، ولقد ناء بشطر مهمّ منها الفاضلان الشریفان السیّد محمد الرضا آل السیّد جعفر الحکیم النجفی ، وابن عمّه السیّد محمد التقی ابن السیّد السعید الحکیم النجفی فی کتابیهما المطبوعین المخصوصین بمالک ، وقد سبقهما إلی ذلک بعض علمائنا السابقین ، یوجد کتابه المخطوط فی مکتبة مولانا الإمام الرضا علیه السلام بخراسان المشرّفة ، حیّا الله حملة العلم سلفاً وخلفاً.

2 - زید بن صوحان العبدی ، الشهیر بزید الخیر : أدرک النبیّ الأعظم صلی الله علیه وآله وسلم وترجمه أبو عمر وابن الأثیر وابن حجر فی معاجم الصحابة ، قال أبو عمر : کان فاضلاً دیّناً سیّداً فی قومه.

أخرج أبو یعلی (2) ، وابن مندة ، والخطیب ، وابن عساکر من طریق علیّ علیه السلام مرفوعاً : «من سرّه أن ینظر إلی من یسبقه بعض أعضائه إلی الجنّة فلینظر إلی زید بن صوحان».

وفی حدیث آخر : «الأقطع الحبر زید ، زید رجل من أُمّتی تدخل الجنّة یده قبل بدنه» - قطعت یده یوم القادسیّة.

وفی حدیث أخرجه ابن مندة ، وأبو عمر ، وابن عساکر ، عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «زید وما زید؟! یسبقه بعض جسده إلی الجنّة ، ثمّ یتبعه سائر جسده إلی الجنّة».

وأخرج ابن عساکر من طریق الحکم بن عیینه (3) ، قال : لمّا أراد زید أن یرکب 8.

ص: 67


1- الصواعق المحرقة : ص 115.
2- مسند أبی یعلی : 1 / 393 ح 511.
3- فی تاریخ دمشق ومختصره : عتیبة ، ترجمه الذهبی فی سیر أعلام النبلاء : 5 / 208.

دابّته أمسک عمر برکابه ثمّ قال لمن حضره : هکذا فاصنعوا بزید وإخوته وأصحابه (1).

تاریخ ابن عساکر (6 / 11 - 13) ، تاریخ الخطیب (8 / 440) ، الاستیعاب (1 / 197) ، أُسد الغابة (3 / 234) ، بهجة المحافل (2 / 237) ، الإصابة (1 / 582).

وفی الفائق للزمخشری (2) (1 / 35) : قال فیه النبیّ علیه الصلاة والسلام : «زید الخیر الأجذم من الخیار الأبرار».

وفی معارف ابن قتیبة (3) (ص 176) : کان من خیار الناس ، وروی فی الحدیث أنّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم قال : «زید الخیر الأجذم ، وجندب ما جندب» فقیل : یا رسول الله أتذکر رجلین؟ فقال : «أمّا أحدهما فسبقته یده إلی الجنة بثلاثین عاماً ، وأمّا الآخر فیضرب ضربة یفصل بها بین الحقّ والباطل» ، فکان أحد الرجلین زید بن صوحان شهد یوم جلولاء فقطعت یده وشهد مع علیّ یوم الجمل ، فقال : یا أمیر المؤمنین ما أرانی إلاّ مقتولاً ، قال : «وما علمک بهذا یا أبا سلیمان؟» قال : رأیت یدی نزلت من السماء وهی تستشیلنی. فقتله عمرو بن یثربی وقتل أخاه سلیمان (4) یوم الجمل.

وفی تاریخ الخطیب (8 / 439) : کان زید یقوم اللیل ویصوم النهار ، وإذا کانت لیلة الجمعة أحیاها ، وقال : قتل یوم الجمل وقال : ادفنونی فی ثیابی فإنّی مخاصم. وفی روایة : لا تغسلوا عنّی دماً ، ولا تنزعوا عنّی ثوباً إلاّ الخفّین ، وارمسونی فی الأرض رمساً فإنّی رجل مُحاجٌّ. زاد أبو نعیم : أُحاجّ یوم القیامة. ن.

ص: 68


1- تاریخ مدینة دمشق : 19 / 434 ، 436 ، 438 رقم 2339 وفی مختصر تاریخ دمشق : 9 / 143 - 144 ، الاستیعاب : القسم الثانی / 555 - 556 رقم 852 ، أُسد الغابة : 2 / 291 رقم 1848.
2- الفائق : 1 / 78.
3- المعارف : ص 402.
4- فی المصدر : وقتل أخاه سیحان.

وفی مرآة الجنان للیافعی (1 / 99) : کان زید من سادة التابعین صوّاماً قوّاماً. وفی شذرات الذهب (1) (1 / 44) : من خواصّ علیّ من الصلحاء الأتقیاء.

وقال عقیل بن أبی طالب لمعاویة فی حدیث مروج الذهب (2) (2 / 75) : أمّا زید وعبد الله - أخوه - فإنّهما نهران جاریان یصبّ فیهما الخلجان ، ویغاث بهما اللهفان (3) ، رجلا جدّ لا لعب معه.

ووصفه أخوه صعصعة لابن عبّاس لمّا قال له : أین أخواک منک زید وعبد الله؟ صفهما. فقال : کان زید والله یا بن عبّاس عظیم المروّة ، شریف الأُخوّة ، جلیل الخطر ، بعید الأثر ، کمیش العروة ، ألیف البدوة ، سلیم جوانح الصدر ، قلیل وساوس الدهر ، ذاکراً لله طرفی النهار وزلفیً من اللیل ، الجوع والشبع عنده سیّان ، لا ینافس فی الدنیا ، وأقلّ فی أصحابه من ینافس فیها ، یطیل السکوت ، ویحفظ الکلام ، وإن نطق نطق بمقام ، یهرب منه الدُّعّار (4) الأشرار ، ویألفه الأحرار الأخیار. فقال ابن عباس : ما ظنّک برجل من أهل الجنّة ، رحم الله زیداً.

3 - صعصعة بن صوحان العبدی ، أخو زید الخیر المذکور : ذکر فی معاجم الصحابة ، قال أبو عمر : کان مسلماً علی عهد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لم یلقه ولم یره. کان سیّداً فصیحاً خطیباً دیّناً. قال الشعبی : کنت أتعلّم منه الخطب ، وقال عقیل بن أبی طالب لمعاویة فی حدیث : أمّا صعصعة فعظیم الشأن ، عضب اللسان ، قائد فرسان ، قاتل أقران ، یرتق ما فتق ، ویفتق ما رتق ، قلیل النظیر.

وقال ابن الأثیر : کان سیّداً من سادات قومه عبد القیس ، وکان فصیحاً خطیباً د.

ص: 69


1- شذرات الذهب : 1 / 209 حوادث سنة 36 ه.
2- مروج الذهب : 3 / 48.
3- فی الطبعة المعتمدة لدینا : ویُغاث بهما البلدان.
4- جمع داعر ، وهو الخبیث المفسد.

لسناً دیّناً فاضلاً یُعدّ فی أصحاب علیّ رضی الله عنه.

له مع عثمان محاورة سیوافیک شیء منها ، ومواقفه مع معاویة ذکرت جملة منها فی مروج الذهب (2 / 76 - 83) ، وتاریخ ابن عساکر (6 / 424 - 427). وثّقه ابن سعد والنسائی وابن حبّان (1) وابن عساکر وابن الأثیر وابن حجر.

أخرج ابن شبّة : أنّ عمر بن الخطّاب قسّم المال الذی بعث إلیه أبو موسی ، وکان ألف ألف درهم وفضلت منه فضلة فاختلفوا علیه حیث یضعها ، فقام خطیباً فحمد الله وأثنی علیه ، وقال : أیّها الناس قد بقیت لکم فضلة بعد حقوق الناس فما تقولون فیها؟ فقام صعصعة بن صوحان وهو غلام شابّ فقال : یا أمیر المؤمنین إنّما تُشاور الناس فیما لم یُنزل الله فیه قرآناً ، أمّا ما أنزل الله به القرآن ووضعه مواضعه فضعه فی مواضعه التی وضعه الله تعالی فیها. فقال : صدقت. أنت منّی وأنا منک. فقسّمه بین المسلمین.

راجع (2) : طبقات ابن سعد ، مروج الذهب ، تاریخ ابن عساکر ، الاستیعاب ، أُسد الغابة ، الإصابة ، تهذیب التهذیب ، خلاصة الخزرجی.

4 - جندب بن زهیر الأزدی : صحابیّ مترجم له (3) فی الاستیعاب ، وأُسد الغابة ، والإصابة. وله فی یومی الجمل وصفّین مواقف محمودة مع أمیر المؤمنین علیه السلام. 7.

ص: 70


1- الثقات : 4 / 382.
2- الطبقات الکبری : 6 / 221 ، مروج الذهب : 3 / 49 - 54 ، تاریخ مدینة دمشق : 24 / 90 - 96 رقم 2881 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 11 / 84 - 88 ، الاستیعاب : القسم الثانی / 717 رقم 1211 ، أُسد الغابة : 3 / 21 رقم 2503 ، الإصابة : 2 / 186 رقم 4069 ، تهذیب التهذیب : 4 / 370 ، خلاصة الخزرجی : 1 / 469 رقم 3092.
3- الاستیعاب : القسم الأوّل / 258 رقم 343 ، أُسد الغابة : 1 / 359 رقم 802 ، الإصابة : 1 / 248 رقم 1217.

5 - کعب بن عبدة : سمعت فیما مرّ عن البلاذری (1) أنّه کان ناسکاً.

6 - عدیّ بن حاتم الطائی : صحابیّ عظیم قدم علی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم سنة (7) ، لم یختلف اثنان فی ثقته ، أخرج حدیثه أئمّة الصحاح الستّة ، وقد أثنی علیه عمر بن الخطّاب لمّا قال له : یا أمیر المؤمنین أتعرفنی؟ فقال : نعم والله إنّی لأعرفک ، أکرمک الله بأحسن المعرفة ، أعرفک والله آمنت إذ کفروا ، وعرفت إذ أنکروا ، ووفیت إذ غدروا ، وأقبلت إذ أدبروا ، وإنّ أوّل صدقة بیّضت وجه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ووجوه أصحابه صدقة طیئ جئت بها إلی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم. ثمّ أخذ یعتذر.

أخرجه (2) : أحمد فی المسند (1 / 45) ، وابن سعد فی الطبقات ، ومسلم فی صحیحه ، وأبو عمر فی الاستیعاب ، والخطیب فی تاریخه ، وابن الأثیر فی أُسد الغابة وفیه : إنّه کان منحرفاً عن عثمان ، وابن حجر فی تهذیب التهذیب (7 / 166).

وأعجب ما أجده من التحریف فی تاریخ الخطیب ما أخرجه فی (1 / 191) بالإسناد عن المغیرة قال : خرج عدیّ بن حاتم وجریر بن عبد الله البجلی وحنظلة الکاتب من الکوفة ، فنزلوا قرقیسیاء (3) وقالوا : لا نقیم ببلد یُشتم فیه عثمان.

والصواب : یُشتم فیه علیّ. فبدّلت ید التحریف علیّا بعثمان ، وذکره علی علاّته ابن حجر فی تهذیب التهذیب (4) (7 / 167). 1.

ص: 71


1- أنساب الأشراف : 6 / 154.
2- مسند أحمد : 1 / 74 ح 318 ، صحیح مسلم : 5 / 111 ح 196 کتاب فضائل الصحابة ، الاستیعاب : القسم الثالث / 1058 رقم 1781 ، أُسد الغابة : 4 / 9 رقم 3604 ، تهذیب التهذیب : 7 / 151.
3- قرقیسیاء : بلد علی نهر الخابور ، عندها مصب الخابور فی الفرات ، فهی مثلث بین الخابور والفرات.
4- تهذیب التهذیب : 7 / 151.

توجد ترجمة عدی فی (1) : الاستیعاب ، تاریخ بغداد (ج 1) ، أُسد الغابة ، الإصابة ، تهذیب التهذیب.

7 - مالک بن حبیب : له إدراک ، عُدّ من الصحابة.

8 - یزید بن قیس الأرحبی : له إدراک ، وکان رئیساً کبیراً عظیماً عند الناس ، ولمّا ثار أهل الکوفة علی عثمان اجتمع قرّاء الکوفة وأمّروه ، وکان مع علیّ فی حروبه وولاّه شرطته ثمّ ولاّه أصبهان والریّ وهمذان ، وهو المعنیّ فی قول ثمامة :

معاوی إن لا تُسرع السیر نحونا

فبایع علیّا أو یزید الیمانیا

وله یوم صفّین مواقف وخطابات تُعرب عن نفسیّاته الکریمة وملکاته الفاضلة ، تُذکر وتُشکر ، ذکر جملة منها ابن مزاحم فی کتاب صفّین ، والطبری فی تاریخه ، وابن الأثیر فی الکامل (2) ، وممّا ذکروه قوله :

إنّ المسلم السلیم من سلم دینه ورأیه ، إنّ هؤلاء القوم [والله] (3) ما إن یقاتلونا علی إقامة دین رأونا ضیّعناه ، ولا إحیاء عدل رأونا أمتناه ، ولا یقاتلونا إلاّ علی إقامة الدنیا ، لیکونوا جبابرة فیها ملوکاً ، فلو ظهروا علیکم - لا أراهم الله ظهوراً ولا سروراً - إذاً ألزموکم مثل سعید والولید وعبد الله بن عامر السفیه ، یحدّث أحدهم فی مجلسه بذیت وذیت ، ویأخذ مال الله ویقول : هذا لی ولا إثم علیّ فیه ، کأنّما أُعطی تراثه من أبیه ، وإنّما هو مال الله أفاءه علینا بأسیافنا ورماحنا ، قاتلوا ، عباد الله القوم الظالمین الحاکمین بغیر ما أنزل الله ، ولا تأخذکم فی جهادهم لومة لائم ، إنّهم إن ر.

ص: 72


1- الاستیعاب : القسم الثالث / 1057 رقم 1781 ، تاریخ بغداد : 1 / 189 رقم 29 ، أُسد الغابة : 4 / 8 رقم 3906 ، الإصابة : 2 / 468 رقم 5475.
2- الکامل فی التاریخ : 2 / 373 حوادث سنة 37 ه.
3- من المصادر.

یظهروا علیکم یُفسدوا دینکم ودنیاکم ، وهم من قد عرفتم وجرّبتم ، والله ما أرادوا إلی هذا إلاّ شرّا ، وأستغفر الله العظیم لی ولکم (1).

9 - عمرو بن الحَمِق (2) بن حبیب الخزاعی الکعبی : صحب النبیّ الأعظم وحفظ عنه أحادیث ، وحظی بدعائه صلی الله علیه وآله وسلم له لمّا سقاه لبناً بقوله : «اللهمّ أمتعه بشبابه» ، فاستکمل الثمانین من عمره ولم یرَ شعرة بیضاء (3). أخرج حدیثه البخاری فی التعالیق ، وابن ماجة (4) ، والنسائی (5) وغیرهم ، وکان من أعوان حجر بن عدی سلام الله علیه وعلیهم ، ترجمه أبو عمر فی الاستیعاب (6) ، وابن الأثیر فی أُسد الغابة ، وابن حجر فی الإصابة ، ولم أجد کلمة غمز لأیّ أحد فیه مع قولهم : کان ممّن سار إلی عثمان بن عفّان رضی الله عنه وهو أحد الأربعة الذین دخلوا علیه الدار فیما ذکروا ، وصار بعد ذلک من شیعة علیّ. وقولهم : إنّه کان ممّن قام علی عثمان. وقولهم : کان أحد من ألّب علی عثمان.

وله یوم صفین مواقف مشکورة وکلم قیّمة خالدة مع الأبد تُعرب عن إیمانه الخالص ، وروحه النزیهة الطاهرة ، راجع کتاب صفّین لابن مزاحم (7) (ص 115 ، 433 ، 454 ، 551).

قال ابن الأثیر فی أُسد الغابة (8) (4 / 101) : قبره مشهور بظاهر الموصل یزار ، 6.

ص: 73


1- کتاب صفّین : ص 279 [ص 247] ، تاریخ الطبری : 6 / 10 [5 / 17 حوادث سنة 37 ه] ، شرح ابن أبی الحدید : 1 / 485 [5 / 194 خطبة 65] ، الإصابة : 3 / 675 [رقم 9407]. (المؤلف)
2- بفتح المهملة وکسر المیم. (المؤلف)
3- أُسد الغابة : 4 / 100 [4 / 217 رقم 3906] ، الإصابة : 2 / 533 [رقم 5818]. (المؤلف)
4- سنن ابن ماجة : 2 / 896 ح 2688.
5- السنن الکبری : 5 / 225 ح 8739 - 8741.
6- الاستیعاب : القسم الثالث / 1173 رقم 1909.
7- وقعة صفّین : ص 103 ، 381 ، 399 ، 482.
8- أُسد الغابة : 4 / 219 رقم 3906.

وعلیه مشهد کبیر ، ابتدأ بعمارته أبو عبد الله سعید بن حمدان - وهو ابن عمّ سیف الدولة وناصر الدولة ابنی حمدان - فی شعبان من سنة ستّ وثلاثین وثلاثمائة ، وجری بین السنّة والشیعة فتنة بسبب عمارته.

10 - عروة بن الجعد ، ویقال : أبی الجعد البارقی الأزدی ، صحابیّ مرضیّ مترجم له فی معاجم الصحابة (1) الاستیعاب ، أُسد الغابة ، الإصابة. روی حدیث : «الخیل معقود فی نواصیها الخیر إلی یوم القیامة الأجر والمغنم». قال شبیب بن غرقدة : رأیت فی دار عروة سبعین فرساً رغبة فی رباط الخیل (2) ، أخرج حدیثه أئمّة الصحاح الستّة فیها.

11 - أصعر بن قیس بن الحارث الحارثی : له إدراک ، ذکره ابن حجر فی الإصابة (1 / 109).

12 - کمیل بن زیاد النخعی : کان شریفاً فی قومه ، قتله الحجّاج سنة (82) ، وثّقه (3) ابن سعد ، وابن معین ، والعجلی ، وابن عمّار ، وذکره ابن حبّان فی الثقات (4)

13 - الحارث بن عبد الله الأعور الهمدانی : من رواة الصحاح الأربعة من الستّة ، قال ابن معین (5) : ثقة. وقال ابن أبی داود : کان أفقه الناس ، وأحسب الناس ، وأفرض الناس ، تعلّم الفرائض من علیّ ، قال ابن أبی خیثمة : قیل لیحیی : یُحتجّ 1.

ص: 74


1- الاستیعاب : القسم الثالث / 1065 رقم 1802 ، أُسد الغابة : 4 / 26 رقم 3640 ، الإصابة : 2 / 476 رقم 5518.
2- صحیح البخاری فی المناقب [3 / 1332 ح 3443] ، باب قول الله تعالی : (یَعرِفُونَهُ کَمَا یَعرِفُونَ أبنَاءَهُم) [البقرة : 146]. (المؤلف)
3- الطبقات الکبری : 6 / 179 ، تاریخ الثقات للعجلی : ص 398 رقم 1423 ، کتاب الثقات : 5 / 341.
4- تهذیب التهذیب : 8 / 447 [8 / 402]. (المؤلف)
5- التاریخ : 3 / 361 رقم 6751.

بالحارث؟ فقال : ما زال المحدّثون یقبلون حدیثه. وقال أحمد بن صالح المصری : ثقة ما أحفظه وما أحسن ما روی عن علیّ وأثنی علیه. ووثّقه ابن سعد (1).

وهناک من کذّبه ، والعمدة فی ذلک الشعبی. قال ابن عبد البرّ فی کتاب العلم (2) : أظنّ الشعبی عوقب بقوله فی الحارث : کذّاب ، ولم یَبِنْ من الحارث کذبه ، وإنّما نقم علیه إفراطه فی حبّ علیّ.

وقال أحمد بن صالح : لم یکن الحارث یکذب فی الحدیث ، إنّما کان کذبه فی رأیه.

وقال الذهبی (3) : والنسائی مع تعنّته فی الرجال قد احتجّ به [وقوّی أمره] ، والجمهور علی توهینه مع روایتهم لحدیثه فی الأبواب. تهذیب التهذیب (4) (2 / 145 - 147).

فمحصّل القول فی الهمدانی : أنّه لا مغمز فیه غیر نزعته العلویّة الممدوحة عند الله وعند رسوله.

- 45 -

تسییر الخلیفة کعب بن عبدة وضربه

کتب جماعة من القرّاء إلی عثمان منهم : معقل بن قیس الریاحی ، وعبد الله بن الطفیل العامری ، ومالک بن حبیب التمیمی ، ویزید بن قیس الأرحبی ، وحجر بن عدی الکندی ، وعمرو بن الحمق الخزاعی ، وسلیمان بن صرد الخزاعی ویُکنّی أبا مطرف ، والمسیّب بن نجبة الفزاری ، وزید بن حصن الطائی ، وکعب بن عبدة النهدی ، 8.

ص: 75


1- الطبقات الکبری : 6 / 168.
2- جامع بیان العلم وفضله : ص 387 رقم 1890.
3- میزان الاعتدال : 1 / 437 رقم 1627. وما بین المعقوفین منه.
4- تهذیب التهذیب : 2 / 126 - 128.

وزیاد بن النضر بن بشر بن مالک بن الدیّان الحارثی ، ومسلمة بن عبد القاری من القارة من بنی الهون بن خزیمة بن مدرکة :

إنّ سعیداً کثّر علی قوم من أهل الورع والفضل والعفاف ، فحملک فی أمرهم علی ما لا یحلّ فی دین ولا یحسن فی سماع ، وإنّا نُذکرک الله فی أُمّة محمد ، فقد خفنا أن یکون فساد أمرهم علی یدیک ، لأنّک قد حملت بنی أبیک علی رقابهم ، واعلم أنّ لک ناصراً ظالماً ، وناقماً علیک مظلوماً ، فمتی نصرک الظالم ونقم علیک الناقم تباین الفریقان واختلفت الکلمة ، ونحن نشهد علیک الله وکفی به شهیدا ، فإنّک أمیرنا ما أطعت الله واستقمت ، ولن تجد دون الله مُلتحداً ولا عنه منتقذاً.

ولم یُسمِّ أحد منهم نفسه فی الکتاب وبعثوا به مع رجل من عنزة یکنّی أبا ربیعة ، وکتب کعب بن عبدة کتاباً من نفسه تسمّی فیه ودفعه إلی أبی ربیعة ، فلمّا قدم أبو ربیعة علی عثمان سأله عن أسماء القوم الذین کتبوا الکتاب فلم یخبره ، فأراد ضربه وحبسه فمنعه علیّ من ذلک وقال : إنّما هو رسول أدّی ما حُمّل ، وکتب عثمان إلی سعید أن یضرب کعب بن عبدة عشرین سوطاً ، ویحوّل دیوانه إلی الری ، ففعل. ثمّ إنّ عثمان تحوّب وندم فکتب فی إشخاصه إلیه ، ففعل. فلمّا ورد علیه قال له : إنّه کانت منّی طیرة ثمّ نزع ثیابه وألقی إلیه سوطاً وقال : اقتص ، فقال : قد عفوت یا أمیر المؤمنین.

ویقال : إنّ عثمان لمّا قرأ کتاب کعب کتب إلی سعید فی إشخاصه إلیه ، فأشخصه إلیه مع رجل أعرابیّ من أعراب بنی أسد ، فلمّا رأی الأعرابیّ صلاته وعرف نسکه وفضله قال :

لیت حظّی من مسیری بکعبِ

عفوه عنّی وغفران ذنبی

فلمّا قدم به علی عثمان قال عثمان : لأن تسمع بالمعیدیّ خیر من أن تراه ، وکان شابّا حدیث السنّ نحیفاً ثمّ أقبل علیه فقال : أأنت تعلّمنی الحقّ وقد قرأت کتاب الله

ص: 76

وأنت فی صلب رجل مشرک؟ فقال له کعب : إنّ إمارة المؤمنین إنّما کانت لک بما أوجبته الشوری حین عاهدت الله علی نفسک فی أن تسیرنّ بسیرة نبیّه ، لا تقصّر عنها ، وإن یشاورونا فیک ثانیة نقلناها عنک ، یا عثمان إنّ کتاب الله لمن بلغه وقرأه وقد شرکناک فی قراءته ، ومتی لم یعمل القارئ بما فیه کان حجّة علیه. فقال عثمان : والله ما أظنّک تدری أین ربّک؟ فقال : هو بالمرصاد. فقال مروان : حلمک أغری مثل هذا بک وجرّأه علیک. فأمر عثمان بکعب فجرّد وضُرب عشرین سوطاً ، وسیّره إلی دباوند (1) ، ویقال : إلی جبل الدخان. فلمّا ورد علی سعید حمله مع بکیر بن حمران الأحمری ، فقال الدهقان الذی ورد علیه : لم فُعل بهذا الرجل ما أری؟ قال بکیر : لأنّه شریر ، فقال : إنّ قوماً هذا من شرارهم لخیار.

ثمّ إنّ طلحة والزبیر وبّخا عثمان فی أمر کعب وغیره ، وقال طلحة : عند غبّ الصدر یحمد عاقبة الورد. فکتب فی ردّ کعب رضی الله عنه وحمله إلیه ، فلمّا قدم علیه نزع ثوبه وقال : یا کعب اقتص. فعفا رضی الله عنهم أجمعین (2).

وعدّ الحلبی فی السیرة (3) (2 / 87) من جملة ما انتقم به علی عثمان : أنّه ضرب کعب بن عبدة عشرین سوطاً ونفاه إلی بعض الجبال.

قال الأمینی : ألا تعجب فی أمر هذا الخلیفة؟ إنّ مناوئیه کلّهم فی عاصمة الخلافة وبقیّة الأوساط الإسلامیّة خیار البلاد وصلحاء الأُمّة ، کما أنّ من اکتنف به وأغراه بالأبرار هم المتهتّکون فی الدین ، المفضوحون بالسمعة الشائنة ، روّاد الشره ، 8.

ص: 77


1- بفتح المهملة وتضم ، ویقال : دنباوند ، ودماوند بالمیم بدل الموحدة : کورة من کور الریّ [معجم البلدان : 2 / 436]. (المؤلف)
2- أنساب البلاذری : 5 / 41 - 43 [6 / 153 - 155] ، تاریخ الطبری : 5 / 137 [4 / 401 حوادث سنة 35 ه] ، الریاض النضرة : 2 / 140 - 149 [3 / 76] ، شرح ابن أبی الحدید : 1 / 168 [2 / 160 خطبة 30] ، الصواعق المحرقة : ص 68 [ص 114] ، واللفظ للبلاذری. (المؤلف)
3- السیرة الحلبیة : 2 / 78.

وسماسرة المطامع ، من طُغمة الأمویّین ومن یقتصّ أثرهم ، فلا تری له سوط عذاب یُرفع إلاّ وکان مصبّه أُولئک الصالحین ، کما أنّک لا تجد جمیلاً له یُسدی ولا یداً موفورة إلاّ لأُولئک الساقطین ، فهل بُعث الخلیفة - وهو رحمة للعالمین - نقمةً علی المؤمنین؟ أم ما ذا کانت حقیقة الأمر؟ أنا لا أدری لما ذا أسخط الخلیفة کتاب القوم فأراد بحامله السوء من حبس وضرب بعد یأسه عن معرفة کاتبیه لو لا أنّ علیّا أمیر المؤمنین حال بینه وبین ما یشتهیه ، وهل کان الرجل إلاّ وسیطاً کلّف بالرسالة فأدّاها؟ ولعلّه لم یکن یعلم ما فیها ، ولیس فی الکتاب إلاّ التذکیر بالله ، والتحذیر عمّا یوجب تفریق الکلمة وإقلاق السلام ، وإظهار الطاعة بشرط طاعة الله والاستقامة الذی هو مأخوذ فی الخلیفة قبل کلّ شیء - وعلیه جری انتخاب یوم الشوری - وإیقافه علی مکان سعید الشابّ الغرّ من السعایة التی خافوا أن تکون وبالاً علیه ، وأخیراً وقع ما خافوا منه وحذّروا الخلیفة عنه ، والشهادة لأُولئک المنفیّین بالبراءة ممّا نُبزوا به وأنّهم من أهل الورع والفضل والعفاف ، وأنّ تسییرهم لا یحلّ فی دین الله ، ویشوّه سمعة الخلیفة.

ولما ذا أغضبه کتاب کعب ، وهو بطبع الحال لدة ما کتبه القوم من النصح الجمیل؟ ولما ذا أمر بإشخاصه إلی المدینة وضربه وجازاه علی نصحه بجزاء سنمّار؟

فهلاّ انبعث الخلیفة إلی التفاهم مع القوم فیما أظهروا أنّهم یتحرّون ما فیه صلاحه وصلاح الأُمّة ، فإمّا أن یُقنعهم بما عنده ، أو یقتنع بما یبدونه ، فیرتفع ذلک الحوار ، وتُدفع عنه المثُلات ، لکنّه أبی إلاّ أن یستمرّ علی ما ارتآه وحبّذه له المحتفّون به الذین اتّخذوه قنطرة إلی شهواتهم ، ولذلک لم یتفاهم مع کعب إلاّ بالغلظة فقال له : أأنت تُعلّمنی. إلخ. أنا لا أدری موقع هذا الکلام التافه ، هل الکون فی صُلب رجل مشرک یحطّ من کرامة الإنسان وقد آمن بالله ورسوله؟ إذن لتسرّب النقص إلی الصحابة الذین نقلوا من أصلاب المشرکین وارتکضوا فی أرحام المشرکات ، وکثیر

ص: 78

منهم أشرکوا بالله قبل إسلامهم ، لکن الإسلام یجبّ ما قبله ، وهل الأصلاب والأرحام إلاّ أوعیة؟

ثمّ السبق إلی قراءة الکتاب العزیز هل هو بمجرّده یرفع من قدر الرجل حتی إذا لم یعمل به کما أجاب به وفصّله کعب؟

ولا أدری ما یرید الخلیفة بقوله : والله ما أظنّک تدری أین ربّک. هل هو یرید المکان؟ تعالی الله عن ذلک علوّا کبیراً ، وأیّ مسلم لا یعرف أنّ ربّه لا یُقلّه حیّز ، فإنّه حریّ بالسقوط ، وما أحسن جواب کعب من قوله : هو بالمرصاد ، فإن کان یرید مثل ما قاله کعب فلما ذا احتمل أنّ مثل کعب الموصوف بالفضیلة والتقوی لا یعرف ذلک؟ وهل یرید عندئذٍ إلاّ إهانة الرجل وهتکه؟

ثمّ ما ذا کان فی هذه المحاورة حتی عدّ مروان سکوت الخلیفة عنه من الحلم وکلام کعب من الجرأة وثوّر الخلیفة علی الرجل؟ وهنالک انفجر برکان غضبه فأمر به فجُرّد وضُرِب وسُیِّر ، وعوقب لنصحه وصلاحه ، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العلیّ العظیم.

لقد أراد القوم أن یزحزحوا التبعة عن عثمان فاختلق کلّ شیئاً من غیر تواطؤ بینهم حتی یفتعلوا أمراً واحداً ، ففی ذیل هذه الروایة أنّ الخلیفة ندم علی ما فعل وتاب بعد توبیخ طلحة والزبیر إیّاه واستعفی الرجل فعفا عنه ، ولم یعلم المتقوّل أنّ خلیفةً لا یملک طیشه حیث لا موجب له لا یُؤتمن علی دین ولا دنیا ، فإنّ من الممکن عندئذ أن یقتحم المهالک حیث لا مُوبّخ فیستمرّ علیها فیهلک ویُهلک ، وإنّ ممّا قاله الخلیفة نفسه یوم الدار عن الثائرین علیه : إنّهم یخیّرونی إحدی ثلاث : إمّا یقیدوننی بکلّ رجلٍ أصبته خطأً أو صواباً غیر متروک منه شیء ، فقلت لهم : أمّا إقادتی من نفسی فقد کان من قبلی خلفاء تخطئ وتصیب فلم یُستقد من أحد منهم. إلخ. وهذه الکلمة تعطینا أنّه ما کان یتنازل للإقادة حتی فی أحرج ساعاته المشارفة لقتله ، فکیف

ص: 79

بآونة السعة وساعة المقدرة. فما یزعمه هذا الناحت لذیل الروایة من أنّه تنازل لکعب لأن یقیده بنفسه لا یکاد یلائم هذه النفسیّة ، ولو کان فعل شیئاً من ذلک لتشبّث به فی ذلک المأزق الحرج.

وهناک روایة أُخری جاء بها الطبری من طریق السری الکذّاب المتروک ، عن شعیب المجهول ، عن سیف الوضّاع المرمیّ بالزندقة المتّفق علی ضعفه (1) ، عن محمد وطلحة : أنّ کعباً کان یعالج نیرنجاً (2) فبلغ ذلک عثمان فأرسل إلی الولید بن عقبة لیسأله عن ذلک فإن أقرّ به فأوجعه ، فدعا به فسأله فقال : إنّما هو رفق وأمر یُعجب منه ، فأمر به فعزّر ، وأخبر الناس خبره وقرأ علیهم کتاب عثمان : إنّه قد جُدّ بکم فعلیکم بالجدّ وإیّاکم والهزّال ، فکان الناس علیه وتعجبّوا من وقوف عثمان علی مثل خبره ، فغضب ، فنفر فی الذین نفروا فضرب معهم ، فکتب إلی عثمان فیه. فلمّا سیّر إلی الشام من سیّر ، سیّر کعب بن ذی الحبکة ومالک بن عبد الله وکان دینه کدینه إلی دُنباوند لأنّها أرض سحرة ، فقال فی ذلک کعب بن ذی الحبکة للولید :

لعمری لئن طرّدتنی ما إلی التی

طمعتُ بها من سقطتی لسبیلُ

رجوت رجوعی یا ابن أروی ورجعتی

إلی الحقّ دهراً غال ذلک غولُ

وإنَّ اغترابی فی البلاد وجفوتی

وشتمیَ فی ذاتِ الإلهِ قلیلُ

وإنَّ دعائی کلَّ یومٍ ولیلةٍ

علیک بدُنباوندکمْ لطویلُ

فلمّا ولّی سعید أقفله وأحسن إلیه واستصلحه ، فکفره ، فلم یزدد إلاّ فسادا (3). شوّه الطبری صحیفة تاریخه بمکاتبات السری وقد أسلفنا فی الجزء الثامن أنّها ف)

ص: 80


1- راجع ما مرّ فی : 8 / 84 ، 140 ، 141 ، 326 - 333 من کلمات الحفّاظ حول رجال الإسناد. (المؤلف)
2- النیرج والنیرنج : أخذ کالسحر ولیس به. (المؤلف)
3- تاریخ الطبری : 5 / 137 [4 / 401 حوادث سنة 35 ه]. (المؤلف)

موضوعة کلّها ، اختلق الرجل فی کلّ ما ینتقد به عثمان روایة تظهر فیها لوائح الکذب ، یرید بها رفاء لما هنالک من فتق ، وهو الذی قذف أبا ذر ونظراءه من الصالحین ، غیر مکترث لمغبّة الکذب والافتراء ، ومن ملامح الکذب فی هذه الروایة أنّ تسییر من سُیّر إلی الشام من قرّاء الکوفة ونُسّاکها وضرب کعب إنّما هو علی عهد سعید بن العاص لا الولید بن عقبة کما زعمه مختلق الروایة.

وإنّ کتاب عثمان إلی الولید لا یصحّ ، ولم یؤثر فی أیّ من مدوّنات التاریخ والسیر ، ولو کان تفرّد به أُناس یوثق بهم لکان مجالاً للقبول ، لکن الروایة کما قیل :

صحاحهم عن سجاح عن مسیلمة

عن ابن حیّان والدوسیّ یملیهِ

وکلّهم ینتهی إسناد باطله

إلی عزازیل مُنشیه ومُنهیهِ (1)

علی أنّه یقول فیها : إنّ ولیداً قرأه علی رءوس الأشهاد ، کأنّه یحاول معذرةً عمّا ارتکب من کعب ، وإنّه کان برضیً من المسلمین ، ولو صحّت المزعمة لکانت مستفیضة ، إذ الدواعی کانت متوفّرة علی نقلها ، لکنهم لم یسمعوها فلم یرووها ، مضافاً إلی أنّ المعروف من کعب بن عبدة أنّه کان من نسّاک الکوفة وقرّائها کما سمعته من کلام البلاذری وغیره لا ممّن یتلهّی بالنیرنجات وأشباهها.

وإن تعجب فعجب أنّ صاحب النیرنج - لو صدقت الأحلام - یُعزّر ویعاقب ، ومُعاقر الخمور - ولید الفجور - لا یحدّ لشربه الخمر إلاّ بعد نقمة الصحابة علی خلیفة الوقت من جرّاء ذلک ، ثمّ یکون مُقیم الحدّ علیه غیره وهو مولانا أمیر المؤمنین علیه السلام.

ولم یکن فی أُولئک المسیّرین من یسمّی مالک بن عبد الله ، وإنّما کان فیهم مالک ابن الحارث الأشتر ومالک بن حبیب الصحابیّان کما تقدّم ذکرهما.

وأبیات کعب تناسب أن یخاطب بها عثمان لا الولید ؛ فإنّه هو ابن أروی بنت ف)

ص: 81


1- البیتان من قصیدة للشریف ابن فلاح الکاظمی. (المؤلف)

کریز وفیها صراحة بسبب اغتراب کعب وجفوته وشتمه ، وأنّها کانت فی ذات الله ، یقول ذلک بملء فمه ، ولا یردّ علیه رادّ بأنّها لیست فی ذات الله وإنّما هی لأنّه کان یعالج نیرنجاً.

هکذا لعبت بالتاریخ ید الأهواء والشهوات تزلّفاً إلی أُناس وانحیازاً عن آخرین (فَذَرْهُمْ یَخُوضُوا وَیَلْعَبُوا حَتَّی یُلاقُوا یَوْمَهُمُ الَّذِی یُوعَدُونَ) (1).

- 46 -

تسییر الخلیفة عامر بن عبد قیس التمیمی البصری

الزاهد الناسک إلی الشام

أخرج الطبری (2) من طریق العلاء بن عبد الله بن زید العنبری أنّه قال : اجتمع ناس من المسلمین فتذاکروا أعمال عثمان وما صنع ، فاجتمع رأیهم علی أن یبعثوا إلیه رجلاً یکلّمه ویخبره بأحداثه ، فأرسلوا إلیه عامر بن عبد الله التمیمی ثم العنبری وهو الذی یدعی عامر بن عبد قیس ، فأتاه فدخل علیه فقال له : إنّ ناساً من المسلمین اجتمعوا فنظروا فی أعمالک فوجدوک قد رکبت أموراً عظاماً فاتّق الله عزّ وجلّ وتب إلیه وانزع عنها. قال له عثمان : انظر إلی هذا فإنّ الناس یزعمون أنّه قارئ ثمّ هو یجیء فیکلّمنی فی المحقّرات فو الله ما یدری أین الله. قال عامر : أنا لا أدری أین الله؟ قال : نعم ، والله ما تدری أین الله. قال عامر : بلی والله إنّی لأدری إنّ الله بالمرصاد لک. فأرسل عثمان إلی معاویة بن أبی سفیان ، وإلی عبد الله بن سعد بن أبی سرح ، وإلی سعید بن العاص ، وإلی عمرو بن العاص ، وإلی عبد الله بن عامر فجمعهم لیشاورهم فی أمره وما طلب إلیه وما بلغ عنهم. فلمّا اجتمعوا عنده قال لهم : إنّ لکلّ امرئ وزراء ونصحاء وإنّکم وزرائی ونصحائی وأهل ثقتی ، وقد صنع الناس ما قد رأیتم ، وطلبوا .

ص: 82


1- الزخرف : 83 ، والمعارج : 42.
2- تاریخ الأُمم والملوک : 4 / 333 حوادث سنة 34 ه.

إلیّ أن أعزل عمّالی وأن أرجع عن جمیع ما یکرهون إلی ما یحبّون فاجتهدوا رأیکم وأشیروا علیّ.

فقال له عبد الله بن عامر : رأیی لک یا أمیر المؤمنین أن تأمرهم بجهاد یشغلهم عنک وأن تجمّرهم فی المغازی حتی یذلّوا لک ، فلا یکون همّة أحدهم إلاّ نفسه وما هو فیه من دبرة دابته وقمل فروه.

ثمّ أقبل عثمان علی سعید بن العاص فقال له : ما رأیک؟ قال : یا أمیر المؤمنین إن کنت ترید رأینا فاحسم عنک الداء واقطع عنک الذی تخاف ، واعمل برأیی تصب. قال : وما هو؟ قال : إنّ لکلّ قوم قادة متی تهلک یتفرّقوا ولا یجتمع لهم أمر. فقال عثمان : إنّ هذا الرأی لو لا ما فیه.

ثمّ أقبل علی معاویة فقال : ما رأیک؟ قال : أری لک یا أمیر المؤمنین أن تردّ عمّالک علی الکفایة لما قبلهم وأنا ضامن لک قبلی.

ثمّ أقبل علی عبد الله بن سعد فقال : ما رأیک؟ قال : أری یا أمیر المؤمنین أنّ الناس أهل طمع فأعطهم من هذا المال تعطف علیک قلوبهم.

ثمّ أقبل علی عمرو بن العاص فقال له : ما رأیک؟ قال : أری أنّک قد رکبت الناس بما یکرهون فاعتزم أن تعتدل ، فإن أبیت فاعتزم أن تعتزل ، فإن أبیت فاعتزم عزماً وامض قدماً.

فقال عثمان : مالک قمل فروک؟ أهذا الجدّ منک؟ فأسکت عنه دهراً ، حتی إذا تفرّق القوم قال عمرو : لا والله یا أمیر المؤمنین لأنت أعزّ علیّ من ذلک ، ولکن قد علمت أن سیبلغ الناس قول کلّ رجل منّا فأردت أن یبلغهم قولی فیثقوا بی فأقود إلیک خیراً أو أدفع عنک شرّا.

فردّ عثمان عمّاله علی أعمالهم وأمرهم بالتضییق علی من قبلهم وأمرهم

ص: 83

بتجمیر (1) الناس فی البعوث ، وعزم علی تحریم أعطیاتهم لیطیعوه ویحتاجوا إلیه (2).

وقال البلاذری فی الأنساب (3) (5 / 57) : قال أبو مخنف لوط بن یحیی وغیره : کان عامر بن [عبد] قیس التمیمی یُنکر علی عثمان أمره وسیرته ، فکتب حُمران بن أبان مولی عثمان إلی عثمان بخبره ، فکتب عثمان إلی عبد الله بن عامر بن کریز فی حمله فحمله ، فلمّا قدم علیه فرآه وقد أعظم الناس إشخاصه وإزعاجه عن بلده لعبادته وزهده ، ألطفه وأکرمه وردّه إلی البصرة.

وروی ابن المبارک فی الزهد من طریق بلال بن سعد أنّ عامر بن عبد قیس وُشِی به إلی عثمان ، فأمر أن یُنفی إلی الشام علی قتب ، فأنزله معاویة الخضراء وبعث إلیه بجاریة وأمرها أن تعلمه ما حاله ، فکان یقوم اللیل کلّه ویخرج من السحر فلا یعود إلاّ بعد العتمة ، ولا یتناول من طعام معاویة شیئاً ، کان یجیء معه بکسر فیجعلها فی ماء فیأکلها ویشرب من ذلک الماء ، فکتب معاویة إلی عثمان بحاله فأمره أن یصله ویدنیه فقال : لا أرب لی فی ذلک. الإصابة لابن حجر (3 / 85).

وذکر (4) ابن قتیبة فی المعارف (ص 84 و 194) ، وابن عبد ربّه فی العقد الفرید (2 / 261) ، والراغب فی المحاضرات (2 / 212) جملة ممّا نُقم به علی عثمان وعدّوا منه : أنّه سیّر عامر بن عبد قیس من البصرة إلی الشام ، وقال ابن قتیبة : کان خیّراً فاضلاً.

قال الأمینی : منظر غریب لعمرک فی ذلک الیوم ، ألیس من المستغرب أنّ صلحاء البلاد مضطهدون فیه علی بکرة أبیهم؟ فمن راسف تحت نیر الاضطهاد ، ومن معتقل فی غیابة الجبّ ، ومن مغترب یجفل به من منفی إلی منفی ، ومن منقطع عن 6.

ص: 84


1- تجمیر الجیش : جمعهم فی الثغور وحبسهم عن العود إلی أهلیهم.
2- أنساب البلاذری : 5 / 43 [6 / 156] ، تاریخ الطبری : 5 / 94 [4 / 333 حوادث سنة 34 ه] ، الکامل لابن الأثیر : 3 / 92 [2 / 275 حوادث سنة 34 ه] ، تاریخ ابن خلدون : 2 / 390 [2 / 592]. (المؤلف)
3- أنساب الأشراف : 6 / 172.
4- المعارف : ص 195 و 436 ، العقد الفرید : 4 / 103 ، محاضرات الأُدباء : 2 / 476.

العطاء ، ومن ممقوت ینظر إلیه شزراً ، ومن مضروب تُدق به أضالعه ، إلی مشتوم یُهتک فی الملأ الدینی. لما ذا ذلک کلّه؟ لأنّهم غضبوا للحق ، وأنکروا المنکر ، فهلاّ کان فی وسع من یفعل بهم ذلک إقناعهم بالإقلاع عمّا ینکرونه وفیه رضا الله قبل کلّ شیء ، ومرضاة رسوله من بعده ، ومرضاة الأُمّة جمعاء ، وبه کانت تُدحر عنه المثلات وتخمد الفتن ، وکانت فیه مجلبة للمودّة ، ومکتسح للقلاقل ، وهو أدعی لجمام النفس ، وسیادة الأمن ، وإزاحة الهرج ، وکان خیراً له من ارتکاب العظائم بالنفی والضرب والشتم والإزعاج والجفوة. ولو کان الخلیفة یری خطأهم فی إنکارهم علیه فإنّه کان فی وسعه أن یعقد لهم محتفلاً للتفاهم ، فإمّا أن یتنازلوا عن بعض ما أرادوا ، أو یتنازل هو عن بعض ما یبتغیه ، أو یتکافآ فی التنازل فتقع خیرة الکلّ علی أمر واحد ، وکان عقد هذا المنتدی خیراً له ممّا عقده للنظر فی شأن عامر بن عبد قیس ، وجمع خلقاً من أُصول الجور ، وجذوم الفتن ، وجراثیم العیث والفساد ، فروع الشجرة الملعونة ، وهم الذین جرّوا إلیه الویلات بجورهم وفجورهم واستعبادهم الأُمّة وابتغائهم الغوائل ، وهملجتهم وراء المطامع فلم یسمع منهم فی ذلک المجتمع ولا فی غیره إلاّ رأی مُستغش ، ونظریّة خائن ، أو أفیکة مائن ، أو دسیسة لعین بلسان النبیّ الأقدس مرّة بعد أُخری ، وهو مع ذلک یراهم وزراءه ونصحاءه وأهل ثقته ، أوَلا تعجب من خلافة یکون هؤلاء وزراءها ونصحاءها وأهل ثقة صاحبها؟!

ثمّ انظر کیف کان التفاهم بین الرجلین : الخلیفة وسفیر المسلمین إلیه ، هذا یذکّره بالتقوی والتوبة إلی الله وینهاه عن ارتکاب العظائم التی استعظمها المسلمون العلماء منهم والقرّاء والنسّاک وذوو الرأی والمسکة ، والخلیفة یعدّ ما استعظمته الأُمّة من المحقّرات ، ثمّ یهزأ به ویقذفه بقلّة المعرفة مشفوعاً ذلک بالیمین کما قذف به کعباً وصعصعة بن صوحان وسمع منهما ما سمعه من عامر لأنّهم حملة العلم ، والعلم حرف واحد کثّره الجاهلون.

والأعجب کیف یعیر الخلیفة إلی سعایة حُمران بن أبان أُذناً واعیة وقد رآه

ص: 85

علی الفاحشة هو بنفسه ؛ وذلک أنه تزوّج امرأة فی العدّة ، فضربه ونفاه إلی البصرة (1) وأسرّ إلیه سرّا فأخبر به عبد الرحمن بن عوف ، فغضب علیه عثمان ونفاه (2). وقال البلاذری فی الأنساب (3) (5 / 57) : کان عثمان وجّه حُمران إلی الکوفة حین شکا الناس الولید بن عقبة لیأتیه بحقیقة خبره فرشاه الولید ، فلمّا قدم علی عثمان کذب عن الولید وقرّظه. ثمّ إنّه لقی مروان فسأله عن الولید فقال له : الأمر جلیل فأخبر مروان عثمان بذلک ، فغضب علی حمران وغرّبه إلی البصرة لکذبه علیه وأقطعه داراً.

کیف وثق خلیفة المسلمین بخبر إنسان هذا شأنه من الفسق والتهوّر ، والله جلّ اسمه یقول : (إِنْ جاءَکُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَیَّنُوا أَنْ تُصِیبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ) (4).

ثمّ اعجب أنّ حمران نفاه الخلیفة علی فسقه وأقطعه داراً لجمع شمله ، والعبد الصالح أبو ذر الغفاری الصادق المصدوق أُجفل إلی الربذة ، وتُرک فی البرّ الأقفر لا یأوی إلی مضرب ، ولا یظلّه خباء ، هذا من هوان الدنیا علی الله.

وهل الخلیفة عرف عامراً ومکانته فی الأُمّة ومنزلته من الزهد والتقوی ومحلّه من التعبّد والنزاهة ، فأصاخ فیه إلی قول الوشاة وأشخصه إلی المدینة مرّة وسیّره إلی الشام علی القتب أخری ، وأزری به وأهانه حین مثل بین یدیه؟ أو أنّه لم یعرفه ولا شیئاً من فضله ، فوثق بما قالوه؟ وکان علیه أن یعرفه لمّا علم بسفارته من قبل وجهاء البصرة وأهل الحریجة والتقوی ، ذوی الحلوم الراجحة ، والآراء الناضجة ، فإنّهم لا یرسلون طبعاً إلاّ من یرضونه فی مکانته وعلمه وعقله وتقواه. وهل کان فیما یقوله 6.

ص: 86


1- تاریخ الطبری : 5 / 91 [4 / 327 حوادث سنة 33 ه] ، الکامل لابن الأثیر : 3 / 60 [2 / 271 حوادث سنة 33 ه]. (المؤلف)
2- تهذیب التهذیب : 3 / 24 [3 / 22]. (المؤلف)
3- أنساب الأشراف : 6 / 172.
4- الحجرات : 6.

مغضبة؟ أو أنّه ما کان یتحرّی صالح الأُمّة وصلاح من یسوسها؟

إنّ من العصیب أن نعترف بأنّه ما کان یعرف عامراً وصلاحه ، فقد کان یسیر بذکره الرکبان ، وهبّت بأریج فضله النسائم فی الأجواء والأرجاء ، وفی طیّات المعاجم والسِّیر الیوم نماذج من تلکم الشهرة الطائلة عن عامر بین العباد وفی البلاد یوم ألزم نفسه أن یصلّی فی الیوم واللیلة ألف رکعة (1) فکانوا یعدّونه من أولیاء الله المقرّبین ، وأوّل الزهّاد الثمانیة ، وذکروا له کرامات ومکرمات.

أفمن الممکن إذن أن لا یعرفه الخلیفة؟ ولم یکن فیما ینکره إلاّ ما أصفقت علی إنکاره أهل الحلّ والعقد یومئذٍ من الصالح العام فی الحواضر الإسلامیّة کلّها ، غیر أنّهم لم یجدوا - کما أنّ عامراً لم یجد - أُذناً مصغیة لهتافهم ، فتکافأ دؤوب الخلیفة علی التصامم ودؤوب القوم علی الإنکار حتی استفحل الخطب ودارت الدوائر.

وهلمّ معی ننظر إلی روایة الضعفاء روایة کذّاب متروک ، عن مجهول منکر ، عن وضّاع متّهم بالزندقة متّفق علی ضعفه : السری ، عن شعیب ، عن سیف بن عمر ، عن محمد وطلحة : أنّ عثمان سیّر حمران بن أبان أن تزوّج امرأة فی عدّتها وفرّق بینهما وضربه وسیّره إلی البصرة ، فلمّا أتی علیه ما شاء الله وأتاه عنه الذی یحبّ ، أذن له فقدم علیه المدینة ومعه قوم سعوا بعامر أنّه لا یری التزویج ، ولا یأکل اللحم ، ولا یشهد الجمعة فألحقه عثمان بمعاویة ، فلمّا قدم علیه رأی عنده ثریداً فأکل أکلاً عربیّا (2) ، فعرف أنّ الرجل مکذوب علیه فعرّفه معاویة سبب إخراجه ، فقال : أمّا الجمعة فإنّی أشهدها فی مؤخّر المسجد ثمّ أرجع فی أوائل الناس ، وأمّا التزویج فإنّی ً.

ص: 87


1- تاریخ ابن عساکر : 7 / 169 [26 / 17 رقم 3052 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 11 / 277] ، الإصابة : 3 / 85 [رقم 6284]. (المؤلف)
2- کذا فی کامل ابن الأثیر ، وفی بقیة المصادر : أکلاً غریباً.

خرجت وأنا یُخطب علیّ ، وأمّا اللحم فقد رأیت (1).

أوَلا تعجب من الذین اتّخذوا هذه الروایة مصدراً فی تعذیر عثمان عن نفی عامر وإشخاصه وهم یبطلون الروایة فی غیر هذا المورد بوجود واحد من رجال هذا السند الثلاثة ، لکنّهم یحتجّون بروایتهم جمیعاً هاهنا ، وفی کلّ ما نقم به علی عثمان؟!

ثمّ لننظر فیما وُشی به علی الرجل بعد الفراغ من النظرة فی حال الواشی وهو حمران المتقدّم ذکره ، هل یوجب شیء منها ذمّا أو تعزیراً أو تأدیباً أو تغریباً؟ وهل هی من المعاصی المسقطة لمحلّ الإنسان؟ أمّا ترک التزویج فلم یثبت حرمته إن لم یکن من باب التشریع وأخذه دیناً ، وإنّما النکاح من المرغّب فیه ، علی أنّه کان لم یزل یخطب لنفسه لکنّه لا یجد من یلائمه فی خفّة المئونة. أخرج أبو نعیم فی الحلیة (2 / 90) : إنّ عامر بن عبد قیس بعث إلیه أمیر البصرة ، فقال : إنّ أمیر المؤمنین أمرنی أن أسألک مالک لا تزوّج النساء؟ قال : ما ترکتهنّ وإنّی لدائب فی الخطبة ، قال : ومالک لا تأکل الجبن؟ قال : أنا بأرض فیها مجوس فما شهد شاهدان من المسلمین أن لیس فیه میتة أکلته. قال : وما یمنعک أن تأتی الأمراء؟ قال : إنّ لدی أبوابکم طلاّب الحاجات فادعوهم واقضوا حوائجهم ، ودعوا من لا حاجة له إلیکم.

وأخرج من طریق أحمد بن حنبل بإسناده عن الحسن قال : بعث معاویة إلی عبد الله بن عامر أن انظر عامر بن عبد قیس فأحسن إذنه وأکرمه ومره أن یخطب إلی من شاء وأمهر عنه من بیت المال ، فأرسل إلیه أنّ أمیر المؤمنین قد کتب إلیّ وأمرنی أن آمرک أن تخطب إلی من شئت وأمهر عنک من بیت المال. قال : أنا فی الخطبة دائب. قال : إلی من؟ قال : إلی من یقبل منّی الفلقة والتمرة. ف)

ص: 88


1- تاریخ الطبری : 5 / 91 [4 / 327 حوادث سنة 33 ه] ، تاریخ ابن عساکر : 7 / 167 [26 / 9 رقم 3052] ، الکامل لابن الأثیر : 3 / 60 [2 / 272 حوادث سنة 33 ه] ، أُسد الغابة [3 / 132 رقم 2712] ، تاریخ ابن خلدون : 2 / 389 [2 / 591]. (المؤلف)

وهذان الحدیثان یکذّبان ما جاء به السری ، ولو صحّ ذلک فما وجه هذه المسألة فی أیّام معاویة عن تزویج عامر؟

وأمّا ترک اللحوم فلیس من المحرّم أیضاً وقد جاءت السنّة بتحلیلها کلّها من غیر إیجاب ، نعم ترکها النهائی مکروه إن لم یکن من باب التدیّن ، وقد تستدعی المبالغة فی الزهادة الذهول عن شئون الدنیا بأسرها فلا یلتفت صاحبها إلی الملاذّ کلّها ، وکان مع ذلک لعامر عذر ، قال ابن قتیبة فی المعارف (1) (ص 194) : وکان سبب تسییره أنّ حمران بن أبان کتب فیه : أنّه لا یأکل اللحم ، ولا یغشی النساء ، ولا یقبل الأعمال - یعرّض بأنّه خارجیّ (2) - فکتب عثمان إلی ابن عامر : أن ادعُ عامراً فإن کانت فیه الخصال فسیّره. فسأله ، فقال : أمّا اللحم فإنّی مررت بقصّاب یذبح ولا یذکر اسم الله ، فإذا اشتهیت اللحم اشتریت شاة فذبحتها ، وأمّا النساء فإنّ لی عنهنّ شغلاً ، وأمّا الأعمال فما أکثر من تجدونه سوای. فقال له حمران : لا أکثر الله فینا أمثالک ، فقال له عامر : بل أکثر الله فینا من أمثالک کسّاحین وحجّامین.

وأمّا عدم الحضور للجمعة : فقد بیّن عامر نفسه حقیقته لمعاویة وهو الصادق الأمین علی أنّه کان له أن لا یحضر الجمعة والجماعة إن لم یر لمقیمها أهلیّة للائتمام به ، ولیس من المنکر ذلک فی حقّ الولاة الأمویّین یومئذٍ.

وعلی فرض صحّة الروایة وکون کلّ ممّا نُبز به حوباً کبیراً ، فکان من المیسور تحقیق حال الرجل من قبل والی البصرة کما وقع ذلک فیما مرّ من روایة أبی نعیم بالنسبة إلی التزویج وأکل الجبن وإتیان الأمراء. ولا أدری هل من الفرائض فی م.

ص: 89


1- المعارف : ص 439.
2- کذا فی المعارف ، فإذا کان المراد بالخارجی نسبته إلی الخوارج ، فإن هذا لا یصح کما هو معلوم ؛ لأنّ هؤلاء فرقة وُجدت تأریخیاً بعد وقعة صفین. وقد یکون أراد بهذا الوصف الخروج عن سنة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم.

الشریعة السمحاء أکل الجبن بحیث یوجب ترکه التجسّس والتفتیش؟ وعلی کلّ فما الموجب لإجفال الرجل العظیم من مستقرّ أمنه علی قتب إلی الشام منفی الثائرین علی الخلیفة؟ وأیّ عقل یقبل تسییره وتعذیبه لتلک الأُمور التافهة؟ نعم : الغریق یتشبّث بکلّ حشیش.

- 47 -

تسییر الخلیفة عبد الرحمن الجمحی

عدّ ممّن سیّره الخلیفة عبد الرحمن بن حنبل الجمحی. قال الیعقوبی : سیّر عبد الرحمن صاحب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إلی القموس (1) من خیبر ، وکان سبب تسییره إیّاه أنّه بلغه کرهه مساوئ ابنه وخاله ، وأنّه هجاه.

وقال العلائی عن مصعب وأبو عمر فی الاستیعاب (2) : إنّه لمّا أعطی عثمان مروان خمسمائة ألف من خمس إفریقیة قال عبد الرحمن :

وأحلف بالله جهد الیمین

ما ترک الله أمراً سُدی

ولکن جُعِلتَ لنا فتنةً

لکی نُبتلی بک أو تُبتلی

دعوتَ الطریدَ فأدنیته

خلافاً لِما سنّه المصطفی

وولّیتَ قرباکَ أمرَ العباد

خلافاً لسنّة من قد مضی

وأعطیت مروان خمس الغنیم

-آثرته وحمیت الحمی

ومالاً أتاک به الأشعری

من الفیء أعطیته من دنا

فإنَّ الأمینینِ قد بیّنا

منارَ الطریق علیه الهدی1.

ص: 90


1- کذا فی لفظ الیعقوبی [2 / 173] ، وفی الإصابة [2 / 395 رقم 5107] : الغموص کما فی الأبیات. والصحیح : القموص ، بالقاف المفتوحة وآخره صاد مهملة [وهو جبل بخیبر علیه حصن أبی الحُقیق الیهودی. معجم البلدان : 4 / 398]. (المؤلف)
2- الاستیعاب : القسم الثانی / 828 رقم 1401.

فما أخذا درهماً غیلةً

ولا قسّما درهماً فی هوی (1)

فأمر به فحُبِس بخیبر ، وأنشد له المرزبانی فی معجم الشعراء أنّه قال وهو فی السجن

إلی الله أشکو لا إلی الناس ما عدا

أبا حسنٍ غلاّ شدیداً أُکابدُه

بخیبر فی قعر الغموص کأنَّها

جوانب قبرٍ أعمق اللحدّ لاحدُه

أإن قلتُ حقاً أو نشدتُ أمانة

قُتِلت؟ فمن للحقِّ إن مات ناشدُه؟

وکتب إلی علیّ وعمّار من الحبس :

أبلغ علیّا وعمّاراً فإنّهما

بمنزلِ الرشدِ إنَّ الرشدَ مُبتدرُ

لا تترکا جاهلاًحتی یوقّره

دین الإله وإن هاجت به مُررُ

لم یبق لی منه إلاّ السیف إذ علقت

حبائل الموت فینا الصادق البررُ

یعلم بأنیَ مظلومٌ إذا ذکرت

وسط الندیِّ حجاج القوم والعذرُ

فلم یزل علیّ یکلّم عثمان حتی خلّی سبیله علی أنّه لا یساکنه بالمدینة فسیّره إلی خیبر فأنزله قلعة بها تسمّی القموص ، فلم یزل بها حتی ناهض المسلمون عثمان وساروا إلیه من کلّ بلد ، فقال عبد الرحمن :

لو لا علیٌّ فإنَّ الله أنقذنی

علی یدیه من الأغلال والصفدِ

لما رجوتُ لدی شدٍّ بجامعةٍ

یُمنی یدیّ غیاث الفوت من أحدِ

نفسی فداءُ علیٍّ إذ یخلّصنی

من کافرٍ بعد ما أغضی علی صمدِ

کان عبد الرحمن مع علیّ فی صفّین ، قال الطبری من طریق عوانة : إنّه جعل ابن حنبل یقول یومئذٍ :

إن تقتلونی فأنا ابن حنبل

أنا الذی قد قلت فیکم نعثلف)

ص: 91


1- قد تنسب هذه الأبیات إلی أسلم ، راجع : 8 / 258. (المؤلف)

راجع (1) : تاریخ الطبری (6 / 25) ، تاریخ الیعقوبی (2 / 150) ، الاستیعاب (2 / 410) ، شرح ابن أبی الحدید (1 / 66) ، الإصابة (2 / 395).

قال الأمینی : هذا أحد المعذّبین الذین أقلّتهم غیابة الجبّ مُصفّداً بالحدید ولم یجهز علیه إلاّ إنکاره المنکر ، وجنوحه إلی الحقّ المعروف ، والکلام فیه لدة ما کرّرناه فی غیر واحد من زملائه الصالحین ، وأحسن ما ینمّ عن سریرته شعره الطافح بالإیمان.

- 48 -

تسییر الخلیفة علیّا أمیر المؤمنین

لعلّ التبسّط فی البحث عمّا جری بین عثمان أیّام خلافته وبین علیّ أمیر المؤمنین یوجب خدش العواطف ، وینتهی إلی ما لا یُحمد عقباه ، والتاریخ وإن لم یحفظ منه إلاّ النزر الیسیر غیر أنّ فی ذلک القلیل غنیً وکفایة وبه تُعرف جلیّة الحال ، ونحن نمرّ به کراماً ، فلا نحوم حول البحث عن کلمه القوارص لعلیّ علیه السلام ، البعیدة عن ساحة قدسه ، النائیة عن مکانته الراقیة التی لا یُدرک شأوها ، ویقصر دون استکناهها البیان.

أیسع لمن أسلم وجهه لله وهو محسن وآمن بالکتاب وبما نزل من آیه فی سیّد العترة ، وصدّق بالنبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وبما صدع به من فضائل علیّ علیه السلام ، وجاوره مع ذلک حقباً وأعواماً بیت بیت ، ووقف علی نفسیّاته الکریمة وهو علی ضمادة من أفعاله وتروکه وشاهد مواقفه المبرورة ومساعیه المشکورة فی تدعیم الدین الحنیف ، أیسع لمسلم هذا شأنه أن یخاطب أخا الرسول المطهّر بلسان الله بقوله : لم لا یشتمک - مروان - إذا شتمته ، فو الله ما أنت عندی بأفضل منه ومروان طرید رسول الله وابن طریده 3.

ص: 92


1- تاریخ الأُمم والملوک : 5 / 46 حوادث سنة 37 ه ، تاریخ الیعقوبی : 2 / 173 ، الاستیعاب : القسم الثانی / 828 رقم 1401 ، شرح نهج البلاغة : 1 / 198 خطبة 3.

ولعینه وابن لعینه (1)؟

أم بقوله له : والله یا أبا الحسن ما أدری أشتهی موتک؟ أم اشتهی حیاتک؟ فو الله لئن متّ ما أُحبّ أن أبقی بعدک لغیرک لأنی لا أجد منک خلفاً ، ولئن بقیت لا أعدم طاغیاً یتّخذک سلّماً وعضداً ، ویعدّک کهفاً وملجأ ، لا یمنعنی منه إلاّ مکانه منک ومکانک منه ، فأنا منک کالابن العاقّ من أبیه إن مات فجعه وإن عاش عقّه. إلی آخر ما مرّ فی (ص 18).

أم بقوله له : ما أنت بأفضل من عمّار ، وما أنت أقلّ استحقاقاً للنفی منه (2).

أم بقوله له : أنت أحقّ بالنفی من عمّار (3)؟

أم بقوله الغلیظ الذی لا یحبّ المؤرّخون ذکره ونحن سکتنا عن الإعراب عنه (4)؟

وبعد هذه کلّها یزحزحه علیه السلام عن مدینة الرسول صلی الله علیه وآله وسلم ویقلقه من عقر داره ویخرجه إلی ینبُع مرّة بعد أخری قائلاً لابن عبّاس : قل له فلیخرج إلی ماله بینبُع ، فلا أغتمّ به ولا یغتمّ بی.

ألا مُسائل الرجل عمّا أوجب أولویّة الإمام الطاهر المنزّه عن الخطل ، المعصوم من الزلل بالنفی ممّن نفاهم من الأُمّة الصالحة؟ أکان - بزعمه - علیّ علیه السلام شیوعیّا اشتراکیّا شیخاً کذّاباً کأبی ذر الصادق المصدّق؟ أم کان عنده دویبة سوء کابن مسعود أشبه الناس هدیاً ودلاّ وسمتاً برسول الله صلی الله علیه وآله وسلم؟ف)

ص: 93


1- راجع : 8 / 397 ، 302. (المؤلف)
2- الفتنة الکبری : ص 165 [المجموعة الکاملة لمؤلّفات طه حسین - الفتنة الکبری - : مج 4 / 360]. (المؤلف)
3- راجع : صفحة 19 من هذا الجزء. (المؤلف)
4- راجع : 8 / 298 ، 299 ، 306 ، 323. (المؤلف)

أم کان الرجل یراه ابن متکإ ، عاضّا أیر أبیه ، طاغیاً کذّاباً یجتریء علیه ویجرّی علیه الناس کعمّار جلدة ما بین عینی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم؟

أم کان یحسبه معالجاً نیرنجاً ککعب بن عبدة الصالح الناسک؟

أم کان یراه تارکاً الجبن واللحم والجمعة والتزویج کعامر بن عبد قیس القاری الزاهد المتعبّد؟

أم کان الإمام متکلّماً بألسنة الشیاطین غیر عاقل ولا دیّن کصلحاء الکوفة المنفیّین؟

حاشا صنو النبیّ الأقدس عن أن یُرمی بسقطة فی القول أو فی العمل بعد ما طهّره الجلیل ، واتّخذه نفساً لنبیّه ، واختارهما من بین بریّته نبیّا ووصیّاً.

وحاشا أُولئک المنفیّین من الصحابة الأوّلین الأبرار والتابعین لهم بإحسان عن تلکم الطامّات والأفائک والنسب المفتعلة.

نعم ؛ کان یری الرجل کلاّ من أُولئک الصفوة البررة الآمرین بالمعروف والناهین عن المنکر طاغیاً اتّخذ علیّا علیه السلام سلّماً ویعدّه کهفاً وملجأ یدافع عنهم بوادر غضب الخلیفة ، ویحول بینهم وبین ما یرومه من عقوبة تلک الفئة الصالحة الناقمة علیه لما رکبه من النهابیر (1) ، فدفع هذا المانع الوحید عن تحقّق هواجس الرجل کان عنده أولی بالنفی من أُولئک الرجال المنفیّین ، ولولاه لکان یشفی منهم غلیله ، ویتسنّی له ما کان یبتغیه من البغی علیهم ، والله یدافع عن الذین آمنوا وأنّه علی نصرهم لقدیر.

علی أنّه لیس من المعقول أن یکون من یأوی إلی مولانا أمیر المؤمنین وآواه هو طاغیاً کما یحسبه هذا الخلیفة ، فإنّه لا یأوی إلی مثله إلاّ الصالح الراشد من م.

ص: 94


1- النهابیر : جمع نهبورة : وهی المهالک ، وأصلها الحُفَر بین الآکام.

المظلومین وهو علیه السلام لا یحمی إلاّ من هو کذلک ، وهو ولیّ المؤمنین ، وأمیر البررة ، وقائد الغرّ المحجّلین ، وإمام المتّقین ، وسیّد المسلمین ، کلّ ذلک نصٌّ من الرسول الصادق الأمین. ولیتنی أدری ممّ کان یغتمّ عثمان من مکان أمیر المؤمنین علیه السلام بالمدینة؟ ووجوده رحمة ولطف من الله سبحانه وتعالی علی الأُمّة جمعاء لا سیّما فی البیئة التی تُقلّه ، یکسح عن أهلها الفساد ، ویکبح جماح المتغلّبین ، ویقف أمام نعرات المتهوّسین ، ویسیر بالناس علی المنهج اللاحب سیراً صحیحاً.

نعم ؛ یغتمّ به سماسرة النهمة والشره فیروقهم بعاده لیهملج کلّ منهم إلی غایاته قلق الوضین (1). وما کان هتاف الناس به یومئذ إلاّ لأن یقیم أود الجامعة ، ویعدّل الخطّة العوجاء ، ویقف بهم علی المحجّة الواضحة ، غیر أنّ ذلک الهتاف لا یروق من لا یروقه ذلک کلّه ، فالاغتمام به جنایة علی المجتمع الدینی ، ووقوف أمام سیر الصالح العام.

ولعمر الله إنّ هذه القوارص هی التی فتحت باب الجرأة علی أمیر المؤمنین بمصراعیه طیلة حیاته ، وهتکت منه حجاب حرمته وکرامته ، وأطالت علیه ألسنة البذاءة والوقیعة فیه ، وعثمان هو الذی أزری بالإمام فی الملأ الدینی ، وصغّره فی أعین الناس وجرّأ علیه طغام الأمویّین وسفلة الأعراب ، فباذأه أبناء أُمیّة وهم علی آسال خلیفتهم اتّخذوه أُسوة وقدوة فی شتیمته وقذیعته وآذوا نبیّهم فی أخیه علم الهدی. (إِنَّ الَّذِینَ یُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِی الدُّنْیا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِیناً) (2) ، (وَالَّذِینَ یُؤْذُونَ رَسُولَ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِیمٌ) (3) ، (وَالَّذِینَ یُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِینَ وَالْمُؤْمِناتِ1.

ص: 95


1- الوضین : بطان منسوج بعضه علی بعض یُشدُّ به الرحل علی البعیر ، وقوله : قلق الوضین أی سریع الحرکة یوصف بالخفّة وقلة الثبات ، کالحزام إذا کان رخواً.
2- الأحزاب : 57.
3- التوبة : 61.

بِغَیْرِ مَا اکْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِیناً) (1).

- 49 -

آیة نازلة فی الخلیفة

أخرج الواحدی والثعلبی من طریق ابن عباس والسدی والکلبی والمسیب بن شریک ، قالوا : نزل قوله تعالی فی سورة النجم (33 ، 34 ، 35) : (أَفَرَأَیْتَ الَّذِی تَوَلَّی* وَأَعْطی قَلِیلاً وَأَکْدی) (2) * (أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَیْبِ فَهُوَ یَری) : نزلت فی عثمان رضی الله عنه کان یتصدّق وینفق فی الخیر ، فقال له أخوه من الرضاعة عبد الله بن أبی سرح : ما هذا الذی تصنع؟ یوشک أن لا یُبقی لک شیئاً. فقال عثمان : إنّ لی ذنوباً وخطایا وإنّی أطلب بما أصنع رضا الله تعالی وأرجو عفوه ، فقال له عبد الله : أعطنی ناقتک برحلها وأنا أتحمّل عنک ذنوبک کلّها. فأعطاه وأشهد علیه وأمسک عن بعض ما کان یصنع من الصدقة ، فأنزل الله تعالی : (أَفَرَأَیْتَ الَّذِی تَوَلَّی). إلخ. فعاد عثمان إلی أحسن ذلک وأجمله.

وذکره جمع من المفسّرین ، وفی تفسیر النیسابوری : معنی تولّی : ترک المرکز یوم أُحد.

راجع (3) : أسباب النزول للواحدی (ص 298) ، تفسیر القرطبی (17 / 111) ، الکشّاف (3 / 146) ، تفسیر النیسابوری هامش الطبری (27 / 50) ، تفسیر الشربینی (4 / 128). 4.

ص: 96


1- الأحزاب : 58.
2- قال ابن عباس ومجاهد وطاوس وقتادة والضحّاک : أکدی : انقطع فلا یعطی شیئاً. یقال : البئر أکدت. (المؤلف)
3- أسباب النزول : ص 267 ، الجامع لأحکام القرآن : 17 / 73 ، الکشّاف : 4 / 427 ، غرائب القرآن للنیسابوری : 6 / 209 ، السراج المنیر : 4 / 134.

قال الأمینی : لا غرابة من ابن أبی سرح وقد تشاکلت أحواله یوم کفره وإسلامه وردّته وزلفته من عثمان علی عهد خلافته إن لهج بهذه السخافة التی لا تلائم أیّا من نوامیس العدل ، ولکن إن تعجب فعجب قبول عثمان تلکم الخرافة منه ، ومنحه إیّاه ناقته برحلها علی أن یحمل عنه ذنوبه (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْری) (1). وإشهاده علیه وإمساکه عن الصدقات ، وحسبانه أنّ ما قاله ذلک الساخر کائن لا محالة ، کأنّ بید ابن أبی سرح أزمّة الحساب ، وعنده مقالید یوم القیامة ، وهو الخبیر بما یکون فیه ، فأنبأه بأنّ ذنوبه مُحیت بتلک المبادلة ، أو أنّ عثمان نفسه کان یعلم الغیب ، فهو یری أنّ ما یقوله حمیمه حقّ ، وکأنّه نسی قوله تعالی : (وَقالَ الَّذِینَ کَفَرُوا لِلَّذِینَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِیلَنا وَلْنَحْمِلْ خَطایاکُمْ وَما هُمْ بِحامِلِینَ مِنْ خَطایاهُمْ مِنْ شَیْءٍ إِنَّهُمْ لَکاذِبُونَ* وَلَیَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ وَلَیُسْئَلُنَّ یَوْمَ الْقِیامَةِ عَمَّا کانُوا یَفْتَرُونَ) (2). وقوله تعالی : (مَنْ یَعْمَلْ سُوءاً یُجْزَ بِهِ وَلا یَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِیًّا وَلا نَصِیراً) (3). وقوله تعالی : (فَمَنْ یَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَیْراً یَرَهُ* وَمَنْ یَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا یَرَهُ) (4). وقوله تعالی : (کُلُّ نَفْسٍ بِما کَسَبَتْ رَهِینَةٌ) (5). (وَمَنْ یَکْسِبْ إِثْماً فَإِنَّما یَکْسِبُهُ عَلی نَفْسِهِ) (6). (الْیَوْمَ تُجْزی کُلُّ نَفْسٍ بِما کَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْیَوْمَ) (7). (وَلِتُجْزی کُلُّ نَفْسٍ بِما کَسَبَتْ وَهُمْ لا یُظْلَمُونَ) (8) إلی آی کثیرة من أمثالها ، وهی کلّها تقرّر حکم العقل بقبح أخذ أیّ أحد بجریمة غیره. 2.

ص: 97


1- الأنعام : 164.
2- العنکبوت : 12 ، 13.
3- النساء : 123.
4- الزلزلة : 7 ، 8.
5- المدّثّر : 38.
6- النساء : 111.
7- غافر : 17.
8- الجاثیة : 22.

والعدل یحکم بأنّ ابن أبی سرح وهو مثال المآثم والمخازی إن حُمّل إثماً من جرّاء قولته هذه فإنّما هو جرأته علی الله تعالی وتصغیره عظمة نیران القسط الإلهی ونهیه عن الصدقة لا ما سبق لعثمان اقترافه من السیّئات ، لکن هلمّ معی إلی ضئولة عقل من یصدّق تلکم المهزأة ، ویرتّب علیها آثاراً عملیّة حتی ندّد به الذکر الحکیم.

وهب أنّا غاضینا الراوی علی عود الرجل إلی ما کان بعد نزول الآیة الکریمة ، لکن ذلک لا یُجدیه نفعاً یُزیح عنه وصمة ضعف الرأی وقوّة الرعونة فیه ، نعم ؛ کان یُجدیه لو لم یعبأ بتلکم الضلالة ، أو أنّه عدل عنها بقوّة التفکیر لا بتوبیخ الوحی الإلهی ، ولیته لم یعدل فإنّه عدل إلی ما عرفت من سیرته فی الصدقات ، وجاء یخضم مال الله خضمة الإبل نبتة الربیع.

- 50 -

الخلیفة لا یعرف المخلص من النار

أخرج ابن عساکر فی تاریخه (1) (2 / 58) من طریق أحمد بن محمد ، أبی علیّ بن مکحول البیروتی قال : مرّ عمر علی عثمان بن عفّان فسلّم علیه ، فلم یردّ علیه السلام ، فجاء عمر إلی أبی بکر الصدّیق فقال : یا خلیفة رسول الله ألا أُخبرک بمصیبة نزلت بنا من بعد رسول الله؟ قال : وما هی؟ قال : مررت علی عثمان فسلّمت علیه فلم یردّ علیّ السلام. فقال أبو بکر : أَوَکان ذلک؟ قال : نعم. فأخذ بیده وجاء إلی عثمان فسلّما علیه ، فردّ علیهما السلام فقال أبو بکر : جاءک عمر فسلّم علیک فلم تردّ علیه؟ فقال : والله یا خلیفة رسول الله ما رأیته. قال : وفی أیّ شیء کانت فکرتک؟ قال : کنت مفکّراً فی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فارقناه ولم نسأله کیف الخلاص والمخلص من النار؟ فقال أبو بکر : والله لقد سألت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فأخبرنی ، فقال عثمان : ففرّج عنّا ، قال أبو بکر : قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : تمسّکوا بالعروة الوثقی : قول لا إله إلاّ الله. 8.

ص: 98


1- تاریخ مدینة دمشق : 5 / 387 رقم 164 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 3 / 268.

قال الأمینی : أکان فی أُذن الرجل وقر علی عهد النبوّة عمّا کان یتهالک دونه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ویهتف به آناء اللیل وأطراف النهار منذ بدء البعثة إلی أن لقی ربّه من الإشادة بکلمة التوحید ، وأنّ الإخلاص بها هو المنقذ الفذّ ، والسبب الوحید للنجاة من الهلکة التی من ورائها النار ، وأنّ (وَمَنْ یُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَی اللهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَکَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقی) (1). (فَمَنْ یَکْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَیُؤْمِنْ بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَکَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقی) (2). (وَالَّذِینَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِکَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ) (3). و (إِنَّهُ مَنْ یُشْرِکْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَیْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْواهُ النَّارُ) (4).

ألم یک یسمع نداءه صلی الله علیه وآله وسلم : «قولوا لا إله إلاّ الله تفلحوا» (5)؟

وقوله : «من شهد أن لا إله إلاّ الله ، وأنّ محمداً رسول الله ، حرّم الله علیه النار».

وقوله : «من قال : لا إله إلاّ الله مخلصاً دخل الجنّة».

وقوله : «ما من أحد یشهد أن لا إله إلاّ الله ، وأنّ محمداً رسول الله ، صدقاً من قلبه إلاّ حرّمه الله علی النار».

وقوله : «إنّی لأعلم کلمة لا یقولها عبد حقّا من قلبه فیموت علی ذلک إلاّ حرم علی النار : لا إله إلاّ الله». إلی أحادیث کثیرة جمع جملة ضافیة منها الحافظ المنذری فی الترغیب والترهیب (6) (2 / 160 - 164). 6.

ص: 99


1- لقمان : 22.
2- البقرة : 256.
3- البقرة : 82.
4- المائدة : 72.
5- تاریخ البخاری : ج 4 / القسم الثانی / ص 14 [مج 8 / 14 رقم 1977]. (المؤلف)
6- الترغیب والترهیب : 2 / 412 - 416.

أو أنّ الرجل کان یسمع هذه الکلمات الذهبیّة ، لکنّه لا یعیرها أُذناً واعیة فنسیها؟ فإن کان لم یعِ هذه وهی أساس الدعوة فما الذی وعاه؟ وما الذی تعقّله من نبیّ جاء وذهب ولم یعرف ما هو المخلص من النار؟ ولم یبعث إلاّ لانتشال أُمّته منها ، وفی یده کتابه الکریم فیه تبیان کلّ شیء ، وأیّ نبیّ کان یحسبه عثمان ، نبیّ العظمة؟ وعلی أیّ أساس علا صُروح إسلامه؟ وأیّ مسلم هذا یدرک أیّام دعوة نبیّه کلّها ثمّ یدرکه صلی الله علیه وآله وسلم الموت ولم یعرف المسکین بعدُ ما ینجیه من النار؟ نعم ؛ لم یألُ نبیّ الإسلام فی تنویر سبل السلام ، وإنقاذ البشر من النار ، فما ذا علیه إن لم تصادفه نفس صاغیة إلی تعالیمه فلم تحفظها؟

- 51 -

ترک الخلیفة التکبیر فی کلّ خفض ورفع

أخرج أحمد بالإسناد عن مطرف عن عمران بن حصین قال : صلّیت خلف علیّ صلاة ذکّرنی صلاة صلّیتها مع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم والخلیفتین ، قال : فانطلقت فصلّیت معه فإذا هو یکبّر کلّما سجد وکلّما رفع رأسه من الرکوع فقلت : یا أبا نجید من أوّل من ترکه؟ قال : عثمان رضی الله عنه حین کبر وضعف صوته ترکه (1).

قال الأمینی : سیوافیک البحث الضافی فی الجزء العاشر إن شاء الله تعالی حول التکبیرة فی الصلاة عند کلّ رفع وخفض وأنّها سنّة ثابتة عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم تسالمت علیها الأُمّة ، وعمل بها الصحابة ، واستقرّ علیهاإجماع أئمّة المذاهب ، وهذا الحدیث یعطینا خُبراً بأنّ أوّل من ترکها هو عثمان وتبعه معاویة وبنو أُمیّة ، وما زال الناس علی هذا المزن وتمرّنت علیه الأُمّة طوعاً أو کرهاً حتی ضاعت السنّة الثابتة ونُسیت ، وکان من جاء بها یُعدّ أحمق کأنّه ارتکب أمراً شاذّا عن الشرع المقدّس ، والتبعة فی ذلک ف)

ص: 100


1- مسند أحمد : 4 / 428 ، 429 ، 440 ، 444 [5 / 590 ح 19339 و 593 ح 19359 و 597 ح 19380 و 609 ح 19450 و 616 ح 19493]. (المؤلف)

کلّه علی الخلیفة البادی بترک سنّة الله التی لا تبدیل لها. قال الزرقانی فی شرح الموطّأ (1) (1 / 145) : ولأحمد (2) عن عمران : أوّل من ترک التکبیر عثمان حین کبر ، وللطبری عن أبی هریرة : أوّل من ترکه معاویة. ولأبی عبید : أوّل من ترکه زیاد. ولا ینافی ما قبله لأنّ زیاداً ترکه بترک معاویة ، وکأنّه ترکه بترک عثمان وقد حمله جماعة من العلماء علی الإخفاء. انتهی.

وتبریر عمل عثمان بالحمل علی الإخفاء یأباه صریح لفظ : ترک ، وإنّما یخبر ابن حصین عن تکبیر أمیر المؤمنین فی الهویّ والانتصاب لا عن جهره به ، والسائل إنّما یسأله عن أوّل من ترکه لا عمّن خافتَ به أوّلاً ، ویزیّفه ما یأتی عن ابن حجر (3) والشوکانی (4) وغیرهما من قولهم کما سمعت عن الزرقانی : کان معاویة ترکه بترک عثمان. ولم یؤثر عن معاویة غیر الترک والتنقیص کما یأتی حدیثه بلفظ نقص ، وقد اتّبع أثر عثمان فی أُحدوثته فإلی الملتقی.

نتاج البحث :

هذه نبذ قلیلة نشرتها ید التاریخ الجانیة بعد أن طوی کشحاً عن ذکر مهمّات ما جری فی ذلک العهد المشحون بالقلاقل ، الطافح بالفتن ، المفعم بالهنابث (5) ، وقد عرفناه جانیاً بستر تلکم الحقائق ، جنوحاً إلی العاطفة ، سائراً مع المیول ، والتاریخ حرّ یجب أن یمضی مع الواقع وأن لا یلویه مع القصد تعصبّ لأحد أو تحیّز إلی فئة ، لکن القوم لم یسیروا فی سرد التاریخ کما یجب علیهم ، فطفقوا یُحرّفون الکلم عن مواضعه ، ة.

ص: 101


1- شرح الموطّأ : 1 / 159 ح 163.
2- مسند أحمد : 5 / 597 ح 19380.
3- فتح الباری : 2 / 270.
4- نیل الأوطار : 2 / 268.
5- الهنابث : الدواهی ، واحدتها هنبثة.

ویُثبتون ما یوافق هواهم ، ویدَعون ما لا یروقهم.

قال الطبری فی تاریخه (1) (5 / 108) : إنّ الواقدی ذکر فی سبب مسیر المصریّین إلی عثمان ونزولهم ذا خُشب أموراً کثیرة ، منها ما تقدّم ذکره ، ومنها ما أعرضت عن ذکره کراهة منّی ذکره لبشاعته.

وقال (2) فی (5 / 113) : قد ذکرنا کثیراً من الأسباب التی ذکر قاتلوه أنّهم جعلوها ذریعة إلی قتله ، فأعرضنا عن ذکر کثیر منها لعلل دعت إلی الإعراض عنها.

وقال (3) فی (ص 232) : إنّ محمد بن أبی بکر کتب إلی معاویة لمّا وُلّی ؛ فذکر مکاتبات جرت بینهما کرهت ذکرها لما فیه ممّا لا یتحمّل سماعها العامّة.

ومرّ فی (8 / 306) فی ذکر ما جری بین علیّ علیه السلام وعثمان قول الواقدی (4) : فأجابه عثمان بجواب غلیظ لا أُحبّ ذکره وأجابه علیّ بمثله.

وقال ابن الأثیر فی الکامل (5) (3 / 70) : قد ترکنا کثیراً من الأسباب التی جعلها الناس ذریعة إلی قتله لعلل دعت إلی ذلک.

وقال ابن کثیر فی البدایة والنهایة (6) (7 / 166) : وفی هذه السنة - یعنی (33) - سیّر عثمان بعض أهل البصرة منها إلی الشام ، وإلی مصر بأسباب مسوّغة لما فعله رضی الله عنه ، فکان هؤلاء ممّن یؤلّب علیه ویُمالئ الأعداء فی الحطّ والکلام فیه ، وهم الظالمون فی ذلک ، وهو البارّ الراشد رضی الله عنه. .

ص: 102


1- تاریخ الأُمم والملوک : 4 / 356 حوادث سنة 35 ه.
2- تاریخ الأُمم والملوک : 4 / 365 حوادث سنة 35 ه.
3- تاریخ الأُمم والملوک : 4 / 557 حوادث سنة 36 ه.
4- أنظر شرح نهج البلاغة : 8 / 259 خطبة 130.
5- الکامل فی التاریخ : 2 / 286 حوادث سنة 35 ه.
6- البدایة والنهایة : 7 / 186 حوادث سنة 33 ه.

وقال (1) فی (ص 177) : جرت أُمور سنورد منها ما تیسّر وبالله المستعان. ثمّ ذکر من الأُمور ما راقه ویلائم ذوقه ولم یذکر إلاّ سلسلة أکاذیب لم یصحّ شیء منها.

وقال الدکتور أحمد فرید رفاعی فی عصر المأمون (1 / 5) : أمّا نحن فلا یُطلب منّا أن نبدی رأینا فی عثمان ، فهو صحابیّ عظیم وله أثره الخالد فی جمع القرآن وغیر القرآن وله دینه السمح الذی لا تشوبه شائبة ، وما کان الدین لیحتّم علی الناس جمیعاً أن یکون نظرهم إلی الحیاة الدنیا نظر التقشّف والزهد ، ولا یُطلب منّا أن نثبت ضعف الحکومة العثمانیّة ، وإنّما یُطلب منّا أن نسرد الحوادث بإیجاز ، ولنا فی تسلسل هذه الحوادث ودراستها وتقیید آثارها ما قد سمح لنا بالتعرّض له حین معالجتنا الکلام عن عصرنا فیما بعد. انتهی.

ثمّ ذکر ما جاء به الیعقوبی من الإیعاز إلی بعض ما نُقم به علی عثمان ، فتخلّص عن البحث فیه بما أتی به ابن الأثیر من روایة الطبری ، عن السریّ الکذّاب ، عن شعیب المجهول ، عن سیف المتروک الساقط المتّهم بالزندقة أو عن أُناس آخرین أمثال هؤلاء.

أضف إلی هذه کثیراً من کتب التاریخ المؤلّفة قدیماً وحدیثاً ، فإنّها أُلّفت بید أثیمة علی ودائع العلم والدین ، ولعلّ فی المذکور فی کتابنا هذا وهو قلیل من کثیر مقنعاً للحصول علی العلم بنفسیّات الخلیفة من شتّی نواحیه ، ومبلغه من العلم ، ومقداره من التقوی ، ومداه من الرأی ، ومآثره من ناحیة ملکاته ، وقد عرف کلّ ذلک من عاصره وعاشره ، فکانت کلمتهم فی حقّه واحدة ، ورأیهم فیه فذّا ، وأعمالهم معه کلّ یشبه الآخر ، ونحن نذکر لک نماذج ممّا لفظ به من قول وعمل به من فعل فی ذلک الدور القاتم بالفجائع والفظائع فدونکها : .

ص: 103


1- البدایة والنهایة : 7 / 198 حوادث سنة 35 ه.

- 1 -

حدیث أمیر المؤمنین علیّ بن أبی طالب صلوات الله علیه

1 - من کلام له علیه السلامفی معنی قتل عثمان : «لو أمرت به لکنت قاتلاً ، أو نهیت عنه لکنت ناصراً ، غیر أنّ من نصره لا یستطیع أن یقول : خذله من أنا خیر منه ، ومن خذله لا یستطیع أن یقول : نصره من هو خیر منّی ، وأنا جامع لکم أمره : استأثر فأساء الأثرة ، وجزعتم فأسأتم الجزع ، ولله حکم واقع فی المستأثر والجازع» (1).

قال ابن أبی الحدید فی الشرح (2) (1 / 158) : قوله : غیر أنّ من نصره ؛ معناه أنّ خاذلیه کانوا خیراً من ناصریه ، لأنّ الذین نصروه کان أکثرهم فسّاقاً ، کمروان بن الحکم وأضرابه ، وخذله المهاجرون والأنصار.

2 - من کلام له علیه السلام قاله لابن عبّاس وقد جاءه برسالة من عثمان وهو محصور یسأله فیها الخروج إلی ماله بینبع فقال علیه السلام :

«یا بن عبّاس ما یرید عثمان إلاّ أن یجعلنی جملاً ناضحاً بالغرْب (3) أُقبل وأدبر ، بعث إلیّ أن أخرج ، ثمّ بعث إلیّ أن أَقدُم ، ثمّ هو الآن یبعث إلیّ أن أخرج ، والله لقد دفعت عنه حتی خشیت أن أکون آثماً» (4).

3 - أخرج البلاذری فی الأنساب (5) (5 / 98) من طریق أبی خلدة أنّه سمع علیّا رضی الله عنه یقول وهو یخطب فذکر عثمان ، فقال : «والله الذی لا إله إلاّ هو ما قتلته ، 1.

ص: 104


1- نهج البلاغة : 1 / 76 [ص 73 خطبة 30]. (المؤلف)
2- شرح نهج البلاغة : 2 / 128 خطبة 30.
3- الناضح : البعیر یستقی علیه. الغرب : الدلو العظیمة. (المؤلف)
4- نهج البلاغة : 1 / 468 [ص 358 خطبة 240]. (المؤلف)
5- أنساب الأشراف : 6 / 221.

ولا مالأت علی قتله ، ولا ساءنی».

4 - أخرج ابن سعد (1) من طریق عمّار بن یاسر قال : رأیت علیّا علی منبر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم حین قُتل عثمان وهو یقول : «ما أحببت قتله ولا کرهته ، ولا أمرت به ولا نهیت عنه».

الأنساب للبلاذری (2) (5 / 101).

وأوعز شاعر أهل الشام کعب بن جعیل إلی قول الإمام علیه السلام بأبیات له ، ألا وهی

وما فی علیّ لمستعتبٍ

مقالٌ سوی ضمّه المحدِثینا

وإیثاره الیوم أهل الذنوب

ورفع القصاص عن القاتلینا

إذا سیل عنه حذا (3) شبهةً (4)

وعمّی الجوابَ علی السائلینا

فلیس براضٍ ولا ساخطٍ

ولا فی النُّهاةِ ولا الآمرینا

ولا هو ساءَ ولا سرَّه

ولا بدّ من بعض ذا أن یکونا (5)

قال ابن أبی الحدید بعد ذکر الأبیات : ما قال هذا الشعر إلاّ بعد أن نقل إلی أهل الشام کلام کثیر لأمیر المؤمنین فی عثمان یجری هذا المجری نحو قوله : «ما سرّنی ولا ساءنی» ، وقیل له : أرضیت بقتله؟ فقال : «لم أرضَ» ؛ فقیل له : أسخطت قتله؟ فقال : «لم أسخط». وقوله تارة : «الله قتله وأنا معه». وقوله تارة أخری : «ما قتلت ف)

ص: 105


1- الطبقات الکبری : 3 / 82.
2- أنساب الأشراف : 6 / 224.
3- فی وقعة صفین : حدا.
4- فی العقد الفرید : زوی وجهه. (المؤلف)
5- کتاب صفّین لابن مزاحم : ص 63 [ص 57] ، العقد الفرید : 2 / 267 [4 / 111] ، شرح ابن أبی الحدید : 1 / 158 [2 / 128 خطبة 30]. (المؤلف)

عثمان ولا مالأت فی قتله». وقوله تارة أخری : «کنت رجلاً من المسلمین أوردت إذ أوردوا ، وأصدرت إذ أصدروا». ولکلّ شیء من کلامه إذا صحّ عنه تأویل یعرفه أُولو الألباب.

5 - أخرج أبو مخنف من طریق عبد الرحمن بن عبید : إنّ معاویة بعث إلی علی : حبیب بن مسلمة الفهری وشرحبیل بن سمط ومعن بن یزید بن الأخنس ، فدخلوا علیه وأنا عنده. إلی أن قال بعد کلام حبیب وشرحبیل وذکر جواب مولانا أمیر المؤمنین : فقالا : أتشهد أنّ عثمان رضی الله عنه قتل مظلوماً؟ فقال لهما : «لا أقول ذلک». قالا : فمن لم یشهد أنّ عثمان قُتل مظلوماً فنحن منه برآء. ثمّ قاما فانصرفا ، فقال علیّ : (فإِنَّکَ لَا تُسْمِعُ المَوتَی وَلَا تُسمِعُ الصُمَّ الدُّعَاءَ إذَا وَلَّوا مُدبِرِینَ* وَمَا أنتَ بِهَادِ العُمْی عَنْ ضَلَالَتِهِم إنْ تُسمِعُ إلاَّ مَن یُؤمِنُ بِآیَاتِنَا فَهُم مُسْلِمُونَ) (1).

کتاب صفّین لابن مزاحم (ص 227) واللفظ له ، تاریخ الطبری (6 / 4) ، الکامل لابن الأثیر (3 / 125) (2).

6 - ذکر البلاذری فی الأنساب (3) (5 / 44) فی حدیث قول علیّ علیه السلام لعثمان : «یا عثمان إنّ الحق ثقیل مَریء ، وإنّ الباطل خفیف وبیء ، وإنّک متی تُصدَق تسخطْ ومتی تُکذب ترض».

7 - کان علیّ کلّما اشتکی الناس إلیه أمر عثمان أرسل ابنه الحسن إلیه ، فلمّا أکثر علیه قال له : إنّ أباک یری أنّ أحداً لا یعلم ما یعلم ، ونحن أعلم بما نفعل ، فکفّ عنّا ، فلم یبعث علیّ ابنه فی شیء بعد ذلک. وذکروا أنّ عثمان صلّی العصر ثمّ خرج إلی علیّ 6.

ص: 106


1- الروم : 52 - 53.
2- وقعة صفین : ص 200 - 202 ، تاریخ الأُمم والملوک : 5 / 8 حوادث سنة 37 ه ، الکامل فی التاریخ : 2 / 369 حوادث سنة 37 ه.
3- أنساب الأشراف : 6 / 156.

یعوده فی مرضه ومروان معه ، فرآه ثقیلاً ، فقال : أما والله لو لا ما أری منک ما کنت أتکلّم بما أُرید أن أتکلّم به ، والله ما أدری أیّ یومیک أحبّ إلیّ أو أبغض ، أیوم حیاتک؟ أو یوم موتک؟ أما والله لئن بقیت لا أعدم شامتاً یعدّک کهفاً ، ویتّخذک عضداً ، ولئن متّ لأفجعنّ بک ، فحظّی منک حظّ الوالد المشفق من الولد العاقّ ، إن عاش عقّه ، وإن مات فجعه ، فلیتک جعلت لنا من أمرک لنا علماً نقف علیه ونعرفه ، إمّا صدیق مسالم ، وإمّا عدوّ معانی ، ولا تجعلنی کالمختنق بین السماء والأرض ، لا یرقی بید ولا یهبط برجل ، أما والله لئن قتلتک لا أصیب منک خَلَفاً ، ولئن قتلتنی لا تصیب منی خَلَفاً ، وما أُحبّ أن أبقی بعدک. قال مروان : إی والله ، وأخری أنّه لا ینال ما وراء ظهورنا حتی تکسرَ رماحنا ، وتقطعَ سیوفنا ، فما خیر العیش بعد هذا؟ فضرب عثمان فی صدره وقال : ما یدخلک فی کلامنا؟ فقال علیّ : «إنّی والله فی شغل عن جوابکما ولکنّی أقول کما قال أبو یوسف (فَصَبْرٌ جَمِیلٌ وَاللهُ الْمُسْتَعانُ عَلی ما تَصِفُونَ) (1).

العقد الفرید (2 / 274) ، الإمامة والسیاسة (1 / 30) (2).

8 - فی کتاب لمولانا أمیر المؤمنین یجیب به معاویة بن أبی سفیان قال : «وذکرت إبطائی عن الخلفاء وحسدی إیّاهم والبغی علیهم ، فأمّا البغی فمعاذ الله أن یکون ، وأمّا الکراهة لهم فو الله ما أعتذر للناس من ذلک ، وذکرت بغیی علی عثمان وقطعی رحمه ، فقد عمل عثمان بما قد علمت ، وعمل به الناس ما قد بلغک ، فقد علمت أنّی کنت من أمره فی عزلة إلاّ أن تجنّی فتجنَّ ما شئت ، وأمّا ذکرک قتلة عثمان وما سألت من دفعهم إلیک ؛ فإنّی نظرت فی هذا الأمر وضربت أنفه وعینه فلم یسعنی دفعهم إلیک ولا إلی غیرک ، وإن لم تنزع عن غیّک لنعرفنّک (3) عمّا قلیل یطلبونک م.

ص: 107


1- یوسف : 18.
2- العقد الفرید : 4 / 120 ، الإمامة والسیاسة : 1 / 36.
3- فی العقد الفرید : لتعرفنّهم.

ولا یکلّفونک أن تطلبهم فی سهل ولا جبل ولا برّ ولا بحر».

کتاب صفّین لابن مزاحم (ص 102) ، العقد الفرید (2 / 268) ، نهج البلاغة (2 / 10) ، شرح ابن أبی الحدید (3 / 409).

9 - أخرج الطبری من طریق إسماعیل بن محمد : أنّ عثمان صعد یوم الجمعة المنبر ، فحمد الله وأثنی علیه ، فقام رجل فقال : أقم کتاب الله ، فقال عثمان : اجلس ، فجلس حتی قام ثلاثاً ، فأمر به عثمان فجلس ، فتحاثوا بالحصباء حتی ما تری السماء وسقط عن المنبر وحمل فأُدخل داره مغشیّا علیه ، فخرج رجل من حجّاب عثمان ومعه مصحف فی یده وهو ینادی : (إِنَّ الَّذِینَ فَرَّقُوا دِینَهُمْ وَکانُوا شِیَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِی شَیْءٍ إِنَّما أَمْرُهُمْ إِلَی اللهِ) ودخل علیّ بن أبی طالب علی عثمان رضی الله عنهما وهو مغشیّ علیه وبنو أُمیّة حوله ، فقال : مالک یا أمیر المؤمنین؟ فأقبلت بنو أُمیّة بمنطق واحد ، فقالوا : یا علیّ أهلکتنا وصنعت هذا الصنیع بأمیر المؤمنین ، أما والله لئن بلغت الذی ترید لتمُرنّ علیک الدنیا. فقام علیّ مغضباً.

تاریخ الطبری (5 / 113) ، الکامل لابن الأثیر (3 / 67) (5).

10 - ذکر ابن قتیبة فی الإمامة والسیاسة (1) (1 / 42) فی حدیث مساءلة عمرو ابن العاص راکباً : فقال له عمرو : ما الخبر؟ قال : قتل عثمان ، قال : فما فعل الناس؟ فقال : بایعوا علیّا. قال : فما فعل علیّ فی قتلة عثمان؟ قال : دخل علیه الولید بن عقبة فسأله عن قتله ، فقال : «ما أمرت ولا نهیت ، ولا سرّنی ولا ساءنی». قال : فما فعل بقتلة عثمان؟ فقال : آوی ولم یرضَ ، وقد قال له مروان : إن لا تکن أمرت فقد تولّیت 8.

ص: 108


1- تاریخ الأُمم والملوک : 4 / 364 حوادث سنة 35 ه ، الکامل فی التاریخ : 2 / 282 حوادث سنة 35 ه.

الأمر ، وإن لا تکن قتلت فقد آویت القاتلین ، فقال عمرو بن العاص : خلط والله أبو الحسن.

11 - روی الأعمش ، عن الحکم بن عتیبة ، عن قیس بن أبی حازم ، قال : سمعت علیّا علیه السلام علی منبر الکوفة وهو یقول : «یا أبناء المهاجرین انفروا إلی أئمّة الکفر ، وبقیّة الأحزاب ، وأولیاء الشیطان ، انفروا إلی من یقاتل علی دم حمّال الخطایا ، فو الله الذی فلق الحبّة ، وبرأ النسمة ؛ إنّه لیحمل خطایاهم إلی یوم القیامة لا ینقص من أوزارهم شیئا» (1).

قال الأمینی : طعن ابن أبی الحدید فی هذا الحدیث بمکان قیس (2) بن أبی حازم وقال : هو الذی روی حدیث : إنّکم لترون ربّکم یوم القیامة کما ترون القمر لیلة البدر لا تضامون فی رؤیته ، وقد طعن مشایخنا المتکلّمون فیه وقالوا : إنّه فاسق ولا تُقبل روایته. لأنّه قال : إنّی سمعت علیّا یخطب علی منبر الکوفة ویقول : «انفروا إلی بقیّة الأحزاب» فأبغضته ودخل بغضه فی قلبی ، ومن یبغض علیّا علیه السلام لا تقبل روایته. ثمّ حمله علی فرض الصحّة علی إرادة معاویة من قوله : حمّال الخطایا فقال : لأنّهم یحامون عن دمه ، ومن حامی عن دم إنسان فقد قاتل علیه. انتهی.

ألا مسائل الرجل عن أنّ روایة حدیث الرؤیة أیّ منقصة وحزازة فیها وقد أخرجها (3) البخاری ومسلم فی صحیحیهما ، وأحمد فی مسنده؟ فهل طعن أحد فی أولئک الأئمّة لروایتهم إیّاها؟.

ثمّ لو کان من أبغض علیّا علیه السلام فاسقاً غیر مقبول الروایة - کما هو الحقّ - فما 8.

ص: 109


1- شرح ابن أبی الحدید : 1 / 179 [2 / 194 خطبة 34]. (المؤلف)
2- من رجال الصحیحین : البخاری ومسلم. (المؤلف)
3- صحیح البخاری : 4 / 1671 ح 4305 ، صحیح مسلم : 1 / 213 ح 299 کتاب الإیمان ، مسند أحمد : 5 / 482 ح 18708.

قیمة الصحاح عندئذٍ فی سوق الاعتبار؟ وما أکثر ما فیها من الروایة عن مناوئی أمیر المؤمنین ومنهم نفس الرجل - قیس بن أبی حازم - فقد أخرج أئمّة الصحاح أحادیث من طریقه وهو من رجالهم.

علی أنّ علماء الفنّ من القوم مع قولهم بأنّه کان یحمل علی علیّ نصوّا علی ثقة الرجل ، وقالوا : متقن الروایة ، والحدیث عنه من أصحّ الإسناد ، وقال ابن خراش : کوفیّ جلیل ، وقال ابن معین (1) : ثقة. وذکره ابن حبّان فی الثقات (2) ، وقال ابن حجر : أجمعوا علی الذهبی الاحتجاج به ومن تکلّم فیه فقد آذی نفسه.

راجع : تهذیب التهذیب (3) (8 / 386).

وأمّا تأویل : «حمّال الخطایا» بإرادة معاویة منه ، فمن التافه البعید عن سیاق العربیّة نظیر تأویل معاویة الحدیث الوارد فی عمّار من قوله صلی الله علیه وآله وسلم : «تقتلک الفئة الباغیة».

12 - کان مولانا أمیر المؤمنین یخطب ویلوم الناس علی تثبیطهم وتقاعدهم ویستنفرهم إلی أهل الشام ، فقال له الأشعث بن قیس : هلاّ فعلت فعل ابن عفّان؟ فقال له : «إنّ فعل ابن عفّان لمخزاة علی من لا دین له ولا وثیقة معه ، إنّ امرأً أمکن عدوّه من نفسه یهشم عظمه ویفری جلده لضعیف رأیه ، مأفون عقله ، أنت فکن ذاک إن أحببت ، فأمّا أنا فدون أن أعطی ذاک ضرب بالمشرفیّة الفصل ...» (4).

13 - من کتاب له علیه السلام کتبه إلی أهل مصر لمّا ولّی علیهم الأشتر :

«من عبد الله علیّ أمیر المؤمنین إلی القوم الذین غضبوا لله حین عُصی فی أرضه ف)

ص: 110


1- التاریخ : 3 / 431 رقم 2116.
2- الثقات : 5 / 307.
3- تهذیب التهذیب : 8 / 346.
4- شرح ابن أبی الحدید : 1 / 178 [2 / 191 خطبة 34]. (المؤلف)

وذُهب بحقّه ، فضرب الجور سرادقه علی البرّ والفاجر ، والمقیم والظاعن ، فلا معروف یُستراح إلیه ، ولا منکر یُتناهی عنه» (1).

قال ابن أبی الحدید فی شرحه (2) (4 / 58) : هذا الفصل یشکل علیّ تأویله ؛ لأنّ أهل مصر هم الذین قتلوا عثمان ، وإذا شهد أمیر المؤمنین علیه السلام أنّهم غضبوا لله حین عُصی فی الأرض ، فهذه شهادة قاطعة علی عثمان بالعصیان وإتیان المنکر. ثمّ تأوّله بما رآه تعسّفاً ، والتعسّف لا یغنی عن الحقّ شیئاً ولا تتمّ به الحجّة.

هَب ابن أبی الحدید تعسّف هاهنا وتأوّل ، فما یصنع ببقیّة کلمات مولانا أمیر المؤمنین وکلمات سائر الصحابة لدة هذه الکلمة وهی تربو علی مئات؟ فهل یسعنا أن نکون متعسّفین فی کلّ ذلک؟ سل عنه خبیراً.

14 - من کلام لأمیر المؤمنین قاله لعثمان لمّا اجتمع الناس إلیه وشکوا إلیه ما نقموه علی عثمان فدخل علیه السلام علیه فقال :

«إنّ الناس ورائی وقد استفسرونی بینک وبینهم ، وو الله ما أدری ما أقول لک ، ما أعرف شیئاً تجهله ، ولا أدلّک علی أمر لا تعرفه ، إنّک لتعلم ما نعلم ، ما سبقناک إلی شیء فنخبرک عنه ، ولا خلونا بشیء فنبلّغکه وقد رأیت کما رأینا ، وسمعت کما سمعنا وصحبت رسول الله کما صحبنا ، وما ابن أبی قحافة ولا ابن الخطّاب بأولی بعمل الحقّ منک ، وأنت أقرب إلی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وشیجة رحم منهما ، وقد نلت من صهره ما لم ینالا ، فالله الله فی نفسک ، فإنّک والله ما تُبصّر من عمی ، ولا تُعلّم من جهل ، وإنّ الطرق لواضحة ، وإنّ أعلام الدین لقائمة ، فاعلم أنّ أفضل عباد الله عند الله إمام عادل ، هُدی وهدی ، فأقام سنّةً معلومةً ، وأمات بدعة مجهولة ، وإنّ السنن لنیّرة لها 8.

ص: 111


1- تاریخ الطبری : 6 / 55 [5 / 96 حوادث سنة 38 ه] ، نهج البلاغة : 2 / 63 [ص 410 خطبة 38] ، شرح ابن أبی الحدید : 2 / 29 [6 / 77 خطبة 38]. (المؤلف)
2- شرح نهج البلاغة : 16 / 156 کتاب 38.

أعلام ، وإنّ البدع لظاهرة لها أعلام ، وإنّ شرّ الناس عند الله إمام جائر ، ضلّ وضُلّ به ، فأمات سنّة مأخوذةً ، وأحیا بدعةً متروکةً ، وإنّی سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول : یؤتی یوم القیامة بالإمام الجائر ولیس معه نصیر ولا عاذر فیُلقی فی نار جهنّم فیدور فیها کما تدور الرحی ثمّ یرتبط فی قعرها ، وإنّی أنشدک الله أن تکون إمام هذه الأُمّة المقتول فإنّه کان یُقال : یُقتل فی هذه الأُمّة إمام یفتح علیها القتل والقتال إلی یوم القیامة ، ویُلبّس أُمورها علیها ، ویُثبّت الفتن فیها ، فلا یبصرون الحقّ من الباطل ، یموجون فیها موجاً ، ویمرجون فیها مرجاً ، فلا تکوننّ لمروان سیّقة یسوقک حیث شاء بعد جُلال (1) السنّ وتقضّی العمر». فقال له عثمان : کلّم الناس فی أن یؤجّلونی حتی أخرج إلیهم من مظالمهم ، فقال علیه السلام : «ما کان بالمدینة فلا أجل فیه ، وما غاب فأجله وصول أمرک إلیه» (2).

تاریخ الطبری (5 / 96) ، الأنساب للبلاذری (5 / 60) ، نهج البلاغة (1 / 303) ، الکامل لابن الأثیر (3 / 63) ، تاریخ ابن کثیر (7 / 168) (3).

15 - أخرج ابن السمّان من طریق عطاء : إنّ عثمان دعا علیّا فقال : یا أبا الحسن إنّک لو شئت لاستقامت علیّ هذه الأُمّة فلم یخالفنی واحد. فقال علیّ : «لو کانت لی أموال الدنیا وزخرفها ما استطعت أن أدفع عنک أکفّ الناس ؛ ولکنّی سأدلّک علی أمر هو أفضل ممّا سألتنی : تعمل بعمل أخویک أبی بکر وعمر ، وأنا لک بالناس لا یخالفک أحد»..

ص: 112


1- الجُلال : العظیم.
2- سیأتی تمام الحدیث فی صور توبة الخلیفة وحنثه إیّاها مرّة بعد أخری. (المؤلف)
3- تاریخ الأُمم والملوک : 4 / 337 حوادث سنة 34 ه ، نهج البلاغة : ص 234 خطبة 164 ، الکامل فی التاریخ : 2 / 275 حوادث سنة 34 ه ، أنساب الأشراف : 6 / 175 ، البدایة والنهایة : 7 / 188 حوادث سنة 34 ه.

الریاض النضرة (1) (2 / 129).

16 - من الخطبة الشقشقیة لمولانا أمیر المؤمنین علیه السلام ، قوله : «إلی أن قام ثالث القوم نافجاً حضنیه بین نثیله ومعتلفه ، وقام معه بنو أبیه یخضمون مال الله خضمة الإبل نبتة الربیع ، إلی أن أنتکث فتله ، وأجهز علیه عمله ، وکبت به بطنته».

مرّت مصادر هذه الخطبة فی الجزء السابع (ص 82 - 85).

17 - قال ابن عبد ربّه فی العقد الفرید (2) (2 / 267) : قال حسّان بن ثابت لعلیّ : إنّک تقول : ما قتلت عثمان ولکن خذلته ، ولم آمر به ولکن لم أنهَ عنه ، فالخاذل شریک القاتل ، والساکت شریک القاتل.

18 - أخرج البلاذری فی الأنساب (3) (5 / 13) من طریق عبد الله بن عباس قال : إنّ عثمان شکا علیّا إلی العبّاس فقال له : یا خال إنّ علیّا قد قطع رحمی ، وألّب الناس ابنک ، والله لئن کنتم یا بنی عبد المطلّب أقررتم هذا الأمر فی أیدی بنی تیم وعدی فبنو عبد مناف أحقّ أن لا تنازعوهم فیه ولا تحسدوهم علیه. قال عبد الله بن العبّاس : فأطرق أبی طویلاً ثمّ قال : یا ابن أخت لئن کنت لا تحمد علیّا فما یُحمدک له ، وإنّ حقّک فی القرابة والإمامة للحقّ الذی لا یُدفع ولا یُجحد ، فلو رقیت فیما تطأطأ أو تطأطأت فیما رقی تقاربتما ، وکان ذلک أوصل وأجمل ، قال : قد صیّرت الأمر فی ذلک إلیک فقرّب الأمر بیننا. قال : فلمّا خرجنا من عنده دخل علیه مروان فأزاله عن رأیه ، فما لبثنا أن جاء أبی رسول عثمان بالرجوع إلیه ، فلمّا رجع قال : یا خال أُحبّ أن تؤخّر النظر فی الأمر الذی ألقیت إلیّ حتی أری من رأیی ، فخرج أبی من عنده ثمّ 6.

ص: 113


1- الریاض النضرة : 3 / 62.
2- العقد الفرید : 4 / 111.
3- أنساب الأشراف : 6 / 116.

التفت إلیّ فقال : یا بنیّ لیس إلی هذا الرجل من أمره شیء ، ثمّ قال : اللهمّ أسبق بی الفتن ولا تُبقنی إلی ما لا خیر لی فی البقاء إلیه. فما کانت جمعة حتی هلک.

19 - أخرج البلاذری فی الأنساب (1) (5 / 14) من طریق صهیب مولی العبّاس : إنّ العبّاس قال لعثمان : أُذکرک الله فی أمر ابن عمّک وابن خالک وصهرک وصاحبک مع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، فقد بلغنی أنّک ترید أن تقوم به وبأصحابه ، فقال : أوّل ما أُجیبک به أنّی قد شفّعتک ، أنّ علیّا لو شاء لم یکن أحد عندی إلاّ دونه ولکنّه أبی إلاّ رأیه ، ثمّ قال لعلیّ مثل قوله لعثمان ، فقال علیّ : «لو أمرنی عثمان أن أخرج من داری لخرجت».

20 - من کتاب لأمیر المؤمنین علیه السلام إلی معاویة : «أمّا بعد : فو الله ما قتل ابن عمّک غیرک ، وإنی لأرجو أن ألحقک به علی مثل ذنبه وأعظم من خطیئته».

العقد الفرید (2) (2 / 223) ، وفی طبعة (ص 285).

ولا تنس فی الختام قول حسّان بن ثابت :

صبراً جمیلاً بنی الأحرار لا تهنوا

قد ینفع الصبر فی المکروه أحیانا

یا لیت شعری ولیت الطیر تُخبرنی

ما کان شأنُ علیٍّ وابنِ عفّانا

لتسمعنَّ وشیکاً فی دیارِکمُ

اللهُ أکبرُ یا ثارات عثمانا (3)

قال الأمینی : یُعطینا الأخذ بمجامع هذه الأحادیث أنّ الإمام علیه السلام ما کان یری الخلیفة إمام عدل یسوؤه قتله ، أو یهمّه أمره ، أو یُسخطه التجمهر علیه ، بل کان یعتزل عن أمره ویخشی أن یکون آثماً إن دأب علی الدفاع عنه ، ولا یری الثائرین ف)

ص: 114


1- أنساب الأشراف : 6 / 117.
2- العقد الفرید : 4 / 137.
3- أنساب البلاذری : 5 / 104 [6 / 228]. (المؤلف)

علیه متحوّبین فی نهضتهم وإلاّ لساءه ذلک فضلاً عن أن یسکت عنهم ، أو یطریهم کما سمعته من کتابه إلی أهل مصر ، أو یری الخاذلین له خیراً ممّن نصره ولو کان یراه إمام عدل ، فأقلّ المراتب أن یقول : إنّ ناصره خیر من خاذله. بل الشأن هذا فی أفراد المسلمین العدول من الرعیّة فضلاً عن إمامها.

وحدیث شکایة عثمان إلی عمّه العبّاس المتوفّی سنة (32) یعلمنا بأنّ الخلاف والتشاجر بینهما کانا قبل تجمهر الثائرین علیه فی أواسط أیّام خلافته قبل وفاته بأعوام ، وقول أمیر المؤمنین له : «لو أمرنی عثمان أن أخرج من داری لخرجت». فیه إیعاز إلی أنّ إنکاره علیه السلام علی الرجل لم یکن قطّ فی الملک ، وما کان یرضی بشقّ عصا المسلمین بالخلاف علیه فی أمره ، وإنّما کان للأمر بالمعروف والنهی عن المنکر ، ولم یک یری لنفسه بُدّا من ذلک.

ولو أمعنت النظر فیما سردناه من ألفاظه الدرّیّة لانفتح علیک أبواب من رأی الإمام علیه السلام فی الخلیفة لم نوعز إلیها ، ویُعرب عن رأیه فیه ما مرّ فی (8 / 287).

من خطبة له علیه السلام خطبها فی الیوم الثانی من بیعته من قوله : «ألا إنّ کلّ قطیعة أقطعها عثمان ، وکلّ مال أعطاه من مال الله فهو مردود فی بیت المال». فلو کان الرجل إمام عدل عند الإمام علیه السلام لکان أخذه وردّه وقطعه وعطاؤه حجّة لا یتطرّق إلیها الردّ ، ولکن ....

- 2 -

حدیث عائشة بنت أبی بکر أُمّ المؤمنین

1 - قال ابن سعد (1) : لمّا حُصر عثمان کان مروان یُقاتل دونه أشدّ القتال ، وأرادت عائشة الحجّ وعثمان محصور ، فأتاها مروان وزید بن ثابت وعبد الرحمن بن 6.

ص: 115


1- الطبقات الکبری : 5 / 36.

عتاب فقالوا : یا أُمّ المؤمنین لو أقمت فإنّ أمیر المؤمنین علی ما ترین محصور ومقامک ممّا یدفع الله به عنه. فقالت : قد حلبتُ ظهری ، وعرّیتُ غرائری ، ولست أقدر علی المقام. فأعادوا علیها الکلام ، فأعادت علیهم مثل ما قالت لهم ، فقام مروان وهو یقول :

وحرَّق قیسٌ علیَّ البلا

د حتی إذا استعرت أجذما (1)

فقالت عائشة : أیّها المتمثّل علیّ بالأشعار وددتُ والله أنّک وصاحبک هذا الذی یعنیک أمره فی رجل کلّ واحد منکما رحاً وأنّکما فی البحر ، وخرجت إلی مکة.

وفی لفظ البلاذری (2) : لمّا اشتدّ الأمر علی عثمان أمر مروان بن الحکم وعبد الرحمن بن عتاب بن أسید فأتیا عائشة وهی ترید الحجّ ، فقالا لها : لو أقمتِ فلعلّ الله یدفع بک عن هذا الرجل : فقالت : قد قرنت رکابی وأوجبت الحجّ علی نفسی ، وو الله لا أفعل. فنهض مروان وصاحبه ، ومروان یقول :

وحرَّق قیسٌ علیَّ البلا

د حتی إذا اضطرمت أجذما

فقالت عائشة : یا مروان وددت والله أنّه فی غرارة (3) من غرائری هذه وأنّی طوّقت حمله حتی أُلقیه فی البحر.

2 - مرّ عبد الله بن عبّاس بعائشة وقد ولاّه عثمان الموسم وهی بمنزل من منازل طریقها ، فقالت : یا بن عبّاس ، إنّ الله قد آتاک عقلاً وفهماً وبیاناً فإیّاک أن تردّ الناس عن هذا الطاغیة. أخرجه البلاذری (4). 3.

ص: 116


1- البیت للربیع بن زیاد بن عبد الله العبسی ، شاعر جاهلی. کان له اتصال بالنعمان بن المنذر ، توفّی سنة (30 قبل الهجرة) راجع لسان العرب : 2 / 224 وفیه : إذا اضطرمت ، الأعلام : 3 / 14.
2- أنساب الأشراف : 6 / 192.
3- الغرارة بکسر المعجمة : الجوالق [وهو وعاء من الأوعیة معروف عند العرب]. (المؤلف)
4- أنساب الأشراف : 6 / 193.

وفی لفظ الطبری (1) : خرج ابن عبّاس فمرّ بعائشة فی الصلصل (2) فقالت : یا بن عبّاس أنشدک الله - فإنّک قد أُعطیت لساناً إزعیلا (3) - أن تخذّل عن هذا الرجل وأن تشکّک فیه الناس ؛ فقد بانت لهم بصائرهم وأنهجت ورفعت لهم المنار وتحلّبوا من البلدان لأمر قد جمّ ، وقد رأیت طلحة بن عبید الله قد اتّخذ علی بیوت الأموال والخزائن مفاتیح ، فإن یل یَسِرْ بسیرة ابن عمّه أبی بکر رضی الله عنه. قال : قلت : یا أُمّه لو حدث بالرجل حدث ما فزع الناس إلاّ إلی صاحبنا. فقالت : أیهاً عنک إنّی لستُ أرید مکابرتک ولا مجادلتک. وحکاه ابن أبی الحدید عن تاریخ الطبری فی شرح النهج (4) غیر أنّ فیه : فقالت : یا بن عبّاس أنشدک الله فإنّک قد أُعطیت فهماً ولساناً وعقلاً أن لا تخذّل الناس عن طلحة فقد بانت لهم بصائرهم فی عثمان ، وأنهجت ورفعت لهم المنابر وتجلّبوا من البلدان لأمر عظیم قد حمّ ، وأنّ طلحة قد اتخذ رجالاً علی بیوت الأموال ، وأخذ مفاتیح الخزائن ، وأظنّه یسیر إن شاء الله بسیرة ابن عمّه أبی بکر. الحدیث.

3 - کانت عائشة وأُمّ سلمة حَجّتا ذلک العام - عام قتل عثمان - وکانت عائشة تؤلّب علی عثمان ، فلمّا بلغها أمره وهی بمکة أمرت بقبّتها فضربت فی المسجد الحرام ، وقالت : إنّی أری عثمان سیشأم قومه کما شأم أبو سفیان قومه یوم بدر. رواه البلاذری (5).

4 - أخرج عمر بن شبّة من طریق عبید بن عمرو القرشی قال : خرجت عائشة وعثمان محصور ، فقدم علیها مکة رجل یقال له أخضر ، فقالت : ما صنع 2.

ص: 117


1- تاریخ الأُمم والملوک : 4 / 407 حوادث سنة 35 ه.
2- صُلصُل بالضم والتکریر : موضع بنواحی المدینة علی سبعة أمیال منها [معجم البلدان : 3 / 421]. (المؤلف)
3- الإزعیل : الذلق.
4- شرح نهج البلاغة : 10 / 6 خطبة 175.
5- أنساب الأشراف : 6 / 212.

الناس؟ فقال : قتل عثمان المصریین. قالت : إنّا لله وإنّا إلیه راجعون أیقتل قوماً جاءوا یطلبون الحقّ وینکرون الظلم؟ والله لا نرضی بهذا. ثمّ قدم آخر فقالت : ما صنع الناس؟ قال : قتل المصریّون عثمان ، قالت : العجب لأخضر ، زعم أنّ المقتول هو القاتل فکان یضرب به المثل : أکذب من أخضر. وأخرجه الطبری (1).

5 - مرّ فی الجزء الثامن صفحة (123) : أن الشهود علی الولید بن عقبة بشربه الخمر استجاروا بعائشة ، وأصبح عثمان فسمع من حجرتها صوتاً وکلاماً فیه بعض الغلظة ، فقال : أما تجد مرّاق أهل العراق وفسّاقهم ملجأ إلاّ بیت عائشة؟ فسمعت فرفعت نعل رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وقالت : ترکت سنّة رسول الله صاحب هذا النعل. الحدیث فراجع.

6 - أسلفنا فی هذا الجزء صفحة (16) فی مواقف عمّار : إنّ عائشة لمّا بلغها ما صنع عثمان بعمّار ؛ غضبت وأخرجت شعراً من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وثوباً من ثیابه ونعلاً من نعاله ، ثمّ قالت : ما أسرع ما ترکتم سنّة نبیّکم وهذا شعره وثوبه ونعله لم یبل بعد! فغضب عثمان غضباً شدیداً حتی ما دری ما یقول. الحدیث.

وقال أبو الفداء : کانت عائشة تنکر علی عثمان مع من ینکر علیه ، وکانت تخرج قمیص رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وشعره وتقول : هذا قمیصه وشعره لم یبل وقد بلی دینه.

7 - وفی کتاب لأمیر المؤمنین علیه السلام کتبه لمّا قارب البصرة إلی طلحة والزبیر وعائشة : «وأنت یا عائشة فإنّک خرجت من بیتک عاصیة لله ولرسوله تطلبین أمراً کان عنک موضوعاً ، ثمّ تزعمین أنّک تریدین الإصلاح بین المسلمین ، فخبّرینی ما للنساء وقود الجیوش والبروز للرجال ، والوقوع بین أهل القبلة وسفک الدماء المحرّمة؟ ثمّ إنّک طلبت علی زعمک دم عثمان ، وما أنت وذاک؟ عثمان رجل من بنی .

ص: 118


1- تاریخ الأُمم الملوک : 4 / 449 حوادث سنة 36 ه.

أُمیّة وأنت من تیم ، ثمّ بالأمس تقولین فی ملأ من أصحاب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : اقتلوا نعثلاً قتله الله فقد کفر ، ثمّ تطلبین الیوم بدمه؟ فاتّقی الله وارجعی إلی بیتک ، واسبلی علیک سترک ، والسلام» (1).

8 - أخرج الطبری (2) وابن قتیبة (3) : أنّ غلاماً من جهینة أقبل علی محمد بن طلحة - یوم الجمل - وکان محمد رجلاً عابداً ، فقال : أخبرنی عن قتلة عثمان ، فقال : نعم ، دم عثمان ثلاثة أثلاث : ثلث علی صاحبة الهودج یعنی عائشة ، وثلث علی صاحب الجمل الأحمر یعنی طلحة ، وثلث علی علیّ بن أبی طالب. وضحک الغلام وقال : ألا أرانی علی ضلال! ولحق بعلیّ وقال فی ذلک شعراً :

سألتُ ابنَ طلحةَ عن هالکٍ

بجوفِ المدینة لم یُقبرِ

فقال ثلاثةُ رهطٍ هُمُ

أماتوا ابنَ عفّان واستعبرِ

فثلثٌ علی تلک فی خِدرِها

وثلثٌ علی راکبِ الأحمرِ

وثلثٌ علی ابنِ أبی طالبٍ

ونحن بدویّةٍ قرقرِ

فقلتُ صدقتَ علی الأوّلینِ

وأخطأتَ فی الثالث الأزهرِ

9 - أخرج الطبری (4) من طریقین : أنّ عائشة رضی الله عنها لمّا انتهت إلی سرف (5) راجعةً فی طریقها إلی مکة ، لقیها عبد بن أُمّ کلاب وهو عبد بن أبی سلمة ینسب إلی أُمّه فقالت له : مهیم؟ قال : قتلوا عثمان رضی الله عنه فمکثوا ثمانیاً. قالت : ثمّ صنعوا ما ذا؟ قال : أخذها أهل المدینة بالاجتماع ، فجازت بهم الأُمور إلی خیر مجاز ، اجتمعوا علی علیّ ف)

ص: 119


1- تذکرة الخواص : ص 69.
2- تاریخ الأُمم والملوک : 4 / 465 حوادث سنة 36 ه.
3- الإمامة والسیاسة : 1 / 61.
4- تاریخ الأمم والملوک : 4 / 458 حوادث سنة 36 ه ، تذکرة الخواص : ص 64.
5- سَرِف بالفتح ثمّ الکسر : موضع علی ستّة أمیال من مکة [معجم البلدان : 3 / 212]. (المؤلف)

ابن أبی طالب. فقالت : والله لیت أنّ هذه انطبقت علی هذه إن تمّ الأمر لصاحبک ردّونی ردّونی. فانصرفت إلی مکة وهی تقول : قُتل والله عثمان مظلوماً ، والله لأطلبنّ بدمه. فقال لها ابن أُمّ کلاب : ولم؟ فو الله إنّ أوّل من أمال حرفه لأنتِ ، ولقد کنت تقولین : اقتلوا نعثلاً فقد کفر (1). قالت : إنّهم استتابوه ثمّ قتلوه ، وقد قلت وقالوا ، وقولی الأخیر خیر من قولی الأوّل. فقال لها ابن أُم کلاب (2) :

منکِ البداءُ ومنکِ الغِیَرْ

ومنکِ الریاحُ ومنکِ المطَرْ

وأنتِ أمرتِ بقتل الإمامِ

وقلتِ لنا : إنّه قد کفرْ

فهبنا أطعناکِ فی قتله

وقاتله عندنا من أمرْ

ولم یسقط السقفُ من فوقنا

ولم ینکسف شمسُنا والقمرْ

وقد بایع الناس ذا تُدرأ (3)

یزیل الشبا ویُقیم الصَّعَرْ

ویلبس الحرب أثوابَها

وما مَن وفی مثلُ مَن قد غدر

فانصرفت إلی مکة ، فنزلت علی باب المسجد فقصدت للحجر فستّرت واجتمع إلیها الناس فقالت : یا أیُّها الناس إنّ عثمان رضی الله عنه قُتل مظلوماً وو الله لأطلبنّ بدمه.

10 - قال أبو عمر صاحب الاستیعاب (4) : إنّ الأحنف بن قیس کان عاقلاً حلیماً ذا دین وذکاء وفصاحة ودهاء ، لمّا قدمت عائشة البصرة أرسلت إلی الأحنف ابن قیس ، فأبی أن یأتیها (5) ، ثمّ أرسلت إلیه فأتاها ، فقالت : ویحک یا أحنف بم س.

ص: 120


1- فی لفظ ابن قتیبة [فی الإمامة والسیاسة : 1 / 51] : فجر. (المؤلف)
2- فی لفظ ابن قتیبة [فی الإمامة والسیاسة : 1 / 51] : عذر والله ضعیف یا أُمّ المؤمنین. ثمّ ذکر الأبیات. (المؤلف)
3- ذو تُدرأ : ذو عدّة وقوّة.
4- الاستیعاب : القسم الثانی / 716 رقم 1209.
5- هذه العبارة حذفت من الطبعة الجدیدة ، وهی موجودة فی الاستیعاب المطبوع فی هامش الإصابة : 2 / 192 فی ترجمة صخر بن قیس.

تعتذر إلی الله من ترک جهاد قتلة أمیر المؤمنین عثمان رضی الله عنه؟ أمن قلّة عدد؟ أو أنّک لا تُطاع فی العشیرة؟ قال : یا أُم المؤمنین ما کبرت السنّ ولا طال العهد ، وإنّ عهدی بک عام أوّل تقولین فیه وتنالین منه. قالت : ویحک یا أحنف إنّهم ماصوه موص الإناء ثمّ قتلوه. قال : یا أُم المؤمنین إنی آخذ بأمرک وأنت راضیة ، وأدعه وأنت ساخطة.

11 - أخرج ابن عساکر (1) من طریق أبی [إدریس الخولانی أن أبا] مسلم [الخولانی] ، قال لأهل الشام وهم ینالون من عائشة فی شأن عثمان : یا أهل الشام أضرب لکم مثلکم ومثل أُمّکم هذه : مثلها ومثلکم کمثل العین فی الرأس تؤذی صاحبها ولا یستطیع أن یعاقبها إلاّ بالذی هو خیر لها.

12 - قال ابن أبی الحدید (2) : قال کلّ من صنّف فی السیر والأخبار : إنّ عائشة کانت من أشدّ الناس علی عثمان حتی أنّها أخرجت ثوباً من ثیاب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فنصبته فی منزلها وکانت تقول للداخلین إلیها : هذا ثوب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لم یبل وعثمان قد أبلی سنّته.

قالوا : أوّل من سمّی عثمان نعثلاً عائشة ، وکانت تقول : اقتلوا نعثلاً ، قتل الله نعثلاً.

13 - روی المدائنی فی کتاب الجمل ، قال : لمّا قُتل عثمان کانت عائشة بمکة وبلغ قتله إلیها وهی بشراف فلم تشکّ فی أنّ طلحة هو صاحب الأمر وقالت : بُعداً لنعثل وسحقاً ، إیه ذا الإصبع! إیه أبا شبل! إیه یا ابن عمّ! لکأنّی أنظر إلی إصبعه وهو یُبایَع له ، حثوا الإبل ودعدعوها (3).

قال : وقد کان طلحة حین قُتل عثمان أخذ مفاتیح بیت المال وأخذ نجائب ا.

ص: 121


1- تاریخ مدینة دمشق : 27 / 221 رقم 3213.
2- شرح نهج البلاغة : 6 / 215 خطبة 79.
3- دعدع بالإبل : زجرها.

کانت لعثمان فی داره ثمّ فسد أمره فدفعها إلی علیّ بن أبی طالب (1).

14 - قال أبو مخنف لوط بن یحیی الأزدی فی کتابه : إنّ عائشة لمّا بلغها قتل عثمان وهی بمکة أقبلت مسرعة وهی تقول : إیهِ ذا الإصبع لله أبوک ، أما إنّهم وجدوا طلحة لها کفواً ، فلمّا انتهت إلی شراف (2) استقبلها عبید بن أبی سلمة اللیثی ، فقالت له : ما عندک؟ قال : قُتل عثمان. قالت : ثمّ ما ذا؟ قال : ثمّ حارت بهم الأُمور إلی خیر محار ، بایعوا علیّا. فقالت : لوددت أنّ السماء انطبقت علی الأرض إن تمّ هذا ، ویحک انظر ما ذا تقول. قال : هو ما قلت لک یا أُمّ المؤمنین ، فولولت. فقال لها : ما شأنک یا أُمّ المؤمنین؟ والله ما أعرف بین لابتیها أحداً أولی بها منه ولا أحقّ ، ولا أری له نظیراً فی جمیع حالاته ، فلما ذا تکرهین ولایته؟ قال : فما ردّت علیه جواباً.

وقد روی من طرق مختلفة : أنّ عائشة لمّا بلغها قتل عثمان وهی بمکة قالت : أبعده الله ، ذلک بما قدّمت یداه وما الله بظلاّم للعبید (3).

15 - قال : وقد روی قیس بن أبی حازم : أنّه حجّ فی العام الذی قُتل فیه عثمان وکان مع عائشة لمّا بلغها قتله فتحمّل إلی المدینة ، قال : فسمعها تقول فی بعض الطریق إیهِ ذا الإصبع. وإذا ذکرت عثمان قالت : أبعده الله. حتی أتاها خبر بیعة علیّ ، فقالت : لوددت أنّ هذه وقعت علی هذه. ثمّ أمرت بردّ رکائبها إلی مکة فرددت معها ، ورأیتها فی سیرها إلی مکة تخاطب نفسهاکأنّها تخاطب أحداً : قتلوا ابن عفّان مظلوماً. فقلت لها : یا أُمّ المؤمنین ألم أسمعک آنفاً تقولین أبعده الله؟ وقد رأیتک قبل أشدّ الناس علیه وأقبحهم فیه قولاً ، فقالت : لقد کان ذلک ولکنّی نظرت فی أمره فرأیتهم استتابوه حتی إذا ترکوه کالفضّة البیضاء أتوه صائماً محرماً فی شهر حرام 9.

ص: 122


1- شرح نهج البلاغة : 6 / 215 خطبة 79.
2- راجع صفحة : 236 من الجزء الثامن ، و 80 من هذا الجزء. (المؤلف)
3- شرح نهج البلاغة : 6 / 215 خطبة 79.

فقتلوه (1).

16 - قال : وروی من طرق أخری : أنّها قالت لمّا بلغها قتله : أبعده الله قتله ذنبه ، وأقاده الله بعمله ، یا معشر قریش لا یسومنّکم قتل عثمان کما سام أحمر ثمود قومه ، إنّ أحقّ الناس بهذا الأمر ذو الإصبع. فلمّا جاءت الأخبار ببیعة علیّ علیه السلام قالت : تعسوا لا یردّون الأمر فی تیم أبداً.

کتب طلحة والزبیر إلی عائشة وهی بمکة کتباً أن خذّلی الناس عن بیعة علیّ ، وأظهری الطلب بدم عثمان. وحملا الکتب مع ابن أختها عبد الله بن الزبیر ، فلمّا قرأت الکتب کاشفت وأظهرت الطلب بدم عثمان ، وکانت أُمّ سلمة بمکة فی ذلک العام ، فلمّا رأت صنع عائشة قابلتها بنقیض ذلک وأظهرت موالاة علیّ علیه السلام ونصرته علی مقتضی العداوة المرکوزة فی طباع الضرّتین (2).

17 - قال أبو مخنف : جاءت عائشة إلی أُمّ سلمة تخادعها علی الخروج للطلب بدم عثمان ، فقالت لها : یا بنت أبی أُمیّة أنت أوّل مهاجرة من أزواج رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، وأنت کبیرة أُمّهات المؤمنین ، وکان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقسم لنا من بیتک ، وکان جبریل أکثر ما یکون فی منزلک. فقالت أُمّ سلمة : لأمرٍ ما قلتِ هذه المقالة! فقالت عائشة : إنّ عبد الله أخبرنی أنّ القوم استتابوا عثمان فلمّا تاب قتلوه صائماً فی شهر حرام ، وقد عزمت علی الخروج إلی البصرة ومعی الزبیر وطلحة فاخرجی معنا لعلّ الله أن یصلح هذا الأمر علی أیدینا وبنا. فقالت : أنا أُمّ سلمة ، إنّک کنت بالأمس تحرّضین علی عثمان وتقولین فیه أخبث القول ، وما کان اسمه عندک إلاّ نعثلاً ، وإنّک لتعرفین منزلة علیّ بن أبی طالب عند رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم (3). الحدیث (4). ف)

ص: 123


1- شرح نهج البلاغة : 6 / 216 خطبه 79.
2- شرح نهج البلاغة : 6 / 216 خطبه 79.
3- شرح نهج البلاغة : 6 / 217
4- فیه فوائد جمّة لا تفوت الباحث وعلیه به. (المؤلف)

18 - روی ابن عبد ربّه (1) عن العتبی قال : قال رجل من بنی لیث : لقیت الزبیر قادماً فقلت : یا أبا عبد الله ما بالک؟ قال : مطلوب مغلوب یغلبنی ابنی ویطلبنی ذنبی ، قال : فقدمت المدینة فلقیت سعد بن أبی وقّاص فقلت : أبا إسحاق من قتل عثمان؟ قال : قتله سیف سلّته عائشة ، وشحذه طلحة ، وسمّه علیّ. قلت : فما حال الزبیر؟ قال : أشار بیده وصمت بلسانه.

وفی الإمامة والسیاسة (2) : کتب عمرو بن العاص إلی سعد بن أبی وقّاص یسأله عن قتل عثمان ومن قتله ومن تولّی کبره ، فکتب إلیه سعد : إنّک سألتنی من قتل عثمان ، وإنّی أُخبرک أنّه قُتل بسیف سلّته عائشة ، وصقله طلحة ، وسمّه ابن أبی طالب ، وسکت الزبیر وأشار بیده ، وأمسکنا نحن ولو شئنا دفعناه عنه ، ولکن عثمان غیّر وتغیّر وأحسن وأساء ، فإن کنّا أحسنّا فقد أحسنّا ، وإن کنّا أسأنا فنستغفر الله ، وأُخبرک أنّ الزبیر مغلوب بغلبة أهله وبطلبه بذنبه ، وطلحة لو یجد أن یشقّ بطنه من حبّ الإمارة لشقّه.

19 - وقال ابن عبد ربّه : دخل المغیرة بن شعبة علی عائشة ، فقالت : یا أبا عبد الله لو رأیتنی یوم الجمل قد أنفذت النصل هودجی حتی وصل بعضها إلی جلدی ، قال لها المغیرة : وددت والله أنّ بعضها کان قتلک ، قالت : یرحمک الله ولم تقول هذا؟ قال : لعلّها تکون کفّارة فی سعیک علی عثمان ، قالت : أما والله لئن قلت ذلک لما علم الله أنی أردت قتله ، ولکن علم الله أنی أردت أن یُقاتَل فقوتلت ، وأردت أن یُرمی فرمیت ، وأردت أن یُعصی فعُصیت ، ولو علم منّی أنّی أردت قتله لقتلت (3).

20 - وروی ابن عبد ربّه عن أبی سعید الخدری قال : إنّ أُناساً کانوا عند 1.

ص: 124


1- العقد الفرید : 4 / 111.
2- الإمامة والسیاسة : 1 / 48.
3- العقد الفرید : 4 / 111.

فسطاط عائشة وأنا معهم بمکة فمرّ بنا عثمان فما بقی أحد من القوم إلاّ لعنه غیری ، فکان فیهم رجل من أهل الکوفة فکان عثمان علی الکوفی أجرأ منه علی غیره ، فقال : یا کوفی أتشتمنی؟ فلمّا قدم المدینة کان یتهدّده ، قال : فقیل له : علیک بطلحة ، قال : فانطلق معه حتی دخل علی عثمان فقال عثمان : والله لأجلدنّه مائة سوط. قال طلحة : والله لا تجلده مائة إلاّ أن یکون زانیاً. قال : والله لأحرمنّه عطاءه. قال : الله یرزقه (1).

21 - قال ابن الأثیر والفیروزآبادی وابن منظور والزبیدی : النعثل : الشیخ الأحمق ، ونعثل : یهودیّ کان بالمدینة. قیل شبّه به عثمان رضی الله عنه کما فی التبصیر ، ونعثل رجل من أهل مصر کان طویل اللحیة ، قال أبو عبید : کان یشبه عثمان ، وشاتمو عثمان یسمّونه نعثلاً ، وفی حدیث عثمان أنّه کان یخطب ذات یوم فقام رجل فنال منه فوذأه ابن سلام فاتّذأ (2) ، فقال له رجل : لا یمنعنّک مکان ابن سلام أن تسبّ نعثلاً فإنّه من شیعته ، وکان أعداء عثمان یسمّونه نعثلاً ، وفی حدیث عائشة : اقتلوا نعثلاً قتل الله نعثلاً. تعنی عثمان ، وکان هذا منها لمّا غاضبته وذهبت إلی مکة ، وفی حیاة الحیوان : النعثل کجعفر : الذکر من الضباع وکان أعداء عثمان یسمّونه نعثلاً (3).

22 - روی البلاذری فی الأنساب قال : خرجت عائشة رضی الله تعالی عنها باکیة تقول : قتل عثمان ;. فقال لها عمّار بن یاسر : أنت بالأمس تحرّضین علیه ثمّ أنت الیوم تبکینه. 5.

ص: 125


1- العقد الفرید : 4 / 118.
2- وذأه فاتّذأ : عابه وزجره فانزجر.
3- النهایة : 5 / 80 ، القاموس المحیط : ص 1374 ، لسان العرب : 14 / 198 ، تاج العروس : 8 / 141 ، حیاة الحیوان : 2 / 365.

راجع (1) طبقات ابن سعد (5 / 25) طبع لیدن ، أنساب البلاذری (5 / 70 ، 75 ، 91) ، الإمامة والسیاسة (1 / 43 ، 46 ، 57) ، تاریخ الطبری (5 / 140 ، 166 ، 172 ، 176) ، العقد الفرید (2 / 267 ، 272) ، تاریخ ابن عساکر (7 / 319) ، الاستیعاب ترجمة الأحنف صخر بن قیس ، تاریخ أبی الفداء (1 / 172) ، شرح ابن أبی الحدید (2 / 77 ، 506) ، تذکرة السبط (ص 38 ، 40) ، نهایة ابن الأثیر (4 / 166) ، أُسد الغابة (3 / 15) ، الکامل لابن الأثیر (3 / 87) ، القاموس (4 / 59) ، حیاة الحیوان (2 / 359) ، السیرة الحلبیّة (3 / 314) ، لسان العرب (14 / 193) ، تاج العروس (8 / 141).

قال الأمینی : هذه الروایات تُعطینا درساً ضافیاً بنظریّة عائشة فی عثمان ، وأنّها لم تکن تری له جدارة تسنّم ذلک العرش ، وبالغت فی ذلک حتی ودّت إزالته عن مستوی الوجود. فأحبّت له أن یُلقی فی البحر وبرجله رحی تجرّه إلی أعماقه ، أو أنّه یُجعل فی غرارة من غرائرها وتشدّ علیه الحبال فیقذف فی عباب الیمّ فیرسب فیه من غیر خروج ، أو أن یودی به حراب المتجمهرین علیه فتکسح عن الملأ معرّة أُحدوثاته.

ولذلک کانت تثیر الناس علیه بإخراج شعر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وثوبه ونعله ، ولم تبرح تؤلّب الملأ الدینی علیه وتحثهم علی مقته وتخذّلهم عن نصرته فی حضرها 8.

ص: 126


1- الطبقات الکبری : 5 / 36 ، أنساب الأشراف : 6 / 187 و 193 و 212 ، الإمامة والسیاسة : 1 / 47 و 51 و 61 ، تاریخ الأُمم والملوک : 4 / 407 و 449 و 458 و 465 حوادث سنة 36 ه ، العقد الفرید : 4 / 111 و 118 ، تاریخ مدینة دمشق : 27 / 221 رقم 3213 ، الاستیعاب : القسم الثانی / 716 رقم 1209 ، شرح نهج البلاغة : 6 / 215 خطبة 79 و 10 / 5 - 9 خطبة 175 ، تذکرة الخواص : ص 61 و 64 و 69 ، النهایة : 5 / 80 ، أُسد الغابة : 3 / 14 رقم 2491 ، الکامل فی التاریخ : 2 / 313 حوادث سنة 36 ه ، القاموس المحیط : ص 1374 ، حیاة الحیوان : 2 / 365 ، السیرة الحلبیة : 3 / 286 ، لسان العرب : 14 / 198.

وسفرها ، وإنّها لم تعدل عن تلکم النظریّة حتی بعد ما أُجهز علی عثمان إلاّ لمّا علمت من انفلات الأمر عن طلحة الذی کانت عائشة تتهالک دون تأمیره وتضمر تقدیمه منذ کانت تُرهج النقع علی عثمان ، وتهیج الأُمّة علی قتله ، فکانت تروم أن تُعید الإمرة تیمیّة مرّة أُخری ، ولعلّها حجّت لبثّ هاتیک الدعایة فی طریقها وعند مجتمع الحجیج بمکة ، فکان یُسمع منها قولها فی طلحة : إیه ذا الإصبع! إیه أبا شبل! إیه یا ابن عمّ! لکأنّی أنظر إلی إصبعه وهو یبایَع له ، وقولها : إیه ذا الإصبع! لله أبوک ، أما إنّهم وجدوا طلحة لها کفواً.

وقولها فی عثمان : اقتلوا نعثلاً قتله الله فقد کفر ، وقولها لابن عبّاس : إیّاک أن تردّ الناس عن هذا الطاغیة ، وقولها بمکة : بُعداً لنعثل وسحقاً ، وقولها لمّا بلغها قتله : أبعده الله ، ذلک بما قدّمت یداه وما الله بظلاّم للعبید.

لکنّها لمّا علمت أنّ خلافة الله الکبری عادت علویّة واستقرّت فی مقرّها الجدیر بها - ولم یکن لها مع أمیر المؤمنین علیه السلام هوی - قلبت علیها ظهر المجنّ ، فطفقت تقول : لوددت أنّ السماء انطبقت علی الأرض إن تمّ هذا ، وأظهرت الأسف علی قتل عثمان ورجعت إلی مکة بعد ما خرجت منها ، ونهضت ثائرة تطلب بدم عثمان لعلّها تجلب الإمرة إلی طلحة من هذا الطریق ، وإلاّ فما هی من أولیاء ذلک الدم ، وقد وضع عنها قود العساکر ومباشرة الحروب ، لأنّها امرأة خلقها الله لخدرها ، وقد نهیت کبقیّة نساء النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم خاصّة عن التبرّج ، وقد أنذرها رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وحذّرها عن خصوص واقعة الجمل ، غیر أنّها أعرضت عن ذلک کلّه لما ترجّح فی نظرها من لزوم تأیید أمر طلحة ، وتصاممت عن نبح کلاب الحوأب ، وقد ذکره لها الصادق الأمین عند الإنذار والتحذیر ، ولم تزل یقودها الأمل حتی قتل طلحة فألمّت بها الخیبة ، وغلب أمر الله وهی کارهة.

ص: 127

- 3 -

حدیث عبد الرحمن بن عوف

أحد العشرة المبشّرة ، شیخ الشوری ، بدریّ

1 - أخرج البلاذری عن سعد ، قال : لمّا توفّی أبو ذر بالربذة تذاکر علیّ وعبد الرحمن بن عوف فعل عثمان ، فقال علیّ : «هذا عملک». فقال عبد الرحمن : إذا شئت فخذ سیفک وآخذ سیفی ، إنّه قد خالف ما أعطانی.

2 - قال أبو الفداء : لمّا أحدث عثمان رضی الله عنه ما أحدث من تولیته الأمصار للأحداث من أقاربه ؛ روی أنّه قیل لعبد الرحمن بن عوف : هذا کلّه فعلک. فقال : ما کنت أظنّ هذا به ، لکن لله علیّ أن لا أکلّمه أبداً ، ومات عبد الرحمن وهو مهاجر لعثمان ، ودخل علیه عثمان عائداً فی مرضه فتحوّل إلی الحائط ولم یُکلّمه.

3 - روی البلاذری من طریق عثمان بن الشرید ، قال : ذُکر عثمان عند عبد الرحمن بن عوف فی مرضه الذی مات فیه ، فقال عبد الرحمن : عاجلوه قبل أن یتمادی فی ملکه. فبلغ ذلک عثمان ، فبعث إلی بئر کان یُسقی منها نعم عبد الرحمن بن عوف فمنعه إیّاها ، فقال عبد الرحمن : اللهمّ اجعل ماءها غوراً ، فما وجدت فیها قطرة.

4 - عن عبد الله بن ثعلبة ، قال : إنّ عبد الرحمن بن عوف کان حلف ألاّ یکلّم عثمان أبداً.

5 - عن سعد ، قال : إنّ عبد الرحمن أوصی أن لا یصلّی علیه عثمان ، فصلّی علیه الزبیر أو سعد بن أبی وقّاص ، وتوفی سنة اثنتین وثلاثین.

6 - قال ابن عبد ربّه : لمّا أحدث عثمان ما أحدث من تأمیر الأحداث من أهل بیته علی الجلّة من أصحاب محمد ، قیل لعبد الرحمن : هذا عملک. قال : ما ظننت هذا. ثمّ مضی ودخل علیه وعاتبه وقال : إنّما قدّمتک علی أن تسیر فینا بسیرة أبی بکر

ص: 128

وعمر فخالفتهما ، وحابیت أهل بیتک وأوطأتهم رقاب المسلمین. فقال : إنّ عمر کان یقطع قرابته فی الله ، وأنا أصل قرابتی فی الله. قال عبد الرحمن : لله علیّ أن لا أُکلّمک أبداً. فلم یکلّمه أبداً حتی مات وهو مهاجر لعثمان ، ودخل علیه عثمان عائداً له فی مرضه فتحوّل عنه إلی الحائط ولم یکلّمه.

راجع (1) : أنساب البلاذری (5 / 57) ، العقد الفرید (2 / 258 ، 261 ، 272) ، تاریخ أبی الفداء (1 / 166).

7 - أخرج الطبری من طریق المسور بن مخرمة ، قال : قدمت إبل من إبل الصدقة علی عثمان ، فوهبها لبعض بنی الحکم ، فبلغ ذلک عبد الرحمن بن عوف ، فأرسل إلی المسور بن مخرمة وإلی عبد الرحمن بن الأسود بن عبد یغوث فأخذاها ، فقسّمها عبد الرحمن فی الناس وعثمان فی الدار.

تاریخ الطبری (5 / 113) ، الکامل لابن الأثیر (3 / 70) ، شرح ابن أبی الحدید (1 / 165) (2).

8 - قال أبو هلال العسکری فی کتاب الأوائل : أُستجیبت دعوة علیّ علیه السلام فی عثمان وعبد الرحمن ، فما ماتا إلاّ متهاجرین متعادیین. أرسل عبد الرحمن إلی عثمان یعاتبه. إلی أن قال : لمّا بنی عثمان قصره طمار الزوراء ، وصنع طعاماً کثیراً ، ودعا الناس إلیه ، کان فیهم عبد الرحمن فلمّا نظر إلی البناء والطعام قال : یا ابن عفّان لقد صدّقنا علیک ما کنّا نکذّب فیک ، وإنّی أستعیذ بالله من بیعتک ، فغضب عثمان وقال : أخرجه عنّی یا غلام ، فأخرجوه وأمر الناس أن لا یجالسوه ، فلم یکن یأتیه أحد إلاّ 0.

ص: 129


1- أنساب الأشراف : 6 / 171 ، 172 ، العقد الفرید : 4 / 101 ، 118.
2- تاریخ الأُمم والملوک : 4 / 365 حوادث سنة 35 ، الکامل فی التاریخ : 2 / 286 حوادث سنة 35 ، شرح نهج البلاغة : 2 / 149 خطبة 30.

ابن عبّاس ، کان یأتیه فیتعلّم منه القرآن والفرائض ، ومرض عبد الرحمن فعاده عثمان وکلّمه فلم یکلّمه حتی مات.

شرح ابن أبی الحدید (1) (1 / 65 ، 66).

قول العسکری : أُستجیبت دعوة علیّ ؛ إشارة إلی ما ورد من قوله علیه السلام یوم الشوری لعبد الرحمن بن عوف : «والله ما فعلتها إلاّ لأنّک رجوت منه ما رجا صاحبکما من صاحبه ، دقّ الله بینکما عِطْر مَنْشِم» (2).

ومَنْشِم : امرأة عطّارة من حمیر ، وکانت خزاعة وجرهم اذا أرادوا القتال تطیّبوا من طیبها ، وکانوا إذا فعلوا ذلک کثر القتلی فیما بینهم ، فکان یقال : أشأم من عطر مَنْشِم ، فصار مثلاً (3).

وقول عبد الرحمن : لقد صدّقنا علیک ما کنّا نکذّب فیک. إیعاز إلی قول مولانا أمیر المؤمنین یوم الشوری أیضاً : «أما إنی أعلم أنّهم سیولّون عثمان ، ولیحدثنّ البدع والأحداث ، ولئن بقی لأذکرنّک ، وإن قتل أو مات لیتداولنّها بنو أُمیّة بینهم ، وإن کنت حیّا لتجدنی حیث تکرهون» (4).

قال الشیخ محمد عبده فی شرح نهج البلاغة (5) (1 / 35) : لمّا حدث فی عهد عثمان ما حدث من قیام الأحداث من أقاربه علی ولایة الأمصار ، ووجد علیه کبار الصحابة ، روی أنّه قیل لعبد الرحمن : هذا عمل یدیک. فقال : ما کنت أظنّ هذا به 8.

ص: 130


1- شرح نهج البلاغة : 1 / 196 خطبة 3.
2- شرح ابن أبی الحدید : 1 / 63 [1 / 188 خطبة 3]. (المؤلف)
3- أنظر مجمع الأمثال : 2 / 191 رقم 2038.
4- شرح ابن أبی الحدید : 1 / 64 [1 / 192 خطبة 3]. (المؤلف)
5- شرح نهج البلاغة : ص 88.

ولکن لله علیّ أن لا أُکلّمه أبداً ، ثمّ مات عبد الرحمن وهو مهاجر لعثمان ، حتی قیل : إنّ عثمان دخل علیه فی مرضه یعوده فتحوّل إلی الحائط لا یکلّمه ، والله أعلم والحکم لله یفعل ما یشاء.

وقال ابن قتیبة فی المعارف (1) (ص 239) : کان عثمان بن عفّان مهاجراً لعبد الرحمن بن عوف حتی ماتا.

قال الأمینی : لا بدّ أن یُساءل هؤلاء عن أشیاء ، فیقال لهم : إنّ سیرة الشیخین التی بویع عثمان علیها هل کانت تطابق سنّة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أو تخالفها؟ وعلی الأوّل فشرطها مستدرک ، ولا شرط للخلافة إلاّ مطابقة کتاب الله وسنّة نبیّه صلی الله علیه وآله وسلم ولا نقمة علی تارکها إلاّ بترک السنّة لا السیرة ، فذکرها إلی جانب السنّة الشریفة کضمّ اللاّحجّة إلی الحجّة ، أو کوضع الحجر إلی جنب الإنسان ، وعلی الثانی فإنّ من الواجب علی کلّ مسلم مخالفتها بعد فرض إیمانه بالله وبکتابه ورسوله والیوم الآخر ، فکان من حقّ المقام أن ینکروا علی عثمان مخالفة السنّة فحسب. ولهذا لم یقبل مولانا أمیر المؤمنین لمّا ألقی إلیه عبد الرحمن أمر البیعة علی الشرط المذکور إلاّ مطابقة أمره للسنّة والاجتهاد فیها (2).

ولیت شعری إنّه لمّا شرط ابن عوف علی عثمان ذلک هل کان یعلم بما قلناه من الموافقة أو المخالفة أو لا؟ وعلی فرض علمه یتوجّه علیه ما سطرناه علی کلّ من الفرضین ، وعلی تقدیر عدم علمه وهو أبعد شیء یفرض فکیف شرط علیه ما لا یعلم حقیقته ، وکیف یناط أمر الدین وزعامته الکبری بحقیقة مجهولة؟ وما الفائدة فی اشتراطه؟ ف)

ص: 131


1- المعارف : ص 550.
2- مسند أحمد : 1 / 75 [1 / 120 ح 558] ، تاریخ الطبری : 5 / 40 [4 / 238 حوادث سنة 23] ، تمهید الباقلانی : ص 209 ، تاریخ ابن کثیر : 7 / 146 [7 / 165 حوادث سنة 24] (المؤلف)

وللباقلانی فی التمهید (ص 210) فی بیان هذا الشرط وجه نُجلّ عنه ساحة کلّ متعلّم فاهم فضلاً عن عالم مثله.

ثمّ نأتی إلی عثمان فنحاسبه علی قبوله لأوّل وهلة ، هل کان یعلم شیئاً ممّا قدّمناه من النسبة بین السنّة والسیرة أو لا؟ فهلاّ شرط الأمر علی تقدیر الموافقة ، ورفضه علی فرض المخالفة. وإن کان لا یعلم فکیف قبل شرطاً لا یدری ما هو؟

ثمّ هل کان یعلم یومئذٍ أنّه یطیق علی ذلک أو لا؟ أو کان یعلم أنّه لا یطیقه؟ وعلی الأخیر فکیف قبل ما لا یطیقه؟ وعلی الثانی کیف أقدم علی الخطر فیما لا یعلم أنّه یتسنّی له أن ینوء به؟ وعلی الأوّل فلما ذا خالف ما اشترط علیه وقبله ووقعت البیعة علیه ، وحصل القبول والرضا من الأُمّة به؟ ثمّ جاء یعتذر لمّا أخذه ابن عوف بمخالفته إیّاها بأنّه لا یطیق ذلک ، فقال فیما أخرجه أحمد فی مسنده (1) (1 / 68) من طریق شقیق : وأمّا قوله : إنی لم أترک سنّة عمر ، فإنّی لا أُطیقها ولا هو. وذکره ابن کثیر فی تاریخه (2) (7 / 206).

وکیفما أُجیب عن هذه المسائل فعبرتنا الآن بنظریّة عبد الرحمن بن عوف الأخیرة فی الخلیفة ، وهی من أوضح الحقائق لمن استشفّ ما ذکرناه من قوله له : إنّی أستعیذ بالله من بیعتک. وقوله لمولانا أمیر المؤمنین علیه السلام : إذا شئت فخذ سیفک وآخذ سیفی. إلخ. مستحلاّ قتاله ، وقوله : عاجلوه قبل أن یتمادی فی ملکه. وقد بالغ فی الإنکار علیه ورأیه فی سقوطه أنّه لم یره أهلاً للصلاة علیه وأوصی بذلک عند وفاته فصلّی علیه الزبیر ، وهجره وحلف أن لا یکلّمه أبداً حتی أنّه حوّل وجهه إلی الحائط لمّا جاء عائداً ، وأنّه کان لا یری لتصرّفاته نفوذاً ولذلک لمّا بلغه إعطاء عثمان إبل الصدقة لبعض بنی الحکم أرسل إلیها المسور بن مخرمة وعبد الرحمن بن الأسود .

ص: 132


1- مسند أحمد : 1 / 109 ح 492.
2- البدایة والنهایة : 7 / 231 حوادث سنة 35 ه.

فأخذها فقسّمها عبد الرحمن فی الناس وعثمان فی الدار ، ولهذه کلّها کان یراه عثمان منافقاً ویقذفه بالنفاق کما ذکره ابن حجر فی الصواعق (1) (ص 68) وأجاب عنه متسالماً علیه بأنّه کان متوحّشاً منه لأنّه کان یجیئه کثیراً. إقرأ واضحک. وذکره الحلبی فی السیرة (2) (2 / 87) فقال : أجاب عنه ابن حجر. ولم یذکر الجواب لعلمه بأنّه أُضحوکة.

ونسائل القوم بصورة أخری مع قطع النظر عن جمیع ما قلناه : إنّ ما اشتُرط علی عثمان وعقد علیه أمره هل کان واجب الوفاء؟ أو کان لعثمان منتدح عنه بترکه؟ وعلی الأوّل فما وجه مخالفة الخلیفة له؟ ولما ذا لم یقبله مولانا أمیر المؤمنین علیه السلام وهو عیبة علم رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم والعارف بأحکامه وسننه وبصلاح الأُمّة منذ بدء أمرها إلی منصرمه ، وهل یخلع الخلیفة فی صورة المخالفة؟ فلما ذا کان عثمان لا یروقه التنازل عن أمره لمّا أرادت الصحابة خلعه للمخالفة؟ أو أنّه لا یُخلع؟ فلما ذا تجمهروا علیه فخلعوه وقتلوه؟ وهم أصحاب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم العدول کلّهم فی نظر القوم ، وإن کان لا یجب الوفاء به فلما ذا لم یبایعوا مولانا أمیر المؤمنین علیه السلام لمّا جابههم بعدم الالتزام بما لا یجب الوفاء به؟ وما معنی اعتذار عبد الرحمن بن عوف فی تقدیمه عثمان علی أمیر المؤمنین علیه السلام بأنّه قبل متابعة سیرة الشیخین ولم یقبلها علیّ علیه السلام؟ ولما ذا ألزموا عثمان به؟ ولما ذا التزم به عثمان؟ ولما ذا تمّت البیعة علیه؟ ولما ذا تجمهروا علیه لمّا شاهدوا منه المخالفة؟

(وَلَیُسْئَلُنَّ یَوْمَ الْقِیامَةِ عَمَّا کانُوا یَفْتَرُونَ) (3)

(فَیَوْمَئِذٍ لا یَنْفَعُ الَّذِینَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلا هُمْ یُسْتَعْتَبُونَ) (4) 7.

ص: 133


1- الصواعق المحرقة : ص 114.
2- السیرة الحلبیة : 2 / 78.
3- العنکبوت : 13.
4- الروم : 57.

- 4 -

حدیث طلحة بن عبید الله

أحد العشرة المبشّرة ، وأحد الستّة أصحاب الشوری

1 - من کلام لمولانا أمیر المؤمنین فی طلحة : «والله ما استعجل متجرّداً للطلب بدم عثمان إلاّ خوفاً من أن یُطالب بدمه لأنّه مظنّته ، ولم یکن فی القوم أحرض علیه منه ، فأراد أن یغالط بما أجلب فیه لیلبس الأمر ویقع الشک ، وو الله ما صنع فی أمر عثمان واحدة من ثلاث : لئن کان ابن عفّان ظالماً - کما کان یزعم - لقد کان ینبغی له أن یوازر قاتلیه أو ینابذ ناصریه. ولئن کان مظلوماً لقد کان ینبغی له أن یکون من المنهنهین عنه والمعذّرین فیه. ولئن کان فی شکّ من الخصلتین لقد کان ینبغی له أن یعتزله ویرکد جانباً ویدع الناس معه ، فما فعل واحدة من الثلاث ، وجاء بأمر لم یعرف بابه ، ولم تسلم معاذیره» (1).

قال ابن أبی الحدید فی الشرح (2) (2 / 506) : فإن قلت : یمکن أن یکون طلحة اعتقد إباحة دم عثمان أوّلاً ، ثمّ تبدّل ذلک الاعتقاد بعد قتله فاعتقد أنّ قتله حرام ، وأنّه یجب أن یقتصّ من قاتلیه. قلت : لو اعترف بذلک لم یقسّم علیّ علیه السلام هذا التقسیم ؛ وإنّما قسّمه لبقائه علی اعتقاد واحد ، وهذا التقسیم مع فرض بقائه علی اعتقاد واحد صحیح لا مطعن فیه ، وکذا کان حال طلحة ؛ فإنّه لم یُنقل عنه أنّه قال : ندمت علی ما فعلت بعثمان.

فإن قلت : کیف قال أمیر المؤمنین علیه السلام : فما فعل واحدة من الثلاث ، وقد فعل واحدة منها ، لأنّه وازر قاتلیه حیث کان محصوراً. قلت : مراده علیه السلام : أنّه إن کان عثمان 5.

ص: 134


1- نهج البلاغة : 1 / 323 [ص 249 خطبة 174]. (المؤلف)
2- شرح نهج البلاغة : 10 / 9 خطبة 175.

ظالماً وجب أن یوازر قاتلیه بعد قتله ، یحامی عنهم ، ویمنعهم ممّن یروم دماءهم ، ومعلوم أنّه لم یفعل ذلک ، وإنّما وازرهم وعثمان حیّ ؛ وذلک غیر داخل فی التقسیم. انتهی.

2 - أخرج الطبری من طریق حکیم بن جابر ، قال : قال علیّ لطلحة - وعثمان محصور - : «أنشدک الله إلاّ رددت الناس عن عثمان». قال : لا والله حتی تعطی بنو أُمیّة الحقّ من أنفسها (1).

تاریخ الطبری (5 / 139) ، شرح ابن أبی الحدید (1 / 168) فقال : فکان علیّ علیه السلام یقول : «لحا الله ابن الصعبة أعطاه عثمان ما أعطاه وفعل به ما فعل».

3 - أخرج الطبری من طریق بشر بن سعید ، قال : حدّثنی عبد الله بن عبّاس ابن أبی ربیعة (2) قال : دخلت علی عثمان رضی الله عنه ، فتحدّثت عنده ساعة ، فقال : یا ابن عبّاس تعال ، فأخذ بیدی فأسمعنی کلام من علی باب عثمان ، فسمعنا کلاماً ؛ منهم من یقول : ما تنتظرون به؟ ومنهم من یقول : انظروا عسی أن یراجع ، فبینا أنا وهو واقفان إذ مرّ طلحة بن عبید الله ، فوقف فقال : أین ابن عدیس؟ فقیل : ها هو ذا. قال : فجاءه ابن عدیس ، فناجاه بشیء ، ثم رجع ابن عدیس فقال لاصحابه : لا تترکوا أحداً یدخل علی هذا الرجل ولا یخرج من عنده. قال : فقال لی عثمان : هذا ما أمر به طلحة بن عبید الله. ثمّ قال عثمان : اللهمّ اکفنی طلحة بن عبید الله ، فإنّه حمل علیّ هؤلاء وألّبهم ، والله إنّی لأرجو أن یکون منها صفراً وأن یُسفک دمه ، إنّه انتهک منّی ما لا یحلّ له ، سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول : «لا یحلّ دم امرئ مسلم إلاّ فی إحدی ثلاث : رجل کفر بعد إسلامه فیقتل ، أو رجل زنی بعد إحصانه فیرجم ، أو ة.

ص: 135


1- تاریخ الأُمم والملوک : 4 / 405 حوادث سنة 35 ه ، شرح نهج البلاغة : 2 / 161 خطبة 30 ، 10 / 5 خطبة 175.
2- فی الطبعة المعتمدة : عبد الله بن عیّاش بن أبی ربیعة.

رجل قتل نفساً بغیر نفس». ففیم أُقتل؟ قال : ثمّ رجع عثمان. قال ابن عبّاس : فأردت أن أخرج فمنعونی حتی مرّ بی محمد بن أبی بکر فقال : خلّوه ، فخلّونی.

تاریخ الطبری (5 / 122) ، الکامل لابن الأثیر (3 / 73) (1).

4 - أخرج الطبری من طریق الحسن البصری : أنّ طلحة بن عبید الله باع أرضاً له من عثمان بسبعمائة ألف فحملها إلیه ، فقال طلحة : إنّ رجلاً تتّسق هذه عنه (2) وفی بیته لا یدری ما یطرقه من أمر الله عزّ وجلّ لغریر بالله سبحانه ، فبات ورسوله یختلف بها فی سکک المدینة یقسّمها حتی أصبح ، فأصبح وما عنده منها درهم. قال الحسن : وجاء هاهنا یطلب الدینار والدرهم. أو قال : الصفراء والبیضاء.

تاریخ الطبری (5 / 139) ، تاریخ ابن عساکر (7 / 81) (3).

5 - حکی ابن أبی الحدید (4) عن الطبری : أنّ عثمان کان له علی طلحة خمسون الفاً ، فخرج عثمان یوماً إلی المسجد ، فقال له طلحة : قد تهیّأ مالک فاقبضه ، فقال : هو لک یا أبا محمد معونة لک علی مروءتک. قال : فکان عثمان یقول وهو محصور : جزاء سِنِمّار (5).

وقال ابن أبی الحدید : کان طلحة من أشدّ الناس تحریضاً علیه ، وکان الزبیر ف)

ص: 136


1- تاریخ الأُمم والملوک : 4 / 378 حوادث سنة 35 ه ، الکامل فی التاریخ : 2 / 291 حوادث سنة 35 ه.
2- فی شرح ابن أبی الحدید [10 / 5 خطبة 175] : عنده. (المؤلف)
3- تاریخ الأُمم والملوک : 4 / 405 حوادث سنة 35 ه ، تاریخ مدینة دمشق : 25 / 101 رقم 2983 ، وفی مختصر تاریخ دمشق 11 / 201.
4- شرح نهج البلاغة : 10 / 5 خطبة 175.
5- هذا الحدیث أخرجه الطبری فی تاریخه : 5 / 139 [4 / 405 حوادث سنة 35 ه] ، ولیس فیه ما حکاه عنه ابن أبی الحدید : فکان عثمان یقول وهو محصور : جزاء سنمّار. (المؤلف)

دونه فی ذلک. روی أنّ عثمان قال : ویلی علی ابن الحضرمیّة - یعنی طلحة - أعطیته کذا وکذا بهاراً ذهباً ، وهو یروم دمی یحرّض علی نفسی ، اللهمّ لا تمتّعه به ولقّه عواقب بغیه.

قال : وروی الناس الذین صنّفوا فی واقعة الدار : أنّ طلحة کان یوم قُتل عثمان مقنّعاً بثوب قد استتر به عن أعین الناس یرمی الدار بالسهام ، ورووا أیضاً : أنّه لمّا امتنع علی الذین حصروه الدخول من باب الدار ، حملهم طلحة إلی دار لبعض الأنصار ، فأصعدهم إلی سطحها وتسوّروا منها علی عثمان داره فقتلوه.

شرح ابن أبی الحدید (1) (2 / 404).

6 - روی المدائنی فی کتاب مقتل عثمان : أنّ طلحة منع من دفنه ثلاثة أیّام ، وأنّ علیّا لم یبایع الناس إلاّ بعد قتل عثمان بخمسة أیّام ، وأنّ حکیم بن حزام أحد بنی أسد ابن عبد العزّی وجبیر بن مطعم بن الحرث بن نوفل استنجدا بعلیّ علی دفنه فأقعد طلحة لهم فی الطریق ناساً بالحجارة ، فخرج به نفر یسیر من أهله وهم یریدون به حائطاً بالمدینة یُعرف بحشّ کوکب کانت الیهود تدفن فیه موتاهم ، فلمّا صار هناک رجم سریره وهمّوا بطرحه ، فأرسل علیّ إلی الناس یعزم علیهم لیکفّوا عنه ، فکفّوا فانطلقوا به حتی دفنوه فی حشّ کوکب.

وأخرج المدائنی فی الکتاب ، قال : دُفن عثمان بین المغرب والعتمة ، ولم یشهد جنازته إلاّ مروان بن الحکم وابنة عثمان وثلاثة من موالیه ، فرفعت ابنته صوتها تندبه وقد جعل طلحة ناساً هناک أکمنهم کمیناً ، فأخذتهم الحجارة وصاحوا : نعثل نعثل. فقالوا : الحائط الحائط. فدفن فی حائط هناک (2). 5.

ص: 137


1- شرح نهج البلاغة : 9 / 35 - 36 خطبة 136.
2- أنظر شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید : 10 / 6 - 7 خطبة 175.

7 - أخرج الواقدی قال : لمّا قُتل عثمان تکلّموا فی دفنه ، فقال طلحة : یُدفن بدیر سلع. یعنی مقابر الیهود. ورواه الطبری فی تاریخه (1) (5 / 143) غیر أنّ فیه مکان طلحة : رجل.

8 - أخرج الطبری بالإسناد ، قال : حُصر عثمان وعلیّ بخیبر ، فلمّا قدم أرسل إلیه عثمان ، یدعوه فانطلق ، فقلت : لأنطلقنّ معه ولأسمعنّ مقالتهما ، فلمّا دخل علیه کلّمه عثمان ، فحمد الله وأثنی علیه ثمّ قال : أمّا بعد ؛ فإنّ لی علیک حقوقاً ، حقّ الإسلام وحقّ الإخاء ، وقد علمت أنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم حین آخی بین الصحابة آخی بینی وبینک ، وبیّن حقّ القرابة والصهر ، وما جعلت لی فی عنقک من العهد والمیثاق ، فو الله لو لم یکن من هذا شیء ثمّ کنّا إنّما نحن فی جاهلیة لکان مبطّأً علی بنی عبد مناف أن یبتزّهم أخو بنی تیم ملکهم. فتکلّم علیّ فحمد الله وأثنی علیه ، ثمّ قال :

«أمّا بعد : فکل ما ذکرت من حقّک علیّ علی ما ذکرت ، أمّا قولک : لو کنّا فی جاهلیّة لکان مُبطّئاً علی بنی عبد مناف أن یبتزّهم أخو بنی تیم ملکهم ، فصدقت وسیأتیک الخبر». ثم خرج فدخل المسجد فرأی أُسامة جالساً ، فدعاه فاعتمد علی یده ، فخرج یمشی إلی طلحة وتبعته ، فدخلنا دار طلحة بن عبید الله وهی رجّاس (2) من الناس ، فقام إلیه فقال : «یا طلحة ما هذا الأمر الذی وقعت فیه؟» فقال : یا أبا حسن بعد ما مسّ الحزام الطبیَین (3). فانصرف علیّ ولم یحر إلیه شیئاً حتی أتی بیت المال ، فقال : «افتحوا هذا الباب». فلم یقدر علی المفاتیح فقال : «اکسروه» ، فکُسر باب بیت المال ، فقال : «أخرجوا المال». فجعل یُعطی الناس فبلغ الذین فی دارف)

ص: 138


1- تاریخ الأُمم والملوک : 4 / 413 حوادث سنة 35 ه.
2- الرجّاس : صوت الشیء المختلط العظیم.
3- أی : اشتدّ الأمر وتفاقم. کتب عثمان إلی علیّ علیه السلام : قد بلغ السیل الزبی وجاوز الحزام الطُّبْیَین. تاج العروس : 10 / 222. (المؤلف)

طلحة الذی صنع علی ، فجعلوا یتسلّلون إلیه حتی تُرک طلحة وحده ، وبلغ الخبر عثمان فسرّ بذلک ، ثمّ أقبل طلحة یمشی عائداً إلی دار عثمان ، فقلت : والله لأنظرنّ ما یقول هذا فتتبّعته ، فاستأذن علی عثمان ، فلمّا دخل علیه قال : یا أمیر المؤمنین أستغفر الله وأتوب إلیه ، أردت أمراً فحال الله بینی وبینه ، فقال عثمان : إنّک والله ما جئت تائباً ولکنّک جئت مغلوباً ، الله حسیبک یا طلحة.

تاریخ الطبری (6 / 154) ، کامل ابن الأثیر (3 / 70) ، شرح ابن أبی الحدید (1 / 165) ، تاریخ ابن خلدون (2 / 397) (1).

قال الأمینی : هذا لفظ تاریخ الطبری المطبوع وقد لعبت به أیدی الهوی بالتحریف وزادت فیه حدیث الإخاء بین عثمان وعلیّ المتسالم علی بطلانه بین فرق المسلمین ، کأنّ القوم آلوا علی أنفسهم بأن لا یدعوا حدیثاً إلاّ شوّهوه بالاختلاق ، وقد حکی ابن أبی الحدید هذا الحدیث عن تاریخ الطبری فی شرحه (2) (2 / 506) ولا توجد فیه مسألة الإخاء وإلیک لفظه :

روی الطبری فی التاریخ : أنّ عثمان لمّا حصر کان علیّ علیه السلام بخیبر فی أمواله ، فلمّا قدم أرسل إلیه یدعوه ، فلمّا دخل علیه قال له : إنّ لی علیک حقوقاً : حقّ الإسلام ، وحقّ النسب ، وحقّ مالی علیک من العهد والمیثاق ، وو الله إن لو لم یکن من هذا کلّه شیء وکنّا فی جاهلیّة ؛ لکان عاراً علی بنی عبد مناف أن یبتزّهم أخو تیم ملکهم - یعنی طلحة - ، فقال له علیه السلام : سیأتیک الخبر ... إلی آخر الحدیث باللفظ المذکور.

وقد أسلفنا فی الجزء الثالث (ص 112 - 124) حدیث المواخاة بأوسع ما یُسطر 5.

ص: 139


1- تاریخ الأُمم والملوک : 4 / 430 حوادث سنة 35 ه ، الکامل فی التاریخ : 2 / 286 حوادث سنة 35 ه ، شرح نهج البلاغة : 2 / 148 خطبة 30 ، تاریخ ابن خلدون : 2 / 598.
2- شرح نهج البلاغة : 10 / 8 خطبة 175.

وفیه : إنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم هو الذی واخی أمیر المؤمنین علیه السلام لا غیره.

9 - ذکر البلاذری فی حدیث : أنّ طلحة قال لعثمان : إنّک أحدثت أحداثاً لم یکن الناس یعهدونها ، فقال عثمان : ما أحدثت أحداثاً ولکنّکم أظنّاء تفسدون علیّ الناس وتؤلّبونهم.

الأنساب (1) (5 / 44).

10 - حکی البلاذری عن أبی مخنف وغیره : حرس القوم عثمان ومنعوا من أن یُدخل علیه ، وأشار علیه سعید بن العاص بأن یُحرم ویُلبّی ویخرج فیأتی مکة فلا یقدم علیه. فبلغهم قوله ، فقالوا : والله لئن خرج لا فارقناه حتی یحکم الله بیننا وبینه ، واشتدّ علیه طلحة بن عبید الله فی الحصار ، ومنع من أن یدخل إلیه الماء حتی غضب علیّ بن أبی طالب من ذلک ، فأدخلت علیه روایا الماء.

الأنساب (2) (5 / 71).

11 - فی روایة للبلاذری (3) (ص 90) : کان الزبیر وطلحة قد استولیا علی الأمر ، ومنع طلحة عثمان من أن یدخل علیه الماء العذب ، فأرسل علیّ إلی طلحة وهو فی أرض له علی میل من المدینة : أن دع هذا الرجل فلیشرب من مائه ومن بئره یعنی بئر رومة ، ولا تقتلوه من العطش ، فأبی ، فقال علیّ : لو لا أنّی قد آلیت یوم ذی خُشب أنّه إن لم یُطعنی لا أردّ عنه أحداً لأدخلت علیه الماء.

وفی الإمامة والسیاسة (4) (1 / 34) : أقام أهل الکوفة وأهل مصر بباب عثمان 0.

ص: 140


1- أنساب الأشراف : 6 / 156.
2- أنساب الأشراف : 6 / 188.
3- أنساب الأشراف : 6 / 211.
4- الإمامة والسیاسة : 1 / 40.

لیلاً ونهاراً ، وطلحة یحرّض الفریقین جمیعاً علی عثمان ، ثمّ إنّ طلحة قال لهم : إنّ عثمان لا یبالی ما حصرتموه وهو یدخل إلیه الطعام والشراب فامنعوه الماء أن یدخل علیه.

12 - قال البلاذری : قالوا : مرّ مجمع بن جاریة الأنصاری بطلحة بن عبید الله فقال : یا مجمع ما فعل صاحبک؟ قال : أظنکم والله قاتلیه. فقال طلحة : فإن قُتل فلا ملک مقرّب ولا نبیّ مرسل.

الأنساب (1) (5 / 74).

13 - وروی البلاذری فی حدیث : وسلّم عثمان علی جماعة فیهم طلحة فلم یردّوا علیه ، فقال : یا طلحة ما کنت أری أنی أعیش إلی أن أُسلّم علیک فلا تردّ علیّ السلام.

الأنساب (2) (5 / 76).

کأنّ هذه القضیّة غیر ما وقع فی أیّام الحصار الثانی ممّا ذکره الدیاربکری فی تاریخ الخمیس (2 / 260) قال : أشرف عثمان علیهم ذات یوم وقال : السلام علیکم. فما سمع أحداً من الناس یردّ علیه إلاّ أن یردّ فی نفسه. وسیوافیک حدیث جبلة بن عمرو الأنصاری ونهیه الناس عن ردّ السلام علی عثمان إذا سلّم علیهم.

14 - أخرج البلاذری من طریق یحیی بن سعید قال : کان طلحة قد استولی علی أمر الناس فی الحصار ، فبعث عثمان عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطّلب إلی علیّ بهذا البیت : 5.

ص: 141


1- أنساب الأشراف : 6 / 192.
2- أنساب الأشراف : 6 / 195.

وإن کنت مأکولاً فکن أنت آکلی

وإلاّ فأدرِکنی ولمّا أُمزَّق (1)

وقال أبو مخنف : صلّی علیّ بالناس یوم النحر وعثمان محصور ، فبعث إلیه عثمان ببیت الممزّق (2) ، وکان رسوله به عبد الله بن الحارث ففرّق علیّ الناس عن طلحة ، فلمّا رأی ذلک طلحة دخل علی عثمان فاعتذر ، فقال له عثمان : یا بن الحضرمیّة ألّبت علیَّ الناس ودعوتهم إلی قتلی حتی إذا فاتک ما ترید جئت معتذراً ، لا قبل الله ممّن قبل عذرک.

الأنساب (3) (5 / 77).

15 - روی البلاذری بإسناده من طریق ابن سیرین أنّه قال : لم یکن من أصحاب النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم أشدّ علی عثمان من طلحة.

الأنساب (5 / 81) ، وذکره ابن عبد ربّه فی العقد الفرید (2 / 269) (4).

16 - أخرج ابن سعد وابن عساکر ، قال : کان طلحة یقول یوم الجمل : إنّا داهنّا فی أمر عثمان ، فلا نجد [الیوم] (5) شیئاً أمثل من أن نبذل دماءنا فیه ، اللهمّ خذ لعثمان منّی الیوم حتی ترضی.

طبقات ابن سعد ، تاریخ ابن عساکر (7 / 84) ، تذکرة السبط (ص 44) (6) 7.

ص: 142


1- هذا البیت للممزّق العبدی : شاش بن لها بن الأسود. وبه سمّی الممزق. (المؤلف)
2- هو شأس بن نهار بن أسود ، من بنی عبد القیس ، شاعر جاهلی قدیم ، من أهل البحرین ، لقّب بالممزّق ، لقوله الآنف.
3- أنساب الأشراف : 6 / 196.
4- أنساب الأشراف : 6 / 201 ، العقد الفرید : 4 / 113.
5- ما بین المعقوفین إضافة من المصادر الثلاثة.
6- الطبقات الکبری : 3 / 222 ، تاریخ مدینة دمشق : 25 / 109 رقم 2983 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 11 / 204 ، تذکرة الخواص : ص 77.

17 - أخرج ابن عساکر ، قال : کان مروان بن الحکم فی الجیش - یوم الجمل - فقال : لا أطلب بثاری بعد الیوم ، فهو الذی رمی طلحة فقتله ، ثمّ قال لأبان بن عثمان : قد کفیتک بعض قتلة أبیک ، وکان السهم قد وقع فی عین رکبته ، فکانوا إذا أمسکوها انتفخت وإذا أرسلوها انبعثت ، فقال : دعوها فإنّها سهم أرسله الله.

تاریخ ابن عساکر (1) (7 / 84).

قال أبو عمر فی الاستیعاب (2) : لا یختلف العلماء الثقات فی أنّ مروان قتل طلحة یومئذ وکان فی حزبه. روی عبد الرحمن بن مهدی ، عن حماد بن زید ، عن یحیی بن سعید ، قال : قال طلحة یوم الجمل :

ندمت ندامة الکُسَعیِّ لمّا

شریت رضا بنی جرم برغمی (3)

اللهمّ خذ منّی لعثمان حتی یرضی.

بیان : الکُسَع : حیّ من قیس عیلان ، وقیل : هم حیّ من الیمن رماة ، ومنهم الکسعیّ الذی یضرب به المثل فی الندامة ، وهو رجل رام رمی بعد ما أسدف اللیل عیراً فأصابه ، وظنّ أنّه أخطأه فکسر قوسه وقیل : قطع إصبعه ثمّ ندم من الغد حین نظر إلی العیر مقتولاً وسهمه فیه ، فصار مثلاً لکلّ نادم علی فعل یفعله. وإیّاه عنی الفرزدق بقوله

ندمت ندامة الکُسَعیِّ لمّا

غدت منِّی مطلّقةً نوارُ

وقال آخر : ف)

ص: 143


1- تاریخ مدینة دمشق : 25 / 112 - 113 رقم 2983 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 11 / 207.
2- الاستیعاب : القسم الثانی / 766 رقم 1280.
3- هذا البیت معه ثلاثة أبیات أخر ذکرها ابن الأثیر فی أُسد الغابة : 3 / 104 [3 / 87 رقم 2625] ، وسبط ابن الجوزی فی التذکرة : ص 44 [ص 76]. (المؤلف)

ندمت ندامة الکُسَعیِّ لمّا

رأت عیناه ما فعلت یداه

وقیل : کان اسم الکُسَعیّ محارب بن قیس.

وأخرج أبو عمر (1) من طریق ابن أبی سبرة قال : نظر مروان إلی طلحة یوم الجمل فقال : لا أطلب بثاری بعد الیوم. فرماه بسهم فقتله.

وأخرج (2) من طریق یحیی بن سعید عن عمّه أنّه قال : رمی مروان طلحة بسهم ، ثمّ التفت إلی أبان بن عثمان ، فقال : قد کفینا بعض قتلة أبیک.

وأخرج (3) من طریق قیس نقلاً عن ابن أبی شیبة أنّ مروان قتل طلحة ، ومن طریق وکیع وأحمد بن زهیر ، بإسنادهما عن قیس بن أبی حازم حدیث : لا أطلب بثاری بعد الیوم. وزاد فی أُسد الغابة (4) ما مرّ من قول مروان لأبان.

وقال ابن حجر فی الإصابة (2 / 230) : روی ابن عساکر (5) من طرق (6) متعدّدة : أنّ مروان بن الحکم هو الذی رماه فقتله ، منها : وأخرجه أبو القاسم البغوی بسند صحیح عن الجارود بن أبی سبرة ، قال : لمّا کان یوم الجمل نظر مروان إلی طلحة فقال : لا أطلب ثاری بعد الیوم ، فنزع له بسهم فقتله.

وأخرج یعقوب بن سفیان ، بسند صحیح عن قیس بن أبی حازم ؛ أن مروان ف)

ص: 144


1- الاستیعاب : القسم الثانی / 768 رقم 1280.
2- الاستیعاب : القسم الثانی / 768 رقم 1280.
3- الاستیعاب : القسم الثانی / 768 رقم 1280.
4- أُسد الغابة : 3 / 88 رقم 2625.
5- تاریخ مدینة دمشق : 25 / 112 رقم 2983 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 11 / 207.
6- حذفتها ید الطبع الأمینة علی ودائع العلم حیّا الله الأمانة! لقد لعبت ید الشیخ عبد القادر بن بدران بتاریخ ابن عساکر لمّا هذّبه ورتّبه علی زعمه فأخرجه عمّا هو علیه ، وجعله مسیخاً مشوّهاً بإدخال آرائه الساقطة فیه ، وأسقط منه أحادیث کثیرة متناً وإسناداً ممّا لا یروقه. (المؤلف)

ابن الحکم رأی طلحة فی الخیل ، فقال : هذا أعان علی عثمان ، فرماه بسهم فی رکبته ، فما زال الدم یسیح حتی مات. وأخرجه الحاکم فی المستدرک (1) (3 / 370).

أخرجه عبد الحمید بن صالح عن قیس ، وأخرجه الطبرانی (2) من طریق یحیی ابن سلیمان الجعفی عن وکیع بهذا السند ، قال : رأیت مروان بن الحکم حین رمی طلحة یومئذ بسهم فوقع فی عین رکبته ، فما زال الدم یسیح إلی أن مات.

وأخرج الحاکم فی المستدرک (3) (3 / 370) من طریق عکراش قال : کنّا نقاتل علیّا مع طلحة ومعنا مروان ، قال : فانهزمنا ، فقال مروان : لا أدرک بثاری بعد الیوم من طلحة. فرماه بسهم فقتله.

وقال محبّ الدین الطبری فی الریاض (4) (2 / 259) : المشهور أنّ مروان بن الحکم هو الذی قتله ، رماه بسهم وقال : لا أطلب بثاری بعد الیوم. وذلک أنّ طلحة زعموا أنّه کان ممّن حاصر عثمان واشتدّ علیه.

وأخرج البلاذری فی الأنساب (5) (ص 135) ، فی حدیث عن روح بن زنباع : أنّه قال : رمی مروان طلحة فاستقاد منه لعثمان.

یوجد حدیث قتل مروان بن الحکم طلحة بن عبید الله أخذاً بثار عثمان فی (6) : 7.

ص: 145


1- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 418 ح 5591.
2- المعجم الکبیر : 1 / 113 ح 201.
3- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 417 ح 5589.
4- الریاض النضرة : 4 / 230.
5- أنساب الأشراف : 6 / 267.
6- مروج الذهب : 2 / 382 ، العقد الفرید : 4 / 128 ، المستدرک علی الصحیحین : 3 / 418 ح 5593 ، الکامل فی التاریخ : 2 / 338 حوادث سنة 36 ه ، صفة الصفوة : 1 / 341 رقم 6 ، أُسد الغابة : 3 / 88 رقم 2625 ، دول الإسلام : ص 23 ، البدایة والنهایة : 7 / 269 حوادث سنة 36 ه ، تذکرة الخواص : ص 77 ، تهذیب التهذیب : 5 / 20 ، تاریخ ابن شحنة : 1 / 217.

مروج الذهب (2 / 11) ، العقد الفرید (2 / 279) ، مستدرک الحاکم (3 / 370) ، الکامل لابن الأثیر (3 / 104) ، صفة الصفوة لابن الجوزی (1 / 132) ، أُسد الغابة (3 / 61) ، دول الإسلام للذهبی (1 / 18) ، تاریخ ابن کثیر (7 / 247) ، تذکرة السبط (ص 44) ، مرآة الجنان للیافعی (1 / 97) ، تهذیب التهذیب (5 / 21) ، تاریخ ابن شحنة هامش الکامل (7 / 189).

18 - أخرج ابن سعد (1) بالإسناد عن شیخ من کلب ، قال : سمعت عبد الملک ابن مروان یقول : لو لا أنّ أمیر المؤمنین مروان أخبرنی أنّه قتل طلحة ما ترکت أحداً من ولد طلحة إلاّ قتلته بعثمان.

19 - أخرج الحمیدی فی النوادر من طریق سفیان بن عیینة ، عن عبد الملک بن مروان ، قال : دخل موسی بن طلحة علی الولید ، فقال له الولید : ما دخلت علیّ قطّ إلاّ هممتُ بقتلک لو لا أنّ أبی أخبرنی أنّ مروان قتل طلحة.

تهذیب التهذیب (2) (5 / 22).

20 - أخرج الطبری فی حدیث : فقام طلحة والزبیر خطیبین - یعنی بالبصرة - فقالا : یا أهل البصرة توبة بحوبة ، إنّما أردنا أن یستعتب أمیر المؤمنین عثمان ولم نُرد قتله ، فغلب سفهاء الناس الحلماء حتی قتلوه ، فقال الناس لطلحة : یا أبا محمد قد کانت کتبک تأتینا بغیر هذا.

تاریخ الطبری (3) (5 / 179).

21 - ذکر المسعودی فی حدیث وقعة الجمل : ثمّ نادی علیّ رضی الله عنه طلحة حین .

ص: 146


1- الطبقات الکبری : 3 / 223.
2- تهذیب التهذیب : 5 / 20.
3- تاریخ الأُمم والملوک : 4 / 469 حوادث سنة 36 ه.

رجع الزبیر : «یا أبا محمد ما الذی أخرجک؟» قال : الطلب بدم عثمان. قال علیّ : «قتل الله أولانا بدم عثمان» (1).

مروج الذهب (2) (2 / 11).

22 - لمّا نزل طلحة والزبیر السبخة (3) ، أتاهما عبد الله بن حکیم التمیمی بکتبٍ کانا کتباها إلیه ، فقال لطلحة : یا أبا محمد أما هذه کتبک إلینا؟ قال : بلی. قال : فکتبت أمس تدعونا إلی خلع عثمان وقتله حتی إذا قتلته أتیتنا ثائراً بدمه ، فلعمری ما هذا رأیک ، لا ترید إلاّ هذه الدنیا ، مهلاً إذا کان هذا رأیک فلم قبلت من علیٍّ ما عرض علیک من البیعة؟ فبایعته طائعاً راضیاً ثمّ نکثت بیعتک ، ثمّ جئت لتدخلنا فی فتنتک (4). الحدیث.

23 - قال ابن قتیبة : ذکروا أنّه لمّا نزل طلحة والزبیر وعائشة البصرة اصطفّ لها الناس فی الطریق یقولون : یا أُمّ المؤمنین ما الذی أخرجک من بیتک؟ فلمّا أکثروا علیها تکلّمت بلسان طلق وکانت من أبلغ الناس ، فحمدت الله وأثنت علیه ، ثمّ قالت :

أیّها الناس والله ما بلغ من ذنب عثمان أن یستحلّ دمه (5) ولقد قتل مظلوماً ، غضبنا لکم من السوط والعصا ولا نغضب لعثمان من القتل! وإنّ من الرأی أن تنظروا إلی قتلة عثمان فیقتلوا به ، ثمّ یردّ هذا الأمر شوری علی ما جعله عمر بن الخطّاب. فمن قائل یقول : صدقت ، وآخر یقول : کذبت. فلم یبرح الناس یقولون ذلک حتی ضرب ف)

ص: 147


1- لقد استجاب الله تعالی دعاء الإمام علیه السلام ، فقتل طلحة فی أسرع وقت. (المؤلف)
2- مروج الذهب : 2 / 382.
3- السبخة بالتحریک : موضع بالبصرة [معجم البلدان : 3 / 183]. (المؤلف)
4- شرح ابن أبی الحدید : 2 / 500 [9 / 318 خطبة 173]. (المؤلف)
5- أنّی هذا المحال والتمحّل من قوارصها التی مرّت فی ص 77 - 85. (المؤلف)

بعضهم وجوه بعض ، فبینما هم کذلک أتاهم رجل من أشراف البصرة بکتاب کان کتبه طلحة فی التألیب علی قتل عثمان. فقال لطلحة : هل تعرف هذا الکتاب؟ قال : نعم. قال : فما ردّک علی ما کنت علیه ، وکنت أمس تکتب إلینا تؤلّبنا علی قتل عثمان ، وأنت الیوم تدعونا إلی الطلب بدمه؟ وقد زعمتما أنّ علیّا دعاکما إلی أن تکون البیعة لکما قبله ، إذ کنتما أسنّ منه فأبیتما إلاّ أن تقدّماه لقرابته وسابقته فبایعتماه ، فکیف تنکثان بیعتکما بعد الذی عرض علیکما؟ قال طلحة : دعانا إلی البیعة بعد أن اغتصبها وبایعه الناس ، فعلمنا حین عرض علینا أنّه غیر فاعل ، ولو فعل أبی ذلک المهاجرون والأنصار ، وخفنا أن نردّ بیعته فنقتل ، فبایعناه کارهین ، قال : فما بدا لکما فی عثمان؟ قال : ذکرنا ما کان من طعننا علیه وخذلاننا إیّاه ، فلم نجد من ذلک مخرجاً إلاّ الطلب بدمه. قال : ما تأمرانی به؟ قال : بایعنا علی قتال علیّ ونقض بیعته ، قال : أرأیتما إن أتانا بعدکما من یدعونا [إلی ما تدعوان] (1) إلیه ، ما نصنع؟ قالا : لا تبایعه. قال : ما أنصفتما ، أتأمرانی أن أُقاتل علیّا وأنقض بیعته وهی فی أعناقکما ، وتنهیانی عن بیعة من لا بیعة له علیکما؟ أما إنّنا قد بایعنا علیّا ، فإن شئتما بایعناکما بیسار أیدینا. قال : ثمّ تفرّق الناس ، فصارت فرقة مع عثمان بن حنیف ، وفرقة مع طلحة والزبیر.

ثمّ جاء جاریة بن قدامة ، فقال : یا أُمّ المؤمنین لقتل عثمان کان أهون علینا من خروجک من بیتک علی هذا الجمل الملعون ، إنّه کانت لک من الله تعالی حرمة وستر ، فهتکت سترک ، وأبحت حرمتک ، إنّه من رأی قتالک فقد رأی قتلک ، فإن کنت یا أُمّ المؤمنین أتیتِنا طائعة فارجعی إلی منزلک ، وإن کنت أتیتِنا مستکرهة فاستعتبی [الله] (2). ف)

ص: 148


1- من المصدر.
2- الإمامة والسیاسة : 1 / 60 [1 / 64 وما بین المعقوفین منه]. (المؤلف)

24 - ذکر أبو مخنف من طریق مسافر بن عفیف من خطبة (1) لمولانا أمیر المؤمنین قوله : «اللهمّ إنّ طلحة نکث بیعتی وألّب علی عثمان حتی قتله ثمّ عضهنی (2) به ورمانی ، اللهمّ فلا تمهله ، اللهمَّ إنّ الزبیر قطع رحمی ونکث بیعتی وظاهر علی عدوّی ، فاکفنیه الیوم بما شئت» (3).

25 - أخرج الطبری فی تاریخه (4) (5 / 183) ؛ من طریق علقمة بن وقّاص اللیثی ، قال : لمّا خرج طلحة والزبیر وعائشة رأیت طلحة وأحبّ المجالس إلیه أخلاها وهو ضاربٌ بلحیته علی زوره (5) ، فقلت : یا أبا محمد أری أحبّ المجالس إلیک أخلاها ، وأنت ضارب بلحیتک علی زورک ، إن کرهت شیئاً فاجلس. قال : فقال لی : یا علقمة بن وقّاص ، بینا نحن ید واحدة علی من سوانا ، إذ صرنا جبلین من حدید یطلب بعضنا بعضاً ، إنّه کان منّی فی عثمان شیء لیس توبتی إلاّ أن یسفک دمی فی طلب دمه.

الوجه فی هذه التوبة إن صحّت وکان الموءود من النفوس المحترمة أن یسلّم نفسه لأولیاء القتیل أو لإمام الوقت فیقیدوا منه ، لا أن یلقح فتنة کبری تراق فیها دماء بریئة من دم عثمان ، وتزهق أنفس لم تکن هنالک فی حلّ ولا مرتحل ، فیکون قد زاد ضغثاً علی إبّالة (6) ، وجاء بها حشفاً وسوء کیلة (7).ن.

ص: 149


1- ذکرها ابن أبی الحدید فی شرح النهج : 1 / 101 [1 / 306 خطبة 22]. (المؤلف)
2- العَضه والعضیهة : البهتان والافتراء.
3- یا لها من دعوة مستجابة أصابت الرجلین من دون مهلة. (المؤلف)
4- تاریخ الأُمم والملوک : 4 / 476 حوادث سنة 36 ه.
5- الزور : الصدر. وقیل : وسط الصدر. وقیل : أعلی الصدر. وقیل : ملتقی أطرف عظام الصدر.(المؤلف)
6- مجمع الأمثال : 2 / 260 رقم 2202.
7- مجمع الأمثال : 1 / 367 رقم 1098. والمثل : أَحَشَفاً وسُوءَ کیلَةٍ؟ ویضرب لمن یجمع بین خصلتین مکروهتین.

- 5 -

حدیث الزبیر بن العوام

أحد العشرة المبشّرة ، وأحد أصحاب الشوری الستّة

1 - أخرج الطبری فی حدیث وقعة الجمل : خرج علیّ علی فرسه فدعا الزبیر فتواقفا ، فقال علیّ للزبیر : «ما جاء بک؟» قال : أنت ، ولا أراک لهذا الأمر أهلاً ولا أولی به منّا. فقال علیّ : «لست (1) له أهلاً بعد عثمان رضی الله عنه؟ قد کنّا نعدّک من بنی عبد المطّلب حتی بلغ ابنک ابن السوء ففرّق بیننا وبینک». وعظّم علیه أشیاء ، فذکر أنّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم مرّ علیهما فقال لعلیّ : «ما یقول ابن عمّتک؟ لیقاتلنّک وهو لک ظالم» (2). فانصرف عنه الزبیر وقال : فإنّی لا أُقاتلک ، فرجع إلی ابنه عبد الله ، فقال : مالی فی هذه الحرب بصیرة. فقال له ابنه : إنّک قد خرجت علی بصیرة ، ولکنّک رأیت رایات ابن أبی طالب ، وعرفت أنّ تحتها الموت فجبنت ، فأحفظه حتی أرعد وغضب ، وقال : ویحک إنّی قد حلفت له ألاّ أُقاتله. فقال له ابنه : کفّر عن یمینک بعتق غلامک سرجیس فأعتقه وقام فی الصفّ معهم ، وکان علیّ قال للزبیر : «أتطلب منّی دم عثمان ، وأنت قتلته؟ سلّط الله علی أشدّنا علیه الیوم ما یکره» (3).

وقول علیّ علیه السلام للزبیر : «أتطلب منّی دم عثمان وأنت قتلته؟ ...» إلخ. أخرجه أیضاً الحافظ العاصمی فی زین الفتی. وفی لفظ المسعودی : قال علیّ : «ویحک یا زبیر ما الذی أخرجک؟» قال : دم عثمان. قال علیّ : «قتل الله أولانا بدم عثمان» ف)

ص: 150


1- فی الکامل لابن الأثیر [2 / 335 حوادث سنة 36 ه] : ألست. (المؤلف)
2- هذا الحدیث أخرجه جمع من الحفّاظ کما أسلفناه فی الجزء الثالث : ص 191. (المؤلف)
3- تاریخ الطبری : 5 / 204 [4 / 508 حوادث سنة 36 ه] ، مروج الذهب : 2 / 10 [2 / 380] ، الکامل لابن الأثیر : 3 / 102 [2 / 335 حوادث سنة 36 ه]. (المؤلف)

قال الأمینی : إنّما حلف الزبیر علی ترک القتال لأنّه وجده بعد تذکیر الإمام علیه السلام له الحدیث النبویّ ، وبعد إتمام الحجّة علیه بذلک محرّماً علیه فی الدین ، وأنّه من الظلم الفاحش الذی استقلّ العقل بتحریمه ، فهل التکفیر بعتق الغلام یُبیح ذلک المحرّم بالعقل والشریعة ، ویسوّغ الخروج علی الإمام المفترض طاعته؟ لا ، لکن تسویل عبد الله هو الذی فرّق بین الزبیر وبین آل عبد المطّلب ، وأباح له کلّ محظور ، فقاتل إمام الوقت ظالماً کما ورد فی النصّ النبویّ ، وصدّق الخبر الخبر.

2 - ذکر المسعودی فی حدیث : إنّ مروان بن الحکم قال - یوم الجمل - : رجع الزبیر ، ویرجع طلحة ، ما أُبالی رمیت هاهنا أم هاهنا ، فرماه فی أکحله فقتله. مروج الذهب (1) (2 / 11).

3 - قال ابن أبی الحدید فی شرح النهج (2) (2 / 404) : کان طلحة من أشدّ الناس تحریضاً علیه ، وکان الزبیر دونه فی ذلک ، رووا أنّ الزبیر کان یقول : اقتلوه فقد بدّل دینکم. فقالوا له : إنّ ابنک یحامی عنه بالباب. فقال : ما أکره أن یُقتل عثمان ولو بُدئ بابنی ، إنّ عثمان لجیفة علی الصراط غداً.

4 - أخرج البلاذری فی الأنساب (3) (5 / 76) من طریق أبی مخنف قال : جاء الزبیر إلی عثمان فقال له : إنّ فی مسجد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم جماعة یمنعون من ظلمک ، ویأخذونک بالحقّ ، فاخرج فخاصم القوم إلی أزواج النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ، فخرج فوثب الناس علیه بالسلاح فقال : یا زبیر ما أری أحداً یأخذ بحقّ ، ولا یمنع من ظلم ، ودخل ومضی الزبیر إلی منزله.5.

ص: 151


1- مروج الذهب : 2 / 382.
2- شرح نهج البلاغة : 9 / 35 - 36 خطبة 137.
3- أنساب الأشراف : 6 / 195.

5 - قال البلاذری فی الأنساب (1) (5 / 14) : وجدت فی کتاب لعبد الله عن صالح العجلی ، ذکروا : أنّ عثمان نازع الزبیر ، فقال الزبیر : إن شئت تقاذفنا ، فقال عثمان : بما ذا أبالبعیر یا أبا عبد الله؟ قال : لا والله ولکن بطبع خبّاب ، وریش المقعد ، وکان خبّاب یطبع السیوف ، وکان المقعد یریش النبل. وقال ابن المغیرة بن الأخنس متغنّیاً علی قعود له :

حکیم وعمّار الشجا ومحمد

وأشتر والمکشوح جرّوا الدواهیا

وقد کان فیها للزبیر عجاجة

وصاحبه الأدنی أشاب النواصیا (2)

- 6 -

حدیث طلحة والزبیر

1 - من کلام لمولانا أمیر المؤمنین فی شأن الرجلین : «والله ما أنکروا علیّ منکراً ولا جعلوا بینی وبینهم نصفاً ، وإنّهم لیطلبون حقّا هم ترکوه ، ودماً هم سفکوه ، فإن کنت شریکهم فیه ، فإنّ لهم نصیبهم منه ، وإن کانوا ولوه دونی فما الطلبة إلاّ قبلهم ، وإنّ أوّل عدلهم للحکم علی أنفسهم ، وإنّ معی لبصیرتی ما لبّست ولا لُبّس علیّ ، وإنّها للفئة الباغیة فیها الحمأ والحمّة» (3).

نهج البلاغة (4) (1 / 254).

وفی لفظ أبی عمر فی الاستیعاب (5) فی ترجمة طلحة بن عبید الله : «إنّی مُنیتة.

ص: 152


1- أنساب الأشراف : 6 / 117.
2- کتاب صفّین لابن مزاحم ، طبع مصر : ص 60 ، 66 [ص 54]. (المؤلف)
3- قال ابن أبی الحدید [9 / 33 خطبة 137] : کنّی علیّ علیه السلام عن الزوجة بالحمّة. وهی : سمّ العقرب. والحمأ : یضرب مثلا لغیر الطیّب ولغیر الصافی. (المؤلف)
4- نهج البلاغة : ص 194 خطبة 137.
5- الاستیعاب : القسم الثانی / 767 رقم 1280. ومُنیة اسم أمّ یعلی أو جدّته لأبیه ، واسم أبیه أُمیّة.

بأربعة : أدهی الناس وأسخاهم طلحة ، وأشجع الناس الزبیر ، وأطوع الناس فی الناس عائشة ، وأسرع الناس إلی الفتنة یعلی بن منیة ، والله ما أنکروا علیّ شیئاً منکراً ، ولا استأثرت بمال ، ولا ملت بهوی ، وإنّهم لیطلبون حقّا ترکوه ، ودماً سفکوه ، ولقد ولّوه دونی ، وإن کنت شریکهم فی الإنکار لما أنکروه ، وما تبعة عثمان إلاّ عندهم ، وإنّهم لهم الفئة الباغیة». إلی قوله علیه السلام : «والله إنّ طلحة والزبیر وعائشة لیعلمون أنّی علی الحقّ وأنّهم مبطلون».

2 - من کتاب له علیه السلام إلی أهل الکوفة عند مسیره من المدینة إلی البصرة : «أمّا بعد ؛ فإنّی أخبرکم عن أمر عثمان حتی یکون سمعه کعیانه : إنّ الناس طعنوا علیه فکنت رجلاً من المهاجرین أُکثر استعتابه ، وأُقلّ عتابه ، وکان طلحة والزبیر أهون سیرهما فیه الوجیف ، وأرفق حدائهما العنیف ، وکان من عائشة فیه فلتة غضب فأُتیح له قوم فقتلوه ، وبایعنی الناس غیر مستکرهین ولا مجبرین ، بل طائعین مخیّرین».

نهج البلاغة (2 / 2) ، الإمامة والسیاسة (1 / 58) (1).

قال ابن أبی الحدیث فی الشرح (2) (3 / 290) : أمّا طلحة والزبیر فکانا شدیدین علیه - علی عثمان - والوجیف : سیر سریع ، وهذا مثل یقال للمشمّرین فی الطعن علیه ، حتی أنّ السیر السریع أبطأ ما یسیران فی أمره ، والحداء العنیف أرفق ما یحرّضان به علیه.

3 - قال البلاذری (3) : حدّثنی المدائنی عن ابن الجعدبة ، قال : مرّ علیّ بدار بعض آل أبی سفیان ، فسمع بعض بناته تضرب بدف وتقول : 9.

ص: 153


1- نهج البلاغة : ص 363 کتاب 1 ، الإمامة والسیاسة 1 / 63.
2- شرح نهج البلاغة : 14 / 7 کتاب 1.
3- أنساب الأشراف : 6 / 229.

ظلامة عثمان عند الزبیر

وأوتر منه لنا طلحهْ

هما سعّراها بأجذالها

وکانا حقیقین بالفضحهْ

فقال علیّ : «قاتلها الله ، ما أعلمها بموضع ثأرها!».

4 - أخرج الطبری من طریق ابن عبّاس ، قال : قدمت المدینة من مکة بعد قتل عثمان رضی الله عنه بخمسة أیّام ، فجئت علیّا أدخل علیه ، فقیل لی : عنده المغیرة بن شعبة ، فجلست بالباب ساعة ، فخرج المغیرة فسلّم علیّ فقال : متی قدمت؟ فقلت : الساعة.

فدخلت علی علیّ فسلّمت علیه ، فقال لی : «لقیت الزبیر وطلحة؟» قال : قلت : لقیتهما بالنواصف. قال : «من معهما؟» قلت : أبو سعید بن الحارث بن هشام فی فئة من قریش. فقال علیّ : «أما إنّهم لن یدعوا أن یخرجوا یقولون : نطلب بدم عثمان ، والله یعلم أنّهم قتلة عثمان».

تاریخ الطبری (1) (5 / 160).

5 - أخرج الطبری عن عمر بن شبّه ، من طریق عتبة بن المغیرة ابن الأخنس ، قال : لقی سعید بن العاص مروان بن الحکم وأصحابه بذات عرق ، فقال : أین تذهبون وثأرکم علی أعجاز الإبل؟ اقتلوهم (2) ثمّ ارجعوا إلی منازلکم لا تقتلوا أنفسکم. قالوا : بل نسیر فلعلّنا نقتل قتلة عثمان جمیعاً. فخلا سعید بطلحة والزبیر ، فقال : إن ظفرتما لمن تجعلان الأمر؟ أصدقانی. قالا : لأحدنا أیّنا اختاره الناس. قال : بل اجعلوه لولد عثمان فإنّکم خرجتم تطلبون بدمه. قالا : ندع شیوخ المهاجرین ونجعلها لأبنائهم؟ قال : أفلا أرانی أسعی لأخرجها من بنی ف)

ص: 154


1- تاریخ الأُمم والملوک : 4 / 440 حوادث سنة 35 ه.
2- یعنی طلحة والزبیر وأصحابهما. (المؤلف)

عبد مناف؟ فرجع ورجع عبد الله بن خالد بن أسید ، فقال المغیرة بن شعبة : الرأی ما رأی سعید ، من کان هاهنا من ثقیف فلیرجع ، فرجع. الحدیث.

تاریخ الطبری (1) (5 / 168).

6 - وفی کتاب کتبه ابن عبّاس إلی معاویة جواباً : وأمّا طلحة والزبیر ؛ فإنّهما أجلبا علیه وضیّقا خناقه ، ثمّ خرجا ینقضان البیعة ، ویطلبان الملک ، فقاتلناهما علی النکث ، کما قاتلناک علی البغی.

کتاب نصر بن مزاحم (ص 472) ، شرح ابن أبی الحدید (2 / 289) (2).

7 - قدم علی حابس بن سعد سیّد طیّ بالشام ابن عمّه فأخبره أنّه شهد قتل عثمان بالمدینة المنوّرة ، وسار مع علیّ إلی الکوفة ، وکان له لسان وهیبة ، فغدا به حابس إلی معاویة فقال : هذا ابن عمّی قدم من الکوفة ، وکان مع علیّ وشهد قتل عثمان بالمدینة ، وهو ثقة. فقال معاویة : حدّثنا عن أمر عثمان. قال : نعم ولیه محمد بن أبی بکر ، وعمّار بن یاسر ، وتجرّد فی أمره ثلاثة نفر : عدیّ بن حاتم ، والأشتر النخعی ، وعمرو بن الحمق. ودبّ (3) فی أمره رجلان : طلحة والزبیر ، وأبرأ الناس منه علیّ بن أبی طالب ، ثمّ تهافت الناس علی علیّ بالبیعة تهافت الفراش حتی ضلّت (4) النعل ، وسقط الرداء ووطئ الشیخ ولم یذکر عثمان ولم یذکروه. إلخ. ف)

ص: 155


1- تاریخ الأُمم والملوک : 4 / 453 حوادث سنة 36 ه.
2- وقعة صفین : ص 415 ، شرح نهج البلاغة : 8 / 66 خطبة 134.
3- لفظ ابن مزاحم : وجدّ فی أمره رجلان. (المؤلف)
4- وفی لفظ : ضاعت النعل. (المؤلف)

الإمامة والسیاسة (1 / 74) ، کتاب صفّین لابن مزاحم (ص 72) ، شرح ابن أبی الحدید (1 / 259) (1).

8 - أخرج الحاکم فی المستدرک (2) (3 / 118) ، بإسناده عن إسرائیل بن موسی أنّه قال : سمعت الحسن یقول : «جاء طلحة والزبیر إلی البصرة ، فقال لهم الناس : ما جاء بکم؟ قالوا : نطلب دم عثمان. قال الحسن : أیا سبحان الله أفما کان للقوم عقول فیقولون : والله ما قتل عثمان غیرکم؟».

9 - لمّا انتهت عائشة وطلحة والزبیر إلی حفر أبی موسی (3) قریباً من البصرة ، أرسل عثمان بن حنیف - وهو یومئذ عامل علیّ علی البصرة - إلی القوم أبا الأسود الدؤلی ، فجاء حتی دخل علی عائشة ، فسألها عن مسیرها ، فقالت : أطلب بدم عثمان. قال : إنّه لیس بالبصرة من قتلة عثمان أحد ، قالت : صدقت ولکنهم مع علیّ بن أبی طالب بالمدینة وجئت أستنهض أهل البصرة لقتاله ، أنغضب لکم من سوط عثمان ولا نغضب لعثمان من سیوفکم؟ فقال لها : ما أنت من السوط والسیف؟ إنّما أنت حبیس رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أمرک أن تقرّی فی بیتک ، وتتلی کتاب ربّک ، ولیس علی النساء قتال ، ولا لهنّ الطلب بالدماء ، وإنّ علیّا لأولی بعثمان منک وأمسّ رحماً ، فإنّهما ابنا عبد مناف. فقالت : لست بمنصرفة حتی أمضی لما قدمت إلیه ، أفتظنّ یا أبا الأسود أنّ أحداً یقدم علی قتالی؟ قال : أما والله لتُقاتَلِنّ قتالاً أهونه الشدید.

ثمّ قام فأتی الزبیر ، فقال : یا أبا عبد الله عهد الناس بک وأنت یوم بویع أبو بکر ف)

ص: 156


1- الإمامة والسیاسة : 1 / 78 ، وقعة صفین : ص 65 ، شرح نهج البلاغة : 3 / 111 خطبة 124.
2- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 128 ح 4606.
3- حُفر أبی موسی : هی رکایا حفرها أبو موسی الأشعری علی جادة البصرة إلی مکة ، بینها وبین البصرة خمس لیال [معجم البلدان : 2 / 275]. (المؤلف)

آخذ بقائم سیفک تقول : لا أحد أولی بهذا الأمر من ابن أبی طالب وأین هذا المقام من ذاک؟ فذکر له دم عثمان ، قال : أنت وصاحبک ولیتماه فیما بلغنا. قال : فانطلق إلی طلحة فاسمع ما یقول. فذهب إلی طلحة فوجده سادراً فی غیّه ، مصرّا علی الحرب والفتنة. الحدیث.

الإمامة والسیاسة (1 / 57) ، العقد الفرید (2 / 278) ، شرح ابن أبی الحدید (2 / 81) (1).

10 - خرج عثمان بن حُنیف إلی طلحة والزبیر فی أصحابه ، فناشدهما الله والإسلام وأذکرهما بیعتهما علیّا ، فقالا : نطلب بدم عثمان. فقال لهما : وما أنتما وذاک؟ أین بنوه؟ أین بنو عمّه الذین هم أحقّ به منکم؟ کلاّ والله ، ولکنّکما حسدتماه حیث اجتمع الناس علیه ، وکنتما ترجوان هذا الأمر وتعملان له ، وهل کان أحد أشدّ علی عثمان قولاً منکما؟ فشتماه شتماً قبیحاً وذکرا أُمّه. الحدیث.

شرح ابن أبی الحدید (2) (2 / 500).

11 - لمّا نزل طلحة والزبیر وعائشة بأوطاس من أرض خیبر ، أقبل علیهم سعید بن العاصی علی نجیب له ، فأشرف علی الناس ، ومعه المغیرة بن شعبة ، فنزل وتوکّأ علی قوس له سوداء ، فأتی عائشة ، فقال لها : أین تریدین یا أُمّ المؤمنین؟ قالت : أرید البصرة. قال : وما تصنعین بالبصرة؟ قالت : أطلب بدم عثمان. قال : فهؤلاء قتلة عثمان معک ، ثمّ أقبل علی مروان فقال له : وأنت أین ترید أیضاً؟ قال : البصرة. قال : وما تصنع بها؟ قال : أطلب قتلة عثمان. قال : فهؤلاء قتلة عثمان معک ، 7.

ص: 157


1- الإمامة والسیاسة : 1 / 61 ، العقد الفرید : 4 / 124 ، شرح نهج البلاغة : 6 / 225 خطبة 79.
2- شرح نهج البلاغة : 9 / 319 خطبة 137.

إنّ هذین الرجلین قتلا عثمان : طلحة والزبیر ، وهما یریدان الأمر لأنفسهما ، فلمّا غُلبا علیه قالا : نغسل الدم بالدم ، والحوبة بالتوبة.

ثمّ قال المغیرة بن شعبة : أیّها الناس إن کنتم إنّما خرجتم مع أُمّکم ، فارجعوا بها خیراً لکم ، وإن کنتم غضبتم لعثمان ، فرؤساؤکم قتلوا عثمان ، وإن کنتم نقمتم علی علیّ شیئاً ، فبیّنوا ما نقمتم علیه ، أنشدکم الله ، فتنتین فی عام واحد. فأبوا إلاّ أن یمضوا بالناس.

الإمامة والسیاسة (1) (1 / 55).

12 - لمّا نزل طلحة والزبیر البصرة ، قال عثمان بن حنیف : نعذر إلیهما برجلین. فدعا عمران بن حصین صاحب رسول الله ، وأبا الأسود الدؤلی ، فأرسلهما إلی الرجلین فذهبا إلیهما فنادیا : یا طلحة فأجابهما ، فتکلّم أبو الأسود الدؤلی ، فقال : یا أبا محمد إنّکم قتلتم عثمان غیر مؤامرین لنا فی قتله ، وبایعتم علیّا غیر مؤامرین لنا فی بیعته ، فلم نغضب لعثمان إذ قتل ، ولم نغضب لعلیّ إذ بویع ، ثمّ بدا لکم فأردتم خلع علیّ ، ونحن علی الأمر الأوّل ، فعلیکم المخرج ممّا دخلتم فیه. ثمّ تکلّم عمران ، فقال : یا طلحة إنّکم قتلتم عثمان ولم نغضب له إذ لم تغضبوا ، ثمّ بایعتم علیّا وبایعنا من بایعتم ، فإن کان قتل عثمان صواباً ، فمسیرکم لما ذا؟ وإن کان خطأ فحظّکم منه الأوفر ، ونصیبکم منه الأوفی ، فقال طلحة : یا هذان إنّ صاحبکما لا یری أنّ معه فی هذا الأمر غیره ، ولیس علی هذا بایعناه ، وایم الله لیسفکنّ دمه. فقال أبو الأسود : یا عمران أمّا هذا فقد صرّح أنّه إنّما غضب للملک. ثمّ أتیا الزبیر فقالا : یا أبا عبد الله إنّا أتینا طلحة. قال الزبیر : إنّ طلحة 0.

ص: 158


1- الإمامة والسیاسة : 1 / 60.

وإیّای کروح فی جسدین ، وإنّه والله یا هذان قد کانت منّا فی عثمان فلتات ، احتجنا فیها إلی المعاذیر ، ولو استقبلنا من أمرنا ما استدبرنا نصرناه. الحدیث.

الإمامة والسیاسة (1) (1 / 56).

13 - من خطبة لعمّار بن یاسر خطبها بالکوفة ، فقال : یا أهل الکوفة إن کان غاب عنکم أنباؤنا فقد انتهت إلیکم أُمورنا ، إنّ قتلة عثمان لا یعتذرون من قتله إلی الناس ولا ینکرون ذلک ، وقد جعلوا کتاب الله بینهم وبین محاجّیهم ، فیه أحیا الله من أحیا وأمات من أمات ، وإنّ طلحة والزبیر کانا أوّل من طعن وآخر من أمر ، وکانا أوّل من بایع علیّا ، فلمّا أخطأهما ما أمّلاه نکثا بیعتهما من غیر حدث. الحدیث.

الإمامة والسیاسة (2) (1 / 59).

14 - روی البلاذری عن المدائنی ، قال : ولَّی عبد الملک علقمة بن صفوان بن المحرث مکة فشتم طلحة والزبیر علی المنبر. فلما نزل قال لأبان بن عثمان : أرضیتک فی المدهنین فی أمیر المؤمنین عثمان؟ قال : لا والله ، ولکن سؤتنی بحسبی بلیّة أن تکون شرکاً فی دمه.

الأنساب للبلاذری (3) (5 / 120).

15 - أخرج أبو الحسن علی بن محمد المدائنی من طریق عبد الله بن جنادة خطبة لمولانا أمیر المؤمنین منها قوله : «بایعنی هذان الرجلان فی أوّل من بایع ، تعلمون ذلک وقد نکثا وغدرا ، ونهضا إلی البصرة بعائشة لیفرّقا جماعتکم ، ویلقیا بأسکم بینکم ، اللهمّ فخذهما بما عملا أخذةً واحدةً رابیة ، ولا تنعش لهما صرعة ، 9.

ص: 159


1- الإمامة والسیاسة : 1 / 61.
2- الإمامة والسیاسة : 1 / 64.
3- أنساب الأشراف : 6 / 249.

ولا تُقِل لهما عثرة ، ولا تمهلهما فواقا ، فإنّهما یطلبان حقّا ترکاه ، ودماً سفکاه ، اللهمّ إنّی أقتضیک وعدک ، فإنّک قلت وقولک الحقّ : لمن بغی علیه لینصرنّه الله ، اللهمّ فأنجز لی موعدک ، ولا تَکِلنی إلی نفسی إنّک علی کلّ شیء قدیر».

شرح ابن أبی الحدید (1) (1 / 102).

16 - من خطبة لمولانا أمیر المؤمنین ذکرها الکلبی کما فی شرح ابن أبی الحدید (2) (1 / 102): «فما بال طلحة والزبیر ولیسا من هذا الأمر بسبیل؟ لم یصبرا علیّ حولاً ولا شهراً حتی وثبا ومرقا ، ونازعانی أمراً لم یجعل الله لهما إلیه سبیلا ، بعد أن بایعا طائِعینِ غیرَ مکرهَینِ ، یرتضعان أُمّا قد فطمت ، ویُحییانِ بدعة قد أُمیتت ، أدم عثمان زعما؟ والله ما التبعة إلاّ عندهم وفیهم ، وإنّ أعظم حجّتهم لعلی أنفسهم ، وأنا راضٍ بحجّة الله علیهم وعلمهُ فیهم». الحدیث.

17 - من کلمة لمالک الأشتر : لعمری یا أمیر المؤمنین ما أمر طلحة والزبیر وعائشة علینا بمخیّل ، ولقد دخل الرجلان فیما دخلا فیه ، وفارقا علی غیر حدث أحدثت ، ولا جور صنعت ، فإن زعما أنّهما یطلبان بدم عثمان فلیقیدا من أنفسهما ، فإنّهما أوّل من ألّب علیه وأغری الناس بدمه ، وأُشهد الله لئن لم یدخلا فیما خرجا منه لنلحقنّهما بعثمان ، فإنّ سیوفنا فی عواتقنا ، وقلوبنا فی صدرونا ، ونحن الیوم کما کنا أمس.

شرح ابن أبی الحدید (3) (1 / 103).

قال الأمینی : إنّ الأخذ بمجامع هذه الأخبار البالغة خمسین حدیثاً یعطینا درساً ضافیاً بأنّ الرجلین هما أساس النهضة فی قصّة عثمان ، وهما اللذان أسعرا علیه الفتنة 2.

ص: 160


1- شرح نهج البلاغة : 1 / 307 و 308 خطبة 22.
2- شرح نهج البلاغة : 1 / 307 و 308 خطبة 22.
3- شرح نهج البلاغة : 1 / 311 خطبة 22.

وأنّهما لم یَریا حرجاً فی إراقة دمه ، وقد استباحا عندئذ ما یحرم ارتکابه فی المسلمین إلاّ أن یکون مهدور الدم بسبب من الأسباب الموجبة لذلک ، فلم یترکاه حتی أودیا به ، وکان لطلحة هنالک مواقف مشهودة ، فمنع عنه الماء الذی هو شرع سواء بین المسلمین ، وأنّه لم یردّ علی عثمان لمّا سلّم علیه ومن الواجب شرعاً ردّ السلام علی کلّ مسلم ، وقد منع عن دفنه ثلاثاً فی مقابر المسلمین ، وقد أوجبت الشریعة الإسلامیّة المبادرة إلی دفن المسلم ، وقد أمر برمی الجنازة ورمی من یتولّی تجهیزها بالحجارة والمسلم حرمته میتاً کحرمته حیّا ، فلم یرض طلحة بالأخیر إلاّ دفنه فی مقبرة الیهود حشّ کوکب. وهل لهذه الأعمال وجه بعد حفظ کرامة صحبتهما؟ والقول بعدالة الصحابة کلّهم؟ وقبول ما ورد فی الرجلین أنّهما من العشرة المبشّرة؟ إلاّ أن یُقال : إنّهما کانا یریان القتیل خارجاً عن حوزة المسلمین ؛ وإلاّ لردعتهما الصحبة والعدالة والبشارة عن ارتکاب تلکم الأعمال فی أیّ من ساقة المسلمین فضلاً عن خلیفتهم.

ونحن فی هذا المقام نقف موقف المحاید ، ولسنا هاهنا إلاّ فی صدد بیان آراء الصحابة الأوّلین فی عثمان ، وما أفضناه من رأیهما کان معروفاً عنهما فی وقتهما ، ولم یزل کذلک فی الأجیال المتأخّرة عنهما حتی العصر الحاضر ، إن کانت الآراء تُؤخذ من المصادر الوثیقة ، وکانت حرّة غیر مشوبة بحکم العاطفة ، نزهة عن المیول والشهوات.

وأمّا ما أظهراه من التوبة بعد أن نکثا البیعة الصحیحة المشروعة فقد قدّمنا وجهها فی (ص 101) فی طلحة ویشارکه فی ذلک الزبیر أیضاً. فقد قفّیا الحوبة بالحوبة لا بالتوبة حسبا - إن کانا یصدقان - أنّها تمحو السیّئة ، بل الحوبة الأخیرة أعظم عند الله ، فقد أراقا بها من الصفّین فی واقعة الجمل دماءً تعدّ بالآلاف بریئة من دم عثمان.

وهتکا حرمة رسول الله بإخراج حشیّة من حشایاه من خدرها ، وقد

ص: 161

نهی صلی الله علیه وآله وسلم نساءه عن ذلک ، وأوقفاها فی محتشد العساکر وجبهة القتال الدامی ، وقصدا قتل إمام الوقت المفترض طاعته الواجب حفظه ، (یَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَیْسَ فِی قُلُوبِهِمْ) (1) (وَاللهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِیطٌ) (2).

- 7 -

حدیث عبد الله بن مسعود

الصحابیّ البدریّ العظیم

مرّ فی هذا الجزء (ص 3 - 6) شطر من أحادیثه المعربة عن رأیه السدید فی عثمان وعمّا کان حاملاً بین جنبیه من الموجدة علیه ، وأنّه کان من الناقمین علیه یعیبه ویقدح فیه ، أفسد علیه العراق بذکر محدثاته ، وأخذه عثمان بذلک أخذاً شدیداً وحبسه وهجره ومنعه عطاءه سنین وأمر به وأُخرج من مسجد رسول الله إخراجاً عنیفاً ، وضرب به الأرض فدقّ ضلعه وضربه أربعین سوطاً.

وکان ابن مسعود علی اعتقاده السیّئ فی الرجل مغاضباً له حتی لفظ نفسه الأخیر وأوصی أن لا یصلّی علیه ، وفی الفتنة الکبری (3) (ص 171) : روی أنّ ابن مسعود کان یستحلّ دم عثمان أیّام کان فی الکوفة ، وهو کان یخطب الناس ، فیقول : إنّ شرّ الأُمور محدثاتها ، وکلّ محدث بدعة ، وکلّ بدعة ضلالة ، وکلّ ضلالة فی النار (4). یعرّض فی ذلک بعثمان وعامله الولید. انتهی.

هذا رأی ذلک الصحابیّ العظیم فی الرجل ، فبأیّ تمحّل یتأتّی للباحث تقدیس ف)

ص: 162


1- آل عمران : 167.
2- البروج : 20.
3- المجموعة الکاملة لمؤلفات طه حسین : مج 4 / 366.
4- راجع : ص 3 من هذا الجزء : (المؤلف)

عثمان بعد ما یستحلّ دمه أو یشدّد النکیر علیه ویراه صاحب محدثات وبدع مثل ابن مسعود أشبه الناس هدیاً ودلاّ وسمتاً بمحمد نبیّ العظمة صلی الله علیه وآله وسلم؟

- 8 -

حدیث عمّار بن یاسر

البدریّ العظیم الممدوح بالکتاب والسنّة

1 - من خطبة لعمّار خطبها یوم صفّین قال :

انهضوا معی عباد الله إلی قوم یزعمون أنّهم یطلبون بدم ظالم ، إنّما قتله الصالحون المنکرون للعدوان ، الآمرون بالإحسان ، فقال هؤلاء الذین لا یبالون إذا سلمت لهم دنیاهم ولو درس هذا الدین : لم قتلتموه؟ فقلنا : لإحداثه ، فقالوا : إنّه لم یُحدِث شیئاً ، وذلک لأنّه مکّنهم من الدنیا ، فهم یأکلونها ویرعونها ، ولا یبالون لو انهدمت الجبال ، والله ما أظنّهم یطلبون بدم ، ولکن القوم ذاقوا الدنیا فاستحلَوْها واستمرءوها ، وعلموا أنّ صاحب الحقّ لو ولیهم لحال بینهم وبین ما یأکلون ویرعون منها. إنّ القوم لم یکن لهم سابقة فی الإسلام یستحقّون بها الطاعة والولایة ، فخدعوا أتباعهم بأن قالوا : قتل إمامنا مظلوماً لیکونوا بذلک جبابرة وملوکاً ، تلک مکیدة قد بلغوا بها ما ترون ، ولولاها ما تابعهم من الناس رجل. إلخ.

وفی لفظ نصر بن مزاحم فی کتاب صفّین : امضوا معی عباد الله إلی قوم یطلبون فیما یزعمون بدم الظالم لنفسه ، الحاکم علی عباد الله بغیر ما فی کتاب الله ، إنّما قتله الصالحون المنکرون للعدوان ... إلی آخره ، وله لفظ آخر یأتی بعید هذا.

وفی لفظ الطبری فی تاریخه : أیّها الناس اقصدوا بنا نحو هؤلاء الذین یبغون دم

ص: 163

ابن عفّان ، ویزعمون أنّه قتل مظلوماً.

راجع (1) : کتاب صفّین لابن مزاحم طبع مصر (ص 361 ، 369) ، تاریخ الطبری (7 / 21) ، الکامل لابن الأثیر (3 / 123) ، شرح ابن أبی الحدید (1 / 504) ، تاریخ ابن کثیر (7 / 266) ، جمهرة الخطب (1 / 81).

2 - خطب معاویة یوم وفد إلیه وفد (2) بعثه إلیه أمیر المؤمنین علیه السلام فقال :

أمّا بعد ؛ فإنّکم دعوتم إلی الطاعة والجماعة ، فأمّا الجماعة التی دعوتم إلیها فمعنا هی ، وأمّا الطاعة لصاحبکم فإنّا لا نراها ، إنّ صاحبکم قتل خلیفتنا ، وفرّق جماعتنا ، وآوی ثأرنا وقتلتنا ، وصاحبکم یزعم أنّه لم یقتله ، فنحن لا نردّ ذلک علیه ، أرأیتم قتلة صاحبنا؟ ألستم تعلمون أنّهم أصحاب صاحبکم؟ فلیدفعهم إلینا فلنقتلهم به ، ثمّ نحن نجیبکم إلی الطاعة والجماعة.

فقال له شبث بن ربعی : أیسرّک یا معاویة أنّک أُمکنت من عمّار تقتله؟ وفی لفظ ابن کثیر : لو تمکّنت من عمّار أکنت قاتله بعثمان؟ فقال معاویة : وما یمنعنی من ذلک؟ والله لو أُمکنت (3) من ابن سمیّة ما قتلته بعثمان رضی الله عنه ، ولکن کنت قاتله بناتل مولی عثمان.

فقال شبث : وإله الأرض وإله السماء ما عدلت معتدلاً ، لا والذی لا إله إلاّ هو ، لا تصل إلی عمّار حتی تندر الهام عن کواهل الأقوام ، وتضیق الأرض الفضاء علیک برحبها. إلخ. ف)

ص: 164


1- وقعة صفین : ص 319 و 326 ، تاریخ الأُمم والملوک : 5 / 39 حوادث سنة 137 ه ، الکامل فی التاریخ : 2 / 380 حوادث سنة 37 ه ، شرح نهج البلاغة : 5 / 252 خطبة 65 ، البدایة والنهایة : 7 / 296 حوادث سنة 37 ه ، جمهرة خطب العرب : 1 / 357 خطبة 245.
2- کان فیه : عدیّ بن حاتم ، یزید بن قیس ، شبث بن ربعی ، زیاد بن حفصة. (المؤلف)
3- فی لفظ ابن مزاحم : لو أمکننی صاحبکم من ابن سمیّة. (المؤلف)

کتاب صفّین لابن مزاحم (ص 223) ، تاریخ الطبری (6 / 3) ، الکامل لابن الأثیر (3 / 124) ، شرح ابن أبی الحدید (1 / 344) ، تاریخ ابن کثیر (7 / 257) ، جمهرة الخطب (1 / 158) (1).

3 - أرسل أمیر المؤمنین ابنه الحسن وعمّار بن یاسر إلی الکوفة ، فلمّا قدماها کان أوّل من أتاهما مسروق بن الأجدع فسلّم علیهما ، وأقبل علی عمّار فقال : یا أبا الیقظان علام قتلتم عثمان رضی الله عنه؟ قال : علی شتم أعراضنا ، وضرب أبشارنا (2). فقال : والله ما عاقبتم بمثل ما عوقبتم به ، ولئن صبرتم لکان خیراً للصابرین.

فخرج أبو موسی ، فلقی الحسن فضمّه إلیه ، وأقبل علی عمّار فقال : یا أبا الیقظان أعدوت (3) فیمن عدا علی أمیر المؤمنین ، فأحللت نفسک مع الفجّار؟ قال : لم أفعل ولم یسؤنی ، فقطع علیهما الحسن ، فأقبل علی أبی موسی فقال : «یا أبا موسی لم تُثبّط الناس عنّا؟ فو الله ما أردنا إلاّ الإصلاح ، وما مثل أمیر المؤمنین یخاف علی شیء» ، فقال : صدقت بأبی أنت وأُمّی ، ولکن المستشار مؤتمن ، سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول : «إنّها ستکون فتنة القاعد فیها خیر من القائم ، والقائم خیر من الماشی ، والماشی خیر من الراکب» ، وقد جعلنا الله عزّ وجلّ إخواناً وحرّم علینا أموالنا ودماءنا وقال : (یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَأْکُلُوا أَمْوالَکُمْ بَیْنَکُمْ بِالْباطِلِ إِلاَّ أَنْ تَکُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْکُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَکُمْ إِنَّ اللهَ کانَ بِکُمْ رَحِیماً) (4) وقال عزّ وجلّ : 9.

ص: 165


1- وقعة صفّین : ص 198 ، تاریخ الأُمم والملوک : 5 / 6 حوادث سنة 37 ه ، الکامل فی التاریخ : 2 / 368 حوادث سنة 37 ه ، شرح نهج البلاغة : 4 / 21 خطبة 54 ، البدآیة والنهایة : 7 / 287 حوادث سنة 37 ه ، جمهرة خطب العرب : 1 / 333 خطبة 224.
2- أبشار جمع البشرة : أعلی جلدة الوجه والجسد من الإنسان. (المؤلف)
3- شرح ابن أبی الحدید : غدوت فیمن غدا. (المؤلف)
4- النساء : 29.

(وَمَنْ یَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ) (1) الآیة. فغضب عمّار وساءه ، وقام وقال : یا أیّها الناس إنّما قال رسول الله له خاصّة : «أنت فیها قاعداً خیر منک قائماً». وقام رجل من بنی تمیم فقال لعمّار : أُسکت أیّها العبد أنت أمس مع الغوغاء والیوم تسافه أمیرنا. وثار زید بن صوحان. الحدیث (2).

تاریخ الطبری (5 / 187) ، شرح ابن أبی الحدید (3 / 285) ، الکامل لابن الأثیر (3 / 97) (3).

4 - قال الباقلانی فی التمهید (ص 220) : روی أنّ عمّاراً کان یقول : عثمان کافر. وکان یقول بعد قتله : قتلنا عثمان یوم قتلناه کافراً. وهذا سرف عظیم من خرج إلی ما هو دونه استحقّ الأدب من الإمام. فلعلّ عثمان انتهره وأدّبه لکثرة قوله : قد خلعت عثمان وأنا بریء منه ، فأدّی الأدب إلی فتق أمعائه ، ولو أدّی الأدب إلی تلف النفس لم یکن بذلک مأثوماً ولا مستحقّا للخلع ، فإمّا أن یکون ضربه باطلاً ، وإمّا أن یکون صحیحاً فیکون ردعاً وتأدیباً ونهیاً عن الإغراق والسرف ، وذلک صواب من فعل عثمان وهفوة من عمّار.

قال الأمینی : هذه التمحّلات تضادّ ما صحّ وثبت عن النبیّ الأقدس فی عمّار ، ونحن لا یسعنا تکذیب النبیّ الصادق الأمین تحفّظاً علی کرامة أیّ ابن أُنثی فضلاً عن أن یکون من أبناء الشجرة المنعوتة فی القرآن.

5 - روی أبو مخنف ، عن موسی بن عبد الرحمن بن أبی لیلی ، عن أبیه ، قال : .

ص: 166


1- النساء : 93.
2- فی هذا الحدیث أشیاء موضوعة حذف بعضها ابن الأثیر فی الکامل وزاد فیه أیضاً ، وهو من مکاتبات السری وکلّها باطل فیها دجل. (المؤلف)
3- تاریخ الأُمم والملوک : 4 / 482 حوادث سنة 36 ه ، شرح نهج البلاغة : 14 / 19 خطبة 1 ، الکامل فی التاریخ : 2 / 327 حوادث سنة 36 ه.

أقبلنا مع الحسن وعمّار بن یاسر من ذی قار ، حتی نزلنا القادسیّة ، فنزل الحسن وعمّار ، ونزلنا معهما ، فاحتبی عمّار بحمائل سیفه ، ثمّ جعل یسأل الناس عن أهل الکوفة وعن حالهم ، ثمّ سمعته یقول : ما ترکت فی نفسی حزّة أهمّ إلیّ من ألاّ نکون نبشنا عثمان من قبره ثمّ أحرقناه بالنار.

شرح ابن أبی الحدید (1) (3 / 292).

6 - جاء فی محاورة وقعت بین عمّار بن یاسر وعمرو بن العاص ، فیما أخرجه نصر فی کتابه : قال له عمرو : فما تری فی قتل عثمان؟ قال : فتح لکم باب کلّ سوء. قال عمرو : فعلیٌّ قتله ، قال عمّار : بل الله ربّ علیٍّ قتله وعلیٌّ معه. قال عمرو : أکنت فیمن قتله؟ قال : کنت مع من قتله وأنا الیوم أُقاتل معهم. قال عمرو : فلِمَ قتلتموه؟ قال عمّار : أراد أن یغیّر دیننا فقتلناه. فقال عمرو : ألا تسمعون؟ قد اعترف بقتل عثمان. قال عمّار : وقد قالها فرعون قبلک لقومه ألا تستمعون؟ الحدیث.

کتاب صفّین لابن مزاحم (ص 384) ، شرح ابن أبی الحدید (2 / 273) (2)

7 - إنّ عمّار بن یاسر نادی یوم صفّین (3) : أین من یبغی رضوان ربّه ولا یئوب إلی مال ولا ولد؟ قال : فأتته عصابة من الناس ، فقال : أیّها الناس اقصدوا بنا نحو هؤلاء القوم الذین یبغون دم عثمان ویزعمون أنّه قتل مظلوماً ، والله إن کان إلاّ ظالماً لنفسه ، الحاکم بغیر ما أنزل الله.

کتاب صفّین (4) (ص 369). 6.

ص: 167


1- شرح نهج البلاغة : 14 / 11 خطبة 1.
2- وقعة صفّین : ص 338 ، شرح نهج البلاغة : 8 / 22 خطبة 124.
3- فی شرح ابن أبی الحدید : 2 / 269 [8 / 10 خطبة 124] : ناداه فی صفّین قبل مقتله بیوم أو یومین. (المؤلف)
4- وقعة صفّین : ص 326.

وفی الفتنة الکبری (1) (ص 171) : فقد روی أنّ عمّار بن یاسر کان یکفّر عثمان ویستحلّ دمه ویسمّیه نعثلاً.

قال الأمینی : هذا الصحابی البطل الذی عرفته فی صفحة (20 - 28) من هذا الجزء ؛ عمّار بن یاسر المعنیّ فی عدّة آیات کریمة من الذکر الحکیم ، ومصبّ الثناء البالغ المتکرّر المستفیض من صاحب الرسالة ، من ذلک : أنّه مُلئ إیماناً من قرنه إلی قدمه ، وأنّه مع الحقّ والحقّ معه یدور معه أینما دار ، وأنّه ما عُرض علیه أمران إلاّ أخذ بالأرشد منهما ، وأنّه من نفر تشتاق إلیهم الجنّة ، وأنّه جلدة بین عینیه صلی الله علیه وآله وسلم ، وأنّه تقتله الفئة الباغیة ، فمعتقد هذا الرجل العظیم ، وهو متلفّع بهاتیک الفضائل کلّها فی الخلیفة ما تراه یکرّره من أنّه کان ظالماً لنفسه ، حاکماً بغیر ما أنزل الله ، مریداً تغییر دین الله تغییراً أباح لهم قتله ، وأنّه قتله الصالحون ، المنکرون للعدوان ، الآمرون بالإحسان ، إلی ما لهذه من عقائد ترکته جازماً بما نطق به ، مصرّا علی ما ارتکبه ، معترفاً بأنّه کان مع المجهزین علیه ، متأسّفاً علی ما فاته من نبش قبره وإحراقه بالنار ، فلم یبرح کذلک حتی أخذ یقاتل الطالبین بثاره مع قاتلیه وخاذلیه ، مذعناً بأنّ الثائرین له مبطلون یجب قتالهم فلم یفتأ علی هذا المعتقد حتی قتلته الفئة الباغیة ، أصحاب معاویة ، وقاتله وسالبه وباغضه فی النار نصّا من النبیّ المختار صلی الله علیه وآله وسلم.

- 9 -

حدیث المقداد بن الأسود الکندی

فارس یوم بدر

قال الیعقوبی فی تاریخه (2) (2 / 140) فی بیعة عثمان واستخلافه : مال قوم مع علیّ ابن أبی طالب ، وتحاملوا فی القول علی عثمان ، فروی بعضهم قال : دخلت مسجد3.

ص: 168


1- المجموعة الکاملة لمؤلّفات طه حسین : مج 4 / 366.
2- تاریخ الیعقوبی : 2 / 163.

رسول الله ، فرأیت رجلاً جاثیاً علی رکبتیه یتلهّف تلهّف من کأنّ الدنیا کانت له فَسُلِبها ، وهو یقول : وا عجباً لقریش ، ودفعهم هذا الأمر علی (1) أهل بیت نبیّهم ، وفیهم أوّل المؤمنین ، وابن عمّ رسول الله ، أعلم الناس وأفقههم فی دین الله ، وأعظمهم عناءً فی الإسلام ، وأبصرهم بالطریق ، وأهداهم للصراط المستقیم ، والله لقد زووها عن الهادی المهتدی الطاهر النقیّ ، وما أرادوا إصلاحاً للأمّة ، ولا صواباً فی المذهب ، ولکنّهم آثروا الدنیا علی الآخرة ، فبعداً وسحقاً للقوم الظالمین.

فدنوت منه فقلت : من أنت یرحمک الله ، ومن هذا الرجل؟ فقال : أنا المقداد بن عمرو ، وهذا الرجل علیّ بن أبی طالب ، قال : فقلت : ألا تقوم بهذا الأمر فأعینک علیه؟ فقال : یا ابن أخی إنّ هذا الأمر لا یجزی فیه الرجل ولا الرجلان ، ثمّ خرجت ، فلقیت أبا ذر ، فذکرت له ذلک ، فقال : صدق أخی المقداد ، ثمّ أتیت عبد الله بن مسعود ، فذکرت ذلک له ، فقال : لقد أخبرنا فلم نألُ.

وذکر ابن عبد ربّه فی العقد (2) (2 / 260) فی حدیث بیعة عثمان : فقال عمّار بن یاسر - لعبد الرحمن - : إن أردت أن لا یختلف المسلمون فبایع علیّا ، فقال المقداد بن الأسود : صدق عمّار إن بایعت علیّا ، قلنا : سمعنا وأطعنا. قال ابن أبی سرح : إن أردت أن لا تختلف قریش فبایع عثمان ، إن بایعت عثمان سمعنا وأطعنا. فشتم عمّار بن أبی سرح وقال : متی کنت تنصح للمسلمین؟ فتکلّم بنو هاشم وبنو أُمیّة ، فقال عمّار : أیّها الناس إنّ الله أکرمنا بنبیّنا وأعزّنا بدینه ، فأنّی تُصرفون هذا الأمر عن بیت نبیّکم؟ فقال له رجل من بنی مخزوم : لقد عدوت طورک یا ابن سمیّة ، وما أنت وتأمیر قریش لأنفسها؟ فقال سعد بن أبی وقّاص : أفرغ قبل أن یفتتن الناس ، فلا تجعلنّ أیّها الرهط علی أنفسکم سبیلا ، ودعا علیّا فقال : علیک عهد الله ومیثاقه لتعملنّ بکتاب 0.

ص: 169


1- کذا فی المصدر.
2- العقد الفرید : 4 / 100.

الله وسنّة نبیّه وسیرة الخلیفتین من بعده ، قال : «أعمل بمبلغ علمی وطاقتی». ثمّ دعا عثمان ، فقال : علیک عهد الله ومیثاقه لتعملنّ بکتاب الله وسنّة نبیّه وسیرة الخلیفتین من بعده. فقال : نعم ، فبایعه. فقال علیّ «حبوته محاباة لیس ذا بأوّل یوم تظاهرتم فیه علینا ، أما والله ما ولّیت عثمان إلاّ لیردّ الأمر إلیک ، والله کلّ یوم هو فی شأن». فقال عبد الرحمن : یا علیّ لا تجعل علی نفسک سبیلاً ، فإنّی قد نظرت وشاورت الناس ، فإذا هم لا یعدلون بعثمان أحداً ، فخرج علیّ وهو یقول : «سیبلغ الکتاب أجله» ، قال المقداد : أما والله لقد ترکته من الذین یقضون بالحقّ وبه یعدلون ، فقال : یا مقداد والله لقد اجتهدت للمسلیمن. قال : لئن کنت أردت بذلک الله فأثابک الله ثواب المحسنین. ثمّ قال المقداد : ما رأیت مثل ما أوتی أهل هذا البیت بعد نبیّهم ، ولا أقضی منهم بالعدل ، ولا أعرف بالحقّ ، أما والله لو أجد أعواناً. قال له عبد الرحمن : یا مقداد اتّق الله فإنّی أخشی علیک الفتنة.

وأخرج (1) الطبری نحوه فی تاریخه (5 / 37) ، وذکره ابن الأثیر فی الکامل (3 / 29 ، 30) ، وابن أبی الحدید فی شرح النهج (1 / 65).

وفی لفظ المسعودی فی المروج (2) (1 / 440) : فقام عمّار فی المسجد فقال : یا معشر قریش أمّا إذا صرفتم هذا الأمر عن أهل بیت نبیّکم هاهنا مرّة وهاهنا مرّة فما أنا بآمن أن ینزعه الله [منکم] فیضعه فی غیرکم کما نزعتموه من أهله ووضعتموه فی غیر أهله. وقام المقداد فقال : ما رأیت مثل ما أوذی به أهل هذا البیت بعد نبیّهم. فقال له عبد الرحمن بن عوف : وما أنت وذاک یا مقداد بن عمرو؟ فقال : إنّی والله لأُحبّهم بحبّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وإنّ الحقّ معهم وفیهم ، یا عبد الرحمن أعجب من ه.

ص: 170


1- تاریخ الأُمم والملوک : 4 / 232 حوادث سنة 23 ه ، الکامل فی التاریخ : 2 / 223 حوادث سنة 23 ، شرح نهج البلاغة : 1 / 193 خطبة 3.
2- مروج الذهب : 2 / 360. وما بین المعقوفین منه.

قریش - وإنّما تطوّلهم علی الناس بفضل أهل هذا البیت - قد اجتمعوا علی نزع سلطان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بعده من أیدیهم ، أما وایم الله یا عبد الرحمن لو أجد علی قریش أنصاراً لقاتلتهم کقتالی إیّاهم مع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یوم بدر. وجری بینهم من الکلام خطب طویل قد أتینا علی ذکره فی کتابنا أخبار الزمان فی أخبار الشوری والدار.

ومرّ فی هذا الجزء (ص 17) : أنّ المقداد أحد الجمع الذین کتبوا کتاباً عدّدوا فیه أحداث عثمان وخوّفوه ربّه وأعلموه أنّهم مواثبوه إن لم یقلع. راجع حدیث البلاذری (1) المذکور.

قال الأمینی : لعلّک تعرف المقداد ومبلغه من العظمة ، ومبوّأه من الدین ، ومثواه من الفضیلة. قال أبو عمر : کان من الفضلاء النجباء الکبار الخیار. هاجر الهجرتین وشهد بدراً والمشاهد کلّها ، أوّل من حارب فارساً فی الإسلام. کان فارساً یوم بدر ، ولم یثبت أنّه کان فیها علی فرس غیره ، وهو عند القوم أحد السبعة الذین أظهروا الإسلام ، وأحد النجباء الأربعة عشر وزراء رسول الله ورفقائه (2) سمّاه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أوّاباً ، کما فی حدیث أخرجه أبو عمر فی الاستیعاب.

وأنّی یسع للباحث أن یستکنه ما لهذا الصحابیّ العظیم من الفضائل ، أو یدرک شأوه وبین یدیه قول رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی الثناء علیه : «إنّ الله أمرنی بحبّ أربعة ، وأخبرنی أنّه یحبّهم : علیّ ، والمقداد ، وأبو ذر ، وسلمان» (3). ف)

ص: 171


1- أنساب الأشراف : 6 / 162.
2- مستدرک الحاکم : 3 / 348 ، 349 [3 / 391 ح 5484 و 392 ح 5487] ، الاستیعاب : 1 / 289 [القسم الرابع / 1481 رقم 2561] ، أُسد الغابة : 4 / 410 [5 / 251 رقم 5069] ، الإصابة : 3 / 455 [رقم 8183]. (المؤلف)
3- أخرجه الترمذی فی جامعه [5 / 594 ح 3718] ، وأبو عمر فی الاستیعاب : 1 / 290 [القسم الرابع / 1482 رقم 2561] ، وذکره ابن الأثیر فی أُسد الغابة : 4 / 410 [5 / 252 رقم 5069] ، وابن حجر فی الإصابة : 3 / 455 [رقم 8183]. (المؤلف)

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «إنّ الجنّة تشتاق إلی أربعة : علیّ ، وعمّار ، وسلمان ، والمقداد» ، أخرجه أبو نعیم فی حلیة الأولیاء (1 / 142).

فهذا الرجل الدینیّ الذی یحبّه الله ویأمر نبیّه صلی الله علیه وآله وسلم بحبّه کان ناقماً علی الخلیفة واجداً علی خلافته من أوّل یومه ، متلهّفاً علی استخلافه تلهّف من کأنّ الدنیا کانت له فَسُلبها ، وکان یُثبّط الناس ویُخذّلهم عنه ، ویری إمرته إمراً من الأمر (1) وإدّا ، یعتقدها ظلماً علی أهل بیت العصمة ، ویستنجد أعواناً یقاتل بهم مستخلفیه کقتاله إیّاهم یوم بدر ، هذا رأیه فی عثمان من یوم الشوری قبل بوائقه ، فکیف بعد ما شاهد منه من هنات وهنات؟

- 10 -

حدیث حجر بن عدی الکوفی

سلام الله علیه وعلی أصحابه

إنّ معاویة بن أبی سفیان لمّا ولّی المغیرة بن شعبة الکوفة فی جمادی سنة (41) دعاه فحمد الله وأثنی علیه ثمّ قال : أمّا بعد ؛ فإنّ لذی الحلم قبل الیوم ما تُقرَع العصا ، وقد قال المتلمّس (2) :

لذی الحلم قبل الیوم ما تُقرع العصا

وما عُلّم الإنسان إلاّ لیعلما

وقد یجزی عنک الحکیم بغیر التعلیم ، وقد أردت إیصاءک بأشیاء کثیرة فأنا تارکها اعتماداً علی بصرک بما یرضینی ، ویسعد سلطانی ، ویصلح به رعیّتی ، ولست تارکاً إیصاءک بخصلة : لا تتحمّ (3) عن شتم علیٍّ وذمّه ، والترحّم علی عثمان ع.

ص: 172


1- یقال : أمر إمر أی عجب منکر.
2- هو جریر بن عبد المسیح من بنی ضبیعة ، توجد ترجمته فی الشعر والشعراء لابن قتیبة : ص 52 [ص 99] ، وفی المؤتلف والمختلف : ص 71 ، 202 ، 207. (المؤلف)
3- کذا فی المصدر ، والصحیح ظاهراً : لا تتحامَ ، من التحامی وهو التهیّب والتورع.

والاستغفار له والعیب علی أصحاب علیٍّ والإقصاء لهم وترک الإسماع منهم ، وبإطراء شیعة عثمان رضوان الله علیه والإدناء لهم والاستماع منهم. فقال المغیرة : قد جرّبت وجُرّبت وعملت قبلک لغیرک فلم یُذمم بی دفع ولا رفع ولا وضع ، فستبلو فتحمد أو تذمّ. ثمّ قال : بل نحمد إن شاء الله.

فأقام المغیرة بالکوفة عاملاً لمعاویة سبع سنین وأشهراً لا یدع ذمّ علیّ والوقوع فیه ، والعیب لقتلة عثمان واللعن لهم ، والدعاء لعثمان بالرحمة والاستغفار له والتزکیة لأصحابه ، فکان حُجر بن عدی إذا سمع ذلک قال : بل إیّاکم فذمّم الله ولعن. ثمّ قام فقال : إنّ الله عزّ وجلّ یقول : (کُونُوا قَوَّامِینَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ) (1) ، وأنا أشهد أنّ من تذمّون وتعیّرون لأحقّ بالفضل ، وأنّ من تزکّون وتُطهرون أولی بالذمّ. فیقول له المغیرة : یا حجر لقد رُمی بسهمک إذ کنت أنا الوالی علیک ، یا حجر ویحک اتّق السلطان ، اتّق غضبه وسطوته ، فإنّ غضبة السلطان أحیاناً ممّا یهلک أمثالک کثیراً ، ثمّ یکفّ عنه ویصفح ، فلم یزل حتی کان فی آخر إمارته ، قام المغیرة فقال فی علیّ وعثمان کما کان یقول وکانت مقالته : اللهمّ ارحم عثمان بن عفّان وتجاوز عنه واجزه بأحسن عمله فإنّه عمل بکتابک واتّبع سنّة نبیّک صلی الله علیه وآله وسلم وجمع کلمتنا وحقن دماءنا وقُتل مظلوماً ، اللهمّ فارحم أنصاره وأولیاءه ومحبّیه والطالبین بدمه ، ویدعو علی قتلته. فقام حجر بن عدی فنعر نعرة بالمغیرة سمعها کلّ من کان فی المسجد وخارجاً منه وقال : إنّک لا تدری بمن تولّع من هرمک أیّها الإنسان ، مُر لنا بأرزاقنا وأُعطیاتنا فإنّک قد حبستها عنّا ولیس ذلک لک ، ولم یکن یطمع فی ذلک من کان قبلک ، وقد أصبحت بذمّ أمیر المؤمنین وتقریظ المجرمین. قال : فقام معه أکثر من ثلثی الناس یقولون : صدق والله حجر وبرّ ، مُر لنا بأرزاقنا وأعطیاتنا ، فإنّا لا ننتفع بقولک هذا ، ولا یجدی علینا شیئاً ، وأکثروا فی مثل هذا القول ونحوه. 5.

ص: 173


1- النساء : 135.

إلی أن هلک المغیرة سنة (51) ، فجمعت الکوفة والبصرة لزیاد بن أبی سفیان فأقبل حتی دخل القصر بالکوفة ثمّ صعد المنبر فخطب ثمّ ذکر عثمان وأصحابه فقرّظهم وذکر قتلته ولعنهم ، فقام حجر ففعل مثل الذی کان یفعل بالمغیرة.

قال محمد بن سیرین : خطب زیاد یوماً فی الجمعة فأطال الخطبة وأخّر الصلاة فقال له حجر بن عدی : الصلاة. فمضی فی خطبته ثمّ قال : الصلاة. فمضی فی خطبته ، فلمّا خشی حجر فوت الصلاة ضرب بیده إلی کفّ من الحصی وثار إلی الصلاة وثار الناس معه ، فلمّا رأی ذلک زیاد نزل فصلّی بالناس ، فلمّا فرغ من صلاته کتب إلی معاویة فی أمره وکثّر علیه فکتب إلیه معاویة : أن شدّه فی الحدید ثمّ احمله إلیّ ، فلمّا أن جاء کتاب معاویة أراد قوم حجر أن یمنعوه فقال : لا ، ولکن سمع وطاعة. فشُدّ فی الحدید ثمّ حُمل إلی معاویة [ثمّ] ساروا به وبأصحابه وهم :

1 - الأرقم بن عبد الله الکندی من بنی الأرقم.

2 - شریک بن شدّاد الحضرمی.

3 - صیفی بن فسیل الشیبانی.

4 - قبیصة بن ضبیعة بن حرملة العبسی.

5 - کریم بن عفیف الخثعمی من بنی عامر ثمّ من قحافة.

6 - عاصم بن عوف البجلی.

7 - ورقاء بن سمیّ البجلی.

8 - کدام بن حیّان العنزی.

9 - عبد الرحمن بن حسّان العنزی.

10 - محرز بن شهاب التمیمی من بنی منقر.

11 - عبد الله بن حویة السعدی من بنی تمیم.

وأتبعهم زیاد برجلین وهما : عتبة بن الأخنس السعدی ، وسعید بن نمران

ص: 174

الهمدانی ، فمضوا بهم حتی انتهوا إلی مرج عذراء - بینها وبین دمشق اثنا عشر میلاً - فحبسوا بها فجاء رسول معاویة إلیهم بتخلیة ستّة وبقتل ثمانیة ، فقال لهم رسول معاویة : إنّا قد أُمرنا أن نعرض علیکم البراءة من علیّ واللعن له فإن فعلتم ترکناکم ، وإن أبیتم قتلناکم ، وإنّ أمیر المؤمنین یزعم أنّ دماءکم قد حلّت له بشهادة أهل مصرکم علیکم غیر أنّه قد عفا عن ذلک ، فابرؤوا من هذا الرجل نخلّ سبیلکم ، قالوا : اللهمّ إنّا لسنا فاعلی ذلک. فأمر بقبورهم فحفرت وأُدنیت أکفانهم ، وقاموا اللیل کلّه یصلّون. فلمّا أصبحوا قال أصحاب معاویة : یا هؤلاء لقد رأیناکم البارحة قد أطلتم الصلاة وأحسنتم الدعاء فأخبرونا ما قولکم فی عثمان؟ قالوا : هو أوّل من جار فی الحکم وعمل بغیر الحقّ. فقال أصحاب معاویة : أمیر المؤمنین کان أعلم بکم. ثمّ قاموا إلیهم فقالوا : تبرءون من هذا الرجل؟ قالوا : بل نتولاّه ونتبرّأ ممّن تبرّأ منه. فأخذ کلّ رجل منهم رجلاً لیقتله وأقبلوا یقتلونهم واحداً واحداً حتی قتلوا ستّة وهم :

1 - حجر. 2 - شریک. 3 - صیفی. 4 - قبیصة. 5 - محرز. 6 - کدام.

أخذنا من القصّة ما یهمّنا ذکره. راجع (1) : الأغانی لأبی الفرج (16 / 2 - 11) ، تاریخ الطبری (6 / 141 - 160) ، تاریخ ابن عساکر (2 / 370 - 381) ، الکامل لابن الأثیر (3 / 202 - 210) ، تاریخ ابن کثیر (8 / 49 - 55).

قال الأمینی : هذه نظریّة الصحابیّ العظیم حجر وأصحابه العظماء الصلحاء الأخیار فی عثمان ، فکانوا یرونه أوّل من جار فی الحکم وعمل بغیر الحقّ ، وکان حجر یراه من المجرمین فیما جابه به المغیرة بالکوفة ، وقد بلغ هو وزملاؤه الأبرار من ذلک ه-

ص: 175


1- الأغانی 17/137 – 159 تاریخ الامم والملوک 5/253 – 285 حوادث سنة 51ه- تاریخ مدینة دمشق 8/21 - 27 وقم 588 وفی مختصر تاریخ دمشق 4/238 الکامل فی التاریخ 2/488 حوادث سنة 51 ه- البدایة والنهایة 8/54 - 59 حوادث سنة 51 ه-

حدّا استساغوا القتل دون ما یرونه ، وأبوا أن یتحوّلوا عن عقائدهم ، وبرز الذین کُتب علیهم القتل إلی مضاجعهم ، فاستمرؤوا جُرع الموت فی سبیلها زعافاً ممقراً.

- 11 -

حدیث عبد الرحمن بن حسّان العنزی الکوفی

لمّا قُتل حجر بن عدی سلام الله علیه وخمسة من أصحابه رضوان الله علیهم ، قال عبد الرحمن بن حسّان وکریم بن عفیف الخثعمی - وکانا من أصحاب حجر - : ابعثوا بنا إلی أمیر المؤمنین ، فنحن نقول فی هذا الرجل مثل مقالته. فبعثوا إلی معاویة فأخبروه ، فبعث : ائتونی بهما. فالتفتا إلی حجر ، فقال له العنزی : لا تبعد یا حجر ولا یبعد مثواک ، فنعم أخو الإسلام کنت. وقال الخثعمی نحو ذلک ، ثمّ مضی بهما فالتفت العنزی ، فقال متمثّلاً :

کفی بشفاة القبر بُعداً لهالک

وبالموت قطّاعاً لحبلِ القرائن

فلمّا دخل علیه الخثعمی قال له : الله الله یا معاویة إنّک منقول من هذه الدار الزائلة إلی الدار الآخرة الدائمة ، ومسؤول عمّ أردت بقتلنا وفیم سفکت دماءنا. فقال : ما تقول فی علیّ؟ قال : أقول فیه قولک ، أتتبرّأ من دین علیّ الذی کان یدین الله به؟ وقام شمر بن عبد الله الخثعمی فاستوهبه ، فقال : هو لک ، غیر أنّی حابسه شهراً ، فحبسه ، ثمّ أطلقه علی أن لا یدخل الکوفة ما دام له سلطان ، فنزل الموصل فکان ینتظر موت معاویة لیعود إلی الکوفة ، فمات قبل معاویة بشهر.

وأقبل علی عبد الرحمن بن حسّان ، فقال له : یا أخا ربیعة ما تقول فی علیّ؟ قال : أشهد أنّه من الذاکرین الله کثیراً والآمرین بالمعروف والناهین عن المنکر

ص: 176

والعافین عن الناس. قال : فما تقول فی عثمان؟ قال : هو أوّل من فتح أبواب الظلم ، وأرتج أبواب الحقّ. قال : قتلت نفسک. قال : بل إیّاک قتلت ، لا ربیعة بالوادی - یعنی أنّه لیس ثمّ أحد من قومه فیتکلّم فیه - فبعث به معاویة إلی زیاد ، وکتب إلیه : إنّ هذا شرّ من بعثت به ، فعاقبه بالعقوبة التی هو أهلها ، واقتله شرّ قتلة. فلمّا قدم به علی زیاد بعث به إلی قُسّ الناطف (1) ، فدفنه حیّا.

الأغانی لأبی الفرج (16 / 10) ، تاریخ الطبری (6 / 155) ، تاریخ ابن عساکر (2 / 379) ، الکامل لابن الأثیر (3 / 209) (2).

قال الأمینی : أنظر إلی تصلّب الرجل الدینیّ فی معتقده فی حقّ الرجلین : علیّ أمیر المؤمنین ، وعثمان ، وکیف بلغ من ذلک حدّا استباح فیه أن یراق دمه دون أن یعدل عمّا عقد علیه ضمیره ، وأخبتت إلیه نفسه ، وکان یری من واجبه الإشادة بما ذکر وإن أُریق علیه دمه الطاهر ، وأُسیلت نفسه الزکیّة.

- 12 -

حدیث هاشم المرقال

خرج یوم صفّین - من عسکر معاویة - فتیً شابّ وهو یقول :

أنا ابن أرباب الملوک غسّانْ

والدائنُ الیومَ بدینِ عثمانْ

أنبأنا أقوامنا بما کانْ

أنَّ علیاً قَتَل ابن عفّانْ.

ص: 177


1- هو موضع قریب من الکوفة علی شاطئ الفرات الشرقی. معجم البلدان : 4 / 349.
2- الأغانی : 17 / 156 ، تاریخ الأُمم والملوک : 5 / 276 حوادث سنة 51 ه ، تاریخ مدینة دمشق : 8 / 26 - 27 رقم 588 ، وفی تهذیب تاریخ دمشق : 2 / 382 - 383 ، الکامل فی التاریخ : 2 / 498 حوادث سنة 51 ه.

ثمّ شدّ فلا ینثنی یضرب بسیفه ، ثمّ جعل یلعن علیّا ویشتمه ویسهب فی ذمّه ، فقال له هاشم بن عتبة : إنّ هذا الکلام بعده الخصام ، وإن هذا القتال بعده الحساب. فاتّق الله فإنّک راجع إلی ربّک فسائلک عن هذا الموقف وما أردت به ، قال : فإنّی أقاتلکم لأنّ صاحبکم لا یصلّی کما ذُکر لی ، وأنّکم لا تصلّون ، وأُقاتلکم أنّ صاحبکم قتل خلیفتنا وأنتم وازرتموه علی قتله. فقال له هاشم : وما أنت وابن عفّان؟ إنّما قتله أصحاب محمد وقرّاء الناس حین أحدث أحداثاً وخالف حکم الکتاب ، وأصحاب محمد هم أصحاب الدین ، وأولی بالنظر فی أُمور المسلمین ، وما أظنّ أنّ أمر هذه الأُمّة ولا أمر هذا الدین عناک طرفة عین قطّ. قال الفتی : أجل أجل والله لا أکذب فإنّ الکذب یضرّ ولا ینفع ، ویشین ولا یزین. فقال له هاشم : إنّ هذا الأمر لا علم لک به فخلّه وأهل العلم به ، قال : أظنّک والله قد نصحتنی ، وقال له هاشم : وأمّا قولک : إنّ صاحبنا لا یصلّی ، فهو أوّل من صلّی مع رسول الله ، وأفقهه فی دین الله ، وأولاه برسول الله ، وأمّا من تری معه فکلّهم قارئ الکتاب ، لا ینامون اللیل تهجّداً ، فلا یغررک عن دینک الأشقیاء المغرورون. قال الفتی : یا عبد الله إنّی لأظنّک امرأً صالحاً ، وأظنّنی مخطئاً آثماً ، أخبرنی هل تجد لی من توبة؟ قال : نعم ، تب إلی الله یتب علیک ؛ فإنّه یقبل التوبة عن عباده ویعفو عن السیئات ، ویحبّ التوّابین ویحبّ المتطهّرین. الحدیث (1).

قال الأمینی : هذا هاشم المرقال الصحابیّ المقدّس ، وبطل الدین العظیم ، وهذا رأیه فی عثمان وهو یبوح به فی موقف قتال حصل من جرّاء قتله ، مبرّراً فیه عمل المجهزین علیه ، ویری أنّه خالف حکم الکتاب وأحدث أحداثاً أباحت لأصحاب محمد صلی الله علیه وآله وسلم قتله وأنّ من قتله هم أهل الدین والقرآن.ف)

ص: 178


1- کتاب صفّین لابن مزاحم طبعة مصر : ص 402 [ص 354] ، تاریخ الطبری : 6 / 23 [5 / 43 حوادث سنة 37 ه] ، شرح ابن أبی الحدید : 2 / 278 [8 / 35 خطبة 124] ، الکامل لابن الأثیر : 3 / 135 [2 / 384 حوادث سنة 37 ه]. (المؤلف)

- 13 -

حدیث جهجاه بن سعید الغفاری

ممّن بایع تحت الشجرة (1)

ورد من طریق أبی حبیبة أنّه قال : خطب عثمان الناس ، فقام إلیه جهجاه الغفاری : فصاح : یا عثمان ألا إنّ هذه شارف (2) قد جئنا بها ، علیها عباءة وجامعة ، فانزل فلندرّعک العباءة ، ولنطرحک فی الجامعة ولنحملک علی الشارف ، ثمّ نطرحک فی جبل الدخان. فقال عثمان : قبّحک الله وقبّح ما جئت به. قال أبو حبیبة : ولم یکن ذلک منه إلاّ عن ملأً من الناس ، وقام إلی عثمان خیرته وشیعته من بنی أُمیّة فحملوه فأدخلوه الدار.

وجاء من طریق عبد الرحمن بن حاطب قال : أنا أنظر إلی عثمان یخطب علی عصا النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم التی کان [یخطب] (3) علیها وأبو بکر وعمر ، فقال له جهجاه : قم یا نعثل فانزل عن هذا المنبر. وأخذ العصا فکسرها علی رکبته الیمنی ، فدخلت شظیّة منها فیها ، فبقی الجرح حتی أصابته الأکلة فرأیتها تدود ، فنزل عثمان وحملوه وأمر بالعصا فشدّوها فکانت مضبّبة ، فما خرج بعد ذلک الیوم إلاّ خرجة أو خرجتین حتی حُصر فقتل.

وفی لفظ البلاذری : خطب عثمان فی بعض أیّامه فقال له جهجاه بن سعید الغفاری : یا عثمان انزل ندرّعک عباءة ونحملک علی شارف من الإبل إلی جبل الدخان کما سیّرت خیار الناس ، فقال له عثمان : قبّحک الله وقبّح ما جئت به ، وکان جهجاه متغیّظاً علی عثمان ، فلمّا کان یوم الدار دخل علیه ومعه عصاً کان النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم یتخصّر ی.

ص: 179


1- الاستیعاب : [القسم الأوّل / 268 رقم 352] ، أُسد الغابة : [1 / 365 رقم 818] ، الإصابة : [1 / 253 رقم 1245]. (المؤلف)
2- الشارف من النوق : المسنّة الهرمة.
3- من تاریخ الطبری.

بها فکسرها علی رکبته فوقعت فیها الأکلة.

راجع (1) : الأنساب للبلاذری (5 / 47) ، تاریخ الطبری (5 / 114) ، الاستیعاب فی ترجمة جهجاه ، الکامل لابن الأثیر (3 / 70) ، شرح ابن أبی الحدید (1 / 165) ، الریاض النضرة (2 / 123) ، تاریخ ابن کثیر (7 / 175) ، الإصابة (1 / 253) ، تاریخ الخمیس (2 / 260).

قال الأمینی : جهجاه من أهل بیعة الشجرة الذین رضی الله عنهم ورضوا عنه بنصّ الذکر الحکیم وهو یستبیح خلع عثمان ونفیه وتشهیره ملفوفاً بعباءة مکبّلاً بالحدید إلی جبل الدخان ، ولا یتحرّج من هتکه وکسر مخصرته ، وإنّما قال ما قاله وفعل ما فعل بمحضر من المهاجرین والأنصار ، فلم یؤاخذه علی ذلک أحد منهم ولا ردّ علیه رادّ ، فکأنّه کان یُخبر عن صمیم أفئدتهم ، وأظهر ما أضمروه ، وجاء بما أحبّوه حتی قضی ما کان مقتضیاً.

إنّ حدوث الجرح فی رکبة جهجاه لولوج شیء من کسرات العصا فیها المتحوّل أُکلة إن صحّ فمن ولائد الاتفاق ولیس بکرامة للقتیل ، کما أنّ وقوع عبد الله ابن أبی ربیعة المخزومی والی عثمان علی الیمن من مرکبه وموته وقد جاء لنصرة عثمان لم یکن نقمة ولا نکبة له. قال أبو عمر وغیره : جاء عبد الله المخزومی لینصره لمّا حُصر فسقط عن راحلته بقرب مکة فمات (2).

وقال البلاذری فی الأنساب (3) (5 / 87) : أقبل عبد الله المخزومی وکان عامله7.

ص: 180


1- أنساب الأشراف : 6 / 160 ، تاریخ الأُمم والملوک : 4 / 366 حوادث سنة 35 ه ، الاستیعاب : القسم الأوّل / 269 رقم 352 ، الکامل فی التاریخ : 2 / 287 حوادث سنة 35 ه ، شرح نهج البلاغة : 2 / 149 خطبة 3 ، الریاض النضرة : 3 / 55 ، البدایة والنهایة : 7 / 197 حوادث سنة 35 ه.
2- الاستیعاب : 1 / 351 [القسم الثالث / 897 رقم 1528] ، أُسد الغابة : 3 / 155 [3 / 233 رقم 2937] ، الإصابة : 2 / 305 [رقم 4671]. (المؤلف)
3- أنساب الأشراف : 6 / 207.

علی مخالیف الجند لینصره ، فلمّا انتهی إلی بطن نخلة سقط عن راحلته فانکسرت رجله فانصرف إلی أهله.

- 14 -

حدیث سهل بن حنیف أبی ثابت الأنصاری (بدریّ)

- 15 -

حدیث رفاعة بن رافع بن مالک أبی معاذ الأنصاری (بدریّ)

- 16 -

حدیث الحجّاج بن غزیّة الأنصاری

قال البلاذری فی الأنساب (1) (5 / 78) : قال أبو مخنف فی روایته : إنّ زید بن ثابت الأنصاری قال : یا معشر الأنصار إنّکم نصرتم الله ونبیّه فانصروا خلیفته. فأجابه قوم منهم ، فقال سهل بن حنیف : یا زید أشبعک عثمان من عضدان المدینة - والعضیدة نخلة قصیرة ینال حملها - فقال زید : لا تقتلوا الشیخ ودعوه حتی یموت فما أقرب أجله. فقال الحجّاج بن غزیّة الأنصاری أحد بنی النجّار : والله لو لم یبقَ من عمره إلاّ بین الظهر والعصر لتقرّبنا إلی الله بدمه.

وجاء رفاعة بن مالک الأنصاری ثمّ الزرقی بنار فی حطب ، فأشعلها فی أحد البابین فاحترق وسقط ، وفتح الناس الباب الآخر واقتحموا الدار.

وفی لفظ للبلاذری (2) (ص 90) : قال زید للأنصار : إنّکم نصرتم رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فکنتم أنصار الله فانصروا خلیفته تکونوا أنصاراً لله مرّتین. فقال الحجّاج بن غزیّة : والله إن تدری هذه البقرة الصیحاء ما تقول ، والله لو لم یبقَ من أجله إلاّ ما بین العصر إلی اللیل لتقرّبنا إلی الله بدمه. 1.

ص: 181


1- أنساب الأشراف : 6 / 197.
2- أنساب الأشراف : 6 / 211.

وقال ابن حجر فی الإصابة (1 / 313) : روی للحجّاج بن غزیّة أصحاب السنن حدیثاً صرّح بسماعه فیه من النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فی الحجّ ، قال ابن المدینی : هو الذی ضرب مروان یوم الدار حتی سقط (1).

قال الأمینی : نظریّة هؤلاء الثلاثة لیست بأقلّ صراحة من نظریّات إخوانهم المهاجرین والأنصار فی استباحة دم الخلیفة ، وإزالته عن منصّة الملک الإسلامی الدینی.

- 17 -

حدیث أبی أیوب الأنصاری

من السابقین من جلّة الصحابة البدریّین

قال فی خطبة له : إنّ أمیر المؤمنین - أکرمه الله - قد أسمع من کانت له أُذن واعیة ، وقلب حفیظ ، إنّ الله قد أکرمکم به کرامة ما قبلتموها حقّ قبولها ، حیث نزل بین أظهرکم ابن عمّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، وخیر المسلمین وأفضلهم وسیّدهم بعده ، یفقّهکم فی الدین ویدعوکم إلی جهاد المحلّین ، فو الله لکأنّکم صمٌّ لا تسمعون ، وقلوبکم غلف مطبوع علیها فلا تستجیبون. عباد الله ألیس إنّما عهدکم بالجور والعدوان أمس؟ وقد شمل العباد ، وشاع فی الإسلام ، فذو حقّ محروم مشتوم عرضه ، ومضروب ظهره ، وملطوم وجهه ، وموطوء بطنه ، ومُلقیً بالعراء ، فلمّا جاءکم أمیر المؤمنین صدع بالحقّ ، ونشر العدل ، وعمل بالکتاب ، فاشکروا نعمة الله علیکم ولا تتولّوا مجرمین ، ولا تکونوا کالذین قالوا : سمعنا وهم لا یسمعون ، اشحذوا السیوف ، وجدّدوا آلة الحرب ، واستعدّوا للجهاد ، فإذا دعیتم فأجیبوا ، وإذا أُمرتم فأطیعوا ، تکونوا بذلک من الصادقین.

الإمامة والسیاسة (1 / 112) فی طبع ، وفی آخر (ص 128) ، جمهرة الخطب ف)

ص: 182


1- سیوافیک حدیث ضربه مروان. (المؤلف)

(1 / 236) (1).

قال الأمینی : هذا أبو أیّوب الأنصاری ، عظیم الصحابة الذی اختار الله داره منزلاً لرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم من بین الأنصار ، وحسبه ذلک شرفاً ، وهو من البدریّین ، وشهد المغازی کلّها ، وقد دعا له رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لمّا أخذ شیئاً من کریمته الشریفة بقوله : «لا یصیبک السوء یا أبا أیّوب» (2) ، وهذا یعمّ الأسواء الظاهرة من قتلٍ بهوان ، وأسر وسجن فی مذلّة ، وأمراض مخزیة من جذام وبرص وغیرهما واختلال فی العقل ، والأسواء المعنویّة من تزحزح عن الإیمان وتضعضع فی العقیدة ، وانحیاز عن الدین ، فهو رضوان الله علیه مکلوء عن هذه کلّها بتلک الدعوة المجابة ، وهو مع فضله هذا یعدّ عهد عثمان عهد جور وعدوان ، ویعدّد ما حدث هنالک من البوائق النازلة علی صلحاء الأُمّة کأبی ذر وعمّار وابن مسعود وغیرهم ممّا مرّ تفصیله ، ولو لم یکن إلاّ شهادة أبی أیّوب لکفت حجّة فی کلّ مهمّة ، فکیف وقد صافقه علی ما یقول سروات المهاجرین والأنصار؟

- 18 -

حدیث قیس بن سعد بن عبادة الأنصاری

سید الخزرج ، (بدری)

1 - من خطبة له خطبها بمصر ، فی أخذ البیعة لأمیر المؤمنین علیّ صلوات الله علیه ، قال : الحمد لله الذی جاء بالحقّ ، وأمات الباطل ، وکبت الظالمین. أیّها الناس ؛ إنّا قد بایعنا خیر من نعلم بعد محمد نبیّنا ، صلی الله علیه وآله وسلم فقوموا أیّها الناس فبایعوا علی کتاب الله وسنّة رسوله صلی الله علیه وآله وسلم.

تاریخ الطبری (5 / 228) ، الکامل لابن الأثیر (3 / 115) ، شرح ابن أبی 8.

ص: 183


1- الإمامة والسیاسة : 1 / 131 ، جمهرة خطب العرب : 1 / 423 خطبة 321.
2- کنز العمّال : 3 / 614 ح 37568.

الحدید (2 / 23) (1).

2 - من کتاب لمعاویة إلی قیس بن سعد قبل وقعة صفّین : أمّا بعد ؛ فإنّکم إن کنتم نقمتم علی عثمان بن عفّان رضی الله عنه فی أثرة رأیتموها ، أو ضربة سوط ضربها ، أو شتیمة رجل ، أو فی تسییره آخر ، أو فی استعماله الفُتی ، فإنّکم قد علمتم إن کنتم تعلمون أنّ دمه لم یکن یحلّ لکم ، فقد رکبتم عظیماً من الأمر وجئتم شیئاً إدّا ، فتب إلی الله عزّ وجلّ یا قیس بن سعد! فإنّک کنت فی المجلبین علی عثمان بن عفّان رضی الله عنه إن کانت التوبة من قتل المؤمن تغنی شیئاً.

فأمّا صاحبک فإنّا استیقنّا أنّه الذی أغری به الناس ، وحملهم علی قتله حتی قتلوه ، وأنّه لم یسلم من دمه عظم قومک ، فإن استطعت یا قیس أن تکون ممّن یطلب بدم عثمان فافعل ، تابعنا علی أمرنا ولک سلطان العراقین إذا ظهرت ما بقیت ، ولمن أحببت من أهل بیتک سلطان الحجاز ما دام لی سلطان ، وسلنی غیر هذا ممّا تحبّ فإنّک لا تسألنی شیئاً إلاّ أُوتیته ، واکتب إلیّ برأیک فیما کتبت به إلیک. والسلام.

فکتب إلیه قیس :

أمّا بعد ؛ فقد بلغنی کتابک ، وفهمت ما ذکرت فیه من قتل عثمان رضی الله عنه ، وذلک أمر لم أُقارفه ولم أطف به. وذکرت صاحبی هو أغری الناس بعثمان ، ودسّهم إلیه حتی قتلوه ، وهذا لم أطّلع علیه ، وذکرت عظم عشیرتی لم تسلم من دم عثمان ، فأوّل الناس کان فیه قیاماً عشیرتی. إلخ.

وفی لفظ : فلعمری إنّ أولی الناس فی أمره عشیرتی. فلعمری إنّ أوّل الناس کان فیه قیاماً عشیرتی ولهم أُسوة. 7.

ص: 184


1- تاریخ الأُمم والملوک : 4 / 549 حوادث سنة 36 ه ، الکامل فی التاریخ : 2 / 354 حوادث سنة 36 ه ، شرح نهج البلاغة : 6 / 59 خطبة 67.

تاریخ الطبری (5 / 227) ، کامل ابن الأثیر (3 / 116) ، شرح ابن أبی الحدید (2 / 23) ، النجوم الزاهرة (1 / 99) ، جمهرة الرسائل (1 / 524) (1).

3 - تحاور قیس بن سعد والنعمان بن بشیر بین الصفَّین بصفّین ، فقال النعمان : یا قیس بن سعد أما أنصفکم من دعاکم إلی ما رضی لنفسه؟ إنّکم یا معشر الأنصار أخطأتم فی خذل عثمان یوم الدار ، وقتلکم أنصاره یوم الجمل ، وإقحامکم علی أهل الشام بصفّین ، فلو کنتم إذ خذلتم عثمان خذلتم علیّا کان هذا بهذا ، ولکنّکم خذلتم حقّا ، ونصرتم باطلاً ، ثم لم ترضوا أن تکونوا کالناس ، شعلتم الحرب ، ودعوتم إلی البراز ، فقد والله وجدتم رجال الحرب من أهل الشام سراعاً إلی برازکم ، غیر أنکاس عن حربکم ... الکلام.

فضحک قیس وقال : والله ما کنت أراک یا نعمان تجترئ علی هذا المقام ، أمّا المنصف المُحقّ فلا ینصح أخاه من غشّ نفسه ، وأنت والله الغاشّ لنفسه ، المبطل فیما نصح غیره.

أمّا ذکر عثمان فإن کان الإیجاز یکفیک فخذه : قتل عثمان من لست خیراً منه ، وخذله من هو خیر منک ، وأمّا أصحاب الجمل فقاتلناهم علی النکث ، وأمّا معاویة فلو اجتمعت العرب علی بیعته لقاتلتهم الأنصار ، وأمّا قولک : إنّا لسنا کالناس ، فنحن فی هذه الحرب کما کنّا مع رسول الله ، نلقی السیوف بوجوهنا والرماح بنحورنا ، حتی جاء الحقّ وظهر أمر الله وهم کارهون. ولکن انظر یا نعمان هل تری مع معاویة إلاّ طلیقاً أعرابیّا ، أو یمانیّا مستدرجاً؟ وانظر أین المهاجرون والأنصار والتابعون بإحسان ، الذین رضی الله عنهم ورضوا عنه؟ ثمّ انظر هل تری مع معاویة غیرک وصویحبک (2)؟ ف)

ص: 185


1- تاریخ الأُمم والملوک : 4 / 550 حوادث سنة 36 ه ، الکامل فی التاریخ : 2 / 355 حوادث سنة 36 ه ، شرح نهج البلاغة : 6 / 60 خطبة 67.
2- یعنی به عمرو بن العاص. (المؤلف)

ولستما والله بدریّین ولا عقبیّین (1) ولا لکما سابقة فی الإسلام ولا آیة فی القرآن.

کتاب صفّین لابن مزاحم (ص 511) ، الإمامة والسیاسة (1 / 94) ، وفی طبعة (ص 83) ، شرح ابن أبی الحدید (2 / 298) ، جمهرة الخطب (1 / 190) (2).

4 - قدم المدینة قیس بن سعد ، فجاءه حسّان بن ثابت شامتاً به ، وکان حسّان عثمانیّا ، فقال له : نزعک علیّ بن أبی طالب وقد قتلت عثمان ، فبقی علیک الإثم ، ولم یحسن لک الشکر. فقال له قیس : یا أعمی القلب والبصر ، والله لو لا أن ألقی بین رهطی ورهطک حرباً لضربت عنقک ، أُخرج عنّی.

تاریخ الطبری (5 / 231) ، شرح ابن أبی الحدید (2 / 25) (3).

قال الأمینی : إنّ فتی الأنصار وأمیر الخزرج وابن أمیرها قیس بن سعد الذی تقدّمت فضائله وفواضله فی الجزء الثانی (ص 69 - 110) ؛ تراه یتبجّح فی کتابه إلی معاویة بأنّ عشیرته الأنصار کانوا أوّل الناس قیاماً فی دم عثمان ، وفی خطبته یری أنّ الحقّ المحیی مع مولانا أمیر المؤمنین ، وأنّ الباطل الذی أُمیت کان فی العهد البائد بقتل عثمان ، وأنّ المقتولین فی واقعة الدار هم الظالمون ، وأعطف علی هذه کلّها محاورته مع النعمان بن بشیر بصفّین ، فالکلّ لهجة واحدة من رئیّ فی الدین والدنیا واحد.

- 19 -

حدیث فروة بن عمرو بن ودقة البیاضی الأنصاری (بدریّ)

أخرج مالک فی الموطّأ حدیثه فی باب العمل فی القراءة ، وسکت عن اسمه ولم 7.

ص: 186


1- یعنی ممّن بایعوه صلی الله علیه وآله وسلم فی العقبة. (المؤلف)
2- وقعة صفّین : ص 448 ، الإمامة والسیاسة : 1 / 97 ، شرح نهج البلاغة : 8 / 87 خطبة 124 ، جمهرة خطب العرب : 1 / 366 - 367 خطبة 255 - 256.
3- تاریخ الأُمم والملوک : 4 / 555 حوادث سنة 36 ه ، شرح نهج البلاغة : 6 / 64 خطبة 67.

یسمّه ، بل ذکره بلقبه البیاضی. وقال ابن وضاح (1) وابن مزین (2) : إنّما سکت مالک عن اسمه ، لأنّه کان ممّن أعان علی قتل عثمان.

وعقّبه أبو عمر فی الاستیعاب فقال : هذا لا یُعرف ولا وجه لما قالاه فی ذلک ولم یکن لقائل هذا علم بما کان من الأنصار یوم الدار.

الاستیعاب ترجمة فروة ، أُسد الغابة (4 / 179) ، الإصابة (3 / 204) ، شرح الموطّأ للزرقانی (1 / 152) (3).

قال الأمینی : الذی یشهد ببطلان ما قالاه أنّ ما حسبوه جریمة من فروة إن کان مسقطاً لعدالته فالإخراج عنه باطل سمّاه أو لم یسمّه ، وإن کان غیر مسقط لها فهو مشمول لما عمّ الصحابة عند القوم من الفضل والعدالة ، وإنّ روایته حجّة یُؤخذ بها ولا یضرّه إذن إلغاء الاسم ، ثمّ إن کانت هذه الجریمة ممّا یُؤاخذ به صاحبه فهی عامّة للأنصار کلّهم کما أوعز إلیه أبو عمر بقوله : لم یکن لقائل هذا علم بما کان من الأنصار یوم الدار. فیجب إسقاط روایاتهم أو السکوت عن أسمائهم جمعاء. وبالجملة : أنّ هذا الأنصاریّ البدریّ عُدّ ممّن أعان علی قتل عثمان ، ولم یشذّ فی رأیه عن الأنصار أو عن بقیّة الصحابة أجمع.

- 20 -

حدیث محمد بن عمرو بن حزم أبی سلیمان الأنصاری

أحد المحامدة الذین سمّاهم رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم محمداً. قال أبو عمر فی الاستیعاب (4)9.

ص: 187


1- أبو عبد الله محمد بن الحسین بن علیّ بن الوضاح الأنباری المتوفّی : 345. (المؤلف)
2- کذا فی الاستیعاب وأُسد الغابة وشرح الموطّأ للزرقانی ، وفی الإصابة : ابن سیرین. (المؤلف)
3- الاستیعاب : القسم الثالث / 1260 رقم 2074 ، أُسد الغابة : 4 / 357 رقم 4213 ، شرح موطّأ مالک : 1 / 167 ح 174.
4- الاستیعاب : القسم الثالث / 1375 رقم 2339.

فی ترجمته : یقال : إنّه کان أشدّ الناس علی عثمان المحمّدون : محمد بن أبی بکر ، محمد ابن أبی حذیفة ، محمد بن عمرو بن حزم.

- 21 -

حدیث جابر بن عبد الله أبی عبد الله الأنصاریّ

الصحابیّ العظیم وقوم آخرین من الصحابة

لمّا فرغ الحجّاج من أمر ابن الزبیر کنس المسجد الحرام من الحجارة والدم وأتته ولایة مکة والمدینة ، وکان عبد الملک حین بعثه لقتال عبد الله بن الزبیر عقد له علی مکة ولکنّه أحبّ تجدید ولایته إیّاها ، فشخص الحجّاج إلی المدینة ، واستخلف علی مکة عبد الرحمن بن نافع بن عبد الحارث الخزاعی ، فلمّا قدم المدینة أقام بها شهراً أو شهرین فأساء إلی أهلها واستخفّ بهم وقال : إنّهم قتلة أمیر المؤمنین عثمان ، وختم ید جابر بن عبد الله برصاص وأیدی قوم آخرین کما یُفعل بالذمّة ، منهم : أنس بن مالک ختم عنقه ، وأرسل إلی سهل بن سعد فدعاه فقال : ما منعک أن تنصر أمیر المؤمنین عثمان بن عفّان؟ قال : قد فعلت. قال : کذبت. ثمّ أمر به فختم فی عنقه برصاص.

أنساب البلاذری (5 / 373) ، تاریخ الطبری (7 / 206) ، الکامل لابن الأثیر (4 / 149) (1).

قال الأمینی : تُعطی هذه الروایة أنّ مؤاخذة الحجّاج لبقیّة الصحابة وفیهم جابر - صاحب الحلقة فی مسجد النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم یُؤخذ منه العلم کما فی الإصابة (1 / 213) - کانت لتدخّلهم فی واقعة عثمان بمباشرة أو تخذیل عنه أو بتقاعد .

ص: 188


1- أنساب الأشراف : 7 / 134 ، تاریخ الأُمم والملوک : 6 / 195 حوادث سنة 74 ه ، الکامل فی التاریخ : 3 / 74 حوادث سنة 73 ه.

عن نصرته ، نحن لا نقول بوثاقة الرجل فیما یرویه کما لا نقول بسداده فیما یرتئیه ، غیر أنّ الحالة تشهد أنّ تلکم النسبة کانت مشهورة بین الملأ فاحتجّ بها الحجّاج علی ما ارتکبه من إهانتهم ولم یظهر من القوم أیّ إنکار لما رُموا به ردءاً لعادیة الطاغیة ، لکنّهم صبروا علی البلاء وشدّة النازلة ثباتاً منهم علی ما ارتکبوه فی واقعة الدار.

- 22 -

حدیث جبلة بن عمرو بن ساعدة الساعدی الأنصاری (بدریّ)

أخرج الطبری من طریق عثمان بن الشرید قال ؛ مرّ عثمان علی جبلة بن عمرو الساعدی وهو بفناء داره ومعه جامعة ، فقال : یا نعثل والله لأقتلنّک ولأحملنّک علی قلوص جرباء ، ولأخرجنّک إلی حرّة النار ، ثمّ جاءه مرّة أخری وعثمان علی المنبر فأنزله عنه.

وأخرج من طریق عامر بن سعد ؛ قال : کان أوّل من اجترأ علی عثمان بالمنطق السیّئ جبلة بن عمرو الساعدی ، مرّ به عثمان وهو جالس فی ندیّ قومه ، وفی ید جبلة بن عمرو جامعة ، فلمّا مرّ عثمان سلّم ، فردّ القوم ، فقال جبلة : لم تردّون علی رجل فعل کذا وکذا؟ قال : ثمّ أقبل علی عثمان فقال : والله لأطرحنّ هذه الجامعة فی عنقک أو لتترکنّ بطانتک هذه. قال عثمان : أیّ بطانة؟ فو الله إنّی لأَتخیّر الناس. فقال : مروان تخیّرته! ومعاویة تخیّرته! وعبد الله بن عامر بن کریز تخیّرته! وعبد الله بن سعد تخیّرته! منهم من نزل القرآن بذمّه وأباح رسول الله دمه (1) قال : فانصرف عثمان ، فما زال الناس مجترئین علیه إلی هذا الیوم. ف)

ص: 189


1- هو عبد الله بن سعد ، راجع ما أسلفناه فی : 8 / 280. (المؤلف)

تاریخ الطبری (5 / 114) ، الکامل لابن الأثیر (3 / 70) ، تاریخ ابن کثیر (7 / 176) شرح ابن أبی الحدید (1 / 165) (1).

وأخرج البلاذری فی الأنساب (2) (5 / 47) الحدیث الأوّل باللفظ المذکور فقال : ثمّ أتاه وهو علی المنبر فأنزله ، وکان أوّل من اجترأ علی عثمان وتجهّمه بالمنطق الغلیظ وأتاه یوماً بجامعة فقال : والله لأطرحنّها فی عنقک ، أو لتترکنّ بطانتک هذه ، أطعمت الحارث بن الحکم السوق وفعلت وفعلت ، وکان عثمان ولّی الحارث السوق فکان یشتری الجَلَب (3) بحکمه ویبیعه بسومه ، ویجبی مقاعد المتسوّقین ، ویصنع صنیعاً منکراً ، فکلّم فی إخراج السوق من یده فلم یفعل.

وقیل لجبلة فی أمر عثمان وسُئل الکفّ عنه ، فقال : والله لا ألقی الله غداً فأقول : إنّا أطعنا سادتنا وکبراءنا فأضلّونا السبیل.

وأخرج ابن شبّة فی أخبار المدینة (4) من طریق عبد الرحمن بن أزهر : أنّهم لمّا أرادوا دفن عثمان ، فانتهوا إلی البقیع ، فمنعهم من دفنه جبلة بن عمرو ، فانطلقوا إلی حشّ کوکب فدفنوه فیه (5).

قال الأمینی : إنّک جدّ علیم بما فی هذا الرجل المبجّل البدریّ الذی أثنی علیه أبو عمر فی الاستیعاب (6) بقوله : کان فاضلاً من فقهاء الصحابة. وهو أحد 7.

ص: 190


1- تاریخ الأُمم والملوک : 4 / 365 حوادث سنة 35 ه ، الکامل فی التاریخ : 2 / 287 حوادث سنة 35 ه ، البدایة والنهایة : 7 / 197 حوادث سنة 35 ه ، شرح نهج البلاغة : 2 / 149 خطبة 30.
2- أنساب الأشراف : 6 / 160.
3- الجَلَب : ما جُلِب من خیل وإبلٍ ومتاع.
4- تاریخ المدینة : 1 / 112 ، 4 / 1240.
5- الإصابة : 1 / 223 [رقم 1080]. (المؤلف)
6- الاستیعاب : القسم الأوّل / 236 رقم 317.

الصحابة العدول الذین یُحتجّ بما رووه أو رأوه من شدّة علی عثمان وثبات علیها ، حتی إنّه یعدّ المحایدة یومئذٍ من الضلال الذی یأمر به السادة والکبراء الضالّون ، ویهدّد عثمان ویرعد ویبرق وینهی عن ردّ السلام علیه الذی هو تحیّة المسلمین ، ومن الواجب شرعاً ردّها ، وینزله عن منبر الخطابة إنزالاً عنیفاً بین الملأ ، ثمّ لم یزل یستخفّ به ویهینه ولا تأخذه فیه هوادة حتی منعه عن الدفن فی البقیع ، فدفن فی حشّ کوکب مقابر الیهود ، وکلّ هذه لا تلتئم مع حسن ظنّه به فضلاً عن حسن عقیدته.

نعم ، إنّ جبلة فعل هذه الأفاعیل بین ظهرانی الملأ الدینی الصحابة العدول وهم بین متجمهر معه ، ومخذّل عن الخلیفة المقتول ، ومتثبّط عنه ، وراضٍ بما دارت علی الخلیفة من دائرة سوء ، ما خلا شذّاذاً من الأمویّین الذین وصفهم جبلة فی بیانه ، وقدّمنا نحن تفصیل ما نزل من القرآن فیهم فی الجزء الثامن (1) ، ولم تقم الجامعة الدینیّة لهم ولآرائهم وزناً.

- 23 -

حدیث محمد بن مسلمة أبی عبد الرحمن الأنصاری (بدریّ)

أخرج الطبری ؛ من طریق محمد بن مسلمة ، قال : خرجت فی نفر من قومی إلی المصریّین وکان رؤساؤهم أربعة : عبد الرحمن بن عدیس البلوی ، وسودان بن حمران المرادی ، وعمرو بن الحمِق الخزاعی ، وابن النباع (2) ، قال : فدخلت علیهم وهم فی خباء لهم أربعتهم ، ورأیت الناس لهم تبعاً ، قال : فعظّمت حقّ عثمان ، وما فی رقابهم من البیعة ، وخوّفتهم بالفتنة ، وأعلمتهم أنّ فی قتله اختلافاً وأمراً عظیماً ، فلا ف)

ص: 191


1- راجع صفحة : 247 - 249 ، 275 ، 318. (المؤلف)
2- کذا فی تاریخ الطبری وفیما حکی عنه ، والصحیح : ابن البیاع وهو عروة بن شُیَیم اللیثی. (المؤلف)

تکونوا أوّل من فتحه ، وأنّه ینزع عن هذه الخصال التی نقمتم منها علیه ، وأنا ضامن لذلک. قال القوم : فإن لم ینزع؟ قال : قلت : فأمرکم إلیکم. قال : فانصرف القوم وهم راضون ، فرجعت إلی عثمان ، فقلت : أَخلِنی. فأخلانی ، فقلت : الله الله یا عثمان فی نفسک ، إنّ هؤلاء القوم إنّما قدموا یریدون دمک وأنت تری خذلان أصحابک لک ، لا بل هم یقوّون عدوّک علیک ، قال : فأعطانی الرضا ، وجزّانی خیراً. قال : ثمّ خرجت من عنده فأقمت ما شاء الله أن أُقیم.

قال : وقد تکلّم عثمان برجوع المصریّین ، وذکر أنّهم جاءوا لأمر فبلغهم غیره فانصرفوا. فأردت أن آتیه فأُعنّفه ، ثمّ سکتّ فإذا قائل یقول : قد قدم المصریّون وهم بالسویداء (1) قال : قلت : أحقّ ما تقول؟ قال : نعم. قال : فأرسل إلیّ عثمان ، قال : وإذا الخبر قد جاءه ، وقد نزل القوم من ساعتهم ذا خُشب (2) فقال : یا أبا عبد الرحمن هؤلاء القوم قد رجعوا ، فما الرأی فیهم؟ قال : قلت : والله ما أدری ، إلاّ أنّی أظنّ أنّهم لم یرجعوا لخیر ، قال : فارجع إلیهم فارددهم ، قال : قلت : لا والله ما أنا بفاعل ، قال : ولم؟ قال : لأنّی ضمنت لهم أموراً تنزع عنها ، فلم تنزع عن حرف منها ، قال : فقال : الله المستعان.

قال : وخرجت وقدم القوم وحلّوا بالأسواف وحصروا عثمان. وجاءنی عبد الرحمن بن عدیس ومعه سودان بن حمران وصاحباه ، فقالوا : یا أبا عبد الرحمن ألم تعلم أنّک کلّمتنا ورددتنا وزعمت أنّ صاحبنا نازع عمّا نکره؟ فقلت : بلی ، فإذا هم یُخرجون إلیّ صحیفة صغیرة ، وإذا قصبة من رصاص ، فإذا هم یقولون : وجدنا جملاً من إبل الصدقة علیه غلام عثمان ، فأخذنا متاعه ففتّشناه ، فوجدنا فیه هذا الکتاب. الحدیث یأتی بتمامه (3). .

ص: 192


1- السویداء : موضع علی لیلتین من المدینة علی طریق الشام [معجم البلدان : 3 / 286]. (المؤلف)
2- وادٍ علی مسیرة لیلة من المدینة [معجم البلدان : 2 / 372]. (المؤلف)
3- تاریخ الأُمم والملوک : 4 / 372 حوادث سنة 35 ه ، الکامل فی التاریخ : 2 / 287 حوداث سنة 35 ه.

تاریخ الطبری (5 / 118) ، الکامل لابن الأثیر (3 / 70) (1).

قال الأمینی : إنّک تجد محمد بن مسلمة هاهنا لا یشک فی أنّ ما نقمه القوم علی الخلیفة موبقات یستحلّ بها هتک الحرمات ممّن ارتکبها ، لکنّه کره المناجزة وحاول الإصلاح حذار الفتنة المستتبعة لطامّات وهنابث ، وسعی سعیه فی ردّ القوم بضمانه عسی أن ینزع الخلیفة عمّا فرّط فی جنب الله ، وأن یکون ذلک توبة نصوحاً ، فلعلّ الفورة تهدأ ، ولهیب الثورة یخبأ ، لکنّه لمّا شاهد الفشل فی مسعاه ، وأخفق ظنّه بعثمان ، ورأی منه حنث الإلّ ، وعدم النزوع عن أحداثه ، ترکه والقوم ، فارتکبوا منه ما ارتکبوا ولم یجبه حینما استنصره ، ولم یُقم لطلبته وزناً ، ولم یرَ له حرمة یدافع بها عنه ، ولذلک خاشنه فی القول ، فکان ما کان مقضیّا.

- 24 -

حدیث ابن عباس

حبر الأُمّة ابن عمّ النبیّ الأعظم صلی الله علیه وآله وسلم

1 - أخرج أبو عمر فی الاستیعاب (2) ؛ فی ترجمة مولانا أمیر المؤمنین علیّ صلوات الله علیه من طریق طارق ، قال : جاء ناس إلی ابن عبّاس ، فقالوا : جئناک نسألک ، فقال : سلوا عمّا شئتم ، فقالوا : أیّ رجل کان أبو بکر؟ فقال : کان خیراً کلّه. أو قال : کالخیر کلّه ، علی حدّة کانت فیه. قالوا : فأیّ رجل کان عمر؟ قال : کان کالطائر الحذر الذی یظنّ أنّ له فی کلّ طریق شرکاً. قالوا : فأیّ رجل کان عثمان؟ قال : رجل ألهته نومته عن یقظته. قال : فأیّ رجل کان علیّ؟ قال : کان قد مُلئ جوفه حکماً وعلماً وبأساً ونجدةً مع قرابته من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وکان یظنّ أن لا یمدّ یده إلی 5.

ص: 193


1- راجع الصحائف 243 - 245.
2- الاستیعاب : القسم الثالث / 1129 رقم 1855.

شیء إلاّ ناله ، فما مدّ یده إلی شیء فناله.

2 - من کتاب لمعاویة إلی ابن عبّاس : لعمری لو قتلتک بعثمان رجوت أن یکون ذلک لله رضا ، وأن یکون رأیاً صواباً ، فإنّک من الساعین علیه ، والخاذلین له ، والسافکین دمه ، وما جری بینی وبینک صلح فیمنعک منّی ولا بیدک أمان (1).

فکتب إلیه ابن عبّاس جواباً طویلاً یقول فیه : وأمّا قولک : إنّی من الساعین علی عثمان والخاذلین له ، والسافکین له ، وما جری بینی وبینک صلح فیمنعک منّی ؛ فأقسم بالله لأنت المتربّص بقتله ، والمحبّ لهلاکه ، والحابس الناس قبلک عنه علی بصیرة من أمره ، ولقد أتاک کتابه وصریخه یستغیث بک ویستصرخ ، فما حفلت به ، حتی بعثت إلیه معذراً بأجرة ، أنت تعلم أنّهم لن یترکوه حتی یُقتل ، فقتل کما کنت أردت ، ثمّ علمت عند ذلک أنّ الناس لن یعدلوا بیننا وبینک ، فطفقت تنعی عثمان وتُلزمنا دمه ، وتقول قُتل مظلوماً ، فإن یک قُتل مظلوماً فأنت أظلم الظالمین ، ثمّ لم تزل مصوّباً ومصعّداً وجاثماً ورابضاً ، تستغوی الجهّال ، وتنازعنا حقّنا بالسفهاء ، حتی أدرکت ما طلبت (وَإِنْ أَدْرِی لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَکُمْ وَمَتاعٌ إِلی حِینٍ) (2).

قال الأمینی : إنّ حبر الأُمّة وإن لم یکن له أیّ تدخّل فی واقعة الدار ، وکان أمیر الحاجّ فی سنته تلک ، لکنّک تراه لا یشذّ عن الصحابة فی الرأی حول الخلیفة ، ولا یقیم له وزناً ، ولا یری له مکانة ، ومن أجل ذلک أعطی المقام حقّه فی جواب السائل عن الخلفاء ، غیر أنّه لم یصف عثمان إلاّ بما یُنبئ عن عدم کفاءته برقدته الطویلة الغاشیة علی یقظته ، وسباته العمیق الساتر لانتباهته ، ومن جرّاء ذلک الاعتقاد تجده لم یهتم 1.

ص: 194


1- شرح ابن أبی الحدید : 4 / 58 [16 / 154 کتاب رقم 37] قال : کتبه إلیه عند صلح الحسن علیه السلام یدعوه إلی بیعته. (المؤلف)
2- الأنبیاء : 111.

بشیء من أمره لمّا جاءه نافع بن طریف بکتاب (1) من الخلیفة یستنجد الحجیج ویستغیث بهم ، علی حین أنّه محصور ، فقرأه نافع علی الناس بینما کان ابن عبّاس یخطب ، فلمّا نجزت قراءته أتمّ خطبته من حیث أفضت إلیه ، ولم یلو إلی أمر عثمان وحصاره ، ولم ینبس فی أمره ببنت شفة ، وکان فی وسعه أن یستثیرهم لنصرته ، وهل ذلک کلّه لسوء رأی منه فی الخلیفة؟ أو لعدم الاهتمام فی أمره؟ أو لحسن ظنّه بالثائرین علیه؟ إخترما شئت ، ولعلّک تختار تحقّق الجمیع لدی ابن عبّاس ، وکأنّ عائشة شعرت منه ذلک ، فقالت یوم مرّ بها ابن عبّاس فی منزل من منازل الحجّ : یا ابن عبّاس إنّ الله قد آتاک عقلاً وفهماً وبیاناً فإیّاک أن تردّ الناس عن هذا الطاغیة (2).

ومن جرّاء رأیه الذائع الشائع کان یحذر معاویة ویخاف بطشه ، ولمّا قال له أمیر المؤمنین علیه السلام : «إذهب أنت إلی الشام فقد ولّیتکها». قال : إنّی أخشی من معاویة أن یقتلنی بعثمان ، أو یحبسنی لقرابتی منک ، ولکن اکتب معی إلی معاویة فمنّه وعِدْه. الحدیث (3).

وفی أثر ذلک الرأی کان یسکت عن لعن قتلة عثمان ، ولمّا کتب إلیه معاویة : أن اخرج إلی المسجد والعن قتله عثمان. أجاب بقوله : لعثمان ولد وخاصّة وقرابة ، هم أحقّ بلعنهم منّی ، فإن شاءوا أن یلعنوا فلیلعنوا ، وإن شاءوا أن یمسکوا فلیمسکوا (4). ف)

ص: 195


1- یأتی تفصیله فی هذا الجزء عند ذکر کتب عثمان إن شاء الله. (المؤلف)
2- راجع ما مرّ فی هذا الجزء من حدیث عائشة. (المؤلف)
3- تاریخ ابن کثیر : 7 / 228 [7 / 255 حوادث سنة 35 ه] ، الکامل لابن الأثیر : 3 / 83 [2 / 307 حوادث سنة 35 ه]. (المؤلف)
4- الإمامة والسیاسة لابن قتیبة : 1 / 148 [1 / 155]. (المؤلف)

- 25 -

حدیث عمرو بن العاصی

الذی عرّفناکه فی (2 / 120 - 176)

أخرج الطبری من طریق أبی عون مولی المسور ، قال : کان عمرو بن العاصی علی مصر عاملاً لعثمان فعزله عن الخراج ، واستعمله علی الصلاة ، واستعمل عبد الله ابن سعد علی الخراج ، ثمّ جمعهما لعبد الله بن سعد ، فلمّا قدم عمرو بن العاصی المدینة جعل یطعن علی عثمان ، فأرسل إلیه یوماً عثمان خالیاً به ، فقال : یا ابن النابغة ما أسرع ما قمل به جربّان جبّتک! إنّما عهدک بالعمل عاماً أوّل ، أتطعن علیّ وتأتینی بوجه وتذهب عنّی بآخر؟ والله لو لا أکلة ما فعلت ذلک. فقال عمرو : إنّ کثیراً ممّا یقول الناس وینقلون إلی ولاتهم باطل ، فاتّق الله یا أمیر المؤمنین فی رعیّتک ، فقال عثمان : والله لقد استعملتک علی ظلعک وکثرة القالة فیک ، فقال عمرو : قد کنت عاملاً لعمر بن الخطّاب ، ففارقنی وهو عنّی راضٍ ، فقال عثمان : وأنا والله لو آخذتک بما آخذک به عمر لاستقمت ولکنّی لنت علیک فاجترأت علیّ ، أمّا والله لأنا أعزّ منک نفراً فی الجاهلیّة ، وقبل أن ألی هذا السلطان ، فقال عمرو : دع عنک هذا ، فالحمد لله الذی أکرمنا بمحمد صلی الله علیه وآله وسلم وهدانا به ، قد رأیت العاصی بن وائل ورأیت أباک عفّان ؛ فو الله للعاصی کان أشرف من أبیک (1). فانکسر عثمان وقال : مالنا ولذکر الجاهلیّة.

وخرج عمرو ، ودخل مروان فقال : یا أمیر المؤمنین ، وقد بلغت مبلغاً یذکر عمرو بن العاصی أباک! فقال عثمان : دع هذا عنک ، من ذکر آباء الرجال ذکروا أباه.

قال : فخرج عمرو من عند عثمان وهو محتقد علیه ، یأتی علیّا مرّة فیؤلّبه علی ف)

ص: 196


1- لیت شعری ما مکانة عفّان من الشرف إن کان یفضل علیه العاصی الساقط الشرف بقوله تعالی : (إنَّ شَانِئَکَ هُوَ الأبتَر) کما مرّ تفصیله فی الجزء الثانی : ص 120. (المؤلف)

عثمان ، ویأتی الزبیر مرةً فیؤلّبه علی عثمان ویأتی طلحة مرّة فیؤلّبه علی عثمان ویعترض الحاج فیخبرهم بما أحدث عثمان ، فلمّا کان حصر عثمان الأوّل ؛ خرج من المدینة ، حتی انتهی إلی أرض له بفلسطین یقال لها : السبع ، فنزل فی قصر له یقال له : العجلان ، وهو یقول : العجب ما یأتینا عن ابن عفّان. قال : فبینا هو جالس فی قصره ذلک ، ومعه ابناه محمد وعبد الله ، وسلامة بن روح الجذامی إذ مرّ بهم راکب ، فناداه عمرو : من أین قدم الرجل؟ فقال : من المدینة ، قال : ما فعل الرجل؟ یعنی عثمان. قال : ترکته محصوراً شدید الحصار. قال عمرو : أنا أبو عبد الله ، قد یضرط العَیر والمکواة فی النار. فلم یبرح مجلسه ذلک حتی مرّ به راکب آخر ، فناداه عمرو. ما فعل الرجل؟ یعنی عثمان. قال : قتل. قال : أنا أبو عبد الله إذا حککت قرحة نکأتها ، إن کنت لأحرّض علیه حتی إنّی لأحرّض علیه الراعی فی غنمه فی رأس الجبل. فقال له سلامة بن روح : یا معشر قریش إنّه کان بینکم وبین العرب باب وثیق فکسرتموه ، فما حملکم علی ذلک؟ فقال : أردنا أن نخرج الحقّ من حافرة الباطل ، وأن یکون الناس فی الحقّ شرعاً سواء ، وکانت عند عمرو أُخت عثمان لأُمّه أُمّ کلثوم بنت عقبة بن أبی معیط ، ففارقها حین عزله (1).

2 - لمّا رکب علیّ ورکب معه ثلاثون رجلاً من المهاجرین والأنصار إلی أهل مصر فی أوّل مجیئهم المدینة ناقمین علی عثمان وردّهم عنه فانصرفوا راجعین ، رجع علیّ علیه السلام إلی عثمان وأخبره أنّهم قد رجعوا ، حتی إذا کان الغد جاء مروان عثمان فقال له : تکلّم وأعلم الناس أنّ أهل مصر قد رجعوا ، وأنّ ما بلغهم عن إمامهم کان ف)

ص: 197


1- تاریخ الطبری : 5 / 108 و 203 [4 / 356 حوادث سنة 35 ه و 558 حوادث سنة 36 ه] ، الأنساب للبلاذری : 5 / 74 [6 / 192] ، الإمامة والسیاسة : 1 / 42 [1 / 47] ، الاستیعاب ترجمة عبد الله بن سعد بن أبی سرح [القسم الثالث / 919 رقم 1553] ، شرح ابن أبی الحدید : 1 / 63 [2 / 144 خطبة 30] ، وأوعز إلیه ابن کثیر فی تاریخه : 7 / 170 [7 / 191 حوادث سنة 35 ه] بصورة مصغّرة جریاً علی عادته فیما لا یروقه. (المؤلف)

باطلاً ، فإنّ خطبتک تسیر فی البلاد قبل أن یتحلّب الناس علیک من أمصارهم فیأتیک من لا تستطیع دفعه. فأبی عثمان أن یخرج ، فلم یزل به مروان حتی خرج فجلس علی المنبر فحمد الله وأثنی علیه ثمّ قال : أما بعد : إنّ هؤلاء القوم من أهل مصر کان بلغهم عن إمامهم أمر فلمّا تیقّنوا أنّه باطل ما بلغهم عنه رجعوا إلی بلادهم (1). فناداه عمرو ابن العاصی من ناحیة المسجد : اتّق الله یا عثمان! فإنّک قد رکبت نهابیر (2) ورکبناها معک فتب إلی الله نتب ، فناداه عثمان وإنّک هناک یا ابن النابغة! قملت والله جبّتک منذ ترکتک من العمل ، فنودی من ناحیة أخری : تب إلی الله وأظهر التوبة یکفّ الناس عنک. فرفع عثمان یدیه مدّا واستقبل القبلة فقال : اللهمّ إنّی أوّل تائب تاب إلیک. ورجع إلی منزله ، وخرج عمرو بن العاصی حتی نزل منزله بفلسطین فکان یقول : والله إن کنت لألقی الراعی فأحرّضه علیه. وفی لفظ البلاذری : یا ابن النابغة وإنّک ممّن تؤلّب علیّ الطغام. وفی لفظ : قال عمرو : یا عثمان إنّک قد رکبت بهذه الأُمّة نهایة من الأمر وزغت فزاغوا فاعتدل أو اعتزل. وفی لفظ : رکبت بهذه الأمّة نهابیر من الأُمور فرکبوها منک ، وملت بهم فمالوا بک ، اعدل أو اعتزل.

تاریخ الطبری (5 / 110 ، 114) ، أنساب البلاذری (5 / 74) ، الاستیعاب ترجمة عثمان ، شرح ابن أبی الحدید (2 / 113) ، الکامل لابن الأثیر (3 / 68) ، الفائق للزمخشری (2 / 296) ، نهایة ابن الأثیر (4 / 196) ، تاریخ ابن کثیر (7 / 175) ، تاریخ ابن خلدون (2 / 396) ، لسان العرب (7 / 98) ، تاج العروس (3 / 592) (3). 9.

ص: 198


1- ما عذر الخلیفة فی هذا الکذب الفاحش علی منبر النبیّ الأعظم وهو بین یدی قبره الشریف ، لعلّه یعتذر بأنّ مروان حثّه علیه ولم یکن له منتدح من قبول أمره ، والملک عقیم. (المؤلف)
2- النهابیر والنهابر : المهالک ، الواحدة : نهبرة ونهبور. (المؤلف)
3- تاریخ الأُمم والملوک : 4 / 359 و 366 حوادث سنة 35 ه ، أنساب الأشراف : 6 / 192 ، الاستیعاب : القسم الثالث / 1041 رقم 1778 ، شرح نهج البلاغة : 2 / 143 خطبة 30 ، الکامل فی التاریخ : 2 / 283 حوادث سنة 35 ه ، الفائق : 4 / 35 ، النهایة : 5 / 134 ، البدایة والنهایة : 7 / 196 حوادث سنة 35 ه ، تاریخ ابن خلدون : 2 / 597 ، لسان العرب : 14 / 299.

3 - قال ابن قتیبة : ذکروا أنّ رجلاً من همدان یقال له برد قدم علی معاویة فسمع عمراً یقع فی علیّ ، فقال له : یا عمرو إنّ أشیاخنا سمعوا رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول : «من کنت مولاه فعلیّ مولاه» ، فحقّ ذلک أم باطل؟ فقال عمرو : حقّ ، وأنا أزیدک أنّه لیس أحد من صحابة رسول الله له مناقب مثل مناقب علیّ. ففزع الفتی ، فقال عمرو : إنّه أفسدها بأمره فی عثمان ، فقال برد : هل أمر أو قتل؟ قال : لا ، ولکنه آوی ومنع ، قال : فهل بایعه الناس علیها؟ قال : نعم. قال : فما أخرجک من بیعته؟ قال : اتّهامی إیّاه فی عثمان. قال له : وأنت أیضاً قد اتُّهمت. قال : صدقت ، فیها خرجت إلی فلسطین. فرجع الفتی إلی قومه فقال : إنّا أتینا قوماً أخذنا الحجّة علیهم من أفواههم ، علیٌّ علی الحقّ فاتّبعوه.

الإمامة والسیاسة (1) (1 / 93).

4 - أخرج الطبری فی تاریخه (2) (5 / 234) من طریق الواقدی ، قال : لمّا بلغ عمراً قتل عثمان رضی الله عنه قال : أنا أبو عبد الله ، قتلته وأنا بوادی السباع ، من یلی هذا الأمر من بعده؟ إن یله طلحة فهو فتی العرب سیباً ، وإن یله ابن أبی طالب فلا أراه إلاّ سیستنظف الحقّ ، وهو أکره من یلیه إلیّ.

5 - أسلفنا فی حدیث طویل فی الجزء الثانی (ص 133 - 136) من قول الإمام الحسن السبط الزکی لعمرو بن العاصی «وأمّا ما ذکرت من أمر عثمان فأنت سعّرت علیه الدنیا ناراً ثم لحقت بفلسطین ، فلمّا أتاک قتله قلت : أنا أبو عبد الله إذا نکأت - أی قشرت - قرحة أدمیتها ، ثمّ حبست نفسک إلی معاویة ، وبعت دینک بدنیاه ، فلسنا نلومک علی بغض ، ولا نعاتبک علی ودّ ، وبالله ما نصرت عثمان حیّا ، ولا غضبت له مقتولاً». 0.

ص: 199


1- الإمامة والسیاسة : 1 / 97.
2- تاریخ الأُمم والملوک : 4 / 560.

قال أبو عمر فی الاستیعاب (1) فی ترجمة عبد الله بن سعد بن أبی سرح : کان عمرو بن العاصی یطعن علی عثمان ویؤلّب علیه ویسعی فی إفساد أمره ، فلمّا بلغه قتل عثمان وکان معتزلاً بفلسطین قال : إنّی إذا نکأت قرحة أدمیتها ، أو نحو هذا.

وقال (2) فی ترجمة محمد بن أبی حذیفة : کان عمرو بن العاص مذ عزله عثمان عن مصر یعمل حیلة فی التألیب والطعن علی عثمان.

وفی الإصابة (3 / 381) : إنّ عثمان لمّا عزل عمرو بن العاص عن مصر قدم المدینة فجعل یطعن علی عثمان ، فبلغ عثمان فزجره ، فخرج إلی أرض له بفلسطین فأقام بها.

قال الأمینی : لعلّ ممّا یستغنی عن الإفاضة فیه مناوأة ابن العاصی لعثمان ورأیه فی سقوطه ، وتبجّحه بالتألیب علیه ، ومسرّته علی قتله ، وقوله بملء فمه : أنا أبو عبد الله قتلته وأنا بوادی السباع. وقوله : إنّی إذا نکأت قرحة أدمیتها. وهل الإحن بینهما استفحلت فتأثّرت بها نفسیّة ابن العاصی حتی أنّه اجتهد فأخطأ أو أنّه أصاب الحقّ ، فکان اجتهاده عن مقدّمات صحیحة مقطوعة عن الضغائن الثائرة ، معتضدة بآراء الصحابة ، وأیّا ما کان فهو عند القوم من أعاظم الصحابة العدول یری فی الخلیفة هذا الرأی!

- 26 -

حدیث عامر بن واثلة أبی الطفیل

الشیخ الکبیر الصحابی

قدم أبو الطفیل الشام یزور ابن أخٍ له من رجال معاویة ، فأخبر معاویة بقدومه ، فأرسل إلیه فأتاه وهو شیخ کبیر ، فلمّا دخل علیه قال له معاویة : أنت أبو 6.

ص: 200


1- الاستیعاب : القسم الثالث / 919 رقم 1553.
2- الاستیعاب : القسم الثالث ص 1369 رقم 2326.

الطفیل عامر بن واثلة؟ قال : نعم. قال معاویة : أکنت ممّن قتل عثمان أمیر المؤمنین؟ قال : لا ، ولکن ممّن شهده فلم ینصره. قال : ولم؟ قال : لم ینصره المهاجرون والأنصار. فقال معاویة أما والله إنّ نصرته کانت علیهم وعلیک حقّا واجباً وفرضاً لازماً ، فإذ ضیّعتموه فقد فعل الله بکم ما أنتم أهله ، وأصارکم إلی ما رأیتم. فقال أبو الطفیل : فما منعک یا أمیر المؤمنین إذ تربّصت به ریب المنون أن تنصره ومعک أهل الشام؟ قال معاویة : أوَما تری طلبی لدمه نصرة له؟ فضحک أبو الطفیل وقال : بلی ، ولکنّی وإیّاک (1) کما قال عبید بن الأبرص (2) :

لأعرفنّک بعد الموت تندبنی

وفی حیاتی ما زوّدتنی زادی

فدخل مروان بن الحکم وسعید بن العاص وعبد الرحمن بن الحکم ، فلمّا جلسوا نظر إلیهم معاویة ثمّ قال : أتعرفون هذا الشیخ؟ قالوا : لا. فقال معاویة : هذا خلیل علیّ بن أبی طالب ، وفارس صفّین ، وشاعر أهل العراق ، هذا أبو الطفیل. قال سعید بن العاص : قد عرفناه یا أمیر المؤمنین! فما یمنعک منه؟ وشتمه القوم ، فزجرهم معاویة وقال : مهلاً فربّ یوم ارتفع عن الأسباب قد ضقتم به ذرعاً ، ثمّ قال : أتعرف هؤلاء یا أبا الطفیل؟ قال : ما أُنکرهم من سوء ولا أعرفهم بخیر ، وأنشد شعراً :

فإن تکنِ العداوةُ قد أکنّت

فشرُّ عداوة المرء السبابُ

فقال معاویة : یا أبا الطفیل ما أبقی لک الدهر من حبّ علیّ؟ قال : حبّ أُم موسی ، وأشکو إلی الله التقصیر. فضحک معاویة وقال : ولکن والله هؤلاء الذین حولک لو سُئلِوا عنّی ما قالوا هذا. فقال مروان : أجل والله لا نقول الباطل.

الإمامة والسیاسة (1 / 158) ، مروج الذهب (2 / 62) ، تاریخ ابن عساکر 6.

ص: 201


1- کذا والصحیح کما فی مروج الذهب [3 / 26] : ولکنک وإیّاه. (المؤلف)
2- دیوان عَبِید بن الأبرص : ص 56.

(7 / 201) ، الاستیعاب فی الکنی ، تاریخ الخلفاء للسیوطی (ص 133) (1).

قال الأمینی : أتری هذا الشیخ الکبیر الصالح کیف یعترف بخذلانه عثمان؟ ویحکی مصافقته علی ذلک عن المهاجرین والأنصار الصحابة العدول ، غیر متندّم علی ما فرّط هنالک ، ولو کان یتحرّج هو ومن نقل عنهم موافقتهم له لردعتهم الصحبة والعدالة عمّا ارتکبوه من القتل والخذلان ، ولو کان لحقه وإیّاهم شیء من الندم لباح به وباحوا ، لکنّهم اعتقدوا أمراً فمضوا علی ضوئه ، وإنّهم کانوا علی بصیرة من أمرهم ، وما اعتراهم الندم إلی آخر نفس لفظوه.

- 27 -

حدیث سعد بن أبی وقّاص

أحد العشرة المبشّرة ، وأحد الستّة أصحاب الشوری

1 - روی ابن قتیبة فی الإمامة والسیاسة (2) (1 / 43) ، قال : کتب عمرو بن العاص إلی سعد بن أبی وقّاص یسأله عن قتل عثمان ومن قتله ومن تولّی کبره؟ فکتب إلیه سعد : إنّک سألتنی من قتل عثمان ، وإنّی أُخبرک أنّه قتل بسیف سلّته عائشة ، وصقله طلحة ، وسمّه ابن أبی طالب ، وسکت الزبیر وأشار بیده ، وأمسکنا نحن ، ولو شئنا دفعناه عنه ، ولکن عثمان غیّر وتغیّر وأحسن وأساء ، فإن کنّا أحسنّا ، فقد أحسنّا وإن کنّا أسأنا فنستغفر الله. الحدیث مرّ بتمامه (ص 83).

2 - عن أبی حبیبة ، قال : نظرت إلی سعد بن أبی وقّاص یوم قتل عثمان دخل علیه ثمّ خرج من عنده وهو یسترجع ممّا یری علی الباب ، فقال له مروان : الآن 8.

ص: 202


1- الإمامة والسیاسة : 1 / 165 ، مروج الذهب : 3 / 25 ، تاریخ مدینة دمشق 26 / 116 - 117 رقم 3064 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 11 / 293 ، الاستیعاب : القسم الرابع / 1697 رقم 3054 ، تاریخ الخلفاء : ص 186.
2- الإمامة والسیاسة : 1 / 48.

تندم؟ أنت أشعرته. فأسمع سعداً یقول : أستغفر الله لم أکن أظنّ الناس یجترءون هذه الجرأة ولا یطلبون دمه ، وقد دخلت علیه الآن فتکلّم بکلام لم تحضره أنت ولا أصحابک ، فنزع عن کلّ ما کُره منه ، وأعطی التوبة ، وقال : لا أتمادی فی الهلکة ، إنّ من تمادی فی الجور کان أبعد من الطریق ، فأنا أتوب وأنزع. فقال مروان : إن کنت ترید أن تذبّ عنه ، فعلیک بابن أبی طالب فإنّه متستّر وهو لا یُجبه.

فخرج سعد حتی أتی علیّا وهو بین القبر والمنبر ، فقال : یا أبا الحسن قم فداک أبی وأُمّی جئتک والله بخیر ما جاء به أحد قطّ إلی أحد ، تصل رحم ابن عمّک ، وتأخذ بالفضل علیه ، وتحقن دمه ، ویرجع الأمر علی ما نحبّ ، قد أعطی خلیفتک من نفسه الرضا. فقال علیّ : «تقبّل الله منه یا أبا إسحاق والله ما زلت أذبّ عنه حتی إنّی لأستحی ، ولکن مروان ومعاویة وعبد الله بن عامر وسعید بن العاص هم صنعوا به ما تری ، فإذا نصحته وأمرته أن ینحّیهم استغشّنی حتی جاء ما تری». قال : فبیناهم کذلک جاء محمد بن أبی بکر ، فسارّ علیّا ، فأخذ علیّ بیدی ، ونهض علیّ وهو یقول : «وأیّ خیر توبته هذه؟» فو الله ما بلغت داری حتی سمعت الهائعة أنّ عثمان قد قتل ، فلم نزل والله فی شرّ إلی یومنا هذا.

تاریخ الطبری (1) (5 / 121).

قال الأمینی : یتراءی للقارئ من هذه الجمل أنّ سعداً خذل الخلیفة علی حین أنّه مکثور لا یُراد به إلاّ القتل وهو علی علم منه أنّه مقتول لا محالة لما کان یری أنّه غیّر وتغیّر ، وغیر عازب عن سعد حینئذ حکم الشریعة بوجوب کلاءة النفس المحترمة للمتمکّن منها وهو یقول : وأمسکنا نحن ولو شئنا دفعناه عنه. حتی أنّه بعد هدوء الثورة غیر جازم بأنّه ارتکب حوباً فی خذلانه فیقول : إن کنّا أحسنّا فقد أحسنّا ، وإن کنّا أسأنا فنستغفر الله ، وعلی تقدیر کونه إساءة یراها من اللمم الممحوّ .

ص: 203


1- تاریخ الأُمم والملوک : 4 / 377 حوادث سنة 35 ه.

بالاستغفار ، ولعلّ الشقّ الأخیر من کلمته مجاملة مع عمرو بن العاصی لئلاّ یلحقه الطلب بدم عثمان ، ولذلک ألقی المسؤولیّة علی أُناس آخرین من علّیّة الأُمّة ذکرهم فی کتابه ، وعلیه فصمیم رأیه هو ما ارتکبه ساعة القتل من الخذلان.

- 28 -

حدیث مالک الأشتر بن الحارث

المترجم له فیما مرّ (ص 38 - 40)

ذکر البلاذری فی الأنساب (1) (5 / 46) : أنّ عثمان کتب إلی الأشتر وأصحابه مع عبد الرحمن بن أبی بکر ، والمسور بن مخرمة یدعوهم إلی الطاعة ویُعلمهم أنّهم أوّل من سنّ الفرقة ، ویأمرهم بتقوی الله ومراجعة الحقّ ، والکتاب إلیه بالذی یحبّون.

فکتب إلیه الأشتر :

من مالک بن الحارث إلی الخلیفة المبتلی الخاطئ الحائد عن سنّة نبیّه ، النابذ لحکم القرآن وراء ظهره :

أمّا بعد ؛ فقد قرأنا کتابک فانهَ نفسک وعمّالک عن الظلم والعدوان وتسییر الصالحین نسمح لک بطاعتنا ، وزعمت أنّا قد ظلمنا أنفسنا ، وذلک ظنّک الذی أرداک ، فأراک الجور عدلاً ، والباطل حقّا. وأمّا محبّتنا فإن تنزع وتتوب وتستغفر الله من تجنّیک علی خیارنا ، وتسییرک صلحاءنا ، وإخراجک إیّانا من دیارنا ، وتولیتک الأحداث علینا ، وأن تولّی مصرنا عبد الله بن قیس أبا موسی الأشعری وحذیفة فقد رضیناهما ، واحبس عنّا ولیدک وسعیدک ومن یدعوک إلیه الهوی من أهل بیتک إن شاء الله والسلام.

وخرج بکتابهم یزید بن قیس الأرحبی ، ومسروق بن الأجدع الهمدانی ، 9.

ص: 204


1- أنساب الأشراف : 6 / 159.

وعبد الله بن أبی سبرة الجعفی ، وعلقمة بن قیس أبو شبل النخعی ، وخارجة بن الصلت البرجمی فی آخرین. فلمّا قرأ عثمان الکتاب قال : اللهمّ إنّی تائب وکتب إلی أبی موسی وحذیفة : أنتما لأهل الکوفة رضیً ولنا ثقة ، فتولّیا أمرهم وقوما به بالحقّ غفر الله لنا ولکما. فتولّی أبو موسی وحذیفة الأمر ، وسکّن أبو موسی الناس ، وقال عتبة بن الوغل

تصدّق علینا یا ابن عفّان واحتسب

وأمّر علینا الأشعریّ لیالیا

فقال عثمان : نعم وشهوراً إن بقیت.

قال الأمینی : نظریّة مالک الذی عرفته صحیفة (38) فی عثمان صریحة واضحة لا تحتاج إلی تحلیل وتعلیل ، وإنّما أعطی من نفسه الرضا فی کتابه بشرط النزوع والتوبة ، لکنّه لمّا لم یجد للشرط وفاءً بل وجد منه إصراراً علی ما نقمه هو والصحابة کلّهم تنشّط للمخالفة ، وأجلب علیه خیلاً ورجلاً ، ولم یزل مشتدّا فی ذلک حتی بلغ ما أراد.

وسنوقفک علی حقیقة أمر الخلیفة من توبته بعد توبته فی المستقبل القریب إن شاء الله تعالی.

- 29 -

حدیث عبد الله بن عکیم

أخرج ابن سعد والبلاذری ؛ بإسنادهما عن عبد الله بن عکیم الجهنی - الصحابیّ - ، قال : لا أعین علی دم خلیفة أبداً بعد عثمان. فقیل له : یا أبا معبد وأعنت علی دمه؟ قال : إنّی أعدّ ذکر مساوئه إعانة علی دمه.

طبقات ابن سعد (3 / 56) ، الأنساب للبلاذری (5 / 101) (1).

قال الأمینی : هذا الحدیث صریح فی أنّ الرجل کان یعتقد فی عثمان مساوئ 6.

ص: 205


1- الطبقات الکبری : 6 / 115 ، أنساب الأشراف : 6 / 226.

ومثالب ، وقد اطمأنّ بثبوتها له ، فتحدّث بها فی الأندیة والمحاشد إعانة علی دمه ، فکان ذلک من موجبات قتله ، ولم یزل معترفاً به بعد أن أُسیلت نفسه وأریق دمه.

- 30 -

حدیث محمد بن أبی حذیفة

کان أبو القاسم محمد بن أبی حذیفة العبشمی من أشدّ الناس تألیباً علی عثمان ، وذکر البلاذری فی الأنساب قال : کان محمد بن أبی بکر بن أبی قحافة ، ومحمد بن أبی حذیفة ، خرجا إلی مصر عام مخرج عبد الله بن سعد بن أبی سرح إلیها ، فأظهر محمد ابن أبی حذیفة عیب عثمان والطعن علیه وقال : استعمل عثمان رجلاً أباح رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم دمه یوم الفتح ونزل القرآن بکفره حین قال : سأُنزل مثل ما أنزل الله (1).

وکانت غزاة ذات الصواری فی المحرّم سنة أربع وثلاثین وعلیها عبد الله بن سعد ، فصلّی بالناس فکبّر ابن أبی حذیفة تکبیرة أفزعه بها ، فقال : لو لا أنّک أحمق لقرّبت بین خطوک ، ولم یزل یبلغه عنه وعن ابن أبی بکر ما یکره ، وجعل ابن أبی حذیفة یقول : یا أهل مصر إنّا خلّفنا الغزو وراءنا ، یعنی غزو عثمان.

إنّ محمد بن أبی حذیفة ومحمد بن أبی بکر حین أکثر الناس فی أمر عثمان قدما مصر وعلیها عبد الله بن سعد بن أبی سرح ، ووافقا بمصر محمد بن طلحة بن عبید الله وهو مع عبد الله بن سعد ، وإنّ ابن أبی حذیفة شهد صلاة الصبح فی صبیحة اللیلة التی قدم فیها ففاتته الصلاة فجهر بالقراءة فسمع ابن أبی سرح قراءته فسأل عنه ، فقیل : رجل أبیض وضیء الوجه. فأمر إذا صلّی أن یؤتی به ، فلمّا رآه قال : ما جاء بک إلی بلدی؟ قال : جئت غازیاً ، قال : ومن معک؟ قال : محمد بن أبی بکر. فقال : والله ف)

ص: 206


1- یعنی بذلک عبد الله بن سعد بن أبی سرح وهو صاحب یوم الفتح وفیه نزلت الآیة کما مرّ فی : ص 281 من الجزء الثامن. (المؤلف)

ما جئتما إلاّ لتُفسدا الناس ، وأمر بهما فسجنا ، فأرسلا إلی محمد بن طلحة یسألانه أن یکلّمه فیهما لئلاّ یمنعهما من الغزو ، فأطلقهما ابن أبی سرح وغزا ابن أبی سرح إفریقیة فأعدّ لهما سفینة مُفردة لئلاّ یُفسدا علیه الناس ، فمرض ابن أبی بکر فتخلّف وتخلّف معه ابن أبی حذیفة ، ثمّ إنّهما خرجا فی جماعة الناس فما رجعا من غزاتهما إلاّ وقد أوغرا صدور الناس علی عثمان ، فلمّا وافی ابن أبی سرح مصر وافاه کتاب عثمان بالمصیر إلیه ، فشخص إلی المدینة وخلف علی مصر رجلاً کان هواه مع ابن أبی بکر وابن أبی حذیفة ، فکان ممّن شایعهم وشجّعهم علی المسیر إلی عثمان.

قالوا : وبعث عثمان إلی ابن أبی حذیفة بثلاثین ألف درهم وبحمل علیه کسوة فأمر فوضُع فی المسجد وقال : یا معشر المسلمین ألا ترون إلی عثمان یخادعنی عن دینی ویرشونی علیه؟ فازداد أهل مصر عیباً لعثمان وطعناً علیه ، واجتمعوا إلی ابن أبی حذیفة فرأسوه علیهم ، فلمّا بلغ عثمان ذلک دعا بعمّار بن یاسر فاعتذر إلیه ممّا فعل به واستغفر الله منه وسأله أن لا یحقده علیه ، وقال : بحسبک من سلامتی لک ثقتی بک ، وسأله الشخوص إلی مصر لیأتیه بصحّة خبر ابن أبی حذیفة ، وحقّ ما بلغه عنه من باطله ، وأمره أن یقوم بعذره ، ویضمن عنه العُتبی لمن قدم علیه ، فلمّا ورد عمّار مصر (1) حرّض الناس علی عثمان ودعاهم إلی خلعه ، وأشعلها علیه ، وقوی رأی ابن أبی حذیفة وابن أبی بکر وشجّعهما علی المسیر إلی المدینة ، فکتب ابن أبی سرح إلی عثمان یُعلمه ما کان من عمّار ، ویستأذنه فی عقوبته ، فکتب إلیه : بئس الرأی رأیت یا ابن أبی سرح فأحسن جهاز عمّار واحمله إلیّ ، فتحرّک أهل مصر وقالوا : سُیّر عمّار ، ودبّ فیهم ابن أبی حذیفة ودعاهم إلی المسیر فأجابوه (2).ف)

ص: 207


1- سنوقفک علی أنّ بعث عمّار إلی مصر قطّ لا یصحّ. (المؤلف)
2- أنساب البلاذری : 5 / 49 - 51 [6 / 163 - 165] ، تاریخ ابن کثیر : 7 / 157 [7 / 177 حوادث سنة 31 ه]. (المؤلف)

وذکر أبو عمر الکندی فی أُمراء مصر : أنّ عبد الله بن سعد أمیر مصر کان توجّه إلی عثمان لمّا قام الناس علیه ، فطلب أمراء الأمصار فتوجّه إلیه فی رجب سنة (35) واستناب عقبة بن عامر ، فوثب محمد بن أبی حذیفة علی عقبة - وکان یوم ذاک بمصر - فأخرجه من مصر وغلب علیها ، وذلک فی شوّال منها ، ودعا إلی خلع عثمان ، وأسعر البلاد ، وحرّض علی عثمان (1).

وأخرج من طریق اللیث عن عبد الکریم الحضرمی کما فی الإصابة (3 / 373) : أنّ ابن أبی حذیفة کان یکتب الکتب علی [ألسنة] (2) أزواج النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فی الطعن علی عثمان ، کان یأخذ الرواحل فیحصرها ثمّ یأخذ الرجال الذین یرید أن یبعث بذلک معهم ، فیجعلهم علی ظهور بیت فی الحرّ ، فیستقبلون بوجوههم الشمس لیلوحهم تلویح المسافر ، ثمّ یأمرهم أن یخرجوا إلی طریق المدینة ، ثمّ یرسل رسلاً یخبروا بقدومهم فیأمر بتلقّیهم ، فإذا لقوا الناس قالوا لهم : لیس عندنا خبر ، الخبر فی الکتب ، فیتلقّاهم ابن أبی حذیفة ومعه الناس ، فیقول لهم الرسل : علیکم بالمسجد ، فیقرأ علیهم الکتب من أُمّهات المؤمنین : إنّا نشکو إلیکم یا أهل الإسلام کذا وکذا من الطعن علی عثمان ، فیضجّ أهل المسجد بالبکاء والدعاء ، فلمّا خرج المصریّون ووجّهوا نحو المدینة علی عثمان شیّعهم محمد بن أبی حذیفة إلی عجرود ثمّ رجع.

قال الأمینی : أتری هذا الصحابیّ العظیم کیف یجدّ ویجتهد فی إطفاء هذه النائرة ولا یخاف - فیما یعتقد أنّه فی الله - لومة لائم ، غیر مکترث لما بهته به العثمانیّون من اختلاق الکتب علی أُمّهات المؤمنین ، وتسوید الوجوه بمواجهة الشمس ، ولم یزل علی ر.

ص: 208


1- تاریخ الطبری : 5 / 109 [4 / 357 حوادث سنة 35 ه] ، الاستیعاب : 1 / 233 [القسم الثالث / 1369 رقم 2326] ، الکامل لابن الأثیر : 3 / 67 [2 / 280 حوادث سنة 35 ه] ، الإصابة : 3 / 373 [رقم 7767]. (المؤلف)
2- الزیادة من المصدر.

دأبه واجتهاده حتی قضی الأمر ، وأُزیحت المثلات ، وما نبزوه به من الافتعال والتزویر هو حرفة کلّ عاجز ، ولعلّه دُبّر فی الأزمنة الأخیرة کما دُبّرت أمثاله فی کلّ من الثائرین علی عثمان ستراً علی الحقائق الراهنة.

وهل من المستبعد أن تکتب فی التألیب علی عثمان صاحبة قول : اقتلوا نعثلاً قتل الله نعثلاً إنّه قد کفر. [وقائلة : وددت والله أنه فی غرارةٍ من غرائری هذهِ وأنی طوّقت حمله حتی ألقیه فی البحر] (1) وقائلة : وددت والله أنّک - یا مروان - وصاحبک هذا الذی یعنیک أمره فی رجل کلّ واحد منکما رحاً وأنّکما فی البحر. وقائلة : بُعداً لنعثل وسحقاً. وقائلة : أبعده الله ، ذلک لما قدّمت یداه وما الله بظلاّم للعبید. وقائلة : یا ابن عبّاس إنّ الله قد آتاک عقلاً وفهماً وبیاناً فإیّاک أن تردّ الناس عن هذا الطاغیة.

وهی کانت فی الرعیل الأوّل من الثائرین علی عثمان بشتّی الحیل والطرق الثائرة.

هب أنّهم بهتوا القوم بتلکم الأفائک لکن هل یسعهم إنکار تألّبهم علی الخلیفة یومئذ؟ وقد التزموا بعدالتهم ، والصحاح والمسانید مشحونة بالاحتجاج بهم والإخراج عنهم ، نعم غایة ما یمکّنهم من التقوّل الحکم بالخطإ فی الاجتهاد شأن کلّ متقابلین فی حکم شرعیّ ، ولیس تحکّمهم هذا بأرجح من رأی من یری أنّهم أصابوا فی الاجتهاد وإجماع الصحابة یومئذ کان معاضداً لهم ، وهم یقولون : إنّ أُمّة محمد لا تجتمع علی خطأ.

- 31 -

حدیث عمرو بن زرارة النخعی

أدرک عصر النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم

قال البلاذری وغیره : إنّ أوّل من دعا إلی خلع عثمان والبیعة لعلیّ عمرو بن زرارة بن قیس النخعی ، وکمیل بن زیاد بن نهیک النخعی ، فقام عمرو بن زرارة ی.

ص: 209


1- ساقط من الطبعة الثانیة وأثبتناه من الأُولی.

فقال : أیّها الناس إنّ عثمان قد ترک الحقّ وهو یعرفه ، وقد أغری بصلحائکم یولّی علیهم شرارکم ، فبلغ الولید فکتب إلی عثمان بما کان من ابن زرارة ، فکتب إلیه عثمان ، أنّ ابن زرارة أعرابیّ جلف ، فسیّره إلی الشام. وشیّعه الأشتر والأسود بن یزید بن قیس وعلقمة بن قیس بن یزید وهو عمّ الأسود والأسود أکبر منه ، فقال قیس بن قهدان یومئذٍ

أُقسمُ بالله ربّ البیت مجتهداً

أرجو الثواب به سرّا وإعلانا

لأخلعنّ أبا وهبٍ وصاحبه

کهف الضلالة عثمان بن عفّانا

وقال ابن الأثیر : هو ممّن سیّره عثمان من أهل الکوفة إلی دمشق.

راجع (1) : الأنساب للبلاذری (5 / 30) ، أُسد الغابة (4 / 104) ، الإصابة (1 / 548 و 2 / 536).

قال الأمینی : لیس علی نظریّة هذا الصحابی ستر یماط عنها ، ولا أنّه کان یلهج بغیر المکشوف حتی یُسدل علیه شیء من التمویه ، فإنّک لا تجد رأیه إلاّ فی عداد آراء الصحابة جمعاء یومئذٍ.

- 32 -

حدیث صعصعة بن صوحان

سیّد قومه عبد القیس

أخرج ابن عساکر فی تاریخه (2) (6 / 424) من طریق حمید بن هلال العدوی ، قال : قام صعصعة إلی عثمان بن عفّان وهو علی المنبر فقال : یا أمیر المؤمنین ملت فمالت أُمّتک ، اعتدل یا أمیر المؤمنین تعتدل أُمّتک. 5.

ص: 210


1- أنساب الأشراف : 6 / 139 ، أُسد الغابة : 4 / 223 رقم 3920.
2- تاریخ مدینة دمشق : 24 / 84 ، 88 رقم 2881 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 11 / 85.

قال : وتکلّم صعصعة یوماً فأکثر ، فقال عثمان : یا أیّها الناس إنّ هذا البجباج النفّاج ما یدری من الله ولا أین الله. فقال : أمّا قولک : ما أدری من الله : فإنّ الله ربّنا وربّ آبائنا الأوّلین ، وأمّا قولک : لا أدری أین الله : فإنّ الله لبالمرصاد ، ثمّ قرأ : (أُذِنَ لِلَّذِینَ یُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلی نَصْرِهِمْ لَقَدِیرٌ) (1). فقال عثمان : ما نزلت هذه الآیة إلاّ فیّ وفی أصحابنا ، أخرجنا من مکة بغیر حقّ.

وذکره الزمخشری فی الفائق (2) (1 / 35) فقال : البجباج : الذی یهبر الکلام ولیس لکلامه جهة ، وروی : الفجفاج ؛ وهو الصیّاح المکثار. وقیل : المأفون المختال. والنفّاج : الشدید الصلف.

وأوعز إلیه ابن منظور فی لسان العرب (3) (3 / 32) ، وقال : البجباج من البجبجة التی تفعل عند مناغاة الصبی ، وبجباج فجفاج کثیر الکلام ، والبجباج : الأحمق ، والنفّاج : المتکبّر.

وکذا ذکره ابن الأثیر فی النهایة (4) (1 / 72) ، والزبیدی فی تاج العروس (2 / 6).

قال الأمینی : هذا صعصعة الذی أسلفنا صفحة (43) من هذا الجزء ذکر عظمته وفضله وبطولته وثقته فی الدین والدنیا ، یری أنّ الخلیفة مال عن الحقّ فمالت أُمّته ولو اعتدل اعتدلت ، وفی تلاوته الآیة الکریمة فی محاورته إیذان بالحرب ، وأنّه ومن شاکله مظلومون من ناحیة عثمان منصورون بالله تعالی ، فهو بذلک مستبیح لمنابذته ومناجزته ، لقد لهج صعصعة بهذه علی رءوس الأشهاد والخلیفة علی المنبر یخطب ، فلم یسمع إنکاراً أو دفاعاً من أفاضل الصحابة العدول. 6.

ص: 211


1- الحج : 39.
2- الفائق : 1 / 78.
3- لسان العرب : 1 / 316.
4- النهایة فی غریب الحدیث والأثر : 1 / 96.

- 33 -

حدیث حکیم بن جبلة العبدی

الشهید یوم الجمل

کان هذا الرجل العظیم صالحاً دیّناً مطاعاً فی قومه کما وصفه أبو عمر ، وأثنی علیه المسعودی بالسیادة والزهد والنسک. کان أحد زعماء الثائرین علی عثمان من أهل البصرة کما یأتی. وقال المسعودی : إنّ الناس لمّا نقموا علی عثمان ما نقموا ، سار فیمن سار إلی المدینة حکیم بن جبلة. وقال الذهبی : کان ممّن ألّب علی عثمان رضی الله عنه. وجاء فی مقال خفاف الطائی فی الحدیث عن عثمان : حصره المکشوح ، وحکم فیه حکیم ، وولیه محمد وعمّار ، وتجرّد فی أمره ثلاثة نفر : عدیّ بن حاتم ، والأشتر النخعی ، وعمرو بن الحمق ، وجدّ فی أمره رجلان : طلحة والزبیر. الحدیث.

وقال أبو عمر : کان ممّن یعیب عثمان من أجل عبد الله بن عامر وغیره من عمّاله. قال أبو عبید : قطعت رجل حکیم یوم الجمل فأخذها ثمّ زحف إلی الذی قطعها ، فلم یزل یضربه بها حتی قتله ، وقال :

یا نفس لن تراعی

دعاک خیر داعی

إن قُطِعَتْ کراعی

إنّ معی ذراعی (1)

فالباحث یجد لهذا البطل الصالح الدیّن الزاهد الناسک قدماً أیّ قدم فی التألیب علی الخلیفة ، وله خطواته الواسعة فی استحلال دمه والتجمهر علیه ، وهو مع ذلک کلّه بعد صالح یُذکر ویُشکر ویُثنی علیه ، ما اسودّت صحیفة تاریخه بمناجزته الخلیفة ف)

ص: 212


1- راجع : کتاب صفین لابن مزاحم : ص 82 [ص 65] ، مروج الذهب : 2 / 7 [2 / 361 و 375] ، الاستیعاب : 1 / 121 [القسم الأوّل / 366 رقم 540] ، دول الإسلام للذهبی : 1 / 18 [ص 23 حوادث سنة 36 ه] ، ابن أبی الحدید : 1 / 259 [3 / 111 خطبة 43]. (المؤلف)

والوقیعة فیه ومقته والنقمة علیه ، ولم یتضعضع بها أرکان صلاحه ، وما اختلّ بها نظام نسکه ، ولا شوّهت سمعته الدینیّة ، ولا دنّست ساحة قدسه ، وهذه کلّها لا تلتئم مع کون الخلیفة إمام عدل.

- 34 -

حدیث هشام بن الولید المخزومی أخی خالد

مرّ فی (ص 15) من هذا الجزء قول الرجل لعثمان لمّا ضرب عمّاراً حتی غُشی علیه : یا عثمان أمّا علیّ فاتّقیته وبنی أبیه ، وأمّا نحن فاجترأت علینا وضربت أخانا حتی أشفیت به علی التلف ، أما والله لئن مات لأقتلنّ به رجلاً من بنی أُمیّة عظیم السرّة. فقال عثمان : وإنّک لهاهنا یا ابن القسریّة؟ قال : فإنّهما قسریّتان ، وکانت أُمّه وجدّته قسریّتین من بجیلة ، فشتمه عثمان وأمر به فأخرج.

ولهشام أبیات فی عثمان ذکرها المرزبانی فی معجم الشعراء کما قاله ابن حجر فی الإصابة (3 / 606) وذکر منها قوله :

لسانی طویلٌ فاحترسْ من شدائِهِ

علیک وسیفی من لسانیَ أطولُ

لعلّ الباحث لا یعزب عنه رأی هذا الصحابی - العادل - فی الخلیفة ، ولا یجده شاذّا عن بقیّة الصحابة فی إصفاقهم علی مقته بعد ما یراه کیف یجابه الرجل بفظاظة وخشونة ، ویقابله بالقول القارص ، ویهدّده بالهجاء والقتل ، غیر راع له أیّ حرمة وکرامة ، لا یحسب تلکم القوارص زوراً من القول ، وفنداً من الکلام ، بل یری الخلیفة أهلاً لکلّ ذلک ، فهل یجتمع هذا مع کون الرجل إمام عدل عند المخزومی؟

- 35 -

حدیث معاویة بن أبی سفیان الأموی

1 - من کتاب لأمیر المؤمنین إلی معاویة : «فسبحان الله ما أشدّ لزومک

ص: 213

للأهواء المبتدعة والحیرة المتّبعة ، ومع تضییع الحقائق واطّراح الوثائق التی هی لله طلبة ، وعلی عباده حجّة ، فأمّا إکثارک الحجاج فی عثمان وقتله ، فإنّک إنّما نصرت عثمان حیث کان النصر لک ، وخذلته حیث کان النصر له» (1).

2 - ومن کتاب له علیه السلام إلی معاویة : «فو الله ما قتل ابن عمّک غیرک».

راجع ما مرّ من حدیث أمیر المؤمنین.

3 - ومن کتاب له علیه السلام إلی الرجل : «قد أسهبت فی ذکر عثمان ، ولعمری ما قتله غیرک ، ولا خذله سواک ، ولقد تربّصت به الدوائر ، وتمنّیت له الأمانی ، طمعاً فیما ظهر منک ، ودلّ علیه فعلک».

شرح ابن أبی الحدید (2) (3 / 411).

4 - من کتاب لابن عبّاس إلی معاویة : أمّا ما ذکرت من سرعتنا إلیک بالمساءة إلی أنصار ابن عفّان ، وکراهتنا لسلطان بنی أُمیّة ، فلعمری لقد أدرکت فی عثمان حاجتک حین استنصرک فلم تنصره ، حتی صرت إلی ما صرت إلیه ، وبینی وبینک فی ذلک ابن عمّک وأخو عثمان : الولید بن عقبة.

کتاب نصر (ص 472) ، الإمامة والسیاسة (1 / 96) ، شرح ابن أبی الحدید (2 / 289) (3).

5 - من کتاب لابن عبّاس إلی معاویة : وأمّا قولک : إنّی من الساعین علی عثمان والخاذلین له والسافکین دمه ، وما جری بینی وبینک صلح فیمنعک منّی ، فأُقسم بالله لأنت المتربّص بقتله ، والمحبّ لهلاکه ، والحابس الناس قبلک عنه علی بصیرة من 4.

ص: 214


1- نهج البلاغة : 2 / 62 [ص 410 کتاب 37]. (المؤلف)
2- شرح نهج البلاغة : 15 / 84 کتاب 10.
3- وقعة صفّین : ص 415 ، الإمامة والسیاسة : 1 / 100 ، شرح نهج البلاغة : 8 / 66 خطبة 124.

أمره ، ولقد أتاک کتابه وصریخه یستغیث ویستصرخ ، فما حفلت به حتی بعثت إلیه معذراً بأجرة أنت تعلم أنّهم لن یترکوه حتی یُقتل ، فقتل کما کنت أردت ، ثمّ علمت عند ذلک أنّ الناس لن یعدلوا بیننا وبینک فطفقت تنعی عثمان وتلزمنا دمه وتقول : قُتل مظلوماً. فإن یک قُتل مظلوماً فأنت أظلم الظالمین. مرّ تمام الکتاب فی صفحة (134).

6 - روی البلاذری فی الأنساب (1) قال : لمّا أرسل عثمان إلی معاویة یستمدّه ، بعث یزید بن أسد القسری جدّ خالد بن عبد الله بن یزید أمیر العراق وقال له : إذا أتیت ذا خشب فأقم بها ولا تتجاوزها ولا تقل : الشاهد یری ما لا یری الغائب. فإنّنی أنا الشاهد وأنت الغائب ، قال : فأقام بذی خُشب حتی قُتل عثمان ، فاستقدمه حینئذٍ معاویة ، فعاد إلی الشام بالجیش الذی کان أرسل معه ، وإنّما صنع ذلک معاویة لیقتل عثمان فیدعو إلی نفسه.

راجع شرح ابن أبی الحدید (2) (4 / 57).

7 - من خطبة لشبث بن ربعی یخاطب معاویة : إنّه والله لا یخفی علینا ما تغزو وما تطلب ، إنّک لم تجد شیئاً تستغوی به الناس ، وتستمیل به أهواءهم ، وتستخلص به طاعتهم ، إلاّ قولک : قُتل إمامکم مظلوماً ، فنحن نطلب بدمه. فاستجاب له سفهاء طغام ، وقد علمنا أن قد أبطأت عنه بالنصر ، وأحببت له القتل لهذه المنزلة التی أصبحت تطلب. الخ.

کتاب صفّین لابن مزاحم (ص 210) ، تاریخ الطبری (5 / 243) ، الکامل لابن الأثیر (3 / 123) ، شرح ابن أبی الحدید (1 / 342) (3).4.

ص: 215


1- أنساب الأشراف : 6 / 188.
2- شرح نهج البلاغة : 16 / 154 کتاب 37.
3- وقعة صفّین : ص 187 ، تاریخ الأُمم والملوک : 4 / 573 حوادث سنة 36 ه ، الکامل فی التاریخ : 2 / 365 حوادث سنة 36 ه ، شرح نهج البلاغة : 4 / 15 خطبة 54.

8 - من کتاب لأبی أیّوب الأنصاری جواباً لمعاویة : فما نحن وقتلة عثمان ، إنّ الذی تربّص بعثمان وثبّط أهل الشام عن نصرته لأنت ، وإنّ الذین قتلوه غیر الأنصار.

الإمامة والسیاسة (1 / 93) وفی طبعة (ص 81) ، شرح ابن أبی الحدید (2 / 281) (1).

9 - من کتاب لمحمد بن مسلمة الأنصاری جواباً لمعاویة : ولئن کنت نصرت عثمان میّتاً لقد خذلته حیّا ، ونحن ومن قبلنا من المهاجرین والأنصار أولی بالصواب.

الإمامة والسیاسة (1 / 87) ، شرح ابن أبی الحدید (1 / 260) (2).

10 - فی محاورة بین معاویة وأبی الطفیل الکنانی : قال معاویة : أکنت فیمن حضر قتل عثمان؟ قال : لا ، ولکنّی فیمن حضر فلم ینصره ، قال : فما منعک من ذلک وقد کانت نصرته علیک واجبة؟ قال : منعنی ما منعک إذ تربّصت به ریب المنون وأنت بالشام ، قال : أوَما تری طلبی بدمه نصرة له؟ قال : بلی ولکنّک وإیّاه کما قال الجعدی (3) :

لألفینّک بعد الموت تندبنی

وفی حیاتی ما زوّدتنی زادی

راجع ما مرّ فی هذا الجزء (ص 139)

11 - لمّا أتی معاویة نعی عثمان وبیعة الناس علیّا علیه السلام ضاق صدراً بما أتاه وتظاهر بالندم علی خذلانه عثمان ، وقال کما فی کتاب صفّین (4) (ص 88):

أتانیَ أمرٌ فیه للنفس غمّةٌ

وفیه بکاءٌ للعیون طویلُ9.

ص: 216


1- الإمامة والسیاسة : 1 / 97 ، شرح نهج البلاغة : 8 / 44 خطبة 124.
2- الإمامة والسیاسة : 1 / 91 ، شرح نهج البلاغة : 3 / 115 خطبة 43.
3- مرّ فی صفحة 201 أنّ البیت لعَبِید بن الأبرص.
4- وقعة صفّین : ص 79.

وفیه فناءٌ شاملٌ وخزایةٌ

وفیه اجتداعٌ للأنوف أصیلُ

مصابُ أمیر المؤمنین وهذه

تکاد لها صمّ الجبال تزولُ

فلِلّه عیناً من رأی مثل هالک

أُصیب بلا ذنب وذاک جلیلُ

تداعت علیه بالمدینةِ عصبةٌ

فریقان منها قاتلٌ وخذولُ

دعاهم فصمُّوا عنه عند جوابه

وذاکم علی ما فی النفوس دلیلٌ

ندمت علی ما کان من تبعی الهوی

وقصری (1) فیه حسرةٌ وعویلُ

قال الأمینی : إنّ زبدة مخض هذه الکلمات المعتضدة بعضها ببعض أنّ ابن هند لم یشذّ عن الصحابة فی أمر عثمان ، وإنّما یفترق عنهم بأنّ أُولئک کانوا مهاجمین علیه أو خاذلین له ، وأمّا معاویة فقد اختصّ بالخذلان والتخذیل اللذین کان یروقه نتاجهما حتی وقع ما کان یحبّه ویتحرّاه ، وحتی حسب صفاء الجوّ لما کان یضمره من التشبّث بثارات عثمان ، والظاهر بعد الأخذ بمجامع هذه النقول عن أعاظم الصحابة وبعد تصویر الحادثة نفسها من شتّی المصادر أنّ لخذلان معاویة أتمّ مدخلیّة فی انتهاء أمر الخلیفة إلی ما انتهی إلیه ، والخاذل غیر بعید عن المجهز ، ومن هنا وهنا یقول له الإمام علیه السلام : «فو الله ما قتل ابن عمّک غیرک». ویقول : «ولعمری ما قتله غیرک ، ولا خذله سواک» ، إلی کلمات آخرین لا تخفی علیهم نوایا الرجل ، فلو کان مستعجلاً بکتائبه إلی دخول المدینة ، غیر متربّص قتل ابن عمّه لحاموا عنه ونصروه ، وکان مبلغ أمره عندئذٍ إمّا إلی الفوز بهم ، أو تراخی الأمر إلی أن یبلغه بقیّة الأنصار من بلاد أُخری ، فیکون النصر بهم جمیعاً ، لکن معاویة ما کان یرید ذلک وإنّما کان مستبطئ أجل الرجل ، طامعاً فی تقلّده الخلافة من بعده ، فترکه والقوم ، فهو أظلم الظالمین إن کان قُتل مظلوماً کما قاله حبر الأُمّة ، أو أنّه من الصحابة العدول - کما یحسبه القوم - وهذا رأیه فی الخلیفة المقتول.ف)

ص: 217


1- قصری : أی حسبی ، یقال ، قصرک : أی حسبک وکفایتک. کما یقال : قصارک وقصاراک. (المؤلف)

- 36 -

حدیث عثمان نفسه

دخل المغیرة بن شعبة علی عثمان رضی الله عنه وهو محصور فقال : یا أمیر المؤمنین إنّ هؤلاء قد اجتمعوا علیک فإن أحببت فالحق بمکة ، وإن أحببت أن نخرق لک باباً من الدار فتلحق بالشام ، ففیها معاویة وأنصارک من أهل الشام ، وإن أبیت فاخرج ونخرج وتحاکم القوم إلی الله. فقال عثمان : أمّا ما ذکرت من الخروج إلی مکة فإنّی سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول : «یُلحد بمکة رجل من قریش علیه نصف عذاب هذه الأُمّة من الإنس والجنّ». فلن أکون ذلک الرجل إن شاء الله. الحدیث.

وفی لفظ أحمد : «یُلحد رجل من قریش بمکة یکون علیه نصف عذاب العالم» فلن أکون أنا إیّاه.

وفی لفظ الخطیب : «یُلحد بمکة رجل من قریش علیه نصف عذاب الأُمّة» ، فلن أکونه.

وفی لفظ الحلبی : إنّ ابن الزبیر لمّا قال لعثمان رضی الله عنه وهو محاصر : إنّ عندی نجائب أعددتها لک فهل لک أن تنجو إلی مکة؟ فإنّهم لا یستحلّونک بها ، قال له عثمان : سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول : «یُلحد رجل فی الحرم من قریش أو بمکة یکون علیه نصف عذاب العالم» ، فلن أکون أنا.

راجع (1) : مسند أحمد (1 / 67) ، رجال إسناده کلهم ثقات ، الإمامة والسیاسة 5.

ص: 218


1- مسند أحمد : 1 / 107 ح 483 ، الإمامة والسیاسة : 1 / 41 ، الریاض النضرة : 3 / 62 ، البدایة والنهایة : 8 / 374 حوادث سنة 39 ه ، الصواعق المحرقة : ص 111 ، تاریخ الخلفاء : ص 151 ، السیرة الحلبیة : 1 / 175.

لابن قتیبة (ص 35) ، تاریخ الخطیب (14 / 272) ، الریاض النضرة (2 / 129) ، تاریخ ابن کثیر (7 / 210) ، مجمع الزوائد (7 / 230) قال : ورواه أحمد ورجاله ثقات وله طرق ، الصواعق (ص 66) ، تاریخ الخلفاء للسیوطی (ص 109) ، السیرة الحلبیّة (1 / 188) ، تاریخ الخمیس (2 / 263) ، إزالة الخفاء (2 / 343).

الإنسان علی نفسه بصیرة :

تعطینا هذه الروایة أنّ ثقة عثمان بانطباق ما ذکره عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی الرجل الملحد بمکة علی نفسه من جرّاء ما علم أنّه مرتکبه من الأعمال أشدّ وأکثر من ثقته بإیمانه بما رووه له من البشارة بالجنّة فی العشرة المبشّرة إلی فضائل أخری صنعتها له أیدی الولاء والمحبّة ، علی أنّ هذه کلّها نصوص فیه ، وأمّا ما خشی انطباقه علیه فهو وارد فی رجل مجهول استقرب الخلیفة أن یکونه هو ، فامتنع عن الانفلات إلی مکة وآثر علیه بقاءه فی الحصار حتی أُودی به ، ولم یکن یعلم أنّه یقتل بمکة لو خرج إلیها ، وعلی فرض قتله بها فمن ذا الذی أخبره أنّه یکون هو ذلک الرجل؟

کیف یخاف عثمان أن یکون هو ذلک الرجل وقد اشتری الجنّة من النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم مرّتین بیع الحقّ : حیث حفر بئر رومة ، وحیث جهّز جیش العسرة (1)؟

کیف یخاف عثمان وقد عهد إلیه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بأنّه یُقتل ویُبعث یوم القیامة أمیراً علی کلّ مخذول ، یغبطه أهل المشرق والمغرب ، ویشفع فی عدد ربیعة ومضر (2)؟

کیف یخاف عثمان وقد سمع وصیّة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إلی أُمّته به بقوله : علیکم ف)

ص: 219


1- أخرجه الحاکم فی المستدرک : 3 / 107 [3 / 115 ح 4570] وصحّحه غیر ممعن نظره فی إسناده وعقّبه الذهبی بتضعیف عیسی بن المسیّب من رجال إسناده وقال ، ضعّفه أبو داود وغیره. (المؤلف)
2- سنوافیک الحدیث بإسناده ومتنه کملاً. (المؤلف)

بالأمیر وأصحابه. وأشار إلی عثمان؟

کیف یخاف عثمان وقد أخبر صلی الله علیه وآله وسلم عن شأنه فی الجنّة لمّا سُئل : أفی الجنّة برق؟ فقال : نعم والذی نفسی بیده إنّ عثمان لیتحوّل من منزل إلی منزل فتبرق له الجنّة (1).

کیف یخاف عثمان وقد قال صلی الله علیه وآله وسلم بمشهد منه ومسمع : لیس من نبیّ إلاّ وله رفیق من أُمّته معه فی الجنّة وإنّ عثمان رفیقی ومعی فی الجنّة (2)؟

کیف یخاف عثمان وقد قال له صلی الله علیه وآله وسلم معتنقاً إیّاه : أنت ولیّی فی الدنیا والآخرة. أو قال : هذا جلیسی فی الدنیا وولیّی فی الآخرة (3)؟

کیف یخاف عثمان بعد ما جاء عن جابر أنّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ما صعد المنبر فنزل حتی قال : عثمان فی الجنّة (4)؟

نعم ؛ للباحث أن یجیب بأنّ هذه کلّها أباطیل وأکاذیب لا یصحّ شیء منها ، فما ذنب عثمان؟ وکیف لا یخاف والإنسان علی نفسه بصیرة ولو ألقی معاذیره؟

قریض یؤکد ما سبق :

ذکر البلاذری فی الأنساب (5) (5 / 105) للأعور الشنّی بشر بن منقذ یکنّی أبا منقذ أحد بنی شنّ بن أقصی کان مع أمیر المؤمنین یوم الجمل ، ترجمه المرزبانی فی معجم الشعراء (ص 39) قوله : 9.

ص: 220


1- راجع الجزء الخامس من کتابنا هذا ص 313. (المؤلف)
2- سیأتیک الحدیث بإسناده وأنّه باطل. (المؤلف)
3- سنوقفک فی هذا الجزء علی أنّه باطل لا یصح. (المؤلف)
4- من أکاذیب جاء بها محبّ الطبری فی ریاضه : 2 / 104 [3 / 31]. (المؤلف)
5- أنساب الأشراف : 6 / 229.

بکت عینُ من یبکی ابنَ عفّان بعد ما

نفی ورق الفرقان کلّ مکانِ

ثوی تارکاً للحقّ متّبعَ الهوی

وأورثَ حرباً حشّها بطِعانِ

برئت إلی الرحمنِ من دینِ نعثلٍ

ودینِ ابن صخرٍ أیّها الرجلانِ

ویقال : ابن الغریرة النهشلی ، ویقال : الحباب بن یزید المجاشعی (1).

وقال علیّ بن الغدیر المضرّس الغنوی ، ویقال : إهاب بن همام بن صعصعة المجاشعی :

لعمرُ أبیکِ فلا تکذبی

لقد ذهب الخیرُ إلاّ قلیلا

لقد فُتنَ الناسُ فی دینِهمْ

وخلّی ابن عفّان شرّا طویلا

أَعاذلُ کلُّ امرئٍ هالکٌ

فسیری إلی الله سیراً جمیلا

راجع (2) : الأنساب (5 / 104) ، تاریخ الطبری (5 / 152) ، الاستیعاب (2 / 480) ، تفسیر ابن کثیر (1 / 143).

وأخرج نصر بن مزاحم فی کتاب صفّین (3) (ص 435) من رجز همام بن الأغفل یوم صفّین قوله :

قد قرّت العین من الفسّاقِ

ومن رءوس الکفر والنفاقِ

إذ ظهرت کتائبُ العراقِ

نحن قتلنا صاحبَ المُرّاقِ

وقائدَ البُغاة والشقاقِ

عثمانَ یومَ الدار والإحراقِ (4)ف)

ص: 221


1- فی تاریخ ابن عساکر : 3 / 258 [10 / 275 رقم 910 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 5 / 219] : الحتات بن یزید. (المؤلف)
2- أنساب الأشراف : 6 / 228 ، تاریخ الأُمم والملوک : 4 / 426 حوادث سنة 35 ه ، الاستیعاب : القسم الثالث / 1052 رقم 1778.
3- وقعة صفّین : ص 383.
4- إشارة إلی إحراق باب دار عثمان کما مرّ حدیثه ویأتی. (المؤلف)

لمّا لففنا ساقَهم بساقِ

بالطعنِ والضربِ مع العناقِ

وقال محمد بن أبی سبرة بن أبی زهیر القرشی کما فی کتاب صفّین (1)(ص 436):

نحن قتلنا نعثلاً بالسیره

إذ صدَّ عن أعلامنا المنیره

یحکم بالجور علی العشیره

نحن قتلنا قبله المغیره (2)

نالته أرماحٌ لنا موتوره

إنّا أُناسٌ ثابتو البصیره

وقال الفضل بن العبّاس مجیباً الولید بن عقبة بن أبی معیط عن أبیات له :

أتطلب ثأراً لست منه ولا له

وأین ابن ذکوان الصفوریّ من عمروِ

کما اتّصلت بنتُ الحمار بأُمّها

وتنسی أباها إذ تُسامی أُولی الفخرِ

ألا إنَّ خیرَ الناسِ بعد محمدٍ

وصیُّ النبیّ المصطفی عند ذی الذکرِ

وأوّلُ من صلّی وصنوُ نبیِّه

وأوّلُ من أردی الغواةَ لدی بدرِ

فلو رأتِ الأنصارُ ظلمَ ابنِ عمِّکمْ

لکانوا له من ظلمهِ حاضری النصرِ

کفی ذاک عیباً أن یُشیروا بقتله

وأن یُسلموه للأحابیش من مصرِ

تاریخ الطبری (3) (5 / 151).

نادی عمرو بن العاص یوم صفّین بأعلی صوته :

یا أیّها الجند الصَّلیب الایمانْ

قوموا قیاماً واستعینوا الرحمنْ

إنِّی أتانی خبرٌ ذو ألوانْ (4)

أنَّ علیّا قتل ابن عفّانْ

ردّوا علینا شیخنا کما کان ف)

ص: 222


1- وقعة صفّین : ص 383.
2- هو المغیرة بن الأخنس المقتول یوم الدار مع عثمان کما یأتی حدیثه. (المؤلف)
3- تاریخ الأُمم والملوک : 4 / 426 حوادث سنة 35 ه.
4- فی کتاب نصر : فأشجان. (المؤلف)

فردّ علیه أهل العراق وقالوا :

أبت سیوف مذحجٍ وهمدانْ

بأن تردَّ نعثلاً کما کانْ

خلقاً جدیداً مثل خلق الرحمن

ذلک شأنٌ قد مضی وذا شانْ

ثمّ نادی عمرو بن العاص ثانیة برفع صوته :

رُدّوا علینا شیخنا ثمّ بجلْ

أو لا تکونوا حرّزاً من الأسلْ (1)

فردّ علیه أهل العراق :

کیف نردُّ نعثلاً وقد قحلْ

نحن ضربنا رأسه حتی انجفلْ (2)

وأبدل الله به خیر بدلْ

أعلم بالدین وأزکی بالعملْ (3)

شدّ الأشتر مالک بن الحارث یوم صفّین علی محمد بن روضة وهو یقول :

لا یبعد الله سوی عثمانا

وأنزل الله بکم هوانا

ولا یسلّی عنکم الأحزانا

مخالف قد خالف الرحمانا

نصرتموه عابداً شیطاناً (4)

- 37 -

حدیث المهاجرین والأنصار

1 - من کتاب کتبه مولانا أمیر المؤمنین إلی معاویة : «زعمت أنّک إنّما أفسد ف)

ص: 223


1- فی کتاب صفّین : جزراً من الأسل. الجزر : قطع اللحم تأکله السباع. الأسل : الرماح. (المؤلف)
2- قحل : یبس فهو قاحل. انجفل : انقلب وسقط. (المؤلف)
3- کتاب صفّین : ص 256 ، 257 ، 454 [ص 228 ، 229] ، شرح ابن أبی الحدید : 1 / 482 [5 / 185 خطبة 65] ، لسان العرب : 14 / 70 [11 / 46] ، تاج العروس : 8 / 77. (المؤلف)
4- کتاب صفّین : ص 199 [ص 178] ، شرح ابن أبی الحدید : 1 / 330 [3 / 329 خطبة 51]. حذف منها الشطرین الأخیرین. (المؤلف)

علیک بیعتی خفری بعثمان ، ولعمری ما کنت إلاّ رجلاً من المهاجرین ، أوردت کما أوردوا وأصدرت کما أصدروا ، وما کان الله لیجمعهم علی ضلال ، ولا لیضربهم بالعمی ، وما أمرت فلزمتنی خطیئة الأمر ، ولا قتلت فأخاف علی نفسی قصاص القاتل» (1).

2 - روی البلاذری ، عن المدائنی ، عن عبد الله بن فائد أنّه قال : نظر ثابت بن عبد الله بن الزبیر إلی أهل الشام فقال : إنّی لأُبغضهم. فقال سعید بن خالد بن عمرو ابن عثمان : تبغضهم لأنّهم قتلوا أباک. قال : صدقت ، قتل أبی علوج الشام وجفاته وقتل جدّک المهاجرون والأنصار.

أنساب البلاذری (2) (5 / 195 ، 372).

3 - قال ابن قتیبة فی الإمامة والسیاسة (3) (1 / 92) : ذکروا أنّ أبا هریرة وأبا الدرداء (4) قدما علی معاویة من حمص وهو بصفّین ، فوعظاه وقالا له : یا معاویة علام تُقاتل علیّا؟ وهو أحقّ بهذا الأمر منک فی الفضل والسابقة. لأنّه رجل من المهاجرین الأوّلین السابقین بالإحسان ، وأنت طلیق ، وأبوک من الأحزاب. أما والله ما نقول لک ا.

ص: 224


1- الإمامة والسیاسة : 1 / 87 [1 / 91] ، العقد الفرید : 2 / 284 [4 / 137] ، الکامل للمبرّد : 1 / 157 [1 / 271] ، شرح ابن أبی الحدید : 1 / 252 [3 / 89 خطبة 43]. (المؤلف)
2- أنساب الأشراف : 6 / 350 و 134.
3- الإمامة والسیاسة : 1 / 96.
4- کذا فی الإمامة والسیاسة ، وهو لا یتم ؛ لأنّ أبا الدرداء عویمر أو عامر الصحابی المعروف توفّی سنة 32 ه علی الأشهر أی قبل مقتل عثمان بثلاث سنین ، وقیل : بسنتین ، وقیل : سنة 31 ه. أنظر : المعارف لابن قتیبة : ص 268 ، الاستیعاب : القسم الثالث / 1229 و 1230 رقم 2006 والقسم الرابع / 1646 و 1648 رقم 2940 ، المنتظم : 5 / 18 رقم 256 ، أُسد الغابة : 4 / 319 رقم 4136 ، الکامل فی التاریخ : 2 / 262 حوادث سنة 31 ه ، الإصابة : 3 / 45 رقم 6117 وغیرها.

أن تکون العراق أحبّ إلینا من الشام ، ولکنّ البقاء أحبّ إلینا من الفناء ، والصلاح أحبّ إلینا من الفساد ، فقال : لست أزعم أنّی أولی بهذا الأمر من علیّ ، ولکنّی أُقاتله حتی یدفع إلیّ قتلة عثمان. فقالا : إذا دفعهم إلیک ما ذا یکون؟ قال : أکون رجلاً من المسلمین ، فأتیا علیّا ، فإن دفع إلیکما قتلة عثمان جعلتها شوری. فقدما علی عسکر علیّ ، فأتاهما الأشتر ، فقال : یا هذان إنّه لم ینزلکما الشام حبّ معاویة ، وقد زعمتما أنّه یطلب قتلة عثمان ، فعمّن أخذتما ذلک فقبلتماه ، أعمّن قتله؟ فصدّقتموهم علی الذنب کما صدّقتموهم علی القتل؟ أم عمّن نصره؟ فلا شهادة لمن جرّ إلی نفسه ، أم عمّن اعتزل إذ علموا ذنب عثمان وقد علموا ما الحکم فی قتله؟ أو عن معاویة وقد زعم أنّ علیّا قتله؟ اتّقیا الله ، فإنّا شهدنا وغبتما ، ونحن الحکّام علی من غاب. فانصرفا ذلک الیوم.

فلمّا أصبحا أتیا علیّا ، فقالا له : إنّ لک فضلاً لا یدفع ، وقد سرت مسیر فتی إلی سفیه من السفهاء ، ومعاویة یسألک أن تدفع إلیه قتلة عثمان ، فإن فعلت ثمّ قاتلک کنّا معک. قال علیّ : «أتعرفانهم؟» قالا. نعم. قال : «فخذاهم» ، فأتیا محمد بن أبی بکر وعمّار بن یاسر والأشتر ، فقالا. فخرج إلیهما أکثر من عشرة : أنتم من قتلة عثمان وقد أُمرنا بأخذکم آلاف رجل ، فقالوا : نحن قتلنا عثمان. فقالا : نری أمراً شدیداً ألبس علینا الرجل.

فانصرف أبو هریرة وأبو الدرداء إلی منزلهما بحمص. فلمّا قدما حمص لقیهما عبد الرحمن بن عثمان (1) ، وسأل عن مسیرهما ، فقصّا علیه القصّة ، فقال : العجب منکما إنّکما من أصحاب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، أما والله لئن کففتما أیدیکما ما کففتما ألسنتکما ا.

ص: 225


1- هناک شخصان بهذا الاسم ؛ أحدهما عبد الرحمن بن عثمان بن عبید الله التیمی ابن أخی طلحة التیمی ، من مسلمة الفتح ، قتل مع ابن الزبیر بمکة ؛ وثانیهما عبد الرحمن بن عثمان بن مظعون ، ولعله هو الذی لقی أبا هریرة وصاحبه ونصحهما.

أتأتیان علیّا وتطلبان إلیه قتلة عثمان؟ وقد علمتما أنّ المهاجرین والأنصار لو حرّموا دم عثمان نصروه وبایعوا علیّا علی قتلته ، فهل فعلوا؟ وأعجب من ذلک رغبتکما عمّا صنعوا وقولکما لعلیّ : اجعلها شوری واخلعها من عنقک! وإنّکما لتعلمان أنّ من رضی بعلیّ خیر ممّن کرهه ، وأنّ من بایعه خیر ممّن لم یبایعه ، ثمّ صرتما رسولی رجل من الطلقاء لا تحلّ له الخلافة. ففشا قوله وقولهما ، فهمّ معاویة بقتله ، ثمّ راقب فیه عشیرته.

وفی لفظ ابن مزاحم من کتاب صفّین (1) (ص 213): خرج أبو أمامة الباهلی وأبو الدرداء (2) ، فدخلا علی معاویة وکانا معه فقالا : یا معاویة علام تقاتل هذا الرجل؟ فو الله لهو أقدم منک سلماً ، وأحقّ بهذا الأمر منک ، وأقرب من النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ، فعلام تقاتله؟ فقال : أُقاتله علی دم عثمان ، وأنّه آوی قتلته ؛ فقولوا له : فلیقدنا من قتلته ، فأنا أوّل من بایعه من أهل الشام. فانطلقوا إلی علیّ فأخبروه بقول معاویة ، فقال : «هم الذین ترون» ، فخرج عشرون ألفاً أو أکثر مسربلین فی الحدید لا یُری منهم إلاّ الحدق فقالوا : کلّنا قتله ، فإن شاءوا فلیروموا ذلک منّا.

4 - مرّ فی صفحة (139) من حدیث أبی الطفیل قول معاویة له : أکنت ممّن قتل عثمان أمیر المؤمنین؟ قال : لا ، ولکن ممّن شهده فلم ینصره ، قال : ولم؟ قال : لم ینصره المهاجرون والأنصار. الحدیث ، فراجع.

5 - قال شعبة : ما رأیت رجلاً أوقع فی رجال أهل المدینة من القاضی أبی إسحاق سعد - بن إبراهیم بن عبد الرحمن بن عوف المدنی الزهری المتوفّی سنة (125) - ما کنت أرفع له رجلاً منهم إلاّ کذّبه ، فقلت له فی ذلک ، فقال : إنّ أهل المدینة قتلوا عثمان. ة.

ص: 226


1- وقعة صفّین : ص 190.
2- أنظر هامش رقم (1) من الصحیفة السابقة.

تاریخ ابن عساکر (1) (6 / 83).

6 - ذکر ابن عساکر فی تاریخه (2) (7 / 319) قال : کان أبو مسلم الخولانی التابعی فی المدینة ، فسمع مکفوفاً یقول : اللهمّ العن عثمان وما ولد ، فقال : یا مکفوف ألعثمان تقول هذا؟ یا أهل المدینة کنتم بین قاتل وخاذل فکلاّ جزی الله شرّا ، یا أهل المدینة لأنتم شرّ من ثمود ، إنّ ثمود قتلوا ناقة الله وأنتم قتلتم خلیفة الله ، وخلیفة الله أکرم علیه من ناقته.

قال الأمینی : غایتنا الوحیدة فی نقل هذا الحدیث إیقاف الباحث علی موقف الصحابة من أهل المدینة وأنّهم کانوا بین قاتل وخاذل ، وأمّا رأی أبی مسلم الخولانی فیهم فتعرف جوابه من قول الأشتر قبیل هذا.

7 - قال الواقدی فی إسناده : لمّا کانت سنة أربع وثلاثین کتب بعض أصحاب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إلی بعض یتشاکون سیرة عثمان وتغییره وتبدیله ، وما الناس فیه من عمّاله ویکثرون علیه ویسأل بعضهم أن یقدموا المدینة إن کانوا یریدون الجهاد ، ولم یکن أحد من أصحاب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یدفع عن عثمان ولا یُنکر ما یقال فیه إلاّ زید ابن ثابت ، وأبو أُسید الساعدی ، وکعب بن مالک ، وحسان بن ثابت الأنصاری ، فاجتمع المهاجرون وغیرهم إلی علیّ فسألوه أن یکلّم عثمان ویعظه ، فأتاه فقال له : «إنّ الناس ورائی قد کلّمونی فی أمرک ، وو الله ما أدری ما أقول لک ، ما أعرّفک شیئاً تجهله ، ولا أدلّک علی أمر لا تعرفه ، وإنّک لتعلم ما نعلم ، وما سبقناک إلی شیء فنخبرک عنه ، لقد صحبت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وسمعت ورأیت مثل ما سمعنا ورأینا ، وما ابن أبی قحافة وابن الخطّاب بأولی بالحقّ منک ، ولأنت أقرب إلی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم رحماً ، ولقد نلت من صهره ما لم ینالا ، فالله الله فی نفسک ، فإنّک لا تُبصّر من عمی ، 3.

ص: 227


1- تاریخ مدینة دمشق : 20 / 223 رقم 2411 ، وفی تهذیب تاریخ دمشق : 6 / 85.
2- تاریخ مدینة دمشق : 27 / 220 رقم 3213 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 12 / 63.

ولا تُعلّم من جهل» فقال له عثمان : والله لو کنت مکانی ما عنّفتک ولا أسلمتک ولا عتبت علیک إن وصلت رحماً (1) وسددت خلّة ، وآویت ضائعاً ، وولّیت من کان عمر یولّیه ، نشدتک الله ألم یولّ عمر المغیرة بن شعبة ولیس هناک؟ قال : نعم. قال : فلم تلومنی إن ولّیت ابن عامر فی رحمه وقرابته؟ قال علیّ : «سأخبرک أنّ عمر بن الخطّاب کان کلّ من ولّی فانّما یطأ علی صماخه إن بلغه عنه حرف جلبه ، ثمّ بلغ به أقصی الغایة ، وأنت لا تفعل ، ضعفت ورفقت علی أقربائک» ، قال عثمان : هم أقرباؤک أیضاً. فقال علیّ : «لعمری إنّ رحمهم منّی لقریبة ولکن الفضل فی غیرهم» قال : أوَلم یولّ عمر معاویة؟ فقال علیّ : «إنّ معاویة کان أشدّ خوفاً وطاعة لعمر من یرفأ (2) وهو الآن یبتزّ الأُمور دونک وأنت تعلمها ویقول للناس : هذا أمر عثمان. ویبلغک فلا تُغیّر علی معاویة».

راجع (3) : الأنساب للبلاذری (5 / 60) ، تاریخ الطبری (5 / 97) ، الکامل لابن الأثیر (3 / 63) ، تاریخ ابی الفداء (1 / 168) ، تاریخ ابن خلدون (2 / 391).

8 - أخرج ابن سعد فی طبقاته (4) (3 / 47) طبع لیدن عن مجاهد ، قال : أشرف عثمان علی الذین حاصروه فقال : یا قوم لا تقتلونی فإنّی والٍ وأخ مسلم - إلی أن 7.

ص: 228


1- أُنظر إلی الرجل یحسب کلمته هذه تبرّر أعماله الشاذّة عن الکتاب والسنّة وتجعل أعطیاته لأبناء أُمیّة من الغنائم والصدقات صلة للرحم ، ودفعه القناطیر المقنطرة من الذهب والفضّة إلی رجال الفتن والثورات المدلهمّة سدّا للخلّة ، وردّ الحکم وأبنائه مطرودی النبیّ الأعظم إلی المدینة إیواءً للضائع ، دعه وحسبانه ، لکن العجب کلّ العجب أنّه یروم إفحام مثل أمیر المؤمنین علیه السلام بهذه الخزعبلات. (المؤلف)
2- هو غلام عمر بن الخطاب.
3- أنساب الأشراف : 6 / 174 ، تاریخ الأُمم والملوک : 4 / 336 حوادث سنة 34 ه ، الکامل فی التاریخ : 2 / 275 حوادث سنة 34 ه ، تاریخ ابن خلدون : 2 / 593.
4- الطبقات الکبری : 3 / 67.

قال - : فلمّا أبوا قال : اللهمّ احصهم عدداً ، واقتلهم بدداً ، ولا تُبقِ منهم أحداً. قال مجاهد : فقتل الله منهم من قتل فی الفتنة ، وبعث یزید إلی المدینة عشرین ألفاً فأباحوا المدینة ثلاثاً یصنعون ما شاءوا لمداهنتهم.

وقال حسان بن ثابت فیمن تخلّف عن عثمان وخذله من الأنصار وغیرهم ، وأعان علی قتله من أبیات له :

خذلته الأنصار إذ حضر المو

ت وکانت ولاته الأنصارُ (1)

من عذیری من الزبیر ومن طل

-حة إذ جا أمرٌ له مقدارُ (2)

فتولّی محمد بن أبی بکرٍ

عیاناً وخلفه عمّارُ

وعلیُّ فی بیته یسأل النا

س ابتداءً وعنده الأخبارُ

باسطاً للذی یرید یدیه

وعلیه سکینةٌ ووقارُ (3)

وقال حمید بن ثور أبو المثنّی الهلالی فی قتل عثمان ، کما فی تاریخ ابن عساکر (4) (4 / 458):

إنَّ الخلافةَ لمّا أُظعِنت ظعنت

من أهل یثرب إذ غیرَ الهدی سلکوا

صارت إلی أهلها منهم ووارثها

لمّا رأی اللهُ فی عثمانَ ما انتهکوا

السافکی دمَه ظلماً ومعصیةً

أیَّ دمٍ لا هُدوا من غیّهم سَفکوا

والهاتکی سترَ ذی حقٍّ ومحرمةٍ

فأیَّ شرٍّ علی أشیاعهم هتکوا1.

ص: 229


1- فی العقد الفرید : ثقاته الأنصار.
2- فی العقد الفرید : من عذیری من الزبیر ومن طل حة هاجا أمراً له إعصار (المؤلف)
3- مروج الذهب : 1 / 442 [2 / 364] ، العقد الفرید : 2 / 267 [4 / 112]. (المؤلف)
4- تاریخ مدینة دمشق : 15 / 273 رقم 1790 ، وفی تهذیب تاریخ دمشق : 4 / 461.

والخیلُ عابسةٌ نضج الدماء بها

تنعی ابن أروی علی أبطالها الشککُ

من کلِّ أبیض هندیّ وسابغةٍ

تغشی البنان لها من نسجها حبکُ

قد نال جلّهمُ حصرٌ بمحصرةٍ

ونال فتّاکهم فتکٌ بما فتکوا

قرّت بذاک عیونٌ واشتفین به

وقد تقرُّ بعین الثائر الدرکُ

- 38 -

کتاب أهل المدینة إلی الصحابة فی الثغور

أخرج الطبری من طریق عبد الرحمن بن یسار أنّه قال : لمّا رأی الناس ما صنع عثمان کتب مَن بالمدینة من أصحاب النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم إلی من بالآفاق منهم وکانوا قد تفرّقوا فی الثغور :

إنّکم إنّما خرجتم أن تجاهدوا فی سبیل الله عزّ وجلّ ، تطلبون دین محمد صلی الله علیه وآله وسلم فإنّ دین محمد قد أفسده من خلفکم وتُرِک ، فهلمّوا فأقیموا دین محمد صلی الله علیه وآله وسلم. وفی لفظ ابن الأثیر : فإنّ دین محمد قد أفسده خلیفتکم فأقیموه. وفی لفظ ابن أبی الحدید. قد أفسده خلیفتکم فاخلعوه ، فاختلفت علیه القلوب. فأقبلوا من کلّ أُفق حتی قتلوه (1).

وأخرج (2) من طریق محمد بن مسلمة قال : لمّا کانت سنة (34) کتب أصحاب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بعضهم إلی بعض یتشاکون سیرة عثمان وتغییره وتبدیله ویسأل بعضهم بعضاً : أن اقدموا ، فإن کنتم تریدون الجهاد فعندنا الجهاد. وکثر الناس علی عثمان ونالوا منه أقبح ما نِیل من أحد ، وأصحاب رسول الله یرون ویسمعون لیس فیهم أحد ینهی ولا یذبّ إلاّ نُفَیر : زید بن ثابت ، وأبو أُسید الساعدی ، وکعب بن .

ص: 230


1- تاریخ الطبری : 5 / 115 [4 / 367 حوادث سنة 35 ه] ، الکامل لابن الأثیر : 5 / 70 [2 / 287 حوادث سنة 35 ه] ، شرح ابن أبی الحدید : 1 / 165 [2 / 149 خطبة 30]. (المؤلف)
2- تاریخ الأُمم والملوک : 4 / 336 حوادث سنة 34 ه.

مالک ، وحسان بن ثابت. فاجتمع المهاجرون وغیرهم إلی علیّ فسألوه أن یکلّم عثمان ویعظه ، فأتاه فقال له : إنّ الناس ورائی. إلی آخر ما مرّ فی (ص 74).

- 39 -

کتاب المهاجرین إلی مصر

بسم الله الرحمن الرحیم

من المهاجرین الأوّلین وبقیّة الشوری إلی من بمصر من الصحابة والتابعین :

أمّا بعد ؛ أن تعالوا إلینا وتدارکوا خلافة رسول الله قبل أن یُسْلَبَها أهلها ، فإنّ کتاب الله قد بُدّل ، وسنّة رسول الله قد غیّرت ، وأحکام الخلیفتین قد بُدّلت ، فننشد الله من قرأ کتابنا من بقیّة أصحاب رسول الله والتابعین بإحسان إلاّ أقبل إلینا ، وأخذ الحقّ لنا وأعطاناه ، فأقبلوا إلینا إن کنتم تؤمنون بالله والیوم الآخر ، وأقیموا الحقّ علی المنهاج الواضح الذی فارقتم علیه نبیّکم وفارقکم علیه الخلفاء ، غلبنا علی حقّنا ، واستولی علی فیئنا ، وحیل بیننا وبین أمرنا ، وکانت الخلافة بعد نبیّنا خلافة نبوّة ورحمة ، وهی الیوم ملک عضوض من غلب علی شیء أکله (1).

- 40 -

کتاب أهل المدینة إلی عثمان

أخرج الطبری فی تاریخه (2) (5 / 116) ؛ من طریق عبد الله بن الزبیر ، عن أبیه ، قال : کتب أهل المدینة إلی عثمان یدعونه إلی التوبة ویحتجّون ویقسمون له بالله لا یمسکون عنه أبداً حتی یقتلوه ، أو یعطیهم ما یلزمه من حقّ الله ، فلمّا خاف القتل شاور نصحاءه وأهل بیته. إلی آخر ما یأتی. .

ص: 231


1- الإمامة والسیاسة : 1 / 32 [1 / 37]. (المؤلف)
2- تاریخ الأُمم والملوک : 4 / 369 حوادث سنة 35 ه.

الإجماع والخلیفة :

تُعلمنا هذه الأحادیث المتضافرة الواردة عن آحاد الصحابة من المهاجرین والأنصار أو عامّة الفریقین ، أو عن جامعة الصحابة البالغة مائتین حدیثاً أنّه لم یشذّ عن النقمة علی عثمان منهم أحد ما خلا أربعة وهم : زید بن ثابت ، وحسان بن ثابت ، وکعب بن مالک ، وأُسید الساعدی. فمن مُجهز علیه إلی محبّذ لعمله ، إلی محرّض علی قتله ، إلی ناشر لأحداثه ، إلی مؤلّب علیه یسعی فی إفساد أمره ، إلی متجاسر علیه بالوقیعة فیه ، إلی مُناقد فی فعاله یأمره بالمعروف وینهاه عن المنکر ، إلی خاذل له بترک نصرته لا یری هنالک فی الناقمین الثائرین علیه منکراً ینهی عنه ، أو فی جانب الخلیفة حقّا یتحیّز إلیه ، وهم کما مرّ فی (ص 157) عن مولانا أمیر المؤمنین علیه السلام : «ما کان الله لیجمعهم علی ضلال ، ولا لیضربهم بالعمی» فکان ذلک إجماعاً منهم أثبت من إجماعهم علی نصب الخلیفة فی الصدر الأوّل ، فإن کانت فیه حجّة فهی فی المقامین إن لم تکن فی المقام الثانی أولی بالاتّباع.

ومن أمعن النظر فیما مرّ ویأتی من النصوص الواردة عن :

1 - مولانا أمیر المؤمنین.

2 - عائشة أُمّ المؤمنین.

3 - عبد الرحمن بن عوف ، أحد العشرة المبشّرة ورجالات الشوری.

4 - طلحة بن عبید الله ، أحد العشرة المبشّرة.

5 - الزبیر بن العوام ، أحد العشرة المبشّرة.

6 - عبد الله بن مسعود صاحب سرّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم - بدری.

7 - عمّار جلدة ما بین عینی النبیّ ، النازل فیه القرآن - بدری.

8 - المقداد بن أبی الأسود ، الممدوح بلسان النبیّ الطاهر - بدری.

ص: 232

9 - حجر بن عدیّ الکوفی الصالح الناسک.

10 - هاشم المرقال ، الذی کان من الفضلاء الخیار کما فی الاستیعاب (1).

11 - جهجاه بن سعید الغفاری ، من رجالات بیعة الشجرة.

12 - سهل بن حنیف الأنصاری - بدری.

13 - رفاعة بن رافع الأنصاری - بدری.

14 - حجّاج بن غزیّة الأنصاری.

15 - أبی أیّوب الأنصاری صاحب منزل رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم - بدری.

16 - قیس بن سعد الأنصاری ، أمیر الخزرج الصالح - بدری.

17 - فروة بن عمرو البیاضی الأنصاری - بدری.

18 - محمد بن عمرو بن حزم الأنصاری - بدری.

19 - جابر بن عبد الله الأنصاری.

20 - جبلة بن عمرو الساعدی الأنصاری - بدری.

21 - محمد بن مسلمة الأنصاری - بدری.

22 - عبد الله بن عبّاس ، حبر الأُمّة.

23 - عمرو بن العاصی.

24 - عامر بن واثلة أبی الطفیل الکنانی اللیثی.

25 - سعد بن أبی وقاص ، أحد العشرة المبشّرة.

26 - مالک بن الحارث الأشتر :

«وهل موجود کمالک؟». قاله أمیر المؤمنین.

27 - عبد الله بن عکیم.

28 - محمد بن أبی حذیفة العبشمی.

29 - عمرو بن زرارة بن قیس النخعی.

30 - صعصعة بن صوحان ، سیّد عبد القیس. 0.

ص: 233


1- الاستیعاب : القسم الرابع / 1546 رقم 2700.

31 - حکیم بن جبلة العبدی ، الشهید یوم الجمل.

32 - هشام بن الولید المخزومی.

33 - معاویة بن أبی سفیان.

34 - زید بن صوحان ، من الخیار الأبرار کما فی الحدیث.

35 - عمرو بن الحمق الخزاعی ، المشرّف بدعاء النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم.

36 - عدی بن حاتم الطائی الصحابی العظیم.

37 - عروة بن الجعد الصحابی.

38 - عبد الرحمن بن حسان العنزی الکوفی.

39 - محمد بن أبی بکر بن أبی قحافة ، الممدوح بلسان مولانا أمیر المؤمنین.

40 - کمیل بن زیاد النخعی.

41 - عائذ بن حملة الطهوی التمیمی.

42 - جندب بن زهیر الأزدی.

43 - الأرقم بن عبد الله الکندی.

44 - شریک بن شداد الحضرمی.

45 - قبیصة بن ضبیعة العبسی.

46 - کریم بن عفیف الخثعمی العامری.

47 - عاصم بن عوف البجلی.

48 - ورقاء بن سمیّ البجلی.

49 - کدام بن حیّان العنزی.

50 - صیفی بن فسیل الشیبانی.

51 - محرز بن شهاب التمیمی المنقری.

52 - عبد الله بن حویّة السعدی التمیمی.

53 - عتبة بن الأخنس السعدی.

ص: 234

54 - سعید بن نمران الهمدانی.

55 - ثابت بن قیس النخعی.

56 - أصعر بن قیس الحارثی.

57 - یزید بن المکفکف النخعی.

58 - الحارث بن عبد الله الأعور الهمدانی.

59 - الفضل بن العبّاس الهاشمی.

60 - عمرو بن بدیل بن ورقاء الخزاعی.

61 - زیاد بن النضر الحارثی.

62 - عبد الله الأصم العامری.

63 - عمرو بن الأهتم ، نزیل الکوفة.

64 - ذریح بن عباد العبدی.

65 - بشر بن شریح القیسی.

66 - سودان بن حمران السکونی.

67 - عبد الرحمن بن عدیس أبی محمد البلوی.

68 - عروة بن شییم بن البیّاع الکنانی اللیثی.

69 - کنانة بن بشر السکونی التجیبی.

70 - الغافقی بن حرب العکّی.

71 - کعب بن عبدة ، الزاهد الناسک.

72 - مثنّی بن مخربة العبدی.

73 - عامر بن بکیر بن عبد یالیل اللیثی الکنانی - بدری.

74 - عبید بن رفاعة بن رافع الزرقی.

75 - عبد الرحمن بن عبد الله الجمحی.

76 - مسلم بن کریب القابضی الهمدانی.

ص: 235

77 - عمرو بن عبید الحارثی الهمدانی.

78 - عمرو بن حزم الأنصاری.

79 - عمیر بن ضابئ التمیمی البرجمی.

80 - أسلم بن أوس بن بجرة الساعدی.

إلی نظرائهم ممّن مرّ حدیثه أو یأتی فی هذا الجزء یزداد بصیرةً فی انعقاد هذا الإجماع الذی لا محید عن مؤدّاه ، ولا منتدح عن الجری معه ، ولا محیص عن أخذه حجّة قاطعة ، وکیف لا؟ وفیهم عُمد الصحابة ودعائمها ، وعظماء الملّة وأعضادها ، وذوو الرأی والتقوی والصلاح من البدریّین وغیرهم ، وفیهم أُمّ المؤمنین وغیر واحد من العشرة المبشّرة ، ورجال الشوری ، فإذا لم یحتجّ بإجماع مثله لا یحتجّ بأیّ إجماع قطّ ، ولو جاءت عن أحد من هؤلاء کلمة واحدة فی حقّ أی إنسان مدحاً أو ذمّا لاتّخذوه حجّة دامغة ، فکیف بهم ، وقد اجتمعوا علی کلمة واحدة.

وبهذه کلّها تظهر قیمة الکلم التافهة التی جاء بها القوم لإغراء الدهماء بالجهل أمثال ما فی تاریخ ابن کثیر (1) (8 / 12) من قوله : قال أیّوب والدارقطنی : من قدّم علیّا علی عثمان فقد أزری بالمهاجرین والأنصار. وهذا الکلام حقّ وصدق وصحیح وملیح. انتهی.

إقرأ واضحک أو ابک. فمن قدّم عثمان علی أیّ موحّد أسلم وجهه لله وهو مؤمن بعد هذا الإجماع المتسالم علیه فضلاً عن مولی المؤمنین علیّ صلوات الله علیه فقد أزری بالمهاجرین والأنصار ، والصحابة الأوّلین والتابعین لهم بإحسان.

(لَقَدْ جاءَکَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّکَ فَلا تَکُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِینَ) (2) 4.

ص: 236


1- البدایة والنهایة : 8 / 13 حوادث سنة 40 ه.
2- یونس : 94.

- 41 -

قصّة الحصار الأوّل

الاجتماع علی عثمان من أهل الأمصار : المدینة ، الکوفة ، البصرة ، مصر

أخرج البلاذری وغیره بالإسناد : التقی أهل الأمصار الثلاثة : الکوفة والبصرة ومصر فی المسجد الحرام قبل مقتل عثمان بعام ، وکان رئیس أهل الکوفة کعب بن عبدة ، ورئیس أهل البصرة المثنی بن مخربة العبدی ، ورئیس أهل مصر کنانة بن بشر ابن عتّاب بن عوف السکونی ثمّ التجیبی ، فتذاکروا سیرة عثمان وتبدیله وترکه الوفاء بما أعطی من نفسه وعاهد الله علیه ، وقالوا : لا یسعنا الرضا بهذا ، فاجتمع رأیهم علی أن یرجع کلّ واحد من هؤلاء الثلاثة إلی مصره فیکون رسول من شهد مکة من أهل الخلاف علی عثمان إلی من کان علی مثل رأیهم من أهل بلده ، وأن یوافوا عثمان فی العام المقبل فی داره فیستعتبوه ، فإن أعتب ، وإلاّ رأوا رأیهم فیه ففعلوا ذلک.

فلمّا حضر الوقت خرج الأشتر مع أهل الکوفة إلی المدینة فی مائتین ، وقال ابن قتیبة : أقبل الأشتر من الکوفة فی ألف رجل فی أربع رفاق ، وکان أُمراؤهم هو وزید بن صوحان العبدی ، وزیاد بن النضر الحارثی ، وعبد الله بن الأصم العامری ، وعلی الجمیع عمرو بن الأهتم.

وخرج حکیم بن جبلة العبدی فی مائة من أهل البصرة ولحق به بعد ذلک خمسون ، فکان فی مائة وخمسین وفیهم : ذریح بن عبّاد العبدی ، وبشر بن شریح القیسی ، وابن المحرّش - ابن المحترش - وقال ابن خلدون : وکلّهم فی مثل عدد أهل مصر فی أربع رایات.

وجاء أهل مصر وهم أربعمائة ، ویقال : خمسمائة ، ویقال : سبعمائة ، ویقال : ستمائة ، ویقال : ألف ، وفی شرح ابن أبی الحدید : کانوا ألفین. وکان فیهم : محمد بن

ص: 237

أبی بکر ، وسودان بن حمران السکونی ، ومیسرة - ویقال قتیرة - السکونی ، وعمرو ابن الحمق الخزاعی وکان من رءوسهم ، وعلیهم أُمراء أربعة :

1 - عمرو بن بدیل بن ورقاء الخزاعی ، علی ربع.

2 - عبد الرحمن بن عدیس أبو محمد البلوی ، علی ربع.

3 - عروة بن شُیَیم بن البیاع الکنانی اللیثی ، علی ربع.

4 - کنانة بن بشر السکونی التجیبی ، علی ربع.

وعلیهم جمیعاً : الغافقی بن حرب العکّی ، وکان یصلّی بالناس فی أیّام الحصار ، قال الطبری : کان جماع أمرهم جمیعاً إلی عمرو بن بدیل الخزاعی ، وکان من أصحاب النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ، وإلی عبد الرحمن بن عدیس التجیبی.

فلمّا أتوا المدینة أتوا دار عثمان ، ووثب معهم رجال من أهل المدینة من المهاجرین والأنصار منهم : عمّار بن یاسر العبسی وکان بدریّا ، ورفاعة بن رافع الأنصاری وکان بدریّا ، والحجاج بن غزیة وکانت له صحبة ، وعامر بن بکیر وکان بدریّا أحد بنی کنانة.

وفی کتاب لنائلة امرأة عثمان إلی معاویة فی روایة ابن عبد ربّه : وأهل مصر قد أسندوا أمرهم إلی علیّ ومحمد بن أبی بکر وعمّار بن یاسر وطلحة والزبیر فأمروهم بقتله ، وکان معهم من القبائل خزاعة ، وسعد بن بکر ، وهذیل ، وطوائف من جهینة ومزینة وأنباط یثرب ، وهؤلاء کانوا أشدّ الناس علیه.

وفی حدیث سعید بن المسیّب فی الأنساب والعقد والفرید وغیرهما : وقد کانت من عثمان قبل هنات إلی عبد الله بن مسعود وأبی ذر وعمّار بن یاسر ، فکان فی قلوب هذیل وبنی زهرة وبنی غفار وأحلافها من غضب لأبی ذر ما فیها ، وحنقت بنو مخزوم لحال عمّار بن یاسر.

ص: 238

وفی لفظ المسعودی : وفی الناس بنو زهرة لأجل عبد الله بن مسعود ، لأنّه کان من أحلافها ، وهذیل لأنّه کان منها ، وبنو مخزوم وأحلافها لعمّار ، وغفار وأحلافها لأجل أبی ذر ، وتیم بن مرّة مع محمد بن أبی بکر ، وغیر هؤلاء ممّن لا یحمل ذکره کتابنا. فحصروا عثمان الحصار الأوّل (1).

کتاب المصریّین إلی عثمان :

أخرج الطبری فی تاریخه (2) (5 / 116) من طریق عبد الله بن الزبیر عن أبیه ، قال : کتب أهل مصر بالسقیا (3) أو بذی خُشب (4) إلی عثمان بکتاب ، فجاء به رجل منهم حتی دخل به علیه ، فلم یردّ علیه شیئاً ، فأمر به فأُخرِج من الدار ، وکان فیما کتبوا إلیه :

بسم الله الرحمن الرحیم

أمّا بعد ؛ فاعلم أنّ الله لا یغیّر ما بقوم حتی یغیّروا ما بأنفسهم ، فالله الله ثمّ اللهف)

ص: 239


1- راجع طبقات ابن سعد طبع لیدن : 3 / 49 [3 / 66] ، الأنساب للبلاذری : 5 / 26 و 59 [134 173] ، الإمامة والسیاسة : 1 / 34 [1 / 35] ، المعارف لابن قتیبة : ص 84 [ص 196] ، تاریخ الطبری : 5 / 116 [4 / 369 حوادث سنة 35 ه] ، مروج الذهب : 1 / 441 [2 / 362] ، العقد الفرید : 2 / 262 و 263 و 269 [4 / 106 و 108 و 114] ، الریاض النضرة : 2 / 123 و 124 [3 / 56 - 58] ، الکامل لابن الأثیر : 3 / 66 [2 / 280 حوادث سنة 35 ه] ، تاریخ ابن خلدون : 2 / 393 [2 / 593] ، شرح ابن أبی الحدید : 1 / 102 [2 / 140 خطبة 30] ، تاریخ ابن کثیر : 7 / 170 و 173 ، 174 [7 / 194 و 195 و 197 حوادث سنة 35 ه] ، حیاة الحیوان للدمیری : 1 / 53 [1 / 77] ، الإصابة : 2 / 411 [رقم 5163] ، الصواعق المحرقة : ص 69 [ص 116] ، تاریخ الخلفاء للسیوطی : ص 106 [ص 148] ، تاریخ الخمیس : 2 / 259 [2 / 261]. (المؤلف)
2- تاریخ الأُمم والملوک : 4 / 369 حوادث سنة 35 ه.
3- من أسافل أودیة تهامة [معجم البلدان : 3 / 228]. (المؤلف)
4- وادٍ علی مسیرة لیلة من المدینة کما مرّ. (المؤلف)

الله ، فإنّک علی دنیا فاستتمّ إلیها معها آخرة ، ولا تلبس (1) نصیبک من الآخرة ، فلا تسوغ لک الدنیا ، واعلم أنّا والله لله نغضب وفی الله نرضی ، وإنّا لن نضع سیوفنا عن عواتقنا حتی تأتینا منک توبة مصرّحة أو ضلالة مجلّحة مبلّجة ، فهذه مقالتنا لک وقضیّتنا إلیک ، والله عذیرنا منک. والسلام.

عهد الخلیفة علی نفسه أن یعمل بالکتاب والسنّة وذلک فی سنة (35 ه):

أخرج البلاذری من روایة أبی مخنف فی الأنساب (2) (5 / 62): إنّ المصریّین وردوا المدینة فأحاطوا وغیرهم بدار عثمان فی المرّة الأولی. إلی أن قال : وأتی المغیرة ابن شعبة [عثمان] (3) فقال له : دعنی آت القوم فأنظر ما یریدون ، فمضی نحوهم ، فلمّا دنا منهم صاحوا به : یا أعور وراءک ، یا فاجر وراءک ، یا فاسق وراءک. فرجع ، ودعا عثمان عمرو بن العاص فقال له : ائت القوم فادعهم إلی کتاب الله والعتبی ممّا ساءهم. فلمّا دنا منهم سلّم فقالوا لا سلّم الله علیک ، ارجع یا عدوّ الله ، ارجع یا ابن النابغة فلست عندنا بأمین ولا مأمون ، فقال له ابن عمر وغیره : لیس لهم إلاّ علیّ بن أبی طالب. [فبعث عثمان إلی علیّ] (4) فلمّا أتاه قال : یا أبا الحسن ائت هؤلاء القوم فادعهم إلی کتاب الله وسنّة نبیّه. قال : «نعم إن أعطیتنی عهد الله ومیثاقه علی أنّک تفی لهم بکلّ ما أضمنه عنک» ، قال : نعم. فأخذ علیّ علیه عهد الله ومیثاقه علی أوکد ما یکون وأغلظ ، وخرج إلی القوم فقالوا : وراءک. قال : «لا ، بل أمامی ، تُعطون کتاب الله وتُعتبون من کلّ ما سخطتم» ، فعرض علیهم ما بذل عثمان ، فقالوا : أتضمن ذلک عنه؟ قال : «نعم». قالوا : رضینا. وأقبل وجوههم وأشرافهم مع علیّ حتی دخلوا علی 9.

ص: 240


1- کذا ، ولعلّه : لا تنس نصیبک ، أخذاً من القرآن الکریم. (المؤلف)
2- أنساب الأشراف : 6 / 179.
3- الزیادة من المصدر.
4- أنساب الأشراف : 6 / 179.

عثمان وعاتبوه فأعتبهم من کلّ شیء فقالوا : اکتب بهذا کتاباً. فکتب :

بسم الله الرحمن الرحیم

هذا کتاب من عبد الله عثمان أمیر المؤمنین لمن نقم علیه من المؤمنین والمسلمین ، إنّ لکم أن أعمل فیکم بکتاب الله وسنّة نبیّه ، یُعطی المحروم ، ویُؤمن الخائف ، ویردّ المنفی ، ولا تجمّر (1) البعوث ، ویُوفّر الفیء ، وعلیّ بن أبی طالب ضمین المؤمنین والمسلمین علی عثمان بالوفاء [بما] (2) فی هذا الکتاب.

شهد : الزبیر بن العوام ، وطلحة بن عبید الله ، وسعد بن مالک بن أبی وقّاص (3) ، وعبد الله بن عمرو (4) ، وزید بن ثابت ، وسهل بن حُنیف ، وأبو أیوب خالد ابن زید.

وکتب فی ذی القعدة سنة خمس وثلاثین.

فأخذ کلّ قوم کتاباً فانصرفوا.

وقال علیّ بن أبی طالب لعثمان : «أخرج فتکلّم کلاماً یسمعه الناس ویحملونه عنک وأَشهِد اللهَ ما فی قلبک ، فإنّ البلاد قد تمخّضت علیک ، ولا تأمن أن یأتی رکب آخر من الکوفة أو من البصرة أو من مصر فتقول : یا علیّ ارکب إلیهم. فإن لم أفعل قلت : قطع رحمی ، واستخفّ بحقّی» ، فخرج عثمان فخطب الناس فأقرّ بما فعل واستغفر الله منه ، وقال : سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول : «من زلّ فلیُنب». فأنا أوّل من اتّعظ ، فإذا نزلت فلیأتنی أشرافکم فلیردّونی برأیهم ، فو الله لو ردّنی إلی الحقّ عبد ر.

ص: 241


1- تجمّر الجیش : تحبّس فی أرض العدو ولم یقفل. (المؤلف)
2- الزیادة من المصدر.
3- هو سعد بن أبی وقاص مالک بن أهیب الزهری.
4- فی المصدر : عبد الله بن عمر.

لاتّبعته وما عن الله مذهب إلاّ إلیه ، فسرّ الناس بخطبته واجتمعوا إلی بابه مبتهجین بما کان منه. فخرج إلیهم مروان فزبرهم وقال : شاهت وجوهکم ما اجتماعکم؟ أمیر المؤمنین مشغول عنکم ، فإن احتاج إلی أحد منکم فسیدعوه ، فانصرفوا ، وبلغ علیّا الخبر فأتی عثمان وهو مُغضب فقال : «أما رضیت من مروان ولا رضی منک إلاّ بإفساد دینک ، وخدیعتک عن عقلک؟ وإنّی لأراه سیوردک ثمّ لا یُصدرک ، وما أنا بعائدٍ بعد مقامی هذا لمعاتبتک».

وقالت له امرأته نائلة بنت الفرافصة : قد سمعت قول علیّ بن أبی طالب فی مروان وقد أخبرک أنّه غیر عائد إلیک ، وقد أطعت مروان ولا قدر له عند الناس ولا هیبة ، فبعث إلی علیّ فلم یأتِه.

وأخرج ابن سعد من طریق أبی عون قال : سمعت عبد الرحمن بن الأسود بن عبد یغوث ذکر مروان فقال : قبّحه الله خرج عثمان علی الناس فأعطاهم الرضا وبکی علی المنبر حتی استهلّت دموعه ، فلم یزل مروان یفتله فی الذروة والغارب (1) حتی لفته عن رأیه.

قال : وجئت إلی علیّ فأجده بین القبر والمنبر ومعه عمّار بن یاسر ومحمد بن أبی بکر وهما یقولان : صنع مروان بالناس. قلت : نعم (2).

صورة أخری من توبة الخلیفة :

أخرج الطبری من طریق علیّ بن عمر عن أبیه ، قال : إنّ علیّا جاء عثمان بعد ف)

ص: 242


1- لم یزل یفتل فی الذروة والغارب. مثل فی المخادعة ، أی یدور من وراء خدیعته. (المؤلف)
2- وأخرج الطبری [فی تاریخ الأُمم والملوک : 4 / 363 حوادث سنة 35 ه] حدیث أبی عون هذا وتبعه ابن الأثیر [فی الکامل فی التاریخ : 2 / 285 حوادث سنة 35 ه] وسیوافیک لفظه ، وأوعز إلیه الدمیری فی حیاة الحیوان : 1 / 53 [1 / 77]. (المؤلف)

انصراف المصریّین ، فقال له : «تکلّم کلاماً یسمعه الناس منک ، ویشهدون علیه ویشهد الله علی ما فی قلبک من النزوع والإنابة ، فإنّ البلاد قد تمخّضت علیک ، فلا آمن رکباً آخرین یقدمون من الکوفة فتقول : یا علیّ ارکب إلیهم ، ولا أقدر أن أرکب إلیهم ولا أسمع عذراً ، ویقدم رکب آخرون من البصرة فتقول : یا علیّ ارکب إلیهم ، فإن لم أفعل رأیتنی قد قطعت رحمک واستخففت بحقّک». قال : فخرج عثمان وخطب الخطبة التی نزع فیها وأعطی الناس من نفسه التوبة ، فقام فحمد الله وأثنی علیه بما هو أهله ، ثمّ قال :

أمّا بعد ؛ أیّها الناس فو الله ما عاب من عاب منکم شیئاً أجهله ، وما جئت شیئاً إلاّ وأنا أعرفه ، ولکنّی منّتنی نفسی وکذّبتنی ، وضلّ عنّی رشدی ، ولقد سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول : «من زلّ فلیتب (1) ومن أخطأ فلیتب ولا یتمادی فی الهلکة ، إنّ من تمادی فی الجور کان أبعد من الطریق» ، فأنا أوّل من اتّعظ ، أستغفر الله ممّا فعلت ، وأتوب إلیه ، فمثلی نزع وتاب ، فإذا نزلت فلیأتنی أشرافکم فلیُرونی رأیهم ، فو الله لئن ردّنی إلی الحقّ عبد لأستننّ بسنّة العبد ، ولأذلنّ ذلّ العبد ، ولأکوننّ کالمرقوق ، إن مُلک صبر ، وإن عُتق شکر ، وما من الله مذهب إلاّ إلیه ، فلا یعجزنّ عنکم خیارکم أن یدنوا إلیّ ، لئن أبت یمینی لتتابعنی شمالی.

قال : فرقّ الناس له یومئذٍ ، وبکی من بکی منهم ، وقام إلیه سعید بن یزید (2) فقال : یا أمیر المؤمنین لیس بواصل لک من لیس معک ، الله الله فی نفسک ، فأتمم علی ما قلت.

فلمّا نزل عثمان وجد فی منزله مروان وسعیداً (3) ونفراً من بنی أُمیّة ولم یکونوا ف)

ص: 243


1- کذا فی تاریخ الطبری : والصحیح ما مرّ فی روایة البلاذری : من زلّ فلیُنب. (المؤلف)
2- فی تاریخ الطبری : سعید بن زید.
3- هو سعید بن العاص. (المؤلف)

شهدوا الخطبة ، فلمّا جلس قال مروان : یا أمیر المؤمنین : أتکلّم أم اصمت؟ فقالت نائلة ابنة الفرافصة امرأة عثمان الکلبیّة : لا بل اصمت فإنّهم والله قاتلوه ومؤثِّموه ، إنّه قد قال مقالة لا ینبغی له أن ینزع عنها. فأقبل علیها مروان فقال : ما أنتِ وذاک؟ فو الله لقد مات أبوک وما یحسن یتوضّأ. فقالت له : مهلاً یا مروان عن ذکر الآباء ، تخبر عن أبی وهو غائب تکذب علیه ، وإنّ أباک لا یستطیع أن یدفع عنه ، أما والله لو لا أنّه عمّه وأنّه یناله غمّه أخبرتک عنه ما لن أکذب علیه. قال : فأعرض عنها مروان ، ثم قال : یا أمیر المؤمنین أتکلّم أم اصمت؟ قال : بل تکلّم. فقال مروان : بأبی أنت وأُمّی والله لوددت أنّ مقالتک هذه کانت وأنت مُمنّع منیع فکنت أوّل من رضی بها وأعان علیها ولکنّک قلت ما قلت حین بلغ الحزام الطُبیین ، وخلف السیل الزبی ، وحین أعطی الخطّة الذلیلة الذلیل ، والله لإقامة علی خطیئة تستغفر الله منها أجمل من توبة تخوّف علیها ، وإنّک إن شئت تقرّبت بالتوبة ولم تقرر بالخطیئة ، وقد اجتمع إلیک علی الباب مثل الجبال من الناس. فقال عثمان : فاخرج إلیهم فکلّمهم فإنّی استحی أن أُکلّمهم. قال : فخرج مروان إلی الباب والناس یرکب بعضهم بعضاً فقال : ما شأنکم قد اجتمعتم؟ کأنّکم قد جئتم لنهب ، شاهت الوجوه ، کلّ إنسان آخذ بأذن صاحبه ألا من أُریدَ (1)؟ جئتم تریدون أن تنزعوا ملکنا من أیدینا اخرجوا عنّا ، أما والله لئن رُمتمونا لیمرنّ علیکم منّا أمر لا یسرّکم ولا تحمدوا غبّ رأیکم ، ارجعوا إلی منازلکم ، فإنّا والله ما نحن مغلوبین علی ما فی أیدینا ، قال : فرجع الناس وخرج بعضهم حتی أتی علیّا فأخبره الخبر ، فجاء علیّ علیه السلام مغضباً حتی دخل علی عثمان فقال : «أما رضیت من مروان ولا رضی منک إلاّ بتحرّفک (2) عن دینک وعن عقلک مثل جمل الظعینة یُقاد حیث یسار به؟ والله ما مروان بذی رأی فی دینه ولا نفسه ،ف)

ص: 244


1- کذا فی تاریخ الطبری ، وفی الکامل : شاهت الوجوه إلی من أرید. (المؤلف)
2- فی لفظ البلاذری : إلاّ بإفساد دینک ، وخدیعتک عن عقلک. وفی لفظ ابن کثیر : إلاّ بتحویلک عن دینک وعقلک ، وإنّ مثلک مثل جمل الظعینة سار حیث یسار به. (المؤلف)

وایم الله إنّی لأراه سیوردک ثمّ لا یُصدرک ، وما أنا بعائدٍ بعد مقامی هذا لمعاتبتک ، أذهبت شرفک ، وغُلبت علی أمرک».

فلمّا خرج علیّ دخلت علیه نائلة ابنة الفرافصة امرأته ، فقالت : أتکلّم أو أسکت؟ فقال : تکلّمی. فقال : قد سمعت قول علیّ لک وأنّه لیس یعاودک ، وقد أطعت مروان یقودک حیث شاء ، قال : فما أصنع؟ قالت : تتّقی الله وحده لا شریک له وتتّبع سنّة صاحبیک من قبلک ، فإنّک متی أطعت مروان قتلک ، ومروان لیس له عند الناس قدر ولا هیبة ولا محبّة ، وإنّما ترکک الناس لمکان مروان ، فأرسل إلی علیّ فاستصلحه فإنّ له قرابة منک وهو لا یُعصی. قال : فأرسل عثمان إلی علیّ فأبی أن یأتیه ، وقال : «قد أعلمته أنّی لست بعائد». فبلغ مروان مقالة نائلة فیه ، فجاء إلی عثمان فجلس بین یدیه ، فقال : أتکلّم أو أسکت؟ فقال : تکلّم. فقال : إنّ بنت الفرافصة ، فقال عثمان : لا تذکرنّها بحرف فأسوء لک وجهک فهی والله أنصح لی منک ، فکفّ مروان (1).

صورة أخری من التوبة :

من طریق أبی عون ، قال : سمعت عبد الرحمن بن الأسود بن عبد یغوث یذکر مروان بن الحکم ، قال : قبّح الله مروان ، خرج عثمان إلی الناس فأعطاهم الرضا ، وبکی علی المنبر وبکی الناس حتی نظرت إلی لحیة عثمان مخضلّة من الدموع وهو یقول : اللهمّ إنّی أتوب إلیک ، اللهمّ إنّی أتوب إلیک ، اللهمّ إنّی أتوب إلیک ، والله لئن ردّنی الحقّ إلی أن أکون عبداً قنّا لأرضینّ به ، إذا دخلت منزلی فادخلوا علیّ ، فو الله ف)

ص: 245


1- الأنساب للبلاذری : 5 / 64 و 65 [6 / 177 و 179] ، تاریخ الطبری : 5 / 111 [4 / 360 حوادث سنة 35 ه] ، الکامل لابن الأثیر : 3 / 68 [2 / 285 حوادث سنة 35 ه] ، تاریخ ابن کثیر : 7 / 172 [7 / 193 حوادث سنة 35 ه] ، شرح ابن أبی الحدید : 1 / 163 و 164 [2 / 146 - 147 خطبة 30] ، تاریخ ابن خلدون : 2 / 396 و 397 [2 / 597 - 598]. (المؤلف)

لا أحتجب منکم ولأعطینّکم [الرضا] (1) ولأزیدنّکم علی الرضا ، ولأُنَحِیَنَّ مروان وذویه.

قال : فلمّا دخل أمر بالباب ففتح ، ودخل بیته ودخل علیه مروان ، فلم یزل یفتله فی الذروة والغارب حتی فتله عن رأیه ، وأزاله عمّا کان یرید ، فلقد مکث عثمان ثلاثة أیّام ما خرج استحیاء من الناس ، وخرج مروان إلی الناس ، فقال : شاهت الوجوه إلاّ من أُرید ، ارجعوا إلی منازلکم ، فإن یکن لأمیر المؤمنین حاجةبأحد منکم یرسل إلیه وإلاّ قرّ فی بیته. قال عبد الرحمن : فجئت إلی علیّ فأجده بین القبر والمنبر وأجد عنده عمّار بن یاسر ومحمد بن أبی بکر وهما یقولان : صنع مروان بالناس وصنع. قال : فأقبل علیَّ علیٌّ ، فقال : «أحضرت خطبة عثمان؟» قلت : نعم. قال : «أفحضرت مقالة مروان للناس؟» قلت : نعم. قال علیّ : «عیاذ الله یا للمسلمین ، إنّی إن قعدت فی بیتی قال لی : ترکتنی وقرابتی وحقّی ، وإنّی إن تکلّمت فجاء ما یرید یلعب به مروان ، فصار سیقة له یسوقه حیث شاء بعد کبر السنّ وصحبة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم».

قال عبد الرحمن بن الأسود : فلم یزل حتی جاء رسول عثمان : ائتنی. فقال علیّ بصوت مرتفعٍ عالٍ مغضب : «قل له : ما أنا بداخل علیک ولا عائد». قال : فانصرف الرسول ، فلقیت عثمان بعد ذلک بلیلتین جائیاً (2) ، فسألت ناتلاً غلامه : من أین جاء أمیر المؤمنین؟ فقال : کان عند علیّ ، فقال عبد الرحمن بن الأسود : فغدوت فجلست مع علیّ علیه السلام فقال لی : «جاءنی عثمان البارحة ، فجعل یقول : إنّی غیر عائد وإنّی فاعل ، قال : فقلت له : بعد ما تکلّمت به علی منبر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، وأعطیت من نفسک ، ثمّ دخلت بیتک ، وخرج مروان إلی الناس فشتمهم علی بابک ویؤذیهم؟ قال : ً.

ص: 246


1- الزیادة من المصدر.
2- فی المصدر : خائباً.

فرجع وهو یقول : قطعت رحمی وخذلتنی وجرّأت الناس علیّ. فقلت : والله إنّی لأذبّ الناس عنک ، ولکنّی کلّما جئتک بهنةٍ أظنّها لک رضاً جاء بأخری ، فسمعت قول مروان علیّ واستدخلت مروان». قال : ثمّ انصرف إلی بیته ، فلم أزل أری علیّا منکّباً عنه لا یفعل ما کان یفعل (1).

عهد آخر بعد حنث الأوّل :

أخرج الطبری من طریق عبد الله بن الزبیر عن أبیه ، قال : کتب أهل المدینة إلی عثمان یدعونه إلی التوبة ، ویحتجّون ویقسمون له بالله لا یمسکون عنه أبداً حتی یقتلوه ، أو یعطیهم ما یلزمه من حقّ الله ، فلمّا خاف القتل شاور نصحاءه وأهل بیته ، فقال لهم : قد صنع القوم ما قد رأیتم فما المخرج؟ فأشاروا علیه أن یرسل إلی علیّ بن أبی طالب فیطلب إلیه أن یردّهم عنه ویعطیهم ما یرضیهم لیطاولهم حتی یأتیه أمداده ، فقال : إنّ القوم لن یقبلوا التعلیل ، وهم محمّلی عهداً وقد کان منّی فی قدمتهم الأولی ما کان ، فمتی أعطهم ذلک یسألونی الوفاء به.

فقال مروان بن الحکم : یا أمیر المؤمنین مقاربتهم حتی تقوی أمثل من مکاثرتهم علی القرب ، فأعطهم ما سألوک ، وطاولهم ما طاولوک ، فإنّما هم بغوا علیک فلا عهد لهم.

فأرسل إلی علیّ فدعاه ، فلمّا جاءه قال : یا أبا حسن إنّه قد کان من الناس ما قد رأیت ، وکان منّی ما قد علمت ، ولست آمنهم علی قتلی ، فارددهم عنّی ، فإنّ لهم الله عزّ وجلّ أن أُعتبهم من کلّ ما یکرهون ، وأن أُعطیهم الحقّ من نفسی ومن غیری وإن کان فی ذلک سفک دمی.

فقال له علیّ : «الناس إلی عدلک أحوج منهم إلی قتلک ، وإنّی لأری قوماً ف)

ص: 247


1- تاریخ الطبری : 5 / 112 [4 / 363 حوادث سنة 35 ه] ، الکامل لابن الأثیر : 3 / 96 [2 / 286 حوادث سنة 35 ه]. (المؤلف)

لا یرضون إلاّ بالرضا ، وقد کنت أعطیتهم فی قدمتهم الأولی عهداً من الله لترجعنّ عن جمیع ما نقموا ، فرددتهم عنک ، ثمّ لم تفِ لهم بشیء من ذلک ، فلا تغرّنی هذه المرّة من شیء ، فإنّی معطیهم علیک الحقّ».

قال : نعم ، فأعطهم فو الله لَأَفِینّ لهم.

فخرج علیّ إلی الناس ، فقال : «أیّها الناس إنّکم إنّما طلبتم الحقّ فقد أُعطِیتموه ، إنّ عثمان قد زعم أنّه منصفکم من نفسه ومن غیره ، وراجع عن جمیع ما تکرهون ، فاقبلوا منه ووکّدوا علیه». قال الناس : قد قبلنا ، فاستوثق منه لنا ، فإنّا والله لا نرضی بقول دون فعل. فقال لهم علیّ : «ذلک لکم». ثمّ دخل علیه فأخبره الخبر ، فقال عثمان : اضرب بینی وبینهم أجلاً یکون لی فیه مهلة ، فإنّی لا أقدر علی ردّ ما کرهوا فی یوم واحد ، قال له علیّ : «ما حضر بالمدینة فلا أجل فیه ، وما غاب فأجله وصول أمرک» ، قال : نعم ، ولکن أجّلنی فی ما بالمدینة ثلاثة أیّام. قال علیّ : «نعم». فخرج إلی الناس فأخبرهم بذلک ، وکتب بینهم وبین عثمان کتاباً أجّله فیه ثلاثاً علی أن یردّ کلّ مظلمة ، ویعزل کلّ عامل کرهوه ، ثمّ أخذ علیه فی الکتاب أعظم ما أخذ الله علی أحد من خلقه من عهد ومیثاق ، وأشهد علیه ناساً من وجوه المهاجرین والأنصار ، فکفّ المسلمون عنه ورجعوا إلی أن یفی لهم بما أعطاهم من نفسه.

فجعل یتأهّب للقتال ویستعدّ بالسلاح ، وقد کان اتّخذ جنداً عظیماً من رقیق الخمس ، فلمّا مضت الأیّام الثلاثة وهو علی حاله لم یغیّر شیئاً ممّا کرهوه ، ولم یعزل عاملاً ، ثار به الناس ، وخرج عمرو بن حزم الأنصاری حتی أتی المصریّین وهم بذی خُشب ، فأخبرهم الخبر وسار معهم حتی قدموا المدینة ، فأرسلوا إلی عثمان : ألم نفارقک علی أنّک زعمت أنّک تائب من إحداثک ، وراجع عمّا کرهنا منک ، وأعطیتنا علی ذلک عهد الله ومیثاقه؟ قال : بلی أنا علی ذلک. قال : فما هذا الکتاب الذی وجدنا مع رسولک؟ الحدیث (1).ف)

ص: 248


1- تاریخ الطبری : 5 / 116 [4 / 369 حوادث سنة 35 ه] ، الکامل لابن الأثیر : 3 / 71 و 72 [2 / 288 - 289 حوادث سنة 35 ه] ، شرح ابن أبی الحدید : 1 / 166 [2 / 149 خطبة 30]. (المؤلف)

سیاسة ضئیلة :

لمّا تکلّم علیّ مع المصریّین ورجّعهم إلی بلادهم ورجع هو إلی المدینة دخل علی عثمان وأخبره أنّهم رجعوا ، فمکث عثمان ذلک الیوم ، حتی إذا کان الغد جاءه مروان فقال له : تکلّم وأعلم الناس أنّ أهل مصر قد رجعوا ، وأنّ ما بلغهم عن إمامهم کان باطلاً فإنّ خطبتک تسیر فی البلاد قبل أن یتحلّب الناس علیک من أمصارهم فیأتیک من لا تستطیع دفعه ، فأبی عثمان أن یخرج ، فلم یزل به مروان حتی خرج فجلس علی المنبر فحمد الله وأثنی علیه ثم قال : أمّا بعد : إنّ هؤلاء القوم من أهل مصر کان بلغهم عن إمامهم أمر فلمّا تیقّنوا أنه باطل ما بلغهم عنه رجعوا إلی بلادهم.

فناداه الناس من کلّ ناحیة : اتّق الله یا عثمان وتب إلی الله. وکان أوّلهم عمرو ابن العاصی. قال : اتّق الله یا عثمان فإنّک قد رکبت نهابیر ورکبناها معک فتب إلی الله نتب. إلی آخر ما مرّ فی هذا الجزء صفحة (137).

قصّة الحصار الثانی

أخرج البلاذری من طریق أبی مخنف قال : لمّا شخص المصریّون بعد الکتاب ف)

ص: 249

الذی کتبه عثمان فصاروا بأیلة (1) أو بمنزل قبلها رأوا راکباً خلفهم یرید مصر فقالوا له : من أنت؟ فقال : رسول أمیر المؤمنین إلی عبد الله بن سعد ، وأنا غلام أمیر المؤمنین. وکان أسود ، فقال بعضهم لبعض : لو أنزلناه وفتّشناه ألاّ یکون صاحبه قد کتب فینا بشیء ، ففعلوا فلم یجدوا معه شیئاً ، فقال بعضهم لبعض : خلّوا سبیله ، فقال کنانة بن بشر : أما والله دون أن أنظر فی إداوته فلا. فقالوا : سبحان الله أیکون کتاب فی ماء؟ فقال : إنّ للناس حِیَلاً. ثمّ حلّ الإداوة فإذا فیها قارورة مختومة ، أو قال : مضمومة ، فی جوف القارورة کتاب فی أنبوب من رصاص فأخرجه فقرئ فإذا فیه :

أمّا بعد : فإذا قدم علیک عمرو بن بدیل فاضرب عنقه ، واقطع یدی ابن عدیس وکنانة وعروة ، ثمّ دعهم یتشحّطون فی دمائهم حتی یموتوا ، ثمّ أوثقهم علی جذوع النخل.

فیقال : إنّ مروان کتب الکتاب بغیر علم عثمان ، فلمّا عرفوا ما فی الکتاب ، قالوا : عثمان مُحلّ. ثمّ رجعوا عودهم علی بدئهم حتی دخلوا المدینة فلقوا علیّا بالکتاب وکان خاتمه من رصاص ، فدخل به علیّ علی عثمان فحلف بالله ما هو کتابه ولا یعرفه وقال : أمّا الخطّ فخطّ کاتبی ، وأمّا الخاتم فعلی خاتمی ، قال علیّ : «فمن تتّهم؟» قال : أتّهمک وأتّهم کاتبی. فخرج علیّ مغضباً وهو یقول : «بل هو أمرک». قال أبو مخنف : وکان خاتم عثمان بدءاً عند حمران بن أبان ثمّ أخذه مروان حین شخص حمران إلی البصرة فکان معه.

وفی لفظ جُهیم الفهری قال : أنا حاضر أمر عثمان فذکر کلاماً فی أمر عمّار. فانصرف القوم راضین ، ثمّ وجدوا کتاباً إلی عامله علی مصر أن یضرب أعناق رؤساء المصریّین ، فرجعوا ودفعوا الکتاب إلی علیّ فأتاه به فحلف له أنّه لم یکتبه ولم ف)

ص: 250


1- أیله بالفتح : مدینة علی ساحل بحر القلزم ممّا یلی الشام. وقیل : هی آخر الحجاز وأوّل الشام [معجم البلدان : 1 / 292]. (المؤلف)

یعلم به. فقال له علیّ : «فمن تتّهم فیه؟» فقال : أتهم کاتبی وأتّهمک یا علیّ! لأنّک مُطاع عند القوم ولم تردّهم عنّی.

وجاء المصریّون إلی دار عثمان فأحدقوا بها وقالوا لعثمان وقد أشرف علیهم : یا عثمان أهذا کتابک؟ فجحد وحلف ، فقالوا : هذا شرّ ، یکتب عنک بما لا تعلمه ، ما مثلک یلی أُمور المسلمین ، فاختلع من الخلافة. فقال : ما کنت لأنزع قمیصاً قمّصنیه الله ، أو قال : سربلنیه الله. وقالت بنو أُمیّة : یا علیّ أفسدت علینا أمرنا ودسست وألّبت ، فقال : «یا سفهاء إنّکم لتعلمون أنّه لا ناقة لی فی هذا ولا جمل ، وأنّی رددت أهل مصر عن عثمان ثمّ أصلحت أمره مرّة بعد أخری فما حیلتی؟» وانصرف وهو یقول : «اللهمّ إنّی بریء ممّا یقولون ومن دمه إن حدث به حدث».

قال : وکتب عثمان حین حصروه کتاباً قرأه ابن الزبیر علی الناس یقول فیه : والله ما کتبت الکتاب ولا أمرت به ولا علمت بقصّته وأنتم مُعتبون من کلّ ما ساءکم ، فأمّروا علی مصرکم من أحببتم ، وهذه مفاتیح بیت مالکم فادفعوها إلی من شئتم. فقالوا : قد اتّهمناک بالکتاب فاعتزلنا.

وأخرج ابن سعد (1) من طریق جابر بن عبد الله الأنصاری ، قال : إنّ عثمان وجّه إلی المصریّین لمّا أقبلوا یریدونه محمد بن مسلمة فی خمسین من الأنصار أنا فیهم فأعطاهم الرضا وانصرفوا ، فلمّا کانوا ببعض الطریق رأوا جملاً علیه میسم الصدقة فأخذوه ، فإذا غلام لعثمان ففتّشوه ، فإذا معه قصبة من رصاص فی جوف إداوة فیها کتاب إلی عامل مصر : أن افعل بفلان کذا ، وبفلان کذا ، فرجع القوم إلی المدینة فأرسل إلیهم عثمان محمد بن مسلمة ، فلم یرجعوا وحصروه.

صورة أخری :

عن سعید بن المسیّب قال : إنّ عثمان لمّا ولی کره ولایته نفر من أصحاب 5.

ص: 251


1- الطبقات الکبری : 3 / 65.

رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لأنّ عثمان کان یحبّ قومه ، فولی الناس اثنتی عشرة سنة ، وکان کثیراً ما یولّی بنی أُمیّة ممّن لم یکن له من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم صحبة ، وکان یجیء من أُمرائه ما یکره أصحاب محمد ، فکان یُستعتب فیهم فلا یعزلهم ، فلمّا کان فی الحجج الآخرة استأثر ببنی عمّه فولاّهم وولّی عبد الله بن سعد بن أبی سرح مصر ، فمکث علیها سنین فجاء أهل مصر یشکونه ویتظلّمون منه ، وقد کانت من عثمان قبل هنات إلی عبد الله بن مسعود وأبی ذر وعمّار بن یاسر ، فکان فی قلوب هُذیل وبنی زهرة وبنی غفار وأحلافها من غضب لأبی ذر ما فیها ، وحنقت بنو مخزوم لحال عمّار بن یاسر ، فلمّا جاء أهل مصر یشکون ابن أبی سرح ، کتب إلیه کتاباً یتهدّده فیه ، فأبی أن ینزع عمّا نهاهُ عثمان عنه وضرب بعض من شکاه إلی عثمان من أهل مصر حتی قتله ، فخرج من أهل مصر سبعمائة رجل إلی المدینة فنزلوا المسجد وشکوا ما صنع بهم ابن أبی سرح فی مواقیت الصلاة إلی أصحاب محمد ، فقام طلحة إلی عثمان فکلّمه بکلام شدید ، وأرسلت إلیه عائشة رضی الله تعالی عنها تسأله أن ینصفهم من عامله ، ودخل علیه علیّ بن أبی طالب - وکان متکلّم القوم - فقال له : «إنّما یسألک القوم رجلاً مکان رجل ، وقد ادّعوا قِبَله دماً فاعزله عنهم واقض بینهم ، فإن وجب علیه حقّ فأنصفهم منه». فقال لهم : اختاروا رجلاً أُولّیه علیکم مکانه. فأشار الناس علیهم بمحمد بن أبی بکر الصدّیق فقالوا : استعمل علینا محمد بن أبی بکر. فکتب عهده وولاّه ووجّه معهم عدّة من المهاجرین والأنصار ینظرون فیما بینهم وبین ابن أبی سرح ، فشخص محمد بن أبی بکر وشخصوا جمیعاً ، فلمّا کانوا علی مسیرة ثلاث من المدینة إذا هم بغلام أسود علی بعیر وهو یخبط البعیر خبطاً کأنّه رجل یطلب أو یُطلب ، فقال له أصحاب محمد بن أبی بکر : ما قصّتک؟ وما شأنک؟ کأنّک هارب أو طالب. فقال لهم مرّة : أنا غلام أمیر المؤمنین ، وقال أخری : أنا غلام مروان ، وجّهنی إلی عامل مصر برسالة ، قالوا : فمعک کتاب؟ قال : لا. ففتّشوه ، فلم یجدوا معه شیئاً وکانت معه إداوة قد یبست فیها شیء یتقلقل فحرّکوه لیخرج فلم یخرج ، فشقّوا

ص: 252

الإداوة فإذا فیها کتاب من عثمان إلی ابن أبی سرح.

فجمع محمد من کان معه من المهاجرین والأنصار وغیرهم ثمّ فکّ الکتاب بمحضر منهم فإذا فیه : إذا أتاک محمد بن أبی بکر وفلان وفلان فاحتل لقتلهم وأبطل کتاب محمد وقرّ علی عملک حتی یأتیک رأیی ، واحبس من یجیء إلیّ متظلّماً منک إن شاء الله ، فلمّا قرأوا الکتاب فزعوا وغضبوا ورجعوا إلی المدینة وختم محمد بن أبی بکر الکتاب بخواتیم نفر ممّن کان معه ودفعه إلی رجل منهم وقدموا المدینة ، فجمعوا علیّا وطلحة والزبیر وسعداً ومن کان من أصحاب النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ثمّ فکّوا الکتاب بمحضر منهم وأخبروهم بقصّة الغلام وأقرأوهم الکتاب ، فلم یبق أحد من أهل المدینة إلاّ حنق علی عثمان ، وزاد ذلک من کان غضب لابن مسعود وعمّار بن یاسر وأبی ذر حنقاً وغیظاً ، وقام أصحاب النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم بمنازلهم ما منهم أحد إلاّ وهو مغتمّ لما فی الکتاب.

وحاصر الناس عثمان وأجلب علیه محمد بن أبی بکر ببنی تیم وغیرهم ، وأعانه علی ذلک طلحة بن عبید الله ، وکانت عائشة تقرصه کثیراً ، ودخل علیّ وطلحة والزبیر وسعد وعمّار فی نفر من أصحاب محمد صلی الله علیه وآله وسلم کلّهم بدریّ علی عثمان ومع علیّ الکتاب والغلام والبعیر ، فقال له علیّ : «هذا الغلام غلامک؟» قال : نعم. قال : «والبعیر بعیرک؟» قال : نعم. قال : «وأنت کتبت هذا الکتاب؟» قال : لا ، وحلف بالله : ما کتبت هذا الکتاب ولا أمرت به ولا علمت شأنه ، فقال له علیّ : «أفالخاتم خاتمک؟» قال : نعم. قال : «فکیف یخرج غلامک ببعیرک بکتاب علیه خاتمک ولا تعلم به؟» فحلف بالله : ما کتبت الکتاب ولا أمرت به ولا وجّهت هذا الغلام إلی مصر قطّ. وعرفوا أن الخطّ خطّ مروان فسألوه أن یدفع إلیهم مروان فأبی ، وکان مروان عنده فی الدار ، فخرج أصحاب محمد صلی الله علیه وآله وسلم من عنده غضاباً وعلموا أنّه لا یحلف بباطل ، إلاّ أنّ قوماً قالوا : لن یبرأ عثمان فی قلوبنا إلاّ أن یدفع إلینا مروان

ص: 253

حتی نبحثه عن الأمر ونعرف حال الکتاب ، وکیف یؤمر بقتل رجال من أصحاب رسول الله بغیر حقّ؟ فإن یکن عثمان کتبه عزلناه ، وإن یکن مروان کتبه عن لسان عثمان نظرنا ما یکون منّا فی أمر مروان ، فلزموا بیوتهم فأبی عثمان أن یخرج مروان.

فحاصر الناس عثمان ومنعوه الماء ، فأشرف علی الناس فقال : أفیکم علیّ؟ فقالوا : لا. قال : أفیکم سعد؟ فقالوا : لا. فسکت ، ثمّ قال ألا أحد یبلّغ علیّا فیسقینا ماءً؟ فبلغ ذلک علیّا فبعث إلیه بثلاث قرب مملوءة ماءً فما کادت تصل إلیه ، وجُرح بسببها عدّة من موالی بنی هاشم وبنی أُمیّة حتی وصلت.

لفظ الواقدی :

من طریق محمد بن مسلمة ، وقد أسلفنا صدره فی (ص 132 ، 133) ، وإلیک بقیّته : فوجدنا فیه هذا الکتاب فإذا فیه :

بسم الله الرحمن الرحیم

أمّا بعد : فإذا قدم علیک عبد الرحمن بن عدیس فاجلده مائة ، واحلق رأسه ولحیته ، أَطِل حبسه حتی یأتیک أمری ، وعمرو بن الحمق ، فافعل به مثل ذلک ، وسودان بن حمران مثل ذلک ، وعروة بن البیّاع اللیثی مثل ذلک. قال : فقلت : وما یدریکم أنّ عثمان کتب بهذا؟ قالوا : فیقتات (1) مروان علی عثمان بهذا؟ فهذا شرّ ، فیخرج نفسه من هذا الأمر. ثمّ قالوا : انطلق معنا إلیه فقد کلّمنا علیّا ووعدنا أن یکلّمه إذا صلّی الظهر ، وجئنا سعد بن أبی وقاص فقال : لا أدخل فی أمرکم ، وجئنا سعید بن زید بن عمرو فقال مثل هذا ، فقال محمد : فأین وعدکم علیّ؟ قالوا : وعدنا إذا صلّی الظهر أن یدخل علیه. قال محمد : فصلّیت مع علیّ ، قال : ثمّ دخلت أنا وعلیّ علیه فقلنا : إنّ هؤلاء المصریّین بالباب فأذن لهم ، قال : ومروان جالس فقال مروان : ق.

ص: 254


1- لعله : یفتات. مخفف : یفتئت ، بمعنی : یفتری ویختلق.

دعنی جُعلت فداک أُکلّمهم. فقال عثمان : فضّ الله فاک اخرج عنّی ، وما کلامک فی هذا الأمر؟ فخرج مروان وأقبل علیّ علیه ، قال : وقد أنهی المصریّون إلیه مثل الذی أنهوا إلیّ فجعل علیّ یُخبره ما وجدوا فی کتابهم ، فجعل یُقسم بالله ما کتب ولا علم ولا شووِر فیه ، فقال محمدبن مسلمة : والله إنّه لصادق ، ولکن هذا عمل مروان ، فقال علیّ : «فأدخلهم علیک فلیسمعوا عذرک». قال : ثمّ أقبل عثمان علی علیّ فقال : إنّ لی قرابة ورحماً والله لو کنت فی هذه الحلقة لحللتها عنک ، فاخرج إلیهم فکلّمهم فإنّهم یسمعون منک. قال علیّ : «والله ما أنا بفاعل ولکن أدخلهم حتی تعتذر إلیهم» قال : فأدخلوا.

قال محمد بن مسلمة : فدخلوا یومئذ فما سلّموا علیه بالخلافة ، فعرفت أنّه الشرّ بعینه ، قالوا : سلام علیکم ، فقلنا : وعلیکم السلام. قال : فتکلّم القوم وقد قدّموا فی کلامهم ابن عدیس ، فذکر ما صنع ابن سعد بمصر وذکر تحاملاً منه علی المسلمین وأهل الذمّة وذکر استئثاراً منه فی غنائم المسلمین ، فإذا قیل له فی ذلک قال : هذا کتاب أمیر المؤمنین إلیّ ، ثمّ ذکروا أشیاء ممّا أحدث بالمدینة وما خالف به صاحبیه ، قال : فرحلنا من مصر ونحن لا نرید إلاّ دمک أو تنزع ، فردّنا علیّ ومحمد بن مسلمة وضمن لنا محمد النزوع عن کلّ ما تکلّمنا فیه ، ثمّ أقبلوا علی محمد بن مسلمة فقالوا : هل قلت ذاک لنا؟ قال محمد : فقلت : نعم. ثمّ رجعنا إلی بلادنا نستظهر بالله عزّ وجلّ علیک ویکون حجّة لنا بعد حجّة ، حتی إذا کنّا بالبُویب (1) أخذنا غلامک فأخذنا کتابک وخاتمک إلی عبد الله بن سعد تأمره فیه بجلد ظهورنا ، والمثل بنا فی أشعارنا ، وطول الحبس لنا ، وهذا کتابک ، قال : فحمد الله عثمان وأثنی علیه ثم قال : والله ما کتبت ولا أمرت ولا شووِرت ولا علمت ، قال : فقلت وعلیّ جمیعاً : قد صدق. قال : فاستراح إلیها عثمان ، فقال المصریّون : فمن کتبه؟ قال : لا أدری. قال : أفیُجترأ علیک ف)

ص: 255


1- البویب : مدخل أهل الحجاز إلی مصر [معجم البلدان : 1 / 512]. (المؤلف)

فیُبعث غلامک وجمل من صدقات المسلمین ، ویُنقش علی خاتمک ، ویُکتب إلی عاملک بهذه الأُمور العظام وأنت لا تعلم؟ قال : نعم. قالوا. فلیس مثلک یلی ، اخلع نفسک من هذا الأمر کما خلعک الله منه. قال : لا أنزع قمیصاً ألبسنیه الله عزّ وجلّ. قال : وکثرت الأصوات واللغط فما کنت أظنّ أنّهم یخرجون حتی یواثبوه قال : وقام علیّ فخرج ، فلمّا قام علیّ قمت وقال للمصریّین : اخرجوا ، فخرجوا ، ورجعت إلی منزلی ورجع علیّ إلی منزله فما برحوا محاصریه حتی قتلوه.

وأخرج الطبری من طریق عبد الرحمن بن یسار أنّ الذی کان معه هذه الرسالة من جهة عثمان إلی مصر أبو الأعور السلمی (1) وهو الذی کان یدعو علیه أمیر المؤمنین علیه السلام فی قنوته مع أناس کما مرّ حدیثه فی (2 / 132) ، وذکره ابن أبی الحدید فی شرحه (2) (1 / 165).

وأخرج من طریق عثمان بن محمد الأخنسی قال : کان حصر عثمان قبل قدوم أهل مصر ، فقدم أهل مصر یوم الجمعة ، وقتلوه فی الجمعة الأخری. تاریخ الطبری (3) (5 / 132).

الخلیفة توّاب عوّاد :

أخرج الطبری من طریق سفیان بن أبی العوجاء ، قال : قدم المصریّون القدمة الأولی ، فکلّم عثمان محمد بن مسلمة ، فخرج فی خمسین راکباً من الأنصار ، فأتوهم بذی خشب فردّهم ، ورجع القوم حتی إذا کانوا بالبویب وجدوا غلاماً لعثمان معه کتاب إلی عبد الله بن سعد ، فکرّوا وانتهوا إلی المدینة وقد تخلّف بها من الناس الأشتر .

ص: 256


1- تاریخ الطبری : 5 / 115 [4 / 367 حوادث سنة 35 ه]. (المؤلف)
2- شرح نهج البلاغة : 2 / 150 خطبة 30.
3- تاریخ الأُمم والملوک : 4 / 394 حوادث سنة 35 ه.

وحکیم بن جبلة فأتوا بالکتاب ، فأنکر عثمان أن یکون کتبه ، وقال : هذا مُفتعل. قالوا : فالکتاب کتاب کاتبک؟ قال : أجل ، ولکنّه کتبه بغیر إذنی. قالوا : فالجمل جملک؟ قال : أجل ، ولکنّه أخذ بغیر علمی. قالوا : ما أنت إلاّ صادق أو کاذب ، فإن کنت کاذباً فقد استحققت الخلع لما أمرتَ به من سفک دمائنا بغیر حقّها ، وإن کنت صادقاً فقد استحققت أن تُخلع لضعفک وغفلتک وخبث بطانتک ، لأنّه لا ینبغی لنا أن نترک علی رقابنا من یُقتطع مثل [هذا] (1) الأمر دونه لضعفه وغفلته ، وقالوا له : إنّک ضربت رجالاً من أصحاب النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وغیرهم حین یعظونک ویأمرونک بمراجعة الحقّ عندما یستنکرون من أعمالک ، فأقِد من نفسک من ضربته وأنت له ظالم ، فقال : الإمام یُخطئ ویُصیب فلا أقید من نفسی ؛ لأنّی لو أقدت کلّ من أصبته بخطإ آتی علی نفسی. قالوا : إنّک قد أحدثت أحداثاً عظاماً فاستحققت بها الخلع ، فإذا کلّمت فیها أعطیت التوبة ، ثمّ عدت إلیها وإلی مثلها ، ثمّ قدمنا علیک فأعطیتنا التوبة والرجوع إلی الحقّ ، ولامنا فیک محمد بن مسلمة ، وضمن لنا ما حدث من أمر ، فأخفرته فتبرّأ منک وقال : لا أدخل فی أمره ، فرجعنا أوّل مرّة لنقطع حجّتک ونبلغ أقصی الأعذار إلیک ، نستظهر بالله عزّ وجلّ علیک ، فلحقنا کتاب منک إلی عاملک علینا تأمره فینا بالقتل والقطع والصلب. وزعمت أنّه کُتب بغیر علمک وهو مع غلامک وعلی جملک وبخطّ کاتبک وعلیه خاتمک ، فقد وقعت علیک بذلک التهمة القبیحة ، مع ما بلونا منک قبل ذلک من الجور فی الحکم والأثرة فی القسم والعقوبة للأمر بالتبسّط من الناس ، والإظهار للتوبة ، ثمّ الرجوع إلی الخطیئة ، ولقد رجعنا عنک وما کان لنا أن نرجع حتی نخلعک ونستبدل بک من أصحاب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم من لم یُحدث مثل ما جرّبنا منک ، ولم یقع علیه من التهمة ما وقع علیک ، فاردد خلافتنا واعتزل أمرنا ، فإنّ ذلک أسلم لنا منک ، وأسلم لک منّا ، فقال عثمان : فرغتم من جمیع ما تریدون؟ قالوا : نعم. قال : ی.

ص: 257


1- من تاریخ الطبری.

الحمد لله أَحمدَهُ وأستعینه ، وأومن به وأتوکّل علیه ، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شریک له ، وأنّ محمداً عبده ورسوله ، أرسله بالهدی ودین الحقّ لیظهره علی الدین کلّه ولو کره المشرکون ، أمّا بعد ؛ فإنّکم لم تعدلوا فی المنطق ولم تنصفوا فی القضاء ، أمّا قولکم : تخلع نفسک ، فلا أنزع قمیصاً قمّصنیه الله عزّ وجلّ وأکرمنی به وخصّنی به علی غیری ، ولکنّی أتوب وأنزع ولا أعود لشیء عابه المسلمون ، فإنّی والله الفقیر إلی الله الخائف منه.

قالوا : إنّ هذا لو کان أوّل حدث أحدثته ثمّ تُبت منه ولم تقم علیه ، لکان علینا أن نقبل منک ، وأن ننصرف عنک ، ولکنّه قد کان منک من الإحداث قبل هذا ما قد علمت ، ولقد انصرفنا عنک فی المرّة الأولی وما نخشی أن تکتب فینا ، ولا من اعتللت به بما وجدنا فی کتابک مع غلامک ، وکیف نقبل توبتک؟ وقد بلونا منک أنّک لا تُعطی من نفسک التوبة من ذنب إلاّ عُدت إلیه ، فلسنا منصرفین حتی نعزلک ونستبدل بک ، فإن حال من معک من قومک وذوی رحمک وأهل الانقطاع إلیک دونک بقتال قاتلناهم ، حتی نخلص إلیک فنقتلک ، أو تلحق أرواحنا بالله.

فقال عثمان : أمّا أن أتبرّأ من الإمارة ؛ فإن تصلبونی أحبّ إلیّ من أن أتبرّأ من أمر الله عزّ وجلّ وخلافته. وأمّا قولکم : تقاتلون من قاتل دونی ؛ فإنّی لا آمر أحداً بقتالکم (1) ، فمن قاتل دونی فإنّما قاتل بغیر أمری ، ولعمری لو کنت أُرید قتالکم ، لقد کنت کتبت إلی الأجناد (2) فقادوا الجنود وبعثوا الرجال ، أو لحقت ببعض أطرافی بمصر أو عراق ، فالله الله فی أنفسکم فأبقوا علیها إن لم تُبقوا علیّ ؛ فإنّکم مجتلبون بهذا الأمر إن قتلتمونی دماً. قال : ثمّ انصرفوا عنه وآذنوه بالحرب ، وأرسل إلی محمد بن ف)

ص: 258


1- لم یکن معه هناک غیر بنی أبیه حتی یأمر أحداً بالقتال ، وهم لیسوا هناک وقد تحصّنوا یوم قتله بکندوج أمّ حبیبة کما یأتیک حدیثه. (المؤلف)
2- کان یتأهّب للقتال ، ویستعدّ بالسلاح ، ویکتب إلی الأجناد ، ویجلب إلی المدینة الجنود المجنّدة من الشام وغیرها ، غیر أنّه کان یغفّل الناس بکلماته هذه وستوافیک کتبه. (المؤلف)

مسلمة فکلّمه أن یردّهم ، فقال : والله لا أکذب الله فی سنة مرّتین. تاریخ الطبری (1) (5 / 120 ، 121).

نظرة فی أحادیث الحصارین

أوّل ما یقع علیه النظر من هذه الأحادیث : أنّ المجهزین علی عثمان هم المهاجرون والأنصار من الصحابة - ولم یشذّ عنهم إلاّ أربعة أسلفنا ذکرهم فی صفحة (ص 163) - وهم الذین أصفقوا مع أهل مصر والکوفة والبصرة علی مقت الخلیفة وقتله بعد أن أعیتهم الحیل ، وأعوزهم السعی فی استتابته ، وإکفائه عن الأحداث ، ونزوعه عمّا هو علیه من الجرائم وإنّ فی المقبلین من تلکم البلاد من عظماء الصحابة ، ومن رجال الفضیلة والفقه والتقی من التابعین جماعات لا یستهان بعدّتهم ، ولا یُغمز فی دینهم ، وهم رؤساء هاتیک الجماهیر والمؤلّبین لهم علی عثمان :

فمن الکوفیّین :

1 - زید الخیر ، له إدراک أثنی علیه النبیّ الأعظم ، وأنّه من الخیار الأبرار.

2 - مالک بن الحارث الأشتر ، له إدراک ، أوقفناک علی عظمته وفضله وموقفه من الإیمان ، ومبلغه من الثقة والصلاح.

3 - کعب بن عبدة النهدی ، وقد سمعت عن البلاذری أنّه کان ناسکاً.

4 - زیاد بن النضر الحارثی ، له إدراک.

5 - عمرو بن الأهتم ، صحابیّ خطیب بلیغ شریف فی قومه ، ترجمه (2) ابن عبد البرّ فی الاستیعاب ، وابن الأثیر فی أُسد الغابة ، وابن حجر فی الإصابة. 0.

ص: 259


1- تاریخ الأُمم والملوک : 4 / 375 و 376 حوادث سنة 35 ه.
2- الاستیعاب : القسم الثالث / 1163 رقم 1892 ، أُسد الغابة : 4 / 196 رقم 3862 ، الإصابة : 2 / 524 رقم 5770.

وفی المصریّین :

6 - عمرو بن الحمق الخزاعی ، صحب النبیّ وحفظ عنه أحادیث ، وحظی بدعائه صلی الله علیه وآله وسلم له کما مرّ تفصیله (ص 45).

7 - عمرو بن بدیل الخزاعی ، صحابیّ عادل مترجم فی معاجم الصحابة.

8 - عبد الله بن بدیل الخزاعی ، قال أبو عمر : کان سید خزاعة وخزاعة عیبة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، وشهد حنیناً والطائف وتبوک ، وکان له قدر وجلالة ، وکان من وجوه الصحابة.

راجع (1) : الاستیعاب ، وأُسد الغابة ، والإصابة.

9 - عبد الرحمن بن عدیس أبو محمد البلوی ، صحب النبیّ وسمع منه ، وکان ممّن بایع تحت الشجرة من الذین رضی الله عنهم ورضوا عنه.

10 - محمد بن أبی بکر ، وحسبک فیه ما فی الاستیعاب والإصابة (2) من أنّ علیّا - أمیر المؤمنین - کان یُثنی علیه ویفضّله وکانت له عبادة واجتهاد ، وکان من أفضل أهل زمانه.

ورئیس البصریّین :

11 - حکیم بن جبلة العبدی ، قال أبو عمر فی الاستیعاب (3) : أدرک النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وکان رجلاً صالحاً له دین ، مطاعاً فی قومه. وقال المسعودی فی المروج (4) (2 / 7) : کان 5.

ص: 260


1- الاستیعاب : القسم الثالث / 872 رقم 1481 ، أُسد الغابة : 3 / 184 رقم 2832 ، الإصابة : 2 / 280 رقم 4559.
2- الاستیعاب : القسم الثالث / 1367 رقم 3220 ، الإصابة : 3 / 472 رقم 8294.
3- الاستیعاب : القسم الأوّل / 366 رقم 540.
4- مروج الذهب : 2 / 375.

من سادات عبد القیس وزهّادها ونسّاکها. وأثنی علیه مولانا أمیر المؤمنین بقوله کما فی الکامل (1) (3 / 96):

دعا حکیم دعوةً سمیعه

نال بها المنزلة الرفیعه

یالهف ما نفسی علی ربیعه

ربیعة السامعة المطیعه

قد سبقتنی فیهم الوقیعه

وإنّ ما جری فی غضون تلکم المعامع ، وتضاعیف ذلک الحوار من أخذ وردّ وهتاف وقول ، کلّها تنمّ عن صلاح القوم وتقواهم ، وأنّهم لم یغضبوا إلاّ لله ، ولا دعوا إلاّ إلی أمره ، ولا نهضوا إلاّ لإقامة الأمت والعوج ، وتقویم دین الله وتنزیهه عن المعرّات والأحداث ، ولم یجلبهم إلی ذلک الموقف مطمع فی إمارة ، أو نزوع إلی حکم أو هوی فی مال ، ولذلک کان یرضیهم کلّ ما یبدیه الخلیفة من النزول علی رغباتهم ، والنزوع عن أحداثه ، والإنابة إلی الله ممّا نقموا به علیه ، غیر أنّه کان یثیرهم فی الآونة بعد الأخری ما کانوا یشاهدونه من المقام علی الهنات ، ونقض العهد مرّة بعد مرّة حتی إذا اطمأنّوا إلی أنّ الرجل غیر منکفئ عمّا کان یقترفه ، ولا مطمئنّ عمّا کان یفعله ، فاطمأنّوا إلی بقاء التکلیف علیهم بالوثوب ، فوقفوا لإزالة ما رأوه منکراً ذلک الموقف الشدید حتی قضی من الأمر ما کان مقدوراً.

ولو کان للقوم غایة غیر ما وصفناه لما أثنی مولانا أمیر المؤمنین علیه السلام علی المصریّین منهم بقوله من کتاب کتبه إلی أهل مصر : «إلی القوم الذین غضبوا لله حین عُصی فی أرضه ، وذُهب بحقّه» ، إلی آخر ما مرّ فی صفحة (74). ولما کانوا مذکورین فی المعاجم والکتب بالثناء الجمیل علیهم بعد تلکم المواقف المشهودة ، ولو صدر عن أیّ أحد أقلّ ممّا صدر من أولئک الثائرین علی عثمان فی حقّ فرد من أفراد المسلمین .

ص: 261


1- الکامل فی التاریخ : 2 / 326 حوادث سنة 36 ه.

فضلاً عن الخلیفة لعُدّ جنایةً لا تغفر ، وذنباً لا یبرّر ، وسقط صاحبه إلی هوّة الضعة ، ولا تبقی له بعد حرمة ولا کرامة ، غیر أنّ ....

الثانی من مواقع النظر فی الأحادیث المذکورة : أنّ الخلیفة کانت عنده جرائم یستنکرها المسلمون وینکرونها علیه وهو یعترف بها فیتوب عنها ، ثمّ یروغ عن التوبة فیعود إلیها ، ولا أدری أنّه فی أیّ الحالین أصدق؟ أحین اعترف بالأحداث فتاب؟ أم حین عبث به مروان فرقی المنبر وقال : إنّ هؤلاء القوم من أهل مصر کان بلغهم عن إمامهم أمر فلمّا تیقّنوا أنّه باطل ما بلغهم عنه رجعوا إلی بلادهم؟

الثالث : أنّه أعطی العهود والمواثیق المؤکّدة علی النزوع عمّا کان یرتکبه ممّا ینقمونه علیه وسجّل ذلک فی صکوک یبثّها فی البلاد بأیدی الناهضین علیه ، إذ کان علی علم بأنّ البلاد قد تمخّضت علیه کما مرّ فی کلام لمولانا أمیر المؤمنین علیه السلام ثمّ لم یلبث حتی نکثها بعد ما ضمن له العمل علی ذلک مثل مولانا أمیر المؤمنین ومحمد ابن مسلمة ذلک الصحابیّ العظیم ، وقد شهدت ذلک الضمان أُمّة کبیرة من الصحابة ، فکأنّه ما کان یری للعهد لزوماً ، ولا للضمان حرمة ، ولا للضامنین مکانة ، ولا لنکث العهد معرّة ، ولعلّه کان یجد مبرّراً لتلکم الفجائع أو الفضائح ، وعلی أیّ فالمسلمون - ویقدمهم الصحابة العدول - لم یرُقهم ذلک المبرّر ولا اعترفوا به ، فمضوا إلی ما فعلوه قدماً غیر مُتحوّبین ولا متأثّمین.

الرابع : أنّ التزامه فی کتاب عهده فی الحصار الأوّل بالعمل بالکتاب والسنّة وهو فی حیّز النزوع عمّا کان یرتکبه قبل ذلک ، وقد أعتب بذلک المتجمهرین علیه المنکرین علی أحداثه المنحازة عنهما ، یرشدنا إلی أنّه کان فی أعماله قبل ذلک الالتزام حائداً عن الکتاب والسنّة ، وحسب أیّ إنسان من الضعة أن تکون أعماله منتئیة عنهما.

الخامس : إنّ الطرید ابن الطرید ، أو قل عن لسان النبیّ الأمین (1) : «الوزغ ابن ف)

ص: 262


1- راجع ما مرّ فی الجزء الثامن : ص 260. (المؤلف)

الوزغ ، اللعین ابن اللعین» ، مروان بن الحکم کان یؤثّر فی نفسیّات الخلیفة حتی یحوّله کما قال مولانا أمیر المؤمنین (1) عن دینه وعقله ، ویجعله مثل جمل الظعینة یقاد حیث یسار به. فلم یزل به حتی أربکه عند منتقض العهود ومنتکث المواثیق ، فأورده مورد الهلکة. وعجیب من الخلیفة أن یتأثّر بتسویلات الرجل وهو یعلم محلّه من الدین وموقفه من الإیمان ، ومبوّأه من الصدق والأمانة ، وهو یعلم أنّه هو وزبانیته هم الذین جرّوا علیه الویلات وأرکبوه النهابیر ، وأنّهم سیوردونه ثمّ لا یصدرونه ، یعلم ذلک کلّه وهو بین الناب والمخلب وفی منصرم الحیاة ، ومع ذلک کلّه لا یزال مقیماً علی هاتیک الوساوس المروانیّة ، فیا للعجب.

وأعجب من ذلک أنّه مع هذا التأثّر یتّخذ نصح الناصحین له کمولانا أمیر المؤمنین علیه السلام وکثیر من الصحابة العدول بأعتاب الناس ورفض تمویهات مروان الموبقة له ظهریّا فلا یُعیر لهم بعد تمام الحجّة وقطع سُبل المعاذیر أُذناً واعیة ، وهو یعلم أنّهم لا یعدون الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر ، ویدعونه إلی ما فیه نجاته ونجاح الأُمّة.

لفت نظر : وقع فی عدّ أیّام حصار عثمان خلاف بین المؤرّخین فقال الواقدی : حاصروه تسعة وأربعین یوماً. وقال الزبیر : حاصروه شهرین وعشرین یوماً. وفی روایة أنّهم حصروه أربعین لیلة. وقال ابن کثیر : استمرّ الحصر أکثر من شهر. وقیل : بضعاً وأربعین. وقال الشعبی : کانت مدّته اثنتین وعشرین لیلة. وفی روایة للطبری : کان الحصر أربعین لیلة والنزول سبعین. وفی بعض الروایات : حصروه عشرین یوماً بعد قضیّة جهجاه المذکورة (ص 123) إلی أقوال أخری ، ولعلّ کلاّ منها ناظر إلی ناحیة من مدّة أیّام الحصارین أو مدّة أحدهما ، ومن مدّة نزول المتجمهرین حول داره ، ومن أیّام ضاق علیه الخناق ، ومُنِع من إدخال الماء علیه ، ف)

ص: 263


1- راجع ما مضی فی هذا الجزء صفحة : 174. (المؤلف)

وحیل بینه وبین اختلاف الناس إلیه ، ومن حصار الثائرین علیه من الأمصار ، ومن إصفاق أهل المدینة معهم علی الحصار. إلی تأویلات أخری یتأتّی بها الجمع بین تلکم الأقوال.

کتب عثمان أیام الحصار

أخرج الطبری فی تاریخه من طریق ابن الکلبی ، قال : إنّما ردّ أهل مصر إلی عثمان بعد انصرافهم عنه أنّه أدرکهم غلام لعثمان علی جمل له بصحیفة إلی أمیر مصر أن یقتل بعضهم ، وأن یصلب بعضهم. فلمّا أتوا عثمان ، قالوا : هذا غلامک؟ قال : غلامی انطلق بغیر علمی ، قالوا : جملک؟ قال : أخذه من الدار بغیر أمری. قالوا : خاتمک؟ قال : نقش علیه. فقال عبد الرحمن بن عدیس التجیبی حین أقبل أهل مصر :

أقبلن من بلبیس والصعید (1)

خوصاً کأمثال القسیِّ عود

مُستحقبات حلق الحدید

یطلبن حقَّ الله فی الولید

وعند عثمان وفی سعید

یا ربّ فارجعنا بما نرید

فلمّا رأی عثمان ما قد نزل به وما قد انبعث علیه من الناس ، کتب إلی معاویة ف)

ص: 264


1- بلبیس : بکسر الباءین وسکون اللام : مدینة بینها وبین فسطاط مصر عشرة فراسخ علی طریق الشام [معجم البلدان : 1 / 479] ، الصعید : بلاد واسعة کبیرة بمصر یقال : إنها تسعمائة وسبع وخمسون قریة [معجم البلدان : 3 / 408]. (المؤلف)

ابن أبی سفیان وهو بالشام :

بسم الله الرحمن الرحیم

أمّا بعد ، فإنّ أهل المدینة قد کفروا وأخلفوا الطاعة ونکثوا البیعة ، فابعث إلیّ من قبلک من مقاتلة أهل الشام علی کلّ صعب وذلول.

فلمّا جاء معاویة الکتاب تربّص به وکره إظهار مخالفة أصحاب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وقد علم اجتماعهم ، فلمّا أبطأ أمره علی عثمان کتب إلی یزید بن أسد بن کرز ، وإلی أهل الشام یستنفرهم ویعظّم حقّه علیهم ، ویذکر الخلفاء وما أمر الله عزّ وجلّ به من طاعتهم ومناصحتهم ، ووعدهم أن یجنّدهم (1) جنداً وبطانة دون الناس ، وذکّرهم بلاءه عندهم وصنیعه إلیهم ، فإن کان عندکم غیاث فالعجل العجل ؛ فإنّ القوم معاجلی.

فلمّا قرئ کتابه علیهم قام یزید بن أسد بن کرز البجلی ثمّ القسری ، فحمد الله وأثنی علیه ، ثمّ ذکر عثمان فعظّم حقّه ، وحضّهم علی نصره ، وأمرهم بالمسیر إلیه ، فتابعه ناس کثیر ، وساروا معه حتی إذا کانوا بوادی القری (2) ، بلغهم قتل عثمان رضی الله عنه ، فرجعوا.

وأخرج البلاذری من طریق الشعبی قال : کتب عثمان إلی معاویة : أن أمددنی ، فأمدّه بأربعة آلاف مع یزید بن أسد بن کریز (3) البجلی ، فتلقّاه الناس بمقتل عثمان فرجع من الطریق وقال : لو دخلت المدینة وعثمان حیّ ما ترکت بها محتلماً إلاّ قتلته ، لأنّ الخاذل والقاتل سواء. ل.

ص: 265


1- فی تاریخ الطبری : ینجدهم.
2- وادی القری : وادٍ بین المدینة والشام من أعمال المدینة [معجم البلدان : 5 / 345]. (المؤلف)
3- فی المصدر : کُرْز ، وهو کما مرَّ قبل قلیل.

کتابه إلی أهل الشام :

قال ابن قتیبة : وکتب إلی أهل الشام عامّة وإلی معاویة وأهل دمشق خاصّة :

أمّا بعد ؛ فإنّی فی قوم طال فیهم مقامی ، واستعجلوا القدر فیّ ، وقد خیّرونی بین أن یحملونی علی شارف من الإبل إلی دحلِ (1) ، وبین أن أنزع لهم رداء الله الذی کسانی ، وبین أن أَقِیدهم ممّن قتلت. ومن کان علی سلطان یخطئ ویصیب ، فیا غوثاه یا غوثاه ، ولا أمیر علیکم دونی ، فالعجل العجل یا معاویة ، وأدرک ثمّ أدرک وما أراک تدرک.

کتابه إلی أهل البصرة :

وکتب إلی عبد الله بن عامر : أن اندب إلیّ أهل البصرة - نسخة کتابه إلی أهل الشام - فجمع عبد الله بن عامر الناس فقرأ کتابه علیهم ، فقامت خطباء من أهل البصرة یحضّونه علی نصر عثمان والمسیر إلیه ، فیهم : مجاشع بن مسعود السلمی ، وکان أوّل من تکلّم وهو یومئذٍ سیّد قیس بالبصرة ، وقام أیضاً قیس بن الهیثم السلمی ، فخطب وحضّ الناس علی نصر عثمان ، فسارع الناس إلی ذلک ، فاستعمل علیهم عبد الله بن عامر مجاشع بن مسعود فسار بهم ، حتی إذا نزل الناس الربذة ونزلت مقدّمته عند صرار ناحیة من المدینة أتاهم قتل عثمان.

وقال البلاذری : وکتب عثمان إلی عبد الله بن عامر بن کریز ومعاویة بن أبی سفیان یعلمهما أنّ أهل البغی والعدوان من أهل العراق ومصر والمدینة قد أحاطوا بداره فلیس یُرضیهم بزعمهم شیء دون قتله أو یخلع السربال الذی سربله الله إیّاه ، ویأمرهما بإغاثته برجال ذوی نجدة وبأس ورأی ، لعلّ الله أن یدفع بهم عنه بأس من یکیده ویریده ، وکان رسوله إلی ابن عامر جبیر بن مُطعم ، وإلی معاویة المسور بن 4.

ص: 266


1- هی جزیرة بین الیمن وبلاد البَجَة بین الصعید وتهامة. معجم البلدان : 2 / 444.

مخرمة الزهری. فأمّا ابن عامر فوجّه إلیه مجاشع بن مسعود السلمی فی خمسمائة أعطاهم خمسمائة خمسمائة درهم ، وکان فیمن ندب مع مجاشع زفر بن الحارث علی مائة رجل. وأمّا معاویة فبعث إلیه حبیب بن مسلمة الفهری فی ألف فارس ، فقدم حبیب أمامه یزید بن أسد البجلی جدّ خالد بن عبد الله بن یزید القسری من بجیلة ، وبلغ أهل مصر ومن معهم ممّن حاصر عثمان ما کتب به إلی ابن عامر ومعاویة ، فزادهم ذلک شدّة علیه وجدّا فی حصاره وحرصاً علی معاجلته بالقتل.

کتابه إلی أهل الامصار :

أخرج الطبری وغیره وقالوا : کتب عثمان إلی أهل الأمصار یستمدّهم :

بسم الله الرحمن الرحیم

أمّا بعد ؛ فإنّ الله عزّ وجلّ بعث محمداً بالحقّ بشیراً ونذیراً ، فبلّغ عن الله ما أمره به ثمّ مضی وقد قضی الذی علیه ، وخلّف فینا کتابه فیه حلاله وحرامه ، وبیان الأمور التی قدّر ، فأمضاها علی ما أحبّ العباد وکرهوا ، فکان الخلیفة أبو بکر رضی الله عنه وعمر رضی الله عنه ، ثمّ أدخلت فی الشوری عن غیر علم ولا مسألة عن ملأ من الأُمّة ، ثمّ أجمع أهل الشوری عن ملاً منهم ومن الناس علی غیر طلب منّی ولا محبّة ، فعملت فیهم ما یعرفون ولا ینکرون ، تابعاً غیر مستتبع ، متّبعاً غیر مبتدع ، مقتدیاً غیر متکلّف ، فلمّا انتهت الأُمور ، وانتکث الشرّ بأهله ، بدت ضغائن وأهواء علی غیر إجرام ولا ترة فیما مضی إلاّ إمضاء الکتاب ، فطلبوا أمراً وأعلنوا غیره بغیر حجّة ولا عذر ، فعابوا علیّ أشیاء ممّا کانوا یرضون وأشیاء عن ملاً من أهل المدینة لا یصلح غیرها ، فصبّرت لهم نفسی وکففتها عنهم منذ سنین ، وأنا أری وأسمع ، فازدادوا علی الله عزّ وجلّ جرأة ، حتی أغاروا علینا فی جوار رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وحرمه وأرض الهجرة ، وثابتْ إلیهم الأعراب ، فهم کالأحزاب أیّام الأحزاب أو من غزانا بأُحد إلاّ ما یظهرون ، فمن قدر علی اللحاق بنا فلیلحق.

ص: 267

فأتی الکتاب أهل الأمصار ، فخرجوا علی الصعبة والذلول ، فبعث معاویة حبیب بن مسلمة الفهری ، وبعث عبد الله بن سعد معاویة بن خدیج السکونی ، وخرج من أهل الکوفة القعقاع بن عمرو. الحدیث.

کتابه إلی أهل مکة ومن حضر الموسم سنة (35):

ذکر ابن قتیبة قال : کتب عثمان کتاباً بعثه مع نافع بن طریف إلی أهل مکة ومن حضر الموسم یستغیثهم ، فوافی به نافع یوم عرفة بمکة وابن عبّاس یخطب ، وهو یومئذٍ علی الناس کان قد استعمله عثمان علی الموسم ، فقام نافع ففتح الکتاب فقرأه ، فإذا فیه

بسم الله الرحمن الرحیم

من عبد الله عثمان أمیر المؤمنین إلی من حضر الحجّ من المسلمین :

أمّا بعد ؛ فإنّی کتبت إلیکم کتابی هذا وأنا محصور أشرب من بئر القصر ، ولا آکل من الطعام ما یکفینی ، خیفة أن تنفد ذخیرتی فأموت جوعاً أنا ومن معی ، لا أُدعی إلی توبة أقبلها ، ولا تسمع منی حجّة أقولها ، فأنشد الله رجلاً من المسلمین بلغه کتابی إلاّ قدم علیّ فأخذ الحقّ فیّ ، ومنعنی من الظلم والباطل.

قال : ثمّ قام ابن عبّاس ، فأتمّ خطبته ولم یعرض لشیء من شأنه.

قال الأمینی : هذا ما یمکننا أن نؤمن به من کتاب عثمان إلی الحضور فی الموسم ، وهناک کتاب مفصّل إلی الحاجّ یُنسب إلیه یتضمّن آیاً من الحکم والموعظة الحسنة یطفح عن جوانبه الورع الشدید فی دین الله ، والأخذ بالکتاب والسنّة ، والاحتذاء بسیرة الشیخین ، یبعد جدّا عن نفسیّات عثمان وعمّا عرفته الأُمّة من تاریخ حیاته ، والکتاب أخرجه الطبری فی تاریخه (1) (5 / 140 - 143) ، وراق الدکتور طه حسین ما .

ص: 268


1- تاریخ الأُمم والملوک : 4 / 407 حوادث سنة 35 ه.

وجد فیه من المعانی الراقیة والجمل الرائقة ، والفصول القیّمة ، فذکره فی ملحق کتابه الفتنة الکبری (1) (ص 227 - 231) ذاهلاً عن أنّ الکتاب لم یرو إلاّ من طریق ابن أبی سبرة القرشی العامری المدنی الوضّاع الکذّاب السابق ذکره فی سلسلة الوضّاعین فی الجزء الخامس ، قال الواقدی : کان کثیر الحدیث ولیس بحجّة ، وقال صالح بن أحمد عن أبیه : کان یضع الحدیث. وقال عبد الله بن أحمد عن أبیه : لیس بشیء کان یضع الحدیث ویکذب ، وعن ابن معین (2) : لیس حدیثه بشیء ، ضعیف الحدیث ، وقال ابن المدینی : کان ضعیفاً فی الحدیث ، وقال مرّة : کان منکر الحدیث. وقال الجوزجانی : یضعف حدیثه. وقال البخاری (3) : ضعیف. وقال مرّة : منکر الحدیث. وقال النسائی (4) : متروک الحدیث. وقال ابن عدی (5) : عامّة ما یرویه غیر محفوظ ، وهو فی جملة من یضع الحدیث. وقال ابن حبّان (6) : کان ممّن یروی الموضوعات عن الثقات لا یجوز الاحتجاج به. وقال الحاکم أبو عبد الله : یروی الموضوعات عن الأثبات (7).

نظرة فی الکتب المذکورة :

لقد تضمّنت هذه الکتب أشیاء هی کافیة فی إثارة عواطف المؤمنین علی من کتبها ولو لم یکن له سابقة سوء غیرها. منها :

قوله عن المهاجرین والأنصار ولیس فی المدینة غیرهم : إنّ أهل المدینة قد ف)

ص: 269


1- المجموعة الکاملة لمؤلّفات طه حسین - الفتنة الکبری - : مج 4 / 421.
2- التاریخ : 3 / 157 رقم 659.
3- التاریخ الکبیر : مج 8 / 9 رقم 65 کتاب الکنی 56.
4- کتاب الضعفاء والمتروکین : ص 262 رقم 697.
5- الکامل فی ضعفاء الرجال : 7 / 297 رقم 2200.
6- کتاب المجروحین : 3 / 147.
7- راجع : تاریخ الخطیب : 14 / 367 - 372 [رقم 7697] ، تهذیب التهذیب : 12 / 27 [12 / 31]. (المؤلف)

کفروا ، وأخلفوا الطاعة ، ونکثوا البیعة. وقوله : فهم کالأحزاب أیّام الأحزاب أو من غزانا بأُحد وهو یرید أصحاب محمد صلی الله علیه وآله وسلم المشهود لهم جمعاء بالعدالة عند قاطبة أهل السنّة ، ولقد صعّدوا وصوّبوا فی إثبات ذلک بما لا مزید علیه عندهم ، ولا یزالون یحتجّون بأقوالهم وما یؤثر عنهم من قول أو عمل فی أحکام الدین ، کما یحتجّون بما یؤثر عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم من السنّة ، ثقة بإیمانهم ، وطمأنینة بعدالتهم ، ویرون أنّهم لا ینبسون ببنت شفة ولا یخطون فی أمر الدین خطوة إلاّ بأثر ثابت عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم مسموع أو منقول أو مشاهدة عمل منه صلی الله علیه وآله وسلم یطابق ما یرتئونه أو یعملون به ، فهل علی مؤمن هذا شأنه قذف أثقل علیه من هذا؟ أو تشویه أمسّ بکرامته من ذلک؟ ولعمر الحقّ إنّ من یغضّ عن مثله فلا یستثیره خلو عن العاطفة الدینیّة ، خلو عن الحماس الإسلامی ، خلو عن الشهامة المبدئیّة ، خلو عن الغیرة علی الحقّ ، خلو وخلو ولذلک اشتدّت الصحابة علیه بعد وقوفهم علی هذا وأمثاله.

ثمّ إنّه لیس لأحد طاعة مفترضة فی أعناق المسلمین بعد الله ورسوله إلاّ إمام حقّ یعمل بکتاب الله وسنّة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، والمتجمهرون علی عثمان وهم الصحابة أجمع کانوا یرون أنّه تخطّاهما ، وأنّ ما کان ینوء به من فعل أو قول قد عدیا الحقّ منهما ، فأیّ طاعة واجبة والحال هذه - وحسبان القوم کما ذکرناه - حتی یُؤاخذوا علی الخلف؟

والبیعة إنّما لزمت إن کان صاحبها باقیاً علی ما بویع علیه ، والقوم إنّما بایعوه علی متابعة الکتاب والسنّة والمضیّ علی سیرة الشیخین ، وبطبع الحال أنّها تنتکث عند نکوص صاحبها عن الشروط. وهو الذی نقمه المسلمون علی خلیفتهم ، فلا موجب لمؤاخذتهم أو منابذتهم ، وهاهنا رأی المسلمون أنّ الرجل زاد ضغثاً علی إبّالة ، فهو علی أحداثه الممقوتة طفق یستثیر الجنود علیهم ، ویحرّضهم علی القتل والنهب ، فتدارکوا الأمر فأوردوه حیاض المنیّة قبل أن یجلب إلیهم البلیّة ، وتلافوا

ص: 270

الأمر قبل أن یمسّهم الشرّ ، وما بالهم لا تستثیرهم تلکم القذائف؟ وهم یرون أنّهم هم الذین آووا ونصروا ولم یألوا جهداً فی جهاد الکفّار حتی ضرب الدین بجرانه ، فمن العجیب والحالة هذه أن یشبّهوا بالأحزاب والکفرة یوم أحد.

ومنها : تلوّنه فی باب التوبة التی تظاهر بها علی صهوة المنبر بملإ من الصحابة ، وسجّل ذلک بکتاب شهد علیه عدّة من أعیان الأمّة وفی مقدّمهم سیّدنا أمیر المؤمنین علیه السلام ، وکتب ذلک إلی الأمصار النائیة کما تقدّم فی صفحة (176) وهو فی کلّ ذلک یعترف بالخطیئة ویلتزم بالإقلاع عنها ، لکنّه سرعان ما نکث التوبة وأبطل المواثیق المؤکّدة بکتبه هذه ، إذ حسب أنّ من یکتب إلیهم سینفرون إلیه مقانب وکتائب وهم أولیاؤه وموالیه ، فنفی عنه المآثم التی شهد علیها أهل المدینة بل وأهل الأمصار من خیرة الأُمّة ، وهو یرید أن یقلب علیهم ظهر المجن ، فیؤاخذ وینتقم وکأنّه نسی ذلک کلّه حتی قال فی کتابه إلی أهل مکة : لا أدعی إلی توبة أقبلها ، ولا تُسمع منّی حجّة أقولها.

یقول له المحامی عن المدنیّین : أو لم تُدْعَ أیّها الخلیفة إلی التوبة فتبت علی الأعواد وعلی رءوس الأشهاد مرّة بعد أخری؟ لکنّهم وجدوک لا تقرّ علی قرار ، ولا تستمرّ علی مبدأ ، وشاهدوک تتلوّن تلوّن الحرباء (1) فجزموا بأنّ التوبة لا تردعک عن الأحداث ، وأنّ النزوع لا یزعک عن الخطایا ، وجئت تماطل القوم بذلک کلّه حتی یوافیک جیوشک فتهلک الحرث والنسل ، وتمکن من أهل دار الهجرة مثل یزید بن کرز الذی یقول : لو دخلت المدینة وعثمان حیّ ما ترکت بها محتلماً إلاّ قتلته. إلخ.

عرف القوم أیّها الخلیفة نوایاک السیّئة فیهم ، وعرفوا انحرافک عن الطریقة المثلی بإبعاد مروان إیّاک عنها کما قال مولانا أمیر المؤمنین علیه السلام وهو یخاطبک : أما ف)

ص: 271


1- الحرباء : ضرب من الزواحف تتلوّن فی الشمس ألواناً مختلفة ، یضرب بها المثل فی التقلّب. (المؤلف)

رضیت من مروان ولا رضی منک إلاّ بتحرّفک عن دینک وعن عقلک؟ وإنّ مثلک مثل الظعینة یُقاد حیث یُسار به (1) ، فنهضوا للدفع عنهم وعن بیضة الإسلام من قبل أن یقعوا بین الناب والمخلب ، فوقع ما وقع وکان أمر الله قدراً مقدورا.

ولنا هاهنا مناقشة أخری فی حساب الخلیفة فنقول له : ما بالک تکرّر أیّها الخلیفة قولک عن الخلافة : إنّها رداء الله الذی کسانی ، أو أنّها قمیص سربلنیه الله. أو ما یماثل ذلک؟ تطفح به کتبک أو یطفو علی خُطَبِک ، ویلوکها فمک بین کلمک ، کأنّک قد حفظتها کلمة ناجعة لدینک ودنیاک ، واتّخذتها ورداً لک کأنّک تحاذر فی ترکها النسیان غیر أنّه عزب عنک محاسبة من تخاطبهم بها إیّاک ، فما جواب قومک إن قالوا لک متی سربلک الله بهذا القمیص؟ وقد مات من سربلک ، وانقلب علیک بعدُ قبل موته وعددته لذلک منافقاً ، وأوصی أن لا تصلّی علیه أنت ، وکان یقول لعلیّ أمیر المؤمنین : خذ سیفک وآخذ سیفی إنّه قد خالف ما أعطانی ، وکان یحثّ الناس علیک ویقول : عاجلوه قبل أن یتمادی فی ملکه ، وحلف أن لا یکلّمک أبداً ، وقد دخلت علیه عائداً فی مرضه فتحوّل إلی الحائط ولم یکلّمک (2) وهاجرک إلی آخر نفس لفظه. وتبعه علی خلافک الباقون من أهل الشوری.

وکنّا نحسب أنّ نصب الخلیفة لا یجب علی الله سبحانه إن کنّا مقتفین أثر الشیخین وإنّما هو مفوّض إلی الأُمّة تختار علیها من شاءت ، وإن حدنا فی ذلک عن قول الله تعالی : (وَرَبُّکَ یَخْلُقُ ما یَشاءُ وَیَخْتارُ ما کانَ لَهُمُ الْخِیَرَةُ) (3) (وَما کانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَی اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ یَکُونَ لَهُمُ الْخِیَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) (4) وعن نصوص النبیّ الأعظم وقد مرّ شطر منها فی غضون أجزاء کتابنا هذا. 6.

ص: 272


1- راجع ما مرّ فی صفحة : 174 ، 175 من هذا الجزء. (المؤلف)
2- راجع ما مرّ فی هذه الجزء من حدیث عبد الرحمن بن عوف : ص 86 - 90. (المؤلف)
3- القصص : 68.
4- الأحزاب : 36.

فهل تری أیّها الخلیفة أنّه کان یجب علی الله سبحانه أن یمضی خیرة الأمّة؟ أکان فی رأی الجلیل إعواز فی تقییض الإمام بنفسه حتی ینتظر فی ذلک مشتبک آراء الأُمّة أو مرتبک أهوائهم فیمضی ما ارتأوه؟ وبهذه المناسبة تنسب ذلک السربال إلیه ، لا أظنّک أیّها الخلیفة یسعک أن تقرّر ما استفهمناه ، غیر أنّ آخر دعواک بعد العجز عن الجواب : لا أنزع قمیصاً ألبسنیه الله.

وعلی کلّ لقد أوقفنا موقف الحیرة فی أمر هذا السربال ومن حاکه والنول الذی حیک علیه ، فقد وجدنا أوّل الخلفاء تسربله بانتخاب غیر دستوری ، بانتخاب جرّ الویلات علی الأُمّة حتی الیوم ، بانتخاب سوّد صحیفة التاریخ وشوّه سمعة السلف ، وقد تقمّصه ابن أبی قحافة وهو یعلم أنّ فی الأُمّة من محلّه من الخلافة محلّ القطب من الرحی ، ینحدر عنه السیل ولا یرقی إلیه الطیر ، کما قاله مولانا أمیر المؤمنین ثمّ مضی الأوّل لسبیله فأدلی بها إلی ابن الخطّاب بعده ، فیا عجباً یستقیلها فی حیاته إذ عقدها لآخر بعد وفاته (1) فتقمّصه الثانی بالنصّ ممّن قبله وهو یعلم أنّ فی الأُمّة من هو أولی منه کما قال مولانا أمیر المؤمنین (2) وسربلک إیّاه أیّها الخلیفة عبد الرحمن بن عوف وفی لسانه قوله لعلیّ : بایع وإلاّ ضربت عنقک ، ولم یکن مع أحد یومئذ سیف غیره ، فخرج علیّ مغضباً فلحقه أصحاب الشوری قائلین : بایع وإلاّ جاهدناک (3). فأیّ من هذه السرابیل منسوج بید الحقّ حتی یصحّ عزوه إلیه سبحانه؟ ولهذا البحث ذیول ضافیة حولها أبحاث مترامیة الأطراف ، حول خلافة الخلفاء من بنی أُمیّة وغیرهم یشبه بعضها بعضاً ، ولعلّک فی غنیً عن التبسّط فی ذلک والاسترسال حول توثّبهم علی عرش الإمامة.

نعم ؛ الخلافة التی یصحّ فیها أن یقال : إنّها سربال من الله سبحانه هی التی ف)

ص: 273


1- راجع ما أسلفناه فی الجزء السابع : ص 81. (المؤلف)
2- یأتی حدیثه بلفظه. (المؤلف)
3- الأنساب للبلاذری : 5 / 22 [6 / 128]. (المؤلف)

قیّض صاحبها المولی جلّت قدرته ، وبلّغ عنه نبیّه الأمین صلی الله علیه وآله وسلم ، هی التی أخبر به النبیّ الأعظم من أوّل یومه فقال : «إنّ الأمر إلی الله یضعه حیث یشاء (1) فهی إمرة إلهیّة لا تتمّ إلاّ بالنصّ ولیس لصاحبها أن ینزعها» ، هی التی قرنت بولایة الله ورسوله فی قوله تعالی : (إِنَّما وَلِیُّکُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِینَ آمَنُوا) (2) وهی التی أکمل الله بها الدین وأتمّ بها النعمة (3) وشتّان بینها وبین رجال الانتخاب وإن کان دستوریّا.

وأمّا ما ارتآه المتجمهرون وعبثت به المیول والشهوات ، فهی سلطة عادیة یفوز بها المتغلّبون ، وبید الأُمّة حلّها وعقدها ، والغایة منها عند من یحذو حذو الخلیفة فی جملة من الصولات : کلاءة الثغور ، واقتصاص القاتل ، وقطع المتلصّص ، إلی آخر ما مرّ تفصیله فی الجزء السابع (صفحة 131 - 152) ولیس فی عهدة المتسلّق علی عرشه تبلیغ الأحکام ، وترویض النفوس ، وتهذیب الأخلاق ، وتعلیم الملکات الفاضلة ، وتربیة الملأ فی عالم النشوء والارتقاء ، فإنّ تلکم الغایات فی تلکم السلطات تحصل بمن هو خلو عن ذلک کلّه کما شوهد فیمن فاز بها عن غیر نصّ إلهیّ.

یوم الدار والقتال فیها

أخرج ابن سعد فی طبقاته (4) (5 / 25) طبع لیدن ؛ من طریق أبی حفصة مولی مروان ، قال : خرج مروان بن الحکم یومئذ یرتجز ویقول : من یبارز؟ فبرز إلیه عروة ابن شییم بن البیاع اللیثی فضربه علی قفاه بالسیف فخرّ لوجهه ، فقام إلیه عبید بن رفاعة بن رافع الزرقی بسکّین معه لیقطع رأسه ، فقامت إلیه أمّه التی أرضعته وهی 7.

ص: 274


1- مرّ حدیثه فی الجزء السابع : ص 134. (المؤلف)
2- راجع ما مضی فی الجزء الثانی : ص 47 ، والجزء الثالث : ص 155 - 162. (المؤلف)
3- راجع الجزء الأوّل من کتابنا هذا : ص 230 - 238. (المؤلف)
4- الطبقات الکبری : 5 / 37.

فاطمة الثقفیّة وهی جدّة (1) إبراهیم بن العربیّ صاحب الیمامة فقالت : إن کنت ترید قتله فقد قتلته ، فما تصنع بلحمه أن تبضّعه؟ فاستحیا عبید بن رفاعة منها فترکه.

وروی عن عیّاش بن عبّاس ، قال : حدّثنی من حضر ابن البیّاع یومئذٍ یبارز مروان بن الحکم ، فکأنّی أنظر إلی قبائه قد أدخل طرفیه فی منطقته وتحت القباء الدرع ، فضرب مروان علی قفاه ضربة فقطع علابیّ رقبته ووقع لوجهه ، فأرادوا أن یذفّفوا علیه فقیل : تبضّعون اللحم؟ فترک.

وأخرج البلاذری (2) من طریق خالد بن حرب قال : لجأ بنو أُمیّة یوم قتل عثمان إلی أمّ حبیبة (3) فجعلت آل العاص وآل حرب وآل أبی العاص وآل أُسید فی کندوج (4) وجعلت سائرهم فی مکان آخر ، ونظر معاویة یوماً إلی عمرو بن سعید یختال فی مشیته فقال : بأبی وأُمّی أُمّ حبیبة ، ما کان أعلمها بهذا الحیّ حین جعلتک فی کندوج!

قال : ومشی الناس إلی عثمان وتسلّقوا علیه من دار بنی حزم الأنصاری ، فقاتل دونه ثلاثة من قریش : عبد الله بن وهب بن زمعة بن الأسود (5) ، وعبد الله بن عوف ف)

ص: 275


1- کذا فی الطبقات الکبری ، وسیأتی فی صفحة 278 أنّها أم إبراهیم بن عربی الکنانی کما فی أنساب الأشراف : 6 / 198. إلاَّ أنّ ما فی تاریخ الطبری : 4 / 381 فاطمة بنت أوس جدّة إبراهیم ابن عدیّ ، ولیس إبراهیم بن عربی وهو الصواب حسب الظاهر ، إذ إنّ إبراهیم بن عربی هو صاحب دیوان عبد الملک بن مروان ، وأمّا إبراهیم بن عدیّ فهو والیه علی الیمامة. راجع : تاریخ الأمم والملوک : 6 / 144 ، 146 حوادث سنة 69 ه ، الکامل فی التاریخ : 3 / 177.
2- أنساب الأشراف : 6 / 199.
3- زوجة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم. (المؤلف)
4- کندوج : شبه المخزن بالبیت. (المؤلف)
5- قال ابن الأثیر فی أُسد الغابة : 3 / 273 [3 / 415 رقم 3241] : قتل یوم الجمل أو یوم الدار ، وقال ابن حجر فی الإصابة : 2 / 381 [رقم 5027] : قتل یوم الدار. (المؤلف)

ابن السبّاق (1) ، وعبد الله (2) بن عبد الرحمن بن العوام ، وکان عبد الله بن عبد الرحمن بن العوام یقول : یا عباد الله بیننا وبینکم کتاب الله. فشدّ علیه عبد الرحمن بن عبد الله الجمحی وهو یقول :

لأضربنّ الیوم بالقرضابِ (3)

بقیّة الکفّار والأحزابِ

ضرب امرئٍ لیس بذی ارتیابِ

أأنت تدعونا إلی الکتابِ

نبذته فی سائر الأحقابِ

فقتله ، وشدّ جماعة من الناس علی عبد الله بن وهب بن زمعة ، وعبد الله بن عوف بن السبّاق ، فقتلوهما فی جانب الدار.

جاء مالک الأشتر حتی انتهی إلی عثمان ، فلم یر عنده أحداً فرجع ، فقال له مسلم بن کریب القابضی من همدان : أیا أشتر دعوتنا إلی قتل رجل فأجبناک حتی إذا نظرت إلیه نکصت عنه علی عقبیک. فقال له الأشتر : لله أبوک أما تراه لیس له مانع ولا عنه وازع؟ فلمّا ذهب لینصرف قال ناتل مولی عثمان : وا ثکلاه هذا والله الأشتر الذی سعّر البلاد کلّها علی أمیر المؤمنین ، قتلنی الله إن لم أقتله. فشدّ فی أثره فصاح به عمرو بن عبید الحارثی من همدان : وراءک الرجل یا أشتر ، فالتفت الأشتر إلی ناتل فضربه بالسیف فأطار یده الیسری ونادی الأشتر : یا عمرو بن عبید إلیک الرجل ، فاتبع عمرو ناتلاً فقتله. م.

ص: 276


1- هو عبد الله بن أبی مرّة - أبی میسرة - العبدری ، قتل مع عثمان کما فی الاستیعاب : 2 / 3 [القسم الثالث / 998 رقم 1672] والإصابة 2 / 367 [رقم 4950]. (المؤلف)
2- ذکر أبو عمر فی الاستیعاب [القسم الثانی / 844 رقم 1446] وابن الأثیر فی أُسد الغابة [3 / 480 رقم 3363] فی ترجمة عبد الرحمن ، وابن حجر فی الإصابة : 2 / 415 [رقم 5178] : أنّه ممّن قتل یوم الدار. (المؤلف)
3- القرضوب والقرضاب : السیف القاطع یقطع العظام.

وقال مروان فی یوم الدار :

وما قلت یوم الدار للقوم حاجزوا

رُویداً ولا اختاروا الحیاة علی القتلِ

ولکنَّنی قد قلت للقوم قاتلوا

بأسیافکم لا یوصلنَّ إلی الکهلِ

وفی روایة أبی مخنف : تهیّأ مروان وعدّة معه للقتال فنهاهم عثمان فلم یقبلوا منه وحملوا علی من دخل الدار فأخرجوهم. ورُمی عثمان بالحجارة من دار بنی حزم بن زید الأنصاری ونادوا : لسنا نرمیک ، الله یرمیک ، فقال : لو رمانی الله لم یخطئنی ، وشدّ المغیرة بن الأخنس بالسیف وهو یقول :

قد علمت جاریةٌ عطبول

لها وشاحٌ ولها جدیل

أنِّی لمن حاربت ذو تنکیل

فشدّ علیه رفاعة بن رافع وهو یقول :

قد علمت خودٌ سحوب للذیلْ

ترخی قروناً مثل أذناب الخیلْ

أنّ لِقرنی فی الوغی منِّی الویلْ

فضربه علی رأسه بالسیف فقتله. ویقال : بل قتله رجل من عرض الناس ، وخرج مروان بن الحکم وهو یقول :

قد علمت ذات القرون المیل

والکفّ والأنامل الطفول

أنّی أروع أوّل الرعیل

ثمّ ضرب عن یمینه وشماله فحمل علیه الحجّاج بن غزیة وهو یقول :

قد علمت بیضاء حسناء الطلل

واضحة اللیتین قعساء الکفل

أنِّی غداة الروع مقدامٌ بطل

فضربه علی عنقه بالسیف فلم یقطع سیفه ، وخرّ مروان لوجهه ، وجاءت

ص: 277

فاطمة بنت شریک الأنصاریّة من بُلَیّ (1) - وهی أمّ (2) إبراهیم بن عربی الکنانی الذی کان عبد الملک بن مروان ولاّه الیمامة ، وهی التی کانت ربّت مروان - فقامت علی رأسه ثمّ أمرت به فحمل ، وأُدخل بیتاً فیه کُنّة (3) وشدّ عامر بن بکیر الکنانی وهو بدری علی سعید بن العاص بن سعید بن العاص بن أمیة فضربة بالسیف علی رأسه ، وقامت نائلة بنت الفرافصة علی رأسه ثمّ احتملته فأدخلته بیتاً وأغلقت بابه (4).

وفی روایة الطبری (5) من طریق أبی حفصة مولی مروان : لمّا حُصر عثمان رضی الله عنه شمّرت معه بنو أُمیّة ، ودخل معه مروان الدار ، فکنت معه فی الدار ، فأنا والله أنشبتُ القتال بین الناس ، رمیت من فوق الدار رجلاً من أسلم فقتلته ، وهو نیار الأسلمی فنشب القتال ، ثمّ نزلت فاقتتل الناس علی الباب ، فأرسلوا إلی عثمان أن أمکنّا من قاتله. قال : والله ما أعرف له قاتلاً ، فباتوا ینحرفون علینا لیلة الجمعة بمثل النیران ، فلمّا أصبحوا غدوا ، فأوّل من طلع علینا کنانة بن عتاب فی یده شعلة من نار علی ظهر سطوحنا ، قد فتح له من دار آل حزم ، ثمّ دخلت الشعل علی أثره تُنضح بالنفط فقاتلناهم ساعة علی الخشب وقد اضطرم الخشب ، فأسمع عثمان یقول لأصحابه : ما بعد الحریق شیء ، قد احترق الخشب واحترقت الأبواب ، ومن کانت لی علیه طاعة فلیمسک داره ، ثم قال لمروان : اجلس فلا تخرج. فعصاه مروان ، فقال : والله لا تُقتل ولا یُخلص إلیک وأنا أسمع الصوت ، ثمّ خرج إلی الناس ، فقلت : ما لمولای مُتّرک. فخرجت معه أذبّ عنه ونحن قلیل ، فأسمع مروان یقول : .

ص: 278


1- بُلَی : تلّ قصیر أسفل حاذة - موضع بنجد - بینها وبین ذات عرق. معجم البلدان : 1 / 494.
2- کذا فی أنساب الأشراف : 6 / 198. راجع تعلیقتنا فی هامش صفحة 275.
3- کُنّة بالضم : جناح یخرج من الحائط. والسقیفة تشرع فوق باب الدار. وقیل : هو مخدع أو رفّ یشرع فی البیت. (المؤلف)
4- الأنساب : 5 / 78 - 81 [6 / 197 - 199]. (المؤلف)
5- تاریخ الأُمم والملوک : 4 / 379 حوادث سنة 35 ه.

قد علمت ذات القرون المیلِ

والکفّ والأنامل الطفولِ

أنِّی أروع أوّل الرعیلِ

بفارهٍ مثل قطا الشلیلِ

وقال أبو بکر بن الحارث : کأنّی أنظر إلی عبد الرحمن بن عدیس البلوی وهو مسند ظهره إلی مسجد نبیّ الله صلی الله علیه وآله وسلم وعثمان محصور ، فخرج مروان فقال : من یبارز؟ فقال عبد الرحمن بن عدیس لفلان بن عروة (1) : قم إلی هذا الرجل. فقام إلیه غلام شابّ طوال فأخذ رفیف الدرع فغرزه فی منطقته ، فأعور له عن ساقه ، فأهوی له مروان وضربه ابن عروة علی عنقه ، فکأنّی أنظر إلیه حین استدار ، وقام إلیه عبید بن رفاعة الزرقی لیدفّف علیه ... إلی آخر ما مرّ عن ابن سعد.

ومن طریق حسین بن عیسی ، عن أبیه ، قال : لمّا مضت أیّام التشریق أطافوا بدار عثمان رضی الله عنه ، وأبی إلاّ الإقامة علی أمره ، وأرسل إلی حشمه وخاصّته فجمعهم. فقام رجل من أصحاب النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم یقال له : نیار بن عیاض (2) - وکان شیخاً کبیراً - فنادی : یا عثمان ، فأشرف علیه من أعلی داره ، فناشده الله وذکّره الله لمّا اعتزلهم ، فبینا هو یراجعه الکلام إذ رماه رجل من أصحاب عثمان فقتله بسهم ، وزعموا أنّ الذی رماه کثیر بن الصلت الکندی ، فقالوا لعثمان عند ذلک : ادفع الینا قاتل نیار بن عیاض فلنقتله به. فقال : لم أکن لأقتل رجلاً نصرنی وأنتم تریدون قتلی ، فلمّا رأوا ذلک ثاروا إلی بابه فأحرقوه ، وخرج علیهم مروان بن الحکم من دار عثمان فی عصابة ، وخرج سعید بن العاص فی عصابة ، وخرج المغیرة بن الأخنس الثقفی فی عصابة ، فاقتتلوا 8.

ص: 279


1- لعل الصحیح : عروة بن شُیَیم بن البیّاع اللیثی ، کما جاء فی روایة الطبری فی تاریخه : 5 / 133 [4 / 381 حوادث سنة 35 ه وفیه : ابن النبّاع ، وقد تقدّم تصحیح المؤلّف لما ذکره الطبری فی هامش ص 191] ، ومرّ فی : ص 198 من روایة ابن سعد فی طبقاته. (المؤلف)
2- کذا ذکره الطبری فی تاریخه : 4 / 328 وأورده فی الصفحة 390 باسم : نیار بن عبد الله الأسلمی ، وبهذا الاسم أیضاً ذکره ابن حجر العسقلانی فی الإصابة : 3 / 578 رقم 8836 ، وابن الأثیر فی الکامل فی التاریخ : 3 / 175 ، وابن عساکر فی تاریخ مدینة دمشق : 39 / 438.

قتالاً شدیداً ، وکان الذی حداهم علی القتال أنّه بلغهم أنّ مدداً من أهل البصرة قد نزلوا صِراراً - وهی من المدینة علی لیلة - ، وأنّ أهل الشام قد توجّهوا مقبلین ، فقاتلوهم قتالاً شدیداً علی باب الدار ، فحمل المغیرة بن الأخنس الثقفی علی القوم وهو یقول مرتجزاً :

قد علمت جاریةٌ عُطبولُ

لها وشاحٌ ولها حُجولُ

أنّی بنصل السیف خنشلیلُ

فحمل علیه عبد الله بن بُدیل بن ورقاء الخزاعی ، وهو یقول :

إن تکُ بالسیف کما تقولُ

فاثبت لِقرنٍ ماجدٍ یصولُ

بمشرفیٍّ حدُّهُ مصقولُ

فضربه عبد الله فقتله ، وحمل رفاعة بن رافع الأنصاری ثمّ الزّرقی علی مروان ابن الحکم ، فضربه فصرعه ، فنزع عنه وهو یری أنّه قد قتله ، وجرح عبد الله بن الزبیر جراحات وانهزم القوم حتی لجأوا إلی القصر ، فاعتصموا ببابه ، فاقتتلوا علیه قتالاً شدیداً ، فقتل فی المعرکة علی الباب زیاد بن نعیم الفهری (1) فی ناس من أصحاب عثمان ، فلم یزل الناس یقتتلون حتی فتح عمرو بن حزم الأنصاری باب داره وهو إلی جنب دار عثمان بن عفّان ، ثم نادی الناس ، فأقبلوا علیهم (2) من داره ، فقاتلوهم فی جوف الدار حتی انهزموا ، وخلّی لهم عن باب الدار فخرجوا هُرّاباً فی طرق المدینة ، وبقی عثمان فی أُناس من أهل بیته وأصحابه فقتلوا معه ، وقُتل عثمان رضی الله عنه (3). ف)

ص: 280


1- عدّه من قتلی یوم الدار : أبو عمر فی الاستیعاب [القسم الثانی / 534 رقم 835] ، وابن حجر فی الإصابة [1 / 559 رقم 2867]. (المؤلف)
2- فی الطبری : فأقبلوا علیه.
3- تاریخ الطبری : 5 / 122 - 125 [4 / 379 حوادث سنة 35 ه] ، الکامل لابن الأثیر : 3 / 73 ، 74 [2 / 293 ، 294 حوادث سنة 35]. (المؤلف)

وفرّ خالد بن عقبة بن أبی معیط أخو الولید یوم الدار ، وإلیه أشار عبد الرحمن ابن سیحان (1) بقوله :

یلوموننی أن جُلتُ فی الدار حاسراً

وقد فرّ منها خالدٌ وهو دارعُ (2)

فإن کان نادی دعوةً فسمعتها

فشلّت یدی واستکَّ منِّی المسامعُ

فقال خالد :

لعمری لقد أبصرتهم فترکتهم

بعینک إذ ممشاک فی الدار واسعُ (3)

وقال أبو عمر : قتل المغیرة بن الأخنس یوم الدار مع عثمان ; وله یوم الدار أخبار کثیرة ، ومنها : أنّه قال لعثمان حین أحرقوا بابه : والله لا قال الناس عنّا إنّا خذلناک ، وخرج بسیفه وهو یقول :

لمّا تهدّمت الأبوابُ واحترقتْ

یمّمتُ منهنَّ باباً غیرَ محترقِ

حقّا أقولُ لعبدِ اللهِ آمره

إن لم تقاتل لدی عثمانَ فانطلقِ

واللهِ لا أترکُه ما دام بی رمقٌ

حتی یُزایَلَ بین الرأس والعنقِ

هو الإمامُ فلست الیومَ خاذلَهُ

إنّ الفرارَ علیّ الیوم کالسرقِ

وحمل علی الناس فضربه رجل علی ساقه فقطعها ، ثمّ قتله. فقال رجل من بنی زهرة لطلحة بن عبید الله : قُتل المغیرة بن الأخنس ، فقال : قُتل سیّد حلفاء قریش. ف)

ص: 281


1- کذا فی الأنساب ، وفی الاستیعاب ، والإصابة : أزهر بن سحبان. (المؤلف)
2- الأنساب للبلاذری : یلوموننی فی الدار أن غبت عنهم وقد فرّ عنهم خالد وهو دارع (المؤلف)
3- الأنساب : 5 / 117 [6 / 246] ، الاستیعاب : 1 / 155 [القسم الثانی / 432 رقم 609] ، الإصابة : 1 / 103 [رقم 442] ، 410 [رقم 2183]. (المؤلف)

راجع الاستیعاب (1) ترجمة المغیرة.

وقال ابن کثیر فی تاریخه (2) (7 / 188) : ومن أعیان من قتل من أصحاب عثمان زیاد بن نعیم الفهری ، والمغیرة بن الأخنس بن شریق ، ونیار بن عبد الله الأسلمی ، فی أُناس وقت المعرکة.

قال الأمینی : لقد حدتنی إلی سرد هذه الأحادیث الدلالة بها منضمّة إلی ما سبقها من الأخبار علی أنّه لم یکن مع عثمان من یدافع عنه غیر الأمویِّین وموالیهم وحثالة ممّن کان ینسج علی نولهم تجاه هیاج المهاجرین والأنصار فقتل من أولئک من قتل ، وضمّ إلیه کندوج أمّ حبیبة آخرین ، وتفرّق شذّاذ منهم هاربین فی أزقّة المدینة ، فلم یبق إلاّ الرجل نفسه وأهله حتی انتهت إلیه نوبة القتل من دون أیّ مُدافع عنه ، فتحفّظ علی هذا ؛ فإنّه سوف ینفعک فیما یأتی من البحث عن سلسلة الموضوعات.

لفت نظر :

عدّ نیار بن عبد الله من أصحاب عثمان کما فعله ابن کثیر غلط فاحش دعاه إلیه حبّه إکثار عدد المدافعین عن الخلیفة ، المقتولین دونه ، وقد عرفت أنّه کان شیخاً کبیراً حضر ذلک الموقف للنصیحة والموعظة الحسنة لعثمان فقتله مولی مروان بسهم ، فشبّ به القتال ، وطولب عثمان بقاتله لیقتصّ منه وامتنع عن دفعه فهاج بذلک غضب الأنصار علیه.

حدیث مقتل عثمان

(إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَیْهِ راجِعُونَ)

أخرج الطبری فی تاریخه وغیره ؛ من طریق یوسف بن عبد الله بن سلام ، قال : ه

ص: 282


1- الاستیعاب : القسم الرابع / 1444 رقم 2479.
2- البدایة والنهایة : 7 / 210 حوادث سنة 35 ه

أشرف عثمان علی الناس وهو محصور وقد أحاطوا بالدار من کلّ ناحیة ، فقال : أنشدکم بالله جلّ وعزّ هل تعلمون أنّکم دعوتم الله عند مصاب أمیر المؤمنین عمر بن الخطّاب رضی الله عنه أن یخیر لکم ، وأن یجمعکم علی خیرکم؟ فما ظنّکم بالله؟ أتقولونه (1) : لم یستجب لکم ، وهنتم علی الله سبحانه؟ وأنتم یومئذ أهل حقّه من خلقه ، وجمیع أمورکم لم تتفرّق ، أم تقولون : هان علی الله دینه فلم یُبال من ولاه؟ والدین یومئذ یُعبد به الله ولم یتفرّق أهله ، فتوکلوا أو تخذلوا وتعاقبوا ، أم تقولون : لم یکن أخذ عن مشورة؟ وإنّما کابرتم مکابرة ، فوکل الله الأُمّة إذا عصته ، لم تشاوروا فی الإمام ، ولم تجتهدوا فی موضع کراهته ، أم تقولون : لم یدر الله ما عاقبة أمری؟ فکنت فی بعض أمری مُحسناً ولأهل الدین رضی فما أحدثت بعد فی أمری ما یسخط الله وتسخطون ممّا لم یعلم الله سبحانه یوم اختارنی وسربلنی سربال کرامته ، وأنشدکم بالله هل تعلمون لی من سابقة خیر وسلف خیر قدّمه الله لی ، وأشهدنیه من حقّه وجهاد عدوّه ، حقّ علی کلّ من جاء من بعدی أن یعرفوا لی فضلها؟ فمهلاً لا تقتلونی فإنّه لا یحلّ إلاّ قتل ثلاثة : رجل زنی بعد إحصانه ، أو کفر بعد إسلامه ، أو قتل نفساً بغیر نفس فیُقتل بها ، فإنّکم إن قتلتمونی وضعتم السیف علی رقابکم ثمّ لم یرفعه الله عزّ وجلّ عنکم إلی یوم القیامة ، ولا تقتلونی فإنّکم إن قتلتمونی لم تصلّوا من بعدی جمیعاً أبداً ، ولم تقتسموا بعدی فیئاً جمیعاً أبداً ، ولن یرفع الله عنکم الاختلاف أبداً.

قالوا له : أمّا ما ذکرت من استخارة الله عزّ وجلّ الناس بعد عمر رضی الله عنه فیمن یولّون علیهم ثمّ ولّوک بعد استخارة الله ، فإنّ کلّ ما صنع الله الخیرة ، ولکنّ الله سبحانه جعل أمرک بلیّة ابتلی بها عباده.

وأمّا ما ذکرت من قدمک وسبقک مع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فإنّک قد کنت ذا قدم وسلف وکنت أهلاً للولایة ولکن بدّلت بعد ذلک وأحدثت ما قد علمت. ن.

ص: 283


1- کذا فی المصدر ، ولعله : أتقولون.

وأمّا ما ذکرت ممّا یصیبنا إن نحن قتلناک من البلاء فإنّه لا ینبغی ترک إقامة الحقّ علیک مخافة الفتنة عاماً قابلاً.

وأمّا قولک : إنّه لا یحلّ إلاّ قتل ثلاثة فإنّا نجد فی کتاب الله قتل غیر الثلاثة الذین سمّیت : قتل من سعی فی الأرض فساداً ، وقتل من بغی ثمّ قاتل علی بغیه ، وقتل من حال دون شیء من الحقّ ومنعه ثمّ قاتل دونه وکابر علیه ، وقد بغیت ، ومنعت الحقّ وحُلت دونه وکابرت علیه ، تأبی أن تقید من نفسک من ظلمت عمداً ، وتمسّکت بالإمارة علینا ، وقد جرت فی حکمک وقسمک ، فإن زعمت أنّک لم تُکابرنا علیه وأنّ الذین قاموا دونک ومنعوک منّا إنّما یقاتلون بغیر أمرک فإنّما یقاتلون لتمسّکک بالإمارة ، فلو أنّک خلعت نفسک لانصرفوا عن القتال دونک.

قال البلاذری وغیره : لمّا بلغ أهل مصر ومن معهم ممّن حاصر عثمان ما کتب به إلی ابن عامر ومعاویة فزادهم ذلک شدّة علیه وجدّا فی حصاره وحرصاً علی معاجلته بالقتل.

وکان طلحة قد استولی علی أمر الناس فی الحصار ، وأمرهم بمنع من یدخل علیه والخروج من عنده ، وأن یُدخل إلیه الماء ، وأتت أمّ حبیبة بنت أبی سفیان بأداوة وقد اشتدّ علیه الحصار فمنعوها من الدخول ، فقالت : إنّه کان المتولّی لوصایانا وأمر أیتامنا وأنا أُرید مناظرته فی ذلک ، فأذنوا لها فأعطته الأداوة.

وقال جبیر بن مطعم : حصر عثمان حتی کان لا یشرب إلاّ من فقیر (1) فی داره فدخلت علی علیّ فقلت : أرضیت بهذا أن یُحصر ابن عمّتک حتی والله ما یشرب إلاّ من فقیر فی داره؟ فقال : سبحان الله أو قد بلغوا به هذه الحال؟ قلت : نعم ، فعمد إلی روایا ماء فأدخلها إلیه فسقاه. ء.

ص: 284


1- الفقیر : البئر القلیلة الماء.

ولمّا وقعت الواقعة ، وقام القتال ، وقتل فی المعرکة زیاد بن نعیم الفهری فی ناس من أصحاب عثمان ، فلم یزل الناس یقتتلون حتی فتح عمرو بن حزم الأنصاری باب داره وهو إلی جنب دار عثمان بن عفّان ثمّ نادی الناس فأقبلوا علیهم من داره فقاتلوهم فی جوف الدار حتی انهزموا وخلّی لهم عن باب الدار فخرجوا هراباً فی طرق المدینة. وبقی عثمان فی أُناس من أهل بیته وأصحابه فقتلوا معه وقتل عثمان رضی الله عنه.

أخرج ابن سعد والطبری من طریق عبد الرحمن بن محمد قال : إنّ محمد بن أبی بکر تسوّر علی عثمان من دار عمرو بن حزم ومعه کنانة بن بشر بن عتاب ، وسودان ابن حمران ، وعمرو بن الحمق ، فوجدوا عثمان عند امرأته نائلة وهو یقرأ فی المصحف سورة البقرة ، فتقدّمهم محمد بن أبی بکر فأخذ بلحیة عثمان فقال : قد أخزاک الله یا نعثل ، فقال عثمان : لست بنعثل ، ولکن عبد الله وأمیر المؤمنین. فقال محمد : ما أغنی عنک معاویة وفلان وفلان. فقال عثمان : یا ابن أخی دع عنک لحیتی ، فما کان أبوک لیقبض علی ما قبضت علیه ، فقال محمد : ما أُرید بک أشدّ من قبضی علی لحیتک. فقال عثمان : أستنصر الله علیک وأستعین به ، ثمّ طعن جبینه بمشقص (1) فی یده.

وفی لفظ البلاذری : تناول عثمان المصحف ووضعه فی حجره وقال : عباد الله لکم ما فیه ، والعتبی ممّا تکرهون ، اللهمّ اشهد ، فقال محمد بن أبی بکر : الآن وقد عصیت قبل وکنت من المفسدین! ثمّ رفع جماعة قداح کانت فی یده فوجأ بها فی خُششائه (2) حتی وقعت فی أوداجه فحزّت ولم تقطع ، فقال : عباد الله لا تقتلونی فتندموا وتختلفوا.

وفی لفظ ابن کثیر : جاء محمد بن أبی بکر فی ثلاثة عشر رجلاً فأخذ بلحیته فعال بها حتی سمعت وقع أضراسه ، فقال : ما أغنی عنک معاویة ، وما أغنی عنک ابن ف)

ص: 285


1- المشقص : نصل السهم إذا کان طویلاً غیر عریض. (المؤلف)
2- الخششاء : العظم الدقیق العاری من الشعر الناتئ خلف الأذن. (المؤلف)

عامر ، وما أغنت عنک کتبک.

وفی لفظ ابن عساکر : قال محمد بن أبی بکر : علی أیّ دین أنت یا نعثل؟ قال : علی دین الاسلام ، ولست بنعثل ولکنّی أمیر المؤمنین. قال : غیّرت کتاب الله. فقال : کتاب الله بینی وبینکم. فتقدّم إلیه وأخذ بلحیته وقال : إنّا لا یُقبل منّا یوم القیامة أن نقول : ربّنا إنّا أطعنا سادتنا وکبراءنا فأضلّونا السبیل ، وشحطه بیده من البیت إلی باب الدار وهو یقول : یا ابن أخی ما کان أبوک لیأخذ بلحیتی.

قال ابن سعد والطبری : ورفع کنانة بن بشر مشاقص کانت فی یده فوجأ بها فی أصل أُذن عثمان فمضت حتی دخلت فی حلقه ثمّ علاه بالسیف حتی قتله.

وفی روایة ابن أبی عون ضرب کنانة بن بشر التجیبی جبینه ومقدّم رأسه بعمود حدید فخرّ لجنبه ، قال الولید بن عقبة أو غیره :

علاه بالعمود أخو تجیب

فأوهی الرأسَ منه والجبینا (1)

وضربه سودان بن حمران المرادی بعد ما خرّ لجنبه فقتله ، وأمّا عمرو بن الحمق فوثب علی عثمان فجلس علی صدره وبه رمق فطعنه تسع طعنات ، وقال : أمّا ثلاث منهنّ فإنّی طعنتهنّ لله ، وأما ستّ فإنّی طعنت إیّاهنّ لما کان فی صدری علیه.

وأقبل عمیر بن ضابئ علیه فکسر ضلعاً من أضلاعه ، وفی الإصابة : لمّا قتل عثمان وثب عمیر بن ضابئ علیه فکسر ضلعین من أضلاعه. وقال المسعودی : وکان فیمن مال علیه عمیر بن ضابئ البرجمی وخضخض بسیفه بطنه. وسیوافیک حدیث ف)

ص: 286


1- من المستغرب جداً أنّ أبا عمر بن عبد البر ذکر هذا البیت فی الاستیعاب فی ترجمة مولانا أمیر المؤمنین بعد ذکر قتله وقال : قال شاعرهم : علاه بالعمود أخو تجوبٍ فأوهی الرأس منه والجبینا (المؤلف)

آخر عنه لدة هذا.

وفی لفظ الطبری وابن عبد ربّة وابن کثیر : ضربوه علی رأسه ثلاث ضربات ، وطعنوه فی صدره ثلاث طعنات ، ضربوه علی مقدّم العین فوق الأنف ضربة أسرعت فی العظم وقد أثخنوه وبه حیاة وهم یریدون قطع رأسه ، فألقت نائلة وابنة شیبة بن ربیعة زوجتاه بنفسهما علیه. فقال ابن عدیس : اترکوه. فترکوه ووطئتا وطئاً شدیداً. وفی لفظ ابن کثیر : فی روایة : إنّ الغافقی بن حرب تقدّم إلیه بعد محمد بن أبی بکر فضربه بحدیدة فی فیه.

وذکر البلاذری من طریق الحسن عن وثاب ، وکان مع عثمان یوم الدار وأصابته طعنتان کأنّهما کیّتان ، قال : بعثنی عثمان فدعوت الأشتر له ، فقال : یا أشتر ما یرید الناس منّی؟ قال : یخیّرونک أن تخلع لهم أمرهم ، أو تقصّ من نفسک وإلاّ فهم قاتلوک. قال : أمّا الخلع فما کنت لأخلع سربالاً سربلنیه الله ، وأمّا القصاص فو الله لقد علمت أنّ صاحبیّ کانا یعاقبان ، وما یقوم بدنی للقصاص ، وأمّا قتلی فو الله لئن قتلتمونی لا تتحابّون بعدی أبداً ولا تقاتلون عدوّا جمیعاً أبداً.

وقال وثاب : أصابتنی جراحة فأنا أنزف مرّة وأقوم مرّة ، فقال لی عثمان : هل عندک وضوء؟ قلت : نعم. فتوضّأ ثمّ أخذ المصحف فتحرّم به من الفسقة ، فبینا هو کذلک إذ جاء رُویجل کأنّه ذئب فاطّلع ثمّ رجع ، فقلنا لقد ردّهم أمر ونهاهم ، فدخل محمد بن أبی بکر حتی جثا علی رکبتیه ، وکان عثمان حسن اللحیة ، فجعل یهزّها حتی سمع نقیض أضراسه ثمّ قال : ما أغنی عنک معاویة ، ما أغنی عنک ابن عامر؟ فقال : یا ابن أخی مهلاً فو الله ما کان أبوک لیجلس منّی هذا المجلس ، قال : فأشعره (1) وتعاونوا علیه فقتلوه. ٍ.

ص: 287


1- الإشعار : الإدماء بطعن أو رمی أو وجءٍ.

وأخرج من طریق ابن سیرین ، قال : جاء ابن بدیل إلی عثمان : - وکان بینهما شحناء - ومعه السیف وهو یقول : لأقتلنّه ، فقالت له جاریة عثمان : لأنت أهون علی الله من ذلک ، فدخل علی عثمان فضربه ضربة لا أدری ما أخذت منه.

راجع (1) : طبقات ابن سعد طبع لیدن (3 / 51) ، أنساب البلاذری (5 / 72 ، 82 ، 83 ، 92 ، 97 ، 98) ، الإمامة والسیاسة (1 / 39) ، تاریخ الطبری (5 / 125 ، 131 ، 132) ، العقد الفرید (2 / 270) ، مروج الذهب (1 / 442) ، الاستیعاب (2 / 477 ، 478) ، تاریخ ابن عساکر (4 / 372) ، الکامل لابن الأثیر (3 / 72 ، 75) ، شرح ابن أبی الحدید (1 / 166 ، 168) ، تاریخ ابن خلدون (2 / 401) ، تاریخ أبی الفداء (1 / 170) ، تاریخ ابن کثیر (7 / 184 ، 185 ، 187 ، 188) ، حیاة الحیوان للدمیری (1 / 54) ، مجمع الزوائد (7 / 232) ، تاریخ الخمیس (2 / 263) ، السیرة الحلبیة (2 / 85) ، الإصابة (2 / 215) ، إزالة الخفاء (2 / 239 - 343).

تجهیز الخلیفة ودفنه

أخرج الطبری ؛ من طریق أبی بشیر العابدی ، قال : نُبذ عثمان رضی الله عنه ثلاثة أیّام لا یُدفن ، ثمّ إنّ حکیم بن حزام القرشی ثمّ أحد بنی أسد بن عبد العزّی ، وجُبیر ابن مطعم کلّما علیّا فی دفنه وطلبا إلیه أن یأذن لأهله فی ذلک ، ففعل وأذن لهم علیّ ، 6.

ص: 288


1- الطبقات الکبری : 3 / 73 ، أنساب الأشراف : 6 / 189 و 202 و 213 و 220 ، الإمامة والسیاسة : 1 / 44 ، تاریخ الأُمم والملوک : 4 / 382 و 383 و 395 حوادث سنة 35 ه ، العقد الفرید : 4 / 113 ، مروج الذهب : 2 / 362 ، الاستیعاب : القسم الثالث / 1037 رقم 1778 ، تاریخ مدینة دمشق : 39 / 403 رقم 4619 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 16 / 222 ، الکامل فی التاریخ : 2 / 293 حوادث سنة 35 ه ، شرح نهج البلاغة : 2 / 155 خطبة 30 ، تاریخ ابن خلدون : 2 / 300 ، البدایة والنهایة : 7 / 206 و 207 و 209 و 210 ، 211 حوادث سنة 35 ه ، حیاة الحیوان : 1 / 78 ، السیرة الحلبیة : 2 / 76.

فلمّا سُمع بذلک قعدوا له فی الطریق بالحجارة ، وخرج به ناس یسیر من أهله وهم یریدون به حائطاً بالمدینة یُقال له : حُشّ کوکب (1) کانت الیهود تدفن فیه موتاهم ، فلمّا خرج به علی الناس رجموا سریره وهمّوا بطرحه ، فبلغ ذلک علیّا ، فأرسل إلیهم یعزم علیهم لَیکُفُنّ عنه ، ففعلوا ، فانطلق به حتی دفن رضی الله عنه فی حشّ کوکب ، فلمّا ظهر معاویة بن أبی سفیان علی الناس أمر بهدم ذلک الحائط حتی أفضی به إلی البقیع ، فأمر الناس أن یدفنوا موتاهم حول قبره حتی اتّصل ذلک بمقابر المسلمین.

ومن طریق أبی کرب - وکان عاملاً علی بیت مال عثمان - قال : دفن عثمان رضی الله عنه بین المغرب والعتمة ، ولم یشهد جنازته إلاّ مروان بن الحکم وثلاثة من موالیه وابنته الخامسة فناحت ابنته ورفعت صوتها تندبه ، وأخذ الناس الحجارة وقالوا : نعثل نعثل ، وکادت ترجم ، فقالوا : الحائط الحائط ، فدفن فی حائط خارجاً.

ومن طریق عبد الله بن ساعدة ، قال : لبث عثمان بعد ما قتل لیلتین لا یستطیعون دفنه ثمّ حمله أربعة : حکیم بن حزام ، وجبیر بن مطعم ، ونیار بن مکرم ، وأبو جهم بن حذیفة ، فلمّا وضع لیصلّی علیه ، جاء نفر من الصحابة یمنعونهم الصلاة علیه ، فیهم : أسلم بن أوس بن بجرة الساعدی ، وأبو حیّة المازنی فی عدّة ومنعوهم أن یُدفن بالبقیع ، فقال أبو جهم : ادفنوه فقد صلّی الله علیه وملائکته ، فقالوا : لا والله لا یُدفن فی مقابر المسلمین أبداً ، فدفنوه فی حشّ کوکب ، فلمّا ملکت بنو أُمیّة أدخلوا ذلک الحشّ فی البقیع ، فهو الیوم مقبرة بنی أُمیّة.

ومن طریق عبد الله بن موسی المخزومی ، قال : لمّا قُتل عثمان رضی الله عنه أرادوا حزّ رأسه ، فوقعت علیه نائلة وأمّ البنین فمنعنهم وصحن وضربن الوجوه وخرقن ثیابهنّ ، فقال ابن عدیس : اترکوه ، فأُخرِج عثمان ولم یُغسّل إلی البقیع ، وأرادوا أن یصلّوا علیه ف)

ص: 289


1- قال أبو عمر فی الاستیعاب [القسم الثالث / 1048 رقم 1778] ، ویاقوت فی المعجم [2 / 262] ، والمحبّ الطبری فی الریاض [3 / 65] : کوکب : رجل من الأنصار ، والحشّ : البستان. (المؤلف)

فی موضع الجنائز فأبت الأنصار ، وأقبل عمیر بن ضابئ وعثمان موضوع علی باب ، فنزا علیه فکسر ضلعاً من أضلاعه وقال : سجنت ضابئاً حتی مات فی السجن.

وأخرج ابن سعد والطبری من طریق مالک بن أبی عامر ، قال : کنت أحد حملة عثمان رضی الله عنه حین قتل ، حملناه علی باب ، وإنّ رأسه لتقرع الباب لإسراعنا به ، وإنّ بنا من الخوف لأمراً عظیماً حتی واریناه فی قبره فی حشّ کوکب.

وأخرج البلاذری من روایة أبی مخنف : أنّ عثمان رضی الله عنه قتل یوم الجمعة ، فترک فی داره قتیلاً ، فجاء جبیر بن مطعم ، وعبد الرحمن بن أبی بکر ، ومسور بن مخرمة الزهری ، وأبو الجهم بن حذیفة العدوی لیصلّوا علیه ویجنّوه (1) ، فجاء رجال من الأنصار فقالوا : لا ندعکم تصلّون علیه ، فقال أبو الجهم : إلاَّ تَدَعونا نصلّی علیه فقد صلّت علیه الملائکة ، فقال الحجّاج بن غزیّة : إن کنت کاذباً فأدخلک الله مدخله ، قال : نعم حشرنی الله معه ، قال ابن غزیّة : إنّ الله حاشرک معه ومع الشیطان ، والله إنّ ترک إلحاقک به لخطأ وعجز. فسکت أبو الجهم ، ثمّ إنّ القوم أغفلوا أمر عثمان وشغلوا عنه ، فعاد هؤلاء النفر فصلّوا علیه ودفنوه ، وأَمَّهم جبیر بن مطعم وحملت أم البنین بنت عُیینة بن حصن امرأة عثمان لهم السراج ، وحمل علی باب صغیر من جرید قد خرجت عنه رجلاه ، وأخرج حدیث منع الصلاة علیه أبو عمر فی الاستیعاب من طریق هشام بن عروة عن أبیه.

وقال : إنّه لقیهم قوم من الأنصار فقاتلوهم حتی طرحوه ، ثمّ توطّأ عمیر بن ضابئ بن الحارث بن أرطاة التمیمی ثمّ البرجمی بطنه ، وجعل یقول : ما رأیت کافراً ألین بطناً منه ، وکان أشدّ الناس علی عثمان ، فکان یقول یومئذ : أرنی ضابئاً ، أحی لی ضابئاً لیری ما علیه عثمان من الحال. وقال ابن قتیبة فی الشعر والشعراء (2) (ص 128): 9.

ص: 290


1- الإجنان : الدفن.
2- الشعر والشعراء : ص 219.

جاء عمیر بن ضابئ فرفسه برجله.

قال البلاذری : ودفن عثمان فی حشّ کوکب وهو نخل لرجل قدیم یقال له : کوکب ، ثمّ أقبل الناس حین دفن إلی علیّ فبایعوه. وأرادوا دفن عثمان بالبقیع فمنعهم من ذلک قوم فیهم أسلم بن بجرة الساعدی ، ویقال : جبلة بن عمرو الساعدی ، وقال ابن داب : صلّی علیه مسور بن مخرمة.

وقال المدائنی عن الوقاصی عن الزهری : امتنعوا من دفن عثمان ، فوقفت أُمّ حبیبة بباب المسجد ، ثمّ قالت : لتخَلُّنّ بیننا وبین دفن هذا الرجل أو لأکشفنّ ستر رسول الله. فخلّوا بینهم وبین دفنه.

وأخرج من طریق أبی الزناد ، قال : خرجت نائلة امرأة عثمان لیلة دُفن ومعها سراج وقد شقّت جیبها وهی تصیح : وا عثماناه ، وا أمیر المؤمنیناه ، فقال لها جبیر بن مطعم : اطفئی السراج فقد ترین من بالباب ، فأطفأت السراج وانتهوا إلی البقیع ، فصلّی علیه جبیر وخلفه حکیم بن حزام ، وأبو جهم ، ونیار بن مکرم ، ونائلة وأُم البنین امرأتاه ونزل فی حفرته نیار وأبو جهم وجُبیر ، وکان حکیم والامرأتان یدلّونه علی الرجال حتی قبر وبنی علیه وغمّوا (1) قبره وتفرّقوا. وفی لفظ أبی عمر : فلمّا دفنوه غیّبوا قبره ، وذکره السمهودی فی وفاء الوفا (2 / 99) من طریق ابن شبّة (2) عن الزهری.

وأخرج ابن الجوزی ، والمحبّ الطبری ، والهیثمی (3) ، من طریق عبد الله بن فروخ ، قال : شهدت عثمان بن عفّان دفن فی ثیابه بدمائه ولم یغسّل. وقال المحبّ : خرّجه البخاری والبغوی فی معجمه. وذکر ابن الأثیر فی الکامل وابن أبی الحدید فی 3.

ص: 291


1- غما البیت یغموه غمواً إذا غطّاه.
2- تاریخ المدینة : 4 / 1240.
3- مجمع الزوائد : 7 / 233.

الشرح ؛ أنّه لم یغسَّل وکفّن فی ثیابه.

وأخرج أبو عمر فی الاستیعاب من طریق مالک ، قال : لمّا قُتل عثمان رضی الله عنه أُلقی علی المزبلة ثلاثة أیّام ، فلمّا کان من اللیل أتاه اثنا عشر رجلاً (1) ، فیهم حویطب بن عبد العزّی ، وحکیم بن حزام ، وعبد الله بن الزبیر [وجدّی] (2) فاحتملوه ، فلمّا صاروا به إلی المقبره لیدفنوه ناداهم قوم من بنی مازن : والله لئن دفنتموه هاهنا لنخبرنّ الناس غداً ، فاحتملوه وکان علی باب ، وإنّ رأسه علی الباب لیقول : طق طق ، حتی صاروا به إلی حشّ کوکب ، فاحتفروا له ، وکانت عائشة بنت عثمان معها مصباح فی جرّة ، فلمّا أخرجوه لیدفنوه صاحت ، فقال لها ابن الزبیر : والله لئن لم تسکتی لأضربنّ الذی فیه عیناک ، قال : فسکتت ، فدفن.

وذکره المحبّ الطبری فی الریاض نقلاً عن القلعی ، وذکر عن الخجندی أنّه أقام فی حشّ کوکب ثلاثاً مطروحاً لا یصلّی علیه.

وذکر الصفدی فی تمام المتون (3) (ص 79) عن مالک أنّ عثمان أُلقی علی المزبلة ثلاثة أیّام.

وقال الیعقوبی : أقام ثلاثاً لم یُدفن ، وحضر دفنه حکیم ، وجبیر ، وحویطب ، وعمرو بن عثمان ابنه ، ودُفن لیلاً فی موضع یُعرف بحشّ کوکب ، وصلّی علیه هؤلاء الأربعة وقیل : لم یصلّ علیه ، وقیل : أحد الأربعة قد صلّی علیه ، فدفن بغیر صلاة.

وقال ابن قتیبة : ذکروا أنّ عبد الرحمن بن أزهر قال : لم أکن دخلت فی شیء من أمر عثمان لا علیه ولا له ، فإنّی لجالس بفناء داری لیلاً بعد ما قتل عثمان بلیلة إذ 1.

ص: 292


1- أحادیث الباب مطلقة علی أنّ الذین تولّوا إجنانه کانوا أربعة. وقال المحبّ الطبری [3 / 65] : وقد قیل : إنّ الذین تولّوا تجهیزه کانوا خمسة أو ستّة ، أربعة رجال وامرأتان : نائلة وأمّ البنین. (المؤلف)
2- الزیادة من المصدر.
3- تمام المتون : ص 191.

جاءنی المنذر بن الزبیر ، فقال : إنّ أخی یدعوک فقمت إلیه ، فقال لی : إنّا أردنا أن ندفن عثمان فهل لک؟ قلت : والله ما دخلت فی شیء من شأنه وما أرید ذلک ، فانصرفت عنه ثمّ اتّبعته ، فإذا هو فی نفر فیهم جبیر بن مطعم ، وأبو الجهم ، والمسور ، وعبد الرحمن بن أبی بکر ، وعبد الله بن الزبیر ، فاحتملوه علی باب وإنّ رأسه لیقول : طق طق ، فوضعوه فی موضع الجنائز ، فقام إلیهم رجال من الأنصار فقالوا لهم : لا والله لا تصلّون علیه ، فقال أبو الجهم : ألا تدعونا نصلّی علیه؟ فقد صلّی الله تعالی علیه وملائکته. فقال له رجل منهم : إن کنت کاذباً فأدخلک الله مدخله ، فقال له : حشرنی الله معه ، فقال له : إنّ الله حاشرک مع الشیاطین ، والله إن ترکناکم به لعجز منّا. فقال القوم لأبی الجهم : اسکت عنهم وکفّ ، فسکت ، فاحتملوه ثمّ انطلقوا مسرعین کأنّی أسمع وقع رأسه علی اللوح ، حتی وضعوه فی أدنی البقیع فأتاهم جبلة ابن عمرو الساعدی من الأنصار فقال : لا والله لا تدفنوه فی بقیع رسول الله ولا نترککم تصلّون علیه ، فقال أبو الجهم : انطلقوا بنا إن لم نصلِّ علیه فقد صلّی الله علیه ، فخرجوا ومعهم عائشة بنت عثمان معها مصباح فی حُقّ ، حتی إذا أتوا به جسر (1) کوکب حفروا له حفرة ، ثمّ قاموا یصلّون علیه وأمّهم جبیر بن مطعم ، ثمّ دلّوه فی حفرته ، فلمّا رأته ابنته صاحت ، فقال ابن الزبیر : والله لئن لم تسکتی لأضربنّ الذی فیه عیناک فدفنوه ، ولم یلحدوه بلبن ، وحثوا علیه التراب حثواً.

وقال یاقوت الحموی : لمّا قتل عثمان أُلقی فی حشّ کوکب ثمّ دفن فی جنبه.

وذکر ابن کثیر بعض ما أسلفناه نقلاً عن البلاذری فقال : ثمّ أخرجوا بعبدی عثمان اللذین قتلا فی الدار وهما : صُبیح ونُجیح فدفنا إلی جانبه بحشّ کوکب ، ف)

ص: 293


1- کذا فی النسخة : والصحیح : حش. (المؤلف)

وقیل : إنّ الخوارج لم یمکّنوا من دفنهما ، بل جرّوهما بأرجلهما حتی ألقوهما بالبلاط (1) فأکلتهما الکلاب ، وقد اعتنی معاویة فی أیّام إمارته بقبر عثمان ، ورفع الجدار بینه وبین البقیع وأمر الناس أن یدفنوا موتاهم حوله.

وذکر الحلبی فی السیرة ، عن ابن الماجشون ، عن مالک : أنّ عثمان بعد قتله أُلقی علی المزبلة ثلاثة أیّام ، وقیل ، أُغلق علیه بابه بعد قتله ثلاثة أیّام ، لا یستطیع أحد أن یدفنه .. إلی آخر ما مرّ من حدیث مالک. ولمّا دفنوه عفوا قبره خوفاً علیه أن یُنبش ، وأمّا غلاماه اللذان قتلا معه فجرّوهما برجلیهما وألقوهما علی التلال ، فأکلتهما الکلاب.

وذکر ابن أبی الحدید وابن الأثیر والدمیری أنّه أقام ثلاثة أیّام لم یُدفن ولم یصلّ علیه ، وقیل لم یغسّل ولم یکفّن ، وقیل : صلّی علیه جبیر بن مطعم ودُفن لیلاً.

وذکر السمهودی فی وفاء الوفا عن عثمان بن محمد الأخنسی عن أُمّ حکیمة قالت : کنت مع الأربعة الذین دفنوا عثمان بن عفّان : جبیر ، حکیم ، أبو جهم ، نیار الأسلمی وحملوه علی باب اسمع قرع رأسه علی الباب کأنّه دباة ویقول : دب دب. حتی جاءوا به حشّ کوکب فدفن به ثمّ هدم علیه الجدار وصُلّی علیه هناک.

راجع (2) : طبقات ابن سعد طبع لیدن (3 / 55) ، أنساب البلاذری (83 - 86 ، 6.

ص: 294


1- البلاط من الأرض : وجهها ، أو منتهی الصلب منها. وفی لفظ الحلبی کما یأتی : التلال ، ولعله الصحیح. (المؤلف)
2- الطبقات الکبری : 3 / 78 ، أنساب الأشراف : 6 / 203 و 205 و 222 ، الإمامة والسیاسة : 1 / 46 ، تاریخ الأُمم والملوک : 4 / 412 ، 413 ، 414 حوادث سنة 35 ه ، تاریخ الیعقوبی : 2 / 176 ، الاستیعاب : القسم الثالث / 1047 - 1049. رقم 1778 ، صفة الصفوة : 1 / 305 رقم 4 ، الکامل فی التاریخ : 2 / 295 حوادث سنة 35 ه ، الریاض النضرة : 3 / 65 - 66 ، معجم البلدان : 2 / 262 ، شرح نهج البلاغة : 2 / 158 خطبة 30 ، البدایة والنهایة : 7 / 213 حوادث سنة 35 ه ، حیاة الحیوان : 1 / 78 ، وفاء الوفا : 3 / 913 ، السیرة الحلبیة : 2 / 76.

99) ، الإمامة والسیاسة (1 / 40) ، تاریخ الطبری (5 / 143 ، 144) ، تاریخ الیعقوبی (2 / 153) ، الاستیعاب (2 / 478 ، 479) صفة الصفوة (1 / 117) ، الکامل لابن الأثیر (3 / 76) ، الریاض النضرة (2 / 131 ، 132) ، معجم البلدان (3 / 281) ، شرح ابن أبی الحدید (1 / 168) ، تاریخ ابن کثیر (7 / 190 ، 191) ، حیاة الحیوان للدمیری (1 / 54) ، وفاء الوفا للسمهودی (2 / 99) ، السیرة الحلبیة (2 / 85) ، تاریخ الخمیس (2 / 265).

وقال الشاعر المفلق أحمد شوقی بک فی دول العرب (ص 49).

من لقتیل بالسفا (1) مکفّنِ

مرّت به ثلاثة لم یُدفنِ

تعرضه نوادباً أراملُه

ویشفق النعش ویأبی حامله

قد حیل بین الأرض وابن آدما

ونوزعت دار البقاء قادما

قال الأمینی : إنّ هاهنا صحیفة غامضة أقف تجاهها موقف السادر لا تطاوعنی النفس علی الرکون إلی أیّ من شقَّی الاحتمال اللّذین یختلجان فی الصدر ، وذلک أنّ ما ارتکب من الخلیفة فی التضییق علیه وقتله بتلکم الصور المشدّدة ، ثمّ ما نیل منه بعد القتل من المنع عن تجهیزه وتغسیله ودفنه والصلاة علیه والوقیعة فیه بالسباب المقذع وتحقیره برمی جنازته بالحجارة وکسر بعض أضلاعه ، یستدعی إمّا فسق الصحابة أجمع فإنّهم کانوا بین مباشر لهاتیک الأحوال ، وبین خاذل للمودی به ، وبین مؤلّب علیه ، إلی مثبّط عنه ، إلی راضٍ بما فعلوا ، إلی محبّذ لتلکم الأهوال ، وکان یرنّ فی مسامعهم قوله تعالی : (وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِی حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِ) (2). وقوله تعالی : (مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَیْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِی الْأَرْضِ فَکَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِیعاً) (3). وقوله 2.

ص: 295


1- السفا : الغبار. (المؤلف)
2- الأنعام : 151.
3- المائدة : 32.

تعالی : (وَمَنْ یَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِیها وَغَضِبَ اللهُ عَلَیْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِیماً) (1).

وما جاء فی ذلک من السنّة أکثر ، وما یؤثر عن نبیّ العظمة صلی الله علیه وآله وسلم من وجوب دفن موتی المؤمنین وتغسیلهم وتکفینهم والصلاة علیهم ، وأنّ حرمة المؤمن میّتاً کحرمته حیّا ، فالقوم إن کانوا متعمّدین فی مخالفة هذه النصوص فهم فسّاق إن لم نقل إنّهم مرّاق عن الدین بخروجهم علی الإمام المفترض طاعته.

أو أنّ هذه الأحوال تستدعی انحراف الخلیفة عن الطریقة المثلی ، وأنّ القوم اعتقدوا بخروجه عن مصادیق تلکم الأوامر والمناهی المؤکّدة التی تطابق علیها الکتاب والسنّة. ولیس من السهل الهیّن البخوع إلی أیّ من طرفی التردید. أمّا الصحابة فکلّهم عدول عند القوم یُرکن إلیهم ویُحتجّ بأقوالهم وأفعالهم ویوثق بإیمانهم ، وقد کهربتهم صحبة الرسول صلی الله علیه وآله وسلم فأخرج درن نفوسهم ، وکان فی المعمعة منهم بقایا العشرة المبشّرة کطلحة والزبیر ، ولطلحة خاصّة فُظاظات حول ذلک الجلاد ، إلی أُناس آخرین من ذوی المآثر نظراء عمّار بن یاسر ، ومالک الأشتر ، وعبد الله بن بُدیل ، وکان بین ظهرانیهم إمام المسلمین أمیر المؤمنین علیّ علیه السلام وهو المرموق یومئذ للخلافة ، وقد انثنت إلیه الخناصر ، والأُمّة أطوع له من الظلّ لذیه. أفتراه والحالة هذه سکت عن تلکم الفظائع وهو مطلّ علیها من کثب وهو أعلم الناس بنوامیس الشریعة ، وأهداهم إلی طریقها المهیع ، وهو یعلم أنّ من المحظور ارتکابها؟ لاها الله.

أو أنّه علیه السلام أخذ الحیاد فی ذلک المأزق الحرج وهو مستبیح للحیاد أو لما یعملون به؟ أنا لا أدری. 3.

ص: 296


1- النساء : 93.

ولیس من المستطاع القول بأنّ معظم الصحابة ما کانوا عالمین بتلکم الوقائع ، أو أنّهم ما کانوا یحسبون أنّ الأمر یبلغ ذلک المبلغ ، أو أنّهم کانوا غیر راضین بهاتیک الأحدوثة ، فإنّ الواقعة ما کانت مُباغتة ولا غیلة حتی یعزب عن أحد علمها ، فإنّ الحوار استدام أکثر من شهرین ، وطیلة هذه المدّة لم یکن للمتجمهرین طلبة من الخلیفة إلاّ الإقلاع عن إحداثه ، أو التنازل عن عرش الخلافة ، وکانوا یهدّدونه بالقتل إن لم یخضع لإحدی الطلبتین ، وکانت نعرات القوم فی ذلک تتموّج بها الفضاء ، وعقیرة عثمان فی التوبة تارة وعدم التنازل أخری وتخویفهم بمغبّات القتل ثالثة تتسرّب فی فجوات الجوّ ، فلو کان معظم الصحابة منحازین عن ذلک الرأی لکان فی وسعهم تفریق الجمع بالقهر أو الموعظة ، لکن بالرغم ممّا یزعم علیهم لم یُؤثَرْ عن أحد منهم ما یثبت ذلک أو یُقرّبه ، وما أسلفناه من الأحادیث الجمّة النامّة عن معتقدات الصحابة فی الخلیفة وفی التوثّب علیه تُفنّد هذه المزعمة الفارغة ، إن لم نقل إنّها تثبت ما یعلمه الکلّ من الإجماع علی مقت الخلیفة والتصافق علی ما نقموا علیه والرضا بما نیل منه ، حتی إنّ أحداً لم یُرو عنه أنّه ساءه نداء قاتله حین طاف بالمدینة ثلاثاً قائلاً : أنا قاتل نعثل (1).

وأمّا ثانی الاحتمالین فمن المستصعب أن یبلغ سوء الظن بالخلیفة هذا المدی ، وإن کانت الصحابة جزموا بذلک ، والشاهد یری ما لا یراه الغائب ، وقد أوقفناک علی قول السیّدة عائشة : اقتلوا نعثلاً قتله الله فقد کفر.

وقولها لمروان : وددت والله أنّه فی غرارة من غرائری هذه وأنّی طوّقت حمله حتی ألقیه فی البحر. وقولها لابن عبّاس : إیّاک أن تردّ الناس عن هذا الطاغیة.

وقول عبد الرحمن بن عوف للإمام أمیر المؤمنین علیه السلام : إذا شئت فخذ سیفک وآخذ سیفی ، إنّه قد خالف ما أعطانی. وقوله : عاجلوه قبل أن یتمادی فی ملکه. وقوله له : لله علیّ أن لا أکلّمک أبداً. ف)

ص: 297


1- الاستیعاب : 2 / 478 [القسم الثالث / 1046 رقم 1778]. (المؤلف)

وقول طلحة لمجمع بن جاریة - لمّا قال له : أظنّکم والله قاتلیه - : فإن قتل فلا ملک مقرّب ولا نبیّ مرسل. وقد مرّ أنّ طلحة کان أشدّ الناس علی عثمان فی قتله یوم الدار ، وقتل دون دمه.

وقول الزبیر : اقتلوه فقد بدّل دینکم. وقوله : إنّ عثمان لجیفة علی الصراط غداً.

وقول عمّار یوم صفّین : امضوا معی عباد الله إلی قوم یطلبون فیما یزعمون بدم الظالم لنفسه الحاکم علی عباد الله بغیر ما فی کتاب الله. وقوله : ما ترکت فی نفسی حزّة أهمّ إلیّ من أن لا نکون نبشنا عثمان من قبره ثمّ أحرقناه بالنار. وقوله : أراد أن یغیّر دیننا فقتلناه. وقوله : والله إن کان إلاّ ظالماً لنفسه الحاکم بغیر ما أنزل الله. وقوله : إنّما قتله الصالحون المنکرون للعدوان الآمرون بالإحسان.

وقول حجر بن عدی وأصحابه : وهو أوّل من جار فی الحکم وعمل بغیر الحقّ.

وقول عبد الرحمن العنزی : هو أوّل من فتح أبواب الظلم ، وأرْتَجَ أبواب الحقّ.

وقول هاشم المرقال : إنّما قتله أصحاب محمد وقرّاء الناس حین أحدث أحداثاً وخالف حکم الکتاب ، وأصحاب محمد هم أصحاب الدین ، وأولی بالنظر فی أُمور المسلمین.

وقول عمرو بن العاص : أنا أبو عبد الله إذا حککت قرحة نکأتها ، إن کنت لأحرّض علیه حتی إنّی لأحرّض علیه الراعی فی غنمه فی رأس الجبل. وقوله له : رکبت بهذه الأُمّة نهابیر من الأُمور فرکبوها معک ، وملت بهم فمالوا بک ، اعدل أو اعتزل. وقوله : أنا أبو عبد الله قتلته وأنا بوادی السباع.

وقول سعد بن أبی وقاص : إنّه قُتل بسیف سلّته عائشة ، وصقَله طلحة ، وسمّه

ص: 298

ابن أبی طالب ، وسکت الزبیر وأشار بیده ، وأمسکنا نحن ولو شئنا دفعناه عنه. إلخ.

وقول جهجاه الغفاری : قم یا نعثل فانزل عن هذا المنبر ، ندرّعک عباءةً ، ولنطرحک فی الجامعة ، ولنحملک علی شارف من الإبل ثمّ نطرحک فی جبل الدخان.

وقول مالک الأشتر : إلی الخلیفة المبتلی الخاطئ الحائد عن سنّة نبیّه ، النابذ لحکم القرآن وراء ظهره.

وقول عمرو بن زرارة : إنّ عثمان قد ترک الحقّ وهو یعرفه. إلخ.

وقول الحجاج بن غزیّة الأنصاری : والله لو لم یبق من عمره إلاّ بین الظهر والعصر لتقرّبنا إلی الله بدمه.

وقول قیس بن سعد الأنصاری : أوّل الناس کان فیه - قتل عثمان - قیاماً عشیرتی ولهم أُسوة.

وقول جبلة بن عمرو الأنصاری : یا نعثل والله لأقتلنّک ولأحملنّک علی قلوص جرباء ولأخرجنّک إلی حرّة النار. وقوله وقد سئل الکفّ عن عثمان : والله لا ألقی الله غداً فأقول : إنّا أطعنا سادتنا وکبراءنا فأضلّونا السبیل.

وقول محمد بن أبی بکر له : علی أیّ دین أنت یا نعثل؟ غیّرت کتاب الله. وقوله له : الآن وقد عصیت قبلُ وکنت من المفسدین.

وقول الصحابة مجیبین لقوله : لا تقتلونی فإنّه لا یحلّ إلاّ قتل ثلاثة : إنّا نجد فی کتاب الله قتل غیر الثلاثة الذین سمیّت ، قتل من سعی فی الأرض فساداً ، وقتل من بغی ثم قاتل علی بغیه ، وقتل من حال دون شیء من الحقّ ومنعه ثمّ قاتل دونه وکابر علیه ، وقد بغیت ، ومنعت الحقّ ، وحلت دونه وکابرت علیه. إلخ.

وقول عبد الله بن أبی سفیان بن الحارث من أبیات مرّت (8 / 288):

ص: 299

وشبَّهته کسری وقد کان مثله

شبیهاً بکسری هدیه وضرائبه

إلی کلمات آخرین محکمات وأُخر متشابهات ، یشبه بعضها بعضاً.

إنّ فی هذا المأزق الحرج لا بدّ لنا من رکوب إحدی الصعبتین ، والحکم هو الفطرة السلیمة مهما دار الأمر بین تخطئة إنسان واحد محتفّ بالأحداث ، وبین تضلیل آلاف مؤلّفة فیهم الأئمّة والعلماء والحکماء والصالحون وقد ورد فی فضلهم ما ورد کما نرتئیه نحن ، أو أنّ کلهم عدول یُحتجّ بأقوالهم وأفعالهم کما یحسبه أهل السنّة ، وإن کان فی البین اجتهاد کما یحسبونه فی أمثال المقام فهو فی الطرفین ، والتحکّم بإصابة إنسان واحد وخطأ تلک الأُمّة الکبیرة فی اجتهادها ، تهوّر بحت ، وتمحّل لا یُصار إلیه (وَإِنْ حَکَمْتَ فَاحْکُمْ بَیْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللهَ یُحِبُّ الْمُقْسِطِینَ) (1). 2.

ص: 300


1- المائدة : 42.

سلسلة الموضوعات

فی قصّة الدار وتبریر الخلیفة والنظر فیها

1 - قال الطبری فی تاریخه (1) (5 / 98) : فیما کتب به إلیّ السری ، عن شعیب ، عن سیف ، عن عطیّة ، عن یزید الفقعسی قال : کان عبد الله بن سبأ یهودیّا من أهل صنعاء ، أُمّه سوداء ، فأسلم زمان عثمان ، ثمّ تنقّل فی بلدان المسلمین یحاول ضلالتهم ، فبدأ بالحجاز ثمّ البصرة ثمّ الکوفة ثمّ الشام ، فلم یقدر علی ما یرید عند أحد من أهل الشام ، فأخرجوه حتی أتی مصر ، فاعتمر فیهم ، فقال لهم فیما یقول : لعجب ممّن یزعم أنّ عیسی یرجع ، ویکذّب بأنّ محمداً یرجع ، وقد قال الله عزّ وجلّ : (إِنَّ الَّذِی فَرَضَ عَلَیْکَ الْقُرْآنَ لَرادُّکَ إِلی مَعادٍ) (2). فمحمد أحقّ بالرجوع من عیسی. قال : فقُبل ذلک عنه ، ووضع لهم الرجعة فتکلّموا فیها ، ثمّ قال لهم بعد ذلک : إنّه کان ألف نبیّ ولکلّ نبیّ وصیّ وکان علیّ وصیّ محمد. ثمّ قال : محمد خاتم الأنبیاء وعلیّ خاتم الأوصیاء. ثمّ قال بعد ذلک : من أظلم ممّن لم یُجز وصیّة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ووثب علی وصیّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وتناول أمر الأُمّة ، ثمّ قال لهم بعد ذلک : إنّ عثمان أخذها بغیر حقّ وهذا وصیّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، فانهضوا فی هذا الأمر فحرّکوه ، وابدأوا بالطعن علی أُمرائکم وأظهروا الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر تستمیلوا الناس ، وادعوهم إلی 5.

ص: 301


1- تاریخ الأُمم والملوک : 4 / 340 حوادث سنة 35 ه.
2- القصص : 85.

هذا الأمر. فبثّ دعاته ، وکاتب من کان استفسد فی الأمصار وکاتبوه ، ودعوا فی السرّ إلی ما علیه رأیهم ، وأظهروا الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر ، وجعلوا یکتبون إلی الأمصار بکتب یضعونها فی عیوب ولاتهم ، ویکاتبهم إخوانهم بمثل ذلک ، ویکتب أهل کلّ مصر منهم إلی مصر آخر بما یصنعون فیقرأه أولئک فی أمصارهم وهؤلاء فی أمصارهم ، حتی تناولوا بذلک المدینة وأوسعوا الأرض إذاعة ، وهم یریدون غیر ما یظهرون ، ویُسرّون غیر ما یُبدون ، فیقول أهل کلّ مصر : إنّا لفی عافیة ممّا ابتُلی به هؤلاء ، إلاّ أهل المدینة فإنّهم جاءهم ذلک عن جمیع الأمصار ، فقالوا : إنّا لفی عافیة ممّا فیه الناس ، وجامعه محمد وطلحة من هذا المکان ، قالوا : فأتوا عثمان فقالوا : یا أمیر المؤمنین أیأتیک عن الناس الذی یأتینا؟ قال : لا والله ما جاءنی إلا السلامة. قالوا : فإنّا قد أتانا ... وأخبروه بالذی أسقطوا إلیهم ، قال : فأنتم شرکائی وشهود المؤمنین فأشیروا علیّ ، قالوا : نشیر علیک أن تبعث رجالاً ممّن تثق بهم إلی الأمصار حتی یرجعوا إلیک بأخبارهم ، فدعا محمد بن مسلمة فأرسله إلی الکوفة ، وأرسل أُسامة ابن زید إلی البصرة ، وأرسل عمّار بن یاسر إلی مصر ، وأرسل عبد الله بن عمر إلی الشام ، وفرّق رجالاً سواهم ، فرجعوا جمیعاً قبل عمّار ، فقالوا : أیّها الناس ما أنکرنا شیئاً ولا أنکره أعلام المسلمین ولا عوامّهم ، وقالوا جمیعاً : الأمر أمر المسلمین إلاّ أنّ أمراءهم یُقسطون بینهم ویقومون علیهم ، واستبطأ الناس عمّاراً حتی ظنّوا أنّه قد اغتیل ، فلم یفجأهم إلاّ کتاب من عبد الله بن سعد بن أبی سرح یُخبرهم أنّ عمّاراً قد استماله قوم بمصر وقد انقطعوا إلیه ، منهم : عبد الله بن السوداء ، وخالد بن مُلجم ، وسودان بن حمران ، وکنانة بن بشر.

قال الأمینی : لو کان ابن سبأ بلغ هذا المبلغ من إلقاح الفتن ، وشقّ عصا المسلمین وقد علم به وبعیثه أُمراء الأُمّة وساستها فی البلاد ، وانتهی أمره إلی خلیفة الوقت ، فلما ذا لم یقع علیه الطلب؟ ولم یبلغه القبض علیه ، والأخذ بتلکم الجنایات الخطرة ، والتأدیب بالضرب والإهانة ، والزجّ إلی أعماق السجون؟ ولا آل أمره إلی

ص: 302

الإعدام المریح للأمّة من شرّه وفساده ، کما وقع ذلک کلّه علی الصلحاء الأبرار الآمرین بالمعروف والناهین عن المنکر ، وهتاف القرآن الکریم یرنّ فی مسامع الملأ الدینی : (إِنَّما جَزاءُ الَّذِینَ یُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَیَسْعَوْنَ فِی الْأَرْضِ فَساداً أَنْ یُقَتَّلُوا أَوْ یُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَیْدِیهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ یُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذلِکَ لَهُمْ خِزْیٌ فِی الدُّنْیا وَلَهُمْ فِی الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِیمٌ) (1).

فهلاّ اجتاح الخلیفة جرثومة تلکم القلاقل بقتله ، وهل کان تجهّمه وغلظته قصراً علی الأبرار من أُمّة محمد صلی الله علیه وآله وسلم؟ ففعل بهم ما فعل ممّا أسلفنا بعضه فی هذا الجزء والجزء الثامن.

هب أنّ ابن سبأ هو الذی أمال الأمصار علی مناوأة الخلیفة فهل کان هو مختلقاً تلکم الأنباء من دون انطباقها علی شیء من أعمال عثمان وولاته؟ فنهضت الأُمّة وفیهم وجوه المهاجرین والأنصار علی لا شیء؟ أو أنّ ما کان یقوله قد انطبق علی ما کانوا یأتون به من الجرائم والمآثم ، فکانت نهضة الأُمّة لاکتساحها نهضةً دینیّة یخضع لها کلّ مسلم ، وإن کان ابن الیهودیّة خلط نفسه بالناهضین لأیّ غایة راقته ، وما أکثر الأخلاط فی الحرکات الصحیحة من غیر أن یمسّ کونهم مع الهائجین بشیء من کرامتهم!

ولو کان ما أنهاه إلیهم ابن سبأ عزواً مختلقاً فهلاّ - لمّا قدمت وفود الأمصار المدینة - قال لهم المدنیّون : إنّ الرجل بریء من هذه القذائف والهنات وهو بین ظهرانیهم یرون ما یفعل ، ویسمعون ما یقول؟ لکنّهم بدلاً من ذلک أصفقوا مع القادمین ، بل صاروا هم القدوة والأسوة فی تلک النهضة ، وکانوا قبل مقدمهم ناقمین علیه.

ونحن نصافق الدکتور طه حسین عند رأیه هاهنا ، حیث قال فی کتابه الفتنة 3.

ص: 303


1- المائدة : 33.

الکبری (1) (ص 134) : وأکبر الظنّ أنّ عبد الله بن سبأ هذا - إن کان کلّ ما یُروی عنه صحیحاً - إنّما قال ما قال ودعا إلی ما دعا إلیه بعد أن کانت الفتنة وعظم الخلاف ، فهو قد استغلّ الفتنة ولم یُثِرْها ، وأکبر الظنّ کذلک أنّ خصوم الشیعة أیّام الأمویّین والعبّاسیّین قد بالغوا فی أمر عبد الله بن سبأ هذا ، لیشکّکوا فی بعض ما نُسب من الأحداث إلی عثمان وولاته من ناحیة ، ولیشنّعوا علی علیّ وشیعته من ناحیة أخری ، فیردّوا بعض أُمور الشیعة إلی یهودیّ أسلم کیداً للمسلمین ، وما أکثر ما شنّع خصوم الشیعة علی الشیعة! وما أکثر ما شنّع الشیعة علی خصومهم فی أمر عثمان وفی غیر أمر عثمان!

فلنقف من هذا کلّه موقف التحفّظ والتحرّج والاحتیاط ، ولنکبر المسلمین فی صدر الإسلام عن أن یعبث بدینهم وسیاستهم وعقولهم ودولتهم رجل أقبل من صنعاء وکان أبوه یهودیّا وکانت أُمّه سوداء ، وکان هو یهودیّا ثمّ أسلم لا رغباً ولا رهباً ولکن مکراً وکیداً وخداعاً ، ثمّ أُتیح له من النجح ما کان یبتغی ، فحرّض المسلمین علی خلیفتهم حتی قتلوه ، وفرّقهم بعد ذلک أو قبل ذلک شیعاً وأحزاباً.

هذه کلّها أُمور لا تستقیم للعقل ، ولا تثبت للنقد ، ولا ینبغی أن تقام علیها أُمور التاریخ ، وإنّما الشیء الواضح الذی لیس فیه شکّ هو أنّ ظروف الحیاة الإسلامیّة فی ذلک الوقت کانت بطبعها تدفع إلی اختلاف الرأی وافتراق الأهواء ونشأة المذاهب السیاسیّة المتباینة ، فالمستمسکون بنصوص القرآن وسنّة النبیّ وسیرة صاحبیه کانوا یرون أموراً تطرأ ینکرونها ولا یعرفونها ، ویریدون أن تُواجَه کما کان عمر یواجهها فی حزم وشدّة وضبط للنفس وضبط للرعیّة ، والشباب الناشئون فی قریش وغیر قریش من أحیاء العرب کانوا یستقبلون هذه الأمور الجدیدة بنفوس جدیدة ، فیها الطمع ، وفیها الطموح ، وفیها الأثرة ، وفیها الأمل البعید ، وفیها الهمّ الذی لا یعرف 9.

ص: 304


1- المجموعة الکاملة لمؤلّفات طه حسین - الفتنة الکبری - : مج 4 / 329.

حدّا یقف عنده ، وفیها من أجل هذا کلّه التنافس والتزاحم لا علی المناصب وحدها بل علیها وعلی کلّ شیء من حولها. وهذه الأمور الجدیدة نفسها کانت خلیقة أن تدفع الشیوخ والشباب إلی ما دفعوا إلیه ، فهذه أقطار واسعة من الأرض تفتح علیهم ، وهذه أموال لا تحصی تُجبی لهم من هذه الأقطار ، فأیّ غرابة فی أن یتنافسوا فی إدارة هذه الأقطار المفتوحة والانتفاع بهذه الأموال المجموعة؟ وهذه بلاد أخری لم تفتح وکلّ شیء یدعوهم إلی أن یفتحوها کما فتحوا غیرها ، فما لهم لا یستبقون إلی الفتح؟ وما لهم لا یتنافسون فیما یکسبه الفاتحون من المجد والغنیمة إن کانوا من طلاّب الدنیا ، ومن الأجر والمثوبة إن کانوا من طلاّب الآخرة؟ ثمّ ما لهم جمیعاً لا یختلفون فی سیاسة هذا الملک الضخم وهذا الثراء العریض؟ وأیّ غرابة فی أن یندفع الطامعون الطامحون من شباب قریش إلی هذه الأبواب التی فُتحت لهم لیلجوا منها إلی المجد والسلطان والثراء؟ وأیّ غرابة فی أن یهمّ بمنافستهم فی ذلک شباب الأنصار وشباب الأحیاء الأخری من العرب؟ وفی أن تمتلئ قلوبهم موجدةً وحفیظة وغیظاً إذا رأوا الخلیفة یحول بینهم وبین هذه المنافسة ، ویؤثر قریشاً بعظائم الأمور ، ویؤثر بنی أُمیّة بأعظم هذه العظائم من الأمور خطراً وأجلّها شأناً.

والشیء الذی لیس فیه شکّ هو أنّ عثمان قد ولّی الولید وسعیداً علی الکوفة بعد أن عزل سعداً ، وولّی عبد الله بن عامر علی البصرة بعد أن عزل أبا موسی. وجمع الشام کلّها لمعاویة وبسط سلطانه علیها إلی أبعد حدّ ممکن بعد أن کانت الشام ولایات تشارک فی إدارتها قریش وغیرها من أحیاء العرب ، وولّی عبد الله بن أبی سرح مصر بعد أن عزل عنها عمرو بن العاص ، وکلّ هؤلاء الولاة من ذوی قرابة عثمان ، منهم أخوه لأُمّه ، ومنهم أخوه فی الرضاعة ، ومنهم خاله ، ومنهم من یجتمع معه فی نسبه الأدنی إلی أُمیّة بن عبد شمس.

کلّ هذه حقائق لا سبیل إلی إنکارها ، وما نعلم أنّ ابن سبأ قد أغری عثمان بتولیة من ولّی وعزل من عزل ، وقد أنکر الناس فی جمیع العصور علی الملوک

ص: 305

والقیاصرة والولاة والأمراء إیثار ذوی قرابتهم بشؤون الحکم ، ولیس المسلمون الذین کانوا رعیّة لعثمان بدعاً من الناس ، فهم قد أنکروا وعرفوا ما ینکر الناس ویعرفون فی جمیع العصور. انتهی حرفیّا.

علی أنّ ما تضمّنته هذه الروایة من بعث عمّار إلی مصر وغیره إلی بقیّة البلاد ممّا لا یکاد أن یُذعن به ، أو أن یکون له مقیل من الصحّة ، ولم یُذکر فی غیر هذه الروایة الموضوعة المکذوبة علی ألسنة رواتها المتراوحین بین زندقة وکذب وجهالة ، فإنّ ما یعطیه النظر فی مجموع ما روی حول مشکلة عثمان أنّ عمّاراً ومحمد بن مسلمة لم یفارقا المدینة طیلة أیّامها ومنذ مبدئها إلی غایتها المفضیة إلی مقتل عثمان ، وعمّار هو الذی کان فی مقدّم الثائرین علیه من أوّل یومه الناقمین علی أعماله ، وقد أراد نفیه إلی الربذة منفی أبی ذر بعد وفاته فیها رضوان الله علیهما فمنعته المهاجرون والأنصار کما مرّ حدیثه ، وکم وقع علیه فی تضاعیف تلکم الأحوال تعذیب وضرب وتعنیف ، وکان عثمان یعلم بکراهة عمّار إیّاه منذ یومه الأوّل ، فمتی کان یستنصح عمّاراً حتی یبعثه إلی البلاد فیحکی له أخبارها ، أو یستمیله ابن سبأ وأصحابه؟ وهذا ممّا لا یعزب علمه عن أیّ باحث کما تنبّه له الدکتور طه حسین فی الفتنة الکبری (1) (ص 128) حیث قال : أکاد أقطع بأنّ عمّاراً لم یُرسل إلی مصر ولم یشارک هذین الفتیَین (2) فیما کانا بسبیله من التحریض ، وإنّما هی قصّة اخترعها العاذرون لعثمان فیما کان بینه وبین عمّار قبل ذلک أو بعده ، ممّا سنراه بعد حین. انتهی.

2 - قال الطبری (3) (ص 99) : کتب إلیّ السری ، عن شعیب ، عن سیف ، عن محمد وطلحة وعطیة ، قالوا : کتب عثمان إلی أهل الأمصار : .

ص: 306


1- المجموعة الکاملة لمؤلّفات طه حسین - الفتنة الکبری - : مج 4 / 324.
2- یعنی بهما : محمد بن أبی بکر ومحمد بن أبی حذیفة. (المؤلف)
3- تاریخ الأُمم والملوک : 4 / 342 حوادث سنة 35 ه.

أمّا بعد ؛ فإنّی آخذ العمّال بموافاتی فی کلّ موسم ، وقد سلّطت الأُمّة منذ ولیت علی الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر ، فلا یُرفع علیّ شیء ولا علی أحد من عمّالی إلاّ أعطیته ، ولیس لی ولعیالی حقّ قبل الرعیّة إلاّ متروک لهم ، وقد رفع إلیّ أهل المدینة أنّ أقواماً یُشتمون ، وآخرون یُضربون ، فیا من ضُرب سرّا وشُتم سرّا ، من ادّعی شیئاً من ذلک فلیوافِ الموسم فلیأخذ بحقّه حیث کان منّی أو من عمّالی أو تَصدّقوا فإنّ الله یجزی المتصدّقین.

فلمّا قرئ فی الأمصار أبکی الناس ودعوا لعثمان وقالوا : إنّ الأُمّة لَتمخض بشرّ ، وبعث إلی عمّال الأمصار فقدموا علیه : عبد الله بن عامر ، ومعاویة ، وعبد الله بن سعد ، وأدخل معهم فی المشورة سعیداً وعمراً ، فقال : ویحکم ما هذه الشکایة وما هذه الإذاعة؟ إنّی والله لخائف أن تکونوا مصدوقاً علیکم وما یُعصب هذا إلا بی ، فقالوا له : ألم تبعث؟ ألم نرجع إلیک الخبر عن القوم؟ ألم یرجعوا ولم یشافههم أحد بشیء؟ لا والله ما صدقوا ولا برّوا ولا نعلم لهذا الأمر أصلا ، وما کنت لتأخذ به أحداً فیقیمک علی شیء ، وما هی إلا إذاعة لا یحلّ الأخذ بها ولا الانتهاء إلیها.

قال : فأشیروا علیّ ، فقال سعید بن العاص : هذا أمر مصنوع یصنع فی السرّ فیلقی به غیر ذی المعرفة ، فیخبر به فیتحدّث به فی مجالسهم ، قال : فما دواء ذلک؟ قال : طلب هؤلاء القوم ، ثمّ قتل هؤلاء الذین یخرج هذا من عندهم.

وقال عبد الله بن سعد : خُذ من الناس الذی علیهم إذا أعطیتهم الذی لهم ، فإنّه خیر من أن تدعهم.

قال معاویة : قد ولّیتنی فولّیت قوماً لا یأتیک عنهم إلاّ الخیر والرجلان أعلم بناحیتیهما.

قال : فما الرأی؟ قال : حسن الأدب. قال : فما تری یا عمرو؟ قال : أری أنّک قد لنت لهم ، وتراخیت عنهم ، وزدتهم علی ما کان یصنع عمر ، فأری أن تلزم طریقة

ص: 307

صاحبیک فتشتدّ فی موضع الشدّة وتلین فی موضع اللین ، إنّ الشدّة تنبغی لمن لا یألو الناس شرّا ، واللین لمن یخلف الناس بالنصح ، وقد فرشتهما جمیعاً اللین.

وقام عثمان فحمد الله وأثنی علیه وقال : کلّ ما أشرتم به علیّ قد سمعت ، ولکلّ أمر باب یؤتی منه ، إنّ هذا الأمر الذی یُخاف علی هذه الأُمّة کائن ، وإنّ بابه الذی یغلق علیه فیکفکف به اللین والمؤاناة والمتابعة إلاّ فی حدود الله تعالی ذکره التی لا یستطیع أحد أن یبادی بعیب أحدها ، فإن سدّه شیء فرفق ، فذاک والله لیفتحنّ ، ولیست لأحد علیّ حجّة حقّ ، وقد علم الله أنّی لم آل الناس خیراً ولا نفسی ، وو الله إنّ رحی الفتنة لدائرة ، فطوبی لعثمان إن مات ولم یحرّکها ، کفکفوا الناس وهبوا لهم حقوقهم واغتفروا لهم ، وإذا تُعوطیت حقوق الله فلا تدهنوا فیها.

فلمّا نفر عثمان أشخص معاویة وعبد الله بن سعد إلی المدینة ، ورجع ابن عامر وسعید معه ، ولمّا استقلّ عثمان رجز الحادی :

قد علمت ضوامرُ المطیّ

وضُمّراتُ عُوَّجِ القسیّ

أنّ الأمیر بعده علیّ

وفی الزبیر خلفٌ رضیّ

وطلحة الحامی لها ولیّ

فقال کعب وهو یسیر خلف عثمان : الأمیر بعده صاحب البغلة ، وأشار إلی معاویة.

3 - وأخرج (1) (ص 101) بالإسناد الشعیبی المذکور :

کان معاویة قد قال لعثمان غداة ودّعه وخرج : یا أمیر المؤمنین انطلق معی إلی الشام قبل أن یهجم علیک من لا قِبَل لک به ، فإنّ أهل الشام علی الأمر لم یزالوا. فقال : أنا لا أبیع جوار رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بشیء وإن کان فیه قطع خیط عنقی. قال : .

ص: 308


1- تاریخ الأُمم والملوک : 4 / 345 حوادث سنة 35 ه.

فأبعث إلیک جنداً منهم یقیم بین ظهرانی أهل المدینة لنائبة إن نابت المدینة أو إیّاک. قال : أنا أقتر علی جیران رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم الأرزاق بجندٍ تُساکنهم ، وأُضیّق علی أهل دار الهجرة والنصرة؟ قال : والله یا أمیر المؤمنین لتُغتالُنّ ولتُغْزَیَنّ. قال : حسبی الله ونعم الوکیل. وقال معاویة : یا أیسار الجزور ، وأین أیسار الجزور. الحدیث بطوله.

4 - وأخرج (1) (ص 103) بالإسناد الشعیبی :

لمّا کان فی شوّال سنة (35) خرج أهل مصر فی أربع رفاق علی أربعة أُمراء المقلل یقول : ستمائة. والمکثر یقول : ألف. علی الرفاق : عبد الرحمن بن عدیس البلوی ، وکنانة بن بشر اللیثی ، وسودان بن حمران السکونی ، وقتیرة بن فلان السکونی (2) ، وعلی القوم جمیعاً الغافقی بن حرب العکّی. ولم یجترئوا أن یعلموا الناس بخروجهم إلی الحرب ، وإنّما خرجوا کالحجّاج ومعهم ابن السوداء. وخرج أهل الکوفة فی أربع رفاق ، وعلی الرفاق : زید بن صوحان العبدی ، والأشتر النخعی ، وزیاد بن النضر الحارثی ، وعبد الله بن الأصم ، أحد بنی عامر بن صعصعة ، وعددهم کعدد أهل مصر وعلیهم جمیعاً عمرو بن الأصم. وخرج أهل البصرة فی أربع رفاق ، وعلی الرفاق : حکیم بن جبلة العبدی ، وذریح بن عبّاد العبدی ، وبشر بن شریح الحطم بن ضبیعة القیسی ، وابن المحرّش بن عبد عمرو الحنفی ، وعددهم کعدد أهل مصر ، وأمیرهم جمیعاً حرقوص بن زهیر السعدی ، سوی من تلاحق بهم من الناس ، فأمّا أهل مصر فإنّهم کانوا یشتهون علیّا ، وأمّا أهل البصرة فإنّهم کانوا یشتهون طلحة ، وأمّا أهل الکوفة [فإنّهم] (3) کانوا یشتهون الزبیر ، فخرجوا وهمر.

ص: 309


1- تاریخ الأُمم والملوک : 4 / 348 حوادث سنة 35 ه.
2- کذا فی الطبعة المعتمدة عند المؤلف. وفی الطبعة المعتمدة عندنا : عبد الرحمن بن عُدَیس البلوی ، وکنانة بن بشر التجیبی ، وعروة بن شییم اللیثی ، وأبو عمرو بن بدیل بن ورقاء الخزاعی ، وسواد بن رومان الأصبحی ، وزرع بن یشکر الیافعی ، وسودان بن حمران السکونی ، وقُتیرة بن فلان السکونی.
3- الزیادة من المصدر.

علی الخروج جمیع وفی الناس شتّی لا یشکّ کلّ فرقة إلاّ أنّ الفلج معها ، وأمرها سیتمّ دون الأُخْرَیَین ، فخرجوا حتی إذا کانوا من المدینة علی ثلاث تقدّم ناس من أهل البصرة فنزلوا ذا خُشب (1) ، وناس من أهل الکوفة فنزلوا الأعوص (2) ، وجاءهم ناس من أهل مصر وترکوا عامّتهم بذی المروة (3) ، ومشی فیما بین أهل مصر وأهل البصرة زیاد بن النضر وعبد الله بن الأصم وقالا : لا تعجلوا ولا تُعجلونا حتی ندخل لکم المدینة ونرتاد ، فإنّه بلغنا أنّهم قد عسکروا لنا ، فو الله إن کان أهل المدینة قد خافونا واستحلّوا قتالنا ولم یعلموا علمنا فهم إذا علموا علمنا أشدّ ، وإنّ أمرنا هذا لباطل ، وإن لم یستحلّوا قتالنا ووجدنا الذی بلغنا باطلاً لنرجعنّ إلیکم بالخبر. قالوا : اذهبا ، فدخل الرجلان فلقیا أزواج النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وعلیّا وطلحة والزبیر (4) وقالا : إنّما نأتمّ هذا البیت ونستعفی هذا الوالی من بعض عمّالنا ، ما جئنا إلاّ لذلک واستأذنا للناس بالدخول ، فکلّهم أبی ونهی وقال : بیض ما یفرخن. فرجعا إلیهم ، فاجتمع من أهل مصر نفر فأتوا علیّا ، ومن أهل البصرة نفر فأتوا طلحة ، ومن أهل الکوفة نفر فأتوا الزبیر ، وقال کلّ فریق منهم : إن بایعوا صاحبنا وإلاّ کدناهم وفرّقنا جماعتهم ، ثمّ کررنا حتی نبغتهم. فأتی المصریّون علیّا وهو فی عسکر عند أحجار الزیت (5) علیه حُلّة أفوافٍ معتمّ بشقیقة حمراء یمانیّة متقلّد السیف لیس علیه قمیص ، وقد سرّح الحسن إلی عثمان فیمن اجتمع إلیه ، فالحسن جالس عند عثمان وعلیّ عند أحجار الزیت ، فسلّم علیه المصریّون وعرضوا له فصاح بهم واطردهم وقال : لقد علم الصالحون أنّ جیش ذی المروة وذی خُشب ملعونون علی لسان محمد صلی الله علیه وآله وسلم فارجعوا ف)

ص: 310


1- ذو خشب : وادٍ علی مسیرة لیلة من المدینة.
2- الأعوص : موضع علی أمیال من المدینة یسیرة [معجم البلدان : 1 / 223]. (المؤلف)
3- ذو المروة : قریة بین خُشب ووادی القری.
4- لا تنس هاهنا ما أسلفنا لک فی هذا الجزء من حدیث أمّ المؤمنین وعلیّ أمیر المؤمنین وطلحة والزبیر. (المؤلف)
5- أحجار الزیت : موضع بالمدینة داخلها قریب من الزوراء [معجم البلدان : 1 / 109]. (المؤلف)

لا صحبکم الله (1). قالوا : نعم. فانصرفوا من عنده علی ذلک.

وأتی البصریّون طلحة وهو فی جماعة أخری إلی جنب علیّ وقد أرسل ابنیه إلی عثمان ، فسلّم البصریّون علیه وعرضوا له ، فصاح بهم واطردهم وقال : لقد علم المؤمنون أن جیش ذی المروة وذی خُشب والأعوص ملعونون علی لسان محمد صلی الله علیه وآله وسلم (2).

وأتی الکوفیّون الزبیر وهو فی جماعة أخری ، وقد سرّح ابنه عبد الله إلی عثمان ، فسلّموا علیه وعرضوا له ، فصاح بهم وأطردهم وقال : لقد علم المسلمون أنّ جیش ذی المروة وذی خُشب والأعوص ملعونون علی لسان محمد صلی الله علیه وآله وسلم (3).

فخرج القوم وأروهم أنّهم یرجعون ، فانفشّوا (4) عن ذی خُشب والأعوض ، حتی انتهوا إلی عساکرهم وهی ثلاث مراحل ، کی یفترق أهل المدینة ثم یکرّوا راجعین. فافترق أهل المدینة لخروجهم. فلمّا بلغ القوم عساکرهم کرّوا بهم فبغتوهم ، فلم یفجأ أهل المدینة إلاّ والتکبیر فی نواحی المدینة ، فنزلوا فی مواضع عساکرهم وأحاطوا بعثمان وقالوا : من کفّ یده فهو آمن. وصلّی عثمان بالناس أیّاماً ، ولزم الناس بیوتهم ولم یمنعوا أحداً من کلام ، فأتاهم الناس فکلّموهم وفیهم علیّ ، فقال : ما ردّکم بعد ذهابکم ورجوعکم عن رأیکم؟ قالوا : أخذنا مع برید کتاباً بقتلنا ، وأتاهم طلحة فقال البصریّون مثل ذلک ، وأتاهم الزبیر فقال الکوفیّون [مثل ذلک ، وقال الکوفیّون] (5) والبصریّون : فنحن ننصر إخواننا ونمنعهم جمیعاً ، کأنّما کانوا علی ر.

ص: 311


1- راجع ما مضی من حدیث علیّ أمیر المؤمنین تعرف جلیّة الحال. (المؤلف)
2- راجع ما مرّ من حدیث طلحة وصولته وجولته فی تلک الثورة تعلم صدق الخبر. (المؤلف)
3- راجع ما أسلفنا من حدیث الزبیر حتی یتبیّن لک الرشد من الغی. (المؤلف)
4- انفشّوا : تفرّقوا.
5- الزیادة من المصدر.

میعاد ، فقال لهم علیّ : کیف علمتم یا أهل الکوفة ویا أهل البصرة بما لقی أهل مصر وقد سرتم مراحل ثمّ طویتم نحونا؟ هذا والله أمر أبرم بالمدینة ، قالوا : فضعوه علی ما شئتم لا حاجة لنا فی هذا الرجل لیعتزلنا وهو فی ذلک یُصلّی بهم وهم یصلّون خلفه ، ویغشی من شاء عثمان وهم فی عینه أدقّ من التراب ، وکانوا لا یمنعون أحداً من الکلام ، وکانوا زمراً بالمدینة یمنعون الناس من الاجتماع ... إلخ.

قال الأمینی : تُعطی هذه الروایة أنّ الذی ردّ الکتائب المقبلة من مصر والبصرة والکوفة هم زعماء جیش أحجار الزیت : أمیر المؤمنین علیّ وطلحة والزبیر یوم صاحوا بهم وطردوهم ورووا روایة اللعن عن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وفیهم البدریّون وغیرهم من أصحاب محمد العدول ، فما تمکّنت الکتائب من دخول المدینة وقد أسلفنا إصفاق المؤرّخین علی أنّهم دخلوها وحاصروا الدار مع المدنیّین أربعین یوماً أو أکثر أو أقلّ حتی توسّل عثمان بعلیّ أمیر المؤمنین علیه السلام ، فکان هو الوسیط بینه وبین القوم ، وجری هنالک ما مرّ تفصیله من توبة عثمان علی صهوة المنبر ، ومن کتاب عهده إلی البلاد علی ذلک ، فانکفأت عنه الجماهیر الثائرة بعد ضمان علیّ علیه السلام ومحمد بن مسلمة بما عهد عثمان علی نفسه ، لکنّهم ارتجعوا إلیه بعد ما وقفوا علی نکوصه وکتابه المتضمّن لقتل من شخص إلیه من مصر فوقع الحصار الثانی المفضی إلی الإجهاز علیه ، وأنت إذا عطفت النظرة إلی ما سبق من أخبار الحصارین وأعمال طلحة والزبیر فیهما وقبلهما وبعدهما نظرة ممعنة لا تکاد أن تستصحّ دفاعهما عنه فی هذا الموقف ، وکان طلحة أشدّ الناس علیه ، حتی منع من إیصال الماء إلیه ، ومن دفنه فی مقابر المسلمین ، لکن رواة السوء المتسلسلة فی هذه الأحادیث راقهم إخفاء مناوأة القوم لعثمان فاختلقوا له هذه وأمثالها.

5 - وأخرج (1) (ص 126) بالإسناد الشعیبی :

آخر خطبة خطبها عثمان رضی الله عنه فی جماعة : إنّ الله عزّ وجلّ إنّما أعطاکم الدنیا .

ص: 312


1- تاریخ الأُمم والملوک : 4 / 384 حوادث سنة 35 ه.

لتطلبوا بها الآخرة ولم یْعطِکموها لترکنوا إلیها ، إنّ الدنیا تفنی والآخرة تبقی ، فلا تبطرنّکم الفانیة ، ولا تشغلنّکم عن الباقیة ، فآثروا ما یبقی علی ما یفنی ، فإنّ الدنیا منقطعة ، وإنّ المصیر إلی الله ، اتّقوا الله جلّ وعزّ فإنّ تقواه جنّة من بأسه ، ووسیلة عنده ، واحذروا من الله الغِیَر ، والزموا جماعتکم ، لا تصیروا أحزاباً ، (وَاذْکُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَیْکُمْ إِذْ کُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَیْنَ قُلُوبِکُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً) (1).

قالوا : لمّا قضی عثمان فی ذلک المجلس حاجاته ، وعزم له المسلمون علی الصبر والامتناع علیهم بسلطان الله ، قال : اخرجوا رحمکم الله فکونوا بالباب ، ولیجامعکم هؤلاء الذین حبسوا عنّی ، وأرسل إلی طلحة والزبیر وعلیّ وعدّة : أن ادنوا فاجتمعوا فأشرف علیهم ، فقال : یا أیّها الناس اجلسوا ، فجلسوا جمیعاً ، المحارب الطارئ ، والمسالم المقیم ، فقال : یا أهل المدینة إنی أستودعکم الله وأسأله أن یحسن علیکم الخلافة من بعدی ، وإنّی والله لا أدخل علی أحد بعد یومی هذا حتی یقضی الله فیّ قضاه ، ولأدعنّ هؤلاء وراء بابی غیر معطیهم شیئاً یتّخذونه علیکم دخلاً فی دین الله أو دنیا حتی یکون الله عزّ وجلّ الصانع فی ذلک ما أحبّ ، وأمر أهل المدینة بالرجوع وأقسم علیهم ، فرجعوا إلاّ الحسن ومحمد وابن الزبیر وأشباهاً لهم ، فجلسوا بالباب عن أمر آبائهم ، وثاب إلیهم ناس کثیر ، ولزم عثمان الدار.

6 - وروی (2) (ص 126) بالإسناد الشعیبی :

قالوا : کان الحصر أربعین لیلة والنزول سبعین ، فلمّا مضت من الأربعین ثمانی عشرة قدم رکبان من الوجوه فأخبروا خبر من قد تهیّأ إلیهم من الآفاق : حبیب من الشام ، ومعاویة من مصر ، والقعقاع من الکوفة ، ومجاشع من البصرة ، فعندها حالوا بین الناس وبین عثمان ، ومنعوه کلّ شیء حتی الماء ، وقد کان یدخل علیّ بالشیء ممّا .

ص: 313


1- آل عمران : 103.
2- تاریخ الأُمم والملوک : 4 / 385 حوادث سنة 35 ه.

یرید ، وطلبوا العلل فلم تطلع علیهم علّة ، فعثروا فی داره بالحجارة لیُرْموا فیقولوا : قوتلنا وذلک لیلاً ، فناداهم ؛ ألا تتّقون الله؟ ألا تعلمون أنّ فی الدار غیری؟ قالوا : لا والله ما رمیناک. قال : فمن رمانا؟ قالوا : الله. قال : کذبتم إنّ الله عزّ وجلّ لو رمانا لم یخطئنا وأنتم تخطئوننا ، وأشرف عثمان علی آل حزم وهم جیرانه ، فسرح ابناً لعمرو إلی علیّ بأنّهم قد منعونا الماء ، فإن قدرتم أن ترسلوا إلینا شیئاً من الماء فافعلوا ، وإلی طلحة والزبیر وإلی عائشة وأزواج النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فکان أوّلهم إنجاداً له علیّ وأُمّ حبیبة ، جاء علیّ فی الغلس فقال : یا أیّها الناس إنّ الذی تصنعون لا یشبه أمر المؤمنین ولا أمر الکافرین ، لا تقطعوا عن هذا الرجل المادّة ، فإنّ الروم وفارس لتأسر فتطعم وتسقی ، وما تعرّض لکم هذه الرجل ، فبم تستحلّون حصره وقتله؟ قالوا : لا والله ولا نعمة عین ، لا نترکه یأکل ولا یشرب ، فرمی بعمامته فی الدار بأنّی قد نهضت فیما أنهضتنی ، فرجع.

وجاءت أُمّ حبیبة علی بغلة لها برحالة مشتملة علی إداوة ، فقیل : أُمّ المؤمنین أُمّ حبیبة ، فضربوا وجه بغلتها ، فقالت : إنّ وصایا بنی أُمیّة إلی هذا الرجل ، فأحببت أن ألقاه فأسأله عن ذلک کیلا تهلک أموال أیتام وأرامل. قالوا : کاذبة وأهووا لها وقطعوا حبل البغلة بالسیف ، فندّت بأُمّ حبیبة فتلقّاها الناس وقد مالت رحالتها ، فتعلّقوا بها وأخذوها وقد کادت تقتل ، فذهبوا بها إلی بیتها.

وتجهّزت عائشة خارجة إلی الحجّ هاربة ، واستتبعت أخاها ، فأبی ، فقالت : أما والله لئن استطعت أن یحرمهم الله ما یحاولون لأفعلنّ. وجاء حنظلة الکاتب حتی قام علی محمد بن أبی بکر ، فقال : یا محمد تستتبعک أمّ المؤمنین فلا تتبعها وتدعوک ذؤبان العرب إلی ما لا یحلّ فتتبعهم؟ فقال : ما أنت وذاک یا ابن التمیمیّة؟ فقال : یا ابن الخثعمیّة إنّ هذا الأمر إن صار إلی التغالب غلبتک علیه بنو عبد مناف ، وانصرف وهو یقول :

ص: 314

عجبتُ لِما یخوضُ الناس فیه

یرومون الخلافة أنْ تزولا

ولو زالت لزال الخیر عنهم

ولاقوا بعدها ذلاّ ذلیلا

وکانوا کالیهود أو النصاری

سواءٌ کلّهم ضلّوا السبیلا

ولحق بالکوفة ، وخرجت عائشة وهی ممتلئة غیظاً علی أهل مصر ، وجاءها مروان بن الحکم فقال : یا أُمّ المؤمنین لو أقمت کان أجدر أن یراقبوا هذا الرجل. فقالت : أترید أن یُصنع بی کما صُنع بأُمّ حبیبة ، ثمّ لا أجد من یمنعنی ، لا والله ولا أعیر ولا أدری إلی ما یسلم أمر هؤلاء ، وبلغ طلحة والزبیر ما لقی علیّ وأُمّ حبیبة ، فلزموا بیوتهم ، وبقی عثمان یسقیه آل حزم فی الغفلات علیهم الرقباء ، فأشرف عثمان علی الناس فقال : یا عبد الله بن عبّاس ، فدعی له ، فقال : اذهب فأنت علی الموسم. وکان ممّن لزم الباب فقال : والله یا أمیر المؤمنین ، لجهاد هؤلاء أحبّ إلیّ من الحجّ ، فأقسم علیه لینطلقنّ ، فانطلق ابن عبّاس علی الموسم تلک السنة ، ورمی عثمان إلی الزبیر بوصیّته فانصرف بها ، وفی الزبیر اختلاف أأدرک مقتله أو خرج قبله؟ وقال عثمان : (وَیا قَوْمِ لا یَجْرِمَنَّکُمْ شِقاقِی أَنْ یُصِیبَکُمْ مِثْلُ ما أَصابَ قَوْمَ نُوحٍ) (1) الآیة. اللهمّ حُل بین الأحزاب وبین ما یأملون کما فُعل بأشیاعهم من قبل.

قال الأمینی : هذه الروایة مفتعلة من شیعة عثمان المصطفّین فی إسنادها تجاه ما ثبت عن عائشة وطلحة والزبیر وغیرهم من جهودهم المتواصلة فی التضییق علی الرجل ، وإسعار نار الحرب والإجهاز علیه بما أسلفناه فی هذا الجزء لکن أکدی الظنّ وأخفق الأمل أنّ هاتیک الروایات أخرجها الأثبات من حملة التاریخ ، وأصفق علیها المؤرّخون وهذه تفرّد بها هؤلاء الوضّاعون ، ومن ذا الذی یعیر سمعاً لها بعد الإخبات إلی التاریخ الصحیح ، وملء أُذنه هتاف عائشة : اقتلوا نعثلاً قتله الله فقد کفر. إلی کلمات أخری لها مرّ مجملها فی هذا الجزء (ص 215) وفصّلناها فی (ص 77 - 86). 9.

ص: 315


1- هود : 89.

وإنّ تهالک طلحة دون التشدید علیه وقتله بکلّ ما تسنّی له ممّا لا یجهله مُلمّ بالحدیث والتاریخ ، وکان یوم الدار مقنّعاً بثوب یرمیها بالسهام ، وهو الذی منع منه الماء ، وهو الذی حمل الناس إلی سطح دار ابن حزم فتسوّروا منها دار عثمان ، وهو الذی منعه من أن یدفن فی مقابر المسلمین ، وهو الذی أقعد لمجهّزیه فی الطریق ناساً یرمونهم بالحجارة ، وهو الذی قتله مروان ثمّ قال لأبان بن عثمان : قد کفیتک بعض قتلة أبیک ، وهو الذی قال فیه وفی صاحبه مولانا أمیر المؤمنین علیه السلام : «کان طلحة والزبیر أهون سیرهما فیه الوجیف (1) ، وأرفق حدائهما العنیف».

ولو کان طلحة کما زعمه الوضّاعون فما معنی هتاف عثمان : اللهمّ اکفنی طلحة ابن عبید الله فإنّه حمل علیّ هؤلاء وألّبهم. وقوله : وَیلی علی ابن الحضرمیة - یعنی طلحة - أعطیته کذا وکذا بهاراً ذهباً وهو یروم دمی یحرّض علی نفسی ، اللهمّ لا تمتّعه به ولقّه عواقب بغیه.

وإلی الآن یرنّ فی الأسماع قول الزبیر یومئذ : اقتلوه فقد بدّل دینکم. وقوله : ما أکره أن یُقتل عثمان ولو بُدئ بابنی ، إنّ عثمان لجیفة علی الصراط غداً. وقوله لعثمان : إنّ فی مسجد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم جماعة یمنعون من ظلمک ، ویأخذونک بالحقّ. إلخ.

وإلی الآن فی صفحات التاریخ قول سعد بن أبی وقّاص : قتله سیف سلّته عائشة وشحّذه طلحة ، وسمّه علیّ. قیل : فما حال الزبیر؟ قال : أشار بیده وصمت بلسانه. إلی کلمات آخرین مرّت فی هذا الجزء.

ولو کان ابن عبّاس کما اختلق علیه هؤلاء فلما ذا لم یکترث بکتاب عثمان واستغاثته به لمّا أُلقی علی الحجیج وهو أمیرهم وهو علی منصّة الخطابة ، فمضی فی خطبته من حیث انقطعت ، ولم یتعرّض لذلک بشیء ، ولا اعتدّ بخطابه حتی جری ع.

ص: 316


1- الوجیف : ضرب من السیر السریع.

المقدور المحتّم؟ ولما ذا کان یحاذر بطش معاویة به علی مقتل عثمان لمّا أراد أمیر المؤمنین علیه السلام أن یرسله إلی الشام.

راجع مصادر هذه کلّها فیما مرّ من صفحات هذا الجزء.

7 - وأخرج (1) (ص 128) بالإسناد الشعیبی :

قالوا : فلمّا بویع الناس السابق (2) فقدم بالسلامة فأخبرهم من الموسم أنّهم یریدون جمیعاً المصریّین وأشیاعهم ، وأنّهم یریدون أن یجمعوا ذلک إلی حجّهم ، فلمّا أتاهم ذلک مع ما بلغهم من نفور أهل الأمصار أعلقهم الشیطان وقالوا : لا یخرجنا ممّا وقعنا فیه إلاّ قتل هذا الرجل ، فیشتغل بذلک الناس عنّا ، ولم یبق خصلة یرجون بها النجاة إلاّ قتله ، فراموا الباب فمنعهم من ذلک الحسن وابن الزبیر ومحمد بن طلحة ومروان بن الحکم وسعید بن العاص ومن کان من أبناء الصحابة أقام معهم ، واجتلدوا فناداهم عثمان : الله الله أنتم فی حلٍّ من نصرتی ، فأبوا ، ففتح الباب وخرج ومعه الترس والسیف لینهنههم ، فلمّا رأوه أدبر البصریّون ورکبهم هؤلاء ونهنههم فتراجعوا وعظم علی الفریقین ، وأقسم علی الصحابة لیدخلُنّ فأبوا أن ینصرفوا ، فدخلوا فأغلق الباب دون المصریّین ، وقد کان المغیرة بن الأخنس بن شریق فیمن حجّ ثمّ تعجّل فی نفر حجّوا معه ، فأدرک عثمان قبل أن یُقتل وشهد المناوشة ودخل الدار فیمن دخل وجلس علی الباب من داخل ، وقال : ما عذرنا عند الله إن ترکناک ونحن نستطیع ألاّ ندعهم حتی نموت؟ فاتّخذ عثمان تلک الأیّام القرآن نحباً یصلّی وعنده المصحف فإذا أعیا جلس فقرأ فیه ، وکانوا یرون القراءة فی المصحف من العبادة ، وکان القوم الذین کفکفهم بینه وبین الباب ، فلمّا بقی المصریّون لا یمنعهم أحد من الباب ولا یقدرون علی الدخول جاءوا بنار فأحرقوا الباب والسقیفة ، فتأجّج ق.

ص: 317


1- تاریخ الأُمم والملوک : 4 / 387 حوداث سنة 35 ه.
2- کذا فی الطبعة المعتمدة لدی المؤلف ، وفی الطبعة المعتمدة لدینا : فلما بویع الناس جاء السابق.

الباب والسقیفة ، حتی إذا احترق الخشب خرّت السقیفة علی الباب ، فثار أهل الدار وعثمان یصلّی حتی منعوهم الدخول ، وکان أوّل من برز لهم المغیرة بن الأخنس وهو یرتجز :

قد علمت جاریةٌ عُطبولُ

ذاتُ وشاح ولها جدیلُ

أنّی بنصلِ السیفِ خنشلیلُ

لأَمنَعنَّ منکمُ خلیلی

بصارم لیس بذی فلولِ

وخرج الحسن بن علی وهو یقول :

لا دینهم دینی ولا أنا منهمُ

حتی أسیر إلی طمارِ شمام

وخرج محمد بن طلحة وهو یقول :

أنا ابن من حامی علیه باحد

وردَّ أحزاباً علی رغم معد

وخرج سعید بن العاص وهو یقول :

صبرنا غداة الدار والموتُ واقبُ

بأسیافنا دون ابن أروی نُضاربُ

وکنّا غداة الروع فی الدار نصرةً

نُشافههم بالضرب والموت ثاقبُ

فکان آخر من خرج عبد الله بن الزبیر ، أمره عثمان أن یصیر إلی أبیه فی وصیّة بما أراد وأمره أن یأتی أهل الدار فیأمرهم بالانصراف إلی منازلهم ، فخرج عبد الله بن الزبیر آخرهم فما زال یدّعی ویحدّث الناس عن عثمان بآخر ما مات علیه.

8 - وأخرج (1) (ص 129) بالإسناد الشعیبی :

قالوا : وأحرقواالباب وعثمان فی الصلاة ، وقد افتتح (طه* ما أَنْزَلْنا عَلَیْکَ .

ص: 318


1- تاریخ الأُمم والملوک : 4 / 389 حوادث سنة 35 ه.

الْقُرْآنَ لِتَشْقی) (1) ، وکان سریع القراءة ، فما کرثه ما سمع ، وما یُخطئ وما یتتعتع حتی أتی علیها قبل أن یصلوا إلیه ، ثمّ عاد فجلس إلی عند المصحف وقرأ : (الَّذِینَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَکُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِیماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَکِیلُ). وارتجز المغیرة بن الأخنس وهو دون الدار فی أصحابه : (2)

قد علمت ذات القرون المیلِ

والحلی والأنامل الطفولِ

لتصدقنّ بیعتی خلیلی

بصارمٍ ذی رونقٍ مصقولِ

لا أستقیل إن أقلت قیلی

وأقبل أبو هریرة والناس محجمون عن الدار إلاّ أولئک العصبة ، فدسروا (3) فاستقتلوا ، فقام معهم وقال : أنا أُسوتکم. وقال : هذا یوم طاب امضرب - یعنی أنّه حلَّ القتال وطاب ، وهذه لغة حمیر - ونادی : یا قوم مالی أدعوکم إلی النجاة وتدعوننی إلی النار ، وبادر مروان یومئذ ونادی : رجل رجل. فبرز له رجل من بنی لیث یُدعی النباع (4) ، فاختلفا ضربتین ، فضربه مروان أسفل رجلیه وضربه الآخر علی أصل العنق فقلبه ، فانکبّ مروان واستلقی ، فاجترّ هذا أصحابه ، واجترّ الآخر أصحابه ، فقال المصریّون : أما والله لا أن (5) تکونوا حجّة علینا فی الأُمّة لقد قتلناکم بعد تحذیر. فقال المغیرة : من بارز؟ فبرز له رجل فاجتلدا وهو یقول :

أضربهم بالیابسِ

ضرب غلام بائسِ

من الحیاة آیسِ ا.

ص: 319


1- سورة طه : 1 - 2.
2- آل عمران : 173.
3- دسروا : دفعوا.
4- کذا والصحیح : البیاع ، وهو عروة بن شییم اللیثی کما مرّ. (المؤلف)
5- فی الطبعة المعتمدة لدینا من تاریخ الأُمم والملوک : 4 / 390 : لو لا أن تکونوا.

فأجابه صاحبه ... وقال الناس : قُتل المغیرة بن الأخنس ، فقال الذی قتله : إنّا لله. فقال له عبد الرحمن بن عدیس : مالک؟ قال : إنّی أُتِیت فیما یری النائم ، فقیل لی : بشّر قاتل المغیرة بن الأخنس بالنار ، فابتلیت به. وقتل قباث الکنانی نیار بن عبد الله الأسلمی ، واقتحم الناس الدار من الدور التی حولها حتی ملؤوها ، ولا یشعر الذین بالباب ، وأقبلت القبائل علی أبنائهم ، فذهبوا بهم إذ غلبوا علی أمیرهم ، وندبوا رجلاً لقتله ، فانتدب له رجل ، فدخل علیه البیت ، فقال : اخلعها وندعک. فقال : ویحک والله ما کشفتُ امرأة فی جاهلیّة ولا إسلام ولا تغنّیت ولا تمنّیت ، ولا وضعت یمینی علی عورتی مذ بایعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، ولست خالعاً قمیصاً کسانیه الله عزّ وجلّ ، وأنا علی مکانی حتی یُکرم الله أهل السعادة ویُهین أهل الشقاء.

فخرج وقالوا : ما صنعت؟ فقال : علقنا والله ، والله ما ینجینا من الناس إلاّ قتله وما یحلّ لنا قتله ، فأدخلوا علیه رجلاً من بنی لیث ، فقال : ممّن الرجل؟ فقال : لیثیّ. فقال : لست بصاحبی. قال : وکیف؟ فقال : ألست الذی دعا لک النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فی نفر أن تحفظوا یوم کذا وکذا؟ قال : بلی. قال : فلن تضیع. فرجع وفارق القوم ، فأدخلوا علیه رجلاً من قریش ، فقال : یا عثمان إنّی قاتلک. قال : کلاّ یا فلان لا تقتلنی. قال : وکیف؟ قال : إنّ رسول الله استغفر لک یوم کذا وکذا ، فلن تقارف دماً حراماً ، فاستغفر ورجع وفارق أصحابه ، فأقبل عبد الله بن سلام حتی قام علی باب الدار ینهاهم عن قتله ، وقال : یا قوم لا تسلّوا سیف الله علیکم فو الله إن سللتموه لا تغمدوه ، ویلکم إنّ سلطانکم الیوم یقوم بالدرّة ، فإن قتلتموه لا یقیم إلاّ بالسیف ، ویلکم إنّ مدینتکم محفوفة بملائکة الله ، والله لئن قتلتموه لتترکنّها. فقالوا : یا ابن الیهودیّة وما أنت وهذا؟ فرجع عنهم.

قالوا : وکان آخر من دخل علیه ممّن رجع إلی القوم محمد بن أبی بکر ، فقال له عثمان : ویلک أعلی الله تغضب؟ هل لی إلیک جُرم إلاّ حقّه أخذته منک ، فنکل ورجع. قالوا : فلمّا خرج محمد بن أبی بکر وعرفوا انکساره ثار قتیرة وسودان بن حمران

ص: 320

السکونیّان والغافقی فضربه الغافقی بحدیدة معه ، وضرب المصحف برجله فاستدار المصحف ، فاستقرّ بین یدیه وسالت علیه الدماء ، وجاء سودان بن حمران لیضربه ، فانکبّت علیه نائلة ابنة الفرافصة واتّقت السیف بیدها ، فتعمّدها ونفح أصابعها ، فأطنّ أصابع یدها وولّت فغمز أوراکها ، وقال : إنّها لکبیرة العجیزة. وضرب عثمان فقتله ، ودخل غِلمة لعثمان مع القوم لینصروه ، وقد کان عثمان أعتق من کفّ منهم ، فلمّا رأوا سودان قد ضربه ، أهوی له بعضهم فضرب عنقه فقتله ، ووثب قتیرة علی الغلام فقتله ، وانتهبوا ما فی البیت وأخرجوا من فیه ، ثمّ أغلقوه علی ثلاثة قتلی ، فلمّا خرجوا إلی الدار وثب غلام لعثمان آخر علی قتیرة فقتله ، ودار القوم فأخذوا ما وجدوا حتی تناولوا ما علی النساء ، وأخذ رجل ملاءة نائلة والرجل یُدعی کلثوم بن تجیب فتنحّت نائلة ، فقال : ویح أُمّک من عجیزة ما أتمّک! وبصر به غلام لعثمان فقتله وقُتل ، وتنادی القوم : أبصر رجل من صاحبه ، وتنادوا فی الدار : أدرکوا بیت المال لا تُسبَقوا إلیه ، وسمع أصحاب بیت المال أصواتهم ولیس فیه إلاّ غرارتان (1) ، فقالوا : النجاء ، فإنّ القوم إنّما یحاولون الدنیا فهربوا ، وأتوا بیت المال فانتهبوه ، وماج الناس فیه ، فالتانئ (2) یسترجع ویبکی ، والطارئ یفرح ، وندم القوم ، وکان الزبیر قد خرج من المدینة ، فأقام علی طریق مکّة لئلاّ یشهد مقتله ، فلمّا أتاه الخبر بمقتل عثمان وهو بحیث هو قال : إنّا لله وإنّا إلیه راجعون ، رحم الله عثمان وانتصر له. وقیل : إنّ القوم نادمون. فقال : دبّروا دبّروا : (وَحِیلَ بَیْنَهُمْ وَبَیْنَ ما یَشْتَهُونَ) (3) الآیة. وأتی الخبر طلحة فقال : رحم الله عثمان وانتصر له وللإسلام وقیل له : إنّ القوم نادمون. فقال : تبّا لهم وقرأ : (فَلا یَسْتَطِیعُونَ تَوْصِیَةً وَلا إِلی أَهْلِهِمْ یَرْجِعُونَ) (4). وأتی علیّ فقیل : قُتل 0.

ص: 321


1- ذکره ابن کثیر فی تاریخه : 7 / 189 [7 / 210 حوادث سنة 35 ه] وحرّفه وبدّله بقوله : فأخذوا بیت المال وکان فیه شیء کثیر جداً. (المؤلف)
2- التانئ : المقیم.
3- سبأ : 54.
4- سورة یس : 50.

عثمان ، فقال : رحم الله عثمان وخلف علینا بخیر. وقیل : ندم القوم. فقرأ : (کَمَثَلِ الشَّیْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اکْفُرْ) (1) الآیة. وطُلب سعد ، فإذا هو فی حائطه ، وقد قال : لا أشهد قتله. فلمّا جاءه قتله قال : فررنا إلی المُدنِیَة فدنینا وقرأ : (الَّذِینَ ضَلَّ سَعْیُهُمْ فِی الْحَیاةِ الدُّنْیا وَهُمْ یَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ یُحْسِنُونَ صُنْعاً) (2). اللهمّ أندمهم ثمّ خذهم.

9 - وأخرج (3) (ص 131) بالإسناد الشعیبی :

قال المغیرة بن شعبة لعلیّ : إنّ هذا الرجل مقتول ، وإنّه إن قُتل وأنت بالمدینة اتّخذوا فیک ، فاخرج فکن بمکان کذا وکذا ، فإنّک إن فعلت وکنت فی غار بالیمن طلبک الناس. فأبی وحُصر عثمان اثنین وعشرین یوماً ثمّ أحرقوا الباب ، وفی الدار أُناس کثیر ؛ فیهم عبد الله بن الزبیر ومروان ، فقالوا : ائذن لنا. فقال : إنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم عهد إلیّ عهداً فأنا صابر علیه ، وإنّ القوم لم یحرقوا باب الدار إلاّ وهم یطلبون ما هو أعظم منه ، فأُحرِّج علی رجل یستقتل ویقاتل ، وخرج الناس کلّهم ودعا بالمصحف یقرأ فیه والحسن عنده ، فقال : إنّ أباک الآن لفی أمر عظیم ، فأقسمت علیک لمّا خرجت. وأمر عثمان أبا کَرِب - رجلاً من همدان - وآخر من الأنصار أن یقوما علی باب بیت المال ، ولیس فیه إلاّ غرارتان من ورِق ، فلمّا أطفئت النار بعد ما ناوشهم ابن الزبیر ومروان وتوعّد محمد بن أبی بکر ابن الزبیر ومروان ، فلمّا دخل علی عثمان هربا ، ودخل محمد ابن أبی بکر علی عثمان ؛ فأخذ بلحیته ، فقال : أرسل لحیتی فلم یکن أبوک لیتناولها ، فأرسلها ، ودخلوا علیه ، فمنهم من یجؤه بنعل سیفه وآخر یلکزه ، وجاءه رجل بمشاقص معه ، فوجأه فی ترقوته ، فسال الدم علی المصحف وهم فی ذلک یهابون فی قتله ، وکان کبیراً ، وغُشی علیه ودخل آخرون ، فلمّا رأوه مغشیّا علیه .

ص: 322


1- الحشر : 16.
2- الکهف : 104.
3- تاریخ الأُمم والملوک : 4 / 392 حوادث سنة 35 ه.

جرّوا برجله ، فصاحت نائلة وبناته ، وجاء التجیبی مخترطاً سیفه لیضعه فی بطنه ، فوقته نائله ، فقطع یدها ، واتّکأ بالسیف علیه فی صدره ، وقتل عثمان رضی الله عنه قبل غروب الشمس ، ونادی منادٍ : ما یحلّ دمُه ویحرج ماله ، فانتهبوا کلّ شیء ، ثمّ تبادروا بیت المال ، فألقی الرجلان المفاتیح ونجوا ، وقالوا : الهرب الهرب ، هذا ما طلب القوم.

10 - وأخرج (1) (ص 135) بالإسناد الشعیبی :

لمّا حدثت الأحداث بالمدینة خرج منها رجال إلی الأمصار مجاهدین ، ولیدنوا من العرب ، فمنهم من أتی البصرة ، ومنهم من أتی الکوفة ، ومنهم من أتی الشام. فهجموا جمیعاً من أبناء المهاجرین بالأمصار علی مثل ما حدث فی أبناء المدینة ، إلاّ ما کان من أبناء الشام ، فرجعوا جمیعاً إلی المدینة إلاّ من کان بالشام ، فأخبروا عثمان بخبرهم ، فقام عثمان فی الناس خطیباً ، فقال :

یا أهل المدینة أنتم أصل الإسلام ، وإنّما یفسد الناس بفسادکم ، ویصلحون بصلاحکم ، والله والله والله لا یبلغنی عن أحد منکم حدثٌ أحدثه إلاّ سیّرته ، ألا فلا أعرفنّ أحداً عرض دون أُولئک بکلام ولا طلب ، فإنّ من کان قبلکم کانت تُقطع أعضاؤهم دون أن یتکلّم أحد منهم بما علیه ولا له. وجعل عثمان لا یأخذ أحداً منهم علی شرّ أو شَهْرِ سلاح عصاً فما فوقها إلاّ سیّره. فضجّ آباؤهم من ذلک حتی بلغه أنّهم یقولون : ما أحدث التسییر إلاّ أنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم سیّر الحکم بن أبی العاص ، فقال : إنّ الحکم کان مکیّا ، فسیّره رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم منها إلی الطائف ، ثمّ ردّه إلی بلده ، فرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم سیّره بذنبه ورسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ردّه بعفوه ، وقد سیّره الخلیفة من بعده ، وعمر رضی الله عنه من بعد الخلیفة ، وایم الله لآخذنّ العفو من أخلاقکم ، ولأبذلنّه لکم من خلقی ، وقد دنت أُمور ، ولا أُحبّ أن تحلّ بنا وبکم وأنا علی وجلٍ وحذر ، فاحذروا واعتبروا. .

ص: 323


1- تاریخ الأُمم والملوک : 4 / 398 حوادث سنة 35 ه.

قال الأمینی : هذه سلسلة بلاء وحلقة أکاذیب جاء بها أبو جعفر الطبری فی تاریخه بإسناد واحد أبطلناه وزیّفناه وأوقفناک علیه وعلی ترجمة رجاله فی الجزء الثامن (ص 84 ، 140 ، 141 ، 333) ، أضف إلیها ما ذکره المحبّ الطبری ممّا أسلفنا صدره فی هذا الجزء صفحة (179) من طریق سعید بن المسیب ممّا اتّفق الرواة والحفّاظ والمؤرّخون علی نقله وجاء بعض بزیادة مفتعلة وتبعه المحبّ الطبری وإلیک نصّها :

ثمّ بلغ علیّا أنّهم یریدون قتل عثمان ، فقال : إنّما أردنا منه مروان فأمّا قتل عثمان فلا. وقال للحسن والحسین : اذهبا بسیفکما حتی تقوما علی باب عثمان فلا تدعا أحداً یصل إلیه ، وبعث الزبیر ابنه ، وبعث طلحة ابنه ، وبعث عدّة من أصحاب النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم أبناءهم یمنعون الناس أن یدخلوا علی عثمان ویسألونه إخراج مروان ، فلمّا رأی الناس ذلک رموا باب عثمان بالسهام حتی خضب الحسن بن علیّ بدمائه وأصاب مروان سهم وهو فی الدار وکذلک محمد بن طلحة ، وشجّ قنبر مولی علیّ ، ثمّ إنّ بعض من حصر عثمان خشی أن یغضب بنو هاشم لأجل الحسن والحسین فتنتشر الفتنة ، فأخذ بید رجلین فقال لهما : إن جاء بنو هاشم فرأوا الدم علی وجه الحسن کشفوا الناس عن عثمان وبطل ما تریدون ، ولکن اذهبوا بنا نتسوّر علیه الدار فنقتله من غیر أن یعلم أحد ، فتسوّروا من دار رجل من الأنصار حتی دخلوا علی عثمان ، وما یعلم أحد ممّن کان معه ، لأنّ کلّ من کان معه کان فوق البیت ولم یکن معه إلاّ امرأته ، فقتلوه وخرجوا هاربین من حیث دخلوا ، وصرخت امرأته فلم یُسمع صراخها من الجلبة ، فصعدت إلی الناس فقالت : إنّ أمیر المؤمنین قتل. فدخل علیه الحسن والحسین ومن کان معهما فوجدوا عثمان مذبوحاً فانکبّوا علیه یبکون ، ودخل الناس فوجدوا عثمان مقتولاً فبلغ علیّا وطلحة والزبیر وسعداً ومن کان بالمدینة فخرجوا وقد ذهبت عقولهم حتی دخلوا علی عثمان فوجدوه مقتولاً فاسترجعوا ، وقال علیّ لابنیه : کیف قتل أمیر المؤمنین وأنتما علی الباب؟ ورفع یده فلطم الحسن وضرب صدر الحسین ، وشتم محمد بن طلحة ، ولعن عبد الله بن الزبیر ، وخرج علیّ وهو

ص: 324

غضبان ، فلقیه طلحة فقال : مالک یا أبا الحسن ضربت الحسن والحسین؟ وکان یری أنّه أعان علی قتل عثمان. فقال : علیک کذا وکذا ، رجل من أصحاب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بدریّ لم تقم علیه بیّنة ولا حجّة. فقال طلحة : لو دفع مروان لم یُقتل. فقال علیّ : لو أخرج إلیکم مروان لقتل قبل أن تثبت علیه حکومة. وخرج علی فأتی منزله وجاء الناس کلّهم إلی علیّ لیبایعوه ، فقال لهم : لیس هذا إلیکم إنّما هو إلی أهل بدر ، فمن رضی به أهل بدر فهو الخلیفة. فلم یبق أحد من أهل بدر إلاّ قال : ما نری أحقّ لها منک ، فلمّا رأی علیّ ذلک جاء المسجد فصعد المنبر ، وکان أوّل من صعد إلیه وبایعه طلحة والزبیر وسعد وأصحاب محمد صلی الله علیه وآله وسلم ، وطلب مروان فهرب ، وطلب نفراً من ولد مروان وبنی أبی معیط فهربوا (1).

وفی لفظ المسعودی فی مروج الذهب (2) (1 / 441) : لمّا بلغ علیّا أنّهم یریدون قتله بعث بابنیه الحسن والحسین وموالیه بالسلاح إلی بابه لنصرته ، وأمرهم أن یمنعوه منهم ، وبعث الزبیر ابنه عبد الله ، وبعث طلحة ابنه محمداً ، وأکثر أبناء الصحابة أرسلهم آباؤهم اقتداءً بمن ذکرنا ، فصدّوهم عن الدار ، فرمی من وصفنا بالسهام ، واشتبک القوم ، وجرح الحسن ، وشجّ قنبر ، وجرح محمد بن طلحة ، فخشی القوم أن یتعصّب بنو هاشم وبنو أُمیّة ، فترکوا القوم فی القتال علی الباب ، ومضی نفر منهم إلی دار قوم من الأنصار فتسوّروا علیها ، وکان ممّن وصل إلیه محمد بن أبی بکر ورجلان آخران ، وعند عثمان زوجته ، وأهله وموالیه مشاغیل بالقتال ، فأخذ محمد بن أبی بکر بلحیته ، فقال : یا محمد والله لو رآک أبوک لساءه مکانک ، فتراخت یده وخرج عنه إلی الدار ، ودخل رجلان فوجداه فقتلاه ، وکان المصحف بین یدیه یقرأ فیه ، فصعدت2.

ص: 325


1- الریاض النضرة : 2 / 125 [3 / 57] ، تاریخ الخلفاء للسیوطی : ص 108 [ص 149] ، نقلاً عن ابن عساکر [تاریخ مدینة دمشق : 39 / 418 - 419 رقم 4619] ، تاریخ الخمیس : 2 / 261 ، 262 ، نقلاً عن الریاض. (المؤلف)
2- مروج الذهب : 2 / 362.

امرأته فصرخت وقالت : قد قتل أمیر المؤمنین.

فدخل الحسن والحسین ومن کان معهما من بنی أُمیّة ، فوجدوه وقد فاضت نفسه رضی الله عنه فبکوا. فبلغ ذلک علیّا وطلحة والزبیر وسعداً وغیرهم من المهاجرین والأنصار ، فاسترجع القوم ، ودخل علیّ الدار وهو کالواله الحزین ، فقال لابنیه : کیف قتل أمیر المؤمنین وأنتما علی الباب ، ولطم الحسن وضرب الحسین وشتم محمد بن طلحة ولعن عبد الله بن الزبیر ، فقال له طلحة : لا تضرب یا أبا الحسن ولا تشتم ولا تلعن ، ولو دفع مروان [إلیهم] (1) ما قتل ، وهرب مروان وغیره من بنی أُمیّة ، وطلبوا لیقتلوا فلم یوجدوا. وقال علیّ لزوجته نائلة بنت الفرافصة : من قتله وأنت کنت معه؟ فقالت : دخل إلیه رجلان ، وقصّت خبر محمد بن أبی بکر ، فلم ینکر ما قالت ، وقال : والله لقد دخلت [علیه] (2) وأنا أُرید قتله ، فلمّا خاطبنی بما قال خرجت ، ولا أعلم بتخلّف الرجلین عنّی ، والله ما کان لی فی قتله [من] (3) سبب ، ولقد قُتل وأنا لا أعلم بقتله.

وروی ابن الجوزی فی التبصرة (4) من طریق ابن عمر ، قال : جاء علیّ إلی عثمان یوم الدار وقد أغلق الباب ومعه الحسن بن علیّ وعلیه سلاحه فقال للحسن : ادخل إلی أمیر المؤمنین فأقرأهُ السلام وقل له : إنّما جئت لنصرتک فمرنی بأمرک ، فدخل الحسن ثمّ خرج فقال لأبیه : إنّ أمیر المؤمنین یقرئک السلام ویقول لک : لا حاجة لی بقتال وإهراق الدماء ، قال : فنزع علیّ عمامة سوداء ورمی بها بین یدی الباب وجعل ینادی : (ذلِکَ لِیَعْلَمَ أَنِّی لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَیْبِ وَأَنَّ اللهَ لا یَهْدِی کَیْدَ الْخائِنِینَ) (5).

وعن شداد بن أوس - نزیل الشام والمتوفّی بها فی عهد معاویة - أنّه قال : لمّا اشتدّ الحصار بعثمان رضی الله عنه یوم الدار رأیت علیّا خارجاً من منزله معتّماً بعمامة رسول الله 2.

ص: 326


1- الزیادة من المصدر.
2- الزیادة من المصدر.
3- الزیادة من المصدر.
4- راجع تلخیصه قرة العیون المبصرة : 1 / 180. (المؤلف)
5- یوسف : 52.

متقلّداً سیفه وأمامه ابنه الحسن والحسین وعبد الله بن عمر فی نفر من المهاجرین والأنصار ، فحملوا علی الناس وفرّقوهم ثمّ دخلوا علی عثمان.

فقال علیّ : السلام علیک یا أمیر المؤمنین إنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لم یلحق هذا الأمر حتی ضرب بالمقبل المدبر ، وإنّی والله لا أری القوم إلاّ قاتلیک فمرنا فلنقاتل. فقال عثمان : أنشد الله رجلاً رأی لله عزّ وجلّ علیه حقّا وأقرّ أن لی علیه حقّا أن یهریق فی سببی ملء محجمة من دم أو یهریق دمه فیَّ. فأعاد علیّ رضی الله عنه القول فأجاب عثمان بمثل ما أجاب ، فرأیت علیّا خارجاً من الباب وهو یقول : اللهمّ إنّک تعلم أنّا قد بذلنا المجهود. ثمّ دخل المسجد وحضرت الصلاة فقالوا له : یا أبا الحسن تقدّم فصلّ بالناس ، فقال : لا أُصلّی بکم والإمام محصور ولکن أُصلّی وحدی ، فصلّی وحده وانصرف إلی منزله فلحقه ابنه وقال : والله یا أبت قد اقتحموا علیه الدار ، قال : إنّا لله وإنّا إلیه راجعون ، هم والله قاتلوه ، قالوا : أین هو یا أبا الحسن؟ قال : فی الجنّة والله زلفی ، قالوا : وأین هم یا أبا الحسن؟ قال : فی النار والله - ثلاثاً.

الریاض النضرة (1) (2 / 127) ، تاریخ الخمیس (2 / 262).

ومن طریق محمد بن طلحة عن کناسة (2) مولی صفیّة ، قال : شهدت مقتل عثمان فأُخرج من الدار أمامی أربعة من شباب قریش مضرّجین بالدم محمولین کانوا یدرءون عن عثمان وهم : الحسن بن علیّ وعبد الله بن الزبیر ومحمد بن حاطب ومروان ، فقلت له : هل تدری محمد بن أبی بکر بشیء من دونه (3)؟ قال : معاذ الله ، دخل علیه فقال له عثمان : یا ابن أخی لست بصاحبی. وکلّمه بکلام فخرج (4). ف)

ص: 327


1- الریاض النضرة : 3 / 60.
2- کذا فی بعض النسخ ، والصحیح : کنانة. (المؤلف)
3- کذا فی تهذیب التهذیب ، وفی الاستیعاب : هل ندی محمد بن أبی بکر بشیء من دمه؟
4- الاستیعاب : 2 / 478 [القسم الثالث / 1046 رقم 1778] ، تهذیب التهذیب : 7 / 141 [7 / 129] ، تاریخ الخمیس : 2 / 264. (المؤلف)

فی الإسناد کنانة : ذکره الأزدی فی الضعفاء ، وقال : لا یقوم إسناد حدیثه. وقال الترمذی : لیس إسناده بذاک. وقال أیضاً : لیس إسناده بمعروف (1).

وروی البخاری فی تاریخه (4 قسم 1 ص 237) ، من طریق کنانة مولی صفیّة ، قال : کنت أقود بصفیّة لتردّ عن عثمان ، فلقیها الأشتر فضرب وجه بغلتها حتی قالت : ردّونی ولا یفضحنی هذا الکلب ، وکنت فیمن حمل الحسن جریحاً ، ورأیت قاتل عثمان من أهل مصر یقال له : جبلة.

وقال سعید المقبری عن أبی هریرة : کنت محصوراً مع عثمان فی الدار ، فرمی رجل منّا ، فقلت : یا أمیر المؤمنین الآن طاب الضراب ، قتلوا رجلاً منّا. قال : عزمت علیک یا أبا هریرة إلاّ رمیت بسیفک ، فإنّما تراد نفسی ، وسأقی المؤمنین بنفسی الیوم ، قال أبو هریرة : فرمیت بسیفی ، فلا أدری أین هو حتی الساعة (2).

لم أقف علی رجال إسناد هذه الأسطورة غیر سعید المقبری ، وهو سعید بن أبی سعید أبو سعد المدنی ، والمقبری نسبة إلی مقبرة بالمدینة کان مجاوراً لها. قال یعقوب بن شیبة والواقدی وابن حبّان (3) : إنّه تغیّر وکبر واختلط قبل موته بأربع سنین. راجع تهذیب التهذیب (4) (4 / 38) ، ومتن الروایة أقوی شاهد علی اختلاط الرجل ، فإنّ أوّل من رمی یوم الدار هو رجل من أصحاب عثمان ، رمی نیار بن عیاض الأسلمی وکان شیخاً کبیراً فقتله الرجل ، کما مرّ فی (ص 201) ومضی فی (ص 200) : أنّ أبا حفصة مولی مروان هو الذی أنشب القتال ورمی نیاراً الأسلمی ، ولعلّک تعرف أبا هریرة ومبلغه من الصدق والأمانة علی ودائع العلم والدین ، وإن 4.

ص: 328


1- تهذیب التهذیب : 8 / 450 [8 / 403]. (المؤلف)
2- الاستیعاب : 2 / 478 [القسم الثالث / 1046 رقم 1778] ، تهذیب التهذیب : 7 / 142 [7 / 129] ، تاریخ الخمیس : 2 / 263. (المؤلف)
3- الثقات : 4 / 284.
4- تهذیب التهذیب : 4 / 34.

کنت فی جهل من هذا فراجع کتاب أبی هریرة لسیّدنا الحجّة شرف الدین العاملی حیّاه الله وبیّاه ، ولعلّ تقاعد أبی هریرة عن نصرة الإمام أمیر المؤمنین علیّ علیه السلام فی حروبه الدامیة کان لأنّه لم یک یدری أین سیفه.

وعن أشعب بن حنین مولی عثمان : أنّه کان مع عثمان فی الدار ، فلمّا حصر جرّد ممالیکه السیوف فقال لهم عثمان : من أغمد سیفه فهو حرّ. فلمّا وقعت فی أذنی کنت والله أوّل من أغمد سیفه ، فأعتقت.

قال الذهبی : هذا الخبر باطل لأنّه یقتضی أنّ لأشعب صحبة ولیس کذلک. لسان المیزان (1) (4 / 126).

صورة مفصلة

عن أبی أُمامة الباهلی رضی الله عنه ، قال : کنّا مع عثمان رضی الله عنه وهو محصور فی الدار ، فقال : وبم یقتلوننی؟ وقد سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول : «لا یحلّ دم امرئٍ مسلم إلاّ بإحدی ثلاث : رجل کفر بعد إسلام ، أو زنی بعد إحصان ، أو قتل نفساً بغیر حقّ فیقتل بها» ، فو الله ما أحببت لدینی بدلاً منذ هدانی الله تعالی ، ولا زنیت فی جاهلیّة ولا إسلام ، ولا قتلت نفساً بغیر حقّ ، فبم یقتلوننی؟ فلمّا اشتدّ عطشه أشرف علی الناس فقال : أفیکم علیّ؟ فقالوا : لا. فقال : أفیکم سعد؟ فقالوا : لا. فسکت ثمّ قال : ألا أحد یبلغ علیّا فیسقینا ماءً؟ فبلغ ذلک علیّا ، فبعث إلیه بثلاث قرب مملوءة ماءً ، فما وصل إلیه حتی جرح بسببها عدّة من بنی هاشم وبنی أُمیّة ، فلمّا بلغ علیّا أنّ عثمان محاصر یراد قتله قام خارجاً من منزله معتّماً بعمامة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم متقلّداً سیفه وأمامه ابنه الحسن وعبد الله بن عمر فی نفر من الصحابة والمهاجرین والأنصار رضی الله عنهم ، ودخلوا علی عثمان وهو محصور فقال له علیّ کرّم الله وجهه : السلام علیک یا أمیر المؤمنین ، إنّک إمام العامّة وقد نزل بک ما تری ، وإنّنی أعرض علیک خصالاً ثلاثاً 7.

ص: 329


1- لسان المیزان : 4 / 146 رقم 5487.

اختر إحداهنّ : إمّا أن تخرج فتقاتلهم ونحن معک وأنت علی الحقّ وهم علی الباطل ، وإمّا أن تخرق باباً سوی الباب الذی هم علیه ، فترکب رواحلک وتلحق بمکة فإنّهم لن یستحلّوک وأنت بها ، وإمّا أن تلحق بالشام فإنّهم أهل الشام وفیهم معاویة ، فقال عثمان : أمّا أن أخرج إلی مکة فإنّی سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول : «یُلحد رجل من قریش بمکة یکون علیه نصف عذاب العالم». فلن أکون أنا ، وأمّا أن ألحق بالشام فلن أُفارق دار هجرتی ومجاورة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، قال : فأذن لنا أن نقاتلهم ونکشفهم عنک ، قال : فلا أکون أوّل من یأذن فی محاربة أُمّة محمد صلی الله علیه وآله وسلم ، فخرج علیّ وهو یسترجع وقال للحسن والحسین : اذهبا بسیفکما حتی تقوما علی باب عثمان فلا تدعا أحداً یصل إلیه ، وبعث الزبیر ابنه ، وبعث طلحة ابنه ، وبعث عدّة من أصحاب محمد أبناءهم یمنعون الناس أن یدخلوا علی عثمان ویسألونه إخراج مروان. فلمّا رأی ذلک محمد بن أبی بکر وقد رمی الناس عثمان بالسهام حتی خضب الحسن بالدماء علی بابه وغیره ، فخشی محمد بن أبی بکر أن یغضب بنو هاشم لحال الحسن ویکشفوا الناس عن عثمان ، فأخذ بید رجلین من أهل مصر فدخلوا من بیت کان بجواره ، لأنّ کلّ من کان مع عثمان کانوا فوق البیوت ولم یکن فی الدار عند عثمان إلاّ امرأته ، فنقبوا الحائط فدخل علیه محمد بن أبی بکر فوجده یتلو القرآن فأخذ بلحیته ، فقال له عثمان : والله لو رآک أبوک لساءه فعلک ، فتراخت یده ودخل الرجلان علیه فقتلاه ، وخرجوا هاربین من حیث دخلوا ، قیل : جلس عمرو بن الحمق علی صدره وضربه حتی مات ، ووطئ عمیر بن ضابئ علی بطنه فکسر له ضلعین من أضلاعه ، وصرخت امرأته فلم یسمع صراخها لما کان حول الدار من الناس ، وصعدت امرأته فقالت : إنّ أمیر المؤمنین قد قُتل ، فدخل الناس فوجدوه مذبوحاً ، وانتشر الدم علی المصحف علی قوله تعالی : (فَسَیَکْفِیکَهُمُ اللهُ وَهُوَ السَّمِیعُ الْعَلِیمُ) (1) ، وبلغ الخبر علیّا وطلحة 7.

ص: 330


1- البقرة : 137.

والزبیر وسعداً ومن کان بالمدینة ، فخرجوا وقد ذهبت عقولهم للخبر الذی أتاهم ، حتی دخلوا علی عثمان فوجدوه مقتولاً فاسترجعوا ، وقال علیّ لابنیه : کیف قُتل أمیر المؤمنین وأنتما علی الباب؟ ورفع یده فلطم الحسن ، وضرب علی صدر الحسین ، وشتم محمد بن طلحة وعبد الله بن الزبیر ، وخرج وهو غضبان حتی أتی منزله ، وجاء الناس یهرعون إلیه فقالوا له : نبایعک فمدّ یدک فلا بدّ لنا من أمیر. فقال علیّ : والله إنّی لأستحی أن أبایع قوماً قتلوا عثمان ، وإنّی لأستحی من الله تعالی أن أُبایع وعثمان لم یُدفن بعد ، فافترقوا ثمّ رجعوا فسألوه البیعة ، فقال : اللهمّ إنّی مشفق ممّا أقدم علیه ، ثم قال (1) لهم : لیس ذلک إلیکم ، إنّما ذلک لأهل بدر فمن رضی به أهل بدر فهو خلیفة ، فلم یبق أحد من أهل بدر حتی أتی علیّا ، فقالوا : ما نری أحداً أحقّ بها منک ، مدّ یدک نبایعک. فبایعوه ، فهرب مروان وولده ، وجاء علیّ وسأل امرأة عثمان ، فقال لها : من قتل عثمان؟ قالت : لا أدری دخل علیه محمد بن أبی بکر ومعه رجلان لا أعرفهما ، فدعا محمداً فسأله عمّا ذکرت امرأة عثمان ، فقال محمد : لم تکذب ، والله دخلت علیه وأنا أرید قتله ، فذکر لی أبی فقمت عنه وأنا تائب إلی الله تعالی ، والله ما قتلته ولا أمسکته. فقالت امرأته : صدق ولکنّه أدخلهما علیه.

راجع أخبار الدول للقرمانی (2) - هامش الکامل لابن الأثیر - (1 / 210 - 213).

نظرة فی الموضوعات

هذه الموضوعات اختلقت تجاه التاریخ الصحیح المتسالم علیه المأخوذ من مئات الآثار الثابتة المعتضد بعضها ببعض ، فیضادّها ما أسلفناه فی البحث عن آراء أعاظم الصحابة فی عثمان وما جری بینهم وبینه من سیّئ القول والفعل ، وفیهم بقیّة 1.

ص: 331


1- فی الطبعة التی اعتمدها المؤلف من أخبار الدول : فقال لهم.
2- أخبار الدول : 1 / 298 - 301.

أصحاب الشوری وغیر واحد من العشرة المبشّرة وعدّة من البدریّین ، وقد جاء فیه ما یربو علی مائة وخمسین حدیثاً راجع (ص 69 - 157) من هذا الجزء.

وتکذّبها أحادیث جمّة ممّا قدمنا ذکرها (ص 157 - 163) من حدیث المهاجرین والأنصار وأنّهم هم قتلة عثمان.

ومن حدیث کتاب أهل المدینة إلی الصحابة فی الثغور من أنّ الرجل أفسد دین محمد فهلمّوا وأقیموا دین محمد صلی الله علیه وآله وسلم.

ومن حدیث کتاب أهل المدینة إلی عثمان یدعونه إلی التوبة ویقسمون له بالله أنّهم لا یمسکون عنه أبداً حتی یقتلوه أو یعطیهم ما یلزمه من الله.

ومن حدیث کتاب المهاجرین إلی مصر أن تعالوا إلینا وتدارکوا خلافة رسول الله قبل أن یُسْلَبَها أهلها ، فإنّ کتاب الله قد بُدّل وسنّة رسوله قد غُیّرت. إلی آخر ما مرّ فی (ص 161 ، 162).

ومن حدیث الحصار الأوّل المذکور فی صفحة (168 - 177).

ومن حدیث کتاب المصریّین إلی عثمان : إنّا لن نضع سیوفنا عن عواتقنا حتی تأتینا منک توبة مصرحة ، أو ضلالة مجلحة مبلجة. إلی آخر ما مرّ (ص 170).

ومن حدیث عهد الخلیفة علی نفسه أن یعمل بالکتاب والسنّة سنة (35) کما مرّ (ص 170 - 172).

ومن حدیث توبته مرّة بعد أخری کما فصّلناه (ص 172 - 177).

ومن حدیث الحصار الثانی الذی أسلفناه (ص 177 - 189).

ومن حدیث کتاب عثمان إلی معاویة فی أنّ أهل المدینة قد کفروا وأخلفوا الطاعة. إلی آخر ما سبق فی صفحة (190).

ومن حدیث کتابه إلی الشام عامة : إنّی فی قوم طال فیهم مقامی واستعجلوا

ص: 332

القدر فیّ. وخیّرونی بین أن یحملونی علی شارف من الإبل الدحیل ، وبین أن أنزع لهم رداء الله. إلی آخر ما مرّ (ص 190).

ومن حدیث کتابه إلی أهل البصرة المذکور صفحة (191).

ومن حدیث کتابه إلی أهل الأمصار مستنجداً یدعوهم إلی الجهاد مع أهل المدینة واللحوق به لنصره کما مرّ (ص 191).

ومن حدیث کتابه إلی أهل مکة ومن حضر الموسم ینشد الله رجلاً من المسلمین بلغه کتابه إلاّ قدم علیه. إلخ.

ومن حدیث یوم الدار والقتال فیه ، وحدیث من قُتل فی ذلک المعترک ممّا مضی فی (ص 198 - 203).

ومن حدیث مقتل عثمان وتجهیزه ودفنه بحش کوکب بدیر سلع مقابر الیهود المذکور (ص 204 - 217).

وممّا ثبت من أحوال هؤلاء الذین زعموا أنّهم بعثوا أبناءهم للدفاع عن عثمان ، وإنّهم لم یفتئوا مناوئین له إلی أن قُتل ، وبعد مقتله إلی أن قُبر فی أشنع الحالات. أمّا علیّ أمیر المؤمنین فمن المتسالم علیه أنّه لم یحضر مقتل الرجل فی المدینة فضلاً عن دخوله علیه قبیل ذلک واستئذانه منه للذبّ عنه وبعد مقتله وبکائه علیه وصفعه ودفعه وسبّه ولعنه وحواره حول الواقعة ، قال الهیثمی فی مجمع الزوائد (7 / 230) ردّا علی الحدیث : الظاهر أنّ هذا ضعیف لأنّ علیّا لم یکن بالمدینة حین حصر عثمان ولا شهد قتله.

وقد سأله عثمان أن یخرج إلی ماله بینبع لیقلّ هتف الناس باسمه للخلافة ، وکان ذلک مرّة بعد أخری ، وفی إحداهما قال لا بن عبّاس : قل له فلیخرج إلی ماله بینبع فلا أغتمّ به ولا یغتمّ بی. فأتی ابن عبّاس علیّا فأخبره فقال علیه السلام : «یا ابن عبّاس ما یرید عثمان إلاّ أن یجعلنی جملاً ناضحاً بالغرب أُقبل وأُدبر ، بعث إلیّ أن اخرج ، ثمّ

ص: 333

بعث إلیّ أن اقدم ، ثمّ هو الآن یبعث إلیّ أن اخرج».

وعلیّ علیه السلام هو الذی مرّ حدیث رأیه فی عثمان ، فراجع حتی یأتیک الیقین بأنّه صلوات الله علیه لم یکن کالواله الحزین ، ولم یکن ذاهباً عقله یوم الدار ، ولا یقذفه بهذه الفریة الشائنة إلاّ من ذهبت به الخیلاء ، وتخبّطه الشیطان من المسّ ، وخبل حبّ آل أُمیّة قلبه واختبله ، فلا یبالی بما یقول ، ولا یکترث لما یتقوّل.

وأما طلحة فحدّث عنه ولا حرج ، کان أشدّ الناس علی عثمان نقمة ، وله أیّام الحصارین وفی یومی الدار والتجهیز خطوات واسعة ومواقف هائلة خطرة ثائرة علی الرجل کما مرّ تفصیل ذلک کلّه ، وإن کنت فی ریب من ذلک فاسأل عنه مولانا أمیر المؤمنین علیه السلام لتسمع منه قوله : «والله ما استعجل متجرّداً للطلب بدم عثمان إلاّ خوفاً من أن یطالب بدمه لأنّه مظنّته ، ولم یکن فی القوم أحرص علیه منه ، فأراد أن یغالط ممّا أجلب فیه لیلبس الأمر ویقع الشکّ» وقوله : «لحا الله ابن الصعبة أعطاه عثمان ما أعطاه وفعل به ما فعل». إلی أقواله الأخری التی أوقفناک علیها.

وسل عنه عثمان نفسه وقد مرّت فیه کلماته المعربة عن جلیّة الحال ، وسل عنه مروان لما ذا قتله؟ وما معنی قوله حین قتله لأبان بن عثمان : قد کفیتک بعض قتلة أبیک؟ وسل عنه سعداً ومحمد بن طلحة وغیرهما ممّن مرّ حدیثهم.

وأمّا الزبیر فإن سألت عنه مولانا أمیر المؤمنین علیه السلام فعلی الخبیر سقطت قال علیه السلام له : «أتطلب منّی دم عثمان وأنت قتلته؟ سلّط الله علی أشدّنا علیه الیوم ما یکره» ، وقال فیه وفی طلحة : «إنّهم یطلبون حقّا هم ترکوه ، ودماً هم سفکوه ، فإن کنت شریکهم فیه فإنّ لهم نصیبهم منه ، وإن کان ولوه دونی فما الطلبة إلاّ قبلهم». إلی آخر ما أسلفناه من کلماته علیه السلام.

وقد مرّ قول ابن عبّاس : أمّا طلحة والزبیر فإنّهما أجلبا علیه وضیّقا خناقه. وقول عمّار بن یاسر فی خطبة له : إنّ طلحة والزبیر کانا أوّل من طعن وآخر من أمر.

ص: 334

وقول سعید بن العاص لمروان : هؤلاء قتلة عثمان معک إنّ هذین الرجلین قتلا عثمان : طلحة والزبیر ، وهما یریدان الأمر لأنفسهما ، فلمّا غُلبا علیه قالا : نغسل الدم بالدم والحوبة بالحوبة.

وأمّا سعد بن أبی وقّاص فهو القائل کما مر حدیثه : وأمسکنا نحن ولو شئنا دفعنا عنه ولکن عثمان غیّر وتغیّر ، وأحسن وأساء فإن کنّا أحسنّا فقد أحسنّا ، وإن کنّا أسأنا فنستغفر الله.

واعطف علی هؤلاء بقیّة الصحابة الذین حسب واضعو هذه الروایات أنّهم بعثوا أبناءهم للدفاع عن عثمان ، وقد أسلفنا إجماعهم عدا ثلاثة رجال منهم علی مقته المفضی إلی قتله ، وهل تری من المعقول أن یمقته الآباء إلی هذا الحدّ الموصوف ثمّ یبعثوا أبناءهم للمجالدة عنه؟ إن هذا إلاّ اختلاق.

وهل من المعقول أنّ القوم کانوا یمحضون له الولاء ، وحضروا للمناضلة عنه ، فباغتهم الرجلان اللذان أجهزا علیه وفرّا ولم یعلم بهما أحد إلی أن أخبرتهم بهما بنت الفرافصة ولم تعرفهما هی أیضاً ، وکانت إلی جنب القتیل تراهما وتبصر ما ارتکباه منه؟

وهل عرف مختلق الروایة التهافت الشائن بین طرفی ما وضعه من تحرّیه تقلیل عدد المناوئین لعثمان المجهزین علیه حتی کاد أن یخرج الصحابة الآباء منهم والأبناء عن ذلک الجمهور ، وممّا عزاه إلی مولانا أمیر المؤمنین علیه السلام من قوله لمّا انثال إلیه القوم لیبایعوه : والله إنّی لأستحی أن أبایع قوماً قتلوا عثمان. إلخ. وهو نصّ علی أنّ مبایعیه أولئک هم کانوا قتلوا عثمان وهم هم المهاجرون والأنصار الصحابة الأوّلون الذین جاء عنهم یوم صفّین لمّا طلب معاویة من الإمام علیه السلام قتلة عثمان وأمر علیه السلام بتبرّزهم فنهض أکثر من عشرة آلاف قائلین : نحن قتلته ، یقدمهم عمّار بن یاسر ، ومالک الأشتر ، ومحمد بن أبی بکر ، وفیهم البدریّون. فهل الکلمة المعزوّة إلی الإمام علیه السلام

ص: 335

لمبایعیه عبارة أخری عن الرجلین المجهولین اللذین فرّا ولم یعرف أحد خبرهما؟ أو هما وأخلاط من الناس الذین کانت الصحابة تضادّهم فی المرمی؟ وهل فی المعقول أن یلهج بهذا إلاّ معتوه؟

وهل نحت هذا الإنسان الوضّاع إن صدق فی أحلامه عذراً مقبولاً لأُولئک الصحابة العدول الذابّین عن عثمان بأنفسهم وأبنائهم الناقمین علی من ناوأه فی تأخیرهم دفنه ثلاثاً وقد أُلقی فی المزبلة حتی زجّ بجثمانه إلی حشّ کوکب ، دیر سلع ، مقبرة الیهود ، ورمی بالحجارة ، وشُیّع بالمهانة ، وکُسر ضلع من أضلاعه ، وأودع الجدث بأثیابه من غیر غسل ولا کفن ، ولم یشیّعه إلاّ أربعة ، ولم یمکنهم الصلاة علیه؟ فهل کلّ هذا مشروع فی الإسلام ، والصحابة العدول یرونه ویعتقدون بأنّه خلیفة المسملین ، وأنّ من قتله ظالم ، ولا ینبسون فیه ببنت شفة ، ولا یجرون فیه أحکام الإسلام؟ أو أنّهم ارتکبوا ذلک الحوب الکبیر وهم لا یتحوّبون متعمدین؟ معاذ الله من أن یقال ذلک. أو أنّ هذا الإنسان زحزحته بوادره عن مجاری تلکم الأحکام ، وحالت شوارده بینه وبین حرمات الله ، وشرشرت منه جلباب الحرمة والکرامة ومزّقته تمزیقاً ، حتی وقعت الواقعة لیس لوقعتها کاذبة؟

ومن الکذب الصریح فی هذه الروایات عدّ سعد بن أبی وقاص فی الرعیل الأوّل ممّن بایع علیّا علیه السلام ، وهو من المتقاعدین عن بیعته إلی آخر نفس لفظه ، وهذا هو المعروف منه والمتسالم علیه عند رواة الحدیث ورجال التاریخ ، وقد نحتت ید الافتعال فی ذلک له عذراً أشنع من العمل ، راجع مستدرک الحاکم (1) (3 / 116).

ومن المضحک جدّا ما حکاه البلاذری فی الأنساب (2) (5 / 93) عن ابن سیرین من قوله : لقد قتل عثمان وإنّ فی الدار لسبعمائة منهم الحسن وابن الزبیر ، فلو أذن لهم لأخرجوهم من أقطار المدینة. 5.

ص: 336


1- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 126 ح 4601.
2- أنساب الأشراف : 6 / 215.

وعن الحسن البصری (1) قال : أتت الأنصار عثمان فقالوا : یا أمیر المؤمنین ننصر الله مرّتین ، نصرنا رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وننصرک. قال : لا حاجة لی فی ذلک ارجعوا. قال الحسن : والله لو أرادوا أن یمنعوه بأردیتهم لمنعوه.

أیّ عذر معقول أو مشروع هذا؟ یُقتل خلیفة المسلمین فی عُقر داره بین ظهرانی سبعمائة صحابی عادل وهم ینظرون إلیه ، ومحمد بن أبی بکر قابض علی لحیته عال بها حتی سمع وقع أضراسه ، وشحطه من البیت إلی باب داره ، وعمرو بن الحمق یثب ویجلس علی صدره ، وعمیر بن ضابئ یکسر أضلاعه ، وجبینه موجوء بمشقص کنانة بن بشر ، ورأسه مضروس بعمود التجیبی ، والغافقی یضرب فمه بحدید ، وترد علیه طعنة بعد أخری حتی أثخنته الجراح وبه حیاة ، فأرادوا قطع رأسه فألقت زوجتاه بنفسهما علیه ، کلّ هذه بین یدی أولئک المئات العدول أنصار الخلیفة غیر أنّهم ینتظرون حتی الیوم إلی إذن القتیل وإلاّ کانوا أخرجوهم من أقطار المدینة ، ولو أرادوا أن یمنعوه بأردیتهم لمنعوه!! أین هذه الأُضحوکة من الإسلام والکتاب والسنّة والعقل والعاطفة والمنطق والإجماع والتاریخ الصحیح؟

نظرة فی المؤلّفات

إنّ ما سطرناه فی عثمان إلی هذا الحدّ أساس ما علّوا علیه بنیان فضله ، وتبریر ساحته عن لوث أفعاله وتروکه ، وتعذیره فی النهابیر التی رکبها والدفاع عنه ، وقد أوقفناک علی الصحیح الثابت ممّا جاء فیه ، وعلی المزیّف الباطل ممّا وضع له ، ومن جنایات المؤرّخین ضربهم الصفح عن الأوّل ، ورکونهم إلی الفریق الثانی من الروایات فبنوا ما شادوه علی شفا جُرف هارٍ ، فلم یأت بغیرها أیّ عثمانی فی العقیدة ، أمویّ فی النزعة ، ضع یدک علی أیّ کتاب لأحدهم فی التاریخ والحدیث مثل تاریخ الأُمم والملوک للطبری ، والتمهید للباقلانی ، والکامل لابن الأثیر ، والریاض النضرة ف)

ص: 337


1- راجع إزالة الخفاء : 2 / 242. (المؤلف)

للمحبّ الطبری ، وتاریخ أبی الفداء ، وتاریخ ابن خلدون ، والبدایة والنهایة لابن کثیر ، والصواعق لابن حجر ، وتاریخ الخلفاء للسیوطی ، وروضة المناظر لابن الشحنة الحنفی ، وتاریخ أخبار الدول للقرمانی ، وتاریخ الخمیس للدیار بکری ، ونزهة المجالس للصفوری ، ونور الأبصار للشبلنجی ، تجده مشحوناً بتلکم الموضوعات المسلسلة ، أتوا بها مرسلین إیّاها إرسال المسلّم ، وشوّهوا بها صحیفة التاریخ بعد ما سوّدوا صحائفهم ، وموّهوا بها علی الحقائق الراهنة.

وجاء بعد هؤلاء المحدثون المتسرّعون وهم یحسبون أنّهم یمحّصون التاریخ والحدیث تمحیصاً ، ویحلّلون القضایا والحوادث تحلیلاً صحیحاً ، متجرّدین عن الأهواء والنزعات غیر متحیّزین إلی فئة ، ولا جانحین إلی مذهب ، لکنّهم بالرغم من هاتیک الدعوی وقعوا فی ذلک وهم لا یشعرون ، فحملوا إلینا کلّ تلکم الدسائس فی صور مبهرجة رجاء أن تنطلی عند الرجرجة الدهماء ، لکن قلم التنقیب أماط الستار عن تمویههم ، وعرّف الملأ الباحث أنّهم إنّما ردّوا ما هنالک من بوائق ومخازی.

کما ردّها یوماً بسوأته عمرو

وأثبتوا فضائل بنیت علی أساس منهدم ، وربطوها بعری متفککة.

[الفتوحات الإسلامیة :]

فهلمّ معی نقرأ صحیفة من الفتوحات الإسلامیة تألیف مفتی مکة السیّد أحمد زینی دحلان ممّا ذکره فی الجزء الثانی من سیرة الخلفاء الأربعة (ص 354 - 517) قال (1) فی (ص 492) تحت عنوان : ذکر ما کان لسیّدنا عثمان من الاقتصاد فی الدنیا وحسن السیرة : کان عثمان رضی الله عنه زاهداً فی الدنیا ، راغباً فی الآخرة ، عادلاً فی بیت المال (2) لا یأخذ لنفسه منه شیئاً (3) لأنّه کان غنیّا ، وغناه کان مشهوراً فی حیاة ف)

ص: 338


1- الفتوحات الإسلامیة : 2 / 323 - 325.
2- فلما ذا نقم علیه الصحابة أجمع؟ ولما ذا قتلوا ذلک الزاهد الراغب العادل. (المؤلف)
3- راجع الجزء الثامن : ص 281 ، 282. (المؤلف)

النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وبعد وفاته ، وکان کثیر الإنفاق ، فی نهایة الجود والسماحة والبذل فی القریب والبعید (1) وأنزل الله فیه : (الَّذِینَ یُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِی سَبِیلِ اللهِ ثُمَّ لا یُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذیً لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَیْهِمْ وَلا هُمْ یَحْزَنُونَ) (2) وقوله تعالی : (أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّیْلِ ساجِداً وَقائِماً یَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَیَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ) (3). وقوله تعالی : (رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَیْهِ) (4).

وکان یخطب الناس وعلیه إزار غلیظ عدنیّ ثمنه أربعة دراهم (5) وکان یطعم الناس طعام الإمارة ویدخل بیته یأکل الخلّ والزیت. قال الحسن البصری : دخلت المسجد فإذا أنا بعثمان متّکئاً علی ردائه فأتاه سقّاءان یختصمان إلیه فقضی بینهما ، وعن عبد الله بن شدّاد قال : رأیت عثمان رضی الله عنه یوم الجمعة وهو یومئذٍ أمیر المؤمنین وعلیه ثوب قیمته أربعة دراهم. وسئل الحسن البصری ما کان رداء عثمان؟ قال : کان قطریاً. قالوا : کم ثمنه؟ قال : ثمانیة دراهم. وکان رضی الله عنه شدید التواضع ، قال الحسن البصری : رأیت عثمان وهو أمیر المؤمنین نائماً فی المسجد ورداؤه تحت رأسه فیجیء الرجل فیجلس إلیه ، ثمّ یجیء الرجل فیجلس إلیه ، فیجلس هو کأنّه أحدهم ، وروی خیثمة قال : رأیت عثمان نائماً فی المسجد فی ملحفة لیس حوله أحد وهو أمیر المؤمنین ، وفی روایة أخری لخیثمة أیضاً : رأیت عثمان یقیل فی المسجد ویقوم وأثر الحصاة فی جنبه فیقول الناس : یا أمیر المؤمنین ، وکان یلی وضوءه فی اللیل بنفسه ف)

ص: 339


1- إلاّ من کان یمتّ للبیت الهاشمی ویحمل ولاء العترة کأبی ذر وعمار وابن مسعود ونظرائهم. (المؤلف)
2- مرّ فی الجزء الثامن : ص 57 بطلان هذا التقوّل علی الله. (المؤلف)
3- أسلفنا فی هذا الجزء فی ترجمة عمّار القول الصحیح فی نزول الآیة. (المؤلف)
4- مرّ فی الجزء الثانی : ص 51 نزولها فی علیّ وحمزة وعبیدة بن الحرث. وأخرج البخاری فی صحیحه فی التفسیر : 7 / 91 [4 / 1795 ح 4505] نزولها فی أنس بن النضر ، وذکر ابن حجر نزولها فی جماعة ولم یذکر فیهم عثمان ، راجع فتح الباری : 8 / 420 [8 / 518]. (المؤلف)
5- راجع ما رویناه فی الجزء الثامن : ص 285. (المؤلف)

فقیل له : لو أمرت بعض الخدم لکفوک ، قال : لا ، اللیل لهم یستریحون فیه ، وکان رضی الله عنه یعتق فی کلّ جمعة رقبة منذ أسلم إلاّ أن لا یجد ذلک تلک الجمعة فیجمعها فی الجمعة الأخری.

قال العلاّمة ابن حجر فی الصواعق (1) : إنّ جملة ما أعتقه عثمان رضی الله عنه ألفان وأربعمائة. ومن تواضعه : أنّه کان یردف غلامه خلفه أیّام خلافته ولا یعیب ذلک ، وکان یصوم النهار ویقوم اللیل إلاّ هجعة من أوّله ، وکان یختم القرآن کلّ لیلة فی صلاته ، وکان کثیراً ما یختمه فی رکعة ، وکان إذا مرّ علی المقبرة یبکی حتی تبتلّ لحیته ، وکان من العشرة المبشّرین بالجنّة ، ومن أصحاب النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم توفّی وهو عنهم راض ، وکان من السابقین للإسلام ، فإنّه أسلم بعد أبی بکر وعلیّ وزید بن حارثة ، وشهد له النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم بالجنّة والزهد فی الدنیا ، فقد صحّ عنه صلی الله علیه وآله وسلم أنّه قال : رحمک الله یا عثمان ما أصبت من الدنیا ولا أصابت منک (2). وکثرت الفتوحات فی زمن خلافته فقد فتح فی زمنه إفریقیة وسواحل الأردن وسواحل الروم وإصطخر وفارس وطبرستان وسجستان وغیر ذلک ، وکثرت أموال الصحابة فی خلافته حتی بیعت جاریة بوزنها ، وفرس بمائة ألف ، ونخلة بألف ، وعن الحسن البصری قال : کانت الأرزاق فی زمن عثمان وافرة وکان الخیر کثیراً ، وأصاب الناس مجاعة فی غزوة تبوک فاشتری طعاماً یصلح العسکر.

وأخرج أبو یعلی (3) ، عن جابر عن النبیّ ، صلی الله علیه وآله وسلم قال : عثمان فی الجنّة ، وقال : لکلّ نبیّ خلیل فی الجنّة وإنّ خلیلی عثمان بن عفان. وفی روایة : لکلّ نبیٍّ رفیق فی5.

ص: 340


1- الصواعق المحرقة : ص 112.
2- هل تؤیّد هذه الصحیحة المزعومة وما قبلها سیرة الرجل؟ (ما لَهُمْ بِذلِکَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ یَخْرُصُونَ) [الزخرف : 20]. (المؤلف)
3- مسند أبی یعلی : 2 / 28 ح 665.

الجنّة ورفیقی فیها عثمان بن عفان. وقال صلی الله علیه وآله وسلم : لیدخلنّ بشفاعة عثمان سبعون ألفاً کلّهم استحقّوا النار الجنّة بغیر حساب. وأخرج أبو یعلی عن أنس رضی الله عنه : أوّل من هاجر إلی الحبشة بأهله عثمان بن عفان ، فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : صحبهما الله إنّ عثمان لأوّل من هاجر إلی الله تعالی بأهله بعد لوط (1) ، ولمّا زوّج النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم بنته أُمّ کلثوم لعثمان قال لها : إنّ بعلک لأشبه الناس بجدّک إبراهیم وأبیک محمد صلی الله علیه وآله وسلم. وقال صلی الله علیه وآله وسلم أشدّ أُمّتی حیاءً عثمان بن عفان. وقال صلی الله علیه وآله وسلم : إنّ الله أوحی إلیّ أن أزوّج کریمتیّ یعنی رقیّة وأُمّ کلثوم من عثمان. وقال صلی الله علیه وآله وسلم : إنّ عثمان حیی تستحی منه الملائکة ، وقال صلی الله علیه وآله وسلم : إنّما یشبّه عثمان بأبینا إبراهیم. وقال صلی الله علیه وآله وسلم : وما زوّجت عثمان بأُمّ کلثوم إلاّ بوحی من السماء. وقال صلی الله علیه وآله وسلم لعثمان : یا عثمان هذا جبریل یخبرنی أنّ الله زوّجک أُمّ کلثوم بمثل صداق رقیّة وعلی مثل صحبتها.

وأخرج الترمذی (2) ، عن عبد الرحمن بن خبّاب ، قال : شهدت النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وهو یحثّ علی جیش العسرة ، فقال عثمان بن عفان : یا رسول الله علیّ مائة بعیر بأحلاسها وأقتابها فی سبیل الله ، ثمّ حضّ علی الجیش فقال عثمان : یا رسول الله : علیّ ثلاثمائة بعیر بأحلاسها وأقتابها فی سبیل الله ، فنزل رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وهو یقول : ما علی عثمان ما فعل (3) بعد الیوم. وعن عبد الرحمن بن سمرة قال : جاء عثمان إلی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم بألف دینار حین جهّز جیش العسرة فنثره فی حجره ، فجعل رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقلّبها ویقول : ما ضرّ عثمان ما عمل بعد الیوم. وفی روایة عن حذیفة : إنّها عشرة آلاف دینار فجعل رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقلّبها ویقول : غفر الله لک یا عثمان ما أسرَرتَ وما أعلنتَ وما هو کائن إلی یوم القیامة ، ما یبالی عثمان ما عمل بعدها ، وأخرج ل.

ص: 341


1- أنظر : الجامع لأحکام القران : 13 / 225 ، الدر المنثور : 6 / 409.
2- سنن الترمذی : 5 / 584 ح 3700.
3- فی سنن الترمذی : ما عمل.

الواحدی (1) : أنّ الله أنزل بسبب ذلک فی حقّ عثمان : (الَّذِینَ یُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِی سَبِیلِ اللهِ ثُمَّ لا یُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذیً لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَیْهِمْ وَلا هُمْ یَحْزَنُونَ) وعن أبی سعید الخدری قال : ارتقبت النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم لیلة من أوّل اللیل إلی أن طلع الفجر یدعو لعثمان بن عفان یقول : اللهمّ عثمان بن عفان رضیتُ عنه فارض عنه ، فما زال رافعاً یدیه حتی طلع الفجر. وعن جابر بن عطیّة قال : قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : غفر الله لک یا عثمان ما قدّمتَ وما أخّرتَ ، وما أسررتَ وما أعلنتَ ، وما أخفیتَ وما أبدیتَ ، وما هو کائن إلی یوم القیامة ... إلخ.

هذه بلایا تمنّتها ید الغلو فی الفضائل ، مُنیت بها الأُمّة ، وطمست تحت أطباقها حقائق العلم والدین ، وانطمست بها أنوار الهدایة ، وستعرف أنّها روایات مختلقة زیّفتها نظّارة التنقیب ولا یصحّ منها شیء ، غیر أنّ المفتی دحلان علی مطمار (2) قومه أرسلها إرسال المسلّم ، وموّهها علی أغرار الملأ الدینیّ ، ولا یجد عن سردها منتدحاً ، ذلک مبلغهم من العلم إن هم إلاّ یظنّون ، (وَلا تَقْفُ ما لَیْسَ لَکَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ کُلُّ أُولئِکَ کانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً) (3).

الفتنة الکبری :

واقرأ صحیفة من الفتنة الکبری للدکتور طه حسین : قال فی بدء کتابه (4) : هذا حدیث أُرید أن أخلصه للحقّ ما وسعنی إخلاصه للحقّ وحده ، وأن أتحرّی فیه الصواب ما استطعت إلی تحرّی الصواب سبیلا ، وأن أحمل نفسی فیه علی الإنصاف لا أحید عنه ولا أمالئ فیه حزباً من أحزاب المسلمین علی حزب ، ولا أُشایع فیه 9.

ص: 342


1- أسباب النزول : ص 55.
2- یقال : جاء الرجل علی مطمار أبیه أی جاء یشبهه فی خلْقه وخلُقه.
3- الإسراء : 36.
4- المجموعة الکاملة لمؤلّفات طه حسین - الفتنة الکبری - : مج 4 / 199.

فریقاً من الذین اختصموا فی قضیّة عثمان دون فریق ، فلست عثمانیّ الهوی ، ولست شیعة لعلیّ ، ولست أفکّر فی هذه القضیّة کما کان یفکّر فیها الذین عاصروا عثمان واحتملوا معه ثقلها وجنوا معه أو بعده نتائجها.

وأنا أعلم أنّ الناس ما زالوا ینقسمون فی أمر هذه القضیّة إلی الآن کما کانوا ینقسمون فیها أیّام عثمان ؛ فمنهم العثمانیّ الذی لا یعدل بعثمان أحداً من أصحاب النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم بعد الشیخین ، ومنهم الشیعیّ الذی لا یعدل بعلیّ ; بعد النبیّ أحداً ، لا یستثنی الشیخین ولا یکاد یرجو لمکانهما وقاراً ، ومنهم من یتردّد بین هذا وذاک ، یقتصد فی عثمانیّته شیئاً ، أو یقتصد فی تشیّعه لعلیّ شیئاً ، فیعرف لأصحاب النبیّ کلّهم مکانتهم ، ویعرف لأصحاب السابقة منهم سابقتهم ، ثم لا یفضّل بعد ذلک أحداً منهم علی الآخر ، یری أنّهم جمیعاً قد اجتهدوا ونصحوا لله ولرسوله وللمسلمین ، فأخطأ منهم من أخطأ ، وأصاب منهم من أصاب ، ولأولئک وهؤلاء أجرهم لأنّهم لم یتعمّدوا خطیئة ولم یقصدوا إلی إساءة ، وکلّ هؤلاء إنّما یرون آراءهم هذه یستمسکون بها ویذودون عنها ویتفانون فی سبیلها ، لأنّهم یفکّرون فی هذه القضیّة تفکیراً دینیّا ، یصدرون فیه عن الإیمان ، ویبتغون به ما یبتغی المؤمن من المحافظة علی دینه والاستمساک بیقینه وابتغاء رضوان الله بکلّ ما یعمل فی ذلک أو یقول.

وأنا أُرید أن أنظر إلی هذه القضیّة نظرة خالصة مجرّدة لا تصدر عن عاطفة ولا هوی ، ولا تتأثّر بالإیمان ولا بالدین ، وإنّما هی نظرة المؤرّخ الذی یجرّد نفسه تجریداً کاملاً من النزعات والعواطف والأهواء مهما تختلف مظاهرها ومصادرها وغایاتها ... إلخ.

هکذا یحسب الدکتور ویبدی أنّه لا یروقه النزول علی حکم العاطفة ولا التحیّز إلی فئة أو جنوح إلی مذهب ، وقد تجرّد فیما کتب عن کلّ ذلک حتی عن الإیمان والدین ، وزعم أنّه قصر نظرته فی قضایا عثمان علی البساطة لیتسنّی له الحکم

ص: 343

الطبیعی ، والقول فی تلکم الحوادث علی الحقائق المحضة ، هکذا یحسب الدکتور ، لکنّه سرعان ما انقلب علی عقبیه کرّا علی ما فرّ منه ، فلم یسعه إلاّ الرکون إلی العواطف ومتابعة النزعات ، فلم یرتد إلاّ تلکم السفاسف التی اختلقتها سماسرة العثمانیین ، ولم یسرح فی مسیره إلاّ مقیّداً بسلاسل أساطیر الأوّلین التی سردها الطبری ومن شایعه أو سبقه بتلک الأسانید الواهیة والمتون المزیّفة التی أوقفناک علیها فی هذا الجزء وفیما سبقه من الأجزاء ، فلم نجد مائزاً بین هذا الکتاب وبین غیره من الکتب التی حسب الدکتور أنّ مؤلّفیها حدت بهم المیول والنزعات ، فما هو إلاّ فتنة کبری کما سمّاه هو بذلک!

تری الدکتور یحاید حذراً من أن یحید عن مهیع الحقّ ویجور فی الحکم ، وزعم الحیاد أسلم فی الیوم الحاضر کما کان فی الأمس الدابر ، فذهب مذهب سعد بن أبی وقّاص الحائد فی القضیّة واتّبع أثره ، قال فی دیباجة کتابه (1) : عاش قوم من أصحاب النبیّ حین حدثت هذه القضیّة وحین اختصم المسلمون حولها أعنف خصومة عرفها تاریخهم فلم یشارکوا فیها ولم یحتملوا من أعبائها قلیلاً ولا کثیراً ، وإنّما اعتزلوا المختصمین وفرّوا بدینهم إلی الله ، وقال قائلهم سعد بن أبی وقّاص ; : لا أُقاتل حتی تأتونی بسیف یعقل ویبصر وینطق فیقول : أصاب هذا وأخطأ ذاک.

فأنا أُرید أن أذهب مذهب سعد وأصحابه رحمهم الله ، لا أُجادل عن أُولئک ولا عن هؤلاء ، وإنّما أُحاول أن أتبیّن لنفسی وأُبیّن للناس الظروف التی دفعت أُولئک وهؤلاء إلی الفتنة ، وما استتبعت من الخصومة العنیفة التی فرّقتهم وما زالت تفرّقهم إلی الآن ، وستظلّ تفرّقهم فی أکبر الظنّ إلی آخر الدهر ، وسیری الذین یقرؤون هذا الحدیث أنّ الأمر کان أجلّ من عثمان وعلیّ وممّن شایعهما وقام من دونهما ، وأنّ غیر عثمان لو ولی خلافة المسلمین فی تلک الظروف التی ولیها عثمان لتعرّض لمثل ما تعرّض له من 0.

ص: 344


1- الفتنة الکبری : 4 / 200.

ضروب المحن والفتن ، ومن اختصام الناس حوله واقتتالهم بعد ذلک فیه. انتهی.

هاهنا نجد الدکتور جاریاً علی ما عهد إلی نفسه تجرّد عن العواطف ، وجانب المبادئ الدینیّة ، وحاید الدین الحنیف حقّا ، ونظر إلی القضیّة بالحریّة المحضة ، وحسبها فتنةً یحقّ للعاقل أن یکون فیها کابن لبون لا ظهر فیرّکب ولا ضرع فیحلب ، ونعم الرأی هذا لو لا الإسلام المقدّس ، لو لا ما جاء به نبیّ العظمة ، لو لا ما نطق به کتاب الله العزیز ، لو لا ما تقتضیه فروض الإنسانیّة والعواطف البشریّة القاضیة بخلاف ما ذهب إلیه الدکتور ، وإنّی لست أقضی العجب منه ، ولست أدری کیف یُقدّس مذهب ابن أبی وقّاص؟ أیسوغ للباحث المسلم أن یصفح فی تلکم القضایا عن حکم الدین المقدّس ، ویشذّ عمّا قرّره نبیّ الإسلام ، ویسحق العواطف کلّها حتی ما یستدعیه الطبع الإنسانی والغریزة العادلة فی کسح الفساد والتفانی دون صالح المجتمع العام؟ ألم یکن هنالک کتاب ناطق أو سنّة محکمة أو شریعة حاکمة أو عقل سلیم یبعث الملأ الدینیّ إلی الدفاع عن کلّ مسلم مُدَّت إلیه ید الظلم والجور فضلاً عن خلیفة الوقت الواجب طاعته؟

ما الذی أحوج المتمسّک بعری الدین الحنیف إلی سیف یعقل ویبصر وینطق والله یقول : (فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِی شَیْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَی اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ کُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْیَوْمِ الْآخِرِ) (1). (أَوَلَمْ یَکْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَیْکَ الْکِتابَ یُتْلی عَلَیْهِمْ) (2). (وَما أَنْزَلْنا عَلَیْکَ الْکِتابَ إِلاَّ لِتُبَیِّنَ لَهُمُ الَّذِی اخْتَلَفُوا فِیهِ) (3)؟

ما الذی أذهل الدکتور عن قول الصحابی العظیم حذیفة بن الیمان : لا تضرّک الفتنة ما عرفت دینک ، إنّما الفتنة إذا اشتبه علیک الحقّ والباطل؟ وکیف یشتبه الحکم 4.

ص: 345


1- النساء : 59.
2- العنکبوت : 51.
3- النحل : 64.

فی القضیّة علی المسلم النابه وهی لا تخلو عن وجهین ، فإنّ عثمان إن کان إماماً عادلاً قائماً بالقسط عاملاً بالکتاب والسنّة مرضیّا عند الله ، فالخروج علیه معلوم الحکم عند جمیع فرق المسلمین لا یختلف فیه اثنان ، ولا تشذّ فئة عن فئة ، وإن لم یکن کذلک وکان کما حسبه أُولئک العدول من أصحاب محمد صلی الله علیه وآله وسلم ، ومرّت آراؤهم ومعتقداتهم فیه فالحکم أیضاً بیّن مبرهن بالکتاب العزیز کما استدلّ بذلک الثائرون علیه لمّا قال لهم : لا تقتلونی فإنّه لا یحلّ إلاّ قتل ثلاثة : رجل زنی بعد إحصانه ، أو کفر بعد إسلامه أو قتل نفساً بغیر نفس فیقتل بها. فقالوا : إنّا نجد فی کتاب الله قتل غیر الثلاثة الذین سمیّت : قتل من سعی فی الأرض فساداً ، وقتل من بغی ثمّ قاتل علی بغیه ، وقتل من حال دون شیء من الحقّ ومنعه ثمّ قاتل دونه وکابر علیه ، وقد بغیت ، ومنعت الحقّ ، وحلت دونه وکابرت علیه. الحدیث. راجع (ص 205).

فنحن لا نعرف وجهاً للحیاد کما ذهب إلیه ابن أبی وقّاص فی القضیّة وفی المواقف الهائلة بعدها ، فالحیاد - وإن راق الدکتور - تقاعد عن حکم الله ، وتقاعس عن الواجب الدینیّ ، وخروج عمّا قرّرته الحنیفیّة البیضاء ، نعم ، الحیاد حیلة أُولئک المتشاغبین المتقاعدین عن بیعة إمام المتّقین أمیر المؤمنین ، المتقاعسین عن نصرته ، المتحایدین عن حکم الکتاب والسنّة فی حروبه ومغازیه ، وعذر تترّس به سعد بن أبی وقّاص وعبد الله بن عمر وأبو هریرة وأبو موسی الأشعری ومحمد بن مسلمة السابقون الأوّلون من رجال الحیاد الزائف ، والإنسان علی نفسه بصیرة ولو ألقی معاذیره.

کتاب : عثمان بن عفّان

واعطف علی کتاب عثمان بن عفّان للمدرّس فی کلّیة اللغة العربیّة بمصر الأستاذ صادق إبراهیم عرجون نظرة ممعنة حیث یقول فی فاتحته : فهذا طراز من البحث فی سیرة ثالث الراشدین عثمان رضی الله عنه ، صوّرت به حیاته صورة لا أعیذها من

ص: 346

إجمال غیر مجحف بحقّ ، ولا أعضها عن تفصیل یظهر حجّة أو یدفع شبهة.

وقد احتفلت فیه بتحقیق ما احتفّ بهذه السیرة الأسیفة من عوامل اجتماعیّة وسیاسیّة ، دفعت المجتمع الإسلامی دفعاً عاصفاً إلی أخطر انقلاب عرفه التاریخ فی الإسلام.

وسیرة عثمان رضی الله عنه حریّة بالبحث الممحّص الهادئ ، لیکشف منها ما سترته الأقاصیص العابثة من فضائل ، وما شوّهته الروایات الغالطة من محاسن ، ویصحّح ما غالطت فیه من حقائق ، ویزیّف ما بهرجه المتقوّلون من أکاذیب مزوّرة وحکایات باطلة.

وقد حاولت جهدی أن أتتبّع الخطوط الأصیلة فی حیاة عثمان رضی الله عنه ، فلاءمت بینها حتی ارتسمت منها هذه الصورة التی أرجو أن تکون لبنة بین لبنات متساندة فی دراسة حیاة رجالات الإسلام ، وسیر أبطاله الغرّ المیامین ، تبصرة وذکری للمؤمنین. والله ولیّ التوفیق. انتهی.

ثمّ ألق نظرة أخری علی مواضیع کتابه تجدها غیر منطبقة علی ما تقوّل فی شیء منها ، وإنّما هی نعرات طائفیّة ممقوتة ، وفضائل مفتعلة دسّتها ید الغلو فیها ، وسفاسف موضوعة حبّذت الشهوات اختلاقها. کلّل أساطیر السلف بزخرف القول ، وزخرف أباطیل الأوّلین بالبیان المزوّر ، لم نجد له فحصاً عن حال الأسانید ، وتهافت المتون ، وفقه الحدیث ، وطرق مواضیع مهمّة من فقه عثمان وأغالیطه وأحداثه وهو یروقه التفصّی عنها ، فلم یتفصّ إلاّ بالتافهات لا سیّما فی المسائل الفقهیّة التی هو بمجنب عنها ، فنحت لها أعذاراً باردة ، أو أنّها أعظم من تلکم المآثم ، فلنمرّ علیها کراماً.

وما ظنّک بکتاب یکون من مصادره کتاب فجر الإسلام لأحمد أمین ذلک المتحذلق المختلق ، وکتاب الخضری ذلک الأمویّ المباهت ، ومحاضرات کرد علی

ص: 347

العثمانی الشامی المناوئ لأهل بیت الوحی ، وأمثال هذه من کتب السلف والخلف ممّا لا یعرّج علیه؟ وفیه الخلط والخبط ، وضوضاء الدجّالین ، ولغط المستأجرین.

ومن أعجب ما رأیت قوله فی (ص 41) من الکتاب تحت عنوان : الکذب علی رسول الله : وفی هذه المرحلة من تاریخ الإسلام بُدئت أکاذیب الفرق والأحزاب فیما یکید به بعضها لبعض ، حتی أخذت تلک الأکاذیب صورة الحجاج بأحادیث یتقوّلها زعماء الفرق ورؤساء الأحزاب علی سیّدنا رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، وقد کثر من هذه الأکاذیب ما زعموه کان فی حقّ الأئمّة والخلفاء ، وقالت کلّ شیعة فیمن شایعته وفی منافسیه عندها ما شاء لها الهوی ، وتجاذب هذا النوع طرفی الإفراط والتفریط مدحاً وذمّا ، واختلاقاً وتقوّلا ، حتی غشّی سیر هؤلاء الأجلاّء بغشاء من الغموض حجب الحقائق عن کثیر من الناظرین.

ولیس بأقلّ خطراً من ذلک ما اقترفوه فی جنب القرآن الکریم من تأویلات محرّفة لآیات الله تعالی عن مواضعها ، ومن هنا وهناک تألّفت سلسلة الموضوعات والخرافات والأساطیر التی ابتلی بها المسلمون ، وانتشرت بینهم التلبیسات الملتویة والشُّبَه الغامضة ، فشوّهت جمال الشریعة المطهّرة ، وحُشی بها کثیر من کتب المؤلّفین المتقدّمین والمتأخرین ، حتی أصبحت وبالاً علی الدین ، وشرّا علی المسلمین ، وحائلاً دون نهضتهم وتقدّمهم ، وسلاحاً فی أیدی خصوم الإسلام ، وعائقاً عن الوصول إلی کثیر من الحقائق التاریخیّة والعلمیّة والدینیّة ، ولولا توفیق الله تعالی رحمةً بهذه الأمّة ، ورعایة لهذا الدین الکریم ، لطائفة من أئمّة المسلمین المصطفین الأخیار ، انتهضوا لنقد الأسانید وتنقیح الروایات ، وبهرجة الزائف منها ، وحظر الروایة عن کلّ صاحب بدعة فی الإسلام ، لما بقیت للإسلام صورته النیّرة التی جاء بها القرآن الحکیم ، وأدّاها رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إلی أصحابه نقیّة صافیة. انتهی.

هذه نفثات الأستاذ الصادق ، وهذه حسراته وزفراته المتصاعدة وراء ضیاع التاریخ الإسلامی ، وراء طمس الحقائق تحت أطباق الظلمات ، وراء تشویه الأساطیر

ص: 348

والمخاریق والأباطیل جمال الشریعة المطهّرة ، ولعمر الحقّ لقد أحسن وأجاد ، والرائد لا یکذب ، غیر أنّ المسکین هو من أُسراء تلکم السلاسل المتسلسلة من الموضوعات والخرافات التی أُبتلی بها المسلمون ، وعاقته الأغشیة المدلهمّة عن الوصول إلی الحقائق التاریخیّة والعلمیّة والدینیّة ، وثبّطته التلبیسات الملتویة عن نیل الصحیح الناصع من التاریخ والحدیث ، فما أصاب من الحقّ نیلاً ، وما أسعفته فکرته هذه علی الطامّات ولا قدر شعرة ، وما أوضحت له سبل النجاح ، وما هدته إلی المهیع اللائح ، فلیته ثمّ لیته کان یأخذ بأقوال أُولئک الأئمّة المصطفین الأخیار فی نقد الأسانید فی الجرح والتعدیل ، وکان یعمل بها ویتّخذها دستوراً لنفسه ، مقیاساً فیما سطره من الأکاذیب والأفائک ، ولیته کان یرحم هذه الأُمّة ، ویرعی هذا الدین الکریم مثلما هم رحموا ورعوا ، وما زرّف (1) فی تألیفه ، وما أعاد لأساطیر الأوّلین الخلقة جدّتها بعد ألف وثلاثمائة عامٍ من عمرها.

وهل هو بعد ما وقف علی هذا الجزء ووجد کتابه مؤلّفاً من سلسلة بلایا وحلقة أباطیل زیّفها أُولئک الأئمّة الذین هو اصطفاهم واختارهم وأثنی علیهم یقرع سنّ الندم ویتّبع سنن الحقّ اللاحب؟ أو أنّه یلج فیما سوّد به صحائف کتابه أو صحیفة تاریخه ویتمادی فی عیّه ولیّه؟ وما التوفیق إلاّ بالله.

کتاب : إنصاف عثمان

تألیف الأستاذ محمد أحمد جاد المولی بک :

هذا الکتاب أخدع من السراب ، صفر من شواهد الإنصاف ، شرجه الأستاذ من سلسلة أخبار مدسوسة وروایات مختلقة ، وإن درس هو بزعمه تاریخ عثمان دراسة الحذر منها فقال فی دیباجته (ص 4) : درسنا تاریخ عثمان وعصره والثورة علیه دراسة الحذر من الأخبار المدسوسة ، الیقظ لمواطن العبرة ، المرجع کلّ حدث إلی ه.

ص: 349


1- یقال : زرّف فی الحدیث إذا زاد فیه.

بواعثه الأصلیّة وإن رانت علیها الشبهات.

ولم نکتف بما قال المؤرخون ، بل مددنا بصرنا إلی أبعد من ذلک ، فحلّلنا شخصیّته ، وبینّا ما لها من صلة بالثورة علیه ، ودرسنا حال المسلمین وقد نعموا بالراحة والثراء وانساحوا فی الأصقاع یخالطون الأعاجم ویصهرون إلیهم ویتخلّقون بعاداتهم ، وحال قریش وما انتابها من تفرّق وتنازع علی الرئاسة ، وبینّا صلة ذلک بالتجنّی علی الخلیفة ، وجلونا الفتنة التی أرّثها فی الأمصار أعداء عثمان وأعداء الإسلام ، ونخلنا ذلک کله وصفّیناه ، واستخلصنا منه الأسباب الصریحة للفتنة.

ولم نغفل أن نعرض لما أُخذ علی عثمان ، ولا أن ننتصف له حیث یستحقّ الإنصاف.

ومن حقّ عثمان أن تُخصّص لدراسته ودراسة عصره عشرات الکتب ، فإنّه الخلیفة المهضوم الحقّ ، المظلوم فی الحکم علیه ، علی ما له من سابقة وفضل وإصلاحات ، وعصره عصر انتقال واضطراب وثورات سیاسیّة واجتماعیّة.

ونحن وإن بالغنا فی الإحاطة وتوقّی الزلل عرضة للتقصیر ، ولکنّا اجتهدنا رأینا ، فنرجو أن نکون قد وُفّقنا لإبراز صورة واضحة لهذه الحقبة من تاریخ المسلمین ففیها عظات وعبر. والله المستعان. انتهی.

هذه لُفاظته ، وهذا حسن طویّته وحرصه علی النجاح ، غیر أنّک تجده فی جمعه وتألیفه کحاطب لیل رزم فی حزمته کلّ رطب ویابس ، وجاء یخبط خبط عشواء من دون أیّ فحص وتنقیب ، لا یفقه ولا ینقه ، لا یستصحب درایة فی الحدیث توقفه علی الصحیح الثابت ، وتعرّفه الزائف البهرج ، ولا بصیرة تمیّز له الحوّ من اللوّ (1) ، ولا علماً ناجعاً یجعجعه ویهدیه إلی الفوز والنجاح ، ولا فقهاً ینجیه من غمرات تلکم المعارک الوبیلة ، ولا تثبّتاً یُرشده إلی ما یُنقذه من تلکم التلبیسات الملتویة ، جوّل فی مضمار تلکم الطامّات التی جاء بها الطبری وغیره وحسبها أصولاً مُسلّمة ، واستند فی آرائه ل.

ص: 350


1- أی : لا یعرف الحقّ من الباطل.

إلی فضائل مفتعلة نتاج أیدی الأمویّین نسباً ونزعة ، ومن المأسوف علیه جدّا أنّه أکدی وإن اجتهد رأیه ، ولم یظفر بأمله وإن بالغ فی الإحاطة بزعمه ، وأبرز لهذه الحقبة من تاریخ المسلمین صورة معقّدة معضلةً تخلو عن کلّ عظة وعبرة.

بسط القول فی عبد الله بن سبأ وعزا إلیه کل تلکم المعامع والثورات ، وحسبه مادّة الفکرة الناقمة علی الخلیفة وأساسها الوحید فی البلاد ، ورأی معظم الصحابة أتباع نعرات ذلک المبتدع الغاشم ، وطوع تلبیس ذلک الیهودیّ المهتوک ، قال فی (ص 42) : عند ذلک یجد ابن سبأ منفذاً إلی هذا الشیخ الزاهد - یعنی أبا ذر - فی عرض الدنیا فینشر آراءه فی مجلسه ویغریه بالحکومة ویحرّضه علی الأغنیاء ، وصار یقول له : یا أبا ذر ألا تعجب لمعاویة یقول : المال مال الله ، ألا کلّ شیء لله؟ کأنّه یرید أن یحتجنه دون المسلمین ویمحو اسم المسلمین. ظلّ أبو ذر یدعو إلی الاشتراکیّة المتطرّفة بإرغام الأغنیاء أن یساعدوا الفقراء ویترکوا أموالهم لهم ، واتّخذ برّ الإسلام بالفقراء سبیلاً إلی ذهاب المال من أربابه ، وما قصد الإسلام هذا بل کما قال الله تعالی : (وَالَّذِینَ فِی أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ* لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) (1). زیادة علی الزکاة الشرعیّة. إلخ.

وقال فی (ص 61) : أمّا عمّار فقد توجّه إلی مصر وکان حاکمها مُبغَضاً من المصریّین لا یجدون حرجاً فی رمیه بکلّ نقیصة ، واستطاع أتباع ابن سبأ بحذقهم ومهارتهم فی ذلک المکفهر أن یخدعوه بزخرف القول وزوره ، وکان مع هذا فی نفس عمّار شیء من عثمان لأنّه نفّذ فیه حکم الله لمّا تقاذف هو والعبّاس بن عتبة بن أبی لهب ، ولهذا لم یعد إلی الخلیفة ، ولم یطلعه علی شیء ممّا رأی ، ومال إلی اتباع ابن سبأ. انتهی.

هذه صفحة من تلک الصورة الواضحة التی وفّق الأستاذ لإبرازها ، هذه هی 5.

ص: 351


1- المعارج : 24 - 25.

الغایة المتوخّاة التی بزعمه فیها عظات وعبر ، هل یدری القارئ عن أیّ أبی ذر وعمّار یحدّث هذا الثرثار المجازف حتی لا یبالی بما یقول ولا یکترث لما أسرف فیهما من القول؟ ولست أدری لما ذا اقتحم الرجل فی هذه الأبحاث الغامضة الخطرة التی یتیه فیها الناقد البصیر؟ لما ذا اقتحم فیها مع ضئولة رأیه وجهله بأحوال الرجال ومقادیر أفذاذ الأُمّة ، وعدم عرفانه نفسیّات خیرة البشر وصلحاء الصحابة ومبلغهم من الدین؟ لما ذا اقتحم فیها مع بعده عن درایة الحدیث ، وعلم الدین ، وفقه التاریخ؟

تراه تشزّر وتعبّأ للدفاع عمّن شغفه حبّه بکل ما تیسّر له ولو بالوقیعة فی عدول الصحابة أو فی الصحابة العدول ، وقد بینّا فی الجزء الثامن (ص 349) حدیث الرجل فی أبی ذر وأنّه موضوع عنعنه أُناس لا یعوّل علیهم عند مهرة الفنّ ، وفصّلنا القول فی هذا الجزء فی حدیث عمّار وأنّه قطّ لم یتوجّه إلی مصر ، وأنّ ما رکن إلیه الأستاذ لا یصحّ إسناده ، ونحاشی عمّاراً عن أن یحمل ضغینة علی أحد لإنفاذه حکم الله فیه ، وهل الأستاذ طبّق المفصل فی رأیه هذا وبین یدیه الذکر الحکیم وآیهِ النازلة فی عمّار؟ وفی صفحات الکتب قول رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «ملئ عمّار إیماناً إلی أخمص قدمیه». وقوله : «إنّ عمّاراً مع الحقّ والحقّ معه ، یدور عمّار مع الحقّ أینما دار». وقوله : «ما خُیّر عمّار بین أمرین إلاّ اختار أرشدهما» إلی أحادیث أخری مرّت فی هذا الجزء (ص 20 - 28) تضادّ تلکم الخزعبلات.

وللأستاذ فی تبریر الخلیفة کلمات ضخمة موجزة فی طیّها دسائس مطمورة ، وتمویه علی الحقائق التاریخیة ، یتلقّاها الدهماء بالقبول ولا یری عن الصفح عنها مندوحة قال فی (ص 35) : من المسلّم به أنّ الولید هذا عُیّن سنة (25) هجریة وهی السنة الأُولی من حکم عثمان ، وقد أجمع الناقدون والمؤرّخون علی أنّه لم یقع منه خلال الستّ سنوات الأُولی ما یسوّغ توجیه النقد إلیه ، إذ کانوا یرون رائده تحرّی المصلحة العامة ، وإسناد المناصب إلی الجدیرین بها لا فرق بین قریب وبعید. انتهی.

دعوی الإجماع والاتّفاق والإصفاق المکذوبة سیرة مطّردة عند القوم جیلاً بعد

ص: 352

جیل سلفاً وخلفاً ، وکتب الفقه والکلام والحدیث والتاریخ مشحونة بهذه السیرة الممقوتة ، ومن أمعن النظر فی کتاب المحلّی لابن حزم ، وکتابه الفصل فی الملل والنحل ، ومنهاج السنّة لابن تیمیّة ، والبدایة والنهایة لابن کثیر ، یجد مئات من الإجماعات المدّعاة المشمرجة ، والأستاذ اقتفی أثر أُولئک الأمناء علی ودائع العلم والدین وحذا حذوهم ، کأنّه لم یکُ یحسب أن یأتی علیه یوم یناقشه قلم التنقیب الحساب ، أو أنّه غیر مکترث لأیّ تبعة ومغبّة.

أنّی من المتسالم علیه تولیة الولید سنة (25)؟ وإن هو إلاّ قول سیف بن عمر کما نصّ علیه الطبری فی تاریخه (1) (7 / 47) وزیّفه ، وعزاه ابن الأثیر فی الکامل (2) إلی البعض ، وقد عرّفناک سیفاً فی الجزء الثامن (ص 84) وأنّه : ضعیف متروک ، ساقط ، وضّاع ، اتّهم بالزندقة ، فالمعتمد عند المؤرّخین أنّ تولیة الولید کانت سنة (26).

ثمّ أنّی یصحّ کون السنة ال (25) هی السنة الأُولی من حکم عثمان؟ وإنّما توفّی عمر فی أواخر ذی الحجّة سنة (23) وبویع عثمان بعد ثلاثة أیّام من موت عمر ، فالسنة الأُولی من حکم عثمان هی (24).

وأین وأنّی یسع لناقد أو مؤرّخ فضلاً عن إجماع الناقدین والمؤرّخین أن یحسب صفو الجوّ من بوائق عثمان وبوادره ونوادره خلال الستّ سنوات الأُولی ، وهذه صفحات تاریخه فی تلکم السنین مسودّة بهنات وهنات؟ بل التاریخ سجّل له من أوّل یوم تسنّم عرش الخلافة ، وقام نافجاً حضنیه بین نثیله ومعتلفه ، صرعة وعثرةً لا تُستقال ، منها :

1 - أبطل القصاص لمّا استُخلف ولم یقد عبید الله بن عمر وقد أتی عظیماً وقتل الهرمزان والجفینة وابنة أبی لؤلؤة ، وأجمع رأی المهاجرین والأنصار علی کلمة واحدة .

ص: 353


1- تاریخ الأُمم والملوک : 4 / 251 حوادث سنة 26 ه.
2- الکامل فی التاریخ : 2 / 230 حوادث سنة 26 ه.

یشجّعون عثمان علی قتل ابن عمر أخذاً بالکتاب والسنّة ، غیر أنّ عمرو بن العاص فتلهُ عن رأیه ، فذهب دم أُولئک الأبریاء هدراً. وکانت أوّل قارورة کُسرت فی الإسلام بید عثمان یوم ولی الأمر.

2 - لمّا استخلف صعد المنبر وجلس فی الموضع الذی کان یجلس فیه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ولم یجلس أبو بکر وعمر فیه ، وجلس أبو بکر دونه بمرقاة ، وجلس عمر دون أبی بکر بمرقاة ، فتکلّم الناس فی ذلک فقال بعضهم : الیوم ولد الشرّ (1).

3 - ردّ الحکم بن أبی العاص طرید النبیّ الأقدس ولعینه إلی المدینة لمّا ولی الخلافة ، وبقی فیها حتی لعق لسانه ، وهذا الإیواء ممّا نُقم به علی عثمان کما مرّ حدیثه فی (8 / 242 ، 254 ، 258).

4 - ولّی الولید بن عقبة سنة (25 ، 26) وعزل سعد بن أبی وقّاص أحد العشرة المبشّرة ، وکان هذا فی طلیعة ما نقموا علی عثمان (2) ثمّ وقع ما وقع من الولید من شرب الخمر وتقاعد الخلیفة عن حدّه. راجع الجزء الثامن (ص 120 - 125).

5 - هبته الولید ما استقرض عبد الله بن مسعود من مال المسلمین لمّا قدم الولید الکوفة وکان ابن مسعود علی بیت المال ، حتی نقم الخلیفة علی ابن مسعود وعزله وحبس عطاءه أربع سنین إلی أن مات سنة (32) وجری بینه وبین الخلیفة ما مرّ حدیثه فی هذا الجزء ، وهذا ممّا أخذت الأُمّة خلیفتهم به.

6 - زاد الأذان الثالث فی أولیات خلافته کما فی تاریخ ابن کثیر ، وقد فصّلنا القول فی أُحدوثته هذه فی الجزء الثامن (ص 125 - 128).

7 - وسّع المسجد الحرام سنة (26) وابتاع من قوم منازلهم ، وأبی آخرون فهدم ف)

ص: 354


1- تاریخ الیعقوبی : 2 / 140 [2 / 162] ، تاریخ ابن کثیر : 7 / 148 [7 / 167 حوادث سنة 25 ه]. (المؤلف)
2- دول الإسلام : 1 / 9 [ص 13] ، البدایة والنهایة : 2 / 151 [7 / 169 حوادث سنة 25 ه]. (المؤلف)

علیهم ووضع الأثمان فی بیت المال ، فصاحوا بعثمان فأمر بهم للحبس وقال : ما جرّأکم علیّ إلاّ حلمی. راجع الجزء الثامن (ص 129).

8 - أعطی خُمس الغنائم فی غزوة إفریقیة الثانیة مروان بن الحکم وهو من عمدة مآثم الخلیفة ، وکان ذلک سنة (27) من الهجرة الشریفة. راجع (8 / 257 - 260)

9 - حجّ سنة (29) وأتمّ الصلاة فی مکان القصر فی عامه هذا کما فی تاریخ ابن کثیر (1) (7 / 154) ، وهذه الأُحدوثة مرّت علی تفصیلها فی (8 / 98 - 119).

10 - أعطی خُمس إفریقیة عبد الله بن سعد بن أبی سرح فی غزوتها الأُولی. راجع الجزء الثامن (ص 279).

إلی بوادر وعثرات أخری صدرت من الخلیفة خلال الست سنوات الأُولی کل منها یسوّغ توجیه النقد إلیه ، وکان من أوّل یومه مهما قرع سمعه نقد ناقد أو نصح ناصح لا یصیخ إلیه ، بل کان یؤاخذ من أغمز فیه ، ویسومه سوء العذاب ، وکان یُلقی العری إلی بنی أُمیّة فی البلاد ، ویفوّض إلیهم مقالید الأُمور ، ویحسبه العلاج الوحید فی حلّ تلکم المشاکل ، وتقصیر خُطی أُولئک الناقدین الآمرین بالمعروف والناهین عن المنکر ، حتی تمخّضت علیه البلاد ووعرت القلوب ، واتّسع الخرق علی الراقع.

وفی ظنّی الغالب أنّ تقدّم ثقافة مصر الیوم هو الذی بعث أساتذتها إلی الإکثار فی التألیف حول عثمان وتدعیم فضائله وفواضله ، وشططوا فی إطرائه وبالغوا فی الذبّ عنه بتلفیق الکلام وتزویره ، وتسطیر الحدد من القول ، وسرد المبوّق البهرج ، وذلک روماً لتقدیس ساحتهم عمّا اقترفته أیدی سلفهم الثائر المتجمهر علی الخلیفة ، إذ حسبوه وصمةً شوّهت سمعة الخلف منهم والسلف ، وسوّدت صحیفة تاریخ مصر والمصریّین ، فهل یتأتّی أمل الخلف بهذه الکتیبات المزخرفة؟ لعلّه یتأتّی مثلما رام .

ص: 355


1- تاریخ ابن کثیر : 7 / 173 حوادث سنة 29 ه.

السلف تحقّق توبتهم بالحوبة (لا یَعْلَمُونَ الْکِتابَ إِلاَّ أَمانِیَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ یَظُنُّونَ) (1).

نظرة فی کتب أخری :

وقس علی هذه الکتب کتاب تاریخ الخلفاء تألیف الأستاذ عبد الوهاب النجّار المشحونة صفحاته بمرمّعات (2) الروایة وسقطات التاریخ ، وکتاب عثمان للأستاذ عمر أبی نصر ، لیس فیه إلاّ إعادة لما سبق إلیه الشیخ محمد الخضری من نفسیّاته الأمویّة جدّتها ، فما ینقمه الباحث من مواضیع جار فیما بهرجه اللاحق فی کتابه.

وکتاب تاریخ الخلفاء الراشدین للأستاذ السیّد علی فکری وهو الجزء الثالث من کتابه أحسن القصص وهذا أهدأ ما أُلّف فی الموضوع ، ینمّ عن سلامة نفس المؤلّف ونزاهة قلمه ، وهو وإن ألّفه من تلکم السلاسل الوبیلة من الموضوعات ، غیر أنّه لا یتطرّق إلی الأبحاث الخطرة ، ولا یقتحم المعارک المدلهمّة ، ممّا نُقم به علی الخلیفة من الطامّات والأحداث ، وما قیل فی براءته عن لوثها ، وکأنّه ترجم لخلیفة خضعت الرقاب لعظمته ، وتسالمت الأُمّة علیه من جمیع نواحیه ، ولم یطرق سمعه ما هنالک من حوار وأخذ وردّ ، ونقد ودفاع ، وکأنّ ما سطّره فی فضل الخلیفة ، وکرم طباعه ، وسلامة نفسه ، أصول موضوعة لا یتوجّه إلیها غمز ولا انتقاد ، وستعرف حالها ومحلّها من الاعتبار ، فلا تعجل بالقرآن من قبل أن یُقضی إلیک وحیه.

ذکر السیّد الأستاذ ما جاء فی مناقب عثمان من الحدیث المختلق من دون أیّ بحث وتنقیب ، من دون أیّ نقض وإبرام ، إلی أن تخلّص من البحث عنه بقوله فی (ص 163) : بعد أن فتح المسلمون تلک الأقالیم واطمأنّوا وکثرت عندهم الخیرات والأموال ، أخذوا ینقمون علی الخلیفة حیث رأی من الصالح للأُمّة عزل بعض الولاة ه.

ص: 356


1- البقرة : 78.
2- یقال : دعه یترمّع فی طمّته ، أی : یتسکع فی ضلالته.

فعزلهم ، وولّی من فیه الکفایة من أقاربه وذوی رحمه ، فظنّ الناس به ظنوناً هو بریء منها ، وفشت الفتنة واستفحل أمرها ، حتی ظهرت وفود من الکوفة والبصرة ومصر فی وقت واحد طالبین تولیة غیر عثمان ، أو عزل من ولاّهم علی الأمصار.

وأخیراً استقرّ الحال علی إجابتهم لما طلبوا من عزل بعض العمّال ، وعلی ذلک اختار أهل مصر أن یولّی علیهم محمد بن أبی بکر الصدّیق ، فکتب عثمان لهم بذلک عهداً ورحلوا من المدینة مع والیهم الجدید ، وبینما هم ذاهبون رأوا عبداً من عبید الخلیفة علی راحلة من إبله یستحثّها فأوقفوه وفتّشوه ، فوجدوا معه کتاباً مختوماً بختم الخلیفة لعبد الله بن أبی سرح مضمونه : إذا قدم علیک ابن أبی بکر ومن معه فاحتل فی قتلهم.

فأخذوا الکتاب ورجعوا إلی المدینة ، وأطلعوا الخلیفة علیه فأقسم لهم أنّه ما فعل ولا أمر ولا علم فقالوا : هذا أشدّ ، یؤخذ خاتمک ، وبعیر من إبلک ، وعبد من عبیدک وأنت لا تعلم! ما أنت إلاّ مغلوب علی أمرک ، فطلبوا منه الاعتزال أو تسلیم الکاتب فأبی ، فأجمعوا علی محاصرته ، فحاصروه فی داره ومنعوا عنه الزاد والماء أیّاماً عدیدة ، وهاجت الثوّار ، وکثر القیل والقال ، فطلب منه بعض الصحابة الإذن بالمدافعة عنه فلم یقبل ، ولم یأذن لأحد حتی إنّه قال لعبیده الذین هبوا للدفاع عنه : من أغمد منکم سیفه فهو حرّ. استسلاماً للقضاء فتسلّق بعض الأشرار الدار ، ودخلوا علیه وقتلوه ، والمصحف بین یدیه یتلو فیه سورة البقرة فنزلت قطرة من دمه علی : (فَسَیَکْفِیکَهُمُ اللهُ). وکان یومئذٍ صائماً. انتهی.

ولعلّ الأستاذ بعد الوقوف علی هذا الجزء من کتابنا ینتبه لمواقع النظر فی تألیفه فیمیّز الحیّ من اللیّ ، ویعرف الصحیح من المعلول ، ویتّبع الحقّ والحقّ أحقّ أن یُتّبع.

وفی مقدّم هؤلاء الأساتذة أستاذ تاریخ الأُمم الإسلامیّة بالجامعة المصریّة ووکیل مدرسة القضاء الشرعی الشیخ محمد الخضری صاحب المحاضرات ، وقد

ص: 357

قدّمنا فی الجزء الثالث (ص 249 - 265) شیئاً ممّا یرجع إلیه وإلی کتابه ، وعرّفناک موقفه من الدجل والجنایة علی التاریخ الصحیح ، وبُعده عن أدب الدین ، عن أدب العلم ، عن أدب الإنسانیّة ، وأنّ کتابه علبة السفاسف ، وعیبة السقطات ، وصحائفه مشحونة بالأکاذیب والأفائک والنسب المفتعلة ، والآراء الساقطة ، فإن کان الإسلام هذا تاریخه فعلی الإسلام السلام.

عهد النبی الأقدس صلی الله علیه وآله وسلم إلی عثمان

1 - أخرج إمام الحنابلة أحمد فی المسند (1) (6 / 86 ، 149) ، قال : حدّثنا أبو المغیرة الحمصی ، حدّثنا الولید بن سلیمان الدمشقی ، حدّثنی ربیعة بن یزید الدمشقی ، عن عبد الله بن عامر الدمشقی ، عن النعمان بن بشیر - قاضی دمشق - ، عن عائشة ، قالت : أرسل رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إلی عثمان بن عفان فأقبل علیه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فلمّا رأینا إقبال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم علی عثمان أقبلت إحدانا علی الأخری ، فکان من آخر کلمته أن ضرب منکبه وقال : یا عثمان إنّ الله عسی أن یلبسک قمیصاً فإن أرادک المنافقون علی خلعه فلا تخلعه حتی تلقانی. ثلاثاً. فقلت لها : یا أُمّ المؤمنین فأین کان هذا عنک؟ قالت : نسیته والله ، ما ذکرته. قال : فأخبرته معاویة بن أبی سفیان فلم یرضَ بالذی أخبرته حتی کتب إلی أُمّ المؤمنین : أن اکتبی إلیّ به ، فکتبت إلیه به کتاباً.

رجال الإسناد کلّهم شامیّون عثمانیّون ، وفی مقدّمهم النعمان بن بشیر الخارج علی إمام زمانه ومحاربه تحت رایة الفئة الباغیة ، وجاء فیه عن قیس بن سعد الأنصاری الصحابیّ العظیم أنّه ضالّ مضلّ. ومتن الروایة کما یأتی بیانه یکذّب نفسها.

2 - أخرج أحمد فی المسند (2) (6 / 114) ، من طریق محمد بن کناسة الأسدی6.

ص: 358


1- مسند أحمد : 7 / 126 ح 24045 و 214 ح 24636.
2- مسند أحمد : 7 / 165 ح 24316.

أبی یحیی ، عن إسحاق بن سعید الأموی حفید العاص - ، عن أبیه سعید - ابن عمّ عثمان الذی کان بدمشق - ، قال : بلغنی أنّ عائشة قالت : ما استمعت علی رسول الله إلا مرّة فإنّ عثمان جاءه فی نحر الظهیرة فظننت أنّه جاءه فی أمر النساء ، فحملتنی الغیرة علی أن أصغیت إلیه فسمعته یقول : إنّ الله ملبسک قمیصاً تریدک أُمّتی علی خلعه فلا تخلعه ، فلمّا رأیت عثمان یبذل لهم ما سألوه إلاّ خلعه علمت أنّه عهد من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم الذی عهد إلیه.

عمد رجال الإسناد أُمویّون أبناء بیت عثمان بنی أبیه ، ینتهی إلی عائشة وقد أوقفناک علی حدیثها فی هذا الجزء ، وهو مع ذلک مرسل لا یُعلم من بلّغه سعید بن العاص ولعلّه أحد الکذّابین الوضّاعین.

3 - أخرج الطبرانی (1) ، عن مطلب بن شعیب الأزدی ، عن عبد الله بن صالح ، عن اللیث ، عن خالد بن یزید ، عن سعید بن أبی هلال ، عن ربیعة بن سیف ، قال : کنّا عند شفی الأصبحی ، فقال : حدّثنا عبد الله بن عمر قال : التفت رسول الله ، فقال : یا عثمان إنّ الله کساک قمیصاً فأرادک الناس علی خلعه فلا تخلعه ، فو الله لئن خلعته لا تری الجنّة حتی یلج الجمل فی سمّ الخیاط.

ذکره ابن کثیر فی تاریخه (2) (7 / 208) فقال : وقد رواه أبو یعلی من طریق عبد الله بن عمر عن أُخته حفصة أُمّ المؤمنین. وفی سیاق متنه غرابة والله أعلم.

رجال الإسناد :

1 - عبد الله بن صالح أبو صالح المصری کاتب اللیث ، قال أحمد (3) : کان أوّل 9.

ص: 359


1- المعجم الأوسط : 3 / 398 ح 2854.
2- البدایة والنهایة : 7 / 233 حوادث سنة 35 ه.
3- العلل ومعرفة الرجال : 3 / 213 رقم 4919.

أمره متماسکاً ثم فسد بآخره ولیس هو بشیء. وقال عبد الله بن أحمد : سمعت أبی ذکره یوماً فذمّه وکرهه. وقال صالح بن محمد : کان ابن معین یوثقه ، وعندی أنّه کان یکذب فی الحدیث. وقال ابن المدینی : ضربت علی حدیثه وما أروی عنه شیئاً. وقال أحمد بن صالح : متّهم لیس بشیء. وقال النسائی (1) : لیس بثقة ، وقال أبو زرعة : کذّاب. وقال أبو حاتم (2) : الأحادیث التی أخرجها أبو صالح فی آخر عمره فأنکروها علیه أری أنّ هذا ممّا افتعل خالد بن نجیح ، وکان أبو صالح یصحبه ... إلخ. وقال أبو أحمد الحاکم : ذاهب الحدیث. وقال ابن حبّان (3) : منکر الحدیث جدّا یروی عن الأثبات ما لیس من حدیث الثقات ، وکان صدوقاً فی نفسه وإنّما وقعت المناکیر فی حدیثه من قبل جار له کان یضع الحدیث علی شیخ عبد الله بن صالح ، ویکتب بخطّ یشبه خطّ عبد الله ، ویرمیه فی داره بین کتبه ، فیتوهّم عبد الله أنّه خطّه فیحدّث به.

تهذیب التهذیب (4) (5 / 256 - 260).

2 - سعید بن أبی هلال المصری ، قال أحمد : ما أدری أیّ شیء یخلط فی الأحادیث. وقال ابن حزم : لیس بالقوی. وقال ابن حجر : لعلّه اعتمد علی قول الإمام أحمد فیه.

تهذیب التهذیب (5) (4 / 95).

3 - ربیعة بن سیف الإسکندرانی ، قال ابن حبّان (6) : یُخطئ کثیراً. وقال ابن یونس : فی حدیثه مناکیر. وقال البخاری (7) : روی أحادیث لا یُتابَع علیها. وقال ر.

ص: 360


1- کتاب الضعفاء والمتروکین : ص 149 رقم 351.
2- الجرح والتعدیل : 5 / 87 رقم 398.
3- کتاب المجروحین : 2 / 40.
4- تهذیب التهذیب : 5 / 225.
5- تهذیب التهذیب : 4 / 83.
6- الثقات : 6 / 301.
7- التاریخ الکبیر : 3 / 290 رقم 987 وفیه : عنده مناکیر.

النسائی : ضعیف.

تهذیب التهذیب (1) (3 / 256).

4 - أخرج أحمد (2) ؛ من طریق سنان بن هارون ، عن کلیب بن وائل ، عن ابن عمر ، قال : ذکر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فتنة ، فقال : یُقتل فیها هذا المقنّع یومئذٍ مظلوماً. فنظرت فإذا هو عثمان بن عفان.

تاریخ ابن کثیر (3) (7 / 208).

سنان بن هارون : کوفی ، قال النسائی : ضعیف. وقال الساجی : ضعیف منکر الأحادیث. وقال ابن حبّان (4) : منکر الحدیث جداً یروی المناکیر عن المشاهیر (5) ، وکلیب بن وائل ضعّفه أبو زرعة کما فی تهذیب التهذیب (6) (8 / 447).

5 - أخرج أحمد فی المسند (7) (2 / 345) من طریق موسی بن عقبة ، قال : حدّثنی جدّی أبو أُمّی أبو حبیبة أنّه دخل الدار وعثمان محصور فیها ، وأنّه سمع أبا هریرة یستأذن عثمان فی الکلام ، فأذن له ، فقام فحمد الله وأثنی علیه ، ثم قال : إنّی سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول : إنّکم تلقون بعدی فتنة واختلافاً - أو قال : اختلافاً وفتنة - ، فقال له قائل من الناس : فمن لنا یا رسول الله؟ قال : علیکم بالأمین وأصحابه ، وهو یشیر إلی عثمان بذلک. وذکره ابن کثیر فی تاریخه (8) (7 / 209) فقال : .

ص: 361


1- تهذیب التهذیب : 3 / 221.
2- مسند أحمد : 2 / 261 ح 5917.
3- البدایة والنهایة : 7 / 234 حوادث سنة 35 ه.
4- کتاب المجروحین 1 / 354.
5- تهذیب التهذیب : 4 / 243 [4 / 213]. (المؤلف)
6- تهذیب التهذیب : 8 / 401.
7- مسند أحمد : 3 / 18 ح 8336.
8- البدایة والنهایة : 7 / 234 حوادث سنة 35 ه.

تفرّد به أحمد وإسناده جیّد حسن ، ولم یخرجوه من هذا الوجه.

نحن لا نعرف جودة هذا الإسناد وحسنه وفیه جدّ أُم موسی وهو نکرة لا یُعرف ولا یوجد له قطّ ذکر فی المعاجم. وهل من المعقول عزو هذه الروایة إلی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وهو جدّ علیم بأنّ أصحاب عثمان هم مروان ومن یشاکله فی العیث والفساد حشوة بنی أُمیّة ، حثالة أُمّته صلی الله علیه وآله وسلم؟ أفمن الجائز أن یوصی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أُمّته باتّباع أُولئک الخابلین خلاف وجوه صحابته وعدولهم المتجمهرین علی عثمان؟ حاشا نبیّ العظمة عن هذه الأفائک.

6 - أخرج الترمذی (1) : عن طریق سعید الجریری (2) ، عن عبد الله بن شقیق ، عن عبد الله بن حوالة ، قال : قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : کیف أنت وفتنة تکون فی أقطار الأرض؟ قلت : ما خار الله لی ورسوله. قال : اتّبع هذا الرجل فإنّه یومئذ ومن اتّبعه علی الحقّ قال : فاتّبعته ، فأخذت بمنکبه ففتلته ، فقلت : هذا یا رسول الله؟ فقال : نعم. فإذا هو عثمان بن عفّان.

وأخرجه أحمد فی المسند (3) (4 / 109) ، من طریق سعید الجریری ، بالإسناد المذکور ولفظه : کیف تفعل فی فتنة تخرج فی أطراف الأرض کأنّها صیاصی بقر (4)؟ قلت : لا أدری ما خار الله لی ورسوله ، قال : وکیف تفعل فی أخری تخرج بعدها کأنّ الأولی فیها انتفاحة أرنب؟ قلت : لا أدری ما خار الله لی ورسوله ، قال : اتّبعوا هذا. قال : ورجل مقفّیً حینئذٍ ، قال : فانطلقت فسعیت وأخذت بمنکبیه فأقبلت بوجهه إلی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، فقلت : هذا؟ قال : نعم. قال : وإذا هو عثمان بن عفّان رضی الله عنه.

قال الأمینی : ستوافیک ترجمة سعید الجریری فی حدیث (25) من مناقب عثمان ا.

ص: 362


1- سنن الترمذی : 5 / 586 ح 3704.
2- زاد ابن کثیر [7 / 235 حوادث سنة 35 ه] هاهنا فی الإسناد : عبد الله بن سفیان. (المؤلف)
3- مسند أحمد : 5 / 82 ح 16556.
4- صیاصی البقر : قرونها.

وأنّ روایته لا تصحّ لاختلاله ثلاث سنین. وأمّا عبد الله بن شقیق المنتهی إلیه أسانید الروایة فهو من تابعی أهل البصرة ، قال ابن سعد فی الطبقات (1) : کان عثمانیّا وکان ثقة. وقال یحیی بن سعید : کان سلیمان التیمی سیّئ الرأی فی عبد الله. وقال أحمد بن حنبل : ثقة وکان یحمل علی علیّ. وقال ابن معین : ثقة من خیار المسلمین ، وقال ابن خراش : کان ثقة وکان عثمانیّا یبغض علیّا (2).

ألا تعجب من توثیق الحفّاظ هذا الرجل المتحامل علی علیّ أمیر المؤمنین ومبغضه وعدّه من خیار المسلمین وبین أیدینا قول رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم الصحیح الثابت : «لا یحبّ علیّا منافق ولا یبغضه مؤمن» ، و «لا یحبّه إلاّ مؤمن ولا یبغضه إلاّ منافق» ، وقول علیّ أمیر المؤمنین الوارد فی الصحیح : «والذی فلق الحبّة وبرأ النسمة إنّه لعهد النبیّ الأُمیّ إلیّ أنّه لا یحبّنی إلاّ مؤمن ولا یبغضنی إلاّ منافق» ، وقوله : «لو ضربت خیشوم المؤمن بسیفی هذا علی أن یبغضنی ما أبغضنی ، ولو صببت الدنیا بجمّاتها علی المنافق علی أن یحبّنی ما أحبّنی». الحدیث. وثبت عن غیر واحد من الصحابة قولهم : ما کنّا نعرف المنافقین إلاّ ببغض علیّ بن أبی طالب (3).

وجاء فی الصحیح مرفوعاً : «لو أنّ رجلاً صفن بین الرکن والمقام فصلّی وصام ثم لقی الله وهو مبغض لأهل بیت محمد دخل النار» (4).

وفی حدیث : «لو أنّ عبداً عبد الله سبعة آلاف سنة ثم أتی الله عزّ وجلّ ببغض علیّ جاحداً لحقّه ناکثاً لولایته لأتعس الله خیره وجدع أنفه».

وفی حدیث : «لو أنّ عبداً عبد الله عزّ وجلّ مثل ما قام نوح فی قومه وکان له مثل أُحد ذهباً فأنفقه فی سبیل الله ومدّ فی عمره حتی حجّ ألف عام علی قدمیه ثم قُتل ف)

ص: 363


1- الطبقات الکبری : 7 / 126.
2- تهذیب التهذیب : 5 / 254 [5 / 223 وانظر أیضاً تهذیب الکمال : 5 / 89 رقم 3333]. (المؤلف)
3- راجع ما أسلفناه فی الجزء الثالث : ص 182 - 187. (المؤلف)
4- راجع ما مرّ فی الجزء الثانی : ص 301. (المؤلف)

بین الصفا والمروة مظلوماً ثمّ لم یُوالِک یا علیّ لم یشمّ رائحة الجنّة ولم یدخلها».

وفی حدیث : «لو أنّ عبداً من عباد الله عزّ وجلّ عبد الله ألف عام بین الرکن والمقام ثمّ لقی الله عزّ وجلّ مبغضاً لعلیّ وعترتی أکبّه الله علی منخره یوم القیامة فی نار جهنّم».

وفی حدیث : «یا علیّ لو أنّ أُمّتی صاموا حتی یکونوا کالحنایا وصلّوا حتی یکونوا کالأوتار ثم أبغضوک لأکبّهم الله فی النار» (1).

وفی الصحیح علی شرط الشیخین مرفوعاً : «من أحبّ علیّا فقد أحبّنی ومن أبغض علیّا فقد أبغضنی» (2).

وفی المستدرک علی الصحیحین للحاکم (3) (3 / 135) مرفوعاً : «یا علیّ طوبی لمن أحبّک وصدق فیک ، وویل لمن أبغضک وکذب فیک».

وفی حدیث مرفوعاً : أرسل رسول الله الأنصار ، فأتوه ، فقال لهم : «یا معشر الأنصار ألا أدلّکم علی ما إن تمسّکتم به لن تضلّوا بعده أبداً؟» قالوا : بلی یا رسول الله. قال : «هذا علیّ فأحبّوه بحبّی ، وأکرموه بکرامتی ، فإنّ جبریل أمرنی بالذی قلت لکم عن الله عزّ وجلّ» (4).

وفی حدیث مرفوعاً : «إنّ علیّا رایة الهدی ، وإمام أولیائی ، ونور من أطاعنی ، وهو الکلمة التی ألزمتها المتّقین ، من أحبّه أحبّنی ، ومن أبغضه أبغضنی» (5). ف)

ص: 364


1- مرّت هذه الأحادیث بمصادرها فی الجزء الثانی : ص 301 ، 302. (المؤلف)
2- المستدرک للحاکم : 3 / 130 [3 / 141 ح 4648]. (المؤلف)
3- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 145 ح 4657.
4- حلیة الأولیاء لأبی نعیم : 1 / 63. (المؤلف)
5- حلیة الأولیاء : 1 / 67. (المؤلف)

وفی مرفوع : «ألا من أبغض هذا - یعنی علیّا - فقد أبغض الله ورسوله ، ومن أحبّ هذا فقد أحبّ الله ورسوله».

وفی حدیث مرفوعاً : «هذا جبریل یخبرنی أنّ السعید حقّ السعید من أحبّ علیّا فی حیاته وبعد موته ، وأنّ الشقیّ کلّ الشقیّ من أبغض علیّا فی حیاته وبعد موته».

إلی أحادیث مرّت فی الجزء الثالث (ص 26).

وقبل هذه کلّها قوله تعالی : (قُلْ لا أَسْئَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبی) (1). وقوله : (إِنَّ الَّذِینَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَیَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا) (2). وقوله : (إِنَّ الَّذِینَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِکَ هُمْ خَیْرُ الْبَرِیَّةِ) (3). راجع الجزء الثانی فیما ورد فی هذه الآیات الکریمة.

ولا تنسَ دعاء النبیّ الأعظم یوم الغدیر فی ذلک المحتشد الرحیب بقوله : «اللهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه ، اللهمّ من أحبّه من الناس فکن له حبیباً ، ومن أبغضه فکن له مبغضاً».

وفی لفظ : «اللهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه ، وأحبّ من أحبّه ، وابغض من أبغضه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله».

وفی لفظ : «اللهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه ، وانصر من نصره ، وأعن من أعانه ، وأحبّ من أحبّه».

وفی لفظ : «اللهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه ، وأحبّ من أحبّه ، وابغض 7.

ص: 365


1- الشوری : 23.
2- مریم : 96.
3- البیّنة : 7.

من أبغضه ، وانصر من نصره ، وأعزّ من أعزّه ، وأعن من أعانه».

وهناک ألفاظ أخری مرّت فی الجزء الأوّل من کتابنا هذا.

فعبدالله بن شقیق أخذاً بمجامع تلکم النصوص شهادة الله ورسوله ، منافق شقیّ عدوّ لله ولرسوله یبغضه المولی سبحانه ، لا خیر فیه ولا فی حدیثه ، لا یُقبل قوله ولا یُصدّق فی روایته ، أتعس الله خیره وجدع أنفه ، وأکبّه علی منخره یوم القیامة فی نار جهنّم. دع الحفّاظ یقولون : ثقة من خیار المسلمین.

7 - أخرج أحمد فی المسند (1) (5 / 33 ، 35) من طریق عبد الله بن شقیق البصری ، قال : حدّثنی هرم بن الحارث وأسامة بن خزیم ، عن مرّة البهزی ، قال : بینما نحن مع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی طریق من طرق المدینة ، فقال : کیف تصنعون فی فتنة تثور فی أقطار الأرض کأنّها صیاصی بقر؟ قالوا : نصنع ما ذا یا رسول الله؟ قال : علیکم هذا وأصحابه - أو : اتبعوا هذا وأصحابه - قال : فأسرعت حتی عییت فأدرکت الرجل فقلت : هذا یا رسول الله؟ قال : هذا. فإذا هو عثمان بن عفّان. فقال : هذا وأصحابه.

عرفت عبد الله بن شقیق ، وأنّه منافق لا یُؤخذ بحدیثه ولا یُعوّل علیه إن صدّقنا النبی الأقدس فیما جاء به.

8 - أخرج أحمد فی المسند (2) (6 / 75) ؛ من طریق فرج بن فضالة ، بإسناده عن عائشة ، قالت : کنت عند النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فقال : یا عائشة لو کان عندنا من یحدّثنا ، قالت : قلت : یا رسول الله ألا أبعث إلی أبی بکر؟ فسکت ، ثم قال : لو کان عندنا من یحدّثنا ، فقلت : ألا أبعث إلی عمر ، فسکت ، قالت : ثمّ دعا وصیفاً بین یدیه فسارّه فذهب ، 5.

ص: 366


1- مسند أحمد : 6 / 10 ح 19840 و 13 ح 19859.
2- مسند أحمد : 7 / 111 ح 23945.

قالت : فإذا عثمان یستأذن ، فأذن له ، فدخل فناجاه النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم طویلاً ثمّ قال : یا عثمان إنّ الله عزّ وجلّ مقمّصک قمیصاً فإن أرادک المنافقون علی أن تخلعه فلا تخلعه لهم ولا کرامة. یقولها له مرّتین أو ثلاثاً. وأخرجه الحاکم فی المستدرک (1) (3 / 100) من طریق فرج بن فضالة وقال : هذا حدیث صحیح عالی الإسناد ولم یخرجاه. وعقّبه الذهبی فی تلخیصه فقال : أنّی له الصحّة ومداره علی فرج بن فضالة؟

أقول : فرج بن فضالة متّفق علی ضعفه وعدم الاحتجاج به ، وستوافیک ترجمته فی الحدیث ال (17) من مناقب عثمان فی هذا الجزء إن شاء الله.

وأخرج أحمد فی مسنده (2) (6 / 52) من طریق قیس بن أبی حازم ، عن أبی سهلة مولی عثمان ، عن عائشة قالت : قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : ادعوا لی بعض أصحابی ، قلت : أبو بکر؟ قال : لا ، قلت : عمر ، قال : لا ، قلت : ابن عمّک علی؟ قال : لا ، قلت : عثمان ، قال : نعم ، فلمّا جاء قال : تنحّی ، جعل یسارّه ولون عثمان یتغیّر ، فلمّا کان یوم الدار وحُصر فیها قلنا : یا أمیر المؤمنین ألا تقاتل؟ قال : لا إنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم عهد إلیّ عهداً وإنّی صابر نفسی علیه.

وأخرجه (3) أبو نعیم فی الحلیة (1 / 58) ، والحاکم فی المستدرک (3 / 99) ، وأبو عمر فی الاستیعاب (2 / 477) ، وذکره ابن کثیر فی تاریخه (6 / 205) نقلاً عن أحمد والأسانید کلّها تنتهی إلی قیس بن أبی حازم ، قالوا : کان یحمل علی علیّ صلی الله علیه وآله وسلم ، وقال ابن حجر : والمشهور عنه أنّه کان یقدّم عثمان ولذلک تجنّب کثیر من قدماء الکوفیّین الروایة عنه ، وکبر قیس حتی جاوز المائة بسنین کثیرة حتی خرف وذهب عقله. .

ص: 367


1- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 106 ح 4544 ، وکذا فی تلخیصه.
2- مسند أحمد : 7 / 78 ح 23732.
3- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 106 ح 4543 ، الاستیعاب : القسم الثالث / 1043 رقم 1778 ، البدایة والنهایة : 7 / 202 حوادث سنة 35 ه.

تهذیب التهذیب (1) (8 / 388).

لنا أن نصافق الکوفیّین علی تجنّب الروایة عن قیس المتحامل علی مولانا أمیر المؤمنین إن اتّبعنا الرسول الأمین فی النصوص المذکورة قُبیل هذا (ص 267 - 269) ولا یسوغ لأیّ باحث أن یعوّل علی روایة منافق شقیّ خرف وذهب عقله ، وقد مرّ عن ابن أبی الحدید فی صفحة (ص 73) من هذا الجزء قوله : وقد طعن مشایخنا المتکلّمون فی قیس وقالوا : إنّه فاسق ولا تُقبل روایته.

9 - أخرج ابن عدی (2) ؛ عن أبی یعلی ، عن المقدمی محمد بن أبی بکر ، عن أبی معشر یوسف بن یزید البراء البصری ، عن إبراهیم بن عمر بن أبان بن عثمان ، عن أبیه ، عن عثمان : أنّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم أسرّ إلیه أنّه یُقتل ظلماً (3).

زیّفه ابن عدی کما فی لسان المیزان ، وعدّه من أحادیث عمر بن أبان التی کلّها غیر محفوظة ، وأبان بن عثمان لم یسمع من أبیه کما قاله أحمد بن حنبل فکیف بعمر بن أبان ، وسنوقفک علی ترجمة أبی معشر وإبراهیم بن عمر فی المنقبة الثالثة من مناقب عثمان وأنّهما لا یعوّل علیهما ولا یصحّ حدیثهما.

10 - ذکر الذهبی فی المیزان (4) (1 / 300) من طریق أنس مرفوعاً : یا عثمان إنّک ستلی الخلافة من بعدی وسیریدک المنافقون علی خلعها فلا تخلعها ، وصُم ذلک الیوم تفطر عندی.

قال الذهبی : فی سنده خالد بن أبی الرحال الأنصاری عنده عجائب ، قال ابن حبّان (5) : 4.

ص: 368


1- تهذیب التهذیب : 8 / 346.
2- الکامل فی ضعفاء الرجال : 5 / 57 رقم 1232.
3- لسان المیزان : 4 / 282 [4 / 325 رقم 1662]. (المؤلف)
4- میزان الاعتدال : 1 / 639 رقم 2459.
5- کتاب المجروحین 1 / 284.

لا یجوز الاحتجاج به. وفی لسان المیزان (1) (6 / 794) قال : أبو حاتم (2) : لیس بالقویّ.

نظرة فی أحادیث العهد

هذه سلسلة روایات أصفق علی وضعها دجّالون تتراوح أسانیدها بین أُموی وشامی وبصری ، وبین عثمانی متحامل علی سیّد العترة ، وبین أُناس آخرین من ضعیف إلی کذّاب إلی متروک إلی ساقط. علی أنّ متونها أکثر عللاً من أسانیدها فإنّ الخضوع لصحّتها یستدعی الوقیعة فی الصحابة کلّهم ؛ لأنّ المنصوص علیه فی غیر واحد منها أنّ الذین أجلبوا علی عثمان وأرادوا خلعه أُناس منافقون ، وفی بعضها : فإنّ عثمان یومئذٍ وأصحابه علی الحقّ ، وعلیکم بالأمین وأصحابه. وقد علمت أنّ المتجمهرین علیه هم الصحابة کلّهم المهاجرون منهم والأنصار ما خلا ثلاثة : زید بن ثابت ، حسّان بن ثابت ، أسید الساعدی. أو : هم وکعب بن مالک ، وأُناس من زعانفة الأمویّین ، وأین هذا من الاعتقاد بعدالتهم جمعاء کما عند القوم؟ ومن الخضوع لجلالة کثیرین منهم الذین علمت منهم نوایاهم الصالحة ، وأعمالهم البارّة ، والنصوص النبویّة الصادرة فیهم ، وثناء الله تعالی علیهم فی کتابه الکریم کما عند الأُمّة أجمع؟

ثمّ إنّ عثمان وإن کان یتظاهر بامتثال الأمر الموجود فی هذه الروایات وغیرها بالصبر وعدم القتال ، غیر أنّ عمله کان مبایناً لذلک لمکاتبته إلی الأوساط الإسلامیّة یستجلب منها الجیوش لمقاتلة أهل المدینة ، ویری قتالهم قتال الأحزاب یوم بدر ، وینصّ علی أنّ القوم قد کفروا ، فلو اتّصلت به کتائب الأمداد یومئذٍ لألقحها حرباً زبوناً وفتنةً عمیاء ، وإنّما کان ینکص عن النضال لإعواز الناصر لإصفاق الصحابة علیه عدا أُولئک الثلاثة وما کانوا یغنون عنه شیئاً ، ولا سیّما حسان بن ثابت الذی لم یکن یجسر أن یأخذ سلب القتیل الذی قتلته امرأة (3). ف)

ص: 369


1- لسان المیزان : 7 / 469 رقم 5454.
2- الجرح والتعدیل : 7 / 242 رقم 1327.
3- راجع الجزء الثانی من کتابنا هذا : ص 64. (المؤلف)

علی أنّه لم یتقاعد عن المقاتلة أیضاً بمن کان معه من حثالة بنی أُمیّة فقد بذلوا کلّ ما حووه من بسالة وشجاعة ، غیر أنّ القضاء الحاتم أخزاهم وحال بینهم وبین النجاح ، إلی أن لجأوا إلی أمّ حبیبة فجعلتهم فی کندوج ثمّ خرجوا من المدینة هاربین.

ثمّ هب أنّ عائشة کانت نسیت ما روته حین ألّبت الجماهیر علی عثمان وأمرت بقتله وسمّته نعثلاً کافراً ، فهل بقیّة الرواة وهم : عبد الله بن عمر وأبو هریرة ومرّة البهزی وعبد الله بن حوالة وأبو سهلة وأنس أصفقوا معها علی النسیان؟ أو أنّهم ما کانوا یروونها یومئذٍ ثمّ اقتضت الظروف أن یرووها؟ أو أنّها اختلقت بعدهم علی ألسنتهم؟

ولو کان لهذه الکلمات المعزوّة إلی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم - من قوله : علیکم بالأمین وأصحابه ، وقوله : اتّبعوا هذا وأصحابه ، وقوله : اتّبع هذا الرجل فإنّه یومئذٍ ومن اتّبعه علی الحقّ - مقیلٌ من الصحّة لاستدعی أن یفیضها علی الصحابة کلّهم ، لأنّ قضیّتها انّ تلک الفتنة الموعود بها من الفتن المضلّة ، وأنّ عثمان عندئذٍ فی جانب الحقّ ، وما کان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بالذی یشحّ علی أُمّته بالإرشاد إلی ما فیه هدایتهم وصلاحهم الدینی ، وهو مقیّض لذلک ومبعوث لأجله ، فلما ذا لم یروها غیر هؤلاء؟ ولا عرفها غیرهم ولو بوساطتهم؟ وهل کان إلقاؤها علیهم مسارة لا یطّلع علیها أحد؟ ولما ذا ترک هؤلاء الاحتجاج بها یوم الدار؟ وفی القوم - وهم الأکثرون - من إن یسمع بها لا یتباطأ عن الخضوع للأمر النبویّ المطاع.

(أَفَلَمْ یَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جاءَهُمْ ما لَمْ یَأْتِ آباءَهُمُ الْأَوَّلِینَ) (1) ، (إِنْ هذا إِلاَّ اخْتِلاقٌ) (2). 7.

ص: 370


1- المؤمنون : 68.
2- سورة ص : 7.

نظرة فی مناقب عثمان

الواردة فی الصحاح والمسانید

إلی هنا سبرنا صحیفة من حیاة عثمان ولا أدری أهی بیضاء أم غیرها؟ لکن الباحث الممعن فیها یوقفه التنقیب علی نفسیّاته ومقداره ، والغایة من هذا الإسهاب أن نجعل نتیجة هذا الخوض والبحث مقیاساً فی أمره نردّ إلیه کلّ ما یؤثر فی حقّه فإن ساوی المقیاس أثبتناه ، وإن طاله أو قصر عنه عرفنا أنّه من الغلوّ فی الفضائل.

وما سردنا إلی هنا من دعارة فی الخلق ، وعرامة فی الطباع ، وعرارة فی الشکیمة ، وشرّة فی الغرائز ، وفظاظة فی الأعمال ، وتعسّف فی الحکم ، واتّباع للشهوات ، ومیل عن الحقّ ، ودناءة فی النفس ، وسقطة فی الرأی ، وسرف فی القول ، إلی الکثیر المتوفر من أمثال هذه ممّا لا تحمد فعلیّته ولا عقباه ، لا یدع الباحث أن یخضع لشیء ممّا قیل أو تقوّل فیه من الفضل قویت أسانیده أو وهنت.

کما أنّ آراء الصحابة الأوّلین التی زففناها إلی مناظرک فی هذا الجزء من صفحة (69 - 168) لا تدع مجالاً للبحث عن صحّة تلکم المفتعلات فضلاً عن إثباتها ، وأنّک تجد فی مرسلیها أو مسندیها لفائف من زبانیة المیول والأهواء من بصری أو شامی أنهوا أسانیدهم فی الغالب إلی موالی عثمان أو إلی رجال بیته الساقط ، وذلک ممّا یُعطی أنّها من صنائع معاویة للخلیفة المقتول الذی اتّخذ أمره سلّماً إلی ما کان یبتغیه من المرتقی ، وکان معاویة یهب القناطیر المقنطرة لوضع الأحادیث فی فضائل أبناء بیته الشجرة المنعوتة فی القرآن ، من بنی أُمیّة عامّة ، ومن آل أبی العاص خاصّة ، أضف إلی ذلک ما یکتنف أغلب تلک المتون من الموهنات التی لا یقاومها أیّ تمحّل فی تصحیحها.

ص: 371

وإلیک نبذة من تلکم الموضوعات :

1 - أخرج مسلم وأحمد من طریق عُقیل الأمویّ ، عن اللیث العثمانی (1) ، عن یحیی بن سعید الأمویّ ، عن سعید بن العاص ابن عمّ عثمان ، عن عائشة وعثمان قالا : إنّ أبا بکر استأذن علی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وهو مضطجع علی فراشه ، لابس مِرْط (2) عائشة ، فأذن لأبی بکر وهو کذلک ، فقضی إلیه حاجته ثمّ انصرف ، ثمّ استأذن عمر ، فأذن له وهو علی تلک الحال فقضی إلیه حاجته ثمّ انصرف ، قال عثمان : ثمّ استأذنت علیه فجلس وقال لعائشة : اجمعی علیک ثیابک. فقضیت إلیه (3) حاجتی ثمّ انصرفت ، فقالت عائشة : یا رسول الله؟ ما لی لم أرک فزعت لأبی بکر وعمر کما فزعت لعثمان؟ قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : إنّ عثمان رجل حیی (4) وإنّی خشیت إن أذنت له علی تلک الحال أن لا یبلغ إلیّ فی حاجته (5).

2 - أخرج مسلم وغیره من طریق عائشة قالت : کان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم مضطجعاً فی بیتی کاشفاً عن فخذیه أو ساقیه ، فاستأذن أبو بکر فأذن له وهو علی تلک الحال فتحدّث. ثمّ استأذن عمر فأذن له وهو کذلک فتحدّث. ثمّ استأذن عثمان فجلس رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وسوّی ثیابه ، فلمّا خرج قالت عائشة : دخل أبو بکر فلم تهتش له ولم تُباله ، ثمّ دخل عمر فلم تهتش له ولم تُباله ، ثمّ دخل عثمان فجلست ف)

ص: 372


1- ورد سند الحدیث فی صحیح مسلم ، ومسند أحمد هکذا : عن اللیث ، عن عُقیل ، عن ابن شهاب ، عن یحیی بن سعید بن العاص ....
2- المرط : کساء من صوف أو کتّان.
3- وفی أحد ألفاظ أحمد : فقضی إلیّ حاجتی.
4- حیی کغنی : ذو حیاء. وفی شرح مسلم : أی کثیر الحیاء. (المؤلف)
5- صحیح مسلم : 7 / 117 [5 / 18 ح 27 کتاب فضائل الصحابة] ، مسند أحمد : 1 / 71 و 6 / 155 ، 167 [1 / 114 ح 516 و 7 / 222 ح 24690 و 239 ح 24811]. (المؤلف)

وسوّیت ثیابک. فقال : ألا أستحیی من رجل تستحی منه الملائکة (1).

وأخرج البخاری (2) فی مناقب عثمان حدیثاً ، وقال فی ذیله : زاد عاصم : أنّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم کان قاعداً فی مکان فیه ماء ، قد کشف (3) عن رکبتیه أو رکبته - فلمّا دخل عثمان غطّاها. قال ابن حجر فی فتح الباری (4) (7 / 43) : قال ابن التین : أنکر الداودی هذه الروایة وقال : هذه الروایة لیست من هذا الحدیث بل دخل لرواتها حدیث فی حدیث ، وإنّما ذلک الحدیث : إنّ أبا بکر أتی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وهو فی بیته قد انکشف فخذه فجلس أبو بکر ثمّ دخل عمر ثمّ دخل عثمان فغطّاها. الحدیث.

قال الأمینی : الحیاء هو انقباض النفس عمّا لا یلائم خطّة الشرف من الناحیة الدینیّة أو الإنسانیّة ، وأصله فطریّ للإنسان ، وکماله اکتسابیّ یتأتّی بالإیمان ، فهو یتدرّج فی الرقیّ بتدرّج الإیمان والمعرفة ، فتنتهی إلی ملکة راسخة تأبی لصاحبهما التورّط فی المخازی کلّها ، فیکون بها الإنسان محدوداً فی أفعاله وتروکه وشهواته ومیوله ، وتنبسط تلکم الحدود علی الأعضاء والجوارح وعلی النفس والعقل فلا یسع أیّا منها الخروج عن حدّه ، قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «الاستحیاء من الله حقّ الحیاء أن تحفظ الرأس وما وعی ، والبطن وما حوی ، وتذکر الموت والبلی» (5). فکلّ عمل خارج عن حدود الدین والإنسانیّة منافٍ للحیاء ، وهو الرادع الوحید عن الفحشاء ف)

ص: 373


1- مسند أحمد : 6 / 62 [7 / 92 ح 23809] ، صحیح مسلم : 7 / 116 [5 / 18 ح 26 کتاب فضائل الصحابة] ، مصابیح السنّة : 2 / 273 [4 / 164 ح 4748] ، الریاض النضرة : 2 / 88 [3 / 12] ، تاریخ ابن کثیر : 7 / 202 [7 / 227 حوادث سنة 35 ه]. (المؤلف)
2- صحیح البخاری : 3 / 1351 ح 3492.
3- فی المصدر : قد انکشف.
4- فتح الباری : 7 / 55.
5- أخرجه الترمذی فی الجامع الصحیح [4 / 550 ح 2458] والمنذری فی الترغیب والترهیب : 3 / 166 [3 / 400 ح 13]. (المؤلف)

والمنکر ، وعن کلّ ما یلوّث ذیل الإنسانیّة والعفّة والإیمان من صغیرة أو کبیرة ، ومن لم یستح فله أن یفعل ما یشاء ، وجاء فی النبویّ علی المحدّث به وآله السلام : «إذا لم تستح فاصنع - فافعل - ما شئت» (1).

وعلی هذا فکلّ من الفحش والبذاء والکذب والخیانة والغدر والمکر ونقض العهد والتخلّع والمجون وما یجری مجراها أضداد للحیاء ، وقد وقع التقابل بینها وبینه فی لسان المشرّع الأعظم منها قوله صلی الله علیه وآله وسلم : «الحیاء من الإیمان والإیمان فی الجنّة ، والبذاء من الجفاء والجفاء فی النار» (2).

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «الحیاء والعیّ من الإیمان وهما یقرّبان من الجنّة ویباعدان من النار ، والفحش والبذاء من الشیطان وهما یقرّبان من النار ویباعدان من الجنّة».

أخرجه الطبرانی (3) کما فی الترغیب والترهیب (3 / 165).

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «یا عائشة لو کان الحیاء رجلاً کان رجلاً صالحاً ، ولو کان الفحش رجلاً کان رجل سوء».

رواه (4) الطبرانی وأبو الشیخ کما فی الترغیب والترهیب (3 / 166).

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «ما کان الفحش فی شیء إلاّ شانه ، وما کان الحیاء فی شیء إلاّ زانه». 8.

ص: 374


1- أخرجه البخاری فی کتاب الأدب من صحیحه [5 / 2268 ح 5769]. (المؤلف)
2- قال المنذری فی الترغیب والترهیب : 3 / 165 [3 / 398 ح 5] : أخرجه أحمد [فی مسنده : 3 / 294 ح 10134] ورجاله رجال الصحیح ، والترمذی [فی سننه : 5 / 12 ح 2615] ، وابن حبّان فی صحیحه [2 / 373 ح 608] ، وقال الترمذی : حدیث حسن صحیح. (المؤلف)
3- المعجم الکبیر : 18 / 178 ح 409 ، الترغیب والترهیب : 3 / 398 ح 6.
4- المعجم الصغیر : 1 / 240 ، الترغیب والترهیب : 3 / 399 ح 8.

أخرجه (1) ابن ماجة فی سننه (2 / 546) ، والترمذی فی الصحیح.

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «إنّ الله عزّ وجلّ إذا أراد أن یهلک عبداً نزع منه الحیاء ، فإذا نزع منه الحیاء لم تلقه إلاّ مقیتاً ممقّتاً ، فإذا لم تلقه إلاّ مقیتاً ممقّتاً نُزِعت منه الأمانة ، فإذا نُزِعت منه الأمانة لم تلقه إلاّ خائنا مخوّناً ، فإذا لم تلقه إلاّ خائناً مخوّناً نزعت منه الرحمة ، فإذا نزعت منه الرحمة لم تلقه إلاّ رجیماً مُلَعّناً ، فإذا لم تلقه إلاّ رجیماً مُلَعّناً نزعت منه ربقة الإسلام».

أخرجه (2) ابن ماجة کما فی الترغیب والترهیب (2 / 167).

وقال صلی الله علیه وآله وسلم : «الحیاء لا یأتی إلاّ بخیر» (3). وقال المناوی فی شرحه فی فیض القدیر (3 / 427) : لأنّ من استحیا من الناس أن یروه یأتی بقبیح دعاه ذلک إلی أن یکون حیاؤه من ربّه أشدّ فلا یضیع فریضة ، ولا یرتکب خطیئة ، قال ابن عربی : الحیاء أن لا یفعل الإنسان ما یخجله إذا عرف منه أنّه فعله ، والمؤمن یعلم بأنّ الله یری کلّ ما یفعله ، فیلزمه الحیاء منه لعلمه بذلک ، وبأنّه لا بدّ أن یقرّره یوم القیامة علی ما عمله فیخجل فیؤدّیه إلی ترک ما یخجل منه ، وذلک هو الحیاء فمن ثمّ لا یأتی إلاّ بخیر.

وقال : حقیقة الحیاء خلق یبعث علی ترک القبیح ، ویمنع من التقصیر فی حقّ الغیر ، وقال بعض الحکماء : من کسا (4) الحیاء ثوبه لم یر الناس عیبه. ].

ص: 375


1- سنن ابن ماجة : 2 / 1400 ح 4185 ، سنن الترمذی : 4 / 307 ح 1974.
2- سنن ابن ماجة : 2 / 1347 ح 4054 ، الترغیب والترهیب : 2 / 400 ح 14.
3- أخرجه البخاری [فی صحیحه : 5 / 2267 ح 5766] ، ومسلم [فی صحیحه : 1 / 93 ح 60 کتاب الإیمان] ، وابن ماجة ، والمنذری [فی الترغیب الترهیب : 3 / 397 ح 2]. (المؤلف)
4- لعل الصحیح : من کساه الحیاء ثوبه. (المؤلف) [وصحیح أیضاً ما ذکر فی المتن ، فیکون الضمیر العائد علی الاسم الموصول محذوفاً - أی الهاء - فهو من قبیل : (فمنهم من هدی اللهُ)].

إذن هلمّ معی لنسبر حیاة الخلیفة - عثمان - علّنا نجد فیها ما یصحّ للبرهنة علی ثبوت هذه الملکة له إن لم یُکفِئنا الإیاس منها بخفّی حنین ، فارجع البصر کرّتین فیما سردناه من أفعال الخلیفة وتروکه ومحاوراته وأقواله ، ثمّ انظر هل تجد فی شیء منها ما یدعم هذه الدعوی له فضلاً عن أن یکون أحیا الناس ، أو أشدّ الأُمّة حیاءً ، أو تستحیی منه الملائکة؟

أیصلح شاهداً لذلک قوله لمولانا أمیر المؤمنین علیّ علیه السلام : والله ما أنت عندی أفضل من مروان؟ هلاّ کان یعلم أنّ الله عدّ علیّا فی کتابه نفس النبیّ الأقدس وقد طهّره بنصّ الذکر الحکیم ، ومروان طرید ابن طرید ، وزغ ابن وزغ ، لعین ابن لعین؟ راجع الجزء الثامن (ص 260).

أو اتّهامه ذلک الإمام الطاهر سیّد العترة بکتاب کتبه هو فی قتل محمد بن أبی بکر وأصحابه وتعذیبهم وتنکیلهم ، فینکر ما کتب ویقول له علیه السلام : أتّهمک وأتّهم کاتبی مروان؟!

أو قوله للإمام علیه السلام : لئن بقیت لا أعدم طاغیاً یتّخذک سُلّماً وعضداً ویعدّک کهفاً وملجأ؟ أو قوله له علیه السلام لمّا کلّمه فی أمر عمّار ونفیه إیّاه : أنت أحقّ بالنفی منه؟

أو قوله لأصحابه مروان ومن کان علی شاکلته یستشیرهم فی أمر أبی ذر : أشیروا علیّ فی هذا الشیخ الکذّاب إمّا أن أضربه أو أحبسه أو أقتله؟ وملء مسامع الصحابة قوله صلی الله علیه وآله وسلم : «ما أظلّت الخضراء ، وما أقلّت الغبراء علی ذی لهجة أصدق من أبی ذر» ، إلی کلمات أخری له صلی الله علیه وآله وسلم فی الثناء علیه. راجع الجزء الثامن (ص 312).

أو قوله لعمّار لمّا سمع منه - رحم الله أبا ذر من کلّ أنفسنا - : یا عاضّ أیر أبیه أترانی ندمت علی تسییره؟! وأمر فدُفِعَ فی قفاه ، وعمّار کما عرفته فی هذا الجزء

ص: 376

(ص 20 - 28) جلدة ما بین عینی رسول الله وأنفه ، وهو الطیّب المطیّب ، ملئ إیماناً من قرنه إلی قدمه ، اختلط الإیمان بلحمه ودمه ، یدور مع الحقّ حیث دار ، وقد جاء الثناء علیه فی الذکر الحکیم.

إذا کان حقّا ما یدّعیه عثمان لنفسه (1) من أنّه لم یمسّ فرجه قط بیمینه منذ بایع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم تشریفاً لید النبیّ الکریمة. فلیت شعری لما ذا طفق یلوک بلسانه اسم أیر یاسر أبی عمّار؟ وطالما لهج بأحادیث النبوّة به ، ورتّل کتاب الله ترتیلاً ، أما کان علیه أن یکفّ لسانه عن البذاءة کرامةً للکتاب والسنّة ، کما ادّعی کلاءة نفسه عن مسّ فرجه کرامة لید النبوّة؟ إن لم یُداحمنا (2) هنالک من یُنکر دعواه فی الید قیاساً علی ما شوهد منه فی اللسان مرّة بعد أخری.

أیصلح شاهداً لذلک قوله علی صهوة المنبر بین ملأ المسلمین فی ابن مسعود لمّا قدم المدینة : ألا إنّه قد قدمت علیکم دویبة سوء من یمشی علی طعامه یقیء ویسلح؟ وابن مسعود أحد الذین أطراهم الکتاب العزیز ، وکان أشبه الناس برسول الله صلی الله علیه وآله وسلم هدیاً ودلاّ وسمتاً. راجع ما مرّ فی هذا الجزء (ص 3 - 11).

أو قوله لعبد الرحمن بن عوف : إنّک منافق (3)؟ وهو أحد العشرة المبشّرة فیما یحسبون.

أو قوله لصعصعة بن صوحان : البجباج النفّاج؟ وهو ذلک السیّد الخطیب الفصیح الدیّن. کما مرّ فی (ص 43) من هذا الجزء.

أو شتمه المغیرة بن الولید المخزومی لمّا دافع عن عمّار حینما ضربه عثمان حتی غُشی علیه؟ف)

ص: 377


1- یأتی حدیثه بتمامه. (المؤلف)
2- الدحم : الدفع الشدید ، وداحمه : دافعه بشدة.
3- السیرة الحلبیة : 2 / 87 [2 / 78] ، الصواعق : ص 68 [ص 114]. (المؤلف)

أو قوله فی کتابه إلی معاویة : إنّ أهل المدینة قد کفروا؟ أو قوله فی کتاب آخر له : فهم کالأحزاب أیام الأحزاب أو من غزانا بأُحد؟ وهو یرید الأنصار الذین آووا ونصروا ، والمهاجرین الذین صدّقوا واتّبعوا ، وهم الذین یحسب أتباع الخلیفة أنّ کلّهم عدول ، ولم یکن بینهم متخلّف عن النقمة علیه إلاّ ثلاثة أو أربعة حفظ التاریخ ترجمة حیاتهم الموصومة.

أو قوله فی کتابه إلی الأشتر وأصحابه : إنّی قد سیّرتکم إلی حمص ، فإنّکم لستم تألون الإسلام وأهله شرّا؟

أو قوله المائن علی منبر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : إنّ هؤلاء القوم من أهل مصر کان بلغهم عن إمامهم أمر فلمّا تیقّنوا أنّه باطل ما بلغهم عنه رجعوا إلی بلادهم؟ یقول ذلک بعد ما عهد علی نفسه أن یعمل بالکتاب والسنّة ، وکتب بهذا کتاباً وشهد علیه أُمّة من الصحابة بعد ما اعترف بهناته بین الملأ أو أظهر الندامة منها وتاب عنها ولذلک کلّه رجع المصریّون وغیرهم من الثائرین علیه إلی بلادهم ، وکان یحنث عهده وینقض توبته بتلبیس أبالسته مروان ونظرائه ، فهل یفعل مثل هذا من تردّی بأبراد الحیاء؟

أو مقارفته لیلة وفاة أُمّ کلثوم کریمة النبیّ الأقدس؟ وکان ذلک ممقوتاً جدّا لرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم حتی إنّه ألمح إلیه بقوله : «هل فیکم من أحد لم یقارف اللیلة؟» فمنعه بذلک عن دفن حلیلته ، وألصق به هوان الأبد.

أو تربّعه علی صهوة منبر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لمّا استخلف؟ وکان أبو بکر یجلس دون مقامه صلی الله علیه وآله وسلم بمرقاة ثمّ عمر دونه بمرقاة ، وکان من حقّ عثمان الذی کان أشدّ حیاءً من صاحبیه أن لا یطأ ذلک المرتقی ، وأن یتّبع - ولا أقلّ - سیرة الشیخین فی الحیاء والأدب ، لکنّه ....

ص: 378

أو مخالفته الکتاب والسنّة؟ کما کتب المهاجرون الأوّلون وبقیّة الشوری إلی من بمصر من الصحابة والتابعین : أن تعالوا إلینا وتدارکوا خلافة رسول الله قبل أن یُسلبَها أهلُها فإنّ کتاب الله قد بُدّل ، وسنّة رسوله قد غُیّرت (1). وکتبوا إلی الصحابة فی الثغور : إنّ دین محمد قد أفسده من خلفکم وترک ، فهلمّوا فأقیموا دین محمد صلی الله علیه وآله وسلم. ورفعت عائشة نعل رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وهی تقول : ترکت سنّة رسول الله صاحب هذا النعل. وتقول : ما أسرع ما ترکتم سنّة نبیّکم وهذا شعره وثوبه ونعله لم یبل بعدُ. وتقول : عثمان قد أبلی سنّة رسول الله. وتقول : اقتلوا نعثلاً ، قتل الله نعثلاً إنّه قد کفر. إلی کلمات أخری لها ولغیرها فی مخالفة الرجل الکتاب والسنّة.

أو إعرابه عن تلکم الآراء الشاذّة عن الکتاب والسنّة فی الصلاة والصّلات والصدقات والأخماس والزکوات والحجّ والنکاح والحدود والدیات بلهجة شدیدة بمثل قوله : هذا رأی رأیته؟ وقوله : لنأخذنّ حاجتنا من هذا الفیء وإن رغمت أُنوف أقوام ، هذا مال الله أُعطیه من شئت وأمنعه من شئت فأرغم الله أنف من رغم. فقال له علیّ : «إذن تُمنع من ذلک ویحال بینک وبینه». وقال عمّار : أُشهد الله أنّ أنفی أوّل راغم من ذلک. أو قال : أنا والله أوّل من رغم أنفه من ذلک.

راجع صفحة (15) من هذا الجزء.

أو حثّه الناس علی الأخذ بتلکم الآراء المنتئیة عن ناموس الإسلام المقدّس حتی قال له أمیر المؤمنین ، لمّا قال له عثمان : لا ترانی أنهی الناس عن شیء وتفعله أنت ، «ولم أکن لأدع سنّة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لقول أحد من الناس» أو قال له : «لم أکن لأدع قول رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لقولک» وکاد أمیر المؤمنین یُقتل من جرّاء تلک الأحدوثة؟ مرّ حدیثه فی (6 / 219 و 8 / 130).

وقد فتح بذلک باب الجرأة علی الله والتقوّل علیه بمصراعیه ، فجاء بعده معاویة ف)

ص: 379


1- راجع ما مرّ : ص 162 من هذا الجزء. (المؤلف)

ومروان وأبناء أبیه الآخرون یلعبون بدین الله لعبة الصبیان بالدوّامة (1).

أو إیواؤه عبید الله بن عمر لمّا قتل نفوساً أبریاء ولم یقتصّ منه ونقم علیه بذلک جلّ الصحابة - لو لم نقل کلّهم - ممّن یأبه به وبرأیه؟

أو تعطیله الحدّ علی الولید بن عقبة لرحمه وقرابته منه وقد شرب الخمر وقاء فی محراب المسجد الأعظم بالکوفة ، حتی وقع التحاور والتحارش بین المسلمین ، واحتدم الحوار والمکالمة وتضاربوا بالنعال؟ مرّ فی الجزء الثامن (ص 120 - 125).

أو تسلیطه بنی أُمیّة رجال العیث والفساد أبناء الشجرة الملعونة فی القرآن علی رقاب الناس ونوامیس الإسلام المقدّسة وتوطیده لهم الملک العضوض ، وتأسیسه بهم حکومة أمویّة غاشمة فی الحواضر الإسلامیّة؟ کما فصّلنا القول فیه فی الجزء الثامن (ص 288 - 292).

أو ردّه إلی المدینة وإیواؤه عمّه وأبناءه وکان قد طردهم رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم تنزیهاً لتلک الأرض المقدّسة من أولئک الأدناس الأرجاس؟

أو تفویضه الصالح العام إلی مروان المهتوک ، وتطوّره فی سیاسة العباد بتقلّباته؟ کأنّ بیده مقالید أُمور الأُمّة حتی قال له مولانا أمیر المؤمنین : «أما رضیت من مروان ولا رضی منک إلاّ بتحویلک عن دینک وعقلک مثل جمل الظعینة یُقاد حیث یُسار به؟». وقال : «ما رضیت من مروان ولا رضی منک إلاّ بإفساد دینک وخدیعتک عن عقلک ، وإنّی لأراه سیوردک ثمّ لا یُصدرک».

أو کتابه إلی وُلاته فی قتل صلحاء الأمّة وحبسهم وتنکیلهم وتعذیبهم؟

أو تسییره عباد الله الصالحین من الصحابة الأوّلین والتابعین لهم بإحسان من ف)

ص: 380


1- لعبة من خشب یلفّ الصبیّ علیها خیطاً ثمّ ینفضه بسرعة فتدوم أی تدور علی الأرض. وفی اللغة الدارجة : مرصع ، وشاخة. (المؤلف)

معتقل إلی معتقل ، ونفیهم عن عقر دورهم من المدینة والبصرة والکوفة ، وإیذاؤهم بکلّ ما یمکنه من ضرب ووقیعة وتنکیل؟

مشرّدین نفوا عن عقر دارِهمُ

کأنّهم قد جَنوا ما لیس یغتفرُ

حتی هلک فی تسییره سیّد غفار أبو ذر الصدّیق المصدّق بعد ما تسلّخ لحم أفخاذه من الجهد فی تسییره.

هذه نبذ یسیرة قرأناها فی صحیفة حیاء الخلیفة لیعطی الباحث الممعن فیها للنصفة حقّها ، فیصدق السائل فی جوابه ، فهل یجد فی شیء منها دلالة علی تلفّع الرجل بشیء من أبراد الحیاء؟ أو یجدها أدلّة واضحة علی فقده لهاتیک الملکة الفاضلة ، ویجده متردّیاً بضدّ هذه الغریزة فی کلّ تلکم الأحوال؟ وعلی هذه فقس ما سواها.

علی أنّ أبا بکر کان أولی بالاستحیاء منه إن صحّ ما مرّ فی الجزء السابع (ص 248) من روایة استحیاء الله منه ، وتکذیبه نبیّه استحیاء من أبی بکر (1) ، فکیف لم یهتش صلی الله علیه وآله وسلم له ولم یُبال به ویهتش لعثمان؟

لنا کرّة ثانیة لروایة الحیاء من ناحیة أخری ، فإنّ مختلق هذه الأفیکة أعشاه الحبّ المعمی والمصمّ حیث أراد إثبات فضیلة رابیة للخلیفة ذاهلاً أو متذاهلاً عن أنّ لازم ذلک سلب تلک الفضیلة عن نبیّ الإسلام صلی الله علیه وآله وسلم - والعیاذ بالله - حیث نسب إلیه صلی الله علیه وآله وسلم الکشف عن أفخاذه بمنتدیً من صحابته غیر مکترث لحضورهم حتی إذا جاء الذی تستحی منه الملائکة فاستحی منه وسترها ، ونحن نقول أوّلاً : إنّ هذا الفعل ممّا لا یرتکبه عظماء الناس ورجالات الأُمم وإنّما تجیء بمثله الطبقات الواطئة من أذناب الأعراب ، فنبیّ العظمة الذی یهزأ بالطود فی وقاره ، ویُزری بالبحر فی ف)

ص: 381


1- من المخازی المفتعلة کما مرّ تفصیله. (المؤلف)

معارفه ، وکان کما وصفه أبو سعید الخدری أشدّ حیاءً من العذراء فی خدرها (1) وکان إذا کره شیئاً عرفناه فی وجهه. وقد أدّبه الله تعالی فلم یدع فیه من شائنة ، وهذّبه حتی استعظم خلقه الکریم بقوله تعالی : (وَإِنَّکَ لَعَلی خُلُقٍ عَظِیمٍ) (2) ، لا یستسیغ ذو لبّ مؤمن به وبفضله أن یعزو إلیه مثل هذا التخلّع الشائن.

علی أنّ الشریعة التی صدع بها جعلت الأفخاذ عورة وأمرت بسترها :

1 - أخرج أحمد إمام الحنابلة فی مسنده (3) (5 / 290) ، بالإسناد عن محمد بن جحش ختن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم أنّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم مرّ علی معمّر (4) بفناء المسجد محتبیاً کاشفاً عن طرف فخذه ، فقال له النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم : «خمّر فخذک یا معمّر فإنّ الفخذ عورة».

وفی لفظ بإسناد آخر من طریق ابن جحش ، قال : مرّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وأنا معه علی معمر وفخذاه مکشوفتان ، فقال : «یا معمر غطّ فخذیک فإنّ الفخذ [ین] (5) عورة»

وأخرجه البخاری (6) بهذا الطریق وطریقی ابن عبّاس وجرهد فی صحیحه باب ما یذکر فی الفخذ (1 / 138) ثمّ ذکر من طریقی أنس أنّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم حسر عن فخذه ، فقال : حدیث أنس أسند ، وحدیث جرهد أحوط ، وأخرجه من طریق ابن جحش فی تاریخه (1 قسم 1 / 12) ، وأخرجه البیهقی فی سننه (2 / 228) ، والحاکم فی المستدرک (7) (4 / 180). 1.

ص: 382


1- أخرجه الشیخان : البخاری فی صحیحه باب صفة النبی : 5 / 203 [3 / 1306 ح 3369] ، ومسلم فی صحیحه : 7 / 78 [4 / 488 ح 67 کتاب الفضائل]. (المؤلف)
2- القلم : 4.
3- مسند أحمد : 6 / 392 ح 21988 و 21989.
4- هو معمّر بن عبد الله بن نضلة القرشی العدوی.
5- من المصدر.
6- صحیح البخاری : 1 / 145 باب 11.
7- المستدرک علی الصحیحین : 4 / 200 ح 7361.

قال ابن حجر فی الإصابة (3 / 448) : أخرجه أحمد والحاکم وصحّحه ، وأخرجه ابن قانع من وجه آخر عن الأعرج عن معمّر أنّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم مرّ به وهو کاشف عن فخذه. الحدیث.

وقال العسقلانی فی فتح الباری (1) (1 / 380) : رجاله رجال الصحیح غیر أبی کثیر ، فقد روی عنه جماعة لکن لم أجد فیه تصریحاً بتعدیل ، وقد أخرج ابن قانع هذا الحدیث من طریقه أیضاً. ووقع لی حدیث محمد بن جحش مسلسلاً بالمحمدین من ابتدائه إلی انتهائه وقد أملیته فی الأربعین المتباینة.

وذکره الحافظ الهیثمی فی مجمع الزوائد (2 / 52) عن أحمد والطبرانی فی الکبیر (2) فقال : رجال أحمد ثقات.

2 - عن علیّ رضی الله عنه مرفوعاً : «لا تُبرز فخذک - فخذیک - ولا تنظر إلی فخذ حیّ ولا میّت».

أخرجه (3) : البیهقی فی سننه (2 / 228) ، والحاکم فی المستدرک (4 / 180) ، والبزّار کما فی نیل الأوطار (2 / 48).

3 - عن جرهد الأسلمی قال : مرّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وعلیَّ بردة وقد انکشفت فخذی ، فقال : «غطّ فخذک فإنّ الفخذ عورة».

أخرجه (4) : البخاری فی صحیحه کما سمعت تعلیقاً ، ورواه مالک فی الموطّأ وأبو داود وأحمد والترمذی وقال : حسن. وذکره القسطلانی فی إرشاد الساری عن مالک 0.

ص: 383


1- فتح الباری : 1 / 479.
2- المعجم الکبیر : 2 / 271 ح 2138.
3- المستدرک علی الصحیحین : 4 / 200 ح 7362 ، نیل الأوطار : 2 / 69.
4- صحیح البخاری : 1 / 145 باب 11 ، سنن أبی داود : 4 / 40 ح 4014 ، مسند أحمد : 4 / 526 ح 15499 ، سنن الترمذی : 5 / 103 ح 2798 ، إرشاد الساری : 2 / 32 ، الإحسان فی صحیح ابن حبّان : 4 / 609 ح 1710 ، نیل الأوطار : 2 / 71 ، المستدرک علی الصحیحین : 4 / 200 ح 7360.

والترمذی فقال : وصحّحه ابن حبّان ، وذکر الشوکانی فی نیل الأوطار (2 / 50) تصحیح ابن حبّان إیّاه ، وأخرجه البیهقی فی سننه (2 / 228) من طریقین ، والحاکم فی المستدرک (4 / 180).

4 - عن ابن عبّاس : مرّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم علی رجل وفخذه خارجة ، فقال : «غطّ فخذیک ، فإنّ فخذ الرجل من عورته».

أخرجه (1) : البخاری تعلیقاً کما مرّ ، ورواه الترمذی وأحمد فی مسنده (1 / 275) ، والبیهقی فی سننه (2 / 228) فقال : قال الشیخ : وهذه (2) أسانید صحیحة یُحتجّ بها ، وأخرجه الحاکم فی المستدرک (4 / 181).

5 - أخرج الدارقطنی فی سننه (3) من طریق عبد الله بن عمر ، قال : قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «مروا صبیانکم بالصلاة فی سبع سنین ، واضربوهم علیها فی عشر ، وفرّقوا بینهم فی المضاجع ، وإذا زوّج أحدکم أمته عبده أو أجیره فلا ینظر إلی ما دون السرّة وفوق الرکبة ، فإنّ ما تحت السرّة إلی الرکبة من العورة».

وأخرجه (4) : أحمد فی مسنده (2 / 187) ولفظه : «فلا ینظرنّ إلی شیء من عورته فإنّما أسفل من سرّته إلی رکبتیه من عورته» وذکره الزیلعی فی نصب الرایة (1 / 296) نقلاً عن الدارقطنی وأبی داود وأحمد والعقیلی فقال : وله طریق آخر عند 3.

ص: 384


1- التاریخ الکبیر : 1 / 12 رقم 2 ، سنن الترمذی : 5 / 103 ح 2796 مسند أحمد : 1 / 454 ح 2489 ، المستدرک علی الصحیحین : 4 / 200 ح 7363.
2- یعنی أسانید حدیث ابن جحش وجرهد وابن عباس. (المؤلف)
3- سنن الدارقطنی : 1 / 230 ح 2.
4- مسند أحمد : 2 / 387 ح 6717 ، سنن أبی داود : 1 / 133 ح 495 ، الضعفاء الکبیر : 2 / 168 رقم 682 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 3 / 60 رقم 610 ، إرشاد الساری : 2 / 33.

ابن عدی فی الکامل. وأخرجه البیهقی فی سننه (2 / 229) من أربعة طرق ، وذکره القسطلانی فی إرشاد الساری (1 / 389).

6 - أخرج الدارقطنی فی سننه (1) (ص 85) ، والبیهقی فی سننه (2 / 229) من طریق أبی أیّوب مرفوعاً : «ما فوق الرکبتین من العورة وما أسفل من السرّة من العورة». وذکره الزیلعی فی نصب الرایة (1 / 297).

هذه الأحادیث أخذها الأعلام أئمّة الفقه والفتیا وذهبوا إلی أنّ الفخذ عورة ، وهو رأی أکثر العلماء کما قال النووی (2) ، والجمهور کما قاله القسطلانی والشوکانی (3) ، قال ابن رشد فی بدایة المجتهد (4) (1 / 111) : ذهب مالک والشافعی إلی أنّ حدّ العورة من الرجل ما بین السرّة إلی الرکبة ، وکذلک قال أبو حنیفة. وقال قوم : العورة هما السوأتان فقط من الرجل ، وسبب الخلاف فی ذلک أثران متعارضان کلاهما ثابت ، أحدهما : حدیث جرهد : أنّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم قال : «الفخذ عورة» ، والثانی : حدیث أنس : أنّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم حسر عن فخذه وهو جالس مع أصحابه ، ثمّ ذکر قول البخاری المذکور.

وقال القسطلانی فی إرشاد الساری (5) (1 / 389) : قال الجمهور من التابعین وأبو حنیفة ومالک فی أصحّ أقواله ، والشافعی وأحمد فی أصحّ روایتیه ، وأبو یوسف ومحمد : الفخذ عورة. وذهب ابن أبی ذئب وداود وأحمد فی إحدی روایتیه ، 3.

ص: 385


1- سنن الدارقطنی : 1 / 230 ح 5.
2- فتح الباری : 1 / 382 [1 / 481] ، نیل الأوطار : 2 / 49 [2 / 70]. (المؤلف) [وانظر شرح صحیح مسلم للنووی : 9 / 219].
3- إرشاد الساری : 1 / 389 [2 / 33] ، نیل الأوطار : 2 / 50 [2 / 71]. (المؤلف)
4- بدایة المجتهد : 1 / 117.
5- إرشاد الساری : 2 / 33.

والإصطخری من الشافعیة وابن حزم إلی أنّه لیس بعورة.

وفی الفقه علی المذاهب الأربعة (1) (1 / 142) : أمّا عورة الرجل خارج الصلاة فهی ما بین سرّته ورکبته ، فیحلّ النظر إلی ما عدا ذلک من بدنه مطلقاً عند أمن الفتنة. وفیه : قال المالکیّة والشافعیّة : إنّ عورة الرجل خارج الصلاة تختلف باختلاف الناظر إلیه ، فبالنسبة للمحارم والرجال هی ما بین سرّته ورکبته ، وبالنسبة للأجنبیّة منه هی جمیع بدنه ، إلاّ أنّ المالکیّة استثنوا الوجه والأطراف وهی الرأس والیدان والرجلان ، فیجوز للأجنبیّة النظر إلیها عند أمن التلذّذ ، وإلاّ منع ، خلافاً للشافعیّة فإنّهم قالوا : یحرم النظر إلی ذلک مطلقاً.

وقال الشوکانی فی نیل الأوطار (2) (2 / 49) بعد ذکر حدیث علیّ أمیر المؤمنین المذکور مرفوعاً : والحدیث یدلّ علی أنّ الفخذ عورة ، وقد ذهب إلی ذلک العترة والشافعی وأبو حنیفة ، قال النووی : ذهب أکثر العلماء إلی أنّ الفخذ عورة. وعن أحمد ومالک فی روایة : العورة القبل والدبر فقط. إلی أن قال : والحقّ أنّ الفخذ من العورة ، وحدیث علیّ هذا ، وإن کان غیر منتهض علی الاستقلال ، ففی الباب من الأحادیث ما یصلح للاحتجاج به علی المطلوب. وقال بعد ذکر حدیث جرهد : الحدیث من أدلّة القائلین بأنّ الفخذ عورة وهم الجمهور. انتهی.

هب أنّ النهی عن کشف الأفخاذ تنزیهیّ إلاّ أنّه لا شکّ فی أنّ سترها أدب من آداب الشریعة ، ومن لوازم الوقار ، ومقارنات الأبّهة ، ورسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أولی برعایة هذا الأدب الذی صدع به هو. قال ابن رشد فی تمهیدات المدوّنة الکبری (1 / 110) : والذی أقول به أنّ ما روی عن النبیّ علیه الصلاة والسلام فی الفخذ لیس باختلاف تعارض ، ومعناه أنّه لیس بعورة یجب سترها فرضاً کالقبل والدبر وأنّه عورة یجب 1.

ص: 386


1- الفقه علی المذاهب الأربعة : 1 / 192.
2- نیل الأوطار : 2 / 70 - 71.

سترها فی مکارم الأخلاق ومحاسنها ، فلا ینبغی التهاون بذلک فی المحافل والجماعات ولا عند ذوی الأقدار والهیئات ، فعلی هذا تستعمل الآثار کلّها واستعمالها کلّها أولی من اطّراح بعضها. انتهی.

فعلی کلا التقدیرین نحاشی نبیّ العظمة والجلال أن یکشف عن فخذیه فی الملأ غیر مکترث للحضور - وهو أشدّ حیاءً من العذراء - ولا یأبه بهم حتی یأتی رضیع ثدی الحیاء ، وربیب بیت القداسة ، ولید آل أُمیّة ، أشدّ الأُمّة حیاءً ، وقد قتلته أفعاله النائیة عن تلک الملکة الفاضلة.

ولا یهولنّک وجود الروایة فی ، الصحیحین فإنّهما - کما قلنا عنهما - علبتا السفاسف وعیبتا السقطات وفیهما من المخازی والمخاریق ما شوّه سمعة التألیف ، وفتّ فی عضد علم الحدیث ، ولعلّنا سوف ندعم ما ادّعیناه بالبرهنة الصادقة إن شاء الله تعالی ، ولیتهما اقتصرا من الخزایة علی روایة کشف الفخذ فحسب ولم یُخرجا تعرّیه صلی الله علیه وآله وسلم بین الناس. أخرج البخاری فی صحیحه باب بنیان الکعبة (1) (6 / 13) ، ومسلم فی صحیحه (2) (1 / 184) من طریق جابر بن عبد الله ، قال : لمّا بُنیت الکعبة ذهب النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وعبّاس ینقلان حجارة ، فقال العبّاس للنبیّ صلی الله علیه وآله وسلم : اجعل إزارک علی عاتقک یقیک من الحجارة. ففعل ، فخرّ إلی الأرض وطمحت عیناه إلی السماء ، ثمّ قام فقال : إزاری إزاری ، فشدّ علیه إزاره.

وفی لفظ لمسلم (3) : إنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم کان ینقل معهم الحجارة للکعبة وعلیه إزاره ، فقال له العبّاس عمّه : یا ابن أخی لو حللت إزارک فجعلته علی منکبک دون الحجارة. قال : فحلّه فجعله علی منکبیه فسقط مغشیّا علیه ، قال : فما رؤی بعد ذلک الیوم عریاناً. ض.

ص: 387


1- صحیح البخاری : 2 / 573 ح 1505.
2- صحیح مسلم : 1 / 340 ح 76 کتاب الحیض.
3- صحیح مسلم : 1 / 340 ح 77 کتاب الحیض.

وفی قصّة لابن هشام فی السیرة (1) (1 / 197) قال : کان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فیما ذکر لی یُحدّث عمّا کان [الله] یحفظه به فی صغره وأمر جاهلیّته أنّه قال : لقد رأیتُنی فی غلمان قریش ننقل حجارة لبعض ما یلعب به الغلمان ، کلّنا قد تعرّی وأخذ إزاره فجعله علی رقبته یحمل علیه الحجارة ، فإنّی لأُقبل معهم کذلک وأُدبر ، إذ لکمنی لا کم ما أراه ، لکمةً وجیعة ثمّ قال : شدّ علیک إزارک ، قال : فأخذته وشددته علیّ ، ثمّ جعلت أحمل الحجارة علی رقبتی ، وإزاری علیّ من بین أصحابی.

هلمّوا معی أیّها المسلمون جمیعاً نسائل هذین الرجلین - صاحبی الصحیحین - أهذا جزاء نبیّ العظمة علی جهوده ، وحقّ شکره علی إصلاحه؟ أهذا من إکباره وتعظیمه؟ أصحیح أنّ محمداً صلی الله علیه وآله وسلم کان یمشی بین ملأ العمّال عاریاً قد نضا عنه ثیابه ، وألقی عنه إزاره ، غیر ساتر عن الحضور عورته؟ وکان عمره صلی الله علیه وآله وسلم یومئذٍ خمساً وثلاثین سنة کما قال ابن إسحاق (2).

هب أنّ رواة السوء أخرجوه لغایة مستهدفة ، لکن ما المبرّر للرجلین أن یستصحّاه ویُثبتاه فی صحیحیهما کأثر ثابت؟ أیحسبان أنّ هذا العمل الفاضح من مصادیق ما أثبتاه له صلی الله علیه وآله وسلم - وهو الصحیح الثابت - من أنّه صلی الله علیه وآله وسلم کان أشدّ حیاء من العذراء؟ (3) وهل تجد فی العذراء من یستبیح هذه الخلاعة؟ لاها الله ، لاها الله.

أو یحسبان صاحب هذا المجون غیر نبیّ الإسلام الذی نهی جرهداً ومعمراً عن کشف فخذیهما لأنّهما عورة؟ أو ینهی صلی الله علیه وآله وسلم عن کشف الفخذ یوماً ویکشف هو عمّاف)

ص: 388


1- سیرة ابن هشام : 1 / 194 ، وما بین المعقوفین منه.
2- راجع سیرة ابن هشام : 1 / 209 [1 / 204] ، الروض الأُنف : 1 / 127 [2 / 228] ، عیون الأثر : 1 / 51 [1 / 75] ، وما فی فتح الباری : 7 / 5 [7 / 145] نقلاً عن ابن إسحاق من أن عمره کان خمساً وعشرین سنة فغیر صحیح ، والذی صحّ عنه خمس وثلاثون. (المؤلف)
3- راجع ما مرّ فی هذا الجزء صفحة 281. (المؤلف)

فوقها یوماً آخر؟ أو من الهیّن أن نعتقد أنّ الفخذ عورة لکن ما یعلوها من السوأة لیس بعورة؟

هلمّ معی نعطف النظرة بین ما أثبته الصحیحان علی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وبین ما جاء به أحمد فی مسنده (1) (1 / 74) عن الحسن البصری ؛ أنّه ذکر عثمان وشدّة حیائه فقال : إن کان لیکون فی البیت والباب علیه مغلق فما یضع عنه الثوب لیفیض علیه الماء یمنعه الحیاء أن یقیم صلبه (2) أنظر إلی حیاء نبیّ العصمة والقداسة ، وحیاء ولید الشجرة المنعوتة فی القرآن ، وشتّان بینهما!!

أوَلیس هذا النبیّ الأعظم هو الذی سأله معاویة بن حیدة فقال له : یا رسول الله عوراتنا ما نأتی منها وما نذر؟ قال صلی الله علیه وآله وسلم : «احفظ عورتک إلاّ من زوجتک أو ما ملکت یمینک» قال : فإذا کان القوم بعضهم فی بعض؟ قال : «إن استطعت أن لا یراها أحد فلا یرینّها». قال : فإذا کان أحدنا خالیاً؟ قال : «فالله تبارک وتعالی أحقّ أن یُستحیا منه» (3).

لقد أغرق صلی الله علیه وآله وسلم نزعاً فی ستر العورة حتی إنّه لم یرض بکشفها والمرء خالٍ حیاءً من الله تعالی ، واستدّل به من قال : إنّ التعرّی فی الخلاء غیر جائز مطلقاً (4). لکن من عذیری من صاحبی الصحیحین حیث یحسبان أنّه صلی الله علیه وآله وسلم کشفها بملإ من الأشهاد؟ والله من فوقهم رقیب. وعلی فرضه - وهو فرض محال - فأین الحیاء المربی ف)

ص: 389


1- مسند أحمد : 1 / 118 ح 544.
2- وذکره ابن الجوزی فی صفة الصفوة : 1 / 117 [1 / 304 رقم 4] ، والمحبّ الطبری فی الریاض : 2 / 88 [3 / 12]. (المؤلف)
3- قال ابن تیمیّة فی المنتقی : رواه الخمسة إلاّ النسائی [صحیح البخاری : 1 / 107 باب 20 ، سنن ماجة : 1 / 618 ح 1920 ، سنن الترمذی : 5 / 90 ح 2769 ، سنن أبی داود : 4 / 41 ح 4017] ، نیل الأوطار : 2 / 47 [2 / 68]. (المؤلف)
4- راجع نیل الأوطار : 2 / 47 [2 / 69]. (المؤلف)

علی حیاء العذراء؟ وأین الحیاء من الله؟ غفرانک اللهمّ هذا بهتان عظیم.

هل یحسب الشیخان أنّ ذلک الحیاء فاجأه صلی الله علیه وآله وسلم بعد هذه الوقائع أو الفظائع ، وما کان غریزة فیه منذ صیغ فی بوتقة القداسة؟ إن کانا یزعمان ذلک فبئس ما زعما ، وإنّ الحقّ الثابت أنّه صلی الله علیه وآله وسلم کان نبیّا وآدم بین الروح والجسد (1) وقد اکتنفته الغرائز الکریمة کلّها منذ ذلک العهد المتقادم ، شرع سواء فی ذلک وهو فی عالم الأنوار ، أو فی عالم الأجنّة ، وفی أدوار کونه رضیعاً وطفلاً ویافعاً وغلاماً وکهلاً وشیخاً ، صلی الله علیه وآله وسلم یوم ولد ویوم مات ویوم یُبعث حیّا.

أوَلیس مسلم هو الذی یروی من طریق المسور بن مخرمة أنّه قال : أقبلت بحجر ثقیل أحمله وعلیّ إزار خفیف فانحلّ إزاری ومعی الحجر لم أستطع أن أمنعه حتی بلغت به إلی موضعه ، فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «ارجع إلی إزارک فخذه ولا تمشوا عراة» (2)؟

أفمن المستطاع أن یقال : إنّه صلی الله علیه وآله وسلم ینهی مسوراً عن المشی عاریاً ویزجره عن حمل الحجر کذلک ویرتکب هو ما نهی عنه؟ إنّ هذا لشیء عجاب.

وأعجب منه أنّه صلی الله علیه وآله وسلم کان یری أنّ المشرک إذا شاهد الناظر المحترم لم یکشف ف)

ص: 390


1- لهذا الحدیث عدّة ألفاظ من طریق میسرة وأبی هریرة وابن ساریة وابن عباس وأبی الجدعاء ، وأخرجه ابن سعد [فی الطبقات الکبری : 1 / 148] ، وأحمد بن حنبل [فی مسنده : 5 / 110 ح 16700] ، والبخاری فی التاریخ الکبیر [مج 6 / 68 رقم 1736] ، والبغوی [فی تفسیره : 3 / 508] ، وابن السکن ، والطبرانی [فی المعجم الکبیر : 12 / 73 ح 12571] ، وأبو نعیم فی الحلیة [7 / 122 رقم 395] والدلائل ، وصحّحه الحاکم [فی المستدرک : 2 / 453 ح 3566] ، والترمذی [فی سننه : 5 / 545 ح 3609] حسّنه وصحّحه ، وابن حبّان فی صحیحه [14 / 312 ح 6404] ، وابن عساکر ، وابن قانع ، والدارمی فی السنن ، راجع کشف الخفاء للعجلونی : 2 / 129 ، والجامع الکبیر کما فی ترتیبه ج 6 [کنز العمّال : 11 / 449 - 450 ح 32114 32118]. (المؤلف)
2- صحیح مسلم : 1 / 105 وفی طبعة مشکول : 1 / 174 [1 / 341 ح 78 کتاب الحیض]. (المؤلف)

عن عورته ، فکیف هو بنفسه؟

جاء فی السیر فی قصّة الغار ، أنّ رجلاً کشف عن فرجه وجلس یبول ، فقال أبو بکر : قد رآنا یا رسول الله ، قال : «لو رآنا لم یکشف عن فرجه». فتح الباری (1) (7 / 9).

وأعجب من الکلّ أنّه صلی الله علیه وآله وسلم کان یری لعورة الصغیر حرمة کما جاء فی صحیح أخرجه الحاکم فی المستدرک (2) (3 / 257) من طریق محمد بن عیاض ، قال : رفعت إلی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی صغری وعلیّ خرقة وقد کشفت عورتی ، فقال : «غطّوا حرمة عورته فإنّ حرمة عورة الصغیر کحرمة عورة الکبیر ، ولا ینظر الله إلی کاشف عورة».

وأنّی یصحّ حدیث الشیخین إن صحّ ما مرّ عن ابن هشام (ص 286) من قصّة لعبه صلی الله علیه وآله وسلم مع الغلمان فی صغره وقد حلّ إزاره وجعله علی رقبته ، إذ لکمه لاکم فأوجعه ، وهتف بقوله : شدّ علیک إزارک. أبعد تلکم اللکمة وذلک الهتاف عاد صلی الله علیه وآله وسلم إلی ما نُهی عنه لمّا کبر وبلغ مبلغ الرجال؟

وکیف یتّفق حدیث الشیخین مع ما أخرجه البزّار من طریق ابن عبّاس قال : کان صلی الله علیه وآله وسلم یغتسل وراء الحجرات وما رأی أحد عورته قطّ. وقال : إسناده حسن (3). وأبلغ من ذلک ما رواه القاضی عیاض فی الشفا (4) (1 / 91) عن عائشة قالت : ما رأیت فرج رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قطّ.

کونی أنتِ یا أُمّ المؤمنین حکماً عدلاً بیننا وبین رواة السفاسف ، واحکمی 9.

ص: 391


1- فتح الباری : 7 / 11.
2- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 288 ح 5119.
3- راجع فتح الباری : 6 / 450 [6 / 577] ، شرح المواهب للزرقانی : 4 / 284. (المؤلف)
4- الشفا بتعریف حقوق المصطفی : 1 / 159.

قسطاً فیمن یعزو إلی بعلک المقدّس ممّا یُربی بنفسه عنه کلّ سافل ساقط ، ویقولون : إنّ رجلاً لم یر عورته قطّ أحد حتی حلیلته ، وأنت من أطلع الناس علی خلواته وسرّیّاته ، کان یحمل الحجر بین العمّال عاریاً وقد حلّ إزاره وجعله علی منکبیه!

أیّهما صحیح عنک یا أُمّ المؤمنین ممّا أسندوه إلیک؟ أحدیثک هذا؟ أم ما حدّثتِ به - إن کنتِ حدّثتِ به - من حدیث عثمان مشفوعاً بما ثبت عن بعلک صلی الله علیه وآله وسلم من أنّ الفخذ عورة؟

وکأنّی بأُمّ المؤمنین تقول : حسبک أیّها السائل لقد مُنیتُ بالکذّابة کما مُنی بها بعلی صلی الله علیه وآله وسلم قبلی ، (کَبُرَتْ کَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ إِنْ یَقُولُونَ إِلاَّ کَذِباً) (1).

وسیعلم المبطلون غبّ ما فرّطوا فی جنب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم غلوّا فی فضائل أُناس آخرین ، ونعم الحکم الله غداً والخصیم محمد صلی الله علیه وآله وسلم.

لیت شعری هل کانت عائشة تعتقد باستقرار ملکة الحیاء فی عثمان فی کلّ تلک المدّة التی روت عن أولیاتها حدیث الفخذین ، وطفقت فی أُخریاتها تثیر الناس علی عثمان وتقول فیه تلکم الکلم القارصة الفظّة التی أسلفناها فی هذا الجزء صفحة (77 - 86) ولم تفتأ حتی أوردته حیاض المنیّة؟ وهل کانت تری استمرار حیاء الملائکة منه طیلة ما بین الحدّین؟! أو أنّها ترتئی انفصام عراه بتقطّع حلقات ما أثبتت له من ملکة الحیاء؟ ولذلک قلبت علیه ظهر المجن ، فإن کان الأوّل فما المبرّر للهجاته الأخیرة؟ وإن کان غیره فالحدیث باطل أیضاً لأنّ تبجیل عالم الملکوت لا یکون إلاّ علی حقیقة مستوعبة لمدّة حیاة الإنسان کلّها ، والتظاهر بالفضل المنصرم لا حقیقة له تکبرها الملائکة وتستحی من جهتها ، هذا إن لم تُعد أمّ المؤمنین علینا جوابها الأوّل مرّة أخری من أنّها مُنیت بالکذّابة ، کما أنّه جوابها المطّرد فی کلّ ما یُروی عنها من فضل عثمان ، وأنّها کلّها من ولائد عهد معاویة المحشوّ بالأکاذیب والمفتریات طمعاً فی رضائخه. 5.

ص: 392


1- الکهف : 5.

3 - أخرج الطبرانی (1) من حدیث أبی معشر البراء البصری ، عن إبراهیم بن عمر بن أبان بن عثمان ، عن أبیه عمر بن أبان ، عن أبیه أبان بن عثمان بن عفّان ، قال : سمعت عبد الله بن عمر یقول : بینما رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم جالس وعائشة وراءه إذ استأذن أبو بکر فدخل ، ثمّ استأذن 3 - عمر فدخل ، ثمّ استأذن سعد بن مالک فدخل ، ثمّ استأذن عثمان بن عفّان فدخل ورسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یتحدّث کاشفاً عن رکبته فردّ ، ثوبه علی رکبته حین استأذن عثمان وقال لامرأته : استأخری ، فتحدّثوا ساعة ثمّ خرجوا ، فقالت عائشة : یا نبیّ الله دخل أبی وأصحابه فلم تصلح ثوبک علی رکبتک ولم تؤخّرنی عنک ، فقال النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم : ألا أستحی من رجل تستحی منه الملائکة؟ والذی نفسی بیده إنّ الملائکة لتستحی من عثمان کما تستحی من الله ورسوله ، ولو دخل وأنتِ قریب منّی لم یتحدّث ، ولم یرفع رأسه حتی یخرج.

ذکره ابن کثیر فی تاریخه (2) (7 / 203) فقال : هذا حدیث غریب وفی سنده ضعف. وأوعز الذهبی إلیه فی المیزان (3) (2 / 250) فقال : قال البخاری (4) : فی حدیث عمر بن أبان نظر.

قال الأمینی : هذه الروایة لدة ما أسلفناه من مسلم وأحمد مشفوعاً بتفنیده وإبطاله ونزیدک هاهنا : أنّ البراء أبا معشر البصری ضعّفه ابن معین ، وقال أبو داود : لیس بذاک (5) ، وفیها إبراهیم بن عمر بصریّ أُمویّ حفید الممدوح ، قال أبو حاتم (6) : ضعیف الحدیث ، وقال ابن أبی حاتم : ترک أبو زرعة حدیثه فلم یقرأه علینا. وقال 2.

ص: 393


1- المعجم الکبیر : 12 / 252 ح 13253.
2- البدایة والنهایة : 7 / 228 حوادث سنة 35 ه.
3- میزان الاعتدال : 3 / 181 رقم 6047.
4- التاریخ الکبیر : 6 / 142 رقم 1962.
5- تهذیب التهذیب : 11 / 430 [11 / 378]. (المؤلف)
6- الجرح والتعدیل : 2 / 114 رقم 342.

ابن حبّان (1) : لا یحتجّ بخبره إذا انفرد (2) ، وقال ابن عدی (3) : حدّثنا أبو یعلی ، عن المقدمی ، عن أبی معشر ، عن إبراهیم بن عمر بن أبان بأحادیث کلّها غیر محفوظة منها : أنّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم أسرّ إلی عثمان أنّه یقتل ظلماً (4).

4 - أخرج الطبرانی من طریق أبی مروان محمد بن عثمان الأموی العثمانی ، عن أبیه عثمان بن خالد حفید عثمان بن عفّان ، عن مالک ، عن أبی الزناد - مولی بنت عثمان - عن الأعرج ، عن أبی هریرة أنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قال : عثمان حیی تستحی منه الملائکة (5).

قال الأمینی : فی الإسناد أبو مروان محمد ، قال صالح الأسدی : یروی عن أبیه المناکیر ، وقال ابن حبّان (6) : یخطئ ویخالف (7).

وفیه عثمان بن خالد ، قال البخاری (8) : عنده مناکیر ، وقال النسائی : لیس بثقة ، وقال العقیلی (9) : الغالب علی حدیثه الوهم ، وقال أبو أحمد : منکر الحدیث ، وقال ابن عدی (10) : أحادیثه کلّها غیر محفوظة ، وقال الساجی : عنده مناکیر غیر معروفة ، وقال الحاکم وأبو نعیم : حدّث عن مالک وغیره بأحادیث موضوعة (11) ، وقال ابن ف)

ص: 394


1- کتاب المجروحین : 1 / 110.
2- میزان الاعتدال : 1 / 24 [1 / 50 رقم 160] ، لسان المیزان : 1 / 86 [1 / 82 رقم 245]. (المؤلف)
3- الکامل فی ضعفاء الرجال : 5 / 57 رقم 1232.
4- لسان المیزان : 4 / 282 [4 / 325 رقم 1662]. (المؤلف)
5- تاریخ ابن کثیر : 7 / 203 [7 / 228 سنة 35]. (المؤلف)
6- الثقات : 9 / 94.
7- تهذیب التهذیب : 9 / 336 [9 / 299]. (المؤلف)
8- التاریخ الکبیر : مج 6 / 220 رقم 2221.
9- الضعفاء الکبیر : 3 / 198 رقم 1198.
10- الکامل فی ضعفاء الرجال : 5 / 175 رقم 1335.
11- روایته هذه عن مالک من تلکم الموضوعات. (المؤلف)

حبّان (1) : یروی المقلوبات عن الثقات لا یجوز الاحتجاج به (2) ، وقال السندی فی شرح سنن ابن ماجة (1 / 53) فی حدیث یأتی : إسناده ضعیف ، فیه عثمان بن خالد وهو ضعیف باتّفاقهم.

وقد فصّلنا القول قُبیل هذا فی حیاء الرجل بما لا مزید علیه ، وبذلک تعلم أنّ الحدیث باطل وإن صحّ إسناده ، فکیف به وإسناده أوهن من متنه؟!

5 - أخرج أبو نعیم فی حلیة الأولیاء (1 / 56) من طریق هشیم أبی نصر التمّار ، عن الکوثر بن حکیم ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : أشدّ أُمّتی حیاء عثمان بن عفّان.

قال الأمینی : تغمرنی الحیرة فی حیاء أُمّة محمد صلی الله علیه وآله وسلم ومبلغها منه بعد أن کان عثمان أشدّها حیاءً وبین یدیک أفعاله وتروکه ، فعلی الأُمّة العفا إن صدقت الأحلام. نعم : هذا لا یکون ، ونبیّ العظمة لا یسرف فی القول ، ولا یجازف فی الإطراء ، والإسناد باطل لا یعوّل علیه لمکان کوثر بن حکیم قال أبو زرعة : ضعیف ، وقال یحیی بن معین : لیس بشیء ، وقال أحمد بن حنبل (3) : أحادیثه بواطیل ، لیس بشیء ، وقال الدارقطنی (4) وغیره : مجهول ، وقال أبو طالب : سألت أحمد عنه فقال : لیس هو من عیالنا ، وکان أحمد إذ لم یرو عن رجل قال : لیس هو من عیالنا ، متروک الحدیث ، وقال : ضعیف منکر الحدیث ، وقال الجوزجانی : لا یحلّ کتابة حدیثه عندی ؛ لأنّه متروک ، وقال ابن عدی (5) : عامّة ما یرویه غیر محفوظة ، وقال ابن أبی حاتم عن 0.

ص: 395


1- کتاب المجروحین : 2 / 102.
2- تهذیب التهذیب : 7 / 114 [7 / 105 وانظر أیضاً تهذیب الکمال : 19 / 364]. (المؤلف)
3- العلل ومعرفة الرجال : 1 / 436 رقم 972 و 2 / 46 رقم 1505.
4- الضعفاء والمتروکون : ص 332 رقم 447.
5- الکامل فی ضعفاء الرجال : 6 / 78 رقم 1610.

أبیه (1) : ضعیف الحدیث ، قلت : هو متروک؟ قال : لا ، ولا أعلم له حدیثاً مستقیماً وهو لیس بشیء ، وقال ابن أبی شیبة : منکر الحدیث ، وقال أبو الفتح والساجی : ضعیف ، وقال البرقانی والدارقطنی (2) : متروک الحدیث. وذکره العقیلی (3) والدولابی وابن الجارود وابن شاهین فی الضعفاء.

میزان الاعتدال (2 / 359) ، لسان المیزان (4 / 491) (4).

6 - أخرج أبو نعیم فی الحلیة (1 / 56) من طریق زکریّا بن یحیی المقری (5) عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : عثمان أحیا أُمّتی وأکرمها.

قال الأمینی : ما خطر أُمّة محمد صلی الله علیه وآله وسلم إن کان أحیاها وأکرمها قتیل الصحابة العدول إثر هناته وموبقاته ، ولید الشجرة الملعونة فی القرآن ، ولید أبی العاص وقد صحّ عنه صلی الله علیه وآله وسلم فی ولده قوله : «إذا بلغوا ثلاثین رجلاً اتّخذوا مال الله دولا ، وعباده خولا ، ودینه دخلا» وقد کان بلاغهم ثلاثین یوم عثمان وهو أحدهم ورأسهم ، وأسلفنا فی ذلک قول أبی ذر الناظر إلیه وإلیهم من کثب. فهل یثمر الشوک العنب؟ لاها الله.

أیحسب الباحث أنّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم أسرّ بهذه المنقبة الرابیة إلی ابن عمر فحسب من بین الصحابة؟ أم أعلن بها فی ملأ من أصحابه وکان فی الآذان وقر؟ أم سمعوها ونسوها من یومهم الأوّل؟ أم حفظوها ونبذوها وراء ظهورهم یوم ترکوا جثمان أحیا الأُمّة وأکرمها منبوذاً ثلاثة أیّام فی مزبلة من غیر دفن؟ ثمّ دفنه عدّة أُناس لیلاً وما ف)

ص: 396


1- الجرح والتعدیل : 7 / 176 رقم 1005.
2- الضعفاء والمتروکون : ص 335 رقم 525.
3- الضعفاء الکبیر : 4 / 11 رقم 1566.
4- میزان الاعتدال : 3 / 416 رقم 6983 ، لسان المیزان : 4 / 579 رقم 6768.
5- فی النسخة : المنقری. (المؤلف)

أمکنهم تغسیله وتکفینه وتجهیزه والصلاة علیه ، دُفن فی مقبرة الیهود بعد ما رُجم سریره وکُسر ضلعٌ من أضلاعه ، وعُفی قبره خوفاً علیه من النبش.

علی أنّ الإسناد لا یصحّ لمکان زکریّا بن یحیی وهو ضعیف وشیخه یخطئ فی الإسناد والمتن وقد أخطأ فی أحادیث کثیرة ، وغرائب حدیثه وما ینفرد به کثیر.

راجع (1) : تاریخ الخطیب البغدادی ومیزان الاعتدال ولسانه.

7 - أخرج ابن عساکر (2) فی ترجمة عثمان من طریق أبی هریرة مرفوعاً : الحیاء من الإیمان وأحیا أُمّتی عثمان.

ضعّفه السیوطی فی الجامع الصغیر (3) وأقرّه المناوی. راجع فیض القدیر (3 / 429).

لفت نظر : یُعطینا سبر التاریخ والحدیث خُبراً بأنّ السیرة المطّردة لرجال الوضع والاختلاق فی شنشنة التقوّل والافتعال فی الفضائل هی العنایة الخاصّة بالملکات التی کان یفقدها الممدوح رأساً. والمبالغة والإکثار فی کلّ غریزة ثبت خلافها ممّا عُلم من تاریخ حیاة الرجل ومن سیرته الثابتة المشهورة ، فنجدهم یبالغون فی شجاعة أبی بکر بما لا مزید علیه حتی حسبوه أشجع الصحابة ، وقد شهد مشاهد النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم کلّها وما سلّ فیها سیفاً ، ولا نزل فی معترک قتال ، ولا تقدّم لبراز أیّ مجالد ، وما رُؤی قطّ مناضلاً ، وما شوهد یوماً فی میادین الحراب منازلاً ، فأکثروا القول فیها وجاؤوا بأحادیث خرافة فی شجاعته رجاء أن یثبت له منها شیء تجاه تلک الدرایة الثابتة بالمحسوس المشاهد (4). ف)

ص: 397


1- میزان الاعتدال : 2 / 79 رقم 2894 ، لسان المیزان : 2 / 602 رقم 3474.
2- تاریخ مدینة دمشق : 39 / 92 رقم 4619 وفی مختصر تاریخ دمشق : 16 / 131.
3- الجامع الصغیر : 1 / 596.
4- راجع ما أسلفناه فی الجزء السابع : ص 200 - 215. (المؤلف)

ویبالغون فی زهده وتقواه وجعلوا کبده مشویّا من خوف الله والدخان یتصاعد من فمه إلی السماء مهما تنفّس ، ولم یثبت له میز فی العبادة ولم یُروَ عنه الإکثار من الصوم والصلاة ومن کلّ ما یقرّبه إلی الله زلفی (1).

ویبالغون فی علم عمر وجعلوه أعلم الصحابة فی یومه علی الإطلاق وأفقههم فی دین الله ، وحابوه تسعة أعشار العلم ، راجحاً علمه علم أهل الأرض ، علم أحیاء العرب فی کفّة المیزان ، وجاؤوا فیه بکثیر لدة هذه الخرافات (2) والرجل قد ألهاه الصفق بالأسواق عن علم الکتاب والسنّة ، وکلّ الناس أفقه منه حتی ربّات الحجال أخذاً بقوله وهو الصادق المصدّق فیه (3).

ویبالغون فی إنکاره الباطل وبغضه الغناء ونکیره الشدید علیه ، وقد ثبت من شکیمته أنّه کان یتعاطاه ویجوّزه (4).

ولمّا وجدوا أنّ التاریخ الصحیح وما ثبت من سیرة عثمان ینفی عنه ملکة الحیاء ویُمثّله للمجتمع بما یضادّها ، نسجوا له هذا النسج المبرم ، وأتوا بالمخازی ووضعت ید الافتعال فیها ما سمعت من الأفائک ، حتی جعلوه أشدّ أُمّة محمد حیاءً ، وأحیاها وأکرمها ، حییّا تستحی منه الملائکة. فحیاء عثمان کشجاعة أبی بکر وعلم عمر سالبة بانتفاء موضوعاتها ، وهی فیهم تُضاهی أمانة معاویة وعلمه الواردین فیما یُعزی إلیه صلی الله علیه وآله وسلم من قوله : کاد أن یبعث معاویة نبیّا من کثرة علمه وائتمانه علی کلام ربّی. وقوله : الأُمناء سبعة : اللوح والقلم وإسرافیل ومیکائیل وجبریل ومحمد ومعاویة (5). ف)

ص: 398


1- راجع ما أسلفناه فی الجزء السابع : ص 219 - 222. (المؤلف)
2- راجع ما مرّ فی الجزء السادس : ص 82 ، 331 والجزء الثامن : ص 62 ، 63. (المؤلف)
3- راجع ما أسلفناه فی الجزء السادس من نوادر الأثر فی علم عمر. (المؤلف)
4- راجع ما مرّ فی الجزء الثامن : ص 64 - 81 ، 86 ، 94 - 96. (المؤلف)
5- راجع الجزء الخامس من الغدیر : ص 308. (المؤلف)

ویُعرب عن أمانة معاویة ومبلغه من هذه الملکة الفاضلة ما رواه أبو بکر الهذلی قال : إنّ أبا الأسود الدؤلی کان یُحدّث معاویة یوماً فتحرّک فضرط ، فقال لمعاویة : استرها علیّ. فقال : نعم. فلمّا خرج حدّث بها معاویة عمرو بن العاص ومروان بن الحکم ، فلمّا غدا علیه أبو الأسود قال عمرو : ما فعلت ضرطتک یا أبا الأسود بالأمس؟ قال : ذهبت کما تذهب الریح مقبلة ومدبرة من شیخ ألان الدهر أعصابه ولحمه عن إمساکها ، وکلّ أجوف ضروط. ثمّ أقبل علی معاویة فقال : إنّ امرأً ضعفت أمانته ومروءته عن کتمان ضرطة لحقیق بأن لا یؤمن علی أُمور المسلمین.

الأغانی (11 / 113) ، حیاة الحیوان للدمیری (1 / 351) ، محاضرات الراغب (2 / 125) (1).

8 - أخرج الحاکم فی المستدرک (2) (3 / 102) ، من طریق الدارمی ، عن سعید ابن عبد الله الجرجسی ، عن محمد بن حرب ، عن الزبیدی ، عن الزهری ، عن عمرو ابن أبان بن عثمان - الممدوح - عن جابر بن عبد الله ، قال : قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : أُری اللیلة رجل صالح أنّ أبا بکر نیط برسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ونیط عمر بأبی بکر ونیط عثمان بعمر. فلمّا قمنا من عند رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قلنا : أمّا الرجل الصالح فرسول الله ، وأمّا ما ذکر من نوط بعضهم ببعض فهم ولاة هذا الأمر الذی بعث الله به نبیّه صلی الله علیه وآله وسلم.

قال الحاکم : قال الدارمی : سمعت یحیی بن معین یقول : محمد بن حرب یسند هذا الحدیث ، والناس یحدّثون به عن الزهری مرسلاً إنّما هو عمرو بن أبان ولم یکن لأبان بن عثمان ابن یقال له عمرو.

قال الأمینی : ألا تعجب من رؤیا رآها رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وحدّث بها فی ملأ 1.

ص: 399


1- الأغانی : 12 / 360 ، حیاة الحیوان : 1 / 500 ، محاضرات الأدباء : 3 / 275.
2- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 109 ح 4551.

الصحابة ولم یسمعها منه صلی الله علیه وآله وسلم إلاّ جابر بن عبد الله وهو لم یرتّب علیها أی أثر عملیّ ، ولم یروها عنه إلاّ حفید عثمان عمرو بن أبان الذی لم یکن له وجود ، أو اختلف فی أنّه کان أو لم یکن؟ نعم ؛ ینبغی حقّا أن یکون مستدرک الصحیحین أمثال هذه التافهات.

9 - أخرج ابن ماجة فی سننه (1) (1 / 53) ، عن أبی مروان محمد بن عثمان الأموی العثمانی ، عن أبیه عثمان بن خالد حفید عثمان بن عفّان ، عن عبد الرحمن بن أبی الزناد ، عن أبیه - مولی عائشة بنت عثمان - عن الأعرج ، عن أبی هریرة ؛ أنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قال : لکلّ نبیّ رفیق فی الجنّة ورفیقی فیها عثمان بن عفّان.

رجال الإسناد :

1 - أبو مروان ، مرّ الایعاز إلیه (ص 290).

2 - عثمان بن خالد ، أسلفنا فی هذا الجزء (ص 291) کلمات الحفّاظ فیه وأنّه لیس بثقة ، وأحادیثه کلّها غیر محفوظة ، وحدّث بأحادیث موضوعة لا یجوز الاحتجاج به. ورواه الترمذی (2) من طریق طلحة بن عبید الله وقال : غریب لیس إسناده بالقویّ ، وهو منقطع.

3 - عبد الرحمن بن أبی الزناد ، قال یحیی بن معین (3) : لیس ممّن یحتجّ به أصحاب الحدیث لیس بشیء. وقال ابن صالح وغیره عن ابن معین : ضعیف. وقال الدوری عن ابن معین : لا یحتجّ بحدیثه. وقال صالح بن أحمد عن أبیه : مضطرب الحدیث. وعن ابن المدینی : کان عند أصحابنا ضعیفاً. وقال النسائی (4) : لا یُحتجّ 7.

ص: 400


1- سنن ابن ماجة : 1 / 40 ح 109.
2- سنن الترمذی : 5 / 583 ح 3698.
3- التاریخ : 3 / 258 رقم 1211.
4- کتاب الضعفاء والمتروکین : ص 160 رقم 387.

بحدیثه. وقال ابن سعد (1) : کان کثیر الحدیث وکان یضعف لروایته عن أبیه.

تهذیب التهذیب (2) (6 / 171).

وبعد ذلک کلّه فإنّی أستغرب هذه الرفاقة وأنّ الرجل بما ذا اختصّ بها وحصل علیها من دون الصحابة المقدّمین ذوی الفضائل والمآثر ، وفی مقدّمهم صنوه صلی الله علیه وآله وسلم أمیر المؤمنین علیّ صلوات الله علیه وهو نفسه فی الذکر الحکیم ، وأخوه المخصوص به فی حدیث المواخاة المعربة عن المجانسة بینهما فی النفسیّات ، وهو الذابّ الوحید عنه فی حروبه ومغازیه ، ومثله الأعلی فی العصمة والقداسة بصریح آیة التطهیر ، وباب مدینة علمه فی الحدیث المتواتر.

فبما ذا اختصّ عثمان بهذه الرفاقة دون علیّ أمیر المؤمنین ، ألمشاکلته مع صاحب الرسالة العظمی فی النسب أو الحسب فی العلم والتقوی والملکات الفاضلة؟ أو لاتّباعه ما جاء به صلی الله علیه وآله وسلم من کتاب أو سنّة؟ وأنت متی استشففت ما تلوناه فی هذا الکتاب من موارد الخلیفة ومصادره ، وأخذه وردّه ، وأفعاله وتروکه ، تعلم مبوّأه من کلّ هاتیک الفضائل وتجد من المستحیل ما أثبتته له هذه الروایة الواهیة بإسنادها الساقط ، تعالی نبیّ العظمة عن ذلک علوّا کبیراً.

ولست أدری لما ذا ردّ الله دعاء نبیّه الأعظم فی أبی بکر الوارد فیما أخرجه ابن عدی (3) من طریق الزبیر بن العوام قال : قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : اللهمّ إنّک جعلت أبا بکر رفیقی فی الغار فاجعله رفیقی فی الجنّة (4).

نعم ؛ هذا کحدیث ابن ماجة هما سواسیة فی البطلان ، فی إسناده محمد بن ف)

ص: 401


1- الطبقات الکبری : 5 / 416.
2- تهذیب التهذیب : 6 / 155.
3- الکامل فی ضعفاء الرجال : 6 / 286 رقم 1771.
4- لسان المیزان : 5 / 418 [5 / 473 رقم 8160]. (المؤلف)

الولید القلانسی البغدادی ، کذّاب ، یضع الحدیث کما مرّ فی سلسلة الکذّابین (5 / 256) ، ومصعب بن سعید یحدّث عن الثقات بالمناکیر ویصحّف (1) ، وکان مدلّساً لا یدری ما یقول وستوافیک ترجمته ، وعیسی بن یونس مجهول لا یعرف (2).

10 - أخرج الحاکم فی المستدرک (3) (3 / 97) ، من طریق عبید الله بن عمرو القواریری البصری ، عن القاسم بن الحکم بن أوس الأنصاری ، عن أبی عبادة الزرقی ، عن زید بن أسلم ، عن أبیه قال : شهدت عثمان یوم حُصر فی موضع الجنائز ، فقال : أنشدک الله یا طلحة أتذکر یوم کنت أنا وأنت مع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی مکان کذا وکذا ولیس معه من أصحابه غیری وغیرک فقال لک : یا طلحة إنّه لیس من نبیّ إلاّ وله رفیق من أُمّته معه فی الجنّة وإنّ عثمان رفیقی ومعی فی الجنّة؟ فقال طلحة : اللهمّ نعم. قال : ثمّ انصرف طلحة.

وفی لفظ أحمد فی مسنده (4) (1 / 74) ، بالإسناد نفسه ، عن أسلم قال : شهدت عثمان رضی الله عنه یوم حُوصر فی موضع الجنائز ، ولو أُلقی حجر لم یقع إلاّ علی رأس رجل ، فرأیت عثمان رضی الله عنه أشرف من الخوخة التی تلی مقام جبریل علیه السلام ، فقال : أیّها الناس أفیکم طلحة؟ فسکتوا. ثمّ قال : أیّها الناس أفیکم طلحة؟ فسکتوا. ثمّ قال : یا أیّها الناس أفیکم طلحة؟ فقام طلحة بن عبید الله ، فقال له عثمان رضی الله عنه : ألا أراک هاهنا! ما کنت أری أنّک تکون فی جماعة تسمع ندائی آخر ثلاث مرات ثم لا تجیبنی ، أنشدک الله یا طلحة تذکر یوم کنت أنا وأنت مع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی موضع کذا وکذا لیس معه أحد من أصحابه غیری وغیرک؟ قال : نعم. فقال لک رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : یا طلحة إنّه لیس من نبیّ إلاّ ومعه من أصحابه رفیق من أُمّته معه فی الجنّة ، وإنّ عثمان بن 3.

ص: 402


1- لسان المیزان : 6 / 51 رقم 8404.
2- لسان المیزان : 4 / 474 رقم 6460.
3- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 104 ح 4537.
4- مسند أحمد : 1 / 119 ح 553.

عفّان رضی الله عنه هذا یعنینی - رفیقی معی فی الجنّة. قال طلحة : اللهمّ نعم. ثمّ انصرف.

صحّحه الحاکم (1) وعقّبه الذهبی ، فقال : قلت : قاسم هذا ، قال البخاری : لا یصحّ حدیثه ، وقال أبو حاتم (2) : مجهول. وذکره ابن حجر فی تهذیب التهذیب (3) (8 / 312) وحکی عن البخاری وأبی حاتم ما ذکره الذهبی.

وفی الإسناد عبید الله القواریری ، روی عنه البخاری خمسة أحادیث فحسب ، ومسلم أربعین حدیثاً (4) وقد سمع منه أحمد بن یحیی مائة ألف حدیث (5). فما حکم ذلک الحوش الحائش ممّا جاء به القواریری بعد ما لم یأخذ البخاری ومسلم منه إلاّ عدّة أحادیث وضربا عن کلّ ذلک صفحاً؟ ومن المستبعد جدّا عدم وقوفهما علیها.

وفیه : أبو عبادة الزرقی عیسی بن عبد الرحمن الأنصاری ، قال أبو زرعة : لیس بالقویّ. وقال أبو حاتم (5) : منکر الحدیث ضعیف الحدیث شبیه بالمتروک لا أعلمه روی عن الزهری حدیثاً صحیحاً. وقال البخاری والنسائی (6) : منکر الحدیث. وقال ابن حبّان (7) : یروی المناکیر عن المشاهیر فاستحقّ الترک. وقال العقیلی (8) : مضطرب الحدیث. وقال الأزدی : منکر الحدیث مجهول. وقال ابن عدی (9) : عامّة ما یرویه لا یُتابع علیه. وقال ابن حبّان أیضاً : لا ینبغی أن یحتجّ بما انفرد به (10). ف)

ص: 403


1- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 104 ح 4537 ، وکذا فی تلخیصه.
2- الجرح والتعدیل : 7 / 109 رقم 628.
3- تهذیب التهذیب : 8 / 280.
4- و (5) ذکره ابن حجر فی تهذیب التهذیب : 7 / 41 [7 / 36]. (المؤلف)
5- الجرح والتعدیل : 6 / 281 رقم 1559.
6- التاریخ الکبیر : مج 6 / 391 رقم 2741 ، کتاب الضعفاء والمتروکین : ص 176 رقم 443.
7- کتاب المجروحین : 2 / 119.
8- الضعفاء الکبیر : 3 / 381 رقم 1418.
9- الکامل فی ضعفاء الرجال : 5 / 245 رقم 1390.
10- تهذیب التهذیب : 8 / 218 [8 / 195] ، لسان المیزان : 4 / 400 [4 / 462 رقم 6427]. (المؤلف)

قال الأمینی : ولا یکاد یصحّ انصراف طلحة مع إصراره الثابت فی التشدید علی عثمان إلی آخر نفس لفظه الرجل ، ولم یقنعه الإجهاز علیه حتی إنّه منعه عن الدفن فی مقابر المسلمین ، وجعل ناساً هناک أکمنهم کمیناً ورموا حملة جنازته بالحجارة وصاحوا : نعثل نعثل. وقال طلحة : یُدفن بدیر سلع یعنی مقابر الیهود ، ولذلک قال مروان لمّا قتل طلحة لأبان بن عثمان : قد کفیتک بعض قتلة أبیک ، ومروان کان شاهداً علیه من کثب (1).

ومن العجیب أنّ هذه المناشدة کانت فی ذلک المحتشد الرحیب بمسمع من أُولئک الجمّ الغفیر وکان لو أُلقی الحجر لم یقع إلاّ علی رأس رجل لکنّها لم تکفئ أحداً منهم ، فهل کانوا معترفین بها معرضین عنها؟ فأین العدالة المزعومة فیهم؟ أو أنّهم عرفوا بطلانها وما صدّقوا الرجلین فی دعواهما فترکوها فی مدحرة الإعراض؟ أو لم تکن هنالک مناشدةً قطّ؟ وهو أقرب الوجوه إلی الحقّ.

ولو فرضنا أنّها أکفأت طلحة کما یحسبه مختلق هذه الروایة ، فإنّه لم یکن إلاّ إکفاءً وقتیّا ثمّ راجع طلحة رشده فعرف أنّها حجّة داحضة فاستمرّ علی ما ثار له ، وثبت عنه من الثبات علی عمله وتضییقه.

هذه غایة ما یمکن أن یقال متی تجشّمنا لوضع هذه المزعمة فی بقعة الإمکان ، ومن المستصعب ذلک أو المتعذّر ، وقد أسلفنا أنّ الرفاقة المزعومة لیس من السهل تصدیقها لعدم المجانسة بین الرفیقین قطّ ولو کانت من جهة.

والرفاقة کالأخوّة والصحبة - المنبعثة ثلاثتها عن التجانس فی الخلل والمزایا - تخصّ بعلیّ أمیر المؤمنین علیه السلام کما جاء مرفوعاً : «یا علیّ أنت أخی وصاحبی ورفیقی فی الجنّة» (2) ، وهذا التخصّص تعاضده البرهنة الثابتة ، ویؤیّد بالاعتبار. ف)

ص: 404


1- راجع ما مرّ فی هذا الجزء : ص 91 - 101. (المؤلف)
2- تاریخ الخطیب : 12 / 268 [رقم 6712]. (المؤلف)

11 - أخرج (1) أبو یعلی وأبو نعیم وابن عساکر فی تاریخه (7 / 65) ، والحاکم فی المستدرک (3 / 97) من طریق شیبان بن فروخ ، عن طلحة بن زید الدمشقی ، عن عبیدة (2) بن حسان ، عن عطاء الکیخارانی ، عن جابر بن عبد الله قال : بینما نحن فی بیت ابن حشفة فی نفر من المهاجرین فیهم : أبو بکر ، وعمر ، وعثمان ، وعلی ، وطلحة ، والزبیر ، وعبد الرحمن بن عوف ، وسعد بن أبی وقاص ، فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : لینهض کلّ رجل منکم إلی کفئه ، فنهض النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم إلی عثمان فاعتنقه ، وقال : أنت ولیّی فی الدنیا والآخرة.

صحّحه الحاکم وعقّبه الذهبی فی تلخیصه وقال : قلت : بل ضعیف ، فیه طلحة ابن زید ، وهو واهٍ عن عبیدة بن حسان شُوَیخ مقلّ عن عطاء. وقال السیوطی فی اللآلئ (1 / 317) : موضوع ، طلحة لا یحتجّ به ، وعبیدة یروی الموضوعات عن الثقات. انتهی.

وذکره (3) المحبّ الطبری فی ریاضه النضرة (2 / 101) ، وابن کثیر فی تاریخه (7 / 212) ساکتین عمّا فی إسناده من الغمز شأنهما فی فضائل من یحبّانه ویوالیانه ، ولا یخفی علیهما قول أحمد : طلحة بن زید لیس بذاک قد حدّث بأحادیث مناکیر. وقوله : لیس بشیء کان یضع الحدیث لا یعجبنی حدیثه. وقول (4) البخاری والنسائی : منکر الحدیث. وقول النسائی أیضاً : لیس بثقة متروک. وقول صالح بن محمد : لا یکتب حدیثه. وقول ابن حبّان (5) : منکر الحدیث لا یحلّ الاحتجاج بخبره. وقول 3.

ص: 405


1- مسند أبی یعلی : 4 / 44 ح 2051 ، تاریخ مدینة دمشق : 25 / 25 رقم 2978 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 11 / 184 ، المستدرک علی الصحیحین : 3 / 104 ح 4536 وکذا فی تلخیصه.
2- فی النسخة هاهنا وفیما یأتی : عبید. والصحیح ما ذکرناه. (المؤلف)
3- الریاض النضرة : 3 / 27 ، البدایة والنهایة : 7 / 239 حوادث سنة 35 ه.
4- التاریخ الکبیر : 4 / 351 رقم 3105 ، کتاب الضعفاء والمتروکین : ص 143 رقم 332.
5- کتاب المجروحین : 1 / 383.

الدارقطنی (1) والبرقانی : ضعیف. وقول أبی نعیم : حدّث بالمناکیر لا شیء. وقول الآجری عن أبی داود : یضع الحدیث. ونسبة ابن المدائنی إیّاه إلی وضع الحدیث. وقول الساجی : منکر الحدیث (2).

کما لا یخفی علی الرجلین رأی الحفّاظ فی عبیدة بن حسان ، قال أبو حاتم (3) : منکر الحدیث ، وقال ابن حبّان (4) : یروی الموضوعات عن الثقات ، وقال الدارقطنی : ضعیف. لسان المیزان (5) (4 / 125).

والغرابة فی هذه المماثلة والولایة المنبعثة عنها فی الدنیا والآخرة ، وهی لیست بأقلّ من الرفاقة التی أسلفنا القول فیها قُبیل هذا ، وإنّ من المؤسف جدّا المقارنة بین رسول العظمة وبین من لم یقم الصحابة الأوّلون - العدول کلّهم فیما یرتئون - له وزناً ولا رأوا لحیاته قیمة ، ولا حسبوه لتسنّم عرش الخلافة مؤهّلاً ، فلم یزل ممقوتاً عندهم حتی کبت به بطنته ، وأجهز علیه عمله ، کما قاله مولانا أمیر المؤمنین (6) ولم یفتأ الصحابة مصرّین علی مقته حتی أوردوه حیاض المنیّة ، ولم تبرح أعماله مؤکدّة لعقائد الملأ الدینی فی همزه ولمزة حتی وقع من الأمر ما وقع.

ولا یسع قطّ لعارف عرفان وجه المکافأة بین نبیّ العظمة وبین عثمان ، فإنّها إن کانت من ناحیة النسب فأنّی هی؟ هذا من شجرة طیّبة أصلها ثابت وفرعها فی السماء ، وذلک من شجرة ملعونة فی القرآن. ف)

ص: 406


1- الضعفاء والمتروکون : ص 255 رقم 304.
2- تاریخ ابن عساکر : 7 / 65 [25 / 26 - 29 رقم 2978 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 11 / 184] ، تهذیب التهذیب : 4 / 16 [5 / 15] ، اللآلئ المصنوعة : 1 / 81 ، 317 [1 / 156 ، 317]. (المؤلف) [وأنظر أیضاً تهذیب الکمال للحافظ المزّی : 13 / 395 رقم 2968].
3- الجرح والتعدیل : 6 / 92 رقم 475.
4- کتاب المجروحین : 2 / 189.
5- لسان المیزان : 4 / 145 رقم 5485.
6- راجع ما أسلفناه فی الجزء السابع : ص 82. (المؤلف)

وإن کانت من حیث الحسب ففرق بینهما فیه بعد المشرقین ولا حرج ، هذا حسیب. وذلک مُقشَّب (1) الحسب؟ وإن کان من جهة الملکات الفاضلة والنفسیّات الکریمة فالمشاکلة منتفیة وهما طرفا نقیض ، هذا ناصح الجیب ، واری الزند (2) لعلی خلق عظیم ، والآخر یحمل منها بین جنبیه ما عرّفناک حدیثه.

ونحن إن أخذنا ما جاء به القوم من قضایا الملکات فالبون بینهما شاسع أیضاً ، فالنبیّ الأقدس مثلاً عندهم کما مرّ کان یکشف فی الملأ عن رکبتیه وعن فخذیه وعمّا هو بینهما وبین سرّته ولم یکن یبالی. وعثمان إن کان لیکون فی البیت والباب علیه مغلق ، فما یضع عنه الثوب لیفیض علیه الماء ، یمنعه الحیاء أن یقیم صلبه ، کما مرّ فی حدیث الحسن (ص 287).

وإن فرضت المشاکلة من جانب الأخذ بالدین والعمل بما فیه من أفعال أو تروک ، فالتباین بینهما ظاهر وأیّ تباین (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلاً فِیهِ شُرَکاءُ مُتَشاکِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ هَلْ یَسْتَوِیانِ مَثَلاً) (3) هذا رسول التوحید أسلم وجهه لله وهو محسن ، یعبد ربّه مخلصاً له الدین تحت رایة لا إله إلاّ الله ، وقرط أُذنه قوله تعالی (قُلِ اللهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ) (4) ، وورد لسانه : (وَما تَوْفِیقِی إِلاَّ بِاللهِ عَلَیْهِ تَوَکَّلْتُ) (5) ، وأمّا عثمان فهو أسیر هوی مروان ومعاویة وسعید ومن شاکلهم من أبناء بیته ، یسیر مع میولهم وشهواتهم ، حتی قال مولانا أمیر المؤمنین : «ما رضیت من مروان ولا رضی منک إلاّ بتحویلک عن دینک وعقلک ، وإنّ مثلک مثل جمل الظعینة سار حیث یُسار 8.

ص: 407


1- المقشَّب : الممزوج الحسب باللؤم.
2- رجل ناصح الجیب أی صادق أمین ، نقیّ القلب لا غشّ فیه. ویقال : واری الزند. فی المبالغة فی الکرم والخصال المحمودة. (المؤلف)
3- الزمر : 29.
4- الأنعام : 91.
5- هود : 88.

به (1)» قدم ربّه وقد خلط عملاً صالحاً وآخر سیّئاً ، کسب سیّئة وأحاطت به خطیئته.

إیه إیه یا نبیّ العظمة أنزلک الدهر ثمّ أنزلک حتی جعلک کُفو عثمان بعد ما اختارک ربّک واصطفاک من بریّته وجعلک لسان صدق نبیّا! هذا جزاؤک من أُمّتک جزاء سنمّار (وَسَیَعْلَمُ الَّذِینَ ظَلَمُوا أَیَّ مُنْقَلَبٍ یَنْقَلِبُونَ) (2).

لفت نظر :

وضعت ید الأمانة الخائنة علی ودائع الإسلام المقدّس هذه الروایة تجاه ما صحّ عن النبیّ الأقدس فی صنوه الطاهر أمیر المؤمنین فی حدیث طویل عن ابن عبّاس من قوله صلی الله علیه وآله وسلم لعلیّ علیه السلام : «أنت ولیّی فی الدنیا والآخرة».

أخرجه أحمد فی مسنده (3) (1 / 331) بإسناد صحیح رجاله کلّهم ثقات کما مرّ الإیعاز إلیه فی الجزء الأوّل (ص 50) ، وفی الجزء الثالث (ص 195) ، رجاله :

1 - یحیی بن حماد أبو بکر البصری ، أحد رجال الصحیحین ، وثّقه (4) ابن سعد وأبو حاتم وابن حبّان والعجلی.

2 - أبو عوانة الوضّاح الیشکری ، من رجال الصحیحین. وثّقه (5) أبو زرعة 4.

ص: 408


1- راجع ما مرّ فی هذا الجزء : ص 174. (المؤلف)
2- الشعراء : 227.
3- مسند أحمد : 1 / 544 ح 3052.
4- الطبقات الکبری : 7 / 306 ، الجرح والتعدیل : 9 / 137 رقم 583 ، الثقات : 9 / 257 ، تاریخ الثقات للعجلی : ص 470 رقم 1800.
5- الجرح والتعدیل : 9 / 40 رقم 173 ، العلل ومعرفة الرجال : 3 / 92 رقم 4329 ، الثقات : 7 / 562 ، الطبقات الکبری : 7 / 287 ، تاریخ الثقات للعجلی : ص 464 رقم 1768 ، تاریخ أسماء الثقات : ص 339 رقم 1443. وانظر تهذیب التهذیب : 11 / 104.

وأبو حاتم وأحمد وابن حبّان وابن سعد والعجلی وابن شاهین. وقال ابن عبد البرّ : أجمعوا علی أنّه ثقة ثبت حُجّة.

3 - أبو بلج یحیی بن سلیم الواسطی ، وثّقه ابن معین وابن سعد (1) والنسائی والدارقطنی وابن حبّان وأبو الفتح الأزدی.

4 - عمرو بن میمون أبو عبد الله الکوفی ، أدرک الجاهلیّة ولم یلق النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم. وثّقه (2) العجلی وابن معین والنسائی وغیرهم ، عن ابن عبّاس.

وأخرجه جمع من الحفّاظ وذکره غیر واحد من المؤلّفین ، ومنهم (3) :

1 - الحافظ أبو عبد الرحمن النسائی المتوفّی (303) ، فی الخصائص (ص 7).

2 - الحافظ أبو القاسم الطبرانی المتوفّی (360) ، کما فی الفرائد والمجمع وغیرهما.

3 - الحافظ أبو یعلی النیسابوری المتوفّی (374) (4) کما فی البدایة والنهایة. ث.

ص: 409


1- الطبقات الکبری : 7 / 311 ، وانظر تهذیب الکمال للمزّی : 33 / 162 رقم 7269.
2- تاریخ الثقات : ص 371 رقم 1290 ، التاریخ : 3 / 506 رقم 247.
3- خصائص أمیر المؤمنین : ص 45 ح 23 ، المعجم الکبیر : 12 / 77 ح 12592 ، المستدرک علی الصحیحین : 3 / 145 ح 4655 ، المناقب : ص 125 ح 140 ، ترجمة الامام علی بن أبی طالب من تاریخ ابن عساکر - الطبعة المحققة - : رقم 249 - 251 وفی مختصر تاریخ دمشق : 17 / 329 ، کفایة الطالب : ص 242 باب 62 ، الریاض النضرة : 3 / 153 ، فرائد السمطین : 1 / 327 ح 255 باب 59. البدایة والنهایة : 7 / 374 حوادث سنة 40 ه ، وسیلة المآل : ص 129 ، نُزُل الأبرار : ص 49 ، مفتاح النجا : ص 40 ، مرآة المؤمنین : ص 85.
4- قال ابن کثیر : وقال أبو یعلی : حدّثنی یحیی بن عبد الحمید ... الخ. ویحیی متوفّی سنة 228 ، ولهذا یبعد روایة أبی یعلی - المتوفی 374 - عنه مباشرة ، لأن هذا یعنی أنّه عمّر بعد سماعه عنه مائة وستاً وأربعین سنة علی الأقل ویبدو أنّ أبا یعلی هذا راوٍ لا مؤلف ، وهو غیر الحافظ أبی یعلی الموصلی صاحب المسند ، لأننا لم نعثر علی هذا الحدیث فی مسنده فضلاً عن أنه توفّی سنة (307) أما کلمة (النیسابوری) فلم نجدها فی تاریخ ابن کثیر ، ولا فی غیره من المصادر التی ذکرت الحدیث.

4 - الحافظ أبو عبد الله الحاکم المتوفّی (405) فی المستدرک (3 / 132) وصحّحه.

5 - الحافظ أبو بکر البیهقی المتوفّی (458) کما فی المناقب للخوارزمی.

6 - أخطب خوارزم أبو المؤیّد المتوفّی (568) فی المناقب (ص 75).

7 - الحافظ أبو القاسم بن عساکر المتوفّی (571) فی الأربعین الطوال والموافقات.

8 - الحافظ أبو عبد الله الکنجی المتوفّی (658) فی کفایة الطالب (ص 115)

9 - الحافظ المحبّ الطبری المتوفّی (694) فی الریاض النضرة (2 / 203) وذخائر العقبی (ص 87).

10 - شیخ الإسلام الحمّوئی المتوفّی (722) فی فرائد السمطین.

11 - الحافظ ابن کثیر الدمشقی المتوفّی (774) فی البدایة والنهایة (7 / 337)

12 - الحافظ أبو الحسن الهیثمی المتوفّی (807) فی مجمع الزوائد (9 / 108) وصحّحه من طریق أحمد.

13 - الحافظ ابن حجر العسقلانی المتوفّی (852) فی الإصابة (2 / 509).

14 - أبو حامد محمود الصالحانی (1) کما فی توضیح الدلائل لشهاب الدین أحمد.

15 - السیّد شهاب الدین أحمد (2) فی توضیح الدلائل علی ترجیح الفضائل.

16 - الشیخ أحمد بن الفضل با کثیر المتوفّی (1047) فی وسیلة المآل. ی.

ص: 410


1- هو محمود بن محمد ، أبو حامد سعد الدین الصالحانی المتوفّی 612 ه. أدیب ، سکن شیراز وبها حدّث. له تصانیف. أنظر معجم المؤلفین : 12 / 196.
2- هو السید شهاب الدین أحمد بن عبد الله الحسینی الشیرازی.

17 - میرزا محمد البدخشانی المتوفّی (1123) (1) فی نُزُل الأبرار (ص 16) ومفتاح النجا.

18 - شاه ولیّ الله الهندی المتوفّی (1126) (2) فی إزالة الخفاء (2 / 261).

19 - الأمیر محمد بن إسماعیل الیمنی الصنعانی فی الروضة الندیّة.

20 - المولوی ولیّ الله الهندی المتوفّی (1270) (3) فی مرآة المؤمنین. وغیرهم.

هذا ما صحّ عن النبیّ الأعظم من قوله : «أنت ولیّی فی الدنیا والآخرة» ، (فَبَدَّلَ الَّذِینَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلاً غَیْرَ الَّذِی قِیلَ لَهُمْ) (4).

12 - أخرج البزّار (5) من طریق خارجة بن مصعب ، عن عبد الله بن عبید الحمیری البصری ، عن أبیه قال : کنت عند عثمان حین حُصر فقال : هاهنا طلحة؟ فقال طلحة : نعم. فقال : أنشدتک الله أما علمت أنّا کنّا عند رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، فقال : لیأخذ کلّ رجل منکم بید جلیسه فأخذت بید فلان ، وأخذ فلان بید فلان ، حتی 9.

ص: 411


1- المیرزا محمد خان ابن رستم خان المعتمد البدخشی المتوفّی بعد سنة 1124 ، ذکر ذلک العلاّمة السید عبد العزیز الطباطبائی ; فی تعلیقته فی الجزء الأول ص 298 من هذا الکتاب. وقد ذکرنا فی هامش 6 / 480 سهواً أنّه توفی سنة 922.
2- اسمه أحمد بن عبد الرحیم ، أبو عبد العزیز الفاروقی الدهلوی الهندی ، الملقّب شاه ولیّ الله. أرخ الزرکلی فی الأعلام : 1 / 149 وفاته بسنة 1176 ه ، وقال : قیل فی وفاته : سنة 1179. ونقل المغفور له العلاّمة المحقّق السید عبد العزیز الطباطبائی طیّب الله ثراه فی هامش الغدیر : 1 / 299 نقلاً عن نزهة الخواطر أنّ وفاته سنة 1239 ه. وکأنّه حدث خلط بین ولیّ الله أحمد وبین ابنه عبد العزیز المولود سنة 1159 والمتوفّی 1239 ه. فالمترجَم فی الجزء الأول المراد منه أبو عبد العزیز ولیّ الله أحمد المتوفّی 1176 ه ولیس ابنه عبد العزیز ، وهو نفسه المقصود هنا.
3- مرّ ذکره فی الجزء الأول ص 303.
4- الأعراف : 162.
5- البحر الزخّار : 3 / 171 ح 959.

أخذ کلّ رجل بید صاحبه وأخذ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بیدی وقال : هذا جلیسی فی الدنیا وولیّی فی الآخرة؟ قال : اللهمّ نعم.

وذکره ابن حجر فی فتح الباری (1) (5 / 315) عن ابن مندة من طریق عبید الحمیری المذکور ساکتاً عمّا فی إسناده من العلّة ، کأنّه لیس هو الذی حکی تلکم الآراء الواردة فی جرح خارجة بن مصعب عن الحفّاظ وأئمّة الجرح والتعدیل. قال فی تهذیب التهذیب (2) (3 / 78) : قال الأثرم عن أحمد : لا یکتب حدیثه. وقال عبد الله بن أحمد : نهانی أبی أن أکتب عنه شیئاً من الحدیث. وقال الدوری ومعاویة وعبّاس عن ابن نمیر : لیس بثقة ، لیس بشیء ، کذّاب ضعیف. وقال ابن معین (3) : لیس بشیء. وقال یحیی بن یحیی : یدلّس. وقال النسائی (4) : متروک الأحادیث ، لیس بثقة ، ضعیف. وقال ابن سعد (5) : اتّقی الناس حدیثه فترکوه. وقال ابن خراش وأبو أحمد : متروک الحدیث. وقال الدارقطنی (6) : ضعیف. وقال یعقوب : ضعیف الحدیث عند جمیع أصحابنا. وقال ابن المدینی : هو عندنا ضعیف. وقال أبو داود : ضعیف لیس بشیء. وقال ابن حبّان (7) : وقع فی حدیثه الموضوعات عن الأثبات لا یجوز الاحتجاج بخبره. وذکره ابن الجارود والعقیلی (8) وابن السکن وأبو زرعة وأبو العرب وغیرهم فی الضعفاء.

وقال السیوطی فی اللآلئ (1 / 317) : قال ابن حبّان : خارجة یدلّس عن 6.

ص: 412


1- فتح الباری : 5 / 408.
2- تهذیب التهذیب : 3 / 67.
3- معرفة الرجال : 1 / 68 رقم 143 ، التاریخ : 3 / 253 رقم 1188.
4- کتاب الضعفاء والمتروکین : ص 97 رقم 182.
5- الطبقات الکبری : 7 / 371.
6- الضعفاء والمتروکون : ص 201 رقم 204.
7- کتاب المجروحین : 1 / 288.
8- الضعفاء الکبیر : 2 / 25 رقم 446.

الکذّابین ووقع فی حدیثه الموضوعات.

ولعلّنا أوقفناک علی مقیاس صحیح فی أمثال هذه الروایة فی ذیل الروایتین اللتین تُشبهانها قُبیل هذا ، فإنّک إذن لا تجد مقیلاً لها من الصحة والاعتبار نظراً إلی متنها قبل أن تقف علی ضعف إسنادها ، فدعها ومُرّ بها کریماً ، وذر الوضّاعین فی غلوائهم یرمون القول علی عواهنه.

ولو کان طلحة سمع هذه المزعمة منه صلی الله علیه وآله وسلم واعترف بها یوم الحصار فی ملأ الصحابة لما کان یأخذ بخناق الرجل ویشدّد علیه ، وما کان یثیر علیه نقع الفتن حتی یورده مورد المنیّة ، ولم یک یمنع عنه إیصال الماء إلیه ، ولم یرض بإنهاء أمره إلی القتل الذریع ، ولم یُرضه دفنه فی مقابر الیهود.

لو کان طلحة یعرف شیئاً من هذه الروایة لما استسهل رکوب ذلک المرکب الصعب الجموح وهو صحابّی عادل أحد العشرة المبشّرة کما یحسبون.

13 - أخرج ابن ماجة فی سننه (1) (1 / 53) ، عن أبی مروان محمد بن عثمان الأموی العثمانی ، عن أبیه عثمان بن خالد حفید عثمان بن عفّان ، عن عبد الرحمن بن أبی الزناد ، عن أبیه ، عن الأعرج ، عن أبی هریرة : أنّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم لقی عثمان عند باب المسجد فقال : یا عثمان هذا جبریل أخبرنی أنّ الله قد زوّجک أُم کلثوم بمثل صداق رقیّة علی مثل صحبتها. ورواه ابن عساکر (2) کما فی تاریخ ابن کثیر (3) (7 / 211).

قال الأمینی : أسلفنا فیما مرّ صفحة (290) أنّ محمد بن عثمان یخطئ ویخالف ویروی عن أبیه مناکیر ، وأنّ أباه لیس بثقة وأحادیثه غیر محفوظة ، وأنّه حدّث بأحادیث موضوعة لا یجوز الاحتجاج به ، ومرّ فی صفحة (295) أنّ عبد الرحمن بن .

ص: 413


1- سنن ابن ماجة : 1 / 40 ح 110.
2- تاریخ مدینة دمشق : 39 / 39 - 40 رقم 4619 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 16 / 120.
3- البدایة والنهایة : 7 / 238 حوادث سنة 35 ه.

أبی الزناد لیس ممّن یحتجّ به أصحاب الحدیث ، وأنّه ضعیف مضطرب الحدیث لا یُحتجّ بحدیثه ، وعلیک بمراجعة ما فصّلناه فی الجزء الثامن (ص 231 - 234).

14 - أخرج ابن عدی (1) ، قال : حدّثنا محمد بن داود بن دینار ، حدّثنا أحمد ابن محمد بن الحباب البصری ، حدّثنا عمرو بن فائد البصری ، عن موسی بن سیّار البصری ، عن الحسن البصری ، عن أنس مرفوعاً : إنّ لله تعالی سیفاً مغموداً فی غمده ما دام عثمان بن عفّان حیّا ، فإذا قُتل جُرّد ذلک السیف فلم یُغمد إلی یوم القیامة ، ورواه ابن عساکر (2) بالإسناد.

قال السیوطی فی اللآلئ (1 / 316) : موضوع آفته عمرو بن فائد ، وشیخه کذّاب أیضاً.

قال الأمینی : ألا تعجب من السیوطی؟ یحکم هاهنا علی الروایة بالوضع ویکذّب راویها ویذکرها فی تاریخ الخلفاء (3) (ص 110) فی عدّ فضائل عثمان ویقتصر علی قوله : تفرّد به عمرو بن فائد وله مناکیر. نعم ؛ هکذا یموّهون علی الحقائق ویغرون الناس بالجهل ، کان علی الرجل أن یلغیها عن سیاق عدّ الفضائل - التی من طبعها أن یُحتجّ بها - بعد ما رآها موضوعة رواها کذّاب عن کذّاب ، غیر أنّه لو اقتصر علی ما یحتجّ به فی باب الفضائل ، وألغی مالا یصحّ منها سنداً أو متناً ، لما یجد هو وغیره فضیلة قطّ لعثمان ، وهذا ممّا لا یروقه هو ولا یحبّذه قومه.

وللدارقطنی ، وابن المدینی ، والعقیلی ، وابن عدی ، والنسائی ، والذهبی ، کلمات 2.

ص: 414


1- الکامل فی ضعفاء الرجال : 5 / 148 رقم 1312.
2- تاریخ مدینة دمشق : 39 / 444 رقم 461 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 16 / 249.
3- تاریخ الخلفاء : ص 151 - 152.

فی جرح عمرو بن فائد وبطلان حدیثه. راجع (1) لسان المیزان (4 / 372).

ولیحیی القطّان ، وأبی حاتم ، وابن عدی ، وابن معین ، والذهبی ، أقوال فی تفنید موسی بن سیّار البصری وتکذیبه وبطلان حدیثه.

راجع (2) : میزان الاعتدال (3 / 211) ، ولسان المیزان (6 / 120).

وفی الإسناد محمد بن داود الفارسی ، قال الذهبی فی المیزان (3) (3 / 54) : من شیوخ ابن عدی ، ذکره فقال : کان یکذب. وذکر ابن حجر فی اللسان (4) (5 / 161) حدیثاً فی فضل علیّ أمیر المؤمنین فقال : هو من وضع محمد بن داود بن دینار.

هذا شأن هذه المکذوبة ، غیر أنّ أُناساً من الغالین فی الفضائل کالسیوطی والقرمانی (5) وأحمد زینی دحلان (6) اتّخذوها حجّة عند ذکرهم فضائل عثمان مرسلین إیّاها إرسال المسلّم شأنهم فی الموضوعات المفتعلة فی الثناء علی رجالاتهم.

15 - وأخرج الحاکم فی المستدرک (7) (3 / 103) من طریق أحمد بن کامل القاضی ، عن أحمد بن محمد بن عبد الحمید الجعفی ، عن الفضل بن جبیر الورّاق ، عن خالد بن عبد الله الطحّان المزنی ، عن عطاء بن السائب ، عن سعید بن جبیر ، عن ابن ه.

ص: 415


1- الضعفاء والمتروکون : ص 307 رقم 399 ، الضعفاء الکبیر : 3 / 290 رقم 1292 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 5 / 148 رقم 1312 ، میزان الاعتدال : 3 / 283 رقم 6421 ، لسان المیزان : 4 / 429 رقم 6307.
2- الجرح والتعدیل : 8 / 146 رقم 659 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 6 / 345 رقم 1825 ، میزان الاعتدال : 4 / 206 رقم 8874 ، لسان المیزان : 6 / 140 رقم 8652.
3- میزان الاعتدال : 3 / 540 رقم 7499.
4- لسان المیزان : 5 / 182 رقم 7330.
5- فی أخبار الدول هامش الکامل لابن الأثیر : 1 / 214 [1 / 301]. (المؤلف)
6- فی الفتوحات الإسلامیّة : 2 / 498 [2 / 328]. (المؤلف)
7- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 110 ح 4555 ، وکذا فی تلخیصه.

عبّاس قال : کنت قاعداً عند النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم إذ أقبل عثمان بن عفّان رضی الله عنه ، فلمّا دنا منه ، قال : یا عثمان تُقتل وأنت تقرأ سورة البقرة ، فتقع قطرة من دمک علی (فَسَیَکْفِیکَهُمُ اللهُ وَهُوَ السَّمِیعُ الْعَلِیمُ) (1) وتُبعث یوم القیامة أمیراً علی کلّ مخذول ، یغبطک أهل الشرق والغرب ، وتشفع فی عدد ربیعة ومضر.

قال الأمینی : سکت الحاکم عن صحّة الحدیث ، وأنصف الذهبی فقال فی تلخیصه : کذب بحت ، وفی الإسناد أحمد بن محمد بن عبد الحمید الجعفی ، وهو المتّهم به. انتهی.

وشیخ الجعفی أیضاً لا یتابع علی حدیثه ، کما قاله (2) العقیلی وحکاه عنه الذهبی فی المیزان وابن حجر فی لسانه (4 / 438).

إنّ ممّا یُقضی منه العجب أنّ أحداً من الصحابة العدول لم یسمع هذا الحدیث عن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ، کأنّ المجلس الذی ألقی صلی الله علیه وآله وسلم فیه هذه الکلمة کان خلواً عنهم جمیعاً ، ومن العجیب أیضاً أنّه لم یروه أحد منهم لصاحبه - إن کان سمعه أحد - حتی تتداوله الألسن ، فعسی أن یکون رادعاً عن التجمهر علی عثمان والاتّفاق علی نبذه والجرأة علی قتله ، نعم ؛ لم یسمعه أحد منه صلی الله علیه وآله وسلم عدا ابن عبّاس الذی کان صبیّا فی عهد النبوّة لم یبلغ الحلم ، وقد توفّی صلی الله علیه وآله وسلم وابن عبّاس ابن ثلاث عشرة سنة کما قاله الواقدی والزبیر ، وصحّحه أبو عمر فی الاستیعاب ، أو عشر سنین کما روی عن ابن عبّاس نفسه من وجوه (3) أو أکثر منها ، وربما یُشکّ فی أنّه هل کان یحسن التحمّل عندئذٍ أو لا؟ ولعلّه هو أیضاً کان شاکّا فی تحمّله هذا الحدیث حیث جاءته استغاثة ف)

ص: 416


1- البقرة : 137.
2- الضعفاء الکبیر : 3 / 444 رقم 1492 ، میزان الاعتدال : 3 / 350 رقم 6716 ، لسان المیزان : 4 / 512 رقم 6546.
3- راجع : مسند أحمد : 1 / 253 [1 / 419 ح 2283] ، الاستیعاب : 1 / 372 [القسم الثالث / 933 رقم 1588]. (المؤلف)

عثمان (1) وهو یخطب الحاجّ یوم عرفة فتلاها نافع بن طریف ، فلمّا أتمّها مضی ابن عبّاس فی خطبته غیر مکترث لاستغاثة الخلیفة وهو بین الناب والمخلب ، علی حین أنّه کان منصوباً من قبله لإمارة الحاجّ ، فلم یعرض لشیء من شأنه ولا للزوم الدفاع عنه ، وما ذلک إلاّ لإصفاقه مع المجهزین علیه فی الرأی وإلاّ لکان من واجبه الحثّ علی الذبّ عنه ، وبیان وجوب إغاثته ، وملء سمعه هذا الحدیث الذی عُزی إلیه وملء فیه روایته - وحاشاه عن روایته - وکأنّ الحضرة النبویّة نصب عینیه یتلقّی منه الروایة ، وهو الذی یقتضیه عدله وتقواه.

وهناک شاهد آخر لعدم إخباته إلی مضمون هذه الروایة وهو أنّه لمّا بعثه عثمان أمیراً علی الحاجّ لقیته عائشة فی بعض المنازل فقالت له : یا ابن عبّاس إنّ الله قد آتاک عقلاً وفهماً وبیاناً فإیّاک أن تردّ الناس عن هذا الطاغیة (2) تعنی عثمان ، فلم یُبد ابن عبّاس لها تجاه تلک الشدّة تجهّماً ولا قولاً لیّناً کمن یوافقها علی النزعة ، کما ردّ علیها فی حثّها علی عدم التخذیل عن طلحة وجنوحها إلی تولّیه الأمر ، فلو کان ابن عباس یعرف فی شأن عثمان شیئاً من هذه الروایة لرواه لها واتّخذه مستنداً فی الدفاع عنه ، فجامع القول أنّ الحبر لم یسمع ممّا تُقوّل علیه شیئاً ، وإنّما هو من موالید العهد الأمویّ بعد عهد ابن عبّاس.

ولیس من المستسهل الکشف عن إمارة المخذولین یوم القیامة ، کما أنّ من المستصعب جدّا عرفان أعیانهم وأشخاصهم ، أفیهم أُولئک الصفوة الأبرار من الصحابة والتابعین أمثال أبی ذر وعمّار وابن مسعود ومالک الأشتر وزید وصعصعة ابنی صوحان وکعب بن عبدة وعامر بن عبد قیس وآخرین من صلحاء المدینة والکوفة والبصرة الذین خذلهم عثمان وأبناء بیته؟ف)

ص: 417


1- راجع ما مضی فی هذا الجزء : ص 134 ، 192. (المؤلف)
2- راجع ما مرّ فی هذا الجزء صفحة : 78. (المؤلف)

ولعلّ فی المخذولین الحکم ومروان وآلهما وعبد الله بن أبی سرح وأبا سفیان وولده وأضرابهم الذین خذلهم الإسلام وآواهم عثمان وعزّزهم وسلّطهم علی صلحاء الأمّة من الصحابة الأوّلین والتابعین لهم بإحسان.

ونحن علی یقین من أنّ الشفاعة المزعومة التی لا تصدّقها سیرة عثمان ولا تساعدها البرهنة ویضادّها نداء الکتاب الکریم إن حقّقت تُدنّس ساحة الجنّة المقدّسة بإدخال عثمان أرجاس آل أُمیّة فیها کما یعرب عنه قوله الثابت المذکور فی الجزء الثامن (ص 291):

لو أنّ بیدی مفاتیح الجنّة لأعطیتها بنی أُمیّة حتی یدخلوا من عند آخرهم.

16 - أخرج الحاکم فی المستدرک (1) (3 / 103) ؛ عن عبد الله بن إسحاق بن إبراهیم العدل (2) ، عن یحیی بن أبی طالب ، عن بشّار بن موسی الخفاف البصری ، عن الحاطبی عبد الرحمن (3) بن محمد ، عن أبیه ، عن جدّه ، قال : لمّا کان یوم الجمل خرجت أنظر فی القتلی. قال : فقام علیّ والحسن بن علی وعمّار بن یاسر ومحمد بن أبی بکر وزید بن صوحان یدورون فی القتلی. قال : فأبصر الحسن بن علی قتیلاً مکبوباً علی وجهه فقلبه علی قفاه ثمّ صرخ ثمّ قال : إنّا لله وإنّا إلیه راجعون فرخ قریش والله. فقال [له] (4) أبوه : من هو یا بُنیّ؟ قال : محمد بن طلحة بن عبید الله. فقال : إنّا لله وإنّا إلیه راجعون ، أما والله لقد کان شابّا صالحاً ، ثمّ قعد کئیباً حزیناً ، فقال له الحسن : یا أبت قد کنت أنهاک عن هذا المسیر فغلبک علی رأیک فلان وفلان. قال : قد کان ذاک یا بُنیّ ولوددت أنّی متّ قبل هذا بعشرین سنة. قال محمد بن ر.

ص: 418


1- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 111 ح 4557 ، وکذا فی تلخیصه.
2- کذا فی النسخ ، والصحیح : المعدل. (المؤلف)
3- کذا فی النسخ ، والصحیح : عبد الرحمن بن عثمان بن محمد. (المؤلف)
4- من المصدر.

حاطب : فقمت فقلت : یا أمیر المؤمنین إنّا قادمون المدینة والناس سائلونا عن عثمان فما ذا نقول فیه؟ قال : فتکلّم عمّار بن یاسر ومحمد بن أبی بکر فقاما وقالا ، فقال لهما علیّ : یا عمّار ویا محمد تقولان : إنّ عثمان استأثر وأساء الأثرة وعاقبتم والله فأسأتم العقوبة ، وستقدمون علی حکم عدل یحکم بینکم ، ثمّ قال : یا محمد بن حاطب إذا قدمت المدینة وسُئلت عن عثمان فقل : کان والله من الذین آمنوا وعملوا الصالحات ثمّ اتّقوا وآمنوا ثمّ اتّقوا وأحسنوا والله یحبّ المحسنین وعلی الله فلیتوکّل المؤمنون.

قال الأمینی : سکت الحاکم عمّا فی إسناد هذه الأکذوبة من العلل ولم یصحّحه ولم ینبس فیه بکلمة غمز ولا تصحیح ، واکتفی الذهبی فیه بقوله : بشّار بن موسی واهٍ. ونحن نقول :

عبد الله بن إسحاق بن إبراهیم ، قال الدارقطنی : فیه لین ، وذکره بذلک الخطیب البغدادی فی تاریخه (9 / 414).

ویحیی بن أبی طالب ، قال فیه موسی بن هارون : أشهد أنّه یکذب عنّی. وقال مسلمة بن قاسم : تکلّم فیه الناس. لسان المیزان (1) (6 / 262).

وبشّار بن موسی البصری ، قال ابن معین (2) : لیس بثقة ، وقال : إنّه من الدجّالین. وقال أبو حفص : ضعیف الحدیث. وقال البخاری (3) : منکر الحدیث ، وقد رأیته وکتبت عنه وترکت حدیثه. وقال أبو داود : ضعیف. وقال النسائی (4) : لیس بثقة. وقال أبو زرعة : ضعیف. وقال أبو أحمد الحاکم : لیس بالقویّ عندهم. وذکر 2.

ص: 419


1- لسان المیزان : 6 / 322 رقم 9159.
2- معرفة الرجال : 1 / 65 رقم 123.
3- التاریخ الکبیر : 2 / 130 رقم 1935.
4- کتاب الضعفاء والمتروکین : ص 63 رقم 82.

عند الفضل بن سهل ، فأساء القول فیه (1).

وعبد الرحمن الحاطبی ، ضعّفه (2) أبو حاتم الرازی کما فی میزان الاعتدال للذهبی. ووالده عثمان لم أقف علی ثناء علیه فی معاجم التراجم.

فأیّ عبرة بما یرویه أو یرتئیه أمثال هؤلاء الدجّالین؟ علی أنّ مولانا أمیر المؤمنین علیه السلام کان علی بصیرة من مسیره إلی حروبه کلّها ومنقلبه عنها وفی جمیع ما ارتکبه فیها أو ترکه ، وکلّ ذلک کان بأمر من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وعهد منه إلیه علیه السلام ، وقد عُدّ ذلک من فضائله ، وکان صلی الله علیه وآله وسلم یحثّ أصحابه علی مناصرته یومئذ کما مرّ تفصیله فی الجزء الثالث (ص 188 - 195) وکان صلی الله علیه وآله وسلم یقول : «سیکون بعدی قوم یقاتلون علیّا علی الله جهادهم فمن لم یستطع جهادهم بیده فبلسانه ، فمن لم یستطع بلسانه فبقلبه ، لیس وراء ذلک شیء» (3). وکان أبو أیّوب الأنصاری وغیره من الصحابة یقول : عهد إلینا رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أن نقاتل مع علیّ الناکثین (4).

وکان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یحذّر أُمّ المؤمنین عائشة عن ذلک التبرّج تبرّج الجاهلیّة الأُولی ویقول لها : «یا حمیراء کأنّی بک تنبحک کلاب الحوأب تقاتلین علیّا وأنت له ظالمة» (5). وقد صحّ عنه صلی الله علیه وآله وسلم کما مرّ فی (3 / 191) قوله للزبیر : «إنّک تقاتل علیّا وأنت ظالم له».

فکان مولانا أمیر المؤمنین صلوات الله علیه مندفعاً إلی ما ناء به من أعباء تلکم الحروب بالأمر النبویّ ، ولم یکن قطّ قد غلب علی رأیه فلان وفلان ، ولم یکن ف)

ص: 420


1- تاریخ الخطیب : 7 / 119 [رقم 3560] ، تهذیب التهذیب : 1 / 144 [1 / 386]. (المؤلف)
2- الجرح والتعدیل : 5 / 264 رقم 1249 ، میزان الاعتدال : 2 / 578 رقم 4917.
3- راجع الجزء الثالث : ص 190. (المؤلف)
4- راجع الجزء الثالث : ص 192 - 195. (المؤلف)
5- راجع الجزء الثالث : ص 189. (المؤلف)

الإمام المجتبی المعصوم عن کلّ زلّة وهفوة بالذی ینهی أباه عمّا أمر به جدّه الذی لا ینطق عن الهوی إن هو إلاّ وحی یوحی ، ولا أمیر المؤمنین علیه السلام بالذی یندم علی ما نهض به من قمّ جذور الفساد وقلع جذومه ، ولو سوّغنا علیه الندم فی هذه لسوّغنا علیه فیمن قتله فی مغازی الرسول صلی الله علیه وآله وسلم من أشیاع الکفر وزبانیة الشرک والإلحاد ، فإذ کان سلام الله علیه فی المقامین جمیعاً منبعثاً بباعث إلهیّ ومصلحة دینیّة من استئصال شأفة العیث وقطع جراثیم الإلحاد ، فلا یطرق ساحته المقدّسة الندم فی أیّ من الحالین.

وأیّ صلاح فی محمد بن طلحة؟ وقد شهر سیفه یُحارب إمام المسلمین وقد أُمِر بنصرته والجهاد معه ، فحاله حال أبیه فی الزیغ والنکوص عن السَّنن اللاحب. هذه حقیقة الأمر لکن مُهملِجة الخلاف الوضّاعین شاءوا أن یختلقوا ما یبرّر أعمال الواثبین مع الهودج فقالوا. ولکن أین؟ وأنّی؟ ...

وکیف یصحّ عن مولانا أمیر المؤمنین ما اختلقوا علیه من قوله لمحمد بن حاطب؟ وقد صدر عنه من فعل وقول قبل هذا الموقف وبعده ما یعرب عن رأیه فی عثمان ، ولا یصدّق الخُبر الخبر ، راجع ما مرّ فی هذا الجزء (ص 69 - 77) ، وفی الجزء الثامن (ص 287 - 298 ، 300 ، 301) ، وفی الجزء السابع (ص 81).

وهل تساعد سیرة الرجل أن یراه أمیر المؤمنین من الذین آمنوا وعملوا الصالحات (ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا) (1) الآیة؟ وهی التی أرکبته النهابیر ، وسقته کأس المنیّة ، وکانت تخالف الکتاب والسنّة ، والصحابة الأوّلون وفی مقدّمهم سیّدنا الإمام علیه السلام کانوا مطبقین علی النکیر والنقمة علیها ، ولأجلها تمخّضت البلاد علیه ، وهی التی أقعدت الصحابة عن نصرته والذبّ عنه ، وهی التی زحزحت الأُمّة 3.

ص: 421


1- المائدة : 93.

الصالحة عن تجهیزه وتکفینه والصلاة علیه ، وهی التی دفنته فی مقابر الیهود بعد ما بقی جثمانه فی مزبلة أیّاماً ولیالی تمرّ به عواصف الذلّ والهوان والملأ الدینی ینظر إلیه من کثب ، والناس قد بایعوا أمیر المؤمنین علیّا علیه السلام وبیده مقالید الأمور یُسمع قوله ویطاع ، وهو الذی یتحمّس لأمر ما ، یراه الناس هیّناً وهو عنده عظیم ، فیعاتب أصحابه ویقول فی خطبته له : «لقد بلغنی أنّ الرجل منهم کان یدخل علی المرأة المسلمة ، والأخری المعاهدة ، فینتزع حجلها وقُلبها وقلائدها ورعاثها (1) ما تمتنع منه إلاّ بالاسترجاع والاسترحام ثمّ انصرفوا وافرین ، ما نال رجلاً منهم کلم ، ولا أُریق لهم دم ، فلو أنّ امرأً مسلماً مات من بعد هذا أسفاً ما کان به ملوماً ، بل کان به عندی جدیراً» (2).

هذا أمیر المؤمنین وهذا مبلغ غیرته علی الإسلام وأهله ولکن :

وابن عفّان حوله لم یجهّز

ه ولا کفّ عنه کفّ أذاها

لست أدری أکان ذلک مقتاً

من علیّ أم عفَّةً ونزاها

(فَاحْکُمْ بَیْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوی فَیُضِلَّکَ عَنْ سَبِیلِ اللهِ) (3) ، (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ الَّذِی جاءَکَ مِنَ الْعِلْمِ ما لَکَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِیٍّ وَلا نَصِیرٍ) (4).

17 - أخرج ابن أبی الدنیا ؛ من طریق فرج بن فضالة الدمشقی ، عن مروان بن أبی أُمیّة ، عن عبد الله بن سلام ، قال : أتیت عثمان لأُسلّم علیه وهو محصور فدخلت علیه فقال : مرحباً بأخی ، مرحباً بأخی ، رأیت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم اللیلة فی هذه الخوخة - قال : وخوخة فی البیت - فقال : یا عثمان حصروک؟ قلت : نعم. قال : عطّشوک؟ قلت : نعم ، فأدلی دلواً فیه ماء ، فشربت حتی رویت حتی إنّی لأجد برده 0.

ص: 422


1- القلب : السوار. الرعاث جمع رعثة بالفتح : القرط. (المؤلف)
2- نهج البلاغة : 1 / 69 [ص 69 خطبة 27]. (المؤلف)
3- سورة ص : 26.
4- البقرة : 120.

بین ثدییّ وبین کتفیّ ، وقال لی : إن شئت نصرت علیهم ، وإن شئت أفطرت عندنا ، فاخترت أن أفطر عنده. فقُتل ذلک الیوم (1).

قال الأمینی : هذه السفسطة من آفات فرج بن فضالة الدمشقی. قال أحمد : یحدّث عن الثقات أحادیث مناکیر (2). وقال ابن معین : ضعیف الحدیث. وقال ابن المدینی : ضعیف لا أُحدّث عنه. وقال البخاری (3) ومسلم : منکر الحدیث. وقال النسائی (4) : ضعیف. وقال أبو حاتم (5) : لا یحتجّ به. وقال أبو أحمد : حدیثه لیس بالقائم. وقال الدارقطنی : ضعیف الحدیث. وذکر البرقانی حدیثاً للدارقطنی من طریق فرج بن فضالة فقال الدارقطنی : هذا باطل. فقال البرقانی : من جهة الفرج؟ قال : نعم. وقال عبد الرحمن بن مهدی : حدّث بأحادیث منکرة مقلوبة. وقال الساجی : ضعیف الحدیث. وقال الخطیب : لا یغترّ (6) أحد بالحکایة المرویّة فی توثیقه عن ابن مهدی فإنّها من روایة سلیمان بن أحمد وهو الواسطی وهو کذّاب ، وقد قال البخاری : ترکه ابن مهدی. وقال ابن حبّان (7) : فرج بن فضالة یقلّب الأسانید ویلزق المتون الواهیة بالأسانید الصحیحة لا یحلّ الاحتجاج به. وقال الحاکم : هو ممن لا یُحتجّ به (8).ف)

ص: 423


1- الأنساب للبلاذری : 5 / 82 [6 / 201] ، تاریخ ابن کثیر : 7 / 182 [7 / 204 حوادث سنة 35 ه] ، الریاض النضرة : 2 / 127 [3 / 60]. (المؤلف)
2- أنظر تاریخ بغداد : 12 / 395.
3- التاریخ الکبیر : مج 7 / 134 رقم 608.
4- کتاب الضعفاء والمتروکین : ص 198 رقم 515.
5- الجرح والتعدیل : 7 / 85 رقم 483.
6- العبارة من هنا إلی نهایة الفقرة لابن حجر فی تهذیب التهذیب ، وأما عبارة الخطیب فی تاریخ بغداد : 12 / 393 رقم 6856. فهی : وکان ضعیفاً فی الحدیث.
7- کتاب المجروحین : 2 / 206.
8- تهذیب التهذیب : 8 / 260 - 262 [8 / 234 - 236 وانظر تهذیب الکمال : 23 / 156 رقم 4714]. (المؤلف)

هذا فرج بن فضالة ، وأمّا شیخه مروان فلست أدری أیّ هیّ بن بیّ هو (1) ، لم أقف فی المعاجم علی ترجمته ولم أجد له ذکراً لا فی مشایخ ابن فضالة ولا فیمن یروی عن ابن سلام ولعلّه لم یولد بعدُ ، وکم فی سلسلة أسانید الفضائل أمثاله من أُناس لا تعرفهم أمّ الدنیا ، وما صوّرهم قلم التصویر ، وإنّما اختلق أسماءهم الغلوّ فی الفضائل.

ولست أدری هل أسرّ عثمان بهذه المکرمة إلی ابن سلام فحسب؟ أو أخبر بها هو أو ابن سلام جمهور الصحابة فوجدوها رؤیاً لا تنهض للحجّة؟ أو بلغتهم حینما مسّ الحزام الطُّبْیَیَنِ ، وبلغ السیل الزبی ، واتّسع الخرق علی الراقع؟ حینما فاتت الخلیفة نهزة الحجاج ، وتمّت علیه الحجّة وأصبح محجوجاً ، والأُمّة مجتمعة علی مقته وقطع أُصول حیاته ، وهی لا تجتمع علی خطأ.

وفی الروایة موقع نظر أیضاً من ناحیة صوم عثمان عند من أرّخ قتله بثانی أیام التشریق - کما فی روایة أبی عثمان النهدی فی أنساب البلاذری (5 / 86) ، وقد رواه الواقدی أیضاً ، واختاره المبرّد فی الکامل (2) (2 / 241) ، وذکره (3) أبو عمر فی الاستیعاب (2 / 477) ، وابن الجوزی فی صفة الصفوة (1 / 117) ، وابن حجر الهیتمی فی الصواعق (ص 66) ، والعسقلانی فی تهذیب التهذیب (7 / 141) ، والسیوطی فی تاریخ الخلفاء (ص 109) والدیار بکری فی تاریخ الخمیس (2 / 258 ، 264) ، ومن مؤلّفی الیوم الأستاذ علی فکری فی أحسن القصص (3 / 164) - وذلک أنّ الصوم فی أیام التشریق محظور عند القوم ، وهو قول أبی حنیفة والشافعی وعند مالک لغیر المتمتّع (4). وقال ف)

ص: 424


1- یقال : هیّ بن بیّ. أو : هیّان بن بیّان. أی مجهول لا یُعرف هو ولا أبوه. (المؤلف)
2- الکامل فی اللغة والأدب : 2 / 46.
3- الاستیعاب : القسم الثالث / 1044 رقم 1778 ، صفة الصفوة : 1 / 304 رقم 4 ، الصواعق المحرقة : ص 111 ، تهذیب التهذیب : 7 / 128 ، تاریخ الخلفاء : ص 151.
4- المحلّی لابن حزم : 7 / 28 ، نیل الأوطار : 4 / 353 [4 / 294]. (المؤلف)

ابن العماد الحنبلی فی الشذرات (1) (1 / 41) : قوله : قال لی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم : وتفطر عندنا ، معناه أوّل شیء تستعمله علی الریق یکون عندنا لا أنّه فطر صائم ، إذ لم یکن یومئذٍ صائماً ، فإنّ یوم قتله کان ثانی أیّام التشریق ، ولا یجوز صومه. انتهی.

وهذا التأویل یخالف ما أثنی به المؤرّخون علی عثمان من أنّه کان یوم قتله صائماً ، وهو من المتسالم علیه عند القوم سلفاً وخلفاً حتی الیوم کما ذکره الأستاذ علی فکری فی أحسن القصص (3 / 164). ویضادّ أیضاً صریح ما أخرجه ابن کثیر فی تاریخه (7 / 182) من طریق ابن عمر عن عثمان قال : رأیت النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فی المنام فقال : یا عثمان أفطر عندنا ، فأصبح صائماً وقتل من یومه.

وکذلک لا یلتئم هو وما أخرجه الهیثم بن کلیب بالإسناد عن نائلة بنت الفرافصة - امرأة عثمان - قالت : لمّا حُصر عثمان ظلّ الیوم الذی کان فیه قتله صائماً ، فلمّا کان عند إفطاره سألهم الماء العذب فأبوا علیه ، وقالوا : دونک ذلک الرکی (2) - والرکیّ فی الدار الذی یلقی فیه النتن - قالت : فلم یفطر ، فرأیت جاراً علی أحاجیر متواصلة - وذلک فی السحر - فسألتهم الماء العذب ، فأعطونی کوزاً من ماء فأتیته فقلت : هذا ماء عذب أتیتک به ، قالت : فنظر فإذا الفجر قد طلع فقال : إنّی أصبحت صائماً ، قالت : فقلت : ومن أین [أکلت] (3) ولم أر أحداً أتاک بطعام ولا شراب؟ فقال : إنّی رأیت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم اطّلع علیّ من هذا السقف ومعه دلو من ماء فقال : اشرب یا عثمان ، فشربت حتی رویت ، ثمّ قال : ازدد ، فشربت حتی نهلت ، ثمّ قال : أما إنّ القوم سینکرون علیک ، فإن قاتلتهم ظفرت ، وإن ترکتهم أفطرت عندنا. قالت : فدخلوا علیه من یومه فقتلوه (4). ف)

ص: 425


1- شذرات الذهب : 1 / 203 حوادث سنة 35 ه.
2- والرکی : البئر أیضاً.
3- من المصدر.
4- تاریخ ابن کثیر البدایة والنهایة : 7 / 183 [7 / 204 حوادث سنة 35 ه]. (المؤلف)

نعم ؛ إنّ الحدیثین لا یعوّل علیهما أیضاً لما فی إسنادهما من داعیة إلی الإرجاء یبغض أهل بیت نبیّه ، ومن مجهول منکر لا یُعرف ، ومن متحامل علی أمیر المؤمنین من الفئة الباغیة ، فالحدیثان کروایة ابن أبی الدنیا باطلان ، وما ذهب إلیه القوم من أنّ الرجل کان یوم قتله صائماً منقبة مفتعلة لا تصحّ لاستنادهم فیها إلی تلکم الأباطیل التی اختلقتها ید الغلوّ فی الفضائل.

18 - أخرج الحاکم وابن عساکر (1) وغیرهما من طریق محمد بن یونس الکدیمی أبی العباس البصری ، عن هارون بن إسماعیل الخزّاز أبی الحسن البصری ، عن قرّة بن خالد السدوسی البصری ، قال : سمع الحسن البصری ، عن قیس بن عباد البصری ، قال : شهدت علیّا رضی الله عنه یوم الجمل یقول کذا : اللهمّ إنّی أبرأ إلیک من دم عثمان ، ولقد طاش عقلی یوم قتل عثمان وأنکرت نفسی وأرادونی علی البیعة ، فقلت : والله إنّی لأستحیی من الله أن أُبایع قوماً قتلوا رجلاً قال له رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : ألا أستحیی ممّن تستحیی منه الملائکة. وإنّی لأستحیی من الله أن أُبایع وعثمان قتیل علی الأرض لم یُدفن بعد فانصرفوا ، فلمّا دفن رجع الناس إلیّ فسألونی البیعة ، فقلت : اللهمّ إنّی مشفق لما أُقدم علیه ثمّ جاءت عزیمة فبایعت ، فلقد قالوا : یا أمیر المؤمنین فکأنّما صدع قلبی ، فقلت : اللهمّ خذ منّی لعثمان حتی ترضی. وفی لفظ ابن کثیر : فلمّا قالوا : أمیر المؤمنین. کان صدع قلبی وأمسکت (2).

قال الأمینی : ألا تعجب من الحاکم یذکر مثل هذه الأضحوکة ویعدّها ممّا استدرک به علی الصحیحین ویمرّ بما فیها من اللغو کریماً؟ ولعلّ الذهبی عرف بطلانها ، غیر أنّه لمّا وجدها فی منقبة عثمان سکت عنها نهائیّا ولم یلخّصها ولم ینبس فیها ببنت ف)

ص: 426


1- تاریخ مدینة دمشق : 39 / 450 رقم 4619 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 16 / 252.
2- مستدرک الحاکم : 3 / 103 [3 / 111 ح 4556] ، تاریخ ابن کثیر : 7 / 193 [7 / 216 حوادث سنة 35 ه وفیه : وأسکت بدلاً من : وأمسکت]. (المؤلف)

شفة ، ویدّخر ما فی علبة علمه أو فی کنانة جهله إلی تزییف حدیث «أنا مدینة العلم وعلیّ بابها» وأمثاله من الصحیح الوارد فی فضائل مولانا أمیر المؤمنین فیجابهها بکلّ جلبة ولغط ، ولا تقصر عن أشواطهما خُطی ابن کثیر فی تاریخه فیستند إلیها مستدلاّ علی ما یرومه من دحض الحقّ وترصیف الباطل ، ونحن أسلفنا فی الجزء الخامس (ص 266) فی سلسلة الکذّابین والوضّاعین نزراً من أقوال الحفّاظ فی جرح محمد بن یونس الکدیمی وأنّه کان یضع الحدیث علی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وقد وضع أکثرمن ألف حدیث ، وهاهنا نبسط القول فیها :

قال الآجری : سمعت أبا داود بن الأشعث یتکلّم فی محمد بن سنان وفی محمد ابن یونس یطلق فیهما الکذب. وقال ابن التمّار : ما أظهر أبو داود السجستانی تکذیب أحد إلاّ فی رجلین : الکدیمی وغلام خلیل. وقال أبو سهل القطّان : کان موسی بن هارون ینهی الناس عن السماع من الکدیمی ویقول : قد تقرّب إلیّ بأنّی کتبت عن أبیک فی مجلس محمد بن القاسم الأسدی وما حدّث أبی قطّ عن محمد بن القاسم الأسدی. وعن موسی بن هارون أنّه کان یقول - وهو متعلّق بأستار الکعبة - : اللهمّ إنّی أُشهدک أنّ الکدیمی کذّاب یضع الحدیث. وقال الشاذکونی : الکدیمی وأخو الکدیمی وابن الکدیمی بیت الکذب. وقال أبو بکر الهاشمی : کنّا یوماً عند القاسم المطرّز وکان یقرأ علینا مسند أبی هریرة فمرّ فی کتابه حدیث عن الکدیمی فامتنع عن قراءته ، فقام إلیه محمد بن عبد الجبّار - وکان قد أکثر عن الکدیمی - فقال : أیّها الشیخ أُحب أن تقرأه فأبی وقال : أنا أُحاسبه (1) بین یدی الله یوم القیامة وأقول : إنّ هذا کان یکذب علی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وعلی العلماء. وقال الدارقطنی (2) : الکدیمی یُتّهم بوضع الحدیث وقال : ما أحسن القول فیه إلاّ من لم یخبر حاله. وقال ابن حبّان (3) : کان یضع 2.

ص: 427


1- فی المصدر : أجاثیه.
2- الضعفاء والمتروکون : ص 351 رقم 486.
3- کتاب المجروحین : 2 / 312.

الحدیث لعلّه قد وضع علی الثقات أکثر من ألف حدیث. وقال ابن عدی (1) : قد اتّهم بالوضع وادّعی الروایة عمّن لم یرهم ، ترک عامّة مشایخنا الروایة عنه ، ومن حدّث عنه نسبه إلی جدّه لئلاّ یُعرف (2) وقال ابن عدی (3) أیضاً : روی الکدیمی عن أزهر ، عن ابن عون ، عن نافع ، عن ابن عمر حدیثاً باطلاً ، وکان - مع وضعه الحدیث وادّعائه ما لم یسمع - علّق لنفسه شیوخاً (4). وکان ابن صاعد وعبد الله بن محمد لا یمتنعان من الروایة عن کلّ ضعیف کتبا عنه إلاّ عن الکدیمی فإنّهما کانا لا یرویان عنه لکثرة مناکیره ، ولو ذکرت کلّ ما أُنکِر علیه وادّعاءه ووضعه لطال ذلک. وقال الحاکم أبو أحمد : الکدیمی ذاهب الحدیث ترکه ابن صاعد وابن عقدة وسمع منه خزیمة ولم یحدّث عنه ، وقد حفظ فیه سوء القول عن غیر واحد من أئمّة الحدیث (5).

وذکر السیوطی فی اللآلئ المصنوعة (6) عدّة أحادیث فی شتّی الأبحاث من طریق الکدیمی ، فحکی فیها عن الحفّاظ الحکم بوضعها وقولهم : إنّ آفتها الکدیمی وإنّه کذّاب وضّاع. وکأنّه نسی کلّ ما ذکره هنالک فأورد هذه الأکذوبة فی تاریخ الخلفاء (7) (ص 110) محذوفة الإسناد وقال : أخرجه الحاکم وصحّحه. ألم تکن تلک الأقوال الجارحة فی الکدیمی نصب عینه عند عدّ فضائل عثمان؟ أم أنّ فضائل الرجل لها حساب آخر یسوّغ الغلوّ فیها کلّ کذب واختلاق؟ علی أنّ الحاکم سکت عن هذه الأکذوبة ولم یصحّحها ، فنسبة التصحیح إلیه لمحض إخراجه إیّاها فی مستدرک الصحیحین وإلاّ فلا صراحة فیه بالتصحیح. 2.

ص: 428


1- الکامل فی ضعفاء الرجال : 6 / 292 رقم 1780.
2- کما أن الحاکم یعرّفه بالقرشی ولم یذکر نسبته إلی الکدیم لئلاّ یعرف. (المؤلف)
3- الکامل فی ضعفاء الرجال : 6 / 294 رقم 1780.
4- فی طبعة الکامل فی الضعفاء المعتمدة لدینا : وادعائه مشایخ لم یکتب عنهم یخلق لنفسه شیوخاً.
5- راجع تهذیب التهذیب : 9 / 539 [9 / 475] ، والمصادر التی مرّت فی : 5 / 266. (المؤلف)
6- اللآلئ المصنوعة : 3 / 264 و 402.
7- تاریخ الخلفاء : ص 152.

وبعد هذه کلّها فإنّ المعلوم من نظریّة مولانا أمیر المؤمنین فی عثمان کآراء بقیّة الصحابة فیه یفنّد نسبة هذه الأقاویل المختلقة إلیه ، ألیس من المضحک ما ینسب إلیه صلوات الله علیه من قول : ولقد طاش عقلی یوم قتل عثمان. إلخ؟ لیته علیه السلام بدل هذه الکلمة کان یخطو خطوة فی التحفّظ علی حرمة الرجل وکرامته ، ویأمر ولده وذویه بتجهیزه وتکفینه والصلاة علیه ودفنه فی مقابر المسلمین ، ولیته کان یقیم له مأتماً ویؤبّنه ویذکره بالخیر بعد ما تسنّم منصّة الخلافة ، أو کان یحضر عند تربته ویقوم علی قبره ویقرأ له الفاتحة ویأتی بسنّة الله التی جاءت فی زیارة قبور المسلمین ، وأیّ مسلم لم تکن له معاظم واجبة المراعاة (1)؟

ولیته کان یسکت عنه یوم قام به وقعد (2) وقال علی رءوس الأشهاد : «قام ثالث القوم نافجاً حضنیه بین نثیله ومعتلفه ، وقام معه بنو أبیه یخضمون مال الله خضمة الإبل نبتة الربیع ، إلی أن انتکث فتله ، وأجهز علیه عمله ، وکبت به بطنته».

وقال فی الیوم الثانی من بیعته فی خطبة له : «ألا إنّ کلّ قطیعة أقطعها عثمان ، وکل مال أعطاه من مال الله فهو مردود فی بیت المال ، فإنّ الحقّ القدیم لا یبطله شیء ولو وجدته قد تُزوّج به النساء ، وفُرّق فی البلدان ، لرددته إلی حاله». إلخ.

ولیته کان لم یجابهه بقوله : «ما رضیت من مروان ولا رضی منک إلاّ بتحرّفک عن دینک وعقلک ، وإنّ مثلک مثل جمل الظعینة سار حیث یُسار به».

ولیته کان لم یکتب إلی المصریّین بقوله : «إلی القوم الذین غضبوا لله حین عُصی فی أرضه وذهب بحقّه ، فضرب الجور سرادقه علی البرّ والفاجر ، والمقیم والظاعن ، فلا معروف یُستراح إلیه ، ولا منکر یُتناهی عنه». ف)

ص: 429


1- یقال : له معاظم واجبة المراعاة. أی حقوق مستعظمة. (المؤلف)
2- یقال : قام به وقعد أی نشر عنه أخبار السوء. (المؤلف)

ولیته کان لم یقل : «ما أحببت قتله ولا کرهته ، ولا أمرت به ولا نهیت عنه». أو کان لم یقل : «ما أمرت ولا نهیت ، ولا سرّنی ولا ساءنی».

ولیته کان لم یخطب بقوله : «من نصره لا یستطیع أن یقول : خذله من أنا خیر منه ، ومن خذله لا یستطیع أن یقول : نصره من هو خیر منّی».

ولیته کان لم ینفر أصحابه إلی قتال طالبی دم عثمان بقوله علی صهوة المنبر : «یا أبناء المهاجرین انفروا إلی من یقاتل علی دم حمّال الخطایا».

ولیته لمّا قال له حبیب وشرحبیل : أتشهد أنّ عثمان قُتل مظلوماً؟ کان لم یجب

بقوله : «لا أقول بذلک» (1).

ولیته ولیته ...

والعجب کلّ العجب من قول علیّ صلوات الله علیه : فلمّا قالوا : أمیر المؤمنین صدع قلبی. لما ذا صدع قلبه صلوات الله علیه ولم تکن لهذه التسمیة جدّة؟ وإنّما سمّاه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بذلک وحکاه عن الله تعالی وعن جبرئیل علیه السلام وما صدع قلبه یوم ذاک ، فعلیّ من أوّل یومه هو أمیر المؤمنین بنصّ من الصادع الأمین ، وما أنزل الله آیة فیها (یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا) إلاّ وعلیّ رأسها وأمیرها (2).

19 - أخرج ابن سعد فی الطبقات (3) (3 / 47) طبع لیدن ، عن محمد بن عمر ، عن عمرو بن عبد الله بن عنبسة بن عمرو بن عثمان ، عن محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان ، عن ابن لبیبة ، قال : إنّ عثمان بن عفّان لمّا حُصر أشرف علیهم من کوّة فی الطمار فقال : أفیکم طلحة؟ قالوا : نعم. قال : أَنشدک الله هل تعلم أنّه لمّا آخی 8.

ص: 430


1- راجع ما مرّ فی : 7 / 81 و 8 / 287 و 9 / 69 و 70 ، 72 ، 74 ، 172 ، 174. (المؤلف)
2- راجع ما أسلفناه فی الجزء الثامن : ص 87 ، 89. (المؤلف)
3- الطبقات الکبری : 3 / 68.

رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بین المهاجرین والأنصار آخی بینه وبین نفسه؟ فقال طلحة : اللهمّ نعم. فقیل لطلحة فی ذلک ، فقال : نشدنی ، وأمرٌ رأیته ألا أشهد به؟

رجال الإسناد :

1 - محمد بن عمر ، هو الواقدی. راجع ترجمته فی میزان الاعتدال (1) (3 / 110).

2 - عمرو بن عبد الله الأُموی حفید عثمان ، لم أجد له ذکراً فی المعاجم ، ولعلّ فیه تدلیساً.

3 - محمد بن عبد الله الأموی حفید عثمان ، قال البخاری (2) : عنده عجائب ، وقال ابن الجارود : لا یکاد یُتابع علی حدیثه. وقال النسائی مرّة : ثقة ، وأخری : لیس بالقویّ. راجع تهذیب التهذیب (3) (9 / 268).

4 - ابن لبیبة ، ویقال : ابن أبی لبیبة محمد بن عبد الرحمن ، قال ابن معین (4) : لیس حدیثه بشیء. وقال الدارقطنی : ضعیف. وقال آخر : لیس بالقویّ (5). علی أنّ ابن لبیبة لم یشهد حصر عثمان ولم یروِ عن صحابی ، فحدیثه عن عثمان وعلیّ وسعد مرسل ، یروی عن سعید بن المسیّب وعبد الله بن عمرو بن عثمان وطبقتهما ، فالروایة مرسلة ، وابن سعد جدّ علیم بأنّ مثل هذه المفتعلة لا یخفی بطلانها علی أیّ أحد سواء أرسلها أو أسندها.

وهلاّ یعلم مفتعل هذه الأُضحوکة أنّ أئمّة الحدیث وحفّاظه ورجال التاریخ ف)

ص: 431


1- میزان الاعتدال : 3 / 662 رقم 7993.
2- التاریخ الکبیر : مج 1 / 139 رقم 417.
3- تهذیب التهذیب : 9 / 239.
4- التاریخ : 3 / 189 رقم 845.
5- میزان الاعتدال : 3 / 89 [3 / 618 رقم 7829] ، تهذیب التهذیب : 9 / 301 [9 / 268]. (المؤلف)

أصفقت علی أنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لم یتّخذ لنفسه أخاً یوم المؤاخاة بین المهاجرین والأنصار إلاّ ابن عمّه علیّ بن أبی طالب؟ وهذا الذی یقتضیه الاعتبار بعد ما نصّ الکتاب العزیز علی أنّ علیّا سلام الله علیه نفس النبیّ الأقدس ، وأنّهما من أهل بیت أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهیراً ، وأنّ ولایة علیّ مقرونة بولایة الله ورسوله (1)

وبعد ما ثبت أنّه سلام الله علیه صنو النبیّ الأعظم فی الفضائل ، وشاکلته فی النفسیّات ، وردیفه فی الملکات الفاضلة ، ونظیره من أُمّته کما جاء عنه صلی الله علیه وآله وسلم (2) ، وهو منه صلی الله علیه وآله وسلم بمنزلة رأسه من بدنه نصّا منه صلی الله علیه وآله وسلم (3) ، وهو منه صلی الله علیه وآله وسلم بمنزلته من ربّه کما ورد عن أبی بکر مرفوعاً (4) ، وهما من شجرة واحدة وسائر الناس من شجر شتّی کما روی عنه صلی الله علیه وآله وسلم (5) ، وهو الذی ثبت فیه قوله صلی الله علیه وآله وسلم : «أنت منّی وأنا منک» (6) ، وهو الذی أنزله صلی الله علیه وآله وسلم من نفسه بمنزلة هارون من موسی ولم یستثن له ممّا اختصّه الله به إلاّ النبوّة (7). ف)

ص: 432


1- راجع ما مرّ فی : 2 / 47 و 3 / 156 - 167. (المؤلف)
2- الریاض النضرة : 2 / 164 [3 / 107]. (المؤلف)
3- تاریخ الخطیب البغدادی : 7 / 12 [رقم 3475] ، الریاض النضرة : 2 / 162 [3 / 105] ، مصباح الظلام للدمیاطی : 2 / 56 [2 / 135]. (المؤلف)
4- الریاض النضرة : 2 / 163 [3 / 106]. (المؤلف)
5- سیوافیک حدیثه إن شاء الله تعالی بألفاظه ومصادره. (المؤلف)
6- صحیح البخاری کتاب المناقب : 5 / 219 [3 / 1357 باب 9] ، مسند أحمد : 5 / 204 و 356 [6 / 265 ح 21270 و 489 ح 22503] ، صحیح الترمذی فی المناقب : 2 / 213 [5 / 593 ح 3716] ، خصائص النسائی : ص 20 ، 24 ، 36 [ص 86 - 87 ح 68 - 70 ، وفی السنن الکبری : 5 / 127 ح 8455 وص 148 ح 8523 وص 169 ح 8579] ، تاریخ الخطیب : 4 / 140 [رقم 1822] ، وراجع ما مضی فی الجزء السادس : ص 338 - 350. (المؤلف)
7- حدیث المنزلة أخرجه أئمّة الحدیث بطرق صحیحة فی الصحاح والمسانید. (المؤلف)

لقد أدّینا البحث عن حدیث المؤاخاة حقّه فی الجزء الثالث (ص 112 - 125) وذکرنا هنالک خمسین حدیثاً ممّا وقفنا علیه من أحادیث الإخاء الثابت بین النبیّ الأعظم وأخیه أمیر المؤمنین ، وقد صحّ عنه صلی الله علیه وآله وسلم قوله : «أنت أخی فی الدنیا والآخرة» من طریق عمر وأنس وابن أبی أوفی وابن عبّاس ومحدوج بن زید الذهلی وجابر بن عبد الله وعامر بن ربیعة وأبی ذر وغیرهم.

إنّما فدحت هذه المأثرة أهل الأهواء کبقیّة مآثر الإمام صلوات الله علیه فوضعوا تجاهها أکذوبة [تارة] (1) فی أبی بکر وأنّه هو أخو رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم (2) ، وأخری فی عثمان وأنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم آخی بینه وبین نفسه ، وثالثة فی علیّ علیه السلام أنّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم آخی بینه وبین عثمان (3). ورواة السوء یعلمون أنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم آخی بین أبی بکر وبین عمر فی المؤاخاة الأولی بمکة (4) ، وبینه وبین خارجة ابن زید الأنصاری فی المؤاخاة بین المهاجرین والأنصار بالمدینة (5) ، وآخی بین عثمان وبین عبد الرحمن بن عوف فی المؤاخاة بمکة (6) ، وبینه وبین أوس بن ثابت یوم ف)

ص: 433


1- من الطبعة الأولی.
2- راجع : 3 / 111 من کتابنا هذا ، والإصابة : 1 / 357 [رقم 1839] وضعّفه. (المؤلف)
3- الریاض النضرة : 1 / 17 [1 / 43]. (المؤلف)
4- راجع تاریخ ابن عساکر : 6 / 90 [30 / 94 رقم 3398 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 13 / 57] ، أُسد الغابة : 2 / 221 [2 / 277 رقم 1822] ، عیون الأثر : 1 / 199 [1 / 264] ، الریاض النضرة : 1 / 15 و 17 [1 / 23 و 24] ، فتح الباری : 7 / 217 [7 / 271]. (المؤلف)
5- راجع سیرة ابن هشام : 1 / 124 [2 / 151] ، تاریخ ابن کثیر : 3 / 226 [3 / 277 حوادث السنة الأولی من الهجرة] ، عیون الأثر : 1 / 201 [1 / 266] ، الریاض النضرة : 1 / 16 [1 / 23] ، فتح الباری : 7 / 216 و 218 [7 / 271]. (المؤلف)
6- راجع تاریخ ابن عساکر : 6 / 90 [35 / 254 رقم 3911 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 14 / 347] ، عیون الأثر : 1 / 199 [1 / 264] ، الریاض النضرة : 1 / 15 و 17 [1 / 23 و 24] ، فتح الباری : 7 / 218 [7 / 271]. (المؤلف)

المؤاخاة بالمدینة (1).

فعثمان قطّ لا یُنشد بالمکذوب ، وطلحة لا یدّعی رؤیة ما لم یره ، ولا یشهد بخلاف ما شاهده وعاینه ، إن کانا من عدول الصحابة صدقاً ، ومن المبشّرین بالجنّة حقّا ، وأنت تعرف حکم هذه الدعاوی من الصحیح الثابت عن مولانا أمیر المؤمنین علیه السلام أنّه کان یقول : «أنا عبد الله وأخو رسوله لا یقولها أحد غیری إلاّ کذّاب». قال ابن کثیر فی تاریخه (2) (7 / 335) : وقد جاء من غیر وجه. وقال ابن حجر : رویناه من وجوه (3). وکان قول أمیر المؤمنین هذا أخذاً بما قال له رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم من قوله : «أنت أخی وأنا أخوک فإن ناکرک أحد - وفی لفظ : فإن حاجّک أحد - فقل : أنا عبد الله وأخو رسول الله لا یدّعیها بعدک إلاّ کذّاب» (4).

وأوّل من فتح باب التجرّی بمصراعیه علی هذه الفضیلة الرابیة هو عمر بن الخطّاب یوم قادوا صاحب الفضیلة إلی البیعة کما یُقاد الجمل المخشوش ، وقال : «إن أنا لم أفعل فمه؟» قالوا : إذن والله الذی لا إله إلاّ هو نضرب عنقک. قال : «إذن تقتلون عبد الله وأخا رسوله». قال : عمر : أمّا عبد الله فنعم وأمّا أخو رسوله فلا (5).

أنا لست أخدش العواطف بالإعراب عن حکم إنکار عمر الأُخوّة الثابتة بتلکم النصوص الصریحة الأکیدة وقد سمعها هو من الصادع الکریم فی ذلک الیوم المشهود ، غیر أنّی جدّ علیم بأنّ حجاج مولانا أمیر المؤمنین کان أخذاً بما مرّ قُبیل ف)

ص: 434


1- راجع سیرة ابن هشام : 5 / 125 [2 / 151] ، تاریخ ابن کثیر : 3 / 227 [3 / 278 حوادث السنة الأولی للهجرة] ، عیون الأثر : 1 / 201 [1 / 266] ، الریاض النضرة : 1 / 16 [1 / 23]. (المؤلف)
2- البدایة والنهایة : 7 / 371 حوادث سنة 40 ه.
3- تهذیب التهذیب : 7 / 337 [7 / 296] ، وراجع : 3 / 121 من کتابنا هذا. (المؤلف)
4- راجع ما أسلفناه فی الجزء الثالث : ص 115. (المؤلف)
5- راجع ما مضی فی الجزء السابع : ص 78. (المؤلف)

هذا عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم من قوله : «فإن ناکرک أحد فقل : أنا عبد الله وأخو رسول الله». وهل قرع هذا سمع عمر أیضاً وجابهه مع ذلک بالشدّة فی النکیر علیه؟ أنا لا أدری (فَإِنْ جاؤُکَ فَاحْکُمْ بَیْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ یَضُرُّوکَ شَیْئاً وَإِنْ حَکَمْتَ فَاحْکُمْ بَیْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللهَ یُحِبُّ الْمُقْسِطِینَ) (1).

20 - أخرج ابن عدی (2) ، من طریق مصعب بن سعید المصیصی ، عن عیسی ابن یونس ، عن وائل بن داود ، عن البهیّ ، عن الزبیر رضی الله عنه مرفوعاً : لا یُقتل قرشیّ بعد الیوم صبراً إلاّ قاتل عثمان فإن لم یفعلوا فابشروا بذبح مثل ذبح الشاة.

قال الأمینی : ذکره الذهبی فی المیزان (3) (3 / 172) مع حدیثین من طریق مصعب ابن سعید ، فقال : ما هذه إلاّ مناکیر وبلایا.

وقال ابن عدی : یحدّث مصعب عن الثقات بالمناکیر ویصحّف وهو حرّانی (4) نزل المصّیصة (5) وله غیر ما ذکر والضعف علی روایاته بیّن. وقال ابن حبّان (6) : کان مدلّساً. وقال صالح بن جزرة : شیخ ضریر لا یدری ما یقول (7).

وفی الإسناد عیسی بن یونس ، قال الدارقطنی : مجهول. والبهیّ هو عبد الله أبو محمد مولی مصعب بن الزبیر ولا یصحّ روایته عن الزبیر بل یروی عن عبد الله بن ف)

ص: 435


1- المائدة : 42.
2- الکامل فی ضعفاء الرجال : 6 / 365 رقم 1846.
3- میزان الاعتدال : 4 / 119 رقم 8561.
4- حرّان : قریة من قری حلب [معجم البلدان : 2 / 236]. (المؤلف)
5- مدینة علی شاطیء جیحان من ثغور الشام بین أنطاکیة وبلاد الروم [معجم البلدان : 5 / 114]. (المؤلف)
6- کتاب الثقات : 9 / 175.
7- لسان المیزان : 6 / 43 [6 / 51 رقم 8404]. (المؤلف)

الزبیر ، وقال أبو حاتم فی العلل : لا یحتجّ بالبهیّ وهو مضطرب الحدیث.

21 - أخرج أبو نعیم فی حلیة الأولیاء (1 / 57) ؛ من طریق حامد بن آدم المروزی ، عن عبد الله بن المبارک ، عن سفیان ، عن عثمان بن غیاث البصری ، عن أبی عثمان النهدی ، عن أبی موسی الأشعری ، قال : کنت مع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی حائط من تلک الحوائط ، إذ جاء رجل فاستفتح الباب ، فقال : افتح له وبشّره بالجنّة علی بلوی تصیبه. فإذا هو عثمان ، فأخبرته ، فقال : الله المستعان.

قال الأمینی : هلاّ یعرف أبو نعیم مفتعل هذه الأکذوبة حامد بن آدم؟ أو یعرفه بعُجره وبجره ، غیر أنّ الغلوّ فی الفضائل یسوّغ له ولقومه روایة کلّ کذب مختلق فی فضائل المستخلفین بالانتخاب الدستوری الذی لم تره عین الدنیا صحیحاً قطّ.

أنّی یخفی علی مثل أبی نعیم أنّ حامد بن آدم کذّبه الجوزجانی وابن عدی (1) ، وعدّه أحمد بن علی السلیمانی فیمن اشتهر بوضع الحدیث. وقال أبو داود السبخی : قلت لابن معین : عندنا شیخ یقال له : حامد بن آدم. إلخ. فقال : هذا کذّاب لعنه الله (2).

علی أنّ عثمان لو کان مبشّراً بالجنّة ومصدّقاً بوعد النبیّ الأقدس لما کان فی نفسه خیفة من أن یکون هو ذلک الملحد بمکة الذی أخبر صلی الله علیه وآله وسلم بأنّ علیه عذاب نصف أهل الأرض کما مرّ فی صحیحة أحمد. وأعجب من هذا مهزأة جاء بها الخطیب ألا وهی :

22 - أخرج الخطیب البغدادی فی تاریخه (8 / 157) ، من طریق الحسین بن ف)

ص: 436


1- الکامل فی ضعفاء الرجال : 2 / 461 رقم 569.
2- میزان الاعتدال : 1 / 208 [1 / 447 رقم 1671] ، لسان المیزان : 2 / 163 [2 / 206 رقم 2244]. (المؤلف)

حمید بن موسی العکّی ، قال : حدّثنا حمّاد بن المبارک البغدادی [قال : حدثنا عبد الله ابن میمون البغدادی] (1) قال : حدّثنا إسماعیل بن أُمیّة ، عن ابن جریج ، عن عطاء ، عن جابر ، قال : ما صعد النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم المنبر قطّ إلاّ قال : عثمان فی الجنّة. قال : قال الدارقطنی : کذا قال حمّاد بن المبارک ، عن عبد الله بن میمون ، عن إسماعیل بن أُمیّة ، عن ابن جریج ، وهذا الحدیث إنّما یُعرف من روایة إسماعیل بن یحیی بن عبید الله التیمی عن ابن جریج والله أعلم. وقال الذهبی فی المیزان 1 / 281 : خبر غیر صحیح (2).

راجع لسان المیزان (3) (2 / 353).

قال الأمینی : ألا تعجب من الخطیب یذکر مثل هذه السفسطة بهذا الإسناد الوعر ولم ینبس ببنت شفة؟ ولم یُعرب عن حال رجاله عادته فی فضائل کلّ من أعماه حبّه وأصمّه ، وأنت تجد نقضه وإبرامه ، وجرحه وتعدیله ، وتصویبه وتصعیده فی مناقب آل الله صلوات الله علیهم.

أیخفی علی مثل الخطیب قول مسلمة بن قاسم فی الحسین العکّی : إنّه مجهول؟ أم لا یهمّه وجود حمّاد بن المبارک فی الإسناد وهو المجهول الذی لا یُعرف (4)؟ أم عزب عنه قول البخاری (5) فی عبد الله بن میمون : إنّه ذاهب الحدیث ، وقول أبی زرعة : إنّه واهی الحدیث ، وقول أبی حاتم (6) والترمذی : إنّه منکر الحدیث ، وقول9.

ص: 437


1- من المصدر.
2- میزان الاعتدال : 1 / 599 رقم 2268.
3- لسان المیزان : 2 / 429 رقم 2950.
4- میزان الاعتدال : 1 / 281 [1 / 533 رقم 1994] ، لسان المیزان : 2 / 353 [2 / 429 رقم 2950]. (المؤلف)
5- التاریخ الکبیر : 5 / 206 رقم 653.
6- الجرح والتعدیل : 5 / 172 رقم 799.

ابن عدی (1) : إنّ عامّة ما یرویه لا یُتابع علیه ، وقول النسائی (2) : إنّه ضعیف ، وقول أبی حاتم (3) أیضاً : یروی عن الأثبات الملزقات ، لا یجوز الاحتجاج به إذا انفرد ، وقول الحاکم : إنّه یروی أحادیث موضوعة ، وقول أبی نعیم : إنّه روی المناکیر (4)؟

أم لا یروق الخطیب الجرح فی إسماعیل بن أُمیّة العبشمی الأموی وهو ابن عمّ عثمان ، وقد جاء بالروایة مختلقة فی ابن عمّه الخلیفة؟ أم لا ینبّهه ما حکاه عن الدارقطنی (5) من أنّ إسماعیل لا یروی عن ابن جریج ، وإنّما الراوی إسماعیل بن یحیی التیمی؟

أم أراد حفظ سمعة الصدّیق أبی بکر فی حفیده إسماعیل بن یحیی التیمی (6) والستر علی قول صالح بن جزرة فیه : إنّه کان یضع الحدیث ، وقول الأزدی : إنّه رکن من أرکان الکذب لا تحلّ الروایة عنه. وقول أبی علیّ النیسابوری والدارقطنی والحاکم : إنّه کذّاب. وقول الحاکم : روی أحادیث موضوعة. وقول الدارقطنی : إنّه کان یکذب علی مالک والثوری وغیرهما. وقول ابن حبّان (7) : إنّه کان یروی الموضوعات عن الثقات لا تحلّ الروایة عنه بحال (8)؟ف)

ص: 438


1- الکامل فی ضعفاء الرجال : 4 / 187 رقم 1002.
2- کتاب الضعفاء والمتروکین : ص 150 رقم 353.
3- کتاب المجروحین : 2 / 21.
4- تهذیب التهذیب : 6 / 49 [6 / 44]. (المؤلف)
5- الضعفاء والمتروکون : ص 137 رقم 81.
6- إسماعیل بن یحیی بن عبید الله بن طلحة بن عبد الرحمن بن أبی بکر بن أبی قحافة. (المؤلف)
7- کتاب المجروحین : 1 / 126.
8- میزان الاعتدال : 1 / 117 [1 / 253 رقم 965] ، لسان المیزان : 1 / 442 [1 / 493 رقم 1378]. (المؤلف)

نعم ؛ هذه کلّها بین یدی الخطیب ، غیر أنّ الغلوّ فی الفضائل أبکمه فبکم (1). وذکر الذهبی هذه الروایة فی میزان الاعتدال (2) فی ترجمة حمّاد بن المبارک ، وقال : خبر غیر صحیح.

ولو کان لهذا الخیال مقیل من الصحّة لاستدعی أن یکون ما اختلق فیه من کون عثمان فی الجنّة أهمّ ما صدع به رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم من المعارف والأحکام والحِکَم ، فإنّا لم نجد ولا وجد واجد شیئاً منها یهتم صلی الله علیه وآله وسلم له هذا الاهتمام ویصدع به علی کلّ منبر صعده ، نعم کان یکرّر بعض ما یصدع به فی عدّة مقامات للکشف عن أهمیّته غیر أنّها ممّا تعدّه الأنامل ، حتی إنّ الصلاة التی هی عماد الدین لم یکرّرها هذا التکرار المملّ.

ولیت شعری هل کون عثمان فی الجنّة من أُصول الدین وأُسس الإسلام التی لا تتمّ الشریعة إلاّ بها ، فطفق صلی الله علیه وآله وسلم یبالغ فی تبلیغه هذه المبالغة فی کلّ حین؟ فهل هو حکم شرعیّ؟ أو حکمة بالغة؟ أو ملکة فاضلة؟ أو ناموس إلهیّ یستحق هذا التأکید والإصرار؟

ثمّ لو کان عثمان من المؤمنین لکفاه تبشیر الآیات الکریمة الکثیرة والأحادیث الشریفة الجمّة لهم بالجنّة ، فما الحاجة إلی هذا التهالک فی تخصیصه بالذکر تهالکاً لم یشاهد له نظیر فی شیء ممّا بلّغه صلی الله علیه وآله وسلم عن ربّه؟

علی أنّه لو کان صلی الله علیه وآله وسلم مرتکباً ذلک لوجب أن یسمعه منه جمیع الصحابة حتی من حظی بالإصاخة إلی قیله ولو مرّة واحدة طیلة حیاته ، ووجب أن یتواتر الحدیث منه صلی الله علیه وآله وسلم فلا یختصّ بعزوه المختلق جابر ، ولم یک یسنده عنه أُناس دجّالون ، وإنّ من 8.

ص: 439


1- بکم بکامة : سکت تعمّداً. (المؤلف)
2- میزان الاعتدال : 1 / 599 رقم 2268.

أهمّ تلکم المنابر منبر یوم الغدیر وقد حضره مائة ألف أو یزیدون ، فهل سمع أحد من أحدهم من الأعالی والساقة یحدّث أنّه صلی الله علیه وآله وسلم هتف علیه بأنّ عثمان فی الجنّة؟ وهذه خُطب النبیّ الأعظم هل تجد فی شیء منها عمّا تقوّلوه حسیساً أو تسمع منه رکزاً؟ وهل هؤلاء الصحابة البالغون مئات الألوف الذین سمعوا هذا المقال ووعوه ترکوه وراء ظهورهم یوم الدار ، یوم قالوا له : والله أحلّ الله دمک (1) ، یوم کتبوا إلیه یدعونه إلی التوبة وحاجّوه وأقسموا بالله جهد أیمانهم لا یمسکون عنه أبداً حتی یقتلوه (2) ، یوم سلّم علیهم فما سمع أحداً من الناس یردّ علیه ، وکان فیهم من عُمد الصحابة من فیهم (3) ، یوم رفعت أُمّهم عقیرتها وهی تقول : اقتلوا نعثلاً قتله الله فقد کفر ، إلی أیّام قصصنا علیک حوادثها؟ أو أنّهم کلّهم نسوه فنالوا من الرجل ما نالوا؟

وهل حصل لهم مُذکّر من عند أنفسهم فلم یوافقوه علی السماع؟ أو لم یعیروا له أُذناً مُصغیة؟ هذا وهم عدول ، وإنّ ممّن سمع بطبع الحال هاتیک الکلمة نفس عثمان ، فلما ذا کان یخاف من القفول إلی مکة حذار أن یکون هو الذی سمع فیه عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ما مرّ من أنّه یُلحد بمکة رجل علیه عذاب نصف أهل الأرض؟

23 - ذکر ابن کثیر فی تاریخه (4) عند عدّ مناقب عثمان ، عن إسماعیل بن عبد الملک ، عن عبد الله بن أبی ملیکة ، عن عائشة ، قالت : ما رأیت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم رافعاً یدیه حتی یبدو ضبعیه (5) إلاّ لعثمان بن عفّان إذا دعا له.

قال الأمینی : حذف ابن کثیر وغیره ممّن ذکر هذه المهزأة إسنادها وأرسلوها ط.

ص: 440


1- تاریخ الخمیس : 2 / 260. (المؤلف)
2- راجع ما مرّ فی هذا الجزء : ص 162. (المؤلف)
3- راجع ما أسلفنا فی حدیث طلحة بن عبید الله : ص 96. (المؤلف)
4- البدایة والنهایة : 7 / 238 حوادث سنة 35 ه.
5- کذا فی المصدر ، والصحیح : ضبْعاه ، والضبع وسط العضد ، وقیل : العضد کلها ، وقیل : الإبط.

إرسال المسلّم ذاهلین عن أنّ فی ذکر إسماعیل بن عبد الملک کفایة من عرفان بقیّة رجاله. قال ابن عمّار وأبو داود : ضعیف. وقال (1) ابن الجارود وابن معین والنسائی وأبو حاتم : لیس بالقوی. وقال عبد الرحمن بن مهدی : أُضرب علی حدیثه. وقال الفلاس وأبو موسی : کان عبد الرحمن ویحیی لا یحدّثان عنه. وقال ابن حبّان (2) : کان یقلّب ما یروی (3).

وأنا لا أدری أنّ عائشة متی روت هذه الروایة ، قبل تکفیرها الرجل وتألیب الناس علیه ، ثمّ نسیتها؟ وسرعان ما تنسی أُمّ المؤمنین ما حفظته کما نسیت أقوال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لها فی مُناوأة أمیر المؤمنین علیه السلام وعن کلاب الحوأب ونباحها ، أم أنّها روتها حین کانت تثیر العواطف علی عثمان وترهج علیه نقع الحروب حتی أوردته موارد الهلکة؟ فاعجب إذن بالمناقضة بین روایتها وعملها دوالیک وهی صحابیّة عادلة أُمّ الصحابة العدول کما یزعمون.

أم أنّها أسندتها بعد تلکم المعامع؟ بعد أن سوّل لها الناکثان النهضة للطلب بثاراته فخرجا یجرّان حرمة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم کما تُجرّ الأمة عند شرائها متوجهین بها إلی البصرة ، فحبسا نساءهما فی بیوتهما ، وأبرزا حبیس رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم عن خدرها (4) فثارت لتتدارک ذلک الحوب بما هو أکبر منه ، فخالفت القرآن الکریم فیما خصّ زوجات النبی صلی الله علیه وآله وسلم بقوله : (وَقَرْنَ فِی بُیُوتِکُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِیَّةِ الْأُولی) (5) فکان من استقرارها فی بیتها أن رکبت الجمل وقادت العساکر ، وباشرت 3.

ص: 441


1- التاریخ : 3 / 303 رقم 1437 ، کتاب الضعفاء والمتروکین : ص 49 رقم 35 ، الجرح والتعدیل : 2 / 186 رقم 629.
2- کتاب المجروحین : 1 / 121.
3- تهذیب التهذیب : 1 / 316 [1 / 276]. (المؤلف)
4- راجع ما مضی فی هذا الجزء : ص 106. (المؤلف)
5- الأحزاب : 33.

الحرب بنفسها ، وعاشرت الرجال الأجانب ، ونبذت الکتاب وراء ظهرها ، ولم ترعَ لبعلها حرمة ولا کرامة.

وخالفت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی نواهیه المتعاقبة عن خصوص موقف الجمل کما مرّت فی الجزء الثالث (ص 188 - 191) ، وعن مطلق مناوأة أمیر المؤمنین علیه السلام ومحاربته فیما روی عنه صلی الله علیه وآله وسلم مستفیضاً کما أسلفنا نزراً منه فی (1 / 336 ، 337 و 2 / 300 - 303 و 3 / 26 ، 182 - 188 و 4 / 322 - 325).

نعم ؛ خالفت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی وصایاه المؤکّدة لوصیّه الطاهر ، حتی جاء فی حدیث معمّر : عائشة کانت لا تطیب نفساً لعلیّ بخیر. وفی حدیث آخر : لکنّها لا تقدر علی أن تذکره بخیر (1).

والحدیث صحیح رجاله کلّهم ثقات ، أخرجه أحمد فی مسنده (2) (6 / 228) ، من طریق معمّر ، عن الزهری ، عن عبید الله بن عبد الله بن عتبة ؛ أنّ عائشة أخبرته ، قالت : أوّل ما اشتکی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی بیت میمونة ، فاستأذن أزواجه أن یمرّض فی بیتها ، فأُذن له ، قالت : فخرج ویدٌ له علی الفضل بن عبّاس ، ویدٌ علی رجل آخر ، وهو یخطّ برجلیه فی الأرض. قال عبید الله : فحدّثت به ابن عبّاس فقال : أتدرون من الرجل الآخر الذی لم تسمّ عائشة؟ هو علیّ ، ولکن عائشة لا تطیب له نفساً.

وأخرجه البخاری (3) فی صحیحه فی باب حدّ المریض أن یشهد الجماعة ، غیر أنّه حذف منه قول ابن عبّاس : ولکنّ عائشة لا تطیب له نفساً. وهذا شأن البخاری فی کلّ ما لا یروقه. 4.

ص: 442


1- فتح الباری : 2 / 123 [2 / 156]. (المؤلف)
2- مسند أحمد : 7 / 326 ح 25386.
3- صحیح البخاری : 1 / 237 ح 634.

نعم ؛ عائشة لا تقدر أن تسمی علیّا وتذکره بخیر ، غیر أنّها کانت تصیخ إلی من نال من علیّ علیه السلام وتأنس بالوقیعة فیه ولا تنهی عنها ، کما فی صحیحة رجالها کلّهم ثقات أخرجها أحمد فی مسنده (1) (6 / 113) من طریق عطاء بن یسار ، قال : جاء رجل فوقع فی علیّ وفی عمّار رضی الله تعالی عنهما عند عائشة ، فقالت : أمّا علی فلست قائلة لک فیه شیئاً ، وأمّا عمّار فإنّی سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول : «لا یُخیَّر بین أمرین إلاّ اختار أرشدهما».

لمَ یا أُمّاه لست قائلة شیئاً فی علیّ؟ أما سمعت أُذناک من بعلک حدیثاً واحداً فی فضله مثل ما سمعت فی عمّار؟ أما تجدین فی کتاب الله ممّا نزل فی علیّ ما یعادل حدیثک فی عمّار؟ وفضل علیّ علیه السلام علی عمّار کما قال حذیفة الیمانی : فو الله لعلیّ أفضل من عمّار أبعد ما بین التراب والسحاب ، وإنّ عمّاراً من الأخیار (2).

لم یا أُمّاه لا تکرهین أن یُقذع عندک علیّ علیه السلام ، وأنت التی کنت کارهة أن یُسبّ عندک حسّان بن ثابت؟ وقد أخبر بذلک عروة قال : کانت عائشة تکره أن یُسبّ عندها حسّان وتقول : إنّه الذی قال :

فإنّ أبی ووالده وعرضی

لعرضِ محمدٍ منکم وقاءُ (3)

أما کانت عندک لمواقف علیّ المشکورة فی مغازی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ولمبیته علی فراشه لیلة هجرته من مکة وقد باهی الله به ملائکته ، قیمة وکرامة مقدار بیت شعر لحسّان؟ وحسّان أنت أدری به منّی. إی یا أُمّاه؟ شنشنة أعرفها من أخزم!

ومن رشحات ما کانت تحمله أُمّ المؤمنین بین جنبیها من الضغینة علی أوّل ف)

ص: 443


1- مسند أحمد : 7 / 163 ح 24299.
2- أخرجه ابن عساکر کما فی کنز العمال : 7 / 73 [13 / 532 ح 37385]. (المؤلف)
3- راجع مسند أحمد : 6 / 197 [6 / 282 ح 25096]. (المؤلف)

المسلمین وأولاهم بهم من أنفسهم قولها یوم سمعت بیعة الناس له : لوددت أنّ السماء انطبقت علی الأرض إن تمّ هذا.

وخالفت العقیدة الراسخة من حرمة قتال خلیفة الوقت ، ولیتنی علمت ما ذا یکون جواب أمّ المؤمنین لو أُحفیت السؤال عن خطیئتها؟ أیّهما أعظم : إجهازها علی عثمان؟ أم محاربتها الإمام أمیر المؤمنین علیّا علیه السلام؟ غیر أنّها الیوم وقد کشف عنها الغطاء تجیب بأنّ الخطیئة کانت واحدة مرتکزة علی سنام الجمل وتحت أستار الهودج ، وهل کانت روایتها هذه لتبریر عملها الأخیر وقد جعلتها معذّرة لها فی ثورتها؟ أو أنّها اختُلِقتْ علیها فأخرجتها رواة السفاسف أو حملة الأضغان علی البیت النبویّ الطاهر ، أو سماسرة البیت الأمویّ الذین حاولوا نشر الفضیلة لهم ولو بالأفائک؟

وکانت أمّ المؤمنین عالمة جدّا بأنّ قتل عثمان کان هیّناً عند الله ورسوله فی جنب خروجها من عقر دارها ، کما قال لها جاریة بن قدامة السعدی الصحابی : یا أُمّ المؤمنین والله لقتل عثمان بن عفّان أهون من خروجک من بیتک علی هذا الجمل الملعون عرضة للسلاح ، إنّه قد کان لک من الله ستر وحرمة ، فهتکت سترک ، وأبحت حرمتک ، إنّه من رأی قتالک فإنّه یری قتلک ، إن کنت أتیتنا طائعة فارجعی إلی منزلک ، وإن کنت أتیتنا مستکرهة فاستعینی بالناس (1).

ثمّ هل کان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یدعو لعثمان بالثبات علی الحقّ من اتّباع الکتاب والسنّة؟ فلما ذا لم یُستجب ذلک الدعاء فخالفهما؟ وظهر ذلک منه حتی عرفته عامّة الصحابة فأنکروه علیه حتی قتلوه. ف)

ص: 444


1- تاریخ الطبری : 5 / 176 [4 / 465 حوادث سنة 36 ه] ، الکامل لابن الأثیر : 3 / 90 [2 / 318 حوادث سنة 36 ه]. (المؤلف)

أو أنّه کان یدعو له بالتوفیق للتوبة؟ فلما ذا لم یوفّق؟ فکلّما تاب رجع ، وکلّما عهد حنث ، حتی عرف ذلک الثائرون علیه فلم یجدوا بدّا من إعدامه.

أو أنّه کان یدعو له بالمغفرة وإن لم تکن توبته نصوحاً؟ فذلک إغراء بالجهل ، وترخیص فی المعصیة ، وهو محال علی النبی صلی الله علیه وآله وسلم.

أو أنّه کان یدعو له بدفع عادیة الناس عنه علی ما هو علیه من طاعة أو معصیة؟ فهبنی قلت : إنّه جائز لکن الدعاء لم یُستجب ، وما غناء بقاء رجل هو هکذا سالماً؟ وهو لا یُقتصّ أثره فی صلاح ، ولا یُقتفی فی طاعة ، ولا یُتّبع فی خیر ، وإنّما تورث سلامته تجرّیاً علی المعاصی وولعاً بالمیول والشهوات.

أو أنّه کان یدعو له بالیسار والثروة لیرغد عیشه ویُرغد عیش من لفّ لفّه واحتفّ به ولو کان بالأثرة لنفسه وذویه علی المسلمین عامة متعدّیاً حدود الله المأثورة فی الأموال والصدقات؟ فهل الدعاء لمثل هذا جائز فی الشریعة؟ وهل یستسیغ العقل السلیم الدعاء للحصول علی المآثم.

أو أنّه کان یدعو له بنیل الخلافة؟ وهذا إن صحّ فقد استجیب ، غیر أنّ النبیّ الأعظم صلی الله علیه وآله وسلم کان بواسع علم النبوّة بصیراً بما یؤول إلیه أمر الرجل وینوء به ممّا لا تحمده شریعة أو عقیدة ، ولا یستتبع خلافته إلاّ وهناً فی الدین ، وذهاباً لأبّهة الإمامة ، وقلقاً فی مستوی الإسلام وعاصمة النبوّة ، وتعکیراً لصفو الألفة بین أفراد المسلمین ، وفتّا فی عضدهم ، وهواناً علی صلحاء الأُمّة فی الحواضر الإسلامیّة ، وتعطیلاً للأحکام ، وتعدّیاً للحدود ، ومن یتعدّ حدود الله فأولئک هم الظالمون ، وکلّ هذه ممّا عرفته منه الصحابة فتألّبوا علیه ، فما کان حاجة النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فی خلیفة هو هکذا؟

هذه محتملات الدعاء المزعوم ، ولنا هاهنا مساءلة أخری عن السبب الموجب لهذا الدعاء أوّلاً وعن ظرفه ثانیاً ، أهل کان الموجب له أعماله السابقة علی الدعاء؟ أو

ص: 445

ما ارتکبه فی أُخریات أیّامه ، فجرّ علی نفسه ومن اکتنفه الویلات من جرّائه؟

أمّا الأخیرة فقد عرفت أنّها لا تنهض موجباً لذلک.

وأمّا سوابقه فسل عنه یوم بدر وتخلّفه عنه وکان یُعیّر بذلک طیلة حیاته ، ووقع فیه عبد الرحمن بن عوف لذلک فی أخریات خلافته بملإ من الناس ، فأنهی إلیه ذلک الولید بن عقبة السکّیر الفاسق بلسان الوحی المبین (1) ، هنالک نحت له عذراً من تمریض رقیّة بنت النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم (2) لکن الصحابة ما کانوا یعرفون ذلک العذر المفتعل حتی أولی الناس به أخوه بالمؤاخاة بمکة عبد الرحمن بن عوف ، ولو کان ما یقوله صحیحاً لعرفوه وهو بین ظهرانیهم غیر مُنتئٍ عنهم.

وسل عنه یوم أُحد وفراره من الزحف وقد نزل فیه وفیمن فرّ قوله تعالی فی سورة آل عمران آیة : 155 (إِنَّ الَّذِینَ تَوَلَّوْا مِنْکُمْ یَوْمَ الْتَقَی الْجَمْعانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّیْطانُ بِبَعْضِ ما کَسَبُوا) الآیة (3).

وسل عنه لیلة وفاة أُم کلثوم واقترافه الذنب فیها ، وهتک رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم حرمته فی صبیحتها بملإ من الصحابة بحرمانه من دفنها وهی زوجته وهو أحقّ الناس بدفنها ، راجع ما أسلفناه فی الجزء الثامن (ص 231).

وسل عنه إیواءه عبد الله بن أبی سرح وقد ارتدّ عن الإسلام ولحق بالمشرکین ف)

ص: 446


1- مرّ تفصیل ذلک فی : 8 / 274 - 276. (المؤلف)
2- راجع مسند أحمد : 1 / 68 و 75 [1 / 109 ح 492 و 120 ح 557] ، الریاض النضرة : 2 / 97 [3 / 22] ، تاریخ ابن کثیر : 7 / 206 [7 / 231 حوادث سنة 35 ه]. (المؤلف)
3- راجع مسند أحمد 1 / 68 [1 / 109 ح 492] ، تفسیر القرطبی : 4 / 245 [4 / 157] ، تفسیر ابن کثیر : 1 / 419 ، الریاض النضرة : 2 / 97 [3 / 23] ، تفسیر الخازن : 1 / 307 [1 / 295 وانظر أیضاً المعجم الکبیر : 1 / 88 ح 135]. (المؤلف)

فأهدر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم دمه یوم الفتح وأمر بقتله ولو وجد تحت أستار الکعبة ، لکنّه فرّ إلی أخیه من الرضاعة - عثمان - فآواه وغیّبه ، وکان من واجبه قتله أینما وجده ، لکنه بدلاً من ذلک أتی به إلی رسول الله فاستأمنه له ، فصمت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم طویلاً رجاء أن یقتله أحد من الحضور لأنّه ما کان یروقه صلی الله علیه وآله وسلم إسعافه ولا یری لحیاة ابن أبی سرح قیمة. راجع ما أسلفناه فی الجزء الثامن (ص 280).

وسل عنه إیواءه ابن عمّه المشرک معاویة بن المغیرة بن أبی العاص یوم حمراء الأسد لمّا ظفر به رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی خروجه منها فأمر بضرب عنقه صبراً ، فلجأ إلی عثمان فاستأمن له رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فأمنه علی أنّه إن وجد بعد ثلاث قتل ، فأقام بعد ثلاث وتواری فبعث صلی الله علیه وآله وسلم عمّار بن یاسر وزید بن حارثة وقال : «إنّکما ستجدانه بموضع کذا وکذا» فوجداه فقتلاه (1).

وما أشبه فعلته هذه بإیوائه الحکم وابنه مروان فی خلافته وهما طریدا رسول الله ولعیناه! (2) فأمره سواسیة فی المبدأ والمنتهی.

هذا کلّ ما علمناه من سوابق الرجل ولواحقه ، وشیء منها لا یصلح أن یکون باعثاً للحبّ والدعاء ، کما أنّ شیئاً منها لا یترک للدعاء المزعوم ظرفاً یُستساغ له الدعاء فیه ، فزبدة المخض أنّه من مختلق الدور الأُمویّ الذی لم یأل العبشمیون فیه جهداً فی وضع الفضائل أو الرذائل.

نعم ، ذکروا له صلی الله علیه وآله وسلم دعوات عدیدة لعثمان عند تجهیزه جیش العسرة ولعلّ المتهالک فی حبّ عثمان ینحته موجباً لتلکم الدعوات ، والباحث جدّ خبیر بأنّه لا ف)

ص: 447


1- سیرة ابن هشام : 3 / 57 [3 / 111] ، تاریخ ابن کثیر : 4 / 51 [4 / 59] ، عیون الأثر لابن سیّد الناس : 2 / 37 ، 38 [2 / 6] ، شرح الأشخر علی بهجة المحافل : 1 / 213 [الأشخر هو محمد بن أبی بکر المتوفی 919]. (المؤلف)
2- راجع ترجمة الحکم وابنه مروان فی الجزء الثامن من کتابنا هذا. (المؤلف)

یعدو شیئاً منها وهن فی الإسناد لضعف فی رجاله أو إرسال فیه ، علی اضطراب الروایات فی کیفیّة التجهیز وکمّیة ما أنفقته یده فیه ، اضطراباً لا یعدوه الحکم بالبطلان فی جمیعها

قال ابن هشام فی السیرة (1) (4 / 172) : أنفق عثمان بن عفّان فی ذلک نفقة عظیمة لم ینفق أحد مثلها. حدّثنی من أثق به أنّ عثمان بن عفّان أنفق فی جیش العسرة فی غزوة تبوک ألف دینار. إلی آخر ما یأتی من حدیثه.

وأخذ الطبری (2) الجملة الأُولی من قول ابن هشام وترک حدیثه.

وعند الکلبی مرسلاً کما فی أسباب النزول للواحدی (3) (ص 61) : جهّز بألف بعیر بأقتابها وأحلاسها.

وعند قتادة مرسلاً : حمل علی ألف بعیر وسبعین فرساً.

وعند البلاذری (4) بإسناد ضعیف مرسل : جهّزهم بسبعین ألفاً.

وعند الطبرانی بإسناد ضعیف : مائتا بعیر بأقتابها وأحلاسها ومائتا أوقیة من الذهب.

وعند أبی یعلی بسند ضعیف : جاء بسبعمائة أوقیة ذهب.

وعند ابن عدی (5) بسند واه ضعیف جدّا : جاء بعشرة آلاف دینار. 9.

ص: 448


1- السیرة النبویة : 4 / 161.
2- تاریخ الأُمم والملوک : 3 / 102 حوادث سنة 9 ه.
3- أسباب النزول : ص 55.
4- أنساب الأشراف : 6 / 112.
5- الکامل فی ضعفاء الرجال : 1 / 340 رقم 169.

وعند أبی نعیم (1) بإسنادین باطلین : جاء بألف دینار.

وعند أحمد وأبی نعیم (2) بإسناد معلول : ثلاثمائة بعیر بأحلاسها وأقتابها.

وعند ابن عساکر مرسلاً : جهّز ثلث ذلک الجیش مؤنتهم.

وعند ابن الأثیر (3) ما ذکره الطبری وزاد علیه : قیل کانت ثلاثمائة بعیر وألف دینار.

وعند عماد الدین العامری دعوی مجرّدة : أنفق ألف دینار ، وحمل علی تسعمائة وخمسین بعیراً ، وخمسین فرساً.

وعند الحلبی صاحب السیرة (4) قولاً بلا دلیل : جهّز عشرة آلاف دینار غیر الإبل والخیل وهی تسعمائة بعیر ومائة فرس والزاد وما یتعلّق بذلک حتی ما تربط به الأسقیة.

وعند بعض کما فی السیرة الحلبیّة : أعطی ثلاثمائة بعیر بأحلاسها وأقتابها وخمسین فرساً.

وفی روایة عند الحلبی : جاء بعشرة آلاف دینار إلی رسول الله فصبّت بین یدیه ، فقال : لعلّ هذه العشرة آلاف غیر الذی جهّز بها العشرة آلاف إنسان.

فتری کلّ واحد یکیل ویزن ما أنفقه الرجل فی جیش العسرة بکیلة مروءته ومیزان کرامته ، وما تستدعیه سعة صدره ، ورحب ذات یده. 0.

ص: 449


1- حلیة الأولیاء : 1 / 59.
2- مسند أحمد : 5 / 38 ح 16255 ، حلیة الأولیاء : 1 / 59.
3- الکامل فی التاریخ : 1 / 635 حوادث سنة 9 ه.
4- السیرة الحلبیة : 3 / 130.

علی أنّ هناک أُناساً آخرین شارکوا من جهّز الجیش وأربوا ، فلا أدری ما الموجب لاختصاص عثمان بتلکم الأدعیة دونهم؟ فمن أُولئک المجهّزین العباس بن عبد المطّلب فإنّه حمل مالاً یقال إنّه تسعون ألفاً (1) وقال صلی الله علیه وآله وسلم : «العبّاس عمّ نبیّکم أجود قریش کفّا وأحناه علیها» وفی حدیث : «أوصلها إلیها».

مستدرک الحاکم (2) (3 / 328).

وأوّل من حمل ماله کلّه هو أبو بکر علی زعم القوم ؛ فإنّه جاء بماله کلّه ، فقال له رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : هل أبقیت شیئاً؟ قال : الله ورسوله (3) [أعلم] (4).

وهب أنّ ما حمله أبو بکر کان نزراً یسیراً لکنّه أنفق کلّ ماله إن صدق الحدیث وکمال الجود بذل الموجود ، فما الذی أرجأه من الحظوة بالدعاء له ورسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یراه أمنّ الناس علیه بماله؟ وقد جاء عنه صلی الله علیه وآله وسلم فیما رواه أحمد فی مسنده (5) (1 / 270) قوله : لیس أحد أمنّ علیّ فی نفسه وماله من أبی بکر بن أبی قحافة.

علی أنّ طبع الحال یستدعی أن یکون هناک منفقون آخرون ، لأنّ عدد الجیش کان ثلاثین ألفاً وعشرة آلاف فرس واثنا عشر ألف بعیر عند کثیر من المؤرخین ، وعند أبی زرعة کانوا سبعین ألفاً ، وفی روایة أربعین ألفاً (6) وما ذکروه من ف)

ص: 450


1- امتاع المقریزی : ص 446. (المؤلف)
2- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 371 ح 5419.
3- تاریخ ابن عساکر : 1 / 110 [2 / 34] ، شرح المواهب للزرقانی : 3 / 64 ، السیرة الحلبیة : 3 / 145 [3 / 130]. (المؤلف)
4- الزیادة من تاریخ ابن عساکر.
5- مسند أحمد : 1 / 445 ح 2428.
6- طبقات ابن سعد : رقم التسلسل 683 [2 / 166] ، تاریخ ابن عساکر : 1 / 111 [2 / 36] ، امتاع المقریزی : ص 650 [ص 450] ، فتح الباری : 8 / 93 [8 / 117] ، المواهب اللدنیّة : 1 / 173 [1 / 630] ، إرشاد الساری : 6 / 438 [9 / 451] ، شرح بهجة المحافل : 2 / 30.(المؤلف)

النفقات لعثمان وغیره لا تفی بتجهیز هذا الجیش اللجب ، فلما ذا حُرِم أولئک کلّهم من الدعاء وحظی به عثمان فحسب؟ أنا أُنبئک لما ذا ، وجد عثمان بعد ما خُذل وقُتل أنصاراً ینحتون له الفضائل ، وتصرّمت أیّام أولئک من غیر نصیر مُفتعل!

وإلیک جملة ممّا روی فی الباب وافیة للنهوض بإثبات بطلان ما یُهتف به من المبالغة فی أمر التجهیز المذکور ، منها :

24 - أخرج أبو نعیم فی حلیة الأولیاء (1 / 59) من طریق حبیب بن أبی حبیب أبی محمد البصری - کاتب مالک - عن مالک ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : لمّا جهّز النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم جیش العسرة جاء عثمان بألف دینار فصبّها فی حجر النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ، فقال النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم : اللهمّ لا تنس لعثمان ؛ ما علی عثمان ما عمل بعد هذا.

قال الأمینی : أتخفی علی مثل الحافظ أبی نعیم أقوال أئمّة الفنّ من قومه فی حبیب کاتب مالک؟ قال عبد الله بن أحمد (1) - إمام الحنابلة - عن أبیه ؛ أنّه قال : حبیب لیس بثقة ، قدم علینا رجل أحسبه قال من خراسان کتب عنه کتاباً ، إلی أن قال : قال أبی : کان یکذب ، ولم یکن أبی یوثّقه ولا یرضاه وأثنی علیه شرّا وسوءاً.

وقال أبو داود : کان من أکذب الناس کان یضع الحدیث. وقال أبو حاتم (2) : متروک الحدیث روی عن ابن أخی الزهری أحادیث موضوعة. وقال النسائی (3) والأزدی : متروک الحدیث ، وقال ابن حبّان (4) : کان یُدخل علی الشیوخ الثقات ما لیس من حدیثهم ، وقال : أحادیثه کلّها موضوعة. وذکر له عدّة أحادیث عن هشام ابن سعد وغیره وقال : کلّها موضوعة ، وعامّة حدیثه موضوع المتن ، مقلوب 5.

ص: 451


1- العلل ومعرفة الرجال : 2 / 52 رقم 1528 ،
2- الجرح والتعدیل : 3 / 100 رقم 466.
3- کتاب الضعفاء والمتروکین : ص 90 رقم 163.
4- کتاب المجروحین : 1 / 265.

الإسناد ، ولا یحتشم حبیب فی وضع الحدیث علی الثقات ، وأمره بیّن فی الکذب. وقال أبو أحمد الحاکم : ذاهب الحدیث. وقال سهل بن عسکر : کتبنا عنه عشرین حدیثاً وعرضناها علی ابن المدینی فقال : هذا کلّه کذب ، وقال النسائی : متروک ، أحادیثه کلّها موضوعة عن مالک وغیره (1).

وأخرجه أحمد (2) من طریق ضمرة بن ربیعة الدمشقی الرملی ، قال الساجی : صدوق یهم عنده مناکیر ، وجاء ضمرة عن الثوری عن ابن دینار عن ابن عمر بحدیث فأنکره أحمد وردّه ردّا شدیداً ، وقال : لو قال رجل إنّ هذا کذب لما کان مخطئاً.

وأخرجه الترمذی (3) وقال : لا یتابع ضمرة علیه وهو خطأ عند أهل الحدیث. راجع تهذیب التهذیب (4) (4 / 461).

ومنها :

25 - أخرج أحمد فی مسنده (5) (1 / 74) ؛ من طریق محمد بن أبی بکر المقدمی البصری ، عن محمد بن عبد الله الأنصاری البصری ، عن هلال بن حقّ البصری ، عن سعید الجریری (6) البصری ، عن ثمامة القشیری ، قال : شهدت الدار یوم أصیب ف)

ص: 452


1- راجع : میزان الاعتدال : 1 / 210 [1 / 452 رقم 1694] ، تذکرة الموضوعات للمقدسی : ص 90 [ص 63] ، مجمع الزوائد للهیثمی : 9 / 74 ، تهذیب التهذیب : 2 / 181 [2 / 158] ، اللآلئ المصنوعة : 1 / 8 و 230 [1 / 443 و 2 / 390] ، خلاصة الکمال : ص 60 [1 / 192 رقم 1200] ، أسنی المطالب : ص 216. (المؤلف)
2- مسند أحمد : 6 / 55 ح 20107.
3- سنن الترمذی : 5 / 585 ح 3701.
4- تهذیب التهذیب : 4 / 403 - 404.
5- مسند أحمد : 1 / 120 ح 556.
6- الجریری بضم الجیم وفتح الراء : نسبة إلی جریر بن عباد. (المؤلف)

عثمان رضی الله عنه فطلع علیهم إطلاعة فقال : ادعوا لی صاحبیکم اللذین (1) ألّباکم علیّ. فدعیا له ، فقال : نشدتکما الله أتعلمان أنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لمّا قدم المدینة ضاق المسجد بأهله ، فقال : من یشتری هذه البقعة من خالص ماله فیکون فیها کالمسلمین وله خیر منها فی الجنّة ، فاشتریتها من خالص مالی فجعلتها بین المسلمین وأنتم تمنعونی أن أُصلّی فیه رکعتین؟ ثمّ قال : أنشدکم الله أتعلمون أنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لمّا قدم المدینة لم یکن فیها بئر یستعذب منه إلاّ رومة ، فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : من یشتریها من خالص ماله فیکون دلوه فیها کدلیّ المسلمین وله خیر منها فی الجنّة ، فاشتریتها من خالص مالی ، فأنتم تمنعونی أن أشرب منها؟ ثمّ قال : هل تعلمون أنّی صاحب جیش العسرة؟ قالوا : اللهمّ نعم.

وذکره البلاذری فی الأنساب (2) (5 / 5 ، 6) من طریق یحیی بن أبی الحجاج البصری عن سعید الجریری وزاد : فأنشدکما الله هل تعلمان أنّی جهّزت جیش العسرة من مالی؟ قالا : اللهمّ نعم. قال : أنشدکما الله هل تعلمان أنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم کان بثبیر - أو قال : بحرّاء - فتحرّک الجبل حتی تساقطت حجارته إلی الحضیض فرکضه برجله فقال : اسکن فما علیک إلاّ نبیّ أو صدّیق أو شهید؟ قالا : اللهمّ نعم.

وأخرجه البیهقی فی السنن الکبری (6 / 168) من طریق یحیی بن أبی الحجّاج عن الجریری عن ثمامة.

رجال الإسناد :

1 - محمد بن عبد الله الأنصاری : قال العقیلی (3) : منکر الحدیث. وقال أبو أحمد 0.

ص: 453


1- یعنی طلحة والزبیر ، ووقعت التسمیة فی غیر واحد من أحادیث المناشدة وکلها أکاذیب. (المؤلف)
2- أنساب الأشراف : 6 / 106.
3- الضعفاء الکبیر : 4 / 103 رقم 1660.

الحاکم : روی یحیی بن خذام عنه عن مالک بن دینار أحادیث منکرة والله أعلم الحمل فیه علیه أو علی یحیی. وقال ابن حبّان (1) : منکر الحدیث جدّا یروی عن الثقات ما لیس من حدیثهم ، لا یجوز الاحتجاج به. وقال ابن طاهر : کذّاب. وقال الحاکم النیسابوری : یروی أحادیث موضوعة. وقال أبو الفضل الهروی : ضعیف. وقال الأزدی : منکر الحدیث جدّا روی عن مالک بن دینارأحادیث معاضیل. تهذیب التهذیب (2)(9 /256).

لا یحسب الباحث أنّ محمد بن عبد الله الأنصاری هذا هو عبد الله البصری محمد بن عبد الله بن المثنّی ؛ فإنّه یروی عن سعید الجریری بلا واسطة کما فی تهذیب التهذیب (3) (4 / 6 و 9 / 274) والذی یروی عنه بالواسطة هو هذا الأنصاری المترجم له.

2 - سعید أبو مسعود الجریری : وهو وإن کان ثقة فی نفسه لکنّه لا تصحّ روایته لاختلاطه ثلاث سنین من عمره ، قال أبو حاتم (4) : تغیّر حفظه قبل موته ، فمن کتب عنه قدیماً فهو صالح. وقال یزید بن هارون ربّما ابتلانا الجریری وکان قد أنکر. وقال (5) ابن معین عن ابن عدی : لا نکذب الله سمعنا من الجریری وهو مختلط. وقال ابن حبّان (6) : اختلط قبل أن یموت بثلاث سنین. وقال یحیی بن سعید لعیسی بن یونس : أسمعت من الجریری؟ قال : نعم. قال : لا ترو عنه ، یعنی لأنّه سمع منه بعد اختلاطه. 1.

ص: 454


1- کتاب المجروحین : 2 / 266.
2- تهذیب التهذیب : 9 / 228.
3- تهذیب التهذیب : 9 / 244.
4- الجرح والتعدیل : 4 / 1 رقم 1.
5- التاریخ : 4 / 146 رقم 2623 ، الکامل فی ضعفاء الرجال : 3 / 392 رقم 821.
6- الثقات : 6 / 351.

وقال ابن سعد (1) : کان ثقة إن شاء الله إلاّ أنّه اختلط آخر عمره.

تهذیب التهذیب (4 / 6).

3 - یحیی بن أبی الحجّاج البصری فی طریق البلاذری. قال النسائی وابن معین : ابن أبی الحجّاج لیس بشیء. وقال أبو حاتم (2) : لیس بالقویّ.

ونحن لو غاضینا العثمانیین علی صحّة هذه الروایة وأمثالها فإنّها تعود وبالاً علی عثمان أکثر منها منقبة ؛ فإنّ فی صریحها أنّ الرجلین وهما من العشرة المبشّرة ومن الستّة أصحاب الشوری وفی الجبهة والسنام من الصحابة العدول - عند القوم - اعترفا له بما استنشدهما لکنّهما لم یأبها بما حاوله عثمان من مفاد الروایة فاستمرّا علی التألیب علیه والضغط والتشدید ، فهل هو مجابهة منهما لما ثبت عن الرسول صلی الله علیه وآله وسلم؟ ویردّه عدلهما وکونهما من العشرة أو أنّهما علما أنّ الشیء حدث بعده شیء أزاح موضوعه. وإنّما کان قول رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی مرحلة الاقتضاء من آثار تلکم الأعمال الطبیعیّة إذا استمرّ صاحبها علی ما هو علیه فی هاتیک الأحوال ولم یحدث موانع ، فإنّهما کانا یرتئیان حدوث موانع هنالک سالبة لأثر الاقتضاء. وبهذا الاعتقاد مضیا مصرّین علی ما ارتکباه من أمر الخلیفة ، وهما یریانه حائداً عن الصراط السویّ.

ولعلّ عثمان نفسه ما کان جازماً ببقاء تلکم الآثار التی کان نوّه بها النبیّ الأعظم صلی الله علیه وآله وسلم نظراً منه لما أحدث بعد ذلک من الحوادث ، ولذلک کان یحاذر أن یکون هو الرجل الذی أخبر عنه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم من أنّه یُلحد بمکة رجل علیه نصف عذاب أهل الأرض. کما مرّ حدیثه الصحیح فی (ص 152) من هذا الجزء.

ویشبه طلحة والزبیر بل وعثمان نفسه بقیّة الصحابة المجهزین علیه فیما بینّاه من 8.

ص: 455


1- الطبقات الکبری : 7 / 261.
2- الجرح والتعدیل : 9 / 139 رقم 588.

الاعتقاد فی حقّ الرجل. فراجع ما قدّمناه من أقوالهم وأعمالهم المذکورة فی الجزء الثامن وفی هذا الجزء (ص 69 - 163) ، ولا تنس قولهم له فی مناشدته المذکورة فی (ص 204) : وأمّا ما ذکرت من قدمک وسبقک مع رسول الله فإنّک قد کنت ذا قدم وسلف وکنت أهلاً للولایة ، ولکن بدّلت بعد ذلک وأحدثت ما قد علمت.

وقولهم له : وأمّا قولک : إنّه لا یحلّ إلاّ قتل ثلاثة ؛ فإنّا نجد فی کتاب الله قتل غیر الثلاثة الذین سمّیت : قتل من سعی فی الأرض فساداً ، وقتل من بغی ثمّ قاتل علی بغیه ، وقتل من حال دون شیء من الحقّ ومنعه ثمّ قاتل دونه وکابر علیه ، وقد بغیت ، ومنعت الحقّ ، وحلت دونه ، وکابرت علیه. إلخ.

ونظیر هذه الأقوال الکثیر المعرب عن آراء الصحابة فیه وفی أحداثه ، وکلّها تکذّب القول بأن یکون رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یسمّی الرجل شهیداً. نعوذ بالله من الاختلاق بلا تدبّر.

ومنها :

26 - أخرج سیف بن عمر فی الفتوح ، من طریق صعصعة بن معاویة التیمی ، قال : أرسل عثمان وهو محصور إلی علیّ وطلحة والزبیر وغیرهم : فقال : احضروا غداً. فأشرف علیهم وقال : أنشدکم الله ولا أنشد إلاّ أصحاب النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ألستم تعلمون أنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قال : من حفر رومة فله الجنّة. فحفرتها؟ ألستم تعلمون أنّه قال : من جهّز جیش العسرة فله الجنّة. فجهزته؟ قال : فصدّقوه بما قال.

ذکره ابن حجر فی فتح الباری (1) (5 / 314) وقال : وللنسائی من طریق الأحنف ابن قیس أنّ الذین صدّقوه بذلک هم : علیّ بن أبی طالب وطلحة والزبیر وسعد بن أبی وقّاص. 8.

ص: 456


1- فتح الباری : 5 / 408.

تری ابن حجر هاهنا ساکتاً عن الغمز فی هذه الروایة وهو الذی جمع أقوال الحفّاظ فی سیف بن عمر من أنّه ضعیف ، متروک ، ساقط ، وضّاع ، عامّة حدیثه منکر ، یروی الموضوعات عن الأثبات ، کان یضع الحدیث ، واتّهم بالزندقة. راجع (8 / 84 ، 333) من کتابنا هذا.

وکأنّه أراد من عدّ من صدّق عثمان فی دعواه إثبات فضیلة له ذاهلاً عن أنّ کثرة المصدّقین فی المقامین علی تقدیر صحّة الخبر - وأنّی هی؟ - تزید عاراً وشناراً علی الرجل ، وتعود وبالاً علیه أکثر منها منقبة کما مرّ بیانه ، وإنّی لا أشکّ فی أنّ الباحث بعد هذا البیان الضافی لا یُقیم لهذه المناشدة وزناً وإن خرّجه البخاری فی صحیحه فی کتاب الوصایا باب إذا وقف أرضاً أو بئراً (4 / 236) (1) وما أکثر بین دفّتی هذا الصحیح من سقیم یجب أن یُضرب به عرض الحائط کما هو الظاهر لدی من یراجع کتاب (أبو هریرة) لسیّدنا الآیة شرف الدین وغیره من تآلیفه ، وسنوقفک علی جلیّة الحال فی الأجزاء الآتیة إن شاء الله تعالی.

ومنها :

27 - أخرج أسد بن موسی فی فضائل الصحابة ؛ عن قتادة البصری ، قال : حمل عثمان علی ألف بعیر وسبعین فرساً فی العسرة.

ذکره ابن حجر فی فتح الباری (2) (5 / 315) وقال : مرسل. ولم یسمّ ابن حجر رجال الإسناد بین أسد بن موسی وبین قتادة ، وکذلک من قتادة إلی منتهی السند ، فالروایة مرسلة من الطرفین ، ولعلّ فی مرحلتی السند أُناساً من الوضّاعین 8.

ص: 457


1- أخرجه [3 / 1021 ح 2626] من طریق أبی إسحاق السبیعی الشیعی المدلّس ، وقد مرّت ترجمته فی 7 / 276 وأنه ضعیف جدّا لا یحتجّ بحدیثه ، عن أبی عبد الرحمن العثمانی. (المؤلف)
2- فتح الباری : 5 / 408.

المفضوحین ستر علیهم أسد بنی مروان بذیل أمانته ، وراقه الإبقاء علی کرامة الحدیث بإسقاطهم ، وأسد بن موسی هو حفید الولید بن عبد الملک بن مروان الأُمویّ ، قال النسائی مع توثیقه : لو لم یصنّف کان خیراً له. وقال ابن یونس : حدّث بأحادیث منکرة وأحسب الآفة من غیره. وقال ابن حزم : منکر الحدیث ضعیف. وقال عبد الحقّ : لا یُحتجّ به عندهم (1).

ومنها :

28 - أخرج أبو یعلی من وجه آخر فیه قال : فجاء عثمان بسبعمائة أُوقیة ذهب. ذکره ابن حجر فی الفتح (2) (5 / 315) وقال : ضعیف. ولیته کان یذکره بإسناده حتی کنّا نوقف الباحث علی ترجمة رجاله الکذّابین.

ومنها :

29 - أخرج ابن عدی (3) من طریق عمّار بن هارون أبی یاسر المستملی (4) عن إسحاق بن إبراهیم المستملی عن أبی وائل عن حذیفة : أنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بعث إلی عثمان یستعینه فی غزاة غزاها ، فبعث إلیه عثمان بعشرة آلاف دینار فوضعها بین یدیه فجعل یقلّبها بین یدیه ویدعو له : غفر الله لک یا عثمان ما أسررت وما أعلنت وما أخفیت وما هو کائن إلی یوم القیامة ، ما یبالی عثمان ما فعل بعدها.

ذکره ابن کثیر فی تاریخه (5) (7 / 212) ساکتاً عمّا فی إسناده من العلل عادته فی .

ص: 458


1- میزان الاعتدال : 1 / 97 [1 / 207 رقم 815] ، تهذیب التهذیب : 1 / 260 [1 / 228]. (المؤلف)
2- فتح الباری : 5 / 408.
3- الکامل فی ضعفاء الرجال : 1 / 340 رقم 169.
4- فی تاریخ ابن کثیر [7 / 238 حوادث سنة 35 ه] : عمّار بن یاسر المستملی. والصحیح ما ذکرناه. (المؤلف)
5- البدایة والنهایة : 7 / 238 حوادث سنة 35 ه.

فضائل من غمره حبّه ، وأورده ابن حجر فی فتح الباری (1) (5 / 315) فقال : سند ضعیف جدّا. وقال (2) فی (7 / 43) : سنده واهٍ. وذکره القسطلانی فی المواهب اللدنیّة (3) (1 / 172) ساکتاً عن علله ، وعقّبه الزرقانی بقول ابن حجر. راجع شرح المواهب (3 / 65) ، وستوافیک ترجمة بعض رجال الإسناد الضعفاء فی هذا الجزء.

وذکر ابن کثیر فی تاریخه (7 / 212) وقال : روی الحسن بن عرفة عن محمد بن القاسم الأسدی الشامی عن الأوزاعی الشامی عن حسان بن عطیّة الدمشقی عن النبی صلی الله علیه وآله وسلم مرسلاً أنّه قال لعثمان : غفر الله لک ما قدّمت وما أخّرت وما أسررت وما أعلنت وما کان منک وما هو کائن إلی یوم القیامة.

قال الأمینی : لو لم یکن فی إسناد هذه الأکذوبة المرسلة إلاّ محمد بن القاسم الذی کان عثمانیّا کما قاله العجلی (4) لکفاه وهناً ، أیخفی علی ابن کثیر المحتجّ بها قول النسائی (5) فی محمد بن القاسم : إنّه لیس بثقة کذّبه أحمد؟ أم قول الترمذی : تکلّم فیه أحمد وضعّفه؟ أم قول أبی حاتم (6) : لیس بقویّ لا یعُجبنی حدیثه؟ أم قول أبی داود : إنّه غیر ثقة ولا مأمون أحادیثه موضوعة؟ أم قول ابن عدی (7) : عامة ما یرویه لا یُتابع علیه؟ أم قول البراء : حدّث بأحادیث لم یُتابع علیها؟ أم قول الدارقطنی (8) : کذّاب؟ أم قول ابن القاسم : أحادیثه موضوعة لیس بشیء؟ أم قول البخاری (9) عن 2.

ص: 459


1- فتح الباری : 5 / 408.
2- فتح الباری : 7 / 54.
3- المواهب اللدنیّة : 1 / 627.
4- تاریخ الثقات : ص 411 رقم 1491.
5- کتاب الضعفاء والمتروکین : ص 221 رقم 572.
6- الجرح والتعدیل : 8 / 65 رقم 295.
7- الکامل فی ضعفاء الرجال : 6 / 250 رقم 1727.
8- الضعفاء والمتروکون : ص 348 رقم 478.
9- التاریخ الکبیر : مج 1 / 214 رقم 672.

أحمد (1) : رمینا حدیثه؟ أم قوله فی موضع آخر : کذّبه أحمد؟ أم قول ابن حبّان (2) : یروی عن الثقات ما لیس من أحادیثهم ، لا یجوز الاحتجاج به؟ أم قول العقیلی (3) : یُعرف ویُنکر ، ترکه أحمد وقال : أحادیثه أحادیث سوء؟ أم قول أبی أحمد الحاکم : لیس بالقویّ عندهم؟ أم قول البغوی : ضعیف الحدیث؟ أم قول الأزدی : متروک (4).

وهذا کافٍ فی وهن السند وبطلانه ، وإن غضضنا الطرف عن بقیّة ما فیه من الشامیّین أعداء الحقّ وأضداد العترة الطاهرة صلوات الله علیهم ، وما فیه من الإرسال الموهن للروایة ، ودع عنک ما فی متنه ممّا یضادّ الأُصول المسلّمة من الترخیص فی المعصیة ممّا هو کائن إلی یوم القیامة ، فهو یوجب التجرّی علی المعاصی فیما یستقبل الرجل من الأیّام ، وأیّ إنسان غیر معصوم یقال له : إنّ کلّ ما سوف ترتکبه من المآثم مغفور لک ، فلا تحدوه شهواته إلی توهین اقترافها ، واستسهال رکوبها. والشهوة غریزة فی الإنسان تقوده إلی مهاوی الهلکة کلّ حین ، والمعصوم من عصمه الله تعالی.

نعم ؛ حقّا یقال : إنّ سیرة عثمان تُصدّق هذه الروایة ، فإنّها لا تشبه إلاّ سیرة من رُخّص بالمآثم ، وأُذن فی اقتحام الطامات والموبقات ، وبشّر بغفران هناته وعثراته ، فکان غیر مکترث لمغبّة فعاله ، ولا مبالٍ بمعرّة مقاله.

وهب أنّ الحسنات یذهبن السیّئات من غیر حقوق الناس والکبائر المخرجة عن الدین التی سلفت من الإنسان ، ولکن أیّ عمل بار فی الشریعة - ولا أقول من أعمال عثمان فحسب - یُبیح للمکلّف السیّئات فیما یأتی من عمره إلی یوم القیامة ویبشّره بالمغفرة فیها جمعاء؟ ولیس فی میزان الأعمال ما هو أرجح من الإیمان ومع ف)

ص: 460


1- العلل ومعرفة الرجال : 2 / 170 رقم 1899.
2- کتاب المجروحین : 2 / 287.
3- الضعفاء الکبیر : 4 / 126 رقم 1684.
4- میزان الاعتدال : 3 / 122 [4 / 11 رقم 8066] ، تهذیب التهذیب : 9 / 407 [9 / 361]. (المؤلف)

ذلک فهو غیر ممتاز عمّا سواه بمغفرة ما یأتی به صاحبه فی المستقبل ، وإنّما یجبّ ما قبله : (وَالَّذِینَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَآمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلی مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ کَفَّرَ عَنْهُمْ سَیِّئاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بالَهُمْ) (1) ، وإلاّ لبطلت المواعید والعقوبات المتوجّه خطابها إلی المؤمنین أجمع.

وإنّا لم نجد فی أعمال عثمان عملاً بارّا یستدعی هذه المغالاة الخارجة عن أُصول الإسلام ، غیر ما أنفقه علی جیش العسرة إن صحّ من ذلک شیء ، وما خسره علی بئر رومة ، وقد علمت أنّ جیش العسرة أنفق علیه غیره ما هو أکثر ممّا أنفقه هو ، وما أکثر من حفر الآبار وکری الأنهار وسبّل میاهها للمسلمین ، فلو کان عمل عثمان هذا یستدعی المغفرة إلی یوم القیامة لوجب أن یُغفر لأُولئک الأقوام والأُمم ذنوبهم إلی ما بعد القیامة بفئام وفئام ، لکن الحظوظ ساعدت عثمان ولم تساعدهم. فتبصّر وأعجب!

وهل علمت الصحابة بهذا الغفران ثمّ نقموا علیه ما کان ینجم منه من هنات بعد هنات فلم یغفروها له مخالفین لله ولرسوله صلی الله علیه وآله وسلم وهم عدول؟ أو أنّهم سمعوا هذه الأفیکة ثمّ أودعوها فی محفظة الأباطیل؟ غیر أنّ ظنّی بها أنّ میلادها بعد واقعة الدار وأنّها کانت فی أصلاب الوضّاعین عند الحصارین ، وفی حشّ کوکب ، وفی مقبرة الیهود ، ولم تلدها بعد أُمّها العاقر ، حتی فُسِح المجال لاستیلادها علی أیدی قوابل عهد معاویة فما بعد.

30 - أخرج أحمد فی مسنده (2) (1 / 70) عن بهز أبی الأسود البصری ، عن أبی عوانة الوضّاح البصری ، عن حصین ، عن عمرو بن جاوان البصری ، عن الأحنف ابن قیس البصری ، قال : انطلقنا حُجّاجاً فمررنا بالمدینة ، فبینما نحن فی منزلنا إذ جاءنا آتٍ فقال : الناس من فزع فی المسجد. فانطلقت أنا وصاحبی فإذا الناس مجتمعون 3.

ص: 461


1- محمد : 2.
2- مسند أحمد : 1 / 113 ح 513.

علی نفر فی المسجد ، قال : فتخلّلتهم حتی قمت علیهم فإذا علیّ بن أبی طالب والزبیر وطلحة وسعد بن أبی وقّاص ، قال : فلم یکن ذلک بأسرع من أن جاء عثمان یمشی فقال : أهاهنا علیّ؟ قالوا : نعم. قال أهاهنا طلحة؟ قالوا : نعم. قال : أهاهنا سعد؟ قالوا : نعم. قال : أنشدکم بالله الذی لا إله إلاّ هو أتعلمون أنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قال : من یبتاع مربد بنی فلان غفر الله له فابتعته فأتیت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فقلت : إنّی قد ابتعته ، فقال : اجعله فی مسجدنا وأجره لک؟ قالوا : نعم. قال : أنشدکم بالله الذی لا إله إلاّ هو أتعلمون أنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قال : من یبتاع بئر رومة ، فابتعتها بکذا وکذا فأتیت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فقلت : إنّی قد ابتعتها یعنی بئر رومة - فقال : اجعلها سقایة للمسلمین وأجرها لک؟ قالوا : نعم. قال : أنشدکم بالله الذی لا إله إلاّ هو أتعلمون أنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم نظر فی وجوه القوم یوم جیش العسرة فقال : من یجهّز هؤلاء غفر الله له ، فجهّزتهم حتی ما یفقدون خطاماً ولا عقالاً؟ قالوا : اللهمّ نعم. قال اللهمّ اشهد ، اللهمّ اشهد ، اللهمّ اشهد. ثمّ انصرف. وأخرجه البیهقی فی السنن الکبری (6 / 167) بالإسناد المذکور.

قال الأمینی : زعم البصریّون جند المرأة أنّهم یسعهم تدارک تجمهر صلحاء البصرة علی عثمان بتسطیر أمثال هذه الأفائک المفتعلة ، وحسبوا أنّهم یبرّرون ساحة الرجل من تلکم الهنات الموبقة التی سجّلها له التاریخ ، ذاهلین عن أنّ صحّة هذه الأساطیر تزید علیه وبالاً ، فبعد ما سمع أعاظم الصحابة حجاجه هذا ، وقرعت سمعهم تلکم المناشدات وما أصاخوا إلیها ، وما زحزحوا عمّا کانوا علیه من خذلانه إلی التألیب علیه إلی الوقیعة فیه بکلّ ما یوهنه ویُزریه إلی قتله إلی کسر أضالعه إلی رمی جنازته إلی دفنه فی مقابر الیهود ، وبعد ما أصرّت الأُمّة علی مقته مجمعة علی النقمة علیه وهی لا تجتمع علی الخطأ کما یحسبون ، لم یبق للرجل أیّ قیمة فی سوق الاعتبار وإن اختلقت ید الافتعال له ألف أُسطورة.

وتحصّل ممّا قدّمناه أنّ الأجور المذکورة علی تقدیر الصحّة کانت مرتّبة علی

ص: 462

الأعمال ولم تکن حقوقاً ثابتة للرجال فهی تدور مع الأعمال إن لم یبطلها ما هو أقوی منها کما هو الحال فی المقتضیات المقارنة بالموانع ، وکان معتقد القوم فیما استنشدهم عثمان أنّها مقرونة بها ، فلذلک لم یقیموا لکلّ ما استنشدهم فیه وزناً إن کانت للمزاعم حقیقة.

ومنها :

31 - أخرج البیهقی فی السنن الکبری (6 / 167) ؛ من طریق أبی إسحاق السبیعی ، عن أبی عبد الرحمن السلمی ، قال : لمّا حُصر عثمان بن عفّان رضی الله عنه وأُحیط بداره أشرف علی الناس ، فقال : أَنشدکم بالله هل تعلمون أنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم کان علی جبل حراء فقال : اسکن حراء فما علیک إلاّ نبیّ أو صدّیق أو شهید؟ قالوا : اللهمّ نعم. قال : أنشدکم بالله هل تعلمون أنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قال فی غزوة العسرة : من ینفق نفقة متقبّلة ، والناس یومئذٍ معسرون مجهودون ، فجهّزت ثلث ذلک الجیش من مالی؟ قالوا : اللهمّ نعم. ثمّ قال : أنشدکم بالله هل تعلمون أنّ رومة لم یکن یشرب منها أحد إلاّ بثمن فابتعتها بمالی فجعلتها للغنی والفقیر وابن السبیل؟ قالوا : اللهمّ نعم. فی أشیاء عدّدها.

فی الإسناد أبو إسحاق السبیعی ، وقد مرّ فی الجزء السابع (ص 276) أنّه مدلّس أفسد حدیث أهل الکوفة ، ضعیف جدّا لا یحتجّ بحدیثه. وأمّا أبو عبد الرحمن فهو عثمانیّ لا یعوّل علیه ولا یرکن إلی حدیثه.

32 - أخرج البلاذری فی الأنساب (1) (5 / 10) عن المدائنی ، عن عباد بن راشد البصری ، عن الحسن البصری قال : قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : من یجهّز هذا الجیش بشفاعة مُتقبّلة؟ فقال عثمان : یا رسول الله بشفاعة متقبّلة! قال : نعم علی الله ورسوله. قال : أنا أُجهّزهم بسبعین ألفاً.

قال الأمینی : هذا الجیش جهّزه الحسن البصری ، بعد سنین من وفاة النبیّ 2.

ص: 463


1- أنساب الأشراف 6 / 112.

الأقدس ، وقد ولد الرجل لسنتین بقیتا من خلافة عمر ، ولعلّه نظر إلی ذلک الموقف واسترق السمع من وراء ستر رقیق فی صلب أبیه ، أو أوعز بإرسال الروایة إلی بطلانها ، وغیر بعید أن یکون عبّاد بن راشد هو الذی تقوّل بها علی الحسن وهو بریء منها. قال الدوری عن ابن معین (1) : حدیث عبّاد لیس بالقویّ ولکن یکتب - یعنی للاعتبار -. وقال الدورقی عن ابن معین : ضعیف. وقال البخاری (2) والأزدی : ترکه یحیی القطّان. وقال أبو داود : ضعیف. وقال النسائی (3) : لیس بالقویّ. وقال ابن المدینی : لا أعرف حاله. وقال ابن البرقی : لیس بالقویّ. وقال ابن حبّان (4) : کان ممّن یأتی بالمناکیر عن المشاهیر ، حتی یسبق إلی القلب أنّه کان المتعمّد فبطل الاحتجاج به ، روی عن الحسن حدیثاً طویلاً أکثره موضوع (5).

ومنها :

33 - أخرج أبو نعیم فی حلیة الأولیاء (1 / 58) ؛ من طریق إبراهیم بن سعدان ، عن بکر بن بکار البصری ، عن عیسی بن المسیب ، عن أبی زرعة ، عن أبی هریرة ، قال : اشتری عثمان بن عفّان من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم الجنّة مرّتین بیع الخلق : حین حفر بئر رومة ، وحین جهّز جیش العسرة.

رجال الإسناد :

1 - بکر بن بکار أبو عمرو البصری ، قال ابن أبی حاتم (6) : ضعیف الحدیث 8.

ص: 464


1- التاریخ : 4 / 103 رقم 3369.
2- التاریخ الکبیر : مج 6 / 36 رقم 1608.
3- کتاب الضعفاء والمتروکین : ص 172 رقم 430.
4- کتاب المجروحین : 2 / 163.
5- تهذیب التهذیب : 5 / 92 [5 / 80]. (المؤلف)
6- الجرح والتعدیل : 3 / 70 رقم 318.

سیّئ الحفظ له تخلیط. وقال ابن معین (1) : لیس بشیء. وقال النسائی (2) : لیس بالقویّ. وقال أیضاً : لیس بثقة. وقال أبو حاتم (3) : لیس بالقویّ. وذکره العقیلی (4) وابن الجارود والساجی فی الضعفاء (5).

2 - عیسی بن المسیب ، قال یحیی والنسائی والدارقطنی (6) : ضعیف. وقال أبو حاتم (7) وأبو زرعة : لیس بالقویّ. وتکلّم فیه ابن حبّان وغیره. وقال أبو داود : ضعیف. وقال یحیی بن معین (8) أیضاً : لیس بشیء. وقال ابن حبّان (9) : یقلّب الأخبار ولا یفهم ویخطئ حتی خرج عن حدّ الاحتجاج به.

لسان المیزان (10) (4 / 405).

والباحث جدّ علیم بأنّ الصحابة لم تکن علی یقین من هذا البیع المزعوم وإلاّ لما تجمهروا علی مقت الرجل وخذلانه ، ولم یکن عثمان نفسه علی ثقة بذلک أیضاً وإلاّ لما کان حذراً من أن یکون هو الملحد بمکة الذی علیه نصف عذاب أهل الأرض ، کما مرّ حدیثه فی هذا الجزء (ص 153). 5.

ص: 465


1- التاریخ : 4 / 209 رقم 3997.
2- کتاب الضعفاء والمتروکین : ص 65 رقم 89.
3- الجرح والتعدیل : 2 / 383 رقم 1492.
4- الضعفاء الکبیر : 1 / 152 رقم 190.
5- میزان الاعتدال : 1 / 160 [1 / 343 رقم 1274] ، تهذیب التهذیب : 1 / 48 [1 / 420] ، لسان المیزان : 2 / 48 [2 / 59 رقم 1701]. (المؤلف)
6- التاریخ : 3 / 342 رقم 1657 ، کتاب الضعفاء والمتروکین : ص 176 رقم 445 ، الضعفاء والمتروکون : ص 317 رقم 417.
7- الجرح والتعدیل : 6 / 288 رقم 1600.
8- التاریخ : 3 / 355 رقم 1720.
9- کتاب المجروحین : 2 / 119.
10- لسان المیزان : 4 / 468 رقم 6445.

ومنها :

34 - أخرج أحمد فی المسند (1) (4 / 75) ، وأبو نعیم فی الحلیة (1 / 58) من طریقین : أحدهما عن عبد الله بن جعفر ، عن یونس بن حبیب ، عن أبی داود. والآخر : عن فاروق الخطّابی ، عن أبی مسلم الکجی ، عن حجّاج بن نصر (2) - أبی محمد البصری - قالا : حدّثنا سکن بن المغیرة الأموی - البصری مولی آل عثمان - ، عن الولید بن أبی هشام البصری ، عن فرقد بن أبی طلحة ، عن عبد الرحمن بن أبی خباب (3) السلمی البصری ، قال : خطب النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فحثّ علی جیش العسرة ، فقال عثمان : علیّ مائة بعیر بأحلاسها وأقتابها. قال : ثمّ حثّ ، فقال عثمان : علیّ مائة أخری بأحلاسها وأقتابها قال : ثمّ حثّ فقال عثمان : علیّ مائة أخری بأحلاسها وأقتابها. فرأیت النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم یقول بیده یحرّکها : ما علی عثمان ما عمل بعد هذا.

قال الأمینی : هلاّ مخبر یخبرنی عن هذا الصحابیّ البصریّ الذی لا یُعرف إلاّ بحدیثه هذا ، ولا یعلم من تاریخ حیاته شیء غیر اختلاقه هذه الروایة ، ولا یروی عن النبیّ الأعظم إلاّ هذه الخطبة المزعومة کما صرّح به ابن عبد البرّ فی الاستیعاب (4) وابن حجر فی الإصابة (5) ، ولم یسمعها صحابیّ قطّ غیره منه صلی الله علیه وآله وسلم.

ثمّ یخبرنی ذلک المخبر عمّن انتهی إلیه الإسناد أنّ فرقد بن طلحة من هو؟ ومتی ولد؟ وأین وأنّی کان؟ وما المعروف من ترجمته؟ فکأنّی به وهو یجیبنی بما قاله علی ابن المدینی : لا أعرفه (6).ف)

ص: 466


1- مسند أحمد : 5 / 28 ح 16255.
2- کذا فی النسخ والصحیح : نصیر ، بضم النون مصغراً. (المؤلف)
3- کذا فی النسخ والصحیح : عبد الرحمن بن خباب. (المؤلف)
4- الاستیعاب : القسم الثانی / 830 رقم 1403.
5- الإصابة : 2 / 396 رقم 5110.
6- تهذیب التهذیب : 7 / 264 [8 / 237]. (المؤلف)

وهل تخفی علی إمام أو حافظ فی الحدیث آراء رجال الجرح والتعدیل فی حجّاج بن نصیر؟ وقد ورد فیه قول ابن معین (1) : ضعیف. وقول علی بن المدینی : ذهب حدیثه کان الناس لا یحدّثون عنه ، وقول النسائی (2) : ضعیف. وقوله أیضاً : لیس بثقة ولا یُکتب حدیثه. وقول ابن حبان (3) : یُخطئ ویهم. وقول العجلی (4) : کان معروفاً بالحدیث ولکنّه أفسده أهل الحدیث بالتلقین ، کان یلقن وأدخل فی حدیثه ما لیس منه فترک. وقول ابن سعد (5) : کان ضعیفاً. وقول الدارقطنی (6) والأزدی : ضعیف. وقول أبی أحمد الحاکم : لیس بالقوی عندهم. وقول الآجری عن أبی داود : ترکوا حدیثه. وقول ابن قانع : ضعیف لیّن الحدیث (7).

وإنّی أحسب أنّ الآفة من سکن بن المغیرة وأنّه أدّی حقوق آل عثمان - وهو مولاهم - باختلاق هذه المنقبة لعثمان ، ولا ینافی ذلک کونه صالحاً إمام جمعة وجماعة ، وکم وکم من صلحاء وضّاعین ، ومن أئمّة کذّابین! راجع الجزء الخامس من کتابنا هذا سلسلة الکذّابین والوضّاعین.

ومنها :

35 - أخرج أبو نعیم فی الحلیة (1 / 59) ؛ من طریق عمر بن هارون البلخی ، عن عبد الله بن شوذب البصری ثمّ المقدسی ، عن عبد الله بن القاسم ، عن کثیر بن أبی ف)

ص: 467


1- التاریخ : 4 / 206 رقم 3975.
2- کتاب الضعفاء والمتروکین : ص 92 رقم 170.
3- الثقات : 8 / 202.
4- تاریخ الثقات : ص 109 رقم 257.
5- الطبقات الکبری : 7 / 305.
6- الضعفاء والمتروکون : ص 186 رقم 174.
7- تهذیب التهذیب : 2 / 209 [2 / 183]. (المؤلف)

کثیر البصری مولی سمرة (1) ، عن عبد الله بن سمرة (2) عامل معاویة بن أبی سفیان علی البصرة قال : کنت مع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی جیش العسرة ، فجاء عثمان بألف دینار فنثرها بین یدی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ثمّ ولّی ، قال : فسمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وهو یقلّب الدنانیر وهو یقول : ما یضرّ عثمان ما فعل بعد هذا الیوم.

وفی لفظ أحمد فی المسند (3) (5 / 63) : ما ضرّ ابن عفّان ما عمل بعد الیوم. یردّدها مراراً.

وذکره ابن الجوزی فی التبصرة کما فی تلخیصها قرّة العیون المبصرة (1 / 179)

قال الأمینی : ألا تعجب من حفّاظ یروون عن کذّاب خبیث مرسلین روایته إرسال المسلّم یمرّون بها کراماً؟ أیّ قیمة فی سوق الاعتبار لروایة جاء بها عمر بن هارون؟ وقد جاء فیه قول ابن سعید : کتب الناس عنه کتاباً کبیراً وترکوا حدیثه وقول البخاری (4) : تکلّم فیه یحیی بن معین (5) وقال : عمر بن هارون کذّاب قدم مکة وقد مات جعفر بن محمد فحدّث عنه. وقول ابن أبی حاتم (6) : سألت أبی عنه فقال : تکلّم فیه ابن المبارک فذهب حدیثه ، قلت لأبی : إنّ الأشجّ حدّثنا عنه فقال : هو ضعیف الحدیث نخسه ابن المبارک نخسة. وقول قتیبة : قلت لجریر : إنّ عمر بن هارون حدّثنا عن القاسم بن مبرور قال : نزل جبریل علی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فقال : إنّ کاتبک هذا أمین - یعنی معاویة - فقال جریر : اذهب إلیه فقل له : کذبت. رواها 5.

ص: 468


1- وفی مسند أحمد [6 / 55 ح 20107] ، مولی عبد الرحمن بن سمرة عن عبد الرحمن بن سمرة. (المؤلف)
2- فی الحلیة : عن عبد الرحمن بن سمرة.
3- مسند أحمد : 6 / 55 ح 20107.
4- التاریخ الکبیر : 6 / 204 رقم 2177.
5- التاریخ : 4 / 356 رقم 4757.
6- الجرح والتعدیل : 6 / 141 رقم 765.

العقیلی (1). وعن أحمد أنّه قال : لا أروی عنه شیئاً وقد أکثرت عنه. وقول ابن مهدی : لم یکن له عندی قیمة ، حدّثنی بأحادیث فلمّا قدم مرّة أخری حدّث بها عن ابن عبّاس عن أولئک فترکت حدیثه. وقول أبی زکریا : عمر بن هارون : کذّاب خبیث لیس حدیثه بشیء ، قد کتبت عنه وبتّ علی بابه وذهبنا معه إلی النهروان ، ثمّ تبیّن لنا أمره فحرّقت حدیثه ما عندی عنه کلمة. وقول ابن محرز عن ابن معین : لیس هو بثقة وبنحوه قال الغلابی عنه. وقال عنه مرّة : ضعیف. وقول أبی داود عنه : غیر ثقة. وقول ابن أبی خیثمة وغیره عن ابن معین : لیس بشیء : وقول جعفر الطیالسی عن ابن معین : یکذب. وقول عبد الله بن علی بن المدینی : سألت أبی عنه فضعّفه جدّا. وقول إبراهیم بن موسی : الناس ترکوا حدیثه. وقول الجوزجانی : لم یقنع الناس بحدیثه. وقول النسائی (2) وصالح بن محمد وأبی علی الحافظ : متروک الحدیث. وقول الساجی : فیه ضعف. وقول الدارقطنی (3) : ضعیف. وقول أبی نعیم : حدّث بالمناکیر لا شیء (4). وقول العجلی (5) : ضعیف. وقول ابن حبّان (6) : یروی عن الثقات المعضلات ویدّعی شیوخاً لم یرهم (7).

وفی الإسناد : کثیر بن أبی کثیر ، ذکره العقیلی فی الضعفاء (8) ، وقال ابن حزم وعبد الحق : إنّه مجهول ، ولو کان لتوثیق العجلی الرجل وزن لما جهله الحافظان ولم 4.

ص: 469


1- الضعفاء الکبیر : 3 / 194 رقم 1192.
2- کتاب الضعفاء والمتروکین : ص 191 رقم 499.
3- الضعفاء والمتروکون : ص 293 رقم 368.
4- لیت أبا نعیم کان علی ذکر من رأیه هذا فی الرجل حین أخرج من طریقه هذه المنقبة المزیّفة. (المؤلف)
5- تاریخ الثقات : ص 361 رقم 1247.
6- کتاب المجروحین : 2 / 90.
7- تهذیب التهذیب : 7 / 502 - 505 [7 / 441]. (المؤلف)
8- الضعفاء الکبیر : 4 / 3 رقم 1554.

یضعّفه العقیلی ، وأیّ قیمة لثقة العجلی (1) وهو یوثّق عمر بن سعد قاتل الإمام السبط الشهید ونظراءه من المهتوکین المفضوحین؟!

وفی طریق أحمد مضافاً إلی کثیر ضمرة بن ربیعة ، وقد مرّ فیه قول الساجی : صدوق یهمّ ، عنده مناکیر. وروی ضمرة عن الثوری ، عن عبد الله بن دینار ، عن ابن عمر حدیثاً أنکره أحمد وردّه ردّا شدیداً ، وقال : لو قال رجل : إنّ هذا کذب لما کان مخطئاً. وأخرجه الترمذی (2) وقال : لا یُتابع ضمرة علیه وهو خطأ عند أهل الحدیث.

فهذه مکانة الرجل من الروایة وإن کان ثقة مأموناً ، وأکبر الظنّ أنّ الآفة فی هذه الروایة من ابن سمرة وأنّه اختلقها تقرّباً إلی أعطیات معاویة وهباته التی کانت تصل من دون وزن وکیل إلی وضّاعی الأحادیث ورجال الاختلاق الذین لا خلاق لهم.

ومنها :

36 - عن مسعر ، عن عطیّة ، عن أبی سعید ، قال : رأیت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم من أوّل اللیل إلی أن طلع الفجر رافعاً یدیه لعثمان یقول : اللهمّ عثمان رضیت عنه فارضَ عنه.

ذکره ابن الجوزی فی کتابه التبصرة کما فی تلخیصه (3) (1 / 179) مرسلاً إیّاه إرسال المسلّم ، وهو أوّل حدیث ذکره فی فضائل عثمان ، وذکره الواحدی فی أسباب النزول (4) مرسلاً (ص 61) فزاد : فأنزل الله تعالی فیه : (الَّذِینَ یُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِی سَبِیلِ اللهِ) (5). وذکره ابن کثیر فی تاریخه (6) (7 / 212) ولم یذکر من رجال إسناده إلاّ .

ص: 470


1- تاریخ الثقات : ص 357 رقم 1230.
2- سنن الترمذی : 3 / 647 ح 1365.
3- الموسوم بقرّة العیون المبصرة ، تألیف الشیخ أبی بکر ابن الشیخ محمد الملاّ الحنفی. (المؤلف)
4- أسباب النزول : ص 55.
5- البقرة : 262.
6- البدایة والنهایة : 7 / 238 حوادث سنة 35 ه.

الثلاثة المذکورة ، ولعلّه هو ومن رواه مرسلاً وجدوا فی سلسلة السند أناساً ساقطین لا یُعبأ بهم ولا یُحتجّ بحدیثهم ، وما راقهم إبطال هذه المنقبة بابداء علله بذکر أُولئک الرجال.

ومن العجب العجاب هذا الدأب منه صلی الله علیه وآله وسلم من أوّل اللیل إلی منتهی الفجر علی الدعاء لعثمان الذی فوّت علیه مرغّباته وفرائضه ، فإنّ صلاة اللیل والوتر کانت فریضة علیه صلی الله علیه وآله وسلم دون الأُمّة (1) ، ولا أدری هل نزل علیه صلی الله علیه وآله وسلم وحی جدید یأمره باستبدال نوافله وفرائضه فی تلک اللیلة بالدعاء لعثمان؟ أو ما ذا کان فیها؟ نعم ، الذی یظهر من السیوطی فی الخصائص الکبری (2) (2 / 164 - 170) أنّ ذلک الوحی لم ینزل ، وأنّ الدعاء لعثمان لم یکن فضلاً عن استیعابه اللیل کلّه فإنّه ذکر فیها کلّ من دعا له رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وسمّاهم حتی یهودیّا سمّت (3) رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ولم یعدّ منهم عثمان.

ولو کان إنفاق عثمان فی جیش العسرة موجباً للدعاء المستوعب لیله صلی الله علیه وآله وسلم کما یظهر من روایة الواحدی ، فإنفاق أبی بکر الذی أنفق کلّ ما کان یملکه ذات یده - کما یحسبه القوم - وکان یراه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أمنّ الناس علیه بماله (4) یستوجب دعاءً مستغرقاً لیله ونهاره ، فأین؟ وأنّی؟ ولو کان کلّ إنفاق فی مهمّة یستدعی دعاء اللیل فکان علیه صلی الله علیه وآله وسلم أن یقضی حیاته لیلاً ونهاراً بالدعاء للمنفقین ، وما أکثرهم! ولو کان صلی الله علیه وآله وسلم رافعاً یدیه لعثمان فعلیه صلی الله علیه وآله وسلم أن یدیم رفعهما فی الدعاء لأبی بکر ولرجال الأنصار المکثرین من الإنفاق فی السلم والحرب ولغیرهم من أهل الیسار الذین بذلوا کنوزاً عامرة من الدرهم والدینار فی مهامّ الإسلام المقدّس والدعوة إلیه والذبّ عنه. ف)

ص: 471


1- راجع الخصائص الکبری : 2 / 229 [2 / 397]. (المؤلف)
2- الخصائص الکبری : 2 / 279 - 296.
3- التسمیت : الدعاء للعاطس ، وهو قولک له : یرحمک الله ، أُخذ من السمت إلی الطریق والقصد. کأنه قصده بذلک الدعاء.
4- راجع ما مضی فی : 7 / 307 و 8 / 33 ، 58. (المؤلف)

وأمّا زیادة الواحدی من نزول الآیة الکریمة فی عثمان (1) ؛ فقد فصّلنا القول فیه وأنّه لا یصحّ فی الجزء الثامن (ص 57).

بقیّة مناقب عثمان

37 - قال ابن کثیر فی تاریخه (2) (7 / 212) : قال لیث بن أبی سلیم - ابن زنیم القرشی مولاهم - : أوّل من خبص الخبیص عثمان ، خلط بین العسل والنقی ثمّ بعث به إلی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إلی منزل أُمّ سلمة فلم یصادفه ، فلمّا جاء وضعوه بین یدیه ، فقال : من بعث هذا؟ قالوا : عثمان. قالت : فرفع یدیه إلی السماء ، فقال : اللهمّ إنّ عثمان یترضّاک فارضَ عنه.

وذکره السیوطی فی مسامرة الأوائل (ص 87) نقلاً عن البیهقی (3) وابن عساکر (4) من طریق لیث.

قال الأمینی : خبص ابن زنیم هذا الخبیص لعثمان بعد لأی من وفاة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وقد مات الرجل بعد المائة والأربعین من الهجرة ، ولم یدرک النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ، ولم نعرف الذی أخذ الروایة منه ممّن شهد قصعة الخبیص وحضر مشهد الدعاء ، کما لا یُعرف أحد من بقیّة رجال الإسناد ، فالروایة مرسلة من الطرفین.

وأمّا ابن زنیم فقد جاء فیه عن عبد الله بن أحمد قال : ما رأیت یحیی بن سعید أسوأ رأیاً منه فی لیث وابن إسحاق وهمام لا یستطیع أحد أن یراجعه فیهم. وقال ابن أبی شیبة وأبو حاتم (5) والجوزجانی : کان ضعیف الحدیث. وضعّفه ابن 4.

ص: 472


1- أسباب النزول : ص 55.
2- البدایة والنهایة : 7 / 238 حوادث سنة 35 ه.
3- شعب الإیمان : 5 / 98 ح 5932.
4- مختصر تاریخ دمشق : 16 / 124.
5- الجرح والتعدیل : 7 / 177 رقم 1014.

سعد (1) وابن معین وابن عیینة. وقال أحمد (2) وأبو حاتم (3) أیضاً وأبو زرعة : مضطرب الحدیث لا تقوم به الحجّة عند أهل العلم بالحدیث. وقال یحیی : عامّة شیوخه لا یُعرفون. وقال ابن حبّان (4) : اختلط فی آخر عمره فکان یقلّب الأسانید ویرفع المراسیل ، ویأتی عن الثقات بما لیس من حدیثهم ، ترکه القطان وابن مهدی وابن معین وأحمد. وقال أبو أحمد الحاکم : لیس بالقویّ عندهم. وقال أبو عبد الله الحاکم : مُجمَع علی سوء حفظه (5).

ألا تعجب من حافظ کابن کثیر یذکر روایة هذا شأنها وهذه عللها وذلک متنها المعلول ویرسلها إرسال المسلّم فی مقام الحجاج ویعدّها من فضائل عثمان؟ ویأتی إلی حدیث المؤاخاة الصحیح الثبت المتواتر الوارد من طرق مسندة معنعنة فی الصحاح والأسانید ویتخلّص منه بقوله (6) : أسانیدها کلّها ضعیفة لا یقوم بشیء منها حجّة ، والله أعلم (7). ویروی فی تاریخه (8) (7 / 357) نزول آیة الولایة فی علیّ علیه السلام فقال : هذا لا یصحّ بوجه من الوجوه لضعف أسانیده ، ولم ینزل فی علیّ شیء من القرآن بخصوصیّته (9). حیّا الله الأمانة! وقاتل الله الحبّ المعمی والمصمّ. ف)

ص: 473


1- الطبقات الکبری : 6 / 349.
2- العلل ومعرفة الرجال : 2 / 379 رقم 2691.
3- الجرح والتعدیل : 7 / 177 رقم 1014.
4- کتاب المجروحین : 2 / 231.
5- تهذیب التهذیب : 8 / 468 [8 / 417]. (المؤلف)
6- راجع تاریخ ابن کثیر - البدایة والنهایة - : 7 / 335 [7 / 371 حوادث سنة 40 ه]. (المؤلف)
7- مرّ حدیث المؤاخاة بطرقه المفصّلة فی 3 / 112 - 125 ، ومرّ الإیعاز إلیه فی هذا الجزء صفحة : 317. (المؤلف)
8- البدایة والنهایة : 7 / 395 حوادث سنة 40 ه.
9- أسلفنا فی : 3 / 156 - 167 تفصیل القول فی نزول الآیة فی علی علیه السلام ، وصحّة روایته ، وإطباق الفقهاء والمتکلّمین والمحدّثین والمفسّرین علی ذلک. (المؤلف)

ولو کان صلی الله علیه وآله وسلم یرفع یدیه لکلّ هدیّة ولو کانت لقمة خبیص للزمه أن لا ینزلهما فی أغلب أوقاته لکثرة الهدایا إلیه وکثرة مهدیها ، ولم تکن لعثمان ولخبیصه خاصّة توجب أداء حقّها دون المؤمنین عامّة وهدایاهم.

38 - أخرج الخطیب البغدادی فی تاریخه (6 / 321) ؛ من طریق عبد الله بن الحسن بن أحمد ، عن یزید بن مروان الخلاّل ، عن إسحاق بن نجیح الملطی ، عن عطاء ، عن أبی هریرة ، قال : قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : إنّ لکلّ نبیّ خلیلاً من أُمّته وإنّ خلیلی عثمان بن عفّان.

قال الأمینی : حسبک من عرفان رجال الإسناد کذّابان : الخلاّل والملطی ، أمّا الخلاّل فقال یحیی بن معین : الخلاّل کذّاب. وقال الدارمی : وقد أدرکته وهو ضعیف قریب ممّا قال یحیی. وقال أبو داود : ضعیف. وقال الدارقطنی : ضعیف جداً (1).

هذا مجمل القول فی الخلاّل ، وأمّا الملطی فقال أحمد (2) : إسحاق من أکذب الناس ، وقال ابن معین (3) : کذّاب عدوّ الله رجل سوء خبیث. وقال ابن أبی شیبة عنه : کان ببغداد قوم یضعون الحدیث منهم إسحاق بن نجیح. وقال ابن أبی مریم : إنّه من المعروفین بالکذب ووضع الحدیث ، وقال عمرو بن علیّ : کذّاب کان یضع الحدیث. وقال الجوزجانی : غیر ثقة ولا من أوعیة الأمانة. وقال ابن عدی (4) : أحادیثه موضوعات وضعها هو ، وعامّة ما أتی عن ابن جریج فکلّه منکر ووضعه علیه ، وهو بیّن الأمر فی الضعفاء ، وهو ممّن یضع الحدیث. وقال النسائی (5) : کذّاب. 0.

ص: 474


1- میزان الاعتدال : 3 / 318 [4 / 439 رقم 9750] ، لسان المیزان : 6 / 293 [6 / 359 رقم 9286]. (المؤلف)
2- العلل ومعرفة الرجال : 2 / 30 رقم 1454.
3- معرفة الرجال : 1 / 51 رقم 7.
4- الکامل فی ضعفاء الرجال : 1 / 329 رقم 155.
5- کتاب الضعفاء والمتروکین : ص 53 رقم 50.

وقال ابن حبّان (1) : دجّال من الدجاجلة یضع الحدیث صراحاً. وقال البرقانی : نُسب إلی الکذب. وقال الجوزقانی : کذّاب وضّاع لا یجوز قبول خبره ولا الاحتجاج بحدیثه ویجب بیان أمره. وقال أبو سعید : مشهور بوضع الحدیث. وقال ابن طاهر : دجّال کذّاب. وقال ابن الجوزی : أجمعوا علی أنّه کان یضع الحدیث (2).

ومن العجب سکوت الخطیب عن هذه الروایة وعمّا فی إسنادها من العلل ، وقد ذکر هو کثیراً من آراء الحفّاظ المذکورة فی ترجمة إسحاق ، ولعلّه اکتفی بذکرها عن تفنید الروایة صریحاً ، وکأنّ مفتعلها لم یقف علی المفتعلة الأخری المرفوعة : لکلّ نبیّ خلیل وخلیلی سعد بن معاذ (3). ویضادّ کلاهما ما جاء به البخاری فی صحیحه (4) (5 / 243) من القول المعزوّ إلی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : لو کنت متّخذاً خلیلاً لاتّخذت أبا بکر. وقد قدّمنا الکلام حول ذلک فی الأجزاء الماضیة وأنّه موضوع مختلق أیضاً.

39 - روی ابن أبی الدنیا بسنده عن فاطمة بنت عبد الملک ، قالت : انتبه عمر ابن عبد العزیز ذات لیلة وهو یقول : لقد رأیت اللیلة رؤیا عجیبة ، فقلت : أخبرنی بها ، فقال : حتی نصبح ، فلمّا صلّی بالمسلمین دخل فسألته ، فقال : رأیت کأنّی دفعت إلی أرض خضراء واسعة کأنّها بساط أخضر ، وإذا فیها قصر کأنّه الفضّة ، فخرج منه خارج فنادی : أین محمد بن عبد الله؟ أین رسول الله؟ إذ أقبل رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم حتی دخل ذلک القصر ، ثمّ خرج آخر فنادی : أین أبو بکر الصدّیق؟ فأقبل فدخل ، ثمّ خرج آخر فنادی : أین عمر بن الخطّاب؟ فأقبل فدخل ، ثمّ خرج آخر فنادی : أین عثمان بن عفّان؟ فأقبل فدخل ، ثمّ خرج آخر فنادی : أین علیّ بن أبی طالب؟ فأقبل 7.

ص: 475


1- کتاب المجروحین : 1 / 134.
2- تاریخ الخطیب : 6 / 321 - 324 [رقم 3366] ، تهذیب التهذیب : 1 / 252 [1 / 221]. (المؤلف)
3- کنز العمّال : 6 / 183 [11 / 720 ح 33516] ، منتخب الکنز هامش مسند أحمد : 5 / 231 [5 / 211]. (المؤلف)
4- صحیح البخاری : 3 / 1338 ح 3457.

فدخل ، ثمّ خرج آخر فنادی : أین عمر بن عبد العزیز؟ فقمت فدخلت فجلست إلی جانب أبی (1) عمر بن الخطّاب ، وهو عن یسار رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وأبو بکر عن یمینه ، وبینه وبین رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم رجل ، فقلت لأبی : من هذا؟ قال : هذا عیسی بن مریم ، ثمّ سمعت هاتفاً یهتف بینی وبینه نور لا أراه ، وهو یقول : یا عمر بن عبد العزیز تمسّک بما أنت علیه واثبت علی ما أنت علیه ، ثمّ کأنّه أُذِن لی فی الخروج فخرجت ، فالتفت فإذا عثمان بن عفّان وهو خارج من القصر وهو یقول : الحمد لله الذی نصرنی ربّی ، وإذا علیّ فی أثره وهو یقول : الحمد لله الذی غفر لی ربّی. وذکره ابن کثیر فی تاریخه (2) (9 / 206).

قال الأمینی : أنا لا أزال أُرحّب بقوم یحاولون إثبات الحقائق بالأطیاف ، ویجابهون ما ثبت فی الخارج بالخیال ، فتصوّر لهم ریشة الأوهام عثمان منزّهاً عن کلّ وصمة عرفتها فیه الصحابة العدول من أُمّة محمد الناظرین إلیه من کثب والمشاهدین أعماله الناقمین علیه بها ، وقد أهدروا دمه من جرّائها ، وهم الذین یُقتدی بهم وبأقوالهم وأفعالهم عند القوم ویُحتذی مثالهم ، وبأمثال هذه السفاسف یُجرّءون البسطاء علی التورّط فی المآثم بالنظر إلی هذا الإنسان المغمور فیها فی نظّارة مکبّرة تُریه منزّهاً عن دنس کلّ حوب ، منصوراً من الله بعد أن خذلته الصحابة جمعاء.

ولهم هناک نظّارة أُخری تصغّر المنظور إلیه من إمام المسلمین وسیّد الخلفاء خیر البشر بعد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أمیر المؤمنین علیه السلام إلی حدّ أثبتوا له ذنباً مغفوراً.

ألا من مسائل إیّاهم عن أنّه متی صدر هذا الذنب عن إمام المسلمین؟ أحین عدّه النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم نفسه کما فی الذکر الحکیم؟ أم حین طهّره الجلیل بقوله تعالی : .

ص: 476


1- عمر بن الخطّاب جدّ عمر عبد العزیز من أمّه أُمّ عاصم لیلی بنت عاصم بن عمر بن الخطّاب. (المؤلف)
2- البدایة والنهایة : 9 / 232 حوادث سنة 101 ه.

(إِنَّما یُرِیدُ اللهُ لِیُذْهِبَ عَنْکُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَیْتِ وَیُطَهِّرَکُمْ تَطْهِیراً) (1)؟ أم حین قرن ولایته بولایته وولایة نبیّه صلی الله علیه وآله وسلم بقوله سبحانه : (إِنَّما وَلِیُّکُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِینَ آمَنُوا الَّذِینَ یُقِیمُونَ الصَّلاةَ وَیُؤْتُونَ الزَّکاةَ وَهُمْ راکِعُونَ) (2)؟ أم حین أکمل بولایته الدین وأتمّ نعمته علی المسلمین بقوله عزّ من قائل : (الْیَوْمَ أَکْمَلْتُ لَکُمْ دِینَکُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَیْکُمْ نِعْمَتِی وَرَضِیتُ لَکُمُ الْإِسْلامَ دِیناً) (3)؟ أم حین جعله صلی الله علیه وآله وسلم أولی بالناس من أنفسهم کما هو أولی بهم من أنفسهم فرشّحه للخلافة الکبری فی حدیث الغدیر المتواتر المقطوع بصدوره؟ أم حین جعله عدل القرآن فی حدیث الثقلین الثابت المتواتر؟ أم حین أنزله من نفسه بمنزلة هارون من موسی ، وفصل بینه وبین نفسه بالنبوّة فحسب فقال : «إلاّ أنّه لا نبیّ بعدی» (4)؟

أم ..؟ أم ..؟ إلی ألف أم؟؟

علی أنّه سلام الله علیه - کان حلس بیته والناس متجمهرون علی عثمان لا یشارکهم فی شیء من أمره ، ولعلّ فی الفئة المهملجة من یعدّ ما کان ینوء به الإمام علیه السلام - من نهی عثمان عمّا نقم علیه به من هنات وعثرات وأمره إیّاه بالمعروف والعمل بالکتاب والسنّة فلا یجد منه أُذناً مصیخة حتی قال : «ما أنا بعائد بعد مقامی هذا لمعاتبتک ، أذهبت شرفک وغُلِبت علی أمرک» (5) - ذنباً مغفوراً له ، ویعدّه تقویة لجانب الثائرین علی الرجل ، وما هو من ذلک بشیء ، وإنّما أراد علیه السلام کشف المثلات عنه بإقلاعه عمّا کان یرتکبه من الموبقات ولکن علی حدّ قول الشاعر : ف)

ص: 477


1- الأحزاب : 33.
2- راجع ما أسلفناه فی الجزء الثالث : ص 156 - 167. (المؤلف)
3- راجع ما أسلفناه فی الجزء الأوّل : ص 230 - 238. (المؤلف)
4- راجع ما مرّ فی الجزء الثالث : ص 199 - 202. (المؤلف)
5- راجع ما مرّ فی هذا الجزء : ص 172 - 175. (المؤلف)

أمرتکمُ أمری بمنعرج اللوی

فلم تستبینوا النصح إلاّ ضحی الغدِ

أو علی حدّ قوله :

وکم سقتُ فی آثارِکمْ من نصیحةٍ

وقد یستفید الظنّة المتنصّح

فزهٍ زهٍ بهذه المعرفة وحیّا الله العلم الناجع الذی یری صاحبه الواجب ذنباً والمذنب منصوراً.

وأحسب أنّ الذی افتعل هذه الأکذوبة الخیالیّة رجل من بسطاء الأکراد أو الأعجام البعداء عن العربیّة ، وإلاّ فالعربیّ الصمیم لا یقول : الحمد لله الذی نصرنی ربّی ، والحمد لله الذی غفر لی ربّی.

ولعمر بن عبد العزیز منام أشنع من هذه المهزأة یحوی فصل الخصومات الواقعة بین الإمام أمیر المؤمنین ومعاویة بن هند ، أخرجه أبو بکر بن أبی الدنیا أیضاً بالإسناد عن عمر بن عبد العزیز قال : رأیت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی المنام وأبو بکر وعمر جالسان عنده فسلّمت علیه وجلست ، فبینما أنا جالس إذ أتی بعلیّ ومعاویة ، فأُدخلا بیتاً وأُجیف الباب وأنا أنظر ، فما کان بأسرع من أن خرج علیّ وهو یقول : قُضی لی وربّ الکعبة ، ثمّ ما کان بأسرع من أن خرج معاویة وهو یقول : غُفر لی وربّ الکعبة (1).

ویظهر من الجمع بین المنامین أنّ موقف أمیر المؤمنین علیّ من عثمان کان کموقف معاویة من علیّ صلوات الله علیه ، موقف الخروج علی إمام الوقت ، موقف البغی والجور ، لا ضیر إنّا إلی ربّنا منقلبون ، والله هو الحکم العدل یوم لا ینفع طیف ولا خیال.

40 - أخرج البلاذری فی الأنساب (2) (5 / 3) من طریق سعید بن خالد ، عن صالح 1.

ص: 478


1- تاریخ ابن کثیر : 8 / 130 [8 / 139 حوادث سنة 60 ه]. (المؤلف)
2- أنساب الأشراف : 6 / 101.

ابن کیسان - أمویّ النزعة مؤدّب ولد عمر بن عبد العزیز - عن سعید بن المسیّب قال : نظر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إلی عثمان فقال : هذا التقیّ المؤمن الشهید شبیه إبراهیم.

قال الأمینی : کأنّ سعید بن خالد بن عمرو بن عثمان بن عفّان الأموی ، أو سعید ابن خالد الخزاعی المدنی المجمع علی ضعفه لم یجد فی صحابة النبیّ الأقدس من یتحمّل عبء هذا السرف من القول والغلوّ فی الفضیلة ، فترکه مرسلاً مقطوع العری بین سعید بن المسیب المولود بعد سنتین مضتا من خلافة عمر بن الخطّاب وبین رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم.

لعلّ الباحث بعد قراءة ما سردناه من سیرة الممدوح وآراء الصحابة فیه وإصفاق الأُمّة علی النقمة علیه بأفعاله وتروکه الشاذّة عن التقوی لا یخفی علیه أنّ تشبیه الرجل بإبراهیم النبیّ المعصوم علیه السلام جنایة علی المعصومین وسفه من القول وتَرَهٌ ، نعوذ بالله من التقوّل بلا تعقّل.

ولو کان التشبیه بمن کان من الأنبیاء مقبولاً لأمکن أن یتصوّر له وجه شبه ولو مع ألف فارق ، غیر أنّ نوبة الظلم عند وضع هذا الحدیث کانت قد انتهت إلی خلیل الله سلام الله علیه.

وإنّی أحسب أنّ مصحّح هذه المهزأة قرع سمعه حدیث التشبیه الوارد فی مولانا أمیر المؤمنین المذکور فی الجزء الثالث (ص 355 - 360) وراقه من ذلک تشبیهه بخلیل الرحمن فحابی الرجل بذلک ، وقد أعماه الحبّ عن عدم وجود وجه شبه ولو من جهة واحدة مع التمحّل بین نبیّ معصوم خُصّ بفضیلة الخلّة من المولی سبحانه وبین من قُتل دون هناته وسقطاته.

أنا لا أدری أنّ هتاف النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم هذا الذی سمعه سعید بن المسیّب المولود بعده هل سمعته عائشة ومع ذلک کانت تهتف بقولها : اقتلوا نعثلاً قتله الله فإنّه قد کفر؟ وبقولها لابن عبّاس : یا ابن عبّاس إن الله قد آتاک عقلاً وفهماً وبیاناً فإیّاک أن تردّ الناس

ص: 479

عن هذا الطاغیة؟ وبقولها : وددت والله أنّه فی غرارة من غرائری هذه وأنّی طوّقت حمله حتی ألقیه فی البحر؟ وبقولها لمروان : وددت والله أنّک وصاحبک هذا الذی یعنیک أمره فی رجل کلّ واحد منکما رحاً وأنّکما فی البحر؟ وبقولها للداخلین إلیها : هذا ثوب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لم یبل وإن عثمان قد أبلی سنّته؟ وبقولها لمّا بلغها نعیه : أبعده الله ؛ ذلک بما قدّمت یداه وما هو بظلاّم للعبید؟ وبقولها : أبعده الله قتله ذنبه ؛ وأقاده الله بعمله ، یا معشر قریش لا یسومنّکم قتل عثمان کما سام أحمر ثمود قومه (1)؟

وهل سمع حدیث التشبیه فی عثمان أُولئک الصحابة الذین سمعت أقوالهم وأفعالهم حول الرجل؟ أو أنّ الحدیث کان باطلاً فلم یسمعه أحد منهم؟ الحکم فی ذلک أنت أیّها القارئ الکریم.

وأخرج رواة السوء من طریق عائشة فی التشبیه ما هو أعظم من هذا وأهتک لناموس الإسلام ونبیّه الأقدس ، وإلیک نصّه :

عن المسیّب بن واضح السلمی الحمصی ، عن خالد بن عمرو بن أبی الأخیل السلفی الحمصی ، عن عمرو بن الأزهر العتکی البصری قاضی جرجان ، عن هشام ابن عروة ، عن أبیه ، عن عائشة رضی الله عنها : ، قالت : لمّا زوّج النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم أُمّ کلثوم قال لأُمّ أیمن : خذی بنتی وزفّیها إلی عثمان واخفقی بالدفّ. ففعلت ، فجاءها النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم بعد ثالثة فقال : کیف وجدتِ بعلک؟ قالت : خیر رجل. قال : أما إنّه أشبه الناس بجدّک إبراهیم وأبیک محمد (2).

ذکره الذهبی فی میزان الاعتدال (3) فی ترجمة عمرو بن الأزهر فقال : هذا موضوع. ونحن نقول : رجال الإسناد : 8.

ص: 480


1- راجع ما مضی فی هذا الجزء من حدیث عائشة : ص 77 - 86. (المؤلف)
2- میزان الاعتدال : 2 / 281 [3 / 245 رقم 6328] ، لسان المیزان : 4 / 353 [4 / 407 رقم 6245]. (المؤلف)
3- میزان الاعتدال : 3 / 245 رقم 6328.

1 - المسیّب بن واضح ، قال أبو حاتم (1) : صدوق یخطئ کثیراً ، فإذا قیل له لم یقبل. وقال الدارقطنی : ضعیف. وقال الساجی : تکلّموا فیه فی أحادیث کثیرة. وقال عبدان : هو وعبد الوهّاب بن الضحّاک کلاهما سواء (2). وعبد الوهّاب کما مرّ فی الجزء الخامس (ص 242) : کذّاب یضع الحدیث متروک کثیر الخطأ والوهم وکان معروفاً بالکذب فی الروایة.

2 - خالد بن عمرو ، کذّبه الفریابی ، ووهّاه ابن عدی (3) وغیره ، وقال الدارقطنی (4) : ضعیف. وقال ابن عدی : له أحادیث مناکیر. وذکر الذهبی حدیثاً من طریقه فقال : باطل ومن بلایا الأخیل (5) حدیث کذب فی مشیخة ابن شاذان (6).

3 - عمرو بن الأزهر العتکی ، قال أبو سعید الحدّاد : کان یکذب مجاوبة ، وعن ابن معین (7) أنّه لیس بثقة ضعیف ، وقال البخاری (8) : یُرمی بالکذب. وقال النسائی (9) وغیره : متروک. وقال أحمد : کان یضع الحدیث. وقال عبّاس الدوری عن یحیی : کان کذّاباً ضعیفاً. وقال الدولابی : متروک الحدیث. وقال الجوزجانی : غیر ثقة.

میزان الاعتدال (2 / 281) ، لسان المیزان (4 / 353) (10). 5.

ص: 481


1- الجرح والتعدیل : 8 / 294 رقم 1355.
2- میزان الاعتدال : 3 / 171 [4 / 116 رقم 8548] ، لسان المیزان : 6 / 41 [6 / 47 رقم 8394]. (المؤلف)
3- الکامل فی ضعفاء الرجال : 3 / 33 رقم 594.
4- الضعفاء والمتروکون : ص 199 رقم 201.
5- فی الطبعة المعتمدة لدینا من میزان الاعتدال وتهذیب التهذیب : أبی الأخیل.
6- میزان الاعتدال : 1 / 299 [1 / 636 رقم 2448] ، تهذیب التهذیب : 3 / 110 [3 / 95]. (المؤلف)
7- التاریخ : 4 / 380 رقم 4876.
8- التاریخ الکبیر : 6 / 316 رقم 2507.
9- کتاب الضعفاء والمتروکین : ص 186 رقم 478.
10- میزان الاعتدال : 3 / 245 رقم 6328 ، لسان المیزان : 4 / 406 رقم 6245.

وأعطف إلی هذه المکذوبة ما أخرجه ابن عدی من طریق زید بن الحریش ، عن عمرو بن صالح قاضی رامهرمز ، عن العمری ، عن نافع ، عن ابن عمر رضی الله عنه مرفوعاً : إنّا نشبّه عثمان بأبینا إبراهیم.

قال الذهبی (1) : منکر جدّا ، وقال ابن عدی (2) فی ذکر عمرو بن صالح بعد هذا الحدیث : وله غیر هذا ممّا لا یُتابع علیه.

41 - أخرج البلاذری فی الأنساب (3) (5 / 7) عن الحسین بن علی بن الأسود عن عبد الرحمن قال : قمت فی الحجر فقلت : لا یغلبنی علیه أحد اللیلة فجاء رجل من خلفی فغمزنی فأبیت أن ألتفت ، ثمّ غمزنی فأبیت أن ألتفت ، ثمّ غمزنی الثالثة فالتفتّ فإذا عثمان فتأخّرت عن الحجر فقرأ القرآن فی رکعة ثمّ انصرف.

وأخرجه أبو نعیم بالإسناد فی حلیة الأولیاء (1 / 56 ، 57) ولفظه : قال عبد الرحمن : لأغلبنّ اللیلة علی المقام ، فلمّا صلّیت العتمة تخلّصت إلی المقام حتی قمت فیه ، قال : فبینا أنا قائم إذا رجل وضع یده بین کتفی فإذا هو عثمان بن عفّان. قال : فبدأ بأمّ القرآن فقرأ حتی ختم القرآن فرکع وسجد ، ثمّ أخذ نعلیه فلا أدری أصلّی قبل ذلک شیئاً أم لا؟

قال الأمینی : سل عن راوی هذه الفضیلة الحافظ ابن عدی (4) أنّه قال : الحسین ابن علی کان یسرق الحدیث ، وأحادیثه لا یُتابع علیها. وسل عنه الأزدی ؛ فإنّه قال : إنّه ضعیف جدّا یتکلّمون فی حدیثه. وسل عنه أحمد إمام الحنابلة ؛ فإنّک تسمع منه ما 9.

ص: 482


1- میزان الاعتدال : 3 / 269 رقم 6388.
2- الکامل فی ضعفاء الرجال : 5 / 132 رقم 1294.
3- أنساب الأشراف : 6 / 107.
4- أنساب الأشراف : 2 / 368 رقم 499.

سمعه أبو بکر المروزی لمّا سأله عنه من قوله : لا أعرفه (1).

ثمّ هلمّ معی نسائل عبد الرحمن التیمی هلاّ کان من واجبه أن یُخبر ابن عمّه طلحة بن عبید الله التیمی بهذه السیرة الصالحة یوم ضیّق علی صاحبها الخناق ، وضاقت علیه الأرض بما رحبت ، یوم هتک حرمته ، وأباح دمه ، وأورده المنیّة ، ومنع جنازته عن أن تُدفن فی مقابر المسلمین؟

ولنا أن نسائل الممدوح عثمان ألم یکن فی الحجر مکان یسعه إلاّ موقف عبد الرحمن؟ وهل کان له أن یغمز الرجل مرّة بعد أخری وهو فی محراب الطاعة؟ أو أن یزیحه عن مکانه والوقف لمن سبق؟ وقد جاء فی السنّة الشریفة من طریق جابر مرفوعاً : «لا یقیمنّ أحدکم أخاه یوم الجمعة ثمّ لیخالف إلی مقعده فیقعد فیه ولکن یقول : افسحوا».

صحیح مسلم (2) (7 / 10).

ومن طریق ابن عمر مرفوعاً : «لا یقیم الرجل الرجل من مقعده ثمّ یجلس فیه ولکن تفسّحوا وتوسّعوا» وزاد فی حدیث ابن جریج قلت : فی یوم الجمعة؟ قال : «فی یوم الجمعة وغیرها».

صحیح مسلم (7 / 10) ، مسند أحمد (2 / 22) ، صحیح البخاری (2 / 94) (3).

وفی لفظ لمسلم : «لا یقیمنّ أحدکم الرجل من مجلسه ثمّ یجلس فیه». وفی لفظ له أیضاً : «لا یقیمنّ أحدکم أخاه ثمّ یجلس فی مجلسه». 5.

ص: 483


1- راجع تهذیب التهذیب : 2 / 243 [2 / 297]. (المؤلف)
2- صحیح مسلم : 4 / 381 ح 30 کتاب السلام.
3- صحیح مسلم : 4 / 380 ح 28 کتاب السلام ، مسند أحمد : 2 / 96 ح 4721 ، صحیح البخاری : 5 / 2313 ح 5915.

قال النووی فی شرح مسلم هامش إرشاد الساری (1) (8 / 479) : هذا النهی للتحریم ، فمن سبق إلی موضع مباح فی المسجد وغیره یوم الجمعة أو غیره لصلاة أو غیرها فهو أحقّ به ، ویحرم علی غیره إقامته منه لهذا الحدیث.

وقال القسطلانی فی إرشاد الساری (2) (2 / 169) : ظاهر النهی التحریم ، فلا یُصرف عنه إلاّ بدلیل ، فلا یجوز أن یقیم أحداً من مکانه ویجلس فیه ، لأنّ من سبق إلی مباح فهو أحقّ به ، ولأحمد (3) حدیث : إنّ الذی یتخطّی رقاب الناس أو یفرّق بین اثنین بعد خروج الإمام کالجارّ قُصبه (4) فی النار ، والتفرقة صادقة بأن یزحزح رجلین عن مکانهما ویجلس بینهما.

وقال الشوکانی فی نیل الأوطار (5) (3 / 306) : من سبق إلی موضع مباح سواء کان مسجداً أو غیره فی یوم الجمعة أو غیرها لصلاة أو لغیرها من الطاعات فهو أحقّ به ، ویحرم علی غیره إقامته منه والقعود فیه.

فإقامة عثمان عبد الرحمن من مکانه الذی کان هو أحقّ به وغمزه إیّاه مرّة بعد أخری محظور محرّم شاذّ عن السنّة الثابتة.

ثمّ هل تسع اللیلة لقراءة القرآن ختمة واحدة؟ ولعلّها تسع بالتمحّل من کون اللیلة من لیالی الشتاء الطویلة ، ومن قدوم عثمان الحجر بعد فریضة العشاء بلا فصل ، وأنّه کان طلق اللسان خفیفه ، وإن کنّا لا نعلم شیئاً من ذلک.

ألیس عثمان هذا هو الذی صعد المنبر وأُرتج علیه وقام ملیّا لا یتکلّم فقال : إنّ 3.

ص: 484


1- شرح صحیح مسلم : 14 / 160.
2- إرشاد الساری : 2 / 659 ح 111.
3- أخرجه أحمد فی مسنده : 3 / 417 [4 / 428 ح 15021]. (المؤلف)
4- القُصب - بضم القاف - : الظهر. المعی ، جمعه أقصاب. (المؤلف)
5- نیل الأوطار : 3 / 283.

أبا بکر وعمر کانا یعدّان لهذا المقام مقالاً وإنّی لم أُزوّر له خطبة ولا أعددت له کلاماً وسنعود فنقول (1)؟ أیّ خطیب یعوزه الکلام ویفتقر إلی تزویر مقال وفی ذاکرته کلام الله المجید؟ وفیه بلغة وکفایة عن کلّ تلفیق وترمیق وترمیغ.

وهلاّ کان علی الرجل أن یعمل بالقرآن الذی کان یختمه فی صلاته؟ ألم یک فی قرآنه قوله تعالی : (وَالَّذِینَ یُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِینَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَیْرِ مَا اکْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِیناً) (2) أو لم یکن أبو ذر وعمّار وابن مسعود والأُمّة الصالحة أمثالهم من المؤمنین؟ وقد آذاهم بالنفی والضرب والتنکیل وبکلّ ما کان یمکنه.

أما کان فیه قوله تعالی : (وَالَّذِینَ یُؤْذُونَ رَسُولَ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِیمٌ) (3)؟ وقد آذی الرسول فی کریمته أُمّ کلثوم باقترافه لیلة وفاتها ، وبإیواء من طرده ولعنه ، وبإزراء صحابته الأکرمین وفی مقدّمهم ابن عمّه الطاهر ، وبتبدیل سنّته والحیاد عن محجّته.

أما کان فیه قوله تعالی : (أَطِیعُوا اللهَ وَأَطِیعُوا الرَّسُولَ وَأُولِی الْأَمْرِ مِنْکُمْ) (4)؟ وقد خالف الله ورسوله ولم یطعهما ونبذ الکتاب والسنّة وراء ظهره فی غیر موضع من الأموال والصدقات والزکاة والصِّلات والصلاة والقطائع والأوقاف والحجّ والنکاح والحدود والدیات (5).

أما کان فیه ذکر لحدود الله؟ أو لم یکن فیه قوله سبحانه : (وَمَنْ یَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَأُولئِکَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (6)؟ وقد تعدّی الحدود ، ونسی العهود ، ونقض التوبة ، وحنث 9.

ص: 485


1- راجع الجزء الثامن : ص 163 - 164. (المؤلف)
2- الأحزاب : 58.
3- التوبة : 61.
4- النساء : 59.
5- فصّلنا القول فی ذلک کله فی الجزء الثامن. (المؤلف)
6- البقرة : 229.

الإلّ ، وجاء بما لا یُحمد عقباه ، وأتی بنهابیر أوردته القتل الذریع ، وجرّت علیه الویلات کما جرّتها علی الأُمّة حتی الیوم.

أما کانت فی قرآنه آیة المباهلة أو آیة التطهیر؟ والله یعدّ فی الأُولی علیّا نفس النبیّ الأعظم ، ویطهّره من الرجس بالثانیة کما طهّر نبیّه. وکان عثمان یری مروان لعین رسول الله وطریده أفضل منه علیه السلام (1).

ولیت الرجل ترک تلک التلاوة المتعبة والتزم بالعمل بالقرآن الکریم وأقام حدوده واقتصر من التلاوة علی ما تیسّر.

42 - أخرج البلاذری فی الأنساب (2) (5 / 7) عن خلف البزّار ، عن عبد الوهاب ابن عطاء (3) الخفاف البصری ، عن سعید بن أبی عروبة أبی النضر البصری ، عن ابن أخی (4) مطرف بن عبد الله بن الشخیر ، عن مطرف البصری قال : لقیت علیّا یوم الجمل فأسرع إلیّ بدابته فقلت : أنا أحقّ أن أسرع إلیک ، فقال : أحسب عثمان منعک من إتیاننا ، فأقبلت أعتذر إلیه ، فقال : لئن أحببته لقد کان أبرّنا وأوصلنا.

رجال الإسناد :

1 - خلف البزّار ، الثقة الأمین السکّیر. راجع من الجزء الخامس (ص 295).

2 - عبد الوهاب بن عطاء : قال المروزی : قلت لأحمد : عبد الوهاب ثقة؟ فقال (5) : ما تقول؟ إنّما الثقة یحیی القطّان. وقال الساجی : صدوق لیس بالقوی 8.

ص: 486


1- مضی حدیثه فی الجزء الثامن : ص 297.
2- أنساب الأشراف : 6 / 108.
3- فی النسخة : عبد الوهاب عن عطاء والصحیح ما ذکرناه. (المؤلف)
4- هو عبد الله بن هانی بن عبد الله بن الشخیر البصری. (المؤلف)
5- العلل ومعرفة الرجال : 2 / 352 رقم 2558.

عندهم. وقال البخاری : لیس بالقویّ عندهم وهو یحتمل. وقال النسائی (1) : لیس بالقویّ. وقال أبو حاتم (2) : لیس عندهم بقویّ فی الحدیث. وقال ابن أبی شیبة : لیس بکذّاب ولکن لیس هو ممّن یُتّکل علیه. وقال المیمونی عن أحمد بن حنبل : ضعیف الحدیث. وقال البزّار : لیس بالقویّ وقد احتمل أهل العلم حدیثه (3). تهذیب التهذیب (4) (6 / 451).

3 - سعید بن أبی عروبة. قال أبو حاتم (5) : هو قبل أن یختلط ثقة. وقال دحیم : اختلط. وقال الأزدی : اختلط اختلاطاً قبیحاً. وقال ابن سعد (6) : کان ثقة کثیر الحدیث ثمّ اختلط فی آخر عمره. وقال ابن حبّان (7) : بقی فی اختلاطه خمس سنین ولا یحتجّ إلاّ بما روی عنه القدماء مثل یزید بن زریع وابن المبارک ، وقال عبد الوهاب - الراوی عنه - : خولط سعید سنة (47) وعاش بعد ما خولط تسع سنین. وقال النسائی : من سمع منه بعد الاختلاط فلیس بشیء. وقال ابن عدی (8) : من سمع منه قبل الاختلاط فإنّ ذلک صحیح حجّة ومن سمع منه بعد الاختلاط لا یُعتمد علیه. وقال أبو بکر البزّار : ابتدأ به الاختلاط سنة (133) (9).

فعلی الأخذ بقول أبی بکر البزّار فی ابتداء اختلاطه وقول ابن حبّان من أنّه مات سنة (155) تربو أعوام اختلاطه علی اثنتین وعشرین سنة. هذا أکثر ما قیل فی ف)

ص: 487


1- کتاب الضعفاء والمتروکین : ص 163 رقم 395.
2- الجرح والتعدیل : 6 / 72 رقم 372.
3- احتمال الحدیث إنما هو للاعتبار کما جاء مصرّحاً به فی کثیر من الضعفاء. (المؤلف)
4- تهذیب التهذیب : 6 / 398.
5- الجرح والتعدیل : 4 / 65 رقم 276.
6- الطبقات الکبری : 7 / 273.
7- کتاب الثقات : 6 / 360.
8- الکامل فی ضعفاء الرجال : 3 / 393 رقم 822.
9- تهذیب التهذیب : 4 / 63 - 66 [4 / 56]. (المؤلف)

مدّة اختلاطه وأقلّه خمس سنین وبینهما أقوال أُخر.

هذه علل الروایة إسناداً ، وأما هی من ناحیة المتن فسل عنها مولانا أمیر المؤمنین ورأیه المدعوم فی عثمان ، وقد أسلفناه فی هذا الجزء (ص 69 - 77) ، أتراه صلوات الله علیه یری الرجل أبرّهم وأوصلهم ثمّ یرفع عقیرته علی صهوة الخطابة بمثل قوله فیه : «قام ثالث القوم نافجاً حضنیه بین نثیله ومعتلفه ، وقام معه بنو أبیه یخضمون مال الله خضمة الإبل نبتة الربیع ، إلی أن انتکث فتله ، وأجهز علیه عمله ، وکبت به بطنته»(1)؟

وقوله فیه : «إنّ بنی أُمیّة لیفوّقوننی تراث محمد صلی الله علیه وآله وسلم تفویقاً» (2)؟

وقوله فی إقطاعه وأعطیاته : «ألا إنّ کلّ قطیعة أقطعها عثمان ، وکلّ مال أعطاه من مال الله فهو مردود فی بیت المال ، فإنّ الحقّ القدیم لا یبطله شیء ، ولو وجدته قد تزوّج به النساء ، وفرّق فی البلدان لرددته إلی حاله». راجع (8 / 287).

أنّی کانت صلات عثمان مشروعة مرضیّة عند أمیر المؤمنین حتی یثنی بها علیه ویراه أبرّهم وأوصلهم ، وقد أوقفناک فی الجزء الثامن علی شطر مهمّ من هباته ومدرّها فاقرأ وتبصّر.

43 - أخرج ابن عساکر (3) عن یزید بن أبی حبیب کما فی تاریخ الخلفاء للسیوطی (4) (ص 110) ، أنّه قال : بلغنی أنّ عامّة الرکب الذین ساروا إلی عثمان عامّتهم جُنّوا. وفی لفظ القرمانی فی أخبار الدول هامش الکامل لابن الأثیر (5)1.

ص: 488


1- راجع الجزء السابع : ص 81. (المؤلف)
2- راجع الجزء الثامن : ص 287. (المؤلف)
3- تاریخ مدینة دمشق : 39 / 446 رقم 4619 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 16 / 250.
4- تاریخ الخلفاء : ص 153.
5- أخبار الدول : 1 / 301.

(1 / 213 : إنّ عامّة من أشار إلی قتل عثمان جُنّوا.

قال الأمینی : ألیست هذه المهزأة من فنون الجنون؟ انظر إلی عقل من جاء بها. أوّلاً : یزید بن أبی حبیب ، ثمّ ارجع البصر کرّتین إلی عقل أولئک الحفّاظ الذین عدّوا مثل هذا التره التافه من فضائل عثمان وکراماته ، وإنّی أحسب أنّ فی قول ابن سعد فی ترجمة یزید بن أبی حبیب : إنّه کان حلیماً عاقلاً ، دفعاً لما یدخل هاجسة القارئ من روایته هذه ، لکنّه لا یثبت له العقل بعد ما حفظها له التاریخ ، کیف یصدّق ذو مسکة هذه السفسطة والرکب السائرون إلی عثمان تُعدّ بالآلاف من رجال الحواضر الإسلامیّة وهم معروفون مشهورون ولم یُعرف أحد منهم بما قذفهم ابن حبیب؟ وما الذی أخفی ما عرف منهم الرجل علی کلّ الصحابة والتابعین فی الأوساط ولم یعلم به إلاّ هو فحسب؟

علی أنّا نعرف جماهیر من القوم لا نشکّ ولا یشکّ عاقل فی ثبوت کمال العقل لهم إلی أن ماتوا أو قتلوا کسیّدنا عمّار بن یاسر ومالک الأشتر ، وکعب بن عبده ، وزید ابن صوحان ، وصعصعة بن صوحان ، وعمرو بن بُدیل بن ورقاء ، ومحمد بن أبی بکر ، وعمرو بن الحمق ، إلی نظرائهم الکثیرین وجلّهم من رجال الصحاح والمسانید ، أخرج أئمّة الحدیث من طرقهم أحادیث جمّة وصحّحوها ، ولم یتوقّف أحد منهم فی شیء منها للجهل بصدورها قبل جنونهم أو بعده.

ولو أخذنا بلفظ القرمانی فلا یشذّ من الجنون جلّ الصحابة من المهاجرین والأنصار إن لم نقل کلّهم لإطباقهم علی قتل الرجل ، وفی مقدّمهم طلحة والزبیر وعمرو بن العاص والسیدة عائشة أمّ المؤمنین.

ولعمر الحقّ إنّ المعتوه من شوّه صحیفة التاریخ بهذه الخزایات غلوّا منه فی فضائل أُناس من الشجرة المنعوتة فی القرآن. والله هو الحکم العدل.

ص: 489

44 - أخرج الواحدی فی أسباب النزول (1) (ص 210) ، قال : أخبرنا محمد بن إبراهیم بن محمد بن یحیی ، قال : أخبرنا أبو بکر الأنباری ، قال : حدّثنا جعفر بن محمد ابن شاکر ، قال : حدّثنا عفّان ، قال : حدّثنا وهیب ، قال : حدّثنا عبد الله بن عثمان بن خثیم ، عن إبراهیم ، عن عکرمة ، عن ابن عبّاس ، قال : نزلت : (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوکاً لا یَقْدِرُ عَلی شَیْءٍ) (2) فی هشام بن عمرو وهو الذی ینفق ماله سرّا وجهراً ومولاه أبو الجوزاء الذی کان ینهاه ، فنزلت : (وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلَیْنِ أَحَدُهُما أَبْکَمُ لا یَقْدِرُ عَلی شَیْءٍ) (3) فالأبکم منهما الکلّ علی مولاه هذا السیّد أسد بن أبی العیص ، ومن یأمر بالعدل وهو علی صراط مستقیم وهو عثمان بن عفّان رضی الله عنه. وبهذا الإسناد أخرجه البلاذری فی الأنساب (4) (5 / 3).

وذکر ابن سعد فی طبقاته (5) (3 / 41) مرسلاً عن عکرمة ، عن ابن عبّاس نزول (هَلْ یَسْتَوِی هُوَ وَمَنْ یَأْمُرُ بِالْعَدْلِ) الآیة. فی عثمان. وکذلک المحبّ الطبری فی الریاض النضرة (6) (2 / 103).

قال الأمینی : لعلّ الباحث لا یطالبنا البحث عن إسناد هذه الأکذوبة التی حرّفوا بها الکلم عن مواضعها ویراها شاهد صدق علی قول سعید بن المسیّب لبرد مولاه : یا برد إیّاک وأن تکذب علیّ کما یکذب عکرمة علی ابن عباس (7). ف)

ص: 490


1- أسباب النزول : ص 188.
2- النحل : 75 وتمام الآیة : (وَمَنْ رَزَقْناهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ یُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْراً هَلْ یَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَکْثَرُهُمْ لا یَعْلَمُونَ) (المؤلف)
3- (وَهُوَ کَلٌّ عَلی مَوْلاهُ أَیْنَما یُوَجِّهْهُ لا یَأْتِ بِخَیْرٍ هَلْ یَسْتَوِی هُوَ وَمَنْ یَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلی صِراطٍ مُسْتَقِیمٍ) تمام الآیة. النحل : 76. (المؤلف)
4- أنساب الأشراف : 6 / 102.
5- الطبقات الکبری : 3 / 60.
6- الریاض النضرة : 3 / 30.
7- معارف ابن قتیبة : ص 194 [ص 438]. (المؤلف)

ولک أن ترجع البصر کرّتین ، وتمعن النظر دوالیک فی صحیفة تاریخ عثمان ، فی أیّ یومیه تجد منه ما یعاضد هذه الأُسطورة؟ ومتی کان یأمر بالعدل وهو علی صراط مستقیم؟ أمّا أیّامه مع النبیّ الأعظم صلی الله علیه وآله وسلم فحسبک منها ما ذکرناه فی الجزء الثامن (ص 231 - 280) ، وفی هذا الجزء (ص 327). وأمّا أیّام خلافته فحدّث عنها ولا حرج وقد سجّل التاریخ له فیها هنات لا تغفر وعثراث لا تُقال. وقد وصف مولانا أمیر المؤمنین علیه السلام تلکم الأیّام فی کتابه إلی أهل مصر بقوله : «إلی القوم الذین غضبوا لله حین عُصی فی أرضه ، وذُهب بحقّه ، فضرب الجور سرادقه علی البرّ والفاجر ، والمقیم والظاعن ، فلا معروف یُستراح إلیه ، ولا منکر یُتناهی عنه» راجع (ص 74) من هذا الجزء.

ووصفها أبو أیّوب الأنصاری بقوله : عباد الله ألیس إنّما عهدکم بالجور والعدوان أمس؟ وقد شمل العباد ، وشاع فی الإسلام ، فذو حقّ محروم مشتوم عرضه ، ومضروب ظهره ، وملطوم وجهه ، وموطوء بطنه ، ومُلقیً بالعراء. إلی آخر ما مرّ فی هذا الجزء (ص 125).

أکان من العدل وعلی الصراط المستقیم إیواؤه طرید رسول الله ولعینه؟ أم خضمه مع أبناء بیته مال الله خضمة الإبل نبتة الربیع؟ أم أیادیه عند أهل العیث والفساد وأُعطیاته من مال المسلمین أبناء بیته الساقط من فاسق مستهتر إلی لعین طرید إلی شاب مُترف إلی أُغیلمة سفهاء ، وتسلیطهم علی ناموس الإسلام ورقاب المسلمین بتولّیهم الأمر فی البلاد وبین یدیه قوله صلی الله علیه وآله وسلم : «من تولّی من أمر المسلمین شیئاً فاستعمل علیهم رجلاً وهو یعلم أنّ فیهم من هو أولی بذلک وأعلم منه بکتاب الله وسُنّة رسوله فقد خان الله ورسوله وجمیع المؤمنین» (1)؟ وقوله صلی الله علیه وآله وسلم فی صحیحة الحاکم (2) 3.

ص: 491


1- مجمع الزوائد : 5 / 211. (المؤلف)
2- المستدرک علی الصحیحین : 4 / 104 ح 7033.

من طریق ابن عباس : «من استعمل رجلاً من عصابةٍ وفی تلک العصابة من هو أرضی لله منه فقد خان الله وخان رسوله وخان المؤمنین» ، وقوله صلی الله علیه وآله وسلم فی صحیحة (1) أخری من طریق أبی بکر : «من ولی من أمر المسلمین شیئاً فأمّر علیهم أحداً محاباةً فعلیه لعنة الله ، لا یقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً حتی یدخله جهنم».

إزالة الخفاء (1 / 16).

أکان من العدل وعلی الصراط المستقیم إزراؤه بصلحاء الأُمّة وعظماء الصحابة وإیذاؤهم بغیر ما اکتسبوا وقد احتمل بهتاناً وإثماً مبینا ، وهم بین مُسیّر هالک فی تسییره ، ومعذّب فی قعر السجون وظُلَمِ المطامیر ، ومشتوم مهان یُنادی علیه بذلّ الاستخفاف ، ومضروب قد دُقّت بالضرب أضلاعه ، وآخر أُعذر متنه وفُتق بطنه ، ومحروم عن مال الله لأمره بالمعروف وإنکاره المنکر؟ أم سبّه الصحابة - العدول - وتکفیره إیّاهم بکتابه وخطابه؟ أم مجابهته صنو رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ونفسه بتلکم القوارص؟ أم عدّه مروان الوزغ الطرید اللعین أفضل من سیّد العترة؟ أم رأیه فیه سلام الله علیه بأنّه أولی الناس بالنفی من جوار النبیّ الأقدس؟ أم إبعاده إیّاه عن المدینة مرّة بعد أخری؟ أم نقضه العهود والمواثیق المؤکّدة؟ أم نبذه کتاب الله وراء ظهره ، وشذوذه عن السنّة الشریفة فی صَلاتهِ وصِلاته وحجّه وزکاته وإدخال آرائه الشاذّة فی جمیع ذلک؟ أم .. أم .. إلی ما شاء الله.

هلاّ عرفت الصحابة عدل هذا الإنسان وکونه علی الصراط المستقیم یوم حسبوه جائراً فی الحکم ، حائداً عن العدل ، متنکّباً عن الصراط ، باغیاً ساعیاً فی الأرض فساداً ولم یبرحوا ناقمین مؤلّبین علیه إلباً واحداً حتی تمخّضت علیه البلاد ، وأسعرت وراءه ناراً ، ولم تنطفئ إلاّ باختلاسه وإخماد أنفاسه؟ أو أنّهم عرفوا ذلک غیر أنّ الضغائن حدتهم إلی ما ارتکبوا منه؟ فأین إذن عدالة الصحابة؟ 4.

ص: 492


1- المستدرک علی الصحیحین : 4 / 104 ح 7034.

وإن کان الرجل آمراً بالعدل وهو علی صراط مستقیم فعهده علی نفسه سنة (35) بأن یعمل بالکتاب والسنّة لما ذا؟ وتوبته مرّة بعد أخری علی صهوات المنابر عن ما ذا؟ والتزامه بالإقلاع عمّا هو علیه وتغییر خطّته لما ذا؟ وما تلکم الأقوال من الصحابة الواقفین علیه وعلی أعماله من کثب؟ مثل قول علیّ أمیر المؤمنین له : «ما رضیت من مروان ولا رضی منک إلاّ بتحرّفک عن دینک وعقلک مثل جمل الظعینة یُقاد حیث یُسار به» وقوله : «أذهبتَ شرفک وغُلبتَ علی أمرک» وقول عمّار : امضوا معی عباد الله إلی قوم یطلبون فیما یزعمون بدم الظالم لنفسه ، الحاکم علی عباد الله بغیر ما فی کتاب الله.

وقول عمرو بن العاص لعثمان : رکبت بهذه الأُمّة نهابیر من الأمور فرکبوها معک وملت بهم فمالوا بک ، اعدل أو اعتزل.

وقول سعد بن أبی وقّاص : لکنّ عثمان غیّر وتغیّر ، وأحسن وأساء.

وقول مالک الأشتر : الخلیفة المبتلی الخاطئ الحائد عن سُنّة نبیّه ، النابذ لحکم القرآن وراء ظهره.

وقول صعصعة بن صوحان له : ملت فمالت أُمّتک ، اعتدل یا أمیر المؤمنین ، تعتدل أُمّتک.

وقول هاشم المرقال : إنّما قتله أصحاب محمد وقرّاء الناس حین أحدث أحداثاً وخالف حکم الکتاب.

وقول عبد الرحمن العنزی : هو أوّل من فتح أبواب الظلم ، وأرتج أبواب الحقّ.

وقول أصحاب حجر بن عدی : هو أوّل من جار فی الحکم ، وعمل بغیر الحقّ.

وقول الصحابة له : بلونا منک من الجور فی الحکم ، والأثرة فی القسم ، والعقوبة للأمر بالتبسط من الناس.

ص: 493

وقول نائلة بنت الفرافصة زوجته له : اتّق الله وحده لا شریک له ، واتّبع سنّة صاحبیک من قبلک.

إلی کلمات کثیرة لأُمّة کبیرة من الصحابة مرّت فی هذا الجزء ، فنزول الآیة الکریمة فی عثمان لا تساعده تلکم الأقوال ، وتضادّه سیرته المعروفة ، هکذا یحرّفون الکلم عن مواضعه ونسوا حظّا ممّا ذُکّروا به.

45 - أخرج ابن عساکر (1) کما فی تاریخ الخلفاء للسیوطی (2) (ص 110) عن ابن عبّاس أنّه قال : لو لم یطلب الناس بدم عثمان لرموا بالحجارة من السماء. وذکره القرمانی فی أخبار الدول هامش الکامل (3) (1 / 214).

قال الأمینی : للباحث أن یُسائل راوی هذه المزعمة المرسلة المعزوّة إلی حبر الأُمّة عن أنّ الطلب بدم عثمان هل کان أمراً مشروعاً یرتضیه الله ورسوله؟ أو کان غیر ذلک؟ فإن کان الأوّل فلما ذا کان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یعهد إلی علیّ أمیر المؤمنین أن یقاتل الناکثین والقاسطین الطالبین بدم عثمان ، ویحثّ عیون أصحابه علی مناصرته علیه السلام متی واثبه القوم ، ویحذّر مناوئیه فی المقامین وینهاهم عن قتاله علیه السلام ، ویصفهم بالظلم إن فعلوا؟ راجع الجزء الثالث (ص 188 - 195).

ولما ذا کان مولانا أمیر المؤمنین یناضلهم فضلاً عن عدم اشتراکه معهم فی الطلب - ولا یسلّم إلیهم قتلة عثمان وآواهم؟ وهو الذی یدور الحقّ معه حیثما دار ، وهو مع القرآن والقرآن معه لا یفترقان حتی یردا علی النبیّ الحوض (4).

وکیف کانت الصحابة العدول یقاتلون معه علیه السلام الثائرین بدم عثمان؟ وفی یوم ف)

ص: 494


1- تاریخ مدینة دمشق : 39 / 447 رقم 4619 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 16 / 250.
2- تاریخ الخلفاء : ص 152.
3- أخبار الدول : 1 / 301.
4- راجع ما ذکرناه فی الجزء الثالث : ص 176 - 180. (المؤلف)

الجمل تحت رایته عیون الصحابة ووجهاء الأُمّة ، وفی صفّین شهد معه الإمامان السبطان الحسنان وممّن بایع بیعة الرضوان تحت الشجرة مائتان وخمسون کما فی مستدرک الحاکم (1) (3 / 104) ویقال : ثمانمائة نفس فقتل منهم ثلاثمائة وستون (2) نفساً (3) وکان معه ثمانون بدریّا علی روایة ابن دیزیل والحاکم (4). وجاء فی خطبة سعید بن قیس : سبعون بدریّا (5). وفی کلام لمالک الأشتر : قریب من مائة بدریّ (6) ومن أُولئک الصحابة وفی مقدّمهم البدریّون :

1 - أُسید بن ثعلبة الأنصاری ، بدریّ.

2 - ثابت بن عبید الأنصاری ، بدریّ قتل بصفّین.

3 - ثعلبة بن قیظی بن صخر الأنصاری ، بدریّ.

4 - جبر بن أنس بن أبی زریق ، بدریّ.

5 - جبلة بن ثعلبة الأنصاری الخزرجی ، بدریّ.

6 - الحارث بن حاطب بن عمرو الأنصاری الأوسی ، بدریّ.

7 - الحارث بن النعمان بن أُمیّة الأنصاری الأوسی ، بدریّ.

8 - حصین بن الحارث بن المطلب القرشی ، بدریّ. ف)

ص: 495


1- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 112 ح 4559.
2- کذا فی الإصابة ، وفی الاستیعاب : ثلاث وستون.
3- الاستیعاب فی ترجمة عمار [القسم الثالث / 1138 رقم 1863] ، الإصابة : 2 / 389 [رقم 5075]. (المؤلف)
4- مستدرک الحاکم : 3 / 104 [3 / 112 ح 4559] ، تاریخ ابن کثیر : 7 / 254 [7 / 283 حوادث سنة 36 ه]. (المؤلف)
5- کتاب صفّین لابن مزاحم : ص 266 [ص 236] ، شرح ابن أبی الحدید : 1 / 483 [5 / 189 الأصل 65]. (المؤلف)
6- کتاب صفّین لابن مزاحم : ص 268 [ص 238] ، شرح ابن أبی الحدید : 1 / 484 [5 / 191 الأصل 65]. (المؤلف)

9 - خالد بن زید بن کلیب أبو أیّوب الأنصاری ، بدریّ.

10 - خریمة بن ثابت ذو الشهادتین الأنصاری الأوسی ، بدریّ قُتل بصفّین.

11 - خلیفة - ویقال : علیفة - بن عدی بن عمرو البیاضی ، بدریّ.

12 - خویلد بن عمرو الأنصاری السلمی ، بدریّ.

13 - ربعی بن عمرو الأنصاری ، بدریّ.

14 - رفاعة بن رافع بن مالک الأنصاری الخزرجی ، بدریّ.

15 - زید بن أسلم بن ثعلبة بن عدی البلوی ، بدریّ.

16 - جابر بن عبد الله بن عمرو الأنصاری السلمی ، بدریّ.

17 - خباب بن الأرت أبو عبد الله التمیمی ، بدریّ.

18 - سهل بن حنیف بن واهب الأنصاری الأوسی ، بدریّ.

19 - سماک بن أوس بن خرشة الأنصاری الخزرجی ، بدریّ.

20 - صالح الأنصاری ، بدریّ.

21 - عبد الله بن عتیک الأنصاری ، بدریّ.

22 - عقبة بن عمرو بن ثعلبة أبو مسعود الأنصاری ، بدریّ.

23 - عمّار بن یاسر المطیّب الطیّب الشهید بصفّین ، بدریّ.

24 - عمرو بن أنس الأنصاری الخزرجی ، بدریّ.

25 - عمرو بن الحمق الخزاعی الکعبی ، بدریّ.

26 - قیس بن سعد بن عبادة الأنصاری الخزرجی ، بدریّ.

27 - کعب بن عامر السعدی ، بدریّ.

28 - مسعود بن أوس بن أصرم الأنصاری ، بدریّ.

29 - أبو الهیثم مالک بن التّیهان البلوی المستشهد بصفّین ، بدریّ.

30 - أبو حبّة عمرو بن غزیّة ، بدریّ.

31 - أبو عمرة بشربن عمرو بن محصن الأنصاری المستشهد بصفّین ، بدریّ.

ص: 496

32 - أبو فضالة الأنصاری استشهد بصفّین ، بدریّ.

33 - أبو محمد الأنصاری ، بدریّ.

34 - أبو بردة هانی بن نیار. ویقال : نمر ، بدریّ.

35 - أبو الیسر کعب بن عمرو بن عباد الأنصاری السلمی ، بدریّ.

36 - أسود بن عیسی بن أسماء التمیمی.

37 - أشعث بن قیس الکندی ، کان أمیراً علی المیمنة یوم صفّین.

38 - أنس بن مدرک أبو سفیان الخثعمی.

39 - الأحنف بن قیس أبو بحر التمیمی السعدی.

40 - أعین بن ضبیعة الحنظلی ، أحد الأمراء بصفّین.

41 - برید الأسلمی ، قتل بصفّین ، وفیه یقول أمیر المؤمنین :

جزی الله خیراً عصبةً أسلمیّةً

حِسانَ الوجوه صرّعوا حول هاشمِ

بریدٌ وعبدُ الله منهم ومنقذٌ

وعروةُ ابنا مالکٍ فی الأکارمِ

42 - البراء بن عازب الأنصاری الخزرجی.

43 - بشر - بشیر - بن أبی زید الأنصاری.

44 - بشیر بن أبی مسعود الأنصاری.

45 - ثابت بن قیس بن الخطیم الأنصاری.

46 - جاریة بن زید المستشهد بصفّین.

47 - جاریة بن قدامة بن مالک التمیمی السعدی.

48 - جبلة بن عمرو بن ثعلبة الأنصاری.

49 - جبیر بن الحباب بن المنذر الأنصاری.

50 - جندب بن زهیر الأزدی الغامدی ، کان من أُمراء الجیش بصفّین.

51 - جندب بن کعب العبدی أبو عبد الله الأزدی الغامدی.

52 - الحارث بن عمرو بن حرام الأنصاری الخزرجی.

ص: 497

53 - حازم بن أبی حازم الأحمسی المستشهد بصفّین.

54 - الحبشی بن جنادة بن نصر السلولی.

55 - الحجّاج بن عمرو بن غزیّة الأنصاری.

56 - حجر بن عدی الکندی المعروف بحجر الخیر ، کان من الأمراء یوم صفّین.

57 - حجر بن یزید بن مسلمة الکندی.

58 - حنظلة بن النعمان الأنصاری.

59 - حیّان بن أبجر الکنانی.

60 - خالد بن أبی خالد الأنصاری.

61 - خالد بن أبی دجانة الأنصاری.

62 - خالد بن المعمر بن سلیمان السدوسی ، کان من أُمراء علیّ یوم صفّین.

63 - خالد بن الولید الأنصاری ، کان ممّن أبلی بصفّین.

64 - خرشة بن مالک بن جریر الأودی.

65 - رافع بن خدیج بن رافع الأنصاری الخزرجی الحارثی.

66 - ربیعة بن قیس العدوانی.

67 - ربیعة بن مالک بن وهیل النخعی.

68 - زبید بن عبد الخولانی شهد صفّین مع معاویة وکانت معه الرایة ، فلمّا قُتل عمّار تحوّل إلی عسکر علیّ علیه السلام أخذاً بقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «عمّار تقتله الفئة الباغیة».

69 - زید بن أرقم بن زید بن قیس الکعبی الخزرجی.

70 - زید بن جاریة الأنصاری.

71 - زید بن حیلة - بالمهملة والیاء ویقال : بالمعجمة والموحّدة -.

72 - زیاد بن حنظلة التمیمی.

73 - سعد بن الحارث بن الصمة الأنصاری ، استشهد یوم صفّین.

74 - سعد بن عمرو بن حرام الأنصاری الخزرجی.

ص: 498

75 - سعد بن مسعود الثقفی عمّ المختار بن أبی عبید.

76 - سلیمان بن صرد بن أبی الجون أبو مطرف الخزاعی ، کان أمیراً علی رجّالة المیمنة یوم صفّین.

77 - سهیل بن عمرو الأنصاری ، قتل بصفّین مع علیّ علیه السلام.

78 - شبث بن ربعی التمیمی الیربوعی أبو عبد القدوس.

79 - شبیب بن عبد الله بن شکل المذحجی.

80 - شریح بن هانی بن یزید بن نهیک أبو المقدام الحارثی.

81 - شیبان بن محرث.

82 - صُدی بن عجلان بن الحارث أبو أمامة الباهلی.

83 - صعصعة بن صوحان العبدی.

84 - صفر بن عمرو بن محصن ، قتل بصفّین.

85 - صیفی بن ربعی بن أوس.

86 - عائذ بن سعید بن زید بن جندب المحاربی الجسری ، المستشهد بصفّین.

87 - عائذ بن عمرو الأنصاری.

88 - عامر بن واثلة بن عبد الله أبو الطفیل اللیثی.

89 - عبد الله الأسلمی ، ممّن استشهد بصفّین وأثنی علیه مولانا أمیر المؤمنین کما مرّ (ص 364).

90 - عبد الله بن بدیل بن ورقاء الخزاعی ، قُتل بصفّین.

91 - عبد الله بن العبّاس بن عبد المطلب بن هاشم ، کان علی المیسرة یوم صفّین.

92 - عبد الله بن خراش أبو یعلی الأنصاری.

93 - عبد الله بن خلیفة البولانی الطائی.

94 - عبد الله بن ذباب بن الحارث المذحجی.

95 - عبد الله بن الطفیل بن ثور بن معاویة البکائی.

ص: 499

96 - عبد الله بن کعب المرادی ، قُتل یوم صفّین ، وکان من أعیان أصحاب أمیر المؤمنین.

97 - عبد الله بن یزید الخطمی الأنصاری الأوسی.

98 - عبد الرحمن بن بدیل بن ورقاء الخزاعی ، من شهداء یوم صفّین.

99 - عبد الرحمن بن حسل الجمحی ، قتل بصفّین.

100 - عبید بن خالد السلمی.

101 - عبید الله بن سهیل الأنصاری.

102 - عبید بن عازب أخو البراء بن عازب.

103 - عبید بن عمرو السلمانی أبو عمرو صاحب ابن مسعود.

104 - عبد خیر بن یزید بن محمد الهمدانی ، من کبار أصحاب الإمام علیه السلام.

105 - عدی بن حاتم بن عبد الله بن سعد الطائی.

106 - عروة بن زید الخیل الطائی.

107 - عروة بن مالک الأسلمی ، قتل بصفّین وأثنی علیه الإمام علیه السلام کما مرّ (ص 364).

108 - عقبة بن عامر السلمی.

109 - العلاء بن عمرو الأنصاری.

110 - علیم بن سلمة الفهمی.

111 - عمرو بن بلال ، کان من المهاجرین.

112 - عمیر بن حارثة اللیثی.

113 - عمیر بن قرّة السلمی.

114 - عمّار بن أبی سلامة بن عبد الله بن عمران.

115 - عوف بن عبد الله بن الأحمر الأزدی.

116 - الفاکه بن سعد بن جبیر الأنصاری الأوسی الخطمی ، قُتل بصفّین.

117 - قیس بن أبی قیس الأنصاری.

118 - قیس بن المکشوح أبو شدّاد المرادی ، من شهداء صفّین.

ص: 500

119 - قرظة بن کعب بن ثعلبة بن عمرو الأنصاری الخزرجی.

120 - کرامة بن ثابت الأنصاری.

121 - کعب بن عمر أبو زعنة.

122 - کمیل بن زیاد النخعی ، یقال : أدرک من الحیاة النبویّة ثمانی عشرة سنة وکان شریفاً مطاعاً ثقة. الإصابة (3 / 318).

123 - مالک بن الحارث بن عبد یغوث النخعی الأشتر.

124 - مالک بن عامر بن هانی بن خفاف الأشعری.

125 - محمد بن بدیل بن ورقاء الخزاعی ، من شهداء صفّین.

126 - محمد بن جعفر بن أبی طالب الهاشمی ، یقال : قُتل بصفّین.

127 - مخنف بن سلیم بن الحرث بن عوف بن ثعلبة الأزدی الغامدی ، کان علی رایة الأزد بصفّین.

128 - معقل بن قیس الریاحی التمیمی الیربوعی.

129 - المغیرة بن نوفل بن الحرث بن عبد المطّلب الهاشمی.

130 - منقذ بن مالک الأسلمی أخو عروة بن مالک ، ممّن استشهد بصفّین کما مرّ فی شعر مولانا أمیر المؤمنین (ص 364).

131 - المهاجر بن خالد بن الولید المخزومی ، استشهد بصفّین.

132 - نضلة بن عبید الأسلمی أبو برزة.

133 - النعمان بن عجلان بن النعمان الأنصاری الزرقی.

134 - هاشم بن عتبة بن أبی وقّاص المرقال ، کان صاحب الرایة واستشهد بصفّین.

135 - هبیرة بن النعمان بن قیس بن مالک بن معاویة الجعفی ، کان من أُمراء علیّ علیه السلام.

136 - وداعة بن أبی زید الأنصاری.

137 - یزید بن الحویرث الأنصاری.

138 - یزید بن طعمة بن جاریة بن لوذان الأنصاری الخطمی.

ص: 501

139 - یعلی بن أُمیّة بن أبی عبیدة بن همام بن الحرث التمیمی الحنظلی ، یقال : إنّه قُتل بصفّین.

140 - یعلی بن عمیر بن یعمر بن حارثة بن العبید النهدی.

141 - أبو شمر بن أبرهة بن شرحبیل بن أبرهة بن الصباح الحمیری ثمّ الأبرهی ، قتل مع علیّ علیه السلام بصفّین.

142 - أبو لیلی الأنصاری والد عبد الرحمن.

143 - أبو جحیفة السوائی.

144 - أبو عثمان الأنصاری.

145 - أبو الورد بن قیس بن فهر الأنصاری.

والإمام أمیر المؤمنین قد أتمّ الحجّة یوم الجمل علی طلحة بما أسلفناه فی الجزء الأوّل (ص 186 ، 187) ، وعلی الزبیر بما مرّ فی (3 / 191) ، وما قاتلهما إلاّ بعد إقامة الحجّة علیهما ، ودحض أعذارهما المفتعلة ، فما وجدهما مخبتین إلی الحقّ مصیخین إلی ما اعترفا به من قول رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، وکان موقفهما موقف المستهزئ اللاعب بالدین الحنیف. جاء رجل إلی طلحة والزبیر وهما فی المسجد بالبصرة فقال : نشدتکما بالله فی مسیرکما أعهد إلیکما فیه رسول الله شیئاً؟ فقام طلحة ولم یجبه ، فناشد الزبیر فقال : لا ، ولکن بلغنا أنّ عندکم دراهم فجئنا نشارککم فیها (1).

ولمّا بایع أهل البصرة الزبیر وطلحة ، قال الزبیر : ألا ألف فارس أسیر بهم إلی علیّ فإمّا بیّته وإمّا صبّحته لعلّی أقتله قبل أن یصل إلینا ، فلم یجبه أحد. فقال : إنّ هذه لهی الفتنة التی کنّا نحدّث عنها. فقال له مولاه : أتسمّیها فتنةً وتقاتل فیها؟ قال : ویحک إنّا نُبصر ولا نَبصُر ، ما کان أمر قطّ إلاّ علمت موضع قدمی فیه غیر هذا الأمر ف)

ص: 502


1- تاریخ الطبری : 5 / 183 [4 / 475 حوادث سنة 36 ه]. (المؤلف)

فإنّی لا أدری أمقبل أنا فیه أم مدبر (1)!

وقد تحقّق یوم ذاک ما کان یحذر منه عمر بن الخطّاب (2) وصدّق الخبر الخبر ، قال عبد الله بن عمر : جاء الزبیر إلی عمر فقال لعمر : ائذن لی أن أخرج فأقاتل فی سبیل الله. قال : حسبک قد قاتلت مع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم. فانطلق الزبیر وهو یتذمّر ، فقال عمر : من یعذرنی من أصحاب محمد صلی الله علیه وآله وسلم؟ لو لا أنّی أمسک بفم هذا الشغب لأهلک أُمّة محمد صلی الله علیه وآله وسلم (3).

اللهمّ ما کان ذنب حکیم بن جبلة وسبعین أبریاء آخرین من عبد القیس قتلهم طلحة والزبیر قبل وقوع الواقعة بعد ما نادی منادیهما بالبصرة : ألا من کان فیهم من قبائلکم أحد ممّن غزا المدینة فلیأت بهم ، فجیء بهم کما یُجاء بالکلاب فقتلوا. قال : حکیم بن جبلة : لقد أصبحتم وإنّ دماءکم لنا لحلال بمن قتلتم من إخواننا ، أما تخافون الله عزّ وجلّ؟ بما تستحلّون سفک الدماء؟ قال ابن الزبیر : بدم عثمان بن عفّان رضی الله عنه ، قال : فالذین قتلتموهم قتلوا عثمان؟ أما تخافون مقت الله؟ فقال له عبد الله ابن الزبیر : لا نرزقکم من هذا الطعام ولا نخلّی سبیل عثمان بن حنیف حتی یخلع علیّا ، فقُتل حکیم بن جبلة وسبعون رجلاً من عبد القیس (4).

فعلی الرجلین وأُمّهما دم ستّة آلاف أو یزیدون قتلی تلک الحرب الدامیة ، (وَمَنْ یَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِیها) (5) ، و (مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَیْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِی الْأَرْضِ فَکَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِیعاً) (6). ولنعم ما قال فتی بنی سعد یوم ذاک : 2.

ص: 503


1- تاریخ الطبری : 5 / 183 [4 / 475 - 476 حوادث سنة 36 ه]. (المؤلف)
2- إشارة إلی قول عبد الله بن عمر فی صدر الروایة : قد کان یخاف منه الذی کان. أی خروجه.
3- تاریخ بغداد : 7 / 453 [رقم 4024]. (المؤلف)
4- تاریخ الطبری : 5 / 180 ، 182 ، 183 [4 / 470 ، 474 ، 475 حوادث سنة 36 ه]. (المؤلف)
5- النساء : 93.
6- المائدة : 32.

صُنتم حلائلکم وقُدتم أُمّکمْ

هذا لعمرُکَ قلّةُ الإنصافِ

أُمِرَتْ بجرِّ ذیولِها فی بیتِها

فهوت تشقُّ البیدَ بالإیجافِ

غرضاً یقاتل دونها أبناؤها

بالنبل والخطِّی والأسیافِ

هُتکت بطلحة والزبیر ستورُها

هذا المخبِّر عنهمُ والکافی (1)

ولم یکن حول الجمل إلاّ حُثالة من ذنابی الناس أهل الشرَه والترَه - من ضبّة والأزد - الذین کانوا یلتقطون بعر الجمل ویفتّونها ویشمّونها ویقولون : بعر جمل أُمّنا ریحه ریح المسک. یأتی حدیثه فی مستقبل الأجزاء إن شاء الله. کما لم یکن فی جیش معاویة إلاّ ساقة الناس ورعاعهم الذین وصفهم مولانا أمیر المؤمنین بقوله یوم ذاک : «انفروا إلی بقیّة الأحزاب ، انفروا بنا إلی ما قال الله ورسوله إنّا نقول : صدق الله ورسوله. ویقولون : کذب الله ورسوله» (2).

وقال سیّدنا قیس بن سعد فی کلام له : هل تری مع معاویة إلاّ طلیقاً أعرابیّا أو یمانیّا مستدرجاً (3)؟

وفی کلام لسیّدنا عمّار بن یاسر : إنّ مراکزنا علی مراکز رایات رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یوم بدر ویوم أُحد ویوم حنین ، وإنّ هؤلاء علی مراکز رایات المشرکین من الأحزاب (4)

وفی مقال لسیّدنا مالک الأشتر : أکثر ما معکم رایات قد کانت مع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، ومع معاویة رایات قد کانت مع المشرکین علی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، فما ف)

ص: 504


1- تاریخ الطبری : 5 / 176 [4 / 465 حوادث سنة 36 ه]. (المؤلف)
2- أخرجه البزّار بإسنادین کما فی مجمع الزوائد للحافظ الهیثمی : 7 / 239. (المؤلف)
3- استدرجه : خدعه وأدناه. (المؤلف)
4- کتاب صفین لابن مزاحم : ص 363 [ص 321] ، شرح ابن أبی الحدید : 1 / 506 [5 / 257 خطبة 65]. (المؤلف)

یشکّ فی قتال هؤلاء إلاّ میّت القلب (1).

ولم تکن الغایات فی حرب معاویة تخفی علی أیّ أحد حتی علی النساء فی خدورهنّ ، فهی کما قالت أُمّ الخیر بنت الحریش : إنّها إحَنٌ بدریّة ، وأحقاد جاهلیّة ، وضغائن أُحدیّة ، وثب بها معاویة حین الغفلة لیدرک ثارات بنی عبد شمس ، قاتلوا أئمّة الکفر إنّهم لا أیمان لهم لعلّهم ینتهون (2).

وکیف یکون هذا الطلب مشروعاً والذین وتروا عثمان هم الصحابة العدول کلّهم حتی أنّ طلحة کان أشدّ الناس علیه ، وحسب مروان أنّه أخذ منه ثاره برمیة منه جرّعته المنیّة. وقد تثّبط معاویة عن نصرته حتی قتلوه؟

وإن کانت النهضة بثارات عثمان غیر مشروعة یمقتها الله ورسوله صلی الله علیه وآله وسلم - کما هو المتسالم علیه عند وجوه السلف - فکیف یُدرأ بها العذاب عمّن قام بها؟

ولو صدقت الأحلام لوجب أن یکون أصحاب الجمل مکلوئین عن کلّ سوء ، لکن عوضاً عن ذلک وافاهم العذاب من شتّی النواحی وقُتّلوا تقتیلا ، وقطع الله أیدی الذین أخذوا بزمام الجمل حتی وردوا الهلکة صاغرین.

وأمّا معاویة فسل عنه لیلة الهریر ویومه ، فقد قُتل فیهما سبعون ألف قتیل (45) ألفاً من أهل الشام و (25) ألفاً من أهل العراق (3). وهل استمرّ علی الطلب بالثار لمّا تمهّد له عرش الملک؟ أو أنّه اقتنع بالحصول علی سلطة غاشمة وملک عضوض؟ ف)

ص: 505


1- کتاب صفین لابن مزاحم : ص 268 [ص 238] ، شرح ابن أبی الحدید : 1 / 484 [5 / 191 الأصل 65]. (المؤلف)
2- بلاغات النساء : ص 36 [ص 57] ، العقد الفرید : 1 / 132 [1 / 224] نهایة الأرب : 7 / 241 ، صبح الأعشی : 1 / 248 [1 / 297]. (المؤلف)
3- کتاب صفّین لابن مزاحم : ص 543 [ص 475] تاریخ ابن کثیر : 7 / 274 ، 312 [7 / 304 حواث سنة 36 ه و 346 حوادث سنة 37 ه] ، فتح الباری : 13 / 73 [13 / 84]. (المؤلف)

نعم ؛ حصر هو تعقیبه بالأبریاء شیعة أمیر المؤمنین علیه السلام فقتلهم أینما ثقفهم تحت کلّ حجر وشجر ، وأمّا ثار عثمان فلم ینبس عنه بعد ببنت شفة فضلاً عن أن یثأر له ولم یُرم بالحجارة ، فدونک تاریخ معاویة ، فاقرأ واحکم.

46 - أخرج الخطیب فی تاریخه (12 / 364) ، من طریق أحمد بن محمد بن المغلس الحمانی ، عن أبی سهل الفضل بن أبی طالب ، عن عبد الکریم بن روح البزّاز ، عن أبیه روح بن عنبسة بن سعید بن أبی عیاش الأُموی مولاهم البصری ، عن أبیه عنبسة (1) ، عن جدّته - لأبیه - أُمّ عیاش وکانت أمة لرقیّة بنت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قالت : سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول : ما زوّجت عثمان أُم کلثوم إلاّ بوحی من السماء.

قال الأمینی : لا تعجب من إخراج الخطیب هذا الحدیث المرمّع وسکوته عن علله ، فإنّه أسیر صبابته إلی هوی آل أُمیّة ، وقد أعمته عن آراء رجال الجرح والتعدیل فی أحمد بن محمد ، وأنسته ما ذکره هو فی ترجمة الرجل ، قال ابن عدی (2) : ما رأیت فی الکذّابین أقلّ حیاء منه. وقال ابن قانع : لیس بثقة. وقال ابن أبی الفوارس : کان یضع الحدیث. وقال ابن حبّان (3) : راودنی أصحابنا علی أن أذهب إلیه فأسمع منه ، فأخذت جزءاً لأنتخب فیه فرأیته حدّث عن یحیی .. إلخ. وعن هنّاد. إلخ. فعلمت أنّه یضع الحدیث. وقال الدارقطنی (4) : کان یضع الحدیث. وقال الحاکم : روی عن القعنبی ومسدّد وابن أبی أویس وبشر بن الولید أحادیث وضعها ، وقد وضع أیضاً المتون مع کذبه فی لقی هؤلاء. وقال الخطیب نفسه : حدّث عن أبی نعیم وغیره بأحادیث أکثرها باطلة هو وضعها. وحکی عن بشر بن الحارث ویحیی بن معین وعلیّ بن معین وعلیّ بن المدینی أخباراً جمعها بعد أن وضعها فی مناقب 9.

ص: 506


1- فی النسخة : عن أبیه عن عنبسة ، والصحیح ما ذکرناه. (المؤلف)
2- الکامل فی ضعفاء الرجال : 1 / 199 رقم 44.
3- کتاب المجروحین : 1 / 153.
4- الضعفاء والمتروکون : ص 123 رقم 59.

أبی حنیفة. وقال الدارقطنی أیضاً : مناقب أبی حنیفة موضوعة کلّها وضعها أحمد بن المغلّس الحمانی قرأته غیر مرّة. إلی کلمات آخرین (1).

وفی الإسناد : عبد الکریم بن روح أبو سعید البصری ، قال أبو حاتم (2) : مجهول. وقال عمرو بن رافع : دخلت علیه ولم أسمع منه ویقال : إنّه متروک الحدیث. وقال ابن حبّان (3) : یخطئ ویخالف. وضعّفه ابن أبی عاصم والدارقطنی (4). أضف إلیه فی الجهالة أباه وجدّه وجدّته. راجع میزان الاعتدال (5) للذهبی والخلاصة لابن الجزری.

وأخرجه ابن عدی (6) من طریق عمیر بن عمران الحنفی وعدّه من بواطیله وأقرّه الذهبی (7) وابن حجر ، وقال ابن عدی : والضعف علی روایته بیّن ، وقال العقیلی (8) : فی حدیثه وهم وغلط.

لسان المیزان (9) (4 / 380).

نعم ؛ أنا لا أشکّ فی أنّ کلّ ما فعله النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم أو لهج به إنّما هو عن وحی منزل من السماء فإنّه لا ینطق عن الهوی إن هو إلاّ وحی یوحی ، غیر أنّ المصلحة فی الإیحاء تختلف باختلاف الموارد ، فلیس کلّ صلة منه صلی الله علیه وآله وسلم أو برّ تدلّ علی فضیلة فی الموصول أو المبرور فإنّها قد تکون لإتمام الحجّة علیه ، کما أنّها فی المقام لإیقاف الملأ 5.

ص: 507


1- راجع المصادر المذکورة فی الجزء الخامس : ص 216. (المؤلف)
2- الجرح والتعدیل : 6 / 61 رقم 325.
3- الثقات : 8 / 423.
4- تهذیب التهذیب : 6 / 372 [6 / 332]. (المؤلف)
5- میزان الاعتدال : 2 / 644 رقم 5161.
6- الکامل فی ضعفاء الرجال : 5 / 70 رقم 1249.
7- میزان الاعتدال : 3 / 296 رقم 6489.
8- الضعفاء الکبیر : 3 / 318 رقم 1336.
9- لسان المیزان : 4 / 439 رقم 6345.

الدینیّ علی أنّ العداء المحتدم فی صدور العبشمیّین علی بنی هاشم لا یزیحه أیّ عطف وصلة ، فإنّه لا برّ أوصل من المصاهرة ولا سیّما ببضعة النبوّة ، لکن هل قدّر ذلک زوج أمّ کلثوم؟ أو أنّه اقترف لیلة وفاتها (1) ولم یکترث للانقطاع عن شرف النبوّة ، حتی أهانه رسول العظمة بملإ من الأشهاد ، وحرّم علیه الدخول فی قبرها وهو فی الظاهر أولی الناس بها بعد أبیها؟

ولعلّ کل صهر أو مواصلة وقع بین بنی هاشم والأمویّین کان من هذا الباب ، حاول الهاشمیّون وفی مقدّمهم مشرّفهم صلی الله علیه وآله وسلم تخفیض نائرة الإحن وتصفیة القلوب من الضغائن ، لکن هل حصّلوا علی الغایة المتوخّاة؟ أو انکفأوا علی حدّ قول القائل :

لقد نفختُ فی جُذیً مشبوبةٍ

وقد ضربتُ فی حدید باردِ

ولولا هذه المصاهرة وأمثالها لطالت الألسنة علی الهاشمیین لسبق المهاجرة والقطیعة بین الفریقین ، وحملوا کلّ ما وقع بینهما علی تلکم السوابق ، لکن الفئة الصالحة رُوّاد الإصلاح درأوا عن أنفسهم هاتیک الشُبه بضرائب هذه المواصلات ، وعرّفوا الناس أنّ العقارب لُسّب من ذاتها ، فلا یُجدی معها أیّ لین وزلفة.

ولعلّک هاهنا تجد المیزة بین الصهرین مولانا أمیر المؤمنین علیه السلام ، وصاحب سیّدتنا أُم کلثوم ، وتعلم سیرة الإمام مع الصدّیقة الطاهرة حتی قضت نحبها وهی عنه راضیة ، کما أنّه فارقها وهو عنها راضٍ ، وغادر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم الدنیا وهو راضٍ عنهما.

وانظر إلی آخر یومیهما ؛ هذا یقترف لیلة وفاة أُمّ کلثوم ما لا یرضی الله ورسوله ولا یهمّه فراقها ولا یشغله الهمّ بالمصیبة وانقطاع صهره من النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم عن المقارفة ، وذلک یندب الصدّیقة الطاهرة ویطیل بکاءه علیها وهو یقول : «السلام علیک ف)

ص: 508


1- مرّ حدیثه فی الجزء الثامن : ص 231 - 234. (المؤلف)

یا رسول الله عنّی وعن ابنتک النازلة فی جوارک والسریعة اللحاق بک ، قلّ یا رسول الله عن صفیّتک صبری ، ورقّ عنها تجلّدی ، إلاّ أنّ لی فی التأسّی بعظیم فرقتک وفادح مصیبتک موضع تعزّ ، فلقد وسّدتک فی ملحودة قبرک ، وفاضت بین نحری وصدری نفسک ، فإنّا لله وإنّا إلیه راجعون ، فقد استُرجِعتِ الودیعة ، وأُخذتِ الرهینة ، أمّا حزنی فسرمد ، وأمّا لیلی فمسهّد ، إلی أن یختار الله لی دارک التی أنت بها مقیم ، وستنبئک ابنتک بتضافر أُمّتک علی هضمها ، فأَحفها السؤال ، واستخبرها الحال ، هذا ولم یطُلِ العهد ، ولم یخلق منک الذکر ، والسلام علیکما ، سلام مودّع لا قالٍ ولا سئمٍ ، فإن أنصرف فلا عن ملامة (1) ، وإن أُقم فلا عن سوء ظنّ بما وعد الله الصابرین». ثمّ تمثّل عند قبرها فقال :

لکلّ اجتماعٍ من خلیلین فرقةٌ

وکلُّ الذی دون الممات قلیلُ

وإنّ افتقادی واحداً بعد واحدٍ (2)

دلیلٌ علی أن لا یدوم خلیلُ (3)

47 - أخرج الأزدی عن عبد الواحد بن عثمان بن دینار الموصلی ، عن المعافی ابن عمران الثوری ، عن ابن أبی نجیح ، عن مجاهد ، عن ابن عبّاس رضی الله عنهما ، قال : قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لعثمان : أنت من أصهاری وأنصاری ، وعهد عهده إلیّ ربّی أنّک معی فی الجنّة.

قال الذهبی فی المیزان (4) فی ترجمة عبد الواحد (2 / 158) : خبر باطل ذکره الأزدی.

48 - أخرج الطبرانی ، قال : حدّثنا بکر بن سهل قال : حدّثنا محمد بن عبد الله 6.

ص: 509


1- کذا فی المصدر ، وفی نهج البلاغة ص 320 خطبة 202 : ملالة ، وهو الأنسب بالسیاق.
2- وفی لفظ : وإن افتقادی فاطماً بعد أحمد. (المؤلف)
3- راجع أعلام النساء : 3 / 1222 [4 / 131]. (المؤلف)
4- میزان الاعتدال : 2 / 675 رقم 5296.

ابن سلیمان الخراسانی ، عن عبد الله بن یحیی الإسکندرانی ، حدّثنا ابن المبارک ، عن معمّر ، عن الزهری ، عن سالم ، عن أبیه قال : لمّا طُعِن عمر وأمر بالشوری دخلت علیه حفصة ابنته فقالت : یا أبت إنّ الناس یقولون : إنّ هؤلاء القوم الذین جعلتهم فی الشوری لیسوا برضی. فقال : أسندونی. فأسندوه فقال : عسی أن تقولوا فی عثمان! سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول : یموت عثمان یصلّی علیه ملائکة السماء. قلت : لعثمان خاصّة أو للناس عامّة؟ قال : بل لعثمان خاصّة. الحدیث بطوله لکلّ واحد من الستّة أصحاب الشوری منقبة (1).

قال الذهبی فی المیزان (2) : حدیث موضوع. وقال ابن حجر فی اللسان : الوضع علیه ظاهر.

قال الأمینی : بکر بن سهل الدمیاطی ، ضعّفه النسائی ، کما ذکره الذهبی ، وفی لسان المیزان : ومن وضعه قوله : بکرت یوم الجمعة فقرأت إلی العصر ثمانی ختمات. ثمّ قال : فاسمع إلی هذا وتعجّب. وقال مسلمة بن قاسم : تکلّم الناس فیه ووضعوه من أجل الحدیث الذی حدّث به عن سعید بن کثیر (3). وفی الإسناد محمد بن عبد الله مجهول لا یُعرف.

49 - أخرج الخطیب البغدادی فی تاریخه (11 / 169) ، من طریق عیسی بن محمد بن منصور الإسکافی ، عن شعیب بن حرب المدائنی ، عن محمد الهمدانی ، قال حدّثنا شیخ فی هذا المسجد - یعنی مسجد الکوفة - عن النعمان بن بشیر ، قال : کنّا عند علیّ بن أبی طالب فذکروا عثمان ، فقال علیّ : (إِنَّ الَّذِینَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنی ف)

ص: 510


1- لسان المیزان : 5 / 226 [5 / 256 رقم 7583]. (المؤلف)
2- میزان الاعتدال : 3 / 605 رقم 7792.
3- میزان الاعتدال : 3 / 84 [1 / 345 رقم 1284] ، لسان المیزان : 2 / 52 و 5 / 226 [2 / 63 رقم 1718 و 5 / 256 رقم 7583]. (المؤلف)

أُولئِکَ عَنْها مُبْعَدُونَ) (1) هم عثمان وأصحاب عثمان ، وأنا من أصحاب عثمان.

قال الأمینی : لنا أن نسائل الخطیب عن عیسی بن محمد بن منصور الإسکافی من هو؟ وما محلّه من الإعراب؟ وهو الذی ترجمه هو ولا یعرف منه إلاّ اسمه ، ونسائله عن محمد الهمدانی وعن شیخه الذی لم یسمّه هو ولا غیره کأنّه لم یکن ولم یولد ، وعن النعمان بن بشیر ، من هو؟ وما خطره؟ وما قیمة روایته؟ وهو الخارج علی إمامه یوم صفّین ومحاربه فی صفّ الطغام الطغاة ، وهو الذی عرّفه قیس بن سعد الأنصاری یوم ذاک بقوله له : وأنت والله الغاشّ الضالّ المضلّ ، وهو القائل لقیس : لو کنتم إذ خذلتم عثمان خذلتم علیّا لکانت واحدة بواحدة ، ولکنّکم خذلتم حقّا ونصرتم باطلاً.

وهلاّ علیّ هذا هو الذی سأله عثمان أیّام حوصر أن یخرج إلی ینبع حتی لا یغتمّ به ولا یغتمّ به علیّ؟ وهلاّ هو ذلک القائل : «والله الذی لا إله إلاّ هو ما قتلته ، ولا مالأت علی قتله ولا ساءنی»؟

والقائل : «ما أحببت قتله ولا کرهته ، ولا أمرت به ولا نهیت عنه ، ولا سرّنی ولا ساءنی»؟ والقائل لأصحابه یوم صفّین : «انفروا إلی من یقاتل علی دم حمّال الخطایا ، فوالذی فلق الحبّة وبرأ النسمة إنّه لیحمل خطایاهم إلی یوم القیامة لا ینقص أوزارهم شیئاً»؟

وهلاّ هو الکاتب إلی أهل مصر بقوله : «إلی القوم الذین غضبوا لله حین عُصی فی أرضه ، وذهب بحقّه ، فضرب الجور سرادقه علی البرّ والفاجر».

وهلاّ هو ذلک الذی لم یشهد لعثمان أنّه قُتل مظلوماً؟ کما مرّ حدیثه (2). ف)

ص: 511


1- الأنبیاء : 101.
2- تجد هذه الأحادیث فی هذا الجزء : 69 - 77. (المؤلف)

وهلاّ هو ذلک الخطیب القائل فی خطبته الشقشقیة : «إلی أن قام ثالث القوم نافجاً حضنیه بین نثیله ومعتلفه ..» إلی آخر ما مرّ فی (7 / 81).

وما شأن أصحاب عثمان وفیهم مثل علیّ - أخذاً بهذه الروایة - لا یوجد له منهم ناصر؟ ولا یُسمع من أحدهم فی أمره رکز؟ ولا ینبس أی منهم فی الدفاع عنه ببنت شفة؟ والرجل قُتل بین ظهرانیهم جهراً ، وأُلقیت جثّته فی المزبلة ثلاثة أیّام تجری علیه العواصف ، ثمّ دُفن بأثوابه فی مقابر الیهود ، ینادی علیه بذلّ الاستخفاف ، وقد أخذت الحجارة مجهّزیه ، وطمّوا جثمانه خائفین مترقّبین ، (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَری عَلَی اللهِ کَذِباً لِیُضِلَّ النَّاسَ بِغَیْرِ عِلْمٍ) (1) ، (وَاللهُ یَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَکاذِبُونَ) (2).

50 - إنّ عثمان بن عفّان رأی درع علیّ رضی الله عنه یُباع بأربعمائة درهم لیلة عرسه علی فاطمة رضی الله عنها فقال عثمان : هذا درع علیّ فارس الإسلام لا یُباع أبداً ، فدفع لغلام علیّ أربعمائة درهم وأقسم أن لا یخبره بذلک وردّ الدرع معه ، فلمّا أصبح عثمان وجد فی داره أربعمائة کیس فی کلّ کیس أربعمائة درهم مکتوب علی کلّ درهم : هذا ضرب الرحمن لعثمان بن عفّان. فأخبر جبریل النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم بذلک ، فقال : هنیئاً لک یا عثمان.

قال الأمینی : ذکر الحلبی فی سیرته (3) (2 / 228) ، عن فتاوی جلال الدین السیوطی أنّه سُئل عن صحّة هذه الروایة ، فأجاب بأنّها لم تصحّ. فقال : أی ، وهی تصدّق بأنّ ذلک لم یرد فهو من الکذب الموضوع. انتهی. ومرّ فی الجزء الخامس فی سلسلة الموضوعات ص (322). قول ابن درویش الحوت : إنّه کذب شنیع. 4.

ص: 512


1- الأنعام : 144.
2- التوبة : 42.
3- السیرة الحلبیة : 2 / 206 ، الحاوی للفتاوی : 2 / 184.

ختام المناقب

قال الجردانی فی مصباح الظلام (1) (2 / 29):

فائدة : من کتب هذه الأسماء وغسل بها وجهه فإنّه لا یعمی ، ومن کتبها وشربها علی الریق لا ینسی ، ومن کتبها وشربها لا یعجز عن النساء ، وهم : عثمان بن عفّان ، معاذ بن جبل ، عبد الرحمن بن عوف ، زید بن ثابت ، أُبیّ بن کعب ، طلحة بن عبد الرحمن ، تمیم الداری رضی الله عنهم.

قال الأمینی : فلیمتحن من لا یخاف عن العمی والنسیان والعنن. أضف إلی هذه الأساطیر أو المخازی ما مرّ فی الجزء الخامس من المناقب الموضوعة لعثمان خاصّة (ص 313 ، 324 ، 329).

منتهی القول

إلی هنا نُنهی القول عن فضائل عثمان التی اختلقتها وثّابة الشره ومُهملجة المطامع والشهوات فی العصور الأمویّة طمعاً فی رضائخ أُولئک المقعین علی أنقاض عرش الخلافة ، وأکثر هؤلاء شامیّون أو بصریّون جُبلوا بحبّ العبشمیّین ومناوأة سروات المجد من العترة الطاهرة صلوات الله علیهم ، فلیس وضع تلکم الروایات عنهم ببعید ، ولعلّ هناک من ضرائب ما ذکرناه أشیاء لکن سبیلها سبیل هذه الطامّات فی الأسانید والمتون ومنشأ الکلّ هو المغالاة فی الفضائل من غیر تفهّم ولا رویّة.

ولعلّ القوم فی عذر ممّا هم علیه من عدم الأخذ بآراء الحفّاظ وأئمّة الفنّ الواردة فی باب الجرح والتعدیل ، وعدم إجرائها فی رجال تلکم المسانید سلسلة 2.

ص: 513


1- مصباح الظلام : 2 / 71 ح 362.

البلایا والطامّات التی اتّخذوها حجّة فی الفضائل ، وعلّوا علیها الدعوة إلی أُناس والتخذیل عن آخرین ، ولا مندوحة لأُولئک من روایة مرمّعات الحدیث ، والأخذ بالموضوع المختلق ، لأنّهم إن جنحوا فی باب الفضائل إلی الصحیح الثابت فی التاریخ والحدیث فحسب ، واقتصروا علی ما صحّ منها ، وصفحوا عن الباطل المزیّف ، وترکوا کلّ تلکم التلفیقات المخزیة ، لتبقی تلکم الصحائف السوداء بیضاء خالیة فارغة عن کلّ مأثرة وفضیلة ، وهذا عزیز علیهم جدّا لا یحبّذه الحبّ الدفین ، ولا تسوّغه العصبیّة ، (وَإِذْ زَیَّنَ لَهُمُ الشَّیْطانُ أَعْمالَهُمْ) (1) ، (فَقَدْ جاؤُ ظُلْماً وَزُوراً) (2) ، (وَجادَلُوا بِالْباطِلِ لِیُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَ) (3) (وَیَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلی شَیْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْکاذِبُونَ) (4) ، (انْظُرْ کَیْفَ نُبَیِّنُ لَهُمُ الْآیاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّی یُؤْفَکُونَ) (5). 5.

ص: 514


1- الأنفال : 48.
2- الفرقان : 4.
3- غافر : 5.
4- المجادلة : 18.
5- المائدة : 75.

المغالاة فی فضائل الخلفاء الثلاثة

أبی بکر ، عمر ، عثمان

لقد أوقفناک علی شیء من الغلوّ الفاحش فی کلّ فرد من هؤلاء ، وعرّفناک أنّ کلّ ما لفّقه القوم ورمّقه من الفضائل إنّما هی من مرمّعات الحدیث لا یساعدها المعروف من نفسیّاتهم وملکاتهم ، ولا یتّفق معها ما سجّل لهم التاریخ من أفعال وتروک ، وهلمّ الآن إلی لون آخر ممّا تمنّته ید الافتعال یشملهم کلّهم ، ولا نکترث من ذلک إلاّ لما جاء بصورة الروایة دون الأقوال والکلمات ، فإنّ رمی القول علی عواهنه ممّا لا نهایة له ، وما حدت إلیه الأهواء والشهوات لا تقف علی حدّ ، فنمرّ بما جاء به أمثال أبناء حزم وتیمیّة والجوزی والجوزیّة وکثیر وحجر ومن لفّ لفّهم من السلف والخلف کراماً ، فأنّی یسع لنا التبسّط تجاه مزعمة نظراء التفتازانی وأمثاله ، قال فی شرح المقاصد (1) (2 / 279) : احتجّ أصحابنا علی عدم وجوب العصمة بالإجماع علی إمامة أبی بکر وعمر وعثمان رضی الله عنهم مع الإجماع علی أنّهم لم تجب عصمتهم ، وإن کانوا معصومین ، بمعنی أنّهم منذ آمنوا کان لهم ملکة اجتناب المعاصی مع التمکّن منها.

وقال أبو الثناء شمس الدین محمود الأصبهانی المتکلّم الشهیر فی مطالع الأنظار (ص 470) : ولا یشترط فیه العصمة خلافاً للإسماعیلیة والاثنی عشریّة لنا : إمامة أبی بکر والأُمّة اجتمعت علی کونه غیر واجب العصمة لا أقول إنّه غیر معصوم. انتهی. وأقرّ عصمة عثمان الحافظ نور محمد الأفغانی فی کتابه تاریخ مزار شریف (ص 4). 9.

ص: 515


1- شرح المقاصد : 5 / 249.

ونحن وضعنا أمامک صحائف من کتب أعمال هؤلاء المعصومین التی قضوا (1) أکثرها علی العادات الجاهلیّة ، وأوقفناک علی أنّ ما طابق منها عهد الإسلام ممّا لا یمکن أن یکون صاحبه عادلاً فضلاً عن أن یُعدّ معصوماً ، وهاهنا لا نحاول أکثر من لفت نظر القارئ إلی تلکم الصحائف من غیر توسّع نکرّره ، ففیما سبق فی الجزء السادس والسابع والثامن من الطامّات والجنایات والأحداث والشنائع والفظائع وممّا لا تقرّره طقوس الإسلام ویشذّ عن سنن الکتاب والسنّة غنی وکفایة.

وأمّا ما استنتجه التفتازانی من الإجماعین فمن أفحش أغلاطه :

أمّا أوّلاً : فلمنع الإجماع فی کلّ من الثلاثة ؛ فإنّ خلافة أبی بکر إنّما تمّت بعد وصمات سودّت صحیفة تاریخه ، وأبقت علی الأُمّة عاراً إلی منصرم الدنیا ، لا تُنسی قطّ بمرّ الجدیدین وکرّ الملوین ، إنّما تمّت ببیعة رجل أو رجلین أو خمسة ، ومن هنا حسبوا أنّ الخلافة تنعقد برجل أو رجلین أو خمسة (2) مع تقاعد جمع کثیر عنها من عمد الصحابة وأعیانهم ، کما فصّلناه فی الجزء السابع (ص 93) ثمّ لم یجمعهم مع القوم إلاّ الترعید والترعیب ومحاشد الرجال وبروق الصوارم وکان من حشدهم اللهام رجال من الجنّ رموا سعد بن عبادة أمیر الخزرج.

وأمّا خلافة عمر فکانت بالنصّ من أبی بکر مع إنکار الصحابة علیه ونقدهم إیّاه بذلک ، وکم أُناسٍ کانوا یشارکون طلحة فی قوله لأبی بکر : ما تقول لربّک وقد ولّیت علینا فظّا غلیظاً (3).

وأمّا عثمان فنصبته الشوری علی هنات بین رجال الشوری ، وعقد له ف)

ص: 516


1- أی : ارتکبوا.
2- راجع ما مرّ فی الجزء السابع : ص 141 - 143. (المؤلف)
3- مرّت کلمته فی : 7 / 152. وراجع الریاض النضرة : 1 / 181 / [1 / 224] ، کنز العمّال : 6 / 324 [5 / 678 ح 14178 و 14179]. (المؤلف)

عبد الرحمن بن عوف ولم یشترطوا کما قال الإیجی (1) إجماع من فی المدینة فضلاً عن إجماع الأُمّة. نعم ؛ عقد عبد الرحمن البیعة لصاحبه وسیفه مسلول علی رأس الإمام علیّ بن أبی طالب قائلاً له : بایع وإلاّ ضربت عنقک. ولحقه أصحاب الشوری قائلین : بایع وإلاّ جاهدناک. أنساب البلاذری (2) (5 / 22).

والتمحّل بحصول الإجماع بعد ذلک تدریجاً لا یُجدیهم نفعاً ، فإنّ الخلافة قد ثبتت عندهم بالبیعة الأولی فجاء متمّمو الإجماع بعد ذلک علی أساس موطّد.

وأمّا ثانیاً : فإنّ من الممکن علی فرض التنازل مع التفتازانی أن یکون إجماعهم علی خلافة الثلاثة لکونهم معصومین کما ینصّ به هو ، وأمّا الإجماع المنقول عنهم بعدم وجوب العصمة فممّا لا طریق إلی تحصیله من آراء الصحابة ، فمتی سبر التفتازانی نظریّات السلف وهم معدودون بمئات الألوف فعلم من نفسیّاتهم أنّهم لا یرون وجوب العصمة فی خلفائهم وهم رهائن أطباق الثری؟ ومن ذا الذی کان یسعه أن یعلمها فینهیها إلی التفتازانی وهلمّ جرّا إلی دور الصحابة؟ ومتی کانوا یتعاطون المسائل الکلامیّة ویتفاوضون علیها فیحفی هذا خبر ذاک ثمّ ینقله إلی ثالث إلی أن یتسلسل النقل فیشیع؟ والسابر لصحائف دور الخلافة الأولی منذ یوم السقیفة إلی یوم الشوری لا یجد لأمر العصمة فی منتدیات القوم ذکراً ولا یسمع منه رکزاً ، وإنّما اتّخذوا أمر الخلافة کملوکیّة یتسنّی لهم بها الحصول علی أمن البلاد وحفظ الثغور وقطع السارق والاقتصاص من القاتل وما إلی هذه من لداتها کما فصّلنا القول فیه تفصیلاً (7 / 136) وعلی ذلک جری العلماء والمتکلّمون ، فلیس لهم فی الشروط النفسانیّة من العلم والتقوی والقداسة أخذ ولا ردّ إلاّ کلمات سلبیّة حول اشتراطها ، ومتی کانت الخلافة عند السلف إمرة دینیّة حتی یبحثوا عن حدودها؟ ولم تکن إلاّ سیاسة وقتیّة مدبّرة بلیل. 8.

ص: 517


1- مرّت کلمته فی الجزء السابع : ص 141. (المؤلف)
2- أنساب الأشراف : 6 / 128.

وأمّا ثالثاً : فإنّا لا نحتجّ بالإجماع إلاّ بعد ثبوت حجیّته ، فإذا ثبتت فإنّها لا تختصّ بمورد دون آخر فیجب أن یکون حجّة فی الخلافتین معاً من أبی بکر وعثمان ، ذلک علی نصبه ، وهذا علی استباحة قتله ، والنقض بخروج ثلاثة أو أربعة من ساقة الأمویّین أو ممّن یمت بهم ویحمل بین جنبیه نزعتهم فی الإجماع علی عثمان مقابلٌ بخروج أُمّة صالحة عن الإجماع الأوّل من أعیان الصحابة وفی طلیعتهم سیّد العترة وإمام الأُمّة أمیر المؤمنین علیّ علیه السلام والإمامان الحسنان والصدّیقة الطاهرة أصحاب الکساء الذین أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهیراً ، إلی غیرهم من بنی هاشم والعمد والدعائم من المهاجرین والأنصار ، ووفاقهم الأخیر مشفوعاً بالترهیب لا یُعدّ وفاقاً ولا یکون متمّماً للإجماع ، فإنّهم کانوا مستمرّین علی آرائهم وإن ألجأتهم الظروف وحذار وقوع الفرقة إن شهروا سیفاً وباشروا نضالاً إلی المغاضاة عن حقّهم الواضح والمماشاة مع القوم کیفما حلّوا وربطوا ، فهذا مولانا أمیر المؤمنین علیه السلام یقول بعد منصرم أیّام الثلاثة فی رحبة الکوفة :

«أما والله لقد تقمّصها ابن أبی قحافة ، وإنّه لیعلم أنّ محلّی منها محلّ القطب من الرحی ، ینحدر عنّی السیل ولا یرقی إلیّ الطیر ، فسدلت دونها ثوباً ، وطویت عنها کشحاً ، وطفقت أرتئی بین أن أَصول بید جذّاء أو أصبر علی طخیة عمیاء ، یهرم فیها الکبیر ، ویشیب فیها الصغیر ، ویکدح فیها مؤمن حتی یلقی ربّه ، فرأیت أنّ الصبر علی هاتا أحجی ، فصبرت وفی العین قذی ، وفی الحلق شجی ، أری تراثی نهباً ، حتی مضی الأوّل لسبیله فأدلی بها إلی ابن الخطّاب بعده. ثمّ تمثّل بقول الأعشی :

شتّان ما یَوْمی علی کورِها

ویومُ حیّانَ أخی جابر

فیا عجباً! بینا هو یستقیلها فی حیاته إذ عقدها لآخر بعد وفاته ، لشدّ ما تشطّرا ضرعیها ، فصیّرها فی حوزة خشناء یغلُظ کلمها ، ویخشن مسّها ، ویکثر العثار فیها والاعتذار منها ، فصاحبها کراکب الصعبة ، إن أشنق لها خرم ، وإن أسلس

ص: 518

لها تقحّم ، فَمُنی الناس لعمر الله - بخبط وشماس ، وتلوّن واعتراض ، فصبرت علی طول المدّة ، وشدّة المحنة ، حتی إذا مضی لسبیله جعلها فی جماعة زعم أنّی أحدهم ، فیا لله وللشوری ، متی اعترض الریب فیّ مع الأوّل منهم حتی صرت أُقرن إلی هذه النظائر ، لکنّی أسففت إذا سفّوا وطرت إذا طاروا ، فصغا رجل منهم لضغنه ، ومال الآخر لصهره ، مع هنٍ وهنٍ ، إلی أن قام ثالث القوم نافجاً حضنیه بین نثیله ومعتلفه ، وقام معه بنو أبیه یخضمون مال الله خضمة الإبل نبتة الربیع ، إلی أن انتکث فتله ، وأجهز علیه عمله ، وکبت به بطنته» (1).

تُعرب هذه الخطبة الشریفة عن رأیه علیه السلام فی الخلافة ، وکلّ جملة منها تشهد علی عدم العصمة المزعومة ، أو تمثّل أُولئک المعصومین للملإ بعُجرهم وبُجرهم ، أضف إلیها

قوله علیه السلام من کتاب له إلی معاویة : «ذکرت إبطائی عن الخلفاء ، وحسدی إیّاهم ، والبغی علیهم ، فأمّا البغی فمعاذ الله أن یکون ، وأمّا الکراهة لهم فو الله ما أعتذر للناس من ذلک ، وذکرت بغیی علی عثمان وقطعی رحمه فقد عمل عثمان بما قد علمت وعمل به الناس ما قد بلغک» (2).

وقوله علیه السلام من خطبة له لمّا أراد المسیر إلی البصرة : «إنّ الله لمّا قبض نبیّه صلی الله علیه وآله وسلم ؛ استأثرت علینا قریش بالأمر ، ودفعتنا عن حقّ نحن أحقّ به من الناس کافّة ، فرأیت أنّ الصبر علی ذلک أفضل من تفریق کلمة المسلمین وسفک دمائهم ، والناس حدیثو عهد بالإسلام ، والدین یُمخض مخض الوطب یفسده أدنی وهن ، ویعکسه أقلّ خلق ، فولی الأمر قوم لم یألوا فی أمرهم اجتهاداً ، ثمّ انتقلوا إلی دار الجزاء ، والله ولیّ تمحیص سیّئاتهم والعفو عن هفواتهم» (3). ف)

ص: 519


1- راجع الجزء السابع : ص 81 - 85. (المؤلف)
2- العقد الفرید : 2 / 286 [4 / 138]. (المؤلف)
3- شرح ابن أبی الحدید : 1 / 102 [1 / 308 الخطبة 22]. (المؤلف)

وقوله علیه السلام : «إنّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم قُبض وما أری أحداً أحقّ بهذا الأمر منّی ، فبایع الناس أبا بکر ، فبایعت کما بایعوا ، ثمّ إنّ أبا بکر هلک وما أری أحداً أحقّ بهذا الأمر منّی ، فبایع الناس عمر بن الخطّاب ، فبایعت کما بایعوا ، ثمّ إنّ عمر هلک وما أری أحداً أحقّ بهذا الأمر منّی ، فجعلنی من ستّة أسهم ، فبایع الناس عثمان» (1).

وقوله علیه السلام یوم قال أبو بکر لقنفذ وهو مولی له : اذهب فادع لی علیّا. فذهب إلی علیّ ، فقال : «ما حاجتک؟» فقال : یدعوک خلیفة رسول الله. فقال علیّ : «لسریع ما کذبتم علی رسول الله». فرجع فأبلغ الرسالة ، ثمّ قال أبو بکر : عُد إلیه فقل له : أمیر المؤمنین (2) یدعوک لتبایع. فجاءه قنفذ فأدّی ما أُمر به ، فرفع علیّ صوته فقال : «سبحان الله لقد ادّعی ما لیس له». الحدیث. الإمامة والسیاسة (3) (1 / 13).

إلی کلمات أخری توقف الباحث علی جلیّة الحال.

فأین العصمة المزعومة؟ ثم أین الإجماع المدّعی علیه؟ وأنّی کان الإجماع علی الخلافة؟ ومتی تحقّق؟ وإن تمّ الإجماع فیجب أن یحتجّ به فی الخلافتین وصاحبیهما ، وإن أبطلناه ففیهما معاً.

ونحن لو اندفعنا إلی تفنید أمثال هذه السفاسف المنبعثة عن الغلوّ فی الفضائل لضاق بنا المجال عن السیر فی مواضیع الکتاب علی أنّها غیر مُبتنیة علی أُسس رصینة تستحقّ أخذاً بها أو ردّا علیها ، وإنّما ذکرنا هذه الأُسطورة فحسب لنعطیک شیئاً من نماذج تلکم الأقاویل المسطّرة بلا أیّ تعقّل وتدبّر ، فدونک شیئاً ممّا عزوه إلی الروایات من فضائل الثلاثة : 0.

ص: 520


1- تاریخ الطبری : 5 / 171 [4 / 458 حوادث سنة 36 ه]. (المؤلف)
2- فی المصدر : خلیفة رسول الله.
3- الإمامة والسیاسة : 1 / 19 - 20.

1 - أخرج الإمام الفقیه المحدّث الثقة (1) أبو الحسین محمد بن أحمد الملطی الشافعی المتوفّی (377) فی کتابه التنبیه والردّ علی أهل الأهواء والبدع (2) (ص 23) ، قال : قال محمد بن عکاشة ; : أخبرنی معاویة بن حمّاد الکرمانی ، عن الزهری ، قال : من اغتسل لیلة الجمعة وصلّی رکعتین یقرأ فیهما (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) ألف مرّة رأی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فی منامه.

قال محمد بن عکاشة : فدمت علیه کلّ لیلة جمعة أُصلّی الرکعتین أقرأ فیهما (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) ألف مرّة طمعاً أن أری النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فی منامی فأعرض علیه هذه الأصول ، فأتت علیّ لیلة باردة فاغتسلت وصلّیت رکعتین ثم أخذت مضجعی فأصابنی حلم ، فقمت ثانیة فاغتسلت وصلّیت رکعتین ، وفرغت منهما قریباً من الفجر فاستندت إلی الحائط ووجهی إلی القبلة إذ دخل علیّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ووجهه کالقمر لیلة البدر وعنقه کإبریق فضّة فیه قضبان الذهب علی النعت والصفة ، وعلیه بردتان من هذه [البُرد] (3) الیمانیّة قد اتّزر بواحدة وارتدی بأخری ، فجاء واستوفز علی رجله الیمنی وأقام الیسری فأردت أن أقول : حیّاک الله فبادرنی وقال : حیّاک الله. وکنت أحبّ أن أری رباعیّته المکسورة فتبسّم فنظرت إلی رباعیّته ، فقلت : یا رسول الله إنّ الفقهاء والعلماء قد اختلفوا علیّ وعندی أُصول من السنّة أعرضها علیک. فقال : نعم. فقلت :

الرضا بقضاء الله ، والتسلیم لأمر الله ، والصبر علی حکم الله ، والأخذ بما أمر الله ، والنهی عمّا نهی الله عنه ، والإخلاص بالعمل لله ، والإیمان بالقدر خیره وشرّه من الله ، وترک المراء والجدال والخصومات فی الدین ، والمسح علی الخفین ، والجهاد مع ر.

ص: 521


1- کذا وصفوه وأنت تعرف صدق وصفه من حدیثه. (المؤلف)
2- التنبیه والردّ علی أهل الأهواء والبدع : ص 15 - 17.
3- الزیادة من المصدر.

أهل القبلة ، والصلاة علی من مات من أهل القبلة سُنّة ، والإیمان یزید وینقص ، قول وعمل ، والقرآن کلام الله ، والصبر تحت لواء السلطان علی ما کان فیه من جور وعدل ، ولا یُخرج علی الأمراء بالسیف وإن جاروا ، ولا ینزل أحد من أهل التوحید جنّة ولا نار ، ولا یکفّر أحد من أهل التوحید بذنب وإن عملوا الکبائر ، والکفّ عن أصحاب محمد صلی الله علیه وآله وسلم - فلمّا أتیت : والکفّ عن أصحاب محمد صلی الله علیه وآله وسلم بکی حتی علا صوته - وأفضل الناس بعد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أبو بکر ثم عمر ثم عثمان ثم علیّ. قال محمد بن عکاشة : فقلت فی نفسی فی علیّ : ابن عمّه وختنه. فتبسّم علیه السلام کأنّه قد علم ما فی نفسی.

قال محمد : فدمت ثلاث لیال متوالیات أعرض علیه هذه الأُصول ، کلّ ذلک أقف عند عثمان وعلیّ فیقول لی علیه السلام : ثم عثمان ثم علی. ثم عثمان ثم علی : ثلاث مرّات. قال : وکنت أعرض علیه هذه الأُصول وعیناه تهملان بالدموع قال : فوجدت حلاوة فی قلبی وفمی فمکثت ثمانیة أیّام لا آکل طعاماً ولا أشرب شراباً حتی ضعفت عن صلاة الفریضة ، فلمّا أکلت ذهبت تلک الحلاوة واللذّة ، والله شاهد علیّ وکفی بالله شهیداً.

وقال أمیر المؤمنین المتوکّل لأحمد بن حنبل رضی الله عنه : یا أحمد إنّی أُرید أن أجعلک بینی وبین الله حجّة ، فأظهرنی علی السنّة والجماعة وما کتبته عن أصحابک عمّا کتبوه عن التابعین ممّا کتبوه عن أصحاب رسول الله فحدّثه بهذا الحدیث.

قال الأمینی : نحن نجد الباحث فی غنیً عن البحث عن هذه الأُسطورة وما فیها من مضحکات الثکلی ، ونجلّ أحمد عن أن یتّخذها حجّة بینه وبین الله فیلقّنها خلیفة وقته ، ونُربی به عن تصدیق مثل محمد بن عکاشة الذی جاء فیه قول ابن عساکر (1) بعد روایته هذه الرؤیا : قال سعید بن عمرو البردعی : قلت لأبی زرعة : محمد بن 2.

ص: 522


1- مختصر تاریخ دمشق : 23 / 62.

عکاشة الکرمانی ، فحرّک رأسه فقال : رأیته وکتبت عنه وکان کذّاباً. قلت : کتبت عنه الرؤیا التی کان یحکیها؟ قال : نعم کتبت عنه فزعم أنّه عرض علی شبابة : الإیمان قول وعمل ، یزید وینقص فیه ، أی به ، وأنّه عرض علی أبی نعیم : علیّ ثم عثمان ، فقال به ، وهو کذوب ولا یحسن أنّه یکتب (1) أیضاً ، یعنی أنّ شبابة لا یقول بذلک وکذا أبو نعیم ، قلت : أین رأیته؟ قال : قدم هنا مع محمد بن رافع وکان رفیقه ، کنت أری له سمتاً ، ولقینی محمد بن رافع فکره أن یقول فیه شیئاً ، وقال لی : لا یخفی علیک أمره إذا فاتحته ، فقلت : إن رأیت أن تفیدنی شیئاً ، قال : نعم. ثم کاد یصعق واضطرب بطنه ، فهالنی ذلک ، ثم أقبل علیّ فقال : إنّ أوّل ما أملی علیّ أن کذب علی الله وعلی رسوله صلی الله علیه وآله وسلم وعلی علیّ وعلی ابن عبّاس ... إلخ (2).

وذکره الحاکم فی الضعفاء فقال : منهم جماعة وضعوا کما زعموا یدعون الناس إلی فضائل الأعمال مثل أبی عصمة ومحمد بن عکاشة الکرمانی ثم نقل عن سهل بن السری الحافظ أنّه کان یقول : وضع أحمد الجویباری ومحمد بن تمیم ومحمد بن عکاشة علی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أکثر من عشرة آلاف حدیث. راجع ما أسلفناه فی سلسلة الکذّابین (5 / 261) ، ولسان المیزان (3) (5 / 286 - 289).

فرجل هذا حاله وتلک صفته وذلک حدیثه لیس بالمستطاع تصدیقه علی دعاویه المجرّدة فی المبادئ والمعتقدات ، والعجب کلّ العجب من الفقیه الثقة الذی یعتمد علی مثلها من خزایة ، قاتل الله الحبّ المعمی والمصمّ هو الذی حدا القوم إلی تفتین بسطاء الأُمّة بمثل هذه الخزعبلات ، والله یعلم إنّهم لکاذبون.

2 - أخرج البلاذری فی الأنساب (4) (5 / 5) عن خلف البزّار ، عن أبی شهاب 5.

ص: 523


1- فی المختصر : ولا یحسن أن یکذب أیضاً.
2- لسان المیزان : 5 / 287 [5 / 324 رقم 7768]. (المؤلف)
3- لسان المیزان : 5 / 324 - 327 رقم 7768.
4- أنساب الأشراف : 6 / 105.

الحنّاط (1) ، عن خالد الحذّاء البصری ، عن أبی قلابة البصری ، عن أنس قال : قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : أرحمکم أبو بکر ، وأشدّکم فی الدین عمر ، وأقرؤکم أُبیّ ، وأصدقکم حیاءً عثمان ، وأعلمکم بالحلال والحرام معاذ بن جبل ، وأفرضکم زید بن ثابت ، وإنّ لکلّ أُمّة أمیناً وأمین هذه الأُمّة أبو عبیدة الجرّاح.

وأخرجه ابن عساکر فی تاریخه (2) (2 / 325) محذوف الإسناد بلفظ : أرحم أُمّتی أبو بکر ، وأشدّهم فی دین الله عمر ، وأصدقهم حیاءً عثمان ، وأفرضهم زید ، وأقرؤهم أُبیّ بن کعب ... إلخ.

ورواه (3) فی (6 / 199) من طریق أبی سعید الخدری ، وعقّبه : قال العقیلی : أسانید هذه الأحادیث غیر محفوظة والمتون معروفة.

قال الأمینی : ألا تعجب من أُسطورة جاء بها خلف البزّار الثقة الأمین العابد الفاضل السکّیر؟ قال أبو جعفر النفیلی : کان من أصحاب السنّة لو لا بلیّة کانت فیه : شرب النبیذ.

وذکر خلف عند أحمد - إمام الحنابلة - فقیل : یا أبا عبد الله إنّه یشرب. فقال : قد انتهی إلینا علم هذا عنه ، ولکن هو والله عندنا الثقة الأمین شرب أو لم یشرب (4).

والروایة نفسها شاهد صدق علی ما انتهی إلی إمام الحنابلة علمه من خلف البزّار ، والذین أخذوها منه ورووها عنه إنّما أقحمتهم فیها سکرة الهوی لا نشوة السلافة. ف)

ص: 524


1- عبد ربّه بن نافع الکنانی ، ثقة لیس بالقوی یهمّ فی حدیثه ویخطئ. (المؤلف)
2- تاریخ مدینة دمشق : 7 / 327 رقم 558 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 4 / 199.
3- تاریخ مدینة دمشق : 21 / 413 رقم 2599 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 10 / 41 ، الضعفاء الکبیر : 2 / 159 رقم 664.
4- إقرأ واحکم. (المؤلف)

ولتقدیس ذیل هذا الثقة الأمین عن رجاسة النبیذ جاء الخطیب البغدادی (1) بما رواه عن محمد بن أحمد بن رزق ، عن محمد بن الحسن بن زیاد النقّاش ، قال : سمعت إدریس بن عبد الکریم الحدّاد یقول : کان خلف بن هشام یشرب من الشراب علی التأویل ، فکان ابن اخته یوماً یقرأ علیه سورة الأنفال حتی بلغ (لِیَمِیزَ اللهُ الْخَبِیثَ مِنَ الطَّیِّبِ) (2) فقال یا خال! إذا میّز الله الخبیث من الطیّب أین یکون الشراب؟ قال : فنکّس رأسه طویلاً ثم قال : مع الخبیث. قال : فترضی أن تکون مع أصحاب الخبیث؟ قال : یا بنیّ امض إلی المنزل فاصبب کلّ شیء فیه ، وترکه ، فأعقبه الله الصوم ، فکان یصوم الدهر إلی أن مات.

حبّذا هذا التنزیه لو صدقت الأحلام ، وهو وإن کان معقولاً أحسن من رأی الإمام أحمد من أنّه الثقة الأمین شرب أو لم یشرب. فإنّه رأی تافه لا تساعده البرهنة ولا یوافقه الشرع والعقل والمنطق ، والله یقول : (یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِنْ جاءَکُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَیَّنُوا) (3) غیر أنّ من المأسوف علیه جدّا بطلان إسناده لمکان محمد بن الحسن النقّاش ، فإنّه کذّبه طلحة بن محمد ، ووهّاه الدارقطنی ، ودلّسه أبو بکر ، وقال البرقانی : کلّ حدیثه منکر ، وذکر عنده تفسیره فقال : لیس فیه حدیث صحیح. وکلّ هذا ذکره الخطیب نفسه فبما ذا یُنزّه الرجل؟ وأنّی یتأتّی له أمله.

وإنّی أشکر من انتهی إلیه وضع هذه الأکذوبة علی أنّه لم یذکر مع القوم مولانا أمیر المؤمنین علیّا علیه السلام الذی هو أربی من کلّهم فی جمیع الصفات المذکورة ؛ فإنّه یُرفع عن أن یُذکر فی عداده أیّ أحد ، کما أنّ فضائله أربی من أن تُذکر معها فضیلة.

وهاهنا لا نناقش متن الروایة فی الأوصاف التی حابت القوم بها ، فلعلّ فیها ما 6.

ص: 525


1- تاریخ بغداد : 8 / 325 رقم 4417.
2- الأنفال : 37.
3- الحجرات : 6.

هو مدعوم بالبرهنة ، فیشهد علی کون أبی بکر أرحم الأُمّة إحراقه الفجاءة ، وغضّه الطرف عن وقیعة خالد بن الولید فی بنی حنیفة وخزایته مع مالک بن نویرة وزوجته (1) ، وعدم اکتراثه لأمر الصدّیقة فاطمة فی دعواها ، وکانت له مندوحة عن مجابهتها باسترضاء المسلمین واستنزال کلّ منهم عن حصّته من فدک إن غاضینا القوم علی الفتوی الباطلة والروایة المکذوبة فی انقطاع إرث النبوّة خلافاً لآیات المواریث المطلقة وإرث الأنبیاء خاصّة ، علی أنّ فاطمة سلام الله علیها وابن عمّها ما کانا یجهلان بما تفرّد بنقله أبو بکر وصافقته علی قوله سماسرته من الساسة لأمر دبّر بلیل ، وأمیر المؤمنین علیه السلام أقضی الأمّة وباب مدینة علم النبی ، والصدّیقة فاطمة بضعته وما کان یشحّ صلی الله علیه وآله وسلم علیها من إفاضة العلم ولا سیّما علم الأحکام وعلی الأخصّ ما یتعلّق بها ، وهو صلی الله علیه وآله وسلم یعلم أنّها سوف تقیم الدعوی علی صحابته المتغلّبین علی فدک وأنّها ستُمنع عنها ویحتدم بینها وبینهم الشجار ، ویستتبع ذلک انشقاقاً بین الأُمّة إلی یوم القیامة ، فمن مزدلفة إلی بضعة النبوّة ، ومن جانحة إلی من منعها عن حقّها ، فکان من الواجب أن یسبق صلی الله علیه وآله وسلم إلی ابنته بتفصیل حکم هذا شأنه قبل أبی بکر.

ألم تکن لأبی بکر مندوحة تصحّح إقطاع فاطمة فدکاً وردّها إلیها حتی لا یفتح باب السوأة علی الأُمّة کما ردّها عمر إلی ورثة النبیّ الأقدس ، وأقطعها عثمان مروان ، وأقطعها معاویة مروان وعمرو بن عثمان ویزید بن معاویة علی الأثلاث ، إلی ما رأی فیها الخلفاء بعدهم من التصرّف کتصرّف الملاّک فی أملاکهم (2)؟

سل عن صفة أبی بکر هذه فاطمة وهی صدّیقة یوم خرجت عن خدرها وهی تبکی وتنادی بأعلی صوتها : «یا أبت یا رسول الله ما ذا لقینا بعدک من ابن الخطّاب وابن أبی قحافة!!» (3). ف)

ص: 526


1- راجع الجزء السابع : ص 156 ، 157 ، 158 - 168. (المؤلف)
2- راجع : 7 / 194 - 195. (المؤلف)
3- راجع : 7 / 77. (المؤلف)

وسلها عنها یوم لاثت خمارها علی رأسها ، واشتملت بجلبابها ، وأقبلت فی لمّة من حفدتها ونساء قومها تطأ ذیولها ، ما تخرم مشیتها مشیة رسول الله حتی دخلت علی أبی بکر وهو فی حشد من المهاجرین والأنصار وغیرهم ، فنیطت دونها ملاءة ، ثمّ أنّت أنّة أجهش لها القوم بالبکاء ، وارتجّ المجلس (1).

وسلها عنها یوم قالت لأبی بکر : «والله لأدعونّ علیک بعد کلّ صلاة أصلّیها»

وسلها عنها یوم ماتت وهی واجدة علی أبی بکر ، وهی التی طهّرها الجلیل بآیة التطهیر ، وصحّ عن أبیها قوله صلی الله علیه وآله وسلم : «فاطمة بضعة منّی فمن أغضبها أغضبنی ، یؤذینی ما آذاها ، ویغضبنی ما أغضبها» (2).

وقوله : «فاطمة قلبی وروحی التی بین جنبیّ فمن آذاها فقد آذانی» (3).

وقوله : «إنّ الله یغضب لغضب فاطمة ویرضی لرضاها» (4).

وسل عنها أمیر المؤمنین وهو الصدّیق الأکبر یوم قادوه کما یُقاد الجمل المخشوش إلی بیعة عمَّ شؤمها الإسلام ، وزرعت فی قلوب أهلها الآثام ، وعنّفت سلمانها ، وطردت مقدادها ، ونفت جندبها ، وفتقت بطن عمّارها ، وحرّفت القرآن ، وبدّلت الأحکام ، وغیّرت المقام ، وأباحت الخمس للطلقاء ، وسلّطت أولاد اللعناء علی الفروج والدماء ، وخلطت الحلال بالحرام ، واستخفّت بالإیمان والإسلام ، وهدمت الکعبة ، وأغارت علی دار الهجرة یوم الحرّة ، وأبرزت بنات المهاجرین والأنصار للنکال والسوأة ، وألبستهنّ ثوب العار والفضیحة ، ورخّصت لأهل الشبهة ف)

ص: 527


1- راجع : 7 / 192. (المؤلف)
2- راجع : 7 / 231 - 235. (المؤلف)
3- راجع : 7 / 235. (المؤلف)
4- راجع : 7 / 235. (المؤلف)

فی قتل أهل بیت الصفوة وإبادة نسله ، واستئصال شأفته ، وسبی حرمه ، وقتل أنصاره ، وکسر منبره ، وإخفاء دینه ، وقطع ذکره. إنّا لله وإنّا إلیه راجعون.

وسل عنها أمیر المؤمنین یوم لاذ بقبر أخیه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وهو یبکی ویقول : «یا ابن أُمّ إنّ القوم استضعفونی وکادوا یقتلوننی» (1).

إلی غیر هذه من دلائل کون أبی بکر أرحم الأُمّة.

وأمّا کون عمر أشدّهم فی الدین فمن جلیّة الواضحات أنّ الشدّة فی الدین لیست هی الفظاظة والغلظة فحسب ، وإنّما هی التهالک فی التمسّک بعروتی الکتاب والسنّة والعمل بهما والأخذ والقیام بما جاء فیهما من الحدود ، وما أکثر ما خالفهما الرجل ونبذهما وراء ظهره واتّخذ برأیه الشاذّ عنهما! ودع عنک ما جهله منهما. وما قیمة شدّة بلا علم؟ وما مقدار شدّة مع التنکبّ عن أساسیّات الدین ، مع الخروج عن طقوس الإسلام ، مع التمسّک بالأهواء والشهوات؟ راجع نوادر الأثر فی علم عمر من الجزء السادس (ص 83 - 333) فإنّک تجد هنالک شواهد قویّة علی إثبات هذه الصفة فاقرأها وتبصّر.

وأمّا کون عثمان أصدقهم حیاءً فیکفی دلالة علیه الجزء الثامن والتاسع من هذا الکتاب ، وکلّ صحیفة منهما آیة من آیات صفته تلک ، مضافاً إلی ما سردناه فی هذه الجزء (ص 274 - 292) من البحث الخاصّ فی حیائه.

وأمّا الثلاثة الباقون ؛ فلا نطیل البحث عن إثبات ما ذکر لهم ، ففیه تضییع للوقت وشغل عمّا هو أهمّ من ذلک ، ومن سبر کتابنا هذا عرف أعلم الأُمّة وأفرضها وأمینها وعلم أنّه غیرهم ، فلا یدنّس ساحة الأُمّة بأمثال المذکورین ، ولا یُخاف علیه ممّا کان یخاف النبیّ الأقدس صلی الله علیه وآله وسلم علی أُمّته کما جاء عنه : «أخاف علی أُمّتی من ف)

ص: 528


1- راجع الجزء السابع : ص 78. (المؤلف)

بعدی ضلالة الأهواء ، واتّباع الشهوات ، والغفلة بعد المعرفة».

أُسد الغابة (1) (1 / 108).

3 - فی کتاب المناقب من صحیح البخاری (2) (5 / 249) ، عن محمد بن الحنفیّة ، قال : قلت لأبی : أیّ الناس خیرٌ بعد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم؟ قال : أبو بکر. قلت : ثمّ من؟ قال : ثمّ عمر ، وخشیت أن یقول : ثمّ عثمان ، قلت : ثمّ أنت؟ قال : ما أنا إلاّ رجل من المسلمین.

وفی لفظ الخطیب فی تاریخه (13 / 432) : قال قلت : یا أبت! من خیر الناس بعد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم؟ قال : یا بُنیّ أو ما تعلم؟ قال : قلت : لا. قال : أبو بکر. قال : قلت : ثم مَن؟ قال : یا بنیّ أو ما تعلم؟ قال : قلت : لا. قال : ثمّ عمر. قال : ثمّ بدرته فقلت : یا أبت ثمّ أنت الثالث. قال : فقال لی : یا بُنیّ أبوک رجل من المسلمین له ما لهم وعلیه ما علیهم.

قال الأمینی : لیست هذه أوّل سقطة من سقطات البخاری ، ومن عرف معتقد أمیر المؤمنین علی علیه السلام فی الذین تقدّموه وما استمرّ علیه دأبه من التصریح بذلک المعتقد تارة والتلویح إلیه أخری لا یشکّ فی أنّ ما عُزی إلیه بهتان عظیم.

ولیس ابن الحنفیّة ذلک الذی لا یعرف أباه ولا نظریّته فی القوم بعد اللتیا والتی ، حتی یسأله عن أُولئک الرجال ثمّ یخاف عن أن یقول فی المرّة الثالثة عثمان وهو یعرفه بعُجره وبُجره لا محالة ، ویعلم أنّه هو أحد الثلاثین من بنی أبی العاص الذین صحّ فیهم قول رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «إذا بلغ بنو أبی العاص ثلاثین رجلاً جعلوا مال الله دولا ، وعباده خولا ، ودینه دخلا» (3). ف)

ص: 529


1- أُسد الغابة : 1 / 127 رقم 205.
2- صحیح البخاری : 3 / 1342 ح 3468.
3- راجع ما مرّ فی الجزء الثامن : ص 250 ، 251 ، 305. (المؤلف)

لما ذا کتم أمیر المؤمنین علیه السلام عن ابن الحنفیّة رأیه هذا یوم مقتل عثمان لمّا أراد الإمام علیه السلام أن یأتی الرجل وینصره فأخذ ابن الحنفیّة بضبعیه أو بکفیّه أو بحقویه یمنعه من ذلک (1)؟

حاشا ابن الحنفیّة من الجهل بما جاء فی أبیه الطاهر عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم من قوله : إنّه خیر البریّة ، وإنّه خیر البشر ، وإنّه خیر من أترکه بعدی ، وإنّه خیر الناس ، وإنّه خیر الرجال ، وإنّه أحد الخیرتین (2). ومحمد بن الحنفیّة هو الذی کان ینشد شاعره کثیر عزّة بین یدیه قوله :

أنت ابنُ خیرِ الناسِ من بعد النبی

یا ابن علیٍّ سرْ ومن مثلُ علی (3)

وأنّی تصحّ نسبة هذه المزعمة إلی علیّ علیه السلام وقد جاء عنه من عدّة طرق أنّه قال : حدّثنی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وأنا مسنده إلی صدری فقال : «أی علی؟ ألم تسمع قوله تعالی الله (إِنَّ الَّذِینَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِکَ هُمْ خَیْرُ الْبَرِیَّةِ) (4)؟ أنت وشیعتک». وورد عن جابر : إنّ أصحاب النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم کانوا إذا أقبل علیّ قالوا : قد جاء خیر البریّة. راجع ما أسلفناه فی (2 / 52). أخرجه مضافاً إلی ما ذکرناه هنالک من المصادر ابن أبی حاتم فی تفسیره ، قال السیوطی فی لآلیه (1 / 12) : التزم ابن أبی حاتم أن یخرج فی تفسیره أصحّ ما ورد ولم یخرج حدیثاً موضوعاً البتّة. انتهی.

ولو کان یری أمیر المؤمنین أنّ أبا بکر خیر الناس فلما ذا تقاعد عن بیعته إلی أن توفّیت سیدة النساء فاطمة؟ وکان له وجه عند الناس أیّام حیاتها کما أخرجه البخاری (5) 8.

ص: 530


1- الأنساب : 5 / 94 [6 / 216]. (المؤلف)
2- راجع ما مضی فی الجزء الثانی : ص 57 ، 3 / 22 ، 24. (المؤلف)
3- طبقات ابن سعد : 5 / 79 [5 / 107]. (المؤلف)
4- البیّنة : 7.
5- صحیح البخاری : 4 / 1549 ح 3998.

نفسه ، وصافقه علی ذلک بنو هاشم ومن وافقهم من غیرهم من وجوه الأُمّة وأعیان الصحابة ، أوَلم یکن فیهم من یعرف منزلة الصدّیق هذه؟ وما بال علیّ أمیر المؤمنین علیه السلام کان یحمل الصدّیقة الطاهرة علی دابّة لیلاً فی مجالس الأنصار تسألهم النصرة علی خیر البشر؟ (1) ولما ذا لم یکن فی مقال الدعاة إلی أبی بکر أیضاً یوم السقیفة وبعده ما یومی إلی أنّه خیر البشر؟ بل کان رطب ألسنتهم : إنّه السبّاق المسنّ وثانی اثنین إذ هما فی الغار (2) مشفوعاً کلّ ذلک بالإرهاب والترعید (أَفَلَمْ یَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جاءَهُمْ ما لَمْ یَأْتِ آباءَهُمُ الْأَوَّلِینَ) (3).

هب أنّ الصحابة یوم ذاک ما کانوا یعرفون منزلة الرجل ، فهلاّ نبّههم علیه أمیر المؤمنین وأمرهم باتّباع خیر الناس وفیهم من کان أطوع له من الظلّ لذیه ، فقمّ بذلک جذوم الفتنة ، واستأصل جذورها ، وکسح الخلاف من بین المسلمین ، فلم یترکها فتنة عمیاء تحتدم علیها الإحن ، وتتعاقب المحن؟ حاشا مولانا أمیر المؤمنین من کلّ هذه ، لکنّه لم یعرف ما عُزی إلیه من حدیث خیر الناس ولا اعترف بمفاده طرفة عین ، بل کان صلوات الله علیه یرفع عقیرته بما یضادّ هذه المزعمة فی صهوات المنابر بین الملأ الدینیّ ، وقد مرّ شطر من تلکم الکلم فی هذا الجزء.

نحن هاهنا لسنا فی مقام إثبات أنّ علیّا خیر البشر بعد صنوه الطاهر صلّی الله علیهما وآلهما. کلاّ ثم کلاّ.

ولسنا فی صراط بیان المفاضلة بینه سلام الله علیه وبین خلفاء الانتخاب الدستوری ، حاشا ثم حاشا.

وإنّما یروقنا جدّا أن نمرکز لهذا الإنسان الکامل فی الملأ الدینیّ مکانة فرد من 8.

ص: 531


1- الإمامة والسیاسة : 1 / 12 [1 / 19]. (المؤلف)
2- راجع الجزء السابع : ص 91. (المؤلف)
3- المؤمنون : 68.

آحاد المسلمین ، ونجعلها کلمة سواء بیننا وبین القوم ، ونتصافق علی هذا فحسب. اللهمّ غفرانک وإلیک المصیر.

یا حبّذا بعد ما صدّق القوم ما عُزی إلیه صلوات الله علیه من قول : ما أنا إلاّ رجل من المسلمین ، أو قوله لابنه : یا بنیّ أبوک رجل من المسلمین له ما لهم وعلیه ما علیهم ، کانوا یعدّونه رجلاً منهم وأجروا علیه أحکام من آمن بالله وأسلم ، وکان له ما لهم وعلیه ما علیهم. بل لیتهم کانوا اتّبعوا رأی عثمان فیه ویرون مروان بن الحکم اللعین ابن اللعین بلسان النبیّ الأقدس أفضل منه. ولیتهم ساووا بینه وبین سفلة الأعراب ، والطبقة الواطئة الساقطة من الصحابة ، لکن : أنّی؟ ثمّ أنّی؟

قل لی بربّک أیّ مسلم شریف أو وضیع لعن غیره فی ثمانیة عشر ألف منبر ، ولم ینبس ابن أُنثی ببنت شفة فی الدفاع عنه؟

قل لی بربّک أیّ مسلم سائد أو سوقة غیر سیّد العترة سُنّ سبّه فی الجمعة والجماعة فی الحواضر الإسلامیّة جمعاء ، وتختم بلعنه أندیة الوعظ والخطابة ، ومن نهی عن ذلک یُنفی عن عقر داره؟ قال الجنید بن عبد الرحمن بن عمرو : أتیت من حوران إلی دمشق لآخذ عطائی ، فصلّیت الجمعة ثمّ خرجت من باب الدرج ، فإذا علیه شیخ یقال له : أبو شیبة القاصّ ، یقصّ علی الناس ، فرغّب فرغبنا ، وخوّف فبکینا ، فلمّا انقضی حدیثه قال : اختموا مجلسنا بلعن أبی تراب ، فلعنوا أبا تراب علیه السلام ، فالتفتّ إلی من علی یمینی ، فقلت له : فمن أبو تراب؟ فقال : علیّ بن أبی طالب ابن عمّ رسول الله وزوج ابنته ، وأوّل الناس إسلاماً ، وأبو الحسن والحسین. إلی آخر ما فی تاریخ ابن عساکر (1) (3 / 407) وفیه أنّ الجنید استنکر الأمر ولطم وجه الرجل ، فشکی إلی هشام بن عبد الملک فنفی الجنید إلی السند ، فلم یزل بها إلی أن مات. 7.

ص: 532


1- تاریخ مدینة دمشق : 11 / 290 - 291 رقم 1085 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 6 / 117.

قل لی بربّک أیّ عزیز تحت ظلّ النبوّة غیر عزیزنا المفدّی ، اضهده (1) نیر المذلّة ، وأصبح ضُهدة لکلّ أحد ، جرّعته ید الإحن کاسات المحن ، حتی سئم من حیاته ، وصبر وفی العین قذی ، وفی الحلق شجی ، یری تراثه نهبا؟

قل لی بربّک أیّ صحابیّ غیر علیّ علیه السلام لا یستقیم الأمر لأُمّة محمد إلاّ بسبّه؟ یقال لمروان : ما لکم تسبّونه علی المنابر؟ فیقول بملء فمه : إنّه لا یستقیم لنا الأمر إلاّ بذلک (2).

قل لی بربّک أیّ موحّد إسلامیّ فی الملإ الدینیّ یُتبرّأ منه فی بیعة خلیفة المسلمین بیع الله ورسوله سوی علیّ علیه السلام؟ وقد اشترط معاویة البراءة منه علیه السلام فی بیعته (3).

قل لی بربّک أیّ إنسان ثقل اسمه علی الناس غیر علیّ صلوات الله علیه؟ هذه عائشة لم تسمّه ولا تقدر علی أن تذکره بخیر ، ولا تطیب له نفساً (4) ، وکان معاویة أو عبد الملک بن مروان أو هما معاً یأمران ابن عبّاس أن یغیّر اسم ولده علیّ وکنیته (5) ، وکان علیّ بن الجهم السلمی یلعن أباه لأنّه سمّاه علیّا (6).

قل لی بربّک أیّ رجل أسلم وجهه لله وهو محسن غیر أوّل المسلمین یُری لاعنوه وشاتموه ومعاندوه وقاتلوه وخاذلوه متأوّلین مجتهدین لا یستحقّون مقتاً ولا أخذاً ولا هواناً ولا عقاباً؟ ف)

ص: 533


1- یقال : ضهده وأضهده ، أی : ظلمه وقهره.
2- الصواعق لابن حجر : ص 33 [ص 55]. (المؤلف)
3- البیان والتبیین للجاحظ : 2 / 85 [2 / 72]. (المؤلف)
4- مرّ الحدیث بإسناد صحیح فی هذا الجزء : ص 324 - 325. (المؤلف)
5- تاریخ الطبری : 8 / 230 [7 / 111 حوادث سنة 118 ه] ، حلیة الأولیاء : 3 / 207 [رقم 243] ، الکامل للمبرّد : 2 / 157 [1 / 497] ، العقد الفرید : 3 / 286 [5 / 63] ، الکامل لابن الأثیر : 5 / 78 [3 / 353 حوادث سنة 118 ه] ، تاریخ ابن خلکان : 1 / 350 [3 / 274] ، تهذیب التهذیب : 7 / 358 [7 / 312] ، شذرات الذهب : 1 / 148 [2 / 71]. (المؤلف)
6- لسان المیزان : 3 / 210 [4 / 242 رقم 5766]. (المؤلف)

قل لی بربّک أیّ ابن أُنثی من أبناء الإسلام عدا ولید الکعبة ابن فاطمة استحقّ شیعته ومحبّوه وأهله وذووه فی المجتمع السبّ واللعن والقتل والسبی والإزراء والضرب والنکال والسوأة والحبس فی ظُلَم المطامیر وقعر السجون ، وضاقت علیهم الأرض بما رحبت؟

الهضیمة کلّ الهضیمة دفاع ابن حجر عن مثل حَکَم بن أبی العاص طرید النبیّ ولعینه ، وعن الوقیعة فیه بما تحقّق منه وعلم من الفاحشة ، وذبّه عنه لمکان کونه صحابیّا (1).

الهضیمة کلّ الهضیمة ذبّ ابن حزم عن عبد الرحمن بن ملجم قاتل أمیر المؤمنین وعدم تجویزه لعنه وتبریره عمله بأنّه مجتهد مخطئ (2).

الهضیمة کلّ الهضیمة نصرة القاضی حسین الشافعی عمران بن حطّان مادح ابن ملجم قاتل الإمام الطاهر بقوله :

یا ضربة من تقیّ ما أراد بها

إلاّ لیبلغ من ذی العرش رضوانا

إنّی لأذکره حیناً فأحسبه

أوفی البریّة عند الله میزانا

یحکم بعدم جواز لعنه زعماً بکونه صحابیّا (3) ذاهلاً عن أنّ ابن حطّان لم یکن صحابیّا ، وإنّما هو من رءوس الخوارج الملعونین بلسان النبیّ الأقدس ، ولد الرجل بعده صلی الله علیه وآله وسلم بمدّة.

الهضیمة کلّ الهضیمة تبریر ساحة معاویة الربا والخمور من دنس طامّاته وموبقاته وجنایاته الکبیرة علی الإسلام والمسلمین وقتله آلافاً من صلحاء أُمّة محمد صلی الله علیه وآله وسلم بکلمة واحدة موجزة ، بأنّه کان مجتهداً متأوّلاً مخطئاً (4).ف)

ص: 534


1- راجع ما مضی فی الجزء الثامن : ص 251. (المؤلف)
2- راجع ما أسلفناه فی الجزء الأوّل : ص 323. (المؤلف)
3- الإصابة : 3 / 179 [رقم 6875]. (المؤلف)
4- الفصل لابن حزم : 4 / 89 ، تاریخ ابن کثیر : 7 / 279 [7 / 310 حوادث سنة 37 ه]. (المؤلف)

الهضیمة کل الهضیمة الاعتذار عمّا اقترفه یزید الخمور والفجور ، وتنزیه ساحته من أرجاسه المکفّرة ، والنهی عن لعنه وذکره بالسوء بأنّه مسلم لم یثبت کفره وأنّه إمام مجتهد (1).

إلی مناصرات ومدافعات عن أمثال هؤلاء بشروی تلکم الکلم الفارغة ، وأمّا سیّدنا المفدّی حبیب الله وحبیب رسوله فلسنا مغالین إن قلنا : إنّ الأُمّة کانت مصرّة علی مقته ، مجتمعة علی قطیعة رحمه وإقصاء ولده إلاّ القلیل ممّن وفی لرعایة الحقّ فیه ، فلیت القوم أخذوا من بُخاریّهم وخطیبهم هذه الکلمة المعزوّة إلی أمیر المؤمنین : ما أنا إلاّ رجل من المسلمین - وإن کانت مختلقة - وأجروا علیه حکمها. لکن. لکن ....

ثم کیف تُعزی إلیه سلام الله علیه هذه المفاضلة وقد جاء عن النبیّ الأقدس قوله لفاطمة الصدّیقة : «زوّجتک خیر أُمّتی ، أعلمهم علماً ، وأفضلهم حلماً ، وأوّلهم سلماً؟» مرّ فی (3 / 95).

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «علیّ خیر من أترکه بعدی».

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «خیر رجالکم علیّ بن أبی طالب ، وخیر نسائکم فاطمة بنت محمد».

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «علیّ خیر البشر فمن أبی فقد کفر».

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «من لم یقل علیّ خیر الناس فقد کفر».

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم لفاطمة سلام الله علیها : «إنّ الله اطّلع علی أهل الأرض فاختار منهم أباک فبعثه نبیّا ، ثمّ اطّلع الثانیة فاختار بعلک».

وقوله لها : «إنّ الله اختار من أهل الأرض رجلین أحدهما أبوک والآخر زوجک» (2). ف)

ص: 535


1- تاریخ ابن کثیر : 8 / 223 ، 13 / 9 [8 / 245 حوادث سنة 63 ه ، 13 / 13 حوادث سنة 590 ه]. (المؤلف)
2- راجع ما مرّ فی : 3 / 20 - 23. (المؤلف)

ولیت شعری کیف تصحّ عنه هذه المفاضلة وقد اتّخذه رسول الله له نفساً کما جاء فی الذکر الحکیم ، وطهّره الجلیل بآیة التطهیر ، وقرن بین ولایته وولایة رسوله وبین ولایة علیّ فی نصّ الکتاب الکریم ، وأنزله صلی الله علیه وآله وسلم من نفسه منزلة هارون من موسی ، ولم یستثنِ لنفسه إلاّ النبوّة ، واتّخذه صلی الله علیه وآله وسلم أخاً لنفسه یوم المؤاخاة المُبتنیة علی أساس المشاکلة فی الملکات والنفسیّات؟ فکیف تتمّ هذه کلّها وفی الأُمّة من هو أولی منه؟

ولست أدری کیف کان علیّ أمیر المؤمنین أحبّ الخلق إلی الله وإلی رسوله صلی الله علیه وآله وسلم وفی الأُمّة من هو خیر منه؟ وقد صحّ عنه صلی الله علیه وآله وسلم قوله فی حدیث الطیر المشویّ الآتی ذکره إن شاء الله : «اللهمّ ائتنی بأحبّ خلقک إلیک لیأکل معی». فأتاه علیّ علیه السلام.

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم لعائشة : «إنّ علیّا أحبّ الرجال إلیّ وأکرمهم علیّ فاعرفی له حقّه وأکرمی مثواه».

وقوله : «أحبّ الناس إلیّ من الرجال علیّ».

وقوله : «علیّ أحبّهم إلیّ وأحبّهم إلی الله».

ولا تنس هاهنا قول عائشة : والله ما رأیت أحداً أحبّ إلی رسول الله من علیّ. ولا قول بریدة وأُبیّ : أحبّ الناس إلی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم من النساء فاطمة ومن الرجال علیّ (1).

ثمّ ما بال الصدّیقة فاطمة تموت وهی واجدة علی أبی بکر وعمر وهما خیر البشر؟ ما بالها ونداؤها بعد فی آذان الأُمّة المرحومة وهی باکیة لاذت بقبر أبیها وتقول : «یا أبت یا رسول الله ما ذا لقینا بعدک من ابن الخطّاب وابن أبی قحافة؟»؟

ما بالها وقولها للخیّرین : «إنّی أُشهد الله وملائکته أنّکما أسخطتمانی وما أرضیتمانی ، ولئن لقیت النبیّ لأشکونّکما إلیه»؟ وحدیث أنینها بعد دائر سائر بین حملة التاریخ. ف)

ص: 536


1- راجع ما مرّ فی : 3 / 21 - 23. (المؤلف)

ما بالها وهی توصی بأن تدفن لیلاً ولا یُصلّی علیها أبو بکر ، ولا یحضر الخیّران تجهیزها وتشییعها؟ وهذا النبأ العظیم بعد یدور فی أندیة الرجال (1).

نعم ، السرّ فی ذلک کلّه أنّ الصدّیقة کابن عمّها أمیر المؤمنین لا تعرف شیئاً من قول الزور ، ولعلّ الواقف علی الجزء السادس والسابع من هذا الکتاب یُطلّ علی کون الرجلین خیر البشر بأقرب من هذا.

ونحن علی یقین من أنّ الباحث النابه الحرّ بعد الوقوف علی ما فی غضون الأجزاء الخمسة الأخیرة من العشرة الأولی من أجزاء کتابنا هذا لا یبقی له قطّ ریب فی أنّ رواة هذه الأساطیر المختلقة والقائلین بمغزاها والمخبتین إلیها صمّا وعمیاناً هم الغلاة فی الفضائل حقّا : (فَقَدْ جاؤُ ظُلْماً وَزُوراً) (2) (وَإِنَّ فَرِیقاً مِنْهُمْ لَیَکْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ یَعْلَمُونَ) (3) (فَبَدَّلَ الَّذِینَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَیْرَ الَّذِی قِیلَ لَهُمْ) (4) (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ کَذَبَ عَلَی اللهِ وَکَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جاءَهُ) (5)(فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ یَعْلَمُونَ) (6).

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمین

انتهی الجزء التاسع

من کتاب الغدیر ویتلوه العاشر إن شاء الله

یُبدأ فیه ببقیّة مناقب الخلفاء الثلاثة

ص: 537


1- راجع ما مرّ فی : 7 / 227. (المؤلف)
2- الفرقان : 4.
3- البقرة : 146.
4- البقرة : 59.
5- الزمر : 32.
6- الزخرف : 89.

المجلد 10

اشارة

سرشناسه:امینی، عبدالحسین، 1281 - 1349.

عنوان و نام پدیدآور:الغدیر فی الکتاب و السنه و الادب: کتاب دینی ،علمی، فنی،.../ عبدالحسین احمد الامینی النجفی؛ تحقیق مرکز الغدیر للدراسات الاسلامیه.

مشخصات نشر:قم: مرکز الغدیر للدراسات الاسلامیه، 1416ق.-= 1995م.-= 1374-

وضعیت فهرست نویسی:برونسپاری

یادداشت:عربی.

یادداشت:ج.2 (چاپ اول: 1375).

یادداشت:ج. 3، 6 و 8 (چاپ اول: 1416ق. = 1376).

یادداشت:ج. 13 (چاپ اول: 1422ق. = 2002م. = 1380).

یادداشت:کتابنامه.

موضوع:علی بن ابی طالب (ع)، امام اول، 23 قبل از هجرت - 40ق -- اثبات خلافت

موضوع:غدیر خم

شناسه افزوده:موسسه دایرةالمعارف فقه اسلامی بر مذهب اهل بیت (ع). مرکز الغدیر للدراسات الاسلامیه

رده بندی کنگره:BP223/54/الف8غ4 1374

رده بندی دیویی:297/452

شماره کتابشناسی ملی:م 75-8389

ص: 1

اشارة

ص: 2

الغدیر فی الکتاب و السنه و الادب

عبدالحسین احمد الامینی النجفی

تحقیق مرکز الغدیر للدراسات الاسلامیه

ص: 3

ص: 4

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 5

ص: 6

الجزء العاشر

یحوی مناقب الخلفاء والنظرة فیها متناً وإسناداً ، ویتلوها بحث حرّ عن المغالاة فی فضائل معاویة ، یوقف القارئ علی نفسیّات الرجل وملکاته ، ویمیط الستر عن صحائف من تاریخ حیاته السوداء ، ویعرّفه بعُجره وبُجره ، ولسنا مجازفین فی القول ، منحازین عن الحق ، متعصّبین لمبدإ أو عقیدة.

ص: 7

ص: 8

بسم الله الرحمن الرحیم

سُبحانَکَ نَحنُ نُسبِّحُ بِحَمْدِکَ وَنُقَدِّسُ لَکَ ، وَمَا لَنَا لَا نُؤمِنَ بِالله وَمَا جَاءنَا مِنَ الحَقِّ وَنَطمَعُ أنْ یُدخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ القَومِ الصَّالِحینَ. یَا أیُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءُکُم بُرهَانٌ مِنْ رَبِّکُمْ ، هذَا بَیَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدیً وَمَوعِظَةٌ لِلمُتَّقِینَ ، قَدْ جِئتکُم بِالحِکْمَةِ وَلِأُبَیِّنَ لَکُم بَعضَ الَّذِی تَختَلِفُونَ فِیه ، وَإنَّا لَنَعلَمُ أنَّ مِنکُمْ مُکذِّبِینَ ، وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِینَ اوتُوا الکِتَابَ إِلاَّ مِنْ بَعدِ مَا جَاءَتهُم البَیِّنَةُ ، خُذُوا مَا آتَینَاکُم بِقُوَّةٍ ، وَاتَّبِعُوا أحسَنَ مَا انْزِلَ إلَیکُم مِنْ رَبِّکُم ، اتَّبِعُوا مَنْ لَا یَسألُکُم أجْراً وَهُم مُهتَدُونَ ، نَحْنُ نَقُصُّ عَلیَکَ نَبَأَهُم بِالحَقِّ ، وَاعتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِیعاً وَلَا تَفَرَّقُوا ، وَأطِیعُوا اللهَ وَرسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفشَلُوا وَتَذْهَبَ رِیحُکُم ، وَلَا تَکُونُوا کَالَّذِینَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعدِ مَا جَاءَتهُمُ البَیِّنَاتُ ، إنّهُم أَلفَوا آبَاءهم ضَالِّینَ فَهُم عَلَی آثَارِهِم یُهْرَعُونَ ، وَلَقَدْ ضَلَّ قَبلَهُم أکْثَرُ الأَوّلِینَ ، ویُحاجُّون فی اللهِ مِنْ بَعدِ ما استُجِیبَ لَه حُجتَّهُمُ دَاحِضَةٌ ، فَمَنْ حَاجَّک فِیهِ مِنْ بَعد مَا جَاءَکَ مِنَ العِلْمِ فَقُلْ : تَعَالوا نَدْعُ أبنَاءَنَا وَأبنَاءَکُم وَنِسَاءَنَا ونِسَاءَکُم وَأنفُسَنَا وَأنفُسَکُم ثُمَّ نَبْتَهِلْ فنَجَعَلْ لَعنَةَ اللهِ عَلَی الکَاذِبِین.

الأمینی

ص: 9

ص: 10

بقیة البحث عن مناقب الخلفاء الثلاثة

اشارة

4 - أخرج البخاری فی کتاب المناقب من صحیحه (1) (5 / 243) باب فضل أبی بکر بعد النبیّ من طریق عبد الله بن عمر قال : کنّا نخیّر بین الناس فی زمن النبی صلی الله علیه وآله وسلم فنخیّر أبا بکر ، ثم عمر بن الخطاب ، ثم عثمان بن عفّان.

وذکر فی باب مناقب عثمان (2) (5 / 262) عن ابن عمر أیضاً بلفظ : کنّا فی زمن النبی صلی الله علیه وآله وسلم لا نعدل بأبی بکر أحداً ، ثم عمر ، ثم عثمان ، ثم نترک أصحاب النبی صلی الله علیه وآله وسلم لا نفاضل بینهم. وبهذا اللفظ حکاه الحافظ العراقی عن الصحیحین فی طرح التثریب (1 / 82).

وأخرج فی تاریخه (1 / قسم 2 / 13) بلفظ : کنّا فی عهد النبی صلی الله علیه وآله وسلم وبعده نقول : خیر أصحاب النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم أبو بکر ثم عمر ثم عثمان.

وأخرج أحمد فی مسنده (3) (2 / 14) عن ابن عمر قال : کنّا نعدّ ورسول الله صلی الله علیه وآله وسلم حیّ وأصحابه متوافرون : أبو بکر وعمر وعثمان ثم نسکت.

وأخرج (4) أبو داود والطبرانی عن ابن عمر : کنّا نقول ورسول الله صلی الله علیه وآله وسلم حیّ : أفضل أمّة النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم بعده أبو بکر ، ثم عمر ، ثم عثمان ، فیسمع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ذلک فلا ینکره (5).

ص: 11


1- صحیح البخاری : 3 / 1337 ح 3455.
2- صحیح البخاری : 3 / 1352 ح 3494.
3- مسند أحمد : 2 / 82 ح 4612.
4- مسند أبی داود : 4 / 206 ح 4628 ، المعجم الکبیر : 12 / 220 ح 13132.
5- فتح الباری : 7 / 13 [7 / 16] ، طرح التثریب : 1 / 82 ذکر زیادة الطبرانی. (المؤلف)

وروی ابن سلیمان فی فضائل الصحابة من طریق سهیل بن أبی صالح ، عن أبیه ، عن ابن عمر : کنّا نقول : إذا ذهب أبو بکر وعمر وعثمان استوی الناس. فیسمع النبی صلی الله علیه وآله وسلم ذلک فلا ینکره (1).

وفی لفظ البزّار : کنّا نقول فی عهد النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم : أبو بکر وعمر وعثمان - یعنی بالخلافة (2) - وفی لفظ الترمذی : کنّا نقول ورسول الله صلی الله علیه وآله وسلم حیّ (3).

وفی لفظ البخاری فی تاریخه (1 / قسم 1 / 49) : کنّا نقول فی زمن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم : من یلی هذا الأمر بعد النبی صلی الله علیه وآله وسلم؟ فیقال : أبو بکر ، ثم عمر ، ثم عثمان ، ثم نسکت.

قال الأمینی : هذه الروایة عمدة ما تمسّک به القوم فیما وقع من الانتخاب الدستوری فی الإسلام ، وقد اتّخذها المتکلّمون حجّة لدی البحث عن الإمامة ، واتّبع أثرهم المحدّثون ، ولهم عند إخراجها تصویب وتصعید ، وتبجّح وابتهاج ، وجاء کثیرون وقد أطنبوا وأسهبوا فی القول لدی شرحها ، وجعلوها کحجر أساسی علّوا علیها أمر الخلافة الراشدة ، واحتجّوا بها علی صحّة البیعة التی عمّ شؤمها الإسلام ، وحُفّت بهنات ووصمات وشتّتت شمل المسلمین ، وفتّت فی عضد الدین ، وفصمت عراه ، وجرّت الویلات علی أُمّة محمد حتی الیوم ، فلنا عندئذ أن نبسط القول ، ونوقف القارئ علی جلیّة الحال (لِیَهْلِکَ مَنْ هَلَکَ عَنْ بَیِّنَةٍ وَیَحْیی مَنْ حَیَّ عَنْ بَیِّنَةٍ) (4) ، والله ولیّ التوفیق.

کان عبد الله بن عمر علی العهد النبویّ الذی ادّعی أنّه کان یُخیّر فیه فیختار فی 2.

ص: 12


1- فتح الباری : 7 / 13 [7 / 16]. (المؤلف)
2- تاریخ ابن کثیر : 7 / 205 [7 / 230 حوادث سنة 35 ه]. (المؤلف)
3- صحیح الترمذی : 13 / 161 [5 / 588 ح 3707]. (المؤلف)
4- الأنفال : 42.

إبّان شبیبته حتی إنّه کان لم یبلغ الحلم فی جملة من سنیه ، ولذلک ردّه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم عن الجهاد یوم بدر وأُحد واستصغره ، وأجاز له یوم الخندق وهو ابن خمس عشرة سنة کما ثبت فی الصحیح (1) ، وهو علی جمیع الأقوال فی ولادته ، وهجرته ، ووفاته لم یکن مجاوزاً العشرین یوم وفاة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، وهو فی مثل هذا السنّ لا یُخیّر عادة فی التفاضل بین مشیخة الصحابة ووجوه الأُمّة ، ولا یُتّخذ حکماً یُمضَی رأیه فی الخیرة ، لأنّ الحکم الفاصل فی مثل هذا یستدعی ممارسة طویلة ، ووقوفاً علی تجاریب متتابعة مقرونة بعقلیّة ناضجة ، وتمییز بین مقتضیات الفضیلة ، وعرفان لنفسیّات الرجال ، وقوّة فی النفس لا یتمایل بها الهوی ، وابن عمر کان یفقد کلّ هذه لما ذکرناه من صغر سنّه یوم ذاک المانع عن کلّ ما ذکرناه ، وروایته هذه أقوی شاهد علی فقدانه تلکم الملکات الفاضلة. قال أبو غسان الدوری : کنت عند علیّ بن الجعد فذکروا عنده حدیث ابن عمر : کنّا نفاضل علی عهد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فنقول : خیر هذه الأُمّة بعد النبیّ أبو بکر وعمر وعثمان ، فیبلغ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فلا ینکر. فقال علیّ بن الجعد : انظروا إلی هذا الصبیّ هو لم یحسن أن یطلّق امرأته یقول : کنّا نفاضل (2).

ومن عرف ابن عمر وقرأ صحیفة تاریخه السوداء عرفه بضؤولة الرأی ، واتّباع الهوی ، وبفقدانه کلّ تلکم الخلال (3) یوم بلغ أشدّه وکبر سنّه فضلاً عن عنفوان شبابه ، وسیوافیک نزر من آرائه السخیفة.

دع ابن عمر ومن لفّ لفّه یختار ویتقوّل (وَرَبُّکَ یَخْلُقُ ما یَشاءُ وَیَخْتارُ ما کانَ ة.

ص: 13


1- صحیح البخاری : 6 / 74 [2 / 48 ح 2521] ، تاریخ الطبری : 2 / 296 [2 / 477] ، عیون الأثر : 2 / 6 ، 7 [1 / 410] ، فتح الباری : 7 / 232 [7 / 393]. (المؤلف)
2- تاریخ الخطیب : 11 / 363 [رقم 6215]. (المؤلف)
3- جمع خَلّة ، وهی الخصلة.

لَهُمُ الْخِیَرَةُ) (1) (وَما کانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَی اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ یَکُونَ لَهُمُ الْخِیَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) (2).

ودع البخاری ومن حذا حذوه یصحّح الباطل ، ولا یعرف الحیّ من اللیّ (3) ، واسمع لغواهم ولا تخف طغواهم ، (وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِیهِنَ) (4) ، (قَدْ جِئْناکَ بِآیَةٍ مِنْ رَبِّکَ وَالسَّلامُ عَلی مَنِ اتَّبَعَ الْهُدی) (5).

قال أبو عمر فی الاستیعاب (6) فی ترجمة علیّ علیه السلام (2 / 467) : من قال بحدیث ابن عمر : کنا نقول علی عهد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أبو بکر ، ثم عمر ، ثم عثمان ، ثم نسکت - یعنی فلا نفاضل - وهو الذی أنکر ابن معین وتکلّم فیه بکلام غلیظ ، لأنّ القائل بذلک قد قال بخلاف ما اجتمع علیه أهل السنّة من السلف والخلف من أهل الفقه والأثر : أنّ علیّا أفضل الناس بعد عثمان رضی الله عنه ، وهذا ممّا لم یختلفوا فیه ، وإنّما اختلفوا فی تفضیل علیّ وعثمان.

واختلف السلف أیضاً فی تفضیل علیّ وأبی بکر ، وفی إجماع الجمیع الذی وصفنا دلیل علی أنّ حدیث ابن عمر وهمٌ وغلط ، وأنّه لا یصحّ معناه وإن کان إسناده صحیحاً. انتهی.

وقال ابن حجر (7) بعد ذکر محصّل کلام أبی عمر هذا : وتعقّب أیضاً بأنّه 7.

ص: 14


1- القصص : 68.
2- الأحزاب : 36.
3- یقال : لا یعرف الحیّ من اللی أی : لا یعرف الحقّ من الباطل.
4- المؤمنون : 71.
5- طه : 47.
6- الاستیعاب : القسم الثالث / 1116 رقم 1855.
7- فتح الباری : 7 / 17.

لا یلزم من سکوتهم إذ ذلک عن تفضیله عدم تفضیله علی الدوام ، وبأنّ الإجماع المذکور إنّما حدث بعد الزمن الذی قیّده ابن عمر ، فیخرج حدیثه عن أن یکون غلطاً. انتهی.

عزب عن ابن حجر ومن تعقّب أبا عمر أنّ الإجماع الحادث المذکور لم یکن إلاّ لتلکم السوابق التی کان یحوزها مولانا أمیر المؤمنین یوم سکت ابن عمر عن اختیاره ولم تکن لها جدّة ؛ وإنّما هی هی التی أثنی علیها الکتاب والسنّة ، فیلزم من سکوتهم إذ ذاک عن تفضیله بعد الثلاثة عدم تفضیله علی الدوام ، فإن کان مدار الإجماع علی اختیاره علیه السلام یوم اختاروه هو ملکاته ، ونفسیّاته ، وسبقه فی الفضائل والفواضل المفصّلة فی الکتاب والسنّة فهی لا تفارقه علیه السلام وهو المختار بها علی الکلّ فی أدوار حیاته یوم فارق النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم الدنیا ، وهلمّ جرّا. وإن کان المدار غیر ذلک من الشیخوخة والکبر وأمثالهما فذلک شیء لا نعرفه ، ولا نفضّله علیه السلام علی غیره بهذه التافهات التی هی شرک القوم اقتنصت بها بسطاء أُمة محمد صلی الله علیه وآله وسلم یوم بیعة أبی بکر حتی الیوم.

ولیت من تعقّب ابن عبد البرّ إن لم یکن یأخذ بکلّ ما جاء فی علیّ أمیر المؤمنین من الکتاب والسنّة الصحیحة الثابتة کان یأخذ بما جاء به قومه عن أنس فحسب ثم یحکم فیما جاء به ابن عمر ، قال أنس : قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : إنّ الله افترض علیکم حبّ أبی بکر ، وعمر ، وعثمان ، وعلیّ ، کما افترض الصلاة والزکاة والصوم والحجّ ، فمن أنکر فضلهم فلا تقبل منه الصلاة ولا الزکاة ولا الصوم ولا الحج (1).

الریاض النضرة (2) (1 / 29). 3.

ص: 15


1- أثبتنا فی محلّه أنّ هذه المنقبة لا تصحّ فی غیر علیّ علیه السلام ، وهی فیمن سواه تخالف الکتاب والسنّة والعقل والمنطق ، ولا تساعدها سیرتهم مدی حیاتهم الدنیا. (المؤلف)
2- الریاض النضرة : 1 / 43.

وشتّان بین رأی ابن عمر وبین قول أبیه فی علیّ علیه السلام : هذا مولای ومولی کلّ مؤمن ، من لم یکن مولاه فلیس بمؤمن. راجع ما مضی (1 / 341) الطبعة الأولی و (1 / 382) الطبعة الثانیة.

ولعلّ القوم ستراً علی عوار اختیار ابن عمر ، وتخلّصاً من نقد أبی عمر المذکور ، اختلقوا من طریق جعدبة (1) بن یحیی عن العلاء بن البشیر العبشمی ، عن ابن أبی أُویس ، عن مالک ، عن نافع ، عن ابن عمر أنّه قال : کنا علی عهد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم نفاضل فنقول : أبو بکر ، وعمر ، وعثمان ، وعلیّ.

واختلقوا من طریق محمد بن أبی البلاط (2) عن زهد بن أبی عتاب ، عن ابن عمر أیضاً قال : کنّا نقول فی زمن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم : یلی الأمر بعده أبو بکر ، ثم عمر ، ثم عثمان ، ثم علیّ ، ثم نسکت.

ولعلّ الواقف علی أجزاء کتابنا هذا ، وبالأخصّ الجزء السادس وهلمّ جرّا ، یعلم ویذعن بأنّ اختیار ابن عمر ومن رأی رأیه باطل فی غایة السخافة ، ولو کان معظم الصحابة لم یعدل بأبی بکر أحداً فی زمن نبیّهم فما الذی زحزحهم عن رأیهم ذلک یوم السقیفة؟ وما الذی أرجأهم عن بیعته؟ ومن أین أتاهم ذلک الخلاف الفاحش الذی جرّ الأسواء علی الأُمّة حتی الیوم؟ وقد عرّفناک فی الجزء السابع (ص 76 ، 93 ، 141) الطبعة الأولی (3).

إنّ عیون الصحابة من المهاجرین والأنصار لمّا لم تکن تجد لأبی بکر یوم ف)

ص: 16


1- جعدبة : متروک یروی عن العلاء مناکیر ، والعلاء ضعیف حدیثه غیر صحیح. راجع لسان المیزان : 2 / 105 ، 4 / 183 [2 / 134 رقم 1949 ، 4 / 212 رقم 5686]. (المؤلف)
2- لا یعرف ولا یدری رجال الجرح والتعدیل من هو. لسان المیزان : 5 / 96 [5 / 109 رقم 7107]. (المؤلف)
3- وفی : ص 75 - 82 ، 93 ، 141 الطبعة الثانیة. (المؤلف)

تقمّص الخلافة فضیلة یستحقّ بها الخلافة ، وتدعم بها الحجّة علی الناس فی بیعته تقاعست وتقاعدت عنها وما مُدّت إلیها منهم ید ، ولم تکن لهم فیها قدم ، وما بایعه یومها الأوّل إلاّ رجلان أو أربعة ، أو خمسة ، ثم حدت الأُمّة إلیها الدعوة المشفوعة بالإرهاب والترعیب ، وما کان فی أفواه الدعاة إلیها إلاّ الترهیب بالقتل والضرب والحرق ، أو قولهم : إنّ أبا بکر السبّاق المسنّ ، صاحب رسول الله فی الغار ، وکانت هذه غایة جهدهم فی عدّ فضائل أبی بکر. قال ابن حجر فی فتح الباری (1) (13 / 178) : وهی - فضیلة کونه ثانی اثنین فی الغار - أعظم فضائله التی استحقّ بها أن یکون الخلیفة من بعد النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ، ولذلک قال عمر بن الخطّاب : إنّ أبا بکر صاحب رسول الله ، ثانی اثنین ، فإنّه أولی المسلمین بأمورکم. انتهی.

ألا مسائل ابن حجر عن أنّ صحبة یومین فی الغار التی تتصور علی أنحاء ، وللقول فیها مجال واسع ، صحبة ما أمکنت الرجل من أن یصف صاحبه لمّا جاءهُ الیهود وقالوا : صف لنا صاحبک. فقال : معشر الیهود لقد کنت معه فی الغار کإصبعیّ هاتین ، ولقد صعدت معه جبل حراء وإنّ خنصری لفی خنصره ، ولکنّ الحدیث عنه صلی الله علیه وآله وسلم شدید ، وهذا علیّ بن أبی طالب. فأتوا علیّا فقالوا : یا أبا الحسن صف لنا ابن عمّک ، فوصفه. الحدیث (2).

کیف استحقّ الرجل بمثل هذه الصحبة الخلافة وصار بذلک أولی الناس بأمورهم؟ وأمّا صحبة علیّ علیه السلام إیّاه منذ نعومة أظفاره إلی آخر نفس لفظه صلی الله علیه وآله وسلم حتی عاد منه کالظلّ من ذیه ، وعُدّ نفسه فی الکتاب العزیز ، وقرنت ولایته بولایة الله وولایة نبیّه ، وجعلت مودّته أجر الرسالة ، فلم تستوجب استحقاقه بها الخلافة والأولویّة بأمور الناس بعد قوله صلی الله علیه وآله وسلم : «من کنت مولاه فعلیّ مولاه» إنّ هذا لشیء عجاب! ف)

ص: 17


1- فتح الباری : 13 / 209.
2- الریاض النضرة : 2 / 195 [3 / 143]. (المؤلف)

وإنّی لست أدری أنّ هذه المفاضلة المتسالم علیها بین الصحابة فی حیاة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لما ذا نسیها أُولئک العدول بموته صلی الله علیه وآله وسلم؟ ولما ذا لم یُصفقوا علی ذلک الاختیار الذی کان یسمعه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فلا ینکره؟ ووقع الخلاف والتشاحّ والتلاکم والتشاتم والنزاع ، حتی کاد أن یقتل صنو النبیّ الأعظم فی تلک المعمعة ، ورأت بضعته الصدّیقة ما رأت ، ووقعت وصمات لا تنسی طیلة حیاة الدنیا ، وأُرجئ دفن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ثلاثاً ، وکانت الصحابة بمعزل عنه صلی الله علیه وآله وسلم وعن إجنانه (1) ، وما حضر الشیخان دفنه (2). قال النووی فی شرح صحیح مسلم (3) : کان عذر أبی بکر وعمر وسائر الصحابة واضحاً لأنّهم رأوا المبادرة بالبیعة من أعظم مصالح المسلمین ، وخافوا من تأخیرها حصول خلاف ونزاع تترتّب علیه مفاسد عظیمة ، ولهذا أخّروا دفن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم حتی عقدوا البیعة لکونها کانت أهمّ الأُمور ، کی لا یقع نزاع فی مدفنه ، أو کفنه ، أو غسله ، أو الصلاة علیه ، أو غیر ذلک.

ثم لو کان الأمر کما زعم ابن عمر من الاختیار فتقدیم أبی بکر یوم السقیفة الرجلین : عمر وأبا عبیدة علی نفسه وقوله : بایعوا أحد الرجلین ، أو قوله : قد رضیت لکم أحد هذین الرجلین فبایعوا أیّهما شئتم. لما ذا؟

ولما ذا قول أبی بکر لأبی عبیدة الجرّاح حفّار القبور : هلمّ أبایعک فإنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول : إنّک أمین هذه الأُمّة؟

تاریخ ابن عساکر (4) (7 / 160). 9.

ص: 18


1- یقال : أجنّه فی قبره ، أی : دفنه.
2- راجع ما أسلفناه فی الجزء السابع : ص 75. (المؤلف)
3- [شرح صحیح مسلم : 12 / 78] فی کتاب الجهاد ، باب قول النبیّ لا نُورَث ما ترکنا فهو صدقة ، عند قول علیّ علیه السلام لأبی بکر : لکنّک استبددت علینا بالأمر وکنّا نحن نری لنا حقّا لقرابتنا من رسول الله. (المؤلف)
4- تاریخ مدینة دمشق : 25 / 463 رقم 3051 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 11 / 269.

ولما ذا قول أبی بکر فی خطبة له : أما والله ما أنا بخیرکم ، ولقد کنت لمقامی هذا کارهاً؟ أو قوله : ألا وإنّما أنا بشر ولست بخیر من أحد منکم فراعونی؟ أو قوله : إنّی ولّیت علیکم ولست بخیرکم؟ أو قوله : أقیلونی أقیلونی لست بخیرکم (1)؟

ولما ذا ورم أنف کلّ الصحابة یوم اختیار أبی بکر عمر بن الخطّاب للأمر بعده ، وأراد کلّ منهم أن یکون الأمر له دونه (2)؟

ولما ذا جابه طلحة بن عبید الله - أحد العشرة المبشّرة - أبا بکر یوم استخلف عمر فقال طلحة : ما تقول لربّک وقد ولّیت علیها فظّا غلیظاً؟

ولما ذا ندم أبو بکر فی أُخریات أیّامه علی خلافته قائلاً : وددت أنّی یوم سقیفة بنی ساعدة کنت قذفت الأمر فی عنق أحد الرجلین - یرید عمر وأبا عبیدة - فکان أحدهما أمیراً وکنت وزیراً؟ راجع (7 / 170).

ولما ذا أتی عمر أبا عبیدة الجرّاح یوم وفاة النبی صلی الله علیه وآله وسلم فقال : ابسط یدک فلُابایعک فإنّک أمین هذه الأُمّة علی لسان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم (3)؟

وما الذی دعا عمر بن الخطّاب إلی قوله لابن عبّاس : أما والله یا بنی عبد المطّلب ، لقد کان علیّ فیکم أولی بهذا الأمر منّی ومن أبی بکر؟ راجع (1 / 346 الطبعة الأولی ، ص 389 الطبعة الثانیة). ف)

ص: 19


1- راجع الجزء السابع : ص 118 الطبعة الأولی. (المؤلف)
2- جاء فی صحیحة مرّت فی 5 / 358 الطبعة الثانیة و 7 / 168 الطبعة الأولی. (المؤلف)
3- أخرجه أحمد فی [مسنده : 1 / 58 ح 235] وابن سعد [فی الطبقات الکبری : 3 / 181] وابن جریر [فی تهذیب الآثار : ص 926 ح 1317 من مسند عمر بن الخطاب] وابن الأثیر [فی النهایة : 3 / 482] وابن الجوزی [فی صفة الصفوة : 1 / 256 رقم 2] وابن حجر [فی الصواعق : ص 12] والحلبی [فی السیرة الحلبیة : 3 / 357]. راجع کنز العمال : 3 / 140 [5 / 652 ح 14141] ، تاریخ الخلفاء : ص 48 [ص 65] ، الغدیر : 5 / 316 الطبعة الأولی ، ص 369 الطبعة الثانیة. (المؤلف)

ولما ذا قال عمر لمّا طعن : إن ولّوها الأجلح سلک بهم الطریق الأجلح [المستقیم] (1) - یعنی علیّا - فقال له ابن عمر : ما منعک أن تقدّم علیّا؟ قال : أکره أن أحملها حیّا ومیّتاً (2).

ولما ذا قال لأصحاب الشوری : لله درّهم إن ولّوها الأصیلع ، کیف یحملهم علی الحقّ ، قالوا : أتعلم ذلک منه ولا تستخلفه؟ قال : إن استخلف فقد استخلف من هو خیر منّی ، وإن أترک فقد ترک من هو خیر منّی (3).

ولما ذا تمنّی عمر یوم طعن سالم بن معقل أحد الموالی قائلاً : لو کان سالم حیّا ما جعلتها شوری (4)؟ وفی لفظ الطبری : استخلفته. وفی لفظ للباقلانی : لرأیت أنّی قد أصبت الرأی ، وما تداخلنی فیه الشکوک.

ولما ذا کان یقول : لو أدرکنی أحد رجلین فجعلت هذا الأمر إلیه لوثقت به : سالم مولی أبی حذیفة ، وأبی عبیدة بن الجرّاح (5)؟

ولما ذا قال - للقائلین له : لو عهدت یا أمیر المؤمنین - : لو أدرکت أبا عبیدة الجرّاح ثم ولّیته ، ثم قدمت علی ربّی فقال لی : لم استخلفته علی أُمّة محمد؟ لقلت : سمعت عبدک وخلیلک یقول : لکلّ أُمّة أمین ، وإنّ أمین هذه الأُمّة أبو عبیدة الجرّاح ، ولو أدرکت خالداً ثم ولّیته ، ثم قدمت علی ربّی فقال لی : من استخلفت علی أُمّة ف)

ص: 20


1- من الاستیعاب.
2- الأنساب : 5 / 16 [6 / 120] ، الاستیعاب فی ترجمة عمر : 4 / 419 [القسم الثالث / 1154 رقم 1878] ، فتح الباری : 7 / 55 [7 / 68] ، شرح ابن أبی الحدید : 3 / 170 [12 / 260 خطبة 223]. (المؤلف)
3- الریاض : 2 / 241 [2 / 351]. (المؤلف)
4- التمهید للباقلاّنی : ص 204 ، طرح التثریب : 1 / 49 ، تاریخ الطبری : 5 / 34 [4 / 227 حوادث سنة 23 ه]. (المؤلف)
5- طبقات ابن سعد طبع لیدن : 3 / 248 [3 / 343]. (المؤلف)

محمد؟ لقلت : سمعت عبدک وخلیلک یقول : لَخالد سیف من سیوف الله سلّه الله علی المشرکین (1).

ولما ذا قوله : لو أدرکت أبا عبیدة لاستخلفته وما شاورت ، فإن سئلت عنه قلت : استخلفت أمین الله وأمین رسوله (2)؟

ومرّ فی الجزء الخامس (ص 311 الطبعة الأولی ، ص 362 الطبعة الثانیة) أنّ عائشة قالت لعبد الله بن عمر : یا بنیّ أبلغ عمر سلامی وقل له : لا تدع أُمّة محمد بلا راعٍ ، استخلف علیهم ولا تدعهم بعدک هملاً ، فإنّی أخشی علیهم الفتنة ، فأتی عبد الله فأعلمه فقال : ومن تأمرنی أن أستخلف؟ لو أدرکت أبا عبیدة بن الجرّاح باقیاً لاستخلفته وولّیته ؛ فإذا قدمت علی ربّی فسألنی وقال لی : من ولّیت علی أمّة محمد؟ قلت : أی ربّ سمعت عبدک ونبیّک یقول : لکلّ أُمّة أمین وأمین هذه الأُمّة أبو عبیدة ابن الجرّاح. ولو أدرکت معاذ بن جبل استخلفته ، فإذا قدمت علی ربّی فسألنی : من ولّیت علی أُمّة محمد؟ قلت : أی ربّ سمعت عبدک ونبیّک یقول : إنّ معاذ بن جبل یأتی بین یدی العلماء یوم القیامة ، ولو أدرکت خالد بن الولید لولّیته ، فإذا قدمت علی ربّی فسألنی : من ولّیت علی أُمّة محمد؟ قلت : أی ربّ سمعت عبدک ونبیّک یقول : خالد بن الولید سیف من سیوف الله سلّه علی المشرکین (3).

ولما ذا ساوی عمر بین أصحاب الشوری ، ولمّا قیل له : استخلف. قال : ما أجد أحداً أحقّ بهذا الأمر من هؤلاء النفر أو الرهط الذین توفّی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وهو عنهم راضٍ ، فسمّی علیّا وعثمان والزبیر وطلحة وسعداً وعبد الرحمن؟

صحیح البخاری (4) (5 / 267). 7.

ص: 21


1- تاریخ ابن عساکر : 5 / 102 [16 / 241 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 8 / 15]. (المؤلف)
2- تاریخ ابن عساکر : 7 / 160 [25 / 461 رقم 3051]. (المؤلف)
3- الإمامة والسیاسة : 1 / 28.
4- صحیح البخاری : 3 / 1355 ح 3497.

وأین هذا من قول عبد الرحمن بن عوف لعلیّ وعثمان : إنّی قد سألت الناس لکما (1) فلم أجد أحداً یعدل بکما أحداً. وقوله : أیّها الناس إنّی سألتکم سرّا وجهراً بأمانیکم (2) فلم أجدکم تعدلون بأحد هذین الرجلین : إمّا علیّ وإمّا عثمان (3)؟

ولما ذا بدأ عبد الرحمن بن عوف بعلیّ علیه السلام أوّلاً للبیعة وقدّمه علی عثمان یوم الشوری ، غیر أنّه اشترط علیه - صلوات الله علیه - القیام بسیرة الشیخین ، فلم یقبله وقبله عثمان فبایعه علی ذلک (4)؟ وقد مرّ الکلام حول هذا الشرط فی الجزء التاسع (ص 88 ، 90).

ولما ذا قال أبو وائل لعبد الرحمن بن عوف : کیف بایعتم عثمان وترکتم علیّا؟ أخرجه أحمد فی مسنده (5) (1 / 75).

ولما ذا قال معاویة : إنّما کان هذا الأمر لبنی عبد مناف ، لأنّهم أهل رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، فلمّا مضی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ولّی الناس أبا بکر وعمر من غیر معدن الملک والخلافة. یأتی تمام کلامه فی هذا الجزء.

ولما ذا قال العبّاس عمّ النبیّ لعلیّ علیه السلام یوم قبض النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم : ابسط یدک فلنبایعک (6)؟ ف)

ص: 22


1- فی البدایة والنهایة : عنکما.
2- فی تاریخ الطبری : عن إمامکم.
3- تاریخ الطبری : 5 / 40 [4 / 238 حوادث سنة 23 ه] ، تاریخ ابن کثیر : 164 [7 / 165 حوادث سنة 24 ه]. (المؤلف)
4- مسند أحمد : 1 / 75 [1 / 120 ح 558] ، تمهید الباقلانی : ص 209 ، تاریخ الطبری : 5 / 40 [4 / 238] ، تاریخ الخلفاء للسیوطی : ص 104 [ص 144] ، الصواعق : ص 63 [ص 106] ، فتح الباری 13 / 168 [13 / 197]. (المؤلف)
5- مسند أحمد : 1 / 120 ح 558.
6- تاریخ ابن عساکر : 7 / 245 [26 / 353 رقم 3106 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 11 / 347]. (المؤلف)

ولما ذا قال العبّاس لأبی بکر : فإن کنت برسول الله طلبت فحقّنا أخذت وإن کنت بالمؤمنین طلبت فنحن منهم ، متقدّمون فیهم. وإن کان هذا الأمر إنّما یجب لک بالمؤمنین فما وجب إذ کنّا کارهین؟ إلی آخر ما مرّ فی (5 / 320 الطبعة الأولی).

ولما ذا تقاعد عمّار وشتم ابن أبی سرح لمّا قال : إن أردت أن لا تختلف قریش فبایع عثمان؟ وخالف المقداد وجمع آخر من عیون الصحابة بیعة عثمان ، وتمّت بالإرهاب والترعید ، وقال عمّار لعبد الرحمن : إن أردت أن لا یختلف المسلمون فبایع علیّا. فقال المقداد : صدق عمّار إن بایعت علیّا قلنا : سمعنا وأطعنا (1). وقال علیّ لعبد الرحمن : «حبوته حبو دهر لیس هذا أوّل یوم تظاهرتم فیه علینا ، فصبر جمیل والله المستعان علی ما تصفون. والله ما ولّیت عثمان إلاّ لیردّ الأمر إلیک ، والله کلّ یوم هو فی شأن»؟

تاریخ الطبری (2) : (5 / 37)

. ولما ذا قال سعد بن أبی وقّاص لعبد الرحمن بن عوف : إن کنت تدعونی والأمر لک وقد فارقک عثمان علی مبایعتک کنت معک ، وإن کنت إنّما ترید الأمر لعثمان فعلیّ أحقّ بالأمر وأحبّ إلیّ من عثمان ، بایع لنفسک وأرحنا وارفع رءوسنا؟!

أنساب البلاذری (5 / 20) ، تاریخ الطبری (5 / 36) ، الکامل لابن الأثیر (3 / 29) ، فتح الباری (13 / 168) (3).

ولما ذا قال الزبیر : لو مات عمر لبایعت طلحة ، فو الله ما کان بیعة أبی بکر إلاّ 7.

ص: 23


1- تاریخ ابن جریر الطبری : 5 / 37 [4 / 232 حوادث سنة 23 ه] ، الکامل لابن الأثیر : 3 / 28 [2 / 223 حوادث سنة 23 ه]. (المؤلف)
2- تاریخ الأُمم والملوک : 4 / 233 حوادث سنة 23 ه.
3- أنساب الأشراف : 6 / 126 ، تاریخ الأُمم والملوک : 4 / 232 حوادث سنة 23 ه ، الکامل فی التاریخ : 2 / 222 حوادث سنة 23 ه ، فتح الباری : 13 / 197.

فلتة فتمّت (1)؟!

ولما ذا جابه الزبیر یوم قال عمر : أکلّکم یطمع فی الخلافة بعدی بقوله : ما الذی یبعدنا منها؟ ولّیتها أنت فقمت بها ولسنا دونک فی قریش ولا فی السابقة ولا فی القرابة.

شرح ابن أبی الحدید (2) (1 / 62).

وأین یقع قول علیّ أمیر المؤمنین علیه السلام علی صهوة المنبر : «أما والله لقد تقمّصها ابن أبی قحافة وإنّه لیعلم أنّ محلّی منها محلّ القطب من الرحی» إلی آخر الخطبة الشقشقیة ، إلی کلمات أخری له تضادّ هذه المفاضلة.

ولما ذا کان أبو عبیدة أحبّ إلی رسول الله بعد الشیخین من أصحابه کما فی صحیحة جاء بها (3) ابن ماجة فی سننه (1 / 51) ، والترمذی فی صحیحه (13 / 126) عن ابن شقیق ، قال : قلت لعائشة : أیّ أصحاب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم کان أحبّ إلی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم؟ قالت : أبو بکر. قلت : ثم من؟ قالت : عمر. قلت : ثم من؟ قالت : أبو عبیدة بن الجرّاح. قلت : ثم من؟ فسکتت؟

وأخرجها (4) : أحمد فی مسنده (6 / 218) ، وابن عساکر فی تاریخه (7 / 161).

وشتّان بین اختیار ابن عمر وبین ما جاء عن ابن أبی ملیکة قال : قیل لعائشة : من کان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم مستخلفاً لو استخلف؟ قالت : أبو بکر. قیل لها : ثم من؟ 0.

ص: 24


1- أصل الحدیث فی صحیح البخاری [6 / 2503 ح 6442] : راجع شرح بهجة المحافل : 1 / 58. (المؤلف)
2- شرح ابن أبی الحدید : 1 / 185 خطبة 3.
3- سنن ابن ماجة : 1 / 38 ح 102 ، صحیح الترمذی : 5 / 566 ح 3657.
4- مسند أحمد : 7 / 311 ح 25301 ، تاریخ مدینة دمشق : 25 / 470 - 471 رقم 3051 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 11 / 270.

قالت : عمر. فقیل لها : ثم من؟ قالت : أبو عبیدة. وانتهت إلی هذه (1).

وأین کان ابن عمر عن أناس کانوا یفضّلون بلال الحبشی علی أبی بکر حتی قال : کیف تفضّلونی علیه وإنّما أنا حسنة من حسناته (2)؟

وأنّی اختیار ابن عمر من قول کعب بن زهیر (3) :

صهرُ النبیِّ وخیرُ الناسِ کلِّهمُ

وکلُّ من رامه بالفخر مفخورُ

صلّی الصلاةَ مع الأمّی أوّلهم

قبل العبادِ وربُّ الناسِ مکفورُ

ومن قول ربیعة بن الحارث بن عبد المطّلب :

ما کنتُ أحسبُ أنّ الأمرَ منتقلٌ

عن هاشمٍ ثم منها عن أبی حسنِ

ألیس أوّلَ من صلّی لقبلتِهمْ

وأعلمَ الناسِ بالآیاتِ والسننِ

وآخرَ الناسِ عهداً بالنبیِّ ومن

جبریلُ عونٌ له فی الغسلِ والکفنِ

من فیه ما فیهم ما تمترون به

ولیس فی القوم ما فیه من الحسنِ

ما ذا الذی ردّکم عنه فنعلمه

ها إنّ بیعتکم من أوّل الفتنِ (4)

ومن قول الفضل بن أبی لهب :

ألا إنّ خیرَ الناس بعد محمدٍ

مهیمنُه التالیه فی العرف والنکرِ

وخیرتُه فی خیبرٍ ورسولهُ

بنبذ عهود الشرکِ فوق أبی بکرِ5.

ص: 25


1- صحیح مسلم : 7 / 110 [5 / 9 ح 9 کتاب فضائل الصحابة] ، تاریخ ابن عساکر : 7 / 161 [25 / 472 رقم 3051]. (المؤلف)
2- تاریخ ابن عساکر : 3 / 314 [10 / 475 رقم 974 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 5 / 267]. (المؤلف)
3- مناقب آل أبی طالب : 2 / 21.
4- تعزی هذه الأبیات إلی عدّة شعراء. راجع المصادر المذکورة فی هامش ص 126 من الجزء السابع ، والاستیعاب : 3 / 1133 رقم 1855.

وأوّلُ من صلّی وصنوُ نبیّه

وأوّلٌ من أَردی الغواةَ لدی بدرِ

فذاک علیُّ الخیرِ من ذا یفوقه

أبو حسنٍ حلفُ القرابةِ والصهرِ

ومن قول عبد الله بن أبی سفیان بن الحارث :

وکان ولیّ الأمر بعد محمدٍ

علیّ وفی کلّ المواطن صاحبه

وصیّ رسول الله حقّا وجاره

وأوّل من صلّی ومن لان جانبه (1)

ومن قول النجاشی أحد بنی الحارث بن کعب ، من أبیات له (2) :

جعلتم علیّا وأشیاعَهُ

نظیر ابن هندٍ أما تستحونا

إلی أفضلِ الناسِ بعد الرسولِ

وصنوِ الرسولِ من العالمینا

وصهرِ الرسولِ ومن مثلُه

إذا کان یومٌ یشیب القرونا

ومن قول جریر بن عبد الله البجلی (3) ، من أبیات له :

فصلّی الإلهُ علی أحمدٍ

رسولِ الملیکِ تمام النعم

وصلّی علی الطهرِ من بعدِه

خلیفتِنا القائمِ المدّعم

علیّا عنیتُ وصیَّ النبیِ

یجالدُ عنه غواةَ الأُمم

له الفضلُ والسبقُ والمکرما

ت وبیتُ النبوّةِ لا یهتضم

ومن قول زحر بن قیس (4) إلی خاله جریر :

جریرَ بن عبدِ الله لا تردد الهدی

وبایع علیّا إنّنی لک ناصحُ6.

ص: 26


1- ونسب ابن شهرآشوب البیتین فی المناقب : 3 / 64 إلی الفضل بن عباس.
2- وقعة صفّین : ص 59.
3- وقعة صفّین : ص 18.
4- وقعة صفّین : ص 16.

فإنّ علیّا خیر من وطئ الحصی

سوی أحمدٍ والموت غادٍ ورائحُ

وممّا قیل علی لسان الأشعث بن قیس الکندی (1) :

أتانا الرسولُ رسولُ الوصیِ

علیِّ المهذّبِ من هاشمِ

رسولُ الوصیِّ وصیِّ النبیّ

وخیرِ البریّة من قائمِ

وزیر النبیّ وذو صهره

وخیر البریّة فی العالمِ

له الفضلُ والسبقُ بالصالحاتِ

لهدی النبیّ به یأتمی (2)

وأنت تری من جرّاء ذلک الاختیار الباطل الذی جاء به ابن عمر أن تدهورت السیاسة فصار الانتخاب نصّا ، وانقلبت الدیمقراطیّة - إن کانت - إلی دکتاتوریّة محضة رضیت الأُمّة أم غضبت ، ثم عاد الأمر شوری ویا لله وللشوری وسیف عبد الرحمن ابن عوف هو العامل الوحید یوم ذاک ، إلی أن أصبح ملکاً عضوضاً ، ووصلت النوبة إلی الطلقاء وأبناء الطلقاء ، إلی رجال العیث والفساد ، إلی أبناء الخمور والفجور ، إلی أن تمکّن معاویة الخمر والربا من استخلاف یزید العرّة والشرة قائلاً : من أحقّ منه بالخلافة فی فضله وعقله وموضعه؟ وما أظنّ قوماً بمنتهین حتی تصیبهم بوائق تجتثّ أصولهم ، وقد أنذرت إن أغنت النذر (3).

لم یکن لأعیان الأُمّة ، ووجوه الصحابة ، وصلحاء الملّة ، وخیرة الناس فی أمر تلکم الأدوار القاتمة حلّ ولا عقد ، بل کانوا مضطهدین مقهورین مبتزّین یرون حکم الله مبدّلاً ، وکتابه منبوذاً ، وفرائضه محرّفة عن جهات أشراعه ، وسنن نبیّه متروکة.

سبحانک اللهمّ ما أجرأهم علی الرحمن وانتهاک حرمة النبیّ وکتابه باختیار ف)

ص: 27


1- وقعة صفّین : ص 24.
2- یأتمی ، أراد یأتمّ التی أصلها یأتمم ، فقلب إحدی المیمین یاءً کما قالوا فی التظنّن التظنّی ، وفی التقصّص التقصّی.
3- الکامل لابن الأثیر : 3 / 217 [2 / 511 حوادث سنة 56 ه]. (المؤلف)

یضادّه نداء القرآن الکریم ، (کِتابٌ فُصِّلَتْ آیاتُهُ قُرْآناً عَرَبِیًّا لِقَوْمٍ یَعْلَمُونَ) (1)! باختیار کذّبه ما جاء عن النبیّ الأقدس صلی الله علیه وآله وسلم من النصوص علی اختیار الله علیّا وأنّه أحد الخیرتین ، وأنّه خیر البشر بعده صلی الله علیه وآله وسلم ، وأنّه أحبّ الناس إلی الله وإلیه صلی الله علیه وآله وسلم ، وأنّه منه بمنزلته من ربّه ، وأنّه منه بمنزلة الرأس من جسده ، وأنّه منه بمنزلة هارون من موسی إلاّ أنّه لا نبیّ بعده ، وأنّ لحمه لحمه ودمه دمه والحقّ معه ، وأنّ طاعته طاعته ومعصیته معصیته ، وأنّه سلم لمن سالمه ، وحرب لمن حاربه (2) وأنّه ممسوس فی ذات الله (3) إلی نصوص کثیرة تضادّ اختیار ابن عمر ومن شاکله فی تمنّی الحدیث.

ألیست هذه الأحادیث إلی أمثالها المعدودة بالمئات إنکاراً من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لقولهم - إن کان هناک قول - : إذا ذهب أبو بکر وعمر وعثمان استوی الناس؟

ألیست آی المباهلة والتطهیر والولایة وأضرابها إلی الثلاثمائة آیة النازلة فی علیّ علیه السلام (4) تضادّ ذلک القول القارص؟

(هَلْ یَسْتَوِی الْأَعْمی وَالْبَصِیرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِی الظُّلُماتُ وَالنُّورُ) (5) (هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَالَّذِینَ لا یَعْلَمُونَ) (6) (أَفَمَنْ کانَ مُؤْمِناً کَمَنْ کانَ فاسِقاً لا یَسْتَوُونَ) (7) (مَثَلُ الْفَرِیقَیْنِ کَالْأَعْمی وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِیرِ وَالسَّمِیعِ هَلْ یَسْتَوِیانِ 8.

ص: 28


1- فصلت : 3.
2- کلّ هذه الأحادیث مرّت فی الأجزاء الماضیة. (المؤلف)
3- حلیة الأولیاء للحافظ أبی نعیم الأصبهانی : 1 / 68 [رقم 4]. (المؤلف)
4- تاریخ الخطیب : 6 / 221 [رقم 3275] ، السیرة الحلبیة : 2 / 230 [2 / 207]. (المؤلف)
5- الرعد : 16.
6- الزمر : 9.
7- السجدة : 18.

مَثَلاً) (1) (أَفَمَنْ کانَ عَلی بَیِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ کَمَنْ زُیِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ) (2) (أَفَمَنْ یَمْشِی مُکِبًّا عَلی وَجْهِهِ أَهْدی أَمَّنْ یَمْشِی سَوِیًّا عَلی صِراطٍ مُسْتَقِیمٍ) (3) (قُلْ لا یَسْتَوِی الْخَبِیثُ وَالطَّیِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَکَ کَثْرَةُ الْخَبِیثِ) (4) (لا یَسْتَوِی الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ غَیْرُ أُولِی الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِی سَبِیلِ اللهِ) (5) (لا یَسْتَوِی أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ) (6) (وَما یَسْتَوِی الْأَعْمی وَالْبَصِیرُ وَالَّذِینَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) (7) (أَفَلا یَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلی قُلُوبٍ أَقْفالُها) (8).

ما هذا الاختیار؟ وکیف یتم؟ ولِمَ وبِمَ؟

هل تدری ما الذی دعا ابن عمر إلی رمی القول علی عواهنه؟ إلی رمی الصحابة بعزوه المختلق ، ونسبة هذا الاختیار المبیر إلیهم ، وأنّهم ترکوا المفاضلة بعد الثلاثة ، وأنّهم قالوا : ثم نترک أصحاب النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم لا نفاضل بینهم ، وقالوا : کنّا نقول : إذا ذهب أبو بکر وعمر وعثمان استوی الناس فیسمع النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ذلک فلا ینکره؟

أم هل تدری بما ذا تُتَصوّرالمفاضلة والخیرة؟ وبِمَ تتمّ؟ وأنّی تصحّ؟ بعد ثبوت ما جاء فی الصحاح والمسانید مرفوعاً من أنّ علیّا علیه السلام کان أعظمهم حلماً ، وأحسنهم

ص: 29


1- هود : 24.
2- محمد : 14.
3- الملک : 22.
4- المائدة : 100.
5- النساء : 95.
6- الحشر : 20.
7- غافر : 58.
8- محمد : 24.

خلقاً ، وأکثرهم علماً ، وأعلمهم بالکتاب والسنّة ، وأقدمهم سلماً ، وأوّلهم صلاة من رسول الله ، وأوفاهم بعهد الله ، وأقومهم بأمر الله ، وأخشنهم فی ذات الله ، وأقسمهم بالسویّة ، وأعدلهم فی الرعیّة ، وأبصرهم بالقضیّة ، وأعظمهم عند الله مزیّة ، وأفضلهم فی القضاء ، وأوّلهم وارداً علیّ الحوض ، وأعظمهم عناءً ، وأحبّهم إلی الله ورسوله ، وأخصّهم عنده منزلة ، وأقربهم قرابة ، وأولاهم بهم من أنفسهم کما کان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، وأقربهم عهداً به صلی الله علیه وآله وسلم (1) ، وجبریل ینادی : لا فتی إلاّ علیّ لا سیف إلاّ ذو الفقار (2). فهل یبقی هنالک موضوع للمفاضلة بعد هذه کلّها حتی یخیّر فیه الصبیّ ابن عمر أو غیره ، فیختارون علی علیّ غیره؟ غفرانک اللهمّ وإلیک المصیر.

قال الجاحظ : لا یُعلم رجل فی الأرض متی ذُکر السبق فی الإسلام والتقدّم فیه ، ومتی ذُکرت النجدة والذبّ عن الإسلام ، ومتی ذُکر الفقه فی الدین ، ومتی ذُکر الزهد فی الأموال التی تتناجز الناس علیها ، ومتی ذُکر الإعطاء فی الماعون ، کان مذکوراً فی هذه الخصال کلّها إلاّ علیّ رضی الله عنه. ثمار القلوب للثعالبی (3) (ص 67).

لستُ أدری کیف ترک المخیّرون أصحاب محمد بعد الثلاثة لا تفاضل بینهم ، وبما ذا استوی الناس وفیهم العشرة المبشّرة؟ وفیهم من رآه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم شبیه عیسی فی أُمّته هدیاً وبرّا ونسکاً وزهداً وصدقاً وجدّا وخَلقاً وخُلقاً (4).

وفیهم من کان صلی الله علیه وآله وسلم یراه جلدة ما بین عینیه وأنفه ، طیّباً مطیّباً ، قد مُلئ إیماناً إلی مشاشه ، یدور مع الحقّ أینما دار (5). ف)

ص: 30


1- مرّت هذه الأحادیث کلّها بمصادرها فی طیّات الأجزاء الماضیة. (المؤلف)
2- راجع الجزء الثانی : ص 54 - 56 الطبعة الأولی وص 59 - 61 الطبعة الثانیة. (المؤلف)
3- ثمار القلوب : ص 87 رقم 124.
4- هو سیّدنا أبو ذر. راجع الجزء الثامن. (المؤلف)
5- هو سیّدنا عمّار بن یاسر. راجع من الجزء التاسع صحیفة 24 - 28. (المؤلف)

وفیهم من رآه صلی الله علیه وآله وسلم أثقل فی المیزان من أُحد ، ویراه رجال الصحابة : أشبه الناس هدیاً ودلاّ وسمتاً بمحمد صلی الله علیه وآله وسلم (1).

وفیهم من قرّبه صلی الله علیه وآله وسلم وأدناه ، وعلّمه علم ما کان وما یکون (2).

وفیهم من جاء فیه عن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم قوله : «من أراد أن ینظر إلی رجل نُوِّر قلبه فلینظر إلی سلمان». وقوله : «إنّ الله عزّ وجلّ یحبّ من أصحابی أربعة ، أخبرنی أنّه یحبّهم ، وأمرنی أن أحبّهم : علیّ ، أبو ذر ، سلمان ، المقداد» ، وصحّ فیه قوله : «سلمان منّا أهل البیت». وقال علیّ أمیر المؤمنین : «سلمان رجل منّا أهل البیت ، أدرک علم الأوّلین والآخرین ، من لکم بلقمان الحکیم کان بحراً لا ینزف» (3).

وفیهم العبّاس عمّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم الذی کان صلی الله علیه وآله وسلم یجلّه إجلال الولد والده ، خاصّة خصّ الله العبّاس بها من بین الناس ، وله قال صلی الله علیه وآله وسلم : «یا أبا الفضل لک من الله حتی ترضی». وخطب صلی الله علیه وآله وسلم فی قضیّة فقال : «من أکرم الناس علی الله؟» قالوا : أنت یا رسول الله ، قال : «فإنّ العبّاس منّی وأنا منه». مستدرک الحاکم (4) (3 / 325).

وجاء فی حدیث استسقاء عمر بالعبّاس عام الرمادة (5) أنّ عمر خطب الناس فقال : یا أیّها الناس إنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم کان یری للعبّاس ما یری الولد لوالده ، یعظّمه ، ویفخّمه ، ویبرّ قسمه ، فاقتدوا أیّها الناس برسول الله فی عمّه العبّاس ، واتّخذوه وسیلة إلی الله عزّ وجلّ فیما نزل بکم (6). ف)

ص: 31


1- هو سیّدنا ابن مسعود. راجع من الجزء التاسع صحیفة 7 - 11. (المؤلف)
2- هو سیّدنا حذیفة بن الیمان. راجع : 5 / 53 الطبعة الأولی ، وص 60 الطبعة الثانیة. (المؤلف)
3- تاریخ ابن عساکر : 6 / 198 - 203 [21 / 408 - 422 رقم 2599 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 10 / 40 - 45]. (المؤلف)
4- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 367 ح 5410 ، ص 368 ح 5412 ، ص 371 ح 5431.
5- راجع ما مرّ فی الجزء السابع : ص 300 ، 301. (المؤلف)
6- مستدرک الحاکم : 3 / 324 ، 325 ، 329 ، 334 [3 / 377 ح 5438]. (المؤلف)

وفیهم معاذ بن جبل وقد صحّ فیه عند القوم قول رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : إنّه أعلم الأوّلین والآخرین بعد النبیّین والمرسلین ، وإنّ الله یباهی به الملائکة (1).

وفیهم أُبیّ بن کعب وقد صحّح الحاکم فیه قول أبی مسهر : إنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم سمّاه سید الأنصار ، فلم یمت حتی قالوا : سیّد المسلمین (2).

وفیهم أُسامة بن زید حِبّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وقد جاء فیه عن ابن عمر نفسه فی الصحیحین قوله صلی الله علیه وآله وسلم لمّا طعن بعض الناس فی إمارته وقد أمّره علی جیش کان فیهم أبو بکر وعمر : «فقد کنتم تطعنون فی إمارة أبیه من قبل ، وایم الله إن کان لخلیقاً للإمارة ، وإن کان لمن أحبّ الناس إلیّ ، وإنّ هذا لمن أحبّ الناس إلیّ بعده» (3).

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : أسامة أحبّ إلیّ ما حاشا فاطمة ولا غیرها.

مسند أحمد (4) : (2 / 96 ، 106 ، 110).

إلی أناس آخرین یُعدّون فی الرعیل الأوّل من رجالات الفضائل والفواضل من أُمّة محمد صلی الله علیه وآله وسلم فهل کان ابن عمر یعرف هؤلاء الرجال ومبلغهم من العظمة وما ورد فیهم عن النبیّ الأقدس من جمل الثناء علیهم ثم یساوی بینهم وبین من عداهم نظراء أبناء هند والنابغة والزرقاء؟

فإن کان لا یدری فتلک مصیبةٌ

وإن کان یدری فالمصیبة أعظم4.

ص: 32


1- مستدرک الحاکم : 3 / 271 [3 / 304 ح 5184]. (المؤلف)
2- مستدرک الحاکم : 3 / 302 [3 / 342 ح 5316]. (المؤلف)
3- صحیح البخاری : 5 / 279 [3 / 1365 ح 3524] ، صحیح مسلم : 7 / 131 [5 / 38 ح 63 کتاب فضائل الصحابة] ، صحیح الترمذی : 13 / 218 [5 / 635 ح 3816] ، مسند أحمد : 2 / 20 [2 / 92 ح 4687]. (المؤلف)
4- مسند أحمد : 2 / 227 ح 5674 ، ص 246 ح 5814 ، ص 252 ح 5854.

وکیف یتمّ هذا الاختیار وقد عزا القوم إلی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : ما من نبیّ إلاّ قد أعطی سبعة نجباء رفقاء وأُعطیت أنا أربعة عشر : سبعة من قریش : علی ، والحسن ، والحسین وحمزة ، وجعفر ، وأبو بکر ، وعمر. وسبعة من المهاجرین : عبد الله بن مسعود ، وسلمان ، وأبو ذر ، وحذیفة ، وعمّار ، والمقداد ، وبلال؟ (1)

نعم ؛ لا یرضی ابن عمر أن یکون علیّ أمیر المؤمنین أفضل من أحد من أصحاب محمد صلی الله علیه وآله وسلم حتی بعد عثمان ولید بیت أُمیّة ، قتیل الصحابة العدول ومخذولهم ، ولا یروقه أن یحکم بالمفاضلة بینه علیه السلام وبین ابن هند وإن کان عالیاً من المسرفین ، یسمع آیات الله تُتلی علیه ثم یُصرّ مستکبراً کأن لم یسمعها ، کأنّ فی أُذنیه وقراً ، ولا بینه وبین ابن النابغة الأبتر ابن الأبتر ، ولا بینه وبین مغیرة بن شعبة أزنی ثقیف ، ولا بینه وبین أبناء أمیّة أثمار الشجرة الملعونة فی القرآن ، من وزغ طرید ، إلی لعین مثله ، إلی فاسق مستهتر ، إلی فاحش متفحّش ، ولا بینه وبین سلسلة الخمّارین رجال الخمور والفجور فی الجاهلیّة أو الإسلام نظراء :

أبی بکر بن شغوب (2). راجع الغدیر (7 / 99).

أبی طلحة زید بن سهل الأنصاری. مسند أحمد (3) (3 / 181 ، 227) ، سنن البیهقی (8 / 286) ، الغدیر (7 / 99). 3.

ص: 33


1- تاریخ ابن عساکر : 5 / 21 [15 / 380 رقم 1847 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 7 / 295] ، وفی کنز العمّال [11 / 758 ح 33690] نقلاً عن أحمد [فی مسنده : 1 / 141 ح 667] وتمّام وابن عساکر من طریق علیّ علیه السلام. (المؤلف)
2- فی الإصابة : 22 / 22 رقم 143 أبو بکر بن شعوب اللیثی ، اسمه شداد وقیل : الأسود ، وقیل : شداد بن الأسود ، وأما شعوب فهی أمه. وأبوه من بنی لیث بن بکر بن کنانة ، أسلم ابن شعوب بعد أُحد.
3- مسند أحمد : 4 / 25 ح 12458 ، ص 102 ح 12963.

أبی عبیدة بن الجرّاح. مسند أحمد (1) (3 / 181) ، سنن البیهقی (8 / 286) ، شرح صحیح مسلم للنووی (2) (8 / 223) هامش إرشاد الساری ، مجمع الزوائد (5 / 52).

أبی محجن الثقفی. تفسیر القرطبی (3) (3 / 56) ، الإصابة (4 / 175).

أبیّ بن کعب. مسند أحمد (4) (3 / 181) ، سنن البیهقی (8 / 286).

أنس بن مالک. غیر واحد من الصحاح والمسانید ، راجع الغدیر (7 / 97 ، 100)

حسّان بن ثابت. تفسیر القرطبی (5) (3 / 57) وهو القائل :

ونشربها فتترکنا ملوکاً

وأُسداً ما ینهنهنا اللقاء

خالد بن عجیر. الإصابة (1 / 459).

سعد بن أبی وقّاص. سنن البیهقی (8 / 285) ، تفسیر ابن کثیر (2 / 95) ، تفسیر أبی حیّان (4 / 12) إرشاد الساری (6) (7 / 104) ، تفسیر الخازن (7) (1 / 252) ، تفسیر الآلوسی (2 / 111) تفسیر الشوکانی (8) (2 / 71).

سلیط بن النعمان. الامتاع للمقریزی (ص 112).

سهیل بن بیضاء. مسند أحمد (9) (3 / 227) ، سنن البیهقی (8 / 290) ، الغدیر (7 / 99). 3.

ص: 34


1- مسند أحمد : 4 / 25 ح 12458
2- صحیح مسلم : 4 / 231 ح 9 کتاب الأشربة.
3- الجامع لأحکام القرآن : 3 / 38.
4- مسند أحمد : 4 / 25 ح 12458.
5- الجامع لأحکام القرآن : 3 / 39.
6- إرشاد الساری : 10 / 216 ح 4618.
7- تفسیر الخازن : 1 / 147.
8- فتح القدیر : 2 / 75.
9- مسند أحمد : 4 / 102 ح 12963.

ضرار بن الأزور. تاریخ ابن عساکر (1) (7 / 31 ، 133).

ضرار بن الخطّاب. تاریخ ابن عساکر (2) (7 / 133).

عبد الرحمن بن عمر. المعارف لابن قتیبة (3) (ص 80) ، الغدیر (6 / 296 - 300 الطبعة الأولی).

عبد الرحمن بن عوف. أحکام القرآن للجصاص (4) (2 / 245) ، مستدرک الحاکم (5) (4 / 142) وکثیر من التفاسیر ، وفی الحدیث تحریف أشار إلیه الحاکم فی المستدرک (6) (2 / 307). راجع الغدیر : (6 / 236 الطبعة الأولی وص 252 الطبعة الثانیة).

عبد الله بن أبی سرح أخ عثمان من الرضاعة. کتاب صفّین (7) (ص 180).

عتبان بن مالک. تفسیر الخازن (8) (1 / 152).

عمرو بن العاص. الغدیر (2 / 136).

قیس بن عاصم المنقری. تفسیر القرطبی (9) (3 / 56).

کنانة بن أبی الحقیق. الإمتاع للمقریزی (ص 112). 8.

ص: 35


1- تاریخ مدینة دمشق : 24 / 390 رقم 2931 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 11 / 154.
2- تهذیب تاریخ دمشق : 25 / 303 رقم 3030 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 11 / 224.
3- المعارف : ص 188.
4- أحکام القرآن : 2 / 201.
5- المستدرک علی الصحیحین : 4 / 158 ح 7220.
6- المستدرک علی الصحیحین : 2 / 336 ح 3199.
7- وقعة صفّین : ص 161.
8- تفسیر الخازن : 1 / 147.
9- الجامع لأحکام القرآن 30 : 38.

معاذ بن جبل. شرح صحیح مسلم للنووی (1) (8 / 223) هامش إرشاد الساری ، الغدیر (7 / 100).

نعیم بن مسعود الأشجعی. الامتاع للمقریزی (ص 112).

نعیمان بن عمرو بن رفاعة الأنصاری. الاستیعاب (1 / 308) ، أُسد الغابة (5 / 36) ، تاریخ ابن کثیر (8 / 70) (2).

ولید بن عقبة أخ عثمان لأمّه. الغدیر (3) (8 / 123 - 128) الطبعة الأولی.

بیعة ابن عمر تارة وتقاعسه عنها أخری :

هذه عقلیّة ابن عمر النابیة عن إدراک الحقائق ، وهی التی أرجأته عن بیعة مولانا أمیر المؤمنین علیه السلام وحدته إلی بیعة عثمان ، ولم یتسلّل عنه حتی یوم مقتله بعد ما نقم علیه الصحابة أجمع خلا شذاذاً منهم ، بل کان هو الذی أغری عثمان بنفسه حتی قتل کما جاء فی أنساب البلاذری (4) (5 / 76) عن نافع قال : حدّثنی عبد الله بن عمر ، قال : قال عثمان وهو محصور : ما تقول فیما أشار به علیّ المغیرة بن الأخنس؟ قال : قلت : وما هو؟ قال : قال : إنّ هؤلاء القوم یریدون خلعک فإن فعلت وإلاّ قتلوک فدع أمرهم إلیهم. قال : فقلت : أرأیت إن لم تخلع هل یزیدون علی قتلک؟ قال : لا. قال : فقلت : فلا أری أن تسنّ هذه السنّة فی الإسلام ، فکلّما سخط قوم علی أمیرهم خلعوه ، لا تخلع قمیصاً قمّصکه الله. 4.

ص: 36


1- صحیح مسلم : 4 / 231 ح 7 کتاب الأشربة.
2- الاستیعاب : القسم الرابع / 1529 رقم 2659 ، أُسد الغابة : 5 / 352 رقم 5279 ، البدایة والنهایة : 8 / 76 حوادث سنة 54 ه.
3- أنظر : 8 / 176 - 183 من هذه الطبعة.
4- أنساب الأشراف : 6 / 194.

وفی إثر هذا جاء فی الأثر : أنّ عثمان لمّا أشرف علی الناس فسمع بعضهم یقول : لا نقتله ولکن نعزله ، قال : أمّا عزلی فلا وأمّا قتلی فعسی.

وهذا من أتفه ما ارتآه ابن عمر ، فإنّ أمره عثمان أن لا یخلع نفسه خیفة أن یطّرد ذلک جارٍ فی صورة عدم الخلع المنتهی إلی القتل الذی هو أفظع من الخلع ، وفی کلّ منهما سقوط هیبة السلطان وزوال أُبّهة الخلافة ، غیر أنّ البقاء مخلوعاً أخفّ وطأة وأبعد عن مثار الفتن ، ومن مشاهد الفتن الثائرة بعد قتل عثمان من قاتلیه والحاضّین علیه والمتخاذلین عنه ، فمن قائلة : اقتلوا نعثلاً. قتل الله نعثلاً. تطلب ثاره. ومؤلِّبَینِ علیه ، أخذا بضبعی الهودج یحثّان علی الهتاف بثارات عثمان ، وموّها علیها نبح کلاب الحوأب ، ومتقاعد عنه بالشام حتی إذا أُودِی به کتّب الکتائب ، وخرج إلی صفّین ، وأزلف إلیه من کان یقول لمّا بلغه أنّه محصور : أنا أبو عبد الله قد یضرط العیر والمکواة فی النار (1). ولمّا بلغه مقتله قال : أنا أبو عبد الله قتلته وأنا بوادی السباع (2). قال هذا ثم طفق یثب مع معاویة یطلب الثار ، وکان من ولائد وقعة صفّین مقتل الخوارج بالنهروان ، فمن جرّاء هذه المعامع کانت مجزرة کبری لزرافات من الصحابة والتابعین ووجهاء الأمصار ورؤساء القبائل وصلحاء المسلمین ، وهل کانت هذه المفاسد إلاّ ولائد ذلک الرأی الفطیر الذی أسدی به ابن عمر للخلیفة المقتول؟ ولو کان سالم القوم کما أشار إلیه المغیرة بن الأخنس فخلعوه ، بقی حلس بیته ولا ثائر ولا مشاغب ، وبقیت بیوت المسلمین عامرة ولم تکن تنتشر الفتن فی البلاد.

قال ابن حجر فی فتح الباری (3) (13 / 10) : انتشرت الفتن فی البلاد ، فالقتال بالجمل وبصفّین کان بسبب قتل عثمان ، والقتال بالنهروان بسبب التحکیم بصفّین ، 1.

ص: 37


1- یُضْرب للرجل یخاف الأمر فیجزع قبل وقوعه فیه. مجمع الأمثال : 2 / 480 رقم 2850.
2- راجع ما مرّ فی الجزء الثانی : ص 154 ، والجزء التاسع : ص 136 - 139. (المؤلف)
3- فتح الباری : 13 / 13 ، 51.

وکلّ قتال وقع فی ذلک العصر إنّما تولّد عن شیء من ذلک أو عن شیء تولّد عنه. انتهی.

وقال فی (ص 42) : قوله صلی الله علیه وآله وسلم فی حقّ عثمان : بلاء یصیبنّه. هو ما وقع له من القتل الذی نشأت عنه الفتن الواقعة بین الصحابة فی الجمل ، ثم فی صفّین وما بعد ذلک. انتهی.

ونحن لا نعرف لابن عمر حجّة فیما ارتکبه من البیعة والقعود إلاّ ما نحته له ابن حجر فی فتح الباری (5 / 19) بقوله : لم یذکر ابن عمر خلافة علیّ لأنّه لم یبایعه لوقوع الاختلاف علیه کما هو مشهور فی صحیح الأخبار ، وکان رأی ابن عمر أنّه لا یبایع لمن لم یجتمع علیه الناس ، ولهذا لم یبایع أیضاً لابن الزبیر ولا لعبد الملک فی حال اختلافهما ، وبایع لیزید بن معاویة ، ثم لعبد الملک بن مروان بعد قتل ابن الزبیر. انتهی.

وقال فی الفتح (1) أیضا (13 / 165) : کان عبد الله بن عمر فی تلک المدّة امتنع أن یبایع لابن الزبیر أو لعبد الملک کما کان امتنع أن یبایع لعلیّ أو معاویة ، ثم بایع لمعاویة لمّا اصطلح مع الحسن بن علیّ ، واجتمع علیه الناس ، وبایع لابنه یزید بعد موت معاویة لاجتماع الناس علیه ، ثم امتنع من المبایعة لأحد حال الاختلاف ، إلی أن قتل ابن الزبیر وانتظم الملک کلّه لعبد الملک فبایع له حینئذٍ.

هذه حجّة داحضة موّه بها ابن حجر علی الحقائق الراهنة لتغریر أُمّة جاهلة ، ولعلّه اتّخذها ممّا جاء فی الحدیث من أنّه لمّا تخلّف عبد الله بن عمر عن بیعة علیّ علیه السلام أمر بإحضاره فأُحضر فقال له : «بایع» قال : لا أُبایع حتی تبایع جمیع الناس. قال له علیّ علیه السلام «فأعطنی حمیلاً (2) أن لا تبرح» قال : ولا أعطیک حَمیلاً. فقال الأشتر : ف)

ص: 38


1- فتح الباری : 13 / 195.
2- الحمیل ، کفعیل : الکفیل. (المؤلف)

یا أمیر المؤمنین إنّ هذا قد أمن سوطک وسیفک ، فدعنی أضرب عنقه. قال : «لست أُرید ذلک منه علی کره ، خلّوا سبیله». فلمّا انصرف ، قال أمیر المؤمنین علیه السلام : «لقد کان صغیراً وهو سیّئ الخُلق وهو فی کبره أسوأ خُلقاً» وروی أنّه أتاه فی الیوم الثانی ، فقال : إنّی لک ناصح ، إنّ بیعتک لم یرضَ بها الناس کلّهم ، فلو نظرت لدینک ورددت الأمر شوری بین المسلمین. فقال علیّ علیه السلام : «ویحک وهل ما کان عن طلب منّی؟ ألم یبلغک صنیعهم بی؟ قم یا أحمق ، ما أنت وهذا الکلام؟» فخرج ثم أتی علیّا علیه السلام آتٍ فی الیوم الثالث فقال : إنّ ابن عمر قد خرج إلی مکة یفسد الناس علیک ، فأمر بالبعثة فی أثره. فجاءت أمّ کلثوم ابنته فسألته ، وضرعت إلیه فیه ، وقالت : یا أمیر المؤمنین إنّما خرج إلی مکة لیقیم بها ، وإنّه لیس بصاحب سلطان ، ولا هو من رجال هذا الشأن ، وطلبت إلیه أن یقبل شفاعتها فی أمره لأنّه ابن بعلها ، فأجابها وکفّ البعثة إلیه ، وقال : «دعوه وما أراد».

جواهر الأخبار للصعدی المطبوع فی ذیل کتاب البحر الزخّار (6 / 71).

هلمّوا معی یا أُمّة محمد صلی الله علیه وآله وسلم نسائل ابن عمر ، هلاّ بایع هو أبا بکر ولم یجتمع علیه الناس ، وانعقدت بیعته باثنین أو أربعة أو خمسة ، کما مرّ فی (7 / 141) الطبعة الأولی.

والاختلاف هنالک کان قائماً علی ساق ، وهو الذی فرّق صفوف الأمّة حتی الیوم ، وکان ابن عمر ینظر إلیه من کثب ، ثم لحقتها موافقة الناس بالإرهاب فی بعض ، وإطماع فی آخرین ، وأمر دبّر بلیل بین لفیف من زبانیة الخلافة ، وتمّت بعد وصمات مرّ الإیعاز إلیها فی الجزء السابع (ص 74 - 87) ، تمّت وصدور أُمّة صالحة واغرة علیها وعلی من تقمّصها ، وهو یعلم أنّ محلّ علیّ علیه السلام منها محلّ القطب من الرحی ، ینحدر عنه السیل ، ولا یرقی إلیه الطیر.

ص: 39

وأمّا أبوه فلم یثبت أمره إلاّ بتعیین أبی بکر إیّاه ، «فیا عجباً [بَینَا هُوَ] (1) یستقیلها فی حیاته إذ عقدها لآخر بعد وفاته ، لشدّ ما تشطّرا ضرعیها ، فصیّرها فی حوزة خشناء یغلظ کلمها ، ویخشن مسّها ، ویکثر العثار فیها والاعتذار منها» (2) ، والناس متذمّر علی المستخلف ، کلّهم ورم أنفه من ذلک ، قائلین : ما تقول لربّک وقد ولّیت علینا فظّا غلیظاً؟ ثم ألحقت الناس به العوامل المذکورة.

وأمّا حدیث الشوری ، وما أدراک ما حدیث الشوری؟ فسل عنه سیف عبد الرحمن بن عوف الذی لم یکن مع أحد یومئذٍ سیف غیره ، واذکر قوله لعلّی : بایع وإلاّ ضربت عنقک ، أو قوله له : لا تجعلنّ علی نفسک سبیلاً. کما ذکره البخاری ، والطبری وغیرهما (3) ، وزاد ابن قتیبة : فإنّه السیف لا غیر. أو قول أصحاب الشوری لمّا خرج علیّ مغضباً ولحقوه : بایع وإلاّ جاهدناک (4). أو قول أمیر المؤمنین : «متی اعترض الریب فیّ مع الأوّل منهم حتی صرت أُقرن إلی هذه النظائر ، لکنّی أسففت إذْ أسفّوا ، وطرت إذْ طاروا. فصغا رجل منهم لضغنه ، ومال آخر لصهره ، مع هنٍ وهنٍ». إلخ (5)

لکن ابن عمر - علی زعم ابن حجر - لا یری کلّ هذه خلافاً فی خلافة القوم ف)

ص: 40


1- الزیادة من نهج البلاغة.
2- جُمل لمولانا أمیر المؤمنین من خطبته الشقشقیة. راجع : 7 / 81 [نهج البلاغة : ص 48 خطبة 3]. (المؤلف)
3- صحیح البخاری باب کیف یبایع الإمام : 10 / 208 [6 / 2635 ح 6781] ، تاریخ الطبری : 5 / 37 ، 40 [4 / 233 ، 238 حوادث سنة 23 ه] ، الإمامه والسیاسة : 1 / 25 [1 / 31] ، الکامل لابن الأثیر : 3 / 30 [2 / 223 سنة 23] ، الصواعق : ص 36 [ص 106] ، فتح الباری : 13 / 168 [13 / 197] ، تاریخ الخلفاء للسیوطی : ص 102 [ص 143]. (المؤلف)
4- أنساب البلاذری : 5 / 22 [6 / 128]. (المؤلف)
5- راجع الجزء السابع : ص 81. (المؤلف)

ولا فی معاویة من إنجاز الأمر بعد أمیر المؤمنین علیّ علیه السلام بین السیف والمطامع ، وفی القلوب منه ما فیها إلی أن لفظ نفسه الأخیر ، هذا سعد بن أبی وقّاص أحد العشرة المبشّرة ومن رجال الشوری الستة تخلّف عن بیعته ، دخل علی معاویة فقال له : السلام علیک أیّها الملک ، فقال له : فهلاّ غیر ذلک أنتم المؤمنون وأنا أمیرکم ، فقال سعد : نعم إن کنّا أمّرناک ، وفی لفظ : نحن المؤمنون ولم نؤمّرک. فقال معاویة : لا یبلغنی أنّ أحداً یقول : إنّ سعداً لیس من قریش إلاّ فعلت به وفعلت ، إنّ سعداً الوسط فی قریش ، ثابت النسب (1).

وهذا ابن عبّاس وهو یجابه معاویة ویدحض حجّته ، قال عبید الله بن عبد الله المدینی : حجّ معاویة فمرّ بالمدینة ، فجلس فی مجلس فیه سعد ، وفیه عبد الله بن عمر ، وعبد الله بن عبّاس ، فالتفت إلی عبد الله بن العبّاس فقال : یا أبا عبّاس إنّک لم تعرف حقّنا من باطل غیرنا ، فکنت علینا ولم تکن معنا ، وأنا ابن عمّ المقتول ظلماً - یعنی عثمان - وکنت أحقّ بهذا الأمر من غیری. فقال ابن عباس : اللهم إن کان هکذا فهذا - وأومأ إلی ابن عمر - أحقّ بها منک لأنّ أباه قتل قبل ابن عمّک. فقال معاویة : ولا سواء إنّ أبا هذا قتله المشرکون ، وابن عمی قتله المسلمون. فقال ابن عبّاس : هم والله أبعد لک وأدحض لحجّتک. فترکه (2).

وأنکرت عائشة علی معاویة دعواه الخلافة ، وبلغه ذلک فقال : عجباً لعائشة تزعم أنّی فی غیر ما أنا أهله ، وأنّ الذی أصبحت فیه لیس لی بحقّ ، مالها ولهذا یغفر الله لها ، إنّما کان ینازعنی فی هذا الأمر أبو هذا الجالس وقد استأثر الله به. فقال ف)

ص: 41


1- تاریخ ابن عساکر : 5 / 251 و 6 / 106 [20 / 359 رقم 2426 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 9 / 269]. (المؤلف)
2- تاریخ ابن عساکر : 6 / 107 [20 / 360 رقم 2426 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 9 / 269 - 270]. (المؤلف)

الحسن بن علی : «أو عجب ذلک یا معاویة؟» قال : إی والله ، قال : أفلا أخبرک بما هو أعجب من هذا؟ قال : ما هو؟ قال : «جلوسک فی صدر المجلس وأنا عند رجلیک».

شرح ابن أبی الحدید (1) (4 / 5).

وهکذا کان أکابر الصحابة مناوئین له فی المدینة الطیّبة فأسمعوه النکیر ، وسمعوا إدّا من القول. ورأوا إمراً من أمره ، وشاهدوا منه أحداثاً وبدعاً فی الدین الحنیف تخلد مع الأبد ، وعاینوا منه جنایات علی الأمّة الإسلامیّة وصلحائها وعظمائها ، من هتک ، وحبس ، وشتم ، وسبّ مقذع ، وضرب ، وتنکیل ، وعذاب ، وقتل ، قطّ لا تُغفر له - وحاش لله أن یغفرها له ، دع عمر بن عبد العزیز یری فی الطیف أنّه مغفور له (2) - وتذمّرت علیه صلحاء أُمّة محمد صلی الله علیه وآله وسلم لما جاء عنه صلی الله علیه وآله وسلم فیه من لعنه والتخذیل عنه ، وأمره الصحابة بقتاله ، وتوصیفه فئته بالقسط ، وأنّها الفئة الباغیة ، وقوله السائر الدائر : «إذا رأیتم معاویة علی منبری فاقتلوه» (3) وقوله صلی الله علیه وآله وسلم «الخلافة بالمدینة والملک بالشام» (4).

لیت شعری أین کان ابن عمر من هذه کلّها؟ ومن قوله صلی الله علیه وآله وسلم الحاسم لمادّة النزاع : «ستکون خلفاء فتکثر». قالوا : فما تأمرنا؟ قال : «فُوا ببیعة الأوّل فالأوّل» (5). ف)

ص: 42


1- شرح ابن أبی الحدید : 16 / 12.
2- سیوافیک تفصیله إن شاء الله تعالی. (المؤلف)
3- کنوز الدقائق للمناوی : ص 10 [1 / 19] ، أخرجه ابن عدی [فی الکامل فی ضعفاء الرجال : 2 / 146 رقم 343] عن أبی سعید والعقیلی عن طریق الحسن وسفیان بن محمد من طریق جابر وغیرهم. وسیوافیک الکلام فی إسناده إن شاء الله تعالی. (المؤلف)
4- تاریخ ابن کثیر : 6 / 221 [6 / 247 حوادث سنة 11 ه]. (المؤلف)
5- صحیح مسلم : 6 / 17 [4 / 119 ح 44 کتاب الإمارة] ، سنن ابن ماجة : 2 / 204 [2 / 958 ح 2871] ، سنن البیهقی : 8 / 144 ، عن الشیخین ، تیسیر الوصول : 2 / 35 عن الشیخین أیضاً [2 / 42] مسند أحمد : 2 / 297 [2 / 576 ح 7900] ، المحلّی : 9 / 360 [مسألة 1771]. (المؤلف)

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «إذا بویع لخلیفتین فاقتلوا الآخر منهما» (1).

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «ستکون هنات وهنات ، فمن أراد أن یفرّق أمر هذه الأُمّة - وهی جمیع - فاضربوه بالسیف کائناً من کان». وفی لفظ : «فاقتلوه» (2).

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «من أتاکم وأمرکم جمیع علی رجل واحد یرید أن یشقّ عصاکم أو یفرّق جماعتکم ، فاقتلوه» (3).

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم من طریق عبد الله بن عمرو بن العاص : «من بایع إماماً فأعطاه صفقة یده وثمرة قلبه فلیعطهِ إن استطاع ، فإن جاء آخر ینازعه فاضربوا عنق الآخر».

قال عبد الرحمن بن عبد ربّ : فدنوت منه فقلت له : أنشدک الله أنت سمعت هذا من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم؟ فأهوی إلی أُذنیه وقلبه بیدیه. وقال : سمعته أُذنای ووعاه قلبی. فقلت له : هذا ابن عمّک معاویة یأمرنا أن نأکل أموالنا بیننا بالباطل ونقتل أنفسنا ، والله عزّ وجلّ یقول : (یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَأْکُلُوا أَمْوالَکُمْ بَیْنَکُمْ بِالْباطِلِ إِلاَّ أَنْ تَکُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْکُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَکُمْ إِنَّ اللهَ کانَ بِکُمْ رَحِیماً) (4) قال : فسکت ساعة ثم قال : أطعه فی طاعة الله ، واعصه فی معصیة الله (5). ف)

ص: 43


1- صحیح مسلم : 6 / 23 [4 / 128 ح 61 کتاب الامارة] ، مستدرک الحاکم : 2 / 156 [2 / 169 ح 2665] ، سنن البیهقی : 8 / 144 ، الفصل لابن حزم : 4 / 88 ، المحلّی : 9 / 360 ، تیسیر الوصول : 2 / 35 [2 / 42]. (المؤلف)
2- صحیح مسلم : 6 / 22 [4 / 127 ح 59] ، مستدرک الحاکم : 2 / 152 [2 / 169 ح 2665] ، سنن البیهقی : 8 / 168 ، 169. (المؤلف)
3- صحیح مسلم : 6 / 23 [4 / 127 ح 60 کتاب الإمارة] ، سنن البیهقی : 8 / 169 ، تیسیر الوصول : 2 / 35 [2 / 42] ، المحلّی : 9 / 360. (المؤلف)
4- النساء : 29.
5- صحیح مسلم : 6 / 18 [4 / 120 ح 46] ، سنن البیهقی : 8 / 169 ، سنن ابن ماجة : 2 / 467 [2 / 1306 ح 3956] ، المحلّی : 9 / 360. (المؤلف)

قال النووی فی شرح مسلم (1) هامش إرشاد الساری (8 / 43) : قوله صلی الله علیه وآله وسلم : «فإن جاء آخر ینازعه فاضربوا عنق الآخر» معناه : ادفعوا الثانی فإنّه خارج علی الإمام ، فإن لم یندفع إلاّ بحرب وقتال فقاتلوه ، فإن دعت المقاتلة إلی قتله ، جاز قتله ولا ضمان فیه لأنّه ظالم متعدّ فی قتاله.

قال : قوله : فقلت له : هذا ابن عمّک معاویة. إلی آخره. المقصود بهذا الکلام أنّ هذا القائل لمّا سمع کلام عبد الله بن عمرو بن العاص وذکر الحدیث فی تحریم منازعة الخلیفة الأوّل وأنّ الثانی یُقتل ، فاعتقد هذا القائل هذا الوصف فی معاویة لمنازعته علیّا رضی الله عنه وکانت قد سبقت بیعة علی ، فرأی هذا أنّ نفقة معاویة علی أجناده وأتباعه فی حرب علیّ ومنازعته ومقاتلته إیّاه من أکل المال بالباطل ، ومن قتل النفس ، لأنّه قتال بغیر حقٍّ ، فلا یستحقّ أحد مالاً فی مقاتلته.

وقال (ص 40) فی شرح قوله صلی الله علیه وآله وسلم : «ستکون خلفاء فتکثر». الحدیث : معنی هذا الحدیث : إذا بویع لخلیفة بعد خلیفة فبیعة الأوّل صحیحة یجب الوفاء بها ، وبیعة الثانی باطلة یحرم الوفاء بها ، ویحرم علیه طلبها ، وسواء عقدوا للثانی عالمین بعقد الأوّل أم جاهلین ، وسواء کانا فی بلدین أو بلد ، أو أحدهما فی بلد الإمام المنفصل والآخر فی غیره ، هذا هو الصواب الذی علیه أصحابنا وجماهیر العلماء ، وقیل : تکون لمن عقدت فی بلد الإمام. وقیل : یقرع بینهم. وهذان فاسدان ، واتّفق العلماء علی أنّه لا یجوز أن یعقد لخلیفتین فی عصر واحد سواء اتّسعت دار الإسلام أم لا ، وقال إمام الحرمین فی کتابه الإرشاد (2) : قال أصحابنا لا یجوز عقدها لشخصین ، قال : وعندی أنّه لا یجوز عقدها لاثنین فی صقع واحد ، وهذا مجمع علیه ، قال : فإن بعد ما بین الإمامین وتخلّلت بینهما شسوع فللاحتمال فیه مجال ، وهو خارج عن القواطع. وحکی ف)

ص: 44


1- شرح صحیح مسلم : 12 / 234 ، 231.
2- راجع الإرشاد : ص 525 طبع مکتبة الخانجی [ص 357]. (المؤلف)

المازری هذا القول عن بعض المتأخرین من أهل الأصول ، وأراد به إمام الحرمین ، وهو قول فاسد مخالف لما علیه السلف والخلف ، ولظواهر إطلاق الأحادیث ، والله أعلم. انتهی.

فکان من واجب ابن عمر نظراً إلی هذه النصوص أن یبایع علیّا ولا یتقاعد عن بیعته وقد بایعه المهاجرون والأنصار والبدریّون وأصحاب الشجرة علی بکرة أبیهم ، قال ابن حجر فی فتح الباری (1) (7 / 5) : کانت بیعة علیّ بالخلافة عقب قتل عثمان فی أوائل ذی الحجّة سنة (35) ، فبایعه المهاجرون والأنصار وکلّ من حضر ، وکتب بیعته إلی الآفاق فأذعنوا کلّهم إلاّ معاویة فی أهل الشام فکان بینهم بعدُ ما کان. انتهی.

وکان من واجب الرجل قتال معاویة الخارج علی الإمام الطاهر إن کان هو عضادة الدین آخذاً بطقوسه ، تابعاً سننه اللاحب ، مؤمناً بما جاء به نبیّه الأقدس صلی الله علیه وآله وسلم بل الأمر کما قال عبد الله بن هاشم المرقال فی کلمة له : فلو لم یکن ثواب ولا عقاب ، ولا جنّة ولا نار ، لکان القتال مع علیّ أفضل من القتال مع معاویة ابن أکّالة الأکباد.

کتاب صفّین (2) (ص 405).

متی اختلف فی بیعة علیّ أمیر المؤمنین اثنان من رجال الحلّ والعقد من صلحاء الأُمّة؟ ومتی تمّت کلمة الأُمّة فی بیعة خلیفة منذ أسّس الانتخاب الدستوری مثل ما تمّت لعلیّ علیه السلام؟ ولم یکن متقاعس عن بیعته سلام الله علیه إلاّ شرذمة المعتزلة العثمانیّین وهم سبعة وثامنهم ابن عمر ، کما مرّ فی الجزء السابع (ص 143) ، فما الذی 7.

ص: 45


1- فتح الباری : 7 / 72.
2- وقعة صفّین : ص 357.

جعل بیعة أُناس معدودین لم تبلغ عدّتهم عشرة إجماعاً واتّفاقاً فی بیعة أبی بکر ، وأوجب علی ابن عمر اتّباعهم ، وحرّم علیه التزحزح عنهم؟ وجعل إجماع الأُمّة من المهاجرین والأنصار ورجال الأمصار علی بیعة علیّ أمیر المؤمنین ، وتخلّف عدّة تعدّ بالأنامل عنها خلافاً وتفرّقاً؟

ولیت ابن عمر إن کان لم یأخذ بحکم الکتاب والسنّة فی الاستخلاف کان یأخذ برأی أبیه فیه وقد سمعه یقول : هذا الأمر فی أهل بدر ما بقی منهم أحد ، ثم فی أهل أحد ، ثم فی کذا وکذا ، ولیس فیها لطلیق ولا لولد طلیق ولا لمسلمة الفتح شیء (1).

وقال فی کلام له : لا تختلفوا فإنّکم إن اختلفتم جاءکم معاویة من الشام وعبد الله بن أبی ربیعة من الیمن ، فلا یریان لکم فضلاً لسابقتکم ، وإنّ هذا الأمر لا یصلح للطلقاء ولا لأبناء الطلقاء (2).

ولعلّ هذا الرأی کان من المتسالم علیه عند السلف ، وبذلک احتجّ مولانا أمیر المؤمنین علی معاویة فی کتاب له کتب إلیه بقوله : «واعلم أنّک من الطلقاء الذین لا تحلّ لهم الخلافة ، ولا تعقد معهم الإمامة ، ولا یدخلون فی الشوری» (3).

وکتب ابن عبّاس إلی معاویة : ما أنت وذکر الخلافة؟ وإنّما أنت طلیق وابن طلیق والخلافة للمهاجرین الأوّلین ، ولیس الطلقاء منها فی شیء (4) ، وفی لفظ : إنّ ف)

ص: 46


1- طبقات ابن سعد طبعة لیدن : 3 / 248 [3 / 342] ، فتح الباری : 13 / 176 [13 / 207] ، أُسد الغابة : 4 / 387 [5 / 212 رقم 4977]. (المؤلف)
2- الإصابة : 2 / 305 [رقم 4671]. (المؤلف)
3- الإمامة والسیاسة : ص 71 وفی طبعة ص 81 [1 / 85] ، العقد الفرید : 2 / 233 وفی طبعة ص 284 [4 / 136] ، نهج البلاغة : 2 / 5 ، شرح ابن أبی الحدید : 1 / 248 و 3 / 300 [3 / 76 خطبة 43 ، 14 / 36 کتاب 6]. (المؤلف)
4- الإمامة والسیاسة : 1 / 85 وفی طبعة ص 97 [1 / 100] ، شرح ابن أبی الحدید : 2 / 289 [8 / 66 خطبة 124]. (المؤلف)

الخلافة لا تصلح إلاّ لمن کان فی الشوری فما أنت والخلافة؟ وأنت طلیق الإسلام ، وابن رأس الأحزاب ، وابن آکلة الأکباد من قتلی بدر (1).

ومن کلام لابن عبّاس یخاطب أبا موسی الأشعری : لیس فی معاویة خلّة یستحقّ بها الخلافة ، واعلم یا أبا موسی أنّ معاویة طلیق الإسلام ، وأنّ أباه رأس الأحزاب ، وأنّه یدّعی الخلافة من غیر مشورة ولا بیعة (2).

ومن کتاب لمسور بن مخرمة (3) إلی معاویة : إنّک أخطأت خطأ عظیماً ، وأخطأت مواضع النصرة ، وتناولتها من مکان بعید ، وما أنت والخلافة یا معاویة؟ وأنت طلیق وأبوک من الأحزاب؟ فکفّ عنّا فلیس لک قبلنا ولیّ ولا نصیر (4).

وفی مناظرة لسعنة بن عریض (5) الصحابی مع معاویة : منعت ولد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم الخلافة ، وما أنت وهی ، وأنت طلیق ابن طلیق؟ یأتی تمام الحدیث إن شاء الله تعالی.

وعاتب عبد الرحمن بن غنم الأشعری الصحابی (6) أبا هریرة وأبا الدرداء بحمص إذ انصرفا من عند علیّ رضی الله عنه رسولین لمعاویة ، وکان ممّا قال لهما : عجباً منکماف)

ص: 47


1- کذا فی الإمامة والسیاسة ، والصواب : من قتلی أُحد.
2- شرح ابن أبی الحدید : 1 / 195 [2 / 246 خطبة 35]. (المؤلف)
3- نسب هذا الکتاب فی کتاب صفّین : ص 70 [ص 63] إلی عبد الله بن عمر وهو وهم ، والأبیات التی کتبها رجل من الأنصار مع الکتاب تکذّب تلک النسبة. فراجع. (المؤلف)
4- الإمامة والسیاسة : 1 / 75 ، وفی طبعة 85 [1 / 89]. (المؤلف)
5- هو سعنة بن عریض بن عادیا التیماوی نسبة لتیماء بین الحجاز والشام ، وهو ابن أخی السموأل ابن عادیا صاحب حصن تیما فی الجاهلیة. وحکی الخلاف فی (صعنة) هل هو بالنون أو بالیاء ، کما حکی الخلاف فی اسم أبیه هل هو عریض أو غریض.
6- قال أبو عمر فی الاستیعاب : کان من أفقه أهل الشام ؛ وهو الذی فقّه عامّة التابعین بالشام وکانت له جلالة وقدر. (المؤلف)

کیف جاز علیکما ما جئتما به تدعوان علیّا إلی أن یجعلها شوری؟ وقد علمتما أنّه قد بایعه المهاجرون والأنصار وأهل الحجاز والعراق ، وأنّ من رضیه خیر ممّن کرهه ، ومن بایعه خیر ممّن لم یبایعه ، وأیّ مدخل لمعاویة فی الشوری وهو من الطلقاء الذین لا تجوز لهم الخلافة؟ وهو وأبوه من رءوس الأحزاب. فندما علی مسیرهما وتابا منه بین یدیه (1).

ومن کلام لصعصعة بن صوحان یخاطب به معاویة : إنّما أنت طلیق ابن طلیق ، أطلقکما رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فأنّی تصحّ الخلافة لطلیق (2)؟!

فأین یقع عندئذ معاویة الطلیق ابن الطلیق من الخلافة؟ وأیّ قیمة فی سوق الاعتبار لرأی ابن عمر؟ وما الذی یبرّر بیعته إیّاه إن لم یبرّرها عداء سیّد العترة؟

أیّ إجماع علی بیعة یزید؟

ثم أیّ إجماع صحیح من رجال الدین صحّح لابن عمر بیعة یزید الممجوج عند الصحابة والتابعین ، المنبوذ لدی صلحاء الأُمّة ، المعروف بالخلاعة والمجون والخمور والفجور علی حدّ قول شاعر القضاة الأستاذ بولس سلامة فی ملحمة الغدیر (3) (ص 217).

رافع الصوت داعیاً للفلاحِ

اخفضِ الصوتَ فی أذانِ الصباحِ

وترفَّق بصاحبِ العرشِ مشغو

لاً عن اللهِ بالقیانِ الملاحِ6.

ص: 48


1- الاستیعاب ترجمة عبد الرحمن : 2 / 402 [2 / 850 رقم 1449] : أُسد الغابة : 3 / 318 [3 / 487 رقم 3370]. (المؤلف)
2- مروج الذهب : 1 / 78 [3 / 52] ؛ یأتی تمام الکلام فی هذا الجزء إن شاء الله تعالی. (المؤلف)
3- عید الغدیر : ص 226.

ألفُ «الله اکبر» لا یساوی

بین کفّی یزیدٍ نهلةَ راحِ

عنست فی الدنان بکراً فلم

تدنس بلثمٍ ولا بماءِ قراحِ

والأُمّة مجمعة علی شرطیّة العدالة فی الإمامة؟ قال القرطبی فی تفسیره (1) (1 / 231) : الحادی عشر - من شروط الإمامة - أن یکون عدلاً لأنّه لا خلاف بین الأُمّة أنّه لا یجوز أن تعقد الإمامة لفاسق ، ویجب أن یکون من أفضلهم فی العلم لقوله علیه السلام : «أئمّتکم شفعاؤکم فانظروا بمن تستشفعون». وفی التنزیل فی وصف طالوت (إِنَّ اللهَ اصْطَفاهُ عَلَیْکُمْ وَزادَهُ بَسْطَةً فِی الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ) (2) فبدأ بالعلم ثم ذکر ما یدل علی القوّة.

وقال فی (صفحة 232) : الإمام إذا نصب ثم فسق بعد انبرام العقد ، فقال الجمهور : إنّه تنفسخ إمامته ویخلع بالفسق الظاهر المعلوم ، لأنّه قد ثبت أنّ الإمام إنّما یقام لإقامة الحدود ، واستیفاء الحقوق ، وحفظ أموال الأیتام والمجانین ، والنظر فی أُمورهم إلی غیر ذلک ممّا تقدّم ذکره ، وما فیه من الفسق یقعده عن القیام بهذه الأُمور والنهوض فیها ، فلو جوّزنا أن یکون فاسقاً أدّی إلی إبطال ما أُقیم لأجله ، ألا تری فی الابتداء إنّما لم یجز أن یعقد للفاسق لأجل أنّه یؤدّی إلی إبطال ما أُقیم له وکذلک هذا مثله. انتهی.

أجل : المائة ألف المقبوضة من معاویة لتلک البیعة الغاشمة (3) جعلت الفرقة لابن عمر إجماعاً ، والاختلاف إصفاقاً ، کما فعلت مثله عند غیر ابن عمر من سماسرة النهمة والشره ، فرکضوا إلی البیعة ضابحین یقدمهم عبد الله ، فبایعه بعد أبیه ، وکتب إلیه ببیعته ، ونصب عینه الناهض الکریم ، والفادی الأقدس ، الحسین السبط - سلام ف)

ص: 49


1- الجامع لأحکام القرآن : 1 / 187.
2- البقرة : 247.
3- راجع أنساب الأشراف للبلاذری : 4 / 31. (المؤلف)

الله علیه - المتحلّی بآصرة النبوّة ، وشرف الإمامة ، وعلم الشریعة ، وخلق الأنبیاء ، والفضائل المرموقة ، سیّد شباب أهل الجنّة أجمعین ، وقد حنّت إلیه القلوب ، وارتمت إلیه الأفئدة فرحین بکسر رتاج الجور ، رافضین لمن بعده.

لکن الرجل لم یتأثّر بکلّ هذه ولم یرها خلافاً ، ونبذ وصیّة نبیّه الکریم وراء ظهره ولم یعبأ بقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «إنّ ابنی هذا - یعنی الحسین - یُقتل بأرض یقال لها : کربلاء فمن شهد ذلک منکم فلینصره» (1) نعم : نصر ذلک المظلوم قرّة عین رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بتقریر بیعة یزید. وحسبانها بیعة صحیحة ، کان ینهی عن نکثها عند مرتجع الوفد المدنی من الشام ، وقد شاهدوا منه البوائق والموبقات ، معتقدین خروجه عن حدود الإسلام قائلین : إنّا قدمنا من عند رجل لیس له دین ، یشرب الخمر ، ویعزف بالطنابیر ، ویضرب عنده القیان ، ویلعب بالکلاب ، ویسامر الحُرّاب والفتیان ، وإنّا نُشِهدُکم أنّا قد خلعناه. فتابعهم الناس (2). وقال ابن فلیح : إنّ أبا عمرو ابن حفص وفد علی یزید فأکرمه وأحسن جائزته ، فلمّا قدم المدینة قام إلی جنب المنبر وکان مرضیّا صالحاً فقال : ألم أحبّ؟ ألم أکرم؟ والله لرأیت یزید بن معاویة یترک الصلاة سکراً. فأجمع الناس علی خلعه بالمدینة (3).

وکان مسور بن مخرمة الصحابیّ ممّن وفد إلی یزید ، فلمّا قدم شهد علیه بالفسق وشرب الخمر ، فکُتب إلی یزید بذلک ، فکتب إلی عامله یأمره أن یضرب مسوراً الحدّ ، فقال أبو حرّة : ف)

ص: 50


1- الإصابة : 1 / 68 [رقم 266]. (المؤلف)
2- تاریخ الطبری : 7 / 4 [5 / 480 حوادث سنة 62 ه] ، أنساب البلاذری : 4 / 31 [5 / 338] ، فتح الباری : 13 / 59 [13 / 70]. یأتی الحدیث علی تفصیله فی هذا الجزء. (المؤلف)
3- تاریخ ابن عساکر : 7 / 280 [27 / 18 رقم 3145 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 12 / 16]. (المؤلف)

أیشربُها صهباءَ کالمسک ریحُها

أبو خالد والحدّ یُضرَبُ مسورُ (1)

قد جبههم ابن عمر بما جاء هو عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم کما فصّلناه فی الجزء السابع (ص 146) ، جمع أهل بیته وحشمه وموالیه وقال : لا یخلعن أحد منکم یزید ، ولا یشرفن أحدمنکم فی هذا الأمر فیکون صیلماً وبینی وبینه. وفی لفظ البخاری : إنّی لا أعلم أحداً منکم خلعه ولا بایع فی هذا الأمر إلاّ کانت الفیصل بینی وبینه.

وتمسّک فی تقریر تلک البیعة الملعونة بما عزاه إلی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم من قول : إنّ الغادر ینصب له لواء یوم القیامة فیقال : هذه غدرة فلان. جهلاً منه بأسالیب الکلام لما هو المعلوم من أنّ مصداق هذا الکلّی هو الفرد المتأهّل للبیعة الدینیّة ، بیع الله ورسوله ، لا من هو بمنتأیً عن الله سبحانه ، وبمجنب عن رسوله ، کیزید الطاغیة أو والده الباغی.

ومهما ننس من شیء فإنّا لا ننسی مبدأ البیعة لیزید علی عهد ابن آکلة الأکباد بین صفیحة مسلولة ومنیحة مُفاضة ، أقعدت هاتیک من نفی جدارة الخلافة عن یزید ، وأثارت هذه سماسرة الشهوات ، فبایعوا بین صدور واغرة ، وأفئدة لا تری ما تأتی به من البیعة إلاّ هزواً.

وفی لهوات الفضاء وأطراف المفاوز کلّ فارّ بدینه ، متعوّذین من معرّة هذه البیعة الغاشمة ، وکان عبد الله نفسه ممّن تأبّی عن البیعة (2) لأوّل وهلة من قبل أن یتذوّق طعم هاتیک الرضیخة - مائة ألف - وکان یقول : إنّ هذه الخلافة لیست بهرقلیّة ف)

ص: 51


1- أنساب الأشراف للبلاذری : 4 / 31 [5 / 338 وفیه : فقال أبو حُزَّة : أیشرَبها صهباءَ کالمسکِ ریحُها أبو خالدٍ ویُضربُ الحدَّ مِسْوَر] (المؤلف)
2- الإمامة والسیاسة : 1 / 143 [1 / 150] ، تاریخ الطبری : 6 / 170 [5 / 303] ، تاریخ ابن کثیر : 8 / 79 [8 / 86 حوادث سنه 56 ه] ، لسان المیزان : 6 / 293 [6 / 360 رقم 9288]. (المؤلف)

ولا قیصریّة ولا کسرویّة یتوارثها الأبناء علی الآباء (1) ، وبعد أن تذوّقه کان لم یزل بین اثنتین : فضیحة العدول عن رأیه فی یزید ، ومغبّة التمرّد علیه ، لا سیّما بعد أخد المنحة ، فلم یبرح مُصانعاً حتی بایعه بعد أبیه ، ولمّا جاءت بیعته قال : إن کان خیراً رضینا ، وإن کان بلاءً صبرنا (2) ، ونحت لذلک التریّث حجّة تافهة من أنّ المانع عن البیعة کان هو وجود أبیه. وکان لیزید أن یناقشه الحساب بأنّ أباه لم یکن یأخذ البیعة له فی عرض بیعته ، وإنّما أخذها طولیّة لما بعده ، لکنّه لم یناقشه لحصول الغایة.

هذه صفة بیعة یزید منذ أوّل الأمر ، ولمّا هلک أبوه ازدلفت إلیه روّاد المطامع نظراء ابن عمر فی نهیق ورغاء یجدّدون ذلک الإرهاب والإطماع ، فمن جرّاء تقریرهم بیعة ذلک المجرم المستهتر ، وتعاونهم علی الإثم والعدوان ، والله یقول (وَتَعاوَنُوا عَلَی الْبِرِّ وَالتَّقْوی وَلا تَعاوَنُوا عَلَی الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ) (3) وشقّهم عصا المسلمین ، وخلافهم الأُمّة الصالحة من الصحابة والتابعین لهم بإحسان ، جهزّ یزید جیش مسلم بن عقبة ، وأباح له دماء مجاوری رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وأموالهم ، فاستباحها ثلاثة أیّام نهباً وقتلاً ، وقتل من حملة القرآن یوم ذاک سبعمائة نفس ، وحکی البلاذری : أنّه قتل بالحرّة من وجوه قریش سبعمائة رجل وکسر ، سوی من قُتل من الأنصار ، وفیهم ممّن صحب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم جماعة ، وممّن قُتل صبراً من الصحابة عبد الله بن حنظلة غسیل الملائکة ، وقتل معه ثمانیة من بنیه ، ومعقل بن سنان الأشجعی ، وعبد الله بن زید ، والفضل بن العباس بن ربیعة ، وإسماعیل بن خالد ، ویحیی بن نافع ، وعبد الله (4) بن عتبة ، والمغیرة بن عبد الله ، وعیاض بن حمیر ، ومحمد بن عمرو بن حزم ، وعبد الله ابن أبی عمرو ، وعبید الله وسلیمان ابنا عاصم ، ونجّی الله أبا سعید وجابراً وسهل بن ه.

ص: 52


1- الإمامة والسیاسة : 1 / 143 [1 / 150]. (المؤلف)
2- لسان المیزان : 6 / 294 [6 / 360 رقم 9288]. (المؤلف)
3- المائدة : 2.
4- فی تاریخ خلیفة : ص 184 ، وأنساب الأشراف : عبید الله.

سعد (1) ، وقد جاء فی قتلی الحرّة عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «أنّهم خیار أُمّتی بعد أصحابی» (2) ، ثم بایع من بقی علی أنّهم عبید لیزید ومن امتنع قُتل (3) ، ووقعت یوم ذاک جرائم وفجائع وطامّات حتی قیل : إنّه قُتل فی تلکم الأیّام نحو من عشرة آلاف إنسان سوی النساء والصبیان ، وافتضّ فیها نحو ألف بکر ، وحبلت ألف امرأة فی تلک الأیّام من غیر زوج (4) ، ولمّا بلغ یزید خبر تلک الواقعة المخزیة ، قال :

لیت أشیاخی ببدرٍ شهدوا

جزع الخزرج من وقع الأسل (5)

فاتّبع ابن عمر فی بیعة یزید إجماع أولئک الأوباش ، سفلة الأعراب وبقیّة الأحزاب ، ولم یعبأ بإجماع رجال الحلّ والعقد من أبناء المهاجرین والأنصار ؛ وخیرة الخلف للسلف الصالح وفیهم من فیهم ، فساهم یزید وفئته الباغیة فی دم السبط الشهید الطاهر ، ومن قُتل یوم الحرّة ، وفی جمیع تلکم المآثم التی جنتها ید یزید الأثیمة ، والله یعلم منقلبهم ومثواهم.

ألا تعجب من ابن عمر وهو یری یزید الکفر والإلحاد ، وأباه الغاشم الظلوم ، ومن یتلوهما فی الفسوق ، صلحاء لا یوجد مثلهم؟ أخرج ابن عساکر (6) من عدّة 9.

ص: 53


1- أنساب البلاذری : 4 / 42 [5 / 350] ، الاستیعاب : 1 / 258 [القسم الثانی / 665 رقم 1089] ، تاریخ ابن کثیر : 8 / 221 [8 / 242 سنة حوادث 63 ه] ، الإصابة : 3 / 473 [رقم 8295] وفاء الوفا : 1 / 93 [1 / 132]. (المؤلف)
2- الروض الأُنف : 5 / 185 [6 / 255]. (المؤلف)
3- لسان المیزان : 6 / 294 [6 / 360 رقم 9288]. (المؤلف)
4- تاریخ ابن کثیر : 8 / 221 [8 / 241 حوادث سنة 63 ه] والإتحاف : ص 22 [ص 66] ، وفاء الوفا : 1 / 88 [1 / 134]. (المؤلف)
5- أنساب الأشراف للبلاذری : 4 / 42 [5 / 351]. (المؤلف)
6- تاریخ مدینة دمشق : 39 / 476 ، 477 رقم 4619 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 16 / 259.

طرق کما قاله الذهبی (1) وذکره السیوطی فی تاریخ الخلفاء (2) (ص 140) عن ابن عمر أنّه قال : أبو بکر الصدّیق أصبتم اسمه ، عمر الفاروق قرْنٌ من حدید أصبتم اسمه ، ابن عفّان ذو النورین قُتل مظلوماً یؤتی کفلین من الرحمة ، ومعاویة وابنه ملکا الأرض المقدّسة ، والسفّاح ، وسلام ، ومنصور ، وجابر ، والمهدی ، والأمین ، وأمیر العصب ، کلّهم من بنی کعب بن لؤی ، کلّهم صالح لا یوجد مثله.

وفی لفظ : یکون علی هذه الأُمّة اثنا عشر خلیفة : أبو بکر الصدّیق أصبتم اسمه ، عمر الفاروق قرن من حدید أصبتم اسمه ، عثمان بن عفّان ذو النورین قُتل مظلوماً أُوتی کفلین من الرحمة ، ملک الأرض المقدّسة ، ومعاویة وابنه ، ثمّ یکون السفّاح ، ومنصور ، وجابر ، والأمین ، وسلام (3) ، وأمیر العصب لا یری مثله ولا یدری مثله ، کلّهم من بنی کعب بن لؤی ، فیهم رجل من قحطان ، منهم من لا یکون ملکه إلاّ یومین ، منهم من یقال له لتبایعنا أو لنقتلنّک ، فإن لم یبایعهم قتلوه. کنز العمّال (4) (6 / 67) ومن جرّاء هذا الرأی الباطل قُتل الصحابیّ ابن الصحابی محمد بن أبی الجهم لمّا شهد علی یزید بشرب الخمر ، کما فی الإصابة (3 / 473).

أخبار ابن عمر ونوادره :

هذه عقلیّة ابن عمر فی باب الخلافة ، فما قیمة رأیه وقوله واختیاره فیها وفی غیرها؟ وله أخبار تنمّ عن ضئولة رأیه وسخافة فکرته ، وأخبار تدلّ علی مناوأته أمیر المؤمنین علیه السلام وانحیازه عنه ، وتحیّزه إلی الفئة الأمویّة الباغیة ، فلا حجّة فیما یرتئیه فی أیّ من الفئتین. 1.

ص: 54


1- سیر أعلام النبلاء : 4 / 38.
2- تاریخ الخلفاء : ص 195.
3- سقط من هذا اللفظ (المهدی) وهو ثانی عشرهم. (المؤلف)
4- کنز العمّال : 11 / 252 ح 31421.

[الفریق الأول] :

ومن نماذج الفریق الأوّل من أخباره قوله : ما أُعطی أحد بعد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم من الجماع ما أُعطیت أنا (1) ، وهو یُعطینا أنّه رجل شهویّ لا صلة له بغیرها ، ومن ضعف رأیه أنّه حسب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم مثله بل أربی منه فی الجماع ، جهلاً منه بأنّ ملکات صاحب الرسالة وقواه کلّها کانت متعادلة ثابتة علی نقطة المرکز قد تساوت إلیها خطوط الدائرة ، فإذا آن له صلی الله علیه وآله وسلم أن یفخر فخر بجمیعها علی حدّ واحد ، لا کابن عمر شهوة قویّة مهلکة ، وعقلیّة ضعیفة یباهی بالجماع وقد ترک غیره ، وهی التی کانت تحذّر أباه من أن یأذن له بالجهاد حین استأذنه له فقال : أی بُنیّ إنّی أخاف علیک الزنا (2) ، فما قیمة رجل فی مستوی الدین ، وهو یُمنع عن مواقف الجهاد حذراً من معرّة شهوته الغالبة ، وسقطات شغبه وشبقه؟

نعم ؛ کان لابن عمر أن یُشبّه نفسه بأبیه - ومن یشابه أبه فما ظلم - إذ له کلمة قیّمة فی النکاح تُعرب عن قوّة شهوته ، قال محمد بن سیرین : قال عمر بن الخطاب : ما بقی فیّ شیء من أمر الجاهلیّة إلاّ أنّی لست أُبالی أیّ الناس نکحت وأیّهم أنکحت.

أخرجه ابن سعد فی الطبقات الکبری (3) (3 / 208) ، ورواه عبد الرزّاق (4) کما فی کنز العمّال (5) (8 / 297).

ومن جرّاء تلک النزعة الجاهلیّة التی کانت قد بقیت فیه قحم فی مآثم سجّلها له التاریخ ، جاء عنه أنّه أتی جاریة له فقالت : إنّی حائض فوقع بها فوجدها حائضاً ، 7.

ص: 55


1- نوادر الأصول للحکیم الترمذی : ص 212 [2 / 4 الأصل 165]. (المؤلف)
2- سیرة عمر بن الخطاب لابن الجوزی : ص 115 ، وفی طبعة ص 138 [ص 144]. (المؤلف)
3- الطبقات الکبری : 3 / 289.
4- المصنّف : 6 / 152 ح 10321.
5- کنز العمّال : 16 / 534 ح 45787.

فأتی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فذکر له ذلک ، فقال : یغفر الله لک یا أبا حفص ، تصدّق بنصف دینار (1).

وسوّلت له نفسه لیلة الصیام قبل حلّیة الرفث فیها وواقع أهله ، فغدا علی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فقال : أعتذر إلی الله وإلیک ، فإنّ نفسی زیّنت لی فواقعت أهلی ، فهل تجد لی من رخصة؟ فقال : «لم تکن حقیقاً بذلک یا عمر!» فنزلت : (عَلِمَ اللهُ أَنَّکُمْ کُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَکُمْ فَتابَ عَلَیْکُمْ وَعَفا عَنْکُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَ). الآیة (2).

وأخرج ابن سعد فی الطبقات الکبری عن علیّ بن زید : أنّ عاتکة بنت زید کانت تحت عبد الله بن أبی بکر ، فمات عنها واشترط علیها ألا تزوّج بعده ، فتبتّلت فجعلت لا تتزوّج ، وجعل الرجال یخطبونها وجعلت تأبی ، فقال عمر لولیّها : اذکرنی لها ، فذکره لها فأبت علی عمر أیضاً ، فقال عمر : زوّجنیها ، فزوّجه إیّاها ، فأتاها عمر فدخل علیها فعارکها حتی غلبها علی نفسها فنکحها ، فلمّا فرغ قال : أف أف أف أفف بها ، ثم خرج من عندها وترک لا یأتیها ، فأرسلت إلیه مولاة أن تعال فإنّی سأتهیّأ لک (3).

أیصحّ عن رجل هذا شأنه ما عزاه إلیه الزمخشری فی ربیع الأبرار (4) باب 68 من قوله : إنّی لأُکره نفسی علی الجماع رجاء أن یخرج الله نسمة تسبّحه وتذکره؟! 0.

ص: 56


1- المحلّی لابن حزم : 2 / 188 [مسألة 263] ، سنن البیهقی : 1 / 316 ، کنز العمّال : 8 / 305 [16 / 566 ح 45889] نقلاً عن ابن ماجة [فی سننه : 1 / 213 ح 650] واللفظ له. (المؤلف)
2- تفسیر الطبری : 2 / 96 [2 / 165] ، تفسیر ابن کثیر : 1 / 220 ، تفسیر القرطبی : 2 / 294 [2 / 210] ، وتفاسیر أخری ، والآیة : 187 من سورة البقرة. (المؤلف)
3- طبقات ابن سعد [8 / 265] ، کنز العمّال : 7 / 100 [13 / 633 ح 37604] ، منتخب الکنز هامش مسند أحمد : 5 / 279 [5 / 270]. (المؤلف)
4- ربیع الأبرار : 3 / 540.

ومنها : عن الهیثم ، عن ابن عمر : أتاه رجل فقال : إنّی نذرت أن أقوم علی حراء عریاناً یوماً إلی اللیل. فقال : أوفِ بنذرک. ثم أتی ابن عباس فقال له : أولست تصلّی؟ قال له : أجل ، قال : أفعریاناً تصلّی؟ قال : لا. قال : أو لیس حنثت؟ إنّما أراد الشیطان أن یسخر بک ویضحک منک هو وجنوده ، اذهب فاعتکف یوماً وکفّر عن یمینک. فأقبل الرجل حتی وقف علی ابن عمر فأخبره بقول ابن عبّاس فقال : ومن یقدر منّا علی ما یستنبط ابن عبّاس (1)؟

هاهنا یوقفنا السیر علی مبلغ الرجل من العلم بالأحکام ، أیّ فقیه هذا لا یعرف حکم النذر وأنّه لا بدّ فیه من الرجحان فی المنذور ، وأنّ نذر التافهات وما ینکره العقل لا ینعقد قط؟ وهل مثل هذا یُعدّ من المعضلات حتی لا یقدر علی عرفانه غیر ابن عبّاس؟ ویکفی الرجل جهلاً أنّه ما کان یحسن طلاق زوجته ، وقد عجز واستحمق کما فی صحیح مسلم (2) (4 / 181) ولم یک یعلم أنّه لا یقع إلاّ فی طهر لم یواقعها فیه (3) ، وفی لفظ مسلم فی صحیحه (4 / 181) : أنّه طلّق امرأته ثلاثاً وهی حائض.

ولذلک لم یره أبوه أهلاً للخلافة بعد ما کبر وبلغ منتهی الکهولة ، لمّا قال له رجل : استخلف عبد الله بن عمر. قال عمر : قاتلک الله والله ما أردت الله بها ، أستخلف من لم یحسن أن یطلّق امرأته (4)؟ وکأنّ عمر کان یجد ابنه یوم وفاته علی ف)

ص: 57


1- کتاب الآثار : ص 168 متناً وتعلیقاً. (المؤلف)
2- صحیح مسلم : 3 / 273 ح 7 کتاب الطلاق.
3- صحیح البخاری : 8 / 76 [5 / 2011 ح 4953] ، صحیح مسلم : 4 / 179 - 183 [3 / 271 - 276 ح 1 - 14 کتاب الطلاق] ، مسند أحمد : 2 / 51 ، 61 ، 64 ، 74 ، 80 ، 128 ، 145 [2 / 148 ح 5100 ، ص 167 ح 5246 ، ص 173 ح 5299 ، ص 190 ح 5410 و 5411 ، ص 201 ح 5499 و 5500 ، ص 488 ح 6084 ، ص 315 ح 6293]. (المؤلف)
4- تاریخ الطبری : 5 / 34 [4 / 228] ، کامل ابن الأثیر : 3 / 27 [2 / 219 حوادث سنة 23 ه] ، الصواعق ص 62 [ص 104] ، فتح الباری 7 / 54 [7 / 67] وصحّحه. (المؤلف)

جهله ذاک حین طلّق امرأته وهو شابّ غضّ أیّام حیاة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، وإلاّ فکلّ من الخلفاء بالانتخاب الدستوری لم یکن عالماً بالأحکام من أوّل یومه إن غضضنا الطرف عن یوم تسنّمه عرش الخلافة ، وإلی أن أودع مقرّه الأخیر ، وعمر نفسه کان فی المسألة نفسها لدة ولده لم یک یعلم حکم ذلک الطلاق ، حتی سأل عمر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فقال : «مُرْهُ فلیُراجعها ، ثم لیترکها حتی تطهر ، ثم تحیض ، ثم تطهر ، ثم إن شاء أمسک بعدُ وإن شاء طلّق» (1).

فالمانع عن الاستخلاف هو الجهل الحاضر ، وهذا من سوء حظّ ابن عمر یخصّ به ولا یعدوه.

وإنّی لست أدری أیّ مرتبة رابیة من الجهل کان یحوزها ابن عمر حتی عرفه منه والده الذی یمتاز فی المجتمع الدینیّ بنوادر الأثر (2)؟ فمن رآه عمر جاهلاً لا یُقدّر مبلغه من الجهل!

وممّا یدلّنا علی فقه الرجل ، أو علی مبلغه من اتّباع الهوی وإحیاء البدع ، أو علی نبذه سنّة الله ورسوله وراء ظهره ، إتمامه الصلاة فی السفر أربعاً مع الإمام ، وإعادته إیّاها فی منزله قصراً کما فی موطّأ مالک (3) (1 / 126) تقریراً للبدعة التی أحدثها عثمان فی شریعة محمد صلی الله علیه وآله وسلم ، واتّبعه فی أُحدوثته رجال الشره والتره وحملة النزعات الأمویّة کابن عمر ، وأبناء البیت الأمویّ ، کما فصّلناه فی الجزء الثامن (ص 116). وأخرج أحمد فی مسنده (4) (2 / 16) عنه قوله : صلّیت مع النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم بمنی رکعتین ، ومع أبی بکر ، وعمر ، وعثمان صدراً من إمارته ، ثم أتمّ. 8.

ص: 58


1- صحیح مسلم : 4 / 179 [3 / 271 ح 1 کتاب الطلاق]. (المؤلف)
2- ذکرنا جملة منها فی الجزء السادس : ص 83 - 325. (المؤلف)
3- موطّأ مالک : 1 / 149 ح 20.
4- مسند أحمد : 2 / 86 ح 4638.

ومن نوادر فقهه ما أخرجه أبو داود فی سننه (1) (1 / 289) من طریق سالم : أنّ عبد الله بن عمر کان یصنع - یعنی یقطع - الخفّین للمرأة المحرمة ، ثم حدّثته صفیّة بنت أبی عبید : أنّ عائشة حدّثتها : أنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قد کان رخّص للنساء فی الخفّین ، فترک ذلک.

وأخرج إمام الشافعیّة فی کتابه الأُم (2) ، أنّ ابن عمر کان یفتی النساء إذا أحرمن أن یقطعن الخفّین ، حتی أخبرته صفیّة ، عن عائشة : أنّها تفتی النساء أن لا یقطعن ، فانتهی عنه.

وأخرجه البیهقی فی سننه (5 / 52) باللفظین ، وأخرجه أحمد فی مسنده (3) (2 / 29) بلفظ أبی داود.

والأُمّة کما حکی الزرکشی فی الإجابة (4) (ص 118) مجمعة علی أنّ المراد بالخطاب المذکور فی اللباس الرجال دون النساء ، وأنّه لا بأس بلباس المخیط والخفاف للنساء.

ومنها : ما أخرجه الشیخان من أنّ ابن عمر کان یکری مزارعه علی عهد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وفی إمارة أبی بکر ، وعمر ، وعثمان ، وصدراً من خلافة معاویة ، حتی بلغه فی آخر خلافة معاویة أنّ رافع بن خدیج یُحدّث فیها بنهیٍ عن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فدخل علیه فسأله ، فقال : کان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ینهی عن کراء المزارع ، فترکها ابن عمر بعدُ ، وکان إذا سُئل عنها بعدُ قال : زعم رافع بن خدیج أنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم نهی 5.

ص: 59


1- سنن أبی داود : 2 / 166 ح 1831.
2- کتاب الأُم : 2 / 147.
3- مسند أحمد : 2 / 109 ح 4821.
4- الإجابة : ص 106 ح 5.

عنها (1).

وفی التعلیق علی صحیح مسلم (2) : قوله : وصدراً من خلافة معاویة ، قد أغرب فی وصف معاویة بالخلافة بعد ما وصف الخلفاء الثلاثة بالإمارة ، وأسقط رابعهم من البین مع أنّ الخلافة الکاملة خصیصتهم ، وعبارة البخاری : إنّ ابن عمر رضی الله عنه کان یکری مزارعه علی عهد النبی صلی الله علیه وآله وسلم وأبی بکر ، وعمر ، وعثمان ، وصدراً من إمارة معاویة ، وکان معاویة کما ذکره القسطلانی (3) فی باب صوم عاشوراء یقول : أنا أوّل الملوک. وقال المناوی فی شرح حدیث الجامع الصغیر (4) : الخلافة بالمدینة والملک بالشام ، وهذا من معجزاته - صلی الله تعالی علیه وسلّم - فقد کان کما أخبر ، وقال - فی شرح حدیثه : الخلافة بعدی فی أمتی ثلاثون سنة - : قالوا : لم یکن فی الثلاثین إلاّ الخلفاء الأربعة وأیّام الحسن (ثم ملک بعد ذلک) لأنّ اسم الخلافة إنّما هو لمن صدّق هذا الاسم بعمله للسنّة ، والمخالفون ملوک وإنّما تسمّوا بالخلفاء. انتهی.

ولابن حجر حول الحدیث کلمة أسلفناها فی (ص 24) من هذا الجزء.

قال الأمینی : ألا تعجب من ابن خلیفة شبّ ونما وترعرع وشاخ فی عاصمة الدین ، فی محیط وحی الله ، فی دار النبوّة والرسالة ، فی مدرسة الإسلام الکبری ، بین ناشئة الصحابة وفی حجور مشیختهم ، بین أُمّة عالمة استقی العالم من نمیر علمهم ، 7.

ص: 60


1- صحیح البخاری : 4 / 47 [2 / 825 ح 2218] ، صحیح مسلم : 5 / 21 [3 / 362 ح 109 کتاب البیوع] ، سنن النسائی : 7 / 46 ، 47 [3 / 102 ح 4640 ، 4641] ، مسند أحمد : 2 / 6 [2 / 67 ح 4490] ، سنن ابن ماجة : 2 / 87 [2 / 820 ح 2453] ، سنن أبی داود : 2 / 91 [3 / 259 ح 3394] ، سنن البیهقی : 6 / 130 واللفظ لمسلم. (المؤلف)
2- راجع صحیح مسلم : 5 / 22 [3 / 362 ح 109 کتاب البیوع] من طبع محمد علی صبیح وأولاده. (المؤلف)
3- ارشاد الساری : 4 / 648 ح 2003.
4- فیض القدیر : 3 / 509 ح 4147.

واهتدی الخلائق بنور هداهم ، وبقی هذا الإنسان فی ظلمة الجهل إلی أُخریات أیّام معاویة ، وعاش خمسین سنة بإجارة محرّمة ، وشدّ بها عظمه ومخّه ، ونبت بها لحمه وجلده ، حتی هداه إلی السنّة رافع بن خدیج الذی لم یکن من مشیخة الصحابة وقد استصغره رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یوم بدر؟ وکانت السنّة فی المحاقلة والمخابرة (1) تُروی فی لسان الصحابة ، وفی بعض ألفاظه شدّة ووعید مثل قوله صلی الله علیه وآله وسلم فی حدیث جابر : «من لم یذر المخابرة فلیؤذن بحرب من الله ورسوله» (2) وجاءت هذه السنّة فی الصحاح والمسانید بأسانید تنتهی إلی جابر بن عبد الله ، وسعد بن أبی وقّاص ، وأبی هریرة ، وأبی سعید الخدری ، وزید بن ثابت (3).

ولیت ابن عمر بعد ما علم الحظر فیما أشبع به طیلة حیاته نهمته ، وطبع الحال أنّه کان یعلّم بذلک ویرشد ویهدی أو یهلک ویغوی ، وکان غیره یقتصّ أثره لأنّه ابن فقیه الصحابة وخلیفتهم ، الذی أوعزنا إلی موارد من فقهه وعلمه ، فی نوادر الأثر فی الجزء السادس ، کان یسأل من فقهاء الأُمّة أو من خلیفته معاویة عن حکم المال المأخوذ المأکول بالعقد الباطل.

ألیس من الغلوّ الفاحش أو الجنایة الکبیرة علی المجتمع الدینیّ أن یُعدّ هذا الإنسان من مراجع الأُمّة ، وفقهائها ، وأعلامها ، ومستقی علمها ، وممّن یحتجّ بقوله وفعله؟ وهل کان هو یعرف من الفقه موضع قدمه؟ أنا لا أدری.

ومنها : ما أخرجه الدارقطنی فی سننه (4) من طریق عروة ، عن عائشة أنّه بلغها قول ابن عمر : فی القُبلة الوضوء. فقالت : کان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقبّل وهو صائم ، ثم 0.

ص: 61


1- المحاقلة : بیع الزرع قبل بدو صلاحه. وقیل : بیع الزرع فی سنبله بالحنطة. وقیل : الزراعة علی نصیب معلوم بالثلث والربع أو أقل من ذلک أو أکثر ، وهذا مثل المخابرة.
2- سنن البیهقی : 6 / 128. (المؤلف)
3- راجع سنن النسائی : 3 / 52 [3 / 104 ح 4650] ، سنن البیهقی : 6 / 128 - 133. (المؤلف)
4- سنن الدارقطنی : 1 / 136 ح 10.

لا یتوضّأ.

الإجابة للزرکشی (1) (ص 118)

ومنها : قوله فی المتعة ، والبکاء علی المیّت ، وطواف الوداع علی الحائض ، والتطیّب عند الإحرام. وستوافیک أخبارها.

ویُعرب عن مبلغ الرجل من فقه الإسلام ما ذکره ابن حجر فی فتح الباری (2) (8 / 209) من قوله : ثبت عن مروان أنّه قال لمّا طلب الخلافة فذکروا له ابن عمر ، فقال : لیس ابن عمر بأفقه منّی ، ولکنّه أسنّ منّی ، وکانت له صحبة.

فما شأن امرئ یکون مروان أفقه منه؟

ولعلّه نظراً إلی هذه وما یأتی من نوادر الرجل أو بوادره فی الفقه ، تری إبراهیم النخعی لمّا ذُکر له ابن عمر وتطیّبه عند الإحرام قال : ما تصنع بقوله (3)؟ وقال الشعبی : کان ابن عمر جید الحدیث ولم یکن جیّد الفقه ، کما رواه ابن سعد فی الطبقات الکبری (4) (رقم التسلسل 891).

هذا رأی الشعبی ، وأمّا نحن فلا نفرّق بین فقه الرجل وحدیثه ، وکلاهما شرع سواء غیر جیّدین ، بل حدیثه أردأ من فقهه ، ورداءة فقهه من رداءة حدیثه ، وکأنّ الشعبی لم یقف علی شواهد سوء حفظه أو تحریفه الحدیث ، فإلیک نماذج منها :

1 - أخرج الطبرانی (5) من طریق موسی بن طلحة قال : بلغ عائشة أنّ ابن 3.

ص: 62


1- الإجابة للزرکشی : ص 107 ح 6.
2- فتح الباری : 8 / 260.
3- صحیح البخاری : 3 / 58 [2 / 558 ح 1464] ، تیسیر الوصول : 1 / 267 [1 / 315]. (المؤلف)
4- الطبقات الکبری : 2 / 373.
5- المعجم الأوسط : 4 / 104 ح 3153.

عمر یقول : إنّ موت الفجأة سخطة علی المؤمنین. فقالت : یغفر الله لابن عمر ، إنّما قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «موت الفجأة تخفیف علی المؤمنین وسخطة علی الکافرین».

الإجابة للزرکشی (1) (ص 119)

. 2 - أخرج البخاری (2) من طریق ابن عمر قال : وقف النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم علی قلیب بدر فقال : «هل وجدتم ما وعد ربّکم حقّا؟» ثم قال : «إنّهم الآن یسمعون ما أقول» فذُکِر ذلک لعائشة فقالت : قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «إنّهم الآن لیعلمون أنّ ما کنت أقول لهم حقّ».

وفی لفظ أحمد فی مسنده (3) (2 / 31): وقف رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم علی القلیب یوم بدر فقال : «یا فلان ، یا فلان هل وجدتم ما وعدکم ربّکم حقّا؟ أما والله إنّهم الآن لیسمعون کلامی». قال یحیی : فقالت عائشة : غفر الله لأبی عبد الرحمن إنّه وهم ، إنّما قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «والله إنّهم لیعلمون الآن أنّ الذی کنت أقول لهم حقّا (4) ، وأنّ الله تعالی یقول : (إِنَّکَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتی) (وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِی الْقُبُورِ) (5)

3 - روی الحکیم الترمذی فی نوادر الأصول (6) من طریق ابن عمر قال : قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «اهتزّ العرش لموت سعد بن معاذ» قال أبو عبد الله : فتأوّل ناس فی هذا الحدیث وقالوا : العرش سریره الذی حمل علیه ، واحتجّوا بحدیث رووه عن ابن عمر أنّه تأوّله ، کذا حدّثنا الجارود قال : حدّثنا جریر ، عن عطاء بن السائب ، عن ع.

ص: 63


1- الإجابة : ص 108 ح 7.
2- صحیح البخاری : 4 / 1462 ح 3760.
3- مسند أحمد : 2 / 113 ح 4849.
4- کذا فی المصدر.
5- النمل : 80 ، فاطر : 22.
6- نوادر الأصول : 1 / 53 الأصل التاسع.

مجاهد ، عن ابن عمر قال : ذُکر یوماً عنده حدیث سعد : أنّ العرش اهتزّ لحبّ الله لقاء سعد ، قال ابن عمر : إنّ العرش لیس یهتزّ لموت أحد ، ولکن سریره الذی حُمل علیه. قال : فهذا مبلغ ابن عمر رحمه الله من علم ما أُلقی إلیه من ذلک ، وفوق کلّ ذی علم علیم (1). انتهی.

وأخرجه الحاکم فی المستدرک (2) (3 / 606) ولفظه : قال ابن عمر : اهتزّ لحبّ لقاء الله العرش - یعنی السریر - قال : ورفع أبویه علی العرش تفسّخت أعواده.

وأنت تعرف سخافة هذا التأویل ممّا أخرجه البخاری والحاکم فی المستدرک من طریق جابر بن عبد الله قال : سمعت ورسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول : «اهتزّ عرش (3) الرحمن لموت سعد بن معاذ» فقال رجل لجابر : فإنّ البراء یقول : اهتزّ السریر ، فقال : إنّه کان بین هذین الحیّین الأوس والخزرج ضغائن ، سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول : «اهتزّ عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ» (4). وأخرجه مسلم بلفظ اهتزّ عرش الرحمن (5).

وفی فتح الباری (6) (7 / 98) : قد جاء حدیث اهتزاز العرش لسعد بن معاذ عن عشرة من الصحابة أو أکثر وثبت فی الصحیحین فلا معنی لإنکاره.

4 - فی کتاب الإنصاف لشاه صاحب : روی ابن عمر عنه صلی الله علیه وآله وسلم من أنّ المیّت 4.

ص: 64


1- غیّرنا فی ألفاظ هذا الحدیث والذی قبله ، وفقاً لما ورد فی مصادرهما.
2- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 228 ح 4924.
3- فصّل ابن حجر القول فی معنی الحدیث فی فتح الباری : 7 / 97 ، 98 [7 / 123 ، 124]. (المؤلف)
4- صحیح البخاری فی المناقب : 6 / 3 [3 / 1384 ح 3592] ، مستدرک الحاکم : 3 / 207 [3 / 229 ح 4928]. (المؤلف)
5- صحیح مسلم : 7 / 150 [5 / 68 ح 124 کتاب فضائل الصحابة]. (المؤلف)
6- فتح الباری : 7 / 124.

یعذّب ببکاء أهله علیه ، فقضت عائشة علیه بأنّه لم یأخذ الحدیث علی وجهه ، مرّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم علی یهودیّة یبکی علیها أهلها ، فقال صلی الله علیه وآله وسلم : «إنّهم یبکون علیها ، وإنّها تعذّب فی قبرها» وظنّ - ابن عمر - العذاب معلولاً بالبکاء ، وظنّ الحکم عامّا علی کلّ میّت.

وأخرج أحمد فی المسند (1) (6 / 281) عن عائشة : أنّه بلغها أنّ ابن عمر یحدّث عن أبیه أنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قال : المیت یعذّب ببکاء أهله علیه. فقالت : یرحم الله عمر وابن عمر ، فو الله ما هما بکاذبین ولا مکذّبین ولا متزیّدین ، إنّما قال ذلک رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی رجل من الیهود ، ومرّ بأهله وهم یبکون علیه فقال : «إنّهم لیبکون علیه وإنّ الله عزّ وجلّ لیعذّبه فی قبره». ولأحمد فی مسنده لفظ آخر یأتی بعد بضع صحائف من هذا الجزء.

أسلفنا الحدیث نقلاً عن عدّة صحاح ومسانید فی الجزء السادس (ص 151 الطبعة الأولی) وفصّلنا هنالک القول حول المسألة.

5 - أخرج البخاری فی کتاب الأذان من صحیحه (2) (2 / 6) عن عبد الله بن عمر أنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قال : «إنّ بلالاً یؤذّن بلیل فکلوا واشربوا حتی ینادی ابن أُمّ مکتوم».

هذا الحدیث ممّا استدرکت به عائشة علی ابن عمر وکانت تقول غلط ابن عمر وصحیحه : «إنّ ابن أُمّ مکتوم ینادی بلیل فکلوا واشربوا حتی یؤذّن بلال» ، وبهذا جزم الولید وکذا أخرجه ابن خزیمة (3) وابن المنذر وابن حبّان (4) من طرق عن شعبة ، 3.

ص: 65


1- مسند أحمد : 7 / 398 ح 25871.
2- صحیح البخاری : 1 / 223 ح 592.
3- صحیح ابن خزیمة : 1 / 210 ح 404.
4- الإحسان فی تقریب صحیح ابن حبان : 8 / 251 ح 3473.

وکذلک أخرجه الطحاوی والطبرانی (1) من طریق منصور بن زاذان عن خبیب بن عبد الرحمن.

وفی لفظ البیهقی فی سننه (1 / 382) : قالت عائشة : قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «إنّ ابن مکتوم رجل أعمی فإذا أذّن فکلوا واشربوا حتی یؤذّن بلال». قالت : وکان بلال یبصر الفجر ، وکانت عائشة تقول غلط ابن عمر.

وقال ابن حجر : ادّعی ابن عبد البرّ وجماعة من الأئمّة بأنّه مقلوب ، وأنّ الصواب حدیث الباب - یعنی لفظ البخاری - وقد کنت أمیل إلی ذلک إلی أن رأیت الحدیث فی صحیح ابن خزیمة من طریقین آخرین عن عائشة ، وفی بعض ألفاظه ما یبعد وقوع الوهم فیه وهو قوله : إذا أذّن عمرو فإنّه ضریر البصر فلا یغرّنّکم ، وإذا أذّن بلال فلا یَطعمنّ أحد. وأخرجه أحمد (2). وجاء عن عائشة أیضاً : أنّها کانت تنکر حدیث ابن عمر وتقول : إنّه غلط ، أخرج ذلک البیهقی من طریق الدراوردی ، عن هشام ، عن أبیه ، عنها ، فذکر الحدیث وزاد : قالت عائشة : وکان بلال یبصر الفجر. قال : وکانت عائشة تقول : غلط ابن عمر.

فتح الباری (3) (2 / 81).

6 - أخرج أحمد فی مسنده (4) (2 / 21) من طریق یحیی بن عبد الرحمن بن حاطب ، قال : قال عبد الله بن عمر : قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : الشهر تسع وعشرون وصفق بیدیه مرّتین ، ثم صفق الثالثة وقبض إبهامه. فقالت عائشة : غفر الله لأبی عبد الرحمن إنّه وَهَل (5) ، إنّما هجر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم نساءه شهراً ، فنزل لتسع وعشرین ه.

ص: 66


1- المعجم الکبیر : 24 / 191 ح 482.
2- فی المسند : 6 / 186 [7 / 266 ح 24994]. (المؤلف)
3- فتح الباری : 2 / 102.
4- مسند أحمد : 2 / 113 ح 4851 ، 2 / 157 ح 5160.
5- وَهَل إلی الشیء یَوْهَل ، إذا ذهب وهمه إلیه.

فقالوا : یا رسول الله إنّک نزلت لتسع وعشرین؟ فقال : إنّ الشهر یکون تسعاً وعشرین. وفی (ص 56): فقیل له ، فقال صلی الله علیه وآله وسلم : إنّ الشهر قد یکون تسعاً وعشرین. ورواه أبو منصور البغدادی ولفظه : أُخبرت عائشة بقول ابن عمر رضی الله عنه : إنّ الشهر تسع وعشرون ، فأنکرت ذلک علیه وقالت : یغفر الله لأبی عبد الرحمن ما هکذا قال رسول الله ، ولکن قال : إنّ الشهر قد یکون تسعاً وعشرین.

الإجابة للزرکشی (1) (ص 120).

کان ابن عمر یعمل بوهمه هذا ویری کلّ شهر تسعة وعشرین یوماً وکان یقول : قال رسول الله : الشهر تسع وعشرون ، وکان إذا کان لیلة تسع وعشرین وکان فی السماء سحاب أو قتر أصبح صائماً (2).

7 - أخرج الشیخان من جهة نافع قال : قیل لابن عمر : إنّ أبا هریرة یقول : سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول : من تبع جنازة فله قیراط من الأجر. فقال ابن عمر : أکثر علینا أبو هریرة ، فبعث إلی عائشة فسألها فصدّقت أبا هریرة ، فقال ابن عمر : لقد فرّطنا فی قراریط کثیرة.

وأخرج مسلم من طریق عامر بن سعد بن أبی وقّاص : أنّه کان قاعداً عند عبد الله بن عمر إذ طلع خباب صاحب المقصورة فقال : یا عبد الله بن عمر ألا تسمع ما یقول أبو هریرة؟ إنه سمع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول : «من خرج مع جنازة من بیتها وصلّی علیها ثم تبعها حتی دفن کان له قیراطان من أجر ، کلّ قیراط مثل أحد ، ومن صلّی علیها ثم رجع کان له من الأجر مثل أُحد» فأرسل ابن عمر خبّاباً إلی عائشة یسألها عن قول أبی هریرة ثم یرجع إلیه فیخبره بما قالت ، وأخذ ابن عمر قبضة من حصی المسجد یقلّبها فی یده حتی رجع إلیه الرسول ، فقال : قالت عائشة : صدق ف)

ص: 67


1- الإجابة : ص 109 ح 9.
2- مسند أحمد : 2 / 13 [2 / 80 ح 4597]. (المؤلف)

أبو هریرة. فضرب ابن عمر بالحصی الذی کان فی یده الأرض وقال : لقد فرّطنا فی قراریط کثیرة (1).

ولعلّ الباحث لا یشکّ إذا وقف علی هذه الروایات وأمثالها فی أنّ روایة ابن عمر لا تقلّ عن فقاهته فی الرداءة ، ومن هذا شأنه فی الفقه والحدیث لا یعبأ به وبرأیه ، ولا یوثق بحدیثه.

رأی ابن عمر فی القتال والصلاة :

ومنها : أخرج ابن سعد فی الطبقات الکبری (2) (4 / 110) طبعة لیدن عن ابن عمر أنّه کان یقول : لا أُقاتل فی الفتنة ، وأُصلّی وراء من غلب. وقال ابن حجر فی فتح الباری (3) (13 / 39) : کان رأی ابن عمر ترک القتال فی الفتنة ولو ظهر أنّ إحدی الطائفتین محقّة والأخری مبطلة. وقال ابن کثیر فی تاریخه (4) (9 / 5) : کان فی مدّة الفتنة لا یأتی أمیراً إلاّ صلّی خلفه ، وأدّی إلیه زکاة ماله.

یتراءی هاهنا من وراء ستر رقیق تترّس ابن عمر بأُغلوطته هذه عن سُبّة تقاعده عن حرب الجمل وصفّین مع مولانا أمیر المؤمنین ، ذاهلاً عن أنّ هذه جنایة أخری لا یُغسل بها دنس ذلک الحوب الکبیر ، متی کانت تلکم الحروب فتنة حتی یتظاهر ابن عمر تجاهها بزهادة جامدة لاقتناص الدهماء؟ والأمر کما قال حذیفة الیمانی ذلک الصحابی العظیم : لا تضرّک الفتنة ما عرفت دینک ، إنّما الفتنة إذا اشتبه .

ص: 68


1- صحیح البخاری : 2 / 239 [1 / 445 ح 1260] ، صحیح مسلم : 3 / 52 ، 53 [2 / 345 ح 56 کتاب الجنائز]. (المؤلف)
2- الطبقات الکبری : 4 / 149.
3- فتح الباری : 13 / 47.
4- البدایة والنهایة : 9 / 8 حوادث سنة 74 ه.

علیک الحقّ والباطل (1).

أوَ کان ابن عمر بمنتأی عن عرفان دینه؟ أو کان علی حدّ قوله تعالی : (یَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللهِ ثُمَّ یُنْکِرُونَها) (2) وهل کان ابن عمر لم یعرف من القرآن قوله تعالی : (وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَیْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَی الْأُخْری فَقاتِلُوا الَّتِی تَبْغِی حَتَّی تَفِیءَ إِلی أَمْرِ اللهِ فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَیْنَهُما بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ یُحِبُّ الْمُقْسِطِینَ) (3) وقد أفحمه رجل عراقیّ بهذه الآیة وحیّره ، فلم یحر ابن عمر جواباً غیر أنّه تخلّص منه بقوله : مالک ولذلک؟ انصرف عنّی. وسیوافیک تمام الحدیث.

هلاّ کان ابن عمر بان له الرشد من الغیّ ، ولم یک یشخّص الحقّ من الباطل؟ وهلاّ کان یعرف الباغیة من الفئتین؟ وهل کان یزعم بأنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أخبر عن الفتن بعده وأنّها تغشی أمّته کقطع اللیل المظلم (4) ، وترک الأمّة مغمورة فی مدلهمّاتها ، هالکة فی غمراتها ، ولم یعبّد لها طریق النجاة ، وما رشّدها إلی مهیع الحقّ ، ولم ینبس عمّا ینجیها ببنت شفة؟ حاشا نبیّ الرحمة عن ذلک ، وهو صلی الله علیه وآله وسلم لم یُبق عذراً لأیّ أحد من عرفان الباغیة من الطائفتین فی تلکم الحروب ، ولم یک یخفی حکمها علی أیّ دینیّ ، قال مولانا أمیر المؤمنین : «لقد أهمّنی هذا الأمر وأسهرنی ، وضربت أنفه وعینیه فلم أجد إلاّ القتال أو الکفر بما أنزل الله علی محمد - صلی الله علیه وآله وسلم - ، إنّ الله تبارک وتعالی لم یرضَ من أولیائه أن یُعصی فی الأرض وهم سکوت مذعنون ، لا یأمرون ف)

ص: 69


1- فتح الباری : 13 / 40 [13 / 49]. (المؤلف)
2- النحل : 83.
3- الحجرات : 9.
4- صحیح الترمذی : 9 / 49 [4 / 423 ح 2197] ، مستدرک الحاکم : 4 / 438 ، 440 [4 / 485 ح 8354 ، ص 487 ح 8310] ، کنز العمّال : 6 / 31 ، 37 [1 / 152 ح 30997 ، 157 ح 31019]. (المؤلف)

بالمعروف ولا ینهون عن المنکر ، فوجدت القتال أهون علیّ من معالجة الأغلال فی جهنّم» (1).

أکان فی أُذن ابن عمر وقر عن سماع ذلک الهتاف القدسیّ بمثل قوله صلی الله علیه وآله وسلم لعائشة «کأنّی بک تنبحک کلاب الحوأب ، تقاتلین علیّا وأنت له ظالمة»؟

وقوله لزوجاته : «کأنّی بإحداکنّ قد نبحها کلاب الحوأب ، وإیّاک أن تکونی أنت یا حمیراء»؟

وقوله لها : «انظری أن لا تکونی أنت»؟

وقوله للزبیر : «إنّک تقاتل علیّا وأنت ظالم له»؟

وقوله : «سیکون بعدی قوم یقاتلون علیّا علی الله جهادهم ، فمن لم یستطع جهادهم بیده فبلسانه ، فمن لم یستطع بلسانه فبقلبه ، لیس وراء ذلک شیء» حقّا جاهد ابن عمر فی الخلاف علی قول رسول الله هذا ، بلسانه وقلبه ما استطاع؟

وقوله لعلیّ : «یا علیّ ستقاتل الفئة الباغیة وأنت علی الحقّ ، فمن لم ینصرک یومئذ فلیس منّی»؟

وقوله له : «ستقاتل بعدی الناکثین والقاسطین والمارقین»؟

وقوله له : «أنت فارس العرب وقاتل الناکثین والمارقین والقاسطین»؟

وقوله لأُمّ سلمة لمّا رأی علیّا : «هذا والله قاتل القاسطین والناکثین والمارقین من بعدی»؟

وعهده إلی علیّ علیه السلام أن یقاتل بعده القاسطین والناکثین والمارقین (2)؟ف)

ص: 70


1- کتاب صفّین : ص 542 [ص 474]. (المؤلف)
2- راجع الجزء الثالث [ص 272 - 276]. (المؤلف)

وقوله لأصحابة : «إنّ فیکم من یقاتل علی تأویل القرآن کما قاتلت علی تنزیله» قال أبو بکر : أنا هو یا رسول الله؟ قال : «لا». قال عمر : أنا هو یا رسول الله؟ قال : «لا ، ولکن خاصف النعل». وکان أعطی علیّا نعله یخصفها (1).

وقوله لعمّار بن یاسر : «تقتلک الفئة الباغیة». وقد قتلته فئة معاویة.

وقول أبی أیّوب الأنصاری ، وأبی سعید الخدری ، وعمّار بن یاسر : أمرنا رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بقتال الناکثین والقاسطین والمارقین. قلنا : یا رسول الله أمرت بقتال هؤلاء مع من؟ قال : «مع علیّ بن أبی طالب».

إلی أحادیث أخری ذکرناها فی الجزء الثالث (ص 192 - 195) هب أنّ ابن عمر لم یکن یسمع شیئاً من هذه الأحادیث الثابتة عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، أوَما کان یسمع أیضاً ، أوَما کان یصدّق أُولئک الجمّ الغفیر من البدریّین أعاظم الصحابة الأوّلین ، الذین حاربوا الناکثین والقاسطین وملء أسماعهم عهد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إلیهم ، وأمره إیّاهم بقتال أولئک الطوائف الخارجة علی الإمام الحقّ الطاهر؟ فأیّ مین أعظم ممّا جاء به ابن عمر فی کتاب له إلی معاویة من قوله : أحدث علیّ أمراً لم یکن إلینا فیه من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم عهد ، ففزعت إلی الوقوف. وقلت : إن کان هذا هدیً ففضل ترکته ، وإن کان ضلالة فشرّ منه نجوت (2)؟

وهل ابن عمر کان یخفی علیه هتاف الصادع الکریم : «علیّ مع الحقّ والحقّ مع علیّ ، ولن یفترقا حتی یردا علیّ الحوض یوم القیامة»؟

أو قوله : «علیّ مع الحقّ والحقّ معه وعلی لسانه ، والحقّ یدور حیثما دار ف)

ص: 71


1- راجع : 7 / 131. (المؤلف)
2- الإمامة والسیاسة : 1 / 76 [1 / 90] ، شرح ابن أبی الحدید : 1 / 260 [3 / 113 خطبة 43]. (المؤلف)

علیّ»؟

أو قوله لعلیّ : «إنّ الحقّ معک والحقّ علی لسانک. وفی قلبک وبین عینیک ، والإیمان مخالط لحمک ودمک کما خالط لحمی ودمی»؟

أو قوله مشیراً إلی علیّ : «الحقّ مع ذا ، الحقّ مع ذا ، یزول معه حیثما زال»؟

أو قوله : «علیّ مع القرآن والقرآن معه لا یفترقان حتی یردا علیّ الحوض»؟

أو قوله لعلیّ : «لحمک لحمی ، ودمک دمی ، والحقّ معک»؟

أو قوله : «ستکون بعدی فتنة فإذا کان ذلک فالزموا علیّ بن أبی طالب ، فإنّه أوّل من یصافحنی یوم القیامة ، وهو الصدّیق الأکبر ، وهو فاروق هذه الأمّة ، یفرق بین الحقّ والباطل ، وهو یعسوب المؤمنین ، والمال یعسوب المنافقین» (1)؟

أو قوله لعلیّ وحلیلته وشبلیه : «أنا حرب لمن حاربتم وسلم لمن سالمتم».

أو قوله لهم : «أنا حرب لمن حاربکم وسلم لمن سالمکم»؟

أو قوله وهم فی خیمة : «معشر المسلمین أنا سلم لمن سالم أهل الخیمة ، حرب لمن حاربهم ، ولیّ لمن والاهم ، لا یحبّهم إلاّ سعید الجدّ ، طیّب المولد ، ولا یبغضهم إلاّ شقیّ الجدّ ، ردیّ الولادة»؟

أو قوله وهو آخذ بضبع علیّ : «هذا أمیر البررة ، قاتل الفجرة ، منصور من نصره ، مخذول من خذله» (2)؟

أو قوله فی حجّة الوداع فی ملأ من مائة ألف أو یزیدون : «من کنت مولاه فهذا ف)

ص: 72


1- راجع الجزء الثالث : ص 22 ، 176 - 180 ، 187 ، الاستیعاب : 2 / 657 [القسم الرابع / 1744 رقم 3157] الإصابة : 4 / 171 [رقم 994]. (المؤلف)
2- راجع الجزء الأوّل : ص 336 و 8 / 88 ، أحکام القرآن للجصاص : 1 / 560. (المؤلف)

علیّ مولاه ، اللهم والِ من والاه ، وعادِ من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله وأحبّ من أحبّه ، وأبغض من أبغضه ، وأدر الحقّ معه حیث دار» (1).

إلی أخبار جمة ملأت ما بین الخافقین ، فهل ابن عمر کان بمنتأی عن هذه کلّها فحسب تلکم المواقف حرباً دنیویّة أو فتنة لا یعرف وجهها ، قتالاً علی الملک (2)؟ أو کان تُتلی علیه ثم یُصرّ مستکبراً کأن لم یسمعها ، کأنّ فی أذنیه وقراً ، وعلی کلّ تقدیر لم یک رأیه إلاّ اجتهاداً فی مقابل النصّ ، لا یصیخ إلیه أیّ دینیّ صمیم.

ومن المأسوف علیه أنّ الرجل ندم یوم لم ینفعه الندم عمّا فاته فی تلکم الحروب من مناصرة علیّ أمیر المؤمنین ، وکان یقول : ما أجدنی آسی علی شیء من أمر الدنیا إلاّ أنّی لم أُقاتل الفئة الباغیة. وفی لفظ : ما آسی علی شیء إلاّ أنّی لم أُقاتل مع علیّ الفئة الباغیة. وفی لفظ : ما أجدنی آسی علی شیء فاتنی من الدنیا إلاّ أنّی لم أُقاتل مع علیّ الفئة الباغیة. وفی لفظ : قال حین حضرته الوفاة : ما أجد فی نفسی من أمر الدنیا شیئاً إلاّ أنّی لم أُقاتل الفئة الباغیة مع علیّ بن أبی طالب رضی الله عنه. وفی لفظ ابن أبی الجهم : ما آسی علی شیء إلاّ ترکی قتال الفئة الباغیة مع علیّ رضی الله عنه (3).

وأخرج البیهقی فی سننه (8 / 172) من طریق حمزة بن عبد الله بن عمر قال : بینما هو جالس مع عبد الله بن عمر إذ جاءه رجل من أهل العراق فقال : یا أبا عبد الرحمن إنّی والله لقد حرصت أن أتسمّت بسمتک ، وأقتدی بک فی أمر فرقة الناس ، وأعتزل الشرّ ما استطعت ، وإنّی أقرأ آیة من کتاب الله محکمة قد أخذت بقلبی فأخبرنی عنها ، ف)

ص: 73


1- راجع ما مرّ فی الجزء الأوّل من حدیث الغدیر. (المؤلف)
2- راجع مسند أحمد : 2 / 70 ، 94 [2 / 182 ح 5358 ، ص 225 ح 5657] ، سنن البیهقی : 8 / 192. (المؤلف)
3- الطبقات الکبری طبعة لیدن : 4 / 136 ، 137 [4 / 187] ، الاستیعاب : 1 / 369 ، 370 [القسم الثالث / 953 رقم 1612] ، أُسد الغابة : 3 / 229 [3 / 342 رقم 3080] ، الریاض النضرة : 2 / 242 [3 / 201]. (المؤلف)

أرأیت قول الله تعالی : (وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَیْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَی الْأُخْری فَقاتِلُوا الَّتِی تَبْغِی حَتَّی تَفِیءَ إِلی أَمْرِ اللهِ فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَیْنَهُما بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ یُحِبُّ الْمُقْسِطِینَ) أخبرنی عن هذه الآیة. فقال عبد الله : ومالک ولذلک؟ انصرف عنّی ، فانطلق حتی تواری عنّا سواده ، أقبل علینا عبد الله بن عمر فقال : ما وجدت فی نفسی من شیء من أمر هذه الأُمّة ما وجدت فی نفسی أنّی لم أُقاتل هذه الفئة الباغیة کما أمرنی الله عزّ وجلّ.

هذه حجّة الله الجاریة علی لسان ابن عمر ونفثات ندمه ، وهل أثّرت تلکم الحجج فی قلبه؟ وصدّق الخبر الخبر یوماً ما من أیّامه؟ أنا لا أدری.

هلمّ معی إلی صلاة ابن عمر :

وأمّا صلاته مع من غلب وتأمّر فمن شواهد جهله بشأن العبادات وتهاونه بالدین الحنیف ، ولعبه بشعائر الله شعائر الإسلام المقدّس ، قد استحوذ علیه الشیطان فأنساه ذکر الله ، اعتذر الرجل بهذه الخزایة عن ترکه الصلاة وراء خیر البشر أحد الخیرتین. أحبّ الناس إلی الله ورسوله ، علیّ أمیر المؤمنین المعصوم بلسان الله العزیز ، وعن إقامته إیّاها وراء الحجّاج الفاتک المستهتر ، وقد جاء من طریق سفیان الثوری ، عن سلمة بن کهیل قال : اختلفت أنا وذر المرهبیّ (1) فی الحجّاج ، فقال : مؤمن. وقلت : کافر. قال الحاکم : وبیان صحّته ما اطلق فیه مجاهد بن جبر رضی الله عنه فیما حدّثناه من طریق أبی سهل أحمد القطان ، عن الأعمش قال : والله لقد سمعت الحجّاج بن یوسف یقول : یا عجباً من عبد هذیل - یعنی عبد الله بن مسعود - یزعم أنّه یقرأ قرآناً من عند الله ، والله ما هو إلاّ رجز من رجز الأعراب ، والله لو أدرکت عبد هذیلف)

ص: 74


1- کان من عبّاد أهل الکوفة ، أحد رجال الصحاح الستّة. (المؤلف)

لضربت عنقه (1) ، وزاد ابن عساکر ، ولأُخْلِیَنَّ منها المصحف ولو بضلع خنزیر.

وذکر ابن عساکر فی تاریخه (2) (4 / 69) من خطبة له قوله : اتّقوا الله ما استطعتم فلیس فیها مثوبة ، واسمعوا وأطیعوا لأمیر المؤمنین عبد الملک فإنّها المثوبة ، والله لو أمرت الناس أن یخرجوا من باب من أبواب المسجد فخرجوا من باب آخر لحلّت لی دماؤهم وأموالهم.

علی أنّ ابن عمر هو الذی جاء بقوله عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «فی ثقیف کذّاب ومبیر». وقوله : «إنّ فی ثقیف کذّاباً ومبیراً» (3) وأطبق الناس سلفاً وخلفاً علی أنّ المبیر هو الحجّاج.

قال الجاحط : خطب الحجّاج بالکوفة فذکر الذین یزورون قبر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بالمدینة فقال : تبّا لهم إنّما یطوفون بأعواد ورمّة بالیة هلاّ طافوا بقصر أمیر المؤمنین عبد الملک؟ ألا یعلمون أنّ خلیفة المرء خیر من رسوله (4)؟

وقال الحافظ ابن عساکر فی تاریخه (5) (4 / 81) : اختلف رجلان فقال أحدهما : إنّ الحجّاج کافر ، وقال الآخر : إنّه مؤمن ضالّ. فسألا الشعبی فقال لهما : إنّه مؤمن بالجبت والطاغوت ، کافر بالله العظیم.

وقال : وسئل عنه واصل بن عبد الأعلی فقال : تسألونی عن الشیخ الکافر. 8.

ص: 75


1- مستدرک الحاکم : 3 / 556 [3 / 641 ح 6352] ، تاریخ ابن عساکر : 4 / 69 [12 / 159 - 160 رقم 1217 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 6 / 215]. (المؤلف)
2- تاریخ مدینة دمشق : 12 / 159 رقم 1217 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 6 / 214.
3- صحیح الترمذی : 9 / 64 و 13 / 294 [4 / 432 ح 2220 ، 5 / 686 ح 3944] ، مسند أحمد : 2 / 91 ، 92 [2 / 218 ح 5612 ، ص 221 ح 5632] ، تاریخ ابن عساکر : 4 / 50 [12 / 121 - 122 رقم 1217]. (المؤلف)
4- النصائح لابن عقیل : ص 81 الطبعة الثانیة [ص 106]. (المؤلف)
5- تاریخ مدینة دمشق : 12 / 187 - 188 رقم 1217 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 6 / 228.

وقال : قال القاسم بن مخیمرة : کان الحجّاج ینتفض من الإسلام (1).

وقال : قال عاصم بن أبی النجود : ما بقیت لله تعالی حرمة إلاّ وقد انتهکها الحجّاج.

وقال : قال طاووس : عجبت لإخواننا من أهل العراق یسمّون الحجّاج مؤمناً.

وقال الأجهوری : وقد اختار الإمام محمد بن عرفة والمحققون من أتباعه کفر الحجّاج.

الإتحاف (2) (ص 22).

دع هذه کلّها وخذ ما أخرجه الترمذی ، وابن عساکر من طریق هشام بن حسّان أنّه قال : أُحصی ما قتل الحجّاج صبراً فوجد مائة ألف وعشرین ألفاً (3) ، ووجد فی سجنه ثمانون ألفاً محبوسون ، منهم ثلاثون ألف امرأة (4) ، وکانت هذه المجزرة الکبری والسجن العام بین یدی ابن عمر ینظر إلیهما من کثب ، أدرک أیام الحجّاج کلّها ، ومات وهو حیّ یذبح ویفتک.

أمثل هذا الجائر الغادر الآثم یتأهّل للائتمام به ، دون سیّد العرب مثال القداسة والکرامة؟!

وهل ابن عمر نسی یوم بایع الحجّاج ما اعتذر به من امتناعه عن بیعة ابن الزبیر ، لمّا قیل له : ما یمنعک أن تبایع أمیر المؤمنین - ابن الزبیر - فقد بایع له أهل ف)

ص: 76


1- کذا فی تهذیب تاریخ ابن عساکر ، وفی الطبعة الجدیدة من تاریخ مدینة دمشق : کان الحجّاج ینقض عری الإسلام.
2- الإتحاف بحب الأشراف : ص 67.
3- صحیح الترمذی : 9 / 64 [4 / 433 ح 2220] ، تاریخ ابن عساکر : 4 / 80 [12 / 184 رقم 1217 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 6 / 226] ، تیسیر الوصول : 4 / 36 [4 / 41]. (المؤلف)
4- تاریخ ابن عساکر : 4 / 80 [12 / 185 رقم 1217] ، المستطرف : 1 / 66 [1 / 53]. (المؤلف)

العروض وعامّة أهل الشام؟ فقال : والله لا أُبایعکم وأنتم واضعو سیوفکم علی عواتقکم ، تصیب أیدیکم من دماء المسلمین (1).

هلاّ کان ابن عمر ونصب عینیه ما کانت تصیبه أیدی الحجّاج وزبانیته من دماء المسلمین ، دماء أمّة کبیرة من عباد الله الصالحین ، دماء نفوس زکیّة من شیعة آل الله؟ فکیف ائتمّ به وبایعه؟ وبأیّ کتاب أم بأیّة سنّة ساغ له حنث یمینه یوم بایع ابن الزبیر ومدّ یده إلی بیعته وهی ترجف من الضعف بعد ما بایعه رءوس الخوارج أعداء الإسلام ، المارقین من الدین : نافع بن الأزرق ، وعطیة بن الأسود ، ونجدة بن عامر (2)؟

لیتنی أدری وقومی أفی شریعة الإسلام حکم للغلبة یرکن إلیه المسلم فی الصلاة التی هی عماد الدین وأفضل أعمال أُمّة محمد صلی الله علیه وآله وسلم؟ أو أنّ الائتمام فی الجمعة والجماعة یدور مدار تحقّق البیعة وإجماع الأمّة ، وعدم النزاع بین الإمام وبین من خالفه من الخوارج علیه؟ أو أنّ هاتیک الأعذار - أعذار ابن عمر - أحلام نائم وأمانیّ کاذبة لا طائل تحتها؟ أنظر إلی ضئولة عقل ابن عمر یحسب أنّ الأمّة تتلقّی خزعبلاته بالقبول ، وتراه بها معذوراً فی طامّاته ، ذاهلاً عن أنّ هذه المعاذیر أکثر معرّة من بوادره ، والإنسان علی نفسه بصیرة ولو ألقی معاذیره.

کان الرجل یصلّی مع الحجّاج بمکة کما قاله ابن سعد (3) ، وقال ابن حزم فی المحلّی (4 / 213) : کان ابن عمر یصلّی خلف الحجّاج ونجدة (4) ، وکان أحدهما ف)

ص: 77


1- سنن البیهقی : 8 / 192. (المؤلف)
2- سنن البیهقی : 8 / 193. (المؤلف)
3- الطبقات الکبری : 4 / 110 [4 / 149]. (المؤلف)
4- نجدة بن عامر - عمیر - الیمانی من رءوس الخوارج زائغ عن الحق ، خرج بالیمامة عقب موت یزید ابن معاویة ، وقدم مکة ، وله مقالات معروفة ، وأتباع انقرضوا ، قتل فی سنة سبعین. لسان المیزان : 6 / 148 [6 / 177 رقم 8757]. (المؤلف)

خارجیّا ، والثانی أفسق البریّة. وذکره أبو البرکات فی بدائع الصنائع (1 / 156).

ألیس أحقّ الناس بالإمامة أقرأهم لکتاب الله وأعلمهم بالسنّة؟ ألیس من السنّة الصحیحة الثابتة قوله صلی الله علیه وآله وسلم : «یؤمّ القوم أقرؤهم لکتاب الله ، فإن کانوا فی القراءة سواء فأعلمهم بالسنّة ، فإن کانوا فی السنّة سواء فأقدمهم هجرة ، فإن کانوا فی الهجرة سواءً فأقدمهم سلماً؟» (1).

أم لم یکن منها قوله صلی الله علیه وآله وسلم : «إن سرّکم أنْ تُقْبَل صلاتکم فلیؤمّکم خیارکم ، فإنّهم وفدکم فیما بینکم وبین ربّکم» (2)؟

أو لم یکن یسرّ ابن عمر أن تُقبل صلاته؟ أم کان یروقه من صلاة الحجّاج أنّه وخطباءه کانوا یلعنون علیّا وابن الزبیر (3)؟ أم کان یعلم أنّ الصلاة وغیرها من القربات لا تنجع لأیّ مسلم إلاّ بالولایة لسیّد العترة - سلام الله علیه - (4) ، وابن عمر علی نفسه بصیرة ، ویراه فاقداً إیّاها ، بعیداً عنها ، فائتمامه عندئذ بالإمام العادل أو الجائر المستهتر سواسیة؟

إن کان الرجل یجد الغلبة ملاک الائتمام فهلاّ ائتمّ بمولانا أمیر المؤمنین علیه السلام وکان هو الغالب فی وقعة الجمل ویوم النهروان؟ ولم یکن فی صفّین مغلوباً ، وإنّما لعب ابن العاصی فیها بخدیعته ، فالتبس الأمر علی الأغرار ، لکنّ أهل البصائر عرفوها فلم یتزحزحوا عن معتقدهم طرفة عین ، وقبل هذه الحروب انعقدت البیعة بخلیفة الحقّ من غیر معارض ولا مزاحم حتی یتبیّن فیه الغالب من المغلوب ، فکان إمام العدل علیه السلام ف)

ص: 78


1- صحیح مسلم : 2 / 133 [2 / 119 ح 290 کتاب المساجد] ، صحیح الترمذی : 6 / 34 [1 / 459 ح 235] ، سنن أبی داود : 1 / 96 [1 / 159 ح 582 ، 584]. (المؤلف)
2- نصب الرایة : 26 / 2. (المؤلف)
3- راجع المحلّی لابن حزم : 5 / 64 [مسألة 528]. (المؤلف)
4- راجع الجزء الثانی : ص 301. (المؤلف)

هو المستولی علی عرش الخلافة والمحتبی بصدر دستها ، فلما ذا ترکه علیه السلام ابن عمر ولم یأتمّ به وقد تمّ أمره ، بتمام شروط البیعة وملاک الائتمام علی رأیه هو؟

ومن نجدة الخارجی؟ ومتی غلب علی جمیع الحواضر الإسلامیّة؟ وما قیمته وقیمة الائتمام به ، ورسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یعرّف الخوارج بالمروق من الدین بقوله : «یخرج قوم من أمّتی یقرؤون القرآن لیست قراءتکم إلی قراءتهم بشیء ، ولا صلاتکم إلی صلاتهم بشیء ، ولا صیامکم إلی صیامهم بشیء ، یقرؤون القرآن یحسبون أنّه لهم ، وهو علیهم ، لا تجاوز صلاتهم تراقیهم ، یمرقون من الدین کما یمرق السهم من الرمیّة (1)» (2).

وبقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «سیخرج قوم فی آخر الزمان حدثاء الأسنان ، سفهاء الأحلام ، یقولون من خیر قول البریة ، یقرؤون القرآن ، لا یجاوز إیمانهم حناجرهم ، یمرقون من الدین کما یمرق السهم من الرمیّة ، فأینما لقیتموهم فاقتلوهم ، فإنّ فی قتلهم أجراً لمن قتلهم عند الله یوم القیامة» (3).

وبقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «سیکون فی أمّتی اختلاف وفرقة ، قوم یحسنون القیل ویسیئون الفعل ، یقرؤون القرآن لا یجاوز تراقیهم ، یمرقون من الدین کما یمرق السهم من الرمیّة ، ثم لا یرجعون حتی یرتدّ علی فُوقه ، هم شرّ الخلق ، طوبی لمن قتلهم وقتلوه ، یدعون ف)

ص: 79


1- الرمیّة : هی الطریدة التی یرمیها الصائد ، وهی کلّ دابة مرمیّة.
2- صحیح الترمذی : 9 / 37 [4 / 417 ح 2188] ، سنن البیهقی : 8 / 170 ، وأخرجه مسلم [2 / 443 ح 156 کتاب الزکاة] ، وأبو داود [4 / 244 ح 4768] کما فی تیسیر الوصول : 4 / 31 [4 / 36]. (المؤلف)
3- أخرجه الخمسة إلاّ الترمذی [البخاری فی صحیحه : 1321 ح 3415 ، ومسلم فی صحیحه : 2 / 441 ح 154 کتاب الزکاة ، وابن ماجة فی سننه : 1 / 59 ح 168 ، وأبو داود فی سننه : 4 / 244 ح 4768 ، والنسائی فی سننه : 2 / 312 ح 3565] ، کما فی تیسیر الوصول : 4 / 32 [4 / 38] ، والبیهقی فی السنن الکبری : 8 / 170. (المؤلف)

إلی کتاب الله ولیسوا منه فی شیء ، من قاتلهم کان أولی بالله منهم». قالوا : یا رسول الله ما سیماهم؟ قال : التحلیق (1).

وبقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «یخرج من قبل المشرق قوم کان هدیهم هکذا یقرؤون القرآن لا یجاوز تراقیهم ، یمرقون من الدین کما یمرق السهم من الرمیّة ، ثم لا یرجعون إلیه - ووضع یده علی صدره - ، سیماهم التحلیق ، لا یزالون یخرجون حتی یخرج آخرهم ، فإذا رأیتموهم فاقتلوهم».

مستدرک الحاکم (2) (2 / 147).

وبقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «یوشک أن یأتی قوم مثل هذا یتلون کتاب الله وهم أعداؤه ، یقرؤون کتاب الله محلّقة رءوسهم ، فإذا خرجوا فاضربوا رقابهم».

المستدرک (3) (2 / 145).

وبقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «إنّ أقواماً من أمّتی أشدّة ، ذلقة ألسنتهم بالقرآن ، لا یجاوز تراقیهم ، یمرقون من الدین کما یمرق السهم من الرمیّة ، فإذا لقیتموهم فاقتلوهم فإنّ المأجور من قتلهم».

المستدرک (4) (2 / 146).

وبقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «الخوارج کلاب النار» (5) ، من طریق صحّحه السیوطی فی ف)

ص: 80


1- سنن أبی داود : 2 / 243 [4 / 243 ح 4765] ، مستدرک الحاکم : 2 / 147 ، 148 [2 / 161 ح 2649 ، 2650] ، سنن البیهقی : 171 / 8 وللشیخین عن أبی سعید نحوه [أخرجه البخاری فی صحیحه : 6 / 2748 ح 7123 ، ومسلم فی صحیحه : 2 / 440 ح 149 کتاب الزکاة] کما فی تیسیر الوصول : 4 / 33 [4 / 38]. (المؤلف)
2- المستدرک علی الصحیحین : 2 / 160 ح 2647.
3- المستدرک علی الصحیحین : 2 / 159 ح 2644.
4- المستدرک علی الصحیحین : 2 / 159 ح 2645.
5- مسند أحمد : 4 / 355 [5 / 473 ح 18651] ، سنن ابن ماجة : 1 / 74 [1 / 61 ح 173]. (المؤلف)

الجامع الصغیر (1)

فما قیمة صحابیّ لا ینتجع ممّا جاء عن النبیّ الأقدس صلی الله علیه وآله وسلم من الکثیر الصحیح فی الناکثین والقاسطین والمارقین؟ ولم یرقطّ قیمة لتلکم النصوص ، ویضرب عنها صفحاً ولم یتبصّر بها فی دینه ، ویتترّس تجاه ذلک الحکم البات النبویّ عن التقاعس عن تلک المشاهد بأنّها فتنة (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ یُتْرَکُوا أَنْ یَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا یُفْتَنُونَ) (2).

لقد ذاق ابن عمر وبال أمره بترکه واجبه من البیعة لمولانا أمیر المؤمنین صلی الله علیه وآله وسلم ، والتبرّک بیده الکریمة التی هی ید رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وهو خلیفته بلا منازع ، وبترکه الائتمام به والدخول فی حشده ، وهو نفس الرسول الأعظم صلی الله علیه وآله وسلم والبقیّة منه ، بذلّ البیعة لمثل الحجّاج الفاجر ، فضرب الله علیه الذلّة والهوان هاهنا ، حتی إنّ ذلک المتجبّر الکذّاب المبیر لم یر فیه جدارة بأن یناوله یده فمدّ إلیه رجله فبایعها! وأخذه الله بصلاته خلفه وخلف نجدة المارق من الدین ، وحسبه بذینک هواناً فی الدنیا ولعذاب الآخرة أشدّ وأبقی ، وکان من أخذه سبحانه إیّاه أن سلّط علیه الحجّاج فقتله وصلّی علیه (3) ویا لها من صلاة مقبولة ودعاء مستجاب من ظالم غاشم.

معذرة أخری لابن عمر :

ولابن عمر معذرة أخری ، أخرج أبو نعیم فی الحلیة (1 / 292) من طریق نافع عن ابن عمر أنّه أتاه رجل فقال : یا أبا عبد الرحمن أنت ابن عمر وصاحب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فما یمنعک من هذا الأمر؟ قال : یمنعنی أنّ الله تعالی حرّم علیّ دم المسلم ف)

ص: 81


1- الجامع الصغیر : 1 / 638 ح 4148.
2- العنکبوت : 2.
3- الاستیعاب : 1 / 369 [القسم الثالث / 953 رقم 1612] ، أُسد الغابة : 3 / 230 [3 / 344 رقم 3080]. (المؤلف)

قال : فإنّ الله عزّ وجلّ یقول : (وَقاتِلُوهُمْ حَتَّی لا تَکُونَ فِتْنَةٌ وَیَکُونَ الدِّینُ لِلَّهِ) (1). قال : قد فعلنا وقد قاتلناهم حتی کان الدین لله ، فأنتم تریدون أن تقاتلوا حتی یکون الدین لغیر الله.

وأخرج فی الحلیة (1 / 294) من طریق القاسم بن عبد الرحمن : أنّهم قالوا لابن عمر فی الفتنة الأولی : ألا تخرج فتقاتل؟ فقال : قد قاتلت والأنصاب بین الرکن والباب حتی نفاها الله عزّ وجلّ من أرض العرب ، فأنا أکره أن أُقاتل من یقول لا إله إلاّ الله.

دع ابن عمر یحسب نفسه أفقه من کلّ الصحابة من المهاجرین الأوّلین والأنصار الذین باشروا الحرب مع أمیر المؤمنین صلی الله علیه وآله وسلم فی تلکم المعامع ، ولکن هل کان یجد نفسه أفقه من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم حیث أمر أصحابه بمناصرة مولانا أمیر المؤمنین علیه السلام فیها ، وأمره - صلوات الله علیه - بمباشرة هاتیک الحروب الدامیة ، ونهی عن التثبّط عنها. وهل کان صلی الله علیه وآله وسلم یعلم أنّ المقاتلین من الفئتین من أهل لا إله إلاّ الله فأمر بالمقاتلة مع علیّ علیه السلام؟ أو عزب عنه علم ذلک فأمر بإراقة دماء المسلمین؟ غفرانک اللهمّ.

وهل علم صلی الله علیه وآله وسلم بأنّ نتیجة ذلک القتال أن یکون الدین لغیر الله فحضّ علیه؟

أو فاته ذلک لکن علمه ابن عمر فتجنّبه؟ أعوذ بالله من شطط القول.

وما أشبه اعتذار ابن عمر باعتذار أبیه یوم أمره رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بقتل ذی الثدیة رأس الخوارج ، فما قتله واعتذر بأنّه وجده متخشّعاً واضعاً جبهته لله. راجع الجزء السابع (ص 216).

ثم إنّ کون الدین لغیر الله ، هل کان من ناحیة مولانا أمیر المؤمنین علی ، وکان 3.

ص: 82


1- البقرة : 193.

هو وأصحابه یریدونه؟ أو من ناحیة مناوئیه ومن بغی علیه من الفئة الباغیة؟ والأوّل لا یتّفق مع ما جاء فی الکتاب الکریم والسنّة الشریفة فی حقّ الإمام علیّ علیه السلام وفی موالیه وتابعیه ومناوئیه ، وفی خصوص الحروب الثلاث ، کما هو مبثوث فی مجلّدات کتابنا هذا ، وإن ذهل أو تذاهل عنها ابن عمر.

وإن کان یرید الثانی فلما ذا بایع معاویة بعد أن تقاعد عن بیعة أمیر المؤمنین علیه السلام؟ هذه أسئلة ووجوه لا أدری هل یجد ابن عمر عنها جواباً فی محکمة العدل الإلهی؟ لا أحسب ، ولعلّه یتخلّص عنها بضؤولة العقل المسقط للتکلیف.

وأعجب من هذه کلها ما جاء به أبو نعیم فی الحلیة (1 / 309) من قول ابن عمر : إنّما کان مثلنا فی هذه الفتنة کمثل قوم کانوا یسیرون علی جادّة یعرفونها ، فبینما هم کذلک إذ غشیتهم سحابة وظلمة ، فأخذ بعضهم یمیناً وشمالاً فأخطأ الطریق ، وأقمنا حیث أدرکنا ذلک حتی جلّی الله ذلک عنّا ، فأبصرنا طریقنا الأوّل فعرفنا وأخذنا فیه ، وإنّما هؤلاء فتیان قریش یقتتلون علی هذا السلطان وعلی هذه الدنیا ، ما أُبالی أن لا یکون لی ما یقتل (1) بعضهم بعضاً بنعلی هاتین الجرداوین.

لیت شعری متی غشیت الأُمّة سحابة وظلمة فأقام الرجل حیث أدرک ذلک؟ أعلی العهد النبویّ وهو أصفی أدوار الجوّ الدینیّ؟ أم فی دور الخلافة؟ وقد بایع الرجل شیخ تیم وأباه ، وهما عنده خیرا خلق الله واحداً بعد واحد ، فلا یری فیه غشیان الظلمة أو قبول السحابة ، واعطف علی ذلک أیّام عثمان فقد بایعه ولم یتسلّل عنه حتی یوم مقتله ، کما مرّ فی (ص 23) من هذا الجزء ، فلم تکن أیّام عثمان عنده أیّام ظلمة وسحابة وإن کان من مُلقِحی فتنتها بما ارتآه ، فلم یبق إلاّ عهد الخلافة العلویّة وملک معاویة بن أبی سفیان. ف)

ص: 83


1- فی تعلیق الحلیة : المعنی ما یقتل بعضهم بعضاً علیه ، والله أعلم. (المؤلف)

أمّا معاویة فقد بایعه الرجل طوعاً ورغبة وإن رآه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ملکاً عضوضاً ولعن صاحبه. وبایع یزید بن معاویة بعد ما أخذ مائة ألف من معاویة ، فلم یبق دور ظلمة عنده إلاّ أیّام خلافة خیر البشر سیّد الأمّة مولانا أمیر المؤمنین علی علیه السلام ، وفیها أخذ بعضهم یمیناً وشمالاً فأخطأ الطریق ، وکانت الأدوار مجلاّة قبل ذلک وبعده أیّام إمارة معاویة ویزید وعبد الملک والحجّاج ، فقد أبصر الرجل طریقه المهیع الأوّل عند ذلک فعرفه وأخذ فیه وبایعهم.

وهل هنا من یُسائل الرجل عن الذین أخطأوا الطریق ببیعتهم وانحیازهم هل هم الذین بایعوا أمیر المؤمنین علیه السلام؟ وهم الصحابة العدول والبدریّون من المهاجرین والأنصار ، والأُمّة الصالحة من التابعین من رجالات المدینة المشرّفة وغیرها من الأمصار الإسلامیّة. أو الذین أکبّوا علی تلکم الأیدی العادیة فبایعوها؟ من طغام الشام ، سفلة الأعراب ، وبقیّة الأحزاب ، وأهل المطامع والشره ، فیری هل تحدوه القحّة والصلف إلی أن یقول بالأوّل؟ ونصب عینه قول رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «إن تولّوا علیّا تجدوه هادیاً مهدیّا ، یسلک بکم الطریق المستقیم».

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «إنْ تؤمّروا علیاً - ولا أراکم فاعلین - تجدوه هادیاً مهدیّا یسلک بکم الطریق المستقیم».

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «إن تستخلفوا علیّا - وما أراکم فاعلین - تجدوه هادیاً مهدیّا ، یحملکم علی المحجّة البیضاء» إلی أحادیث أخری أوعزنا إلیها فی الجزء الأوّل (ص 12)

أو أنّ النصفة تُلقی علی روعه فینطق وهو لا یشعر بما یقول ، فیقول بالثانی فینقض ما ارتکبه من بیعة القوم جمیعاً.

ثم إنّ من غریب المعتقد ما ارتآه من أنّ فتیان قریش کانوا یقتتلون علی السلطان ، ویبغون بذلک حطام الدنیا ، وهو یعلم أنّ لهذا الحسبان شطرین ، فشطر

ص: 84

لعلیّ أمیر المؤمنین وأصحابه ، وهو الذی کانت الدنیا عنده کعفطة عنز ، کما لهج به - صلوات الله علیه - وصدّق الخبر الخبر ، وکانت نهضته تلک بأمر من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وعهد منه إلیه وإلی أصحابه ، کما تقدّم فی هذا الجزء والجزء الثالث. وشطر لطلحة والزبیر ولمعاویة.

أمّا الأوّلان فیعرب عن مرماهما قول مولانا أمیر المؤمنین علیه السلام فی خطبة له : «کلّ واحد منهما یرجو الأمر له ویعطفه علیه دون صاحبه لا یمتّان إلی الله بحبل ، ولا یمدّان إلیه بسبب ، کلّ واحد منهما حامل ضبّ لصاحبه ، وعمّا قلیل یکشف قناعه به ، والله لئن أصابوا الذی یریدون لینزعنّ هذا نفس هذا ، ولیأتینّ هذا علی هذا ، قد قامت الفئة الباغیة فأین المحتسبون؟» ولمّا خرج طلحة والزبیر وعائشة إلی البصرة جاء مروان بن الحکم إلی طلحة والزبیر وقال : علی أیّکما أُسلّم بالإمارة ، وأُنادی بالصلاة؟ فسکتا ، فقال عبد الله بن الزبیر : علی أبی. وقال محمد بن طلحة : علی أبی. فأرسلت عائشة إلی مروان : أترید أن ترمی الفتنة بیننا؟ أو قالت : بین أصحابنا ، مروا ابن اختی فلیصلّ بالناس. یعنی عبد الله بن الزبیر.

مرآة الجنان للیافعی (1 / 95).

وأمّا معاویة فهو الذی صدق فیه ظنّه بل تنجّز یقینه ، وقد عرفه بذلک أصحاب محمد صلی الله علیه وآله وسلم وتُعرّفه إیّاک بغایته الوحیدة ، ونفسیّته الذمیمة کلماتهم ، وابن لا یصیخ إلیها وقد أصمّه وأعماه حبّ العبشمیّین ، فاتّبع هواه وأضلّه ، وإلیک نماذج من تلکم الکلم :

1 - قال هاشم المرقال مخاطباً أمیر المؤمنین علیّا علیه السلام : سر بنا یا أمیر المؤمنین إلی هؤلاء القوم القاسیة قلوبهم ، الذین نبذوا کتاب الله وراء ظهورهم ، وعملوا فی عباد الله بغیر رضا الله ، فأحلّوا حرامه ، وحرّموا حلاله ، واستهوی بهم الشیطان ،

ص: 85

ووعدهم الأباطیل ، ومنّاهم الأمانیّ حتی أزاغهم عن الهوی ، وقصد بهم قصد الردی ، وحبّب إلیهم الدنیا ، فهم یقاتلون علی دنیاهم رغبة فیها کرغبتنا فی الآخرة.

کتاب صفّین (ص 125) ، شرح ابن أبی الحدید (1 / 282) ، جمهرة الخطب (1 / 151) (1).

2 - ومن کلام لهاشم المرقال أیضاً : یا أمیر المؤمنین فأنا بالقوم جدّ خبیر ، هم لک ولأشیاعک أعداء ، وهم لمن یطلب حرث الدنیا أولیاء ، وهم مقاتلوک ومجادلوک ، لا یُبقون جهداً مشاحّة علی الدنیا ، وضنّا بما فی أیدیهم منها ، لیس لهم إربة غیرها إلاّ ما یخدعون به الجهّال من طلب دم ابن عفّان ، کذبوا لیسوا لدمه ینفرون ، ولکن الدنیا یطلبون.

کتاب ابن مزاحم (ص 103) ، شرح ابن أبی الحدید (1 / 278) (2).

3 - من خطبة لیزید بن قیس الأرحبی : إنّ المسلم من سلم دینه ورأیه ، وإنّ هؤلاء القوم والله ما إن یقاتلوننا علی إقامة دین رأونا ضیّعناه ، ولا علی إحیاء حقّ رأونا أمتناه ، ولا یقاتلوننا إلاّ علی هذه الدنیا لیکونوا فیها جبابرة وملوکاً ، ولو ظهروا علیکم - لا أراهم الله ظهوراً وسروراً - إذن لولیکم مثل سعید (3) والولید (4) وعبد الله ابن عامر (5) السفیه ، یحدّث أحدهم فی مجلسه بذیت وذیت ، ویأخذ مال الله ویقول : لا إثم علیّ فیه ، کأنّما أعطی تراثه من أبیه. کیف؟ إنّما هو مال الله أفاءه علینا بأسیافنا ف)

ص: 86


1- وقعة صفّین : ص 112 ، شرح نهج البلاغة : 3 / 184 خطبة 46 ، جمهرة خطب العرب : 1 / 323 رقم 212.
2- وقعة صفّین : ص 92 ، شرح نهج البلاغة : 3 / 172 خطبة 46.
3- سعید بن العاص بن سعید بن العاص بن أمیة ، والی معاویة علی المدینة. (المؤلف)
4- الولید بن عقبة السکیر ، أخو عثمان لأُمّه. (المؤلف)
5- عبد الله بن عامر ، ولاّه معاویة علی البصرة ثلاث سنین. (المؤلف)

ورماحنا ، قاتلوا عباد الله القوم الظالمین الحاکمین بغیر ما أنزل الله ، ولا تأخذکم فیهم لومة لائم ، إنّهم إن یظهروا علیکم یفسدوا علیکم دینکم ودنیاکم ، وهم من قد عرفتم وجرّبتم ، والله ما أرادوا باجتماعهم علیکم إلاّ شرّا ، وأستغفر الله العظیم لی ولکم.

کتاب صفّین (ص 279) ، تاریخ الطبری (6 / 10) ، شرح ابن أبی الحدید (1 / 485) (1).

4 - من مقال لعمّار بن یاسر بصفّین : أمضوا معی عباد الله إلی قوم یطلبون فیما یزعمون بدم الظالم لنفسه ، الحاکم علی عباد الله بغیر ما فی کتاب الله ، إنّما قتله الصالحون المنکرون للعدوان ، الآمرون بالإحسان. فقال هؤلاء الذین لا یبالون إذا سلمت لهم دنیاهم ولو درس هذا الدین : لم قتلتموه؟ فقلنا : لأحداثه. فقالوا : إنّه ما أحدث شیئاً ، وذلک لأنّه مکّنهم من الدنیا فهم یأکلونها ویرعونها ولا یبالون لو انهدّت علیهم الجبال ، والله ما أظنّهم یطلبون دمه ، إنّهم لیعلمون إنّه لظالم ، ولکنّ القوم ذاقوا الدنیا فاستحبّوها واستمرءوها ، وعلموا لو أنّ صاحب الحقّ لزمهم لحال بینهم وبین ما یأکلون ویرعون فیه منها ، ولم یکن للقوم سابقة فی الإسلام یستحقّون بها الطاعة والولایة ، فخدعوا أتباعهم بأن قالوا : قتل إمامنا مظلوماً. لیکونوا بذلک جبابرة وملوکاً ، وتلک مکیدة قد بلغوا بها ما ترون ، ولولا هی ما بایعهم من الناس رجلان.

کتاب صفّین (ص 361) ، تاریخ الطبری (6 / 21) ، شرح ابن أبی الحدید (1 / 504) ، الکامل لابن الأثیر (3 / 123) ، تاریخ ابن کثیر (7 / 266) واللفظ لابن مزاحم (2). .

ص: 87


1- وقعة صفّین : ص 247 ، تاریخ الأُمم والملوک : 5 / 17 حوادث سنة 37 ه ، شرح نهج البلاغة : 5 / 194 خطبة 65.
2- وقعة صفّین : ص 319 ، تاریخ الأُمم والملوک : 5 / 39 حوادث سنة 37 ه ، شرح نهج البلاغة : 5 / 252 خطبة 65 ، الکامل فی التاریخ : 2 / 380 حوادث سنة 37 ه ، البدایة والنهایة 7 / 296 حوادث سنة 37 ه.

5 - من خطبة لعبد الله بن بدیل بن ورقاء الخزاعی : یا أمیر المؤمنین إنّ القوم لو کانوا الله یریدون ، ولله یعملون ، ما خالفونا ، ولکن القوم إنّما یقاتلوننا فراراً من الأُسوة وحبّا للأثرة ، وضنّا بسلطانهم ، وکرهاً لفراق دنیاهم التی فی أیدیهم ، وعلی إحَنٍ فی نفوسهم ، وعداوة یجدونها فی صدورهم لوقائع أوقعتها یا أمیر المؤمنین بهم قدیمة ، قتلت فیها آباءهم وإخوانهم.

کتاب صفّین (ص 114) ، شرح ابن أبی الحدید (1 / 281) ، جمهرة الخطب (1 / 148) (1).

6 - من کلام لشبث بن ربعی مخاطباً معاویة : إنّه والله لا یخفی علینا ما تغزو وما تطلب. إلی آخر ما یأتی فی هذا الجزء.

7 - قال وردان غلام عمرو بن العاص له : اعترکت الدنیا والآخرة علی قلبک ، فقلت : علیّ معه الآخرة فی غیر دنیا ، وفی الآخرة عوض من الدنیا ، ومعاویة معه الدنیا بغیر آخرة ، ولیس فی الدنیا عوض الآخرة. فقال عمرو :

یا قاتلَ اللهُ ورداناً وفطنته

أبدی لعمرُک ما فی النفس وردانُ

لمّا تعرّضت الدنیا عرضت لها

بحرص نفسی وفی الأطباع إدهانُ

نفسٌ تعفُّ وأخری الحرصُ یقلبُها

والمرءُ یأکلُ تبناً وهو غرثانُ

أمّا علیٌّ فدینٌ لیس یشرکه

دنیاً وذاک له دنیاً وسلطانُ

فاخترت من طمعی دنیاً علی بصرٍ

وما معی بالذی أختار برهانُ

إلی آخر أبیات مرّت فی (2 / 141) ، ومرّ لعمرو بن العاص قوله :

معاوی لا أعطیک دینی ولم أنل

بذلک دنیا فانظرنْ کیف تصنعُ8.

ص: 88


1- وقعة صفّین : ص 102 ، شرح نهج البلاغة : 3 / 180 خطبة 46 ، جمهرة خطب العرب : 1 / 320 رقم 208.

فإن تعطِنی مصراً فأربح بصفقةٍ

أخذت بها شیخاً یضرّ وینفعُ

وما الدینُ والدنیا سواء وإنّنی

لآخذ ما تُعطی ورأسی مقنّعُ

إلی آخر ما أسلفناه فی (2 / 143).

8 - من کتاب لمحمد بن مسلمة الأنصاری إلی معاویة : وأمّا أنت فلعمری ما طلبت إلاّ الدنیا ، ولا اتّبعت إلاّ الهوی. فإن تنصر عثمان میتاً فقد خذلته حیّا.

کتاب صفّین (1) (ص 86).

9 - قال نصر : لمّا اشترطت عکّ والأشعریون علی معاویة ما اشترطوا من الفریضة والعطاء فأعطاهم (2) ، لم یبق من أهل العراق أحد فی قلبه مرض إلاّ طمع فی معاویة ، وشخص بصره إلیه حتی فشا ذلک فی الناس ، وبلغ ذلک علیّا فساءه ، وجاء المنذر بن أبی حمیصة الوادعی (3) ، وکان فارس همدان وشاعرهم فقال : یا أمیر المؤمنین إنّ عکّا والأشعریین طلبوا إلی معاویة الفرائض والعطاء فأعطاهم ، فباعوا الدین بالدنیا ، وإنّا رضینا بالآخرة من الدنیا ، وبالعراق من الشام ، وبک من معاویة ، والله لآخرتنا خیر من دنیاهم ، ولعراقنا خیر من شامهم ، ولإمامنا أهدی من إمامهم ، فاستفتحنا بالحرب ، وثق منّا بالنصر ، واحملنا علی الموت. ثم قال فی ذلک :

إنّ عکّا سألوا الفرائض والأش

عر سالوا جوائزاً بثنیَّهْ (4)

ترکوا الدین للعطاء وللفر

ض فکانوا بذاک شرّ البریّهْف)

ص: 89


1- وقعة صفّین : ص 77.
2- اشترطوا علی معاویة أن یجعل لهم فریضة ألفی رجل فی ألفین ، ومن هلک فابن عمّه مکانه. کتاب صفّین : ص 493 [ص 433]. (المؤلف)
3- الوادعی : نسبة إلی وادعة ، بطن من همدان. (المؤلف)
4- البثنیّة : منسوبة إلی قریة بالشام بین دمشق وأذرعات ، وإلیها تُنسب الحنطة البثنیة ، وهی أجود أنواع الحنطة [معجم البلدان : 1 / 338]. (المؤلف)

وسألنا حسن الثواب من اللّ

ه وصبراً علی الجهاد ونیّهْ

فلکلٍّ ما ساله ونواه

کلّنا یحسبُ الخلافَ خطیّهْ

ولأَهلُ العراقِ أحسن فی الحر

بِ إذا ما تدانت السمهریّهْ

ولأَهلُ العراقِ أحملُ للثق

ل إذا عمّت العبادَ بلیّهْ

لیس منّا من لم یکن لک فی اللّ

ه ولیّا یا ذا الولا والوصیّهْ

فقال علیّ : «حسبک رحمک الله» ، وأثنی علیه خیراً وعلی قومه. وانتهی شعره إلی معاویة ، فقال معاویة : والله لأستمیلنّ بالأموال ثقات علیّ ، ولأقسمنّ فیهم المال حتی تغلب دنیای آخرته.

کتاب صفّین (ص 495) ، شرح ابن أبی الحدید (2 / 293) (1).

10 - من کتاب لمولانا أمیر المؤمنین إلی معاویة : «واعلم یا معاویة أنّک قد ادّعیت أمراً لست من أهله لا فی القدَم ولا فی الولایة ، ولست تقول فیه بأمرٍ بیّن تُعرف لک به أثرة ، ولا لک علیه شاهد من کتاب الله ، ولا عهد تدّعیه من رسول الله ، فکیف أنت صانع إذا انقشعت عنک جلابیب ما أنت فیه من دنیا أبهجت بزینتها ، ورکنت إلی لذّتها ، وخُلّی فیها بینک وبین عدوّ جاهد ملحّ ، مع ما عرض فی نفسک ، من دنیاً قد دعتک فأجبتها ، وقادتک فاتّبعتها ، وأمرتک فأطعتها ، فأقعس عن هذا الأمر ، وخُذ أُهبة الحساب ، فإنّه یوشک أن یقفک واقف علی ما لا یُجنّک منه مجنّ ، ومتی کنتم یا معاویة ساسة للرعیّة؟ أو ولاةً لأمر هذه الأُمّة بغیر قدمٍ حسن؟ ولا شرفٍ سابق علی قومکم ، فشمّر لما قد نزل بک ، ولا تمکّن الشیطان من بغیته فیک ، مع أنّی أعرف أنّ الله ورسوله صادقان ، فنعوذ بالله من لزوم سابق الشقاء ، وإلاّ تفعل أُعلمْک ما أغفلک من نفسک ، فإنّک مُترف قد أخذ منک الشیطان مأخذه ، فجری منک مجری الدم فی العروق».4.

ص: 90


1- وقعة صفّین : ص 435 ، شرح نهج البلاغة : 8 / 77 خطبة 124.

کتاب صفّین (ص 122) ، نهج البلاغة (2 / 10) ، شرح ابن أبی الحدید (3 / 410) (1).

11 - روی : أنّ الحسن بن علی قال لحبیب (2) بن مسلمة فی بعض خرجاته بعد صفّین : «یا حبیب ربّ مسیر لک فی غیر طاعة الله». فقال له حبیب : أمّا إلی أبیک فلا. فقال له الحسن : «بلی والله ولقد طاوعت معاویة علی دنیاه وسارعت فی هواه ، فلئن کان قام بک فی دنیاک لقد قعد بک فی دینک ، فلیتک إذ أسأت الفعل أحسنت القول ، فتکون کما قال الله تعالی : (وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَیِّئاً) (3). ولکنّک کما قال الله تعالی : (کَلاَّ بَلْ رانَ عَلی قُلُوبِهِمْ ما کانُوا یَکْسِبُونَ) (4)» (5).

12 - قال القحذمی : لمّا قدم معاویة المدینة ، قال : أیّها الناس إنّ أبا بکر رضی الله عنه لم یرد الدنیا ولم ترده ، وأمّا عمر فأرادته الدنیا ولم یردها ، وأمّا عثمان فنال منها ونالت منه ، وأمّا أنا فمالت بی وملت بها ، وأنا ألینها وهی أُمّی وأنا ابنها ، فإن لم تجدونی خیرکم فأنا خیر لکم.

العقد الفرید (6) (2 / 300).

إلی کلمات أخری تعرب عن مدی غایات معاویة وترکاضه وراء حطام الدنیا وملکها العضوض.

ابن عمر یحیی أحداث أبیه :

هاهنا یوقفنا السبر عن أخبار ابن عمر علی مواقف اتّباعه أحداث والده ، 8.

ص: 91


1- وقعة صفّین : ص 109 ، نهج البلاغة : ص 369 کتاب 10 ، شرح نهج البلاغة : 15 / 79.
2- نزیل الشام ، کان مع معاویة فی حروبه. (المؤلف)
3- التوبة : 102.
4- المطفّفین : 14.
5- الاستیعاب : 1 / 123 [القسم الأول : 1 / 321 رقم 470]. (المؤلف)
6- العقد الفرید : 4 / 158.

واتّخاذه آراءه الشاذّة عن الکتاب والسنّة دیناً بعد تبیّن الرشد من الغیّ ، ما بالهم إذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا علیها آباءنا والله أمرنا بها؟!

منها : ذکر الحافظ الهیثمی فی مجمع الزوائد (4 / 265) عن ابن عمر لمّا سُئل عن المتعة ، قال : حرام. فقیل : إنّ ابن عبّاس لا یری بها بأساً. فقال : والله لقد علم ابن عباس أنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم نهی عنها یوم خیبر وما کنّا مسافحین.

وأخرج البیهقی فی السنن الکبری (7 / 206) عن عبد الله بن عمر أنّه سُئل عن متعة النساء فقال : حرام ، أما إنّ عمر بن الخطّاب رضی الله عنه لو أخذ فیها أحداً لرجمه بالحجارة.

إنّ الرجل متقوّل علی الله وعلی رسوله بحکمه الباتّ بحرمة المتعة ، والسائل إنّما سأله عن دین الله لا عمّا أحدثه أبوه ، وهو فی قوله هذا مکذّب لأبیه ، حیث یقول : متعتان کانتا علی عهد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وأنا أنهی عنهما وأُعاقب علیهما. ویقول : ثلاث کنّ علی عهد رسول الله أنا محرّمهنّ ومعاقب علیهنّ : متعة الحجّ ، ومتعة النساء ، وحیّ علی خیر العمل. ولم یستثنِ من ذلک العهد شیئاً ، ونسب التحریم إلی نفسه ، وقد عُدّ من أولیات عمر.

ومکذّب أیضاً ابن عبّاس وقاذف إیّاه بأنّه کان یعلم حکم الله ویحکم بخلافه ، ویحلف بالله فی قوله الفاحش ، وحاشا حبر الأمّة عن هذه الطامّة الکبری.

ومکذّب فحول الصحابة نظراء جابر بن عبد الله ، وأبی سعید الخدری ، وعمران بن حصین ، القائلین بإباحة المتعة فی السنّة الشریفة ، وإنّهم تمتّعوا علی عهد أبی بکر وشطر من خلافة عمر ، وإنّ عمر هو الذین نهی عنها.

ومکذّب سیّد العترة أمیر المؤمنین علیه السلام فی عزوه النهی عن المتعة إلی عمر ، وقوله : «لو لا نهیه عنها ما زنی إلاّ شقیّ».

ص: 92

علی أنّ النهی عن المتعة بخیبر یکذّبه إطباق الحفّاظ وشرّاح البخاری علی عدم وجود النهی عنها یومئذ ، وقد سبق القول عن السهیلی وأبی عمر والزرقانی فی الجزء السادس (ص 226) بأنّه وهم وغلط لا یعرفه أحد من أهل السیر ورواة الأثر.

مرّ الکلام حول هذا البحث ضافیاً فی الجزء السادس (ص 198 - 240).

ومنها : نهیه عن البکاء علی الأموات احتذاء منه سیرة أبیه ، خلاف ما جاء فی السنّة الشریفة من فعل النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وقوله وتقریره ، وکان ذلک بعد قیام الحجّة علیهما کما مرّ فی الجزء السادس ، وکان الرجل یقول : مرّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بقبر فقال : إنّ هذا لیُعذّب الآن ببکاء أهله علیه ، فقالت عائشة : غفر الله لأبی عبد الرحمن ، إنّه وهم ، إنّ الله تعالی یقول (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْری) (1) : إنّما قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «إنّ هذا لیعذّب الآن وأهله یبکون علیه» (2).

فصّلنا القول فی المسألة فی الجزء السادس (159 - 167) وفی هذا الجزء (ص 43 ، 44).

ومنها : استنکافه من الحدیث عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أخذاً برأی أبیه ، السابق ذکره فی (6 / 294) ، قال الشعبی : قعدت مع ابن عمر سنتین أو سنة ونصفاً فما سمعته یحدّث عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إلاّ حدیثاً (3).

ومنها : قوله فی طواف الوداع علی الحائض التی أفاضت حذو رأی أبیه خلاف السنّة النبویّة الشریفة ، وکان علی ذلک ردحاً من الزمان ، ثم لمّا لم یرَ من وافقه فی الرأی لم یجد بدّا من البخوع للحقّ فأخبت إلیه ، کما أسلفناه فی (6 / 111). ف)

ص: 93


1- الأنعام : 164.
2- مسند أحمد : 2 / 31 ، 38 [2 / 113 ح 4850 ، ص 125 ح 4939]. (المؤلف)
3- سنن الدارمی : 1 / 84 ، سنن ابن ماجة : 1 / 15 [1 / 11 ح 26] ، مسند أحمد : 2 / 157 [2 / 335 ح 6429] ولفظه : جالست ابن عمر سنتین ما سمعته روی شیئاً عن رسول الله. (المؤلف)

ومنها : حضّه الناس علی ما أحدثه أبوه من المنع عن السؤال عمّا لم یقع (1) ، وقوله : یا أیّها الناس لا تسألوا عمّا لم یکن ، فإنّی سمعت عمر بن الخطّاب یلعن من سأل عمّا لم یکن (2).

ألا تعجب من سوء حظ أُمّة محمد صلی الله علیه وآله وسلم أن تدعم الأحدوثة فیها بالمسبّة ، وتنهی عن المعروف بالفسوق؟!

ومنها : قوله فی المتطیّب عند الإحرام اقتداءً بأحدوثة أبیه خلاف السنّة الثابتة ، أخرج البخاری ومسلم من طریق إبراهیم بن محمد بن المنتشر ، عن أبیه قال : سمعت ابن عمر یقول : لئن أصبح مطلیّا بقطران أحبّ إلیّ من أن أصبح محرماً أنضخ (3) طیباً ، قال : فدخلت علی عائشة فأخبرتها بقوله فقالت : طیّبت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فطاف علی نسائه ثم أصبح محرماً.

وفی لفظ البخاری : ذکرته لعائشة فقالت : یرحم الله أبا عبد الرحمن ، کنت أطیّب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فیطوف علی نسائه ثم یصبح محرماً ینضخ طیباً.

وفی لفظ النسائی : سألت ابن عمر عن الطیب عند الإحرام فقال : لَأَن أُطلَی بالقطران أحبّ إلیّ من ذلک. فذکرت ذلک لعائشة فقالت : یرحم الله أبا عبد الرحمن ، قد کنت أُطیّب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فیطوف فی نسائه ثم یصبح ینضخ طیباً (4). ف)

ص: 94


1- مرّ البحث عنه فی : 6 / 293. (المؤلف)
2- کتاب العلم لأبی عمر : 2 / 143 [ص 369 ح 1794] ، مختصر کتاب العلم : ص 190 [ص 326 رقم 232]. (المؤلف)
3- النضخ : بالخاء المعجمة کاللطخ فیما یبقی له أثر ، یقال : نضخ ثوبه بالطیب. والنضح بالمهملة فیما کان رقیقاً مثل الماء. (المؤلف)
4- صحیح البخاری : 1 / 102 ، 103 [1 / 104 ح 264] ، صحیح مسلم : 4 / 12 ، 13 [3 / 22 ح 49 کتاب الحج] ، سنن النسائی : 5 / 141 [2 / 340 ح 3684]. (المؤلف)

ومنها : ما أخرجه الشیخان (1) من طریق مجاهد قال : دخلت أنا وعروة بن الزبیر المسجد ، فإذا عبد الله بن عمر جالس إلی حجرة عائشة والناس یصلّون الضحی فی المسجد ، فسألناه عن صلاتهم فقال : بدعة ، فقال له عروة : یا أبا عبد الرحمن کم اعتمر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم؟ قال : أربع عمر ، إحداهنّ فی رجب ، فکرهنا أن نکذّبه ونردّ علیه ، وسمعنا استنان عائشة فی الحجرة ، فقال عروة : ألا تسمعین یا أمّ المؤمنین إلی ما یقول أبو عبد الرحمن؟ فقالت : وما یقول؟ قال : یقول : اعتمر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أربع عمر إحداهنّ فی رجب. فقالت : یرحم الله أبا عبد الرحمن ، ما اعتمر رسول الله إلاّ وهو معه ، وما اعتمر فی رجب قط.

الظاهر من الروایة أنّ ابن عمر تعمّد باختلاق عمرة لرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی رجب ، وإن کره مجاهد وعروة أن یکذّباه ، وإنّما فعل ذلک رَوماً لتدعیم ما تأوّل به رأی أبیه الشاذّ فی متعة الحجّ ممّا رواه أحمد فی مسنده (2) (2 / 95) من قوله : إنّ عمر لم یقل لکم إنّ العمرة فی أشهر الحجّ حرام ، ولکنّه قال : إنّ أتمّ العمرة أن تفردوها من أشهر الحج.

فأراد ابن عمربعزو عمرة رجب المختلقة إلی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم تأییداً لتأویله الذی یضادّ صریح قول أبیه : إنّی أُحرّمها وأُعاقب علیها. وقد فصّلنا القول فیها فی (ج 6).

ورسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ما اعتمر فی رجب قطّ کما جاء فی حدیث أنس أیضاً : اعتمر 7.

ص: 95


1- صحیح البخاری : 3 / 144 [2 / 630 ح 1685] ، صحیح مسلم : 4 / 61 [3 / 89 ح 220 کتاب الحج] ، مسند أحمد : 2 / 73 ، 129 ، 155 [2 / 187 ح 5393 ، ص 285 ح 6091 ، ص 331 ح 6394] ، [وسنن ابن ماجة : 2 / 997 ح 2998] وفی تیسیر الوصول : 1 / 336 [1 / 394] : أخرجه الخمسة إلاّ النسائی. (المؤلف)
2- مسند أحمد : 2 / 226 ح 5667.

رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أربع عمر کلّها فی ذی القعدة (1) ، وأخرج ابن ماجة فی سننه (2) (2 / 233) من طریق ابن عبّاس قال : لم یعتمر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم عمرة إلاّ فی ذی القعدة.

وکان ابن عمر یحسب أنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم اعتمر مرّتین فأنکرت علیه عائشة أیضاً ، ولعلّه کان قبل إنکارها السابق علیه ، أخرج أبو داود وأحمد (3) من طریق مجاهد قال : سُئل ابن عمر : کم اعتمر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم؟ فقال : مرّتین. فقالت عائشة : لقد علم ابن عمر أنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قد اعتمر ثلاثاً سوی التی قرنها بحجّة الوداع.

ولعلّ الباحث یقرب من عرفان حقیقة ابن عمر إن أمعن النظر فیما أخرجه ابن عساکر من طریق إمام الحنابلة (4) عن ابن أبزی : أنّ عبد الله بن الزبیر قال لعثمان یوم حُصِر : إنّ عندی نجائب قد أعددتها لک ، فهل لک أن تتحوّل إلی مکة فیأتیک من أراد أن یأتیک؟ قال : لا ، إنّی سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول : «یُلحد بمکة کبش من قریش اسمه عبد الله علیه نصف أوزار الناس» ، ولا أراک إلاّ إیّاه أو عبد الله بن عمر.

تاریخ ابن عساکر (5) (7 / 414).

وأخرج أحمد فی مسنده (6) (2 / 136) : أتی عبد الله بن عمر عبد الله بن الزبیر فقال : یا ابن الزبیر إیّاک والإلحاد فی حرم الله تبارک وتعالی ، فإنّی سمعت 5.

ص: 96


1- صحیح البخاری : 3 / 145 [2 / 631 ح 1688] ، صحیح مسلم : 4 / 60 [3 / 88 ح 217 کتاب الحج] ، سنن أبی داود : 1 / 312 [2 / 206 ح 1994] ، الإجابة للزرکشی : ص 115 [ص 104 ح 3]. (المؤلف)
2- سنن ابن ماجة : 2 / 997 ح 2996.
3- راجع سنن أبی داود : 1 / 312 [2 / 205 ح 1992] ، مسند أحمد : 2 / 70 ، 139 [2 / 183 ح 5360 ، ص 303 ح 6206] ، فتح الباری : 3 / 473 [3 / 601]. (المؤلف)
4- مسند أحمد : 1 / 104 ح 463.
5- تاریخ مدینة دمشق : 28 / 219 رقم 3297 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 12 / 195.
6- مسند أحمد : 2 / 298 ح 6165.

رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول : «إنّه سیلحد فیه رجل من قریش لو وُزِنت ذنوبه بذنوب الثقلین لرجحت». قال : فانظر لا تکونه.

الفریق الثانی :

أمّا الفریق الثانی من أخبار ابن عمر فحدّث عنه ولا حرج ، تراه لا یدعه عداؤه المحتدم ونفسیّته الواجدة علی أمیر المؤمنین ، أو حبّه المعمی والمصمّ للبیت العبشمی ، أن یجری علی لسانه اسم علیّ وذکر أیّام خلافته فضلاً عن أن یبایعه ، مرّ حول حدیث ذکرناه فی هذا الجزء صفحة (24) قول ابن حجر : لم یذکر ابن عمر خلافة علیّ لأنّه لم یبایعه لوقوع الاختلاف علیه. إلی آخر کلامه.

وسبق فی (ص 36) من طریق الحافظ ابن عساکر ، ذکر ابن عمر الخلافة الإسلامیّة وعدّه خلفاءها الاثنی عشر من قریش : أبا بکر ، وعمر ، وعثمان ، ومعاویة ، ویزید ، والسفاح ، ومنصور ، وجابر ، والأمین ، وسلام ، والمهدی ، وأمیر العصب ، وقوله فیهم : إنّ کلّهم صالح لا یوجد مثله.

أیّ نفسیّة ذمیمة أو عقلیّة ساقطة دعت الرجل إلی هذه العصبیّة ، عصبیّة الجاهلیّة الأولی؟ هب أنّ خلافة أمیر المؤمنین کانت غیر مشروعة - العیاذ بالله - ولکن هل کانت من السقوط علی حدّ هو أسوأ حالاً من أیّام یزید الطاغیة الباغیة وملکه العضوض ، الذی استساغ الرجل أن یلهج به دون عهد أمیر المؤمنین وخلافته؟ وهل تسوغ تسمیة أیّام الفراعنة والجبابرة لدی سرد تاریخ قصّة أو قضیّة ، وقد ثبت عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم عند القوم أنّ الخلافة بعده صلی الله علیه وآله وسلم ثلاثون عاماً ، ثم ملک عضوض ، ثم کائن عتوّا وجبریّة وفساداً فی الأُمّة ، یستحلّون الفروج والخمور (1)؟ ف)

ص: 97


1- راجع الخصائص الکبری : 2 / 119 [2 / 197] ، فیض القدیر : 3 / 509 [ح 4147]. (المؤلف)

وهل کان علی لسان الرجل عقال عیّ به عن سرد فضائل أمیر المؤمنین وتبکّمت علیه ممّا ملأ بین الخافقین؟ وقد نزلت فیه علیه السلام ثلاثمائة آیة ، وجاءت فی الثناء علیه آلاف من الأحادیث لم یُرْوَ منها عن ابن عمر إلاّ نزر یعدّ بالأنامل ، وذلک بصورة مصغّرة مشوّهة ، یضمّ آراءه السخیفة إلیها مثل ما أخرجه أحمد فی مسنده (1) (2 / 26) عن ابن عمر قال : کنّا نقول فی زمن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم : رسول الله خیر الناس ، ثم أبو بکر ، ثم عمر ، ولقد أوتی ابن أبی طالب ثلاث خصال لَأَن تکونَ لی واحدة منهنّ أحبّ إلیّ من حمر النعم! زوّجه رسول الله ابنته وولدت له ، وسدّت الأبواب إلاّ بابه فی المسجد ، وأعطاه الرایة یوم خیبر.

وفی حدیث : قیل لابن عمر : ما قولک فی علیّ وعثمان؟ فقال ابن عمر : أمّا عثمان فقد عفا الله عنه فکرهتم أن تعفوا ، وأمّا علیّ فابن عمّ رسول الله وختنه (2).

وتراه یوازن أبا بکر وعمر وعثمان مع رسول الله ویزنهم بمیزان قسطه الذی فیه ألف عین ، ثم یرفعه ولم تلحق الزنة علیّا. أخرج أحمد فی المسند (3) (2 / 76) من طریق ابن عمر ، قال : خرج علینا رسول الله ذات غداة بعد طلوع الشمس ، فقال : رأیت قُبیل الفجر کأنّی أُعطیت المقالید والموازین ، فأمّا المقالید فهذه المفاتیح ، وأمّا الموازین فهی التی تَزِنون بها ، فوُضعت فی کفّة ووضعت أُمّتی فی کفّة ، فوُزنت بهم فرجَحتُ ، ثم جیء بأبی بکر فوزن بهم فوزن ، ثم جیء بعمر فوزن [فوزن] (4) ، ثم جیء بعثمان فوزن بهم. ثم رفعت.

یؤیّد ابن عمر بهذه الأسطورة رأیه فی المفاضلة بین الصحابة ، وأنّه لا تفاضل ر.

ص: 98


1- مسند أحمد : 2 / 104 ح 4782.
2- أخرجه البخاری [فی صحیحه : 4 / 1641 ح 4243]. (المؤلف)
3- مسند أحمد : 2 / 194 ح 5446.
4- ما بین المعقوفین من المصدر.

بینهم بعد أبی بکر وعمر وعثمان ، وإذا ذهبوا استوی الناس.

نعم ، ثقیل علی ابن عمر أن یذکر علیّا بخیر ، ویبوح بشیء من فضائله الجمّة ، وهو یأتی فی غیره بما لا یقبله قطّ ذو مسکة ، ولا یساعده فیه العقل والمنطق ، مثل قوله : کنت عند النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وعنده أبو بکر الصدّیق علیه عباءة قد خلّها علی صدره بخلال ، فنزل علیه جبریل فقال : مالی أری أبا بکر علیه عباءة قد خلّها علی صدره بخلال؟ إلی آخر ما مرّ فی (5 / 274 الطبعة الأولی وص 321 الطبعة الثانیة).

وقوله مرفوعاً : لو وُزِن إیمان أبی بکر بإیمان أهل الأرض لرجح. لسان المیزان (1) (3 / 310).

وقوله مرفوعا : أُتیت فی المنام بعسّ مملوء لبناً فشربت منه حتی [إذا] امتلأتُ فرأیته یجری فی عروقی فضلت فضلة فأخذها عمر بن الخطّاب فشربها. إلی آخر ما أسلفناه فی (5 / 279 الطبعة الأولی وص 326 الطبعة الثانیة).

وقوله مرفوعاً : أُحْشَرُ یوم القیامة بین أبی بکر وعمر ، حتی أقف بین الحرمین فیأتینی أهل مکة والمدینة.

وقوله مرفوعاً : هبط جبریل فقال : إنّ ربّ العرش یقول لک : لمّا أخذت میثاق النبیّین أخذت میثاقک ، وجعلتک سیّدهم ، وجعلت وزیرک أبا بکر وعمر.

وقوله مرفوعاً : لمّا أُسری بی إلی السماء فصرت إلی السماء الرابعة سقطت فی حجری تفّاحة فأخذتها بیدی فانفلقت فخرجت منها حوراء تقهقه ، فقلت لها : تکلّمی لمن أنت؟ قالت : للمقتول شهیداً عثمان بن عفّان.

وقوله مرفوعاً : أما إنّ معاویة یبعث یوم القیامة علیه رداء من نور الإیمان. 6.

ص: 99


1- لسان المیزان : 3 / 382 رقم 4646.

وقوله مرفوعاً : إنّه أُوحی إلیّ أن أُشاور ابن أبی سفیان فی بعض أمری.

وقوله : لمّا نزلت آیة الکرسی قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لمعاویة : اکتبها فقال لی : مالی بکتبها إن کتبتها؟ قال : لا یقرؤها أحد إلاّ کُتب لک أجرها.

وقوله مرفوعاً : الآن یطلع علیکم رجل من أهل الجنّة فطلع معاویة ، فقال : أنت یا معاویة منّی وأنا منک ، لَتزاحمنی علی باب الجنة کهاتین. وأشار بإصبعیه.

وقوله مرفوعاً : یطلع علیکم رجل من أهل الجنّة فطلع معاویة ، ثم قال من الغد مثل ذلک ، فطلع معاویة ، ثم قال من الغد مثل ذلک ، فطلع معاویة.

وقوله : إنّ جعفر بن أبی طالب أهدی إلی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم سفرجلاً ، فأعطی معاویة ثلاث سفرجلات وقال : تلقانی بهنّ فی الجنّة.

إلی روایات أخری أسلفناها فی الجزء الخامس فی سلسلة الموضوعات ، ونحن وإن ماشینا القوم هنالک وأخذنا بتلکم الطامّات أُناساً آخرین من رجال أسانیدها ، غیر أنّ ما صحّ عن ابن عمر من أخباره کحدیث المفاضلة ، وما علم من نزعاته الوبیلة ، وما ثبت عنه من أفعاله وتروکه تقرّب إلی الذهن أنّه هو صائغ تلکم الصحاصح (1) ، ولا رجحان لغیره علیه فی کفّة الاختلاق والتقوّل ، کما أنّ له فی نحت الأعذار لمن انحاز إلیهم من الأمویّین قَدَماً وقِدْماً ، وقد مرّ شطر من شواهد ذلک. ومنها ما أخرجه أحمد فی مسنده (2) (2 / 101) من طریق عثمان بن عبد الله بن موهب ، قال : جاء رجل من مصر یحجّ البیت ، قال : فرأی قوماً جلوساً فقال : من هؤلاء القوم؟ فقالوا : قریش. قال : فمن الشیخ فیهم؟ قالوا : عبد الله بن عمر. قال : یا بن عمر إنّی سائلک عن شیء أو أنشدک بحرمة هذا البیت ، أتعلم أنّ عثمان فرّ یوم أحد؟ قال : 8.

ص: 100


1- الصحاصح : الباطل ، الترّهات.
2- مسند أحمد : 2 / 237 ح 5738.

نعم. قال : فتعلم أنّه غاب عن بدر فلم یشهده؟ قال : نعم. قال : وتعلم أنّه تغیّب عن بیعة الرضوان؟ قال : نعم. قال : فکبّر المصریّ ، فقال ابن عمر : تعال أُبیّن لک ما سألتنی عنه ، أمّا فراره یوم أحد فأشهد أنّ الله قد عفا عنه وغفر له. وأمّا تغیّبه عن بدر فإنّه کانت تحته ابنة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وإنّها مرضت ، فقال له رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : لک أجر رجل شهد بدر أو سهمه. وأمّا تغیّبه عن بیعة الرضوان فلو کان أحد أعزّ ببطن مکة من عثمان لبعثه ، بعث رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم عثمان ، وکانت بیعة الرضوان بعد ما ذهب عثمان ، فضرب بها یده وقال : هذه لعثمان. قال : وقال ابن عمر : اذهب بهذا الآن معک. وأخرجه البخاری فی صحیحه (1) (6 / 122).

وفی مرسلة عن المهلب بن عبد الله : أنّه دخل علی سالم بن عبد الله بن عمر رجل وکان ممّن یحمد علیّا ویذّم عثمان ، فقال الرجل : یا أبا الفضل ألا تخبرنی هل شهد عثمان البیعتین کلتیهما : بیعة الرضوان وبیعة الفتح؟ فقال سالم : لا. فکبّر الرجل وقام ونفض رداءه وخرج منطلقاً.

فلمّا أن خرج قال له جلساؤه : والله ما أراک تدری ما أمر الرجل ، قال : أجل ، وما أمره؟ قالوا : فإنّه ممّن یحمد علیّا ویذمّ عثمان ، فقال : علیّ بالرجل ، فأرسل إلیه فأتاه ، فقال : یا عبد الله الصالح إنّک سألتنی : هل شهد عثمان البیعتین کلتیهما : بیعة الرضوان وبیعة الفتح ، فقلت : لا. فکبّرتَ وخرجتَ شامتاً ، فلعلّک ممّن یحمد علیّا ویذمّ عثمان؟ فقال : أجل والله إنّی لمنهم ، قال : فاستمع منّی ثم اردد علیّ ، فإنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لمّا بایع الناس تحت الشجرة کان بعث عثمان فی سریّة ، وکان فی حاجة الله وحاجة رسوله وحاجة المؤمنین ، فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : ألا إنّ یمینی یدی وشمالی ید عثمان ، فضرب شماله علی یمینه وقال : هذه ید عثمان وإنّی قد بایعت له ، ثم کان من شأن عثمان فی البیعة الثانیة : أنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بعث عثمان إلی علیّ ، فکان أمیر الیمن5.

ص: 101


1- صحیح البخاری : 3 / 1352 ح 3495.

فصنع به مثل ذلک.

إلی آخر الروایة وهی طویلة ، أخرجها المحبّ الطبری فی الریاض النضرة (1) (2 / 94) وقد حذف إسنادها تحفّظاً علیها ، وفی متنها شواهد تدلّ علی وضعها ، وأنّها مکذوبة مختلقة ، وهی تغنینا عن عرفان رجال السند.

وأخرج الحاکم فی المستدرک (2) (3 / 98) من طریق حبیب بن أبی ملیکة ، قال : جاء رجل إلی ابن عمر فقال : أشهِد عثمان بیعة الرضوان؟ قال : لا. قال : فشهد بدراً؟ قال : لا. قال : فکان ممّن استزلّه الشیطان. قال : نعم. فقام الرجل ، فقال له بعض القوم : إنّ هذا یزعم الآن أنّک وقعت فی عثمان. قال : کذلک یقول؟ قال : ردّوا علیّ الرجل ، فقال : عقلتَ ما قلتُ لک؟ قال : نعم سألتک هل شهد عثمان بیعة الرضوان؟ قلت : لا ، وسألتک هل شهد بدراً؟ فقلت : لا ، وسألتک هل کان ممّن استزلّه الشیطان؟ فقلت : نعم. فقال : أمّا بیعة الرضوان فإنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قام فقال : إنّ عثمان انطلق فی حاجة الله وحاجة رسوله. فضرب له بسهم ولم یضرب لأحد غاب غیره ، وأمّا الذین تولوا یوم التقی الجمعان إنَّما استزلّهم الشیطان ببعض ما کسبوا ولقد عفا الله عنهم إنَّ الله غفور حلیم.

ألا تعجب من هذه الأعذار المفتعلة الباردة وقد خفیت علی الصحابة الحضور یوم بدر البالغ جمعهم ثلاثمائة وأربعة عشر رجلاً (3) ، وعلی الذین بایعوا تحت الشجرة وکانوا ألفاً وأربعمائة أو أکثر (4) ، لم یک یعلم بها إلاّ رجلان أحدهما ابن عمر الذی کان ف)

ص: 102


1- الریاض النضرة : 3 / 19.
2- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 104 ح 4538.
3- صحیح البخاری : 6 / 74 [4 / 1457 ح 3740] فی المغازی ، تاریخ الطبری : 2 / 272 [2 / 431 حوادث سنة 2 ه] ، سیرة ابن هشام : 2 / 354 [2 / 364]. (المؤلف)
4- صحیح البخاری : 7 / 223 [4 / 1831 ح 4560] فی تفسیر سورة الفتح ، تفسیر القرطبی : 16 / 276 [16 / 182]. (المؤلف)

یوم بدر وأُحد صبیّا لم یبلغ الحلم ، وقد استصغره رسول الله فی الیومین ، وکان له یوم بیعة الرضوان ستّ عشرة سنة (1) ، وثانیهما نفس عثمان الغائب عن هاتیک المواقف ، فالروایة مدبّرة بین اثنین ، بین صبیّ وغائب یوم حوصر عثمان ، وتبعهما فی بعضها أنس فحسب.

ومن الغریب جدّا أنّ عبد الرحمن بن عوف أخا عثمان (2) وصاحبه الذی أقعده دست الخلافة ، وکان حاضراً فی بدر وأُحد لم یکن قرع سمعه شیء من تلکم الأعذار إلی یوم حوصر عثمان ، ولو کانت بمقربة من الصحّة لکانت الألسن تتداولها ، والأندیة لا تخلو عن ذکرها ، فجاء عبد الرحمن ینتقد الرجل بعدم حضوره فی الغزوتین وترکه سنّة عمر ، فبلغ ذلک عثمان فتخلّص عنه بما خلق له ابن عمر أو اختلق هو. أخرج أحمد فی مسنده (3) (1 / 68) من طریق شقیق قال : لقی عبد الرحمن بن عوف الولید بن عقبة ، فقال له الولید : مالی أراک قد جفوت أمیر المؤمنین عثمان رضی الله عنه؟ فقال له عبد الرحمن : أبلغه أنّی لم أفرّ یوم عینین - قال عاصم : یقول : یوم أُحد - ولم أتخلّف یوم بدر ، ولم أترک سنّة عمر رضی الله عنه قال : فانطلق فخبّر ذلک عثمان رضی الله عنه فقال : أمّا قوله : إنّی لم أفرّ یوم عینین فکیف [یعیرّنی] (4) بذنب وقد عفا الله عنه؟ فقال : (إِنَّ الَّذِینَ تَوَلَّوْا مِنْکُمْ یَوْمَ الْتَقَی الْجَمْعانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّیْطانُ بِبَعْضِ ما کَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللهُ عَنْهُمْ) (5) ، وأمّا قوله : إنّی تخلّفت یوم بدر ، فإنّی کنت أُمرّض رقیة بنت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم حین ماتت ، وقد ضرب لی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بسهمی ، ومن ضرب له رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بسهمه فقد شهد. وأمّا قوله : إنّی لم أترک سنّة عمر رضی الله عنه ؛ فإنّی 5.

ص: 103


1- راجع صفحة 4 من هذا الجزء. (المؤلف)
2- آخی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بینهما یوم المؤاخاة الأولی. (المؤلف)
3- مسند أحمد : 1 / 109 ح 492.
4- الزیادة من المصدر.
5- آل عمران : 155.

لا أطیقها ولا هو ، فأته وحدّثه بذلک.

دع ابن عمر یصوّر لبعث عثمان إلی مکة صورة مکبّرة من أنّه لم یبعثه إلاّ لأنّه أعزّ من فی بطن مکة (1) ، فإنّ الواقف علی القصّة جدّ علیم بأنّ تلک البعثة ما کانت لها صلة بالعزّة والذلّة ، فإنّها کانت إلی أبی سفیان یرید بها التخفیف من وطأته فی استهواء قریش ، واستهدائه علی استثارتها علی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، وکان طبع الحال یستدعی أن یبعث إلیه رجلاً من حامّته ؛ یأمن من بطشه ، ویؤمّل تنازله له لما بینهما من واشجة الرحم والقرابة ، ولذلک انتخب لها عثمان ، إن لم یقل القائل : إنّه صلی الله علیه وآله وسلم إنّما بعثه لیغیب عن بیعة الرضوان وفضلها ، حتی لا یقال غداً : إنّ عدول الصحابة قد أجمعت علی قتل رجل من أهل بیعة الرضوان.

هاهنا ننهی البحث عن حدیث المفاضلة - الذی جاء به ابن عمر وصحّحه البخاری (2) - وأنّه باطل لا یعتمد علیه ، یخالف الکتاب والسنّة والعقل والقیاس والإجماع والمنطق ، ونرجع إلی بقیّة ما جاء فی المناقب.

5 - عن أنس : أنّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم کان علی حراء وأبو بکر وعمر وعثمان ، فرجف بهم ، فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : أثبت حراء ، فما علیک إلاّ نبیّ وصدّیق وشهیدان.

قال الأمینی : أخرجه الخطیب فی تاریخه (5 / 365) من طریق محمد بن یونس الکدیمی ، ذلک الکذّاب الوضاع الذی وضع علی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أکثر من ألف حدیث ، کما مرّ فی الجزء الخامس فی سلسلة الکذّابین (ص 266) ، وفی هذا الجزء فیما یأتی.

عن قریش بن أنس الأموی البصری. قال ابن حبّان (3) : اختلط فظهر فی 0.

ص: 104


1- کما مرّ فی : ص 70. (المؤلف)
2- صحیح البخاری : 3 / 1337 ح 3455 ، ص 1352 ح 3494.
3- کتاب المجروحین : 2 / 220.

حدیثه مناکیر ، فلم یجز الاحتجاج بأفراده. وقال البخاری : اختلط ستّ سنین (1).

عن سعید بن أبی عروبة البصری. قال ابن سعد (2) : اختلط فی آخر عمره ، وقال ابن حبّان (3) : بقی فی اختلاطه خمس سنین ، ولا یُحتجّ إلاّ بما روی القدماء ، مثل یزید بن زریع ، وابن المبارک. وقال الذهلی : عاش بعد ما خولط تسع سنین. وقال غیرهم : اختلط سنین ، لم یجز الاحتجاج بحدیثه فیما انفرد (4).

هذا ما فی إسناد هذه الأُکذوبة من العلل ، غیر أنّ الخطیب مرّ بها کریماً ، لا تسمع منه حولها رکزاً ، ولم ینبس فیها ببنت شفة ، عادته فی فضائل من أعماه حبّه وأصمّه.

6 - أخرج الدارقطنی فی سننه (5) ، عن إسماعیل بن العبّاس الورّاق ، عن عباد ابن الولید أبی بدر ، عن الولید بن الفضل ، عن عبد الجبّار بن الحجّاج الخراسانی ، عن مکرم بن حکیم ، عن سیف بن منیر ، عن أبی الدرداء قال : أربع سمعتهنّ عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : لا تکفّروا أحداً من أهل قبلتی بذنب وإن عملوا الکبائر ، وصلّوا خلف کلّ إمام ، وجاهدوا أو قال : قاتلوا ، ولا تقولوا فی أبی بکر وعمر وعثمان وعلیّ إلاّ خیراً ، قولوا : (تِلْکَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما کَسَبَتْ) (وَعَلَیْها مَا اکْتَسَبَتْ) (6). (7) ف)

ص: 105


1- تهذیب التهذیب : 8 / 375 [8 / 335]. (المؤلف)
2- الطبقات الکبری : 7 / 273.
3- الثقات : 6 / 360.
4- تهذیب التهذیب : 4 / 63 - 66 [4 / 56]. (المؤلف)
5- سنن الدارقطنی : 2 / 55.
6- البقرة : 134 و 286.
7- میزان الاعتدال : 3 / 273 و 6 / 226 [2 / 258 رقم 3641 و 4 / 343 رقم 9394] (المؤلف)

رجال الإسناد :

1 - الولید بن الفضل المقبری. قال ابن حبّان (1) : یروی الموضوعات ، لا یجوز الاحتجاج به بحال ، وقال الذهبی (2) : هو الذی حدیثه فی جزء ابن عرفة ، عن إسماعیل بن عبید الله : أنّ عمر حسنة من حسنات أبی بکر رضی الله عنه. وإسماعیل هالک ، والخبر باطل.

وفی سنن الدارقطنی (3) : حدّثنا إسماعیل بن العبّاس الورّاق ، حدّثنا عبّاد ابن الولید أبو بدر - وذکر الحدیث بالإسناد المذکور - فقال : قال الدارقطنی : من بعد عبّاد ضعفاء - یعنی الولید وعبد الجبّار ومکرم وسیف.

وقال ابن حجر : لفظ الدارقطنی : بین عبّاد وأبی الدرداء ضعفاء ، فدخل فیهم عبد الجبّار کما دخل فی قول العقیلی (4) : إسناد مجهول ، ووقع هنا سیف بن منیر ، وفی الروایة الأخری : منیر بن سیف ، فلعلّه انقلب. وقال ابن أبی حاتم (5) عن أبیه : مجهول. وقال الحاکم وأبو نعیم وأبو سعید النقاش : روی عن الکوفیین الموضوعات.

میزان الاعتدال (3 / 273) ، لسان المیزان (6 / 225) (6).

2 - عبد الجبّار بن الحجّاج الخراسانی. ذکره ابن حجر فی لسان المیزان (3 / 387) وذکر شطراً من الحدیث بالإسناد وقال : هذا غیر محفوظ ، ولیس فی هذا 5.

ص: 106


1- کتاب المجروحین : 3 / 82.
2- میزان الاعتدال : 4 / 343 رقم 9394.
3- سنن الدارقطنی : 2 / 55 ح 2.
4- الضعفاء الکبیر : 3 / 90 رقم 1061.
5- الجرح والتعدیل : 9 / 13 رقم 57.
6- میزان الاعتدال : 4 / 343 رقم 9394 ، لسان المیزان : 6 / 274 رقم 9035.

المتن إسناد ثبت (1) ، وضعّفه الدارقطنی (2) فإنّه ساق فی السنن الحدیث المذکور من الطریق المذکور لکنّه من روایة عبّاد بن الولید الغبری (3) ، عن الولید بن الفضل وقال : من بعد عبّاد ضعیف ، فدخل عبد الجبار فیهم کما دخل ابن منیر.

لسان المیزان (4) (3 / 388).

3 - مکرم بن حکیم الخثعمی. قال الذهبی فی المیزان : روی خبراً باطلاً - یعنی هذا الحدیث - وقال : قال الأزدی : لیس حدیثه بشیء.

وقال ابن حجر : وزاد - یعنی الأزدی - أنّه مجهول ، والحدیث مذکور فی ترجمة الولید بن الفضل ، وقد ضعّفه الدارقطنی (5) أیضاً.

المیزان (3 / 198) ، لسان المیزان (6 / 85) (6).

4 - سیف بن منیر : قال الذهبی : یُجهل وضعّفه الدارقطنی (7) لکونه أتی بأمر معضل عن أبی الدرداء رضی الله عنه مرفوعاً : لا تکفّروا أهل ملّتی وإن عملوا الکبائر. لکنّه من روایة مکرم بن حکیم أحد الضعفاء عنه.

وقال ابن حجر : وذکره الأزدی فقال : ضعیف مجهول یکتب حدیثه ، وإسناد حدیثه لیس بالقائم. وقال صاحب الحافل : رواه عنه مکرم بن حکیم ولیس بشیء ، والحدیث فی سنن الدارقطنی. 2.

ص: 107


1- فی المصدر : یثبت.
2- سنن الدارقطنی : 2 / 55 ح 2.
3- بضم المعجمة وفتح الموحدة المخفّفة. (المؤلف)
4- لسان المیزان : 3 / 473 ح 4905.
5- سنن الدارقطنی : 2 / 55.
6- میزان الاعتدال : 4 / 177 رقم 8748 ، لسان المیزان : 6 / 100 رقم 8544.
7- سنن الدارقطنی : 2 / 55 ح 2.

میزان الاعتدال (1 / 439) ، لسان المیزان (3 / 133) (1).

7 - عن أنس قال : قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : ما من نبیّ إلاّ وله نظیر فی أُمّتی فأبو بکر نظیر إبراهیم ، وعمر نظیر موسی ، وعثمان نظیر هارون ، وعلیّ بن أبی طالب نظیری.

قال الأمینی : أخرجه ابن الأعرابی عن محمد بن زکریا الغلاّبی البصری ، عن أحمد بن غسان الهجیمی ، عن أحمد بن عطاء أبی عمرو الهجیمی ، عن عبد الحکم ، عن أنس.

قال الذهبی فی المیزان (1 / 56) : أخاف أن یکون الغلاّبی کذّبه ، وقال فی (3 / 58) : هو ضعیف ، وقال ابن مندة : تکلّم فیه. وقال الدارقطنی (2) : یضع الحدیث.

وذکر الحاکم فی تاریخه حدیثاً من طریق محمد بن زکریا الغلابی فقال : رواته ثقات إلاّ محمد بن زکریّا وهو الغلابی فهو آفته.

وفی الإسناد أحمد بن عطاء ، قال الدارقطنی (3) : متروک. وقال الأزدی : کان داعیة إلی القدر متعبّداً مغفّلاً یحدّث بما لم یسمع ، وقال زکریّا الساجی قبله مثله ، وقال ابن المدینی : أتیته یوماً فجلست إلیه فرأیت معه درجاً یحدّث به ، فلمّا تفرّقوا عنه ، قلت له : هذا سمعته؟ قال : لا ، ولکن اشتریته وفیه أحادیث حسان أُحدّث بها هؤلاء لیعملوا بها ، وأُرغّبهم وأُقرّبهم إلی الله ، لیس فیه حکم ولا تبدیل سنّة ، قلت له : أما تخاف الله تقرّب العباد إلی الله بالکذب علی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم؟

میزان الاعتدال (1 / 56 و 3 / 58) ، لسان المیزان (1 / 221 و 5 / 168) (4). 6.

ص: 108


1- میزان الاعتدال : 2 / 258 ح 3641 ، لسان المیزان : 3 / 159 رقم 4049.
2- الضعفاء والمتروکون : ص 350 رقم 483.
3- الضعفاء والمتروکون : ص 112 رقم 33.
4- میزان الاعتدال : 1 / 119 رقم 468 و 3 / 550 رقم 7537 ، لسان المیزان : 1 / 238 رقم 689 و 5 / 190 رقم 7356.

8 - ذکر المحبّ الطبری فی الریاض النضرة (1) (1 / 30) عن محمد بن إدریس الشافعی بسنده إلی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ، قال : کنت أنا وأبو بکر وعمر وعثمان وعلیّ أنواراً علی یمین العرش قبل أن یُخلَق آدم بألف عام ، فلمّا خُلِق أُسکِنّا ظهره ، ولم نزل ننتقل فی الأصلاب الطاهرة إلی أن نقلنی الله إلی صلب عبد الله ، ونقل أبا بکر إلی صلب أبی قحافة ، ونقل عمر إلی صلب الخطّاب ، ونقل عثمان إلی صلب عفّان ، ونقل علیّا إلی صلب أبی طالب. ثم اختارهم لی أصحاباً فجعل أبا بکر صدّیقاً ، وعمر فاروقاً ، وعثمان ذا النورین ، وعلیّا وصیّاً ، فمن سبّ أصحابی فقد سبّنی ، ومن سبّنی فقد سبّ الله ، ومن سبّ الله أکبّه فی النار علی منخره. أخرجه الملاّ فی سیرته (2).

قال الأمینی : نحن فی إبطال هذا الحدیث فی غنیً عن النظرة إلی إسناده المحذوف ، لکنّا مهما ذهلنا عن شیء فلا یفوتنا العلم بأنّ الأصلاب الأمویّة غیر طاهرة ، وإنّما هی الشجرة الملعونة فی القرآن ، راجع الجزء الثامن (3) (ص 254 ، 255 الطبعة الأولی).

إنَّ الخیارَ من البریّةِ هاشمٌ

وبنو أُمیّة أرذلُ الأشرارِ

وبنو أُمیّةَ عودُهمْ من خروعٍ

ولهاشمٍ فی المجدِ عودُ نضارِ

أمّا الدعاةُ إلی الجنانِ فهاشمٌ

وبنو أُمیّةَ من دُعاةِ النارِ

وبهاشمٍ زکتِ البلادُ وأعشبتْ

وبنو أُمیّةَ کالسراب الجاری

ذکرها الزمخشری فی ربیع الأبرار (4) باب (66) لأبی عطاء أفلح السندی.

وتجد فی غضون أجزاء کتابنا هذا نُبَذاً وافیة عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وعن مولانا 9.

ص: 109


1- الریاض النضرة : 1 / 45.
2- وسیلة المتعبّدین : ج 5 / ق 2 / ص 187.
3- أنظر : 8 / 349 - 352 من هذه الطبعة.
4- ربیع الأبرار : 3 / 479.

أمیر المؤمنین علیه السلام ، وبقیّة الصحابة ، ممّا فیه غنیً وکفایة فی سقوط الأمویّین عن مستوی الاعتبار والنزاهة فی الجاهلیّة والإسلام ، علی ما یؤثر عنهم فی العهدین من المخازی والمخاریق المؤکّدة لذلک کلّه ، فنحن نحاشی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم عن أن یصف تلکم الأصلاب بالطهارة فی عداد الأصلاب الطاهرة التی تنقّل فیها الرسول الأطهر ووصیّه المطهّر أمیر المؤمنین علیّ علیهما وآلهما السلام ، وهی الشجرة الطیّبة التی أصلها ثابت وفرعها فی السماء ، تؤتی أُکُلَها کلّ حین.

علی أنّا لم نجد فی أبی قحافة والخطّاب وأسلافهما ما یمکن أن یعدّ من المآثر البشریّة ، فضلاً عن المآثر الدینیّة التی نقطع بعدم تحلّیهما بها ، فقد أسلفنا الکلام حول إسلام أبی قحافة فی الجزء السابع (1) (ص 312 - 321 الطبعة الأولی) وأمّا الخطّاب فمن المقطوع به أنه لم یُسلم ، وقد ثبت عن عمر قوله للعباس عمّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم یوم أسلم : یا عبّاس فو الله لإسلامک یوم أسلمت کان أحبّ إلیّ من إسلام الخطّاب لو أسلم (2).

وأما عفّان فسل عنه الکلبی والبلاذری ؛ فإنّ لهما فی المثالب والأنساب (3) جُملاً تُعرب عن مجمل حقیقة الرجل دون تفصیلها.

وإنّا أسلفنا القول حول الألقاب فی (2 / 312 - 314 و 3 / 187) وإنّ الصدّیق والفاروق من الألقاب الثابتة الخاصّة بمولانا أمیر المؤمنین علیه السلام ، وإنّما تداولتهما الناس للرجلین ، وعند ذلک وضعوا مثل هذه المفتعلات.

ونحن لا نسترسل فی بیان حکم سبّ الصحابة ، لکنّا لو أخذنا بإطلاق هذه الروایة وقلنا : إنّ المخاطبین منهم کانوا مکلّفین بمفادها لأشکل الأمر فی أکثر الصحابة 9.

ص: 110


1- أنظر : 7 / 421 - 434 من هذه الطبعة.
2- سیرة ابن هشام : 4 / 21 [4 / 45] ، عیون الأثر : 2 / 169 [2 / 187] ، الشفا للقاضی : 2 / 18 [2 / 51]. (المؤلف)
3- أنساب الأشراف : 6 / 239.

الذین اطّرد بینهم السباب المقذع ، والوقیعة الفاضحة ، والعداء المحتدم ، حتی إنّه کان قد یؤول الأمر من جرّاء ذلک إلی المقاتلة ، فهل هؤلاء کلّهم یُکَبّون فی النار علی مناخرهم؟ أنا لا أدری.

9 - قال المحبّ الطبری فی الریاض النضرة (1) (1 / 24) : عن أبی (2) یخامر السکسکی أن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قال : اللهمّ صلّ علی أبی بکر فإنّه یحبّک ویحبّ رسولک ، اللهم صلّ علی عمر فإنّه یحبّک ویحبّ رسولک ، اللهم صلّ علی عثمان فإنّه یحبّک ویحبّ رسولک ، اللهم صلّ علی أبی عبیدة بن الجرّاح فإنّه یحبّک ویحبّ رسولک ، اللهمّ صلّ علی عمرو بن العاص فإنّه یحبّک ویحبّ رسولک. أخرجه الخلعی.

قال الأمینی : لیت المحبّ الطبری أوقفنا علی إسناد هذا الحدیث المبتور حتی نعرف عدد من فیه من الوضّاعین ، ولیته بعد أن موّه الأمر فی ذلک عرّفنا أبا یخامر السکسکی : من هو؟ أمِن الصحابة؟ أم من التابعین؟ أم ممّن بعدهم من طبقات الرجال؟ وهل سمع هو من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أو أنّه موّه ودلّس؟ أو أنّه بشر لم یُخلق بعد؟

وإن تعجب فعجب أنّه حذف بین الأسماء من یُقطع بأنّه یحبّ الله ورسوله ویحبّه الله ورسوله کمولانا أمیر المؤمنین علیه السلام ، الذی استفاض النقل الصحیح بذلک عن النبیّ الأعظم صلی الله علیه وآله وسلم راجع (3 / 21 - 23) وتقدّم فی الجزء السابع (199 الطبعة الأولی) وفی صفحات هذا الجزء أحادیث جمّة تدلّ علی أنّه أحبّ الناس إلی الله وإلی رسوله صلی الله علیه وآله وسلم ، ومن المعلوم إذن أنّ هذه المرتبة من الحبّ متبادلة بینه - سلام الله علیه - وبینهما ، ویدلّ علی هذا التبادل بنحو الإطلاق قوله تعالی (قُلْ إِنْ کُنْتُمْ تُحِبُّونَ ر.

ص: 111


1- الریاض النضرة : 1 / 37.
2- فی الأصل : ابن ، وصحّحناه وفقاً للمصدر.

اللهَ فَاتَّبِعُونِی یُحْبِبْکُمُ اللهُ) (1).

وکان فی الصحابة أناس آخرون یتهالکون فی المحبّة لله ولرسوله لا یفوقهم من ذکر ، وإن کنّا نعتقد أنّهم دون أُولئک المنسیّین بمنازل کثیرة ، کسلمان ، وأبی ذر ، والمقداد ، وعمّار ، والعبّاس عمّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم إلی کثیرین من نظرائهم. لکنّ نوبة الحبّ وصلت إلی الأبتر ابن الشانئ الأبتر ، إلی ابن النابغة ، إلی ابن الأمة السوداء المجنونة الحمقاء التی کانت تبول من قیام ، ویعلوها اللئام ، رکبها فی یوم واحد أربعون رجلاً ، إلی ابن العاصی ، إلی ابن الجزّار ، إلی ابن دعیّ ستّة ، إلی المدافع عن نفسه فی معترک القتال باسته ، إلی من رأی فحل زوجته علی فراشه فلم یغر ولم ینکر ، إلی الوغد اللئیم ، إلی النکد الذمیم ، إلی الوضیع الزنیم (2) ، إلی مناوئ الحقّ ونصیر الباطل ، إلی إلی ...

نعم ؛ وصلت نوبة الحبّ إلیه ولم تصل إلی من ذکرناهم من رجال الدین ، وأفذاذ الإسلام ، وأعاظم الأُمّة ، وصلحاء الصحابة.

إن دام هذا ولم یحدثْ به غِیَرٌ

لم یُبْکَ میْتٌ ولم یُفرَحْ بمولودِ

نعم ، راق ذلک السکسکی أو من قبله من الوضّاعین ولم یرقهم غیره. وکم فی صفحات تاریخ عمرو بن العاصی وقرنائه الأربعة شواهد دالّة علی ما عزاهم إلیه مختلق الروایة من حبّ الله وحبّ رسوله! نَکِلُ الوقوف علیها إلی سعة باع الباحث.

10 - أخرج ابن عدی (3) ، عن أحمد بن محمد الضبیعی ، عن الحسین بن یوسف ، عن أبی هاشم أصرم بن حوشب ، عن قرّة بن خالد البصری ، عن الضحاک ، عن ابن عبّاس مرفوعاً : أنا الأوّل وأبو بکر الثانی ، وعمر الثالث ، والناس بعدنا علی 9.

ص: 112


1- آل عمران : 31.
2- تجد تفصیل هذه الجُمل إلی أمثالها الکثیرة المعربة عن حقیقة ابن العاصی فی الجزء الثانی : 120 - 170. (المؤلف)
3- الکامل فی ضعفاء الرجال : 1 / 404 رقم 219.

السبق الأوّل فالأوّل.

قال الأمینی : قال السیوطی فی اللآلئ (1 / 311) : موضوع آفته أصرم.

وقال الذهبی : أصرم هالک ، قال یحیی : کذّاب خبیث ، وقال البخاری (1) ومسلم والنسائی (2) : متروک الحدیث ، وقال الدارقطنی (3) : منکر الحدیث ، وقال السعدی : کتبت عنه بهمدان سنة اثنتین ومائتین وهو ضعیف ، وقال ابن حبّان (4) : کان یضع الحدیث علی الثقات ، وقال ابن المدینی : کتبت عنه بهمدان وضربت علی حدیثه. وقال الفلاس : متروک یری الإرجاء.

وقال ابن حجر : أورد له العقیلی (5) حدیثاً عن زیاد بن سعد ، وقال : لا یتابع علیه ولا یُعرف [إلاّ] به ، ولیس له أصل من جهة یثبت. وقال ابن أبی حاتم (6) : سمعت أبی یقول : هو متروک الحدیث. وتکلّم فیه یحیی بن معین. وقال ابن المدینی : لقیناه بهمدان ثم حدّث بعدنا بعجائب وضعّفه جدّا ، وقال الحاکم والنقّاش : یروی الموضوعات. وقال الخلیلی : روی عن نهشل ، عن الضحاک ، عن ابن عبّاس مناکیر ، وروی الأئمّة عنه ، ثم رأوا ضعفه فترکوه.

میزان الاعتدال (1 / 126) ، لسان المیزان (1 / 461) (7).

علی أنّ الضحّاک لم یسمع من ابن عبّاس کما فی تاریخ ابن عساکر (8) (5 / 142) ، 3.

ص: 113


1- التاریخ الکبیر : 2 / 56 رقم 1671.
2- کتاب الضعفاء والمتروکین : ص 59 رقم 68.
3- الضعفاء والمتروکون : ص 155 رقم 116.
4- کتاب المجروحین : 1 / 181.
5- الضعفاء الکبیر : 1 / 118 رقم 142.
6- الجرح والتعدیل : 2 / 336 رقم 1273.
7- میزان الاعتدال : 1 / 272 رقم 1017 ، لسان المیزان : 1 / 515 رقم 1429.
8- تهذیب تاریخ دمشق : 5 / 145 ، 163.

کان شعبة لا یحدّث عن الضحاک وینکر أن یکون لقی ابن عبّاس ، وقال یحیی بن سعید : الضحّاک عندنا ضعیف.

تاریخ ابن عساکر (5 / 160).

11 - أخرج ابن عساکر فی تاریخه (1) (6 / 405) عن ابن عبّاس مرفوعاً : إنّ أحبّ أصهاری إلیّ ، وأعظمهم عندی منزلة ، وأقربهم من الله وسیلة ، وأنجح أهل الجنّة أبو بکر. والثانی عمر یعطیه الله قصراً من لؤلؤة ألف فرسخ فی ألف فرسخ ، قصورها ودورها ومجانبها وجهاتها وسررها وأکوابها وطیرها من هذه اللؤلؤة الواحدة ، وله الرضا بعد الرضا. والثالث عثمان بن عفان وله فی الجنّة مالا أقدر علی وصفه ، یعطیه الله ثواب عبادة الملائکة أوّلهم وآخرهم. والرابع علیّ بن أبی طالب ، بخٍ بخٍ من مثل علیّ؟ وزیری عند () (2) وأنیسی عند کربتی ، وخلیفتی فی أُمّتی ، وهو منّی علی دعای. ومن مثل أبی سفیان؟ لم یزل الدین به مؤیّداً قبل أن یسلم وبعد ما أسلم ، ومن مثل أبی سفیان إذا أقبلت من عند ذی العرش أرید الحساب ، فإذا أنا بأبی سفیان معه کأس من یاقوتة حمراء یقول : اشرب یا خلیلی ، أعار (3) بأبی سفیان ، وله الرضا بعد الرضا.

قال الأمینی : لقد أعرب عن بعض الحقیقة الحافظ ابن عساکر نفسه بقوله : هذا حدیث منکر.

أیّ منکر هذا یعدّ أبا سفیان ممّن لم یزل الدین به مؤیّداً قبل إسلامه وبعده؟ فکأنّه غیر رأس المشرکین یوم أُحد ، وغیر مجهّز جیش الأحزاب والمجلب علی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم والرافع عقیرته وهو یرتجز بقوله : اعلُ هبل ، اعلُ هُبل. فقال ر.

ص: 114


1- تاریخ مدینة دمشق : 23 / 464 رقم 2849 ، وفی تهذیب تاریخ دمشق : 6 / 407.
2- بیاض فی الأصل. (المؤلف)
3- کذا فی المصدر.

رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : ألا تجیبونه؟ قالوا : یا رسول الله ما نقول؟ قال : قولوا : «الله أعلی وأجلّ» فقال أبو سفیان إنّ لنا العزّی ولا عزّی لکم ، فقال رسول الله : «ألا تجیبونه؟» فقالوا : یا رسول الله ما نقول؟ قال : «قولوا : الله مولانا ولا مولی لکم» (1).

وکأنّه لیس من أئمّة الکفر الذین نزل فیهم قوله تعالی : (فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْکُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَیْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ یَنْتَهُونَ) سورة التوبة : 12 (2).

وکأنّه غیر من أُرید بقوله عزّ وجلّ : (إِنَّ الَّذِینَ کَفَرُوا یُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِیَصُدُّوا عَنْ سَبِیلِ اللهِ) سورة الأنفال : 36.

أخرج نزوله فیه ابن مردویه من طریق ابن عباس ، وعبد بن حمید ، وابن جریر ، وأبو الشیخ من طریق مجاهد ، وهؤلاء وغیرهم من طریق سعید بن جبیر ، وابن جریر ، وابن المنذر ، وابن أبی حاتم ، وأبو الشیخ من طریق الحکم بن عتیبة (3).

وکأنّه غیر المعنیّ هو وأصحابه بقوله تعالی : (قُلْ لِلَّذِینَ کَفَرُوا إِنْ یَنْتَهُوا یُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ وَإِنْ یَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِینَ) سورة الأنفال : 38 (4). ف)

ص: 115


1- سیرة ابن هشام : 3 / 45 [3 / 99] ، تاریخ ابن عساکر : 6 / 396 [23 / 444 رقم 2849 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 11 / 53 - 54] ، عیون الأثر : 2 / 18 [1 / 424] ، تفسیر القرطبی : 4 / 234 [4 / 151]. (المؤلف)
2- تفسیر الطبری : 10 / 262 [مج 6 / ج 10 / 87] ، تاریخ ابن عساکر : 6 / 393 [23 / 438 رقم 849 وفی مختصر تاریخ دمشق : 11 / 51] ، تفسیر ابن جزی : 2 / 71 ، تفسیر السیوطی [4 / 136] ، تفسیر الخازن : 2 / 218 [2 / 208] ، تفسیر الآلوسی : 10 / 59. (المؤلف)
3- تفسیر الطبری : 9 / 159 [مج 6 / ج 9 / 244] ، تاریخ ابن عساکر : 6 / 393 [23 / 438 رقم 849 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 11 / 51] ، الکشاف : 2 / 13 [2 / 219] ، تفسیر الرازی : 4 / 379 [15 / 160] ، تفسیر ابن کثیر : 2 / 308 ، تفسیر الخازن : 2 / 192 [2 / 184] ، تفسیر الشوکانی : 2 / 293 [2 / 307] ، تفسیر الآلوسی : 9 / 204. (المؤلف)
4- تفسیر النسفی هامش تفسیر الخازن : 2 / 193 [2 / 103] ، تفسیر الآلوسی : 9 / 206(المؤلف)

وکأنّه غیر من مشی مع جمع من رجال قریش إلی أبی طالب قائلین له : إنّ ابن أخیک قد سبّ آلهتنا ، وعاب دیننا ، وسفّه أحلامنا ، وضلّل آباءنا ، فإمّا أن تکفّه عنّا ، وإمّا أن تخلّی بیننا وبینه. إلخ (1).

وکأنّه لیس أحد المجتمعین بدار الندوة الذین تفرّقوا علی رأی أبی جهل من أن یُؤخذ من کلّ قبیلة شابّ فتی جلید نسیب وسط ، ثم یُعطی کلٌّ منهم سیفاً صارماً فیعمدوا إلی رسول الله فیضربوه بها ضربة رجل واحد فیقتلوه (2).

وکأنّه غیر من أنفق علی المشرکین یوم أُحد أربعین أوقیة ، وکلّ أوقیة اثنان وأربعون مثقالاً.

وکأنّه غیر من استأجر ألفین من الأحابیش من بنی کنانة لیقاتل بهم رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم سوی من استجاش من العرب (3).

وکأنّه غیر من لعنه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یوم أُحد فی صلاة الصبح بعد الرکعة الثانیة بقوله : «اللهم العن أبا سفیان ، وصفوان بن أمیّة ، والحارث بن هشام» (4).

وکأنّه غیر من لعنه رسول الله فی سبعة مواطن ، لا یتأتّی لأیّ أحد ردّها :

أوّلها : یوم لقی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم خارجاً من مکة إلی الطائف یدعو ثقیقاً إلیف)

ص: 116


1- سیرة ابن هشام : 1 / 277 ، 2 / 26 [1 / 283 ، 2 / 58]. (المؤلف)
2- سیرة ابن هشام : 2 / 94 [2 / 126]. (المؤلف)
3- تفسیر الطبری : 9 / 159 ، 160 [مج 6 / ج 9 / 244] ، الکشاف : 2 / 13 [2 / 219] ، تفسیر الرازی : 4 / 397 [15 / 160] ، تفسیر الخازن : 2 / 192 [2 / 184] ، تفسیر الآلوسی : 9 / 204. (المؤلف)
4- تفسیر الطبری : 4 / 58 [مج 3 / ج 4 / 88] ، وأخرجه الترمذی فی جامعه [5 / 212 ح 3004] کما فی نیل الأوطار للشوکانی : 2 / 389 ، نصب الرایة للزیلعی : 2 / 129 ، وأخرجه البخاری فی المغازی : 2 / 582 [4 / 1493 ح 3842] ، وفی التفسیر [4 / 1661 ح 4283] بلفظ : فلاناً وفلاناً ولم یسمّ أحداً تحفظاً علی کرامة أبی سفیان وشاکلته. (المؤلف)

الدین ، فوقع به وسبّه وشتمه ، وکذّبه وتوعّده وهمّ أن یبطش به ، فلعنه الله ورسوله وصرف عنه.

الثانیة : یوم العیر : إذ عرض لها رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وهی جائیة من الشام ، فطردها أبو سفیان وساحل بها ، فلم یظفر المسلمون بها ولعنه رسول الله ودعا علیه ، فکانت وقعة بدر لأجلها.

الثالثة : یوم أُحد : حیث وقف تحت الجبل ورسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی أعلاه وهو ینادی : أعل هُبل ، مراراً ، فلعنه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم عشر مرّات ، ولعنه المسلمون.

الرابعة : یوم جاء بالأحزاب وغطفان والیهود ، فلعنه رسول الله وابتهل.

الخامسة : یوم جاء أبو سفیان فی قریش فصدّوا رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم عن المسجد الحرام والهدی معکوفاً أن یبلغ محلّه ، ذلک یوم الحدیبیّة ، فلعن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أبا سفیان ، ولعن القادة والأتباع ، وقال : «ملعونون کلّهم ، ولیس فیهم من یؤمن» ، فقیل : یا رسول الله أفما یرجی الإسلام لأحد منهم فکیف باللعنة؟ فقال : «لا تصیب اللعنة أحداً من الأتباع ، وأمّا القادة فلا یفلح منهم أحد».

السادسة : یوم الجمل الأحمر (1).

السابعة : یوم وقفوا لرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی العقبة لیستنفروا ناقته ، وکانوا اثنی عشر رجلاً ، منهم أبو سفیان (2).

هذه المواطن السبعة عدّها الإمام الحسن السبط - سلام الله علیه.

وکأنّه غیر من عدا علی دور المهاجرین من بنی جحش بن رئاب بعد ما ف)

ص: 117


1- انظر ص 198 - 199 من هذا الجزء.
2- شرح ابن أبی الحدید : 2 / 102 ، 103 [6 / 290 - 291 خطبة 83]. (المؤلف)

هاجروا وباعها من عمرو بن علقمة ، وقیل فیه :

أبلغْ أبا سفیانَ عن

أمرٍ عواقبُه ندامه

دار ابنِ عمِّک بعتَها

تقضی بها عنک الغرامه

وحلیفُکم بالله رَ

بّ الناسِ مجتهد القسامه

اذهب بها اذهب بها

طُوِّقتَها طوقَ الحمامه (1)

وکأنّه غیر صاحب البائیّة یوم أُحد یقول فیها :

أُقاتلهم وأدّعی یا لغالب

وأدفعُهم عنّی برکن صلیبِ

فبکّی ولا ترعَی مقالةَ عاذلٍ

ولا تسأمی من عبرةٍ ونحیبِ

أباک وإخواناً له قد تتابعوا

وحقّ لهم من عبرةٍ بنصیبِ

وسَلَّی الذی قد کان فی النفس أنَّنی

قتلتُ من النجّار کلَّ نجیبِ

ومن هاشمٍ قرماً کریماً ومُصعباً (2)

وکان لدی الهیجاءِ غیرَ هیوبِ

ولو أنّنی لم أشفِ نفسیَ منهمُ

لکانت شجاً فی القلبِ ذاتَ ندوبِ

فآبوا وقد أودی الجلابیبُ (3) منهُم

بهم خَدَبٌ من مُعطب وکئیبِ (4)

أصابهمُ من لم یکن لدمائهم

کفاءً ولا فی خُطّةٍ بضریبِ (5)

وکأنّه غیر من کان یضرب فی شدق حمزة بن عبد المطّلب بزجّ الرمح قائلاً : ذُق عقق (6). ف)

ص: 118


1- سیرة ابن هشام : 2 / 117 [2 / 145]. (المؤلف)
2- عنی به سیّدنا حمزة بن عبد المطّلب. (المؤلف)
3- الجلابیب جمع جلباب : الإزار الخشن. کان الکفّار من أهل مکة یسمّون من أسلم مع النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم الجلابیب. (المؤلف)
4- الخَدَب : الطعن النافذ إلی الجوف. المعطَب : الذی یسیل دمه.
5- الخطّة : الخصلة الرفیعة. الضریب : الشبیه. راجع سیرة ابن هشام : 3 / 22 [3 / 80]. (المؤلف)
6- عقق ، أی یا عقق ، یرید : یا عاق. (المؤلف)

سیرة ابن هشام (1) (3 / 44).

وکأنّه غیر من داس قبر حمزة برجله وقال : یا أبا عمارة إنّ الأمر الذی اجتلدنا علیه بالسیف أمسی فی ید غلماننا الیوم یتلعّبون به. شرح ابن أبی الحدید (2) (4 / 51)

وکأنّه غیر من قال لمّا رأی الناس یطئون عقب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وحسده : لو عاودت الجمع لهذا الرجل. فضرب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی صدره ثم قال : إذاً یخزیک الله.

الإصابة (2 / 179).

وکأنّه غیر من قال لعثمان یوم تسنّم عرش الخلافة : صارت إلیک بعد تیم وعدی فأدرها کالکرة ، واجعل أوتادها بنی أمیّة ، فإنّما هو الملک ، ولا أدری ما جنّة ولا نار. راجع (8 / 278).

وکأنّه غیر من دخل علی عثمان بعد ما عمی وقال : هاهنا أحد؟ فقالوا : لا. فقال : اللهمّ اجعل الأمر أمر جاهلیّة ، والملک ملک غاصبیّة ، واجعل أوتاد الأرض لبنی أُمیّة.

تاریخ ابن عساکر (3) (6 / 407).

وکأنّه غیر من عرّفه أمیر المؤمنین علیه السلام فی کتاب له إلی معاویة بقوله : «منّا النبیّ ، ومنکم المکذّب» ، قال ابن أبی الحدید فی شرحه (4) (3 / 452) یعنی أبا سفیان بن حرب ، کان عدوّ رسول الله ، والمکذّب له ، والمجُلب علیه.

وکأنّه غیر من جاء فیه قول أمیر المؤمنین علیه السلام فی کتاب له إلی محمد بن أبی 8.

ص: 119


1- السیرة النبویّة : 3 / 99.
2- شرح نهج البلاغة : 16 / 136 کتاب 32.
3- تاریخ مدینة دمشق : 23 / 471 رقم 2849 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 11 / 67.
4- شرح نهج البلاغة : 15 / 196 کتاب 28.

بکر : «قد قرأت کتاب الفاجر ابن الفاجر معاویة».

وکأنّه غیر من ذکره أمیر المؤمنین بقوله فی کتاب له إلی ابنه معاویة : «یا بن صخر یا بن اللعین». والإمام الطاهر علیه السلام فی لعنه الرجل اقتفی أثر النبیّ الأعظم ، وقد سمع منه صلی الله علیه وآله وسلم وهو یلعنه فی مواطن شتّی.

وکأنّه غیر من قال فیه عمر بن الخطاب : أبو سفیان عدوّ الله ، قد أمکن الله منه بغیر عهد ولا عقد ، فدعنی یا رسول الله أضرب عنقه.

تاریخ ابن عساکر (1) (6 / 399).

وکأنّه غیر من قال فیه عمر أیضاً : إنّ أبا سفیان لقدیم الظلم.

الإصابة (2 / 180).

وکأنّه غیر من أسلفنا ترجمته فی الجزء الثالث (ص 251 - 254) وفی الثامن (ص 278 - 279).

هذا مجمل حال الرجل فی العهدین الجاهلیّ والإسلامی ، أفبمثله أُیّد الدین قبل إسلامه وبعد إسلامه؟ أو مثله یتولّی سقایة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یوم المحشر إذا أقبل من عند ذی العرش ، وهل مستوی العرش معبّأ لمثل أبی سفیان هذا ونظرائه؟ إذن فعلی العرش ومن بفنائه السلام!

ثم اقرأ المجازفة فی حساب عثمان الذی حاز فی مزعمة ملفّق هذه الروایة ثواب عبادة الملائکة أوّلهم وآخرهم ، أولئک الملائکة المعصومین ، وجنّة لا یقدر علی وصفها رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، وهو من قرأت صحیفة حیاته فی الجزء التاسع وقبله ، ووقفت علی عقائد الصحابة العدول فیه وفی أحداثه ، وإجماعهم علی إهدار دمه ، فلما ذا ذلک الثواب ، ولما ذا تلکم الجنّة؟ ولما ذا هذه العظمة فی أبناء الشجرة المنعوتة فی 3.

ص: 120


1- تاریخ مدینة دمشق : 23 / 449 رقم 2849 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 11 / 43.

القرآن؟ أعوذ بالله من السرف فی القول والغلوّ فی الفضائل.

12 - أخرج ابن عساکر (1) ، وابن مندة ، والخلعی ، والطبرانی (2) ، والعقیلی (3) عن سهل بن یوسف بن سهل بن مالک ، عن أبیه ، عن جدّه قال : لمّا رجع النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم من حجّة الوداع إلی المدینة ، صعد المنبر فحمد الله وأثنی علیه ثم قال : یا أیّها الناس إنّ أبا بکر لم یسؤنی قطّ فاعرفوا ذلک له ، یا أیّها الناس إنّی راضٍ عن أبی بکر ، وعمر ، وعثمان ، وعلیّ ، وطلحة ، والزبیر ، وسعد ، وعبد الرحمن بن عوف ، والمهاجرین الأوّلین ، فاعرفوا ذلک لهم. أیّها الناس إنّ الله قد غفر لأهل بدر والحدیبیة. أیّها الناس احفظونی فی أصحابی وأصهاری وفی أختانی ، لا یطلبنّکم الله بمظلمة أحد منهم فإنّها ممّا لا توهب. أیّها الناس ارفعوا ألسنتکم عن المسلمین ، وإذا مات أحد من المسلمین فقولوا فیه خیراً (4).

قال الأمینی : قال ابن عبد البرّ فی الاستیعاب (5) (2 / 573) : حدیثه - یعنی حدیث سهل بن مالک - یدور علی خالد بن عمرو القرشی الأُموی ، وهو منکر الحدیث ، متروک الحدیث. قال بعد ذکر الحدیث : حدیث منکر موضوع ، یقال فیه : إنّه من الأنصار ولا یصحّ ، وفی إسناد حدیثه مجهولون ضعفاء معروفون ، یدور علی سهل بن یوسف بن مالک بن سهل ، عن أبیه ، عن جدّه ، وکلّهم لا یُعرف.

وقال ابن مندة : غریب لا نعرفه إلاّ من هذا الوجه. وقال العقیلی (6) : إسناده 5.

ص: 121


1- تاریخ مدینة دمشق : 30 / 131 رقم 3398.
2- المعجم الکبیر : 6 / 104 ح 5640.
3- الضعفاء الکبیر : 4 / 148 رقم 1715.
4- تاریخ ابن عساکر : 6 / 127 [21 / 81 - 83 رقم 2477 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 14 / 355] ، الاستیعاب : 2 / 572 [القسم الثانی / 666 رقم 1098]. (المؤلف)
5- الاستیعاب : القسم الثانی / 666 - 667 رقم 1098.
6- الضعفاء الکبیر : 4 / 147 رقم 1715.

مجهول لا یتابع علیه. والعجب من الحافظین وحکمهما بغرابة الحدیث والجهل وقد أخرجاه من طریق خالد بن عمرو ، ومرّ فی الجزء الثامن (ص 48 ، 49) عن أئمّة الجرح والتعدیل ، أنّه کان کذّاباً وضّاعاً ، یتفرّد عن الثقات بالموضوعات ، لا یجوز الاحتجاج بخبره ، أحادیثه موضوعة باطلة. وجزم الدارقطنی فی الأفراد بأنّ خالد ابن عمرو تفرّد بهذا الحدیث.

وأخرجه سیف بن عمر ، وقد أسلفنا فی الجزء الثامن (ص 84 و 351) أقوال الحفاظ فیه ، وأنّه وضّاع ، متروک ، ساقط ، متّهم بالزندقة ، عامّة أحادیثه منکرة لم یتابع علیها.

وفی طرق الحدیث مجاهیل منهم : محمد بن یوسف المسمعی. قال الذهبی (1) : لا یُدری من هو. وقال العقیلی : لا یُتابع علی حدیثه. ومنهم : علیّ بن محمد بن یوسف. قال الضیاء : لم أجد له ولا لشیخه.

ومنهم : حبّان بن أبی تراب (2) أو : منّان بن أبی ثواب (3) أو : قنان بن أبی أیّوب (4) أو : قنار بن أبی أیوب (5) من رجال الغیب لا یعرف اسمه واسم أبیه فضلاً عن عرفان شخصیّتهما.

ومن الوهم الغریب للطبرانی إخراجه الروایة من طریق علیّ بن محمد بن یوسف المسمعی ، عن سهل بن یوسف بن سهل بن مالک ، وتبعه فی ذلک الضیاء فی المختارة ، وقد أخرجها العقیلی من طریق محمد بن یوسف المسمعی والد علی المذکور ف)

ص: 122


1- میزان الاعتدال : 4 / 72 رقم 8343.
2- کذا فی لسان المیزان : 5 / 435 [5 / 492 رقم 8213]. (المؤلف)
3- کذا فی لسان المیزان : 3 / 123 [3 / 146 رقم 4010]. (المؤلف)
4- کذا فی الإصابة : 2 / 90 [رقم 3552]. (المؤلف)
5- کذا فی لسان المیزان : 4 / 475 [4 / 558 رقم 6703]. (المؤلف)

فی إسناد الطبرانی ، عن حبّان ، رقبان ، رقنار ، رمنان ، عن خالد بن عمرو الأُموی ، عن سهل ، فطبقة علیّ تستدعی سقط ثلاثة من رجال إسناد الطبرانی.

راجع (1) : میزان الاعتدال (1 / 3) ، الإصابة (2 / 90) ، لسان المیزان (3 / 123 و 4 / 261 و 5 / 435).

13 - عن عبادة بن الصامت قال : خلوت برسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فقلت : أیّ أصحابک أحبّ إلیک حتّی أُحبّ من تحبّ کما تحبّ؟ فقال : اکتم علیّ یا عبادة حیاتی ، فقلت : نعم ، فقال : أبو بکر ، ثم عمر ، ثم علیّ. ثم سکت ، فقلت : ثم من یا نبیّ الله؟ فقال : من عسی أن یکون بعد هؤلاء إلاّ الزبیر ، وطلحة ، وسعد وأبو عبیدة ، ومعاذ ، وأبو طلحة ، وأبو أیّوب ، وأنت یا عبادة ، وأُبیّ بن کعب ، وأبو الدرداء ، وابن مسعود ، وابن عوف ، وابن عفّان ، ثم هؤلاء الرهط من الموالی : سلمان ، وصهیب ، وبلال ، وسالم مولی أبی حذیفة ، هؤلاء خاصّتی ، وکلّ أصحابی علیّ کریم حبیب إلیّ وإن کان عبداً حبشیّا. قال أبو عبد الله الصُّنَابحی : قلت لعبادة : لم یذکر حمزة ولا جعفراً ، فقال عبادة : إنّهما کانا أصیبا یوم سألت عن هذا ، إنّما کان هذا بآخرة أو کما قال.

تاریخ ابن عساکر (2) (5 / 38 و 7 / 210).

قال الأمینی : ألا تعجب من نبیّ العظمة أن یتحاشی عن بیان ما یهمّ الأُمّة عرفانه ویعهد إلی السائل بأن یکتمه علیه فی حیاته وهو فی أُخریاتها؟ ألیس هو القائل لعائشة فیما أخرجه الخجندی : إنّ علیّا أحبّ الرجال إلیّ وأکرمهم علیّ؟ 5.

ص: 123


1- میزان الاعتدال : 4 / 72 رقم 8343 ، لسان المیزان : 3 / 146 رقم 4010 و 4 / 301 رقم 5927 و 5 / 492 رقم 8213.
2- تاریخ مدینة دمشق : 16 / 44 رقم 1876 ، 26 / 193 رقم 3071 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 7 / 338 ، رقم 11 / 305.

والقائل أحبّ الناس إلیّ من الرجال علیّ؟ والقائل : علیّ أحبّهم إلیّ وأحبّهم إلی الله؟

هلاّ کانت الصحابة یعرفون أحبّ الناس إلیه صلی الله علیه وآله وسلم بعد تلکم الآیات والنصوص النبویّة الواردة فی مولانا علیّ أمیر المؤمنین؟ أما صحّ عن عائشة قولها : والله ما رأیت أحداً أحبّ إلی رسول الله من علیّ ، ولا فی الأرض امرأة کانت أحبّ إلیه من امرأته؟

وهلاّ صحّح الحفّاظ قول بریدة وأبیّ بن کعب : أحبّ الناس إلی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم من النساء فاطمة ومن الرجال علیّ (1).

ثم ما الذی أنسی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أعاظم صحابته الذین نزل فیهم القرآن وأثنی صلی الله علیه وآله وسلم علیهم بما لا یزید علیه ، کعمّه العباس ، وأبی ذر ، وعمّار ، والمقداد ، وابن مسعود ، إلی آخرین من أمثالهم؟ وما الذی بخس حظّهم من حبّ نبیّهم الأقدس إیّاهم مع تلکم الفضائل والفواضل الجمّة ، ولا یدانیهم فیها غیرهم حتی جُلّ المذکورین إن لم نقل کلّهم غیر سیّد العترة؟

أفی وسع الباحث أن یری أبا عبیدة حفّار القبور - مثلاً - أحبّ إلی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم من أبی ذرّ الصدّیق شبیه عیسی فی أُمّة محمد صلی الله علیه وآله وسلم هدیاً ، وبرّا ، ونسکاً ، وزهداً ، وصدقاً ، وجدّا ، وخلقاً ، وخُلقاً؟ من أبی ذرّ الذی کان صلی الله علیه وآله وسلم یدنیه دون أصحابه إذا حضر ، ویتفقّده إذا غاب (2).

أو من عمّار جلدة ما بین عینی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وأنفه. الطیّب المطیّب الذی مُلئ إیماناً إلی مُشاشه ، الذی خُلط الإیمان ما بین قرنه إلی قدمه ، خُلط الإیمان بلحمه ودمه ، الذی کان مع الحقّ والحقّ معه ، یدور مع الحقّ أینما دار (3). ف)

ص: 124


1- راجع ما أسلفناه فی الجزء الثالث : ص 21 - 24. (المؤلف)
2- راجع الجزء الثامن : ص 315 - 326 الطبعة الأولی و 308 - 319 الطبعة الثانیة. (المؤلف)
3- راجع الجزء التاسع : ص 20 - 27. (المؤلف)

أعوذ بالله من التقوّل والتحدّث بالزعمات بلا تعقّل.

14 - أخرج ابن عساکر فی تاریخه (1) (6 / 173) من طریق سعید بن مسلمة بن أُمیّة بن هشام بن عبد الملک بن مروان الأُموی ، عن ابن عمر قال : خرج علینا رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم - أو دخل المسجد - وهو آخذ بید أبی بکر وعمر أحدهما عن یمینه والآخر عن یساره ، ثم قال : هکذا نبعث یوم القیامة. ورواه الترمذی (2).

قال الأمینی : حذف بدران مهذّب تاریخ ابن عساکر (3) إسناد هذه الروایة ستراً علی ما فیه من العلل ، ذاهلاً عن أنّ فی ذکر سعید بن مسلمة غنیً وکفایة ، وإسناده کما فی المیزان (4) عن سعید ، عن إسماعیل بن أُمیّة ، عن نافع ، عن ابن عمر. قال البخاری فی تاریخه (5) : سعید بن مسلمة ، عن إسماعیل بن أُمیّة فیه نظر ، یروی عن جعفر بن محمد ، عن أبیه ، عن جدّه ، مناکیر. وقال أیضاً : منکر الحدیث. وقال مرّة : ضعیف. وقال یحیی بن معین : لیس بشیء. وقال أبو حاتم (6) : ضعیف الحدیث منکره. وقال الدارقطنی : هو ضعیف الحدیث یعتبر به. وقال ابن حبان : فاحش الخطأ ، منکر الحدیث جدّا (7).

وأخرجه الدارقطنی من طریق الحارث بن عبد الله المدینی مولی بنی سلیم ، عن إسحاق بن محمد الفروی الأُموی مولی عثمان ، عن مالک ، عن نافع ، عن ابن عمر ، ف)

ص: 125


1- تاریخ مدینة دمشق : 21 / 296 رقم 2555 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 10 / 11.
2- سنن الترمذی : 5 / 572 ح 3669.
3- تهذیب تاریخ دمشق : 6 / 175.
4- میزان الاعتدال : 2 / 158 رقم 3273.
5- التاریخ الکبیر : 3 / 516 رقم 1724.
6- الجرح والتعدیل : 4 / 67.
7- تاریخ ابن عساکر : 6 / 174 [21 / 297 - 299 رقم 2555 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 10 / 11] ، میزان الاعتدال : 1 / 391 [2 / 158 رقم 3273] ، تهذیب التهذیب : 4 / 83 [4 / 74]. (المؤلف)

فقال : لو جاء بذلک الحدیث عن مالک یحیی بن سعید لم یحتمل له. وقال النسائی (1) : متروک ، وقال أیضاً : لیس بثقة. وقال الدارقطنی : ضعیف ، وقد روی عنه البخاری ویوبّخونه فی هذا. وقال الدارقطنی أیضاً : لا یترک. وقال الساجی : فیه لین. روی عن مالک أحادیث تفرّد بها. وقال العقیلی (2) : جاء عن مالک بأحادیث کثیرة لا یتابع علیها. وقال الحاکم : عیب علی محمد - یعنی البخاری - إخراج حدیثه وقد غمزوه (3).

15 - أخرج ابن عساکر من طریق سلیمان بن بلال بن أبی الدرداء عزیز (4) بن زید الأنصاری ، عن أبیه ، أنّه رأی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وأبا بکر عن یمینه ، وعمر عن یساره فقال : هکذا نکون ، ثم هکذا نموت ، ثم هکذا نبعث ، ثم هکذا ندخل الجنّة.

تاریخ ابن عساکر (5) (6 / 246).

قال الأمینی : هذا الإسناد فیه وهم واختلاط من ناحیة سلیمان أوّلاً ، فإنّ بلال بن أبی الدرداء لم یذکر له ولد یروی عنه ، ولا یوجد له قطّ اسم فی المعاجم ، والصحیح : سلیمان ، عن بلال ، عن أبیه ، وفی تلک الطبقة غیر واحد کلّهم یسمّون سلیمان بین کذّاب وضّاع ، وبین ضعیف ساقط متروک ، وبین مجهول منکر لا یُعرف.

وفی الإسناد وهم من ناحیة بلال ثانیاً ، فإنّه لم یدرک النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ولم یروِ عنه ، قال أبو زرعة : فی الطبقة التی تلی الصحابة بلال بن أبی الدرداء ، توفّی (سنة 92، 93) 1.

ص: 126


1- کتاب الضعفاء المتروکین : ص 54 رقم 51.
2- الضعفاء الکبیر : 1 / 106 رقم 125.
3- میزان الاعتدال : 1 / 93 [1 / 198 رقم 785] ، تهذیب التهذیب : 1 / 248 [1 / 217] ، لسان المیزان : 2 / 154 [2 / 195 رقم 2198]. (المؤلف)
4- کذا فی النسخ ، والصحیح المتسالم علیه : عویمر. هو أبو الدرداء المعروف. (المؤلف)
5- تاریخ مدینة دمشق : 22 / 205 رقم 2655 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 10 / 111.

وکان قاضیاً علی دمشق فی ولایة یزید وبعده حتی عزله عبد الملک. ولعلّک تهتدی بذلک إلی مبلغه من الثقة والدین.

وبقیّة رجال السند المحذوفة أسماؤهم لا نعرف أحداً منهم حتی نعطی النظر حقّه ، وبمثلها من روایة لا یثبت حقّ ، ولا تعتبر فضیلة.

16 - أخرج ابن عساکر فی تاریخه (1) (4 / 224) من طریق الحسن بن محمد بن الحسن أبی علی الأبهری المالکی نزیل دمشق إلی شدّاد بن أوس مرفوعاً : أبو بکر أرأف أُمّتی وأرحمها. وعمر بن الخطاب خیر أُمّتی وأعدلها. وعثمان أحیا أُمّتی وأکرمها وأصدقها. وأبو الدرداء أعبد أُمّتی وأتقاها. ومعاویة أحکم أُمّتی وأجودها.

وفی لفظ العقیلی (2) من طریق بشیر بن زاذان ، عن عمر بن صبح ، عن رکن ، عن شدّاد بن أوس مرفوعاً : أبو بکر أوزن أُمّتی ، وعمر خیر أُمّتی ، وعثمان أحیا أُمّتی ، ومعاویة أحکم أُمّتی.

لسان المیزان (3) (2 / 37).

وفی لفظ السیوطی نقلاً عن العقیلی أیضاً : أبو بکر أوزن أُمّتی وأرحمها ، وعمر خیر أُمّتی وأکملها ، وعثمان أحیا أمّتی وأعدلها ، وعلیّ أوفی أُمّتی وأوسمها ، وعبد الله ابن مسعود أمین أُمّتی وأوصلها ، وأبو ذر أزهد أُمّتی وأرقّها ، وأبو الدرداء أعدل أُمّتی وأرحمها ، ومعاویة أحلم أُمّتی وأجودها.

اللآلئ (1 / 428). 0.

ص: 127


1- تاریخ مدینة دمشق : 13 / 365 رقم 1437 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 7 / 66.
2- الضعفاء الکبیر : 1 / 144 رقم 177.
3- لسان المیزان : 2 / 46 رقم 1650.

قال الأمینی : قال الحافظ ابن عساکر (1) : هذا الحدیث ضعیف. ونحن علی یقین من أنّ الباحث بعد ما أوقفناه علی ترجمة رجال الإسناد یحکم بالوضع لا بالضعف ، کما حکم به الحافظ ، وإلیک الرجال :

1 - بشیر بن زاذان : ضعّفه الدارقطنی وغیره ، واتّهمه ابن الجوزی (2) ، وقال ابن معین (3) : لیس بشیء ، وذکره الساجی ، وابن الجارود ، والعقیلی فی الضعفاء (4) ، وقال ابن عدی (5) : أحادیثه لیس لها نور ، وهو ضعیف غیر ثقة ، یحدّث عن جماعة ضعفاء ، وهو بیّن الضعف.

وقال ابن حجر فی ترجمته بعد ذکر الحدیث : ولا یتابع بشیر بن زاذان علی هذا ، ولا یُعرف إلاّ به ، ولمّا ذکر له ابن الجوزی حدیثاً فی فضل الصحابة قال : هو المتّهم به عندی ، فإمّا أن یکون من فعله ، أو من تدلیسه من الضعفاء. وقال ابن حبّان (6) : غلب الوهم علی حدیثه حتی بطل الاحتجاج به (7).

2 - عمر بن صبح أبو نعیم الخراسانی : قال ابن راهویه : أخرجت خراسان ثلاثة لم یکن لهم فی الدنیا نظیر فی البدعة والکذب : جهم بن صفوان ، عمر بن صبح ، مقاتل ابن سلیمان. وقال البخاری فی التاریخ الأوسط : حدّثنی یحیی الیشکری ، عن علی بن ف)

ص: 128


1- تاریخ مدینة دمشق : 4 / 586 ، وفی تهذیب تاریخ دمشق : 4 / 247.
2- کتاب الضعفاء والمتروکین : 1 / 144 رقم 541.
3- التاریخ : 4 / 88 رقم 3282.
4- الضعفاء الکبیر : 1 / 144 رقم 177.
5- الکامل فی ضعفاء الرجال : 2 / 20 رقم 257.
6- کتاب المجروحین : 1 / 192.
7- میزان الاعتدال : 1 / 152 [1 / 328 رقم 1235] ، لسان المیزان : 2 / 37 [2 / 46 رقم 1650]. (المؤلف)

جریر ، سمعت عمر بن صبح یقول : أنا وضعت خطبة النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وقال أبو حاتم (1) وابن عدی (2) : منکر الحدیث. وقال ابن حبّان (3) : یضع الحدیث علی الثقات ، لا یحلّ کتب حدیثه إلاّ علی وجه التعجّب. وقال الأزدی : کذّاب. وقال الدارقطنی : متروک. وقال ابن عدیّ (4) : عامّة ما یرویه غیر محفوظ لا متناً ولا إسناداً. وقال النسائی : لیس بثقة. وقال العقیلی (5) : لیس حدیثه بالقائم ولیس بالمعروف بالنقل. وقال أبو نعیم : روی عن قتادة ومقاتل الموضوعات.

میزان الاعتدال (2 / 262) ، تهذیب التهذیب (7 / 463) (6).

3 - رکن الشامی : وهّاه ابن المبارک ، وقال یحیی : لیس بشیء. وقال النسائی (7) والدارقطنی (8) : متروک. وقال أبو أحمد الحاکم : یروی عن مکحول أحادیث موضوعة. وقال ابن الجارود : لیس بثقة. وعن ابن حمّاد : أنّه متروک الحدیث. وقال عبد الله بن المبارک : لَأَن أقطع الطریق أحبّ إلیّ من أن أروی عن عبد القدّوس الشامی ، وعبد القدّوس خیر من مائة مثل رکن.

تاریخ ابن عساکر (5 / 327) ، تاریخ الخطیب (8 / 436) ، میزان الاعتدال (1 / 340) ، لسان المیزان (2 / 462) (9).1.

ص: 129


1- الجرح والتعدیل : 6 / 116 رقم 629.
2- الکامل فی ضعفاء الرجال : 5 / 24 رقم 1197.
3- کتاب المجروحین : 2 / 88.
4- الکامل فی ضعفاء الرجال : 5 / 26 رقم 1197.
5- الضعفاء الکبیر : 3 / 175 رقم 1170.
6- میزان الاعتدال : 3 / 206 رقم 6147 ، تهذیب التهذیب : 7 / 407.
7- کتاب الضعفاء والمتروکین : ص 107 رقم 213.
8- الضعفاء والمتروکون : ص 213 رقم 228.
9- تاریخ مدینة دمشق : 18 / 196 - 198 رقم 2191 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 8 / 333 ، میزان الاعتدال : 2 / 54 رقم 2791 ، لسان المیزان : 2 / 570 رقم 3391.

هذا شأن إسناد الروایة ، ونکل النظرة إلیها متناً إلی سعة باع الباحث ، ثقة بوقوفه علی ما فصّلناه فی أجزاء کتابنا هذا ممّا تعرف به جلیّة الحال.

لفظ آخر بإسناد آخر :

عن علیّ بن عبد الله ، عن علیّ بن أحمد ، عن خلف بن عمرو العکبری ، عن محمد بن إبراهیم ، عن یزید الخلاّل ، عن أحمد بن القاسم بن مهران ، عن محمد بن بشیر بن زادان ، عن عکرمة ، عن ابن عبّاس ، قال : قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : أبو بکر خیر أُمّتی وأتقاها ، وعمر أعزّها وأعدلها ، وعثمان أکرمها وأحیاها ، وعلیّ ألبُّها وأوسمها ، وابن مسعود آمنها وأعدلها ، وأبو ذر أزهدها وأصدقها ، وأبو الدرداء أعبدها ، ومعاویة أحلمها وأجودها.

قال السیوطی فی اللآلئ المصنوعة (1 / 428) : فی هذا الطریق أیضاً مجروحون ، وقد خلط بشیر بن زاذان فی إسناده.

ونحن نقول : لو لم یکن فی الإسناد من المجروحین إلاّ یزید الخلاّل لکفاه علّة ، قال یحیی بن معین (1) : کذّاب ، وقال أبو سعید : قد أدرکت یزید هذا وهو ضعیف ، قریب ممّا قال یحیی. وقال أبو داود : ضعیف ، وقال الدارقطنی : ضعیف جدّا ، وقال ابن عدیّ (2) : لیس بذاک المعروف (3).

17 - عن أنس بن مالک قال : بعث النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم رجلاً من أصحابه یقال له سفینة بکتاب إلی معاذ إلی الیمن ، فلمّا صار فی الطریق إذا بالسبع رابض فی وسط الطریق فخاف أن یجوز فیقوم إلیه ، فقال : أیّها السبع إنّی رسول رسول الله إلی معاذ ، ف)

ص: 130


1- التاریخ : 2 / 167 رقم 5317.
2- الکامل فی ضعفاء الرجال : 7 / 284 رقم 2182.
3- لسان المیزان : 6 / 293 [6 / 359 رقم 9286]. (المؤلف)

وهذا کتاب رسول الله. فقام السبع فهرول قدّامه غلوة ، ثم همهم ، ثم صرخ وتنحّی عن الطریق ، فمضی بکتاب رسول الله إلی معاذ ، ثم رجع بالجواب فإذا هو بالسبع ، فخاف أن یجوز فقال : أیّها السبع إنّی رسول رسول الله من عند معاذ ، وهذا جواب کتاب رسول الله من معاذ. فقام السبع ، فصرخ ثم همهم ، ثم تنحّی عن الطریق. فلمّا قدم أخبر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بذلک ، فقال : أوتدرون ما قال أوّل مرّة؟ قال : کیف رسول الله ، وأبو بکر ، وعمر ، وعثمان ، وعلیّ؟ وأمّا الثانی : فقال : أقرئ رسول الله ، وأبا بکر ، وعمر ، وعثمان ، وعلیّا ، وسلمان ، وصهیباً ، وبلالاً ، منّی السلام.

تاریخ ابن عساکر (1) (3 / 314).

قال الأمینی : مثل هذه الروایة التی فیها أعلام النبوّة وکرامة الخلفاء ، وفضل جمع من الصحابة ، لا بدّ من أن تلوکه الأشداق ، وتتداوله الألسن ، وتکثر روایته فی المجامع والأندیة ، ولا تخصّ بحافظ الشام من بین أئمّة الحدیث وحفّاظه ، وقد تفرّد به ابن عساکر ، وقال ابن بدران فی غیر موضع : کلّ ما تفرّد به ابن عساکر فهو ضعیف. راجع تاریخه (2) (4 / 236 و 5 / 183 ، 184) ، وعلی الروایة نفسها من ملامح الافتعال ما لا یخفی.

وما أعرف هذا السبع بالخلفاء حتی ذکرهم مرّتین ، وأهدی إلیهم السلام علی ترتیب خلافتهم ، فکأنّ علم الغیب أُلقی إلی السباع شطره فعرفوا خلفاء النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم قبل أن یُستخلفوا ، وعرفت من الصحابة أُناساً لیسوا هم فی الغارب والسنام ، کما أنها جهلت بأناس هم فی الذروة العالیة من جلالة الصحبة وعظمتها ، فحذفت عمّن سلّم علیهم أسماءهم ، وبلغ تزلّفها إلی الطبقة الواطئة من الموالی ، أو هکذا تکون رشحات عالم الغیب؟ أم هکذا تخبط السباع خبط عشواء؟ أم هذه کلّها جنایة الغلوّ فی الفضائل؟ 7.

ص: 131


1- تاریخ مدینة دمشق : 10 / 473 - 474 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 5 / 266.
2- تهذیب تاریخ دمشق : 4 / 239 ، 5 / 186 ، 187.

18 - أخرج ابن عساکر فی تاریخه (1) (2 / 85) من طریق أحمد بن محمد الأنصاری الجبیلی (2) عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : إذا کان یوم القیامة نادی منادٍ من بطنان العرش : إنّ من له عند الله حق فلیأتِ ، قلنا : یا رسول الله ومن له علی الله حقّ؟ قال : من أحبّ أبا بکر ، وعمر ، وعثمان ، ومن لم یُفضّل علیهم أحداً.

قال الأمینی : قال ابن عساکر : هذا الحدیث غریب جدّا ، والعهدة فیه علی أحمد ابن محمد الجبیلی.

والأنصاری ترجمه الذهبی فی میزان الاعتدال (3) (1 / 73) فقال : لیس بثقة نزل الجزیرة ، وهّاه ابن حبّان (4) وغیر واحد. وقال ابن حجر فی لسان المیزان (5) (1 / 302) : حدیث منکر.

ومتن الحدیث کما تری أقوی شاهد علی بطلانه ، وإنّما هو رأی ابن عمر فحسب یشذّ عن الکتاب والسنّة ، کما فصّلنا القول حوله فی الحدیث الرابع ، فلیضرب به عرض الحائط.

19 - أخرج ابن عساکر من طریق إبراهیم بن محمد بن أحمد القرمیسینی ، عن أنس بن مالک مرفوعاً : من أحبّ أن ینظر إلی إبراهیم علیه السلام فی خلّته فلینظر إلی أبی بکر فی سماحته ، ومن أحبّ أن ینظر إلی نوح فی شدّته فلینظر إلی عمر بن الخطّاب فی شجاعته ، ومن أحبّ أن ینظر إلی إدریس فی رفعته فلینظر إلی عثمان فی رحمته ، ومن أحبّ أن ینظر إلی یحیی بن زکریّا فی جهادته فلینظر إلی علیّ بن أبی طالب فی طهارته. 2.

ص: 132


1- تاریخ مدینة دمشق : 5 / 483.
2- فی لسان المیزان : الحنبلی. (المؤلف)
3- میزان الاعتدال : 1 / 155 رقم 614.
4- کتاب المجروحین : 1 / 141.
5- لسان المیزان : 1 / 331 رقم 902.

تاریخ الشام (1) (2 / 251).

قال ابن عساکر : هذا الحدیث شاذّ بالمرّة ، وفی إسناده جماعة ممّن أمرهم مجهول لا یُعرف حالهم ، فلا یوثق بهم ، وهو إلی الوضع أقرب منه إلی الضعف. انتهی.

قال الأمینی : حذف ابن بدران مهذّب التاریخ سند الروایة وهو کما فی لسان المیزان (2) (4 / 317) : القرمیسینی ، عن عمر بن علیّ بن سعید ، عن یونس ، عن محمد ابن القاسم ، عن أبی یعلی ، عن محمد بن بکار ، عن ابن أبی ثابت البنانی ، عن أنس.

وقال : قال عقبة : هذا إسناد عمر ، وفی إسناده غیر واحد مجهول. وقال الذهبی فی المیزان (3) (2 / 266) : إسناد مظلم بخبر لم یصحّ.

20 - عن عمر بن عبد المجید المیانشی ، حدّثنا مسلمة ، حدّثنا أبو سعد (4) محمد ابن سعید الریحانی - وعاش عشرین ومائة سنة - قال : حدّثنا : أبو سالم عبد الله بن سالم - وعاش مائة وثلاثین سنة - ، حدّثنی أبو الدنیا محمد (5) بن الأشج ، حدّثنی علیّ ابن أبی طالب ، رفعه : ما کان رُفع العرش إلاّ بحبّ أبی بکر ، وعمر ، وعثمان ، وعلیّ. الحدیث.

قال ابن السمعانی فی حدیث رواه بالطریق المذکور : هذا حدیث باطل ورجاله مجاهیل.

لسان المیزان (6) (3 / 155). 5.

ص: 133


1- تاریخ مدینة دمشق : 7 / 112 رقم 480 ، وفیه : یوسف بن الحسن البغدادی بدلاً من : یونس ، وأبی عن ثابت بدلاً من ابن أبی ثابت ، وفی تهذیب تاریخ دمشق : 2 / 254.
2- لسان المیزان : 4 / 364 رقم 6109.
3- میزان الاعتدال : 3 / 214 رقم 6171.
4- فی لسان المیزان : أبو سعید.
5- اسمه عثمان ، ومحمد تصحیف. (المؤلف)
6- لسان المیزان : 3 / 188 رقم 4135.

وقال الذهبی (1) : أبو الدنیا الأشج کذّاب طرقیّ (2). وقال : حدّث بقلّة حیاء بعد الثلاثمائة عن علیّ بن أبی طالب رضی الله عنه ، فافتضح بذلک ، وکذّبه النقّادون ، قال الخطیب : علماء النقل لا یثبتون قوله ، مات سنة سبع وعشرین وثلاثمائة ، وللحفّاظ فیه وفی بطلان حدیثه کلمات ضافیة ، راجع لسان المیزان (3) (4 / 134 - 140).

21 - أخرج العقیلی (4) فی الضعفاء ، من طریق المقری ، عن عمر بن عبید البصری أبی حفص الخزّاز ، عن سهیل بن ذکوان المدنی ، عن أبیه ، عن أبی هریرة رضی الله عنه رفعه : أفضل هذه الأُمّة بعد نبیّها أبو بکر ، ثم عمر ، ثم عثمان.

قال الأمینی : عمر بن عبید ضعّفه أبو حاتم (5) ، کان بیّاع الخمر کما ذکره ابن حبّان (6) والذهبی (7) وفیه سهیل ، قال الدوری عن ابن معین (8) : سهیل والعلاء بن عبد الرحمن حدیثهما قریب من السواء ولیس حدیثهما بحجّة ، وقال : لم یزل أصحاب الحدیث یتّقون حدیثه وقال : ضعیف ، وسُئل مرّة فقال : لیس بذاک ، وقال غیره : إنّما أخذ عنه مالک قبل التغیّر. وقال أبو حاتم (9) : یکتب حدیثه ولا یحتجّ به. وذکره ابن حبّان فی الثقات (10) وقال یخطئ. وذکر العقیلی (11) عن یحیی أنّه قال : هو صویلح وفیه لین. 9.

ص: 134


1- میزان الاعتدال : 3 / 33 رقم 5500.
2- فی میزان الاعتدال ولسان المیزان : أبو الدنیا الأشجّ ، ویقال : ابن أبی الدنیا طیر طرأ علی أهل بغداد.
3- لسان المیزان : 4 / 156 رقم 5516.
4- الضعفاء الکبیر : 3 / 180 رقم 1176.
5- الجرح والتعدیل : 6 / 123 رقم 669.
6- الثقات : 8 / 441.
7- راجع میزان الاعتدال : 2 / 265 [3 / 212 رقم 6164] ، لسان المیزان : 4 / 316 [4 / 363 رقم 6107]. (المؤلف)
8- التاریخ : 3 / 262 رقم 1230.
9- الجرح والتعدیل : 4 / 246 رقم 1063.
10- الثقات : 6 / 417.
11- الضعفاء الکبیر : 2 / 155 رقم 659.

میزان الاعتدال (1 / 432) ، تهذیب التهذیب (4 / 264) (1).

22 - ذکر القاضی أبو یوسف فی الآثار (ص 207) عن أبی حنیفة : أنّ رجلاً أتی علیّا رضی الله عنه فقال : ما رأیت أحداً خیراً منک ، فقال له : هل رأیت النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم قال : لا. قال : فهل رأیت أبا بکر وعمر؟ قال : لا. قال : لو أخبرتنی أنّک رأیت النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ضربت عنقک ، ولو أخبرتنی أنّک رأیت أبا بکر وعمر لأوجعنّک عقوبة.

قال الأمینی : إنّک لو أمعنت النظر فیما ذکرناه فی ترجمة أبی یوسف فی (8 / 30 ، 31 الطبعة الأولی) (2) ، لأغناک عن مؤنة البرهنة علی تفنید هذه الروایة وما یجری مجراها.

علی أنّها مضادّة لما ثبت عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم من أنّ علیّا خیر البشر ، وما جاء عنه صلی الله علیه وآله وسلم من تأویل قوله سبحانه (أُولئِکَ هُمْ خَیْرُ الْبَرِیَّةِ) : بعلیّ علیه السلام وشیعته (3). فالروایة مخالفة للکتاب والسنّة فأَحرِ بها أن تُضرب عرض الجدار. وأنّها علی طرف نقیض مع نظریّة أمیر المؤمنین علیه السلام فی نفسه عند مقایستها مع القوم ، فهو الذی یقول : «متی وقع الشکّ فیّ مع الأوّل حتی صرتُ أُقرَنُ بهذه النظائر». ویقول : «لقد تقمّصها ابن أبی قحافة وهو یعلم أنّ محلّی منها محلّ القطب من الرحی». إلی کثیر ممّا یشبه بعضه بعضاً من نظائر هذا القول. راجع غیر واحد من أجزاء هذا الکتاب (4).

23 - أخرج ابن عدی (5) عن محمد بن نوح ، حدّثنا جعفر بن محمد الناقد ، 4.

ص: 135


1- میزان الاعتدال : 2 / 243 رقم 3604 ، تهذیب التهذیب : 4 / 231.
2- أنظر : 8 / 46 و 47 من هذه الطبعة.
3- [البیّنة : 7] راجع ما مرّ فی : 2 / 57 و 3 / 22. (المؤلف)
4- راجع أحادیث مناشداته علیه السلام فی الأجزاء : 1 / 327 - 338 ، وما بعدها من المناشدات ، وأیضاً : 2 / 94 ، 96 ، 444 ، 528 و 3 / 177 ، 301 ، 315 و 7 / 108 ، 297 و 8 / 132 و 9 / 519 ، 520 و 10 / 40 ، 136 ، 224 ، 389.
5- الکامل فی ضعفاء الرجال : 5 / 75 رقم 1254.

حدّثنا عمّار بن هارون المستملی البصری ، حدّثنا قزعة بن سوید البصری ، عن ابن أبی ملیکة ، عن ابن عبّاس رفعه : ما نفعنی مال ما نفعنی مال أبی بکر. وفیه : وأبو بکر وعمر منّی بمنزلة هارون من موسی.

وأخرجه (1) من طریق ابن جریر الطبری ، عن بشیر بن دحیة ، عن قزعة بن سوید (2). أقول : فی الإسناد عمّار المستملی الدلاّل ، قال أبو الضریس : سألت ابن المدینی عنه فلم یرضه ، وقال ابن عدی : عامّة ما یرویه غیر محفوظ. وقال أیضاً : یسرق الحدیث. وقال العقیلی (3) : قال لی موسی بن هارون : عمّار أبو یاسر متروک الحدیث. وقال الخطیب (4) : سمع منه أبو حاتم (5) ولم یرو عنه وقال : متروک الحدیث وقال ابن حبّان (6) : ربّما أخطأ.

میزان الاعتدال (2 / 245) ، تهذیب التهذیب (7 / 407) (7).

وفیه قزعة أبو محمد البصری ، قال أحمد : مضطرب الحدیث. وقال أیضاً : شبه المتروک. وقال أبو حاتم (8) : لیس بذاک القویّ محلّه الصدق ولیس بالمتین یکتب حدیثه ولا یحتجّ به.

وقال البخاری (9) : لیس بذاک القویّ. وقال الآجری : سألت أبا داود عن قزعة فقال : ضعیف ، کتبت إلی العبّاس العنبری أسأله عنه ، فکتب إلیّ 4.

ص: 136


1- الکامل فی ضعفاء الرجال : 5 / 75 رقم 1254.
2- میزان الاعتدال : 2 / 245 [3 / 171 رقم 6009] ، لسان المیزان : 2 / 23 [2 / 29 رقم 1599]. (المؤلف)
3- الضعفاء الکبیر : 3 / 319 رقم 1338.
4- تاریخ بغداد : 12 / 255 - 256 رقم 6703.
5- الجرح والتعدیل : 6 / 394 رقم 2196.
6- الثقات : 8 / 518.
7- میزان الاعتدال : 3 / 171 رقم 6009 ، تهذیب التهذیب : 7 / 357.
8- الجرح والتعدیل : 7 / 139 رقم 782.
9- التاریخ الکبیر : 7 / 192 رقم 854.

أنّه ضعیف ، وقال النسائی (1) : ضعیف ، وقال ابن حبّان (2) : کان کثیر الخطأ فاحش الوهم ، فلمّا کثر ذلک فی روایته سقط الاحتجاج بأخباره ، وقال البزّار : لم یکن بالقویّ. وقال العجلی فیه : ضعیف (3).

وفی إسناد الطبری بشر بن دحیة ، ضعّفه الذهبی وقال بعد روایة هذا الحدیث عنه : هذا کذب ، ومن بشر؟ وقال : قزعة لیس بشیء (4).

24 - أخرج الحافظ العاصمی فی زین الفتی شرح سورة هل أتی ، من طریق الحاکم أبی أحمد ، عن أبی میمون أحمد بن محمد بن میمون بن کوثر بن حکیم الهمدانی بحلب ، عن إسحاق بن إبراهیم بن الأخیل العبسی ، عن میسر (5) بن إسماعیل ، عن کوثر بن حکیم الهمدانی ، عن نافع عن ابن عمر مرفوعاً : إنّ أرأف أُمّتی لها أبو بکر ، وإنّ أجلّها فی أمر الله لعمر ، وإنّ أشدّها حیاءً عثمان ، وإنّ أقضاها لعلیّ ، وإنّ أقرأها لأُبیّ ، وإنّ أفرضها زید بن ثابت ، وإنّ أصدقها لهجة أبو ذر ، وإنّ أعلمها بالحلال والحرام لمعاذ بن جبل ، وإنّ حبر هذه الأمّة عبد الله بن عبّاس ، ولکلّ أُمّة أمین وأمین هذه الأُمّة أبو عبیدة الجراح.

قال الأمینی : فی الإسناد مجاهیل یروی واحد عن آخر عن کوثر ، وهو کما قال أبو زرعة : ضعیف. وقال یحیی بن معین : لیس بشیء. وقال أحمد بن حنبل (6) : 7.

ص: 137


1- کتاب الضعفاء والمتروکین : ص 203 رقم 525.
2- کتاب المجروحین : 2 / 216.
3- میزان الاعتدال : 2 / 347 [3 / 389 رقم 6894]. (المؤلف)
4- میزان الاعتدال : 2 / 245 [3 / 171 رقم 6009] ، لسان المیزان : 2 / 23 [2 / 29 رقم 1599]. (المؤلف)
5- کذا والصحیح بشر بن إسماعیل ، ولا یهمّنا عرفان الصحیح من السقیم فی المقام إذ بشر أیضاً کمیسر مجهول منکر لا یعرف. کما فی لسان المیزان [2 / 26 رقم 1589]. (المؤلف)
6- العلل ومعرفة الرجال : 2 / 156 رقم 1857.

أحادیثه بواطیل لیس بشیء. وقال الدارقطنی (1) وغیره : مجهول ، وقال : ضعیف منکر الحدیث ، وقال الجوزجانی : لا یحلّ کتابة حدیثه عندی لأنّه متروک ، وقال ابن عدیّ (2) : عامّة ما یرویه غیر محفوظ ، وقال ابن أبی حاتم (3) : سألت أبی عنه فقال : ضعیف الحدیث ، قلت : هو متروک؟ قال : لا ، ولا أعلم له حدیثاً مستقیماً وهو لیس بشیء ، وقال الساجی : ضعیف. وقال البرقانی والدارقطنی : متروک الحدیث ، وقال الحاکم وأبو نعیم : روی أحادیث مناکیر وذکره العقیلی (4) ، والدولابی ، وابن الجارود ، وابن شاهین فی الضعفاء ، وقال أبو الفتح : ضعیف (5).

25 - أخرج الحافظ العاصمی فی زین الفتی ، عن سلسلة مجاهیل تنتهی إلی علیّ بن یزید ، عن أبی سعد البقّال ، عن أبی محجن ، قال : قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : إنّ أرأف الناس بهذه الأُمّة أبو بکر الصدّیق ، وأقواها بأمر الله عمر ، وأشدّها حیاءً عثمان ، وأعلمها بفصل قضاء علیّ بن أبی طالب ، وأعلمها بحساب الفرائض زید بن ثابت ، وأعلمها بناسخ من منسوخ معاذ بن جبل ، وأقرأها أبیّ بن کعب ، ولکلّ أُمّة أمین وأمین هذه الأُمّة أبو عبیدة بن الجرّاح.

قال الأمینی : من رجال الإسناد بعد المجاهیل علیّ بن یزید وهو أبو الحسن الکوفی الأکفانی نظراً إلی طبقته ، قال أبو حاتم (6) : لیس بقویّ منکر الحدیث عن الثقات ، وقال ابن عدی (7) : أحادیثه لا تشبه أحادیث الثقات ، وعامّة ما یرویه 5.

ص: 138


1- الضعفاء والمتروکون : ص 332 رقم 447.
2- الکامل فی ضعفاء الرجال : 6 / 78 رقم 1610.
3- الجرح والتعدیل : 7 / 176 رقم 1005.
4- الضعفاء الکبیر : 4 / 11 رقم 1566.
5- میزان الاعتدال : 2 / 359 [3 / 416 رقم 6983] ، لسان المیزان : 4 / 491 [4 / 579 رقم 6768]. (المؤلف)
6- الجرح والتعدیل : 6 / 209 رقم 1143.
7- الکامل فی ضعفاء الرجال : 5 / 212 رقم 1365.

لا یتابع علیه (1).

عن أبی سعد البقّال الکوفی سعید بن المرزبان الأعور ، قال ابن معین (2) : لیس بشیء ، لا یکتب حدیثه ، وقال عمرو بن علیّ : ضعیف الحدیث ، متروک الحدیث ، وقال أبو زرعة : لیّن الحدیث فدلّس ، وقال البخاری : منکر الحدیث ، وقال أبو حاتم (3) : لا یحتجّ بحدیثه ، وقال النسائی (4) : ضعیف ، وقال أیضاً : لیس بثقة ، ولا یکتب حدیثه ، وقال الدارقطنی : متروک. وقال الساجی : صدوق فیه ضعف ، وقال العجلی : ضعیف ، وقال ابن حبّان (5) : کثیر الوهم فاحش الخطأ (6) ، وقال ابن حجر فی الإصابة (4 / 174) : أبو سعید ضعیف ولم یدرک أبا محجن. عن أبی محجن الثقفی وما أدراک ما الثقفی ، کان یُدمن الخمر ، منهمکاً فی الشراب ، حدّه عمر فی [الخمر] (7) سبع مرّات ونفاه إلی جزیرة فی البحر ، وبعث معه رجلاً فهرب منه ، وهو صاحب الشعر الدائر السائر :

إذا متُّ فادفنّی إلی جنب کرمةٍ

تروّی عظامی بعد موتی عروقها

ولا تدفننِّی بالفلاة فإنَّنی

أخاف إذا ما متُّ أن لا أذوقها

هذا أبو محجن فانظر ما ذا تری ، وأنت بین أمرین : إمّا أن تأخذ بکتاب الله وفیه قوله تعالی : (إِنْ جاءَکُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَیَّنُوا) (8) وإمّا أن تجنح إلی ما جاء به القوم6.

ص: 139


1- تهذیب التهذیب : 7 / 395 [7 / 346]. (المؤلف)
2- التاریخ : 4 / 41 رقم 3038.
3- الجرح والتعدیل : 4 / 62 رقم 264.
4- کتاب الضعفاء والمتروکین : ص 127 رقم 285.
5- کتاب المجروحین : 1 / 317.
6- تهذیب التهذیب : 4 / 79 [4 / 71]. (المؤلف)
7- من المصدر.
8- الحجرات : 6.

من خرافة : الصحابة کلّهم عدول (وَلا تَسْتَوِی الْحَسَنَةُ وَلَا السَّیِّئَةُ) (1) ، (لا یَسْتَوِی أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ) (2) ، (لا یَسْتَوِی الْخَبِیثُ وَالطَّیِّبُ) (3) ، (أَفَمَنْ کانَ مُؤْمِناً کَمَنْ کانَ فاسِقاً لا یَسْتَوُونَ) (4).

26 - أخرج الحافظ العاصمی فی زین الفتی ، بإسناده عن أبی علی الهروی ، عن المأمون ، عن أحمد بن سعد العبادی ، عن یزید بن هارون ، عن عبد الأعلی بن مسافر ، عن الشعبی ، عن المصطلقی - رجل من بنی المصطلق - قال : بعثنی قومی بنو المصطلق إلی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یسألون إلی من یدفعون صدقاتهم بعد وفاته. فلقینی علیّ بن أبی طالب ، فسألنی فقلت : أرسلنی قومی بنو المصطلق إلی رسول الله یسألونه إلی من یدفعون صدقاتهم بعده ، فقال علیّ : إذا سألته فأخبرنی ما قال لک.

فأتی رسول الله فأخبره أنّ قومه أرسلوه یسألونه إلی من یدفعون صدقاتهم بعدک؟ فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : ادفعوها إلی أبی بکر ، فرجع المصطلقی إلی علیّ فأخبره ، فقال له علیّ : ارجع إلیه فسائله إن کان أبو بکر یموت إلی من یدفعونها؟ فأتاه فسأله فقال : ادفعوها إلی عمر. فرجع إلی علیّ فأخبره ، فقال له علیّ : ارجع فقل له : إن کان عمر یموت إلی من یدفعونها؟ فقال : ادفعوها إلی عثمان ، فرجع إلی علیّ فأخبره ، فقال له علیّ : ارجع فسائله إلی من یدفعونها بعد عثمان ، فقال له الرجل : إنّی لأستحی أن أرجع بعد هذا.

قال الأمینی : هلمّ معی نقرأ صحیفة ممّا جاء فی رجال إسناد هذه الروایة التی تُبنی علیها وعلی أمثالها الخلافة الإسلامیّة عند بعض رجالات القوم. 8.

ص: 140


1- فصلت : 34.
2- الحشر : 20.
3- المائدة : 100.
4- السجدة : 18.

1 - أبو علیّ الهروی هو أحمد بن عبد الله الجویباری (1) ، قال ابن عدی (2) : کان یضع الحدیث لابن کرام (3) علی ما یریده ، فکان ابن کرام یخرجها فی کتبه عنه. وقال ابن حبّان (4) : دجّال من الدجاجلة ، روی عن الأئمّة أُلوف حدیث ما حدّثوا بشیء منها. وقال النسائی (5) : کذّاب. وقال الذهبی : ممّن یُضرب المثل بکذبه ، وقال البیهقی : إنّی أعرفه حقّ المعرفة بوضع الأحادیث علی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، فقد وضع علیه أکثر من ألف حدیث ، وسمعت الحاکم یقول : هو کذّاب خبیث ، ووضع کثیراً فی فضائل الأعمال لا تحلّ روایة حدیثه من وجه ، وقال الخلیلی : کذّاب یروی عن الأئمّة أحادیث موضوعة ، وکان یضع لابن کرام أحادیث مصنوعة ، وکان ابن کرام یسمعها وکان مغفّلاً. وقال أبو سعید النقاش : لا نعرف أحداً أکثر وضعاً منه ، إلی کلمات أخری لدة هذه.

میزان الاعتدال (1 / 50) ، لسان المیزان (1 / 193) ، اللآلئ المصنوعة (1 / 21) (6) ، الغدیر (5 / 214).

2 - المأمون بن أحمد السلمی الهروی ، یروی عنه الجویباری ، قال ابن حبّان (7) : دجّال : وقال ابن حبّان أیضاً : سألته : متی دخلت الشام؟ قال : سنة خمسین ومائتین ، 5.

ص: 141


1- الجویبار : من أعمال هراة ویعرف بستوق [معجم البلدان : 2 / 191]. (المؤلف)
2- الکامل فی ضعفاء الرجال : 1 / 177 رقم 17.
3- هو محمد بن کرام السجستانی شیخ الکرامیة ، له أتباع ومریدون ، ساقط الحدیث علی بدعته ، ومن بدعه قوله فی المعبود تعالی إنّه جسم لا کالأجسام ، وإنّ الإیمان قول باللسان وإن اعتقد الکفر بقلبه فهو مؤمن. سُجن بنیسابور لأجل بدعته ثمانیة أعوام ثمّ أُخرج وسار إلی بیت المقدس ، ومات بالشام فی سنة 255 ه. لسان المیزان : 5 / 400 رقم 7943.
4- کتاب المجروحین : 1 / 142.
5- الضعفاء والمتروکین : ص 59 رقم 69.
6- میزان الاعتدال : 1 / 106 رقم 421 ، لسان المیزان : 1 / 206 رقم 612 ، اللآلئ المصنوعة : 1 / 39 ، 40.
7- کتاب المجروحین : 3 / 45.

قلت : فإنّ هشاماً الذی تروی عنه مات سنة خمس وأربعین ومائتین ، فقال : هذا هشام بن عمّار آخر. وممّا وضع علی الثقات - فذکر حدیثاً - ثم قال : وإنّما ذکرته لیُعرَف کذبه لأنّ الأحداث کتبوا عنه بخراسان. وقال أبو نعیم : خبیث وضّاع یأتی عن الثقات مثل هشام ودحیم بالموضوعات ، ومثله یستحقّ من الله تعالی ومن الرسول ومن المسلمین اللعنة. وقال الحاکم فی المدخل بعد ذکر حدیث عنه : ومثل هذه الأحادیث یشهد من رزقه الله أدنی معرفة بأنّها موضوعة علی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أو کما قال. وقال الذهبی : أتی بطامّات وفضائح.

میزان الاعتدال (3 / 4) ، لسان المیزان (5 / 7) (1).

3 - أحمد بن سعد العبادی ، لا أعرفه ولم أجد له ذکراً فی الکتب والمعاجم.

4 - عبد الأعلی بن مسافر (2) - الصحیح : ابن أبی المساور - الزهری أبو مسعود الجرّار الکوفی ، نزیل المدائن. قال ابن معین (3) : لیس بشیء. زاد إبراهیم : کذّاب ، وعن ابن معین أیضاً لیس بثقة. وعن علیّ بن المدینی : ضعیف لیس بشیء. وقال ابن عمّار الموصلی : ضعیف لیس بحجّة. وقال أبو زرعة : ضعیف جدّا ، وقال أبو حاتم (4) : ضعیف الحدیث یشبه المتروک ، وقال البخاری (5) : منکر الحدیث ، وقال أبو داود : لیس بشیء. وقال النسائی (6) : متروک الحدیث. وقال فی موضع آخر : لیس بثقة ولا مأمون. وقال ابن نمیر : متروک الحدیث. وقال الدارقطنی (7) : ضعیف. وقال الحاکم 7.

ص: 142


1- میزان الاعتدال : 3 / 429 رقم 7036 ، لسان المیزان : 5 / 11 رقم 6812.
2- فی زین الفتی للعاصمی : عبد الأعلی بن مسافر ، وفی بقیة المصادر کتهذیب التهذیب ، کتاب الضعفاء والمتروکین للنسائی : عبد الأعلی بن أبی المساور.
3- التاریخ : 4 / 379 رقم 4859.
4- الجرح والتعدیل : 6 / 26 رقم 135.
5- التاریخ الکبیر : 6 / 74 رقم 1753.
6- کتاب الضعفاء والمتروکین : ص 165 رقم 401.
7- الضعفاء والمتروکون : ص 280 رقم 347.

أبو أحمد : لیس بالقویّ عندهم وقال الساجی : منکر الحدیث. وقال أبو نعیم الأصبهانی : ضعیف جدّا لیس بشیء.

تهذیب التهذیب (1) (6 / 48).

27 - أخرج البخاری فی تاریخه الکبیر (4 / ق 2 / 442) عن إسحاق بن إبراهیم ، عن عمرو بن الحارث الزبیدی ، عن ابن سالم ، عن الزبیدی ، قال حمید بن عبد الله ، عن عبد الرحمن بن أبی عوف ، عن ابن عبد ربّه ، عن عاصم بن حمید ، قال : کان أبو ذر یقول : التمست النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فی بعض حوائط المدینة فإذا هو قاعد تحت نخلة ، فسلّم علی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فقال : ما جاء بک؟ فقال : جئت النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ، فأمره أن یجلس ، وقال : لیأتینا رجل صالح ، فسلّم أبو بکر ، ثم قال : لیأتینا رجل صالح ، فجاء عمر فسلّم ، وقال : لیأتینا رجل صالح فأقبل عثمان بن عفان ، ثم جاء علیّ فسلّم فردّ علیه مثله ، ومع النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم حصیات فسبّحن فی یده ، فناولهنّ أبا بکر فسبّحن فی یده ، ثم عمر فسبّحن فی یده ، ثم عثمان فسبّحن فی یده.

رجال الإسناد :

1 - إسحاق بن إبراهیم الحمصی المعروف بابن زبریق ، قال النسائی : لیس بثقة وقال محمد بن عون : ما أشکّ أنّ إسحاق بن زبریق یکذب (2).

2 - عمرو بن الحارث الحمصی ، قال الذهبی (3) : لا تُعرف عدالته (4).

3 - عبد الله بن سالم الشامی الحمصی ، کان یذمّه أبو داود لقوله : أعان علیّ ف)

ص: 143


1- تهذیب التهذیب : 6 / 89.
2- تهذیب التهذیب : 1 / 216 [1 / 189]. (المؤلف)
3- میزان الاعتدال : 3 / 251 رقم 6347.
4- تهذیب التهذیب : 8 / 14 [8 / 13]. (المؤلف)

علی قتل أبی بکر وعمر (1) فالرجل ناصبیّ لا یُصغی إلی قیله ، وأحسب أنّه آفة الروایة ، وهی کما تری یطفح النصب من جوانبها.

4 - حمید بن عبد الله أو حمید بن عبد الرحمن ، مجهول لا یعرف.

5 - ابن عبد ربّه ، إن کان هو محمد المروزی فهو ضعیف کما فی لسان المیزان (2) (5 / 244) ، وإن کان غیره فهو مجهول ، ونفس البخاری الذی ذکره لا یعرف منه إلاّ أنّه ابن عبد ربّه ، ولا یسمّیه ولا یذکر له غیر روایته هذه.

6 - عاصم بن حمید الحمصی الشامی ، قال البزار : لم یکن له من الحدیث ما نعتبر به حدیثه ، وقال ابن القطّان : لا نعرف أنّه ثقة (3).

7 - أبو ذر الغفاری ، أنا لا أدری أنّ أبا ذر هذا هل هو الذی یقول فیه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «ما أظلّت الخضراء ولا أقلّت الغبراء علی ذی لهجة أصدق من أبی ذر» أو الذی یقول فیه عثمان : إنّه شیخ کذّاب ، ورآه أهلاً لأن یهلک فی المنفی؟ ولست أدری من الحکم هاهنا ، هل الذی یخضع لقول النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم؟ أو الذی یبرّر موقف عثمان ویبرّئه عن کلّ شیة؟ وعلی کلّ ففی من قبله من رواة السوء کفایة فی تفنید الحدیث.

ولعلّ الباحث بعد قراءة ما سردناه من حدیث أبی ذر ومواقفه ونقمته علی عثمان ، وما جری بینهما لا یذعن قطّ لهذه الأفیکة ، ولا یصدّق أن یکون أبو ذر الصادق المصدّق هو صاحب هذه الروایة المختلقة.

وهذا الإسناد الملفّق من رجال حمص (4) یذکّرنی قول یاقوت الحموی فی ف)

ص: 144


1- تهذیب التهذیب : 5 / 228 [5 / 200]. (المؤلف)
2- لسان المیزان : 5 / 275 رقم 7631.
3- تهذیب التهذیب : 5 / 40 [5 / 36]. (المؤلف)
4- بالکسر ثم السکون والصاد المهملة بلد کبیر بین الشام وحلب فی نصف الطریق ، یذکّر ویؤنّث [معجم البلدان : 2 / 302]. (المؤلف)

معجم البلدان (1) (3 / 341) قال : ومن عجیب ما تأمّلته من أمر حمص فساد هوائها وتربتها اللذین یفسدان العقل حتی یضرب بحماقتهم المثل ، إنّ أشدّ الناس علی علیّ رضی الله عنه بصفین مع معاویة کان أهل حمص ، وأکثرهم تحریضاً علیه وجدّا فی حربه ، فلمّا انقضت تلک الحروب ومضی ذلک الزمان صاروا من غلاة الشیعة ، حتی إنّ فی أهلها کثیراً ممّن رأی مذهب النُصیریّة ، وأصلهم الإمامیّة الذین یسبّون السلف ، فقد التزموا الضلال أوّلاً وأخیراً ، فلیس لهم زمان کانوا فیه علی الصواب.

لفظ آخر بإسناد آخر :

أخرج البیهقی (2) عن أبی الحسن علیّ بن أحمد بن عبدان ، عن أحمد بن عبید الصفّار ، عن محمد بن یونس الکدیمی ، عن قریش بن أنس ، عن صالح بن أبی الأخضر ، عن الزهری ، عن رجل یقال له : سوید بن یزید السلمی - أو : الولید بن سوید - قال : سمعت أبا ذر یقول : لا أذکر عثمان إلاّ بخیر بعد شیء رأیته ، کنت رجلاً أتتبّع خلوات رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فرأیته یوماً جالساً وحده ، فاغتنمت خلوته ، فجئت حتی جلست إلیه ، فجاء أبو بکر فسلّم علیه ثم جلس عن یمین رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، ثم جاء عمر فسلّم وجلس عن یمین أبی بکر ، ثم جاء عثمان فسلّم ثم جلس عن یمین عمر ، وبین یدی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم سبع حصیّات ، أو قال تسع حصیّات ، فأخذهنّ فی کفّه فسبّحن حتی سمعت لهنّ حنیناً کحنین النحل ، ثم وضعهنّ فخرسن ، ثم أخذهنّ فوضعهنّ فی کفّ أبی بکر فسبّحن حتی سمعت لهنّ حنیناً کحنین النحل ، ثم وضعهنّ فخرسن ، ثم تناولهنّ فوضعهنّ فی ید عمر فسبّحن حتی سمعت لهنّ حنیناً کحنین النحل ، ثم وضعهن فخرسن ، ثم تناولهنّ فوضعهنّ فی ید عثمان فسبّحن حتی سمعت لهنّ حنیناً کحنین النحل ، ثم وضعهنّ فخرسن ، فقال النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم : هذه خلافة النبوّة (3). ف)

ص: 145


1- معجم البلدان : 2 / 304.
2- دلائل النبوّة : 6 / 64.
3- تاریخ ابن کثیر : 6 / 132 [6 / 146] ، الخصائص الکبری : 2 / 74 [2 / 124]. (المؤلف)

قال الأمینی : هذا الإسناد مضافاً إلی ما فی رجاله من المجهول والضعیف ومن تغیّر عقله (1)وأسنده إلیه من سمع عنه بعد اختلاطه،کما فی تهذیب التهذیب (2)(8 / 375).

فیه : محمد بن یونس الکدیمی ، وقد عرّفناک ترجمته فی الجزء التاسع (3) (ص 311 الطبعة الأولی) ، وأنّه کذّاب وضّاع من بیت عُرف بالکذب. کان یکذب علی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وعلی العلماء ، ولعلّه وضع علی الثقات أکثر من ألف حدیث.

اقرأ وأعجب من خلافة تدعم بمثل هذه الخزایة ، ثم اعجب من حفّاظ أخرجوها فی تآلیفهم محتجّین بها ساکتین عنها وهم یعلمون ما فیها من العلل ، وإنّ ربّک لیعلم ما تکنّ صدورهم وما یعلنون.

لفت نظر :

من عجیب ما نراه فی هذه الروایة وأمثالها من الموضوعات فی مناقب الثلاثة أو الأربعة تنظیم هذا الصفّ المنضّد کالبنیان المرصوص الذی لا اختلاف فیه. فلا یأتی قطّ أوّلاً إلاّ أبو بکر ؛ وثانیاً إلاّ عمر ، وثالثاً إلاّ عثمان ، ورابعاً إن کان لهم رابع إلاّ علیّ علیه السلام سبحان الله فکأنّهم متبانون علی هذا الترتیب ، فلا یتقدّم أحد أحداً ، ولا یتأخر أحد عن أحد ، ففی حدیث التسبیح : جاء أبو بکر فسلّم ، ثم جاء عمر فسلّم ، ثم جاء عثمان فسلّم ، ثم جاء علیّ فسلّم.

وفی حدیث البستان ، عن أنس : جاء أبو بکر ، ثم جاء عمر ، ثم جاء عثمان (4).

وفی حدیث بئر أریس ، عن أبی موسی : جاء أبو بکر ، ثم جاء عمر ، ثم جاء ف)

ص: 146


1- هو قریش بن أنس ، المترجم فی تهذیب التهذیب لابن حجر. (المؤلف)
2- تهذیب التهذیب : 8 / 335.
3- أنظر : 9 / 313 من هذه الطبعة.
4- راجع الجزء الخامس : ص 333. (المؤلف)

عثمان (1).

وفی حدیث استئذانهم علی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وهو مضطجع علی فراشه ، عن عائشة : استأذن أبو بکر ، ثم جاء عمر فاستأذن ، ثم جاء عثمان فاستأذن. راجع (ص 274) من الجزء التاسع.

وفی حدیث الفخذ والرکبة : استأذن أبو بکر ، ثم جاء عمر فاستأذن ، ثم جاء عثمان فاستأذن. کما مرّ فی الجزء التاسع (ص 274 ، 275).

وفی حدیث جابر بالأسواف (2) : یطلع علیکم رجل من أهل الجنّة فطلع أبو بکر ، ثم طلع عمر ، ثم طلع عثمان.

مجمع الزوائد (9 / 57).

وفی حدیث حائط من حوائط المدینة ، عن بلال : جاء أبو بکر یستأذن ، ثم جاء عمر ، ثم جاء عثمان.

فتح الباری (3) (7 / 30).

وفی حدیث التبشیر بالجنّة ، عن عبد الله بن عمر : جاء أبو بکر فاستأذن ، ثم جاء عمر فاستأذن ، ثم جاء عثمان فاستأذن (4).

وفی حدیث خطبة الزهراء فاطمة - سلام الله علیها - : جاء أبو بکر ، ثم عمر ، ثم علیّ. ف)

ص: 147


1- راجع الصحیحین [صحیح البخاری : 3 / 1343 ح 3471 ، وصحیح مسلم : 5 / 20 ح 29 کتاب فضائل الصحابة] وغیرهما ، وحسبک تاریخ ابن کثیر : 6 / 204 [6 / 222]. (المؤلف)
2- موضع بالمدینة.
3- فتح الباری : 7 / 37.
4- تاریخ ابن کثیر : 7 / 202 [7 / 226 حوادث سنة 35 ه]. (المؤلف)

ذخائر العقبی (ص 27).

وفی حدیث بناء مسجد المدینة عن عائشة : جاء أبو بکر بحجر فوضعه ، ثم جاء عمر بحجر فوضعه ، ثم جاء عثمان بحجر فوضعه (1).

فهل هذا حکم القدر یأتی بهم متتابعین؟ أو قضیّة التبانی طیلة حیاة النبیّ الأقدس صلی الله علیه وآله وسلم فلا یقبلون إلاّ بهذا الترتیب؟ أو هو من حکم الطبیعة فلا یختلف ولا یتخلّف؟ أو أنّه من ولائد الاتّفاق لکنّه لم یتفاوت فی أیّ من الموارد؟ أو أنّه من مشتهیات الوضّاعین الذین یتحرّون ترتیب الفضیلة هکذا؟ ولعلّ القول بالأخیر هو المتعیّن فحسب.

28 - عن زید بن أبی أوفی قال : دخلت علی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم مسجده. وفی لفظ : خرج علینا رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ونحن فی مسجد المدینة ، فجعل یقول : أین فلان؟ أین فلان؟ فلم یزل یبعث إلیهم ویتفقّدهم حتی اجتمعوا عنده ، فلمّا توافوا عنده حمد الله وأثنی علیه ، ثم قال : إنّی محدّثکم حدیثاً فاحفظوه وعوه وحدّثوا به من بعدکم ، إنّ الله عزّ وجلّ اصطفی من خلقه خلقاً ثم تلا : (اللهُ یَصْطَفِی مِنَ الْمَلائِکَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ) (2) خلقاً یدخلهم الجنّة ، وإنّی أصطفی منکم من أحبّ أن أصطفیه ، ومؤاخٍ بینکم کما آخی الله عزّ وجلّ بین ملائکته ، فقم یا أبا بکر ، فقام فجثا بین یدیه فقال : إنّ لک عندی یداً الله یجزیک بها ، فلو کنت متّخذاً خلیلاً لاتّخذتک خلیلاً ، فأنت منّی بمنزلة قمیصی من جسدی ، وحرّک قمیصه بیده. ثم قال : ادن یا عمر ، فدنا منه فقال : لقد کنت شدید الشغب علینا یا أبا حفص ، فدعوت الله أن یعزّ الإسلام بک أو بأبی جهل ، ففعل الله ذلک بک ، وکنت أحبّهما إلی الله ، فأنت معی فی الجنّة ثالث ثلاثة من هذه الأُمّة ، ثم آخی بینه وبین أبی بکر. 5.

ص: 148


1- راجع الجزء الخامس : ص 335. (المؤلف)
2- الحجّ : 75.

ثم دعا عثمان فقال : ادن یا أبا عمرو ، فلم یزل یدنو منه حتی ألصق رکبتیه برکبتیه ، فنظر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إلی السماء فقال : سبحان الله العظیم - ثلاث مرّات - ثم نظر إلی عثمان وکانت أزراره محلولة فزرّها رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بیده ، ثم قال : اجمع عطفی ردائک علی نحرک ، إنّ لک شأناً فی أهل السماء ، أنت ممّن یرد علیّ حوضی - وفی لفظ : یرد علیّ یوم القیامة - وأوداجک تشخب دماً ، فأقول لک : من فعل بک هذا؟ فتقول : فلان وفلان ، وذلک کلام جبرئیل إذا هتف من السماء ، فقال : ألا إنّ عثمان أمیر علی کلّ مخذول. ثم دعا عبد الرحمن بن عوف فقال : ادن یا أمین الله ، أنت أمین الله ، وتسمّی فی السماء : الأمین ، یسلّطک الله علی مالک بالحقّ ، أما إنّ لک عندی دعوة وعدتکها وقد أخّرتها. فقال : خر لی یا رسول الله ، قال : حمّلتنی یا عبد الرحمن أمانة ، ثم قال : إنّ لک شأناً یا عبد الرحمن ، أما إنّه أکثر الله مالک ، وجعل یقول بیده : هکذا وهکذا ، ثم آخی بینه وبین عثمان.

ثم دعا طلحة والزبیر فقال : ادنوا منّی ، فدنَوَا منه فقال لهما : أنتما حواریّ کحواری عیسی بن مریم ، ثم آخی بینهما.

ثم دعا عمّار بن یاسر وسعداً ، فقال : یا عمّار تقتلک الفئة الباغیة ، ثم آخی بینهما ، ثم دعا عویمر بن زید أبا الدرداء وسلمان الفارسی وقال : یا سلمان ، أنت منّا أهل البیت وقد آتاک الله العلم الأوّل والآخر ، والکتاب الأوّل والکتاب الآخر ، ثم قال : ألا أرشدک یا أبا الدرداء؟ قال : بلی بأبی أنت وأُمّی یا رسول الله ، قال : إن تفتقدهم تفقّدوک ، وإن ترکتهم لا یترکوک ، وإن تهرب منهم یدرکوک ، فأقرضهم عرضک لیوم فقرک ، واعلم أنّ الجزاء أمامک. ثم آخی بینهما.

ثم نظر فی وجوه أصحابه فقال : أبشروا وقرّوا عیناً ، أنتم أوّل من یرد علیّ الحوض ، وأنتم فی أعلی الغرف ، ثم نظر إلی عبد الله بن عمر وقال : الحمد لله یهدی من الضلالة من یحبّ ، ویلبس الضلالة علی من أحبّ ، فقال علیّ : یا رسول الله ، لقد

ص: 149

ذهبت روحی وانقطع ظهری حین رأیتک فعلت بأصحابک ما فعلت ، غیری ، فإن کان هذا من سخط علیّ فلک العتبی والکرامة ، فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : والذی بعثنی بالحقّ ما أخّرتک إلاّ لنفسی ، وأنت منّی بمنزلة هارون من موسی غیر أنّه لا نبیّ بعدی ، وأنت أخی ووارثی ، قال : یا رسول الله ، وما أرث منک؟ قال : ما ورثت الأنبیاء من قبلی. قال : ما ورثته الأنبیاء من قبلک؟ قال : کتاب ربّهم وسنّة نبیّهم ، وأنت معی فی قصری فی الجنّة مع فاطمة ابنتی (وأنت أخی ورفیقی) (1) ، ثم تلا رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم (إِخْواناً عَلی سُرُرٍ مُتَقابِلِینَ) (2) ، الأخلاّء فی الله ینظر بعضهم إلی بعض.

قال الأمینی : قال أبو عمر فی الاستیعاب (3) (1 / 191) فی ترجمة زید بن أبی أوفی : روی حدیث المؤاخاة بتمامه ، إلاّ أنّ فی إسناده ضعفاً.

وقال ابن حجر فی الإصابة (1 / 560) : روی حدیثه ابن أبی حاتم (4) ، والحسن ابن سفیان ، والبخاری فی التاریخ الصغیر (5) من طریق ابن شرحبیل ، عن رجل من قریش ، عن زید بن أبی أوفی ، قال : دخلت علی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم مسجد المدینة فجعل یقول : أین فلان؟ أین فلان؟ فلم یزل یتفقّدهم ویبعث إلیهم حتی اجتمعوا عنده. فذکر الحدیث فی إخاء النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ولحدیثه طرق عن عبد الله بن شرحبیل ، وقال ابن السکن : روی حدیثه من ثلاث طرق لیس فیها ما یصحّ ، وقال البخاری : لا یعرف سماع بعضهم من بعض ، ولا یتابع علیه ، رواه بعضهم عن ابن أبی خالد ، عن عبد الله بن أبی أوفی ، ولا یصحّ. 0.

ص: 150


1- هذه الزیادة فی بعض الألفاظ [فی ترجمة الإمام علی بن أبی طالب علیه السلام من تاریخ دمشق]. (المؤلف)
2- الحجر : 47.
3- الاستیعاب : القسم الثانی / 537 رقم 839.
4- الجرح والتعدیل : 3 / 554 رقم 2510.
5- التاریخ الصغیر : 1 / 250.

وقفنا من طرق الروایة الثلاث المعزوّة علی طریقین.

أحدهما طریق أبی إسحاق إبراهیم بن محمد بن سفیان المجهول :

عن محمد بن یحیی بن إسماعیل السهمی التمّار ، قال الدارقطنی : لیس بالمرضیّ. عن نصر بن علیّ الثقة إن کان هو الجهضمی کما هو الظاهر ، عن عبد المؤمن بن عباد ، ضعّفه أبو حاتم (1) ، وقال البخاری (2) : لا یتابع علی حدیثه ، وذکره الساجی وابن الجارود فی الضعفاء (3).

عن یزید بن سفیان ، قال الذهبی : ضعّفه ابن معین (4). وقال النسائی (5) : متروک. وقال شعبة : لو یُعطی درهماً لوضع حدیثاً. له نسخة منکرة تکلّم فیه ابن حبّان. وقال ابن حبّان (6) : نسخة مقلوبة لا یجوز الاحتجاج به إذا انفرد لکثرة خطئه ، ومخالفة الثقات فی الروایات ، وقال العقیلی فی الضعفاء (7) : لا یعرف بالنقل ولا یُتابع علی حدیثه (8).

عن عبد الله بن شرحبیل ، عن رجل من قریش - الله یعلم من الرجل ، وهل ولد هو أو لم یُخلق بعد؟! - عن زید بن أبی أوفی. ف)

ص: 151


1- الجرح والتعدیل : 6 / 66 رقم 346.
2- التاریخ الکبیر : 6 / 117 رقم 1888.
3- میزان الاعتدال : 2 / 156 [4 / 65 رقم 8312] ، لسان المیزان : 4 / 76 [5 / 483 رقم 8181]. (المؤلف)
4- معرفة الرجال : 1 / 54 رقم 37.
5- کتاب الضعفاء والمتروکین : ص 255 رقم 679.
6- کتاب المجروحین : 3 / 101.
7- الضعفاء الکبیر : 4 / 384 رقم 1997.
8- میزان الاعتدال : 3 / 312 [4 / 426 رقم 9701] ، لسان المیزان : 6 / 288 [6 / 352 رقم 9258]. (المؤلف)

رجال الطریق الثانی :

عبد الرحمن بن واقد الواقدی الخراسانی الراوی ، عن شعیب الأعرابی ، قال الخطیب فی تاریخه (11 / 85) : فی حدیثه مناکیر ، لأنّها عن الضعفاء والمجاهیل.

عن شعیب بن یونس الأعرابی من أولئک الضعفاء أو المجاهیل الذین أوعز إلیهم الخطیب فی عبد الرحیم الواقدی.

عن موسی بن صهیب. قال ابن حجر فی اللسان (1) : لا یکاد یُعرف.

عن یحیی بن زکریّا (2) ، قال ابن عدی : کان یضع الحدیث ویسرق ، وذکر ابن الجوزی حدیثاً باطلاً ، وقال : هذا حدیث موضوع بلا شکّ ، والمتّهم به یحیی ، قال یحیی بن معین : هو دجّال هذه الأُمّة (3).

عن عبد الله بن شرحبیل عن رجل من قریش ، هذا الإنسان الذی تنتهی إلیه أسانید الروایة ولعلّه هو آفتها ، لم یُعرف من هو ، إن کان قد خُلق.

هذه طرق الروایة ، وتلک نصوص البخاری ، وابن السکن ، وأبی عمر ، وابن حجر علی بطلانها ، وأنّها لیس فیها ما یصحّ ، علی أنّ المؤاخاة بین المهاجرین وقعت بمکة قبل الهجرة ، والتی حدثت بالمدینة بعد الهجرة بخمسة أشهر ، هی المؤاخاة بین المهاجرین والأنصار ، فأبو بکر فیها أخو خارجة بن زید الأنصاری ، وعمر أخو عتبان بن مالک ، وعثمان أخو أوس بن ثابت ، والزبیر أخو سلمة بن سلامة ، وطلحة ف)

ص: 152


1- لسان المیزان : 6 / 141 رقم 8657.
2- کذا ذکره البغوی ، والذهبی فی میزان الاعتدال : 4 / 374 رقم 9506 ، وعقّب بقوله : وصوابه یحیی أبو زکریا.
3- لسان المیزان : 6 / 253 [6 / 312 رقم 9136]. (المؤلف)

أخو کعب بن مالک ، وعبد الرحمن بن عوف أخو سعد بن الربیع (1).

فقول مختلق الروایة : دخلت علی رسول الله مسجده. أو قوله : خرج علینا رسول الله ونحن فی مسجد المدینة. أقوی شاهد علی اختلاقها.

وإن تعجب فعجب إخراج غیر واحد من الحفّاظ هذه الروایة ، بین من أرسلها إرسال المسلّم محذوف الإسناد کالمحبّ الطبری فی الریاض النضرة (2) (1 / 13) ، وبین من أسندها بهذه الطرق الوعرة من دون أیّ غمز فیها ، کابن عساکر فی تاریخه (3) ، والعاصمی فی زین الفتی ، وأعجب من ذلک تدعیم الحجّة علی الخصم بها ، والرکون إلیها فی تشیید الأحداث والمبادئ الساقطة. قال العاصمی : فی هذا الحدیث من العلم : أنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أثنی علی أبی بکر ، وعمر ، وعثمان ، وطلحة ، والزبیر ، وآخی بینهم ، وأشار إلی ما یصیب عثمان من القوم ، ولم یجعله فی ذلک ملیما ولا سمّاه ذمیماً ، فلا ینبغی لمسلم أن یبسط لسانه فیهم بما کان من بعضهم إلی بعض لأنّه علیه السلام لم یؤاخِ بینهم فی الدنیا إلاّ وهم یکونون أخوة فی الآخرة ، وفیه من العلم أیضاً : أنّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم سمّی المرتضی أخاً ووارثاً ، ثم بیّن إرثه وجعله کتاب الله وسنّة الرسول ، ولم یجعل فدک وخیبر إرثاً منه ، تبیّن من ذلک بطلان قول الرافضة والله المستعان. انتهی.

ومن العجب جدّا حسبان العاصمی انفتاح بابین من العلم له من هذه الروایة الباطلة ، وأیّ علم هذا مصدره شکوک وأوهام وأکاذیب؟ أنا لست أدری کیف راق العاصمی الاحتجاج بمثلها من روایة تافهة فضلاً عن أن یستخرج منها کنز علمه الدفین ، ویرجع إلیها فی الحکم کأنّه یستند إلی رکن وثیق ، ویغفل أو یتغافل عن أنّه مرتکن إلی شفا جرف هار ، علی أنّا فنّدنا فی أجزاء کتابنا هذا أکثر ما فیها من 8.

ص: 153


1- راجع ما أسلفناه من المصادر فی الجزء التاسع : صفحة 316 الطبعة الأولی. (المؤلف)
2- الریاض النضرة : 1 / 21.
3- ترجمة الإمام علی بن أبی طالب علیه السلام من تاریخ دمشق - الطبعة المحققة - رقم 148.

الفضائل.

ثم إنّ هذه المقولات التی تضمّنتها الروایة علی فرض صدورها کانت بمشهد ومسمع من الصحابة ، أو سمعها علی الأقل کثیرون منهم ، ومن أولئک السامعین الذین وعوها طلحة والزبیر وعمّار ، فلما ذا لم یرجع إلیها أحد منهم یوم تشدید الوطأة علی عثمان ، وفی الحصارین ، وحول واقعة الدار؟ فهل اتّخذوها ظهریّا یومئذ مستخفّین بها؟ حاشاهم وهم الصحابة العدول کما یزعمون ، أو أنّهم نسوها کما نسیت مثلهاأمّهم عائشة من حدیث الحوأب (1) ، فلم یذکروها حتی وضعت الفتنة أوزارها ، وهذا کما تری ، ولعلّه لا یفوه به ذو مسکة.

وأمّا العلم الثانی الذی استخرج کنزه العاصمی من حصر إرث أمیر المؤمنین علیّ من رسول الله بالکتاب والسنّة ، وفنّد حدیث فدک وخیبر ، وشنّع علی الشیعة بذلک فأتفه ممّا قبله ، فإنّ الشیعة لا تدّعی لأمیر المؤمنین علیه السلام الإرث المالی ولا ادّعاه هو - صلوات الله علیه - لنفسه یوم کان یطالبهم بفدک ، وإنّما کان یبغیها لأنّها حقّ لابنة عمّه الصدّیقة الطاهرة ، سواء کانت نِحلة لها من أبیها کما هو الصحیح أو إرثاً علی أصول المواریث التی جاء بها الکتاب والسنّة ، علی تفصیل عسی أن نتفرّغ له فی غیر هذا الموضع من الکتاب ، فمؤاخذة الشیعة بتلک المزعمة المختلقة تقوّل علیهم ، وما أکثر ما افتعلت علیهم الأکاذیب ، فإنّ ما تدّعیه الشیعة من إرث الإمام علیه السلام عن مخلّفه ومشرّفه صلی الله علیه وآله وسلم لا یشذّ عمّا أَجمعت علیه أهل السنّة ، وهو من براهین الخلافة له علیه السلام قال الحاکم (2) : لا خلاف بین أهل العلم أنّ ابن العمّ لا یرث من العمّ ، فقد ظهر بهذا الإجماع أنّ علیّا ورث العلم من النبیّ دونهم (3) ، فهذه الوراثة الخاصّة لعلیّ علیه السلام من بین ف)

ص: 154


1- راجع الجزء الثالث : ص 188 - 191. (المؤلف)
2- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 136 ح 4634.
3- راجع الجزء الثالث : ص 100. (المؤلف)

الأُمّة عبارة أخری عن الخلافة عنه صلی الله علیه وآله وسلم التی من أجلها کان ترث الأوصیاء الأنبیاء.

29 - فی الصحیحین (1) من حدیث محمد بن مسکین البصری ، عن یحیی بن حسان البصری ، عن سلیمان بن بلال ، عن شریک بن أبی نمر ، عن سعید بن المسیّب ، عن أبی موسی الأشعری قال :

توضّأت فی بیتی ثم خرجت فقلت : لأکوننّ الیوم مع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، فجئت المسجد فسألت عنه ، فقالوا : خرج وتوجّه هاهنا ، فخرجت فی أثره حتی جئت بئر أریس ، فمکث بابها (2) حتی علمت أنّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم قد قضی حاجته وجلس ، فجئته فسلّمت علیه فإذا هو قد جلس علی قفّ (3) بئر أریس (4) فتوسّطه ، ثم دلّی رجلیه فی البئر ، وکشف عن ساقیه ، فرجعت إلی الباب وقلت : لأکوننّ بوّاب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم.

فلم أنشب أن دقّ الباب ، فقلت : من هذا؟ قال : أبو بکر : قلت. علی رسلک ، وذهبت إلی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فقلت : یا رسول الله هذا أبو بکر یستأذن ، فقال : ائذن له وبشّره بالجنّة ، قال : فخرجت مسرعاً حتی قلت لأبی بکر : ادخل ورسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یبشّرک بالجنّة ، قال : فدخل حتی جلس إلی جنب النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فی القفّ علی یمینه ، ودلّی رجلیه وکشف عن ساقیه کما صنع النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم قال : ثم رجعت وقد کنت ترکت أخی یتوضّأ ، وقد کان قال لی : أنا علی إثرک ، فقلت : إن یُرد الله بفلان خیراً یأتِ به.

قال : فسمعت تحریک الباب ، فقلت : من هذا؟ قال : عمر. قلت : علی رسلک ، قال : وجئت النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فسلّمت علیه وأخبرته ، فقال : ائذن له وبشّره بالجنّة ، قال : ف)

ص: 155


1- صحیح البخاری : 5 / 250 ، 251 کتاب المناقب [3 / 1343 ح 3471] ، صحیح مسلم : 7 / 118 ، 119. [5 / 20 - 22 ح 29 کتاب فضائل الصحابة]. (المؤلف)
2- فی الصحیحین : فجلست عند الباب.
3- قفّ البئر : الدکّة التی تجعل حولها. (المؤلف)
4- بستان فی قباء قرب المدینة المشرفة. (المؤلف)

فجئت وأذنت له وقلت له : رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یبشّرک بالجنّة ، قال : فدخل حتی جلس مع رسول الله علی یساره ، وکشف عن ساقیه ودلّی رجلیه فی البئر کما صنع النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وأبو بکر.

قال : ثم رجعت فقلت : إن یُرد الله بفلان خیراً یأتِ به ، یُرید أخاه ، فإذا تحریک الباب ، فقلت : من هذا؟ قال : عثمان بن عفّان ، قلت : علی رسلک ، وذهبت إلی رسول الله فقلت : هذا عثمان یستأذن ، فقال : ائذن له وبشّره بالجنّة علی بلوی تصیبه ، قال : فجئت فقلت : رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یأذن لک ویبشّرک بالجنّة علی بلوی أو بلاء یصیبک ، فدخل وهو یقول : الله المستعان ، فلم یجد فی القفّ مجلساً ، فجلس وجاههم من شقّ البئر ، وکشف عن ساقیه ودلاّهما فی البئر کما صنع أبو بکر وعمر. قال سعید بن المسیب : فأوّلتها قبورهم اجتمعت وانفرد عثمان.

قال الأمینی : نحن لا نناقش فی إسناد هذه الروایة للاضطراب الواقع فیه ، فإنّها تروی عن أبی موسی الأشعری کما سمعت ، وعن زید بن أرقم وهو صاحب القصّة فیما أخرجه البیهقی فی الدلائل (1) ، وعن بلال وهو البوّاب فی القضیّة فیما أخرجه أبو داود ، وعن نافع بن عبد الحرث وهو البوّاب ، کما فی إسناد أحمد فی المسند (2) (3 / 408).

ولا نضعّفه لمکان البصریّین الذین لهم قدم وقدم فی اختلاق الحدیث ووضع الطامّات علی الرسول الأمین صلی الله علیه وآله وسلم ، ولا نؤاخذ من رجاله سلیمان بن بلال بقول ابن أبی شیبة : إنّه لیس ممّن یعتمد علی حدیثه (3) ، ولا نزیّفها لمکان ابن أبی نمر ، لقول النسائی (4) وابن الجارود : إنّه لیس بالقویّ ، وقول ابن حبّان (5) : ربّما أخطأ ، وقول ابن 0.

ص: 156


1- دلائل النبوّة : 6 / 388.
2- مسند أحمد : 4 / 413 ح 14949.
3- تهذیب التهذیب : 4 / 179 [4 / 155]. (المؤلف)
4- کتاب الضعفاء والمتروکین : ص 133 رقم 304.
5- الثقات : 4 / 360.

الجارود أیضاً : کان یحیی بن سعید لا یحدّث عنه. وقول الساجی : کان یری القدر (1) ، ولا نغمز فیها بمکان سعید بن المسیّب الذی مرّ الإیعاز إلی ترجمته فی الجزء الثامن (ص 9) ، ولا نتکلّم فی منتهی السلسلة أبی موسی الأشعری الصحابی ، إذ الصحابة کلّهم عدول عند القوم ، وإن لا یسعنا الإخبات إلی مثل هذا الرأی البهرج المحدث ، والصفح عن قول الإمام الطاهر أمیر المؤمنین علیه السلام الوارد فی أبی موسی الأشعری وصاحبه عمرو بن العاص : «ألا إنّ هذین الرجلین اللذین اخترتموهما حَکَمین قد نبذا حکم القرآن وراء ظهورهما ، وأحییا ما أمات القرآن ، وأماتا ما أحیا القرآن ، واتّبع کلّ واحد منهما هواه بغیر هدی من الله ، فحکما بغیر حجّة بیّنة ، ولا سنّة ماضیة ، واختلفا فی حکمهما ، وکلاهما لم یرشُد ، فبرئ الله منهما ورسوله وصالح المؤمنین» (2) ، فأیّ جرح أعظم من هذا؟ وأیّ عدل یتصوّر فی الرجل عندئذ؟

ولا نقول أیضاً بأنّ عنایة القوم بتخصیص الخلفاء الثلاثة من بین الصحابة بالبشارة بالجنّة ، وإکثارهم وضع الروایة واختلاق القصص فیها تنبئنا عن أسرار مستسرّة ونحن لا نمیط الستار عنها ، و (لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْیاءَ إِنْ تُبْدَ لَکُمْ تَسُؤْکُمْ) (3).

وإنّما نقول : إنّ هذه البشارة الصادرة من الصادع الکریم إن سُلّمت ، وکان المبشّر مصدّقاً عند سامعیها ، فلما ذا کان عمر یسأل حذیفة الیمانی - صاحب السرّ المکنون فی تمییز المنافقین - عن نفسه ، وینشده الله أمن القوم هو؟ وهل ذُکر فی المنافقین؟ وهل عدّه رسول الله منهم (4). والسائل جدّ علیم بأنّ المنافقین فی الدرکف)

ص: 157


1- تهذیب التهذیب : 4 / 338 [4 / 296]. (المؤلف)
2- راجع الجزء الثانی : ص 131. (المؤلف)
3- المائدة : 101.
4- تاریخ ابن عساکر : 4 / 97 [12 / 276 رقم 1231 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 6 / 253] ، التمهید للباقلاّنی : ص 196 ، بهجة النفوس لابن أبی جمرة : 4 / 48 [ح 188] ، إحیاء العلوم : 1 / 129 [1 / 114] ، کنز العمّال : 7 / 24 [13 / 344 ح 36962]. (المؤلف)

الأسفل من النار ، فهل یمکننا الجمع بین هذا السؤال المتسالم علیه وبین تلک البشارة؟ لاها الله.

وهل یتأتّی الجمع بین تلک البشارة وبین ما صحّ عن عثمان من حدیث (1) اعتذاره عن خروجه إلی مکة أیّام حوصر بقوله : إنّی سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول : «یُلحد بمکة رجل من قریش ، علیه نصف عذاب هذه الأمّة من الإنس والجنّ» فلن أکون ذلک الرجل؟ فهل هذا مقال من وثق بإیمانه بالله وبرسوله واطمأنّ به وعمل صالحاً ثم اهتدی ، فضلاً عمّن بُشّر بالجنّة بلسان النبیّ الصادق الأمین؟

30 - أخرج البیهقی فی الدلائل (2) ، من حدیث عبد الأعلی بن أبی المساور ، عن إبراهیم بن محمد بن حاطب ، عن عبد الرحمن بن بجید (3) ، عن زید بن أرقم ، قال : بعثنی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فقال : انطلق حتی تأتی أبا بکر فتجده فی داره جالساً محتبیاً ، فقل : إنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقرأ علیک السلام ویقول : أبشر بالجنّة ، ثم انطلق حتی تأتی الثنیّة فتلقی عمر راکباً علی حمار تلوح صلعته ، فقل : إنّ رسول الله یقرأ علیک السلام ویقول : أبشر بالجنّة ، ثم انصرف حتی تأتی عثمان فتجده فی السوق یبیع ویبتاع ، فقل : إنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقرأ علیک السلام ویقول : أبشر بالجنّة بعد بلاء شدید ، فذکر الحدیث فی ذهابه إلیهم فوجد کلاّ منهم کما ذکر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، وکلاّ منهم یقول : أین رسول الله؟ فیقول : فی مکان کذا وکذا ، فیذهب إلیه. وإنّ عثمان لمّا رجع قال : یا رسول الله وأیّ بلاء یصیبنی؟ والذی بعثک بالحقّ ما تغیّبت - وفی لفظ : ما تغنّیت - ولا تمنّیت ولا مسست ذکری بیمینی منذ بایعتک ، فأیّ بلاء یصیبنی؟ فقال : هو ذاک.

قال الأمینی : إنّ الباحث فی غنی عن عرفان رجال إسناد الروایة بعد وقوفه ف)

ص: 158


1- راجع : ص 153 من الجزء التاسع. (المؤلف)
2- دلائل النبوّة : 6 / 389 - 390.
3- بالباء والجیم الموحّدتین والدال المهملة ، کما فی التقریب [1 / 473]. (المؤلف)

علی ما أسلفناه فی هذا الجزء (ص 98) فی ترجمة عبد الأعلی بن أبی المساور ، من أنّه کذّاب ، خبیث ، دجّال ، وضّاع ، روی عن الأئمّة آلاف أحادیث ما حدّثوا بشیء منها ، ولا یعرف أحد أکثر وضعاً منه ، وهو ممّن یُضرب المثل بکذبه.

فمثل هذا الإسناد یوصف فی مصطلح الفنّ بالوضع لا بالضعف ، کما وصفه البیهقی بذلک. راجع فتح الباری (1) (7 / 29).

31 - أخرج ابن عساکر فی تاریخه (2) (4 / 312) من طریق أبی عمرو الزاهد (3) ، عن علیّ بن محمد الصائغ ، عن أبیه أنّه قال : رأیت الحسین وقد وفد علی معاویة زائراً ، فأتاه فی یوم جمعة وهو قائم علی المنبر خطیباً ، فقال له رجل من القوم : یا أمیر المؤمنین ائذن للحسین یصعد المنبر ، فقال له معاویة : ویلک دعنی أفتخر ، فحمد الله وأثنی علیه ، ثم قال : سألتک بالله یا أبا عبد الله ألیس أنا ابن بطحاء مکة ، فقال : إی والذی بعث جدّی بالحقّ بشیراً ، ثم قال : سألتک بالله یا أبا عبد الله ألیس أنا خال المؤمنین؟ فقال إی والذی بعث جدّی نبیّا ، ثم قال : سألتک بالله یا أبا عبد الله ألیس أنا کاتب الوحی؟ فقال : إی والذی بعث جدّی نذیراً ، ثم نزل معاویة وصعد الحسین بن علیّ فحمد الله بمحامد لم یحمده الأوّلون والآخرون بمثلها ، ثم قال : حدّثنی أبی ، عن جدّی ، عن جبرئیل ، عن الله تعالی ، أنّ تحت قائمة کرسیّ العرش ورقة آسٍ خضراء مکتوب علیها : لا إله إلاّ الله محمد رسول الله ، یا شیعة آل محمد لا یأتی أحدکم یوم القیامة یقول : لا إله إلاّ الله إلاّ أدخله الله الجنّد.

ص: 159


1- فتح الباری : 7 / 37.
2- تاریخ مدینة دمشق : 14 / 113 رقم 1566 وما بین المعقوفین منه ، ومن تهذیب ابن بدران. وفی تهذیب تاریخ دمشق : 4 / 315.
3- کذا فی تهذیب تاریخ دمشق ، وفی تاریخ مدینة دمشق ، وتاریخ بغداد : 2 / 357 ، ولسان المیزان : 5 / 303 رقم 7707 : أبو عمر الزاهد.

ولا یشتمون عثمان ، ولا یشتمون أبی ، ولا یشتمونک یا معاویة.

قال الأمینی : قال ابن عساکر : هذا حدیث منکر ، ولا أری إسناده متّصلا إلی الحسین. ونحن نقول : إنّه کذب صراح وإسناده متفکّک العری واهی الحلقات. أمّا أبو عمرو الزاهد فهو الکذّاب صاحب الطامّات والبلایا ، الذی ألّف جزءاً فی مناقب معاویة من الموضوعات ، کما أسلفناه فی الجزء الخامس (ص 261) توفّی سنة (345).

وأمّا شیخه علیّ بن الصائغ فهو ضعیف جدّا وصفه بهذا الخطیب فی تاریخه (3 / 222) ، وضعّفه الدارقطنی ، کما فی لسان المیزان (1) (2 / 489).

وأمّا والده فهو مجهول لا یُذکر بشیء ، وهو فی طبقة من یروی عن مالک المتوفّی سنة (179).

فأین وأنّی رأی سیّدنا الحسین علیه السلام المستشهد سنة (61)؟ وکیف أدرک معاویة الذی هلک سنة (60)؟ وهل کانت الرؤیة والإدراک طیف خیال أو یقظة؟

ثم لو صدّقنا الأحلام فإنّ مقتضی هذه الأسطورة أن لا یکون معاویة من شیعة آل محمد صلی الله علیه وآله وسلم الذین یدخلهم الله الجنّة ، لأنّه کان یقنت بلعن علیّ أمیر المؤمنین علیه السلام وولدیه الإمامین سیّدی شباب أهل الجنّة ، إلی جماعة من الصلحاء الأبرار ، وحسبه ذلک مخزاة ، وهذا الأمر فیه وفی الطغام من بنی أبیه المقتصّین أثره وأتباعه المتّبعین له علی ذلک شرع سواسیة.

ومن مقتضیاتها أیضاً خروج مولانا أمیر المؤمنین علیه السلام عن أولئک الزمرة المرحومة ، لأنّه کان یقنت باللعن علی معاویة وحثالة من زبانیته (کَبُرَتْ کَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ).

ولازم هذا التلفیق إخراج من نال من عثمان ، فضلاً عمّن أجهز علیه وقتله ، 8.

ص: 160


1- لسان المیزان : 2 / 603 رقم 3478.

عن شیعة آل محمد وهم أعیان الصحابة ووجوه المهاجرین والأنصار العدول کلّهم عند القوم فضلاً عن التشیّع فحسب ، وهل یجسر علی هذا التحامل أحد؟ فقصاری القول أنّ أصدق کلمة حول هذه المهزأة أنّه حدیث زور لا مقیل له من الصحّة ولا یسوغ الاعتماد علیه.

32 - روی الخطیب (1) ، عن أحمد بن محمد بن أبی بکر الأشنانی ، عن محمد بن یعقوب الأصمّ ، عن السریّ بن یحیی ، عن شعیب (2) بن إبراهیم ، عن سیف بن عمر ، عن وائل (3) بن داود ، عن یزید (4) البهی ، عن الزبیر مرفوعاً : اللهمّ إنّک بارکت لأُمّتی فی صحابتی فلا تسلبهم البرکة ، وبارک لأصحابی فی أبی بکر فلا تسلبه البرکة ، وأجمعهم علیه ، ولا تنشر أمره ، اللهمّ وأعزّ عمر بن الخطّاب ، وصبّر عثمان بن عفّان ، ووفّق علیّا ، واغفر لطلحة ، وثبّت الزبیر ، وسلّم سعداً ، ووقّر عبد الرحمن ، وألحق بی السابقین الأوّلین من المهاجرین والأنصار والتابعین بإحسان.

قال الأمینی : عقّبه الخطیب بقوله : موضوع فیه ضعفاء أشدّهم سیف (5) ، وأوقفناک علی ترجمة السری ، وشعیب ، وسیف ، من رجال الإسناد فی الجزء الثامن (ص 84 ، 140 ، 141 ، 333) ویکفی کلّ واحد منهم فی اعتلال السند فضلاً عن أن یجتمعوا.

33 - أخرج الخطیب قال : أخبرنا المبارک بن عبد الجبّار ، أنبأنا أبو طالب العشاری ، حدّثنا أبو الحسن محمد بن عبد العزیز البردعی ، حدّثنا أبو الحبیش طاهر 9.

ص: 161


1- تاریخ بغداد : 5 / 470 رقم 3014.
2- فی تاریخ بغداد : سعید.
3- فی تاریخ بغداد : دلیل.
4- کذا والصحیح : عبد الله. هو مولی مصعب بن الزبیر. (المؤلف)
5- أنظر : اللآلئ المصنوعة : 1 / 429.

ابن الحسین الفقیه ، حدّثنا صدقة بن هبیرة بن علیّ الموصلی ، حدّثنا عمر بن اللیث ، حدّثنا محمد بن جعفر ، حدّثنا علیّ بن محمد الطنافسی ، حدّثنا موسی بن خلف ، حدّثنا حمّاد بن أبی سلیمان ، عن إبراهیم بن أبی سعید الخدری ، قال : بینما نحن جلوس عند رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إذ هبط جبرئیل ، فقال : السلام علیک یا محمد إنّ الله قد أتحفک بهذه السفرجلة ، فسبّحت السفرجلة فی کفّه بأصناف اللغات فقلنا : تسبّح هذه السفرجلة فی کفّک؟! فقال : والذی بعثنی بالحقّ ، لقد خلق الله تعالی فی جنّة عدن ألف ألف قصر ، فی کلّ قصر ألف ألف مقصورة ، فی کلّ مقصورة ألف ألف سریر ، علی کلّ سریر حوراء ، تجری من تحت کلّ سریر أربعة أنهار ، علی کلّ نهر ألف ألف شجرة ، فی کلّ شجرة ألف ألف غصن ، فی کلّ غصن ألف ألف سفرجلة ، تحت کلّ سفرجلة ألف ألف ورقة ، تحت کلّ ورقة ألف ألف ملک ، لکلّ ملک ألف ألف جناح ، تحت کل جناح ألف ألف رأس ، فی کلّ رأس ألف ألف وجه ، کلّ وجه ألف ألف فم ، فی کلّ فم ألف ألف لسان ، تسبّح الله بألف ألف لغة ، لا یشبه بعضها بعضاً ، وثواب ذلک التسبیح لمحبّی أبی بکر ، وعمر ، وعثمان ، وعلیّ.

قال السیوطی فی اللآلئ (1) (1 / 338) : موضوع ، صدقة یحدّث عن المجاهیل ، ومحمد بن جعفر ترک أحمد التحدیث عنه ، وموسی متروک.

ونحن نقول : لعلّ روایة هذه السفسطة وأمثالها هی التی جعلت المؤتمن الساجی سیّئ الرأی فی شیخ الخطیب المبارک بن عبد الجبّار ، فرماه بالکذب وصرّح بذلک ، کما فی لسان المیزان (2) (5 / 10) وهی التی تعرّفک بقیّة رجال الإسناد ، والعاقل قطّ لا یثق بمن تکون هذه روایته ، وإلیک البیان :

1 - أبو طالب العشاری محمد بن علیّ بن الفتح ، ذکر الذهبی له فی المیزان 8.

ص: 162


1- اللآلئ المصنوعة : 1 / 388.
2- لسان المیزان : 5 / 14 رقم 6818.

أحادیث حکم بوضعها ، فقال : قبّح الله من وضعه ، والعتب إنّما هو علی محدّثی بغداد کیف ترکوا العشاری یروی هذه الأباطیل ، وقال بعد ذکر توثیق الخطیب إیّاه : لیس بحجّة. راجع میزان الاعتدال (1) (2 / 107).

2 - أبو الحسن البردعی ، قال الخطیب فی تاریخه (2 / 353) : کتبت عنه وکان فیه نظر ، مع أنّه لم یخرج عنه من الحدیث کبیر شیء.

3 - أبو الحبیش الفقیه ، مجهول لا یعرف.

4 - صدقة ، مجهول لا یُذکر بخیر ، ولا یُعرف بجمیل.

5 - عمر بن اللیث ، مجهول منکر.

6 - محمد بن جعفر هو المدائنی ، قال أحمد : سمعت منه ولکن لم أروِ عنه قطّ ولا أحدّث عنه بشیء أبداً ، وذکره العقیلی فی الضعفاء (2) ، وحکی قول أحمد ، وقال ابن قانع : ضعیف ، وقال ابن عبد البرّ : لیس هو بالقویّ عندهم ، وقال أبو حاتم (3) : یُکتب حدیثه ولا یحتجّ به (4).

7 - موسی بن خلف العمّی البصری. قال الآجری : لیس بذاک القویّ ، وعن ابن معین : ضعیف. وقال ابن حبّان (5) : أکثر من المناکیر. وقال الدارقطنی : لیس بالقویّ یعتبر به (6).

8 - إبراهیم بن أبی سعید الخدری ، لم یُذکر لأبی سعید ابنٌ بهذا الاسم ، ف)

ص: 163


1- میزان الاعتدال : 3 / 656 رقم 7989.
2- الضعفاء الکبیر : 4 / 44 رقم 1593.
3- الجرح والتعدیل : 7 / 222 رقم 1224.
4- تهذیب التهذیب : 9 / 99 [9 / 86]. (المؤلف)
5- کتاب المجروحین : 2 / 240.
6- تهذیب التهذیب : 10 / 342 [10 / 304]. (المؤلف)

وأحسب أنّ الصحیح - إبراهیم النخعی ، عن أبی سعید الخدری - والله العالم.

34 - أخرج النحّاس فی کتاب معانی القرآن ، قال : حدّثنا أبو عبد الله أحمد بن علیّ بن سهل ، قال : حدّثنا محمد بن حمید ، قال : حدّثنا یحیی بن الضریس ، عن زهیر بن معاویة ، عن أبی إسحاق ، عن البراء بن عازب قال :

إنّ أعرابیّا قام إلی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی حجّة الوداع ، والنبیّ صلی الله علیه وآله وسلم واقف بعرفات علی ناقته العضباء ، فقال : إنّی رجل مسلم ، فأخبرنی عن هذه الآیة : (إِنَّ الَّذِینَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِیعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً* أُولئِکَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِی مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ یُحَلَّوْنَ فِیها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَیَلْبَسُونَ ثِیاباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ) الآیة. (1) فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : ما أنت منهم ببعید ، ولا هم ببعید منک ، هم هؤلاء الأربعة : أبو بکر ، وعمر ، وعثمان ، وعلیّ ، فأعلم قومک أنّ هذه الآیة نزلت فیهم. ذکره القرطبی فی تفسیره (2) (10 / 398) : وقد روینا جمیع ذلک بالإجازة ، والحمد لله.

قال الأمینی : ألا تعجب من رجل التفسیر العظیم ، یروی بالإجازة مثل هذا الکذب الصراح بالإسناد الواهی ، ویحمد ربّه علی تحریفه الکلم عن مواضعه وتقوّله علی ربّه وعلی رسوله صلی الله علیه وآله وسلم؟! أعوذ بالله من الروایة بلا درایة.

فی الإسناد : أحمد بن علی بن سهل المروزی ، ترجمه الخطیب البغدادی فی تاریخه (4 / 303). ولم یذکر کلمة فی الثناء علیه کأنّه لا یعرف منه إلاّ اسمه ، وذکره الذهبی فی المیزان (3) ، وذکر له حدیثاً ، فقال : أورده ابن حزم وقال : أحمد مجهول (4).ف)

ص: 164


1- الکهف : 30 ، 31.
2- الجامع لأحکام القرآن : 10 / 259.
3- میزان الاعتدال : : 1 / 120 رقم 470.
4- لسان المیزان : 1 / 222 [1 / 239 رقم 693]. (المؤلف)

وفیه محمد بن حمید أبو عبد الله الرازی التمیمی ، قال یعقوب بن شیبة : کثیر المناکیر ، وقال البخاری (1) : فی حدیثه نظر ، وقال النسائی : لیس بثقة. وقال الجوزجانی : ردیء المذهب غیر ثقة. وقال فضلک الرازی : عندی عن ابن حمید خمسون ألفاً لا أحدّث عنه بحرف.

وقال صالح الأسدی : کان کلّما بلغه عن سفیان یحیله علی مهران ، وما بلغه عن منصور یحیله علی عمرو بن أبی قیس ، ثم قال : کلّ شیء کان یحدّثنا ابن حمید کنّا نتّهمه فیه. وقال فی موضع أخر : کانت أحادیثه تزید ، وما رأیت أحداً أجرأ علی الله منه ، کان یأخذ أحادیث الناس فیقلّب بعضه (2) علی بعض. وقال أیضاً : ما رأیت أحداً أحذق بالکذب من رجلین : سلیمان الشاذکونی ، ومحمد بن حمید کان یحفظ حدیثه کلّه.

وقال محمد بن عیسی الدامغانی : لمّا مات هارون بن المغیرة سألت محمد بن حمید أن یخرج إلیّ جمیع ما سمع ، فأخرج إلیّ جزازات فأحصیت جمیع ما فیه : ثلاثمائة ونیفاً وستّین حدیثاً. قال جعفر : وأخرج ابن حمید ، عن هارون بعد ، بضعة عشر ألف حدیث. وقال أبو القاسم ابن أخی أبی زرعة : سألت أبا زرعة عن محمد بن حمید فأومی بإصبعه إلی فمه ، فقلت له : کان یکذب؟ فقال برأسه : نعم. فقلت له : کان قد شاخ لعلّه ، کان یعمل علیه ویدلّس علیه : فقال : لا یا بنیّ کان یتعمّد.

وقال أبو نعیم بن عدی : سمعت أبا حاتم الرازی فی منزله وعنده ابن خراش وجماعة من مشایخ أهل الریّ وحفّاظهم ، فذکروا ابن حمید فأجمعوا علی أنّه ضعیف فی الحدیث جدّا ، وأنّه یحدّث بما لم یسمعه ، وأنّه یأخذ أحادیث أهل البصرة والکوفة فیحدّث بها عن الرازیّین. وقال أبو العباس بن سعید : سمعت داود بن یحیی یقول : ر.

ص: 165


1- التاریخ الکبیر : 1 / 69 رقم 167.
2- کذا فی المصدر.

سمعت ابن خراش یقول : حدّثنا ابن حمید وکان والله یکذب.

وقال سعید بن عمرو البرذعی : قلت لأبی حاتم : أصحّ ما صحّ عندک فی محمد ابن حمید الرازی أیّ شیء هو؟ فقال لی : کان بلغنی عن شیخ من الخلقانیّین أنّ عنده کتاباً عن أبی زهیر ، فأتیته فنظرت فیه ، فإذا الکتاب لیس من حدیث أبی زهیر وهی من حدیث علیّ بن مجاهد ، فأبی أن یرجع عنه ، فقمت وقلت لصاحبی : هذا کذّاب لا یحُسن أن یکذب. قال : ثم أتیت محمد بن حمید بعد ذاک ، فأخرج إلیّ ذلک الجزء بعینه ، فقلت لمحمد بن حمید : ممّن سمعت هذا؟ قال : من علیّ بن مجاهد ، فقرأه وقال فیه : حدّثنا علی بن مجاهد ، فتحیّرت فأتیت الشابّ الذی کان معی فأخذت بیده فصرنا إلی ذلک الشیخ ، فسألناه عن الکتاب الذی أخرجه إلینا ، فقال : قد استعاره منّی محمد ابن حمید. وقال أبو حاتم : فبهذا استدللت علی أنّه کان یومئ إلی أنّه أمر مکشوف.

وقال [البیهقی : کان إمام الأئمة یعنی] ابن خزیمة لا یروی عنه ، وقال النسائی : لیس بشیء ، قال الکنانی : فقلت له : البتة؟ قال : نعم. قلت : ما أخرجت له شیئاً؟ قال : لا. وقال فی موضع آخر : کذّاب وکذا قال ابن وارة ، وقال ابن حبّان (1) : ینفرد عن الثقات بالمقلوبات (2).

فمجمل القول فی الرجل أنّه کذّاب مکثر ، والذی أثنی علیه فقد خفی علیه أمره أو کان ذلک قبل ظهور ما ظهر منه من سوء حاله ، قال أبو العباس بن سعید : سمعت داود بن یحیی یقول : حدّثنا عنه أبو حاتم قدیماً ثم ترکه بآخره. وقال أبو حاتم (3) الرازی : سألنی یحیی بن معین عن ابن حمید من قبل أن یظهر منه ما ظهر ، فقال : أیّ شیء ینقمون منه؟ فقلت : یکون فی کتابه شیء فیقول : لیس هذا هکذا فیأخذ القلم 5.

ص: 166


1- کتاب المجروحین : 2 / 303.
2- تهذیب التهذیب : 9 / 127 - 131 [9 / 111 - 115 وما بین المعقوفتین منه]. (المؤلف)
3- الجرح والتعدیل : 7 / 232 رقم 1275.

فیغیّره ، فقال : بئس هذه الخصلة. إلخ. وقال أبو علیّ النیسابوری : قلت لابن خزیمة : لو حدّث الأستاذ عن محمد بن حمید فإنّ أحمد قد أحسن الثناء علیه ، فقال : إنّه لم یعرفه ، ولو عرفه کما عرفناه ما أثنی علیه أصلا.

35 - أخرج ابن عساکر (1) ، من طریق علیّ بن محمد بن شجاع الربعی ، عن عبد الوهّاب المیدانی الدمشقی ، عن محمد بن عبد الله بن یاسر ، عن محمد بن بکار ، عن محمد بن الولید ، عن داود بن سلیمان الشیبانی ، عن حازم بن جبلة بن أبی نصرة ، عن أبیه ، عن جدّه ، عن أبی سعید الخدری رضی الله عنه قال : قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لأبی بکر وعمر : والله إنّی لأحبّکما بحبّ الله إیّاکما ، وإنّ الملائکة لتحبّکما بحبّ الله لکما ، أحبّ الله من أحبّکما ، وصل الله من وصلکما ، قطع الله من قطعکما ، وأبغض الله من أبغضکما فی دنیاکما وآخرتکما (2).

رجال الإسناد :

1 - عبد الوهّاب المیدانی. قال الذهبی نقلاً عن الکتانی : کان فیه تساهل ، واتّهم فی لقی أبی علیّ بن هارون الأنصاری ، میزان الاعتدال (3) (2 / 160).

2 - محمد بن عبد الله. فی المیزان (4) (3 / 85) : نکرة وحدیثه - یعنی هذا الحدیث - منکر بمرّة.

3 - محمد بن بکّار. نکرة لا یُعرف ، قال ابن حزم : إنّه مجهول ، وقال الذهبی : صحیح إنّه مجهول. راجع میزان الاعتدال (5) (3 / 31). 6.

ص: 167


1- مختصر تاریخ دمشق : 22 / 339.
2- لسان المیزان : 2 / 418 ، 5 / 229 [2 / 513 رقم 3249 وفیه : عن خازم بن جبلة ، عن أبیه ، عن جدّه أبی بصرة ، 5 / 259 رقم 7591 والسند فیه کما فی المتن]. (المؤلف)
3- میزان الاعتدال : 2 / 679 رقم 5314.
4- میزان الاعتدال : 3 / 606 رقم 7798.
5- میزان الاعتدال : ص 492 رقم 7276.

4 - محمد بن الولید. أحسبه ابن أبان القلانسی ، کذّاب کان یضع الحدیث ، ومن أباطیله ما مرّ فی هذا الجزء فی فضیلة أبی بکر.

5 - داود بن سلیمان. قال الذهبی : قال الأزدی : ضعیف جدّا. المیزان (1) (1 / 318).

6 - خازم بن جبلة هو ووالده وجدّه مجاهیل لا یعرفون.

36 - أخرج الأزدی ، عن محمد بن عمر الأنصاری ، عن کثیر النواء ، عن زکریا مولی طلحة ، عن حسن بن المعتمر ، قال : سُئل علیّ عن أبی بکر وعمر فقال : إنّهما من الوفد السابقین إلی الله مع محمد ، ولقد سألهما موسی من ربّه فأعطاهما محمداً (2).

قال الأمینی : قال الذهبی فی المیزان (3) (3 / 113) : خبر منکر : ضعّفه الأزدی ، أقول : فی الاسناد کثیر النواء ، قال أبو حاتم (4) : ضعیف الحدیث ، بابه سعد (5) بن طریف ، وقال الجوزجانی : زائغ. وقال النسائی (6) : ضعیف. وقال فی موضع آخر : فیه نظر. وقال ابن عدی (7) : کان غالیاً فی التشیّع مفرطاً فیه. وعن محمد بن بشر العبدی : لم یمت کثیر النواء حتی رجع عن التشیع (8). ف)

ص: 168


1- میزان الاعتدال : 2 / 8 رقم 2609.
2- لسان المیزان : 5 / 321 [5 / 363 رقم 7844]. (المؤلف)
3- میزان الاعتدال : 3 / 670 رقم 8005.
4- الجرح والتعدیل : 7 / 159 رقم 895.
5- سعد بن طریف مفرط فی التشیّع ، ضعیف الحدیث جدّا ، قال ابن حبّان [فی کتاب المجروحین : 1 / 357] : کان یضع الحدیث. راجع تهذیب التهذیب : 3 / 473 [3 / 411]. (المؤلف)
6- کتاب الضعفاء والمتروکین : ص 206 رقم 532.
7- الکامل فی ضعفاء الرجال : 6 / 66 رقم 1602.
8- میزان الاعتدال : 2 / 352 [3 / 402 رقم 6930] ، لسان المیزان : 5 / 321 [5 / 363 رقم 7844] ، تهذیب التهذیب : 8 / 411 [8 / 367]. (المؤلف)

وزکریا مولی طلحة وشیخه مجهولان لا یعرفان ، هذا ما فی الإسناد من العلل ولیس فی رجاله ثقة ولا واحد ، ومتن الروایة أقوی شاهد علی بطلانها.

37 - أخرج أحمد فی المسند (1) (1 / 193) بإسناده عن عبد الرحمن بن حمید ، عن أبیه ، عن عبد الرحمن بن عوف : أنّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم قال : أبو بکر فی الجنّة ، وعمر فی الجنّة ، وعلیّ فی الجنّة ، وعثمان فی الجنّة ، وطلحة فی الجنّة ، والزبیر فی الجنّة ، وعبد الرحمن بن عوف فی الجنّة ، وسعد بن أبی وقّاص فی الجنّة ، وسعید بن زید فی الجنّة ، وأبو عبیدة ابن الجرّاح فی الجنّة.

وبهذا الإسناد أخرجه الترمذی فی صحیحه (2) (13 / 182 ، 183) وعن عبد الرحمن بن حمید ، عن أبیه ، عن رسول الله نحوه. والبغوی فی المصابیح (3) (2 / 277)

وأخرج أبو داود فی سننه (4) (2 / 264) من طریق عبد الله بن ظالم المازنی ، قال : سمعت سعید بن زید بن عمرو قال : لمّا قدم فلان الکوفة أقام فلان خطیباً ، فأخذ بیدی سعید بن زید فقال : ألا تری إلی هذا الظالم؟ فأَشهدُ علی التسعة أنّهم فی الجنّة (فعدّهم) قلت : ومن العاشر؟ فتلکّأ هنیئة ثم قال : أنا.

وأخرج (5) من طریق عبد الرحمن الأُخینس (6) أنّه کان فی المسجد ، فذکر رجل علیّا علیه السلام فقام سعید بن زید ، فقال:أشهد علی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أنّی سمعته وهو یقول : س.

ص: 169


1- مسند أحمد : 1 / 316 ح 1678.
2- سنن الترمذی : 5 / 605 ح 3747 و 3748.
3- مصابیح السنّة : 4 / 179 ح 4786.
4- سنن أبی داود : 4 / 211 ح 4648.
5- سنن أبی داود : 4 / 211 ح 4649.
6- فی سنن أبی داود ، ومیزان الاعتدال : 2 / 546 رقم 4809 ، وتهذیب التهذیب : 6 / 121 : عبد الرحمن بن الأخنس.

عشرة فی الجنّة : النبیّ فی الجنّة ، وأبو بکر فی الجنّة ، وعمر فی الجنّة ، وعثمان فی الجنّة ، وعلیّ فی الجنّة ، وطلحة فی الجنّة ، والزبیر بن العوّام فی الجنّة ، وسعد بن مالک فی الجنّة ، وعبد الرحمن بن عوف فی الجنّة ، ولو شئت لسمّیت العاشر ، قال : فقالوا : من هو : فسکت ، قال : فقالوا : من هو؟ فقال : هو سعید بن زید. وبهذا الإسناد أخرجه الترمذی فی جامعه (1) (13 / 183 ، 186) ، وابن الدیبع فی تیسیر الوصول (2) (3 / 260) ، وذکره بالطریقین المحبّ الطبری فی الریاض النضرة (3) (1 / 20).

قال الأمینی : نحن لا نری فی هذه الروایة أهمیّة کبری تدعم للعشرة المبشّرة منقبة رابیة تخصّ بهم دون المؤمنین ، بعد ما جاء من البشائر الصادقة فی الکتاب العزیز لکلّ من آمن بالله وعمل صالحاً ، وأنّه فی الجنّة.

(وَبَشِّرِ الَّذِینَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِی مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) (4).

(إِنَّ اللهَ اشْتَری مِنَ الْمُؤْمِنِینَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ) (5).

(إِنَّ الَّذِینَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَخْبَتُوا إِلی رَبِّهِمْ أُولئِکَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ) (6).

(إِنَّ اللهَ یُدْخِلُ الَّذِینَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِی مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) (7).

(أَمَّا الَّذِینَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوی) (8). 9.

ص: 170


1- سنن الترمذی : 5 / 605 ح 3747 ، ص 609 ح 3757.
2- تیسیر الوصول : 3 / 303.
3- الریاض النضرة : 1 / 30.
4- البقرة : 25.
5- التوبة : 111.
6- هود : 23.
7- الحجّ : 14.
8- السجدة : 19.

(وَمَنْ یَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ مِنْ ذَکَرٍ أَوْ أُنْثی وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِکَ یَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ) (1).

(وَمَنْ یُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ یُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِی مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) (2).

(وَمَنْ یُؤْمِنْ بِاللهِ وَیَعْمَلْ صالِحاً یُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِی مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) (3).

(وَعَدَ اللهُ الْمُؤْمِنِینَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِی مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) (4).

وما أکثر من یدخل الجنّة من أُمّة محمد صلی الله علیه وآله وسلم ، وقد صحّ عن الصادع الکریم : «أنّ علیّا وشیعته هم فی الجنّة» ، وبشّر صلی الله علیه وآله وسلم بذلک علیّا علیه السلام (5) وصحّ عنه صلی الله علیه وآله وسلم قوله : «أتانی جبریل فقال : بشّر أُمّتک أنّه من مات لا یشرک بالله شیئاً دخل الجنّة ، قلت : یا جبریل وإن سرق وإن زنی؟ قال : نعم. قلت : وإن سرق وإن زنی؟ قال : نعم. قلت : وإن سرق وإن زنی؟ قال : نعم وإن شرب الخمر» (6).

وصحّ عنه صلی الله علیه وآله وسلم : «ابشروا وبشّروا من وراءکم : أنّه من شهد أن لا إله إلاّ الله صادقاً بها دخل الجنّة» (7).

وصحّ عنه صلی الله علیه وآله وسلم : «والذی نفسی بیده ، لتدخلنّ الجنّة کلّکم إلاّ من أبی أو شرد علی الله شراد البعیر». قیل : یا رسول الله ومن أبی أن یدخل الجنّة؟ فقال : «من ف)

ص: 171


1- النساء : 124.
2- الفتح : 17.
3- الطلاق : 11.
4- التوبة : 72.
5- الغدیر : 3 / 78 ، 79. (المؤلف)
6- أخرجه : أحمد [فی مسنده : 6 / 209 ح 20955 و 203 ح 20923] ، والترمذی ، [فی سننه : 5 / 27 ح 2644] ، والنسائی [فی عمل الیوم واللیلة : ص 319 ح 1128] ، وابن حبّان [فی الإحسان فی تقریب صحیح ابن حیّان : 1 / 446 ح 213] ، عن أبی ذر. (المؤلف)
7- أخرجه أحمد [5 / 548 ح 19100] والطبرانی من طریق أبی موسی الأشعری. (المؤلف)

أطاعنی دخل الجنّة ومن عصانی دخل النار» (1).

وصحّ عن جابر أنّه سمع النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم یقول : «إنّی لأرجو أن یکون من تبعنی من أُمّتی ربع أهل الجنّة» قال : فکبّرنا ثم قال : «أرجو أن یکونوا ثلث الناس». قال : فکبّرنا ثم قال : : «أرجو أن یکونوا الشطر» (2).

وصحّ عنه صلی الله علیه وآله وسلم : «إنّ ربّی وعدنی أن یُدخل الجنّة من أُمّتی سبعین ألفاً بغیر حساب ، ثم یشفع کلّ ألف لسبعین ألفاً» (3) إلی صحاح کثیرة لدة هذه.

فهؤلاءالعشرة المبشّرة إن کانوا مؤمنین حقّا آخذین بحجزة الکتاب والسنّة فهم من آحاد أهل الجنّة لا محالة کبقیّة من أسلم وجهه لله وهو محسن.

وهنالک أُناس من الصحابة غیر هؤلاء العشرة خصّوا بالبشارة بالجنّة وبشّروا بلسان النبیّ الأقدس صلی الله علیه وآله وسلم ، منهم عمّار بن یاسر ، وقد جاء عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم عن جبرئیل علیه السلام قوله : «بشّره بالجنّة حُرّمت النار علی عمّار». وقال صلی الله علیه وآله وسلم : «دم عمّار ولحمه حرام علی النار تأکله أو تمسّه» (4).

وصحّ عنه صلی الله علیه وآله وسلم قوله : «ابشروا آل یاسر موعدکم الجنّة» وصحّ عنه صلی الله علیه وآله وسلم : «إنّ الجنّة تشتاق إلی أربعة : علی بن أبی طالب ، وعمّار بن یاسر ، وسلمان الفارسی ، والمقداد». وفی روایة : «اشتاقت الجنّة إلی ثلاثة إلی علیّ ، وعمّار ، وبلال». 2.

ص: 172


1- أخرجه الطبرانی [فی المعجم الأوسط : 1 / 449 ح 812] ورجاله رجال الصحیح کما فی مجمع الزوائد : 10 / 70. (المؤلف)
2- أخرجه أحمد [فی مسنده : 4 / 308 ح 14314] والبزّار والطبرانی [فی المعجم الکبیر : 10 / 5 ح 9765] ورجال البزّار رجال الصحیح وکذلک أحد إسنادی أحمد. مجمع الزوائد : 1 / 402 - 403. (المؤلف)
3- راجع مجمع الزوائد : 10 / 405 - 411. (المؤلف)
4- المستطرف للأبشیهی : 1 / 137 ، تاریخ مدینة دمشق : 12 / 626 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 18 / 215 کنز العمّال : 11 / 721 ح 33521 و 12 / 539 ح 37412.

الغدیر (ج 9) (1).

وجاء فی زید بن صوحان عدّة أحادیث فی أنّه من أهل الجنّة. الغدیر (9 / 41) وصحّ من طریق مسلم فی عبد الله بن سلام أنّه من أهل الجنّة.

صحیح مسلم (2) (7 / 160).

وقال صلی الله علیه وآله وسلم لعلیّ : «کأنّی بک وأنت علی حوضی تذود عنه الناس ، وأنّ علیه لأباریق مثل عدد نجوم السماء ، وأنّی وأنت ، والحسن ، والحسین ، وفاطمة ، وعقیلاً ، وجعفراً ، فی الجنّة إخواناً علی سُرر متقابلین ، أنت معی وشیعتک فی الجنّة» (3). مجمع الزوائد (9 / 173).

وقال صلی الله علیه وآله وسلم لعلیّ : «أنا أوّل أربعة یدخلون الجنة : أنا ، وأنت ، والحسن ، والحسین وذرارینا خلف ظهورنا وأزواجنا خلف ذرارینا ، وشیعتنا عن أیماننا وعن شمائلنا» (4). (9 / 174).

وصحّ عنه صلی الله علیه وآله وسلم : «الحسن والحسین سیّدا شباب أهل الجنّة» (5). متّفق علی صحّته.

وجاء عنه صلی الله علیه وآله وسلم : «الحسن والحسین جدّهما فی الجنّة ، وأبوهما فی الجنّة ، وأمّهما فی الجنّة ، وعمّهما فی الجنّة ، وعمّتهما فی الجنّة ، وخالاتهما فی الجنّة ، وهما فی الجنّة ، ومن أحبّهما فی الجنّة». أخرجه الطبرانی فی الکبیر والأوسط (6). 8.

ص: 173


1- راجع الجزء التاسع : ص 20 و 26 و 28.
2- صحیح مسلم : 5 / 83 ح 147 و 148 کتاب فضائل الصحابة.
3- المعجم الاوسط للطبرانی : 8 / 330 ح 7671.
4- أورده الطبرانی فی المعجم الکبیر : 3 / 41 ح 2624.
5- الصواعق المحرقة : 191.
6- المعجم الکبیر : 3 / 35 - 40 ح 2598 - 2618 ، وص 66 ح 2681 ، المعجم الأوسط : 1 / 238 ح 368.

وصحّ عنه صلی الله علیه وآله وسلم : «أنّ جعفر بن أبی طالب فی الجنّة له جناحان یطیر بهما حیث شاء» (1).

مجمع الزوائد (9 / 272).

وصحّ عنه صلی الله علیه وآله وسلم فی عمرو بن ثابت الأصیرم : «إنّه لمن أهل الجنّة».

المجمع (9 / 363).

وروی عنه من قوله لعبد الله بن مسعود : «أبشر بالجنّة». أخرجه الطبرانی فی الأوسط والکبیر (2).

وقال صلی الله علیه وآله وسلم : «أنا سابق العرب إلی الجنّة ، وصهیب سابق الروم إلی الجنّة ، وبلال سابق الحبشة إلی الجنّة ، وسلمان سابق الفرس إلی الجنّة». أخرجه الطبرانی (3) ، وحسّنه الهیثمی (4).

وبشّر صلی الله علیه وآله وسلم عمرو بن الجموح أنّه یمشی برجلیه صحیحة فی الجنّة ، وکانت رجله عرجاء. أخرجه أحمد (5) ورجاله ثقات.

وبشّر صلی الله علیه وآله وسلم ثابت بن قیس بأنّه یعیش حمیداً ، ویقتل شهیداً ، ویدخله الله الجنّة.

المجمع (9 / 322).

فما هذا المکاء والتصدیة ، والتصعید والتصویب حول روایة العشرة المبشّرة ، 7.

ص: 174


1- المعجم الأوسط : 7 / 473 ح 6932.
2- المعجم الکبیر : 10 / 166 ح 10341.
3- المعجم الکبیر : 8 / 111 ح 7526.
4- مجمع الزوائد : 9 / 305.
5- مسند أحمد : 6 / 406 ح 22047.

وجعلها عنوان کلّ کرامة لأُولئک الرجال ، واختصاصها بالعنایة وإلحاقها بأسماء العشرة عند ذکرهم ، وقصر البشارة بالجنّة علی ذلک الرهط فحسب ، والصفح عمّا ثبت فی غیرهم من (الَّذِینَ آمَنُوا وَکانُوا یَتَّقُونَ* لَهُمُ الْبُشْری فِی الْحَیاةِ الدُّنْیا وَفِی الْآخِرَةِ لا تَبْدِیلَ لِکَلِماتِ اللهِ ذلِکَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِیمُ) (1)؟! فلما ذا حصر التبشیر بالعشرة؟ وعدّ القول به من الاعتقاد اللازم کما ذکره أحمد - إمام الحنابلة - فی کتاب له إلی مسدّد ابن مسرهد ، قال : وأن نشهد للعشرة أنّهم فی الجنّة : أبو بکر ، وعمر ، وعثمان ، وعلیّ ، وطلحة ، والزبیر ، وسعد ، وسعید ، وعبد الرحمن ، وأبو عبیدة ، فمن شهد له النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم بالجنّة شهدنا له بالجنّة ، ولا تتأتّی أن تقول : فلان فی الجنّة وفلان فی النار إلاّ العشرة الذین شهد لهم النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم بالجنّة. جلاء العینین (ص 118) لما ذا هذه کلّها؟ لعلّک تدری لما ذا ، ونحن لا یفوتنا عرفان ذلک.

ولنا حقّ النظر فی الروایة من ناحیتی الإسناد والمتن.

أمّا الإسناد فإنّه کما تری ینتهی إلی عبد الرحمن بن عوف وسعید بن زید ولا یرویها غیرهما ، وطریق عبد الرحمن ینحصر بعبد الرحمن بن حمید بن عبد الرحمن الزهری ، عن أبیه ، عن عبد الرحمن بن عوف تارة ، وعن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أخری ، وهذا إسناد باطل لا یتمّ نظراً إلی [سنة] وفاة حمید بن عبد الرحمن ، فإنّه لم یکن صحابیّا وإنّما هو تابعیّ لم یدرک عبد الرحمن بن عوف ، لأنّه توفیّ سنة (105) (2) عن (73) عاماً ، فهو ولید سنة (32) عام وفاة عبد الرحمن بن عوف أو بعده بسنة ، ولذلک یری ابن حجر روایة حمید عن عمر وعثمان منقطعة قطعاً (3) ، وعثمان قد توفّی بعد عبد الرحمن بن عوف. فالإسناد هذا لا یصحّ. ف)

ص: 175


1- یونس : 63 ، 64.
2- کما اختاره أحمد ، والفلاّس ، والحربی ، وابن أبی عاصم ، وابن خیّاط [فی الطبقات : ص 422 رقم 2075] ، وابن سفیان ، وابن معین. (المؤلف)
3- تهذیب التهذیب : 3 / 46 [3 / 40]. (المؤلف)

فیبقی طریق الروایة قصراً علی سعید بن زید الذی عدّ نفسه من العشرة المبشّرة ، وقد رواها فی الکوفة أیّام معاویة کما مرّ النصّ علی ذلک فی صدر الحدیث ، ولم تُسمع هی منه إلی ذلک الدور المفعم بالهنابث ولا رویت عنه قبل ذلک ، فهلاّ مسائل هذا الصحابیّ عن سرّ إرجاء روایته هذه إلی عصر معاویة ، وعدم ذکره إیّاها فی تلکم السنین المتطاولة عهد الخلفاء الراشدین ، وکانوا هم وبقیّة الصحابة فی أشدّ الحاجة إلی مثل هذه الروایة لتدعیم الحجّة ، وحقن الدماء ، وحفظ الحرمات فی تلکم الأیّام الخالیة المظلمة بالشقاق والخلاف ، فکأنّها أوحیت إلی سعید بن زید فحسب یوم تسنّم معاویة عرش الملک العضوض.

وفی ظنّی الأکبر أنّ سعید بن زید لمّا کان لا یتحمّل من مناوئی علیّ أمیر 10 / 123 المؤمنین علیه السلام الوقیعة فیه والتحامل علیه ، ویجابه بذلک من کان ولاّه معاویة علی الکوفة ، وکان قد تقاعس عن بیعة یزید عندما استخلفه أبوه ، وأجاب مروان فی ذلک بکلمة قارصة (1) أخذته الخیفة علی نفسه من بوادر معاویة فاتّخذ باختلاقه هذه الروایة ترساً یقیه عن الاتّهام بحبّ علیّ علیه السلام ، وکان المتّهم بتلک النزعة یوم ذاک یعاقب بألوان العذاب ، ویسجن ویُنکّل به ویُقتّل تقتیلا ، فأرضی خلیفة الوقت بإتحاف الجنّة لمخالفی علی علیه السلام والمتقاعسین عن بیعته والخارجین علیه ، وجعل رؤساءهم فی صفّ واحد لا یشارکهم غیرهم ، کأنّ الجنّة خلقت لهم فحسب ، ولم یذکر معهم أحداً من موالی علیّ وشیعته ، وفیهم من فیهم من سادات أهل الجنّة : کسلمان ، وأبی ذر ، وعمّار ، والمقداد ، فنال بذلک رضی الخلیفة ، وکان یُعطی لکلّ باطل مزیّف قناطیر مقنطرة من الذهب والفضّة.

ولولا الصارم المسلول فی البین وکان هو الحاکم الفصل یوم ذاک ، لما کان یخفی علی أیّ سعید وشقی أنّ متن الروایة یأبی عن قبولها ، وأنّ علیّا قطّ لا یجتمع ف)

ص: 176


1- تاریخ ابن عساکر : 6 / 128 [21 / 88 رقم 2477 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 9 / 298]. (المؤلف)

فی الجنّة مع من خالفه وناوأه وآذاه والضدّان لا یجتمعان ، وسیرة علیٍّ علیه السلام غیر سیرة أولئک الرهط ، وقد تنازل عن الخلافة یوم الشوری حذراً عن اتّباع سیرة الشیخین لمّا اشترط علیه فی البیعة وأنکره بملء فمه ، وبعدهما وقع ما وقع بینه وبین عثمان ، وما ساءه قتله ولم یشهد بأنّه قتل مظلوماً ، وصحّت عنه خطبته الشقشقیّة ، ونادی فی الملأ : «ألا إنّ کلّ قطیعة أقطعها عثمان ، وکلّ مال أعطاه من مال الله ، فهو مردود فی بیت المال» (1). وبعده حاربه الناکثان وقاتلاه وقُتِلا دون مناوأته ، فکیف تجمعهم وعلیّا الجنّة؟ أنا لا أدری (أَیَطْمَعُ کُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ یُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِیمٍ* کَلاَّ) (2).

نظرة فی المتن :

ولنا فی متن الروایة نظرات وتأمّلات تزحزحنا عن الإخبات إلی صحّتها.

هل عبد الرحمن بن عوف المعزوّ إلیه الروایة وهو أحد العشرة المبشّرة ، کان یعتقد بها ویصدّقها ، ومع ذلک سلّ سیفه علی علیّ یوم الشوری قائلاً : بایع وإلاّ تُقتل. وقال لعلیّ علیه السلام بعد ما تمخّضت البلاد علی عثمان : إذا شئت فخذ سیفک وآخذ سیفی ، إنّه قد خالف ما أعطانی. وآلی علی نفسه أن لا یکلّم عثمان فی حیاته أبداً. واستعاذ بالله من بیعته. وأوصی أن لا یصلّی علیه عثمان. ومات وهو مهاجر إیّاه. وکان عثمان یقذفه بالنفاق ویعدّه منافقاً (3) فهل تتلاءم هذه کلّها مع صحّة تلک الروایة وإذعان الرجلین بها؟

وهل أبو بکر وعمر المبشّران بالجنّة هما اللذان ماتت الصدّیقة بضعة المصطفی صلی الله علیه وآله وسلم وهی وجدی علیهما؟ وهل هما اللذان قالت لهما : «إنّی أُشهد الله وملائکته أنّکما أسخطتمانی وما أرضیتمانی ، ولئن لقیت النبیّ لأشکونّکما إلیه»؟ وهل ف)

ص: 177


1- راجع الجزء الثامن والتاسع من الغدیر ففیهما تفصیل ما أوعزنا إلیه هاهنا. (المؤلف)
2- المعارج : 38 و 39.
3- راجع الجزء التاسع : ص 87 الطبعة الأولی وص 90 الطبعة الثانیة. (المؤلف)

هما اللذان تقول أمّ السبطین فیهما ، شاکیة نادبة ، باکیة بأعلی صوتها : «یا أبت یا رسول الله ما ذا لقینا بعدک من ابن الخطّاب وابن أبی قحافة»؟ وهل هما اللذان نهبا تراث العترة ، وحقّ فیهما قول أمیر المؤمنین علیه السلام : «صبرت وفی العین قذی وفی الحلق شجی ، أری تراثی نهبا»؟ وهل أبو بکر هو الذی أوصت فاطمة - سلام الله علیها - أن لا یصلّی علیها ، وأن لا یحضر جنازتها ، فلم یحضرها هو وصاحبه؟ وهل هو الذی قالت له کریمة النبیّ الأقدس ، الطاهرة المطهّرة : «لأدعونّ علیک فی کلّ صلاة أصلّیها»؟ وهل هو الذی کشف عن بیت فاطمة وآذی رسول الله فیها (1) (وَالَّذِینَ یُؤْذُونَ رَسُولَ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِیمٌ) (2) وهل وهل إلی أن ینقطع النفس.

وهل کان عمر یصدّق هذه الروایة وکان عنده إلمام بها وهو یناشد مع ذلک حذیفة الیمانی العالم بأسماء المنافقین ویسأله عن أنّه هل هو منهم؟ وهل سمّاه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی زمرتهم (3)؟

وهلاّ کان علی یقین من هذه البشارة یوم نهی عن التکنّی بأبی عیسی أیّام خلافته وقال له المغیرة : إنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم کنّاه بها فقال : إنّ النبیّ غُفِر له وإنّا لا ندری ما یُفعل بنا وغیّر کنیته وکنّاه أبا عبد الله (4)؟ فکیف کان لم یدر ما یُفعل به بعد تلکم البشارة إن صدقت؟

وهلاّ کان هو الذی قاد علیّا کالجمل المخشوش إلی بیعة أبی بکر ، وهو یقول : بایع وإلاّ تُقتل؟ وهلاّ کان هو الذی أنکر أخوّة علیّ مع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یوم ذاک ، وهی ثابتة له بالسنّة الصحیحة المتسالم علیها؟ کما أنّه أنکر من السنّة شیئاً کثیراً نبا عن الحصر. ف)

ص: 178


1- مرّ تفصیل هذه کلها فی الجزء السابع. (المؤلف)
2- التوبة : 61.
3- الغدیر : 6 / 241. (المؤلف)
4- راجع الغدیر : 6 / 308. (المؤلف)

وهلاّ کان هو الذی أوصی بقتل من خالف البیعة یوم الشوری؟ وهو جدّ علیم بأنّ المخالف الوحید لذلک الانتخاب المزیّف هو علیّ أمیر المؤمنین - دع هذا - أو أحد غیره من العشرة المبشّرة؟ (وَمَنْ یَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِیها وَغَضِبَ اللهُ عَلَیْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِیماً) (1).

وهل کان عثمان یخبت إلی صحّة هذه الروایة ویذعن بها ، وهو یقول بعد للمغیرة بن شعبة لمّا کلّفه أن یغادر المدینة إلی مکة حینما حوصر بها : سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول : «یلحد بمکة رجل من قریش علیه نصف عذاب هذه الأُمّة» ، فلن أکون ذلک الرجل (2)؟ وکیف کان لم یر علیّا أفضل من مروان؟ ومروان ملعون بلسان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وعلیّ علیه السلام هو المبشّر بالجنّة : (لا یَسْتَوِی أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفائِزُونَ) (3).

وهل طلحة والزبیر هما اللذان قتلا عثمان وألّبا علیه وکانا کما قال أمیر المؤمنین علیه السلام : «أهون سیرهما فیه الوجیف ، وأرفق حدائهما العنیف ، فأجلبا علیه وضیّقا خناقه ، وهما یریدان الأمر لأنفسهما ، وکانا أوّل من طعن وآخر من أمر ، حتی أراقا دمه» (4)

وهل هما اللذان عرّفهما الإمام مولانا أمیر المؤمنین علیه السلام بقوله : «کلّ منهما یرجو الأمر له ویعطف علیه دون صاحبه ، لا یمتّان إلی الله بحبل ، ولا یمدّان إلیه بسبب ، کلّ واحد منهما حامل ضبّ لصاحبه ، وعمّا قلیل یکشف قناعه به»؟ إلی آخر ما مرّ فی هذا الجزء (ص 58). ف)

ص: 179


1- النساء : 93.
2- راجع الغدیر : 9 / 152 ، 153. (المؤلف)
3- الحشر : 20.
4- راجع الغدیر : 9 / 103 - 110. (المؤلف)

وهل هما اللذان خرجا علی إمام الوقت المفروضة علیهما طاعته ، ونکثا بیعته ، وأسعرا علیه نار البغی ، وقاتلاه وقُتلا وهما أبین مصداق لقول رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «من مات ولم یعرف إمام زمانه مات میتة جاهلیّة» (1).

وهل هما اللذان قادا جیوش النکث علی قتال سیّد العترة ، وأخرجا حبیسة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم من عقر دارها ، وترأّسا الناکثین الذین حثّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم علیّا والعدول من صحابته علی قتالهم ، وحضّهم علی منابذتهم؟ أفمن آذن نبیّ العظمة بحربه وقتاله ورآه من واجب الإسلام یعدّه صلی الله علیه وآله وسلم بَعْدُ من أهل الجنّة؟ (إِنَّما جَزاءُ الَّذِینَ یُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَیَسْعَوْنَ فِی الْأَرْضِ فَساداً أَنْ یُقَتَّلُوا أَوْ یُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَیْدِیهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ یُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذلِکَ لَهُمْ خِزْیٌ فِی الدُّنْیا وَلَهُمْ فِی الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِیمٌ) (2)

وهل الزبیر هذا هو الذی صحّ عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قوله له : «تحارب علیّا وأنت ظالم» (3)؟ فهل المحارب علیّا وهو ظالم إیّاه مثواه الجنّة؟ ورسول الله یقول : «أنا حرب لمن حاربه ، وسلم لمن سالمه» کما جاء فی الصحیح الثابت : (فَما جَزاءُ مَنْ یَفْعَلُ ذلِکَ مِنْکُمْ إِلاَّ خِزْیٌ فِی الْحَیاةِ الدُّنْیا وَیَوْمَ الْقِیامَةِ یُرَدُّونَ إِلی أَشَدِّ الْعَذابِ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) (4).

وهل الزبیر هو الذی قال فیه عمر : من یعذرنی من أصحاب محمد لو لا أنّی أمسک بفم هذا الشغب لأهلک أُمّة محمد صلی الله علیه وآله وسلم (5). ف)

ص: 180


1- شرح المقاصد : 5 / 239.
2- المائدة : 33.
3- راجع الغدیر : 3 / 271 من طبعتنا هذه ، ففیه : إنک تقاتل علیّا وأنت ظالم له.
4- البقرة : 85.
5- راجع الغدیر : 9 / 269. (المؤلف)

وقال له عمر یوم طعن : أمّا أنت یا زبیر فَوَعِق لقس (1) مؤمن الرضا ، کافر الغضب ، یوماً إنسان ، ویوماً شیطان ، ولعلّها لو أفضت إلیک ظلت یومک تلاطم بالبطحاء علی مدّ من شعیر ، أفرأیت إن أفضت إلیک فلیت شعری من یکون للناس یوم تکون شیطاناً؟ ومن یکون یوم تغضب؟ وما کان الله لیجمع لک أمر هذه الأمّة وأنت علی هذه الصفة (2).

وقال له أیضاً : أمّا أنت یا زبیر فو الله مالان قلبک یوماً ولا لیلة ، وما زلت جلْفاً جافیاً (3).

وهل طلحة هذا هو الذی قتل عثمان ، وحال بینه وبین الماء ، ومنعه عن أن یُدفن فی جبانة المسلمین ، وقتله مروان أخذاً بثار عثمان ، وهما بعد من العشرة المبشّرة؟ غفرانک اللهمّ وإلیک المصیر.

وهل طلحة هذا هو الذی أقام علیّ أمیر المؤمنین علیه السلام علیه الحجّة یوم الجمل باستنشاده إیّاه حدیث الولایة «من کنت مولاه فعلیّ مولاه» فاعتذر بما اعتذر من نسیانه الحدیث ، لکنّه لم یرتدع بعد عن غیّه بمناصرة أمیر المؤمنین مع بیعته إیّاه ، ولا فوّض الحقّ إلی أهله حتی أتی علیه سهم مروان فجرّعه منیّته ، وهو الخارج علی إمام وقته! أفهل تری الإمام والخارج علیه کلاّ منهما فی الجنّة؟

وهل طلحة هذا هو الذی نزل فیه قوله تعالی : (وَما کانَ لَکُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ وَلا أَنْ تَنْکِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذلِکُمْ کانَ عِنْدَ اللهِ عَظِیماً) الأحزاب : 53.

نزلت الآیة الشریفة لمّا قال طلحة : أیحجبنا محمد عن بنات عمّنا ویتزوّج ف)

ص: 181


1- الوعِق : سیّیء الخُلُق. اللقِس : شره النفس ، الحریص علی کلّ شیء.
2- شرح ابن أبی الحدید : 1 / 62 [1 / 185 خطبة 3]. (المؤلف)
3- شرح ابن أبی الحدید : 3 / 170 [12 / 259 خطبة 223]. (المؤلف)

نساءنا من بعدنا؟ فإن حدث به حدث لنزّوّجن (1) نساءه من بعده. وقال : إن مات رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لتزوّجت عائشة وهی بنت عمّی ، فبلغ ذلک رسول الله فتأذّی به فنزلت.

أقبل علیه عمر یوم طعن وقال له : أقول أم أسکت؟ قال : قل فإنّک لا تقول من الخیر شیئاً. قال : أما إنّی أعرفک منذ أصیبت إصبعک یوم أُحد والبا بالذی (2) حدث لک ، ولقد مات رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ساخطاً علیک بالکلمة التی قلتها یوم نزلت آیة الحجاب.

قال أبو عثمان الجاحظ : إنّ طلحة لمّا أُنزلت آیة الحجاب ، قال بمحضر ممّن نقل عنه إلی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : ما الذی یغنیه حجابهنّ الیوم ، فسیموت غداً فننکحهنّ!! قال أبو عثمان : لو قال لعمر قائل : أنت قلت : إنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم مات وهو راضٍ عن الستّة ، فکیف تقول الآن لطلحة : إنّه مات علیه السلام ساخطاً علیک للکلمة التی قلتها لکان قد رماه بمشاقصه ، ولکن من الذی کان یجسر علی عمر أن یقول له ما دون هذا ، فکیف هذا (3)؟

راجع (4) : تفسیر القرطبی (14 / 228) ، فتح القدیر (4 / 290) ، تفسیر ابن کثیر (3 / 506) ، تفسیر البغوی (5 / 225) ، تفسیر الخازن (5 / 225) ، تفسیر الآلوسی (22 / 74).

وهل سعد بن أبی وقّاص أحد العشرة المبشّرة کان مذعناً بالروایة وصدقها ، 6.

ص: 182


1- فی فتح القدیر ، وتفسیر الألوسی ، والجامع لأحکام القرآن : لنتزوّجنّ.
2- کذا فی الطبعة المعتمدة لدی المؤلف ، وفی الطبعة المعتمدة لدینا : والَبأو الذی. ومعنی البأو الکبر والفخر.
3- شرح ابن أبی الحدید : 1 / 62 ، 3 / 170 [1 / 186 خطبة 3 ، 12 / 259 خطبة 223]. (المؤلف)
4- الجامع لأحکام القرآن : 14 / 147 ، فتح القدیر : 4 / 299 ، تفسیر البغوی : 3 / 541 ، تفسیر الخازن : 3 / 476.

وهو القائل لمّا سُئل عن عثمان ، ومن قتله ، ومن تولّی کبره : إنّی أخبرک أنّه قُتل بسیف سلّته عائشة ، وصقله طلحة وسمّه ابن أبی طالب ، وسکت الزبیر وأشار بیده ، وأمسکنا نحن ولو شئنا دفعناه عنه؟ فهل هذه کلّها تجتمع مع التصدیق بتلک الروایة؟ سبحان الذی جمع فی جنّته الظالم والمظلوم ، والقاتل والمقتول ، والخلیفة والخارجین علیه ، إن هی إلاّ اختلاق.

وهل تُصدّق فی سعد هذه الروایة وهو المتخلّف عن بیعة إمام وقته ، والمتقاعس عن نصرته بعد ما تمّت بیعته ، وأجمعت علیها الأُمّة ، وأصفق علیها البدریّون والمهاجرون والأنصار ، وحقّت کلمة العذاب علی من نزعها من ربقته؟ أفهل نزل فی سعد کتاب من الله أخرجه عن محکمات الإسلام وبشّر له بالجنّة؟

وهل یتراءی لک من ثنایا التاریخ وراء صحائف أعمال أبی عبیدة بن الجرّاح - حفّار القبور بالمدینة - ما یؤهّله لهذه البشارة؟ ویدعم له ما یستحقّ به للذکر من الفضیلة غیر ما قام به یوم السقیفة من دحضه ولایة الله الکبری ، وترکاضه وراء الانتخاب الدستوری ، واقتحامه فی تلکم البوائق التی عمّ شؤمها الإسلام ، وهدّت قوائم الوئام والسلام ، وجرّت الویلات علی أُمّة محمد صلی الله علیه وآله وسلم حتی الیوم ، وهتکت حرمة المصطفی فی ظلم ابنته بضعة لحمه وفلذة کبده ، واضطهاد خلیفته ، واهتضام أخیه علم الهدی؟ فکأنّها کانت کلّها قربات فأوجبت لابن الجرّاح الجنّة (أَمْ حَسِبَ الَّذِینَ اجْتَرَحُوا السَّیِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ کَالَّذِینَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَواءً مَحْیاهُمْ وَمَماتُهُمْ ساءَ ما یَحْکُمُونَ) (1).

نبأ یصکّ المسامع :

وجاء بعد لأی من عمر الدهر من لم یر فی الروایة فضیلة رابیة تخصّ العشرة ، 1.

ص: 183


1- الجاثیة : 21.

نظراً إلی أنّ البشارة بالجنّة کما سمعت تعمّ المؤمنین جمعاء ولا تنحصر بقوم منهم دون آخرین ، ووجد فیها مع ذلک نقصاً من ناحیة خلوّها عن ذکر عائشة أمّ المؤمنین ، فصبّها فی قالب یروقه ، وصوّر لها صورة مکبّرة تخصّ بأُولئک العشرة ولا یشارکهم فیها أحد ، وأسند إلی أبی ذر الغفاری أنّه قال : دخل رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم منزل عائشة فقال : یا عائشة : ألا أُبشّرک؟ قالت : بلی یا رسول الله ، قال : أبوک فی الجنّة ورفیقه إبراهیم ، وعمر فی الجنّة ورفیقه نوح ، وعثمان فی الجنّة ورفیقه أنا ، وعلیّ فی الجنّة ورفیقه یحیی بن زکریّا ، وطلحة فی الجنّة ورفیقه داود ، والزبیر فی الجنّة ورفیقه إسماعیل ، وسعد بن أبی وقّاص فی الجنّة ورفیقه سلیمان بن داود ، وسعید بن زید فی الجنّة ورفیقه موسی بن عمران ، وعبد الرحمن بن عوف فی الجنّة ورفیقه عیسی بن مریم ، وأبو عبیدة بن الجراح فی الجنّة ورفیقه إدریس علیه السلام. ثم قال : یا عائشة أنا سیّد المرسلین ، وأبوک أفضل الصدّیقین ، وأنت أُمّ المؤمنین (1).

لیت لهذه الروایة إسناداً معنعناً حتی نعرف واضعها ومختلقها علی النبیّ الأقدس ، ولیت مفتعلها یدری بأنّ الرفاقة بین اثنین تستدعی مشاکلتهما فی الخصال ، وتقتضیها الوحدة الجامعة من النفسیّات والملکات ، فهل یسع لأیّ إنسان أن یقارن بین أُولئک الأنبیاء المعصومین وبین تسعة رهط کانوا فی المدینة فی شیء ممّا یوجب الرفاقة؟ وهل لبشر أن یفهم سرّ هذا التقسیم فی کلّ نبیّ معصوم مع رفیقه الذی لا عصمة له؟ ولعمر الحقّ إنّ هذا الانتخاب والاختیار فی الرفاقة یضاهی الانتخاب فی أصل الخلافة الذی کان لا عن جدارة وتأمّل. ما عشت أراک الدهر عجباً!

لما ذا لم یکن عبد الله بن مسعود الذی صحّ عند القوم فی الثناء علیه : أنّه کان أشبه الناس هدیاً ، ودلاّ ،وسمتاً بمحمد صلی الله علیه وآله وسلم (2) رفیق رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ویرافقه عثمان؟ ف)

ص: 184


1- الریاض النضرة : 1 / 20 [1 / 31] وقال : أخرجه الملاّ فی سیرته [ج 5 / ق 2 / 196]. (المؤلف)
2- راجع الغدیر : 9 / 9 الطبعة الأولی [ص 20 من هذه الطبعة]. (المؤلف)

ولما ذا لم یرافق عیسی بن مریم أبو ذر الثابت فیه : أنّه أشبه الناس بعیسی بن مریم هدیاً ، وبرّا ، وزهداً ، ونسکاً ، وصدقاً ، وجدّا ، وخلقا ، وخُلقاً ، (1) ویرافقه عبد الرحمن بن عوف؟

ولما ذا رافق رسول صلی الله علیه وآله وسلم عثمان بن عفّان ولا مشاکلة بینهما خلقاً ، وخُلقاً ، وأصلا ، ومحتداً ، وسیرةً ، وسریرة ، ولم یتّخذ صلی الله علیه وآله وسلم جعفر بن أبی طالب رفیقاً له ، وقد جاء عنه قوله له : «یا حبیبی ، أشبه الناس بخلقی وخلقی ، وخلقت من الطینة التی خلقت منها» ، وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «أمّا أنت یا جعفر فأشبه خلقک خلقی ، وأشبه خُلقک خُلقی ، وأنت منّی وشجرتی» (2)؟

ولما ذا اختار رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لرفاقته عثمان ولم یرافق أبا بکر ، وقد صحّ عنه صلی الله علیه وآله وسلم عند القوم : لو کنت متّخذاً خلیلاً لاتّخذت أبا بکر. وجاء عنه صلی الله علیه وآله وسلم - فی مکذوبة - أنّه کان یدعو ویقول : اللهمّ إنّک جعلت أبا بکر رفیقی فی الغار ، فاجعله رفیقی فی الجنّة (3).

ولما ذا لم یکن عثمان رفیق إبراهیم ، وقد جاء فی مناقبه - المکذوبة - أنّه شبیه إبراهیم. کما مرّ فی (9 / 350).

ولما ذا لم یکن عمر رفیق موسی ، وعثمان رفیق هارون ، وعلیّ بن أبی طالب رفیق رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أخذاً بما مرّ من مکذوبة أنس مرفوعاً : ما من نبیّ إلاّ وله نظیر فی أُمّتی ، فأبو بکر نظیر إبراهیم ، وعمر نظیر موسی ، وعثمان نظیر هارون ، وعلیّ بن أبی طالب نظیری (4)؟ ف)

ص: 185


1- الغدیر : 8 / 329 ، 321 الطبعة الأولی [ص 439 ، 440 من هذه الطبعة]. (المؤلف)
2- مجمع الزوائد : 9 / 272 ، 275. (المؤلف)
3- الغدیر : 9 / 294 الطبعة الأولی [ص 401 من هذه الطبعة]. (المؤلف)
4- راجع ما مرّ فی هذا الجزء : ص 75. (المؤلف)

نعم ؛ عزب عن مفتعل الروایة ما جاء عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم من قوله : «یا علیّ أنت أخی ، وصاحبی ، ورفیقی ، فی الجنّة» ، وهذه الرفاقة والصحبة والأُخوّة تقتضیها البرهنة الصادقة ، وتعاضدها المجانسة بین نبیّ العظمة وصنوه الطاهر فی کلّ خَلّة ومأثرة ، وهی التی جمعتهما فی آیة التطهیر ، وجعلتهما نفساً واحدة فی الذکر الحکیم ، وقارنت بین ولایتیهما فی محکم القرآن ، وکلّ تلکم الموضوعات نعرات الإحن ، ونفثات الأضغان ، اختلقت تجاه هذه المرفوعة فی فضل مولانا سیّد العترة أمیر المؤمنین علیه السلام.

وهلمّ معی نسائل أبا ذر المنتهی إلیه إسناد الروایة وعائشة المخاطبة بها ، هل کانا علی ثقة وتصدیق بها ، وأنّها صدرت من مصدر الوحی الإلهی الذی لا ینطق عن الهوی أم لا؟ ولئن سألتهما فعلی الخبیرین سقطت ، وأبو ذر هو الذی ما أظلّت الخضراء ، ولا أقلّت الغبراء أصدق منه ، وإذا أنت قرأت حدیث ما جری بین عثمان وأبی ذر لوجدت سیّد غفار فی جانب جُنب عن هذه الروایة ، ولمّا یحکم عقلک بأن یکون هو راویها ونداء أبی ذرّ فی الملأ الدینی وقد تنغّر (1) علی عثمان بعدُ یرنّ فی أُذن الدنیا ، وقوارص لمزه وهمزه إیّاه بعد تلوکه الأشداق فی أندیة الرجال ، وکلمه المأثورة الخالدة فی صفحات التاریخ تضادّ ما عزی إلیه من الروایة ، وکلّ خطابه وعتابه إیّاه یُعرب عن أنّ أبا ذر قطّ لم یُؤمن بما اختلق علیه ، ولم یک یسمعه من الصادع الکریم ، وکان یحدّث الناس غیر مکترث لبوادر عثمان ما کان سمعه من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم من قوله : «إذا کملت بنو أُمیّة ثلاثین رجلاً اتّخذوا بلاد الله دولا ، وعباد الله خولا ، ودین الله دغلا». کان یحدّث عثمان بذلک وعثمان یکذّبه (2) ، ومن کذّبه فقد کذّب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم. ف)

ص: 186


1- تنغّر : غلی وغضب.
2- راجع الغدیر : 9 / 78 - 86. (المؤلف)

ولم یکن أبو ذر شاذّا عن الصحابة فی رأیه السیّئ ونقمته علی عثمان ، بل نبأ المتجمهرین علیه من المهاجرین والأنصار ، والناقمین علیه من الحواضر الإسلامیة ، والمجتمعین علی وأده ، المحتجّین علیه بالکتاب العزیز ، یعطینا خُبراً بأنّ الروایة لا تصحّ عندهم ، ولا یصدّقها رجل صدق منهم.

وهل نسیتها أمّ المؤمنین المخاطَبة بها ، أو تغاضت عنها یوم کانت تنادی فی ملأ من الصحابة : اقتلوا نعثلاً قتله الله؟ ویوم قالت لمروان : وددت والله أنّک وصاحبک هذا الذی یعنیک أمره ، فی رجل کلّ واحد منکما رحیً وأنّکما فی البحر. ویوم قالت : وددتُ والله أنّه فی غرارة من غرائری هذه وأنّی طوّقت حمله حتی ألقیه فی البحر ، ویوم قالت لابن عباس : إنّ الله قد آتاک عقلاً ، وفهماً ، وبیاناً ، فإیّاک أن تردّ الناس عن هذه الطاغیة. ویوم أخرجت ثوب رسول الله وهی تقول : هذا ثوب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لم یبلَ ، وعثمان قد أبلی سنّته. ویوم قالت لمّا بلغها نعیه : أبعده الله ذلک بما قدّمت یداه ، وما الله بظلاّم للعبید. ویوم قالت : بُعداً لنعثل وسحقاً (1).

أیخبرک ضمیرک الحرّ بأنّ صاحبة تلکم المواقف الهائلة کانت تصدّق تلک الروایة ، وتؤمن بها وتری نعثلاً رفیق رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی الجنّة؟ فاستعذ بالله من أن تکون من الجاهلین.

38 - قال محمد بن آدم : رأیت بمکة أسقفاً (2) یطوف بالکعبة ، فقلت له : ما الذی نزعک عن دین آبائک؟ قال : تبادلت (3) خیراً منه. فقلت : وکیف ذلک؟ قال : رکبت البحر ، فلمّا توسّطناه انکسرت المرکب ، فلم تزل الأمواج تدفعنی حتی رمتنی ه.

ص: 187


1- راجع الغدیر : 9 / 78 - 86. (المؤلف)
2- الأسقف والأسقف : فوق القسیس ودون المطران ، والکلمة یونانیة ، جمعها أساقفة وأساقف. (المؤلف)
3- فی المصدر : تبدّلت خیراً منه.

فی جزیرة من جزائر البحر ، فیها أشجار کثیرة ، ولها ثمر أحلی من الشهد وألین من الزبد ، وفیها نهر عذب ، فحمدت الله علی ذلک ، وقلت : آکل من هذا الثمر ، وأشرب من هذا النهر حتی یقضی الله بأمره.

فلمّا ذهب النهار ، خفت علی نفسی من الوحش ، فطلعت علی شجرة ونمت علی غصن من أغصانها ، فلمّا کان فی جوف اللیل وإذا بدابّة علی وجه الأرض تسبّح الله وتقول : لا إله إلاّ الله العزیز الجبّار ، محمد رسول الله النبیّ المختار ، أبو بکر الصدّیق صاحبه فی الغار ، عمر الفاروق فاتح الأمصار ، عثمان القتیل فی الدار ، علیّ سیف الله علی الکفّار ، فعلی مبغضهم لعنة الله العزیز الجبّار ، ومأواه النار وبئس القرار ، ولم تزل تکرّر هذه الکلمات إلی الفجر.

فلمّا طلع الفجر قالت : لا إله إلاّ الله الصادق الوعد والوعید ، محمد رسول الله الهادی الرشید ، أبو بکر ذو الرأی السدید ، عمر بن الخطّاب سور من حدید ، عثمان الفضیل الشهید ، علیّ بن أبی طالب ذو البأس الشدید ، فعلی مبغضهم لعنة الربّ المجید.

ثم أقبلت إلی البرّ ، فإذا رأسها رأس نعامة ، ووجهها وجه إنسان ، وقوائمها قوائم بعیر ، وذنبها ذنب سمکة ، فخشیت علی نفسی الهلکة فهربت ، فنطقت بلسان فصیح فقالت : یا هذا قف وإلاّ تهلک. فوقفت فقالت : ما دینک؟ فقلت : دین النصرانیّة. فقالت : ویلک ارجع إلی دین الحنیفیّة ، فقد حللت بفناء قوم من مسلمی الجنّ لا ینجو منهم إلاّ من کان مسلماً ، فقلت : وکیف الإسلام؟ قالت : تشهد أن لا إله إلاّ الله ، وأنّ محمداً رسول الله ، فقلتها ، فقالت : أتمّ إسلامک بالترحّم علی أبی بکر ، وعمر ، وعثمان وعلی - رضی الله تعالی عنهم -. فقلت : ومن أتاکم بذلک؟ قالت : قوم منّا حضروا عند رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم سمعوه یقول : إذا کان یوم القیامة تأتی الجنّة فتنادی بلسان طلق فصیح : إلهی قد وعدتنی أن تشیّد أرکانی. فیقول الجلیل جلّ جلاله : قد شیّدت - أی رفعت - أرکانک بأبی بکر ، وعمر ، وعثمان ، وعلیّ ، وزیّنتک بالحسن

ص: 188

والحسین. ثم قالت الدابّة : أترید أن تقعد هاهنا أم الرجوع إلی أهلک؟ فقلت : الرجوع إلی أهلی. فقالت : اصبر حتی تمرّ بک مرکب.

فبینما نحن کذلک وإذا بمرکب أقبلت تجری ، فأومأت إلیها ، فرفعوا إلیّ زورقاً فرکبت فیه ، ثم جئت إلیهم فوجدت المرکب فیها اثنا عشر رجلاً کلّهم نصاری فقالوا : ما الذی جاء بک إلی هاهنا؟ فقصصت علیهم قصّتی ، فعجبوا عن آخرهم ، وأسلموا جمیعاً. مصباح الظلام للسید محمد الجردانی (1) (2 / 30).

قال الأمینی : ابن آدم راوی هذه الأغلوطة لا یعرفه الحفّاظ رجال الجرح والتعدیل فی أولاد آدم ، وإنّما عرّفوه بالجهالة ، ولا أحسب أنّ آدم أبا البشر أیضاً یعرف ابنه هذا ، ولا تدری الأُمّهات أیّ ابن بیّ هو ، والأسقف صاحب القصّة وابن آدم هما صنوان فی الجهالة ، لا یعرفهما آدمیّ.

ونحن إن صدّقنا متن الروایة ، وذهبنا إلی ما ذهب إلیه مسلم الجنّ وأخبر به ، ولعنّا مبغضی الخلفاء الأربعة ، ورأینا مأواهم النار. فإلی من وجّهنا القوارص عندئذ ، وأین تقع من سبابنا أُمّة کبیرة من الصحابة العدول ، أو عدول الصحابة الذین کان بینهم وبین أیّ من هؤلاء الأربعة عداء محتدم وبغضاء لاهبة؟ أنا هنا فی مشکلة لا تنحلّ لی!

وعجبی من رعونة أولئک الرهط من النصاری الذین قبلوا من الأسقف دعواه المجرّدة ، وأذعنوا لها وصدّقوه فیما جاء به عن وادی الجنّ ، وما کانوا مصدّقین نبأ الرسول الأمین عن إله السماوات المحفوفة دعوته بألف من الدلائل والبیّنات ، والمتلوّة بأنباء الکهنة والأساقفة والهتافات الکثیرة التی سجّلها التاریخ ، کأنّهم سحرهم سجع دابّة الجنّ الموزون فی ورد لیله وسحره ، ووجدوه آیة الحقّ ، وشاهد الدعوی. 2.

ص: 189


1- مصباح الظلام : 2 / 72 ح 362.

39 - قال القرطبی فی تفسیره (1) (20 / 180) : قال أُبیّ بن کعب : قرأت علی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم والعصر ، ثم قلت : ما تفسیرها یا نبیّ الله؟

قال : (وَالْعَصْرِ) : قسم من الله أقسم ربّکم بآخر النهار. (إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِی خُسْرٍ) : أبو جهل. (إِلاَّ الَّذِینَ آمَنُوا) : أبو بکر. (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) : عمر. (وَتَواصَوْا بِالْحَقِ) : عثمان. (وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ) : علیّ - رضی الله عنهم أجمعین -. وهکذا خطب ابن عبّاس علی المنبر ، موقوفاً علیه.

وذکره المحبّ الطبری فی ریاضه النضرة (2) (1 / 34) ، والشربینی فی تفسیره (3) (4 / 561).

قال الأمینی : أیسوغ التقوّل علی الله وعلی رسوله وتحریف الکلم عن مواضعه بمثل هذه المهزأة المرسلة؟ وهل ینبغی لمؤلّف فی التفسیر أو الحدیث أن یسوّد بها صحیفته أو صحیفة تألیفه؟ وهل لنا فی مثل المقام أن نطالبه بالسند ونناقش فیه بالإرسال؟ وهلاّ ما فی متن الروایة ما یغنینا عن البحث عن رجال الإسناد إن کان له إسناد؟ وهل یوجد فی صحائف أعمال أُولئک الرجال وسیرتهم الثابتة ، وفیما حفظه التاریخ الصحیح لهم ما یصدّق هذا التلفیق؟ نعم ، نحن علی یقین من أنّ الباحث یجد فی غضون أجزاء کتابنا هذا شواهد کثیرة تتأتّی له بها حصحصة الحقّ. وهل یصدّق ذو مسکة أن یخطب بمثل هذه الأفیکة ابن عباس حبر الأُمّة ، ویدنّس بها ساحة قدس صاحب الرسالة الخاتمة؟

علی أنّ المأثور عن ابن عبّاس من طریق ابن مردویه ، فی قوله تعالی : 5.

ص: 190


1- الجامع لأحکام القرآن : 20 / 123.
2- الریاض النضرة : 1 / 49.
3- تفسیر الشربینی : 4 / 585.

(إِلاَّ الَّذِینَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) (1) أنّه قال : ذکر علیّا وسلمان (2) ، ویؤیّده قوله الوارد فی قوله تعالی : (أَمْ حَسِبَ الَّذِینَ اجْتَرَحُوا السَّیِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ کَالَّذِینَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) (3) قال : نزلت فی علیّ یوم بدر ، فالذین اجترحوا السیّئات : عتبة ، وشیبة ، والولید ، والذین آمنوا وعملوا الصالحات علی علیه السلام (4). ومرّ فی الجزء الثانی (5) (ص 52) من طریق ابن عباس قوله : لمّا نزلت : (إِنَّ الَّذِینَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِکَ هُمْ خَیْرُ الْبَرِیَّةِ) (6) قال صلی الله علیه وآله وسلم لعلیّ : «هو أنت وشیعتک».

فروایة أُبیّ بن کعب اختُلقت تجاه هذه الأخبار التی یساعدها العقل والمنطق والاعتبار.

ولصراحة الکذب فی فصول هذه السفسطة ، لم یذکرها أحد من المفسّرین غیر القرطبی والشربینی وهی بین أیدیهم ، ولعلّ ابن حجر یوعز إلی بطلانها فی فتح الباری (7) (8 / 592) بقوله : تنبیه ، لم أرَ فی تفسیر هذه السورة حدیثاً مرفوعاً صحیحاً.

علی أنّ الظاهر من سیاق السورة أنّ الجُمل التالیة للذین آمنوا أوصاف لهم ، لا أنّها إعراب عن أُناس آخرین غیر من هو المراد من الجملة الأولی.

40 - أخرج الواحدی فی أسباب النزول (8) (ص 207) عن عبد الرحمن بن حمدان العدل ، قال : أخبرنا أحمد بن جعفر بن مالک ، قال : أخبرنا عبد الله بن أحمد 6.

ص: 191


1- العصر : 3.
2- الدرّ المنثور : 6 / 392 ج 8 / 622 ج ومرّ فی : 2 / 58. (المؤلف)
3- الجاثیة : 21.
4- تذکرة السبط : ص 11 جص 17 ج ، ومرّ فی : 2 / 56. (المؤلف)
5- ص : 99 من هذه الطبعة.
6- البینة : 7.
7- فتح الباری : 8 / 729.
8- أسباب النزول : ص 186.

ابن حنبل ، قال حدّثنی محمد بن سلیمان بن خالد الفحّام ، قال : حدّثنا علیّ بن هاشم ، عن کثیر النواء ، قال : قلت لأبی جعفر : إنّ فلاناً حدّثنی عن علیّ بن الحسین : أنّ هذه الآیة نزلت فی أبی بکر ، وعمر ، وعلی : (وَنَزَعْنا ما فِی صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً عَلی سُرُرٍ مُتَقابِلِینَ) (1) قال : والله إنّها لفیهم نزلت ، وفیهم (2) نزلت الآیة ، قلت : وأیّ غلّ هو؟ قال : غلّ الجاهلیّة ، إنّ بنی تیم ، وبنی عدی ، وبنی هاشم ، کان بینهم فی الجاهلیّة ، فلمّا أسلم هؤلاء القوم وأجابوا أخذت أبا بکر الخاصرة ، فجعل علیّ رضی الله عنه یسخن یده فیضمخ (3) بها خاصرة أبی بکر ، فنزلت هذه الآیة.

قال الأمینی : لا تُدعم أیّ مأثرة بمثل هذا الإسناد المرکّب من مجهول کعبد الرحمن العدل ، ومحمد الفحّام ، وممّن خرف فی آخر عمره (4) ، حتی کان لا یعرف شیئاً ممّا یُقرأ علیه ، کما قاله أبو الحسن بن الفرات (5). وحکی الخطیب البغدادی فی تاریخه (4 / 4) عن أبی عبد الله أحمد بن أحمد القصری ، قال : قدمت أنا وأخی من القصر إلی بغداد وأبو بکر - أحمد بن جعفر - بن مالک القطیعی حیّ ، وکان مقصودنا درس الفقه والفرائض ، فأردنا السماع من ابن مالک ، فقال لنا ابن اللبان الفرضی : لا تذهبوا إلیه فإنّه قد ضعف واختلّ ، ومنعت ابنی السماع منه ، قال : فلم نذهب إلیه. وذکره ابن حجر فی اللسان (6) (1 / 145) ، وقال (7) فی (2 / 237) : إنّه شیخ لیس بمتقن.6.

ص: 192


1- الحجر : 47.
2- کذا فی أسباب النزول ، وفی الدرّ المنثور [5 / 85] : وفیمن تنزل إلاّ فیهم؟ (المؤلف)
3- فی الدرّ المنثور : فیکوی. (المؤلف)
4- هو أحمد بن جعفر بن مالک أبو بکر القطیعی. (المؤلف)
5- میزان الاعتدال : 1 / 41 [1 / 87 رقم 320]. (المؤلف)
6- لسان المیزان : 1 / 151 رقم 464.
7- لسان المیزان : 2 / 293 رقم 2526.

ومن شیعیّ غالٍ (1) ، وصفه بذلک الجوزجانی ، وابن حبّان ، ولعلّ الدارقطنی ضعّفه لذلک ، وذکره ابن حبّان فی الضعفاء (2) ، وإن ذکره فی الثقات (3) أیضاً.

وبعد هؤلاء کثیر النواء الذی عرّفناکه قُبیل هذا صحیفة (117) ، وأنّه ضعیف زائغ منکر الحدیث ، بابه باب سعد بن طریف الذی کان یضع الحدیث ، وکان شیعیّا مفرطاً ، ضعیفاً جدّا عند القوم.

وفی تأویل قوله تعالی : (وَنَزَعْنا ما فِی صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍ). الآیة ، أحادیث تافهة عندهم ، أعجب من روایة الواحدی منها :

قال الصفوری فی نزهة المجالس (2 / 217) ، قال ابن عبّاس فی قوله تعالی : (وَنَزَعْنا ما فِی صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍ) أی من حقد وعداوة ، إذا کان یوم القیامة تنصب کراسی من یاقوت أحمر فیجلس أبو بکر علی کرسیّ ، وعمر علی کرسیّ ، وعثمان علی کرسیّ ، ثم یأمر الله الکراسی فتطیر بهم إلی تحت العرش ، فتسبل علیهم خیمة من یاقوتة بیضاء ، ثم یؤتی بأربع کاسات ، فأبو بکر یسقی عمر ، وعمر یسقی عثمان ، وعثمان یسقی علیّا ، وعلیّ یسقی أبا بکر ، ثم یأمر الله جهنّم أن تتمخّض بأمواجها فتقذف الروافض علی ساحلها ، فیکشف الله عن أبصارهم فینظرون إلی منازل أصحاب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، فیقولون : هؤلاء الذین أسعدهم الله ، وفی روایة : فیقولون : هؤلاء الذین سعد الناس بمتابعتهم ، وشقینا نحن بمخالفتهم ، ثم یُرَدّون إلی جهنّم بحسرة وندامة.

ومنها : من طریق الکلبی ، عن أبی صالح ، عن ابن عبّاس (وَنَزَعْنا ما فِی صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍ) قال : نزلت فی عشرة : أبو بکر ، وعمر ، وعثمان ، وعلیّ ، وطلحة ، 3.

ص: 193


1- هو علیّ بن هاشم. (المؤلف)
2- کتاب المجروحین : 2 / 110.
3- الثقات : 7 / 213.

والزبیر ، وسعد ، وسعید ، وعبد الرحمن بن عوف ، وعبد الله بن مسعود.

ومن طریق النعمان بن بشیر ، عن علیّ (وَنَزَعْنا ما فِی صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍ) قال : ذاک عثمان ، وطلحة ، والزبیر ، وأنا.

هکذا یحرّفون الکلم عن مواضعه ، وهل من مُسائل رواة هذه السفاسف عن الغلّ الذی نزع من صدور أولئک المذکورین متی نُزع؟ وإلی أین ذهب؟ وهذا الحدیث والتاریخ یُعِلماننا أنّ الغلّ المنتزَع منهم بعد إسلامهم لم یزل مستقرّا بینهم منذ یوم وفاة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، وما وقع هناک من حوار وشجار ، إلی الحوادث الواقعة حول واقعة الدار ، إلی المحتشد الدامی یوم الجمل ، أو لیست هذه کلّها منبعثة عن غلّ محتدم ، ووغر فی الصدور ، وسخیمة فی القلوب ، وبغضة مستثیرة؟ أو لیس منها أن یستبیح الإنسان دم صاحبه وهتک حُرماته والوقیعة فی عرضه ، فهل مع هذه کلّها صحیح أنّه نُزع ما فی صدورهم من غلّ؟

والآیات المحرّفة من هذا القبیل کثیرة جدّا لو تجمع یأتی منها کتاب ضخم ، غیر أنّا لا یروقنا البحث عنها فإنّه إطالة من غیر جدوی فهی بأنفسها وما فیها من تهافت وتفاهة کافیة فی إبطالها ، وما عسانی أن أقول فی مثل ما رووه فی قوله تعالی (وَحَمَلْناهُ عَلی ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ* تَجْرِی بِأَعْیُنِنا) (1) : أنّ نوحاً علیه السلام لمّا عمل السفینة جاءه جبریل علیه السلام بأربعة مسامیر ، مکتوب علی کلّ مسمار عین : عین عبد الله وهو أبو بکر ، وعین عمر ، وعین عثمان ، وعین علی فجرت السفینة ببرکتهم (2).

وللقوم فی تحریف الکتاب معارک دامیة منها وقعة سنة (317) ببغداد بین ف)

ص: 194


1- القمر : 13 ، 14.
2- نزهة المجالس : 2 / 214 ، نقلاً عن شوارد الملح. (المؤلف)

أصحاب أبی بکر المروزی الحنبلی ، وبین طائفة أخری من العامّة أیضاً ، اختلفوا فی تفسیر قوله تعالی : (عَسی أَنْ یَبْعَثَکَ رَبُّکَ مَقاماً مَحْمُوداً) (1). فقالت الحنابلة : یجلسه معه علی العرش. وقال الآخرون : المراد بذلک الشفاعة العظمی. فاقتتلوا بذلک ، وقتل بینهم قتلی. تاریخ ابن کثیر (2) (11 / 162).

فخذ ما ذکرناه مقیاساً لمئات الخرافات من أمثاله تقوّلها علی الله ألسنة الغلاة فی الفضائل ، واتّخذوا آیات الله هزوا ، وجادلوا بالباطل لیدحضوا به الحقّ (وَقَدْ کانَ فَرِیقٌ مِنْهُمْ یَسْمَعُونَ کَلامَ اللهِ ثُمَّ یُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ وَهُمْ یَعْلَمُونَ) (3).

منتهی المقال

هذه نماذج من أفائک الوضّاعین فی الفضائل ، حسبتها الأغرار حقائق فسوّدوا بها صحائف من التفسیر والحدیث والتاریخ ، وموّهوا بها علی الحقائق الراهنة ، وفکّکوا بها عری الإسلام ، وشتّتوا شمل الأُمّة ، وفرّقوا صفوفها ، وکذبوا واتّبعوا أهواءهم وکلّ أمر مستقرّ ، أردنا بسردها أن نعطیک مقیاساً لما حاولوه من المغالاة ، نکتفی بها عن غیرها ، وهناک مئات من أمثالها ضربنا الصفح عنها تنزّهاً عن نبش المخاریق ونشر المخازی ، والباحث یجد شواهد صادقة علی دعوانا فی غضون الریاض النضرة علبة السفاسف والخرافات ، والصواعق المحرقة عیبة الأفائک والأکاذیب ، والسیرة الحلبیّة المشحونة بالموضوعات ، ونزهة المجالس موسوعة الترّهات والصحاصح ، ومصباح الظلام دیوان کلّ حدیث مفتری وروایة مفتعلة ، إلی تآلیف 5.

ص: 195


1- الإسراء : 79.
2- البدایة والنهایة : 11 / 184.
3- البقرة : 75.

جمّة من القدیم والحدیث : (فَوَیْلٌ لَهُمْ مِمَّا کَتَبَتْ أَیْدِیهِمْ وَوَیْلٌ لَهُمْ مِمَّا یَکْسِبُونَ) (1) ، (فَعَمِیَتْ عَلَیْهِمُ الْأَنْباءُ یَوْمَئِذٍ فَهُمْ لا یَتَساءَلُونَ) (2) ، (وَلَیُسْئَلُنَّ یَوْمَ الْقِیامَةِ عَمَّا کانُوا یَفْتَرُونَ) (3) ، (وَاللهُ یَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَکاذِبُونَ) (4). 2.

ص: 196


1- البقرة : 79.
2- القصص : 66.
3- العنکبوت : 13.
4- التوبة : 42.

المغالاة فی فضائل معاویة بن أبی سفیان

کنّا نرتئی أنّ معاویة فی غنیً عن إفاضة القول فی مخاریقه ، لما عرفته الأُمّة من نفسیّته الموبوءة ، وأعماله الوبیلة ، وجرائمه الموبقة الجمّة ، ورذائله الکثیرة ، ونسبه الموصوم ، وأصله اللئیم ، ومحتده الدنیّ ، وأنّ من یضع فیه المدائح تندی جبهته عن سردها لمثله ، غیر أنّا وجدنا الأمل قد أکدی ، والظنّ قد أخفق ، وأنّ القحّة والصلف لم یدعا لأُولئک الوضّاعین حدّا یقفون علیه ، فحاولنا أن نذکر یسیراً من معرّفاته لإیقاف الباحث علی حقیقة الحال فیما عزوه إلیه من الثناء ، غیر مکترثین لهلجة ابن کثیر ، والهتاف الذی سمعه بعض السلف علی جبل بالشام - ولعلّ الهاتف هو الشیطان - : من أبغض معاویة سحبته الزبانیة إلی جهنّم الحامیة ، یرمی به فی الحامیة الهاویة.

ولا مبالین بطیف خیال رکن إلیه ابن کثیر أیضاً ، قال : قال بعضهم : رأیت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وعنده أبو بکر ، وعمر ، وعثمان ، وعلی ، ومعاویة ، إذ جاء رجل ، فقال عمر : یا رسول الله هذا یتنقّصنا ، فکأنّه انتهره رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، فقال : یا رسول الله إنّی لا أتنقّص هؤلاء ولکن هذا - یعنی معاویة - فقال : ویلک أولیس هو من أصحابی؟ قالها ثلاثاً ، ثم أخذ رسول الله حربة فناولها معاویة ، فقال : جابهه فی لبّته. فضربه بها وانتبهت ، فبکّرت إلی منزلی فإذا ذلک الرجل قد أصابته الذبحة من اللیل ومات ، وهو راشد الکندی.

ص: 197

ولا معتدّین برأی سعید بن المسیّب : من مات محبّا لأبی بکر ، وعمر ، وعثمان ، وعلیّ ، وشهد للعشرة بالجنّة ، وترحّم علی معاویة ، کان حقّا علی الله أن لا یناقشه الحساب (1).

ولا بأضغاث أحلام جاءت عن عمر بن عبد العزیز ، وفیها قول معاویة : غُفِر لی وربّ الکعبة. مرّ حدیثها فی الجزء التاسع (ص 350).

ولا عابئین بقول أحمد : مالهم ولمعاویة؟ نسأل الله العافیة.

فلا نقیم أیّ وزن لأمثال هذه السفاسف من آراء مجرّدة ، أو رکون إلی خیال ، أو احتجاج بهاتف مجهول ، أو جنوح إلی طیف حالم تجاه ما یؤثر عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی الرجل ، وما جاء فیه من الکلم القیّمة للسلف الصالح الناظرین إلی أعماله من کثب ، العارفین بعُجره وبُجره ، الواقفین علی إعلانه وإسراره ، الناقدین لمخازیه ، المتبصّرین فی أمره ، الخبیرین بنوایاه فی جاهلیته وإسلامه ، وإلیک نبذة منها :

1 - عن علیّ بن الأقمر ، عن عبد الله بن عمر ، قال : خرج رسول الله من فجّ فنظر إلی أبی سفیان وهو راکب ، ومعاویة وأخوه أحدهما قائد والآخر سائق ، فلمّا نظر إلیهم رسول الله قال : «اللهمّ العن القائد والسائق والراکب». قلنا : أنت سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قال : نعم ، وإلاّ فصمّتا أُذنای کما عمیتا عینای (2).

وفی تاریخ الطبری (11 / 357): (3) قد رأی صلی الله علیه وآله وسلم أبا سفیان مقبلاً علی حمار ومعاویة یقود به ، ویزید ابنه یسوق به قال : «لعن الله القائد والراکب والسائق».

وإلی هذا الحدیث أشار الإمام السبط فیما یخاطب به معاویة بقوله ، «أنشدک الله .

ص: 198


1- تاریخ ابن کثیر : 8 / 139 ، 140 [8 / 148 حوادث سنة 60 ه]. (المؤلف)
2- کتاب صفّین طبعة مصر ص 247 [ص 220]. (المؤلف)
3- تاریخ الأمم والملوک : 10 / 58 حوادث سنة 284 ه.

یا معاویة ، أتذکر یوم جاء أبوک علی جمل أحمر وأنت تسوقه وأخوک عتبة هذا یقوده ، فرآکم رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فقال : اللهمّ العن الراکب والقائد والسائق؟» (1).

وإلیه أشار محمد بن أبی بکر فی کتاب کتبه إلی معاویة بقوله : وأنت اللعین ابن اللعین. وسیوافیک الکتاب إن شاء الله تعالی.

2 - عن البراء بن عازب ، قال : أقبل أبو سفیان ومعه معاویة ، فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «اللهمّ العن التابع والمتبوع ، اللهمّ علیک بالأُقیعس» ، فقال ابن البراء لأبیه : من الأُقیعس؟ قال : معاویة (2).

ومعاویة فُظاظة (3) من لعن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم حیثما لعن آکل الربا ، والخمر وشاربها وبائعها ومبتاعها وحاملها والمحمولة إلیه. والرجل أعرف شخصیّة بهذه المخازی ، کما سیوافیک حدیثه.

3 - أخرج (4) أحمد فی المسند (4 / 421) ، وأبو یعلی ، ونصر بن مزاحم فی کتاب صفّین (ص 246) طبعة مصر من طریق أبی برزة الأسلمی ، والطبرانی فی الکبیر من طریق ابن عباس : کنّا مع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی سفر ، فسمع رجلین یتغنّیان وأحدهما یجیب الآخر ، وهو یقول :

یزالُ (5) حواریٌّ تلوحُ عظامه

زوی الحرب عنه أن یجنّ فیقبرات.

ص: 199


1- سیوافیک تمام کلام أبی محمد السبط فی هذا البحث. (المؤلف)
2- کتاب صفّین - طبعة مصر - : ص 244 [ص 217]. (المؤلف)
3- فُظاظة : من الفظیظ وهو ماء الکرش. وافتظظت الکرش إذا اعتصرت ماءها ، کأنه عصارة من اللعنة ، أو فُعالة من الفظیظ ماء الفحل ، أی نطفة من اللعنة.
4- مسند أحمد : 5 / 580 ح 19281 ، مسند أبی یعلی : 13 / 429 ح 7436 ، وقعة صفّین : ص 219 ، المعجم الکبیر : 11 / 32 ح 10970.
5- أی ما یزال ، قال فی اللسان : زلت أفعل ، أی ما زلت.

وفی لفظ ابن عباس :

ولا یزال جوادی تلوح عظامه

فقال النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم : «انظروا من هما؟». قال : فقالوا : معاویة وعمرو بن العاصی ، فرفع رسول الله یدیه فقال : «اللهمّ أرکسهما رکساً ، ودعّهما إلی النار دعّا». وفی لفظ ابن عباس : «اللهمّ ارکسهما فی الفتنة رکساً».

وجاء الإیعاز إلی الحدیث فی لسان العرب (1) (7 / 404 و 9 / 439).

قال الأمینی : لمّا لم یجد القوم غمزاً فی إسناد هذا الحدیث ، وکان ذلک عزیزاً علی من یتولّی معاویة ، فحذف أحد الاسمین وجعل مکانهما فلاناً وفلاناً ، واختلق آخرون تجاهه ما أخرجه ابن قانع فی معجمه ، عن محمد بن عبدوس کامل ، عن عبد الله بن عمر ، عن سعید أبی العباس التیمی ، عن سیف بن عمر ، عن أبی عمر مولی إبراهیم ابن طلحة ، عن زید بن أسلم ، عن صالح شقران ، قال : بینما نحن لیلة فی سفر إذ سمع النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم صوتاً ، فذهبت انظر فإذا معاویة بن رافع ، وعمرو بن رفاعة بن التابوت یقول :

لا یزال جوادی تلوح عظامه

ذوی الحرب عنه أن یموت فیقبرا

فأتیت النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فأخبرته فقال : «اللهمّ ارکسهما ودعّهما إلی نار جهنّم دعّا» فمات عمرو بن رفاعة قبل أن یقدم النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم من السفر.

قال السیوطی فی اللآلئ المصنوعة (1 / 427) : وهذه الروایة أزالت الإشکال وبیّنت أنّ الوهم وقع فی الحدیث الأوّل فی لفظة واحدة وهی قوله : ابن العاصی ، وإنّما هو ابن رفاعة أحد المنافقین ، وکذلک معاویة بن رافع أحد المنافقین ، والله أعلم.

ألا من یُسائل هذا الضلیع فی فنّ الحدیث المتعهّد لتنقیبه ، عن الإشکال فی 1.

ص: 200


1- لسان العرب : 4 / 354 و 5 / 301.

الحدیث الأوّل من أین أتاه؟ وما الذی ثقل علیه من لفظه حتی ذهب إلی الوهم فیه؟ أفی مفاده شذوذ عن نوامیس الشریعة ، أو فیه ما یخالف الکتاب والسنّة؟ أو حطّ عن مقام رجل ینزّه ذیله عن کلّ ما یُدنّس المسلم الصحیح ویشینه ویزری به؟ أو مسّ بکرامة من قدّس الإسلام ساحته عن کلّ طعن ومسبّة؟ هذا ابن هند ، وهو ابن النابغة ، وهما هما.

وهل نسی هاهنا ما عنده من الجرح فی رجال هذا الإسناد الوعر لروایته التی أزالت عنه الإشکال الموهوم ، وبیّنت الوهم المزعوم الواقع فی الحدیث ، وسکت عمّا فیه من الغمز؟ مرسلاً إیّاه إرسال المسلّم کأنّه جاء بالصحیح الثابت ، وفیه مع رجال مجاهیل سیف بن عمر الذی قال السیوطی نفسه فی اللآلئ (1 / 199) فی غیر هذا الحدیث : إنّه وضّاع. وقال فی (ص 429) فی حدیث آخر : فیه ضعفاء أشدّهم سیف. وقد فصّلنا القول فی ترجمة الرجل فی (8 / 85 و 333) : إنّه ضعیف متروک ، ساقط کذّاب ، وضّاع متّهم بالزندقة. أفبالموضوع المکذوب یزول الإشکال ویَبین الوهم؟ اللهمّ غفرانک.

4 - إنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قال : «یطلع من هذا الفجّ رجل من أُمّتی یحشر علی غیر ملّتی». فطلع معاویة (1).

وفی لفظ ابن مزاحم : «یطلع علیکم من هذا الفجّ رجل یموت حین یموت علی غیر سنّتی».

کتاب صفین (2) (ص 247).

أخرجه الحافظ البلاذری (3) فی الجزء الأوّل من تاریخه الکبیر ، قال : حدّثنی 4.

ص: 201


1- تاریخ الطبری : 11 / 357 [10 / 58 حوادث سنة 284 ه]. (المؤلف)
2- وقعة صفّین : ص 219.
3- أنساب الأشراف : 5 / 134.

عبد الله بن صالح ، حدّثنی یحیی بن آدم ، عن شریک ، عن لیث ، عن طاووس ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : کنت جالساً عند النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فقال : «یطلع علیکم من هذا الفجّ رجل یموت یوم یموت علی غیر ملّتی». قال : وترکت أبی یلبس ثیابه فخشیت أن یطلع ، فطلع معاویة.

وقال : وحدّثنی إسحاق قال : حدّثنا عبد الرزّاق بن همام ، أنبأنا معمر ، عن ابن طاووس ، عن أبیه ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، قال : کنت جالساً. إلخ.

الإسناد :

قال العلاّمة السیّد محمد المکی بن عزوز المغربی : الحدیث الأوّل رجاله کلّهم من رجال الصحیح حتی لیث ، فمن رجال مسلم وهو ابن أبی سلیم ، وإن تکلّم فیه لاختلاط وقع له فی آخر أمره ، فقد وثّقه ابن معین (1) وغیره کما أفاده الشوکانی ، علی أنّ التوهّم یرتفع بالسند الثانی الذی هو حدّثنی إسحاق. إلخ. لأنّ الراوی فیه عن طاووس عبد الله ابنه لا لیث ، والسند متین ولله الحمد (2).

5 - وفی الحدیث المرفوع المشهور أنّه صلی الله علیه وآله وسلم قال : «إنّ معاویة فی تابوت من نار فی أسفل درک منها ینادی : یا حنّان یا منّان الآن وقد عصیت قبل وکنت من المفسدین» (3).

6 - عن أبی ذر الغفاری قال لمعاویة : سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول وقد مررت به : «اللهمّ العنه ولا تشبعه إلاّ بالتراب» (4).ف)

ص: 202


1- التاریخ : 2 / 501 رقم 2057.
2- العتب الجمیل : ص 86 [ص 146]. (المؤلف)
3- تاریخ الطبری : 11 / 357 ج 10 / 58 ج ، کتاب صفّین : ص 243 جص 217 ج واللفظ للأول [وانظر لسان المیزان : 1 / 202 رقم 602]. (المؤلف)
4- راجع ما أسلفناه فی الجزء الثامن : ص 312 للطبعة الأولی [ص : 249 من هذه الطبعة]. (المؤلف)

7 - عن أبی ذر الغفاری قال لمعاویة : سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول : «است معاویة فی النار». فضحک معاویة وأمر بحبسه. راجع تمام الحدیث فی الجزء الثامن ص 305.

8 - مرفوعاً : «إذا ولی الأُمّة الأعین (1) الواسع البلعوم ، الذی یأکل ولا یشبع ، فلتأخذ الأُمّة حذرها منه». قال أبو ذر : أخبرنی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بأنّه معاویة. وفی لفظ : «لا یذهب أمر هذه الأُمّة إلاّ علی رجل واسع السرم ، ضخم البلعوم».

راجع (ص 312) من الجزء الثامن الطبعة الأولی.

9 - أخرج نصر بن مزاحم فی کتاب صفّین ، وابن عدی (2) ، والعقیلی ، والخطیب ، والمناوی من طریق أبی سعید الخدری ، وعبد الله بن مسعود مرفوعاً : «إذا رأیتم معاویة علی منبری فاقتلوه».

وفی لفظ : «یخطب علی منبری فاقتلوه».

وفی لفظ : «یخطب علی منبری فاضربوا عنقه».

وفی لفظ أبی سعید : فلم نفعل ولم نفلح.

وقال الحسن : فما فعلوا ولا أفلحوا (3).

قال الأمینی : ذکره السیوطی فی اللآلئ المصنوعة (1 / 424 ، 425) بعدة طرق لابن عدی والعقیلی وزیّفها ، غیر أنّ البلاذری (4) أخرجه بغیر تلکم الطرق فی تاریخه الکبیر قال : حدّثنا یوسف بن موسی وأبو موسی إسحاق الفروی قال : حدّثنا جریر د.

ص: 203


1- الأعین : الکبیر العین أو واسعها. ومؤنثه عیناء.
2- الکامل فی ضعفاء الرجال : 2 / 146 رقم 343.
3- کتاب صفّین : ص 243 ، 248 طبعة مصر [ص 216 ، 221] ، تاریخ الطبری : 11 / 357 [10 / 58] ، تاریخ الخطیب : 12 / 181 [رقم 6652 [، شرح ابن أبی الحدید : 1 / 348] 4 / 32 خطبة 54] ، کنوز الدقائق للمناوی : ص 10 [1 / 19] ، اللآلئ المصنوعة : 1 / 424 ، 425 ، تهذیب التهذیب : 2 / 428 [5 / 96]. (المؤلف)
4- أنساب الأشراف : 5 / 136 وفیه : قالا : حدّثنا جریر بن عبد الحمید.

ابن عبد الحمید ، حدّثنا إسماعیل بن أبی خالد والأعمش ، عن الحسن ، قال : قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم «إذا رأیتم معاویة علی منبری فاقتلوه». فترکوا أمره فلم یفلحوا ولم ینجحوا.

رجال الإسناد :

1 - یوسف بن موسی أبو یعقوب الکوفی. من رجال البخاری ، وأبی داود ، والترمذی ، والنسائی ، وابن خزیمة فی صحاحهم ، وثّقه غیر واحد.

2 - جریر بن عبد الحمید أبو عبد الله الرازی ، من رجال الصحاح الستّة ، مجمع علی ثقته.

3 - إسماعیل بن أبی خالد الأحمسی الکوفی ، أحد رجال الصحاح الستّة ، متفق علی ثقته.

4 - الأعمش سلیمان بن مهران أبو محمد الکوفی ، أحد رجال الصحاح الستّة ، لیس فی المحدّثین أصدق منه.

5 - الحسن البصری ، أحد رجال الصحاح ، مجمع علی ثقته.

فلم یبق فی الحدیث غمز إلاّ من ناحیة إرساله وهو لا یعدّ علّة فی مثل المقام ، إذ لا یهمّ القوم عرفان الصحابی الراوی للحدیث لعدالة الصحابة کلّهم عندهم. فالحدیث صحیح لا مغمز فیه وإرساله یُجبَر بإسناد متّصل.

قال البلاذری (1) :

حدّثنا إسحاق بن أبی إسرائیل ، حدّثنا حجّاج بن محمد ، حدّثنا حمّاد بن سلمة ، عن علیّ بن زید ، عن أبی نضرة ، عن أبی سعید الخدری : أنّ رجلاً من الأنصار أراد قتل معاویة فقلنا له : لا تسلّ السیف فی عهد عمر حتی نکتب إلیه ، قال : إنّی سمعت 6.

ص: 204


1- أنساب الأشراف : 5 / 136.

رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول : «إذا رأیتم معاویة یخطب علی الأعواد فاقتلوه». قالوا : ونحن سمعناه ولکن لا نفعل حتی نکتب إلی عمر ، فکتبوا إلیه فلم یأتهم جواب حتی مات.

رجال الإسناد :

1 - إسحاق بن أبی إسرائیل أبو یعقوب المروزی ، من رجال البخاری فی الأدب المفرد وأبی داود والنسائی ، وثّقه ابن معین ، والدارقطنی ، والبغوی ، وأحمد بن حنبل (1)

2 - حجّاج بن محمد المصّیصی أبو محمد الأعور ، أحد رجال الصحیحین وبقیّة الصحاح (2).

3 - حمّاد بن سلمة أبو سلمة البصری ، من رجال مسلم فی صحیحه ، والبخاری فی التعالیق وبقیّة أصحاب السنن ، أجمع أئمّة أهل النقل علی ثقته وأمانته (3).

4 - علیّ بن زید بن جدعان أبو الحسن البصری ، من رواة مسلم فی صحیحه ، والبخاری فی الأدب المفرد ، وأصحاب السنن ، شیعیّ ثقة صدوق (4).

5 - أبو نضرة المنذر بن مالک العبدی البصری ، من رجال صحیح مسلم ، والتعالیق للبخاری ، وبقیّة السنن ، وثّقه ابن معین (5) ، وأبو زرعة ، والنسائی ، وابن سعد وأحمد بن حنبل (6).

6 - أبو سعید الخدری الصحابیّ الشهیر.

وبهذا الطریق ذکره ابن حجر فی تهذیب التهذیب (7) (7 / 324) فقال : وأخرجه 5.

ص: 205


1- أنظر : تهذیب الکمال : 2 / 398 رقم 338 ، تهذیب التهذیب : 1 / 195.
2- أنظر : سیر أعلام النبلاء : 9 / 447 ، تهذیب التهذیب : 2 / 181.
3- أنظر : سیر أعلام النبلاء : 7 / 444 ، تهذیب التهذیب : 3 / 11.
4- أنظر : تهذیب الکمال : 20 / 434 رقم 4070 ، سیر أعلام النبلاء : 5 / 206.
5- التاریخ : 4 / 151 رقم 3653.
6- أنظر : طبقات ابن سعد : 7 / 208 ، تهذیب الکمال : 28 / 508 رقم 6183.
7- تهذیب التهذیب : 7 / 285.

الحسن بن سفیان فی مسنده عن إسحاق ، عن عبد الرزّاق ، عن ابن عیینة ، عن علیّ ابن زید ، والمحفوظ عن عبد الرزّاق ، عن جعفر بن سلیمان ، عن علیّ ، ولکن لفظ ابن عیینة : فارجموه. أورده ابن عدی (1) ، عن الحسن بن سفیان.

وطریق الحسن بن سفیان هذا أیضاً صحیح رجاله کلّهم ثقات ، وبهذا الإسناد أخرجه ابن عدی (2) کما فی میزان الاعتدال (3) (2 / 128) قال : حدّثنا الحسن بن سفیان ، قال : حدّثنا ابن راهویه. قال : حدّثنا عبد الرزّاق ، عن ابن عیینة ، عن علیّ ابن زید بن جدعان ، عن أبی نضرة ، عن أبی سعید مرفوعاً : «إذا رأیتم معاویة علی منبری فاقتلوه».

قال : وحدّثنا محمد بن سعید بن معاویة بنصیبین ، حدّثنا سلیمان بن أیّوب الصریفینی ، حدّثنا ابن عیینة.

وحدّثَناه محمد بن العباس الدمشقی ، عن عمّار بن رجاء ، عن ابن المدینی ، عن سفیان بن عیینة.

وحدّثَناه محمد بن إبراهیم الأصبهانی ، حدّثنا أحمد بن الفرات ، حدّثنا عبد الرزّاق ، عن جعفر بن سلیمان ، عن ابن جدعان نحوه.

إسناد آخر :

وأخرجه ابن حبّان (4) من طریق عباد بن یعقوب ، عن شریک ، عن عاصم ، عن زر ، عن عبد الله مرفوعاً : «إذا رأیتم معاویة علی منبری فاقتلوه». 2.

ص: 206


1- الکامل فی ضعفاء الرجال : 5 / 200 رقم 1351.
2- الکامل فی ضعفاء الرجال : 5 / 314 رقم 1463.
3- میزان الاعتدال : 2 / 613 رقم 5044.
4- کتاب المجروحین : 2 / 172.

تهذیب التهذیب (1) (5 / 110).

رجال الإسناد :

1 - عبّاد بن یعقوب الأسدی أبو سعید الکوفی ، من رجال البخاری ، والترمذی ، وابن ماجة ، وثّقه ابن خزیمة ، وأبو حاتم (2) ، وقال الدارقطنی : شیعیّ صدوق.

2 - شریک النخعی الکوفی ، من رجال مسلم فی صحیحه ، والبخاری فی التعالیق وأصحاب السنن الأربعة ، وثّقه ابن معین (3) ، والعجلی (4) ، ویعقوب بن شیبة ، وابن سعید ، وأبو داود ، والحربی (5).

3 - عاصم بن بهدلة الأسدی الکوفی أبو بکر المقری ، من رجال الصحاح الستّة ، متّفق علی ثقته (6).

4 - زر بن حبیش الکوفی ، مخضرم أدرک الجاهلیّة ، من رجال الصحاح الستّة (7)

5 - عبد الله بن مسعود الصحابی العظیم.

فالإسناد صحیح رجاله کلّهم ثقات. فللحدیث طرق أربعة صحیحة لا غمز فیها ، غیر أنّ ابن کثیر حبّبته أمانته أن لا یذکر من طرق الحدیث إلاّ الضعیف ، کما أنّ 7.

ص: 207


1- تهذیب التهذیب : 5 / 96.
2- الجرح والتعدیل : 6 / 88 رقم 447.
3- التاریخ : 3 / 369 رقم 1796.
4- تاریخ الثقات : ص 217 رقم 664.
5- أنظر : تهذیب التهذیب : 4 / 293.
6- أنظر : تهذیب التهذیب : 5 / 35.
7- أنظر : تهذیب التهذیب : 3 / 277.

السیوطی راقه أن لا ینضّد فی سلک لآلئه إلاّ المزیّف ساکتاً عن الأسانید الصحیحة حفظاً لکرامة ابن هند.

وهذا الحدیث معتضد بحدیث صحیح ثابت متسالم علیه ، ألا وهو قوله صلی الله علیه وآله وسلم : إذا بویع لخلیفتین فاقتلوا الآخر منهما.

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : من بایع إماماً فأعطاه صفقة یده وثمرة قلبه فلیطعه إن استطاع ، فإن جاء أحد ینازعه فاضربوا عنق الآخر (1).

وللقوم تجاه حدیث : «إذا رأیتم معاویة علی منبری فاقتلوه» تصویب وتصعید وجلبة ولغط ، رواه أُناس بالموحّدة مع زیادة ، أخرجه الخطیب ، عن الحسن بن محمد الخلاّل عن یوسف بن أبی حفص الزاهد ، عن محمد بن إسحاق الفقیه ، عن أبی نضر الغازی ، عن الحسن بن کثیر ، عن بکر بن أیمن القیسی ، عن عامر بن یحیی الصریمی ، عن أبی الزبیر ، عن جابر مرفوعاً : إذا رأیتم معاویة یخطب علی منبری فاقبلوه ، فإنّه أمین مأمون.

قال الخطیب : لم أکتب هذا الحدیث إلاّ من هذا الوجه ، ورجال إسناده ما بین محمد بن إسحاق وأبی الزبیر کلّهم مجهولون (2). ونصّ الذهبی فی المیزان (3) وابن حجر فی لسانه (4) فی ترجمة الحسن بن کثیر ، وبکر بن أیمن ، وعامر بن یحیی علی أنّهم مجاهیل ، والأقوال فی أبی الزبیر محمد بن مسلم المکی متضاربة من ناحیة الجرح 3.

ص: 208


1- مرّ تفصیل هذین الصحیحین فی هذا الجزء : ص 27 ، 28. (المؤلف)
2- کذا نجده فی المطبوع من تاریخ بغداد [1 / 259 رقم 88] وحکاه عنه حرفیاً ابن حجر فی لسان المیزان : 2 / 247 [2 / 306 رقم 2560] ، وفی اللآلئ : 1 / 426 نقلا عن التاریخ بلفظ : قال الخطیب : محمد بن إسحاق کثیر الخطأ والمناکیر ، ومن فوقه إلی أبی الزبیر کلّهم مجهولون به. (المؤلف)
3- میزان الاعتدال : 1 / 519 رقم 1935.
4- لسان المیزان : 2 / 306 رقم 2560 ، 2 / 58 رقم 1696 ، 3 / 284 ، رقم 4383.

والتوثیق ، وصرّح بجهالة الإسناد ابن کثیر فی تاریخه (1) (8 / 133).

وزیادة (فإنّه أمین مأمون) أقوی شاهد علی بطلان الروایة واختلاقها ، وقد فصّلنا القول فی أمانة الرجل (5 / 310 و 9 / 294).

وجاء آخر وهو جاهل بتحریف من روی (فاقتلوه) بالموحّدة. أو أنّه لم یرقه ذلک التحریف ، فوضع روایة فی أنّ معاویة غیر معاویة بن أبی سفیان. أخرج الحافظ ابن عساکر (2) ، عن محمد بن ناصر الحافظ ، عن عبد القادر بن محمد ، عن ابن إسحاق البرمکی ، عن أحمد بن إبراهیم بن شاذان ، قال : قال لی أبو بکر بن أبی داود لمّا روی حدیث إذا رأیتم معاویة علی منبری فاقتلوه : هذا معاویة بن تابوت رأس المنافقین ، وکان حلف أن یبول ویتغوّط علی منبره ، ولیس هو معاویة بن أبی سفیان.

قال السیوطی فی اللآلئ (1 / 425) بعد ذکر الروایة : قال المؤلّف : وهذا یحتاج إلی نقل ، ومن نقل هذا؟ قلت : قال ابن عساکر : هذا تأویل بعید والله أعلم.

قال الأمینی : هل عندک خبر بتاریخ معاویة بن تابوت؟ وأنّه أیّ ابن بیّ هو؟ ومتی ولدته أُمّ الدنیا؟ وأنّی ولد؟ وأین وُلد؟ ومن رآه؟ ومن سمع منه؟ ومن الذی أوحی خبره إلی أبی بکر بن أبی داود؟ وهل هو برَّ یمینه أو حنثها؟ وهل رآه أصحاب النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم علی منبره وقتلوه؟ أو لم یُرَ حتی الیوم ، ولن یُری قطّ إلی آخر الأبد؟

ونظیر هذا التأویل قد جاء فی حدیث فاطمة بنت قیس ، قالت لرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : إنّ معاویة وأبا جهم خطبانی. فقال النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم : «معاویة صعلوک لا مال له». حکی الرافعی أنّه لیس هو معاویة بن أبی سفیان الذی ولی الخلافة ، بل هو آخر. الإصابة (3 / 498). 6.

ص: 209


1- البدایة والنهایة : 8 / 142 حوادث سنة 60 ه.
2- مختصر تاریخ دمشق : 25 / 46.

نعم ؛ هکذا أوّله الرافعی حبّا لابن هند ، غیر أنّ النووی قال : وهذا غلط صریح ، فقد وقع فی صحیح مسلم فی هذا الحدیث : معاویة بن أبی سفیان.

قال الأمینی : عرّفه مسلم بابن أبی سفیان فی صحیحه (1) (4 / 195) ، وأبو داود فی السنن (2) (1 / 359) ، والنسائی فی سننه (3) (6 / 208) ، والطیالسی فی مسنده (ص 228) ، والبیهقی فی السنن الکبری (7 / 471).

فالتأویل بغیر معاویة بن أبی سفیان غلط صریح ، کما قاله النووی (4).

ولابنی کثیر وحجر فی تزییف حدیث «فاقتلوه» خطّة أخری ، قال ابن کثیر فی تاریخه (5) (8 / 133) : هذا الحدیث کذب بلا شکّ ، ولو کان صحیحاً لبادر الصحابة إلی فعل ذلک ، لأنّهم کانوا لا تأخذهم فی الله لومة لائم.

وقال ابن حجر فی تطهیر الجنان (6) : یلزم علی فرض صحّته نقیصة سائر الصحابة إن بلغهم ذلک الحدیث ، أو نقیصة من بلغه منهم وکتمه ، لأنّ مثل هذا یجب تبلیغه للأُمّة حتی یعملوا به ، علی أنّه لو کتمه لم یبلغ التابعین حتی نقلوه لمن بعدهم ، وهکذا فلم یبق إلاّ القسم الأوّل وهو أن یبلغهم فلا یعملون به ، وهو لا یتصوّر شرعاً ، إذ لو جاز علیهم ذلک جاز علیهم کتم بعض القرآن أو رفض العمل به ، وکلّ ذلک محال شرعاً ، لا سیّما مع قوله صلی الله علیه وآله وسلم : «ترکتکم علی الواضحة البیضاء». الحدیث. انتهی.

ما أحسن ظنّ هؤلاء القوم بالصحابة! وما أجمله لو کان یساعده المنطق! لو لم ف)

ص: 210


1- صحیح مسلم : 3 / 291 ح 36 کتاب الطلاق.
2- سنن أبی داود : 2 / 285 ح 2284.
3- السنن الکبری : 3 / 274 ح 5352.
4- شرح صحیح مسلم : 10 / 98.
5- البدایة والنهایة : 8 / 141 حوادث سنة 60 ه.
6- هامش الصواعق المحرقة : ص 60] ص 29]. (المؤلف)

یخالفه التاریخ الصحیح ، أو الثابت المسلّم من سیرة الصحابة ، أو ما جاء عن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم من أقواله التی تلقّتها الأُمّة بالقبول ، ورواها أئمّة الحدیث فی الصحاح والمسانید ، ممّا أسلفنا شطراً منه فی الجزء الثالث (261 ، 262 الطبعة الأولی) (1).

وهل عمل الصحابة أو عیونهم بأمره صلی الله علیه وآله وسلم فی قتل ذی الثدیّة بعد ما عرّفه إیّاهم بشخصه ، وأنبأهم بهواجسه المکفّرة ، واعترف الرجل بها؟ أو خالفوه وضیّعوا أمره ونبذوه وراء ظهورهم وهو بین ظهرانیهم؟ راجع ما مرّ فی الجزء السابع (ص 216 - 218 الطبعة الثانیة).

وهل عملوا بما صحّ وثبت عندهم من قوله صلی الله علیه وآله وسلم إذا بویع لخلیفتین فاقتلوا الآخر منهما؟ أو قوله : من أراد أن یفرّق أمر هذه الأُمّة وهی جمیع فاضربوه بالسیف کائناً من کان؟ أو قوله : فإن جاء آخر ینازعه - الإمام - فاضربوا عنق الآخر؟ إلی صحاح أُخری مرّت جملة منها فی هذا الجزء (ص 27).

10 - جاء من طریق زید بن أرقم وعبادة بن الصامت مرفوعاً : «إذا رأیتم معاویة وعمرو بن العاص مجتمعین ففرّقوا بینهما فإنّهما لن یجتمعا علی خیر» (2).

11 - ورد مرفوعاً : «یطلع علیکم من هذا الفجّ رجل یموت حین یموت وهو علی غیر سنّتی». فطلع معاویة. کتاب صفّین لنصر بن مزاحم (3).

12 - من کتاب لمولانا أمیر المؤمنین علیه السلام إلی معاویة : «أتانی کتابک ، کتاب امرئ لیس له بصر یهدیه ، ولا قائد یرشده ، دعاه الهوی فأجابه ، وقاده الضلال فاتّبعه - إلی أن قال : - وأمّا شرفی فی الإسلام ، وقرابتی من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وموضعی 0.

ص: 211


1- 3 / 804 من طبعتنا هذه.
2- راجع الجزء الثانی : ص 116 الطبعة الأولی [ص : 190 من هذه الطبعة]. (المؤلف)
3- وقعة صفّین : ص 220.

من قریش ، فلعمری لو استطعت دفعه لدفعته».

وفی لفظ : «فقد أتتنی منک موعظة موصلة ، ورسالة محبّرة ، نمّقتها بضلالک ، وأمضیتها بسوء رأیک ، وکتاب امرئ لیس له بصر یهدیه ، ولا قائد یرشده ، قد دعاه الهوی فأجابه ، وقاده الضلال فاتّبعه ، فهجر لاغطاً ، وضلّ خابطاً».

العقد الفرید (2 / 233) ، الکامل للمبرّد (1 / 157 ، وفی طبعة ص 225) ، کتاب صفّین (ص 64) الإمامة والسیاسة (1 / 77) ، نهج البلاغة (2 / 5) ، شرح ابن أبی الحدید (1 / 252 ، 3 / 302) (1).

13 - من کتاب له علیه السلام إلی الرجل : «فأقلع عمّا أنت علیه من الغیّ والضلال علی کبر سنّک وفناء عمرک ، فإنّ حالک الیوم کحال الثوب المهیل الذی لا یُصلح من جانب إلاّ فسد من آخر ، وقد أردیت جیلاً من الناس کثیراً ، خدعتهم بغیّک ، وألقیتهم فی موج بحرک ، تغشاهم الظلمات ، وتتلاطم بهم الشبهات ، فجازوا عن وجهتهم ، ونکصوا علی أعقابهم ، وتولّوا علی أدبارهم ، وعوّلوا علی أحسابهم ، إلاّ من فاء من أهل البصائر ، فإنّهم فارقوک بعد معرفتک ، وهربوا إلی الله من موازرتک ، إذ حملتهم علی الصعب ، وعدلت بهم عن القصد».

نهج البلاغة (2 / 41) ، شرح ابن أبی الحدید (4 / 50) (2).

14 - من کتاب له علیه السلام إلی الرجل : «فإنّ ما أتیت به من ضلالک لیس ببعید الشبه ممّا أتی به أهلک وقومک الذین حملهم الکفر وتمنّی الأباطیل علی حسد محمد صلی الله علیه وآله وسلم حتی صُرعوا مصارعهم حیث علمت ، لم یمنعوا حریماً ، ولم یدفعوا عظیماً ، 2.

ص: 212


1- العقد الفرید : 4 / 136 ، الکامل فی اللغة والأدب : 1 / 271 ، وقعة صفّین : ص 57 ، الإمامة والسیاسة : 1 / 91 ، نهج البلاغة : ص 367 کتاب 7 ، شرح نهج البلاغة : 3 / 89 خطبة 43 ، 14 / 41 کتاب 7.
2- نهج البلاغة : ص 406 کتاب 32 ، شرح نهج البلاغة : 16 / 132 ، 133 کتاب 32.

وأنا صاحبهم فی تلک المواطن الصالی بحربهم ، والفالّ لحدّهم ، والقاتل لرؤوسهم ورؤوس الضلالة ، والمتبع إن شاء الله خلفهم بسلفهم ، فبئس الخلف خلف اتّبع سلفاً محلّه ومحطّه النار».

شرح ابن أبی الحدید (1) (4 / 50).

15 - من کتاب له سلام الله علیه إلی الرجل : «أمّا بعد : فطالما دعوت أنت وأولیاؤک أولیاء الشیطان الرجیم الحقَّ أساطیر الأوّلین ، ونبذتموه وراء ظهورکم ، وحاولتم إطفاء نور الله بأیدیکم وأفواهکم ، والله متمّ نوره ولو کره الکافرون ، ولعمری لیتمّنّ النور علی کرهک ، ولینفذنّ العلم بصغارک ، ولَتُجازَیَنَّ بعملک ، فَعِث فی دنیاک المنقطعة عنک ما طاب لک ، فکأنّک بباطلک وقد انقضی ، وبعملک وقد هوی ، ثم تصیر إلی لظی ، لم یظلمک الله شیئاً ، وما ربّک بظلاّم للعبید».

شرح ابن أبی الحدید (2) (4 / 51 و 3 / 411).

16 - من کتاب له صلوات الله علیه إلی الرجل : أمّا بعد : فإنّ مساویک مع علم الله تعالی فیک حالت بینک وبین أن یصلح لک أمرک ، وأن یرعوی قلبک ، یا بن صخر یا بن اللعین - وفی لفظ : یا بن صخر اللعین - زعمت أن یزن الجبال حلمک ، ویفصل بین أهل الشکّ علمک ، وأنت الجلف المنافق ، الأغلف القلب ، القلیل العقل ، الجبان الرذل».

شرح ابن أبی الحدید (3) (3 / 411 و 4 / 51).

17 - من کتاب له علیه السلام إلی الرجل : «قد وصلنی کتابک ، فوجدتک ترمی غیر 2.

ص: 213


1- شرح نهج البلاغة : 16 / 134 کتاب 32.
2- شرح نهج البلاغة : 16 / 135 ، 15 / 83 کتاب 10.
3- شرح نهج البلاغة : 15 / 82 کتاب 10 ، 16 / 135 کتاب 32.

غرضک وتنشد غیر ضالّتک ، وتخبط فی عمایة ، وتتیه فی ضلالة ، وتعتصم بغیر حجّة ، وتلوذ بأضعف شبهة. فسبحان الله ما أشدّ لزومک للأهواء المبتدعة ، والحیرة المتّبعة ، مع تضییع الحقائق ، واطّراح الوثائق التی هی لله تعالی طلبة ، وعلی عباده حجّة».

نهج البلاغة (2 / 44) ، شرح ابن أبی الحدید (4 / 57) (1).

18 - من کتاب له علیه السلام إلی الرجل لمّا دعاه إلی التحکیم : «ثم إنّک قد دعوتنی إلی حکم القرآن ، ولقد علمت أنّک لست من أهل القرآن ولا حکمه ترید ، والله المستعان».

کتاب صفّین (ص 556) ، نهج البلاغة (2 / 56) ، شرح ابن أبی الحدید (1 / 118) (2).

19 - من کتاب له علیه السلام إلی الرجل : «أمّا بعد : فقد آن لک أن تنتفع باللمح الباصر من عیان الأمور ، فلقد سلکت مدارج أسلافک بادّعائک الأباطیل ، واقتحامک غرور المَیْن والأکاذیب ، من انتحالک ما قد علا عنک ، وابتزازک لما قد اختزن دونک ، فراراً من الحقّ ، وجحوداً لما هو ألزم لک من لحمک ودمک ، ممّا قد وعاه سمعک ، ومُلئ به صدرک ، فما ذا بعد الحقّ إلاّ الضلال المبین».

نهج البلاغة (3) (2 / 125).

20 - من کتاب له علیه السلام إلی الرجل : «متی کنتم یا معاویة ساسة للرعیّة؟ 5.

ص: 214


1- نهج البلاغة : ص 410 کتاب 37 ، شرح نهج البلاغة : 16 / 153 کتاب 37.
2- وقعة صفّین : ص 494 ، نهج البلاغة ص 423 کتاب 48 ، شرح نهج البلاغة : 2 / 226 خطبة 35.
3- نهج البلاغة : ص 455 کتاب 65.

أو ولاة لأمر هذه الأُمّة بغیر قدم حسن؟ ولا شرف سابق (1) علی قومکم ، فشمّر لما قد نزل بک ، ولا تمکّن الشیطان من بغیته فیک ، مع أنّی أعرف أنّ الله ورسوله صادقان ، فنعوذ بالله من لزوم سابق الشقاء ، وإلاّ تفعل أعلمک ما أغفلک من نفسک ، فإنّک مترف قد أخذ منک الشیطان مأخذه ، فجری منک مجری الدم فی العروق».

کتاب صفّین (ص 422) ، نهج البلاغة (2 / 11) ، شرح ابن أبی الحدید (3 / 412) (2).

21 - من کتاب له علیه السلام إلی الرجل : «فاتّق الله فیما لدیک ، وانظر فی حقّه علیک ، وارجع إلی معرفة مالا تعذر بجهالته ، فإنّ للطاعة أعلاماً واضحة ، وسبلاً نیّرة ، ومحجّة نهجة ، وغایة مطلوبة (3) یردها الأکیاس ، ویخالفها الأنکاس ، من نکب عنها جار عن الحقّ ، وخبط فی التیه ، وغیّر الله نعمته ، وأحلّ به نقمته ، فنفسک نفسک ، فقد بیّن الله لک سبیلک ، وحیث تناهت بک أُمورک فقد أجریت إلی غایة خسر ومحلّة کفر ، وإنّ نفسک قد أولجتک شرّا ، وأقحمتک غیّا ، وأوردتک المهالک ، وأوعرت علیک المسالک»

نهج البلاغة (4) (2 / 36 ، 37).

22 - من کتاب له علیه السلام إلی الرجل جواباً : «أمّا بعد : فإنّا کنّا نحن وأنتم علی ما ذکرت من الإلفة والجماعة ، ففرّق بیننا وبینکم أمس أنّا آمنّا وکفرتم ، والیوم أنّا استقمنا وفُتِنتم ، وما أسلم مسلمکم إلاّ کرهاً ، وبعد أن کان أنف الإسلام کلّه 0.

ص: 215


1- فی نهج البلاغة [ص 370] : باسق. (المؤلف)
2- وقعة صفّین : ص 109 ، نهج البلاغة : ص 370 کتاب 10 ، شرح نهج البلاغة : 15 / 87 کتاب 10.
3- فی المصدر : مطّلبة.
4- نهج البلاغة : ص 390 کتاب 30.

لرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم حزباً».

ومنه : «وعندی السیف الذی أعضضته بجدّک وخالک وأخیک فی مقام واحد ، وإنّک والله ما علمتُ لأغلفُ القلب ، المقاربُ (1) العقل ، والأَولی أن یقال لک : إنّک رقیت سلّماً أطلعک مطلع سوء علیک لآلک ، لأنّک نشدت غیر ضالّتک ، ورعیت غیر سائمتک ، وطلبت أمراً لست من أهله ولا فی معدنه ، فما أبعد قولک من فعلک! وقریب ما أشبهت من أعمام وأخوال حملتهم الشقاوة ، وتمنّی الباطل علی الجحود بمحمد صلی الله علیه وآله وسلم ، فصُرعوا مصارعهم حیث علمت ، لم یدفعوا عظیماً ، ولم یمنعوا حریماً بوقع سیوف ما خلا منها الوغی ، ولم تُماشِها الهوینی (2)».

نهج البلاغة (3) (2 / 124).

23 - من کتاب له علیه السلام إلی الرجل جواباً : «وأمّا قولک : إنّا بنو عبد مناف لیس لبعضنا علی بعض فضل ، فلعمری إنّا بنو أب واحد ، ولکن لیس أُمیّة کهاشم ، ولا حرب کعبد المطّلب ، ولا أبو سفیان کأبی طالب. ولا المهاجرکالطلیق ، ولا الصریح کاللصیق ، ولا المحقّ کالمبطل ، ولا المؤمن کالمدغل ، ولبئس الخلف خلف یتّبع سلفاً هوی فی نار جهنّم» (4).

قال ابن أبی الحدید (5) فی شرح ذیل هذا الکلام (3 / 423) : هل یُعاب المسلم بأنّ سلفه کان کفّاراً؟ قلت : نعم إذا تبع آثار سلفه ، واحتذی حذوهم ، وأمیر المؤمنین علیه السلام ما عاب معاویة بأنّ سلفه کفّار فقط ، بل بکونه متّبعاً لهم.

24 - من کتاب له علیه السلام إلی الرجل : «ما أنت والفاضل والمفضول ، والسائس 7.

ص: 216


1- مقارب العقل : ناقصه ضعیفه. (المؤلف)
2- أی لم ترافقها المساهلة. (المؤلف)
3- نهج البلاغة : ص 454 کتاب 64.
4- راجع : 3 / 254. (المؤلف)
5- شرح نهج البلاغة : 15 / 119 کتاب 17.

والمسوس؟ وما للطلقاء وأبناء الطلقاء والتمییز بین المهاجرین الأوّلین ، وترتیب درجاتهم وتعریف طبقاتهم؟ هیهات لقد حنّ قدح لیس منها ، وطفق یحکم فیها من علیه الحکم لها ، ألا تربع أیّها الإنسان علی ظلعک ، وتعرف قصور ذرعک ، وتتأخّر حیث أخّرک القدر؟ فما علیک غلبة المغلوب ، ولا لک ظفر الظافر ، وإنک لذهّاب فی التیه ، روّاغ عن القصد».

نهج البلاغة (2 / 30) ، صبح الأعشی (1 / 229) ، نهایة الأرب (7 / 234) (1).

25 - من کتاب له علیه السلام إلی مخنف بن سلیم : «إنّا قد هممنا بالسیر إلی هؤلاء القوم الذین عملوا فی عباد الله بغیر ما أنزل الله ، واستأثروا بالفیء ، وعطّلوا الحدود ، وأماتوا الحقّ ، وأظهروا فی الأرض الفساد ، واتّخذوا الفاسقین ولیجة من دون المؤمنین ، فإذا ولیّ الله أعظمَ أحداثهَم أبغضوه وأَقصَوْه وحرموه ، وإذا ظالم ساعدهم علی ظلمهم أحبّوه وأدنوه وبرّوه ، فقد أصرّوا علی الظلم ، وأجمعوا علی الخلاف ، وقدیماً صدّوا عن الحقّ ، وتعاونوا علی الإثم وکانوا ظالمین».

شرح ابن أبی الحدید (2) (1 / 282).

26 - من کتاب له علیه السلام إلی عمرو بن العاص : «لا تجارِینّ (3) معاویة فی باطله ، فإنّ معاویة غمص (4) الناس ، وسفه الحقّ».

کتاب صفّین (ص 124) ، شرح ابن أبی الحدید (1 / 189 و 4 / 114) (5)

27 - من کتاب له علیه السلام إلی عمرو بن العاص : «أمّا بعد : فإنّک ترکت مروءتک 9.

ص: 217


1- نهج البلاغة : ص 386 کتاب 28 ، صبح الأعشی : 1 / 275.
2- شرح نهج البلاغة : 3 / 182 خطبة 46.
3- فی شرح النهج : لا تشرک. (المؤلف)
4- غمص الناس : احتقرهم ولم یرهم شیئاً. (المؤلف)
5- وقعة صفّین : ص 110 ، شرح نهج البلاغة : 2 / 227 خطبة 35 ، 17 / 15 الأصل 49.

لامرئ فاسق مهتوک ستره ، یشین الکریم بمجلسه ، ویسفه الحلیم بخلطته ، فصار قلبک لقلبه تبعاً کما قیل : وافق شنّ طبقة ، فسلبک دینک وأمانتک ودنیاک وآخرتک». راجع الجزء الثانی من کتابنا هذا (ص 130) وفیه قوله : «فإن یمکن الله منک ومن ابن آکلة الأکباد ألحقتکما بمن قتله الله من ظلمة قریش علی رسول الله ، وإن تعجزا وتبقیا بعدی فالله حسبکما ، وکفی بانتقامه انتقاماً ، وبعقابه عقاباً» (1).

28 - من کتاب له - صلوات الله علیه - إلی محمد بن أبی بکر وأهل مصر : «إیّاکم ودعوة الکذّاب ابن هند ، وتأمّلوا واعلموا أنّه لا سواء إمام الهدی ، وإمام الردی ، ووصیّ النبیّ وعدوّ النبیّ ، جعلنا الله وإیّاکم ممّن یحبّ ویرضی».

شرح ابن أبی الحدید (2) (2 / 26) ، جمهرة الرسائل (1 / 540).

29 - من کتاب له علیه السلام إلی محمد بن أبی بکر ، وقد بعث إلیه علیه السلام ما کتبه معاویة وعمرو إلیه ، وسیوافیک نصّه : «قد قرأت کتاب الفاجر ابن الفاجر معاویة ، والفاجر ابن الکافر عمرو ، المتحابّین فی عمل المعصیة ، والمتوافقین المرتشیین فی الحکومة ، المنکَرَین (3) فی الدنیا ، قد استمتعوا بخلاقهم کما استمتع الذین من قبلهم بخلاقهم ، فلا یضرّنک إرعادهما وإبراقهما».

تاریخ الطبری (6 / 58) ، شرح ابن أبی الحدید (2 / 32) (4).

30 - من کتاب له علیه السلام إلی أهل العراق : «فأیقظوا رحمکم الله نائمکم ، وأجمعوا علی حقّکم ، وتجرّدوا لحرب عدوّکم ، قد أبدت الرغوة عن الصریح ، وبان الصبح لذی عینین ، إنّما تقاتلون الطلقاء وأبناء الطلقاء ، وأولی الجفاء ، ومن أسلم کرهاً وکان 4.

ص: 218


1- نهج البلاغة : ص 411 کتاب 39.
2- شرح نهج البلاغة : 6 / 71 خطبة 67.
3- المنکرین بصیغة المفعول ، وفی شرح ابن أبی الحدید : والمتکبرّین علی أهل الدین. (المؤلف)
4- تاریخ الأُمم والملوک : 5 / 102 حوادث سنة 38 ه ، شرح نهج البلاغة : 6 / 84.

لرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أنف الإسلام کلّه حربا ، أعداء الله والسنّة والقرآن ، وأهل الأحزاب والبدع والأحداث ، ومن کانت بوائقه تُتّقی ، وکان علی الإسلام مَخوفاً (1) ، أکلة الرشا وعبدة الدنیا.

لقد أُنهی إلیّ أنّ ابن النابغة لم یبایع معاویة حتی أعطاه ، وشرط علیه أن یُعطیه إتاوة هی أعظم ممّا فی یدیه من سلطانه ، ألا صفرت ید هذا البائع دینه بالدنیا ، وتربت ید هذا المشتری نصرة غادر فاسق بأموال المسلمین ، وإنّ منهم لمن قد شرب فیکم الخمر وجُلِد حدّا فی الإسلام (2) ، یُعرف بالفساد فی الدین والفعل السیّئ ، وإنّ فیهم من لم یُسلم حتی رضخ له علی الإسلام رضیخة (3) فهؤلاء قادة القوم ، ومن ترکت ذکر مساوئه من قادتهم مثل من ذکرت منهم بل هو شرّ وأضرّ ، وهؤلاء الذین ذکرت لو ولّوا علیکم لأظهروا فیکم الکفر والفخر والفجور والتسلّط بجبریة (4) ، والتطاول بالغضب ، والفساد فی الأرض ، ولاتّبعوا الهوی ، وما حکموا بالرشاد - إلی قوله : - أفلا تسخطون وتهتمّون أن ینازعکم الولایة علیکم سفهاؤکم والأشرار والأراذل منکم ، فاسمعوا قولی وأطیعوا أمری ، فو الله لئن أطعتمونی لا تغوون ، وإن عصیتمونی لا ترشدون ، خذوا للحرب أُهبتها ، وأعدّوا لها عدّتها ، فقد شبّت نارها ، وعلا سنانها ، وتجرّد لکم فیها الفاسقون کی یعذّبوا عباد الله ، ویطفئوا نور الله ، ألا إنّه لیس أولیاء الشیطان من أهل الطمع ، والمکر ، والجفاء ، بأولی فی الجدّ فی غیّهم وضلالتهم من أهل البرّ ، والزهادة ، والإخبات ، فی حقّهم وطاعة ربّهم [وإنّی] (5) ، والله لو لقیتهم فرداً وهم ملء الأرض ما بالیت ولا استوحشت ، وإنّی من ضلالتهم التی هم ة.

ص: 219


1- فی الإمامة والسیاسة : منحرفاً.
2- یعنی الولید بن عقبة. (المؤلف)
3- یعنی معاویة. راجع جمهرة الرسائل : 1 / 551 [رقم 505]. (المؤلف)
4- کذا فی شرح النهج ، وفی الإمامة والسیاسة : والتسلّط بالجبروت.
5- الزیادة من الإمامة والسیاسة.

فیها ، والهدی الذی نحن علیه ، لعلی ثقة وبیّنة ، ویقین وبصیرة ، وإنّی إلی لقاء ربّی لمشتاق ، ولحسن ثوابه لمنتظر ، ولکنّ أسفاً یعترینی ، وحزناً یخامرنی ، أن یلی أمر هذه الأُمّة سفهاؤها وفجّارها ، فیتّخذوا مال الله دولا ، وعباد الله خولا ، والصالحین حربا ، والقاسطین حزبا».

الإمامة والسیاسة (1 / 113) ، شرح ابن أبی الحدید (2 / 37) (1).

31 - من کتاب له علیه السلام إلی زیاد بن أبیه : «إنّ معاویة کالشیطان الرجیم ، یأتی المرء من بین یدیه ومن خلفه ، وعن یمینه وعن شماله ، فاحذره ثم احذره ثم احذره والسلام».

شرح ابن أبی الحدید (2) (4 / 68).

32 - من خطبة له علیه السلام حین أمر أصحابه بالمسیر إلی حرب معاویة قال : «سیروا إلی أعداء الله سیروا إلی أعداء السنن والقرآن ، سیروا إلی بقیة الأحزاب ، قتلة المهاجرین والأنصار».

کتاب صفّین (ص 105) ، جمهرة الخطب (1 / 142) (3).

33 - من خطبة له علیه السلام فی الدعوة إلی جهاد الرجل : «نحن سائرون إن شاء الله إلی من سفه نفسه ، وتناول ما لیس له وما لا یدرکه ، معاویة وجنده الفئة الباغیة الطاغیة ، یقودهم إبلیس ویبرق لهم ببارق تسویفه ، ویدلّیهم بغروره».

کتاب صفّین (4) (ص 126). 3.

ص: 220


1- الإمامة والسیاسة : 1 / 136 ، شرح نهج البلاغة : 6 / 99 خطبة 67.
2- شرح نهج البلاغة : 16 / 182 کتاب 44.
3- وقعة صفّین : ص 94 ، جمهرة خطب العرب : 1 / 314 خطبة 199.
4- وقعة صفّین : ص 113.

34 - من خطبة له - سلام الله علیه - یوم صفّین : «ثمّ أتانی الناس وأنا معتزل أمرهم فقالوا لی : بایع ، فأبیت علیهم ، فقالوا لی : بایع ، فإنّ الأُمّة لا ترضی إلاّ بک ، وإنّا نخاف إن لم تفعل أن یفترق الناس. فبایعتهم فلم یَرُعنی إلاّ شقاق رجلین قد بایعانی ، وخلاف معاویة إیّای الذی لم یجعل الله له سابقة فی الدین ؛ ولا سلف صدق فی الإسلام ، طلیق ابن طلیق ، حزب من الأحزاب لم یزل لله ولرسوله وللمسلمین عدوّا هو وأبوه حتی دخلا فی الإسلام کارهین مکرهین ، فعجبنا لکم (1) ولإجلابکم معه ، وانقیادکم له ، وتدعون أهل بیت نبیّکم صلی الله علیه وآله وسلم الذین لا ینبغی لکم شقاقهم ولا خلافهم ، ولا أن تعدلوا بهم أحداً من الناس ، إنّی أدعوکم إلی کتاب الله عزّ وجلّ وسنّة نبیّکم صلی الله علیه وآله وسلم ، وإماتة الباطل ، وإحیاء معالم الدین».

کتاب صفّین (ص 227) ، تاریخ الطبری (6 / 4) ، جمهرة الخطب (1 / 161) (2).

35 - من خطبة له علیه السلام یوم صفّین : «انهدوا إلیهم ، علیکم السکینة والوقار ، وقار الإسلام ، وسیما الصالحین ، فو الله لأقرب قوم من الجهل قائدهم ومؤذنهم معاویة ، وابن النابغة ، وأبو الأعور السلمی ، وابن أبی معیط شارب الخمر ، المجلود حدّا فی الإسلام ، وهم أولی من یقومون فینقّصوننی ویجذبوننی ، وقبل الیوم ما قاتلونی ، وأنا إذ ذاک أدعوهم إلی الإسلام ، وهم یدعوننی إلی عبادة الأصنام ، الحمد لله قدیماً عادانی الفاسقون ، فعبّدهم (3) الله ، ألم یفتحوا (4)؟ إنّ هذا لهو الخطب الجلیل ، إنّ فسّاقاً کانوا غیر مرضیّین ، وعلی الإسلام وأهله متخوّفین ، خدعوا شطر هذه الأُمّة ، وأشربوا قلوبهم حبّ الفتنة ، واستمالوا أهواءهم بالإفک والبهتان ، قد نصبوا لنا ف)

ص: 221


1- عند ابن أبی الحدید : فیا عجباً لکم. الطبری : فلا غرو إلاّ خلافکم معه. (المؤلف)
2- وقعة صفّین : ص 201 ، تاریخ الأمم والملوک : 5 / 8 حوادث سنة 37 ه ، جمهرة خطب العرب : 1 / 336 رقم 226 ، وانظر شرح نهج البلاغة : 4 / 24 الخطبة 54.
3- أی ذلّلهم. المعبّد : المذلّل. (المؤلف)
4- الفتح : القهر والغلبة والتذلیل. (المؤلف)

الحرب فی إطفاء نور الله عزّ وجلّ ، اللهمّ فافضض خدمتهم (1) ، وشتّت کلمتهم ، وأبسلهم بخطایاهم ، فإنّه لا یذلّ من والیت ، ولا یعزّ من عادیت».

تاریخ الطبری (6 / 24) ، کتاب صفّین (ص 445) (2).

36 - من خطبة له علیه السلام بصفّین : «وقد عهد إلیّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم عهداً ، فلست أحید عنه ، وقد حضرتم عدوّکم ، وعلمتم أنّ رئیسهم منافق ابن منافق ، یدعوهم إلی النار ، وابن عمّ نبیّکم معکم وبین أظهرکم ، یدعوکم إلی الجنّة وإلی طاعة ربّکم ، والعمل بسنّة نبیّکم ، ولا سواء من صلّی قبل کلّ ذکر ، لا یسبقنی الصلاة مع رسول الله أحد ، وأنا من أهل بدر ، ومعاویة طلیق ابن طلیق ، والله إنّا علی الحقّ وإنّهم علی الباطل ، فلا یجتمعُنَّ علی باطلهم ، وتتفرّقوا عن حقّکم ، حتی یغلب باطلهم حقّکم ، قاتلوهم یعذّبهم الله بأیدیکم ، فإن لم تفعلوا یعذّبهم بأیدی غیرکم».

کتاب صفّین (ص 355) ، شرح ابن أبی الحدید (1 / 503) ، جمهرة الخطب (1 / 178) (3).

37 - من خطبة له علیه السلام : «أمّا بعد : فإنّ الله قد أحسن بلاءکم ، وأعزّ نصرکم ، فتوجّهوا من فورکم هذا إلی معاویة وأشیاعه القاسطین ، الذین نبذوا کتاب الله وراء ظهورهم ، واشتروا به ثمناً قلیلاً ، فبئس ما شروا به أنفسهم لو کانوا یعلمون».

الإمامة والسیاسة (1 / 110) ، تاریخ الطبری (6 / 51) ، مروج الذهب (2 / 38) ، شرح ابن أبی الحدید (1 / 179) ، جمهرة الخطب (1 / 31) (4). 6.

ص: 222


1- أی : فرّق بینهم. (المؤلف)
2- تاریخ الأمم والملوک : 5 / 45 حوادث سنة 37 ه ، وقعة صفّین : ص 391.
3- وقعة صفیّن : ص 314 ، شرح نهج البلاغة : 5 / 248 خطبة 65 ، جمهرة خطب العرب : 1 / 353 رقم 241.
4- الإمامة والسیاسة : 1 / 128 ، تاریخ الأمم والملوک : 5 / 89 حوادث سنة 37 ه ، مروج الذهب : 2 / 426 ، شرح نهج البلاغة : 2 / 192 خطبة 34 ، جمهرة خطب العرب : 1 / 418 رقم 316.

38 - من خطبة له علیه السلام یستنفر الناس لقتال معاویة : «یا أیّها الناس استعدّوا لقتال عدوّ فی جهادهم القربة إلی الله عزّ وجلّ ودرک الوسیلة عنده ، قوم حیاری عن الحقّ لا یبصرونه ، موزعین بالجور والظلم لا یعدلون به ، جفاة عن الکتاب ، نُکّب عن الدین ، یعمهون فی الطغیان ، ویتسکّعون فی غمرة الضلال ، فأعدّوا لهم ما استطعتم من قوّة ومن رباط الخیل ، وتوکّلوا علی الله وکفی بالله وکیلاً».

کتاب صفّین ، تاریخ الطبری (6 / 51) ، الإمامة والسیاسة (1 / 110) ، شرح ابن أبی الحدید (1 / 179) (1).

39 - من خطبة له علیه السلام لمّا رفع أهل الشام المصاحف علی الرماح : «عباد الله ، إنّی أحقّ من أجاب إلی کتاب الله ، ولکنّ معاویة ، وعمرو بن العاص ، وابن أبی معیط ، وحبیب بن مسلمة ، وابن أبی سرح ، لیسوا بأصحاب دین ولا قرآن ، إنّی أعرف بهم منکم ، صحبتهم أطفالاً ، وصحبتهم رجالاً ، فکانوا شرّ أطفال وشرّ رجال ، إنّها کلمة حقّ یُراد بها الباطل. إنّهم والله ما رفعوها أنّهم یعرفونها ویعملون بها ، ولکنّها الخدیعة والوهن والمکیدة ، أعیرونی سواعدکم وجماجمکم ساعة واحدة ، فقد بلغ الحقّ مقطعه ، ولم یبق إلاّ أن یُقطع دابر الذین ظلموا».

کتاب صفّین (ص 179) ، تاریخ الطبری (6 / 27) ، الکامل لابن الأثیر (2 / 136) (2).

40 - قیل لعلیّ - سلام الله علیه - یوم صالح : أتقرّ أنّهم مؤمنون مسلمون؟ فقال علیّ : «ما أُقرّ لمعاویة ولا لأصحابه أنّهم مؤمنون ولا مسلمون ، ولکن یکتب معاویة .

ص: 223


1- تاریخ الأمم والملوک : 5 / 90 ، الإمامة والسیاسة : 1 / 129 ، شرح نهج البلاغة : 2 / 194 خطبة 34.
2- وقعة صفّین : ص 489 ، تاریخ الأمم والملوک : 5 / 48 ، الکامل فی التاریخ : 2 / 386 حوادث سنة 37 ه.

ما شاء بما شاء لنفسه ولأصحابه ، ویسمّی نفسه بما شاء وأصحابه».

کتاب صفّین (ص 584) ، شرح ابن أبی الحدید (1 / 191) (1).

41 - کان علیّ علیه السلام إذا صلّی الغداة یقنت فیقول : «اللهمّ العن معاویة ، وعَمْراً ، وأبا الأعور السلمی ، وحبیباً ، وعبد الرحمن بن خالد ، والضحّاک بن قیس ، والولید» وکانت عائشة تدعو فی دبر الصلاة علی معاویة.

مرّ الحدیث بتفصیله فی (2 / 120 ، 121 الطبعة الأولی) (2).

42 - کتب معاویة کتاباً إلی أبی أیّوب الأنصاری صاحب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، فأخبر بذلک علیّا علیه السلام فقال : یا أمیر المؤمنین إنّ معاویة کهف المنافقین ، کتب إلیّ بکتاب.

شرح ابن أبی الحدید (3) (2 / 280).

43 - من کتاب لقیس بن سعد بن عبادة أمیر الخزرج إلی معاویة مرّ فی (2 / 89 الطبعة الأولی) (4) : أمّا بعد : فإنّما أنت وثن ابن وثن ، دخلت فی الإسلام کرهاً ، وخرجت منه طوعاً ، لم یقدم إیمانک ، ولم یحدث نفاقک. ومنه : ونحن أنصار الدین الذی خرجت منه ، وأعداء الدین الذی دخلت فیه.

وفی لفظ : أمّا بعد : فإنّما أنت وثنیّ ابن وثنیّ ، دخلت فی الإسلام کرهاً ، وأقمت فیه فرقاً ، وخرجت منه طوعاً ، ولم یجعل الله لک فیه نصیباً ، لم یقدم إیمانک ، ولم یحدث نفاقک ، ولم تزل حرباً لله ولرسوله ، وحزباً من أحزاب المشرکین ، وعدوّا لله ولنبیّه وللمؤمنین من عباده. إلی آخره. ة.

ص: 224


1- وقعة صفّین : ص 509 ، شرح نهج البلاغة : 2 / 233 خطبة 35.
2- أنظر : 2 / 197 ، 198 من هذه الطبعة.
3- شرح نهج البلاغة : 8 / 43 خطبة 124.
4- أنظر : 2 / 156 من هذه الطبعة.

44 - من کلام لقیس لمّا بویع معاویة : یا معشر الناس ، لقد اعتضتم الشرّ من الخیر ، واستبدلتم الذلّ من العزّ ، والکفر من الإیمان ، فأصبحتم بعد ولایة أمیر المؤمنین وسیّد المسلمین ، وابن عمّ رسول ربّ العالمین ، وقد ولیکم الطلیق ابن الطلیق ، یسومکم الخسف ، ویسیر فیکم بالعسف ، فکیف تجهل ذلک أنفسکم؟ أم طبع الله علی قلوبکم وأنتم لا تعقلون؟. راجع (2 / 93 الطبعة الأولی) (1).

45 - من کتاب آخر لقیس إلی الرجل : تأمرنی بالدخول فی طاعتک ، طاعة أبعد الناس من هذا الأمر ، وأقولهم للزور ، وأضلّهم سبیلاً ، وأبعدهم من رسول الله وسیلة ، ولدیک قوم ضالّون مضلّون ، طاغوت من طواغیت إبلیس. راجع (2 / 88 الطبعة الأولی) (2).

46 - کتب محمد بن أبی بکر إلی معاویة : بسم الله الرحمن الرحیم. من محمد ابن أبی بکر إلی الغاوی معاویة بن صخر ، سلام علی أهل طاعة الله ممّن هو مسلم لأهل ولایة الله.

أمّا بعد : فإنّ الله بجلاله ، وعظمته ، وسلطانه ، وقدرته ، خلق خلقاً بلا عنت ولا ضعف فی قوّته ، ولا حاجة به إلی خلقهم ، ولکنّه خلقهم عبیداً ، وجعل منهم شقیّا وسعیداً ، وغویّا ورشیداً ، ثم اختارهم علی علمه ، فاصطفی وانتخب منهم محمداً صلی الله علیه وآله وسلم فاختصّه برسالته ، واختاره لوحیه ، وائتمنه علی أمره ، وبعثه رسولاً مصدّقاً لما بین یدیه من الکتب ، ودلیلاً علی الشرائع ، فدعا إلی سبیل ربّه بالحکمة والموعظة الحسنة ، فکان أوّل من أجاب وأناب ، وصدّق ووافق ، وأسلم وسلّم ، أخوه وابن عمّه علیّ ابن أبی طالب علیه السلام ، فصدّقه بالغیب المکتوم ، وآثره علی کلّ حمیم فوقاه کلّ هول ، وواساه بنفسه فی کلّ خوف ، فحارب حربه ، وسالم سلمه ، فلم یبرح مبتذلاً لنفسه فی ة.

ص: 225


1- أنظر : 2 / 162 من هذه الطبعة.
2- أنظر : 2 / 155 من هذه الطبعة.

ساعات الأزل (1) ، ومقامات الروع ، حتی برز سابقاً لا نظیر له فی جهاده ، ولا مقارب له فی فعله ، وقد رأیتک تسامیه وأنت أنت ، وهو هو ، المبرّز السابق فی کلّ خیر ، أوّل الناس إسلاماً ، وأصدق الناس نیّة ، وأطیب الناس ذرّیة ، وأفضل الناس زوجة ، وخیر الناس ابن عمّ ، وأنت اللعین ابن اللعین.

ثم لم تزل أنت وأبوک تبغیان الغوائل لدین الله ، وتجهدان علی إطفاء نور الله ، وتجمعان علی ذلک الجموع ، وتبذلان فیه المال ، وتحالفان فیه القبائل ، علی ذلک مات أبوک ، وعلی ذلک خلفته ، والشاهد علیک بذلک من یأوی ویلجأ إلیک من بقیّة الأحزاب ، ورؤوس النفاق والشقاق لرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، والشاهد لعلیّ مع فضله المبین ، وسبقه القدیم ، أنصاره الذین ذکروا بفضلهم فی القرآن ، فأثنی الله علیهم من المهاجرین والأنصار ، فهم معه عصائب وکتائب حوله ، یُجالدون بأسیافهم ویُهریقون دماءهم دونه ، یرون الفضل فی اتّباعه ، والشقاء فی خلافه ، فکیف - یا لک الویل - تعدل نفسک بعلیّ؟ وهو وارث رسول الله ووصیّه وأبو ولده ، وأوّل الناس [له] (2) اتّباعا ، وآخرهم به عهداً ، یخبره بسرّه ، ویُشرکه فی أمره ، وأنت عدوّه وابن عدوّه؟ فتمتّع ما استطعت بباطلک ، ولیمدد لک ابن العاصی فی غوایتک ، فکأنّ أجلک قد انقضی ، وکیدک قد وهی ، وسوف یستبین لمن تکون العاقبة العلیا ، وأعلم أنّک إنّما تکاید ربّک الذی قد أمنت کیده ، وأیست من روحه ، وهو لک بالمرصاد ، وأنت منه فی غرور. وبالله وأهل رسوله عنک الغناء ، والسلام علی من اتّبع الهدی.

مروج الذهب (2 / 59) ، کتاب صفّین (ص 132) ، شرح ابن أبی الحدید (1 / 283) جمهرة الرسائل (1 / 542) (3).6.

ص: 226


1- الأزل : الضیق والشدّة. (المؤلف)
2- الزیادة من شرح النهج.
3- مروج الذهب : 3 / 20 ، وقعة صفّین : ص 118 ، شرح نهج البلاغة : 3 / 188 کتاب : 46.

47 - من کتاب آخر لمحمد بن أبی بکر إلی معاویة : أنا أرجو أن تکون الدائرة علیکم ، وأن یهلککم الله فی الوقعة ، وأن ینزل بکم الذلّ ، وأن تولّوا الدبر ، وإن تؤتوا النصر ویکن لکم الأمر فی الدنیا ، فکم لعمری من ظالم قد نصرتم ، وکم من مؤمن قد قتلتم ومثلتم به ، وإلی الله مصیرکم ومصیرهم ، وإلی الله مردّ الأمور ، وهو أرحم الراحمین.

تاریخ الطبری (6 / 58) ، شرح ابن أبی الحدید (2 / 32) (1).

48 - قال معن بن یزید بن الأخنس السلمی الصحابی ممّن شهد بدراً لمعاویة : ما ولدت قرشیّة من قرشی شرّا منک.

الإصابة (3 / 450).

49 - من کتاب الإمام السبط أبی محمد الحسن علیه السلام إلی معاویة : «فالیوم فلیتعجّب المتعجّب من توثّبک یا معاویة علی أمر لست من أهله ، لا بفضل فی الدین معروف ، ولا أثر فی الإسلام محمود ، وأنت ابن حزب من الأحزاب ، وابن أعدی قریش لرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ولکتابه ، والله حسیبک ، فستردّ وتعلم لمن عقبی الدار ، وبالله لتلقینّ عن قلیل ربّک ، ثم لیجزینّک بما قدّمت یداک ، وما الله بظلاّم للعبید».

مقاتل الطالبیین (ص 22) ، شرح ابن أبی الحدید (4 / 12) ، جمهرة الرسائل (2 / 9) (2).

50 - لمّا قدم معاویة المدینة صعد المنبر فخطب ، وقال : من ابن علیّ؟ ومن علیّ؟ فقام الحسن ، فحمد الله وأثنی علیه ثم قال : «إنّ الله عزّ وجلّ لم یبعث بعثاً إلاّ جعل له عدوّا من المجرمین ، فأنا ابن علی وأنت ابن صخر ، وأمّک هند وأمّی فاطمة ، وجدّتک قتیلة (3) وجدّتی خدیجة ، فلعن الله ألأمنا حسباً ، وأخملنا ذکراً ، وأعظمنا کفراً ، وأشدّنا ة.

ص: 227


1- تاریخ الأُمم والملوک : 5 / 102 حوادث سنة 38 ه ، شرح نهج البلاغة : 6 / 85 خطبة 67.
2- مقاتل الطالبیین : ص 65 ، شرح نهج البلاغة : 16 / 34 وصیة 31.
3- کذا فی شرح النهج ، وفی المستطرف والإتحاف : قیلة.

نفاقاً». فصاح أهل المسجد : آمین آمین. فقطع معاویة خطبته ودخل منزله (1).

وفی لفظ :

خطب معاویة بالکوفة حین دخلها ، والحسن والحسین جالسان تحت المنبر ، فذکر علیّا علیه السلام فنال منه ، ثم نال من الحسن ، فقام الحسین لیردّ علیه ، فأخذه الحسن بیده فأجلسه ، ثم قام فقال :

«أیّها الذاکر علیّا أنا الحسن وأبی علیّ ، وأنت معاویة ، وأبوک صخر ، وأُمّی فاطمة ، وأُمّک هند ، وجدّی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وجدّک عتبة بن ربیعة ، وجدّتی خدیجة ، وجدّتک قتیلة ، فلعن الله أخملنا ذکراً ، وألأمنا حسباً ، وشرّنا قدیماً وحدیثاً ، وأقدمنا کفراً ونفاقاً». فقال طوائف من أهل المسجد : آمین (2).

51 - أرسل معاویة إلی الحسن - السبط الزکی - یسأله أن یخرج فیقاتل الخوارج ، فقال الحسن : «سبحان الله ترکت قتالک وهو لی حلال لصلاح الأُمّة وأُلفتهم ، أفترانی أقاتل معک؟».

شرح ابن أبی الحدید (3) (4 / 6).

52 - کتب الإمام السبط أبو عبد الله علیه السلام إلی معاویة : «أمّا بعد : فقد جاءنی کتابک تذکر فیه أنّه انتهت إلیک عنّی أمور لم تکن تظنّنی بها رغبةً بی عنها ، وإنّ الحسنات لا یهدی لها ولا یُسدّد إلیها إلاّ الله تعالی ، وأمّا ما ذکر أنّه رُقی إلیک عنّی ، فإنّما رقاه الملاّقون المشّاؤون بالنمیمة ، المفرّقون بین الجمع ، وکذب الغاوون المارقون ، ما أردت حرباً ولا خلافاً ، وإنّی لأخشی الله فی ترک ذلک منک ومن حزبک القاسطین 1.

ص: 228


1- المستطرف : 1 / 157 [1 / 130] ، الإتحاف ص 10 [ص 36]. (المؤلف)
2- شرح ابن أبی الحدید : 4 / 16 [16 / 46 الوصیة 31]. (المؤلف)
3- شرح نهج البلاغة : 16 / 14 وصیة 31.

المحلّین ، حزب الظالم ، وأعوان الشیطان الرجیم.

ألست قاتل حُجر وأصحابه العابدین المخبتین الذین کانوا یستفظعون البدع ، ویأمرون بالمعروف وینهون عن المنکر ، فقتلتهم ظلماً وعدواناً من بعد ما أعطیتهم المواثیق الغلیظة ، والعهود المؤکّدة (1) جرأة علی الله واستخفافاً بعهده؟

أولست بقاتل عمرو بن الحمق ، الذی أخلقت وأبلت وجهه العبادة ، فقتلته من بعد ما أعطیته من العهود ما لو فهمته العصم نزلت من سقف الجبال؟

أولست المدّعی زیاداً فی الإسلام ، فزعمت أنّه ابن أبی سفیان ، وقد قضی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أنّ الولد للفراش وللعاهر الحجر ، ثم سلّطته علی أهل الإسلام یقتلهم ویقطّع أیدیهم وأرجلهم من خلاف ، ویصلّبهم علی جذوع النخل؟

سبحان الله یا معاویة! لکأنّک لست من هذه الأُمّة ؛ ولیسوا منک.

أولست قاتل الحضرمی (2) ، الذی کتب إلیک فیه زیاد أنّه علی دین علیّ علیه السلام ، ودین علیّ هو دین ابن عمّه صلی الله علیه وآله وسلم الذی أجلسک مجلسک الذی أنت فیه ، ولولا ذلک کان أفضل شرفک وشرف آبائک تجشّم الرحلتین : رحلة الشتاء والصیف ، فوضعها الله عنکم بنا منّة علیکم؟ وقلت فیما قلت : لا تردنّ هذه الأُمّة فی فتنة ، وإنّی لا أعلم لها فتنة أعظم من إمارتک علیها ، وقلت فیما قلت : انظر لنفسک ولدینک ولأمّة محمد ، وإنّی والله ما أعرف أفضل من جهادک ، فإن أفعل فإنّه قربة إلی ربّی ، وإن لم أفعله فاستغفر الله لدینی ، وأسأله التوفیق لما یحبّ ویرضی. وقلت فیما قلت : متی تکِدْنی أَکِدْک (3) ، فکِدْنی یا معاویة ما بدا لک ، فلعمری لقدیماً یُکاد الصالحون ، وإنّی ف)

ص: 229


1- سیأتی بیان العهود المعزوّة إلیها فی هذا الجزء إن شاء الله. (المؤلف)
2- سیوافیک تفصیل قتل الحضرمی فی الجزء الحادی عشر. (المؤلف)
3- هذه الجملة لا توجد فی کلام معاویة. (المؤلف)

لأرجو أن لا تضرّ إلاّ نفسک ، ولا تمحق إلاّ عملک ، فَکِدْنی ما بدا لک ، واتّق الله یا معاویة واعلم أنّ لله کتاباً لا یغادر صغیرة ولا کبیرة إلاّ أحصاها ، واعلم أنّ الله لیس بناس لک قتلک بالظنّة ، وأخذک بالتهمة ، وإمارتک صبیّا یشرب الشراب ، ویلعب بالکلاب ، ما أراک إلاّ قد أوبقت نفسک ، وأهلکت دینک ، وأضعت الرعیّة. والسلام»

الإمامة والسیاسة (1) (1 / 131 وفی طبعة : ص 148) ، جمهرة الرسائل (2 / 67).

53 - خطب الإمام السبط الحسین الشهید - سلام الله علیه - لمّا قدم معاویة المدینة حاجّا ، وأخذ البیعة لیزید ، وخطب ومدح یزید الطاغیة ، ووصفه بالعلم بالسنّة ، وقراءة القرآن ، والحلم الذی یرجح بالصمّ الصلاب. فقام الحسین فحمد الله وصلّی علی الرسول صلی الله علیه وآله وسلم ثم قال :

«أمّا بعد یا معاویة : فلن یؤدّی القائل - وإن أطنب - فی صفة الرسول صلی الله علیه وآله وسلم من جمیع جزءاً ، قد فهمت ما ألبست به الخلف بعد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم من إیجاز الصفة ، والتنکّب عن استبلاغ البیعة ، وهیهات هیهات یا معاویة ، فضح الصبح فحمة الدجی ، وبهرت الشمس أنوار السرج ، ولقد فضّلت حتی أفرطت ، واستأثرت حتی أجحفت ، ومنعت حتی بَخِلت ، وجُرْتَ حتی جاوزت ، ما بذلت لذی حقّ من أتمّ حقّه بنصیب حتی أخذ الشیطان حظّه الأوفر ، ونصیبه الأکمل.

وفهمت ما ذکرته عن یزید ، من اکتماله وسیاسته لأُمّة محمد صلی الله علیه وآله وسلم ، ترید أن توهم الناس فی یزید ، کأنّک تصف محجوباً أو تنعت غائباً ، أو تخبر عمّا کان ممّا احتویته بعلم خاصّ ، وقد دلّ یزید من نفسه علی موقع رأیه ، فخذ لیزید فیما أخذ به من استقرائه الکلاب المتهارشة عند التحارش (2) ، والحمام السبّق لأترابهنّ ، والقینات ذوات المعازف ، وضروب الملاهی ، تجده ناصراً. ودع عنک ما تحاول ، فما أغناک أن ش.

ص: 230


1- الإمامة والسیاسة : 1 / 155.
2- کذا فی جمهرة الخطب ، وفی الإمامة والسیاسة : عند التهارش.

تلقی الله بوزر هذا الخلق أکثر ممّا أنت لاقیه! فو الله ما برحتَ تقدّم باطلاً فی جور ، وحنقاً فی ظلم ، حتی ملأت الأسقیة ، وما بینک وبین الموت إلاّ غمضة ، فتقدم علی عمل محفوظ فی یوم مشهود ، ولات حین مناص.

ورأیتک عرّضت بنا بعد هذا الأمر ، ومنعتنا عن آبائنا تُراثاً ، ولقد - لعمر الله - أورثنا الرسول علیه الصلاة والسلام ولادة ، وجئت لنا بما حججتم به القائم عند موت الرسول علیه الصلاة والسلام ، فأذعن للحجّة بذلک ، وردّه الإیمان إلی النَّصف ، فرکبتم الأعالیل ، وفعلتم الأفاعیل ، وقلتم : کان ویکون ، حتی أتاک الأمر یا معاویة من طریق کان قصدها لغیرک ، فهناک فاعتبروا یا أولی الأبصار». الخطبة.

الإمامة والسیاسة (1 / 153) ، جمهرة الخطب (2 / 242) (1).

54 - من کلام لابن عباس ألقاه فی البصرة : أیّها الناس استعدّوا للمسیر إلی إمامکم ، وانفروا فی سبیل الله خفافاً وثقالاً ، وجاهدوا بأموالکم وأنفسکم ، فإنّکم تقاتلون المحلّین القاسطین الذین لا یقرؤون القرآن ، ولا یعرفون حکم الکتاب ، ولا یدینون دین الحقّ مع أمیر المؤمنین. فقام إلیه عمرو بن مرجوم العبدی ، فقال : وفّق الله أمیر المؤمنین ، وجمع له أمر المسلمین ، ولعن المحلّین القاسطین الذین لا یقرؤون القرآن ، نحن والله علیهم حَنِقون ، ولهم فی الله مفارقون.

کتاب صفّین (2) (ص 130 ، 131).

55 - من کلام لعمّار بن یاسر یوم صفّین : یا أهل الاسلام ، أتریدون أن تنظروا إلی من عادی الله ورسوله وجاهدهما ، وبغی علی المسلمین ، وظاهر المشرکین ، فلمّا أراد الله أن یظهر دینه وینصر رسوله ، أتی النبیّ - صلّی الله علیه وآله - فأسلم ، وهو والله7.

ص: 231


1- الإمامة والسیاسة : 1 / 160 ، جمهرة خطب العرب : 2 / 255 رقم 246.
2- وقعة صفّین : ص 116 ، 117.

فیما یری راهب غیر راغب ، وقبض الله رسوله - صلی الله علیه وآله وسلم - وإنّا والله لنعرفه بعداوة المسلم ومودّة المجرم. ألا وإنّه معاویة ، فالعنوه لعنه الله ، وقاتلوه فإنّه ممّن یطفی نور الله ، ویظاهر أعداء الله.

راجع (1) : تاریخ الطبری (6 / 7) ، کتاب صفین (ص 240) ، الکامل لابن الأثیر (3 / 136).

56 - من مقال لعبد الله بن بُدیل یوم صفّین : إنّ معاویة ادّعی ما لیس له ، ونازع الأمر أهله ومن لیس مثله ، وجادل بالباطل لیدحض به الحقّ ، وصال علیکم بالأعراب والأحزاب ، وزیّن لهم الضلالة ، وزرع فی قلوبهم حبّ الفتنة ، ولبّس علیهم الأمر ، وزادهم رجساً إلی رجسهم ، وأنتم والله علی نور من ربّکم وبرهان مبین ، قاتلوا الطغام الجفاة ولا تخشوهم ، وکیف تخشونهم وفی أیدیکم کتاب من ربّکم ظاهر مبرور؟ (أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ کُنْتُمْ مُؤْمِنِینَ* قاتِلُوهُمْ یُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَیْدِیکُمْ وَیُخْزِهِمْ وَیَنْصُرْکُمْ عَلَیْهِمْ وَیَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِینَ) (2) قاتلوا الفئة الباغیة الذین نازعوا الأمر أهله ، وقد قاتلتهم مع النبیّ - صلی الله علیه وآله وسلم - ، والله ما هم فی هذه بأزکی ولا أتقی ولا أبرّ ، قوموا إلی عدوّ الله وعدوّکم رحمکم الله.

تاریخ الطبری (6 / 9) ، کتاب صفّین (ص 263) ، الاستیعاب فی ترجمة عبد الله (1 / 340) ، شرح ابن أبی الحدید (1 / 483) ، جمهرة الخطب (1 / 176) (3).

57 - من خطبة لسعید بن قیس : فو الله الذی بالعباد بصیر ، أن لو کان قائدنا 9.

ص: 232


1- تاریخ الأُمم والملوک : 5 / 12 ، وقعة صفّین : ص 214 ، الکامل فی التاریخ : 2 / 371 حوادث سنة 37 ه.
2- التوبة : 13 ، 14.
3- تاریخ الأُمم والملوک : 5 / 16 حوادث سنة 37 ه ، وقعة صفّین : ص 234 ، الاستیعاب : القسم الثالث / 873 رقم 1481 ، شرح نهج البلاغة : 5 / 186 خطبة 65 ، جمهرة خطب العرب : 1 / 352 خطبة 239.

حبشیّا مجدّعاً ، إلاّ أنّ معنا من البدریّین سبعین رجلاً [لکان ینبغی لنا أن تحسُنَ بصائرنا وتطیب أنفسنا فکیف] (1) ، وإنّما رئیسنا ابن عمّ نبیّنا ، بدریّ صدق (2) ، صلّی صغیراً ، وجاهدَ مع نبیّکم کبیراً ، ومعاویة طلیق من وثاق الإسار وابن طلیق ، ألا إنّه أغوی جفاةً فأوردهم النار ، وأورثهم العار ، والله مُحِلّ بهم الذل والصغار ، ألا إنّکم ستلقون عدوّکم غداً ، فعلیکم بتقوی الله ، والجدّ ، والحزم ، والصدق والصبر ، فإنّ الله مع الصابرین ، ألا إنّکم تفوزون بقتلهم ویشْقَوْن بقتلکم ، والله لا یقتل رجل منکم رجلاً منهم إلاّ أدخل الله القاتل جنّات عدن ، وأدخل المقتول ناراً تلظّی ، لا یفتّر عنهم وهم فیه مبلسون.

کتاب صفّین (ص 266) ، شرح ابن أبی الحدید (1 / 483) ، جمهرة الخطب (1 / 179) (3).

58 - من خطبة لمالک بن الحارث الأشتر یوم صفّین : واعلموا أنّکم علی الحقّ ، وأنّ القوم علی الباطل ، یقاتلون مع معاویة ، وأنتم مع البدریّین قریب من مائة بدریّ ، ومن سوی ذلک من أصحاب محمد - صلّی الله علیه - ، أکثر ما معکم رایات قد کانت مع رسول الله - صلّی الله علیه - ومع معاویة رایات قد کانت مع المشرکین علی رسول الله - صلّی الله علیه - ، فما یشکّ فی قتال هؤلاء إلاّ میّت القلب ، فإنّما أنتم علی إحدی الحسنیین : إمّا الفتح ، وإمّا الشهادة.

کتاب صفّین (ص 268) ، شرح ابن أبی الحدید (1 / 484) ، جمهرة الخطب (1 / 183) (4).

59 - من مقال لهاشم بن عتبة المرقال : سر بنا یا أمیر المؤمنین ، إلی هؤلاء 7.

ص: 233


1- ما بین المعقوفین ساقط فی الأصل ، وأثبتناه من المصادر الثلاثة.
2- أشار إلی أنّ کونه بدریّا لیس ککون عثمان بدریّا بالتمحّل والتصنّع ، کما مرّ حدیثه فی هذا الجزء. (المؤلف)
3- وقعة صفّین : ص 236 ، شرح نهج البلاغة : 5 / 189 ، جمهرة خطب العرب : 1 / 355 رقم 242.
4- وقعة صفّین : ص 238 ، شرح نهج البلاغة : 5 / 191 ، جمهرة خطب العرب : 1 / 359 رقم 247.

القوم القاسیة قلوبهم ، الذین نبذوا کتاب الله وراء ظهورهم ، وعملوا فی عباد الله بغیر رضا الله ، فأحلّوا حرامه ، وحرّموا حلاله ، واستهوی بهم الشیطان ، ووعدهم الأباطیل ، ومنّاهم الأمانیّ حتی أزاغهم عن الهدی ، وقصد بهم قصد الردی ، وحبّب إلیهم الدنیا ... ومنه : وهم یا أمیر المؤمنین ، یعلمون منک مثل الذی نعلم ، ولکن کُتب علیهم الشقاء ، ومالت بهم الأهواء ، وکانوا ظالمین.

جمهرة الخطب (1) (1 / 151).

60 - من خطبة لابن عبّاس بصفّین : إنّ ابن آکلة الأکباد قد وجد من طغام أهل الشام أعواناً علی علیّ بن أبی طالب ابن عمّ رسول الله وصهره ، وأوّل ذکر صلّی معه ، بدریّ قد شهد مع رسول الله - صلّی الله علیه - کلّ مشاهده التی فیها الفضل ، ومعاویة وأبو سفیان مشرکان یعبدان الأصنام ، واعلموا : والله الذی ملک الملک وحده فبان به وکان أهله ، لقد قاتل علیّ بن أبی طالب مع رسول الله - صلّی الله علیه - ، وعلیّ یقول : صدق الله ورسوله ، ومعاویة وأبو سفیان یقولان : کذب الله ورسوله ، فما معاویة فی هذه بأبرّ ، ولا أتقی ، ولا أرشد ، ولا أصوب منه فی تلکم (2) ، فعلیکم بتقوی الله ، والجدّ ، والحزم ، والصبر ، وإنّکم لعلی الحقّ ، وإنّ القوم لعلی الباطل.

کتاب صفّین (ص 360) ، شرح ابن أبی الحدید (1 / 504) (3).

وسیوافیک حدیث لعن ابن عبّاس معاویة یوم عرفة فی المجتمع العام.

61 - من أبیات لعلقمة بن عمرو یوم صفّین (4) : ه.

ص: 234


1- جمهرة خطب العرب : 1 / 323 رقم 212.
2- فی وقعة صفّین : فی قتالکم.
3- وقعة صفّین : ص 318 ، شرح نهج البلاغة : 5 / 251 خطبة 65.
4- یخاطب بها رجلاً من أهل الشام اسمه عوف خرج یطلب البراز یوم صفّین ، فبرز إلیه علقمة وقتله.

ما لابن صخرٍ حرمةٌ تُرتجی

لها ثوابُ الله بل مندمهْ

لاقیتَ ما لاقی غداة الوغی

من أدرکَ الأبطالَ یا بنَ الأَمهْ

ضیّعتَ حقَّ اللهِ فی نصرةٍ

للظالم المعروف بالمظلمهْ

إنّ أبا سفیان من قبله

(إلی آخر الأبیات) (1)

62 - من شعر مجزأة بن ثور السدوسی الصحابی العظیم ، ارتجز به یوم صفّین :

أضربُهم ولا أری معاویه

الأبرجَ العین (2) العظیمَ الحاویه

هوت به فی النارِ أُمٌّ هاویه

جاوره فیها کلابٌ عاویه

أغوی طغاماً لا هدته هادیه

یروی هذا الرجز لعلیّ علیه السلام فی مروج الذهب (3) (2 / 25) وفیه : وقیل : إنّ هذا الشعر لبدیل بن ورقاء ، وکذلک عزاه إلیه - سلام الله علیه - فی لسان العرب (4) (18 / 229) ، وذکر الطبری البیت الأوّل فی تاریخه (5) (6 / 23) ونسبه إلی أمیر المؤمنین ، وذکر ابن مزاحم ثلاثة أشطر فی کتاب صفّین (6) (ص 460) وعزاها إلی أمیر المؤمنین علیه السلام وذکر الأشطر برمّتها فی (ص 454) ونسبها إلی مالک الأشتر ، ورواها لمجزأة ابن ثور فی (ص 344) وذکرها ابن أبی الحدید فی شرحه (7) (1 / 500) لمحرز بن ثور (8)ر.

ص: 235


1- وقعة صفّین : ص 195.
2- البرج : سعة العین. (المؤلف)
3- مروج الذهب : 2 / 405.
4- لسان العرب : 3 / 410.
5- تاریخ الأُمم والملوک : 5 / 42 حوادث سنة 37 ه.
6- وقعة صفّین : ص 404 ، 399 ، 305.
7- شرح نهج البلاغة : 5 / 240.
8- کذا فی الطبعة التی اعتمدها المؤلف من شرح النهج ، وفی الطبعة المعتمدة لدینا نُسبت الأبیات لمجزأة بن ثور.

نقلاً عن نصر بن مزاحم ، وتعزی إلی الأخنس کما فی الاشتقاق (1) (ص 148).

63 - قال أبو عمر فی الاستیعاب (2) (1 / 251): لمّا قُتل عثمان وبایع الناس علیّا دخل علیه المغیرة بن شعبة ، فقال له : یا أمیر المؤمنین إنّ لک عندی نصیحة ، قال : وما هی؟ قال : إن أردت أن یستقیم لک الأمر فاستعمل طلحة بن عبید الله علی الکوفة ، والزبیر بن العوام علی البصرة ، وابعث معاویة بعهده علی الشام حتی تلزمه طاعتک ، فاذا استقرّت لک الخلافة فأدرها کیف شئت برأیک. قال علیّ : «أمّا طلحة والزبیر فسأری رأیی فیهما ، وأمّا معاویة فلا والله لا أرانی [الله] (3) مستعملاً له ولا مستعیناً به ما دام علی حاله ، ولکنّی أدعوه إلی الدخول فیما دخل فیه المسلمون ، فإن أبی حاکمته إلی الله» ، وانصرف عنه المغیرة مغضباً لمّا لم یقبل عنه نصیحته ، فلمّا کان الغداة أتاه ، فقال : یا أمیر المؤمنین نظرت فیما قلت لک بالأمس وما جاوبتنی به ، فرأیت أنّک وفّقت للخیر وطلب الحقّ ، ثم خرج عنه فلقیه الحسن رضی الله عنه وهو خارج ، فقال لأبیه : «ما قال لک هذا الأعور؟» قال : «أتانی أمس بکذا وأتانی الیوم بکذا» قال : «نصح لک والله أمس ، وخدعک الیوم» ، فقال له علیّ : «إن أقررت معاویة علی ما فی یده کنت متّخذ المضلّین عضدا».

راجع ما أسلفناه فی الجزء السادس (ص 142).

64 - قال أبو عمر فی الاستیعاب (4) عند ترجمة حبیب بن مسلمة (1 / 123) : وروینا أنّ الحسن بن علیّ قال لحبیب بن مسلمة فی بعض خرجاته بعد صفّین : «یا حبیب ربّ مسیر لک فی غیر طاعة الله». فقال له حبیب : أمّا إلی أبیک فلا. فقال 0.

ص: 236


1- الاشتقاق : ص 241.
2- الاستیعاب : القسم الرابع / 1447 رقم 2483.
3- الزیادة من المصدر.
4- الاستیعاب : القسم الأول / 321 رقم 470.

له الحسن : «بلی والله لقد طاوعت معاویة علی دنیاه ، وسارعت فی هواه ، فلئن کان قام بک فی دنیاک لقد قعد بک فی دینک ، فلیتک إذ أسأت الفعل أحسنت القول ، فتکون کما قال الله تعالی : (وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَیِّئاً) (1) ، ولکنّک کما قال الله تعالی : (کَلاَّ بَلْ رانَ عَلی قُلُوبِهِمْ ما کانُوا یَکْسِبُونَ) (2)

65 - عن أبی سهیل التمیمی قال : حجّ معاویة فسأل عن امرأة من بنی کنانة کانت تنزل بالحجون یقال لها : دارمیّة الحجونیّة ، وکانت سوداء کثیرة اللحم فأُخبر بسلامتها ، فبعث إلیها فجیء بها ، فقال : ما جاء بک یا ابنة حام؟ فقالت : لست لحام إن عبتنی ، أنا امرأة من بنی کنانة ، قال : صدقت أتدرین لم بعثت إلیک؟ قالت : لا یعلم الغیب إلاّ الله ، قال : بعثت إلیک لأسألک علام أحببتِ علیّا وأبغضتنی؟ ووالیته وعادیتنی؟ قالت : أَوَتعفینی؟ قال : لا أعفیک. قالت : أمّا إذا أبیتَ فإنّی أحببت علیّا علی عدله فی الرعیّة ، وقسمِه بالسویّة ، وأبغضتک علی قتال من هو أولی منک بالأمر ، وطلبتک ما لیس لک بحقّ ، ووالیتُ علیّا علی ما عقد له رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم من الولاء ، وحبّه المساکین ، وإعظامه لأهل الدین ، وعادیتک علی سفکک الدماء ، وجورک فی القضاء ، وحکمک بالهوی. قال : فلذلک انتفخ بطنک وعظم ثدیاک ، وربت عجیزتک؟ قالت : یا هذا بهند والله کان یضرب المثل فی ذلک لا بی. قال معاویة : یا هذه اربعی فإنّا لم نقل إلاّ خیرا ، إنّه إذا انتفخ بطن المرأة تمّ خلق ولدها ، وإذا عظُم ثدیاها تروّی رضیعها ، وإذا عظمت عجیزتها رزن مجلسها ، فرجعت وسکنت ، قال لها : یا هذه هل رأیت علیّا؟ قالت : إی والله ، قال : فکیف رأیته؟ قالت : رأیته والله لم یفتنه الملک الذی فتنک ، ولم تشغله النعمة التی شغلتک ، قال : فهل سمعت کلامه؟ قالت : نعم والله ، فکان یجلو القلوب من العمی کما یجلو الزیت صدأ الطست ، قال : صدقت ، فهل لک 4.

ص: 237


1- التوبة : 102.
2- المطفّفین : 14.

من حاجة؟ قالت : أو تفعل إذا سألتک؟ قال : نعم. قالت : تعطینی مائة ناقة حمراء فیها فحلها وراعیها ، قال : تصنعین بها ما ذا؟ قالت : أغذو بألبانها الصغار ، وأستحیی بها الکبار ، واکتسب بها المکارم ، وأصلح بها بین العشائر ، قال : فإن أعطیتک ذلک فهل أحلّ عندک محلّ علیّ بن أبی طالب؟ قالت : سبحان الله أو دونه ، فأنشأ معاویة یقول :

إذا لم أعد بالحلم منّی علیکمُ

فمن ذا الذی بعدی یؤمَّلُ للحلمِ

خذیها هنیئاً واذکری فعل ماجدٍ

جزاکِ علی حربِ العداوةِ بالسلمِ

ثم قال : أما والله لو کان علیّ حیّا ما أعطاک منها شیئاً ، قالت : لا والله ولا وبرة واحدة من مال المسلمین.

العقد الفرید (1 / 162) ، بلاغات النساء لابن أبی طاهر (ص 72) (1).

66 - دخلت أروی بنت الحرث بن عبد المطّلب علی معاویة وهی عجوز کبیرة ، فلمّا رآها معاویة قال : مرحباً بک وأهلاً یا خالة ، فکیف کنت بعدنا؟ فقالت : یا بن أخی لقد کفرت ید النعمة ، وأسأت لابن عمّک الصحبة ، وتسمّیت بغیر اسمک ، وأخذت غیر حقّک ، من غیر دین کان منک ولا من آبائک ، ولا سابقة فی الإسلام بعد أن کفرتم برسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، فأتعس الله منکم الجدود ، وأضرع منکم الخدود ، وردّ الحقّ إلی أهله ولو کره المشرکون ، وکانت کلمتنا هی العلیا ، ونبیّنا صلی الله علیه وآله وسلم هو المنصور ، فولیتم علینا من بعده وتحتجّون بقرابتکم من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، ونحن أقرب إلیه منکم وأولی بهذا الأمر ، فکنّا فیکم بمنزلة هارون من موسی ، فغایتنا الجنّة وغایتکم النار.

العقد الفرید (1 / 164) ، بلاغات النساء (ص 27) (2).

67 - من حدیث طویل أسلفنا شطراً منه فی ترجمة عمرو بن العاص (2 / 133 - 13): 3.

ص: 238


1- العقد الفرید : 1 / 223 ، بلاغات النساء : ص 105.
2- العقد الفرید : 1 / 225 ، بلاغات النساء : ص 43.

فتکلّم الحسن بن علی علیه السلام ، فحمد الله وأثنی علیه ، وصلّی علی رسوله صلی الله علیه وآله وسلم ثم قال : «أمّا بعد یا معاویة : فما هؤلاء شتمونی ولکنّک شتمتنی فحشاً أَلِفْته ، وسوء رأی عُرفت به ، وخلقاً سیئاً ثبت علیه ، وبغیاً علینا عداوةً منک لمحمد وأهله ، ولکن اسمع یا معاویة واسمعوا ، فلأقولنّ فیک وفیهم ما هو دون ما فیکم.

أنشدکم الله أیّها الرهط أتعلمون أنّ الذی شتمتموه منذ الیوم صلّی القبلتین کلیهما وأنت بهما کافر ، تراها ضلالة ، وتعبد اللات والعزّی غوایة؟

وأنشدکم الله هل تعلمون أنّه بایع البیعتین کلتیهما : بیعة الفتح وبیعة الرضوان وأنت یا معاویة بإحداهما کافر ، وبالأخری ناکث؟ وأنشدکم الله هل تعلمون أنّه أوّل الناس إیماناً وأنّک یا معاویة وأباک من المؤلّفة قلوبهم ، تسرّون الکفر وتظهرون الإسلام ، وتستمالون بالأموال؟

وأنشدکم الله ألستم تعلمون أنّه کان صاحب رایة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یوم بدر وأنّ رایة المشرکین کانت مع معاویة ومع أبیه ، ثم لقیکم یوم أُحد ویوم الأحزاب ومعه رایة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ومعک ومع أبیک رایة الشرک ، وفی کلّ ذلک یفتح الله له ، ویفلج حجّته ، وینصر دعوته ، ویصدّق حدیثه ، ورسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی تلک المواطن کلّها عنه راض ، وعلیک وعلی أبیک ساخط؟

وأنشدک الله یا معاویة أتذکر یوماً جاء أبوک علی جمل أحمر ، وأنت تسوقه ، وأخوک عتبة هذا یقوده ، فرآکم رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فقال : اللهمّ العن الراکب والقائد والسائق؟ أتنسی یا معاویة الشعر الذی کتبته إلی أبیک لمّا همّ أن یسلم ، تنهاه عن ذلک

یا صخر لا تسلمنْ یوماً فتفضحَنا

بعد الذین ببدرٍ أصبحوا مِزَقا

خالی وعمّی وعمّ الأُمّ ثالثهم

وحنظل الخیر قد أهدی لنا الأرقا

لا ترکننّ إلی أمر یکلّفنا

والراقصات به فی مکة الخرقا

فالموتُ أهونُ من قولِ العداةِ : لقد

حاد ابنُ حربٍ عن العزّی إذاً فَرَقا

ص: 239

والله لما أخفیت من أمرک أکبر ممّا أبدیت.

وأنشدکم الله أیّها الرهط أتعلمون أنّ علیّا حرّم الشهوات علی نفسه بین أصحاب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فأنزل فیه (یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَیِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَکُمْ) (1) وأنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بعث أکابر أصحابه إلی بنی قریظة ، فنزلوا من حصنهم فهُزِموا ، فبعث علیّا بالرایة فاستنزلهم علی حکم الله وحکم رسوله ، وفعل فی خیبر مثلها.

ثم قال : یا معاویة أظنّک لا تعلم أنّی أعلم ما دعا به علیک رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لمّا أراد أن یکتب کتاباً إلی بنی جذیمة فبعث إلیک [ابن عباس ، فوجدک تأکل ، ثم بعثه إلیک مرّة أخری فوجدک تأکل فدعا علیک الرسول بجوعک] (2) ونهمک إلی أن تموت ، وأنتم أیّها الرهط ، نشدتکم الله ألا تعلمون أنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لعن أبا سفیان فی سبعة مواطن لا تستطیعون ردّها ، أوّلها ...» - فعدّ المواطن التی ذکرناها (ص 81 ، 82) من هذا الجزء.

راجع (3) : تذکرة السبط (ص 115) ، شرح ابن أبی الحدید (2 / 102) ، جمهرة الخطب (1 / 428).

وفی لفظ سبط ابن الجوزی : «وأنت یا معاویة نظر النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم إلیک یوم الأحزاب ، فرأی أباک علی جمل یحرّض الناس علی قتاله ، وأخوک یقود الجمل ، وأنت تسوقه ، فقال : لعن الله الراکب والقائد والسائق ، وما قابله أبوک فی مواطن 8.

ص: 240


1- المائدة : 87.
2- ما بین المعقوفین زیادة ، أثبتناها من الطبعة المعتمدة لدینا من شرح النهج ، وهی غیر موجودة فی الطبعة التی اعتمدها المؤلف رحمه الله.
3- تذکرة الخواص : ص 200 - 201 ، شرح نهج البلاغة : 6 / 288 خطبة 83 ، جمهرة خطب العرب : 2 / 22 رقم 18.

إلاّ ولعنه وکنت معه ، ولاّک عمر الشام فخنته ، ثم ولاّک عثمان فتربّصت علیه ، وأنت الذی کنت تنهی أباک عن الإسلام حتی قلت مخاطباً له :

یا صخر لا تسلمنْ طوعاً فتفضحَنا

بعد الذین ببدرٍ أصبحوا مزقا

لا ترکننّ إلی أمر تقلّدنا

والراقصات بنعمان به الحرقا

وکنت یوم بدر ، وأُحد ، والخندق ، والمشاهد کلّها تقاتل رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، وقد علمت الفراش الذی وُلدت علیه».

قال السبط فی التذکرة (1) (ص 116) : قال الأصمعی والکلبی فی المثالب : معنی قول الحسن لمعاویة : قد علمت الفراش الذی ولدت فیه : أنّ معاویة کان یقال إنّه من أربعة من قریش : عمارة بن الولید بن المغیرة المخزومی ، مسافر بن أبی عمرو ، أبی سفیان ، العبّاس بن عبد المطّلب. وهؤلاء کانوا ندماء أبی سفیان ، وکان [کلّ] منهم یُتّهم بهند.

فأمّا عمارة بن الولید فکان من أجمل رجالات قریش.

وأمّا مسافر بن أبی عمرو ، فقال الکلبی : عامّة الناس علی أنّ معاویة منه ، لأنّه کان أشدّ الناس حبّا لهند ، فلمّا حملت هند بمعاویة خاف مسافر أن یظهر أنّه منه ، فهرب إلی ملک الحیرة فأقام عنده ، ثم إنّ أبا سفیان قدم الحیرة فلقیه مسافر وهو مریض من عشقه لهند ، وقد سقی بطنه ، فسأله عن أهل مکة فأخبره ، وقیل : إنّ أبا سفیان تزوّج هنداً بعد انفصال مسافر عن مکة ، فقال له أبو سفیان : إنّی تزوّجت هنداً بعدک ، فازداد مرضه ، وجعل یذوب ، فوصف الکیّ ، فاحضروا المکاوی والحجّام. فبینا الحجّام یکویه إذ حبق الحجّام ، فقال مسافر : قد یحبق العیر والمکواة فی النار (2). فسارت مثلاً ، ثم مات مسافر من عشقه لهند. 0.

ص: 241


1- تذکرة الخواص : ص 202 ، وما بین المعقوفین منه.
2- مجمع الأمثال : 2 / 480 رقم 2850.

وقال الکلبی : کانت هند من المغْلِیمات (1) ، وکانت تمیل إلی السودان من الرجال ، فکانت إذا ولدت ولداً أسود قتلته ، قال : وجری بین یزید بن معاویة وبین إسحاق بن طابة بین یدی معاویة وهو خلیفة ، فقال یزید لإسحاق : إنّ خیراً لک أن یدخل بنو حرب کلّهم الجنّة. أشار یزید إلی أنّ أُمّ إسحاق کانت تتّهم ببعض بنی حرب ، فقال له إسحاق : إنّ خیراً لک أن یدخل بنو العبّاس کلّهم الجنّة. فلم یفهم یزید قوله وفهم معاویة ، فلمّا قام إسحاق قال معاویة لیزید : کیف تشاتم الرجال قبل أن تعلم ما یقال فیک؟ قال : قصدت شَیْنَ إسحاق. قال : وهو کذلک أیضاً. قال : وکیف؟ قال : أما علمت أنّ بعض قریش فی الجاهلیّة یزعمون أنّی للعبّاس؟ فسُقِط فی یدی یزید.

وقال الشعبی : وقد أشار رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إلی هند یوم فتح مکة بشیء من هذا ، فإنّها لمّا جاءت تبایعه وکان قد أهدر دمها ، فقالت : علی ما أُبایعک؟ فقال : «علی أن لا تزنین». فقالت : وهل تزنی الحرّة؟ فعرفها رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فنظر إلی عمر فتبسّم.

وقال الزمخشری فی ربیع الأبرار (2) (ج 3) (3) باب القرابات والأنساب وذکر حقوق الآباء والأُمّهات وصلة الرحم والعقوق :

وکان معاویة یُعزی إلی أربعة : مسافر بن أبی عمرو ، وإلی عمارة بن الولید ، وإلی العبّاس بن عبد المطّلب ، وإلی الصباح مغنّی أسود کان لعمارة. قالوا : وکان أبو سفیان دمیماً ، قصیراً ، وکان الصباح عسیفاً لأبی سفیان ، شابّا وسیماً ، فدعته هند إلی نفسها - وقالوا : إنّ عتبة بن أبی سفیان من الصباح أیضاً - وإنّما کرهت أن تضعه فی 1.

ص: 242


1- المغْلِیمات : جمع مَغلیمة. وهی التی تغلبها شهوتها.
2- وقفت منه علی عدّة نسخ ، منها نسخة فی مکتبة الأوقاف العامّة ببغداد رقم 388. (المؤلف)
3- ربیع الأبرار : 3 / 551.

منزلها ، فخرجت إلی أجیاد فوضعته هناک ، وفی ذلک قال حسّان :

لمن الصبیُّ بجانبِ البطحاءِ

فی الترب مُلقی غیر ذی مهدِ

نجلت به بیضاءُ آنسةٌ

من عبد شمسٍ صلبةُ الخدِّ

وقال ابن أبی الحدید فی شرح النهج (1) (1 / 111) : کانت هند تُذکَر فی مکة بفجور وعهر ، وقال الزمخشری فی کتاب ربیع الأبرار : کان معاویة. وذکر إلی آخر الکلمة المذکورة ، فقال : والذین نزّهوا هنداً عن هذا القذف ، فذکر حدیث الفاکه الذی ذکره أبو عبید معمر بن المثنّی.

وفی کتاب لزیاد بن أبیه مجیباً معاویة عن تعییره إیّاه بأمّه سُمیّة : وأمّا تعییرک لی بسمیّة فإن کنتُ ابن سُمیّة فأنت ابن جماعة.

شرح ابن أبی الحدید (2) (4 / 68).

68 - أخرج الحافظ ابن عساکر فی تاریخه (3) من طریق عبد الملک بن عمیر قال : قدم جاریة بن قدامة السعدی علی معاویة ، فقال : من أنت؟ قال : جاریة بن قدامة. قال : وما عسیت أن تکون هل أنت إلاّ نحلة؟ قال : لا تقل فقد شبّهتنی بها حامیة اللسعة حلوة البصاق ، والله ما معاویة إلاّ کلبة تعاوی الکلاب ، وما أُمیّة إلاّ تصغیر أَمة.

وأخرج عن الفضل بن سوید قال : وفد جاریة بن قدامة علی معاویة ، فقال له معاویة : أنت الساعی مع علیّ بن أبی طالب ، والموقد النار فی شعلک ، تجوس قری عربیّة تسفک دماءهم؟ قال جاریة : یا معاویة دع عنک علیّا فما أبغضنا علیّا منذ 5.

ص: 243


1- شرح نهج البلاغة : 1 / 336 خطبة 25.
2- شرح نهج البلاغة : 16 / 183 کتاب 44.
3- مختصر تاریخ دمشق : 5 / 365.

أحببناه ، ولا غششناه منذ صحبناه. قال : ویحک یا جاریة ما کان أهونک علی أهلک إذ سمّوک جاریة! قال : أنت یا معاویة کنت أهون علی أهلک إذ سمّوک معاویة. إلی آخره. وذکره بطوله وما قبله السیوطی فی تاریخ الخلفاء (1) (ص 133).

وفی لفظ ابن عبد ربّه : قال معاویة لجاریة : ما کان أهونک علی أهلک إذ سمّوک جاریة! قال : ما کان أهونک علی أهلک إذ سمّوک معاویة وهی الأُنثی من الکلاب! قال : لا أُمّ لک. قال : أُمّی ولدتنی للسیوف التی لقیناک بها فی أیدینا ، قال : إنّک لتهدّدنی؟ - قال : أما والله إنّ القلوب التی أبغضناک بها لبین جوانحنا ، والسیوف التی قاتلناک بها لفی أیدینا - إنّک لم تفتتحنا قسراً ، ولم تملکنا عنوة ، ولکنک أعطیتنا عهداً ومیثاقاً ، وأعطیناک سمعاً وطاعة ، فإن وفیت لنا وفینا لک ، وإن فزعت إلی غیر ذلک فإنّا ترکنا وراءنا رجالاً شداداً وألسنة حِداداً. قال له معاویة : لا کثّر الله فی الناس أمثالک. قال جاریة : قل معروفاً وراعنا فإنّ شرّ الدعاء المحتطب.

العقد الفرید (2) (2 / 143) فی مجاوبة الأُمراء والردّ علیهم ، وذکره الأبشیهی قریباً من هذا اللفظ فی المستطرف (3) (1 / 73) وما ذکرناه بین الخطّین من لفظه.

69 - دخل شریک بن الأعور علی معاویة وکان دمیماً ، فقال له معاویة : إنّک لدمیم والجمیل خیر من الدمیم ، وإنّک لشریک وما لله من شریک ، وإنّ أباک لأعور والصحیح خیر من الأعور ، فکیف سُدْت قومک؟

فقال له : إنّک معاویة وما معاویة إلاّ کلبة عوت فاستعوت الکلاب ، وإنّک لابن صخر والسهل خیر من الصخر ، وإنّک لابن حرب والسلم خیر من الحرب ، وإنّک 8.

ص: 244


1- تاریخ الخلفاء : ص 186.
2- العقد الفرید : 3 / 214.
3- المستطرف : 1 / 58.

لابن أُمیّة وما أُمیّة إلاّ أَمَة صُغِّرت ، فکیف صرت أمیر المؤمنین؟ ثم خرج وهو یقول :

أیشتمنی معاویةُ بنُ حربٍ

وسیفی صارمٌ ومعی لسانی

وحولی من ذوی یزنٍ لیوثٌ

ضراغمةٌ تهشُّ إلی الطعانِ

یعیّر بالدمامة من سفاهٍ

وربّات الجمال من الغوانی

المستطرف (1) (1 / 72).

قال الأمینی : إنّ معاویة لمّا کان تتوجّه إلیه تلکم القوارص من ناحیة اسمه ، ولعلّه کان لا ینسی معناه عند توجیه الخطاب إلیه بذلک ، ولم یک له بدّ منه إذ سمّته به هند وما کان یسعه أن یخطّئها ، فبذل ألف ألف درهم لعبد الله بن جعفر الطیار أن یسمّی أحد أولاده معاویة (2) ، زعماً منه بتخفیف الوطأة إن کان له سمیّ فی البیت الهاشمی. لکن خفی علی المغفّل أنّ فناء آل هاشم لا یقصر عن فناء أصحاب الکهف ، فإنّ کلبهم ما دنّس ساحتهم ، فانّی تدنّس الأسماء تلک الأفنیة المقدّسة التی منها بیوت أذن الله أن ترفع ویُذکر فیها اسمه؟!

70 - ومن خطبة لمولانا أمیر المؤمنین علیه السلام : «والله ما معاویة بأدهی منّی ، ولکنّه یغدر ویفجر ، ولولا کراهیة الغدر لکنت من أدهی الناس ، ولکن کلّ غدرة فجرة ، ولکلّ فجرة کفرة ، ولکلّ غادر لواء یُعرف به یوم القیامة».

ولابن أبی الحدید فی شرحه (3) (2 / 572 - 589) کلمة ضافیة فی شرح هذه الخطبة فیها فوائد جمّة من جهات شتّی ، ومنها کلمة الجاحظ أبی عثمان حول معاویة ، 3.

ص: 245


1- المستطرف : 1 / 57.
2- تاج العروس : 10 / 260. (المؤلف)
3- شرح نهج البلاغة : 10 / 211 - 260 کتاب 193.

وقول أبی جعفر النقیب : إنّ معاویة من أهل النار لا لمخالفته علیّا ولا بمحاربته إیّاه ، ولکن عقیدته لم تکن صحیحة ولا إیمانه حقّا ، وکان من رءوس المنافقین هو وأبوه ، ولم یسلم قلبه قطّ ، وإنّما أسلم لسانه ، وکان یذکر من حدیث معاویة ومن فلتات قوله ، وما حفظ عنه من کلام یقتضی فساد العقیدة شیئاً کثیراً ... إلی آخره.

71 - لمّا قتل العبّاس بن ربیعة یوم صفّین عرار بن أدهم من أصحاب معاویة ، تأسّف معاویة علی عرار ، وقال : متی ینطف فحل بمثله؟ أیُطلّ دمه؟ لاها الله ذا. ألا لله رجل یشری نفسه یطلب بدم عرار؟ فانتدب له رجلان من لخم. فقال : اذهبا فأیّکما قتل العبّاس برازاً فله کذا. فأتیاه ودعواه إلی البراز ، فقال : إنّ لی سیّداً أُرید أن أُؤامره ، فأتی علیّا فأخبره الخبر ، فقال علیّ : «والله لودّ معاویة أنّه ما بقی من هاشم نافخ ضرمة إلاّ طعن فی نیطه (1) إطفاءً لنور الله ، ویأبی الله إلاّ أن یتمّ نوره ولو کره الکافرون».

عیون الأخبار لابن قتیبة (1 / 180).

72 - لمّا سلّم الحسن الأمر إلی معاویة ، قال الخوارج : قد جاء الآن ما لا شکّ فیه ، فسیروا إلی معاویة فجاهدوه. فأقبلوا وعلیهم فروة بن نوفل حتی حلّوا بالنخیلة عند الکوفة ، وکان الحسن بن علیّ قد سار یرید المدینة ، فکتب إلیه معاویة یدعوه إلی قتال فروة ، فلحقه رسوله بالقادسیّة أو قریباً منها فلم یرجع ، وکتب إلی معاویة : «لو آثرت أن أُقاتل أحداً من أهل القبلة لبدأت بقتالک ، فانّی ترکتک لصلاح الأُمّة وحقن دمائها»

الکامل لابن الأثیر (2) (3 / 177). .

ص: 246


1- النیط : الوسط بین الأمرین. (المؤلف)
2- الکامل فی التاریخ : 2 / 449 حوادث سنة 41 ه.

73 - قال الأسود بن یزید : قلت لعائشة : ألا تعجبین لرجل من الطلقاء ینازع أصحاب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی الخلافة؟ فقالت : وما تعجب من ذلک؟ هو سلطان الله یؤتیه البرّ والفاجر ، وقد ملک فرعون أهل مصر أربعمائة سنة ، وکذلک غیره من الکفّار.

تاریخ ابن کثیر (1) (8 / 131) قال : أخرجه أبو داود الطیالسی ، وابن عساکر (2).

تشبیه أم المؤمنین معاویة بفرعون وغیره من الکفّار فی ملکه یُعرب عن جلیّة حال ذلک الملک العضوض ومالک أزمّته (وَما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِیدٍ* یَقْدُمُ قَوْمَهُ یَوْمَ الْقِیامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ* وَأُتْبِعُوا فِی هذِهِ لَعْنَةً وَیَوْمَ الْقِیامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ) (3).

74 - أخرج الحافظ ابن عساکر فی تاریخه (4) (6 / 425) من طریق الشعبی قال : خطب الناس معاویة ، فقال : لو أنّ أبا سفیان ولد الناس کلّهم کانوا أکیاساً. فقام إلیه صعصعة بن صوحان فقال له : قد ولد الناس کلّهم من هو خیر من أبی سفیان : آدم علیه السلام فمنهم الأحمق والکیّس ، فقال معاویة : إنّ أرضنا قریبة من المحشر. فقال له : إنّ المحشر لا یبعد علی مؤمن ولا یقرب من کافر. فقال معاویة : إنّ أرضنا أرض مقدّسة. فقال له صعصعة : إنّ الأرض لا یقدّسها شیء ولا ینجّسها ، إنّما تقدّسها الأعمال. فقال معاویة : عباد الله اتّخذوا الله ولیّا واتّخذوا خلفاءه جنّة تحترزوا بها. فقال صعصعة ، کیف وکیف؟ وقد عطّلت السنّة ، وأخفرت الذمّة ، فصارت عشواء مطلخمّة ، فی دهیاء مدلهمّة ، قد استوعبتها الأحداث ، وتمکّنت منها الأنکاث. فقال له 1.

ص: 247


1- البدایة والنهایة : 8 / 140 حوادث سنة 60 ه.
2- مختصر تاریخ دمشق : 25 / 42.
3- هود : 97 - 99.
4- تاریخ مدینة دمشق : 24 / 92 - 93 رقم 2881.

معاویة : یا صعصعة ، لَأَن تقعی علی ظلعک خیر لک من استبراء رأیک ، وإبداء ضعفک ، تعرض بالحسن بن علی علیّ ، ولقد هممت أن أبعث إلیه. فقال له صعصعة : إی والله وجدتهم أکرمکم جدوداً ، وأحیاکم حدوداً ، وأوفاکم عهوداً ، ولو بعثت إلیه لوجدته فی الرأی أریباً ، وفی الأمر صلیباً ، وفی الکرم نجیباً ، یلذعک بحرارة لسانه ، ویقرعک بما لا تستطیع إنکاره.

فقال له معاویة : والله لأجفینّک عن الوساد ، ولأشردنّ بک فی البلاد ، فقال له صعصعة : والله إنّ فی الأرض لسعة ، وإنّ فی فراقک لدعة ، فقال معاویة : والله لأحبسنّک عطاءک. قال : إن کان ذلک بیدک فافعل ، إنّ العطاء وفضائل النعماء فی ملکوت من لا تنفد خزائنه ، ولا یبید عطاؤه ، ولا یحیف فی قضیّته. فقال له معاویة : لقد استقتلت. فقال له صعصعة : مهلاً ، لم أقل جهلاً ، ولم أستحلّ قتلاً ، لا تقتل النفس التی حرّم الله إلاّ بالحقّ ، ومن قتل مظلوماً کان الله لقاتله مقیماً ، یرهقه ألیماً ، ویجرعه حمیماً ، ویصلیه جحیما.

75 - لمّا ولی معاویة بن یزید بن معاویة صعد المنبر ، فقال : إنّ هذه الخلافة حبل الله ، وإنّ جدّی معاویة نازع الأمر أهله ، ومن هو أحقّ به منه ، علیّ بن أبی طالب ، ورکب بکم ما تعلمون ، حتی أتته منیّته فصار فی قبره رهیناً بذنوبه ، ثم قلّد أبی الأمر ، وکان غیر أهل له ، ونازع ابن بنت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فقصف عمره ، وانبتر عقبه ، وصار فی قبره رهیناً بذنوبه ، ثم بکی.

الصواعق لابن حجر (1) (ص 134).

76 - قال الحارث بن مسمار البهرانی : حبس معاویة صعصعة بن صوحان العبدی ، وعبد الله بن الکوّاء الیشکری ، ورجالاً من أصحاب علیّ مع رجال من 4.

ص: 248


1- الصواعق المحرقة : ص 224.

قریش ، فدخل علیهم معاویة یوماً فقال : نشدتکم بالله إلاّ ما قلتم حقّا وصدقاً ، أیّ الخلفاء رأیتمونی؟ فقال ابن الکوّاء : لو لا أنّک عزمت علینا ما قلنا ، لأنّک جبّار عنید ، لا تراقب الله فی قتل الأخیار ، ولکنّا نقول : إنّک ما علمنا واسع الدنیا ، ضیّق الآخرة ، قریب الثری ، بعید المرعی ، تجعل الظلمات نوراً ، والنور ظلمات.

فقال معاویة : إنّ الله أکرم هذا الأمر بأهل الشام الذابّین عن بیضته ، التارکین لمحارمه ، ولم یکونوا کأمثال أهل العراق المنتهکین لمحارم الله ، والمحلّین ما حرّم الله ، والمحرّمین ما أحلّ الله. فقال عبد الله بن الکوّاء ، یا بن أبی سفیان إنّ لکلّ کلام جواباً ، ونحن نخاف جبروتک ، فإن کنت تطلق ألسنتنا ذببنا عن أهل العراق بألسنة حداد لا یأخذها فی الله لومة لائم ، وإلاّ فإنّا صابرون حتی یحکم الله ویضعنا علی فرجه. قال : والله لا یطلق لک لسان.

ثم تکلّم صعصعة فقال : تکلّمت یا بن أبی سفیان فأبلغت ، ولم تقصّر عمّا أردت ولیس الأمر علی ما ذکرت ، أنّی یکون الخلیفة من ملک الناس قهراً ، ودانهم کبراً ، واستولی بأسباب الباطل کذباً ومکراً؟ أما والله مالک فی یوم البدر (1) مضرب ولا مرمی ، وما کنت فیه إلاّ کما قال القائل : (لا حلّی ولا سیری) (2) ولقد کنت أنت وأبوک فی العیر والنفیر ممّن أجلب علی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، وإنّما أنت طلیق ابن طلیق ، أطلقکما رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، فأنّی تصلح الخلافة لطلیق؟ فقال معاویة : لو لا أنّی أرجع إلی قول أبی طالب حیث یقول :

قابلتُ جهلَهمُ حلماً ومغفرةً

والعفو عن قدرةٍ ضربٌ من الکرمِ

لقتلتکم.

مروج الذهب (3) (2 / 78). 1.

ص: 249


1- فی المصدر : بدر.
2- یرید : لم یکن له فیه أمر ولا نهی.
3- مروج الذهب : 3 / 51.

77 - عن أبی مزروع الکلبی (1) قال : دخل صعصعة بن صوحان علی معاویة ، فقال له : یا بن صوحان ، أنت ذو معرفة بالعرب وبحالها - إلی أن قال - : فأخبرنی عن أهل الحجاز. قال : أسرع الناس إلی فتنة ، وأضعفهم عنها ، وأقلّهم غناءً فیها ، غیر أنّ لهم ثباتاً فی الدین ، وتمسّکاً بعروة الیقین ، یتّبعون الأئمّة الأبرار ، ویخلعون الفسقة الفجّار. فقال معاویة : من البررة والفسقة؟ فقال : یا بن أبی سفیان ترک الخداع من کشف القناع ، علیّ وأصحابه من الائمّة الأبرار ، وأنت وأصحابک من أولئک.

إلی أن قال معاویة : أخبرنی عن أهل الشام. قال : أطوع الناس لمخلوق ، وأعصاهم للخالق ، عصاة الجبّار ، وحلفة الأشرار ، فعلیهم الدمار ، ولهم سوء الدار. فقال معاویة : والله یا بن صوحان إنّک لحامل مدیتک منذ أزمان ، إلاّ أنّ حلم ابن أبی سفیان یردّ عنک. فقال صعصعة : بل أمر الله وقدرته ، إنّ أمر الله کان قدراً مقدوراً (2).

78 - عن إبراهیم بن عقیل البصری ، قال : قال معاویة یوماً وعنده صعصعة ، وکان قدم علیه بکتاب علیّ وعنده وجوه الناس : الأرض لله ، وأنا خلیفة الله ، فما آخذ من مال الله فهو لی ، وما ترکت منه کان جائزاً لی ، فقال صعصعة :

تمنّیک نفسک ما لا یکو

ن جهلاً مُعاویَ لا تأثمِ

فقال معاویة : یا صعصعة تعلّمت الکلام. قال : العلم بالتعلّم ، ومن لا یعلم یجهل ، قال معاویة : ما أحوجک إلی أن أذیقک وبال أمرک! قال : لیس ذلک بیدک ، ذلک بید الذی لا یؤخّر نفساً إذا جاء أجلها ، قال : ومن یحول بینی وبینک؟ قال : الذی یحول بین المرء وقلبه. قال معاویة : اتّسع بطنک للکلام کما اتّسع بطن البعیر للشعیر. ف)

ص: 250


1- فی المصدر : عن ابن مردوع الکلبی.
2- مروج الذهب : 2 / 78 ، 79 [3 / 52 - 53]. (المؤلف)

قال : اتّسع بطن من لا یشبع ، ودعا علیه من لا یجمع (1). (2)

79 - سئل صعصعة بن صوحان عن معاویة ، قال : صانع الدنیا فاقتلدها ، وضیّع الآخرة فنبذها ، وکان صاحب من أطعمه وأخافه.

تاریخ ابن عساکر (6 / 424). (3)

80 - أخرج أبو الفرج الأصبهانی فی الأغانی (4) (3 / 18) قال : أخبرنی أحمد بن عبد العزیز الجوهری ، قال : حدّثنا عمر بن شبة ، قال : حدّثنی أحمد بن معاویة ، عن الهیثم بن عدی ، قال : حجّ معاویة حجّتین فی خلافته ، وکانت له ثلاثون بغلة یحجّ علیها نساؤه وجواریه ، قال : فحجّ فی إحداهما فرأی شخصاً یصلّی فی المسجد الحرام علیه ثوبان أبیضان ، فقال : من هذا؟ قالوا : شعبة بن غریض (5) ، وکان من الیهود ، فأرسل إلیه یدعوه فأتاه رسوله ، فقال : أجب أمیر المؤمنین. قال : أو لیس قد مات أمیر المؤمنین قبل؟ قال : فأجب معاویة.

فأتاه فلم یسلّم علیه بالخلافة ، فقال له معاویة : ما فعلت أرضک التی بتیماء (6)؟ قال : یُکسی منها العاری ، ویردّ فضلها علی الجار ، قال : أفتبیعها؟ قال : نعم. قال : بکم؟ قال : بستین ألف دینار ، ولولا خلّة أصابت الحیّ لم أبعها. قال : لقد أغلیت. ف)

ص: 251


1- مروج الذهب : 2 / 79 [3 / 53] ، جمهرة الخطب : 1 / 257 [1 / 445 رقم 342]. (المؤلف)
2- المراد بمن لا یجمع رسول الله 6 ، والمعنی أنه لا یجمع الدنیا ، والعبارة تعریض بمعاویة ، حیث دعا علیه رسول الله 6 بقوله : «لا أشبع الله بطنه».
3- تاریخ مدینة دمشق : 24 / 90 رقم 2881 ، وفی تهذیب تاریخ دمشق : 6 / 426.
4- الأغانی : 3 / 123.
5- کذا فی الأغانی والصحیح کما ضبطه ابن حجر فی الإصابة [2 / 43 رقم 3245] : سعنة ، بالمهملة والنون. ویقال بالمثنّاة التحتانیة وعریض بالمهملة أیضاً. (المؤلف)
6- تیما : محلّ بین الحجاز والشام [معجم البلدان : 2 / 67]. (المؤلف)

قال : أما لو کانت لبعض أصحابک لأخذتها بستمائة ألف دینار ثم لم تِبَل (1). قال : أجل ، وإذ بخلت بأرضک ، فأنشدنی شعر أبیک یرثی نفسه ، فقال : قال أبی :

یا لیت شعری حین أُندَبُ هالکاً

ما ذا تؤبّننی به أنواحی

أیقلن لا تبعد فربّ کریهةٍ

فرّجتها ببشارةٍ وسماحِ

ولقد ضربت بفضل مالی حقّه

عند الشتاء وهبّة الأرواحِ

ولقد أخذت الحقّ غیر مخاصم

ولقد رددت الحقّ غیر ملاحِ

وإذا دُعیت لصعبةٍ سهَّلتها

أُدعی بأفلح مرّة ونجاحِ

فقال : أنا کنت بهذا الشعر أولی من أبیک. قال : کذبت ولؤمت. قال : أمّا کذبت فنعم ، وأمّا لؤمت فَلِم؟ قال : لأنّک کنت میّت الحقّ فی الجاهلیّة ومیّته فی الإسلام. أمّا فی الجاهلیّة فقاتلت النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم والوحی ، جعل الله کیدک المردود. وأمّا فی الإسلام فمنعت ولد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم الخلافة ، وما أنت وهی وأنت طلیق ابن طلیق؟ فقال معاویة : قد خرف الشیخ فأقیموه ، فأُخذ بیده فأُقیم.

وذکره ملخّصاً ابن حجر فی الإصابة (2 / 43) من طریق آخر عن عبد الله بن الزبیر وزاد : فقال : ما خرفت ولکن أنشدک الله یا معاویة ، أما تذکر لمّا کنّا جلوساً عند رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فجاء علیّ فاستقبله النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فقال : «قاتل الله من یقاتلک ، وعادی من یعادیک». فقطع علیه معاویة حدیثه ، وأخذ معه فی حدیث آخر. ِ.

ص: 252


1- لم تِبَل : لم تبالِ.

معاویة فی میزان القضاء

اشارة

لعمر الحقّ إنّ واحدة من هذه الشهادات کافیة فی تحطیم قدر الرجل والإسفاف بمستواه إلی الحضیض الأسفل ، فکیف بجمیعها؟ فإنّها صدرت من سادات الصحابة وأعیانهم العدول جمیعهم عند القوم ، فضلاً عن هؤلاء الذین لا یُشکّ فی ورعهم وقداسة ساحتهم عن السقطة فی القول والعمل ، ولا سیّما وفیهم الإمام المعصوم ، الخلیفة حقّا ، المطهّر بلسان الذکر الحکیم عن أیّ رجاسة ، الذی یدور الحقّ معه حیثما دار ، وهو مع القرآن والقرآن معه ، لن یفترقا حتی یردا الحوض (1) ، وقبل الجمیع ما رویناه عن النبیّ الأقدس صلی الله علیه وآله وسلم فی حقّ هذا الإنسان.

فالرجل أخذاً بمجامع تلکم الشهادات الصادقة للسلف الصالح ، محکوم علیه نصّ أقوالهم من دون أیّ تحریف وتحویر منّا ، بأنّه امرؤ لیس له بصر یهدیه ولا قائد یرشده ، دعاه الهوی فأجابه ، وقاده الضلال فاتّبعه ، وما أتی به من ضلالة لیس ببعید الشبه ممّا أتی به أهله المشرکون الکفرة ، مصیره إلی اللظی ، مبوّؤه النار ، اللعین ابن اللعین ، الفاجر ابن الفاجر ، المنافق ابن المنافق ، الطلیق ابن الطلیق ، الوثن ابن الوثن ، الجلف المنافق ، الأغلف القلب ، القلیل العقل ، الجبان الرذل ، یخبط فی عمایة ، ویتیه فی ضلالة ، شدید اللزوم للأهواء المبتدعة ، والحیرة المتّبعة ، لم یکن من أهل القرآن ، ولا مریداً حکمه ، یجری إلی غایة خُسر ، ومحلّة کفر ، قد أولجته نفسه شرّا ، وأقحمته ف)

ص: 253


1- راجع الجزء الثالث من کتابنا هذا [ص : 251]. (المؤلف)

غیّا ، وأوردته المهالک ، وأوعرت علیه المسالک ، غمص الناس ، وسفه الحقّ ، فاسق مهتوک ستره ، یشین الکریم بمجلسه ، ویسفه الحلیم بخلطته ، ابن آکلة الأکباد ، الکذّاب العسوف ، إمام الردی ، وعدوّ النبیّ ، لم یزل عدوّا لله والسنّة والقرآن والمسلمین ، رجل البِدع والأحداث ، کانت بوائقه تُتّقی ، وکان علی الإسلام مخوفاً ، الغادر الفاسق ، مثله کمثل الشیطان ، یأتی المرء من بین یدیه ومن خلفه وعن یمینه وعن شماله ، لم یجعل الله له سابقة فی الدین ، ولا سلف صدق فی الإسلام ، القاسط النابذ کتاب الله وراء ظهره ، کان شرّ الأطفال وشرّ الرجال ، کهف المنافقین ، دخل فی الاسلام کرهاً ، وخرج منه طوعاً ، لم یقدم إیمانه ولم یحدث نفاقه ، کان حرباً لله ولرسوله ، حزباً من أحزاب المشرکین ، عدوّا لله ولنبیّه وللمؤمنین ، أقولُ الناس للزور ، وأضلّهم سبیلاً ، وأبعدهم من رسول الله وسیلة ، الغاوی اللعین ، لیس له فضل فی الدین معروف ، ولا أثر فی الإسلام محمود ، عادی الله ورسوله وجاهدهما ، وبغی علی المسلمین ، وظاهر المشرکین ، فلمّا أراد الله أن یظهر دینه وینصر رسوله ، أتاه فأسلم ، وهو والله راهب غیر راغب ، قُبض رسول الله والرجل یُعرف بعداوة المسلم ومودّة المجرم ، یُطفئ نور الله ، ویظاهر أعداء الله ، أغوی جفاةً فأوردهم النار وأورثهم العار ، لم یکن فی إسلامه بأبرّ وأتقی ولا أرشد ولا أصوب منه فی أیّام شرکه وعبادته الأصنام.

هذا معاویة عند رجال الدین الصحیح الأبرار الصادقین ، وهذه صحیفة من تاریخه السوداء ، وتؤکّد هذه الکلم القیّمة ما یؤثر عن الرجل من بوائق وموبقات ، هی بمفردها حجج دامغة علی سقوطه عن مبوّأ الصالحین ، فإنّها لا تتأتّی إلاّ عن تهاون بأمر الله ونهیه ، وإغضاء عن نوامیس الدین وشرائع الإسلام ، وتزحزح عن سنّة الله ، وتعدّ وشذوذٍ عن حدوده (وَمَنْ یَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَأُولئِکَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (1) وإلیک نزراً منها : 9.

ص: 254


1- البقرة : 229.

- 1 -

معاویة والخمر

1 - أخرج إمام الحنابلة أحمد فی مسنده (1) (5 / 347) من طریق عبد الله بن بریدة ، قال : دخلت أنا وأبی علی معاویة ، فأجلسنا علی الفرش ، ثم أُتینا بالطعام فأکلنا ، ثم أُتینا بالشراب فشرب معاویة ، ثم ناول أبی ، قال : ما شربته منذ حرّمه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ثم قال معاویة : کنت أجمل شباب قریش ، وأجودهم ثغراً ، وما شیء کنت أجد له لذّة کما کنت أجده وأنا شاب ، غیر اللبن أو إنسان حسن الحدیث یحدّثنی.

2 - أخرج ابن عساکر فی تاریخه (2) (7 / 211) من طریق عمیر (3) بن رفاعة ، قال : مرّ علی عبادة (4) بن الصامت وهو فی الشام قطارة تحمل الخمر ، فقال : ما هذه؟ أزیت؟ قیل : لا ، بل : خمر تُباع لفلان ، فأخذ شفرة من السوق ، فقام إلیها فلم یذر فیها راویة إلاّ بقرها ، وأبو هریرة إذ ذاک بالشام ، فأرسل فلان إلی أبی هریرة یقول له : أما تمسک عنّا أخاک عبادة؟ أمّا بالغدوات فیغدو إلی السوق فیفسد علی أهل الذمّة متاجرهم ، وأمّا بالعشیّ فیقعد فی المسجد لیس له عمل إلاّ شتم أعراضنا أو عیبنا ، فأمسک عنّا أخاک.

فأقبل أبو هریرة یمشی حتی دخل علی عبادة ، فقال له : یا عبادة مالک ف)

ص: 255


1- مسند أحمد : 6 / 476 ح 22432.
2- تاریخ مدینة دمشق : 26 / 197 - 198 رقم 3071 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 11 / 306.
3- فی الطبعة المحققة من تاریخ ابن عساکر وکذا فی مختصره : عبید بن رفاعة.
4- کان بدویّا عقبیاً أحد نقباء الأنصار ، بایع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم علی أن لا یخاف فی الله لومة لائم. سنن البیهقی : 5 / 277. (المؤلف)

ولمعاویة؟ ذره وما حمل ، فإنّ الله یقول : (تِلْکَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما کَسَبَتْ وَلَکُمْ ما کَسَبْتُمْ) (1). قال : یا أبا هریرة لم تکن معنا إذ بایعنا رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، بایعناه علی السمع والطاعة فی النشاط والکسل ، وعلی النفقة فی العسر والیسر ، وعلی الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر ، وعلی أن نقول فی الله لا تأخذنا فی الله لومة لائم ، وعلی أن ننصره إذا قدم علینا یثرب ، فنمنعه ممّا نمنع منه أنفسنا ، وأزواجنا ، وأهلنا ، ولنا الجنّة ، فهذه بیعة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم التی بایعناه علیها ، فمن نکث فإنّما ینکث علی نفسه ، ومن أوفی بما بایع علیه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وفی الله له بما بایع علیه نبیّه. فلم یکلّمه أبو هریرة بشیء.

3 - وأخرج فی التاریخ (2) (7 / 213) من طریق عمرو بن قیس ، قال : إنّ عبادة أتی حجرة معاویة وهو بأنطرطوس (3) ، فألزم ظهره الحجرة وأقبل علی الناس بوجهه وهو یقول : بایعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أن لا أُبالی فی الله لومة لائم ، ألا إنّ المقداد ابن الأسود قد غلّ بالأمس حماراً ، [قال :] وأقبلت أَوْسقٌ من مالٍ ، فأشارت (4) الناس إلیها فقال [عبادة] : أیّها الناس [ألا] إنّها تحمل الخمر ، والله ما یحلّ لصاحب هذه الحجرة أن یعطیکم منها شیئاً ، ولا یحلّ لکم أن تسألوه ، وإن [کانت] معبلة (5) - یعنی سهماً - فی جنب أحدکم ، [قال :] فأتی رجلٌ المقداد [بن الأسود] وفی یده قرصافة (6) ، فجعل یتلّ الحمار بها وهو یقول : [یا] معاویة هذا حمارک ، شأنک به ، حتی ة.

ص: 256


1- البقرة : 134.
2- تاریخ مدینة دمشق : 26 / 200 رقم 3071 وما بین المعقوفات منه ، وفی تهذیب تاریخ دمشق : 7 / 216.
3- بلدة من سواحل بحر الشام ، هی آخر أعمال دمشق من البلاد الساحلیة وأوّل أعمال حمص. [معجم البلدان : 1 / 270]. (المؤلف)
4- فی المحقّقة : فاشرأبّ الناس إلیها.
5- المعبلة : نصل طویل عریض.
6- القرصافة : القطیفة.

أورده الحجرة.

4 - وفد عبد الله (1) بن الحارث بن أمیّة بن عبد شمس علی معاویة ، فقرّبه حتی مسّت رکبتاه رأسه ، ثم قال له معاویة : ما بقی منک؟ قال : ذهب والله خیری وشرّی ، فقال له معاویة : ذهب والله خیر قلیل ، وبقی شرّ کثیر ، فما لنا عندک؟ قال : إن أحسنت لم أحمدک ، وإن أسأت لُمتک! قال : والله ما أنصفتنی ، قال : ومتی أنصفک ، فو الله لقد شججتُ أخاک حنظلة فما أعطیتک عقلاً ولا قوداً ، وأنا الذی أقول :

أصخرَ بن حربٍ لا نعدُّکَ سیّداً

فَسُدْ غیرنا إذ کنت لست بسیّدِ

وأنت الذی تقول :

شربتُ الخمرَ حتی صرتُ کلاّ

علی الأدنی وما لی من صدیقِ

وحتی ما أوسّد من وسادٍ

إذا أنشو سوی الترب السحیقِ

ثم وثب علی معاویة یخبطه بیده ، ومعاویة ینحاز ویضحک.

رواها ابن عساکر فی تاریخه (2) (7 / 346) ، وقال ابن حجر فی الإصابة (2 / 291) : روی الکوکبی من طریق عبسة بن عمرو (3) ، قال : وفد عبد الله بن الحارث علی معاویة ، فقال له معاویة : ما بقی منک؟ قال : ذهب والله خیری وشرّی ، فذکر قصّة - یعنی هذه.

5 - أخرج ابن عساکر فی تاریخه (4) ، وابن سفیان فی مسنده ، وابن قانع وابن 3.

ص: 257


1- أدرک الإسلام وهو شیخ کبیر ، ثم عاش بعد ذلک إلی خلافة معاویة. الإصابة : 2 / 291 [رقم 4597]. (المؤلف)
2- تاریخ مدینة دمشق : 27 / 312 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 12 / 94.
3- کذا فی الإصابة ، وفی الطبعة المحققة من تاریخ دمشق : عنبسة بن عمرو.
4- تاریخ مدینة دمشق : 34 / 419 رقم 3828 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 14 / 263.

مندة من طریق محمد بن کعب القرظی ، قال : غزا عبد الرحمن بن سهل الأنصاری فی زمن عثمان ، ومعاویة أمیر علی الشام ، فمرّت به روایا خمر - لمعاویة - فقام إلیها برمحه فبقر کلّ راویة منها ، فناوشه الغلمان حتی بلغ شأنه معاویة ، فقال : دعوه فإنّه شیخ قد ذهب عقله. فقال : کلاّ والله (1) ما ذهب عقلی ، ولکن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم نهانا أن ندخل بطوننا وأسقیتنا خمراً ، وأحلف بالله لئن بقیت حتی أری فی معاویة ما سمعت من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لأبقرنّ بطنه ، أو لأموتنّ دونه.

وذکره ابن حجر فی الإصابة (2 / 401) ، ولخّصه فی تهذیب التهذیب (2) (6 / 192) ، وأخرجه ملخّصاً أبو عمر فی الاستیعاب (3) (2 / 401) ، وذکره ابن الأثیر فی أُسد الغابة (4) (3 / 299) باللفظ المذکور إلی (وأَسقیتنا) فقال : أخرجه الثلاثة - یعنی ابن مندة وأبو نعیم وأبو عمر.

قال الأمینی : لعلّ فی الناس من یحسب أنّ سلسلة الاستهتار بمعاقرة الخمور کانت مبدوّة بیزید بن معاویة ، وإن لم یحکم الضمیر الحرّ بإنتاج أبوین صالحین فی دار طنّبت بالصلاح والدین ، تخلو عن الخمر والفجور ، ولداً مستهتراً مثل یزید الطاغیة المتخصّص فی فنون العیث والفساد ، لکن هذه الأنباء تُعلمنا أنّ هاتیک الخزایة کانت موروثة له من أبیه الماجن المشیع للفحشاء فی الذین آمنوا ، بحمل الخمور إلی حاضرته علی القطار تارة ، وعلی حماره أخری ، بملإ من الأشهاد ، ونصب أعین المسلمین ، وتوزیعها فی الملأ الدینیّ ، وهو یحاول مع ذلک أن لا ینقده أحد ، ولا ینقم علیه ناقم ، وکم لهذه المحاولة من نظائر ، ینبو عنها العدد ولا تقف علی حدّ ، فهو وما ولد سواسیة فی الخمر والفحشاء والمجون ، وهذه هی التی أسقطته عند صلحاء الأُمّة ، 2.

ص: 258


1- کذا فی مختصر تاریخ دمشق ، وفی الإصابة : کذب والله.
2- تهذیب التهذیب : 6 / 173.
3- الاستیعاب : القسم الثالث / 836 رقم 1424.
4- أُسد الغابة : 3 / 458 رقم 3322.

وحطّته عن أعینهم ، فلا یرون له حرمة ولا کرامة ، ولا یقیمون له وزناً ، حتی إنّه لمّا استخلف قام علی المنبر فخطب الناس ، فذکر أبا بکر ، وعمر ، وعثمان ، ثم قال : ولیت فأخذت حتی خالط لحمی ودمی فهو (1) خیر منّی ، وأنا خیر ممّن بعدی. یا أیّها الناس إنّما أنا لکم جنّة.

فقام عبادة بن صامت فقال : أرأیت إن احترقت الجنّة؟ قال : إذن تخلص إلیک النار ، قال : من ذلک أفرّ. فأمر به فأخذ. فأضرط بمعاویة (2) ، ثم قال : علمت کیف کانت البیعتان حین دعینا إلیهما؟ دعینا علی أن نبایع علی أن لا نزنی ، ولا نسرق ، ولا نخاف فی الله لومة لائم ، فقلت : أمّا هذه فاعفنی یا رسول الله ، ومضیت أنا علیها ، وبایعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، ولأنت یا معاویة أصغر فی عینی من أن أخافک فی الله عزّ وجلّ (3).

وذکر معاویة الفرار من الطاعون فی خطبته ، فقال له عبادة : أمّک هند أعلم منک (4). وسیوافیک قوله له : لا أُساکنک بأرض ، وقوله : لنحدّثن بما سمعنا من رسول الله وإن رغم معاویة ، ما أُبالی أن لا أصحبه فی جنده لیلة سوداء ، وقال أبو الدرداء له : لا أُساکنک بأرض أنت بها.

ومن جرّاء هذه المکافحة والکشف عن عورات الرجل ، کتب معاویة إلی عثمان بالمدینة : إنّ عبادة قد أفسد علیّ الشام وأهله ، فإمّا أن تکفّه إلیک ، وإمّا أن أُخلی بینه ف)

ص: 259


1- إشارة إلی عثمان.
2- أضرط به : استخفّ به وسخر منه ، وهو أن یجمع شفتیه ویخرج من بینهما صوتاً.
3- تاریخ الشام لابن عساکر : 7 / 213 [26 / 199 - 200 رقم 3071 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 11 / 308]. (المؤلف)
4- أخرجه ابن عساکر والطبرانی کما فی تاریخ الشام : 7 / 210 [26 / 195 رقم 3071 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 11 / 306]. (المؤلف)

وبین الشام. فکتب إلیه عثمان : أن أرحل عبادة حتی ترجعه إلی داره من المدینة ، فبعث بعبادة حتی قدم المدینة ، فدخل علی عثمان فی الدار ولیس فیها إلاّ رجل من السابقین أو من التابعین الذین قد أدرکوا القوم متوافرین ، فلم یفجَ عثمان به إلاّ وهو قاعد فی جانب الدار ، فالتفت إلیه وقال : ما لنا ولک یا عبادة؟ فقام عبادة بین ظهرانی الناس فقال : إنّی سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أبا القاسم یقول : «إنّه سیلی أمورکم بعدی رجال یعرّفونکم ما تنکرون ، وینکرون علیکم ما تعرفون ، فلا طاعة لمن عصی ، فلا تضلّوا بربّکم» ، فوالذی نفس عبادة بیده إنّ فلاناً - یعنی معاویة - لمن أُولئک. فما راجعه عثمان بحرف (1).

وحذا معاویة فی هذه الموبقة حذو أبیه أبی سفیان ، فإنّه کان یشرب الخمر وهو من أظهر آثامه وبوائقه ، وقد جاء فی حدیث أبی مریم السلولی الخمّار بالطائف : أنّه نزل عنده وشرب وثمل ، وزنا بسمیّة أُمّ زیاد بن أبیه ، والحدیث یأتی فی استلحاق معاویة زیاداً.

فبیت معاویة حانوت الخمر ، ودکّة الفجور ، ودار الفحشاء والمنکر من أوّل یومه ، والخمر شعار أهله ، وما أغنتهم النذر إذ جاءت ، وهم بمجنب عن قول رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم - لا بل هم أهله - «لعنت الخمر وشاربها ، وساقیها ، وبائعها ، ومبتاعها ، وحاملها ، والمحمولة إلیه ، وعاصرها ، ومعتصرها ، وآکل ثمنها» (2).ف)

ص: 260


1- مسند أحمد : 5 / 325 [6 / 444 ح 22263] ، تاریخ ابن عساکر : 7 / 212 [26 / 198 رقم 3071 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 11 / 307]. (المؤلف)
2- سنن أبی داود : 2 / 161 [3 / 326 ح 3674] ، سنن ابن ماجة : 2 / 174 [2 / 1122 ح 3380 ، 3381] ، جامع الترمذی : 1 / 167 [3 / 589 ح 1295] ، مستدرک الحاکم : 4 / 144 ، 145 [4 / 161 ح 7228 ، 7229] ، وأخرجه أحمد فی المسند : 2 / 71 [2 / 184 ح 5367 ، 5368] ، وابن أبی شیبة [فی مصنّفه : 6 / 447 ح 1666] ، وابن راهویه ، والبزّار [فی مسنده : 5 / 39 ح 1601] ، وابن حبّان [فی صحیحه : 12 / 179 ح 5356] ، راجع نصب الرایة للزیلعی : 4 / 263. (المؤلف)

وعن قوله صلی الله علیه وآله وسلم : «شارب الخمر کعابد وثن». وفی لفظ : «مدمن الخمر کعابد وثن» (1).

وعن قوله صلی الله علیه وآله وسلم : «ثلاثة حرّم الله تبارک وتعالی علیهم الجنّة : مدمن الخمر ، والعاق ، والدیّوث الذی یقرّ فی أهله الخبث» (2).

وعن قوله صلی الله علیه وآله وسلم : «ثلاثة لا یدخلون الجنّة أبداً : الدیّوث ، والرجلة من النساء ، ومدمن الخمر» (3).

وعن قوله صلی الله علیه وآله وسلم : «من شرب الخمر خرج نور الإیمان من جوفه».

وعن قوله صلی الله علیه وآله وسلم : «من شرب الخمر سقاه الله من حمیم جهنّم».

وعن قوله صلی الله علیه وآله وسلم : «إنّ عند الله عهداً لمن یشرب المسکر أن یسقیه من طینة الخبال» ، قالوا : یا رسول الله وما طینة الخبال؟ قال : «عرق أهل النار. أو : عصارة أهل النار».

وعن قوله صلی الله علیه وآله وسلم : «من شرب حسوة من خمر لم یقبل الله منه ثلاثة أیّام صرفاً ولا عدلاً ، ومن شرب کأساً لم یقبل الله صلاته أربعین صباحاً ، ومدمن الخمر حقّا علی الله أن یسقیه من نهر الخبال» ، قیل : یا رسول الله وما نهر الخبال؟ قال : «صدید ف)

ص: 261


1- أخرجه ابن ماجة [فی سننه : 2 / 1120 ح 3375] ، وابن حبّان [فی صحیحه : 12 / 167 ح 5347] ، والبزّار وغیرهم ، راجع الترغیب والترهیب : 3 / 104 [3 / 255] ، نصب الرایة : 4 / 298. (المؤلف)
2- أخرجه أحمد [فی مسنده : 2 / 181 ح 5349] ، والنسائی [فی سننه : 2 / 42 ح 2343] ، والبزّار ، والحاکم وصحّحه [فی المستدرک : 4 / 163 ح 7235] ، راجع الترغیب والترهیب : 3 / 104 [3 / 256]. (المؤلف)
3- أخرجه الطبرانی [فی الأوسط : 3 / 220 ح 2464] ، وابن المنذر فی الترغیب والترهیب : 3 / 104 [3 / 257] وقال : رواته لا أعلم فیهم مجروحاً. (المؤلف)

أهل النار» (1). إلی أحادیث کثیرة فی الترهیب من هذا الرجس الذی کان یشربه معاویة ووالده وولده.

- 2 -

معاویة یأکل الربا

1 - أخرج مالک والنسائی وغیرهما من طریق عطاء بن یسار : أنّ معاویة رضی الله عنه باع سقایة من ذهب أو ورِق بأکثر من وزنها ، فقال له أبو الدرداء رضی الله عنه ، سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم [ینهی] (2) عن مثل هذا إلاّ مثلاً بمثل. فقال معاویة : ما أری بهذا بأساً ، فقال له أبو الدرداء رضی الله عنه : من یعذرنی من معاویة؟ أنا أُخبره عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وهو یخبرنی عن رأیه ، لا أساکنک بأرض أنت بها. ثم قدم أبو الدرداء رضی الله عنه علی عمر بن الخطّاب رضی الله عنه فذکر له ذلک ، فکتب عمر إلی معاویة : أن لا تبع ذلک إلاّ مثلاً بمثل ، وزناً بوزن.

راجع (3) : موطّأ مالک (2 / 59) ، اختلاف الحدیث للشافعی هامش کتابه الأُمّ (7 / 23) ، سنن النسائی (7 / 279) ، سنن البیهقی (5 / 280).

2 - وأخرج مسلم وغیره من طریق أبی الأشعث قال : غزونا غزاةً وعلی الناس معاویة ، فغنمنا غنائم کثیرة ، فکان فیما غنمنا آنیة من فضّة ، فأمر معاویة رجلاً أن یبیعها فی أعطیات الناس ، فتسارع الناس فی ذلک ، فبلغ عبادة بن الصامت ، فقام فقال : إنّی سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ینهی عن بیع الذهب بالذهب ، والفضّة بالفضّة ، والبُرّ بالبُرّ ، والشعیر بالشعیر والتمر بالتمر ، والملح بالملح ، إلاّ سواء بسواء ، عیناً بعین ، 4.

ص: 262


1- راجع الترغیب والترهیب : 3 / 101 - 110 [3 / 248 - 267 وانظر السنن الکبری للنسائی : 4 / 186 ح 6818 ، والمعجم الأوسط للطبرانی : 1 / 226 رقم 343]. (المؤلف)
2- الزیادة من المصادر.
3- موطّأ مالک : 2 / 634 ح 33 ، اختلاف الحدیث : ص 480 ، السنن الکبری للنسائی : 4 / 30 ح 6164.

فمن زاد أو ازداد فقد أربی ، فردّ الناس ما أخذوا ، فبلغ ذلک معاویة فقام خطیباً ، فقال : ألا ما بال رجال یتحدّثون عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أحادیث قد کنّا نشهده ونصحبه فلم نسمعها منه؟ فقام عبادة بن الصامت فأعاد القصّة ، ثم قال : لنحدّثنّ بما سمعنا من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وإن کره معاویة ، أو قال : وإن رغم ، ما أُبالی أن لا أصحبه فی جنده لیلة سوداء.

راجع (1) : صحیح مسلم (5 / 43) ، سنن البیهقی (5 / 277) ، تفسیر القرطبی (3 / 349).

3 - وأخرج البیهقی وغیره من طریق حکیم بن جابر عن عبادة بن الصامت رضی الله عنه قال : سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول : «الذهب الکفّة بالکفّة ، والفضة الکفّة بالکفّة حتی خصّ أن [قال :] (2) الملح بالملح ، فقال معاویة : إنّ هذا لا یقول شیئاً ، فقال عبادة رضی الله عنه أشهد أنّی سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول ذلک.

وزاد النسائی : قال عبادة : إنّی والله ما أُبالی أن لا أکون بأرض یکون بها معاویة ، وفی لفظ ابن عساکر : إنّی والله ما أُبالی [إلاّ] (3) أن أکون بأرضکم هذه.

راجع (4) : مسند أحمد (5 / 319) ، سنن النسائی (7 / 277) ، سنن البیهقی (5 / 278) ، تاریخ ابن عساکر (7 / 206).

4 - وأخرج ابن عساکر فی تاریخه (5) (7 / 212) : من طریق الحسن ، قال : کان عبادة بن الصامت بالشام فرأی آنیة من فضّة ، یباع الإناء بمثلی ما فیه ، أو نحو ذلک7.

ص: 263


1- صحیح مسلم : 3 / 398 ح 80 کتاب المساقاة ، الجامع لأحکام القرآن : 3 / 226.
2- من سنن البیهقی.
3- من المصدر.
4- مسند أحمد : 6 / 436 ح 22217 ، السنن الکبری للنسائی : 4 / 29 ح 6159 ، تاریخ مدینة دمشق : 26 / 176 رقم 3071 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 11 / 302.
5- تاریخ مدینة دمشق : 8 / 866 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 11 / 307.

فمشی إلیهم عبادة ، فقال : أیّها الناس من عرفنی فقد عرفنی ، ومن لم یعرفنی فأنا عبادة ابن الصامت ، ألا وإنّی سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی مجلس من مجالس الأنصار لیلة الخمیس فی رمضان ولم یصم رمضان بعده ، یقول : «الذهب بالذهب ، مثلاً بمثل ، سواءً بسواء ، وزناً بوزن ، یداً بید ، فما زاد فهو ربا ، والحنطة بالحنطة ، قفیز بقفیز ، ید بید ، فما زاد فهو ربا ، والتمر بالتمر قفیز بقفیز ، ید بید ، فما زاد فهو ربا». قال : فتفرّق الناس عنه. فأُتی معاویة فأُخبر بذلک ، فأرسل إلی عبادة فأتاه ، فقال له معاویة : لئن کنت صحبت النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وسمعت منه لقد صحبناه وسمعنا منه ، فقال له عبادة : لقد صحبته وسمعت منه ، فقال له معاویة : فما هذا الحدیث الذی تذکره؟ فأخبره به ، فقال له معاویة : اسکت عن هذا الحدیث ولا تذکره ، فقال له : بلی ، وإن رغم أنف معاویة ، ثم قام فقال له معاویة : ما نجد شیئاً أبلغ فیما بینی وبین أصحاب محمد صلی الله علیه وآله وسلم من الصفح عنهم.

5 - عن قبیصة بن ذؤیب : أنّ عبادة أنکر علی معاویة شیئاً فقال : لا أساکنک بأرض ، فرحل إلی المدینة ، فقال له عمر : ما أقدمک؟ فأخبره ، فقال له عمر : ارحل إلی مکانک ، فقبّح الله أرضاً لست فیها وأمثالک ، فلا إمرة له علیک.

تاریخ ابن عساکر کما فی کنز العمّال (7 / 78) ، والاستیعاب (2 / 412) ، أُسد الغابة (3 / 106) (1).

قال الأمینی : إنّ من ضروریّات الدین الحنیف الثابتة کتاباً وسنّة وإجماعاً حرمة الربا ، وأنّه من أکبر الکبائر ، قال الله تعالی : (الَّذِینَ یَأْکُلُونَ الرِّبا لا یَقُومُونَ إِلاَّ کَما یَقُومُ الَّذِی یَتَخَبَّطُهُ الشَّیْطانُ مِنَ الْمَسِّ ذلِکَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَیْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللهُ الْبَیْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا) (2). 5.

ص: 264


1- تاریخ مدینة دمشق : 26 / 196 رقم 3071 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 11 / 306 ، کنز العمّال : 13 / 554 ح 37442 ، الاستیعاب : القسم الثانی / 808 رقم 1372 ، أُسد الغابة : 3 / 160 رقم 2789.
2- البقرة : 275.

وقال عزّ وجلّ : (یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا ما بَقِیَ مِنَ الرِّبا إِنْ کُنْتُمْ مُؤْمِنِینَ* فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ) (1).

وتواترت السنّة الشریفة فی المسألة وبلغت حدّا لا یسع لأیّ مسلم ولو کان قرویّا أن یدّعی الجهل به ، فضلاً عمّن یدّعی إمرة المؤمنین. ومنها :

1 - جاء من غیر طریق أنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لعن آکل الربا ، ومؤکله ، وشاهدیه ، وکاتبه (2).

2 - صحّ عنه صلی الله علیه وآله وسلم : «اجتنبوا السبع الموبقات. قیل : یا رسول الله وما هنّ؟ قال : الشرک بالله ، والسحر ، وقتل النفس التی حرّم الله إلاّ بالحقّ ، وأکل مال الیتیم ، وأکل الربا». الحدیث (3).

3 - أخرج البزّار من طریق أبی هریرة مرفوعاً : «الکبائر سبع : أوّلهن الشرک بالله ، وقتل النفس بغیر حقّها ، وأکل الربا».

4 - أخرج البخاری (4) وأبو داود ، عن أبی جحیفة : لعن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : الواشمة والمستوشمة ، وآکل الربا ومؤکله.

5 - أخرج الحاکم (5) بإسناد صحیح ، عن أبی هریرة مرفوعاً : «أربعة ، حقّ 0.

ص: 265


1- البقرة : 278 - 279.
2- صحیح مسلم : 5 / 50 [3 / 407 ح 105 و 106] ، سنن أبی داود : 2 / 83 [3 / 244 ح 3333] ، جامع الترمذی [3 / 512 ح 1206] ، المحلّی : 8 / 468 [مسألة 1479] ، سنن ابن ماجة : 2 / 40 [2 / 764 ح 2277] ، سنن البیهقی : 5 / 275 ، 285 ، الترغیب والترهیب : 2 / 247 [3 / 4] ، تیسیر الوصول : 1 / 68 [1 / 83 ح 1]. (المؤلف)
3- صحیح مسلم : 1 / 271 ، وفی طبعة : 5 / 50 [1 / 128 ح 145] ، المحلّی لابن حزم : 8 / 468 [مسألة 1479] ، الترغیب والترهیب : 2 / 247 [3 / 3]. (المؤلف)
4- صحیح البخاری : 5 / 2219 ح 5601.
5- المستدرک علی الصحیحین : 2 / 43 ح 2260.

علی الله أن لا یدخلهم الجنّة ولا یذیقهم نعیمها : مدمن الخمر ، وآکل الربا ، وآکل مال الیتیم بغیر حقّ ، والعاقّ لوالدیه».

6 - أخرج (1) الحاکم والبیهقی بإسناد صحیح ، من طریق ابن مسعود مرفوعاً : «الربا ثلاث وسبعون باباً أیسرها مثل أن ینکح الرجل أُمّه».

7 - أخرج البزّار (2) بإسناد صحیح مرفوعاً : «الربا بضع وسبعون باباً ، والشرک مثل ذلک».

8 - أخرج البیهقی (3) بإسناد لا بأس به من طریق أبی هریرة مرفوعاً : «الربا سبعون باباً ، أدناها کالذی یقع علی أُمّه».

9 - أخرج الطبرانی فی الکبیر ، عن عبد الله بن سلام مرفوعاً : «الدرهم یصیبه الرجل من الربا أعظم عند الله من ثلاث وثلاثین زنیة یزنیها فی الإسلام» (4).

وعن عبد الله موقوفاً : «الربا اثنان وسبعون حوباً ، أصغرها حوباً کمن أتی أُمّه فی الإسلام. ودرهم من الربا أشدّ من بضع وثلاثین زنیة. قال : ویأذن الله بالقیام للبرّ والفاجر یوم القیامة إلاّ آکل الربا فإنّه لا یقوم إلاّ کما یقوم الذی یتخبّطه الشیطان من المسّ».

10 - أخرج (5) أحمد والطبرانی فی الکبیر ، ورجال أحمد رجال الصحیح ، من طریق عبد الله بن حنظلة غسیل الملائکة مرفوعاً : «درهم ربا یأکله الرجل وهو یعلم ، أشدّ (6) من ست وثلاثین زنیة». ه.

ص: 266


1- المستدرک علی الصحیحین : 2 / 43 ح 2259 ، شعب الإیمان : 4 / 394 ح 5519.
2- مسند البزّار (البحر الزخّار) : 5 / 318 ح 1935.
3- شعب الإیمان : 4 / 394 ح 5520.
4- أنظر : مجمع الزوائد : 4 / 117.
5- أنظر : المعجم الأوسط : 3 / 330 ح 2703.
6- کذا فی مجمع الزوائد ، وفی المعجم الأوسط : درهم من ربا ... أعظم عند الله.

11 - أخرج ابن أبی الدنیا والبیهقی (1) من طریق أنس بن مالک ، قال : خطبنا رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فذکر أمر الربا وعظّم شأنه وقال : «إنّ الدرهم یصیبه الرجل من الربا أعظم عند الله فی الخطیئة من ستّ وثلاثین زنیة یزنیها الرجل».

12 - أخرج الطبرانی فی الصغیر والأوسط من طریق ابن عبّاس مرفوعاً : «من أکل درهماً من ربا فهو مثل ثلاث وثلاثین زنیة».

وفی لفظ البیهقی (2) : «إنّ الربا نیّف وسبعون باباً أهونهنّ باباً مثل من أتی أُمّه فی الإسلام ، ودرهم من ربا أشدّ من خمس وثلاثین زنیة».

13 - أخرج الطبرانی فی الأوسط (3) ، من طریق البراء بن عازب مرفوعاً : «الربا اثنان وسبعون باباً : أدناها مثل إتیان الرجل أُمّه».

14 - أخرج (4) ابن ماجة والبیهقی وابن أبی الدنیا من طریق أبی هریرة مرفوعاً : «الربا سبعون حوباً ، أیسرها أن ینکح الرجل أُمّه».

15 - أخرج الحاکم (5) بإسناد صحیح عن ابن عبّاس مرفوعاً : «إذا ظهر الزنا والربا فی قریة فقد أحلّوا بأنفسهم عذاب الله».

وفی لفظ أبی یعلی (6) بإسناد جیّد ، من طریق ابن مسعود : «ما ظهر فی قوم الزنا والربا إلاّ أحلّوا بأنفسهم عذاب الله». 1.

ص: 267


1- شعب الإیمان : 4 / 395 ح 5523.
2- شعب الإیمان : 5 / 299 ح 6715.
3- المعجم الأوسط : 8 / 74 ح 7147 ، ولیس فیه کلمة : مثل.
4- سنن ابن ماجة : 2 / 764 ح 2274 ، شعب الإیمان : 4 / 393 ح 5517.
5- المستدرک علی الصحیحین : 2 / 43 ح 2261 وفیه : عقاب الله ، بدل : عذاب الله.
6- مسند أبی یعلی : 8 / 396 ح 4981.

16 - أخرج أحمد (1) من طریق عمرو بن العاص مرفوعاً : «ما من قوم یظهر فیهم الربا إلاّ أُخذوا بالسنة (2)».

17 - أخرج أحمد وابن ماجة (3) مختصراً ، والأصبهانی من طریق أبی هریرة مرفوعاً : «رأیت لیلة أُسری بی لمّا انتهینا السماء السابعة ، فنظرت فوقی فإذا أنا برعد وبروق وصواعق ، فأتیت علی قوم بطونهم کالحیّات تری من خارج بطونهم ، قلت : یا جبریل : من هؤلاء؟ قال : هؤلاء أکلة الربا». وأخرج الأصبهانی من طریق أبی سعید الخدری بلفظ قریب من هذا.

18 - أخرج الطبرانی بإسناد رواته رواة الصحیح ، عن ابن مسعود مرفوعاً : «بین یدی الساعة یظهر الربا ، والزنا ، والخمر».

19 - أخرج الطبرانی (4) والأصبهانی من طریق عوف بن مالک مرفوعاً : «إیّاک والذنوب التی لا تغفر ، - إلی أن قال : - وآکل الربا ، فمن أکل الربا بعث یوم القیامة مجنوناً یتخبّط ثم قرأ : (الَّذِینَ یَأْکُلُونَ الرِّبا لا یَقُومُونَ إِلاَّ کَما یَقُومُ الَّذِی یَتَخَبَّطُهُ الشَّیْطانُ مِنَ الْمَسِ)».

20 - روی عبد الله بن أحمد فی زوائده (5) ، من طریق عبادة بن الصامت مرفوعاً : «والذی نفسی بیده لیبیتنَّ أُناس من أُمّتی علی أشر وبطر ولعب ولهو ، فیصبحوا قردة وخنازیر باستحلالهم المحارم واتّخاذهم القینات ، وشربهم الخمر ، وبأکلهم الربا». 4.

ص: 268


1- مسند أحمد : 5 / 233 ح 17367.
2- السنة : العام المقحط. (المؤلف)
3- سنن ابن ماجة : 2 / 763 ح 2273.
4- المعجم الکبیر : 18 / 60 ح 110.
5- مسند أحمد : 6 / 450 ح 22284.

هذه جملة من أحادیث الباب جمعها وغیرها الحافظ المنذری فی الترغیب والترهیب (1) (2 / 247 - 251).

21 - صحّ عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم من خطبة له فی حجّة الوداع قوله : «ألا وإنّ کلّ شیء من أمر الجاهلیّة موضوع تحت قدمیَّ هاتین ، وربا الجاهلیّة موضوع ، وأوّل ربا أضعه ربا العبّاس بن عبد المطّلب ، وإنّه موضوع کلّه» (2).

22 - وروی أئمّة الحدیث واللفظ لمسلم عن أبی سعید الخدری مرفوعاً : «الذهب بالذهب ، والفضّة بالفضّة ، والبُرّ بالبُرّ ، والشعیر بالشعیر ، والتمر بالتمر ، والملح بالملح مثلاً بمثل ، یداً بید ، فمن زاد واستزاد فقد أربی ، والآخذ والمعطی فیه سواء».

راجع (3) : صحیح مسلم (5 / 44) ، سنن النسائی (7 / 277 ، 278) ، سنن البیهقی (5 / 278).

23 - ومن طریق أبی سعید مرفوعاً : «لا تبیعوا الذهب بالذهب إلاّ مثلاً بمثل ، ولا تشفوا (4) بعضها علی بعض ، ولا تبیعوا الورِق بالورِق إلاّ مثلاً بمثل». الحدیث.

راجع (5) : صحیح مسلم (5 / 42) ، صحیح البخاری (3 / 288) ، کتاب الأُمّ للشافعی (3 / 25) ، سنن النسائی (7 / 278) ، سنن البیهقی (5 / 276 ، 278) ، بدایة المجتهد (2 / 195). 2.

ص: 269


1- الترغیب والترهیب : 3 / 3 - 14.
2- صحیح مسلم : 4 / 41 [3 / 58 ح 147 کتاب الحج] ، سنن البیهقی : 5 / 274 ، سنن أبی داود : 2 / 83 [2 / 185 ح 1905]. (المؤلف)
3- صحیح مسلم : 3 / 399 ح 82 کتاب المساقاة ، السنن الکبری : 4 / 28 ، 29 ح 6157 ، 6158.
4- لا تشفوا : لا تفضّلوا.
5- صحیح مسلم : 3 / 395 ح 75 ، صحیح البخاری : 2 / 762 ح 2068 ، کتاب الأُم : 3 / 29 ، السنن الکبری : 4 / 30 ح 6162.

24 - من طریق ابن عمر : الذهب بالذهب لا فضل بینهما ، بهذا عهد صاحبنا إلینا وعهدنا إلیکم.

کتاب الأُمّ للشافعی (1) ، سنن البیهقی (5 / 279).

25 - من طریق أبی هریرة مرفوعاً : «الذهب بالذهب وزناً بوزن مثلاً بمثل ، والفضّة بالفضّة وزناً بوزن مثلاً بمثل ، فمن زاد أو ازداد (2) فقد أربی».

صحیح مسلم (5 / 45) ، سنن النسائی (7 / 278) ، سنن ابن ماجة (1 / 34) (3).

26 - من طریق عبادة بن الصامت مرفوعاً : «الذهب بالذهب تبرها وعینها ، والفضّة بالفضّة تبرها وعینها ، والبرّ بالبرّ مدی بمدی ، والشعیر بالشعیر مدی بمدی ، والتمر بالتمر مدی بمدی ، والملح بالملح مدی بمدی ، فمن زاد أو ازداد فقد أربی».

سنن أبی داود (4) (2 / 85) ، وبلفظ قریب من هذا عن عبادة فی کتاب الأُمّ للشافعی (5) (3 / 12).

وعلی هذه السنّة الثابتة جرت الفتاوی ، قال القرطبی فی تفسیره (6) (5 / 349) : أجمع العلماء علی القول بمقتضی هذه السنّة ، وعلیها جماعة فقهاء المسلمین إلاّ فی البُرّ والشعیر ، فإنّ مالکاً جعلهما صنفاً واحداً.

وقال ابن رشد فی بدایة المجتهد (2 / 195) : أجمع العلماء علی أنّ بیع الذهب 6.

ص: 270


1- کتاب الأُمّ : 3 / 30.
2- کذا فی سنن النسائی ، وفی صحیح مسلم : استزاد.
3- صحیح مسلم : 3 / 400 ح 84 ، السنن الکبری : 4 / 29 ح 6161 ، سنن ابن ماجة : 2 / 758 ح 2255.
4- سنن أبی داود : 3 / 248 ح 3349.
5- کتاب الأُمّ : 3 / 15.
6- الجامع لأحکام القرآن : 3 / 226.

بالذهب ، والفضّة بالفضّة ، لا یجوز إلاّ مثلاً بمثل.

وفی الفقه علی المذاهب الأربعة (2 / 245) : لا خلاف بین أئمّة المسلمین فی تحریم ربا النسیئة ، فهو کبیرة من الکبائر بلا نزاع ، وقد ثبت [ذلک] (1) بکتاب الله تعالی ، وسنّة رسوله ، وإجماع المسلمین. إلی آخره.

وفی (ص 247) : أمّا ربا الفضل وهو أن یبیع أحد الجنسین بمثله بدون تأخیر فی القبض ، فهو حرام فی المذاهب الأربعة.

هذا ما عند الله وعند رسوله وعند المسلمین أجمع ، لکن معاویة بلغت به الرفعة مکاناً یقول فیه : قال الله ورسوله وقلت ، هما یحرّمان الربا بأشدّ التحریم ، ویستحلّه معاویة ، وینهی عن روایة سنّة جاءت فیه ، ویُشدّد النکیر علیها وعلی من رواها ، حتی یغادر الصحابیّ الصالح من جرّائه عقر داره ، فما ذا للقائل أن یقول فیمن یحادّ الله ورسوله ، ویستحلّ ما حرّماه ، ویتعدّی حدودهما؟ أو یقول فیمن یسمع آیات الله تُتلی علیه ثم یصرّ مستکبراً کأن لم یسمعها.

ولئن صحّ للجاحظ إکفار معاویة لمحض مخالفته للسنّة الثابتة باستلحاق زیاد ، کما سیوافیک شرحه فهو بما ذکرناه هنا وفی غیر واحد من موارده ومصادره ، أکفر کافر.

ولنا حقّ النظر إلی ناحیة أخری من هذه القصّة ، وهی بیع آنیة الفضّة من دون کسرها المحرّم فی شریعة الإسلام تحریماً باتّا لا خلاف فیه. راجع المحلّی لابن حزم (8 / 514) ، نعم ، هذا حکم الإسلام ، ومعاویة لا یبالی به ، فیبیع ما یشاء کیف یشاء ، وسیری وبال أمره یوم یقوم الناس لربّ العالمین ، یوم لا تملک نفس لنفس شیئاً والأمر یومئذٍ لله. ر.

ص: 271


1- من المصدر.

- 3 -

معاویة یتمّ فی السفر

أخرج الطبرانی ، وأحمد (1) ، بإسناد صحیح من طریق عباد بن عبد الله بن الزبیر ، قال : لمّا قدم علینا معاویة حاجّا ، قدمنا معه مکة قال : فصلّی بنا الظهر رکعتین ثم انصرف إلی دار الندوة ، قال : وکان عثمان حین أتمّ الصلاة ، فإذا قدم مکة صلّی بها الظهر والعصر والعشاء الآخرة أربعاً أربعاً ، فإذا خرج إلی منی وعرفات قصّر الصلاة ، فإذا فرغ من الحجّ وأقام بمنی أتمّ الصلاة حتی یخرج من مکة ، فلمّا صلّی بنا الظهر رکعتین ، نهض إلیه مروان بن الحکم وعمرو بن عثمان ، فقالا له : ما عاب أحد ابن عمّک بأقبح ما عبته به ، فقال لهما : وما ذاک؟ قال : فقالا له : ألم تعلم أنّه أتمّ الصلاة بمکة. قال : فقال لهما : ویحکما وهل کان غیر ما صنعت؟ قد صلّیتهما مع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ومع أبی بکر وعمر. قالا : فإنّ ابن عمّک قد أتمّها وإنّ خلافک إیّاه له عیب ، قال : فخرج معاویة إلی العصر فصلاّها بنا أربعاً (2).

قال الأمینی : انظر إلی مبلغ هؤلاء الرجال أبناء بیت أُمیّة من الدین ، ولعبهم بطقوس الإسلام ، وجرأتهم علی الله وتغییر سنّته ، وإحداثهم فی الصلاة وهی أفضل ما بُنیت علیه البیضاء الحنیفیة ، وانظر إلی ابن هند حلف الخمر والربا وکیف یترک ما جاء به رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ووجد هو عمله علیه ، ووافقه هو مع أبی بکر وعمر ، ثم یعدل عنه لمحض أنّ ابن عمّه غیّر حکم الشریعة فیه ، وأنّ مروان بن الحکم طرید رسول الله وابن طریده ، الوزغ ابن الوزغ ، اللعین ابن اللعین علی لسان النبیّ العظیم ، ف)

ص: 272


1- مسند أحمد : 5 / 58 ح 16415.
2- مرّ تفصیل الکلام حول ما أحدثه عثمان فی صلاة المسافر خلاف سنّة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی الجزء الثامن : ص 98 - 119 ، وأسلفنا الحدیث فی : 8 / 262. (المؤلف)

وصاحبه عمرو بن عثمان ما راقهما اتّباعه السنّة ، فاستهان مخالفتها دون أن یعیب ابن عمّه بعمله ، فأحیا أُحدوثة ذی قرباه ، وأمات سنّة محمد صلی الله علیه وآله وسلم ، غیر مکترث لما سمعته أذن الدنیا عن ابن عمر : الصلاة فی السفر رکعتان من خالف السنّة فقد کفر (1) ، فزهٍ به من خلیفة المسلمین وألف زه!!

- 4 -

أُحدوثة الأذان فی العیدین

أخرج الشافعی فی کتاب الأُمّ (2) (1 / 208) من طریق الزهری قال : لم یؤذّن للنبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ولأبی بکر ولا لعمر ولا لعثمان فی العیدین ، حتی أحدث ذلک معاویة بالشام ، فأحدثه الحجّاج بالمدینة حین أُمّر علیها.

وفی المحلّی لابن حزم (5 / 82) : أحدث بنو أُمیّة تأخیر الخروج إلی العید ، وتقدیم الخطبة قبل الصلاة والأذان والإقامة.

وفی البحر الزخّار (3 / 58) : لا أذان ولا إقامة لها - لصلاة العیدین - لما مرّ ، ولا خلاف أنّه محدث (یب) (3) ، أحدثه معاویة (ابن سیرین) بل مروان وتبعه الحجّاج (أبو قلابة) بل ابن الزبیر ، والمحدث بدعة لقوله صلی الله علیه وآله وسلم : فهو ردّ وشرّها محدثاتها. وینادی لها : الصلاة جامعة.

وفی فتح الباری لابن حجر (4) (2 / 362) : اختُلف فی أوّل من أحدث الأذان فیها ، فروی ابن أبی شیبة بإسناد صحیح ، عن سعید بن المسیّب أنّه معاویة ، وروی2.

ص: 273


1- راجع : 8 / 116. (المؤلف)
2- کتاب الأُمّ : 1 / 235.
3- إشارة إلی سعید بن المسیّب. (المؤلف)
4- فتح الباری : 2 / 453 و 352.

الشافعی عن الثقة ، عن الزهری مثله ، وروی ابن المنذر عن حصین بن عبد الرحمن ، قال : أوّل من أحدثه زیاد بالبصرة. وقال الداودی : أوّل من أحدثه مروان ، وکلّ هذا لا ینافی أنّ معاویة أحدثه کما تقدّم فی البداءة بالخطبة.

وقال فیما أشار إلیه فی البداءة بالخطبة : لا مخالفة بین هذین الأثرین وأثر مروان ، لأنّ کلاّ من مروان وزیاد کان عاملاً لمعاویة ، فیحمل علی أنّه ابتدأ ذلک وتبعه عمّاله (1)

وقال القسطلانی فی إرشاد الساری (2) (2 / 202) ، أوّل من أحدث الأذان فیها معاویة. رواه ابن أبی شیبة (3) بإسناد صحیح ، زاد الشافعی (4) فی روایته : فأخذ به الحجّاج حین أمّر علی المدینة ، أو زیاد بالبصرة ، رواه ابن المنذر ، أو مروان قاله الداودی ، أو هشام قاله ابن حبیب ، أو عبد الله بن الزبیر ، رواه ابن المنذر أیضا. ویوجد فی شرح الموطّأ للزرقانی (5) (1 / 323) نحوه.

وفی أوائل السیوطی (ص 9) : أوّل من أحدث الأذان فی الفطر والأضحی بنو مروان. أخرجه ابن أبی شیبة ، عن أبی سیرین (6) ، وأخرج أیضاً عن ابن المسیّب قال : أوّل من أحدث الأذان فی العیدین معاویة ، وأخرج عن حصین قال : أوّل من أذّن فی العید زیاد.

وفی نیل الأوطار للشوکانی (7) (3 / 364) : قال ابن قدامة فی المغنی (8) : روی عن 5.

ص: 274


1- راجع ما أسلفناه فی الجزء الثامن : ص 160 ، 164 ، 165. (المؤلف)
2- إرشاد الساری : 2 / 737 ح 960.
3- المصنّف لابن أبی شیبة : 2 / 169.
4- کتاب الأُمّ : 1 / 235.
5- شرح الموطّأ للزرقانی : 1 / 362 ح 427.
6- کذا فی النسخ والصحیح : ابن سیرین. (المؤلف)
7- نیل الأوطار : 3 / 336.
8- المغنی : 2 / 235.

ابن الزبیر : أنّه أذّن وأقام ، وقیل : إنّ أوّل من أذّن فی العیدین زیاد. وروی ابن أبی شیبة فی المصنّف (1) بإسناد صحیح عن ابن المسیّب قال : أوّل من أحدث الأذان فی العید معاویة.

قال الأمینی : إنّ من المتسالم علیه عند أئمّة المذاهب عدم مشروعیّة الأذان والإقامة إلاّ للمکتوبة فحسب ، قال الشافعی فی کتابه الأُمّ (2) (1 / 208) : لا أذان إلاّ للمکتوبة ، فإنّا لم نعلمه أُذّن لرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إلاّ للمکتوبة ، وأحبّ أن یأمر الإمام المؤذّن أن یقول فی الأعیاد وما جمع الناس له من الصلاة : الصلاة جامعة. أو : إن الصلاة. وإن قال : هلمّ إلی الصلاة ، لم نکرهه وإن قال : حیّ علی الصلاة. فلا بأس ، وإن کنت أُحبّ أن یتوقّی ذلک لأنّه من کلام الأذان ... إلخ.

ومن مالک فی الموطّأ (3) (1 / 146) : أنّه سمع غیر واحد من علمائهم یقول : لم یکن فی عید الفطر ولا فی الأضحی نداء ولا إقامة منذ زمان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إلی الیوم ، قال مالک : وتلک السنّة التی لا اختلاف فیها عندنا.

وقال الشوکانی فی نیل الأوطار (4) (3 / 364) : أحادیث الباب تدلّ علی عدم شرعیّة الأذان والإقامة فی صلاة العیدین ، قال العراقی : وعلیه عمل العلماء کافّة. وقال ابن قدامة فی المغنی (5) : ولا نعلم فی هذا خلافاً ممّن یعتدّ بخلافه.

وقد تضافرت الأخبار الدالّة علی هدی الرسول الأعظم فی صلاة العیدین ، وأنّه صلی الله علیه وآله وسلم صلاّها بغیر أذان ولا إقامة ، وإلیک جملة منها : 5.

ص: 275


1- المصنّف : 2 / 169.
2- کتاب الأُمّ : 1 / 235.
3- موطّأ مالک : 1 / 177.
4- نیل الأوطار : 3 / 336.
5- المغنی : 2 / 235.

1 - عن جابر بن عبد الله : شهدت مع النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم یوم العید فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بغیر أذان ولا إقامة ، تم قام متوکّئاً علی بلال فأمر بتقوی الله ، وحثّ علی الطاعة ووعظ الناس وذکّرهم ، ثم مضی حتی أتی النساء فوعظهنّ وذکّرهنّ.

صحیح البخاری مختصراً (2 / 111) ، صحیح مسلم (3 / 18) ، سنن النسائی (3 / 163) ، سنن الدارمی مختصراً ومفصّلاً (1 / 375 ، 377) ، وأخرجه بلفظ قریب من هذا من طریق ابن عباس فی (ص 376 ، 378) ، زاد المعاد لابن القیّم (1 / 173) (1).

2 - عن جابر بن سمرة : صلّیت مع النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم العید غیر مرّة ولا مرّتین بغیر أذان ولا إقامة.

صحیح مسلم (3 / 29) ، سنن أبی داود (1 / 179) ، جامع الترمذی (3 / 4) ، مسند أحمد (5 / 92 ، 94 ، 95 ، 98 ، 107) بألفاظ شتّی ، سنن البیهقی (3 / 284) ، فتح الباری (2 / 362) (2).

3 - عن ابن عبّاس وجابر قالا : لم یکن یؤذّن یوم الفطر ولا یوم الأضحی.

صحیح البخاری (2 / 111) ، صحیح مسلم (3 / 19) ، جامع الترمذی (3 / 4) ، المحلّی لابن حزم (5 / 85) ، سنن النسائی (3 / 182) ، سنن البیهقی (3 / 284) (3).

4 - عن ابن عباس : أنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم صلّی العید بلا أذان ولا إقامة ، 2.

ص: 276


1- صحیح البخاری : 1 / 332 ح 935 ، صحیح مسلم : 2 / 284 ح 4 کتاب صلاة العیدین ، السنن الکبری للنسائی : 1 / 549 ح 1784 ، زاد المعاد : 1 / 122.
2- صحیح مسلم : 2 / 285 ح 7 ، سنن أبی داود : 1 / 298 ح 1148 ، سنن الترمذی : 2 / 413 ح 532 ، مسند أحمد : 6 / 96 ح 20336 ، ص 101 ح 20374 ، ص 102 ح 20384 ، ص 108 ح 20425 ، ص 121 ح 20524 ، فتح الباری : 2 / 452.
3- صحیح البخاری : 1 / 327 ح 917 ، صحیح مسلم : 2 / 285 ح 5 ، سنن الترمذی : 2 / 413 ح 532 ، السنن الکبری للنسائی : 1 / 544 ح 1762.

وأبا بکر ، وعمر أو عثمان. شکّ یحیی (1).

سنن أبی داود (1 / 179) ، سنن ابن ماجة (1 / 386) ، قال الزرقانی فی شرح الموطّأ (1 / 323) : إسناده صحیح.

5 - عن عبد الرحمن بن عابس قال : سأل رجل ابن عبّاس : أشهدت العید مع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم؟ قال : نعم ولولا منزلتی منه ما شهدته من الصغر ، فأتی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم الْعَلَمَ الذی عند دار کثیر بن الصلت ، فصلّی ثم خطب ، ولم یذکر أذاناً ولا إقامة.

سنن أبی داود (2) (1 / 179).

6 - عن عطاء ، أخبرنی جابر : أن لا أذان لصلاة یوم الفطر حین یخرج الإمام ، ولا بعد ما یخرج ، ولا إقامة ولا نداء ولا شیء ، لا نداء یومئذٍ ولا إقامة.

صحیح مسلم (3) (3 / 19).

7 - عن عبد الله بن عمر : خرج رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی یوم عید فصلّی بغیر أذان ولا إقامة.

سنن النسائی حکاه عنه ابن حجر فی فتح الباری (2 / 362) ، والزرقانی فی شرح الموطّأ (1 / 323) (4).

8 - عن سعد بن أبی وقّاص : أنّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم صلّی بغیر أذان ولا إقامة. 7.

ص: 277


1- سنن أبی داود : 1 / 298 ح 1147 ، سنن ابن ماجة : 1 / 406 ح 1274 ، شرح الموطأ : 1 / 362 ح 427.
2- سنن أبی داود : 1 / 298 ح 1146.
3- صحیح مسلم : 2 / 285 ح 5 کتاب صلاة العیدین.
4- السنن الکبری : 1 / 544 ح 1763 ، فتح الباری : 2 / 452 ، شرح الموطّأ : 1 / 362 ح 427.

أخرجه (1) : البزّار فی مسنده کما فی فتح الباری (2 / 362) ، ونیل الأوطار (3 / 363).

9 - عن البراء بن عازب : أنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم صلّی فی یوم الأضحی بغیر أذان ولا إقامة.

أخرجه : الطبرانی فی الأوسط (2) کما فی الفتح (2 / 362) ، ونیل الأوطار (3 / 363).

10 - عن أبی رافع : أنّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم کان یخرج إلی العید ماشیاً بغیر أذان ولا إقامة.

أخرجه الطبرانی فی الکبیر کما فی نیل الأوطار (3 / 364) (3).

11 - عن عطاء : أنّ ابن عبّاس أرسل إلی ابن الزبیر أوّل ما بویع له ، أنّه لم یکن یؤذّن للصلاة یوم الفطر ، فلا تؤذّن لها ، قال : فلم یؤذّن لها ابن الزبیر یومه.

صحیح مسلم (3 / 19) ، صحیح البخاری (2 / 111) (4).

هذه شریعة الله التی شرعها فی صلاة العیدین ، واستمرّ علیها العمل فی دور النبوّة ، ولم تزل متّبعة علی عهد الشیخین ، وهلمّ جرّا ، حتی أحدث رجل النفاق بدعته الشنعاء ، وأدخل فی الدین ما لیس منه ، فکان مصیره ومصیر بدعته ومن عمل بها إلی النار ، وکان علی الأُمّة منه یوم أسود عند حشرها ، کما کان منه علیها یوم أحمر فی دنیاها ، فأیّ خلیفة هذا یجرّ علی قومه الویلات فی النشأتین جمعاء؟ وهذه وما شابهها من بدع الرجل تنمّ عن تهاونه بالشریعة ، وعدم التزامه بسننها 6.

ص: 278


1- فتح الباری : 2 / 452 ، نیل الأوطار : 3 / 335.
2- المعجم الأوسط : 2 / 174 ح 1317.
3- نیل الأوطار : 3 / 335.
4- صحیح مسلم : 2 / 285 ح 6 ، صحیح البخاری : 1 / 327 ح 916.

وفروضها ، وإنّما کان یعمل بما یرتئیه وتحبّذ له میوله ، غیر مکترث لمخالفته الدین ، متی وجد فیه حریجة من شهواته ، ومدخلاً من أهوائه ، فحسب أنّ فی تقدیم الأذان دعوة إلی الاجتماع وملتمحاً للأبّهة ، وعزب عنه أن دین الله لا یقاس بهذه المقاییس ، وإنّما هو منبعث عن مصالح لا یعلم حقائقها إلاّ الله ، ولو کانت لتلک المزعمة مقیل من الحقّ لجاء بها نبیّ العظمة صلی الله علیه وآله وسلم ، فدع معاویة یتورّط فی سیّئاته ، ویُهملج فی ترکاضه إلی الضلال ، والله یعلم منقلبه ومثواه.

- 5 -

معاویة یصلّی الجمعة یوم الأربعاء

إنّ رجلاً من أهل الکوفة دخل علی بعیر له إلی دمشق فی حال منصرفهم عن صفّین ، فتعلّق به رجل من دمشق ، فقال : هذه ناقتی أخذت منّی بصفّین. فارتفع أمرهما إلی معاویة ، وأقام الدمشقی خمسین رجلاً بیّنة یشهدون أنّها ناقته ، فقضی معاویة علی الکوفی وأمره بتسلیم البعیر إلیه ، فقال الکوفی : أصلحک الله إنّه جمل ولیس بناقة ، فقال معاویة : هذا حکم قد مضی ، ودسّ إلی الکوفیّ بعد تفرّقهم فأحضره ، وسأله عن ثمن بعیره فدفع إلیه ضعفه ، وبرّه وأحسن إلیه ، وقال له : أبلغ علیّا أنّی أقابله (1) بمائة ألف ما فیهم من یفرّق بین الناقة والجمل. ولقد بلغ من أمرهم فی طاعتهم له أنّه صلّی بهم عند مسیرهم إلی صفّین الجمعة فی یوم الأربعاء ، وأعاروه رءوسهم عند القتال ، وحملوه بها ورکنوا إلی قول عمرو بن العاص : إنّ علیّا هو الذی قتل عمّار بن یاسر حین أخرجه لنصرته ، ثم ارتقی بهم الأمر فی طاعته إلی أن جعلوا لعن علیّ سنّة ینشأ علیها الصغیر ویهلک علیها الکبیر (2).

قال الأمینی : اشتملت هذه الصحیفة السوداء علی أشیاء تجد البحث عن بعضها ف)

ص: 279


1- فی المصدر : أُقاتله.
2- مروج الذهب : 2 / 72 [3 / 42]. (المؤلف)

فی طیّات کتابنا هذا کاتّخاذ لعن علیّ أمیر المؤمنین سنّة یدأب علیها ، وکتأویل عمرو ابن العاص قول رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لعمّار : تقتلک الفئة الباغیة ، بأنّ علیّا علیه السلام هو الذی قتل عمّاراً لإلقائه بین سیوف القوم ورماحهم ، وکبیان ما یُعرب عن حال أصحاب معاویة ومبلغهم من العقل والدین ، وهذه کلمة معاویة ومعتقده فیهم ، وهو علی بصیرة منهم ، وقد کان یستفید من أولئک الهمج بضؤولة عقلیّتهم ، وخَوَر نفسیّاتهم ، وبعدهم عن معالم الدین ونوامیس الشریعة المقدّسة ، فیجمعهم علی قتال إمام الحقّ تارة وللشهادة بأنّه علیه السلام هو الذی قتل عثمان طوراً ، إلی موارد کثیرة من شهادات الزور التی کان یُغریهم بها ، کقصّة حجر بن عدی وأمثالها.

والذی یهمّنا هاهنا أوّلاً حکمه الباطل علی ناقة لم تکن توجد هنالک ، وإنّما الموجود جمل قد شاهده وعلم به وأنّه خارج عن موضوع الشهادة ، لکنّه أنفذ الحکم الباطل المبتنی علی خمسین شهادة ، زور کلّها ، ویقول بملء فیه : هذا حکم قد مضی. والحقیقة غیر عازبة عنه ، ویتبجّح أنّه یقابل إمام الهدی علیه السلام بمائة ألف من أولئک الحمر المستنفرة ، لکنّه لم یقابل إمام الحقّ بهم فحسب ، وإنّما کان یقابل النبیّ الأعظم ، ودینه الأقدس ، وکتابه العزیز ، بتلکم الرعرعة الدهماء.

ویهمّنا ثانیاً تغییره وقت صلاة الجمعة عند مسیره إلی صفّین - فی تلک السفرة المحظورة التی أُنشِئت علی الضدّ من رضی الله ورسوله - إلی یوم الأربعاء ، وإلی الغایة لم یظهر لی سرّ هذا التغییر ، هل نسی یوم الجمعة فحسب یوم الأربعاء أنّه یوم الجمعة؟ ومن العجب أنّه لم یذکره أحد من ذلک الجیش اللجب ، ولا ذکّره منهم أحد. أو أنّه کان یبهضه ما جاء عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی فضل یوم الجمعة ، وفضل ساعاته والأعمال الواردة فیه ، وقد اتّخذه هو صلی الله علیه وآله وسلم والمسلمون من بعده عیداً تمتاز به هذه الأُمّة عن بقیّة الأُمم؟ وما کان ابن هند یستسهل أن یجری فی الدنیا سنّة للنبیّ متّبعة لم یولها إخلالاً وعیثاً ، فبدر إلی ذلک التبدیل عتوّا منه ، وما أکثر عبثه بالدین وحیفه بالمسلمین!

ص: 280

ولعلّه اختار یوم الأربعاء لما ورد فیه من أنّه أثقل الأیّام ، یوم نحس مستمر (1) فأراد أن یرفع النحوسة بصلاة الجمعة ، ولم یعبأ باستلزام ذلک تغییر سنّة الله التی لا تبدیل لها ، والجمعة سیّد الأیّام ، خیر یوم طلعت علیه الشمس (2).

وبهذا وأمثاله یُستهان بما یؤثر عن الرجل من تقدیم وقت الجمعة إلی الضحی (3) ، ووقتها المضروب لها فی شریعة الإسلام الزوال لا غیره ، وهی بدل الظهر ، ووقتها وقتها ، وهذه سنّة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم الثابتة المتّبعة ، فعن سلمة بن الأکوع قال : کنّا نُجمعُ مع النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم إذا زالت الشمس ، ثم نرجع نتّبع الفیء (4).

وعن سلمة أیضاً قال : کنّا نصلّی مع النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم یوم الجمعة وما نجد للحیطان فیئاً یُستظلّ به (5).

وعن جابر بن عبد الله لمّا سُئل : متی کان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یصلّی الجمعة؟ قال : کان یصلّی ، ثم نذهب إلی جمالنا لنریحها حین تزول الشمس (6). ف)

ص: 281


1- راجع ثمار القلوب : ص 521 ، 522 [ص 649 ، 650 رقم 1094]. (المؤلف)
2- أخرجه الحاکم [فی المستدرک 1 / 413 ح 1030] والترمذی [فی سننه 2 / 359 ح 488] والنسائی [فی سننه 1 / 517 ح 1663] وأبو داود [فی سننه 1 / 274 ح 1046 و 1047] (المؤلف)
3- راجع فتح الباری : 2 / 309 [2 / 387] ، نیل الأوطار : 3 / 319 ، 320 [3 / 295 - 296]. (المؤلف)
4- صحیح مسلم : 3 / 9 [2 / 266 ح 31 کتاب الجمعة] ، سنن البیهقی : 3 / 190 ، نصب الرایة : 2 / 195 [وأخرجه عنه فی کنز العمال 8 / 371 ح 23314 بلفظ : کنا نصلّی مع النبی ...] (المؤلف)
5- صحیح مسلم : 3 / 9 [2 / 266 ح 32] ، سنن البیهقی : 3 / 191. [وأخرجه عنه الدارقطنی فی سننه : 2 / 18 ح 2 ، والطبرانی فی الأوسط : 7 / 64 ح 6014]. (المؤلف)
6- مسند أحمد : [4 / 281 ح 14130] ، سنن النسائی : [1 / 527 ح 1699] ، صحیح مسلم : 3 / 8 و 9 [2 / 265 ح 29] ، سنن البیهقی : 3 / 190 ، المحلّی : 5 / 44. (المؤلف)

وعن أنس بن مالک قال : إنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم کان یصلّی الجمعة حین تمیل الشمس (1).

وعن الزبیر بن العوام قال : کنّا نصلّی مع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم الجمعة ثم نبتدر الفیء ، فما یکون إلاّ موضع القدم أو القدمین. وفی روایة أبی معاویة : ثم نرجع فلا نجد فی الأرض من الظلّ إلاّ موضع أقدامنا (2).

وقال البخاری فی صحیحه (3) : باب وقت الجمعة إذا زالت الشمس ، وکذلک روی عن عمر ، وعلی ، والنعمان بن بشیر ، وعمرو بن حُریث.

وقال البیهقی فی سننه الکبری (3 / 191) : ویذکر هذا القول عن عمر ، وعلیّ ، ومعاذ بن جبل ، والنعمان بن بشیر ، وعمرو بن حریث ، أعنی فی وقت الجمعة إذا زالت الشمس.

وقال ابن حزم فی المحلّی (5 / 42) : الجمعة هی ظهر یوم الجمعة ، ولا یجوز أن تصلّی إلاّ بعد الزوال ، وآخر وقتها آخر وقت الظهر فی سائر الأیّام.

وقال ابن رشد فی البدایة (4) (1 / 152) : أمّا الوقت فإنّ الجمهور علی أنّ وقتها وقت الظهر بعینه ، أعنی وقت الزوال ، وأنّها لا تجوز قبل الزوال ، وذهب قوم إلی أنّه یجوز أن تصلّی قبل الزوال ، وهو قول أحمد بن حنبل.

وقال النووی فی شرح صحیح مسلم (5) بعد سرد بعض أحادیث الباب : قال ف)

ص: 282


1- صحیح البخاری [1 / 307 ح 862] ، مسند أحمد [3 / 582 ح 11890] ، سنن أبی داود [1 / 284 ح 1084] ، سنن النسائی ، سنن البیهقی : 3 / 190 ، نصب الرایة : 2 / 195. (المؤلف)
2- سنن البیهقی : 3 / 191. (المؤلف)
3- صحیح البخاری : 1 / 306.
4- بدایة المجتهد : 1 / 160.
5- شرح صحیح مسلم : 4 / 162 [6 / 148]. (المؤلف)

مالک ، وأبو حنیفة ، والشافعی ، وجماهیر العلماء من الصحابة والتابعین ، فمن بعدهم : لا تجوز الجمعة إلاّ بعد زوال الشمس ، ولم یخالف فی هذا إلاّ أحمد بن حنبل ، وإسحاق ، فجوّزاها قبل الزوال.

قال القاضی : وروی فی هذا أشیاء عن الصحابة لا یصحّ منها شیء ، إلاّ ما علیه الجمهور.

وقال القسطلانی : هو مذهب عامّة العلماء ، وذهب أحمد إلی صحّة وقوعها قبل الزوال متمسّکاً بما روی عن أبی بکر ، وعمر ، وعثمان أنّهم کانوا یصلّون الجمعة قبل الزوال من طریق لا تثبت (1).

طرق ما تمسّک به أحمد تنتهی إلی عبد الله بن سیدان السلمی ، زیّفها الحفّاظ لمکان ابن سیدان ، قال الزیلعی فی نصب الرایة (2 / 196) : فهو حدیث ضعیف. وقال النووی فی الخلاصة : اتّفقوا علی ضعف ابن سیدان. وقال ابن حجر فی فتح الباری (2) (2 / 309) : إنّه تابعیّ کبیر ، إلاّ أنّه غیر معروف العدالة. قال ابن عدی (3) : شبه المجهول. وقال البخاری (4) : لا یتابع علی حدیثه ، بل عارضه ما هو أقوی منه. ثم ذکر من عمل أبی بکر ، وعمر ، وعلیّ ، علی خلاف حدیث ابن سیدان ، بأسانید صحیحة.

فالسنّة الثابتة فی توقیت الجمعة هی السنّة المتّبعة فی صلاة الظهر ، وإقامة معاویة الجمعة فی الضحی خروج عن سنّة النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وهدیه ، وشذوذ عن سیرة السلف کشذوذه فی بقیّة أفعاله وتروکه. 8.

ص: 283


1- إرشاد الساری : 2 / 164 [2 / 648]. (المؤلف)
2- فتح الباری : 2 / 387.
3- الکامل فی ضعفاء الرجال : 4 / 222 رقم 1031.
4- التاریخ الکبیر : 5 / 110 رقم 328.

- 6 -

أحدوثة الجمع بین الأُختین

أخرج ابن المنذر عن القاسم بن محمد : أنّ حیّا سألوا معاویة عن الأُختین ممّا ملکت الیمین یکونان عند الرجل یطؤهما؟ قال : لیس بذلک بأس ، فسمع بذلک النعمان بن بشیر ، فقال : أفتیت بکذا وکذا؟ قال : نعم. قال : أرأیت لو کان عند الرجل أخته مملوکة یجوز له أن یطأها؟ قال : أما والله لربما وددتنی أدرک ، فقل لهم : اجتنبوا ذلک ، فإنّه لا ینبغی لهم ، فقال : إنّما الرحم من العتاقة وغیرها (1).

قال الأمینی : هذا الباب المرتَج فتحه عثمان ، کما أسلفنا تفصیله فی الجزء الثامن (ص 214 - 223) وقد عُدّ ذلک من أحداثه ، ولم یوافقه علیه أحد من السلف والخلف ممّن یُعبأ به وبرأیه ، حتی جاء معاویة معلّیاً علی ذلک البنیان المتضعضع ، معلّیاً بما شذّ عن الدین الحنیف ، أخذاً بأُحدوثة ابن عمّه ، صفحاً عن کتاب الله وسنّة نبیّه صلی الله علیه وآله وسلم ، وقد أتینا هنالک فی بطلانه بما لم یبقَ معه فی القوس منزع.

- 7 -

أُحدوثة معاویة فی الدیات

أخرج الضحّاک فی الدیات (ص 50) من طریق محمد بن إسحاق قال : سألت الزهری قلت : حدّثنی عن دیة الذمّی کم کانت علی عهد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم؟ قد اختلف علینا فیها. فقال : ما بقی أحد بین المشرق والمغرب أعلم بذلک منّی ، کانت علی عهد رسول الله ألف دینار ، وأبی بکر ، وعمر ، وعثمان ، حتی کان معاویة ، أعطی أهل القتیل خمسمائة دینار ، ووضع فی بیت المال خمسمائة دینار. ف)

ص: 284


1- الدرّ المنثور : 2 / 137 [2 / 477]. (المؤلف)

وفی لفظ البیهقی فی سننه (8 / 102) : کانت دیة الیهود والنصاری فی زمن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم مثل دیة المسلم ، وأبی بکر ، وعمر ، وعثمان ، فلمّا کان معاویة أعطی أهل المقتول النصف ، وألقی النصف فی بیت المال ، قال : ثم قضی عمر بن عبد العزیز فی النصف وألقی ما کان جعل معاویة.

وفی الجوهر النقی (1) : ذکر أبو داود فی مراسیله بسند صحیح عن ربیعة بن أبی عبد الرحمن قال : کان عقل الذمّی مثل عقل المسلم فی زمن رسول الله ، وزمن أبی بکر ، وزمن عمر ، وزمن عثمان ، حتی کان صدراً من خلافة معاویة ، فقال معاویة : إن کان أهله أُصیبوا به فقد أُصیب به بیت مال المسلمین ، فاجعلوا لبیت مال المسلمین النصف ولأهله النصف خمسمائة دینار. ثم قتل رجل من أهل الذمّة ، فقال معاویة : لو أنّا نظرنا إلی هذا الذی یدخل بیت المال فجعلناه وضیعاً عن المسلمین وعوناً لهم ، قال لمن هناک : وضع عقلهم إلی خمسمائة.

وقال ابن کثیر فی تاریخه (2) (8 / 139) : قال الزهری : مضت السنّة أنّ دیة المعاهد کدیة المسلم ، وکان معاویة أوّل من قصّرها إلی النصف وأخذ النصف [لنفسه] (3).

قال الأمینی : تقدّم فی الجزء الثامن (ص 167) : أنّ دیة الذمی فی دور النبوّة لم یکن ألفاً کما حسبه الزهری ، ولم یذهب إلیه أحد من أئمّة المذاهب إلاّ أبا حنیفة ، وأنّ أوّل من جعلها ألفاً هو عثمان ، وعلی أیّ حال فما ارتکبه معاویة فیه بدع ثلاث :

1 - أخذ الدیة ألفاً.

2 - تنصیفه بین ورثة المقتول وبیت المال. ر.

ص: 285


1- الجوهر النقی المطبوع فی ذیل السنن الکبری للبیهقی : 8 / 102.
2- البدایة والنهایة : 8 / 148 حوادث سنة 60 ه.
3- الزیادة من المصدر.

3 - وضعه حصّة بیت المال أخیراً إن کانت الألف سنّة ولبیت المال فیها حقّ.

فمرحیً بخلیفة یجهل حکماً واحداً من الشریعة من شتّی نواحیه ، أو : یعلمه لکنّه یتلاعب به کیفما حبّذته له میوله ، وهو لا یقیم للحکم الإلهی وزناً ، ولا یری لله حدوداً لا یتجاوزها ، ویقول : لو أنّا نظرنا إلخ. ولا یبالی بما تقوّل علی الله ولا یکترث لمغبّة ما أحدثه فی الدین وفی الذکر الحکیم ، قوله تعالی : (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَیْنا بَعْضَ الْأَقاوِیلِ* لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْیَمِینِ* ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِینَ) (1).

- 8 -

ترک التکبیر المسنون فی الصلوات

أخرج الطبرانی - وفی شرح الموطّأ : الطبری - عن أبی هریرة : أنّ أوّل من ترک التکبیر معاویة ، وروی أبو عبید : أنّ أوّل من ترکه زیاد.

وأخرج ابن أبی شیبة من طریق سعید بن المسیب أنّه قال : أوّل من نقص التکبیر معاویة (2).

قال ابن حجر فی فتح الباری (2 / 215) : هذا لا ینافی الذی قبله : لأنّ زیاداً ترکه بترک معاویة. وکان معاویة ترکه بترک عثمان (3) ، وقد حمل ذلک جماعة من أهل العلم علی الإخفاء.

وفی الوسائل الی مسامرة الأوائل (ص 15) : أوّل من نقص التکبیر معاویة ، ف)

ص: 286


1- الحاقة : 44 ، 45 ، 46.
2- فتح الباری : 2 / 215 [2 / 270] ، تاریخ الخلفاء للسیوطی : ص 134 [ص 187] ، نیل الأوطار : 2 / 266 [2 / 268] ، شرح الموطأ للزرقانی : 1 / 145 [1 / 159 ح 163] (المؤلف)
3- أخرج حدیثه أحمد فی مسنده [5 / 597 ح 19380] من طریق عمران کما یأتی فی المتن بعید هذا. (المؤلف)

کان إذا قال : سمع الله لمن حمده ، انحطّ إلی السجود فلم یکبّر ، وأسنده العسکری عن الشعبی ، وأخرج ابن أبی شیبة (1) عن إبراهیم قال : أوّل من نقص التکبیر زیاد.

وفی نیل الأوطار للشوکانی (2 / 266) : هذه الروایات غیر متنافیة ، لأنّ زیاداً ترکه بترک معاویة ، وکان معاویة ترکه بترک عثمان وقد حمل ذلک جماعة من أهل العلم علی الإخفاء ، وحکی الطحاوی : أنّ بنی أُمیّة کانوا یترکون التکبیر فی الخفض دون الرفع (2). وما هذه بأوّل سنّة ترکوها.

وأخرج الشافعی فی کتابه الأُمّ (3) (1 / 93) من طریق أنس بن مالک قال : صلّی معاویة بالمدینة صلاة فجهر فیها بالقراءة ، فقرأ بسم الله الرحمن الرحیم لأُمّ القرآن ولم یقرأ بها للسورة التی بعدها حتی قضی تلک القراءة ، ولم یکبّر حین یهوی حتی قضی تلک الصلاة. فلمّا سلّم ناداه من سمع ذلک من المهاجرین من کلّ مکان : یا معاویة أسرقت الصلاة أم نسیت؟ فلمّا صلّی بعد ذلک قرأ بسم الله الرحمن الرحیم للسورة التی بعد أُمّ القرآن وکبّر حین یهوی ساجداً.

وأخرج فی کتاب الأُمّ (4) (1 / 94). من طریق عبید بن رفاعة : أنّ معاویة قدم المدینة فصلّی بهم فلم یقرأ ببسم الله الرحمن الرحیم ، ولم یکبّر إذا خفض وإذا رفع ، فناداه المهاجرون حین سلّم والأنصار : أن یا معاویة سرقت صلاتک ، أین بسم الله الرحمن الرحیم؟ وأین التکبیر إذا خفضت وإذا رفعت؟ فصلّی بهم صلاة أخری ، فقال ذلک فیها الذی عابوا علیه.

وأخرجه من طریق أنس صاحب الانتصار ، کما فی البحر الزخّار (1 / 249). 8.

ص: 287


1- المصنّف : 1 / 242.
2- شرح معانی الآثار : 1 / 220 ح 1320.
3- کتاب الأُمّ : 1 / 108.
4- کتاب الأُمّ : 1 / 108.

قال الأمینی : تنمّ هذه الأحادیث عن أنّ البسملة لم تزل جزءاً من السورة منذ نزول القرآن الکریم ، وعلی ذلک تمرّنت الأُمّة ، وانطوت الضمائر ، وتطامنت العقائد ، ولذلک قال المهاجرون والأنصار لمّا ترکها معاویة : إنّه سرق ، ولم یتسنَّ لمعاویة أن یعتذر لهم بعدم الجزئیّة ، حتی التجأ إلی إعادة الصلاة مکلّلة سورتها بالبسملة ، أو أنّه التزم بها فی بقیّة صلواته ، ولو کان هناک یومئذ قول بتجرّد السورة عنها لاحتجّ به معاویة ، لکنّه قول حادث ابتدعوه لتبریر عمل معاویة ونظرائه من الأمویّین الذین اتّبعوه بعد تبیّن الرشد من الغیّ.

وأمّا التکبیر عند کلّ هوی وانتصاب فهی سنّة ثابتة عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم عرفها الصحابة کافّة ، فأنکروا علی معاویة ترکها ، وعلیها کان عمل الخلفاء الأربعة ، واستقرّ علیها إجماع العلماء ، وهی مندوبة عندهم ، عدا ما یؤثر عن أحمد فی إحدی الروایتین عنه من وجوبها ، وکذلک عن بعض أهل الظاهر ، وإلیک جملة ممّا ورد فی المسألة :

1 - عن مطرف بن عبد الله قال : صلّیت خلف علیّ بن أبی طالب رضی الله عنه أنا وعمران بن حصین ، فکان إذا سجد کبّر ، وإذا رفع رأسه کبّر ، وإذا نهض من الرکعتین کبّر ، فلمّا قضی الصلاة أخذ بیدی عمران بن حصین ، فقال : قد ذکّرنی هذا صلاة محمد ، أو قال : لقد صلّی بنا صلاة محمد صلی الله علیه وآله وسلم.

وفی لفظ لأحمد : قال عمران : ما صلّیت منذ حین. أو قال : منذ کذا کذا أشبه بصلاة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم من هذه الصلاة ، صلاة علیّ.

وفی لفظ آخر له : عن مطرف عن عمران قال : صلّیت خلف علیّ صلاةً ذکّرنی صلاةً صلّیتها مع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم والخلیفتین ، قال : فانطلقت فصلّیت معه ، فإذا هو یکبّر کلّما سجد وکلّما رفع رأسه من الرکوع ، فقلت : یا أبا نجید من أوّل من ترکه؟

ص: 288

قال : عثمان بن عفّان رضی الله عنه حین کبر وضعف صوته ترکه.

صحیح البخاری (2 / 57 ، 70) ، صحیح مسلم (2 / 8) ، سنن أبی داود (1 / 133) ، سنن النسائی (2 / 204) ، مسند أحمد (4 / 428 ، 429 ، 431 ، 440 ، 444) ، البحر الزخّار (2 / 254) (1).

2 - عن أبی هریرة : أنّه کان یصلّی بهم فیکبّر کلّما خفض ورفع ، فإذا انصرف قال : إنّی لأشبهکم صلاة برسول الله. وفی لفظ للبخاری : فلم تزل تلک صلاته حتی لقی الله.

راجع (2) : صحیح البخاری (2 / 57 ، 58) ، صحیح مسلم (2 / 7) ، بعدّة طرق وألفاظ ، سنن النسائی (2 / 181 ، 235) ، سنن أبی داود (1 / 133) ، سنن الدارمی (1 / 285) المدوّنة الکبری (1 / 73) ، نصب الرایة (1 / 372) ، البحر الزخّار (2 / 255).

3 - عن عکرمة قال : رأیت رجلاً عند المقام یکبّر فی کلّ خفض ورفع وإذا قام وإذا وضع ، فأخبرت ابن عبّاس رضی الله عنه قال : أو لیس تلک صلاة النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم لا أُمّ لک؟

وفی لفظ عن عکرمة : صلّیت خلف شیخ بمکة ، فکبّر ثنتین وعشرین تکبیرة فقلت لابن عبّاس : إنّه أحمق ، فقال : ثکلتک أُمّک سنّة أبی القاسم صلی الله علیه وآله وسلم.

صحیح البخاری (2 / 57 ، 58) ، مسند أحمد (1 / 218) ، البحر الزخّار (2 / 255) (3).

قال الأمینی : یظهر من هذه الروایة أنّ تغییر الأمویّین هذه السنّة الشریفة وفی 9.

ص: 289


1- صحیح البخاری : 1 / 272 ح 753 و 284 ح 792 ، صحیح مسلم : 1 / 374 ح 33 کتاب الصلاة ، سنن أبی داود : 1 / 221 ح 835 ، السنن الکبری للنسائی : 1 / 227 ح 669 ، مسند أحمد : 5 / 590 ح 19339 و 593 ح 19359 و 597 ح 19380 و 609 ح 19450 و 616 ح 19493.
2- صحیح البخاری : 1 / 272 ح 752 و 276 ح 770 ، صحیح مسلم : 1 / 372 ح 27 ، السنن الکبری للنسائی : 1 / 247 ح 741 ، سنن أبی داود : 1 / 221 ح 836 ، المدوّنة الکبری : 1 / 71.
3- صحیح البخاری : 1 / 272 ح 754 و 755 ، مسند أحمد : 1 / 361 ح 1889.

مقدّمهم معاویة کان مطّرداً بین الناس ، حتی کادوا أن ینسوا السنّة ، فحسبوا من ناء بها أحمق ، أو تعجّبوا منه کأنّه أدخل فی الشریعة ما لیس منها ، کلّ ذلک من جرّاء ما اقترفته یدا معاویة وحزبه الأثیمتان ، وجنحت إلیه میولهم وشهواتهم ، فبُعداً لأولئک القصیّین عمّا جاء به محمد صلی الله علیه وآله وسلم.

4 - عن علیّ ، وابن مسعود ، وأبی موسی الأشعری ، وأبی سعید الخدری ، وغیرهم : أنّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم کان یکبّر عند کلّ خفض ورفع.

صحیح البخاری (3 / 70) ، سنن الدارمی (1 / 285) ، سنن النسائی (2 / 205 ، 230 ، 233) ، المدوّنة الکبری (1 / 73) ، نصب الرایة (1 / 372) ، بدائع الصنائع (1 / 207) ، منتقی الأخبار لابن تیمیّة ، البحر الزخّار (2 / 254) (1).

5 - أخرج أحمد (2) وعبد الرزّاق (3) والعقیلی (4) ، من طریق عبد الرحمن بن غنم قال : إنّ أبا مالک الأشعری - الصحابی الشهیر بکنیته - قال لقومه : قوموا حتی أصلّی بکم صلاة النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فصففنا خلفه وکبّر. إلی آخر الحدیث المذکور بطوله فی (8 / 176) وفیه : أنّه کبّر فی کلّ خفض ورفع.

6 - عن علیّ بن الحسین بن علیّ بن أبی طالب : کان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یکبّر کلّما خفض ورفع ، فلم تزل تلک صلاته حتی قبضه الله.

المدوّنة الکبری (5) (1 / 73) ، نصب الرایة (1 / 372). 1.

ص: 290


1- صحیح البخاری : 1 / 271 ح 751 ، السنن الکبری للنسائی : 1 / 228 ح 670 و 244 ح 728 و 245 ح 735 ، المدوّنة الکبری : 1 / 71.
2- مسند أحمد : 6 / 468 ح 22391.
3- مصنّف عبد الرزاق : 2 / 63 ح 2499.
4- أنظر کنز العمّال : 8 / 162 رقم 22389 ، وذکره الهیثمی فی مجمع الزوائد : 2 / 130.
5- المدوّنة الکبری : 1 / 71.

7 - فی المدوّنة الکبری (1) (1 / 72) : أنّ عمر بن عبد العزیز کتب إلی عمّاله یأمرهم أن یکبّروا کلّما خفضوا ورفعوا فی الرکوع والسجود ، إلاّ فی القیام من التشهّد بعد الرکعتین ، لا یکبّر حتی یستوی قائماً مثل قول مالک.

هذه سنّة الله ورسوله صلی الله علیه وآله وسلم فی تکبیر الصلوات عند کلّ هوی وانتصاب ، وبها أخذ الخلفاء ، وإلیها ذهبت أئمّة المذاهب ، وعلیها استقرّ الإجماع ، غیر أنّ معاویة یقابلها بخلافها ، ویغیّرها برأیه ، ویتّخذ الأمویّون أُحدوثته سنّة متّبعة تجاه ما جاء به نبیّ الإسلام.

قال ابن حجر فی فتح الباری (2) (2 / 215) : استقرّ الأمر علی مشروعیّة التکبیر فی الخفض والرفع لکلّ مصلٍّ ، فالجمهور علی ندبیّة ما عدا تکبیرة الإحرام ، وعن أحمد وبعض أهل العلم بالظاهر یجب کلّه.

وقال فی (ص 216) : أشار الطحاوی إلی أنّ الاجماع استقرّ علی أنّ من ترکه فصلاته تامّة (3) ، وفیه نظر لما تقدّم عن أحمد ، والخلاف فی بطلان الصلاة بترکه ثابت فی مذهب مالک ، إلاّ أن یرید إجماعاً سابقاً.

وقال النووی فی شرح مسلم (4) : اعلم أنّ تکبیرة الإحرام واجبة وما عداها سنّة لو ترکه صحّت صلاته ، لکن فاتته الفضیلة وموافقة السنّة ، هذا مذهب العلماء کافّة إلاّ أحمد بن حنبل فی إحدی الروایتین عنه : أنّ جمیع التکبیرات واجبة.

وقال الشوکانی فی نیل الأوطار (5) (2 / 265) : حُکِی مشروعیّة التکبیر فی کلّ8.

ص: 291


1- المدوّنة الکبری : 1 / 70.
2- فتح الباری : 2 / 270 و 271.
3- شرح معانی الآثار : 1 / 228 ح 1366.
4- شرح صحیح مسلم : 4 / 98.
5- نیل الأوطار : 2 / 268.

خفض ورفع عن الخلفاء الأربعة ، وغیرهم ومن بعدهم من التابعین قال : وعلیه عامّة الفقهاء والعلماء ، وحکاه ابن المنذر عن أبی بکر الصدّیق ، وعمر بن الخطّاب ، وابن مسعود ، وابن عمر ، وجابر ، وقیس بن عباد ، والشافعی ، وأبی حنیفة ، والثوری ، والأوزاعی ، ومالک ، وسعید بن عبد العزیز ، وعامّة أهل العلم ، وقال البغوی فی شرح السنّة (1) : اتّفقت الأُمّة علی هذه التکبیرات.

وعن ابن عبد البرّ فی شرح الموطّأ للزرقانی (2) (1 / 145) : وقد اختلف فی تارکه ، فقال ابن القاسم : إن أسقط ثلاث تکبیرات سجد لسهوه وإلاّ بطلت ، وواحدة أو اثنتین سجد أیضاً ، فإن لم یسجد فلا شیء علیه ، وقال عبد الله بن عبد الحکم وأصبغ : إن سها سجد ، فإن لم یسجد فلا شیء علیه ، وعمداً أساء وصلاته صحیحة ، وعلی هذا فقهاء الأمصار من الشافعیّین ، والکوفیّین ، وأهل الحدیث ، والمالکیّین ، إلاّ من ذهب منهم مذهب ابن القاسم.

- 9 -

ترک التلبیة خلافاً لعلیّ علیه السلام

أخرج النسائی فی سننه (3) (5 / 253) ، والبیهقی فی السنن الکبری (5 / 113) من طریق سعید بن جبیر ، قال : کان (4) ابن عبّاس بعرفة ، فقال : یا سعید مالی لا أسمع الناس یلبّون؟ فقلت : یخافون معاویة. فخرج ابن عبّاس من فسطاطه ، فقال : لبّیک اللهمّ لبّیک ، وإن رغم أنف معاویة ، اللهمّ العنهم فقد ترکوا السنّة من بغض علیّ. س.

ص: 292


1- شرح السنّة : 2 / 226 ح 614.
2- شرح الموطّأ : 1 / 160 ح 163.
3- السنن الکبری : 2 / 419 ح 3993 ، وفیه : کنا مع ابن عباس.
4- فی السنن الکبری للبیهقی : کنّا عند ابن عباس.

وقال السندی فی تعلیق سنن النسائی : - من بغض علیّ - أی لأجل بغضه ، أی وهو کان یتقیّد بالسنن فهؤلاء ترکوها بغضاً له.

وفی کنز العمّال (1) ، عن ابن عبّاس قال : لعن الله فلاناً إنّه کان ینهی عن التلبیة فی ذا الیوم - یعنی یوم عرفة - لأنّ علیّا کان یلبّی فیه. ابن جریر.

وفی لفظ أحمد فی المسند (2) (1 / 217) عن سعید بن جبیر ، قال : أتیت ابن عبّاس بعرفة وهو یأکل رمّاناً ، فقال : أفطر رسول الله بعرفة ، وبعثت إلیه أُمّ الفضل بلبن فشربه. وقال : لعن الله فلاناً عمدوا إلی أعظم أیّام الحجّ فمحوا زینته ، وإنّما زینة الحجّ التلبیة. وحکاه فی کنز العمّال (3) عن ابن جریر الطبری.

وفی تاریخ ابن کثیر (4) (8 / 130) من طریق صحیح ، عن سفیان ، عن حبیب ، عن سعید ، عن ابن عبّاس : أنّه ذکر معاویة ، وأنّه لبّی عشیّة عرفة ، فقال فیه قولاً شدیداً ، ثم بلغه أنّ علیّا لبّی عشیّة عرفة فترکه.

وقال ابن حزم فی المحلّی (7 / 136) : کان معاویة ینهی عن ذلک.

قال الأمینی : إنّ السنّة المسلّمة عند القوم استمرار التلبیة إلی رمی جمرة العقبة ، أوّلها أو آخرها علی خلاف فیه. وإلیک ما یؤثر منها عندهم :

1 - عن الفضل : أَفَضتُ مع النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم من عرفات ، فلم یزل یلبّی حتی رمی جمرة العقبة ، ویکبّر مع کلّ حصاة ، ثم قطع التلبیة مع آخر حصاة. وفی لفظ : لم یزل.

ص: 293


1- کنز العمّال : 5 / 152 ح 12428.
2- مسند أحمد : 1 / 358 ح 1873.
3- کنز العمال : 5 / 152 ح 12430.
4- البدایة والنهایة : 8 / 139 حوادث سنة 60 ه.

یلبّی حتی بلغ (1) الجمرة.

صحیح البخاری (3 / 109) ، صحیح مسلم (4 / 71) ، صحیح الترمذی (4 / 150) ، قال : وفی الباب عن علیّ ، وابن مسعود ، وابن عبّاس ، سنن النسائی (5 / 268 ، 275 ، 276) ، سنن ابن ماجة (2 / 244) ، سنن أبی داود (1 / 287) ، سنن الدارمی (2 / 62) ، سنن البیهقی (5 / 112 ، 119) ، کتاب الأُمّ (2 / 174) وقال : وروی ابن مسعود عن النبیّ مثله. انتهی. مسند أحمد (1 / 226) (2).

وأخرجه ابن خزیمة (3) ، وقال : هذا حدیث صحیح مفسّراً لما أبهم فی الروایات الأخری (4) ، وقال الترمذی (5) : والعمل علی هذا عند أهل العلم من أصحاب النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وغیرهم.

2 - عن جابر بن عبد الله وأسامة وابن عبّاس : أنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لزم التلبیة ولم یقطعها حتی رمی جمرة العقبة.

راجع (6) : صحیح البخاری (3 / 114) ، سنن ابن ماجة (2 / 244) ، المحلّی (7 / 136) ، بدائع الصنائع (2 / 156). 9.

ص: 294


1- کذا فی صحیح مسلم ، وفی المصادر الباقیة : رمی.
2- صحیح البخاری : 2 / 605 ح 1601 ، صحیح مسلم : 3 / 104 ح 266 - 267 کتاب الحج ، سنن الترمذی : 3 / 260 ح 918 ، السنن الکبری للنسائی : 2 / 435 ح 4061 ، 440 ح 4085 ، ص 441 ح 4087 ، 4088 ، سنن ابی ماجة : 2 / 1011 ح 3040 ، سنن أبی داود : 2 / 163 ح 1815 ، کتاب الأُمّ للشافعی : 2 / 205 ، مسند أحمد 1 / 374 ح 1987.
3- صحیح ابن خزیمة : 4 / 260 ح 2832.
4- نیل الأوطار : 5 / 55 [4 / 361]. (المؤلف)
5- سنن الترمذی : 3 / 260 ح 3552.
6- صحیح البخاری : 2 / 605 ح 1602 ، سنن ابن ماجة : 2 / 1011 ح 3039.

3 - عن عبد الرحمن بن یزید : أنّ عبد الله بن مسعود لبّی حین أفاض من جمع ، فقیل له : عن أیّ هذا؟ - وفی لفظ مسلم : فقیل : أعرابیّ هذا - فقال : أنسی الناس أم ضلّوا؟ سمعت الذی أُنزلت علیه سورة البقرة یقول فی هذا المکان : لبّیک اللهمّ لبّیک.

راجع (1) : صحیح مسلم (1 / 363 وفی طبعة 4 / 71 ، 72) ، سنن البیهقی (5 / 112) ، المحلّی (7 / 135) وصحّحه ، ورواه الطحاوی (2) بإسناد صحیح کما فی فتح الباری (3 / 420) ، بدائع الصنائع (2 / 154).

4 - عن کُریب مولی ابن عبّاس : أنّ میمونة أُمّ المؤمنین لبّت حین رمت الجمرة.

کتاب الأُمّ (3) (2 / 174) ، سنن البیهقی (5 / 113) ، المحلّی (7 / 136)

5 - عن ابن عبّاس : تلبّی حتی تأتی حرمک إذا رمیت الجمرة.

سنن البیهقی (5 / 113).

6 - عن ابن عبّاس أیضاً : سمعت عمر یلبّی غداة المزدلفة.

المحلّی لابن حزم (7 / 136).

7 - عن ابن عبّاس أیضاً : سمعت عمر بن الخطّاب یهلّ وهو یرمی جمرة العقبة ، فقلت له : فیما الإهلال یا أمیر المؤمنین؟ فقال : وهل قضینا نسکنا بعد؟

کتاب الأُمّ (4) مختصراً (2 / 174) ، سنن البیهقی (5 / 113) ، المحلّی (7 / 136). 5.

ص: 295


1- صحیح مسلم : 3 / 105 ح 270 کتاب الحج ، فتح الباری : 3 / 532.
2- شرح معانی الآثار : 2 / 124 ح 3552.
3- کتاب الأُمّ للشافعی : 2 / 205.
4- کتاب الأُمّ للشافعی : 2 / 205.

8 - عن ابن عبّاس أیضاً : حججت مع عمر إحدی عشرة حجّة وکان یلبّی حتی یرمی الجمرة.

أخرجه سعید بن منصور ، کما فی فتح الباری (1) (3 / 419).

9 - عن ابن عبّاس أیضاً : التلبیة شعار الحجّ ، فإن کنت حاجّا فلبّ حتی بدء حلّک ، وبدء حلّک أن ترمی جمرة العقبة.

أخرجه ابن المنذر بإسناد صحیح ، کما فی فتح الباری (3 / 419).

10 - عن ابن مسعود : لا یمسک الحاجّ عن التلبیة حتی یرمی جمرة العقبة.

المحلّی لابن حزم (7 / 136).

11 - عن الأسود بن یزید : أنّه سمع عمر بن الخطّاب یلبّی بعرفة.

المحلّی (7 / 136).

12 - أخرج ابن أبی شیبة (2) من طریق عکرمة ، یقول : أهلّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم حتی رمی الجمرة ، وأبو بکر ، وعمر. المحلّی (7 / 136).

13 - عن أنس بن مالک فی الجواب عن التلبیة یوم عرفة : سرت هذا المسیر مع النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وأصحابه فمنّا المکبّر ، ومنا المهلّ ، ولا یعیب أحدنا علی صاحبه.

صحیح مسلم (3) (4 / 73).

14 - عن عائشة ، کانت تلبّی بعد عرفة.

المحلّی (7 / 136). 5.

ص: 296


1- فتح الباری : 3 / 533.
2- المصنّف : 4 / 342 ح 14.
3- صحیح مسلم : 3 / 106 ح 275.

15 - عن عبد الرحمن بن الأسود : أنّ أباه صعد إلی ابن الزبیر المنبر یوم عرفة ، فقال له : ما یمنعک أن تهلّ؟ فقد رأیت عمر فی مکانک هذا یهلّ ، فأهلّ ابن الزبیر.

سنن البیهقی (5 / 113) ، المحلّی لابن حزم (7 / 136).

16 - عن مولانا أمیر المؤمنین : أنّه لبّی حتی رمی جمرة العقبة.

المحلّی (7 / 136).

17 - عن مولانا علیّ أیضاً : أنّه لبّی فی الحجّ ، حتی إذا زاغت الشمس من یوم عرفة قطع التلبیة.

أخرجه مالک فی الموطّأ (1) (1 / 247) وقال : وذلک الأمر الذی لم یزل علیه أهل العلم ببلدنا. وذکره صاحب البحر الزخّار (3 / 342).

18 - عن عکرمة : کنت مع الحسین بن علیّ علیهما السلام فلبّی حتی رمی جمرة العقبة (2).

هذه هی السنّة المتسالم علیها عند القوم ، وبها أخذت أئمّة الفقه والفتوی ، قال ابن حزم فی المحلّی (7 / 135) : لا یقطع التلبیة إلاّ مع آخر حصاة من جمرة العقبة ، فإنّ مالکاً قال : یقطع التلبیة إذا نهض إلی عرفة ، ثم زیّف أدلّة مالک ، وأنت سمعت قول مالک قُبیل هذا ، وأنّه یخالف ما عزاه إلیه ابن حزم.

وقال فی (ص 136) : لا یقطعها حتی یرمی الجمرة ، وهو قول أبی حنیفة ، والشافعی وأحمد ، وإسحاق ، وأبی سلیمان.

وقال ملک العلماء فی البدائع (2 / 154) : لا یقطع التلبیة وهذا قول عامّة العلماء ، وقال مالک : إذا وقف بعرفة یقطع التلبیة ، والصحیح قول العامّة. 6.

ص: 297


1- موطّأ مالک : 1 / 338 ح 44.
2- المحلّی : 7 / 136.

وقال ابن حجر فی فتح الباری (1) (3 / 419) : وباستمرارها قال الشافعی ، وأبو حنیفة ، والثوری ، وأحمد ، وإسحاق ، وأتباعهم.

وفی نیل الأوطار (2) (5 / 55) : أنّ التلبیة تستمرّ إلی رمی جمرة العقبة ، وإلیه ذهب الجمهور.

هذا ما تسالمت علیه الأُمّة سلفاً وخلفاً ، لکنّ معاویة جاء متهاوناً بالسنّة لمحض أنّ علیّا علیه السلام کان ملتزماً بها ، فحدته بغضاؤه إلی مضادّته ولو لزمت مضادّة السنّة ، ومحو زینة الحجّ ، هذه نظریّة خلیفة المسلمین فیما حسبوه ، وهذا مبلغه من الدین ومبوّؤه من الأخذ بسنّة نبیّه صلی الله علیه وآله وسلم فلهفی علی المسلمین من متغلّب علیهم باسم الخلافة.

وإنّی لست أدری أکان من السائغ الجائز لعن ابن عبّاس وهو محرم فی ذلک الموقف العظیم ، فی مثل یوم عرفة الیوم المشهود معاویةَ مبغض علیّ أمیر المؤمنین ومناوئه تارک سنّة محمد صلی الله علیه وآله وسلم؟ هلاّ کان حبر الأُمّة یعلم أنّ الصحابة کلّهم عدول؟ أو أنّ الصحابیّ کائناً من کان لا یجوز سبّه؟ أو أنّ معاویة مجتهد وللمخطئ من المجتهدین أجر واحد؟ أنا لا أدری ، غیر أنّ ابن عبّاس لا یقول بالتافه ولا یخبت إلی الخرافة.

وما أظلم معاویة الجاهل بأحکام الله! فإنّه یخالف هاهنا علیّا علیه السلام وهو بکلّه حاجة وافتقار إلی علم الإمام الناجع ، قال سعید بن المسیّب : إنّ رجلاً من أهل الشام وجد رجلاً مع امرأته فقتله وقتلها ، فأشکل علی معاویة الحکم فیه ، فکتب إلی أبی موسی لیسأل له علیّ بن أبی طالب ، فقال له علیّ رضی الله عنه : «هذا شیء ما وقع بأرضی عزمت علیک لتخبرنّی». فقال له أبو موسی : إنّ معاویة کتب إلیّ به أن 1.

ص: 298


1- فتح الباری : 3 / 533.
2- نیل الأوطار : 4 / 361.

أسألک فیه. فقال علیّ رضی الله عنه «أنا أبو الحسن إن لم یأتِ بأربعة شهداء فلیعط برمّته (1)».

أخرجه (2) : مالک فی الموطّأ (2 / 117) ، سنن البیهقی (8 / 231) ، تیسیر الوصول (4 / 73).

لفت نظر : هذه النزعة الأمویّة الممقوتة بقیت موروثة عند من تولّی معاویة جیلاً بعد جیل ، فتری القوم یرفعون الید عن السنّة الثابتة خلافاً لشیعة أمیر المؤمنین علیه السلام ، أو إحیاءً لما سنّته ید الهوی تجاه الدین الحنیف. کما کان معاویة یفعل ذلک إحیاءً لما أحدثه خلیفة بیته الساقط تارة ، کما مرّ فی الإتمام فی السفر ومواضع أخری ، وخلافاً للإمام آونةً ، کما فی التلبیة وغیرها.

قال الشیخ محمد بن عبد الرحمن الدمشقی فی کتاب رحمة الأُمّة فی اختلاف الأئمّة المطبوع بهامش المیزان للشعرانی (1 / 88) : السنّة فی القبر التسطیح ، وهو أولی علی الراجح من مذهب الشافعی. وقال أبو حنیفة ومالک وأحمد : التسنیم أولی ، لأنّ التسطیح صار شعاراً للشیعة.

وقال الغزالی والماوردی : إنّ تسطیح القبور هو المشروع ، لکن لمّا جعلته الرافضة شعاراً لهم ، عدلنا عنه إلی التسنیم.

وقال مصنّف الهدایة من الحنفیّة : إنّ المشروع التختّم فی الیمین ، ولکن لمّا اتّخذته الرافضة جعلناه فی الیسار. انتهی.

وأوّل من اتّخذ التختّم بالیسار خلاف السنّة هو معاویة. کما فی ربیع الأبرار للزمخشری (3). 4.

ص: 299


1- الرمّة : الحبل الذی یقاد به الجانی. (المؤلف)
2- موطّأ مالک : 2 / 737 ح 18 ، تیسیر الوصول : 4 / 86.
3- ربیع الأبرار : 4 / 24.

وقال الحافظ العراقی فی بیان کیفیّة إسدال طرف العمامة : فهل المشروع إرخاؤه من الجانب الأیسر کما هو المعتاد أو الأیمن لشرفه؟ لم أر ما یدلّ علی تعیین الأیمن إلاّ فی حدیث ضعیف عند الطبرانی ، وبتقدیر ثبوته فلعلّه کان یرخیها من الجانب الأیمن ثم یردّها إلی الجانب الأیسر کما یفعله بعضهم ، إلاّ أنّه صار شعاراً للإمامیّة ، فینبغی تجنّبه لترک التشبّه بهم.

شرح المواهب للزرقانی (5 / 13).

وقال الزمخشری فی تفسیره (1) (2 / 439) : القیاس جواز الصلاة علی کلّ مؤمن ، لقوله تعالی : (هُوَ الَّذِی یُصَلِّی عَلَیْکُمْ) (2) وقوله تعالی : (وَصَلِّ عَلَیْهِمْ إِنَّ صَلاتَکَ سَکَنٌ لَهُمْ) (3) وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «اللهمّ صلّ علی آل أبی أوفی». ولکنّ للعلماء تفصیلاً فی ذلک وهو : أنّها إن کانت علی سبیل التبع کقولک صلّی الله علی النبیّ وآله فلا کلام فیها ، وأمّا إذا أفرد غیره من أهل البیت بالصلاة کما یفرد هو فمکروه ، لأنّ ذلک [صار] (4) شعاراً لذکر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ولأنّه یؤدّی إلی الاتّهام بالرفض ، وقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «من کان یؤمن بالله والیوم الآخر فلا یقفنّ مواقف التهم».

وقال ابن تیمیّة فی منهاجه (5) (2 / 143) عند بیان التشبّه بالروافض : ومن هنا ذهب من ذهب من الفقهاء إلی ترک بعض المستحبّات إذا صارت شعاراً لهم ، فإنّه وإن لم یکن الترک واجباً لذلک لکن فی إظهار ذلک مشابهة لهم ، فلا یتمیّز السنّی من الرافضی ، ومصلحة التمییز عنهم لأجل هجرانهم ومخالفتهم ، أعظم من مصلحة هذا المستحبّ. 7.

ص: 300


1- الکشّاف : 3 / 558.
2- الاحزاب : 43.
3- التوبة : 103.
4- من المصدر.
5- منهاج السنة : 2 / 147.

ثم جعل هذا کالتشبّه بالکفّار فی وجوب التجنّب عن شعارهم ، وسیوافیک التفصیل فی بیان هذه کلّها ونظرائها عند الکلام علی الفتاوی الشاذّة عن الکتاب والسنّة إن شاء الله تعالی.

وقال الشیخ اسماعیل البروسوی فی تفسیره روح البیان (4 / 142) : قال فی عقد الدرر واللآلئ (1) : المستحبّ فی ذلک الیوم - یعنی یوم عاشوراء - فعل الخیرات من الصدقة والصوم والذکر وغیرهما ، ولا ینبغی للمؤمن أن یتشبّه بیزید الملعون فی بعض الأفعال ، وبالشیعة والروافض والخوارج أیضاً. یعنی لا یجعل ذلک الیوم یوم عید أو یوم مأتم ، فمن اکتحل یوم عاشوراء فقد تشبّه بیزید الملعون وقومه ، وإن کان للاکتحال فی ذلک الیوم أصل صحیح ، فإنّ ترک السنّة سنّة إذا کان شعاراً لأهل البدعة کالتختّم بالیمین ، فإنّه فی الأصل سنّة لکنّه لمّا کان شعار أهل البدعة والظلمة ، صارت السنّة أن یجعل الخاتم فی خنصر الید الیسری فی زماننا ، کما فی شرح القهستانی.

ومن قرأ یوم عاشوراء وأوائل المحرّم مقتل الحسین رضی الله عنه ، فقد تشبّه بالروافض ، خصوصاً إذا کان بألفاظ مخلّة بالتعظیم لأجل تحزین السامعین ، وفی کراهیة القهستانی : لو أراد ذکر مقتل الحسین ، ینبغی أن یذکر أوّلاً مقتل سائر الصحابة لئلاّ یشابه الروافض.

وقال حجّة الإسلام الغزالی : یحرم علی الواعظ وغیره روایة مقتل الحسین وحکایته وما جری بین الصحابة من التشاجر والتخاصم ، فإنّه یهیج بغض الصحابة والطعن فیهم ، وهم أعلام الدین ، وما وقع بینهم من المنازعات فیحمل علی محامل صحیحة ، ولعلّ ذلک لخطأ فی الاجتهاد ، لا لطلب الرئاسة والدنیا کما لا یخفی. انتهی. ف)

ص: 301


1- فی فضل الشهور والأیّام واللیالی للشیخ شهاب الدین أحمد بن أبی بکر الحموی الشهیر بالرسّام.(المؤلف)

وقال ابن حجر فی فتح الباری (1) (11 / 142) : تنبیه : اختلف فی السلام علی غیر الأنبیاء بعد الاتفاق علی مشروعیّته فی تحیّة الحیّ ، فقیل : یشرع مطلقاً. وقیل : بل تبعاً ولا یفرد لواحد لکونه صار شعاراً للرافضة. ونقله النووی عن الشیخ أبی محمد الجوینی.

- 10 -

أُحدوثة تقدیم الخطبة علی الصلاة

قال الزرقانی فی شرح الموطّأ (2) (1 / 324) فی بیان کون الصلاة قبل الخطبة فی العیدین : ففی الصحیحین (3) عن ابن عبّاس : شهدت العید مع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وأبی بکر وعمر [وعثمان] (4) ، فکلّهم کانوا یصلّون قبل الخطبة ، واختلف فی أوّل من غیّر ذلک ، ففی مسلم ، عن طارق بن شهاب : أوّل من بدأ بالخطبة یوم العید قبل الصلاة مروان. وفی روایة ابن المنذر بسند صحیح عن الحسن البصری : أوّل من خطب قبل الصلاة عثمان ، صلّی بالناس ثم خطبهم أی علی العادة ، فرأی ناساً لم یدرکوا الصلاة ففعل ذلک أی صار یخطب قبل الصلاة ، وهذه العلّة غیر التی اعتلّ بها مروان ، لأنّ عثمان راعی مصلحة الجماعة فی إدراکهم الصلاة ، وأمّا مروان فراعی مصلحتهم فی إسماعهم الخطبة ، لکن قیل : إنّهم فی زمنه کانوا یتعمّدون ترک سماعهم لما فیها من سبّ من لا یستحق السبّ ، والإفراط فی مدح بعض الناس ، فعلی هذا إنّما راعی مصلحة نفسه ، ویحتمل أنّ عثمان فعل ذلک أحیاناً بخلاف مروان ، فواظب علیه فلذا نسب إلیه ، و [روی] (5) عن عمر مثل فعل عثمان ، قال عیاض ومن تبعه : لا یصحّ عنه. وفیه أ.

ص: 302


1- فتح الباری : 11 / 170.
2- شرح الموطّأ : 1 / 363 ح 429.
3- صحیح البخاری : 1 / 327 ح 919 ، صحیح مسلم : 2 / 283 ح 1 کتاب صلاة العیدین.
4- الزیادة من شرح الموطّأ والصحیحین.
5- الزیادة من شرح الموطّأ.

نظر لأنّ عبد الرزّاق (1) ، وابن أبی شیبة (2) ، رویاه جمیعاً عن ابن عیینة ، عن یحیی بن سعید الأنصاری ، عن یوسف بن عبد الله بن سلام ، وهذا إسناد صحیح ، لکن یعارضه حدیثا ابن عبّاس وابن عمر ، فإن جمع بوقوع ذلک منه نادراً ، وإلاّ فما فی الصحیحین أصحّ.

وأخرج الشافعی (3) ، عن عبد الله بن یزید نحو حدیث ابن عبّاس ، وزاد حتی قدم معاویة فقدم الخطبة ، وهذا یشیر إلی أنّ مروان إنّما فعل ذلک تبعاً لمعاویة ، لأنّه کان أمین المدینة من جهته ، وروی عبد الرزّاق (4) ، عن ابن جریج ، عن الزهری : أوّل من أحدث الخطبة قبل الصلاة فی العید معاویة ، وروی ابن المنذر ، عن ابن سیرین : أوّل من فعل ذلک زیاد بالبصرة. قال عیاض : ولا مخالفة بین هذین الأثرین وأثر مروان ، لأنّ کلاّ من مروان وزیاد کان عاملاً لمعاویة ، فیحمل علی أنّه ابتدأ ذلک ، وتبعه عمّاله. انتهی.

وقال السکتواری فی محاضرة الأوائل (5) (ص 144) : أوّل من بدأ بالخطبة قبل الصلاة معاویة ، وجری ذلک فی الأمراء المروانیّة ، کمروان وزیاد وهو فعله بالعراق ، ومعاویة بالمدینة شرّفها الله تعالی.

قال الأمینی : مرّ فی الجزء الثامن (ص 164 - 167) بیان السنّة الثابتة فی خطبة العیدین ، وأنّها بعد الصلاة کما مضی علیه الرسول الأمین صلی الله علیه وآله وسلم واتّبعه الشیخان ، وعثمان ردحاً من أیّامه ، ثم حداه عیّه عن تلفیق الخطبة بصورة مرضیّة ، فکانت 5.

ص: 303


1- المصنّف : 3 / 283 - 284 ح 5644 و 5645.
2- مصنّف ابن أبی شیبة : 2 / 171.
3- کتاب الأُمّ للشافعی : 1 / 235.
4- المصنّف : 3 / 284 ح 5646.
5- وانظر الأوائل لأبی هلال العسکری : ص 125.

الناس تتفرّق عن استماعها ، إلی تقدیمها علی الصلاة لیمنعهم انتظارهم لها عن الانجفال ؛ ثم اقتصّ أثره عمّاله والمتغلّبون علی الأُمّة من بعد من بنی أبیه ، وإن افترقت العلّة فیهم عنها فیه ، فإنّهم لمّا طغوا فی البلاد طفقوا یسبّون أمیر المؤمنین علیّا علیه السلام فی خطبهم ، فکان الحضور لا یستبیحون ذلک فیتفرّقون ، فبدا لهم تقدیمها لإسماع الناس.

وأوّل من أحدث أُحدوثة السبّ هو معاویة ، فالشنعة علیه فی المقام أعظم ممّن بدّل السنّة قبله ، فإنّه وإن تابع البادی علی البدعة غیر أنّه قرنها بأخری شوهاء شنعاء ، فأمعن النظرة فی تطبیق هذه البدعة بصورتها الأخیرة علی ما صحّ عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم من قوله : «من سبّ علیّا فقد سبّنی ومن سبّنی فقد سبّ الله» (1) وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «لا تسبّوا علیّا فإنّه ممسوس فی ذات الله» (2) ثم ارجع البصر کرّتین إلی أنّه هل یُباح لأیّ مسلم أن یجتهد بجواز سبّ مولانا أمیر المؤمنین ، تجاه نصّ الکتاب العزیز فی تطهیره ، وولایته ، ومودّته ، وکونه نفس النبیّ الأقدس صلی الله علیه وآله وسلم ، تجاه هذا النصّ الجلیّ الخاص له علیه السلام والنصوص العامّة الواردة فی سباب المؤمن مثل قوله صلی الله علیه وآله وسلم : «سباب المسلم فسوق» (3)؟! وهل یشکّ مسلم أنّ أمیر المؤمنین أوّل المسلمین ، وأولاهم بهم من أنفسهم ، وهو أمیرهم وسیّدهم؟ ج.

ص: 304


1- أخرجه الحفّاظ بإسناد رجاله کلّهم ثقات ، صححه الحاکم والذهبی [فی المستدرک علی الصحیحین 3 / 130 ح 4615 و 4616 وکذا فی تلخیصه]. (المؤلف)
2- حلیة الأولیاء : 1 / 68. (المؤلف)
3- أخرجه البخاری [فی 1 / 27 ح 48] ، ومسلم [1 / 114 ح 116 کتاب الإیمان] ، والترمذی [فی صحیحه 4 / 311 ح 1983] ، وابن ماجة [فی السنن 2 / 1299 ح 3939] ، والنسائی [فی سننه 2 / 313 ح 3567 - 3578] ، والحاکم والدارقطنی وغیرهم فی الصحاح والمسانید. (المؤلف) وانظر السنن للبیهقی : 9 / 20 ، ومسند أحمد : 1 / 636 ح 3639 ، والمعجم الکبیر للطبرانی : 10 / 105 ح 10105 ، وحلیة الأولیاء : 5 / 23 ، وتاریخ بغداد : 3 / 397 رقم 1521 ج.

- 11 -

حدّ من حدود الله متروک

ذکر الماوردی وآخرون أنّ معاویة أُتی بلصوص فقطعهم ، حتی بقی واحد من بینهم ، فقال :

یمینی أمیرَ المؤمنین أُعیذُها

بعفوِک أن تلقی نکالاً یُبینها (1)

یدی کانت الحسناءَ لو تمّ سترُها

ولا تعدمُ الحسناءُ عیباً یشینها

فلا خیر فی الدنیا وکانت حبیبةً

إذا ما شمالی فارقتها یمینها

فقال معاویة : کیف أصنع بک؟ قد قطعنا أصحابک. فقالت أُمّ السارق : یا أمیر المؤمنین اجعلها فی ذنوبک التی تتوب منها. فخلّی سبیله ، فکان أوّل حدّ ترک فی الإسلام (2).

قال الأمینی : أفهل عرف معاویة من هذا اللصّ خصوصیّة استثنته من حکم الکتاب النهائیّ العامّ (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَیْدِیَهُما) (3)؟! أم أنّ الرأفة بأُمّه ترکت حدّا من حدود الله لم یُقَم؟ وفی الذکر الحکیم (وَمَنْ یَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) (4) (تِلْکَ حُدُودُ اللهِ فَلا تَعْتَدُوها وَمَنْ یَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَأُولئِکَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (5) (وَمَنْ یَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَیَتَعَدَّ حُدُودَهُ یُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِیها) (6) أم أنّه کان لمعاویة 4.

ص: 305


1- یُبینها : من أبان الشیء إذا قطعه.
2- الأحکام السلطانیة ص 219 [2 / 228] ، تاریخ ابن کثیر : 8 / 136 [8 / 145 حوادث سنة 60 ه] ، محاضرة السکتواری : ص 164. (المؤلف)
3- المائدة : 38.
4- الطلاق : 1.
5- البقرة : 229.
6- النساء : 14.

مؤمِّن من العقاب غداً وإن تعمّد الیوم إلغاء حدّ من حدود الله؟ وهل نیّة التوبة عن المعصیة تبیح اجتراح تلک السیّئة؟ إنّ هذا لشیءٌ عجاب ، ومن ذا الّذی طمّنه بأنّه سیوفّق للتوبة عنها ولا یحول بینه وبینها ذنوب تسلبه التوفیق ، أو عظائم تسلبه الإیمان ، أو استخفاف بالشریعة ینتهی به إلی نار الخلود؟ ویظهر منه أنّ التعمّد لاقتراف الذنوب بأمل التوبة کان مطّرداً عند معاویة ، وهذا ممّا یخلّ بأنظمة الشریعة ، ونوامیس الدین ، وطقوس الإسلام ، فإنّ النفوس الشریرة إنّما تترک أکثر المعاصی خوفاً من العقوبة الفعلیّة ، فإن زحزحت عنها بأمثال هذه التافهات لم یبق محظور یُفسد النفوس ، ویقلق السلام ، ویعکّر صفو الإسلام إلاّ وقد عمل به ، وهذا نقض لغایة التشریع ، وإقامة الحدود الکابحة لجماح الجرأة علی الله ورسوله.

وهب أنّ التوبة مکفّرة عن العصیان فی الجملة ، ولکن من ذا الذی أنبأه أنّها من تلک التوبة المقبولة؟ (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَی اللهِ لِلَّذِینَ یَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ یَتُوبُونَ مِنْ قَرِیبٍ فَأُولئِکَ یَتُوبُ اللهُ عَلَیْهِمْ وَکانَ اللهُ عَلِیماً حَکِیماً* وَلَیْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِینَ یَعْمَلُونَ السَّیِّئاتِ حَتَّی إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّی تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِینَ یَمُوتُونَ وَهُمْ کُفَّارٌ أُولئِکَ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِیماً) (1).

- 12 -

معاویة ولبسه ما لا یجوز

أخرج أبو داود من طریق خالد قال : وفد المقدام بن معدی کرب ، وعمرو بن الأسود ، ورجل من بنی أسد من أهل قنسرین إلی معاویة بن أبی سفیان ، فقال معاویة للمقدام : أعلمت أنّ الحسن بن علیّ توفّی؟ فرجّع (2) المقدام ، فقال له رجل : (3) ف)

ص: 306


1- النساء : 17 ، 18.
2- أی قال : إنّا لله وإنّا إلیه راجعون.
3- فی مسند أحمد : 4 / 130 [5 / 118 ح 16738] : فقال له معاویة : أتراها مصیبة؟ أنظر إلی أمانة أبی داود! (المؤلف)

أتراها مصیبة؟ فقال : ولم لا أراها مصیبة؟ وقد وضعه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی حجره ، فقال : «هذا منّی وحسین من علیّ». فقال الأسدی : جمرة أطفأها الله عزّ وجلّ ، قال : فقال المقدام : أمّا أنا فلا أبرح الیوم حتی أغیظک وأُسمعک ما تکره ، ثمّ قال : یا معاویة إن أنا صدقت فصدّقنی ، وإن أنا کذبت فکذّبنی ، قال : أفعل. قال فأَنشدک بالله : هل تعلم أنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم نهی عن لبس الحریر؟ قال : نعم. قال : فأَنشدک بالله : هل سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ینهی عن لبس الذهب؟ قال : نعم. قال : فأَنشدک بالله : هل تعلم أنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم نهی عن لبس جلود السباع والرکوب علیها؟ قال : نعم. قال : فو الله لقد رأیت هذا کلّه فی بیتک یا معاویة فقال معاویة : قد علمت أنّی لن أنجو منک یا مقدام (1).

قال الأمینی : هل یُرجی خیر ممّن اعترف بکلّ ما قیل له من المحظورات المتسالم علیها التی ارتکبها فهلاّ أقلع عنها لمّا ذُکّر بحکمها الذی نسیه أو لم یعبأ به؟ لکنّ الرجل طاغوت یعمل عمل الفراعنة ولم یکترث لمغبّته ، ولم یُبالِ بمخالفة السنّة الثابتة ، فزهٍ به خلیفة تولّی أمر الأُمّة بغیر مرضاتها ، وتغلّب علی إمرتها من دون أیّ حنکة.

قد جاء فی کتاب لأمیر المؤمنین علیه السلام إلی عمرو بن العاص ، قوله : فإنّک قد جعلت دینک تبعاً لدنیا امرئ ظاهرٍ غیّه ، مهتوک ستره ... إلی آخره.

قال ابن أبی الحدید فی شرح النهج (2) (4 / 60) : فأمّا قوله علیه السلام فی معاویة : ظاهر غیّه ، فلا ریب فی ظهور ضلاله وبغیه وکلّ باغ غاوٍ. وأمّا مهتوک ستره : فإنّه کان کثیر الهزل والخلاعة ، صاحب جلساء وسمّار ، ومعاویة لم یتوقّر ولم یلزم قانون الرئاسة إلاّ منذ خرج علی أمیر المؤمنین ، واحتاج إلی الناموس والسکینة ، وإلاّ فقد کان فی أیّام9.

ص: 307


1- سنن أبی داود : 2 / 186 [4 / 68 ح 4131]. (المؤلف)
2- شرح نهج البلاغة : 16 / 160 کتاب 39.

عثمان شدید التهتک ، موسوماً بکلّ قبیح ، وکان فی أیّام عمر یستر نفسه قلیلاً خوفاً منه ، إلاّ أنّه کان یلبس الحریر والدیباج ، ویشرب فی آنیة الذهب والفضة ، ویرکب البغلات ذوات السروج المحلاّة بها جلال الدیباج والوشی ، وکان حینئذ شابّا ، وعنده نزق الصبا ، وأثر الشبیبة ، وسکر السلطان والإمرة ، ونقل الناس عنه فی کتب السیرة أنّه کان یشرب الخمر فی أیّام عثمان فی الشام ، وأمّا بعد وفاة أمیر المؤمنین واستقرار الأمر له فقد اختلف فیه ، فقیل : إنّه شرب الخمر فی ستر. وقیل : إنّه لم یشرب. ولا خلاف فی أنّه سمع الغناء وطرب علیه ، وأعطی ووصل علیه أیضاً.

إقرأ وتبصّر!

- 13 -

مأساة الاستلحاق سنة أربع وأربعین

کان من ضروریّات الإسلام إلی هذه السنّة (44) ، إلی هذا الیوم الأشنع الذی تقدّم فیه ابن آکلة الأکباد ببدعته الخرقاء علی ما قاله رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بملء فمه المبارک ، واتّخذته الأُمّة أصلاً مسلّماً فی باب الأنساب : الولد للفراش وللعاهر الحجر.

جاء هذا الحدیث من طریق أبی هریرة فی الصحاح الستة (1) ، صحیح البخاری : (2 / 199) فی الفرائض ، صحیح مسلم (1 / 471) فی الرضاع ، صحیح الترمذی (1 / 150 و 2 / 34) ، سنن النسائی (2 / 110) ، سنن أبی داود (1 / 310) ، سنن البیهقی (7 / 402 ، 412).

ومن طریق عائشة أخرجه الحفّاظ المذکورون إلاّ الترمذی کمافی نصب الرایة للزیلعی (3 / 236).3.

ص: 308


1- صحیح البخاری : 6 / 2499 ح 6432 ، صحیح مسلم : 3 / 256 ح 37 کتاب الرضاع ، سنن الترمذی : 3 / 463 ح 1157 ، السنن الکبری للنسائی : 3 / 378 ح 5676 و 5677 ، سنن أبی داود : 2 / 282 ح 2273.

ومن طریق عمر وعثمان فی سنن البیهقی (7 / 402) ، ومن طریق عبد الله بن عمرو ، أخرجه أبو داود فی اللعان (1) (1 / 310) ، وأخرجه أحمد فی مسنده (2) من غیر طریق (1 / 104 و 2 / 409 و 5 / 326) وغیرها.

وصحّ عند الأُمّة قول نبیّها صلی الله علیه وآله وسلم : «من ادّعی أباً فی الإسلام غیر أبیه فالجنّة علیه حرام» (3).

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم من خطبة له بمنی : «لعن الله من ادّعی إلی غیر أبیه ، أو تولّی غیر موالیه ، الولد للفراش وللعاهر الحجر». وفی لفظ :

«الولد للفراش وللعاهر الحجر ، ألا ومن ادّعی إلی غیر أبیه ، أو تولّی غیر موالیه رغبة عنهم ، فعلیه لعنة الله والملائکة والناس أجمعین ، ولا یقبل منه صرف ولا عدل» (4)

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «لیس من رجل ادّعی بغیر أبیه وهو یعلم إلاّ کفر ، ومن ادّعی ما لیس له فلیس منّا» (5).

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «من ادّعی إلی غیر أبیه لم یرُح رائحة الجنّة ، وإنّ ریحها لیوجد ف)

ص: 309


1- سنن أبی داود : 2 / 283 ح 2274.
2- مسند أحمد : 1 / 167 ح 822 ، 3 / 130 ح 9047 ، 6 / 446 ح 22272.
3- مسند أحمد : 5 / 38 ، 46 [6 / 17 ح 19883 ، ص 29 ح 19953] ، سنن البیهقی : 7 / 403. (المؤلف)
4- رواه البخاری [2 / 724 ح 1948] ، ومسلم [3 / 256 ح 36 کتاب الرضاع] ، وأبو داود [4 / 330 ح 5115] ، والترمذی [3 / 463 ح 1157] والنسائی [3 / 378 ح 5676] ، راجع مسند أحمد : 4 / 186 ، 187 [5 / 204 ح 17211 - 17213] ، مسند أبی داود الطیالسی : ص 169 [ح 1217] ، والترغیب والترهیب : 3 / 21 [3 / 73 ح 1]. (المؤلف)
5- أخرجه البخاری [3 / 1292 ح 3317] ومسلم [1 / 113 ح 112 کتاب الإیمان] وعنهما البیهقی فی السنن : 7 / 403 وابن المنذر فی الترغیب والترهیب : 3 / 21 [3 / 73]. (المؤلف)

من قدر سبعین عاماً. أو : مسیرة سبعین عاماً» (1).

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «من ادّعی إلی غیر أبیه وهو یعلم أنّه غیر أبیه ، فالجنّة علیه حرام» (2).

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «من ادّعی إلی غیر أبیه ، أو انتمی إلی غیر موالیه ، فعلیه لعنة الله المتتابعة إلی یوم القیامة» (3).

لکن سیاسة معاویة المتجهّمة تجاه الهتافات النبویّة ، أصمته عن سماعها ، وجعلت للعاهر کلّ النصیب ، فوهبت زیاداً کلّه لأبی سفیان العاهر ، بعد ما بلغ أشدّه لما وجد فیه من أُهبة الوقیعة فی أضداده ، وهم أولیاء علیّ أمیر المؤمنین علیه السلام.

وُلد زیاد علی فراش عُبید مولی ثقیف ، وربّی فی شرّ حجر ، ونشأ فی أخبث نشء ، فکان یقال له قبل الاستلحاق : زیاد بن عبید الثقفی ، وبعده زیاد بن أبی سفیان ، ومعاویة نفسه کتب إلیه فی أیّام الحسن السبط - سلام الله علیه - : من أمیر المؤمنین معاویة بن أبی سفیان إلی زیاد بن عُبید ، أمّا بعد : فإنّک عبد قد کفرت النعمة ، واستدعیت النقمة ، ولقد کان الشکر أُولی بک من الکفر ، وإنّ الشجرة لتضرب بعرقها ، وتتفرّع من أصلها ، إنّک لا أُمّ لک ، بل لا أب لک.

[و] یقول فیه : أمس عبد والیوم أمیر ، خطّة ما ارتقاها مثلک یا ابن سمیّة ، وإذا أتاک کتابی هذا فخذ الناس بالطاعة والبیعة ، وأسرع الإجابة فإنّک إن تفعل فدمک ف)

ص: 310


1- سنن ابن ماجة : 2 / 13 [2 / 870 ح 2611] ، تاریخ بغداد : 2 / 347 [رقم 849] ، الترغیب والترهیب : 3 / 21 [3 / 74]. (المؤلف)
2- رواه البخاری [6 / 2485 ح 6385] ، ومسلم [1 / 114 ح 115 کتاب الایمان] وأبو داود [4 / 330 ح 5113] وابن ماجة [2 / 870 ح 2610] کما فی سنن البیهقی : 7 / 403 ، والترغیب والترهیب : 3 / 21 [3 / 73]. (المؤلف)
3- الترغیب والترهیب : 3 / 22 [3 / 74] عن أبی داود [4 / 330 ح 5115]. (المؤلف)

حقنت ، ونفسک تدارکت ، وإلاّ اختطفتک بأضعف ریش ، ونلتک بأهون سعی ، وأُقسم قسماً مبروراً أن لا أوتی بک إلاّ فی زمارة تمشی حافیاً من أرض فارس إلی الشام ، حتی أُقیمک فی السوق وأبیعک عبداً ، وأردّک إلی حیث کنت فیه وخرجت منه. والسلام (1).

ثم لمّا انقضت الدولة الأمویّة صار یُقال له : زیاد بن أبیه ، وزیاد بن أُمّه ، وزیاد ابن سمیّة ، أُمّه سمیّة کانت لدهقان من دهاقین الفرس بزندرود بکسکر ، فمرض الدهقان فدعا الحارث بن کلدة الطبیب الثقفی فعالجه فبرأ ، فوهبه سمیّة ، وزوّجها الحارث غلاماً له رومیّا یقال له : عبید. فولدت زیاداً علی فراشه ، فلمّا بلغ أشدّه اشتری أباه عُبیداً بألف درهم فأعتقه ، کانت أُمّه من البغایا المشهورة بالطائف ذات رایة.

أخرج أبو عمر وابن عساکر قالا : بعث عمر بن الخطّاب زیاداً فی إصلاح فساد وقع بالیمن ، فرجع من وجهه وخطب خطبة لم یسمع الناس مثلها ، فقال عمرو ابن العاص : أما والله لو کان هذا الغلام قرشیّا لساق العرب بعصاه. فقال أبو سفیان : والله إنّی لأعرف الذی وضعه فی رحم أُمّه ، فقال له علیّ بن أبی طالب : «ومن هو یا أبا سفیان؟» قال : أنا. قال : مهلاً یا أبا سفیان. وفی لفظ ابن عساکر : فقال له عمرو : اسکت یا أبا سفیان فإنّک لتعلم أنّ عمر إن سمع هذا القول منک کان سریعاً إلیک بالشرّ ، فقال أبو سفیان :

أما والله لو لا خوف شخصٍ

یرانی یا علیّ من الأعادی

لأظهر أمره صخرُ بنُ حربٍ

ولم تکن المقالة عن زیادِ

وقد طالت مجاملتی ثقیفاً

وترکی فیهمُ ثمرَ الفؤادِف)

ص: 311


1- شرح ابن أبی الحدید : 4 / 68 [16 / 182 کتاب 44]. (المؤلف)

فذلک الذی حمل معاویة علی ما صنع بزیاد (1).

وفی العقد الفرید (2) (3 / 3): أمر عمر زیاداً أن یخطب فأحسن فی خطبته وجوّد ، وعند أصل المنبر أبو سفیان بن حرب ، وعلیّ بن أبی طالب ، فقال أبو سفیان لعلیّ : أیعجبک ما سمعت من هذا الفتی؟ قال : نعم. قال : أما إنّه ابن عمّک! قال : وکیف ذلک؟ قال : أنا قذفته فی رحم أُمّه سمیّة. قال : فما یمنعک أن تدّعیه؟ قال : أخشی هذا القاعد علی المنبر - یعنی عمر - أن یفسد علیّ إهابی! فبهذا الخبر استلحق معاویة زیاداً وشهد له الشهود بذلک. وهذا خلاف حکم رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی قوله : «الولد للفراش وللعاهر الحجر».

قال الأمینی : لو کان معاویة استلحق زیاداً بهذا الخبر لکان استلحاقه عمرو بن العاص أولی. إذ ادّعاه أبو سفیان یوم ولادته قائلاً : أما إنّی لا أشکّ أنّی وضعته فی رحم أمّه.

واختصم معه العاص ، غیر أنّ النابغة أبت إلاّ العاص لما زعمت من الشحّ فی أبی سفیان ، وفی ذلک قال حسّان بن ثابت :

أبوک أبو سفیانَ لا شکّ قد بدت

لنا فیک منه بیّناتُ الدلائلِ

ففاخر به إمّا فخرتَ ولا تکن

تفاخرُ بالعاص الهجینِ ابن وائلِ

إلی آخر ما مرّ فی الجزء الثانی (ص 123).

نعم ؛ لکلّ بغیّ کان یتّصل بسمیّة أمّ زیاد ، والنابغة أمّ عمرو ، وهند أُمّ معاویة ، وحمامة أُمّ أبی سفیان ، والزرقاء أُمّ مروان ، وأضرابهنّ من مشهورات البغاء ، ویأتیهنّ6.

ص: 312


1- الاستیعاب : 1 / 195 [القسم الثانی / 525 رقم 825] ، تاریخ ابن عساکر : 5 / 410 [19 / 175 رقم 2309 ، وفی مختصر تایخ دمشق : 9 / 76]. (المؤلف)
2- العقد الفرید : 5 / 6.

أن یختصم فی ولائدهنّ.

کتب معاویة إلی زیاد یوم کان عامل علیّ أمیر المؤمنین علیه السلام : أمّا بعد فإنّ العشّ الذی رُبّیتَ به معلوم عندنا ، فلا تدع أن تأوی إلیه کما تأوی الطیور إلی أوکارها ، ولولا شیء - والله أعلم به - لقلت کما قال العبد الصالح (فَلَنَأْتِیَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْها أَذِلَّةً وَهُمْ صاغِرُونَ) (1) وکتب فی آخر کتابه :

لله درُّ زیَاد أیّما رجل

لو کان یعلم ما یأتی وما یذرُ

تنسی أباک وقد حقّت مقالته (2)

إذ تخطب الناس والوالی لنا عمرُ

فافخر بوالدِک الأدنی ووالدِنا

إنّ ابن حرب له فی قومِه خطرُ

إنّ انتهازک (3) قوماً لا تناسبهم

عدّ الأنامل عار لیس یغتفرُ

فانزل بعیداً (4) فإنّ الله باعدهم

عن کلِّ فضلٍ به یعلو الوری مضرُ

فالرأی مطرف والعقل تجربةٌ

فیها لصاحبها الإیراد والصدرُ

فلمّا ورد الکتاب علی زیاد قام فی الناس ، فقال : العجب کلّ العجب من ابن آکلة الأکباد ورأس النفاق ، یخوّفنی بقصده إیّای وبینی وبینه ابن عمّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی المهاجرین والأنصار ، أما والله لو أذن فی لقائه لوجدنی أعرف الناس بضرب السیف. واتّصل الخبر بعلیّ رضی الله عنه ، فکتب إلی زیاد :

«أمّا بعد : فقد ولّیتک الذی ولّیتک وأنا لا أزال (5) له أهلاً ، وإنّه قد کانت من أبی سفیان فلتة من أمانیّ الباطل ، وکذب النفس ، لا یوجب له میراثاً ، ولا یحلّ ً.

ص: 313


1- النمل : 37.
2- فی تاریخ دمشق 19 / 175 : وقد خفّت نعامته.
3- فی المصدر : إن ابتهارک.
4- فی المصدر : فاترک ثقیفاً.
5- فی المصدر : وأنا أراک له أهلاً.

له نسبا ، - وفی لفظ : لا تستحقّ بها نسباً ولا میراثاً - وإنّ معاویة یأتی الإنسان من بین یدیه ومن خلفه و [من] (1) عن یمینه و [من] (7) عن شماله ، فأحذر ثم احذر ، والسلام».

فلمّا بلغ أبا بکرة أخا زیاد لأمّه سمیّة أنّ معاویة استلحقه وأنّه رضی ذلک ، آلی یمیناً أن لا یکلّمه أبداً ، وقال : هذا زنی أُمّه وانتفی من أبیه ، ولا والله ما علمت سمیّة رأت أبا سفیان قطّ ، ویله ما یصنع بأمّ حبیبة زوج النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم بنت أبی سفیان؟ أیرید أن یراها؟ فإن حجبته فضحته ، وإن رآها فیا لها مصیبة ، یهتک من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم حرمة عظیمة.

وحجّ زیاد فی زمن معاویة ودخل المدینة ، فأراد الدخول علی أمّ حبیبة ، ثم ذکر قول أبی بکرة ، فانصرف عن ذلک. وقیل : إنّ أُمّ حبیبة حجبته ، ولم تأذن له فی الدخول علیها.

قال أبو عمر : لما ادّعی معاویة زیاداً دخل علیه بنو أُمیّة وفیهم عبد الرحمن بن الحکم ، فقال : یا معاویة لو لم تجد إلاّ الزنج لاستکثرت بهم علینا قلّة وذلّة. فأقبل معاویة علی مروان وقال : أخرج عنّا هذا الخلیع. فقال مروان : والله إنّه لخلیع ما یطاق. فقال معاویة : والله لو لا حلمی وتجاوزی لعلمت أنّه یطاق ، ألم یبلغنی شعره فیّ وفی زیاد؟ ثم قال لمروان : اسمعنیه. فقال :

ألا أبلغ معاویة بن صخرٍ

لقد ضاقت بما تأتی الیدانِ

أتغضب أن یُقال : أبوک عفّ

وترضی أن یقال : أبوک زانِ

فأشهد أنّ رحمک من زیادٍ

کرحم الفیل من ولد الأتانِ

وأشهد أنّها حملت زیاداً

وصخرٌ من سمیّةَ غیرُ دانِق.

ص: 314


1- و (7) الزیادة من تاریخ دمشق.

هذه الآبیات تُروی لزیاد (1) بن ربیعة بن مفرِّغ الحمیری الشاعر ، ومن رواها له جعل أوّلها :

ألا أبلغ معاویة بن صخرٍ

مغلغلةً من الرجل الیمانِ

وذکر الأبیات کما ذکرناها سواء. وروی عمر بن شبة وغیره : أنّ ابن مفرِّغ لمّا وصل إلی معاویة أو إلی ابنه یزید ، بعد أن شفعت فیه الیمانیة وغضبت لما صنع به عبّاد وأخوه عبید الله ، وبعد أن لقی من عبّاد بن زیاد وأخیه عبید الله ما لقی ممّا یطول ذکره ، وقد نقله أهل الأخبار ورواة الأشعار بکّر وقال : یا أمیر المؤمنین رکب منّی ما لم یرکب من مسلم قطّ علی غیر حدث فی الإسلام ولا خلع ید من طاعة. فقال له معاویة : ألست القائل :

ألا أبلغ معاویةَ بن حربٍ

مغلغلةً من الرجلِ الیمانِ

أتغضبُ أن یقال : أبوک عفٌ

وترضی أن یقال : أبوک زانِ

فقال ابن المفرّغ : لا والذی عظّم حقّک ورفع قدرک ، یا أمیر المؤمنین ما قلتها قطّ ، ولقد بلغنی أنّ عبد الرحمن بن الحکم قالها ونسب إلیّ. فقال : أفلست القائل :

شهدتُ بأنّ أمّک لم تباشر

أبا سفیانَ واضعةَ القناعِ

ولکن کان أمراً فیه لبسٌ

علی وجهٍ شدیدٍ وارتیاعِ؟ (2)

أو لست القائل :

إنّ زیاداً ونافعاً وأبا بک

رة عندی من أعجب العجبِف)

ص: 315


1- هو یزید بن ربیعة الشاعر الشهیر. توجد ترجمته فی الأغانی : 17 / 51 - 73 [18 / 262 - 307]. (المؤلف)
2- هذه القصیدة کما قال أبو الفرج : طویلة. ذکر منها فی الأغانی : 17 / 66 [18 / 291] تسعة عشر بیتاً. (المؤلف)

هم رجال ثلاثة خلقوا

فی رحم أُنثی وکلّهم لأبِ (1)

ذا قرشیّ کما یقول وذا

مولیً وهذا بزعمه عربی

فی أشعار قلتها فی زیاد وبنیه تهجوهم؟ أغرب فلا عفا الله عنک ، قد عفوت عن جرمک ، ولو صحبت زیاداً لم یکن شیء ممّا کان ، اذهب فاسکن أیّ أرض أحببت. فاختار الموصل.

قال أبو عمر (2) : لیزید بن مفرّغ فی هجو زیاد وبنیه من أجل ما لقی من عبّاد ابن زیاد بخراسان أشعار کثیرة ، وقصّته مع عبّاد بن زیاد وأخیه عبید الله بن زیاد مشهورة ، ومن قوله یهجوهم :

أعبّادُ ما للؤم عنک محوّلُ

ولا لک أمٌّ فی قریشٍ ولا أبُ

وقل لعبید الله مالک والدٌ

بحقّ ولا یدری امرؤ کیف تنسبُ (3)

قال عبید الله بن زیاد : ما هُجیت بشیء أشدّ علیّ من قول ابن مفرّغ :

فکّر ففی ذاک إن فکّرت معتبر

هل نلت مکرمة إلاّ بتأمیرِ

عاشت سمیّة ما عاشت وما علمت

أنّ ابنها من قریش فی الجماهیرِ

وقال غیره :

زیاد لست أدری من أبوه

ولکنّ الحمار أبو زیادِ

وروینا : أنّ معاویة بن أبی سفیان قال حین أنشده مروان شعر أخیه عبد الرحمن : والله لا أرضی عنه حتی یأتی زیاداً فیترضّاه ویعتذر إلیه. وأتاه ف)

ص: 316


1- ویروی : أنثی مخالف النسب. (المؤلف)
2- الاستیعاب : القسم الثانی 528 رقم 825.
3- ذکر أبو الفرج فی الأغانی : 17 / 59 ج 18 / 277 ج من بائیة ابن المفرغ هذه اثنی عشر بیتاً. (المؤلف)

عبد الرحمن یستأذن علیه معتذراً فلم یأذن له ، فأقبلت قریش علی عبد الرحمن بن الحکم ، فلم یدعوه حتی أتی زیاداً ، فلمّا دخل فسلّم علیه فتشاوس (1) له زیاد بعینه ، وکان یکسر عینه ، فقال له زیاد : أنت القائل ما قلت؟ فقال عبد الرحمن : وما الذی قلت؟ فقال : قلت ما لا یُقال. فقال عبد الرحمن : أصلح الله الأمیر إنّه لا ذنب لمن اعتب ، وإنّما الصفح عمّن أذنب ، فاسمع منّی ما أقول ، قال : هات. فأنشأ یقول :

إلیک أبا المغیرةِ تبتُ ممّا

جری بالشامِ من جورِ اللسانِ

وأغضبتُ الخلیفةَ فیک حتی

دعاه فرطُ غیظٍ أن لحانی

وقلت لمن لحانی فی اعتذاری

إلیک الحقّ شأنک غیر شانی

عرفت الحقّ بعد خطاء رأیی

وما ألبسته غیر البیانِ

زیادٌ من أبی سفیانَ غصنٌ

تهادی ناضرٌ بین الجنانِ

أراک أخاً وعمّا وابنَ عمٍ

فما أدری بعینٍ ما ترانی

وأنت زیادةٌ فی آل حربٍ

أحبّ إلیَّ من وسطی بنانی

ألا أبلغ معاویةَ بنَ حربٍ

فقد ظفرتْ بما تأتی الیدانِ

فقال له زیاد : أراک أحمق مترفاً شاعراً صَنِع اللسان ، یسوغ لک ریقک ساخطاً ومسخوطاً ، ولکنّا قد سمعنا شعرک وقبلنا عذرک ، فهات حاجتک. قال : کتاب إلی أمیر المؤمنین بالرضا عنّی. قال : نعم ، فکتب کتاباً أخذه ومضی حتی دخل علی معاویة ، ففضّ الکتاب ورضی عنه وردّه إلی حاله وقال : قبّح الله زیاداً ألم ینتبه له إذ قال :

وأنت زیادة فی آل حرب (2)

قال أبو عبیدة : کان زیاد یزعم أنّ أُمّه سمیّة بنت الأعور من بنی عبد شمس بن ب.

ص: 317


1- من شاس : نظر بمؤخر عینه تکبّراً أو تغیّظاً. (المؤلف)
2- إلی هنا ینتهی المنقول عن الاستیعاب.

زید مناة بن تمیم ، فقال ابن مفرّغ یردّ ذلک علیه :

فأُقِسمُ ما زیادٌ من قریش

ولا کانت سمیّةُ من تمیمِ

ولکن نسل عبد من بغیّ

عریق الأصلِ فی النسب اللئیمِ (1)

وأخرج الطبری فی تاریخه (2) (6 / 123) بإسناده عن أبی إسحاق : أنّ زیاداً لمّا قدم الکوفة قال : قد جئتکم فی أمر ما طلبته إلاّ لکم. قالوا : أدعنا إلی ما شئت. قال : تُلْحقون نسبی بمعاویة. قالوا : أمّا بشهادة الزور فلا ، فأتی البصرة فشهد له رجل.

قال ابن عساکر وابن الأثیر : کان أبو سفیان صار إلی الطائف فنزل علی خمّار یقال له أبو مریم السلولی ، وکانت لأبی مریم بعد صحبة ، فقال أبو سفیان لأبی مریم بعد أن شرب عنده : قد اشتدّت به العزوبة ، فالتمس لی بغیّا. فقال : هل لک فی جاریة الحارث بن کلدة سمیّة امرأة عبید؟ فقال : هاتها علی طول ثدیها وریح إبطیها. فجاء بها إلیه فوقع بها ، فولدت زیاداً فادّعاه معاویة.

وروی ابن عساکر ، عن ابن سیرین ، عن أبی بکرة ، قال : قال زیاد لأبی بکرة : ألم تر أنّ أمیر المؤمنین أرادنی علی کذا وکذا ، وولدت علی فراش عُبید وأشبهته ، وقد علمت أنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قال : «من ادّعی لغیر أبیه فلیتبوّأ مقعده من النار». ثم جاء العام المقبل وقد ادّعاه. وقال محمد بن إسحاق : کنّا جلوساً عند أبی .

ص: 318


1- الأغانی : 17 / 51 - 67 [18 / 262 - 294] ، الاستیعاب : 1 / 195 - 198 [القسم الثانی / 525 - 530 رقم 825] ، تاریخ ابن عساکر : 5 / 406 - 423 [19 / 162 - 209 رقم 2309 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 9 / 77] ، مروج الذهب : 2 / 56 ، 57 [3 / 15 - 17] ، تاریخ ابن کثیر : 8 / 95 ، 96 [8 / 103 - 104 سنة 59 ه] ، الاتحاف : ص 22 [66] (المؤلف)
2- تاریخ الأُمم والملوک : 5 / 215 حوادث سنة 44 ه.

سفیان ، فخرج زیاد فقال : ویل أمّه لو کان له صلب قوم ینتمی إلیهم (1).

ولمّا بویع معاویة قدم زیاد علی معاویة فصالحه علی ألفی ألف ، ثم أقبل فلقیه مصقلة بن هبیرة الشیبانی ، وضمن له عشرین ألف درهم لیقول لمعاویة : إنّ زیاداً قد أکل فارس برّا وبحراً ، وصالحک علی ألفی ألف درهم ، والله ما أری الذی یقال إلاّ حقّا. فإذا قال لک : وما یقال؟ فقل : یُقال : إنّه ابن أبی سفیان. ففعل مصقلة ذلک ، ورأی معاویة أن یستمیل زیاداً ، واستصفی مودّته باستلحاقه ، فاتّفقا علی ذلک ، وأحضر الناس وحضر من یشهد لزیاد ، وکان فیمن حضر أبو مریم السلولی ، فقال له معاویة : بم تشهد یا أبا مریم؟ فقال : أنا أشهد أنّ أبا سفیان حضر عندی وطلب منّی بغیّا ، فقلت له : لیس عندی إلاّ سمیّة. فقال : ائتنی بها علی قذرها ووضرها. فأتیته بها فخلا معها ، ثم خرجت من عنده وإنّ إسکتیها لَیقطران منیّا. فقال له زیاد : مهلاً أبا مریم إنّما بُعثت شاهداً ولم تُبعث شاتماً. فاستلحقه معاویة (2).

وفی العقد الفرید (3) (3 / 3) : یقال : إنّ أبا سفیان خرج یوماً وهو ثمل إلی تلک الرایات ، فقال لصاحبة الرایة : هل عندک من بغیّ؟ فقالت : ما عندی إلاّ سمیّة. قال : هاتها علی نتن إبطیها. فوقع بها فولدت له زیاداً علی فراش عبید.

فوجد زیاد نفسه بعد حسبه الواطئ ونسبه الوضیع ، بعد أن کان لا یُعزی إلی 5.

ص: 319


1- العقد الفرید : 3 / 2 [5 / 5 - 6] ، تاریخ ابن عساکر : 5 / 409 [19 / 174 ، وفی تهذیب تاریخ دمشق : 5 / 412 ، مختصر تاریخ دمشق : 9 / 75] ، کامل ابن الأثیر : 3 / 191 [2 / 470 حوادث سنة 44 ه]. (المؤلف)
2- تاریخ الیعقوبی : 2 / 194 [2 / 219] ، مروج الذهب : 2 / 56 [3 / 16] ، تاریخ ابن عساکر : 5 / 409 [6 / 19 / 172 رقم 2309 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 9 / 76] ، کامل ابن الأثیر : 3 / 192 [2 / 740 حوادث سنة 44 ه] ، شرح ابن أبی الحدید : 4 / 70 [16 / 187] ، الإتحاف للشبراوی : ص 22 [ص 66]. (المؤلف)
3- العقد الفرید : 5 / 5.

أبٍ معلوم عمراً طویلاً یقرب من خمسین عاماً (1) ، فیقال له : زیاد بن أبیه. أخا (2) ملک الوقت ، وابن من یُزعم أنّه من شرفاء بیئته ، وقد تسنّی له الحصول علی مکانة رابیة ، فأغرق نزعاً فی جلب مرضاة معاویة ، المحابی له بتلک المرتبة التی بمثلها حابت هند ابنها المردّد بین خمسة رجال أو ستّة من بغایا الجاهلیّة ، لکنّ آکلة الأکباد ألحقت معاویة بأبی سفیان لدلالة السحنة والشبه ، فطفق زیاد یَلِغ فی دماء الشیعة ، ولمعاویة من ورائه تصدیة ومکاء.

وإنّ غلواء الرجل المحابی أعمته عن استقباح نسبة الزنا لأبیه ، یوم استحسن أن یکون له أخ مثل زیاد ، شدید فی بأسه ، یأتمر أوامره ، وینتهی إلی ما یودّه من بوائق وموبقات ، ولم یکترث لحکم الشریعة بحرمة مثل ذلک الإلحاق ، واستعظامها إیّاه ، ولا یصیخ إلی قول النبیّ الصادق صلی الله علیه وآله وسلم ، قال یونس بن أبی عبید الثقفی لمعاویة : یا معاویة قضی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أنّ «الولد للفراش وللعاهر الحجر». فعکست ذلک وخالفت سنّة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، فقال : أعد. فأعاد یونس مقاله هذا ، فقال معاویة : یا یونس والله لتنتهینّ أو لأطیرنّ بک طیراً بطیئاً وقوعها (3).

انظر إلی إیمان الرجل بنبیّه صلی الله علیه وآله وسلم ، وإخباته إلی حدیثه بعد استعادته ، وعنایته بقبوله ورعایته حرمته ، والحکَم فی هذه الشنیعة کلّ ذی مسکة من علماء الأُمّة وذوی حنکتها ومؤلّفیها وکتّابها.

قال سعید بن المسیّب : أوّل (4) قضیّة ردّت من قضاء رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم علانیة ، ف)

ص: 320


1- قیل : ولد عام الفتح سنة ثمان ، وقیل : عام الهجرة ، وقیل : قبل الهجرة ، وقیل : یوم بدر. (المؤلف)
2- مفعول به ثانٍ لقوله : وجد ، أول الفقرة.
3- الإتحاف للشبراوی : ص 22 [ص 67]. (المؤلف)
4- لیست بأوّل قارورة کسرت فی الإسلام ، وإنّما ردّ من یوم السقیفة وهلمّ جرّا إلی یوم الاستلحاق ، من قضایا رسول الله ، ما یربو علی العدّ. (المؤلف)

قضاء فلان ، یعنی : معاویة فی زیاد.

وقال ابن یحیی : أوّل حکم ردّ من أحکام رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، الحکم فی زیاد.

وقال ابن بعجة : أوّل داء دخل علی العرب قتل الحسن (1) سبط النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ، وادّعاء زیاد (2).

وقال الحسن : أربع خصال کنّ فی معاویة لو لم یکن فیه منهنّ إلاّ واحدة لکانت موبقة : انتزاؤه علی هذه الأُمّة بالسفهاء حتی ابتزّها (3) أمرها بغیر مشورة منهم ، وفیهم بقایا الصحابة وذوو الفضیلة. واستخلافه ابنه بعده سکّیراً خمّیراً یلبس الحریر ویضرب بالطنابیر. وادّعاؤه زیاداً ، وقد قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «الولد للفراش وللعاهر الحجر». وقتله حُجراً ، ویلاً له من حُجر وأصحاب حُجر قالها مرّتین (4).

وقال الإمام السبط الحسن الزکیّ علیه السلام لزیاد فی حضور من معاویة ، وعمرو بن العاص ، ومروان بن الحکم : «وما أنت یا زیاد وقریشاً؟ لا أعرف لک فیها أدیماً صحیحاً ولا فرعاً نابتاً ، ولا قدیماً ثابتاً ، ولا منبتاً کریماً ، بل کانت أُمّک بغیّا تداولها رجال قریش ، وفجّار العرب ، فلمّا وُلِدتَ لم تعرف لک العرب والداً ، فادّعاک هذا - یعنی معاویة - بعد ممات أبیه ، ما لک افتخار ، تکفیک سمیّة ویکفینا رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، وأبی علیّ بن أبی طالب سیّد المؤمنین الذی لم یردّ علی عقبیه ، وعمّی حمزة سیّد ف)

ص: 321


1- فی تاریخ مدینة دمشق ومختصره : قتل الحسین.
2- تاریخ ابن عساکر : 5 / 412 [19 / 179 رقم 2309 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 9 / 78] ، تاریخ الخلفاء للسیوطی : ص 131 [ص 182] أوائل السیوطی : ص 51. (المؤلف)
3- فی تهذیب تاریخ مدینة دمشق : ابتزّوها.
4- [تهذیب] تاریخ ابن عساکر : 2 / 381 ، تاریخ الطبری 6 / 157 [5 / 279] ، الکامل لابن الأثیر : 4 / 209 [2 / 499 حوادث سنة 59 ه] ، تاریخ ابن کثیر : 8 / 130 [8 / 139 حوادث سنة 60 ه] ، محاضرات الراغب : 2 / 214 [2 / 480] ، النجوم الزاهرة : 1 / 141. (المؤلف)

الشهداء ، وجعفر الطیّار ، وأنا وأخی سیّدا شباب أهل الجنّة» (1).

وفد زیاد علی معاویة فأتاه بهدایا ، وأموال عظام ، وسفط مملوء جوهراً لم یُرَ مثله ، فسرّ معاویة بذلک سروراً شدیداً ، فلمّا رأی زیاد ذلک ، صعد المنبر فقال : أنا والله یا أمیر المؤمنین أقمت لک معر العراق ، وجبیت لک مالها ، وألفظت إلیک بحرها. فقام یزید بن معاویة فقال : إن تفعل ذلک یا زیاد فنحن نقلناک من ولاء ثقیف إلی قریش ، ومن القلم إلی المنابر ، ومن زیاد بن عُبید إلی حرب بن أُمیّة. فقال معاویة : اجلس فداک أبی وأُمّی (2).

وقال السکتواری فی محاضرة الأوائل (3) (ص 136) : أوّل قضیّة ردّت من قضایا رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم علانیة ، دعوة معاویة زیاداً ، وکان أبو سفیان تبرّأ منه وادّعی أنّه لیس من أولاده ، وقضی بقطع نسبه. فلمّا تأمّر معاویة قرّبه واستأمره ، ففعل ما فعل زیاد ابن أبیه - یعنی ابن زنیّة - من الطغیان والإساءة فی حقّ أهل بیت النبوّة. وقال فی (ص 164) : کان عمر رضی الله عنه إذا نظر إلی معاویة یقول : هذا ابن أبی سفیان کسری العرب (4) ، لأنّه کان أوّل من ردّ قضیة من قضایا رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم حین هجر ، وزیاد ابن أبیه أوّل من أساء إساءة تفرّد بشَینِها بین الأُمم فی حقّ أهل البیت.

وقال فی (ص 246) : کان قد تبرّأ من زیاد أبو سفیان ، ومنع حقّه من میراث الإسلام بحضرة الصحابة ، فلا زال طریداً حتی دعاه معاویة وقرّبه وأمّره وردّ ف)

ص: 322


1- المحاسن والمساوئ للبیهقی : 1 / 58 [ص 79]. (المؤلف)
2- المجتنی لابن درید : ص 37 [ص 24]. (المؤلف)
3- وانظر الأوائل لأبی هلال العسکری : ص 167.
4- قول عمر هذا فی معاویة ذکره جمع. راجع الاستیعاب : 1 / 253 [القسم الثالث / 1417 رقم 2435] ، أُسد الغابة : 4 / 386 [5 / 210 رقم 4977] ، الإصابة : 3 / 434 [رقم 8068]. (المؤلف)

القضیّة ، وهی أول قضیّة من قضایا الإسلام ردّت ، ولذا صارت بلیّة شنیعة ، ومحنة فاحشة بین الأُمّة ، وأبغض الوسائل تعدّیه علی أفضل الملّة ، وأحبّ العترة. انتهی.

ولا أحسب أنّ أحداً من رجالات الدین یشذّ عمّا قاله الجاحظ فی رسالته (1) الثابتة فی بنی أمیّة (ص 293) : فعندها استوی معاویة علی الملک واستبدّ علی بقیّة الشوری ، وعلی جماعة المسلمین من الأنصار والمهاجرین فی العام الذی سمّوه عام الجماعة ، وما کان عام جماعة بل کان عام فرقة وقهر وجبریّة وغلبة ، والعام الذی تحوّلت فیه الإمامة ملکاً کسرویّا ، والخلافة منصباً قیصریّا ، ولم یعدُ ذلک أجمع الضلال والفسق ، ثم ما زالت معاصیه من جنس ما حکینا ، وعلی منازل ما رتّبنا ، حتی ردّ قضیّة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم رداً مکشوفاً ، وجحد حکمه جحداً ظاهراً فی ولد الفراش وما یجب للعاهر ، مع إجماع الأمّة علی أنّ سمیّة لم تکن لأبی سفیان فراشاً ، وأنّه إنّما کان بها عاهراً ، فخرج بذلک من حکم الفجّار إلی حکم الکفّار. انتهی.

ولو تحرّینا موبقات معاویة المکفّرة له وجدنا هذه فی أصاغرها ، فجلّ أعماله - إن لم یکن کلها - علی الضدّ من الکتاب والسنّة الثابتة ، فهی غیر محصورة فی مخالفته لقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «الولد للفراش وللعاهر الحجر».

- 14 -

بیعة یزید أحد موبقات معاویة الأربع

إنّ من موبقات معاویة وبوائقه - وهو کلّه بوائق - أخذه البیعة لابنه یزید علی کُره من أهل الحلّ والعقد ، ومراغمة لبقایا المهاجرین والأنصار ، وإنکار من أعیان الصحابة الباقین ، تحت بوارق الإرهاب ، ومعها طلاة المطامع لأهل الشره والشهوات. ف)

ص: 323


1- رسائل الجاحظ - الرسائل الکلامیة - : ص 241.

کان فی خلد معاویة یوم استقرّت له الملوکیّة ، وتمّ له الملک العضوض ، أن یتّخذ ابنه ولیّ عهده ویأخذ له البیعة ، ویؤسّس حکومة أُمویّة مستقرّة فی أبناء بیته ، فلم یزل یروّض الناس لبیعته سبع سنین ، یُعطی الأقارب ویُدانی الأباعد (1) ، وکان یبتلعه طوراً ، ویجترّ به حیناً بعد حین ، یمُهّد بذلک السبیل ، ویسهّل حزونته ، ولمّا مات زیاد سنة (53) وکان یکره تلک البیعة ، أظهر معاویة عهداً مفتعلاً - علی زیاد - ، فقرأه علی الناس ، فیه عقد الولایة لیزید بعده ، وأراد بذلک أن یسهّل بیعة یزید کما قاله المدائنی (2). وقال أبو عمر فی الاستیعاب (3) (1 / 142) : کان معاویة قد أشار بالبیعة لیزید فی حیاة الحسن ، وعرّض بها ، ولکنّه لم یکشفها ، ولا عزم علیها إلاّ بعد موت الحسن.

قال ابن کثیر فی تاریخه (4) (8 / 79) : وفی سنة ستّ وخمسین دعا معاویة الناس إلی البیعة لیزید ولده ، أن یکون ولیّ عهده من بعده ، وکان قد عزم قبل ذلک علی هذا فی حیاة المغیرة بن شعبة (5) ، فروی ابن جریر (6) من طریق الشعبی : أنّ المغیرة کان قد قدم علی معاویة وأعفاه من إمرة الکوفة ، فأعفاه لکبره وضعفه ، وعزم علی تولیتها سعید بن العاص ، فلمّا بلغ ذلک المغیرة کأنّه ندم ، فجاء إلی یزید بن معاویة فأشار علیه بأن یسأل من أبیه أن یکون ولیّ العهد ، فسأل ذلک من أبیه ، فقال : من أمرک بهذا؟ قال : المغیرة. فأعجب ذلک معاویة من المغیرة ، وردّه إلی عمل الکوفة ، وأمره أن یسعی فی ذلک ، فعند ذلک سعی المغیرة فی توطید ذلک ، وکتب معاویة إلی زیاد .

ص: 324


1- العقد الفرید : 2 / 302 [4 / 161]. (المؤلف)
2- العقد الفرید : 2 / 302 [4 / 161] ، تاریخ الطبری : 6 / 170 [5 / 303 حوادث سنة 56 ه]. (المؤلف)
3- الاستیعاب : القسم الأول / 391 رقم 555.
4- البدایة والنهایة : 8 / 86 حوادث سنة 56 ه.
5- توفّی المغیرة سنة خمسین ، وقدم علی معاویة فی سنة خمس وأربعین واستعفاه من الإمرة ، وهی سنة بدوّ فکر بیعة یزید فی خَلَد معاویة بإیعاز من المغیرة. (المؤلف)
6- تاریخ الأُمم والملوک : 5 / 301 حوادث سنة 56 ه.

یستشیره فی ذلک ، فکره زیاد ذلک لما یعلم من لعب یزید وإقباله علی اللعب والصید ، فبعث إلیه من یثنی رأیه عن ذلک وهو عُبید بن کعب النمیری - وکان صاحباً أکیداً لزیاد - ، فسار إلی دمشق فاجتمع بیزید أوّلاً فکلّمه عن زیاد ، وأشار علیه بأن لا یطلب ذلک ، فإنّ ترکه خیر له من السعی فیه ، فانزجر یزید عمّا یرید من ذلک ، واجتمع بأبیه واتّفقا علی ترک ذلک فی هذا الوقت ، فلمّا مات زیاد شرع معاویة فی نظم ذلک والدعاء إلیه ، وعقد البیعة لولده یزید ، وکتب إلی الآفاق بذلک.

صورة أخری :

فی بدء بدئها : کان ابتداء بیعة یزید وأوّلها من المغیرة بن شعبة ، فإنّ معاویة أراد أن یعزله عن الکوفة ویستعمل عوضه سعید بن العاص ، فبلغه ذلک فقال : الرأی أن أشخص إلی معاویة فاستعفیه لیظهر للناس کراهتی للولایة ، فسار إلی معاویة ، وقال لأصحابه حین وصل إلیه : إن لم أُکسبکم الآن ولایة وإمارة لا أفعل ذلک أبداً ، ومضی حتی دخل علی یزید ، وقال له : إنّه قد ذهب أعیان أصحاب النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وکبراء قریش وذوو أسنانهم ، وإنّما بقی أبناؤهم وأنت من أفضلهم وأحسنهم رأیاً ، وأعلمهم بالسنّة والسیاسة ، ولا أدری ما یمنع أمیر المؤمنین أن یعقد لک البیعة؟ قال : أوتری ذلک یتمّ؟ قال : نعم. فدخل یزید علی أبیه وأخبره بما قال المغیرة ، فأحضر المغیرة وقال له : ما یقول یزید؟ فقال : یا أمیر المؤمنین قد رأیت ما کان من سفک الدماء والاختلاف بعد عثمان (1) وفی یزید منک خلف فاعقد له ، فإن حدث بک حادث کان کهفاً للناس ، وخلفاً منک ، ولا تسفک دماء ، ولا تکون فتنة. قال : ومن لی بهذا؟ قال : أکفیک أهل الکوفة ، ویکفیک زیاد أهل البصرة ، ولیس بعد هذین المصرین ف)

ص: 325


1- ألا مُسائِل المغیرة عن أنّ هذا الشقاق والخلاف وسفک الدماء المحرّمة فی عدم الاستخلاف ، هل کان یعلمها رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم؟ فلما ذا ترک أُمّته سدی ولم یستخلف ، کما زعمه هو والسیاسیون من رجال الانتخاب الدستوری؟ (المؤلف)

أحد یخالفک. قال : فارجع إلی عملک وتحدّث مع من تثق إلیه فی ذلک ، وتری ونری. فودّعه ورجع إلی أصحابه ، فقالوا : مه. قال : لقد وضعت رجل معاویة فی غرز بعید الغایة علی أُمّة محمد ، وفتقت علیهم فتقاً لا یرتق أبداً. وتمثّل :

بمثلی شاهدی نجوی وغالی

بی الأعداء والخصم الغضابا

وسار المغیرة حتی قدم الکوفة ، وذاکر من یثق إلیه ومن یعلم أنّه شیعة لبنی أُمیّة أمر یزید ، فأجابوا إلی بیعته ، فأوفد منهم عشرة ، ویقال : أکثر من عشرة ، وأعطاهم ثلاثین ألف درهم ، وجعل علیهم ابنه موسی بن المغیرة ، وقدموا علی معاویة فزیّنوا له بیعة یزید ، ودعوه إلی عقدها. فقال معاویة : لا تعجلوا بإظهار هذا وکونوا علی رأیکم ، ثم قال لموسی : بکم اشتری أبوک من هؤلاء دینهم؟ قال : بثلاثین ألفاً. قال : لقد هان علیهم دینهم.

وقیل : أرسل أربعین رجلاً وجعل علیهم ابنه عروة ، فلمّا دخلوا علی معاویة قاموا خطباء ، فقالوا : إنّما أشخصهم إلیه النظر لأُمّة محمد صلی الله علیه وآله وسلم وقالوا : یا أمیر المؤمنین کبرت سنّک ، وخفنا انتشار الحبل ، فانصب لنا علماً ، وحدّ لنا حدّا ننتهی إلیه. فقال : أشیروا علیّ. فقالوا : نشیر بیزید ابن أمیر المؤمنین. فقال : أَوَقد رضیتموه؟ قالوا : نعم. قال : وذلک رأیکم؟ قالوا : نعم ، ورأی من وراءنا. فقال معاویة لعروة سرّا عنهم : بکم اشتری أبوک من هؤلاء دینهم؟ قال : بأربعمائة دینار. قال : لقد وجد دینهم عندهم رخیصاً ، وقال لهم : ننظر ما قدمتم له ویقضی الله ما أراد ، والأناة خیر من العجلة ، فرجعوا.

وقوی عزم معاویة علی البیعة لیزید ، فأرسل إلی زیاد یستشیره ، فأحضر زیاد عبید بن کعب النمیری وقال له : إنّ لکلّ مستشیر ثقة ، ولکلّ سرّ مستودع ، وإنّ الناس قد أبدع بهم خَصلتان : إذاعة السرّ ، وإخراج النصیحة إلی غیر أهلها ، ولیس موضع السرّ إلاّ أحد رجلین : رجل آخرة یرجو ثوابها ، ورجل دنیا له شرف فی نفسه ، وعقل یصون حسبه ، وقد خبرتهما منک ، وقد دعوتک لأمر اتّهمت علیه بطون

ص: 326

الصحف : إنّ أمیر المؤمنین کتب یستشیرنی فی کذا وکذا ، وإنّه یتخوّف نفرة الناس ، ویرجو طاعتهم ، وعلاقة أمر الإسلام وضمانه عظیم ، ویزید صاحب رسلة وتهاون مع ما قد أُولع به من الصید ، فالقَ أمیر المؤمنین وأدِّ إلیه فعلات یزید ، وقل له : رویدک بالأمر فأحری لک أن یتمّ لک ، لا تعجل فإنّ درکاً فی تأخیر خیر من فوت فی عجلة. فقال له عُبید : أفلا غیر هذا؟ قال : وما هو؟ قال : لا تفسد علی معاویة رأیه ، ولا تبغّض إلیه ابنه ، وأُلفی أنا یزید فأخبره أنّ أمیر المؤمنین کتب إلیک ، یستشیرک فی البیعة له ، وأنّک تتخوّف خلاف الناس علیه لهنات ینقمونها علیه ، وأنّک تری له ترک ما یُنقم علیه لتستحکم له الحجّة علی الناس ، ویتمّ ما ترید فتکون قد نصحت أمیر المؤمنین وسلمت ممّا تخاف من أمر الأُمّة. فقال زیاد : لقد رمیت الأمر بحجره ، اشخص علی برکة الله ، فإن أصبت فما لا ینکر ، وإن یکن خطأ فغیر مستغشّ ، وتقول بما تری ، ویقضی الله بغیب ما یعلم. فقدم علی یزید فذکر ذلک له فکفّ عن کثیر ممّا کان یصنع ، وکتب زیاد معه إلی معاویة یشیر بالتؤدة وأن لا یعجل ، فقبل منه. فلمّا مات زیاد عزم معاویة علی البیعة لابنه یزید ، فأرسل إلی عبد الله بن عمر مائة ألف درهم فقبلها ، فلمّا ذکر البیعة لیزید قال ابن عمر : هذا أراد ، إنّ دینی إذن لرخیص. وامتنع (1).

بیعة یزید فی الشام وقتل الحسن السبط دونها :

لمّا اجتمعت عند معاویة وفود الأمصار بدمشق - بإحضار منه - وکان فیهم الأحنف بن قیس ، دعا معاویة الضحّاک بن قیس الفهری فقال له : إذا جلست علی المنبر وفرغت من بعض موعظتی وکلامی فاستأذنّی للقیام ، فإذا أذنت لک فاحمد الله تعالی واذکر یزید ، وقل فیه الذی یحقّ له علیک من حسن الثناء علیه ، ثم ادعنی إلی تولیته من بعدی ، فإنّی قد رأیت وأجمعت علی تولیته ، فأسأل الله فی ذلک وفی غیره ف)

ص: 327


1- تاریخ الطبری : 6 / 169 ، 170 [5 / 301 - 303 حوادث سنة 56 ه] ، کامل ابن الأثیر : 3 / 214 ، 215 [2 / 509 حوادث سنة 56 ه]. (المؤلف)

الخیرة وحسن القضاء. ثم دعا عبد الرحمن بن عثمان الثقفی ، وعبد الله بن مسعدة الفزاری ، وثور بن معن السلمی ، وعبد الله بن عصام الأشعری ، فأمرهم أن یقوموا إذا فرغ الضحّاک ، وأن یصدّقوا قوله ، ویدعوه إلی [بیعة] (1) یزید.

ثم خطب معاویة ، فتکلّم القوم بعده علی ما یروقه من الدعوة إلی یزید ، فقال معاویة : أین الأحنف؟ فأجابه ، قال : ألا تتکلّم؟ فقام الأحنف فحمد الله وأثنی علیه ، ثم قال : أصلح الله أمیر المؤمنین ، إنّ الناس قد أمسوا فی منکر زمان قد سلف ، ومعروف زمان مؤتنف (2) ، ویزید ابن أمیر المؤمنین نعم الخلف ، وقد حلبت الدهر أشطره یا أمیر المؤمنین ؛ فاعرف من تسند إلیه الأمر من بعدک ، ثم اعص أمر من یأمرک ، لا یغررک من یشیر علیک ، ولا ینظر لک وأنت أنظر للجماعة ، وأعلم باستقامة الطاعة ، [مع] (3) أنّ أهل الحجاز وأهل العراق لا یرضون بهذا ، ولا یبایعون لیزید ما کان الحسن حیّا.

فغضب الضحّاک ، فقام الثانیة ، فحمد الله وأثنی علیه ، ثم قال : أصلح الله أمیر المؤمنین ، إنّ أهل النفاق من أهل العراق ، مروءتهم فی أنفسهم الشقاق ، وألفتهم فی دینهم الفراق ، یرون الحقّ علی أهوائهم کأنّما ینظرون بأقفائهم ، اختالوا جهلاً وبطراً ، لا یرقبون من الله راقبة ، ولا یخافون وبال عاقبة ، اتّخذوا إبلیس لهم ربّا ، واتّخذهم إبلیس حزباً ، فمن یقاربوه لا یسرّوه ، ومن یفارقوه لا یضرّوه ، فادفع رأیهم یا أمیر المؤمنین فی نحورهم ، وکلامهم فی صدروهم ، ما للحسن وذوی الحسن فی سلطان الله الذی استخلف به معاویة فی أرضه؟ هیهات لا تورث الخلافة عن کلالة ، ولا یحجب غیر الذکر العصبة ، فوطّنوا أنفسکم یا أهل العراق علی المناصحة لإمامکم ، وکاتب ة.

ص: 328


1- من الإمامة والسیاسة.
2- مؤتنف : مستقبل.
3- من الإمامة والسیاسة.

نبیّکم وصهره ، یسلم لکم العاجل ، وتربحوا من الآجل.

ثم قام الأحنف بن قیس ، فحمد الله وأثنی علیه ، ثم قال : یا أمیر المؤمنین إنّا قد فررنا (1) عنک قریشاً فوجدناک أکرمها زنداً ، وأشدّها عقداً ، وأوفاها عهداً ، قد علمت أنّک لم تفتح العراق عنوة ، ولم تظهر علیها قعصاً (2) ، ولکنّک أعطیت الحسن بن علی من عهود الله ما قد علمت لیکون له الأمر من بعدک ، فإن تفِ فأنت أهل الوفاء ، وإن تغدر تعلم والله إنّ وراء الحسن خیولاً (3) ، وأذرعاً شداداً ، وسیوفاً حداداً ، إن تدن له شبراً من غدر ، تجد وراءه باعاً من نصر ، وإنّک تعلم أنّ أهل العراق ما أحبّوک منذ أبغضوک ، ولا أبغضوا علیّا وحسناً منذ أحبّوهما ، وما نزل علیهم فی ذلک خبر (4) من السماء ، وإنّ السیوف التی شهروها علیک مع علیّ یوم صفّین لعلی عواتقهم ، والقلوب التی أبغضوک بها لبین جوانحهم ، وایم الله إنّ الحسن لأحبّ إلی أهل العراق من علیّ.

ثم قام عبد الرحمن بن عثمان الثقفی ، فأثنی علی یزید ، وحثّ معاویة علی بیعته ، فقام معاویة فقال :

أیّها الناس : إنّ لإبلیس من الناس إخواناً وخلاّناً ، بهم یستعدّ وإیّاهم یستعین ، وعلی ألسنتهم ینطق ، إن رجوا طمعاً أوجفوا (5) ، وإن استُغنی عنهم أرجفوا ، ثم یُلقحون الفتن بالفجور ، ویشفقون لها حطب النفاق ، عیّابون مرتابون ، أن لووا (6) عروة أمر حنقوا ، وإن دعوا إلی غیّ أسرفوا ، ولیسوا أولئک بمنتهین ، ولا بمقلعین ، ا.

ص: 329


1- فرّ عن الأمر : بحث عنه. (المؤلف)
2- القعص : القتل.
3- فی المصدر : جیاداً بدل : خیولاً.
4- فی المصدر : غیر من السماء.
5- أوجفوا : أسرعوا.
6- فی المصدر : ولوا.

ولا متّعظین حتی تصیبهم صواعق خزی وبیل ، وتحلّ بهم قوارع أمرٍ جلیل ، تجتث أصولهم کاجتثاث أصول الفقع (1) ، فأولی لأولئک ثم أولی ، فإنّا قد قدّمنا وأنذرنا ، إن أغنی التقدّم شیئاً ، أو نفع النُذر (2).

فدعا معاویة الضحّاک فولاّه الکوفة ، ودعا عبد الرحمن فولاّه الجزیرة.

ثم قام الأحنف بن قیس فقال : یا أمیر المؤمنین أنت أعلمنا بیزید فی لیله ونهاره ، وسرّه وعلانیته ، ومدخله ومخرجه ، فإن کنت تعلمه لله رضاً ولهذه الأُمّة ، فلا تشاور الناس فیه ، وإن کنت تعلم منه غیر ذلک ، فلا تزوّده الدنیا وأنت صائر إلی الآخرة ، فإنّه لیس لک من الآخرة إلاّ ما طاب ، واعلم أنّه لا حجّة لک عند الله إن قدّمت یزید علی الحسن والحسین ، وأنت تعلم من هما ، وإلی ما هما ، وإنّما علینا أن نقول : سمعنا وأطعنا ، غفرانک ربّنا وإلیک المصیر (3).

قال الأمینی : لمّا حسّ معاویة بدء إعرابه عمّا رامه من البیعة لیزید ، أنّ الفئة الصالحة من الأُمّة قطّ لا تخبت إلی تلک البیعة الوبیلة ما دامت للحسن السبط الزکیّ - سلام الله علیه - باقیة من الحیاة ، علی أنّه أعطی الإمام مواثیق مؤکّدة لیکون له الأمر من بعده ، ولیس له أن یعهد إلی أیّ أحد ، فرأی توطید السبل لجروه فی قتل ذلک الإمام الطاهر ، وجعل ما عهد له تحت قدمیه ، قال أبو الفرج : أراد معاویة البیعة لابنه یزید ، فلم یکن شیء أثقل علیه من أمر الحسن بن علی ، وسعد بن أبی وقّاص ، فدسّ إلیهما سمّا فماتا منه (4).

وسیوافیک تفصیل القول فی أنّ معاویة هو الذی قتل الحسن السبط - سلام الله علیه. ف)

ص: 330


1- الفقع بالفتح والکسر ، البیضاء الرخوة من الکمأة. (المؤلف)
2- النذر : الإنذار ، قال تعالی : (فَکَیفَ کَانَ عَذَابِی وَنُذُر) (المؤلف)
3- الإمامة والسیاسة : 1 / 138 - 142 [1 / 143 - 148]. (المؤلف)
4- مقاتل الطالبیین : ص 29 [ص 80]. (المؤلف)

عبد الرحمن بن خالد (1) فی بیعة یزید :

خطب معاویة أهل الشام وقال لهم : یا أهل الشام ، إنّه کبرت سنّی ، وقرب أجلی ، وقد أردت أن أعقد لرجل یکون نظاماً لکم ، وإنّما أنا رجل منکم فَرُوا رأیکم. فأصفقوا واجتمعوا ، وقالوا : رضینا عبد الرحمن بن خالد بن الولید ، فشقّ ذلک علی معاویة ، وأسرّها فی نفسه ، ثم إنّ عبد الرحمن مرض ، فأمر معاویة طبیباً عنده یهودیّا یقال له : ابن أثال. وکان عنده مکیناً ، أن یأتیه فیسقیه سقیة یقتله بها ، فأتاه فسقاه فانخرق بطنه فمات ، ثم دخل أخوه المهاجر بن خالد دمشق مستخفیاً هو وغلام له ، فرصدا ذلک الیهودیّ ، فخرج لیلاً من عند معاویة فهجم علیه ، ومعه قوم هربوا عنه ، فقتله المهاجر. وفی الأغانی : إنّه قتله خالد بن المهاجر ، فأخذ وأُتی به معاویة فقال له : لا جزاک الله من زائر خیراً قتلت طبیبی. قال : قتلت المأمور وبقی الآمر (2).

قال أبو عمر بعد ذکر القصّة : وقصّته هذه مشهورة عند أهل السیر والعلم بالآثار والأخبار اختصرناها ، ذکرها عمر بن شبّة فی أخبار المدینة وذکرها غیره.

قال الأمینی : وقعت هذه القصّة سنة (46) وهی السنة الثانیة من هاجسة بیعة یزید ....

سعید بن عثمان سنة خمس وخمسین :

سأل سعید بن عثمان معاویة أن یستعمله علی خراسان فقال : إنّ بها عبید الله ف)

ص: 331


1- أدرک النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم قال أبو عمر فی الاستیعاب [القسم الثانی / 829 رقم 1402] : کان من فرسان قریش وشجعانهم ، کان له فضل وهدی حسن وکرم ، إلاّ أنّه کان منحرفاً عن علیّ علیه السلام وقال ابن حجر فی الإصابة [3 / 68 رقم 6207] : کان عظیم القدر عند أهل الشام. (المؤلف)
2- الاستیعاب ترجمة عبد الرحمن [القسم الثانی / 829 رقم 1402] ، الأغانی : 15 / 13 [16 / 209] ، تاریخ الطبری : 6 / 128 [5 / 227] واللفظ لأبی عمر. (المؤلف)

ابن زیاد (1). فقال : أما لقد اصطنعک أبی ورفاک حتی بلغت باصطناعه المدی الذی لا یُجاری إلیه ولا یُسامی ، فما شکرت بلاءه ولا جازیته بآلائه ، وقدّمت علیّ هذا - یعنی یزید بن معاویة - وبایعت له وو الله لأنا خیر منه أباً وأمّا ونفساً. فقال معاویة : أمّا بلاء أبیک فقد یحقّ علیّ الجزاء به ، وقد کان من شکری لذلک أنّی طلبت بدمه حتی تکشّفت الأُمور ، ولست بلائم لنفسی فی التشمیر ، وأمّا فضل أبیک علی أبیه فأبوک والله خیر منّی ، وأقرب برسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، وأمّا فضل أُمّک علی أُمّه فما ینکر ، امرأة من قریش خیر من امرأة من کلب ، وأمّا فضلک علیه فو الله ما أُحبّ أنّ الغوطة دحست (2) لیزید رجالاً مثلک ، فقال له یزید : یا أمیر المؤمنین ابن عمّک وأنت أحقّ من نظر فی أمره ، وقد عتب علیک لی فأعتبه (3).

وفی لفظ ابن قتیبة : فلمّا قدم معاویة الشام ، أتاه سعید بن عثمان بن عفّان ، وکان شیطان قریش ولسانها ، قال : یا أمیر المؤمنین علامَ تبایع لیزید وتترکنی؟ فو الله لتعلم أنّ أبی خیر من أبیه ، وأُمّی خیر من أُمّه ، وأنا خیر منه ، وإنّک إنّما نلت ما أنت فیه بأبی. فضحک معاویة وقال : یا بن أخی أمّا قولک : إنّ أباک خیر من أبیه. فیوم من عثمان خیر من معاویة. وأمّا قولک : إنّ أُمّک خیر من أُمّه ، ففضل قرشیّة علی کلبیّة فضل بیّن. وأمّا أن أکون نلت ما أنا فیه بأبیک فإنّما هو الملک یؤتیه الله من یشاء ، قتل أبوک ؛ فتواکلته بنو العاصی وقامت فیه بنو حرب ، فنحن أعظم بذلک منّةً علیک ، وأمّا أن تکون خیراً من یزید ، فو الله ما أُحبّ أنّ داری مملوءة رجالاً مثلک بیزید ، ولکن دعنی من هذا القول ، وسلنی أُعطک. فقال سعید بن عثمان بن عفّان : ف)

ص: 332


1- سار إلی خرسان فی أخریات سنة 53 وأقام بها سنتین ، کما رواه الطبری فی تاریخه 6 / 166 ، 167 [5 / 297]. (المؤلف)
2- دُحست : ملئت.
3- تاریخ الطبری : 6 / 171 [5 / 305 حوادث سنة 56 ه] ، تاریخ ابن کثیر : 8 / 79 ، 80 [8 / 85 ، 86 حوادث سنة 56 ه وفیه : ورقّاک] ج. (المؤلف)

یا أمیر المؤمنین لا یعدم یزید مزکّیاً ما دمت له ، وما کنت لأرضی ببعض حقّی دون بعض ، فإذا أبیت فأعطنی ممّا أعطاک الله. فقال معاویة : لک خراسان؟ قال سعید : وما خراسان؟! قال : إنّها لک طعمة وصلة رحم. فخرج راضیاً وهو یقول :

ذکرتُ أمیرَ المؤمنین وفضلَهُ

فقلت : جزاه اللهُ خیراً بما وصلْ

وقد سبقت منّی إلیه بوادرٌ

من القول فیه آیة العقل والزللْ

فعاد أمیر المؤمنین بفضلهِ

وقد کان فیه قبلَ عودته میَلْ

وقال خراسان لک الیومَ طعمةٌ

فجوزی أمیرُ المؤمنین بما فعلْ

فلو کان عثمانُ الغداةَ مکانهَ

لما نالنی من ملکه فوق ما بذلْ

فلمّا انتهی قوله إلی معاویة ، أمر یزید أن یزوّده ، وأمر إلیه بخلعة ، وشیّعه فرسخاً (1).

قال ابن عساکر فی تاریخه (2) (6 / 155) : کان أهل المدینة یحبّون سعیداً ویکرهون یزید ، فقدم علی معاویة ، فقال له : یا بن أخی ما شیء یقول أهل المدینة؟ قال : ما یقولون؟ قال : قولهم :

والله لا ینالها یزیدُ

حتی یعضّ هامه الحدیدُ

إنّ الأمیر بعده سعیدُ

قال : ما تنکر من ذلک یا معاویة؟ والله إنّ أبی لخیر من أبی یزید ، ولأُمّی خیر من أُمّه ، ولأنا خیر منه ، ولقد استعملناک فما عزلناک بعد ، ووصلناک فما قطعناک ، ثم صار فی یدیک ما قد تری فحلأتنا (3) عنه أجمع. فقال له : أمّا قولک. الحدیث. ه.

ص: 333


1- الإمامة والسیاسة : 1 / 157 [1 / 164]. (المؤلف)
2- تاریخ مدینة دمشق : 21 / 223 - 224 رقم 2520 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 9 / 335.
3- حلأه عن الشیء : منعه عنه.

وقال : حکی الحسن بن رشیق قصّة سعید مع معاویة بأطول ممّا مرّ - ثم ذکر حکایة ابن رشیق - وفیها : فولاّه معاویة خراسان وأجازه بمائة ألف درهم.

کتب معاویة فی بیعة یزید :

کتب معاویة إلی مروان بن الحکم : إنّی قد کبرت سنّی ، ودقّ عظمی ، وخشیت الاختلاف علی الأُمّة بعدی ، وقد رأیت أن أتخیّر لهم من یقوم بعدی ، وکرهت أن أقطع أمراً دون مشورة من عندک ، فاعرض ذلک علیهم وأعلمنی بالذی یردّون علیک.

فقام مروان فی الناس فأخبرهم به ، فقال الناس : أصاب ووفّق ، وقد أجبنا أن یتخیّر لنا فلا یألو.

فکتب مروان إلی معاویة بذلک فأعاد إلیه الجواب بذکر یزید. فقام مروان فیهم وقال : إنّ أمیر المؤمنین قد اختار لکم فلم یأل وقد استخلف ابنه یزید بعده.

فقام عبد الرحمن بن أبی بکر فقال : کذبت والله یا مروان وکذب معاویة ، ما الخیار أردتما لأُمّة محمد ، ولکنّکم تریدون أن تجعلوها هرقلیّة کلّما مات هرقل قام هرقل. فقال مروان : هذا الذی أنزل الله فیه (وَالَّذِی قالَ لِوالِدَیْهِ أُفٍّ لَکُما). الآیة ، فسمعت عائشة مقالته من وراء الحجاب وقالت : یا مروان یا مروان ، فأنصت الناس ، وأقبل مروان بوجهه فقالت : أنت القائل لعبد الرحمن أنّه نزل فیه القرآن؟ کذبت والله ما هو به ولکنّه فلان بن فلان ، ولکنّک أنت فضض من لعنة نبیّ الله (1).

وقام الحسین بن علیّ فأنکر ذلک ، وفعل مثله ابن عمر ، وابن الزبیر ، فکتب مروان بذلک إلی معاویة ، وکان معاویة قد کتب إلی عمّاله بتقریظ یزید ووصفه وأن یوفدوا إلیه الوفود من الأمصار ، فکان فیمن أتاه محمد بن عمرو بن حزم من المدینة ، ف)

ص: 334


1- راجع ما أسلفناه فی الجزء الثامن : ص 252 ، 253 الطبعة الأولی وص 246 الطبعة الثانیة. (المؤلف)

والأحنف بن قیس فی وفد أهل البصرة ، فقال محمد بن عمرو لمعاویة : إنّ کلّ راعٍ مسؤول عن رعیّته فانظر من تولّی أمر أُمّة محمد. فأخذ معاویة بهر (1) حتی جعل یتنفّس فی یوم شاتٍ ثم وصله وصرفه. وأمر الأحنف أن یدخل علی یزید فدخل علیه ، فلمّا خرج من عنده قال له : کیف رأیت ابن أخیک؟ قال : رأیت شباباً ونشاطاً وجلداً ومزاحاً.

ثم إنّ معاویة قال للضحّاک بن قیس الفهری لمّا اجتمع الوفود عنده : إنّی متکلم ، فإذا سکتّ فکن أنت الذی تدعو إلی بیعة یزید وتحثّنی علیها. فلمّا جلس معاویة للناس ، تکلّم فعظّم أمر الإسلام ، وحرمة الخلافة وحقّها ، وما أمر الله به من طاعة ولاة الأمر ، ثم ذکر یزید وفضله وعلمه بالسیاسة ، وعرض ببیعته ، فعارضه الضحاک ، فحمد الله وأثنی علیه ، ثم قال : یا أمیر المؤمنین إنّه لا بدّ للناس من والٍ بعدک ، وقد بلونا الجماعة والألفة فوجدناهما أحقن للدماء ، وأصلح للدهماء ، وآمن للسبل ، وخیراً فی العاقبة ، والأیّام عوج رواجع ، والله کلّ یوم هو فی شأن ، ویزید ابن أمیر المؤمنین ، فی حسن هدیه ، وقصد سیرته علی ما علمت ، وهو من أفضلنا علماً وحلماً ، وأبعدنا رأیاً ، فولِّه عهدک ، واجعله لنا علماً بعدک ، ومفزعاً نلجأ إلیه ، ونسکن فی ظلّه. وتکلّم عمرو بن سعید الأشدق بنحو من ذلک ، ثم قام یزید بن المقنع العذری ، فقال : هذا أمیر المؤمنین - وأشار إلی معاویة - ، فإن هلک فهذا وأشار إلی یزید ، ومن أبی فهذا وأشار إلی سیفه ، فقال معاویة : اجلس فأنت سیّد الخطباء. وتکلّم من حضر من الوفود.

فقال معاویة للأحنف : ما تقول یا أبا بحر؟ فقال : نخافکم إن صدقنا ، ونخاف الله إن کذبنا ، وأنت أمیر المؤمنین أعلم بیزید فی لیله ونهاره ، وسرّه وعلانیته ، ومدخله ومخرجه ، فإن کنت تعلمه لله تعالی وللأُمّة رضا فلا تشاور فیه ، وإن کنت ف)

ص: 335


1- البهر : انقطاع النفس من الإعیاء. (المؤلف)

تعلم فیه غیر ذلک فلا تزوّده الدنیا وأنت صائر إلی الآخرة ، وإنّما علینا أن نقول : سمعنا وأطعنا. وقام رجل من أهل الشام فقال : ما ندری ما تقول هذه المعدیّة العراقیّة ، وإنّما عندنا سمع وطاعة وضرب وازدلاف. فتفرّق الناس یحکون قول الأحنف ، وکان معاویة یعطی المقارب ، ویُداری المباعد ویلطف به ، حتی استوثق له أکثر الناس وبایعه (1).

صورة أخری :

قالوا : ثم لم یلبث معاویة بعد وفاة الحسن رحمه الله إلاّ یسیراً حتی بایع لیزید بالشام ، وکتب بیعته إلی الآفاق ، وکان عامله علی المدینة مروان بن الحکم ، فکتب إلیه یذکر الذی قضی الله به علی لسانه من بیعة یزید ، ویأمره أن یجمع من قبله من قریش وغیرهم من أهل المدینة ثم یبایعوا لیزید.

فلمّا قرأ مروان کتاب معاویة أبی من ذلک وأبته قریش ، فکتب لمعاویة : إنّ قومک قد أبوا إجابتک إلی بیعتک ابنک ، فأرِنی رأیک. فلمّا بلغ معاویة کتاب مروان عرف ذلک من قبله ، فکتب إلیه یأمره أن یعتزل عمله ، ویخبره أنّه قد ولّی المدینة سعید بن العاص ، فلمّا بلغ مروان کتاب معاویة ، أقبل مغاضباً فی أهل بیته وناس کثیر من قومه ، حتی نزل بأخواله بنی کنانة ، فشکا إلیهم وأخبرهم بالذی کان من رأیه فی أمر معاویة وفی عزله ، واستخلافه یزید ابنه عن غیر مشاورة مبادرة له ، فقالوا : نحن نبلک فی یدک ، وسیفک فی قرابک ، فمن رمیته بنا أصبناه ، ومن ضربته قطعناه ، الرأی رأیک ، ونحن طوع یمینک.

ثم أقبل مروان فی وفد منهم کثیر ممّن کان معه من قومه وأهل بیته ، حتی نزل ف)

ص: 336


1- العقد الفرید : 2 / 302 - 304 [4 / 161 - 163] ، الکامل لابن الأثیر : 3 / 214 - 216 [2 / 509 حوادث سنة 56 ه]. (المؤلف)

دمشق ، فخرج حتی أتی سدّة معاویة وقد أذن للناس ، فلمّا نظر الحاجب إلی کثرة من معه من قومه وأهل بیته منعه من الدخول ، فوثبوا إلیه فضربوا وجهه حتی خلّی عن الباب ، ثم دخل مروان ودخلوا معه ، حتی إذا کان معاویة بحیث تناله یده ، قال بعد التسلیم علیه بالخلافة : إنّ الله عظیم خطره ، لا یقدر قادر قدره ، خلق من خلقه عباداً جعلهم لدعائم دینه أوتاداً ، هم رقباؤه علی البلاد ، وخلفاؤه علی العباد ، أسفر بهم الظلم وألّف بهم الدین ، وشدّد بهم الیقین ، ومنح بهم الظفر ، ووضع بهم من استکبر ، فکان من قبلک من خلفائنا یعرفون ذلک فی سالف زماننا ، وکنّا نکون لهم علی الطاعة إخواناً ، وعلی من خالف عنّا أعواناً ، یُشدّ بنا العضد ، ویُقام منّا الأود ، ونُستشار فی القضیّة ، ونُستأمر فی أمر الرعیّة ، وقد أصبحنا الیوم فی أُمور مستخیرة ، ذات وجوه مستدیرة ، تفتح بأزمّة الضلال ، وتجلس بأسوأ الرجال ، یؤکل جزورها وتمقّ (1) أحلابها ، فما لنا لا نستأمر فی رضاعها ونحن فطامها وأولاد فطامها؟ وایم الله لو لا عهود مؤکّدة ومواثیق معقّدة لأقمت أَوَد ولیِّها ، فأقم الأمر یا بن أبی سفیان ، واهدأ من تأمیرک الصبیان ، واعلم أنّ لک فی قومک نظراً ، وأنّ لهم علی مناوأتک وزراً.

فغضب معاویة من کلامه غضباً شدیداً ، ثم کظم غیظه بحلمه ، وأخذ بید مروان ثم قال : إن الله قد جعل لکلّ شیء أصلاً ، وجعل لکلّ خیر أهلاً ، ثم جعلک فی الکرم منّی محتداً ، والعزیز منّی والداً ، اخترت من قروم قادة ، ثم استللت سیّد سادة ، فأنت ابن ینابیع الکرم (2) ، فمرحباً بک وأهلاً من ابن عمّ. ذکرت خلفاء مفقودین شهداء صدّیقین ، کانوا کما نعتّ ، وکنت لهم کما ذکرت ، وقد أصبحنا فی أُمور مستخیرة ذات وجوه مستدیرة ، وبک والله یا ابن العمّ نرجو استقامة أودها ، وذلولة صعوبتها ، وسفورف)

ص: 337


1- أی یشرب لبنها جمیعه ، والمراد أنّ معاویة یستأثر بکلّ شیء فی الخلافة.
2- قایس بین هذه الإطراءات الفارغة المکذوبة وبین قوله صلی الله علیه وآله وسلم لذلک الطرید ابن الطرید ، والوزغ ابن الوزغ ، اللعین ابن اللعین ، ونحن لو أعطینا لمعاویة حقّ المقام لقلنا : مکره أخوک لا بطل [یضرب لمن یحمل علی ما لیس من شأنه : مجمع الأمثال : 3 / 341 رقم 4117]. (المؤلف)

ظلمتها ، حتی یتطأطأ جسیمها ، ویرکب بک عظیمها ، فأنت نظیر أمیر المؤمنین بعده وفی کلّ شیء (1) عضده ، وإلیک بعد (2) عهده ، فقد ولّیتک قومک ، وأعظمنا فی الخراج سهمک ، وأنا مجیز وفدک ، ومحسن رفدک ، وعلی أمیر المؤمنین غناک ، والنزول عند رضاک.

فکان أوّل ما رزق ألف دینار فی کلّ هلال ، وفرض له فی أهل بیته مائة مائة.

کتاب معاویة إلی سعید :

إنّ معاویة کتب إلی سعید بن العاص - وهو علی المدینة - ، یأمره أن یدعو أهل المدینة إلی البیعة ، ویکتب إلیه بمن سارع ممّن لم یسارع.

فلمّا أتی سعید بن العاص الکتاب دعا الناس إلی البیعة لیزید وأظهر الغلظة ، وأخذهم بالعزم والشدّة ، وسطا بکلّ من أبطأ عن ذلک ، فأبطأ الناس عنها إلاّ الیسیر لا سیّما بنی هاشم فإنّه لم یجبه منهم أحد.

وکان ابن الزبیر من أشدّ الناس إنکاراً لذلک ، وردّا له ، فکتب سعید بن العاص إلی معاویة :

أمّا بعد : فإنّک أمرتنی أن أدعو الناس لبیعة یزید ابن أمیر المؤمنین ، وأن أکتب إلیک بمن سارع ممّن أبطأ ، وإنّی أخبرک أنّ الناس عن ذلک بِطاء لا سیّما أهل البیت من بنی هاشم ، فإنّه لم یجبنی منهم أحد ، وبلغنی عنهم ما أکره ، وأمّا الذی جاهر بعداوته وإبائه لهذا الأمر فعبد الله بن الزبیر ، ولست أقوی علیهم إلاّ بالخیل والرجال ، أو تقدم بنفسک فتری رأیک فی ذلک ، والسلام. د.

ص: 338


1- فی المصدر : وفی کلّ شدة.
2- فی المصدر : عهد.

فکتب معاویة إلی عبد الله بن العباس ، وإلی عبد الله بن الزبیر ، وإلی عبد الله بن جعفر ، والحسین بن علیّ کتباً ، وأمر سعید بن العاص أن یوصلها إلیهم ، ویبعث بجواباتها ، وکتب إلی سعید بن العاص :

أمّا بعد : فقد أتانی کتابک وفهمت ما ذکرت فیه من إبطاء الناس عن البیعة ولا سیّما بنی هاشم وما ذکر ابن الزبیر ، وقد کتبت إلی رؤسائهم کتباً فسلّمها إلیهم ، وتنجّز جواباتها ، وابعث بها حتی أری فی ذلک رأیی ، ولتشتد عزیمتک ، ولتصلب شکیمتک ، وتحسن نیّتک ، وعلیک بالرفق ، وإیّاک والخرق ، فإنّ الرفق رشد ، والخرق نکد ، وانظر حسیناً خاصّة فلا یناله منک مکروه ، فإنّ له قرابة وحقّا عظیماً لا ینکره مسلم ولا مسلمة ، وهو لیث عرین ، ولست آمنک إن شاورته أن لا تقوی علیه. فأمّا من یرد مع السباع إذا وردت ، ویکنس إذا کنست ، فذلک عبد الله بن الزبیر ، فاحذره أشدّ الحذر ، ولا قوّة إلاّ بالله ، وأنا قادم علیک إن شاء الله. والسلام (1).

قال الأمینی : یقولون بأفواههم ما لیس فی قلوبهم. نعم ، والحقّ أنّ للحسین ولأبیه وأخیه قرابة وحقّا عظیماً لا ینکره مسلم ولا مسلمة ، إلاّ معاویة وأذنابه الذین قلبوا علیهم ظهر المجنّ بعد هذا الاعتراف الذی جحدوا به واستیقنته أنفسهم ، بعد أن حلبت الأیّام لهم درّتها ، فضیّعوا تلک القرابة ، وأنکروا ذلک الحقّ العظیم ، وقطعوا رحماً ماسّة إن کان بین الطلقاء وسادات الأُمّة رحم.

هیهات لا قرّبت قربی ولا رحم

یوماً إذا أقصت الأخلاق والشیمُ

کانت مودّةُ سلمانٍ له رحماً

ولم یکن بین نوحٍ وابنه رحمُ (2)ف)

ص: 339


1- الإمامة والسیاسة لابن قتیبة : 1 / 144 - 146 [1 / 153 - 154]. (المؤلف)
2- من قصیدة شهیرة للأمیر أبی فراس. (المؤلف)

کتاب معاویة إلی الحسین علیه السلام :

أمّا بعد : فقد انتهت إلیّ منک أمور لم أکن أظنّک بها رغبة عنها ، وإنّ أحقّ الناس بالوفاء لمن أعطی بیعته من کان مثلک فی خطرک وشرفک ومنزلتک التی أنزلک الله بها ، فلا تنازع إلی قطیعتک ، واتّق الله ، ولا تردنّ هذه الأُمّة فی فتنة ، وانظر لنفسک ودینک وأُمّة محمد ، ولا یستخفنّک الذین لا یوقنون.

فکتب إلیه الحسین رضی الله عنه :

«أمّا بعد : فقد جاءنی کتابک ، تذکر فیه أنّه انتهت إلیک عنّی أمور لم تکن تظنّنی بها رغبة بی عنها. وإنّ الحسنات لا یهدی لها ولا یسدّد إلیها إلاّ الله تعالی ، وأمّا ما ذکرت أنّه رُقی إلیک عنّی فإنّما رقاه الملاّقون المشّاؤون بالنمیمة المفرّقون بین الجمع ، وکذب الغاوون المارقون ، ما أردتُ حرباً ولا خلافاً ، وإنّی لأخشی الله فی ترک ذلک منک ومن حزبک القاسطین المحلّین ، حزب الظالم ، وأعوان الشیطان الرجیم». إلی آخر الکتاب (1).

کتاب معاویة إلی عبد الله بن جعفر :

کتب إلی عبد الله : أما بعد فقد عرفت أثرتی إیّاک علی من سواک ، وحُسن رأیی فیک وفی أهل بیتک ، وقد أتانی عنک ما أکره ، فإن بایعت تُشکَر ، وإن تأبَ تُجبَر ، والسلام.

فکتب إلیه عبد الله بن جعفر :

أمّا بعد : فقد جاءنی کتابک ، وفهمت ما ذکرت فیه من أثرتک إیّای علی من سوای ، فإن تفعل فبحظّک أصبت ، وإن تأبَ فبنفسک قصّرت ، وأمّا ما ذکرت من ف)

ص: 340


1- مرّ بتمامه فی هذا الجزء : صفحة 160. (المؤلف)

جبرک إیّای علی البیعة لیزید ، فلعمری لئن أجبرتنی علیها لقد أجبرناک وأباک علی الإسلام حتی أدخلناکما کارهین غیر طائعین. والسلام.

الإمامة والسیاسة (1) (1 / 147 ، 148).

وکتب معاویة إلی عبد الله بن الزبیر :

رأیت کرامَ الناسِ إن کُفَّ عنهمُ

بحلمٍ رأوا فضلاً لمن قد تحلّما

ولا سیّما إن کان عفواً بقدرةٍ

فذلک أحری أن یُجَلَ ویُعظما

ولست بذی لؤم (2) فتعذر بالذی

أتاه من الأخلاق من کان ألوما

ولکنّ غشّا لست تعرف غیره

وقد غشّ قبل الیوم إبلیس آدما

فما غشّ إلاّ نفسَه فی فعالهِ

فأصبح ملعوناً وقد کان مکرما

وإنّی لأخشی أن أنالَکَ بالذی

أردت فیجزی الله من کان أظلما

فکتب عبد الله بن الزبیر إلی معاویة :

ألا سمع اللهُ الذی أنا عبدُه

فأخزی إلهُ الناسِ من کان أظلما

وأجرا علی الله العظیم بحلمه

وأسرعهم فی الموبقات تقحّما

أغرّک أن قالوا : حلیم بغرّةٍ

ولیس بذی حلمٍ ولکن تحلّما

ولو رمت ما إن قد عزمت وجدتنی

هزبرَ عرینٍ یترک القرن أکتما

وأقسم لو لا بیعة لک لم أکن

لأنقضَها لم تنجُ منّی مسلما

الإمامة والسیاسة (1 / 147 ، 148). م.

ص: 341


1- الإمامة والسیاسة : 1 / 154 - 155.
2- فی المصدر : بذی لوم.

بیعة یزید فی المدینة المشرّفة :

حجّ معاویة فی سنة (50) ، واعتمر فی رجب سنة (56) ، وکان فی کلا السفرین یسعی وراء بیعة یزید ، وله فی ذلک خطوات واسعة ومواقف ومفاوضات مع بقیّة الصحابة ووجوه الأُمّة ، غیر أنّ المؤرّخین خلطوا أخبار الرحلتین بعضها ببعض وما فصّلوها تفصیلاً.

الرحلة الأولی :

قال ابن قتیبة (1) : قالوا : استخار الله معاویة وأعرض عن ذکر البیعة حتی قدم المدینة سنة خمسین ، فتلقّاه الناس ، فلمّا استقرّ فی منزله أرسل إلی عبد الله بن عبّاس ، وعبد الله بن جعفر بن أبی طالب ، وإلی عبد الله بن عمر ، وإلی عبد الله بن الزبیر ، وأمر حاجبه أن لا یأذن لأحد من الناس حتی یخرج هؤلاء النفر ، فلمّا جلسوا تکلّم معاویة فقال :

الحمد لله الذی أمرنا بحمده ، ووعدنا علیه ثوابه ، نحمده کثیراً کما أنعم علینا کثیراً ، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شریک له ، وأنّ محمداً عبده ورسوله. أمّا بعد : فإنّی قد کبر سنّی ووهن عظمی ، وقرُب أجلی ، وأوشکت أن أُدعی فأُجیب ، وقد رأیت أن استخلف علیکم بعدی یزید ، ورأیته لکم رضا ، وأنتم عبادلة قریش وخیارها وأبناء خیارها ، ولم یمنعنی أن أُحضر حسناً وحسیناً إلاّ أنّهما أولاد أبیهما [علیٍ] (2) ، علی حسن رأیی فیهما وشدید محبّتی لهما ، فردّوا علی أمیر المؤمنین خیراً یرحمکم الله.

فتکلّم عبد الله بن العبّاس ، فقال :

الحمد لله الذی ألهمنا أن نحمده واستوجب علینا الشکر علی آلائه وحسن ر.

ص: 342


1- الإمامة والسیاسة : 1 / 148.
2- من المصدر.

بلائه ، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شریک له ، وأنّ محمداً عبده ورسوله ، وصلّی الله علی محمد وآل محمد.

أمّا بعد : فإنّک قد تکلّمت فأنصتنا ، وقلت فسمعنا ، وإنّ الله جلّ ثناؤه وتقدّست أسماؤه اختار محمداً صلی الله علیه وآله وسلم لرسالته ، واختاره لوحیه ، وشرّفه علی خلقه ، فأشرف الناس من تشرّف به ، وأولاهم بالأمر أخصّهم به ، وإنّما علی الأُمّة التسلیم لنبیّها إذ اختاره الله لها ، فإنّه إنّما اختار محمداً بعلمه ، وهو العلیم الخبیر ، وأستغفر الله لی ولکم.

فقام عبد الله بن جعفر ، فقال :

الحمد لله أهل الحمد ومُنتهاه ، نحمده علی إلهامنا حمده ، ونرغب إلیه فی تأدیة حقّه ، وأشهد أن لا إله إلاّ الله واحداً صمداً لم یتّخذ صاحبةً ولا ولدا ، وأنّ محمداً عبده ورسوله صلی الله علیه وآله وسلم. أمّا بعد : فإنّ هذه الخلافة إن أُخذ فیها بالقرآن ، فأولو الأرحام بعضهم أولی ببعض فی کتاب الله ، وإن أُخذ فیها بسنّة رسول الله ، فأولو رسول الله ، وإن أُخذ بسنّة الشیخین أبی بکر وعمر ، فأیّ الناس أفضل وأکمل وأحقّ بهذا الأمر من آل الرسول ، وایم الله لو ولّوه بعد نبیّهم لوضعوا الأمر موضعه ، لحقّه وصدقه ، ولأُطیع الله ، وعُصی الشیطان ، وما اختلف فی الأُمّة سیفان ، فاتّق الله یا معاویة فإنّک قد صرت راعیاً ونحن الرعیّة ، فانظر لرعیّتک ، فإنّک مسؤول عنها غداً ، وأمّا ما ذکرت من ابنی عمّی وترکک أن تُحضرهما ، فو الله ما أصبت الحقّ ، ولا یجوز لک ذلک إلاّ بهما ، وإنّک لتعلم أنّهما معدن العلم والکرم ، فقل أو دع ، وأستغفر الله لی ولکم.

فتکلّم عبد الله بن الزبیر ، فقال :

الحمد لله الذی عرّفنا دینه ، وأکرمنا برسوله ، أحمده علی ما أبلی وأولی ، وأشهد أن لا إله إلاّ الله. وأنّ محمداً عبده ورسوله. أمّا بعد : فإنّ هذه الخلافة لقریش خاصّة ، تتناولها بمآثرها السنیّة ، وأفعالها المرضیّة ، مع شرف الآباء ، وکرم الأبناء ،

ص: 343

فاتّق الله یا معاویة وأنصف من نفسک ، فإنّ هذا عبد الله بن عبّاس ابن عمّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، وهذا عبد الله بن جعفر ذی الجناحین ابن عمّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، وأنا عبد الله بن الزبیر ابن عمّة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، وعلیّ خلّف حسناً وحسیناً ، وأنت تعلم من هما ، وما هما ، فاتّق الله یا معاویة وأنت الحاکم بیننا وبین نفسک.

فتکلّم عبد الله بن عمر ، فقال :

الحمد الله الذی أکرمنا بدینه ، وشرّفنا بنبیّه صلی الله علیه وآله وسلم : أمّا بعد : فإنّ هذه الخلافة لیست بهرقلیّة ، ولا قیصریّة ، ولا کسرویّة ، یتوارثها الأبناء عن الآباء ، ولو کان کذلک کنت القائم بها بعد أبی ، فو الله ما أدخلنی مع الستّة من أصحاب الشوری ، إلاّ [علی] أنّ الخلافة لیست شرطاً مشروطاً ، وإنّما هی فی قریش خاصّة ، لمن کان لها أهلاً ، ممّن ارتضاه المسلمون لأنفسهم ، من کان أتقی وأرضی ، فإن کنت ترید الفتیان من قریش ، فلعمری إنّ یزید من فتیانها ، واعلم أنّه لا یُغنی عنک من الله شیئاً.

فتکلّم معاویة ، فقال :

قد قلت وقلتم ، وإنّه قد ذهبت الآباء وبقیت الأبناء ، فابنی أحبّ إلیّ من أبنائهم ، مع أنّ ابنی إن قاولتموه وجد مقالاً ، وإنّما کان هذا الأمر لبنی عبد مناف ، لأنّهم أهل رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، فلمّا مضی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ولّی الناس أبا بکر وعمر ، من غیر معدن الملک والخلافة ، غیر أنّهما سارا بسیرة جمیلة ، ثم رجع الملک إلی بنی عبد مناف ، فلا یزال فیهم إلی یوم القیامة ، وقد أخرجک الله یا بن الزبیر وأنت یا بن عمر منها ، فأمّا ابنا عمّی هذان فلیسا بخارجین من الرأی إن شاء الله.

ثم أمر بالرحلة وأعرض عن ذکر البیعة لیزید ، ولم یقطع عنهم شیئاً من صِلاتهم وأُعطیاتهم ، ثم انصرف راجعاً إلی الشام ، وسکت عن البیعة ، فلم یعرض لها إلی سنة إحدی وخمسین.

ص: 344

الإمامة والسیاسة (1 / 142 - 144) ، جمهرة الخطب (2 / 233 - 236) (1).

قال الأمینی : لم یذکر فی هذا اللفظ ما تکلّم به عبد الرحمن ، ذکره ابن حجر فی الإصابة (2 / 408) قال : خطب معاویة فدعا الناس إلی بیعة یزید ، فکلّمه الحسین بن علیّ ، وابن الزبیر ، وعبد الرحمن بن أبی بکر ، فقال له عبد الرحمن : أهرقلیّة کلّما مات قیصر کان قیصر مکانه؟ لا نفعل والله أبداً.

صورة أخری :

من محاورة الرحلة الأُولی :

قدم معاویة المدینة حاجّا (2) ، فلمّا أن دنا من المدینة خرج إلیه الناس یتلقّونه ما بین راکب وماش ، وخرج الناس والصبیان ، فلقیه النساء علی حال طاقتهم وما تسارعوا به فی الفوت والقرب ، فَلانَ لمن کافحه ، وفاوض العامّة بمحادثته ، وتألّفهم جهده مقاربة ومصانعة لیستمیلهم إلی ما دخل فیه الناس ، حتی قال فی بعض ما یجتلبهم به : یا أهل المدینة ما زلت أطوی الحزن من وعثاء السفر بالحبّ لمطالعتکم حتی انطوی البعید ، ولان الخشن ، وحقّ لجار رسول الله أن یُتاق إلیه. فردّ علیه القوم : بنفسک ودارک ومهاجرک أما إنّ لک منهم کإشفاق الحمیم البرّ والحفیّ.

حتی إذا کان بالجرف لقیه الحسین بن علیّ وعبد الله بن عبّاس ، فقال معاویة : مرحباً بابن بنت رسول الله ، وابن صنو أبیه. ثم انحرف إلی الناس فقال : هذان شیخا بنی عبد مناف. وأقبل علیهما بوجهه وحدیثه ، فرحّب وقرّب ، وجعل یواجه هذا مرّة ، ویضاحک هذا أخری. حتی ورد المدینة ، فلمّا خالطها لقیته المشاة ، والنساء ، والصبیان ، یسلّمون علیه ویسایرونه إلی أن نزل ، فانصرفا عنه ، فمال الحسین إلی ف)

ص: 345


1- الإمامة والسیاسة : 1 / 148 - 150 ، جمهرة خطب العرب : 2 / 246 - 248.
2- من المتسالم علیه أنّ معاویة حجّ فی سنة خمسین. (المؤلف)

منزله ، ومضی عبد الله بن عبّاس إلی المسجد ، فدخله.

وأقبل معاویة ومعه خلق کثیر من أهل الشام حتی أتی عائشة أمّ المؤمنین فاستأذن علیها ، فأذنت له وحده ، لم یدخل علیها معه أحد ، وعندها مولاها ذکوان ، فقالت عائشة : یا معاویة أکنت تأمن أن أُقعِد لک رجلاً فأقتلک کما قتلت أخی محمد ابن أبی بکر؟ فقال معاویة : ما کنت لتفعلین ذلک. قالت : لم؟ قال : لأنّی فی بیت آمن ، بیت رسول الله. ثم إنّ عائشة حمدت الله وأثنت علیه ، وذکرت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، وذکرت أبا بکر وعمر ، وحضّته علی الاقتداء بهما والاتّباع لأثرهما ، ثم صمتت ، قال : فلم یخطب معاویة ، وخاف أن لا یبلغ ما بلغت ، فارتجل الحدیث ارتجالاً ، ثم قال :

أنت والله یا أمّ المؤمنین العالمة بالله وبرسوله دللتِنا علی الحقّ ، وحضضتِنا علی حظّ أنفسنا ، وأنت أهل لأن یُطاع أمرک ، ویُسمع قولک ، وإنّ أمر یزید قضاء من القضاء ، ولیس للعباد الخیرة من أمرهم! وقد أکّد الناس بیعتهم فی أعناقهم ، وأعطوا عهودهم علی ذلک ومواثیقهم ، أفتری أن ینقضوا عهودهم ومواثیقهم؟!

فلمّا سمعت ذلک عائشة علمت أنّه سیمضی علی أمره ، فقالت : أمّا ما ذکرت من عهود ومواثیق فاتّق الله فی هؤلاء الرهط ، ولا تعجل فیهم ، فعلّهم لا یصنعون إلاّ ما أحببت.

ثم قام معاویة ، فلمّا قام قالت عائشة : یا معاویة قتلت حُجراً وأصحابه العابدین المجتهدین. فقال معاویة : دعی هذا ، کیف أنا فی الذی بینی وبینک وفی حوائجک؟ قالت : صالح. قال : فدعینا وإیّاهم حتی نلقی ربّنا.

ثم خرج ومعه ذکوان فاتّکأ علی ید ذکوان وهو یمشی ویقول : تالله إن رأیت کالیوم قط خطیباً أبلغ من عائشة بعد رسول الله ، ثم مضی حتی أتی منزله ، فأرسل إلی الحسین بن علیّ فخلا به ، فقال له : یا ابن أخی قد استوثق الناس لهذا الأمر غیر خمسة نفر من قریش أنت تقودهم ، یا ابن أخی فما أربک إلی الخلاف؟ قال الحسین :

ص: 346

أرسل إلیهم فإن بایعوک کنت رجلاً منهم وإلاّ لم تکن عجلت علیّ بأمر. قال : وتفعل؟ قال : نعم. فأخذ علیه أن لا یخبر بحدیثهما أحداً فخرج وقد أقعد له ابن الزبیر رجلاً بالطریق فقال : یقول لک أخوک ابن الزبیر : ما کان؟ فلم یزل به حتی استخرج منه شیئاً.

ثم أرسل معاویة إلی ابن الزبیر فخلا به ، فقال له : قد استوثق الناس لهذا الأمر غیر خمسة نفر من قریش أنت تقودهم یا ابن أخی فما أربک إلی الخلاف؟ قال : فأرسل إلیهم فإن بایعوک کنت رجلاً منهم ، وإلاّ لم تکن عجلت علیّ بأمر. قال : وتفعل؟ قال : نعم. فأخذ علیه أن لا یخبر بحدیثهما أحداً.

فأرسل بعده إلی ابن عمر فأتاه وخلا به ، فکلّمه بکلام هو ألین من صاحبیه ، وقال : إنّی کرهت أن أدع أمّة محمد بعدی کالضأن لا راعی لها (1) ، وقد استوثق الناس لهذا الأمر غیر خمسة نفر أنت تقودهم فما أربک إلی الخلاف؟ قال ابن عمر : هل لک فی أمر تحقن به الدماء ، وتدرک به حاجتک؟! فقال معاویة : وددت ذلک. فقال ابن عمر : تبرز سریرک ثم أجیء فأُبایعک علی أنّی [بعدک] (2) أدخل فیما اجتمعت علیه الأمّة ، فو الله لو أنّ الأُمّة اجتمعت [بعدک] (3) علی عبد حبشیّ لدخلت فیما تدخل فیه الأُمّة. قال : وتفعل؟ قال : نعم ثم خرج.

وأرسل إلی عبد الرحمن بن أبی بکر ، فخلا به قال : بأیّ ید أو رجل تقدم علی معصیتی؟ فقال عبد الرحمن : أرجو أن یکون ذلک خیراً لی. فقال معاویة : والله لقد هممت أن أقتلک. فقال : لو فعلت لأتبعک الله فی الدنیا ، ولأدخلک فی الآخرة النار. ثم خرج. ة.

ص: 347


1- أتصدّق أنّ محمداً صلی الله علیه وآله وسلم ترک أمّته کالضأن لا راعی لها ولم یرض بذلک معاویة؟! حاشا نبیّ الرحمة عن أن یدع الأمّة کما یحسبون ، غیر أنهم نبذوا وصیّته وراء ظهورهم ، وجرّوا الویلات علی الأُمّة حتی الیوم. (المؤلف)
2- من الإمامة والسیاسة.
3- من الإمامة والسیاسة.

بقی معاویة یومه ذلک یُعطی الخواصّ. ویُدنی بذمّة الناس (1) ، فلمّا کان صبیحة الیوم الثانی أمر بفراش فوضع له ، وسوّیت مقاعد الخاصّة حوله وتلقاءه من أهله ، ثم خرج وعلیه حلّة یمانیّة وعمامة دکناء وقد أسبل طرفها بین کتفیه ، وقد تغلّی (2) وتعطّر ، فقعد علی سریره ، وأجلس کتّابه منه بحیث یسمعون ما یأمر به ، وأمر حاجبه أن لا یأذن لأحد من الناس وإن قرب ، ثم أرسل إلی الحسین بن علیّ ، وعبد الله بن عبّاس ، فسبق ابن عبّاس ، فلمّا دخل وسلّم علیه أقعده فی الفراش عن یساره ، فحادثه ملیّا ثم قال : یا ابن عبّاس لقد وفّر الله حظّکم من مجاورة هذا القبر الشریف ودار الرسول علیه الصلاة والسلام. فقال ابن عبّاس : نعم أصلح الله أمیر المؤمنین ، وحظّنا من القناعة بالبعض والتجافی عن الکلّ أوفر. فجعل معاویة یحدّثه ویحید به عن طریق المجاوبة ، ویعدل إلی ذکر الأعمار علی اختلاف الغرائز والطبائع ، حتی أقبل الحسین بن علیّ ، فلمّا رآه معاویة جمع له وسادة کانت عن یمینه ، فدخل الحسین وسلّم ، فأشار إلیه فأجلسه عن یمینه مکان الوسادة ، فسأله معاویة عن حال بنی أخیه الحسن وأسنانهم ، فأخبره ثم سکت. ثم ابتدأ معاویة فقال :

أمّا بعد : فالحمد لله ولیّ النعم ، ومنزل النقم ، وأشهد أن لا إله إلاّ الله المتعالی عمّا یقول الملحدون علوّا کبیرا ، وأنّ محمداً عبده المختصّ المبعوث إلی الجنّ والإنس کافّة ، لینذرهم بقرآن لا یأتیه الباطل من بین یدیه ولا من خلفه تنزیل من حکیم حمید ، فأدّی عن الله وصدع بأمره ، وصبر عن الأذی فی جنبه ، حتی أوضح دین الله ، وأعزّ أولیاءه ، وقمع المشرکین ، وظهر أمر الله وهم کارهون ، فمضی - صلوات الله علیه - وقد ترک من الدنیا ما بذل له ، واختار منها الترک لما سخّر له زهادة واختیاراً لله ، وأنفة واقتداراً علی الصبر ، بغیاً لما یدوم ویبقی ، فهذه صفة الرسول صلی الله علیه وآله وسلم ، ثم ک.

ص: 348


1- کذا ، وفی الطبعة المعتمدة لدینا من الإمامة والسیاسة : ویعصی مذمّة الناس.
2- تغلّی : تضمّخ بالغالیة ، وهی من أفضل أنواع المسک.

خلفه رجلان محفوظان وثالث مشکوک (1) ، وبین ذلک خوض طالما عالجناه مشاهدةً ومکافحةً ومعاینةً وسماعاً ، وما أعلم منه فوق ما تعلمان ، وقد کان من أمر یزید ما سبقتم إلیه وإلی تجویزه ، وقد علم الله ما أُحاول به من أمر الرعیّة من سدّ الخلل ، ولمّ الصدع بولایة یزید ، بما أیقظ العین ، وأحمد الفعل ، هذا معنای فی یزید وفیکما فضل القرابة ، وحظوة العلم ، وکمال المروءة ، وقد أصبت من ذلک عند یزید علی المناظرة والمقابلة ما أعیانی مثله عندکما وعند غیرکما ، مع علمه بالسنّة وقراءة القرآن ، والحلم الذی یرجح بالصمّ الصلاب ، وقد علمتما أنّ الرسول المحفوظ بعصمة الرسالة ، قدّم علی الصدّیق والفاروق ومن دونهما من أکابر الصحابة وأوائل المهاجرین یوم غزوة السلاسل ، من لم یقارب القوم ولم یعاندهم برتبة فی قرابة موصولة ولا سنّة مذکورة ، فقادهم الرجل بإمرة ، وجمع بهم صلاتهم ، وحفظ علیهم فیئهم ، وقال ولم یقل معه ، وفی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أسوة حسنة ، فمهلاً بنی عبد المطلب فإنّا وأنتم شعبا نفع وجدّ ، وما زلت أرجو الإنصاف فی اجتماعکما ، فما یقول القائل إلاّ بفضل قولکما ، فردّا علی ذی رحم مستعتب ما یحمد به البصیرة فی عتابکما ، وأستغفر الله لی ولکما.

کلمة الإمام السبط :

فتیسّر ابن عبّاس للکلام ونصب یده للمخاطبة ، فأشار إلیه الحسین وقال : «علی رسلک ، فأنا المراد ، ونصیبی فی التهمة أوفر». فأمسک ابن عبّاس ، فقام الحسین ، فحمد الله وصلّی علی الرسول ، ثم قال :

«أمّا بعد یا معاویة فلن یؤدّی القائل وإن أطنب فی صفة الرسول صلی الله علیه وآله وسلم من جمیع جزءاً ، وقد فهمت ما لبست به الخلف بعد رسول الله ، من إیجاز الصفة والتنکّب عن استبلاغ النعت ، وهیهات هیهات یا معاویة ، فضح الصبح فحمة الدجی ، وبهرت ر.

ص: 349


1- کذا ، وفی الطبعة المعتمدة : وثالث مشکور.

الشمس أنوار السُّرُج ، ولقد فضّلت حتی أفرطت ، وأستأثرت حتی أجحفت ، ومنعت حتی بخلت ، وجرت حتی جاوزت ، ما بذلت لذی حقّ من أتمّ (1) حقّه بنصیب حتی أخذ الشیطان حظّه الأوفر ، ونصیبه الأکمل.

وفهمت ما ذکرته عن یزید ، من اکتماله ، وسیاسته لأُمّة محمد ، ترید أن توهم الناس فی یزید ، کأنّک تصف محجوباً ، أو تنعت غائباً ، أو تخبر عمّا کان ممّا احتویته بعلم خاصّ ، وقد دلّ یزید من نفسه علی موقع رأیه ، فخذ لیزید فیما أخذ به من استقرائه الکلاب المهارشة عند التهارش ، والحمام السبّق لأترابهنّ ، والقینات ذوات المعازف ، وضروب الملاهی ، تجده باصراً ، ودع عنک ما تحاول ، فما أغناک أن تلقی الله بوزر هذا الخلق بأکثر ممّا أنت لاقیه! فو الله ما برحت تقدّر (2) باطلاً فی جور ، وحنقاً فی ظلم ، حتی ملأت الأسقیة ، وما بینک وبین الموت إلاّ غمضة ، فتقدم علی عمل محفوظ فی یوم مشهود ، ولات حین مناص.

ورأیتک عرضت بنا بعد هذا الأمر ، ومنعتنا عن آبائنا [تراثاً] ، ولقد - لعمر الله - أورثنا الرسول علیه الصلاة والسلام ولادة ، وجئت لنابها ما (3) حججتم به القائم عند موت الرسول ، فأذعن للحجّة بذلک ، وردّه الإیمان إلی النصف ، فرکبتم الأعالیل ، وفعلتم الأفاعیل ، وقلتم : کان ویکون ، حتی أتاک الأمر یا معاویة من طریق کان قصدها لغیرک ، فهناک فاعتبروا یا أولی الأبصار.

وذکرت قیادة الرجل القوم بعهد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وتأمیره له ، وقد کان ذلک ولعمرو بن العاص یومئذ فضیلة بصحبة الرسول وبیعته له ، وما صار لعمرو یومئذ حتی أَنِفَ القوم إمرته ، وکرهوا تقدیمه ، وعدّوا علیه أفعاله ، فقال صلی الله علیه وآله وسلم : لا جرم معشر ا.

ص: 350


1- فی الطبعة المعتمدة من الإمامة والسیاسة : اسم.
2- فی الطبعة المعتمدة من الإمامة والسیاسة : تقدح.
3- فی الطبعة المعتمدة من الإمامة والسیاسة : أما.

المهاجرین ، لا یعمل علیکم بعد الیوم غیری ، فکیف یحتجّ بالمنسوخ من فعل الرسول فی أوکد الأحوال وأولاها بالمجتمع علیه من الصواب؟ أم کیف صاحبت بصاحب تابع وحولک من لا یؤمن فی صحبته ، ولا یعتمد فی دینه وقرابته؟ وتتخطّاهم إلی مسرف مفتون ، ترید أن تلبس الناس شبهة یسعد بها الباقی فی دنیاه ، وتشقی بها فی آخرتک ، إنّ هذا لهو الخسران المبین ، وأستغفر الله لی ولکم».

فنظر معاویة إلی ابن عبّاس ، فقال : ما هذا یا ابن عبّاس؟ ولما عندک أدهی وأمرّ. فقال ابن عبّاس : لعمر الله إنّها لذریّة الرسول ، وأحد أصحاب الکساء ، ومن البیت المطهّر ، فالْهُ عمّا ترید ، فإنّ لک فی الناس مقنعاً حتی یحکم الله بأمره وهو خیر الحاکمین.

فقال معاویة : أَعوَدُ الحلم التحلّم ، وخیرُه التحلّم عن الأهل ، انصرفا فی حفظ الله. ثم أرسل معاویة إلی عبد الرحمن بن أبی بکر ، وإلی عبد الله بن عمر ، وإلی عبد الله ابن الزبیر ، فجلسوا ، فحمد الله وأثنی علیه معاویة ، ثم قال :

یا عبد الله بن عمر قد کنت تحدّثنا أنّک لا تحبّ أن تبیت لیلة ولیس فی عنقک بیعة جماعة ، وأنّ لک الدنیا وما فیها ، وإنّی أُحذّرک أن تشقّ عصا المسلمین ، وتسعی فی تفریق ملئهم ، وأن تسفک دماءهم ، وإنّ أمر یزید قد کان قضاء من القضاء ، ولیس للعباد خیرة من أمرهم ، وقد وکّد الناس بیعتهم فی أعناقهم ، وأعطوا علی ذلک عهودهم ومواثیقهم. ثم سکت.

فتکلّم عبد الله بن عمر ، فحمد الله وأثنی علیه ، ثم قال :

أمّا بعد : یا معاویة قد کان قبلک خلفاء ، وکان لهم بنون ، لیس ابنک بخیر من أبنائهم ، فلم یروا فی أبنائهم ما رأیت فی ابنک ، فلم یُحابوا فی هذا الأمر أحداً ، ولکن اختاروا لهذه الأُمّة حیث علموهم ، وإنّک تحذّرنی أن أشقّ عصا المسلمین وأُفرّق ملأهم ، وأسفک دماءهم ، ولم أکن لأفعل ذلک إن شاء الله ، ولکن إن استقام الناس

ص: 351

فسأدخل فی صالح ما تدخل فیه أُمّة محمد.

فقال معاویة : یرحمک الله ، لیس عندک خلاف. ثم قال معاویة لعبد الرحمن بن أبی بکر نحو ما قاله لعبد الله بن عمر ، فقال له عبد الرحمن :

إنّک والله لوددت أنّا نکلک إلی الله فیما جسرت علیه من أمر یزید ، والذی نفسی بیده لتجعلنّها شوری أو لأُعیدنّها جذعة ، ثم قام لیخرج ، فتعلّق معاویة بطرف ردائه ، ثم قال : علی رسلک ، اللهمّ اکفنیه بما شئت ، لا تظهرنّ لأهل الشام. فإنّی أخشی علیک منهم. ثم قال لابن الزبیر نحو ما قاله لابن عمر ، ثم قال له : أنت ثعلب روّاغ ، کلّما خرجت من جُحر انجحرت فی آخر ، أنت ألّبت هذین الرجلین ، وأخرجتهما إلی ما خرجا إلیه. فقال ابن الزبیر : أترید أن تبایع لیزید؟ أرأیت إن بایعناه أیّکما نطیع؟ أنطیعک؟! أم نطیعه؟! إن کنت مللت الخلافة فاخرج منها ، وبایع لیزید ، فنحن نبایعه. فکثر کلامه وکلام ابن الزبیر ، حتی قال له معاویة فی بعض کلامه : والله ما أراک إلاّ قاتلاً نفسک ، ولکأنّی بک قد تخبّطت فی الحبالة. ثم أمرهم بالانصراف ، واحتجب عن الناس ثلاثة أیّام لا یخرج.

ثم خرج فأمر المنادی أن ینادی فی الناس أن یجتمعوا لأمر جامع ، فاجتمع الناس فی المسجد ، وقعد هؤلاء (1) حول المنبر ، فحمد الله وأثنی علیه ، ثم ذکر یزید وفضله ، وقراءته القرآن ، ثم قال : یا أهل المدینة لقد هممت ببیعة یزید ، وما ترکت قریة ولا مدرة إلاّ بعثت إلیها بیعته ، فبایع الناس جمیعاً وسلّموا ، وأخّرت المدینة بیعته ، وقلت : بیضته وأصله ومن لا أخافهم علیه ، وکان الذین أبوا البیعة منهم من کان أجدر أن یصله ، والله لو علمت مکان أحد هو خیر للمسلمین من یزید ، لبایعت له.

فقام الحسین فقال : «والله لقد ترکت من هو خیر منه أباً وأُمّا ونفساً» ، فقال ف)

ص: 352


1- یعنی المتخلّفین عن بیعة یزید. (المؤلف)

معاویة : کأنّک ترید نفسک؟ فقال الحسین : «نعم أصلحک الله». فقال معاویة : إذاً أُخبرک ، أمّا قولک خیر منه أُمّا فلعمری أُمّک خیر من أُمّه ، ولو لم یکن إلاّ أنّها امرأة من قریش لکان لنساء قریش فضلهنّ ، فکیف وهی ابنة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم؟! ثم فاطمة فی دینها وسابقتها ، فأُمّک لعمر الله خیر من أُمّه. وأمّا أبوک فقد حاکم أباه إلی الله فقضی لأبیه علی أبیک. فقال الحسین : «حسبک جهلک ، آثرت العاجل علی الآجل». فقال معاویة : وأمّا ما ذکرت من أنّک خیر من یزید نفساً ، فیزید والله خیر لأُمّة محمد منک. فقال الحسین : «هذا هو الإفک والزور ، یزید شارب الخمر ومشتری اللهو ، خیر منّی؟» فقال معاویة : مهلاً عن شتم ابن عمّک ، فإنّک لو ذُکِرت عنده بسوء لم یشتمک.

ثم التفت معاویة إلی الناس وقال : أیّها الناس قد علمتم أنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قُبض ولم یستخلف أحداً ، فرأی المسلمون أن یستخلفوا أبا بکر ، وکانت بیعته بیعة هدی ، فعمل بکتاب الله وسنّة نبیّه ، فلما حضرته الوفاة رأی أن [یستخلف عمر ، فعمل عمر بکتاب الله وسنّة نبیّه. فلما حضرته الوفاة رأی أن] (1) یجعلها شوری بین ستّة نفر اختارهم من المسلمین ، فصنع أبو بکر ما لم یصنعه رسول الله ، وصنع عمر ما لم یصنعه أبو بکر ، کلّ ذلک یصنعونه نظراً للمسلمین ، فلذلک رأیت أن أُبایع لیزید لما وقع الناس فیه من الاختلاف ، ونظراً لهم بعین الإنصاف (2).

رحلة معاویة الثانیة وبیعة یزید فیها :

قال ابن الأثیر : فلمّا بایعه أهل العراق والشام ، سار معاویة إلی الحجاز فی ألف فارس ، فلمّا دنا من المدینة لقیه الحسین بن علیّ أوّل الناس ، فلمّا نظر إلیه قال : ف)

ص: 353


1- ما بین المعقوفین ساقط من طبعة الغدیر المتداولة ، وأثبتناه من الإمامة والسیاسة.
2- الإمامة والسیاسة : 1 / 149 - 155 [1 / 157 - 163] ، تاریخ الطبری : 6 / 170 [5 / 303 حوادث سنة 56 ه] واللفظ لابن قتیبة. (المؤلف)

لا مرحباً ولا أهلاً ، بدنة یترقرق دمها والله مهریقه ، قال : «مهلاً فإنّی والله لست بأهل لهذه المقالة». قال : بلی ولشرّ منها. ولقیه ابن الزبیر فقال : لا مرحباً ولا أهلاً ، خبّ ضب (1) تلعة ، یدخل رأسه ویضرب بذنبه ، ویوشک والله أن یؤخذ بذنبه ، ویدقّ ظهره ، نحیّاه عنّی. فضُرِب وجه راحلته. ثم لقیه عبد الرحمن بن أبی بکر ، فقال له معاویة : لا أهلاً ولا مرحباً ، شیخ قد خرف وذهب عقله ، ثم أمر فضُرِب وجه راحلته ، ثم فعل بابن عمر نحو ذلک ، فأقبلوا معه لا یلتفت إلیهم حتی دخل المدینة ، فحضروا بابه فلم یؤذن لهم علی منازلهم ، ولم یروا منه ما یحبّون ، فخرجوا إلی مکة فأقاموا بها ، وخطب معاویة بالمدینة ، فذکر یزید فمدحه ، وقال : من أحقّ منه بالخلافة فی فضله وعقله وموضعه؟! وما أظنّ قوماً بمنتهین حتی تصیبهم بوائق تجتثّ أصولهم ، وقد أنذرت إن أغنت النذر. ثم أنشد متمثّلاً :

قد کنتُ حذّرتکَ آل المصطلقْ

وقلت : یا عمرو أطعنی وانطلقْ

إنَّک إن کلّفتنی ما لم أطقْ

ساءک ما سرّک منّی من خلقْ

دونک ما استسقیته فاحسُ وذقْ

ثم دخل علی عائشة وقد بلغها أنّه ذکر الحسین وأصحابه ، فقال : لَأَقتلنّهم إن لم یبایعوا فشکاهم إلیها ، فوعظته وقالت له : بلغنی أنّک تتهدّدهم بالقتل؟ فقال : یا أمّ المؤمنین هم أعزّ من ذلک ، ولکنّی بایعت لیزید وبایعه غیرهم ، أفترین أن أنقض بیعة تمّت؟ قالت : فارفق بهم فإنّهم یصیرون إلی ما تحبّ إن شاء الله ، قال : أفعل. وکان فی قولها له : ما یؤمنک أن أُقعِد لک رجلاً یقتلک وقد فعلت بأخی ما فعلت - تعنی أخاها محمداً -؟ فقال لها : کلاّ یا أمّ المؤمنین إنّی فی بیت أمن. قالت : أجل. ومکث بالمدینة ما شاء الله. 9.

ص: 354


1- یقال : رجل خَبّ وخِبّ ، أی خَدّاع ، خبیث. وفی المثل : أخبّ من ضب. أنظر مجمع الأمثال : 1 / 457 رقم 1369.

ثم خرج إلی مکة ، فلقیه الناس ، فقال أولئک النفر : نتلقّاه فلعلّه قد ندم علی ما کان منه. فلقوه ببطن مرّ ، فکان أوّل من لقیه الحسین ، فقال له معاویة : مرحباً وأهلاً یا بن رسول الله وسید شباب المسلمین. فأمر له بدابّة فرکب وسایره ، ثم فعل بالباقین مثل ذلک ، وأقبل یسایرهم لا یسیر معه غیرهم حتی دخل مکة ، فکانوا أوّل داخل وآخر خارج ، ولا یمضی یوم إلاّ ولهم صلة ، ولا یذکر لهم شیئاً ، حتی قضی نسکه ، وحمل أثقاله ، وقرب مسیره ، فقال بعض أولئک النفر لبعض : لا تخدعوا فما صنع بکم هذا لحبّکم وما صنعه إلاّ لما یرید ، فأعدّوا له جواباً. فاتّفقوا علی أن یکون المخاطب له ابن الزبیر.

فأحضرهم معاویة وقال : قد علمتم سیرتی فیکم ، وصلتی لأرحامکم ، وحملی ما کان منکم ، ویزید أخوکم وابن عمّکم ، وأردت أن تقدّموه باسم الخلافة ، وتکونوا أنتم تعزلون وتأمرون وتجبون المال وتقسمونه ، لا یعارضکم فی شیء من ذلک. فسکتوا ، فقال : ألا تجیبون؟ مرّتین ، ثم أقبل علی ابن الزبیر فقال : هات لعمری إنّک خطیبهم ، فقال : نعم نخیّرک بین ثلاث خصال ، قال : اعرضهنّ. قال : تصنع کما صنع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أو کما صنع أبو بکر ، أو کما صنع عمر ، قال معاویة : ما صنعوا؟ قال : قبض رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ولم یستخلف أحداً فارتضی الناس أبا بکر ، قال : لیس فیکم مثل أبی بکر ، وأخاف الاختلاف. قالوا : صدقت فاصنع کما صنع أبو بکر ، فإنّه عهد إلی رجل من قاصیة قریش لیس من بنی أبیه فاستخلفه ، وإن شئت فاصنع کما صنع عمر ، جعل الأمر شوری فی ستّة نفر لیس فیهم أحد من ولده ولا من بنی أبیه. قال معاویة : هل عندک غیر هذا؟ قال : لا. ثم قال : فأنتم؟ قالوا : قولنا قوله. قال : فإنّی قد أحببت أن أتقدّم إلیکم أنّه قد أعذر من أنذر ، إنّی کنت أخطب منکم (1) فیقوم إلیّ القائم منکم فیکذّبنی علی رءوس الناس فأحمل ذلک وأصفح ، وإنّی قائم بمقالة فأُقسم بالله لئن ردّ علیّ أحدکم کلمة فی مقامی هذا ، لا ترجع إلیه کلمة غیرها حتی یسبقها م.

ص: 355


1- فی الکامل فی التاریخ : 2 / 513 : فیکم.

السیف إلی رأسه ، فلا یُبقِیَنَّ رجل إلاّ علی نفسه. ثم دعا صاحب حرسه بحضرتهم ، فقال : أقم علی رأس کلّ رجل من هؤلاء رجلین ، ومع کلّ واحد سیف ، فإن ذهب رجل منهم یردّ علیّ کلمة بتصدیق أو تکذیب فلیضرباه بسیفیهما.

ثم خرج وخرجوا معه حتی رقی المنبر ، فحمد الله وأثنی علیه ، ثم قال : إنّ هؤلاء الرهط سادة المسلمین وخیارهم ، لا یُبتَزّ أمر دونهم ، ولا یقضی إلاّ عن مشورتهم ، وإنّهم قد رضوا وبایعوا لیزید ، فبایعوا علی اسم الله. فبایع الناس ، وکانوا یتربّصون بیعة هؤلاء النفر ، ثم رکب رواحله وانصرف إلی المدینة ، فلقی الناس أولئک النفر ، فقالوا لهم : زعمتم أنّکم لا تبایعون ، فلم رضیتم وأعطیتم وبایعتم؟ (1) قالوا : والله ما فعلنا. فقالوا : ما منعکم أن تردّوا علی الرجل؟ قالوا : کادنا وخفنا القتل. وبایعه أهل المدینة ، ثم انصرف إلی الشام وجفا بنی هاشم ، فأتاه ابن عبّاس فقال له : ما بالک جفوتنا؟ قال : إنّ صاحبکم - یعنی الحسین علیه السلام - لم یبایع لیزید فلم تنکروا ذلک علیه. فقال : یا معاویة إنّی لخلیق أن أنحاز إلی بعض السواحل فأقیم به ، ثم أنطق بما تعلم حتی أدع الناس کلّهم خوارج علیک. قال : یا أبا العبّاس تعطون ، وترضون ، وترادون (2).

وجاء فی لفظ ابن قتیبة : إنّ معاویة نزل عن المنبر وانصرف ذاهباً إلی منزله ، وأمر من حرسه وشرطته قوماً أن یُحضروا هؤلاء النفر الذین أبوا البیعة وهم : الحسین بن علیّ ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن الزبیر ، وعبد الله بن عبّاس ، وعبد الرحمن بن أبی بکر ، وأوصاهم معاویة قال : إنّی خارج العشیّة إلی أهل الشام فأُخبرهم أنّ هؤلاء النفر قد بایعوا وسلّموا ، فإن تکلّم أحد منهم بکلام یصدّقنی أو یکذّبنی فیه فلا ینقضی کلامه حتی یطیر رأسه. فحذر القوم ذلک ، فلمّا کان العشیّ ف)

ص: 356


1- کذا فی الکامل ، وفی الطبعة المعتمدة من العقد الفرید : فلما دُعیتم وأرضیتم بایعتم!
2- العقد الفرید : 2 / 302 - 304 [4 / 161 - 163] ، الکامل لابن الأثیر : 3 / 21 - 218 [2 / 511 حوادث سنة 56 ه] ، ذیل الأمالی ص 177 [3 / 175] ، جمهرة الرسائل : 2 / 69 رقم 72 واللفظ لابن الأثیر. (المؤلف)

خرج معاویة وخرج معه هؤلاء النفر وهو یضاحکهم ویحدّثهم وقد ألبسهم الحلل ، فألبس ابن عمر حلّة حمراء ، وألبس الحسین حلّة صفراء ، وألبس عبد الله بن عبّاس حلّة خضراء ، وألبس ابن الزبیر حلّة یمانیّة ، ثم خرج بینهم وأظهر لأهل الشام الرضا عنهم - أی القوم - وأنّهم بایعوا ، فقال : یا أهل الشام إنّ هؤلاء النفر دعاهم أمیر المؤمنین فوجدهم واصلین مطیعین ، وقد بایعوا وسلّموا ذلک ، والقوم سکوت لم یتکلّموا شیئاً حذر القتل ، فوثب أُناس من أهل الشام فقالوا : یا أمیر المؤمنین إن کان رابک منهم ریب فخلّ بیننا وبینهم حتی نضرب أعناقهم. فقال معاویة : سبحان الله ما أحلّ دماء قریش عندکم یا أهل الشام! لا أسمع لهم ذاکراً بسوء ، فإنّهم قد بایعوا وسلّموا ، وارتضونی فرضیت عنهم رضی الله عنهم ، ثم ارتحل معاویة راجعاً إلی مکة ، وقد أعطی الناس أعطیاتهم ، وأجزل العطاء ، وأخرج إلی کلّ قبیلة جوائزها وأُعطیاتها ، ولم یخرج لبنی هاشم جائزة ولا عطاء ، فخرج عبد الله بن عبّاس فی أثره حتی لحقه بالروحاء ، فجلس ببابه ، فجعل معاویة یقول : من بالباب؟ فیقال : عبد الله ابن عبّاس ، فلم یأذن لأحد. فلمّا استیقظ قال : من بالباب؟ فقیل : عبد الله بن عبّاس. فدعا بدابّته فأدخلت إلیه ثم خرج راکباً ، فوثب إلیه عبد الله بن عبّاس فأخذ بلجام البغلة ، ثم قال : أین تذهب؟ قال : إلی مکة. قال : فأین جوائزنا کما أجزت غیرنا؟ فأوما إلیه معاویة فقال : والله ما لکم عندی جائزة ولا عطاء حتی یبایع صاحبکم. قال ابن عبّاس : فقد أبی ابن الزبیر فأخرجت جائزة بنی أسد ، وأبی عبد الله بن عمر فأخرجت جائزة بنی عدیّ ، فما لنا إن أبی صاحبنا وقد أبی صاحب غیرنا. فقال معاویة : لستم کغیرکم ، لا والله لا أُعطیکم درهماً حتی یبایع صاحبکم ، فقال ابن عبّاس : أما والله لئن لم تفعل لألحقنّ بساحل من سواحل الشام ثم لأقولنّ ما تعلم ، والله لأترکنّهم علیک خوارج. فقال معاویة : لا بل أعطیکم جوائزکم ، فبعث بها من الروحاء ، ومضی راجعاً إلی الشام. الإمامة والسیاسة (1) (1 / 156). 3.

ص: 357


1- الإمامة والسیاسة : 1 / 163.

قال الأمینی : إنّ المستشفّ لحقیقة الحال من أمر هذه البیعة الغاشمة جدّ علیم أنّها تمّت برواعد الإرهاب ، وبوارق التطمیع ، وعوامل البهت والافتراء ، فیری معاویة یتوعّد هذا ، ویقتل ذاک ، ویولّی آخر علی المدن والأمصار ویجعلها طعمة له ، ویدرّ من رضائخه علی النفوس الواطئة ذوات الملکات الرذیلة ، وفی القوم من لا یؤثّر فیه شیء من ذلک کلّه ، غیر أنّه لا رأی لمن لا یُطاع ، لکنّ إمام الهدی ، وسبط النبوّة ، ورمز الشهادة والإباء لم یفتأ بعد ذلک کلّه مصحراً بالحقیقة ، ومصارحاً بالحقّ ، وداحضاً للباطل مع کلّ تلکم الحنادس المدلهمّة ، أصغت إلیه أُذن أم لا ، وصغی إلی قیله أحد أو أعرض ، فقام بواجب الموقف رافعاً عقیرته بما تستدعیه الحالة ، ویوجبه النظر فی صالح المسلمین ولم یثنه اختلاق معاویة علیه وعلی من وافقه فی شیء من الأمر ، ولا ما أعدّه لهم من التوعید والإرجاف بهم ، ولم تک تأخذه فی الله لومة لائم ، حتی لفظ معاویة نفسه الأخیر رمزاً للخزایة وشیة العار ، ولقی الحسین علیه السلام ربّه وقد أدّی ما علیه ، رمزاً للخلود ومزید الحبور فی رضوان الله الأکبر ، نعم ، لقی الحسین علیه السلام ربّه وهو ضحیّة تلک البیعة - بیعة یزید - کما لقی أخوه الحسن ربّه مسموماً من جرّاء تلکم البیعة الملعونة التی جرّت الویلات علی أُمّة محمد صلی الله علیه وآله وسلم واستتبعت هدم الکعبة ، والإغارة علی دار الهجرة یوم الحرّة ، وأبرزت بنات المهاجرین والأنصار للنکال والسوأة ، وأعظمها رزایا مشهد الطفّ التی استأصلت شأفة أهل بیت الرحمة - صلوات الله علیهم - ، وترکت بیوت الرسالة تنعق فیها النواعب ، وتندب النوادب ، وقرّحت الجفون ، وأسکبت المدامع ، إنّا لله وإنّا إلیه راجعون (وَسَیَعْلَمُ الَّذِینَ ظَلَمُوا أَیَّ مُنْقَلَبٍ یَنْقَلِبُونَ) (1).

نعم ؛ تمّت تلک البیعة المشومة مع فقدان أیّ جدارة وحنکة فی یزید ، تؤهّله لتسنّم عرش الخلافة علی ما تردّی به من ملابس الخزی وشیة العار ، من معاقرة 7.

ص: 358


1- الشعراء : 227.

الخمور ، ومباشرة الفجور ، ومنادمة القیان ذوات المعازف ، ومهارشة الکلاب ، إلی ما لا یتناهی من مظاهر الخزایة ، وقد عرفته الناس بذلک کلّه منذ أولیاته وعرّفه به أُناس آخرون ، وحسبک شهادة وفدٍ بعثه أهل المدینة إلی یزید ، وفیهم : عبد الله بن حنظلة غسیل الملائکة ، وعبد الله بن أبی عمرو المخزومی ، والمنذر بن الزبیر ، وآخرون کثیرون من أشراف أهل المدینة ، فقدموا علی یزید فأکرمهم ، وأحسن إلیهم ، وأعظم جوائزهم ، وشاهدوا أفعاله ، ثم انصرفوا من عنده وقدموا المدینة کلهم إلاّ المنذر ، فلمّا قدم الوفد المدینة قاموا فیهم ، فأظهروا شتم یزید وعتبة (1) ، وقالوا : إنّا قدمنا من عند رجل لیس له دین ، یشرب الخمر ، ویعزف بالطنابیر ، ویضرب عنده القیان ، ویلعب بالکلاب ، ویُسامر الحُرّاب - وهم اللصوص والفتیان - وإنّا نُشهدکم أنّا قد خلعناه ، فتابعهم الناس (2).

وقال عبد الله بن حنظلة ، ذلک الصحابیّ العظیم المنعوت بالراهب ، قتیل یوم الحرّة یومئذٍ : یا قوم اتّقوا الله وحده لا شریک له ، فو الله ما خرجنا علی یزید حتی خفنا أن نرمی بالحجارة من السماء ، إنّ رجلاً ینکح الأُمّهات والبنات والأخوات ، ویشرب الخمر ، ویدع الصلاة ، والله لو لم یکن معی أحد من الناس لأبلیت لله فیه بلاءً حسناً (3)

ولمّا قدم المدینة أتاه الناس ، فقالوا : ما وراءک؟ قال : أتیتکم من عند رجل ، والله لو لم أجد إلاّ بنیّ هؤلاء لجاهدته بهم (4). ف)

ص: 359


1- کذا فی تاریخ الطبری ، وفی الکامل والبدایة والنهایة : شتم یزید وعیبه ، وهو الصحیح ظاهراً.
2- تاریخ الطبری : 7 / 4 [5 / 480 حوادث سنة 62 ه] ، الکامل لابن الأثیر : 4 / 45 [2 / 588 حوادث سنة 61 ه] ، تاریخ ابن کثیر : 8 / 216 [8 / 235 حوادث سنة 62 ه] فتح الباری : 13 / 59 [13 / 70]. (المؤلف)
3- تاریخ ابن عساکر : 7 / 372 [27 / 429 رقم 3270 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 12 / 127]. (المؤلف)
4- تاریخ ابن عساکر : 7 / 372 [27 / 427 رقم 3270 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 12 / 127] ، الکامل لابن الأثیر : 4 / 45 [2 / 588 سنة 62 ه] ، الإصابة : 2 / 299 [رقم 4637]. (المؤلف)

وقال المنذر بن الزبیر لمّا قدم المدینة : إنّ یزید قد أجازنی بمائة ألف ، ولا یمنعنی ما صنع بی أن أُخبرکم خبره ، والله إنّه لیشرب الخمر ، والله إنّه لیسکر حتی یدع الصلاة (1)

وقال عتبة بن مسعود لابن عبّاس : أتبایع یزید وهو یشرب الخمر ، ویلهو بالقیان ، ویستهتر بالفواحش؟ قال : مه فأین ما قلت لکم؟ وکم بعده من آتٍ ممّن یشرب الخمر ، أو هو شرّ من شاربها ، أنتم إلی بیعته سراع ، أما والله إنّی لأنهاکم وأنا أعلم أنّکم فاعلون ، حتی یصلب مصلوب قریش بمکة - یعنی عبد الله بن الزبیر (2).

نعم : لم یک علی مخازی یزید من أوّل یوم حجاب مسدول یُخفیها علی الأباعد والأقارب ، غیر أنّ أقرب الناس إلیه - وهو أبوه معاویة - غضّ الطرف عنها جمعاء ، وحسب أنّها تخفی علی الملأ الدینیّ بالتمویه ، وطفق یذکر له فضلاً وعلماً بالسیاسة ، فجابهه لسان الحقّ ، وإنسان الفضیلة ، حسین العظمة ، بکلماته المذکورة فی صفحة (248 و 250) ومعاویة هو نفسه یندّد بابنه فی کتاب کتبه إلیه ، ومنه قوله : اعلم یا یزید : إنّ أوّل ما سلبکه السکر معرفة مواطن الشکر لله علی نعمه المتظاهرة ، وآلائه المتواترة ، وهی الجرحة العظمی ، والفجعة الکبری : ترک الصلوات المفروضات فی أوقاتها ، وهو من أعظم ما یحدث من آفاتها ، ثم استحسان العیوب ، ورکوب الذنوب ، وإظهار العورة ، وإباحة السرّ ، فلا تأمن نفسک علی سرّک ، ولا تعتقد علی فعلک (3).

فنظراً إلی ما عرفته الأُمّة من یزید ، من مخازیه وملکاته الرذیلة ، عدّ الحسن البصری استخلاف معاویة إیّاه من موبقاته الأربع ، کما مرّ حدیثه فی صفحة (225). ف)

ص: 360


1- کامل ابن الأثیر : 4 / 45 [2 / 588 حوادث سنة 62 ه] ، تاریخ ابن کثیر : 8 / 216 [8 / 236 حوادث سنة 62 ه]. (المؤلف)
2- الإمامة والسیاسة : 1 / 167 [1 / 174]. (المؤلف)
3- صبح الأعشی : 6 / 387 [6 / 374]. (المؤلف)

- 15 -

جنایات معاویة فی صفحات تاریخه السوداء

إنّما نجتزئ منها علی شیء یسیر یکون کأنموذج ممّا له من السیّئات التی ینبو عنها العدد ، ویتقاعس عنها الحساب ، ویستدعی التبسّط فیها مجلّدات ضخمة فمنها : دأبه علی لعن مولانا علی أمیر المؤمنین - صلوات الله علیه - ، وکان یقنت به فی صلواته کما مرّ حدیثه فی الجزء الثانی (ص 132) ، واتّخذه سنّة جاریة فی خطب الجمعة والأعیاد ، وبدّل سنّة محمد صلی الله علیه وآله وسلم فی خطبة العیدین المتأخّرة عن صلاتهما وقدّمها علیها ، لإسماع الناس لعن الإمام الطاهر ، کما مرّ تفصیله فی الجزء الثامن (ص 164 - 167) وأوعزنا إلیه فی هذا الجزء (ص 212) وکان یأمر عمّاله بتلک الأُحدوثة الموبقة ، ویحثّ الناس علیها ، ویوبّخ المتوقّفین عنها ، ولا یصیخ إلی قول أیّ ناصح وازع.

1 - أخرج مسلم ، والترمذی ، عن طریق عامر بن سعد بن أبی وقّاص ، قال : أمر معاویة سعداً فقال : ما منعک أن تسبّ أبا تراب؟ فقال : أمّا ما ذکرت ثلاثاً قالهنّ له رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فلن أسبّه ، لَأَن تکون لی واحدة منهنّ أحبّ إلیّ من حمر النعم. فذکر حدیث المنزلة ، والرایة ، والمباهلة. وأخرجه الحاکم وزاد : فلا والله ما ذکره معاویة بحرف حتی خرج من المدینة (1).

وفی لفظ الطبری من طریق ابن أبی نجیح ، قال : لمّا حجّ معاویة طاف بالبیت ومعه سعد ، فلمّا فرغ انصرف معاویة إلی دار الندوة فأجلسه معه علی سریره ، ووقع معاویة فی علیّ ، وشرع فی سبّه ، فزحف سعد ثم قال : أجلستنی معک علی سریرک ثم ف)

ص: 361


1- راجع صحیح مسلم : 7 / 120 [5 / 23 ح 32 کتاب فضائل الصحابة] ، صحیح الترمذی : 13 / 171 [5 / 596 ح 3724] ، مستدرک الحاکم : 3 / 109 [3 / 117 ح 4575]. (المؤلف)

شرعت فی سبّ علیّ ، والله لَأَن یکون لی خصلة واحدة من خصال کانت لعلیّ أحبّ إلیّ من أن یکون لی ما طلعت علیه الشمس. إلی آخر الحدیث ، وفیه من قول سعد : وایم الله لا دخلت لک داراً ما بقیت. ونهض.

قال المسعودی بعد روایة حدیث الطبری : ووجدت فی وجه آخر من الروایات وذلک فی کتاب علیّ بن محمد بن سلیمان النوفلی فی الأخبار ، عن ابن عائشة وغیره : أنّ سعداً لمّا قال هذه المقالة لمعاویة ونهض لیقوم ضرط له معاویة وقال له : اقعد حتی تسمع جواب ما قلت : ما کنت عندی قطّ ألأم منک الآن ، فهلاّ نصرته؟ ولم قعدت عن بیعته؟ فإنّی لو سمعت من النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم مثل الذی سمعت فیه لکنت خادماً لعلیّ ما عشت ، فقال سعد : والله إنّی لأحقّ بموضعک منک. فقال معاویة ، یأبی علیک [ذلک] بنو عذرة. وکان سعد فیما یقال لرجل من بنی عذرة (1).

وفی روایة ذکرها ابن کثیر فی تاریخه (2) (8 / 77) : دخل سعد بن أبی وقاص علی معاویة فقال له : مالک لم تقاتل علیّا ، فقال : إنّی مرّت بی ریح مظلمة فقلت : أخ أخ ، فأنخت راحلتی حتّی انجلت عنّی ، ثمّ عرفت الطریق فسرت. فقال معاویة : لیس فی کتاب الله أخ أخ ، ولکن قال الله تعالی : (وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَیْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَی الْأُخْری فَقاتِلُوا الَّتِی تَبْغِی حَتَّی تَفِیءَ إِلی أَمْرِ اللهِ) (3). فو الله ما کنت مع الباغیة علی العادلة ، ولا مع العادلة علی الباغیة ، فقال سعد : ما کنت لأُقاتل رجلاً قال له رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «أنت منّی بمنزلة هارون من موسی غیر أنّه لا نبیّ بعدی» فقال معاویة : من سمع هذا معک؟ فقال : فلان وفلان 9.

ص: 362


1- مروج الذهب 1 / 61 [3 / 24 وما بین المعقوفین منه] وحکی شطراً منه سبط ابن الجوزی فی تذکرته ص 12 [ص 18]. (المؤلف)
2- البدایة والنهایة : 8 / 83 حوادث سنة 55 ه وفیه : مالک لم تقاتل معنا؟بدلاً من :مالک لم تقاتل علیّا؟
3- الحجرات : 9.

وأُمّ سلمة. فقال معاویة : أما إنّی لو سمعته منه صلی الله علیه وآله وسلم لما قاتلت علیّا.

قال : وفی روایة من وجه آخر : إنّ هذا الکلام کان بینهما وهما بالمدینة فی حجّة حجّها معاویة ، وإنّهما قاما إلی أُمّ سلمة فسألاها فحدّثتهما بما حدّث به سعد ، فقال معاویة : لو سمعت هذا قبل هذا الیوم لکنت خادماً لعلیّ حتی یموت أو أموت.

قال الأمینی : لقد أفک معاویة فی ادّعائه عدم إحاطة علمه بتلکم الأحادیث المطّردة الشائعة ، فإنّها لم تکن من الأسرار التی لا یطّلع علیها إلاّ البطانة والخاصّة ، وإنّما هتف بهنّ صلی الله علیه وآله وسلم علی رءوس الأشهاد ، أمّا حدیث الرایة فکان فی واقعة خیبر وله موقعیّته الکبری لقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «لأُعطینّ الرایة غداً رجلاً یحبّ الله ورسوله ، ویحبّه الله ورسوله». الحدیث.

فاستطالت أعناقُ کلّ فریق

لیروا أیّ ماجدٍ یُعطاها

فلم تزل النفوس مشرئبّة متطلّعة إلی من عناه صلی الله علیه وآله وسلم حتّی جیء بأمیر المؤمنین علیه السلام ومُنح الفتح من ساحة النبوّة العظمی ، فانطبق القول ، وصدقت الأکرومة ، وعلم الغزاة کلّهم أنّه صلی الله علیه وآله وسلم ما کان یرید غیره.

هب أنّ معاویة یوم واقعة خیبر کان عداده فی المشرکین ، وموقفه مع من یُحادّ الله ورسوله ، لکن هلاّ بلغه ذلک بعد ما حداه الفَرَق إلی الاستسلام؟ والحدیث مطّرد بین الغزاة وسائر المسلمین ، وهم بین مشاهد له وعالم به.

وأمّا حدیث المنزلة ، فقد نطق به رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی موارد عدیدة ، منها غزاة تبوک ، علی ما مرّ تفصیله فی الجزء الثالث (ص 198) وقد حضرها وجوه الصحابة وأعیانهم ، وکلّهم علموا بهاتیک الفضیلة الرابیة ، فالاعتذار عن معاویة بأنّه لم یحضرها لإشراکه یومئذٍ مدفوع بما قلناه فی واقعة خیبر.

ومن جملة موارده یوم غدیر خمّ الذی حضره معاویة وسمعه هو ومائة ألف

ص: 363

أو یزیدون ، لکنّه لم یعِهِ بدلیل أنّه ما آمن به ، فحارب علیّا علیه السلام بعده ، وعاداه ، وأمر بلعنه محادّة منه لله ولرسوله ، وعقیرة رسول الله المرفوعة بقوله صلی الله علیه وآله وسلم فی علیّ «اللهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله». بعدُ ترنّ فی أُذن الدنیا.

ومن موارده یوم المؤاخاة کما أخرجه أحمد (1) ، باسناده عن محدوج بن زید الباهلی ، قال : آخی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بین المهاجرین والأنصار ، فبکی علیّ علیه السلام فقال رسول الله : «ما یبکیک فقال : لم تواخِ بینی وبین أحد. فقال : إنّما ادّخرتک لنفسی ثم قال : أنت منّی بمنزلة هارون من موسی» (2).

ومنها یوم کان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی دار أُمّ سلمة ، إذ أقبل علیّ علیه السلام یرید الدخول علی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ، فقال : یا أُمّ سلمة هل تعرفین هذا؟ قالت : نعم ، فقال : «هذا علیّ سیط لحمه بلحمی ودمه بدمی ، وهو منّی بمنزلة هارون من موسی إلاّ أنّه لا نبیّ بعدی». راجع الجزء الثالث (ص 116).

علی أنّ حدیث المنزلة قد جاء من طریق معاویة نفسه ، رواه فی حیاة علیّ علیه السلام فیما أخرجه أحمد فی مناقبه من طریق أبی حازم ، کما فی الریاض النضرة (3) (2 / 195).

وأمّا نبأ المباهلة فصحیح أنّ معاویة لم یُدرکه ، لأنّ الکفر کان یمنعه عند ذلک عن سماعه ، غیر أن القرآن الکریم قد أعرب عن ذلک النبأ العظیم إن لم یکن ابن حرب فی معزل عن الکتاب والسنّة ، علی أن قصّتها من القضایا العالمیّة ولیس من المستطاع لأیّ أحد أن یدّعی الجهل بها.

وهنا نماشی ابن صخر فی عدم اطّلاعه علی تلکم الفضائل إلی حدّ إخبار سعد 2.

ص: 364


1- مناقب علیّ : ص 197 ح 257.
2- راجع ما أسلفناه فی الجزء الثالث : ص 115. (المؤلف)
3- الریاض النضرة : 3 / 142.

إیّاه ، لکنّه بما ذا یعتذر وهو یقرأ قوله تعالی : (وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَیْنَهُما) الآیة؟! وبما ذا یعتذر بعد ما رواه قبل یوم صفّین من قوله صلی الله علیه وآله وسلم لعمّار : «تقتلک الفئة الباغیة» وبما ذا یعتذر بعد علمه بتلکم الأحادیث بإخبار صحابیّ معدود عند القوم فی العشرة المبشّرة ، وبعد إقامة الشهود علیه؟! ومن هنا تعلم أنّه أفک مرّة أخری بقوله : أما إنّی لو سمعت من رسول الله ما سمعت فی علیّ لکنت له خادماً ما عشت. لأنّه عاش ولم یرتدع عن غیّه ، وحارب أمیر المؤمنین علیه السلام حیّا ومیّتاً ، ودأب علی لعنه والأمر به حتی أجهز علیه عمله ، وکبت به بطنته.

نعم : إنّه استمرّ علی بغیه ، وقابل سعداً فی حدیثه بالضرطة ، وهل هی هزء منه بمصدر تلکم الأنباء القدسیّة؟ أو بخضوع سعد لها؟ أو لمحض أنّ سعداً لم یوافقه علی ظلمه؟ أنا لا أدری ، غیر أنّ کفر معاویة الدفین لا یأبی شیئاً من ذلک ، وهلاّ منعه الخجل عن مثل هذا المجون وهو ملک؟ وبطبع الحال أنّ مجلسه یحوی الأعاظم والأعیان.

من أین تخجلُ أوجهٌ أمویّةٌ

سکبت بلذّات الفجور حیاءها

2 - لمّا مات الحسن بن علیّ علیهما السلام حجّ معاویة ، فدخل المدینة وأراد أن یلعن علیّا علی منبر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، فقیل له : إنّ هاهنا سعد بن أبی وقّاص ولا نراه یرضی بهذا ، فابعث إلیه وخذ رأیه ، فأرسل إلیه وذکر له ذلک ، فقال : إن فعلت لأخرجنّ من المسجد ، ثم لا أعود إلیه ، فأمسک معاویة عن لعنه حتی مات سعد. فلمّا مات لعنه علی المنبر ، وکتب إلی عمّاله أن یلعنوه علی المنابر ، ففعلوا فکتبت أمّ سلمة زوج النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم إلی معاویة : إنّکم تلعنون الله ورسوله علی منابرکم ، وذلک أنّکم تلعنون علیّ بن أبی طالب ومن أحبّه ، وأنا أشهد أنّ الله أحبّه ورسوله. فلم یلتفت إلی کلامها. العقد الفرید (1) (2 / 301). 9.

ص: 365


1- العقد الفرید : 4 / 159.

3 - قال معاویة لعقیل بن أبی طالب : إنّ علیّا قد قطعک وأنا وصلتک ، ولا یرضینی منک إلاّ أن تلعنه علی المنبر ، قال : أفعل. فصعد المنبر ، ثمّ قال بعد أن حمد الله وأثنی علیه وصلّی علی نبیّه صلی الله علیه وآله وسلم : أیّها الناس إنّ معاویة بن أبی سفیان قد أمرنی أن ألعن علیّ بن أبی طالب ، فالعنوه ، فعلیه لعنة الله والملائکة والناس أجمعین. ثم نزل فقال له معاویة : إنّک لم تبیّن من لعنت منهما ، بیّنه. فقال : والله لا زدت حرفاً ولا نقصت حرفاً ، والکلام إلی نیّة المتکلّم. العقد الفرید (2 / 144) ، المستطرف (1 / 54) (1).

4 - بعث معاویة إلی عبید الله بن عمر لمّا قدم علیه بالشام فأتی ، فقال له معاویة : یا ابن أخی إنّ لک اسم أبیک ، فانظر بملء عینیک ، وتکلّم بکلّ فیک ، فأنت المأمون المصدّق ، فاصعد المنبر واشتم علیّا ، واشهد علیه أنّه قتل عثمان. فقال : یا أمیر المؤمنین أمّا شتمه فإنّه علیّ بن أبی طالب ، وأمّه فاطمة بنت أسد بن هاشم ، فما عسی أن أقول فی حسبه؟ وأمّا بأسه فهو الشجاع المطرق. وأمّا أیّامه فما قد عرفت ، ولکنّی ملزمه دم عثمان. فقال عمرو بن العاص : إذاً والله قد نکأت القرحة (2).

5 - روی ابن الأثیر فی أُسد الغابة (3) (1 / 134) عن شهر بن حوشب ، أنّه قال : أقام فلان (4) خطباء یشتمون علیّا - 2 وأرضاه - ویقعون فیه ، حتی کان آخرهم رجل من الأنصار أو غیرهم یقال له : أنیس. فحمد الله وأثنی علیه ، ثم قال : إنّکم قد أکثرتم الیوم فی سبّ هذا الرجل وشتمه ، وإنّی أقسم بالله إنّی سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول : «إنّی لأشفع یوم القیامة لأکثر ممّا علی الأرض من مدر وشجر» وأُقسم بالله ما أحد أوصل لرحمه منه ، أفترون شفاعته تصل إلیکم وتعجز ف)

ص: 366


1- العقد الفرید : 3 / 215 ، المستطرف : 1 / 43.
2- کتاب صفّین لابن مزاحم : 1 / 92 [ص 82] ، شرح ابن أبی الحدید : 1 / 256 [3 / 100 خطبة 43]. (المؤلف)
3- أُسد الغابة : 1 / 158 رقم 271.
4- یعنی معاویة. (المؤلف)

عن أهل بیته؟! وذکره ابن حجر فی الإصابة (1 / 77).

6 - بینما معاویة جالس فی بعض مجالسه وعنده وجوه الناس ، فیهم : الأحنف ابن قیس ، إذ دخل رجل من أهل الشام ، فقام خطیباً ، وکان آخر کلامه أن لعن علیّا ، فقال الأحنف : یا أمیر المؤمنین إنّ هذا القائل لو یعلم أنّ رضاک فی لعن المرسلین لَلعنهم ، فاتّق الله یا أمیر المؤمنین ودع عنک علیّا فلقد لقی ربّه ، وأُفِرد فی قبره ، وخلا بعمله ، وکان والله المبرور سیفه ، الطاهر ثوبه ، العظیمة مصیبته. فقال له معاویة : یا أحنف لقد أغضیت العین علی القذی ، وقلت ما تری ، وایم الله لتصعدنّ المنبر فتلعننّه طوعاً أو کرهاً ، فقال له الأحنف : یا أمیر المؤمنین إن تعفنی فهو خیر لک ، وإن تجبرنی علی ذلک فو الله لا تجری شفتای به أبداً. فقال : قم فاصعد المنبر.

قال الأحنف : أما والله لأُنصفنّک فی القول والفعل. قال : وما أنت قائل إن أنصفتنی؟

قال : أصعد المنبر ، فأحمد الله وأثنی علیه ، وأُصلّی علی نبیّه محمد صلی الله علیه وآله وسلم ، ثم أقول : أیّها الناس إنّ أمیر المؤمنین معاویة أمر أن ألعن علیّا ، وإنّ علیّا ومعاویة اختلفا واقتتلا ، فادّعی کلّ واحد منهما أنّه بُغی علیه وعلی فئته ، فإذا دعوت فأمّنوا رحمکم الله. ثم أقول : اللهم العن أنت وملائکتک وأنبیاؤک وجمیع خلقک الباغی منهما علی صاحبه ، والعن الفئة الباغیة ، اللهمّ العنهم لعناً کثیراً ، أمّنوا رحمکم الله. یا معاویة لا أزید علی هذا ولا أنقص حرفاً ولو کان فیه ذهاب روحی. فقال معاویة : إذاً نعفیک یا أبا بحر.

العقد الفرید (2 / 144) ، المستطرف (1 / 54) (1).

7 - فی کتاب المختصر فی أخبار البشر (2) للعلاّمة إسماعیل بن علیّ بن محمود : 2.

ص: 367


1- العقد الفرید : 3 / 215 ، المستطرف : 1 / 42.
2- المختصر فی أخبار البشر المعروف بتاریخ أبی الفداء : 1 / 182.

کتب الحسن إلی معاویة واشترط علیه شروطاً ، وقال : «إن أجبت إلیها فأنا سامع مطیع» فأجاب معاویة إلیها ، وکان الذی طلبه الحسن أن یُعطیه ما فی بیت مال الکوفة ، وخراج دارابجرد من فارس ، وأن لا یشتم علیّا ، فلم یجب إلی الکفّ عن شتم علیّ ، فطلب الحسن أن لا یُشتم علیّ وهو یسمع ، فأجابه إلی ذلک ثم لم یَفِ به.

راجع (1) أیضاً : تاریخ الطبری (6 / 92) ، کامل ابن الأثیر (3 / 175) ، تاریخ ابن کثیر (8 / 14) ، تذکرة السبط (ص 113) ، إتحاف الشبراوی (ص 10).

8 - جاء قیس بن عبّاد الشیبانیّ إلی زیاد ، فقال له : إنّ امرأً منّا من بنی همام یُقال له : صیفی بن فسیل ، من رءوس أصحاب حُجر ، وهو أشدّ الناس علیک ، فبعث إلیه زیاد فأتی [به] ، فقال له زیاد : یا عدوّ الله ما تقول فی أبی تراب؟ قال : ما أعرف أبا تراب. قال : ما أعرفک به! قال : ما أعرفه. قال : أما تعرف علیّ بن أبی طالب؟ قال : بلی. قال : فذاک أبو تراب. قال : کلاّ ذاک أبو الحسن والحسین علیه السلام.

وفیه : قال زیاد : لَتلعَننّه أو لأضربنّ عنقک. قال : إذاً تضربها والله قبل ذلک ، فإن أبیت إلاّ أن تضربها رضیت بالله وشقیت أنت. قال : ادفعوا فی رقبته. ثم قال. أوقروه حدیداً وألقوه فی السجن. ثم قتل (2) مع حُجر وأصحابه سنة (51). وسیوافیک الحدیث بتمامه إن شاء الله تعالی.

9 - خطب بُسر بن أرطاة علی منبر البصرة ، فشتم علیّا علیه السلام ثم قال : نشدت الله ف)

ص: 368


1- تاریخ الأُمم والملوک : 5 / 160 حوادث سنة 40 ه ، الکامل فی التاریخ : 2 / 446 حوادث سنة 41 ه ، البدایة والنهایة : 8 / 16 حوادث سنة 40 ه ، تذکرة الخواص : ص 198 ، الإتحاف بحب الأشراف : ص 35.
2- تاریخ الطبری 6 / 149 [5 / 266 حوادث سنة 51 ه] ، الأغانی : 16 / 7 [17 / 148] ، کامل ابن الأثیر : 3 / 204 [2 / 492 حوادث سنة 51 ه] ، تاریخ ابن عساکر : 6 / 459 [24 / 258 رقم 2908 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 11 / 125]. (المؤلف)

رجلاً علم أنّی صادق إلاّ صدّقنی أو کاذب إلاّ کذّبنی. فقال أبو بکرة (1) : اللهمّ إنّا لا نعلمک إلاّ کاذباً. قال : فأمر به فخُنِق. تاریخ الطبری (2) (6 / 96).

10 - استعمل معاویة کثیر بن شهاب علی الریّ ، وکان یکثر سبّ علیّ علی منبر الریّ ، وبقی علیها إلی أن ولی زیاد الکوفة فأقرّه علیها. کامل ابن الأثیر (3) (3 / 179).

11 - کان المغیرة بن شعبة لمّا ولی الکوفة ، کان یقوم علی المنبر ویخطب وینال من علیّ علیه السلام ویلعنه ویلعن شیعته ، وقد صحّ أنّ المغیرة لعنه علی منبر الکوفة مرّات لا تحصی ، وکان یقول : إنّ علیّا لم ینکحه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ابنته حبّا ولکنّه أراد أن یکافئ بذلک إحسان أبی طالب إلیه. وصحّ عند الحاکم والذهبی أنّ المغیرة سبّ علیّا فقام إلیه زید بن أرقم فقال : یا مغیرة ألم تعلم أنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم نهی عن سبّ الأموات؟ فلِمَ تسبّ علیّا وقد مات (4)؟

راجع (5) : مسند أحمد (1 / 188) ، الأغانی (16 / 2) المستدرک (1 / 385) ، شرح ابن أبی الحدید (1 / 360). 6.

ص: 369


1- اسمه نفیع بن مسروح ، وقیل : نفیع بن الحارث بن کلدة ، وأمّه سمیّة جاریة الحارث بن کلدة. وکان یقول أنا مولی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ویأبی أن ینتسب ، وقد نزل یوم الطائف إلی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم من الحصن فأسلم فی غلمان من غلمان أهل الطائف فأعتقهم رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم. وقد کنّاه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بأبی بکرة لأنه تعلّق ببکرة من حصن الطائف. وهو من فضلاء الصحابة ، وهو الذی شهد علی المغیرة بن شعبة بالزنا. أنظر الاستیعاب : 4 / 1614 رقم 2877.
2- تاریخ الأُمم والملوک : 5 / 167 - 168 حوادث سنة 41 ه.
3- الکامل فی التاریخ : 2 / 452 حوادث سنة 41 ه.
4- حدیث النهی عن سبّ الأموات أخرجه البخاری فی صحیحه : 2 / 264 [1 / 470 رقم 1329]. (المؤلف)
5- مسند أحمد : 1 / 307 ح 1634 ، الأغانی : 17 / 137 ، المستدرک علی الصحیحین : 1 / 541 ح 1419 ، شرح نهج البلاغة : 4 / 69 خطبة 56.

قدمت الخطباء إلی المغیرة بن شعبة بالکوفة ، فقام صعصعة بن صوحان فتکلّم ، فقال المغیرة : أخرجوه فأقیموه علی المصطبة فلیلعن علیّا. فقال : لعن الله من لعن الله ولعن علیّ بن أبی طالب. فاخبروه بذلک فقال : أقسم بالله لتقیدنّه. فخرج فقال : إنّ هذا یأبی إلاّ علیّ بن أبی طالب فالعنوه لعنه الله. فقال المغیرة : أخرجوه أخرج الله نفسه.

الأذکیاء لابن الجوزی (1) (ص 98).

12 - أخرج ابن سعد ، عن عمیر بن إسحاق ، قال : کان مروان أمیراً علینا - یعنی بالمدینة - فکان یسبّ علیّا کلّ جمعة علی المنبر ، وحسن بن علیّ یسمع فلا یردّ شیئاً ، ثم أرسل إلیه رجلاً یقول له : بعلیّ وبعلیّ وبعلیّ وبک وبک وبک ، وما وجدت مثلک إلاّ مثل البغلة یقال لها : من أبوک؟ فتقول : أُمّی الفرس. فقال له الحسن : «إرجع إلیه فقل له : إنّی والله لا أمحو عنک شیئاً ممّا قلت بأن أسبّک ، ولکن موعدی وموعدک الله ، فإن کنت صادقاً جزاک الله بصدقک ، وإن کنت کاذباً فالله أشدّ نقمة».

تاریخ الخلفاء للسیوطی (2) (ص 127) ، راجع الجزء الثامن - ترجمة مروان.

وکان الوزغ ابن الوزغ یقول لمّا قیل له : ما لکم تسبّون علیّا علی المنابر : إنّه لا یستقیم لنا الأمر إلاّ بذلک.

الصواعق المحرقة (3) (ص 33).

13 - استناب معاویة علی المدینة عمرو بن سعید بن العاص بن أُمیّة الأمویّ المعروف بالأشدق ، الذی جاء فیه فی مسند أحمد (4) (2 / 522) من طریق أبی هریرة 5.

ص: 370


1- الأذکیاء : ص 168.
2- تاریخ الخلفاء : ص 177.
3- الصواعق المحرقة : ص 55.
4- مسند أحمد : 3 / 330 ح 10385.

مرفوعاً : «لیرعفنّ علی منبری جبّار من جبابرة بنی أُمیّة یسیل رعافه». قال : فحدّثنی من رأی عمرو بن سعید رعف علی منبر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم حتی سال رعافه (1).

کان هذا الجبّار ممّن یسبّ علیّا علیه السلام علی صهوة المنابر ، قال القسطلانی فی إرشاد الساری فی شرح صحیح البخاری (2) (4 / 368) ، والأنصاری فی تحفة الباری شرح البخاری المطبوع فی ذیل إرشاد الساری ، فی الصفحة المذکورة : سمّی عمرو بالأشدق لأنّه صعد المنبر فبالغ فی شتم علی رضی الله عنه فأصابته لقوة - أی داء فی وجهه.

وعمرو بن سعید هو الذی کان بالمدینة یوم قتل الإمام السبط علیه السلام ، قال عوانة ابن الحکم : لما قتل الحسین بن علیّ دعا عبید الله بن زیاد عبد الملک بن أبی الحرث السلمی ، وبعثه إلی المدینة لیبشّر عمرو بن سعید ، فدخل السلمی علی عمرو فقال : ما وراءک؟ فقال : ما سرّ الأمیر قُتِل الحسین بن علیّ. فقال : نادِ بقتله. فنادیت بقتله ، فلم أسمع والله واعیة قطّ مثل واعیة نساء بنی هاشم فی دورهنّ علی الحسین ، فقال عمرو وضحک :

عجّت نساءُ بنی زیادٍ عجّةً

کعجیجِ نسوتِنا غداةَ الأرنبِ (3)

ثم قال عمرو : هذه واعیة بواعیة عثمان بن عفّان. ثم صعد المنبر فأعلم الناس قتله (4) ، وفی مثالب أبی عبیدة : ثم أومأ إلی القبر الشریف وقال : یا محمد یوم بیوم بدر. فأنکر علیه قوم من الأنصار.

کان أبو رافع عبداً لأبی أُحیحة سعید بن العاص بن أُمیّة ، فأعتق کلّ من بنیه ف)

ص: 371


1- وذکره ابن کثیر فی تاریخه : 8 / 311 [8 / 342 حوادث سنة 69 ه]. (المؤلف)
2- ارشاد الساری : 4 / 419 ح 1832.
3- وقعة الأرنب کانت لبنی زبید علی بنی زیاد من بنی الحارث بن کعب من رهط عبد المدان ، والبیت المذکور لعمرو بن معدیکرب. (المؤلف)
4- تاریخ الطبری : 6 / 228 [5 / 465 حوادث سنة 61 ه] ، کامل ابن الأثیر : 4 / 39 [2 / 579 حوادث سنة 61 ه]. (المؤلف)

نصیبه منه إلاّ خالد بن سعید ، فإنّه وهب نصیبه للنبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فأعتقه ، فکان یقول : أنا مولی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، فلمّا ولی عمرو بن سعید بن العاص المدینة أیّام معاویة ، أرسل إلی البهیّ (1) بن أبی رافع ، فقال له : مولی من أنت؟ فقال : مولی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، فضربه مائة سوط ، ثم ترکه ثم دعاه ، فقال : مولی من أنت؟ فقال : مولی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فضربه مائة سوط ، حتی ضربه خمسمائة سوط. فلمّا خاف أن یموت قال له : أنا مولاکم.

کامل المبرّد (2) (2 / 75) ، الإصابة (4 / 68).

14 - أخرج الحاکم من طریق طاووس قال : کان حُجر بن قیس المدری من المختصّین بخدمة أمیر المؤمنین علیّ بن أبی طالب رضی الله عنه ، فقال له علیّ یوماً : «یا حُجر إنّک تقام بعدی فتؤمر بلعنی فالعنّی ولا تبرأ منّی (3)». قال طاووس : فرأیت حُجر المدری وقد أقامه أحمد بن إبراهیم خلیفة بنی أمیّة فی الجامع ، ووکّل به أن یلعن علیّا أو یُقتل. فقال حجر : أما إنّ الأمیر أحمد بن إبراهیم أمرنی أن ألعن علیّا فالعنوه لعنه الله. فقال طاووس : فلقد أعمی الله قلوبهم حتی لم یقف أحد منهم علی ما قال.

المستدرک (4) (2 / 358).

قال الأمینی : لم یزل معاویة وعمّاله دائبین علی ذلک حتی تمرّن علیه الصغیر وهرم الشیخ الکبیر ، ولعلّ فی أولیات الأمر کان یوجد هناک من یمتنع عن القیام بتلک السبّة المخزیة ، وکان یسع لبعض النفوس الشریفة أن یتخلّف عنها ، غیر أنّ شدّة معاویة الحلیم فی إجراء أُحدوثته ، وسطوة عمّاله الخصماء الألدّاء علی أهل بیت الوحی ، وتهالکهم دون تدعیم تلک الإمرة الغاشمة ، وتنفیذ تلک البدعة الملعونة ، ن.

ص: 372


1- فی الکامل : عبید الله بن أبی رافع. (المؤلف)
2- الکامل فی اللغة والأدب : 1 / 401.
3- صح عن أمیر المؤمنین قوله : إنّکم ستُعرضون علی سبّی فسبّونی ، فإن عرضت علیکم البراءة منّی فلا تبرءوا منّی ، فإنّی علی الإسلام. مستدرک الحاکم : 2 / 358 [2 / 390 ح 3365]. (المؤلف)
4- المستدرک علی الصحیحین : 2 / 390 ح 3366 ، وفیه : لیلعن ، بدل : أن یلعن.

حکمت فی البلاء حتی عمّت البلوی ، وخضعت إلیها الرقاب ، وغلّلتها أیدی الجورتحت نیر الذلّ والهوان ، فکانت العادة مستمرّة منذ شهادة أمیر المؤمنین علیه السلام إلی نهی عمر بن عبد العزیز طیلة أربعین سنة علی صهوات المنابر ، وفی الحواضر الإسلامیّة کلّها من الشام إلی الریّ ، إلی الکوفة ، إلی البصرة إلی عاصمة الإسلام المدینة المشرّفة ، إلی حرم أمن الله مکة المعظّمة ، إلی شرق العالم الإسلامی وغربه ، وعند مجتمعات المسلمین جمعاء ، وقد مرّ فی الجزء الثانی قول یاقوت فی معجم البلدان (1) : لُعن علیّ بن أبی طالب رضی الله عنه علی منابر الشرق والغرب ، ولم یُلعن علی منبر سجستان إلاّ مرّة ، وامتنعوا علی بنی أُمیّة حتی زادوا فی عهدهم : وأن لا یُلعن علی منبرهم أحد ، وأیّ شرف أعظم من امتناعهم من لعن أخی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم علی منبرهم وهو یُلعن علی منابر الحرمین : مکة والمدینة. انتهی.

وقد صارت سنّة جاریة ، ودُعمت فی أیّام الأمویّین سبعون ألف منبر یُلعن فیها أمیر المؤمنین علیه السلام (2) ، واتّخذوا ذلک کعقیدة راسخة ، أو فریضة ثابتة ، أو سنّة متّبعة یُرغب فیها بکلّ شوق وتوق ، حتی أنّ عمر بن عبد العزیز لمّا منع عنها ، لحکمة عملیّة أو لسیاسة وقتیّة ، حسبوه کأنّه جاء بطامّة کبری ، أو اقترف إثماً عظیماً.

والذی یظهر من کلام المسعودی فی مروجه (3) (2 / 167) ، والیعقوبی فی تاریخه (4) (3 / 48) ، وابن الأثیر فی کامله (5) (7 / 17) ، والسیوطی فی تاریخ الخلفاء (6) (ص 161) وغیرهم : أنّ عمر بن عبد العزیز إنّما نهی عن لعنه علیه السلام فی الخطبة علی المنبر فحسب ، وکتب بذلک إلی عمّاله وجعل مکانه : (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِینَ 6.

ص: 373


1- معجم البلدان : 3 / 191.
2- راجع ما أسلفناه فی الجزء الثانی : ص 102 ، 103. (المؤلف)
3- مروج الذهب : 3 / 205.
4- تاریخ الیعقوبی : 2 / 305.
5- الکامل فی التاریخ : 3 / 256 حوادث سنة 99 ه.
6- تاریخ الخلفاء : ص 226.

سَبَقُونا بِالْإِیمانِ) (1) الآیة. وقیل : بل جعل مکان ذلک : (إِنَّ اللهَ یَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ) (2) الآیة. وقیل : بل جعلهما جمیعاً ، فاستعمل الناس فی الخطبة.

وأمّا نهیه عن مطلق الوقیعة فی أمیر المؤمنین والنیل منه علیه السلام ، وأخذه کلّ متحامل علیه بالسبّ والشتم ، وإجراء العقوبة علی مرتکبی تلکم الجریرة ، فلسنا عالمین بشیء من ذلک ، غیر أنّا نجد فی صفحات التاریخ أنّ عمر بن عبد العزیز کان یجلد من سب عثمان ومعاویة ، کما ذکره ابن تیمیّة فی کتابه الصارم المسلول (3) (ص 272) ولم نقف علی جلده أحداً لسبّه أمیر المؤمنین علیه السلام.

دع عنک موقف أمیر المؤمنین علیه السلام من خلافة الله الکبری ، وسوابقه فی تثبیت الإسلام والذبّ عنه ، وبثّه العدل والإنصاف ، وتدعیمه فرائض الدین وسننه ، ودعوته إلی الله وحده وإلی نبیّه صلی الله علیه وآله وسلم وإلی دینه الحنیف ، وتهالکه فی ذلک کلّه ، حتی لقی ربّه مکدوداً فی ذات الله.

دع عنک فضائله ، وفواضله ، والآی النازلة فیه ، والنصوص النبویّة المأثورة فی مناقبه ، لکنّه هل هو بدع من آحاد المسلمین الذین یحرم لعنهم وسبابهم وعلیه تعاضدت الأحادیث واطّردت الفتاوی؟

وحسبک قول رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم «سباب المسلم فسوق».

أخرجه (4) : البخاری ، ومسلم ، والترمذی ، والنسائی ، وابن ماجة ، وأحمد ، 3.

ص: 374


1- الحشر : 10.
2- النحل : 90.
3- الصارم المسلول : ص 574.
4- صحیح البخاری : 1 / 27 ح 48 ، صحیح مسلم : 1 / 114 ح 116 کتاب الإیمان ، سنن الترمذی : 4 / 311 ح 1983 ، السنن الکبری للنسائی : 2 / 313 ح 3568 - 3571 ، سنن ابن ماجة : 2 / 1299 ح 3939 - 3941 ، مسند أحمد : 1 / 636 ح 3639 ، السنن الکبری للبیهقی : 8 / 20 ، تاریخ بغداد : 13 / 185 رقم 7163.

والبیهقی ، والطبری ، والدارقطنی ، والخطیب ، وغیرهم من طریق ابن مسعود ، وأبی هریرة ، وسعد بن أبی وقّاص ، وجابر ، وعبد الله بن مغفل ، وعمرو بن النعمان. راجع الترغیب والترهیب (1) (3 / 194) ، وفیض القدیر (4 / 84 ، 505 ، 506).

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم «سباب المسلم کالمشرف علی الهلکة».

أخرجه البزّار (2) من طریق عبد الله بن عمرو بإسناد جیّد ، کما قاله الحافظ المنذری فی الترغیب والترهیب (3) (3 / 194).

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم «لا یکون المؤمن لعّاناً».

أخرجه الترمذی (4) ، وقال : حدیث حسن. وسمعت نهیه صلی الله علیه وآله وسلم عن سبّ الأموات (ص 263).

علی أنّ الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام مع غضّ الطرف عن طهارة مولده ، وقداسة محتده ، وشرف أرومته ، وفضائله النفسیّة والکسبیّة ، وملکاته الکریمة ، هو من العشرة الذین بُشّروا بالجنّة - عند القوم - ، ولا أقلّ من أنّه أحد الصحابة الذین یعتقد القوم فیهم العدالة جمیعاً (5) ، ویحتجّون بأقوالهم وأفعالهم ، ولا یستسیغون الوقیعة فیهم ، ویشدّدون النکیر علی الشیعة لحسبانهم أنّهم یقعون فی بعض الصحابة ، ورتّبوا علی ذلک أحکاماً ، قال یحیی بن معین : کلّ من شتم عثمان ، أو طلحة ، أو أحداً من ف)

ص: 375


1- الترغیب والترهیب : 3 / 466.
2- مسند البزّار (البحر الزخّار) : 5 / 86 ح 1660.
3- الترغیب والترهیب : 3 / 467.
4- سنن الترمذی : 4 / 326 ح 3019 ، وانظر الترغیب والترهیب : 3 / 470 ، ومشکاة المصابیح للتبریزی : 3 / 43 ح 4848.
5- قال النووی فی شرح مسلم هامش الإرشاد : 8 / 22 [12 / 216] : إنّ الصحابة - رضی الله عنهم - کلّهم هم صفوة الناس ، وسادات الأُمّة ، وأفضل ممّن بعدهم ، وکلّهم عدول قدوة لا نخالة فیهم ، وإنّما جاء التخلیط ممّن بعدهم ، وفیمن بعدهم کانت النخالة. (المؤلف)

أصحاب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم دجّال لا یُکتب عنه ، وعلیه لعنة الله والملائکة والناس أجمعین (1).

وعن أحمد إمام الحنابلة (2) : خیر الأُمّة بعد النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم أبو بکر ، وعمر بعد أبی بکر ، وعثمان بعد عمر ، وعلیّ بعد عثمان ، ووقف قوم ، وهم خلفاء راشدون مهدیّون ، ثم أصحاب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بعد هؤلاء الأربعة خیر الناس ، لا یجوز لأحد أن یذکر شیئاً من مساوئهم ، ولا طعن علی أحد منهم بعیب ولا نقص ، فمن فعل ذلک فقد وجب تأدیبه وعقوبته ، لیس له أن یعفو عنه ، بل یعاقبه ویستتیبه ، فإن تاب قبل منه ، وإن ثبت أعاد علیه العقوبة ، وخلّده فی الحبس حتی یموت أو یراجع.

وعنه أیضاً : ما لهم ولمعاویة نسأل الله العافیة. وقال : إذا رأیت أحداً یذکر أصحاب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بسوء فاتّهمه علی الإسلام.

وعن عاصم الأحول قال : أُتیت برجل قد سبّ عثمان ، قال : فضربته عشرة أسواط ، قال : ثم عاد لما قال ، فضربته عشرة أخری. قال : فلم یزل یسبّه حتی ضربته سبعین سوطاً.

وقال القاضی أبو یعلی : الذی علیه الفقهاء فی سبّ الصحابة ، إن کان مستحلاّ لذلک کفر ، وإن لم یکن مستحلاّ فسق ولم یکفر ، سواء کفّرهم أو طعن فی دینهم مع إسلامهم ، وقد قطع طائفة من الفقهاء من أهل الکوفة وغیرهم بقتل من سبّ الصحابة ، وکفر الرافضة.

قال أبو بکر بن عبد العزیز فی المقنع : فأمّا الرافضی فإن کان یسبّ فقد کفر ، فلا یُزوّج (3). ف)

ص: 376


1- تهذیب التهذیب : 1 / 509 [1 / 447]. (المؤلف)
2- مسند أحمد : 1 / 186 ح 936.
3- الصارم المسلول : ص 272 ، 574 ، 575. (المؤلف)

وقال الشیخ علاء الدین أبو الحسن الطرابلسی الحنفی فی معین الحکام فیما یتردّد بین الخصمین من الأحکام (1) (ص 187) : من شتم أحداً من أصحاب النبیّ علیه السلام أبا بکر ، أو عمر ، أو عثمان ، أو علیّا ، أو معاویة ، أو عمرو بن العاص ، فإن قال : کانوا علی ضلال وکفر ، قُتل ، وإن شتمهم بغیر هذا من مشاتمة الناس ، نکل نکالاً شدیداً.

وعدّ الذهبی فی کتاب الکبائر (2) (ص 233) منها : سبّ أحد من الصحابة ، وقال فی (ص 235) : فمن طعن فیهم أو سبّهم فقد خرج من الدین ، ومرق من ملّة المسلمین ، لأنّ الطعن لا یکون إلاّ عن اعتقاد مساوئهم ، وإضمار الحقد فیهم ، وإنکار ما ذکره الله فی کتابه من ثنائه علیهم ، وما لرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم من ثنائه علیهم ، وفضائلهم ، ومناقبهم ، وحبّهم ، ولأنّهم أرضی الوسائل من المأثور والوسائط من المنقول ، والطعن فی الوسائط طعن فی الأصل ، والازدراء بالناقل ازدراء بالمنقول ، وهذا ظاهر لمن تدبّره ، وسلم من النفاق ومن الزندقة والإلحاد فی عقیدته ، وحسبک ما جاء فی الأخبار والآثار من ذلک ، کقول النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم : إنّ الله اختارنی واختار لی أصحاباً فجعل لی منهم وزراء وأنصاراً وأصهاراً ، فمن سبّهم فعلیه لعنة الله والملائکة والناس أجمعین ، لا یقبل الله منه یوم القیامة صرفاً ولا عدلاً.

ولهم فی سبّ الشیخین وعثمان تصویب وتصعید ، قال محمد بن یوسف الفریابی : سُئل القاضی أبو یعلی عمّن شتم أبا بکر. قال : کافر. قیل : فیصلّی علیه؟ قال : لا. وسأله کیف یُصنع به وهو یقول : لا إله إلاّ الله؟ قال : لا تمسّوه بأیدیکم ، ادفعوه بالخشب حتی تواروه فی حفرته. الصارم المسلول (ص 575). 2.

ص: 377


1- معین الحکام : ص 228.
2- کتاب الکبائر : ص 215 ، 216 ح 492.

وقال الجردانی فی مصباح الظلام (1) (2 / 23) : قال أکثر العلماء : من سبّ أبا بکر وعمر کان کافراً.

وقال ابن تیمیّة فی الصارم المسلول (ص 581) : قال إبراهیم النخعی : کان یُقال شتم أبی بکر وعمر من الکبائر. وکذلک قال أبو إسحاق السبیعی : شتم أبی بکر وعمر من الکبائر التی قال الله تعالی : (إِنْ تَجْتَنِبُوا کَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ) (2).

وقُتل عیسی بن جعفر بن محمد [بن عاصم] لشتمه أبا بکر ، وعمر ، وعائشة وحفصة ، بأمر المتوکّل علی الله. قاله ابن کثیر فی تاریخه (3) (10 / 324).

وفی الصارم المسلول (ص 576) : قال أحمد فی روایة أبی طالب ، فی الرجل یشتم عثمان : هذا زندقة.

هب أنّ هذه الفتاوی المجرّدة من مسلّمات الفقه ، ولیس للباحث أن یناقش أصحابها الحساب ، ویطالبهم مدارک تلکم الأحکام من الکتاب والسنّة ، أو الأُصول والقواعد ، أو القیاس والاستحسان ، ولا سیّما مدارک جملة من خصوصیّاتها العجیبة الشاذّة عن شرعة الإسلام ، لکنّها هل هی مخصوصة بغیر رجالات أهل البیت ، فهی منحسرة عنهم؟!

ولعلّ فیهم من یجافیک علی ذلک فیقول : نعم هی منحسرة عن علی علیه السلام وابنیه السبطین سیّدی شباب أهل الجنّة ، لأنّ ابن هند کان یقع فیهم ویلعنهم ، ویُلجئ الناس إلی ذلک بأنواع من الترغیب والترهیب ، فلیس من الممکن تسریبها إلیه ، لأنّه کاتب الوحی وإن کان لم یکتب غیر عدّة کتب إلی رؤساء القبائل فی أیّام إسلامه القلیلة من أُخریات العهد النبویّ ، وهو خال المؤمنین لمکان أُمّ حبیبة من ه.

ص: 378


1- مصباح الظلام : 2 / 56 ح 362.
2- النساء : 31.
3- البدایة والنهایة : 10 / 357 حوادث سنة 241 ه ، وما بین المعقوفین منه.

رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، لکنّهم لم یسمّوا بذلک غیره من إخوة أزواج النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم کمحمد بن أبی بکر ، ولیس له مبرر إلاّ أنّ محمداً کان فی الجیش العلویّ ومعاویة حاربه - صلوات الله علیه - ، فهی ضغائن قدیمة انفجر برکانها أخیراً عند منتشر الأحقاد ومحتدم الإحن ، قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفی صدورهم أکبر (قَدْ بَیَّنَّا لَکُمُ الْآیاتِ إِنْ کُنْتُمْ تَعْقِلُونَ) (1).

وهل سنّة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم المزعومة فی قوله : لا تسبّوا أصحابی. وقوله صلی الله علیه وآله وسلم من سبّ أصحابی فعلیه لعنة الله والملائکة والناس أجمعین. کانت مختصّة بغیر المخاطبین بها فی صدر الإسلام من الصحابة؟ أو أنّها عامّة مطّردة؟ کما یقتضیه کونها من الشریعة الإسلامیّة المستمرّة إلی أن تقوم الساعة ، وقد حسبوها کذلک لأنّها متّخذة من السنّة المخاطب بها ، وقد جاء فی بعض طرق الروایة الأولی عند مسلم : أنّه کان بین خالد بن الولید وبین عبد الرحمن بن عوف شیء ، فسبّه خالد ، فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : لا تسبّوا أصحابی ، وفی روایة أنس : قال أُناس من أصحاب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : إنّا نسبّ. فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : من سبّ أصحابی فعلیه لعنة الله والملائکة والناس أجمعین (2).

فلیس من المعقول أن یکونوا مستثنین من حکم خوطبوا به ، لو لا أنّ المیول والشهوات قد استثنتهم.

أو کان أمیر المؤمنین علیه السلام مستثنی من بین الصحابة عن شمول تلکم الأحکام؟ فلا تجری علی من نال منه علیه السلام أو وقع فیه.

أضف إلی هذه کلّها أنّ مولانا أمیر المؤمنین علیه السلام کان أحد الخلفاء الراشدین عندهم ، وبالإجماع المتسالم علیه بین فرق الإسلام کلّها ، وللقوم فیمن یقع فیهم ف)

ص: 379


1- آل عمران : 118.
2- کتاب الکبائر للذهبی : ص 235 [ص 216 ح 493]. (المؤلف)

أحکام شدیدة ، ومنهم من قال کما سمعته قبیل هذا بکفر من سبّ الشیخین ، وزندقة من سبّ عثمان ، وقد جاء فی الصحیح الثابت قوله صلی الله علیه وآله وسلم : علیکم بسنّتی وسنّة الخلفاء الراشدین المهدیّین من بعدی (1).

فهلمّ معی نسائلهم عن المبرّر لعمل معاویة والأمویّین منتسباً ونزعة ، وتابعیهم المجترحین لهذه السیّئة المخزیة ، وعن المغضین عنهم الذین أخرجوا إمام العدل صنو محمد - صلّی الله علیهما وآلهما - عن حکم الخلفاء ، وعن حکم الصحابة ، بل وعن حکم آحاد المسلمین ، فاستباحوا النیل منه علی رءوس الأشهاد ، وفی کلّ منتدی ومجمع من دون أیّ وازعٍ یزعهم.

فإلی أیّ هوّة أسفّوا بالإمام الطاهر علیه السلام حتی استلبوه الأحکام المرتّبة علی المواضیع الثلاثة : الخلافة ، الصحبة ، الإسلام؟ ولم یقیموا له أی وزن ، وما راعوا فیه أیّ حقّ ، وما تحفّظوا له بأیّة کرامة وهو نفس الرسول صلی الله علیه وآله وسلم وزوج ابنته ، وأبو سبطیه ، وأوّل من أسلم له ، وقام الإسلام بسیفه ، وتمّت برهنة الحقّ ببیانه ، واکتسحت المعرّات عن الدین بلسانه وسنانه ، وهو مع الحقّ والحقّ معه ، وهو مع القرآن والقرآن معه ولن یفترقا حتی یردا علی النبی صلی الله علیه وآله وسلم الحوض (2) ، وما غیّر وما بدّل حتی لفظ نفسه الأخیر ، وهم یمنعون عن لعن الأدعیاء ، وحملة الأوزار المستوجبین النار ، ویذبّون عن الوقیعة فی أهل المعرّة والخمور والفجور ، من طرید ، إلی لعین ، إلی متهاون بالشریعة ، إلی عائث بالأحکام ، إلی مبدّل للسنّة ، إلی مخالف للکتاب ومحالف للهوی ، إلی إلی إلی ... إنّا لله وإنّا إلیه راجعون.

نعم ؛ لعمر الحقّ کان الأمر کما قال عامر بن عبد الله بن الزبیر لمّا سمع ابنه ینال من علیّ علیه السلام : یا بنیّ إیّاک وذکر علیّ رضی الله عنه فإنّ بنی أُمیّة تنقّصته ستّین عاماً فما زاده الله ة.

ص: 380


1- مرّ معناه الصحیح فی الجزء السادس : ص 330. (المؤلف)
2- أنظر الغدیر : 3 / 251 - 255 و 7 / 238 - 239 و 8 / 270 و 10 / 70 - 71 ، 398 من هذه الطبعة.

بذلک إلاّ رفعة. المحاسن والمساوئ للبیهقی (1) (1 / 40).

(یُرِیدُونَ أَنْ یُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَیَأْبَی اللهُ إِلاَّ أَنْ یُتِمَّ نُورَهُ) (2)

- 16 -

قتال ابن هند علیًّا أمیر المؤمنین علیه السلام

نحن مهما غضضنا الطرف عن شیء فی الباب ، فلا یسعنا أن نتغاضی عن أنّ مولانا أمیر المؤمنین هو ذلک المسلم الأوحدیّ الذی یحرم إیذاؤه وقتاله (وَالَّذِینَ یُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِینَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَیْرِ مَا اکْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِیناً) (3) ، ومن المتسالم علیه عند أُمّة محمد صلی الله علیه وآله وسلم قوله : «سباب المسلم - المؤمن - فسوق ، وقتاله کفر» (4). وقد اقترف معاویة الإثمین معاً ، فسبّ وقاتل سیّد المسلمین جمیعاً ، وآذی أوّل من أسلم من الأُمّة المرحومة ، وآذی فیه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم (وَالَّذِینَ یُؤْذُونَ رَسُولَ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِیمٌ) (5) ، ومن آذی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فقد آذی الله (إِنَّ الَّذِینَ یُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِی الدُّنْیا وَالْآخِرَةِ) (6).

علی أنّه - سلام الله علیه - کان خلیفة الوقت یومئذٍ کیفما قلنا أو تمحّلنا فی أمر الخلافة ، وکان تصدّیه لها بالنصّ ، وإجماع أهل الحلّ والعقد ، وبیعة المهاجرین والأنصار ، ورضی الصحابة جمعاء ، خلا نفر یسیر شذّوا عن الطریقة المثلی لا یفتّون فی عضد جماعة ، ولا یؤثّرون علی انعقاد طاعة ، بعثت بعضهم الضغائن ، وحدت آخر 7.

ص: 381


1- المحاسن والمساوئ : ص 55.
2- التوبة : 32.
3- الأحزاب : 58.
4- أنظر الغدیر : 2 / 254.
5- التوبة : 61.
6- الأحزاب : 57.

المطامع ، واندفع ثالث إلی نوایا خاصّة رغب فیها لشخصیّاته. وکیفما کانت الحالة فأمیر المؤمنین علیه السلام وقتئذٍ الخلیفة حقّا ، وإنّ من ناوأه وخرج علیه یجب قتله ، وإنّما خلع ربقة الإسلام من عنقه ، وأهان سلطان الله ، ویلقی الله ولا حجّة له ، وقد جاء فی النصّ الجلیّ قوله صلی الله علیه وآله وسلم : «ستکون هنات وهنات ، فمن أراد أن یفرّق أمر هذه الأُمّة وهم جمیع فاضربوا رأسه بالسیف کائناً من کان».

وفی لفظ : «فمن رأیتموه یمشی إلی أُمّة محمد فیفرّق جماعتهم فاقتلوه».

وفی لفظ الحاکم : «فاقتلوه کائناً من کان من الناس». راجع صفحة (27 ، 28) من هذا الجزء.

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم «من أتاکم وأمرکم جمع علی رجل واحد یرید أن یشقّ عصاکم أو یفرّق جماعتکم ، فاقتلوه». راجع (ص 28) من هذا الجزء.

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «من خرج من الطاعة ، وفارق الجماعة فمات ، مات میتة جاهلیّة ، ومن قاتل تحت رایة عمیّة یغضب للعصبیّة ، أو یدعو إلی عصبیّة ، أو ینصر عصبیّة ، فقتل فقتلة جاهلیّة ، ومن خرج علی أُمّتی یضرب برّها وفاجرها ، لا یتحاشی من مؤمنها ولا یفی لذی عهدها ، فلیس منّی ولست منه» (1).

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «من خلع یداً من طاعة لقی الله یوم القیامة ولا حجّة له ، ومن مات ولیس فی عنقه بیعة مات میتة جاهلیّة» (2).

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «من خرج من الجماعة قید شبر فقد خلع ربقة الإسلام من رأسه إلاّ أن یراجع ، ومن دعا دعوة جاهلیّة فإنّه من جثا جهنّم» ، قال رجل : یا رسول الله ف)

ص: 382


1- صحیح مسلم : 6 / 21 [4 / 124 ح 53 کتاب الإمارة] ، سنن البیهقی : 8 / 156 ، مسند أحمد : 2 / 296 [2 / 573 7884] ، تیسیر الوصول : 2 / 39 [2 / 47]. (المؤلف)
2- صحیح مسلم : 6 / 22 [4 / 126 ح 58 کتاب الإمارة] ، سنن البیهقی : 8 / 156. (المؤلف)

وإن صام وصلّی؟ قال : «نعم وإن صام وصلّی ، فادعوا بدعوة الله الذی سمّاکم بها المسلمین المؤمنین ، عباد الله» (1).

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «من فارق الجماعة شبراً فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه» (2).

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «لیس أحد یفارق الجماعة قید شبر فیموت إلاّ مات میتة جاهلیّة» (3).

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «من خرج عن الطاعة وفارق الجماعة فمات ، مات میتة جاهلیّة» (4).

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «من أهان سلطان الله فی الأرض أهانه الله» (5).

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم من طریق معاویة نفسه : «من فارق الجماعة شبراً دخل النار» (6)

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «من فارق الجماعة ، واستذلّ الإمارة لقی الله ولا حجّة له عند الله» (7).

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «اسمعوا وأطیعوا وإن استُعمل علیکم عبد حبشیّ کأنّ رأسه زبیبة» (8). ف)

ص: 383


1- سنن البیهقی : 8 / 157 ، مستدرک الحاکم : 1 / 117 [1 / 204 ح 404] صدر الحدیث. (المؤلف)
2- سنن البیهقی : 8 / 157 ، مستدرک الحاکم : 1 / 117 [1 / 203 ح 401]. (المؤلف)
3- صحیح البخاری باب السمع والطاعة للإمام [ج 6 / 2612 ح 6724] ، سنن البیهقی : 8 / 157. (المؤلف)
4- تیسیر الوصول : 2 / 39 [2 / 47] نقلاً عن الشیخین. (المؤلف)
5- صحیح الترمذی : 9 / 69 [4 / 435 ح 2224] ، تیسیر الوصول : 2 / 39 [2 / 47]. (المؤلف)
6- مستدرک الحاکم : 1 / 118 [1 / 205 ح 407]. (المؤلف)
7- مستدرک الحاکم : 1 / 119 [1 / 206 ح 410]. (المؤلف)
8- صحیح البخاری باب السمع والطاعة [6 / 2612 ح 6723] ، صحیح مسلم : 6 / 15 [4 / 116 ح 37 کتاب الإمارة] ، واللفظ للبخاری. (المؤلف)

أوَهل تری معاویة فی خروجه علی أمیر المؤمنین علیه السلام ألف الجماعة ولازم الطاعة؟ أو أنّه باغٍ أهان سلطان الله ، واستذلّ الإمارة الحقّة ، وخرج عن الطاعة ، وفارق الجماعة وخلع ربقة الإسلام من رأسه؟

النصوص النبویّة تأبی إلاّ أن یکون الرجل علی رأس البغاة ، کما کان علی رأس الأحزاب یوم کان وثنیّاً ، وما أشبه آخره بأوّله ، ولذلک أمر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أمیر المؤمنین بقتاله ، وأنّ من یقتل عمّاراً هی الفئة الباغیة ، ولم یختلف اثنان فی أنّ أصحاب معاویة هم الذین قتلوه ، غیر أنّ معاویة نفسه لم یتأثّر بتلک الشیة ، ولم تثنه عن بغیه تلکم القتلة وأمثالها من الصلحاء الأبرار ، الذین ولغ فی دمائهم.

أضف إلی ذلک أنّ معاویة هو الخلیفة الأخیر ببیعة طغام الشام وطغاتهم ، إن کانت لبیعتهم الشاذّة قیمة فی الشریعة ، وقد حتّم الإسلام قتل خلیفة مثله ، بقول نبیّه الأعظم صلی الله علیه وآله وسلم : «إذا بویع لخلیفتین فاقتلوا الآخر منهما».

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «ستکون خلفاء فتکثر» قالوا : فما تأمرنا؟ قال : «فُوا ببیعة الأوّل فالأوّل ، وأعطوهم حقّهم».

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «من بایع إماماً فأعطاه صفقة یده وثمرة قلبه فلیطعه إن استطاع ، فإن جاء أحد ینازعه فاضربوا عنق الآخر».

وهذه الأحادیث الصحیحة الثابتة (1) ، هی التی تصحّح الحدیث الوارد فی معاویة نفسه ، وإن ضعف إسناده عند القوم ، من قوله صلی الله علیه وآله وسلم : «إذا رأیتم معاویة علی منبری فاقتلوه» (2). وهو المعتضد بما ذکره المناوی فی کنوز الدقائق (3) (ص 145) من قوله صلی الله علیه وآله وسلم : «من قاتل علیّا علی الخلافة فاقتلوه کائناً من کان». 4.

ص: 384


1- راجع : صفحة : 27 ، 28 ، 272 من هذا الجزء. (المؤلف)
2- راجع : صفحة 142 من هذا الجزء. (المؤلف)
3- کنوز الدقائق : 2 / 114.

وبعد أن تراءت الفئتان أصحاب أمیر المؤمنین علیه السلام وطغمة معاویة حکم فیهم کتاب الله تعالی بقوله : (وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَیْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَی الْأُخْری فَقاتِلُوا الَّتِی تَبْغِی حَتَّی تَفِیءَ إِلی أَمْرِ اللهِ) (1) وبها استدلّ أئمّة الفقه کالشافعیّ علی قتال أهل البغی (2) ، وأصحاب معاویة هم الفئة الباغیة بنصّ من الرسول الأعظم صلی الله علیه وآله وسلم (3).

وقال محمد بن الحسن الشیبانی الحنفی المتوفّی (187) : لو لم یقاتل معاویة علیّا ظالماً له ، متعدّیاً باغیاً ، کنّا لا نهتدی لقتال أهل البغی. الجواهر المضیئة (2 / 26).

قال القرطبی فی تفسیره (4) (16 / 317) : فی هذه الآیة دلیل علی وجوب قتال الفئة الباغیة ، المعلوم بغیها علی الإمام أو علی أحد من المسلمین.

وقال : قال القاضی أبو بکر بن العربی (5) : هذه الآیة أصل فی قتال المسلمین : والعمدة فی حرب المتأوّلین ، وعلیها عوّل الصحابة ، وإلیها لجأ الأعیان من أهل الملّة ، وإیّاها عنی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم بقوله : «تقتل عمّاراً الفئة الباغیة». وقوله علیه السلام فی الخوارج : «یخرجون علی خیر فرقة أو علی حین فرقة». والروایة الأولی أصحّ لقوله علیه السلام : «تقتلهم أولی الطائفتین إلی الحقّ» ، وکان الذی قتلهم علیّ بن أبی طالب ومن کان معه. فتقرّر عند علماء المسلمین وثبت بدلیل الدین أنّ علیّا رضی الله عنه کان إماماً ، وأنّ کلّ من خرج علیه باغٍ ، وأنّ قتاله واجب حتی یفیء إلی الحقّ ، وینقاد إلی الصلح. انتهی

وقال الزیلعی فی نصب الرایة (4 / 69) : وأمّا أنّ الحق کان بید علیّ فی نوبته ، 0.

ص: 385


1- الحجرات : 9.
2- سنن البیهقی : 8 / 171. (المؤلف)
3- راجع ما أسلفناه فی الجزء الثالث. (المؤلف)
4- الجامع لأحکام القرآن : 16 / 208.
5- أنظر العواصم والقواصم : ص 168 - 170.

فالدلیل علیه قول النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم لعمّار : «تقتلک الفئة الباغیة». ولا خلاف أنّه کان مع علیّ وقتله أصحاب معاویة ، قال إمام الحرمین فی کتاب الإرشاد : وعلیّ رضی الله عنه کان إماماً حقّا فی ولایته ، ومقاتلوه بغاة ، وحسن الظن بهم یقتضی أن یظنّ بهم قصد الخیر وإن أخطأوه ، وأجمعوا علی أنّ علیّا کان مصیباً فی قتال أهل الجمل ، وهم طلحة ، والزبیر ، وعائشة ، ومن معهم ، وأهل صفّین ، وهم معاویة وعسکره ، وقد أظهرت عائشة الندم (1). انتهی.

وحقّا قالت عائشة : ما رأیت مثل ما رغبت عنه هذه الأُمّة من هذه الآیة : (وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ اقْتَتَلُوا) (2) وأمّ المؤمنین هی أوّل من رغبت عن هذه الآیة ، وضیّعت حکمها ، وخالفتها وخرجت من عقر دارها ، وترکت خدرها ، وتبرّجت تبرّج الجاهلیّة الأولی ، وحاربت إمام زمانها ، ولعلّها ندمت وبکت حتی بلّت خمارها ، ولمّا ...

ومن هنا وهناک کان مولانا أمیر المؤمنین علیه السلام یوجب قتال أهل الشام ، ویقول : «لم أجد بدّا من قتالهم ، أو الکفر بما أُنزل علی محمد صلی الله علیه وآله وسلم» وفی لفظ : «ما هو إلاّ ف)

ص: 386


1- هکذا حکاه الزیلعی عن الإرشاد وأنت تجده محرّفاً عند الطبع ، راجع الإرشاد : ص 433 [ص 365]. (المؤلف) [وقال المناوی فی فیض القدیر شرح الجامع الصغیر : 6 / 365 - 366 ، فی تعلیقه علی الحدیث : ویح عمار تقتله الفئة الباغیة ما نصّه : وهذا صریح فی بغی طائفة معاویة الّذین قتلوا عماراً فی وقعة صفّین ، وأنّ الحق مع علیّ وهو من الإخبار بالمغیّبات ... وهذا الحدیث من أثبت الأحادیث وأصحّها ، ولما لم یقدر معاویة علی إنکاره قال : إنما قتله من أخرجه. فأجابه علیّ علیه السلام : بأن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إذن قتل حمزة حین أخرجه. وقال الإمام الجرجانی فی کتاب الإمامة : أجمع فقهاء الحجاز والعراق من فریقی الحدیث والرأی منهم : مالک والشافعی وأبو حنیفة والأوزاعی والجمهور الأعظم من المتکلمین والمسلمین أنّ علیاً مصیب فی قتاله لأهل صفّین کما هو مصیب فی أهل الجمل ، وأنّ الذین قاتلوه بغاة ظالمون].
2- السنن الکبری للبیهقی : 8 / 172 ، مستدرک الحاکم : 2 / 156 [2 / 168 ح 2664]. (المؤلف)

الکفر بما نزل علی محمد ، أو قتال القوم» (1).

وکان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یأمر وجوه أصحابه کأمیر المؤمنین ، وأبی أیّوب الأنصاری ، وعمّار بن یاسر ، بقتال الناکثین والقاسطین والمارقین ، وقد مرّت أحادیثه فی الجزء الثالث (ص 192 - 195) وکان من المتّفق علیه عند السلف أنّ القاسطین هم أصحاب معاویة.

فبأیّ حجّة ولو کانت داحضة ، کان معاویة الذی یجب قتله وقتاله یستسیغ محاربة علیّ أمیر المؤمنین؟ وبین یدیه کتاب الله وسنّة نبیّه صلی الله علیه وآله وسلم إن کان ممّن یقتصّ أثرهما ، وفی الذکر الحکیم قوله سبحانه : (فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِی شَیْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَی اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ کُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْیَوْمِ الْآخِرِ) (2) (وَمَنْ لَمْ یَحْکُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِکَ هُمُ الْکافِرُونَ) (3) (وَمَنْ لَمْ یَحْکُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِکَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (4) (وَمَنْ لَمْ یَحْکُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِکَ هُمُ الْفاسِقُونَ) (5).

فلم یکن القتال أوّل فاصل لنزاع الأُمّة قبل الرجوع إلی محکمات الکتاب ، وما فیه فصل الخطاب من السنّة المبارکة ، ولذلک کان مولانا أمیر المؤمنین یُتمّ علیهم الحجّة بکتابه وخطابه ، منذ بدء الأمر برفع الخصومه إلی الکتاب الکریم وهو عدله ، وکان یخاطب وفد معاویة ویقول : «ألا إنّی أدعوکم إلی کتاب الله عزّ وجلّ وسنّة نبیّه».

تاریخ الطبری (6) (6 / 4).

ومن کتاب له علیه السلام إلی معاویة ومن قبله من قریش قوله : «ألا وإنّی أدعوکم .

ص: 387


1- نهج البلاغة : 1 / 94 [ص 84 خطبة 43] ، کتاب صفّین : 542 [ص 474] ، مستدرک الحاکم : 3 / 115 [3 / 124 ح 4597] ، الشفا للقاضی عیاض ، شرح ابن أبی الحدید : 1 / 183 [2 / 208 خطبة 35] ، البحر الزخّار : 5 / 415 [6 / 415]. (المؤلف)
2- النساء : 59.
3- المائدة : 44 و 45 و 47.
4- المائدة : 44 و 45 و 47.
5- المائدة : 44 و 45 و 47.
6- تاریخ الأُمم والملوک : 5 / 8 حوادث سنة 37 ه.

إلی کتاب الله وسنّة نبیّه ، وحقن دماء هذه الأُمّة».

شرح نهج البلاغة (1) (1 / 19).

فلم یعبئوا به إلاّ بعد ما اضطرّوا إلی التترّس به ، وقد أخبر بذلک الإمام قبل وقوع الواقعة ، فیما کتب إلی معاویة : «وکأنّی بک غداً وأنت تضجّ من الحرب ضجیج الجمال من الأثقال ، وستدعونی أنت وأصحابی إلی کتاب تعظّمونه بألسنتکم ، وتجحدونه بقلوبکم»

شرح ابن أبی الحدید (2) (3 / 411 و 4 / 50).

وفی کتاب آخر له علیه السلام إلیه : «وکأنّی بجماعتک تدعونی - جزعاً من الضرب المتتابع والقضاء الواقع ، ومصارع بعد مصارع - إلی کتاب الله ، وهی کافرة جاحدة ، أو مبایعة حائدة».

نهج البلاغة (3) (2 / 12).

فقد صدّق الخبر الخبر واتّخذوه جُنّة مکراً وخداعاً یوم رُفِعت المصاحف ، وکانوا کما قال مولانا أمیر المؤمنین یومئذٍ : «عباد الله إنّی أحقّ من أجاب إلی کتاب الله ، ولکنّ معاویة ، وعمرو بن العاص ، وابن أبی معیط ، وحبیب بن مسلمة ، وابن أبی سرح ، لیسوا بأصحاب دین ولا قرآن ، إنّی أعرف بهم منکم ، صحبتهم أطفالاً ، وصحبتهم رجالاً ، فکانوا شرّ أطفال وشرّ رجال ، إنّها کلمة حقّ یُراد بها الباطل. إنّهم والله ما رفعوها أنّهم یعرفونها ویعملون بها ، ولکنّها الخدیعة والوهن والمکیدة» (4). ف)

ص: 388


1- شرح نهج البلاغة : 3 / 210 خطبة 48.
2- شرح نهج البلاغة : 15 / 83 کتاب 10 ، 16 / 134 کتاب 32.
3- نهج البلاغة : ص 371 کتاب 10.
4- راجع ما أسلفناه من کلمات الإمام علیه السلام [ص 211 - 223 من هذا الجزء] ، ففیها المقنع لطالب الحق. (المؤلف)

ولم یألُ الرسول الکریم صلی الله علیه وآله وسلم جهداً فی تحذیر المسلمین عن التورّط فی هذه الفتنة العمیاء بخصوصها ، ویعرّفهم مکانة أمیر المؤمنین ، ویکرّههم مسّه بشیءٍ من الأذی من قتال ، أو سبّ ، أو لعن ، أو بغض ، أو تقاعد عن نصرته ، ویحثّهم علی ولائه واتّباعه واقتصاص أثره ، والکون معه بعد ما قرن الله ولایته بولایته وولایة الرسول ، وطاعته بطاعتهما فقال : (إِنَّما وَلِیُّکُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِینَ آمَنُوا الَّذِینَ یُقِیمُونَ الصَّلاةَ وَیُؤْتُونَ الزَّکاةَ وَهُمْ راکِعُونَ) (1) وقوله تعالی (2) : (یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا أَطِیعُوا اللهَ وَأَطِیعُوا الرَّسُولَ وَأُولِی الْأَمْرِ مِنْکُمْ) (3).

لکن معاویة لم یقنعه الکتاب والسنّة فباء بتلکم الآثام کلّها ، وجانب هاتیک الأحکام الواجبة جمعاء ، فکان من القاسطین وهو یرأسهم (وَأَمَّا الْقاسِطُونَ فَکانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً) (4). نعم ؛ لم یقنع معاویة :

[1 -] قوله صلی الله علیه وآله وسلم : «علیّ منّی بمنزلة هارون من موسی إلاّ أنّه لا نبیّ بعدی»

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «من کنت مولاه فعلیّ مولاه ، اللهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله».

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «من أطاعنی فقد أطاع الله ومن عصانی فقد عصی الله ، ومن أطاع علیّا فقد أطاعنی ، ومن عصی علیّا فقد عصانی».

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «إنّی تارک فیکم الثقلین : کتاب الله وعترتی أهل بیتی ، إنّهما لن یفترقا حتی یردا علیّ الحوض ، فانظرونی ، بم تخلفونی فیهما». 5.

ص: 389


1- راجع ما فصّلناه فی : 2 / 52 ، 58 و 3 / 155 - 162. (المؤلف)
2- النساء : 59.
3- صحیح البخاری باب التفسیر [4 / 1674 ح 4308] ، کتاب الأحکام [6 / 2611 ح 6718] ، صحیح مسلم : 6 / 13 [4 / 114 ح 31 کتاب الإمارة]. (المؤلف)
4- الجنّ : 15.

[5 -] وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «من یرید أن یحیی حیاتی ، ویموت مماتی ، ویسکن جنّة الخلد التی وعدنی ربّی فلیتولَّ علیّ بن أبی طالب ، فإنّه لن یخرجکم من هدی ، ولن یدخلکم فی ضلالة».

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «إنّ ربّ العالمین عهد إلیّ عهداً فی علیّ بن أبی طالب ، فقال : إنّه رایة الهدی ، ومنار الإیمان ، وإمام أولیائی ، ونور جمیع من أطاعنی».

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «عنوان صحیفة المؤمن حبّ علیّ بن أبی طالب».

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم لمّا نظر إلی علیّ وفاطمة والحسن والحسین : «أنا حرب لمن حاربکم ، وسلم لمن سالمکم».

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «علیّ منّی وأنا منه ، وهو ولیّ کلّ مؤمن بعدی».

[10 -] وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «أنت ولیّی فی کلّ مؤمن بعدی».

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم فی حدیث : «علیّ أمیر المؤمنین ، إمام المتّقین ، وقائد الغرّ المحجّلین إلی جنّات ربّ العالمین ، أفلح من صدّقه ، وخاب من کذّبه ، ولو أنّ عبداً عَبَدَ الله بین الرکن والمقام ألف عام وألف عام ، حتی یکون کالشنّ البالی ، ولقی الله مبغضاً لآل محمد ، أکبّه الله علی منخره فی نار جهنّم».

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم له : «لا یحبّک إلاّ مؤمن ، ولا یبغضک إلاّ منافق».

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم آخذاً بید الحسن والحسین : «من أحبّنی وأحبّ هذین وأباهما وأمّهما ، کان معی فی درجتی یوم القیامة».

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «علیّ منّی بمنزلة رأسی من بدنی».

[15 -] وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «والذی نفسی بیده لا یبغضنا أهل البیت أحد إلاّ أدخله الله النار».

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «یا علیّ طوبی لمن أحبّک وصدق فیک ، وویل لمن أبغضک

ص: 390

وکذب فیک».

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «من أحبّنی فلیحبّ علیّا ، ومن أبغض علیّا فقد أبغضنی ، ومن أبغضنی فقد أبغض الله عزّ وجلّ ، ومن أبغض الله أدخله النار».

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «لا تسبّوا علیّا فإنّه ممسوس بذات الله».

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «هذا أمیر البررة ، قاتل الفجرة ، منصور من نصره ، مخذول من خذله».

[20 -] وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «من آذی علیّا فقد آذانی».

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «من أحبّ علیّا فقد أحبّنی ، ومن أبغض علیّا فقد أبغضنی».

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «أوحی إلیّ فی علیّ ثلاث : أنّه سیّد المسلمین ، وإمام المتّقین ، وقائد الغرّ المحجّلین».

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «من سبّ علیّا فقد سبّنی ، ومن سبّنی فقد سبّ الله عزّ وجلّ ، ومن سبّ الله کبّه الله علی منخریه فی النار».

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «لو أنّ عبداً عَبَدَ الله سبعة آلاف سنة ، ثم أتی الله عزّ وجلّ ببغض علیّ بن أبی طالب ، جاحداً لحقّه ، ناکثاً لولایته ، لأتعس الله خیره ، وجدع أنفه».

[25 -] وقوله صلی الله علیه وآله وسلم فی علیٍّ علیه السلام : «سجیّته سجیّتی ، ودمه دمی ، وهو عیبة علمی ، لو أنّ عبداً من عباد الله عزّ وجلّ عَبَدَ الله ألف عام بین الرکن والمقام ، ثم لقی الله عزّ وجلّ مبغضاً لعلیّ بن أبی طالب وعترتی ، أکبّه الله علی منخره یوم القیامة فی نار جهنّم».

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم لعلیٍّ علیه السلام : «یا علیّ لو أنّ أُمتی صاموا حتی یکونوا ، کالحنایا ، وصلّوا حتی یکونوا کالأوتار ، ثم أبغضوک لَأکبّهم الله فی النار».

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «لا یجوز أحد الصراط إلاّ من کتب له علیّ الجواز».

ص: 391

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «لا یجوز أحد الصراط إلاّ ومعه براءة بولایته وولایة أهل بیته ، یشرف علی الجنّة ، فیدخل محبّیه الجنّة ، ومبغضیه النار».

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «معرفة آل محمد براءة من النار ، وحبّ آل محمد جواز علی الصراط ، والولایة لآل محمد أمان من العذاب».

[30 -] وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «یا أیّها الناس ، أُوصیکم بحبّ ذی قرنیها أخی وابن عمّی علیّ بن أبی طالب ، فإنّه لا یحبّه إلاّ مؤمن ، ولا یبغضه إلاّ منافق».

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «سیکون بعدی قوم یقاتلون علیّا ، علی الله جهادهم ، فمن لم یستطع جهادهم بیده فبلسانه ، فمن لم یستطع بلسانه فبقلبه ، لیس وراء ذلک شیء».

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم لعلیّ : «أنت وشیعتک تأتی یوم القیامة ، أنت وهم ، راضین مرضیّین ، ویأتی أعداؤک غضاباً مقمحین. قال : ومن عدوّی؟ قال : من تبرّأ منک ولعنک».

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «مَثَل أهل بیتی فیکم مثل سفینة نوح ، من رکبها نجا ، ومن تخلّف عنها غرق».

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «الزموا مودّتنا أهل البیت ، فإنّه من لقی الله عزّ وجلّ وهو یودّنا دخل الجنّة بشفاعتنا ، والذی نفسی بیده لا ینفع عبداً عمله إلاّ بمعرفة حقّنا».

[35 -] وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «لو أنّ رجلاً صفن بین الرکن والمقام ، فصلّی وصام ، ثم لقی الله وهو مبغض لأهل بیت محمد ، دخل النار».

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «إنّ الله جعل أجری علیکم المودّة فی أهل بیتی ، وإنّی سائلکم غداً عنهم».

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «وقفوهم إنّهم مسؤولون عن ولایة علیّ».

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «أنا وأهل بیتی شجرة فی الجنة وأغصانها فی الدنیا ، فمن تمسّک بنا اتّخذ إلی ربّه سبیلاً».

ص: 392

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم وقد خیّم خیمة وفیها علیّ وفاطمة والحسن والحسین : «معشر المسلمین أنا سلم من سالم أهل الخیمة ، حرب لمن حاربهم ، ولیّ لمن والاهم ، لا یحبّهم إلاّ سعید الجدّ ، طیّب المولد ، ولا یبغضهم إلاّ شقیّ الجدّ ردیء المولد».

40 - وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «إذا جمع الله الأوّلین والآخرین یوم القیامة ، ونصب الصراط علی جسر جهنّم ، ما جازها أحد حتی کانت معه براءة بولایة علیّ بن أبی طالب» (1).

هذا مولانا أمیر المؤمنین ، وهذا غیض من فیض ممّا جاء فی ولائه وعدائه ، فأیّ صحابیّ عادل ، عاصر نبیّ الرحمة ووعی منه هاتیک الکلمات الدرّیة ، وشاهد مولانا علیه السلام ، وعرف انطباقها علیه بتمام معنی الکلمة ، ثم ینحاز عنه ویتّخذ سبیلاً غیر سبیله فیبغی به الغوائل ، ویتربّص به الدوائر ، ویقع فیه بملء فمه وحشو فؤاده ، ویرمیه بقذائف الحقد والشنآن؟ لعلّک لا تجد مسلماً هو هکذا غیر من ألهته العصبیّة عن الهدی ، وتدهورت به إلی هوّة الشهوات السحیقة ، ولعلّک لا تجد ذلک الرجل البائس إلاّ ابن أبی سفیان المجابه للکتاب والسنّة ، بعد الإنکار بقلبه بالهزء والسخریّة بلسانه ، فعل مردة الوقت وطواغیت الأُمّة ، فتراه عندما روی له سعد بن أبی وقّاص - أحد العشرة المبشّرة - أحادیث ممّا سمعه عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی علیّ علیه السلام ونهض لیقوم ضرط له معاویة استهزاءً ، کما مرّ حدیثه فی هذا الجزء (ص 258).

وحینما ذکر له أبو ذر الغفاری ذلک الصادق المصدّق قول رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «است معاویة فی النار» (2). جابهه بالضحک وأمر بحبسه. ب.

ص: 393


1- أنظر الأجزاء : 1 / 603 - 605 ، 659 ، 672 ، 673 ، 675 و 2 / 99 ، 100 ، 423 - 425 ، 433 ، 437 ، 440 ، 457 ، 458 و 3 / 39 ، 43 ، 99 ، 118 ، 120 ، 171 ، 255 ، 260 - 264 269 ، 277 ، 283 ، 410 و 5 / 575 و 6 / 443 ، 466 و 7 / 237 - 239 و 8 / 236 ، 274 و 9 / 364 و 10 / 69 ، 71 ، 302 ، 389 ، 391 ، 392 و 11 / 13 ، 160. وراجع الفهارس الفنیة فی الجزء الثانی عشر لتحدید مواقع الأحادیث من الکتاب.
2- أنظر الجزء : 8 / 429 من هذا الکتاب.

ولمّا بقر عبد الرحمن بن سهل الأنصاری روایا خمر لمعاویة وبلغه شأنه ، قال : دعوه فإنّه شیخ قد ذهب عقله (1). یستهزئ بإنکاره علی تلک الکبیرة الموبقة ، ولیت شعری بم هذا الهزء والسخریّة؟ أبالصحابیّ العادل؟ أم بمن استند إلیه فی حکمه بتحریم الخمر؟ أم بالشریعة التی جاءت به؟ إنّ ابن آکلة الأکباد بمقربة من کلّ ذلک ، أو أنّه لا یدین الله بذلک الحکم البات؟

ولمّا سمع من عمرو بن العاص ما حدّثه عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم من قوله لعمّار «تقتلک الفئة الباغیة». قال لعمرو : إنّک شیخ أخرق ، ولا تزال تحدّث بالحدیث ، وأنت ترحض فی بولک ، أنحن قتلناه؟ إنّما قتله علیّ وأصحابه ، جاءوا به حتی ألقوه بین رماحنا! وقال : أفسدت علیّ أهل الشام ، أکلّ ما سمعت من رسول الله تقوله (2)؟!

أهذا هزء؟ أم أنّ معاویة بلغ من السفاهة مبلغاً یحسب معه أنّ أمیر المؤمنین هو قاتل عمّار ، إذن فما قوله فی سیّد الشهداء حمزة وجعفر الطیّار (3)؟ أکان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قاتلهما یوم ألقاهما بین رماح المشرکین وسیوفهم؟ لا تستبعد مکابرة الطاغیة بقوله : إنّ رسول الله قتلهما. أو إنّ الرجل وجد حُمراً مستنفرة فألجمها ، وألجم مراشدها بتلکم التمویهات؟ وکلّ هذه معقولة غیر مستعصیة علی استقراء أعمال معاویة وأفعاله.

ثم ما ذا یعنی بقوله : أفسدت علیّ ... أیرید کبحاً أمام جری السنّة الشریفة؟ أو یروم إسدال غطاء علی مجالیها؟ أو الإعراض عن مدلولها لأنّه لا یلائم خطّته؟ ولا یستبعد شیء من ذلک ممّن طبع الله علی قلبه وهو ألدّ الخصام. ف)

ص: 394


1- راجع ما مرّ فی هذا الجزء : ص 181. (المؤلف)
2- أسلفنا تفصیله فی الجزء الأوّل : ص 329. (المؤلف)
3- بهذا أجاب الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام ، عن کلام الرجل کما فی تاریخ الخمیس : 2 / 277. [وانظر فیض القدیر فی شرح الجامع الصغیر : 6 / 365 عند تعلیقه علی حدیث : ویح عمار تقتله الفئة الباغیة]. (المؤلف)

ولمّا حدّثه عبادة بن الصامت حدیث حرمة الربا (1) ، وقد نطق بها القرآن الکریم فقال : اسکت عن هذا الحدیث ولا تذکره. فقال عبادة : بلی وإن رغم أنف معاویة. ولمّا سمع من عبادة حدیثه عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قال : إنّ هذا لا یقول شیئاً.

فلم یک یری قول رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم شیئاً یُعبأ به ویُصاخ إلیه ، ویعوّل علیه.

ولمّا قدم المدینة لقیه أبو قتادة الأنصاری (2) فقال له معاویة : یا أبا قتادة تلقّانی الناس کلّهم غیرکم یا معشر الأنصار ، ما منعکم؟ قال : لم یکن معنا دواب. فقال معاویة : فأین النواضح؟ قال أبو قتادة : عقرناها فی طلبک یوم بدر. قال : نعم یا أبا قتادة. قال أبو قتادة : إنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قال لنا : إنّا سنری بعده أثرة. قال معاویة : فما أمرکم به عند ذلک؟ قال : أمرنا بالصبر. قال : فاصبروا حتی تلقوه. قال عبد الرحمن بن حسّان حین بلغه قول معاویة :

ألا أبلغ معاویةَ بنَ صخرٍ

أمیرَ المؤمنین نثا کلامی

فإنّا صابرون ومنظروکم

إلی یوم التغابن والخصامِ (3)

وحقّ القول : أنّ المخذول لا یخضع لهتاف النبوّة ، ولا أنّهم سوف یلقون صاحبها ، ویرفعون إلیه ظلامتهم ، فیحکم لهم علی من استأثر علیهم ، وحسبه ذلک إلحاداً وبغیاً.

وفی روایة : أنّ أبا أیّوب أتی معاویة ، فشکا إلیه أنّ علیه دیناً فلم یر منه ما ف)

ص: 395


1- مرّ حدیثه فی هذا الجزء : ص 185. (المؤلف)
2- فی روایة ابن عساکر [تاریخ مدینة دمشق : 26 / 201 رقم 3071 ، وفی مختصر تاریخ دمشق 11 / 309] : عبادة بن صامت الأنصاری. (المؤلف)
3- الاستیعاب : 1 / 255 [القسم الثالث / 1421 رقم 2435] ، تاریخ ابن عساکر : 7 / 213 [26 / 201 رقم 3071 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 11 / 309] ، تاریخ الخلفاء للسیوطی : ص 134 [ص 188]. (المؤلف)

یحبّ ، فرأی أمراً کرهه ، فقال : سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول : «إنّکم سترون بعدی أثرة». قال : فأیّ شیء قال لکم؟ قال : أمرنا بالصبر. قال : فاصبروا. قال : فو الله لا أسألک شیئاً أبداً (1).

وفی لفظ : ظ دخل أبو أیّوب علی معاویة ، فقال : صدق رسول الله [سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول : یا معشر الأنصار] (2) إنّکم سترون بعدی أثرة فعلیکم بالصبر. فبلغت معاویة ، فقال : صدق رسول الله أنا أوّل من صدّقه. فقال أبو أیّوب : أجرأة علی الله وعلی رسوله؟ لا أکلّمه أبداً ولا یأوینی وإیّاه سقف بیت. تاریخ ابن عساکر (3) (5 / 42).

وفی لفظ الحاکم (4) : إنّ أبا أیّوب أتی معاویة ، فذکر حاجة له فجفاه ولم یرفع به رأساً ، فقال أبو أیّوب : أما إنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قد أخبرنا أنّه سیصیبنا بعده أثرة. قال : فبِمَ أمرکم؟ قال : أمرنا أن نصبر حتی نرد علیه الحوض. قال : فاصبروا إذاً. فغضب أبو أیّوب وحلف أن لا یکلّمه أبداً. الخصائص الکبری (5) (2 / 150).

وحضر أبو بکرة مجلس معاویة ، فقال له : حدثنا یا أبا بکرة ، فقال : إنّی سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول : الخلافة ثلاثون ثم یکون الملک. قال عبد الرحمن بن أبی بکرة : وکنت مع أبی ، فأمر معاویة فوُجئ فی أقفائنا حتی أُخرجنا (6).

ولعلّک تعرف خبیئة ضمیر معاویة بما حدّثه ابن بکار فی الموفّقیات ، عن مطرف بن المغیرة بن شعبة الثقفی ، قال : سمعت المدائنی یقول : قال مطرف بن المغیرة : ف)

ص: 396


1- تاریخ ابن عساکر : 5 / 41 [16 / 54 رقم 1876 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 7 / 340]. (المؤلف)
2- ما بین المعقوفین ساقط من الطبعات السابقة ، وأثبتناه من المصدر.
3- تاریخ مدینة دمشق : 16 / 56 رقم 1876.
4- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 520 ح 5935.
5- الخصائص الکبری : 2 / 255.
6- أخرجه ابن سعد کما فی النصائح الکافیة : 159 الطبعة الأولی [ص 195]. (المؤلف)

وفدت مع أبی المغیرة إلی معاویة ، فکان أبی یأتیه یتحدّث عنده ثم ینصرف إلیّ فیذکر معاویة. ویذکر عقله ، ویعجب ممّا یری منه ، إذ جاء ذات لیلة فأمسک عن العشاء ، فرأیته مغتمّا فانتظرته ساعة ، وظننت أنّه لشیء حدث فینا أو فی عملنا ، فقلت له : مالی أراک مغتمّا منذ اللیلة؟ قال : یا بنیّ إنّی جئت من عند أخبث الناس. قلت له : وما ذاک؟ قال : قلت له وقد خلوت به : إنّک قد بلغت منّا یا أمیر المؤمنین ، فلو أظهرت عدلاً ، وبسطت خیراً ، فانّک قد کبرت ، ولو نظرت إلی إخوتک من بنی هاشم ، فوصلت أرحامهم ، فو الله ما عندهم الیوم شیء تخافه. فقال لی : هیهات هیهات ، ملک أخو تیم فعدل وفعل ما فعل ، فو الله ما غدا أن هلک فهلک ذکره ، إلاّ أن یقول قائل : أبو بکر ، ثم ملک أخو عدی فاجتهد وشمّر عشر سنین ، فو الله ما غدا أن هلک فهلک ذکره ، إلاّ أن یقول قائل : عمر ، ثم ملک أخونا عثمان فملک رجل لم یکن أحد فی مثل نسبه ، فعمل ما عمل وعمل به فو الله ما غدا أن هلک فهلک ذکره ، وذکر ما فعل به ، وإنّ أخا هاشم یصرخ به فی کلّ یوم خمس مرّات : أشهد أنّ محمداً رسول الله. فأیّ عمل یبقی مع هذا لا أمّ لک ، والله إلاّ دفناً دفناً (1)؟!!

فهل تجد إذن عند معاویة إذعاناً بما جاء من الکتاب فی علیّ علیه السلام؟ أو تراه مخبتاً إلی شیء من الکثیر الطیّب الوارد عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی الثناء علی الإمام الطاهر؟ حینما عاداه ، وأبغضه ، ونقّصه ، وسبّه ، وهتک حرماته ، وآذاه ، وقذفه بالطامّات ، وحاربه ، وقاتله ، وتخلّف عن بیعته ، وخرج علیه.

أو تری أن یسوغ لمسلم صدّق نبیّه ولو فی بعض تلکم الآثار والمآثر أن یبوح بما کتبه ابن هند إلی الإمام علیه السلام من الکلم القارصة ، بمثل قوله فی کتاب له إلیه علیه السلام : ثم ترکک دار الهجرة التی قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم عنها : إنّ المدینة لتنفی خبثها ، کما ینفی الکیر خبث الحدید ، فلعمری لقد صحّ وعده ، وصدق قوله ، ولقد نفت خبثها ف)

ص: 397


1- مروج الذهب : 2 / 341 [4 / 49]. (المؤلف)

وطردت عنها من لیس بأهل أن یستوطنها ، فأقمت بین المصرین ، وبعدت عن برکة الحرمین ، ورضیت بالکوفة بدلاً من المدینة ، وبمجاورة الخورنق والحیرة عوضاً عن مجاورة خاتم النبوّة.

ومن قبل ذلک ما عیّبت خلیفتی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أیّام حیاتهما فقعدت عنهما ، وألّبت علیهما ، وامتنعت من بیعتهما ، ورُمتَ أمراً لم یرک الله تعالی له أهلاً ، ورقیت سلّماً وعراً ، وحاولت مقاماً دحضاً (1) ، وادّعیت ما لم تجد علیه ناصراً ، ولعمری لو ولّیتها حینئذ لما ازدادت إلاّ فساداً واضطراباً ، ولا أعقبت ولایتکها إلاّ انتشاراً وارتداداً ، لأنک الشامخ بأنفه ، الذاهب بنفسه ، المستطیل علی الناس بلسانه ویده.

وها أنا سائر الیک فی جمع من المهاجرین والأنصار ، تحفّهم سیوف شامیّة ، ورماح قحطانیّة ، حتی یحاکموک إلی الله ، فانظر لنفسک والمسلمین ، وادفع إلیّ قتلة عثمان فإنّهم خاصّتک وخلصاؤک المحدقون بک ، فإن أبیت إلاّ سلوک سبیل اللجاج والإصرار علی الغیّ والضلال ، فاعلم أنّ هذه الآیة إنّما نزلت فیک وفی أهل العراق معک (وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْیَةً کانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً یَأْتِیها رِزْقُها رَغَداً مِنْ کُلِّ مَکانٍ فَکَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ فَأَذاقَهَا اللهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِما کانُوا یَصْنَعُونَ) (2).

وقوله فی کتاب له : وإن کنت موائلاً فازدد غیّا إلی غیّک ، فطالما خفّ عقلک ، ومنّیت نفسک ما لیس لک ، والتویت علی من هو خیر منک ، ثم کانت العاقبة لغیرک ، واحتملت الوزر بما أحاط بک من خطیئتک.

وقوله فی کتاب له أیضاً : فدعنی من أساطیرک ، واکفف عنّی من أحادیثک ، وأقصر عن تقوّلک علی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، وافترائک من الکذب ما لم یقُل ، وغرور من معک والخداع لهم ، فقد استغویتهم ویوشک أمرک أن ینکشف لهم فیعتزلوک ، ویعلموا 2.

ص: 398


1- مکان دحض بالفتح ویحرک : زلق. (المؤلف)
2- النحل : 112.

أنّ ما جئت به باطل مضمحلّ.

وقوله من کتاب آخر له : فما أعظم الرین علی قلبک! والغطاء علی بصرک! الشره من شیمتک ، والحسد من خلیقتک!!

وقوله فی کتاب له إلیه علیه السلام : فدع الحسد ، فإنّک طالما لم تنتفع به ، ولا تفسد سابقة جهادک بشرّة نخوتک ، فإنّ الأعمال بخواتیمها ، ولا تُمحّص سابقتک بقتال من لا حقّ لک فی حقّه ، فإنّک إن تفعل لا تضرّ بذلک إلاّ نفسک ، ولا تمحق إلاّ عملک ، ولا تبطل إلاّ حجّتک ، ولعمری إنّ ما مضی لک من السابقات لشبیه أن یکون ممحوقاً لما اجترأت علیه من سفک الدماء ، وخلاف أهل الحقّ ، فاقرأ السورة التی یذکر فیها الفلق ، وتعوّذ من نفسک ، فإنّک الحاسد إذا حسد.

وقوله من کتاب له إلیه علیه السلام : فلمّا استوثق الإسلام وضرب بجرانه ، عدوت علیه ، فبغیته الغوائل ، ونصبت له المکاید ، وضربت له بطن الأمر وظهره ، ودسست علیه وأغریت به ، وقعدت - حین استنصرک - عن نصره ، وسألک أن تدرکه قبل أن یمزّق ، فما أدرکته ، وما یوم المسلمین منک بواحد ، لقد حسدت أبا بکر والتویت علیه ، ورمت إفساد أمره ، وقعدت فی بیتک ، واستغویت عصابة من الناس حتی تأخّروا عن بیعته ، ثم کرهت خلافة عمر وحسدته ، واستطالت مدّته وسُررت بقتله ، وأظهرت الشماتة بمصابه ، حتی أنّک حاولت قتل ولده لأنّه قتل قاتل أبیه ، ثم لم تکن أشدّ منک حسداً لابن عمّک عثمان. إلخ.

وقوله فی کتاب له إلیه علیه السلام : أمّا بعد : فإنّا کنّا نحن وإیّاکم یداً جامعة ، وإلفة ألیفة ، حتی طمعت یا ابن أبی طالب ، فتغیّرت وأصبحت تعدّ نفسک قویّا علی من عاداک بطغام أهل الحجاز ، وأوباش أهل العراق ، وحمقی الفسطاط ، وغوغاء السواد ، وایم الله لَینجَلینّ عنک حمقاها ، ولَینقشِعنّ عنک غوغاؤها انقشاع السحاب عن السماء.

ص: 399

قتلت عثمان بن عفّان ، ورقیت سلّماً أطلعک الله علیه مطلع سوء ، علیک لا لک ، وقتلت الزبیر وطلحة ، وشرّدت أُمّک عائشة ، ونزلت بین المصرین فمنّیت وتمنّیت ، وخُیّل لک أنّ الدنیا قد سُخِّرت لک بخیلها ورجلها ، وإنّما تعرف أُمنیّتک ، لو قد زرتک فی المهاجرین من الشام بقیّة الإسلام ، فیحیطون بک من ورائک ، ثم یقضی الله علمه فیک ، والسلام علی أولیاء الله (1).

فأیّ أحد من غوغاء الناس ومن جهلة الأُمّة یحسب فی صاحب هذه الکلمات المخزیة نزعة دینیّة؟ أو حیاءً وانقباضاً فی النفس ولو قید شعرة؟ أو بخوعاً إلی کتاب الله وهو یطهّر أهل البیت وعلیّ سید العترة ، ویراه نفس النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ، وقرن ولایته بولایة الله وولایة رسوله ، وطاعته بطاعتهما؟!

نعم : هکذا فلیکن رضیع ثدی هند وربیب حجر حمامة ، والناشئ تحت رایة البغاء ، وولید بیت أمیّة ، وثمرة تلک الشجرة الملعونة فی القرآن ، هکذا یسرف معاویة فی القول ، ویجازف مفرطاً فیه ، (ما یَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَیْهِ رَقِیبٌ عَتِیدٌ) (2) ، وهو سرف الفؤاد لا یعبأ بما تلقّته الأُمّة بالقبول من قول نبیّها فی علیّ علیه السلام : «أنت الصدّیق الأکبر ، أنت الفاروق الذی تفرق بین الحقّ والباطل ، وأنت یعسوب الدین» (3).

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : علیّ مع القرآن والقرآن معه ، لا یفترقان حتی یردا علیّ الحوض» (4).

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «علیّ مع الحقّ والحقّ مع علیّ ، ولن یفترقا حتی یردا علیّ 20

ص: 400


1- توجد هذه الکتب علی تفصیلها فی شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید : 3 / 41 ، 412 ، 448 و 4 / 50 ، 51 ، 201 [15 / 82 ، 87 ، 186 و 6 / 134 - 135 و 17 / 252 - 253]. ، وهی مبثوثة فی جمهرة الرسائل : 1 / 398 - 483. (المؤلف)
2- سورة ق : 18.
3- الحاوی للفتاوی للسیوطی : 2 / 196.
4- 20

الحوض یوم القیامة» (1)؟

إلی مئات أو ألوف ممّا جاء فی علیّ علیه السلام بلسان سیّد العالمین نبیّ الأُمّة صلی الله علیه وآله وسلم.

بلغ الطاغیة من عداء سیّد العترة حدّا لا یستطیع أن یسمع اسمه علیه السلام ، وکان ینهی عن التسمیة به ، یُروی أنّ علی بن أبی طالب علیه السلام افتقد عبد الله بن العباس ، فقال : ما بال أبی العباس لم یحضر؟ فقالوا : ولد له مولود. فلمّا صلّی علیّ قال : امضوا بنا إلیه ، فأتاه فهنّأه فقال : «شکرت الواهب وبورک لک فی الموهوب ، ما سمّیته؟» قال : أوَیجوز لی أن أسمّیه حتی تسمّیه؟ فأمر به فأُخِرج إلیه ، فأخذه وحنّکه ودعا له ، ثم ردّه إلیه وقال : «خذه إلیک أبا الأملاک ، قد سمّیته علیّا وکنّیته أبا الحسن» ، فلمّا قام معاویة قال لابن عبّاس : لیس لکم اسمه وکنیته ، قد کنّیته أبا محمد. فجرت علیه (2).

فکان بنو أُمیّة إذا سمعوا بمولود اسمه علیّ قتلوه (3). فکان الناس یبدّلون أسماء أولادهم. قاله زین الدین العراقی (4).

- 17 -

هنات وهنابث فی میزان ابن هند

1 - لمّا قُتل نعیم بن صهیب بن العلیة أتی ابن عمّه وسمیّه نعیم بن الحارث بن العلیّة معاویة ، وکان معه ، فقال : إنّ هذا القتیل ابن عمّی فهبه لی أدفنه. فقال : لا ندفنهم فلیسوا أهلاً لذلک ، فو الله ما قدرنا علی دفن عثمان معهم إلاّ سرّا. قال : والله لتأذننّ لی فی دفنه أو لألحقنّ بهم ولأدعنّک. فقال له معاویة : ویحک تری أشیاخ .

ص: 401


1- الغدیر : 7 / 238 ، 8 / 270 ، 10 / 70.
2- کامل المبرّد : 2 / 157 [1 / 497]. (المؤلف)
3- تهذیب التهذیب : 7 / 319 [7 / 281]. (المؤلف)
4- هو عبد الرحیم بن الحسین ، أبو الفضل زین الدین المعروف بالحافظ المتوفّی سنة 806 ه.

العرب لا نواریهم وأنت تسألنی دفن ابن عمّک؟ ثم قال له : ادفنه إن شئت أو دع. فأتاه فدفنه (1).

2 - لمّا قُتل عبد الله بن بدیل أقبل إلیه معاویة وعبد الله بن عامر حتی وقفا علیه ، فأمّا عبد الله فألقی عمامته علی وجهه وترحّم علیه وکان صدیقه ، فقال معاویة : اکشف عن وجهه ، فقال : لا والله لا یمثّل به وفیّ روح. فقال معاویة : اکشف عن وجهه فإنّا لا نمثّل به فقد وهبته لک (2). وذکر النسّابة أبو جعفر البغدادی فی المحبّر (ص 479) ممّا کتبه معاویة إلی زیاد بن سلمة : من کان علی دین علیّ ورأیه فاقتله وامثل به. یأتی الحدیث بتمامه.

3 - قد کان معاویة یوم صفّین نذر فی سبی نساء ربیعة ، وقتل المقاتلة ، فقال فی ذلک خالد بن المعمّر :

تمنّی ابنُ حربٍ نذرةً فی نسائنا

ودون الذی ینوی سیوفٌ قواضبُ

ونمنح ملکاً أنت حاولت خلعه

بنی هاشم قول امرئ غیر کاذبِ (3)

4 - ذکر الباوردی : أنّ عمیر بن قرّة اللیثی الصحابی ممّن شهد صفّین من الصحابة ، وکان شدیداً علی معاویة وأهل الشام ، حتی حلف معاویة لئن ظفر به لیذیبنّ الرصاص فی أُذنیه (4).

هذه هنات موبقة ، ومحظورات مسلّمة ، من بوائق ابن هند الکثیرة ، قد ارتکبها أو صمّم أن یقترفها فی صفّین ، فهل من الدین الحنیف منعه عن دفن من قتل تحت ف)

ص: 402


1- کتاب صفّین لابن مزاحم : ص 293 طبعة مصر [ص 259] ، تاریخ الطبری : 6 / 14 [5 / 26 حوادث سنة 37 ه] ، شرح ابن أبی الحدید : 1 / 489 [5 / 207 خطبة 65]. (المؤلف)
2- کتاب صفّین : ص 277 طبعة مصر [ص 246] ، شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید : 1 / 486 [5 / 197 خطبة 65]. (المؤلف)
3- کتاب صفین : ص 231 طبعة مصر [ص 294]. (المؤلف)
4- الإصابة لابن حجر : 3 / 35 [رقم 6052]. (المؤلف)

رایة الحقّ مع أمیر المؤمنین علیه السلام مع وجوب الإسراع فی دفن کلّ مؤمن؟ فهل کان أُولئک الصلحاء من الصحابة الأوّلین والتابعین لهم بإحسان عند معاویة خارجین عن الدین؟ أو أنّه کان یتّبع فیهم هواه المردی ، ویشفی بذلک غیظه منهم علی نصرتهم الحقّ ، وکم عند معاویة من مخازی أمثال هذه تقع عن الدین المبین بمعزل!

أفهل تسوغ مُثلة المسلم المخالف هواه هوی ابن آکلة الأکباد؟ والمثلة محرّمة حتی بالحیوان ، حتی بالکلب العقور (1) ، فکیف بصلحاء المؤمنین وقد لعن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم من مثّل بالحیوان (2)؟

وقد جاء حدیث النهی عن المثلة من طریق علیّ أمیر المؤمنین ، وأنس ، وابن عمر ، وعبد الله بن یزید الأنصاری ، وسمرة بن جندب ، وزید بن خالد ، وعمران بن حصین ، ومغیرة بن شعبة ، والحکم بن عمیر ، وعائذ بن قرط ، وأبی أیّوب الأنصاری ، ویحیی بن أبی کثیر ، وأسماء بنت أبی بکر.

وأحادیثهم مبثوثة فی صحیحی البخاری ومسلم ، وسنن أبی داود ، والسنن الکبری للبیهقی ، ومسند أحمد ، ومعجم الطبرانی. راجع نصب الرایة للزیلعی (3 / 118 - 121).

فما المسوّغ عندئذٍ لابن هند المثلة بمن کان علی دین علیّ ورأیه ، ودینه هو دین محمد الذی جاء بالإسلام المقدّس؟

وهل ینعقد نذر المعصیة بسبی نساء ربیعة المسلمات إن تغلّب علیهم لولاء بعولتهنّ علیّا أمیر المؤمنین؟ وهو محرّم فی شرع الإسلام ، ولا ینعقد النذر إلاّ فی ف)

ص: 403


1- أخرجه الطبرانی [فی المعجم الکبیر : 1 / 100 ح 168] من طریق علیٍّ أمیر المؤمنین ، وذکره الزیلعی فی نصب الرایة : 3 / 120 ، والسرخسی فی شرح السیر الکبیر : 1 / 78. (المؤلف)
2- أخرجه البخاری فی صحیحه [5 / 2100 ح 5196] باب ما یکره من المثلة من طریق ابن عمر. (المؤلف)

طاعة ، ولا أقلّ من الرجحان فی متعلّق النذر ، کما مرّ بیانه فی الجزء الثامن (1) (ص 79 الطبعة الأولی) ، فبأیّ کتاب أم بأیّة سنّة یسوغ هذا النذر لصاحبه إن کان من أهلهما ، ویسع له أن یقول : لله علیّ کذا؟

وهل یجوز فی شرع الإسلام الیمین بإذابة الرصاص فی أُذن مسلم صحابیّ عادل لا یتبع أهواء معاویة ، ولا یُخبت إلی ضلالاته؟ وهل کان یحلف الرجل بإله محمد وعلیّ صلوات الله علیهما وآلهما وهما وربّهما برآء عن مثل هذا الحلف وصاحبه؟ أو کان یقصد إله آبائه دعائم الشرک وعبدة هبل ، حملة الأوزار المستوجبین النار؟

(وَسَیَعْلَمُ الَّذِینَ ظَلَمُوا أَیَّ مُنْقَلَبٍ یَنْقَلِبُونَ) (2)

- 18 -

قذائف موبقة فی صحائف ابن آکلة الأکباد

هاهنا فی أیّ کفّة تجد معاویة وأعماله الشاذّة عن الإسلام؟ فهل تراه أثقل میزانه بالصالحات؟ أو أنّه خفّفها بکلّ موبقة مهلکة؟ وأنّه کان یطفّفها ویخفّف المکیال کیفما وزن وکال ، ولیت ابن هند أدلی بما عنده من الشبه فی هذه القضیّة - قتاله علیّا علیه السلام - لنمعن النظر فیها إمعان استشفاف لما وراءها ، لکنّه فات المخذول أن یدلی بشیء من ذلک لا تعارضه البرهنة ، ولا یفنّده المنطق غیر أمرین أراد بهما تلویثاً لساحة قدس الإمام ، وإن کان هو کشف عن عورته ساعة عرف الناس کذبه فی الأمرین جمیعاً.

الأوّل : نسبة الإلحاد إلیه - سلام الله علیه - وأنّه لا یصلّی ، هذا وقد وضح الإسلام بسیفه ، وقامت الصلاة بأیده ، یموّه بذلک علی الرعرعة الدهماء من الشامیّین.

قال الجاحظ : إنّ معاویة کان یقول فی آخر خطبته : اللهمّ إنّ أبا تراب ، ألحد 7.

ص: 404


1- ص : 115 ، 116 من هذه الطبعة.
2- الشعراء : 227.

فی دینک ، وصدّ عن سبیلک ، فالعنه لعناً وبیلا ، وعذّبه عذاباً ألیما. وکتب بذلک إلی الآفاق ، فکانت هذه الکلمات یُشاد بها علی المنابر إلی أیّام عمر بن عبد العزیز (1).

وأخرج ابن مزاحم أنّ یوم صفّین برز شاب من عسکر معاویة یقول :

أنا ابنُ أربابِ الملوکِ غسّانْ

والدائنُ الیوم بدین عثمانْ

أنبأنا أقوامُنا بما کانْ

أنَّ علیّا قتل ابنَ عفّانْ

ثم شدّ فلا ینثنی یضرب بسیفه ، ثم جعل یلعن علیّا ویشتمه ویسهب فی ذمّه ، فقال له هاشم المرقال : إنّ هذا الکلام بعده الخصام ، وإنّ هذا القتال بعده الحساب ، فاتّق الله فإنّک راجع إلی ربّک فسائلک عن هذا الموقف وما أردت به ، قال : فإنّی أقاتلکم لأنّ صاحبکم لا یصلّی کما ذُکر لی ، وأنّکم لا تصلّون ، وأُقاتلکم أنّ صاحبکم قتل خلیفتنا وأنتم وازرتموه علی قتله.

فقال له هاشم : وما أنت وابن عفّان؟ إنّما قتله أصحاب محمد وقرّاء الناس ، حین أحدث أحداثاً وخالف حکم الکتاب ، وأصحاب محمد هم أصحاب الدین ، وأولی بالنظر فی أمور المسلمین. وما أظنّ أنّ أمر هذه الأمّة ولا أمر هذا الدین عناک طرفة عین قطّ. قال الفتی : أجلْ أجَلْ ، والله لا أکذب فإنّ الکذب یضرّ ولا ینفع ، ویشین ولا یزین. فقال له هاشم : إنّ هذا الأمر لا علم لک به ، فخلّه وأهل العلم به. قال : أظنّک والله قد نصحتنی.

وقال له هاشم : وأمّا قولک : إنّ صاحبنا لا یصلّی ، فهو أوّل من صلّی مع رسول الله ، وأفقهه فی دین الله ، وأولاه برسول الله ، وأمّا من تری معه ، فکلّهم قارئ الکتاب ، لا ینامون اللیل تهجّدا ، فلا یغررک عن دینک الأشقیاء المغرورون. قال الفتی : یا عبد الله إنّی لأظنّک امرأً صالحاً ، وأظنّنی مخطئاً آثماً ، أخبرنی : هل تجد لی منف)

ص: 405


1- راجع ما أسلفناه فی الجزء الثانی : ص 102. (المؤلف)

توبة؟ قال : نعم ، تب إلی الله یتب علیک ، فإنّه یقبل التوبة عن عباده ، ویعفو عن السیّئات ، ویحبّ التوّابین ، ویحبّ المتطهّرین. قال : فذهب الفتی بین الناس راجعاً. فقال له رجل من أهل الشام : خدعک العراقیّ. قال : لا ، ولکن نصحنی العراقیّ (1).

کان المخذول یشوّه سمعة الإمام الطیّبة بتلکم القذائف الشائنة طیلة حیاته ، ولمّا استشهد - سلام الله علیه - لم یرفع الید عن غیّه وبغیه ، فجاء یُری الأُمّة الغوغاء أنّ ما کان من عدائه المحتدم للإمام علیه السلام إنّما کان عن أساس دینیّ لله وفیه ، فکتب إلی عمّاله :

سلام علیکم ، فإنّی أحمد إلیکم الله الذی لا إله إلاّ هو ، أما بعد : فالحمد لله الذی کفاکم مؤنة عدوّکم ، وقتلة خلیفتکم ، إنّ الله بلطفه وحُسن صنعه أتاح لعلیّ بن أبی طالب رجلاً من عباده فاغتاله فقتله ، فترک أصحابه متفرّقین مختلفین ، وقد جاءتنا کتب أشرافهم وقادتهم یلتمسون الأمان لأنفسهم وعشائرهم ، فأقبلوا إلیّ حین یأتیکم کتابی هذا بجهدکم وجندکم ، وحسن عدّتکم ، فقد أصبتم بحمد الله الثأر ، وبلغتم الأمل ، وأهلک الله أهل البغی والعدوان (2). ولمّا دخل ابن عبّاس علی معاویة بعد مقتل أمیر المؤمنین علیه السلام قال : الحمد لله الذی أمات علیّا (3).

ما أغلف قلب هذا الرجل الذی یحسب أنّ عبد الرحمن بن ملجم من عباد الله وقد قیّضه المولی سبحانه للنیل من إمام الهدی! ویعدّ ذلک من لطفه وحسن صنعه ، وابن ملجم هو ذلک الشقیّ المهتوک الخارجیّ الجانی علی الأُمّة جمعاء بقتل سیّدها نفس الرسول صلی الله علیه وآله وسلم ، وآتیها بخسارة الأبد ، وهو أشقی الآخرین فی لسان النبیّ الکریم ، ف)

ص: 406


1- کتاب صفّین لابن مزاحم : ص 402 [ص 354] ، تاریخ الطبری : 6 / 24 [5 / 43 حوادث سنة 37 ه] ، کامل ابن الأثیر : 3 / 135 [2 / 384 حوادث سنة 37 ه] ، شرح ابن أبی الحدید : 2 / 278 [8 / 35 - 36 خطبة 124]. (المؤلف)
2- مقاتل الطالبیین : ص 24 [ص 69] ، شرح ابن أبی الحدید : 4 / 13 [16 / 37 وصیة 31] ، جمهرة رسائل العرب : 2 / 13. (المؤلف)
3- تاریخ البدایة والنهایة لابن کثیر : ج 8. (المؤلف)

أو أشقی الأُمّة فی حدیثه الآخر ، وأشدّ الناس عذاباً یوم القیامة ، وعاد قوله صلی الله علیه وآله وسلم فیه «أشقی» کلقب یُعرف به أشقی مراد ، حیث إنّه اطّرد ذکره به فی موارد کثیرة من الحدیث والتاریخ (1).

ولیت شعری أیّ إله یحمده معاویة فی موت علیّ أمیر المؤمنین؟ أِلإلهٍ جعل مودّة علیّ أجر الرسالة فی محکم الذکر الحکیم؟ ألإلهٍ اتّخذ علیّا نفساً لنبیّه فی قصّة المباهلة؟

ألإلهٍ أمر رسوله صلی الله علیه وآله وسلم بتبلیغ ولایة علی علیه السلام وأنّه إن لم یفعل فما بلّغ رسالته؟

ألإلهٍ یری بولایة علی علیه السلام إکمال الدین ، وإتمام النعمة ، ورضاه سبحانه؟

ألإلهٍ أوحی لنبیّه صلی الله علیه وآله وسلم فی علیّ ثلاثاً : إنّه سیّد المسلمین ، وإمام المتّقین ، وقائد الغرّ المحجلّین؟

ألإلهٍ عهد إلی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی علیّ أنّه رایة الهدی ، ومنار الإیمان ، وإمام أولیائی ، ونور من أطاعنی؟

ألإلهٍ کان علیّ أحبّ خلقه إلیه بعد نبیّه ، کما جاء فی حدیث الطیر؟

ألإلهٍ کان یحبّ علیّا وعلیّ یحبّه فی حدیث خیبر؟

ألإلهٍ اختار علیّا وصیّاً لنبیّه بعد ما اختاره نبیّا ، فهو أحد الخیرتین من البشر ، کما جاء فی النصّ النبویّ؟

ألإلهٍ دعاه صاحب الرسالة الخاتمة حینما قال فی مائة ألف أو یزیدون : «من کنت مولاه فعلیّ مولاه ، اللهمّ وال من والاه ، وعادِ من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله». ف)

ص: 407


1- راجع الجزء الأوّل من کتابنا : ص 324 ، 325. (المؤلف)

أیسوغ مثل هذا الحمد والثناء لمن یؤمن بالله والیوم الآخر ، وصدّق نبیّ الإسلام وما جاء به؟ أم هل یتصوّر توجیهه إلی ربّ محمد وعلیّ؟ وقد تمّت بهما کلمة الله صدقاً وعدلاً ، وقامت بهما دعائم الدین الحنیف ، وبسعیهما أدرکت الأُمّة المرحومة سعادة الأبد.

نعم ، له مسرح إن وجّه إلی هبل إله آباء معاویة وإلهه إلی أُخریات أیّام النبوّة إن لم نقل إلی آخر نفس لفظه معاویة ، وقد کان مرتکزاً فی أعماق قلبه ، ومزیج نفسه طیلة ما لهج بأمثال هذه الأقاویل المخزیة.

ثم أیّ مسلم یبلغ أمله عند قتل إمام الحقّ ، ووأد خطّة الهدی ، إلاّ من ارتطم فی الضلالة ، وسبح فی الإلحادسبحاً طویلاً؟

وأمّا قوله : وأهلک الله أهل البغی والعدوان. فانظر واقرأ قول العزیز الحکیم : (کَبُرَتْ کَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ) (1) یلهج بهذه الکلمة کأنّه بمجلب عن البغی والعدوان - وهو ولفیفه هم الفئة الباغیة بنصّ النبیّ الأعظم - وهو یندّد بمن یحسب أنّه تردّی بهما. نعم ؛ حنّ قدح لیس منها. هل الباغی هو من خرج علی إمام زمانه یناضله وینازله؟ أو أنّ إمام الوقت - المعصوم بنصّ الکتاب - هو الباغی؟ والعیاذ بالله ، وإن کان القوم أعداءه وهو عدوّ لهم فهم أعداء الله وأعداء رسوله بغیر واحد من النصوص النبویّة ، وقد شملتهم دعوة صاحب الرسالة المتواترة : «وعادِ من عاداه ، واخذل من خذله».

نظرة فیما تشبّث به معاویة فی قتال علی علیه السلام :

الثانی من الأمرین اللذین تشبّث بهما ابن آکلة الأکباد فی تثبیط الملأ عن نصرة الإمام علیه السلام وتألیبهم علی قتاله : أنّ عنده ثأر عثمان وعلیه ترته ، وللحاکم فی هذه 5.

ص: 408


1- الکهف : 5.

القضیة أن ینظر :

أوّلاً : إلی أنّ معاویة نفسه لم یشهد وقعة عثمان حتی یبصر المباشر لقتله ، وإنّما تثبّط عن نصرته ، بل کان یحبّذ قتله طمعاً فی أن ینال الملک (1) بعده بحججه التافهة.

وثانیاً : إلی أنّ أمیر المؤمنین - سلام الله علیه - کان غائباً عن المدینة المنوّرة عند وقوع الواقعة (2) ، فکیف تصحّ مباشرته لقتل أو قتال؟! أو کان ساکناً فی عقر داره بالمدینة لا له ولا علیه.

وثالثاً : إلی شهادات الزور المتولّدة من دسائس ابن حرب ترمی أبرأ الناس من ذلک الدم المراق ، بإیعاز من ابن النابغة ، ذلک العامل الوحید فی قتل عثمان ، وقد سمعت عقیرته أذن الدنیا : أنا أبو عبد الله قتلته وأنا بوادی السباع (3).

قال الجرجانی : لمّا بات عمرو عند معاویة وأصبح ، أعطاه مصر طعمة له ، وکتب له بها کتاباً وقال : ما تری؟ قال : امض الرأی الأوّل. فبعث مالک بن هبیرة الکندی فی طلب محمد بن أبی حذیفة ، فأدرکه فقتله ، وبعث إلی قیصر بالهدایا فوادعه. ثم قال : ما تری فی علیّ؟ قال : أری فیه خیراً ، أتاک فی هذه البیعة خیر أهل العراق ، ومن عند خیر الناس فی أنفس الناس ، ودعواک أهل الشام إلی ردّ هذه البیعة خطر شدید ، ورأس أهل الشام شرُحبیل بن السمط الکندی ، وهو عدوّ لجریر المرسل إلیک ، فأرسل إلیه ووطّن له ثقاتک فلیُفشوا فی الناس : أنّ علیّا قتل عثمان ، ولیکونوا أهل الرضا عند شُرحبیل ، فإنّها کلمة جامعة لک أهل الشام علی ما تحبّ ، وإن تعلّقت بقلب شُرحبیل لم تخرج منه بشیء أبدا.

فکتب إلی شرحبیل : إنّ جریر بن عبد الله قدم علینا من عند علیّ بن أبی ف)

ص: 409


1- راجع ما أسلفناه فی الجزء التاسع : ص 149 - 152. (المؤلف)
2- مرّ حدیثه فی الجزء التاسع : ص 243. (المؤلف)
3- أنظر ما فصّلناه فی الجزء التاسع : ص 136 - 138. (المؤلف)

طالب بأمر فظیع (1) ، فاقدم. ودعا معاویة : یزید بن أسد ، وبُسر بن أرطاة ، وعمرو بن سفیان ، ومخارق بن الحارث ، وحمزة بن مالک ، وحابس بن سعد الطائی ، وهؤلاء رءوس قحطان والیمن ، وکانوا ثقات معاویة وخاصّته ، وبنی عمّ شرحبیل بن السمط ، فأمرهم أن یلقوه ویُخبروه : أنّ علیّا قتل عثمان. فلمّا قدم کتاب معاویة علی شُرحبیل وهو بحمص ، استشار أهل الیمن ، فاختلفوا علیه ، فقام إلیه عبد الرحمن بن غنم الأزدی وهو صاحب معاذ بن جبل وخَتَنِه ، وکان أفقه أهل الشام ، فقال : یا شُرحبیل إنّ الله لم یزل یزیدک خیراً مذ هاجرت إلی الیوم ، وإنّه لا ینقطع المزید من الله حتی ینقطع الشکر من الناس ، ولا یغیّر ما بقوم حتی یغیّروا ما بأنفسهم ، إنّه قد ألقی إلینا قتل عثمان ، وأنّ علیّا قتل عثمان (2) ، فإن یک قتله فقد بایعه المهاجرون والأنصار ، وهم الحکّام علی الناس ، وإن لم یکن قتله فعلام تصدّق معاویة علیه؟ لا تهتک (3) نفسک وقومک ، فإن کرهت أن یذهب بحظّها جریر ، فسر إلی علیّ فبایعه علی شامک وقومک ، فأبی شُرحبیل إلاّ أن یسیر إلی معاویة ، فبعث إلیه عیاض الثمالی وکان ناسکاً :

یا شُرحُ یا بن السمط إنّک بالغٌ

بودِّ علیٍّ ما ترید من الأمرِ

ویا شُرحُ إنَّ الشام شأمک ما بها

سواک فدع قول المضلّل من فهرِ

فإنَّ ابن حربٍ ناصبٌ لک خدعةً

تکون علینا مثل راغیة البکرِ (4)

فإن نال ما یرجو بنا کان ملکنا

هنیئاً له ، والحرب قاصمة الظهرِف)

ص: 410


1- فی شرح النهج : بأمر مفظع.
2- فی شرح ابن أبی الحدید [2 / 71 خطبة 26] : إنّه قد أُلقی إلی معاویة أنّ علیّا قتل عثمان ، ولهذا یریدک. (المؤلف)
3- فی وقعة صفّین : لا تهلک.
4- الراغیة : الرغاء ، البکر : ولد الناقة. مثل یضرب فی التشاؤم. أنظر ثمار القلوب : ص 282 [ص 352 رقم 538]. (المؤلف)

فلا تبِغیَنْ حرب العراق فإنّها

تحرّم أطهار النساء من الذعرِ

وإنَّ علیّا خیر من وطئ الحصی

من الهاشمیّین المداریک للوترِ

له فی رقاب الناس عهد وذمّةٌ

کعهد أبی حفصٍ وعهد أبی بکرِ

فبایع ولا ترجع علی العقب کافراً

أُعیذک بالله العزیز من الکفرِ

ولا تسمعن قول الطغام فإنّما

یریدون أن یُلقوک فی لجّة البحرِ

وما ذا علیهم أن تطاعن دونهم

علیّا بأطراف المثقّفة السمرِ

فإن غَلبوا کانوا علینا أئمّةً

وکنّا بحمد الله من ولد الظهرِ (1)

وإن غُلبوا لم یصلَ بالحرب غیرُنا

وکان علیٌّ حربَنا آخرَ الدهرِ

یهون علی عُلیا لؤیّ بن غالبٍ

دماءُ بنی قحطان فی ملکهم تجری

فدع عنک عثمانَ بنَ عفّانَ إنّنا

لک الخیرُ ، لا ندری وإنّک لا تدری

علی أیِّ حالٍ کان مصرعُ جنبِه

فلا تسمعن قول الأُعیور أو عمرِو

قال : لمّا قدم شُرحبیل علی معاویة تلقّاه الناس فأعظموه ، ودخل علی معاویة ، فتکلّم معاویة ، فحمد الله وأثنی علیه ، ثم قال : یا شُرحبیل إنّ جریر بن عبد الله یدعونا إلی بیعة علیّ ، وعلیّ خیر الناس (2) لو لا أنّه قتل عثمان بن عفّان ، وقد حبست نفسی علیک ، وإنّما أنا رجل من أهل الشام ، أرضی ما رضوا ، وأکره ما کرهوا. فقال شُرحبیل : أخرج فأنظر. فخرج فلقیه هؤلاء النفر الموطّؤون له ، فکلّهم یخبره بأنّ علیّا قتل عثمان بن عفّان. فخرج مغضباً إلی معاویة ، فقال : یا معاویة أبی الناس إلاّ أنّ علیّا قتل عثمان ، وو الله لئن بایعت له لنخرجنّک من الشام أو لنقتلنّک. قال معاویة : ما کنت لأُخالف علیکم ، وما أنا إلاّ رجل من أهل الشام. قال : فردّ هذا الرجل إلی صاحبه إذاً. قال : فعرف معاویة أنّ شُرحبیل قد نفذت بصیرته فی حرب ف)

ص: 411


1- یقال : فلان من ولد الظهر ، بالفتح. أی لیس منّا. وقیل : معناه أنّه لا یلتفت إلیه. (المؤلف)
2- هل تجتمع کلمة الرجل هذه مع سبابه المقذع علیّا وقوارصه التی أوعزنا إلیها؟ هذا هو النفاق ، وهکذا یکون المنافق ذا لسانین ووجهین. (المؤلف)

أهل العراق ، وأنّ الشام کلّه مع شُرحبیل.

فخرج شُرحبیل فأتی حصین بن نمیر ، فقال : ابعث إلی جریر فلیأتنا ، فبعث إلیه حصین : أن زرنا ، فإنّ عندنا شُرحبیل بن السمط ، فاجتمعا عنده ، فتکلّم شُرحبیل ، فقال : یا جریر أتیتنا بأمر ملفّف (1) لتُلقینا فی لهوات الأسد ، وأردت أن تخلط الشام بالعراق ، وأطرأت علیّا وهو قاتل عثمان ، والله سائلک عمّا قلت یوم القیامة. فأقبل علیه جریر فقال : یا شُرحبیل أمّا قولک : إنّی جئت بأمر ملفّف. فکیف یکون أمراً ملفّفاً وقد اجتمع علیه المهاجرون والأنصار ، وقوتل علی ردّه طلحة والزبیر؟! وأمّا قولک : إنّی ألقیتک فی لهوات الأسد ، ففی لهواتها ألقیت نفسک ، وأمّا خلط العراق بالشام ، فخلطُهما علی حقّ خیرٌ من فرقتهما علی باطل. وأمّا قولک : إنّ علیّا قتل عثمان ، فو الله ما فی یدیک من ذلک إلاّ القذف بالغیب من مکان بعید ، ولکنّک ملت إلی الدنیا ، وشیء کان فی نفسک علی زمن سعد بن أبی وقّاص (2).

فبلغ معاویة قول الرجلین ، فبعث إلی جریر فزجره ولم یدر ما أجابه أهل الشام ، وکتب جریر إلی شرحبیل :

شُرحبیل یا بن السمطِ لا تتبعِ الهوی

فمالک فی الدنیا من الدین من بَدلْ

وقل لابن حربٍ مالک الیوم حرمةٌ

تروم بها ما رمتَ فاقطع له الأملْ

شُرحبیلُ إنّ الحقّ قد جدَّ جِدّه

وإنّک مأمونُ الأدیم من النغَلْ

فأرِودْ (3) ولا تفرط بشیء

نخافه

علیک ولا تعجل فلا خیر فی العجَلْ

ولا تک کالمجری إلی شرِّ غایةٍ

فقد خُرق السربال واستنوَق الجملْ

وقال ابن هند فی علیٍّ عضیهةً

ولله فی صدر ابن أبی طالب أجلْل.

ص: 412


1- فی شرح ابن أبی الحدید : ملفق [وفی الطبعة المحققة والمعتمدة 3 / 80 : ملفّف] ج. (المؤلف)
2- أنظر تفاصیل القصة فی الکامل فی التاریخ : 2 / 360 حوادث سنة 36 ه.
3- أَرود : تمهّل.

وما لعلیٍّ فی ابن عفّان سقطةٌ

بأمرٍ ولا جلبٍ علیه ولا قتلْ (1)

وما کان إلاّ لازماً قعرَ بیتهِ

إلی أن أتی عثمانَ فی بیته الأجلْ

فمن قال قولاً غیرَ هذا فحسبُه

من الزورِ والبهتانِ قولُ الذی احتملْ

وصیّ رسول الله من دون أهله

فوارسه الأولی به یُضرب المثلْ (2)

فلمّا قرأ شُرحبیل الکتاب ذعر وفکّر ، وقال : هذه نصیحة لی فی دینی ودنیای. ولا والله لا أعجل فی هذا الأمر بشیء وفی نفسی منه حاجة. فاستتر له القوم ، ولفّف له معاویة الرجال یدخلون إلیه ویخرجون ، ویُعظّمون عنده قتل عثمان ویرمون به علیّا ، ویقیمون الشهادة الباطلة والکتب المختلقة ، حتی أعادوا رأیه وشحذوا عزمه ، وبلغ ذلک قومه ، فبعث ابن أُخت له من بارق - وکان یری رأی علیّ بن أبی طالب فبایعه بعد ، وکان ممّن لحق من أهل الشام وکان ناسکاً - فقال :

لعمر أبی الأشقی ابن هند لقد رمی

شُرحبیل بالسهمِ الذی هو قاتلُه

ولفّف قوماً یسحبون ذیولَهم

جمیعاً وأولی الناسِ بالذنب فاعلُه

فألفی یمانیّا ضعیفاً نخاعُه

إلی کلّ ما یهوون تُحدی رواحلهُ

فطاطا لها لمّا رموْهُ بثقلِها

ولا یُرزَقُ التقوی من اللهِ خاذلُه

لیأکل دنیاً لابنِ هندٍ بدینِهِ

ألا وابنُ هندٍ قبلَ ذلک آکلُه

وقالوا علیّ فی ابن عفّان خدعةً

ودبَّت إلیه بالشنان غوائلُه

ولا والذی أرسی ثبیراً مکانه

لقد کُفَّ عنه کفّه ووسائلُه

وما کان إلاّ من صحاب محمدٍ

وکلّهمُ تغلی علیه مراجلُه

فلمّا بلغ شُرحبیل هذا القول قال : هذا بَعیث الشیطان ، الآن امتحن الله قلبی ، ف)

ص: 413


1- فی شرح ابن أبی الحدید [3 / 81 خطبة 43] : یقول ولا مالا علیه ولا قتل. الممالأة : المساعدة. (المؤلف)
2- فی شرح ابن أبی الحدید [3 / 81 خطبة 43] : ومن باسمه فی فضله یضرب المثل. (المؤلف)

والله لأسیّرنَّ صاحب هذا الشعر أو لیفوتنّنی ، فهرب الفتی إلی الکوفة ، وکاد أهل الشام أن یرتابوا.

وبعث معاویة إلی شُرحبیل بن السمط فقال : إنّه کان من إجابتک الحقّ ، وما وقع فیه أجرک علی الله ، وقبله عنک صلحاء الناس ما علمت ، وإنّ هذا الأمر الذی قد عرفته لا یتمّ إلاّ برضا العامّة ، فسر فی مدائن الشام ، ونادِ فیهم : بأنّ علیّا قتل عثمان ، وأنّه یجب علی المسلمین أن یطلبوا بدمه ، فسار فبدأ بأهل حمص فقام خطیباً ، فقال : یا أیّها الناس إنّ علیّا قتل عثمان بن عفّان ، وقد غضب له قوم فقتلهم ، وهزم الجمیع وغلب علی الأرض ، فلم یبق إلاّ الشام ، وهو واضع سیفه علی عاتقه ، ثم خائض به غمار الموت حتی یأتیکم أو یحدث الله أمراً ، ولا نجد أحداً أقوی علی قتاله من معاویة ، فجدّوا وانهضوا ، فأجابه الناس إلاّ نسّاک أهل حمص ، فإنّهم قاموا إلیه فقالوا : بیوتنا قبورنا ومساجدنا ، وأنت أعلم بما تری ، وجعل شرحبیل یستنهض مدائن الشام حتی استفرغها ، لا یأتی علی قوم إلاّ قبلوا ما أتاهم به ، فبعث إلیه النجاشی بن الحارث (1) وکان صدیقاً له :

شُرَحْبیلُ ما للدین فارقتَ أمرنا

ولکن لبغض المالکیّ جریرِ

وشحناء دبّت بین سعدٍ وبینه

فأصبحتَ کالحادی بغیر بعیرِ

وما أنت إذ کانت بجیلة عاتبت

قریشاً فیا لله بعدَ نصیرِ

أتفصل أمراً غبت عنه بشبهةٍ

وقد حار فیها عقلُ کلّ بصیرِ

بقول رجالٍ لم یکونوا أئمّةً

ولا للتی لقَّوکها بحضورِ

وما قول قومٍ غائبین تقاذفوا

من الغیب ما دلاّهمُ بغرورِ

وتترک أنّ الناس أَعطَوا عهودَهم

علیّا علی أُنسٍ به وسرورِر.

ص: 414


1- کذا فی وقعة صفّین ، والمعروف أنه النجاشی من بنی الحارث بن کعب ، واسمه قیس بن عمرو ، مرّت ترجمته فی هامش ص 125 من الجزء الثانی من الغدیر.

إذا قیل : هاتوا واحداً یُقتدی به (1)

نظیراً له لم یفصحوا بنظیرِ

لعلّک أن تشقی الغداة بحربِه

شُرحبیل ما ما جئته بصغیرِ (2)

راجع (3) : کتاب صفّین لنصر بن مزاحم (49 - 57) ، الاستیعاب ترجمة شُرحبیل (1 / 589) أُسد الغابة (2 / 392) ، الکامل لابن الأثیر (3 / 119) ، شرح ابن أبی الحدید (1 / 139 ، 249 ، 250).

فبهذه الصورة البشعة من الشهادات المزوّرة والکتب المختلقة تمّت بیعة معاویة لقتال علیّ أمیر المؤمنین.

ورابعاً : إلی أنّ عثمان قتله رجال مجتهدون من المهاجرین والأنصار ، ووجوه أصحاب محمد صلی الله علیه وآله وسلم العدول ، بعد إقامة الحجّة علیه ، وإثبات شذوذه عن الکتاب والسنّة ، وإهدار دمه بحکم الکتاب (4) ، فلیس علی القوم قَود ولا قصاص ، ولم یک مولانا أمیر المؤمنین إلاّ رجلاً من المهاجرین ، أورد کما أوردوا ، وأصدر کما أصدروا ، وما کان الله لیجمعهم علی ضلال ، ولا لیضربهم بالعمی.

وقد کتب بهذا أمیر المؤمنین علیه السلام إلی معاویة (5) ، وجاء الحجاج به فی کلمات غیر واحد من الصحابة ، مثل قول الصحابیّ العظیم هاشم المرقال المذکور (9 / 121) وفی هذا الجزء (ص 290) ، وقول عمّار بن یاسر الممدوح بالکتاب والسنّة ، الذی أسلفناه فی (9 / 110) ، وقول أبی الطفیل الشیخ الصحابیّ الکبیر الآنف فی (9 / 139) ، ف)

ص: 415


1- کذا فی شرح النهج ، وفی وقعة صفّین : تقتدونه.
2- فی شرح ابن أبی الحدید [3 / 83 خطبة 43] : فلیس الذی قد جئته بصغیر. (المؤلف)
3- وقعة صفّین : ص 44 - 51 ، الاستیعاب : القسم الثانی / 700 رقم 1168 ، أُسد الغابة : 2 / 514 ، رقم 2410 ، الکامل فی التاریخ : 2 / 360 حوادث سنة 36 ه ، شرح نهج البلاغة : 2 / 71 - 73 خطبة 26 و 3 / 79 - 83 خطبة 43.
4- راجع ما مرّ فی الجزء التاسع : 168 - 208. (المؤلف)
5- راجع ما أسلفناه فی : 9 / 157 - 162. (المؤلف)

وقول عبد الرحمن بن عثمان السابق فی (9 / 158) ، فما ذنب علیّ علیه السلام إن آواهم ، ونصرهم وأیّدهم ، ودفع عنهم عادیة الباغین.

وخامساً : إلی أنّ الذین کانوا فی جیش أمیر المؤمنین علیه السلام أو الذین تحکّمت بینه وبینهم آصرة المودّة لم یکونوا کلّهم قتلة عثمان ، ولا باشروا شیئاً من أمره ، ولم یکن لأکثرهم فی الأمر وردٌ ولا صدر ، وإنّما کان فیهم من أولئک الصحابة العدول أناس معلومون أووا إلی إمام الحقّ ، فبأیّ حجّة شرعیّة کان ابن صخر یستبیح قتل الجمیع ، واستقرأهم فی البلاد بعد مقتل مولانا أمیر المؤمنین علیه السلام وقبله ، فقتّلهم تقتیلاً؟!

وسادساً : إلی أنّ معاویة لم یکن ولیّ دم عثمان وإنّما أولیاؤه ولده ، وإن کان لهم حقّ القصاص فعجزوا عن طلبه ، فعلیهم رفع الأمر إلی خلیفة الوقت وهو مولانا أمیر المؤمنین علیه السلام لینظر فی أمرهم ، ویحکم بحکم الله الباتّ ، وهو أقضی الأُمّة بنصّ الرسول الأمین.

نعم ؛ کانت لمعاویة ترات (1) عند أمیر المؤمنین علیه السلام بأخیه حنظلة بن أبی سفیان ، وجدّه لأُمّه عتبة بن ربیعة ، وخاله الولید بن عتبة بن ربیعة ، وأبناء عمّه العاص بن سعید بن العاص بن أُمیّة ، وعقبة بن أبی مُعیط بن أبی عمرو بن أمیّة. لکنّه لم ینبس عنهم ببنت شفة لأنّها ما کانت تنطلی علی المسلمین ، فإنّهم وثنیّون مشرکون حاربوا رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، فذاقوا وبال أمرهم ، وإنّما تترّس بدم عثمان بضرب من السیرة الجاهلیّة من صحّة قیام أیّ فردٍ منِ أفراد العشیرة بدم أیّ مقتول منها وإن بعدت بینهم الرحم والقرابة ، وهذه السیرة غیر المشروعة کان یرنّ صداها فی مسامع أهل الشام البعداء من مبادئ الدین وطقوسه ، ومن ثم استهواهم معاویة ، واستحوذ علیهم بذلک التدجیل ، ولم تکن تلک الحرب الزبون إلاّ أنّها إحن ر.

ص: 416


1- جمع ترة ، وهی الثأر.

بدریّة ، وأحقاد جاهلیّة ، وضغائن أُحدیّة ، وثب بها معاویة حین الغفلة ، لیدرک ثارات بنی عبد شمس ، ولم تک تخفی هذه الغایة علی أیّ أحد حتی المخدّرات فی الحجال (1).

وسابعاً : إلی أنّ أوّل واجب علی معاویة أن یتنازل إلی ما لزمه من البیعة الحقّة فیدخل فی جماعة المسلمین ، ولا یشقّ عصاهم بالتقاعس عنها ، ثم یرفع الخصومة إلی صاحب البیعة ، فیری فیه رأیه کما جاء فی کتاب لأمیر المؤمنین إلی معاویة ، من قوله :

«وأمّا قولک : ادفع إلیّ قتلة عثمان. فما أنت وذاک؟ وهاهنا بنو عثمان وهم أولی بذلک منک (2) ، فإن زعمت أنّک أقوی علی طلب دم عثمان منهم ، فارجع (3) إلی البیعة التی لزمتک لأنّها بیعة شاملة لا یستثنی فیها الخیار ، ولا یستأنف فیها النظر وحاکم القوم إلیّ» (4).

وفی کتاب آخر له علیه السلام کتبه إلیه :

«وقد أکثرت فی قتلة عثمان ، فإن أنت رجعت عن رأیک وخلافک ، ودخلت فیما دخل فیه المسلمون ، ثم حاکمت القوم إلیّ حملتک وإیّاهم علی کتاب الله ، وأمّا تلک التی تریدها فهی خدعة الصبیّ عن اللبن.

ولعمری یا معاویة لئن نظرت بعقلک دون هواک لتجدنّنی أبرأ الناس من دم ف)

ص: 417


1- أنظر ما مرّ من کلمة أمّ الخیر فی الجزء التاسع : ص 371. (المؤلف)
2- فی روایة المبرّد : وبعد : فما أنت وعثمان؟ إنّما أنت رجل من بنی أمیّة ، وبنو عثمان أولی بمطالبة دمه. (المؤلف)
3- فی روایة المبرّد : فادخل فیما دخل فیه المسلمون ثم حاکم القوم إلیّ. (المؤلف)
4- الإمامة والسیاسة : 1 / 88 [1 / 92] ، الکامل للمبرد : 1 / 225 [1 / 271] ، العقد الفرید : 2 / 284 ، 285 [4 / 137] ، شرح ابن أبی الحدید : 1 / 252 [3 / 89 خطبة 43]. (المؤلف)

عثمان ، ولتعلمنّ أنّی کنت فی عزلة عنه ، إلاّ أن تتجنّی (1) فتجنَّ ما بدا لک» (2).

وثامناً : إلی أنّ طلحة والزبیر قد نهضا قبل معاویة بتلک الغایة التی هو رامیها ، وأخرجا حبیسة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم من خدرها ، وحاربهما الإمام علیه السلام بعد ما أتمّ علیهما الحجّة ، وکتب إلیهما : «وقد زعمتما أن (3) قتلت عثمان ، فبینی وبینکما من تخلّف عنّی وعنکما من أهل المدینة (4) ، ثم یُلزم کلّ امرئ بقدر ما احتمل ، وزعمتما أنّی آویت قتلة عثمان ، فهؤلاء بنو عثمان فلیدخلوا فی طاعتی ، ثم یُخاصموا إلیّ قتلة أبیهم. وما أنتما وعثمان إن کان قُتل ظالماً أو مظلوماً؟ وقد بایعتمانی وأنتما بین خصلتین قبیحتین : نکث بیعتکما ، وإخراجکما أمّکما» (5).

وکتب علیه السلام إلی معاویة : «إنّ طلحة والزبیر بایعانی ، ثم نقضا بیعتهما ، وکان نقضهما کردّتهما ، فجاهدتهما بعد ما أعذرت إلیهما ، حتی جاء الحقّ وظهر أمر الله وهم کارهون ، فادخل فیما دخل فیه المسلمون» (6).

فهلاّ کانت بحسب معاویة تلکم الحجج؟! وقد طنّ فی أُذن الدنیا قول أمیر ف)

ص: 418


1- تجنّی علیه : ادّعی علیه ذنباً لم یفعله. فتُجنّ : أی تستره وتخفیه [کذا ضبط فی الطبعة التی اعتمدها المؤلف من شرح النهج ، وفی الطبعة المعتمدة لدینا : فتَجنّ - بفتح التاء - والمعنی : فادّعِ علیّ ما بدا لک الادّعاء. وهذا الضبط ظاهراً أوفق بالسیاق] (المؤلف)
2- الإمامة والسیاسة : 1 / 81 [1 / 85] ، العقد الفرید : 2 / 284 [4 / 136] ، نهج البلاغة : 2 / 7 ، 124 [ص 367 کتاب 6] ، شرح ابن أبی الحدید : 1 / 248 و 3 / 300 [3 / 75 خطبة 43 و 14 / 35 کتاب 6]. (المؤلف)
3- فی المصدرین : أنّی.
4- نظراء سعد بن أبی وقّاص ، عبد الله بن عمر ، محمد بن مسلمة. (المؤلف)
5- نهج البلاغة : 2 / 112 [ص 446 کتاب 54] ، الإمامة والسیاسة : 1 / 62 [1 / 66]. (المؤلف)
6- کتاب صفّین لنصر بن مزاحم : ص 34 طبعة مصر [ص 29] ، العقد الفرید : 2 / 284 [4 / 136] ، الإمامة والسیاسة : 1 / 81 [1 / 85] ، شرح ابن أبی الحدید : 1 / 248 و 3 / 300 [3 / 75 خطبة 43 و 14 / 36]. (المؤلف)

المؤمنین علیه السلام : «ما هو إلاّ الکفر ، أو قتال القوم». فهلاّ عرف الرجل وبال أمر أصحاب الجمل ، ومغبّة تلک النخوة والغرور ، والترکاض وراء الأهواء والشهوات ، بعد قتل آلاف مؤلّفة من الصالح والطالح ، من أهل الحقّ والباطل؟ فإشهاره السیف لإزهاق النفوس بریئة کانت أو متّهمة من رجال أو نساء أو أغلمة ، وقتل أمم وزرافات تُعدّ بالآلاف بإنسان واحد قتله المجتهدون العدول من أُمّة محمد بعد إقامة الحجّة علیه ، إنّما هو ممّا حظرته الشریعة ، ولم یُعرف له مساغ من الدین ، وکان ابن هند فی الأمر کما کتب إلیه الإمام علیه السلام : «لست تقول فیه بأمر بیّن یُعرف له أثر ، ولا علیک منه شاهد ، ولست متعلّقاً بآیة من کتاب الله ، ولا عهد من رسول الله» (1).

وتاسعاً : إلی أنّ ما حکم به خلیفة الوقت یجب اتّباعه ولا یجوز نقضه ، فقد کتب علیّ علیه السلام إلی معاویة فی کتاب له : «وأمّا ما ذکرت من أمر قتلة عثمان ، فإنّی نظرت فی هذا الأمر ، وضربت أنفه وعینه فلم أره یسعنی دفعهم إلیک ولا إلی غیرک ، ولعمری لئن لم تنزع عن غیّک وشقاقک لتعرفنّهم عمّا قلیل یطلبونک ، لا یکلّفونک أن تطلبهم فی برّ ولا بحر» (2).

فهلاّ کان ذلک نصّا من الإمام علیه السلام علی أنّه لا مساغ له لأن یدفع قتلة عثمان لأیّ إنسان ثائر ، وأنّ طلب ذلک منه غیّ وشقاق ، فهل کان معاویة یحسب أنّ أمیر المؤمنین علیه السلام یتنازل عن رأیه إذا ما ارتضاه هو؟ أو یعدل عن الحقّ ویتّبع هواه؟ حاشا ثم حاشا ، أو لم یکن من واجب معاویة البخوع لحکم الإمام المطهّر بنصّ القرآن ، والإخبات إلی رأیه الذی لا یفارق القرآن؟ کیف لا؟ وقد صحّ عند القوم عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم روایات تمسّکوا بها فی اتّباع نظراء معاویة ویزید من أئمّة الضلال ف)

ص: 419


1- کتاب صفّین لابن مزاحم : ص 122 [ص 109] ، شرح ابن أبی الحدید : 3 / 412 [15 / 86]. (المؤلف)
2- کتاب صفّین : ص 96 ، 102 [ص 86 ، 91] ، العقد الفرید : 2 / 286 [4 / 139] ، شرح ابن أبی الحدید : 3 / 409 [15 / 78]. (المؤلف)

وأُمراء الجور والعدوان ، مثل ما عُزی إلیه صلی الله علیه وآله وسلم : «یکون بعدی أئمّة لا یهتدون بهدای ، ولا یستنّون بسنّتی ، وسیقوم فیهم رجال قلوبهم قلوب الشیاطین فی جثمان إنس». قال حذیفة : قلت : کیف أصنع یا رسول الله إن أدرکت ذلک؟ قال : تسمع وتطیع للأمیر ، وإن ضُرب ظهرک ، وأُخذ مالک ، فاسمع وأطع (1).

وسأل سلمة بن یزید رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فقال : یا نبیّ الله أرأیت إن قامت علینا أُمراء یسألوننا حقّهم ، ویمنعونا حقّنا ، فما تأمرنا؟ فأعرض عنه ، ثم سأله فأعرض عنه ، ثم سأله فجذبه الأشعث بن قیس ، فقال صلی الله علیه وآله وسلم : اسمعوا وأطیعوا فإنّما علیهم ما حمّلوا وعلیکم ما حُمّلتم (2). هذا رأی القوم فی أُمراء الشرّ والفساد فما ظنّک بالإمام العادل ، المستجمع لشرائط الخلافة ، الذی ملأت الدنیا النصوص فی وجوب اقتصاص أثره ، والموافقة لآرائه ، وکلّ ما یرتئیه من حقّ واضح؟!

وعاشراً : إلی أنّ قاتل عثمان المباشر لقتله اختلف فیه ، کما مرّ تفصیله فی الجزء التاسع ویأتی أیضاً بین جبلة بن الأیهم المصری ، وکبیرة السکونی ، وکنانة بن بشر التجیبی ، وسودان بن حمران ، ورومان الیمانی ، ویسار بن غلیاض (3) ، وعند ابن عساکر (4) یقال له : حمال (5). فقُتل منهم من قُتل فی الوقت ، ولم یکن أحد من الباقین فی جیش الإمام علیه السلام ، ولا ممّن آواهم هو ، فلم یکن لأحد عند غیرهم ثار ، وأمّا الذین آواهم الإمام علیه السلام فهم المسبّبون لقتله من المهاجرین والأنصار ، أو المؤلّبون علیه من الصحابة العدول ، ولم یشذّ عنهم إلاّ أُناس یعدّون بالأنامل.

وبعد هذه کلّها هلاّ کانت لتبرئة مولانا أمیر المؤمنین علیه السلام نفسه من دم عثمان ف)

ص: 420


1- صحیح مسلم : 6 / 20 [4 / 124 ح 52 کتاب الإمارة] ، سنن البیهقی : 8 / 157. (المؤلف)
2- صحیح مسلم : 6 / 19 [4 / 122 ح 49] ، سنن البیهقی : 8 / 158. (المؤلف)
3- ذکره المحب الطبری فی ریاضه : 3 / 64 ، یسار بن عیاض.
4- تاریخ مدینة دمشق : 39 / 408 رقم 4619 ، وفیه : حمار.
5- الصواعق : ص 66 [ص 111 وفیه : حمار بدلاً من : حمال]. (المؤلف)

وقد کتبها إلی طلحة والزبیر ومعاویة ، ولتبرئة الأعیان من الصحابة إیّاه منذ مقتل عثمان إلی أن استحرّ القتال فی واقعة صفّین ، وقد کتبوها إلی طلحة والزبیر ومعاویة ومن لفّ لفّهم ، قیمة توازن عند معاویة شهادات الزور التی لفّقها هو من أُناس لا خلاق لهم ، وثبّتتها حیله ودسائسه ، وأجراها ترغیبه وترهیبه؟ وقد علم هو أنّ أمیر المؤمنین من هو ، وصلحاء الصحابة الذین وافقوه علی التبرئة والتبریر من هم ، ومن أولئک الطغمة الثائرون لخلافه ، والمجلبون علیه ، جیرِ : کان یعلم کلّ ذلک لکنّه الملک والسلطان ، وهما یبرّران لصاحب النهمة والشرَه کلّ بائقة وموبقة.

- 19 -

دفاع ابن حجر عن معاویة بأعذار مفتعلة

أنت إذا قضیت الوطر من معاویة ومعاذیره التافهة فی هذه المعمعة ، فهلمّ معی إلی ناصره الأخیر - ابن حجر - الذی فاتته النصرة بالضرب والطعن ، فطفق یسوّد صحیفة من صحائفه الشوهاء بأعذار مفتعلة فی صواعقه ، یتصوّل بها کمن یُدلی بحجج قاطعة ، وابن حجر وإن لم یکن أوّل من نحت تلکم الأعذار ، وقد سبقه إلیها أُناس آخرون من أبناء حزم وتیمیّة وکثیر ، غیر أنّ ما جاء به ابن حجر یجمع شتات ما تترّس به القوم دفاعاً عن ابن هند ، وزاد هو فی طنبوره نغمات ، قال فی الصواعق (1) (ص 129):

ومن اعتقاد أهل السنّة والجماعة : أنّ ما جری بین معاویة وعلیّ من الحروب فلم یکن لمنازعة معاویة لعلیّ فی الخلافة ، للإجماع علی حقیّتها لعلیّ کما مرّ (2) ، فلم تَهِج الفتنة بسببها وإنّما هاجت بسبب أنّ معاویة ومن معه ، طلبوا من علیّ تسلیم قتلة عثمان إلیهم لکون معاویة ابن عمّه ، فامتنع علیّ ظنّا منه أنّ تسلیمهم إلیهم ف)

ص: 421


1- الصواعق المحرقة : ص 216.
2- ذکره فی الصواعق : ص 71 [ص 119]. (المؤلف)

علی الفور مع کثرة عشائرهم واختلاطهم بعسکر علیّ یؤدّی إلی اضطراب وتزلزل فی أمر الخلافة التی بها انتظام کلمة أهل الإسلام ، سیّما وهی فی ابتدائها لم یستحکم الأمر فیها ، فرأی علیّ علیه السلام أنّ تأخیر تسلیمهم أصوب إلی أن یرسخ قدمه فی الخلافة ، ویتحقّق التمکّن من الأُمور فیها علی وجهها ، ویتمّ له انتظام شملها واتّفاق کلمة المسلمین ، ثم بعد ذلک یلتقطهم واحداً فواحداً ویسلّمهم إلیهم ، ویدلّ لذلک أنّ بعض قتلته عزم علی الخروج علی علیّ ومقاتلته ، لمّا نادی یوم الجمل بأن یخرج عنه قتلة عثمان ، وأیضاً فالذین تمالئوا علی قتل عثمان کانوا جموعاً کثیرة کما علم ممّا قدّمته فی قصّة محاصرتهم له إلی أن قتله بعضهم ، جمع من أهل مصر قیل : سبعمائة ، وقیل : ألف ، وقیل خمسمائة ، وجمع من الکوفة ، وجمع من البصرة وغیرهم ، قدموا کلّهم المدینة ، وجری منهم ما جری ، بل ورد أنّهم هم وعشائرهم نحو من عشرة آلاف ، فهذا هو الحامل لعلیّ رضی الله عنه علی الکفّ عن تسلیمهم ، لتعذّره کما عرفت.

ویُحتمل أنّ علیّا رضی الله عنه رأی أنّ قتلة عثمان بغاة ، حملهم علی قتله تأویل فاسد استحلّوا به دمه رضی الله عنه ، لإنکارهم علیه أموراً کجعله مروان ابن عمّه کاتباً له ، وردّه إلی المدینة بعد أن طرده النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم منها ، وتقدیمه أقاربه فی ولایة الأعمال ، وقضیّة محمد ابن أبی بکر ، ظنّوا أنّها مبیحة لما فعلوه جهلاً منهم وخطأً ، والباغی إذا انقاد إلی الإمام العدل لا یؤاخذ بما أتلفه فی حال الحرب عن تأویل دماً کان أو مالاً ، کما هو المرجّح من قول الشافعی رضی الله عنه ، وبه قال جماعة آخرون من العلماء ، وهذا الاحتمال وإن أمکن لکن ما قبله أولی بالاعتماد منه. إلخ.

قال الأمینی : هب أنّ عثمان قُتل مظلوماً بید الجور والتعدّی.

وأنّه لم یک یقترف قطّ ما یهدر دمه.

وأنّ قتله لم یقع بعد إقامة الحجّة علیه والأخذ بکتاب الله فی أمره.

وأنّه لم یُقتل فی معمعة بین آلاف مکردسة من المدنیّین ، والمصریّین ، والکوفیّین ، والبصریّین.

ص: 422

ولم تکن البلاد تمخّضت علیه ، وما نقم علیه عباد الله الصالحون.

وأنّ قاتله لم یُجهل من یوم أودی به ، وکان مشهوداً یُشار إلیه ، ولم یکن قتیل عمّیّة (1) لا یُدری من قتله ، حتی تکون دیته من بیت مال المسلمین.

ولم یُقتل الذین باشروا قتله ، وکان قد بقی منهم باقیة یقتصّ منها.

وأنّ المهاجرین والأنصار ما اجتمعوا علی قتله ، ولم تکن لأولئک المجتهدین العدول ید فی تلک الواقعة ، ولم یشارک فی دمه عیون الصحابة.

وأنّ أهل المدینة لیسوا کاتبین إلی من بالآفاق من أصحاب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أنّکم إنّما خرجتم أن تجاهدوا فی سبیل الله عزّ وجلّ تطلبون دین محمد صلی الله علیه وآله وسلم ، فإنّ دین محمد قد أفسده من خلفکم وترک ، فهلمّوا فأقیموا دین محمد صلی الله علیه وآله وسلم.

وأنّ المهاجرین لم یکتبوا إلی من بمصر من الصحابة والتابعین : أن تعالوا إلینا وتدارکوا خلافة رسول الله قبل أن یسلبها أهلها ، فإنّ کتاب الله قد بُدّل ، وسنّة رسول الله قد غُیّرت ، وأحکام الخلیفتین قد بُدّلت. إلی آخر ما مرّ (ج 9).

وأنّ طلحة ، والزبیر ، وأمّ المؤمنین عائشة ، وعمرو بن العاص ، لم یکونوا أشدّ الناس علیه ، ولم یکن لهم ترکاض وراء تلک الثورة.

وما قرع سمع الدنیا نداء عثمان : ویلی علی ابن الحضرمیّة - یعنی طلحة - أعطیته کذا وکذا بهاراً ذهباً وهو یروم دمی ، یحرّض علی نفسی.

وأنّ طلحة لم یقل : إن قُتل - عثمان - فلا ملک مقرّب ولا نبیّ مرسل ، وأنّه لم یمنع الناس عن إیصال الماء إلیه.

وأنّ مروان لم یقتل طلحة دون دم عثمان ، ولم یُؤثر عنه قوله یومئذ : لا أطلب بثأری بعد الیوم.ف)

ص: 423


1- بکسر العین والمیم المشدّدة مع تشدید الیاء. (المؤلف)

وأنّ الزبیر ما باح بقوله : اقتلوه فإنّه غیّر دینکم ، وأنّ عثمان لجیفة علی الصراط غدا.

وأنّ عائشة ما رفعت عقیرتها بقولها : اقتلوا نعثلاً قتله الله فقد کفر. وأنّها لم تقل لمروان : وددت والله أنّک وصاحبک هذا الذی یعنیک أمره ، فی رجل کلّ واحد منکما رحاً وأنّکما فی البحر. ولم تقل لابن عبّاس : إیّاک أن تردّ الناس عن هذا الطاغیة.

وأنّ عمرو بن العاص لم یقل : أنا أبو عبد الله قتلته وأنا بوادی السباع ، إن کنت لأحرّض علیه حتی أنّی لأحرّض علیه الراعی فی غنمه فی رأس الجبل.

وأنّ سعد بن أبی وقّاص لم یبح بقوله : أمسکنا نحن ولو شئنا دفعناه عنه.

وأنّ عثمان لم یبق جثمانه مُلقی ثلاثا فی مزبلة لا یُهمّ أمره أحداً من المهاجرین والأنصار وغیرهم من الصحابة العدول.

وأنّ طلحة لم یک یمنع عن تجهیزه ودفنه فی مقابر المسلمین ، وأنّه لم یُقبر فی حشّ کوکب جبّانة الیهود ، بعد ذلّ الاستخفاف.

وأنّ ما أسلفناه فی الجزء التاسع من حدیث أُمّة کبیرة من الصحابة ، وفیهم العمد والدعائم کلّ ذلک لم یصحّ.

وأنّ إمام الوقت لیس له العفو عن قصاص ، کما عفا عثمان عن عُبید الله بن عمر حین قتل هرمزان وجُفینة بنت أبی لؤلؤة بلا أیّ جریرة.

وأنّ معاویة لم یک یتثبّط عن نصرته ، ولم یتربّص علیه دائرة السوء ، ولم یشهد علیه عیون الصحابة بأنّ الدم المهراق عنده ، وأنّه أولی رجل بأن یُقتص منه ویؤخذ بدم عثمان.

وأنّ عثمان لم یکن له خلف یتولّی دمه غیر معاویة.

وأنّ علیّا علیه السلام هو الذی قتل عثمان ، أو آوی قاتلیه.

ص: 424

وأنّ معاویة لم یک غائباً عن ذلک الموقف ، وکان ینظر إلیه من کثب ، فعلم بمن قتله ، وبمن انحاز عن قتله.

وأنّ ما ادّعاه معاویة لم یکن إفکاً وبهتاً وزوراً من القول ، متّخذاً عن شهادة مزوّرة واختلاق.

وأنّ هذه الخصومة لها شأن خاصّ لا ترفع کبقیّة الخصومات إلی إمام الوقت.

وأنّ قتال معاویة إنّما کان لطلب قتلة عثمان فحسب لا لطلب الخلافة ، وأنّه لم یک یروم الخلافة فی قتاله بعد ما کان یعلم نفسه أنّه طلیق وابن طلیق ، لیس ببدریّ ولا له سابقة ، وأنّه لا یستجمع شرائط الخلافة ، وأنّه لم تؤهّله لها الخیرة والإجماع والانتخاب.

هب أنّ الوقائع هکذا وقعت - یا ابن حجر - واغضض عن کلّ ما هنالک من حقائق ثابتة علی الضدّ ممّا سُطر (1) ، فهلاّ کانت مناوأة معاویة لخلیفة وقته الإمام المنصوص والمجمع علیه خروجاً علیه؟! وهلاّ کان الحزب السفیانی بذلک بُغاةً أهانوا سلطان الله ، واستذلّوا الإمارة الحقّة ، وخلعوا ربقة الاسلام من أعناقهم؟ فاستوجبوا إهانة الله ، یجب قتالهم ودرؤهم عن حوزة الإیمان ، وکانوا مصادیق للأحادیث المذکورة فی أوّل هذا البحث (ص 272 ، 273).

إنّ معاویة لم یکن خلیفة ولا انعقدت له بیعة ، وإنّما کان والیاً عمّن تقدّم من الذین تصرّمت أیّام خلافتهم ، فلزمته بیعة أمیر المؤمنین وهو بالشام ، کما کتب إلیه بذلک الإمام علیه السلام ، وکان تصدّیه للشؤون العامّة والیاً علی أهل ناحیته محتاجاً إلی أمر جدید ، أو تقریر لولایته الأولی من خلیفة الوقت ، وکلّ ذلک لم یکن ، إن لم نقل : إنّ أمیر المؤمنین علیه السلام عزله عمّا تولاّه ، وإنّه سلام الله علیه أوفد علیه من یبلّغه عنه لزوم الطاعة واللحوق بالجماعة ، کما إنّه علیه السلام کتب إلیه بذلک. ف)

ص: 425


1- راجع الجزء التاسع حتی تقف علی حقیقة الأمر. (المؤلف)

حدیث الوفود :

وفد علی علیه السلام الأوّل :

أوفد الإمام علیه السلام فی أوّل ذی الحجّة سنة (36) بشیر بن عمرو بن محصن الأنصاری ، وسعید بن قیس الهمدانی ، وشبث بن ربعی التمیمی علی معاویة ، وقال : ائتوا هذا الرجل فادعوه إلی الله ، وإلی الطاعة والجماعة. فأتوه ودخلوا علیه ، فتکلّم بشیر بن عمرو ، فحمد الله وأثنی علیه وقال : یا معاویة ، إنّ الدنیا عنک زائلة ، وإنّک راجع إلی الآخرة ، وإنّ الله عزّ وجلّ محاسبک بعملک ، وجازیک بما قدّمت یداک ، وإنّی أنشدک الله عزّ وجلّ أن تفرّق جماعة هذه الأمّة ، وأن تسفک دماءها بینها.

فقطع علیه الکلام وقال : هلاّ أوصیت بذلک صاحبک؟ فقال بشیر : إنّ صاحبی لیس مثلک ، إنّ صاحبی أحقّ البریّة کلّها بهذا الأمر فی الفضل ، والدین ، والسابقة فی الإسلام ، والقرابة من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم. قال : فیقول ما ذا؟ قال : یأمرک بتقوی الله عزّ وجلّ ، وإجابة ابن عمّک إلی ما یدعوک إلیه من الحقّ ، فإنّه أسلم لک فی دنیاک ، وخیر لک فی عاقبة أمرک.

قال معاویة : ونُطلّ دم عثمان رضی الله عنه؟ لا والله لا أفعل ذلک أبداً.

فتکلّم شبث بن ربعی ، فحمد الله وأثنی علیه ، وقال :

یا معاویة إنّی قد فهمت ما رددت علی ابن محصن ، إنّه والله ما یخفی علینا ما تغزو وما تطلب ، إنّک لم تجد شیئاً تستغوی به الناس ، وتستمیل به أهواءهم ، وتستخلص به طاعتهم ، إلاّ قولک : قُتل إمامکم مظلوماً فنحن نطلب بدمه ، فاستجاب له سفهاء طغام ، وقد علمنا أنّک قد أبطأت عنه بالنصر ، وأحببت له القتل ، لهذه المنزلة التی أصبحت تطلب ، وربّ متمنّی أمر وطالبه الله عزّ وجلّ یحول دونه بقدرته ،

ص: 426

وربّما أوتی المتمنّی أُمنیّته وفوق أُمنیّته ، وو الله مالک فی واحدة منهما خیر ، لئن أخطأت ما ترجو ، إنّک لشرّ العرب حالاً فی ذلک ، ولئن أصبت ما تمنّی لا تصیبه حتی تستحقّ من ربّک صلیّ النار ، فاتّق الله یا معاویة ودع ما أنت علیه ، ولا تنازع الأمر أهله.

فتکلّم معاویة وکان من کلامه : فقد کذبت ولؤُمت أیّها الأعرابیّ الجلف الجافی فی کلّ ما ذکرت ووصفت ، انصرفوا من عندی ، فإنّه لیس بینی وبینکم إلاّ السیف ، وغضب وخرج القوم ، وأتوا علیّا وأخبروه بالذی کان من قوله (1).

وفد علی علیه السلام الثانی :

ولمّا دخلت سنة (37) توادعا علی ترک الحرب فی المحرّم إلی انقضائه طمعاً فی الصلح ، واختلف فیما بینهما الرسل فی ذلک من دون جدوی ، فبعث علی علیه السلام عدیّ بن حاتم ، ویزید بن قیس ، وشبث بن ربعی ، وزیاد بن حنظلة (2) إلی معاویة ، فلمّا دخلوا علیه تکلّم عدیّ بن حاتم ، فحمد الله ثم قال :

أمّا بعد : فإنّا أتیناک ندعوک إلی أمر یجمع الله عزّ وجلّ به کلمتنا وأُمّتنا ویحقن به الدماء ، ویؤمن به السبل ، ویُصلح به ذات البین ، إنّ ابن عمّک سیّد المسلمین ، أفضلها سابقة ، وأحسنها فی الإسلام أثراً ، وقد استجمع له الناس ، وقد أرشدهم الله عزّ وجلّ بالذی رأوا ، فلم یبق أحد غیرک وغیر من معک ، فانتهِ یا معاویة لا یصبک الله وأصحابک بیوم مثل یوم الجمل.

فقال معاویة : کأنّک إنّما جئت متهدّداً ، لم تأت مصلحاً ، هیهات یا عدیّ ، کلاّ ة.

ص: 427


1- تاریخ الطبری : 5 / 242 [4 / 573 حوادث سنة 36 ه] ، الکامل لابن الأثیر : 3 / 122 [2 / 365 حوادث سنة 36 ه] ، تاریخ ابن کثیر : 7 / 256 [7 / 285 حوادث سنة 36 ه]. (المؤلف)
2- فی المصادر الثلاثة أعلاه : زیادة بن خصفة.

والله ، إنّی لابنُ حرب ما یُقَعْقَعُ لی بالشنان (1) ، أما والله إنّک لمن المجلبین علی ابن عفّان 2 ، وإنّک لمن قتلته ، وإنّی لأرجو أن تکون ممّن یقتل الله عزّ وجلّ به ، هیهات یا عدیّ بن حاتم قد حلبت بالساعد الأشدّ.

فقال له شبث بن ربعی ، وزیاد بن حنظلة : أتیناک فیما یصلحنا وإیّاک ، فأقبلت تضرب الأمثال ، دع ما لا ینتفع به من القول والفعل ، وأجبنا فیما یعمّنا وإیّاک نفعه.

وتکلّم یزید بن قیس ، فقال :

إنّا لم نأتک إلاّ لنبلغک ما بُعثنا به إلیک ، ولنؤدّی عنک ما سمعنا منک ، ونحن - علی ذلک - لن ندع أن ننصح لک ، وأن نذکر ما ظننّا أنّ لنا علیک به حجّة ، وأنّک راجع به إلی الألفة والجماعة ، إنّ صاحبنا من قد عرفت وعرف المسلمون فضله ، ولا أظنّه یخفی علیک ، إنّ أهل الدین والفضل لم یعدلوا بعلیّ ، ولن یمیّلوا (2) بینک وبینه فاتّق الله یا معاویة ولا تخالف علیّا ، فإنّا والله ما رأینا رجلاً قطّ أعمل بالتقوی ، ولا أزهد فی الدنیا ، ولا أجمع لخصال الخیر کلّها منه.

فتکلّم معاویة وقال : أمّا بعد : فإنّکم دعوتم إلی الطاعة والجماعة ، فأمّا الجماعة التی دعوتم إلیها فمعنا هی ، وأمّا الطاعة لصاحبکم فإنّا لا نراها ، إنّ صاحبکم قتل خلیفتنا ، وفرّق جماعتنا ، وآوی ثأرنا وقتلتنا ، وصاحبکم یزعم أنّه لم یقتله ، فنحن لا نردّ ذلک علیه ، أرأیتم قتلة صاحبنا؟ ألستم تعلمون أنّهم أصحاب صاحبکم؟ فلیدفعهم إلینا فلنقتلهم به ، ثم نحن نجیبکم إلی الطاعة والجماعة.

فقال له شبث : أیسرّک یا معاویة أنّک أُمِکنت من عمّار تقتله؟ فقال معاویة : ا.

ص: 428


1- القعقعة : تحریک الشیء الیابس الصلب مع صوت. والشنان جمع شنّ بالفتح : القربة البالیة. وإذا قعقع بالشنان للإبل نفرت ، وهو مثل یضرب لمن لا یروعه ما لا حقیقة له. (المؤلف)
2- التمییل بین الشیئین : الترجیح بینهما ، وقوله : لن یمیّلوا ، أی لن یشکّوا ویترددوا ، فلا یحتاج الأمر إلی المقارنة والترجیح بینکما.

وما یمنعنی من ذلک؟ والله لو أُمِکنت من ابن سمیّة ما قتلته بعثمان رضی الله عنه ، ولکن کنت قاتله بناتل مولی عثمان. فقال شبث :

وإله الأرض وإله السماء ما عدلت معتدلاً ، لا والذی لا إله إلاّ هو ، لا تصل إلی عمّار حتی تندُر الهام عن کواهل الأقوام ، وتضیق الأرض الفضاء علیک برحبها.

فقال له معاویة : إنّه لو قد کان ذلک کانت الأرض علیک أضیق.

وتفرّق القوم عن معاویة ، فلمّا انصرفوا ، بعث معاویة إلی زیاد بن حنظلة (1) التمیمی فخلا به ، فحمد الله وأثنی علیه ، وقال :

أمّا بعد یا أخا ربیعة ، فإنّ علیّا قطع أرحامنا ، وآوی قتلة صاحبنا ، وإنّی أسألک النصر بأُسرتک وعشیرتک ، ثم لک عهد الله جلّ وعزّ ومیثاقه أن أُولّیک إذا ظهرت أیّ المصرین أحببت. قال زیاد : فلمّا قضی معاویة کلامه ، حمدت الله عزّ وجلّ وأثنیت علیه ، ثم قلت :

أمّا بعد : فإنّی علی بیّنة من ربّی ، وبما أنعم علیّ ، فلن أکون ظهیراً للمجرمین ، ثم قمت (2).

وروی ابن دیزیل من طریق عمرو بن سعد بإسناده ، أنّ قرّاء أهل العراق ، وقرّاء أهل الشام عسکروا ناحیة وکانوا قریباً من ثلاثین ألفاً ، وأنّ جماعة من قرّاء العراق منهم : عبیدة السلمانی ، وعلقمة بن قیس ، وعامر بن عبد قیس ، وعبد الله بن عتبة بن مسعود وغیرهم ، جاءوا معاویة فقالوا له : ما تطلب؟ قال : أطلب بدم عثمان. قالوا : فمن تطلب به؟ قال : علیّا. قالوا : أهو قتله؟ قال : نعم وآوی قتلته. فانصرفوا إلی علیّ فذکروا له ما قال فقال : «کذب لم أقتله وأنتم تعلمون أنّی لم أقتله» ، فرجعوا ف)

ص: 429


1- مرّ أنه فی المصادر الثلاثة : زیاد بن خصفة.
2- تاریخ الطبری : 6 / 3 [5 / 75 حوادث سنة 38 ه] ، الکامل لابن الأثیر : 3 / 124 [2 / 367 سنة 37] ، تاریخ ابن کثیر : 7 / 258 [7 / 286 حوادث سنة 37 ه]. (المؤلف)

إلی معاویة ، فقال : إن لم یکن قتله بیده فقد أمر رجالاً ، فرجعوا إلی علیّ فقال : «والله لا قتلت ولا أمرت ولا مالیت». فرجعوا فقال معاویة : فإن کان صادقاً فلیقدنا من قتلة عثمان ، فإنّهم فی عسکره وجنده. فرجعوا ، فقال علیّ : «تأوّل القوم علیه القرآن فی فتنة ووقعت الفرقة لأجلها ، وقتلوه فی سلطانه ولیس لی علیهم سبیل». فرجعوا إلی معاویة فأخبروه ، فقال : إن کان الأمر علی ما یقول فما له أنفذ الأمر دوننا من غیر مشورة منّا ولا ممّن هاهنا؟ فرجعوا إلی علیّ فقال علیّ : «إنّما الناس مع المهاجرین والأنصار ، فهم شهود الناس علی ولایتهم وأمر دینهم ، ورضوا وبایعونی ، ولست أستحلّ أن أدع مثل معاویة یحکم علی الأُمّة ویشق عصاها» ، فرجعوا إلی معاویة ، فقال : ما بال من هاهنا من المهاجرین والأنصار لم یدخلوا فی هذا الأمر؟ فرجعوا ، فقال علیّ : «إنّما هذا للبدریّین دون غیرهم ، ولیس علی وجه الأرض بدریّ إلاّ وهو معی ، وقد بایعنی وقد رضی ، فلا یغرنّکم من دینکم وأنفسکم» (1).

هاهنا تجد الباغی متجهّما تجاه تلک الدعوة الحقّة کأنّه هو بمفرده ، أو هو وطغام الشام والأحلاف الذین حوله بیدهم عقدة أمر الأُمّة ، تنحلّ وتُعقد بمشیئتهم والمهاجرون والأنصار والبدریّون من الصحابة قطّ لا قیمة لهم ، ولا لبیعتهم وجماعتهم ، عنده فی سوق الاعتبار ، یقول : إنّ الجماعة معه ، وإنّ الطاعة لا یراها هو ، علی حین أنّهما حصلتا له - صلوات الله علیه - رضی به ابن هند أو أبی ، وأنّ الجماعة التی کانت لعلیّ علیه السلام وبیعتهم إیّاه کانت من سروات المجد ، وأهل الحلّ والعقد من المهاجرین والأنصار ، ووجوه الأمصار والبلاد ، ولم یتحقّق إجماع فی الإسلام مثله ، وأمّا التی کانت لمعاویة فی حسبانه فمن رعرعة الشام ، وروّاد الفتن ، وسماسرة الأهواء ، ولم یکن معه - کما قال سیّدنا قیس بن سعد بن عبادة - : إلاّ طلیق أعرابی أو یمانیّ مستدرج ، وکان معه مائة ألف ما فیهم من یفرّق بین الناقة والجمل ، کما مرّ ف)

ص: 430


1- تاریخ ابن کثیر : 7 / 258 [7 / 287 حوادث سنة 37 ه]. (المؤلف)

حدیثه فی (ص 195) ، فأیّ عبرة بموقف هؤلاء؟ وأیّ قیمة لبیعتهم بعد شذوذهم عن الحقّ ، ونبذهم إیّاه وراء ظهورهم؟

من یکن ابن آکلة الأکباد وزبانیته حتی یکون لهم رأی فی الخلافة؟ ویطلبوا من أمیر المؤمنین اعتزال الأمر ، وردّه شوری بین المسلمین ، بعد أنّ العمد والدعائم من المسلمین رضوا بتلکم البیعة وعقدوها للإمام الحقّ علی زهد منه علیه السلام فیها ، لکنّهم تکاثروا علیه کعرف الفرس ، حتی لقد وطئ الحسنان ، وشقّ عطفاه ، فکان تدخّل الطلیق ابن الطلیق فی أمر الأُمّة الذی أصفق علیه رجال الرأی والنظر تبرّعاً منه من غیر طلب ولا جدارة ، بل کان خروجاً علی الإمام الذی کانت معه جماعة المسلمین ، وانعقدت علیه طاعتهم ، فتبّا لمن شقّ عصاهم ، وفتّ فی عضدهم.

وابن هند إن لم یکن ینازع للخلافة کما حسبه ابن حجر ، فما کانت تلک المحاباة وتغریر وجوه الناس ورجالات الثورات بولایات البلاد؟ فتری یجعل مصر طعمة لعمرو ابن العاص ، وله خطواته الواسعة وراء قتل عثمان ، ویعهد علی زیاد التمیمی أن یولّیه أیّ المصرین أحبّ إذا ظهر ، غیر أنّ التمیمی کان علی بیّنة من ربّه فیما أنعم الله علیه لم یک ظهیراً للمجرمین ، وکذلک قیس بن سعد الأنصاری ، کتب إلیه معاویة یعده بسلطان العراقین إذا ظهر ما بقی ، ولمن أحبّ قیس سلطان الحجاز ما دام له سلطان (1) ، وقیس شیخ الأنصار ، وهم المتسربلون بالحدید یوم الجمل ، قائلین : نحن قتلة عثمان.

ولنا حقّ النظر فی قوله لشبث بن ربعی : وما یمنعنی من ذلک ، والله لو أُمکنت من ابن سمیّة ما قتلته بعثمان ... إلی آخره. من الذی أخبر معاویة عن عمّار وعن قتله عثمان ومولاه ناتل؟ وکان معاویة یومئذ بالشام ، ولینظر فی البیّنة التی حکم بها علی عمّار ، ولعلّها قامت بشهادة مزوّرة زوّرها نفس معاویة جریاً علی عادته فی أمثال هذه المواقف. ف)

ص: 431


1- تاریخ الطبری : 5 / 228 [4 / 550 حوادث سنة 36 ه]. (المؤلف)

وإن صدق فی دعواه وکان الأمر کما قرّره هو ، فلا قود عندئذ ، إذ عمّار من المجتهدین العدول ، لا یقتل إنساناً إلاّ من هدر الإسلام دمه ، یُتّبع أثره ، ولا یُنقض حکمه ، کیف لا؟ وقد ورد الثناء علیه فی خمس آیات فصّلناها فی (9 / 21 - 24) ، وجاء عن النبیّ الأعظم قوله صلی الله علیه وآله وسلم : «إنّ عمارا مُلئ إیماناً من قرنه إلی قدمه ، وخلط الإیمان بلحمه ودمه».

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم «عمّار خلط الله الإیمان ما بین قرنه إلی قدمه ، وخلط الإیمان بلحمه ودمه ، یزول مع الحقّ حیث زال ، ولیس ینبغی للنار أن تأکل منه شیئاً».

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «مُلئ إیماناً إلی مشاشه. وفی لفظ : حُشی ما بین أخمص قدمیه إلی شحمة أُذنیه إیماناً».

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «إنّ عماراً مع الحقّ والحقّ معه ، یدور عمّار مع الحقّ أینما دار ، وقاتل عمّار فی النار».

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «إذا اختلف الناس کان ابن سمیّة مع الحقّ».

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «دم عمّار ولحمه حرام علی النار أن تطعمه».

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «ما لهم ولعمّار؟ یدعوهم إلی الجنّة ویدعونه إلی النار ، إنّ عمّاراً جلدة ما بین عینیّ وأنفی ، فإذا بلغ ذلک من الرجل فلم یُستبق فاجتنبوه».

نعم : صدق معاویة فی قوله : ما یمنعنی من ذلک؟ وأیّ وازع للإنسان عن قتل عمّار إذا ما صدّق النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فی أقواله هذه وقوله : «ما لقریش وعمّار یدعوهم إلی الجنّة ، ویدعونه إلی النار ، قاتله وسالبه فی النار».

وقوله : «من عادی عمّاراً عاداه الله ، ومن أبغض عمّاراً أبغضه الله ، ومن یسفّه عمّاراً یسفّهه الله ، ومن یسبّ عمّاراً یسبّه الله ، ومن یحقّر عماراً حقّره الله ، ومن یلعن

ص: 432

عمّاراً لعنه الله ، ومن ینتقص عمّاراً ینتقصه الله» (1).

وفد معاویة إلی الإمام علیه السلام :

وبعث معاویة إلی علیّ : حبیب بن مسلمة الفهری ، وشرحبیل بن السمط ، ومعن بن یزید بن الأخنس ، فدخلوا علیه ، وتکلّم حبیب ، فحمد الله وأثنی علیه ، ثم قال :

أمّا بعد : فإنّ عثمان بن عفّان رضی الله عنه کان خلیفة مهدیّا ، یعمل بکتاب الله عزّ وجلّ ، ویُنیب إلی أمر الله تعالی ، فاستثقلتم حیاته ، واستبطأتم وفاته ، فعدوتم علیه فقتلتموه رضی الله عنه ، فادفع إلینا قتلة عثمان - إن زعمت أنّک لم تقتله - نقتلهم به ، ثم اعتزل أمر الناس ، فیکون أمرهم شوری بینهم ، یُولّی الناس أمرهم من أجمع علیه رأیهم.

فقال له علیّ بن أبی طالب : «وما أنت لا أُمّ لک والعزل ، وهذا الأمر؟ اسکت ، فإنّک لست هناک ولا بأهل له». فقام وقال له : والله لترینّی بحیث تکره. فقال علیّ : «وما أنت ولو أجلبت بخیلک ورجلک؟ لا أبقی الله علیک إن أبقیت علیّ ، أحُقرة وسوءاً؟ اذهب فصوّب وصعّد ما بدا لک».

وقال شرحبیل : إنّی إن کلّمتک فلعمری ما کلامی إلاّ مثل کلام صاحبی قبل ، فهل عندک جواب غیر الذی أجبته به؟ فقال علیّ : «نعم ، لک ولصاحبک جواب غیر الذی أجبته به» ، فحمد الله وأثنی علیه ، ثم قال :

«أمّا بعد : فإنّ الله جلّ ثناؤه بعث محمداً صلی الله علیه وآله وسلم بالحقّ ، فأنقذ به من الضلالة ، وانتاش به من الهلکة ، وجمع به من الفرقة ، ثم قبضه الله إلیه ، وقد أدّی ما علیه صلی الله علیه وآله وسلم ، ثم استخلف الناس أبا بکر رضی الله عنه ، واستخلف أبو بکر عمر رضی الله عنه ، فأحسنا السیرة ، ].

ص: 433


1- راجع تفصیل هذه الأحادیث فی الجزء التاسع : ص 24 - 28. (المؤلف) [وانظر أیضاً : 1 / 596 ، 597 و 9 / 259 و 10 / 170].

وعَدَلا فی الأُمّة ، وقد وجدنا علیهما أن تولّیا علینا ، ونحن آل رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فغفرنا ذلک لهما ، وولی عثمان رضی الله عنه فعمل بأشیاء عابها الناس علیه ، فساروا إلیه فقتلوه ، ثم أتانی الناس وأنا معتزل أُمورهم ، فقالوا لی : بایع ، فأبیت علیهم ، فقالوا لی : بایع ، فإنّ الأُمّه لا ترضی إلاّ بک ، وإنّا نخاف إن لم تفعل أن یفترق الناس ، فبایعتهم ، فلم یرعنی إلاّ شقاق رجلین قد بایعانی ، وخلاف معاویة الذی لم یجعل الله عزّ وجلّ له سابقة فی الدین ، ولا سلف صدق فی الإسلام ، طلیق ابن طلیق ، حزب من هذه الأحزاب ، لم یزل لله عزّ وجلّ ولرسوله صلی الله علیه وآله وسلم وللمسلمین عدوّا ، هو وأبوه ، حتی دخلا فی الإسلام کارهین ، فلا غرو إلاّ خلافکم معه ، وانقیادکم له ، وتدعون آل نبیّکم صلی الله علیه وآله وسلم الذین لا ینبغی لکم شقاقهم ولا خلافهم ، ولا أن تعدلوا بهم من الناس أحداً ، ألا إنّی أدعوکم إلی کتاب الله عزّ وجلّ ، وسنّة نبیّه صلی الله علیه وآله وسلم وإماتة الباطل ، وإحیاء معالم الدین ، أقول قولی هذا ، واستغفر الله لی ولکم ولکلّ مؤمن ومؤمنة ومسلم ومسلمة».

فقالا : اشهد أنّ عثمان رضی الله عنه قُتل مظلوماً. فقال لهما : «لا أقول إنّه قُتل مظلوماً ، ولا أنّه قُتل ظالماً». قالا : فمن لم یزعم أنّ عثمان قُتل مظلوماً فنحن منه برآء. ثم قاما فانصرفا ، فقال علیّ : (إِنَّکَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتی وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِینَ* وَما أَنْتَ بِهادِی الْعُمْیِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلاَّ مَنْ یُؤْمِنُ بِآیاتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ) (1). (2)

أنباءٌ فی طیّات الکتب تُعرب عن مرمی معاویة :

هلمّ معی ننظر فی شطر من کتب ابن حرب المعربة عن مرماه الذی کان ترکاضه وراءه ، هل فیها إیعاز أو تلویح أو تصریح بغایته المتوخّاة فی نزاعه الإمام الطاهر علیه السلام ، وأنّه کان یروم الخلافة ویحوم حولها وینازع الأمر أهله ، رغم إنکار ابن ف)

ص: 434


1- النمل : 80 ، 81.
2- تاریخ الطبری : 6 / 4 [5 / 7 حوادث سنة 37 ه] ، الکامل لابن الأثیر : 3 / 125 [2 / 368 حوادث سنة 37 ه] ، تاریخ ابن کثیر : 7 / 258 [7 / 287 حوادث سنة 37 ه]. (المؤلف)

حجر إیّاه إنکاراً باتّا نصرةً له.

إنّ النعمان بن بشیر لمّا قدم علی معاویة بکتاب زوجة عثمان تذکر فیه دخول القوم علیه ، وما صنع محمد بن أبی بکر من نتف لحیته ، فی کتاب رقّقت فیه وأبلغت حتی إذا سمعه السامع بکی حتی یتصدّع قلبه. وبقمیص عثمان مخضّباً بالدم ممزّقاً ، وعقدت شعر لحیته فی زر القمیص ، قال : فصعد المنبر معاویة بالشام وجمع الناس ، ونشر علیهم القمیص ، وذکر ما صنعوا بعثمان فبکی الناس وشهقوا حتی کادت نفوسهم أن تزهق ، ثم دعاهم إلی الطلب بدمه ، فقام إلیه أهل الشام فقالوا : هو ابن عمّک وأنت ولیّه ، ونحن الطالبون معک بدمه ، فبایعوه أمیراً علیهم ، وکتب ، وبعث الرسل إلی کور الشام ، وکتب إلی شُرحبیل بن السمط الکندی وهو بحمص ، یأمره أن یبایع له بحمص کما بایع أهل الشام ، فلمّا قرأ شُرحبیل کتاب معاویة ، دعا أُناساً من أشراف أهل حمص ، فقال لهم : لیس من قتل عثمان بأعظم جرماً ممّن یبایع لمعاویة أمیراً ، وهذه سقطة ، ولکنّا نبایع له بالخلافة ، ولا نطلب بدم عثمان مع غیر خلیفة ، فبایع لمعاویة بالخلافة هو وأهل حمص ، ثم کتب إلی معاویة : أمّا بعد : فإنّک أخطأت خطأ عظیماً حین کتبت إلیّ أن أُبایع لک بالإمرة ، وأنّک ترید أن تطلب بدم الخلیفة المظلوم وأنت غیر خلیفة ، وقد بایعت ومن قبلی لک بالخلافة.

فلمّا قرأ معاویة کتابه سرّه ذلک ، ودعا الناس ، وصعد المنبر وأخبرهم بما قال شُرحبیل ، ودعاهم إلی بیعته بالخلافة ، فأجابوه ولم یختلف منهم أحد ، فلمّا بایع القوم له بالخلافة ، واستقام له الأمر ، کتب إلی علیّ (1).

وفی حدیث عثمان بن عبید الله الجرجانی قال :

بویع معاویة علی الخلافة ، فبایعه الناس علی کتاب الله وسنّة نبیّه ، فأقبل مالک ابن هبیرة الکندی - وهو یومئذٍ رجل من أهل الشام - فقام خطیباً ، وکان غائباً من ف)

ص: 435


1- الإمامة والسیاسة : 1 / 69 ، 70 [1 / 74]. (المؤلف)

البیعة ، فقال : یا أمیر المؤمنین أخدجت هذا الملک ، وأفسدت الناس ، وجعلت للسفهاء مجالاً (1) ، وقد علمتِ العرب أنّا حیّ فِعال ، ولسنا بحیّ مقال ، وإنّا نأتی بعظیم فعالنا علی قلیل مقالنا ، فابسط یدک أُبایعک علی ما أحببنا وکرهنا.

فقال الزبرقان بن عبد الله السکونی :

معاویَ أخدجتَ الخلافةَ بالتی

شرطتَ فقد بوّا لک الملکَ مالکُ

ببیعة فصلٍ لیس فیها غمیزةٌ

ألا کلُّ ملکٍ ضمّه الشرط هالکُ

وکان کبیتِ العنکبوتِ مذبذباً

فأصبح محجوباً علیه الأرائکُ

وأصبح لا یرجوه راجٍ لعلّةٍ

ولا تنتحی فیه الرجال الصعالکُ

وما خیرُ ملکٍ یا معاویَ مُخدجٍ

تُجُرِّعَ فیه الغیظُ والوجهُ حالکُ

إذا شاء ردّته السَّکونُ وحِمْیرٌ

وهمْدانُ والحیّ الخفاف السکاسکُ (2)

جرت بین الإمام علیه السلام وبین معاویة مکاتبات ، نحن نأخذ من تلکم الکتب ما یخصّ الموضوع ، کتب علیه السلام إلیه فی أوّل ما بویع له بالخلافة :

«أمّا بعد : فقد علمت إعذاری فیکم ، وإعراضی عنکم ، حتی کان ما لا بدّ منه ، ولا دفع له ، والحدیث طویل ، والکلام کثیر ، وقد أدبر ما أدبر ، وأقبل ما أقبل ، فبایع من قبلک ، وأقبل إلیّ فی وفد من أصحابک ، والسلام».

وفی لفظ :

«أمّا بعد : فإنّ الناس قتلوا عثمان عن غیر مشورة منّی ، وبایعونی عن مشورة منهم واجتماع ، فإذا أتاک کتابی فبایع لی ، وأوفد إلیّ أشراف أهل الشام قبلک».

وفی لفظ ابن قتیبة : «أمّا بعد : فقد ولّیتک ما قبلک من الأمر والمال ، فبایع من ف)

ص: 436


1- فی وقعة صفّین : مقالاً.
2- کتاب صفّین لابن مزاحم : ص 90 [ص 81]. (المؤلف)

قبلک ، ثم أقدم إلیّ فی ألف رجل من أهل الشام».

فکتب معاویة : أمّا بعد ، فإنّه :

لیس بینی وبین قیس عتاب

غیر طعن الکلی وضرب الرقاب

ومن کتاب له علیه السلام إلی معاویة : «وقد بلغک ما کان من قتل عثمان ؛ وبیعة الناس عامّة إیّای ، ومصارع الناکثین لی ، فادخل فیما دخل الناس فیه ، وإلاّ فأنا الذی عرفت ، وحولی من تعلمه. والسلام».

وممّا کتب علیه السلام إلیه مع جریر البجلی : «فإنّ بیعتی بالمدینة لزمتک وأنت بالشام ، لأنّه بایعنی القوم الذین بایعوا أبا بکر وعمر وعثمان علی ما بایعوهم علیه ، فلم یکن للشاهد أن یختار ولا للغائب أن یردّ ، وإنّما الشوری للمهاجرین والأنصار ، فإذا اجتمعوا علی رجل وسمّوه إماماً ، کان ذلک لله رضاً ، وإن خرج عن أمرهم خارج بطعن أو بدعة (1) ردّوه إلی ما خرج منه ، فإن أبی قاتلوه علی اتّباعه غیر سبیل المؤمنین ، وولاّه الله ما تولّی ، وأصلاه جهنّم وساءت مصیراً.

فادخل فیما دخل فیه المسلمون ، فإنّ أحبّ الأُمور إلیّ قبولک العافیة (2) ، إلاّ أن تتعرّض للبلاء ، فإن تعرّضت له قاتلتک ، واستعنت بالله علیک ، وقد أکثرت فی قتلة عثمان ، فإن أنت رجعت عن رأیک وخلافک ، ودخلت فیما دخل فیه المسلمون ، ثم حاکمت القوم إلیّ ، حملتک وإیّاهم علی کتاب الله ، وأمّا تلک التی تریدها فهی خُدعة الصبیّ عن اللبن.

واعلم أنّک من الطلقاء الذین لا تحلّ لهم الخلافة ، ولا تُعقد معهم الإمامة ، ولا یدخلون فی الشوری ، وقد بعثت إلیک وإلی من قبلک جریر بن عبد الله البجلی ، ة.

ص: 437


1- فی وقعة صفّین وشرح النهج : بطعن أو رغبة.
2- فی وقعة صفّین وشرح النهج : فإنّ أحبّ الأمور إلیّ فیک العافیة.

وهو من أهل الإیمان والهجرة ، فبایعه ، ولا قوّة إلاّ بالله».

قدم جریر علی معاویة بکتاب علیّ ، فلمّا أبطأ علیه معاویة برأیه استحثّه بالبیعة ، فقال له معاویة : یا جریر إنّ البیعة لیست بخلسة ، وإنّه أمر له ما بعده ، فأبلعنی ریقی ، ودعا أهل ثقته فاستشارهم ، فقال له أخوه عتبة : استعن علی هذا الأمر بعمرو بن العاص ، فإنّه من قد عرفت ، فکتب معاویة إلی عمرو ، وهو بفلسطین.

أمّا بعد : فقد کان من أمر علیّ وطلحة والزبیر ما قد بلغک ، وقد سقط إلینا مروان بن الحکم فی نفر من أهل البصرة ، وقدم علینا جریر بن عبد الله فی بیعة علیّ ، وقد حبست نفسی علیک ، فاقدم علی برکة الله أُذاکرک أُموراً لا تعدم صلاح مغبّتها إن شاء الله.

فقال معاویة لجریر : إنّی قد رأیت رأیاً ، قال جریر : هات. قال : أکتب إلی علیّ أن یجعل لی الشام ومصر جبایة ، فإن حضرته الوفاة لم یجعل لأحد من بعده فی عنقی بیعة ، وأسلّم إلیه هذا الأمر ، وأکتب إلیه بالخلافة. قال جریر : اکتب ما شئت. فکتب إلی علیّ یسأله ذلک ، فلمّا أتی علیّا کتاب معاویة عرف أنّها خدعة منه ، وکتب إلی جریر بن عبد الله :

أمّا بعد : «فإنّ معاویة إنّما أراد بما طلب ألاّ یکون لی فی عنقه بیعة ، وأن یختار من أمره ما أحبّ ، وأراد أن یریّثک ویبطّئک حتی یذوق أهل الشام ، وقد کان المغیرة ابن شعبة أشار علیّ وأنا بالمدینة أن أستعمله علی الشام ، فأبیت ذلک علیه (1) ، ولم یکن الله لیرانی أن اتّخذ المضلّین عضدا ، فإن بایعک الرجل وإلاّ فأقبل. والسلام» (2). ف)

ص: 438


1- راجع ما أسلفناه فی الجزء السادس : ص 142. (المؤلف)
2- کتاب صفّین ص 38 ، 58 ، 59 [ص 29 ، 33 ، 34] ، الإمامة والسیاسة : 1 / 82 وفی طبعة 72 [1 / 48 ، 84 - 85 ، 86] ، شرح ابن أبی الحدید : 1 / 136 ، 249 - 251 [1 / 230 ، 2 / 61 و 3 / 75 - 84]. (المؤلف)

ولمّا فشا کتاب معاویة فی العرب ، کتب إلیه أخو عثمان لأمّه الولید بن عقبة :

معاوی إنّ الشامَ شامُک فاعتصمْ

بشامک لا تُدخل علیک الأفاعیا

وحام علیها بالصوارم والقنا

ولا تکُ موهونَ الذراعینِ وانیا

وإنّ علیّا ناظرٌ ما تُجیبه

فأهدِ له حرباً تُشیب النواصیا

وإلاّ فسلّم إنّ فی السلم راحةً

لمن لا یرید الحرب فاختر معاویا

وإنّ کتاباً یا بن حربٍ کتبته

علی طمعٍ یُزجی إلیک الدواهیا

سألت علیّافیه ما لن تناله

وإن نلتَه لم تبقَ إلاّ لیالیا

وسوف تری منه التی لیس بعدها

بقاءٌ فلا تکثر علیک الأمانیا

أمثلَ علیٍّ تعتریه بخدعةٍ

وقد کان ما جرّبت من قبلُ کافیا

وکتب إلی معاویة أیضاً :

معاوی إنّ الملک قد جُبَّ غاربه

وأنت بما فی کفِّک الیوم صاحبه

أتاک کتابٌ من علیٍّ بخطّةٍ

هی الفصلُ فاختر سلمَهُ أو تحاربُه

فلا ترجُ عند الواترین مودّةً

ولا تأمنِ الیوم الذی أنت راهبُه

وحاربه إن حاربتَ حرَّ ابن حرّةٍ

وإلاّ فسلمٌ لا تدبُّ عقاربُه

فإنَّ علیّا غیرُ ساحب ذیله

علی خدعةٍ ما سوَّغ الماءَ شاربُه

فلا تدعنّ الملکَ والأمرُ مقبلٌ

وتطلب ما أعیت علیه مذاهبُه

فإن کنتَ تنوی أن تجیب کتابه

فقُبِّح ممُلیه وقبّح کاتبُه

وإن کنت تنوی أن تردّ کتابه

وأنت بأمرٍ لا محالة راکبُه

فألق إلی الحیّ الیمانین کلمةً

عدوٌ ومالاهم علیه أقاربُه

أفانین منهم قاتلٌ ومحرّض

بلا ترة کانت وآخر سالبُه

وکنت أمیراً قبل بالشام فیکمُ

فحسبی وإیّاکم من الحقّ واجبُه

تجیبوا - ومن أرسی ثبیراً مکانه -

تدافع بحرٍ لا تُردُّ غواربُه (1)

فأقلل وأکثر مالها الیوم صاحبٌ

سواک فصرِّح لستَ ممّن تواربُه (2)

فأقام جریر عند معاویة ثلاثة أشهر. وقیل : أربعة. وهو یماطله بالبیعة ، فکتب علیّ إلی جریر :

«سلام علیک ، أمّا بعد : فإذا أتاک کتابی هذا فاحمل معاویة علی الفصل ، وخذه بالأمر الجزم ، وخیّره بین حربٍ مجلیة ، أو سلمٍ مخزیة ، فإن اختار الحرب فانبذ إلیهم علی سواء إنّ الله لا یحبّ الخائنین ، وإن اختار السلم فخذ بیعته وأقبل إلیّ ، والسلام».

فکتب معاویة إلی علیّ جواباً عن کتابه مع جریر :

أمّا بعد : فلعمری لو بایعک القوم الذین بایعوک وأنت بریء من دم عثمان لکنت کأبی بکر وعمر وعثمان - رضی الله عنهم أجمعین - ، ولکنّک أغریت بدم عثمان المهاجرین ، وخذّلت عنه الأنصار ، فأطاعک الجاهل ، وقوی بک الضعیف ، وقد أبی أهل الشام إلاّ قتالک ، حتی تدفع إلیهم قتلة عثمان ، فإن فعلت کانت شوری بین المسلمین ، وإنّما کان الحجازیّون هم الحکّام علی الناس والحقّ فیهم ، فلمّا فارقوه کان الحکّام علی الناس أهل الشام ، ولعمری ما حجّتک علیّ کحجّتک علی طلحة والزبیر ، لأنّهما بایعاک ولم أُبایعک ، وما حجّتک علی أهل الشام کحجّتک علی أهل البصرة ، لأنّ أهل البصرة أطاعوک ، ولم یطعک أهل الشام. ف)

ص: 440


1- البیت کما فی وقعة صفّین وشرح النهج : فجیئوا ومن أرسی ثبیراً مکانه ندافع بحراً لا تردّ غواربُه
2- المواربة : المخادعة والمداهاة. (المؤلف)

فکتب إلیه الإمام علیه السلام :

«زعمت أنّک إنّما أفسد علیک بیعتی خُفری (1) بعثمان ، ولعمری ما کنت إلاّ رجلاً من المهاجرین ، أوردت کما أوردوا ، وأصدرت کما أصدروا ، وما کان لیجمعهم علی ضلال ، ولا لیضربهم بالعمی ، وما أمرتُ فلزمتنی خطیئة الأمر ، ولا قتلتُ فأخاف علی نفسی قصاص القاتل.

وأمّا قولک : إنّ أهل الشام هُم حکّام أهل الحجاز ، فهات رجلاً من قریش الشام یُقبل فی الشوری ، أو تحلّ له الخلافة ، فإن سمّیت کذّبک المهاجرون والأنصار ، ونحن نأتیک به من قریش الحجاز ، فارجع إلی البیعة التی لزمتک ، وحاکم القوم إلیّ.

وأمّا تمییزک بین أهل الشام والبصرة ، وبینک وبین طلحة والزبیر ، فلعمری فما الأمر هناک إلاّ واحد ، لأنّها بیعة عامّة ، لا یتأتّی (2) فیها النظر ، ولا یُستأنف فیها الخیار».

ومن کتاب کتبه معاویة إلی علیّ علیه السلام فی أواخر حرب صفّین :

فإن کنت - أبا حسن - إنّما تحارب علی الإمرة والخلافة ، فلعمری لو صحّت خلافتک لکنت قریباً من أن تُعذر فی حرب المسلمین ، ولکنّها ما صحّت لک ، أنّی بصحّتها وأهل الشام لم یدخلوا فیها ولم یرتضوها؟ وخف الله وسطواته ، واتّق بأسه ونکاله ، واغمد سیفک عن الناس ، فقد والله أکلتهم الحرب ، فلم یبق منهم إلاّ کالثمد (3) فی قرارة الغدیر. والله المستعان.

فکتب علیّ علیه السلام إلیه کتاباً منه :

«وأمّا تحذیرک إیّای أن یحبط عملی وسابقتی فی الإسلام ، فلعمری لو کنت ف)

ص: 441


1- الخفر : نقض العهد ، الغدر. (المؤلف)
2- فی وقعة صفین : یثنّی.
3- الثمد : الماء القلیل یتجمع فی الشتاء وینضب فی الصیف. (المؤلف)

الباغی علیک لکان لک أن تحذّرنی ذلک ، ولکنّی وجدت الله تعالی یقول : (فَقاتِلُوا الَّتِی تَبْغِی حَتَّی تَفِیءَ إِلی أَمْرِ اللهِ) فنظرنا إلی الفئتین ، أمّا الفئة الباغیة فوجدناها الفئة التی أنت فیها ، لأنّ بیعتی لزمتک وأنت بالشام ، کما لزمتک بیعة عثمان بالمدینة ، وأنت أمیر لعُمر علی الشام ، وکما لزمت یزید أخاک بیعة عمر وهو أمیر لأبی بکر علی الشام.

وأمّا شقّ عصا هذه الأُمّة ، فأنا أحقّ أن أنهاک عنه ، فأمّا تخویفک لی من قتل أهل البغی ، فإنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أمرنی بقتالهم وقتلهم ، وقال لأصحابه : إنّ فیکم من یقاتل علی تأویل القرآن کما قاتلتُ علی تنزیله. وأشار إلیّ ، وأنا أولی من اتّبع أمره. وأمّا قولک : إنّ بیعتی لم تصحّ ، لأنّ أهل الشام لم یدخلوا فیها ، فکیف؟ وإنّما هی بیعة واحدة تلزم الحاضر والغائب ، لا یُثنّی فیها النظر ، ولا یُستأنف فیها الخیار ، الخارج منها طاعن ، والمُروّی (1) فیها مُداهن ، فاربع علی ظلعک ، وانزع سربال غیّک. واترک ما لا جدوی له علیک ، فلیس لک عندی إلاّ السیف ، حتی تفیء إلی أمر الله صاغراً ، وتدخل فی البیعة راغماً ، والسلام».

ومن کتاب لمعاویة إلی علیّ علیه السلام :

فدع اللجاج والعبث جانباً ، وادفع إلینا قتلة عثمان ، وأعد الأمر شوری بین المسلمین ، لیتّفقوا علی من هو لله رضا ، فلا بیعة لک فی أعناقنا ، ولا طاعة لک علینا ، ولا عُتبی لک عندنا ، ولیس لک ولأصحابک إلاّ السیف.

فأجابه الإمام علیه السلام بکتاب منه قوله :

«وزعمت أنّ أفضل الناس فی الإسلام فلان وفلان ، فذکرت أمراً إن تمّ ف)

ص: 442


1- روّی فی الأمر : نظر وفکّر ، أی الذی یفکّر ویروّی فیها ویبطئ عن الطاعة ، مداهن : أی منافق. (المؤلف)

اعتزلک کلّه ، وإن نقص لم یلحقک ثلمه ، وما أنت والفاضل والمفضول؟ والسائس والمسوس؟ وما للطلقاء وأبناء الطلقاء والتمییز بین المهاجرین الأوّلین ، وترتیب درجاتهم ، وتعریف طبقاتهم؟ هیهات لقد حنّ قدح لیس منها ، وطفق یحکم فیها من علیه الحکم لها ، ألا تربعْ أیّها الإنسان علی ظلعک؟ وتعرف قصور ذرعک ، وتتأخّر حیث أخّرک القدر؟ فما علیک غلبة المغلوب ، ولا لک ظفر الظافر».

ومنه قوله علیه السلام :

«وذکرت أنّه لیس لی ولأصحابی عندک إلاّ السیف ، فلقد أضحکت بعد استعبار ، متی ألفیت بنی عبد المطّلب عن الأعداء ناکلین ، وبالسیوف مخوّفین؟! فلبّث قلیلاً یلحق الهیجا حمل (1) ، فسیطلبک من تطلب ، ویقرب منک ما تستبعد ، وأنا مُرقل نحوک فی جحفل من المهاجرین والأنصار والتابعین لهم بإحسان ، شدید زحامهم ، ساطعٍ قتامهم ، متسربلین سرابیل الموت ، أحبّ اللقاء إلیهم لقاء ربّهم ، وقد صحبتهم ذرّیّة بدریّة ، وسیوف هاشمیّة ، قد عرفت مواقع نصالها فی أخیک وخالک وجدّک وأهلک ، وما هی من الظالمین ببعید».

ولمّا نزل علیّ علیه السلام الرقّة ، قالت له طائفة من أصحابه : یا أمیر المؤمنین اکتب إلی معاویة ومن قبله من قومک ، فإنّ الحجّة لا تزداد علیهم بذلک إلاّ عظماً. فکتب إلیهم :

«من عبد الله علیّ أمیر المؤمنین إلی معاویة ومن قبله من قریش :

سلام علیکم ، فإنّی أحمد إلیکم الله الذی لا إله إلاّ هو ، أمّا بعد : فإنّ لله عباداً ].

ص: 443


1- حمل ، هو حمل بن سعد ، إنّه الصحابی ، شهد صفّین مع معاویة (المؤلف) [فی المستقصی فی أمثال العرب 2 / 278 : مثل یضرب ، قالوا فی حمل : هو اسم رجل شجاع کان یستظهر بهِ فی الحرب ولا یبعد أن یُراد به حمل بن بدر صاحب الغبراء].

آمنوا بالتنزیل ، وعرفوا التأویل ، وفقهوا فی الدین ، وبیّن الله فضلهم فی القرآن الحکیم ، وأنتم فی ذلک الزمان أعداء للرسول ، تکذّبون بالکتاب ، مجمعون علی حرب المسلمین ، من ثقفتم منهم حبستموه أو عذّبتموه أو قتلتموه ، حتی أراد الله تعالی إعزاز دینه ، وإظهار أمره ، فدخلت العرب فی الدین أفواجاً ، وأسلمت له هذه الأُمّة طوعاً وکرها ، فکنتم فیمن دخل فی هذا الدین إمّا رغبة أو رهبةً ، علی حین فاز أهل السبق بسبقهم ، وفاز المهاجرون الأوّلون بفضلهم ، ولا ینبغی لمن لیست له مثل سوابقهم فی الدین ، ولا فضائلهم فی الإسلام ، أن ینازعهم الأمر الذی هم أهله ، وأولی به فیحوب ویظلم ، ولا ینبغی لمن کان له عقل أن یجهل قدره ، ویعدو طوره ، ویُشقی نفسه بالتماس ما لیس بأهله ، فإنّ أولی الناس بأمر هذه الأمّة قدیماً وحدیثاً أقربها من الرسول ، وأعلمها بالکتاب ، وأفقهها فی الدین ، أوّلهم إسلاما ، وأفضلهم جهاداً ، وأشدّهم بما تحمله الأئمّة من أمر الأُمّة اضطلاعاً ، فاتّقوا الله الذی إلیه ترجعون ، ولا تلبسوا الحقّ بالباطل وتکتموا الحقّ وأنتم تعلمون ، واعلموا أنّ خیار عباد الله الذین یعملون بما یعلمون ، وأنّ شرارهم الجهّال الذین ینازعون بالجهل أهل العلم ، فإنّ للعالم بعلمه فضلاً ، وإنّ الجاهل لا یزداد بمنازعته العالم إلاّ جهلاً ، ألا وإنّی أدعوکم إلی کتاب الله وسنّة نبیّه ، وحقن دماء هذه الأُمّة ، فإن قبلتم أصبتم رشدکم ، واهتدیتم لحظّکم ، وإن أبیتم إلاّ الفرقة وشقّ عصا هذه الأُمّة ، لم تزدادوا من الله إلاّ بُعداً ، ولا یزداد الربّ علیکم إلاّ سُخطاً ، والسلام» (1).

راجع (2) : الإمامة والسیاسة (1 / 20 ، 71 ، 72 ، 77 ، 78) ، کتاب صفّین 5.

ص: 444


1- شرح نهج البلاغة : 3 / 210 خطبة 48.
2- الإمامة والسیاسة : 1 / 84 ، 91 - 92 ، وقعة صفّین : ص 29 ، 33 ، 34 ، 52 - 58 ، الکامل فی اللغة والأدب : 1 / 267 ، 271 ، العقد الفرید : 4 / 136 - 137 ، نهج البلاغة : ص 368 کتاب 9 ، ص 385 کتاب 28 ، ص 388 - 389 ، شرح نهج البلاغة : 1 / 230 کتاب 8 و 2 / 61 و 3 / 75 ، 88 و 14 / 35 کتاب 6 وص 42 - 43 کتاب 7 ، صبح الأعشی : 1 / 275.

(ص 34 ، 38 ، 58 ، 59 ، 62 - 65 طبعة مصر) ، کامل المبرّد (1 / 155 ، 157) ، العقد الفرید (2 / 233 ، وفی طبعة : ص 284) نهج البلاغة (2 / 7 ، 8 ، 30 ، 35 ، 98) ، شرح ابن أبی الحدید (1 / 77 ، 136 ، 248 ، 252 و 3 / 300 ، 302) ، صبح الأعشی (1 / 229) ، نهایة الأرب (7 / 233). ومرّ بعض هذه الکتب بتمامه فی هذا الجزء.

قال الأمینی : ألم تعلم أیّها القارئ الکریم عقیب ما استشففت هذه الکتب المتردّدة بین إمام الحقّ ورجل السوء معاویة ، أنّه حین یسرّ حسواً فی ارتغاء (1) ، محتجّا بقتل عثمان تارة ، وبإیواء قاتلیه تارةً أخری ، وبطلبه حقن الدماء کمن لا یبتغیه هو ، أنّه کان لا یبتغی إلاّ الخلافة؟ وأنّه یعدو إلیها ضابحاً ، ویُضحّی دونها بکلّ غالٍ ورخیص ، ویهب دونها الولایات ، ویمنح تجاهها المنائح ، ویهب الرضائخ ، ویستهوی بها النفوس الخائرة ، ومهملجی نهمة الحاکمیّة ، ویستهین ببیعة المهاجرین والأنصار ، وهم إلب واحد لبیعة إمام الهدی - صلوات الله علیه - ، ویحسبهم قد فارقوا الحقّ وخبطوا فی العمی ، ویرجّح کفّة الشام علی کفّة عاصمة الإسلام ، وأهلوه هم الصحابة العدول من المهاجرین والأنصار ، علی أنّه لیس للطلیق ابن الطلیق أن یتدخّل فی شأن هم أثبتوا دعائمه ، وشیّدوا معالمه ، ومن الذی منحه النظر فی أمر هذا شأنه؟ ومتی کان له ولطغام الشام أن یجابهوا إمرة الحقّ التی نهض بها أهل الحلّ والعقد؟ ولم یباشر الحرب هنالک إلاّ بعد أن أتمّ الإمام علیه السلام علیه الحجّة ، وألحب له الطریق ، وأوقفه علی حکم الله الباتّ وأمره النهائیّ ، غیر أنّ معاویة فی أُذنه وقر عن سماع کلم الحقّ والبخوع لها ، والملک عقیم.

تصریحٌ لا تلویح یُعرب عن مرمی ابن هند :

مرّ فی سالف القول (ص 317) أنّ معاویة قال لجریر : یجعل علیّ له الشام ومصر جبایة ، ویکون الأمر له بعده ، حتی یکتب إلیه بالخلافة ، وکتب بذلک إلیه علیه السلام 0.

ص: 445


1- مثل یُضرب لمن یریک أنه یعینک وإنّما یجرّ النفع إلی نفسه. مجمع الأمثال : 3 / 525 رقم 4680.

وکتب إلیه علیه السلام یسأله إقراره علی الشام ، فکتب إلیه علیّ علیه السلام :

«أمّا بعد : فإنّ الدنیا حُلوة خضرة ، ذات زینة وبهجة ، لم یصبُ إلیها أحد إلاّ شغلته بزینتها عمّا هو أنفع له منها ، وبالآخرة أُمرنا ، وعلیها حُثثنا ، فدع یا معاویة ما یفنی ، واعمل لما یبقی ، واحذر الموت الذی إلیه مصیرک ، والحساب الذی إلیه عاقبتک ، واعلم أنّ الله تعالی إذا أراد بعبد خیراً حال بینه وبین ما یکره ، ووفّقه لطاعته ، وإذا أراد بعبد سوءاً أغراه بالدنیا وأنساه الآخرة ، وبسط له أمله ، وعاقه عمّا فیه صلاحه ، وقد وصلنی کتابک فوجدتک ترمی غیر غرضک ، وتنشد غیر ضالّتک ، وتخبط فی عمایة ، وتتیه فی ضلالة ، وتعتصم بغیر حجّة ، وتلوذ بأضعف شبهة.

فأمّا سؤالک المتارکة والإقرار لک علی الشام ، فلو کنت فاعلاً ذلک الیوم لفعلته أمس ، وأمّا قولک : إنّ عمر ولاّکه فقد عزل من کان ولاّه صاحبه (1) ، وعزل عثمان من کان عمر ولاّه (2) ، ولم یُنصب للناس إمام إلاّ لیری من صلاح الأُمّة ما قد کان ظهر لمن قبله أو أُخفی عنه عیبُه ، والأمر یحدث بعده الأمر ، ولکلّ والٍ رأی واجتهاد» (3).

وکتب الرجل إلیه صلی الله علیه وآله وسلم ثانیة - قبل لیلة الهریر بیومین أو ثلاثة - یسأله إقراره علی الشام ، وذلک أنّ علیّا علیه السلام قال : «لأُناجزنّهم مصبحاً». وتناقل الناس کلمته ، ففزع أهل الشام لذلک ، فقال معاویة : قد رأیت أن أُعاود علیّا وأسأله إقراری علی الشام ، فقد کنت کتبت إلیه ذلک فلم یجب إلیه (4) ، ولأکتبنّ ثانیة ، فأُلقی فی نفسه الشکّ والرقّة ، فکتب إلیه : ].

ص: 446


1- یرید خالد بن الولید : کان ولاّه أبو بکر فعزله عمر. (المؤلف)
2- عزل عثمان عمال عمر کلّهم غیر معاویة. (المؤلف)
3- نهج البلاغة : 2 / 44 [ص 410 کتاب 37] ، شرح ابن أبی الحدید : 4 / 57 [16 / 153 کتاب 37]. (المؤلف)
4- کذب الرجل وقد أجابه الإمام علیه السلام بما سمعت ، غیر أنّه کتمه علی أصحابه خوفاً من أن یهتدی به بعض إلی الحق ویفارق الباطل. (المؤلف) [الظاهر أنّ قصد معاویة من هذه العبارة أنّ أمیر المؤمنین لم یوافقه علی طلبه البقاء أمیراً علی الشام].

أمّا بعد : فإنّک لو علمت وعلمنا أنّ الحرب تبلغ بنا وبک ما بلغت ، لم یجنِها بعضنا علی بعض ، ولئن کنّا قد غُلبنا علی عقولنا ، لقد بقی لنا منها ما نندم به علی ما مضی ، ونصلح به ما بقی ، وقد کنت سألتک الشام علی أن لا تلزمنی لک بیعة وطاعة ، فأبیت ذلک علیّ ، فأعطانی الله ما منعت ، وأنا أدعوک الیوم إلی ما دعوتک إلیه أمس ، فإنّی لا أرجو من البقاء إلاّ ما ترجو ، ولا أخاف من الفناء إلاّ ما تخاف ، وقد والله رقّت الأجناد ، وذهبت الرجال ، ونحن بنو عبد مناف لیس لبعضنا علی بعض فضل إلاّ فضل لا یُستذلّ به عزیز ، ولا یسترقّ به حرّ ، والسلام.

فأجابه علیّ علیه السلام :

«أمّا بعد فقد جاءنی کتابک تذکر أنّک لو علمت وعلمنا أنّ الحرب تبلغ بنا وبک [ما بلغت] (1) لم یجنها بعضنا علی بعض ، فإنّی لو قُتلت فی ذات الله وحییت ، ثم قُتلت ثم حییت سبعین مرّة لم أرجع عن الشدّة فی ذات الله ، والجهاد لأعداء الله ، وأمّا قولک : إنّه قد بقی من عقولنا ما نندم علی ما مضی فإنّی ما تنقّصت عقلی ، ولا ندمت علی فعلی ، وأمّا طلبک إلیّ الشام فإنّی لم أکن لأُعطیک الیوم ما منعتک أمس ، وأمّا قولک : إنّ الحرب قد أکلت [العرب] (2) إلاّ حُشاشات أنفس بقیت ، ألا ومن أکله الحقّ فإلی الجنّة ، ومن أکله الباطل فإلی النار» الکتاب (3).

وکتب معاویة إلی ابن عبّاس :

أمّا بعد : فإنّکم معشر بنی هاشم لستم إلی أحد أسرع منکم بالمساءة إلی أنصار ابن عفّان حتی أنّکم قتلتم طلحة والزبیر لطلبهما بدمه ، واستعظامهما ما نیل ف)

ص: 447


1- الزیادة من شرح النهج.
2- الزیادة من النهج.
3- الإمامة والسیاسة : 1 / 88 وفی طبعة 95 [1 / 103] ، کتاب صفّین : ص 538 [ص 470] ، مروج الذهب : 2 / 60 ، 61 [3 / 23] ، نهج البلاغة : 2 / 12 [ص 374 کتاب 17] ، شرح ابن أبی الحدید : 3 / 424 [15 / 123 کتاب 17]. (المؤلف)

منه ، فإن کان ذلک منافسة لبنی أمیّة فی السلطان ، فقد ولیها عدیّ وتیم (1) فلم تنافسوهم وأظهرتم لهم الطاعة.

وقد وقع من الأمر ما قد تری ، وأدالت هذه الحرب بعضنا علی بعض حتی استوینا فیها ، فما یُطمعکم فینا یُطمعنا فیکم ، وما یؤیسنا منکم یؤیسکم منّا ، ولقد رجونا غیر الذی کان ، وخشینا دون ما وقع ، ولستم ملاقینا الیوم بأحدّ من حدّکم أمس ، ولا غداً بأحدّ من حدّکم الیوم ، وقد قنعنا بما فی أیدینا من ملک الشام ، فاقنعوا بما فی أیدیکم من ملک العراق ، وأبقوا علی قریش ، فإنّما بقی من رجالها ستّة : رجلان بالشام ، ورجلان بالعراق ، ورجلان بالحجاز ، فأمّا اللذان بالشام فأنا وعمرو ، وأمّا اللذان بالعراق فأنت وعلیّ ، وأمّا اللذان بالحجاز فسعد وابن عمر (2) ، فاثنان من الستّة ناصبان لک ، واثنان واقفان فیک ، وأنت رأس هذا الجمع ، ولو بایع لک الناس بعد عثمان کنّا إلیک أسرع منّا إلی علیّ.

فکتب ابن عبّاس إلیه :

أمّا بعد : فقد جاءنی کتابک وقرأته ، فأمّا ما ذکرت من سرعتنا بالمساءة إلی أنصار عثمان وکراهتنا لسلطان بنی أُمیّة ، فلعمری لقد أدرکت فی عثمان حاجتک حین استنصرک فلم تنصره حتی صرت إلی ما صرت إلیه ، وبینی وبینک فی ذلک ابن عمّک وأخو عثمان الولید بن عقبة ، وأمّا طلحة والزبیر فإنّهما أجلبا علیه ، وضیّقا خناقه ، ثم خرجا ینقضان البیعة ویطلبان الملک ، فقاتلناهما علی النکث وقاتلناک علی البغی ، وأمّا قولک : إنّه لم یبق من قریش إلاّ ستّة فما أکثر رجالها ، وأحسن بقیّتها! وقد قاتلک من خیارها من قاتلک ، ولم یخذلنا إلاّ من خذلک ، وأمّا إغراؤک إیّانا بعدیّ وتیم ، فإنّ أبا بکر وعمر خیر من عثمان کما أنّ عثمان خیر منک ، وقد بقی لک منّا ما ینسیک ما قبلهف)

ص: 448


1- یعنی أبا بکر وعمر. (المؤلف)
2- یعنی سعد بن أبی وقّاص : وعبد الله بن عمر. (المؤلف)

وتخاف ما بعده ، وأمّا قولک : إنّه لو بایعنی الناس استقمت (1) ، فقد بایع الناس علیّا وهو خیر منّی فلم تستقم له (2) ، وما أنت وذکر الخلافة یا معاویة؟ وإنّما أنت طلیق وابن طلیق ، والخلافة للمهاجرین الأوّلین ، ولیس الطلقاء منها فی شیء والسلام (3). وفی لفظ ابن قتیبة : فما أنت والخلافة؟ وأنت طلیق الإسلام ، وابن رأس الأحزاب ، وابن آکلة الأکباد من قتلی بدر.

وخطب معاویة بعد دخوله الکوفة وصلح الإمام السبط سلام الله علیه ، فقال : یا أهل الکوفة أترانی قاتلتکم علی الصلاة والزکاة والحجّ؟ وقد علمت أنّکم تصلّون وتزکّون وتحجّون ، ولکنّنی قاتلتکم لأتأمّر علیکم وعلی رقابکم ، وقد آتانی الله ذلک وأنتم کارهون ، ألا إنّ کلّ مال أو دم أصیب فی هذه الفتنة فمطلول ، وکلّ شرط شرطته فتحت قدمیّ هاتین. شرح ابن أبی الحدید (4) (4 / 6) ، تاریخ ابن کثیر (5) (8 / 131) واللفظ للأوّل.

قال معروف بن خربوذ المکّی : بینا عبد الله بن عبّاس جالس فی المسجد ونحن بین یدیه ، إذ أقبل معاویة فجلس إلیه فأعرض عنه ابن عبّاس ، فقال له معاویة : مالی أراک معرضاً؟ ألست تعلم أنّی أحقّ بهذا الأمر من ابن عمّک؟ قال : لم لأنّه کان مسلماً وکنت کافراً؟ قال : لا ، ولکنّی ابن عمّ عثمان. قال : فابن عمّی خیر من ابن عمّک. قال : إنّ عثمان قُتل مظلوماً. قال : وعندهما ابن عمر ، فقال ابن عبّاس : فإنّ هذا والله أحقّ بالأمر منک. فقال معاویة : إنّ عمر قتله کافر وعثمان قتله مسلم. فقال ابن.

ص: 449


1- فی شرح النهج : لو بایع الناس لی لاستقاموا.
2- فی شرح النهج : فلم یستقیموا له.
3- الإمامة والسیاسة : 1 / 85 ، وفی طبعة 96 [1 / 100] ، شرح ابن أبی الحدید : 2 / 289 [8 / 65 خطبة 124]. (المؤلف)
4- شرح نهج البلاغة : 16 / 14 الأصل 31.
5- البدایة والنهایة : 8 / 140 حوادث سنة 60 ه.

عبّاس : ذاک والله أدحض لحجّتک. مستدرک الحاکم (1) (3 / 467).

قال الأمینی : إنّ هذه الکلم لتعطی القارئ دروساً ضافیة من تحرّی معاویة للخلافة لا غیرها من أوّل یومه ، ولم یکن فی وسع ابن آکلة الأکباد دفع شیء ممّا کتب إلیه من ذلک ، وإنّه کان یرید ، علی فرض قصوره عن نیل کلّ الأُمنیة ، القناعة ببعضها ، فیصفو له ملک الشام ومصر ، وللإمام علیه السلام ما تحت یده من الحواضر الإسلامیّة وزرافات الأجناد ، عسی أن یتّخذ ذلک وسیلة للتوصّل إلی بقیّة الأمل فی مستقبل أیّامه ، وکانت هذه القسمة ابتداعاً فی أمر الخلافة الإسلامیّة ، وتفریقاً بین صفوفها ، لم تأل إلی سابقة فی الدین ، ولا أمضاها أهله فی دور من الأدوار ، وإنّما هی فصمة فی الجماعة ، وتفریق للطاعة ، وتفکیک لعری الإسلام ، وتضعیف لقواه ، وبیعة عامّة تلزم القاصی والدانی لا یُستثنی منها جیل دون جیل ، ولا یجوز انحیاز أُمّة عنها دون أُمّة ، وإنّما هو الخلیفة الأخیر الذی أوجبت الشریعة قتله کما مرّ حدیثه الصحیح الثابت ، وإنّه هو معاویة نفسه ، فما کان یسع الإمام علیه السلام والحالة هذه إلاّ قتال هذا الطاغیة أو یفیء إلی أمر الله.

فکرة معاویة لها قدم :

إنّ رأی معاویة فی خلافة الإمام علیه السلام لم یکن ولید یومه ولا بنت لیلته ، وإنّما کان مناوئاً منذ فرّق بینهما الإسلام ، وقُتل فی یوم واحد أخوه وجدّه وخاله بسیف علیّ علیه السلام ، فلم یزل یلهج ویهملج فی تفخیذ الناس عنه - صلوات الله علیه - من یوم قتل عثمان ، بعث رجلاً من بنی عُمیس وکتب معه کتاباً إلی الزبیر بن العوام ، وفیه :

بسم الله الرحمن الرحیم ، لعبد الله الزبیر أمیر المؤمنین من معاویة بن أبی سفیان. 9.

ص: 450


1- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 530 ح 5969.

سلام علیک. أمّا بعد : فإنّی قد بایعت لک أهل الشام ، فأجابوا واستوسقوا کما یستوسق الحلب (1) ، فدونک الکوفة والبصرة لا یسبقک إلیهما ابن أبی طالب ، فإنّه لا شیء بعد هذین المصرین ، وقد بایعت لطلحة بن عبید الله من بعدک ، فأظهِرا الطلب بدم عثمان ، وادعوا الناس إلی ذلک ، ولیکن منکما الجدّ والتشمیر ، أظفرکما الله ، وخذل مُناوئکما.

فسُرّ الزبیر بهذا الکتاب ، وأعلم به طلحة ، ولم یشکّا فی النصح لهما من قبل معاویة ، وأجمعا عند ذلک علی خلاف علیّ علیه السلام. شرح ابن أبی الحدید (2) (1 / 77)

قال الأمینی : انظر إلی دین الرجل وورعه ، یستسیغ أن یخاطب الزبیر بإمرة المؤمنین لمحض حسبانه أنّه بایع له أجلاف أهل الشام ، ولا یقول بها لأمیر المؤمنین حقّا علیّ علیه السلام وقد تمّت له بیعة المسلمین جمعاء ، وفی مقدّمهم الزبیر نفسه ، وطلحة بن عبید الله الذی حاباه معاویة ولایة العهد بعد صاحبه ، فغرّهما علی نکث البیعة ، فذاقا وبال أمرهما ، وکان عاقبتهما خُسراً.

وأنت تری أنّ الطلب بدم عثمان قنطرة النزاع فی الملک ، ووسیلة النیل إلی الأمانیّ من الخلافة الباطلة ، أوحاه معاویة إلی الرجلین (وَإِنَّ الشَّیاطِینَ لَیُوحُونَ إِلی أَوْلِیائِهِمْ) (3).

ویدعو الرجل لمناوئی علیّ علیه السلام بالظفر وعلیه علیه السلام بالخذلان ، والصادع الکریم یقول فی الصحیح المتّفق علیه : «اللهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه ، وانصر من نصره واخذل من خذله». 1.

ص: 451


1- استوسق : اجتمع. الحلب : اللبن المحلوب. (المؤلف)
2- شرح نهج البلاغة : 1 / 231 ، کتاب 8.
3- الأنعام : 121.

وکتب إلی الزبیر أیضاً :

أمّا بعد : فإنّک الزبیر بن العوام ، ابن أبی خدیجة (1) ، وابن عمّة (2) رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وحواریّه ، وسِلفه (3) وصهر أبی بکر ، وفارس المسلمین ، وأنت الباذل فی الله مهجته بمکة عند صیحة الشیطان ، بعثک المنبعث ؛ فخرجت کالثعبان المنسلخ بالسیف المنصلت ، تخبط خبط الجمل الردیع ، کلّ ذلک قوّة إیمان وصدق یقین ، وسبقت لک من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم البشارة بالجنّة ، وجعلک عمر أحد المستخلفین علی الأمة.

وأعلم یا أبا عبد الله : أنّ الرعیة أصبحت کالغنم المتفرّقة لغیبة الراعی ، فسارع - رحمک الله - إلی حقن الدماء ؛ ولَمِّ الشعث ، وجمع الکلمة ، وصلاح ذات البین ، قبل تفاقم الأمر ، وانتشار الأُمّة ، فقد أصبح الناس علی شفا جُرف هار ، عمّا قلیل ینهار إن لم یُرأب ، فشمّر لتألیف الأُمّة ، وابتغ إلی ربّک سبیلا ، فقد أحکمتُ الأمر منِ قبَلی لک ولصاحبک علی أنّ الأمر للمقدّم ، ثم لصاحبه من بعده ، جعلک الله من أئمة الهدی ، وبُغاة الخیر والتقوی ، والسلام (4).

ألا مسائل ابن هند عن قوله : إنّ الرعیّة أصبحت کالغنم المتفرّقة. إلی آخره. لما ذا أصبحت؟ ومتی أصبحت؟ وکیف أصبحت؟ وراعیها الذی یرقبها ویرقب کلّ صالح لها ، ویشمّر لدرء کلّ معرّة عنها ، هو صنو رسول الله ونفسه ، الإمام المنصوص علیه ، وقد أجمعت الأُمّة علی بیعته لو لا أنّ معاویة یکدّر الصفو ، ویقلق السلام ، 3.

ص: 452


1- خویلد أبو خدیجة زوج الرسول صلی الله علیه وآله وسلم جدّ الزبیر بن العوام بن خویلد. (المؤلف)
2- أُمّ الزبیر هی صفیّة بنت عبد المطّلب عمّة رسول الله. (المؤلف)
3- السلف : زوج أُخت امرأته ، تزوّج الزبیر أسماء بنت أبی بکر ، وتزوّج رسول الله أختها عائشة.(المؤلف)
4- شرح نهج البلاغة : 10 / 236 کتاب 193.

ویفرّق الکلمة بدسائسه وتسویلاته ، فمثله کما قال مولانا أمیر المؤمنین علیه السلام کمثل الشیطان یأتی المرء من بین یدیه ومن خلفه وعن یمینه وعن شماله ، لم یجعل الله له سابقة فی الدین ، ولا سلف صدق فی الإسلام.

وکتب إلی طلحة :

أمّا بعد : فإنّک أقلّ قریش فی قریش وِتراً ، مع صباحة وجهک ، وسماحة کفّک ، وفصاحة لسانک ، فأنت بإزاء من تقدّمک فی السابقة ، وخامس المبشّرین بالجنّة ، ولک یوم أُحد وشرفه وفضله ، فسارع - رحمک الله - إلی ما تُقلّدک الرعیّة من أمرها ، ممّا لا یسعک التخلّف عنه ، ولا یرضی الله منک إلاّ بالقیام به ، فقد أحکمتُ لک الأمر قِبَلی ، والزبیر فغیر متقدّم علیک بفضل ، وأیّکما قدّم صاحبه فالمقدّم الإمام ، والأمر من بعده للمقدّم له ، سلک الله بک قصد المهتدین ، ووهب لک رشد الموفّقین ، والسلام (1).

قال الأمینی : لمسائل هاهنا أن یحفی معاویة السؤال عن أنّ ما تبجّح به للزبیر وطلحة من الفضائل التی استحقّا بها الخلافة هل کان علیّ علیه السلام خلواً منها؟ یذکر لهما البشارة بالجنّة ، وأنّ زبیراً أحد أولئک المبشّرین ، وأنّ طلحة خامسهم ، فهلاّ کان علیّ علیه السلام عاشرهم؟ فلما ذا سلخها عنه ، وحثّهما علی المبادرة إلیها حتی لا یسبقهما إلیها ابن أبی طالب؟! وإن کان تلکم البشارة - المزعومة - بمجرّدها کافیة فی إثبات الجدارة للخلافة فلما ذا أخرج عنها سعد بن أبی وقّاص؟ وهو أحد القوم المبشّرین وکان یومئذ حیّا یُرزق ، ولعلّ طمعه فیهما کان آکد ، فحلب حلباً له شطره.

والأعجب قوله لطلحة : فأنت بإزاء من تقدّمک فی السابقة. فهلاّ کان أمیر المؤمنین أوّل السابقین وأولاهم بالمآثر کلّها؟ وهلاّ ثبت عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قوله : «السبّاق ثلاثة : السابق إلی موسی یوشع ، وصاحب یاسین إلی عیسی ، والسابق إلی 3.

ص: 453


1- شرح نهج البلاغة : 10 / 235 کتاب 193.

محمد علیّ بن أبی طالب» (1).

وهلاّ صحّ عند أُمّة محمد صلی الله علیه وآله وسلم أنّ علیّا أوّل من آمن بالله ، وصدّق نبیّه صلی الله علیه وآله وسلم وصلّی معه ، وجاهد فی سبیله؟

وإن کان لطلحة یوم أُحد شرفه وفضله فلعلیّ علیه السلام مغازی الرسول صلی الله علیه وآله وسلم کلّها ، من بدر وأُحد وخیبر والأحزاب وحُنین ویوم حمراء الأسد (2) ، هب أنّ معاویة کان فی أذنه وقر من شرکه لم یسمع نداء جبریل ورضوان یوم نادیا :

لا فتی إلاّ علی

لا سیف إلاّ ذو الفقار (3)

فهل کان فی بصره عمیً کبصیرته لا یبصر نضال علیّ ونزاله فی تلکم المعارک الدامیة؟ نعم ؛ معاویة لا یری مواقف علیّ علیه السلام فضلاً وشرفاً ، لأنّه هو الذی أثکل أُمّهات بیته ، وضرب أقذلة أخیه وجدّه وخاله وأبناء بیته الساقط بسیفه البتّار ، وإلی هذا یومئ قوله لطلحة : فإنّک أقلّ قریش فی قریش وِتراً.

ومن کتاب له إلی مروان :

فإذا قرأت کتابی هذا فکن کالفهد ، لا یُصطاد إلاّ غیلة ، ولا یتشازر إلاّ عن حیلة ، وکالثعلب لا یفلت إلاّ روغاناً ، واخفِ نفسک منهم إخفاء القنفذ رأسه عند لمس الأکفّ ، وامتهن (4) نفسک امتهان من ییأس القوم من نصره وانتصاره ، وابحث عن أُمورهم بحث الدجاجة عن حبّ الدخن عند فقاسها (5) ، وأنغل (6) الحجاز ، فإنّی ف)

ص: 454


1- راجع الجزء الثانی : ص 306. (المؤلف)
2- راجع ما مرّ فی الجزء السابع : ص 202 - 206. (المؤلف)
3- أنظر الجزء الثانی : ص 59 (المؤلف)
4- امتهنه : احتقره وابتذله. (المؤلف)
5- فقس الطائر بیضه : کسرها وأخرج ما فیها. (المؤلف)
6- نغل الأدیم کفرح : فسد فی الدباغ ، أنغله : أفسده. (المؤلف)

مُنغل الشام ، والسلام (1).

قال الأمینی : هذه شنشنة معاویة منذ بلغه أمر الإمام علیه السلام وانعقاد البیعة له ، فوجد نفسه عند الأُمّة فی معزل عن المشورة أو اعتضاد فی رأی ، وأنّ البیعة لاحقته لا محالة ، فلم یجد منتدحاً عن إقلاق الأمر علی صاحب البیعة الحقّة ، وأن یستدنی منه أمانیّه الخلاّبة بتعکیر الصفو له علیه السلام ، فطفق یفسد ما اطمأن إلیه من الأمصار ، ویوعز فی کتبه إلی إفساد الرأی ، وتفریق الکلمة ، وهو ضالّته المنشودة.

وإن تعجب فعجب أخذه البیعة لطلحة والزبیر واحداً بعد آخر وقد ثبت فی أعناقهما بیعة الإمام علیه السلام ، وکانت هذه البیعة إبّان ثبوت بیعتهما کما ینمّ عنه نصّ کتبه إلیهما ، ثم ومن هو معاویة حتی یرشّح أحداً للخلافة بعد انعقاد الإجماع لخلیفة الحقّ؟ ولم یکن هو من أهل الترشیح حتی لو لم تنعقد البیعة المذکورة.

علی أنّ الغبیّ لم یهتدِ إلی أنّ أخذ البیعة لهما مستلزم لنکثهما البیعة الأولی ، وما غناء إمام ناکث عن مناجح الأُمّة ومصالحها؟ مع أنّهما علی تقدیر صحّة البیعة یکون کلّ منهما ثانی الخلیفتین الذی یجب قتله بالنصوص الصحیحة الثابتة (2) ، فهل هناک خلیفة علی المسلمین یجب إعدامه؟!

مناظرات وکلم :

1 - قال أبو عمر فی الاستیعاب (3) کان عبد الرحمن بن غنم - الصحابی - من أفقه أهل الشام وهو الذی فقّه عامّة التابعین بالشام ، وکانت له جلالة وقدر ، وهو الذی عاتب أبا هریرة وأبا الدرداء بحمص إذ انصرفا من عند علیّ رضی الله عنه رسولین ف)

ص: 455


1- شرح نهج البلاغة : 10 / 236 - 237.
2- راجع ما مرّ فی هذا الجزء [ص 320]. (المؤلف)
3- ترجمة عبد الرحمن بن غنم الأشعری : 2 / 402 [الاستیعاب : القسم الثانی / 850 رقم 1449] ، أُسد الغابة : 3 / 318 [3 / 478 رقم 3370]. (المؤلف)

لمعاویة ، وکان ممّا قال لهما : عجباً منکما ، کیف جاز علیکما ما جئتما به ، تدعوان علیّا إلی أن یجعلها شوری ، وقد علمتما أنّه قد بایعه المهاجرون والأنصار وأهل الحجار والعراق ، وأنّ من رضیه خیر ممّن کرهه ، ومن بایعه خیر ممّن لم یبایعه؟ وأیّ مدخل لمعاویة فی الشوری وهو من الطلقاء الذین لا تجوز لهم الخلافة؟ وهو وأبوه من رءوس الأحزاب ، فندما علی مسیرهما وتابا منه بین یدیه - رحمة الله علیهم.

2 - خرج رجل من أهل الشام - یوم صفین - ینادی بین الصفّین : یا أبا الحسن یا علیّ ابرز إلیّ. فخرج إلیه علیّ حتی إذا اختلفت أعناق دابتیّهما بین الصفّین فقال : یا علیّ إنّ لک قدماً فی الإسلام وهجرة ، فهل لک فی أمر أعرضه علیک یکون فیه حقن هذه الدماء ، وتأخیر هذه الحروب حتی تری رأیک؟ فقال له علیّ «وما ذاک»؟ قال : ترجع إلی عراقک ، فنخلّی بینک وبین العراق ، ونرجع إلی شامنا فتخلّی بیننا وبین شامنا. فقال له علیّ : «لقد عرفت أنّما عرضت هذا نصیحة وشفقة ، ولقد أهمّنی هذا الأمر وأسهرنی ، وضربت أنفه وعینه فلم أجد إلاّ القتال أو الکفر بما أنزل الله علی محمد صلی الله علیه وآله وسلم ، إنّ الله تبارک وتعالی لم یرضَ من أولیائه أن یُعصی فی الأرض وهم سکوت مذعنون ، لا یأمرون بمعروف ، ولا ینهون عن منکر ، فوجدت القتال أهون علیّ من معالجة الأغلال فی جهنّم» (1).

3 - قال عتبة بن أبی سفیان لجعدة بن هبیرة : یا جعدة إنّا والله ما نزعم أنّ معاویة أحقّ بالخلافة من علیّ لو لا أمره فی عثمان ، ولکنّ معاویة أحقّ بالشام ، لرضا أهلها به ، فاعفوا لنا عنها ، فو الله ما بالشام رجل به طرق إلاّ وهو أجدّ من معاویة فی القتال ، ولا بالعراق من له مثل جدّ علیّ فی الحرب ، ونحن أطوع لصاحبنا منکم لصاحبکم ، وما أقبح بعلیّ أن یکون فی قلوب المسلمین أولی الناس بالناس ، حتی إذا أصاب سلطانا أفنی العرب. ف)

ص: 456


1- کتاب صفّین لنصر بن مزاحم : ص 542 [ص 373] ، شرح ابن أبی الحدید : 1 / 183 [2 / 207 خطبة 4]. (المؤلف)

فقال جعدة : أمّا فضل علیّ علی معاویة فهذا ما لا یختلف فیه اثنان ، وأمّا رضاکم الیوم بالشام فقد رضیتم بها أمس فلم نقبل ، وأمّا قولک : إنّه لیس بالشام من رجل إلاّ وهو أجدّ من معاویة ، ولیس بالعراق لرجل مثل جدّ علیّ ، فهکذا ینبغی أن یکون ، مضی بعلیّ یقینه ، وقصّر بمعاویة شکّه ، وقصد أهل الحقّ خیر من جهد أهل الباطل. الحدیث.

کتاب صفّین (ص 529 طبعة مصر) ، شرح ابن أبی الحدید (2 / 301) (1).

4 - من خطبة لعبد الله بن بدیل الخزاعی یوم صفین : إنّ معاویة ادّعی ما لیس له ، ونازع الأمر أهله ، ومن لیس مثله ، وجادل بالباطل لیدحض به الحقّ ، وصال علیکم بالأعراب والأحزاب ، وزیّن لهم الضلالة ، وزرع فی قلوبهم حبّ الفتنة ، ولبّس علیهم الأمر ، وزادهم رجساً إلی رجسهم.

تاریخ الطبری (6 / 9) ، کتاب صفّین لابن مزاحم (ص 263) ، کامل ابن الأثیر (3 / 128) ، شرح ابن أبی الحدید (1 / 483) (2).

5 - من کلمة لعبد الله أیضاً یخاطب بها أمیر المؤمنین علیه السلام :

یا أمیر المؤمنین : إنّ القوم لو کانوا الله یریدون ، أو لله یعلمون ، ما خالفونا ، ولکنّ القوم إنّما یقاتلون فراراً من الأسوة ، وحبّا للأثرة ، وضنّا بسلطانهم ، وکرهاً لفراق دنیاهم التی فی أیدیهم ، وعلی إحن فی أنفسهم ، وعداوةٍ یجدونها فی صدورهم ، لوقائع أوقَعتها یا أمیر المؤمنین بهم قدیمة ، قتلت فیها آباءهم وإخوانهم.

ثم التفت إلی الناس فقال : فکیف یبایع معاویة علیّا وقد قتل أخاه حنظلة ، 5.

ص: 457


1- وقعة صفّین : ص 464 ، شرح نهج البلاغة : 8 / 98 الأصل 124.
2- تاریخ الأُمم والملوک : 5 / 16 حوادث سنة 37 ه ، وقعة صفّین : ص 234 ، الکامل فی التاریخ : 2 / 373 حوادث سنة 37 ه ، شرح نهج البلاغة : 5 / 186 الأصل 65.

وخاله الولید ، وجدّه عتبة فی موقف واحد؟ والله ما أظنّ أن یفعلوا (1).

6 - من خطبة لیزید بن قیس الأرحبی بصفّین : إنّ هؤلاء القوم ما إن یقاتلوننا علی إقامة دین رأونا ضیّعناه ، ولا علی إحیاء حقّ رأونا أَمَتناه ، ولا یقاتلوننا إلاّ لهذه الدنیا لیکونوا فیها جبابرة وملوکا. إلی آخر ما مرّ فی (ص 59).

7 - من کتاب لسعد بن أبی وقّاص إلی معاویة :

أما بعد : فإنّ أهل الشوری لیس منهم أحد أحقّ بها من صاحبه ، غیر أنّ علیّا کان من السابقة ، ولم یکن فینا ما فیه ، فشارکنا فی محاسننا ، ولم نشارکه فی محاسنه ، وکان أحقّنا کلّنا بالخلافة ، ولکن مقادیر الله تعالی التی صرفتها عنه حیث شاء لعلمه وقدره ، وقد علمنا أنّه أحقّ بها منّا ، ولکن لم یکن بدّ من الکلام فی ذلک والتشاجر ، فدع ذا ، وأمّا أمرک یا معاویة فإنّه أمر کرهنا أوّله وآخره ، وأمّا طلحة والزبیر فلو لزما بیعتهما لکان خیراً لهما ، والله تعالی یغفر لعائشة أمّ المؤمنین.

الإمامة والسیاسة (2) (1 / 86).

8 - من کتاب لمحمد بن مسلمة إلی معاویة :

ولعمری یا معاویة ما طلبت إلاّ الدنیا ، ولا اتّبعت إلاّ الهوی ، ولئن کنت نصرت عثمان میّتاً ، لقد خذلته حیّا ، ونحن ومن قِبَلنا من المهاجرین والأنصار أولی بالصواب.

الإمامة والسیاسة (3) (1 / 87).

إلی کتابات وخطابات لجمع من صلحاء السلف ، یجدها الباحث مبثوثة فی فصول هذا الجزء من کتابنا.1.

ص: 458


1- وقعة صفّین : ص 102.
2- الإمامة والسیاسة : 1 / 90.
3- الإمامة والسیاسة : 1 / 91.

قال الأمینی : هذه کلمات تامّات ممّن کانوا یرون معاویة ویشهدون أعماله ، وقد عرفوا نفسیّاته ومغازیه منذ عرفوه وثنیّاً ومستسلماً حتی وقفوا علیه من کثب ، وقد تعالی به الوقت بل تسافل حتی طفق یطمع مثله فی الخلافة الإسلامیّة ، وبینهما ذاک البون الشاسع ، وخلال الفضائل التی تخلّی عنها ، والملکات الرذیلة الذی حاز شیة عارها والبرهنة الناصعة التی أکفأته عنها بخفّی حُنین ، وهؤلاء وإن اختلفت کلماتهم لکنّها ترمی إلی مغزی واحد من عدم کفاءة الطاغیة لما یرومه من إمرة المسلمین ، أو ما یتحرّاه من حکومة الشام ، خلافة مختزلة عن الخلافة الإسلامیّة الکبری المنعقدة لأهلها یومئذ ، أو أنّه لا یتحرّی إلاّ إمرة مغتصبة ، وما لها من مفعول أثرة وثراء ، أو أنّه منبعث عن ضغائن وإحن ممّا أصاب أهله وذویه من الإمام علیه السلام ، فقتّلوا تقتیلا تحت رایة الأوثان ، وظهر أمر الله وهم کارهون.

ولم یکن لمعاویة وأصحابه مرمی غیر الإسفاف إلی هذه الهوّات السحیقة ممّا خفی علی هؤلاء الحضور ، واستکشفه من بعدهم المهملجون وراء الحزب السفیانی ، الحاملون ولاء ذلک البیت الساقط ، وأنت تری أنّه لا یُقام فی سوق الدین لشیء منها أیّ قیمة ، ولا تکون لها أیّ عبرة ، فدحضاً لدعوة الباطل ، وسحقاً لشرة الاستعباد.

وکان ابن هند الجاهل بنفسه - والإنسان علی نفسه بصیرة - یری نفسه أحقّ بالخلافة من عمر ، کما جاء فی ما أخرجه البخاری فی صحیحه (1) ، عن عبد الله بن عمر قال : دخلتُ علی حفصة ونَسْواتها تنطف (2) ، قلت : قد کان من أمر الناس ما ترین فلم یجعل لی من الأمر شیء. فقالت : الحق فإنّهم ینتظرونک وأخشی أن یکون فی احتباسک عنهم فرقة. فلم تدعه حتی ذهب. ً.

ص: 459


1- فی کتاب المغازی ، باب غزوة الخندق : 6 / 141 [4 / 1508 ح 3882]. (المؤلف)
2- نَسْواتها : ذوائبها. تنطف : تقطر ماءً.

فلمّا تفرّق الناس خطب معاویة (1) ، قال : من یرید أن یتکلّم فی هذا الأمر فلیطلع لنا قرنه ، فلنحن أحقّ به منه ومن أبیه. قال حبیب بن مسلمة : فهلا أجبته؟ قال عبد الله : فحللت حبوتی وهممت أن أقول : أحقّ بهذا الأمر منک من قاتلک وأباک علی الإسلام. فخشیت أن أقول کلمة تفرّق بین الجمع ، وتسفک الدم ، ویحمل عنّی غیر ذلک ، فذکرت ما أعدّ الله فی الجنان. قال حبیب : حُفظت وعُصمت.

أین کان ابن عمر عن هذه العقلیّة التی حُفظ بها وعُصم یوم تقاعس عن بیعة أمیر المؤمنین الإمام الحقّ بعد إجماع الأُمّة المسلمة علیها ، ولم یخش أن یقول کلمة تفرّق بین الجمع وتسفک الدم؟ ففرّق الجمع ، وشقّ عصا المسلمین ، وسُفکت دماء زکیة ، والله من ورائهم حسیب.

ولم تکن الخلافة فحسب هی قصوی الغایة المتوخّاة لمعاویة ، بل ینبِئنا التاریخ : أنّه لم یک یتحاشی عن أن یعرفه الناس بالرسالة ، ویقبلونه نبیّا بعد نبیّ العظمة ، روی ابن جریر الطبری بالإسناد : أنّ عمرو بن العاص وفد إلی معاویة ومعه أهل مصر ، فقال لهم عمرو : انظروا إذا دخلتم علی ابن هند فلا تسلّموا علیه بالخلافة فإنّه أعظم لکم فی عینه ، وصغّروه ما استطعتم ، فلمّا قدموا علیه ، قال معاویة لحجّابه : إنّی کأنّی أعرف ابن النابغة ، وقد صغّر أمری عند القوم ، فانظروا إذا دخل الوفد فتعتعوهم أشدّ تعتعة تقدرون علیها ، فلا یبلغنی رجل منهم إلاّ وقد همّته نفسه بالتلف ، فکان أوّل من دخل علیه رجل من أهل مصر یقال له : ابن الخیاط. فدخل وقد تُعْتِع ، فقال : السلام علیک یا رسول الله فتتابع القوم علی ذلک ، فلمّا خرجوا قال لهم عمرو : لعنکم الله ، نهیتکم أن تسلّموا علیه بالإمارة فسلّمتم علیه بالنبوّة (2). ف)

ص: 460


1- قال ابن الجوزی : کان هذا فی زمن معاویة لمّا أراد أن یجعل ابنه یزید ولیّ عهده. راجع فتح الباری : 7 / 323 [7 / 403]. (المؤلف)
2- راجع تاریخ الطبری : 6 / 184 [5 / 330 حوادث سنة 60 ه] ، تاریخ ابن کثیر : 8 / 140 [8 / 149 حوادث سنة 60 ه]. (المؤلف)

ولعلّ هذه الواقعة هی بذرة تلک النزعة الفاسدة التی کانت عند جمع ممّن تولّی معاویة بعد وفاته.

قال شمس الدین البناء المقدسی (1) فی کتابه أحسن التقاسیم فی معرفة الأقالیم (2) (ص 399) : وفی أهل أصفهان بله وغلوّ فی معاویة ، ووُصف لی رجل بالزهد والتعبّد فقصدته ، وترکت القافلة خلفی ، وبتّ عنده تلک اللیلة ، وجعلت أسائله إلی أن قلت : ما قولک فی الصاحب (3) ، فجعل یلعنه ثم قال : إنّه أتانا بمذهب لا نعرفه. قلت وما هو؟ قال : یقول : معاویة لم یکن مرسلاً : قلت : وما تقول أنت؟ قال : أقول کما قال الله عزّ وجلّ : (لا نُفَرِّقُ بَیْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ) (4) ، أبو بکر کان مرسلاً ، وعمر کان مرسلاً ، حتی ذکر الأربعة ، ثم قال : ومعاویة کان مرسلاً. قلت : لا تفعل ، أمّا الأربعة فکانوا خلفاء ومعاویة کان ملکاً ، وقال النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم : الخلافة بعدی إلی ثلاثین سنة ثم تکون ملکاً.

فجعل یشنّع علیّ وأصبح یقول للناس : هذا رجل رافضیّ ، فلو لم أدرک القافلة لبطشوا بی ، ولهم فی هذا الباب حکایات کثیرة.

هب أنّ القوم أخذت منهم الرهبة مأخذه فلم یلتفتوا إلی ما یقولون ، لکن هذا الذی یدّعی الخلافة عن رسول الله بملکه العضوض هلاّ کان علیه أن یردعهم عن ذلک التسلیم المحظور أو یسکّن روعتهم فیرجعوا إلی حقّ المقام؟ لو لا أنّ معاویة لم یکن له فی مبّوئه ذلک ضالّة إلاّ الحصول علی الملوکیّة الغاشمة باسم الخلافة المغتصبة! لأنه لا یبلغ أُمنیته إلاّ بها ، فلا یبالی أسُلّم علیه بالربوبیّة أو الرسالة أو إمرة المؤمنین ، وقد حاول إرغام ابن النابغة فیما توسّمه منه فی مُقتبله ذلک ، فبلغ ما أراد ، فحالت نشوة الغلبة بینه وبین أن یجعل لأمره الإمر ، أو إمرته الخرقاء صورة محفوظة.5.

ص: 461


1- أبو عبد الله محمد بن أحمد الشامی المولود سنة 336 ، والمتوفّی نحو 380. (المؤلف)
2- أحسن التقاسیم : ص 306.
3- هو الوزیر الشیعی الوحید ، الصاحب بن عبّاد ، المترجم له فی الجزء الرابع : ص 42. (المؤلف)
4- البقرة : 285.

یأنس ابن هند بذلک الخطاب الباطل ، ولم یشنّع علی من یسلّم علیه بالرسالة ، غیر أنّه لم یرُقه أن یذکر نبیّ الإسلام بالرسالة ، ویزریه بذکر اسمه ، وهو یعلم أنّ العظمة لا تُفارقه ، والرسالة تلازمه ، ذکر الحفّاظ من محاورة جرت بین معاویة وبین أمد بن أبد الحضرمی (1) ، أنّ معاویة قال : أرأیت هاشماً؟ قال : نعم والله طوالاً حسن الوجه ، یقال : إنّ بین عینیه برکة. قال : فهل رأیت أمیّة؟ قال : نعم ، رأیته رجلاً قصیراً أعمی ، یقال : إنّ فی وجهه شرّا أو شؤماً. قال : أفرأیت محمداً؟ قال : ومن محمد؟ قال : رسول الله. قال : أفلا فخّمته کما فخّمه الله ، فقلت : رسول الله (2)؟!

التحکیم لما ذا :

إنّ آخر بذرة بذرها ابن النابغة لخلافة معاویة المرومة منذ بدأ الأمر ، وإن تستّر بها آونة علی الأغبیاء ، وتترّس بطلب دم عثمان دون نیل الأمنیة بین القوم آونة أخری ، حین سوّلت له نفسه أن یستحوذ علی إمرة المسلمین بالدسائس ، فأوّل تلکم البذرة أو القنطرة الأولی الطلب بدم عثمان ، وفی آخر الحیل الدعوة إلی تحکیم کتاب الله واستقضائه فی الواقعة بعد ما نبذوه وراء ظهورهم ، وکان مولانا أمیر المؤمنین علیه السلام یدعوهم - منذ أوّل ظهور الخلاف بینه وبین ابن هند ، ومنذ نشوب الحرب الطاحنة - (3) إلی التحکیم الصحیح الذی لا یعدو محکمات القرآن ونصوصه ، لو لا أنّ ابن النابغة وصاحبه یُسیّران علی الأُمّة غدراً ومکراً ، وعلی إمام الحقّ خیانة وظلماً غیر ما یتظاهران به من تحکیم الکتاب ، فوقع هنالک ما وقع من لوائح الفتنة ، ومظاهر العدوان ، بین دهاء ابن العاص وحماریّة الأشعری ، بین قول أبی موسی لابن العاصی : ف)

ص: 462


1- أحد المعمّرین ، قد أتی علیه من السنّ یوم استقدمه معاویة ستون وثلاثمائة سنة ، ترجمه ابن عساکر فی تاریخ الشام ، ومترجمو الصحابة فی معاجمهم. (المؤلف)
2- تاریخ ابن عساکر : 3 / 103 [3 / 90 وفی مختصر تاریخ دمشق : 5 / 31] ، أُسد الغابة : 1 / 115 [1 / 136 رقم 223]. (المؤلف)
3- راجع ما أسلفناه فی هذا الجزء : صفحة 276. (المؤلف)

لا وفّقک الله غدرت وفجرت (1) ، إنّما مثلک کمثل الکلب إن تحمل علیه یلهث أو تترکه یلهث ، وبین قول ابن العاصی لأبی موسی : وإنّما مثلک مثل الحمار یحمل أسفاراً (2) ، فوُئِد الحقّ ، وأودی بالحقیقة ، بین شیطان وغبیّ ، فکان من المتسالم علیه بین الفریقین أنّ الخلافة هی المتوخّاة لکلّ منهما ، ولذلک انعقد التحکیم ، وبه کان یلهج خطباء العراق وأمراؤهم عند النصح للأشعری ، وزبانیة الشام المنحازة عن ضوء الحقّ ، وبلج الإصلاح. فمن قول ابن عبّاس للأشعری :

إنّه قد ضُمّ إلیک داهیة العرب ، ولیس فی معاویة خلّة یستحقّ بها الخلافة ، فإن تقذف بحقّک علی باطلة تُدرک حاجتک منه ، وإن یطمع باطله فی حقّک یُدرک حاجته منک ، واعلم یا أبا موسی أنّ معاویة طلیق الإسلام ، وأنّ أباه رأس الأحزاب ، وأنّه یدّعی الخلافة من غیر مشورة ولا بیعة ، فإن زعم لک أنّ عمر وعثمان استعملاه فلقد صدق ، استعمله عمر وهو الوالی علیه بمنزلة الطبیب یحمیه ما یشتهی ، ویوجره (3) ما یکره ، ثم استعمله عثمان برأی عمر ، وما أکثر من استعملا ممّن لم یدّع الخلافة ، واعلم أنّ لعمرو مع کلّ شیء یسرّک خبأً یسوؤک ، ومهما نسیت فلا تنسَ أنّ علیّا بایعه القوم الذین بایعوا أبا بکر وعمر وعثمان ، وأنّها بیعة هدی ، وأنّه لم یقاتل إلاّ العاصین والناکثین. شرح ابن أبی الحدید (4) (1 / 195). 5.

ص: 463


1- وفی لفظ ابن قتیبة : مالک؟ علیک لعنة الله ، ما أنت إلاّ کمثل الکلب. وفی لفظ ابن عبد ربّه : لعنک الله ، فإن مثلک کمثل الکلب. (المؤلف)
2- الإمامة والسیاسة : 1 / 115 [1 / 118] ، کتاب صفّین : ص 628 طبعة مصر [ص 546] ، العقد الفرید : 2 / 291 [4 / 146] ، تاریخ الطبری : 6 / 40 [5 / 71 حوادث سنة 37 ه] ، مروج الذهب : 2 / 22 [2 / 417 ، 418] ، کامل ابن الأثیر : 3 / 144 [2 / 397 حوادث سنة 37 ه] ، شرح ابن أبی الحدید : 1 / 198 [2 / 255 - 256 خطبة 35]. (المؤلف)
3- وجره الدواء أوجره إیّاه : جعله فی فیه ، أوجره الرمح : طعنه ، ووجره : أسمعه ما یکره. (المؤلف)
4- شرح نهج البلاغة : 2 / 246 خطبة 35.

ومن قول الأحنف بن قیس له : ادع القوم إلی طاعة علیّ ، فإن أبوا فادعهم أن یختار أهل الشام من قریش العراق من أحبّوا ، ویختار من قریش الشام من أحبّوا (1).

ومن قول شریح بن هانئ للأشعری : إنّه لا بقاء لأهل العراق إن ملکهم معاویة ، ولا بأس علی أهل الشام إن ملکهم علیّ ، فانظر فی ذلک نظر من یعرف هذا الأمر حقّا ، وقد کانت منک تثبیطة أیّام الکوفة والجمل ، فإن تشفعها بمثلها یکن الظنّ بک یقیناً ، والرجاء منک یأساً ، ثم قال :

أبا موسی رُمیتَ بشرِّ خصمٍ

فلا تُضعِ العراقَ فدتک نفسی

وأعطِ الحقَّ شامهمُ وخذهُ

فإنّ الیومَ فی مَهَلٍ کأمسِ

وإنَّ غداً یجیء بما علیهِ

کذاک الدهرُ من سعدٍ ونحسِ

ولا یخدعْکَ عمروٌ إنَّ عمراً

عدوُّ اللهِ مطلعَ کلِّ شمسِ

له خُدعٌ یحارُ العقل منها

مموّهةٌ مزخرفةٌ بلبسِ

فلا تجعل معاویةَ بنَ حربٍ

کشیخٍ فی الحوادث غیرِ نکسِ

هداه الله للإسلامِ فرداً

سوی عِرس النبیّ وأیّ عرسِ (2)

ومن قول معاویة لعمرو بن العاص : إن خوّفک العراق فخوّفه بالشام ، وإن خوّفک مصر فخوّفه بالیمن ، وإن خوّفک علیّا فخوّفه بمعاویة.

ومن جواب عمرو بن العاص لمعاویة : أرأیت إن ذکر علیّا وجاءنا بالإسلام والهجرة واجتماع الناس علیه ، ما أقول؟ فقال معاویة : قل ما ترید وتری. الإمامة ف)

ص: 464


1- الإمامة والسیاسة : 1 / 99 ، وفی طبعة : ص 112 [1 / 116] ، نهایة الأرب : 7 / 239 ، شرح ابن أبی الحدید : 1 / 196 [2 / 249 خطبة 35]. (المؤلف)
2- الإمامة والسیاسة : 1 / 99 ، وفی طبعة 113 [1 / 115] ، کتاب صفّین : ص 614 ، 615 طبعة مصر [ص 534] ، شرح ابن أبی الحدید : 1 / 195 [2 / 245 خطبة 35]. (المؤلف)

والسیاسة (1) (1 / 99 ، وفی طبعة : ص 113).

قال الأمینی : هذه صفة الحال ، ومُصاص الحقیقة ، من نوایا أهل العراق وأهل الشام من طلب کلّ منهما الخلافة ، وإثباتها لصاحبه ، ودونه تحقّق الخلع والتثبیت ، وعلیه وقع التحکیم حقّا أو باطلاً ، ولم یکن السامع یجد هنالک قط من دم عثمان رکزاً ، ولا عن ثاراته ذکراً ، وإنّما تطامنت النفوس علی تحرّی الخلافة فحسب ، ولقصر النزاع علی الخلافة مُحیت إمرة المؤمنین عند ذکر اسم مولانا الإمام علیه السلام عن صحیفة الصلح.

فلقد تمخّضت لک صورة الواقع من أُمنیّة معاویة الباطلة فی کلّ من هذه العناوین الستّة المذکورة المدرجة تحت :

1 - حدیث الوفود.

2 - أنباء فی طیّات الکتب.

3 - تصریح لا تلویح.

4 - فکرة معاویة لها قدم.

5 - مناظرات وکلم.

6 - التحکیم لما ذا؟ فأین یقع منها کلمة ابن حجر وحکمه الباتّ بقصر النزاع بین الإمام علیه السلام وبین ابن هند علی طلب ثارات عثمان لا الخلافة؟ لتبریر عمل الرجل الوبیل الذی قتل به ما یناهز السبعین ألفاً ضحیّةً لشهواته ومطامعه ، وهو یحسب أنّه لا یوافیه مناقش فی الحساب ، أو ناظر إلی صفحات التاریخ نظر تنقیب وإمعان ، وکأنه لا یخجل إن جاثاه منقّب ، أو واقفه مجادل ، کما أنّه لا یتحاشی عن موقف الحساب یوم القیامة ، وإنّ الله سبحانه لبالمرصاد. 6.

ص: 465


1- الإمامة والسیاسة : 1 / 116.

ونختم البحث بکلمة الباقلانی ، قال فی التمهید (ص 231) : إنّ عقد الإمامة لرجل علی أن یقتل الجماعة بالواحد لا محالة خطأ لا یجوز ، لأنّه متعبّد فی ذلک باجتهاده والعمل علی رأیه ، وقد یؤدّی الإمام اجتهاده إلی أن لا یقتل الجماعة بالواحد ، وذلک رأی کثیر من الفقهاء ، وقد یکون ممّن یری ذلک ، ثم یرجع عنه إلی اجتهاد ثانٍ ، فعقد الأمر له علی ألاّ یقیم الحدّ إلاّ علی مذهب من مذاهب المسلمین مخصوص فاسد باطل ممّن عقده ورضی به.

وعلی أنّه إذا ثبت أنّ علیّا ممّن یری قتل الجماعة بالواحد ، لم یجز أن یقتل جمیع قتلة عثمان إلاّ بأن تقوم البیّنة علی القتلة بأعیانهم ، وبأن یحضر أولیاء الدم مجلسه یطالبوا بدم أبیهم وولیّهم ، ولا یکونوا فی حکم من یعتقد أنّهم بغاة علیه ، وممّن لا یجب استخراج حقّ لهم ، دون أن یدخلوا فی الطاعة ، ویرجعوا عن البغی ، وبأن یؤدّی الإمام اجتهاده إلی أنّ قتل قتلة عثمان لا یؤدّی إلی هرجٍ عظیم ، وفساد شدید ، قد یکون فیه مثل قتل عثمان أو أعظم منه ، وإنّ تأخیر إقامة الحدّ إلی وقت إمکانه ، وتقصّی الحقّ فیه ، أولی وأصلح للأُمّة ، وألمّ لشعثهم ، وأنفی للفساد والتهمة عنهم.

هذه أمور کلّها تلزم الإمام فی إقامة الحدود ، واستخراج الحقوق ، ولیس لأحد أن یعقد الإمامة لرجل من المسلمین بشریطة تعجیل إقامة حدّ من حدود الله ، والعمل فیه برأی الرعیّة ، ولا للمعقود له أن یدخل فی الإمامة بهذا الشرط ، فوجب اطّراح هذه الروایة (1) لو صحّت ، ولو کانا قد بایعا علی هذه الشریطة فقبل هو ذلک ، لکان هذا خطأ منهم ، غیر أنّه لم یکن بقادح فی صحّة إمامته ، لأنّ العقد له قد تقدّم هذا العقد الثانی ، وهذه الشریطة لا معتبر بها ، لأنّ الغلط فی هذا من الإمام ، الثابتة إمامته لیس بفسق یوجب خلعه وسقوط فرض طاعته عند أحد. الکلام. ف)

ص: 466


1- یعنی ما روی عن طلحة والزبیر من قولهم : بایعناک علی أن تقتل قتلة عثمان. (المؤلف)

حجج داحضة :

استرسل ابن حجر فی تدعیم ما منّته به هواجسه اقتصاصاً منه أثر سلفه فی تبریر أعمال معاویة القاسیة ، والاعتذار عنه بما رکبه من الموبقات ، وتصحیح خلافته بإسهاب فی القول وتطویل من غیر طائل فی الصواعق (1) (ص 129 - 131) بما تنتهی خلاصة ما لفّقه إلی أمرین :

أحدهما : القول باجتهاده فی جملة ما ناء به وباء بإثمه ، من حروب دامیة ، ونزاع مع خلیفة الوقت ، إلی ما یستتبعانه من مخاریق ومردیات من إزهاق نفوس بریئة تعدّ بالآلاف المؤلّفة (2) ، وفیهم ثلاثمائة ونیف من أهل بیعة الشجرة ، وجماعة من البدریّین (3) ، ولفیف من المهاجرین والأنصار ، وعدد لا یستهان به من الصحابة العدول أو التابعین لهم بإحسان ، وهو یحسب أنّ شیئاً من هذه التلفیقات یبرّر ما حظرته الشریعة فی نصوصها الجلیّة من الکتاب والسنّة ، وأنّ الاجتهاد المزعوم نسّق حول معاویة سیاجاً دون أن یلحقه أیّ حوب کبیر ، وأسدل علیه ستاراً عمّا اقترفه من ذنوب وآثام تجاه النصوص النبویّة ، ولم یعلم أنّه لا قیمة لاجتهاد هذا شأنه یتجهّم أمام النصّ ، ویتهجّم علی أحکام الدین الباتّة وطقوسه النهائیّة ، بلغ الرجل أنّ الاجتهاد جائز علی الضدّ من اجتهاد المجتهدین ، وما تعقّل أنّه غیر جائز علی خلاف الله ورسوله. ف)

ص: 467


1- الصواعق : ص 216 - 218.
2- قال ابن مزاحم : أصیب بصفّین من أهل الشام خمسة وأربعون ألفاً ، وأصیب بها من أهل العراق خمسة وعشرون ألفاً. کتاب صفّین : ص 643 [ص 558]. وذکره ابن کثیر فی تاریخه : 7 / 274 [7 / 304 حوادث سنة 36] وقال : قاله غیر واحد ، وزاد أبو الحسن بن البراء : وکان فی أهل العراق خمسة وعشرون بدریّا. وعلی ما ذکر من عدد القتلی ذکره ابن شحنة فی روضة المناظر هامش الکامل : 3 / 191 [1 / 291] ، وصاحب تاریخ الخمیس فی : 2 / 277. (المؤلف)
3- راجع ما مرّ فی الجزء التاسع : 359 الطبعة الأولی [9 / 362]. (المؤلف)

وقصاری القول أنّه لیس عند ابن حجر ومن سبقه إلی قوله أو لحقه به (1) ضابط للاجتهاد یتمّ طرده وعکسه ، وإنّما یُمطّط مع الشهوات والأهواء ، فیُعذّر به خالد بن الولید فی فجائع بنی حنیفة ومالک بن نویرة ، شیخها الصالح وزعیمها المبرور ، وفضائحه من قتل الأبریاء ، والدخول علی حلیلة الموؤود غیلة وخدعة (2).

ویُعذّر به ابن ملجم (3) المرادی أشقی الآخرین بنصّ الرسول الأمین صلی الله علیه وآله وسلم علی ما انتهکه من حرمة الإسلام ، وقتل خلیفة الحقّ وإمام الهدی فی محراب طاعة الله ، الذی اکتنفته الفضائل والفواضل من شتّی نواحیه ، واحتفّت به النفسیّات الکریمة جمعاء ، وقد قال فیه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ما قاله من کثیر طیّب عداه الحصر ، وکبا عنه الاستقصاء ، وهو قبل هذه کلّها نفس النبیّ الطاهرة فی الذکر الحکیم.

قال محمد بن جریر الطبری فی التهذیب (4) : أهل السیر لا تدافع بینهم أنّ علیّا أمر بقتل قاتله قصاصاً ، ونهی أن یمثّل به ، ولا خلاف بین أحد من الأُمّة أنّ ابن ملجم قتل علیّا متأوّلاً ، مجتهداً ، مقدّراً علی أنّه علی صواب ، وفی ذلک یقول عمران بن حطّان :

یا ضربةً من تقیٍّ ما أراد بها

إلاّ لیبلغَ من ذی العرش رضوانا

إنّی أُفکّر فیه ثم أحسبُه

أوفی البریّةِ عندَ اللهِ میزانا

سننن البیهقی (5) (8 / 58 ، 59).

ویبرّر به عمل أبی الغادیة (6) الفزاری قاتل عمّار ، الممدوح علی لسان اللهف)

ص: 468


1- نظراء الشیخ علی القاری [1 / 687] : والخفاجی فی شرحی الشفا : 3 / 166. (المؤلف)
2- راجع الجزء السابع : ص 156 - 168. (المؤلف)
3- راجع الجزء الأوّل : ص 323. (المؤلف)
4- تهذیب الآثار : ص 71 ح 6 من مسند علی علیه السلام.
5- راجع الجواهر النقی المطبوع فی هامش سنن البیهقی.
6- راجع الجزء الأول : ص 328. (المؤلف)

ولسان رسوله صلی الله علیه وآله وسلم ومن الصحیح الثابت قوله صلی الله علیه وآله وسلم له : «تقتلک الفئة الباغیة». وقد مرَّ فی (9 / 21) ویبرّئ به ساحة عمرو بن العاص (1) عن وصمة مکیدة التحکیم ، وقد خان فیها أُمّة محمد صلی الله علیه وآله وسلم وکسر شوکتها ، وقد قال مولانا أمیر المؤمنین - صلوات الله علیه - فیه وفی صاحبه الشیخ المخرف :

«ألا إنّ هذین الرجلین اللذین اخترتموهما حکمین ، قد نبذا حکم القرآن وراء ظهورهما ، وأحییا ما أمات القرآن ، واتّبع کلّ واحد منهما هواه ، بغیر هدی من الله ، فحکما بغیر حجّة بیّنة ، ولا سنّة ماضیة ، واختلفا فی حکمهما ، وکلاهما لم یرشد ، فبرئ الله منهما ورسوله وصالح المؤمنین» (2).

ویُحبّذ به ما ارتکبه یزید الطاغیة (3) من البوائق والطامّات ، من استئصال شأفة النبوّة وقتل ذراریها ، وسبی عقائلها ، التی لم تُبق للباحث عن صحیفة حیاته السوداء إلاّ أن یلعنه ویتبرّأ منه.

ویقدّس به أذیال المتقاعدین (4) عن بیعة الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام ، علی حین اجتماع شروط البیعة الواجبة له ، فماتوا میتة جاهلیّة ولم یعرفوا إمام زمانهم.

ویُنزّه به السابقون الذین أوعزنا إلی سقطاتهم فی الدین والشریعة ، فی الجزء (6 ، 7 ، 8 ، 9) بأعذار عنهم لا تقلّ فی الشناعة عن جرائرهم ، إلی أمثال هذه ممّا لا یُحصی.

نعم : هناک موارد جمة ینبو عنها الاجتهاد ، فلا یُصاخُ إلی مفعوله ، لوقوف ف)

ص: 469


1- راجع تاریخ ابن کثیر : 7 / 283 [7 / 314 حوادث سنة 36 ه]. (المؤلف)
2- أنظر : الإمامة والسیاسة : 1 / 123 ، وشرح ابن أبی الحدید : 2 / 259 خطبة 35.
3- راجع تاریخ ابن کثیر : 8 / 223 و 13 / 10 [8 / 245 سنة 63 ، 13 / 13 حوادث سنة 590 ه] ، فیه قول أبی الخیر القزوینی : إنّه إمام مجتهد. (المؤلف)
4- راجع مستدرک الحاکم : 3 / 115 - 118 [3 / 124 - 127 ح 4596 - 4605] (المؤلف)

المیول والشهوات سدّا دون ذلک ، فلا یُدرأ به التهمة عن المؤلّبین علی عثمان ، وهم عدول الصحابة ووجوه المهاجرین والأنصار ، وأعیان المجتهدین ، الذین أخذوا الکتاب والسنّة من نفس رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، فهم عند ابن حزم المبرّر لفتکة أشقی مراد باجتهاده المشوم : فسّاق ، ملعونون ، محاربون ، سافکون دماً حراماً عمداً (1). وعند ابن تیمیّة : قوم خوارج مفسدون فی الأرض ، لم یقتله إلاّ طائفة قلیلة باغیة ظالمة ، وأمّا الساعون فی قتله فکلّهم مخطئون ، بل ظالمون باغون معتدون (2). وعند ابن کثیر : أجلاف أخلاط من الناس ، لا شکّ أنّهم من جملة المفسدین فی الأرض ، بغاة خارجون علی الإمام ، جهلة ، متعنّتون ، خونة ، ظلمة ، مفترون (3). وعند ابن حجر : بغاة ، کاذبون ، ملعونون ، معترضون ، لا فهم لهم بل ولا عقل (4).

ولو کان للاجتهاد منتوج مقرّر فلم لم یُتّبع فی إرجاء أمیر المؤمنین علیه السلام أمر المتّهمین بقتل عثمان إلی ما یراه من المصلحة ، فینتصب للقضاء فیه علی ما یقتضیه الکتاب والسنّة ، فشنّت علیه الغارات یوم الجمل وفی واقعة صفّین ، وکان من ذیولها وقعه الحروریّین ، فلم یُتّبع اجتهاد خلیفة الوقت الذی هو باب مدینة علم النبیّ ، وأقضی الأُمّة بنصّ من الصادق المصدّق ، لکنّما اتّبع اجتهاد عثمان فی العفو عن عبید الله ابن عمر فی قتله لهرمزان وبنت أبی لؤلؤة ، وإهدار ذلک الدم المحرّم من غیر أیّ حجّة قاطعة أو برهنة صحیحة ، فلو کان للخلیفة مثل ذلک العفو فلم لم یجر حکمه فی الآوین إلی مولانا أمیر المؤمنین من المتجمهرین علی عثمان؟ ولم یکن یومئذ من المقطوع به ما سوف یقضی به الإمام من حکمه الباتّ ، أیُعطی دیة المقتول من بیت المال لأنّه أُودی به بین جمهرة المسلمین لا یُعرف قاتله ، کما فعله فی أربد ف)

ص: 470


1- الفِصَل لابن حزم : 4 / 161. (المؤلف)
2- منهاج السنّة : 3 / 189 ، 206. (المؤلف)
3- تاریخ ابن کثیر : 7 / 176 ، 186 ، 187 [7 / 198 ، 208 ، حوادث سنة 35 ه]. (المؤلف)
4- الصواعق المحرقة : ص 67 ، 68 ، 129. [ص 113 ، 217]. (المؤلف)

الفزاری (1) ، أو أنّه یراهم من المجتهدین - وکانوا کذلک - الذین تأوّلوا أصابوا أو أخطأوا ، أو أنّه کان یری من صالح الخلافة واستقرار عروشها أن یرجئ أمرهم إلی ما وراء ما انتابه من المثلات ، وما هنالک من إرجاف وتعکیر یُقلقان السلام والوئام ، حتی یتمکّن من الحصول علی تدعیم عرش إمرته الحقّة المشروعة ، فعلی أیّ من هذه الأقضیة الصحیحة کان ینوء الإمام علیه السلام به ، فلا حرج علیه ولا تثریب ، لکن سیف البغی الذی شهروه فی وجهه ، أبی للقوم إلاّ أن یتّبع الحقّ أهواءهم ، وما ذا نقموا علیه - صلوات الله علیه - من تلکم المحتملات؟ حتی یسوغ لهم إلقاح الحرب الزبون التی من جرّائها تطایرت الرؤوس ، وتساقطت الأیدی ، وأُزهقت نفوس بریئة ، وأُریقت دماء محترمة ، فبأیّ اجتهاد بادروا إلی الفرقة ، وتحمّلوا أوزارها ، ولم تتجلّ لهم حقیقة الأمر ولباب الحقّ ، لکنّهم ابتغوا الفتنة ، وقلّبوا له الأمور ، ألا فی الفتنة سقطوا.

ومن أعجب ما یُتراءی من مفعول الاجتهاد فی القرون الخالیة : أنّه یبیح سبّ علیّ أمیر المؤمنین علیه السلام وسبّ کلّ صحابیّ احتذی مثاله ، ویجوّز لأیّ أحد کیف شاء وأراد لعنهم ، والوقیعة فیهم ، والنیل منهم ، فی خطب الصلوات ، والجمعات ، والجماعات ، وعلی صهوات المنابر ، والقنوت بها ، والإعلان بذلک فی الأندیة والمجتمعات ، والخلأ والملأ ، ولا یلحق لفاعلها ذمّ ولا تبعة ، بل له أجر واحد لاجتهاده خطأً ، وإن کان هو من حثالة الناس ، وسفلة الأعراب ، وبقایا الأحزاب ، البعداء عن العلوم والمعارف.

وأمّا علیّ وشیعته فلا حقّ لهم فی بیان ظلامتهم عند مناوئیهم ، والوقیعة فی خصمائهم ، ومبلغ إسفافهم إلی هوّة الضلالة ، علی حدّ قوله تعالی (لا یُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ) (2) ولیس لأحدهم فی الاجتهاد فی ذلک کلّه نصیب ، ولو 8.

ص: 471


1- راجع کتاب صفّین : ص 106 [ص 94] ، شرح ابن أبی الحدید : 1 / 279 [3 / 174 الأصل 146]. (المؤلف)
2- النساء : 148.

کان ضلیعاً فی العلوم کلّها ، فإن أحد منهم نال من إنسان من أولئک الظالمین فمن الحقّ ضربه وتأدیبه ، أو تعذیبه وإقصاؤه ، أو التنکیل به وقتله ، ولا یؤبه باجتهاده المؤدّی إلی ذلک صواباً أو خطأ ، وعلی هذا عمل القوم منذ أوّل یوم أسّس أساس الظلم والجور ، وهلمّ جرّا حتی الیوم الحاضر. راجع معاجم السیرة والتاریخ فإنّها نعم الحکم الفصل ، وبین یدیک کلمة ابن حجر فی الصواعق (1) (ص 132) قال فی لعن معاویة : وأمّا ما یستبیحه بعض المبتدعة من سبّه ولعنه فله فیه أُسوة ، أی أُسوة بالشیخین وعثمان وأکثر الصحابة ، فلا یُلتفت لذلک ، ولا یُعوّل علیه ، فإنّه لم یصدر إلاّ من قوم حمقی ، جهلاء ، أغبیاء ، طغاة ، لا یبالی الله بهم فی أیّ وادٍ هلکوا ، فلعنهم الله وخذلهم ، أقبح اللعنة والخذلان ، وأقام علی رءوسهم من سیوف أهل السنّة وحججهم المؤیّدة بأوضح الدلائل والبرهان ما یقمعهم عن الخوض فی تنقیص أولئک الأئمة الأعیان. انتهی.

أتعلم من لعن ابن حجر؟ وإلی من تتوجّه هذه القوارص؟ انظر إلی حدیث لعن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم معاویة ، وأحادیث لعن علیّ أمیر المؤمنین ، وقنوته بذلک فی صلواته ، ولعن ابن عبّاس ، وعمّار ، ومحمد بن أبی بکر ، ودعاء أمّ المؤمنین عائشة علیه فی دبر الصلاة ، وآخرین من الصحابة ، إقرأ واحکم!!

الاجتهاد ما ذا هو؟ :

وممّا یجب أن یبحث فی المقام هو أن یفهم معنی الاجتهاد ، الذی توسّعوا فیه ، حتی سُفکت الدماء من أجله وأُبیحت ، وغصبت الفروج وانتهکت المحارم ، وغُیّرت الأحکام من جرّائه ، وکاد أن یکون توسّعهم فیه أن یردّ الشریعة بدءاً إلی عقب ، ویفصم عروة الدین ، ویقطع حبله. 9.

ص: 472


1- الصواعق المحرقة : ص 219.

ثم لننظر هل فیه من الاستعداد والمُنّة (1) لتبدیل السنن المتّبعة التی لا تبدیل لها؟ وهل هو من منح الله سبحانه علی رعاع الناس ودهمائهم ، فیتقحّمونه کیف شاء لهم الهوی؟ أو أنّ له أصولاً متّبعة لا یعدوها المجتهد من کتاب وسنّة ، أو تأوّل صحیح إن ماشینا القوم فی إمضاء الاجتهاد تجاه النصّ ، أو أنّه اتّسعت الفسحة فیه وأطلق الصراح حتی نزا علیه کلّ أرنب وثعلب ، وتحرّاه کلّ بوّال علی عقبیه ، أو أعرابیّ جلف جاف؟ أنا لا أکاد أُسوّغ للعلماء القول بتصحیح مثل هذا الاجتهاد ، وإنّما المتسالم علیه بینهم ما یلی :

قال الآمدی فی الإحکام فی أصول الأحکام (2) (4 / 218) : أمّا الاجتهاد : فهو فی اللغة عبارة عن استفراغ الوسع فی تحقیق أمر من الأُمور مستلزم للکلفة والمشقّة ، ولهذا یُقال : اجتهد فلان فی حمل حجر البزّارة ، ولا یُقال : اجتهد فی حمل خردلة.

وأمّا فی اصطلاح الأصولیّین ، فمخصوص باستفراغ الوسع فی طلب الظنّ بشیء من الأحکام الشرعیّة علی وجه یحسّ من النفس العجز عن المزید فیه.

وأمّا المجتهد ، فکلّ من اتّصف بصفة الاجتهاد ، وله شرطان :

الشرط الأوّل : أن یعلم وجود الربّ تعالی ، وما یجب له من الصفات ، ویستحقّه من الکمالات ، وأنّه واجب الوجود لذاته ، حیّ ، عالم ، قادر ، مرید ، متکلّم ، حتی یتصوّر منه التکلیف. وأن یکون مصدّقاً بالرسول ، وما جاء به من الشرع المنقول بما ظهر علی یده من المعجزات ، والآیات الباهرات ، لیکون فیما یسنده إلیه من الأحکام محقّقاً ، ولا یشترط أن یکون عارفاً بدقائق علم الکلام ، متبحّراً فیه کالمشاهیر من المتکلّمین ، بل أن یکون مستند علمه فی ذلک بالدلیل المفصّل ، بحیث 9.

ص: 473


1- المُنّة : القوة.
2- الإحکام فی أصول الأحکام : 4 / 169.

یکون قادراً علی تقریره وتحریره ، ودفع الشبه عنه ، کالجاری من عادة الفحول من أهل الأصول ، بل أن یکون عالماً بأدلّة هذه الأمور من جهة الجملة ، لا من جهة التفصیل.

الشرط الثانی : أن یکون عالماً عارفاً بمدارک الأحکام الشرعیّة وأقسامها ، وطرق إثباتها ، ووجوه دلالاتها علی مدلولاتها ، واختلاف مراتبها ، والشروط المعتبرة فیها ، علی ما بیّناه ، وأن یعرف جهات ترجیحها عند تعارضها ، وکیفیّة استثمار الأحکام منها ، قادراً علی تحریرها وتقریرها ، والانفصال عن الاعتراضات الواردة علیها ، وإنّما یتمّ ذلک بأن یکون عارفاً بالرواة وطرق الجرح والتعدیل ، والصحیح والسقیم ، کأحمد بن حنبل ویحیی بن معین ، وأن یکون عارفاً بأسباب النزول ، والناسخ والمنسوخ فی النصوص الأحکامیّة ، عالماً باللغة والنحو ، ولا یشترط أن یکون فی اللغة کالأصمعی ، وفی النحو کسیبویه والخلیل ، بل أن یکون قد حصل من ذلک علی ما یُعرف به أوضاع العرب ، والجاری من عاداتهم فی المخاطبات ، بحیث یمیّز بین دلالات الألفاظ من المطابقة ، والتضمین ، والالتزام ، والمفرد والمرکّب ، والکلّی منها والجزئیّ ، والحقیقة والمجاز ، والتواطؤ والاشتراک ، والترادف والتباین ، والنصّ والظاهر ، والعامّ والخاصّ ، والمطلق والمقیّد ، والمنطوق والمفهوم ، والاقتضاء والإشارة ، والتنبیه والإیماء ، ونحو ذلک ممّا فصّلناه ، ویتوقّف علیه استثمار الحکم من دلیله.

وذلک کلّه أیضاً إنّما یُشترط فی حقّ المجتهد المطلق المتصدّی للحکم والفتوی فی جمیع مسائل الفقه ، وأمّا الاجتهاد فی حکم بعض المسائل ، فیکفی فیه أن یکون عارفاً بما یتعلّق بتلک المسألة ، وما لا بدّ منه فیها ، ولا یضرّه فی ذلک جهله بما لا تعلّق له بها ، ممّا یتعلّق بباقی المسائل الفقهیّة ، کما أنّ المجتهد المطلق قد یکون مجتهداً فی المسائل المتکثّرة ، بالغاً رتبة الاجتهاد فیها ، وإن کان جاهلاً ببعض المسائل الخارجة عنها ،

ص: 474

فإنّه لیس من شرط المفتی أن یکون عالماً بجمیع أحکام المسائل ومدارکها ، فإنّ ذلک ممّا لا یدخل تحت وسع البشر ، ولهذا نُقل عن مالک أنّه سُئل عن أربعین مسألة ، فقال فی ستّ وثلاثین منها : لا أدری.

وأمّا ما فیه الاجتهاد : فما کان من الأحکام الشرعیّة دلیله ظنیٌّ ، فقولنا : من الأحکام الشرعیّة ، تمییز له عمّا کان من القضایا العقلیّة واللغویّة وغیرها ، وقولنا : دلیله ظنیّ ، تمییز له عمّا کان دلیله منها قطعیّا ، کالعبادات الخمس ونحوها ، فإنّها لیست محلاّ للاجتهاد فیها ، لأنّ المخطئ فیها یُعدّ آثماً ، والمسائل الاجتهادیّة ما لا یُعدّ المخطئ فیها باجتهاده آثماً. انتهی.

وقال الشاطبی فی الموافقات (4 / 89) ما ملخّصه : الاجتهاد علی ضربین : الأوّل : الاجتهاد المتعلّق بتحقیق المناط ، وهو الذی لا خلاف بین الأُمّة فی قبوله ، ومعناه أن یثبت الحکم بمدرکه الشرعیّ لکن یبقی النظر فی تعیین محلّه.

فلا بدّ من هذا الاجتهاد فی کلّ زمان ، إذ لا یمکن حصول التکلیف إلاّ به ، فلو فرض التکلیف مع إمکان ارتفاع هذا الاجتهاد لکان تکلیفاً بالمحال ، وهو غیر ممکن شرعاً ، کما أنّه غیر ممکن عقلاً.

وأمّا الضرب الثانی : وهو الاجتهاد الذی یمکن أن ینقطع ، فثلاثة أنواع : أحدها المسمّی بتنقیح المناط ، وذلک أن یکون الوصف المعتبر فی الحکم مذکوراً مع غیره فی النصّ ، فینقّح بالاجتهاد ، حتی یمیّز ما هو معتبر ممّا هو ملغی.

الثانی المسمّی بتخریج المناط ، وهو راجع إلی أنّ النصّ الدالّ علی الحکم لم یتعرّض للمناط ، فکأنّه أُخرج بالبحث ، وهو الاجتهاد القیاسی.

الثالث : وهو نوع من تحقیق المناط المتقدّم الذکر ، لأنّه ضربان : أحدهما : ما یرجع إلی الأنواع لا إلی الأشخاص ، کتعیّن نوع المثل فی جزاء الصید ، ونوع الرقبة فی

ص: 475

العتق فی الکفّارات ، وما أشبه ذلک. والضرب الثانی : ما یرجع إلی تحقیق مناط فیما تحقّق مناط حکمه ، فکأنّ المناط علی قسمین : تحقیق عامّ ، وهو ما ذکر ، وتحقیق خاصّ من ذلک العامّ.

إنّما تحصل درجة الاجتهاد لمن اتّصف بوصفین : أحدهما فهم مقاصد الشریعة علی کمالها. والثانی : التمکّن من الاستنباط بناء علی فهمه فیها.

أمّا الأوّل : فقد مرّ فی کتاب المقاصد أنّ الشریعة مبنیّة علی اعتبار المصالح ، وأنّ المصالح إنّما اعتبرت من حیث وضعها الشارع کذلک ، لا من حیث إدراک المکلّف ، إذ المصالح تختلف عند ذلک بالنسب والإضافات ، واستقرّ بالاستقراء التام أنّ المصالح علی ثلاث مراتب ، فإذا بلغ الإنسان مبلغاً فهم عن الشارع فیه قصده فی کلّ مسألة من مسائل الشریعة ، وفی کلّ باب من أبوابها ، فقد حصل له وصف هو السبب فی تنزّله منزلة الخلیفة للنبی صلی الله علیه وآله وسلم فی التعلیم ، والفتیا ، والحکم بما أراه الله.

وأمّا الثانی : فهو کالخادم للأوّل ، فإنّ التمکّن من ذلک إنّما هو بواسطة معارف محتاج إلیها فی فهم الشریعة أوّلاً ، ومن هنا کان خادماً للأوّل ، وفی استنباط الأحکام ثانیاً ، لکن لا تظهر ثمرة الفهم إلاّ فی الاستنباط فلذلک جعل شرطاً ثانیاً ، وإنّما کان الأوّل هو السبب فی بلوغ هذه المرتبة ، لأنّه المقصود والثانی وسیلة.

هذا هو الاجتهاد عند الأصولیّین ، وأمّا الفقهاء فهو عندهم مرتبة راقیة من الفقه یقتدر بها الفقیه علی ردّ الفرع إلی الأصل ، واستنباطه منه ، والتمکّن من دفع ما یعترض المقام من نقد وردّ ، وإبرام ونقض ، وشُبه وأوهام.

قال الآمدی فی الإحکام (1) (1 / 7) : الفقه فی عرف المتشرّعین مخصوص بالعلم الحاصل بجملة من الأحکام الشرعیّة الفروعیّة بالنظر والاستدلال. 2.

ص: 476


1- الإحکام فی أصول الأحکام : 1 / 22.

وقال ابن نجیم فی البحر الرائق (1 / 3) : الفقه اصطلاحاً علی ما ذکره النسفی فی شرح المنار تبعاً للأصولیّین : العلم بالأحکام الشرعیّة العملیّة المکتسبة من أدلّتها التفصیلیّة بالاستدلال.

وفی الحاوی القدسی : اعلم أنّ معنی الفقه فی اللغة الوقوف والاطلاع ، وفی الشریعة الوقوف الخاصّ ، وهو الوقوف علی معانی النصوص وإشاراتها ، ودلالاتها ، ومضمراتها ، ومقتضیاتها ، والفقیه اسم للواقف علیها.

وقال : الفقه قوّة تصحیح المنقول ، وترجیح المعقول ، فالحاصل أنّ الفقه فی الأصول علم الأحکام من دلائلها ، فلیس الفقیه إلاّ المجتهد عندهم.

وأمّا استمداده فمن الأصول الأربعة : الکتاب ، والسنّة ، والإجماع ، والقیاس المستنبط من هذه الثلاثة ، وأمّا شریعة من قبلنا فتابعة للکتاب ، وأمّا أقوال الصحابة فتابعة للسنّة ، وأمّا تعامل الناس فتابع للإجماع ، وأمّا التحرّی واستصحاب الحال فتابعان للقیاس ، وأمّا غایته فالفوز بسعادة الدارین.

وقال ابن عابدین فی حاشیة البحر (1 / 3) : فی تحریر الدلالات السمعیّة لعلیّ ابن محمد بن أحمد بن مسعود ، نقلاً عن التنقیح : الفقه لغة هو الفهم والعلم ، وفی الاصطلاح هو العلم بالأحکام الشرعیّة العملیّة بالاستدلال.

وقال ابن قاسم الغزّی فی الشرح (1 / 18) : الفقه هو لغة الفهم ، واصطلاحاً العلم بالأحکام الشرعیّة العملیّة المکتسب من أدلّتها التفصیلیّة.

وقال ابن رشد فی مقدّمة المدوّنة الکبری (ص 8) : فصل فی الطریق إلی معرفة أحکام الشرائع ، وأحکام شرائع الدین تدرک من أربعة أوجه : أحدها کتاب الله عزّ وجلّ ، الذی لا یأتیه الباطل من بین یدیه ولا من خلفه ، تنزیل من حکیم حمید. والثانی : سنّة نبیّه علیه السلام الذی قرن الله طاعته بطاعته ، وأمرنا باتّباع سنّته ، فقال عزّ وجلّ :

ص: 477

(وَأَطِیعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ) (1) وقال : (مَنْ یُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ) (2) وقال : (وَما آتاکُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاکُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) (3) وقال : (وَاذْکُرْنَ ما یُتْلی فِی بُیُوتِکُنَّ مِنْ آیاتِ اللهِ وَالْحِکْمَةِ) (4) والحکمة : السنّة. وقال : (لَقَدْ کانَ لَکُمْ فِی رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) (5) والثالث : الإجماع الذی دلّ تعالی علی صحّته بقوله : (وَمَنْ یُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَیَّنَ لَهُ الْهُدی وَیَتَّبِعْ غَیْرَ سَبِیلِ الْمُؤْمِنِینَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّی وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِیراً) (6) لأنّه عزّ وجلّ توعّد باتباع غیر سبیل المؤمنین ، فکان ذلک أمراً واجباً باتّباع سبیلهم ، وقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : لا تجتمع أُمّتی علی ضلالة. والرابع : الاستنباط وهو القیاس علی هذه الأصول الثلاثة التی هی الکتاب والسنّة والإجماع ، لأنّ الله تعالی جعل المستنبط من ذلک علماً ، وأوجب الحکم به فرضاً ، فقال عزّ وجلّ : (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَی الرَّسُولِ وَإِلی أُولِی الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِینَ یَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) (7) وقال عزّ وجلّ : (إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَیْکَ الْکِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْکُمَ بَیْنَ النَّاسِ بِما أَراکَ اللهُ) (8) أی بما أراک فیه من الاستنباط والقیاس ، لأنّ الذی أراه فیه من الاستنباط والقیاس هو ممّا أنزل الله علیه وأمره بالحکم به حیث یقول : (وَأَنِ احْکُمْ بَیْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ) (9). 9.

ص: 478


1- آل عمران : 132.
2- النساء : 80.
3- الحشر : 7.
4- الأحزاب : 34.
5- الأحزاب : 21.
6- النساء : 115.
7- النساء : 83.
8- النساء : 105.
9- المائدة : 49.

نظرة فی اجتهاد معاویة :

هاهنا حقّ علینا أن نمیط الستر عن اجتهاد معاویة ، ونناقش القائلین به فی أعماله ، أفهل کانت علی شیء من النوامیس الأربعة : الکتاب ، السنّة ، الاجماع ، القیاس؟ أو هل علم معاویة علم الکتاب؟ وعند من درسه؟ ومتی زاوله؟ وقد کان عهده به منذ عامین (1) قبل وفاة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، وهل کان یمیّز بین محکماته ومتشابهاته؟ أو یفرّق بین مجمله ومبیّنه؟ أو یمکنه الحکم فی عمومه وخصوصه؟ أو أحاط خبراً بمطلقه ومقیّده؟ أو عرف شیئاً من ناسخه ومنسوخه ، إلی غیر هذه من أضراب الآی الکریمة ، ومزایا المصحف الشریف الداخل علمها فی استنباط الأحکام منه؟

إنّ ظروف معاویة علی عهد استسلامه لا یسع شیئاً من ذلک ، علی حین أنّها تستدعی فراغاً کثیراً لا یتصرّم بالسنین الطوال ، فکیف بهذه الأویقات الیسیرة التی تُلهیه فی أکثرها الهواجس والأفکار المتضاربة من نوامیس دینه القدیم - الوثنیّة - وقد أتی علیها ما انتحله من الدین الجدید - الاسلام - ، فأذهب عنه هاتیک ، ولم یجئ بعد هذا علی وجهه بحیث یرتکز فی مخیّلته ، ویتبوّأ فی دماغه.

وکان قد سبقه جماعة إلی الإسلام وکتابه ، وهم بین حکم النبیّ ومحکماته ، وإفاضاته وتعالیمه ، وهم لا یُبارحون مُنتدیات النبوّة ، وهتافها بالتنزیل والتأویل الصحیح الثابت ، قضوا علی ذلک أعواماً متعاقبة ومُدداً کثیرة ، فلم یتسنّ لهم الحصول علی أکثر تلکم المبادئ ، وانکفئوا عنها صفر الأکفّ ، خاوی الوطاب ، انظر إلی ذلک الذی حفظ سورة البقرة فی اثنتی عشرة سنة ، حتی إذا تمکّن من الحفظ بعد ذلک ف)

ص: 479


1- هو وأبوه وأخوه من مسلمة سنة الفتح ، کما فی الاستیعاب [3 / 1416 رقم 2435] ، وکان ذلک فی أُخریات السنة الثامنة للهجرة ، ووفاة النبی صلی الله علیه وآله وسلم فی أولیات سنة 11. (المؤلف)

الأجل المذکور نحر جزوراً شکراً علی ما أتیح له من تلک النعمة بعد جهود جبّارة ، والله یعلم ماعاناه طیلة تلکم المدّة من عناء ومشقّة ، وهذا الرجل ثانی الأُمّة عند القوم فی العلم والفضیلة ، وکان من علمه بالکتاب أنّه لم یعِ تنصیصه علی موت النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ، فلمّا سمع قوله تعالی : (إِنَّکَ مَیِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَیِّتُونَ) (1) ألقی السیف من یده ، وسکنت فورته ، وأیقن بوفاته صلی الله علیه وآله وسلم کمن لم یقرأ الآیة الکریمة إلی حینه ، وإن تقس موارد علمه بالکتاب ونصوصه ، قضیت منها العجب ، وأعیتک الفکرة فی مبلغ فهمه ، وما ذا الذی کان یُلهیه عن الخبرة بأصول الإسلام وکتابه؟ ولئن راجعت فیما یؤول إلی هذا الموقف (الجزء السادس) من هذا الکتاب رأیت العجب العجاب.

ولیس من البعید عنه أوّل رجل فی الإسلام عند القوم ، الذی بلغ من القصور والجهل بالمبادئ والخواتیم والأشکال والنتائج حدّا لا یقصر عنه غمار الناس والعادیون منهم الذین أشرقت علیهم أنوار النبوّة منذ بزوغها ، ولعلّک تجد فی الجزء السابع من هذا الکتاب (2) ما یلمسک بالید یسیراً من هذه الحقائق.

وأنت إذن فی غنیً عن استحفاء أخبار کثیر من أولئک الأوّلین الذین لا تعزب عنک أنباؤهم فی الفقه والحدیث والکتاب والسنّة ، فکیف بمثل معاویة الملتحق بالمسلمین فی أُخْریات أیّامهم (3)؟ وکانت تربیته فی بیت حافل بالوثنیّة ، متهالک فی الظلم والعدوان ، متفانٍ فی عادات الجاهلیّة ، ترفّ علیه رایات العهارة وأعلام البغاء ، وإذا قرع سمع أحدهم دعاء إلی وحی أو هتاف بتنزیل جعل إصبعه فی أذنه ، وراعته من ذلک خاطرة جدیدة لم یکن یتهجّس بها منذ آبائه الأوّلین.

نعم ؛ المعروفون بعلم الکتاب علی عهد الصحابة أناس معلومون ، وکانوا م.

ص: 480


1- الزمر : 30.
2- أنظر الغدیر : 7 / 138 - 180.
3- مراده قدس سره أخریات أیامهم مع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم.

مراجع الأُمّة فی مشکلات القرآن ومغازیه ، وتنزیله ، وتأویله ، کعبد الله بن مسعود ، وعبد الله بن العبّاس ، وأُبیّ بن کعب ، وزید بن ثابت.

وأمّا مولانا أمیر المؤمنین علیه السلام ، فهو عدل القرآن والعالم بأسراره وغوامضه ، کما أنّ عنده العلم الصحیح بکلّ مشکلة ، والحکم الباتّ عند کلّ قضیّة ، والجواب الناجع عند کلّ عویصة ، وقد صحّ عند الأُمّة جمعاء قوله الصادق المصدّق صلوات الله علیه : «سلونی قبل أن لا تسألونی ، لا تسألونی عن آیة فی کتاب الله ولا سنّة عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إلاّ أنبأتکم بذلک». راجع الجزء السادس (ص 193).

السنّة :

وما ذا تحسب أن یکون نصیب معاویة من علم الحدیث الذی هو سنّة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، من قوله وفعله وتقریره؟ لقد عرّفنا موقفه منها قوله هو فیما أخرجه أحمد فی مسنده (1) (4 / 99) من طریق عبد الله بن عامر قال : سمعت معاویة یحدّث وهو یقول : إیّاکم وأحادیث رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إلاّ حدیثاً کان علی عهد عمر. لما ذا هذا التحذیر عن الأحادیث بعد أیّام عمر؟ ألأنّ الافتعال والوضع کثرا بعده؟ أم لأنّ الصحابة العدول الموثوق بهم علی عهد عمر وما قبله منذ تصرّم العهد النبوی سُلبت عنهم الثقة بعد خلافة عمر؟ فکأنّهم ارتدّوا - العیاذ بالله - بعده کذّابین وضّاعین ، ولازمه الطعن فی أکثر الأحادیث ، وعدم الاعتداد بمدارک الأحکام ، لأنّ شیئاً کثیراً منها انتشر بعد ذلک الأجل ، وما کانت الدواعی والحاجة تستدعیان روایتها قبل ذلک ، علی أنّ الجهل بتاریخ إخراجها ، هل هو فی أیّام عمر أو بعدها یوجب سقوطها عن الاعتبار لعدم الثقة برواتها وروایتها ، ولم تکن الرواة تُسجّل تاریخ ما یروونه حتی یُعلم أن أیّا منها محاط بسیاج الثقة ، وأیّا منها منبوذ وراء سورها.7.

ص: 481


1- مسند أحمد : 5 / 66 ح 16467.

وما خصوصیّة عهد عمر فی قبول الروایة ورفضها؟ ألأنّ الحقائق تمحّصت فیه؟ ومن ذا الذی محّصها؟ أم لأنّ التمحیص أفرد فیه الصحیح من السقیم؟ ومن ذا الذی فعل ذلک؟ أم أنّ ید الأمانة قبضت علی السنّة عندئذ ، وعضّتها بالنواجذ حرصاً علیها ، فلم یبق إلاّ لبابها المحض؟ فمتی وقعت تلکم البدع والتافهات؟ ومتی بدّلت السنن؟ ومتی غیّرت الأحکام؟ راجع الجزء السادس وهلمّ جرّا.

ولعلّ قول معاویة هذا فی سنّة الرسول صلی الله علیه وآله وسلم کافٍ فی قلّة اعتداده بها ، أو أنّه کان ینظر إلیها نظر مستخفّ بها ، وکان یستهین بقائلها مرّة ، ویضرط لها إذا سمعها مرّة أخری ، وینال من رواتها بقوارص طوراً ، وینهی راویها عن الروایة بلسان بذیء بکلّ شدّة وحدّة ، إلی أشیاء من مظاهر الهزء والسخریّة (1) فما ظنّک بمن هذا شأنه مع السنّة الشریفة؟ فهل تُذعن له أنّه یعبأ بها ویحتجّ بها فی موارد الحاجة ، ویأخذها مدرکاً عند عمله؟ أو ینبذها وراء ظهره کما فعل ذلک فی موارده ومصادره کلّها؟

وإنّ حداثة عهد معاویة بالإسلام وأخذه بالروایات بعد کلّ ما قدّمناه ، وما کان یُلهیه عن الإصاخة إلیها طیلة أیّامه من کتابة وإمارة وملوکیّة ، وإنّ حیاته فی دور الإسلام کلّها کانت مستوعبة بضروب السیاسة وإدارة شئون الملک والنزاع والمخاصمة دونه ، فمتی کان یتفرّغ لأخذ الروایات وتعلّم السنن؟ ثم من ذا الذی أخذ عنه السنّة؟ والصحابة جلّهم فی منتأی عن مباءته - الشام - ، ولم یکن معه إلاّ طلیق أعرابیّ ، أو یمانیّ مستدرج ، وهو یسیء ظنّه بجملة الصحابة المدنیّین ، حملة الأحکام ونقلة الأحادیث النبویّة ، ویقول بملء فمه : إنّما کان الحجازیّون هم الحکّام علی الناس والحقّ فیهم ، فلمّا فارقوه کان الحکّام علی الناس أهل الشام (2). وعلی أثر ظنّه السیّئ وقوله الآثم کان یمنع هو وأُمراؤه عن الحدیث عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، کما یظهر ممّا ف)

ص: 482


1- راجع تفصیل کلّ هذه فیما أسلفناه فی هذا الجزء : ص 281 - 284. (المؤلف)
2- راجع صفحة 319 من هذا الجزء. (المؤلف)

أخرجه الحاکم فی المستدرک (1) (4 / 486) من قول عبد الله بن عمرو بن العاص لمّا قال له نوف : أنت أحقّ بالحدیث منّی ، أنت صاحب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : إنّ هؤلاء قد منعونا عن الحدیث یعنی الأمراء. وجاء فی حدیث : إنّ معاویة أرسل إلی عبد الله بن عمر فقال : لئن بلغنی أنّک تحدّث لأضربنّ عنقک (2).

وعلی ذلک الظنّ أهدر دماء بقیّة السلف الصالح ، وبعث بسر بن أرطاة إلی المدینة الطیّبة فشنّ الغارة علی أهلها ، فقتل نفوساً بریئة ، وأراق دماء زکیّة ، واقتصّ أثره من بعده جروه یزید فی واقعة الحرّة ، ومن یشابه أبه فما ظلم.

نظرة فی أحادیث معاویة :

إنّ لنا حقّ النظر فی شتّی مناحی روایاته ، لقد أخرج عنه أحمد فی مسنده فی الجزء الرابع (3) (ص 91 - 102) مائة وستّة أحادیث وفیها من المکرّر :

1 - حدیث إذا أراد الله بعبده خیراً یفقّهه فی الدین. کرّره ست عشرة مرّة (4) فی (ص 92 ، 92 ، 93 ، 93 ، 93 ، 93 ، 93 ، 95 ، 96 ، 96 ، 97 ، 98 ، 98 ، 99 ، 101 ، 101).

2 - حدیث تقصیر شعر النبیّ بمشقص. مکرّر عشر مرّات (5) فی (ص 92 ، 95 ، 96 ، 97 ، 97 ، 97 ، 97 ، 98 ، 102 ، 102). 2.

ص: 483


1- المستدرک علی الصحیحین : 4 / 533 ح 8497.
2- کتاب صفّین لابن مزاحم : ص 248 [ص 220]. (المؤلف)
3- مسند أحمد : 5 / 53 - 70 ح 16387 - 16492.
4- مسند أحمد : 5 / 54 ح 16392 ، 55 ح 16395 و 16397 ، 56 ح 16400 و 16404 ، 57 ح 16407 و 16408 ، 59 ح 16418 ، 61 ح 16432 ، 62 ح 16436 و 16438 ، 64 ح 16451 ، 65 ح 16460 ، 66 ح 16467 ، 69 ح 16482 و 16484.
5- مسند أحمد : 5 / 55 ح 16394 ، 59 ح 16421 ، 60 ح 16428 ، 62 ح 16441 ، 63 ح 16442 و 16443 و 16444 ، 64 ح 16452 ، 70 ح 16491 و 16492.

3 - حدیث حکایة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم الأذان. کرّره سبع مرّات (1) فی (ص 91 ، 92 ، 93 ، 98 ، 98 ، 100 ، 100).

4 - حدیث عقوبة شرب الخمر. مکرّر خمس مرّات (2) فی (ص 93 ، 95 ، 96 ، 97 ، 101).

5 - حدیث وفاة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وأبی بکر وعمر. جاء (3) فی (ص 96 ، 97 ، 97 ، 100).

6 - حدیث کبّة الشعر. یوجد (4) فی (ص 91 ، 94 ، 95 ، 101).

7 - حدیث مناشدته عن أحادیث. جاء (5) فی (ص 92 ، 95 ، 96 ، 99).

8 - حدیث صوم عاشوراء (6). فی (ص 95 ، 96 ، 97).

9 - حدیث حبّ الأنصار. یوجد (7) فی (ص 96 ، 100 ، 100).

10 - حدیث من أحبّ أن یمثل له قیاماً (8). فی (ص 91 ، 93 ، 100).

11 - حدیث النهی عن لبس الذهب والحریر. یوجد (9) فی (ص 96 ، 100 ، 101). 3.

ص: 484


1- مسند أحمد : 5 / 53 ح 16387 ، 54 ح 16389 ، 56 ح 16399 ، 64 ح 16453 ، 65 ح 16459 ، 68 ح 16477 و 16479.
2- مسند أحمد : 5 / 56 ح 16405 ، 59 ح 16417 ، 60 ح 16427 ، 63 ح 16445 ، 68 ح 16481.
3- مسند أحمد : 5 / 61 ح 16431 ، 62 ح 16440 ، 63 ح 16447 ، 68 ح 16480.
4- مسند أحمد : 5 / 54 ح 16388 ، 57 ح 16409 ، 60 ح 16423 ، 70 ح 16487.
5- مسند أحمد : 5 / 54 ح 16391 ، 59 ح 16422 ، 61 ح 16435 ، 66 ح 16466.
6- مسند أحمد : 5 / 60 ح 16425 و 16426 ، 63 ح 16448.
7- مسند أحمد : 5 / 61 ح 16429 ، 67 ح 16448 ، 68 ح 16475.
8- مسند أحمد : 5 / 54 ح 16389 ، 56 ح 16403 ، 67 ح 16473.
9- مسند أحمد : 5 / 61 ح 16430 ، 68 ح 16478 ، 69 ح 16483.

12 - حدیث منقبة المؤذّنین (1). فی (ص 95 ، 98).

13 - حدیث إنّما أنا خازن (2). (ص 99 ، 100).

14 - حدیث العمری جائزة (3). (ص 97 ، 99).

15 - حدیث سجدة السهو لکلّ منسیّ (4). (ص 100 ، 100).

16 - حدیث التبعیّة فی الرکوع والسجود (5). (ص 92 ، 98).

17 - حدیث النهی عن رکوب الخزّ والنمار (6). (ص 93 ، 93).

فالباقی من أحادیثه من غیر تکریر سبعة وأربعون حدیثاً ، وهل تسدّ هی فراغ الاستنباط فی أحکام الدین لأیّ مجتهد؟ مع أنّ فیها ما لیس من الأحکام ، مثل روایة أنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وأبا بکر وعمر توفّی کلّ منهم وهو ابن ثلاث وستین ، وقوله : رأیت النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم یمصّ لسان الحسن إلی أمثال ذلک.

ولقد آن لنا أن ننظر نظرة أخری فی غیر واحد من متون أحادیثه فمنها :

1 - أنّ معاویة دخل علی عائشة ، فقالت له : أما خفت أن أُقعد لک رجلاً یقتلک؟ فقال : ما کنت لتفعلیه وأنا فی بیت أمان ، وقد سمعت النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم یقول. - یعنی : الإیمان قید الفتک - کیف أنا فی الذی بینی وبینک وفی حوائجک؟ قالت : صالح ، قال : فدعینا وإیّاهم حتی نلقی ربّنا عزّ وجلّ. مسند أحمد (7) (4 / 92).

قال الأمینی : إنّه ینمّ عن أنّ أمّ المؤمنین کانت تستبیح دم الرجل بما ارتکبه من 0.

ص: 485


1- مسند أحمد : ص 59 ح 16419 ، 65 ح 1645.
2- مسند أحمد : ص 66 ح 16467 ، 68 ح 16476.
3- مسند أحمد : 62 ح 16441 ، 65 ح 16462.
4- مسند أحمد : ص 67 ح 16470 و 16472.
5- مسند أحمد : ص 55 ح 16396 ، 64 ح 16449.
6- مسند أحمد : ص 55 ح 16398 ، 56 ح 16402.
7- مسند أحمد : ص 54 ح 16390.

الجرائم والمآثم ، وسفک دماء زکیّة ، ونفوس مزهقة بریئة ، حتی أنّها کانت تری من المعقول السائغ أن تُقعد له رجلاً فیقتله ، فأقنعها بأنّه فی بیت أمان ، وداخل فی ذمّتها ، وأنّ ما بینه وبینها صالح ، وأرجأ الموافاة للجزاء إلی یوم التلاقی بینه وبین الناس.

ویُستشفّ من هذه أنّه لم یکن عند معاویة درء لما کانت أمّ المؤمنین تنقمه علیه ، وإلاّ لکان للرجل أن یتشبّث به فی تبریر أعماله ، وتبرئة نفسه دون التافهات.

وإن تعجب فعجب اقتناع أُمّ المؤمنین من معاویة بأنّ ما بینه وبینها صالح ، وإن لم یکن صالحاً بینه وبین الله ، ولا صالحاً بینه وبینها لأنّه قاتل أخیها محمد بن أبی بکر ، وکان علی عنق معاویة ذلک الدم الطاهر ، وإن غضّت الطرف عنه أُخته لأنّ ما بینه وبینها صالح ، کما أنّها غضّت الطرف عن دم حُجر وأصحابه ، وهو من موبقات ابن آکلة الأکباد ، وطالما نقمت علیه ذلک وکانت توبّخه ، لکن برّره ذلک الصالح بینهما بلا عقل ولا قود ، وأمّا دم عثمان فما غضّت عنه أمّ المؤمنین مهما لم یکن ما بینها وبین علیّ علیه السلام صالحاً ، وهل یحتجّ معاویة یوم القیامة فی موقف العدل الإلهیّ متی خاصمه محمد وحُجر وأصحابه وآلاف من الصلحاء الأبرار ممّن سفک دماءهم بأنّ ما بینه وبین عائشة صالح؟ وهل یفیده هذا الحجاج؟ أنا لا أدری.

أما کان لعائشة أن تفحم الرجل بأنّ الإیمان لو کان قید الفتک - وهو قید الفتک - فلما ذا لم یقیّده؟ وقد فتک بآلاف من وجوه المؤمنین ، وأعیان الأُمّة المسلمة ، ولم یأمن من فتکه أهل حرم أمن الله - مکة - ، ولا مجاورو بیت أمانه - المدینة - ولعلّ أُمّ المؤمنین کانت تنظر إلی إیمان الرجل من وراء ستر رقیق ، ولم تجده إیماناً مستقرّا - إن لم نقل إنّها وجدته مستودعا - یقیّد صاحبه ، ویسلم المسلمون بذلک من یده ولسانه ، وقد صحّ عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ویده ،

ص: 486

والمؤمن من أمنه الناس علی دمائهم وأموالهم» (1).

2 - عن عباد بن عبد الله بن الزبیر ، قال : لمّا قدم علینا معاویة حاجّا ، قدمنا معه مکة فصلّی بنا الظهر رکعتین ، ثم انصرف إلی دار الندوة ، وکان عثمان حین أتمّ الصلاة إذا قدم مکة صلّی بها الظهر والعصر والعشاء الآخرة أربعاً أربعاً ، فإذا خرج إلی منی وعرفات قصّر الصلاة ، فإذا فرغ من الحجّ وأقام بمنی أتمّ الصلاة حتی یخرج من مکة ، فلمّا صلّی بنا الظهر رکعتین نهض إلیه مروان بن الحکم ، وعمرو بن عثمان ، فقالا له : ما عاب أحد ابن عمّک بأقبح ما عبته به ، فقال لهما : وما ذاک؟ قال : فقالا له : ألم تعلم أنّه أتمّ الصلاة بمکة؟ فقال لهما : ویحکما وهل کان غیر ما صنعت؟ قد صلّیتهما مع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، ومع أبی بکر وعمر ، قالا : فإنّ ابن عمّک قد کان أتمّها ، وإنّ خلافک إیّاه له عیب ، قال : فخرج معاویة إلی العصر فصلاّها بنا أربعاً.

مسند أحمد (2) (4 / 94).

قال الأمینی : أنا لا أدری أنّ الشائنة هاهنا تعود إلی فقه معاویة؟ أم إلی دینه؟ حیث یتعمّد الإتمام حیثما قصّر فیه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم واتّخذته الأُمّة سنّة متّبعة ، وفیهم أبو بکر وعمر ، وقد صحّ عن عبد الله مرفوعاً : «الصلاة فی السفر رکعتان» ، من خالف السنّة فقد کفر. لکن الرجل خالف الجمیع ، وجابه حکم الرسول صلی الله علیه وآله وسلم نزولاً منه إلی رغبة مروان الطرید ابن الطرید وعمرو بن عثمان ، صوناً لسمعة ابن عمّه عثمان ، مبتدع هذه الأحدوثة ، فإن کان هذا فقه الرجل فی الحدیث فمرحی بالفقاهة! أو أنّ ذلک مبلغه من الدین؟ فبعداً له فی موقف الدیانة. 5.

ص: 487


1- أخرجهما البخاری [1 / 13 ح 10] ومسلم [1 / 96 ح 65 کتاب الإیمان] وأحمد [3 / 78 ح 8712] والترمذی [5 / 18 ح 2627] والنسائی [6 / 530 ح 11726] وابن حبّان فی صحیحه [1 / 406 ح 180] والطبرانی فی المعجم الکبیر [19 / 176 ح 400] وأبو داود فی سننه [3 / 4 ح 2481] راجع فیض القدیر : 6 / 270 [ح 9207]. (المؤلف)
2- مسند أحمد : 5 / 58 ح 16415.

راجع الجزء الثامن (ص 98 - 119 ، 262).

3 - عن الهنائی قال : کنت فی ملأ من أصحاب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم عند معاویة ، فقال معاویة : أنشدکم الله أتعلمون أنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم نهی عن لبس الحریر؟ قالوا : اللهمّ نعم. إلی أن قال :

قال : أنشدکم الله تعالی أتعلمون أنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم نهی عن الجمع بین حجّ وعمرة؟ قالوا : أمّا هذا فلا ، قال : أما إنّها معهنّ.

وفی لفظ :

قال : وتعلمون أنّه نهی عن المتعة - یعنی متعة الحجّ - قالوا : اللهمّ لا.

راجع المسند (1) (4 / 92 ، 95 ، 99).

قال الأمینی : هذا معطوف علی ما قبله ، فإنّ حرص الرجل علی إحیاء البدع تجاه السنّة النبویّة الثابتة ، أوقفه هاهنا موقف المکابر المعاند ، فقد أسلفنا فی الجزء السادس (ص 198 - 205 ، 213 - 220) أنّ متعة الحجّ نزل بها القرآن الکریم ولم ینسخ حتی قضی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم نحبه ، وکان علیها العمل أیّام أبی بکر وصدراً من أیّام عمر حتی منع عنها. وعلیه فاقتصاص معاویة أثر ذلک المحرّم - بالکسر - یجلب الطعن ، إمّا فی فقهه هو وجهله بالسنّة ، أو فی دینه ، والجمع أولی ، والثانی أقرب إلیه.

4 - من طریق حمران ، یحدّث عن معاویة ، قال : إنّکم لتصلّون صلاة ، لقد صحبنا رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فما رأیناه یصلّیها ، ولقد نهی عنهما ، یعنی الرکعتین بعد العصر (2). (4 / 99 ،100).

قال الأمینی : عرفت - فی الجزء السادس (ص 183 - 186) - أنّ الصلاة بعد 9.

ص: 488


1- مسند أحمد : 5 / 54 ح 16391 ، 59 ح 16422 ، 66 ح 16466.
2- مسند أحمد : 5 / 66 ح 16465 ، 67 ح 16469.

العصر کانت مطّردة علی العهد النبویّ ، یُصلّیها هو صلی الله علیه وآله وسلم ولم یکن یدعهما سرّا ولا علانیة ، وما ترکهما حتی لقی الله تعالی ، وصلاّهما أصحابه إلی أن منع عنها عمر ، واحتجّت الصحابة علیه بأنّها سنّة ثابتة ، ولا تبدیل لسنّة الله ، غیر أنّ الرجل لم یَصِخ إلی قولهم ، وطفق یمضی وراء أحدوثته ، وجاء معاویة وقد زاد فی الطنبور نغمة ، وعزا إلی رسول الله النهی عنهما ، وهل هذا مقتضی جهله بالسنّة ، أو مبلغه من الفقه والدین؟ فاسمع القول ، واقض بالحقّ لک أو علیک.

5 - من عدّة طرق ، عن معاویة مرفوعاً : «من شرب الخمر فاجلدوه ، فإن عاد فاجلدوه ، فإن عاد فاجلدوه ، فإن عاد الرابعة فاقتلوه».

أخرجه (1) فی (4 / 93 ، 95 ، 96 ، 97 ، 101).

قال الأمینی : إنّی واقف هاهنا موقف التحیّر ، ولا أدری هل کان معاویة عاملاً بمفاد هذا الحدیث یوماً من أیّامه إبّان خلافته وإمارته وقبلهما؟ أو کان یناقضه کمناقضته بکثیر من الأحکام؟ ولئن کان خاضعاً لما فیه من الحکم الباتّ لما حملت إلیه روایا الخمر قطاراً ، ولما حملها إلیه خمّاره الذی کان یصاحبه ، ولا ادّخرها فی حجرته ، ولا اتّخذ متجراً لبیعها ، ولا شربها هو ، ولا عربد بشعره فیها وهو سکران ، ولا قدّمها إلی وفوده ، ولا استخلف جروه السکّیر بمرأی منه ومسمع ، ولا أضاع حدّ الله علی من یشربها وینتشی بها وحدیث معاویة هذا مع جودة سنده ، وإخراج مثل أحمد ، والترمذی ، وأبی داود إیّاه ، لم یأخذ به وبمفاده أحد من أئمّة الفقه ، وضربوا عنه صفحاً ، لتفرّد معاویة بروایته وهو لا یؤتمن علی حدیثه. هذا موقفه مع السنّة التی اتّخذها هو عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم علی قلّتها ، فما ظنّک بالکثیر الذی لم یبلغه منها.

6 - عن أبی إدریس قال : سمعت معاویة وکان قلیل الحدیث عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، 1.

ص: 489


1- مسند أحمد : 5 / 56 ح 16405 ، ص 59 ح 16417 ، ص 60 ح 16427 ، ص 63 ح 16445 ، ص 68 ح 16481.

قال : سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وهو یقول : «کلّ ذنب عسی الله أن یغفره إلاّ الرجل یموت کافراً ، أو الرجل یقتل مؤمناً متعمدّا». المسند (1) (4 / 99).

وقد جاء کما یأتی فی الجزء الحادی عشر من کتاب له کتبه إلی علیّ أمیر المؤمنین علیه السلام : وإنی سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول : «لو تمالأ أهل صنعاء وعدن علی قتل رجل واحد من المسلمین ، لأکبّهم الله علی مناخرهم فی النار».

قال الأمینی : هل هذان الحدیثان اللذان رواهما معاویة حجّة له أو علیه؟ والحقیقة جلیّة لا یخفیها ستار ، فإنّک جدّ علیم بالذی باء بإثم تلکم الدماء المهراقة منذ یوم صفّین وبعده ، ریثما تُتاح له الفرص مع مهبّ الریح ، وتحت کلّ حجر ومدر ، وعلی الروابی والثنیّات ، وعدد الرمل والحصی ، عند کلّ هاتیک دم مسفوک ، ونفس مزهقة ، وأوصال مفصولة ، وحرمات مهتوکة ، وهل شیء من تلکم البوائق یُباح بآیة من الکتاب؟ أو یبرّر بسنّة صحیحة؟ أو یحبّذ بشیء من معاقد إجماع المسلمین؟ وهل هناک قیاس ینتهی إلی شیء من هذه المبادئ الاجتهادیّة؟ وهل معاویة یُحسن شیئاً منها أو یُتقنها؟ وأین وأنّی له الرأی والاجتهاد؟ أو هو مجرم جاهل ، وباغ ظلوم ، وثانی الخلیفتین اللذین بویعا فی عهد ، فیجب قتال هذا ، وقتل ذاک ، بالنصوص النبویّة ، فلا یُرْقَب فیه إلّ ولا ذمّة ، فلا ذمّة لمهدور الدم ، ولا حرمة لمن یجب إعدامه فی الشریعة؟ أین هو والخلافة؟ حتی یستبیح الدماء الزاکیة دون شهواته ومطامعه ، وهل تدری أیّ دماء سفکها؟ وأیّ حرمات انتهکها؟ نعم ؛ اقترف بها إراقه دماء المهاجرین والأنصار من الصحابة العدول والتابعین لهم بإحسان ، وباء بإثم دماء البدریّین ومئات من أهل بیعة الشجرة الذین رضی الله عنهم ورضوا عنه ، وفیهم مثل عمّار الذی قتلته الفئة الباغیة - فئة معاویة - ، وخزیمة بن ثابت ذی الشهادتین ، وثابت ابن عبید الأنصاری ، وأبی الهیثم مالک بن التیّهان ، وأبی عمرة بشر الأنصاری ، وأبی 4.

ص: 490


1- مسند أحمد : 5 / 66 ح 16464.

فضالة الأنصاری ، کلّ هؤلاء من البدریّین ، وفیهم حُجر بن عدی راهب أصحاب محمد صلی الله علیه وآله وسلم ، وثمّ البطل المجاهد مالک بن الحارث الأشتر النخعی ، والعابد الصالح محمد ابن أبی بکر.

وقبل هذه کلّها استبشاره بدم الإمام المقدّس ، الخلیفة علیه وعلی الأُمّة جمعاء مولانا أمیر المؤمنین ، وسروره بذلک ، وعدّه ذلک من لطیف صنع الله.

وما ظنّک بمجرم یکون عنده دم الإمام السبط الزکیّ أبی محمد الحسن علیه السلام بدسّ السمّ إلیه؟! وقد استبشر لمّا باء بإثمه ، وناء بجرمه ، فسیؤاخذ بما رواه عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی هذه کلّها.

7 - من طریق أبی صالح عن معاویة مرفوعاً : «من مات بغیر إمام مات میتة جاهلیّة».

المسند للإمام أحمد (1) (4 / 96).

قال الأمینی : هاهنا نسائل أنصار معاویة وأودّاءه عن أنّ أیّ موتة مات هو بها؟ وعن أیّ إمام مات وفی عنقه بیعته؟ ومن الذی اخترم الرجل وقد طوّقته ولایته؟ وهل کان هناک إمام یجب طاعته وبیعته بالنصّ والإجماع غیر مولانا أمیر المؤمنین علیه السلام یوم بارزه وکاشفه؟ وألقح دون مناوأته الحرب الزبون ، ونازعه فی أمر الخلافة ، وخلع ربقة الإسلام من عنقه ، أو یوم استبشر بقتل الإمام علیه السلام ، وهی الطامّة الکبری؟ والمصاب بها خاتم الأنبیاء صلی الله علیه وآله وسلم ، أو یوم افتجعت به الصدّیقة الکبری فاطمة بشظیّة قلبها الإمام السبط المجتبی بسمّ من معاویة مدسوس إلیه؟ فهل بایعه یومئذٍ وهو خلیفة الوقت بالجدارة والنصّ وإجماع لا یستهان به من بقایا رجال الحلّ والعقد؟ أو أنّه ناوأه فی الأمر وغدر به وکاده؟ لمّا ظهر من أجناده الخور والفشل ، 4.

ص: 491


1- مسند أحمد : 5 / 61 ح 16434.

وقلبوا علی إمام الحقّ ظهر المجنّ ، وحدت بهم المطامع والمیول إلی أن یسلموه لمعاویة إن قامت الحرب علی أشدّها ، فالتجأ الإمام إلی الصلح صوناً لدماء شیعته ، وإبقاءً علی حیاة ذویه.

فهل کان معاویة طیلة هذه المدد فی ذکر من روایته هذه؟ وهل علم أنّه طوی تلکم السنین ولیس فی عنقه بیعة لإمام؟ وأنّه لا یحلّ لمسلم أن یبیت لیلتین لیس فی عنقه لإمام بیعة (1)؟ وأنّه إن مات والحالة هذه مات میتة جاهلیّة؟ أو أنّه کان یری من فقهه استثناءه من هذه الکلیّة التی لم یستثن منها الرسول صلی الله علیه وآله وسلم أحداً؟ أو أنّ جهله بالأحکام وبنفسه کان یُطمعه فی أن یکون هو الخلیفة المبایع له ، والمطاع بأمر الله ورسوله؟ وهیهات له ذلک ، وهو طلیق ابن طلیق ، ولم یؤهّله لها علم ولا حنکة ، ولا نصّ ولا إجماع ، إلاّ شره نَهِم ، وطمع زائغ ، وحلوم مطاشة ، أو أنّ الرجل کان لم یکترث لأن یموت میتة جاهلیّة علی ولایة سواع وهبل؟

لفت نظر :

إنّ حدیث معاویة : «من مات بغیر إمام ، مات میتة جاهلیّة». أخرجه الحافظ الهیثمی فی مجمع الزوائد (5 / 218) ، وأبو داود الطیالسی فی مسنده (ص 259) من طریق عبد الله بن عمر وزاد : ومن نزع یداً من طاعة جاء یوم القیامة لا حجّة له.

وهذا الحدیث معتضد بألفاظ أُخری من طرق شتّی منها :

قوله صلی الله علیه وآله وسلم : «من مات ولیس فی عنقه بیعة ، مات میتة جاهلیّة».

أخرجه : مسلم فی صحیحه (2) (6 / 22) ، والبیهقی فی سننه (8 / 156) ، وابن کثیر فی تفسیره (1 / 517) ، والحافظ الهیثمی فی المجمع (5 / 218) ، واستدلّ بهذا اللفظ شاه ة.

ص: 492


1- المحلّی لابن حزم : 9 / 359 [مسألة 1768]. (المؤلف)
2- صحیح مسلم : 4 / 126 ح 58 کتاب الإمارة.

ولیّ الله فی إزالة الخفاء (1 / 3) علی وجوب نصب الخلیفة علی المسلمین إلی یوم القیامة وجوباً کفائیّا.

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «من مات ولیس علیه طاعة ، مات میتة جاهلیّة».

أخرجه : أحمد فی مسنده (1) (3 / 446) ، والهیثمی فی المجمع (5 / 223).

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «من مات ولم یعرف إمام زمانه مات میتة جاهلیّة».

ذکره التفتازانی فی شرح المقاصد (2) (2 / 275) وجعله لدة قوله تعالی : (أَطِیعُوا اللهَ وَأَطِیعُوا الرَّسُولَ وَأُولِی الْأَمْرِ مِنْکُمْ) (3) فی المفاد. وبهذا اللفظ ذکره التفتازانی أیضاً فی شرح عقائد النسفی المطبوع سنة (1302) غیر أنّ ید الطبع الأمینة علی ودائع العلم والدین حرّفت من الکتاب فی طبع سنة (1313) سبع صحائف یوجد فیها هذا الحدیث. وحکاه الشیخ علی القاری صاحب المرقاة فی خاتمة الجواهر المضیئة (2 / 509) ، وقال فی (ص 457) : وقوله علیه السلام فی صحیح مسلم : «من مات ولم یعرف إمام زمانه مات میتة جاهلیّة». معناه : من لم یعرف من یجب علیه الاقتداء والاهتداء به فی أوانه.

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات مات میتة جاهلیّة»

أخرجه : مسلم فی صحیحة (4) (6 / 21) ، والبیهقی فی سننه (8 / 156) ، وذکر فی تیسیر الوصول (5) (3 / 39) نقلاً عن الصحیحین للشیخین من طریق أبی هریرة.

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «من فارق الجماعة شبراً ، فمات ، فمیتة جاهلیّة». 7.

ص: 493


1- مسند أحمد : 4 / 476 ح 15269.
2- شرح المقاصد : 5 / 239.
3- النساء : 59.
4- صحیح مسلم : 4 / 124 ح 53 کتاب الإمارة.
5- تیسیر الوصول : 2 / 47.

أخرجه مسلم فی صحیحه (1) (6 / 21).

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «من مات ولا إمام له مات میتة جاهلیّة».

ذکره أبو جعفر الإسکافی فی خلاصة نقض کتاب العثمانیّة للجاحظ (ص 29) ، وذکره الهیثمی فی المجمع (5 / 224 ، 225) بلفظ : «من مات ولیس علیه إمام فمیتته میتة جاهلیّة». وبلفظ : «من مات ولیس علیه إمام مات میتة جاهلیّة».

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «من مات ولیس لإمام جماعة علیه طاعة مات میتة جاهلیّة».

أخرجه الحافظ الهیثمی فی مجمع الزوائد (5 / 219).

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «من أتاه من أمیره ما یکرهه فلیصبر ، فإنّ من خالف المسلمین قید شبر ثم مات مات میتة الجاهلیّة».

شرح السیر الکبیر (1 / 113).

هذه حقیقة راهنة أثبتتها الصحاح والمسانید فلا ندحة عن البخوع لمفادها ، ولا یتمّ إسلام مسلم إلاّ بالنزول لمؤدّاها ، ولم یختلف فی ذلک اثنان ، ولا أنّ أحداً خالجه فی ذلک شکّ ، وهذا التعبیر ینمّ عن سوء عاقبة من یموت بلا إمام ، وأنّه فی منتأیً عن أیّ نجاح وفلاح ، فإنّ میتة الجاهلیّة إنّما هی شرّمیتة ، میتة کفر وإلحاد ، لکنّ هنا دقیقة لا بدّ من البحث عنها ، وهی أنّ الصدّیقة الطاهرة المطهّرة بنصّ الکتاب الکریم ، التی یغضب الله ورسوله لغضبها ویرضیان لرضاها ، ویؤذیهما ما یؤذیها ، قضت نحبها ولیس فی عنقها بیعة لمن زعموا أنّه خلیفة الوقت ، ومثلها بعلها طیلة ستّة أشهر أیّام حیاة حلیلته ، کما جاء فی الصحیحین وفیهما : کان لعلیّ من الناس وجه حیاة فاطمة ، فلمّا توفّیت استنکر علیّ وجوه الناس (2). قال القرطبی فی المفهم : ف)

ص: 494


1- صحیح مسلم : 4 / 125 ح 55 کتاب الإمارة.
2- صحیح البخاری کتاب المغازی : 6 / 197 [4 / 1549 ح 3998] ، صحیح مسلم کتاب الجهاد : 5 / 154 [4 / 30 ح 52]. (المؤلف)

کان الناس یحترمون علیّا فی حیاتها کرامة لها ، لأنّها بضعة من رسول الله وهو مباشر لها ، فلمّا ماتت وهو لم یبایع أبا بکر ، انصرف الناس عن ذلک الاحترام ، لیدخل فیما دخل فیه الناس ولا یفرّق جماعتهم. انتهی.

فالحقیقة هاهنا مردّدة بین أنّ الصدّیقة سلام الله علیها عزبت عنها ضروریّة من ضروریّات دین أبیها وهی أولاها وأعظمها ، وقد حفظته الأُمّة جمعاء حضریّها وبدویّها ، وماتت - العیاذ بالله - علی غیر سنّة أبیها ، وبین أن لا یکون للحدیث مقیل من الصحّة ، وقد رواه الحفظة الأثبات من الفریقین وتلقّته الأُمّة بالقبول ، وبین أنّها سلام الله علیها لم تک تعترف للمتقمّص بالخلافة ، ولا توافقه علی ما یدّعیه ، ولم تکن تراه أهلاً لذلک ، وکذلک الحال فی مولانا أمیر المؤمنین علیه السلام.

فهل یسع لمسلم أن یختار الشقّ الأوّل ویرتئی لبضعة النبوّة ولزوجها - نفس النبیّ الأمین ووصیّه علی التعیین - ما یأباه العقل والمنطق ، ویبرأ منه الله ورسوله؟ لا ، لیس لأحد أن یقول ذلک.

وأمّا الشقّ الثانی ، فلا أظنّ جاهلاً یسفّ إلی مثله بعد استکمال شرائط الصحّة والقبول ، وإصفاق أئمّة الحدیث ومهرة الکلام علی الخضوع لمفاده ، وإطباق الأُمم الإسلامیّة علی مؤدّاه.

فلم یبق إلاّ الشقّ الثالث ، فخلافة لم تعترف لها الصدّیقة الطاهرة ، وماتت وهی واجدة علیها وعلی صاحبها ، ویجوّز مولانا أمیر المؤمنین التأخّر عنها ولو آناً ما ، ولم یأمر حلیلته بالمبادرة إلی البیعة ، ولا بایع هو ، وهو یعلم أنّ من مات ولم یعرف إمام زمانه ولیس فی عنقه بیعة مات میتة جاهلیّة ، فخلافة هذا شأنها حقیقة بالإعراض عنها ، والنکوص عن البخوع لصاحبها.

8 - من طریق أبی أُمیّة عمرو بن یحیی بن سعید ، عن جدّه : أنّ معاویة أخذ الأداوة بعد أبی هریرة یتبع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بها ، واشتکی أبو هریرة ، فبینا هو یوضّئ

ص: 495

رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، رفع رأسه [إلیه] (1) مرّة أو مرّتین ، فقال : یا معاویة إن ولیت أمراً فاتّق الله عزّ وجلّ واعدل. قال : فما زلت أظنّ أنّی مبتلی بعمل ، لقول رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم حتی ابتلیت. المسند (2) (4 / 101).

قال الأمینی : إنّ من المأسوف علیه أنّ الرجل نسی هذه الوصیّة النبویّة فی عهدیه جمیعاً من الإمارة والملک العضوض ، أو أنّه کان یذکرها غیر أنّه لم یکترث لها ، فلم یدع شیئاً من مظاهر العدل والتقوی إلاّ وترکه ، ولا أمراً من موجبات الإثم والعدوان إلاّ وارتکبه ، وإنّ البحث لفی غنیّ عن سرد تلک المآثم والجرائم ، وقد کرّرنا بعضها فی أجزاء هذا الکتاب ، وفی حیطة سعة الباحث الوقوف علیها کلّها.

فلیته کان یذکر تلک الوصیّة الخالدة یوم تثبّط عن نصرة عثمان حتی أُودی به ، ویوم کاشف إمام الوقت أمیر المؤمنین علیه السلام بالحروب الطاحنة ، وجابه ولایة الله الکبری بکلّ ما کان یسعه عناده ومکائده ، وناوأ الصحابة العدول بالقتل والتشرید ، واضطهد صلحاء الأُمّة بکلّ ما فی حوله وطوله من إخافة ، وإرجاف ، وقتل ذریع ، وأخذ بالظنون والتهم ، أو کان من العدل والتقوی شیء من هذه؟ أو کان منهما بیع الخمر وشرابها وأکل الربا ، واستلحاق زیاد بأبی سفیان ، واستخلاف یزید؟ ولعلّک أعرف بیزید من غیرک ، کما أنّ مستخلفه کان أعرف به من کلّ أحد.

ولعلّ من أظهر مصادیق عدله وتقواه دأبه علی سبّ الإمام الطاهر ، ولعنه علی صهوات المنابر ، وقنوته بذلک فی صلواته - التی کانت تلعنه - وحمله الناس علی ذلک بالحواضر الإسلامیّة وأوساطها طول حیاته ، حتی کانت بدعة مخزیة مستمرّة فی العهد الأمویّ کلّه بعد أن اخترمته المنیّة.

ولیتنی کنت أدری أنّه ما ذا کان یفعله ممّا یخالف العدل والتّقوی لو لا وصیّة 6.

ص: 496


1- من المصدر.
2- مسند أحمد : 5 / 69 ح 16486.

رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إیّاه؟ أو أنّه - والعیاذ بالله - لو کانت الوصیّة بخلاف ما سمعه منه صلی الله علیه وآله وسلم؟ فهل کان یُتاح له أکثر وأشنع ممّا فعل؟

9 - من غیر طریق عن معاویة ، قال : سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول : «إذا أراد الله بعبد خیراً فقّهه فی الدین» ، وفی لفظ : «من یُرد الله به خیراً یفقّهه فی الدین». وفی بعض الألفاظ : وکان معاویة قلّما خطب إلاّ ذکر هذا الحدیث فی خطبته (1).

قال الأمینی : کان من قضیّة هذا السماع ووعیه ، والإکثار من روایته حتی أنّه جاء مکرّراً فی مسند أحمد ستّ عشرة مرّة ، وما کان یخطب معاویة إلاّ وذکره ، التأثّر (2) بمفاده ، والتهالک فی التفقّه فی الدین ، والحرص علی ما کان یسمعه أو یبلغه عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی مبادئ الفقه وغایاته ، فما هذا الذی قهقره عن ضبط ما هنالک من حکم وأحکام؟ وأبعده عن مستقی السنّة ذلک البون الشاسع ، الذی ترکه أجهل خلق الله بأحکامه ، عدا ما خالفه وباینه ، من أحادیث کانت حجّة علیه ، بعیداً عن مغازیه وأعماله ، وعدا طفائف لا یعود العالم بها فقیهاً فی دینه متبصّراً فی أمره ، کلّ ذلک ینمّ عن أنّ الرجل لم یُرد الله به خیراً ولا فقّهه فی دینه ، ولیس ذلک من ابن هند ببعید.

10 - من طریق محمد بن جبیر بن مطعم یُحدّث : أنّه بلغ معاویة وهو عنده فی وفد من قریش ، أنّ عبد الله بن عمرو بن العاص یحدّث أنّه سیکون ملک من قحطان ، فغضب معاویة ، فقام فأثنی علی الله عزّ وجلّ بما هو أهله ، ثم قال : أمّا بعد : فإنّه بلغنی أنّ رجالاً منکم یحدّثون أحادیث لیست فی کتاب الله ولا تؤثر عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، أولئک جهّالکم ، فإیّاکم والأمانیّ التی تضلّ أهلها ، فإنّی سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول : إنّ هذا الأمر فی قریش لا ینازعهم أحد إلاّ أکبّه الله علی وجهه ما أقاموا الدین. ..

ص: 497


1- مسند أحمد : 5 / 65 ح 16460.
2- اسم کان مؤخر ، فی قوله أوّل الفقرة : کان من قضیة ...

قال الأمینی : لقد غلط معاویة فی فهم الحدیث علی تقدیر صحّته ، فإنّ الذی ذکر عبد الله بن عمرو أنّ ذلک الکائن ملک ، ولم ینصّ علی أنّه خلیفة ، وکم فی الدهر بعد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم من ملوک من غیر قریش ومن الجائز أن یکون ذلک الملک الموعود به من أصحاب الملک العضوض ، فما ردّه به معاویة من أنّ الذین یجب أن یکونوا من قریش هم الأئمّة الذین لا ینازعون فی أمرهم ما أقاموا الدین ، فمعاویة ومن اهتدی مثاله ممّن لم یقیموا الدین بل ناوأوه وباینوه خارجون عنهم ، وهاهنا تسقط مطامع معاویة وأمانیّه التی أضلّته من انطباق الروایة علیه وعلی نظرائه وإن لم یکونوا قحطانیّین ، فأولی به من تحذّره عن تخلّف نسبة قحطان عنه أخذه الحذر عن موانع الخلافة التی لا تبارحه ، أو کانت الخلافة فی الطلقاء؟ أو کانت فی غیر البدریّین؟ أو کان یشترط فیها فقدان العدل والتقوی فی الخلیفة؟ أو کان لآکلة الأکباد ورایتها نصیب من خلافة الله؟

وإن تعجب فعجب أنّ الرجل یعدّ عبد الله بن عمرو من الجهّال ، وهو الذی جاء فیه عن أبی هریرة أنّه أکثر الناس حدیثاً من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، وکان یکتب الحدیث ، وفی لفظ أبی عمر : أحفظ حدیثاً. وقال : کان فاضلاً حافظاً عالماً ، قرأ الکتاب واستأذن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فی أن یکتب حدیثه فأذن له ، وهو الذی أثنی علیه ابن حجر بغزارة العلم والاجتهاد فی العبادة (1).

نعم ؛ یقع معاویة فی الرجل کمن ملأ إهابه علماً ، وشحن الطروس والسطور فقهاً وحدیثاً ، ذهولاً منه عن أنّ الأُمّة المنقّبة حفظت علیه حدیث عبادة بن الصامت من قوله له : إنّ أُمّک هند أعلم منک (2).ف)

ص: 498


1- الاستیعاب : 1 / 307 [القسم الثالث / 957 رقم 1618] ، أُسد الغابة : 3 / 233 [3 / 349 رقم 3090] ، الإصابة : 2 / 352 [رقم 4847] ، تهذیب التهذیب : 5 / 337 [5 / 294]. (المؤلف)
2- تاریخ ابن عساکر : 7 / 210 [26 / 195 رقم 3071 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 11 / 306]. (المؤلف)

هذا معاویة ومبلغه من العلم بالسنّة.

الإجماع :

قد عرفت آنفاً أنّ من مدارک الاجتهاد فی الأحکام الشرعیّة ومبادئها : الإجماع ، ولعلّ أقسط تعاریفه ما قاله الآمدی فی الاحکام (1) (1 / 280) : إنّه اتّفاق جملة من أهل الحلّ والعقد من أُمّة محمد فی عصر من الأعصار علی حکم واقعة من الوقائع.

فهلمّ ولننظر إلی معاویة وأقواله ، وتقوّلاته ، وأعماله ، وجرائمه ، وفقهه ، واجتهاده ، هل یقع شیء منها فی معقد من معاقد الإجماع؟ وأین أُولئک الفقهاء ، وأهل الحلّ والعقد فی الفقه والدین الذین أصفقوا مع معاویة علی ما عنده من بدع وتافهات؟ ومن کان منهم یومئذ لیطلوا سقطات معاویة الشاذّة بالإجماع؟ وهل کان مباءة الفقهاء یومئذٍ فی غیر المدینة المنوّرة من الصحابة الأوّلین والتابعین لهم بإحسان؟ وفی بلاد غیرها انتشروا منها إلیها ، وکلّهم کانوا فی منتأیً عن ابن هند وآرائه ، ولم یزل هو یناوئهم ویضادّهم فی القول والعمل ویتحرّی الوقیعة فیهم.

نعم ؛ کان یصافقه علی مخاریقه حثالة من طغام الشام ، الذین حدتهم النهمة والشره وهملج بهم المطامع والشهوات ، فما قیمة اجتهاد یکون هذا أحد مبادئه؟

القیاس :

المعتبر من القیاس عند أئمّة السنّة والجماعة أن یکون المناط منصوصاً علیه فی الکتاب والسنّة ، أو مخرّجاً عنهما بالبحث والاستنباط إمّا بنوعه أو بشخصه (2) ، ولم ف)

ص: 499


1- الإحکام فی أصول الأحکام : 1 / 254.
2- راجع الکلمات التی أسلفناها فی هذا الجزء تحت عنوان : الاجتهاد ما ذا هو؟ (المؤلف)

نجد فی اختیارات معاویة شیئاً من تلکم المناطات فی المقیس علیه منصوصة أو مستنبطة یصحّ القیاس فی المقیس ویجوز التعویل علیها ، نعم ؛ کانت عنده أقیسة جاهلیّة أراد تطبیق أحکام الإسلام بها.

أیّ اجتهاد هذا؟ :

لعلّک إلی هنا عرفت معنی الاجتهاد الصحیح وحقیقته ومبانیه عند أئمّة الإسلام من رجالات الفقه وأصوله ، وألمسک بالید بُعد معاویة عن کلّ ذلک بُعد المشرقین ، فهلمّ معی نقرأ صحیفة مکرّرة من أفعال هذا المجتهد الطاغیة ، وتروکه التی اجتهد فیها ، ویری أبناء حزم ، وتیمیّة ، وکثیر ، وحجر ، ومن لفّ لفّهم ، أنّ الرجل لم یلحقه ذمّ وتبعة من تلکم الهفوات ، بل یحسبونه مأجوراً فیها لکونه مجتهداً مخطئاً.

ألا تقول أیّ اجتهاد جوّز علی هذا المجتهد أو أوجب علیه وعلی کلّ مسلم بأمره - رضی بذلک أم أبی - سبّ مثل مولانا أمیر المؤمنین علیّ صلوات الله علیه ، والقنوت بلعنه فی الصلوات ، والدعاء علیه وعلی الإمامین السبطین (1) والصلحاء الأخیار معه؟!

هل اجتهد هذه الأُحدوثة من آیة التطهیر والمباهلة ، أو من المئات النازلة فی علی علیه السلام؟ أو من الآلاف من السنّة الشریفة المأثورة عن صاحب الرسالة صلی الله علیه وآله وسلم من فضائله ومناقبه؟ أو من الإجماع المعقود علی بیعته واتّخاذه خلیفة مفترضة طاعته؟ ولئن تنازلنا عن الخلافة له ، فهل هناک إجماع علی نفی إسلامه ، ونفی کونه من أعیان الصحابة العدول ، حتی یستسیغ هذا المجتهد - رضیع ثدی هند المتفیّئ تحت رایتها - الوقیعة فیه والنیل منه؟

وهل هناک قیاس یخرّج ملاکه من مبادئ الاجتهاد الثلاثة التی قامت بسیف ف)

ص: 500


1- راجع الجزء الثانی : ص 101 ، 102 ، 132 ، 133. (المؤلف)

علیّ علیه السلام واعتنقتها الأُمّة ببأسه ، وعرفتها ببیانه ، یسوّغ للرجل ما تقحّم فیه؟ نعم ؛ کانت ترات وإحن بین القبیلتین - أبناء هاشم وبنی أُمیّة - منذ العهد الجاهلیّ ، وکان من عادات ذلک العهد وتقالیده نیل کلّ من الفئتین المتخاصمتین من الأخری کیفما وقع ، وأینما أصاب ، وریثما انتهز الفرصة من تمکّن من الانتقام ، سواء حمل المنکوب شیئاً من الظلامة أولا ، فیقتل غیر القاتل ، ویعذّب غیر المجرم ، ویُؤاخذ غیر الجانی ، شنشنة جاهلیّة ثبت علیها الجاهلون ، واستمرّوا دائبین علیها حتی بعد انتحالهم الإسلام ، وإلی مثل هذا القیاس کان یطمح معاویة - المجتهد فی أعماله واجتهاده.

أیّ اجتهاد یسوّغ له دأبه علی لعن الإمام المفدّی علی صهوات المنابر ، وفی أدبار الصلوات ، حتی غیّر سنّة الله بتقدیم خطبة صلاة العیدین علیها لإسماع الناس سبابه ، وکان یوبّخ الساکتین عن لعنه بملء فمه وصراحة لهجته؟ فبأیّ کتاب ، أم بأیّة سنّة ، أو إجماع ، أو قیاس ، کان یستنبط هذا المجتهد الآثم إصراره علی تلکم البدع المخزیة؟

أیّ اجتهاد یُحتم علیه استقراء کلّ من والی علیّا أمیر المؤمنین فی الحواضر والأمصار وتقتیلهم ، وتشریدهم ، والتنکیل بهم ، وتعذیبهم بأشدّ العذاب ، ولم یرقب فیهم ذمّة الإسلام ولا إلّه (1) ، ولم یُراع فیهم حرمة الصحبة وصونها؟ أو یساعده علی ذلک شیء من الآی الکریمة؟ أو أثارة من السنّة الشریفة؟ أو إجماع من أهل الدین؟ وأین هم؟! - وهم کلّهم مناوئو معاویة ومنفصلون عن آرائه - أو أنّ هناک قیاساً خرج ملاکه من تلکم الحجج الثلاث؟

أیّ اجتهاد یُبیح له قذف علیّ علیه السلام بالإلحاد ، والغیّ ، والبغی ، والضلال ، والعدوان ، والخبث ، والحسد ، إلی طامّات أخری ، أو تحسب أنّک تجد حجّة علی شیء من ذلک من مطاوی الکتاب الکریم؟ أو من تضاعیف السنّة النبویّة؟ أو من ة.

ص: 501


1- الإلّ : العهد ، القرابة.

معاقد إجماع الأُمّة؟ والأُمّة علی بکرة أبیها تعلم أنّ شیئاً من هاتیک المفتریات والنسب المائنة لم تُکتسح عنها إلاّ ببیان الإمام وبنانه ، وسیفه ولسانه ، ولو قام للدین مثال شاخص لما عداه أن یقوم بصورة علیّ علیه السلام ومثاله.

أیّ اجتهاد یحبّذ له المسرّة والاستبشار بقتل أمیر المؤمنین وولده الحسن الزکیّ ، إمامی الهدی صلوات الله علیهما ، والتظاهر بالجذل والحبور علی مصیبة الدین الفادحة بهما ، ویری لصاحبه قتل علیّ علیه السلام من لطف الله وحسن صنعه ، وزعم قاتله أشقی مراد من عباد الله؟ وأنت جدّ علیم بأنّ فقه الکتاب الکریم فی منتأی عن هذه الشقوة ، کما أنّ السنّة الکریمة فی مبتعد عن مثلها من قساوة ، ودع عنک معقد إجماع الأُمّة النائی عن هذه الفظاظة ، وملاکات الشریعة - منصوصة ومستنبطة - المباینة لتلک الصلافة ؛ نعم : قیاس الجاهلیّة الأولی یضرب علی وتره ، ویغنّی فی وتیرته!

أیّ اجتهاد یُرخّص هتک حرمات مکة والمدینة ، وشنّ الغارة علی أهلها لمحض ولائهم علیّا علیه السلام ، ویُشرّع نذر قتل نساء ربیعة لحبّ رجالهم أمیر المؤمنین وتشیّعهم له علیه السلام؟

أیّ اجتهاد یُحلّل مثلة من قُتل تحت رایة علیّ علیه السلام یوم صفّین ، وقد کان قتال الفئة الباغیة بعهد من رسول الله وأمره؟ کما فصّلنا القول فیه فی الجزء الثالث.

أیّ اجتهاد یمنع إمام الحقّ وآلافاً من المسلمین عن الماء المباح ، ویُعطی لمعاویة حقّ القول بأنّ هذا والله أوّل الظفر ، لا سقانی الله ولا سقی أبا سفیان إن شربوا منه أبداً حتی یُقتلوا بأجمعهم علیه (1)؟

أیّ اجتهاد یجوّز بیع الخمر وشربها ، وأکل الربا ، وإشاعة الفحشاء ، وقد حرّمها کتاب الله وسنّة نبیّه ، ویتلوهما الإجماع والقیاس؟ ف)

ص: 502


1- کتاب صفّین : ص 182 [ص 163] ، شرح نهج البلاغة : 1 / 328 [3 / 320 خطبة 51]. (المؤلف)

أیّ اجتهاد یحثّ الناس بإعطاء الإمارة والولایات ، وبذل القناطیر المقنطرة ، لمن لا خلاق لهم علی عداء أهل بیت النبیّ الأقدس ، وبغضهم والنیل منهم ومن شیعتهم؟

أیّ اجتهاد یُراق به دم من سکت عن لعن علیّ ولم یتبرّأ منه ، ولو کان من جلّة الصحابة ، ومن صلحاء أُمّة محمد ، کحجر بن عدی وأصحابه ، وعمرو بن الحمق؟

أیّ اجتهاد یؤدّی إلی خلاف ما ثبت من السنّة الشریفة ، ویصحّح إدخال ما لیس منها ، فی الأذان ، والصلاة ، والزکاة والنکاح ، والحجّ ، والدیات علی التفصیل الذی مرّ فی هذا الجزء؟

أیّ اجتهاد یُغیّر دین الله وسنّته لمحض مخالفته علیّا علیه السلام. کما مرّ (ص 205)؟

أیّ اجتهاد یُنقَض به حدّ من حدود الله لاستمالة مثل زیاد ابن أمه ، وجلب مرضاته باستلحاقه بأبی سفیان ، والولد للفراش وللعاهر الحجر؟

أیّ اجتهاد یُحابی خلافة الله لیزید السکّیر المستهتر ، ویستحلّ به دماء من تخلّف عن تلک البیعة الغاشمة؟

أیّ اجتهاد یشترط البراءة من أمیر المؤمنین علیّ علیه السلام فی عقد البیعة للطلیق ابن الطلیق؟

أیّ اجتهاد تُدعم به الشهادات المزوّرة ، والفریة ، والإفک ، والکذب ، وقول الزور ، والنسب المختلقة ، والمکر ، والخدیعة ، لنیل الأمانیّ الوبیلة المخزیة؟

أیّ اجتهاد یجوّز إیذاء رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی أهل بیته وعترته ، وإیذاء أولیاء الله وعباده الصالحین من الصحابة الأوّلین والتابعین لهم بإحسان ، وفی مقدّمهم سیّدهم ، وفی الذکر الحکیم قوله تعالی (وَالَّذِینَ یُؤْذُونَ رَسُولَ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِیمٌ) (1) (وَالَّذِینَ 1.

ص: 503


1- التوبة : 61.

یُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِینَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَیْرِ مَا اکْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِیناً) (1) وجاء عن الصادع الکریم : «من آذی مسلماً فقد آذانی ، ومن آذانی فقد آذی الله عزّ وجلّ» (2) وقوله عن جبریل ، عن الله تعالی : «من أهان لی ولیّا فقد بارزنی بالمحاربة ، ومن عادی لی ولیّا فقد آذنته بالحرب».

وقوله : «من آذی لی ولیّا فقد استحلّ محاربتی». وقوله : «من أهان لی ولیّا فقد استحلّ محاربتی». وقوله : «من أهان لی ولیّا فقد بارزنی بالعداوة». وقوله : «من عادی لی ولیّا فقد ناصبنی بالمحاربة» (3)؟

أیّ اجتهاد یُری صاحبه نقض الإلّ وحنث العهد ، ومن السهل الهیّن فی جمیع موارده ومصادره؟

أیّ اجتهاد یُجابه به سنّة رسول الله وما یؤثر عنه بالهزء والازدراء والضرطة؟ کما فصّل فی (ص 281 - 283).

أیّ اجتهاد یُفسد البلاد ، ویُضلّ العباد ، ویشقّ عصا المسلمین بالشذوذ عن الجماعة ، وخلع ربقة الإسلام عن البیعة الحقّة ، ومحاربة إمام الوقت بعد إجماع الأُمّة من أهل الحلّ والعقد من المهاجرین والأنصار علی بیعته؟

إلی غیر هذه من اجتهادات باطلة ، وآراء سخیفة تافهة ، لیس لها فی مستوی الصّواب مقیل ، ولا لها فی سوق الدین اعتبار یعذّر صاحبه ، وکلّها مباینة للکتاب ، مضادّة للسنة الثابتة الصحیحة ، ونقض للإجماع الصحیح المتسالم علیه ، والقیاس الذی نُصّ فی المقیس علیه علی ملاک الحکم فی أیّ من الکتاب والسنّة ، أو أنّه مستنبط بالاجتهاد والتظنّی فیهما؟ ف)

ص: 504


1- الأحزاب : 58.
2- راجع الحاوی للفتاوی : 2 / 47 [2 / 201]. (المؤلف)
3- راجع الحاوی للفتاوی : 1 / 361 - 364 [2 / 92 - 95]. (المؤلف)

وهل وقف الباحث فی جملة ما سبره من الأحکام والعلل علی اجتهاد یکون هذا نصیبه من تحرّی الحقّ؟ اللهمّ إنّها میول وأهواء ومطامع وشهوات تُزجی بصاحبها إلی هوّات المهالک ، وهل هذا یُضاهی شیئاً من اجتهاد المجتهدین؟

علی أنّ جملة من المذکورات ممّا لا مساغ للاجتهاد فیه ، ولا یتطرّق إلیه الرأی والاستنباط ، لأنّ الحکم فیها ملحق بالضروریّات من الدین ، وممّا لا یسع فیه الخلاف ، فمن حاول شیئاً من ذلک فقد حاول دفاعاً للضروریّ من الدین ، واستباح محظوراً ثابتاً من الشریعة ، کمن یستبیح قتل النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم باجتهاده ، أو یروم تحلیل حرام من الشریعة دون تحلیله شقّ المرائر ، واستمراء جُرع الحتف المبیر.

من هو هذا المجتهد؟ :

أهو ابن آکلة الأکباد - نکّس الله رایتها - الهاتک لحرمات الله ، المعتدی علی حدوده ، المجرم الجانی؟

یحسب أبناء حزم ، وتیمیّة ، وکثیر ، ومن لفّ لفّهم أنّه مجتهد مأجور ، ویقول ابن حجر : إنّه خلیفة حقّ ، وإمام صدق.

هکذا یقول هؤلاء ونحن لا نقول باجتهادهم ، بل نقول بما قاله المقبلی (1) فی کتابه العلم الشامخ فی إیثار الحقّ علی الآباء المشایخ (ص 365) : ما کان علیّ رضی الله عنه وأرضاه إلاّ إمام هدی ، ولکنّه ابتُلی وابتُلی به ، ومضی لسبیله حمیداً ، وهلک به من هلک ، هذا یغلو فی حبّه أو دعوی حبّه لغرض له ، أعظمهم ضلالاً من رفعه علی الأنبیاء أو زاد علی ذلک ، وأدناهم من لم یرض له بما رضی لنفسه لتقدیم إخوانه وأخدانه علیه فی الإمارة رضی الله عنهم أجمعین.ف)

ص: 505


1- الشیخ صالح بن مهدی المتوفّی : 1108. (المؤلف)

وآخر یحطّ من قدره الرفیع ، أبعدهم ضلالاً الخوارج الذین یلعنونه علی المنابر ، ویرضون علی ابن ملجم شقیّ هذه الأُمّة ، وکذلک المروانیّة ، وقد قطع الله دابرهم ، وأقربهم ضلالاً الذین خطّئوه فی حرب الناکثین ، والله سبحانه یقول : (فَقاتِلُوا الَّتِی تَبْغِی حَتَّی تَفِیءَ إِلی أَمْرِ اللهِ) (1) فإن لم تصدق هذه فی أمیر المؤمنین ففی من تصدق؟!

مع أنّهم بغوا بغیاً محقّقاً بعد استقرار الأمر له ، ولا عذر لهم ، ولا شبهة إلاّ الطلب بدم عثمان ، وقد أجاب رضی الله عنه بما هو جواب الشریعة فقال : «یحضر وارث عثمان ویدّعی ما شاء ، وأحکم بینهم بکتاب الله تعالی وسنّة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم». أو کما قال. فإن تصحّ هذه الروایة ، وإلاّ فهی معلومة من حاله بل من حال من هو أدنی الناس من المتمسّکین بالشریعة ، وأمّا أنّه یقطع قطیعاً من غوغاء المسلمین الذین اجتمعوا علی عثمان خمسمائة وأکثر ، بل قیل : إنّهم یبلغون نحو عشرة آلاف کما حکاه ابن حجر فی الصواعق (2) ، فیقتلهم عن بکرة أبیهم ، والقاتل واحد ، أربعة ، عشرة ، قیل : هما اثنان فقط. وذکره فی الصواعق أیضاً (3) ، فهذا ما یعتذر به عاقل ، ولکن کانت الدعوی باطلة والعلّة باطلة ، خلا أنّ طلحة والزبیر وعائشة ومن یلحق بهم من تلک الدرجة التی یقدّر قدرها من الصحابة لا یشکّ عاقل فی شبهة غلطوا فیها ، ولو بالتأویل لصلاح مقاصدهم!

وأمّا معاویة والخوارج فمقاصدهم بیّنة ، فإن لم یقاتلهم علیّ فمن یُقاتل؟ أمّا الخوارج فلا یرتاب فی ضلالهم إلاّ ضالّ ، وأمّا معاویة فطالب ملک ، اقتحم فیه کلّ داهیة ، وختمها بالبیعة لیزید ، فالذی یزعم أنّه اجتهد فأخطأ ، لا نقول : اجتهد 8.

ص: 506


1- الحجرات : 9.
2- الصواعق المحرقة : ص 216.
3- الصواعق المحرقة : ص 118.

وأخطأ. لکنّه إمّا جاهل لحقیقة الحال مقلّد ، وإمّا ضالّ اتّبع هواه ، اللهمّ إنّا نشهد بذلک.

ورأیت لبعض متأخّری الطبریّین فی مکة رسالة ذکر فیها کلاماً عزاه لابن عساکر (1) وهو : أنّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم أخبر أنّ معاویة سیلی أمر الأُمّة ، وأنّه لن یُغلب ، وأنّ علیّا کرّم الله وجهه قال یوم صفّین : لو ذکرت هذا الحدیث أو بلغنی لما حاربته.

ولا یبعد نحو هذا ممّن سلّ سیفه علی علیّ والحسن والحسین وذرّیتهما ، والراضی کالفاعل کما صرّحت به السنّة النبویّة ، إنّما استغربنا وقوع هذا الظهور حکایة الإجماع من جماعة المتسمّین بالسنّة بأنّ معاویة هو الباغی ، وأنّ الحقّ مع علیّ ، وما أدری ما رأی هذا الزاعم فی خاتمة أمر علیّ بعد ما ذکر ، وکذلک الحسن السبط ، وتری هؤلاء الذین ینقمون علی علیّ قتاله البغاة یحسنون لمن سنّ لعنه علی المنابر فی جمیع جوامع المسلمین ، منذ وقته إلی وقت عمر بن عبد العزیز اللاحق بالأربعة الراشدین ، مع أنّ سبّ علیّ فوق المنابر وجعله سنّة تصغر عنده العظائم. وفی جامع المسانید فی مسند أمّ سلمة : أیسبّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فیکم؟ قلت : معاذ الله. قالت : سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول : «من سبّ علیّا فقد سبّنی». الکلام.

ولعلّک إن نظرت إلی ما سردناه من سیرةهذا المجتهد الجاهل الضالّ ، تأخذ لک مقیاساً لمبلغ علمه ، وقسطه المتضائل من الاجتهاد فی أحکام الله ، وأنّه منکفئ عنه ، فارغ الوطاب ، صفر الأکفّ عن أیّ علم ناجع ، أو عمل نافع ، بعیداً عن فهم الکتاب ، والتفقّه فی السنّة ، والإلمام بأدلّة الاجتهاد.

نعم ؛ لم یکن معاویة هو نسیج وحده فی الجهل بمبادئ الاجتهاد وغایاته ، وإنّما 8.

ص: 507


1- مختصر تاریخ دمشق : 25 / 8.

له أضراب ونظراء سبقوه أو لحقوه فی الرأی الشائن ، والاجتهاد المائن ، ممّن صحّح القوم بدعهم المحدثة ، وآراءهم الشاذّة عن الکتاب والسنّة بالاجتهاد وتترّسوا فی طامّاتهم بأنّهم مجتهدون (1).

ولعلّک تعرف مکانة هذا المجتهد - خلیفة الحقّ وإمام الصدق - ، من لعن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إیّاه وأباه وأخاه ، ومن قنوت أمیر المؤمنین فی صلاته بلعنه ، ومن دعاء أُمّ المؤمنین عائشة علیه دبر صلاتها.

ومن إیعاز الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام ، وولده السبط الزکیّ أبی محمد - سلام الله علیه - والعبد الصالح محمد بن أبی بکر ، إلی لعن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم المخزی ، ومن لعن ابن عبّاس وعمّار إیّاه.

ومن قوله صلی الله علیه وآله وسلم وقد سمع غناءً وأُخبر بأنّه لمعاویة وعمرو بن العاصی : «اللهمّ أرکسهم فی الفتنة رکساً ، اللهمّ دعّهم إلی النار دعّا».

ومن قوله صلی الله علیه وآله وسلم وقد رآه مع ابن العاص جالسین : «إذا رأیتم معاویة وعمرو ابن العاص مجتمعین ففرّقوا بینهما ، فإنّهما لا یجتمعان علی خیر».

ومن قوله صلی الله علیه وآله وسلم : «إذا رأیتم معاویة علی منبری فاقتلوه» المعُاضَد بالصحیح الثابت من قوله صلی الله علیه وآله وسلم : «إذا بویع لخلیفتین فاقتلوا الآخر منهما». وفی صحیح : «فإن جاء أحد ینازعه فاضربوا الآخر».

ومن قوله صلی الله علیه وآله وسلم : «یطلع علیکم من هذا الفجّ رجل یموت وهو علی غیر سنّتی» فطلع معاویة (2).

ومن قول أمیر المؤمنین له : «طالما دعوت أنت وأولیاؤک أولیاء الشیطان ف)

ص: 508


1- یوجد جمع من أولئک المجتهدین فی غضون أجزاء کتابنا هذا. (المؤلف)
2- کتاب صفّین لنصر بن مزاحم : ص 247 [ص 220]. (المؤلف)

الرجیم الحقّ أساطیر الأوّلین ونبذتموه وراء ظهورکم ، وحاولتم إطفاء نور الله بأیدیکم وأفواهکم ، والله متمّ نوره ولو کره الکافرون».

ومن قوله علیه السلام : «إنّک دعوتنی إلی حکم القرآن ، ولقد علمت أنّک لست من أهل القرآن ، ولا حکمه ترید».

ومن قوله علیه السلام : «إنّه الجلف المنافق ، الأغلف القلب ، والمقارب العقل».

ومن قوله علیه السلام : «إنّه فاسق مهتوک ستره».

ومن قوله علیه السلام : «إنّه الکذّاب إمام الردی ، وعدوّ النبیّ ، وإنّه الفاجر ابن الفاجر ، وإنّه منافق ابن منافق ، یدعو الناس إلی النار». إلی کلمات أخری مفصّلة فی هذا الجزء.

ومن قول أبی أیّوب الأنصاری : إنّ معاویة کهف المنافقین.

ومن قول قیس بن سعد الأنصاری : إنّه وثن ابن وثن ، دخل فی الإسلام کرهاً وخرج منه طوعاً ، لم یقدُم إیمانه ، ولم یحدُث نفاقه.

ومن قول معن السلمی الصحابی البدریّ له : ما ولدت قرشیّة من قرشیّ شرّا منک.

ومن أقوال الإمام الحسن السبط وأخیه الحسین صلوات الله علیهما ، وعمّار بن یاسر ، وعبد الله بن بدیل ، وسعید بن قیس ، وعبد الله بن العبّاس ، وهاشم بن عتبة المرقال ، وجاریة بن قدامة ، ومحمد بن أبی بکر ، ومالک بن الحارث الأشتر (1).

هذا مجتهدنا الطلیق عند أُولئک الأطایب ، وعند الوجوه والأعیان من الصحابة الأوّلین العارفین به علی سرّه وعلانیته ، المطّلعین علی أدوار حیاته طفلاً ویافعاً وکهلاً ف)

ص: 509


1- مرّ تفصیل هذه کلّها فی هذا الجزء. (المؤلف)

وهِمّا (1) ، وأنت بالخیار فی الأخذ بأیّ من النظریّتین : ما سبق لله ولرسوله وخلفائه وأصحابه المجتهدین العدول ، أو ما یقول هؤلاء الأبناء ومن شاکلهم من المتعسّفین الناحتین للرجل أعذاراً هی أفظع من جرائمه.

الأمر الثانی : ثانی الأمرین (2) اللذین ینتهی إلیهما دفاع ابن حجر عن معاویة ، قوله فی الصواعق (3) (ص 130) : فالحقّ ثبوت الخلافة لمعاویة من حینئذ وأنّه بعد ذلک خلیفة حقّ وإمام صدق ، کیف؟ وقد أخرج الترمذی (4) وحسّنه عن عبد الرحمن بن أبی عمیرة الصحابی ، عن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم أنّه قال لمعاویة : اللهمّ اجعله هادیاً مهدیّا.

وأخرج أحمد فی مسنده (5) عن العرباض بن ساریة ، سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول : اللهمّ علّم معاویة الکتاب والحساب وقِهِ العذاب.

وأخرج (6) ابن أبی شیبة فی المصنّف ، والطبرانی فی الکبیر عن عبد الملک بن عمیر (7) ، قال : قال معاویة : ما زلت أطمع فی الخلافة مذ قال لی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : یا معاویة إذا ملکت فأحسن.

فتأمّل دعاء النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فی الحدیث الأوّل بأنّ الله یجعله هادیاً مهدیّا ، والحدیث حسن کما علمت فهو ممّا یحتجّ به علی فضل معاویة ، وأنّه لا ذمّ یلحقه بتلک الحروب ل.

ص: 510


1- الهِمّ : الشیخ الکبیر.
2- وقد مرّ ذکر أوّلهما ص 467.
3- الصواعق المحرقة : ص 218 - 219.
4- سنن الترمذی : 5 / 645 ح 3842.
5- مسند أحمد : 5 / 111 ح 16702.
6- المصنّف لابن أبی شیبة : 11 / 148 ح 10764 ، المعجم الکبیر : 19 / 361 ح 850.
7- فی الأصل : عمر ، وصححناه کما فی معجم الطبرانی وابن أبی شیبة والتهذیب والثقات والعلل ومعرفة الرجال.

لما علمت أنّها مبنیّة علی اجتهاد ، وأنّه لم یکن له إلاّ أجر واحد ، لأنّ المجتهد إذا أخطأ لا ملام علیه ، ولا ذمّ یلحقه بسبب ذلک لأنّه معذور ، ولذا کتب له أجر.

وممّا یدلّ لفضله الدعاء له فی الحدیث الثانی بأن یعلّم ذلک ، ویوقی العذاب ، ولا شکّ أنّ دعاءه صلی الله علیه وآله وسلم مستجاب ، فعلمنا منه أنّه لا عقاب علی معاویة فیما فعل من تلک الحروب بل له الأجر کما تقرّر ، وقد سمّی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فئته المسلمین ، وساواهم بفئة الحسن فی وصف الإسلام ، فدلّ علی بقاء حرمة الإسلام للفریقین ، وأنّهم لم یخرجوا بتلک الحروب عن الإسلام ، وأنّهم فیه علی حدّ سواء ، فلا فسق ولا نقص یلحق أحدهما لما قرّرناه من أنّ کلاّ منهما متأوّل تأویلاً غیر قطعیّ البطلان ، وفئة معاویة وإن کانت هی الباغیة لکنّه بغی لا فسق به ، لأنّه إنّما صدر عن تأویل یعذر به أصحابه.

وتأمّلْ أنّه صلی الله علیه وآله وسلم أخبر معاویة بأنّه یملک وأمره بالإحسان ، تجد فی الحدیث إشارة إلی صحّة خلافته ، وأنّها حقّ بعد تمامها له بنزول الحسن له عنها ، فإنّ أمره بالإحسان المترتّب علی الملک یدلّ علی حقیّة ملکه وخلافته ، وصحّة تصرّفه ونفوذ أفعاله من حیث صحّة الخلافة لا من حیث التغلّب ، لأنّ المتغلّب فاسق معاتب لا یستحقّ أن یبشّر ، ولا أن یؤمر بالإحسان فیما تغلّب علیه ، بل إنّما یستحقّ الزجر والمقت والإعلام بقبیح أفعاله وفساد أحواله ، فلو کان معاویة متغلّباً لأشار له صلی الله علیه وآله وسلم إلی ذلک ، أو صرّح له به ، فلمّا لم یُشر له فضلاً علی أن یصرّح إلاّ بما یدلّ علی حقّیة ما هو علیه علمنا أنّه بعد نزول الحسن له خلیفة حقّ وإمام صدق. انتهی.

هذا نهایة جهد ابن حجر فی الدفاع عن معاویة!!

قال الأمینی : إنّ الکلام یقع علی هذه الروایات من شتّی النواحی ألا وهی :

1 - النظر إلی شخصیّة معاویة ، وتصفّح کتاب نفسه المشحون بالمخازی ، ثم

ص: 511

نعطف النظر فی أنّه هل تلکم الصحائف السوداء تلائم أن یکون صاحبها مصبّا لأقلّ منقبة له تُعزی إلی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فضلاً عن هذه النسب المزعومة أو لا؟ ولقد أوقفناک علی حیاته المشفوعة بالمخاریق ، ممّا لا یکاد أن یجامع شیئاً من المدیح والإطراء ، أو أن تُعزی إلیه حسنة ، ولا أحسب أنّک تجد من أیّام حیاته یوماً خالیاً عن الموبقات ، من سفک دماء زاکیة ، وإخافة مؤمنین أبریاء ، وتشرید صلحاء لم یدنّسهم إثم ، ولا ألمّت بساحتهم جریرة ، ومعاداة للحقّ الواضح ، ورفض لطاعة إمام الوقت ، والبغی علیه ، وقتاله ، إلی جرائم جمّة یستکبرها الدین والشریعة ، ویستنکرها الکتاب والسنّة ، ولا یتسرّب إلی شیء منها الاجتهاد کما مرّ بیانه.

2 - من ناحیة عدم ملائمة هذه الفضائل المنحوتة لما روی وصحّ عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وما یُؤثر عن مولانا أمیر المؤمنین علیه السلام ، وعن جمع من الصحابة العدول ، فإنّه ممّا لا یتّفق معها فی شیء وقد أسلفنا من ذلک ما یناهز الثمانین حدیثاً فی هذا الجزء (ص 138 - 177).

فإنّک متی نظرت إلیها ، واستشففت حقائقها دلّتک علی أنّ رجل السوء - معاویة - جماع المآثم والجرائم ، وأنّه هو ذلک الممقوت عند صاحب الشریعة صلی الله علیه وآله وسلم ومن احتذی مثاله من خلفائه الراشدین ، وأصحابه السابقین الأوّلین المجتهدین حقّا ، المصیبین فی اجتهادهم.

3 - إنّا وجدنا نبیّ الرحمة صلی الله علیه وآله وسلم ، ونظرنا فی المأثور الثابت الصحیح عنه فی طاغیة الشام والأمر بقتاله ، والحثّ علی مناوأته ، وتعریف من لاث به بأنّهم الفئة الباغیة ، وأنّهم هم القاسطون ، وعهده إلی خلیفته أمیر المؤمنین علیه السلام علی أن یناضله ، ویکتسح معرّته ، ویکبح جماحه ، وقد علم صلی الله علیه وآله وسلم أنّه سیکون الخلیفة المبایع له ، الواجب قتله ، وأنّه سیکون فی عنقه دماء الصلحاء الأبرار التی لا یبیحها أیّ اجتهاد ، نظراء حجر بن عدی ، وعمرو بن الحمق ، وأصحابهما ، وکثیر من البدریّین ، وجمع

ص: 512

کثیر من أهل بیعة الرضوان ، رضوان الله علیهم.

فهل من المعقول أنّه صلی الله علیه وآله وسلم یری لمعاویة والحالة هذه قسطاً من الفضیلة؟ أو حسنة تضاهی حسنات المحسنین؟ ویوقع الأمّة فی التهافت بین کلماته المعزوّة إلیه هذه ، وبین ما صرح به وصحّ عنه صلی الله علیه وآله وسلم مما أوعزنا إلیه. وزبدة المخض أنّه صلی الله علیه وآله وسلم لم ینبس عن هاتیک المفتعلات ببنت شفة ، ولکنّ القوم نحتوها لیطلوا علی الضعفاء ما عندهم من طلاء مبهرج.

4 - ما قاله الحفّاظ من أئمّة الحدیث وحملة السنّة ، من أنّه لم یصحّ لمعاویة منقبة ، وسیوافیک بُعید هذا نصّ عباراتهم عند البحث عن فضائل معاویة المختلقة.

5 - النظر فی إسناد ومتن ما جاء به ابن حجر ، وعلّی علیه أُسس تمویهه علی الحقائق ، وبه طفق یرتئی معاویة خلیفة حقّ ، وإمام صدق.

الروایة الأولی :

أمّا ما أخرجه الترمذی وحسّنه ، عن عبد الرحمن بن أبی عمیرة مرفوعاً : اللهمّ اجعله هادیاً مهدیّا واهد به (1). فإنّ کون ابن أبی عمیرة صحابیّا فی محلّ التشکیک ، فإنّه لا یصحّ ، کما أنّ حدیثه هذا لا یثبت ، قال أبو عمر فی الاستیعاب (2) (2 / 395) بعد ذکره بلفظ : اللهمّ اجعله هادیاً مهدیّا ، واهده واهد به : عبد الرحمن حدیثه مضطرب ، لا یثبت فی الصحابة ، وهو شامیّ ، ومنهم من یوقف حدیثه هذا ولا یرفعه ، ولا یصحّ مرفوعاً عندهم. وقال : لا یثبت أحادیثه ، ولا یصحّ صحبته.

ورجال الإسناد کلّهم شامیّون وهم :

1 - أبو سهر الدمشقی. 5.

ص: 513


1- هذا لفظ الحدیث فی جامع الترمذی : 13 / 229 [5 / 645 ح 3842]. (المؤلف)
2- الاستیعاب : القسم الثانی / 843 رقم 1445.

2 - سعید بن عبد العزیز الدمشقی.

3 - ربیعة بن یزید الدمشقی.

4 - ابن أبی عمیرة الدمشقی.

وتفرّد به ابن أبی عمیرة ولم یروه غیره ؛ ولذلک حکم فیه الترمذی بالغرابة بعد ما حسّنه ، وابن حجر حرّف کلمة الترمذی حرصاً علی إثبات الباطل ، فما ثقتک بروایة تفرّد بها شامیّ عن شامیّ إلی شامیّ ثالث إلی رابع مثلهم أیضاً؟ ولا یوجد عند غیرهم من حملة السنّة علم بها ، ولم یک یومئذ یتحرّج الشامیّون من الافتعال لما ینتهی فضله إلی معاویة ولو کانت مزعمة باطلة ، علی حین أنّ أمامهم القناطیر المقنطرة لذلک العمل الشائن ، ومن ورائهم النزعات الأمویّة السائقة لهم إلی الاختلاق ، لتحصیل مرضاة صاحبهم ، فهناک مرتکم الأباطیل والروایات المائنة.

علی أنّ هذا المزعوم حسنه کان بمرأی ومشهد من البخاریّ ، الذی یتحاشی فی صحیحه عن أن یقول : باب مناقب معاویة. وإنّما عبّر عنه بباب ذکر معاویة (1). وکذلک من شیخه إسحاق بن راهویه الذی ینصّ علی عدم صحّة شیء من فضائل معاویة. ومن الحفّاظ : النسائی ، والحاکم النیسابوری ، والحنظلی ، والفیروزآبادی ، وابن تیمیّة ، والعجلونی وغیرهم ، وقد أطبقوا جمیعاً علی أنّه لم یصحّ لمعاویة حدیث فضیلة ، ومساغ کلماتهم یُعطی نفی ما یصحّ الاعتماد علیه لا الصحیح المصطلح فی باب الأحادیث ، فلا ینافی شمول قولهم علی حسنة الترمذی المزعومة مع غرابتها ، فإنّهم یقذفون الحدیث بأقلّ ممّا ذکرناه فی هذا المقام ، ولو کان لهذه الحسنة وزن یقام کحسنات معاویة لأوعزوا إلیها عند نفیهم العامّ.

وإنّ مفاد الحدیث لممّا یُربک القارئ ویغنیه عن التکلّف فی النظر إلی إسناده ، فإنّ دعاء النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم مستجاب لا محالة کما یقوله ابن حجر ، ونحن فی نتیجة البحث 8.

ص: 514


1- صحیح البخاری : 3 / 1373 باب 28.

والاستقراء التامّ لأعمال معاویة لم نجده هادیاً ولا مهدیّا فی شیء منها ، ولعلّ ابن حجر یُصافقنا علی هذه الدعوی ، ولیس عنده غیر أنّ الرجل مجتهد مخطئ فی کلّ ما أقدم وأحجم ، فله أجر واحد فی مزعمته ، ولا یلحقه ذمّ وتبعة لاجتهاده ، وقد أعلمناک أنّ عامّة أخطائه وجرائمه ممّا لا یتطرّق إلیه الاجتهاد ، علی ما أسلفنا لک أنّه لیس من الممکن أن یکون معاویة مجتهداً لفقدانه العلم بمبادئ الاستنباط من کتاب وسنّة ، وبُعده عن الإجماع والقیاس الصحیح.

أو هل تری أنّ الدعاء المستجاب کهذا یُقصد به هذا النوع من الاجتهاد المستوعب للأخطاء فی أقوال الرجل وأفعاله؟ حتی أنّه لا یُری مصیباً فی واحد منها ، وهل یحتاج تأتّی مثل هذا الاجتهاد إلی دعاء صاحب الرسالة؟ فمرحباً بمثله من اجتهاد معذّر ، وهدایة لا تبارح الضلال.

ثم من الذی هداه معاویة طیلة أیّامه ، وأنقذه من مخالب الهلکة؟! أیعدّ منهم ابن حجر : بُسر بن أرطاة الذی أغار بأمره علی الحرمین ، وارتکب فیهما ما ارتکبه من الجرائم القاسیة؟

أم الضحاک بن قیس الذی أمره بالغارة علی کلّ من فی طاعة علیّ علیه السلام من الأعراب ، وجاء بفجائع لم یعهدها التاریخ؟

أم زیاد بن أبیه أو أُمّه الذی استحوذ علی العراق ، فأهلک الحرث والنسل ، وذبح الأتقیاء ، ودمّر علی الأولیاء ، ورکب نهابیر لا تُحصی؟

أم عمرو بن العاص الذی أطعمه مصر فباعه علی ذلک دینه بدنیاه ، وفعل من الجنایات ما فعل؟

أم مروان بن الحکم الطرید اللعین وابنهما ، الذی کان لعنه علیّا أمیر المؤمنین علی منبر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم عدّة أعوام إحدی طامّاته؟

ص: 515

أم عمرو بن سعید الأشدق الجبّار الطاغی ، الذی کان یبالغ فی شتم علیّ أمیر المؤمنین صلوات الله علیه ، وبغضه إیّاه؟

أم مغیرة بن شعبة ، أزنی ثقیف الذی کان ینال من علیّ علیه السلام ویلعنه علی منبر الکوفة؟

أم کثیر بن شهاب الذی استعمله علی الریّ ، وکان یکثر سبّ علیّ علیه السلام أمیر المؤمنین والوقیعة فیه؟

أم سفیان بن عوف الذی أمره أن یأتی هیت والأنبار والمدائن ، فقتل خلقاً ، ونهب أموالاً ، ثم رجع إلیه؟

أم عبد الله الفزاری الذی کان أشدّ الناس علی علیّ علیه السلام ، ووجّهه إلی أهل البوادی فجاء بطامّات کبری؟

أم سمرة بن جندب الذی کان یحرّف کتاب الله لإرضائه ، وقتل خلقاً دون رغباته لا یُحصی؟

أم طغام الشام وطغاتها الذین کانوا یقتصّون أثر کلّ ناعق ، وانحاز بهم هو عن أیّ نعیق فأوردهم المهالک؟

أهذه کلّها من ولائد ذلک الدعاء المستجاب؟ اللهمّ ، لا. ولو کان مکان هذا الدعاء من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم - العیاذ بالله - قوله : اللهمّ اجعله ضالاّ مضلاّ. لما عداه أن یکون کما کان علیه من البدع والضلالات.

ولو کان لهذا الدعاء المزعوم نصیب من الصدق لما کان یعزب علمه عن مثل مولانا أمیر المؤمنین ، وولدیه الإمامین وعیون الصحابة الذین کانوا لا یبارحون الحقّ : کأبی أیّوب الأنصاری ، وعمّار بن یاسر ، وخزیمة بن ثابت ذی الشهادتین ، ولما عهد إلیهم رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم علی حربه وقتاله ، ولما عرّف فئته بالبغی والقسط.

ص: 516

ولو کان السلف الصالح یری شیئاً زهیداً من هدایة الرجل واهتدائه أثر ذلک الدعاء المستجاب ، لما کانوا یعرفونه فی صریح کتاباتهم وخطاباتهم بالنفاق والضلال والإضلال.

وللسیّد العلاّمة ابن عقیل کلمة حول هذه المنقبة المزیّفة ونعمّا هی ، قال فی النصائح الکافیة (1) (ص 167) : وهاهنا دلالة علی عدم استجابةالله هذه الدعوة لمعاویة لو فرضنا صحّة الحدیث ، من حدیث صحیح أخرجه مسلم (2) عن سعد ، قال : قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «سألت ربّی ثلاثاً فأعطانی اثنتین ومنعنی واحدة ، سألت ربّی أن لا یهلک أُمّتی بالسنة (3) فأعطانیها ، وسألته أن لا یهلک أُمّتی بالغرق فأعطانیها ، وسألته أن لا یجعل بأسهم بینهم فمنعنیها». تعرف بهذا الحدیث وغیره شدّة حرصه صلی الله علیه وآله وسلم علی أن یکون السلم دائماً بین أُمّته ، فدعا الله تارةً أن لا یکون بأس أُمّته بینهم کما فی حدیث مسلم ، وتارة أن یجعل معاویة هادیاً مهدیّا لأنّه بلا ریب یعلم أنّ معاویة أکبر من یبغی ویجعل بأس الأُمّة بینها ، فمآل الدعوتین واحد ، وعدم الإجابة فی حدیث مسلم تستلزم عدمها فی حدیث الترمذی ، والمناسبة بل التلازم بینهما واضح بیّن ، وفی معنی حدیث مسلم هذا جاءت أحادیث کثیرة ومرجعها واحد.

الروایة الثانیة :

اللهمَ علّمه الکتاب والحساب وقهِ العذاب :

فی إسنادها الحارث بن زیاد ، وهو ضعیف مجهول کما قاله ابن أبی حاتم (4) ، عن 5.

ص: 517


1- النصائح الکافیة : ص 200 - 201.
2- صحیح مسلم : 5 / 410 ح 20 کتاب الفتن.
3- السنة : القحط والمجاعة.
4- الجرح والتعدیل : 3 / 75 رقم 345.

أبیه ، وابن عبد البرّ ، والذهبی ، کما فی میزان الاعتدال (1) (1 / 201) ، وتهذیب التهذیب (2) (2 / 142) ، ولسان المیزان (3) (2 / 149). وهو شامیّ غیر مکترث لروایة الموضوعات فی طاغیة الشام.

وإنّ متنه لفی غنیً عن أیّ تفنید ، فإنّ المراد به إمّا علم الکتاب کلّه أو بعضه ، ونحن لم نجد عنده شیئاً من علم الکتاب فضلاً عن کلّه ، فإنّ أعماله وتروکه مضادّة کلّها لمحکمات الذکر الحکیم ، من إیذاء رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بإیذاء أهل بیته وصلحاء أُمّته ، ولا سیّما صنوه وخلیفته ، المفروض طاعته ، الذی هو نفسه ، ومطهّر عن أیّ رجاسة فی نصوص من الکتاب العزیز.

ومن إیذاء المؤمنین والمؤمنات بغیر ما اکتسبوا إثماً ، لمحض ولائهم من قَرنَ الله ولایته بولایته وولایة رسوله.

ومن القتل الذریع للصلحاء الأبرار ، لعدم نزولهم علی رغباته الباطلة ، ومیوله وأهوائه.

ومن الکذب الصراح ، وکلّ فریة وبهت وإفک وقول زور ، طفح الکتاب بتحریمها النهائیّ.

ودع عنک بیع الخمر وشربها ، وأکل الربا ، وتبدیل سنّة الله التی لا تبدیل لها متی ما خالفت خطّته السیّئة ، وتعدّیه حدود الله ، ومن یتعدّ حدود الله فأولئک هم الظالمون ، إلی طامّات صافقت علی خطرها الکتاب ضرورة الدین.

فالاعتقاد بجهله بکلّ هذه الموارد وماشاکلها خیر له من علمه بها ومروقه 5.

ص: 518


1- میزان الاعتدال : 1 / 433 ح 1618.
2- تهذیب التهذیب : 2 / 123.
3- لسان المیزان : 2 / 190 رقم 2185.

عنها ، وخروجه عن حکم الکتاب ، ونبذه إیّاه وراء ظهره ، کما ذهب إلیه مولانا أمیر المؤمنین وأُمّة صالحة من الصحابة ، فالدعاء المزعوم له قد عدته الإجابة فی کلّ ورد له وصدر.

وأما بعض الکتاب فما عسی أن یجدیه نفعاً إن کان یؤمن ببعض ویکفر ببعض؟ ولو کان یعرف من الکتاب قوله تعالی : (وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَیْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَی الْأُخْری فَقاتِلُوا الَّتِی تَبْغِی) (1).

وقوله تعالی : (وَالَّذِینَ یَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِیثاقِهِ وَیَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ یُوصَلَ وَیُفْسِدُونَ فِی الْأَرْضِ أُولئِکَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) (2) وقوله تعالی : (إِنَّما جَزاءُ الَّذِینَ یُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَیَسْعَوْنَ فِی الْأَرْضِ فَساداً أَنْ یُقَتَّلُوا أَوْ یُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَیْدِیهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ یُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذلِکَ لَهُمْ خِزْیٌ فِی الدُّنْیا وَلَهُمْ فِی الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِیمٌ) (3) وقوله تعالی : (وَالَّذِینَ یُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِینَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَیْرِ مَا اکْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِیناً) (4) أو کان یعرف شیئاً من أمثال هذه من کتاب الله ، لکان یعرف حدّه ولم یتعدّ طوره.

وممّا لا نشکّ فیه أنّ ابن حجر الذی یقول : لا شکّ أنّ دعاءه صلی الله علیه وآله وسلم مستجاب لا یؤوّل الروایة بأنّه أرید بها علم الکتاب لا العمل به ، وإن أبی الزاعم إلاّ ذلک ، فیاهبلته الهبول.

وإنّا لا نعلم معنی الحساب وعلمه الذی جاء فی هذه الروایة معطوفاً علی الکتاب ، فإمّا أن یُراد به تطبیق أفعاله وتروکه علی نوامیس الشریعة المقرّرة ، 8.

ص: 519


1- الحجرات : 9.
2- الرعد : 25.
3- المائدة : 33.
4- الأحزاب : 58.

أو علمه بکلّ ما یُحاسب علیه الله عباده ، فیخرج من العهدة من غیر تبعة ، أو أنّه یُحاسب نفسه قبل أن یُحاسب بکلّ قول وعمل ، أو أنّه یقسم بالسویة فیعطی کلّ ذی حقّ حقّه ، ولا یحیف فی مال الله ، ولا یمیل فی أعطیات الناس بمحاباة أحد وقطع آخر من غیر تخطّ عن سنن الحقّ ، أو أنّه یعرف فروض المواریث الحسابیّة ، أو أنّه یعلم بقواعد الحساب العددیّة من الجمع والضرب والتقسیم والتفریق والجبر والمقابلة والخطأین إلی أمثالها من أصول علم الحساب.

أمّا ما قبل الأخیرین فإنّ الرجل کان یأثم بغیر حساب ، ویقتل بغیر حساب ، ویکذب بغیر حساب ، ویحیف بغیر حساب ، ویجهل من معالم الدین بغیر حساب ، وإنّ أخطاءه فی الاجتهاد المزعوم بغیر حساب ، ویُعطی ویمنع من غیر حجّة بغیر حساب ، فیا له من دعاء لم یقرن بالإجابة فی مورد من الموارد!

وأمّا قواعد علم الحساب ویلحق بها فروض المواریث ، فما ذا الذی نجم منها بین معلومات معاویة وفتاواه غیر جهل شائن مستوعب لکلّ ما ناء به من کلّ فرض وندب؟ ولم تُعهد له دراسة لهذه العلوم والقواعد حتی تتحقّق بها إجابة الدعوة بتوفیق إلهیّ.

وأمّا جملة : وقه العذاب ، فإن صحّت الروایة فإنّها تشبه أن تکون ترخیصاً فی المعصیة لرجل مثل معاویة یلغ فی المآثم ، ویتورّط بالموبقات ، ویرتطم فی المهالک ، فلیس فیما سبرناه وأحصیناه من أفعاله وتروکه إلاّ جنایات للعامة ، ومیول وشهوات فی الخاصّة ، وحیف ومیل فی الحقوق ، وبسط وقبض ، وإقصاء وتقریب من غیر حقّ ، فلا یکاد یخلو ما ناء به من مآثم أوعد الله تعالی فاعله بالنار ، أو محظور فی الشریعة یمقت صاحبها ، أو عمل بغیض یمجّه الحقّ ، ویزورّ عنه الصواب ، أو بدع محدثة فی منتأی عن رضا الربّ وتشریع الرسول صلی الله علیه وآله وسلم ، فإن کان یوقی مثل هذا الإنسان عن العذاب المجرّئ له علی الهلکات فأین مصبّ الوعد المعدّ لمن عصی الله ورسوله؟ إنّ الله

ص: 520

لا یخلف المیعاد ، (أَمْ حَسِبَ الَّذِینَ اجْتَرَحُوا السَّیِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ کَالَّذِینَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَواءً مَحْیاهُمْ وَمَماتُهُمْ ساءَ ما یَحْکُمُونَ) (1).

فالخضوع لمثل هذه الروایة علی طرف النقیض من مسلّمات الشریعة بتحریم ما کان یستبیحه معاویة ، ولذلک کان یراه مولانا أمیر المؤمنین ووجوه الصحابة الأوّلین من أهل النار (2) ، مع أنّ هذا الموضوع المفتعل کان بطبع الحال بمرأی منهم ومسمع ، إلاّ أن یکون تاریخ إیلاده بعد صدور تلکم الکلم القیّمة.

ولو کان مثل معاویة یُدرأ عنه العذاب ، ویُدعی له بالسلامة منه ، وحاله ما علمت ، وکان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أعلم بها منک ومن کلّ أحد ، وعنده من حقوق الناس ما لا یحصی ممّا لا تدرکه شفاعة أیّ معصوم من دم مسفوک ، ومن مال منهوب ، ومن عرض مهتوک ، ومن حرمة مُضاعة ، فما حال من ساواه فی الخلاعة ، أو من هو دونه فی النفاق والضلال؟ وأیّ قیمة تبقی سالمة لتوعیدات الشریعة عندئذ؟ لاها الله ، هذه أُمنیّة حالم قطّ لا تتحقّق ، إلاّ أن تکون تلک المحاباة تشریفاً لابن أبی سفیان بخرق النوامیس الإلهیّة ، والخروج عن حکم الکتاب والسنّة ، وتکریماً لرایة هند ومکانة حمامة ، إذن فعلی الإسلام السلام.

أفمن الحقّ لمن له أقلّ إلمامة بالعلم والحدیث أن یرکن إلی أمثال هذه التافهات ، ولا یقتنع بذلک حتی یحتجّ بها لإمامة الرجل عن حقّ ، وصدق خلافته؟ کما فعله ابن حجر فی الصواعق (3) ، وفی هامشه تطهیر الجنان (4) (ص 32) ، وکأنّه غضّ الطرف عن کلّ ما جاء فی حقّ الرجل من حدیث وسیرة وتاریخ ، وأغضی عن کلّ ما انتهی إلیه 9.

ص: 521


1- الجاثیة : 21.
2- راجع الکلمات التی أسلفناها فی هذا الجزء. (المؤلف)
3- الصواعق المحرقة : ص 218.
4- تطهیر الجنان : ص 9.

من الأصول المسلّمة فی الإسلام ، وحرمات الدین. نعم ؛ الحبّ یعمی ویصمّ.

الروایة الثالثة :

إذا ملکت فَأَحِسن :

فهی وما فی معناها من روایة : إن ولّیت فاتّق الله واعدل (1) ، وروایة : أما إنّک ستلی أمر أُمّتی بعدی فإذا کان ذلک فاقبل من محسنهم ، واعفُ عن مسیئهم. تنتهی طرقها جمیعاً إلی نفس معاویة ، ولم یشترک فی روایتها أحد غیره من الصحابة ، فالاستناد إلیه فی إثبات أیّ فضیلة له من قبیل استشهاد الثعلب بذنَبه ، علی أنّ الرجل غیر مقبول الروایة ولا مرضیّها ، فإنّه فاسق ، فاجر ، منافق ، کذاب ، مهتوک ستره بشهادة ممّن عاشره وباشره ، وسبر غوره ، ودرس کتاب نفسه ، وفیهم مثل مولانا أمیر المؤمنین صلوات الله علیه وآخرون من الصحابة العدول ، وقد تقدّم نصّ کلماتهم فی هذا الجزء (ص 139 - 177) وتکفی فی الجرح واحدة من تلکم الشهادات المحفوظة أهلها بالتورّع عن کلّ سقطة فی القول أو العمل ، فکیف بها جمعاء؟

وتؤیّد هاتیک الشهادات بما اقترفه الرجل من الذنوب ، وکسبته یده الأثیمة من جرائر وجرائم ، ولفّقها فی سبیل شهواته من شهادات مزوّرة ، وکُتب افتعلها علی أناس من الصحابة ، ونسب مکذوبة کان یرید بها تشویه سمعة الإمام صلوات الله علیه - وأنّی له بذلک - إلی آخر ما أوقفناک علی تفاصیله.

وإن أخذناه بما حکاه ابن حجر فی تهذیب التهذیب (2) (1 / 509) عن یحیی بن معین من قوله : کلّ من شتم عثمان أو طلحة أو أحداً من أصحاب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم دجّال لا یکتب عنه ، وعلیه لعنة الله والملائکة والناس أجمعین ، إلی کلمات أُخری 7.

ص: 522


1- مرّ الکلام حول هذه الروایة فی ص 362 من هذا الجزء. (المؤلف)
2- تهذیب التهذیب : 1 / 447.

مرّت (ص 267) من هذا الجزء ، فمعاویة فی الرعیل الأوّل من الدجّالین الذین لا یُکتب عنهم ، وعلیهم لعنة الله والملائکة والناس أجمعین ، إذ هو الذی فعل ذلک المحظور بمثل مولانا أمیر المؤمنین وشبلیه الإمامین ، وحبر الأمّة عبد الله بن العبّاس ، وقیس بن سعد ، وهؤلاء کلّهم أعیان الصحابة ووجهاؤهم ، لا یعدوهم أیّ فضل سبق لأحدهم ، ولا ینتئون عن أیّ مکرمة لحقت بواحد منهم ، وکان معاویة قد استباح شتمهم ، والوقیعة فیهم وفی کلّ صحابیّ احتذی مثالهم فی ولایة أمیر المؤمنین علیه السلام ، ولم یقنعه ذلک حتی قنت بلعنهم فی صلواته ، ورفع عقیرته به علی صهوات المنابر ، وأمر بذلک حتی عمّت البلیّة البلاد والعباد ، واتّخذوها بدعة مخزیة إلی أن لفظ نفسه الأخیر ، واحتقبها من بعده خزایة موبقة ما دامت لآل حرب دولة ، واکتسحت معرّتهم من أدیم الأرض.

أفمثل هذا السبّاب الفاحش المتفحّش تجوز الروایة عنه ، ویخضع لما یرویه فی دین أو دنیا؟!

علی أنّ فی إسناد روایة : إن ملکت فأحسن ، عبد الملک بن عمر (1) ، وقد جاء عن أحمد (2) : أنّه مضطرب الحدیث جدّا مع قلّة روایته ، ما أری له خمسمائة حدیث وقد غلط فی کثیر منها. وقال ابن منصور : ضعّفه أحمد جدّا. وعن ابن معین : مخلّط. وقال العجلی : تغیّر حفظه قبل موته. وقال ابن حبّان (3) : مدلّس (4).

وفیه : إسماعیل بن إبراهیم المهاجر ، ضعّفه ابن معین (5) ، والنسائی (6) ، وابن 1.

ص: 523


1- تقدّم تصحیحه إلی عمیر : ص 510.
2- العلل ومعرفة الرجال : 1 / 156 رقم 69.
3- الثقات : 5 / 116.
4- تهذیب التهذیب : 6 / 412 [6 / 364] (المؤلف).
5- التاریخ : 3 / 345 رقم 1669.
6- کتاب الضعفاء والمتروکین : ص 48 رقم 31.

الجارود ، وقال أبو داود : ضعیف ضعیف أنا لا أکتب حدیثه. وقال أبو حاتم (1) : لیس بقوی. وقال ابن حبّان (2) : کان فاحش الخطأ. وقال الساجی : فیه نظر (3).

فلمکان الرجلین نصّ الحافظ البیهقی علی ضعفها ، وأقرّه الخفاجی فی شرح الشفا : (3 / 161) ، وعلیّ القاری فی شرحه هامش شرح الخفاجی (4) (3 / 161).

وأمّا مؤدّی هذه الروایات الثلاث فکبقیّة أخبار الملاحم ، لا یستنتج منها مدح لصاحبها أو قدح ، إلاّ إذا قایسناها بأعمال معاویة المباینة لها فی الخارج ، المضادّة لما جاء فیها من العهد والوصیّة ، فلم یکن ممّن ملک فأحسن ، ولا ممّن ولی فاتّقی وعدل ، ولا ممّن قبل من محسن ، وعفا عن مسیء ، فما ذا عسی أن یُجدیه مثل هذه البشائر - ولیست هی ببشائر بل إقامة حجّة علیه - وهو غیر متّصف بما أُمر به فیها؟ وکلّ ما ناء به فی منتأی عن الإحسان والعدل والتقوی ، وکان صلی الله علیه وآله وسلم یعلم أنّه لا یعمل بشیء من ذلک لکنّه أراد إتمام الحجّة علیه علی کونها تامّة علیه بعمومات الشریعة وإطلاقاتها ، فأین هی من التبشیر بأنّ ما یلیه من الملک العضوض ملوکیّة صالحة ، فضلاً عن الخلافة عن الله ورسوله صلی الله علیه وآله وسلم؟ وقد جاء عنه صلی الله علیه وآله وسلم فی ذلک الملک قوله : «إنّ فیه هنات وهنات وهنات» (5) ، وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «یا معاویة : إنّک إن اتّبعت عورات الناس أفسدتهم أو کدت أن تفسدهم» (6) إلی کلمات أخری فیه وفی ملکه.

ولو کان ابن حجر ممّن یعرف لحن الکلام ومعاریض المحاورات ، ولم یکن فی أُذنه وقر ، وفی بصره عمی لعلم أنّ الروایات المذکورة بأن تکون ذموماً لمعاویة أولی

ص: 524


1- الجرح والتعدیل : 2 / 152 رقم 512.
2- کتاب المجروحین : 1 / 122.
3- تهذیب التهذیب : 1 / 279 [1 / 244]. (المؤلف)
4- شرح الشفا : 1 / 683.
5- الخصائص الکبری : 2 / 116 [2 / 198]. (المؤلف)
6- سنن أبی داود : 2 / 299 [4 / 272 ح 4888]. (المؤلف)

من أن تکون مدائح له لما قلناه ، وإلاّ لما أمر صلی الله علیه وآله وسلم بقتله إذا رُؤی علی منبره ، ولما أعلم الناس بأنّه وطغمته هم الفئة الباغیة المتولیّة قتل عمّار ، ولما رآه وحزبه من القاسطین الذین یجب قتالهم ، ولما أمر خلیفته حقّا الامام أمیر المؤمنین علیه السلام بقتاله ، ولما حثّ صحابته العدول بمناضلته ومکاشفته ، ولما ولما ...

ولو کانت هذه الروایات صادقة ، وکانت بشائر ، وقد عرفتها صحابة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم کذلک ، فلما ذا کان ذلک اللوم والتأنیب له من وجوه الصحابة؟ لمّا منّته هواجسه بتسنّم عرش الخلافة ، والإقعاء علی صدر دستها ، ولیس ذلک إلاّ من ناحیة ادّعائه ما لیس له ، وطمعه فیما لم یکن له بحقّ ، ونزاعه فی أمر لیس للطلقاء فیه نصیب.

هذه عمدة ما جاء به ابن حجر فی الدفاع عن معاویة ، وأمّا بقیّة کلامه المشوّه بالسباب المقذع فنمرّ بها کراما ، إقرأ واحکم.

هاهنا قصرنا عن القول

وأمسکناه عن الافاضة بانتهاء الجزء العاشر

وأرجأنا بقیّة البحث عن موبقات معاویة إلی الجزء الحادی عشر

وسیوافیک فی المستقبل العاجل إن شاء الله تعالی

والحمد لله أوّلا وآخراً وله الشکر

ص: 525

ص: 526

محتویات الکتاب

بقیة الحبث عن مناقب الخلفاء الثلاثة................................ 11 - 196

ماهذا الاختیار؟ وکیف یتم؟ ولم ویم؟......................................... 29

بیمة این عمر تارة ونقاعسه عنها اخری....................................... 36

أیّ اجماع علی بیعة یزید؟.................................................... 48

أخبار ابن عمر ونوادره...................................................... 54

الفریق الاول............................................................. 55

رأی ابن عمر فی القتال والصلاة......................................... 68

هلم معی الی صلاة ابن عمر............................................ 74

معذرة اخری لابن عمر................................................ 81

ابن عمر یحبی احداث أبیه............................................... 91

الفریق الثانی.............................................................. 97

لفت نظر............................................................ 146

نبأ یصکّ المسامع.......................................................... 183

منتهی المقال.............................................................. 195

المغالات فی فضائل معاویة بن أبی سفیان............................. 197 - 252

معاویة فی میزان القضاء............................................ 253 - 525

1 - معاویة والخمر....................................................... 255

2 - معاویة یأکل الربا.................................................... 262

3 - معاویة یتمّ فی السفر.................................................. 272

4 - احد وثة الاذان فی العیدین............................................ 273

5 - معاویة یصلّی الجمعة یوم الاربعاء...................................... 279

6 - احدوثه الجمع بین الاختین............................................ 284

7 - احدوثه معاویة فی الدیات............................................. 284

8 - ترک التکبیر المستون فی الصلوات...................................... 286

9 - ترک التلبیة خلافا لعلی علیه السلام.................................... 292

10 - احدوثه تقدیم الخطبة علی الصلاة.................................... 302

11 - حدّ من حدود الله متروک........................................... 305

12 - معاویة ولبسه ما لا یجوز............................................ 306

13 - ماساة الاستلحاق سنة اربع واربعین.................................. 308

14 - بیعة یزید احد موبقات معاویة الاربع................................. 323

بیمة یزید فی الشام وقتل الحسین السبط دونها.............................. 327

عبدالرحمن بن خالد فی بیعة یزید......................................... 331

سعید بن عثمان سنة خمس وخمسین...................................... 331

کتب معاویة فی بیعة یزید................................................ 334

کتاب معاویة الی سعید بن العاص........................................ 338

کتاب معاویة الی الحسین علیه السلام..................................... 340

جواب الحسین علیه السلام............................................ 340

کتاب معاویة الی عبدالله بن جعفر........................................ 340

جواب عبدالله بن جعفر............................................... 340

کتاب معاویة الی عبدالله بن الزبیر........................................ 341

جواب عبدالله بن الزبیر............................................... 341

بیعة یزید فی المدینة المشرفة.................................................. 342

الرحلة الاولی........................................................... 342

کلمة الامام السبط................................................... 349

رحلة معاویة الثانیة وبیعة یزید فیها....................................... 353

15 - جنایات معاویة فی صفحات تاریخه السوداء........................... 361

16 - قتال ابن هند علیاّ امیر المؤمنین علیه السلام............................ 381

17 - هنات وهنایت فی میزان ابن هند..................................... 401

18 - قذائف مویقة فی صحائف ابن اکلة الاکباد........................... 404

نسبة الالحماد الی علی علیه السلام وانه لایصلی........................... 404

نظرة فیما تشبث به معاویة فی قتال علی علیه السلام....................... 408

19 - دفاع ابن حجر عن معاویة بأعذار مفتعلة............................. 421

حدیث الوفود.......................................................... 426

وفد علی علیه السلام الاول الی معاویة................................. 426

وفد علی علیه السلام الثانیة الی معاویة................................. 427

وفد معاویة الی الامام علی علیه السلام................................. 433

أنباه فی طبّات الکتب تعرب عن موسی معاویة............................ 434

تصریحّ لا تلویح یعرب عن موسی ابن هند................................ 445

فکرة معاویة لها قدم..................................................... 450

مناظرات وکلم......................................................... 455

التحکیم لماذا؟.......................................................... 462

حجج داحضة............................................................. 467

الاجتهاد ماذا هو؟......................................................... 472

نظرة فی اجتهاد معاویة..................................................... 479

السنّة.................................................................. 481

نظرة فی أحادیث معاویة.................................................... 483

لفت نظر............................................................ 492

الاجماع................................................................ 499

القیاس................................................................. 499

ایّ اجتهاد هذا؟........................................................... 500

من هو هذا المجتهد؟....................................................... 505

الروایة الاولی........................................................ 513

الروایة الثانیة......................................................... 517

الروایة الثالثة......................................................... 522

ص: 527

معاویة فی میزان القضاء............................................ 253 - 525

1 - معاویة والخمر....................................................... 255

2 - معاویة یأکل الربا.................................................... 262

3 - معاویة یتمّ فی السفر.................................................. 272

4 - احد وثة الاذان فی العیدین............................................ 273

5 - معاویة یصلّی الجمعة یوم الاربعاء...................................... 279

6 - احدوثه الجمع بین الاختین............................................ 284

7 - احدوثه معاویة فی الدیات............................................. 284

8 - ترک التکبیر المستون فی الصلوات...................................... 286

9 - ترک التلبیة خلافا لعلی علیه السلام.................................... 292

10 - احدوثه تقدیم الخطبة علی الصلاة.................................... 302

11 - حدّ من حدود الله متروک........................................... 305

12 - معاویة ولبسه ما لا یجوز............................................ 306

13 - ماساة الاستلحاق سنة اربع واربعین.................................. 308

14 - بیعة یزید احد موبقات معاویة الاربع................................. 323

بیمة یزید فی الشام وقتل الحسین السبط دونها.............................. 327

عبدالرحمن بن خالد فی بیعة یزید......................................... 331

سعید بن عثمان سنة خمس وخمسین...................................... 331

کتب معاویة فی بیعة یزید................................................ 334

کتاب معاویة الی سعید بن العاص........................................ 338

کتاب معاویة الی الحسین علیه السلام..................................... 340

جواب الحسین علیه السلام............................................ 340

کتاب معاویة الی عبدالله بن جعفر........................................ 340

ص: 528

جواب عبدالله بن جعفر............................................... 340

کتاب معاویة الی عبدالله بن الزبیر........................................ 341

جواب عبدالله بن الزبیر............................................... 341

بیعة یزید فی المدینة المشرفة.................................................. 342

الرحلة الاولی........................................................... 342

کلمة الامام السبط................................................... 349

رحلة معاویة الثانیة وبیعة یزید فیها....................................... 353

15 - جنایات معاویة فی صفحات تاریخه السوداء........................... 361

16 - قتال ابن هند علیاّ امیر المؤمنین علیه السلام............................ 381

17 - هنات وهنایت فی میزان ابن هند..................................... 401

18 - قذائف مویقة فی صحائف ابن اکلة الاکباد........................... 404

نسبة الالحماد الی علی علیه السلام وانه لایصلی........................... 404

نظرة فیما تشبث به معاویة فی قتال علی علیه السلام....................... 408

19 - دفاع ابن حجر عن معاویة بأعذار مفتعلة............................. 421

حدیث الوفود.......................................................... 426

وفد علی علیه السلام الاول الی معاویة................................. 426

وفد علی علیه السلام الثانیة الی معاویة................................. 427

وفد معاویة الی الامام علی علیه السلام................................. 433

أنباه فی طبّات الکتب تعرب عن موسی معاویة............................ 434

تصریحّ لا تلویح یعرب عن موسی ابن هند................................ 445

فکرة معاویة لها قدم..................................................... 450

مناظرات وکلم......................................................... 455

التحکیم لماذا؟.......................................................... 462

ص: 529

بقیة الحبث عن مناقب الخلفاء الثلاثة................................ 11 - 196

ماهذا الاختیار؟ وکیف یتم؟ ولم ویم؟......................................... 29

بیمة این عمر تارة ونقاعسه عنها اخری....................................... 36

أیّ اجماع علی بیعة یزید؟.................................................... 48

أخبار ابن عمر ونوادره...................................................... 54

الفریق الاول............................................................. 55

رأی ابن عمر فی القتال والصلاة......................................... 68

هلم معی الی صلاة ابن عمر............................................ 74

معذرة اخری لابن عمر................................................ 81

ابن عمر یحبی احداث أبیه............................................... 91

الفریق الثانی.............................................................. 97

لفت نظر............................................................ 146

نبأ یصکّ المسامع.......................................................... 183

منتهی المقال.............................................................. 195

المغالات فی فضائل معاویة بن أبی سفیان............................. 197 - 252

معاویة فی میزان القضاء............................................ 253 - 525

1 - معاویة والخمر....................................................... 255

2 - معاویة یأکل الربا.................................................... 262

3 - معاویة یتمّ فی السفر.................................................. 272

4 - احد وثة الاذان فی العیدین............................................ 273

5 - معاویة یصلّی الجمعة یوم الاربعاء...................................... 279

6 - احدوثه الجمع بین الاختین............................................ 284

7 - احدوثه معاویة فی الدیات............................................. 284

8 - ترک التکبیر المستون فی الصلوات...................................... 286

9 - ترک التلبیة خلافا لعلی علیه السلام.................................... 292

10 - احدوثه تقدیم الخطبة علی الصلاة.................................... 302

11 - حدّ من حدود الله متروک........................................... 305

12 - معاویة ولبسه ما لا یجوز............................................ 306

13 - ماساة الاستلحاق سنة اربع واربعین.................................. 308

14 - بیعة یزید احد موبقات معاویة الاربع................................. 323

بیمة یزید فی الشام وقتل الحسین السبط دونها.............................. 327

عبدالرحمن بن خالد فی بیعة یزید......................................... 331

سعید بن عثمان سنة خمس وخمسین...................................... 331

کتب معاویة فی بیعة یزید................................................ 334

کتاب معاویة الی سعید بن العاص........................................ 338

کتاب معاویة الی الحسین علیه السلام..................................... 340

جواب الحسین علیه السلام............................................ 340

کتاب معاویة الی عبدالله بن جعفر........................................ 340

جواب عبدالله بن جعفر............................................... 340

کتاب معاویة الی عبدالله بن الزبیر........................................ 341

جواب عبدالله بن الزبیر............................................... 341

بیعة یزید فی المدینة المشرفة.................................................. 342

الرحلة الاولی........................................................... 342

کلمة الامام السبط................................................... 349

رحلة معاویة الثانیة وبیعة یزید فیها....................................... 353

15 - جنایات معاویة فی صفحات تاریخه السوداء........................... 361

16 - قتال ابن هند علیاّ امیر المؤمنین علیه السلام............................ 381

17 - هنات وهنایت فی میزان ابن هند..................................... 401

18 - قذائف مویقة فی صحائف ابن اکلة الاکباد........................... 404

نسبة الالحماد الی علی علیه السلام وانه لایصلی........................... 404

نظرة فیما تشبث به معاویة فی قتال علی علیه السلام....................... 408

19 - دفاع ابن حجر عن معاویة بأعذار مفتعلة............................. 421

حدیث الوفود.......................................................... 426

وفد علی علیه السلام الاول الی معاویة................................. 426

وفد علی علیه السلام الثانیة الی معاویة................................. 427

وفد معاویة الی الامام علی علیه السلام................................. 433

أنباه فی طبّات الکتب تعرب عن موسی معاویة............................ 434

تصریحّ لا تلویح یعرب عن موسی ابن هند................................ 445

فکرة معاویة لها قدم..................................................... 450

مناظرات وکلم......................................................... 455

التحکیم لماذا؟.......................................................... 462

حجج داحضة............................................................. 467

الاجتهاد ماذا هو؟......................................................... 472

نظرة فی اجتهاد معاویة..................................................... 479

السنّة.................................................................. 481

نظرة فی أحادیث معاویة.................................................... 483

لفت نظر............................................................ 492

الاجماع................................................................ 499

القیاس................................................................. 499

ایّ اجتهاد هذا؟........................................................... 500

من هو هذا المجتهد؟....................................................... 505

الروایة الاولی........................................................ 513

الروایة الثانیة......................................................... 517

الروایة الثالثة......................................................... 522

ص: 530

المجلد 11

اشارة

سرشناسه:امینی، عبدالحسین، 1281 - 1349.

عنوان و نام پدیدآور:الغدیر فی الکتاب و السنه و الادب: کتاب دینی ،علمی، فنی،.../ عبدالحسین احمد الامینی النجفی؛ تحقیق مرکز الغدیر للدراسات الاسلامیه.

مشخصات نشر:قم: مرکز الغدیر للدراسات الاسلامیه، 1416ق.-= 1995م.-= 1374-

وضعیت فهرست نویسی:برونسپاری

یادداشت:عربی.

یادداشت:ج.2 (چاپ اول: 1375).

یادداشت:ج. 3، 6 و 8 (چاپ اول: 1416ق. = 1376).

یادداشت:ج. 13 (چاپ اول: 1422ق. = 2002م. = 1380).

یادداشت:کتابنامه.

موضوع:علی بن ابی طالب (ع)، امام اول، 23 قبل از هجرت - 40ق -- اثبات خلافت

موضوع:غدیر خم

شناسه افزوده:موسسه دایرةالمعارف فقه اسلامی بر مذهب اهل بیت (ع). مرکز الغدیر للدراسات الاسلامیه

رده بندی کنگره:BP223/54/الف8غ4 1374

رده بندی دیویی:297/452

شماره کتابشناسی ملی:م 75-8389

ص: 1

اشارة

ص: 2

الغدیر فی الکتاب و السنه و الادب

عبدالحسین احمد الامینی النجفی

تحقیق مرکز الغدیر للدراسات الاسلامیه

ص: 3

ص: 4

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 5

ص: 6

الجزء الحادی عشر

فیه بعد البحث عن جملة من مواقف معاویة المخزیة ومناقبه المختلقة ، ومخاریق أمّة أخری ، تراجم جمع من أعلام الطائفة ، ورجالات العلم ، وصاغة القریض ، وصیارفة الأدب ، تضمن فوائد تاریخیّة ، وطرائف أدبیّة ، وتحوی من الآثار والمآثر نوادر هی الأوضاح والغرر فی جبهة الدهر.

ص: 7

ص: 8

بسم الله الرحمن الرحیم

حمداً لک یا إِلهَ الخلق! وبکَ أستفتحُ وَبِکَ أستنجحُ ، أنطقنی بِالهُدی ، وألهمنی التَّقوی ، وَوفِّقنی لِلّتی هی أزْکی ، واستَعملنی بِما هُوَ أرْضی ، وَاسلک بی الطَّریقة المثلی ، وَسَیِّرنی فی أقربِ الطُرق للوفود إلَیک ، واجعلنی علی وِلایتک وَوِلایَةِ نَبیِّکَ نَبِیِّ الرَحمةِ وعترتِه الطاهِرَة المُطَهَّرةِ صَلواتُکَ عَلیهِم أجمعین أموتُ وأحیی ، وما توفیقی إلاّ بِکَ عَلیک توکَّلتُ.

الأمینی

ص: 9

ص: 10

تتمه بحث معاویة فی میزان القضاء

مواقف معاویه مع أبی محمد الحسن السبط علیه السلام

إنَّ لابن آکلة الأکباد مع السبط المجتبی مواقف تقشعرُّ منها الجلود ، وتقفّ منها الشعور ، وتندی منها جبهة الإنسانیّة ، ویلفظها الدین والحفاظ ، وینبذها العدل والإحسان ، وینکرها کرم الأُرومة وطیب المحتد ، ارتکبها معاویة مستسهلاً کلّ ذلک ، مستهیناً بأمر الدین والمروءة.

من هو الحسن علیه السلام؟

لا أقلّ من أن یکون هو سلام الله علیه أوحدیّا من المسلمین ، وأحد حملة القرآن ، وممّن أسلم وجهه لله وهو محسن ، یحمل بین أضالعه علوم الشریعة ، ومغازی الکتاب والسنّة ، والملکات الفاضلة جمعاء ، وهو القدوة والأُسوة فی مکارم الأخلاق ، ومعالم الإسلام المقدّس ، فمن المحظور فی الدین الحنیف النیل منه ، والوقیعة فیه ، وإیذائه ومحاربته ، علی ما جاء لهذا النوع من المسلمین من الحدود فی شریعة الله ، فله ما للمسلمین وعلیه ما علیهم.

أضف إلی ذلک : أنّه صحابیّ مبجّل لیس فی أعیان الصحابة بعد أبیه الطاهر من یماثله ویساجله ، ودون مقامه الرفیع ما للصحابة عند القوم من العدالة والشأن الکبیر ، وأعظم فضائله : أنّه لیس بین لابتی العالم من یستحقّ الإمامة والاقتداء به واحتذاء مثاله یومئذٍ غیره ، لفضله وقرابته. فهو أولی صحابیّ ثبت له ما أثبتوه لهم من الأحکام ، فلا یجوز منافرته والصدّ عنه ، والإعراض عن آرائه وأقواله ، وارتکاب مخالفته ، وما یجلب الأذی إلیه من السبِّ له ، والهتک لمقامه ، واستصغار أمره.

زد علیه : أنّه سبط رسول الله وبضعته من کریمته سیّدة نساء العالمین ، لحمه من

ص: 11

لحمه ، ودمه من دمه. فیجب علی معتنقی تلک النبوّة الخاتمة حفظ صاحب الرسالة فیه ، والحصول علی مرضاته ، وهو لا یرضی إلاّ بالحقِّ الصراح والدین الخالص.

وهو علیه السلام قبل هذه کلّها أحد أصحاب الکساء الذین أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهیراً.

وهو أحد من أثنی علیهم الله بسورة هل أتی ، الذین یطعمون الطعام علی حبّه مسکیناً ویتیماً وأسیراً.

وهو من ذوی قربی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم الذین أوجب الله مودّتهم وجعلها أجر الرسالة.

وهو أحد من باهل بهم رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم نصاری نجران کما جاء فی الذکر الحکیم.

وهو أحد الثقلین اللذین خلّفهما النبی الأعظم صلی الله علیه وآله وسلم بین أُمّته لیقتدی بهم وقال : «ما إن تمسّکتم بهما لن تضلّوا أبداً».

وهو من أهل بیت مثلهم فی الأمَّة : «مثل سفینة نوح من رکبها نجا ومن تخلّف عنها غرق».

وهو من الذین أوجب الله الصلاة علیهم فی الفرائض ، ومن لم یُصلِّ علیهم لا صلاة له.

وهو أحد من خاطبهم النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم بقوله : «أنا حربٌ لمن حاربتم ، وسلمٌ لم سالمتم».

وهو أحد أهل خیمة خیّمها رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فقال : «معشر المسلمین أنا سلمٌ لمن سالم أهل الخیمة ، حربٌ لمن حاربهم ، ولیّ لمن والاهم ، لا یحبّهم إلاّ سعید الجدّ طیّب المولد ، ولا یبغضهم إلاّ شقیّ الجدّ ردیء الولادة».

ص: 12

وهو أحد ریحانتی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم کان یشمّهما ویضمّهما إلیه.

وهو وأخوه الطاهر «سیّدا شباب أهل الجنّة».

وهو حبیب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم کان یأمر بحبّه قائلاً : «اللهمّ إنّی أُحبّه فأحبّه ، وأحبّ من یحبّه».

وهو أحد السبطین کان جدّهما صلی الله علیه وآله وسلم یأخذهما علی عاتقه ویقول : «من أحبّهما فقد أحبّنی ، ومن أبغضهما فقد أبغضنی».

وهو أحد اللذین أخذ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بیدهما فقال : «من أحبّنی وأحبَّ هذین وأباهما وأمّهما کان معی فی درجتی یوم القیامة».

وهو أحد ابنی رسول الله کان یقول صلی الله علیه وآله وسلم : «الحسن والحسین ابنای من أحبّهما أحبّنی ، ومن أحبّنی أحبّه الله ، ومن أحبّه الله أدخله الجنّة ، ومن أبغضهما أبغضنی ومن أبغضنی أبغضه الله ، ومن أبغضه الله أدخله النار» (1).

هذا هو الإمام الحسن المجتبی علیه السلام ؛ وأمّا معاویة ابن آکلة الأکباد فهو صاحب تلک الصحیفة السوداء التی مرّت علیک فی الجزء العاشر (ص 178) ، وأمّا جنایات معاویة علی ذلک الإمام المطهّر فقد سارت بها الرکبان ، وحفظ التاریخ له منها صحائف مشوّهة المجلی ، مسودّة الهندام. فهو الذی باینه وحاربه وانتزع حقّه الثابت له بالنصّ والجدارة ، وخان عهوده التی اعترف بها عندما تنازل الإمام علیه السلام له بالصلح حقناً لدماء شیعته ، وحرصاً علی کرامة أهل بیته ، وصوناً لشرفه الذی هو شرف الدین ، وما کان یرمق إلیه معاویة ویعلمه الإمام علیه السلام بعلمه الواسع من أنَّ الطاغیة لیس بالذی یقتله إن استحوذ علیه ، لکنّه یستبقیه لیمنَّ بذلک علیه ، ثم یطلق سراحه ، وهو بین أنیابه ومخالبه ، حتی یقابل به ما سبق له ولأسلافه طواغیت قریش یوم ف)

ص: 13


1- هذه الأحادیث تأتی بأسانیدها ومصادرها فی مسند المناقب ومرسلها إن شاء الله. (المؤلف)

الفتح ، فملکهم رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أرقّاء له ، ثم منَّ علیهم وأطلقهم ، فسمّوا الطلقاء وبقی ذلک سبّة علیهم إلی آخر الدهر ، فراق داهیة الأمویّین أن تکون تلک الشیة ملصقة ببنی هاشم سبّة علیهم ، لکنّه أکدت آماله ، وأخفقت ظنونه ، وفشل ما ارتآه بهذا الصلح الذی کان من ولائده الإبقاء علی شرف البیت الهاشمی ، ودرء العار عنهم ، إلی نتائج مهمّة ، کلّ منها کان یلزم الإمام علیه السلام بالصلح علی کلّ حال ، وإن کان معاویة هو الخائن المائن فی عهوده ومواثیقه ، والکائد الغادر بإلّه وذمّته ، فعهد إلیه أن لا یسبَّ أباه علی منابر المسلمین ، وقد سبّه وجعله سنّة متّبعة فی الحواضر الإسلامیّة کلّها.

وعهد إلیه أن لا یتعرّض لشیعة أبیه الطاهر بسوء ، وقد قتّلهم تقتیلاً ، واستقرأهم فی البلاد تحت کلِّ حجر ومدر ، فطنّب علیهم الخوف فی کلّ النواحی بحیث لو کان یقذف الشیعی بالیهودیّة لکان أسلم له من انتسابه إلی أبی تراب سلام الله علیه.

وعهد إلیه أن لا یعهد إلی أحد بعده وکتب إلیه سلام الله علیه : إن أنت أعرضت عمّا أنت فیه وبایعتنی وفیت لک بما وعدت ، وأجریت لک ما شرطت ، وأکون فی ذلک کما قال أعشی بنی قیس :

وإن أحدٌ أسدی إلیک أمانةً

فأوف بها تدعی إذا متَّ وافیا

ولا تحسد المولی إذا کان ذا غنی

ولا تجفه إن کان فی المال فانیا

ثم الخلافة لک من بعدی ، فأنت أولی الناس بها (1). ومع هذا عهد إلی جروه ذلک المستهتر الماجن بعد ما قتل الإمام السبط لیصفو له الجوّ.

ولمّا تصالحا کتب به الحسن کتاباً لمعاویة صورته : ف)

ص: 14


1- شرح ابن أبی الحدید : 4 / 13 [16 / 37 الوصیة 31]. (المؤلف)

بسم الله الرحمن الرحیم

«هذا ما صالح علیه الحسن بن علیّ معاویة بن أبی سفیان ، صالحه علی أن یسلّم إلیه ولایة المسلمین ، علی أن یعمل فیها بکتاب الله تعالی وسنَّة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وسیرة الخلفاء الراشدین المهدیّین ، ولیس لمعاویة بن أبی سفیان أن یعهد إلی أحد من بعده عهداً ، بل یکون الأمر من بعده شوری بین المسلمین ، وعلی أنّ الناس آمنون حیث کانوا من أرض الله تعالی فی شامهم وعراقهم وحجازهم ویَمَنِهم ، وعلی أنَّ أصحاب علیّ وشیعته آمنون علی أنفسهم وأموالهم ونسائهم وأولادهم حیث کانوا ، وعلی معاویة بن أبی سفیان بذلک عهد الله ومیثاقه ، وأن لا یبتغی للحسن بن علیّ ولا لأخیه الحسین ولا لأحد من بیت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم غائلة سرّا وجهراً ، ولا یخیف أحداً منهم فی أفق من الآفاق ، أشهد علیه فلان ابن فلان وکفی بالله شهیداً» (1).

فلمّا استقرَّ له الأمر ودخل الکوفة وخطب أهلها فقال : یا أهل الکوفة أترانی قاتلتکم علی الصلاة والزکاة والحجِّ؟ وقد علمت أنَّکم تصلّون وتزکّون وتحجّون ، ولکنّنی قاتلتکم لأتأمّر علیکم وعلی رقابکم - إلی أن قال : وکلُّ شرطٍ شرطته فتحت قدمیَّ هاتین (2).

وقال أبو إسحاق السبیعی : إنَّ معاویة قال فی خطبته بالنخیلة : ألا إنَّ کلّ شیء أعطیته الحسن بن علیّ تحت قدمیّ هاتین لا أفی به (3). قال أبو إسحاق : وکان والله غدّاراً (4).

وکان الرجل ألدَّ خصماء ذلک السبط المفدّی ، وقد خفر ذمّته ، واستهان بأمره واستصغره ، وهو الإمام العظیم ، وقطع رحمه ، وما راعی فیه جدّه النبیّ العظیم ، ف)

ص: 15


1- الصواعق لابن حجر : ص 81 [ص 136]. (المؤلف)
2- راجع ما مرّ فی الجزء العاشر : ص 326. (المؤلف)
3- شرح ابن أبی الحدید : 4 / 16 [16 / 46 الوصیة 31]. (المؤلف)
4- راجع ما أسلفناه فی الجزء العاشر : ص 262. (المؤلف)

ولا أباه الوصیّ المقدّم ، ولا أُمّه الصدیقة الطاهرة ، ولا نفسه الکریمة التی اکتنفتها الفضائل والفواضل من شتّی نواحیها ، ولم ینظر فیه ذمّة الإسلام ، ولا حرمة الصحابة ، ولا مقتضی القرابة ، ولا نصوص رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فیه ، ولعمر الحقِّ لو کان مأموراً بقطعه وبغضه ومباینته لما وسعه أن یأتی بأکثر ممّا جاء به ، وناء بعبئه ، وباء بإثمه ، فقد قنت بلعنه فی صلواته التی تلعن صاحبها ، قال أبو الفرج : حدّثنی أبو عبید محمد بن أحمد ، قال : حدّثنی الفضل بن الحسن المصری ، قال : حدّثنی یحیی بن معین ، قال : حدّثنی أبو حفص اللبّان ، عن عبد الرحمن بن شریک ، عن إسماعیل بن أبی خالد ، عن حبیب ابن أبی ثابت ، قال : خطب معاویة بالکوفة حین دخلها والحسن والحسین جالسان تحت المنبر فذکر علیّا فنال منه ، ثم نال من الحسن ، فقام الحسین لیردّ علیه فأخذه الحسن بیده فأجلسه ثم قام فقال : «أیّها الذاکر علیّا أنا الحسن وأبی علیّ ، وأنت معاویة وأبوک صخر ، وأُمّی فاطمة وأُمّک هند ، وجدّی رسول الله وجدّک عتبة بن ربیعة ، وجدّتی خدیجة وجدّتک قتیلة ، فلعن الله أخملنا ذکراً ، وألأمنا حسباً ، وشرّنا قدیماً وحدیثاً ، وأقدمنا کفراً ونفاقاً». فقال طوائف من أهل المسجد : آمین. قال الفضل : قال یحیی بن معین : وأنا أقول : آمین. قال أبو الفرج : قال أبو عبید : قال الفضل : وأنا أقول : آمین ، ویقول علی بن الحسین الأصفهانی : آمین. قلت : ویقول عبد الحمید بن أبی الحدید مصنّف هذا الکتاب : آمین (1).

قال الأمینی : وأنا أقول : آمین (2).

وآخر ما نفض به کنانة غدر الرجل أن دسّ إلیه علیه السلام السمّ النقیع ، فلقی ربّه شهیداً مکموداً ، وقد قطع السمّ أحشاءه. ن.

ص: 16


1- شرح ابن أبی الحدید : 4 / 16 [16 / 46 - 47 الوصیة 31]. (المؤلف)
2- ویقول العاملون فی مرکز الغدیر : آمین آمین.

قال ابن سعد فی الطبقات (1) : سمّه معاویة مراراً ، لأنّه کان یقدم علیه الشام هو وأخوه الحسین.

وقال الواقدی : إنّه سُقی سمّا ثم أفلت ، ثم سُقی فأفلت ، ثم کانت الآخرة توفّی فیها ، فلمّا حضرته الوفاة قال الطبیب وهو یختلف إلیه : هذا رجلٌ قطع السمّ أمعاءه ، فقال الحسین : «یا أبا محمد أخبرنی من سقاک؟» قال : «ولِمَ یا أخی؟» قال : «أقتله والله قبل أن أدفنک ، وإن لا أقدر علیه أو یکون بأرض أتکلّف الشخوص إلیه». فقال «یا أخی إنّما هذه الدنیا لیالٍ فانیة ، دعه حتی ألتقی أنا وهو عند الله ، وأبی أن یسمّیه». وقد سمعت بعض من یقول : کان معاویة قد تلطّف لبعض خدمه أن یسقیه سمّا (2).

وقال المسعودی : [عن علیّ بن الحسین بن علیّ بن أبی طالب ، قال : دخل الحسین علی عمّی الحسن بن علی] (3) لمّا سُقی السمّ ، فقام لحاجة الإنسان ثم رجع ، فقال : «لقد سقیت السمّ عدّة مرار فما سُقیت مثل هذه ، لقد لفظت طائفة من کبدی فرأیتنی أقلّبه بعودٍ فی یدی» ، فقال له الحسین : «یا أخی من سقاک؟» قال : «وما ترید بذلک؟ فإن کان الذی أظنّه فالله حسیبه ، وإن کان غیره فما أُحبُّ أن یؤخذ بی بریءٌ». فلم یلبث بعد ذلک إلاّ ثلاثاً حتی توفی رضی الله عنه.

وذُکِر : أنَّ امرأته جعدة بنت أشعث بن قیس الکندی سقته السمّ ، وقد کان معاویة دسّ إلیها أنّک إن احتلت فی قتل الحسن وجّهت إلیک بمائة ألف درهم ، وزوّجتکِ یزید. فکان ذلک الذی بعثها علی سمّه ، فلمّا مات الحسن وفی لها معاویة بالمال وأرسل إلیها : إنّا نحبُّ حیاة یزید ولولا ذلک لوفینا لکِ بتزویجه!

وذکر : أنَّ الحسن قال عند موته : «لقد حاقت شربته ، وبلغ أُمنیّته ، والله ما وفی ب.

ص: 17


1- تتمیم طبقات ابن سعد : 1 / 352 ح 315.
2- تاریخ ابن کثیر : 8 / 43 [8 / 47 حوادث سنة 49 ه]. (المؤلف)
3- من مروج الذهب.

بما وعد ، ولا صدق فیما قال». وفی فعل جعدة یقول النجاشی الشاعر ، وکان من شیعة علیّ ، فی شعر طویل :

جعدة بَکّیه ولا تسأمی

بعد بکاء المعْوِل الثاکلِ (1)

لم یُسْبَلِ السترُ علی مثلِهِ

فی الأرضِ من حافٍ ومن ناعلِ

کان إذا شبّت له ناره

یرفعها بالسندِ الغاتلِ (2)

کیما یراها بائسٌ مرملٌ

وفرد قومٍ لیس بالآهلِ

یغلی بنیء اللحم حتی إذا

أنضج لم یغل علی آکلِ

أعنی الذی أسلَمَنا هلکُهُ

للزمن المستحرج (3) الماحلِ (4)

قال أبو الفرج الأصبهانی : کان الحسن شرط علی معاویة فی شروط الصلح : أن لا یعهد إلی أحد بالخلافة بعده ، وأن تکون الخلافة له من بعده ، وأراد معاویة البیعة لابنه یزید ، فلم یکن شیء أثقل علیه من أمر الحسن بن علیّ وسعد بن أبی وقّاص فدسَّ إلیهما سمّا فماتا منه ، أرسل إلی ابنة الأشعث أنِّی مزوِّجک بیزید ابنی علی أن تَسُمّی الحسن. وبعث إلیها بمائة ألف درهم ، فسوَّغها المال ولم یزوِّجها منه. مقاتل الطالبیّین (5) (ص 29). وحکاه عنه ابن أبی الحدید فی شرح النهج (4 / 11 ، 17) (6) من طرق مغیرة وأبی بکر بن حفص.

وقال أبو الحسن المدائنی : کانت وفاته فی سنة (49) وکان مریضاً أربعین یوماً وکان سنّه سبعاً وأربعین سنة ، دسّ إلیه معاویة سمّا علی ید جعدة بنت الأشعث 1.

ص: 18


1- فی تاریخ ابن کثیر [8 / 47 حوادث سنة 49 ه] : بکاء حقّ لیس بالباطل. (المؤلف)
2- فی تاریخ ابن کثیر [8 / 47 حوادث سنة 49 ه] : یرفعها بالنسب الماثل. (المؤلف)
3- من الحرج وهو الضیق والشدّة.
4- مروج الذهب : 2 / 50 [3 / 6 - 7]. (المؤلف)
5- مقاتل الطالبیّین : ص 80 رقم 4.
6- شرح نهج البلاغة : 16 / 29 ، 49 الوصیة 31.

زوجة الحسن ، وقال لها : إن قتلتِه بالسمّ فلک مائة ألف ، وأزوّجک یزید ابنی. فلمّا مات وفی لها بالمال ولم یزوّجها من یزید ، وقال : أخشی أن تصنع بابنی ما صنعت بابن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم.

شرح ابن أبی الحدید (1) (4 / 4).

وقال : کان الحصین بن المنذر الرقاشی یقول : والله ما وفی معاویة للحسن بشیء ممّا أعطاه ، قتل حُجراً وأصحاب حُجر ، وبایع لابنه یزید ، وسمَّ الحسن.

شرح ابن أبی الحدید (2) (4 / 7).

وقال أبو عمر فی الاستیعاب (3) (1 / 141) : قال قتادة وأبو بکر بن حفص : سُمَّ الحسن بن علیّ ، سمّته امرأته بنت الأشعث بن قیس الکندی. وقالت طائفة : کان ذلک منها بتدسیس معاویة إلیها وما بذل لها فی ذلک وکان لها ضرائر فالله أعلم. ثم ذکر صدر ما رواه المسعودی.

وقال سبط ابن الجوزی فی التذکرة (4) (ص 121) : قال علماء السیر ، منهم ابن عبد البرّ : سمّته زوجته جعدة بنت الأشعث بن قیس الکندی. وقال السُدی : دسّ إلیها یزید بن معاویة أن سمِّی الحسن وأتزوَّجک. فسمّته فلمّا مات أرسلت إلی یزید تسأله الوفاء بالوعد ، فقال : أنا والله ما أرضاک للحسن ، أفنرضاک لأنفسنا؟! وقال الشعبی : إنّما دسّ إلیها معاویة فقال : سمِّی الحسن وأُزوِّجکِ یزید وأعطیکِ مائة ألف درهم ، فلمّا مات الحسن بعثت إلی معاویة تطلب إنجاز الوعد ، فبعث إلیهابالمال وقال : إنّی أُحبُّ یزید ، وأرجو حیاته ، ولولا ذلک لزوّجتک إیّاه!

وقال الشعبی : ومصداق هذا القول أنَّ الحسن کان یقول عند موته وقد بلغه ما 2.

ص: 19


1- شرح نهج البلاغة : 16 / 11 ، 17 الوصیة 31.
2- شرح نهج البلاغة : 16 / 11 ، 17 الوصیة 31.
3- الاستیعاب : القسم الأول / 389 رقم 555.
4- تذکرة الخواص : ص 211 - 212.

صنع معاویة : «لقد عملت شربته وبلغت أُمنیّته ، والله لا یفی بما وعد ، ولا یصدق فیما یقول». ثم حکی عن طبقات ابن سعد : أنَّ معاویة سمّه مراراً کما مرّ.

وقال ابن عساکر فی تاریخه (1) (4 / 229) : یقال : إنَّه سقی السمَّ مراراً کثیراً فأفلت منه ثم سقی المرَّة الأخیرة فلم یفلت منها. ویقال : إنَّ معاویة قد تلطّف لبعض خدمه أن یسقیه سمّا فسقاه فأثّر فیه حتی کان یوضع تحته طست ویرفع نحواً من أربعین مرَّة. وروی محمد بن المرزبان : أنَّ جعدة بنت الأشعث بن القیس کانت متزوّجة بالحسن فدسَّ إلیها یزید أن سمّی الحسن وأنا أتزوّجک ففعلت ، فلمّا مات الحسن بعثت إلی یزید تسأله الوفاء بالوعد ، فقال لها : إنّا والله لم نرضک للحسن فکیف نرضاک لأنفسنا؟ فقال کثیر ، ویروی أنّه للنجاشی :

یا جعدة ابکیه ولا تسأمی

بکاء حقٍّ لیس بالباطلِ

لن تستری البیت علی مثلِهِ

فی الناس من حاف ولا ناعلِ

أعنی الذی أسلَمَهُ أهلُه

للزمن المستحرج الماحلِ

کان إذا شبّت له نارهُ

یرفعها بالنسب الماثلِ

کیما یراها بائسٌ مرملٌ

أو وفد قومٍ لیس بالآهلِ

یغلی بنیء اللحم حتی إذا

أنضج لم یغل علی آکلِ

وروی المزّی فی تهذیب الکمال فی أسماء الرجال (2) ، عن أُمّ بکر بنت المسور ، قالت : سُقی الحسن مراراً وفی الآخرة مات ، فإنّه کان یختلف کبده. فلمّا مات أقام نساء بنی هاشم علیه النوح شهراً. وفیه ، عن عبد الله بن الحسن : قد سمعت من یقول : کان معاویة قد تلطّف لبعض خدمه أن یسقیه سمّا. وقال أبو عوانة ، عن مغیرة ، عن أمّ موسی : إنَّ جعدة بنت الأشعث سقت الحسن السمَّ فاشتکی منه أربعین یوماً. 8.

ص: 20


1- تاریخ مدینة دمشق : 13 / 282 - 284 رقم 1383 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 7 / 39.
2- تهذیب الکمال : 6 / 252 رقم 1248.

وفی مرآة العجائب وأحاسن الأخبار الغرائب (1) ؛ قیل : کان سبب موت الحسن بن علیّ من سمّ سمَّ به یقال : إنَّ زوجته جعدة بنت الأشعث بن قیس الکندی سقته إیّاه ، ویُذکر والله أعلم بحقیقة أمورهم : أنَّ معاویة دسّ إلیها بذلک علی أن یوجّه لها مائة ألف درهم ویزوِّجها من ابنه یزید ، فلمّا مات الحسن وفی لها معاویة بالمال وقال : إنِّی أحبُّ حیاة یزید. وذکروا :

أنَّ الحسن قال عند موته : «لقد حاقت شربته والله لا وفی لها بما وعد ولا صدق فیما قال».

وفی سمّه یقول رجل من الشیعة :

تعرّفکم (2) لک من سلوة

تفرِّج عنک قلیل الحزَنْ

بموت النبیِّ وقتل الوصیِ

وقتل الحسین وسمّ الحسنْ

وقال الزمخشری فی ربیع الأبرار (3) فی الباب الحادی والثمانین : جعل معاویة لجعدة بنت الأشعث امرأة الحسن مائة ألف درهم حتی سمّته ، ومکث شهرین وإنَّه یرفع من تحته طستاً من دم وکان یقول : «سُقیت السمّ مراراً ما أصابنی فیها ما أصابنی فی هذه المرّة ، لقد لفظت کبدی».

وفی حسن السریرة (4) : لمّا کان سنة سبع وأربعین من الهجرة دسَّ معاویة إلی جعدة بنت الأشعث بن قیس الکندی زوجة الحسن بن علیّ أن تسقی الحسن السمَّ ، ویوجّه لها مائة ألف ویزوّجها من ابنه یزید. ففعلت ذلک.

کان معاویة یری أمر الإمام السبط علیه السلام حجر عثرة فی سبیل أمنیّته الخبیثة بیعة ف)

ص: 21


1- تألیف الشیخ أبی عبد الله محمد بن عمر زین الدین. (المؤلف)
2- کذا ، وفی مروج الذهب : 3 / 7 : تأسَّ فکم لک.
3- ربیع الأبرار : 4 / 208.
4- ألّفه الشیخ عبد القادر بن محمد بن [یحیی الحسینی الشافعی] الطبری ابن بنت محبّ الدین الطبری مؤلّف الریاض النضرة. [توفی سنة 1033 ، وکتابه (حسن السریرة فی حسن السیرة) : شرح منظومة فی السیر. راجع ذیل کشف الظنون : 3 / 404]. (المؤلف)

یزید ، ویجد نفسه فی خطر من ناحیتین ، عهده إلیه علیه السلام فی الصلح معه بأن لا یعهد إلی أحد من جانب ، وجدارة أبی محمد الزکیّ ونداء الناس به من ناحیة أخری ، فنجّی نفسه عن هذه الورطة بسمِّ الإمام علیه السلام ، ولمّا بلغه نعیه غدا مستبشراً ، وأظهر الفرح والسرور وسجد وسجد من کان معه.

قال ابن قتیبة : لمّا مرض الحسن بن علیّ مرضه الذی مات فیه ، کتب عامل المدینة إلی معاویة یخبره بشکایة الحسن ، فکتب إلیه معاویة : إن استطعت أن لا یمضی یومٌ یمرُّ بی إلاّ یأتینی فیه خبره فافعل. فلم یزل یکتب إلیه بحاله حتی توفّی فکتب إلیه بذلک. فلمّا أتاه الخبر أظهر فرحاً وسروراً حتی سجد وسجد من کان معه ، فبلغ ذلک عبد الله بن عبّاس وکان بالشام یومئذٍ فدخل علی معاویة ، فلمّا جلس قال معاویة : یا ابن عباس هلک الحسن بن علیّ. فقال ابن عباس : نعم هلک ، إنّا لله وإنّا إلیه راجعون. ترجیعاً مکرّراً ، وقد بلغنی الذی أظهرت من الفرح والسرور لوفاته ، أما والله ما سدّ جسده حفرتک ، ولا زاد نقصان أجله فی عمرک ، ولقد مات وهو خیرٌ منک ، ولئن أُصِبنا به لقد أُصبنا بمن کان خیراً منه جدّه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فجبر الله مصیبته ، وخلف علینا من بعده أحسن الخلافة. ثم شهق ابن عبّاس وبکی. الحدیث (1).

وفی العقد الفرید (2) (2 / 298) لمّا بلغ معاویة موت الحسن بن علیّ خرَّ ساجداً لله ، ثم أرسل إلی ابن عبّاس وکان معه فی الشام فعزّاه وهو مستبشرٌ. وقال له : ابن کم سنة مات أبو محمد؟ فقال له : سنّه کان یُسمع فی قریش فالعجب من أن یجهله مثلک قال : بلغنی أنّه ترک أطفالاً صغاراً ، قال : کلُّ ما کان صغیراً یکبر ، وإنَّ طفلنا لکهل وإنَّ صغیرنا لکبیر ، ثم قال : مالی أراک یا معاویة مستبشراً بموت الحسن بن علیّ؟ 6.

ص: 22


1- الإمامة والسیاسة : 1 / 144 [1 / 150]. (المؤلف)
2- العقد الفرید : 4 / 156.

فو الله لا ینسأ فی أجلک ، ولا یسدّ حفرتک ، وما أقلَّ بقاءک وبقاءنا بعده! وذکره الراغب فی المحاضرات (1) (2 / 224).

وفی حیاة الحیوان (2) (1 / 58) ، وتاریخ الخمیس (2 / 294) وفی طبعة (328) : قال ابن خلّکان (3) : لمّا مرض الحسن کتب مروان بن الحکم إلی معاویة بذلک وکتب إلیه معاویة : أن أَقبِلِ المطیَّ إلیَّ بخبر الحسن ، فلمّا بلغ معاویة موته سمع تکبیرة من الخضراء فکبّر أهل الشام لذلک التکبیر ، فقالت فاختة بنت قریظة لمعاویة : أقرّ الله عینک ، ما الذی کبّرت لأجله؟ فقال : مات الحسن. فقالت : أعلی موت ابن فاطمة تکبّر؟ فقال : ما کبّرت شماتةً بموته ، ولکن استراح قلبی (4). ودخل علیه ابن عبّاس فقال : یا ابن عبّاس هل تدری ما حدث فی أهل بیتک؟ قال : لا أدری ما حدث إلاّ أنّی أراک مستبشراً وقد بلغنی تکبیرک ، فقال : مات الحسن. فقال ابن عبّاس : رحم الله أبا محمد - ثلاثاً - ، والله یا معاویة لا تسدّ حفرته حفرتک ، ولا یزید عمره فی عمرک ، ولئن کنّا أُصبنا بالحسن فلقد أُصبنا بإمام المتّقین وخاتم النبیّین ، فجبر الله تلک الصدعة ، وسکّن تلک العبرة ، وکان الخلف علینا من بعده. انتهی.

وکان ابن هند جذلانَ مستبشراً بموت الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام قبل ولده الطاهر السبط ، فبلغ الحسن علیه السلام وکتب إلیه فیما کتب : «قد بلغنی أنک شمتَّ بما لا یشمت به ذوو الحجی ، وإنَّما مثلک فی ذلک کما قال الأوّل :

وقل للذی یبقی خلاف الذی مضی

تجهّز لأخری مثلها فکأن قدِ

وإنّا ومن قد مات منّا لکالذی

یروح فیمسی فی المبیت لیقتدی»ف)

ص: 23


1- محاضرات الأدباء : مج 2 / ج 4 / 500.
2- حیاة الحیوان : 1 / 83 - 84.
3- وفیات الأعیان : 2 / 66 - 67.
4- إلی هاهنا ذکره الزمخشری أیضاً فی ربیع الأبرار [4 / 209] فی الباب الحادی والثمانین ، والبدخشی فی نُزُل الأبرار [ص 147 - 148]. (المؤلف)

ولإرضاء معاویة منع ذلک الإمام الزکیّ عن أن یقوم أخوه الحسین السبط بإنجاز وصیّته ویدفنه فی حجرة أبیه الشریفة التی هی له ، وهو أولی إنسان بالدفن فیها. قال ابن کثیر فی تاریخه (1) (8 / 44) : فأبی مروان أن یدعه ، ومروان یومئذٍ معزول یرید أن یرضی معاویة. وقال ابن عساکر (2) (4 / 226) : قال مروان : ما کنت لأدع ابن أبی تراب یدفن مع رسول الله ، وقد دفن عثمان بالبقیع ، ومروان یومئذٍ معزولٌ یرید أن یرضی معاویة بذلک ، فلم یزل عدوّا لبنی هاشم حتی مات. انتهی.

هذه نماذج من جنایات معاویة علی ریحانة الرسول صلی الله علیه وآله وسلم ولعلَّ فیما أنساه التاریخ أضعافها ، وهل هناک مسائلٌ ابن حرب عمّا اقترفه السبط المجتبی سلام الله علیه من ذنب استحقَّ من جرّائه هذه النکبات والعظائم؟ وهل یسع ابن آکلة الأکباد أن یعدَّ منه شیئاً فی الجواب؟ غیر أنّه علیه السلام کان سبط محمد صلی الله علیه وآله وسلم وقد عطّل دین آباء الرجل الذی فارقه کرهاً ولم یعتنق الإسلام إلاّ فَرَقا ، وأنّه شبل علیّ خلیفة الله فی أرضه بعد نبیّه صلی الله علیه وآله وسلم وهو الذی مسح أسلافه الوثنیّین بالسیف ، وأثکلت أُمّهات البیت الأمویّ بأجریتهن (3) ، ولمّا ینقضی حزن معاویة علی أولئک الطغمة حتی تشفّی بأنواع الأذی التی صبّها علی الإمام المجتبی إلی أن اغتاله بالسمِّ النقیع ، ولم یملک نفسه حتی استبشر بموته ، وسجد شکراً ، وأنا لا أدری ألِلاته سجد أم لله سبحانه؟ وإنّ لسان حاله کان ینشد ما تظاهر به مقول نغله یزید :

قد قتلت القِرْمَ من ساداتهم

وعدلنا میل بدرٍ فاعتدلْ

لیت أشیاخی ببدرٍ شهدوا

جزعَ الخزرجِ من وقع الأسلْ

لعبت هاشمُ بالملکِ فلا

خبرٌ جاء ولا وحیٌ نزلْو.

ص: 24


1- البدایة والنهایة : 8 / 48 حوادث سنة 49 ه.
2- تاریخ مدینة دمشق : 13 / 287 ، 288 رقم 1383 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 7 / 42.
3- الأجریة : جمع جرو.

وأنّه بضعة الزهراء فاطمة الصدِّیقة حبیبة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ومنها نسله الذین ملأوا الدنیا أوضاحاً وغرراً من الحسب الوضّاء ، والشرف الباذخ ، والدین الحنیف ، کلُّ ذلک ورغبات معاویة علی الضدِّ منها ، وما تغنیه الآیات والنذر.

وفی الذکر الحکیم (سَأَصْرِفُ عَنْ آیاتِیَ الَّذِینَ یَتَکَبَّرُونَ فِی الْأَرْضِ بِغَیْرِ الْحَقِ) وَإِنْ یَرَوا کُلَّ آیَةٍ لَا یُؤمِنُوا بِهَا وَإنْ یَرَوا سَبِیلَ الرُّشْدِ لَا یَتَّخِذُوهُ سَبِیلاً وَإنْ یَرَوا سَبِیلَ الغَیِّ یَتَّخِذُوه سَبِیلاً ذَلِکَ بِأَنَّهُمْ کَذَّبُوا بِآیاتِنا وَکَانُوا عَنْها غَافِلِین) (1).

معاویة وشیعة أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب علیه السلام

لم یبرح معاویة مستصغراً کلّ کبیرة فی توطید سلطانه ، مستسهلاً دونه کلّ صعب ، فکان من الهیّن عنده فی ذلک کلّ بائقة ، ومن ذلک دأبه علی سفک دماء الشیعة - شیعة الإمام الطاهر - فی أقطار حکومته ، وفی جمیع مناطق نفوذه ، واستباحة أموالهم وأعراضهم ، وقطع أصولهم بقتل ذراریهم وأطفالهم ، ولم یستثن النساء ، وهم المعنیّون بثناء صاحب الرسالة صلی الله علیه وآله وسلم علیهم ، السابقة أحادیثه فی الجزء الثالث (ص 78).

وهب أنَّ هذا الثناء لم یصدر من مصدر النبوّة ، أو أنَّ روایته لم تبلغ ابن آکلة الأکباد ، فهل هم خارجون عن ربقة الإسلام المحرّم للنفوس والأموال والحرمات بکتابه وسنّة نبیّه؟ وهل اقترفوا إثماً لا یغفر أو عثروا عثرة لا تُقال غیر ولایتهم لإمام أجمع المسلمون علی خلافته ، وحثّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم أُمّته علی اتّباعه وولائه إثر ما نزل فی کتاب الله من ولایته؟ أو أنَّ ابن صخر حصل علی حکم لم یعرفه المسلمون یعارض کلَّ تلکم الأحکام الواردة فی الکتاب والسنّة؟ أو أنَّه لا یتحوّب بارتکاب الموبقات فیلغ فی الدماء ولوغاً؟ 6.

ص: 25


1- الأعراف : 146.

بعث بُسر بن أرطاة بعد تحکیم الحکمین ، وعلیّ بن أبی طالب رضی الله عنه یومئذٍ حیٌّ ، وبعث معه جیشاً آخر ، ووجّه برجل من عامر ضمّ إلیه جیشاً آخر ، ووجّه الضحّاک ابن قیس الفهری فی جیش آخر ، وأمرهم أن یسیروا فی البلاد فیقتلوا کلّ من وجدوه من شیعة علی بن أبی طالب علیه السلام وأصحابه ، وأن یغیروا علی سائر أعماله ، ویقتلوا أصحابه ، ولا یکفّوا أیدیهم عن النساء والصبیان. فمرّ بُسر لذلک علی وجهه حتی انتهی إلی المدینة فقتل بها ناساً من أصحاب علیّ علیه السلام وأهل هواه ، وهدم بها دوراً ، ومضی إلی مکة فقتل نفراً من آل أبی لهب ، ثم أتی السراة فقتل من بها من أصحابه ، وأتی نجران فقتل عبد الله بن عبد المدان الحارثی وابنه ، وکانا من أصهار بنی العبّاس عامل علیّ علیه السلام ، ثم أتی الیمن وعلیها عبید الله بن العبّاس عامل علی بن أبی طالب وکان غائباً ، وقیل : بل هرب لمّا بلغه خبر بُسر فلم یصادفه بُسر ووجد ابنین له صبیَّین فأخذهما بُسر لعنه الله (1) وذبحهما بیده بمدیة کانت معه ، ثم انکفأ راجعاً إلی معاویة.

وفعل مثل ذلک سائر من بعث به ، فقصد العامری إلی الأنبار فقتل ابن حسّان البکری وقتل رجالاً ونساءً من الشیعة ، قال أبو صادقة (2) : أغارت خیلٌ لمعاویة علی الأنبار فقتلوا عاملاً لعلیّ علیه السلام یقال له : حسّان بن حسّان ، وقتلوا رجالاً کثیراً ونساءً ، فبلغ ذلک علیّ بن أبی طالب صلوات الله علیه فخرج حتی أتی المنبر فرقیه فحمد الله وأثنی علیه وصلّی علی النبی صلی الله علیه وآله وسلم ثم قال :

«إنَّ الجهاد بابٌ من أبواب الجنّة ، فمن ترکه ألبسه الله ثوب الذلّة ، وشمله البلاء ، وریب بالصغار وسیم الخسف ، وقد قلت لکم : أغزوهم قبل أن یغزوکم فإنَّه لم یُغْزَ قومٌ قطُّ فی عُقر دارهم إلاّ ذلّوا. فتواکلتم وتخاذلتم وترکتم قولی وراءکم ظهریّا ،ف)

ص: 26


1- کذا جاء فی غیر موضع من لفظ الحدیث. (المؤلف)
2- أخرجه أبو الفرج مسنداً. حذفنا إسناده روماً للاختصار [الأغانی : 16 / 286 - 287 وفیه : عن أبی صادق]. (المؤلف)

حتی شنّت علیکم الغارات ، هذا أخو غامِدٍ قد جاء الأنبار فقتل عاملها حسّان ابن حسّان وقتل رجالاً کثیراً ونساءً ، والله بلغنی أنّه کان یأتی المرأة المسلمة والأخری المعاهَدَة فینزع حجلها ورعاثها ثم ینصرفون موفورین لم یکلم أحدٌ منهم کلماً ، فلو أنَّ امرأً مسلماً مات دون هذا أسفاً لم یکن علیه ملوماً بل کان به جدیراً» (1) الحدیث.

أصاب أُمّ حکیم بنت قارظ - زوجة عبید الله - ولهٌ علی ابنیها فکانت لا تعقل ولا تصغی إلاّ إلی قول من أعلمها أنَّهما قد قُتلا ، ولا تزال تطوف فی المواسم تنشد الناس ابنیها بهذه الأبیات :

یا من أحسّ بابنیَّ اللذینِ هما

کالدرّتینِ تشظّی عنهما الصدفُ

یا من أحسّ بابنیَّ اللذینِ هما

سمعی وقلبی فقلبی الیوم مُزدَهَفُ (2)

یا من أحسّ بابنیَّ اللذین هما

مخّ العظام فمخّی الیوم مختطفُ

نُبّئت بُسراً وما صدّقت ما زعموا

من قولهم ومن الإفک الذی اقترفوا

انحی علی ودجی ابنیّ مرهفةً

مشحوذة وکذاک الإفک یقترفُ

حتی لقیت رجالاً من أُرومته

شمّ الأُنوف لهم فی قومهم شرفُ

فالآن ألعنُ بُسراً حقّ لعنته

هذا لعمر أبی بُسر هو السرفُ

من دلَّ والهة حرّی مولّهة

علی صبیّین ضلاّ إذ غدا السلفُ

قالوا : ولمّا بلغ علی بن أبی طالب علیه السلام قتل بُسر الصبیّین جزع لذلک جزعاً شدیداً ، ودعا علی بُسر لعنه الله فقال : «اللهمّ اسلبه دینه ، ولا تخرجه من الدنیا حتی تسلبه عقله». فأصابه ذلک وفقد عقله ، وکان یهذی بالسیف ویطلبه فیؤتی بسیف من ن.

ص: 27


1- نهج البلاغة : ص 69 خطبة 27.
2- المُزدهف : المستطار القلب من جزع أو حزن.

خشب ویجعل بین یدیه زقّ منفوخ فلا یزال یضربه حتی یسأم (1).

صورة مفصّلة :

لقد شنَّ الغارة معاویة علی شیعة أمیر المؤمنین علیه السلام سنة (39) وفرّق جیوشه فی أصقاع حکومته علیه السلام واختار أُناساً ممّن لا خَلاق لهم لقتل أولئک الأبریاء أینما کانوا وحیثما وجدوا ، فوجّه النعمان بن بشیر فی ألف رجل إلی عین التمر.

ووجّه سفیان بن عوف فی ستّة آلاف وأمره أن یأتی هیت فیقطعها ثم یأتی الأنبار والمدائن فیوقع بأهلها ، فأتی هیت ثم أتی الأنبار وطمع فی أصحاب علیّ علیه السلام لقتلهم فقاتلهم ، فصبر أصحاب علیّ ثم قُتل صاحبهم أشرس (2) بن حسّان البکری وثلاثون رجلاً ، واحتملوا ما فی الأنبار من أموال أهلها ورجعوا إلی معاویة.

ووجّه عبد الله بن مسعدة بن حکمة الفزاری - وکان أشدّ الناس علی علیّ - فی ألف وسبعمائة إلی تیماء ، وأمره أن یصدّق (3) من مرَّ به من أهل البوادی ویقتل من امتنع ، ففعل ذلک وبلغ مکة والمدینة وفعل ذلک.

ووجّه الضحّاک بن قیس وأمره أن یمرّ بأسفل واقصة ویغیر علی کلّ من مرَّ به ممّن هو فی طاعة علی علیه السلام من الأعراب ، وأرسل ثلاثة آلاف رجل معه فسار الناس وأخذ الأموال ، ومضی إلی الثعلبیّة وقتل وأغار علی مسلحة علیّ ، وانتهی إلی القطقطانة ، فلمّا بلغ علیاً أرسل إلیه حُجر بن عدی فی أربعة آلاف فلحق الضحّاک ت.

ص: 28


1- الأغانی : 15 / 44 - 47 [16 / 285 - 292] ، تاریخ ابن عساکر : 3 / 223 [10 / 152 - 135 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 5 / 184] ، الاستیعاب : 1 / 65 [القسم الاول / 160 رقم 174] ، النزاع والتخاصم : ص 13 [ص 28] ، تهذیب التهذیب 1 / 435 ، 436 [1 / 381 - 382]. (المؤلف)
2- فی کتاب الغارات : 2 / 464 ، وتاریخ الأمم والملوک : 5 / 134 ، والکامل فی التاریخ 2 / 425 : أشرس. وفی غیرها من المصادر : حسان بن حسان.
3- المصدّق : هو الذی یجمع الصدقات.

بتدمر فقتل منهم تسعة عشر رجلاً ، وقُتل من أصحابه رجلان ، وحجز بینهما اللیل فهرب الضحّاک وأصحابه ورجع حُجر ومن معه.

ووجّه عبد الرحمن بن قباث بن أشیم إلی بلاد الجزیرة وفیها شیب (1) بن عامر جدّ الکرمانی الذی کان بخراسان ، فکتب إلی کمیل بن زیاد وهو بهیت یعلمه خبرهم ، فقاتله کمیل وهزمه وغلب علی عسکره ، وأکثر القتل فی أهل الشام وأمر أن لا یُتبع مدبرٌ ولا یُجهز علی جریح.

ووجّه الحرث بن نمر التنوخی إلی الجزیرة لیأتیه بمن کان فی طاعة علیّ ، فأخذ من أهل دارا سبعة نفر من بنی تغلب فوقع هناک من المقتلة ما وقع.

ووجّه زهیر بن مکحول العامری إلی السماوة ، وأمره أن یأخذ صدقات الناس ، فبلغ ذلک علیّا فبعث ثلاثة منهم جعفر بن عبد الله الأشجعی لیصدّقوا (2) من فی طاعته من کلب وبکر ، فوافوا زهیراً فاقتتلوا فانهزم أصحاب علیّ وقتل جعفر بن عبد الله.

وبعث سنة (40) بُسر بن أرطاة فی جیش فسار حتی قدم المدینة وبها أبو أیّوب الأنصاری عامل علیّ علیها ، فهرب أبو أیّوب فأتی علیّا بالکوفة ، ودخل بُسر المدینة ولم یُقاتله أحدٌ فصعد منبرها فنادی علیه : یا دینار! ویا نجار! ویا زریق! (3) شیخی شیخی عهدی به بالأمس فأین هو؟ یعنی - عثمان - ثم قال : یا أهل المدینة! والله لو لا ما عهد إلیَّ معاویة ما ترکت بها محتلماً إلاّ قتلته. فأرسل إلی بنی سلمة فقال : والله مالکم عندی أمانٌ حتی تأتونی بجابر بن عبد الله. فانطلق جابر إلی أُمّ سلمة زوجة النبیِّ صلی الله علیه وآله وسلم فقال لها : ما ذا ترین؟ إنَّ هذه بیعة ضلالة وقد خشیت أن أُقتل. ف)

ص: 29


1- وفی الکامل فی التاریخ : شبیب.
2- أی : یأخذوا الصدقات.
3- هذه بطون من الأنصار. (المؤلف)

قالت : أری أن تبایع فإنِّی قد أمرت ابنی عمر بن أبی سلمة وختنی عبد الله بن زمعة أن یبایعا ، فأتاه جابر فبایعه ، وهدم بُسر دوراً بالمدینة ، ثم سار إلی مکة فخاف أبو موسی أن یقتله فهرب ، وکتب أبو موسی إلی الیمن : إنَّ خیلاً مبعوثة من عند معاویة تقتل الناس ، تقتل من أبی أن یقرّ بالحکومة. ثم مضی بُسر إلی المدینة وکان علیها عبید الله بن عبّاس عاملاً لعلیّ فهرب منه إلی علیّ بالکوفة ، واستخلف عبد الله ابن عبد المدان الحارثی فأتاه بُسر فقتله وقتل ابنه ، ولقی بُسر ثقل عبید الله بن عباس وفیه ابنان له صغیران فذبحهما وهما : عبد الرحمن وقثم ، وقال بعضٌ : إنّه وجدهما عند رجل من بنی کنانة بالبادیة. فلمّا أراد قتلهما قال له الکنانی : لِمَ تقتل هذین ولا ذنب لهما؟ فإن کنت قاتلهما فاقتلنی معهما ، قال : أفعل. فبدأ بالکنانی فقتله ثم قتلهما. فخرجت نسوةٌ من بنی کنانة فقالت امرأة منهنّ : یا هذا قتلت الرجال ، فعلامَ تقتل هذین؟ والله ما کانوا یقتلون فی الجاهلیّة والإسلام ، والله یا ابن أرطاة إنَّ سلطاناً لا یقوم إلاّ بقتل الصبیّ الصغیر والشیخ الکبیر ، ونزع الرحمة ، وعقوق الأرحام ، لسلطان سوء. وقتل بُسر فی مسیره ذلک جماعة من شیعة علیّ بالیمن وبلغ علیاً الخبر.

تاریخ الطبری (6 / 77 - 81) ، کامل ابن الأثیر (3 / 162 - 167) ، تاریخ ابن عساکر (3 / 222 ، 459) ، الاستیعاب (1 / 65 ، 66) ، تاریخ ابن کثیر (7 / 319 - 322) ، وفاء الوفا (1 / 31) (1).

وقال ابن عبد البرّ فی الاستیعاب (2) (1 / 65) : کان یحیی بن معین یقول : کان بُسر بن أرطاة رجل سوء. قال أبو عمر : ذلک لأُمور عظام رکبها فی الإسلام فیما نقل 4.

ص: 30


1- تاریخ الأمم والملوک : 5 / 139 - 140 حوادث سنة 40 ه ، الکامل فی التاریخ : 2 / 425 - 432 حوادث سنة 40 ه ، تاریخ مدینة دمشق : 10 / 152 - 154 رقم 872 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 5 / 185 - 186 ، الاستیعاب : القسم الأول / 157 - 166 رقم 174 ، البدایة والنهایة : 7 / 356 - 357 حوادث سنة 40 ه ، وفاء الوفا : 1 / 46 الباب 2.
2- الاستیعاب : القسم الأول / 158 - 159 رقم 174.

أهل الأخبار وأهل الحدیث أیضاً منها : ذبحه ابنی عبید الله بن العبّاس وهما صغیران بین یدی أُمّهما. وقال الدارقطنی : لم تکن له استقامة بعد النبیّ علیه الصلاة والسلام وهو الذی قتل طفلین لعبید الله بن العبّاس. وقال أبو عمرو الشیبانی : لمّا وجّه معاویة ابن أبی سفیان بُسر بن أرطاة الفهری لقتل شیعة علیّ رضی الله عنه قام إلیه معن أو عمرو بن یزید السلمی وزیاد بن الأشهب الجعدی فقالا : یا أمیر المؤمنین نسألک بالله والرحم أن تجعل لبُسر علی قیس سلطاناً فیقتل قیساً بما قتلت به بنو سلیم من بنی فهر وکنانة یوم دخل رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم مکة. فقال معاویة : یا بُسر لا إمرة لک علی قیس ، فسار حتی أتی المدینة فقتل ابنی عبید الله وفرَّ أهل المدینة ودخلوا الحرّة حرّة بنی سلیم. قال أبو عمر : وفی هذه الخرجة التی ذکر أبو عمرو الشیبانی أغار بُسر بن أرطاة علی همدان وسبی نساءهم ، فکنَّ أوّل مسلمات سبین فی الإسلام ، وقتل أحیاءً من بنی سعد. ثم أخرج أبو عمرو بإسناده من طریق رجلین عن أبی ذرّ : أنّه دعا وتعوّذ فی صلاة صلاّها أطال قیامها ورکوعها وسجودها قال : فسألاه ممَّ تعوّذت؟ وفیمَ دعوتَ؟ قال : تعوّذت بالله من یوم البلاء یدرکنی ، ویوم العورة أن أدرکه. فقالا : وما ذاک؟ فقال : أمّا یوم البلاء فتلتقی فئتان من المسلمین فیقتل بعضهم بعضاً ، وأمّا یوم العورة فإنّ نساءً من المسلمات یُسْبَیْنَ فیکشف عن سوقهنَّ فأیّتهنّ کانت أعظم ساقاً اشتُریت علی عظم ساقها ، فدعوت الله أن لا یدرکنی هذا الزمان ولعلّکما تدرکانه. فقُتل عثمان ثم أرسل معاویة بُسر بن أرطاة إلی الیمن فسبی نساءً مسلمات فأُقِمن فی السوق.

وفی تاریخ ابن عساکر (1) (3 / 220 - 224) : کان بُسر من شیعة معاویة بن أبی سفیان وشهد معه صفِّین ، وکان معاویة وجّهه إلی الیمن والحجاز فی أوّل سنة أربعین ، وأمره أن یستقرئ من کان فی طاعة علیّ فیوقع بهم ، ففعل بمکة والمدینة والیمن أفعالاً قبیحةً وقد ولی البحر لمعاویة. وقتل بالیمن ابنی عبید الله بن العبّاس. وقال الدارقطنی : إنّ بُسراً کانت له صحبة ولم یکن له استقامة بعد النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم - یعنی : أنّه کان من أهل الردّة.4.

ص: 31


1- تاریخ مدینة دمشق : 10 / 144 - 156 رقم 872 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 5 / 182 - 184.

قال : وروی البخاری فی التاریخ : أنّ معاویة بعث بُسراً سنة سبع وثلاثین فقدم المدینة فبایع ، ثم انطلق إلی مکة والیمن فقتل عبد الرحمن وقثم ابنی عبید الله بن عبّاس. وفی روایة الزهری : أنَّ معاویة بعثه سنة تسع وثلاثین فقدم المدینة لیبلّغ الناس فأحرق دار زرارة بن خیرون (1) أخی بنی عمرو بن عوف بالسوق ، ودار رفاعة بن رافع (2) ، ودار عبد الله بن سعد (3) من بنی الأشهل ، ثم استمرَّ إلی مکة والیمن فقتل عبد الرحمن بن عبید ، وعمرو بن أمّ إدراکة الثقفی (4) ، وذلک أنّ معاویة بعثه علی ما حکاه ابن سعد لیستعرض الناس فیقتل من کان فی طاعة علیّ بن أبی طالب ، فأقام فی المدینة شهراً فما قیل له فی أحد : إنَّ هذا ممّن أعان علی عثمان إلاّ قتله ، وقتل قوماً من بنی کعب علی مائهم فیما بین مکة والمدینة وألقاهم فی البئر ومضی إلی الیمن ، وقتل من همدان بالجرف من کان مع علیّ بصفّین فقتل أکثر من مائتین ، وقتل من الأبناء کثیراً وهذا کلّه بعد قتل علیّ بن أبی طالب.

قال ابن یونس : کان عبید الله بن العبّاس قد جعل ابنیه عبد الرحمن وقثم عند رجل من بنی کنانة وکانا صغیرین ، فلمّا انتهی بُسر إلی بنی کنانة بعث إلیهما لیقتلهما ، فلمّا رأی ذلک الکنانی دخل بیته فأخذ السیف واشتدَّ علیهم بسیفه حاسراً وهو یقول :

اللیث من یمنع حافات الدار

ولا یزال مصلتاً دون الدار (5)

إلاّ فتی أروع غیر غدّار ف)

ص: 32


1- صحابیّ توجد ترجمته فی معاجم الصحابة [ویأتی فی ص 34 تصحیح اسم أبیه إلی : جرول] (المؤلف)
2- صحابیّ مترجم له فی المعاجم. (المؤلف)
3- صحابیّ ترجم له أصحاب فهارس الصحابة. (المؤلف)
4- صحابی مذکور فی عدّ الصحابة [وهو عمرو بن أراکة کما تُرجم فی معاجم الصحابة وکتب التاریخ ، ویأتی فی الصحیفة 38 عن الغارات بهذا الاسم]. (المؤلف)
5- والصحیح : ولا یزال مصلتاً دون الجار. (المؤلف)

فقال له بُسر : ثکلتک أمّک والله ما أردنا قتلک فِلمَ عرضت نفسکَ للقتل؟ فقال : أقتل دون جاری فعسی أُعذر عند الله وعند الناس. فضرب بسیفه حتی قُتل ، وقدّم بُسر الغلامین فذبحهما ذبحاً ، فخرج نسوةٌ من بنی کنانة فقالت قائلةٌ منهنَّ : یا هذا هؤلاء الرجال قتلت فعلامَ تقتل الولدان؟ والله ما کانوا یُقتلون فی جاهلیّة ولا إسلام ، والله إنّ سلطاناً لا یقوم إلاّ بقتل الضرع الصغیر والمدره (1) الکبیر ، وبرفع الرحمة وعقوق الأرحام لَسلطان سوء. فقال لها بُسر : والله لقد هممت أن أضع فیکنَّ السیف. فقالت : تالله إنَّها لأخت التی صنعت ، وما أنا بها منک بآمنة. ثم قالت للنساء اللواتی حولها : ویحکنَّ تفرّقن.

وفی الإصابة (3 / 9) : عمرو بن عمیس قتله بُسر بن أرطاة لمّا أرسله معاویة للغارة علی عمّال علیّ فقتل کثیراً من عمّاله من أهل الحجاز والیمن.

صورة مفصّلة :

کان بُسر بن أرطاة (2) قاسی القلب ، فظّا سفّاکاً للدماء ، لا رأفة عنده ولا رحمة ، فأمره معاویة أن یأخذ طریق الحجاز والمدینة ومکة حتی ینتهی إلی الیمن ، وقال له : لا تنزل علی بلدٍ أهله علی طاعة علیّ إلاّ بسطت علیهم لسانک حتی یروا أنّهم لا نجاء لهم ، وأنّک محیطٌ بهم ، ثم اکفف عنهم وادعهم إلی البیعة لی ، فمن أبی فاقتله ، واقتل شیعة علیّ حیث کانوا.

وفی روایة إبراهیم الثقفی فی الغارات (3) فی حوادث سنة أربعین : بعث معاویة بُسر بن أبی أرطاة فی ثلاثة آلاف وقال : سر حتی تمرّ بالمدینة فاطرد الناس ، وأخف من مررت به ، وانهب أموال کلّ من أصبت له مالاً ممّن لم یکن له دخلٌ فی طاعتنا ، 1.

ص: 33


1- المدره : زعیم القوم. وفی الغارات : المدرهم : وهو الشیخ المسنّ.
2- ویقال : ابن أبی أرطاة. (المؤلف)
3- الغارات : ص 411.

فإذا دخلت المدینة فأرهم أنَّک ترید أنفسهم ، وأخبرهم أنَّه لا براءة لهم عندک ولا عذر حتی إذا ظنّوا أنّک موقع بهم فاکفف عنهم ، ثم سر حتی تدخل مکة ولا تعرض فیها لأحد ، وأرهب الناس عنک فیما بین المدینة ومکة ، واجعلهم شرودات حتی تأتی صنعاء والجند ، فإنَّ لنا [بهما] (1) شیعة وقد جاءنی کتابهم.

فخرج بُسر فی ذلک البعث مع جیشه وکانوا إذا وردوا ماءً أخذوا إبل أهل ذلک الماء فرکبوها ، وقادوا خیولهم حتی یردوا الماء الآخر ، فیردّون تلک الإبل ویرکبون إبل هؤلاء ، فلم یزل یصنع ذلک حتی قرب إلی المدینة ، فاستقبلتهم قضاعة ینحرون لهم الجزر حتی دخلوا المدینة ، وعامل علیّ علیه السلام علیها أبو أیّوب الأنصاری صاحب منزل رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فخرج عنها هارباً ودخل بُسر المدینة ، فخطب الناس وشتمهم وتهدّدهم یومئذٍ وتوعّدهم وقال : شاهت الوجوه إنّ الله تعالی ضرب مثلاً قریة کانت آمنة مطمئنّة یأتیها رزقها رغداً. وقد أوقع الله تعالی ذلک المثل بکم وجعلکم أهله ، وکان بلدکم مهاجر النبی صلی الله علیه وآله وسلم ومنزله وفیه قبره ومنازل الخلفاء من بعده ، فلم تشکروا نعمة ربّکم ولم ترعوا حقَّ نبیّکم ، وقتل خلیفة الله بین أظهرکم ، فکنتم بین قاتل وخاذل ومتربّص وشامت ، إن کانت للمؤمنین قلتم : ألم نکن معکم؟ وإن کان للکافرین نصیب ، قلتم : ألم نستحوذ علیکم ونمنعکم من المؤمنین؟ ثم شتم الأنصار ، فقال : یا معشر الیهود وأبناء العبید بنی زریق وبنی النجّار وبنی سالم وبنی عبد الأشهل أما والله لأوقعنَّ بکم وقعة تشفی غلیل صدور المؤمنین وآل عثمان ، أما والله لأدعنّکم أحادیث کالأُمم السالفة ، فتهدّدهم حتی خاف الناس أن یوقع بهم ، ففزعوا إلی حُویطب بن عبد العزّی ، ویقال : إنّه زوج أُمّه فصعد إلیه المنبر فناشده وقال : عترتک وأنصار رسول الله ولیست بقتلة عثمان ، فلم یزل به حتی سکن ودعا الناس إلی بیعة معاویة فبایعوه ونزل فأحرق دوراً کثیرة منها : دار زرارة بن حرون (2) أحد بنی عمرو ل.

ص: 34


1- التصحیح من کتاب الغارات.
2- کذا فی شرح نهج البلاغة. وفی الغارات : جرول.

ابن عوف ، ودار رفاعة بن رافع الزرقی ، ودار أبی أیّوب الأنصاری. وفقد جابر بن عبد الله الأنصاری ، فقال : مالی لا أری جابراً ، یا بنی سلمة لا أمان لکم عندی أو تأتونی بجابر. فعاذ جابر بأمّ سلمة ، فأرسلت إلی بُسر بن أرطاة فقال : لا أؤمنه حتی یبایع فقالت له أُمّ سلمة : اذهب فبایع ، وقالت لابنها عمر : اذهب فبایع ، فذهبا فبایعاه.

وروی من طریق وهب بن کیسان ، قال : سمعت جابر بن عبد الله الأنصاری یقول : لمّا خفت بُسراً وتواریت عنه قال لقومی : لا أمان لکم عندی حتی یحضر جابر ، فأتونی وقالوا : ننشدک الله لما انطلقت معنا فبایعت فحقنت دمک ودماء قومک فإنَّک إن لم تفعل قتلت مقاتلیناو سبیت ذرارینا ، فاستنظرتهم اللیل ، فلمّا أمسیت دخلت علی أمّ سلمة فأخبرتها الخبر ، فقالت : یا بنیَّ انطلق فبایع احقن دمک ودماء قومک ، فإنّی قد أمرت ابن أخی أن یذهب فیبایع ، وإنِّی لأعلم أنّها بیعة ضلالة.

قال إبراهیم : فأقام بُسر بالمدینة أیّاماً ثم قال لهم : إنّی قد عفوت عنکم وإن لم تکونوا لذلک بأهل ، ما قومٌ قُتِل إمامهم بین ظهرانیهم بأهل أن یکفّ عنهم العذاب ، ولئن نالکم العفو منّی فی الدنیا إنّی لأرجو أن لا تنالکم رحمة الله فی الآخرة ، وقد استخلفت علیکم أبا هریرة فإیّاکم وخلافه. ثم خرج إلی مکة.

وروی الولید بن هشام ؛ قال : أقبل بُسر فدخل المدینة فصعد منبر الرسول صلی الله علیه وآله وسلم ثم قال : یا أهل المدینة خضبتم لحاکم وقتلتم عثمان مخضوباً ، والله لا أدع فی المسجد مخضوباً إلاّ قتلته. ثم قال لأصحابه : خذوا بأبواب المسجد وهو یرید أن یستعرضهم ، فقام إلیه عبد الله بن الزبیر وأبو قیس أحد بنی عامر بن لؤیّ فطلبا إلیه حتی کفّ عنهم وخرج إلی مکة ، فلمّا قرب منها هرب قثم بن العبّاس وکان عامل علی علیه السلام ، ودخلها بُسر فشتم أهل مکة وأنّبهم ثم خرج عنها واستعمل علیها شیبة بن عثمان.

وروی عوانة ، عن الکلبی : أنَّ بُسراً لمّا خرج من المدینة إلی مکة قتل فی

ص: 35

طریقه رجالاً ، وأخذ أموالاً ، وبلغ أهل مکة خبره فتنحّی عنها عامّة أهلها ، وتراضی الناس بشیبة بن عثمان أمیراً لمّا خرج قثم بن العبّاس عنها ، وخرج إلی بُسر قومٌ من قریش فتلقّوه فشتمهم ثم قال : أما والله لو ترکت ورأیی فیکم لترکتکم وما فیها روحٌ تمشی علی الأرض. فقالوا : ننشدک الله فی أهلک وعترتک. فسکت ثم دخل وطاف بالبیت وصلّی رکعتین ثم خطبهم فقال : الحمد لله الذی أعزَّ دعوتنا ، وجمع أُلفتنا ، وأذلَّ عدوّنا بالقتل والتشرید ، هذا ابن أبی طالب بناحیة العراق فی ضنک وضیق قد ابتلاه الله بخطیئته ، وأسلمه بجریرته ، فتفرّق عنه أصحابه ناقمین علیه ، وولی الأمر معاویة الطالب بدم عثمان ، فبایعوا ، ولا تجعلوا علی أنفسکم سبیلاً. فبایعوا ، وفقد سعید بن العاص فطلبه فلم یجده وأقام أیّاماً ثم خطبهم فقال : یا أهل مکة إنّی قد صفحت عنکم فإیّاکم والخلاف ، فو الله إن فعلتم لأقصدنَّ منکم إلی التی تبیر الأصل ، وتحرب المال ، وتخرب الدیار. ثم خرج إلی الطائف.

قال إبراهیم الثقفی : ووجّه رجلاً من قریش إلی نبالة وبها قومٌ من شیعة علیّ علیه السلام وأمره بقتلهم فأخذهم وکلّم فیهم وقیل له : هؤلاء قومک فکفَّ عنهم حتی نأتیک بکتاب من بُسر بأمانهم فحبسهم ، وخرج منیع الباهلی من عندهم إلی بُسر وهو بالطائف یستشفع إلیه فیهم ، فتحمّل علیه بقوم من الطائف فکلّموه فیهم وسألوه الکتاب بإطلاقهم فوعدهم ومطلهم بالکتاب حتی ظنَّ أنَّه قد قتلهم القرشیُّ المبعوث لقتلهم ، وأنَّ کتابه لا یصل إلیهم حتی یُقتلوا ، ثم کتب لهم فأتی منیع منزله وکان قد نزل علی امرأة بالطائف ورحله عندها فلم یجدها فی منزلها ، فوطئ علی ناقته بردائه ورکب فسار یوم الجمعة ولیلة السبت لم ینزل عن راحلته قطّ ، فأتاهم ضحوة وقد أُخرج القوم لیُقتلوا واستبطئ کتاب بُسر فیهم ، فقدّم رجلٌ منهم فضربه رجل من أهل الشام فانقطع سیفه ، فقال الشامیّون بعضهم لبعض : شمسوا سیوفکم حتی تلین فهزّوها وتبصّر منیع الباهلی بریق السیوف ، فألمع بثوبه فقال القوم : هذا راکب عنده خبر فکفوا ، وقام به بعیره فنزل عنه وجاء علی رجلیه یشدُّ فدفع الکتاب إلیهم

ص: 36

فأُطلقوا ، وکان الرجل المقدّم الذی ضُرب بالسیف فانکسر السیف أخاه.

قال إبراهیم : وروی علیّ بن مجاهد ، عن ابن إسحاق (1) : أنَّ أهل مکة لمّا بلغهم ما صنع بُسر خافوه وهربوا ، فخرج ابنا عبید الله بن العبّاس وهما : سلیمان ، وداود ، وأُمّهما حوریّة (2) ابنة خالد بن قارظ الکنانیّة وتکنّی أُمّ حکیم ، وهم حلفاء بنی زهرة وهما غلامان مع أهل مکة فأضلّوهما عند بئر میمون بن الحضرمی ، ومیمون هذا أخو العلاء بن الحضرمی ، وهجم علیهما بُسر فأخذهما وذبحهما فقالت أمّهما :

هامن أحسَّ بابنیّ اللذین هما

کالدرّتین تشظّی عنهما الصدفُ (3)

وقد روی أنَّ اسمهما : قثم وعبد الرحمن ، وروی : أنّهما ضلاّ فی أخوالهما من بنی کنانة ، وروی : أنّ بُسراً إنَّما قتلهما بالیمن وأنّهما ذُبحا علی درج صنعاء. وروی عبد الملک ابن نوفل عن أبیه : إنّ بُسراً لمّا دخل الطائف وقد کلّمه المغیرة قال له : لقد صدقتنی ونصحتنی فبات بها وخرج منها وشیّعه المغیرة ساعة ثم ودّعه وانصرف عنه فخرج حتی مرّ ببنی کنانة وفیهم ابنا عبید الله بن العبّاس وأُمّهما ، فلمّا انتهی بُسر إلیهم طلبهما ، فدخل رجلٌ من بنی کنانة وکان أبوهما أوصاه بهما ، فأخذ السیف من بیته وخرج فقال له بُسر : ثکلتک أُمّک والله ما کنّا أردنا قتلک فلِم عرّضت نفسک للقتل؟ قال : أُقتل دون جاری أعذر لی عند الله والناس. ثم شدَّ علی أصحاب بُسر بالسیف حاسراً وهو یرتجز :

آلیت لا یمنع حافات الدار

ولا یموت مصلتاً دون الجار (4)

إلاّ فتی أروع غیر غدّار ر.

ص: 37


1- فی الغارات : 2 / 611 عن سنان بن أبی سنان : أنّ أهل مکة.
2- کذا فی شرح نهج البلاغة ، وفی الطبعة المعتمدة لدینا من شرح النهج والغارات : جویریة.
3- إلی آخر الأبیات التی مرّت فی صفحة 17 ، 18. (المؤلف)
4- مرَّ فی الصحیفة 32 بغیر هذا اللفظ ، وصحّح المؤلف رحمه الله ؛ شطره ب : ولا یزال مصلتاً دون الجار.

فضارب بسیفه حتی قُتل ، ثم قدّم الغلامان فقتلا ، فخرج نسوة من بنی کنانة فقالت امرأة منهنّ : هذه الرجال یقتلها فما بال الولدان؟ والله ما کانوا یُقتلون فی جاهلیّة ولا إسلام ، والله إنَّ سلطاناً لا یشتدّ إلاّ بقتل الضرع الضعیف ، والشیخ الکبیر ورفع الرحمة ، وقطع الأرحام ، لسلطان سوء. فقال بُسر : والله لهممت أن أضع فیکنّ السیف. قالت : والله إنّه لأحبّ إلیَّ إن فعلت.

قال إبراهیم : وخرج بُسر من الطائف فأتی نجران فقتل عبد الله بن عبد المدان وابنه مالکاً ، وکان عبد الله هذا صهراً لعبید الله بن العباس ، ثم جمعهم وقام فیهم ، وقال : یا أهل نجران! یا معشر النصاری وإخوان القرود! أمّا والله إن بلغنی عنکم ما أکره لأعودنَّ علیکم بالتی تقطع النسل ، وتهلک الحرث ، وتخرب الدیار ، وتهدّدهم طویلاً ، ثم سار حتی دخل أرحب فقتل أبا کرب وکان یتشیّع ویقال : إنَّه سیّد من کان بالبادیة من همدان فقدّمه فقتله ، وأتی صنعاء قد خرج عنها عبید الله بن العبّاس وسعید بن نمران ، وقد استخلف عبید الله علیها عمرو بن أراکة الثقفی ، فمنع بُسراً من دخولها وقاتله فقتله بُسر ودخل صنعاء فقتل منها قوماً ، وأتاه وفد مأرب فقتلهم فلم ینج منهم إلاّ رجلٌ واحدٌ ورجع إلی قومه فقال لهم : أنعی قتلانا ، شیوخاً وشبّاناً.

قال إبراهیم : وهذه الأبیات المشهورة لعبد (1) بن أراکة الثقفی یرثی بها ابنه عمراً :

لعمری لقد أردی ابن أرطاة فارساً

بصنعاء کاللیث الهزبر أبی الأجرِ

تعزَّ فإن کان البکا ردَّ هالکاً

علی أحد فاجهد بکاک علی عمرِو

ولا تبک میتاً بعد میت أحبّة

علیّ وعبّاس وآل أبی بکرِی.

ص: 38


1- کذا فی الطبعة التی اعتمدها المؤلف من شرح نهج البلاغة ، وفی الطبعة المعتمدة لدینا نُسبت الأبیات لعبد الله بن أراکة ، وکلاهما غیر صحیح ، والصواب أنّها لأراکة بن عبد الله یخاطب بها ولده الآخر عبد الله ویرثی ولده عمراً الذی قتله بُسر ، کما فی الکامل فی اللغة والأدب للمبرد : 2 / 332. ولم نعثر علی هذه الأبیات فی کتاب الغارات نفسه ، بل ذکرها محقق الکتاب السید جلال الدین الحسینی الأرموی فی هامشه ناقلاً إیاها عن المؤتلف والمختلف للآمدی.

قال : ثم خرج بُسر من صنعاء فأتی أهل حبسان (1) وهم شیعة لعلیّ علیه السلام فقاتلهم وقاتلوه فهزمهم وقتّلهم قتلاً ذریعاً ، ثم رجع إلی صنعاء فقتل بها مائة شیخ من أبناء فارس لأنّ ابنی عبید الله بن العبّاس کانا مستترین فی بیت امرأة من أبنائهم تعرف بابنة بزرج. وکان الذی قتل بُسر فی وجهه ذلک ثلاثین ألفاً ، وحرّق قوماً بالنار ، فقال یزید بن مفرّغ :

تعلّق من أسماء ما قد تعلّقا

ومثل الذی لاقی من الشوق أرّقا

سقی منفخ الأکناف منبعج الکلی

منازلها من مشرقات فشرّقا

إلی الشرف الأعلی إلی رامَهُرْمزٍ

إلی قربات الشیخ من نهر أربقا

إلی دست مارین إلی الشطّ کلّه

إلی مجمع السلاّن من بطن دورقا

إلی حیث یرقی من دجیل سفینه

إلی مجمع النهرین حیث تفرّقا

إلی حیث سار المرء بُسرٌ بجیشه

فقتّل بُسرٌ ما استطاع وحرَّقا

قال : ودعا علیّ علیه السلام علی بُسر فقال : «اللهمّ إنَّ بسراً باع دینه بالدنیا ، وانتهک محارمک ، وکانت طاعة مخلوق فاجر آثر عنده ممّا عندک ، اللهمّ فلا تمته حتی تسلبه عقله ، ولا توجب له رحمتک ، ولا ساعة من نهار ، اللهمّ العن بُسراً وعمراً ومعاویة ، ولیحلّ علیهم غضبک ، ولتنزل بهم نقمتک ، ولیصبهم بأسک وزجرک الذی لا تردّه عن القوم المجرمین». فلم یلبث بُسر بعد ذلک إلاّ یسیراً حتی وسوس وذهب عقله ، فکان یهذی بالسیف ویقول : اعطونی سیفاً أقتل به. لا یزال یردِّد ذلک حتی اتُّخذ له سیفٌ من خشب ، وکانوا یدنون منه المرفقة فلا یزال یضربها حتی یغشی علیه فلبث کذلک إلی أن مات (2). ف)

ص: 39


1- کذا فی شرح نهج البلاغة ، وأما فی الطبعة المعتمدة لدینا من شرح النهج والغارات ففیهما : جیشان ، وهی کورة بالیمن شمال لحج.
2- شرح ابن أبی الحدید : 1 / 116 - 121 [2 / 7 - 18 خطبة 25]. (المؤلف)

وفی شرح ابن أبی الحدید (1) (3 / 15) : روی أبو الحسن علیّ بن محمد بن أبی سیف المدائنی [فی کتاب الأحداث ، قال : کتب معاویة نسخة واحدة إلی عمّاله بعد عام الجماعة : أن برئت الذمّة ممّن روی شیئاً] (2) من فضل أبی تراب وأهل بیته ، فقامت الخطباء فی کلّ کورة وعلی کلّ منبر یلعنون علیّا ویبرؤون منه ویقعون فیه وفی أهل بیته ، وکان أشدُّ الناس بلاءً حینئذٍ أهل الکوفة لکثرة من بها من شیعة علیّ علیه السلام فاستعمل علیهم زیاد بن سمیّة وضمَّ إلیه البصرة ، فکان یتتبّع الشیعة وهو بهم عارفٌ لأنّه کان منهم أیّام علیّ علیه السلام فقتلهم تحت کلّ حجر ومدر وأخافهم ، وقطع الأیدی والأرجل ، وسمل العیون ، وصلبهم علی جذوع النخل ، وطردهم وشرّدهم عن العراق ، فلم یبق بها معروفٌ منهم. وکتب معاویة إلی عمّاله فی جمیع الآفاق : أن لا یُجیزوا لأحد من شیعة علیّ وأهل بیته شهادة. وکتب إلیهم : أن انظروا من قبلکم من شیعة عثمان ومحبّیه وأهل ولایته والذین یروون فضائله ومناقبه فأدنوا مجالسهم وقرّبوهم وأکرموهم واکتبوا لی بکلّ ما یروی کلّ رجل منهم واسمه واسم أبیه وعشیرته. ففعلوا ذلک حتی أکثروا فی فضائل عثمان ومناقبه لما کان یبعثه إلیهم معاویة من الصلات والکساء والحباء والقطائع ، ویفیضه فی العرب منهم والموالی ، فکثر ذلک فی کلّ مصر وتنافسوا فی المنازل والدنیا ، فلیس یجیء أحدٌ مردودٌ من الناس عاملاً من عمّال معاویة فیروی فی عثمان فضیلة أو منقبة إلاّ کتب اسمه وقرّبه وشفّعه فلبثوا بذلک حیناً ، ثم کتب إلی عمّاله : إنَّ الحدیث فی عثمان قد کثر وفشا فی کلّ مصر وفی کلّ وجه وناحیة ، فإذا جاءکم کتابی هذا فادعوا الناس إلی الروایة فی فضائل الصحابة والخلفاء الأوّلین ولا تترکوا خبراً یرویه أحدٌ من المسلمین فی أبی تراب إلاّ وتأتونی بمناقض له فی الصحابة مفتعلة ، فإنَّ هذا أحبُّ إلیَّ ، وأقرُّ لعینی ، وأدحض لحجّة أبی تراب وشیعته ، وأشدُّ إلیهم من مناقب عثمان وفضله.

ثم کتب إلی عمّاله نسخة واحدةً إلی جمیع البلدان : انظروا إلی من قامت علیه ر.

ص: 40


1- شرح نهج البلاغة : 11 / 44 - 45 خطبة 32.
2- ما بین المعقوفین ساقط وأثبتناه من المصدر.

البیّنة أنَّه یحبُّ علیّا وأهل بیته فامحوه من الدیوان وأسقطوا عطاءه ورزقه ، وشفع ذلک بنسخة أخری : من اتّهمتموه بموالاة هؤلاء القوم فنکّلوا به واهدموا داره. فلم یکن البلاء أشدّ ولا أکثر منه بالعراق ولا سیّما بالکوفة حتی أنَّ الرجل من شیعة علیّ علیه السلام لیأتیه من یثق به فیدخل بیته فیلقی إلیه سرّه ویخاف من خادمه ومملوکه ولا یُحدّثه حتی یأخذ علیه الأیمان الغلیظة لیکتمن علیه ، فظهر حدیث کثیر موضوع وبهتان منتشر. إلی آخره.

استخلف زیاد علی البصرة سمرة بن جندب لمّا کتب معاویة إلی زیاد بعهده علی الکوفة والبصرة ، فکان زیاد یقیم ستّة أشهر بالکوفة وستّة أشهر بالبصرة ، وسمرة من الذین أسرفوا فی القتل علی علمٍ من معاویة بل بأمرٍ منه.

أخرج الطبری من طریق محمد بن سلیم ، قال : سألت أنس بن سیرین : هل کان سمرة قتل أحداً؟ قال : وهل یُحصی من قتل سمرة بن جندب؟ استخلفه زیاد علی البصرة وأتی الکوفة فجاء وقد قتل ثمانیة آلاف من الناس ، فقال له معاویة : هل تخاف أن تکون قد قتلت أحداً بریئاً؟ قال : لو قتلت إلیهم مثلهم ما خشیت ، أو کما قال.

قال أبو سوار العدوی : قتل سمرة من قومی فی غداة سبعة وأربعین رجلاً قد جمع القرآن.

وروی بإسناده عن عوف ، قال : أقبل سمرة من المدینة فلمّا کان عند دور بنی أسد خرج رجل من أزقّتهم ففجأ أوائل الخیل فحمل علیه رجل من القوم فأوجره الحربة ، قال : ثم مضت الخیل فأتی علیه سمرة بن جندب وهو متشحّطٌ فی دمه فقال : ما هذا؟ قیل : أصابته أوائل خیل الأمیر. قال : إذا سمعتم بنا قد رکبنا فاتّقوا أسنّتنا (1).

أعطی معاویة سمرة بن جندب من بیت المال أربعمائة ألف درهم علی أن یخطب فی أهل الشام بأنَّ قوله تعالی : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ یُعْجِبُکَ قَوْلُهُ فِی الْحَیاةِ الدُّنْیا ف)

ص: 41


1- تاریخ الطبری : 6 / 132 [5 / 237 حوادث سنة 50 ه]. (المؤلف)

وَیُشْهِدُ اللهَ عَلی ما فِی قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ* وَإِذا تَوَلَّی سَعی فِی الْأَرْضِ لِیُفْسِدَ فِیها وَیُهْلِکَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللهُ لا یُحِبُّ الْفَسادَ) (1) أنَّها نزلت فی علیّ بن أبی طالب علیه السلام. وأنّ قوله تعالی : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ یَشْرِی نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ) (2). نزل فی ابن ملجم أشقی مراد (3).

وأخرج الطبری من طریق عمر بن شبّه ، قال : مات زیاد وعلی البصرة سمرة ابن جندب خلیفةً له ، فأقرَّ سمرة علی البصرة ثمانیة عشر شهراً. قال عمر : وبلغنی عن جعفر الضبعی قال : أقرَّ معاویة سمرة بعد زیاد ستّة أشهر ثم عزله ، فقال سمرة : لعن الله معاویة والله لو أطعت الله کما أطعت معاویة ما عذّبنی أبداً.

وروی من طریق سلیمان بن مسلم العجلی ، قال : سمعت أبی یقول : مررت بالمسجد فجاء رجلٌ إلی سمرة فأدّی زکاة ماله ، ثم دخل فجعل یصلّی فی المسجد ، فجاء رجلٌ فضرب عنقه فإذا رأسه فی المسجد وبدنه ناحیة ، فمرّ أبو بکرة فقال : یقول الله سبحانه : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَکَّی* وَذَکَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّی) (4). قال أبی : فشهدت ذلک فما مات سمرة حتی أخذه الزمهریر ، فمات شرّ میتة. قال : وشهدته وأُتی بناس کثیر وأُناس بین یدیه فیقول للرجل : ما دینک؟ فیقول : أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شریک له ، وأنَّ محمداً عبده ورسوله ، وأنِّی بریءٌ من الحروریّة. فیقدّم فیضرب عنقه حتی مرّ بضعة وعشرون.

تاریخ الطبری (5) (6 / 164).

وفی مقدّم عمّال معاویة الحاملین عداء سیّد العترة ، المهاجمین شیعة آل الله بکلّ .

ص: 42


1- البقرة : 204 - 205.
2- البقرة : 207.
3- شرح ابن أبی الحدید : 1 / 361 [4 / 73 خطبة 56]. (المؤلف)
4- الأعلی : 14 - 15.
5- تاریخ الأمم والملوک : 5 / 291 - 292 حوادث سنة 53 ه.

قویً متیسّرة : زیاد بن سمیّة ، ومن الزائد جدّا بحثنا عن جرائمه الوبیلة التی حفظها له التاریخ ، واسودّت بها صفحات تاریخه ، ولا بدع وهو ولید البغاء من الأدعیاء المشهورین ، ربیب حجر سمیّة البغیّ ، والإناء إنّما یترشّح بما فیه ، والشوک لا یثمر العنب ، وقد صدق النبیّ الکریم فی قوله صلی الله علیه وآله وسلم فی السبطین ووالدیهما : «لا یحبّهم إلاّ سعید الجدّ طیّب المولد ، ولا یبغضهم إلاّ شقی الجدّ ردیّ المولد». وکان السلف یبور أولادهم (1) بحبّ علیّ علیه السلام فمن کان لا یحبّه علموا أنَّه لغیر رشدة (2). فلا تعجب من الدعیّ ومن کتابه القارص إلی الإمام السبط الحسن الزکی علیه السلام قد شفع إلیه فی رجل من شیعته. قال ابن عساکر : کان سعد بن سرح مولی حبیب بن عبد شمس من شیعة علیّ بن أبی طالب ، فلمّا قدم زیاد الکوفة والیاً علیها أخافه وطلبه زیاد ، فأتی الحسن ابن علیّ فوثب زیاد علی أخیه وولده وامرأته وحبسهم وأخذ ماله وهدم داره ، فکتب الحسن إلی زیاد : «من الحسن بن علیّ إلی زیاد. أمّا بعد : فإنَّک عمدت إلی رجل من المسلمین له ما لهم وعلیه ما علیهم ، فهدمت داره ، وأخذت ماله وعیاله فحبستهم ، فإذا أتاک کتابی هذا فابن له داره ، واردد علیه عیاله وماله ، فإنّی قد أجرته فشفِّعنی فیه». فکتب إلیه زیاد :

من زیاد بن أبی سفیان إلی الحسن بن فاطمة. أمّا بعد : فقد أتانی کتابک تبدأ فیه بنفسک قبلی وأنت طالب حاجة وأنا سلطان ، وأنت سوقة کتبتَ إلیَّ فی فاسق لا یؤبه به ، وشرٌّ من ذلک تولّیه أباک وإیّاک ، وقد علمت أنّک أدنیته إقامةً منک علی سوء الرأی ورضی منک بذلک ، وایم الله لا تسبقنی به ، ولو کان بین جلدک ولحمک ، وإن نلت بعضک فغیر رفیق بک ولا مرع علیک ، فإنَّ أحبَّ لحم إلیَّ أن آکل منه اللحم الذی أنت منه ، فسلّمه بجریرته إلی من هو أولی به منک ، فإن عفوتُ عنه لم أکن ف)

ص: 43


1- أی : یختبرون طیب مولدهم.
2- مرّت تلکم الأحادیث [فی الجزء 3 وغیره وفی مواضع کثیرة] وستأتی فی مسند المناقب ومرسلها. (المؤلف)

شفّعتک فیه ، وإن قتلته لم أقتله إلاّ لحبّه أباک الفاسق ، والسلام (1).

ولمّا بلغ موته ابن عمر قال : یا ابن سمیّة لا الآخرة أدرکت ولا الدنیا بقیت علیک.

کان زیاد جمع الناس بالکوفة بباب قصره یحرِّضهم علی لعن علیّ علیه السلام. وفی لفظ البیهقی : یحرّضهم علی البراءة من علیّ کرّم الله وجهه ، فملأ منهم المسجد والرحبة فمن أبی ذلک عرضه علی السیف. وعن المنتظم لابن الجوزی (2) : أنّ زیاداً لمّا حصبه أهل الکوفة وهو یخطب علی المنبر قطع أیدی ثمانین منهم ، وهمّ أن یخرّب دورهم ، ویجمّر نخلهم ، فجمعهم حتی ملأ بهم المسجد والرحبة یعرضهم علی البراءة من علی علیه السلام ، وعلم أنّهم سیمتنعون فیحتجُّ بذلک علی استئصالهم وإخراب بلدهم. فذکر عبد الرحمن بن السائب ، قال : أحضرت فصرت إلی الرحبة ومعی جماعة من الأنصار ، فرأیت شیئاً فی منامی وأنا جالسٌ فی الجماعة وقد خفقت ، وهو أنّی رأیت شیئاً طویلاً قد أقبل فقلت : ما هذا؟ فقال : أنا النقّاد ذو الرقبة بُعثت إلی صاحب هذا القصر ، فانتبهت فزعاً فما کان إلاّ مقدار ساعة حتی خرج خارجٌ من القصر فقال : انصرفوا فإنّ الأمیر عنکم مشغولٌ ، وإذا به قد أصابه ما ذکرنا من البلاء ، وفی ذلک یقول عبد الله بن السائب :

ما کان منتهیاً عمّا أراد بنا

حتی تأتّی له النقّاد ذو الرقبه

فأسقط الشق منه ضربةٌ ثبتت

لمّا تناول ظلماً صاحب الرحبه (3)ف)

ص: 44


1- تاریخ ابن عساکر : 5 / 418 [19 / 198 رقم 2309 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 9 / 86] ، شرح ابن أبی الحدید : 4 / 7 ، 72 [16 / 18 کتاب 31 ، ص 194 کتاب 44]. (المؤلف)
2- المنتظم : 5 / 263 رقم 370.
3- مروج الذهب : 2 / 69 [3 / 36 - 37] ، المحاسن والمساوئ للبیهقی : 1 / 39 [ص 54 - 55] ، قال المسعودی والبیهقی : صاحب الرحبة هو علیّ بن أبی طالب ، شرح ابن أبی الحدید : 1 / 286 [3 / 199 کتاب 47] نقلاً عن ابن الجوزی. (المؤلف)

قال الأمینی : هلمَّ معی نقرأ هذه الصحائف السوداء المحشوّة بالمخازی وشیة العار ، المملوّة بالموبقات والبوائق ، فننظر هل فی الشریعة البیضاء ، أو فی نوامیس البشریّة ، أو فی طقوس العدل مساغٌ لشیء منها؟ دع ذلک کلّه هل تجد فی عادات الجاهلیّة مبرّراً لشیء من تلکم الهمجیّة؟ وهل فعل أولئک الأشقیاء الأشدّاء فی أیّامهم المظلمة فعلاً یربو علی مخاریق ابن هند؟ لا. وإنَّک لا تسمع عن أحد ممّن یحمل عاطفة إنسانیّة ، ولا أقول ممّن یعتنق الدین الحنیف فحسب ، یستبیح شیئاً من ذلک أو یحبِّذ مخزاةً من تلکم المخازی ، وهل تجد معاویة وهذه جنایاته من مصادیق قوله تعالی : (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِینَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَی الْکُفَّارِ رُحَماءُ بَیْنَهُمْ تَراهُمْ رُکَّعاً سُجَّداً یَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً سِیماهُمْ فِی وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ) الآیة (1)؟ فهل تری ابن أبی سفیان خارجاً عنهم؟ فلیس هو من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ولا ممّن معه ، ولا رحیماً بهم ، أو أنَّ من ناوأه وعاداه وسبّه وآذاه وقتله وهتکه خارجون عن ربقة الإسلام؟

فهو شدیدٌ علیهم وهم خیرةُ أُمّة محمد المسلمة ، تراهم رکّعاً سجّداً یبتغون فضلاً من الله ورضواناً. فالحکم للنصفة لا غیرها.

کأنَّ هاهنا نسیت ثارات عثمان وعادت تبعة أُولئک المضطهدین محض ولاء علیّ أمیر المؤمنین علیه السلام وقد قرن الله ولایته بولایته وولایة رسوله ، وحبّهم لمن یحبّه الله ورسوله ، وطاعتهم لمن فرض الله طاعته ، وودّهم من جعل الله ودّه أجر الرسالة. فلم یقصد معاویة وعمّاله أحداً بسوء إلاّ هؤلاء ، فطفق یرتکب منهم ما لا یُرتکب إلاّ من أهل الردّة والمحادّة لله ولرسوله. فکان الطرید اللعین ابن الطرید اللعین مروان ، وأزنی ثقیف مغیرة بن شعبة ، وأُغیلمة قریش الفسقة فی أمنٍ ودعة ، وکان یولِّی لأعماله الزعانفة الفجرة أعداء أهل بیت الوحی : بُسر بن أرطاة ، ومروان بن الحکم ، ومغیرة بن شعبة ، وزیاد بن أبیه ، وعبد الله الفزاری ، وسفیان بن عوف ، والنعمان بن 9.

ص: 45


1- الفتح : 29.

بشیر ، والضحّاک بن قیس ، وسمرة بن جندب ، ونظراءهم ، یستعملهم علی عباد الله وهو یعرفهم حقّ المعرفة ولا یبالی بقول رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «من تولّی من أمر المسلمین شیئاً فاستعمل علیهم رجلاً وهو یعلم أنّ فیهم من هو أولی بذلک وأعلم بکتاب الله وسنّة رسوله فقد خان الله ورسوله وجمیع المؤمنین» (1). فکانوا یقترفون السیئات ، ویجترحون المآثم بأمر منه ورغبة ، ولم تکن عنده حریجة من الدین تزعه عن تلکم الجرائم ، فأمر بالإغارة علی مکة المکرّمة وقد جعلها الله بلداً آمناً یأمن من حلَّ بها وإن کان کافراً ، ولأهلها وطیرها ووحشها ونباتها حرمات عند الله ، وهی التی حقنت دم أبی سفیان ومن علی شاکلته من حاملی ألویة الکفر والإلحاد ، فکان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یرعاها کلّ الرعایة یوم الفتح وغیره ، فما عامل أهلها هو وجیشه الفاتح إلاّ بکلّ جمیل ، وکان صلی الله علیه وآله وسلم یقول : «إنَّ هذا بلد حرم الله یوم خلق السموات والأرض ، وهو حرام بحرمة الله إلی یوم القیامة ، وإنّه لم یحلّ القتال فیه لأحد قبلی ، ولم یحلّ لی إلاّ ساعة من نهار ، فهو حرامٌ بحرمة الله إلی یوم القیامة ، لا یعضد شوکه ، ولا ینفر صیده ، ولا یلتقط لقطته إلاّ من عرفها ولا یختلی خلاها» (2).

وقال صلی الله علیه وآله وسلم : «إنّ مکة حرّمها الله ولم یحرمها الناس ، فلا یحلُّ لأمرئ یؤمن بالله والیوم الآخر أن یسفک بها دماً ، ولا یعضد بها شجرة ، فإن أحدٌ ترخّص لقتال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فقولوا له : إن الله أذن لرسوله صلی الله علیه وآله وسلم ولم یأذن لکم ، وإنَّما أذن لی ساعةً من نهار ، وقد عادت حرمتها الیوم کحرمتها بالأمس ، ولیبلّغ الشاهد الغائب» (3). وأمر ابن هند بالاستحواذ علی مدینة الرسول صلی الله علیه وآله وسلم وإخافة أهلها والوقیعة فیهم واستقراء من یوجد فیها من شیعة علیّ أمیر المؤمنین صلوات الله علیه ، وللمدینة ف)

ص: 46


1- مجمع الزوائد : 5 / 211. (المؤلف)
2- صحیح البخاری ، باب لا یحلّ القتال بمکة : 3 / 168 [2 / 651 ح 1737] ، صحیح مسلم : 4 / 109 [3 / 160 ح 445 کتاب الحج]. (المؤلف)
3- صحیح البخاری : باب لا یعضد شجر الحرم : 3 / 167 [2 / 651 ح 1735]. (المؤلف)

المنوّرة فی الإسلام حرمتها الثابتة ، ولنبیّه صلی الله علیه وآله وسلم فیها قوله الصادق : «المدینة حرم ما بین عائر إلی کذا ، من أحدث فیها حدثاً (1) أو آوی محدثاً فعلیه لعنة الله والملائکة والناس أجمعین ، لا یقبل منه صرفٌ ولا عدل ، ذمّة المسلمین واحدة ، فمن أخفر مسلماً فعلیه لعنة الله والملائکة والناس أجمعین ، لا یقبل منه صرفٌ ولا عدلٌ» (2).

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «لا یکید أهل المدینة أحدٌ إلاّ انماع کما ینماع الملح فی الماء» (3)

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «لا یرید أحدٌ أهل المدینة بسوء إلاّ أذابه الله فی النار ذوب الرصاص أو ذوب الملح فی الماء» (4).

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «اللهمّ إنّ إبراهیم حرّم مکة فجعلها حرماً وإنِّی حرّمت المدینة حراماً ما بین مأزمیها ، أن لا یهراق فیها دمٌ ، ولا یحمل فیها سلاحٌ لقتال ، ولا تخبط فیها شجرةٌ إلاّ لعلف» (5).

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «من أراد أهل هذه البلدة بسوء - یعنی المدینة - أذابه الله کما یذوب الملح فی الماء». وفی لفظ سعد : «من أراد أهل المدینة بسوء أذابه الله ...» (6).

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «المدینة حرمٌ من کذا إلی کذا ، لا یقطع شجرها ، ولا یحدث فیها ف)

ص: 47


1- قال القاضی عیاض : معنی قوله : «من أحدث فیها حدثاً أو آوی محدثاً ...» ؛ من أتی فیها إثماً أو آوی من أتاه. (المؤلف)
2- صحیح البخاری : 3 / 179 [2 / 661 ح 1771] ، صحیح مسلم : 4 / 114 ، 115 ، 116 [3 / 167 - 169 ح 463 - 470 کتاب الحج] ، مسند أحمد : 1 / 81 ، 126 ، 151 و 2 / 450 [1 / 131 ح 616 ، ص 203 ح 1040 ، ص 244 ح 1300 ، 3 / 202 ح 9515] ، سنن البیهقی : 5 / 196 ، سنن أبی داود : 1 / 318 [2 / 216 ح 2034]. (المؤلف)
3- صحیح البخاری : 3 / 181 [2 / 664 ح 1778]. (المؤلف)
4- صحیح مسلم : 4 / 113 [3 / 166 ح 460 کتاب الحج]. (المؤلف)
5- صحیح مسلم : 4 / 117 [3 / 171 ح 475 کتاب الحج] ، سنن أبی داود : 1 / 318 [2 / 216 ح 2035] ، واللفظ لمسلم. (المؤلف)
6- صحیح مسلم : 4 / 121 ، 122 [3 / 176 - 177 ح 493 و 494 کتاب الحج]. (المؤلف)

حدثٌ ، من أحدث حدثاً فعلیه لعنة الله والملائکة والناس أجمعین» (1).

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «أیّما جبّار أراد المدینة بسوء أذابه الله تعالی کما یذوب الملح فی الماء». وفی لفظ : «من أراد أهل هذه البلدة بدهمٍ أو بسوء» (2).

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : فیما أخرجه الطبرانی (3) برجال الصحیح : «اللهمّ من ظلم أهل المدینة وأخافهم فأخفه ، وعلیه لعنة الله والملائکة والناس أجمعین ، لا یقبل منه صرفٌ ولا عدلٌ» (4).

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «من أخاف أهل المدینة أخافه الله یوم القیامة ، وغضب علیه ، ولم یقبل منه صرفاً ولا عدلاً» (5).

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم فیما أخرجه النسائی (6) : «من أخاف أهل المدینة ظالماً لهم أخافه الله ، وکانت علیه لعنة الله» (7). وفی لفظ ابن النجّار : «من أخاف أهل المدینة ظلماً أخافه الله وعلیه لعنة الله والملائکة والناس أجمعین».

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «من أخاف أهل المدینة فقد أخاف ما بین جنبیَّ». أخرجه أحمد فی مسنده (8) (3 / 354) بالإسناد عن جابر بن عبد الله : إنَّ أمیراً من أُمراء الفتنة قدم المدینة وکان قد ذهب بصر جابر فقیل لجابر : لو تنحّیت عنه ، فخرج یمشی بین ابنیه فنکب فقال : تعس من أخاف رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم. فقال ابناه أو أحدهما : یا أبت 4.

ص: 48


1- صحیح البخاری : 3 / 178 [2 / 661 ح 1768] ، سنن البیهقی : 5 / 197. (المؤلف)
2- وفاء الوفا للسمهودی : 1 / 31 [1 / 44]. (المؤلف)
3- المعجم الکبیر : 7 / 144 ح 6636.
4- وفاء الوفا : 1 / 31 [1 / 45] وصحّحه. (المؤلف)
5- وفاء الوفا : 1 / 31 ، فیض القدیر : 6 / 40 [ح 8347]. (المؤلف)
6- السنن الکبری : 2 / 483 ح 4266.
7- وفاء الوفا : 1 / 31 [1 / 45]. (المؤلف)
8- مسند أحمد : 4 / 322 ح 1444.

وکیف أخاف رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وقد مات؟ قال : سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول : «من أخاف ...» الحدیث.

قلت : الأمیر المشار إلیه هو بُسر بن أرطاة کما فی وفاء الوفا للسمهودی (1) (1 / 31) وصحّح الحدیث.

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم فیما أخرجه الطبرانی فی الکبیر (2) : «من آذی أهل المدینة آذاه الله ، وعلیه لعنة الله والملائکة والناس أجمعین ، ولا یُقبل منه صرفٌ ولا عدلٌ».

وفاء الوفا (3) (1 / 32).

نعم ؛ إنَّ بُسراً لم یلو علی شیء من ذلک وإنَّما اؤتمر بما سوّل له معاویة من هتک الحرمات بقتل الرجال ، وسبی النساء ، وذبح الأطفال ، وهدم الدیار ، وشتم الأعراض ، وما رعی لرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إلاّ ولا ذمّةً فی مجاوری حرم أمنه ، وساکنی حماه المنیع فخفر ذمّته کما هتک حرمته ، واستخفَّ بجواره ؛ وآذاه بإباحة حرمة حرم الله تعالی ، (وَالَّذِینَ یُؤْذُونَ رَسُولَ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِیمٌ) (4) (إِنَّ الَّذِینَ یُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِی الدُّنْیا وَالْآخِرَةِ) (5) ، فیا لها من جرأة تقحّم صاحبها فی المحادّة لله ولرسوله صلی الله علیه وآله وسلم ودینه القویم.

کما أنَّ یزید کان یحذو حذو أبیه فی جرائمه الوبیلة وشنّ الغارة علی أهل المدینة المشرّفة ، وبعث مسلم بن عقبة الهاتک الفاتک إلی هتک ذلک الجوار المقدّس بوصیّة من والده الآثم. 7.

ص: 49


1- وفاء الوفا : 1 / 46 الباب 2.
2- المعجم الکبیر : 7 / 143 ح 6631.
3- وفاء الوفا : 1 / 46 الباب 2.
4- التوبة : 61.
5- الأحزاب : 57.

قال السمهودی فی وفاء الوفا (1) (1 / 91) : وأخرج ابن أبی خیثمة ؛ بسند صحیح إلی جویریة بنت أسماء : سمعت أشیاخ المدینة یتحدّثون أنّ معاویة رضی الله عنه لمّا احتضر دعا یزید فقال له : إنَّ لک من أهل المدینة یوماً فإن فعلوا فارمهم بمسلم بن عقبة فإنّی عرفت نصیحته. فلمّا ولی یزید وفد علیه عبد الله بن حنظلة وجماعة ، فأکرمهم وأجازهم ، فرجع فحرّض الناس علی یزید وعابه ودعاهم إلی خلع یزید فأجابوه ، فبلغ ذلک یزید فجهّز إلیهم مسلم بن عقبة. إلی آخره.

وأخرجه البلاذری فی أنساب الأشراف (2) (5 / 43) بلفظ أبسط من لفظ السمهودی.

معاویة

وحُجر بن عدی وأصحابه

إنّ معاویة استعمل مغیرة بن شعبة علی الکوفة سنة إحدی وأربعین ، فلمّا أمّره علیها دعاه وقال له : أمّا بعد : فإنَ لذی الحلم قبل الیوم ما تقرع العصا. وقد قال المتلمّس :

لذی الحلم قبل الیوم ما تقرع العصا

وما علّم الإنسان إلاّ لیعلما

وقد یجزی عنک الحکیم بغیر التعلیم ، وقد أردت إیصاءک بأشیاء کثیرة فأنا تارکها اعتماداً علی بصرک بما یرضینی ، ویسعد سلطانی ، ویصلح رعیّتی ، ولست تارک إیصائک بخصلة : لا تقهم عن شتم علیّ وذمِّه ، والترحّم علی عثمان والاستغفار له ، والعیب علی أصحاب علیّ والإقصاء لهم ، وترک الاستماع منهم ، وإطراء شیعة عثمان رضوان الله علیه والإدناء لهم ، والاستماع منهم. فقال المغیرة : قد جرَّبت وجُرِّبت وعملت قبلک لغیرک ، فلم یذمم بی رفع ولا وضع ، فستبلو فتحمد أو تذمّ. ثم قال : بل نحمد إن شاء الله. فأقام المغیرة عاملاً علی الکوفة سبع سنین وأشهراً وهو من أحسن شیء سیرة وأشدّه حبّا للعافیة ، غیر أنّه لا یدع شتم علیّ والوقوع فیه والعیب 7.

ص: 50


1- وفاء الوفا : 1 / 130 الباب 2.
2- أنساب الأشراف : 5 / 337.

لقتلة عثمان واللعن لهم ، والدعاء لعثمان بالرحمة والاستغفار له والتزکیة لأصحابه ، فکان حُجر بن عدیّ إذا سمع ذلک قال : بل إیّاکم فذمّ الله ولعن ، ثم قام وقال : إنَّ الله یقول : (کُونُوا قَوَّامِینَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ) (1) وأنا أشهد أنَّ من تذمُّون وتعیّرون لأحقُّ بالفضل ، وأنَّ من تزکّون وتطرون أولی بالذمّ. فیقول له المغیرة : یا حُجر لقد رمی بسهمک إذ کنت أنا الوالی علیک ، یا حُجر ویحک اتّق السلطان ، اتّق غضبه وسطوته ، فإنَّ غضب السلطان أحیاناً ممّا یُهلک أمثالک کثیراً ، ثم یکفُّ عنه ویصفح ، فلم یزل حتی کان فی آخر إمارته قام المغیرة فقال فی علیّ وعثمان کما کان یقول وکانت مقالته : اللهمّ ارحم عثمان بن عفّان ، وتجاوز عنه واجزه بأحسن عمله ، فإنّه عمل بکتابک واتّبع سنّة نبیّک صلی الله علیه وآله وسلم ، وجمع کلمتنا ، وحقن دماءنا ، وقُتل مظلوماً (2) ، اللهمّ فارحم أنصاره وأولیاءه ومحبّیه والطالبین بدمه. ونال من علیّ بن أبی طالب علیه السلام ولعنه ولعن شیعته ، فوثب حُجر فنعر نعرةً أسمعت کلّ من کان فی المسجد وخارجة وقال : إنّک لا تدری بمن تولع من هرمک أیّها الإنسان مُر لنا بأرزاقنا وأُعطیاتنا فإنّک قد حبستها عنّا ولم یکن ذلک لک ، ولم یکن یطمع فی ذلک من کان قبلک ، وقد أصبحت مولعاً بذمِّ أمیر المؤمنین ، وتقریظ المجرمین. فقام معه أکثر من ثلثی الناس یقولون : صدق والله حُجر وبرّ ، مُر لنا بأرزاقنا وأعطیاتنا فإنّا لا ننتفع بقولک هذا ولا یُجدی علینا شیئاً. وأکثروا فی مثل هذا القول ، فنزل المغیرة فدخل القصر فاستأذن علیه قومه فأذن لهم فقالوا : علام تترک هذا الرجل یقول هذه المقالة ویجترئ علیک فی سلطانک هذه الجرأة؟ فیوهن سلطانک ، ویسخط علیک أمیر المؤمنین معاویة ، وکان أشدّهم له قولاً فی أمر حُجر والتعظیم علیه عبد الله بن أبی عقیل الثقفی ، فقال لهم المغیرة : إنّی قد قتلته إنّه سیأتی أمیرٌ بعدی فیحسبه مثلی فیصنع ف)

ص: 51


1- النساء : 135.
2- هذه کلّها تخالف ما هو الثابت المعلوم من سیرة عثمان کما فصّلنا القول فیها فی الجزء الثامن والتاسع. (المؤلف)

به شبیهاً بما ترونه یصنع بی ، فیأخذه عند أول وهلة فیقتله شرّ قتلة ، إنّه قد اقترب أجلی ، وضعف عملی ، ولا أحبّ أن أبتدئ أهل هذا المصر بقتل خیارهم وسفک دمائهم ، فیسعدوا بذلک وأشقی ، ویعزّ فی الدنیا معاویة ، ویذلّ یوم القیامة المغیرة.

ثم هلک المغیرة سنة (51) فجمعت الکوفة والبصرة لزیاد - ابن سمیّة - فأقبل زیاد حتی دخل القصر بالکوفة ووجّه إلی حُجر فجاءه ، وکان له قبل ذلک صدیقاً ، فقال له : قد بلغنی ما کنت تفعله بالمغیرة فیحتمله منک وإنّی والله لا أحتملک علی مثل ذلک أبداً ، أرأیت ما کنت تعرفنی به من حبّ علی وودّه ، فإنّ الله قد سلخه من صدری فصیّره بغضاً وعداوة ، وما کنت تعرفنی به من بغض معاویة وعداوته فإنّ الله قد سلخه من صدری وحوّله حبّا ومودّة ، وإنّی أخوک الذی تعهد ، إذا أتیتنی وأنا جالسٌ للناس فاجلس معی علی مجلسی ، وإذا أتیت ولم أجلس للناس فاجلس حتی أخرج إلیک ، ولک عندی فی کلِّ یوم حاجتان : حاجة غدوة ، وحاجة عشیة ، إنّک إن تستقم تسلم لک دنیاک ودینک ، وإن تأخذ یمیناً وشمالاً تهلک نفسک ، وتشطُّ عندی دمک ، إنّی لا أُحبُّ التنکیل قبل التقدمة ، ولا آخذ بغیر حجّة ، اللهمّ اشهد. فقال حُجر : لن یری الأمیر منّی إلاّ ما یُحب وقد نصح وأنا قابلٌ نصیحته. ثم خرج من عنده.

ولمّا ولی زیاد ، جمع أهل الکوفة فملأ منهم المسجد والرحبة والقصر لیعرضهم علی البراءة من علیّ (1) ، فقام فی الناس وخطبهم ثم ترحّم علی عثمان وأثنی علی أصحابه ولعن قاتلیه ، فقام حُجر ففعل مثل الذی کان یفعل بالمغیرة ، وکان زیاد یقیم ستّة أشهر فی الکوفة وستّة أشهر فی البصرة ، فرجع إلی البصرة واستخلف علی الکوفة عمرو بن حریث ، فبلغه أنّ حُجراً یجتمع إلیه شیعة علیّ ویظهرون لعن معاویة والبراءة منه ، وأنّهم حصبوا عمرو بن حریث فشخص إلی الکوفة حتی دخلها فأتی القصر فدخله ثم خرج فصعد المنبر وعلیه قباء سندس ومطرف خزّ أخضر قد فرق ف)

ص: 52


1- تاریخ ابن عساکر : 5 / 421 [19 / 203 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 9 / 88]. (المؤلف)

شعره وحُجرٌ جالسٌ فی المسجد حوله أصحابه أکثر ما کانوا ، فصعد المنبر وخطب وحذّر الناس وقال : أما بعد : فإنَّ غبّ البغی والغیّ وخیمٌ ، إنَّ هؤلاء جمّوا فأشروا ، وأمنونی فاجترؤوا علی الله ، وایم الله لئن لم تستقیموا لأداوینّکم بدوائکم ، ولست بشیء إن لم أمنع باحة الکوفة من حُجر ، وأدعه نکالاً لمن بعده ، ویل أُمّک یا حُجر سقط العشاء بک علی سرحان (1).

ثم قال لشدّاد بن الهیثم الهلالی أمیر الشرطة : اذهب فأتنی بحُجر ، فذهب إلیه فدعاه فقال أصحابه : لا یأتیه ولا کرامة فسبّوا الشرط فرجعوا إلی زیاد فأخبروه ، فقال : یا أشراف أهل الکوفة أتشجّون بید وتأسون بأخری؟ أبدانکم عندی وأهواؤکم مع هذا الهجاجة المذبوبة (2). وفی الکامل (3) : أبدانکم معی وقلوبکم مع حُجر الأحمق. والله لیظهرنَّ لی براءتکم أو لآتینّکم بقوم أقیم بهم أودکم وصعرکم. فقالوا : معاذ الله أن یکون لنا رأی إلاّ طاعتک وما فیه رضاک. قال : فلیقم کلّ رجل منکم فلیدع من عند حُجر من عشیرته وأهله. ففعلوا وأقاموا أکثر أصحابه عنه ، وقال زیاد لصاحب شرطته : انطلق إلی حُجر فإن تبعک فأتنی به وإلاّ فشدّوا علیهم بالسیوف حتی تأتونی به ، فأتاه صاحب الشرطة یدعوه فمنعه أصحابه من إجابته فحمل علیهم ، فقال أبو العمرطة الکندی لحُجر : إنَّه لیس معک رجلٌ معه سیفٌ غیری فما یغنی سیفی؟ قم فالحق بأهلک یمنعک قومک.

فقام وزیاد ینظر إلیهم وهو علی المنبر وغشیهم أصحاب زیاد فضرب رجلٌ من الحمراء یقال له بکر بن عبید رأس عمرو بن الحمق بعمود فوقع وحمله رجلان من الأزد وأتیا به دار رجل یقال له عبید الله بن موعد (4) الأزدی ، وضرب بعض ک.

ص: 53


1- یضرب فی طلب الحاجة یؤدّی صاحبها إلی التلف. مجمع الأمثال : 2 / 97 رقم 1764.
2- فی لفظ الطبری [فی تاریخه : 5 / 257 حوادث سنة 51] : الهجهاجة : الأحمق المذبوب. (المؤلف)
3- الکامل فی التاریخ : 2 / 489 حوادث سنة 51.
4- فی تاریخ الطبری : عبید الله بن مالک.

الشرطة ید عائذ بن حملة التمیمی وکسر نابه ، وأخذ عموداً من بعض الشرط فقاتل به وحمی حُجراً وأصحابه حتی خرجوا من أبواب کندة.

مضی حُجر وأبو العمرطة إلی دار حُجر واجتمع إلیهما ناسٌ کثیرٌ ولم یأته من کندة کثیر أحد ، فأرسل زیاد وهو علی المنبر مذحج وهمدان إلی جبّانة کندة وأمرهم أن یأتوه بحُجر ، وأرسل سائر أهل الیمن إلی جبّانة الصائدین وأمرهم أن یمضوا إلی صاحبهم حُجر فیأتوه به ، ففعلوا فدخل مذحج وهمدان إلی جبّانة کندة فأخذوا کلَّ من وجدوا ، فأثنی علیهم زیاد ، فلمّا رأی حُجر قلّة من معه أمرهم بالانصراف وقال لهم : لا طاقة لکم بمن قد اجتمع علیکم وما أُحبّ أن تهلکوا ، فخرجوا فأدرکهم مذحج وهمدان فقاتلوهم وأسروا قیس بن یزید ونجا الباقون ، فأخذ حُجر طریقاً إلی بنی حوت فدخل دار رجل منهم یقال له سلیم بن یزید ، وأدرکه الطلب فأخذ سلیم سیفه لیقاتل ، فبکت بناته فقال حُجر : بئسما أدخلت علی بناتک إذا قال : والله لا تؤخذ من داری أسیراً ولا قتیلاً وأنا حیٌّ ، فخرج حُجر من خوخة فی داره ، فأتی النخع فنزل دار عبد الله بن الحارث أخی الأشتر فأحسن لقاءه فبینما هو عنده إذ قیل له : إنّ الشرط تسأل عنک فی النخع. وسبب ذلک أنَّ أمة سوداء لقیتهم فقالت : من تطلبون؟ فقالوا : حُجر بن عدی. فقالت : هو فی النخع. فخرج حُجر من عنده فأتی الأزد فاختفی عند ربیعة بن ناجد ، فلمّا أعیاهم طلبه دعا زیاد محمد بن الأشعث وقال له : والله لتأتینی به أو لأقطعنَّ کلّ نخلة لک وأهدم دورک ، ثم لا تسلم منّی حتی أُقطِّعک إرباً إرباً. فاستمهله فأمهله ثلاثاً. وأُحضر قیس بن یزید أسیراً فقال له زیاد : لا بأس علیک قد عرفت رأیک فی عثمان وبلاءک مع معاویة بصفّین وأنّک إنّما قاتلت مع حُجر حمیّة وقد غفرتها لک ولکن ائتنی بأخیک عُمیر. فاستأمن له منه علی ماله ودمه فأمنه فأتاه به وهو جریحٌ ، فأثقله حدیداً ، وأمر الرجال أن یرفعوه ویلقوه ففعلوا به ذلک مراراً. فقال قیس بن یزید لزیاد : ألم تؤمنه؟ قال : بلی قد أمنته علی دمه ولست أُهریق له دماً ، ثم ضمنه وخلّی سبیله.

ص: 54

مکث حُجر بن عدی فی بیت ربیعة یوماً ولیلة ، فأرسل إلی محمد بن الأشعث یقول له لیأخذ له من زیاد أماناً حتی یبعث به إلی معاویة ، فجمع محمد جماعةً منهم : جریر بن عبد الله وحُجر بن یزید ، وعبد الله بن الحارث أخو الأشتر ، فدخلوا علی زیاد فاستأمنوا له علی أن یرسله إلی معاویة ، فأجابهم فأرسلوا إلی حُجر بن عدی فحضر عند زیاد فلمّا رآه قال : مرحباً بک أبا عبد الرحمن حربٌ فی أیّام الحرب ، وحربٌ وقد سالم الناس ، علی أهلها تجنی براقش (1). فقال حُجر : ما خلعت طاعة ولا فارقت جماعة وإنّی لعلی بیعتی. فقال هیهات هیهات یا حُجر! أتشجُّ بید وتأسو بأخری؟ وترید إذا أمکننا الله منک أن نرضی؟ کلاّ والله لأحرصنَّ علی قطع خیط رقبتک. فقال : ألم تؤمنّی حتی آتی معاویة فیری فیَّ رأیه؟ قال : بلی ، انطلقوا به إلی السجن ، فلمّا مضی به قال : أما والله لو لا أمانه ما برح حتی یلقط عصبه فأُخرج وعلیه برنس فی غداة باردة فحبس عشر لیال ، وزیاد ماله غیر الطلب لرؤوس أصحاب حُجر.

عمرو بن الحمق :

خرج عمرو بن الحمق ورفاعة بن شدّاد حتی نزلا المدائن ثم ارتحلا حتی أتیا الموصل فأتیا جبلاً فکمنا فیه ، وبلغ عامل ذلک الرستاق یقال له عُبید الله بن أبی بلتعة خبرهما فسار إلیهما فی الخیل فخرجا إلیه ، فأمّا عمرو فکان بطنه قد استسقی فلم یکن عنده امتناع. وأمّا رفاعة فکان شابّا قویّا فوثب علی فرس له جواد وقال لعمرو : أُقاتل عنک؟ قال : وما ینفعنی أن تقتل؟! انج بنفسک. فحمل علیهم فأفرجوا له حتی أخرجه فرسه وخرجت الخیل فی طلبه وکان رامیاً فلم یلحقه فارسٌ إلاّ رماه فجرحه أو عقره فانصرفوا عنه ، وأُخذ عمرو بن الحمق فسألوه من أنت؟ فقال : من إن ترکتموه کان أسلم لکم ، وإن قتلتموه کان أضرّ علیکم. فسألوه فأبی أن یخبرهم 7.

ص: 55


1- مجمع الأمثال : 2 / 337 رقم 2427.

فبعث به ابن أبی بلتعة إلی عامل الموصل وهو عبد الرحمن بن عبد الله بن عثمان الثقفی ، فلمّا رأی عمراً عرفه وکتب إلی معاویة بخبره فکتب إلیه معاویة : إنّه طعن عثمان تسع طعنات بمشاقص کانت معه ، وإنّا لا نرید أن نعتدی علیه فاطعنه تسع طعنات کما طعن عثمان. فأخرج فطعن تسع طعنات فمات فی الأولی منهنَّ أو فی الثانیة وبعث برأسه إلی معاویة ، فکان رأسه أوّل رأس حمل فی الإسلام.

قال الأمینی : هذا الصحابیُّ العظیم - عمرو بن الحمق - الذی أخلقت وأبلت وجهه العبادة (1) محکومٌ علیه عند القوم وغیرهم بالعدالة وکون أقواله وأفعاله حجّة. لو لا أنَّ عدالة الصحابة تمطّط إلی أُناس معلومین بالخلاعة والمجون کمغیرة بن شعبة ، والحکم بن أبی العاص ، والولید بن عقبة ، وعبد الله بن أبی سرح ، وزیاد بن أبیه ، وأُغیلمة قریش من الشباب الزائف ممّن جرّت المخازی إلیهم الویلات ، وتتقلّص عن آخرین أنهکتهم العبادة ، وحنّکتهم الشریعة ، وأبلتهم الطاعة کعمرو بن الحمق ، وحُجر بن عدی ، وعدی بن حاتم ، وزید وصعصعة ابنی صوحان ، ولداتهم.

أنا لا أدری ما کان المبرِّر للنیل من عمرو وقتله؟ وأیُّ جریمة أوجبت أن یُطعن بالطعنات التسع اللاتی أجهزت علیه أولاهنَّ أو ثانیتها؟ أمّا واقعة عثمان فکان الصحابة مجمعین علیها بین سبب ومباشر کما قدّمناه لکم فی الجزء التاسع (ص 69 - 169) فِلمَ لم یؤاخذوا علیها واختصّت المقاصّة أُناساً انقطعوا إلی ولاء مولانا أمیر المؤمنین ولاء الله وولاء رسوله صلی الله علیه وآله وسلم؟ ولم یجهّز معاویة الجیوش ولا بعث البعوث علی طلحة والزبیر وهما أشدُّ الناس فی أمر عثمان وأوغلهم فی دمه؟! ومن ذا الذی أودی بعثمان غیر معاویة نفسه فی تثبّطه عن نصره وتربّصه به حتی بلغ السیف منه المحزّ (2)؟ ولما ذا کان یندِّد ویهدِّد ، ویؤاخذ أهل المدینة وغیرهم بأنَّهم تخاذلوا عن نصرته ولا یفعل شیئاً عن ذلک بنفسه المتهاونة عن أمر الرجل؟ نعم ؛ کانت تلکم ف)

ص: 56


1- کذا وصفه الإمام السبط الحسین علیه السلام فیما مرّ من کتاب له إلی معاویة. (المؤلف)
2- راجع الجزء التاسع : ص 150 - 153. (المؤلف)

الأفاعیل علی من یوالی علیاً صلوات الله علیه ، فهی مُنکمشة عمّن یعادیه ویقدمهم ابن آکلة الأکباد.

هل لمعاویة أن یثبت أنَّ هلاک عثمان کان بطعنات عمرو؟ وهؤلاء المؤرّخون ینصّون علی أنَّ المجهز علیه هو کنانة بن بشر التجیبی ، وقد جاء فی شعر الولید بن عقبة :

ألا إنَّ خیر الناس بعد ثلاثة

قتیل التجیبی الذی جاء من مصر

وقال هو أو غیره :

علاه بالعمود أخو تجیبٍ

فأوهی الرأسَ منه والجبینا (1)

وأخرج الحاکم فی المستدرک (2) (3 / 106) بإسناده عن کنانة العدوی ، قال : کنت فیمن حاصر عثمان. قال : قلت : محمد بن أبی بکر قتله؟ قال : لا ، قتله جبلة بن الأیهم رجلٌ من أهل مصر. قال : وقیل : قتله کبیرة السکونی فقتل فی الوقت. وقیل : قتله کنانة بن بشر التجیبی ، ولعلّهم اشترکوا فی قتله لعنهم الله. وقال الولید بن عقبة :

ألا إنَّ خیر الناس بعد نبیّهم

قتیل التجیبی الذی جاء من مصر

وفی الاستیعاب (3) (2 / 477 ، 478) : کان أوّل من دخل الدار علیه محمد بن أبی بکر فأخذ بلحیته فقال : دعها یا ابن أخی والله لقد کان أبوک یکرمها. فاستحی وخرج ، ثم دخل رومان بن سرحان رجلٌ أزرق قصیرٌ محدودٌ عداده فی مراد وهو من ذی أصبح معه خنجر فاستقبله به وقال : علی أیّ دین أنت یا نعثل؟! فقال عثمان : 8.

ص: 57


1- الأنساب للبلاذری 5 / 98 [6 / 221] ، تاریخ الطبری : 5 / 132 [4 / 394 حوادث سنة 35 ه]. (المؤلف)
2- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 114 - 115 ح 4568.
3- الاستیعاب : القسم الثالث / 1044 ، 1046 رقم 1778.

لست بنعثل ولکنّی عثمان بن عفّان وأنا علی ملّة إبراهیم حنیفاً مسلماً وما أنا من المشرکین. قال : کذبت ، وضربه علی صدغه الأیسر فقتله فخرَّ.

وقال : اختلف فیمن باشر قتله بنفسه فقیل : محمد بن أبی بکر ضربه بمشقص. وقیل : بل حبسه محمد بن أبی بکر وأسعده (1) غیره ، وکان الذی قتله سودان بن حمران وقیل : بل ولی قتله رومان الیمامی. وقیل : بل رومان رجلٌ من بنی أسد بن خزیمة. وقیل : بل إنَّ محمد بن أبی بکر أخذ بلحیته فهزّها وقال : ما أغنی عنک معاویة ، وما أغنی عنک ابن أبی سرح ، وما أغنی عنک ابن عامر فقال له : یا بن أخی أرسل لحیتی فو الله إنّک لتجبذ لحیة کانت تعزُّ علی أبیک ، وما کان أبوک یرضی مجلسک هذا منی. فیقال : إنّه حینئذٍ ترکه وخرج عنه. ویقال : إنّه حینئذٍ أشار إلی من کان معه فطعنه أحدهم وقتلوه. والله أعلم.

وأخرج أیضاً ما رویناه عن المستدرک بلفظ : فقال محمد بن طلحة : فقلت لکنانة : هل ندی محمد بن أبی بکر بشیء من دمه؟ قال : معاذ الله دخل علیه فقال له عثمان : یا بن أخی لست بصاحبی وکلّمه بکلام فخرج ولم یند بشیء من دمه. قال : فقلت لکنانة : من قتله؟ قال : قتله رجلٌ من أهل مصر یقال له : جبلة بن الأیهم ثم طاف بالمدینة ثلاثاً یقول : أنا قاتل نعثل.

وذکر المحبّ الطبری فی ریاضه (2) (2 / 130) ما أخرجه أبو عمر فی الاستیعاب من استحیاء محمد بن أبی بکر وخروجه من الدار ودخول رومان بن سرحان وقتله عثمان. فقال : وقیل : قتله جبلة بن الأیهم. وقیل : الأسود التجیبی. وقیل : یسار بن غلیاض.

وأخرج ابن عساکر (3) فی حدیث ذکره ابن کثیر فی تاریخه (4) (7 / 175) : وجاء .

ص: 58


1- کذا فی المصدر.
2- الریاض النضرة : 3 / 64.
3- تاریخ مدینة دمشق : 39 / 408 رقم 4619.
4- البدایة والنهایة : 7 / 207 حوادث سنة 35 ه.

رجلٌ من کندة من أهل مصر یلقّب حماراً ویکنّی بأبی رومان. وقال قتاده : اسمه رومان. وقال غیره. کان أزرق أشقر. وقیل : کان اسمه سودان بن رومان المرادی. وعن ابن عمر قال : کان اسم الذی قتل عثمان أسود بن حمران ضربه بحربة وبیده السیف صلتاً. إلی آخره.

وقال ابن کثیر فی تاریخه (1) (7 / 198) : أمّا ما یذکره بعض الناس من أنّ بعض الصحابة أسلمه ورضی بقتله فهذا لا یصحّ (2) عن أحد من الصحابة أنّه رضی بقتل عثمان رضی الله عنه بل کلّهم کرهه ومقته وسبّ من فعله لکن بعضهم کان یودُّ لو خلع نفسه من الأمر کعمّار بن یاسر ، ومحمد بن أبی بکر ، وعمرو بن الحمق وغیرهم.

ثم أیّ مبرِّر لابن هند فی أمره بإتمام الطعنات التسع بعد الطعنة المودیة به؟ وهل فی الشریعة تعبّدٌ بأن یفعل بالمقتصّ منه مثل ما فعله بمن یقتصُّ له؟ أو یکتفی بما هو المقصود من القصاص من إعدام القاتل؟ ولعلَّ عند فقیه بنی أُمیّة مسوِّغاً لا نعرفه. أضف إلی ذلک حمل رأسه من بلد إلی بلد ، وهو أوّل رأس مطاف به فی الإسلام (3). قال النسّابة أبو جعفر محمد بن حبیب فی کتاب المحبّر (ص 490) : ونصب معاویة رأس عمرو بن الحمق الخزاعی وکان شیعیّا ودیر به فی السوق. وکان عبد الرحمن بن أُمّ الحکم أخذه بالجزیرة. وقال ابن کثیر (4) : فطیف به فی الشام وغیرها ، فکان أوّل رأس طیف به ثم بعث معاویة برأسه إلی زوجته آمنة بنت الشرید - وکانت فی سجنه - فأُلقی فی حجرها. فوضعت کفّها علی جبینه ولثمت فمه وقالت : .

ص: 59


1- البدایة والنهایة : 7 / 221 حوادث سنة 35 ه.
2- راجع ما أسلفناه فی الجزء التاسع فتعرف الصحیح من السقیم وتقف علی جلیّة الحال فی القضیة.(المؤلف)
3- معارف ابن قتیبة : ص 127 [ص 292] ، الاستیعاب : 2 / 404 [القسم الثالث / 1174 رقم 1909] ، الإصابة : 2 / 533 ، وقال : ذکره ابن حبّان [فی الثقات : 3 / 275] بسندٍ جیّد ، تاریخ ابن کثیر : 8 / 48 [8 / 52 حوادث سنة 50 ه]. (المؤلف)
4- البدایة والنهایة : 8 / 52 حوادث سنة 50 ه.

غیّبتموه عنّی طویلاً ثم أهدیتموه إلیَّ قتیلاً ، فأهلاً بها من هدیّة غیر قالیة ولا مقلیة.

نعم ؛ هذه الأفاعیل إلی أمثالها من نماذج فقه أُمِّه آکلة الأکباد الذی سوّغ لها ما فعلت بعمِّ النبیّ الأعظم سیّد الشهداء حمزة سلام الله علیه ، واقتصَّ أثر أبیه یزید بن معاویة فیما ارتکبه من سیّد شباب أهل الجنّة الحسین السبط صلوات الله علیه ، فقتله وآله وصحبه الأکرمین أشنع قتلة وطیف برءوسهم الکریمة فی الأمصار علی سمر القنا فأعقبهما خزایة لا یغسلها مرّ الدهور ، وشیة قُرِنَ ذکرها بالخلود.

علی أنّه لو کان هناک قصاصٌ فهو لأولیاء الدم وهم ولد عثمان ، وإن لم یکن هناک ولیٌّ أو أنّه عجز عن تنفیذ الحکم فیقوم به خلیفة الوقت فإنّه ولیُّ الدم وأولی بالمؤمنین من أنفسهم ، وهو یومئذٍ وقبله مولانا أمیر المؤمنین علی علیه السلام فهو موکولٌ إلیه ، وکان عمرو بن الحمق فی کنفه یراه ویبصر موقفه وخضوعه له ، فلو کان علیه قصاصٌ أجراه علیه وهو الذی لم تأخذه فی الله لومة لائم ، وساوی عدله القریب والبعید ، وکانت یده مبسوطة عند ذاک ، وعمرو أخضع له من الظلِّ لذیه ، ومعاویة عندئذٍ أحد أفراد الأُمّة - إن صدق أنَّه أحد أفرادها - لا یحویه عیرٌ ولا نفیرٌ ، ولا یناط به حکمٌ من أحکام الشریعة ، غیر أنّه قحّمه فی الورطات حبُّ الوقیعة فی محبّی علیّ أمیر المؤمنین علیه السلام والله من ورائه حسیبٌ.

صیفی بن فسیل :

وجدَّ زیاد فی طلب أصحاب حُجر وهم یهربون منه ویأخذ من قدر علیه منهم ، فجاء قیس بن عباد الشیبانی إلی زیاد فقال له : إنَّ امرأً منّا یقال له : صیفی بن فسیل من رءوس أصحاب حُجر وهو أشدُّ الناس علیه ، فبعث إلیه فأُتی به ، فقال له زیاد : یا عدوّ الله ما تقول فی أبی تراب؟ فقال : ما أعرف أبا تراب. قال : ما أعرفک به! أما تعرف علیَّ بن أبی طالب؟ قال : بلی. قال : فذلک أبو تراب. قال : کلاّ ذاک أبو الحسن والحسین. فقال له صاحب الشرطة : أیقول لک الأمیر : هو أبو تراب ، وتقول

ص: 60

أنت : لا؟ قال : أفإن کذب الأمیر أردت أن أکذب ، وأشهد له بالباطل کما شهد؟ قال له زیاد : وهذا أیضاً مع ذنبک ، علیَّ بالعصا ، فأُتی بها ، فقال : ما قولک فی علیّ؟ قال : أحسن قول أنا قائله فی عبد من عبید الله أقوله فی أمیر المؤمنین. قال : اضربوا عاتقه بالعصا حتی یلصق بالأرض. فضرب حتی لصق بالأرض ثم قال : اقلعوا عنه ، إیه ما قولک فی علیّ؟ قال : والله لو شرحتنی بالمواسی والمدی ما قلت إلاّ ما سمعت منّی. قال : لتلعننّه أو لأضربنَّ عنقک. قال : إذاً والله تضربها قبل ذلک ، فأسعدُ وتشقی. قال : ادفعوا فی رقبته. ثم قال : أوقروه حدیداً واطرحوه فی السجن ، ثم قُتل مع من قُتل مع حُجر وأصحابه.

قال الأمینی : ما أکبرها من جنایة علی رجل یقول : ربّی الله ، ویدین بالرسالة ویوالی إمام الحقِّ ، ولیس علیه ما یجلب التنکیل به کما فعله ابن سمیّة بإیعاز من ابن آکلة الأکباد إلاّ الخضوع لولایةٍ أمر الکتاب بها والرضوخ لها ، وقد أکّدته السنّة فی نصوصها المتواترة.

وهل الامتناع عن لعن من أمر الله باتّباعه وطهّره وقدّسه یسوِّغ الضرب والحبس والقتل؟ أنا لا أدری. وإنَّ ابن الزانیة ومن رکّزه علی ولایة الأمصار لعلیمان بما ارتآه ، لکن احتدام بغضهما لصاحب الولایة الکبری ، حداهما إلی أن یلغا فی دم من أسلم وجهه لله وهو محسن. وإلی الله المنتهی.

قبیصة بن ضبیعة :

بعث زیاد إلی قبیصة بن ضبیعة بن حرملة العبسی صاحب شرطته شدّاد بن الهیثم ، فدعا قبیصة فی قومه وأخذ سیفه ، فأتاه ربعیّ بن حراش بن جحش العبسی ورجال من قومه لیسوا بالکثیر فأراد أن یقاتل ، فقال صاحب الشرطة : أنت آمنٌ علی دمک ومالک ، فلِمَ تقتل نفسک؟ فقال له أصحابه : قد أُومنت فعلامَ تقتل نفسک وتقتلنا معک؟ قال : ویحکم إنَّ هذا الدعیّ ابن العاهرة والله لئن وقعتُ فی یده لا أفلت منه

ص: 61

أبداً أو یقتلنی. قالوا : کلاّ. فوضع یده فی أیدیهم ، فأقبلوا به إلی زیاد. فلمّا دخلوا علیه قال زیاد : وحیّ عسی تعزّون علی الدین ، أما والله لأجعلنَّ لک شاغلاً عن تلقیح الفتن والتوثّب علی الأمراء. قال : إنّی لم آتک إلاّ علی الأمان. قال : فانطلقوا به إلی السجن ، وقُتل مع من قُتل من أصحاب حُجر.

عبد الله بن خلیفة :

بعث زیاد بُکیر بن حمران الأحمری إلی عبد الله بن خلیفة الطائی وکان شهد مع حُجر ، فبعثه فی أُناس من أصحابه فأقبلوا فی طلبه فوجدوه فی مسجد عدیِّ بن حاتم فأخرجوه ، فلمّا أرادوا أن یذهبوا به وکان عزیز النفس امتنع منهم فحاربهم وقاتلهم فشجّوه ورموه بالحجارة حتی سقط فنادت میثاء أُخته : یا معشر طیّئ أتسلمون ابن خلیفة لسانکم وسنانکم؟ فلمّا سمع الأحمریّ نداءها خشی أن تجتمع طیّئ فیهلک فهرب ، فخرج نسوةٌ من طیّئ فأدخلنه داراً ، وانطلق الأحمریّ حتی أتی زیاداً فقال : إنّ طیئاً اجتمعت إلیَّ فلم أطقهم فأتیتک ، فبعث زیادٌ إلی عدیّ وکان فی المسجد فحبسه وقال : جئنی به وقد أُخبر عدیُّ بخبر عبد الله ، فقال عدیّ : کیف آتیک برجل قد قتله القوم؟ قال : جئنی حتی إن قد قتلوه. فاعتلَّ له وقال : لا أدری أین هو ولا ما فعل. فحبسه فلم یبق رجل من أهل المصر من أهل الیمن وربیعة ومضر إلاّ فزع لعدیّ ، فأتوا زیاداً فکلّموه فیه. وأُخرِجَ عبد الله فتغیّب فی بُحْتُر (1) ، فأرسل إلی عدیّ إن شئت أن أخرج حتی أضع یدی فی یدک فعلتُ ، فبعث إلیه عدیّ : والله لو کنتَ تحت قدمیّ ما رفعتهما عنک. فدعا زیادٌ عدیّا فقال له : إنّی اخلی سبیلک علی أن تجعل لی لتنفیه من الکوفة ولتسیر به إلی جبلی طیّئ. قال : نعم. فرجع وأرسل إلی عبد الله ابن خلیفة : أُخرُجْ فلو قد سکن غضبه لکلّمته فیک حتی ترجع إن شاء الله. فخرج ئ.

ص: 62


1- بُحْتُر : روضة فی وسط أجا أحد جبلی طیّئ ، کأنها مسمّاة بالقبیلة ، وهو بُحْتُر بن عَتُود بن ... بن طیّئ.

إلی الجبلین ومات بهما قبل موت زیاد.

الشهادة المزوّرة علی حُجر :

جمع زیاد من أصحاب حُجر بن عدیّ اثنی عشر رجلاً فی السجن ثم دعا رؤساء الأرباع وهم : عمرو بن حریث علی ربع أهل المدینة ، وخالد بن عرفطة علی ربع تمیم وهمدان ، وقیس بن الولید علی ربع ربیعة وکندة ، وأبو بردة بن أبی موسی علی ربع مذحج وأسد ، فشهد هؤلاء أنَّ حُجراً جمع إلیه الجموع وأظهر شتم الخلیفة ودعا إلی حرب أمیر المؤمنین ، وزعم أنَّ هذا الأمر لا یصلح إلاّ فی آل أبی طالب ، وأظهر عذر أبی تراب والترحّم علیه والبراءة من عدوِّه وأهل حربه ، وأنَّ هؤلاء الذین معه هم رءوس أصحابه وعلی مثل رأیه. ونظر زیاد فی شهادة الشهود وقال : ما أظنُّ هذه شهادة قاطعة وأحبّ أن یکون الشهود أکثر من أربعة ، فدعا الناس لیشهدوا علیه ، وقال زیاد :

علی مثل هذه الشهادة فاشهدوا ، أما والله لأجهدنَّ علی قطع خیط عنق الخائن الأحمق ، فقام عثمان بن شرحبیل التیمی أوّل الناس فقال : اکتبوا اسمی. فقال زیاد : ابدؤوا بقریش ثم اکتبوا اسم من نعرفه ویعرفه أمیر المؤمنین بالصحّة والاستقامة (1). فشهد علیه سبعون رجلاً ، فقال زیاد : ألقوهم إلاّ من عُرف بحسب وصلاح فی دینه ، فألقوا حتی صیّروا إلی هذه العدّة وهم أربع وأربعون فیهم : عمر بن سعد بن أبی وقاص ، شمر بن ذی الجوشن ، شبث بن ربعی ، زجر بن قیس.

وممّن شهد شدّاد بن المنذر أخو الحضین وکان یُدعی : ابن بزیعة ، فکتب : شهادة ابن بزیعة. فقال زیاد : أما لهذا أبٌ ینسب إلیه؟ ألغوه من الشهود. فقیل له : إنَّه أخو الحضین بن المنذر. فقال : انسبوه إلی أبیه فنسب ، فبلغ ذلک شدّاداً فقال : والهفاه علی ابن الزانیة أوَلیست أُمّه أعرف من أبیه؟ فو الله ما یُنسب إلاّ إلی أُمّه سمیّة. ف)

ص: 63


1- یعنی المعروفین بالاستقامة فی عداء أمیر المؤمنین علی علیه السلام وأهل بیته. (المؤلف)

وکتب فی الشهود شریح بن الحرث ، وشریح بن هانئ ، فأمّا شریح بن الحرث فقال : سألنی عنه فقلت : أما إنَّه کان صوّاماً قوّاماً. وأمّا شریح بن هانئ فقال : بلغنی أنَّ شهادتی کتبت فأکذبته ولُمته ، وکتب کتاباً إلی معاویة وبعثه إلیه بید وائل بن حجر وفی الکتاب : بلغنی أنَّ زیاداً کتب شهادتی ، وأنَّ شهادتی علی حُجر أنَّه ممّن یقیم الصلاة ، ویؤتی الزکاة ، ویُدیم الحجَّ والعمرة ، ویأمر بالمعروف وینهی عن المنکر ، حرام الدم والمال ، فإن شئت فاقتله ، وإن شئت فدعه. فلمّا قرأ معاویة الکتاب قال : ما أری هذا إلاّ قد أخرج نفسه من شهادتکم.

وکتب شهادة السریّ بن وقّاص الحارثی وهو غائبٌ فی عمله.

قال الأمینی : هذه شهادة زور لفّقها ابن أبیه أو ابن أُمّه علی أصناف من الناس ، منهم الصلحاء والأخیار الذین أکذبوا ذلک العزو المختلق کشریح بن الحرث وشریح ابن هانئ ومن حذا حذوهما ، وشهدوا بخلاف ما کُتب عنهما. ومنهم من کانوا غائبین عن ساعة الشهادة وساحتها ، لکنَّ ید الإفک أثبتتها علیهم کابن وقّاص الحارثی ومن یُشاکله. ومنهم رجرجةٌ من الناس یستسهلون شهادة الزور ویستسیغون من جرّائها إراقة الدماء لیس لهم من الدین موضع قدَم ولا قِدَم : کعمر بن سعد ، وشمر بن ذی الجوشن ، وشبث بن ربعی ، وزجر بن قیس ، فتناعقوا بشهادة باطلة لأجلها وصفهم الدعیُّ بأنّهم خیار أهل المصر وأشرافهم ، وذوو النهی والدین. وإنَّ معاویة جدُّ علیم بحقیقة الحال لکنّ شهوة الوقیعة فی کلِّ ترابیّ حبّذت له قبول الشهادة المزوّرة والتنکیل بحُجر وأصحابه الصلحاء الأخیار ، فصرم بهم أُصول الصلاح وقطع أواصرهم یوم أودی بهم ، ولم یکترث لمغبّة ما ناء به من عمل غیر مبرور. فإلی الله المشتکی.

تسییر حُجر وأصحابه إلی معاویة ومقتلهم :

دفع زیاد حُجر بن عدی وأصحابه إلی وائل بن حُجر الحضرمی وکثیر بن شهاب وأمرهما أن یسیرا بهم إلی الشام ، فخرجوا عشیّةً وسار معهم صاحب

ص: 64

الشرطة حتی أخرجهم من الکوفة ، فلمّا انتهوا إلی جبّانة عرزَم نظر قبیصة بن ضبیعة العبسی إلی داره وهی فی جبّانة عرزَم فإذا بناته مشرفات ، فقال لوائل وکثیر : ائذنا لی فأُوصی أهلی. فأذنا له ، فلمّا دنا منهنّ وهنّ یبکین سکت عنهنّ ساعة ثم قال : اسکنَّ فسکتن. فقال : اتّقین الله عزّ وجلّ واصبرن فإنّی أرجو من ربّی فی وجهی هذا إحدی الحسنیین : إمّا الشهادة وهی السعادة ، وإمّا الانصراف إلیکنّ فی عافیة. وإنّ الذی یرزقکنّ ویکفینی مئونتکنّ هو الله تعالی وهو حیٌّ لا یموت ، أرجو أن لا یضیّعکنّ وأن یحفظنی فیکنّ. ثم انصرف فمرّ بقومه فجعل القوم یدعون الله له بالعافیة.

فساروا حتی انتهوا بهم إلی مرج عذراء عند دمشق وهم اثنا عشر رجلاً :

حُجر بن عدی ، الأرقم بن عبد الله ، شریک بن شدّاد ، صیفی بن فسیل ، قبیصة بن ضبیعة ، کریم بن عفیف ، عاصم بن عوف ، ورقاء بن سمی ، کدام بن حیّان ، عبد الرحمن بن حسّان ، محرز بن شهاب ، عبد الله بن حویّة. وأتبعهم زیاد برجلین مع عامر بن الأسود فتمّوا أربعة عشر رجلاً ، فحُبِسوا بمرج عذراء ، فبعث معاویة إلی وائل بن حُجر وکثیر بن شهاب فأدخلهما وأخذ کتابهما فقرأه علی أهل الشام فإذا فیه :

بسم الله الرحمن الرحیم

لعبد الله معاویة بن أبی سفیان أمیر المؤمنین من زیاد بن أبی سفیان. أمّا بعد :

فإنّ الله قد أحسن عند أمیر المؤمنین البلاء ، فأداله من عدوّه وکفاه مؤنة من بغی علیه ، إنّ طواغیت الترابیّة الصبائیّة (1) رأسهم حُجر بن عدی خالفوا أمیر المؤمنین ، وفارقوا جماعة المسلمین ، ونصبوا لنا الحرب ، فأظهرنا الله علیهم وأمکننا منهم وقد دعوت خیار أهل المصر وأشرافهم وذوی النهی والدین فشهدوا علیهم بماة.

ص: 65


1- فی الأغانی : الترابیة السابّة.

رأوا وعلموا ، وقد بعثت بهم إلی أمیر المؤمنین وکتبت شهادة صلحاء أهل المصر وخیارهم فی أسفل کتابی هذا.

فلمّا قرأ معاویة الکتاب وشهادة الشهود علیهم قال : ما ذا ترون فی هؤلاء النفر الذین شهد علیهم قومهم بما تسمعون؟ فقال له یزید بن أسد البجلی : أری أن تفرِّقهم فی قری الشام فیکفیکهم طواغیتها. وکتب معاویة إلی زیاد : أمّا بعد : فقد فهمت ما اقتصصت به من أمر حُجر وأصحابه وشهادة من قِبلک علیهم فنظرت فی ذلک فأحیاناً أری قتلهم أفضل من ترکهم ، وأحیاناً أری العفو عنهم أفضل من قتلهم ، والسلام.

فکتب إلیه زیاد مع یزید بن حُجیّة التمیمی : أمّا بعد : فقد قرأت کتابک وفهمت رأیک فی حُجر وأصحابه فعجبت لاشتباه الأمر علیک فیهم وقد شهد علیهم بما قد سمعت من هو أعلم بهم ، فإن کانت لک حاجةٌ فی هذا المصر فلا تردّن حُجراً وأصحابه إلیَّ.

فأقبل یزید بن حُجیّة حتی مرّ بهم بعذراء فقال : یا هؤلاء أما والله ما أری براءتکم ولقد جئت بکتاب فیه الذبح فمرونی بما أحببتم ممّا ترون أنّه لکم نافعٌ أعمل به لکم وأنطق به. فقال حُجر : أبلغ معاویة : أنّا علی بیعتنا لا نستقیلها ولا نقیلها ، وإنّما شهد علینا الأعداء والأظنّاء. فقدم یزید بالکتاب إلی معاویة وأخبره بقول حُجر فقال معاویة : زیاد أصدق عندنا من حُجر. فقال عبد الرحمن بن أُمّ الحکم الثقفی ، ویقال عثمان بن عمیر الثقفی : جذاذها جُذاذها. فقال له معاویة : لا تعنَّ أبراً. فخرج أهل الشام ولا یدرون ما قال معاویة وعبد الرحمن ، فأتوا النعمان بن بشیر فقالوا له مقالة ابن أُمّ الحکم فقال النعمان : قتل القوم.

أقبل عامر بن الأسود العجلی وهو بعذراء یرید معاویة لیعلمه بالرجلین اللذین بعث بهما زیاد ولحقا بحُجر وأصحابه ، فلمّا ولّی لیمضی قام إلیه حُجر بن عدی

ص: 66

یرسف فی القیود فقال : یا عامر اسمع منّی : أبلغ معاویة أنَّ دماءنا علیه حرامٌ. وأخبره أنّا قد أُومنّا وصالحناه فلیتّق الله ولینظر فی أمرنا. فقال له نحواً من هذا الکلام فأعاد علیه حُجرٌ مراراً. فدخل عامر علی معاویة فأخبره بأمر الرجلین ، فقام یزید بن أسد البجلی فاستوهب الرجلین وکان جریر بن عبد الله کتب فی أمر الرجلین أنّهما من قومی من أهل الجماعة والرأی الحسن ، سعی بهما ساعٍ ظنینٌ إلی زیاد وهما ممّن لا یحدث حدثاً فی الإسلام ولا بغیاً علی الخلیفة ، فلینفعهما ذلک عند أمیر المؤمنین. فوهبهما له ولیزید بن أسد.

وطلب وائل بن حُجر فی الأرقم الکندی فترکه.

وطلب أبو الأعور فی عتبة بن الأخنس فوهبه له.

وطلب حمزة بن مالک الهمدانی فی سعید بن نمران فوهبه له.

وطلب حبیب بن مسلمة فی عبد الله بن حویّة التمیمی فخلّی سبیله.

فقام مالک بن هبیرة فسأله فی حُجر فلم یشفّعه فغضب وجلس فی بیته ، فبعث معاویة هدبة بن فیّاض القضاعی من بنی سلامان بن سعد والحُصین بن عبد الله الکلابی وأبا شریف البدّی - فی الأغانی : أبا حریف البدری - فأتوهم عند المساء فقال الخثعمی حین رأی الأعور مقبلاً : یُقتل نصفنا وینجو نصفنا. فقال سعید بن نمران : اللهمّ اجعلنی ممّن ینجو وأنت عنّی راضٍ. فقال عبد الرحمن بن حسان العنزی : اللهمّ اجعلنی ممّن تکرم بهوانهم وأنت عنّی راضٍ ، فطالما عرّضت نفسی للقتل فأبی الله إلاَّ ما أراد. فجاء رسول معاویة إلیهم بتخلیة ستة وبقتل ثمانیة (1) ، فقال لهم رسل معاویة ، ثم إنّا قد أُمرنا أن نعرض علیکم البراءة من علیّ واللعن له ، فإن فعلتم هذا ترکناکم وإن أبیتم قتلناکم ، وإنَّ أمیر المؤمنین یزعم أنَّ دماءکم قد حلّت له بشهادة أهل مصرکم علیکم ، غیر أنّه قد عفا عن ذلک فابرؤوا من هذا الرجل نخلِّ سبیلکم. قالوا : لسنا فاعلین. فأُمروا بقیودهم فحلّت ، وبقبورهم فحفرت ، وأُدنیت أکفانهم ، ا.

ص: 67


1- سیأتی ذکر أسماء سبعة ممن قُتل ، وسبعة ممن نجا.

فقاموا اللیل کلّه یصلّون فلمّا أصبحوا قال أصحاب معاویة : یا هؤلاء قد رأیناکم البارحة أطلتم الصلاة وأحسنتم الدعاء فأخبرونا ما قولکم فی عثمان؟ قالوا : هو أوّل من جار فی الحکم ، وعمل بغیر الحقِّ. فقال أصحاب معاویة : أمیر المؤمنین کان أعلم بکم ، ثم قاموا إلیهم وقالوا : تبرءون من هذا الرجل؟ قالوا : بل نتولاّه. فأخذ کلّ رجل منهم رجلاً لیقتله ، فوقع قبیصة بن ضبیعة فی یدی أبی شریف البدّی فقال له قبیصة : إنَّ الشرّ بین قومی وقومک أمنٌ - أی : آمن - فلیقتلنی غیرک فقال له : برّتک رحمٌ. فأخذه الحضرمیّ فقتله. وقتل القضاعی صاحبه.

قال لهم حُجر : دعونی أُصلّی رکعتین ، فأیمن الله ما توضّأت قطّ إلاَّ صلّیت رکعتین فقالوا له : صلّ فصلّی ثم انصرف فقال : والله ما صلّیت صلاة قطّ أقصر منها ولولا أن تروا أنَّ ما بی جزع من الموت لأحببت أن أستکثر منها. ثم قال : اللهمّ إنّا نستعدیک علی أُمّتنا فإنّ أهل الکوفة شهدوا علینا ، وإنَّ أهل الشام یقتلوننا ، أما والله لئن قتلتمونی بها إنّی لأوّل فارس من المسلمین سلک فی وادیها ، وأوّل رجل من المسلمین نبحته کلابها. فمشی إلیه هدبة الأعور بالسیف فأرعدت خصائله (1) ، فقال : کلاّ زعمت أنّک لا تجزع من الموت فأنا أدعک فابرأ من صاحبک. فقال : مالی لا أجزع وأنا أری قبراً محفوراً ، وکفناً منشوراً ، وسیفاً مشهوراً ، وإنّی والله إن جزعت لا أقول ما یسخط الرب. فقیل له : مدّ عنقک. فقال : إنَّ ذلک لدمٌ ما کنت لأُعین علیه. فقُدِّم فضربت عنقه وأقبلوا یقتلونهم واحداً واحداً حتی قتلوا ستّة.

الخثعمی والعنزی من أصحاب حُجر :

قال عبد الرحمن بن حسّان العنزی ، وکریم بن عفیف الخثعمی : ابعثوا بنا إلی أمیر المؤمنین فنحن نقول فی هذا الرجل مثل مقالته. فبعثوا إلی معاویة فأخبروه فبعث : ائتونی بهما. فالتفتا إلی حُجر ، فقال له العنزی : لا تبعد یا حُجر ولا یبعد ظ.

ص: 68


1- الخصائل : جمع خصیلة ، وهی کل عصبة فیها لحم غلیظ.

مثواک ، فنعم أخو الإسلام کنت. وقال الخثعمی نحو ذلک ثم مضی بهما ، فالتفت العنزی فقال متمثِّلاً :

کفی بشفاة القبر بُعداً لهالکٍ

وبالموت قطّاعاً لحبل القرائن

فلمّا دخل علیه الخثعمی قال له : الله الله یا معاویة إنّک منقولٌ من هذه الدار الزائلة إلی الدار الآخرة الدائمة ومسؤولٌ عمّا أردت بقتلنا وفیم سفکت دماءنا ، فقال معاویة : ما تقول فی علیّ؟ قال : أقول فیه قولک ، أتتبرّأ من دین علیّ الذی کان یدین الله به؟ فسکت ، وکره معاویة أن یجیبه ، فقام شمر بن عبد الله الخثعمی فاستوهبه. فقال : هو لک غیر أنّی حابسه شهراً فحبسه ، فکان یرسل إلیه بین کلّ یومین فیکلّمه ، ثم أطلقه علی أن لا یدخل الکوفة ما دام له سلطانٌ. فنزل الموصل فکان یقول : لو قد مات معاویة قدمت المصر ، فمات قبل معاویة بشهر.

ثم أقبل علی عبد الرحمن بن حسّان فقال له : إیه یا أخا ربیعة ما قولک فی علیّ؟ قال : دعنی ولا تسألنی فإنّه خیرٌ لک. قال : والله لا أدعک حتی تخبرنی عنه. قال : أشهد أنّه کان من الذاکرین الله کثیراً ، ومن الآمرین بالمعروف والناهین عن المنکر (1) والعافین عن الناس. قال : فما قولک فی عثمان؟ قال : هو أوّل من فتح باب الظلم وأرتج أبواب الحقّ. قال : قتلت نفسک. قال بل إیّاک قتلت لا ربیعة بالوادی - یعنی أنّه لیس ثَمّ أحدٌ من قومه فیتکلّم فیه - فبعث به معاویة إلی زیاد وکتب إلیه : أمّا بعد : فإنَّ هذا العنزی شرُّ من بعثت به فعاقبه بالعقوبة التی هو أهلها واقتله شرّ قتلة. فلمّا قدم به علی زیاد بعث به إلی قسّ الناطف (2) فدفن به حیّا.

فقتل من أصحاب حُجر معه :

شریک بن شدّاد الحضرمی ، صیفی بن فسیل الشیبانی ، قبیصة بن ضبیعة ف)

ص: 69


1- فی الأغانی [17 / 156] : من الآمرین بالحق والقائمین بالقسط. (المؤلف)
2- موضع قرب الکوفة علی شاطئ الفرات الشرقی. [معجم البلدان : 4 / 349]. (المؤلف)

العبسی ، محرز بن شهاب المنقری ، کدام بن حیّان العنزی ، عبد الرحمن بن حسّان العنزی.

ونجا منهم :

کریم بن عفیف الخثعمی ، عبد الله بن حویّة التمیمی ، عاصم بن عوف البجلی ، ورقاء بن سمیّ البجلی ، أرقم بن عبد الله الکندی ، عتبة بن الأخنس السعدی ، سعد بن نمران الهمدانی.

أخذنا ما فی هذا الفصل (1) من : الأغانی (16 / 2 - 11) ، عیون الأخبار لابن قتیبة (1 / 147) ، تاریخ الطبری (6 / 141 - 156) ، مستدرک الحاکم (3 / 468) ، تاریخ ابن عساکر (4 / 84 و 6 / 459) ، الکامل لابن الاثیر (3 / 202 - 208) ، تاریخ ابن کثیر (8 / 49 - 55) (2).

قال الأمینی : من حُجر بن عدی؟ ومن الذین کانوا معه؟ وما الذی کانت غایتهم فی تلکم المواقف الهائلة؟ وما ذا اقترفوه من ذنب حتی قتّلوا تقتیلاً؟ ولما ذا هتکت حرماتهم ، وقطعت أوصال حیاتهم وهم فئةٌ مسلمة؟!

حُجر بن عدی من عدول الصحابة ، أو أحد الصحابة العدول ، راهب أصحاب محمد صلی الله علیه وآله وسلم کما قاله الحاکم (3) ، من أفاضل الصحابة وکبارهم مع صغر سنّه مستجاب الدعوة کما فی الاستیعاب (4) ، وکان ثقة معروفاً کما قاله ابن سعد (5) ، وقال المرزبانی : ف)

ص: 70


1- المذکور تحت عنوان (مواقف معاویة من حُجر وأصحابه) ص 37. (المؤلف)
2- الأغانی : 17 / 137 - 158 ، تاریخ الأُمم والملوک : 5 / 253 - 279 حوادث سنة 51 ه ، المستدرک علی الصحیحین : 3 / 531 - 534 ، تاریخ مدینة دمشق : 12 / 207 رقم 1221 و 24 / 258 رقم 2908 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 4 / 238 و 11 / 125 ، الکامل فی التاریخ : 2 / 488 - 498 حوادث سنة 51 ه ، البدایة والنهایة : 8 / 54 - 60 حوادث سنة 51 ه.
3- مستدرک الحاکم : 3 / 468 [3 / 531]. (المؤلف)
4- الاستیعاب : 1 / 135 [القسم الأول / 329 - 331 رقم 487]. (المؤلف)
5- طبقات ابن سعد : [6 / 220] ، تاریخ ابن عساکر : 4 / 85 [12 / 210 رقم 1221 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 6 / 236] ، تاریخ ابن کثیر : 8 / 50 [8 / 54 حوادث سنة 51 ه] (المؤلف)

إنّه وفد إلی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وکان من عبّاد الله وزهّادهم وکان بارّا بأُمّه ، وکان کثیر الصلاة والصیام (1) ، وقال أبو معشر : کان عابداً وما أحدث إلاّ توضّأ وما توضّأ إلاّ صلّی (2) ، وکان له صحبة ووفادة وجهاد وعبادة کما فی الشذرات (3) ، وکان صاحب کرامة واستجابة دعاء مع التسلیم إلی الله. روی ابن الجنید فی کتاب الأولیاء : إنّ حُجر بن عدی أصابته جنابة فقال للموکّل به : أعطنی شرابی أتطهّر به ولا تعطنی غداً شیئاً. فقال : أخاف أن تموت عطشاً فیقتلنی معاویة ، قال : فدعا الله فانسکبت له سحابة بالماء فأخذ منها الذی احتاج إلیه ، فقال له أصحابه : ادع الله أن یخلّصنا. فقال : اللهمَّ خِرْ لنا (4).

وقالت عائشة : أما والله إن کان ما علمت لمسلماً حجّاجاً معتمراً (5). وقالت لمعاویة : قتلت حُجراً وأصحابه ، أما والله لقد بلغنی أنّه سیقتل بعذراء سبعة رجال - وفی لفظ : أُناس - یغضب الله وأهل السماء لهم (6).

وقال مولانا أمیر المؤمنین علیه السلام : «یا أهل الکوفة سیقتل فیکم سبعة نفر هم من خیارکم بعذراء مثلهم کمثل أصحاب الأُخدود». وفی لفظ : «حُجر بن عدی وأصحابه کأصحاب الأُخدود ، وما نقموا منهم إلاّ أن یؤمنوا بالله العزیز ف)

ص: 71


1- تاریخ ابن کثیر : 8 / 50 [8 / 55 حوادث سنة 51 ه]. (المؤلف)
2- تاریخ ابن عساکر : 4 / 85 ، 5 / 420 [12 / 212 رقم 1221 و 19 / 202 رقم 2309 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 6 / 236 و 9 / 88] ، تاریخ ابن کثیر : 8 / 50 [8 / 55 حوادث سنة 51 ه]. (المؤلف)
3- شذرات الذهب : 1 / 57 [1 / 247 حوادث سنة 51 ه]. (المؤلف)
4- الإصابة : 1 / 315 [رقم 1629]. (المؤلف)
5- الأغانی : 16 / 11 [17 / 158] ، تاریخ الطبری : 6 / 156 [5 / 279 حوادث سنة 51 ه] ، الکامل : 4 / 209 [2 / 499 حوادث سنة 51 ه]. (المؤلف)
6- تاریخ ابن عساکر : 4 / 86 [12 / 227 رقم 1221 ، وفی مختصر تاریخ دمشق 6 / 241] ، تاریخ ابن کثیر : 8 / 55 [8 / 60 حوادث سنة 51 ه] ، الإصابة : 1 / 315 [رقم 1629]. (المؤلف)

الحمید» (1).

وفیما کتب (2) الإمام السبط الحسین علیه السلام إلی معاویة : «ألست قاتل حُجر وأصحابه العابدین المخبتین الذین کانوا یستفظعون البدع ، ویأمرون بالمعروف وینهون عن المنکر؟ فقتلتهم ظلماً وعدواناً من بعد ما أعطیتهم المواثیق الغلیظة والعهود المؤکّدة جرأةً علی الله واستخفافاً بعهده.

أوَلستَ بقاتل عمرو بن الحمق الذی أخلقت وأبلت وجهه العبادة ، فقتلته من بعد ما أعطیته من العهود ما لو فهمته العُصم (3) نزلت من شعف (4) الجبال؟

أولستَ قاتل الحضرمی (5) الذی کتب إلیک فیه زیاد : إنّه علی دین علیّ کرّم الله وجهه. ودین علیّ هو دین ابن عمّه صلی الله علیه وآله وسلم الذی أجلسک مجلسک الذی أنت فیه ، ولولا ذلک کان أفضل شرفک وشرف آبائک تجشّم الرحلتین : رحلة الشتاء والصیف ، فوضعها الله عنکم بنا ، منّةً علیکم».

هذا حُجر وأصحابه ، وأمّا غایة ذلک العبد الصالح والتابعین له بإحسان فی مواقفهم کلّها فهی النهی عن المنکر الموبق من لعن مولانا أمیر المؤمنین علیه السلام علی صهوات المنابر ، فکانوا یغبِّرون فی وجه من یرتکب تلکم الجریمة من عمّال معاویة وزبانیته الأشدّاء علی إمام الحقِّ وأولیائه ، ولم ینقم القوم منهم غیر ذلک من عیث فی ف)

ص: 72


1- تاریخ ابن عساکر : 4 / 86 [12 / 227 رقم 1221 ، وفی مختصر تاریخ دمشق 6 / 241] ، تاریخ ابن کثیر : 8 / 55 [8 / 60 حوادث سنة 51 ه] ، شذرات الذهب : 1 / 57 [1 / 247 حوادث سنة 51 ه]. (المؤلف)
2- مرّ تمام الکتاب فی الجزء العاشر : ص 160 ، 161. (المؤلف)
3- العُصم : جمع أعصم ، وهی الوعول التی تعتصم بأعلی الجبال.
4- شعف الجبال : قُننها وأعالیها.
5- یعنی شریک بن شدّاد الحضرمی ، کان من أصحاب حُجر الذین بعث بهم زیاد إلی معاویة وقتل مع حُجر. (المؤلف)

المجتمع ، أو إفساد علی السلطان ، أو شقّ لعصا المسلمین ، وکان حُجر وهو سیّد قومه یقول : ألا إنّی علی بیعتی لا أقیلها ولا أستقیلها سماع الله والناس. ویقول لیزید بن حجیّة : أبلغ معاویة أنّا علی بیعتنا لا نستقیلها ولا نقیلها ، وأنّه إنّما شهد علینا الأعداء والأظنّاء. ویقول : ما خلعت یداً عن طاعة ولا فارقت جماعة وإنّی علی بیعتی. ولمّا أُدخل علی معاویة سلّم علیه بإمرة المؤمنین (1).

لم یکن صلاح الرجل وأصحابه یخفی علی أیِّ أحد حتی علی مثل المغیرة الذی کان من زعانف معاویة الخصماء الألدّاء علی شیعة أمیر المؤمنین علیّ علیه السلام فإنَّه لمّا أشیر علیه بالتنکیل بحُجر وأصحابه قال : لا أُحبُّ أن أبتدئ أهل هذا المصر بقتل خیارهم وسفک دمائهم ، فیسعدوا بذلک وأشقی ، ویعزّ فی الدنیا معاویة ویذلّ یوم القیامة المغیرة. ورأی أصحاب معاویة منهم آخر لیلة حیاتهم بعذراء حسن صلاة ودعاء فأعجبهم نسکهم وأکبروا موقفهم من طاعة الله غیر أنّهم ألقوا علیهم البراءة من علیّ أمیر المؤمنین علیه السلام بأمرٍ من معاویة براءة یتبعها الأمان والسلام فلم یفعلوا ، فقتلوا فی موالاة علیّ علیه السلام کما قاله الحاکم فی المستدرک (2) (3 / 470) ، وسمعت فی کلمة الإمام السبط علیه السلام قوله : «أوَلست قاتل الحضرمیّ الذی کتب إلیک فیه زیاد : أنَّه علی دین علیّ کرّم الله وجهه ، فلم یک ذنبهم إلاّ موالاة من قرن الله ولایته بولایته وولایة رسوله».

ونحن لا ندری هل ثبت فی الشریعة أنَّ البراءة من إمام الهدی ولعنه مجلبةٌ للأمان علی حین أنَّ الرجل مستحقٌّ للإعدام؟ أو أنَّ ذلک نفسه فریضةٌ ثابتةٌ قامت بها الضرورة من الدین ، فیهدر به دم تارکها ، ویکون قتله من أحبّ ما یکون إلی 1.

ص: 73


1- الأغانی : 16 / 6 [17 / 154] ، تاریخ الطبری : 6 / 153 [5 / 273 حوادث سنة 51 ه] ، الکامل لابن الأثیر : 4 / 210 [2 / 500 حوادث سنة 51 ه] ، مستدرک الحاکم : 3 / 469 ، 470 [3 / 532 ، 533 ح 1574 ، 1579] ، الاستیعاب : 1 / 357 [القسم الأول / 330 ح 487] ، الإصابة : 1 / 315 [1629]. (المؤلف)
2- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 534 ح 1581.

معاویة کما جاء فیما رواه ابن کثیر فی تاریخه (1) (8 / 54) من أنَّ عبد الرحمن بن الحارث قال لمعاویة : أقتلتَ حُجر بن الأدبر؟ فقال معاویة : قتله أحبُّ إلیَّ من أن أقتل معه مائة ألف.

نعم ؛ نحن لا ندری ، لکن فقه معاویة وشهواته یستسیغان ذلک ، فلا یصیخ إلی نُصح أیِّ ناصح ، فإنَّه لمّا استشار أصحابه فی أمر حُجر وهو فی سجن عذراء قال له عبد الله بن زید بن أسد البجلی : یا أمیر المؤمنین أنت راعینا ونحن رعیّتک ، وأنت رکننا ونحن عمادک ، إن عاقبت قلنا : أصبت. وإن عفوت قلنا : أحسنت. والعفو أقرب للتقوی ، وکلّ راع مسؤولٌ عن رعیّته (2).

وما ذنب حُجر وأصحابه الصلحاء ومن شاکلهم من أهل الصلاح وحملة الإسلام الصحیح إذ عبسوا علی إمارة السفهاء؟ إمارة الوزغ ابن الوزغ ، إلی أزنی ثقیف مغیرة ، إلی طلیق استه بُسر بن أرطاة ، إلی ابن أبیه زیاد ، إلی خلیفتهم الغاشم ابن هند. وحُجر وأصحابه هم الذین صدقوا ما عاهدوا الله علیه وأخبتوا إلی ما جاء به نبیُّ الإسلام ، وقد صحّ عنه صلی الله علیه وآله وسلم أنّه قال لجابر بن عبد الله : «أعاذک الله من إمارة السفهاء». قال : وما إمارة السفهاء؟ قال : «أُمراء یکونون بعدی لا یقتدون بهدیی ، ولا یستنّون بسنّتی ، فمن صدّقهم بکذبهم ، وأعانهم علی ظلمهم فأُولئک لیسوا منّی ولست منهم ، ولا یردوا علیَّ حوضی ، ومن لم یصدّقهم بکذبهم ، ولم یعنهم علی ظلمهم فأُولئک منّی وأنا منهم ، وسیردوا علیَّ حوضی» (3).

وقال صلی الله علیه وآله وسلم : «إنّ هلاک أُمّتی - أو فساد أُمّتی - رءوس أُمراء أُغیلمة سفهاء من قریش» (4). ف)

ص: 74


1- البدایة والنهایة : 8 / 59 حوادث سنة 51 ه.
2- مستدرک الحاکم : 3 / 469 [3 / 532 ح 1575]. (المؤلف)
3- مسند أحمد : 3 / 321 [4 / 265 ح 14032]. (المؤلف)
4- مسند أحمد : 2 / 299 ، 304 ، 328 ، 520 [2 / 578 ح 7914 ، 587 ح 7973 ، 628 ح 8147 ، و 3 / 327 ح 10359]. (المؤلف)

وعن کعب بن عجرة مرفوعاً : «سیکون أُمراء یکذبون ویظلمون ، فمن صدّقهم بکذبهم وأعانهم علی ظلمهم ، فلیس منّی ولا أنا منه ، ولا یرد علیَّ الحوض یوم القیامة ، ومن لم یصدّقهم بکذبهم ، ولم یعنهم علی ظلمهم فهو منّی وأنا منه ، وهو واردٌ علیَّ الحوض یوم القیامة» (1).

وقال صلی الله علیه وآله وسلم : «ستکون علیکم أُمراء تشغلهم أشیاء عن الصلاة حتی یؤخِّروها عن وقتها ، فصلّوها لوقتها» (2). وابن سمیّة من أولئک الأمراء الذین أخّروا الصلاة وأنکره علیه ذلک حُجر بن عدی ، کما مرّ حدیثه فی الجزء التاسع (ص 119).

ولم یکن لمعاویة عذرٌ فی قتل أُولئک الصفوة إلاّ التشبّث بالتافهات ، فکان یتلوّن فی الجواب بمثل قوله : إنِّی رأیت فی قتلهم صلاحاً للأُمّة وفی مقامهم فساداً للأُمّة ، وقوله : إنّی وجدت قتل رجل فی صلاح الناس خیراً من استحیائه فی فسادهم (3). وهل صلاح الناس فی الالتزام بلعن علیّ أمیر المؤمنین علیه السلام والبراءة منه والتحامل علی شیعته ، وفسادهم فی ترکها أو النهی عنها؟ أنظر لعلّک تجد له وجهاً فی غیر شریعة الإسلام.

وبمثل قوله : لست أنا قتلتهم إنّما قتلهم من شهد علیهم (4). ولقد عرفت حال تلک الشهادة المزوّرة ، أو أنّها من قوم لا خلاق لهم ، وکان معاویة أعرف بها وبهم ، ومع ذلک استباح دماء القوم ، وتترّس بقیله عن مراشق العتاب ، والإنسان علی نفسه بصیرة ولو ألقی معاذیره.

وبمثل قوله : فما أصنع کتب إلیَّ فیهم زیاد یشدّد أمرهم ویذکر أنّهم سیفتقون ف)

ص: 75


1- مسند أحمد : 4 / 243 [5 / 293 ح 17660] ، تاریخ الخطیب : 5 / 362 [رقم 2886]. (المؤلف)
2- مسند أحمد : 5 / 315 [6 / 429 ح 22178] ، تاریخ الخطیب : 13 / 185 [رقم 7162]. (المؤلف)
3- تاریخ ابن کثیر : 8 / 55 [8 / 60 حوادث سنة 51 ه]. (المؤلف)
4- تاریخ الطبری : 6 / 156 [5 / 279 حوادث سنة 51 ه] ، الاستیعاب : 1 / 135 [القسم الأول / 331 رقم 487]. (المؤلف)

علیَّ فتقاً لا یرقع (1). وقوله : حمّلنی ابن سمیّة فاحتملت (2). قبّح الله الصلف والوقاحة أکان زیاد عاملاً له أو هو عامل لزیاد حتی یحتمل الموبقات بإشارته؟ وهل یُهدر دماء الصالحین - وبذلک عرفهم المجتمع الدینی - بقول فاسق مستهتر؟! والله یقول : (یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِنْ جاءَکُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَیَّنُوا أَنْ تُصِیبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلی ما فَعَلْتُمْ نادِمِینَ) (3) لکن معاویة بعد أن استلحق زیاداً بأبی سفیان راقه أن لا ینحرف عن مرضاته وفیها شفاء غلّته وإن زحزحته عن زمرة أُناس خوطبوا بالآیة الشریفة.

وبمثل قوله لعائشة لمّا عاتبته علی قتله حُجراً وأصحابه : فدعینی وحُجراً نلتقی عند ربّنا عزَّ وجلَّ. وقوله لها حین قالت له : أین عزب عنه حلم أبی سفیان فی حُجر وأصحابه؟ : حین غاب عنّی مثلکِ من حلماء قومی (4). إن هو إلاّ الهزء بالله وبلقائه ، أو لم یکف من آمن بالله والیوم الآخر نصح القرآن وحده وشرعة محمد صلی الله علیه وآله وسلم معه فی حرمة دماء المؤمنین الأبریاء؟ هل یسع معاویة أو یغنیه یوم لقاء الله التمسّک بالترّهات تجاه قوله تعالی (وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِی حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِ) (5) ، وقوله تعالی (وَما کانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ یَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَأً) ... (وَمَنْ یَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِیها وَغَضِبَ اللهُ عَلَیْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِیماً) (6) ، وقوله تعالی : 3.

ص: 76


1- الاستیعاب : 1 / 134 [القسم الأول / 330 رقم 487] ، أُسد الغابة : 1 / 386 [1 / 462 رقم 1093]. (المؤلف)
2- الأغانی : 16 / 11 [17 / 158] ، تاریخ الطبری : 6 / 156 [5 / 279 حوادث سنة 51 ه] ، کامل ابن الاثیر : 4 / 209 [2 / 499 حوادث سنة 51 ه]. (المؤلف)
3- الحجرات : 6.
4- الأغانی : 16 / 11 [17 / 158] ، الاستیعاب : 1 / 134 [القسم الأول / 330 رقم 487] ، أُسد الغابة : 1 / 386 [1 / 462 رقم 1093] ، تاریخ ابن کثیر : 8 / 55 [8 / 60 حوادث سنة 51 ه]. (المؤلف)
5- الإسراء : 33.
6- النساء : 92 - 93.

(إِنَّ الَّذِینَ یَکْفُرُونَ بِآیاتِ اللهِ وَیَقْتُلُونَ النَّبِیِّینَ بِغَیْرِ حَقٍّ وَیَقْتُلُونَ الَّذِینَ یَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِیمٍ) (1) ، وقوله تعالی : (وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِینَ یَمْشُونَ عَلَی الْأَرْضِ هَوْناً) - إلی قوله - (وَلا یَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِی حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا یَزْنُونَ وَمَنْ یَفْعَلْ ذلِکَ یَلْقَ أَثاماً) (2)؟

أوَلم یکف معاویة ما رواه هو نفسه عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم من قوله : «کلّ ذنب عسی الله أن یغفره إلاّ الرجل یموت کافراً أو الرجل یقتل مؤمناً متعمّداً»؟

مسند أحمد (3) (4 / 96).

أو ما کتبه بیده الأثیمة إلی مولانا أمیر المؤمنین من کتاب : وإنّی سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول : «لو تمالأ أهل صنعاء وعدن علی قتل رجل واحد من المسلمین لأکبّهم الله علی مناخرهم فی النار»؟

أو ما رواه ابن عمر مرفوعاً : «لن یزال المؤمن فی فسحة من دینه ما لم یصب دماً حراماً»؟

أو ما جاء به البراء بن عازب مرفوعاً : «لزوال الدنیا أهون علی الله من قتل مؤمن بغیر حقّ»؟ رواه ابن ماجة (4) والبیهقی (5) ، وزاد فیه الأصبهانی : «ولو أنَّ أهل سماواته وأهل أرضه اشترکوا فی دم مؤمن لأدخلهم النار».

وفی روایة لبریدة مرفوعاً : «قتل المؤمن أعظم عند الله من زوال الدنیا».

وفی حدیث لأبی هریرة مرفوعاً : «لو أنَّ أهل السماء وأهل الأرض اشترکوا فی دم مؤمن لأکبّهم الله فی النار». 3.

ص: 77


1- آل عمران : 21.
2- الفرقان : 63 - 68.
3- مسند أحمد : 5 / 66 ح 16464.
4- سنن ابن ماجة : 2 / 874 ح 2619.
5- السنن الکبری للبیهقی : 8 / 22 - 23.

ومن حدیث لابن عبّاس مرفوعاً : «لو اجتمع أهل السماء والأرض علی قتل امرئٍ لعذّبهم الله إلاّ أن یفعل ما یشاء».

ومن حدیث لأبی بکرة مرفوعاً : «لو أنَّ أهل السموات والأرض اجتمعوا علی قتل مسلم لکبّهم الله جمیعاً علی وجوههم فی النار».

ومن طریق ابن عبّاس مرفوعاً : «أبغض الناس إلی الله ملحدٌ فی الحرم ، ومبتغ فی الإسلام سنّة الجاهلیّة ، ومطلب دم امرئٍ بغیر حقّ لیهریق دمه».

صحیح البخاری (1) ، سنن البیهقی (8 / 27).

ومن طریق أبی هریرة مرفوعاً : «من أعان علی قتل مؤمن بشطر کلمة لقی الله مکتوباً بین عینیه : آیسٌ من رحمة الله»

. ومن حدیث أبی موسی مرفوعاً : «إذا أصبح إبلیس بثَّ جنوده فیقول : من أخذل الیوم مسلماً أُلبسه التاج. فیجیء هذا فیقول : لم أزل به حتی طلّق امرأته. فیقول : أوشک أن یتزوّج. ویجیء هذا فیقول : لم أزل به حتی عقَّ والدیه. فیقول : یوشک أن یبرّهما. ویجیء هذا فیقول : لم أزل به حتی أشرک. فیقول : أنت أنت. ویجیء هذا فیقول : لم أزل به حتی قَتل فیقول : أنت أنت ویلبسه التاج».

ومن حدیث عبد الله بن عمرو مرفوعاً : «من قتل معاهداً لم یرح رائحة الجنّة وأنّ ریحها یوجد من مسیرة أربعین عاماً». وفی لفظ أحمد (2) : «من قتل نفساً معاهدة بغیر حلّها حرّم الله تبارک وتعالی علیه الجنّة لم یشم ریحها».

إلی أحادیث جمّة أخری أخرجها الحفّاظ وأئمّة الحدیث فی الصحاح والمسانید ، وجمع شطراً منها الحافظ المنذری فی الترغیب والترهیب (3) (3 / 120 - 123). 9.

ص: 78


1- صحیح البخاری : 6 / 2523 ح 6488.
2- مسند أحمد : 6 / 17 ح 19884.
3- الترغیب والترهیب : 3 / 292 - 299.

ما أحوج معاویة مع هذه کلّها إلی نصح ضرائب عائشة فی هذه الموبقة الکبیرة ، وهی نفسها لم تکترث لسفک دماء آلاف مؤلّفة ممّن حسبتهم أبناءها علی حد قول الشاعر :

جاءت مع الأَشقینَ فی هودجٍ

تزجی إلی البصرة أجنادَها

کأنّها فی فعِلها هرّةٌ

تُرید أن تأکلَ أولادها

نعم ؛ مضی حُجر سلام الله علیه إلی ربّه سجیح الوجه ، وضیء الجبین ، حمیداً سعیداً مظلوماً مُهتضماً ، مضرّجاً بدمه ، مصفّداً بقیود الظلم والجور ، خاتماً حیاته الحمیدة بالصلاة ، قائلاً : لا تطلقوا عنّی حدیداً ، ولا تغسلوا عنّی دماً ، وادفنونی فی ثیابی فإنّی مخاصم. وفی لفظ : فإنّا نلتقی معاویة علی الجادّة (1). وأبقت تلک الموبقة علی معاویة خزی الأبد ، وعدَّ الحسن من أربع خصال کنَّ فی معاویة لو لم یکن فیه منهنَّ إلاّ واحدة لکانت موبقة : قتله حُجراً ، وقال : ویلٌ له من حُجر وأصحاب حُجر (2).

ونحن علی یقین من أنّ الله تعالی سیأخذ ابن آکلة الأکباد بما خطّته یده الأثیمة إلی أهل البصرة من قوله : إنَّ سفک الدماء بغیر حلّها ، وقتل النفوس التی حرّم الله قتلها ، هلاکٌ موبقٌ ، وخسرانٌ مبینٌ ، لا یقبل الله ممّن سفکها صرفاً ولا عدلاً (3).

الحضرمیّان وقتلهما علی التشیّع :

قال النسّابة أبو جعفر محمد بن حبیب البغدادی المتوفّی (245) فی کتابه المحبّر (ص 479) : صلب زیاد بن أبیه مسلم بن زیمر وعبد الله بن نُجیّ الحضرمیّین ، علی ف)

ص: 79


1- مستدرک الحاکم : 3 / 469 ، 470 [3 / 533 ح 1577 ، 1579] ، الاستیعاب : 1 / 135 [القسم الأول / 331 رقم 487] ، کامل ابن الأثیر : 4 / 210 [2 / 500 حوادث سنة 51 ه] أُسد الغابة : 1 / 386 [1 / 462 رقم 1093] ، الإصابة : 1 / 315 [1629]. (المؤلف)
2- مرّ تمام حدیث الحسن فی ص 225 من الجزء العاشر. (المؤلف)
3- شرح ابن أبی الحدید 1 / 350 [4 / 39 کتاب 55]. (المؤلف)

أبوابهما أیّاماً بالکوفة وکانا شیعیّین وذلک بأمر معاویة. وقد عدّهما الحسین بن علی علی معاویة فی کتابه إلیه : «ألست صاحب حُجر والحضرمیّین اللذین کتب إلیک ابن سمیّة أنَّهما علی دین علیّ ورأیه ، فکتبت إلیه من کان علی دین علیّ ورأیه فاقتله وامثل به ، فقتلهما ومثّل بأمرک بهما؟ ودین علیّ وابن عمّ علیّ الذی کان یضرب علیه أباک - یضربه علیه أبوک - أجلسک مجلسک الذی أنت فیه. ولولا ذلک کان أفضل شرفک وشرف أبیک تجشّم الرحلتین (1) اللتین بنا منَّ الله علیک بوضعها عنکم».

قال الأمینی : هلمّوا معی یا أهل دین الله ، هل اعتناق دین علیّ علیه السلام ممّا یُستباح به دم مسلم ، وتستحّل المثلة والتنکیل المحظورة فی الشریعة المطهّرة ، الممنوع عنها ولو بالکلب العقور؟ ألیس دین علیّ هو دین محمد صلی الله علیه وآله وسلم الذی صدع به عن الله تعالی؟ نعم هو کذلک لکن معاویة حائدٌ عن الدین القویم ولا یقیم له وزناً ما ، ولا یکترث لمغبّة هتکه ، ولا یتریّث عن الوقیعة فیه.

مالک الأشتر :

ومن الصلحاء الذین قتلهم معاویة بغیر ذنب أتاه مالک بن الحارث الأشتر النخعی ، لله درُّ مالک! وما مالک؟ لو کان من جبل لکان فِنداً (2) ، ولو کان من حَجر لکان صَلداً ، علی مثل مالک فلتبکِ البواکی ، وهل موجودٌ کمالک؟ أشدّ عباد الله بأساً ، وأکرمهم حسباً ، کان أضرَّ علی الفجّار من حریق النار ، وأبعد الناس من دنس أو عار ، حسامٌ صارمٌ ، لا نابی الضریبة ، ولا کلیل الحدّ ، حکیمٌ فی السلم ، رزینٌ فی الحرب ، ذو رأی أصیل ، وصبر جمیل. ل.

ص: 80


1- کان لقریش فی الجاهلیة رحلتان کلّ عام : رحلة فی الشتاء إلی الیمن ، ورحلة فی الصیف إلی الشام. وکان أبو سفیان یرأس العیر التی تردّد بین مکة والشام. (المؤلف)
2- الفند : القطعة العظیمة من الجبل.

کان ممّن لا یخاف وهنه ولا سقطته ، ولا بطؤه عمّا الإسراع إلیه أحزم ، ولا إسراعه إلی ما البطء عنه أمثل ، کان یجمع بین اللین والعنف ، فیسطو فی موضع السطوة ، ویرفق فی موضع الرفق ، کان فارساً شدید البأس شجاعاً رئیساً حلیماً جواداً فصیحاً شاعراً (1).

کتب علیٌّ علیه السلام إلی مالک وهو یومئذٍ بنصیبین : «أمّا بعدُ : فإنّک ممّن استظهرتُه علی إقامة الدین ، وأقمعُ به نخوة الأثیم ، وأشدُّ الثغر المخوف ، وکنت ولّیت محمد بن أبی بکر مصر فخرجت علیه بها خوارج وهو غلامٌ حدَث لیس بذی تجربة للحرب ولا بمجرِّب للأشیاء ، فأقدم علیَّ لننظر فی ذلک فیما ینبغی ، واستخلف علی عملک أهل الثقة والنصیحة من أصحابک. والسلام».

فأقبل مالک إلی علیّ حتی دخل علیه فحدّثه حدیث أهل مصر وخبّره خبر أهلها و

قال : «لیس لها غیرک ، اخرج رحمک الله ، فإنّی لم أوصک ، اکتفیت برأیک ، واستعن بالله علی ما أهمّک ، فاخلط الشدّة باللین ، وارفق ما کان الرفق أبلغ ، واعتزم بالشدّة حین لا یغنی عنک إلاّ الشدّة». فخرج الأشتر من عند علیّ فأتی رحله فتهیّأ للخروج إلی مصر وأتت معاویة عیونه فأخبروه بولایة علیّ الأشتر ، فعظم ذلک علیه وقد کان طمع فی مصر فعلم أنَّ الأشتر إن قدمها کان أشدّ علیه من محمد بن أبی بکر ، فبعث معاویة إلی المقدّم علی أهل الخراج بالقلزم وقال له : إنَّ الأشتر قد ولّی مصر فإن کفیتنیه لم آخذ منک خراجاً ما بقیتُ وبقیتَ فاحتل له بما قدرت علیه. فخرج الرجل حتی أتی القلزم وأقام به ، وخرج الأشتر من العراق إلی مصر ، فلمّا انتهی إلی القلزم استقبله ذلک الرجل فعرض علیه النزول ، فقال : هذا منزلٌ وهذا طعامٌ وعلفٌ وأنا رجلٌ من أهل الخراج. فنزل عنده فأتاه بطعام ، فلمّا أکل أتاه بشربة من عسل قد جعل فیها سماً فسقاه إیّاها ، فلمّا شربها مات ، وأقبل معاویة یقول لأهل ف)

ص: 81


1- راجع فی بیان هذه الجمل کلّها إلی ما أسلفناه فی الجزء التاسع : ص 38 - 41. (المؤلف)

الشام : إنَّ علیّا وجّه الأشتر إلی مصر فادعوا الله أن یکفیکموه. فکانوا کلَّ یوم یدعون الله علی الأشتر ، وأقبل الذی سقاه إلی معاویة فأخبره بمهلک الأشتر ، فقام معاویة خطیباً فحمد الله وأثنی علیه وقال : أمّا بعد : فإنّه کانت لعلیّ یمینان قطعت إحداهما یوم صفّین یعنی عمّار بن یاسر ، وقطعت الأخری الیوم. یعنی الأشتر (1).

وفی لفظ ابن قتیبة فی العیون (1 / 201) : فقال معاویة لمّا بلغه الخبر : یا بردَها علی الکبد! إنَّ لله جنوداً منها العسل. وقال علیٌّ : للیدین وللفم (2).

وفی لفظ المسعودی فی المروج (3) (2 / 39) : ولّی علیٌّ الأشتر مصر وأنفذه إلیها فی جیش ، فلمّا بلغ ذلک معاویة دسَّ إلی دهقان وکان بالعریش (4) فأرغبه وقال : أترک خراجک عشرین سنة فاحتل للأشتر بالسمِّ فی طعامه. فلمّا نزل الأشتر العریش سأل الدهقان : أیّ الطعام والشراب أحبّ إلیه؟ قیل : العسل. فأهدی له عسلاً وقال : إنَّ من أمره وشأنه کذا وکذا ، ووصفه للأشتر وکان الأشتر صائماً فتناول منه شربة فما استقرّت فی جوفه حتی تلف ، وأتی من کان معه علی الدهقان ومن کان معه. وقیل : کان ذلک بالقلزم والأوّل أثبت. فبلغ ذلک علیاً فقال : للیدین وللفم. وبلغ ذلک معاویة فقال : إنَّ لله جنداً من العسل.

قال الأمینی : هاهنا تجد معاویة کیف لا یتحوّب من ذلک الحوب الکبیر قتل العبد الصالح الممدوح بلسان رسول الله وخلیفته مولانا أمیر المؤمنین علیه السلام (5). وأنّه ف)

ص: 82


1- تاریخ الطبری : 6 / 54 [5 / 96 حوادث سنة 38 ه] ، کامل ابن الأثیر : 3 / 152 [2 / 410 حوادث سنة 38 ه]. (المؤلف)
2- کذا فی المصدر ولیس بصحیح ، فهذه کلمة تقال للرجل إذا دُعی علیه بسوء ، ولا یصحّ صدورها من أمیر المؤمنین بحقّ من کان منه بمنزلته هو علیه السلام من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم.
3- مروج الذهب : 2 / 429.
4- هی مدینة کانت أول عمل مصر من ناحیة الشام علی ساحل بحر الروم. (المؤلف)
5- راجع ما أسلفناه فی الجزء التاسع : ص 38 - 41. (المؤلف)

وأهل الشام فرحوا فرحاً شدیداً ، بموت ذلک البطل المجاهد (1) لمحض أنّه کان یناصر إمام وقته المنصوص علیه والمجمع علی خلافته ، ولا غرو فإنّه کان یسرّ ابن هند کلّ ما ساء ملّة الحقّ وأئمّة الهدی وأولیاء الصلاح ، وما کان یسعه أن یأتی بطامّة أکبر من هذه لو لم یکن فی الإسلام للنفوس القادسة أیّ حرمة ، وللأئمّة علیهم السلام ومناصریهم أیّ مکانة ، حتی لو کان معاویة مستمرّا علی ما دأب علیه إلی أُخریات عهد النبوّة من الکفر المخزی فلم یحدُهُ الفَرَق من بارقة الإسلام إلی الاستسلام ، فما جاء زبانیته الکفرة یومئذٍ بأفظع من هذه وأمثالها یوم قتلوا خیار أصحاب محمد صلی الله علیه وآله وسلم لمناصرتهم إیّاه ، وحبّهم ذوی قرباه ، ودفاعهم عن ناموس أهل بیته الأکرمین.

محمد بن أبی بکر :

ومن ضحایا ملک معاویة العضوض ، وذبائح حکومته الغاشمة ، ولید حرم أمن الله ، وربیب بیت العصمة والقداسة : محمد بن أبی بکر.

بعث معاویة عمرو بن العاص إلی مصر فی ستّة آلاف رجل ، ومحمد بن أبی بکر عامل أمیر المؤمنین علیها ، فخرج عمرو وسار حتی نزل أدانی أرض مصر فاجتمعت العثمانیّة إلیه فأقام بهم وکتب إلی محمد بن أبی بکر :

أمّا بعد : فتنحَّ عنّی بدمک یا ابن أبی بکر فإنّی لا أُحبّ أن یصیبک منّی ظفرٌ ، إنَّ الناس بهذه البلاد قد اجتمعوا علی خلافک ورفض أمرک ، وندموا علی اتّباعک ، فهم مسلموک لو قد التقت حلقتا البطان ، فاخرج منها فإنّی لک من الناصحین. والسلام.

وبعث إلیه عمرو بکتاب کتبه معاویة إلیه أیضاً وفیه : ف)

ص: 83


1- تاریخ ابن کثیر : 7 / 312 [7 / 347 حوادث سنة 38 ه]. (المؤلف)

أمّا بعد : فإنَّ غبَّ البغی والظلم عظیم الوبال ، وإنّ سفک الدم الحرام لا یسلم صاحبه من النقمة فی الدنیا ومن التبعة الموبقة فی الآخرة ، وإنّا لا نعلم أحداً کان أعظم علی عثمان بغیاً ، ولا أسوأ له عیباً ، ولا أشدّ علیه خلافاً منک ، سعیت علیه فی الساعین ، وسفکت دمه فی السافکین ، ثم أنت تظنّ أنّی عنک نائمٌ أو ناسٍ لک ، حتی تأتی فتأمّر علی بلاد أنت فیها جاری ، وجُلُّ أهلها أنصاری ، یرون رأیی ، ویرقبون قولی ، ویستصرخونی علیک ، وقد بعثت إلیک قوماً حناقاً علیک یستسقون دمک ، ویتقرّبون إلی الله بجهادک ، وقد أعطوا الله عهداً لیمثّلُنَّ بک ، ولو لم یکن منهم إلیک ما عدا قتلک ما حذّرتک ولا أنذرتک ، ولأحببت أن یقتلوک بظلمک وقطیعتک وعدوک علی عثمان یوم یُطعن بمشاقصک بین خُششائه (1) وأوداجه ، ولکن أکره أن أُمثّل بقرشیّ ، ولن یُسلّمک الله من القصاص أبداً أینما کنت. والسلام.

فطوی محمد کتابیهما وبعث بهما إلی علیّ ، وکتب إلی معاویة جواب کتابه :

أمّا بعد : فقد أتانی کتابک تُذکّرنی من أمر عثمان أمراً لا أعتذر إلیک منه ، وتأمرنی بالتنحِّی عنک کأنّک لی ناصحٌ وتُخوّفنی المثلة کأنّک شفیقٌ ، وأنا أرجو أن تکون لی الدائرة علیکم فأجتاحکم فی الوقیعة ، وإن تؤتوا النصر ویکن لکم الأمر فی الدنیا فکم لعمری من ظالم قد نصرتم ، ومن مؤمن قد قتلتم ومثّلتم به! وإلی الله مصیرکم ومصیرهم ، وإلی الله مردُّ الأمور وهو أرحم الراحمین ، والله المستعان علی ما تصفون. والسلام.

وکتب إلی عمرو بن العاص :

أمّا بعد : فقد فهمتُ ما ذکرتَ فی کتابک یا ابن العاص ، زعمت أنّک تکره أن یُصیبنی منک ظفرٌ وأشهد أنّک من المبطلین ، وتزعم أنّک لی نصیح وأُقسم إنّک عندی ن.

ص: 84


1- الخُشَشاء : العظم الدقیق العاری من الشعر الناتئ خلف الأُذن.

ظنین ، وتزعم أنّ أهل البلد قد رفضوا رأیی وأمری وندموا علی اتّباعی فأولئک لک وللشیطان الرجیم أولیاء ، فحسبنا الله ربُّ العالمین ، وتوکّلنا علی الله ربِّ العرش العظیم. والسلام.

فأقبل عمرو بن العاص حتی قصد مصر ، فقام محمد بن أبی بکر فی الناس فحمد الله وأثنی علیه وصلّی علی رسوله ثم قال :

أمّا بعد : معاشر المسلمین والمؤمنین! فإنَّ القوم الذین کانوا ینتهکون الحرمة ، وینعشون الضلالة ، ویُشبّون نار الفتنة ، ویتسلّطون بالجبریّة قد نصبوا لکم العداوة وساروا إلیکم بالجنود ، عباد الله! فمن أراد الجنّة والمغفرة فلیخرج إلی هؤلاء القوم فلیجاهدهم فی الله ، انتدبوا إلی هؤلاء رحمکم الله مع کنانة بن بشر.

فانتدب مع کنانة نحو من ألفی رجل وخرج محمد فی ألفی رجل ، واستقبل عمرو بن العاص کنانة وهو علی مقدّمة محمد ، فأقبل عمرو نحو کنانة ، فلمّا دنا من کنانة شرح الکتائب کتیبةً بعد کتیبة ، فجعل کنانة لا تأتیه کتیبةٌ من کتائب أهل الشام إلاّ شدَّ علیها بمن معه فیضربها حتی یقرِّبها بعمرو بن العاص ، ففعل ذلک مراراً فلمّا رأی ذلک عمرو بعث إلی معاویة بن حُدیج السکونی فأتاه فی مثل الدَّهم (1) فأحاط بکنانة وأصحابه ، واجتمع أهل الشام علیهم من کلِّ جانب ، فلمّا رأی ذلک کنانة بن بشر نزل عن فرسه ونزل أصحابه وکنانة یقول : وما کان لنفس أن تموت إلاّ بإذن الله کتاباً مؤجَّلاً ومن یُرد ثواب الدنیا نُؤته منها ، ومَن یرد ثواب الآخرة نُؤته منها ، وسنجزی الشاکرین. فضاربهم بسیفه حتی استشهد رحمه الله.

وأقبل عمرو بن العاص نحو محمد بن أبی بکر وقد تفرّق عنه أصحابه لمّا بلغهم قتل کنانة حتی بقی وما معه أحدٌ من أصحابه ، فلمّا رأی ذلک محمد خرج یمشی فی ف)

ص: 85


1- الدّهم : العدد الکثیر. وجیش دهم ، أی : کثیر. (المؤلف)

الطریق حتی انتهی إلی خربة فی ناحیة الطریق فأوی إلیها ، وجاء عمرو بن العاص حتی دخل الفُسطاط ، وخرج معاویة بن حُدیج فی طلب محمد حتی انتهی إلی علوج فی قارعة الطریق فسألهم هل مرَّ بکم أحد تنکرونه؟ فقال أحدهم : لا والله إلاّ أنّی دخلت تلک الخربة فإذا أنا برجل فیها جالسٌ. فقال ابن حدیج : هو هو وربِّ الکعبة.

فانطلقوا یرکضون حتی دخلوا علیه فاستخرجوه وقد کاد یموت عطشاً فأقبلوا به نحو فسطاط مصر ، ووثب أخوه عبد الرحمن بن أبی بکر إلی عمرو بن العاص وکان فی جنده فقال : أتقتل أخی صبراً؟ ابعث إلی معاویة بن حدیج فانهه. فبعث إلیه عمرو بن العاص یأمره أن یأتیه بمحمد بن أبی بکر ، فقال معاویة : أکذاک قتلتم کنانة ابن بشر وأُخلّی أنا عن محمد بن أبی بکر؟ هیهات أکفّارکم خیرٌ من أُولئکم أم لکم براءةٌ فی الزُّبر؟!

فقال لهم محمد : اسقونی من الماء. قال له معاویة بن حدیج : لا سقاه الله إن سقاک قطرةً أبداً ، إنّکم منعتم عثمان أن یشرب الماء حتی قتلتموه صائماً محرماً فتلقّاه الله بالرحیق المختوم ، والله لأقتلنّک یا ابن أبی بکر فیسقیک الله الحمیم والغسّاق.

قال له محمد : یا ابن الیهودیّة النسّاجة لیس ذلک إلیک وإلی من ذکرت إنّما ذلک إلی الله عزَّ وجلَّ یسقی أولیاءه ویظمئ أعداءه أنت وضرباؤک ومن تولاّه ، أما والله لو کان سیفی فی یدی ما بلغتم منّی هذا. قال له معاویة : أتدری ما أصنع بک؟ أدخلک فی جوف حمار ثم أحرقه علیک بالنار. فقال له محمد : إن فعلتم بی ذلک فطالما فُعل ذلک بأولیاء الله ، وإنّی لأرجو هذه النار التی تُحرقنی بها أن یجعلها الله علیَّ برداً وسلاماً کما جعلها علی خلیله إبراهیم ، وأن یجعلها علیک وعلی أولیائک کما جعلها علی نمرود وأولیائه ، إنَّ الله یُحرقک ومن ذکرته قبلُ وإمامک - یعنی معاویة - وهذا - وأشار إلی عمرو بن العاص - بنار تلظّی علیکم کلّما خبت زادها الله سعیراً.

ص: 86

قال له معاویة : إنّی إنَّما أقتلک بعثمان. قال له محمد : وما أنت وعثمان؟ إنَّ عثمان عمل بالجور ونبذ حکم القرآن ، وقد قال الله تعالی : (وَمَنْ لَمْ یَحْکُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِکَ هُمُ الْفاسِقُونَ) (1). فنقمنا ذلک علیه فقتلناه وحسّنت أنت له ذلک ونظراؤک ، فقد برّأنا الله إن شاء الله من ذنبه وأنت شریکه فی إثمه وعظم ذنبه وجاعلک علی مثاله. قال : فغضب معاویة فقدّمه فقتله ثم ألقاه فی جیفة حمار ثم أحرقه بالنار. فلمّا بلغ ذلک عائشة جزعت علیه جزعاً شدیداً وقنتت علیه فی دبر الصلاة تدعو علی معاویة وعمرو (2).

وفی النجوم الزاهرة (1 / 110) وقیل : إنّه قطع رأسه وأرسله إلی معاویة بن أبی سفیان بدمشق وطیف به وهو أوّل رأس طیف به فی الإسلام.

صورة أخری :

وجّه معاویة عمرو بن العاص فی سنة ثمان وثلاثین إلی مصر فی أربعة آلاف ، ومعاویة بن حدیج ، وأبو الأعور السَّلمی ، واستعمل عمراً علیها حیاته فالتقوا هم ومحمد بن أبی بکر وکان عامل علیّ علیها ، بالموضع المعروف بالمسنّاة فاقتتلوا حتی قُتل کنانة بن بشر ، وهرب عند ذلک محمد لإسلام أصحابه إیّاه وترکهم له ، فاختبأ عند رجل یُقال له : جبلة بن مسروق ، فدُلَّ علیه ، فجاء معاویة بن حُدیج وأصحابه فأحاطوا به ، فخرج إلیهم محمد بن أبی بکر فقاتل حتی قتل ، فأخذه معاویة بن حُدیج وعمرو بن العاص فجعلوه فی جلد حمار وأضرموه بالنار ، وذلک بموضع فی مصر یقال له : کوم شریک. وقیل : إنّه فُعل به ذلک وبه شیءٌ من الحیاة ، وبلغ معاویة ف)

ص: 87


1- المائدة : 47.
2- تاریخ الطبری : 6 / 58 - 61 [5 / 101 - 105 حوادث سنة 38 ه] ، الکامل لابن الأثیر : 3 / 154 [2 / 413 حوادث سنة 38 ه] ، تاریخ ابن کثیر : 7 / 313 ، 314 [7 / 348 - 349 حوادث سنة 38 ه] ، النجوم الزاهرة : 1 / 110 - 111. (المؤلف)

قتل محمد وأصحابه فأظهر الفرح والسرور. وبلغ علیّا قتل محمد وسرور معاویة فقال : جزعنا علیه علی قدر سرورهم ، فما جزعتُ علی هالک منذ دخلت هذه الحرب جزعی علیه ، کان لی ربیباً وکنت أعدّه ولداً ، کان بی برّا ، وکان ابن أخی (1) فعلی مثل هذا نحزن وعند الله نحتسبه (2).

قدم عبد الرحمن الفزاری علی علیّ علیه السلام من الشام وکان عینه بها ، وحدّثه أنَّه لم یخرج من الشام حتی قدمت البشراء من قبل عمرو بن العاص تتری یتبع بعضها بعضاً بفتح مصر وقتل محمد وحتی أذّن بقتله علی المنبر ، وقال : یا أمیر المؤمنین! قلّما رأیت قوماً قطُّ أسرّ ، ولا سروراً قطُّ أظهر من سرور رأیته بالشام حین أتاهم هلاک محمد بن أبی بکر.

فقال علیٌّ : «أما إنَّ حزننا علیه قدر سرورهم به بل یزید أضعافاً» ، وحزن علیّ علی محمد بن أبی بکر حتی رؤی ذلک فی وجهه وتبیّن فیه ، وقام فی الناس خطیباً فحمد الله وأثنی علیه وصلّی علی رسوله صلی الله علیه وآله وسلم وقال : «ألا إنَّ مصر قد افتتحها الفجرة أُولو الجور والظلم الذین صدّوا عن سبیل الله وبغوا الإسلام عوجاً ، ألا وإنَّ محمد بن أبی بکر قد استشهد رحمه الله فعند الله نحتسبه ، أما والله إن کان ما علمتُ لممّن ینتظر القضاء ، ویعمل للجزاء ، ویبغض شکل الفاجر ، ویُحبّ هُدی المؤمن». الخطبة (3).

وقال أبو عمر : یقال : إنَّ محمد بن أبی بکر أُتی به عمرو بن العاص فقتله صبراً. وروی شعبة وابن عیینة ، عن عمرو بن دینار ، قال : أُتی عمرو بن العاص ف)

ص: 88


1- کان محمد بن أبی بکر أخا عبد الله بن جعفر بن أبی طالب لأُمّه. (المؤلف)
2- مروج الذهب : 2 / 39 [2 / 428 - 429] ، تاریخ ابن کثیر : 7 / 314 [7 / 349 حوادث سنة 38 ه]. (المؤلف)
3- تاریخ الطبری : 6 / 62 [5 / 108 حوادث سنة 38 ه] ، کامل ابن الأثیر : 3 / 155 [2 / 414 حوادث سنة 38 ه]. (المؤلف)

بمحمد بن أبی بکر أسیراً فقال : هل معک عهدٌ؟! هل معک عقدٌ من أحد؟! قال : لا. فأمر به فقُتل ، وکان علیّ بن أبی طالب یُثنی علی محمد بن أبی بکر ویفضِّله لأنَّه کانت له عبادة واجتهاد (1).

وقال ابن حجر : قیل : إنَّه اختفی فی بیت امرأة من غافق آواه فیه أخوها ، وکان الذی یطلبه معاویة بن حدیج ، فلقیتهم أخت الرجل الذی کان آواه وکانت ناقصة العقل فظنّت أنّهم یطلبون أخاها فقالت : أدلّکم علی محمد بن أبی بکر علی أن لا تقتلوا أخی؟ قالوا : نعم. فدلّتهم علیه ، فقال : احفظونی لأبی بکر. فقال معاویة : قتلت ثمانین من قومی فی دم عثمان وأترکک وأنت صاحبه؟

تهذیب التهذیب (2) (9 / 80).

قال الأمینی : إنَّ أمثال هذه الفظائع والفجائع لبمقربة من مخازی ابن العاصی وأذنابه ، ومن مرضاة ابن آکلة الأکباد الذین لم یُبالوا بإراقة الدماء الزاکیة منذ بلغوا أشدّهم ، ولا سیّما من لدن مباشرتهم الحرب فی صفّین إلی أن اصطلوا نار الحطمة فلم یفتئوا والغین فی دماء الأخیار الأبرار دون شهواتهم المخزیة.

وهَبْ أنَّ محمداً نال من عثمان ما حسبوه ، فعجیبٌ أن ینهض بثاره مثل معاویة المتثبّط عنه یوم استنهضه عثمان حتی قُتل ، وعمرو بن العاصی القائل المبتهج بقتله بقوله : أنا أبو عبد الله قتلته وأنا بوادی السباع. وقوله : أنا أبو عبد الله إذا حککت قرحة نکأتها. وقوله : أنا أبو عبد الله قد یضرط العیر والمکواة فی النار.

وکان یؤلّب علیه حتی الراعی فی غنمه فی رأس الجبل (3). وهلاّ ساق معاویة ف)

ص: 89


1- الاستیعاب : 2 / 235 [القسم الثالث / 1367 رقم 2320] ، تهذیب التهذیب : 9 / 81 [9 / 70]. (المؤلف)
2- تهذیب التهذیب : 9 / 70.
3- راجع ما اسلفناه فی الجزء التاسع : ص 136 - 139. (المؤلف)

ذلک الحشد اللهام إلی عائشة الرافعة عقیرتها بین جماهیر الصحابة : اقتلوا نعثلاً قتله الله فقد کفر. وأمثالها من الکلم القارصة (1). وإلی طلحة والزبیر وکانا أشدّ الناس علیه ، وطلحة هو الذی منع عنه الماء فی حصاره ، ومنع الناس عن تجهیزه ، ومنعه أن یُدفن إلاّ فی حشّ کوکب جبّانة الیهود. إلی فظائع مرَّ تفصیلها فی الجزء التاسع (92 - 110) ، وقال الشهرستانی فی الملل والنحل (2) (ص 25) : کان أُمراء جنوده : معاویة عامل الشام ، وسعد بن ابی وقّاص عامل الکوفة ، وبعده الولید بن عقبة ، وعبد الله بن عامر عامل البصرة ، وعبد الله بن أبی سرح عامل مصر ، وکلّهم خذلوه ورفضوه حتی أتی قدَره علیه.

نعم ؛ هؤلاء قتلوه لکنَّ معاویة لا یُرید المقاصّة إلاّ من أولیاء علیّ علیه السلام فیستأصل شأفتهم تحت کلّ حَجر ومَدَر ، ویستسهل فیهم کلّ شقوة وقسوة ، ولیس له مع أضداد علیّ علیه السلام أیّ مقصد صحیح ، وإلاّ فأیّ حرمة لدم أجمعت الصحابة علی سفکه؟ واحتجّت علیه بآی الذکر الحکیم کما مرّ تفصیله فی الجزء التاسع (ص 163 - 168 ، 205) لو لم یکن اتّباع القوم بالصحابة والاحتجاج بما قالوا وعملوا واعتبارهم فیهم العدالة جمیعاً تسری مع المیول والشهوات ، فیحتجّون بدعوی إجماعهم علی خلافة أبی بکر - ولم یکن هنالک إجماع - ولا یحتجوّن به فی قتل عثمان ، وقد ثبت فیه الإجماع.

وهَبْ أنّ محمد بن أبی بکر هو قاتل عثمان الوحید من دون أیِّ حجّة ولا مبرّر له وهو المحکوم علیه بالقصاص ، وفی القصاص حیاة ، فهل جاء فی شریعة الإسلام قصاص کهذا بأن یُلقی المقتصّ به فی جیفة حمار ثم یحرق بالنار ، ویُطاف برأسه فی البلاد؟ هل هذا دین الله الذی کان یدین به محمد بن أبی بکر؟ أو دین هُبل إله 2.

ص: 90


1- راجع ما مرّ فی الجزء التاسع : ص 78 - 86. (المؤلف)
2- الملل والنحل : 1 / 32.

معاویة وإله آبائه الشجرة الملعونة فی القرآن؟

(نَحْنُ نَقُصُّ عَلَیْکَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِ) (1) ، (فَسَوْفَ یَأْتِیهِمْ أَنْباءُ ما کانُوا بِهِ یَسْتَهْزِؤُنَ) (2) ، (إِنِ الْحُکْمُ إِلاَّ لِلَّهِ یَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَیْرُ الْفاصِلِینَ) (3).

نظرة فی مناقب ابن هند

لعلّک إلی هاهنا عرفت معاویة ، وأنّه أیّ رجل هو ، وأنّه کیف کانت نفسیّاته وملکاته ، وأنّ رجلاً کمثله لا یتبوّأ مقعده إلاّ حیث تنیخ شیة العار ، وفی مستوی السوأة والبوائق ، وأنّ أیّ فضیلة تلصقه به رواة السوء وتخطُّ عنه الأقلام المستأجرة فهو حدیث إفک نمّقته الأهواء والشهوات ، ولا یُقام له فی سوق الاعتبار وزنٌ ، ولا فی مُبَوّأ الحقِّ مقیلٌ ، فظنّ خیراً ولا تسأل عن الخبر.

ألیس معاویة هو صاحب تلکم الموبقات والجرأة علی الله وعلی الإسلام ونبیّه وکتابه وسنّته. سنّة الله التی لا تبدیل لها؟!

ألیس هو الهاتک حرمات الله والمصغّر قدر أولیائه ، والمریق دماءهم الزکیّة ، والدءوب علی الظلم والجور بإزهاق النفوس البریئة من غیر جرم؟ (وَمَنْ یَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِیها وَغَضِبَ اللهُ عَلَیْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِیماً) (4).

ألیس هو من آذی الله ورسوله فی الصالحین من رجالات الأُمّة وعدول الصحابة الأوّلین والتابعین لهم بإحسان ، المحرّمة دماؤهم وأقدارهم وحرماتهم بزجّهم إلی أعماق السجون ، وإبعادهم عن عقر دورهم وإخافتهم؟ (إِنَّ الَّذِینَ یُؤْذُونَ اللهَ 3.

ص: 91


1- الکهف : 13.
2- الأنعام : 5.
3- الأنعام : 57.
4- النساء : 93.

وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِی الدُّنْیا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِیناً* وَالَّذِینَ یُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِینَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَیْرِ مَا اکْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِیناً) (1).

ألیس هو من آذی رسول الله فی أهل بیته بإثارة الحرب علی صنوه ونفسه وخلیفته حقّا ، وکان من واجبه أن یخضع له ویتحرّی مرضاته؟ (وَالَّذِینَ یُؤْذُونَ رَسُولَ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِیمٌ) (2).

ألیس هو الذی لم یراقب حرمة الرسول الأعظم فی ذوی قرباه وصغّرها بسبِّ أبی ولده ، وأمر الملأ الدینیّ بتلک الجریمة الموبقة ، واتّخذها سنّة متّبعة ، وقذف من طهّره الجلیل بالأفائک والمفتریات؟

ألیس هو السبّاق الأوّل فی المآثم الجمّة المخزیة؟

أوّل من باع الخمر وشربها من الخلفاء؟! والخمر وشاربها وبائعها ومشتریها ملعونٌ ملعون.

أول من أشاع الفاحشة فی الملأ الإسلامی؟! (إِنَّ الَّذِینَ یُحِبُّونَ أَنْ تَشِیعَ الْفاحِشَةُ فِی الَّذِینَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِیمٌ فِی الدُّنْیا وَالْآخِرَةِ وَاللهُ یَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (3).

أوّل من أحلّ الربا وأکله؟! وأحلّ الله البیع وحرّم الربا ، (الَّذِینَ یَأْکُلُونَ الرِّبا لا یَقُومُونَ إِلاَّ کَما یَقُومُ الَّذِی یَتَخَبَّطُهُ الشَّیْطانُ مِنَ الْمَسِ) (4) وآکل الربا وموکّله ملعونٌ بلسان النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم.

أوّل من أتمَّ الصلاة فی السفر تقدیساً لأحدوثة ابن عمّه؟! 5.

ص: 92


1- الأحزاب : 58 و 59.
2- التوبة : 61.
3- النور : 19.
4- البقرة : 275.

أوّل من أحدث الأذان فی صلاة العیدین؟!

أوّل من رأی الجمع بین الأختین إحیاءً لما ذهب إلیه عثمان؟!

أوّل من غیّر السنّة فی الدیات وأدخل فیها ما لیس منها؟!

أوّل من ترک التکبیر فی الصلوات عند کلِّ هویّ وانتصاب وهی سنّة ثابتة؟!

أوّل من ترک التلبیة وأمر به خلافاً لعلیّ أمیر المؤمنین علیه السلام العامل بسنّة الله ورسوله؟!

أوّل من قدّم الخطبة علی الصلاة فی العید لإسماع الناس سبَّ علیّ علیه السلام؟!

وقد صحّ عن نبیّ الإسلام : «من سبّ علیّا فقد سبّه ، ومن سبّه فقد سبّ الله»

أوّل من عصی ربّه بترک حدوده وإقامة سنّته؟! (وَمَنْ یَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَیَتَعَدَّ حُدُودَهُ یُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِیها وَلَهُ عَذابٌ مُهِینٌ) (1).

أوّل من نقض حکم العاهر ، وأحیی طقوس الجاهلیّة ، وخالف دین محمد صلی الله علیه وآله وسلم و

«الولد للفراش وللعاهر الحَجر»؟!

أوّل من تختّم بالیسار؟ فأخذ المروانیة (2) بذلک إلی أن نقله السفّاح إلی الیمین فبقی إلی أیّام الرشید فنقله إلی الیسار (3).

أوّل من سنَّ سبّ علیّ علیه السلام وقنت به وجعله سنّة جاریة فی خلفه الذین أضاعوا الصلاة واتّبعوا الشهوات ، وشوّه خطب المنابر بذلک الحادث المخزی؟!

أوّل من بغی علی إمام وقته وحاربه وقاتله وقتل أُمّة کبیرة من صلحاء الصحابة البدریّین وأهل بیعة الشجرة الذین رضی الله عنهم ورضوا عنه؟! ف)

ص: 93


1- النساء : 14.
2- هم خلفاء معاویة من بنی مروان بن الحکم.
3- ربیع الأبرار للزمخشری ، باب 75 [4 / 24]. (المؤلف)

أوّل من أعطی المال لوضع الحدیث وتحریف کتاب الله وکلمته الطیّبة عن مواضعها؟!

أوّل من اشترط البراءة من علیّ علیه السلام علی من بایعه فی خلافته الغاشمة أو فی ملکه العضوض؟!

أوّل من حُمل إلیه رأس الصحابیّ العادل عمرو بن الحمق وأُدیر به فی البلاد؟!

أوّل من قتل عدول الصحابة الأوّلین والتابعین لهم بإحسان من عیون الأُمّة وعبّادها ونسّاکها لمحض ولائهم سیّد العترة ، وقد جعله الله أجر رسالة نبیّه الخاتم صلی الله علیه وآله وسلم؟!

أوّل من قتل نساء کلّ من والی أهل بیت النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وذبح صبیانهم ونهب أموالهم ، ومثَّل قتلاهم وشتَّت شملهم ، وفرّق جمعهم ، واستأصل شأفتهم ، ونفاهم عن عُقر دورهم ، وأبادهم تحت کلّ حجر ومدَر؟!

أوّل من عبثت به رعیّته ، وسنَّ العمل بالشهادات المزوّرة ، وسلّط رجال الشرِّ والغیّ والجور علی صلحاء أُمّة محمد صلی الله علیه وآله وسلم؟!

أوّل من همَّ بنقل منبر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم عن المدینة المشرّفة إلی الشام؟! ولمّا حرّک المنبر خسفت الشمس فترک (1).

أوّل من بدّل الخلافة الإسلامیّة إلی شرّ ملک وسلطة سوء؟!

أوّل من ملک وتجبّر فی الإسلام بلبس الحریر والدیباج ، وشرب فی آنیة الذهب والفضّة ، ورکب السروج المحلاّة بهما؟!

أوّل من سمع الغناء وطرب علیه وأعطی ووصل إلیه وهو یری نفسه أمیر المؤمنین؟ ف)

ص: 94


1- تاریخ ابن کثیر : 8 / 45 [8 / 49 حوادث سنة 50 ه]. (المؤلف)

أوّل من هتک دین الله باستخلاف جروه الفاجر المستهتر التارک للصلاة؟!

أوّل من شنَّ الغارة علی مدینة الرسول صلی الله علیه وآله وسلم حرم أمن الله ، وأخاف أهلیها ، وما رعی حرمة ذلک الجوار المقدّس؟!

إلی جرائم وبوائق تجد الرجل فیها هو السابق الأوّل إلیها. (1)

أصحیحٌ أنَّ مثل هذا الطاغیة تصدر فیه کلمة إطراء من مصدر النبوّة؟ أو یأتی عن نبیِّ العدل والحقِّ والصدق ما یوهم الثناء علیه؟ لا ، لا یمکن ذلک ؛ بل نبیّ العظمة أکبر من یبغض هذا الإنسان وجرائمه ، والرجل أشدّ أعدائه صلی الله علیه وآله وسلم فی جاهلیّته وإسلامه ، ولو کان صلی الله علیه وآله وسلم ینطق بشیء من ذلک - وحاشاه - لکان أکبر ترویج للباطل وأهله ، وأوضح ترخیص فی المعصیة ، وأبین استهانة بالحقِّ.

قال عبد الله بن أحمد بن حنبل : سألت أبی عن علیّ ومعاویة ، فقال : اعلم أنَّ علیّا کان کثیر الأعداء ، ففتّش له أعداؤه عیباً فلم یجدوا فجاؤوا إلی رجل قد حاربه وقاتله فأطروه کیداً منهم لعلیّ (2).

وقال الحاکم : سمعت أبا العبّاس محمد بن یعقوب بن یوسف یقول : سمعت أبی یقول : سمعت إسحاق بن إبراهیم الحنظلی یقول : لا یصحّ فی فضل معاویة حدیث (3).

ولمّا لم یجد البخاری حدیثاً یصحّ من مناقب معاویة فقال عند عدّ مناقب الصحابة من صحیحه : باب ذکر معاویة رضی الله عنه (4). فقال ابن حجر فی فتح الباری (5) (7 / 83) : أشار بهذا إلی ما اختلقوه لمعاویة من الفضائل ممّا لا أصل له ، وقد ورد فی 4.

ص: 95


1- راجع أوائل السیوطی ، وتاریخ الخلفاء له [ص 187] ، ومحاضرة الأوائل للسکتواری. (المؤلف)
2- تاریخ الخلفاء للسیوطی : ص 133 [ص 186] ، فتح الباری : 7 / 83 [7 / 104] ، الصواعق : ص 76 [ص 127]. (المؤلف)
3- اللآلئ المصنوعة : 1 / 220 [1 / 424] ، فتح الباری : 7 / 83 [7 / 104]. (المؤلف)
4- صحیح البخاری : 3 / 1373 باب 28.
5- فتح الباری : 7 / 104.

فضائل معاویة أحادیث کثیرة لکن لیس فیها ما یصحّ من طریق الإسناد ، وبذلک جزم إسحاق بن راهویه والنسائی وغیرهما.

وأمّا مسلم وابن ماجة فلمّا لم یریا حدیثاً یُعبأ به فی فضائل معاویة ضربا عن اسمه فی الصحیح والسنن صفحاً عند عدّ مناقب الصحابة ، والترمذی (1) لم یذکر له إلاّ حدیث :

اللهمّ اجعله هادیاً مهدیّا واهدِ به. فقال : حسنٌ غریب. ونحن أوقفناک علی بطلانه فی الجزء العاشر (ص 373). وذکر حدیث : اللهمّ اهد به. وزیّفه هو بنفسه لمکان عمرو بن واقد ، وعمرو أحد الکذّابین ذکرناه فی الجزء الخامس (ص 249). فالصحاح والسنن خالیة عمّا لفّقتها رواةُ السوء فی فضل الرجل.

ودخل الحافظ النسائی صاحب السنن إلی دمشق فسأله أهلها أن یُحدِّثهم بشیء من فضائل معاویة فقال : أما یکفی معاویة أن یذهب رأساً برأس حتی یروی له فضائل؟ فقاموا إلیه فجعلوا یطعنون فی خُصیتیه حتی أُخرج من المسجد الجامع ، فقال : أخرجونی إلی مکة. فأخرجوه وهو علیلٌ فتوفّی بمکة مقتولاً شهیداً (2).

وقال ابن تیمیّة فی منهاجه (2 / 207) : طائفةٌ وضعوا لمعاویة فضائل ورووا أحادیث عن النبیِّ صلی الله علیه وآله وسلم فی ذلک کلّها کذب.

وقال الفیروزآبادی فی خاتمة کتابه سفر السعادة ، والعجلونی فی کشف الخفاء (3) (ص 420) : باب فضائل معاویة لیس فیه حدیثٌ صحیح.

وقال العینی فی عمدة القاری (4) : فإن قلت : قد ورد فی فضله یعنی معاویة 4.

ص: 96


1- سنن الترمذی : 5 / 645 ح 3842 ، 3843.
2- تاریخ ابن کثیر : 11 / 124 [11 / 140 حوادث سنة 303 ه] ، سیوافیک تفصیل قصّة النسائی. (المؤلف)
3- کشف الخفاء : 2 / 420.
4- عمدة القاری : 16 / 249 رقم 254.

أحادیث کثیرة. قلت : نعم ، ولکن لیس فیها حدیث صحیح یصحُّ من طرق الإسناد ، نصَّ علیه إسحاق بن راهویه والنسائی وغیرهما ، فلذلک قال - یعنی البخاری - : باب ذکر معاویة. ولم یقل : فضیلة ولا منقبة.

وقال الشوکانی فی الفوائد المجموعة (1) : اتّفق الحفّاظ علی أنّه لم یصحّ فی فضل معاویة حدیث.

نعم ؛ إنَّ الغلوّ فی حبِّ الرجل خلق له فضائل مفتراة تبعد جدّا عن ساحة النبیِّ الأقدس صلی الله علیه وآله وسلم أن یبوح بشیء منها ، وإنّما ید الافتعال نسجت له علی نول ما نسجته لبقیّة الخلفاء مناقب تندی منها جبهة الإنسانیّة ، وألّف محمد بن عبد الواحد أبو عمر غلام ثعلب جزءاً فی فضائل هذا الإنسان المحشوّ رداؤه بالرذائل. قال ابن حجر فی لسان المیزان (2) (1 / 374) : إسحاق بن محمد السوسی ذاک الجاهل الذی أتی بالموضوعات السمجة فی فضائل معاویة رواها عبید الله السقطی عنه فهو المتّهم بها أو شیخه.

فنحن نجمع هاهنا شتات جملة من تلکم الأکاذیب التی خلقتها أو اختلقتها ید الوضع الأثیمة فی مناقب الرجل ممّا مرّ الإیعاز إلیه ، وما لم نذکره بعدُ ، ونجعلها بین یدی القارئ النابه الحرّ ، وله القضاء بالحقِّ ، والله المستعان ، ألا وهی :

1 - عن أنس مرفوعاً : لا أفتقد أحداً من أصحابی غیر معاویة بن أبی سفیان لا أراه ثمانین عاماً ، فإذا کان بعد ثمانین عاماً یقبل إلیّ علی ناقة من المسک الأذفر حشوها من رحمة الله ؛ قوائمها من الزبرجد ، فأقول : معاویة؟ فیقول : لبّیک یا محمد! فأقول : أین کنت من ثمانین عاماً؟ فیقول : کنت فی روضة تحت عرش ربّی یناجینی وأُناجیه ، ویحیّینی وأُحیّیه ویقول : هذا عوضٌ ممّا کنت تُشتم فی دار الدنیا. 5.

ص: 97


1- الفوائد المجموعة فی الأحادیث الموضوعة : ص 423 ح 162.
2- لسان المیزان : 1 / 416 رقم 1165.

راجع الجزء الخامس (ص 254) الطبعة الأولی ، (ص 298) الطبعة الثانیة.

2 - عن أنس مرفوعاً : هبط علیَّ جبریل ومعه قلمٌ من ذهب إبریز فقال : إنَّ العلیَّ الأعلی یقرئک السلام ویقول لک : حبیبی قد أهدیت هذا القلم من فوق عرشی إلی معاویة بن أبی سفیان فأوصله إلیه ومُره أن یکتب آیة الکرسیّ بخطّه بهذا القلم ویشکله ویعجمه ویعرضه علیک ، فإنّی قد کتبت له من الثواب بعدد کلّ من قرأ آیة الکرسیِّ من ساعة یکتبها إلی یوم القیامة. فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : من یأتینی بأبی عبد الرحمن؟ فقام أبو بکر الصدّیق ومضی حتی أخذ بیده وجاءا جمیعاً إلی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ، فسلّموا علیه فردّ علیهم السلام ثم قال لمعاویة : أُدن منّی یا أبا عبد الرحمن! أُدن منِّی یا أبا عبد الرحمن! فدنا من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فدفع إلیه القلم ثم قال له : یا معاویة هذا قلمٌ أهداه إلیک ربّک من فوق العرش لتکتب به آیة الکرسیِّ بخطّک وتشکله وتعجمه وتعرضه علیَّ. فاحمد الله واشکره علی ما أعطاک ، فإنَّ الله قد کتب لک من الثواب بعدد من قرأ آیة الکرسیِّ من ساعة تکتبها إلی یوم القیامة. فأخذ القلم من ید النبی صلی الله علیه وآله وسلم فوضعه فوق أُذنه فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : اللهمّ إنّک تعلم أنّی قد أوصلته إلیه. ثلاثاً. فجثا معاویة بین یدی النبی صلی الله علیه وآله وسلم ولم یزل یحمد الله علی ما أعطاه من الکرامة ویشکره ، حتی أُتی بطرس ومحبرة فأخذ القلم ولم یزل یخطُّ به آیة الکرسیِّ أحسن ما یکون من الخطّ حتی کتبها وأشکلها وعرضها علی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم. قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : یا معاویة إنَّ الله قد کتب لک من الثواب بعدد کلِّ من یقرأ آیة الکرسیّ من ساعة کتبتها إلی یوم القیامة.

راجع الجزء الخامس (ص 259) الطبعة الأولی (ص 304) الطبعة الثانیة.

3 - عن جابر : إنَّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم استشار جبریل فی استکتاب معاویة فقال : استکتبه فإنّه أمین.

راجع الجزء الخامس (ص 260) الطبعة الأولی ، (ص 305) الطبعة الثانیة.

ص: 98

4 - عن عبادة بن الصامت : أوحی الله إلی النبیِّ صلی الله علیه وآله وسلم : استکتب معاویة فإنّه أمینٌ مأمون.

راجع الجزء الخامس (ص 261) الطبعة الأولی ، (ص 305) الطبعة الثانیة.

5 - عن أنس مرفوعاً : الأُمناء سبعة : اللوح والقلم وإسرافیل ومیکائیل وجبریل ومحمد ومعاویة.

راجع الجزء الخامس (ص 262) الطبعة الأولی ، (ص 308) الطبعة الثانیة.

6 - عن أبی هریرة مرفوعاً : الأُمناء عند الله ثلاثة : انا وجبریل ومعاویة.

راجع الجزء الخامس (ص 261) الطبعة الأولی ، (ص 306) الطبعة الثانیة.

7 - أخبر رجلٌ عن رجل قال : اجتمع عشرة من بنی هاشم فغدوا علی النبیِّ صلی الله علیه وآله وسلم فلمّا قضی الصلاة قالوا : یا رسول الله غدونا إلیک لنذکر لک بعض أمورنا ، إنَّ الله قد تفضّل بهذه الرسالة فشرّفک بها وشرّفنا لشرفک وهذا معاویة بن أبی سفیان یکتب الوحی فقد رأینا أنَّ غیره من أهل بیتک أولی به لک منه. قال : نعم. انظروا فی رجل غیره. قال : وکان الوحی ینزل فی کلِّ أربعة أیّام من عند الله إلی محمد فأقام جبریل أربعین یوماً لا ینزل ، فلمّا کان یوم أربعین هبط جبریل بصحیفة فیها مکتوب : یا محمد لیس لک أن تغیّرمن اختاره الله لکتابة وحیه فأقِرّه فإنَّه أمین ، فأقرّه.

راجع الجزء الخامس (ص 262) الطبعة الأولی ، (ص 307) الطبعة الثانیة.

8 - عن واثلة مرفوعاً : إنّ الله ائتمن علی وحیه جبریل وأنا ومعاویة ، وکاد أن یبعث معاویة نبیّا من کثرة علمه وائتمانه علی کلام ربّی ، یغفر الله لمعاویة ذنوبه ، ووقاه حسابه ، وعلّمه کتابه ، وجعله هادیاً مهدیّا وهدی به.

راجع الجزء الخامس (ص 262) الطبعة الأولی ، (ص 308) الطبعة الثانیة.

9 - عن سعد : إنّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم قال لمعاویة : إنَّه یُحشر وعلیه حلّةٌ من نور

ص: 99

ظاهرها من الرحمة ، وباطنها من الرضا ، یفتخر بها فی الجمع لکتابة الوحی.

راجع الجزء الخامس (ص 276) الطبعة الأولی ، (ص 324) الطبعة الثانیة.

10 - عن عبد الله بن عمر : أنَّ جعفر بن أبی طالب أهدی إلی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم سفرجلاً فأعطی معاویة ثلاث سفرجلات وقال : تلقانی بهنَّ فی الجنّة.

راجع الجزء الخامس (ص 281) الطبعة الأولی ، (ص 329) الطبعة الثانیة.

قال ابن حبّان (1) : موضوعٌ. وقال الخطیب : حدیثٌ غیر ثابت. وقال ابن عساکر (2) : لا أصل له.

راجع اللآلئ المصنوعة (3) (1 / 422 ، 423).

11 - عن عبد الله بن عمر مرفوعاً : الآن یطلع علیکم رجلٌ من أهل الجنّة ، فطلع معاویة فقال : أنت یا معاویة منّی وأنا منک ، لتزاحمنی علی باب الجنّة کهاتین وأشار بإصبعیه.

ذکره الذهبی فی المیزان (4) (2 / 133) وقال : خبرٌ باطل.

12 - أخرج البخاری فی تاریخه (4 قسم 2 ص 180) عن إسحاق بن یزید عن محمد بن مبارک الصوری عن صدقة بن خالد عن وحشی بن حرب بن وحشی عن أبیه عن جدّه قال : کان معاویة ردف النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فقال : یا معاویة ما یلینی منک؟ قال : بطنی. قال صلی الله علیه وآله وسلم : اللهمّ املأه علماً وحلماً.

وذکره الذهبیّ فی المیزان (5) (3 / 268). 9.

ص: 100


1- کتاب المجروحین : 1 / 116.
2- تاریخ مدینة دمشق : 16 / 693 ، ومختصر تاریخ دمشق : 25 / 12.
3- اللآلئ المصنوعة : 1 / 422 - 423.
4- میزان الاعتدال : 2 / 623 رقم 5085.
5- میزان الاعتدال : 4 / 331 رقم 9339.

قال الأمینی : لو کان لهذه الروایة اعتبارٌ ولو قلیلاً عند البخاری لأخرجه فی صحیحه ، ولم یجعل باب ذکر معاویة خالیاً من کلّ فضیلة ومنقبة ، وهو یعلم أنَّ معاویة بکلّه فارغٌ عن العلم والحلم فکیف یصدّقها من یعرف الرجل بالجهل والغضب المردیین؟

ولو کان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم دعا علی رجل بأن یخلو بطنه من العلم والحلم فهل کان هو غیر بطن معاویة؟ أیّ عمل الرجل فی ورده وصدره ینبئ عن الخلّتین؟ وأیّ فرق فیهما بین جاهلیّته الممقوتة وبین إسلامه المظلم؟ فتلک وهذا سواسیة ، وهو بینهما رهین جهله المبیر وغضبه المهلک ، فإذا سألت عبادة بن الصامت - الصحابی العظیم - عن علمه فعلی الخبیر سقطت یقول لک : إنَّ أُمّه هند أعلم منه (1) وإذا سألت شریکاً عن حلمه فتسمع منه قوله : لیس بحلیم من سفه الحقَّ وقاتل علیّا (2). وتقول أمّ المؤمنین عائشة (3) : أین کان حلمه حین قتل حُجراً وأصحابه؟ ویلٌ له من حُجر وأصحابه.

وقال شریک حین ذُکر معاویة عنده بالحلم : هل کان معاویة إلاّ معدن السفه؟ والله لقد أتاه قتل أمیر المؤمنین وکان متّکئاً فاستوی جالساً ثم قال : یا جاریة غنّینی فالیوم قرّت عینی. فأنشأت تقول :

ألا أبلغ معاویة بن حربٍ

فلا قرّت عیون الشامتینا

أفی شهر الصیام فجعتمونا

بخیر الناس طرّا أجمعینا

قتلتم خیرَ من رکب المطایا

وأفضلهم ومن رکب السفینا

فرفع معاویة عموداً کان بین یدیه فضرب رأسها ونثر دماغها ، أین کان حلمه ف)

ص: 101


1- تاریخ ابن عساکر : : 7 / 210 [26 / 195 رقم 3071 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 11 / 306]. (المؤلف)
2- تاریخ ابن کثیر : 8 / 130 [8 / 139 حوادث سنة 60 ه]. (المؤلف)
3- مرّ حدیثه فی هذا الجزء. (المؤلف)

ذلک الیوم؟ (1) والذی جاء فی بطن معاویة من الحدیث المتسالم علیه إنّما هو أنّه صلی الله علیه وآله وسلم دعا علیه وقال : «لا أشبع الله بطنه» وأمّا غیره فحدیث إفک لا یُؤبه به.

13 - عن جابر : أنّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم أعطی معاویة سهماً وقال : هاک حتی تلقانی به فی الجنّة. وفی لفظ عن أبی هریرة : حتی توافینی به فی الجنّة.

رواه القاسم بن بهران (2). قال ابن حبّان (3) : لا یجوز الاحتجاج به بحال. وقال ابن عدی : إنّه کذّاب. وقال الذهبی : موضوع (4).

14 - عن خارجة بن زید عن أبیه مرفوعاً : یا أُمَّ حبیبة! للهُ أشدُّ حبّا لمعاویة منک کأنّی أراه علی رفارف الجنّة.

میزان الاعتدال (5) (3 / 56) ، قال الذهبی : خبرٌ باطل اتّهم بوضعه محمد بن رجاء.

قال الأمینی : وفی الإسناد : عبد الرحمن بن أبی الزناد ، قال یحیی بن معین (6) : لیس ممّن یحتج به أصحاب الحدیث ، لیس بشیء ، ضعیفٌ. وقال صالح بن أحمد عن أبیه : مضطرب الحدیث. وعن ابن المدینی : کان عند أصحابنا ضعیفاً. وقال النسائی (7) : لا یحتجُّ بحدیثه ، وکان یُضَعَّف لروایته عن أبیه. 7.

ص: 102


1- هذه القضیة ذکرها الراغب فی محاضراته المخطوطة الموجودة ، وهکذا نقلت عنها فی تشیید المطاعن فی 2 / 409 غیر أن ید الطبع الأمینة حرّفتها من الکتاب مع أحادیث ترجع إلی معاویة. راجع : 2 / 214 من المحاضرات وقابلها بالمخطوطة منها. (المؤلف)
2- وفی کتاب المجروحین ومیزان الاعتدال ولسان المیزان : بهرام.
3- کتاب المجروحین : 2 / 214.
4- میزان الاعتدال : 2 / 38 [3 / 332 رقم 6645 ، 3 / 369 رقم 6796] ، لسان المیزان : 4 / 414 ، 459 ، 6 / 219 [4 / 481 رقم 6474 و 538 رقم 6625 ، 6 / 266 رقم 9004]. (المؤلف)
5- میزان الاعتدال : 3 / 545 رقم 7517.
6- معرفة الرجال : 1 / 73 رقم 183.
7- کتاب الضعفاء والمتروکین : ص 160 رقم 387.

تهذیب التهذیب (1) (6 / 170).

15 - قال أبو عمرو الزاهد : أخبرنی علیّ بن محمد بن الصائغ عن أبیه أنّه قال : رأیت الحسین وقد وفد علی معاویة زائراً ، فأتاه فی یوم جمعة وهو قائمٌ علی المنبر خطیباً ، فقال له رجلٌ من القوم : یا أمیر المؤمنین ائذن للحسین یصعد المنبر ، فقال له معاویة : ویلک دعنی أفتخر ، فحمد الله وأثنی علیه ثم قال : سألتک بالله یا أبا عبد الله ألیس أنا ابن بطحاء مکة؟ فقال : إی والذی بعث جدّی بالحقِّ بشیراً. ثم قال : سألتک بالله یا أبا عبد الله ألیس أنا خال المؤمنین؟ فقال : إی والذی بعث جدّی نبیّا ، ثم قال : سألتک بالله یا أبا عبد الله ألیس أنا کاتب الوحی؟ فقال : إی والذی بعث جدّی نذیراً. ثم نزل معاویة وصعد الحسین بن علیّ فحمد الله بمحامد لم یحمده الأوّلون والآخرون بمثلها ثم قال : حدّثنی أبی عن جدّی عن جبریل عن الله تعالی : أنَّ تحت قائمة کرسیِّ العرش ورقة آس خضراء مکتوب علیها : لا إله إلاّ الله ، محمد رسول الله ، یا شیعة آل محمد لا یأتی أحدکم یوم القیامة یقول : لا إله إلاّ الله إلاّ أدخله الله الجنّة ، فقال له معاویة : سألتک بالله یا أبا عبد الله من شیعة آل محمد؟ فقال : الذین لا یشتمون الشیخین أبا بکر وعمر ، ولا یشتمون عثمان ، ولا یشتمون أبی ، ولا یشتمونک یا معاویة! أخرجه ابن عساکر فی تاریخه (2) (4 / 312 ، 313) وقال : هذا حدیثٌ منکرٌ ولا أری إسناده متّصلاً إلی الحسین.

قال الأمینی : ألا تعجب من حافظ یروی مثل هذا الحدیث ویراه منکراً غیر مسند؟ ألیس فی إسناده أبو عمرو الزاهد محمد بن عبد الواحد الذی ألّف من الأکاذیب جزءاً فی فضائل معاویة ومنها هذه الأُکذوبة الفاحشة؟ ألیس فیه علیّ بن محمد الصائغ الذی قال [عنه] الخطیب فی تاریخه (3 / 222) : ضعیفٌ جدّا؟ ألا یقول 6.

ص: 103


1- تهذیب التهذیب : 6 / 156.
2- تاریخ مدینة دمشق : 14 / 113 رقم 1566.

الحافظ : إنَّ علیّ بن محمد الصائغ الذی یروی عنه أبو أحمد الجرجانی المتوفّی (374) الذی یروی عن مالک المتوفّی (179) بواسطة کیف یروی أبوه عن الحسین السبط علیه السلام الشهید سنة (60)؟! وکیف یُعقل إدراکه معاویة وحضوره فی خطبته؟!

وهل لا یأبی لفظ الروایة صحّتها؟ هل تجتمع هی مع ما أسلفناه من حدیث رسول الله الثابت الصحیح ، ومن حدیث أمیر المؤمنین والحسن السبط ومن حدیث الحسین السبط نفسه ، ومع ما ثبت عنهم من کتاب أو مقال فی الرجل؟ وهل یساعدها ما کان من سیرة معاویة فی علیّ أمیر المؤمنین طیلة حیاته؟ أقرأ واحکم.

16 - مرفوعاً : یُبعث معاویة علیه رداءٌ من نور.

أخرجه ابن حبّان (1) من طریق جعفر بن محمد الأنطاکی وقال : خبر باطل (2).

میزان الاعتدال (1 / 193) ، لسان المیزان (2 / 124) (3). أقرَّ الذهبی وابن حجر بطلان الحدیث وعدم ثقة الأنطاکی.

17 - أخرج أبو نعیم فی الحلیة (10 / 393) عن عبد الله بن محمد بن جعفر عن أحمد بن محمد البزّاز المدنی عن إبراهیم بن عیسی الزاهد عن أحمد الدینوری عن عبد العزیز بن یحیی عن إسماعیل بن عیّاش عن عبد الرحمن بن عبد الله بن دینار عن أبیه عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : یطلع علیکم رجلٌ من أهل الجنّة. فطلع معاویة ، ثم قال من الغد مثل ذلک فطلع معاویة ، ثم قال من الغد مثل ذلک فطلع معاویة. قال الذهبی : إنّه لیس بصحیح.

راجع لسان المیزان (4) (2 / 213). 6.

ص: 104


1- کتاب المجروحین : 1 / 213.
2- عبارة ابن حبّان عن الحدیث هی : هذا موضوع لا أصل له.
3- میزان الاعتدال : 1 / 416 ، لسان المیزان : 2 / 156 رقم 2049.
4- لسان المیزان : 2 / 266 رقم 2466.

قال الأمینی : أحمد - بن مروان - الدینوری مالکیٌّ صاحب المجالسة ، صرّح الدارقطنی فی غرائب مالک بأنّه یضع الحدیث. وذکر حدیث : سبقت رحمتی غضبی. فقال : لا یصحّ بهذا الإسناد ، والمتّهم به أحمد بن مروان ، وهو عندی ممّن کان یضع الحدیث.

لسان المیزان (1) (1 / 309).

وفی الإسناد : عبد العزیز بن یحیی ، قال ابن أبی حاتم (2) : سمع منه أبی ثم ترکه وقال : لا أُحدّث عنه ، ضعیفٌ. وقال أبو زرعة : لیس بثقة وذکرته لإبراهیم بن المنذر فکذّبه ، وذکرته لأبی مصعب فقلت : یحدّث عن سلیمان بن بلال ، فقال : کذّابٌ أنا أکبر منه وما أدرکته. وقال العقیلی (3) : یحدِّث عن الثقات بالبواطیل ، ویدّعی من الحدیث ما لا یعرف به غیره من المتقدّمین عن مالک وغیره. وقال ابن عدی (4) : ضعیفٌ جدّا وهو یسرق حدیث الناس.

میزان الاعتدال (2 / 140) ، تهذیب التهذیب (6 / 363) (5).

وفیه : إسماعیل بن عیّاش ، قال یحیی بن معین (6) : لیس به فی أهل الشام بأس ، والعراقیّون یکرهون حدیثه. وقال الأسدی : إذا حدّث عن الحجازیّین والعراقیّین خلط ما شئت. وقال الجوزجانی : أروی الناس عن الکذّابین. وقال ابن خزیمة : لا یحتجّ به. وقال ابن المبارک لا أستحلی حدیثه ، وضعّف روایته عن غیر الشامیّین أیضاً النسائی (7) وأبو أحمد الحاکم والبرقی والساجی. وقال الحاکم : إذا انفرد بحدیث لم یقبل 6.

ص: 105


1- لسان المیزان : 1 / 339 رقم 937.
2- الجرح والتعدیل : 5 / 400 رقم 1853.
3- الضعفاء الکبیر : 3 / 19 رقم 975.
4- الکامل فی ضعفاء الرجال : 5 / 379 رقم 1543.
5- میزان الاعتدال : 2 / 636 رقم 5136 ، تهذیب التهذیب : 6 / 323.
6- التاریخ 4 / 432 رقم 5146.
7- کتاب الضعفاء والمتروکین : ص 49 رقم 36.

منه لسوء حفظه. وقال ابن حبّان (1) : کان من الحفّاظ المتقنین فی حدیثهم فلمّا کبر تغیّر حفظه ، فما حفظ فی صباه وحداثته اتی به علی جهته ، وما حفظ علی الکبر من حدیث الغرباء خلط فیه ، وأدخل الإسناد فی الإسناد ، وألزق المتن بالمتن وهو لا یعلم ، فمن کان هذا نعته حتی صار الخطأ فی حدیثه یکثر خرج عن حدِّ الاحتجاج به.

میزان الاعتدال (1 / 112) ، تهذیب التهذیب (1 / 324 - 326) (2).

وفیه : عبد الرحمن بن عبد الله بن دینار ، ضعّفه ابن معین (3). وقال أبو حاتم (4) : فیه لین یُکتب حدیثه ولا یُحتجّ به. وقال ابن عدی (5) : وبعض ما یرویه منکرٌ لا یتابع علیه وهو فی جملة من یُکتب حدیثه من الضعفاء.

میزان الاعتدال (2 / 109) ، تهذیب التهذیب (6 / 206) (6).

18 - أخرج الذهبی فی المیزان وابن کثیر فی تاریخه (7) (8 / 121) من طریق نصیر عن أبی هلال محمد بن سلیم حدّثنا جبلة عن رجل عن مسلمة بن مخلد ؛ أنَّ النبیَّ صلی الله علیه وآله وسلم قال : اللهمَّ علّم معاویة الکتاب ، ومکّن له فی البلاد.

قال الذهبی : جبلة لا یُعرف والخبر منکرٌ بمرّة. وقال ابن حجر فی اللسان (8) (2 / 96) : ولعلّ الآفة فی الحدیث من الرجل المجهول.

قال الأمینی : لِمَ لا تکن الآفة من الرجل المعلوم محمد بن سلیم الکذّاب ، وقد ترجمه 8.

ص: 106


1- کتاب المجروحین : 1 / 125.
2- میزان الاعتدال : 1 / 240 رقم 923 ، تهذیب التهذیب : 1 / 282 - 284.
3- التاریخ : 4 / 203 رقم 3959.
4- الجرح والتعدیل : 5 / 254 رقم 1204.
5- الکامل فی ضعفاء الرجال : 4 / 298 رقم 1126.
6- میزان الاعتدال : 2 / 572 رقم 4901 ، تهذیب التهذیب : 6 / 187.
7- میزان الاعتدال : 1 / 388 رقم 1440 ، البدایة والنهایة : 8 / 129 حوادث سنة 60 ه.
8- لسان المیزان : 2 / 123 رقم 1908.

الذهبی فی المیزان وابن حجر فی لسانه عن یحیی بن معین (1) بأنّه کان یکذب فی الحدیث.

راجع (2) : المیزان (3 / 62) ولسان المیزان (5 / 192).

19 - أخرج العقیلی (3) من طریق بشر بن بشّار السمسار ، عن عبد الله بن بکّار المقری من ولد أبی موسی الأشعری ، عن أبیه عن جدّه ، عن أبی موسی رضی الله عنه ، قال : دخل النبی صلی الله علیه وآله وسلم علی أُمّ حبیبة ورأس معاویة فی حجرها فقال لها : أتحبِّینه؟ قالت : وما لی لا أُحبّ أخی؟ قال : فإنَّ الله ورسوله یحبّانه.

قال العقیلی عبد الله بن بکّار مجهول النسب وروایته غیر محفوظة. وقال الذهبی فی المیزان : غیر صحیح.

راجع (4) : میزان الاعتدال (2 / 26) ، لسان المیزان (3 / 263) وبشر السمسار لیس فی الجهالة والنکارة أقلّ من نسب ابن بکّار.

20 - عن أنس مرفوعاً : ائتمن الله علی وحیه جبرئیل ومحمداً ومعاویة.

زیّفه الذهبی لمکان محمد بن أحمد البلخی الضعیف سارق الحدیث الذی لم یکن من أهل الحدیث.

راجع (5) : میزان الاعتدال (3 / 15) ، لسان المیزان (5 / 34).

21 - مرفوعاً : إنَّ معاویة یُبعث نبیّا من علمه وائتمانه علی کلام ربِّی.

ذکره الذهبی من طریق محمد بن الحسن وقال : روی عنه إسحاق بن محمد السوسی أحادیث مختلقة فی فضل معاویة ، ولعلّه النقّاش صاحب التفسیر فإنّه 3.

ص: 107


1- التاریخ : 4 / 235 رقم 4120.
2- میزان الاعتدال : 3 / 574 رقم 7645 ، لسان المیزان : 5 / 218 رقم 7453.
3- الضعفاء الکبیر : 2 / 237 رقم 789.
4- میزان الاعتدال : 2 / 398 رقم 4229 ، لسان المیزان : 3 / 328 رقم 4502.
5- میزان الاعتدال : 3 / 455 رقم 7134 ، لسان المیزان : 5 / 41 رقم 6903.

کذّابٌ ، أو هو آخر من الدجاجلة.

راجع (1) : میزان الاعتدال (3 / 43) ، لسان المیزان (5 / 125).

وفی اللسان (2) (1 / 374) : إسحاق بن محمد السوسی ذاک الجاهل الذی أتی بالموضوعات السمجة فی فضائل معاویة رواها عبید الله بن محمد بن أحمد السقطی عنه ، فهو المتّهم بها أو شیوخه المجهولون.

22 - أخرج البخاری فی تاریخه (4 قسم 1 ص 328) من طریق عمرو بن واقد الدمشقی ، عن یونس الدمشقی ، عن أبی إدریس الدمشقی ، عن عمیر بن سعد نزیل دمشق قال : لا تذکروا معاویة إلاّ بخیر فإنّی سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول : اللهمّ اهدِه.

قال الأمینی : عمرو بن واقد الدمشقی کان ممّن لا یشکُّ شیوخ الحدیث أنَّه یکذب ، وأنَّه لیس بشیء ، وأنَّه ضعیف منکر الحدیث ، وأنّه یقلّب الأسانید ، وأنّ أحادیثه معضلة منکرة ، استحقَّ الترک (3).

ألم یک فی الحواضر الإسلامیّة من رجال الحدیث من قرع سمعه نبأ هذه الأفیکة؟ فلما ذا خصّت بالشام ، وسلسلت حلقة إسنادها بالشامیِّین فحسب؟ أنت تدری لما ذا.

23 - أخرج ابن کثیر فی تاریخه (4) (8 / 120) من طریق المسیّب بن واضح عن ابن عبّاس قال : أتی جبریل إلی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فقال : یا محمد أقرئ معاویة .

ص: 108


1- میزان الاعتدال : 3 / 516 رقم 7390 ، لسان المیزان : 5 / 142 رقم 7207.
2- لسان المیزان : 1 / 416 رقم 1165.
3- راجع میزان الاعتدال : 2 / 302 [3 / 291 رقم 6465] ، تهذیب التهذیب : 8 / 115 [8 / 102]. (المؤلف)
4- البدایة والنهایة : 8 / 128 حوادث سنة 60 ه.

السلام واستوص به خیراً ، فإنَّه أمین الله علی کتابه ووحیه ونعم الأمین.

قال الأمینی : قال الدارقطنی : المسیّب بن واضح ضعیفٌ ، قال ابن عدی (1) : قلت لعبدان : أیّهما أحبّ إلیک : عبد الوهّاب بن الضحّاک أو المسیّب بن واضح؟ فقال : کلاهما سواء. وعبد الوهّاب من الکذّابین الوضّاعین المعروفین ، متروکٌ ضعیفٌ جدّا کثیر الخطأ والوهم (2).

وأخرجه الطبرانی فی الأوسط ، قال : حدّثنا علیّ بن سعید الرازی ، حدّثنا محمد بن فطر الراملی ، حدّثنا مروان بن معاویة الفزاری ، عن عبد الملک بن أبی سلیمان ، عن عطاء بن أبی رباح عن ابن عبّاس.

وذکره الهیثمی فی المجمع (9 / 357) وقال : فیه محمد بن فطر ولم أعرفه ، وعلیّ ابن سعید الرازی فیه لین ، وحکاه السیوطی بإسناده فی اللآلئ المصنوعة (1 / 419) وقال : أمّا مروان والراوی عنه فلم أر من ترجمهما لا فی الثقات ولا فی الضعفاء.

قال الأمینی : علیّ بن سعید الرازی هو الذی قال الدارقطنی لمّا سُئل عنه : لیس فی حدیثه بذاک وسمعت بمصر : أنَّه کان والی قریة وکان یطالبهم بالخراج فما یعطونه فیجمع الخنازیر فی المسجد. فقیل : کیف هو فی الحدیث؟ قال : حدّث بأحادیث لم یتابع علیها. ثم قال : فی نفسی منه ، وقد تکلّم فیه أصحابنا بمصر ، وأشار بیده وقال هو کذا وکذا ونفض بیده یقول : لیس بثقة.

لسان المیزان (3) (4 / 231).

لقد أوقفناک فیما سلف (5 / 309) ، علی أمانة الرجل علی کلّ ما تحسب أنّه أمین 3.

ص: 109


1- الکامل فی ضعفاء الرجال : 5 / 295 رقم 1435.
2- راجع الجزء الخامس من الغدیر : ص 242 ، ولسان المیزان : 6 / 41 [6 / 48 رقم 8394]. (المؤلف)
3- لسان المیزان : 4 / 265 رقم 5823.

علیه ، ونزیدک هنا إحفاء السؤال عن معنی الأمانة علی کتاب الله ووحیه ، ألیست هی کلاءتهما عن التحریف والعمل بمؤدّاهما والجری علی مفادهما والأخذ بحدودهما ، وقطع الأیدی الأثیمة عن التلاعب بهما؟ وهل کان معاویة إلاّ ردءاً بهذه کلّها وقد قلب علی الکتاب والوحی ظهر المجنّ فی کلّ وروده وصدوره ، ووجّه إلیهما نظرته الشزراء فی حلّه ومرتحله؟ وهل هو إلاّ عدوّهما الألدّ؟ وصحائف تاریخه المظلم تطفح بهذه کلّها ، وإنّ ما ذکرناه فی هذا الکتاب من نماذج ما أثبتته له الحقیقة وخلّده الدهر مع ذکره الشائن وحدیثه المائن.

24 - أخرج الطبرانی عن أحمد بن محمد الصیدلانی عن السری عن (1) عاصم عن عبد الله بن یحیی بن أبی کثیر عن أبیه (2) هشام بن عروة عن عائشة ، قالت : لمّا کان یوم أمّ حبیبة من النبی صلی الله علیه وآله وسلم دقّ الباب داقٌّ ، فقال النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم : انظروا من هذا؟ قالوا : معاویة. قال : ائذنوا له ، فدخل وعلی أُذنه قلمٌ یخطُّ به ، فقال : ما هذا القلم علی أُذنک یا معاویة؟ قال : قلمٌ أعددته لله ولرسوله ، فقال له : جزاک الله عن نبیّک خیراً ، والله ما استکتبتک إلاَّ بوحی من الله ، وما أفعل من صغیرة ولا کبیرة إلاّ بوحی من الله ، کیف بک لو قمّصک الله قمیصاً؟! - یعنی من الخلافة - فقامت أُمّ حبیبة فجلست بین یدیه وقالت : یا رسول الله : وإنّ الله مقمّصه قمیصاً؟ قال : نعم. ولکن فیه هنات وهنات. فقالت : یا رسول الله فادع الله له. فقال : اللهمّ اهده بالهدی ، وجنِّبه الردی ، واغفر له فی الآخرة والأولی.

قال الطبرانی : تفرّد به السری بن عاصم (3).

قال الأمینی : المتفرّد بهذه الأکذوبة الفاحشة علی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم هو أحد الکذّابین الوضاعین ، راجع ما أسلفناه فی الجزء الخامس ص 231 و (8 / 140). ف)

ص: 110


1- الصحیح : السری بن عاصم. (المؤلف)
2- کذا والصحیح : عن أبیه عن هشام. (المؤلف)
3- تاریخ ابن کثیر : 8 / 120 [8 / 128 حوادث سنة 60 ه]. (المؤلف)

لیت شعری هل بهذا القلم الذی یزعم معاویة أنّه أعدّه لله ولرسوله کان یکتب تلکم القوارص والقذائف إلی مولانا أمیر المؤمنین علیه السلام؟! ویکتب إلی عمّاله أوامره الباتّة بلعن سیّد الوصیّین صلوات الله علیه ولعن من یمتّ به من شبلیه الإمامین السبطین وعظماء المؤمنین؟ ویکتب إلی أُمرائه الجائرین بهدر دماء صلحاء الأُمّة وشیعة أهل بیت الوحی علیهم السلام؟ وهل کان یکتب به أحکامه الجائرة ، وفتاواه النائیة عن الحقِّ المبین ، وآراءه الشاذّة عن الکتاب والسنّة ، وکلّ ما یلفظه بفمٍ ویخطّه بقلمٍ من جرائر وجرائم؟

ثم هل استجیبت هذه الدعوة المعزوّة إلی صاحب الرسالة حتی نعتقد فی ابن هند اعتناق الهدی ، والتجنّب عن الردی ، والمغفرة له فی الآخرة والأُولی؟ لکن موبقات معاویة وإصراره علیها تنبئنا عن أنّها لم تکن ، إذ لو کانت لمَا عداها الإجابة ، وکأنَّ تلک الدعوة المزعومة المختلقة ذهبت أدراج الریاح ، وکأنَّه صلی الله علیه وآله وسلم دعا علیه بضدّ ما هو مذکورٌ واستجیبت دعوته.

علی أنَّ معاویة لو کان علی الهدی متجنّباً عن الردی للزم أن یکون صاحب الخلافة الکبری مولانا أمیر المؤمنین علیه السلام علی قدسه وطهارته خلواً من ذلک کلّه ، لأنّه کان یناوئه ویناجزه القتال ، وکذلک حُجر وأصحابه ، وکلّ صالح صحابیّ أو تابعیّ قُتل تحت نیر ظلم معاویة ، هل یسع لمسلم أن یدّعی ذلک؟ غفرانک اللهمَّ وإلیک المصیر.

25 - أخرج الطبرانی عن یحیی بن عثمان بن صالح عن نعیم بن حمّاد عن محمد ابن شعیب بن سابور عن مروان بن جناح عن یونس بن میسرة بن حلبس عن عبد الله بن بُسر : أنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم استشار أبا بکر وعمر فی أمرٍ فقال : أشیروا علیَّ. فقالا : الله ورسوله أعلم ، فقال : ادعوا معاویة. فقال أبو بکر وعمر : أما فی رسول الله ورجلین من رجال قریش ما یتقنون أمرهم حتی یبعث رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إلی غلام من غلمان قریش؟ فقال : ادعوا لی معاویة. فدُعی له فلمّا وقف بین یدیه قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : احضروه أمرکم ، وأشهدوه أمرکم فإنّه قویٌّ أمین. وزاد نعیم :

ص: 111

وحمّلوه أمرکم (1).

رجال إسناده :

1 - یحیی بن عثمان ، کان یتشیّع ، وکان صاحب وراقة یحدّث من غیر کتبه فطعن فیه لأجل ذلک.

تهذیب التهذیب (2) (11 / 257).

2 - نعیم بن حمّاد ، کذّاب وضّاع. راجع الجزء الخامس (ص 269).

3 - محمد بن شعیب ، شامیّ أمویّ.

4 - مروان بن جناح ، شامیّ أمویّ ، قال أبو حاتم (3) : لا یحتجُّ به وبأخیه روح.

5 - یونس بن میسرة ، شامیّ أعمی.

6 - عبد الله بن بُسر ، یُعدَّ فی الشامیّین وهو آخر من مات بالشام من الصحابة.

هلمَّ معی إلی تعمیة الجاهلین وتغریر بسطاء الأُمّة بالتمویه علی الحقائق ، قال ابن کثیر فی تاریخه (4) بعد ذکر هذا الحدیث وعدّة ممّا ذکرناه من الأباطیل فی فضائل معاویة : ثم ساق ابن عساکر أحادیث کثیرة موضوعة بلا شکّ فی فضل معاویة ، أضربنا عنها صفحاً ، واکتفینا بما أوردناه من الأحادیث الصحاح والحسان والمستجادات عمّا سواها من الموضوعات والمنکرات.

وقال بعد ذکر الحدیث الرابع والعشرین الذی تفرّد به السریّ الکذّاب الوضّاع : وقد أورد ابن عساکر بعد هذا أحادیث کثیرة موضوعة ، والعجب منه مع حفظه واطّلاعه کیف لا ینبّه علیها وعلی نکارتها وضعف رجالها؟ والله الموفِّق للصواب. .

ص: 112


1- تاریخ ابن کثیر 8 / 122 [8 / 130 حوادث سنة 60 ه] ، مجمع الزوائد : 9 / 356 ، [وانظر أیضاً مختصر تاریخ دمشق : 25 / 8]. (المؤلف)
2- تهذیب التهذیب : 11 / 225.
3- الجرح والتعدیل : 8 / 274 رقم 1250.
4- البدایة والنهایة : 8 / 130 - 131 حوادث سنة 60 ه.

تری ابن کثیر هاهنا یتحامل علی ابن عساکر رجاء أن ینطلی بذلک علی الأغرار ما سرده من الأکاذیب الموضوعة ویزیّف جملة منها لإثبات بعضها الآخر. ذاهلاً عن أن ید التنقیب تکشف عمّا غطّاه دجله غلوّا منه فی الفضائل.

26 - أخرج ابن عساکر (1) من طریق نعیم بن حمّاد عن محمد بن حرب عن أبی بکر بن أبی مریم عن محمد بن زیاد عن عوف بن مالک الأشجعی ، قال : بینما أنا راقدٌ فی کنیسة یوحنّا - وهی یومئذٍ مسجد یصلّی فیها - إذ انتبهت من نومی فإذا بأسد یمشی بین یدیَّ ، فوثبت إلی سلاحی ، فقال الأسد : مَه ، إنّما أُرسلت إلیک برسالة لتبلّغها ، قلت : ومن أرسلک؟ قال : الله أرسلنی إلیک لتبلّغ معاویة السلام وتعلمه أنّه من أهل الجنّة. فقلت له : ومن معاویة؟ قال : معاویة بن أبی سفیان (2).

فی الإسناد :

1 - نعیم بن حمّاد ، مرَّ القول بأنَّه کذّابٌ وضّاع.

2 - محمد بن زیاد هو الحمصی ، شامیّ ناصبیّ من ألدّاء أعداء أمیر المؤمنین ، وثّقه ابن معین (3) ، وقال : ثقة مأمون ، وذکره ابن حبّان فی الثقات (4) وقال : لا یعتدّ بروایته إلاّ ما کان من روایة الثقات عنه. وقال الحاکم : اشتهر عنه النصب کحریز (5) ابن عثمان.

تهذیب التهذیب (6) (9 / 170). 0.

ص: 113


1- مختصر تاریخ دمشق : 25 / 16.
2- تاریخ ابن کثیر : 8 / 123 [8 / 132 حوادث سنة 60 ه] ، مجمع الزوائد : 9 / 357. (المؤلف)
3- التاریخ : 4 / 429 رقم 5124.
4- الثقات : 5 / 372.
5- کان یلعن علیّا کلّ یوم سبعین مرّة ، أحد رجال صحیح البخاری. (المؤلف)
6- تهذیب التهذیب : 9 / 150.

3 - أبو بکر بن أبی مریم ، شامیّ عثمانیّ ، قال أحمد والنسائی والدارقطنی وابن سعد (1) : ضعیف. وضعّفه ابن معین (2). وقال أبو زرعة : ضعیف منکر الحدیث. وقال أبو حاتم (3) : ضعیف الحدیث طرقه لصوصٌ فأخذوا متاعه فاختلط. وقال الجوزجانی : لیس بالقویِّ. وقال الدارقطنی : متروک.

تهذیب التهذیب (4) (12 / 29).

قال ابن کثیر (5) بعد ذکر الحدیث : وفیه ضعفٌ وهذا غریبٌ جدّا ولعلَّ الجمیع مناماً (6) ویکون قوله : إذ انتبهت من نومی ، مدرجاً لم یضبطه ابن أبی مریم. والله أعلم.

قال الأمینی : أنا حائرٌ سادرٌ بین رسالة هذا الأسد الضاری وبشارته معاویة بالجنّة ، وبین رسالة النبیِّ المعصوم الذی لا ینطق عن الهوی ، وبشارته معاویة بالنار ولعنه إیّاه.

وکذا بین رسالة الأسد وبین تلکم الصحاح التی جاءت عن الإمام المعصوم أمیر المؤمنین وعن عدول الصحابة أو الصحابة العدول فی معاویة الخؤون ممّا أسلفناه فی الجزء العاشر.

وکذا بین رسالة الأسد وبین ما جاء فی الکتاب الکریم من عذاب کلّ آثم اقترف سیّئة وأحاطت به خطیئته ، ووعید من حاد عن حدود الإسلام بالنار (وَمَنْ یَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَأُولئِکَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (7) ، ولا یستوی الحسنة ولا السیّئة ولا المحسن 9.

ص: 114


1- العلل ومعرفة الرجال : 2 / 39 رقم 1484 ، کتاب الضعفاء والمتروکین : ص 262 رقم 699 ، الطبقات الکبری : 7 / 467.
2- التاریخ : 4 / 437 رقم 5173.
3- الجرح والتعدیل : 2 / 405 رقم 1590.
4- تهذیب التهذیب : 12 / 33.
5- البدایة والنهایة : 8 / 132 حوادث سنة 60 ه.
6- کذا فی المصدر ولعلها فی الأصل : کان مناماً.
7- البقرة : 229.

ولا المسیء.

وکذا بین رسالة الأسد وبین ما جاء عن نبیِّ الإسلام فی تلکم البوائق الموبقة التی کان معاویة قد اقترفها وشوّه بها صحیفة تاریخه.

فما ذا الذی خصَّ معاویة برسالة الأسد إلیه خاصّة فی کنیسة یوحنّا بعد رسالة محمد صلی الله علیه وآله وسلم الخاتمة ، بعد تلکم الأنباء الصادقة الواردة فی الکتاب العزیز والسنّة النبویة الشریفة ، بعد تلکم البشائر السارّة الجمّة العامّة لأهل الصلاح والفلاح؟

27 - أخرج أحمد (1) ومسلم والحاکم وغیرهم من طریق ابن عبّاس ، قال : کنت ألعب مع الغلمان فإذا رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قد جاء فقلت : ما جاء إلاَّ إلیَّ ، فاختبأت علی باب فجاءنی فخطانی خطاة أو خطاتین (2) ثم قال : «اذهب فادعُ لی معاویة» ، قال : فذهبت فدعوته له فقیل : إنَّه یأکل ، فأتیت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فقلت : إنَّه یأکل ، فقال : «اذهب فادعه» ، فأتیته الثانیة فقیل : إنّه یأکل فأخبرته ، فقال فی الثالثة : «لا أشبع الله بطنه» قال : فما شبع بعدها (3).

هذا الحدیث ذکره ابن کثیر فی عدّ مناقب معاویة فقال : قد انتفع معاویة بهذه الدعوة فی دنیاه وأخراه ، أمّا فی دنیاه فإنّه لمّا صار إلی الشام أمیراً ، کان یأکل فی الیوم سبع مرّات یجاء بقصعة فیها لحم کثیر وبصل فیأکل منها ، ویأکل فی الیوم سبع أکلات بلحم ، ومن الحلوی والفاکهة شیئاً کثیراً ویقول : والله ما أشبع وإنّما أعیا ، وهذه نعمةٌ ومعدةٌ یرغب فیها کلُّ الملوک.

وأمّا فی الآخرة فقد أتبع مسلم هذا الحدیث بالحدیث الذی رواه البخاری (4) 0.

ص: 115


1- مسند أحمد : 1 / 551 رقم 3094.
2- فی صحیح مسلم ومسند أحمد : فحطانی حطأة ، والحطأ هو الضرب بالید مبسوطة بین الکتفین.
3- صحیح مسلم : 8 / 27 [5 / 172 ح 96 - 97 کتاب البر والصلة والآداب] ، تاریخ ابن کثیر 8 / 119 [8 / 127 - 128 حوادث سنة 60 ه]. (المؤلف)
4- صحیح البخاری : 5 / 2339 ح 6000.

وغیرهما من غیر وجه عن جماعة من الصحابة ؛ أنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قال : اللهمّ إنَّما أنا بشرٌ فأیّما عبد سببته أو جلدته أو دعوت علیه ولیس لذلک أهلاً فاجعل ذلک کفّارة وقُربة تقرّبه بها عندک یوم القیامة. فرکّب مسلم من الحدیث الأوّل وهذا الحدیث فضیلة لمعاویة ، ولم یورد له غیر ذلک (1).

قال الأمینی : هنا یرتج علیَّ القول فی مساءلة هذا المدافع عن ابن هند والناحت له فضیلة مرکّبة من رذیلة ثابتة لمعاویة ، وأفیکة مفتراة علی قدس صاحب الرسالة ، أنّه هل عرف النافع من الضارِّ ، فحکم بانتفاع معاویة بالدعوة المذکورة فی دنیاه وأُخراه؟ وأنَّه هل عرف حدود الإنسانیّة وکمال النفس؟ ولا أظنّه ، وإلاّ لما حکم بأنّ الذی کان یرغب فیه معاویة وحسب أنّه یرغب فیه الملوک من کثرة الأکل وقوّة المعدة إلی ذلک الحدّ الممقوت المساوق حدّ البهائم نعمة من الله أتت ابن آکلة الأکباد ببرکة دعوة النبیِّ المعصوم صلی الله علیه وآله وسلم ، ولم یعرف من سعادة الحیاة إلاّ أن یملأ أکراشاً جوفاً وأجربة سغباً ، وما ملأ آدمیٌّ وعاءً شرّا من بطنه ، بحسب ابن آدم أکلات یقمن صلبه ، فإن کان لا محالة فثلثٌ لطعامه ، وثلثٌ لشرابه ، وثلثٌ لنفسه (2).

ثم إنّ الذی یتبیّن من تضاعیف الروایات وخصوصیّات المقام أنَّ المورد مورد نقمة لا مورد رحمة ، وإنّما الدعاء علیه لا له کیفما تمحّل ابن کثیر ، فقد طعن علی الرجل أبو ذر الغفاری بقوله : لعنک رسول الله ودعا علیک مرّات أن لا تشبع (3) واشتهرت عنه هذه المنقصة حتی جرت مجری المثل وقیل فیها :

وصاحبٌ لی بطنه کالهاویه

کأنَّ فی أحشائه معاویهف)

ص: 116


1- البدایة والنهایة : 8 / 127 - 128 حوادث سنة 60 ه.
2- من قولنا : وما ملأ آدمی إلی آخره ، أخرجه أحمد [فی المسند 5 / 117 ح 16735] ، والترمذی [فی السنن 4 / 509 ح 2380] ، وابن ماجة [فی السنن : 2 / 1111 ح 3349] ، والحاکم [فی المستدرک علی الصحیحین : 4 / 367 ح 7945] مرفوعاً ، عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم کما فی الجامع الصغیر [2 / 526 ح 8117]. (المؤلف)
3- راجع الغدیر : 8 / 304. (المؤلف)

وحدیث مسلم (1) الذی یلوح علیه لوائح الافتعال إنّما اختلق لمثل هذه الغایة وتأویل ما إلیها ممّا صدر عن النبیّ الأقدس صلی الله علیه وآله وسلم من طعن ولعن وسبّ وجلد ودعوة علی من یستحق کلّها ، وللدفاع عن أولیاء الشیطان وفی الطلیعة منهم ابن أبی سفیان والمنع عن الوقیعة فیهم وغمزهم تأسِّیاً برسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، لفّقوا مکابرات عجیبة فی دلالة الألفاظ والنصوص وأنَّ ذلک صدر منه صلی الله علیه وآله وسلم لا عن قصد ، أو أنّه صدر عن نزعات نفسیّة تقتضیها فطرة البشر ، وقد ذهب علی المغفّلین أنَّه صلی الله علیه وآله وسلم لا ینطق عن الهوی إن هو إلاَّ وحیٌ یوحی ، وأنَّه لعلی خلق عظیم ، وأنّ فی کتابه الذی جاء به من ربّه قوله تعالی : (وَالَّذِینَ یُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِینَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَیْرِ مَا اکْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِیناً) (2).

وقد صحّ عنه قوله صلی الله علیه وآله وسلم : «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ویده» (3).ف)

ص: 117


1- اللهمّ إنّما أنا بشر فأیّما رجل من المسلمین سببته أو لعنته أو جلدته فاجعلها له زکاة ورحمة. اللهمّ أنی اتّخذ عندک عهداً لن تخلفنیه ، فإنّما أنا بشر فأیّ المؤمنین آذیته ، شتمته ، لعنته ، جلدته فاجعلها له صلاة وزکاة وقربة تقرّبه بها إلیک یوم القیامة. اللهمّ إنّ محمداً بشر یغضب کما یغضب البشر وإنّی قد اتّخذت عندک عهداً لن تخلفنیه ، فأیّما مؤمن آذیته أو سببته أو جلدته فاجعلها له کفّارة وقربة تقرّبه بها إلیک یوم القیامة. إنّما أنا بشر وإنّی اشترطت علی ربّی عزَّ وجلَّ أیّ عبد من المسلمین سببته أو شتمته أن یکون ذلک له زکاة وأجراً. إنّی اشترطت علی ربّی فقلت : إنّما أنا بشر أرضی کما یرضی البشر ، وأغضب کما یغضب البشر ، فأیّما أحد دعوت علیه من أمّتی بدعوة لیس لها بأهل أن یجعلها له طهوراً وزکاة وقربة یقرّبه بها منه یوم القیامة. هذه ألفاظ حدیث مسلم فی صحیحه : 8 / 24 - 27 [5 / 168 - 170 ح 88 - 95]. (المؤلف)
2- الأحزاب : 58.
3- أخرجه البخاری [فی الصحیح : 1 / 13 ح 10] ، ومسلم [فی الصحیح : 1 / 96 ح 41 کتاب الإیمان] ، وأحمد [فی مسنده : 2 / 396 ح 6767] ، والترمذی [فی السنن 4 / 570 ح 2504] ، والنسائی [فی السنن الکبری : 6 / 530 ح 11726 و 11727] ، والطبرانی [فی المعجم الکبیر : 1 / 369 ح 1137] ، وابن حبّان [فی الإحسان : 2 / 125 ح 399] ، وأبو داود [الطیالسی فی مسنده : ص 246 ح 1777]. (المؤلف)

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «المؤمن لا یکون لعّاناً» (1).

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «سباب المسلم فسوق» (2).

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «إنّی لم أُبعث لعّاناً وإنّما بُعثت رحمة» (3).

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «المستبّان شیطانان یتهاتران ویتکاذبان» (4).

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «من ذکر امرأً بشیء لیس فیه لیعیبه به حبسه الله فی نار جهنم حتی یأتی بنفاد ما قال فیه» (5).

هل هؤلاء القوم یصفون نبیّا صحّ عندهم من حدیث مسلم : أنّه غضبت عائشة مرّة ، فقال لها رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : ما لکِ جاءکِ شیطانکِ؟ فقالت : وما لکَ شیطان؟ قال : بلی ولکنّی دعوت الله فأعاننی علیه فأسلم فلا یأمرنی إلاّ بخیر (6)؟

وهل یتکلّمون عن نبیّ قال لعبد الله بن عمرو بن العاص : «اکتب عنّی فی الغضب والرضا ، فوالذی بعثنی بالحقّ نبیّا ما یخرج منه إلاّ حقّ». وأشار إلی لسانه (7)؟

وقال عبد الله بن عمرو : أکتب کلّ شیء أسمعه من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أرید حفظه ف)

ص: 118


1- مستدرک الحاکم : 1 / 12 ، 47 [1 / 57 ح 29 ، و 110 ح 145]. (المؤلف)
2- متّفق علیه ؛ أخرجه : البخاری [فی صحیحه : 1 / 27 ح 48] ، ومسلم [فی صحیحه 1 / 114 ح 116 کتاب الایمان] والترمذی [فی السنن : 4 / 311 ح 1983] ، والنسائی [فی السنن الکبری : 2 / 313 ح 3567 - 3578] ، وابن ماجة [فی السنن 2 / 1299 ح 3939 - 3941] ، والطبرانی [فی المعجم الکبیر : 1 / 145 ح 325] ، والحاکم ، والدارقطنی. (المؤلف)
3- صحیح مسلم : 8 / 24 [5 / 168 ح 87]. (المؤلف)
4- عن أحمد [فی مسنده : 5 / 167 ح 17033 و 331 ح 17878] ، والطیالسی [فی مسنده : ص 146 ح 1080]. (المؤلف)
5- الترغیب والترهیب : 3 / 197 [3 / 515 ح 32] ، رواه الطبرانی بإسنادٍ جیّد. (المؤلف)
6- إحیاء العلوم : 3 / 167 [3 / 164]. (المؤلف)
7- إحیاء العلوم : 3 / 167 [3 / 164]. أخرجه أبو داود [فی مسنده : 3 / 318 ح 3646]. (المؤلف)

فنهتنی قریش وقالوا : تکتب کلّ شیء سمعته من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ورسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بشر یتکلّم فی الغضب والرضا؟ فأمسکت عن الکتاب ، فذکرت ذلک لرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فأومأ بإصبعه إلی فیه وقال : «أُکتب ، فوالذی نفسی بیده ما خرج منه إلاّ حقٌّ» (1).

وکان صلی الله علیه وآله وسلم کما وصفه أمیر المؤمنین علیه السلام : «لا یغضب للدنیا فإذا أغضبه الحقُّ لم یعرفه أحد ولم یقم لغضبه شیء حتی ینتصر له» (2).

وهل یُدنّسون بهذا العزو المختلق - لتبریر ذیل أمثال ابن هند - ساحة نبیّ صحَّ عنه صلی الله علیه وآله وسلم قوله : «إنّ العبد إذا لعن شیئاً صعدت اللعنة إلی السماء فتغلق أبواب السماء دونها ، ثم تهبط إلی الأرض فتغلق أبوابها دونها ، ثم تأخذ یمیناً وشمالاً ، فإن لم تجد مساغاً رجعت إلی الذی لُعِن ، فإن کان أهلاً وإلاّ رجعت إلی قائلها» (3)؟

وهل یشوّهون بها سمعة قداسة نبیّ کان یؤدِّب أُمّته بآداب الله ، وینهی أصحابه عن لعن کلّ شیء حتی الدوابّ والبهائم والدیک والبرغوث والریح؟ وکان یقول : «من لعن شیئاً لیس له بأهل رجعت اللعنة علیه» (4). وقال لرجل کان یسیر معه فلعن بعیره : «یا عبد الله لا تسر معنا علی بعیر ملعون» (5). وقال لمّا لعنت جاریة ناقتها : «لا تصاحبنا ناقة علیها لعنة». وفی حدیث المعتمر : «ایم الله لا تصاحبنا راحلة علیها لعنة من الله» (6). وکان صلی الله علیه وآله وسلم یبالغ فی الأمر ویحذّر الناس عنه حتی قال سلمة بن الأکوع : کنّا إذا رأینا الرجل یلعن أخاه رأینا أن قد أتی باباً من الکبائر (7).ف)

ص: 119


1- سنن الدارمی 1 / 125. (المؤلف)
2- أخرجه الترمذی فی الشمائل [ص 113 ح 225 وفیه : عن الحسن بن علیّ علیه السلام]. (المؤلف)
3- الترغیب والترهیب : 3 / 196 [3 / 472 ح 16]. (المؤلف)
4- الترغیب والترهیب : 3 / 197 وصحّحه [3 / 474 - 475 ح 21 - 26]. (المؤلف)
5- الترغیب والترهیب : 3 / 196 فقال : إسناده جیّد [3 / 474 ح 19]. (المؤلف)
6- صحیح مسلم : 8 / 23 [5 / 166 - 167 ح 83 کتاب البرّ والصلة والآداب]. (المؤلف)
7- الترغیب والترهیب : 3 / 195 قال : سندٌ جیّد [3 / 472 ح 15]. (المؤلف)

دع الأباطیل ولا تشطط فی القول فمن لعنه صلی الله علیه وآله وسلم فهو ملعون ، ومن سبّه فهو مستأهل لذلک ، ومن جلده فإنَّ ذلک من شرعه المبین ، ومن دعا علیه أخذته الدعوة ، وهل یجد ذو خبرة مصداقاً لتلک المزعمة المخزیة ویسع له أن یستشهد بسب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أحداً من صلحاء أُمّته کائناً من کان ممّن لا یستحقُّ السبَّ أو بلعنه وجلده إیّاه ودعوته علیه؟ حاشا النبی المبعوث لتتمیم مکارم الأخلاق من هذه الفریة الشائنة.

وإن صحّت هذه المزعمة لتطرّق الوهن فی أفعاله وأقواله وفی قضائه وحدوده ، فلا یعلم الإنسان أنّها بحافز إلهیّ ، أو اندفاع إلی شهوة وإطفاء ثورة الغضب ، وأیّ نبیّ معصوم هذا؟ وکیف تُتّبع سنّته؟ ویُقتفی أثره عندئذٍ؟ وفی أیٍّ من حالتیه هو مقتدی البشر وحجّة الخلق وقدوة الأُمم؟ وما المائز بینه وبین أُمّته وکلٌّ یستحوذ علیه الغضب ، ویقوده الهوی ، وکان لأیّ أحد أسوة برسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أن یقول مثل ذلک حین یقع فی المسلمین بالسباب وینال منهم باللعن فتنقلب المعصیة بتلک الدعوة اللاحقة طاعة وبرّا وکفّارة وقربة.

ومن هنا بلغت القحّة والصلف من ابن حَجر إلی أن تمسّک بذیل حدیث مسلم المثبت ما لا یقبله العقل والمنطق وتأباه الأُصول الدینیّة المسلّمة ، فمنع بذلک عن لعن الحَکم لعین رسول الله وطریده وابنه الوزغ ابن الوزغ (1).

وللقوم فی هذا المقام تصعیدات وتصویبات ، أو قل : خرافات ومخازٍ مثل ما حکی عن بعضهم (2) : أنَّ ظاهر هذا الحدیث یُعطینا إباحة تلکم المحظورات للنبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فحسب ، وعدّ السیوطی (3) من خصائص رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم - باب ف)

ص: 120


1- الصواعق المحرقة : ص 108 [ص 181]. (المؤلف)
2- الخصائص الکبری للسیوطی : 2 / 244 [2 / 425] ، المواهب اللدنیّة : 1 / 395 [2 / 625]. (المؤلف)
3- راجع الخصائص الکبری : 2 / 244 [2 / 425]. (المؤلف)

اختصاصه صلی الله علیه وآله وسلم بجواز لعن من شاء بغیر سبب - ، وقال القسطلانی (1) (1 / 395) : کان له صلی الله علیه وآله وسلم أن یقتل بعد الأمان ، وأن یلعن من شاء بغیر سبب ، وجعل الله شتمه ولعنه قربة للمشتوم والملعون لدعائه علیه السلام. ألا یضحک ضاحکٌ علی عقلیّة هذا الأرعن؟ وأنّه کیف یکون ذلک وقد فرض أنَّ مصبَّ هاتیک الطعون مستوجبٌ للرحمة والحنان بالدعوة اللاحقة إیّاها؟ فما المجوِّز لنبیِّ الرحمة هتک ستار أُولئک وفضحهم علی ملاً من الأشهاد من غیر استحقاق علی مرِّ الدهور؟ وهل الدعاء الأخیر یرفع عنهم شیة العار الملحقة بهم من الدعوة الأولی؟ وهل لإباحة تلکم الفواحش التی هی بذاتها فاحشة وقبائح عقلیّة لا تقبل التخصیص لصاحب الرسالة معنی معقول؟ وهل هتک حرمات المؤمنین مع حفظ الوصف لهم والمبدأ فیهم ممّا یُستباح لأحد نبیّا کان أو غیره؟! أمّا أنا فلا أعرفه ، وأحسب أنَّ من ذهب إلی ذلک أیضاً مثلی فی الجهل.

وهلاّ کان لرسول الله والحالة هذه أن ینصَّ بعد ما سبَّ من لا یستحقُّ أو لعنه أو جلده أو دعا علیه ، وبعد ما هدأت ثورة غضبه وأطفأ نیران سخطه علی أنّ ذلک وقع فی غیر محلّه ، حتی لا یدنّس ساحة الأبریاء طیلة حیاتهم بشیة العار ووسمة الشنار ، ولا یُشوّه سُمعة أُناس نزهین فی الملأ الدینیِّ أبد الدهر؟

وهلاّ کان للصحابة أن یستفهموا رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم جلیّة الحال فی کلِّ تلکم الموارد لیعرفوا وجه ما أتی به من الهتیکة : هل وقع فی أهله ومحلّه؟ حتی لا یتّخذوا فعله مدرکاً مطّرداً فی الوقیعة والتحامل ، ولا یزری أحدٌ أحداً جهلاً منه بالموضوع اقتفاءً لأثره صلی الله علیه وآله وسلم.

وهلاّ کان لمثل أبی سفیان ومعاویة والحَکم ومروان وبقیّة ثمرات الشجرة الملعونة فی القرآن ونظرائهم الملعونین بلسان النبیّ الأقدس أن یحتجّوا بروایة مسلم 5.

ص: 121


1- المواهب اللدنیّة : 2 / 625.

علی من یعیّرهم بلعن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إیّاهم کعائشة أمّ المؤمنین وأمیر المؤمنین وأبی ذر ووجوه الصحابة غیرهم؟

وهاهنا دقیقةٌ أخری وهی : أنَّ اللعنات والطعون المتوجّهة فی القرآن الکریم إلی أُناس عناهم الذکر الحکیم ونوّه بذلک الصادع الکریم صلی الله علیه وآله وسلم هل هی من الله تعالی کما زعموه فی النبیّ الأقدس ومؤوّلة بمدائح ورحمات وقرب؟! فهی إلی جلالة أُولئک القوم وقداستهم أدلُّ من کونهم ملعونین مطرودین من ساحة رحمة الله تعالی ، وهل الله سبحانه أعطی عهداً بذلک وآلی علی نفسه أن یجعلها رحمةً وزکاةً وقربةً؟ أم أنّها باقیةٌ علی مدالیلها التی هی ناصّة علیها؟! لا أدری ما ذا یقول القوم ، هل یسلبون الحقائق عن الألفاظ القرآنیّة کما سلبوها عن الألفاظ النبویّة؟! وفی ذلک ارتاجٌ لباب التفاهم وسدٌّ لطریق المحاورة ، غیر أنَّ أحمال الکلام لم تراقبها دائرةُ المکوس ، فللمُتحذلق أن یقول ما شاء ، وللثرثار أن یلهج بما حبّذه الهوی ولا یکترث. نعوذ بالله من التقوّل بلا تعقّل.

28 - عن مسرّة بن عبد الله الخادم ، قال : حدّثنا کردوس بن محمد الباقلانی عن یزید بن محمد المروزی عن أبیه عن جدّه ، قال : سمعت أمیر المؤمنین علیّا رضی الله عنه یقول ، فذکر خبراً فیه : بینا أنا جالس بین یدی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إذ جاء معاویة فأخذ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم القلم من یدی فدفعه إلی معاویة ، فما وجدت فی نفسی إذْ علمت أنَّ الله أمره بذلک.

ذکره ابن حجر فی لسان المیزان (1) (6 / 20) وعدّه من موضوعات مسرّة بن الخادم فقال : متنٌ باطل وإسنادٌ مختلق.

وأخرج الخطیب فی تاریخه (2) من طریق مسرّة منقبة لأبی بکر وعمر فقال :8.

ص: 122


1- لسان المیزان : 6 / 24 رقم 8314.
2- تاریخ بغداد : 13 / 272 رقم 7228.

هذا الحدیث کذب موضوع والرجال المذکورون فی إسناده کلّهم ثقاتٌ أئمّةٌ سوی مسرّة والحمل علیه فیه ، علی أنّه ذکر سماعه من أبی زرعة بعد موته بأربع سنین (1).

29 - عن أنس مرفوعاً : أنا مدینة العلم وعلی بابها ، ومعاویة حلقتها (2).

زیّفه صاحب المقاصد ، وابن حجر فی الفتاوی الحدیثیّة (ص 197) ، والعجلونی فی کشف الخفاء (1 / 204).

وأکبر ظنّی أنّ مختلق هذه الخرافات لا یبتغی إلاّ الاستهزاء بما جاء عن النبیِّ الأعظم من الفضائل فی رجال لهم الکفاءة لها وحیاً من الله العزیز ، ولا یذهب علی أیّ جاهل أنّ ابن هند لا یقدّس ساحة رجاسته ألف تمحّل ، واختلاق ألف حدیث مثل هذه ، وهو بعدُ معاویة ، وهو بعدُ ابن هند ، وهو بعدُ هو هو.

30 - أخرج الطبرانی (3) من طریق عبد الرحمن بن أبی عمیرة المزنی أنّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم قال لمعاویة : اللهمّ علّمه الکتاب والحساب وقه العذاب.

وفی لفظ الترمذی (4) : اللهمّ اجعله هادیاً مهدیّا واهدِ به ، وبهذا اللفظ أخرجه ابن عساکر فی تاریخه (5) (2 / 106).

زیّفه ابن عبد البرّ فی الاستیعاب (6) وقال : لا یثبت. راجع ما أسلفناه فی الجزء العاشر (ص 376).

31 - عن عبد الرحمن بن أبی عمیرة مرفوعاً : یکون فی بیت المقدس بیعة هدی. 5.

ص: 123


1- راجع الجزء الخامس من الغدیر : ص 259 الطبعة الأولی [ص 486 من هذه الطبعة]. (المؤلف)
2- المقاصد الحسنة : ص 124 ح 189 ، الفتاوی الحدیثیة : ص 269.
3- المعجم الکبیر : 18 / 251 ح 628.
4- سنن الترمذی : 5 / 645 ح 3842.
5- تاریخ مدینة دمشق : 6 / 62 رقم 296 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 3 / 316.
6- الاستیعاب : القسم الثانی / 843 رقم 1445.

أخرجه ابن سعد (1) عن الولید بن مسلم عن شیخ من أهل دمشق عن یونس ابن میسرة بن جلیس عن عبد الرحمن (2).

أنظر إلی سلسلة الشامیّین فی إسناد هذه المفتعلة : یروی الولید مولی بنی أُمیّة عالم الشام الذی کان کثیر الخطأ ، یروی عن الکذّابین ثم یدسّها عنهم ، روی الأوزاعی عن ضعفاء أحادیث مناکیر فأسقطهم الولید وصیّرها من روایة الأوزاعی ، وکان رفّاعاً اختلط علیه ما سمع وما لم یسمع وکانت له منکرات (3) عن شیخ من أهل الشام لا یعرفه إنس ولا جان ، عن یونس الأعمی الشامی الذی أدرک معاویة وروی عنه واستمرأ رضائخه ، عن عبد الرحمن الذی لا تثبت أحادیثه ولا تصحّ صحبته کما قاله ابن عبد البرّ.

أفهل یروی مثل هذه الأُضحوکة إلاّ أمثال هؤلاء؟ وهل تروی إلاّ بمثل هذا الإسناد الوعر؟ وهل تدری أیّ بیعة غاشمة یراها النبیُّ صلی الله علیه وآله وسلم - العیاذ بالله - بیعة هدی؟ هی ذلک الملک العضوض الذی کان یُنبئ عنه الصادع الکریم ، ویحضّ أصحابه علی قتال صاحبه ، بیعة الطلیق ابن الطلیق التی کانت قوامها البراءة عن ولایة الله الکبری ولایة أمیر المؤمنین التی جاء بها الکتاب الکریم ، وأکمل الله بها الدین ، وأتمّ بها النعمة ، وقرنها بولایته وولایة رسوله صلی الله علیه وآله وسلم ، بیعة عمّت شؤمها الإسلام ، وزرعت فی قلوب أهلها الآثام ، وخلطت الحلال بالحرام ، وأباحت الأموال والدماء للطلقاء واللعناء ، وجرّت الویلات علی عترة محمد صلی الله علیه وآله وسلم وعلی أُمّته حتی الیوم. ف)

ص: 124


1- الطبقات الکبری : 7 / 417.
2- الإصابة : 2 / 414 [رقم 5177 وفیه : حلیس ، والظاهر أنه سهو طباعی. والصحیح حَلْبَس کما ضبطه ابن حجر فی تهذیب التهذیب : 11 / 394 والمزّی فی تهذیب الکمال : 32 / 544 رقم 7185 وآخرون ، وقد مرَّ فی الصحیفة 111 ما أخرج له الطبرانی من مناقب معاویة ح 25 وأسماه ابن حلبس]. (المؤلف)
3- تهذیب التهذیب : 11 / 151 - 155 [135 - 136]. (المؤلف)

32 - أخرج ابن عساکر (1) قال : أنبأنا أبو بکر محمد بن محمد ، أنبأنا أبو بکر محمد بن علیّ ، أنبأنا أبو الحسین أحمد بن عبد الله ، أنبأنا أحمد بن أبی طالب ، حدّثنی أبی ، حدّثنی أبو عمرو السعیدی ، حدّثنا علیّ بن روح ، حدّثنا علیّ بن عبید العامری ، حدّثنا جعفر بن محمد وهو الأنطاکی ، حدّثنا إسماعیل بن عیاش عن تمام بن نجیح الأسدی عن عطاء عن ابن عمر قال : کنت مع النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ورجلان من أصحابه فقال : لو کان عندنا معاویة لشاورناه فی بعض أمرنا ، فکأنّهما دخلهما من ذلک شیء ، فقال : إنّه أُوحی إلیَّ أن أُشاور ابن أبی سفیان فی بعض أمری ، والله أعلم (2).

قال الأمینی : فی الإسناد جمع من المجاهیل ، وفیه جعفر بن محمد الأنطاکی لیس بثقة (3) وإسماعیل بن عیّاش الحمصی وثّقه جماعة غیر أنَّ الجوزجانی قال : أمّا إسماعیل فما أشبه حدیثه بثیاب نیسابور یرقم علی الثوب المائة وأقل وشراؤه دون عشرة ، وکان أروی الناس عن الکذّابین.

وقال أبو إسحاق الفزاری : لا تکتب عن إسماعیل ما روی عن المعروفین ولا غیرهم. وقال : ذاک رجلٌ لا یدری ما یخرج من رأسه. وقال ابن المبارک : لا أستحلی حدیثه. وقال ابن خزیمة : لا یحتجّ به. وقال الحاکم : هو مع جلالته إذا انفرد بحدیث لم یقبل منه لسوء حفظه. وقال علیّ بن حجر : ابن عیّاش حجّة لو لا کثرة وهمه. إلی آخر ما مرَّ فی هذا الجزء صفحة (82).

وفیه : تمام بن نجیح الدمشقی. قال أحمد (4) : ما أعرفه. قال حرب : یعنی ما أعرف حقیقة حاله. وقال أبو زرعة : ضعیف. وقال أبو حاتم (5) : منکر الحدیث 8.

ص: 125


1- مختصر تاریخ دمشق : 25 / 8.
2- اللآلئ المصنوعة للسیوطی : 1 / 421. (المؤلف)
3- لسان المیزان : 2 / 124 [2 / 156 رقم 2049]. (المؤلف)
4- أنظر : الجرح والتعدیل.
5- الجرح والتعدیل : 2 / 445 رقم 1788.

ذاهب. وقال البخاری (1) : فیه نظر. وقال ابن عدیّ (2) : عامّة ما یرویه لا یتابعه علیه الثقات وهو غیر ثقة. وقال ابن حبّان (3) : روی أشیاء موضوعة عن الثقات کأنَّه المعتمد لها. وقال البزّار : لیس بقویّ. وقال العقیلی (4) : یحدِّث بمناکیر. وقال الآجری عن أبی داود : له أحادیث مناکیر (5).

33 - أخرج ابن عساکر (6) بالإسناد ، قال : أنبأنا أبو الحسن القرضی ، حدّثنا أبو القاسم بن العلاء ، أنبأنا أبو بکر عبد الله بن أحمد بن عثمان بن خلف ، حدثنا أبو زرعة محمد بن أحمد بن أبی عصمة ، حدّثنا أحمد بن علیّ ، حدّثنا علیّ بن محمد الفقیه : حدّثنا محرز بن عون ، حدّثنا شبابة عن محمد بن راشد عن مکحول ، قال : دفع النبیُّ صلی الله علیه وآله وسلم إلی معاویة سهمین فقال : خذ هذین السهمین سهمی الإسلام فتلقّنی بهما فی الجنّة ، فلمّا مات معاویة جعلا معه فی قبره ، ولمّا حلق النبیُّ رأسه بمنی دفع إلی معاویة من شعره فصانه ، فلمّا مات معاویة جعل شعر النبیِّ صلی الله علیه وآله وسلم علی عینیه والله أعلم (7).

قال الأمینی : هذا الإسناد باطلٌ مزیّف ، وهو مع ذلک غیر مسند الأخیر ، إذ مکحول الدمشقی حدیثه مرسلٌ والرجل لیس بصحابیّ ، ذکره ابن سعد (8) فی الطبقة الثالثة من تابعی أهل الشام ، وهو قدریّ ضعیف یدلِّس.

وفی الإسناد محمد بن راشد الدمشقی ، وهو قدریُّ من أهل الورع والنسک ولم یکن الحدیث من صنعته ، وکثر المناکیر فی روایته فاستحقَّ الترک. وقال الدارقطنی : 3.

ص: 126


1- التاریخ الکبیر : 2 / 157 رقم 2046.
2- الکامل فی ضعفاء الرجال : 2 / 84 رقم 304.
3- کتاب المجروحین : 1 / 204.
4- الضعفاء الکبیر : 1 / 169 رقم 210.
5- تهذیب التهذیب : 1 / 510 [1 / 448]. (المؤلف)
6- مختصر تاریخ دمشق : 25 / 11.
7- اللآلئ المصنوعة : 1 / 422. (المؤلف)
8- الطبقات الکبری : 7 / 453.

یُعتبرُ به. وقال ابن خراش : ضعیف الحدیث (1).

وفیه شبابة الفزاری کان یدعو إلی الإرجاء ویقول به ، ترکه أحمد ولم یکتب عنه وکان یحمل علیه ولا یرضاه ، وقال أبو حاتم (2) : یکتب حدیثه ولا یحتجُّ به. وقال أبو بکر الأثرم عن أحمد بن حنبل : کان یدعو إلی الإرجاء وحکی عنه قولٌ أخبث من هذه الأقاویل قال : إذا قال فقد عمل بجارحته. وهذا قول خبیث ما سمعت أحداً یقوله ، قیل له : کیف کتبت عنه؟ قال : کتبت عنه شیئاً یسیراً قبل أن أعلم أنّه یقول بهذا. وقبل کلّ هذا کان الرجل یبغض أهل البیت الطاهر ، ومات بإصابة الدعوة علیه فلجاً (3).

وفی الإسناد مجاهیل لا یُعرفون ولا یوجد لهم ذکرٌ فی المعاجم.

34 - أخرج إسحاق بن محمد السوسی من طریق محمد بن الحسن بالإسناد مرفوعاً : إنَّ معاویة یُبعث نبیّا من حلمه وائتمانه علی کلام ربِّی.

زیّفه ابن حَجر فی لسان المیزان (4) (5 / 125) وقال : محمد بن الحسن لعلّه النقّاش صاحب التفسیر فإنّه کذّابٌ أو هو آخر من الدجاجلة.

35 - قال سعید بن المسیِّب : من مات محبّا لأبی بکر وعمر وعثمان وعلیّ ، وشهد للعشرة بالجنّة ، وترحّم علی معاویة ، کان حقّا علی الله أن لا یناقشه الحساب.

تاریخ ابن کثیر (5) (8 / 139).

قال الأمینی : فأوّل من یناقشه الله الحساب إن صدق هذا الحلم هو النبیّ .

ص: 127


1- تهذیب التهذیب : 9 / 159 [9 / 140]. (المؤلف)
2- الجرح والتعدیل : 4 / 392 رقم 1715.
3- تهذیب التهذیب : 4 / 301 [4 / 264]. (المؤلف)
4- لسان المیزان : 5 / 142 رقم 7207.
5- البدایة والنهایة : 8 / 148 حوادث سنة 60 ه.

الأعظم صلی الله علیه وآله وسلم ووصیّه أمیر المؤمنین علیه السلام للعنهما معاویة کما عرفت حدیثه ، ویلحقهما فی ذلک عیون الصحابة العدول المتقرِّبین إلی الله بالوقیعة فی هذا الإنسان ، بل یحقُّ علی الله أن یناقش الحساب کلّ مؤمن صالح مرضیّ عنده لنقمتهم علی ابن آکلة الأکباد وأفعاله وتروکه ، وذکرهم إیّاه بکلِّ مخزاة وبائقة بکرةً وعشیّا.

وهل علی الله أن لا یناقش ابن أبی سفیان الحساب أخذاً بهذا الحکم الباتِّ التافه؟ وهل قنوت الرجل بلعن علیّ أمیر المؤمنین وسبِّه إیّاه ووقیعته فیه وتحامله علیه ودعوته الناس إلی مقته وعداه وخروجه علیه بالسیف وقتاله إیّاه ، إلی تلکم الفواحش المبثوثة فی صحیفة تاریخ الرجل السوداء من بوائقه وموبقاته مع شیعة أمیر المؤمنین علیه السلام ، کانت کلّها آیة حبّه إیّاه ورمز شهادته له بالجنّة ، وبذلک استوجب الترحّم علیه؟

وهل کان تقاعسه عن نصرة عثمان ، وتثبّطه عن الدفاع عنه ، وإیصائه بذلک قائد جیوشه عن آیات حبّه إیّاه ، وشهادته له بالجنّة ، وموجبات الترحّم علیه؟ نعوذ بالله من التقوّل بلا تدبّر.

36 - قال سعید بن یعقوب الطالقانی : سمعت عبد الله بن المبارک یقول : ترابٌ فی أنف معاویة أفضل من عمر بن عبد العزیز. ولفظ : لترابٌ فی منخری معاویة مع رسول الله خیر وأفضل من عمر بن عبد العزیز.

تاریخ ابن کثیر (1) (8 / 139).

وسُئل أحمد بن حنبل إمام الحنابلة : أیّما أفضل معاویة أو عمر بن عبد العزیز؟ فقال : لَغبارٌ لحق بأنف جواد معاویة بین یدی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم خیرٌ من عمر بن عبد العزیز.

شذرات الذهب (2) (1 / 65). .

ص: 128


1- البدایة والنهایة : 8 / 148 حوادث سنة 60 ه.
2- شذرات الذهب : 1 / 270 حوادث سنة 60 ه.

قال الأمینی : إنَّ الحریَّ بعرفان معاویة ومکانته من الفضیلة هم أُولئک الذین عاصروه وشاهدوه من کثب ، والذین رأوا بوائقه واطّلعوا علی مخازیه بین ثنایا المشاهدة ، والذین أدرکوا أصله ومحتده وعرفوا نفسیّاته وملکاته ، ولن تجد فیهم رجل صدق یقیم له وزناً أو یری له کرامة ، ویحقُّ أن تسألهم عنه ، لا ابنی حنبل ومبارک اللذین أوفر حظّهما من أخبار معاویة السماع أو رکوب العصبیّة العمیاء ، وأنت إذا أمعنت النظرة فیما أسلفناه ممّا قیل فیه وذکر عنه ظهرت لک جلیّة الحال وعرفت البون الشاسع بین کلمة الرجلین وبین هاتیک الکلم الجوامع المعربة عن حقیقة الرجل وعُجره وبُجره.

37 - قال بعض السلف : بینا أنا علی جبل بالشام إذ سمعت هاتفاً یقول : من أبغض الصدّیق فذاک زندیق ، ومن أبغض عمر فإلی جهنّم زمراً ، ومن أبغض عثمان فذاک خصمه الرحمن ، ومن أبغض علیّا فذاک خصمه النبیُّ ، ومن أبغض معاویة سحبته الزبانیة إلی جهنّم الحامیة ، یرمی به فی الحامیة الهاویة.

تاریخ ابن کثیر (1) (8 / 140).

عجباً لبیئة دمشق التی لا تربِّی إلاّ الروح الأمویّة الممقوتة هی وأهلها وضواحیها وجبالها ، ومن یهتف بها من شیطان مرید أو إنسان عنید ، أو مشاغب عن الحقِّ والصلاح بعید ، وبُعداً لمن یحتجّ فی أُمور الدین بالهاتف المجهول ، وطیف الخیال الممجوج ، ویضرب عن الحقائق الراهنة صفحاً ، ویطوی عن البرهنة الصادقة کشحاً.

38 - قال بعضهم : رأیت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وعنده أبو بکر وعمر وعثمان وعلی ومعاویة إذ جاء رجلٌ فقال عمر : یا رسول الله هذا یتنقّصنا فکأنَّه انتهره رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فقال : یا رسول الله إنّی لا أتنقّص هؤلاء ولکن هذا - یعنی معاویة - فقال : ویلک! أوَلیس هو من أصحابی؟ قالها ثلاثاً. ثم أخذ رسول الله حربةً فناولها معاویة .

ص: 129


1- البدایة والنهایة : 8 / 149 حوادث سنة 60 ه.

فقال : جأ بها (1) فی لبّته ، فضربه بها ، وانتبهت فبکرت إلی منزلی فإذا ذلک الرجل قد أصابته الذبحة من اللیل ومات ، وهو راشد الکندی.

تاریخ ابن کثیر (2) (8 / 140).

قال الأمینی : عجباً من حفّاظ قوم وأئمّة مذهب یغرّون بسطاء الأُمّة بأضغاث الأحلام ، ویموّهون علی الحقائق الراهنة بالترّهات ، ویسوِّدون صحائف التاریخ بالتافه الواهی ، ویشوِّهون سمعة الصحابة ویدنّسون ساحة قدس صلحائهم بعدِّ ابن هند الخمّار الربَّاء من زمرتهم ، وجعله وإیّاهم عکمی بعیر ، قاتل الله الجهل.

لیتنی أدری أنّ الذی شهده هذا الرجل فی طیف الخیال هل هو ذلک النبیّ الأقدس صلی الله علیه وآله وسلم الذی کان ینتقص هو معاویة ویلعنه فی یقظته وانتباهته ، وقد تطابق فی ابن هند لسان حاله والمقال ، أم هو غیره؟ انتظر هاهنا حتی یوافیک الجواب عن صاحب الرؤیا ولا أظنّ.

ولیتنی عرفت ما مصیر عدول الصحابة مناوئی معاویة ومنتقصیه بألسنةٍ حداد ، والداعین علیه فی صلواتهم جهاراً ، والمتحاملین علیه فی کلّ ندوة ومجتمع؟ هل انتهرهم رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وناول معاویة حربة وجأ بها فی لبّتهم؟!

39 - وجد أبو الفتح یوسف القوّاس فی کتبه جزءاً له فیه فضائل معاویة وقد قرضته الفأرة ، فدعا الله تعالی علی الفأرة التی قرضته ، فسقطت من السقف ولم تزل تضطرب حتی ماتت.

تاریخ بغداد للخطیب الحافظ (14 / 327).

هلمَّ واضحک علی عقلیّة هذا الحافظ المعتوه الذی یری من کرامة معاویة علی .

ص: 130


1- من : وَجَأ أی ضرب.
2- البدایة والنهایة : 8 / 149 حوادث سنة 60 ه.

الله أن أهلک لأجله فأرة قرضت جزءاً فیه فضائل معاویة ، وقد أصفق أئمّة الحدیث کما أسلفناه علی أنَّه لا یصحّ منها شیء ، وهل الفئران کلّفت بولاء ابن آکلة الأکباد ، والفأرة التی أصابتها الدعوة قد شذّت وخالفت أُمّتها وعادت معاویة فحقّت علیها کلمة العذاب؟ وهل المسکینة کانت عارفة بما فی ذلک الجزء فأنکرته وسخطت علیه وقرضته وهی علی بصیرة من أمرها ، وهل کانت لأبی الفتح القوّاس سابقة معرفة بتلک الفأرة فلمّا سقطت وماتت عرف أنَّها هی هی؟ إنّی أعظک أن تکون من الجاهلین.

40 - قال الکلواذی فی قصیدة له :

ولابن هندٍ فی الفؤاد محبّةٌ

مغروسةٌ فلیرغمنَّ مفنّدی

ردَّ علیه العلاّمة شهاب الدین أحمد الحفظی الشافعی بقوله :

قل لابن کلواذی وخیمِ الموردِ

أوقعتَ نفسک فی الحضیضِ الأوهدِ

أفأنت تطمع یا سخیف العقل فی

إرغامِ طه والوصیِّ المهتدی

والمسلمین الصادقی إیمانهم

بالله جلَّ وبالنبیّ محمدِ

أوَلست أنت القائلَ البیتَ الذی

تصلی به وهجَ السعیرِ المؤصدِ

(ولابن هندٍ فی الفؤاد محبّةٌ

مغروسةٌ فلیرغمنَّ مفنّدی)

أرأیت ویلک ذا یقین لا یفنّد

ما یفوه به لسان الأبعدِ

أوَهل تری إلاّ بقلبِ منافقٍ

غُرِستْ محبّةُ عجلِک المتمرّدِ

أوَما علمت بأنَّ من أحببته

رأسُ البغاةِ وخصمُ کلِّ موحِّدِ

لعن الوصیَّ وبدّل الأحکامَ وار

تکب الکبائرَ باللسانِ وبالیدِ

إنَّ المحبَّ مع الحبیبِ مقرُّه

ولسوف تعلمُ مستقرَّکَ فی غدِ

فعلیکما سخطُ الإلهِ ومقتُهُ

وعلی الذی بک فی العقیدة یقتدی (1)ف)

ص: 131


1- تقویة الإیمان : ص 107 [110 - 111]. (المؤلف)

توجد جملةٌ ضافیة من الآراء والأقوال الساقطة والأحلام الخیالیّة التافهة فی الثناء علی ابن هند فی تاریخ ابن کثیر (1) (8 / 139 ، 140) ، وتطهیر الجنان واللسان عن الخطور والتفوّه بثلب معاویة بن أبی سفیان لابن حجر الهیتمی (2) وغیرهما وفی المذکور غنیً وکفایة.

(فَوَیْلٌ لَهُمْ مِمَّا کَتَبَتْ أَیْدِیهِمْ وَوَیْلٌ لَهُمْ مِمَّا یَکْسِبُونَ) (3) 9.

ص: 132


1- البدایة والنهایة : 8 / 143 - 150 حوادث سنة 60 ه.
2- طبع فی هامش الصواعق المحرقة له [ص 9 - 28]. (المؤلف)
3- البقرة : 79.

قصص الخرافه او الغلوّ الفاحش فی فضائل الاولیاء

اشارة

هاهنا ننهی البحث عن المغالاة فی مناقب الخلفاء ، ویهمّنا عندئذٍ أن نوقف القارئ علی شرذمة قلیلة من الکثیر الوافی ممّا نسجته ید الغلوّ من قصص الخرافة ، وما لفّقته الأهواء والشهوات من فضائل أُناس من القوم منذ عهد الصحابة وهلمّ جرّا ، ونلمسک بالید الغلوّ الفاحش :

- 1 -

زید بن خارجة یتکلّم بعد الموت

أخرج البیهقی (1) بإسناده عن سعید بن المسیّب : أنّ زید بن خارجة الأنصاری توفّی زمن عثمان بن عفان فسجّی بثوبه ، ثم إنّهم سمعوا جلجلة فی صدره ثم تکلّم ثم قال : أحمد أحمد فی الکتاب الأوّل ، صدق صدق أبو بکر الصدّیق ، الضعیف فی نفسه ، القویّ فی أمر الله فی الکتاب الأوّل ، صدق صدق عمر بن الخطّاب القویّ الأمین فی الکتاب الأوّل ، صدق صدق عثمان بن عفّان علی منهاجهم مضت أربع وبقیت ثنتان أتت بالفتن ، وأکل الشدید الضعیف ، وقامت الساعة ، وسیأتیکم عن جیشکم خبر بئر أریس ، وما بئر أریس؟!

وفی لفظ آخر (2) من طریق النعمان بن بشیر قال : الأوسط أجلد الثلاثة ، الذی 4.

ص: 133


1- دلائل النبوّة : 6 / 55 ، وانظر البدایة والنهایة : 6 / 173.
2- دلائل النبوّة : 6 / 56 ، وانظر البدایة والنهایة : 6 / 174.

کان لا یبالی فی الله لومة لائم ، کان لا یأمر الناس أن یأکل قویّهم ضعیفهم ؛ عبد الله أمیر المؤمنین صدق صدق کان ذلک فی الکتاب الأوّل. ثم قال : عثمان أمیر المؤمنین وهو یعافی الناس من ذنوب کثیرة ، خلت اثنتان وبقی أربع ، ثم اختلف الناس وأکل بعضهم بعضاً فلا نظام ، وانتجت الأکما (1) ، ثم ارعوی المؤمنون وقال : کتاب الله وقدره ، أیّها الناس : أقبلوا علی أمیرکم واسمعوا وأطیعوا ، فمن تولّی فلا یعهدنّ دماً (2) وکان أمر الله قدراً مقدوراً ، الله أکبر هذه الجنّة وهذه النار ، ویقول النبیّون والصدّیقون : سلامٌ علیکم یا عبد الله بن رواحة هل أحسست لی خارجة لأبیه وسعداً اللذین قتلا یوم أُحد؟ کلاّ إنَّها لظی نزّاعة للشوی تدعو من أدبر وتولّی وجمع فأوعی. ثم خفت صوته. فسألت الرهط عمّا سبقنی من کلامه فقالوا : سمعناه یقول : أنصتوا أنصتوا. هذا أحمد رسول الله ، سلام علیک یا رسول الله ورحمة الله وبرکاته ، أبو بکر الصدّیق الأمین ، خلیفة رسول الله کان ضعیفاً فی جسمه قویّا فی أمر الله صدق صدق ، وکان فی الکتاب الأوّل. إلی آخره.

وفی لفظ القاضی فی الشفا : قال : أنصتوا أنصتوا. محمد رسول الله النبیّ الأُمّی وخاتم النبیّین کان ذلک فی الکتاب الأوّل. إلی آخره.

راجع (3) : الاستیعاب (1 / 192) ، تاریخ ابن کثیر (6 / 156) ، الشفا للقاضی عیاض ، الروض الأُنف (2 / 370) ، الإصابة (1 / 565 و 2 / 24) ، تهذیب التهذیب (3 / 410) ، الخصائص الکبری (2 / 85) ، شرح الشفا للخفاجی (3 / 108) فقال : هذا 9.

ص: 134


1- کذا فی الطبعة التی اعتمدها المؤلف من البدایة والنهایة ، وفی الطبعة المحققة المعتمدة لدینا وکذا فی دلائل النبوّة : وأُبیحت الأحماء.
2- کذا فی البدایة والنهایة ، وفی دلائل النبوّة : فلا یعهدن ذمّا.
3- الاستیعاب : القسم الثانی / 548 رقم 844 ، البدایة والنهایة : 6 / 173 ، الشفا بتعریف حقوق المصطفی : 1 / 616 ، الروض الأُنف 7 / 575 ، تهذیب التهذیب : 3 / 353 ، الخصائص الکبری : 2 / 142 ، نسیم الریاض فی شرح الشفا : 3 / 101 ، المعجم الکبیر : 5 / 219 ح 5145 ، أُسد الغابة : 2 / 284 رقم 1831 ، المنتظم : 3 / 185 رقم 39.

مما رواه : الطبرانی وأبو نعیم وابن منده ورواه ابن أبی الدنیا عن أنس. وحکاه (ص 105) عن ابن عبد البر وابن سیّد الناس وابن الأثیر والذهبی وابن الجوزی وابن أبی الدنیا.

قال الأمینی : نعمت الدعایة إلی مبادئ اعتنقها القوم ولم یقتنعوا بابتداعها حتی دعموها بأمثال هذه ، وللمنقّب أن یسهب فی القول هاهنا لکنّا نحیله إلی رویّة القارئ. ولنا أن نُسائل صاحب هذه المهزأة : هل القیامة قد قامت یوم مات فیه ابن خارجة فکلّم الله فیه الموتی؟ أو کان ذلک جواباً عن مساءلة البرزخ قد سمعه الملأ الحضور؟ أو أنَّ عقیدة الإمامیّة فی مسألة الرجعة قد تحقّقت فرجع ابن خارجة - ولم یکن رجوعه فی الحسبان - لتحقیق الحقائق ، غیر أنّ تحقیقه إیّاها لم یعدُ التافهات؟ وهل کان ابن خارجة متأثّراً من عدم إشادته بأمر خلافة الخلفاء إبّان حیاته وکان ذلک حسرة فی قلبه حتی تدارکه بعد الموت ، وکان من کرامته علی الله سبحانه أن منحه بما دار فی خلده وهو میّت؟ أو أنَّ الله تعالی کلّمه لإقامة الحجّة علی الأُمّة وأراه من الکتاب الأوّل ما لم یُره نبیّه الرسول الأمین ، وأرجأ هذا البلاغ لابن خارجة ومنحه ما لم یمنحه صاحب الرسالة الخاتمة ، ولیت شعری لو کان ابن خارجة کشفت له عن الحقائق الراهنة الثابتة فی الکتاب الأول ، وأذن له ربّه أن یبلّغ أُمّة محمد صلی الله علیه وآله وسلم ما فیه نجاحها ونجاتها ، فلما ذا أخفی علیها اسم رابع الخلفاء الراشدین - أو الخلیفة الحقّ - ولم یذکره؟! أو من الذی أنساه إیّاه فجاء بلاغاً مبتوراً؟ أفتراه لم یأت ذکره فی الکتاب الأوّل وما صدق وما صدق ، وهو نفس النبیّ الأعظم فی الکتاب الثانی ، والمطهّر بآیة التطهیر ، وقد قرنت ولایته بولایة الله وولایة رسوله؟ إنّ هذا لشیء عجاب.

ولعلّک لا تعجب من هذه الهضیمة بعد ما علمت أنَّ سلسلة هذه الروایة تنتهی إلی سعید بن المسیّب ونعمان بن بشیر وهما هما ، وقد أسلفنا البحث عنهما وأنّهما فی طلیعة مناوئی أمیر المؤمنین علیه السلام.

ص: 135

وهنا مشکلةٌ أخری لا تنحلّ ألا وهی : أنَّ ابن خارجة توفّی فی عهد عثمان وأیّام خلافته ، فهل الصحابة العدول أو عدول الصحابة رأوا هذه المکرمة من کثب وصدّقوها وأذعنوا بنبإ ابن خارجة العظیم ، ثم نسوها مع قرب عهدهم بها کما نسوا عهد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یوم غدیر خم فی مائة ألف أو یزیدون ، وأصفقوا علی بکرة أبیهم المهاجر منهم والأنصار علی قتل عثمان بعد تلک الحجّة البالغة وما شذَّ منهم محتجّا علی المتجمهرین علیه بنبإ ابن خارجة ، کأن لم یکن شیئاً مذکوراً؟

وأنت تعرف مقدار عقلیّة أُولئک الحفّاظ ومکانتهم من العلم والدین والثقة بروایتهم أمثال هذه المخازی وعدّهم إیّاها من الصحاح والمسانید ، قاتل الله الحبَّ المعمی والمصمّ.

- 2 -

أنصاریٌّ یتکلّم بعد القتل

أخرج البیهقی (1) فی عدّ من تکلّم بعد الموت ، قال : أنبأنا أبو سعید بن أبی عمر ، حدّثنا أبو العبّاس محمد بن یعقوب ، حدّثنا یحیی بن أبی طالب ، أنبأنا علیّ بن عاصم ، أنبأنا حصین بن عبد الرحمن ، عن عبد الله بن عبید الأنصاری ، قال : بینما هم یُوارون القتلی یوم صفّین أو یوم الجمل إذ تکلّم رجلٌ من الأنصار من القتلی فقال : محمد رسول الله ، أبو بکر الصدّیق ، عمر الشهید ، عثمان الرحیم. ثم سکت (2).

قال الأمینی : فی الإسناد یحیی بن أبی طالب ، قال موسی بن هارون : أشهد أنّه یکذب عنّی فی کلامه (3). وعلیّ بن عاصم ؛ قال خالد الحذّاء : کذّابٌ فاحذروه. وعن ف)

ص: 136


1- دلائل النبوّة : 6 / 58.
2- تاریخ ابن کثیر : 6 / 158 [6 / 175]. (المؤلف)
3- لسان المیزان : 6 / 262 [6 / 322 رقم 9159]. (المؤلف)

شعبة أنّه قال : لا تکتبوا عنه. وعن یحیی بن معین : کذّابٌ لیس بشیء ، وعنه : لیس بشیء ولا یحتجُّ به ، لیس ممّن یکتب حدیثه. وقال یزید بن هارون : ما زلنا نعرفه بالکذب ، وقال البخاری (1) : لیس بالقویِّ عندهم (2).

والنظر فی المتن لدة النظر فی سابقه فیأتی هاهنا جمیع ما ذکر هنالک فلیس القتیل الأنصاری عن ابن خارجة ببعید.

- 3 -

شیبان یحیی حماره

عن الشعبی ، قال : خرج رجلٌ من النخع یقال له : شیبان فی جیش علی حمار له فی زمن عمر ، فوقع الحمار میّتاً ، فدعاه أصحابه لیحملوه ومتاعه فامتنع ، فقام فتوضّأ ثم قام عند رأسه فقال : اللهمّ إنّی أسلمت لک طائعاً ، وهاجرت مختاراً فی سبیلک ابتغاء مرضاتک ، وإنَّ حماری کان یعیننی ویکفینی عن الناس ، فقوِّنی به ، وأحیه لی ، ولا تجعل لأحد علیَّ منّة غیرک. فنفض الحمار رأسه وقام فشدَّ علیه ولحق بأصحابه. وذکر ابن أبی الدنیا من طریق مسلم بن عبد الله النخعی قصّة مثل هذه وسمّی صاحب الحمار نباتة بن یزید. وأخرج الحسن بن عروة قصّة حمار عن أبی سبرة النخعی وقال : أقبل رجلٌ من الیمن. إلی آخره.

تاریخ ابن کثیر (3) (6 / 153 ، 292) ، الإصابة (2 / 169).

قال الأمینی : لیس عزیزاً علی الله أن یخلق فی مجاهیل أُمّة محمد صلی الله علیه وآله وسلم فی عسکر عمر من یضاهی روح الله عیسی بن مریم یحیی الموتی بإذنه ولو کان المحیی 4.

ص: 137


1- التاریخ الکبیر : 6 / 290 رقم 2435.
2- تهذیب التهذیب : 7 / 345 - 348 [7 / 302 - 305]. (المؤلف)
3- البدایة والنهایة : 6 / 170 ، 324.

حماراً ، غیر أنّ هذه وأمثالها تخصُّ برجال زمان أبی بکر وعمر وعثمان ومن بعدهم ممّن یحبّهم ویعتنق ولاءهم ، وإن جاء حدیث فی کرامة غیرهم فمن الصعب المستصعب قبوله ، والعقل والشرع والمنطق والبرهنة تأباه ، وهنالک یحقُّ کلُّ جلبة ولغط ، ویجری کلُّ ما یتصوّر من المناقشة فی الحساب. لما ذا هی کلّها؟ أنا لا أدری وإن کان المحاسب یدری.

وللقوم قصّة حمار عدّوها من دلائل النبوّة ذکرها ابن کثیر بالإسناد المتّصل فی تاریخه (1) (6 / 150) ونحن نذکرها محذوفة السند ونحیل البحث عنها إلی أُولی الألباب من الأُمّة المسلمة :

عن أبی منظور ، قال : لمّا فتح الله علی نبیّه صلی الله علیه وآله وسلم خیبر أصابه من سهمه أربعة أزواج بغال ، وأربعة أزواج خفاف ، وعشر أواق ذهب وفضّة ، وحمار أسود ومکتل.

قال : فکّلم النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم الحمار فکلّمه الحمار ، فقال له : ما اسمک؟ قال : یزید بن شهاب ، أخرج الله من نسل جدّی ستّین حماراً کلّهم لم یرکبهم إلاّ نبیّ ، لم یبق من نسل جدّی غیری ، ولا من الأنبیاء غیرک ، وقد کنت أتوقّعک أن ترکبنی ، قد کنت قبلک لرجل یهودی ، وکنت أعثر به عمداً ، وکان یجیع بطنی ویضرب ظهری ، فقال النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم : سمّیتک یعفور ، یا یعفور ، قال : لبّیک. قال تشتهی الإناث؟ قال : لا. فکان النبی صلی الله علیه وآله وسلم یرکبه لحاجته فإذا نزل عنه بعث به إلی باب الرجل فیأتی الباب فیقرعه برأسه ، فإذا خرج إلیه صاحب الدار أومأ إلیه أن أجب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، فلمّا قبض النبی صلی الله علیه وآله وسلم جاء إلی بئر کان لأبی الهیثم بن التیّهان فتردّی فیها فصارت قبره جزعاً منه علی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم. 6.

ص: 138


1- البدایة والنهایة : 6 / 166.

- 4 -

عصا أُسید وعبّاد

عن أنس : کان أُسید بن حضیر ، وعبّاد بن بشر عند النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فی لیلة ظلماء حندس ، فلما خرجا أضاءت عصا أحدهما فمشیا فی ضوئها ، فلمّا افترقت بهما الطریق أضاءت عصا الآخر.

صحیح البخاری (6 / 3) ، إرشاد الساری (6 / 154) ، طرح التثریب (1 / 35) ، أُسد الغابة (3 / 101) ، تاریخ ابن کثیر (6 / 152) (1).

قال الأمینی : أتصدّق أنَّ أحداً لم یکن من علیة الصحابة کانت له هذه الکرامة الباهرة فی أولیات الإسلام علی عهد الصادع الکریم ، وتخفی علی کلّ الناس وینحصر علمها بأنس ولم یروها غیره ، ولم تشتهر عنه فی الملأ الدینی؟!

أتصدّق أن یکون الرجلان بهذه المکانة الرابیة من الفضیلة وهما من متأخّری المسلمین أسلما بالمدینة ، ولم یذکرهما نبیّ العظمة بتلک الکرامة ولو همساً ، ولم یعرّفهما أُمّته ولو رکزاً ، ولم یعرفهما رجال الدین بتلکم المکرمة طیلة حیاة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم.

لعلّک لا یعزب عنک لما ذا استحقّ أُسید هذه المنقبة ، وأنّها إنّما اختلقت بعد رسول الله للرجل لتقدّمه علی المهاجرین والأنصار یوم السقیفة ببیعة أبی بکر ، وهو أوّل رجل من الأنصار بایع یوم ذاک وشقّ عصا المسلمین ، قال ابن الأثیر (2) : له فی بیعة أبی بکر أثرٌ عظیم. وقال : کان أبو بکر الصدّیق یکرمه ولا یقدّم علیه أحداً. فهو ف)

ص: 139


1- صحیح البخاری : 3 / 1384 ح 3594 ، إرشاد الساری : 8 / 316 ح 3805 ، أُسد الغابة : 3 / 151 رقم 2759 ، البدایة والنهایة : 6 / 168.
2- أُسد الغابة : 1 / 92 [1 / 112 رقم 170]. (المؤلف)

حریٌّ بتلک البیعة أن یُشرّف بوسام من محبّذی ذلک الانتخاب الدستوری الذی لم یکن عن جدارة ، کما استحقّ بها أبو عبیدة الجرّاح - حفّار القبور - أن یقبّل رجله عمر بن الخطّاب (1) ، ومن هنا تجد عائشة تثنی علی أُسید بقولها : کان من أفاضل الناس. وقولها : ثلاثة من الأنصار لم یکن أحدٌ یعتدّ علیهم فضلاً بعد رسول الله : سعد ابن معاذ ، وأُسید بن حضیر ، وعبّاد بن بشر (2) ، تقوله أُمّ المؤمنین وهی تعلم أنَّ من الأنصار بعد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بقیةً صالحةً بدریین عقمت أُمُّ الدهور أن تأتی بمثلها کأبی أیّوب الأنصاری ، وخزیمة ذی الشهادتین ، وجابر بن عبد الله ، وقیس بن سعد ، إلی أُناس آخرین.

نعم ؛ هؤلاء لا یروق أُمّ المؤمنین ذکرهم لأنّهم علویّون فی ولائهم ، وأمّا أُسید فهو جدیرٌ بهذه المدحة البالغة من أُمّ المؤمنین لنقضه عهد المصطفی فی أخیه علم الهدی ، وتسرّعه إلی بیعة أبیها وتدعیمه خلافته ، فهو تیمیُّ المبدأ والمنتهی. وعبّاد بن بشر لا تقصر خطواته فی تلک الخلافة عن أُسید ، وقد قُتل تحت رایة أبی بکر یوم الیمامة ، ولعائشة ثناءٌ جمیل علیه.

- 5 -

خمر صارت عسلاً بدعاء خالد

عن الأعمش ، عن خیثمة ، قال : أُتی خالد بن الولید برجل معه زقّ خمر ، فقال له خالد : ما هذا؟ فقال : عسل. فقال : اللهمّ اجعله خلاّ. فلمّا رجع إلی أصحابه قال : جئتکم بخمر لم یشرب خمرٌ مثله. ثم فتحه فإذا هو خلٌّ. فقال : أصابته والله دعوة خالد رضی الله عنه. وفی لفظ : اللهمّ اجعله عسلاً. فصار عسلاً. ف)

ص: 140


1- تاریخ ابن کثیر : 7 / 55 [7 / 65 حوادث سنة 15 ه]. (المؤلف)
2- أُسد الغابة : 3 / 100 [3 / 151 رقم 2759] ، مجمع الزوائد : 9 / 310. (المؤلف)

تاریخ ابن کثیر (1) (7 / 114) ، الإصابة (1 / 414).

قال الأمینی : اقرأ صحیفة حیاة خالد السوداء ممّا مرّ فی الجزء السابع (2) (ص 156 - 168) الطبعة الأولی ، وسل عنه بنی جذیمة ومالک بن نویرة وامرأته ، وسل عنه عمر الخلیفة حتی تعرفه بعُجره وبُجره ، ثم احکم بما تجد الرجل أهلاً له.

- 6 -

أبو مسلم لا تحرقه النار

دعا الأسود العنسی - المتنبّئ - أبا مسلم الخولانی عبد الله بن ثوب الیمنی التابعیّ المتوفّی (60 ، 62) فأجّج الأسود ناراً عظیمة وألقی فیها أبا مسلم فلم تضرّه ، وأنجاه الله منها ، فکان یشبّه بإبراهیم الخلیل ، فوفد علی أبی بکر مسلّماً فقال : الحمد لله الذی لم یمتنی حتی أرانی من أُمّة محمد صلی الله علیه وآله وسلم من فُعل به ما فُعل بإبراهیم خلیل الله.

وفی لفظ ابن کثیر : فقدم علی الصدّیق فأجلسه بینه وبین عمر وقال له عمر : الحمد لله الذی لم یمتنی حتی أُری فی أُمّة محمد من فُعل به کما فُعل بإبراهیم الخلیل وقبّله بین عینیه (3).

الاستیعاب (2 / 666) ، صفة الصفوة (4 / 181) ، تاریخ ابن عساکر (7 / 318) ، تذکرة الحفّاظ للذهبی (1 / 46) ، تاریخ ابن کثیر (8 / 146) ، شذرات الذهب (1 / 70) ، تهذیب التهذیب (12 / 236) ، وذکره السیّد محمد أمین بن عابدین فی العقود الدرّیة (2 / 393) عن جدّه العمادی فی رسالته الروضة الریّا فیمن دفن فی داریا ، نقلاً عن أبی 0.

ص: 141


1- البدایة والنهایة : 7 / 130 حوادث سنة 21 ه.
2- راجع : 7 / 214 - 229 من هذه الطبعة.
3- الاستیعاب : القسم الرابع / 1758 رقم 3175 ، صفة الصفوة : 4 / 208 رقم 745 ، تاریخ مدینة دمشق : 27 / 200 - 201 رقم 3213 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 12 / 56 ، تذکرة الحفاظ : 1 / 49 ، البدایة والنهایة : 8 / 156 حوادث سنة 60 ه ، شذرات الذهب : 1 / 281 حوادث سنة 62 ه ، تهذیب التهذیب : 12 / 257 ، العقود الدرّیة : 2 / 320.

نعیم وابن عساکر وابن الزملکانی وابن کثیر.

- 7 -

أبو مسلم یقطع دجلة بدعائه

أتی أبو مسلم الخولانی یوماً علی دجلة وهی ترمی بالخشب من مدّها فوقف علیها ثم حمد الله تبارک وتعالی وأثنی علیه ، وذکر مسیر بنی إسرائیل فی البحر ، ثم نهر (1) دابّته فخاضت الماء وتبعه الناس حتی قطعوا.

أخرجه ابن عساکر فی تاریخه (2) (7 / 317).

- 8 -

سبحة أبی مسلم تسبّح بیده

کان أبو مسلم الخولانی بیده سبحة یسبّح بها ، فنام والسبحة بیده ، فاستدارت والتفّت علی ذراعه وجعلت تسبّح ، فالتفت إلیها وهی تدور فی ذراعه وهی تقول : سبحانک یا منبت النبات ، ویا دائم الثبات. فقال لزوجته : هلمّی یا أُمّ مسلم وانظری أعجب الأعاجیب ، فجاءت والسبحة تدور وتسبّح فلمّا جلست سکتت.

اخرجه الحافظ ابن عساکر فی تاریخ الشام (3) (7 / 318).

- 9 -

وفد یسافر بلا زاد ولا مزاد

کان أبو مسلم الخولانی أتاه جماعةٌ من قومه فقالوا له : أما تشتاق إلی الحجِّ؟ 1.

ص: 142


1- فی المصدر : لهز ، أی ضرب بجمع یده فی لهازمها ورقبتها.
2- تاریخ مدینة دمشق : 27 / 210 رقم 3213 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 12 / 59.
3- تاریخ مدینة دمشق : 27 / 216 ، ومختصره : ص 61.

قال : بلی لو أصبت لی أصحاباً ، فقالوا : نحن أصحابک ، فقال : لستم لی بأصحاب ، أنا أصحابی قومٌ لا یریدون الزاد ولا المزاد قالوا : سبحان الله وکیف یسافر قومٌ بلا زاد ولا مزاد؟ فقال لهم : ألا ترون إلی الطیر تغدو وتروح بلا زاد ولا مزاد والله یرزقها وهی لا تبیع ولا تشتری ولا تحرث ولا تزرع؟ قالوا : فإنّا نسافر معک فقال لهم : تهیّأوا علی برکة الله. فغدوا من غوطة دمشق لیس معهم زادٌ ولا مزاد ، فلمّا انتهوا إلی المنزل قالوا : یا أبا مسلم طعامٌ لنا وعلفٌ لدوابّنا ، فقال لهم : نعم فتنحّی بعیداً (1) فتسنّم أحجاراً (2) فصلّی فیه رکعتین ، ثم جثا علی رکبتیه فقال : إلهی قد تعلم ما أخرجنی من منزلی ، وإنّما خرجت زائراً لک ، وقد رأیت البخیل من أولاد آدم تنزل به العصابة من الناس فیوسعهم قِریً وإنّا أضیافک وزوّارک فأطعمنا واسقنا واعلف دوابّنا. [قال :] (3) فأُتی بسفرة فمدّت بین أیدیهم ، وجیء بجفنة من ثرید تبخر ، وجیء بقلّتین من ماء ، وجیء بالعلف ، لا یدرون من یأتی به ، فلم تزل هذه حالهم منذ خرجوا من عند أهالیهم حتی رجعوا لا یتکلّفون زاداً ولا مزاداً.

أخرجه الحافظ ابن عساکر فی تاریخ الشام (4) (7 / 318).

قال الأمینی : أنا لم أُفْضِ فی المقام بنأمة (5) ، وإنّما أُوجّه نظر الباحث شطر کلمة طاش کبری زادة قال فی مفتاح السعادة (6) (3 / 345) : من یخوض فی البراری من غیر زاد لتصحیح التوکّل؟ ذلک بدعةٌ إذ السلف کانوا یأخذون الزاد ویتوکّلون. ة.

ص: 143


1- فی المصدر : غیر بعید.
2- فی المصدر : فتسنّم مسجد أحجارٍ.
3- من المصدر.
4- تاریخ مدینة دمشق : 27 / 216 رقم 3213 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 12 / 61.
5- النأمة : الصوت ، الحرکة.
6- مفتاح السعادة : 3 / 429 الدوحة السابعة.

- 10 -

دعاء أبی مسلم لمرأة وعلیها

کان أبو مسلم الخولانی إذا دخل داره فکان فی وسطها کبّر [وکبّرت امرأته ، فاذا بلغ البیت کبّر وکبّرت امرأته] (1) فیدخل فینزع رداءه وحذاءه وتأتیه امرأته بطعام فیأکل ، فجاء ذات لیلة فکبّر فلم تجبه ، ثم أتی باب البیت فکبّر وسلّم وکبّر فلم تجبه ، وإذا البیت لیس فیه سراجٌ وإذا هی جالسةٌ بیدها وَدّ (2) تنکت به الأرض فقال لها : ما لکِ؟ فقالت : الناس بخیر ، وأنت أبو مسلم ، لو أنّک أتیت معاویة فیأمر لک بخادم ویعطیک شیئاً تعیش به؟ فقال : اللهمّ من أفسد علیَّ أهلی فَأَعمِ بصره. وکانت أتتها امرأة فقالت : أنتِ امرأة أبی مسلم الخولانی فلو کلّمت زوجک یکلّم معاویة لیخدمکم ویعطیکم. فبینا هذه المرأة فی منزلها إذ أنکرت بصرها فقالت : سراجکم طفئ؟ فقالوا : لا. فقالت : إنّا لله ، ذهب بصری ، فأتت إلی أبی مسلم فلم تزل تناشده الله وتطلب إلیه حتی دعا الله فردَّ بصرها ورجعت امرأته إلی حالها التی کانت علیها.

أخرجه ابن عساکر فی تاریخه (3) (7 / 317).

قال الأمینی : ما أقسی صاحب هذه المعاجز حیث أعمی امرأة مسلمة من غیر ذنب تستحقّ لأجله مثل هذه العقوبة! فإنَّ مراجعة معاویة کبقیّة المسلمین وهو أمیرهم فیما حسبوه - والرجل فی الرعیل الأوّل من شیعته - للتوسیع علیه لیس فیها اقتراف مأثم ولا اجتراح سیّئة تستحقُّ المسکینة علیها التنکیل بها ، فهلاّ دعا الله سبحانه أن یهدیها وامرأته ، وأن یثبّت قلبیهما علی الصبر والتقوی إن کان یعلم من نفسه إجابة دعوته؟ لکنّه أبی إلاّ القسوة ، أو أنَّ المغالی فی فضله افتعل له ذلک ذاهلاً 0.

ص: 144


1- ما بین المعقوفتین من المصدر.
2- الودّ : الوتد (بلغة تمیم).
3- تاریخ مدینة دمشق : 27 / 214 رقم 3213 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 12 / 60.

عن أنَّ ما افتعله یمسّ کرامة الرجل ، ونحن نجلّ ساحة قدس المولی سبحانه عن أن تکون عنده إجابة لمثل هذه الدعوة الصادرة عن الجهل.

- 11 -

الظبی یُحبَس بدعاء أبی مسلم

أخرج ابن عساکر فی تاریخه (1) (7 / 317) عن بلال بن کعب قال : ربّما قال الصبیان لأبی مسلم الخولانی : ادع الله یحبس علینا هذا الظبی. فیدعو الله فیحبسه حتی یأخذوه بأیدیهم.

قال الأمینی : لقد راق القوم أن لا یدعوا للأنبیاء والرسل معجزة أو آیة إلاّ وسحبوها إلی من أحبّوه من رجال عادیّین ، بل راقهم أن یثبتوا لأولیائهم کلّ شیء أباحه العقل أو أحاله ، أنا لا أدری أیریدون بذلک تخفیضاً من مقام الرسل؟ أو ترفیعاً لهؤلاء؟ وأیّا ما أرادوا فحسب رواة السوء روایة غیر المعقول ، وخلط الحابل بالنابل.

أتعرف أبا مسلم الخولانی صاحب هذه الخزعبلات؟ أتدری لما ذا استحقّ الرجل نسج هذه الکرامات له علی نول الافتعال؟ أتصدِّق أن یکون تحت رایة ابن هند فی الفئة الباغیة رجلٌ إلهیّ یؤمَن إلیه ولإیمانه ، ویصدَّق زلفاه إلی ربّه ، فضلاً عن أن یکون صاحب حفاوة وکرامة؟! أتزعم أن تربِّی قاعة الشام فی عصر معاویة إنساناً یعرف ربّه ، ویکون من أمره علی بصیرة ، ولا تزحزحه عن سبیل الحقِّ والرشاد رضائخ ذلک الملک العضوض؟! نعم ؛ إنَّما نسجت ید الاختلاق هذه المفتعلات کوسام لأبی مسلم شکراً علی تقدّمه فی ولاء أبناء بیت أُمیّة ، وعدائه المحتدم لأهل بیت الوحی ، کان الرجل عثمانیّا أُمویّ النزعة ، خارجاً علی إمام زمانه 0.

ص: 145


1- تاریخ مدینة دمشق : 27 / 215 رقم 3213 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 12 / 60.

تحت رایة القاسطین ، وهو القائل : یا أهل المدینة کنتم بین قاتل وخاذل ، فکلاّ جزی الله شرّا ، یا أهل المدینة لأنتم شرٌّ من ثمود. إنَّ ثمود قتلوا ناقة الله ، وأنتم قتلتم خلیفة الله ، وخلیفة الله أکرم علیه من ناقته.

وهو الذی کان سفیر معاویة إلی علیّ فی حرب صفّین ، وقد أتی ببعض کتبه إلی الإمام علیه السلام ، ولمّا أقام علیه السلام علیه الحجّة وأفحمه خرج وهو یقول : الآن طاب الضراب.

وهو الذی کان یرتجز یوم صفّین ویقول :

ما علّتی ما علّتی

وقد لبست درعتی

أموت عند طاعتی؟! (1)

أتری من یموت فی طاعة ابن هند ، ویرکض وراء أهوائه وشهواته ، ویتّخذه إماماً متّبعاً فی أفعاله وتروکه ، ویحارب إمام زمانه المطهّر بلسان الله تعالی ولم یعرفه ، ویضرب الصفح عمّا جاء عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی حرب علی علیه السلام وسلمه عامّة ، وفی قتاله یوم صفّین خاصّة ، وتکون له خطوات واسعة وأشواط بعیدة فی تلکم البوائق المدلهمّة ، والمواقف الموبقة ، توهب له من المولی سبحانه وتعالی تلک المنزلة الرفیعة من الکرامة التی تضاهی منازل الأنبیاء ، ویقصر عنها مقام کلّ ولیّ صادق؟! لاها الله ، إن هی إلاّ اختلاق ، لا تساعدها البرهنة الصادقة ، ولا یسوّغها الإسلام ومبانیه ومبادئه ، ولا یقبلها العقل والمنطق.

قاتل الله العصبیّة العمیاء ، إلی أیّ هوّة من التعاسة والانحطاط تحدو البشر؟ ف)

ص: 146


1- ] کتاب] صفّین لنصر بن مزاحم : ص 95 - 98 [ص 85 - 86] ، تاریخ ابن عساکر : 7 / 319 [27 / 221 رقم 3213 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 12 / 63 - 64] ، شرح ابن أبی الحدید : 3 / 408 [15 / 75]. (المؤلف)

تجعل أبا مسلم الشامیّ الخارجیّ الباغی المحارب إمام وقته زاهداً عابداً ناسکاً ذا کرامات ومقامات ، وتعرِّف سیّد غفار أشبه الناس بعیسی بن مریم زهداً وهدیاً وبرّا ونسکاً ، الممدوح بلسان النبیِّ الأعظم (1) شیوعیّا اشتراکیاً یموت فی المعتقل. غفرانک اللهمّ وإلیک المصیر.

- 12 -

الربیع یتکلّم بعد الموت

عن ربعی بن خراش (2) العبسی ، قال : مرض أخی الربیع بن خراش فمرّضته ثم مات فذهبنا نجهِّزه ، فلمّا جئنا رفع الثوب عن وجهه ثم قال : السلام علیکم ، قلنا : وعلیک السلام ، قد متّ؟ قال : بلی ولکن لقیت بعدکم ربّی ولقینی بروح وریحان وربّ غیر غضبان ، ثم کسانی ثیاباً من سندس أخضر ، وإنِّی سألته أن یأذن لی أن أُبشّرکم فأذن لی ، وإنَّ الأمر کما ترون ، فسدِّدوا وقاربوا ، وبشِّروا ولا تنفّروا (3).

وفی لفظ أبی نعیم : إنّه توفّی أخی - ربیع بن خراش - فبینا نحن حوله وقد بعثنا من یَبتاع له کفناً إذ کشف عن وجهه فقال : السلام علیکم. فقال القوم : وعلیک السلام یا أخاه! عیشاً بعد الموت؟ یعنی حیاة. قال : نعم إنِّی لقیت ربِّی بعدکم فلقیت ربّا غیر غضبان ، واستقبلنی بروح وبریحان واستبرق ، ألا وإنَّ أبا القاسم صلی الله علیه وآله وسلم ینتظر الصلاة علیَّ ، فعجّلوا بی ولا تؤخّرونی ، ثم کان بمنزلة حصاة رمی بها فی الطست (4). ف)

ص: 147


1- راجع الجزء الثامن : ص 315 - 324 الطبعة الأولی [ص 433 - 446 من هذه الطبعة] (المؤلف)
2- کذا بالمعجمة فی غیر واحد من المصادر والصحیح کما فی تهذیب التهذیب [3 / 205] : حراش - مهملة الأوّل. (المؤلف)
3- تاریخ ابن کثیر : 6 / 158 [6 / 175] ، الروض الانف : 2 / 370 [7 / 575] ، صفة الصفوة : 3 / 19 [3 / 37 رقم 392]. (المؤلف)
4- حلیة الأولیاء : 3 / 212 [4 / 367 رقم 288]. (المؤلف)

وفی لفظ : مات أخی الربیع فسجّیته ، فضحک ، فقلت : یا أخی! أحیاةٌ بعد الموت؟ قال : لا ، ولکنّی لقیت ربّی فلقینی بروح وریحان ووجه غیر غضبان ، فقلت : کیف رأیت الأمر؟ قال : أیسر ممّا تظنّون. فذُکر لعائشة ، فقالت : صدق ربعی سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول : من أُمّتی من یتکلّم بعد الموت (1).

قال الأمینی : لست أدری لما ذا استحال القوم القول بالرجعة ، ولیست هی إلاّ رجوع الحیاة للمیِّت بعد زهوق النفس ، وهم یروون أمثال هذه الروایة وما مرّ فی (ص 103) مخبتین إلیها من دون أیّ غمز بها ، وإن مغزاها إلاّ من مصادیق الرجعة. نعم لهم أن یناقشونا الحساب باقترابها من الموت وبُعدها عنه ، أو بطول أمدها وقصره ، أو بقصر جوازها علی تأیید المذهب فحسب ، أو بحصر نطاقها بغیر العترة الطاهرة فقط ، غیر أنَّ هذه کلّها لا تؤثّر فی جوهریّة الإمکان ، ولا تصیّره محظوراً غیر سائغ عقلاً أو شرعاً.

وشتّان بین قصّة ابن خراش هذه وبین ما جاء به ابن سعد فی طبقاته (2) (3 / 273) عن سالم بن عبد الله بن عمر قال : سمعت رجلاً من الأنصار یقول : دعوت الله أن یُرینی عمر فی النوم فرأیته بعد عشر سنین وهو یمسح العرق عن جبهته فقلت : یا أمیر المؤمنین! ما فعلت؟ فقال : الآن فرغت ، ولولا رحمة ربّی لهلکت. وذکره السیوطی فی تاریخ الخلفاء (3) (ص 99).

وأخرج ابن الجوزی فی سیرة عمر (4) (ص 205) عن عبد الله بن عمر قال : رأی عمر فی المنام فقال : کیف صنعت؟ قال : خیراً ؛ کاد عرشی یهوی لو لا أنّی لقیت 5.

ص: 148


1- الخصائص الکبری : 2 / 149 [2 / 253]. (المؤلف)
2- الطبقات الکبری : 3 / 376.
3- تاریخ الخلفاء : ص 137.
4- تاریخ عمر بن الخطّاب : ص 211 باب 75.

ربّا غفوراً. فقال : منذ کم فارقتکم؟ فقلت : منذ اثنتی عشرة سنة. فقال : إنَّما انفلتّ الآن من الحساب. وروی نحوه الحافظ المحبّ الطبری فی الریاض (1) (ص 2 / 80).

هذا عمر الخلیفة وحراجة موقفه فی الحساب ، لا یستقبله ربّه بروح وریحان ، ولا یکسوه ثیاباً من استبرق أخضر ، ولا انتظر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أن یصلّی علیه ، وقد انفلت من الحساب بعد اثنتی عشرة سنة ، ولولا رحمة ربّه لهلک. وذاک ابن خراش (2) وأمره الأمر السریع ، فانظر مآل الرجلین واحکم.

- 13 -

أربعة آلاف تعبر الماء

عن أبی هریرة وأنس ، قالا : جهّز عمر بن الخطّاب جیشاً واستعمل علیهم العلاء بن الحضرمی ، قال أنس : وکنت فی غزاته فأتینا مغازینا فوجدنا القوم قد بدروا بنا فعفّوا آثار الماء والحرّ شدید ، فجهدنا العطش ودوابّنا وذلک یوم الجمعة ، فلمّا مالت الشمس لغروبها صلّی بنا رکعتین ، ثم مدَّ یده إلی السماء ، وما نری فی السماء شیئاً ، قال : فو الله ما حطَّ یده حتی بعث الله ریحاً وأنشأ سحاباً ، وأفرغت حتی ملأت الغُدُر والشعاب ، فشربنا وسقینا رکابنا واستقینا ، ثم أتینا عدوّنا وقد جاوزوا خلیجاً فی البحر إلی جزیرة ، فوقف علی الخلیج وقال : یا علیّ یا عظیم یا حلیم یا کریم. ثم قال : أجیزوا بسم الله. قال : فأجزنا ما یبلّ الماء حوافر دوابّنا ، فلم نلبث إلاّ یسیراً فأصبنا العدوّ علیه فقتلنا وأسرنا وسبینا ، ثم أتینا الخلیج فقال مثل مقالته ، فأجزنا ما یبلّ الماء حوافر دوابّنا. وفی لفظ الصفوری : وکان الجیش أربعة آلاف.

فلم نلبث إلاّ یسیراً حتی رُمی فی جنازته. قال : فحفرنا له وغسّلناه ودفنّاه ، فأتی رجلٌ بعد فراغنا من دفنه فقال : من هذا؟ فقلنا : هذا خیر البشر ، هذا ابن ف)

ص: 149


1- الریاض النضرة : 2 / 361.
2- لا یوجد له ذکر فی معاجم التراجم. (المؤلف)

الحضرمی فقال : إنَّ هذه الأرض تلفظ الموتی ، فلو نقلتموه إلی میل أو میلین إلی أرض تقبل الموتی ، فقلنا : ما جزاء صاحبنا أن نعرضه للسباع تأکله ، قال : فاجتمعنا علی نبشه فلمّا وصلنا إلی اللحد إذا صاحبنا لیس فیه ، وإذا اللحد مدّ البصر نور یتلألأ ، قال : فأعدنا التراب إلی اللحد ثم ارتحلنا (1).

قال الأمینی : نحن لا ننبس هاهنا ببنت شفة ولا نحوم حول إسناده الباطل ولا نؤاخذ رواة القصّة بقولهم فی الحضرمی : هذا خیر البشر. وإنّه کذب فاحش یخالف ما أجمعت علیه الأُمّة ، ولیس علی الله بعزیز أن یجعل أفراد جیش جهّزه عمر کلّها صاحب کرامة ، لکنّا لا نعرف معنی قولهم : إنّ هذه الأرض تلفظ الموتی ، أیّ أرض هذه؟ وفی أیِّ قطر هی؟ وهل هی تعرف بهذه الصفة عند الملأ؟ وهل هی شاعرة بخاصّتها هذه أو لا تشعر؟ وهل هی باقیةٌ علیها إلی یومنا هذا؟ وکیف شذّت عن بقاع الأرض بهذه الخاصّة؟ ولما ذا هی؟ وکیف تخلّفت عن ذاتیّها فی خصوص هذا المقبور؟ وهل کان الرجل فی القبر لمّا نبشوه مجلّلاً بالأنوار وقد أعشتهم عن رؤیته فحسبوه مفقوداً ، أو أنّه غادر القبر إلی جهة لا تُعرف ، وترک فیه أنواره؟ أنا لا أدری ، وهل فی مُنّة (2) الراوی أو مدوّن القصّة أو مفتعلها أو من قاصَّها الجواب عن هذه الأسئلة؟

- 14 -

جیش یعبر الماء بدعاء سعد

أرسل عمر بن الخطّاب رضی الله عنه جیشاً إلی مدائن کسری ، فلمّا بلغوا شاطئ الدجلة لم یجدوا سفینة ، فقال سعد بن أبی وقّاص رضی الله عنه وهو أمیر السریّة ، وخالد بن ة.

ص: 150


1- تاریخ ابن کثیر : 6 / 155 [6 / 171 - 172] ، نزهة المجالس : 2 / 191 ، وأوعز إلیها ابنا الأثیر وحجر فی أُسد الغابة : 4 / 7 [4 / 74 رقم 3739] ، والإصابة : 2 / 498 [رقم 5642] فقالا : خاض البحر بکلماتٍ قالها ودعا بها. (المؤلف)
2- المنّة : القدرة والقوة.

الولید رضی الله عنه : یا بحر إنّک تجری بأمر الله ، فبحرمة محمد صلی الله علیه وآله وسلم وعدل عمر رضی الله عنه إلاّ ما خلّیتنا والعبور. فعبروا هم وخیلهم وجمالهم فلم تبتلّ حوافرها (1).

قال الأمینی : لیس فی إمکان حوافر الخیل والجمال أن تبتلَّ بعد دعاء ذلک الرجل الإلهیّ العظیم - سعد - المتخلّف عن بیعة الإمام المعصوم ، والخارق لإجماع الأُمّة وهی لا تجتمع علی الخطأ ، ولا سیّما إذا شفعته بزمیله خالد بن الولید الزانی الفاتک الهاتک صاحب المخازی والمخاریق ، وإلی الغایة لم یتّضح لنا أنّ الله تعالی بما ذا أبرَّ قسم الرجل؟ أبمجموع المقسم به من حرمة محمد وعدل عمر؟ بحیث کان إبرار القسم منبسطاً علیهما معاً علی حدٍّ سواء. أم أنّه ولید القسم بحرمة محمد صلی الله علیه وآله وسلم فحسب؟ لما نرتئیه من عدم قیام وزن لعدل عمر عند من أمعن النظرة فی أفعاله وتروکه ، وقد أسلفنا نبذاً من ذلک فی نوادر الأثر فی الجزء السادس.

- 15 -

دعاء سعد یؤخّر أجله

أخرج ابن الجوزی فی صفة الصفوة (2) (1 / 140) من طریق لبیبة ، قال : دعا سعد فقال : یا ربّ إنّ لی بنین صغاراً فأخّر عنّی الموت حتی یبلغوا ، فأخّر عنه الموت عشرین سنة.

قال الأمینی : ما أکرم أولاد سعد علی الله وفیهم عمر بن سعد قاتل الإمام السبط الشهید؟ فحقّا کان علی الله أن یستجیب دعوة سعد ویؤخّر أجله حتی یربّی من له قدمٌ وأیّ قدم فی قتل ریحانة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وإبادة أهله.

ولیتنی أدری من الذی أخبر سعداً أو لبیبة أو من روی القصّة ومن حفظها بأنَ 9.

ص: 151


1- نزهة المجالس للصفوری : 2 / 191. (المؤلف)
2- صفة الصفوة : 1 / 360 رقم 9.

سعداً قد أتاه أجله المحتوم الذی (إِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَلا یَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا یَسْتَقْدِمُونَ) (1) (وَما کانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ کِتاباً مُؤَجَّلاً) (2) فأخّره الله عنه ببرکة دعائه عشرین عاماً مدّة معیّنة؟ هل تجد مثل هذا العلم عند العادیّین من البشر أمثال سعد ولبیبة؟ وهل لکلّ ابن أُنثی طریق إلی الکشف عن تلکم المغیّبات؟ نعم ؛ لیس علی الله بمستنکر أن یطلع علی غیبه أیَّ إنسان خلق جهولاً سعیداً أو شقیّا ، (عالِمُ الْغَیْبِ فَلا یُظْهِرُ عَلی غَیْبِهِ أَحَداً* إِلاَّ مَنِ ارْتَضی مِنْ رَسُولٍ* فَإِنَّهُ یَسْلُکُ مِنْ بَیْنِ یَدَیْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً) (3).

- 16 -

سحابة تروی وتنبت

عن الحسن البصری ، قال : مات هرم بن حیّان - فی خلافة عثمان - فی یوم صائف شدید الحرّ ، فلمّا نفضوا أیدیهم عن قبره جاءت سحابة تسیر حتی قامت علی قبره فلم تکن أطول منه ولا أقصر ، فرشّته حتی روته ثم انصرفت.

وفی لفظ قتادة : أمطر قبر هرم بن حیّان من یومه ، وأنبت العشب من یومه (4).

نحن لا نستعظم هذه الکرامة لهرم بن حیّان فی مماته ، فإنَّ بقاءه فی بطن أمّه أربع سنین (5) أعظم وأعجب ، سبحان الخالق القادر. ف)

ص: 152


1- یونس : 49.
2- آل عمران : 145.
3- الجنّ : 26 - 27.
4- حلیة الأولیاء : 2 / 122 [رقم 168] ، صفة الصفوة : 3 / 139 [3 / 215 رقم 488] ، الإصابة : 3 / 601 [رقم 8946]. (المؤلف)
5- راجع تفسیر روح البیان : 4 / 347. (المؤلف)

- 17 -

إبراهیم التیمیّ یواصل أربعین

عن الأعمش ، قال : قلت لإبراهیم التیمیّ المتوفّی (92) : بلغنی أنَّک تمکث شهراً لا تأکل شیئاً. فقال : نعم وشهرین ، وما أکلت منذ أربعین لیلة إلاّ حبّة عنب ناولنیها أهلی فأکلتها ثم لفظتها فی الحال.

کذا فی طبقات الشعرانی (1) (1 / 36) ، وفی إحیاء العلوم للغزالی (2) (1 / 309) : إنَّه کان یمکث أربعة أشهر لم یطعم ولم یشرب.

لعلَّ النطس وعلماء الطبِّ یضحکون علی هذه العقلیّة السخیفة ، غیر أنَّ قصّة الطوی عند القوم مشکلةٌ لا تنحلّ ، یحار دونها العقل ، ولا یسمع فیها قضاء الطبیعة ، ولا یتّخذ فیها الناموس المطّرد ممّا خلق الله علیه البشر ، ولا یصحّحها إلاّ المغالاة فی الفضائل ، وهناک فئةٌ تضاهی إبراهیم التیمیَّ فی هذه الدعوی المجرّدة ، أو تربو علیه فی الفضیلة ، وسیوافیک ذکر بعضها.

- 18 -

حافظ دعا علی رجل فمات

روی غیلان بن جریر البصری : إنَّ رجلاً کذب علی مطرف بن عبد الله الحافظ البصری المتوفّی سنة (95) فقال مطرف : اللهمّ إن کان کاذباً فأمته ، فخرَّ مکانه میّتاً (3) ف)

ص: 153


1- الطبقات الکبری : 1 / 41 رقم 68.
2- إحیاء علوم الدین : 1 / 298.
3- طبقات الحفّاظ للذهبی : 1 / 60 [1 / 64 رقم 54] ، دول الإسلام : 1 / 47 [ص 55 سنة 95 ه] ، الإصابة : 3 / 479 [رقم 8324] ، تهذیب التهذیب : 1 / 173 [10 / 157]. (المؤلف)

قال الأمینی : لیس هذا المستجاب دعوته ببعید فی القسوة عن أبی مسلم الخولانی الذی أعمی المرأة من غیر ذنب ، والکذب وإن کان محرَّماً لکن لیس الجزاء علیه إعدام صاحبه ، ولیس من السهل السائغ أن تستجاب دعوة کلِّ غیر معصوم علی من عاداه وفیهم من رجال الغضب الثائر مثل أبی مسلم الخولانی ومطرف البصری ، وإلاّ لوجب علی الأُمّة المستجابة دعوتهم أن تدعو علی الکذبة ، وعلی الله أن یجیبهم بقتل رواة هذه القصص ، فتشاد وتعمر بقاعٌ بأجداث کثیرین من الحفّاظ وأئمّة الحدیث ورماة القول علی عواهنه ، حتی تستریح أُمّة محمد صلی الله علیه وآله وسلم من هذه السفاسف التی لا مقیل لها من الاعتبار ، ولا لها نهایة.

- 19 -

سحابة تظلّ کرز بن وبرة

عن أبی سلیمان المکتب ، قال : صحبت کرز بن وبرة إلی مکة فکان إذا نزل أخرج ثیابه فألقاها فی الرحل ثم تنحّی للصلاة فإذا سمع رغاء الإبل أقبل ، فاحتبس یوماً عن الوقت ، فانبثَّ أصحابه فی طلبه فکنت فیمن طلبه ، قال : فأصبته فی وهدة یصلّی فی ساعة حارّة وإذا سحابةٌ تظلّه ، فلمّا رآنی أقبل نحوی فقال : یا أبا سلیمان لی إلیک حاجة ، قال : قلت : وما حاجتک یا أبا عبد الله؟ قال : أُحبُّ أن تکتم ما رأیت. قال : قلت ذلک لک یا أبا عبد الله ، فقال : أوثق لی فحلفت ألاّ أُخبر به أحداً حتی یموت.

حلیة الأولیاء للحافظ أبی نعیم (5 / 80) ، الإصابة (3 / 321).

- 20 -

فقیر یجعل الأرض ذهباً

عن الحسن البصری رحمة الله علیه ، قال : کان بعبادان رجلٌ فقیرٌ أسود یأوی إلی الخرابات فحصل معی شیءٌ فطلبته ، فلمّا وقعت عینه علیَّ تبسّم وأشار بیده إلی الأرض فصارت الأرض کلّها ذهباً تلمع ، ثم قال : هات ما معک. فناولته وهالنی أمره

ص: 154

فهربت. الروض الفائق (ص 126).

اقرأ وتعجّب ، اضحک أو ابک.

- 21 -

الغطفانی میت یتبسّم

عن الحارث الغنوی ، قال : آلی ربعی بن خراش الغطفانی المتوفّی (101 ، 104) ، أن لا یضحک حتی یعلم فی الجنّة هو أو فی النار ، فلقد أخبرنی غاسله أنَّه لم یزل متبسّماً علی سریره ونحن نغسّله حتی فرغنا منه.

صفة الصفوة لابن الجوزی (3 / 19) ، طبقات الشعرانی (1 / 37) ، تاریخ ابن عساکر (5 / 298) (1).

- 22 -

عمر بن عبد العزیز فی التوراة

عن خالد الربعی ، قال : مکتوبٌ فی التوراة : إنَّ السماء والأرض لتبکی علی عمر ابن عبد العزیز أربعین صباحاً.

الروض الفائق للحریفیش (ص 255).

لعلَّ هذه الخاصّة لعمر بن عبد العزیز خاصّة بتوراة الربعی فإنَّ توراة موسی علیه السلام ما کانت موجودة فی تلکم العصور ، فلا یقف علیها الربعی وغیره ، وأمّا التوراة المحرّفة فأیّ حجّة لما فیها من أساطیر ، علی أنَّ نسخ التوراة الموجودة الآن علی اختلاف طبعاتها خالیةٌ عن ذا العزو المختلق. 9.

ص: 155


1- صفة الصفوة : 3 / 36 رقم 391 ، الطبقات الکبری : 1 / 43 رقم 74 ، تاریخ مدینة دمشق : 18 / 45 رقم 2135 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 8 / 269.

وحسبک فی عرفان خطر عمر بن عبد العزیز قول الإمام أحمد بن حنبل لمّا سُئل : أیّما أفضل معاویة أو عمر بن عبد العزیز؟ فقال : لغبارٌ لحق بأنف جواد معاویة بین یدی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم خیرٌ من عمر بن عبد العزیز (1).

وقال عبد الله بن المبارک : ترابٌ فی أنف معاویة أفضل من عمر بن عبد العزیز. وفی لفظ : لترابٌ فی منخری معاویة مع رسول الله خیرٌ وأفضل من عمر بن عبد العزیز (2) فما خطر رجل یکون تراب منخر ابن هند أو منخر جواده أفضل منه حتی یُذکر فی التوراة ، أو تبکی علیه السماء والأرض أربعین یوماً؟ (فَما بَکَتْ عَلَیْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ وَما کانُوا مُنْظَرِینَ) (3).

- 23 -

رعاء الشاة فی خلافة عمر بن عبد العزیز

قال الیافعی فی روض الریاحین (4) (ص 165) : حُکی أنّه لمّا ولی عمر بن عبد العزیز رضی الله عنه الخلافة ، قال رعاء الشاة فی رأس الجبال : من هذا الخلیفة الصالح الذی قد قام علی الناس؟ فقیل لهم : وما أعلمکم بذلک؟ قالوا : إنّه إذا قام خلیفةٌ صالحٌ کفَّ الذئاب والأسد عن شیاهنا.

قال الأمینیّ : ما أعرف السباع المفترسة فی القرون الخالیة بصالح الخلفاء من طالحهم ، حتی کفّت عن الفرس والعدوان جریاً علی الصالح العامّ؟ وما أجهل به الإنسان الظلوم الجهول حتی حاد عنه وخاصمه وعانده وحاربه وقاتله؟ ولو کانت هذه السیرة مطّردة فی السباع فی کلِّ أدوار الحیاة ، ولم یکن هذا الشعور الحیُّ من خاصّة سباع عصر عمر بن عبد العزیز ورعائه ، لکان لها أن تفنی شیاه الدنیا ولم 3.

ص: 156


1- شذرات الذهب : 1 / 65 [1 / 270 حوادث سنة 60 ه]. (المؤلف)
2- تاریخ ابن کثیر : 8 / 139 [8 / 148 حوادث سنة 60 ه] ، الصواعق ص 127 [ص 213]. (المؤلف)
3- الدخان : 29.
4- روض الریاحین : ص 347 رقم 363.

تبق منها شیئاً یوم [ولی] معاویة ویزید وهلمّ جراً ، أو ارجع إلی الوراء القهقری.

- 24 -

کتاب براءة لعمر بن عبد العزیز

کان عمر بن عبد العزیز یأتی المساجد المهجورة فی اللیل فیصلّی فیها ما یسّر الله عزّ وجلّ ، فإذا کان وقت السحر وضع جبهته علی الأرض ، ومرّغ خده علی التراب ، ولم یزل یبکی إلی طلوع الفجر ، فلمّا کان فی بعض اللیالی فعل ذلک علی العادة ، فلمّا فرغ ورفع رأسه من صلاته وتضرُّعه وجد رقعة خضراء قد اتّصل نورها بالسماء مکتوبٌ فیها : هذه براءةٌ من النار من الملک العزیز لعبده عمر بن عبد العزیز.

وأخرج ابن أبی شیبة بإسناده عن عبد العزیز بن أبی سلمة : إنَّ عمر بن عبد العزیز لمّا وضع عند قبره هبّت ریحٌ شدیدةٌ فسقطت صحیفةٌ بأحسن کتاب فقرأوها فإذا فیها : بسم الله الرحمن الرحیم ، براءةٌ من الله لعمر بن عبد العزیز من النار. فأدخلوها بین أکفانه ودفنوها معه.

تاریخ ابن کثیر (1) (9 / 210) ، الروض الفائق للحریفیش (ص 256).

وروی ابن عساکر (2) فی ترجمة یوسف بن ماهک ، قال : بینما نحن نسوّی التراب علی قبر عمر بن عبد العزیز إذ سقط علینا من السماء کتابٌ فیه : بسم الله الرحمن الرحیم ، أمانٌ من الله لعمر بن عبد العزیز من النار.

قال الأمینی : سوف یتبیّن الرشد من الغیِّ یوم العرض الأکبر. 2.

ص: 157


1- البدایة والنهایة : 9 / 236 حوادث سنة 94 ه.
2- مختصر تاریخ دمشق : 28 / 92.

- 25 -

امرأة تلد بدعاء مالک ابن أربع سنین

أخرج البیهقی فی السنن الکبری (7 / 443) بإسناده عن هاشم المجاشعی ، قال : بینما مالک بن دینار - المتوفّی (123) وقیل غیر ذلک - یوماً جالسٌ إذ جاءه رجلٌ فقال : یا أبا یحیی ادعُ لامرأة حبلی منذ أربع سنین قد أصبحت فی کربٍ شدید ، فغضب مالک وأطبق المصحف ثم قال : ما یری هؤلاء القوم إلاّ أنّا أنبیاء ، ثم دعا فقال : اللهمّ هذه المرأة إن کان فی بطنها ریحٌ فاخرجها عنها الساعة ، وإن کان فی بطنها جاریةٌ فأبدلها بها غلاماً ، فإنّک تمحو ما تشاء وتثبت وعندک أُمّ الکتاب ، ثم رفع مالک یده ورفع الناس أیدیهم ، وجاء الرسول إلی الرجل فقال : أدرک امرأتک ، فذهب الرجل ، فما حطّ مالکٌ یده حتی طلع الرجل من باب المسجد علی رقبته غلامٌ جعد قطط ابن أربع سنین قد استوت أسنانه ما قطعت أسراره.

قال الأمینی : لیس من المستحیل التلفّظ بالمحال ، لکن التقوی أو الحیاء یزع کلّ منهما الإنسان عن أن یلهج بما هو خارجٌ عن مستوی المعقول. ألا من مُسائل هذا الراوی عن أنّ رحم المرأة هل فیها تمطّط فتبلغ من السعة ما یقلّ ابن أربع سنین وقد استوت أسنانه ونبت شعره ویرکب الرقاب؟ وهب أنَّ فیها تمطّطاً فهل ما یحویها من بنیة البدن له مثل ذلک التمطّط؟ فیجب علیه أن یکون فی هیئة الحامل إذن تضخّم أکثر من النساء العادیات ، فهل کانت أُمّ الغلام هکذا؟ أو أنّها بقیت علی حالتها وهی کرامة أخری لأحد من عباد الله؟ سبحان الذی تولّی کلاءة هذه المرأة المسکینة عن أن تنکسر عظامها ، وتنقطع عروقها ، وینفتق جلدها ولحمها ، وقد فعل سبحانه ما أراد فی الزمن الماضی.

ورحم الله مالک بن دینار لو لا دعاؤه للمرأة المسکینة لکان یبقی جنینها فی

ص: 158

بطن أُمِّه أربعین عاماً أو إلی ما شاء الله.

ثم هل کان المولود فی بطن أُمّه أُنثی فأبدله دعاء ابن دینار ذکراً؟ أو أنّه کان ذکراً ولا صلة للدعاء المذکور به ، وأنَّ الله هو الذی یهب لمن یشاء إناثاً ویهب لمن یشاء الذکور؟ وإنَّ من المقطوع به أنّه فی تلک الساعة کان قد أفرزت خلقة المولود وصوّر مثاله فلم یبق فیه بعدُ مجالٌ للتغیّر والتأثّر وأنّه إمّا ذکرٌ أو أُنثی ، فلا محلّ من الإعراب لدعاء ابن دینار - وإن کان فی بطنها جاریة فأبدلها بها غلاماً - غیر أنّه دعا ، وهل کانت له هذه الدعوة المستجابة بعد الولادة أخذاً بقوله : إنّک تمحو ما تشاء وتثبت؟ لعلّها له ولیس علی الله بعزیز ، ولا یُسأل عمّا یفعل ، وهو علی کلّ شیء قدیر.

- 26 -

ناصبیّ مستجاب الدعوة

قال الجریری سعید بن إیاس المتوفّی (144) : کان عبد الله بن شقیق العقیلی أبو عبد الرحمن البصری مجاب الدعوة ، کانت تمرُّ به السحابة فیقول : اللهمّ لا تجوز کذا وکذا حتی تمطر. فلا تجوز ذلک الموضع حتی تمطر. حکاه ابن أبی خیثمة فی تاریخه.

تهذیب التهذیب (1) (5 / 254).

قال الأمینی : لعلّک لا تستبعد إجابة دعوة ولیّ من أولیاء الله وتراها غیر عزیز علی المولی سبحانه کرامةً لصالحی عباده ، بید أنَّ هذه النسبة تبعد من العقیلی بُعد المشرقین بعد ما عرفه الملأ ممّن نصب العداء لسیّد العترة ، قال ابن خراش : کان عثمانیّا یبغض علیّا ، وقال أحمد بن حنبل : کان یحمل علی علیّ (2). فأیّ کرامة لابن أُنثی لا یُوالی سیّد العرب أمیر المؤمنین فضلاً عن أن یعادیه بعد ما ثبت عن النبیّ الأقدس ف)

ص: 159


1- تهذیب التهذیب : 5 / 224.
2- تهذیب التهذیب : 5 / 254 [5 / 224]. (المؤلف)

من الدعوة المستجابة بقوله فی علیّ علیه السلام : «اللهمّ والِ من والاه وعادِ من عاداه» (1) ، وبعد عهد النبیِّ صلی الله علیه وآله وسلم إلیه سلام الله علیه أنّه لا یحبّه إلاّ مؤمنٌ ولا یبغضه إلاّ منافقٌ (2) ، وبعد قوله صلی الله علیه وآله وسلم : «یا علیُّ لا یبغضک مؤمنٌ ولا یحبّک منافق» (3) ، وبعد قوله صلی الله علیه وآله وسلم : «لا یحبُّ علیّا المنافق ، ولا یبغضه مؤمن» (4) ، وبعد قوله صلی الله علیه وآله وسلم : «لولاک یا علیُّ ما عُرِف المؤمنون بعدی» (5) ، وبعد قوله صلی الله علیه وآله وسلم : «والله لا یبغضه أحدٌ من أهل بیتی ولا من غیرهم من الناس إلاّ وهو خارجٌ من الإیمان» (6) ، وبعد قوله صلی الله علیه وآله وسلم : «یا علیُّ أنت سیّدٌ فی الدنیا سیّدٌ فی الآخرة ، حبیبک حبیبی وحبیبی حبیب الله ، وعدوّک عدوّی وعدوّی عدوّ الله ، والویل لمن أبغضک بعدی» (7) ، وبعد قوله صلی الله علیه وآله وسلم : «یا علیُّ طوبی لمن أحبّک وصدق فیک ، وویلٌ لمن أبغضک وکذب فیک» (8). وبعد قوله صلی الله علیه وآله وسلم لعلیّ علیه السلام : «من أحبّک أحبّنی ، ومن أبغضک أبغضنی» (9) إلی أحادیث جمّة.

فکیف یسع لمسلم یصدِّق رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی أقواله هذه أن یذعن لکرامة ابن شقیق مبغض علیّ علیه السلام والمتحامل علیه بالوقیعة فیه ، ویراه مستجاب الدعوة ، نافذ المشیئة فی السحاب. نعم یسوِّغه الغلوّ فی الفضائل لا عن درایة.

وأمّا الجریری راوی هذه المهزأة فقد عرفت فی ما مرَّ فی هذا الجزء أنّه اختلط قبل موته بثلاث سنین ، وهذه الروایة من آیات اختلاطه. ف)

ص: 160


1- راجع حدیث الغدیر فی الجزء الأول من کتابنا هذا. (المؤلف)
2- راجع ما أسلفناه فی الجزء الثالث : ص 183. (المؤلف)
3- راجع ما مرّ فی الجزء الثالث : ص 185. (المؤلف)
4- راجع : ص 185 من الجزء الثالث. (المؤلف)
5- راجع : ص 187 من الجزء الثالث. (المؤلف)
6- یأتی فی مسند المناقب بمصادره. (المؤلف)
7- مستدرک الحاکم : 3 / 128 [3 / 138 ح 4640 وصحّحه ، ووثّق الذهبی رواته]. (المؤلف)
8- مستدرک الحاکم : 3 / 135 [3 / 145 ح 4657] وصحّحه. (المؤلف)
9- مستدرک الحاکم : 3 / 142 [3 / 153 ح 4686] صحّحه الحاکم والذهبی. (المؤلف)

- 27 -

السختیانی یُنبع الماء

أخرج أبو نعیم فی حلیة الأولیاء (3 / 5) بالإسناد عن عبد الواحد بن زید ، قال : کنت مع أیّوب السختیانی (1) علی حراء فعطشت عطشاً شدیداً حتی رأی ذلک فی وجهی فقال. ما الذی أری بک؟ قلت : العطش ، وقد خفت علی نفسی. قال : تستر علیَّ؟ قلت : نعم. قال : فاستحلفنی فحلفت له أن لا أُخبر عنه ما دام حیّا ، قال : فغمز برجله علی حِراء ، فنبع الماء فشربت حتی رویت ، وحملت معی من الماء ، قال : فما حدّثت به أحداً حتی مات.

وفی الروض الفائق (ص 126) : کان جماعة مع أیّوب السختیانی فی سفر ، فأعیاهم طلب الماء ، فقال أیّوب : أتسترون علیّ ما عشت؟ فقالوا : نعم. فدوّر دائرة فنبع الماء ، قال : فشربنا. فلمّا قدموا البصرة أخبر به حمّاد بن زید ، قال عبد الواحد بن زید : شهدت معه ذلک الیوم.

- 28 -

شیخ یبیع القصر فی الجنّة

أتی رجلٌ من أهل خراسان حبیب بن محمد العجمیّ البصریّ یرید مکة وقال له : یا شیخ اشتر لی داراً ودفع إلیه مالاً وخرج إلی مکة ، فأخذ حبیب المال فتصدّق به ، فلمّا قدم الرجل قال له : اذهب بی إلی الدار التی اشتریتها فأرِنیها ، فقال له : إنّک لا تراها الیوم ولکن إذا متّ تراها. فقال له الخراسانی : اکتب إلیّ عهدتها حتی أذهب بها إلی خراسان. فکتب له حبیب : بسم الله الرحمن الرحیم ، هذا ما اشتری حبیب قصراً فی الجنّة کذا وکذا ، وارتفاعه کذا وکذا فی الجنّة. ثم ختم الکتاب ودفعه إلیه ، فأخذهف)

ص: 161


1- توفّی سنة 121 ، توجد ترجمته فی حلیة الأولیاء : 3 / 3 - 14 [رقم 205]. (المؤلف)

الرجل فذهب به إلی خراسان إلی أهله فقالوا له : أنت مجنونٌ لو لا أنّک ضیّعت مالک لذهب بک إلی الدار ، ولکن هذا شأن مجنون ، فبقی الرجل ما شاء الله ، فلمّا حضره النزع قال لأهله : اجعلوا هذا الکتاب فی کفنی ، فلمّا مات وضعوه فی أکفانه وحملوه إلی القبر فأصبح حبیب بالبصرة وإذا الکتاب عنده فی بیته وفی ذیله : یا أبا محمدإنَّ الله قد سلّم إلیه القصر الذی اشتریته له. فذهب إلی أهل الرجل وقال لهم : إنَّ الله قد سلّم إلی أبیکم القصر ، وهذه العهدة فبصروا بها فإذا هی الکتاب الذی وضعوه معه فی القبر.

أخرجه ابن عساکر فی تاریخه (1) (4 / 32) وقال مهذِّبه : قد روی الحافظ هذه القصّة بإسناده من طریقین مطوّل ومختصر والمعنی واحد ، وهذه القصّة کانت لحبیب ، وأرجو أن لا یحوم حولها المدّعون فیجعلونها سلّماً لأکل مال الناس بالباطل ، فإنَّ أحوال أمثال حبیب لا یقاس علیها ولا تکون قاعدة للعمل.

- 29 -

حضور غائب بدعاء معروف

ذکر الإمام أبو محمد ضیاء الدین الشیخ أحمد الوتری الشافعیّ المتوفّی بمصر فی عشر الثمانین والتسعمائة فی کتابه روضة الناظرین (ص 8) نقلاً عن خلیل بن محمد الصیّاد أنّه قال : غاب أبی فتألّمت فجئت إلی معروف الکرخی المتوفّی (200 ، 201 ، 204) فقلت : غاب أبی ، فقال : ما ترید؟ قلت : رجوعه. قال : اللهمَّ إنّ السماء سماؤک ، والأرض أرضک وما بینهما لک ائت بمحمد. فأتیت باب الشام فإذا هو واقفٌ فقلت : أین کنت؟ قال : کنت الساعة بالأنبار (2) ولا أعلم ما صار. ف)

ص: 162


1- تاریخ مدینة دمشق : 12 / 54 - 55 رقم 1193 ، وتهذیب تاریخ دمشق : 4 / 35.
2- الأنبار : مدینة قرب بلخ. ومدینة علی الفرات فی غربی بغداد ، بینهما عشرة فراسخ. (المؤلف)

عجباً لعقول تُسوّغ مثل هذا لکلِّ معروف ومنکر ، ولا تسوِّغه فی أمیر المؤمنین علیّ صلوات الله علیه یوم حضر تغسیل سلمان بالمدائن وکان سلام الله علیه بالمدینة. راجع الجزء الخامس (ص 15 - 21).

- 30 -

رجل متربّع فی الهواء

أخرج ابن الجوزی فی صفة الصفوة (1) (4 / 245) عن حذیفة بن قتادة المرعشیّ المتوفّی (207) قال : قال : کنت فی المرکب فکسر بنا فوقعت أنا وامرأة علی لوح من ألواح المرکب فمکثنا سبعة أیّام فقالت المرأة : أنا عطشی. فسألت الله تعالی أن یسقینا ، فنزلت علینا من السماء سلسلة فیها کوزٌ معلّقٌ فیه ماءٌ فشربت ، فرفعت رأسی أنظر إلی السلسلة فرأیت رجلاً فی الهواء متربّعاً فقلت : من أنت؟ قال : من الإنس. قلت : فما الذی بلّغک هذه المنزلة؟ قال : آثرت مراد الله عزَّ وجلَّ علی هوای فأجلسنی کما ترانی.

وإن تعجب فعجبٌ من أقوام یقبلون هذا ویبهظهم حدیث البساط لمولانا أمیر المؤمنین علیه السلام.

- 31 -

جنّیة تکلّم الخزاعی

أخرج ابن الجوزی فی صفة الصفوة (2) (2 / 205) عن أحمد بن نصر الخزاعی (3) ف)

ص: 163


1- صفة الصفوة : 4 / 270 رقم 796.
2- صفة الصفوة : 2 / 364 رقم 267.
3- قتل فی خلافة الواثق لامتناعه عن القول بخلق القرآن ونفی التشبیه فعلقت علی أُذنه رقعة فیها : بسم الله الرحمن الرحیم هذا رأس أحمد بن نصر بن مالک دعاه عبد الله الإمام هارون وهو الواثق بالله أمیر المؤمنین إلی القول بخلق القرآن ونفی التشبیه فأبی إلاّ المعاندة فعجّله الله الی نارهِ. (المؤلف)

أحد أئمّة السنّة الإمام الشهیر المتوفّی (231) ، قال : رأیت مصاباً قد وقع فقرأت فی أذنه فکلّمتنی الجنّیة من جوفه : یا أبا عبد الله بالله دعنی أخنقه ، فإنّه یقول : القرآن مخلوق.

ما ألطفها من دعایة إلی المبدأ الباطل ، ولله درُّ الجنّیة العالمة التی بلغ من علمها أنَّها قالت بعدم خلق القرآن. ونحن نشکر الله سبحانه علی إبطال هذه السخافة القدیمة علی ممرّ الأیّام فلن تجد الیوم جانحاً إلیها ولا محبّذاً إیّاها.

- 32 -

رأس أحمد الخزاعی یتکلّم

ذکر الخطیب وابن الجوزی بالإسناد عن إبراهیم بن إسماعیل بن خلف ، قال : کان أحمد بن نصر خِلّی ، فلمّا قتل فی المحنة وصُلب رأسه أُخبرت أنَّ الرأس یقرأ القرآن ، فمضیت فبتُّ بقرب من الرأس مشرفاً علیه ، وکان عنده رجّالة وفرسان یحفظونه ، فلمّا هدأت العیون سمعت الرأس تقرأ : (الم* أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ یُتْرَکُوا أَنْ یَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا یُفْتَنُونَ) (1) ، فاقشعرَّ جلدی.

وعن أحمد بن کامل القاضی عن أبیه ؛ أنَّه قال : وُکّل برأس أحمد من یحفظه بعد أن نصب برأس الجسر ، وأنَّ الموکّل به ذکر أنَّه یراه باللیل یستدیر إلی القبلة بوجهه فیقرأ سورة یس بلسان طَلِق ، وأنّه لمّا أخبر بذلک طُلب ، فخاف علی نفسه فهرب.

وعن خلف بن سالم ؛ أنَّه قال : عندما قُتل أحمد بن نصر وقیل له : ألا تسمع ما الناس فیه یا أبا محمد؟ قال : وما ذلک؟ قال : یقولون إنَّ رأس أحمد بن نصر یقرأ القرآن ، قال : کان رأس یحیی بن زکریّا یقرأ (2). ف)

ص: 164


1- العنکبوت : 1 - 2.
2- تاریخ بغداد : 5 / 179 [رقم 2623] ، صفة الصفوة : 2 / 205 [2 / 364 رقم 267]. (المؤلف)

لا تبهظ الخطیب وابن الجوزی هذه الأضحوکة ، ولا أحسب أنَّهما یصدّقانها ولکن لمّا کان یبهظهما وأمثالهما ما یؤثر (1) من أنَّ رأس مولانا أبی عبد الله السبط الشهید صلوات الله علیه کان یقرأ القرآن الکریم علی عامل السنان ، ولقد کانت هذه الأکرومة متسالماً علیها فی العصور الخالیة ، فنحتوا هذه الأفائک تجاهها تخفیفاً لتلک المنزلة الکریمة الخاصّة ببضعة المصطفی صلی الله علیه وآله وسلم.

- 33 -

النبی یفتخر بأبی حنیفة

عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أنَّه قال : إنَّ سائر الأنبیاء تفتخر بی ، وأنا أفتخر بأبی حنیفة ، وهو رجل تقیّ عند ربّی ، وکأنَّه جبل من العلم ، وکأنّه نبیّ من أنبیاء بنی إسرائیل ، فمن أحبّه فقد أحبّنی ، ومن أبغضه فقد أبغضنی.

وعنه صلی الله علیه وآله وسلم : إنَّ آدم افتخر بی ، وأنا أفتخر برجل من أُمّتی اسمه نعمان ، وکنیته أبو حنیفة ، هو سراج أُمّتی.

أسلفنا الروایتین مع جملة ممّا اختلقته ید الغلوِّ فی الفضائل لأبی حنیفة فی الجزء الخامس (ص 278 - 279) وذکرنا هنالک أنَّ أمّة من الحنفیّة بلغت مغالاتها فیه حدّا ذهبت إلی أعلمیّته من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی القضاء.

وذکر الحریفیش فی الروض الفائق (ص 215) إنَّ من ورع أبی حنیفة رضی الله عنه أنَّ شاةً سرقت فی عهده فلم یأکل لحم شاة مدّة تعیش الشاة فیها.

لا أدری لأیِّ خرافة أضحک؟ ألفخر النبی صلی الله علیه وآله وسلم برجل استتیب من الکفر مرّتین (2) والنبیّ مفخرة العالمین جمیعاً صلی الله علیه وآله وسلم وفی أُمّته من باهی به الله کمولاناف)

ص: 165


1- سیوافیک حدیثه فی مسند المناقب ومرسلها إن شاء الله تعالی. (المؤلف)
2- راجع الجزء الخامس : ص 280. (المؤلف)

أمیر المؤمنین علیه السلام لیلة مبیته علی فراش رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم (1)؟

أم لکون الرجل أعلم من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بالقضاء؟ أنا لا أدری من أین جاء أبو حنیفة بهذا العلم والفقه؟ أهو فقهٌ إسلامیّ والنبیّ صلی الله علیه وآله وسلم مستقاه ومنبثق أنواره؟ أم هو ممّا اتّخذه من غیر المسلمین من رجال کابل أو بابل أو ترمذ (2) فأحرِ به أن یُضرب عرض الجدار؟ وأیُّ حاجة للمسلمین إلی فقه غیرهم وقد أنعم الله علیهم بقضاء الإسلام وفقهه وفیهما القول الحاسم وفصل الخطاب؟

أم لورع الرجل الموصول بفقهه الناجع فی قصّة الشاة المسروقة الذی لا یصافقه علیه فیه أیُّ فقیه متورّع ، وقد أباح الإسلام أکل لحم الشیاه فی جمیع الأحیان ، وفی کلّها أفرادٌ منها مسروقةٌ فی الحواضر الإسلامیّة وأوساطها ، لکن هذا الفقیه لا یعرف عدم تنجّز الحکم فی الشبهات إذا کانت غیر محصورة خارجاً أکثر أطرافها من محلِّ الابتلاء ، ولعلّه کان یعلم ذلک لکن عمله هذا من حیله التی هو أخبر بها عن نفسه ، قال أبو عاصم النبیل : رأیت أبا حنیفة فی المسجد الحرام یفتی ، وقد اجتمع الناس علیه وآذوه ، فقال : ما هاهنا أحدٌ یأتینا بشرطیّ؟ فقلت : یا أبا حنیفة ترید شرطیّا؟ قال : نعم. فقلت : اقرأ علیَّ هذه الأحادیث التی معی ، فقرأها فقمت عنه ووقفت بحذائه ، فقال لی : أین الشرطیّ؟ فقلت له : إنَّما قلت : ترید. لم أقل لک : أجیء به فقال : انظروا أنا أحتال للناس منذ کذا وکذا وقد احتال علیَّ هذا الصبیُ (3).

أراد الإمام الأعظم بالقصّة التظاهر بالورع ونصبها فخّا لاصطیاد الدهماء کقصته الأخری المحرابیّة التی حکاها حفص بن عبد الرحمن ؛ قال : صلّیت خلفه فلمّا ف)

ص: 166


1- أسلفنا حدیثه فی الجزء الثانی : ص 48. (المؤلف)
2- إیعاز إلی محتد أبی حنیفة ، قال الحافظ أبو نعیم الفضل بن دکین وغیره : أصله من کابل. وقال أبو عبد الرحمن المقری : إنه من أهل بابل. وقال الحارث بن إدریس : أصله من ترمذ. (المؤلف)
3- أخبار الظراف لابن الجوزی : ص 103 [ص 157]. (المؤلف)

صلّی وجلس فی المحراب قال له رجلُ : أیحلُّ أن تصلّی وفیه تصاویر؟ قال : أُصلّی فیه منذ خمس وأربعین سنة فما علمت أنَّ فیه تصاویر ، ثم أمر بالصور فطمست. وقال له رجلٌ : ما أحسن سقف هذا المسجد! قال : ما رأیته وأنا فیه أکثر من أربعین سنة (1).

ولعلّ رأیه فی الشاة ممّا یوقف القارئ علی سرِّ عدم دخول آرائه مدینة الرسول صلی الله علیه وآله وسلم ، قال محمد بن مسلمة المدینی وقیل له : إنَّ رأی أبی حنیفة دخل هذه الأمصار کلّها ولم یدخل المدینة ، قال : لأنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قال : علی کلِّ ثقب من أثقابها ملکٌ یمنع الدجّال من دخولها. وکلام هذا من کلام الدجّالین ، فمن ثم لم یدخلها (2).

وفی فقه أبی حنیفة شذوذٌ تقصر عنه قصّة الشاة ، قد خالف فیه السنّة الثابتة حتی قال وکیع بن الجراح (3) : وجدت أبا حنیفة خالف مائتی حدیث عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم (4). غیر أنَّ عبد الله بن داود الحریبی المغالی فی حبِّ إمامه یقول : ینبغی للناس أن یدعوا فی صلاتهم لأبی حنیفة لحفظه الفقه والسنن علیهم (5).

وقال صاحب مفتاح السعادة (6) (2 / 70) : سمعت من أثق به یروی عن بعض الکتب أنَّ ثابتاً - والد أبی حنیفة - توفّی وتزوّج أُمَّ الإمام أبی حنیفة رحمه الله الإمام جعفر الصادق ، وکان أبو حنیفة رحمه الله صغیراً ، وتربّی فی حجر جعفر الصادق ، وأخذ علومه منه ، وهذه إن ثبتت فمنقبةٌ عظیمةٌ لأبی حنیفة. 1.

ص: 167


1- مناقب أبی حنیفة ، تألیف الحافظ الکردری : 1 / 251. (المؤلف)
2- أخبار الظراف لابن الجوزی : ص 35 [ص 45 - 46]. (المؤلف)
3- أبو سفیان الکوفی الحافظ کان ثقة حافظاً متقناً مأموناً عالیاً رفیع القدر کثیر الحدیث وکان یفتی ، توفّی سنة مائة وست وتسعین [تهذیب التهذیب : 11 / 114]. (المؤلف)
4- الانتقاء لابن عبد البرّ - صاحب الاستیعاب - : ص 150. (المؤلف)
5- تاریخ ابن کثیر : 10 / 107 [10 / 114 حوادث سنة 150 ه]. (المؤلف)
6- مفتاح السعادة : 2 / 181.

عقّبه الحسن النعمانی فی تعلیق المفتاح ، فقال : کیف یتّجه أنَّ الإمام کان صغیراً وتربّی فی حجر الإمام الصادق ، لأنَّ جعفر الصادق توفّی سنة ثمان وأربعین ومائة عن ثمان وستین سنة ، والإمام أبو حنیفة توفّی سنة خمسین ومائة وولد علی قول الأکثر (1) سنة ثمانین ، فتکون سنة ولادتهما واحدة ، وبین وفاتیهما سنتان ، ثبت أنّهما من الأقران لا أنَّ الإمام صغیرٌ ، والإمام جعفر الصادق کبیرٌ.

وفی غضون ما ألّفه الموفّق بن أحمد ، والحافظ الکردری فی مناقب أبی حنیفة ، وما ذکره بعض الحنفیّة فی معاجم التراجم لدی ترجمته خرافات وسفاسف جمّة تُشوّه سمعة الإسلام المقدّس ، ولا یسوّغه العقل والمنطق إن لم یشفعهما الغلوّ فی الفضائل ، ومن أعجب ما رأیت ما ذکره الإمام أبو الحسین الهمدانی فی آخر خزانة المفتین ؛ من أنَّ الإمام أبا حنیفة لمّا حجَّ حجّة الوداع أعطی لسدنة الکعبة مالاً عظیماً حتی أخلوا له البیت ، فدخل وشرع للصلاة ، وافتتح القراءة کما هو دأبه علی رجله الیمنی حتی قرأ نصف القرآن ، ثم رکع ، وقام فی الثانیة علی رجله الیسری حتی ختم القرآن ثم قال : إلهی عرفتک حقَّ المعرفة لکن ما قمت بکمال الطاعة ، فهب نقصان الخدمة بکمال المعرفة ، فنودی من زاویة البیت : عرفت فأحسنت المعرفة ، وخدمت فأخلصت الخدمة ، غفرنا لک ولمن اتّبعک ، ولمن کان علی مذهبک إلی قیام الساعة (2).

قال الأمینی : لیت شعری أیّ کمیّة من الزمن استوعبها الإمام حتی ختم الکتاب العزیز فی رکعتیه ، وقد أُخلی له البیت فی یوم من أیّام الموسم والناس عندئذٍ مزدلفون حول البیت ، یتحرّون التبرّک بالدخول فیه؟! وکیف وسع السدنة منع أُولئک الجماهیر عن قصدهم ، وکبح رغباتهم الأکیدة طیلة تلک البرهة الطویلة؟!

ثم ما هذا الدأب من الإمام علی قراءة نصف القرآن الأوّل علی رجله الیمنی ، ف)

ص: 168


1- وقال بعض : إنه ولد سنة إحدی وستین [وفیات الأعیان : 5 / 413 وصحح القول الأَوّل]. (المؤلف)
2- مفتاح السعادة 2 / 82 [2 / 192]. (المؤلف)

ونصفه الآخر علی رجله الیسری؟ أهو حکمٌ متّخذٌ من کتاب؟ أم سنّة متّبعة صدع بها النبیّ الأعظم؟ أم بدعة لم نسمعها من غیر الإمام؟ وهل فی الألعاب الریاضیّة المجعولة لحفظ الصحة والإبقاء علی قوّة البدن ونشاطه مثل ذلک؟ أنا لا أدری.

ثم کیف وسعت الإمام تلک الدعوی الباهظة العظیمة أمام ربِّ العالمین سبحانه ، وهو الواقف علی السرائر والضمائر؟ وما أجرأه علی دعوی لم یدّعها نبیّ من الأنبیاء حتی خاتمهم صلی الله علیه وآله وسلم وعلیهم علی سعة معرفتهم! ولا شکَّ أنَّ معرفته صلی الله علیه وآله وسلم أوسع ، وقد أغرق فیها نزعاً ، ومع ذلک لم یؤثر عنه صلی الله علیه وآله وسلم تقحّم الإمام فی مناجاة أو دعاء ، ولا یصدر مثل هذا إلاّ عن إنسان معجب بنفسه ، مغترّ بعلمه ، غیر عارف بالله حقّ المعرفة.

والمغفّل صاحب الروایة یحسب أنَّ الإمام ادّعاها فی عالم الشهود فصدّقه علیها هاتف عالم الغیب ، ولیس هذا الهتاف المنسوج بید الاختلاق الأثیمة إلاّ دعایةً علی الإمام وعلی مذهبه الذی هو أتفه المذاهب الإسلامیّة فقهاً. ولو کانت الأُمّة تصدّق هذه البشارة لمعتنقی ذلک المذهب ، وتراها من ربِّ البیت لا من الأساطیر المزوّرة لوجب علیها أن یکونوا حنفیّین جمعاء ، غیر أنّ الأُمّة لا تصفق علی صحّتها ، رضی بذلک الإمام أم لم یرض.

وأعجب من هذا ما ذکره العلاّمة البرزنجی قال :

ذهب بعض الحنفیّة إلی أنَّ کلاّ من عیسی والمهدی یقلّدان مذهب الإمام أبی حنیفة رضی الله عنه ، وذکره بعض مشایخ الطریقة ببلاد الهند فی تصنیف له بالفارسیّة شاع فی تلک الدیار ، وکان بعض من یتوسّم بالعلم من الحنفیّة ، ویتصدّر للتدریس یشهر هذا القول ویفتخر به ویقرِّره فی مجلس درسه بالروضة النبویّة.

وحکی الشیخ علی القاری عن بعضهم أنّه قال : اعلم أنّ الله قد خصّ أبا

ص: 169

حنیفة بالشریعة والکرامة ، ومن کراماته : أنَّ الخضر علیه السلام کان یجیء إلیه کلّ یوم وقت الصبح ویتعلّم منه أحکام الشریعة إلی خمس سنین ، فلمّا توفّی أبو حنیفة ناجی الخضر ربّه قال : إلهی إن کان لی عندک منزلة فائذن لأبی حنیفة حتی یعلّمنی من القبر علی حسب عادته حتی أعلم شرع محمد صلی الله علیه وآله وسلم علی الکمال لتحصل لی الطریقة والحقیقة ، فنودی : أن اذهب إلی قبره وتعلّم منه ما شئت. فجاء الخضر وتعلّم منه ما شاء کذلک إلی خمس وعشرین سنة أخری حتی أتمَّ الدلائل والأقاویل.

ثم ناجی الخضر ربّه وقال : یا إلهی ما ذا أصنع؟ فنودی : أن اذهب إلی صعالک (1) واشتغل بالعبادة إلی أن یأتیک أمری. إلی أن قال له : اذهب إلی البقعة الفلانیّة وعلّم فلاناً علم الشریعة. ففعل الخضر علیه السلام ما أُمر ، ثم بعد مدّة ظهر فی مدینة ما وراء النهر شابٌّ وکان اسمه أبا القاسم القشیریّ وکان یخدم أُمّه ویحترمها. إلی أن قال : فأمر الله الخضر أن اذهب إلی القشیریّ وعلّمه ما تعلّمت من أبی حنیفة رضی الله عنه لأنَّه أرضی أُمّه. فجاء الخضر إلی أبی القاسم وقال : أنت أردت السفر لأجل طلب العلم وقد ترکته لرضا أُمّک وقد أمرنی الله تعالی أن أجیء إلیک کلَّ یوم علی الدوام وأُعلّمک. فکلّ یوم یجیء إلیه الخضر حتی ثلاث سنین وعلّمه العلوم التی تعلّم من أبی حنیفة فی ثلاثین سنة ، حتی علّمه علم الحقائق والدقائق ودلائل العلم ، وصار مشهور دهره وفرید عصره ، حتی صنّف ألف کتاب وصار صاحب کرامة وکثر مریدوه وتلامیذه ، فکان له مریدٌ کبیر متدیِّنٌ لا یفارق الشیخ فعدَّ له الشیخ ألف کتاب من مصنّفاته ووضعه فی الصندوق وأعطی لذلک المرید وقال : قد بدا لی أمرٌ فاذهب وارم هذا الصندوق فی جیحون ، فحمل المرید الصندوق وخرج من عند الشیخ وقال فی نفسه : کیف أرمی مصنّفات الشیخ فی الماء؟ لکن أذهب وأحفظ الکتب وأقول للشیخ : رمیتها. وحفظ الکتب وجاء وقال للشیخ : رمیت الصندوق فی ک.

ص: 170


1- کذا ، وفی المصدر : صعانک.

الماء. قال الشیخ : وما رأیت فی تلک الساعة من العلامات؟ قال : ما رأیت شیئاً. قال الشیخ : اذهب وارم الصندوق. فذهب المرید إلی الصندوق وأراد أن یرمیه فلم یهن علیه ورجع إلی الشیخ مثل الأول وقال : رمیته؟ قال : نعم. قال : وما رأیت؟ قال : لم أر شیئاً. قال الشیخ : ما رمیته فاذهب وارمه فإنّ لی فیها سرّا مع الله ولا تردَّ أمری.

فذهب المرید ورمی الصندوق فخرج من الماء یدٌ وأخذ الصندوق ، قال المرید له : من أنت؟ فنادی فی الماء : إنّی وکّلت أن احفظ أمانة الشیخ ، فرجع المرید وجاء إلی الشیخ فقال : رمیت؟ قال : نعم. قال : وما رأیت؟ قال : رأیت الماء قد انشقّ وخرج منه ید وأخذ الصندوق وقد صرت متحیّراً ، وما السرّ فی ذلک؟ قال الشیخ : السرُّ فی ذلک أنَّه إذا قربت القیامة وخرج الدجّال ونزل عیسی ببیت المقدس فیضع الإنجیل بجنبه ویقول : أین الکتاب المحمدی؟ أو قد أمرنی الله أن أحکم بینکم بکتابه ولا أحکم بالإنجیل ، فیطلبون الدنیا ویطوفون البلاد فلم یوجد کتابٌ من کتب الشرع المحمدیّ ، فیتحیّر عیسی ویقول : إلهی : بما ذا أحکم بین عبادک ولم یوجد غیر الإنجیل ، فینزل جبریل ویقول : قد أمر الله أن تذهب إلی نهر جیحون وتصلّی رکعتین بجنبه وتنادی : یا أمین صندوق أبی القاسم القشیری سلّم إلیَّ الصندوق وأنا عیسی ابن مریم وقد قتلت الدجّال ، فیذهب عیسی إلی جیحون ویصلّی رکعتین ویقول مثل ما أمره جبریل ، فینشق الماء ویخرج الصندوق ویأخذه ویفتحه ویجد فیه ختمه وألف کتاب ، فیحیی الشرع بذلک الکتاب ، ثم سأل عیسی جبریل : بِمَ نال أبو القاسم هذه المرتبة؟ فقال : برضاء والدته. نقل من کتاب أنیس الجلساء (1).

وقد أطنب الشیخ علی القاری فی ردِّ هذه الأسطورة بعدّة صحائف إلی أن ف)

ص: 171


1- الإشاعة لأشراط الساعة ، تألیف السید محمد البرزنجی المدنی : ص 221 - 225 [236 - 239]. (المؤلف)

قال (1) فی (ص 230) : ثم إنَّ مثل هؤلاء لفرط تعصّبهم وعنادهم لیس مطمح نظرهم إلاّ تفضیل أبی حنیفة ولو بما لا أصل له ، ولو بما یؤدّی إلی الکفر ولیس عندهم علمٌ بفضائله الجمّة التی أُلّفت فیها الکتب (2) فیرضون بالأکاذیب والافتراءات التی لا یرضاها الله ورسوله ولا أبو حنیفة نفسه ، ولو سمعها أبو حنیفة رضی الله عنه لأفتی بکفر قائلها وفی فضائل أبی حنیفة المقرّرة المحرّرة کفایة لمحبّیه ، ولا یحتاج فی إثبات فضله إلی الأقوال الکاذبة المفتراة المؤدِّیة إلی تنقیص الأنبیاء ، ومن العجائب أنّه وقع للقهستانی مع فضله وجلالته شیء من ذلک ، فقال فی شرح خطبة النقابة (3) : إنّ عیسی إذا نزل عمل بمذهب أبی حنیفة کما ذکره فی الفصول الستّة. ولیت شعری ما الفصول الستّة؟ وما الدلیل علی هذا القول؟ فإنّا لله وإنّا إلیه راجعون. إلی آخره.

وفی مفتاح السعادة (4) (1 / 275 و 2 / 82) : إنَّ أبا حنیفة رحمه الله تعالی رأی کأنّه ینبش قبر النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ویجمع عظامه إلی صدره فهالته الرؤیا ، فقال ابن سیرین : هذه رؤیا أبی حنیفة. فقال : أنا أبو حنیفة. فقال ابن سیرین : اکشف عن ظهرک. فکشف فرأی خالاً بین کتفیه ، فقال : أنت الذی قال علیه الصلاة والسلام : یخرج فی أمّتی رجلٌ یقال له أبو حنیفة بین کتفیه خالٌ یحیی الله تعالی دینی علی یدیه ، ثم قال ابن سیرین : لا تخف إنّه صلی الله علیه وآله وسلم مدینة العلم وأنت تصل إلیها. فکان کما قال.

اقرأ وابک علی أُمّة محمد المرحومة بأیّ أناس بُلیت ، وبأیِّ خلق منیت؟! ما حیلة الجاهل الغرّ وما ینجیه من هذه السخائف والأساطیر؟! 3.

ص: 172


1- الإشاعة لأشراط الساعة : ص 243.
2- الکتب المؤلّفة فی فضائل أبی حنیفة حوت بین دفّتیها لدة هذه الترّهات والأکاذیب المزخرفة وما أکثرها! ولو لم یکن الباطل الذی لا أصل له مأخوذاً به فیها إذاً لم تلق منها باقیة. (المؤلف)
3- فی المصدر : النقایة.
4- مفتاح السعادة : 1 / 313 ، 2 / 193.

- 34 -

أبو زرعة یجعل الحصاة تبراً

روی الذهبی فی تذکرة الحفّاظ (1) (1 / 174) عن خالد بن الفزر ، قال : کان حیاة ابن شریح - أبو زرعة المصری شیخ الدیار المصریّة المتوفّی (158) - من البکّائین ، وکان ضیّق الحال جدّا ، فجلست وهو متخلّ یدعو ، فقلت : لو دعوت أن یوسّع الله علیک فالتفت یمیناً وشمالاً فلم یر أحداً فأخذ حصاة فرمی إلیَّ بها فإذا هی تبرةٌ ما رأیت أحسن منها. وقال : ما خیر فی الدنیا إلاّ للآخرة ، ثم قال : هو أعلم بما یصلح عباده ، فقلت : وما أصنع بهذا؟ قال : استنفقها. فهبته والله أن أردّه.

- 35 -

وضوء إبراهیم الخراسانی

ذکر الیافعی فی روض الریاحین (2) ، عن إبراهیم الخراسانیّ المتوفّی (163) قال : قال : احتجت یوماً إلی الوضوء فإذا أنا بکوز من جوهر ، وسواک من فضّة ألین من الخزِّ فاستکت وتوضّأت وترکتهما وانصرفت ، قال : وبقیت فی بعض سیاحاتی أیّاماً لم أر فیها أحداً من الناس ولا طیراً ولا ذا روح ، وإذا بشخصٍ لا أدری من أین خرج فقال لی : قل لهذه الشجرة تحمل دنانیر. فقلت : احملی دنانیر. فلم تحمل ، ثم قال لها : احملی ، وإذا بشماریخ الشجرة دنانیر معلّقة ، فاشتغلت أنظر إلیها ، ثم التفتُّ فلم أر الشخص وذهبت الدنانیر من الشجرة.

قال الأمینی : اقرأ وابک علی الإسلام وعلی تاریخه ، وانظر کیف شوّهت صفحاته. 3.

ص: 173


1- تذکرة الحفّاظ : 1 / 185 رقم 180.
2- روض الریاحین : ص 262 - 263.

- 36 -

الماجشون یموت ویحیی

أخرج الحافظ یعقوب بن أبی شیبة فی ترجمة أبی یوسف یعقوب بن أبی سلمة القرشی الشهیر بالماجشون ، المتوفّی (164) بالإسناد عن ابن الماجشون ، قال : قال : عُرج بروح الماجشون فوضعناه علی سریر الغسل ، فدخل غاسلٌ إلیه یغسّله ، فرأی عِرقاً یتحرّک فی أسفل قدمه ، فأقبل علینا وقال : أری عِرقاً یتحرّک ولا أری أن أعجل علیه ، فاعتللنا علی الناس بالأمر الذی رأیناه ، وفی الغد جاء الناس وغدا الغاسل علیه فرأی العِرق علی حاله فاعتذرنا إلی الناس ، فمکث ثلاثاً علی حاله والناس یتردّدون إلیه لیصلّوا علیه ثم استوی جالساً وقال : ائتونی بسویق. فأُتی به فشربه فقلنا له : خبِّرنا ما رأیت؟ فقال : نعم ؛ عُرج بروحی فصعد بی الملک حتی أتی سماء الدنیا فاستفتح فَفُتِح له ، ثم عرج هکذا فی السموات حتی انتهی إلی السماء السابعة فقیل له : من معک؟ قال : الماجشون. فقیل له : لم یأن له بعدُ بقی من عمره کذا وکذا سنة ، وکذا وکذا شهراً ، وکذا وکذا یوماً ، وکذا وکذا ساعة ، ثم هبط بی فرأیت النبی صلی الله علیه وآله وسلم وأبا بکر عن یمینه ، وعمر عن یساره ، وعمر بن عبد العزیز بین یدیه ، فقلت للملک الذی معی : من هذا؟ قال : عمر بن عبد العزیز. قلت : إنّه لقریبٌ من رسول الله ، فقال : إنّه عمل بالحقِّ فی زمن الجور وإنّهما عملا بالحقِّ فی زمن الحقِّ.

وأخرجه (1) : ابن عساکر فی تاریخ الشام ، وذکره ابن خلّکان فی تاریخه (2 / 461) ، والیافعی فی مرآة الجنان (1 / 351) ، وابن حجر فی تهذیب التهذیب (11 / 389) ، وأبو الفلاح الحنبلی فی شذرات الذهب (1 / 259). .

ص: 174


1- مختصر تاریخ دمشق : 28 / 43 - 44 ، وفیات الأعیان : 6 / 376 رقم 823 ، تهذیب التهذیب : 11 / 341 ، شذرات الذهب : 2 / 290 حوادث سنة 164 ه.

قال الأمینی : ما کنت أحسب أن یوجد فی الأُمّة الإسلامیّة من یتّهم الملک الموکَّل بقبض الأرواح بالجهل بآونة الوفیات ، وقد وکّل به من عند العزیز العلیم ، فقال سبحانه : (قُلْ یَتَوَفَّاکُمْ مَلَکُ الْمَوْتِ الَّذِی وُکِّلَ بِکُمْ) (1) أو من یقذفه بالاستبداد فی نزع روح أحد قبل إرادة المولی سبحانه وتعالی وفی الکتاب المنزل قوله : (اللهُ یَتَوَفَّی الْأَنْفُسَ حِینَ) مَوتِهَا) (2) (وَهُوَ الَّذِی یُحْیِی وَیُمِیتُ) (3) (وَما کانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ کِتاباً مُؤَجَّلاً) (4) (لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ یُحْیِی وَیُمِیتُ رَبُّکُمْ وَرَبُّ آبائِکُمُ الْأَوَّلِینَ) (5) (هُوَ الَّذِی خَلَقَکُمْ مِنْ طِینٍ ثُمَّ قَضی أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمًّی) (6) (وَلِکُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا یَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا یَسْتَقْدِمُونَ) (7) (ما تَرَکَ عَلَیْها مِنْ دَابَّةٍ وَلکِنْ یُؤَخِّرُهُمْ إِلی أَجَلٍ مُسَمًّی) (8) (ما تَرَکَ عَلی ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ وَلکِنْ یُؤَخِّرُهُمْ إِلی أَجَلٍ مُسَمًّی) (9) (فَیُمْسِکُ الَّتِی قَضی عَلَیْهَا الْمَوْتَ وَیُرْسِلُ الْأُخْری إِلی أَجَلٍ) (10) (إِنَّ أَجَلَ اللهِ إِذا جاءَ لا یُؤَخَّرُ لَوْ کُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (11) (فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللهَ کانَ بِعِبادِهِ بَصِیراً) (12).

کما إنّی ما کنت أشعر إمکان حرکة جارحة من جوارح المیِّت بعد نزعه روحه ، فلم أدر بأیِّ صلة بالروح المقبوضة کان یتحرّک العِرق الماجشونیّ خلال 5.

ص: 175


1- السجدة : 11.
2- الزمر : 42.
3- المؤمنون : 80.
4- آل عمران : 145.
5- الدخان : 8.
6- الأنعام : 2.
7- الأعراف : 34.
8- النحل : 61.
9- فاطر : 45.
10- الزمر : 42.
11- نوح : 4.
12- فاطر : 45.

ثلاثة أیّام ، وإلی أیّ مرکز حسّاس کانت صلة ذلک العِرق النابض.

وما کنت أدری أنَّ السموات العُلی لها أبواب مغلّقة یقف عندها ملک الموت فی کلِّ عروجه بروح من الأرواح فیستفتح فتفتح له.

ولیتنی أدری هل هذا السیر البطیء - ثلاثة أیّام - لملک الموت فی استصحابه روح الماجشون یخصُّ بالماجشون فحسب أو هو الشأن المطّرد فی عامّة الأرواح؟

نعم ؛ کلُّ هذه تسوّغها الدعایة إلی السلطات الأمویّة الغاشمة التی کانت تحکم 11 / 137 علی الأُمّة فی تلکم الأیّام.

- 37 -

رقعة من الله إلی أحمد إمام الحنابلة

مرض بشر بن الحارث وعادته آمنة الرملیّة ، فبینما هی عنده إذ دخل الإمام أحمد ابن حنبل یعوده کذلک فنظر إلی آمِنة فقال لبشر : فاسألها تدعو لنا. فقال لها بشر : ادعی الله لنا ، فقالت : اللهمّ إنَّ بشر بن الحارث وأحمد بن حنبل یستجیران بک من النار فأجرهما یا أرحم الراحمین. قال الإمام أحمد رضی الله عنه : فلمّا کان من اللیل طرحت إلیَّ رقعة من الهواء مکتوب فیها : بسم الله الرحمن الرحیم قد فعلنا ذلک ولدینا مزید.

أخرجه (1) : ابن عساکر فی تاریخه (2 / 48) ، وابن الجوزی فی صفة الصفوة (4 / 278).

- 38 -

رسول إلیاس وملک إلی أحمد

ذکر ابن الجوزی فی مناقب أحمد (2) (ص 143) بالإسناد عن أبی حفص 5.

ص: 176


1- تهذیب تاریخ دمشق : 5 / 340 رقم 136 ، صفة الصفوة : 4 / 305 رقم 828.
2- مناقب أحمد بن حنبل : ص 190 - 191 باب 15.

القاضی ، قال : قدم علی أبی عبد الله أحمد بن حنبل رجلٌ من بحر الهند فقال : إنّی رجلٌ من بحر الهند خرجت أُرید الصین فأُصیب مرکبنا ، فأتانی راکبان علی موجة من أمواج البحر ، فقال لی أحدهما : أتحبُّ أن یخلّصک الله علی أن تُقرئ أحمد بن حنبل منّا السلام؟ قلت : ومن أحمد؟ ومن أنتما یرحمکما الله؟ قال : أنا إلیاس وهذا الملک الموکّل بجزائر البحر ، وأحمد بن حنبل بالعراق. قلت : نعم. فنفضنی البحر نفضة فإذا أنا بساحل الأبلة ، فقد جئتک أُبلّغک منهما السلام.

- 39 -

النخلة تحمل بقلم أحمد

قال أبو طالب علیّ بن أحمد : دخلت یوماً علی أبی عبد الله وهو یملی وأنا أکتب فاندقّ قلمی فأخذ قلماً فأعطانیه ، فجئت بالقلم إلی أبی علیّ الجعفریّ فقلت : هذا قلم أبی عبد الله أعطانیه. فقال لغلامه : خذ القلم فضعه فی النخلة عسی تحمل. فوضعه فیها فحملت.

مختصر طبقات الحنابلة (1) (ص 11).

- 40 -

تکّة سراویل أحمد

قال ابن کثیر فی تاریخه (2) (10 / 335) : یروی أنَّه لمّا أُقیم - أحمد بن حنبل - لیضرب - لمّا ضربه المعتصم - انقطعت تکّة سراویله ، فخشی أن یسقط سراویله ، فتکشف عورته ، فحرّک شفتیه فدعا الله فعاد سراویله کما کان ، ویروی أنّه قال : یا غیاث المستغیثین ، یا إله العالمین ، إن کنت تعلم أنِّی قائمٌ لک بحقّ فلا تهتک لی عورة. .

ص: 177


1- مختصر طبقات الحنابلة : ص 15.
2- البدایة والنهایة : 10 / 368 - 369 حوادث سنة 241 ه.

- 41 -

الحریق والغریق وکرامة أحمد

روی ابن الجوزی فی مناقب أحمد (1) (ص 297) بإسناده عن فاطمة بنت أحمد قالت : وقع الحریق فی بیت أخی صالح وکان قد تزوّج إلی قوم میاسیر ، فحملوا إلیه جهازاً شبیهاً بأربعة آلاف دینار فأکلته النار فجعل صالح یقول : ما غمّنی ما ذهب منّی إلاّ ثوب لأبی کان یصلّی فیه أتبرّک به وأُصلّی فیه ، قالت : فطفئ الحریق ودخلوا فوجدوا الثوب علی سریر قد أکلت النار ما حوالیه والثوب سلیم.

قال ابن الجوزی : قلت : وهکذا بلغنی عن قاضی القضاة علیّ بن الحسین الزینبی أنّه وقع الحریق فی دارهم فاحترق ما فیها إلاّ کتاباً کان فیه شیءٌ بخطّ أحمد.

وقال : قلت : ولمّا وقع الغرق ببغداد فی سنة أربع وخمسین وخمسمائة وغرقت کتبی سلم لی مجلّد فیه ورقتان بخطّ الإمام أحمد.

وقال الذهبی فی ذیل العبر (2) ذکر ما وقع سنة (725) ، والیافعی فی المرآة : ومن الآیات أنّ مقبرة الإمام أحمد بن حنبل غرقت سوی البیت الذی فیه ضریحه ، فإنَّ الماء دخل فی الدهلیز علوّ ذراع ووقف بإذن الله وبقیت البواری علیها غبار حول القبر ، صحَّ هذا عندنا ، وجرَّ السیل أخشاباً کباراً وحیّات غریبة الشکل.

مرآة الجنان (4 / 273) ، شذرات الذهب (3) (6 / 66) ، صلح الإخوان للخالدی (ص 98). .

ص: 178


1- مناقب أحمد : ص 399 - 400 باب 61.
2- العبر فی خبر من غبر : 4 / 71 - 72 حوادث سنة 725 ه.
3- شذرات الذهب : 8 / 119 حوادث سنة 725 ه.

قال الأمینی : وکفی شاهداً علی صدق هذه الکرامة عدم وجود أیّ أثر من ذلک المرقد المعظّم الیوم ، وقد جرفته السیول ، وعفت رسمه ، کأن لم یکن ، وغدا حدیث أمس الدابر.

- 42 -

الله یزور أحمد کلّ عام

روی ابن الجوزی فی مناقب أحمد (1) (ص 454) ، قال : حدّثنی أبو بکر بن مکارم بن أبی یعلی الحربی وکان شیخاً صالحاً قال : کان قد جاء فی بعض السنین مطرٌ کثیر جدّا قبل دخول رمضان بأیّام ، فنمت لیلة فی رمضان فأُریت فی منامی کأنّی قد جئت علی عادتی إلی قبر الإمام أحمد بن حنبل أزوره فرأیت قبره قد التصق بالأرض حتی بقی بینه وبین الأرض مقدار ساف (2) أو سافین فقلت : إنّما تمّ هذا علی قبر الإمام أحمد من کثرة الغیث فسمعته من القبر وهو یقول : لا بل هذا من هیبة الحقِّ عزَّ وجلَّ لأنَّه عزَّ وجلَّ قد زارنی ، فسألته عن سرِّ زیارته إیّای فی کلِّ عام ، فقال عزَّ وجلَّ : یا أحمد لأنّک نصرت کلامی فهو ینشر ویتلی فی المحاریب. فأقبلت علی لحده أُقبّله ثم قلت : یا سیّدی ما السرُّ فی أنّه لا یقبّل قبر إلاّ قبرک؟ فقال لی : یا بنیَّ لیس هذا کرامة لی ، ولکن هذا کرامة لرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لأنَّ معی شعرات من شعره صلی الله علیه وآله وسلم ألا ومن یحبّنی یزورنی (3) فی شهر رمضان. قال ذلک مرّتین.

مرّت فی زیارة إمام الحنابلة أحمد فی الجزء الخامس (ص 197 - 201) لدة هذه من آیات الغلوّ. فراجع ویا حبّذا لو صدقت الأحلام. ی.

ص: 179


1- مناقب أحمد : ص 607 باب 92.
2- الساف والسافة : الصف من الطین أو اللبن جمع آسف وسافات. (المؤلف)
3- فی المصدر : لم لا یزورنی.

- 43 -

أحمد والملکان النکیران

ذکر ابن الجوزی فی مناقب أحمد (1) (ص 454) عن عبد الله بن أحمد یقول : رأیت أبی فی المنام فقلت : ما فعل الله بک؟ قال : غفر لی. قلت : جاءک منکرٌ ونکیرٌ؟ قال : نعم ، قالا لی : من ربّک؟ قلت : سبحان الله أما تستحیان منّی؟ فقالا لی : یا أبا عبد الله اعذرنا بهذا أُمرنا.

قال الأمینی : ما أجرأ الإمام علی الملکین الکریمین فی ذلک المأزق الحرج! وما أجهله بالناموس المطّرد من سؤال القبر وأنَّه بأمر من الله العلیِّ العزیز! حتی جابه الملکین بذلک القول الخشن ، ما أحمد وما خطره؟ وقد جاء فی الروایة : أنَّ عمر ارتعد منهما لمّا دخلا علیه (2) وکان عمر بمحلّ من المهابة ؛ علی حدِّ قول عکرمة أنَّه دعا حجّاماً فتنحنح عمر وکان مهیباً فأحدث الحجّام ، فأعطاه عمر أربعین درهماً (3).

وعلی الملکین أن یشکرا الله سبحانه علی أن کفَّ الإمام عن أن یصفعهما فیفقأ ف)

ص: 180


1- مناقب أحمد : ص 606 باب 92.
2- قال السیّد الجردانی فی مصباح الظلام : 2 / 56 [2 / 132] : إنّ الله تعالی أعطی علیّا علم البرزخ ، فلمّا مات عمر بن الخطاب رضی الله عنه جلس علیّ علی قبره لیسمع قوله للملکین ، فلمّا دخلا علیه ارتعد منهما ثمّ أجاب ، فقالا له : نم. فقال : کیف أنام وقد أصابنی منکما هذه الرعدة؟ وقد صحبت النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ، ولکن أشهد علیکما الله وملائکته أن لا تدخلا علی مؤمن إلاّ فی أحسن صورة ففعلا. فقال له علی بن أبی طالب : نم یا ابن الخطّاب ، فجزاک الله عن المسلمین خیراً لقد نفعت الناس فی حیاتک ومماتک. اقرأ واضحک. (المؤلف)
3- طبقات ابن سعد : 3 / 206 [3 / 287] ، تاریخ بغداد : 14 / 215 ، تاریخ عمر لابن الجوزی : ص 99 [125 باب 45] ، کنز العمّال : 6 / 331 [12 / 564 ح 35769]. (المؤلف)

عینهما کما فعل موسی بملک الموت فی مزعمة أبی هریرة (1) فرجع إلی ربّه فقال : أرسلتنی إلی عبدٍ لا یرید الموت ، فردَّ الله إلیه عینه. کما فی سنن النسائی (2) (4 / 118).

وفی لفظ الطبری فی تاریخه (3) (1 / 224) : قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : إنَّ ملک الموت کان یأتی الناس عیاناً حتی أتی موسی فلطمه ففقأ عینه ، قال : فرجع ، فقال : یا ربّ إنَّ عبدک موسی فقأ عینی ، ولولا کرامته علیک لشققت علیه. فقال : ائت عبدی موسی فقل له فلیضع کفّه علی متن ثور فله بکلِّ شعرة وارت یده سنة ، وخیّره بین ذلک وبین أن یموت الآن. قال : فأتاه فخیّره فقال له موسی : فما بعد ذلک؟ قال : الموت. قال : فالآن إذاً. قال : فشمّه شمة قبض روحه ، قال : فجاء بعد ذلک إلی الناس خفیّا.

وأخرج الحکیم الترمذی مرفوعاً : أنَّ ملک الموت کان یأتی الناس عیاناً حتی جاء موسی فلطمه ففقأ عینه فصار یأتی الناس بعد ذلک خفیة. ذکره الشعرانی فی مختصر تذکرة القرطبی (4) (ص 29).

ما أعیا هذا الملک - المأخوذ فیه البأس والشدّة من الله شدید البطش - حتی تمکّن منه إنسان فصفعه وفقأ عینه! ثم لم یزل الخوف مزیج نفسیّته حتی تخفّی عن الذین هم فی قبضته ، ورهن تصرّفه ، حیث وکّل بهم وبقبض أرواحهم ، ولا کرامة لهم علی الله ککرامة موسی النبیّ علیه السلام فیحاذر الصفعة منهم.

وإن تعجب فعجبٌ أنَّ مرسل ملک الموت هو الله سبحانه لِم لَم یعطه بأساً یفوق 3.

ص: 181


1- راجع صحیح البخاری : 1 / 158 [1 / 449 ح 1274] فی أبواب الجنائز ، و 2 / 163 [3 / 1250 ح 3226] باب وفاة موسی ، صحیح مسلم : 2 / 309 [4 / 521 ح 2372] ، مسند أحمد : 2 / 315 [2 / 606 ح 8053] ، العرائس للثعلبی : ص 139 [ص 247]. (المؤلف)
2- یوجد الحدیث فی الطبعة التی اعتمدها المؤلف وهی طبعة دار الکتاب العربی ، وحذف من الطبعة المعتمدة لدینا.
3- تاریخ الطبری : 1 / 434.
4- مختصر تذکرة القرطبی : ص 43.

کلَّ بأس وهو یعلم من خلق ، وأنَّ فیهم من یجرؤ علی رسوله فیصفعه فیفقأ عینه ، وفیهم من یخافه الرسول فیخفی نفسه عنه؟ أکان ذلک غفلة؟ أم أنَّ خزانة القدرة قد نفدت؟ أم لم یکن یعلم ما یقع - وهو علاّم الغیوب - حتی وقعت الواقعة؟ أم لم یکن فی صفوف الموظّفین بعالم الملکوت أیُّ تدریب حتی یتمکّنوا من مقابلة الشدائد إلی عهد موسی ، ثم اطّرد التدریب بإخفاء الموظّف نفسه عند تنفیذ وظیفته؟ تعالی الله عمّا یقول الظالمون علوّا کبیراً.

وهلمَّ معی إلی النبیِّ المعصوم موسی علی نبیّنا وآله وعلیه السلام نراه کیف یتجرّأ علی ملک الموت ، وهو یعلم أنّه رسولٌ من الله العظیم ، وأنّه إذا جاء أجلهم لا یستأخرون ساعة ولا یستقدمون ، وأنّه لا تُجدیه الصفعة والفقأة؟ وعلی فرض أن یهرب عنه هذا الرسول أو ینسحب عنه بانتظام فإنّه یأتیه غیره أشدّ منه بأساً ، لأنّ الله سبحانه ممیته لا محالة ، ولا مردَّ لمجری قضائه ، وهب أنَّه تخلّص من بأس هذا الملک ، فهل یتخلّص من بأس مُرسله المنتقم القهّار ، وقد أثار غضبه بمجابهة ممثّله؟ أبعد الله الإفک والزور علیه سبحانه وعلی رسوله وملائکته ، وانتقم من کلِّ أفّاک أثیم.

أضف إلی ذلک کلّه ما قاله سیّدنا الحجّة شرف الدین العاملی فی کتاب أبی هریرة (1) (ص 86) ممّا لفظه :

ونحن لِمَ برئنا من أصحاب الرسّ وفرعون موسی وأبی جهل وأمثالهم ولعنّاهم بکرةً وأصیلاً؟ ألیس ذلک لأنّهم آذوا رُسل الله حین جاءوهم بأوامره؟ فکیف نجوّز مثل فعلهم علی أنبیاء الله وصفوته من عباده؟ حاشا لله إنَّ هذا لبهتانٌ عظیمٌ.

ثم إنَّ من المعلوم أنَّ قوّة البشر بأسرهم ، بل قوّة جمیع الحیوانات منذ خلقها الله تعالی إلی یوم القیامة لا تثبت أمام قوّة ملک الموت فکیف - والحال هذه - تمکّن 7.

ص: 182


1- کتاب أبو هریرة : ص 71 رقم 7.

موسی علیه السلام من الوقیعة فیه؟ وهلاّ دفعه الملک عن نفسه ، مع قدرته علی إزهاق روحه ، وکونه مأموراً من الله تعالی بذلک؟

ومتی کان للملک عینٌ یجوز أن تُفْقأ؟

ولا تنس تضییع حقِّ الملک وذهاب عینه ولطمته هدراً إذ لم یُؤمر الملک من الله بأن یقتصَّ من موسی صاحب التوراة التی کتب الله فیها : إنَّ النفس بالنفس ، والعین بالعین ، والأنف بالأنف ، والأُذن بالأُذن ، والسنّ بالسنّ والجروح قصاص (1) ولم یعاتب الله موسی علی فعله هذا بل أکرمه إذ خیّره بسببه بین الموت والحیاة سنین کثیرة بقدر ما تواریه یده من شعر الثور.

وما أدری ما الحکمة فی ذکر شعر الثور بالخصوص؟ إلی آخره.

هذه جملةٌ ممّا وجدنا من کرامات الإمام أحمد ، وکم وکم لها من نظیر! وأنت حدِّث العاقل بما لا یقبله عقله فإن صافقک علیه فهو معتوهٌ ، لکن القوم عقلاء وقبلوها ، ونحن إذ عزونا ما هو أخفُّ وأخفُّ وطأة من هذه ممّا یساعده العقل والمنطق والاعتبار إلی أئمّة أهل بیت الوحی علیهم السلام الذین أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهیراً ، فهنالک الجلبة واللغط ، والترکاض والصخب ، وهتافٌ من شتی الجوانب : هذا لا یکون ، هذا غیر معقول ، حدیثٌ واه ، هذا قول غلاة الشیعة ، هذا قول الرافضة ، هذا لا یصحُّ وإن صحَّ إسناده ، إسناده صحیح غیر أنَّ فی قلبی منه شیئاً ، هذا لا یصحُّ وإن جاء بألف طریق. إلی أمثال هذه التهجّمات الفارغة. ف)

ص: 183


1- إشارة إلی الآیة : 45 من سورة المائدة وقد وجدنا فی الفقرة ال : 23 من الإصحاح : 21 من إصحاحات الخروج من التوراة الموجودة فی أیدی الیهود والنصاری فی هذه الأیام ما هذا لفظه : إن حصلت أذیّة تعطی نفساً بنفس ، وعیناً بعین ، وسنّا بسن ، ویداً بید ، ورجلاً برجل ، وکیّا بکیّ ، وجرحاً بجرح ، ورضّا برضّ. (المؤلف)

- 44 -

إمام المالکیة یری النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم کلّ لیلة

ذکر الحریفیش فی الروض الفائق (ص 270) قال : قال المثنّی بن سعید القصیر : سمعت مالکاً - إمام المالکیّة - یقول : ما بتُّ لیلة إلاّ رأیت النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فیها.

قال الأمینی : هل یُکذَّب الإمام فی دعواه التی لا تُعلم إلاّ من قِبَلِه؟ أو یرمی ابن سعید بالإفک وإن کان قصیراً؟ أو یُعاتب الحُریفیش فی نقله وإن کان مصغّراً؟

وللإمام مالک موقف خطر مع الملکین العظیمین : منکر ونکیر ، لا یقلّ عن موقف الإمام أحمد معهما ، ذکره الشعرانی فی المیزان (1 / 46) قال : لمّا مات شیخنا شیخ الإسلام الشیخ ناصر الدین اللقانی رآه بعض الصالحین فی المنام فقال له : ما فعل الله بک؟ فقال : لمّا أجلسنی الملکان فی القبر لیسألانی أتاهم الإمام مالک فقال : مثل هذا یحتاج إلی سؤال فی إیمانه بالله ورسوله؟ تنحّیا عنه ، فتنحّیا عنّی.

قال الأمینی : ألا من معبّر یعبّر هذه الأحلام؟ ولعلَّ کلّ فرد من المعبّرین یقول : أضغاث أحلام وما نحن بتأویل الأحلام بعالمین. وإن اتّخذها الحفّاظ کأصل مسلّم استندوا إلیها عند المغالاة فی الفضائل. کأنَّ الملکین لم یکن عندهما عرفان بمن یحتاج إلی سؤال فی إیمانه ، ولم یکن هنالک ناموسٌ مطّردٌ من المولی سبحانه یتّبعانه ، أعوذ بالله من ضئولة العقل.

- 45 -

الملکان وأبو العلاء الهمدانی

قال ابن الجوزی فی المنتظم (1) (10 / 248) : رأی شخص أنَّ یدین خرجتا من محراب مسجد فقال : ما هذه الیدان؟ فقیل : هذه ید آدم بسطها لیعانق أبا العلاء 9.

ص: 184


1- المنتظم : 18 / 208 رقم 4299.

الحافظ - الحسن بن أحمد المتوفّی (569) - وإذا بأبی العلاء قد أقبل ، قال : فسلّمت علیه فردَّ علیَّ السلام وقال : یا فلان رأیت ابنی أحمد حین قام علی قبری یلقّننی؟ أما سمعت صوتی حین صِحت علی الملکین؟ فما قدرا أن یقولا شیئاً فرجعا.

نظراً إلی هذه المزعمة یجب أن یکون أبو العلاء أشجع من عمر الذی خاف النکیرین وارتعد منهما ، ثم لمّا قالا له : نَم. قال : کیف أنام وقد أصابنی منکما هذه الرعدة وقد صحبت النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم (1) ولعلّهما قبلا وصیّة عمر لمّا نشدهما أن لا یأتیا مؤمناً إلاّ بصورة جمیلة ففعلا ، فلم یهبهما أبو العلاء فصاح علیهما ، وخاشنهما الإمام أحمد ، وطردهما مالک عن ناصر الدین اللقانی ، أو أنّهما أتی علیهما الشیخوخة والهرم منذ عهد الخلیفة إلی هذه العصور المتأخّرة ، وبلغ منهما الضعف فأخفقت بسالتهما ، فلم یُهب جانبهما ، وإلی الغایة لم ینکشف لنا سرُّ تسلیط المولی سبحانه هؤلاء الأعلام علی الملکین الکریمین ، وفیه اختلال النظام المقرّر المطّرد الإلهی ، نعوذ بالله من هذه المزاعم التافهة کلّها.

- 46 -

غمامة تظلّ علی جنازة

قال الحافظ الجزری فی طبقات القرّاء (2 / 271) : توفّی ابن الأخرم محمد بن النضر الدمشقی سنة (241 ، 242) بدمشق ، قال عبد الباقی : وصلّیت علیه فی المصلّی بعد صلاة الظهر وکان یوماً صائفاً ، وصعدت غمامة علی الجنازة من المصلّی إلی قبره فکانت شبه الآیة.

قال الأمینی :

وفی کلِّ شیء له آیةٌ

تدلُّ علی أنَّه واحدُف)

ص: 185


1- مرّ تمام القصّة فی : ص 140 من هذا الجزء. (المؤلف)

- 47 -

شابّ ینظر الإذن من ربّه

ذکر الحریفیش فی الروض الفائق (ص 126) عن ذی النون المصری أنّه قال : رأیت شابّا عند الکعبة یکثر الرکوع والسجود ، فدنوت منه وقلت له : إنّک لتکثر الصلاة ، فقال : أنتظر الإذن من ربّی فی الانصراف ، قال : فرأیت رقعةً سقطت فیها مکتوبٌ :

من العزیز الغفور إلی عبدی الصادق : انصرف مغفوراً لک ما تقدّم من ذنبک وما تأخر.

قال الأمینی : لقد جنی من نزلت إلیهم هذه الرقاع (1) حیث لم یوصوا بالتحفّظ علیها لتستفید بها الأُمّة وتتبرّک بها فی أجیالها المتأخّرة وتتّخذها معتبراً عوضاً عن أن تکون خبراً ، وتزدان بها متاحف الآثار ، لکن لهم عذراً وهو أنّهم لم یشاهدوها فلم یوصوا بها ، وإنَّما هی شباکٌ طنّبت لاقتناص الأغرار من أُمّة محمد صلی الله علیه وآله وسلم.

- 48 -

شجرة أُمّ غیلان تثمر رطباً

قال بکر بن عبد الرحمن رحمه الله : کنّا مع ذی النون المصری - المتوفّی (245) - فی البادیة فنزلنا تحت شجرة أُمّ غیلان فقلنا : ما أطیب هذا الموضع لو کان فیه رطب! فتبسّم ذو النون وقال : تشتهون رطباً؟ وحرّک الشجرة وقال : أقسمت علیک بالذی أنبتک وخلقک شجرة إلاّ ما نثرت علینا رطباً جنیّا ، ثم حرّکها فنثرت رطباً فأکلنا وشبعنا ، ثم نمنا وانتبهنا وحرّکنا الشجرة فنثرت علینا شوکاً. ف)

ص: 186


1- وما أکثرها وألطفها! راجع ما مرّ فی هذا الجزء : ص 121 ، 125 ، 137 وما یأتی. (المؤلف)

الروض الفائق (ص 126) ، مرآة الجنان للیافعی (2 / 151) وقال : ذکره خلائق من الصالحین ، ورواه عنهم کثیرٌ من العلماء العاملین.

قال الأمینی : إلی المولی سبحانه نبتهل فی أن یهب لأولئک الصالحین والعلماء العاملین عقلاً وافیاً یزعهم عن الخضوع للخرافات.

- 49 -

ابن أبی الحواری فی التنّور

روی ابنا عساکر (1) وکثیر : أنّ أحمد بن أبی الحواری (2) کان قد عاهد أبا سلیمان الدارانی ألاّ یغضبه ولا یخالفه ، فجاءه یوماً وهو یحدِّث الناس فقال : یا سیّدی هذا قد سجروا التنّور (3) ، فما ذا تأمر؟ فلم یردّ علیه أبو سلیمان لشغله بالناس ، ثم أعادها أحمد ثانیة ، وقال له فی الثالثة : اذهب فاقعد فیه. ثم اشتغل أبو سلیمان فی حدیث الناس ، ثم استفاق فقال لمن حضره : إنِّی قلت لأحمد : اذهب فاقعد فی التنّور وإنّی أحسب أن یکون قد فعل ذلک ، فقوموا بنا إلیه ، فذهبوا فوجدوه جالساً فی التنّور ولم یحترق منه شیءٌ ولا شعرة واحدة.

تاریخ ابن کثیر (4) (10 / 348).

ألا تعجب من ابن کثیر یسجّل أمثال هذه الأُسطورة کحقائق ثابتة ثم لمّا یبلغ به السیر والبحث إلی فضیلة معقولة من فضائل أهل بیت الوحی علیهم السلام أربد وجهه ، وأزبد فمه ، وعاد صدره ضیّقاً حرجاً کأنّما یصعّد فی السماء ، وأطلق لسانه البذیّ علی من جاء بذلک الذکر الشذیّ (کَذلِکَ یَجْعَلُ اللهُ الرِّجْسَ عَلَی الَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ) (5). 5.

ص: 187


1- مختصر تاریخ دمشق : 3 / 143.
2- أحد الأعلام ، یروی عنه أبو داود وابن ماجة وأبو حاتم ، توفّی 246. (المؤلف)
3- کذا فی البدایة والنهایة ، وفی مختصر تاریخ دمشق : إنّ التنّور قد سُجِر ، فما ذا تأمر؟
4- البدایة والنهایة : 10 / 384 حوادث سنة 246 ه.
5- الأنعام : 125.

- 50 -

کتاب من الله الی ابن الموفّق

عن أبی الحسن علیّ بن الموفّق المتوفّی (265) قال : خرجت یوماً لأؤذِّن ، فأصبت قرطاساً فأخذته ووضعته فی کمّی ، فأذّنت وأقمت وصلّیت فلمّا صلّیت ، قرأته فإذا فیه مکتوبٌ : بسم الله الرحمن الرحیم یا علیّ بن الموفّق تخاف الفقر وأنا ربّک؟

تاریخ الخطیب البغدادی (12 / 112) ، صفة الصفوة لابن الجوزی (1) (2 / 218).

کان حقّا علی الحافظین الخطیب وابن الجوزی أن یذکرا شطراً من حیاة هذا الرجل بعد الکتاب المذکور المغمورة بالیسار والنعمة لتکون تصدیقاً للخبر وشاهداً علی صحّة المزعمة ، لکنّهما أغفلا عن ذلک فلم یقم لنا شاهدٌ ولا حجّةٌ.

- 51 -

الحوراء تکلّم أبا یحیی

قال أبو یحیی زکریّا بن یحیی الناقد (2) : اشتریت من الله حوراء بأربعة آلاف ختمة ، فلمّا کان آخر ختمة سمعت الخطاب من الحوراء وهی تقول : وفیت بعهدک فها أنا التی قد اشتریتنی.

تاریخ بغداد للخطیب (8 / 462) ، المنتظم لابن الجوزی (3) (6 / 8) ، مناقب أحمد 0.

ص: 188


1- صفة الصفوة 2 / 386 رقم 273.
2- أحد الأعلام المجتهدین وأئمّة الحدیث من تلمذة أحمد بن حنبل إمام الحنابلة ، توفّی سنة 285. (المؤلف)
3- المنتظم : 12 / 386 رقم 1920.

لابن الجوزی (1) (ص 510).

لیس لک أن تناقش فی المدّة التی ختم أبو یحیی فیها الأربعة آلاف ختمة ، فإنَّ من الممکن عند القوم أن یختمها فی بضع دقائق ، فإنّ أبا مدین المغربی کان یختم فی الیوم واللیلة سبعین ألف ختمة.

- 52 -

دعاوی سهل بن عبد الله التستری

ذکر الشعرانیّ فی طبقات الأخیار (2) (1 / 158) نقلاً عن کتاب الجواهر لسهل ابن عبد الله التستری المتوفّی (283) أنَّه قال : أشهدنی الله تعالی ما فی العُلی وأنا ابن ستّ سنین ، ونظرت فی اللوح المحفوظ وأنا ابن ثمان سنین ، وفککت طلسم السماء وأنا ابن تسع سنین ، ورأیت فی السبع المثانی حرفاً معجماً حار فیه الجنُّ والإنس ففهمته ، وحمدت الله علی معرفته ، وحرّکت ما سکن وسکّنت ما تحرّک بإذن الله تعالی وأنا ابن أربع عشرة سنة.

قال الأمینی : لیت شعری متی ما أشهد الله ما فی العُلی نبیّه الأعظم صاحب الرسالة الخاتمة؟ ومتی ما نظر صلی الله علیه وآله وسلم فی اللوح المحفوظ وفکّ طلسم السماء؟ وهل رأی ذلک الحرف المعجم الذی حار فیه الجنُّ والإنس وفهمه ، وهل حرّک وسکّن بإذن الله؟

ایم الله إنَّ هذه الأساطیر المشمرجة (3) لا یبوح بها إلاّ من یتخبّطه الشیطان من المسّ ، وإن هی إلاّ سمٌّ ناقع علی روح الإسلام تمسُّ کرامة الأولیاء ، وتشوّه سمعة ه.

ص: 189


1- مناقب أحمد : ص 679 باب 100.
2- طبقات الأخیار : 1 / 183 رقم 286.
3- شمرج النساج الثوب : نسجه نسجاً ضعیفاً ، وشمرج فی الکلام : خلّطه.

الأُمّة المسلمة ، وتسوِّد صحیفة تاریخها عند الأُمم ، وتضحک الملأ علی عقلیّة أُولئک المؤلّفین الذین جُمِعت بیراعهم أشتاتُ التاریخ الإسلامیّ.

- 53 -

سهل وجبل قاف

عن سهل بن عبد الله ، قال : صعدت جبل قاف فرأیت سفینة نوح مطروحة فوقه. وقیل لأبی یزید رضی الله عنه : هل بلغت جبل قاف؟ فقال : جبل قاف أمره قریبٌ بل جبل کاف وجبل صاد وجبل عین ، وهی محیطةٌ بالأرض ، حول کلّ أرض جبل بمنزلة حائطها ، وجبل قاف بهذهِ الأرض وهی أصغر الأرضین ، وهو أیضاً أصغر الجبال ، وهو جبل من زمرّدة خضراء وقیل : إنّ خضرة السماء من خضرته. وروی : أنَّ الدنیا کلّها خطوةٌ للولیِّ. وحکی : أنَّ ولیّا من أولیاء الله تعالی احتاج إلی النار فرفع یده إلی القمر فاقتبس منه جذوة فی خرقة کانت معه (1).

قال الأمینی : حقّا قیل : الجنون فنون. وایم الله یمیت القلب ویجلب الهمّ ضیاع التاریخ الإسلامیّ بید هؤلاء المشعوذین الذین شوّهوا صحائفه بأمثال هذه الترَّهات التی لم یُخلق مثلها فی أساطیر الأوّلین.

- 54 -

وحشیّ أتی بماء الوضوء

قال سهل بن عبد الله رضی الله عنه : أوّل ما رأیت من العجائب والکرامات أنّی خرجت یوماً إلی موضع خالٍ فطاب لی المقام فیه ، فوجدت من قلبی قرباً إلی الله تعالی ، وحضرت الصلاة وأردت الوضوء ، وکانت عادتی من صبای تجدید الوضوء لکلِ ف)

ص: 190


1- روض الریاحین للیافعی : ص 172 [ص 362 رقم 387]. (المؤلف)

صلاة ، فکأنّی اغتممت لفقد الماء ، فبینما أنا کذلک ، وإذا دبٌّ یمشی علی رجلیه کأنَّه إنسانٌ معه جرّة خضراء قد أمسک بیدیه علیها ، فلمّا رأیته من بعید توهّمت أنّه آدمی حتی دنا منّی وسلّم علیَّ ووضع الجرّة بین یدیَّ ، فجاءنی اعتراض العلم فقلت : هذه الجرّة والماء من أین هو؟ فنطق الدبّ وقال : یا سهل إنّا قومٌ من الوحوش قد انقطعنا إلی الله تعالی بعزم المحبّة والتوکّل ، فبینما نحن نتکلّم مع أصحابنا فی مسألة إذ نودینا : ألا إنَّ سهلاً یرید ماءً لیجدِّد الوضوء. فوضعت هذه الجرّة بیدی ، وإذا بجنبی ملکان فدنوت منهما فصبّا فیها الماء من الهواء وأنا أسمع خریر الماء. إلی آخر القصة.

روض الریاحین (1) (ص 104 ، 105).

قال الأمینی : سل عن هذه العجائب الدبَّ الطلِق الذلِق صاحب الجرّة الخضراء ، أو بقیّة الوحوش المنقطعة إلی الله بعزم المحبّة والتوکّل ، أو سل الملکین إن سهل لک السبیل إلیهما ، وإن لم تجدهما فسل عقلک واتّخذه حکماً ، واستعذ بالله من هذه الأوهام المخزیة.

- 55 -

قصّة فیها کرامتان

قال عبد الله بن حنیف رحمه الله : دخلت بغداد قاصداً الحجَّ ، ولم آکل الخبز أربعین یوماً ، ولم أدخل علی الجنید وکنت علی طهارة ، فرأیت ظبیاً علی رأس البئر وهو یشرب وکنت عطشاناً ، فلمّا دنوت إلی البئر ولّی الظبی ، فإذا الماء فی أسفل البئر ، فمشیت وقلت : یا سیدی ما لی محلّ هذا الظبی؟ فنودیت من خلفی : جرّبناک فلم تصبر فارجع وخذ ، فرجعت فإذا البئر ملآنةٌ ماءً ، فملأت رکوتی ، فکنت أشرب منه وأتطهّر إلی المدینة ولم أنفد ، ولمّا استقیت سمعت هاتفاً یقول : إنَّ الظبی جاء بلا رکوة ولا حبل وأنت جئت معک الرکوة. فلمّا رجعت من الحجِّ دخلت الجامع ، فلمّا وقع بصر 8.

ص: 191


1- روض الریاحین : ص 218 رقم 198.

الجنید علیَّ قال : لو صبرت ولو ساعة لنبع الماء من تحت رجلیک.

الروض الفائق (ص 127).

قال الأمینی : أوهامٌ متراکمة بعضها فوق بعض ، وهل ترک الجنید للأنبیاء والرسل علماً بالمغیب ولم یبح به ، وهل أتی البئر العمیقة ولیٌّ من الأولیاء بلا رکوة ولا حبل کالظباء التی تفقدهما ولا یسعها التأهّب بأمثالهما ، وأمّا الإنسان العادی فلیس له وهو سارٍ فی عالم الأسباب إلاّ أن یحمل معه أدوات حاجته ، هکذا خلق الله البشر ، وهو ظاهر کثیر من الأحادیث الشریفة. وحسبک سیرة النبیّ الأعظم والمرسلین من الأنبیاء صلوات الله علیهم أجمعین. وکلّهم لله أولیاء ، وجمیعهم أفضل من ابن حنیف.

- 56 -

حلق اللحیة لله

أخرج الحافظ أبو نعیم فی حلیة الأولیاء (10 / 370) قال : سمعت أبا نصر یقول : سمعت أحمد بن محمد النهاوندی یقول : مات للشبلی (1) ابنٌ کان اسمه غالباً ، فجزّت أُمّه شعرها علیه ، وکان للشبلی لحیة کبیرة فأمر بحلق الجمیع ، فقیل له : یا أُستاذ ما حملک علی هذا؟ فقال : جزّت هذه شعرها علی مفقود ، فکیف لا أحلق لحیتی أنا علی موجود؟

قال الأمینی : أهلاً بالناسک الفقیه ، ومرحباً بالأولیاء أمثال هذا المتخلّع الجاهل بحکم الشریعة وزهٍ بمدوِّن أخبارهم ، ومنتقی آثار الأوحدیِّین منهم کأبی نعیم! کیف خفی علی هذا الفقیه البارع فی مذهب مالک فتوی مالک وحرمة حلق اللحیة ، وإصفاق بقیّة الأئمة معه علی ذلک ، کیف خفی علیه الحکم؟ وهو ذلک الفقیه المتضلّع الذی أجاب فی دم الحیض المشتبه بدم الاستحاضة بثمانیة عشر جواباً للعلماء ، وقد ف)

ص: 192


1- أبو بکر دلف بن جحدر ، فقیهٌ عالمٌ محدثٌ توفّی 334 ، 335. (المؤلف)

جالس الفقهاء عشرین سنة (1). وهلاّ وقف وهو مدرِّس الحدیث عشرین عاماً علی المأثورات النبویّة الدالّة علی حرمة حلق اللحیة المرویّة من عدّة طرق؟ منها :

1 - عن عائشة مرفوعاً : «عشرٌ من الفطرة» ، فذکر منها : إعفاء اللحیة. وجاء من طریق أبی هریرة أیضاً.

صحیح مسلم (1 / 153) ، سنن البیهقی (1 / 149) ، سنن أبی داود (1 / 9 ، 10) ، صحیح الترمذی (10 / 216) ، مشکل الآثار (1 / 297) ، المعتصر من المختصر (2 / 220) ، طرح التثریب (1 / 73) ، نیل الأوطار (1 / 135) عن أحمد ومسلم والنسائی والترمذی (2)

. 2 - عن ابن عمر مرفوعاً : «اعفوا اللحی ، واحفوا الشوارب ، خالفوا المشرکین».

صحیح مسلم (1 / 153) ، سنن النسائی (1 / 16) ، جامع الترمذی (10 / 221) بلفظ : احفوا الشوارب ، واعفوا اللحی ، سنن البیهقی (1 / 149) عن الصحیحین ، المحلّی لابن حزم (2 / 220) ، تاریخ الخطیب (4 / 345) (3).

3 - عن ابن عمر مرفوعاً : «خالفوا المشرکین ، وفّروا اللحی ، واحفوا الشوارب».

أخرجه (4) : البخاری فی صحیحه ، ومسلم فی الصحیح (1 / 153) بلفظ : خالفوا 7.

ص: 193


1- تاریخ بغداد : 14 / 393 رقم 7708.
2- صحیح مسلم : 1 / 283 ح 261 کتاب الطهارة ، سنن أبی داود : 1 / 14 ح 53 ، سنن الترمذی : 5 / 88 ح 2764 ، نیل الأوطار : 1 / 132 ، مسند أحمد : 7 / 198 ح 24539 ، السنن الکبری للنسائی : 5 / 405 ح 9286.
3- صحیح مسلم : 1 / 282 ح 259 ، السنن الکبری : 1 / 66 ح 13 ، سنن الترمذی : 5 / 88 ح 2763.
4- صحیح البخاری : 5 / 2209 ح 5553 ، صحیح مسلم : 1 / 282 ح 259 ، نیل الأوطار : 1 / 137.

المشرکین ، وحفّوا الشوارب وأوفوا اللحی. سنن البیهقی (1 / 150) ، نیل الأوطار (1 / 141) قال : متفق علیه.

4 - عن أبی هریرة مرفوعاً : «جزّوا الشوارب ، وأرخوا اللحی ، وخالفوا المجوس».

صحیح مسلم (1 / 153) ، سنن البیهقی (1 / 150) ، تاریخ الخطیب (5 / 317) بلفظ : احفوا الشوارب واعفوا اللحی ، زاد المعاد لابن القیّم (1 / 63) بلفظ : قصّوا الشوارب. وفی (ص 64) بلفظ : جزّوا الشوارب. نیل الأوطار (1 / 141) عن أحمد ومسلم (1).

5 - عن ابن عمر قال : إنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أمر بإحفاء الشوارب وإعفاء اللحی.

صحیح مسلم (1 / 153) ، صحیح الترمذی (10 / 221) ، سنن أبی داود (2 / 195) ، سنن البیهقی (1 / 151) (2).

6 - عن أبی أُمامة قال : قلنا : یا رسول الله إنَّ أهل الکتاب یقصّون عثانینهم (3) ویوفّرون سبالهم. فقال : «قصّوا سبالکم ، ووفّروا عثانینکم ، وخالفوا أهل الکتاب».

أخرجه أحمد فی المسند (4) (5 / 264).

7 - من حدیث ابن عمر فی المجوس : «إنَّهم یوفّرون سبالهم ، ویحلقون لحاهم ، 0.

ص: 194


1- صحیح مسلم : 1 / 282 ح 260 ، زاد المعاد : 1 / 45 ، نیل الأوطار : 1 / 137 ، مسند أحمد : 3 / 54 ح 8560 - 8567.
2- صحیح مسلم : 1 / 282 ح 259 ، سنن الترمذی : 5 / 88 ح 2764 ، سنن أبی داود : 4 / 84 ح 4199.
3- جمع العثنون : اللحیة. (المؤلف)
4- مسند أحمد : 6 / 354 ح 21780.

فخالفوهم».

أخرجه (1) : ابن حبان فی صحیحه ، کما ذکره العراقی فی تخریج الإحیاء للغزالی المطبوع فی ذیله (1 / 146).

8 - عن أنس : «احفوا الشوارب ، واعفوا اللحی ، ولا تشبّهوا بالیهود».

أخرجه الطحاوی کما فی شرح راموز الحدیث (1 / 141).

9 - عن عمرو بن شعیب عن أبیه عن جدِّه : إنَّ النبیَّ صلی الله علیه وآله وسلم کان یأخذ من لحیته من عرضها وطولها.

صحیح الترمذی (2) (1 / 220).

وکیف عزب عن الشبلی ما ذهب إلیه القوم من أنَّ حلق اللحیة من تغییر خلق الله الوارد فی قوله تعالی : (وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَیُغَیِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ) (3). وقد أفرط جمعٌ فی الأخذ به فقال بحرمة حلق اللحیة والشارب للمرأة أیضاً.

قال الطبری : لا یجوز للمرأة تغییر شیء من خلقتها التی خلقها الله علیها بزیادة أو نقص ، التماسَ الحسن ، لا للزوج ولا لغیره ، کمن تکون مقرونة الحاجبین فتزیل ما بینهما توهم البلج أو عکسه ، ومن تکون لها سنٌّ زائدة فتقلعها ، أو طویلة فتقطع منها ، أو لحیة أو شارب أو عنفقة فتزیلها بالنتف ، ومن یکون شعرها قصیراً أو حقیراً فتطوّله أو تغزّره بشعر غیرها ، فکلّ ذلک داخلٌ فی النهی ، وهو من تغییر خلق الله تعالی. قال : ویستثنی من ذلک ما یحصل به الضرر والأذیّة کمن یکون لها سنٌّ زائدة أو طویلة تعیقها فی الأکل ، أو اصبع زائدة تؤذیها أو تؤلمها فیجوز ذلک ، 9.

ص: 195


1- الإحسان فی تقریب صحیح ابن حبّان : 12 / 289 ح 5476 ، المغنی عن حمل الأسفار : 1 / 129.
2- صحیح الترمذی : 10 / 220 [5 / 87 ح 2762]. (المؤلف)
3- النساء : 119.

والرجل فی هذه الأخیر کالمرأة (1).

وقال القرطبیّ فی تفسیره (2) (5 / 393) فی تفسیر الآیة : لا یجوز لها - للمرأة - حلق لحیة أو شارب أو عنفقة إن نبتت لها ، لأنَّ کلَّ ذلک تغییر خلق الله.

وکیف خفی علی الشبلی ما انتهی إلی ابن حزم الظاهری من الإجماع الذی نقله فی کتابه مراتب الإجماع (ص 157) علی أنَّ حلق جمیع اللحیة مثلةٌ لا تجوز ، ولا سیّما للخلیفة ، والفاضل ، والعالم ، وعدَّ فی (ص 52) ناتف اللحیة ممّن لا تُقبل شهادته.

وهلمّ إلی کلمات أعلام الفقه :

1 - قال الحافظ العراقی فی طرح التثریب (2 / 83) : من خصال الفطرة إعفاء اللحیة ، وهو توفیر شعرها وتکثیره ، وأنَّه لا یؤخذ منه کالشارب. من عفا الشیء إذا کثر وزاد. وفی الصحیحین من حدیث ابن عمر الأمر بذلک - اعفوا اللحی - وفی روایة : أوفوا. وفی روایة : وفّروا. وفی روایة : أرخوا. وهی بالخاء المعجمة علی المشهور وقیل بالجیم. من الترک والتأخیر ، وأصله الهمزة فحذف تخفیفاً کقوله : (تُرْجِی مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَ) (3).

واستدلَّ به الجمهور علی أنَّ الأَولی ترک اللحیة علی حالها ، وأن لا یُقطع منها شیءٌ وهو قول الشافعی وأصحابه ، وقال القاضی عیاض : یکره حلقها وقصّها وتحریقها. وقال القرطبیّ فی المفهم : لا یجوز حلقها ولا نتفها ولا قصُّ الکثیر منها ، وقال القاضی عیاض : وأمّا الأخذ من طولها فحسن. قال : وتکره الشهرة فی تعظیمها کما یکره فی قصّها وجزّها. قال : وقد اختلف السلف هل لذلک حدٌّ؟ فمنهم من لم یحدّد 1.

ص: 196


1- فتح الباری : 10 / 310.
2- الجامع لأحکام القرآن : 5 / 252.
3- الأحزاب : 51.

شیئاً فی ذلک إلاّ أنّه لا یترکها لحدّ الشهرة ویأخذ منها ، وکره مالک طولها جدّا ، ومنهم من حدّد بما زاد علی القبضة فیزال ، ومنهم من کره الأخذ منها إلاّ فی حجّ أو عمرة.

2 - قال الغزالی فی الإحیاء (1) (1 / 146) : قوله صلی الله علیه وآله وسلم : «اعفوا اللحی». أی کثّروها ، وفی الخبر : إنَّ الیهود یعفون شواربهم ، ویقصّون لحاهم ، فخالفوهم. وکره بعض العلماء الحلق ورآه بدعة. وقال (2) فی (ص 148) : وقد اختلفوا فیما طال منها فقیل : إن قبض الرجل علی لحیته وأخذ ما فضل عن القبضة فلا بأس ، فقد فعله ابن عمر وجماعة من التابعین ، واستحسنه الشعبی وابن سیرین ، وکرهه الحسن وقتادة وقالا : ترکها عافیة أحبّ ، لقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «اعفوا اللحی». والأمر فی هذا قریب إن لم ینته إلی تقصیص اللحیة وتدویرها من الجوانب ، فإنَّ الطول المفرط قد یشوِّه الخلقة ویطلق ألسنة المغتابین بالنبز (3) إلیه ، فلا بأس بالاحتراز عنه علی هذه النیّة.

3 - قال ابن حجر فی فتح الباری (4) (10 / 288) عند ذکر حدیث نافع : کان ابن عمر إذا حجَّ أو اعتمر قبض علی لحیته فما فضل أخذه.

الذی یظهر أنَّ ابن عمر کان لا یخصُّ هذا التخصیص بالنسک ، بل کان یحمل الأمر بالإعفاء علی غیر الحالة التی تشوّه فیها الصورة بإفراط طول شعر اللحیة أو عرضه ، فقد قال الطبری : ذهب قومٌ إلی ظاهر الحدیث ، فکرهوا تناول شیء من اللحیة من طولها ومن عرضها ، وقال قومٌ : إذا زاد علی القبضة یؤخذ الزائد ، ثم ساق بسنده إلی ابن عمر أنَّه فعل ذلک ، وإلی عمر أنَّه فعل ذلک برجل ، ومن طریق أبی 0.

ص: 197


1- إحیاء علوم الدین : 1 / 129.
2- إحیاء علوم الدین : 1 / 131.
3- فی المصدر : بالنبذ.
4- فتح الباری : 10 / 350.

هریرة أنَّه فعله ، وأخرج أبو داود (1) من حدیث جابر بسند حسن قال : کنّا نعفّی السبال إلاّ فی حجّ أو عمرة. وقوله : نعفّی. بضمّ أوّله وتشدید الفاء أی نترکه وافراً ، وهذا یؤیِّد ما نقل عن ابن عمر ، فإنَّ السبال بکسر المهملة وتخفیف الموحّدة جمع سبلة بفتحتین وهی ما طال من شعر اللحیة فأشار جابر إلی أنَّهم یقصّرون منها فی النسک ، ثم حکی الطبری اختلافاً فیما یؤخذ من اللحیة ، هل له حدٌّ أم لا؟ فأسند عن جماعة الاقتصار علی أخذ الذی یزید منها علی قدر الکفّ ، وعن الحسن البصری : إنّه یؤخذ من طولها وعرضها ما لم یفحش ، وعن عطاء نحوه قال : وحمل هؤلاء النهی علی منع ما کانت الأعاجم تفعله من قصِّها وتخفیفها ، قال : وکره آخرون التعرّض لها إلاّ فی حجّ أو عمرة ، وأسنده عن جماعة واختار قول عطاء ، وقال : إنَّ الرجل لو ترک لحیته لا یتعرّض لها حتی أفحش طولها وعرضها لعرض نفسه لمن یسخر به ، واستدلَ بحدیث عمرو بن شعیب عن أبیه عن جدِّه : أنَّ النبیَّ صلی الله علیه وآله وسلم کان یأخذ من لحیته من عرضها وطولها. وهذا أخرجه الترمذی (2) ، ونقل عن البخاری أنّه قال فی روایة عمر ابن هارون : لا أعلم له حدیثاً منکراً إلاّ هذا ، وقد ضعّف عمر بن هارون مطلقاً جماعة.

وقال عیاض : یکره حلق اللحیة وقصّها وتجذیفها ، وأمّا الأخذ من طولها وعرضها إذا عظمت فحسنٌ ، بل تکره الشهرة فی تعظیمها کما یکره فی تقصیرها کذا قال : وتعقّبه النووی بأنّه خلاف ظاهر الخبر فی الأمر بتوفیرها ، قال : والمختار ترکها علی حالها وأن لا یتعرّض لها بتقصیر ولا غیره. وکان مراده بذلک فی غیر النسک لأنَّ الشافعی نصَّ علی استحبابه فیه.

وقال (3) فی (ص 289) : أنکر ابن التین ظاهر ما نقل عن ابن عمر فقال : لیس 1.

ص: 198


1- سنن أبی داود : 4 / 84 ح 4201.
2- سنن الترمذی : 5 / 87 ح 2762.
3- فتح الباری : 10 / 351.

المراد أنّه کان یقتصر علی قدر القبضة من لحیته ، بل کان یمسک علیها فیزیل ما شذَّ منها ، فیمسک من أسفل ذقنه بأصابعه الأربعة ملتصقة ، فیأخذ ما سفل عن ذلک لیتساوی طول لحیته ، قال أبو شامة : وقد حدث قومٌ یحلقون لحاهم وهو أشدّ ممّا نقل عن المجوس أنَّهم کانوا یقصّونها. وقال النووی (1) : یستثنی من الأمر بإعفاء اللحی ما لو نبتت للمرأة لحیة فإنّه یستحبُّ لها حلقها ، وکذا لو نبت لها شاربٌ أو عنفقة.

4 - قال المناوی فی فیض القدیر (1 / 198) : اعفوا اللحی : وفّروها (2) ، فلا یجوز حلقها ولا نتفها ، ولا قصّ الکثیر منها ، کذا فی التنقیح ، ثم زاد الأمر تأکیداً مشیراً إلی العلّة بقوله : ولا تشبّهوا بالیهود فی زیّهم الذی هو عکس ذلک ، وفی خبر ابن حبّان (3) بدل الیهود : المجوس. وفی آخر : المشرکین. وفی آخر : آل کسری. قال الحافظ العراقی : والمشهور أنَّه من فعل المجوس فیکره الأخذ من اللحیة ، واختلف السلف فیما طال منها فقیل : لا بأس أن یقبض علیها ویقصّ ما تحت القبضة کما فعله ابن عمر ، ثم جمع من التابعین واستحسنه الشعبی وابن سیرین ، وکرهه الحسن وقتادة ، والأصحُّ کراهة أخذ ما لم یتشعّث ویخرج عن السمت مطلقاً.

5 - قال السیّد علیّ القاری فی شرح الشفا للقاضی (4) : حلق اللحیة منهیٌّ عنه ، وأمّا إذا طالت زیادة علی القبضة فله أخذها.

6 - فی شرح الخفاجی علی الشفا (1 / 343) : وتقصیر اللحیة حسنٌ کما مرَّ ، وهیئته تحصل بقصِّ ما زاد علی القبضة ، ویؤخذ من طولها أیضاً ، وأمّا حلقها فمنهیٌّ عنه لأنّه عادة المشرکین. ف)

ص: 199


1- شرح صحیح مسلم للنووی : 3 / 149.
2- عبارة (وفّروها) هی شرح المناوی لکلمة (أعفوا) فی الحدیث : «أَحفوا الشوارب وأعفوا اللحی».
3- الإحسان فی صحیح ابن حبّان : 12 / 288 ح 5475.
4- هامش شرح الخفاجی : 1 / 343. (المؤلف)

7 - قال الشوکانی فی نیل الأوطار (1) : إعفاء اللحیة توفیرها کما فی القاموس ، وفی روایة للبخاری : وفّروا اللحی. وفی روایة أخری لمسلم : أوفوا اللحی. وهو بمعناه ، وکان من عادة الفرس قصُّ اللحیة ، فنهی الشارع عن ذلک وأمر بإعفائها. قال القاضی عیاض : یکره حلق اللحیة وقصّها وتحریقها ، وأمّا الأخذ من طولها وعرضها فحسنٌ ، ثم نقل الأقوال فی حدِّ ما زاد.

وقال (2) فی (ص 142) : قد حصل من مجموع الأحادیث خمس روایات : اعفوا ، وأوفوا ، وأرخوا ، وارجوا ، ووفّروا. ومعناها کلّها ترکها علی حالها. قوله : خالفوا المجوس. قد سبق أنّه کان من عادة الفرس قصُّ اللحیة ، فنهی الشرع عن ذلک.

8 - فی شرح راموز الحدیث (1 / 141) : أشار إلی العلّة فی خبر ابن حبّان : المجوس ، بدل الیهود ، وفی آخر : المشرکین. وفی أخری : کسری. قال العراقی : المشهور : أنَّه فعل المجوس ، فکره الأخذ من اللحیة ، واختلف السلف فیما طال. ثم نقل الأقوال التی ذکرناها.

9 - أحسن کلمة تجمع شتات الفتاوی وآراء أئمّة المذاهب فی المسألة ما أفاده الأستاذ محفوظ فی الإبداع فی مضارّ الابتداع (3) (ص 405) قال : ومن أقبح العادات ما اعتاده الناس الیوم من حلق اللحیة وتوقیر الشارب ، وهذه البدعة کالتی قبلها سرت إلی المصریِّین من مخالطة الأجانب واستحسان عوائدهم حتی استقبحوا محاسن دینهم وهجروا سنّة نبیّهم محمد صلی الله علیه وآله وسلم ، فعن ابن عمر رضی الله عنه عن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم قال : «خالفوا المشرکین وفّروا اللحی واحفوا الشوارب». وکان ابن عمر إذا حجَّ أو اعتمر قبض ف)

ص: 200


1- نیل الأوطار : 1 / 132 - 133.
2- نیل الأوطار : 1 / 138 -
3- تألیف الأستاذ الکبیر الشیخ علی محفوظ أحد مدرّسی الأزهر الشریف ، الطبعة الرابعة. (المؤلف)

علی لحیته فما فضل أخذه. رواه البخاری (1). وروی مسلم (2) عن ابن عمر أیضاً عن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم قال : «احفوا الشوارب واعفوا اللحی». إلی أن قال بعد ذکر عدّةٍ من أحادیث الباب : والأحادیث فی ذلک کثیرة وکلّها نصٌ فی وجوب توقیر اللحی وحرمة حلقها والأخذ منها علی ما سیأتی.

ولا یخفی أن قوله : خالفوا المشرکین ، وقوله خالفوا المجوس ، یؤیّدان الحرمة ، فقد أخرج أبو داود (3) وابن حبّان وصحّحه عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «من تشبّه بقوم فهو منهم». وهو غایة فی الزجر عن التشبّه بالفسّاق أو بالکفّار فی أیّ شیء ممّا یختصّون به من ملبوس أو هیئة ، وفی ذلک خلاف العلماء ، منهم من قال بکفره وهو ظاهر الحدیث ، ومنهم من قال : لا یکفّر ولکن یؤدّب.

فهذان الحدیثان بعد کونهما أمرین دالاّن علی أنَّ هذا الصنع من هیئات الکفّار الخاصّة بهم إذ النهی إنّما یکون عمّا یختصّون به. فقد نهانا صلی الله علیه وآله وسلم عن التشبّه بهم عامّا فی قوله : «من تشبّه» ومن أفراد هذا العامّ حلق اللحیة. وخاصّا فی قوله : «وفّروا اللحی ، خالفوا المجوس ، خالفوا المشرکین».

ثم ما تقدّم من الأحادیث لیس علی إطلاقه ، فقد روی الترمذی (4) عن عبد الله ابن عمرو بن العاص قال : کان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یأخذ من لحیته من عرضها وطولها. وروی أبو داود والنسائی : أنَّ ابن عمر کان یقبض علی لحیته فیقطع ما زاد علی الکفِّ. وفی لفظ : ثم یقصّ ما تحت القبضة. وذکره البخاری (5) تعلیقاً. فهذه الأحادیث تقیّد ما رویناه آنفاً. فیُحْمل الإعفاء علی إعفائها من أن یأخذ غالبها أو کلّها. 3.

ص: 201


1- صحیح البخاری : 5 / 2209 ح 5553.
2- صحیح مسلم 1 / 282 ح 259 کتاب الطهارة.
3- سنن أبی داود : 4 / 44 ح 4031.
4- سنن الترمذی : 5 / 87 ح 2762.
5- صحیح البخاری : 5 / 2209 ح 5553.

وقد اتّفقت المذاهب الأربعة علی وجوب توفیر اللحیة وحرمة حلقها والأخذ القریب منه :

الأوّل : مذهب الحنفیّة. قال فی الدرّ المختار (1) : ویحرم علی الرجل قطع لحیته وصرّح فی النهایة بوجوب قطع ما زاد علی القبضة بالضمِّ ، وأمّا الأخذ منها وهی دون ذلک کما یفعله بعض المغاربة ومخنّثة الرجال فلم یبحه أحدٌ. وأخذ کلّها فعل یهود الهند ومجوس الأعاجم. انتهی. وقوله : وما وراء ذلک یجب قطعه. هکذا عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أنّه کان یأخذ من اللحیة من طولها وعرضها ، کما رواه الإمام الترمذی فی جامعه ، ومثل ذلک فی أکثر کتب الحنفیّة.

الثانی : مذهب السادة المالکیّة حرمة حلق اللحیة وکذا قصّها إذا کان یحصل به مثلة. وأمّا إذا طالت قلیلاً وکان القصّ لا یحصل به مثلة فهو خلاف الأولی أو مکروهٌ ، کما یؤخذ من شرح الرسالة لأبی الحسن وحاشیته للعلاّمة العدوی رحمهم الله.

الثالث : مذهب السادة الشافعیّة. قال فی شرح العباب : فائدةٌ : قال الشیخان : یکره حلق اللحیة. واعترضه ابن الرفعة بأنَّ الشافعی رضی الله عنه نصَّ فی الأُمّ علی التحریم. وقال الأذرعی : الصواب تحریم حلقها جملة لغیر علّة بها. انتهی. ومثله فی حاشیة ابن قاسم العبادی علی الکتاب المذکور.

الرابع : مذهب السادة الحنابلة نصَّ فی تحریم حلق اللحیة. فمنهم من صرّح بأنَّ المعتمد حرمة حلقها. ومنهم من صرّح بالحرمة ولم یحک خلافاً کصاحب الإنصاف ، کما یُعلم ذلک بالوقوف علی شرح المنتهی وشرح منظومة الآداب وغیرهما. 5.

ص: 202


1- الدرّ المختار : ص 325.

وممّا تقدّم تعلم أنَّ حرمة حلق اللحیة هی دین الله وشرعه الذی لم یُشرّع لخلقه سواه ، وأنَّ العمل علی غیر ذلک سفه وضلالة ، أو فسق وجهالة ، أو غفلة عن هدی سیدنا محمد صلی الله علیه وآله وسلم. انتهی.

نعم ؛ لم یکن الشبلی ولا الحافظ الذی یثنی علیه بحلق لحیته فی حبِّ الله ، ولا الحفّاظ الآخرون الذین أطنبوا القول حول لحیة أبی بکر الصدّیق محتاجین إلی اللحیة ، بل کانوا یفتقرون إلی عقل تام ، کما جاء فیما ذکره السمعانی فی الأنساب (1) فی الرستمی عن مطین (2) بن أحمد ، قال : رأیت النبیَّ صلی الله علیه وآله وسلم فی المنام فقلت له : یا نبیَّ الله أشتهی لحیة کبیرة. فقال : لحیتک جیّدة وأنت محتاج إلی عقل تامّ.

- 57 -

عمود نور من السماء إلی قبر الحنبلی

ذکر ابن العماد الحنبلی فی شذرات الذهب (3) (3 / 46) فی ترجمة أبی بکر عبد العزیز بن جعفر الحنبلیّ المعروف بغلام الخلاّل المتوفّی سنة (363) قال : حکی أبو العبّاس بن أبی عمرو الشرابیّ ، قال : کان لنا ذات لیلة خدمة أمسیت لأجلها ، ثم إنّی خرجت منها نوبة الناس (4) وتوجّهت إلی داری بباب الأزج ، فرأیت عمود نور من جوف السماء إلی جوف المقبرة ، فجعلت أنظر إلیه ولا ألتفت خوفاً أن یغیب عنّی ، إلی أن وصلت إلی قبر أبی بکر عبد العزیز ، فإذا أنا بالعمود من جوف السماء إلی القبر ، فبقیت متحیّراً ومضیت وهو علی حاله.

قال الأمینی : أبو بکر الحنبلی هذا هو شیخ الحنابلة وعالمهم فی عصره صاحب س.

ص: 203


1- الأنساب : 3 / 63.
2- فی الأنساب : مطیّار.
3- شذرات الذهب : 4 / 336 حوادث سنة 363 ه.
4- فی المصدر : نومة الناس.

التصانیف ، وهو الراوی من الخلاّل عن الحمصیّ عن إمام الحنابلة أحمد : أنَّه سُئل عن التفضیل فقال : من قدّم علیّا علی أبی بکر فقد طعن علی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، ومن قدّمه علی عمر فقد طعن علی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وعلی أبی بکر ، ومن قدّمه علی عثمان فقد طعن علی أبی بکر وعمر وعثمان وعلی أهل الشوری والمهاجرین والأنصار.

ولیت مثقال ذرّة من ذلک النور الخیالیِّ الممتدِّ من قبر الرجل سطع علی مکمن بصیرته إبّان حیاته ، فلا یخضع لکلمة شیخه التافهة هذه التی تخالف الکتاب والسنّة ، وإنَّ مقدار الرجل ینبو عن التدخّل فی هذا الشأن العظیم الذی لیس هو من رجاله لکن حنَّ قِدحٌ لیس منها (1) أنّی یقع قوله فی التفضیل مع آیتی المباهلة والتطهیر؟ ومقتضی الأولی اتّحاد مولانا أمیر المؤمنین علیه السلام مع صنوه النبیِّ الأعظم صلی الله علیه وآله وسلم فیما یمکن اتّحاد شخصین فیه ، ولیست هی إلاّ الفضائل والفواضل والمکارم والمآثر ما خلا النبوّة ، فما ظنّک برجل یوازنه صلی الله علیه وآله وسلم فیما ذکرناه من الفضل؟ ألیس من السخف أن یقال : من قدّم علیّا. إلی آخره؟ ومقتضی الثانیة عصمته صلوات الله علیه عن جمیع الذنوب والمعاصی ، وهل یوازی المعصوم من یجترح السیّئات ویقترف الآثام؟ لکن صاحب النور یروی : من قدّم علیّا. الی آخره. ولا یبالی بما یروی.

فمقتضی المقام أن یقال : من قدّم أحداً علی مولانا أمیر المؤمنین فقد طعن علی الکتاب الکریم ومن صدع به صلی الله علیه وآله وسلم ومن أنزله جلّت عظمته.

وأنّی یقع قول صاحب النور المرویّ عن إمامه أحمد أمام السنّة المتواترة الواردة من شتّی النواحی فی فضل الإمام صلوات الله علیه المتقدّمة فی الأجزاء السابقة من هذا الکتاب (2)؟ فمن قدّمه سلام الله علیه علی أبی بکر وصاحبیه فقد جاء ف)

ص: 204


1- مجمع الأمثال : 1 / 341 رقم 1018.
2- وسیوافیک قول أحمد وجمع آخرین من أئمّة الحدیث : لم یرد فی حق أحد من الصحابة بالأسانید الحسان أکثر ممّا جاء فی حقّ علیّ بن أبی طالب. وقول حبر الأمّة ابن عباس : ما نزل فی أحد من کتاب الله ما نزل فی علیّ علیه السلام. (المؤلف)

بالحجّة البالغة ، والنور الساطع ، وأخذ بالعروة الوثقی التی لا انفصام لها.

- 58 -

تمرٌ ینقلب رطباً لابن سمعون

أخرج الخطیب فی تاریخه (1 / 275) قال : حدّثنا أبو بکر محمد بن محمد الطاهری قال : سمعت أبا الحسین بن سمعون (1) یذکر أنّه خرج من مدینة الرسول صلی الله علیه وآله وسلم قاصداً بیت المقدس ، وحمل فی صحبته تمراً صیحانیّا ، فلمّا وصل إلی بیت المقدس ترک التمر مع غیره من الطعام فی الموضع الذی کان یأوی إلیه ، ثم طالبته نفسه بأکل الرطب فأقبل علیها باللائمة وقال : من أین لنا فی هذا الموضع رطب؟ فلمّا کان وقت الإفطار عمد إلی التمر لیأکل منه فوجده رطباً صیحانیّا!! فلم یأکل منه شیئاً ، ثم عاد إلیه من الغد عشیّة فوجده تمراً علی حالته الأولی فأکل منه.

وذکره ابن العماد فی الشذرات (2) (3 / 126).

- 59 -

ابن سمعون یخبر عمّا یراه النائم

أخرج ابن الجوزی فی المنتظم (3) (7 / 199) من طریق أبی بکر الخطیب البغدادی ، عن أبی طاهر محمد بن علیّ بن العلاّف ، قال : حضرت أبا الحسین بن سمعون یوماً فی مجلس الوعظ وهو جالسٌ علی کرسیّه یتکلّم ، وکان أبو الفتح القوّاس جالساً إلی جنب الکرسیِّ فغشیه النعاس ونام ، فأمسک أبو الحسین عن الکلام ساعة 7.

ص: 205


1- الواعظ الشهیر الإمام القدوة الناطق بالحکمة کما فی المنتظم [15 / 3 رقم 2937] ، والشذرات [4 / 467 حوادث سنة 387]. توفّی 387. (المؤلف)
2- شذرات الذهب : 4 / 468 حوادث سنة 387.
3- المنتظم : 15 / 4 رقم 2937.

حتی استیقظ أبو الفتح ورفع رأسه فقال له أبو الحسین : رأیت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی نومک؟ قال : نعم ، فقال أبو الحسین : لذلک أمسکت عن الکلام خوفاً أن تنزعج وتنقطع عمّا کنت فیه!

- 60 -

ابن سمعون وصبیّة الرصّاص

قال ابن الجوزی فی المنتظم (1) (7 / 198) : حُکی أنَّ الرصّاص الزاهد کان یقبّل رجل ابن سمعون دائماً فلا یمنعه ، فقیل له فی ذلک فقال : کان فی داری صبیّة خرج فی رِجلها الشوکة ، فرأیت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی النوم ، فقال لی : قل لابن سمعون یضع رجله علیها فإنَّها تبرأ. فلمّا کان من الغد بکرت إلیه ، فرأیته قد لبس ثیابه ، فسلّمت علیه فقال : بسم الله ، فقلت : لعلَّ له حاجة ، أمضی معه وأعرض علیه فی الطریق حدیث الصبیّة ، فجاء إلی داری فقال : بسم الله. فدخلت وأخرجت الصبیّة إلیه وقد طرحت علیها شیئاً ، فترک رجله علیها وانصرف ، وقامت الجاریة معافاة فأنا أُقبّل رِجله أبداً.

- 61 -

ملک ینزل لأبی المعالی

کان أبو المعالی البغدادی المتوفّی (496) من الصلحاء الزهاد ، ذکر أنّه أصابته فاقة شدیدة فی شهر رمضان ، فعزم علی الذهاب إلی بعض الأصحاب لیستقرض منه شیئاً ، قال : فبینما أنا أُریده إذا بطائر قد سقط علی کتفی وقال : یا أبا المعالی أنا الملک الفلانیّ ، لا تمض إلیه نحن نأتیک به. قال : فبکر إلیَّ الرجل. 7.

ص: 206


1- المنتظم : 15 / 3 رقم 2937.

رواه ابن الجوزی فی المنتظم (9 / 136) ، وابن کثیر فی تاریخه (12 / 163) (1).

ألا تعجب من ابن الجوزی لا یمرُّ علی منقبة من مناقب آل الرسول صلی الله علیه وآله وسلم إلاّ وحکم علیها بالوضع أو الضعف أو الوهن ، لکنّه یرسل هذه الخزعبلات إرسال المسلّم ، ولا ینبس فی إسنادها ببنت شفة ، ولا فی متونها بما یقتضیه المقام من التفنید والإحالة؟! کلّ ذلک لأنّه غالٍ فیمن یحبّهم ، وقالٍ لمن یشنؤهم.

- 62 -

الله یکلّم أبا حامد الغزالی

قال صاحب مفتاح السعادة (2) (2 / 194) : قال أبو حامد الغزالی (3) فی بعض مؤلّفاته : کنت فی بدایتی منکراً لأحوال الصالحین ومقامات العارفین حتی حظیت بالواردات ، فرأیت الله تعالی فی المنام! فقال لی یا أبا حامد قلت : أو الشیطان یکلّمنی؟ قال : لا. بل أنا الله المحیط بجهاتک الستّ ، ثم قال : یا أبا حامد ذر أساطیرک وعلیک بصحبة أقوام جعلتهم فی أرضی محلّ نظری ، وهم أقوامٌ باعوا الدارین بحبّی. فقلت : بعزّتک إلاّ أذقتنی برد حسن الظنِّ بهم. فقال : قد فعلت ذلک والقاطع بینک وبینهم تشاغلک بحبِّ الدنیا ، فاخرج منها مختاراً قبل أن تخرج منها صاغراً ، فقد أمضیت علیک نوراً من أنوار قدسی ، فقم وقل. قال : فاستیقظت فرحاً مسروراً ، وجئت إلی شیخی یوسف النسّاج فقصصت علیه المنام فتبسّم وقال : یا أبا حامد هذا ألواحنا فی البدایة فمحوناها ، بلی إن صحبتنی سأکحل بصر بصیرتک بأثمد ف)

ص: 207


1- المنتظم : 17 / 82 رقم 3734 ، البدایة والنهایة : 12 / 201 حوادث سنة 496 ه.
2- مفتاح السعادة : 2 / 303.
3- أبو حامد محمد بن محمد الطوسی الشافعی حجّة الإسلام الغزالی صاحب کتاب إحیاء علوم الدین ، ولد بطوس 450 وتوفی 505. (المؤلف)

التأیید حتی تری العرش ومن حوله ، ثم لا ترضی بذلک حتی تشاهد ما لا تدرکه الأبصار فتصفو من کدر طبیعتک ، وترتقی علی طور عقلک ، وتسمع الخطاب من الله تعالی - کما کان لموسی علیه السلام - : (أَنَا اللهُ رَبُّ الْعالَمِینَ) (1).

قال الأمینی : مادح نفسه یقرئک السلام لیت شعری هل کان یضیق فم الشیطان عن أن یقول : أنا الله المحیط بجهاتک الستّ ، کما لم تضق أفواه المدّعین للربوبیّة فی سالف الدهر؟ فمن أین عرف الغزالی بصرف الدعوی أنَّه هو الله؟ ولما ذا لم یحتمل بعدُ أنّه هو الشیطان؟ وإن کان قد صدّق الرؤیا وأذعن بأنَّ الله هو الذی خاطبه فلما ذا لم یدع الأساطیر وقد خوطب ب : ذر الأساطیر. ولم ینسج علی نول النسّاج شیخه إلاّ التافهات؟!

ولیته کان یوجد فی صیدلیّة النسّاج کحلٌ آخر یحدُّ بصر الغزالی وبصیرته حتی لا یبوء بإثم کبیر ممّا فی إحیائه من ریاضیّات غیر مشروعة محبّذة من قبله کقصّة لصّ الحمّام وغیرها ، وحدیث منعه عن لعن یزید اللعین فی باب آفات اللسان إلی أمثاله الکثیر الباطل.

وما أحدَّ أثمد النسّاج الذی یترک من اکتحل به لا یرضی بعد رؤیته العرش ومن حوله ، حتی یشاهد ما لا تدرکه الأبصار ، ویسمع الخطاب - کما سمعه موسی (أَنَا اللهُ رَبُّ الْعالَمِینَ).

وأنا إلی الغایة لا أدری أنَّ موسی علیه السلام المشارک له فی السماع هل شارکه فی الرؤیة؟ ولعلَّ صاحب الهذیان یجد نفسه مربیة علی نبیِّ الله موسی الذی هو من أُولی العزم من الرسل ، وخوطب بقول الله العزیز : لن ترانی یا موسی! هکذا فلیکن السالک المجاهد الغزّال! 0.

ص: 208


1- القصص : 30.

- 63 -

ید الغزالی فی ید سیّد المرسلین

قال الشیخ الإمام الزاهد شمس الدین أبو عبد الله محمد بن محمد الجلالی النسائی الشافعی : رأیت فی بعض تصانیف الشیخ الإمام مسعود الطرازی : أنَّ الإمام أبا حامد الغزالی رضی الله عنه کان قد أوصی أن یلحده الشیخ أبو بکر النسّاج الطوسی تلمیذ الشیخ الإمام أبی القاسم الکرسانی ، قال : فلمّا ألحده وخرج من اللحد خرج متغیّراً منتقع اللون ، فقیل له فی ذلک فلم یخبر بشیء ، فأقسموا علیه بالله إلاّ ما أخبرتهم ، فقال : إنّی لمّا وضعته فی اللحد شاهدت یداً یُمنی قد خرجت من تجاه القبلة ، وسمعت هاتفاً یقول ضع ید محمد الغزالی فی ید سیّد المرسلین محمد المصطفی العربیّ صلی الله علیه وآله وسلم ، فوضعتها فیها ثم خرجت کما ترون أو کما قال قدّس الله روحه العزیز (1).

لقد علم الغزالی أنَّ للنسّاج علیه یداً واجبة بتکحیله بأثمده المتقدّم ذکره ، فکان منه بدء هدایته ، فأحبَّ أن یکون هو المجهّز له فی الغایة ، وعرف أنَّ الرجل نسیج وحده فی وشی الخرافات ، فأوصی إلیه ما أوصی ، وأحسب أنَّ ید الغزالی التی وضعها فی ید النبیِّ محمد صلی الله علیه وآله وسلم غیر التی حمل القلم الذی خطَّ به کتاب الإحیاء المشحون بالأباطیل والأضالیل أو غیره من کتبه التی تحوی أمثال قصّة الرؤیة والأثمد.

- 64 -

إحیاء العلوم للغزالی

عن الإمام أبی الحسن المعروف بابن حرازم - ویقال : ابن حرزم - وکان مطاعاً فی بلاد المغرب أنّه لمّا وقف علی إحیاء العلوم للغزالی أمر بإحراقه. وقال : هذا بدعةٌ ف)

ص: 209


1- مفتاح السعادة : 2 / 207 [2 / 314]. (المؤلف)

مخالفٌ للسنّة ، فأمر بإحضار ما فی تلک البلاد من نسخ الإحیاء ، فجمعوا وأجمعوا علی إحراقها یوم الجمعة ، وکان إجماعهم یوم الخمیس ، فلمّا کان لیلة الجمعة رأی أبو الحسن فی المنام کأنّه دخل من باب الجامع ، ورأی فی رکن المسجد نوراً وإذا بالنبیِّ صلی الله علیه وآله وسلم وأبی بکر وعمر جلوسٌ والإمام الغزالی قائمٌ وبیده الإحیاء وقال : یا رسول الله هذا خصمی ، ثم جثا علی رکبتیه وزحف علیهما إلی أن وصل إلی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فناوله کتاب الإحیاء وقال : یا رسول الله انظر فیه فإن کان فیه بدعةٌ مخالفةٌ لسنّتک کما زعم تبت إلی الله ، وإن کان شیئاً تستحسنه حصل لی من برکتک فأنصفنی من خصمی ، فنظر فیه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ورقةً ورقةً إلی آخره ثم قال : والله إنَّ هذا شیءٌ حسن ، ثم ناوله أبا بکر رضی الله عنه فنظر فیه کذلک ، ثم قال : نعم ، والذی بعثک بالحقِّ یا رسول الله إنَّه لحسنٌ. ثم ناوله عمر رضی الله عنه فنظر فیه کذلک ، ثم قال کما قال أبو بکر رضی الله عنه ، فأمر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بتجرید أبی الحسن وضربه حدّ المفتری ، فجُرِّد وضُرب ثم شفع فیه أبو بکر بعد خمسة أسواط وقال : یا رسول الله إنَّما فعل ذلک اجتهاداً فی سنّتک وتعظیماً. فعفا عنه أبو حامد عند ذلک ، فلمّا استیقظ أبو الحسن من منامه وأصبح أعلم أصحابه بما جری ومکث قریباً من الشهر مُتألّماً من الضرب ، ثم سکن عنه الألم ومکث إلی أن مات وأثر السیاط علی ظهره ، وصار ینظر کتاب الإحیاء ویعظّمه وینتحله أصلاً أصیلاً.

وفی لفظ الیافعی : وبقیت متوجّعاً لذلک خمساً وعشرین لیلة ، ثم رأیت النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم جاء ومسح علیَّ وتوّبنی فشفیت ونظرت فی الإحیاء ففهمته غیر الفهم الأوّل. وذکره السبکی فی طبقاته (1) (4 / 132) وقال : هذه حکایة صحیحة حکاها لنا جماعةٌ من ثقات مشیختنا عن الشیخ العارف ولیّ الله سیّدی یاقوت الشاذلی ، عن شیخنا السیّد الکبیر ولیّ الله أبی العبّاس المرسی ، عن شیخه الشیخ الکبیر ولیّ الله أبی 0.

ص: 210


1- طبقات الشافعیة : 6 / 259 - 260.

الحسن الشاذلی قدس الله تعالی أسرارهم (1).

وذکره المولی أحمد طاش کبری زاده فی مفتاح السعادة (2) (2 / 209) ، والیافعی فی مرآة الجنان (3 / 332).

وقال السبکی فی طبقاته (3) (4 / 113) : کان فی زماننا شخصٌ یکره الغزالی ویذمّه ویستعیبه فی الدیار المصریّة ، فرأی النبیَّ صلی الله علیه وآله وسلم فی المنام وأبا بکر وعمر بجانبه ، والغزالی جالسٌ بین یدیه وهو یقول : یا رسول الله هذا یتکلّم فیَّ ، وأنَّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم قال : هاتوا السیاط ، وأمر به فضرب لأجل الغزالی ، وقام هذا الرجل من النوم وأثر السیاط علی ظهره ، ولم یزل یبکی ویحکیه للناس. وسنحکی منام أبی الحسن بن حرزم المغربی المتعلّق بکتاب الإحیاء وهو نظیر هذا.

قال الأمینی : نعمّا هی لو صدقت الأحلام! إنّا نحن نربأ بصاحب الرسالة عن الإصفاق علی تصدیق مثل هذا الکتاب الذی هو فی کثیر من مواضیعه علی الطرف النقیض لما صدع به من شریعته المقدّسة ، ولیست أباطیل الغزالی بألغاز لا یحلّها إلاّ الفنّی فیها ، وإنّما هی سرد متعارف یعرفها کلُّ من وقف علیها من أهل العلم ، ولیس فهمها قصراً علی قوم دون آخرین ، فهی فتق لا یُرتق ، وصدع لا یُرأب.

قال ابن الجوزی فی المنتظم (4) (9 / 169) : أخذ فی تصنیف کتاب الإحیاء فی القدس ثم أتمّه بدمشق إلاّ أنّه وضعه علی مذهب الصوفیّة وترک فیه قانون الفقه مثل أنّه ذکر فی محو الجاه ومجاهدة النفس : أنَّ رجلاً أراد محو جاهه فدخل الحمّام فلبس ثیاب غیره ، ثم لبس ثیابه فوقها ، ثم خرج یمشی علی مهل حتی لحقوه فأخذوها منه 9.

ص: 211


1- مفتاح السعادة : 2 / 315.
2- کذا حکی عن السبکی ، والمطبوع من طبقاته یخالفه فی بعض الألفاظ. (المؤلف)
3- طبقات الشافعیة : 6 / 218 - 219.
4- المنتظم 17 / 125 رقم 3799.

وسمّی سارق الحمّام ، وذکر مثل هذا علی سبیل التعلیم للمریدین قبیحٌ ، لأنَّ الفقه یحکم بقبح هذا ، فإنّه متی کان للحمّام حافظٌ وسرق سارقٌ قطع ، ثم لا یحلُّ لمسلم أن یتعرّض بأمر یأثم الناس به فی حقّه. وذکر أنَّ رجلاً اشتری لحماً فرأی نفسه تستحیی من حمله إلی بیته فعلّقه فی عنقه ومشی ، وهذا فی غایة القبح ، ومثله کثیرٌ لیس هذا موضعه ، وقد جمعت أغلاط الکتاب وسمّیته : إعلام الأحیاء بأغلاط الإحیاء. وأشرت إلی بعض ذلک فی کتابی المسمّی بتلبیس إبلیس (1) مثل ما ذکر فی کتاب النکاح ؛ أنّ عائشة قالت صلی الله علیه وآله وسلم : أنت الذی تزعم أنّک رسول الله. وهذا محالٌ. إلی أن قال :

وذکر فی کتاب الإحیاء من الأحادیث الموضوعة وما لا یصحُّ غیر قلیل ، وسبب ذلک قلّة معرفته بالنقل ، فلیته عرض تلک الأحادیث علی من یعرف ، وإنّما نقَل نقْل حاطب لیل. وکان قد صنّف للمستظهر کتاباً فی الردِّ علی الباطنیّة ، وذکر فی آخر مواعظ الخلفاء فقال : روی أنّ سلیمان بن عبد الملک بعث إلی أبی حازم : ابعث إلیَّ من إفطارک. فبعث إلیه نخالة مقلوّة ، فبقی سلیمان ثلاثة أیّام لا یأکل ، ثم أفطر علیها وجامع زوجته ، فجاءت بعبد العزیز ، فلمّا بلغ ولد له عمر بن عبد العزیز. وهذا من أقبح الأشیاء لأنَّ عمر ابن عمِّ سلیمان وهو الذی ولاّه ، فقد جعله ابن ابنه ، فما هذا حدیث من یعرف من النقل شیئاً أصلاً. إلی آخره.

وقال ابن الجوزی فی تلبیس إبلیس (ص 352) : قد حکی أبو حامد الغزالی فی کتاب الإحیاء قال : کان بعض الشیوخ فی بدایة إرادته یکسل عن القیام ، فألزم نفسه القیام علی رأسه طول اللیل لتسمح نفسه بالقیام عن طوع. قال : وعالج بعضهم حبَّ المال بأن باع جمیع ماله ورماه فی البحر إذ خاف من تفرقته علی الناس رعونة الجود وریاء البذل. قال : وکان بعضهم یستأجر من یشتمه علی ملأ من الناس لیعوّد نفسه الحلم. قال : وکان آخر یرکب البحر فی الشتاء عند اضطراب الموج لیصیر شجاعاً. 3.

ص: 212


1- تلبیس إبلیس : ص 352 - 363.

ثم قال : قال المصنّف رحمه الله : أعجب من جمیع هؤلاء عندی أبو حامد کیف حکی هذه الأشیاء ولم ینکرها؟ وکیف ینکرها وقد أتی بها فی معرض التعلیم؟ وقال قبل أن یورد هذه الحکایات : ینبغی للشیخ أن ینظر إلی حالة المبتدئ ، فإن رأی معه مالاً فاضلاً عن قدر حاجته أخذه وصرفه فی الخیر ، وفرّغ قلبه منه حتی لا یلتفت إلیه. وإن رأی الکبریاء قد غلب علیه أمره أن یخرج إلی السوق للکدّ ویکلّفه السؤال والمواظبة علی ذلک. وإن رأی الغالب علیه البطالة استخدمه فی بیت الماء وتنظیفه وکنس المواضع القذرة وملازمة المطبخ ومواضع الدخان. وإن رأی شره الطعام غالباً علیه ألزمه الصوم ، وإن رآه عزباً ولم تنکسر شهوته بالصوم أمره أن یفطر لیلة علی الماء دون الخبز ولیلة علی الخبز دون الماء ویمنعه اللحم رأساً. فقال :

قلت : وإنّی لأتعجّب من أبی حامد کیف یأمر بهذه الأشیاء التی تخالف الشریعة؟ وکیف یحلّ القیام علی الرأس طول اللیل فینعکس الدم إلی وجهه ویورثه ذلک مرضاً شدیداً ، وکیف یحلّ رمی المال فی البحر؟ وقد نهی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم عن إضاعة المال. وهل یحلّ سبّ مسلم بلا سبب؟ وهل یجوز للمسلم أن یستأجر علی ذلک؟ وکیف یجوز رکوب البحر زمان اضطرابه؟ وذاک زمان قد سقط فیه الخطاب بأداء الحجّ ، وکیف یحلُّ السؤال لمن یقدر أن یکتسب؟ فما أرخص ما باع أبو حامد الغزالی الفقه بالتصوّف!

وقال : وحکی أبو حامد : أنَّ أبا تراب النخشبی قال لمرید له : لو رأیت أبا یزید مرّة واحدة کان أنفع لک من رؤیة الله سبعین مرّة. فقال : قلت : وهذا فوق الجنون بدرجات.

هذه جملةٌ من کلمات ابن الجوزی حول إحیاء العلوم ، ومن أمعن النظر فی أبحاث هذا الکتاب یجده أشنع ممّا قاله ابن الجوزی ، وحسبک ما جاء به من حلّیّة الغناء والملاهی وسماع صوت المغنّیة الأجنبیّة والرقص واللعب بالدرق والحراب ،

ص: 213

ونسبة کلّ ذلک إلی نبیِّ القداسة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، فقال (1) بعد سرد جملة من الموضوعات تدعیماً لرأیه السخیف : فیدلّ هذا علی أنَّ صوت النساء غیر محرّم تحریم صوت المزامیر ، بل إنَّما یحرم عند خوف الفتنة ، فهذه المقاییس والنصوص تدلُّ علی إباحة الغناء ، والرقص ، والضرب بالدفِّ ، واللعب بالدرق والحراب ، والنظر إلی رقص الحبشیّة والزنوج فی أوقات السرور کلّها قیاساً علی یوم العید فإنَّه وقت سرور ، وفی معناه یوم العرس ، والولیمة ، والعقیقة ، والختان ، ویوم القدوم من السفر ، وسائر أسباب الفرح وهو کلّ ما یجوز به الفرح شرعاً ، ویجوز الفرح بزیارة الإخوان ولقائهم واجتماعهم فی موضع واحد علی طعام أو کلام فهو أیضاً مظنّة السماع. ثم ذکر سماع العشّاق تحریکاً للشوق وتهییجاً للعشق وتسلیةً للنفس. وفصّل القول فی ذلک بما لا طائل تحته ، وخلط الحابل بالنابل ، وجمع فیه بین الفقه المزیّف وبین السلوک بلا فقاهة.

ومن طامّات کتاب الإحیاء أو من شواهد جهل مؤلّفه المبیر ومبلغه من الدین والورع رأیه الساقط فی اللعن ، قال (2) فی (3 / 121) : وعلی الجملة ففی لعن الأشخاص خطرٌ فلیجتنب ، ولا خطر فی السکوت عن لعن إبلیس مثلاً فضلاً عن غیره ، فإن قیل : هل یجوز لعن یزید لأنَّه قاتل الحسین أو أمره به؟ قلنا : هذا لم یثبت أصلاً ، فلا یجوز أن یقال : إنّه قتله ، أو أمر به ما لم یثبت فضلاً عن اللعنة ، لأنّه لا تجوز نسبة مسلم إلی کبیرة من غیر تحقیق. ثم ذکر أحادیث فی النهی عن لعن الأموات فقال :

فإن قیل : فهل یجوز أن یقال : قاتل الحسین لعنه الله ، أو الآمر بقتله لعنه الله؟ قلنا : الصواب أن یقال : قاتل الحسین إن مات قبل التوبة لعنه الله لأنَّه یُحتمل أن یموت بعد التوبة ، فإنَّ وحشیّا قاتل حمزة عمِّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قتله وهو کافرٌ ، ثم تاب عن 0.

ص: 214


1- راجع إحیاء العلوم : 2 / 276 [2 / 257]. (المؤلف)
2- إحیاء علوم الدین : 3 / 120.

الکفر والقتل جمیعاً ، ولا یجوز أن یلعن والقتل کبیرة ، ولا تنتهی إلی رتبة الکفر ، فإذا لم یقیّد بالتوبة وأُطلق کان فیه خطرٌ ، ولیس فی السکوت خطرٌ فهو أولی. انتهی.

فهلمّ معی أیّها القارئ الکریم إلی هذه التافهات المودوعة فی غضون إحیاء العلوم ، هل یراها النبیّ الأعظم صلی الله علیه وآله وسلم شیئاً حسناً ، وحلف بذلک؟ وهل سرّه دفاع الرجل عن إبلیس اللعین أو عن جروه یزید الطاغیة الذی أبکی عیون آل الله وعیون صلحاء أُمّة محمد صلی الله علیه وآله وسلم فی ریحانته إلی الأبد؟!

وهل یحقُّ لمسلم صحیح یُنزّه عن النزعة الأمویّة الممقوتة ، ویطّلع علی فقه الإسلام وطقوسه ، ویعلم تاریخ الأُمّة ، ویعرف نفسیّات أبناء بیت أُمیّة الساقط ، ولا یجهل أو لا یتجاهل بما أتت به ید یزید الطاغیة الأثیمة ، وما نطق به ذلک الفاحش المتفحّش ، وما أحدثه فی الإسلام من الفحشاء والمنکر ، وما ثبت عنه من أفعاله وتروکه ، وما صدر عنه من بوائق وجرائم وجرائر ، أن یدافع عنه بمثل ما أتی به هذا المتصوّف الثرثار البعید عن العلوم الدینیّة وحیاتها؟ وهو لا یبالی بما یقول ، ولا یکترث لمغبّة ما خطّته یمناه الخاطئة ، والله من ورائه حسیب ، وهو نعم الحَکم العدل ، والنبیّ الأعظم ، ووصیّه الصدّیق ، والشهید السبط المفدّی هم خصماء الرجل یوم یُحشر للحساب مع یزید الخمور والفجور - ومن أحبَّ حجراً حشره الله معه - وسیذوق وبال مقاله ویری جزاء محاماته.

ولست أدری إلی الغایة أنَّ حدَّ المفتری الذی أقامه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم علی أبی الحسن بن حرازم إن کان بحقّ - ولا بدّ أن یکون ما یفعله النبیُّ حقّا - فلما ذا درأته عنه شفاعة الشیخ أبی بکر؟ ولا شفاعة فی الحدود. وإن لم یکن أبو الحسن مستحقّا له فبما ذا أقامه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ولما ذا أرجأ الشیخ رأیه فی اجتهاد ابن حرازم إلی أن جُرِّد وضُرب خمسة أسواط؟ وکیف خفی علی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ما یُدرأ به الحدُّ من شبهة الاجتهاد؟ ومن سنّته الثابتة درء الحدود بالشبهات. وهل تُقام الحدود فی عالم الطیف؟

ص: 215

- 65 -

اللامشی یسجد علی أرض النهر

قال السمعانی : سمعت أبا بکر الزاهد السمرقندی یقول : بتُّ لیلة مع الإمام اللامشی - الحسین بن علی أبی علیّ الحنفیّ المتوفّی (522) - فی بعض بساتینه ، فخرج من باب البستان نصف اللیل ومرَّ علی وجهه فقمت أنا وتبعته من حیث لا یعلم ، فوصل إلی نهر کبیر عمیق ، وخلع ثیابه ، واتّزر بمئزر وغاص فی الماء ، وبقی زماناً لا یرفع رأسه فظننت أنّه غرق فصحت وقلت : یا مسلمون غرق الشیخ. فإذا بعد ساعة قد ظهر وقال : یا بنیَّ لا نغرق. قلت : یا سیّدی ظننت أنَّک غرقت ، فقال : ما غرقت ولکن أردت أن أسجد لله سجدة علی أرض [هذا] (1) النهر ، فإنَّ هذه أرضٌ أظنُّ أنَّ أحداً ما سجد لله علیها سجدة. الجواهر المضیّة فی طبقات الحنفیّة (2) (1 / 215).

مرحی بالسخافة وزهٍ بمستسخف الناس الذین یخضعون لأمثال هذه السفاسف ، وحیّا الله هذه النَفْس التی لم یأخذ بخناقها انقطاع النَفَس طیلة تلک المدّة تحت الماء ، ولیس ذلک من خرافة القصّاصین بعجیب ، ولا عجب فإنَّ المغالاة فی الحبِّ یستسهل وقوع ما یحیله العقل.

- 66 -

الطلحی یستر سوأته بعد موته

أخرج ابن الجوزی وابن کثیر بالإسناد عن أحمد الأسواری وکان ثقةً ، وهو تولّی غسل إسماعیل بن محمد الحافظ (3) أنّه قال : أراد أن ینحِّی الخرقة عن سوأتهف)

ص: 216


1- من المصدر.
2- الجواهر المضیّة : 2 / 121 رقم 510.
3- أبو القاسم الطلحی الشافعی من أهل أصبهان ، قال ابن الجوزی : إمام فی الحدیث والتفسیر واللغة ، حافظ متقن دیّن ، ولد 459 وتوفی بأصبهان سنة 535. (المؤلف)

وقت الغسل ، فجذبها الشیخ إسماعیل من یده وغطّی فرجه ، فقال الغاسل : أحیاةٌ بعد الموت؟

المنتظم (10 / 90) ، تاریخ ابن کثیر (12 / 217) (1).

قال الأمینی : لا حیاة بعد الموت لأمثال الطلحی ، إلی یوم الوقت المعلوم ، لکن الغلوّ فی الحبِّ یُحیی ویُمیت ، ویُمیت ویُحیی.

- 67 -

طاعة الحیوانات والجمادات للمنبجی

قال الإمام أبو محمد ضیاء الدین الوتری فی روضة الناظرین (ص 36) : قال الشیخ عقیل بن شهاب الدین أحمد المنبجی العمری أحد أحفاد عمر بن الخطّاب ؛ وکان یلقّب بالغوّاص : أعطانی الله الکلمة النافذة فی کلِّ شیء ، ثم داخله وجدٌ فقام وقال : یا هوام یا حجارة یا شجر صدّقونی ، فإنّی ما ادّعیت باطلاً ، فوفدت الوحوش من الجبل وقد ملأ زئیرها وصراخها البقاع ودارت به ، ورقصت الحجارة ، فهذه صاعدةٌ وهذه نازلةٌ ، واشتبکت الأغصان بعضها ببعضها ، ثم حضر فسکت وعاد کلٌّ لما کان علیه.

وقال الوتری : کان یلقّب بالغوّاص ، وذلک لأنّه مرَّ بجماعة من تلامذة شیخه السروجی بالفرات ، ففرش سجّادته علی الماء وجلس علیها وغاص بالماء إلی الجانب الآخر ، ثم ظهر من الماء ، ولا بلل بثیابه ، فذکر ذلک إخوانه لشیخه مسلمة السروجی فقال : عقیل غوّاص. فاشتهر بذلک (2).

قال الأمینی : حقّا إنَّ تأثیر هذا الرجل فی الموالید الثلاثة أقوی من تأثیر الله ف)

ص: 217


1- المنتظم : 18 / 10 رقم 4066 ، البدایة والنهایة : 12 / 270 حوادث سنة 535 ه.
2- روضة الناظرین : ص 35. (المؤلف)

سبحانه فی تصدیقها إیّاه إن حقّقت المزاعم والتافهات! فقد جاء فی الذکر الحکیم : (وَإِنْ مِنْ شَیْءٍ إِلاَّ یُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلکِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِیحَهُمْ) (1) و (سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِی السَّماواتِ وَما فِی الْأَرْضِ) (2) و (لِلَّهِ یَسْجُدُ ما فِی السَّماواتِ وَما فِی الْأَرْضِ) (3) و (النَّجْمُ وَالشَّجَرُ یَسْجُدانِ) (4) (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ یَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِی السَّماواتِ وَمَنْ فِی الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَکَثِیرٌ مِنَ النَّاسِ) (5) ، ومع ذلک لم یسمع أحدٌ للوحوش والدوابّ نعیقاً ، وللشجر حفیفاً ، وللأحجار صعوداً وهبوطاً ، بعنوان السجدة والتسبیح ، فهو لا محالة إمّا بلسان ملکوتیّ ، أو بعنوان جعل الاستعداد ، أو الشهادة التکوینیّة التی لا تفارق کلَّ موجود علی حدّ قول القائل :

وفی کلّ شیء له آیةٌ

تدلُّ علی أنّه واحدُ

وعلیه ینزّل قوله تعالی : (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ) أی خلق ما یشهد له بأحد الوجوه المذکورة ، وإلاّ فهی دعوی لا شهادة لها إن أُرید بها ظاهرها.

أو أنَّ للموجودات فی تسبیحها وسجودها لغةً وأطواراً لا یحسّها البشر ، إلاّ من اصطفاه الله من عباده المنتجبین ، وعلّمه منطق الطیر ، وعرّفه لغة الحجر والشجر والهوام ، لکن الشیخ الغوّاص أعطاه الله الکلمة النافذة فی کلِّ شیء حتی زأرت وصرخت له الوحوش ، ورقصت الحجارة ، واشتبکت أغصان الأشجار ، فحظیت بسماعها ورؤیتها آذان أولئک الغالین فی فضائله ومُقَلهم ، فحیّی الله منحة المولی سبحانه لعبده أکثر ممّا عنده ، ولک إمعان النظر وتدقیق البحث حول السجّادة والغوص ، وهذه کلّها سهلةٌ غیر مستصعب علی الشیخ مهما کان حفید عمر الخلیفة ، 8.

ص: 218


1- الإسراء : 44.
2- الصف : 1.
3- النحل : 49.
4- الرحمن : 6.
5- الحج : 18.

وقد سمعت کراماته الظاهرة فی العناصر الأربعة فی الجزء الثامن (1) (ص 83 - 87) الطبعة الأولی ، هکذا یخلق أو یختلق الغلوّ فی الفضائل ، وافقت العقل أم لم توافق.

- 68 -

کرامة لابن مسافر الأموی

قال عمر بن محمد : خدمت الشیخ عدیّ - بن مسافر الشامیّ الأمویّ المتوفّی (557 ، 558) - سبع سنین شهدت له فیها خارقات ، أحدها : أنِّی صببت علی یدیه ماءً فقال لی : ما ترید؟ قلت : أُرید تلاوة القرآن ولا أحفظ منه غیر الفاتحة وسورة الإخلاص ، فضرب بیده فی صدری فحفظت القرآن کلّه فی وقتی ، وخرجت من عنده وأنا أتلوه بکماله.

شذرات الذهب لابن العماد الحنبلی (2) (4 / 180).

قال الأمینی : لیت هذا الامویّ أدرک عهد الخلیفة الثانی فیضرب بیده فی صدره فلا یتجشّم - بمقاساة الشدّة - حفظ سورة البقرة فی اثنی عشر عاماً. لکنّه لم یدرک.

ولیت شعری هل کان یرضخ راوی هذه الأُسطورة لها لو کان صاحبها علویّا؟ أو أنَّ رضوخه قصرٌ علی الأمویِّ فحسب؟

وذکر ابن العماد أیضاً فی شذرات ذهبه (3) نقلاً عن الیونینی - الآتی ذکره - قال : قال لی عدیّ بن مسافر یوماً : اذهب إلی الجزیرة السادسة بالبحر المحیط تجد بها مسجداً فادخله ترَ فیه شیخاً ، فقل له : یقول لک الشیخ عدیّ بن مسافر : احذر الاعتراض ولا تختر لنفسک أمراً لیست لک فیه إرادة. فقلت : یا سیّدی وأنّی لی .

ص: 219


1- راجع 8 / 122 - 127 من هذه الطبعة.
2- شذرات الذهب : 6 / 301 حوادث سنة 557 ه.
3- شذرات الذهب : 6 / 301 حوادث سنة 557 ه.

بالبحر المحیط؟ فدفعنی بین کتفی فإذا أنا بجزیرة والبحر محیطٌ بها وَثمَّ مسجدٌ فدخلته ، فرأیت شیخاً مهیباً یفکّر ، فسلّمت علیه وبلّغته الرسالة ، فبکی وقال : جزاه الله خیراً ، فقلت : یا سیدی ما الخبر؟ فقال : اعلم أنّه أحد السبعة الخواصّ فی النزع ، وطمحت نفسی وإرادتی أن أکون مکانه ، ولم تکمل خطرتی حتی أتیتنی ، فقلت : یا سیّدی ، وأنّی لی بالوصول إلی جبل هکار؟ فدفعنی بین کتفی فإذا أنا بزاویة الشیخ عدیّ ، فقال لی : هو من العشرة الخواصّ.

قال الأمینی : الجنون فنون ، وأرقّها جنون الحبِّ والمغالاة فی الفضائل.

- 69 -

عبد القادر یحیی دجاجة

قال الیافعی فی مرآة الجنان (3 / 356) : روی الشیخ الإمام الفقیه العالم المقری أبو الحسن علیّ بن یوسف بن جریر بن معضاد الشافعیّ اللخمیّ فی مناقب الشیخ عبد القادر (1) بسنده من خمس طرق ، وعن جماعة من الشیوخ الجلّة أعلام الهدی العارفین المقتنین للاقتداء ، قالوا : جاءت امرأة بولدها إلی الشیخ عبد القادر فقالت له : یا سیّدی إنّی رأیت قلب ابنی هذا شدید التعلّق بک ، وقد خرجت عن حقّی فیه لله عزَّ وجلَّ ولک ، فقبله الشیخ وأمره بالمجاهدة وسلوک الطریق ، فدخلت أُمّه علیه یوماً فوجدَته نحیلاً مصفرّا من آثار الجوع والسهر ، ووجدَته یأکل قرصاً من الشعیر فدخلت إلی الشیخ فوجدت بین یدیه إناء فیه عظام دجاجة مسلوقة قد أکلها ، فقالت : یا سیّدی تأکل لحم الدجاج ویأکل ابنی خبز الشعیر؟ فوضع یده علی تلک العظام وقال : قومی بإذن الله تعالی الذی یحیی العظام وهی رمیمٌ. فقامت الدجاجة سویّة وصاحت ، فقال الشیخ : إذا صار ابنک هکذا فلیأکل ما شاء. ف)

ص: 220


1- الشیخ السیّد عبد القادر بن أبی صالح موسی الحسنی الجیلانی ، مؤسّس الطریقة القادریة. من کبار المتصوّفین ، ولد فی 491 بجیلان - وراء طبرستان - وانتقل إلی بغداد شاباً ، وتوفّی سنة 561 ودفن ببغداد وقبره مشهور یزار. (المؤلف)

وذکرها الشیخ عبد القادر القادری فی تفریح الخاطر (ص 32).

قال الأمینی : إنَّ خاصّة الأنبیاء وفی الطلیعة منها إحیاء الموتی هل تتأتّی لکلّ مُرتاض ، فلا یبقی بینه وبین النبیّ المرسل أیّ مائز؟ وهب أنَّ الباحث تصوّر لصدورها من الأولیاء اعتباراً آخر فتکون کرامةً للولیّ ومعجزةً للنبیّ الذی ینتحل شرعته ، إلاّ أنّه اعتبارٌ اهتدی إلیه الفکر بعد رویّة طویلة ، لکنّه لا خارج له تصل إلیه العامّة فاطّرادها بل ظهورها من غیر اطّراد یحطُّ عندها من مقام النبوّة لمحض المشاکلة الصوریّة ، وکلّما کان کذلک لا یمکن وقوعه.

ثم هل لأکل خبز الشعیر وما جشب من الطعام بمحضه أن یوصل السالک إلی مرتبة یحیی فیها الموتی ، وإن کان المولی سبحانه یعلم أنّه متی بلغ إلی هذه المرتبة ألهاه أکل الدجاجة المسلوقة أکلاً لمّا؟!

وهل الریاضة شرط فی حدوث القوّة فی النفس والملکات الفاضلة ولیست شرطاً فی بقائها؟!

أوَلیس التلهّی باللذائذ مزیحة لتلکم الأحوال النفسیّة کما کانت الریاضة مجتذبةً لها؟ فاحف القوم السؤال عن هذه المشکلات ، فإن أجابوک فأخبرنی.

- 70 -

عبد القادر یحتلم فی لیلة أربعین مرّة

ذکر الشعرانی فی الطبقات الکبری (1) (1 / 110) قال : کان الشیخ عبد القادر الجیلانی رضی الله عنه یقول : أقمت فی صحراء العراق وخرائبه خمساً وعشرین سنة مجرّداً سائحاً لا أعرف الخلق ولا یعرفونی ، یأتینی طوائف من رجال الغیب والجانّ أُعلّمهم الطریق إلی الله عزَّ وجلَّ ، ورافقنی الخضر علیه السلام فی أوّل دخولی العراق ، وما کنت عرفته8.

ص: 221


1- الطبقات الکبری : 1 / 129 رقم 248.

وشرط أن لا أُخالفه وقال لی : اقعد هنا. فجلست فی الموضع الذی أقعدنی فیه ثلاث سنین ، یأتینی کلّ سنة مرّة ویقول لی : مکانک حتی آتیک. قال : ومکثت سنة فی خرائب المدائن آخذ نفسی بطریق المجاهدات فآکل المنبوذ ولا أشرب الماء ، ومکثت فیها سنة أشرب الماء ولا آکل المنبوذ ، وسنة لا أکل ولا أشرب ولا أنام ، ونمت مرّة بأیوان کسری فی لیلة باردة فاحتلمت فقمت وذهبت إلی الشطِّ واغتسلت ، ثم نمت فاحتلمت فذهبت إلی الشطِّ واغتسلت ، فوقع لی ذلک فی تلک اللیلة أربعین مرّة وأنا أغتسل ، ثم صعدت إلی الأیوان خوف النوم.

قال الأمینی : اقرأه مع إمعان وتبصّر فی شأن هذا العارف ، معلّم طوائف من رجال الغیب والجانّ الذین اتّخذوه الطریق إلی الله ، وکان رفیق الخضر علیه السلام ، وأعجب من إنسان لم یأکل سنة ، ولم یشرب أخری ، ویترکهما ثالثة ، ولم تخُرْ قواه حتی یحتلم فی لیلة شاتیة أربعین مرّة ، ویعبث به الشیطان بهذا العدد الجمِّ وهو فان فی الله ، ولو کان اتّفق له ذلک خلال تلکم الأیّام التی کان یأکل فیها الدجاجة المسلوقة ویحیی عظامها کما مرَّ لکان یُعدُّ بعیداً عن الطبیعة البشریّة.

وما أطول تلک اللیلة حتی وسعت أربعین نومةً ذات احتلام ، وأغسالاً بعدها علی عدد الأحلام المتخلّلة بالذهاب إلی الشطّ والإیاب إلی مقرّه ومنامه! وبعد ذلک کلّه تبقی منها برهة یصعد الشیخ إلی الأیوان خوفاً من النوم ، ولعلّه لو نام بعد نومته المتمّمة للأربعین لبلغ العدد الأربعمائة أو أکثر ، ولم یکن الشیطان یفارق ذلک الهیکل القدسیّ واللعب به مهما امتدّت لیلته ، ولیس إحیاؤه عظام الدجاجة بأعظم من هذه الکرامة ، وإن هی إلاّ أحلام نائم نسجتها أیدی العرونة (1) غلوّا فی الفضائل. ة.

ص: 222


1- کذا ، ولعلها الرعونة.

- 71 -

قدم النبی صلی الله علیه وآله وسلم علی رقبة عبد القادر

قال الشیخ السیّد عبد القادر الکیلانی : لمّا عُرِج بجدّی صلی الله علیه وآله وسلم لیلة المرصاد ، وبلغ سدرة المنتهی بقی جبریل الأمین علیه السلام متخلّفاً وقال : یا محمد لو دنوتُ أنملة لاحترقت. فأرسل الله تعالی روحی إلیه فی ذلک المقام ، لاستفادتی من سیّد الأنام علیه وعلی آله الصلاة والسلام ، فتشرّفت به ، واستحصلت علی النعمة العظمی والوراثة والخلافة الکبری ، وحضرت وأوجدت بمنزلة البراق حتی رکب علیَّ جدّی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وعنانی بیده حتی وصل ، فکان قاب قوسین أو أدنی وقال لی : یا ولدی وحدقة عینی قدمی هذه علی رقبتک ، وقدماک علی رقاب کلّ أولیاء الله تعالی. وقال رضی الله عنه :

وصلت إلی العرش المجید بحضرتی

فلاحت لی الأنوار والحقّ أعطانی

نظرتُ لعرشِ اللهِ قبل تخلّقی

فلاحت لی الأملاکُ واللهُ سمّانی

وتوّجنی تاجَ الوصالِ بنظرةٍ

ومن خلقهِ التشریفَ والقربَ أکسانی (1)

- 72 -

عبد القادر وملک الموت

عن السیّد الشیخ الکبیر أبی العبّاس أحمد الرفاعی قال : توفّی أحد خدّام الشیخ عبد القادر الکیلانی ، وجاءت زوجته إلیه فتضرّعت والتجأت إلیه وطلبت حیاة زوجها. فتوجّه الشیخ إلی المراقبة فرأی فی عالم الباطن أنَّ ملک الموت علیه السلام یصعد إلی السماء ومعه الأرواح المقبوضة فی ذلک الیوم ، فقال : یا ملک الموت قف ف)

ص: 223


1- نفس المصدر الآتی فی الخرافة التالیة. (المؤلف)

واعطنی روح خادمی فلان ، وسمّاه باسمه ، فقال ملک الموت : إنّی أقبض الأرواح بأمرٍ إلهیٍّ وأؤدّیها إلی باب عظمته ، کیف یمکننی أن أعطیک روح الذی قبضته بأمر ربّی؟ فکرّر الشیخ علیه إعطاء روح خادمه إلیه ، فامتنع من إعطائه ، وفی یده ظرفٌ معنویٌّ کهیئة الزنبیل فیه الأرواح المقبوضة فی ذلک الیوم ، فبقوّة المحبوبیّة جرَّ الزنبیل وأخذه من یده ، فتفرّقت الأرواح ورجعت إلی أبدانها ، فناجی ملک الموت علیه السلام ربّه وقال : یا رب أنت أعلم بما جری بینی وبین محبوبک وولیّک عبد القادر ، فبقوّة السلطنة والصولة أخذ منّی ما قبضته من الأرواح فی هذا الیوم. فخاطبه الحقّ جلَّ جلاله : یا ملک الموت إنَّ الغوث الأعظم محبوبی ومطلوبی لِمَ لا أعطیته روح خادمه؟ وقد راحت الأرواح الکثیرة من قبضتک بسبب روح واحد ، فتندّم هذا الوقت (1).

- 73 -

وفاة الشیخ عبد القادر

ذکروا : أنّه لمّا قربت وفاة الشیخ عبد القادر الجیلانی جاء سیّدنا عزرائیل علیه السلام بمکتوب ملفوف من الربِّ الجلیل فی وقت غروب الشمس وأعطاه ولده الشیخ عبد الوهاب ، وکان مکتوباً علی ظهره : یصل هذا المکتوب من المحبِّ إلی المحبوب.

فلمّا رآه ولده بکی وتحسّر ودخل بالمکتوب مع سیّدنا عزرائیل علیه السلام علی حضرة الشیخ ، وقبل هذا بسبعة أیّام کان معلوماً لدی الشیخ انتقاله إلی العالم العلویّ ، وکان مسروراً ودعا الله لمحبّیه ومخلصیه بالمغفرة ، وتعهّد أن یکون لهم شفیعاً یوم القیامة ، وسجد لله تعالی وجاء النداء : یا أیّتها النفس المطمئنّة ارجعی إلی ربّک راضیة مرضیّة. وضجَّ عالم الناسوت بالبکاء ، وابتهج عالم الملکوت باللقاء (2). ف)

ص: 224


1- تفریح الخاطر فی ترجمة عبد القادر : ص 5 ، 12 طبعة مصر ، مطبعة عیسی البابی الحلبی وشرکائه سنة 1339. (المؤلف)
2- تفریح الخاطر : 38. (المؤلف)

هذه نماذج من أوهام جاء بها الغلوُّ فی مناقب الشیخ عبد القادر الجیلانی ، ونحن لو ذهبنا لنجمع ما عزوه إلی الشیخ من الکرامات وإن شئت قلت : من الخرافات ممّا لا یوافقه العقل ، ولا یصافق علیه المنطق ، ولا یساعده الشرع الإسلامیّ الأقدس ، ولا یدعم بحجّة ، ولا تصدّقه البرهنة لأریناک موسوعة ضخمة تبعثک إلی الضحک تارة وإلی البکاء أخری.

- 74 -

الرفاعیّ یقبّل ید النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم

قال أبو محمد ضیاء الدین الوتری فی روضة الناظرین (ص 54) : وفی هذه السنة - یعنی (555) - حجَّ السیّد أحمد الرفاعی (1) رضی الله عنه بإشارة معنویّة ، وزار قبر جدّه علیه الصلاة والسلام ، وأنشد تجاه القبر الطاهر :

فی حالة البعدِ روحی کنت أرسلُها

تُقبّلُ الأرضَ عنّی وهی نائبتی

وهذه دولةُ الأشباحِ قد حضرت

فامدد یمینَکَ کی تحظی بها شفتی (2)

فظهرت له ید جدّه علیه الصلاة والسلام فقبّلها والناس ینظرون. وهذه القصّة تواتر خبرها ، وعلا ذکرها ، وصحّت أسانیدها ، وکتبها الحفّاظ والمحدّثون ، وکثیرٌ من أهل الطبقات والمؤرّخین ، لا ینکرها إلاّ جاهلٌ قلیل الروایة ، حاسدٌ لسلطان النبوّة ، وظهور المعجزة المحمدیّة ، أو معذورٌ من غیر هذه الأُمّة الأحمدیّة. علی أنَّ ظهور هذه ف)

ص: 225


1- ولد 512 بقریة حسن من أعمال واسط ، وتوفی 578. توجد ترجمته فی غیر واحد من معاجم التراجم ، وأفرد فیها أحمد عزّت باشا العمری الموصلّی کتاباً أسماه : العقود الجوهریّة فی مدائح الحضرة الرفاعیّة ، طبع بمصر فی المطبعة البهیّة سنة 1306 فی 139 صفحة. (المؤلف)
2- نسبهما والقصّة برمّتها صاحب تفریح الخاطر الی الشیخ عبد القادر الجیلانی ، ولا ضیر فی کلّ عزو مختلق مهما کانت الغایة تفریح الخاطر غلوّا فی الفضائل ، بعد الغضّ عن حکم العقل والشرع والمنطق. (المؤلف)

المعجزة النبویّة فی تلک الأعصار التی ظهرت بها البدع ، وکثرت بها الفتن ، وتفرّقت بها الأهواء ، وذهب بها أهل الباطل إلی مذاهب کثیرة کالإلحاد والزندقة وغیر ذلک ممّا سلکه الفرق الضالّة من طرق الضلالة ما کان إلاّ لإعلاء کلمة الحقّ والشریعة والدین علی ید هذا السیّد الجلیل الذی اختصّه الله ورسوله بهذه النعمة وأبرزه لهذه الخدمة ، لعدم وجود من یماثله أو یشاکله فی ذلک القرن من الأولیاء والسادات وصالحی الوقت نفعنا الله بهم.

وقال فی (ص 62) : إذا عدّت کرامات الرجال کفاه - یعنی السیّد أحمد الرفاعی - فخراً وشرفاً تقبیل ید النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم بین جمّ غفیر من المسلمین حتی سارت بها الرکبان ، وتواتر خبرها فی البلدان ، وقصر عندها باع أکابر الإنس والجانّ ، وغبطه علیها الملأ الأعلی ، کما قال ذلک فی شأنه الشیخ عبد القادر الجیلی علیه الرحمة والرضوان.

وفی العقود الجوهریّة (ص 5) عن العبد الصالح العارف بالله عبد الملک بن حمّاد أنّه قال : قدّر الله لی الحجَّ سنة خمسمائة وخمسٍ وخمسین ، وجئت إلی المدینة وتشرّفت بزیارة النبیِّ صلی الله علیه وآله وسلم ، وفی ذلک الأسبوع جاء لزیارة قبره - علیه الصلاة والسلام - شیخنا سیّد العارفین إمام الأُمّة السیّد أحمد الرفاعی رضی الله عنه وقد دخل البلدة بقافلة عظیمة من الزوّار ، فلمّا دخل الحرم الشریف النبویّ وقف تجاه القبر الأفضل ، والوقت بعد العصر وقد غصّ الحرم المبارک بالناس وأنشد غائباً عن نفسه حاضراً بمحبوبه :

فی حالة البعد روحی کنت أُرسلُها

تقبّلُ الأرضَ عنّی وهی نائبتی

وهذه دولةُ الأشباحِ قد حضرت

فامدد یمینَک کی تحظی بها شفتی

فظهرت له ید النبیِّ - علیه الصلاة والسلام - تتلمّع بیضاء سویّة کأنّها زند البرق ، فقبّلها والناس ینظرونه ، وقد منَّ الله تعالی تفضّلاً علیَّ فرأیتها ورأیت کیف استلمها ، وإنّی أعدّ هذا الشهود الباهر ذخیرة المعاد ، وزاد القدوم علی الله تعالی. ثم

ص: 226

قال : وکان فی القافلة المذکورة الشیخ أحمد الزعفرانی ، والشیخ عدی بن مسافر الأمویّ ، والسیّد عبد الرزاق الحسینی الواسطی ، والشیخ عبد القادر الجیلانی ، والشیخ أحمد الزاهد ، والشیخ حیوة بن قیس الحرّانی ، والشیخ عقیل المنبجی العمری ، وجماعة من مشاهیر أولیاء العصر وقد تشرّفت الکلُّ برؤیا الید النبویّة الطاهرة الزکیّة واندرجوا تحت بیعة مشیخته رضی الله عنه وعنهم أجمعین. وخبر هذه القصّة متواترٌ مشهورٌ ، وقد ساقه کثیر من أعیان الرجال بوجه التفصیل فلیراجع.

قال الشیخ تقیّ الدین الفقیه النهروندی المتوفّی (594) فی قصیدة أوّلها :

أیّ سرٍّ جاءتْ به الأنبیاءُ

وحدیثٍ رواته الأولیاءُ

سَلسلتْهُ الساداتُ أهلُ المعالی

وحکته الأئمّةُ الأتقیاءُ

فروی نشره الصدیرین ریّا

وأضاءت بنورِه البطحاءُ

مدَّ طه یمینه للرفاعیِ

فانجلت عندها له الأشیاءُ

إلی أن قال :

لا تقل کیف تمّ هذا وأیقن

یفعل اللهُ ربُّنا ما یشاءُ

واهجر المارقینَ واعذر إذا ما

أنکرَ الشمسَ مقلةٌ عمیاءُ

أیکونُ النبیّ میتاً وفی القر

آن أحیاءُ رَبّها الشهداءُ

وبمدّ الیمین لابن الرفاعی

حجّة فی مقامها سمحاءُ

شهدتها المساءَ آلاف قومٍ

ورآها الأقران والأکفاءُ

صار ذاک المساء صبحاً فما أعج

بَ یوماً فیه الصباح مساءُ

وقال صاحب العقود الجوهریة یمدحه فی قصیدة له :

ذاک الرفاعیّ الذی فعله

یعزُّ فی النقد علی الناقدِ

کم رکب اللیث وکم راکبٍ

ذلّل من صولة مستأسدِ

ص: 227

کفُّ رسولِ اللهِ فی لثمِها

حازَ بها الفخرَ علی الجاحدِ

قد مدّها من قبره نحوه

لاحت إلی الحاضر والشاهدِ

وقال الحافظ الحاج ملاّ عثمان الموصلی فی قصیدة یمدح بها السیّد الرفاعی :

له الأفاعی وأُسدُ الغابِ طائعةٌ

والجنُّ تُبصرُ من آیاتِهِ العجبا

ألا تری أنَّ من ینمی إلیه فلا

یخشی من النار مهما أوقدتْ لهبا

کفاه تقبیلُ یمنی الهاشمیّ أبی الزهراء

فخراً وعنها الغیر قد حجبا

وقال السیّد محمد أبو الهدی الرفاعی فی تخمیس قصیدة سراج الدین المخزومی :

اکرمتَ من طه بکفِّ جنابِهِ

بین القفولِ مذ التجأتَ ببابه

فلثمتَهُ وعرفتَ فی أحبابه

نوراً أراد الله أن تحیی به

رغماً لمن فتکت به الظلمات

وقال من قصیدة یمدحه بها :

کفی شرفاً تکلیمُ خیرِ الوری له

وإمدادُهُ إذ مدَّ جهراً له الیدا

ولیس عجیباً حین صحّ انتسابهُ

إلیه إذا أبدی إلیه تودّدا

کرامةُ حقّ وهی ثابتةٌ له

ومعجزةٌ للمصطفی خیرِ من هدی

وقال بهاء الدین السیّد محمد الروّاس فی قصیدة له یمدحه بها :

کفاه أنَّ رسول الله مدَّ له

یدَ القبولِ وزهرُ العصر نضّارُ

وقال من جدّه خیر الوری خلقاً

له انطوی فیه إعزازٌ وإظهارُ

وقال عبد الحمید أفندی الطرابلسی فی قصیدة له یمدحه بها :

هو الحجّةُ الکبری علی کلِّ قائمٍ

لذاک یدُ المختارِ مُدّتْ له جهرا

ص: 228

ومن هذه والله حجّةُ فضلِهِ

أجل غیرُه فی القومِ حجّتُه صغری

وقال السیّد عبد الغفار الأخرس فی قصیدة یمدحه بها :

تولّد من رسول الله شبلٌ

به دانت له کلُّ السباعِ

وقبّل کفَّ والدِهِ جهاراً

غدت بالنورِ بادیةَ الشعاعِ

وشاهدها الثقاتُ وکلُّ فردٍ

رآها بانفرادٍ واجتماعِ

فتلک مزیّةٌ لم یَحْظَ فیها

سواهُ من مطیعٍ أو مطاعِ

وقال أبو الفرج السیّد أحمد شاکر الآلوسی من قصیدة یمدحه بها :

هو قطب الوجود غوث البرایا

غیثُها المرتجی علی الإطلاقِ

کم له من مناقبٍ سائراتٍ

کمسیرِ البدور فی الآفاقِ

حاز من جدّه الرسولِ مقاماً

لم یزل ذکرُه مدی الدهر باقی

حیثما زاره وقبّل کفّا

منه قد آذنت له بالتلاقی

وقال الفقیه یحیی بن عبد الله الواسطی فی قصیدة یمدحه بها :

مُدّتْ له یدُ طه ثم قبّلها

یهنیه مجداً نأی أن یقبل الشرکا

والمصطفی بکتابِ العتقِ أکرمَهُ

واللهُ أحیا له لمّا دعا السمکا

وقال صفیّ الدین یحیی بن المظفر البغدادی الحنبلی فی قصیدة یمدحه بها :

وله إمامُ الرسلِ مدّ یداً لها

فُتِحتْ کنوزُ حقائقِ القرآنِ

وقوافلُ الحجّاجِ سکری عندها

ما بین مبهوتِ وذی أشجانِ

وقال السیّد عبد الحیّ الحسینی مفتی غزّة هاشم من قصیدة یمدحه بها :

علَمُ الشرقِ أحمدٌ من إلیه

مدّ طه یمینَه إجلالا

مدّ راحاً إلی النبیِّ بها کلّ

محال لو رامه ما استحالا

ص: 229

یا لراحٍ قد صافحتها المعالی

وشفاهٍ لقد لثمنَ الهلالا

وقال السیّد إبراهیم الراوی الرفاعی الشافعی من قصیدة یمدحه بها :

وهو باب النبیِّ لاثم یمنا

ه جهاراً وقد تجلّی تعالی

حین أبدی محمدٌ معجزاتٍ

معجزات لأحمدٍ إجلالا

کیف لا وهو شبله وکذا الآ

باءُ تعلو إن أنجبت أشبالا

وقال السیّد سراج الدین المخزومی فی کتابه صحاح الأخبار من قصیدة یمدح بها الرفاعی :

یا بن من کان فی الثبوت نبیّا

قبل کون القوالبِ الطینیّه

لک جمعٌ فی مشهدِ الوجد بانت

منه للقومِ حکمة الفرقیّه

لک قربٌ أقام فی حالة البع

د مناراً فی الروضةِ الحرمیّة

حین مدّت یدُ الرسول جهاراً

لک یا حسنَ خلعةٍ علنیّه

شاهدتها الألوف من کلّ أرضٍ

فروی نشرها البقاع القصیّه

وبآذاننا تواتر هذا ال

مجد أقراط فخره جوهریّه

وذکر القصّة القاضی الخفاجی الحنفی فی شرح الشفا (1) (3 / 489) ، والعدویّ الحمزاوی فی کنز المطالب (ص 188) وفیه : فمدّ یده الشریفة من الشبّاک فقبّلها. وابن درویش الحوت فی أسنی المطالب (2) (ص 299) وقال : إذا أکرم الله عبداً برؤیة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقظة یمثّل له نوره الشریف بصورة جسمه الکریم ، وربّما ظنّه الرائی أنّه الجسم الشریف لغلبة الحال ، ومن ذلک ما وقع لسیدنا الرفاعی رضی الله عنه. إلی آخره.

قال الأمینی : لا تهمّنا رؤیة السیّد الرفاعی ید النبیّ الشریفة وتقبیله إیّاها وقد 2.

ص: 230


1- نسیم الریاض : 3 / 442.
2- أسنی المطالب : ص 621 - 622.

جاء القوم بأعظم وأعظم منها ، هذا الشیخ عبد القادر الجیلانی استصحبه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لیلة المعراج (1) وهذا جلال الدین السیوطی وقد رأی نفس النبیّ الأقدس فی الیقظة بضعاً وسبعین مرّة ، وروی آخر عنه صلی الله علیه وآله وسلم أحادیث ، وکان آخر یشاوره فی أموره.

قال الشیخ حسن العدوی الحمزاوی فی مشارق الأنوار ، وکنز المطالب (ص 197) نقلاً عن بهجة النفوس والأسماع للشعرانی عند نقله لمزایا الکمال : منها شدّة قربهم من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم کلّ وقت ، فلا یکاد یحجب عنهم فی لیل أو نهار ، حتی إنّ بعضهم صحّح عنده أحادیث عنه صلی الله علیه وآله وسلم ، قال بعض الحفّاظ بضعفها من طریق النقل الظاهر فتقوّت بذلک عنده. قال : وقد أدرکت جماعة ممّن لهم هذا المقام منهم سیّدی علی الخواصّ (2) والسید علی المرصفی وأخی أفضل الدین ، والشیخ جلال الدین السیوطی ، والشیخ نور الدین الشوتی ، والشیخ محمد الصوفیّ ببلاد الفیّوم رضی الله عنهم أجمعین.

قال : وکان الشیخ نور الدین الشوتی یشاور رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی أموره ، ومن جملة ما شاوره فیه حفر البئر التی فی زاویتنا ، فإنّنا حفرنا ثلاثة آبار وهی تطلع فاسدة وماؤها منتن. فقال له صلی الله علیه وآله وسلم : قل لهم : یحفروا فی باب الحوش ، ففعلنا فطلعت بئر عظیمة وماؤها حلو ، فالحمد لله ربّ العالمین.

اقرأ واسأل العقل السلیم ، وذلک فضل الله یؤتیه من یشاء من عباده. ف)

ص: 231


1- راجع کتاب تفریح الخاطر فی ترجمته. (المؤلف)
2- ترجمه الشعرانی فی طبقاته الکبری : 2 / 135 - 153 [2 / 150 - 169] وبدأ ترجمته بقوله : کان رضی الله عنه یتکلّم عن معانی القرآن العظیم والسنّة الشریفة کلاماً نفیساً تحیّر فیه العلماء ، وکان محلّ کشفه اللوح المحفوظ عن المحو والإثبات. وقد أکثر فی تلکم الصفحات من هذه المخاریق فراجع. (المؤلف)

- 75 -

الغزلانی یکشف عمّا فی الخواطر

قال أبو محمد ضیاء الدین الوتری فی روضة الناظرین (ص 133) فی ترجمة الشیخ محمد الغزالی الموصلی الشهیر بالغزلانی (1) المتوفّی (605) نقلاً عن الشیخ محمد أبی عبد الله بن تاج ابن القاضی یونس الموصلی أنّه قال : کنّا مع جماعة من ثقات علماء الموصلیّین بزیارة الشیخ محمد الغزلانی قدس الله سره وکان الوقت وقت المغرب ، وقد أظلم الغار الذی هو فیه فثقل ذلک علی الجماعة ، فکشف ما فی خواطرهم وتبسّم وقال : ما عندنا زیت ولا لنا سراجٌ ، ثم أشار إلی شجرة أمام الغار ، فلمعت أغصانها نوراً أضاء منه الجبل ، فو الله ما بتنا لیلة أبهج وأکثر أُنساً عندنا من تلک اللیلة.

قال الأمینی : اقرأ وتعقّل واحکم.

- 76 -

الشاطبی یعلم جنابة الجنب

قال الجزری : أخبرنی بعض شیوخنا الثقات عن شیوخهم أنّ الشاطبی القاسم ابن فیرة الضریر (2) کان یصلّی الصبح بالفاضلیّة بغلس ثم یجلس للإقراء فکان الناس یتسابقون السری إلیه لیلاً ، وکان إذا قعد لا یزید علی قوله : من جاء أولاً فلیقرأ. ثم یأخذ علی الأسبق فالأسبق ، فاتّفق أن قال یوماً : من جاء ثانیاً فلیقرأ ، وبقی الأوّل وکان من أصحابه لا یدری ما الذنب الذی أوجب حرمانه ، ففطن أنّه أجنب تلک ف)

ص: 232


1- وذلک لأن الغزلان کانت ما تزال تزوره وتأنس به. روضة الناظرین : ص 133. (المؤلف)
2- أبو محمد الضریر المقرئ صاحب القصیدة التی أسماها : حرز الأمانی ووجه التهانی فی القراءات عدّتها ألف ومائة وثلاثة وسبعون بیتاً. ولد سنة 538 ، وتوفّی سنة 590 ودفن بالقرافة وقبره مشهور مزور. شذرات الذهب : 4 / 302 [6 / 494 حوادث سنة 590 ه]. (المؤلف)

اللیلة ، ولشدّة حرصه علی النوبة نسی ذلک ، فبادر إلی حمّام جوار المدرسة فاغتسل ورجع قبل فراغ الثانی والشیخ قاعدٌ أعمی ، فلمّا فرغ الثانی قال الشیخ : من جاء أوّلاً فلیقرأ. وهذا من أحسن ما وقع لشیوخ هذه الطائفة بل لا أعلم مثله وقع فی الدنیا.

مفتاح السعادة (1) (1 / 388).

قال الأمینی : لیس الأمر کما حسبه الجزری من أنَ هذه الحالة من خاصّة الشاطبی وما وقع مثلها فی الدنیا ، وقد أسلفنا ذکر جماعة حسبوا أنّهم کانوا یخبرون عن الضمائر ویعلمون المغیّب ، وکأنّ القوم اتّخذوا المغیّبات أُلعوبة یطلُّ علیها کلُّ أعمی أو بصیر ، أو أنَّ الغلوَّ فی الفضائل أسفَّ بهم إلی هذه الهوّة.

- 77 -

الحشرات تنحدر فی الوادی

قال عمر بن علیّ السرخسی : کنت مراهقاً وقت موت الوخشی (2) الحافظ أبی علی الحسن بن علیّ البلخی (3) فحضرته ، فلمّا وُضِع فی القبر سمعنا صیحة ، فقیل : خرجت الحشرات من المقبرة ، وکان فی طرفها وادٍ انحدرت إلیه ، وأبصرت العقارب والخنافس وهی منحدرةٌ فی الوادی والناس ما یتعرّضون لها.

ذکره الحافظ الذهبی فی تذکرة الحفّاظ (4) (3 / 344).

قال الأمینی : دع الحشرات تنحدر ، وانظر إلی عقل هذا الحافظ راوی هذه المهزأة فإنّه یخبت إلی مثل هذه الأسطورة ویراها مدحاً لرجال قومه ، فما بال العقارب 5.

ص: 233


1- مفتاح السعادة : 2 / 43.
2- نسبة إلی وخش : قریة من أعمال بلخ [معجم البلدان : 5 / 364]. (المؤلف)
3- هو الحافظ أبو علیّ الحسن بن علیّ بن محمد بن جعفر الوخشی سافر فی طلب الحدیث ، وتنقَّل بین خراسان وبغداد ومصر ودمشق توفّی سنة 456.
4- تذکرة الحفّاظ : 3 / 1172 رقم 1025.

والخنافس لم تغادر مقبرة المدینة الطیّبة وبقیعها الغرقد ومسجدها الأعظم ولم تنحدر إلی الوادی وکأنّها أنست بها ، غیر أنَّ حشرات مقبرة الوخشی تفرُّ عنه؟! هذا عقل الذهبی وروایته ، وتراه لمّا یقف علی منقبة من مناقب مولانا أمیر المؤمنین ولم ترقه ولا یجد فی سندها ومتنها غمزاً یتخلّص منها بقوله : إنَّ فی نفسی منها شیئاً. راجع تلخیص المستدرک.

- 78 -

الیونینی یمشی فی الهواء

قال الحافظ ابن کثیر فی تاریخه (1) (13 / 94) : ذکروا أنَّ الشیخ عبد الله الیونینی المتوفّی (617) ، کان یحجُّ فی بعض السنین فی الهواء ، وقد وقع هذا لطائفة کبیرة من الزهّاد وصالحی العبّاد ، ولم یبلغنا هذا عن أحد من أکابر العلماء ، وأوّل من یذکر عنه هذا حبیب العجمی ، وکان من أصحاب الحسن البصری ثم من بعده من الصالحین رحمهم الله أجمعین.

قال الأمینی : لیس بعجیب من ابن کثیر أن یخبت إلی أمثال هذه الأعاجیب ، ویشوّه بها صحیفة تاریخه ، ویرتفع صخبه متی وقف علی منقبة من مناقب أهل البیت علیهم السلام هی أدنی من هذه الموهومات التی یمجّها الاعتبار ، ویحیلها العقل ، لکن الحبّ والبغض یُعمیان کما أنَّهما یُصمّان.

- 79 -

الحضرمی یعلِّم النحو بالإجازة

قال ابن العماد الحنبلی فی شذرات الذهب (2) (5 / 361) : للشیخ إسماعیل الحضرمی المتوفّی (678) کرامات ، قال المطری : کادت تبلغ التواتر ، منها : أنَّ ابن.

ص: 234


1- البدایة والنهایة : 13 / 110 حوادث سنة 617 ه.
2- شذرات الذهب : 7 / 631 حوادث سنة 678 ه.

معطٍ قیل له فی النوم : اذهب إلی الفقیه إسماعیل الحضرمی واقرأ علیه النحو ، فلمّا انتبه تعجّب لکون الحضرمی لا یحسنه ثم قال : لا بدَّ من الامتثال ، فدخل علیه وعنده جمعٌ یقرؤون الفقه ، فبمجرّد رؤیاه قال : أجزتک بکتب النحو ، فصار لا یطالع فیه شیئاً إلاّ عرفه بغیر شیخ.

قال الأمینی : خذ العلم من أفواه الرجال أو من إجازاتهم ، ما أکثر ما سمعنا التعلّم بالدراسة! لکن هل سمعت أذناک تعلّماً بإجازة أو تزریقاً للعلم بکلمة واحدة؟ وهل سمعت أکرومة مثلها عن أحد من الرسل؟ أو أنَّها فضیلة اختصّ بها الحضرمیّ؟ ولم یتح مثله لأیّ أحد ، حتی أنَّ النبیّ الأعظم لم یعلّم عمر بن الخطّاب الکلالة بالإجازة وکان یقول : أراک لم تعلمها. ویقول لبنته حفصة : أری أباک لم یعلمها. إلی مئات من مجهولات الخلیفة التی لم یتوفّق لاستکناهها بإشراق ، أو إجازة ، أو دراسة ، مع حاجته الماسّة إلیها یوم تسنّم عرش الخلافة بعد النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وکان غیر عازب عن علمه صلی الله علیه وآله وسلم وحاجة الأُمّة إلیها ، ولم تکن تلکم المجهولات کعلم النحو الذی لا تقوم به دعامة الإسلام والقضاء والفتیا ، أضف إلیه أخاه یوم المؤاخاة الخلیفة الأوّل ، وما أکثر مجهولاته وما خفی علیه من معالم الدین وأحکام الشریعة! ولیت باب التعلیم بالإجازة کان مفتوحاً منذ عهد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ویعلّم صلی الله علیه وآله وسلم ثالث الخلفاء الراشدین عثمان معالم دینه ، ولم تک تشوّه صفحات الفقه الإسلامی بآرائه الشاذّة عن الکتاب والسنّة.

- 80 -

الحضرمی وأصحاب القبور

ذکر السبکیّ فی طبقاته (1) (5 / 51) ، والیافعیّ فی ریاضه (2) (ص 96) عن إسماعیل الحضرمیّ المذکور : أنّه مرَّ علی بعض المقابر فی بلاد الیمن فبکی بکاءً شدیداً ، 5.

ص: 235


1- طبقات الشافعیة الکبری : 8 / 131 رقم 1117.
2- روض الریاحین : ص 201 رقم 165.

وعلاه حزن وترح ، ثم ضحک ضحکاً حمیداً ، وعلاه فی الحال سرورٌ وفرح ، فتعجّب الناس الحاضرون هنالک وسألوه عن ذلک ، فقال رضی الله عنه : کشف لی عن أهل هذه المقبرة فرأیتهم یعذَّبون فحزنت وبکیت لذلک ، ثم تضرّعت إلی الله سبحانه وتعالی فیهم ، فقیل لی : قد شفّعناک فیهم ، فقالت صاحبة هذا القبر : وأنا معهم یا فقیه إسماعیل أنا فلانة المغنّیة. فضحکت وقلت : وأنت معهم. ثم إنّه أرسل إلی الحفّار وقال : من فی هذا القبر القریب العهد؟ قال : فلانة المغنّیة التی تشفّع لها الشیخ نفع الله تعالی بها.

قال الأمینی : أنا لا أدری بأیّها أعجب؟ أبدعوی الحضرمیِّ اطّلاعه علی عالم البرزخ وقبول شفاعته فی أهل تلک الجبّانة حتی فی المغنّیة؟ أم باطّلاع الحفّار علی ذلک السرِّ المصون؟ أم بوقوف المغنّیة علی تلک الشفاعة والتشفّع فی الحین ، ومفاوضتها مع الفقیه فی أمرها وهی فی قبرها ، من دون أی سابقة تعارف بینهما؟ وإذا کان الکلّ لم یقع فلا تمایز بین الأعدام ، وإنّما العجب من بخوع الأعلام لمثل هذه الأوهام.

- 81 -

ردّ الشمس لإسماعیل الحضرمی

أسلفنا فی الجزء الخامس صفحة (23) وقوف الشمس لإسماعیل الحضرمی یوم قال لخادمه وهو فی سفر : قل للشمس تقف حتی نصل إلی المنزل. فوقفت حتی بلغ مقصده ، ثم قال للخادم : أما تطلق ذلک المحبوس؟ فأمرها الخادم بالغروب فغربت وأظلم اللیل فی الحال.

ذکرها کما مرّ السبکی فی طبقاته (5 / 51) ، والیافعی فی مرآته (4 / 178) ، وابن العماد فی شذراته (1) (5 / 362) ، وابن حجر فی الفتاوی الحدیثیّة (2) (232). 6.

ص: 236


1- شذرات الذهب : 7 / 631 حوادث سنة 678.
2- الفتاوی الحدیثیة : ص 316.

لعلّ شرع الهوی یسوِّغ للإنسان زخرف القول ، وأن یفوه بما شاء وأراد ، وأن ینسلب عن عقله ویکیل کیل المعتوهین ، أعوذ بالله من الغلوّ فی الفضائل.

- 82 -

الدلاّوی یرضع طفلاً

قال الیافعی فی مرآة الجنان (4 / 265) : کان عند السیّد أبی محمد عبد الله الدلاّوی المتوفّی (721) طفلٌ غابت أُمُّه عنه فبکی ، فدرّ ثدیه باللبن فأرضع ذلک الطفل حتی سکت.

لست أدری ما قیمة أمثال هذه الکتب التاریخیّة المشحونة بأمثال هذه الاضحوکة ، وهی السائرة الدائرة فی الملأ العلمیّ یعوّل علیها ویؤخذ منها.

- 83 -

شمس الدین الکردی یواصل أسبوعاً

قال ابن العماد الحنبلی فی شذرات الذهب (1) (7 / 893) : کان شمس الدین محمد ابن إبراهیم بن عبد الله الکردی القدسیّ نزیل القاهرة الشافعیّ المتوفّی (811) یواصل الأسبوع کاملاً ، وذکر أنَّ السبب فیه أنه تعشّی مع أبویه قدیماً ، فأصبح لا یشتهی أکلاً ، فتمادی علی ذلک ثلاثة أیّام ، فلمّا رأی أنّ له قدرة علی الطیّ تمادی فیه أربعیناً ، ثم اقتصر علی سبع ، وکان فقیهاً ، وکان یذکر أنّه یقیم أربعة أیّام لا یحتاج الی تجدید وضوء.

قال الأمینی : الطبع البشریّ لا یطیق المثابرة علی الجوع أربعین یوماً ولا أسبوعاً ، کما أنّه لا یطیق علی السهر أربعاً ، ولعلَّ الفقیه الکردی کانت له نظریّة خاصّة فی مبطلات الوضوء ، أو المغالاة فی الفضائل کانت تخلق له هذه کلّها. .

ص: 237


1- شذرات الذهب : 9 / 139 حوادث سنة 811 ه.

- 84 -

الشاوی یستمهل للمیّت

ذکر المناوی فی طبقاته ، قال : کان أحمد بن یحیی الشاوی الیمنیّ المتوفّی (841) کبیر القدر سریّا ، رفیع الذکر سنیّا ، صاحب أحوال وکرامات ، منها : أنّه قصده جمعٌ من الزیدیّة ممّن لا یثبت الکرامات ، وقصدوا امتحانه وکان عنده جبٌّ فیه ماء ، فجعل یغرف منه تارةً لبناً ، وتارةً سمناً ، وأخری عسلاً ، وغیر ذلک بحسب ما اقترحوا علیه.

ودخل علی القاضی عثمان بن محمد الناشری وقد أرجف بموته ، ثم خرج وعاد إلیه ، وقال لأهله : قد استمهلت له ثلاث سنین ، فأقام القاضی بعدها ثلاث سنین لا تزید ولا تنقص.

شذرات الذهب (1) (7 / 240).

قال الأمینی : أنا لا أدری أنَّ الشاوی هل ردَّ أجلاً جاء کما هو ظاهر قوله : وقد أرجف بموته. وفی الذکر الحکیم : (إِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَلا یَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا یَسْتَقْدِمُونَ) (2)؟ أو أنّه موَّه علی آل القاضی بأُزوف أجله وأنّه استمهل له إلی منتهی ثلاثة أعوام؟ وحسبه الإفک الشائن عندئذٍ ، ومن ذا أعلمه أنّه یُرجأ إلی منصرم السنین الثلاث؟ ولعلَّ علمه بذلک کان مدَّخراً فی الجبّ الذی کان یغرف منه العسل طوراً ، واللبن تارة ، والسمن مرّة ، والماء أخری ، وهذه المخازی خامسة ، ولا بأس علیه فإنّ البئر بئره والماء ماؤه ، یغترف منها ما یشاء.

فإنَّ الماء ماء أبی وجدّی

وبئری ذو حفرت وذو طویت9.

ص: 238


1- شذرات الذهب : 9 / 349 حوادث سنة 841 ه.
2- یونس : 49.

- 85 -

إمام یعلم حوائج زائریه وهو فی قبره

قال ابن العماد فی شذرات الذهب (1) (7 / 292) : توفّی أبو القاسم محمد بن إبراهیم من بیت بنی جمعمان (2) سنة (857) وکان إماماً مجتهداً ، وانتهت إلیه الرئاسة فی العلم والصلاح فی الیمن ، وله کرامات منها : أنَّه کان یخاطبه الفقیه أحمد بن موسی عجیل من قبره ، وإذا قصده أحدٌ فی حاجة توجّه إلی قبره فیقرأ عنده ما تیسّر من القرآن ثم یُعلمه فیجیبه.

قال الأمینی : زَلّة العالم یُضرب بها الطبل ، وزَلّة الجاهل یخفیها الجهل.

- 86 -

زاهد لم یأکل طعاماً مدة ستّة أشهر

حُکی أنَّ السیّد یحیی ابن السیّد بهاء الدین الشروانی الحنفیّ المتوفّی (868) کان لم یأکل طعاماً فی آخر عمره مقدار ستّة أشهر (3).

قال الأمینی : حبّذا لو قبلته الطبیعة البشریّة ، وخضع له العقل السلیم ، لکنّک تعلم ....

- 87 -

شیخ یأکل بقرة

قال المناوی فی طبقاته فی ترجمة إبراهیم بن عبد ربّه المتوفّی (878) : أخذ عن ف)

ص: 239


1- شذرات الذهب : 9 / 426 حوادث سنة 857 ه.
2- فی المصدر : جعمان.
3- شذرات الذهب : 7 / 309 [9 / 456 حوادث سنة 868]. (المؤلف)

الشیخ محمد الغمری ، والشیخ مدین ، قال : دخل مرّة بیت الشیخ مدین فی مولده فأکل طعام المولد کلّه. وأکل مرّة لحم بقرة کاملة ، ثم طوی بعدها سنة ، ومن کراماته ما حکاه الشیخ أمین الدین إمام جامع الغمری أنّه قال له : بعدک نسائل فی مُهمّاتنا من؟ قال : من بینه وبین أخیه ذراع من تراب ، فاسألنی أُجبک ، فمرضت بنته فالتمسوا لها بطّیخة فما وجدت ، فجاء إلی قبره وقال : الوعد. ثم رجع بعد العشاء فوجد فی سلّم بیته بطیخة لم یعلم من أین جاءت.

شذرات الذهب (1) (7 / 323).

قال الأمینی :

وصاحب لی بطنه کالهاویه

کأنّ فی أحشائه معاویه

أنا فی حیرة بین محالات ثلاثة : أکل الشیخ البقرة کاملة ، وانطوائه علی الجوع سنة ، وإعطائه البطّیخ وهو تحت أطباق الثری ، ولعلّه کان بینه وبین ابن أبی سفیان آصرة رحم ، فأتاه ناموس الوراثة عند أکل البقرة من هنالک ، ولکنّی لا أدری من أین أتته الوراثة فی الصبر علی الطوی سنة ، ولم یکن یطیقه معاویة ، ولا یطیقه أیُّ إنسان وإن أکل عشرات من البقر ، فإنّه یهلک قبل عشر من معشار هذه المدّة؟ ولعلّک تقول : إنَّ من المحتمل أنّه کان مصاباً بدعوتین له وعلیه فأُجیبتا ، وأکلَ الشیخ وصبر ، لکنّ حدیث البطّیخة أنا لا أعرف منشأه ومبتدأه ، کما أنّی أجهل خبره.

- 88 -

خمر بلدة صارت خلاّ

نشأ داود بن بدر الحسینی المتوفّی (881) بشرافات من أعمال القدس ، وکان أهلها کلّهم نصاری لیس فیهم مسلمٌ إلاّ الشیخ وأهل بیته ، وکانت حرف أهل القریة .

ص: 240


1- شذرات الذهب : 9 / 483 حوادث سنة 878 ه.

عصر العنب وبیعه فشقَّ ذلک علیه ، فتوجّه بسببهم فصار کلّ شیء عملوه خلاّ وماءً وعجزوا فارتحلوا منها ، ولم یبق فیها إلاّ الشیخ وجماعته (1).

قال الأمینی : ما ظنّک ببیئة لم تکن فیها حرفة إلاّ عصر العنب وبیعه؟ وکیف کانت تغنی هذه الحرفة أهل تلک القریة عن سائر المکاسب؟ وهل تنحصر حرفة النصاری بعصر العنب وبیعه ، ولا یوجد منهم ذو حرفة أخری؟ وهل کان الشیخ وأهل بیته یدیرون کلّ تلکم المکاسب والمهن التی تحتاج إلیها کلّ جامعة بشریّة؟

- 89 -

أبو المعالی یحیی ویمیت

قال الإمام أبو محمد ضیاء الدین الوتری فی روضة الناظرین (ص 112) فی ترجمة السیّد محمد أبی المعالی سراج الدین الرفاعی المتوفّی (885) : إنّه مسَّ بیده المبارکة ظهر رجل أحدب فقوّم الله تعالی احدیدابه ، وصار علی أحسن تقویم کأن لم یکن به احدیداب قبل ذلک أبداً.

وقال : مرَّ فی الشام بغلام ذبّاح ذبح شاة ووضع السکّین فی فیه ، وکان الغلام علی طائفة من الحسن والجمال ، فلمّا رآه وقف عنده والشاة تختبط مذبوحةً وقد قرب خروج روحها فقال للذبّاح :

یا واضع السکّین بعد ذبیحه

فی فیه یسقیها رحیق لهاته

ضعها بجرح الذبح ثانیَ مرّةٍ

وأنا الضمین له بردّ حیاته

فأشار إلی الذبّاح أتباع سیّدنا السیّد السرّاج قدس سره بإعادة السکّین إلی الجرح ، فأعادها ، فانتفضت الشاة سلیمة لا جراحة فیها ولا ذبح بإذن الله.

وقال : وممّا حدّثنا به الجمُّ الغفیر من الثقات أنَّ رجلاً ممّن ینتمی إلی السیادة ف)

ص: 241


1- شذرات الذهب : ج 7 [9 / 496 حوادث سنة 881 ه]. (المؤلف)

ببلدة هیت اسمه کبش اشتهرت به فی هیت خرقة الطریقة القادریّة ، وکان من الأدب مع أهل الله بمعزل ، فکان کثیراً ما یسیء فقراء الطرق السائرة وبالخاصّة الأحمدیّة (1) فعاتبه بالواسطة سیّدنا السیّد سراج الدین ونصحه فأغلظ الجواب ، فکتب له السیّد السرّاج کتاباً وأرسله مع جماعة من أهل هیت کتب فیه مصرّحاً بغوثیّة عصره ما هو بحروفه :

لله فی هذا الوری خاتمٌ

تجری المقادیر علی نقشه

فی نوعه من سرِّه حالةٌ

تستنزل الجبّارَ عن عرشه

یفیض من فیضِ إله الوری

وبطشه یظهر من بطشه

وإن طغا بالکبشِ لحمُ الکلا

یدخلُ رأس الکبش فی کرشه

فلمّا وصله الکتاب ضحک وقرأه لأصحابه علناً ، فلمّا قرأ البیت الأخیر وأتمّه سقط فی الحال میّتاً.

قال الأمینی : کلامٌ شعریٌّ حسن ، (وَالشُّعَراءُ یَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ* أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِی کُلِّ وادٍ یَهِیمُونَ* وَأَنَّهُمْ یَقُولُونَ ما لا یَفْعَلُونَ) (2) ، (کَبُرَتْ کَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ إِنْ یَقُولُونَ إِلاَّ کَذِباً) (3).

- 90 -

تطوّر أبی علی لیلاً ونهاراً

قال المناوی فی طبقاته فی ترجمة أبی علیّ حسین الصوفی المتوفّی (891) : کان کثیر التطوّر یدخل علیه إنسانٌ فیجده سبعاً ، ثم یدخل علیه آخر فیجده جندیّا ، ثم 5.

ص: 242


1- أراد بها الرفاعیة أتباع السیّد أحمد الرفاعی. (المؤلف)
2- الشعراء : 224 - 226.
3- الکهف : 5.

یدخل علیه آخر فیجده فلاّحاً ، أو فیلاً وهکذا. وقال آخرون : کان التطوّر دأبه لیلاً ونهاراً حتی فی صورة السباع والبهائم ، ودخل علیه أعداؤه لیقتلوه فقتلوه فقطّعوه بالسیوف لیلاً ، ورموه علی کوم بعید ، فأصبحوا فوجدوه قائماً یصلّی بزاویته ، ومکث بخلوة فی غیطٍ خارج باب البحر أربعین سنة لا یأکل ولا یشرب. شذرات الذهب (1) (7 / 250).

قال الأمینی : من لی بمعتوهٍ یصدِّق هذه الأفائک؟ متی سمعت بإنسان یتطوّر بصورة الکواسر والبهائم کالشیاطین التی تتشکّل بأشکال مختلفة حتی الکلب والخنزیر؟ أو رجل حیی بعد ما قطّع بالسیوف إرباً إرباً ، أو بشرٍ عاش علی الطوَی أربعین عاماً؟ هذه هی الحقیقة الراهنة ، لکن علماء الأُمّة قالوا قولاً فی أولیائها ولا سبیل إلی ردِّه ، لأنّه قول عالم فی ولیّ.

- 91 -

السیوطی رأی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم یقظة

قال ابن العماد فی شذرات الذهب (2) (8 / 54) : ذکر الشیخ عبد القادر الشاذلی فی کتاب ترجمته : أنَّ جلال الدین السیوطی کان یقول : رأیت النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم یقظةً ، فقال لی : یا شیخ الحدیث ، فقلت له : یا رسول الله أمن أهل الجنّة أنا؟ قال : نعم. فقلت : من غیر عذاب یسبق؟ فقال : لک ذلک.

وقال الشیخ عبد القادر : قلت له : کم رأیت النبی صلی الله علیه وآله وسلم یقظة؟ فقال : بضعاً وسبعین مرّة.

قال الأمینی : لا یحلّ هذه المشکلة إلاّ راءٍ آخر له صلی الله علیه وآله وسلم یقظة کما رآه .

ص: 243


1- شذرات الذهب : 9 / 525 حوادث سنة 891 ه.
2- شذرات الذهب : 10 / 77 حوادث سنة 911 ه.

السیوطی ، فیسأله عن هذه الدعوی ، فیخبره أنَّ السیوطی کذب علیه صلی الله علیه وآله وسلم بضعاً وسبعین کذبة. أو یُوافی رجلاً من المتنعّمین فی الجنّة فیسأله عن مُبَوَّأ السیوطی منها فیقول : أنا قطّ ما رأیته. وأمّا إذ لم یتأتّیا فإنّا نحیل الحکم فی هذه القصة إلی العقل السلیم لا إلی الغلاة فی الفضائل.

هذه رؤیة القوم النبیّ یقظة ، وأمّا رؤیتهم فی المنام فتربو علی المئات ، قال أبو عبد الله بن خفیف : سألت أبا جعفر الکتانی کم مرّة رأیت النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فی المنام؟ فقال : کثیراً. فقلت : یکون ألف مرّة؟ فقال : لا. فقلت : فتسعمائة؟ فقال لا. فقلت : فثمانمائة مرّة؟ فقال لا. قلت : فسبعمائة مرّة؟ فقال : بیده هکذا أی قریباً منه. حلیة الأولیاء (10 / 343).

وجمع محمد بن محمد الزواوی البجائی مناماته فی جزء ، وفیها أزید من مائتی رؤیا رأی فیها النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وفیها عجائب وغرائب. نیل الابتهاج (ص 322). وإن تعجب فعجبٌ ما جاء به الزواوی فی مناقب مالک (ص 17) قال : قال المثنی بن سعید القصیری : سمعت مالکاً یقول : ما بتُّ لیلة إلاّ رأیت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم.

- 92 -

السیوطی وطیّ الأرض

ذکر محمد بن علی الحبّاک خادم الشیخ جلال الدین السیوطی المتوفّی (911) : إنَّ الشیخ قال له یوماً وقت القیلولة وهو عند زاویة الشیخ عبد الله الجیوشی بمصر بالقرافة : أترید أن تصلّی العصر بمکة بشرط أن تکتم ذلک علیَّ حتی أموت؟ قال : فقلت : نعم. قال : فأخذ بیدی وقال : غمّض عینیک فغمضتهما فرحل بی نحو سبع وعشرین خطوة ثم قال لی : افتح عینیک ، فإذا نحن بباب المعلاّة فزرنا أُمّنا خدیجة ، والفضل بن عیاض ، وسفیان بن عیینة ، وغیرهم ، ودخلت الحرم فطفنا وشربنا من

ص: 244

ماء زمزم ، وجلسنا خلف المقام حتی صلّینا العصر ، وطفنا وشربنا من ماء زمزم ثم قال لی : یا فلان لیس العجب من طیِّ الأرض لنا ، وإنَّما العجب من کون أحد من أهل مصر المجاورین لم یعرفنا ، ثم قال لی : إن شئت تمضی معی ، وإن شئت تقیم حتی یأتی الحاجّ. قال : فقلت : أذهب مع سیدی ، فمشینا إلی باب المعلاّة وقال لی : غمّض عینیک فغمضتها ، فهرول بی سبع خطوات ثم قال لی : افتح عینیک. فإذا نحن بالقرب من الجیوشی ، فنزلنا إلی سیّدی عمر بن الفارض.

أسلفنا هذه القصّة وجملة من لِداتها فی الجزء الخامس (ص 17 - 21) وفصّلنا القول هنالک تفصیلاً.

- 93 -

أبو بکر باعلوی یحیی المیّت

لمّا رجع أبو بکر بن عبد الله باعلوی المتوفّی (914) من الحجِّ دخل زیلع ، وکان الحاکم بها یومئذٍ محمد بن عتیق ، فاتّفق أنَّه ماتت أُمّ ولد للحاکم المذکور ، وکان مشغوفاً بها فکاد عقله یذهب لموتها ، فدخل علیه السیّد - باعلوی - لمّا بلغه عنه من شدّة الجزع لیعزِّیه ویأمره بالصبر وهی مسجّاة بین یدیه بثوب ، فعزّاه وصبّره فلم یفد فیه ذلک ، وأکبّ علی قدمی الشیخ یقبّلهما وقال : لا سیّدی إن لم یحی الله هذه متُّ أنا أیضاً ، ولم یبق لی عقیدةٌ فی أحد ، فکشف السیّد عن وجهها وناداها باسمها فأجابته : لبّیک ، وردّ الله روحها ، وخرج الحاضرون ولم یخرج السیّد حتی أکلت مع سیّدها الهریسة وعاشت مدّة طویلة.

شذرات الذهب (8 / 63) ، النور السافر (ص 84) (1).

قال الأمینی : فلیذهب المسیح بن مریم بخاصّته من إحیاء الموتی بإذن الله حیث 9.

ص: 245


1- شذرات الذهب : 10 / 92 حوادث سنة 914 ، النور السافر : ص 79.

شاء ، فقد جاء باعلوی ونظراؤه أُمّة کبیرة یشارکونه فی المعجز ، نعم ؛ الفاصل بین المسیح وهؤلاء أربعة أصابع (1) وإنّا وإن لم نرَ معجز المسیح علیه السلام لکن أخذنا خبره ممّا هو أثبت من الرؤیة ألا وهو القرآن الکریم ، علی حین أنّه معتضدٌ بالاعتبار والبرهنة الصادقة من لزوم نوع المعجز لمثل المسیح من الأنبیاء والحجج من الذین عصمهم الله من کلّ هویً سائد وطهّرهم تطهیراً.

ونحن إلی الغایة لم نعرف سرّ إحیاء السیّد باعلوی أُمّ ولد الحاکم ، هل کان للتحفّظ علی حیاة الرجل ، وقد قال : إن لم یحی الله هذه متُّ أنا أیضاً ، والرائد لا یکذب ، وکان المجتمع فی حاجة ماسّة إلی حیاته؟ أو کان لإبقائه فی عقیدته ، وکان فی نزوعه عنها خسارة أُمّة محمد صلی الله علیه وآله وسلم؟ أو کان لکلا الأمرین مزدوجین؟ وهل یعمّان هما کلّ من یدّعیهما فی موت من یحبّه؟ أو یخصّان بالحاکم؟ أو یُقصران علی من شاء السیّد باعلوی إحیاءه؟ مشکلات لا تنحلّ!

- 94 -

أبو بکر باعلوی ینجی المستغیث

ذکر شمس الدین العیدروسی فی النور السافر (2) (ص 84) عن الأمیر مرجان أنَّه قال : کنت فی نفر من أصحاب لی فی محطّة صنعاء الأولی ، فحمل علینا العدوّ فتفرّق عنّی أصحابی وسقط بی فرسی لکثرة ما أُثخِن من الجراحات ، فدار بی العدوُّ حینئذٍ من کلِّ جانب فهتفت بالصالحین ، ثم ذکرت الشیخ أبا بکر رضی الله عنه ، وهتفت به فإذا هو قائم ، فو الله العظیم لقد رأیته نهاراً ، وعاینته جهاراً ، أخذ بناصیتی وناصیة فرسی ، وشالنی من بینهم حتی أوصلنی المحطّة ، فحینئذٍ مات الفرس ونجوت أنا 0.

ص: 246


1- إشارة إلی الحدیث المعروف المروی عن مولانا أمیر المؤمنین علیه السلام : «بین الحق والباطل أربعة أصابع» الفاصلة بین العین والأُذن. (المؤلف)
2- النور السافر : ص 80.

ببرکته رضی الله عنه ونفع به.

- 95 -

السروی یطیر ویرسم للفأر

قال ابن العماد فی شذرات الذهب (1) (8 / 187) : توفّی شمس الدین محمد السروی الشهیر بابن الحمائل (2) سنة (932) ، وکان کثیر الطیران من بلد لآخر ، وکان یغلب علیه الحال لیلاً ، فیتکلّم بألسنة غیر عربیّة من عجم وهند ونوبة وغیرها. إلی أن قال :

ومن کراماته أنّه شکی له أهل بلد کبیر الفأر فی مَقثأة (3) البطّیخ ، فقال لرجل : ناد فی الغیط : رسم لکم محمد بن أبی الحمائل أن ترحلوا ، فلم یبق فیها فأر ، فسأله أهل بلد آخر فی ذلک فقال : الأصل الإذن ولم یفعل.

قال الأمینی : تصکُّ الآذان مکرمة الطیران من بلد إلی آخر ، ولم تجدها فی الأُمم السالفة حتی فی معاجز الأنبیاء ، مرحباً بأُمّة محمد صلی الله علیه وآله وسلم یوجد فیها من یطیر بلا جناح موهوب لجعفر بن أبی طالب علیهما السلام الذی یطیر به فی الجنّة ، أو یتجوّل به فی ذلک العالم اللطیف ، ولا بدع إذ الأمّة للرقیّ والتقدّم ، ویوم جعفر غیر یوم أبی الحمائل ، واکتشافات القرن العشرین غیر القرون الأولی وعصور الأُمم الغابرة!

ومن غلبة الحال علی أهل الحال لیلاً یتأتّی التوسّع فی اللغات ، ویمکن للرجل التکلّم بأیِّ لغة ، إذ اللیل له شأنٌ من الشأن ، ولغاتها غیر لغات النهار ، وهناک جزر ومدّ ، ولفّ ونشر علی قسمیه ، مرتّباً ومشوّشاً ، نعوذ بالله من هذیان اللیل وسفه النهار.ه.

ص: 247


1- شذرات الذهب : 10 / 259 - 260.
2- فی شذرات الذهب : ابن أبی الحمائل ، وفی طبقات الشعرانی : 2 / 126 : أبی الحمائل.
3- مَقثأة البطّیخ : موضعه.

ولو کان فی تلک البلدة لفیفٌ من الهرّ لاحتمل تصدیق هجرة الفئران ، ولأغنوا الناس عن معجزة السروی ، لکن کفیت الهررة القتال بابن الحمائل ، فمرحباً به وبرسمه!

- 96 -

ذویب یمشی علی الماء

قال فی شذرات الذهب (1) (8 / 269) : توفّی الشیخ علی ذویب سنة (947) وکان یمشی کثیراً علی الماء ، فإذا أبصره أحدٌ اختفی ، وکان یُری کلّ سنة بعرفة ویختفی من الناس إذا عرفوه.

- 97 -

فتح الحجرة الشریفة للعبادی

کان سراج الدین عمر العبادی المصری الشافعی الإمام صاحب شرح قواعد الزرکشی فی مجلّدین المتوفّی سنة (947) لمّا حجَّ وزار رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فتحت له الحجرة الشریفة والناس نیامٌ من غیر فاتح ، فدخلها وزار ثم خرج فعادت الأقفال کما کانت ، رحمه الله تعالی (2).

- 98 -

زیادة النیل بأمر الصدّیقی

توفّی الشیخ محمد بن أبی الحسن محمد - حفید أبی بکر الصدّیق - البکری الصدِّیقی الشافعیّ المصریّ سنة (993) ، ومؤلّفاته تنیف علی أربعمائة تألیف ، ومن کراماته أنَّه لمّا نقص بحر النیل فی بعض السنین قال لعبده الحبشیّ مندل : انزل یا مندل ، قل للبحر ، یقول لک الشیخ أبو الحسن البکری : زد. أو نحو هذه العبارة ، فقال ف)

ص: 248


1- شذرات الذهب : 10 / 384.
2- شذرات الذهب : 8 / 269 [10 / 385 حوادث سنة 947]. (المؤلف)

العبد کما أمره ، فما مضت ساعة یسیرة إلاّ وقد ظهر فیه زیادة کثیرة (1).

مرّت لِدة هذه الکرامة فی بحر النیل للخلیفة الثانی عمر بن الخطّاب ، راجع الجزء الثامن (ص 83 ، 84) الطبعة الثانیة.

- 99 -

کرامات وخوارق

قال صاحب النور السافر (2) (ص 313) : کان الشیخ علوی ابن الشیخ محمد بن علیّ من آیات الله الکبری وهو من أمثال الشیخ ، ومن مناقبه : أنَّه کان یعرف الشقیّ من السعید ، ویُحیی ویُمیت بإذن الله تعالی ، ویقول للشیء : کن ، فیکون بإذن الله. إلی غیر ذلک من الکرامات العظیمة والخوارق العجیبة التی لا یشارکه فیها غیره.

- 100 -

عجائب وغرائب

قال العیدروسی فی النور السافر (3) (ص 85) : اعلم أنَّ کرامات الأولیاء حقٌّ ، والدلیل علی وقوعها موجود من المنقول والمعقول. أمّا المنقول فهو ما ثبت فی القرآن العزیز فصحَّ عن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم من قصّة مریم وجریج وغیرهم الذین لیسوا أنبیاء ووقعت علی أیدیهم.

وما روی عن الصدّیق رضی الله عنه وکان أخبر عند موته امرأته تلد بنتاً ، وکانت إذ ذاک حاملاً.

وعن الفاروق رضی الله عنه فی قصّة ساریة المشهورة. 0.

ص: 249


1- النور السافر : ص 429 [ص 383]. (المؤلف)
2- النور السافر : ص 281.
3- النور السافر : ص 80.

وعن ذی النورین رضی الله عنه فی الرجل الذی دخل علیه وقد نظر إلی امرأة أجنبیّة فکاشفه بذلک.

وعن المرتضی رضی الله عنه فی الأسود الذی قطع یده ثم ردّها مکانها فعادت کما کانت.

وأمّا ما نقل من ذلک عن أولیاء الله تعالی فکثیرٌ جدّا. من ذلک ما وقع لبعض الأولیاء وهو علی جبل فقال : إنَّ من أولیاء الله من إذا قال لهذا الجبل : تحرّک ، لتحرّک. فتحرّک الجبل من قوله ، فقال له : اسکن إنّما ضربت بک مثلاً.

وکما قال ذو النون المصریّ للسریر : طف بالبیت. فطاف ثم عاد إلی مکانه. وکان هناک شابّ فصاح الشابّ حتی مات. الکلام.

هذه مائة کرامة أو أُسطورة أو أُکذوبة أو قصص خرافة إلی مئات لِداتها من الخوارق والقصص المبثوثة فی حلیة الأولیاء لأبی نعیم ، وتاریخ بغداد للخطیب ، وصفة الصفوة لابن الجوزی ، والمنتظم له ، ومناقب أحمد بن حنبل له ، وتاریخ الشام لابن عساکر ، وتاریخ ابن خلّکان ، والبدایة والنهایة لابن کثیر ، وطبقات الشافعیّة للسبکی ، ومناقب أبی حنیفة للخوارزمی ، ومناقب أبی حنیفة للکردری ، وشذرات الذهب ، ومرآة الجنان ، وروض الریاحین ، والکواکب الدرّیة ، والروض الفائق ، والطبقات الکبری للشعرانی ، وتنبیه المغترّین له ، والفتح الربّانی والفیض الرحمانی ، وأنیس الجلیس للسیوطی ، وشرح الصدور له ، ولطائف المنن والأخلاق ، وبهجة الأسرار للشیخ نور الدین الشافعی ، وقلائد الجواهر للشیخ محمد الحنبلی ، ومشارق الأنوار ، والنور السافر ، وتفریح الخاطر ، وعمدة التحقیق. إلی تآلیف کثیرة من کتب التاریخ ومعاجم التراجم المشحونة بالمخاریق والطامّات.

ص: 250

خاتمة البحث

فذلکة المقام والقول الحاسم بعد هذه الأبحاث المطنبة المفصّلة فی غضون الجزء السادس وهلمَّ جرّا إلی هذه الصحیفة ، فی ذکریات الخلفاء الثلاثة ، ومن بعدهم رابعهم معاویة بن أبی سفیان ، ومن اقتصَّ أثرهم من الصحابة ، ومن بعدهم من الذین سمّوهم بالأولیاء والأئمّة والعلماء ، من شتّی نواحیها ، أنَّ الغایة الوحیدة هو تعریف الملأ الدینیّ بالغلاة فی الفضائل ، ومن ذا الذی یحقُّ له هذا الاسم الغالی؟ هل هو فی أُولئک الذین تمسّکوا بحجزة أهل بیت الوحی الرافلین فی حلل الفضائل والفواضل ، الممدوحین بلسان الوحی ، ومنطق الذکر الحکیم ، ونصوص نبیّ الإسلام عند فرق المسلمین جمعاء ، ولقد طأطأت لهم المفارق ، وخضعت لهم الرقاب ، ولم یبقوا فی مستوی المآثر والمفاخر مرتقیً إلاّ وتسنّموه ، ولا مبوّأ کرامة إلاّ وحلّوا فیه؟

أو هل تجد الغالی فی هؤلاء الذین ذکرناهم؟ أم فی المقتصّین أثر قوم لیس لهم نصیبٌ من الفضل إلاّ أحادیث مفتعلة ، وفخفخات کاذبة ، وتمحّلات باردة ، وأساطیر مسطّرة ، ولهم تاریخ حشوه المخازی تمضی معه الهفوات أینما سلک؟

ومن هوان الدهر أنَّ المربی بهؤلاء عن حدودهم ، والمثبت لهم ما لا یثبته لهم العقل والمنطق ، وما هو خارجٌ عن طورهم ، ومباین لنفسیّاتهم لا یُعدُّ غالیاً ، ولکنّما الغلاة هم المتحیّزون إلی فئة الوحی ، وأُسرة النبوّة ، ومنبثق أنوار الهدی ، الذین لا یطیش سهمک فی أیِّ مأثرة من مآثرهم ، ولا یخفق ظنّک فی أیٍّ من تقدّمهم ورُقیّهم ونبوغهم ، وهم المخوّلون من المولی سبحانه بأکثر من ذلک النزر الیسیر الذی ذکرته لهم الرواة ، ولهجت به أئمّة الحدیث ، وحفّاظ الأثر فی المستفیض والمتواتر من الصحاح والمسانید.

وإنَّما عقدنا هذه الأبحاث الضافیة لتنویر البصائر وتنبیه الأفکار ، حتی یمیّز

ص: 251

القارئ الغالی من القالی ، وما دعمته البرهنة الصحیحة الصادقة ، ممّا أثبتته التافهات ونسجته ید الافتعال والاختلاق (لِیَهْلِکَ مَنْ هَلَکَ عَنْ بَیِّنَةٍ وَیَحْیی مَنْ حَیَّ عَنْ بَیِّنَةٍ) (1) ، (أَتُجادِلُونَنِی فِی أَسْماءٍ سَمَّیْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُکُمْ ما نَزَّلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّی مَعَکُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِینَ) (2). 1.

ص: 252


1- الأنفال : 42.
2- الأعراف : 71.

فهرس شعراء الغدیر فی هذا الجزء

الشاعر

تاریخ الوفاة

الشاعر

تاریخ الوفاة

ضیاء الدین الهادی

(822)

المولی محمد طاهر القمی

(1098)

الحسن آل أبی عبد الکریم

القاضی جمال الدین

[بعد 1012]

الشیخ إبراهیم الکفعمی

(905)

أبو محمد ابن الشیخ صنعان

الشیخ حسین العاملی

(984)

الشیخ محمد الحرّ العاملی

(1104)

ابن أبی شافین

(بعد1001)

الشیخ أحمد البلادی

زین الدین الحمیدی

(1005)

شمس الأدب الیمنی

(1119)

الشیخ بهاء الدین العاملی

(1031)

السیّد علی خان المدنی

(1120)

الشیخ محمد الحرفوشی

(1059)

الشیخ عبد الرضا المقری

(ح 1120)

السیّد ابن أبی الحسن

(1068)

الشیخ علم الهدی ابن الفیض

الشیخ حسین الکرکی

(1076)

الشیخ علی العاملی

شرف الدین الیمنی

(1079)

المولی مسیحا الفسوی

(1127)

السیّد أبو علیّ الیمنی

(1079)

الشیخ ابن بشارة

(1138)

السیّد أبو المعتوق

(1087)

الشیخ إبراهیم البلادی

السیّد علی خان المشعشعی

(1088)

الشیخ أبو محمد الشویکی الخطی

السیّد ضیاء الدین

(1096)

السیّد حسین الرضوی

(1156)

السید بدر الدین الیمینی المولود (1062)

ص: 253

ص: 254

شعراء الغدیر فی القرن التاسع

اشارة

ص: 255

ص: 256

- 75 -

ضیاء الدین الهادی

المولود (758)

المتوفّی (822)

الحمدُ لله باری الروحِ والنسَمِ

وخالقِ الخلقِ والمختصِّ بالقِدمِ

ثم الصلاةُ علی أعلی الوری شرفاً

وأکرمِ الناسِ من عُربٍ ومن عجمِ

محمدِ المصطفی المختارِ من مضرٍ

وخاتمِ الرسلِ والمحمودِ فی الشِّیمِ

دع ما یقول النصاری فی نبیِّهمُ

من الغلوِّ وقل ما شئتَ واحتکمِ

وبعدُ فالعلمُ منجاةٌ لصاحبِهِ

فاشددْ بعروتِهِ کفّیکَ واعتصمِ

وأفضلُ العلمِ عند العارفین به

علمُ الکلامِ لما فیه من الحِکمِ

علمٌ أنافَ علی کلِّ العلوم له

فضل التقدّمِ فارغبْ فیه واغتنمِ

علیک بالنظر الفکریِّ فهو طری

قُ العلم بالله فانظر ثم واستقمِ

ومن هنا استرسل شاعرنا الهادی فی مباحث علم الکلام ، وأدلی ما عنده من الحجج فی مسائل ، وممّا أفاضه فی باب الإمامة قوله :

هذا ومذهبنا أنّ الإمام عقی

ب المصطفی حیدر الأبطال والبهمِ

أعنی علیّا أمیرَ المؤمنین ومن

بالعطفِ خُصَّ من الرحمن ذی القسمِ

اللهُ أنزلَ آیاتٍ مبارکةً

فی فضلهِ عدُّها لی غیر منتظمِ

وقال فیه رسولُ اللهِ سیّدُنا

یومَ الغدیرِ بخمٍّ یومَ حجّهم

ص: 257

من کنت مولاه أی أولی به فعلی

أولی به وهو مولاهم بکلّهمِ

قام النبیُّ خطیباً فی معسکرِهِ

بهذه الخطبةِ الغرّا لجمعهمِ

وشال ضبعاً کریماً من أبی حسنٍ

فی یوم حرٍّ شدیدِ اللفحِ مضطرمِ

کی لا یقال بأنَّ النصّ مُکتتَمٌ

ما کان إلاَّ صریحاً غیرَ مُکتتمِ

فهو الخلیفةُ بعد المصطفی وله

فضلُ التقدّمِ لم یسجدْ إلی صنمِ

وکان سابقَهمْ فی کلِّ مکرمةٍ

وکان فی کلِّ حربٍ ثابتَ القدمِ

وکان أوّلَ من صلّی لقبلتِهمْ

وأعلمَ الناسِ بالقرآنِ والحِکمِ

وکان أقربَهم قربی وأفضلَهمْ

رُغبی وأضربَهمْ بالسیفِ فی القِممِ

وکان أشرفَهمْ همّا وأرفعَهمْ

فی همِّه فهو عالی الهمِّ والهممِ

وکان أعبدَهمْ لیلاً وأکثرَهمْ

صوماً إذا الفاجرُ المسکینُ لم یَصُمِ

وکان أفصحَهمْ قولاً وأبلَغهمْ

نطقاً وأعدلَهم حکماً لمحتکمِ

وکان أحسنَهمْ وجهاً وأوسعَهمْ

صدراً وأطهرَهم کفّا لمستلمِ

وکان أغزرَهم جوداً وأدونهمْ

مالاً فطالَ علی الأطوادِ والأُدمِ

فکیف تقدَّمه من لا یُماثله

فی العلمِ والحلمِ والأخلاقِ والشِّیمِ

وفی الشجاعةِ والفضلِ العظیمِ وفی ال

تَّدبیرِ والورعِ المشهورِ والکرمِ

ما یتبع الشعر

وقفنا علی نسخة مخطوطة من هذه المنظومة فی طهران عاصمة البلاد الفارسیّة ومعقد لوائها الملکی ، وهی تحتوی علی سبعة ومائتی بیتٍ نظم بها الخلاصة ، للشیخ حسن الرصّاص ، کتبت فی (25) صفر عام ألف واثنین وستّین ، وعلیها خطُّ العلاّمة السیّد محمد بن إسماعیل الیمانیّ الصنعانیّ الحسینیّ المتوفّی (1182) ، وهو أحد شعراء الغدیر یأتی ذکره إن شاء الله تعالی.

ص: 258

الشاعر

السیّد جمال ضیاء الدین الهادی بن إبراهیم بن علیّ المتوفّی (784) ، ابن المرتضی المتوفّی (785) ، ابن الهادی بن یحیی بن الحسین بن القسم بن إبراهیم بن إسماعیل بن إبراهیم بن الحسن بن الحسن بن علیّ بن أبی طالب (1) الیمنی الصنعانی الزیدی.

أحد رجالات الیمن وأعلامها المتضلّعین من فنون العلم والأدب ، ترجمه صاحب (2) مطلع البدور (3) ، قال : قال العلاّمة ابن الوزیر فی تاریخهم : إنّه لم تسمح بمثله الأعصار فی أولاد الإمام الهادی ، کان جامع شتات العلوم ، وشاطرها فی المنثور والمنظوم ، ولد فی شظب ، ولمّا قرأ القرآن أخذه والده مع ابن عمّه محمد بن أحمد المرتضی إلی صعدة (4) ، وکان یحملهما قلیلاً متی تعبا من السیر لصغرهما حتی وصلوا صعدة ، فقرأ مدّة فی أنواع العلوم العربیّة وغیرها علی عمّیه : المرتضی بن علی وأحمد ابن علی ، وقرأ التفسیر علی الشیخ العلاّمة ترجمان أهل عصره إسماعیل بن إبراهیم بن عطیّة البحرانی ، وعلوم الأدب علی الفقیه العلاّمة محمد بن علی بن ناجی العالم المشهور ، قرأ علیه دیوان المتنبّی وغیره ، والأصولین ، والفروع علی القاضی العلاّمة ملک العلماء عبد الله بن الحسن الدواری ، وعلی عمّه المرتضی بن علیّ الذی کان إماماً فی علم الکلام ، وکذا علی عمّه أحمد بن علی ، وحصلت له إجازات وطرق سماعیّة ، منها : سماعه لجامع الأُصول بمکة المشرّفة علی قاضی الحرم محمد بن عبد الله بن ظهیرة 6.

ص: 259


1- کذا سرد نسبه شمس الدین السخاوی فی الضوء اللامع : 6 / 272 فی ترجمة أخیه محمد. (المؤلف) [وأورد القاضی الشوکانی محمد بن علی فی البدر الطالع : 2 / 81 رقم 390 نسبه کاملاً ، ثم قال : رأیت السخاوی ترجمه فغلط فی نسبه].
2- أحمد بن صالح بن محمد بن أبی الرجال الیمنی المتوفّی بصنعاء سنة 1092. (المؤلف)
3- مطلع البدور : ص 359.
4- صعدة : مدینة بالیمن ، بینها وبین صنعاء ستون فرسخاً. معجم البلدان : 3 / 406.

القرشی المخزومی فی سنة حجِّه ، وله رسائل ومسائل وأشعار ومنظومات لا تحصی ، حتی قال شیخه الفقیه محمد بن علیّ بن ناجی : إنَّه المراد بقول النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم یکون رجلٌ من ولد الحسن ینفث بالشعر کما ینفث الأفعی بالسمّ.

ومن تصانیفه : کفایة القانع فی معرفة الصانع ، نظم الخلاصة (1) شرحها ، الطرازین المعلمین فی المفاخرة بین الحرمین ، التفصیل فی التفضیل ، الردّ علی ابن العربی ، هدایة الراغبین إلی مذهب أهل البیت الطاهرین ، الردّ علی الفقیه علیّ بن سلیمان فی العارضة والناقضة ، وکلّها موجودةٌ ، ومن أحسنها : کاشفة الغمّة عن حسن سیرة إمام الأُمّة ، وکریمة العناصر فی الذبِّ عن سیرة الإمام الناصر ، والسیوف المرهفات علی من ألحد فی الصفات ، ونهایة التنویه فی إزهاق التمویه فی الردّ علی نشوان ، ومن شعره قصیدته المنسک أوّلها :

بعث الهوی شوقی إلی أُمِّ القری

وله مراجعات ومراسلات ومشاعرات بینه وبین علماء الیمن الأسفل کإسماعیل المقری ، والنظاری ، وابن الخیّاط ، الذی استجاز منه ، وبین أهل تهامة مثل بنی الناشری ، والنفیس العلویِّ الحنفیِّ المذهب ، العتکیِّ النسب ، وبین علماء المخالیف والحواز مثل الفقیه محمد بن الحسن بن سود العابد المشهور أحد الواصلین فی علم الطریقة وغیرهم ، وکان منتشر الذکر عند جمیع الأکابر فی جمیع البلاد حتی فی مصر مع غلظة أهلها ، وقد ذکره وذکر أخاه محمد الحافظ العلاّمة ابن حجر العسقلانی المصریُّ فی تاریخه وأثنی علیهما.

توفّی بذمار تاسع عشر ذی الحجّة سنة (822) ومولده یوم الجمعة السابع والعشرین من المحرّم سنة (758) وموته کان عظیماً علی أهل البیت ، حیث مُنِعوا بعده عمّا کان معتاد أهل الأموال فی المدائن والأمصار ، ورثاه عدّةٌ من الناس وأحسن مراثیه ما رثاه الفقیه الأدیب عبد الله بن عتیق المعروف بالمزّاح المروعی. انتهی ما فی ف)

ص: 260


1- تألیف العلاّمة الشیخ حسن الرصّاص. (المؤلف)

مطلع البدور ملخّصاً.

وذکره شمس الدین السخاوی فی الضوء اللامع (10 / 206) وقال : ذکره شیخنا فی انبائه (1) فقال : عُنی بالأدب ففاق فیه ، ومدح المنصور صاحب صنعاء ، مات یوم عرفة سنة اثنتین وعشرین ، وذکره ابن فهد فی معجمه فقال : إنّه حدث سمع منه الفضلاء ، قال : وله مؤلّفات منها : الطرازین المعلمین فی فضائل الحرمین ، والقصیدة البدیعیّة فی الکعبة الیمنیّة الثمینة أوّلها :

سری طیف لیلی فابتهجتُ به وجدا

وتوَّج قلبی من لطائفه مجدا (2)

وترجم السخاوی لأخی المترجم له محمد بن إبراهیم بن علی وقال : ولد تقریباً سنة (765) ، وتعانی النظم فبرع فیه ، وصنّف فی الردِّ علی الزیدیّة : العواصم والقواصم فی الذبِّ عن سنّة أبی القاسم ، واختصره فی الروض الباسم عن سنّة أبی القاسم وغیره ، ذکره التقیّ بن فهد (3) فی معجمه وله قوله :

العلم میراث النبیِّ کذا أتی

فی النصِّ والعلماء هم ورّاثه

فإذا أردت حقیقةً تدری لمن

ورّاثه فکیف ما میراثه

ما ورّثَ المختارُ غیرَ حدیثه

فینا وذاک متاعه وأثاثه

فَلَنا الحدیث وراثة نبویّة

ولکلِّ محدثِ بدعة إحداثه

مات بصنعاء فی المحرم سنة (840) وأرّخه بعضهم فی التی قبلها (4). ف)

ص: 261


1- إنباء الغمر بأبناء العمر : 7 / 382 وفیات سنة 822.
2- مرّ ذکر بدیعیّته فی الجزء السادس : ص 45 ، عن إیضاح المکنون [1 / 173]. (المؤلف)
3- هو السید محمد بن محمد بن محمد ، أبو الفضل تقی الدین الهاشمی العلوی الأصفونی المکی الشافعی المولود 787 والمتوفّی 871 ه.
4- الضوء اللامع : 6 / 272. (المؤلف)

ص: 262

- 76 -

الحسن آل أبی عبد الکریم

فروع قریضی فی البدیع أُصولُ

بها فی المعانی والبیان أصولُ

وصارم فکری لا یفلُّ غراره

ومن دونه العضب الصقیل کلیلُ

سجیّة نفسی إنّها لسخیّةٌ

تمیل إلی العلیاء حیث تمیلُ

ویقتادنی صدق الولاء ولی هویً

قبول له القلب السلیم قبولُ

أُنظّم درّا فی سلوکٍ من العُلی

بحسن سلوکٍ هذّبته فصولُ

فشیّدت من فکری مبانی غریزة

مثابی لها عند الجلیل جلیلُ

مراثی محبٍّ لا مُراءٍ وإنَّها

نُصولٌ بها فی الملحدین نَصولُ

بضائعُ لیس المدح فیها بضائعٍ

لعلمی بها أنَّ الجزاء جزیلُ

أحلُّ بها أوجَ السعودِ فإن أحُل

سیبقی بها ذکری ولیس یحولُ

وأحیی بها لیلی وأجنی ثمارَها

لعلَّ إلی نیلِ المرادِ وصولُ

أقول لنفسی مسعفاً ومسدّداً

وأنشد قلبی مرشداً وأقولُ

فلا تعدلی یا نفس عن طلب العُلی

ویا قلب لا یثنیک عنه عذولُ

ففی ذروة العلیاء فخرٌ وسؤددٌ

وعزٌّ ومجدٌ فی الأنام وصولُ

خلیلیَّ ظهر المجد صعبٌ رکوبه

ولکنّه للعارفین ذلولُ

جمیلُ صفاتِ المرءِ زهدٌ وعفّةٌ

وأجملُ منها أن یُقال فَضیلُ

فلا رتبةٌ إلاّ وللفضل فوقها

مقامٌ منیفٌ فی الفخار أثیلُ

فلِلّه عمرٌ ینقضی وقرینه

علومٌ وذکرٌ فی الزمان جمیلُ

ص: 263

تزول بنو الدنیا وإن طال مکثها

وحسن ثناء الذِّکر لیس یزولُ

فیا راقداً فی صفو عیشٍ ولذّةٍ

عن القدر الجاری علیه غفولُ

إذا خالط الشیبُ الشبابَ وأقبلت

عساکرُهُ فی العارضَین تجولُ

علیک بزاد المتّقین لأنّه

أتاک بشیرٌ منذرٌ ورسولُ

فلا تَذْمُمِ الدنیا إذا هی أدبرت

وإن أقبلتْ فالحالتان تزولُ

ولا تترکنَّ النفسَ تتّبعُ الهوی

تمیلُ وعن سبل الرشادِ تمیلُ

وبالصبرِ مُرها ثم عِظها فإنّها

لأمّارةٌ بالسوءِ وهی عجولُ

وخذ من یدِ الدنیا الکفافَ وصاحب ال

عفافَ فلا مثلُ العفافِ خلیلُ

وأقللْ من الحرصِ الذمیمِ تعفّفاً

بصبرٍ جمیلٍ فالمُقامُ قلیلُ

ألم ترَ أنَّ الدائراتِ دوائرٌ

ولیس إلی سُبْلِ النجاةِ سبیلُ

وللدهر سلبٌ ساء بعد مسرّةٍ

وللخلقِ إن طالَ الزمانُ رحیلُ

دعِ القدَرَ المحتومَ یجری بما قضی

به اللهُ والصبرُ الجمیلُ جمیلُ

وخلِّ عنان الهمِّ إن کنت عاقلاً

فلیس یفیدُ الثاکلاتِ عویلُ

فکم أفنتِ الأیّامُ ملکاً ومالکاً

فزال وملکُ اللهِ لیس یزولُ

لمن وفت الدنیا وما زال خطبُها

علینا بِخَیْلِ الحادثاتِ تجولُ

ومن بات منها سالماً من مصابها

وما کفّ منه الکفّ وهو طویلُ

مفرِّقةُ الأخیارِ بعد اجتماعِهمْ

وإن طاب منها العیشُ فهی ملولُ

بها النفعُ ضرٌّ والصفاءُ مکدّرٌ

بها الحلوُ مرٌّ والعزیزُ ذلیلُ

لهاجرها منها الهنا وهو آهلٌ

ویهلک مهتمٌّ بها وأهیلُ

جُعلت فدا من لا رضوا بنعیمها

ولا دُنّست فیها لهنَّ ذیولُ

ولا علقت کفٌّ لهم بحبالها

ولا غرّهم فیها خنیً ووغولُ

لقد صحبوا فیها کفافاً وعفّةً

وزهداً وتقویً والجزاء جزیلُ

فهم أهل بیتٍ شرّفَ اللهُ قدرَهمْ

علی الخلق طرّا ماجد ورذیلُ (1)ف)

ص: 264


1- بیان للخلق طرّا ، فهم بین ماجد ورذیل. (المؤلف)

همُ الصابرون المؤثرون بقوتِهمْ

همُ فی النَدا قبل النِّداء سیولُ

همُ الحامدون الشاکرون لربّهمْ

همُ للوری یومَ النجاةِ سبیلُ

همُ العالمون العاملون بلا مراً

علومهمُ فی العالمین أُصولُ

همُ الراکعون الساجدون إذا بدا

ظلامٌ ولیلُ العابدین یطولُ

همُ التائبون العابدون أولو النهی

همُ لقلوب العارفین عقولُ

همُ الزاهدون الخاشعون ولم یکن

لهم فی جمیع العالمین مثیلُ

هم العترةُ الأطهارُ آلُ محمدٍ

نبیِّ لسان الوحی عنه یقولُ

بشیرٌ نذیرٌ طاهرٌ علمٌ سما

حبیبٌ نجیبٌ شاهدٌ ورسولُ

ومدّثِّرٌ مزّمّلٌ متوکّلٌ

علی الله لا یثنیه عنه عذولُ

سراجٌ منیرٌ فاضلٌ فاصلٌ أتی

بدینٍ له الذِّکرُ المبینُ دلیلُ

له معجزاتٌ أعجزت کلَّ واصفٍ

بها دحض الأشراک وهو مهولُ

وأشرق منها الکونُ واتّضح الهدی

وعزَّ بها الإسلام وهو ذلیلُ

فیا خیرَ مبعوثٍ لأعظم ملّةٍ

وأکرمَ منعوتٍ نمته أُصولُ

تقاصر عنه المدحُ عن کلِّ مادح

فما ذا عسی فیما أقول أقولُ

لقد قال فیک اللهُ جلّ جلالهُ

من الحمد مدحاً لم ینلْه رسولُ

لأنت علی خُلقٍ عظیمٍ کفی بها

فما ذا عسی بعد الإلهِ نقولُ

مدینةُ علمٍ بابُها الصنوُ حیدرٌ (1)

ومن غیر ذاک الباب لیس دخولُ

إمامٌ بری زندَ الضلالِ وقد وری

زناد الهدی والمشرکون ذهولُ

ومولیً له من فوق غارب أحمدٍ (2)

صعودٌ له للحاسدینِ نزولُ

تصدَّق بالقرصِ الشعیرِ لسائلٍ (3)

وردّ علیه القرص وهو أفولُ (4)ف)

ص: 265


1- تقدّم ذکر هذه المأثرة فی الجزء السادس : صفحة 61 - 81. (المؤلف)
2- مرّ حدیث هذه الفضیلة فی الجزء السابع. (المؤلف)
3- مرّ حدیثه فی الجزء الثالث : صفحة 106 - 111. (المؤلف)
4- أسلفنا حدیث رد الشمس علیه ، صلوات الله علیه ، فی الجزء الثالث : صفحة 126 - 141. (المؤلف)

وبایعه فی یوم أُحدٍ وخیبرٍ

لها فی حدود الحادثاتِ فلولُ

وبیعةُ خمٍّ والنبیُّ خطیبُها

لها فی قلوبِ المشرکینَ نصولُ

وأحمدُ من فوقِ الحدائجِ رافعٌ

یمین علیِّ المرتضی ویقولُ

ألا فاسمعوا ثم ارشدوا کل غائبٍ

ویصغی عزیزٌ منکمُ وذلیلُ

فمن کنتُ مولاهُ فمولاهُ حیدرٌ

علیٌّ وعن ربِّ السماء أقولُ

علیٌّ أمیرُ المؤمنین ومن دعا

سواه بهذا مبطلٌ وجهولُ

فقالوا جمیعاً یا علیُّ بخٍ بخٍ

وللقوم داءٌ فی القلوبِ دخیلُ

فمن مثلُ مولانا علیِّ الذی له

محمدُ خیرُ المرسلین خلیلُ

فیا رافعَ الإسلام من بعد خفضِه

وناصبَ دینِ اللهِ حیث یمیلُ

ویا أسدَ اللهِ الذی مرّ بأسه

لأعدائه مُرُّ المذاقِ وبیلُ

ویا من له قلبُ الحوادثِ خافقٌ

ویا من له صعبُ الأُمور ذلولُ

نعزّیک بالسبطِ الشهیدِ فرزؤُه

عظیمٌ علی أهلِ السماءِ جلیلُ

دعته إلی کوفانَ شرُّ عصابةٍ

عصاةٌ وعن نهجِ الصوابِ عدولُ

فلمّا أتاهم واثقاً بعهودهم

فمالوا وطبعُ الغادرینَ یمیلُ

وأحقادَ بدرٍ أظهروا ثم أشهروا

کتائبَ غدرٍ بالطفوفِ تجولُ

أحاطوا وحطّوا بالفراتِ فلم یکنْ

لآلِ رسولِ اللهِ منه نهولُ

فلمّا رأی المولی الحسینُ ضلالَهمْ

وقد حان حالٌ لا یکاد یحولُ

فقام إلی أصحابهِ الغرِّ فی الدجی

یخاطبهم رفقاً بهمْ ویقولُ

ألا فاذهبوا فاللیلُ قد مدَّ سجفه

ومُدّتْ له فوق البسیطِ ذیولُ

کفیتم ووقّیتم بأن تردوا الردی

فما قصدُهمْ إلاّ إلیَّ یؤولُ

فقام إلیهِ کلُّ لیثٍ غضنفرٍ

کریم جواد بالوفاءِ فعولُ

فضجّوا جمیعاً ثم قالوا نفوسُنا

فداک وبذلُ النفسِ فیک قلیلُ

إذا نحن أسلمناک فرداً إلی العدی

وأنت لنا یوم النجاة سبیلُ

فما عذرُنا عند النبیِّ وصنوِهِ

علیٍّ وما ذا للبتولِ نقولُ

ص: 266

فقال جُزیتمْ کلَّ خیرٍ وإنّنی

غداً لکمُ عند الإلهِ وسیلُ

فبادر أصحابُ الحسینِ کأنّهم

جبالٌ ولکن فی العطاءِ سیولُ

أُسودُ الوغی غاباتُهم أُجم القنا

لهم فی متون الصافناتِ مقیلُ

کرامٌ لهم بذلُ النفوسِ مواهبٌ

سهامٌ لهم زرقُ الرماحِ نصولُ

لیوثٌ لها بیضُ الصفاحِ مخالبٌ

غیوثٌ لها حمرُ الدماءِ سیولُ

ثقالٌ علی الأعداءِ فی حومةِ الوغی

إذا جلَّ خطبٌ فی الزمانِ ثقیلُ

فجالوا جَلَوا کربَ الحسینِ وجاهدوا

بعزمٍ له فوق السماکِ حلولُ

وسمرُ القنا فی الدارعین شوارعٌ

وللبیضِ فی بیض الکماة صلیلُ

وجادوا فجدّ الضربُ والطعنُ فی العدی

بفتکٍ له شمُّ الجبالِ تزولُ

للبیضِ شکلٌ فی الشواکلِ مشکلٌ

وللسمر نفذٌ فی الصدور مهولُ

کأنَّ غمامَ النقعِ غیمٌ وبرقه

بریقُ المواضی والدماء سیولُ

وأنصارُ مولای الحسین کأنّهم

أُسودٌ لهم دونَ العرینِ شبولُ

یجودون بالأرواحِ وهی عزیزةٌ

وکلُّ بخیلٍ بالحیاةِ ذلیلُ

جنوا ثمرَ العلیاءِ من دوحةِ المنی

فتمَّ لهم قصدٌ بذاک وسولُ

وفازوا وحازوا سبقَ کلّ فضیلةٍ

وفضلَ منیلٍ لم ینله مُنیلُ

رأوا الحور کشفاً أیقنوا أنّ وصلَهمْ

بدون المنایا ما إلیه وصولُ

فجادوا بأرواحٍ لها الموتُ راحةٌ

وظلٌّ علیها فی الجنانِ ظلیلُ

قضوا إذ قضوا حقَّ الحسین علیهمُ

وفاءً وإخوانُ الوفاءِ قلیلُ

فلهفی لهم صرعی أمام إمامِهمْ

تُجَرُّ علیهم للریاحِ ذیولُ

وأکفانُهْم نسجُ العجاجِ وغُسلُهمْ

دمُ النحرِ عن ماءِ الفراتِ بدیلُ

ولم یبقَ إلاّ السبط فرداً ورهطُه

لدیه وزینُ العابدینَ علیلُ

ومُنجدلٌ مَن حوله وهو عافرٌ

ومن جدَّلَ القومَ اللئامَ ملولُ

وصالَ علیهم صولةً حیدریّةً

لهیبتِها شمُّ الجبالِ تزولُ

بأدهمَ من صوب الدماء مجلّلٍ

له قممُ الشوسِ الکماةِ نُعولُ

ص: 267

وسابغة تحکی الغدیرَ وأبیضٌ

یباریه مرهوب السنان طویلُ

فجدَّل من فوق الجیادِ جیادَها

فخیلٌ وقومٌ جُفّلٌ وقتیلُ

فکم جافلٍ فی ظهره صدرُ ذابلٍ

وکم قاتلٍ بالمشرفیِّ قتیلُ

فجاشتْ جیوشُ المشرکینَ وفُوِّقتْ

إلیهم نصولٌ ما لهنَّ نصولُ

ویمّمهم یُمنی ویُسری وقلبُه

صبورٌ وللخطبِ الجلیلِ حمولُ

وکرَّ وفرَّ القومُ خیفةَ بأسِهِ

کأنَّ علیّا فی الصفوفِ یجولُ

فلمّا تناهی الأمر واقترب الردی

وذلَّ عزیزٌ واستعزَّ ذلیلُ

فمال علیه الجیشُ حملةَ واحدٍ

فبیضٌ وسمرٌ ذُبَّلٌ ونصولُ

ففرّقهمْ حتی تولّت جموعُهمْ

کسرب قطاةٍ غارَ فیه صلیلُ

رمَوهُ بسهمٍ من سهامٍ کثیرةٍ

فلم یبقَ إلاَّ من قواه قلیلُ

فخرَّ صریعاً ظامیاً عن جوادِهِ

فأضحت ربوعُ الخصبِ وهی مُحولُ

وراح إلی نحو الخیام جوادُهُ

خلیّا من النَّدبِ الجوادِ یجولُ

برزن إلیه الطاهراتُ حواسراً

لهنَّ علی المولی الحسینِ عویلُ

فلهفی وقد جاءت إلیه سکینةٌ

تقبِّل منه النحرَ وهی تقولُ

أبی کنت بدراً یرشد الناسَ نورُه

فوافاه فی بدرِ الکمال أُفولُ

وکنتَ مناراً للهدی غاله الرَّدی

فلم یبقَ للدینِ الحنیفِ کفیلُ

أبی أنت نورُ الله أُطفئ نورُه

ولکن إلی الله الأُمورُ تؤولُ

فیا دوحةَ المجدِ الذی عندما ذوتْ

تصوّح نبتُ العزّ وهو محیلُ

یعزُّ علی الإسلام رزؤُکَ سیّدی

وذلک رزءٌ فی الأنامِ جلیلُ

ووافت إلیه زینبٌ وهی حاسرٌ

ودمعتُها فوق الخدود تسیلُ

فلاقته من فوق الرمالِ مرمَّلاً

سلیبَ الرِّدا تُسفَی علیه رمولُ

فقبّلتِ الوجهَ التریبَ وأنشدتْ

ومن حولها للطاهراتِ عویلُ

أخی ضُیّعتْ فینا وصایا محمدٍ

وأرداکَ بغضاً للنبیِّ جهولُ

أخی ظفرتْ فینا علوجُ أُمیّةٍ

وسادت علینا أعبُدٌ ونغولُ

ص: 268

فلو کان حیّا أحمدٌ ووصیُّهُ

فأیُّ یدٍ کانت علیکَ تطولُ

فدافعها الشمرُ اللعینُ وقد جثا

بقلبٍ قسا والکفرُ فیه أصیلُ

وحزَّ وریداً ظامیاً دون وِرده

فحُزّت فروعٌ للعُلی وأُصولُ

وحلَّ عری الإسلامِ وانهدم الهدی

وطرفُ المعالی والفخار کلیلُ

وناحت له الأملاکُ والجنُّ والملا

وکادت له السبعُ الشدادُ تمیلُ

وزُلزلتِ الأرضُ البسیط لفقدِهِ

ومالت جبالٌ فوقَها وسهولُ

ومزّقتِ الدنیا جلابیبَ عزِّها

علیه وقلبُ الکائنات ملولُ

فلهفی له بالطفِّ مُلقیً ورأسُهُ

سنانٌ به فوق السنانِ یجولُ

فلله أمرٌ فادحٌ شملَ الوری

ورزءٌ علی الإسلامِ منه خمولُ

وخطبٌ جلیلٌ جلَّ فی الأرض وقعُهُ

عظیمٌ علی أهلِ السماءِ ثقیلُ

بنو الوحی فی أرضِ الطفوفِ حواسرٌ

وأبناءُ حربٍ فی القصورِ نزولُ

ویصبحُ فی تختِ الخلافةِ جالساً

یزیدٌ وفی الطفِّ الحسینُ قتیلُ

ویُقتل ظلماً ظامیاً سبطُ أحمدٍ

إمامٌ لخیرِ الأنبیاءِ سلیلُ

حبیبُ النبیِّ المصطفی وابنُ فاطمٍ

وأین لذَیْنِ الوالدینِ مَثیلُ

لقد صدقَ الشیخُ السعیدُ أخو العلی

علیٌّ وحاز الفضلَ حیث یقولُ

(فما کلُّ جدٍّ فی الرجالِ محمدٌ

ولا کلُّ أُمٍّ فی النساءِ بتولُ) (1)

کفی السبطَ فخراً والداه وجدُّهُ

وهمْ للمعالی والفخارِ أُصولُ

أمولای دمعی لا یجفُّ مسیلُهُ

وحزنی مقیمٌ لا یخفُّ ثقیلُ

فلا مدمعی یا بن الوصیِّ مبرِّدٌ

غلیلاً ولا حزنی المقیمُ یزولُ

جمیلٌ بنا الصبرُ الجمیلُ وإنَّما

علیک جمیلُ الصبر لیس جمیلُ (2)

أُعزّی بک الإسلامَ والمجدَ والعُلی

وحزنهمُ باقٍ علیک طویلُا.

ص: 269


1- هذا البیت من لامیّة الشیخ علاء الدین علی الحلّی المترجم له فی الجزء السادس ، وقد أسلفنا القصیدة هنالک برمّتها : ص 395 - 401. (المؤلف)
2- کذا.

قفوا یا حداة العیسِ بالطفّ فی حمی آل

-حسینِ وطوفوا بالطفوفِ وقولوا

أریحانةَ الهادی النبیِّ محمدٍ

ومن لعلیٍّ والبتولِ سلیلُ

علیکَ سلامُ الله یا سیّد الوری

ویا خیرَ من سارت إلیه قفولُ

لئن جهلتْ یوماً علیک أُمیّةٌ

فقدرکمُ عند الإلهِ جلیلُ

وإن حال منک الحالُ فی دارِ غربةٍ

فإنَّک فی دار الفخارِ أهیلُ

وإن بتَّ مسلوبَ الرداءِ ففی غدٍ

من السندسِ العالی رداک جمیلُ

وإن مسّکمْ حرُّ الهجیرِ فإنَّما

لکم فی جنانِ العالیاتِ مقیلُ

وإن مُنعتْ ماءَ الفراتِ نفوسُکم

لها من رحیقِ السلسبیل نهولُ

أمولای آمالی تؤمّل نصرَکمْ

وقلبی إلیکمْ بالولاءِ یمیلُ

وقد طال دورُ الصبرِ فی أخذِ ثارکمْ

أما آن للظلمِ المقیم رحیلُ

متی ینطفی حرُّ الغلیلِ ویشتفی

فؤادٌ بآلام المصاب علیلُ

ویُجبرُ هذا الکسرُ فی ظلِّ دولةٍ

لها النصرُ جندٌ والأمانُ دلیلُ

ویُنشر للمهدیِّ عدلٌ وینطوی

به الظلمُ حتماً والعنادُ یزولُ

هنالک یضحی دینُ آلِ محمدٍ

عزیزاً ویمسی الکفرُ وهو ذلیلُ

ویُطوی بساطُ الحزن بعد کآبةٍ

وینشر نشرٌ للهنا وذیولُ

فیا آلَ طه الطاهرین رجوتُکمْ

لیومٍ به فصلُ الخطابِ طویلُ

أقیلوا عثاری یوم فقری وفاقتی

فظهری بأعباءِ الذنوبِ ثقیلُ

مدحتکمُ أرجو النجاةَ بمدحِکمْ

لعلمی بکم أنَّ الجزاءَ جزیلُ

وقد قیل فی المعروف أمّا مذاقه

فحلوٌ وأمّا وجهُه فجمیلُ

فدونکمُ من عبدِکمْ وولیِّکمْ

عروساً ولکن فی الزفافِ ثکولُ

أتتْ فوق أعواد المنابرِ بادیاً

لها أنّةٌ محزونةٌ وعویلُ

لسبع سنینٍ بعد سبعین قد خلتْ

وعامین إیضاحٌ لها ودلیلُ

لها حسنُ المخزوم عبدُکمُ أبٌ

لآل أبی عبد الکریم سلیلُ

ص: 270

بها منکمُ نالَ القبولَ ولم یقُلْ

(عسی موعدٌ إن صحّ منک قبولُ) (1)

علیک سلامُ اللهِ ما ذُکِرَ اسمُکمْ

وذاک مدی الأیّام لیس یزولُ

الشاعر

الشیخ حسن آل أبی عبد الکریم المخزومی ، أحد شعراء الشیعة فی القرن الثامن ، جاری بقصیدته المذکورة معاصره العلاّمة الشیخ علی الشفهینی السالف ذکره فی لامیّته التی أسلفناها وأشار إلیها بقوله :

له النسب الوضّاح کالشمس فی الضحی

ومجدٌ علی هام السماء یطولُ

لقد صدق الشیخ السعید أخو العلی

علیٌّ ونال الفخر حیث یقولُ

فما کلُّ جدٍّ فی الرجال محمدٌ

ولا کلُّ أُمٍّ فی النساء بتولُ

وهذه المجاراة تنمُّ عن شهرة الرجل فی القریض ، وجریه فی مضمار الشعر ، وترکاضه فی حلبة السباق ، وقد رأی الشیخ السماوی فی الطلیعة أنَّه هو الشیخ الحسن ابن راشد الحلّی العلاّمة المتضلّع من العلوم ، صاحب التآلیف القیّمة ، والأراجیز الممتعة ، وحسب سیّدنا الأمین العاملی فی الأعیان أنّه غیره ، وله هناک نظرات لا یخلو بعضها عن النظر ، فعلی الباحث الوقوف علی الجزء الحادی والعشرین من أعیان الشیعة (ص 256 - 278) ، والجزء الثانی والعشرین (ص 89) (2).

وعمدة ما یُستأنس منه الاتّحاد أنّ اللامیّة هذه مذکورةٌ فی غیر واحد من المجامیع فی خلال قصائد الشیخ حسن بن راشد الحلّی منسوبة إلیه مع بُعد شاسع فی خطّة النظم ، وتفاوت فی النفس ، بحیث یکاد بمفرده أن یمیّزها عن شعر ابن راشد الحلّی الفحل ، فإنّه عال الطبقة ، بادِ السلاسة ، ظاهر الانسجام ، متحلٍّ بالقوّة ، 4.

ص: 271


1- هذا الشطر من مطلع قصیدة الشیخ علاء الدین الحلّی ، راجع الجزء السادس : ص 395. (المؤلف)
2- أعیان الشیعة : 5 / 65 - 134.

واللاّمیّة دونه فی کلّ ذلک.

وعلی أیّ فناظمها من شعراء القرن الثامن نظمها فی سنة سبعمائة واثنتین وسبعین کما نصَّ علیه فی أخریات القصیدة ، ولمّا لم یُعلم تاریخ وفاته (1) واحتملنا الاتّحاد بینه وبین ابن راشد المتوفّی فی القرن التاسع بعد سنة (830) أرجأنا ترجمته إلی القرن التاسع ، والله العالم.

ص: 272


1- عیّن الشیخ الیعقوبی فی البابلیات 1 / 100 السنة الأخیرة من المائة الثامنة (800) سنة لوفاته ، وذکره باسم الحسن بن راشد الحلّی المخزومی.

شعراء الغدیر فی القرن العاشر

اشارة

1- الشیخ الکفعمی

2- عزّ الدین العاملی

ص: 273

ص: 274

77 - الشیخ الکفعمی

المتوفّی (905)

هنیئاً هنیئاً لیوم الغدیرِ

ویومِ الحبورِ ویوم السرورِ

ویومِ الکمالِ لدین الإلهِ

وإتمام نعمة ربٍّ غفورِ

ویوم الفلاحِ ویومِ النجاحِ

ویومِ الصلاحِ لکلِّ الأمورِ

ویومِ الإمارة للمرتضی

أبی الحسنین الإمامِ الأمیرِ

ویومِ الخطابةِ من جبرئیل

بتقدیرِ ربٍّ علیمٍ قدیرِ

ویومِ السلامِ علی المصطفی

وعترتهِ الأطهرین البدورِ

ویومِ اشتراطِ ولاءِ الوصیِ

علی المؤمنین بیوم الغدیرِ

ویومِ الولایةِ فی عرضِها

علی کلّ خلقِ السمیعِ البصیرِ

علیُّ الوصیُّ وصیُّ النبیِ

وغوثُ الولیِّ وحتفُ الکفورِ

وغیث المحُولِ وزوجُ البتولِ

وصنوُ الرسولِ السراجِ المنیرِ

أمانُ البلادِ وساقی العبادِ

بیومِ المعادِ بعذبٍ نمیرِ

همامُ الصفوفِ ومقری الضیوفِ

وعند الزحوفِ کلیثٍ هصورِ

ومن قد هوی النجمُ فی دارِه

ومن قاتل الجنَّ فی قعر بیرِ

وسل عنه بدراً وأُحداً تری

له سطواتِ شجاعٍ جسورِ

وسلْ عنه عمراً وسل مرحباً

وفی یوم صفّین لیلَ الهریرِ

ص: 275

وکم نَصَرَ الدین فی معرکٍ

بسیفٍ صقیلٍ وعزمٍ مریرِ

وستّا وعشرین حرباً رأی

مع الهاشمیِّ البشیرِ النذیرِ

أمیرُ السرایا بأمر النبیِ

ولیس علیه بها من أمیرِ

ما یتبع الشعر

اقتطفنا هذه الأبیات من قصیدة الکفعمی المذکورة فی کتابه المصباح ، المطبوع السائر الدائر (ص 701) تناهز (190) بیتاً یمدح بها أمیر المؤمنین علیه السلام ویصف یوم الغدیر ویذکر أسماءه ، نظمها فی الحائر المقدّس کربلاء المشرّفة ، وکان یوم ذلک شیخاً قد بلغ من الکبر عتیّا ، وأشار إلی ذلک کلّه فیها بقوله :

وشیخٌ کبیرٌ له لمّةٌ

کساها التعمّر ثوب القتیرِ (1)

أتاه النذیر فأضحی یقول

أُعیذ نذیری بسبط النذیرِ

أتیت الإمامَ الحسینَ الشهیدَ

بقلبٍ حزینٍ ودمعٍ غزیرِ

أتیتُ ضریحاً شریفاً به

یعود الضریرُ کمثلِ البصیرِ

أتیت إمامَ الهدی سیّدی

إلی الحائرِ الجار للمستجیرِ

أرجِّی المماتَ ودفنَ العظامِ

بأرضِ الطفوف بتلک القبورِ

لعلیّ أفوزُ بسکنی الجنانِ

وحورٍ محجَّلةٍ فی القصورِ

أتیتُ إلی صاحبِ المعجزات

قتیل الطغاةِ ودامی النحورِ

وله أُرجوزة تنوف علی (120) بیتاً یذکر فیها ما یستحبُّ صومه من الأیّام ، توجد فی مصباحه (2) أوّلها :

الحمدُ لله الذی هدانی

إلی طریقِ الرشدِ والإیمانِ

ثم صلاةُ اللهِ ذی الجلالِ

علی النبیِّ المصطفی والآلِ2.

ص: 276


1- القتیر : الشیب. (المؤلف)
2- المصباح : ص 466 - 472.

ومنها :

وبعده التاسع من ذی الحجّه

فصمه والزم بعده المحجّه

إلاّ مع الضعفِ عن الدعاءِ

أو أن یشکَّ فی الهلالِ الرائی

ومنها :

وبعدَه یوم غدیر خمِ

ثامن عشر منه فاتبع نظمی

فیه أتی النصّ عن النبیِ

علی الإمام المرتضی علیِ

حقّا وفیه کمُلَ الإسلامُ

وفضله لم تُحصِهِ الأقلامُ

فصومه یعدل صوم الدهرِ

فهذه السبعة صُم عن أمرِ

الشاعر

الشیخ تقیّ الدین إبراهیم ابن الشیخ زین الدین علیّ ابن الشیخ بدر الدین حسن ابن الشیخ محمد ابن الشیخ صالح ابن الشیخ إسماعیل الحارثی الهمدانی الخارفی العاملی الکفعمی اللویزی الجبعی.

أحد أعیان القرن التاسع الجامعین بین العلم والأدب ، والناشرین لألویة الحدیث والمستخرجین کنوز الفوائد والنوادر ، وقد استفاد الناس بمؤلّفاته الجمّة ، وأحادیثه المخرّجة ، وفضله الکثیر ، کلُّ ذلک مشفوعٌ منه بورع موصوف ، وتقوی فی ذات الله ، إلی ملکات فاضلة ، ونفسیّات کریمة ، حلّی جید زمنه بقلائدها الذهبیّة ، وزیّن معصمه بأسورتها ، وجلّل هیکله بأبرادها القشیبة ، وقبل ذلک کلّه نسبه الزاهی بأنوار الولایة المنتهی (1) إلی التابعیّ العظیم : الحارث بن عبد الله الأعور الهمدانی ، ذلک ف)

ص: 277


1- نصّ صاحب الریاض [ریاض العلماء : 3 / 414] بانتهاء نسب المترجم له إلی الحارث الهمدانی فی ترجمة والده زین الدین علی. وفی تکملة الأمل [ص 75] لسیّدنا الحجّة صدر الدین أنه ذکر فی آخر کتاب الدروس الذی عندی بخطّه رحمه الله ؛ أنه الکفعمیّ مولداً اللویزی محتداً ، الحارثی نسباً ، الجبعیّ أباً ، التقیّ لقباً. (المؤلف)

العلویُّ المذهب ، العلیُّ شأنه ، الجلیّ برهانه ، الذی هو من فقهاء الشیعة ، سیوافیک ذکره فی ترجمة أحد أحفاد أخی المترجم له الشیخ حسین والد شیخنا البهائی قدّست أسراراهم.

وقد توافقت المعاجم علی سرد ألفاظ الثناء البالغ علی المترجم له - الکفعمی - تجد ترجمته فی أمل الآمل ، ریاض العلماء ، نفح الطیب (4 / 395) وأکثر من ذکر بدائعه وطرفه وخطبه وأشعاره ، ریاض الجنّة فی الروضة الرابعة ، روضات الجنّات (ص 6) ، تکملة أمل الآمل لسیدنا أبی محمد الحسن الصدر الکاظمی ، أعیان الشیعة (5 / 336 - 358) الکنی والألقاب (3 / 95) ، سفینة البحار (1 / 7) ، الفوائد الرضویّة (71) ، المشیخة لشیخنا الرازی (ص 42) (1).

تآلیفه القیّمة

1 - المصباح ، المؤلّف (895).

2 - البلد الأمین.

3 - شرح الصحیفة.

4 - المقصد الأسنی فی شرح الأسماء الحسنی.

5 - رسالة فی محاسبة النفس.

6 - کفایة الأدب (2) فی أمثال العرب فی مجلّدین.

7 - قراضة النضیر فی التفسیر (3).

8 - صفوة الصفات فی شرح دعاء السمات. ف)

ص: 278


1- أمل الآمل : 1 / 28 رقم 5 ، ریاض العلماء : 1 / 21 ، نفح الطیب : 10 / 203 - 209 ، ریاض الجنّة : ص 87 رقم 5 ، روضات الجنّات : 1 / 20 رقم 2 ، تکملة أمل الآمل : ص 75 ، أعیان الشیعة : 2 / 184 - 189 ، الکنی والألقاب : 3 / 116 - 117.
2- فی تکملة السیّد الصدر [ص 77] : نهایة الأرب. (المؤلف)
3- تلخیص من مجمع البیان للطبرسی. (المؤلف)

9 - فروق اللغة.

10 - المنتقی فی العوذ والرقی.

11 - الحدیقة الناضرة.

12 - نور حدقة البدیع فی شرح بعض القصائد المشهورة.

13 - النحلة (1).

14 - فرج الکرب.

15 - الرسالة الواضحة فی شرح سورة الفاتحة.

16 - العین المبصرة.

17 - الکوکب الدرّی.

18 - زهر الربیع فی شواهد البدیع.

19 - حیاة الأرواح فی اللطائف والأخبار والآثار ، فرغ منه سنة (843).

20 - التلخیص فی الفقه.

21 - أرجوزة فی مقتل الحسین علیه السلام وأصحابه.

22 - مقالید الکنوز فی أقفال اللغوز.

23 - رسالة فی وفیات العلماء.

24 - ملحقات الدروع الواقیة.

25 - مجموع الغرائب.

26 - اللفظ الوجیز فی قراءة الکتاب العزیز.

27 - مجموعة کبیرة مشتملة علی رسائل وکتابات.

28 - مختصر نزهة الألبّاء فی طبقات الأدباء.

29 - اختصار اللسان الحاضر والندیم.

إلی تآلیف أخری أنهاها السیّد صاحب الأعیان إلی (49). ف)

ص: 279


1- فی التکملة [ص 77] : النخبة. (المؤلف)

یروی شیخنا الکفعمی :

عن والده المقدّس الشیخ زین الدین علیّ.

والسیّد حسین بن مساعد الحسینی الحائریّ صاحب تحفة الأبرار فی مناقب الأئمّة الأطهار.

والسیّد علیّ بن عبد الحسین الموسویّ صاحب رفع الملامة عن علیّ علیه السلام فی ترک الإمامة.

والشیخ علیّ بن یونس زین الدین النباطی البیاضی صاحب الصراط المستقیم.

ووالد المترجَم له الشیخ زین الدین علیّ جدُّ جدِّ شیخنا البهائی ، أحد أعلام الطائفة وفقهائها البارعین ، یروی عنه ولده المترجم له ، ویعبّر عنه بالفقیه الأعظم الورع ، وأثنی علیه الشیخ علیّ بن محمد بن علی بن محلّی شیخ أخی المترجم له شمس الدین محمد فی إجازته : بالشیخ العلاّمة ، زین الدنیا والدین ، وشرف الإسلام والمسلمین (1) توفّی قدس سره سنة (861).

وخلف الشیخ زین الدین علیّ خمسة بنین ، وهم :

1 - تقیّ الدین إبراهیم شیخنا الکفعمی المترجم له.

2 - رضی الدین.

3 - شرف الدین.

4 - جمال الدین أحمد صاحب زبدة البیان فی عمل شهر رمضان ، ینقل عنه أخوه شاعرنا فی تآلیفه.

5 - شمس الدین محمد جدُّ والد شیخنا البهائی ، کان فی الرعیل الأوّل من أعلام ف)

ص: 280


1- راجع إجازات البحار : ص 45 [بحار الأنوار 108 / 129 رقم 49]. (المؤلف)

الأُمّة یعبّر عنه شیخنا الشهید الثانی بالشیخ الإمام فی إجازته لحفیده الشیخ حسین ابن عبد الصمد والد شیخنا البهائی (1) ، ویصفه المحقّق الکرکی بقدوة الأجلاّء فی العالمین فی إجازته لحفیده الشیخ علیّ بن عبد الصمد بن شمس الدین محمد المذکورة فی ریاض العلماء ، وذکره بالإمامة السیّد حیدر البیروی فی إجازته للسیّد حسین الکرکیِّ. وأثنی علیه العلاّمة المجلسیُّ فی إجازاته بقوله : صاحب الکرامات.

قرأ شمس الدین کثیراً علی الشیخ عزِّ الدین الحسن بن أحمد بن یوسف بن العشرة العاملیّ المتوفّی بکرک نوح سنة (862) ، وله إجازةٌ من الشیخ علیِّ بن محمد بن علیِّ بن المحلّی المتوفّی سنة (855) ، تذکر فی إجازات البحار (ص 44) ، ولد رحمه الله سنة (822) وتوفّی سنة (886).

توفّی شیخنا الکفعمی شاعرنا العظیم فی کربلاء المشرّفة سنة (905) کما فی کشف الظنون (2) وکان یوصی أهله بدفنه فی الحائر المقدّس بأرض تسمّی عقیرا ومن ذلک قوله :

سألتکمُ بالله أن تدفنوننی

إذا متُّ فی قبرٍ بأرض عقیرِ (3)

فإنّی به جارُ الشهیدِ بکربلا

سلیلِ رسولِ اللهِ خیرِ مجیرِ

فإنِّی به فی حفرتی غیرُ خائفٍ

بلا مریةٍ من منکرٍ ونکیرِ

أمنتُ به فی موقفی وقیامتی

إذا الناس خافوا من لظیً وسعیرِ

فإنّی رأیت العربَ یحمی نزیلَها

ویمنعُه من أن یُنالَ بضیرِف)

ص: 281


1- راجع إجازات البحار : ص 85 [108 / 148 رقم 53]. (المؤلف)
2- راجع : 2 / 617 وفی طبعة : ص 1982. (المؤلف)
3- لعلّ العقر اسم لبعض نواحی کربلاء المشرّفة کالغاضریة وشاطئ الفرات ، ولذا لمّا سئل سیّدنا الحسین السبط سلام الله علیه عن اسم المحلّ کان من جواب القوم له : أنّه یسمّی العقر ، فقال علیه السلام : «أعوذ بالله من العقر». أو أنّ التسمیة مأخوذة ممّا جاء فی اللغة من أنّ العقیر : الشریف القتیل. (المؤلف)

فکیف بسبطِ المصطفی أن یذودَ من

بحائره ثاوٍ بغیرِ نصیرِ

وعارٌ علی حامی الحمی وهو فی الحمی

إذا ضلَّ فی البیدا عقال بعیرِ

لفت نظر :

ذکر السیّد الأمین صاحب الأعیان (1) فی (5 / 336) : أنَّ المترجم له ولد سنة (840) مستفیداً من أرجوزة له فی علم البدیع ، وهذا التاریخ بعیدٌ عن الصواب جدّا ، وذهول عمّا ذکره السیّد نفسه من أمور تفنّده وتضادّه ، قال (2) فی (ص 340) : وجد بخطّه کتابُ دروس الشهید فرغ من کتابته سنة (850) وعلیه قراءته وبعض الحواشی الدالّة علی فضله.

وعدّ من تآلیفه (ص 343) حیاة الأرواح (3) ، فقال : فرغ من تألیفه سنة (843)

وذکر له مجموعةً کبیرة فقال : قال صاحب الریاض : رأیته بخطّه فی بلدة إیروان من بلاد آذربیجان ، وکان تاریخ إتمام کتابة بعضها سنة (848) ، وبعضها سنة (849) ، وبعضها (852).

وقال (4) فی (ص 336) : تاریخ وفاته مجهولٌ ، وفی بعض المواضع : إنّه توفّی سنة (900) ولم یذکر مأخذه ، فهو إلی الحدس أقرب منه إلی الحسّ ، لکنَّه کان حیّا سنة (895) فإنّه فرغ من تألیف المصباح فی ذلک التاریخ ، ولیس فی تواریخ مؤلّفاته ما هو أزید من هذا. فعلی ما استفاده سیّد الأعیان من تاریخ ولادته (840) یکون عند تألیفه المصباح ابن خمس وخمسین سنة ، وله فی رائیّته فی المصباح قوله :

وشیخٌ کبیرٌ له لمّةٌ

کساها التعمّر ثوب القتیرِ

ص: 282


1- أعیان الشیعة : 2 / 184.
2- أعیان الشیعة : ص 185.
3- أعیان الشیعة : ص 186.
4- أعیان الشیعة : ص 184.

فمجموع ما ذکرناه یُعطینا خبراً بأنّ شاعرنا المترجم له ولد فی أُولیات القرن التاسع ، وأنّه کان فی سنة (843) مؤلّفاً صاحب رأی ونظر ، یثنی علی تآلیفه الأساتذة الفطاحل ، وکان حینما ألّف المصباح سنة (894) شیخاً هرماً کبیراً.

ص: 283

ص: 284

- 78 -

عزّ الدین العاملی

المولود (918)

المتوفّی (984)

إلی مَ أُلام وأمری شهیرْ

وأشفقُ من کلِّ نذلٍ حقیرْ

وحبّی النبیَّ وآلَ النبیِ

وقولیَ بالعدلِ نعم الخفیرْ

ولی رحمٌ تقتضی حرمةً

ولی نسبةٌ بولائی الخطیرْ

فلی فی المعادِ عمادٌ بهم

ولی فی القیامِ مقامٌ نضیرْ

لأنّی أُنادی لدی النائبات

والخوفُ من أنَّ ذنبی کبیرْ

أخا المصطفی وأبا السیّدین

وزوجَ البتولِ ونجلَ الظهیرْ

ومحبوبَ ربٍّ حمیدٍ مجیدٍ

وخیرِ نبیٍّ بشیرٍ نذیرْ

ونور الظلام وکافی العظامِ

ومولی الأنام بنصِّ الغدیرْ

مجلّی الکروبِ علیمَ الغیوب

نقیَّ الجیوبِ بقولِ الخبیرْ

وأقضی الأنامِ وأقصی المرامِ

وسیفَ السلامِ السمیعِ البصیرْ

القصیدة (45) بیتاً

ما یتبع الشعر

هذه الأبیات مستهلّ قصیدة للشیخ الحسین بن عبد الصمد العاملی والد شیخنا البهائی ، وشرحها بعد مدّة من نظمها بشرح کبیر ، وأثبت کلّ ما ذکر فیها من فضائل أمیر المؤمنین علیه السلام بطریق الجمهور ، وقال فیه : قولی : ومولی الأنام بنصِّ الغدیر ،

ص: 285

إشارة إلی خبر غدیر خمّ.

وقال بعد ذکر حدیث الغدیر ما ملخّصه : رواه أحمد بن حنبل بستّ عشرة طریقاً ، والثعلبی بأربع طرق فی تفسیر قوله تعالی : (یا أَیُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَیْکَ مِنْ رَبِّکَ) (1) ورواه ابن المغازلی بثلاث طرق ، ورواه فی الجمع بین الصحاح الستّ ، قال ابن المغازلی : وقد روی حدیث غدیر خمّ عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم نحو من مائة نفس ، وذکر محمد بن جریر الطبریّ المؤرّخ لحدیث الغدیر خمساً وسبعین طریقاً ، وأفرد له کتاباً سمّاه کتاب الولایة ، وذکر الحافظ أبو العبّاس أحمد بن عقدة له خمساً ومائة طریقٍ ، وأفرد له کتاباً ، فهذا قد تجاوز حدَّ التواتر. ومن العجب تأویل هذا الحدیث وهو نصٌّ فی الإمامة ووجوب الطاعة ، ویشهد العقل السلیم بفساد ذلک التأویل کما یأباه الحال والمقام ، وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «ألست أولی منکم بأنفسکم؟» بعد نزول قوله تعالی : (یا أَیُّهَا الرَّسُولُ). وأمثال ذلک. فغفل أصحاب التأویل من معنی قول أبی الطیب :

وهبنی قلت هذا الصبحُ لیلٌ

أیعشی العالمون عن الضیاءِ

الشاعر

عزّ الدین الشیخ حسین بن عبد الصمد بن شمس الدین محمد بن زین الدین علیِّ بن بدر الدین حسن بن صالح بن إسماعیل الحارثی الهمدانی العاملی الجبعی.

هو من بیت عرّق فیه المجد والشرف بولاء العترة الطاهرة منذ العهد العلوی ، فمن هنا بشّر أمیر المؤمنین علیه السلام جدّه الأعلی الحارث بن عبد الله الأعور الهمدانی الخارفی (2) عند وفاته بنتیجة عقیدته الصحیحة به ، وولائه الخالص له ، والمترجم له ف)

ص: 286


1- المائدة : 67.
2- الخارفی - بکسر الراء - نسبة إلی خارف ؛ بطن من همدان نزل الکوفة. ویقال الحوتی - بضم الحاء - نسبة إلی الحوت ؛ بطن من همدان أیضاً. (المؤلف)

صرح بانتسابه إلی هذا الموالی العلویّ الهمدانی فی کتاب کتبه إلی السلطان شاه طهماسب فی سنة (968) رأیته بخطّه ، وذکره فی إجازته لتلمیذه الشیخ رشید الدین ابن الشیخ إبراهیم الأصبهانیّ تاریخها تاسع عشر جمادی الأولی سنة (971) ، وفی إجازته لملک علی کما فی مستدرک الإجازات (1) لشیخنا الحجّة میرزا محمد الرازی نزیل سامرّاء المشرّفة.

ونصَّ بهذه النسبة ولده شیخنا البهائی فی إجازته سنة (1015) للمولی صفیّ الدین محمد القمی (2) ، وقال فی کشکوله (3) (ص 279) طبع مصر سنة (1305) : من نهج البلاغة (4) من کتاب کتبه أمیر المؤمنین علیه السلام إلی الحارث الهمدانیّ جدّ جامع الکتاب.

وصرّح بها لفیفٌ من أساطین الطائفة ومشایخ الأُمّة ممّن عاصر المترجم له أو من قارب عصره ، وإلیک أسماء جمع منهم غیر المعاجم التی ذکرت فیها ترجمة المترجم له أو ولده البهائی :

1 - شیخنا الشهید الثانی فی إجازته للمترجم له سنة (941) (5).

2 - الشیخ حسن صاحب المعالم فی استجازته من المترجم له سنة (983) کما فی المستدرک. 3.

ص: 287


1- أحد أجزاء مستدرک البحار لشیخنا الأجلّ الرازی : کتاب کریم قیّم ضخم فخم استدرک به ما فات مولانا العلاّمة المجلسی قدس سره ، أتی فی عدّة مجلدات ، تربو صحائف مستدرک إجازاته فحسب علی ألفی صحیفة ، وقس علیها غیرها من أجزاء البحار ، ومن سرح النظر فی هذا السفر الحافل یجد العلم طافحاً من جوانبه ، وتتراءی له الفضیلة المتدفّقة فی طیّاته ، ویشاهد همّة قعساء یقصر دونها البیان ، وتفشل عن إدراکها الهمم ، ولا تبلغ مداها جمل الإطراء والثناء ، أبقی له ذکراً خالداً مع الأبد یذکر ویشکر ، قدس الله روحه وطیّب رمسه. (المؤلف)
2- بحار الأنوار : 109 / 146 رقم 71.
3- الکشکول للبهائی : 3 / 95 - 96.
4- نهج البلاغة : ص 459.
5- بحار الأنوار : 108 / 146 رقم 53.

3 - الشیخ أبو محمد بن عنایة الله الشهیر ببایزید البسطامی الثانی فی إجازته للسیّد حسین الکرکی سنة (1004) (1).

4 - السید ماجد بن هاشم البحرانی فی إجازته للسیّد أمیر فضل الله دست غیب سنة (1023) (2).

5 - المولی حسن علی ابن المولی عبد الله التستری فی إجازته للمولی محمد تقی المجلسی سنة (1034) (3).

6 - الأمیر شرف الدین علی الشولستانی النجفی فی إجازته للمولی محمد تقی المجلسی سنة (1036) (4).

7 - السیّد نور الدین العاملی أخ السیّد محمد صاحب المدارک فی إجازته سنة (1051) للمولی محمد محسن بن محمد مؤمن (5).

8 - الأمیر السیّد أحمد العاملی صهر سیّدنا الأمیر محمد باقر داماد الراوی عنه فی صورة طرق روایته (6).

9 - المولی محمد تقی المجلسی فی طرق روایته الصحیفة السجّادیّة فی مواضع ثلاثة توجد فی إجازات البحار (7) (ص 145 ، 146 ، 149) ، وفی إجازته للمیرزا إبراهیم ابن المولی کاشف الدین محمد الیزدی سنة (1063) ، وفی إجازته للمولی محمد 4.

ص: 288


1- بحار الأنوار : 109 / 167 رقم 80.
2- بحار الأنوار : 110 / 17 رقم 84.
3- بحار الأنوار : ص 38 رقم 91.
4- بحار الأنوار : ص 32 رقم 90.
5- بحار الأنوار : ص 25 رقم 88.
6- بحار الأنوار : 109 / 152 - 154 رقم 75.
7- بحار الأنوار : 110 / 63 رقم 43 ، و 67 رقم 92 ، و 79 رقم 94.

صادق الکرباسی الأصفهانی الهمدانی سنة (1068) ، وفی إجازته لبعض تلامیذه ، وفی إجازته لولده العلاّمة المجلسی.

10 - آقا حسین ابن آقا جمال الخونساری فی إجازته للأمیر ذی الفقار سنة (1064) (1).

11 - المحقّق السبزواری المولی محمد باقر فی إجازته للمولی محمد الکیلانی سنة (1081) وفی إجازته للمولی محمد شفیع سنة (1085) (2).

12 - الشیخ قاسم بن محمد الکاظمی فی إجازته للشیخ نور الدین محمد ابن شاه مرتضی الکاشانی سنة (1095) کما فی مستدرک الإجازات.

13 - العلاّمة المجلسی فی موضعین من فائدة أوردها فی إجازات البحار (ص 134) وفی غیر واحد من إجازاته لتلامذته (3).

14 - الشیخ حسام الدین بن جمال الدین الطریحی فی إجازته للشیخ محمد جواد الکاظمیّ سنة نیف وتسعین وألف.

15 - السیّد الأمیر حیدر ابن السیّد علاء الدین الحسینی البیروی فی موضعین من إجازته للسیّد حسین المجتهد ابن السیّد حیدر الکرکی (4).

16 - بعض تلمذة البهائی فی بیان روایته عنه ، قال العلاّمة المجلسی : لعلّه السیّد حسین بن حیدر الکرکی.

17 - الشیخ محمد حسین المیسی العاملی فی إجازته للشیخ أبی الحسن الشریف العاملی سنة (1100).9.

ص: 289


1- بحار الأنوار : 110 / 85 رقم 95.
2- بحار الأنوار : ص 92 رقم 96.
3- بحار الأنوار : ص 74 رقم 93.
4- بحار الأنوار : 109 / 165 رقم 79.

18 - الشیخ عبد الواحد بن محمد البورانی فی إجازته للشیخ أبی الحسن الشریف الفتونی العاملی سنة (1103).

19 - الأمیر محمد صالح بن عبد الواسع فی إجازته للشیخ أبی الحسن الشریف الفتونی سنة (1107).

20 - الشیخ صفیّ الدین بن فخر الدین الطریحی فی إجازته للشیخ أبی الحسن الشریف الفتونی سنة (1111) وفی غیر واحد من إجازاته.

وأشار إلی هذا النسب الذهبی الشیخ جعفر الخطّی البحرانی (1) المتوفّی سنة (1028) فی قصیدته التی جاری بها رائیّة شیخنا البهائی ومدحه فیها ، وکتب الشیخ تقریظاً علیها ، یقول فیها :

فیا ابن الأُلی أثنی الوصیُّ علیهمُ

بما لیس تثنی وجهَهُ یدُ إنکارِ

بصفّینَ إذ لم یلف من أولیائه

وقد عضّ نابٌ للوغی غیرَ فرّارِ

وأبصر منهم جندَ حرب تهافتوا

علی الموتِ إسراعَ الفراشِ علی النارِ

سراعاً إلی داعی الحروب یرونها

علی شربها الأعمارَ مورد أعمارِ

أطاروا غمودَ البیضِ واتکلوا علی

مفارقِ قومٍ فارقوا الحقَّ فُجّارِ

وأرسوا وقد لاثوا علی الرکب الحبا

بروکاً کهدی أبرکوه لجزّارِ

فقال وقد طابت هنالک نفسُه

رضی وأقرّوا عینه أیَّ إقرارِ

فلو کنت بوّاباً علی بابِ جنّةٍ

کما أفصحتْ عنه صحیحاتُ آثار

أشار إلی ما کان علیه قبیلة همدان یوم صفّین وکان فیهم البطل المجاهد جدّ المترجم له - الحارث - فأثنی علیهم أمیر المؤمنین علیه السلام وقال : «یا معشر همدان أنتم درعی ورمحی ما نصرتم إلاَّ الله وما أجبتم غیره : ف)

ص: 290


1- توجد ترجمته فی سلافة العصر [ص 524 - 526] ، وأنوار البدرین [ص 112 رقم 41] (المؤلف)

دعوتُ فلبّانی من القوم عُصبةٌ

فوارسُ من همدانَ غیرُ لئامِ

فوارسُ من همدان لیسوا بعزّلٍ

غداة الوغی من شاکرٍ وشبامِ

بکلِّ ردینیٍّ وعضبٍ تخاله

إذا اختلف الأقوامُ شعلَ ضرامِ

لهمدانَ أخلاقٌ ودینٌ یزینهمْ

وبأسٌ إذا لاقوا وجدّ خصامِ

وجدٌّ وصدقٌ فی الحروبِ ونجدةٌ

وقولٌ إذا قالوا بغیر أثامِ

متی تأتهمْ فی دارِهمْ تستضیفهمْ

تَبِتْ ناعماً فی خدمةٍ وطعامِ

جزی الله همدانَ الجنانَ فإنّها

سمامُ العدی فی کلِّ یومِ زحامِ

فلو کنتُ بوّاباً علی باب جنّةٍ

لقلت لهمدان ادخلی بسلامِ»(1)

ومؤسّس شرف هذا البیت الرفیع - الحارث الهمدانی - کان صاحب أمیر المؤمنین علیه السلام والمتفانی فی ولائه ، والفقیه الأکبر فی شیعته ، وأحد أعلام العالم ، أثنی علیه جمعٌ من رجال العامّة (2) ، وذکره السمعانی فی الخارفی من الأنساب (3) وقال : کان غالیاً فی التشیّع. وعدّه ابن قتیبة فی المعارف (4) (ص 306) من الشیعة فی عداد صعصعة ابن صوحان وأصبغ بن نباتة وأمثالهما ، وترجم له الذهبی فی میزان الاعتدال (5) (1 / 202) وقال : من کبار علماء التابعین. ونقل هو وابن حجر فی تهذیب التهذیب (6) (ص 145) عن أبی بکر بن أبی داود أنّه قال : کان الحارث أفقه الناس ، وأحسب الناس ، وأفرض الناس ، وتعلّم الفرائض من علیّ علیه السلام. وفی خلاصة تهذیب 6.

ص: 291


1- کتاب صفّین لابن مزاحم : ص 310 ، 496 [ص 274 ، 437] طبعة مصر ، شرح ابن أبی الحدید : 1 / 492 ، 2 / 294 [5 / 217 الخطبة 65 ، و 8 / 78 الخطبة 124]. (المؤلف)
2- خلا أناس منهم حنّاق علی العترة الطاهرة ، یتحرّون الوقیعة فی شیعتهم ، فخلقوا له إفکاً ، ونبزوه بالسفاسف ممّا لا یقام له عند المنقّب وزن. (المؤلف)
3- الأنساب : 2 / 305.
4- المعارف : ص 624.
5- میزان الاعتدال : 1 / 435 رقم 1627.
6- تهذیب التهذیب : 2 / 126.

الکمال (1) (ص 85) : إنّه أحد کبار الشیعة.

وروی الکشی فی رجاله (2) (ص 59) بإسناده عن أبی عمیر البزّاز عن الشعبی قال : سمعت الحارث الأعور وهو یقول : أتیت أمیر المؤمنین علیّا علیه السلام ذات لیلة فقال : «یا أعور ما جاء بک؟» قال : فقلت : یا أمیر المؤمنین جاء بی والله حبّک. قال : فقال : «أما إنّی سأحدِّثک لتشکرها ، أما إنّه لا یموت عبدٌ یحبّنی فیخرج نفسه حتی یرانی حیث یحبُّ ، ولا یموت عبدٌ یبغضنی فیخرج نفسه حتی یرانی حیث یکره». قال : ثم قال لی الشعبی بعدُ : أما إنّ حبّه لا ینفعک وبغضه لا یضرّک (3).

وحدّث الشیخ أبو علی ابن شیخ الطائفة أبو جعفر الطوسی فی أمالیه (4) (ص 42) بإسناده عن جمیل بن صالح عن أبی خالد الکاملی (5) عن الأصبغ بن نباتة قال : دخل الحارث الهمدانی علی أمیر المؤمنین علیّ بن أبی طالب علیه السلام فی نفر من الشیعة وکنت فیهم فجعل - یعنی الحارث - یتأوّد فی مشیته ویخبط الأرض بمحجنه وکان مریضاً ، فأقبل علیه أمیر المؤمنین علیه السلام وکانت له منه منزلة فقال : «کیف تجدک یا حارث؟». قال : نال الدهر منّی یا أمیر المؤمنین ، وزادنی أُواراً وغلیلاً اختصام أصحابک ببابک. قال : «وفیم خصومتهم؟». قال : فی شأنک والبلیّة من قِبلک فمن مفرط غالٍ ، ومقتصدٍ قال ، ومن متردّدٍ مرتاب ، لا یدری أیقدم أو یحجم. قال : «فحسبک یا أخا همدان ألا إنَّ خیر شیعتی النمط الأوسط ، إلیهم یرجع الغالی وبهم یلحق التالی». قال : لو کشفت فداک أبی وأُمِّی الرین عن قلوبنا وجعلتنا فی ذلک ف)

ص: 292


1- خلاصة الخزرجی : 1 / 184 رقم 1142.
2- رجال الکشّی : ص 81 رقم 26.
3- قول الشعبی هذا مناقض لما جاء به النبیّ الأعظم فی حبّ أمیر المؤمنین علیه السلام وبغضه من الکثیر الطیّب ، راجع ما مرّ فی أجزاء کتابنا هذا وما یأتی. (المؤلف)
4- أمالی الطوسی : ص 625 ح 1292.
5- کذا والصحیح : الکابلی. (المؤلف)

علی بصیرةٍ من أمرنا ، قال : «قدک (1) فإنّک امرؤٌ ملبوسٌ علیک ، إنَّ دین الله لا یُعرف بالرجال بل بآیة الحقِّ ، فاعرف الحقَّ تعرف أهله ، یا حارِ إنَّ الحقَّ أحسن الحدیث والصادع به مجاهد ، وبالحقِّ أُخبرک فأعرنی سمعک ثم خبّر به من کانت له حصانة من أصحابک ، ألا إنّی عبد الله وأخو رسوله وصدّیقه الأوّل ، قد صدّقته وآدم بین الروح والجسد ، ثم إنّی صدّیقه الأوّل فی أُمّتکم حقّا ، فنحن الأوّلون ونحن الآخرون ، ألا وأنا خاصّته یا حار وخالصته وصنوه ووصیّه وولیّه صاحب نجواه وسرّه ، أوتیت فیهم الکتاب وفصل الخطاب وعلم القرون والأسباب ، واستُودعت ألف مفتاح ، یفتح کلّ مفتاح ألف باب ، یفضی کلُّ باب إلی ألف ألف عهد ، وأُیِّدت - أو قال : - أمددت بلیلة القدر نفلاً ، وإنَّ ذلک لیجری لی ومن استحفظ من ذرّیتی ما جری اللیل والنهار حتی یرث الله الأرض ومن علیها ، وأُبشِّرک یا حارث لیعرفنی والذی فلق الحبّة وبرأ النسمة ولیّی وعدوّی فی مواطن شتّی ، لیعرفنی عند الممات وعند الصراط وعند المقاسمة» قال : قلت : وما المقاسمة یا مولای؟ قال : «مقاسمة النار ، أُقاسمها قسمةً صحاحاً أقول : هذا ولیّی وهذا عدوّی».

ثم أخذ أمیر المؤمنین علیه السلام بید الحارث وقال : «یا حارث أخذت بیدک کما أخذ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بیدی ، فقال لی واشتکیت إلیه حسدة قریش والمنافقین لی : إنّه إذا کان یوم القیامة أخذت بحبل أو بحجزة یعنی عصمة من ذی العرش تعالی وأخذت یا علی بحجزتی وأخذ ذریّتک بحجزتک وأخذ شیعتکم بحجزتکم ، فما ذا یصنع الله بنبیّه؟ وما یصنع نبیّه بوصیّه؟ خذها إلیک یا حارث قصیرة من طویلة : أنت مع من أحببت ، ولک ما احتسبت» ، أو قال : ما اکتسبت. قالها ثلاثاً ، فقال الحارث - وقام یجرُّ رداءه جذلاً - ما أبالی ربّی بعد هذا متی لقیت الموت أو لقینی. قال جمیل بن صالح : فأنشدنی السیّد بن محمد فی کتابه : ک.

ص: 293


1- أی : حسبک.

قول علیٍّ لحارثٍ عجبٌ

کم ثَمّ أُعجوبة له حملا

یا حارِ همدانَ من یمُت یرنی

من مؤمنٍ أو منافقٍ قبلا

یعرفنی طرفه وأعرفُه

بنعتِه واسمِه وما فعلا

وأنت عند الصراط تعرفُنی

فلا تخف عثرةً ولا زللا

أسقیک من باردٍ علی ظماً

تخالُه فی الحلاوة العسلا

أقول للنارِ حین تُعرَضُ للعرض

دعیه لا تقبلی الرجلا

دعیه لا تقربیه إنَّ له

حبلاً بحبل الوصیِّ متّصلا

توفِّی الحارث الهمدانی سنة (65) کما ذکره (1) الذهبی فی میزان الاعتدال ، وابن حجر نقلاً عن ابن حبّان فی تهذیب التهذیب (2 / 147) ، والمؤرّخ عبد الحیّ فی شذرات الذهب (1 / 73) ، فما فی خلاصة تذهیب الکمال (ص 58) من أنها سنة (165) لیس بصحیح.

والمترجم له شیخنا - الحسین - أحد أعلام الطائفة ، وفقهائها البارعین فی الفقه وأصوله والکلام والفنون الریاضیّة والأدب ، وکان إحدی حسنات هذا القرن ، والألق المتبلّج فی جبهته ، والعبق المتأرّج بین أعطافه ، أذعن بتقدّمه فی العلوم علماء عصره ومن بعدهم ، قال شیخه الشهید الثانی فی إجازته له المؤرَّخة ب (941) المذکورة فی کشکول شیخنا البحرانی (2) صاحب الحدائق : ثم إنَّ الأخ فی الله المصطفی فی الأخوّة ، المختار فی الدین ، المرتقی عن حضیض التقلید إلی أوج الیقین ، الشیخ الإمام العالم الأوحد ، ذا النفس الطاهرة الزکیّة ، والهمّة الباهرة العلیّة ، والأخلاق الزاهرة الإنسیّة ، عضد الإسلام والمسلمین ، عزّ الدنیا والدین حسین ابن الشیخ الصالح العالم العامل المتقن المتفنّن خلاصة الأخیار الشیخ عبد الصمد ابن الشیخ الإمام شمس الدین محمد 2.

ص: 294


1- میزان الاعتدال : 1 / 437 رقم 1627 ، کتاب المجروحین : 1 / 222 ، تهذیب التهذیب : 2 / 127 ، شذرات الذهب : 1 / 290 حوادث سنة 65 ه ، خلاصة الخزرجی : 1 / 184 رقم 1142.
2- الکشکول : 2 / 202.

الشهیر بالجبعیِّ أسعد الله جدّه ، وجدّد سعده ، وکبت عدوّه وضدّه ، ممّن انقطع بکلّیته إلی طلب المعالی ، ووصل یقظة الأیّام بإحیاء اللیالی ، حتی أحرز السبق فی مجاری میدانه ، وحصّل بفضله السبق علی سائر أترابه وأقرانه ، وصرف برهةً من زمانه فی تحصیل هذا العلم ، وحصل منه علی أکمل نصیب وأوفر سهم ، فقرأ علی هذا الضعیف. إلی آخره.

وأثنی علیه معاصره السید الأمیر حیدر ابن السیّد علاء الدین الحسینی البیروی فی إجازته للسیّد حسین المجتهد الکرکی (1) بقوله : الشیخ الإمام الزاهد العابد العامل العالم ، زبدة فضلاء الأنام ، وخلاصة الفقهاء العظام ، فقیه أهل البیت علیهم السلام ، عضد الإسلام والمسلمین ، عزّ الدنیا والدین حسین ابن الشیخ العالم.

وفی ریاض العلماء (2) : کان فاضلاً عالماً جلیلاً أصولیّا متکلّماً فقیهاً محدِّثاً شاعراً ماهراً فی صنعة اللغز ، وله ألغازٌ مشهورةٌ خاطب بها ولده البهائی فأجابه هو بأحسن منها ، وهما مشهوران وفی المجامیع مسطوران.

وقال المولی مظفّر علی أحد تلامیذ ولده البهائی فی رسالة له فی أحوال شیخه : وکان والد هذا الشیخ فی زمانه من مشاهیر فحول العلماء الأعلام والفقهاء الکرام ، وکان فی تحصیل العلوم والمعارف وتحقیق مطالب الأصول والفروع مشارکاً ومعاصراً للشهید الثانی ، بل لم یکن له قدّس الله سرّه فی علم الحدیث والتفسیر والفقه والریاضی عدیل فی عصره وله فیها مصنّفات. انتهی.

وقال المولی نظام الدین محمد تلمیذ ولده البهائی فی نظام الأقوال فی أحوال الرجال : الحسین بن عبد الصمد بن محمد الجبعی الحارثیّ الهمدانیّ الشیخ العالم الأوحد ، صاحب النفس الطاهرة الزکیّة ، والهمّة الباهرة العلیّة ، والد شیخنا وأستاذنا 9.

ص: 295


1- بحار الأنوار : 109 / 165 رقم 79.
2- ریاض العلماء : 2 / 109.

ومن إلیه فی العلوم استنادنا أدام الله ظلّه البهیّ ، من أجلّة مشایخنا قدّس الله روحه الشریفة ، کان عالماً فاضلاً مطّلعاً علی التواریخ ماهراً فی اللغات ، مستحضراً للنوادر والأمثال ، وکان ممّن جدّد قراءة کتب الأحادیث ببلاد العجم ، له مؤلّفات جلیلة ، ورسالات جمیلة. انتهی.

وفی أمل الآمل (1) : کان عالماً ماهراً محقّقاً مدقّقاً متبحّراً جامعاً أدیباً منشئاً شاعراً عظیم الشأن ، جلیل القدر ، ثقةً من فضلاء تلامذة شیخنا الشهید الثانی. إلی آخره.

إلی کلمات أخری مبثوثة فی الإجازات ومعاجم التراجم. وعرف فضله عاهل إیران بوقته السلطان شاه طهماسب الصفوی ، فسامه تقدیراً وتبجیلاً ، وقلّده شیخوخة الإسلام بقزوین ، ثم بخراسان المقدّسة ثم بهراة ، وفوّض إلیه أمر التدریس والإفادة ، وکان یقدّمه علی کثیر من معاصریه بعد أستاذه المحقّق الکرکی ، فنهض المترجم له بعبء العلم والدین ونشر أعلامهما بما لا مزید علیه ، فخلّد له التاریخ بذلک کلّه ذکراً جمیلاً تضیء به صحائفه ، وتزدهی سطوره ، وممّا خصّه المولی سبحانه به وفضّله بذلک علی کثیر من عباده ، وحریٌّ بأن یُعدَّ من أکبر فضائله الجمّة ، وأفضل أعماله المشکورة مع الدهر ، أنّه نشر ألویة التشیّع فی هراة ومناحیها ، وأدرک خلق کثیرٌ بإرشاده الناجع سعادة الرشد ، وسبیل السداد ، واتّبعوا الصراط السویَّ المستقیم.

مشایخه والرواة عنه :

یروی شیخنا المترجم له عن لفیف من أعلام الطائفة وأساتذة العلم. منهم :

1 - شیخنا الأکبر زین الدین الشهید الثانی وأخذ منه العلم (2). 3.

ص: 296


1- أمل الآمل : 1 / 74 رقم 67.
2- بحار الأنوار : 108 / 146 رقم 53.

2 - السیّد بدر الدین الحسن ابن السیّد جعفر الأعرجی الکرکی العاملی.

3 - الشیخ حسن صاحب المعالم ابن الشهید الثانی.

4 - السیّد حسن بن علی بن شدقم الحسینی المدنی.

ویروی عنه :

1 - السیّد الأمیر محمد باقر الأسترآبادیّ الشهیر ب : داماد (1).

2 - الشیخ رشید الدین بن إبراهیم الأصفهانی بالإجازة المؤرّخة بسنة (971).

3 - السیّد شمس الدین محمد بن علی الحسینی الشهیر بابن أبی الحسن ، کما فی إجازة العلاّمة المجلسی للسیّد نعمة الله الجزائریّ المؤرّخة بسنة (1075).

4 - السیّد حیدر بن علاء الدین البیروی کما فی إجازته للسیّد حسین الکرکی (2).

5 - الشیخ أبو محمد بن عنایة الله البسطامی کما فی إجازته للسیّد حسین الکرکی (3).

6 - المولی معانی التبریزی کما فی إجازات البحار (ص 134 ، 135).

7 - المیرزا تاج الدین حسین الصاعدی کما فی الإجازات (ص 135).

8 - الشیخ حسن صاحب المعالم کما فی إجازة الأمیر شرف الدین الشولستانی للمولی محمد تقی المجلسی (4).

9 - وملک علی یروی عنه بالإجازة المذکورة فی أعیان الشیعة (5) (26 / 260) 3.

ص: 297


1- بحار الأنوار : 109 / 87 رقم 66.
2- بحار الأنوار : ص 165 رقم 79.
3- بحار الأنوار : ص 167 رقم 80.
4- بحار الأنوار : 110 / 32 رقم 90.
5- أعیان الشیعة : 6 / 63.

10 و 11 - ولداه العلمان : شیخنا البهائی ، وأبو تراب الشیخ عبد الصمد (1). وقرأ علیه السیّد علاء الدین محمد بن هدایة الله الحسنی الخیروی سنة (967).

آثاره أو مآثره :

ومن آثاره أو مآثره تآلیف قیّمة منها :

1 - شرح علی القواعد.

2 - شرحان علی ألفیّة الشهید.

3 - الرسالة الطهماسبیّة فی الفقه.

4 - الرسالة الوسواسیّة.

5 - رسالة فی وجوب الجمعة.

6 - وصول الأخیار إلی أصول الأخبار.

7 - الرسالة الرضاعیّة.

8 - حاشیة علی الإرشاد.

9 - رسالة مناظرة مع علماء حلب (2).

10 - رسالة فی الرحلة (3).

11 - رسالة فی العقائد.

12 - رسالة الطهارة الظاهریّة والقلبیّة.

13 - رسالة فی المواریث.

14 - کتاب الغرر والدرر. ف)

ص: 298


1- بحار الأنوار : 108 / 189 رقم 62.
2- للمترجم له رحلات فیها خطوات محمودة ومواقف تذکر وتشکر وراء صالح الأُمّة والسعی دون مناهج الدین والمذهب ، ورسالته هذه تجمع شتات تلکم المساعی. راجع أعیان الشیعة لسیدنا الأمین [6 / 64]. (المؤلف)
3- رسالة قیّمة فی الإمامة تجد جملة ضافیة منها فی أعیان الشیعة : 26 / 248 [6 / 64]. (المؤلف)

15 - رسالة فی تقدیم الشیاع علی الید.

16 - رسالة فی الواجبات.

17 - تعلیقات علی الصحیفة.

18 - رسالة فی القبلة.

19 - دیوان شعره.

20 - درایة الحدیث.

21 - کتاب الأربعین.

22 - تعلیقة علی خلاصة العلاّمة.

23 - رسالة فی جواز استرقاق الحربیِّ البالغ حال الغیبة.

24 - رسالة تحفة أهل الإیمان فی قبلة عراق العجم وخراسان.

25 - رسالةٌ فی وجوب صرف مال الإمام علیه السلام فی أیّام الغیبة.

26 - جواب عمّا أورد علی حدیث نبویّ (1).

27 - رسالةٌ فی عدم طهر البواری بالشمس.

ولادته ووفاته :

ولد شیخنا المترجم له أوّل محرّم الحرام سنة (918) ، وتوفّی سنة (984) فی ثامن ربیع الأوّل فی قریة المصلّی من أرباض هجر من بلاد البحرین وکان عمره ستّا وستّین سنة وشهرین وسبعة أیّام ، ورثاه ولده الأکبر شیخنا البهائیّ بقوله :

قف بالطلول وسلها أین سلماها

وروِّ من جُرَعِ الأجفانِ جَرعاها (2)

وردِّد الطرفَ فی أطرافِ ساحتها

وروِّح الروحَ من أرواحِ أرجاها

وإن یفُتْک من الأطلالِ مخبرُها

فلا یفوتک مرآها وریّاهاً.

ص: 299


1- من قوله صلی الله علیه واله وسلم : «إنی أحبّ من دنیا کم ثلاثاً : النساء ، والطیب ، وقرّة عینی الصلاة». (المؤلف)
2- الجُرَع : جمع جُرعة ، وهی الحسوة. الجرعاء : الرملة المستویة التی لا تنبت شیئاً.

ربوعُ فضلٍ تباهی التبرَ تربتُها

ودارُ أُنسٍ یحاکی الدرَّ حصباها

عدا علی جیرةٍ حلَّوا بساحتِها

صرفُ الزمانِ فأبلاهم وأبلاها

بدورُ تمٍّ غمامُ الموتِ جلّلها

شموسُ فضلٍ سحابُ التربِ غشّاها

فالمجدُ یبکی علیها جازعاً أسفاً

والدینُ یندبُها والفضلُ ینعاها

یا حبّذا أزمنٌ فی ظلِّهم سلفتْ

ما کان أقصرَها عمراً وأحلاها

أوقات أُنسٍ قضیناها فما ذُکرِتْ

إلاّ وقطّع قلبَ الصبِّ ذکراها

یا سادةً هجروا واستوطنوا هجراً

واهاً لقلبی المعنّی بعدکم واها

رعیاً للیلاتِ وصلٍ بالحمی سلفتْ

سقیاً لأیّامنا بالخیفِ سقناها

لفقدِکم شُقَّ جیبُ المجدِ وانصدعت

أرکانُه وبکم ما کان أقواها

وخرَّ من شامخاتِ العلمِ أرفعُها

وانهدَّ من باذخاتِ الحلم أرساها

یا ثاویاً بالمصلّی من قری هجرٍ

کُسِیتَ من حلل الرضوان أرضاها

أقمت یا بحرُ بالبحرین فاجتمعت

ثلاثةٌ کنَّ أمثالاً وأشباها

ثلاثةٌ أنت أنداها وأغزرُها

جوداً وأعذبُها طعماً وأحلاها

حویتَ من درر العلیاء ما حویا

لکنَّ درَّک أعلاها وأغلاها

یا أخمصاً وطأت هام السهی شرفاً (1)

سقاک من دیم الوسمیِّ أسماها

ویا ضریحاً علا فوق السماکِ عُلاً

علیک من صلواتِ اللهِ أزکاها

فیک انطوی من شموسِ الفضلِ أزهرُها

ومن معالمِ دینِ اللهِ أسناها

ومن شوامخِ أطوادِ الفتوّة أر

ساها وأرفعُها قدراً وأبهاها

فاسحب علی الفلک الأعلی ذیول عُلاً

فقد حویتَ من العلیاء أعلاها

علیک منّی سلامُ اللهِ ما صدحتْ

علی غصون أراک الدوح وَرقاهاف)

ص: 300


1- أخمص القدم : ما لا یصیب الأرض من باطنها. ویراد به القدم کلّها. السهی : کوکب خفیّ من بنات نعش الصغری. ومنه المثل : أُریها السهی وترینی القمر. ویضرب للذی یسأل عن شیء فیجیب جواباً بعیداً(المؤلف)

قال صاحب ریاض العلماء (1) : ورثاه جماعةٌ من الشعراء.

وللمترجم له قصیدة جاری بها البردة للبوصیری یمدح بها الرسول الأعظم وخلیفته الصدّیق الأکبر أوّله :

ألؤلؤٌ نظمُ ثغرٍ منک مبتسمِ

أم نرجسٌ أم أقاحٌ فی صفی بشمِ

والقصیدة طویلة تناهز (129) بیتاً وقد وقف سیّد الأعیان منها علی (69) بیتاً (2) ، فحسب أنّها تمام القصیدة فقال : تبلغ (69) بیتاً ثم ذکر جملةً منها. ومن شعر المترجم له قوله :

ما شممتُ الوردَ إلاّ

زادنی شوقاً إلیکْ

وإذا ما مالَ غصنٌ

خلتُهُ یحنو علیکْ

لست تدری ما الذی قد

حلَّ بی من مقلتیکْ

إن یکن جسمی تناءی

فالحشا باقٍ لدیکْ

کلّ حسنٍ فی البرایا

فهو منسوبٌ إلیکْ

رشقَ القلبَ بسهمٍ

قوسُه من حاجبیکْ

إنَّ ذاتی وذواتی

یا مُنایا فی یدیکْ

آه لو أُسقی لأَشفی

خمرةً من شفتیکْ

وله قوله وهو المخترع لهذا الرویّ :

فاح عرف الصبا وصاح الدیک

وانثنی البان یشتکی التحریک

قم بنا نجتلی مشعشعة

تاهَ من وجدهِ بها النسّیک

لو رآها المجوسُ عاکفةً

وحّدوها وجانبوا التشریک5.

ص: 301


1- ریاض العلماء : 2 / 112.
2- أعیان الشیعة : 6 / 65.

إن تسر نحونا نسرُّ وإن

متَّ فی السیر دوننا نحییک

وذکر شیخنا البهائی فی کشکوله (1) (ص 65) لوالده علی هذا الرویّ ثمانیة عشر بیتاً أوّلها :

فاح ریح الصبا وصاح الدیک

فانتبه وانف عنک ما ینفیک

وعارضها ولده الشیخ بهاء الدین بقصیدة کافیّة مطلعها :

یا ندیمی بمهجتی أفدیک

قم وهات الکؤوسَ من هاتیک

خمرة إن ضللت ساحتها

فسنا نورِ کأسِها یهدیک

یا کلیمَ الفؤادِ داوِ بها

قلبک المبتلی لکی تشفیک

هی نارُ الکلیمِ فاجتلِها

واخلعِ النعلَ واترکِ التشکیک

صاحِ ناهیک بالمدامِ فدم

فی احتساها مخالفاً ناهیک (2)

وخلف المترجم علی علمه الجمّ وفضله المتدفّق ولداه العلمان : شیخ الطائفة بهاء الملّة والدین الآتی ذکره وهو أکبر ولدیه ، ولد سنة (953) ، والشیخ أبو تراب عبد الصمد بن الحسین المولود بقزوین لیلة الأحد وقد بقی من اللیل نحو ساعة ثالث شهر صفر سنة (966) کما فی الریاض (3) نقلاً عن خطِّ والده المترجم له - الشیخ حسین - وصرّح والدهما المترجم له فی إجازته لهما أنَّ البهائی أکبر ولدیه ، وللشیخ عبد الصمد حاشیة علی أربعین أخیه شیخنا البهائی وفوائده علی الفرائض النصیریّة ، وکتب الشیخ البهائی باسمه فوائده الصمدیّة ، یروی بالإجازة عن والده المقدّس الشیخ حسین ، ویروی عنه العلاّمة السیّد حسین بن حیدر بن قمر الکرکی توفّی 0.

ص: 302


1- الکشکول : 1 / 217.
2- إلی آخر الأبیات المذکورة فی خلاصة الأثر : 3 / 449 ، وریحانة الألبّاء للخفاجی [ص 209 - 210] ، وکشکول ناظمها : ص 65 [1 / 218]. (المؤلف)
3- ریاض العلماء : 2 / 110.

سنة (1020) ، ترجمه صاحبا الأمل (1) والریاض (2) وغیرهما.

وورثه علی علمه الغزیر ولداه العالمان : الشیخ أحمد بن عبد الصمد نزیل هراة ، یروی عنه بالإجازة السیّد حسین بن حیدر بن قمر الکرکی الراوی عن والده أیضاً. وأخوه الشیخ حسین بن عبد الصمد کان قاضی هراة ، قال صاحب ریاض العلماء (3) : کان شاعراً ماهراً فی العلوم الریاضیّة له منظومة بالفارسیّة فی الجبر والمقابلة. انتهی. یروی عن عمّه شیخنا البهائی بالإجازة ، توجد بعض تعالیقه علی بعض الکتب مؤرّخاً بسنة (1060).

وأمّا سائر رجالات هذه الأسرة الکریمة فوالد المترجم له الشیخ عبد الصمد من نوابغ الطائفة ، وعلمائها البارعین ، وصفه شیخ الطائفة الشهید الثانی فی إجازته لولد المترجم له (4) بالشیخ الصالح العامل العالم المتقن ، وأثنی علیه السیّد حیدر البیروی فی إجازته (5) للسید حسین المجتهد الکرکیِّ : بالشیخ العالم العامل ، خلاصة الأخیار ، وزین الأبرار الشیخ عبد الصمد ، ولد سنة (855) فی (21) محرّم وتوفّی سنة (935) فی منتصف ربیع الثانی ، ترجمه صاحبا الریاض (6) وأمل الآمل (7) وغیرهما.

وأخو المترجم الأکبر الشیخ نور الدین أبو القاسم علیّ بن عبد الصمد الحارثی المولود سنة (898) من تلمذة الشهید الثانی ، قال صاحب ریاض العلماء (8) : فاضل 4.

ص: 303


1- أمل الآمل : 1 / 155 رقم 158.
2- ریاض العلماء : 2 / 108 - 121.
3- ریاض العلماء : ص 111.
4- بحار الأنوار : 108 / 148 رقم 53.
5- بحار الأنوار : 109 / 165 رقم 79.
6- ریاض العلماء : 3 / 128.
7- أمل الآمل : 1 / 109 رقم 98.
8- ریاض العلماء : 4 / 114.

عالم جلیل فقیه شاعر ، له منظومةٌ فی ألفیّة الشهید تسمّی بالدرّة الصفیّة فی نظم الألفیّة ، یروی عن المحقّق الکرکی بالإجازة سنة (935) وقرأ علیه جملة من کتب الفقه.

وأخوه : الشیخ محمد بن عبد الصمد ولد سنة (903) وتوفّی سنة (952).

وأخوه الثالث : الحاج زین العابدین المولود سنة (909) والمتوفّی سنة (965).

وأوعزنا فی ترجمة عمّ والد المترجم له الشیخ إبراهیم الکفعمی (ص 215) إلی ترجمة جدّ المترجم الشیخ شمس الدین محمد ، وجدّ والده الشیخ زین الدین علیّ.

توجد ترجمة شیخنا عزّ الدین الحسین ، وسرد جمل الثناء علیه فی کشکول الشیخ یوسف البحرانی ، لؤلؤة البحرین (ص 18) ، ریاض العلماء ، أمل الآمل (ص 13) ، نظام الأقوال فی أحوال الرجال (1) تاریخ عالم آرای عبّاسی ، روضات الجنّات (ص 193) ، مستدرک الوسائل (3 / 421) ، تنقیح المقال (1 / 332) ، الأعلام للزرکلی (1 / 250) ، أعیان الشیعة (26 / 226 - 270) وفیها فوائد جمّة ، سفینة البحار (1 / 174) ، الکنی والألقاب (2 / 91) ، الفوائد الرضویّة (1 / 138) ، منن الرحمن (1 / 8) (2). 3.

ص: 304


1- تألیف المولی نظام الدین محمد القرشی ، تلمیذ شیخنا البهائی ، ولد المترجم له. (المؤلف)
2- الکشکول : 2 / 202 ، لؤلؤة البحرین : ص 23 رقم 6 ، ریاض العلماء : 2 / 108 ، أمل الآمل : 1 / 74 رقم 67 ، روضات الجنات : 2 / 338 رقم 217 ، الأعلام : 2 / 240 ، أعیان الشیعة : 6 / 56 - 66 ، سفینة البحار : 2 / 238 ، الکنی والألقاب : 2 / 102 - 103.

شعراء الغدیر فی القرن الحادی عشر

اشارة

1 - ابن أبی شافین البحرانی

8 - السیّد أبوعلیّ الأنسی الیمنی

2 - زین الدین الحمیدی

9 - السید شهاب أبو معتوق الموسوی

3 - بهاء الملّة والدین

10 - السید علی خان المشعشعی

4 - الحرفوشی العاملی

11 - السید ضیاء الدین الیمنی

5 - ابن أبی الحسن العاملی

12 - المولی محمد طاهر القمی

6 - الشیخ حسین الکرکی

13 - القاضی جمال الدین المکی

7 - القاضی شرف الدین

14 - أبو محمد ابن الشیخ صنعان

ص: 305

ص: 306

- 79 -

ابن أبی شافین البحرانی

اشارة

المتوفّی بعد (1001)

أجلُّ مصابی فی الحیاة وأکبرُ

مصابٌ له کلُّ المصائبِ تصغرُ

مصابٌ به الآفاقُ أظلم نورها

ووجه التقی والدین أشعث أغبرُ

مصابٌ به أطواد علمٍ تدکدکت

وأصبح نور الدین وهو مغبّرُ

إلی أن قال فیها :

وسار النبیُّ الطهرُ من أرضِ مکةٍ

وقد ضاق ذرعاً بالذی فیه أضمروا

ولمّا أتی نحو الغدیر برحلِهِ

تلقّاه جبریلُ الأمینُ یبشِّرُ

بنصب علیٍّ والیاً وخلیفةً

فذلک وحیُ اللهِ لا یتأخّرُ

فردَّ من القوم الذین تقدّموا

وحطّ أُناسٌ رحلَهم قد تأخّروا

ولم یک تلک الأرضُ منزلَ راکبٍ

بحرِّ هجیرٍ نارُه تتسعّرُ

رقی منبرَ الأکوارِ طهرٌ مطهّرٌ

ویصدعُ بالأمرِ العظیمِ ویُنذرُ

فأثنی علی اللهِ الکریمِ مقدّساً

وثنّی بمدحِ المرتضی وهو مخبرُ

بأن جاءنی فیه من اللهِ عزمةٌ

وإن أنا لم أصدعْ فإنّی مقصّرُ

وإنّی علی اسمِ الله قمتُ مبلّغاً

رسالتَه واللهُ للحقِّ ینصرُ

علیٌّ أخی فی أُمّتی وخلیفتی

وناصرُ دینِ اللهِ والحقُّ یُنصرُ

وطاعتُه فرضٌ علی کلِّ مؤمنٍ

وعصیانُه الذنبُ الذی لیس یُغفرُ

ص: 307

ألا فاسمعوا قولی وکونوا لأمرِهِ

مطیعین فی جنبِ الإلهِ فتُوجَروا

ألستُ بأولی منکمُ بنفوسِکمْ

فقالوا نعم نصٌّ من اللهِ یذکرُ

فقال ألا من کنت مولاه منکمُ

فمولاه بعدی والخلیفةُ حیدرُ

التقطنا هذه الأبیات من قصیدة کبیرة لشاعرنا - ابن أبی شافین - تبلغ خمسمائة وثمانین بیتاً توجد فی المجامیع المخطوطة العتیقة.

الشاعر

الشیخ داود بن محمد بن أبی طالب الشهیر بابن أبی شافین الجدحفصی البحرانی ، من حسنات القرن العاشر ، ومن مآثر ذلک العصر المحلّی بالمفاخر ، شعره مبثوثٌ فی مدوّنات الأدب ، والموسوعات العربیّة ، ومجامیع الشعر ، إن ذُکر العلم فهو أبو عذره أو حدّث عن القریض فهو ابن بجدته ، ذکره السیّد علی خان فی السلافة (1) (ص 529) وأطراه بقوله : البحر العجّاج إلاّ أنّه العذب لا الأُجاج ، والبدر الوهّاج إلاّ أنّه الأسد المهاج ، رتبته فی الاباءة شهیرة ، ورفعته أسمی من شمس الظهیرة ، ولم یکن فی مصره وعصره من یدانیه فی مدِّه وقصره ، وهو فی العلم فاضلٌ لا یسامی ، وفی الأدب فاصلٌ لم یکلّ الدهر له حساما ، إن شهر طبق ، وإن نشر عبق ، وشعره أبهی من شفِّ البرود ، وأشهی من رشف الثغر البرود ، وموشّحاته الوشاح المفصّل ، بل التی فرّع حسنها وأصّل ، ومن شعره قوله :

أنا واللهِ المعانی

بالهوی شوقیَ أعربْ

کلُّ آنٍ مرّ حالی

فی الهوی یا صاحِ أغربْ

کلما غنّی الهوی لی

أرقصَ القلبَ وأطربْ

وغداً یسقیه کاسا

تِ صباباتٍ فیشربْ4.

ص: 308


1- سلافة العصر : ص 521 - 524.

فالذی یطمعُ فی سل

بِ هوی قلبیَ أشعبْ

قلت للمحبوب حتّا

م الهوی للقلبِ ینهبْ

وبمیدانِ الصِّبا وال

لهو ساهٍ أنت تلعبْ

قال ما ذنبی إذا شا

هدت نارَ الخدِّ تلهبْ

فهوی قلبُک فیها

ذاهباً فی کلِّ مذهبْ

قلت هب أنّ الهوی ه

بَّ فألقاه بهبْ هبْ

أفلا تُنقذ من یه

واک مِن نارٍ تلهّبْ

ثم ذکر له لامیّة وموشّحة دالیّة تناهز (42) بیتاً مطلعها :

قل لأهلِ العذل لو وجدوا

من رسیسِ الحبّ ما نجدُ

أوقدوا فی کلِّ جارحةٍ

زفرةً فی القلب تتّقدُ

فاسعد الهائم أیّها اللائم

فالهوی حاکم إن عصی أحدُ

وذکره المحبّی فی خلاصة الأثر (2 / 88) وقال : من العلماء الأجلاّء الأدباء ، أستاذ السیّد أبی محمد الحسین بن الحسن بن أحمد بن سلیمان الحسینی الغریفیّ البحرانیّ ، ولمّا توفّی تلمیذه السیّد العلاّمة الغریفی فی سنة (1001) وبلغ نعیه إلی شیخه الشیخ داود بن أبی شافین البحرانیّ استرجع الشیخ وأنشد بدیهة :

هلک القصر (1) یا حمام فغنّی

طرباً منک فی أعالی الغصونِ (2)

وأثنی علیه الشیخ سلیمان الماحوزی فی رسالته فی علماء البحرین بقوله : واحد عصره فی الفنون کلّها ، وشعره فی غایة الجزالة ، وکان جدلیّا حاذقاً فی علم المناظرة وآداب البحث ، ما ناظر أحداً إلاّ وأفحمه. إلی آخره. ف)

ص: 309


1- کذا فی سلافة العصر ، وفی خلاصة الأثر : هلک الصقر.
2- وذکره السید صاحب السلافة : ص 504 [496]. (المؤلف)

وقال الشیخ صاحب أنوار البدرین (1) : کان هذا الشیخ من أکابر العلماء وأساطین الحکماء.

وذکره العلاّمة المجلسی فی إجازات البحار (2) (ص 129) وأطراه بما مرّ عن سلافة العصر ، وجمل الثناء علیه منضّدةٌ فی أنوار البدرین (3) ووفیات الأعلام لشیخنا الرازی ، والطلیعة للمرحوم السماوی ، وتتمیم أمل الآمل للسید ابن أبی شبانة البحرانی.

لشاعرنا - ابن أبی شافین - رسائل منها : رسالة فی علم المنطق ، وشرح علی الفصول النصیریّة فی التوحید ، وشعره مبثوثٌ فی مجامیع الأدب ، ذکر له شیخنا الطریحی فی المنتخب (4) (1 / 127) قصیدةً یرثی بها الإمام السبط علیه السلام تناهز (37) بیتاً مستهلّها :

هلمّوا نبکِ أصحاب العباءِ

ونرثی سبطَ خیرِ الأنبیاءِ

هلمّوا نبکِ مقتولاً بکتْهُ

ملائکةُ الإلهِ من السماءِ

وذکر له العلاّمة السید أحمد العطّار فی الجزء الثانی من موسوعة الرائق قوله فی رثاء الإمام السبط سلام الله علیه :

یا واقفاً بطفوفِ الغاضریّاتِ

دعنی أسحُّ الدموعَ العندمیّاتِ (5)

من أعینٍ بسیوفِ الحزنِ قاتلةٍ

طیبَ الکری لقتیلِ السمهریّاتِ

وسادةٍ جاوزوا بیدَ الفلاةِ بها

وقادةٍ قُدِّدوا بالمشرفیّاتِر.

ص: 310


1- أنوار البدرین : ص 80 رقم 23.
2- بحار الأنوار : 109 / 141.
3- أنوار البدرین : ص 80 رقم 23.
4- المنتخب : 1 / 222.
5- نسبة إلی العندم ، وهو صبغ أحمر.

القصیدة تناهز (62) بیتاً یقول فی آخرها :

لا یبتغی ابنُ أبی شافین من عوضٍ

إلاّ نجاةً وإسکاناً بجنّاتِ

وذکر السید قدس سره فی الرائق أیضاً له قوله فی رثاء الإمام الشهید صلوات الله علیه :

مصائبُ یومِ الطفِّ أدهی المصائبِ

وأعظمُ من ضربِ السیوفِ القواضبِ

تذوبُ لها صمُّ الجلامیدِ حسرةً

وتنهدُّ منها شامخاتُ الشناخبِ

بها لبس الدینُ الحنیفُ ملابساً

غرابیبَ سوداً مثلَ لونِ الغیاهبِ

القصیدة (50) بیتاً وفی آخرها قوله :

ودونکمُ غرّاءَ کالبدر فی الدجی

من ابن أبی شافین ذاتَ غرائبِ

وذکر الشیخ لطف الله بن علی بن لطف الله الجدحفصی البحرانی فی مجموعته (1) الشعریّة له قصیدة تبلغ (71) بیتاً فی رثاء الإمام السبط الطاهر علیه السلام أوّلها :

قفا بالرسومِ الخالیاتِ الدواثرِ

تنوحُ علی فقدِ البدورِ الزواهرِ

بدورٌ لآل المصطفی قد تجلّلتْ

بعارضِ جونٍ فاختفتْ بدیاجرِ

ففی کلِّ قطرٍ منهمُ قمرٌ ثوی

وجُلِّل من غیمِ الغمومِ بساترِ

وفی تلک المجموعة له فی رثاء الإمام السبط علیه السلام تناهز (42) بیتاً مطلعها :

قف بالطفوف بتذکارٍ وتزفارِ

وذُب من الحزن ذوبَ التِّبر فی النارِ

واسحب ذیولَ الأسی فیها ونُح أسفاً

نوحَ القُماری علی فقدانِ أقمارِف)

ص: 311


1- هذه المجموعة تتضمّن ما قاله أربعة وعشرون شاعراً من فحول الشعراء فی رثاء الإمام السبط علیه السلام أوّلهم سیّدنا الشریف الرضی ، وقفت منها بخطّ جامعها علی عدّة نسخ فی النجف الأشرف والکاظمیة المشرّفة ، وطهران عاصمة إیران. (المؤلف)

وانثر علی ذهبِ الخدَّینِ من دُرَر

الدَّمع الهتون ویاقوت الدم الجاری

ونح هناک بلیعاتِ الأسی جزعاً

فما علی الوالهِ المحزون من عارِ

وعزِّ نفسَکَ عن أثوابِ سلوتِها

علی القتیلِ الذبیحِ المفردِ العاری

لهفی وقد ماتَ عطشاناً بغصّتِهِ

یُسقی النجیعَ ببتّارٍ وخطّارِ

کأنّما مُهره فی جریِهِ فلکٌ

ووجهُه قمرٌ فی أُفقه ساری

وله قصیدةٌ یمدح بها النبیّ الأعظم ووصیّه الطاهر وآلهما صلوات الله علیهم أوّلها :

بدا یختالُ فی ثوبِ الحریرِ

فعمَّ الکون من نشرِ العبیرِ

فقلنا نورُ فجرٍ مستطیرِ

جبینُک أم سنا القمرِ المنیرِ

* * *

وقدٌّ مائلٌ أم غصنُ بانِ

تثنّی أم قضیبٌ خیزرانی

علیه بدر تمّ شعشعانی

بنورٍ فی الدیاجی مستطیرِ

* * *

ألا یا یوسفیَّ الحسنِ کم کمْ

فؤادی من لهیب الشوق یضرمْ

وکم یا فتنةَ العشّاقِ أُظلمْ

وما لی فی البرایا من نصیرِ

یقول فیها :

فإن ضیّعت شیئاً من ودادی

فحسبی حبُّ أحمد خیرِ هادی

ومبعوث إلی کلِّ العبادِ

شفیعِ الخلق والهادی البشیرِ

* * *

وهل أُصلی لظی نارٍ توقّدْ

وعندی حبُّ خیرِ الخلقِ أحمدْ

وحبُّ المرتضی الطهرِ المسدَّدْ

وحبُّ الآلِ باقٍ فی ضمیری

* * *

ص: 312

به داود یُجزی فی المعادِ

نجاةً من لظی ذاتِ اتّقادِ

وینجو کلُّ عبدٍ ذی ودادِ

بحبِّ الآل والهادی البشیرِ

ابن أبی شافین

قد وقع الخلاف فی ضبط کنیة شاعرنا هذه ، ففی سلوة الغریب للسیّد علی خان المدنی : ابن أبی شافیز. وکذلک ضبطها سیّد الأعیان (1). وفی سلافة العصر (2) للسید المدنی أیضاً : ابن أبی شافیر. بالراء المهملة تارة وبالنون أخری. وفی خلاصة الأثر (3) للمحبّی : ابن أبی شاقین. بالقاف والنون. وفی البحار (4) : ابن أبی شافیر. مهملة الآخر. والذی نجده فی شعره بلا خلاف فیه : ابن أبی شافین ، بالفاء والنون. 1.

ص: 313


1- أعیان الشیعة : 6 / 383.
2- سلافة العصر : ص 496.
3- خلاصة الأثر : 2 / 88.
4- بحار الأنوار : 109 / 141.

ص: 314

- 80 -

زین الدین الحمیدی

المتوفّی (1005)

صاح عرِّج علی قبابِ قباء

وارتقب خلوةً عن الرقباءِ

لا تکن لاهیاً بسعدی وسلمی

لا ولا معجباً بجرِّ قباءِ

وتذلّل لسادةٍ فی فؤادی

لهمُ مسکنٌ حصینُ البناءِ

وتلطّف واروِ حدیثاً قدیماً

عن غرامٍ نامٍ حشا أحشائی

وتعطّف وانشر لهم طیَّ وجدی

وهیامی بهم وطولَ بکائی

قل ترکنا صباصباً فی هواکم

وتباریحَ الهجر فی برحائی

قد وهی فی الهوی تجلّده وال

نَّوم کالصبرِ عنه قاصٍ ونائی

بین واشٍ وشی بافتراء

وعذولٍ یُعزی إلی العوّاءِ

وجَنانٍ عن التسلّی جبانٍ

ودموعٍ ممزوجة بدماءِ

وزفیرٍ لو لا المدامعُ تهمی

لشواه قد صارَ خلف عناءِ

شاقه نشقُ طیبِ مأوی الف

خر والمجد والعُلی والهناءِ

مهبط الوحی منزل العزِّ مثوی ال

فضل دار الثنا محلّ البهاءِ

تربةٌ تربها علی التبر یسمو

وضیاها یفوق ضوء ذکاءِ

بقعةٌ فُضِّلتْ علی العرش والکر

سیِّ فضلاً عن سائرِ البطحاءِ

موطنٌ حلَّ فیه خیرُ نبیٍ

متحلٍّ بأشرفِ الأسماءِ

أحمد الحامدین محمود فعلٍ

خصَّ بالحوض واللوا والولاءِ

ص: 315

حسنٌ محسنٌ رءوفٌ رحیمٌ

خاتم الرسل صفوة الأصفیاء

أعبدُ العابدین برٌّ کریمٌ

منه کانت مکارمُ الکرماءِ

رحمة الله للخلائق طرّا

فبه منه رحمةُ الرحماءِ

أعذب الخلق منطقاً أصدق ال

نَّاس مقالاً ما فاه بالفحشاءِ

أعرف العارفین أخوف خلق

الله منه فی جهره والخفاءِ

کلُّ ما فی الوجودِ من أجلهِ أُو

جِدَ لا تفتقرْ إلی استثناءِ

أکملُ الکاملین کلُّ کمالٍ

منه فضلاً سری إلی الفضلاءِ

فبه آدمٌ تعلّم ما لم

یدرِه غیرُه من الأسماءِ

وبه فی السفین نُجّیَ نوحٌ

ونجا یونسٌ من الغمّاءِ

حرُّ نارِ الخلیل قد صار برداً

إذ به کان حالة الإلقاءِ

أیّ حرٍّ یقوی بمن کانت ال

سحب له فی الهجیر أقوی وقاءِ

کشف الضرّ منه عن جسمِ أیّو

ب وأوتی ضعفاً من الآلاءِ

وبه قد علا لإدریس شأنٌ

والذبیحان أُنقذا بالفداءِ

منه سرٌّ سری لعیسی فأحیا

دارساً مذ دعاه بعد البلاءِ

وکذا أکمهاً وأبرصَ أبرا

فشفی ذا وذاک أوفی شفاءِ

هو من قبل کلِّ خلقٍ نبیٌ

لا تقف عند حدِّ طینٍ وماءِ

کان نورَ الإلهِ إذ ذاک فاستو

دعَ ضمناً بمبدإ الآباءِ

فتلقّاه من شریفٍ شریفٌ

من لدن آدمٍ ومن حوّاءِ

مودعٌ فی کرائمٍ من کرامٍ

عن سفاحٍ تنزّهوا وخناءِ

فأتی الفخرُ منه آمنةً إذ

کان منها له أجلّ وعاءِ

حملته فلم تجدْ منه ثقلاً

حال حملٍ کما یُری بالنساءِ

فهنیئاً به لها إذ بخیر ال

خلقِ جاءت وسیّد الأنبیاءِ

وضعته فکان فی الوضع رفعٌ

وارتفاعٌ للحقِّ والأهواءِ

ص: 316

أبرزته شمساً محا غیهبَ الشر

کِ ومنها استضاء کلُّ ضیاءِ

وبمیلاده بدت معجزاتٌ

فرأی المشرکون هول المرائی

أُطفِئت نارُهم لیُعلَمَ أن قد

جاء من کفرهم به فی انطفاءِ

أیّ نارٍ تری وبالنور لاحت

دور بصری لمن بمکة رائی

وبکسر الإیوان قد آن جبرٌ

وانکسارٌ للدینِ والأعداءِ

وأُکبّت أوثانُهم فأحسّوا

بمبادی الوبال والأوباءِ

وعیون سیلت بساوةَ ساوت

حیث غیضت مقعّر الغبراءِ

یا لها لیلةً لنا أسفرت عن

بدرِ تمٍّ محا دجی الظلماء

لیلة شرّفت علی کلِّ یومٍ

إذ هبطنا مشرّف الشرفاءِ

إلی أن قال فیها :

وبصدّیقک الصدوق الذی حا

ز بسبقِ التصدیقِ فضلَ ابتداءِ (1)

الرفیقِ الرفیقِ بالغار والوا

قیکَ فیه من حیّةٍ رقطاءِ (2)

المواسیک بالذی ملکت یم

ناه صدرِ الأئمّةِ الخلفاءِ (3)

الإمامِ الذی حمی بیضة الد

ین بإحیاءِ سنّةٍ بیضاءِ (4)ف)

ص: 317


1- مرّ فی الجزء الثانی : ص 312 أنّ الصدّیق حقّا هو سیّدنا أمیر المؤمنین بتلقیب من النبی الأعظم وحیاً من الله تعالی. وبینّا فی الجزء الثالث : ص 240 أنّ أبا بکر لم یحز فضل السبق إلی الإیمان. (المؤلف)
2- أسلفنا فی الجزء الثامن : ص 41 - 46 : أنّ حدیث الحیّة مکذوب مفتری وأنّ حیاة الفضائل لا تثبت بالحیّات. (المؤلف)
3- سبق منا القول الفصل حول ما ملکت یمنی أبی بکر وما أنفقه فی سبیل الدعوة الإسلامیة. راجع الجزء الثامن : ص 50 - 60 الطبعة الأولی [ص 75 - 88 من هذه الطبعة]. (المؤلف)
4- عرفت فی الجزء السابع : ص 108 - 120 مبلغاً من عرفانه السنّة ، وکیف کان یحیی ما لا یعرف وفی لسانه قوله : لئن أخذتمونی بسنّة نبیّکم لا أُطیقها! (المؤلف)

قام بالرفق فی الخلیقة من بع

دک رفقِ الآباءِ بالأَبناءِ (1)

وبفاروقِکَ المفرِّق بالبأ

سِ جموعَ الإضلال والإغواءِ (2)

السدیدِ الشدیدِ بالمُسْخِطِ اللهَ

الرحیمِ الشفیقِ بالأتقیاءِ (3)

عمر فاتح الفتوح الذی مهّد

طرق الهدی بحسن ولاءِ

سالب الفُرْسِ ملکهم وکذا الرو

م ومبدی الصلاة بعد الخفاءِ

الأمیر الذی برحمته ما

ر عفاة الأرامل الضعفاءِ (4)

فرقاً فرَّ من مهابته الشی

-طانُ عن فجِّه فرار فراءِ (5)

وبتالیهما ابن عفّان من جهّز

للهِ الجیشَ فی اللأواءِ

الموفّی فی یوم بدر وقد خل

-ف الإذن أوفر الانصباءِ

جامع الذکر فی المصاحف ذی النو

رین شیخ الإحسان کهف الحیاءِ

فاسح المسجد المؤسّس بالتقو

ی وملقی الأملاک باستحیاءِ (6)

وببابِ العلومِ صنوکَ مُردی

فی الردی کلَّ مبطلٍ بالرداءِ

أسدِ اللهِ فی الحروب مجلّی

أزماتِ الکروبِ والغمّاءِ

جعل الباب معجز القوم نقلاً

ترسه یومَ خیبرٍ بنجاءٍف)

ص: 318


1- سل العترة النبویة الطاهرة عن رفق الخلیفة ، وخصّ بالسؤال الصدّیقة بضعة النبیّ الأقدس. (المؤلف)
2- أنّی وأین کان هذا البأس المزعوم عن مغازی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وحروبه؟ ولعلّه یرید یوماً فرّعن الزحف وولّی الدبر. (المؤلف)
3- استحفِ السؤال عن الشطر الأوّل أمّ جمیل الزانیة أو المغیرة الزانی ، وسل عن الرحیم الشفیق بضعة المصطفی الصدّیقة وبعلها الصدّیق. (المؤلف)
4- مار عیاله : أتاهم بالطعام والمؤنة. (المؤلف)
5- حدیث فرار الشیطان فرقاً من عمر من الأکاذیب المضحکة تمسّ کرامة النبیّ الأقدس ، راجع الجزء الثامن ص 65 الطبعة الأولی [ص 96 من هذه الطبعة]. (المؤلف)
6- استوفینا البحث عمّا لفّقه الشاعر من مناقب عثمان ، وفصّلنا القول حول حیائه فی الجزء التاسع ص 273 الطبعة الأولی [ص 372 من هذه الطبعة]. (المؤلف)

لم یُمِلْهُ عن التقی زخرفُ اللهو

ولا مال قطُّ للأهواءِ

بَتَّ زهداً طلاق دنیاه

ما غرَّ بأمِّ الغرور بالإغراءِ

الحسیبِ النسیبِ أوّل لاقٍ

من ثنیّات نسبة الأقرباءِ

الوزیرِ المشیرِ بالصوب فی الحر

بِ الذی قد علا علی الجوزاءِ (1)

وکفاهُ حدیثُ من کنت مولا

ه فخاراً ناهیک ذا من ثناءِ

أخذنا هذه الأبیات من قصیدة شاعرنا الحمیدی البالغة (337) بیتاً یمدح بها النبیّ الأقدس صلی الله علیه وآله وسلم أسماها : الدرّ المنظّم فی مدح النبیِّ الأعظم ، طبع ببولاق سنة (1313) ضمن دیوانه فی (149) صحیفة توجد من (ص 5 - 22).

الشاعر

زین الدین عبد الرحمن بن أحمد (2) بن علیّ الحمیدیّ ، شیخ أهل الوراقة بمصر ، أثنی علیه الشهاب الخفاجی فی ریحانة الألباء (3) (ص 270) بقوله : کان أدیباً تفتّحت بصبا اللطف أنوار شمائله ، ورقت علی منابر الآداب خطباء بلابله ، إذا صدحت بلابل معانیه ، وتبرّجت حدائق معالیه ، جلبن الهوی من حیث أدری ولا أدری ، نظم فی جید الدهر جمانه ، وسلّم إلی ید الشرف عنانه ، خاطراً فی رداء مجد ذی حواشٍ وبطانه ، ناثراً فرائد بیان ، وینثرها اللسان فتودع حقاق الآذان ، وله فی الطبّ ید مسیحیّة تُحیی میت الأمراض ، وتبدّل جواهر الجواهر بالأعراض.

مبارک الطلعة میمونها

لکن علی الحفّار والغاسلِ

ودیوان شعره شائع ، ذائع ، ولمّا نظم بدیعیّته أرسلها إلیَّ فنظرت فیها فی أوائل الصبا تنافس علی أرجه وقد فاح مسک اللیل وکافور الصباح. 2.

ص: 319


1- الصوب : الصواب. (المؤلف)
2- فی ریحانة الأدب وخلاصة الأثر : محمد ، بدل أحمد. (المؤلف)
3- ریحانة الألباء : 2 / 114 رقم 112.

ولا مقرب إلاّ بصدغ ملیحة

ولا جور إلاّ فی ولایة ساق

وترجمه المحبّی فی خلاصة الأثر (2 / 376) وذکر کلمة الخفاجی مع زیادة : له الدرّ المنظّم ، وبدیعیّة وشرحها ، طبعت مع دیوانه کما مرَّ فی ترجمة صفیِّ الدین الحلّی ، توفّی سنة ألف وخمس ، وللقارئ عرفان مذهبه ممّا ذکرناه من شعره ، ومیزانه فی الشعر قوّة وضعفاً کما تری ، وله قصیدة یمدح بها النبیّ الأعظم صلی الله علیه وآله وسلم مستهلّها :

ما لی أراک أهمت هامه

أذکرت إلفک فی تهامه

أم رام قلبک ریم رامه

للّقا فلم یبلغ مرامه

أم فوق أفنان الریا

ض شجاک تفنین الحمامه

إلی أن قال فی المدیح :

ختم الإله ببعثه

بعثاً وفضَّ به ختامه

فهو البدایةُ والنها

یةُ والکفایةُ فی القیامه

وبه الوقایةُ والهدا

یةُ والعنایةُ والزعامه

فببابِه لُذ خاضعاً

متذلّلاً تلقَ الکرامه

وأفض دموعَک سائلاً

متوسِّلاً تُکْفَ الملامه

وأنِخْ قلوصَکَ فی حما

ه تری النجاةَ من المضامه

وبذا الجناب فقم وقل

یا من حوی کلَّ الفخامه

أنت الذی بالجود أخجل

-تَ الزواخر والغمامه

أنت الذی فی الحشر یقب

ل ربُّنا فینا کلامه

أنت الذی لولاک ما

ذُکِرَ العقیقُ ولا تهامه

أنت الذی لولاک ما اش

تاقَ المشوق لأرض رامه

أنت الذی لولاک ما

رکب الحجاز سری وسامه

أنت الذی من لمس کفّک

قد کفی العافی سقامه

فیما حویت من الجمالِ

بوجهِکَ الحاوی قسامه

القصیدة (66) بیتاً

ص: 320

- 81 -

بهاء الملّة والدین

اشارة

المولود (953)

المتوفّی (1031)

رعی (1) الله لیلة بتنا سهاری

خلعنا بحبِّ العذاری العذارا

ولمّا سری النجم والبدر حارا

أماطت ذات الخمار الخمارا

وصیّرت اللیل منها النهارا

وکنّا بجنح الدجی أدعجِ

وبعضٌ الی بعضنا ملتجی

فقامت لساقٍ لها مدلجِ

وجاءت تشمّر من أبلجِ

کما طلع البدرُ حین استنارا

تبدّت بنورٍ لها لائحِ

ووجهٍ لبدر الدُّجی فاضحِ

وخدّ بماءِ الحیا ناضحِ

وتبسمُ عن أشنبٍ واضحِ

کزهرِ الأقاحی إذا ما استنارا

شربنا لداءِ الهمومِ الدوا

وشبنا نسیمَ الهوی بالهوی

حللنا علی النیرین السوی

وقد حلک اللیل عنّا انطوی

ونور الصباح لدینا استنارا ف)

ص: 321


1- توجد القصیدة وتخمیسها فی مجموعة العلاّمة الأوحد شیخنا المرحوم الشیخ علی الشیخ محمد رضا آل کاشف الغطاء ، الأصل لشیخنا البهائی والتخمیس للشیخ علی المقری. (المؤلف)

هوینا رداحاً حجازیّة

فبحنا ضمائر مخفیّة

فمدّت إلینا سراحیّة

تناول صهباء قانیّة

کأنّا نقابل منها شرارا

سقینا مداماً مجوسیّة

کما التبر حمراء مصریّة

قدیمة عهد رمانیّة

مشعشعةً أرجوانیّة

تدبّ النفوسُ إلیها افتقارا

فقم إنّما الدیکُ قد نبّها

إلی خمرةٍ فاز من حبّها

جلت حین ساقی الهوی صبّها

کأنّ الندیمَ إذا عبّها

یقبّل فی طخیةِ اللیلِ نارا

وبی غادةٌ رنّحت قدّها

حمیّا الصبا وألفت ضدّها

وقد جعلت مُقلتی خدَّها

ولم أنس مجلسنا عندها

جلسنا صحاوی وقمنا سکاری

نعمنا أخلاّء دون الأنامْ

بتلک الربوعِ وتلک الخیامْ

ألم ترنا إذ هجرنا المنامْ

تمیلُ بنا عذباتُ المدامْ

ونحن نمیس کلانا حیاری

فلله مجلسُنا باللوی

لکلِّ المنی والهنا قد حوی

إذا نزعت من نزیلِ الجوی

فقامت وقد عاث فیها الهوی

تستَّر بالغیمِ الجلّنارا

لها وجهُ سعدٍ یزیل الشقا

وقدٌّ حکی غُصُناً مورقا

وتشفی علیلَ الهوی منطقا

تریع کما ریع ظبیُ النقا

توجّهه خیفة واستتارا

هلالُ السما من سناها یغیبْ

ومن قدّها الغصنُ مضنی کئیبْ

ألا إنَّ هذا لشیءٌ عجیبْ

إذ البدرُ أبصرها والقضیبْ

تلبّس هذا وهذا تواری

ص: 322

أضاء الدُّجی نورُها حین لاحْ

بوجهٍ سبی حسن کلِّ الملاحْ

أزلنا الهمومَ بذات الوضاحْ

سقتنا إلی حین بان الصباحْ

وفرَّ الدُّجی من ضیاها فرارا

فیا ظبیةً طال یا للرجال

نعمنا بها فی لذیذ الوصالْ

ففرَّ وقد صحَّ فیه المثالْ

کما فرَّ جیش العدا بالنزالْ

عن الطهر حیدرةٍ حین غارا

إمام البریّة أصل الأصولْ

شفیع الأنام بیوم مهولْ

فتیً حبّه الله ثم الرسولْ

وصیّ النبیِّ وزوج البتولْ

حوی فی الزمان الندی والفخارا

فیا ویح من لم ینل مرّةً

لمن فاق بدر السما غرّةً

فطوبی لمن زاره مرّةً

فیا راکباً یمتطی حرّةً

تبید السهول وتفری القفارا

إذا شئتَ تُرضی إلهَ السما

وتُهدی إلی الرشد بعد العمی

وتُسقی من الحوضِ یومَ الظما

إذا ما انتهی السیرُ نحو الحمی

وجئت من البعدِ تلک الدیارا

وقابلت مثوی علیِّ الولی

وأظهرت حبَّ الصراطِ السوی

وشاهدتَ حبلَ الإلهِ القوی

وواجهتَ بعد سُراک الغری

فلا تَذُقِ النوم إلاّ غرارا

فحطّ الرحالَ بذاک المحلْ

وعن أرضِه قدماً لا تزلْ

وکن لسما قبرِه مستهلْ

وقف وقفة البائس المستذلْ

وسر فی الغمار وشمّ الغبارا

فإن طعتَ ربَّ السما فارضه

فحبُّ الأئمّة من فرضه

وضاعف ثوابک من فرضه

وعفّر خدودک فی أرضه

وقل یا رعی اللهُ مغناکِ دارا

ص: 323

إذا جئت ذاک الحمی سلّما

وکن والهاً بالفنا مغرما

وزرْ قبرَ من بالمعالی سما

فثمَّ تری النورَ ملءَ السما

یعمّ الشعاع ویغشی الدیارا

إذا لم تکن حاضراً عصرَهُ

فکن بالبکا مدرکاً نصرَهُ

فقف عنده وامتثل أمرَهُ

وقل سائلاً کیف یا قبرهُ

حویت الزمانَ وحُزتَ الفخارا

وقف والهاً وابرَ من ضدّهِ

وبُثَّ إلیه الهوی وأبدهِ

ولا تبرحِ الأرضَ من عندهِ

وأبلغه یا صاح من عبدهِ

سلامَ محبٍّ تناءی دیارا

ألا زره ثم احظَ فی قربهِ

لتکسبَ أجراً وتنجو بهِ

وقم والتثم ترب أعتابهِ

وأظهر عناک بأبوابهِ

معفّرَ خدّیک فیه احتقارا

ویا من أتی بعد قطعِ الفلا

إمامَ الهدی وشفیعَ الملا

تمسّک به فهو عقدُ الولا

فمن کان مستأثراً فی البلا

سوی حیدرٍ لا یفکّ الأساری

وکثّر بکاک بذاک المکانْ

وقل یا قسیمَ اللظی والجنانْ

عُبیدُک یرجو لدیک الأمانْ

دعاه البلا وجفاه الزمانْ

وفیک من الحادثاتِ استجارا

موالیک مستأثرٌ فی یدیکْ

ولم یَکِل الفکَّ إلاّ علیکْ

أتاک من الذنبِ یشکو إلیکْ

أبتْ نفسُه الذلَّ إلاَّ لدیکْ

وبعد المهیمنِ فیک استجارا

إلیک التجی یا سفین النجاة

وعن حبّکم ما له فی الحیاة

فَقِه محنةَ القبرِ عند الممات

فأنت وإن حلّتِ النازلات

فتیً لا یضیم له الدهرُ جارا

ص: 324

إمامٌ له خصَّ ربُّ السما

وفی یده الحوض یوم الظما

ومأوی الطرید وحامی الحمی

أبی أن یباحَ حماه کما

أبی أن یری فی الحروبِ الضرارا

إمامٌ تحنُّ المطایا إلیهْ

وتُزوی ذنوبُ البرایا لدیهْ

غداً أرتجی شربةً من یدیهْ

ولیس المعوَّلُ إلاّ علیهْ

ولا غیرُه کان لی مستجارا

فما خاب من یشتکی حالَهُ

لمن فی الوصیّةِ أوحی لَهُ

إله السما وارتضی ما لَهُ

فإنّ الذی ناط أثقالَهُ

به کلّها ووقاه العثارا

إمامٌ به الشرک عنّی خفی

وللظلمِ والفسقِ عنّا نفی

وواخاه واختارَه المصطفی

خلاصةُ أهلِ التقی والوفا

ورکنُ الهدی ودلیلُ الحیاری

لنا أظهرَ الدین لمّا خفی

ومِن ذکرِهِ کم علیلٍ شُفی

ولیُّ الإلهِ التقیُّ الوفی

علیُّ الذی شهدَ اللهُ فی

فضیلتِه وارتضاه جهارا

فکم فی الوغی بطلاً قد أذلْ

وآوی کریماً وکهفاً أظلْ

نعم هو ربُّ العطاء الأجلْ

یحلّ الندیُّ به حیث حلْ

ویرحل فی إثره حیث سارا

به انتصرَ الدینُ لمّا فشا

وأخصبتِ الأرضُ لمّا مشی

له مفخرٌ فی البرایا فشا

فتیً قل بتعظیمه ما تشا

سوی ما ادّعته بعیسی النصاری

إمامٌ لدی الحوضِ یسقی العطاشْ

بیومٍ تری الخلقَ مثلَ الفراشْ

علیُّ الذی قدره لا یُناشْ

فدی أحمداً بمبیتِ الفراشْ

وصاحبُه حیث جاء المغارا

ص: 325

علیٌّ أمیری ونعم الأمیرْ

مجیری غداً من لهیبِ السعیرْ

وکان لأحمدَ نعمَ النصیرْ

وواخاه أمراً غداةَ الغدیرْ

من اللهِ نصّا به واختیارا

علیٌّ إمامی وإلاّ فلا

ومن خصّه الله ربُّ العلا

تولّیته وهو عقدُ الولا

أعزُّ الوری وأجلُّ الملا

محلاّ وأزکی قریشٍ نجارا

هدی الخلق فی دینه المستقیمْ

کما انتصروا فیه أهل الرقیمْ

ونال الرضا من إلهٍ کریمْ

ویا فلکَ نوحٍ ونارَ الکلیمْ

وسرَّ البساطِ الذی فیه سارا

أیا سیّدی یا أخا المصطفی

ومن لک بعد النبیِّ الصفا

علیک سلامی لوقتِ الوفا

متی ما أضا بارقٌ واختفی

بلیلٍ وما حادی العیسِ سارا

القصیدة وتخمیسها (1)

الشاعر

الشیخ محمد بن الحسین بن عبد الصمد الحارثی العاملی الجبعی ، شیخ الإسلام ، بهاء الملّة والدین ، وأستاذ الأساتذة والمجتهدین ، وفی شهرته الطائلة ، وصیته الطائر فی التضلّع من العلوم ، ومکانته الراسیة من الفضل والدین ، غنی عن تسطیر ألفاظ الثناء علیه ، وسرد جمل الإطراء له ، فقد عرفه من عرفه ، ذلک الفقیه المحقّق ، والحکیم المتألّه ، والعارف البارع ، والمؤلّف المبدع ، والبحّاثة المکثر المجید ، والأدیب الشاعر والضلیع من الفنون بأسرها ، فهو أحد نوابغ الأُمّة الإسلامیّة ، والأوحدیّ من عباقرتها الأماثل ، بطل العلم والدین الفذّ علی حدّ قول المحبّی فی خلاصته (3 / 440):ف)

ص: 326


1- ولشیخنا البهائی قصیدة أخری ذکر فیها الغدیر توجد فی الأنوار النعمانیة : ص 43 [1 / 125] ، وروضات الجنّات : ص 637 [7 / 72 رقم 599]. (المؤلف)

صاحب التصانیف والتحقیقات ، وهو أحقّ من کلِّ حقیق بذکر أخباره ، ونشر مزایاه ، وإتحاف العالم بفضائله وبدائعه ، وکان أُمّة مستقلة فی الأخذ بأطراف العلوم ، والتضلّع بدقائق الفنون ، وما أظنُّ الزمان سمح بمثله ، ولا جاد بندّه ، وبالجملة فلم تتشنّف الأسماع بأعجب من أخباره. انتهی.

ینتهی نسبه إلی التابعیِّ العلویِّ - مذهباً - الکبیر الحارث الهمدانی ، وقد أسلفنا القول فیه عند ترجمة والده الطاهر الشیخ حسین.

تجد ترجمته والثناء علیه بما هو أهله فی غضون کثیر من معاجم التراجم (1).

سلافة العصر (ص 289) ، أمل الآمل (ص 26) ، تذکرة نصرآبادی (ص 150) ، الروضة البهیة لسیّدنا الشفیع ، ریحانة الألباء لشهاب الدین الخفاجی (ص 103 - 107) ، خلاصة الأثر للمحبّی (3 / 440 - 455) جامع الرواة للأردبیلی ، إجازات البحار (ص 123) ، نقد الرجال (ص 303) ، محبوب القلوب للإشکوری ، لؤلؤة البحرین (ص 15) ، ریاض الجنّة للزنوزی فی الروضة الرابعة فی حرف الباء بعنوان البهائی ، الإجازة الکبیرة للشیخ عبد الله السماهیجی ، الإجازة الکبیرة للشیخ میرزا حیدر علی بن عزیز الله النظری الأصبهانی ، تاریخ عالم آرای (1 / 115) ، الأعلام للزرکلی (3 / 889) ، نسمة السحر فیمن تشیّع وشعر ، روضات الجنّات (ص 632) ، مستدرک الوسائل (3 / 417) ، ریاض العارفین (ص 45) ، مجمع الفصحاء (2 / 8) روضة الصفاء (ج 8) فی ذکر معاصری الصفویة من العلماء ، نجوم السماء (ص 26) ، طرائق 0.

ص: 327


1- أمل الآمل : 1 / 155 رقم 158 ، ریحانة الألباء : ص 207 - 214 ، جامع الرواة : 2 / 100 ، بحار الأنوار : 109 / 108 رقم 26 ، محبوب القلوب : 3 / 390 ، الأعلام : 6 / 102 ، نسمة السحر : مج 8 / ج 3 / 463 ، روضات الجنات : 7 / 56 رقم 599 ، مجمع الفصحاء : 4 / 12 ، روضة الصفاء : 8 / 577 ، طرائق الحقائق : 1 / 242 ، تکملة الرجال : 2 / 175 ، قصص العلماء : ص 233 - 247 ، الکنی والألقاب 2 / 100 ، سفینة البحار : 1 / 421 ، مؤلفات جرجی زیدان الکاملة - تاریخ آداب اللغة العربیة - : 14 / 710.

الحقائق (1 / 137) ، مطلع الشمس (2 / 157 ، 386) ، تتمیم أمل الآمل لابن أبی شبانة ، تکملة الرجال للشیخ عبد النبی الکاظمی ، شرح قصیدته : وسیلة الفوز والأمان لأحمد المنینی ، قصص العلماء (ص 169) ، تکملة أمل الآمل لسیّدنا أبی محمد الحسن صدر الدین الکاظمی ، تنقیح المقال (3 / 107) ، هدیة الأحباب (ص 109) ، الکنی والألقاب (2 / 89) ، سفینة البحار (1 / 113) ، الفوائد الرضویة (2 / 502 - 521) ، مفتاح التواریخ (ص 332) ، منن الرحمن (1 / 6) ، دائرة المعارف للبستانی (11 / 462 - 464) ، تاریخ آداب اللغة العربیة (3 / 328) ، وفیات الأعلام لشیخنا الرازی ، معجم المطبوعات (ص 1262) ، مجلّة العرفان ، الجزء الثامن والتاسع من المجلّد الثانی الصادر سنة (1328) (ص 383 ، 407 - 413 ، 472 - 476 ، 521).

وألّف تلمیذه العلاّمة المولی مظفّر الدین علی رسالة فی ترجمة أستاذه المترجم له ، وکذلک أفرد الشیخ أبو المعالی ابن الحاج محمد الکلباسی فی ترجمته رسالة ، وطبع أخیراً کتابٌ فی تاریخ حیاته ألّفه الکاتب الشهیر نفیسی الطهرانی ، وستقف علی کلمتنا فی آخر الترجمة حول الکتاب.

أساتذته ومشایخه :

إنَّ رحلات شیخنا الأکبر - البهائی - لاقتناء العلوم ردحاً من عمره ، وأسفاره البعیدة إلی أصقاع العالم دون ضالّته المنشودة ، وتجوّله دهراً فی المدن والأمصار وراء أمنیّته الوحیدة ، واجتماعه فی الحواضر الإسلامیّة مع أساطین الدین ، وعباقرة المذهب ، وأعلام الأُمّة ، وأساتذة کلِّ علم وفنّ ، ونوابغ الفواضل والفضائل ، تستدعی کثرة مشایخه فی الأخذ والقراءة والروایة ، غیر أنَّ المذکور منهم فی غضون المعاجم :

1 - الشیخ والده المقدّس الحسین بن عبد الصمد ، أخذ منه ویروی عنه (1). 4.

ص: 328


1- بحار الأنوار : 109 / 151 رقم 74.

2 - الشیخ عبد العالی الکرکی المتوفّی (993) ابن المحقّق الکرکی المتوفّی (940).

3 - الشیخ محمد بن محمد بن أبی اللطیف المقدسی الشافعی ، یروی عنه شیخنا البهائی وله منه إجازة توجد فی إجازات البحار (1) (ص 110) مؤرّخة بسنة (992).

4 - الشیخ المولی عبد الله الیزدی المتوفّی (981) صاحب الحاشیة ، أخذ منه کما فی خلاصة الأثر (2) وغیرها.

5 - المولی علی المذهب المدرّس تلمّذ له فی العلوم الریاضیّة.

6 - القاضی المولی أفضل.

7 - الشیخ أحمد الکجائی (3) الکهدمی المعروف ب (پیر أحمد) ، قرأ علیه فی قزوین.

8 - النطاسیّ المحنّک عماد الدین محمود ، قرأ علیه فی الطبِّ.

قال المولی المحبّی فی خلاصة الأثر (3 / 441) : کان یجتمع مدّة إقامته بمصر بالأستاذ محمد بن أبی الحسن البکری ، وکان الأستاذ یبالغ فی تعظیمه ، فقال له مرّة : یا مولانا أنا درویش فقیر کیف تعظّمنی هذا التعظیم؟ قال : شممت منک رائحة الفضل ، وامتدح الأستاذ بقصیدته المشهورة التی مطلعها :

یا مصرُ سقیاً لک من جنّةٍ

قطوفُها یانعةٌ دانیه

ترابُها کالتبر فی لطفِهِ

وماؤها کالفضّةِ الصافیه

قد أخجل المسکَ نسیمٌ لها

وزهرُها قد أرخصَ الغالیه

دقیقةٌ أصنافُ أوصافِها

وما لها فی حسنِها ثانیهف)

ص: 329


1- بحار الأنوار : 109 / 97 رقم 69.
2- خلاصة الأثر : 3 / 440.
3- قریة من کهدم من بلاد کیلان. (المؤلف)

منذ أنختُ الرکبَ فی أرضِها

نسیتُ أصحابی وأحبابیه

فیا حماها اللهُ من روضةٍ

بهجتُها کافیةٌ شافیه

فیها شفاء القلبِ أطیارُها

بنغمةِ القانونِ کالداریه

ویقول فیها :

من شاء أن یحیا سعیداً بها

منعّماً فی عیشةٍ راضیه

فلیدعِ العلمَ وأصحابَه

ولیجعلِ الجهلَ له غاشیه

والطبَّ والمنطقَ فی جانبٍ

والنحوَ والتفسیرَ فی زاویه

ولیترکِ الدرسَ وتدریسَه

والمتنَ والشرحَ مع الحاشیه

إلام یا دهرُ وحتی متی

تشقی بأیّامِک أیّامیه

وهکذا تفعلُ فی کلِّ ذی

فضیلةٍ أو همّةٍ عالیه

تحقّقُ الآمالَ مستعطفاً

وتوقعُ النقصَ بآمالیه

فإن تکن تحسبنی منهمُ

فهی لعمری ظنّةٌ واهیه

دع عنک تعذیبی وإلاّ فأش

-کوک إلی ذی الحضرة العالیه (1)

وقال فی الخلاصة (ص 440 ، 441) : زار النبیَّ علیه الصلاة والسلام ، ثم أخذ فی السیاحة ، فساح ثلاثین سنة ، واجتمع فی أثناء ذلک بکثیر من أهل الفضل ، ثم عاد وقطن بأرض العجم. إلی أن قال : وصل إلی أصفهان ، فوصل خبره إلی سلطانها شاه عبّاس ، فطلبه لرئاسة علمائها فولیها وعظُمَ قدرُه ، وارتفع شأنه ، إلاّ أنّه لم یکن علی مذهب الشاه فی زندقته لانتشار صیته فی سداد دینه ، إلاّ أنّه غالی فی حبِّ آل البیت.

قال الأمینی : ما أجرأ الرجل علی الوقیعة فی مؤمن یقول : ربِّی الله! وبذاءة اللسان علی العلویِّ الطاهر عاهل البلاد فی یومه ، ورمیه إیّاه بالزندقة ، ومن المعلوم نزاهة هذا الملک السعید فی دینه ومذهبه وأعماله وأفعاله وتروکه ، ولم یکن إلاّ علی ف)

ص: 330


1- وذکرها الخفاجی فی ریحانة الألباء [ص 210 - 211]. (المؤلف)

مذهب أعلام أُمّته وفی مقدّمهم شیخنا البهائی ، ولم یؤثر عنه إلاّ ما هو حسنة وقته ، وزینة عصره - وزینة کلِّ عصر - من موالاة العترة الطاهرة صلوات الله علیهم ، وتأیید مذهبهم الحقّ ، لکنّ الرجل مندفعٌ بدافع البغضاء فیقذف ولا یکترث ، ویقول ولا یبالی ، شنشنة أعرفها من أخزم.

ولیت شعری أیّ غلوّ وقف علیه فی حبِّ الشیخ الأجلّ آل بیت نبیّه الأطهر؟ نعم ؛ لم یجد شیئاً من الغلوّ لکنَّه یحسب کلَّ فضیلة رابیة جعلها الله سبحانه لآل الرسول صلی الله علیه وآله وسلم وکلّ عظمة اختصّهم بها غلوّا ، وهذا من عادة القوم سلفاً وخلفاً ، وإلی الله المشتکی.

تلامذته ومن یروی عنه :

أخذ عن شیخنا البهائی علوم الدین والفلسفة والأدب زرافات لا یستهان بعدّتهم من العلماء الأفذاذ ، کما یروی عنه بالإجازة جمعٌ من الفطاحل الأعلام ، فإلیک أسماء الفریقین مرتّبةً علی الحروف :

حرف الألف

1 - الشیخ إبراهیم بن فخر الدین العاملی البازوری ، أمل الآمل (1) (ص 5).

2 - السید نظام الدین أحمد بن زین العابدین العلویّ ، له إجازات ثلاث من المترجم له کتبها سنة (1018) توجد فی إجازات البحار.

3 - الشیخ أبو طالب التبریزی ، تلمّذ لشیخنا البهائی وله منه إجازة کما فی ریاض العلماء (2). 8.

ص: 331


1- أمل الآمل 1 / 25 رقم 1.
2- ریاض العلماء : 5 / 468.

4 - السید ظهیر الدین إبراهیم بن قوام الدین الهمدانی : المتوفّی سنة (1025) ، له إجازةٌ من المترجم له. جامع الرواة (1) ، السلافة (2) ، نجوم السماء.

5 - السید أبو القاسم الرازی الغروی ، له إجازةٌ من المترجم له. وفیات الأعلام.

6 - السید أحمد بن عبد الصمد الحسینی البحرانی. سلافة العصر (3). أمل الآمل (4)

7 - السید معین الدین محمد أشرف الشیرازی ، کتب المترجم له إجازة له علی کتابه مفتاح الفلاح سنة (1021).

8 - السید أحمد بن الحسین بن الحسن الموسوی العاملی الکرکی ، توجد إجازة شیخنا البهائی له المؤرّخة سنة (1012) فی إجازات البحار (5) (ص 132).

حرف الباء

9 - السید بدر الدین بن أحمد العاملی الأنصاری نزیل طوس ، شارح الاثنی عشریّة الصومیّة والصلاتیّة لأستاذه المترجم له. أمل الآمل (6).

10 - کمال الدین الحاج بابا بن میرزا جان القزوینی ، کتب المترجم له إجازته سنة (1007) علی ظهر الحبل المتین الذی کتبه المجاز له. الذریعة (1 / 237) ، مستدرک الإجازات.3.

ص: 332


1- جامع الرواة : 1 / 30.
2- سلافة العصر : ص 480.
3- سلافة العصر : ص 519.
4- أمل الآمل : 2 / 15 رقم 31.
5- بحار الأنوار : 109 / 157 رقم 77.
6- أمل الآمل : 1 / 42 رقم 33.

11 - الأمیر محمد باقر الأسترآبادی المشهور بطالبان. أمل الآمل (1) (60).

12 - المولی محمد باقر بن زین العابدین الیزدی. تتمیم أمل الآمل للقزوینی (2) ، نجوم السماء.

13 - المولی بدیع الزمان القهپانی ، له إجازة کتبها المترجم له علی کتابه الاثنی عشریّة الصلاتیّة. الذریعة (1 / 237).

الحروف ج ، ح ، خ

14 - الشیخ جعفر ابن الشیخ لطف الله بن عبد الکریم المیسی العاملی الأصفهانی ، أجاز له ولوالده سنة (1020) ، توجد فی إجازات البحار (3) (ص 130).

15 - الشیخ جواد بن سعد بن جواد البغدادی المعروف بالفاضل الجواد یروی عن المترجم له. المستدرک (3 / 406).

16 - الشیخ جعفر بن محمد بن الحسن الخطی البحرانی. أمل الآمل (4) ، سلافة العصر (5). وفی السلافة : أنّه توفّی سنة (1028).

17 - المولی حسن علی بن المولی عبد الله التستری المتوفّی سنة (1069) کما فی السلافة (6) أو (1075) ، کتب المترجم له إجازته إیّاه سنة (1030) ، توجد فی إجازات البحار (7) (ص 140). 7.

ص: 333


1- أمل الآمل : 2 / 247 رقم 731.
2- تتمیم أمل الآمل : ص 78 رقم 30.
3- بحار الأنوار : 109 / 148 رقم 72.
4- أمل الآمل : 2 / 54 رقم 139.
5- سلافة العصر : ص 524.
6- سلافة العصر : ص 491.
7- بحار الأنوار : 110 / 23 رقم 87.

18 - الحاج المولی حسین الیزدی الأردکانی ، له شرح خلاصة الحساب لأستاذه المترجم له ، ولأستاذه تقریظ علیه. ریاض العلماء (1).

19 - السید حسین ابن السید کمال الدین الأبزر الحسینی الحلّی ، یروی عن المترجم له کما فی إجازة الشیخ عبد علی الخمایسی الراوی عن السیّد حسین المذکور للشیخ ناجی الحُصیناوی الصادرة سنة (1072) وغیرها من إجازاته.

20 - الشیخ حسین بن الحسن العاملی المشغری ، نزیل مشهد الرضا والمدفون بها ، یروی بالإجازة عن المترجم له ، توجد علی کتاب النکاح من التذکرة. أمل الآمل (2).

21 - الشیخ حسین بن علی بن محمد الحر العاملی نزیل أصفهان. أمل الآمل (3).

22 - السید حسین بن محمد علی بن الحسین العاملی الجبعی المتوفّی (1069). أمل الآمل (4).

23 - السید حسین بن حیدر الکرکی المتوفّی سنة (1076) ، یروی عن المترجم له بالإجازات الثلاث المؤرّخة بسنة (1003 و 1010 و 1020). المستدرک (3 / 419).

24 - السید الأمیر شرف الدین حسین ، کتب المترجم له إجازة له سنة (1030) علی إجازة الشهید الثانی لوالد المجیز ، توجد فی إجازات البحار (5).

25 - میرزا حاتم بیک اعتماد الدولة الأوردبادی ، أخذ الأسطُرلاب من المترجم 4.

ص: 334


1- ریاض العلماء : 2 / 195.
2- أمل الآمل : 1 / 69 رقم 64.
3- أمل الآمل : ص 78 رقم 70.
4- أمل الآمل : ص 79 رقم 73.
5- بحار الأنوار : 109 / 151 رقم 74.

له ، وکتب أستاذه البهائی له رسالته الحاتمیّة بالفارسیّة (1319).

26 - المولی خلیل بن الغازی القزوینی المتوفّی سنة (1089) ، یروی عن المترجم له. سلافة العصر (1) ، أمل الآمل (2) ، المستدرک (3 / 413).

27 - المولی خلیل بن محمد أشرف القاینی الأصفهانی یروی عن المترجم له.

28 - رضی الدین بن أبی اللطیف القدسی. خلاصة الأثر (2 / 443).

29 - الشیخ زین الدین بن محمد حفید شیخنا الشهید الثانی المتوفّی سنة (1064). الدرّ المنثور.

الحروف س ، ش ، ص

30 - المولی سعید بن عبد الله النصیری ، یوجد بعض تآلیف أستاذه بخطّه وعلیه خطّ أستاذه.

31 - المولی سلطان حسین ابن المولی سلطان محمد الأسترآبادی ، مؤلّف تحفة المؤمنین ، استشهد سنة (1078). ریاض العلماء (3).

32 - الشیخ سلیمان بن علی بن راشد البحرانی الشاخوری المتوفّی سنة (1101). روضات الجنّات (4).

33 - کمال الدین السید شاه میر الحسینی ، کتب المترجم له إجازة له علی نسخة من أربعینه سنة (1008). الذریعة (1 / 238).

34 - المولی صالح بن أحمد المازندرانی المتوفّی سنة (1081 - 1086) یروی عن 7.

ص: 335


1- سلافة العصر : ص 491.
2- أمل الآمل : 2 / 112 رقم 314.
3- ریاض العلماء : 2 / 454.
4- روضات الجنات : 4 / 14 رقم 317.

المترجم له. المستدرک (3 / 413).

35 - المولی محمد صادق بن محمد علی التویسرکانی ، شارح لغز أستاذه. الذریعة (1).

36 - المولی محمد صالح الجیلانی ، نزیل الیمن المتوفّی سنة (1088). نسمة السحر (2).

37 - الشیخ صالح بن الحسن الجزائری له أسئلة عن المترجم له أجاز له فی جوابها. أمل الآمل (3).

الحرف ع

38 - الشیخ نجیب الدین علی بن محمد بن مکی العاملی الجبعی. أمل الآمل (4).

39 - الشیخ زین الدین علی بن سلیمان البحرانی المتوفّی سنة (1064) ، حکی شیخنا الشیخ سلیمان الماحوزی البحرانی إجازة المترجم له إیّاه فی تراجم علماء البحرین. لؤلؤة البحرین (5) ، المستدرک (4 / 388).

40 - المولی عبد الوحید بن نعمة الله الدیلمی الأسترآبادی صاحب التآلیف الکثیرة. ریاض العلماء (6).

41 - الشیخ علی بن محمود العاملی. أمل الآمل (7). 2.

ص: 336


1- الذریعة إلی تصانیف الشیعة : 12 / 68 رقم 486.
2- نسمة السحر : مج 9 / ج 2 / 496.
3- أمل الآمل : 2 / 135 رقم 384.
4- أمل الآمل : 1 / 130 رقم 140.
5- لؤلؤة البحرین : ص 14 ، 16.
6- ریاض العلماء : 3 / 284.
7- أمل الآمل : 1 / 134 رقم 142.

42 - الشیخ علی بن نصر الله الجزائری مؤلّف الحاشیة علی الروضة البهیّة. رسالة الشیخ سلیمان الماحوزی فی علماء البحرین.

43 - المولی عزّ الدین علی النقی بن أبی العلا محمد هاشم الکمرئی المتوفّی سنة (1060) ، یروی عن المترجم له. مستدرک النوری (3 / 405).

44 - الشیخ عبد العلی بن ناصر بن رحمة الله الحویزی ، صاحب تآلیف کثیرة. أمل الآمل (1).

45 - الشیخ عبد اللطیف بن علی العاملی الحویزی. أمل الآمل (2) ، مستدرک الوسائل (3).

46 - السید عبد العظیم ابن السید عباس الأسترآبادی. ریاض العلماء (4).

47 - السید شمس الدین علی بن محمد بن علی الحسینی الخلخالی شارح خلاصة الحساب ، وتشریح الأفلاک لأستاذه سنة (1008). ریاض العلماء (5).

48 - السید بهاء الدین علی الحسینی التفرشی ، أجاز له المترجم له سنة (1013) سابع شهر رمضان. مستدرک الإجازات.

49 - السید شرف الدین علیّ الطباطبائی الشولستانی الغروی المتوفّی (1060) ، یروی عن المترجم له. المستدرک (3 / 409).

50 - الشیخ نور الدین علی بن عبد العزیز البحرانی ، أجاز له المترجم له فی شوّال سنة (998).0.

ص: 337


1- أمل الآمل : 2 / 154 رقم 451.
2- أمل الآمل : 1 / 111 رقم 103.
3- مستدرک الوسائل : 3 / 406.
4- ریاض العلماء : 3 / 146.
5- ریاض العلماء : ص 440.

51 - القاضی علاء الدین عبد الخالق المعروف بالقاضی زاده الکرهرودی. ریاض العلماء (1).

52 - المولی مظفّر الدین علی ، له رسالة فی ترجمة أستاذه المترجم له وتعالیق علی أربعینه.

53 - الشیخ علی بن أحمد النباطی العاملی شارح الاثنی عشریّة الصلاتیّة لأستاذه المترجم له ، أجاز له بالإجازات الثلاث سنة (1011 و 1012) ، توجد بعض تآلیف أستاذه بخطّه وعلیه إجازاته له.

54 - الشیخ زکیّ الدین عنایة الله بن شرف الدین علی القهپانی النجفی مؤلّف مجمع الرجال.

55 - المولی غیاث الدین علی الأصفهانی ، یروی عن المترجم له کما فی إجازات البحار (ص 136).

56 - السیّد علی العلوی البعلبکّی العاملیّ ، ولعلّه السیّد علی بن علوان الحسینی.

الحروف ق ، ک ، ل

57 - میرزا قاضی بن کاشف الدین محمد الیزدی نزیل مشهد الرضا علیه السلام ، صاحب التحفة الرضویّة فی شرح الصحیفة السجادیة.

58 - المولی محمد قاسم الجیلانی. نجوم السماء.

59 - السید الأمیر سراج الدین قاسم بن المیر محمد الطباطبائی القهپانی ، یروی عن المترجم له. جامع الرواة (2) ، المستدرک (3 / 409). 1.

ص: 338


1- ریاض العلماء : 3 / 91.
2- جامع الرواة : 2 / 21.

60 - المولی محمد کاظم بن عبد علی الجیلانی التنکابنی ، شارح تشریح الأفلاک بأمر أستاذه. ریاض العلماء (1).

61 - الشیخ لطف الله بن عبد الکریم المیسی العاملی الأصفهانی ، أجاز له المترجم له سنة (1020). إجازات البحار (2) (ص 130) ، توفّی سنة (1032) بأصبهان ، ترجمه شیخنا الحرّ فی أمل الآمل (3) ، والکشمیری فی نجوم السماء.

الحرف م

62 - السید أبو علی الماجد بن هاشم البحرانی المتوفّی (1028) ، له إجازتان من المترجم له.

63 - المولی محمد المحسن الفیض الکاشانی المتوفّی سنة (1091) ، یروی عن المترجم له. المستدرک (3 / 421).

64 - نظام الدین محمد بن الحسین القرشی الساوجی ، متمّم الجامع العبّاسی لأستاذه بعد وفاته.

65 - السید میرزا رفیع الدین محمد النائینی المتوفّی سنة (1081) ، یروی عن المترجم له (4). جامع الرواة ، سلافة العصر ، المستدرک (3 / 409).

66 - الشیخ محمد بن علی العاملی التبنینی. أمل الآمل (5).

67 - الشیخ محمود بن حسام الدین الجزائری ، یروی عن المترجم له. لؤلؤة 6.

ص: 339


1- ریاض العلماء : 4 / 271.
2- بحار الأنوار : 109 / 148 رقم 72.
3- أمل الآمل : 1 / 136 رقم 146.
4- جامع الرواة : 1 / 321 ، سلافة العصر : ص 491.
5- أمل الآمل : 1 / 162 رقم 166.

البحرین (1) ، المستدرک (3 / 390).

68 - المولی محمد صدر الدین بن محبّ علی التبریزی ، مترجم الاثنی عشریات ومفتاح الفلاح لأستاذه.

69 - السید محمد تقی بن أبی الحسن الحسینی الأسترآبادی. أمل الآمل (2).

70 - المولی علاء الدین محمد بن بدر الدین محمد القمی.

71 - المولی محمد رضا البسطامی ، أجازه المترجم له سنة (1030) ، وکتبها علی نسخة من کتابه الحبل المتین.

72 - المولی محمد تقی المجلسی المتوفّی سنة (1070) ، یروی عن المترجم له. إجازات البحار (ص 150) ، ومستدرک الإجازات.

73 - الشیخ حسام الدین محمود بن درویش علیّ الحلّی النجفی ، یروی عن المترجم له. ریاض العلماء (3) ، المستدرک (3 / 424) ، وإجازة الشیخ عبد الواحد البورانی للشیخ أبی الحسن الشریف.

74 - المولی صدر الدین محمد الشیرازی الشهیر بالمولی صدرا المتوفّی سنة (1050) ، یروی عن المترجم له. المستدرک (3 / 424).

75 - المولی صفیّ الدین محمد القمی ، یروی عنه بإجازته له سنة (1015). إجازات البحار (4) (ص 130). 1.

ص: 340


1- لؤلؤة البحرین : ص 113 رقم 43.
2- أمل الآمل : 2 / 251 رقم 739.
3- ریاض العلماء : 1 / 137.
4- بحار الأنوار : 109 / 146 رقم 71.

76 - المولی محمد باقر بن محمد مؤمن السبزواری المتوفّی سنة (1090) (1).

77 - المولی محمد أمین القاری الراوی ، یروی بالإجازة عن المترجم له.

78 - الشیخ بهاء الدین محمد العاملی ، یروی عن سمیّه المترجم له بالإجازة.

79 - الأمیر شمس الدین محمد الکیلانی ، شارح خلاصة الحساب.

80 - المولی ملک حسین بن ملک علی التبریزی ، أجاز له المترجم له سنة (998). نجوم السماء.

81 - السیّد محمد علی بن ولی الأصفهانی ، أجاز له المترجم له ولوالده. الذریعة (1 / 238).

82 - القاضی مجد الدین العباسی القثمی الدزفولی ، یروی عن المترجم له ویذکره من مشایخه فی إجازته لولده القاضی فصیح الدین. وفیات الأعلام.

83 - المولی معزّ الدین محمد ، یروی عن المترجم له. أمل الآمل (2).

84 - الشیخ محمد بن سلیمان (3) المقابی البحرانی. لؤلؤة البحرین (4). وله من المترجم له إجازة تاریخها شهر شعبان (998) توجد فی المستدرک.

85 - الشیخ محمد بن محمد بن الحسین الحرّ العاملی المشغری المتوفّی سنة (1098) أمل الآمل (5).

86 - الشیخ محمد بن نصّار الحویزی. أمل الآمل (6). 3.

ص: 341


1- ذکره صاحب الروضات : ص 117 [2 / 69 - 70 رقم 141] ولعلّه اشتباه حیث ولد المولی السبزواری هذا سنة 1017 فکان له عند وفاة الشیخ 13 عاماً. (المؤلف)
2- أمل الآمل : 2 / 232 رقم 689.
3- فی إجازة المترجم له إیّاه : محمد بن یوسف. (المؤلف)
4- لؤلؤة البحرین : ص 86 رقم 33.
5- أمل الآمل : 1 / 178 رقم 181.
6- أمل الآمل : 2 / 310 رقم 943.

87 - الشیخ أبو الحسن محمد ابن الشیخ یوسف البحرانی العسکری یروی بالإجازات الثلاث المورّخة بسنة (998 و 999 و 1000) الذریعة (1) ، ومستدرک الإجازات.

88 - الشیخ محمود بن حسام الدین المشرفی الجزائری. وفیات الأعلام.

89 - المولی مراد بن علی خان التفرشی المتوفّی سنة (1051). جامع الرواة (2).

90 - المولی محمد الشهیر بالتقیّ الصوفی الزیابادی القزوینی ، صاحب ملحقات الصحیفة الکاملة المؤلّفة سنة (1023) تلمّذ للمترجم له وأُجیز منه.

91 - المولی محمد بن الشاه مرتضی بن الشاه محمود الکاشی أخو مولانا محمد المحسن الفیض ، یروی عن المترجم له بتصریح ولده الشاه مرتضی فی إجازته لولده نور الدین محمد بن المرتضی سنة (1088). الذریعة (1 / 250) ، مستدرک الإجازات.

92 - المولی مقصود بن زین العابدین الأسترآبادی. ریاض العلماء.

93 - الشیخ محمد شمس الدین بن علی بن خاتون العاملی مترجم شرح أربعین أستاذه ، أجاز له سنة (1029). أمل الآمل (3) ، الذریعة (1 / 239).

94 - المولی شریف الدین محمد الرویدشتی المعروف بشریفا الأصفهانی المتوفّی سنة (1087) ، تاریخ إجازته له سنة (1022). المستدرک (3 / 409) ، إجازات البحار (4) (ص 131).

95 - المولی شمسا شمس الدین محمد الکشمیری ، یروی بالإجازة عن المترجم له کما صرّح به فی إجازته لتلمیذه المولی هدایة الله ابن المولی عبد الصمد الجیلانی فی 3.

ص: 342


1- الذریعة إلی تصانیف الشیعة : 1 / 239 رقم 1263.
2- جامع الرواة : 2 / 223.
3- أمل الآمل : 1 / 169 رقم 172.
4- بحار الأنوار : 109 / 150 رقم 73.

سنة (1040). وفیات الأعلام.

الحروف ه ، ی

96 - الشیخ هاشم بن أحمد بن عصام الدین الأتکانی ، أجاز له المترجم له سنة (1030) ، وکتب إجازته له علی نسخة الاثنا عشریات المکتوبة بخطّ المجاز له. الذریعة (1 / 239).

97 - الشیخ یحیی اللاهجی ، له إجازةٌ من المترجم له کتبها سنة (1025).

تآلیفه القیّمة :

إن یکن شیخنا المترجم له - البهائی - قد طوته طوارق القدَر ، فغیّبه عن العیون حمامه ، فقد أبقی له علمه الجمّ وآثاره القیّمة حیاةً خالدةً مع الدهر ، وإلیک أسماء کتبه الثمینة فی شتّی العلوم :

1 - العروة الوثقی فی التفسیر - مطبوع.

2 - الجامع العباسی فی الفقه - مطبوع.

3 - رسالة فارسیّة فی الأسطُرلاب.

4 - رسالة عربیّة فی الأسطُرلاب.

5 - حاشیة علی تفسیر البیضاوی - مطبوع.

6 - حاشیة علی خلاصة الأقوال.

7 - الاثنا عشریّات الخمس.

8 - رسالة الحساب بالفارسیّة.

9 - عین الحیاة فی التفسیر.

10 - حاشیة علی مختلف الشیعة.

11 - حاشیة علی رجال النجاشی.

ص: 343

12 - ریاض الأرواح - منظومة.

13 - شرح تفسیر البیضاوی.

14 - حاشیة علی کتاب من لا یحضره الفقیه.

15 - سوانح سفر الحجاز.

16 - حواشی شرح التذکرة.

17 - تشریح الأفلاک - مطبوع.

18 - حلّ حروف القرآن.

19 - توضیح المقاصد.

20 - رسالة فی المواریث - مطبوع.

21 - حاشیة علی القواعد.

22 - حاشیة علی المطوّل.

23 - حواشٍ علی الکشّاف.

24 - شرح علی شرح الچغمینی.

25 - حاشیة إرشاد الأذهان.

26 - رسالة تضاریس الأرض.

27 - شرح الحقّ المبین.

28 - شرح دعاء الصباح.

29 - الحبل المتین - مطبوع.

30 - شرح الأربعین - مطبوع.

31 - زبدة الأصول - مطبوع.

32 - الرسالة الهلالیّة.

33 - أسرار البلاغة.

34 - درایة الحدیث - مطبوع.

ص: 344

35 - الکشکول - مطبوع.

36 - لغز الزبدة.

37 - بحر الحساب.

38 - لغز النحو.

39 - رسالة فی السورة.

40 - تنبیه الغافلین.

41 - الصراط المستقیم.

42 - الرسالة الاعتقادیّة.

43 - مشرق الشمسین.

44 - مفتاح الفلاح - مطبوع.

45 - خلاصة الحساب - مطبوع.

46 - المخلاة - مطبوع.

47 - الجوهر الفرد.

48 - الفوائد الصمدیّة - مطبوع.

49 - تهذیب النحو - مطبوع.

50 - الجبر والمقابلة.

51 - رسالتان کرّیتان - مطبوع.

52 - رسالة فی القبلة.

53 - دیوان شعره.

54 - رسالة فی الصلاة.

55 - رسالة فی الحجّ.

56 - گربه وموش - مطبوع.

57 - لغز القانون.

ص: 345

58 - لغز الکشّاف.

59 - شرح الصحیفة السجّادیة المسمّی بحدائق الصالحین.

60 - رسالة فی أنَّ أنوار الکواکب مستفادة من الشمس.

61 - جواب أسئلة الشیخ صالح الجزائری (22) مسألة.

62 - شرح الفرائض النصیریّة للمحقّق الطوسی.

63 - حاشیة شرح العضدی علی مختصر الأصول.

64 - رسالة فی حلِّ أشکال العطارد والقمر.

65 - رسالة نسبة أعظم الجبال إلی قطر الأرض.

66 - رسالة فی القصر والتخییر فی التفسیر.

67 - حاشیة الاثنا عشریّة للشیخ حسن.

68 - رسالة فی ذبائح أهل الکتاب.

69 - حاشیة علی معالم العلماء لابن شهرآشوب ینقل عنه فی الریاض.

70 - رسالة فی ترجمة ما ألّفه الإمام الرضا علیه السلام إلی المأمون.

71 - وسیلة الفوز والأمان ، منظومة فی مدح صاحب الزمان.

72 - شرح علی شرح الرومی علی الملخّص.

73 - کتاب فی إثبات وجود الإمام القائم.

74 - رسالة فی حلّ عبارة من القواعد.

75 - رسالة فی أحکام سجود التلاوة.

76 - جواب المسائل المدنیّات.

77 - رسالة فی طبقات الرجال.

وغیر ذلک من المثنویّات والقصائد والأراجیز والحواشی والشروح علی بعض تآلیفه وغیرها ، ولجملة من هذه التآلیف شروحٌ وتعالیق ونظمٌ للعلماء من معاصریه ومن بعده ، تنمّ عن شدّة اعتنائهم بها وإکبارهم محلَّ مؤلّفها من العلم والدین ، وإلیک أسماءها :

ص: 346

الاثنا عشریّات

1 - تعالیق السیّد ماجد بن هاشم البحرانی المتوفّی (1028) تلمیذ المترجم له علی الاثنا عشریّة الصلاتیّة.

2 - شرح حسام الدین بن جمال الدین الطریحی النجفی.

3 - شرح الشیخ سلیمان بن عبد الله الماحوزی البحرانی المتوفّی سنة (1121).

4 - شرح السید فیض الله بن عبد القاهر الحسینی التفریشی.

5 - شرح الاثنا عشریّات الصلاتیّة للشیخ علی بن أحمد بن موسی العاملی النباطی.

6 - شرح الاثنا عشریّات الصومیّة ، للشیخ حسین بن موسی الأردبیلی ، نزیل أسترآباد معاصر المترجم له.

7 - شرح الاثنا عشریّات الحجیّة ، للشیخ زین الدین الحسین العاملیّ المتوفّی (1078) أخی صاحب الأمل.

8 - شرح الاثنا عشریّات الصلاتیّة ، للسیّد نور الدین علی بن الحسین الموسوی العاملیّ المتوفّی (1048) أخی صاحب المدارک.

9 - شرح الاثنا عشریّات الصلاتیّة ، للشیخ عبد الله ابن الحاج صالح السماهیجی البحرانی المتوفّی (1135) ، وله نظمها.

10 - حاشیة الاثنا عشریّات الصلاتیّة ، للشیخ حسن ابن الشهید الثانی صاحب المعالم علّقها علیها سنة (1012) سنة تألیف أصل الرسالة.

11 - ترجمة الاثنا عشریّات الصلاتیّة والزکاتیّة ، لتلمیذه المولی صدر الدین محمد بن محبّ علی التبریزی.

ص: 347

الأربعین

12 - حاشیة الأربعین ، للشیخ عبد الصمد بن الحسین أخ المترجم له.

13 - حاشیة الأربعین للسید عبد الله بن نور الدین بن نعمة الله الجزائری المتوفّی سنة (1173).

14 - حاشیة الأربعین ، للمولی إسماعیل بن محمد حسینی الخواجوئی الأصفهانی المتوفّی سنة (1173).

15 - حاشیة الأربعین ، لتلمیذ المترجم له المولی مظفّر الدین علی.

16 - ترجمة شرح الأربعین ، للشیخ محمد بن علی بن خاتون العاملیّ وعلیها تقریظ المترجم له سنة (1027).

تشریح الأفلاک

17 - شرح تشریح الأفلاک ، للشیخ فرج الله بن محمد بن درویش الحویزی الرجالی.

18 - شرح تشریح الأفلاک ، للأمیر صدر الدین محمد بن محمد صادق القزوینی معاصر صاحب أمل الآمل.

19 - شرح تشریح الأفلاک لإمام الدین اللاهوری.

20 - شرح تشریح الأفلاک ، للشیخ أبی الحسن الشریف الأصطهباناتی ابن الحاج إسماعیل اللاری المتوفّی سنة (1328) - مطبوع.

21 - شرح تشریح الأفلاک ، للسیّد محمد الشرموطی من أعلام القرن الثالث عشر.

22 - شرح تشریح الأفلاک ، للسیّد عبد الله بن عبد الکریم القنوی.

ص: 348

23 - شرح تشریح الأفلاک ، للسیّد علی حیدر الطباطبائی - مطبوع.

24 - شرح تشریح الأفلاک ، للمولی محمد صادق التنکابنی.

25 - شرح تشریح الأفلاک ، للشیخ محمد ابن الشیخ عبد علی آل عبد الجبار القطیفی البحرانی.

26 - شرح تشریح الأفلاک ، للقاضی السید نور الله المرعشی الشهید سنة (1019).

27 - شرح تشریح الأفلاک ، لعبّاس قلی خان الکرمانشاهی المتوفّی سنة (1273) ذکره صاحب مجمع الفصحاء.

28 - شرح تشریح الأفلاک ، للمولی محمد کاظم بن عبد العلی الجیلانی التنکابنی ، شرحه بأمر أستاذه وسمّاه نهایة الإدراک.

29 - حواشٍ علی تشریح الأفلاک بالفارسیّة وترجمته بها ، للمولی محمد بن أحمد الأردبیلی.

30 - حاشیة تشریح الأفلاک للسید مصطفی ابن السید محمد هادی حفید السید دلدار علی النقوی الهندی المتوفّی سنة (1323).

31 - حاشیة تشریح الأفلاک ، للحاج المولی علی العلیاری التبریزی المتوفّی سنة (1327).

الجامع العبّاسی

32 - شرح الجامع العبّاسی ، لشمس الدین محمد بن علی العاملی المعروف بابن خاتون تلمیذ المترجم له.

33 - حاشیة علی الجامع العبّاسی ، للشیخ محمد بن علی بن خاتون العاملی دوّنها سنة (1054) ولعلّها عین الشرح.

ص: 349

34 - حاشیة علی الجامع ، للحاج المولی حسین علی بن نوروز علی التویسرکانی المتوفّی سنة (1286).

35 - حاشیة علی الجامع ، للحاج الشیخ عبد الله المازندرانی المتوفّی سنة (1330)

36 - حاشیة علی الجامع ، لشیخنا میرزا أبی القاسم بن محمد تقی الأوردبادی المتوفّی سنة (1333).

37 - حاشیة علی الجامع ، لسیّدنا محمد الکاظم الیزدی الطباطبائی المتوفّی سنة (1338).

38 - حاشیة علی الجامع ، لسیّدنا إسماعیل الصدر العاملی الأصبهانی المتوفّی سنة (1338).

39 - حاشیة علی الجامع ، للحاج الشیخ عبد الله المامقانی النجفی المتوفّی سنة (1351).

40 - حاشیة علی الجامع ، لسیدنا أبی محمد الحسن صدر الدین الکاظمی المتوفّی سنة (1345).

41 - حاشیة علی الجامع ، للمولی محمد علی النخجوانی النجفی المتوفّی سنة (1013).

خلاصة الحساب

42 - شرح خلاصة الحساب ، للسید حیدر بن علی العاملی.

43 - شرح الخلاصة ، للحاج میرزا أبی القاسم بن میرزا کاظم الموسوی الزنجانی المتوفّی سنة (1292).

44 - شرح خلاصة الحساب ، للمولی رمضان.

ص: 350

45 - شرح الخلاصة ، للشیخ محمد ابن الحاج المولی علی الساوجی الحائری.

46 - شرح الخلاصة ، للسید محمد الشرموطی الحلّی شارح تشریح الأفلاک.

47 - شرح الخلاصة ، للشیخ جواد بن سعد الکاظمی تلمیذ المترجم له ، مطبوع.

48 - شرح الخلاصة ، لصاحب قصص العلماء میرزا محمد التنکابنی.

49 - شرح الخلاصة ، للمولی وحید الدین.

50 - شرح الخلاصة ، لآغا فتح علی الزنجانی المتوفّی بالنجف سنة (1338).

51 - شرح الخلاصة ، للشیخ محمد النادری ، فارسی.

52 - شرح الخلاصة ، لمعتمد الدولة فرهاد میرزا القاجاریّ المتوفّی سنة (1305) بالفارسیّة.

53 - شرح الخلاصة ، للسیّد محمد مهدی ابن السید جعفر الحسینی الحائری المعروف بحکیم زاده المتوفّی سنة (1331) فارسیّ.

54 - شرح الخلاصة ، للمولی محسن بن محمد طاهر القزوینی المعروف بالنحوی شارح العوامل.

55 - شرح الخلاصة ، للشیخ هاشم بن زین العابدین التبریزی النجفی المتوفّی سنة (1323).

56 - شرح الخلاصة ، للمولی محمد طالب بن حیدر الجیلی الأصفهانی ، فارسی عاش إلی سنة (1042).

57 - شرح الخلاصة ، للمیرزا محمد علی بن محمد نصیر الرشتی النجفی المتوفّی (1334) ، ألّفه سنة (1314).

58 - شرح الخلاصة ، للسیّد أمیر شمس الدین علی الخلخالی تلمیذ المترجم له.

ص: 351

59 - شرح الخلاصة ، للسید محمد أشرف الحسینیّ الطباطبائی.

60 - شرح الخلاصة ، للحاج میرزا عبد الغفّار نجم الدولة ، مطبوع.

61 - شرح الخلاصة ، للمولی محمد أمین القمی تلمیذ المترجم له.

62 - شرح الخلاصة ، للشیخ عبد العلی آل عبد الجبّار القطیفیّ البحرانی.

63 - شرح الخلاصة ، للسیّد علی الفورجانی الخونساری المعاصر للسید المجاهد الحائری الطباطبائی.

64 - شرح الخلاصة ، للمولی حسین النیشابوری.

65 - شرح الخلاصة ، للأمیر أبی طالب الفندرسکی سبط الأمیر الفندرسکی الشهیر.

66 - شرح الخلاصة ، للحاج المولی محمد جعفر الأسترآبادیّ المتوفّی سنة (1263)

67 - شرح الخلاصة ، للمولی محمد حسین الیزدی الأردکانی.

68 - شرح الخلاصة ، للمیرزا زین العابدین بن أبی القاسم الخونساری.

69 - شرح الخلاصة ، للمولی فرج الله بن محمد بن درویش الحویزی العاملی معاصر صاحب الأمل.

70 - شرح الخلاصة ، للسید عبد الله بن نور الدین ابن السید نعمة الله الجزائری.

71 - شرح الخلاصة ، للمیرزا محمد رضا. الذریعة (1).

72 - شرح الخلاصة ، للحاج محمد ابن الحاج محمد إبراهیم الکلباسی.

73 - شرح الخلاصة ، للأمیر شمس الدین محمد الگیلانی.

74 - شرح الخلاصة ، للسید آغا بن المیرزا إسماعیل الحسینیّ المرعشی 4.

ص: 352


1- الذریعة إلی تصانیف الشیعة : 13 / 227 - 234.

الأصفهانی من آل خلیفة سلطان من أعلام القرن (13).

75 - حواشٍ علی خلاصة الحساب ، للمولی محمد تقی بن حسن الهروی الأصبهانی المتوفّی (1299).

76 - حاشیة خلاصة الحساب ، للسید صدر الدین محمد بن مجد الدین إسماعیل ابن الأمیر علی أکبر شاه میر الطباطبائی التبریزی.

77 - حاشیة الخلاصة ، للسید هبة الدین الشهرستانی المعاصر ، ذکرها هو فی عدّ تآلیفه.

78 - نظم خلاصة الحساب ، للسید میرزا قوام الدین محمد بن محمد مهدی الحسینی السیفی القزوینی سمّاه ب : نظم الحساب ، نظمه سنة (1118) فی (661) بیتاً وأشار إلی ذلک کلّه بقوله :

ومستأرخٌ قال ما اسم الکتاب

فقلت له : هاک نظم الحساب1118

ورام اعتبار حساب الکتابْ

فقلت : عیون کتاب الحسابْ661

زبدة الأصول

79 - شرح زبدة الأصول ، للشیخ جواد بن سعد الکاظمی تلمیذ المترجم له.

80 - شرح زبدة الأصول ، للمولی محمد صالح المازندرانی المتوفّی سنة (1086).

81 - شرح زبدة الأصول ، للمیرزا محمد هاشم چهارسوقی.

82 - شرح زبدة الأصول ، للمولی محمد تقی بن محمد ابن المولی علی الطبسی ، فرغ منه سنة (1054).

83 - شرح زبدة الأصول ، للمولی محمد زمان ابن المولی کلب علی التبریزی.

ص: 353

84 - شرح زبدة الأصول ، لآقا حسین الخونساری المتوفّی (1099).

85 - شرح زبدة الأصول ، للسید أمیر محمد باقر الأسترآبادی المعروف بطالبان تلمیذ المترجم له.

86 - شرح زبدة الأصول ، للمولی یعقوب بن إبراهیم البختیاری الحویزی المتوفّی حدود سنة (1150).

87 - شرح زبدة الأصول ، للشیخ مهدی بن الحسین بن محمد ملاّ کتاب النجفی.

88 - شرح زبدة الأصول ، للسید علی بن محمد باقر الموسوی الخونساری من أعلام القرن ال (13).

89 - شرح زبدة الأصول ، للشیخ نور الدین علی بن هلال الجزائری.

90 - شرح زبدة الأصول ، للشیخ محمدبن علیّ الحرفوشی العاملی المتوفّی سنة (1059) علی ما فی سلافة العصر (1).

91 - شرح زبدة الأصول ، للمولی محمد علی الکربلائی - فارسیّا - ، فرغ منه ثامن محرّم سنة (1196).

92 - شرح زبدة الأصول ، للمولی مهدی السبزواری الحکیم المتوفّی (1289).

93 - شرح زبدة الأصول ، للمیرزا أبی القاسم ابن المولی حسن القمّی المتوفّی (1231).

94 - شرح زبدة الأصول ، للسیّد علاء الدین حسین بن رفیع الدین محمد الحسینی الآملی المعروف بخلیفة سلطان المتوفّی سنة (1064). 6.

ص: 354


1- سلافة العصر : ص 316.

95 - شرح زبدة الأصول ، للسید محمد حسین ابن السید بنده حسین حفید سیدنا دلدار علی النقویّ الهندی المتوفّی سنة (1325) - مطبوع.

96 - شرح زبدة الأصول ، للسید علیّ النقی ابن السید جواد أخی سید الطائفة بحر العلوم المتوفّی سنة (1249).

97 - شرح زبدة الأصول ، للشیخ محمد بن خلف التستری البلادی البحرانی.

98 - شرح زبدة الأصول ، للسید مصطفی ابن السید محمد هادی حفید سیدنا دلدار علی النقویّ الهندی المتوفّی سنة (1323).

99 - شرح زبدة الأصول ، للمولی محمد باقر بن محمد مؤمن الخراسانی السبزواری صاحب الذخیرة المتوفّی سنة (1090).

100 - شرح زبدة الأصول ، للسیّد بدر الدین العاملی من تلمذة المترجم له.

101 - شرح زبدة الاصول ، لآقا محمد تقی ابن آقا محمد جعفر ابن آقا محمد علیّ الکرمانشاهی المتوفّی فی النجف الأشرف سنة (1299).

102 - شرح زبدة الأصول ، للسید محمد جواد ابن السید هاشم التوبلی البحرانی.

103 - شرح زبدة الأصول ، للشیخ حبیب ابن الشیخ محمد حسن آل محبوبة النجفی المتوفّی سنة (1336).

104 - شرح زبدة الأصول ، للمولوی حمد الله بن فضل الله بن شکر الله السندیلویّ.

105 - شرح زبدة الأصول ، للمیرزا زین العابدین بن أبی القاسم جعفر الموسوی الخونساری الأصفهانی والد صاحب روضات الجنّات المتوفّی حدود سنة (1272).

ص: 355

106 - شرح زبدة الأصول ، للشیخ عبد العلی بن محمد حسین.

107 - شرح زبدة الأصول ، للمولی علی الآرانی من معاصری شیخ الطائفة الأنصاری.

108 - شرح زبدة الأصول ، للسید محمد ابن سیدنا دلدار علی النقوی الهندی المتوفّی سنة (1284).

109 - شرح زبدة الأصول ، للسید علی محمد ابن السید محمد حفید سیدنا دلدار علی الهندی المتوفّی سنة (1312).

110 - شرح زبدة الأصول ، لمیرزا إبراهیم بن أبی الفتح الزنجانی المتوفّی (1350) ، فارسی.

111 - شرح زبدة الأصول ، لمیرزا محمد بن سلیمان التنکابنی صاحب قصص العلماء المتوفّی حدود سنة (1310).

112 - نظم زبدة الأصول ، للشیخ أسد الله البغدادی ابن الحاج إسماعیل الدزفولی المتوفّی سنة (1237).

113 - نظم زبدة الأصول ، للسید میرزا قوام الدین محمد الحسینی السیفی نظمه سنة (1104) وأرّخه بقوله :

فی مائة وأربع والألف فی

ألف وواحد بمعناها یفی

114 - نظم زبدة الأصول ، للشیخ أحمد بن صالح البحرانی المتوفّی سنة (1315) سمّاه بالعمدة.

قال الحاج مفضل ابن الحاج حسب الله یثنی علی زبدة شیخنا البهائی :

فیا درَّةً قد ساد فیها محمدٌ

وزبدة ألفاظٍ صفت وفصولُ

ص: 356

حوت من قوانین العلوم وجیزها

معانٍ وأضحت للأصول أصولُ

یوجد علی الزبدة الموجودة بخطّه المؤرّخ ب (1098) فی مکتبة الإمام أمیر المؤمنین بالنجف الأشرف.

الفوائد الصمدیّة

115 - شرح الفوائد الصمدیّة للسیّد علی خان المدنی صاحب سلافة العصر کبیر وصغیر.

116 - شرح الفوائد ، للمولی أحمد بن محمد علی الأصفهانی البهبهانی.

117 - شرح الفوائد ، للشیخ محمد بن علی الحرفوشی العاملی المتوفّی سنة (1059).

118 - شرح الفوائد ، للسید بهاء الدین محمد بن محمد باقر الحسینی النائینی المختاری معاصر شیخنا الحرّ العاملی.

119 - شرح الفوائد ، للشیخ محمد مؤمن بن محمد قاسم الجزائری الشیرازی ، یسمّی بالفوائد البهیّة.

120 - شرح الفوائد ، للمیرزا محمد بن سلیمان التنکابنی صاحب قصص العلماء.

121 - شرح الفوائد ، للسید حسین ابن السید علیّ الحسینی الهمدانی المعاصر.

122 - شرح الفوائد ، للحاج الشیخ جواد ابن المولی محرَّم علی بن کلب قاسم الطارمی المتوفّی بزنجان سنة (1325) ، فارسی.

123 - شرح الفوائد ، لمیرزا محمد بن عبد الوهّاب الهمدانی.

ص: 357

مفتاح الفلاح

124 - شرح مفتاح الفلاح ، للشیخ سلیمان بن عبد الله بن علی البحرانی المتوفّی سنة (1121).

125 - شرح مفتاح الفلاح ، للشیخ محمد بن سلیمان التنکابنی مؤلف قصص العلماء.

126 - شرح مفتاح الفلاح ، لآقا جمال الدین محمد ابن آقا حسین الخونساری المتوفّی سنة (1125).

127 - ترجمة مفتاح الفلاح بالفارسیّة ، للمولی صدر الدین محمد التبریزی تلمیذ المترجم له.

128 - ترجمة مفتاح الفلاح ، للسید أبی المظفّر محمد جعفر الحسینی.

129 - ترجمة مفتاح الفلاح ، لآقا جمال الدین الخونساری المتوفّی سنة (1125).

130 - حاشیة علی مفتاح الفلاح ، للمولی إسماعیل بن محمد حسین الخواجوئی الأصفهانی المتوفّی سنة (1173).

وللسید علی خان المدنی المترجم له فی هذا الجزء فیما یأتی ، علی ظهر نسخة من مفتاح الفلاح :

علیک بمفتاح الفلاحِ فإنّه

لأبوابِ طاعاتِ المهیمنِ مفتاحُ

یضیء به نور الهدی فکأنّه

لقارئهِ فی ظلمةِ اللیل مصباحُ

فلا برحت تغشی من الله رحمةٌ

مؤلّفَهُ ما لاح فی الأفق إصباحُ (1)ف)

ص: 358


1- کذا أفاده الأستاذ حسین علی محفوظ الکاظمی. (المؤلف)
ألغاز البهائی

131 - شرح لغز زبدة الأصول یسمّی بمشکاة العقول ، للشیخ محمد مؤمن الجزائری المتوفّی عهد نادر شاه الأفشار ، المترجم له فی القرن ال (12) من شعراء الغدیر.

132 - شرح لغز الزبدة ، لمیرزا إبراهیم بن أبی الفتح الزنجانی المتوفّی سنة (1350) ، فارسیاً.

133 - شرح لغز الزبدة ، لمیرزا محمد بن سلیمان صاحب قصص العلماء.

134 - شرح لغز الکشّاف ، للمولی محمد مهدی بن علی أصغر القزوینی.

135 - شرح لغز النحو ، للشیخ محمد صادق التویسرکانی.

136 - شرح لغز القانون ، للحاج محمد تقی الشیرازی الشهیر بالحاج آقا بابا الطیب.

137 - شرح لغز القانون ، للمولی محمد سلیم الرازی ، ألّفه سنة (1060).

الوجیزة

138 - شرح الوجیزة ، للمولی محمد بن سلیمان مؤلّف قصص العلماء.

139 - شرح الوجیزة ، لسیدنا أبی محمد الحسن صدر الدین الکاظمی المتوفّی سنة (1354).

وسیلة الفوز

140 - شرح قصیدة وسیلة الفوز والأمان ، للشیخ أحمد بن علی المنینی من أعلام العامّة ، مطبوع.

141 - شرح قصیدة الوسیلة ، للشیخ جعفر ابن الحاج محمد النقدی الموسوم

ص: 359

بمنن الرحمن ، طبع فی مجلّدین.

تهذیب البیان

142 - شرح تهذیب البیان ، للشیخ محمد بن علی بن محمد الحرفوشی العاملی المتوفّی سنة (1059).

143 - شرح تهذیب البیان ، للسید نعمة الله الجزائری المتوفّی سنة (1112).

144 - تعلیقة علی حاشیة البیضاوی ، للشیخ میرزا محمد بن محمد رضا القمّی ، من تلامذة العلاّمة المجلسی وقد أثنی علیه شیخه.

145 - تعلیقة تهذیب الأصول لصاحب القوانین المیرزا أبو القاسم القمّی المتوفّی سنة (1231).

144 - تعلیقة الحبل المتین ، للشیخ خیر الدین بن عبد الرزّاق نزیل شیراز من أحفاد شیخنا الشهید الثانی من معاصری المترجم له ، علّقها علیه حین أرسله إلیه الشیخ لیطالعه.

145 - نظم رسالة الأسطُرلاب ، للسید میرزا قوّام الدین محمد الحسینی السیفی القزوینی.

146 - ترجمة الکشکول ، للشیخ أحمد العاملی.

أدبه الرائق :

کان المترجم له شیخنا - البهائی - علی توغّله فی العلوم ، وأنظاره العمیقة فیها ، غیر تارک لمحاولة الأدب ، ونضد القریض باللغتین : العربیّة والفارسیّة ، وإنّک تجد کثیراً من شعره مبثوثاً فی المعاجم ومن ذلک قوله :

ص: 360

یا کراماً صبرُنا عنهم مُحالْ

إنّ حالی بعدکم فی شرِّ حالْ

إن أتی من حیّکم ریحُ الشمالْ

صرتُ لا أدری یمینی من شمالْ

* * *

حبّذا ریحٌ سری من ذی سلمْ

عن ربی نجد وسلعٍ والعلمْ

أذهبَ الأحزانَ عنّا والألمْ

والأمانی أُدرِکتْ والهمُّ زالْ

* * *

یا أخلاّئی بحزوی والعقیقْ

لا یطیق الهجرَ قلبی لا یطیقْ

هل لمشتاقٍ إلیکم من طریقْ

أم سددتم عنه أبوابَ الوصالْ

* * *

لا تلومونی علی فرط الضجرْ

لیس قلبی من حدیدٍ أو حجرْ

فات مطلوبی ومحبوبی هجرْ

والحشا فی کلِّ آنٍ باشتعالْ

* * *

من رأی وجدی لسکانِ الحجونْ

قال ما هذا هوی هذا جنونْ

أیّها اللوّامُ ما ذا تبتغونْ

قلبیَ المضنی وعقلی ذو اعتقالْ

* * *

یا نزولاً بین سلعٍ والصفا

یا کرامَ الحیّ یا أهل الوفا

کان لی قلبٌ حمولٌ للجفا

ضاع منّی بین هاتیک التلالْ

* * *

یا رعاک اللهُ یا ریح الصبا

إن تجُز یوماً علی وادی قُبا

سل أُهیل الحیِّ فی تلک الرُّبی

هجرُهمْ هذا دلالٌ أم ملالْ

* * *

جیرةٌ فی هجرِنا قد أسرفوا

حالنا من بعدِهم لا یوصفُ

إن جفوا أو واصلوا أو أتلفوا

حبّهم فی القلبِ باقٍ لا یزالْ

* * *

ص: 361

هم کرامٌ ما علیهم من مزیدْ

من یمُت فی حبِّهم یمضی شهیدْ

مثلَ مقتولٍ لدی المولی الحمیدْ

أحمدیّ الخلق محمود الفعالْ

* * *

صاحب العصر الإمام المنتظرْ

من بما یأباه لا یجری القدرْ

حجّة الله علی کلِّ البشرْ

خیر أهل الأرض فی کلّ الخصالْ

* * *

من إلیه الکون قد ألقی القیادْ

مجریاً أحکامه فیما أرادْ

إن تزل عن طوعِهِ السبعُ الشدادْ

خرَّ منها کلُّ سامی السمک عالْ

* * *

شمسُ أوجِ المجد مصباحُ الظلامْ

صفوةُ الرحمنِ من بین الأنامْ

الإمامُ ابنُ الإمامِ ابنِ الإمامْ

قطبُ أفلاک المعالی والکمالْ

* * *

فاقَ أهلَ الأرضِ فی عزٍّ وجاهْ

وارتقی فی المجد أعلی مرتقاهْ

لو ملوکُ الأرضِ حلّوا فی ذراهْ

کان أعلی صفّهم صفّ النعالْ

* * *

ذو اقتدارٍ إن یشأ قلبَ الطباعْ

صیّر الإظلام طبعاً للشعاعْ

وارتدی الإمکان بُرد الامتناعْ

قدرةٌ موهوبةٌ من ذی الجلالْ

* * *

یا أمین اللهِ یا شمسَ الهدی

یا إمامَ الخلقِ یا بحرَ الندی

عجِّلن عجِّل فقد طالَ المدی

واضمحلَّ الدینُ واستولی الضلالْ

* * *

هاکها مولایَ یا نعمَ المجیرْ

من موالیک البهائیّ الفقیرْ

مدحةً یعنو لمعناها جریرْ

نظمها یزری علی عقد اللآلْ

ص: 362

وله حینما یمّم مشهد الإمامین العسکریّین بسرّمن رأی :

أسرعِ السیرَ أیّها الحادی

إنَّ قلبی إلی الحمی صادی

وإذا ما رأیتَ من کثبٍ

مشهدَ العسکریِّ والهادی

فالثمِ الأرضَ خاضعاً فلقد

نلتَ واللهِ خیرَ إسعادِ

وإذا ما حللتَ نادیهم

یا سقاه الإله من نادی

فاغضضِ الطرفَ خاضعاً ولِهاً

واخلعِ النعل إنّه الوادی (1)

وله :

وثورین حاطا بهذا الوری

فثورُ الثریّا وثور الثری

وهم تحت هذا ومن فوق ذا

حمیرٌ مسرَّجةٌ فی قری

نظم بهذین البیتین ما فی شعر الحکیم عمر الخیّام (2) من قوله بالفارسیّة :

یک گاو در آسمان ونامش پروین

یک گاو دگر نهفته در زیر زمین

چشم خردت گشای چون أهل یقین

زیر وزبر دو گاو مشتی خر بین

وله ممّا کتب إلی والده سنة (989) وهو فی هراة :

یا ساکنی أرض الهراة أما کفی

هذا الفراقُ بلی وحقّ المصطفی

عودوا فربعُ صبری قد عفا

والجفنُ من بعد التباعد ما عفا

خیالکم فی بالی

والقلبُ فی بلبالِ

إن أقبلت من نحوکمْ ریحُ الصبا

قلنا لها أهلاً وسهلاً مرحباف)

ص: 363


1- إشارة إلی ما خوطب به موسی الکلیم علیه السلام من قوله تعالی : (واخْلَعْ نَعلَیکَ إِنَّکَ بِالوَادِ المُقَدَّسِ طُوَی) (المؤلف)
2- أبو الفتح النیسابوری من معاصری أبی حامد الغزالی ، توفّی سنة 517. طبعت رباعیّاته فی أرجاء الدنیا عدة مرّات. (المؤلف)

وإلیکمُ قلبُ المتیّمِ قد صبا

وفراقُکمْ للروح منه قد سبا

والقلبُ لیس بخالی

من حبِّ ذات الخالِ

یا حبْذا ربعُ الحمی من مربعِ

فغزالُه شبَّ الغضا فی أضلعی

لم أنسه یومَ الفراقِ مودّعی

بمدامع تجری وقلبٍ موجعِ

والصبُّ لیس بسالِ

عن ثغرِه السلسالِ

وذکر الخفاجی فی ریحانة الألباء (1) من رباعیّاته قوله :

أغتصُّ بریقتی کحسی الحاسی

إذ أذکره وهو لعهدی ناسی

إن متُّ وجمرةُ الهوی فی کبدی

فالویلُ إذاً لساکنی الأرماسِ

وقوله :

کم بتّ من المسا إلی الإشراقِ

من فرقتِکم ومُطربی أشواقی

والهمُّ منادمی ونُقلی سهری

والدمعُ مُدامتی وجفنیَ الساقی

وقوله :

لا تبکِ معاشراً نأی أو ألفا

القوم مضوا ونحن نأتی خلفا

بالمهلةِ أو تعاقبٍ نتبعهم

کالعطف بثمَّ أو کعطفٍ بالفا

وقوله :

من أربعةٍ وعشرةٍ أمدادی

فی ستّ بقاعٍ سکنوا یا حادی

فی طیبة والغری وسامرّاء

فی طوس وکربلا وفی بغدادِ

وقوله :

للشوق إلی طیبة جفنی باکی

لو صار مقامی فلک الأفلاکِ4.

ص: 364


1- ریحانة الألباء وزهرة الحیاة الدنیا : ص 211 - 214.

أستنکف إن مشیتُ فی روضتِها

فالمشی علی أجنحة الأملاکِ

وقوله :

هذا النبأُ العظیمُ ما فیه کلامْ

هذا لملائکِ السمواتِ إمامْ

من یمّم بابَه یَنَلْ مطلبه

من طافَ به فهو علی النارِ حرامْ

وقوله :

هذا حرمٌ بفضلِهِ العقلُ أقرْ

فیه لملائکِ السمواتِ مقرْ

کلّ منهم یقول یا زائر

أبشر فلقد نجوت من نار سقرْ

وقوله :

یا ریحُ إذا أتیتَ دارَ الأحبابْ

قبِّل عنّی ترابَ تلک الأعتابْ

إن هم سألوا عن البهائیِّ فقلْ

قد ذاب من الشوقِ إلیکم قد ذابْ

وقوله :

یا ریح أقصّ قصة الشوق إلیکْ

إن جئت إلی طوس (1) فبالله علیکْ

قبّل عنّی ضریحَ مولای وقلْ

قد مات بهائیک من الشوق إلیکْ

وقوله :

أهوی رشأً عرّضنی للبلوی

ما عنه لقلبی المعنّی سلوی

کم جئتُ لأشتکی فمذ أبصرنی

من لذّةِ قربهِ نسیت الشکوی

وقوله :

یا غائب عن عینیّ لا عن بالی

القربُ إلیک منتهی آمالیف)

ص: 365


1- فی النسخة : طرسو : أعدّه من جنایات ید الطباعة والنشر. (المؤلف)

أیّام نواک لا تسل کیف مضتْ

واللهِ مضتْ بأسوأ الأحوالِ

فی السلافة (1) هکذا :

یا بدرَ دجیً خیاله فی بالی

مذ فارقنی وزاد فی بلبالی

أیّامُ نواک لا تسل کیف مضت

واللهِ مضت بأسوأ الأحوال

وذکر له السید فی السلافة (2) قوله :

یا بدرَ دجیً بوصِلِه أحیانی

إذ زارَ وکم بهجرِه أفنانی

بالله علیک عجّلنْ سفکَ دمی

لا طاقةٌ لی بلیلةِ الهجرانِ

وقوله :

لمّا نظر الجسم نحیفاً نهکا

من فرقته رقَّ لضعفی وبکی

وارتاح وقال لی أما قلت لکا

ما یمکنک الفراق ما یمکنکا

وقوله :

یا بدرَ دجیً فراقُهُ الجسمَ أذابْ

قد ودّعنی فغابَ صبری إذ غابْ

باللهِ علیکَ أیَّ شیء قالت

عیناکَ لقلبی المعنّی فأجابْ

وذکر له السید العطّار قدس سره فی الرائق قوله یمدح به النبیّ الأعظم صلی الله علیه وآله وسلم :

إلیک جمیعُ الکائناتِ تشیرُ

بأنَّک هادٍ منذرٌ وبشیرُ

وأنّک من نور الإله مکوَّنٌ

علی کلِّ نورٍ من جلِالکَ نورُ

وروحُک روحُ القدسِ فیها منزّلٌ

وقلبُکَ فی قلبِ الوجودِ ضمیرُ

وشخصُکَ قطبُ الکائنات فسرّها

علی سرّه فی العالمین تدیرُ1.

ص: 366


1- سلافة العصر : ص 300.
2- سلافة العصر : ص 301.

نزلتَ من اللهِ العزیزِ بمنزلٍ

یسیر إلیه الطرفُ وهو حسیرُ

وذکر له السید المدنی فی السلافة (1) قوله :

خلّیانی ولوعتی وغرامی

یا خلیلیَّ واذهبا بسلامِ

قد دعانی الهوی فلبّاه لُبِّی

فدعانی ولا تطیلا ملامی

إنَّ من ذاق نشوةَ الحبِّ یوماً

لا یبالی بکثرةِ اللوّامِ

خامرت خمرةُ المحبّةِ عقلی

وجرتْ فی مفاصلی وعظامی

فعلی الحلمِ والوقارِ صلاةٌ

وعلی العقل ألفُ ألفِ سلامِ

هل سبیلٌ إلی وقوفٍ بوادی ال

جزع یا صاحبیَّ أو إلمامِ

أیّها السائرُ الملحُّ إذا ما

جئتَ نجداً فعُجْ بوادی الخزامِ

وتجاوز عن ذی المجازِ وعرِّجْ

عادلاً عن یمین ذاک المقامِ

وإذا ما بلغتَ حزوی فبلّغْ

جیرةَ الحیِّ یا أُخیَّ سلامی

وأنشدنْ قلبی المعنّی لدیهم

فلقد ضاعَ بین تلک الخیامِ

وإذا ما رقّوا لحالی فسلْهم

أن یمنّوا ولو بطیفِ منامِ

یا نزولاً بذی الأراکِ إلی کم

تنقضی فی فراقِکمْ أعوامی

ما سرتْ نسمةٌ ولا ناحَ فی الدو

ح حمامٌ إلاّ وحان حِمامی

أین أیّامُنا بشرقیِّ نجدٍ

یا رعاها الإلهُ من أیّامِ

حیث غصنُ الشبابِ غضٌّ وروض ال

یش قد طرّزَتْه أیدی الغمامِ

وزمانی مساعدٌ وأیادی الله

-ونحو المنی تجرُّ زمامی

أیّها المرتقی ذری المجدِ فرداً

والمرجّی للفادحاتِ العظامِ

یا حلیفَ الندی الذی جمعت فی

ه مزایا تفرّقت فی الأنامِ

نلتَ فی ذروةٍ الفخارِ محلاّ

عسِرَ المرتقی عزیزَ المرامِ3.

ص: 367


1- سلافة العصر : ص 293.

نسبٌ طاهرٌ ومجدٌ أثیلٌ

وفخارٌ عالٍ وفضلٌ سامِ

قد قرنّا مقالَکم بمقالٍ

وشفعنا کلامَکم بکلامِ

ونظمنا الحصی مع الدرِّ فی سم

ط وقلنا العبیرُ مثلُ الرغامِ

لم أکن مقدماً علی ذا ولکن

کان طوعاً لأمرِکم إقدامی

عمرک اللهُ یا ندیمیَ انشدْ

جارتی کیف تحسنین ملامی

وله وقد رأی النبیَّ صلی الله علیه وآله وسلم فی منامه قوله :

ولیلةٍ کان بها طالعی

فی ذروة السعدِ وأوجِ الکمالْ

قصّر طیبُ الوصلِ من عمرِها

فلم تکن إلاّ کحلِّ العقالْ

واتّصل الفجرُ بها بالعشا

وهکذا عمرُ لیالی الوصالْ

إذ أخذت عینیَ فی نومِها

وانتبه الطالعُ بعد الوبالْ

فزرتُه فی اللیل مستعطفاً

أفدیه بالنفسِ وأهلی ومالْ

وأشتکی ما أنا فیه البلی

وما ألاقی الیومَ من سوء حالْ

فأظهر العطفَ علی عبدِهِ

بمنطقٍ یُزری بنظم اللآلْ

فیا لها من لیلةٍ نلتُ فی

ظلامِها ما لم یکن فی خیالْ

أمست خفیفاتٍ مطایا الرجا

بها وأضحت بالعطایا ثقالْ

سُقِیتُ فی ظلمائِها خمرةً

صافیةً صِرفاً طهوراً حلالْ

وابتهجَ القلبُ بأهلِ الحمی

وقرّتِ العینُ بذاک الجمالْ

ونلتُ ما نلتُ علی أنَّنی

ما کنت أستوجبُ ذاک النوالْ

ولشیخنا البهائی فی مدح الکاظمیّة مشهد الإمامین الکاظم وحفیده الجواد علیهما السلام قوله :

أیا قاصد الزوراء عرِّج

علی الغربیِّ من تلک المغانی

ونعلیک اخلعنْ واسجد خضوعاً

إذا لاحت لدیکَ القبّتانِ

ص: 368

فتحتَهما لعمرُک نار موسی

ونورُ محمد متقارنانِ

ومن شعره رائیّته المشهورة فی الإمام المنتظر صلوات الله علیه تناهز (49) بیتاً ، شرحها العلاّمة المرحوم الشیخ جعفر النقدی بکتابه الموسوم بمنن الرحمن (1) فی مجلّدین طبع فی النجف الأشرف سنة (1344) ومستهلّ القصیدة :

سری البرقُ من نجدٍ فهیّجَ تذکاری

وأجّجَ فی أحشائِنا لاهبَ النارِ

هذه القصیدة المهدویّة جاراها جمعٌ من الأعلام الشعراء منهم : العلاّمة الأمیر السید علی بن خلف المشعشعی الحویزی بقصیدة مهدویّة مطلعها :

هی الدار ما بین العذیبِ وذی قارِ

عنت غیرَ سحمٍ ماثلات وأحجارِ

ومنهم : العلاّمة الشیخ جعفر بن محمد الخطی معاصر شیخنا المترجم له ، اجتمع معه فی اصفهان فأنشده الشیخ رائیّته وطلب منه معارضتها وأجّل مدّة ، فاستأجل ثلاثاً ثم لم یقبل لنفسه إلاّ فی المجلس فارتجل قصیدة أوّلها :

هی الدار تستسقیک مدمعَک الجاری

فسقیاً فخیرُ الدمع ما کان للدارِ

وهی مذکورةٌ بتمامها فی الجزء الثانی من الرائق للعلاّمة السید أحمد العطّار وذکرها الشیخ جعفر النقدی فی منن الرحمن (1 / 41).

ومنهم : الشاعر الفاضل علیّ بن زیدان العاملی المتوفّی (1260) بمعرکة وله عقب هنالک ، جاری قصیدة شیخنا البهائی بقصیدة أوّلها :

حنانیک هل فی وقفةٍ أیّها الساری

علی الدارِ فی حکمِ الصبابةِ من عارِ

لفت نظر : قد یعزی فی غیر واحد من معاجم الأدب (2) إلی شیخنا البهائی : ف)

ص: 369


1- منن الرحمن : 1 / 54.
2- راجع سلافة العصر : ص 300 وغیره. (المؤلف)

لا یغرّنک من المر

ء قمیصٌ رقّعه

أو إزارٌ فوق کعب ال

ساق منه رفعه

أو جبینٌ لاح فیه

أثرٌ قد قلعه

ولدی (1) الدرهم فانظر

غیّه أو ورعه

هذا العزو لا یتمّ وإنَّما الأبیات لبعض الشعراء المتقدّمین ذکرها الغزالی المتوفّی قبل ولادة شیخنا البهائی بأربعمائة وسبع وأربعین سنة فی إحیاء العلوم (2) (2 / 73).

وذکر السید فی السلافة (3) لشیخنا البهائی :

بالذی ألهم تعذی

بی ثنایاک العذابا

ما الذی قالته عینا

ک لقلبی فأجابا

وهما من أبیات للصوری السابق ذکره ، وقد نسبهما البهائیّ نفسه إلی الصنوبری ، راجع ما أسلفناه فی (4 / 229).

ولادته :

ذکر شیخنا البحرانی فی لؤلؤة البحرین (4) (ص 20) ، والشیخ میرزا حیدر علی الأصبهانی فی إجازته الکبیرة ، وغیر واحد من أصحابنا : أنّه ولد ببعلبک غروب یوم الخمیس لثلاث عشرة بقین من شهر المحرّم سنة (953) ، وقال سیّدنا المدنی فی سلافة العصر (5) : مولده بعلبک عند غروب الشمس یوم الأربعاء لثلاث عشرة بقین من ذی 0.

ص: 370


1- فی سلافة العصر : أرهِ بدل ولدی.
2- إحیاء العلوم : 2 / 78.
3- سلافة العصر : ص 301.
4- لؤلؤة البحرین : ص 22 رقم 5.
5- سلافة العصر : ص 290.

الحجّة سنة (953) ، وحکاه عنه المحبّی فی خلاصة الأثر (1) ، لکن المعتمد علیه فی تاریخ ولادته ما وجده صاحب ریاض العلماء (2) من المنقول عن خطّ والده المقدّس الشیخ حسین من کتاب له ذکره فی ترجمته ، وفیه ما نصّه : ولدت المولودة المیمونة بنتی لیلة الاثنین ثالث شهر صفر سنة خمسین وتسعمائة ، وأخوها أبو الفضائل محمد بهاء الدین أصلحه الله وأرشده عند غروب الشمس یوم الأربعاء سابع عشرین ذی الحجّة (3) سنة ثلاث وخمسین وتسعمائة.

وفاته :

قال السیّدان صاحبا السلافة (4) والروضة البهیّة والشیخ صاحب الحدائق فی لؤلؤة البحرین (5) : إنّه توفّی لاثنتی عشرة خلون من شوّال (1031) وقیل (1030) وعن العلاّمة المجلسی الأوّل المتوفّی سنة (1070) فی شرح الفقیه : أنّه مات فی شوّال سنة (1030). ویقول ما فی أمل الآمل (6) : قد سمعنا من المشایخ أنّه مات سنة (1030) ، فکأنَّ القول بوفاته سنة (1030) کان هو المعتمد علیه عند المشایخ ، وأرّخها بثلاثین تلمیذه العلاّمة الشیخ هاشم الأتکانی فی ظهر اثنا عشریّات أستاذه المترجم له ، قرأها علیه سنة (1030) وأجاز له أستاذه فی شهر رجب وکتب إجازته علیه ، وقال صاحب مفتاح التواریخ ما معناه : إنه توفی یوم الثلاثاء (12) شوّال سنة 8.

ص: 371


1- خلاصة الأثر : 3 / 440.
2- ریاض العلماء : 2 / 110.
3- لا تنافی بین ما ذکره صاحب السلافة وما ذکره والد المترجم من تاریخ لولادة المترجم له. فسابع عشرین ذی الحجة هو الیوم السابع عشر منه ، فیکون قد بقی منه ثلاثة عشر یوماً ، وهو التاریخ الذی ذکره صاحب السلافة وحکاه عنه المحبّی.
4- سلافة العصر : ص 291.
5- لؤلؤة البحرین : ص 22 رقم 5.
6- أمل الآمل : 1 / 158 رقم 158.

(1030). توفّی بأصبهان ونقل جثمانه قبل الدفن إلی مشهد الرضا عملاً بوصیته ودفن بها فی داره قریباً من الحضرة المشرّفة ، وقد أُتیحت لی زیارته سنة (1348) ، رثاه تلمیذه العلاّمة الشیخ إبراهیم العاملی البازرونی بقوله :

شیخ الأنام بهاء الدین لا برحت

سحائبُ العفو ینشیها له الباری

مولیً به اتّضحت سبلُ الهدی وغدا

لفقدِه الدینُ فی ثوبٍ من القارِ

والمجدُ أقسمَ لا تبدو نواجذه

حزناً وشقّ علیه فضلَ أطمارِ

والعلمُ قد درست آیاتُه وعفتْ

عنه رسومُ أحادیثٍ وأخبارِ

کم بکرِ فکر غدت للکون (1) فاقدةً

ما دنّستها الوری یوماً بأنظارِ

کم خرَّ لمّا قضی للعلم طود عُلاً

ما کنت أحسبه یوماً بمنهارِ

وکم بکته محاریبُ المساجدِ إذ

کانت تضیء دجیً منه بأنوارِ

فاقَ الکرامَ ولم تبرح سجیّتُه

إطعامَ ذی سغبٍ مع کسوة العاری

جلّ الذی اختار فی طوسٍ له جدثاً

فی ظلِّ حامی حماها نجلِ أطهارِ

الثامنِ الضامنِ الجنّاتِ أجمعِها

یومَ القیامةِ من جودٍ لزوّارِ

عثرة لا تقال :

لقد جاء الکاتب الفارسیّ سعید النفیسی فیما ألّفه من ترجمة حیاة شیخنا بهاء الملّة والدین کحاطب لیل ، فضمَّ إلی الدرّة بعرة ، وأتی بأشیاء لا شاهد لها من التاریخ ، وخفیت علیه حقائق ناصعة ، فطفق یثبت التافهات بالأوهام ، ویؤیّد مزاعمه بالمضحکات ، فممّا باء بخزایته ما حسبه من أنَّ الشیخ عبد الصمد أخا الشیخ البهائی أکبر منه سنّا ، ودعم هذه الدعوی بأنَّ الشیخ عبد الصمد توفّی قبل أخیه بعشر سنین ، فکأنَّه یزعم أنَّ ترتیب الموت کترتیب الولادة ، فکما أنَّ المولود أوّلا هو أکبر الإخوة فکذلک المتوفّی أوّلاً.

وبأنَّ الشیخ عبد الصمد کان یسمّی باسم جدِّه فلو کان البهائی أکبر الإخوة ء.

ص: 372


1- کذا ، وفی أمل الآمل : 1 / 25 : للکفء.

لاختصَّ هو باسم جدّه وکان لأخیه اسم جدّه الأعلی. فکأنَّه یری ذلک مطّرداً فی الأسماء ، ولکن متی اطّرد ذلک؟ ومّمن جاء النصُّ؟ ولما ذا هذا الإصرار والدأب علیه؟ أنا لا أدری ، والنفیسیّ أیضاً لا یدری ، ووالد الشیخین وما ولد أیضاً لا یدرون.

وبأنَّ الشیخ عبد الصمد ما غادر عاملة مع أبیه لمّا سافر أبوه إلی البلاد الفارسیّة سنة (966) وإنّما صحبه الشیخ البهائی ، ویظنُّ أنّه هرب إلی المدینة المنوّرة ، فلو لم یکن أکبر من الشیخ البهائی لم یسعه أن یفارق أباه یوم فرَّ من الفتنة الواقعة بعاملة إلی إیران. وقد خفی علی المسکین أنَّ الشیخ عبد الصمد صحب أباه فی بطن أمِّه یوم غادر بلاده ، وهو ولید إیران بقزوین بنصٍّ من أبیه الشیخ الحسین فی سنة الفتنة المذکورة (966) ، ولم نعرف من أین أتی الرجل بفرار الشیخ عبد الصمد إلی المدینة سنة (966).

وبأنَّ الشیخ البهائی ألّف کتابه الفوائد الصمدیّة فی النحو باسم أخیه الشیخ عبد الصمد ، وبطبع الحال أنّ الصغیر یسم تألیفه باسم الکبیر ، ویندر خلاف ذلک إلاّ من أناس حنّکهم ترویض النفس.

هکذا لفّق الرجل السفاسف فی إثبات مزعمته ، فسوّد صحیفة تاریخه بما لا یقبله العقل والمنطق ، وقد خفی علی المغفّل أنَّ الشیخ حسین والد الشیخین البهائی وأخیه أرّخ ولادتهما فی کتاب محکیّ عنه فی ریاض العلماء (1) فی ترجمته ولفظه : ولدت المولودة المیمونة بنتی لیلة الاثنین ، ثالث شهر صفر سنة خمسین وتسعمائة. وأخوها أبو الفضائل محمد بهاء الدین أصلحه الله وأرشده عند غروب الشمس یوم الأربعاء سابع عشرین ذی الحجّة سنة ثلاث وخمسین وتسعمائة .. وأختها أمّ أیمن سلمی بعد نصف اللیل سادس عشر محرّم سنة خمس وخمسین وتسعمائة. وأخوهم أبو تراب 0.

ص: 373


1- ریاض العلماء : 2 / 110.

عبد الصمد لیلة الأحد وقد بقی من اللیل نحو ساعة ثالث شهر صفر سنة ست وستّین وتسعمائة فی قزوین. وابن أخته السید محمد لیلة السبت ثامن عشرین صفر من السنة المذکورة فی قزوین. انتهی.

فالشیخ البهائی أکبر من أخیه الشیخ عبد الصمد رغم تلکم التلفیقات اثنی عشر عاماً وستّة وثلاثین یوماً. وکان للرجل أن یستفید کبر الشیخ البهائی من إجازة والده الشیخ حسین له ولأخیه من تقدیمه إیّاه بالذکر علی أخیه ، قال : فقد أجزت لولدی بهاء الدین محمد وأبی رجب عبد الصمد حفظهم الله تعالی بعد أن قرأ علیَّ ولدی الأکبر جملة کافیة جمیلة من العلوم العقلیّة والنقلیّة. إلی آخره.

وکذلک تقدیم مشایخ الإجازة ذکر الشیخ البهائی مهما ذکروه وأخاه فی إجازاتهم ، والاستدلال بمثل هذه کان خیراً له من أساطیره التی تحذلق بها.

ونحن فی هذا المقام نضرب صفحاً عن کلِّ ما هو من هذا القبیل فی صفحات کتابه التی شوّه بها سمعة التاریخ ، والذی یهمّنا الآن التعرّض لما تورّط به من التجرِّی علی علماء الدین وأساطین المذهب ، وهو لا یزال یحاول ذلک فی حلّه وترحاله ، غیر أنّه حسب أنَّه وجد فسحةً لإبانة ما یدور فی خلده علی لسان شیخنا بهاء الملّة والدین ، وإن کان خاب فی ذلک وفشل ، قال ما معناه : أمّا الإشارات التی توجد للبهائی فی مثنویّة (نان وحلوی) فی حقِّ المتشرِّعین المرائین فلم یرد بها السید الداماد ، وإنّما أراد بها الفقهاء القشریّین الجامدین ، المعجبین بالظواهر ، المنکرین للتصوّف والذوق ، أمثال المولی أحمد الأردبیلی ، وکانوا کثیرین فی عصره ، وکان علی الضدِّ منهم السید الداماد الذی کان حکیماً مفکّراً ولم یکن فیه شیءٌ ممّا ذکر. انتهی.

کبرت کلمة تخرج من أفواههم ، وإنّی لمستعظمٌ جهل هذا الرجل المرکّب ، فإنَّه لا یعرف شیئاً ولا یدری أنَّه لا یعرف ، فطفق یقع فی عُمد المذهب حسبان أنَّه علم ما فاتهم ، وحفظ ما أضاعوه ، فذکر عداد مثل المحقّق الأردبیلی فی القشریِّین والفقهاء

ص: 374

الظاهریّة ، وهو ذلک الإنسان الکامل ، فی علمه ودینه ، فی آرائه الناضجة وأفکاره العمیقة ، فی نفسیّاته الکریمة وملکاته الفاضلة ، فی دعوته الإلهیّة وخدماته للمذهب الحقِّ ، فی عرفانه الصحیح وحکمته البالغة ، وقصاری القول أنَّه جماع الفضائل ، ومختبأ المآثر کلّها ، ضع یدک علی أیّ من المناقب تجده شاهد صدق علی شموخ رتبته ، وهاتفاً بسموّ مقامه ، وتألیفاته الجلیلة هی البرهنة الصادقة لعلوّ کعبه فی العلوم کلّها معقولها ومنقولها ، والمأثور من غرائزه الکریمة أدلاّء حقّ علی تقدّمه فی المحاسن ومحامد الشِّیَم نفسیّة وکسبیّة ، وإنَّک لا تجد إنساناً یشکّ فی شیء من ذلک بالرغم من هلجة هذا المؤرِّخ القشریِّ الجامد ، وکأنّی بروحیّة المحقّق الأوحد الأردبیلی یخاطبه بقوله :

ما شیر شکاران فضای ملکوتیم

سیمرغ بدهشت نگرد بر مگس ما

أو بقوله :

غنینا بنا عن کلِّ من لا یُریدنا

وإن کثرت أوصافه ونعوته

ومن صدَّ عنّا حسبه الصدُّ والقلا

ومن فاتنا یکفیه أنّا نفوته

ثم أیّ تصوّف یرید الرجل فیما عابه من شیخنا العارف الإلهیّ؟ أیرید ذلک المذهب الباطل الملازم للعقائد الإلحادیّة کالحلول ووحدة الوجود بمعناهما الکفریّ ، وأمثالهما والتنصّل عن الطاعات بتحریف الکلم عن مواضعها ، وتأویل قوله تعالی : (وَاعْبُدْ رَبَّکَ حَتَّی یَأْتِیَکَ الْیَقِینُ) (1) بالرأی الفطیر؟ فحاشا شیخنا الأحمد والأوحد وکلّ عالم ربّانیّ من ذلک ، وإنَّما هو مذهبٌ یروق کلَّ شقیّ تعیس.

وإن کان یرید العرفان الحقّ والذوق السلیم الذی کان یعتنقه الأوحدیّون من العلماء لدة شیخنا البهائی ، وجمال الدین أحمد بن فهد الحلیّ ، وزرافات من الأعاظم قبلهما وبعدهما ، فإنّا نجلّ شیخنا الأردبیلی عن التنکّب عنه ، بل یحقُّ علینا أن نعدّه من9.

ص: 375


1- الحجر : 99.

مشیخة الطریقة والعرفاء بها ، وما یوجد فی کتابه حدیقة الشیعة من التندید بالصوفیّة فإنَّما هو موجّهٌ إلیهم بما ذکرناه أوّلاً. ولکن من أین عرف النفیسی الحقَّ والباطل من قسمی التصوّف والعرفان والکمیّة التی کانت عند شیخنا الأردبیلی؟ وهل هو من حقّه أو باطله؟ أنا لا أدری لکن الله عالم بما تکنّه الصدور وإنَّ الرجل تقحّم غیر مستواه ، وتطلّع إلی ما قصر عنه. رحم الله امرأً عرف قدره ولم یتعدَّ طوره.

ص: 376

- 82 -

الحرفوشی العاملی

المتوفّی (1059)

یا وردةً من فوق بانه

سرّ المحبّة من أبانَه

أخفیتُهُ جهدی وقد

غلغلت فی قلبی مکانَه

وکتمت أمر صبابتی

وسدلت أستارَ الصیانَه

ما کنت أحسبُ أن یکو

ن الدمعُ یوماً ترجمانَه

لو لا وضوحُ الأمرِ ما

أغری بنا الواشی لسانَه

ولوی عنانک عن شجٍ

شوقاً إلیک لوی عنانَه

یا ظبیة البان التی

عند القلوب لها مکانَه

قد أسکرَتْنی مقلتا

ک کأنَّ فی الأجفان حانَه (1)

وکرعت فی ماء الصّبا

ففضحتَ لینَ الخیزرانَه

أجریت ذکرک فی الحمی

وقد اجتلی طرفی جنانَه

فلوی القضیب معاطفاً

نظم الندی فیها جمانَه (2)

واحمرَّ خدّ شقیقِها

وافترَّ ثغر الأقحُوانَه (3)

فکأنَّنی أجریتُ ذک

-رَ المرتضی لذوی الدیانَهف)

ص: 377


1- الحان والحانة : موضع بیع الخمر. (المؤلف)
2- الجمان : اللؤلؤ ، والواحدة : جمانة. (المؤلف)
3- الاقحُوان : نبات أوراق زهره [مفلّجة]. واحدته : أُقحُوانة. (المؤلف)

غیث الإله وغوثه

حیث الزمان یری الزمانَه (1)

کم أودع اللاجی إلی

ه من مخاوفِه أمانَه

وأسال فوق المرتجی

سیل الحیا الساری بنانَه

أعطاه باریه التقرّبَ

منه زلفی والمکانَه

فغدا القسیمَ بأمرِه

یعطی الوری کلاّ وشانَه

یوری معادیه لظی

ویُری موالیه جنانه

سل عنه إن حمی الوطی

سُ وأصعد الحامی دخانه

من یلتوی قرضابه (2)

فیه التواء الأفعوانه

حتی یروّیه ویر

وی من دم الجانی سنانه

وینکّص الرایاتِ تع

ثرُ بالجماجمِ من جبانه

واسأل بخمٍّ کم له

المختارُ من فضل أبانه

واهاً له لو أطلقت

أعداؤه شوطاً عنانه

الشاعر

الشیخ محمد بن علی بن أحمد الحرفوشی (3) الحریری الشامی العاملی.

عبقریّ مقدّم من عباقرة العلم والأدب ، وأوحدیّ من أساطین الفضیلة ، لم یتحلَّ بمأثرة إلاّ وأتبعها بالنزوع إلی مثلها ، وما اختصَّ بأُکرومة إلاّ وراقه أن یتطلّع إلی ما هو أرفع منها ، حتی عادت الفضائل والأحساب عنده کأسنان المشط ، أو ف)

ص: 378


1- الزمانة : العاهة. تعطیل القوی. (المؤلف)
2- القرضاب : السیف القطاع. (المؤلف)
3- نسبة إلی آل حرفوش المنسوبین إلی جدّهم الأعلی الأمیر حرفوش الخزاعی الذی عقدت له رایة بقیادة فرقة فی حملة أبی عبیدة بن الجرّاح علی بعلبک. أصلهم من خزاعة العراق. راجع أعیان الشیعة : 5 / 448 [2 / 216]. (المؤلف)

خطوط الدائرة المنتهیة إلی مرکزها ، ورأیت أنَّ أوسط من وصفه هو سیّدنا المدنی الشیرازی فی سلافة العصر (ص 315) قال :

منار العلم السامی ، وملتزم کعبة الفضل ورکنها الشامی ، ومشکاة الفضائل ومصباحها ، المنیر به مساؤها وصباحها ، خاتمة أئمّة العربیّة شرقاً وغرباً ، والمرهف من کهام الکلام شباً (1) وغرباً ، أماط عن المشکلات نقابها ، وذلّل صعابها وملک رقابها ، وحلَّ للعقول عقالها ، وأوضح للفهوم قیلها وقالها ، فتدفّق بحر فوائده وفاض ، وملأ بفرائده الوطاب والوفاض ، وألّف بتآلیفه شتات الفنون ، وصنّف بتصانیفه الدرّ المکنون ، إلی زهدٍ فاق به خشوعاً وإخباتاً ، ووقار لا توازیه الرواسی ثباتاً ، وتألّه لیس لابن أدهم غرره وأوضاحه ، وتقدّس لیس للسریّ سرّه وإیضاحه. وهو شیخ شیوخنا الذی عادت علینا برکات أنفاسه ، واستضأنا بواسطة من ضیا نبراسه. وکان قد انتقل من الشام إلی بلاد العجم ، وقطن بها إلی أن وفد علیه المنون وهجم. فتوفّی بها فی شهر ربیع الثانی سنة تسع وخمسین وألف.

وترجم له شیخنا الحرّ العاملی فی أمل الآمل (2) وأثنی علیه بقوله : کان عالماً فاضلاً أریباً (3) ماهراً محقّقاً مدقّقاً شاعراً أدیباً منشیاً حافظاً ، أعرف أهل عصره بعلوم العربیّة. قرأ علی السید نور الدین علی بن علی بن أبی الحسن الموسوی العاملیّ فی مکة جملة من کتب الخاصّة والعامّة ، له کتبٌ کثیرة الفوائد.

وأطراه شیخنا العلاّمة المجلسی فی بحار الأنوار (4) بکلمة سیدنا صاحب السلافة المذکورة. وعقود جمل الثناء علیه منضّدة فی صفحات المعاجم وکتب التراجم ف)

ص: 379


1- جمع شباة ، وهی من کل شیء حدّ طرفه ، وکذا الغَرْب.
2- المطبوع فی آخر منهج المقال : ص 452 [1 / 162 رقم 167]. (المؤلف)
3- فی المصدر : أدیباً.
4- بحار الأنوار : 25 / 124 [109 / 115]. (المؤلف)

حتی الیوم ، وقد فصّلنا القول فی ترجمته فی کتابنا شهداء الفضیلة (ص 118) وذکرنا هنالک فی (ص 160) : أنَّ المترجم له قرأ علیه الشیخ علیّ زین الدین حفید الشهید الثانی ، ویروی عنه السید هاشم الأحسائی کما فی المستدرک (3 / 406).

آثاره القیّمة :

1 - طرائف النظام ولطائف الانسجام فی محاسن الأشعار.

2 - اللآلئ السنیّة فی شرح الأجرومیّة ، مجلّدان.

3 - شرح شرح الکافیجی علی قواعد ابن هشام.

4 - شرح شرح الفاکهی علی القطر.

5 - شرح قواعد الشهید قدس سره.

6 - شرح الصمدیّة فی النحو.

7 - شرح التهذیب فی النحو.

8 - شرح الزبدة فی الأصول.

9 - مختلف النحاة فی النحو.

10 - رسالة الخال.

11 - دیوان شعره.

وقال صاحب الأمل (1) بعد عدِّ کتبه ورسائل متعدّدة : رأیته فی بلادنا مدّة ثم سافر إلی أصفهان ، ولمّا توفی رثیته بقصیدة طویلة منها :

أقم مآتماً للمجد قد ذهب المجدُ

وجدّ بقلبی السوءُ والحزنُ والوجدُ

وبانت عن الدنیا المحاسنُ کلُّها

وحلَّ بها لون الضحی فهو مسودُّ (2)

وسائلةٍ ما الخطبُ راعَک وقعُه

وکادت له الشمُّ الشوامخُ تنهدُّی.

ص: 380


1- أمل الآمل : 1 / 163 رقم 167.
2- فی المصدر : وحال بها لون الضحی.

وما للبحارِ الزاخراتِ تلاطمتْ

وأمواجُها أیدٍ وساحلُها خدُّ

فقلت نعی الناعی إلینا محمداً

فذاب أسیً من نعیه الحجرُ الصلدُ

مضی فائقَ الأوصافِ مکتملَ العُلی

ومن هو فی طرق السری العلَمُ الفردُ

فکم قلمٍ ملقیً من الحزن صامت

فما عنده للصامتین له ردُّ

وطالب علمٍ کان مغتبطاً به

کمغتنمٍ للوصل فاجأه الصدُّ

لقد أظلمت طرق المباحث بعده

وکان کبدر التمِّ قارنه السعدُ

فأهل المعالی یلطمون خدودَهمْ

وقد قلَّ فی ذا الرزء أن یُلطَمَ الخدُّ

لرزء الحریریّ استبان علی العُلی

أسیً لم تکن لو لا المصابُ به یبدو

وشاعرنا - الحریریّ - مع أنّه ولید مهد العروبة ، ورضیع ثدی مجدها المؤثّل ، له فی الأدب والقریض یدٌ ناصعة ، وفی علوم لغة الضاد تضلّع وتقدّم ، قال سیدنا المدنی فی السلافة (1) : له الأدب الذی أینعت ثمار ریاضه ، وتبسّمت أزهار حدائقه وغیاضه ، فحلا جناها لأذواق الأفهام ، وتنشّق عرفها کلّ ذی فهم فهّام. فمن مطربِ کلامِهِ الذی سجعت به علی أغصان أنامله عنادل أقلامه قوله مادحاً شیخه الشیخ شرف الدین الدمشقی سنة ستّ وعشرین وألف :

إذا ما منحت جفونی القرارا

فمر طارق الطیف یدنی المزارا

فعلّک تثلجُ قلباً به

تأجّجَ وجداً وزاد استعارا

وأنّی یزور فتیً قد براه

سقامٌ یمضّ ولو زار حارا

خلیلیَ عرِّج علی رامةٍ

لأنظر سلعاً وتلک الدیارا

وعُج بی علی ربعِ من قد نأی

لأسکبَ فیه الدموعَ الغزارا

فقلبیَ من منذ زمَّ المطیُ

ترحّل عنّی إلی حیث سارا

فهل ناشدٌ لیَ وادی العقیق

عنه فإنّی عدمت القرارا6.

ص: 381


1- سلافة العصر : ص 316.

بروحی رشا فاتنٍ فاتکٍ

إذا ما انثنی هام فیه العذاری

ولمّا رنا باللحاظ انبرت

قلوبُ الأنامِ لدیه حیاری

ومن عجبٍ أنّها لم تزل

تعاقبُ بالحدّ وهی السکاری

وأعجبُ من ذا رأینا بها

انکساراً یقودُ إلیها انتصارا

ولم أرَ من قبلِه سافکاً

دماءً ولم یخشَ فی القتلِ ثارا

یعیرُ الغزالةَ من وجهِهِ

ضیاءً ویسلبُ منها النفارا

ویحمی بمرهفِ أجفانِه

جنیّا من الورد والجلّنارا

تملّکنی عنوةً والهوی

إذا ما أغارَ الحذارَ الحذارا

یرقُّ العذولُ إذا ما رأی

غرامی ویمنحنی الاعتذارا

ومن رشقته سهامُ اللحاظ

فقد عزَّ برءٌ وناء اصطبارا

حنانیک لست بأوّل من

دعاه الغرامُ فلبّی جهارا

ولا أنت أوّلُ صبٍّ جنی

علی نفسه حین أضحی جبارا

ترفّق بقلبِکَ واستبقِهِ

فقد حکم الوجد فیه وجارا

وعج عن حدیث الهوی واقرعن

إلی مدح من فی العُلی لا یجارا

إمامٍ توحّد فی المکرماتِ

ونال المعالی والافتخارا

وأدرک شأوَ العُلی یافعاً

وألبس شانیه منه الصغارا

سما فی الکلام إلی غایةٍ

وناهیک من غایةٍ لا تُباری

مناقبه لا یطیق الذکیُ

بیاناً لمعشارها وانحصارا

غدا کعبةً لاقتداء الوری

وأضحی لباغی الکمال المنارا

إلیه المفاخر منقادةٌ

أبت غیره أن یکون الوجارا

هو البحر لا ینقضی وصفه

فحدِّث عن البحر تلق الیسارا

إذا أظلم البحر عن فکرةٍ

توقَّد عاد لدیه نهارا

ص: 382

یفید لراجی المعالی عُلاً

ویمنح عافی نداه النضارا

وبکرٌ تجرِّر أذیالها

إلیک دلالاً وتسعی بدارا

أتتک من الحسن فی مطرفٍ

تثنّی قواماً أبی الاهتصارا

تضوع عبیراً وتختال فی

ملابس وشی أبت أن تعارا

تشکّی إلیک زماناً جنی

علیها بنوه وخانوا الذمارا

وهمّوا بإطفاء مقباسها

فلم یجدوا حین راموا اقتدارا

فباءوا بخفّی حُنین وقد

علاهم خسارٌ ونالوا بوارا

وکیف وأنت الذی قد قدحت

زناداً ذکاها وأوریت نارا

فهاک عروساً ترجّی بأن

یکون القبولُ لدیها نثارا

ومنک إلیک أتت إذ غدت

لها منشأً واضحاً والنجارا

ودُمْ واحدَ الدهرِ فردَ الوری

تنال سموّا وتحوی وقارا

مدی الدهر ما لاح شمسُ الضحی

وناوحَ بلبلُ روضٍ هزارا

وواصل صبّا حبیبٌ وما

تذکّر نجداً فحنَّ ادِّکارا

وتوجد فی السلافة (1) من شعره مائة واثنان وعشرون بیتاً غیر ما ذکرناه. وورث فضائله ومکارمه ولده الفاضل الصالح الشیخ إبراهیم بن محمد الحرفوشی نزیل طوس - مشهد الإمام الرضا علیه السلام - والمتوفّی بها سنة (1080) کما ذکره شیخنا الحرّ فی الأمل (2) ، وقد قرأ علی أبیه وغیره. 0.

ص: 383


1- سلافة العصر : ص 316 - 323.
2- أمل الآمل : 1 / 30 رقم 10.

ص: 384

- 83 -

ابن أبی الحسن العاملی

المتوفّی (1068)

علیٌّ تعالی بالمکارمِ والفضلِ

وأصحابکم قدماً عکوفٌ علی العجلِ

أباه ذوو الشوری لما فی صدورهم

تغلغلَ من حقدٍ علیه ومن غلِ

وما ذا عسی یا مروُ أن ینفع الإبا

وقد قال فیه المصطفی خاتمُ الرسلِ

ونصَّ علیه فی الغدیر بأنَّه

إمامُ الوری بالمنطقِ الصادعِ الفصلِ

فأودعتموها غیرَ أهلٍ بظلمِکمْ

وأبعدتموها أیَّ بُعدٍ عن الأهلِ

فآذوا رسولَ اللهِ فی منعِ بنتِه

تراثاً لها یا ساء ذلک من فعلِ

وکم رکبوا غیّا وجاؤوا بمنکر

وکم عدلوا عن جانب الرشد والعدلِ

مثالبُ لا تحصی عداداً وکثرةً

أبی عدُّها عن أن یحیطَ به مثلی

کفرتم ولفّقتم أحادیثَ جمّةً

بمدح أناسٍ ساقطین ذوی جهلِ

ولم یکفِکمْ حتی وضعتمْ مثالباً

لصنو رسول الله والمرتضی العدلِ

فقلتم ضلالاً : ساءَ حیدرُ أحمداً

بخطبته بنتَ اللعینِ أبی جهلِ (1)

علی أنَّه لو کان حقّا وثابتاً

فحاشاه أن یأبی ویغضبَ من حلِ

نسبتم إلی الهادی متابعةَ الهوی

وکذّبتُمُ فیه الإلهَ بذا النقلِ

القصیدة ذکرها العلاّمة السیّد أحمد العطّار فی الجزء الثانی من کتابه الرائق. ف)

ص: 385


1- حدیث هذه الخطبة یوجد فی صحاح القوم ومسانیدهم. (المؤلف)

الشاعر

السید نور الدین علیّ - الثانی - ابن السید نور الدین علی - الکبیر - ابن الحسین بن أبی الحسن الموسویّ العاملیّ الجبعیّ.

من أعیان الطائفة ووجوه أعلامها ، وفی الطلیعة من عباقرتها ، جمع بین العلم والأدب ، وتحلّی بأبراد الزهد والورع ، کما کان أبوه أوحدیّا من أعلام بیت الوحی وفذّا من أفذاذ العلم والفضیلة ، وعلَماً من تلامذة شیخنا الشهید الثانی.

قرأ سیدنا المترجم له علی أبیه السید الشریف الطاهر ، وعلی العلمین الحجّتین صاحب المدارک أخیه لأبیه ، والشیخ حسن ابن الشیخ الشهید الثانی أخیه لأُمّه ویروی عنهما.

ویروی بالإجازة عن الشیخین : العرضی الحلبی (1) والبورینی الشامی (2) قال فی إجازته للمولی محمد محسن : إنِّی أروی جانباً من مؤلّفات العامّة فی المعقول والفقه والحدیث عن الشیخین الجلیلین المحدِّثین ، أعلمی زمانهما ، ورئیسی أوانهما : عمر العرضی الحلبی ، وحسن البورینی الشامی ، بالإجازة منهما بالطرق المفصّلة عنهم فی إجازتیهما إلیَّ.

ویروی عن السید بالإجازة المولی محمد طاهر القمّی المتوفّی (1089) الآتی ف)

ص: 386


1- عمر بن عبد الوهاب العرضی الحلبی الشافعی القادری ، المحدّث الفقیه الکبیر ، مفتی حلب وواعظها ، ولد بحلب سنة 950 وتوفّی فی شعبان سنة 1024. توجد ترجمته فی خلاصة الأثر : 3 / 215. (المؤلف)
2- الشیخ حسن بن محمد بدر الدین البورینی الشافعی ، له تآلیف بدیعة ورسائل کثیرة ، ودیوان شعره ، ولد سنة 963 وتوفّی فی جمادی الأولی سنة 1024. ترجم له المحبّی فی الخلاصة : 2 / 51 - 62. (المؤلف)

ذکره فی هذا الجزء إن شاء الله تعالی.

والشیخ هاشم بن الحسن بن عبد الرؤوف الأحسائی (1).

والشیخ أبو عبد الله الحسین بن الحسن بن یونس العاملی العیناثی الجبعی (2).

والمولی محمد محسن بن محمد مؤمن ، بإجازة مؤرّخة بسنة (1051) (3).

والسید محمد مؤمن بن دوست محمد الحسینیّ الأسترآبادی نزیل مکة المشرّفة والشهید بها سنة (1088) کان من تلمذة السید المترجم له (4) ، توجد ترجمة هذا الشریف المؤمن فی کتابنا شهداء الفضیلة (5).

والمولی محمد باقر بن محمد مؤمن الخراسانی السبزواری المتوفّی سنة (1090) یروی عن شاعرنا الشریف کما فی إجازته للمولی محمد شفیع (6).

والشیخ جعفر بن کمال الدین البحرانی المتوفّی (1091) (7).

والسید أحمد نظام الدین المتوفّی سنة (1086) والد السید علی خان المدنی صاحب السلافة کما فی روضات الجنّات (8) (ص 413).

وأنت مهما اطّلعت علی ذکر شاعرنا - نور الدین - فی المعاجم تجدها مزدانة بجمل الإطراء له ، مشحونةً بغرر ودرر فی الثناء علیه ، منضّدة بأیدی أعلام العلم والدین. قال سیدنا صدر الدین المدنی فی سلافة العصر (ص 302) : طود العلم 0.

ص: 387


1- راجع مستدرک الوسائل : 3 / 407 [3 / 405]. (المؤلف)
2- راجع إجازات البحار : ص 159 ، 160 [بحار الأنوار : 110 / 110 رقم 100]. (المؤلف)
3- توجد فی إجازات البحار : ص 141 [بحار الأنوار : 110 / 25 رقم 88]. (المؤلف)
4- راجع إجازات البحار : ص 164 [بحار الأنوار : 110 / 127 رقم 102]. (المؤلف)
5- شهداء الفضیلة : ص 199 - 201.
6- راجع إجازات البحار : 156 [بحار الأنوار : 110 / 92 رقم 96]. (المؤلف)
7- راجع مستدرک الوسائل : 3 / 389. (المؤلف)
8- روضات الجنّات : 4 / 396 رقم 420.

المنیف ، وعضد الدین الحنیف ، ومالک أزمّة التألیف والتصنیف ، الباهر بالروایة والدرایة ، والرافع لخمیس المکارم أعظم رایة ، فضلٌ یعثر فی مداه مقتفیه ، ومحلٌّ یتمنّی البدر لو أشرق فیه ، وکرمٌ یخجل المزن الهاطل ، وشیمٌ یتحلّی بها جید الزمن العاطل ، وصیتٌ من حسن السمعة بین السحر والنحر.

فسار مسیرَ الشمسِ فی کلِّ بلدةٍ

وهبَّ هبوبَ الریح فی البرّ والبحرِ

حتی کان رائد المجد لم ینتجع سوی جنابه ، وبرید الفضل لم یقعقع سوی حلقة بابه ، وکان له فی مبدأ بالشام مجال لا یکذبه بارق العزّ إذا شام ، بین إعزاز وتمکین ، ومکان فی جانب صاحبها مکین ، ثم انثنی عاطفاً عنانه وثانیه ، فقطن بمکة شرّفها الله تعالی وهو کعبتها الثانیة ، تُستلم أرکانه کما تُستلم أرکان البیت العتیق ، وتُستَنْسمُ أخلاقه کما یُسْتَنْسَمُ المسک العبیق ، یعتقد الحجیج قصده من غفران الخطایا ، وینشد بحضرته :

تمام الحجّ أن تقف المطایا

وقد رأیته بها وقد أناف علی التسعین ، والناس تستعین به ولا یستعین ، والنور یسطع من أساریر جبهته ، والعزّ یرتع فی میادین جدهته (1) ، ولم یزل بها إلی أن دُعی فأجاب ، وکأنَّه الغمام أمرع البلاد فانجاب ، وکانت وفاته لثلاث عشرة بقین من ذی الحجّة الحرام سنة ثمان وستّین وألف ، رحمه الله تعالی ، وله شعرٌ یدلّ علی علوّ محلّه ، وإبلاغه هدی القول إلی محلّه ، فمنه قوله متغزّلاً :

یا من مضوا بفؤادی عندما رحلوا

من بعد ما فی سوید القلب قد نزلوا

جاروا علی مهجتی ظلماً بلا سببٍ

فلیت شعری إلی من فی الهوی عدلوا

وأطلقوا عبرتی من بعد بُعدهمُ

والعینُ أجفانَها بالسهدِ قد کحلوا

یا من تعذّب من تسویفِهمْ کبدی

ما آن یوماً لقطعِ الحبل أن تصلوار.

ص: 388


1- کذا فی المصدر.

جادوا علی غیرنا بالوصل متّصلاً

وفی الزمانِ علینا مرّةً بخلوا

کیف السبیلُ إلی من فی هواه مضی

عمری وما صدّنی عن ذکرِه شُغلُ

وا حیرتی ضاع ما أولیتُ من زمنٍ

إذ خاب فی وصلِ من أهواهمُ الأملُ

فی أیِّ شرعٍ دماءُ العاشقین غدتْ

هدری ولیس لهم ثارٌ إذا قُتِلوا

یا للرجالِ من البیضِ الرشاقِ أما

کفاهمُ ما الذی بالناسِ قد فعلوا

من منصفی من غزالٍ ما لَهُ شغُلٌ

عنِّی ولا عاقنی عن حبِّه عملُ

نصبت أشراکَ صیدی فی مراتِعه

الصیدُ فنِّی ولی فی طرقِه حِیَلُ

فصاح بی صائحٌ خفّضْ علیک فقد

صادوا الغزالَ الذی تبغیه یا رجلُ

فصرت کالواله الساهی وفارقنی

عقلی وضاقت علیَّ الأرضُ والسبلُ

وقلت بالله قل لی أین سار به

من صاده علّهمْ فی السیرِ ما عجلوا

فقال لی کیف تلقاهم وقد رحلوا

من وقتهم واستجدّت سیرَها الإبلُ

وقوله مادحاً بعض الأمراء وهی من غرر کلامه :

لک الفخر بالعلیا لک السعدُ راتبُ

لک العزُّ والإقبالُ والنصرُ غالبُ

لک المجدُ والإجلالُ والجودُ والعطا

لک الفضلُ والنعما لک الشکرُ واجبُ

سموتَ علی هامِ المجرّةِ رفعةً

ودارت علی قطبی علاک الکواکبُ

فیا رتبةً لو شئتَ أن تبلغَ السُهی

بها أقبلتْ طوعاً إلیک المطالبُ

بلغت العلا والمجدَ طفلاً ویافعاً

ولا عجب فالشبل فی المهد کاسبُ

سموت علی قُبِ (1) السراحین (2) صائلاً

فکلّت بکفّیک القنا والقواضبُ

وحزتَ رهانَ السبقِ فی حلبةِ العُلا

فأنت لها دون البریّةِ صاحبُ

وجلتَ بحومات الوغی جولَ باسلٍ

فردّت علی أعقابهنَّ الکتائبُب.

ص: 389


1- قُبّ : جمع أقبٍّ ، وهو الضامر البطن.
2- السراحین : جمع السرحان وهو الذئب.

فلا الذارعاتُ المعتمات تکنّها

ملابسُها لمّا تحنُّ المضاربُ

ولا کثرة الأعداء تغنی جموعها

إذا لمعت منک النجومُ الثواقبُ

خُض الحتفَ لا تخشَ الردی واقهرِ العدی

فلیس سوی الإقدامِ فی الرأی صائبُ

وشمّر ذیولُ الحزمِ عن ساقِ عزمِها

فما ازدحمتْ إلاّ علیک المراتبُ

إذا صدقتْ للناظرینَ دلائلٌ

فدع عنک ما تبدی الظنونُ الکواذبُ

ببیضِ المواضی یدرکُ المرءُ شأوَهُ

وبالسمر إن ضاقت تهونُ المصاعبُ

لأسلافِک الغرِّ الکرامِ قواعدٌ

علی مثلِها تُبنی العُلا والمناصبُ

زکوت وحزت المجدَ فرعاً ومحتداً

فآباؤک الصیدُ الکرامُ الأطایبُ

ومن یزکُ أصلاً فالمعالی سمتْ به

ذری المجدِ وانقادت إلیه الرغائبُ

القصیدة

وتوجد ترجمته (1) فی : البحار (25 / 124) ، وریاض العلماء ، وخلاصة الأثر (3 / 132 - 134) ، وروضات الجنّات (ص 530) ، والفوائد الرضویّة (1 / 313) ، والکنی والألقاب (3 / 223) ، وقال صاحب أمل الآمل : وقد رأیته فی بلادنا وحضرت درسه بالشام أیّاماً یسیرة وکنت صغیر السن ورأیته بمکة أیضاً أیّاماً ، وکان ساکناً بها أکثر من عشرین سنة ، ولمّا مات رثیته بقصیدة طویلة ستّة وسبعین بیتاً أوّلها :

علی مثلها شقّت حشاً وقلوبُ

إذا شُقِّقَتْ عند المصابِ جیوبُ

لحی اللهُ قلباً لا یذوبُ لفادحٍ

تکادُ له صمُّ الصخورِ تذوبُ

جری کلُّ دمعٍ یومَ ذاک مرخّماً

وضاقَ فضاءُ الأرضِ وهو رحیبُ

علی السیّد المولی الجلیل المعظّم

النبیل بعیدٌ قد بکی وقریبُ

خبا نورُ دین الله فارتدّ ظلمةً

إذ اغتاله بعد الطلوعِ مغیبُ9.

ص: 390


1- بحار الأنوار : 109 / 112 ، ریاض العلماء : 4 / 155 ، روضات الجنّات : 7 / 51 رقم 598 ، أمل الآمل : 1 / 124 رقم 133 ، الکنی والألقاب : 3 / 269.

فکلُّ جلیلٍ بعد ذاک محقّرٌ

وکلُّ جمیلٍ بعد ذاک معیبُ

فمن ذا یمیرُ السائلین وقد قضی

ومن لسؤالِ السائلین یجیبُ

ومن ذا یحلّ المشکلاتِ بفکره

یبین خفیَّ العلمِ وهو غیوبُ

ومن ذا یقومُ اللیلَ للهِ داعیاً

إذا عزَّ داعٍ فی الظلام منیبُ

ومن ذا الذی یستغفر الله فی الدجی

ویبکی دماً إن قارفته ذنوبُ

ومن یجمع الدنیا مع الدین والتقی

مع الجاه إنّ المکرماتِ ضروبُ

لتبکِ علیه للهدایةِ أعینٌ

ومدمعُها منها علیه صبیبُ

وتبک علیه للتصانیف مقلةٌ

تقاطر منها مهجةٌ وقلوبُ

القصیدة

وقال : کان عالماً فاضلاً أدیباً شاعراً منشئاً جلیل القدر عظیم الشأن ، وله کتاب شرح المختصر النافع لم یتمّ ، وکتاب الفوائد المکیّة ، وشرح الاثنا عشریّة (1) الصلاتیّة للشیخ البهائی ، وغیر ذلک من الرسائل. انتهی. وله رسالةٌ فی تفسیر آیة مودّة ذی القربی ، ورسالة غُنیة المسافر عن المنادم والمسامر.

وورثه علی فضائله وفواضله ولده السید جمال الدین بن نور الدین علی بن [نور الدین علی الکبیر بن] الحسین بن أبی الحسن الحسینی الدمشقی ، قرأ بدمشق علی العلاّمة السید محمد بن حمزة نقیب الأشراف ، ثم هاجر الی مکة وأبوه ثمّة فی الأحیاء ، فجاور بها مدّة ، ثم دخل الیمن أیّام الإمام أحمد بن الحسن فعرف حقّه من الفضل ، ومدحه بقصیدة مطلعها :

خلیلیَّ عودا لی فیا حبّذا المطلُ

إذا کان یرجی فی عواقبه الوصلُ (2)

ثم فارق الیمن ، ودخل الهند ، فوصل إلی حیدرآباد وصاحبها یومئذٍ الملک أبو ف)

ص: 391


1- أسماه فی إجازته للمولی محمد محسن بالأنوار البهیّة [بحار الأنوار : 110 / 26 رقم 88]. (المؤلف)
2- ذکر منها المحبّی فی الخلاصة [خلاصة الأثر : 1 / 495] خمسة عشر بیتاً. (المؤلف)

الحسن ، فاتّخذه ندیم مجلسه ، وأقبل علیه بکلّیته ، ولمّا طرقت النکباء أبا الحسن من سلطان الهند الأعظم وحبس انقلب الدهر علی السید جمال الدین ، فبقی مدّة فی حیدرآباد إلی أن مات بها فی سنة ثمان وتسعین وألف ، کما أخبرنی بذلک أخوه روح الأدب السید علی بمکة المشرّفة.

کذا ترجمه المحبّی فی خلاصة الأثر (1 / 494) ، وأثنی علیه صاحب أمل الآمل (1) (ص 7) وقال : عالم فاضل محقّق مدقّق ماهر أدیب شاعر ، کان شریکنا فی الدروس عند جماعة من مشایخنا ، سافر إلی مکة وجاور بها ، ثم إلی مشهد الرضا علیه السلام ثم إلی حیدرآباد ، وهو الآن ساکنٌ بها ، مرجع فضلائها وأکابرها ، وله شعر کثیر من معمّیات وغیرها ، وله حواشٍ وفوائد کثیرة ، ومن شعره قوله :

قد نالنی فرط التعبْ

وحالنی من العجبْ

فمن ألیمِ الوجدِ فی

جوانحی نار تشبْ

ودمعُ عینی قد جری

علی الخدود وانسکبْ

وبان عن عینی الحمی

وحُکِّمتْ یدُ النُّوَبْ

یا لیت شعری هل تری

یعود ما کان ذهبْ

یفدی فؤادی شادناً

مهفهفاً عذبَ الشنبْ

بقامة کأسمرٍ

بها النفوسَ قد سلبْ

ووجنةٍ کأنّها

جمرُ الغضا إذا التهبْ

فذکر شطراً من شعره ، فقال : وقد کتبت إلیه مکاتبة منظومة اثنین وأربعین بیتاً ، أذکر منها أبیاتاً :

سلامٌ وإکرامٌ وأزکی تحیّة

تُعَطَّرُ أسماعٌ بهنّ وأفواهُ0.

ص: 392


1- أمل الآمل : 1 / 45 رقم 40.

وأثنیته مستحسناتٍ بلیغةً

تطابق فیها اللفظُ حسناً ومعناهُ

وأشرف تعظیم یلیق بأشرف ال

کرام وأحلی الوصف منه وأعلاهُ

أُقبِّل أرضاً شرّفتها نعالُه

وأبدی بجهدی کلَّ ما قد ذکرناهُ

من المشهدِ الأقصی الذی من ثوی به

ینلْ فی حماه کلّ ما تمنّاهُ

إلی ماجدٍ تعنو الأنامُ ببابِه

فتدرکُ أدنی العزّ منه وأقصاهُ

وأضحی ملاذاً للأنامِ وملجأً

یخوضون فی تعریفهِ کلّما فاهوا

فتیً فی یدیه الیُمن والیُسرُ للوری

فللیُمنِ یُمناه وللیسر یُسراه

جناب الأمیر الأمجد الندب سیّدی

جمال العُلی والدین أیّده اللهُ

وبعد فإنَّ العبد ینهی صبابةً

تناهت ووجداً لیس یدرک أدناهُ

ویشکو فراقاً أحرقَ القلبَ نارُه

وقد دکّ طَوْدَ الصبرِ منه وأفناهُ

وإنّا وإن شطّت بکم غربةُ النوی

لَنحفظُ عهدَ الودِّ منکم ونرعاهُ

وقد جاءنی منکم کتابٌ مهذّبٌ

فبدّل همّی بالمسرّةِ مرآهُ

فلا تقطعوا أخبارَکمْ عن محبِّکمْ

فإنَّ کتاباً من حبیب کلقیاهُ

وإنّی بخیرٍ غیرَ أنَّ فراقکمْ

أذابَ فؤادی بالغرامِ وأصماهُ (1)

وأُهدی سلامی والتحیّةَ والثنا

وألطفَ مدحٍ مع دعاءٍ تلوناهُ

إلی الإخوةِ الأمجادِ قرّةِ مقلتی

أحبّةِ قلبی خیر ما یتمنّاهُ

إلی أن قال :

إلیکم تحیّاتٌ أتت من عُبیدِکمْ

محمدِ الحرِّ الذی أنت مولاهُ

وفی صَفَرٍ تاریخ عام ستّة

وسبعین بعد الألف بالخیر عقباهُ

وأوعز إلی ذکره الجمیل صاحبُ روضات الجنّات (2) (ص 115) فی ذیل ترجمة 6.

ص: 393


1- أصمی الصید : رماه فقتله مکانه. (المؤلف)
2- روضات الجنّات : 2 / 212 رقم 176.

السید جمال الدین الجرجانی ، وذکره ابن أخیه السید عباس بن علی فی نزهة الجلیس (1) ، وتوجد ترجمته فی بغیة الراغبین (2) وفیه : أنّه قرأ علی أبیه وجماعة ، وروی عن أبیه وعن جدّه لأُمّه الشیخ نجیب الدین. وذکره القمی فی الفوائد الرضویّة (1 / 84) ، وجمع شتات ترجمته سید الأعیان فی الجزء السادس عشر (3) (ص 383 - 390). 7.

ص: 394


1- نزهة الجلیس : 1 / 78.
2- بغیة الراغبین : 1 / 35.
3- أعیان الشیعة : 4 / 217.

- 84 -

الشیخ حسین الکرکی

المتوفّی (1076)

فخاض أمیرُ المؤمنین بسیفِهِ

لظاها وأملاکُ السماءِ له جندُ

وصاح علیهم صیحةً هاشمیّةً

تکاد لها الشمُّ الشوامخُ تنهدُّ

غمامٌ من الأعناق تهطلُ بالدما

ومن سیفِه برقٌ ومن صوتِه رعدُ

وصیُّ رسولِ الله وارثُ علمه

ومن کان فی خمٍّ له الحلُّ والعقدُ

لقد ضلَّ من قاس الوصیَّ بضدِّهِ

وذو العرش یأبی أن یکون له ندُّ

القصیدة (1)

الشاعر

الشیخ حسین بن شهاب الدین بن حسین بن خاندار (2) الشامی الکرکی العاملی ، هو من حسنات عاملة ، ومن العلماء المشارکین فی العلوم المتضلّعین منها ، أمّا حظّه من الأدب فوافر ، ولعلّک لا تدری إذا سرد القریض أنّه هل نظم درّا ، أو صاغ تبراً.

ذکره معاصره فی الأمل (3) وقال : کان عالماً فاضلاً ماهراً أدیباً شاعراً منشئاً 6.

ص: 395


1- أخذناها من أمل الآمل [1 / 72 رقم 66] نقلها عن خطّ ناظمها. (المؤلف)
2- فی خلاصة الأثر [2 / 90] : جاندار. (المؤلف)
3- أمل الآمل : 1 / 70 رقم 66.

من المعاصرین له کتبٌ منها : شرح نهج البلاغة ، وعقود الدرر فی حلِّ أبیات المطوّل والمختصر ، وحاشیة المطول ، وکتاب کبیر فی الطبِّ ، وکتاب مختصر فیه ، وحاشیة البیضاوی ، ورسائل فی الطبّ وغیره ، وهدایة الأبرار فی أُصول الدین ، ومختصر الأغانی ، وکتاب الإسعاف ، ورسالة فی طریقة العمل ، ودیوان شعره ، وأرجوزة فی النحو ، وأرجوزة فی المنطق ، وغیر ذلک. وشعره حسن جیّد خصوصاً مدائحه لأهل البیت علیهم السلام ، سکن أصفهان مدّة ، ثم حیدرآباد سنین ومات بها ، وکان فصیح اللسان ، حاضر الجواب ، متکلّماً حکیماً ، حسن الفکر ، عظیم الحفظ والاستحضار ، توفّی فی سنة (1076) وکان عمره (68) سنة.

وبالغ فی الثناء علیه السید المدنی فی السلافة (1) (ص 355) وممّا قال : طودٌ رسا فی مقرِّ العلم ورسخ ، ونسخ خطّة الجهل بما خطَّ ونسخ. علا به من حدیث الفضل إسناده ، وأقوی به من الأدب إقواؤه وسناده (2). رأیته فرأیت منه فرداً فی الفضائل وحیداً ، وکاملاً لا یجد الکمال عنه محیداً. تحلّ له الحبی (3) وتعقد علیه الخناصر ، أوفی علی من قبله وبفضله اعترف المعاصر. یستوعب قماطر العلم حفظاً بین مقروءٍ ومسموع ، ویجمع شوارد الفضل جمعاً هو فی الحقیقة منتهی الجموع ، حتی لم یر مثله فی الجدّ علی نشر العلم وإحیاء مواته ، وحرصه علی جمع أسبابه وتحصیل أدواته. کتب بخطّه ما یکلُّ لسان القلم عن ضبطه ، واشتغل بعلم الطبِّ فی أواخر عمره ، فتحکّم فی الأرواح والأجساد بنهیه وأمره.

ثم ذکر انتقاله وتجوّله فی البلاد ، وقدومه علی والده سنة أربع وسبعین ، س.

ص: 396


1- سلافة العصر : ص 347 - 359.
2- أقوی : افتقر ، الإقواء : هو المخالفة بین حرکة الروی المطلق بکسر وضم ، والسناد : هو اختلاف ما یراعی قبل الروی من الحرکات وحروف المد ، وهما من عیوب الشعر. والعبارة کنایة عن تحقق الکمال للأدب بالمترجم له.
3- الحُبی : جمع حبوه ، یقال احتبی بالثوب إذا أداره علی ساقیه وظهره وهو جالس.

ووفاته یوم الاثنین لإحدی عشرة بقیت من صفر سنة ستّ وسبعین وألف عن أربع وستین سنة تقریباً (1).

وذکر من شعره مائتین وواحداً وعشرین بیتاً. ومنها قوله :

یا شقیق البدر أخفی

فرعُک المسدولُ بدرکْ

فارحمِ العشّاقَ واکشفْ

یا جمیل الستر سترکْ

وقوله :

جودی بوصلٍ أو ببینِ

فالیأسُ إحدی الراحتینِ

أیحلُّ فی شرع الهوی

أن تذهبی بدم الحسینِ

وقوله :

ولقد تأمّلت الزمانَ وأهلَهُ

فرأیت نارَ الفضلِ فیهم خامده

فتنٌ تجوش ودولةٌ قد حازَها

أهلُ الرذالة والعقولِ الفاسده

فقلوبُهم مثلُ الحدید صلابةً

وأکفُّهم مثلُ الصخور الجامده

فرأیت أنَّ الاعتزالَ سلامةٌ

وجعلتُ نفسی واو عمرو الزائده

ومن شعره المذکور فی أمل الآمل (2) قوله :

رضیت لنفسی حبَّ آل محمدٍ

طریقة حقٍّ لم یضع من یدینها

وحبّ علیٍّ منقذی حین یحتوی

لدی الحشر نفسٌ لا یفادی رهینها

وقوله من قصیدة :

أبا حسنٍ هذا الذی أستطیعه

بمدحک وهو المنهلُ السائغُ العذبُ3.

ص: 397


1- مرّ عن أمل الآمل أنّه توفّی عن (68) سنة.
2- أمل الآمل : 1 / 73.

فکن شافعی یوم المعاد ومونسی

لدی ظلمات اللحد إذ ضمّنی التربُ

ومن شعره قوله (1) :

ما لاح برقٌ من رُبی حاجرِ

إلاّ استهلَّ الدمع من ناظری

ولا تذکّرت عهودَ الحمی

إلاّ وسارَ القلبُ عن سائری

أوّاه کم أحمل جور الهوی

ما أشبهَ الأوّلَ بالآخرِ

یا هل تری یدری نئومُ الضحی

بحالِ ساهٍ فی الدجی ساهرِ

تهبّ إن هبّت یمانیّةٌ

أشواقُه للرشأ النافرِ

یضربُ فی الآفاق لا یأتلی

فی جوبها کالمثلِ السائرِ

طوراً تهامیّا وطوراً له

شوقٌ إلی من حلَّ فی الحائرِ

کأنّ مما رابه قلبَه

عُلِّق فی قادمتی طائر

ومنها :

یطیب عیشی فی ربی طیبةٍ

بقرب ذاک القمرِ الزاهرِ

محمدِ البدرِ الذی أشرق ال

کونُ بباهی نورِهِ الباهرِ

کوّنه الرحمنُ من نورِهِ

من قبلِ کونِ الفلکِ الدائرِ

حتی إذا أرسله للهدی

کالشمسِ یغشی ناظر الناظرِ

أیّده بالمرتضی حیدرٍ

لیثِ الحروب الأروع الکاسرِ

فکان مذ کان نصیراً له

بورک فی المنصور والناصرِ

یجندلُ الأبطالَ یومَ الوغی

بذی الفقارِ الصارمِ الباترِ

توجد ترجمة شاعرنا الحسین فی خلاصة الأثر (2 / 90 - 94) ، وریاض الجنّة فی الروضة الرابعة لسیدنا الزنوزی ، وإجازات البحار (2) (ص 125) لشیخنا العلاّمة 9.

ص: 398


1- أخذنا أبیاتاً منه من أمل الآمل [1 / 73] وعدّة أبیات من خلاصة الأثر [2 / 92]. (المؤلف)
2- بحار الأنوار : 109 / 119.

المجلسی ، وروضات الجنّات (1) (ص 193 ، 557) ، وتتمیم أمل الآمل لابن أبی شبانة ، ونجوم السماء (ص 93) ، وسفینة البحار (1 / 273) وأعیان الشیعة (2) (26 / 138 - 156) ، والفوائد الرضویّة (1 / 135) ، وشهداء الفضیلة (123) ، وذکره صاحب معجم الأطبّاء (ص 171) وأثنی علیه وقال : وذکره البدیعیّ فی کتابه - ذکری حبیب - وقال فیه : هو ثانی أبی الفضل البدیع الهمدانی ، وثالث ابن الحجّاج والواسانی ، وقد دوّن مدائحه وسمّاها : کنز اللآلئ وجمع أهاجیه ووسمها ب : السلاسل والأغلال ، اشتغل بعلم الطبِّ فی آخر عمره. إلی آخره. رحم الله معشر السلف. 7.

ص: 399


1- روضات الجنّات : 2 / 338 رقم 216 ، 7 / 140 رقم 631.
2- أعیان الشیعة : 6 / 137.

ص: 400

- 85 -

القاضی شرف الدین

المتوفّی (1079)

لو کان یعلم أنَّها الأحداقُ

یوم النقا ما خاطر المشتاقُ

جهل الهوی حتی غدا فی أسره

والحبُّ ما لأسیرهِ إطلاقُ

یا صاحبیَّ وما الرفیقُ بصاحبٍ

إن لم یکن من دأبِه الإشفاقُ

هذا النقا حیث النفوسُ تباح وال

ألباب تشرقُ والدماءُ تراقُ

حیث الظباءُ لهنَّ شوقٌ فی الهوی

فیه لأربابِ العقولِ نفاقُ

وحذارِ من تلک الظباءِ فما لها

فی الحبِّ لا عهدٌ ولا میثاقُ

کالبدرِ إلاّ أنَّه فی تمّه

لا یُختشی أن یعتریه محاقُ

کالغصنِ لکنْ حسنُهُ فی ذاتِه

والغصنُ زانت قدَّهُ الأوراقُ

مهما شکوتُ له الجفاءَ یقول لی

ما الحبُّ إلاّ جفوةٌ وفراقُ

أو أشتکی سهری علیه یقل متی

نامت لمن حمل الهوی آماقُ

أو قلت قد أشرقتنی بمدامعی

قال الأهلّة شأنُها الإشراقُ

کنت الخلیَّ فعرَّضتْنی للهوی

یومَ النوی الوجناتُ والأحداقُ

إلی أن قال :

ولقد أقولُ لعصبةٍ زیدیّةٍ

وخدتْ بهم نحو العراقِ نیاقُ

بأبی وبی وبطارفی وبتالدی

من یمّموه ومن إلیه تُساقُ

ص: 401

هل منّةٌ فی حمل جسمٍ حلّ فی

أرضِ الغریّ فؤادُه الخفّاقُ

أسمعتُهمْ ذکرَ الغریِّ وقد سرتْ

بعقولهم خمرُ السُّری فأفاقوا

حبّا لمن یسقی الأنامَ غداً ومن

تُشفی بتربِ نعالِه الأحداقُ

لمن استقامتْ علّةُ الباری به

وعلت وقامت للعلا أسواقُ

ولمن إلیه حدیثُ کلِّ فضیلةٍ

من بعد خیرِ المرسلین یُساقُ

لمحطّمِ اللدنِ الرماح وقد غدا

للنقعِ من فوق الرماحِ رُواقُ

لفتی تحیّتُهُ لعظمِ جلالِهِ

من زائریه الصمتُ والإطراقُ

صنوُ النبیّ وصهره یا حبّذا

الصنوان قد وشجتهما الأعراقُ

وأبو الأُلی فاقوا وراقوا الأُلی

بمدیحهم تتزینّ الأوراقُ

انظر إلی غایاتِ کلِّ فضیلةٍ

أسواه کان جوادها السبّاقُ

وامدحه لا متحرّجاً فی مدحِهِ

إذ لا مبالغةٌ ولا إغراقُ

ولاّه أحمدُ فی الغدیرِ ولایةً

أضحت مطوَّقةً بها الأعناقُ

حتی إذا أجری إلیها طرفَهُ

حادوه عن سنن الطریقِ وعاقوا

ما کان أسرعَ ما تناسوا عهده

ظلماً وحلّت تلکم الأطواقُ

شهدوا بها یومَ الغدیر لحیدرٍ

إذ عمّ من أنوارها الإشراقُ

القصیدة (1)

الشاعر

القاضی شرف الدین الحسن ابن القاضی جمال الدین علی بن جابر بن صلاح ابن أحمد بن صلاح بن أحمد بن ناجی بن أحمد بن عمر بن حنظل بن المطهّر بن علی الهبلی (2) الخولانی الیمنی الصنعانی ، أحد أعلام الیمن وأعیانها الأدباء ، کان عالماً کاتباً ف)

ص: 402


1- تجدها فی نسمة السحر فیمن تشیّع وشعر : ج 1 [مج 7 / ج 1 / 172]. (المؤلف)
2- بفتح الهاء والموحّدة بعدها ، بیت کبیر من خولان. (المؤلف)

شاعراً ، له دیوانٌ یسمّی بقلائد الجواهر ، وفی نسمة السحر : إنّ الیمن لم تلد أشعر منه من أوّل الدهر إلی وقته ، ومن منثور کتاباته تقریظٌ علی سمط اللآلئ تألیف السید أبی الحسن (1) إسماعیل بن محمد ومن شعره :

مشروطةٌ خطرت تُرَنِّحُ قامةً

یخزی الذوابلَ لینُها وشطاطُها

قامت قیامةُ عاشقیها فی الهوی

مذ أسفرت وبدت لهم أشراطُها

توفّی بصنعاء وهو شابّ فی صفر سنة (1079) ورثاه والده وغیره.

وذکره صاحب خلاصة الأثر وأطراه وأثنی علیه فی الکتاب (2 / 30) ، وذکر کثیراً من شعره وممّا رواه قوله :

أین استقرَّ السفرُ الأوّلُ

عمّا قریبٍ بهم ننزلُ

مرّوا سراعاً نحو دارِ البقا

ونحن فی آثارِهمْ نرحلُ

ما هذه الدنیا لنا منزلاً

وإنَّما الآخرةُ المنزلُ

قد حذّرتْنا من تصاریفِها

لو أنّنا نسمعُ أو نعقلُ

یطیلُ فیها المرءُ آمالَه

والموتُ من دون الذی یأملُ

یحلو له ما مرَّ من عیشِها

ودونه لو عقلَ الحنظلُ

ألهته عن طاعةِ خلاّقِهِ

واللهُ لا یلهو ولا یغفلُ

یا صاح ما لذّة عیشٍ بها

والموتُ ما تدری متی ینزلُ

یدعو لی الأحبابُ من بینِنا

یُجیبه الأوّلُ فالأوّلُ

یا جاهلاً یجهد فی کسبها

أغرّک المشرب والمأکلُ

ویا أخا الحرص علی جمعها

مهلاً فعنها فی غدٍ تُسألُف)

ص: 403


1- أحد أئمّة الیمن له شهرة طائلة بها ، توفّی سنة 1079 ، توجد ترجمته فی خلاصة الأثر للمولی المحبّی : 1 / 416. (المؤلف)

لا تتعبنْ فیها ولا تأسفَنْ

لما مضی فالأمرُ مستقبلُ

ما قولُنا بین یدی حاکمٍ

یعدلُ فی الحکمِ ولا یعزلُ

ما قولُنا للهِ فی موقفٍ

یخرسُ فیه المصقعُ المقولُ

وإن سُئلنا فیه عن کلِّ ما

نقولُ فی الدنیا وما نفعلُ

ما الفوزُ للعالمِ فی علمِهِ

وإنَّما الفوزُ لمن یعملُ

وقوله وفیه الجناس الکامل :

رویدک من کسبِ الذنوب فأنت لا

تطیقُ علی نارِ الجحیمِ ولا تقوی

أترضی بأن تلقی المهیمنَ فی غدٍ

وأنت بلا علمٍ لَدَیک ولا تقوی

ص: 404

- 86 -

السیّد أبو علیّ الأنسی

المتوفّی (1079)

أمر الله فی التنازع بالردّ

إلیه سبحانه وتعالی (1)

وإلی خیرِ خلِقِه سیّدِ الرس

ل وأزکاهمْ فعالاً ومقالا

فلما ذا غدا التنازع فی أم

رٍ عظیمٍ قد خالفوه ضلالا

حکمت فی مقامِ خیرِ البرایا

حین ولّی تیهاً رجالٌ رجالا

فأبن لی ما حال من خالف الله

ومن صیّرَ الحرامَ حلالا

واعرضِ القولَ فی الجوابِ علی ما

أنزلَ اللهُ واطرحِ الأقوالا

زعم النصَّ فی الوصیِّ خفیّا

من رمی النصبُ أصغریه وغالا

وحدیث الغدیر یکفیه ممّا

قال فیه محمدٌ واستقالا

غیر أنَّ الضغائن القرشیّا

ت بها کانت اللیالی حبالا (2)

الشاعر

السید أبو علیّ أحمد بن محمد الحسنی الیمنی الأنسی (3) أحد أعیان الیمن ف)

ص: 405


1- أشار إلی قوله تعالی : (فَإنْ تَنَازَعتُم فِی شَیءٍ فَرُدُّوهُ الَی اللهِ وَالرَّسُولِ) النساء : 59. (المؤلف)
2- ذکرها صاحب نسمة السحر فی : ج 1 [مج 6 / ج 1 / ص 90]. (المؤلف)
3- بفتح الهمزة وکسر النون نسبة إلی مخلاق [لعلّها مخلاف وهی الکورة أو المنطقة] أنس وهی مدینة معروفة بالیمن. (المؤلف)

ومؤلّفیها الأفاضل من الجارودیّة ، ذکره صاحب نسمة السحر (1) (ج 1) وأطراه ، وله شعر کثیر فی العقائد ، وکان المتوکّل یتّقی لسانه ، حتی إنّه دخل إلیه یوماً بالسودة ، فجعل یعاتبه علی تقصیره فی حقّه فقضی له جمیع حوائجه ، وقال : أنا لا استحلّ أن أردّ حاجةً واحدةً من حوائجک. فقال السید : وأحتاج إلی هذه الوسادة الهندیّة التی تحتک ، فقام المتوکّل عنها وأخذها السید ومدحه بشعره ، توفّی سنة (1079) وورث أدبه الباهر ولده السید أحمد الآتی ذکره فی القرن الآتی. 0.

ص: 406


1- نسمة السحر : مج 6 / ج 1 / 90.

- 87 -

السید شهاب الموسوی

المولود (1025)

المتوفّی (1087)

خلط الغرامُ الشجوَ فی أمشاجِهِ

فبکی فخلتَ بکاه من أوداجهِ

إلی أن قال :

نورٌ مبینٌ قد أنار دُجی الهدی

ظلم الضلالة فی ضیاء سراجهِ

وغدیر خمٍّ بعد ما لعبت به

ریحُ الشکوک وآضَ من لجلاجهِ

أمطرتَه بسحابةٍ سمَّیتَها

خیرَ المقال وضاق فی أمواجهِ

وأَبنْتَ فی نکتِ البیانِ عن الهدی

فأریتَنا المطموسَ من منهاجهِ

وکذاک منتخبٌ من التفسیرِ لم

تنسجْ یدا أحدٍ علی منساجهِ

هذه الأبیات توجد فی دیوانه (ص 140) من قصیدة تبلغ (40) بیتاً قالها سنة (1087) یمدح بها السید علی خان المشعشعی (1) ویذکر کتابه خیر المقال فی الإمامة وفیه ذکر حدیث غدیر خمّ ، والمقرّظ کما تراه یثبت فی شعره حدیث الغدیر ویسمّی ورطات القالة حول دلالته شکوکاً ، ولذلک ذکرناه فی عداد شعراء الغدیر. ف)

ص: 407


1- تأتی ترجمته بعد هذه الترجمة. (المؤلف)

الشاعر

السید شهاب بن أحمد بن ناصر بن حوزی بن لاوی بن حیدر بن المحسن بن محمد مهدی - المتوفّی فی شهر شعبان سنة (844) - ابن فلاح (1) بن مهدی بن محمد بن أحمد بن علیّ بن محمد بن أحمد بن الرضا بن إبراهیم بن هبة الله بن الطیّب بن أحمد بن محمد بن القاسم بن محمد أبی الفخار بن أبی علی نعمة الله بن عبد الله بن أبی عبد الله جعفر الأسود الملّقب بارتفاح (2) بن موسی بن محمد بن موسی بن أبی جعفر عبد الله العولکانی (3) ابن الإمام موسی الکاظم علیه السلام ، الحویزی.

کان المترجم له من عباقرة شعراء أهل البیت علیهم السلام ، فخم اللفظ ، جزل المعنی ، قال السید ضامن بن شدقم فی تحفة الأزهار (ج 3) : کان سیّداً جلیلاً ، حسن الأخلاق ، کریم الأعراق ، فصیحاً أدیباً شاعراً. ثم ذکر نبذاً من شعره ، وذکره صاحب تاریخ آداب اللغة العربیّة (4) (3 / 280) وقال : إنَّه مشهورٌ برقّته. وقال البستانی فی دائرة المعارف (5) (10 / 589) : إنّه من أعیان القرن الحادی عشر توفّی سنة (1082) ، وکان له شعر رقیق ، وسجع منسجم. ومن شعره قوله :

ولی قمرٌ منیرٌ ضاع منّی

بنقطة خاله المسکیّ نسکی3.

ص: 408


1- وفی نسخة : إنّ فلاحاً ابنٌ لأحمد من غیر واسطة ، وفی نسخة السید ناجی : إنّ فلاحاً ابن محمد ابن أحمد. تحفة الأزهار. (المؤلف)
2- فی عمدة الطالب ص 223 : زنقاح وقال : جعفر الأسود الملقب زنقاحاً بن محمد بن موسی بن عبد الله ....
3- فی تهذیب الأنساب ص 163 ، والفخری فی أنساب الطالبیین ص 16 ، ولباب الأنساب : 1 / 283 : العَوْکلانی ، ویقال لعقبه العَوْکلانیّون وهی نسبة إلی موضع. راجع معجم البلدان : 4 / 169.
4- مؤلفات جرجی زیدان الکاملة - تاریخ آداب اللغة العربیة - : مج 14 / 635.
5- دائرة المعارف : 10 / 593.

تقبّأ بالظلام لأجل خذلی

وعمّم بالصباح لأجل هتکی

وله من قصیدة تُقرأ طولاً وعرضاً وطرداً وعکساً علی أنحاء شتّی :

فخرُ الوری حیدریٌّ عمَّ نائلُه

فخرُ الهدی ذو المعالی الباهراتِ علی

نجم السها فلکیّاتٌ مراتبُه

مأوی السنا نیّرٌ یسمو علی زُحَلِ

لیثُ الشری قبسٌ تهمی أناملُه

غیث الندی موردٌ أشهی من العسلِ

بدر البها أُفقٌ تبدو کواکبُه

شمسُ الدنا صبحُ لیلِ الحادثِ الجللِ

طود النهی عند بیتِ المالِ صاحبه

سمطُ الثنا زینةُ الأجیالِ والدولِ

وله دیوان معروف مطبوع فی مصر سنة (1221) مرّة ، وسنة (1290) ثانیة ، و (1302) أخری ، و (1320) رابعة ، وقد جمعه ولده السیّد معتوق فسمّی باسمه ، وترجم فی أوّله والده وذکر أنّه ولد سنة (1025) وتوفّی یوم الأحد (14) شوّال (1087) وهو أعرف بشؤون والده وحیاته ووفاته من البستانی الذی وهم فأرّخ وفاته بسنة (1082) ، وأرّخها النبهانی فی المجموعة النبهانیّة (1) (4 / 15) بسنة (1087).

وترجمه الإسکندری فی الوسیط (ص 315) وقال : شاعر العراق فی عصره ، وسابق حلبته فی رقّة شعره ، ولد سنة (1025) ونشأ بالبصرة ، وبها تعلّم وتأدّب ، وقال الشعر وأجاده ، وکان فی نشأته فقیراً ، فاتّصل بالسید علی خان أحد أُمراء البصرة من قبل الدولة الصفویّة الإیرانیّة ، وکانت وقتئذٍ تملک العراق والبحرین ، ومدحه مِدحاً رقیقةً ، وأکثر شعره مقصورٌ علیه وعلی آل بیته فغمره بإحسانه.

وابن معتوق من کبار الشیعة لنشوئه فی دولة شیعیّة غالیة ، فأفرط فی التشیّع فی شعره ، وجاء فی مدح علیّ والشهیدین بما یخرج عن حدّ الشرع والعقل ، ویمتاز شعره بالرقّة وکثرة الاستعارات والتشبیهات حتی لتکاد الحقیقة تهمل فیه جملة. انتهی. 8.

ص: 409


1- المجموعة النبهانیّة : 1 / 8.

قال الأمینی : لم یکن شاعرنا أبو معتوق (1) العلویّ نسباً ومذهباً ، العلویّ نزعةً وأدباً ، ببدع من بقیّة موالی أهل بیت الوحی صلوات الله علیهم وشعرائهم المقتصدین البعیدین عن کلّ إفراط وغلوّ ، المقتصِّین أثر الشرع والعقل فی ولاء آل الله ، ومدیح فئة النبوّة ، وحملة أعباء الخلافة ، وکذلک الدولة الصفویّة العلویّة لم تکن کما حسبه الإسکندری غالیة فی التشیّع ، وکلّ ما أثبته الشاعر واعتقدت به دولة المجد الصفوی من فضائل لسروات المکارم من أئمّة الهدی صلوات الله علیهم هی حقائق راهنة یخضع لها العقل ، ولا یأباه المنطق ، وهی غیر مستعصیة علی الأصول المسلّمة من الدین ، وأمّا هذا الذی قذفه وإیّاهم من الغلوّ والإفراط والخروج عن حدِّ الشرع والعقل فإنَّما هو من وغر الصدر الذی لم یفتأ تغلی به مراجل الحقد منذ أمد بعید ، ومنذ تشظّی عن الحزب العلویّ خصماؤهم الألدّاء ، فهملجوا مع الإفک ، وارتکضوا مع هلجات الباطل ، وإلاّ فهذا دیوان أبی معتوق بمطلع الأکمة من القارئ ، وتلک صحیفة تاریخ الصفویّة البیضاء فی مقربة من مناظر الطالبین ، وکلٌّ منهما علی ما وصفناه ، لکنّ الإسکندری راقه القذف فقال ، ولیست هذه بأوّل قارورة کسرت فی الإسلام ، ونحن عرّفناک الفئة الغالیة ، وأنّها غیر الشیعة ، والله هو الحکم العدل. ق.

ص: 410


1- یُعرف شاعرنا بابن معتوق ، وأبو معتوق کنیته باسم ولده معتوق.

- 88 -

السید علی خان المشعشعی

المتوفّی (1088)

أرجو من الدهر الخؤون ودادا

وأری الخلیفَة یخلفُ الأوعادا

یا دولةً ما کنت أحسبُ أنّنی

أشقی بها وغدا الشریف عمادا

ولعلّه مع لطفِه لم ینوِ لی

خُلْفاً ولکن دهرُنا ما جادا

وإذا هبطتُ عن العلا بفضائلی

فتعجّبوا ثم انظروا من سادا

یا درّةً بیعت بأبخسِ قیمةٍ

قد صادفت فی ذا الزمانِ کسادا

دهرٌ یحطّ الکاملین ویرفَعُ ال

أنذالَ والأوباشَ والأوغادا

لو کان فی ذا الدهرِ خیرٌ ما علا

التیمیُّ بعد المصطفی أعوادا

ویذادُ عنها حیدرٌ مع أنَّ خی

رَ الخلقِ صرّح فی الغدیر ونادی

من کنت مولاه فذا مولاه من

بعدی وأسمعَ بالندا الأشهادا

وإذا نظرتَ إلی البتولِ وقد غدتْ

مغصوبةً بعد النبیِّ تلادا

ومصیبةُ الحسن الزکیّ وعزلُه

تُبکی العیونَ وتُقرحُ الأکبادا

والمحنةُ العظمی التی ما مثلُها

قتل الحسین خدیعةً وعنادا

من بعد ما أن صرّعوا بالطفّ أن

صاراً له بل قتّلوا الأولادا

ونساءُ آلِ محمدٍ مسبیّةٌ

تسری بها حمرُ النیاق وخادا

ویؤمّهم بقیودِه السجّادُ و

الرأس الکریم یشیّع السجّادا

والتسعةُ الأطهارُ ما قاسوا من ال

أضدادِ لمّا عاشروا الأضدادا

ص: 411

ما بین مطرودٍ ومسمومٍ ومح

-بوسٍ یعالج دهرَه الأقیادا

حقّقت ما أحدٌ من الأشراف حا

ز المکرماتِ ونال منه مرادا

وله :

ألا حیّ طلعتها من المها

وحیّا الحیا (1) دارَها بالحمی

رأینا المها فدعانا الغرام

فیا من رأی ماشیاً للشقا

حللنا الحُبا (2) إذ دعانا الهوی

ولولا الهوی ما حللنا الحبا

طلعن فأطلعنَ سرَّ الدموع

فقلت لسعد تری ما أری

فقال وقد مال فوق الرحال

أتخفی علی العینِ شمسُ الضحی

مشَینَ الغداةَ برملِ العقیق

فعطّرن ذاک الثری بالمشا

یقول بعد (26) بیتاً تشبیباً :

وإنّ غلاماً نماه الوصیُ

وفیه عروقٌ من المصطفی

وفیه خصالٌ إذا ما نظرت

أتته تراثٌ من المرتضی

جدیرٌ بأن یصطفیه الزمان

عمیً بعیون زمانی عمی

ولکنْ زمانٌ بآلِ الرسولِ

أساء وعن ضیمِهمْ ما نبا

وقد جار فی حکمه بالولیِ

فما ذا تقول بأهل الولا

هُمُ حجّةُ اللهِ فی خلقِه

هُمُ صفوةُ اللهِ من ذی الوری

هُمُ دوحةٌ فرعُها فی السما

ومرکزُها بیتُ ربّ السما

فسل هل أتی هل أتت مدحةٌ

لغیرهمُ حبّذا هل أتی

وفی إنَّما جاء نصُّ الولاء

لهم وسیعرفه من تلاب.

ص: 412


1- الحیا : الغیث.
2- الحُبا : جمع حبوه ، من احتبی الثوب.

من الرجس طهّرهم ربُّهم

ودلّت علیهم بذاک العبا

وکان الکساءُ لتخصیصِهمْ

فطاب الکسا والذی فی الکسا

لقد خُطَّ فی اللوح أسماؤهم

وفی العرشِ قبل بدوِّ الضیا

بهمْ باهلَ الطهرُ أعداءه

فما باهلوه وخافوا التوی (1)

إلی أن قال :

وشارکه بالذی اختصّه

أخوه الذی خصّه بالإخا

فقسمة طوبی ونارُ العذابِ

إلیه بلا شبهةٍ أو مرا

فإن کنت فی مریةٍ من علاه

یخبِّرک عنه حدیثُ الشوا

وفی خصفِه النعلَ قد بیّنت

فضیلتُه وتجلّی العمی

وفی أنت منّی (2) وضوحُ الهدی

وتزویجه الطهر خیر النسا

وبعث براءة نصٌ علیه

وأنَّ سواه فلا یُصطفی

وفی یوم خمٍّ أبان النبیُ

موالاته برفیعِ الندا

فأوّلهم کان سلماً له

وفادیه بالنفسِ لیل الفدا

وناصره یوم فرَّ الصحابُ

عنه فراراً کسربِ القطا

وهذه القصیدة الغرّاء تناهز مائة وعشرین بیتاً قد جمع سیدنا الحویزی فیها جملة من مناقب مولانا أمیر المؤمنین علیه السلام کنزول هل أتی ، وآیة إنّما ولیّکم الله ، وآیة التطهیر ، وحدیث الکساء ، والمباهلة ، والمؤاخاة ، والطائر المشوی ، وخصف النعل ، وتزویج السیدة الطاهرة الصدّیقة ، وبعث سورة البراءة ، وغدیر خمّ ، إلی غیر ذلک ، ونحن أوقفناک فی أجزاء کتابنا هذا علی صحّة تلکم الأحادیث ، وأنّها صحیحةٌ جاءت فی الصحاح والمسانید. ».

ص: 413


1- التَّوی : الهلاک.
2- إشارة إلی قوله صلی الله علیه وآله وسلم : «أنت منّی بمنزلة هارون من موسی إلاَّ أنّه لا نبیّ من بعدی».

الشاعر

السید علی خان ابن السید خلف ابن السید عبد المطلب بن حیدر بن محسن بن محمد الملقّب بالمهدیّ ابن فلاح بن محمد بن أحمد بن علیّ بن أحمد بن رضا بن إبراهیم ابن هبة الله بن الطبیب بن أحمد بن محمد بن القاسم بن أبی الطحان بن غیاث بن أحمد ابن الإمام موسی بن جعفر صلوات الله علیهما المشعشعی الحویزی (1).

أحد حکّام الحویزة وأرباضها ، تحلّی بقشائب أبراد العلم کما رفَّ علیه العلم فی میادین السباق ، وحلبات الملک ، وازدان بعقود من الأدب الزاهی وقلائد من القریض الرائق ، وقبل ذلک کلّه نسبه الوضّاح المتألّق بأواصر النبوّة ، وعنصره الفائح من وشائج الإمامة ، فهو بین ألق وعبق یضوع مع الصبا ندُّه ، ویضیء فی الصباح حدّه ، کلّ ذلک مشفوعٌ بفضل متدفّق ، ونوایا صالحة ، وعقائد حقّة ، بوّأته فی الغارب والسنام من مستوی المآثر ومعقد العظمة ، فلا یوجد فی عقیدته إلاّ دین الله الذی ارتضاه لعباده فی کلٍّ من التوحید والنبوّة والإمامة ، وبقیّة العقائد الصادقة ، وقد امتاز بها عن بعض رجال بیته الذین اعتنقوا مقالات زائفة ، وانحرفوا عن سویِّ الصراط بالأباطیل.

ذکره شیخنا الحرُّ فی أمل الآمل (2) وقال : کان فاضلاً عالماً شاعراً أدیباً جلیل القدر له مؤلّفات فی الأصول والإمامة وغیرها.

وأثنی علیه صاحب ریاض العلماء (3) وقال : کان من تلامذة الشیخ عبد اللطیف ابن علیّ بن أبی جامع تلمیذ الشیخ البهائی. توفّی فی عصرنا وخلّف أولاداً ذکوراً 7.

ص: 414


1- کذا سرد نسبه صاحب ریاض العلماء [4 / 77]. (المؤلف)
2- أمل الآمل : 2 / 187 رقم 554.
3- ریاض العلماء : 4 / 77.

وإناثاً کثیرة ، وقد أخذ حکومة تلک البلاد من أولاده واحداً بعد واحد إلی هذا الیوم وهو عام سبعة عشر ومائة بعد الألف ، وکان بعض أولاده أیضاً مشتغلاً بتحصیل العلوم فی الجملة ، وقد استشهد طائفة غزیرة من أولاده وأحفاده وأقربائه فی قضیّة محاربة صارت بین أعراب تلک البلاد وبین بعض أولاده الذی هو الآن حاکم بها. انتهی.

وذکره بجمل الثناء علیه السید الجزائری فی الأنوار النعمانیّة (1).

یروی عن المترجم له الشیخ حسین بن محیی الدین بن عبد اللطیف بن أبی جامع ، ویروی هو عن الشیخ علیّ زین الدین سبط الشهید الثانی کما فی المستدرک (3 / 406 ، 408).

آثاره فی العلم والدین والأدب :

1 - النور المبین فی الحدیث ، أربع مجلّدات. فی إثبات النصِّ علی أمیر المؤمنین علیه السلام ، ألّفه سنة (1083).

2 - تفسیر القرآن الکریم ، أربع مجلّدات ، بلغ إلی سورة الرحمن أسماه ب : منتخب التفاسیر.

3 - خیر المقال شرح قصیدته المقصورة ، أربع مجلّدات. فی الأدب والنبوّة والإمامة.

4 - نکت البیان ، فی مجلّد.

5 - مجموعة مشتملة علی طرائف المطالب التی أوردها فی مؤلّفاته الأربعة المذکورة ، وقد انتخبها منها مع ضمّ سائر لطائف المقاصد ، وأرسلها هدیّة للشیخ علی 9.

ص: 415


1- الأنوار النعمانیة : 4 / 319.

سبط الشهید الثانی إلی أصبهان. قال صاحب الریاض : وقد رأیتها فی جملة کتبه.

6 - رسالة أخری قد أرسلها إلی الشیخ علی المذکور وقد صدّرها بالبحث عن حدیث الغدیر.

7 - رسالة أخری أرسلها إلی الشیخ علی أیضاً فی شرح حدیث الأسماء. قال فی الریاض (1) : هی حسنة الفوائد جلیلة المطالب.

8 - دیوان شعره الموسوم : خیر جلیس ونعم أنیس.

ومن شعره قوله من قصیدة :

ولولا حسامُ المرتضی أصبح الوری

وما فیهمُ من یعبدُ اللهَ مسلما

وأبناؤه الغرُّ الکرامُ الأُلی بهم

أنار من الإسلامِ ما کان مظلما

وأُقسمُ لو قالَ الأنامُ بحبِّهمْ

لما خلقَ الربُّ الکریمُ جهنّما (2)

وما منهمُ إلاّ إمامٌ مسوّدٌ

حسامٌ سطا بحرٌ طما عارضٌ همی

وقوله من قصیدة :

فافزع إلی مدحِ الأمین فإنّما

لأمانه البلدُ الأمینُ أمینُ

وأخیه وارثِ علمِه ووزیرِه

ونصیرِه فی الحربِ وهو زبونُ (3)

وبنیه أقمار الهدی لولاهمُ

لم یُعرَفِ المفروضُ والمسنونُ

وقوله من قصیدة :

وصیّرتُ خیرَ المرسلین وسیلتی

وألزمتُ نفسی صمتَها ووقارَها

وعترتُه خیرُ الأنامِ وفخرُهم

أبت أن یشقَّ العالمون غبارَهاف)

ص: 416


1- ریاض العلماء : 4 / 79.
2- مأخوذ من حدیث نبویّ یأتی فی مسند المناقب ومرسلها إن شاء الله تعالی. (المؤلف)
3- الحرب الزبون : شدیدة تدفع بعضها بعضاً من الکثرة. (المؤلف)

وقوله من قصیدة :

وصیّر وسیلتَک المصطفی

الأمینَ أبا القاسمِ المؤتمنْ

وصنوَ الرسولِ ومن قد علا

علی کتفِه یومَ کسرِ الوثنْ

وبضعَته وإمامی الشهیدَ

من بعد ذکر إمامی الحسنْ

وبالعترةِ الغرِّ أرجو النجاةَ

فحبّهمُ لیَ أوفی الجننْ

ووالده السید خلف بن عبد المطلب کان کما فی أمل الآمل (1) ، وروضات الجنّات (2) (ص 265) : عالماً فاضلاً ، ومتکلّماً کاملاً ، وأدیباً ماهراً ، ولبیباً عارفاً ، وشاعراً مجیداً ومحدّثاً مفیداً ، ومحقّقاً جلیل المنزلة والمقدار.

ومن تآلیفه القیّمة :

1 - مظهر الغرائب ، فی شرح دعاء عرفة للإمام السبط الشهید علیه السلام ، عشرة آلاف بیت. قال شیخنا النوری فی المستدرک (3) : هو شاهد صدق علی ما قالوا فیه من العلم والفضل والتبحّر بل وحسن السلیقة.

2 - النهج القویم فی کلام أمیر المؤمنین علیه السلام ، جمع فیه ما فات نهج البلاغة.

3 - المودّة فی القربی فی فضائل الزهراء الصدّیقة والأئمّة ، کبیرٌ جدّا.

4 - الحجّة البالغة ، فی الکلام وإثبات الإمامة بالآیات ونصوص الفریقین.

5 - سبیل الرشاد فی النحو والصرف والأصول وأحکام العبادات.

6 - خیر الکلام فی المنطق والکلام وإثبات إمامة کلّ إمام.

7 - رسالة الاثنا عشریّة فی الطهارة والصلاة.

8 - فخر الشیعة فی فضائل أمیر المؤمنین علیه السلام. 7.

ص: 417


1- أمل الآمل : 2 / 111 رقم 312.
2- روضات الجنّات : 3 / 263 رقم 284.
3- مستدرک الوسائل : 3 / 407.

9 - الحقّ الیقین ، کتاب فی المنطق والکلام کبیر.

10 - سیف الشیعة فی الحدیث. کتاب کبیر.

11 - سفینة النجاة فی فضائل الأئمّة الهداة.

12 - البلاغ المبین فی الأحادیث القدسیّة.

13 - رسالة دلیل النجاح ، فی الدعاء.

14 - دیوان شعر عربیّ ، وآخر فارسیّ.

15 - کتاب آخر ، فی الدعاء أیضاً.

16 - برهان الشیعة ، فی الإمامة.

17 - حقُّ الیقین ، فی الکلام.

18 - منظومة فی النحو.

19 - رسالةٌ فی النحو.

ومن شعره قوله یمدح أمیر المؤمنین علیه السلام :

أبا حسن یا حمی المستجیر

إذا الخطب وافی علینا وجارا

لأنت أبرُّ الوری ذمّة

وأکبرُ قدراً وأمنعُ جارا

فلا فخرَ للمرءِ ما لم یمت

إلیک انتساباً فینمی النجارا

توفیّ سنة (1074) ورثاه الشهاب الحویزی بقصیدة توجد فی دیوانه ، مستهلُّها :

مضی خلفُ الأبرارِ والسیّدُ الطهرُ

فصدر العُلی من قلبه بعده صفرُ

بسط القول فی ترجمته سیدنا الأمین فی أعیان الشیعة (1) (30 / 20 - 37). 4.

ص: 418


1- أعیان الشیعة : 6 / 330 - 334.

- 89 -

السید ضیاء الدین الیمنی

(المتوفّی (1096)

خلیلیَّ أمّا سرتما فازجرا بنا

المطیَّ وسیرا حیث سارَ الجنائبُ (1)

ولا یشعر الواشون أنّی فیکما

حلیفُ جویً قد أضمرتنی الحقائبُ (2)

إلی الحیِّ لا مستأنسین بقاطنٍ

بریبٍ وأهلُ الحیِّ آتٍ وذاهبُ

فإن شمتما برقاً من الحیِّ لائحاً

متی یبدُ منه حاجبٌ یخف حاجبُ

فلا تحسباه بارقاً لاحَ بالحمی

متی طلعتْ بین البیوتِ السحائبُ

ولکنّه ثغرٌ تألّقَ جوُّه

من الدرّ سمطٌ لم یثقّبه ثاقبُ

إلی أن قال :

وعیشِکما لو شئتما ذلک السنا

وغالتکما ألحاظُها والحواجبُ

لشارکتمانی بالصبابةِ والأسی

وجارتْ بأعناقِ المطیِّ المذاهبُ

أُعلّل فیکِ النفس یا لُبْنُ ذاکراً

خلیلی وما لی غیر حبِّک صاحبُ

وبی منک ما لو کان بالنجم ماسراً (3)

وبالبدر ما التفّت علیه الغیاهبُ

هویً دونه ضربُ الرقابِ وعزمةٌ

تُشاکلُ عزماتِ الظُبی وتصاقبُ (4)ف)

ص: 419


1- الریح التی تهبّ من القبلة ، جمع الجنوب. (المؤلف)
2- جمع الحقیبة : ما یحلُّ علی الفرس خلف الراکب. الخریطة التی یضع المسافر فیها الزاد ونحوه. (المؤلف)
3- کذا ، ولعل الصحیح : ما سری.
4- تصاقب : تقارب وتدنو. (المؤلف)

ویقول فیها :

إمامٌ براه الله من طینةِ العُلا

همامٌ له نهجٌ من المجدِ لازبُ (1)

له الشرف الأعلی له نقطةُ السما

هو البدرُ والآلُ الکرامُ الکواکبُ

بهم قامَ دینُ اللهِ فی الأرضِ واعتلتْ

لأمّة خیرِ المرسلینَ المذاهبُ

لیهنکَ ذا العیدُ (2) الذی أنت عیدُه

وعیدی ومن تحنو علیه الأقاربُ

ویوماً أقامَ اللهُ للآلِ حقَّهمْ

به ورسولُ اللهِ فی القومِ خاطبُ

به قلّد اللهُ الخلافةَ أهلَها

وزُحزِحَ عنها الأبعدون الأجانبُ

فکان أمیرُ المؤمنین علیُّ الوصیَ

بنصِّ الله فالأمر واجبُ

وحسبک نفس المصطفی وولیّه

وهارونه الندب الهمام المحاربُ (3)

الشاعر

السید ضیاء الدین جعفر بن المطهّر (4) بن محمد الحسین الجرموزی الحسنی الیمنی ، أحد زعماء الیمن ، کان أدیباً کاتباً شاعراً استعمله المتوکّل بن المنصور علی بلاد العدین (5) لمّا أخذها بعد وفاة أبی الحسن إسماعیل بن محمد ، ولم یزل بها حتی تغلّب علیها الأمیر السید فخر الدین عبد الله بن یحیی بن محمد فی أوائل دولة المؤیّد بن المتوکّل. وله شعر کثیر ، ومن منثور آثاره تقریظه علی کتاب سمط اللآلی تألیف السید إسماعیل بن محمد الیمنی ، توفّی سنة (1096) ببلد العدین ، أخذناه ملخّصاً من نسمة السحر (6) (ج 1). 5.

ص: 420


1- اللازب : الثابت ، یقال : صار الأمر ضربة لازب : أی صار لازماً ثابتاً. (المؤلف)
2- یعنی عید الغدیر. (المؤلف)
3- توجد فی نسمة السحر : ج 1 یهنّئ بها السید ضیاء الدین أبا محمد زید بن محمد بن الحسن الیمنی بعید الغدیر. (المؤلف)
4- کان من أعیان دهره وأفراد عصره علماً وأدباً ، توفّی 1077 ، توجد ترجمته فی خلاصة الأثر : 4 / 406 وفیه : إنّ له أولاداً عظماء أدباء کرماء : محمد والحسن وجعفر ، وقد ذکرتهم فی کتابی النفحة. (المؤلف)
5- اسم مدینة فی الیمن. معجم البلدان : 4 / 90.
6- نسمة السحر : مج 6 / ج 1 / 155.

- 90 -

المولی محمد طاهر القمی

المتوفّی (1098)

سلامةُ القلبِ نحّتنی عن الزللِ

وشعلةُ العلم دلّتنی علی العملِ

طهارةُ الأصلِ قادتنی إلی کرمٍ

کرامتی ثبتتْ فی اللوح فی الأزلِ

قلبی یحبُّ علیّا ذا العُلی فلذا

أدعو لأمّیَ فی الإبکارِ والأُصُلِ

محبّة المرتضی نورٌ لصاحبها

یمشی بها آمناً من آفةِ الزللِ

لزمت حبَّ علیٍّ لا أُفارقُه

ودادُه من جنانی قطّ لم یزلِ

أخو النبیِ (1) إمامی قولُه سندی

لقوله تابعٌ ما کان من عملی

أطعتُ حیدرةً ذا کلّ مکرمةٍ

إمامَ کلِّ تقیٍّ قاصرِ الأملِ

صرفتُ فی حبِّ آلِ المصطفی عمری

من مال عنهم إلیه قطّ لم أمِلِ

بابُ المدینة (2) منجانا وملجؤنا

ما انحلّ مشکلُنا إلاّ بحلّ علی

لو لا محبّةُ طه للوصیِّ لما

أتی یشارکُه فی طیّب الأکلِ (3)

ولایةُ المرتضی فی خمِّ قد ثبتتْ

بنصِّ أفضلِ خلقِ اللهِ والرسلِ

نصَّ النبیُّ علیه فوقَ منبرِه

علیه أشهدَ أهلَ الدینِ والدولِف)

ص: 421


1- مرّ الکلام حول حدیث المؤاخاة فی الجزء الثالث : ص 112 - 125. (المؤلف)
2- أشار إلی حدیث «أنا مدینة العلم وعلیّ بابها» وقد فصّلنا القول حوله فی الجزء السادس : ص 61 - 81. (المؤلف)
3- أشار إلی حدیث الطائر المشوی الثابت المتسالم علیه ، وسیوافیک بطرقه فی مسند المناقب ومرسلها.(المؤلف)

قد نصَّ فی الدارِ عند الأقربین علی

خلافة المرتضی جدّا بلا هزلِ (1)

إنِّ الإمامةَ عهدٌ لم تنلْ أحداً

سوی المصونِ من الزلاّتِ والخطلِ

أطعتُ من ثبتتْ فی الکونِ عصمتُه

وعفتُ کلَّ جهولٍ سیّئ العملِ

قد رُدّتِ الشمسُ للمولی أبی حسنٍ (2)

روحی فدا المرتضی ذی المعجزِ الجللِ

طوبی له کان بیتُ الله مولدَه (3)

کمثلِ مولدِه ما کان للرسلِ

الشاعر

المولی محمد طاهر بن محمد حسین الشیرازی ثم النجفی ثم القمی. أحد الأوحدیّین المشارکین فی العلوم ، وفذٌّ من مشایخ الإجازات الذین اتّصلت بهم حلقات الأسانید ضمَّ إلی فقهه المتدفّق فلسفة صحیحة عالیة ، وإلی حدیثه الموثوق به أدبه الجمّ ، وفضله الکثار ، إلی عظات بالغة ، ونصائح کافیة ، وحکم راقیة ، وشعر کثیر یزری بعقود الدرر ومنتثر الدراری ، تدفّقت المعاجم بإطرائه والثناء الجمیل علیه ، قال صاحب أمل الآمل (4) : من أعیان الفضلاء المعاصرین ، عالم محقّق مدقّق ثقة ثقة فقیه متکلّم ، محدِّث جلیل القدر ، عظیم الشأن. وأطراه شیخنا النوری فی المستدرک بقوله : العالم الجلیل النبیل ، عین الطائفة ووجهها ، صاحب المؤلّفات الرشیقة النافعة.

یروی مولانا محمد الطاهر عن السیّد نور الدین علی (5) الآنف ذکره (ص 291) ویروی عنه شیخنا العلاّمة المجلسی بإجازة مؤرّخة بسنة (1086) (6) وشیخنا الحرّ ف)

ص: 422


1- راجع فی قصة الدار واستخلاف رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم علیّا یوم ذاک. الجزء الثانی ص 278 - 289. (المؤلف)
2- مرّ حدیث ردّ الشمس فی الجزء الثالث : ص 126 - 141. (المؤلف)
3- حدیث مولده الشریف أسلفناه فی الجزء السادس : ص 21 - 38. (المؤلف)
4- أمل الآمل : 2 / 277 رقم 819.
5- راجع بحار الأنوار : 5 / 264 [110 / 130 رقم 103] ، مستدرک الوسائل : 3 / 409. (المؤلف)
6- توجد فی إجازات البحار : ص 164 [110 / 129 رقم 103]. (المؤلف)

العاملی کما فی أمل الآمل (1) ، والشیخ نور الدین الأخباری توجد إجازته له بخطّه ظهر کتاب الوافی کما ذکره شیخنا الرازی ، ویروی عنه المولی محمد محسن الفیض الکاشانی (2)

له تآلیف قیّمة فی شتّی المواضیع منها :

1 - عطیّه ربّانی وهدیّه سلیمانی ، شرح لامیّته التی التقطنا منها الأبیات المذکورة ، ذکر فی هذا الشرح عدّة من مؤلّفاته ومنه أخذنا غیر واحد ممّا ذکرناه ومفتتح الشرح :

ای کلام از انتظام نام ذاتت در نظام

وی زشهد شکّرین شکرت زبان شیرین بکام

رحمت عام وسلامت بر روان أنبیا

خاصّة بر روح محمد باد بر آل عبا

2 - تحفة الأخیار وکشف الأسرار فی شرح رائیّة له فارسیّة فی مدح أمیر المؤمنین علیه السلام تسمّی بمؤنس الأبرار.

3 - بهجة الدارین فی الحکمة. قال صاحب الروضات (3) : شاهدتها فی هذه الأواخر.

4 - الرسالة السلامیّة فی ترک (السلام علیک أیّها النبی) فی التشهّد.

5 - الأربعین فی فضائل أمیر المؤمنین وإمامة الأئمّة المعصومین.

6 - الجامع فی أصول الفقه والدین أسماه حجّة الإسلام.

7 - الفوائد الدینیّة فی الردّ علی الحکماء والصوفیّة.

8 - حکمة العارفین فی ردِّ شبه المخالفین.

9 - تنبیه الراقدین فی الموعظة ، مطبوعٌ. 5.

ص: 423


1- أمل الآمل : 2 / 278 رقم 819.
2- المستدرک : 3 / 421. (المؤلف)
3- روضات الجنّات : 4 / 145.

10 - رسالةٌ فی خلل الصلاة ، فارسیّة.

11 - حقّ الیقین فی معرفة أصول الدین.

12 - منهاج العارفین شرح رباعیّاته.

13 - فرحة الدارین فی العدالة.

14 - رسالة فی صلاة اللیل.

15 - رسالة فی الأذکار.

16 - شرح تهذیب الحدیث.

17 - رسالة فی الفرائض.

18 - رسالة فی الرضاع.

19 - مفتاح العدالة.

20 - رسالة الجمعة.

21 - سفینة النجاة.

کان شیخنا المترجم له شیخ الإسلام وإمام الجمعة والجماعة بقم المشرّفة إلی أن توفّی بها سنة (1098) ، ودفن خلف مرقد زکریّا بن آدم القمی طاب ثراه من قریب.

ومن شعره الفارسیّ قوله :

از گفته مصطفی إمام است سه چار

از روی چه گوئی که امام است چهار

نشناسی اگر سه چار حق را ناچار

خواهی بعذاب ایزدی گشت دوچار

دلیل رفعت شأن علی اگر خواهی

باین کلام دمی گوش خویشتن میدار

چو خواست مادرش از بهر زادنش جائی

درون خانه خاصش بداد جا ستّار

پس آن مطهّرة با احترام داخل شد

در آن مقام مقدّس بزاد مریم وار

برون چو خواست که آید پس ازچهارم روز

ندا شنید که نامش برو علی بگذار

فدای نام چنین زاده بود جانم

چنین امام گزینید یا اولی الأبصار

ص: 424

ومن رباعیّاته :

أی مانده ز کعبه محبّت مهجور

افتاده ز راه مهر صد منزل دور

با حبّ عمر دم مزن از مهر نبی

کی جمع توان نمود با ظلمت نور

وله :

بما رسیده حدیث صحیح مصطفوی

که هست بعد پیمبر امام هشت وچهار

کسی نکرده ز امّت بدین حدیث عمل

بغیر پیرو آل وأئمّه أطهار

وله :

أی طالب علم دین ز من گیر خبر

تاچند دوی در بدر ای خسته جگر

خود را برسان بشهر علم ای غافل

شو داخل آن شهر ولیکن از در

وله :

نبی چو وارد «خم» گشت بر سر منبر

خلیفه کرد علی را بگفته جبّار

نهاد بر سر او تاج وال من والاه

ز امّتش بگرفت از برای وی اقرار

ولیک آنکه به بخبخ نمود تهنیتش

بکرد از پی اقرار خویشتن انکار

فتاد بر سر حارث زغیب سنک قضا

چو گشت منکر نصّ غدیر آن غدّار

ومن رباعیّاته :

از دوری راه خویشتن یادی کن

آماده ز بهر سفرت زادی کن

از بی کسی مردن خود یاد آور

در ماتم خود نشین وفریادی کن

وله :

از دوری راه خویشتن کن یادی

آماده ز بهر سفرت کن زادی

در راه طلب چو خفته ای غافل

بر خیز که از قافله دور افتادی

ص: 425

وله :

بر خیز چه خفته رفیقان رفتند

غافل چه نشسته عزیزان رفتند

خندان منشین که جمله یاران عزیز

با سوز دل ودیده گریان رفتند

وله :

أی بنده طول أمل وحرص وحسد

فردا است که أعضای تو از هم ریزد

این سر که ز باد نخوت امروز پر است

تا چشم زنی بود پر از خاک لحد

وله :

تا چشم زنی رسیده وقت سفرت

فردا است که در جهان نماند أثرت

بر روی زمین خرام وغفلت تا کی

از زیر زمین مگر نباشد خبرت

وله :

از وادی معصیت بیا زود گذر

کین مرحله را هست بسی خوف وخطر

گوئی که کنم توبه پس از پیریها

از مرگ جوانان مگرت نیست خبر

وله :

سالک هوس عالم بالا نکند

پابند ألم ز پای دل وا نکند

هر دل که ز یاد مرگ معمور شود

حقد وحسد وحرص در او جا نکند

وله :

خواهی نشود گلشن دل چون بیشه

برکَن تو نهال حرص را از ریشه

بر پای درخت أمل وحرص وحسد

پیوسته ز یاد مرگ میزن تیشه

وله :

أی طالب سیم وکیمیای اصغر

آموز زمن تو کیمیای أکبر

ص: 426

در بوته یاد مرگ خود را بگداز

تا خاک دلت شود طلای احمر

وله فی تقریظ الکتب الأربعة (1) :

دین را کتب أربعه چون جان باشد

اینچار چهار رکن ایمان باشد

هنگام جهاد نفس اینچار کتاب

چار آینه صاحب عرفان باشد

وله فی تقریظها :

أی آنکه ترا غلط روی عادت وخوست

رو کن به رهی که منزل زحمت اوست

میخوان کتب أربعه کز وی هر سطر

راهی است که راست میرود تا درِ دوستف)

ص: 427


1- الکافی لشیخنا أبی جعفر الکلینی ، من لا یحضره الفقیه لشیخنا أبی جعفر القمی ، التهذیب والإستبصار لشیخ الطائفة أبی جعفر الطوسی. (المؤلف)

ص: 428

- 91 -

القاضی جمال الدین المکی

المتوفّی بعد (1012)

أنت نعم النصیرُ فی کلِّ زادِ

أنت نعم المولی لکلِّ العبادِ

ذو الأیادی والأیدِ أنت لعمری

سیّدُ الناس أوحدُ العبّادِ

ولک الإرثُ فی الولاءِ بحقّ

فی رقابِ الوری لیومِ التنادِ

لمقال النبیِّ فی ماءِ خمِ

أنت مولیً للمؤمنِ المنقادِ

فتهادی بالطوعِ قومٌ ففازوا

وتمادی الغبیُّ فی الانتقادِ (1)

ثم قال النبیُّ والِ علیّا

یا إلهی ومن یُعادیه عادِ

وتفضّلْ برحمةٍ للموالی

وبلعنٍ ونقمةٍ للمُعادی (2)

شرفٌ شامخٌ ومجدٌ رفیعٌ

وافتخارٌ یزیل غلبَ الهوادی

کنت فی الصلب إذ دنا فتدلّی

وعلی الصفّ فی مقرِّ الجلادِ

ثم من قبل ذا أجبت نداءً

لألست (3) الإله فی کلِّ وادِ (4)ف)

ص: 429


1- کذا فی سلافة العصر ، وفی سلوة الغریب : وتمادی بکرهه المتمادی. (المؤلف)
2- کذا فی سلوة الغریب ، وفی سلافة العصر : خصّ باللعن من تولّی عتوّا وحشاهُ مقطّعٌ بالعناد (المؤلف)
3- إشارة إلی قوله تعالی فی الآیة 172 من سورة الأعراف (وَإذ أخَذَ ربُّکَ مِن بَنی آدمَ مِن هورِهمْ ذُرّیَّتَهمْ وَأشْهَدَهمْ عَلَی أنفُسِهِم أَلَستُ بربِّکمْ قَالُوا بَلَی).
4- فی سلوة الغریب : وأطعت الإله فی کلِّ ناد. (المؤلف)

من یُباریک فی السیادةِ غرٌّ

بمزایا تنیر منها الدآدی (1)

أو یجاریک فی العلومِ جهولٌ

ما له فی الفهومِ من مستفادِ (2)

أنت أنت المعروفُ فی کلّ فضلٍ

أنت صدرُ الإصدارِ والإیرادِ

وسوی بیتِک المنکرُ جهلاً

وسواک الضنینُ بالإمدادِ

فابق واسلم لک السلامةُ وقفٌ

والمثانی من الثنا فی ازدیادِ

سلافة العصر (ص 117) ، سلوة الغریب ، کلاهما للسیّد علی خان المدنی.

ما یتبع الشعر

صدّر شاعرنا جمال الدین بهذه الأبیات کتاباً کتبه إلی الشریف الأجلّ الأمیر نصیر الدین حسین بن إبراهیم بن سلام ، المتوفّی سنة (1023) بالطائف والمدفون بمکة المشرّفة ، والکتاب بدیع فی بابه ، وبلیغ فی إنشائه ، درر کلم منضّدة ، ولآلئ ألفاظ منثورة ، مذکور بطوله فی سلافة العصر صفحة (117 - 119) ، والأمیر نصیر الدین هو عمّ جدّ صاحب السلافة السید علی خان المدنی ، أخو جدّه الشریف السید أحمد نظام الدین ، قال صاحب السلافة فی سلوة الغریب : کان إماماً فاضلاً مجتهداً مبرّزاً فی العربیّة ، غالباً علیه الزهد والصلاح ، یُقال : إنّه لم یمسّ درهماً بیده ولا دیناراً قطُّ تورّعاً وعزفاً من نفسه عن الدنیا ، وکان یکتب جمیع ما یعمله فی الیوم ، فإذا کان اللیل نظر فیه ، فإن کان صالحاً حمد الله ، وإن کان غیر ذلک استغفر الله منه ، وکان لا یؤدِّب أحداً من خدمه فی الحرم.

الشاعر

القاضی جمال الدین (3) محمد بن حسن بن دراز المکی ، من مقاول الأدب ، ف)

ص: 430


1- الدأداء من اللیالی : الشدیدة الظلمة. (المؤلف)
2- فی السلوة : عار فی خیبة بلا مستفاد. (المؤلف)
3- کذا فی الخلاصة [3 / 420]. وفی سلافة العصر [ص 107] : جمال الدین بن محمد. (المؤلف)

وألسنة الفضیلة ، ومداره القول ، وصیارفة القریض ، وعباقرة القضاة ، ذکره السید فی سلافة العصر (ص 107) وأثنی علیه بقوله :

جمال العلوم والمعارف ، المتفیّئُ ظلَّ ظلیلها الوارف ، أشرقت بالفضل أقماره وشموسه ، وزخر بالعلم عبابه وقاموسه ، فدوّخ صیته الأقطار ، وطار ذکره فی منابت الأرض واستطار. وتهادت أخباره الرکبان ، وظهر فضله فی کلِّ صقع وبان. وله الأدب الذی ما قام به مضطلع ، ولا ظهر علی مکنونه مطّلع. استنزل عِصم البلاغة من صیاصیها ، واستذلَّ صعاب البراعة فسفع بنواصیها. إن نثر فما اللؤلؤ المنثور انفصم نظامه ، أو نظم فما الدرّ المشهور نسقه نظامه ، بخطّ یزدری بخدّ العذار إذا بقل ، وتحسبه سائر الجوارح علی مشاهدة حسنه المقل. ولمّا رحل إلی الیمن فی دولة الروم ، قام له رئیسها بما یحبُّ ویروم. فولاّه منصب القضاء ، وسطع نور أمله هناک وأضاء. ولم یزل مجتلیاً به وجوه أمانیه الحسان ، مجتنیاً من ریاضه أزاهر المحاسن والإحسان. إلی أن انقضت مدّة ذلک الأمیر ، ومنی الیمن بعده بالإفساد والتدمیر. فانقلب إلی وطنه وأهله ، فکابد حزن العیش بعد سهله. کما أنبأ بذلک قوله فی بعض کتبه : ولمّا حصلت عائداً من الیمن بعد وفاة المرحوم سنان باشا ، وانقضاء ذلک الزمن ، اخترت الإقامة فی الوطن بعد التشرّف بمجلس القضاء فی ذلک العطن ، إلاّ أنَّه لم یحل لی التحلّی عن تذکّر ما کان فی خزانة الخیال مرسوماً ، وتفکّر ما کان فی لوح المفکّرة موسوماً. فاخترت أن أکون مدرّساً فی البلد الحرام ، وممارساً لما أذن غبّ الحصول بالانصرام. ولم یکن فی البلد الأمین کفایة ، ولا ما یقوم به الإتمام والوفایة. انتهی. وما زال مقیماً فی وطنه وبلده ، ومتدرّعاً جلباب صبره وجلده. حتی انصرمت من العیش مدّته ، وتمّت من الحیاة عدّته.

ثم ذکر جملةً وافیة من منثور کلمه فی ثلاث عشرة صحیفة فقال : ومن شعره قوله فی صدر کتاب :

ص: 431

هذا نظامک أم درٌّ بمنتسقِ

أم الدراری التی لاحتْ علی الأفقِ

وذا کلامُک أم سحرٌ به سُلِبَتْ

نهی العقول فتتلو سورةَ الفلقِ

وذا بیانُک أم صهباءُ شعشعَها

أغنُّ ذو مقلةٍ مکحولة الحدقِ

بتاج کلِّ ملیکٍ منه لامعة

وجید کلّ مجیدٍ منه فی أنقِ

روضٌ من الزهر والأنوارُ زاهیةٌ

کأنجمِ الأُفق فی اللألاءِ والنمقِ

وذی حمائمُ ألفاظٍ سجعنَ ضحیً

علی الخمائلِ غبَّ العارضِ الغدقِ

رسالةٌ کفرادیسِ الجنانِ بها

من کلّ مؤتلقٍ یلفی ومنتشقِ

کأنّما الألِفاتُ المائلاتُ بها

غصونُ بانٍ علی أیدٍ من الورقِ

تعلو منابرَها الهمزاتُ صادحةً

کالوِرقِ ناحت علی الأفنانِ من حرقِ

میماتُها کثغورٍ یبتسمن بها

یزری علی الدرِّ إذ یزهی علی العنقِ

فطرسُها کبیاض الصبح من یققٍ

ونِقسها (1) کسوادِ اللیلِ فی

غسقِ

یا ذا الرسالةِ قد أرسلتَ معجزةً

ودّت بلاغتها الدعوی من الفرقِ

ویا ملیک ذوی الآدابِ قاطبةً

ویا إماماً هدانا أوضحَ الطرقِ

من ذا یعارض ما قد صاغ فکرک من

حلی البیانِ ومن یقفوک فی السبقِ

أنت المجلّی بمضمارِ العلومِ إذا

أضحی قرومُ أولی التحقیقِ فی قلقِ

صلّی أئمّةُ أهلِ الفضلِ خلفَکَ یا

مولی الموالی وربّ المنطق الذلقِ

مسلّمین لما قد حُزت من أدبٍ

مصدّقین بما شرّفت من خلقِ

مهلاً فباعی من التقصیر فی قصرٍ

وأنت فی الطول والإحسانِ ذو عمقِ

سبحان بارئ هذی الذاتِ من هممٍ

سبحان فاطر ذا الإنسانِ من علقِ

یا لیت شعری هل شبهٌ یُری لکمُ

کلاّ وربّی ولا الأملاک فی الخلقِ

عذراً فما فکرتی صوّاغةٌ دُرراً

حتی أصوغَ لک الأسلاک فی نسقِ

واسلم ودم وتعالی فی مشیدِ عُلاً

تستنزل الشهبَ للإنشا فلم تعقِف)

ص: 432


1- الیقق : القطن. نقس : المداد الذی یکتب به. (المؤلف)

وقوله مخاطباً بعض أکابر عصره لأمر اقتضی ذلک :

حصل القصد والمنی والمرادُ

واستکانت لمجدِک الأضدادُ

أسجد اللهُ فی عتابکَ شوساً

تتّقی الأسد بأسَها والجلادُ

وأذلّت لک الجدودُ أناساً

شِید للمجدِ فی رباهم عمادُ

ثم جاءت إلیک طوعاً وکرهاً

تتهادی حیناً وحیناً تُقادُ

أنت فی الشهب ثاقبٌ لا تسامی

فی معالیک حین تثنی الوسادُ

لا تبالی بنازلٍ وملمّ

ولو أنَّ الملمّ سبعٌ شدادُ

ساهراً فی طلاب کلِّ منیعٍ

عزَّ نیلاً فلم ینلْهُ العبادُ

مهرُه النفسُ إن یسُمْه کمیّ

والطریقُ السهادُ والجسمُ زادُ

من یَجُدْ بالجَنانِ نال مناه

والشحیحُ الجَنانِ عنه یُذادُ

لا تُنالُ العُلی بغیرِ العوالی

لا ولا الحمدُ یکتسیه الجمادُ

أحمدُ الناسِ أنت قولاً وفعلاً

والوفیُّ الذمام والمستجادُ

یا شهاباً بجِدّه حاز جَدّا (1)

ومقاماً لغیره لا یُشادُ

ماز بینی وبین خدنیَ فدمٌ (2)

ذو سبالٍ یدبّ فیه القرادُ

ولو أنَّ الذی تحکّم فینا

ألمعیٌّ لقرَّ منّی الفؤادُ

أنکر المارقون فضل علیٍ

رماهم إلی الجحیمِ العنادُ

وحقیقٌ أنّ البلاءَ قدیمٌ

وأهالی الفهومِ منه تکادُ

ویولَّی الأمِّیُّ حکمَ البرایا

والبلیغُ المقال لا یستفادُ

وولاة الأمور فینا حیاری

وذوو النقصِ لا تزال تزادُ

عادةُ الدهر أن یُؤَخِّرَ مثلی

وعلی الأصل جاء هذا المفادُ

قل لمن یبتغی التفاضلَ بینی

ثم بین القضاةِ هذا الزنادُل.

ص: 433


1- الجَدّ : الحظّ ، یقال : جُدِدت یا فلان ، فأنت جَدید ومجدود أی : محظوظ.
2- الفدیم : العییّ الثقیل.

فاقتبس من زنادِهم لک ناراً

أو فدعهمْ إن لاحَ منه الرمادُ

ویح دهرٍ لا یعرف الفرق فیه

بین عَیٍّ وقائلٍ یُستجادُ

هیِّنٌ ما لقیتُ ما دمتَ فینا

ذا عفافٍ وصحَّ منک الودادُ

وقوله أیضاً :

سلام علی الدار التی قد تباعدتْ

ودمعی علی طول الزمانِ سفوحُ

یعزُّ علینا أن تشطّ بنا النوی

ولی عندکم دون البریّةِ روحُ

إذا نسمت من جانب الرملِ نفحةٌ

وفیها عرارٌ للغویرِ وشیحُ

تذکّرتُکمْ والدمعُ یسترُ مقلتی

وقلبی مشوقٌ بالبعادِ جریحُ

فقلت ولی من لاعج الوجدِ زفرةٌ

لها لوعةٌ تغدو بها وتروحُ

ألا هل یعیدُ الدهرُ أیّامَنا التی

نعمنا بها والکاشحون نزوحُ

وتوجد ترجمة شاعرنا جمال الدین فی خلاصة الأثر للمحبّی (3 / 420 - 427) وذکر ما فی السلافة وقال : لقد فحصت عن وفاة صاحب الترجمة فلم أظفر بها وقد علم أنّه کان فی سنة اثنتی عشرة وألف موجوداً ، وما عاش بعدها کثیراً رحمه الله تعالی.

ص: 434

- 92 -

أبو محمد ابن الشیخ صنعان

نهجُ البلاغةِ روضةٌ ممطورةٌ

بالنور من سبحاتِ وجهِ الباری

أو حکمةٌ قدسیّةٌ جُلِیتْ بها

مرآةُ ذاتِ اللهِ للنظّارِ

أو نورُ عرفانٍ تلألا هادیاً

للعالمین مناهجَ الأبرارِ

أو لجّةٌ من رحمةٍ قد أشرقتْ

بالعلمِ فهی تموجُ بالأنوارِ

خطبٌ روت ألفاظها عن لؤلؤٍ

من مائه بحرُ المعارفِ جاری

وتهلّلت کلماتُها عن جنّةٍ

حفّتْ من التوحیدِ بالنوارِ

وکأنّها عین الیقینِ تفجّرتْ

من فوقِ عرشِ اللهِ بالأنهارِ

حِکَمٌ کأمثالِ النجومِ تبلّجتْ

من ضوءِ ما ضمنتْ من الأسرارِ

کشفَ الغطاءَ بیانُها فکأنّها

للسامعین بصائرُ الأبصارِ

وتری من الکلمِ القصارِ جوامعاً

یُغنیک عن سِفْرٍ من الأسفارِ

لفظٌ یمدُّ من الفؤادِ سواده

والقلبُ منه بیاض وجهِ نهارِ

وجلا عن المعنی السواد کأنّه

صبحٌ تبلّج صادقَ الأسفارِ

من کلّ عاقلةِ الکمالِ عقیلةٍ

تشتاف فوق مدارک الأفکارِ

عن مثلِها عجزَ البلیغُ وأعجزت

ببلاغةٍ هی حجّةُ الإقرارِ

وإذا تأمّلتَ الکلامَ رأیتَهُ

نطقت به کلماتُ علمِ الباری

ورأیتَ بحراً بالحقائقِ طامیاً

من موجهِ سفنُ العلومِ جواری

ورأیت أنّ هناک برّا شاملاً

وسع الأنامَ کدیمةٍ مدرارِ

ص: 435

ورأیت أنّ هناک عفوَ سماحةٍ

فی قدرةٍ تعلو علی الأقدارِ

ورأیت أنّ هناک قدراً ماشیاً

عن کبریاءِ الواحدِ القهّارِ

قدر الذی بصفاتِه وسماتِه

ممسوسُ ذاتِ الله فی الآثارِ (1)

مصباحُ نورِ اللهِ مشکاةُ الهدی

فتّاحُ بابِ خزائنِ الأسرارِ

صنوُ الرسولِ وکان أوّلَ مؤمنٍ

عبدَ الإلهَ کصنوِهِ المختارِ

وبه أقام اللهُ دینَ نبیِّه

وأتمَّ نعمتَه علی الأخیارِ (2)

الشاعر

أبو محمد ابن الشیخ صنعان توجد بخطّه نسخة من نهج البلاغة للسید الشریف الرضی فی مکتبة مدرسة سپهسالار بطهران تحت رقم (3085) کتبها سنة (1072) وعلیها هذا التقریظ ، بخطّ ناظمه أبی محمد ، ولم أقف من تاریخ حیاته علی شیء غیر أنّ شعره هذا یعرب عن قوّته فی القریض ، وجودته فی السرد ، وتقدّمه فی مضمار الأدب ، کما أنّه آیة فی ولائه الخالص للإمام الطاهر أمیر المؤمنین علیه السلام. ف)

ص: 436


1- أشار إلی ما أخرجه أبو نعیم فی حلیة الأولیاء : 1 / 68 مرفوعاً : «لا تسبّوا علیّا فإنّه ممسوس فی ذات الله». (المؤلف)
2- أشار إلی قوله تعالی : (الیَوْمَ أکمَلتُ لَکُم دِینَکُم وأتْمَمْتُ عَلَیکُم نِعمَتِی) النازل یوم الغدیر فی علیّ أمیر المؤمنین. کما فصّلنا القول فیه فی الجزء الأوّل : ص 230 - 238. (المؤلف)

شعراء الغدیر فی القرن الثانی عشر

اشارة

1 - الشیخ محمد الحرّ العاملی

7 - الشیخ علی العاملی

2 - الشیخ أحمد البلادی

8 - المولی مسیحا الفسوی

3 - شمس الأدب الیمنی

9 - ابن بشارة الغروی

4 - السید علی خان المدنی

10 - الشیخ إبراهیم البلادی

5 - الشیخ عبد الرضا المقری الکاظمی

11 - الشیخ أبومحمد الشویکی

6 - علم الهدی محمد

12 - السید حسین الرضوی

السید بدر الدین الیمنی

ص: 437

ص: 438

- 93 -

شیخنا الحرّ العاملی

المولود (1033)

والمتوفّی (1104)

کیف تحظی بمجدک الأوصیاءُ

وبه قد توسّل الأنبیاءُ

ما لخلقٍ سوی النبیِّ وسبطی

-ه السعیدین هذه العلیاءُ

فبکُم آدمُ استغاثَ وقد مسّ

ته بعد المسرَّةِ الضرّاءُ

یوم أمسی فی الأرض فرداً غریباً

ونأت عنه عرسُه حوّاءُ

وبکی نادماً علی ما بدا من

-ه وجهدُ الصبِّ الکئیبِ البکاءُ

فتلقّی من ربِّهِ کلماتٍ (1)

شرّفتها من ذکرِکمْ أسماءُ

فاستجیب الدعاء منه ولولا

ذکرُکمْ ما استجیبَ منه الدعاءُ

ثم یعقوبُ قد دعا مستجیراً

من بلاءٍ بکم فزالَ البلاءُ

وأتاه قمیصُ یوسف وارتدَّ

بصیراً وتمّت النعماءُ

وبکم کان للخلیلِ ابتهالٌ

ودعاءٌ لربّه واشتکاءُ

حین ألقاه عصبةُ الکفر فی النا

ر فما ضرّ جسمَهُ الإلقاءُ

أیُضامُ الخلیلُ من بعد ما کا

نَ إلیکمْ له هویً والتجاءُ

وبکم یونسُ استغاثَ ونوحٌ

إذ طغا الماءُ واستجدَّ العناءُف)

ص: 439


1- إشارة إلی ما جاء فی قوله تعالی : (فَتَلَقّی آدَمُ مِن ربّهِ کَلِماتٍ فَتَابَ عَلَیهِ) من أن الکلمات المتلقّاة هی أسماء الأشباح الخمسة. راجع ما مرّ فی الجزء السابع : ص 299. (المؤلف)

وبأسمائِکم توسّل أیّو

بُ فزالتْ عنه بها الأسواءُ

یا له سؤدداً منیعاً رفیعاً

قد رواهُ الأعداءُ والأولیاءُ

لعلیٍّ مجدٌ غدا دون أدنا

هُ الثریّا فی البعد والجوزاءُ

هو فضلٌ وعصمةٌ ووفاءٌ

وکمالٌ ورأفةٌ وحیاءُ

ولَکَم نال سؤدداً لم یُبِنْ کن

-ه علاهُ الإنشادُ والإنشاءُ

والحروف التی ترکّبت العل

-یاء منها عینٌ ولامٌ ویاءُ

کان نوراً محمدٌ وعلیٌ

فی سنا آدمٍ له لألاءُ

أخذَ اللهُ کلَّ عهدٍ ومیثا

ق له إذ بدا سناً وسناءُ

أیُّ فخرٍ کفخرِهِ والنبیّو

ن علیهمْ عهدٌ له وولاءُ

وبه یُعرفُ المنافقُ إذ کا

نت له فی فؤادِه بغضاءُ

ولعمری من أوّل الأمر لا تخ

-فی علی ذی البصیرةِ السعداءُ

ولدته منزّهاً أُمُّهُ ما

شانَه فی الولادةِ الأقذاءُ

داخلَ الکعبةِ الشریفةِ لم ید

نُ إلیها من الأنامِ النساءُ

لاح منه نورٌ فأشرقتِ الأر

ضُ وأرجاؤها به والسماءُ

کان للدین فی ولادتِه مث

-لُ أخیه مسرّةٌ وازدهاءُ

یا له مولداً سعیداً تجلّتْ

عن محیّاه بهجةٌ غرّاءُ

فهنیئاً به لفاطمة السع

-د الذی ما له مدیً وانتهاءُ

بل لدینِ الإسلامِ من غیر شکٍ

وارتیابٍ قد کان ذاک الهناءُ

إلی أن قال :

وأتت منه فی علیٍّ نصوصٌ

لم یَحُمْ حول ربعِها الإحصاءُ

قال فیه هذا ولیّی وصیّی

وارثی هکذا روی العلماءُ

وزعمتم بأنَّ کلَّ نبیٍ

لم یرث منه مالَهُ الأقرباءُ

هو مولی من کان مولاه نصّا

منه فلیُتْرَکِ الهوی والمراءُ

ودعا بعدها دعاءً مجاباً

وبه قد تواتر الأنباءُ

ص: 440

ویقول فیها :

للمعالی بین الوری یا علیَّ ب

-ن أبی طالبٍ إلیکَ انتهاءُ

وکذا للکمال منک وللسؤ

دد والمجدِ والفخارِ ابتداءُ

للوری لو دری الوری بک من بع

-دِ أخیک الطهرِ الأمینِ اهتداءُ

واجبٌ بالنصوصِ منه عن اللهِ

وأین المصغی بک الاقتداءُ

ثم یوم الغدیر هل کان إلاّ

لک دون الأنام ذاک الولاءُ

یوم مات النبیّ کنتَ إماماً

فی العلا لم یساوکَ النظراءُ

القصیدة (453) بیتاً

وله یمدح بها أمیر المؤمنین علیه السلام وهی من قصائده المحبوکات الطرفین علی حروف الهجاء تسع وعشرون قصیدة ، کل واحدة منها (29) بیتاً ، أسماها مهور الحور کلّها فی مدح أمیر المؤمنین :

هو الحبّ لا فیه معینٌ ترجّاه

ولا منقذٌ من جورِه تتوخّاهُ

هو الحتفُ لا یفنی المحبّین غیرُه

ولولاه ما ذاق الوری الحتفَ لولاهُ

إلی أن قال :

هدایةُ ربِّ العالمین قلوبَنا

إلی حبِّ من لم یخلقِ الخلقَ لولاهُ

هو الجوهرُ الفردُ الذی لیس یرتقی

لأعلی مقاماتِ النبیّین إلاّ هو

هلالٌ نما فارتدَّ بدراً فأشرقت

جوانبُ آفاقِ العلا بمحیّاهُ

هما علّةٌ للخلق أعنی محمداً

وأوّلَ من لمّا دعا الخلقَ لبّاهُ

هو النجمُ یبغی دارَه لا بل ارتقی

إلیها فمثوی النجمِ من دونِ مثواهُ

هل اختارَ خیرُ المرسلین مواخیاً

سواه فأولاه الکمالَ وآخاهُ

هل اختارَ فی یومِ الغدیرِ خلیفةً

سواه له حتی علی الخلقِ ولاّهُ

هدیً لاح من قول النبیِّ ولیُّکم

علیٌّ ومولی کلّ من کنتُ مولاهُ

ص: 441

هناک أتاه الوحیُ بلِّغْ ولا تخفْ

ومن کلّ ما تخشاه یعصمُکَ اللهُ

هنالک أبدی المصطفی بعضَ فضلِهِ

وباح بما قد کان للخوفِ أخفاهُ

وله من المحبوکات الطرفین :

کتمت الهوی والحبُّ بالقلبِ أَملَکُ

وأجملُ من کتمِ الغرامِ التهتّکُ

کواعبُ أتراب قصدن بحربِنا

ولسنا بتوحیدِ المحبّةِ نشرکُ

کتائبُ أبطالٍ بهنَّ دماؤنا

جزاءً علی حفظِ المودّةِ تُسفکُ

یقول فیها :

کراماتُ مولایَ الوصیِّ وولدِهِ

أنارتْ فلا یُخفی سناها المشکّکُ

کلام النبیِّ المصطفی حجّةٌ فهلْ

أجلُّ وأعلی منه فی الشرع مدرکُ

کفی قولُهُ یومَ الغدیرِ بأنّه

لکلّ الوری مولیً فینسی ویترکُ

کما جاء فی التنزیل لیس ولیُّکم

سواه ومن ذا بعد ذاک یشکّکُ

کواکبُ فضلِ المرتضی حین أشرقتْ

لها المجدُ أفق فیه تسری وتسلکُ

وله من المحبوکات الطرفین :

عدنی ودعنی من زیارة بلقع

یا أیّها الحادی لهنَّ بمرجعِ

عذّبن جسمی بالنحولِ ومهجتی

بالهجرِ واستمطرن صیّبَ مدمعی

إلی قوله :

عَدِمَ المجُاری فی الکمالِ لسیدی

ذی السؤددِ الأسنی البطینِ الأنزعِ

عمّ الفضائل حین خصّ برفعةٍ

من ذروة العلیا أجلَّ وأرفعِ

عجباً لمن فیه یشُکُّ وقد أتی

خبرُ الغدیرِ ونصُّه لم یدفعِ

عَهدَ النبیُّ إلی الأنامِ بفضله

ویلٌ لمنکرِ فضلِهِ ومضیّعِ

ص: 442

عُدّت فضائلُه فأعیی حصرُها

وغدا حسیراً عنه فکر الألمعی (1)

الشاعر

محمد بن الحسن بن علی بن محمد الحسین بن عبد السلام بن عبد المطلب بن علی بن عبد الرسول بن جعفر بن عبد ربّه بن عبد الله بن مرتضی بن صدر الدین بن نور الدین بن صادق بن حجازی بن عبد الواحد ابن المیرزا شمس الدین ابن المیرزا حبیب الله بن علی بن معصوم بن موسی بن جعفر بن الحسن بن فخر الدین بن عبد السلام بن الحسین بن نور الدین بن محمد بن علی بن یوسف بن مرتضی بن حجازی بن محمد بن باکیر بن الحرّ الریاحی المستشهد أمام الإمام السبط الشهید یوم الطفّ سلام الله علیه وعلی أصحابه.

هذا الحرُّ الشهید فی الطفّ یوم الإمام السبط الطاهر هو مؤسّس الشرف الباذخ لآله الأکارم ، الذین فیهم أعلام الدین ، وأساطین المذهب ، وصیارفة الکلام ، وقادة الفکر ، ونوابغ الخطابة والکتابة ، ومهرة الفقه ، وأئمّة الحدیث ، وحملة الفضل والأدب ، وصاغة القریض ، وأشهرهم فی تلکم الفضائل کلّها شیخنا المترجم له الذی لا تُنسی مآثره ، ولا یأتی الزمان علی حلقات فضله الکثار ، فلا تزال متواصلة العُری ما دام لأیادیه المشکورة عند الأُمّة جمعاء أثرٌ خالد ، وإنَّ من أعظمها کتاب وسائل الشیعة فی مجلّداتها الضخمة التی تدور علیها رحی الشریعة ، وهو المصدر الفذّ لفتاوی علماء الطائفة ، وإذا ضمّ إلیه مستدرکه الضخم الفخم لشیخنا الحجّة النوری المناهز لأصله کمّا وکیفاً فمرج البحرین یلتقیان ، وکان غیر واحد من المحقّقین لا یُصدر الفتیا إلاّ بعد مراجعة الکتابین معاً. نعم ؛ لأهل الاستنباط النظر فی أسانید ما حواه الکتابان من الأحادیث ، وأنت لا تقرأ فی المعاجم ترجمةً لشیخنا الحرِّ إلاّ وتجد جمل الثناء علی ف)

ص: 443


1- أخذنا هذه کلّها من دیوانه المخطوط بخطّ یده الشریفة قدس الله روحه. (المؤلف)

کتابه الحافل وسائل الشیعة مبثوثة فیها ، وقد أحسن وأجاد أخوه العلاّمة الصالح فی تقریظه بقوله :

هذا کتابٌ علا فی الدین رتبتُه

قد قصّرتْ دونها الأخبارُ والکتبُ

ینیرُ کالشمسِ فی جوِّ القلوبِ هدیً

فتنتحی منه عن أبصارِنا الحجبُ

هذا صراطُ الهدی ما ضلّ سالکُه

إلی المقامةِ بل تسمو به الرتبُ

إن کان ذا الدین حقّا فهو متّبعٌ

حقّا إلی درجاتِ المنتهی سببُ

فشیخنا المترجم له درّةٌ علی تاج الزمن ، وغرّةٌ علی جبهة الفضیلة ، متی استکنهته تجد له فی کلِّ قِدر مِغرفة ، وبکلِّ فنّ معرفة ، ولقد تقاصرت عنه جمل المدح ، وزُمر الثناء ، فکأنَّه عاد جثمان العلم ، وهیکل الأدب ، وشخصیّة الکمال البارزة ، وإنَّ من آثاره أو من مآثره تدوینه لأحادیث أئمة أهل البیت علیهم السلام فی مجلّدات کثیرة ، وتألیفه لهم بإثبات إمامتهم ، ونشر فضائلهم ، والإشادة بذکرهم ، وجمع شتات أحکامهم وحِکمهم ، ونظم عقود القریض فی إطرائهم ، وإفراغ سبائک المدح فی بوتقة الثناء علیهم ، ولقد أبقت له الذکر الخالد کتبه القیّمة ، منها :

1 - دیوان شعره یناهز عشرین ألف بیت فی مدح النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم والأئمة علیهم السلام.

2 - کشف التعمیة فی حکم التسمیة ، فی تسمیة الإمام المنتظر.

3 - نزهة الأسماع فی حکم الإجماع ، فی صلاة الجمعة.

4 - بدایة الهدایة ، فی الواجب والمحرّم المنصوص علیهما.

5 - رسالة فیها نحو من ألف حدیث ردّا علی الصوفیّة.

6 - أمل الآمل فی علماء جبل عامل وجملة من غیرهم.

7 - إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات. مجلّدان ، یشتمل علی أکثر من عشرین ألف حدیث.

ص: 444

8 - تحریر وسائل الشیعة وتحبیر وسائل الشریعة. شرح کتابه الوسائل.

9 - هدایة الأُمّة إلی أحکام الأئمّة. ثلاث مجلّدات منتخبة من الوسائل.

10 - منظومة فی تواریخ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم والأئمّة علیهم السلام.

11 - فهرست وسائل الشیعة الموسوم ب : من لا یحضره الإمام.

12 - الصحیفة الثانیة من أدعیة الإمام علیّ بن الحسین علیه السلام.

13 - الفصول المهمّة فی أصول الأئمّة علیهم السلام.

14 - الإیقاظ من الهجعة بالبرهان علی الرجعة.

15 - الجواهر السنیّة فی الأحادیث القدسیّة.

16 - تنزیه المعصوم عن السهو والنسیان.

17 - الفوائد الطوسیة. نحو عشر رسائل.

18 - العربیّة العلویّة واللغة المرویّة.

19 - رسالة فی أحوال الصحابة.

20 - رسالة فی تواتر القرآن.

21 - رسالة فی خلق الکافر.

22 - منظومة فی المواریث.

23 - منظومة فی الزکاة.

24 - منظومة فی الهندسة.

25 - رسالة فی الرجال.

قرأ شیخنا الحرّ علی أبیه الشیخ حسن بن علی المتوفّی (1062) وعلی عمّه الشیخ محمد بن علی المتوفّی (1081) ، وعلی جدّه لأُمّه الشیخ عبد السلام بن محمد الحرّ ، وعلی خال أبیه الشیخ علیّ بن محمود العاملی ، وعلی الشیخ زین الدین بن محمد ابن الحسن صاحب المعالم ، وعلی الشیخ حسین الظهیری. وغیرهم.

ص: 445

یروی بالإجازة (1) عن أبی عبد الله الحسین بن الحسن بن یونس العاملی وعن العلاّمة المجلسی ، وهو آخر من أجاز له کما ینصّ علیه هو فی إجازة له.

ویروی عنه بالإجازة (2) العلاّمة المجلسی ، والشیخ محمد فاضل (3) بن محمد مهدی المشهدی ، والسیّد نور الدین ابن السیّد نعمة الله الجزائری بالإجازة المؤرّخة ب (1098) ، والشیخ محمود بن عبد السلام البحرانی کما فی المستدرک (3 / 390).

ولد فی قریة مشغر (4) لیلة الجمعة ثامن رجب (1033) وأقام فی بیئة محتده أربعین عاماً ، وحجّ فیها مرّتین ، ثم سافر إلی العراق فزار الأئمّة علیهم السلام ثم أُتیحت له زیارة الإمام أبی الحسن الرضا علیه السلام ، وقطن ذلک المشهد الطاهر ، وحجَّ فی خلال إقامته به مرّتین ، وزار أئمّة العراق أیضاً مرّتین ، وأُعطی شیخوخة الإسلام وحاز منصب القضاء ، إلی أن توفّی فی یوم الحادی والعشرین من شهر رمضان سنة (1104) ودفن فی الصحن العتیق الشریف إلی جنب مدرسة میرزا جعفر ، وقبره معروفٌ یزار ، قدّس الله سرّه ونوّر ضریحه.

ومن شعره قوله من قصیدة محبوکة الأطراف الأربعة :

فإن تخفَ فی الوصفِ من إسرافِ

فلُذْ بمدحِ السادةِ الأشرافِ

فخرٌ لهاشمیٍّ أو منافی

فضلٌ سما مراتبَ الآلافِ

فعلمُهمْ للجهلِ شافٍ کافِ

وفضلُهم علی الأنامِ وافِ

فاقوا الوری منتعلاً وحافی

فضلاً به العدوُّ ذو اعترافِف)

ص: 446


1- أجاز له سنة 1051 وهو أوّل من أجاز له کما فی إجازات البحار : ص 160 [110 / 109 رقم 100]. (المؤلف)
2- إجازته له توجد فی البحار : 2 / 159 [110 / 103 رقم 99] ، مؤرّخة بسنة 1085. (المؤلف)
3- مؤرّخة ب 1085 ، توجد فی إجازات البحار : ص 158 [110 / 107 رقم 100]. (المؤلف)
4- إحدی قری عاملة [قریة علی سفح جبل لبنان ، معجم البلدان : 5 / 134]. (المؤلف)

فهاکها محبوکةَ الأطرافِ

فمن غریبٍ ما قفاه قافِ

وله :

کم حازمٍ لیس له مطمعٌ

إلاَّ من اللهِ کما قد یجبْ

لأجل هذا قد غدا رزقُه

جمیعُه من حیث لا یحتسبْ

وله :

ذواتُ خالٍ خدُّها مشرقُ

نوراً کرکن الحجرِ الأسودِ

کعبةُ حسنٍ ولها برقعُ

من الحریرِ المحضِ والعسجدِ

قد أکسبتْ کلّ امرئ فتنةً

حتی إمامَ الحیِّ والمسجدِ

کم هام إذ شاهدها جاهلٌ

بل هام فیها عالمُ المشهدِ

وله :

لا تکن قانعاً من الدینِ بالدو

ن وخذ فی عبادة المعبودِ

واجتهد فی جهادِ نفسِکَ وابذلْ

فی رضی اللهِ غایةَ المجهودِ

وله فی مدیح العترة الطاهرة :

قلّما فاخروا سواهم وحاشا

ذهباً أن یفاخرَ الفخّارا (1)

وأری قولَنا : الأئمّةُ خیرٌ

من فلانٍ ومن فلانٍ عارا

إنّما سبقُهمْ لبکرٍ وعمروٍ

مثلُ ما یسبقُ الجوادُ الحمارا

إنّنی ذو براعةٍ واقتدارٍ

جاوز الحدَّ فی الأنام اشتهارا

وإذا رمتُ وصف أدنی عُلاهم

لا أری لی براعةً واقتدارا

وله من قصیدة [من] ثمانین بیتاً خالیة من الألف فی مدح العترة علیهم السلام : ف)

ص: 447


1- الفخّار : الخزف. (المؤلف)

ولیّی علیٌّ حیث کنت ولیَّهُ

ومخلصَهُ بل عبدَ عبدٍ لعبدهِ

لعمرُک قلبی مغرَمٌ بمحبّتی

له طول عمری ثم بعدُ لولدهِ

وهم مهجتی هم مُنیتی هم ذخیرتی

وقلبی بحبیّهم مصیبٌ لرشدهِ

وکلُّ کبیرٍ منهمُ شمسُ منبرٍ

وکلُّ صغیرٍ منهمُ شمس مهدِهِ

وکلُّ کمیٍّ منهمُ لیثُ حربِهِ

وکلُّ کریمٍ منهمُ غیثُ وهدِهِ

بذلت له جهدی بمدحٍ مهذّبٍ

بلیغٍ ومثلی حسبُه بذلُ جهدهِ

وکلّفتُ فکری حذفَ حرفٍ مقدّمٍ

علی کلِّ حرفٍ عند مدحی لمجدهِ

وله من قصیدة :

أنا حرٌّ لکن کرقٍّ لخودٍ (1)

سلبتنی سکینةً ووقارا

کلُّ حسنٍ من الحرائرِ لا

بل من إماءٍ یستعبدُ الأحرارا

وهوی المجدِ والملاحِ وأهلِ ال

-بیتِ فی القلبِ لم یدعْ لی قرارا

راجع (2) : أمل الآمل (ص 448) ، إجازات البحار (ص 126 ، 158 ، 159) ، سلافة العصر (ص 367) ، لؤلؤة البحرین ، روضات الجنّات (ص 544) ، مستدرک الوسائل (3 / 390) ، سفینة البحار (1 / 242) ، الفوائد الرضویّة (2 / 473) ، شهداء الفضیلة (210) وفیه تراجم جمع من رجالات هذه الأُسرة الکریمة وأعلام بیت الحرّ الفطاحل. 7.

ص: 448


1- الخود : المرأة الشابّة. (المؤلف)
2- أمل الآمل : 1 / 141 رقم 154 ، بحار الأنوار : 110 / 103 رقم 99 و 107 - 110 رقم 100 ، سلافة العصر : ص 359 ، روضات الجنّات : 7 / 96 رقم 605 ، سفینة البحار : 2 / 147.

- 94 -

الشیخ أحمد البلادی

نادِ الأحبّةَ إن مررتَ بدورِها

واشهدْ مطالعَ نیّراتِ بُدورِها

کم قد بدتْ وبها انجلت ظُلَمُ الدجی

ولطالما بزغتْ بوازغُ نورِها

أَنِستْ بها أرضُ الطفوفِ وأقفرتْ

منها الدیارُ ولیس غیر یسیرِها

غربت بعرصةِ کربلا فانهضْ لها

واقرَ السلامَ علی جنابِ مزورِها

وانثر بتربتِها الدموعَ تفجّعاً

لقتیلِها فوقَ الثری وعفیرِها

أکرم بها من تربةٍ قدسیّةٍ

قد بالغَ الجبّارُ فی تطهیرِها

یا تربةً من حولهِا الأملاکُ ما

زالت تشمُّ لمسکِها وعبیرِها

یا تربةً حفّت بها القومَ الأُلی

فازوا بلثمِهمْ لتربِ قبورِها

قد ضُمِّنَتْ جسدَ الحسینِ ومن به

فتکت أُمیّةُ بعد أمرِ أمیرِها

فأزالتِ الإسلامَ عن برحائِها

وأطاعتِ الشیطانَ فی تدبیرِها

وتسرّجتْ خیلَ الضلالِ فأخّرتْ

غیرَ الأخیرِ وقدّمتْ لأخیرِها

ونست عهوداً بالحمی سلفتْ ولن

تعبا بنصِّ نبیِّها ونذیرِها

یا للرجالِ لأُمّةٍ ملعونةٍ

لم یکفها ما کان یومَ غدیرِها

بئسَ العصابةُ من بغتْ وتنکّبتْ

عن دینِها وتسارعتْ لفجورِها

القصیدة وهی (68) بیتاً

الشاعر

الشیخ أحمد بن حاجی البلادی ، عالم فاضل أدیب ، من شعراء أهل البیت

ص: 449

ومادحیهم ، له مراثٍ کثیرة وقد یقال : إنَّ له ألف قصیدة فی رثاء الإمام السبط الشهید الحسین علیه السلام دوّنها فی مجلّدین ، قد ذکر الشیخ لطف الله الجدحفصی عدّة قصائد من حسینیّاته فی مجموعة له وقفنا علی نسخ منها بخطّه ، وأخذنا منها ما ذکرناه ، وله فی التاریخ یدٌ غیر قصیرة وکان من أجداد صاحب أنوار البدرین ، وتوجد فی الأنوار (1) ترجمته ویظهر منه أنّه توفّی فی أوائل القرن الثانی عشر. 4.

ص: 450


1- أنوار البدرین : ص 166 - 167 رقم 74.

- 95 -

شمس الأدب الیمنی

المتوفّی (1119)

سلا إن جُزتما بالرکبِ طیّا

فؤاداً قد طواه الحبّ طیّا

وإلاّ فاسألا أین استقلّتْ

حُداة العیسِ إذ رحلوا عشیّا

فلو لا تلکمُ الأهدابُ نَبلٌ

لما کانت حواجبُها قسیّا

لعمرُ أبیک ما شغفی بهندٍ

ولا ما قلتُ من غزلٍ بمَیّا

ولن أهدی قویمَ النهدِ إلاّ

إذا ما کان نهداً أعوجیّا

وأسمرَ ذابلَ الأعطافِ لدناً

وأسمو مشبهاً عزمی مضیّا

ولن أصبو إلی أوقاتِ لهوٍ

وقد أصبحتُ عن لهوی نحیّا

وما زهرُ الریاضِ أمال طرفی

وإن قد صارَ مطلوباً ندیّا

إلی أن قال :

إذا ما البرقُ سلَّ علیه سیفاً

رأیتَ له الغدیرَ السابریّا

علی ذاک الغدیر غدیرِ دمعی

جری من أجلهم بحراً أذیّا (1)

غدیرٌ طابَ لی ذکراه شوقاً

إلی من ذکرُه یروی الصدیّا

غدیرٌ قد قضی المختارُ فیه

ولایتَهُ وألبسَها علیّا

وقام علی الأنامِ بذا خطیباً

وذاک الیومَ سمّاه الوصیّاج.

ص: 451


1- یقال : بحر آذیّ ، أی شدید الموج.

وإنّی تارکٌ فیکم حدیثاً

لقد ترکوه ظهریّا نسیّا

فمن أهل السقیفة لیس یُلْقی

فتیً عن قتل أبناه بریّا

فهمْ سببٌ لسفکِ دماءِ زیدٍ

ویحیی والذی حلّ الغریّا

فلو لا سلُّ سیفِ البغیِ منهمْ

ونکثُ العهدِ لا تلقی عصیّا

أبا الحسنین أرجو منک نهلاً

من الحوضِ الذی یروی الظمیّا

إذا ما جئتَ یومَ الحشرِ فی من

غدا بالبعثِ بعد الموت حیّا (1)

الشاعر

السید شمس الأدب أحمد بن أحمد بن محمد الحسنی الأنسی (2) أحد أعیان الیمن وأدبائها الأفاضل ، ولم یبرح لها کذلک ، إلی أن غضب علیه الإمام المهدی لدین الله وأمر بتسییره إلی زیلع وهی جزیرة فی أوّل الحبشة ، فحبس بها حتی توفّی سنة (1119). ف)

ص: 452


1- أخذناها من نسمة السحر : [مج 6 / ج 1 / 67] یمدح بها المؤیّد بالله محمد بن المتوکّل الیمنی.(المؤلف)
2- مرّ بیانها فی ترجمة والد المترجم له السیّد أحمد. (المؤلف)

- 96 -

السید علی خان المدنی

المولود (1052)

المتوفّی (1120)

سفرتْ أُمیمةُ لیلةَ النفرِ

کالبدرِ أو أبهی من البدرِ

نزلت منیً ترمی الجمارَ وقد

رمتِ القلوبَ هناک بالجمرِ

وتنسّکتْ تبغی الثوابَ وهل

فی قتلِ ضیفِ اللهِ من أجرِ

إن حاولت أجراً فقد کسبتْ

بالحجّ أصنافاً من الوزرِ

نحرت لواحظُها الحجیجَ کما

نحرَ الحجیجُ بهیمةَ النحرِ

ترمی وما تدری بما سفکتْ

منها اللواحظُ من دمٍ هدرِ

اللهُ لی من حبِّ غانیةٍ

ترمی الحشا من حیث لا تدری

بیضاءَ من کعبٍ وکم منعتْ

کعب لها من کاعبٍ بکرِ

زعمت سلوّی وهی سالیةٌ

کلاّ وربِّ البیتِ والحجرِ

ما قلبُها قلبی فأسلوها

یوماً ولا من أمرِها أمری

أبکی وتضحکُ إن شکوتُ لها

حرَّ الصدودِ ولوعةَ الهجرِ

وعلی وفورِ ثرای لی ولها

ذلُّ الفقیرِ وعزّةُ المثری

لم یُبقِ منّی حبُّها جلداً

إلاّ الحنینَ ولاعجَ الذکرِ

ویزید غلیَ الماءِ ما ذکرت

والماءُ یثلجُ غلّةَ الصدرِ

قد ضلّ طالبُ غادةٍ حُمِیَتْ

فی قومِها بالبیضِ والسمرِ

ص: 453

ومؤنّبٌ من حبِّها سفهاً

نهنهتُه عن منطقِ الهجرِ

یزداد وجدی عن سلامتِه

فکأنَّه بملامِه یغری

لا یکذبنّ الحبّ ألیق بی

وبشیمتی من سبّة الغدرِ

هیهات یأبی الغدرَ لی نسبٌ

أُعزی به لعلیٍّ الطهرِ

خیر الوری بعد الرسول ومن

حازَ العُلا بمجامعِ الفخرِ

صنوِ النبیِّ وزوجِ بضعتِه

وأمینِه فی السرِّ والجهرِ

إن تنکرِ الأعداءُ رتبتَه

شهدت بها الآیاتُ فی الذکرِ

شکرت حُنین له مساعیه

فیها وفی أحدٍ وفی بدرِ

سل عنه خیبرَ یوم نازلَها

تنبیک عن خَبرٍ وعن خُبرِ

من هدَّ منها بابَها بیدٍ

ورمی بها فی مهمهٍ قفرِ

واسأل براءةَ حین رتّلَها

من ردَّ حاملها أبا بکرِ

والطیرَ إذ یدعو النبیُّ له

من جاءه یسعی بلا نذرِ

والشمسَ إذ أَفَلَتْ لمن رجعتْ

کیما یقیم فریضةَ العصرِ

وفراشَ أحمدَ حین همَّ به

جمعُ الطغاةِ وعصبةُ الکفرِ

من باتَ فیه یقیه محتسباً

من غیرِ ما خوفٍ ولا ذعرِ

والکعبةَ الغرّاءَ حین رمی

من فوقِها الأصنامَ بالکسرِ

من راح یرفعُه لیصدعَها

خیرُ الوری منه علی الظهرِ

والقومَ من أروی غلیلَهمُ

إذ یجأرون بمهمهٍ قفرِ

والصخرةَ الصّماءَ حوّلَها

عن نهر ماءٍ تحتها یجری

والناکثین غداةَ أمَّهُمُ

من ردَّ أُمَّهمُ بلا نکرِ

والقاسطین وقد أضلّهمُ

غیُّ ابنِ هند وخدنِه عمرِو

من فلَّ جیشَهمُ علی مضضٍ

حتی نجوا بخدائعِ المکرِ

والمارقین من استباحهمُ

قتلاً فلم یُفلِتْ سوی عشرِ

ص: 454

وغدیرَ خمٍّ وهو أعظمُها

من نال فیه ولایة الأمرِ

واذکر مباهلةَ النبیِّ به

وبزوجِهِ وابنیه للنفرِ

واقرأ وأنفسنا وأنفسکم (1)

فکفی بها فخراً مدی الدهرِ

هذی المفاخر والمکارم لا

قعبان من لبنٍ ولا خمرِ (2)

وله فی مدح الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام قوله فی دیوانه المخطوط :

أمیرَ المؤمنین فدتکَ نفسی

لنا من شأنِک العجبُ العجابُ

تولاّک الأُلی سعدوا ففازوا

وناواکَ الذین شَقَوا فخابوا

ولو عَلِمَ الوری ما أنت أضحوا

لوجهک ساجدین ولم یُحابوا

یمینُ اللهِ لو کُشف المغطّی

ووجهِ اللهِ لو رُفعِ الحجابُ

خفیتَ عن العیونِ وأنت شمسٌ

سمتْ عن أن یجلّلَها سحابُ

ولیس علی الصباحِ إذا تجلّی

ولم یبصرْه أعمی العینِ عابُ

لسرٍّ ما دعاک أبا ترابٍ

محمدٌ النبیُّ المستطابُ

فکان لکلِّ من هو من ترابٍ

إلیک وأنت علّته انتسابُ

فلو لا أنت لم یُخلقْ سماءٌ

ولولا أنت لم یُخلقْ ترابُ

وفیک وفی ولائِک یومَ حشرٍ

یُعاقبُ من یُعاقبُ أو یُثابُ

بفضلک أفصحتْ توراة موسی

وإنجیلُ ابنِ مریمَ والکتابُ

فیا عجباً لمن ناواک قدماً

ومن قومٍ لدعوتهم أجابوا

أزاغوا عن صراطِ الحقِّ عمداً

فضلّوا عنک أم خفی الصوابُ

أم ارتابوا بما لا ریبَ فیه

وهل فی الحقِّ إذ صُدعَ ارتیابُ

وهل لسواک بعد غدیرِ خمٍ

نصیبٌ فی الخلافةِ أو نصابُف)

ص: 455


1- آل عمران : 61.
2- أخذناها من دیوانه المخطوط تناهز 61 بیتاً. (المؤلف)

ألم یجعلْکَ مولاهمْ فذلّت

علی رغمٍ هناک لکَ الرقابُ

فلم یطمحْ إلیها هاشمیٌ

وإن أضحی له الحسبُ اللبابُ

فَمَنْ تیمُ بن مرّةَ أو عدیٌ

وهم سِیّان إن حضروا وغابوا

لئن جحدوک حقَّکَ عن شقاءٍ

فبالأشقینِ ما حلّ العقابُ

فکم سفهتْ علیک حلومُ قومٍ

فکنت البدرَ تنبحُه الکلابُ

الشاعر

صدر الدین السید علی خان المدنی الشیرازی ابن نظام الدین أحمد بن محمد معصوم بن أحمد نظام الدین بن إبراهیم بن سلام بن مسعود عماد الدین بن محمد صدر الدین بن منصور غیاث الدین بن محمد صدر الدین بن إبراهیم شرف الله بن محمد صدر الدین بن إسحاق عزّ الدین بن علی ضیاء الدین بن عربشاه فخر الدین ابن الأمیر عزّ الدین أبی المکارم ابن الأمیر خطیر الدین بن الحسن شرف الدین أبی علی ابن الحسین أبی جعفر العزیز بن علی أبی سعید النصیبینی ابن زید الأعشم (1) أبی إبراهیم بن علی بن الحسین (أبی شجاع الزاهد) بن (محمد) أبی جعفر بن علیّ بن الحسین بن جعفر أبی عبد الله بن أحمد نصیر الدین السکّین النقیب ابن جعفر أبی عبد الله الشاعر ابن محمد أبی جعفر بن محمد بن زید الشهید ابن الإمام السجّاد زین العابدین علیه السلام (2).

من أُسرة کریمة طنّب سرادقها بالعلم والشرف والسؤدد ، ومن شجرة طیّبة أصلها ثابتٌ وفرعها فی السماء تؤتی أُکلها کلّ حین ، اعترقت شجونها فی أقطار الدنیا ف)

ص: 456


1- فی شرح الصحیفة : ص 17 : الأغشم - بالمعجمتین. [وسیأتی ص 463 أنّ لقبه الأعثم] (المؤلف)
2- أخذنا النسب من کتاب سلوة الغریب للمترجم له ، وأضفنا إلیه أخذاً من المصادر الوثیقة کلمتین جعلناهما بین القوسین. ففی حلقات السلسلة المذکورة فی شرح الصحیفة للسیّد سقط کما لا یخفی. (المؤلف)

من الحجاز إلی العراق إلی إیران ، وهی مثمرة یانعة حتی الیوم ، یستبهج الناظر إلیها بثمرها وینعه ، وأوّل من انتقل من رجال هذه العائلة إلی شیراز علی أبو سعید النصیبینی ، وأول من غادر شیراز إلی مکة المعظّمة السیّد محمد معصوم ، وذلک بعد انتقال عمّه ختنه الأمیر نصیر الدین حسین إلیها کما فی سلوة الغریب لصاحب الترجمة.

وشاعرنا صدر الدین من ذخائر الدهر ، وحسنات العالم کلّه ، ومن عباقرة الدنیا ، فنّی کلّ فنّ ، والعلَم الهادی لکلِّ فضیلة ، یحقُّ للأُمّة جمعاء أن تتباهی بمثله ویخصّ الشیعة الابتهاج بفضله الباهر ، وسؤدده الطاهر ، وشرفه المعلّی ، ومجده الأثیل ، والواقف علی آیات براعته ، وسور نبوغه - ألا وهو کلّ کتاب خطّه قلمه ، أو قریض نطق به فمه - لا یجد مُلتحداً عن الإذعان بإمامته فی کلّ تلکم المناحی ، ضع یدک علی أیِّ سفر قیّم من نفثات یراعه ، تجده حافلاً ببرهان هذه الدعوی ، کافلاً لإثباتها بالزبر والبیّنات وإلیک أسماءها :

1 - ریاض السالکین فی شرح الصحیفة الکاملة السجادیّة ، کتاب قیّم یطفح العلم من جوانبه ، وتتدفّق الفضیلة بین دفّتیه ، فإذا أسمت فیه سرح اللحظ فلا یقف إلاّ علی خزائن من العلم والأدب موصدة أبوابها ، أو مخابئ من دقائق ورقائق لم یهتد إلیها أیّ ألمعیّ غیر مؤلّفه الشریف المبجّل.

2 - نغمة الأغان فی عشرة الإخوان أُرجوزةٌ ذکرت برمّتها فی کشکول (1) شیخنا صاحب الحدائق المطبوع بالهند.

3 - رسالة فی المسلسلة بالآباء ، شرح فیها الأحادیث الخمسة المسلسلة بآبائه فرغ منها سنة (1109). 7.

ص: 457


1- الکشکول : 1 / 67.

4 - سلوة الغریب وأسوة الأدیب ، فی رحلته إلی حیدرآباد.

5 - أنوار الربیع فی أنواع البدیع فی شرح قصیدته البدیعیّة.

6 - الکلم الطیّب والغیث الصیّب فی الأدعیة المأثورة.

7 - الحدائق الندیّة فی شرح الصمدیّة لشیخنا البهائیّ.

8 - ملحقات السلافة مشحونة بکلّ أدب وظرافة.

9 - شرحان أیضاً علی الصمدیّة ؛ المتوسّط والصغیر.

10 - رسالة فی أغالیط الفیروزآبادی فی القاموس.

11 - موضّح الرشاد فی شرح الإرشاد ، فی النحو.

12 - سلافة العصر فی محاسن أعیان عصره.

13 - الدرجات الرفیعة فی طبقات الشیعة.

14 - التذکرة فی الفوائد النادرة.

15 - المخلاة فی المحاضرات.

16 - الزهرة فی النحو.

17 - الطراز فی اللّغة.

18 - دیوان شعره. وله شعر کثیر لا یوجد فی دیوانه السائر الدائر ، منه تخمیسه میمیّة شرف الدین البوصیری (1) الشهیرة بالبردة أوّلها مخمّساً :

یا ساهر اللیل یرعی النجمَ فی الظُّلَمِ

وناحلَ الجسم من وجدٍ ومن ألمِ

ما بالُ جفنِک یذرو الدمع کالغیمِ

أمِن تذکّرِ جیرانٍ بذی سلمِ

مزجت دمعاً جری من مقلة بدمِ

أخذ العلم عن لفیف من أعلام الدین وأساطین الفضیلة ، وتضلّعه من العلوم یومئ إلی کثرة مشایخه فی الأخذ والقراءة ، یروی عن أستاذه الشیخ جعفر بن کمال ف)

ص: 458


1- أبو عبد الله محمد بن سعید المولود سنة 608 والمتوفّی 694 ، 696 ، 697. (المؤلف)

الدین البحرانی المتوفّی (1091) (1) ، وعن السیّد والده المقدّس نظام الدین أحمد ، والعلاّمة المجلسی صاحب البحار بالإجازة ، کما أنَّ العلاّمة المجلسی روی عنه ، ویروی عن الشیخ علیّ بن فخر الدین محمد ابن الشیخ حسن صاحب المعالم ابن الشهید الثانی المتوفّی (1104).

ویروی عنه السیّد الأمیر محمد حسین ابن الأمیر محمد صالح الخاتون آبادی المتوفّی (1151) ، والشیخ باقر ابن المولی محمد حسین المکی کما فی الإجازة الکبیرة للسیّد الجزائری.

ولادته ونشأته :

ولد سیّدنا المدنی بالمدینة المنوّرة لیلة السبت (15) جمادی الأولی سنة (1052) ، واشتغل بالعلم إلی أن هاجر إلی حیدرآباد الهند سنة (1068) ، وشرع بها فی تألیف سلافة العصر سنة (1081) وأقام بالهند ثمانیاً وأربعین سنة کما ذکره معاصره فی نسمة السحر (2) وکان فی حضانة والده الطاهر إلی أن توفّی أبوه سنة (1086) (3) فانتقل إلی برهان پور عند السلطان أورنک زیب ، وجعله رئیساً علی ألف وثلاثمائة فارس ، وأعطاه لقب خان ولمّا ذهب السلطان إلی بلد أحمدنکر جعله حارساً لأورنک آباد فأقام فیه مدّة ، ثم جعله والیاً علی لاهور وتوابعه ، ثم ولی دیوان برهان پور وأشغل هناک منصّة الزعامة مدّة سنتین ، وکان بعسکر ملک الهند سنة (1114) ، ثم استعفی وحجَّ وزار مشهد الرضا علیه السلام وورد أصفهان فی عهد السلطان حسین سنة (1117) ، وأقام بها سنین ثم عادها إلی شیراز ، وحطَّ بها عصا السیر زعیماً مدرّساً مفیداً ، وتوفّی بها فی ذی القعدة الحرام سنة (1120) ، ودفن بحرم الشاه ف)

ص: 459


1- ذکر شیخنا البحرانی صاحب الحدائق فی تاریخ وفاته 1088. (المؤلف)
2- نسمة السحر : مج 8 / ج 2 / 397.
3- ذکر شیخنا النوری فی المستدرک : 1066 وفیه تصحیف. (المؤلف)

چراغ أحمد ابن الإمام موسی بن جعفر سلام الله علیه عند جدّه غیاث الدین المنصور صاحب المدرسة المنصوریّة.

قال صاحب ریاض العلماء (1) : إنّه توفّی سنة (1118) ، وفی سفینة البحار (2) : (1119) ، وفی آداب اللغة : (1104) ، والذی اختاره مشایخنا من سنة (1120) هو المعتضد بأنَّ المترجم له نفسه نصَّ علی قدومه إلی أصبهان سنة (1117) ، وقال الشیخ علی الحزین فی التذکرة (3) : إنّی أدرکته بها سنتین.

توجد ترجمته (4) فی : أمل الآمل ، ریاض العلماء ، نسمة السحر (ج 2) ، تذکرة الشیخ علی الحزین ، السوانح له أیضاً ، نشوة السلافة لابن بشارة ، ریاض الجنّة للزنوزی ، تتمیم أمل الآمل للسید ابن شبانة ، نجوم السماء (ص 176) ، روضات الجنّات (ص 412) ، المستدرک (3 / 386) ، سفینة البحار (2 / 245) ، معجم المطبوعات (ص 244) ، آداب اللغة العربیّة (3 / 285) ، مجلّة المرشد العراقیة (1 / 197) ، وفی غیر واحد من أعداد المرشد نشر شطرٌ من شعره.

ومن غرر شعر شاعرنا المدنی قوله یمدح به أمیر المؤمنین علیه السلام لمّا ورد إلی النجف الأشرف مع جمع من حجّاج بیت الله :

یا صاح هذا المشهدُ الأقدسُ

قرّت به الأعینُ والأنفسُ

والنجف الأشرفُ بانت لنا

أعلامُهُ والمعهدُ الأنفسُ

والقبّةُ البیضاءُ قد أشرقتْ

ینجابُ عن لألائها الحندسُ3.

ص: 460


1- ریاض العلماء : 3 / 367.
2- سفینة البحار : 6 / 421.
3- التذکرة : ص 11.
4- أمل الآمل 2 / 176 رقم 529 ، ریاض العلماء : 3 / 363 ، نسمة السحر : مج 8 / ج 2 / 357 ، نشوة السلافة : 1 / 19 ، مؤلفات جرجی زیدان الکاملة تاریخ آداب اللغة العربیة : مج 14 / 643.

حضرةُ قدسٍ لم یَنَلْ فضلَها

لا المسجدُ الأقصی ولا المقدسُ

حلّت بمن حلّ بها رتبةٌ

یقصرُ عنها الفلکُ الأطلسُ

تودّ لو کانت حصا أرضِها

شهبُ الدجی والکنّسُ الخنْسُ (1)

وتحسدُ الأقدامَ منّا علی

السعیِ إلی أعتابِها الأرؤسُ

فقفْ بها والثمْ ثری تُربِها

فهی المقامُ الأطهرُ الأقدسُ

وقل صلاةٌ وسلامٌ علی

من طاب منها الأصلُ والمغرسُ

خلیفةُ اللهِ العظیم الذی

من ضوئه نورُ الهدی یُقبَسُ

نفسُ النبی المصطفی أحمدٍ

وصنوُهُ والسیدُ الأرأسُ

العلَمُ العیلمُ بحرُ الندی

وبرُّه والعالمُ النقرسُ (2)

فلیلُنا من نورِه مقمرٌ

ویومُنا من ضوئه مشمسُ

أقسمُ باللهِ وآیاته

ألیّة تنجی ولا تغمسُ

إنّ علیّ بن أبی طالبٍ

منارُ دینِ الله لا یُطمسُ

ومن حباهُ اللهُ أنباءَ ما

فی کتْبِهِ فهو لها فهرسُ

أحاطَ بالعلمِ الذی لم یُحِطْ

بمثلِهِ بلیا ولا هرمسُ (3)

لولاه لم تُخْلَقْ سماءٌ ولا

أرضٌ ولا نُعمی ولا أبؤسُ

ولا عفی الرحمن عن آدمٍ

ولا نجا من حوته یونسُ

هذا أمیرُ المؤمنین الذی

شرائعُ اللهِ به تُحرَسُ

وحجّةُ اللهِ التی نورها

کالصبحِ لا یخفی ولا یُبْلَسُف)

ص: 461


1- النجوم کلها ، والسیارات منها. (المؤلف)
2- النقرس : الطبیب الماهر المدقّق. (المؤلف)
3- الهرامسة ثلاثة : هرمس الأول وهو عند العرب إدریس ، وعند العبرانیّین اخنوخ وهو أول من درس الکتب ونظر فی العلوم وأنزل الله علیه صحائف. هرمس الثانی : کان بعد الطوفان ، کان بارعاً فی علم الطب والفلسفة. هرمس الثالث : سکن مصر وکان بعد الطوفان ، وکان طبیباً فیلسوفاً عالماً. (المؤلف)

تاللهِ لا یجحدُها جاحدٌ

إلاّ امرؤٌ فی غیِّه مرکسُ

المعلنُ الحقَّ بلا خشیةٍ

حیثُ خطیبُ القومِ لا ینبسُ

والمقحمُ الخیلَ وطیسَ الوغی

إذا تناهی البطلُ الأحرسُ

جلبابُهُ یومَ الفخارِ التقی

لا الطیلسانُ الخزُّ والبُرنسُ (1)

یرفلُ من تقواه فی حلّةٍ

یحسدُها الدیباجُ والسندسُ

یا خیرةَ اللهِ الذی خیرُه

یشکرُه الناطقُ والأخرسُ

عبدُک قد أَمَّکَ مستوحشاً

من ذنبهِ للعفو یستأنسُ

یطوی إلیک البحرَ والبرَّ لا

یوحشُه شیءٌ ولا یونسُ

طوراً علی فلکٍ به سابحٍ

وتارة تسری به عِرمسُ (2)

فی کلّ هیماءَ یری شوکَها

کأنَّه الریحانُ والنرجسُ

حتی أتی بابَکَ مستبشراً

ومن أتی بابَک لا ییأسُ

أدعوک یا مولی الوری موقناً

أنَّ دعائی عنک لا یُحبسُ

فنجِّنی من خطب دهرٍ غدا

للجسمِ منّی أبداً ینهسُ (3)

هذا ولولا أملی فیک لم

یقرّ بی مثویً ولا مجلسُ

صلّی علیک اللهُ من سیّدٍ

مولاه فی الدارینِ لا یوکسُ (4)

ماغرّدت ورقاءُ فی روضةٍ

وما زهت أغصانُها المُیَّسُ

کلمة المترجم له حول نسبه :

قال فی سلوة الغریب : فائدة سنیّة تتعلّق بنسبنا أحببت التنبیه علیها بأنجز ف)

ص: 462


1- البرنس : قلنسوة طویلة کانت تلبس فی صدر الإسلام. (المؤلف)
2- العرمس : الناقة الصلبة الشدیدة. (المؤلف)
3- نهس : أخذ بمقدّم أسنانه : نهست الحیة. نهشت. نهس الکلب : قبض بالفم. (المؤلف)
4- وکس : نقص. ووکس وأوکس : خسر. (المؤلف)

الکلام إلیها ، وهی أنّی قرأت علی ظهر کتاب من کتب الوالد بخطّ السید صدر الدین محمد الواعظ بن منصور غیاث الدین بن محمد صدر الدین بن منصور غیاث الدین جدّنا المذکور فی عمود النسب : أنّ أبا الحسن وأبا زید علیّ بن محمد الخطیب الحِمّانی (1) ابن جعفر أبی عبد الله الشاعر أحد أجدادنا ، قال : وهو جدِّی ، وأدخله فی النسب هکذا ، قال : فأنا صدر الدین محمد الواعظ بن ناصر الشریعة منصور بن محمد صدر الدین بن منصور غیاث الدین بن محمد بن إبراهیم بن محمد بن إسحاق بن علیّ بن عربشاه بن امیر أنبه بن أمیری بن الحسن بن الحسین العزیزی بن علی النصیبینی بن زید الأعثم بن علی هذا المحکی عنه - یعنی الحِمّانی - ابن محمد بن جعفر ابن أحمد بن محمد بن محمد بن زید الشهید ابن علی بن الحسین بن علی بن أبی طالب علیهم السلام.

هذا کلامه وأقول : لیس علیّ بن محمد الحمّانی هذا داخلاً فی عمود نسبنا ، بل ینتهی نسبه إلی زید الشهید هکذا ، هو علیّ بن محمد الخطیب ابن جعفر [أبی] (2) عبد الله الشاعر الذی هو أحد أجدادنا ابن محمد بن محمد بن زید الشهید.

وإنّما أوقع السید صدر الدین فی هذا الغلط تشابه الأسماء فإنَّ جعفراً جدّ السید علی الحمّانی المذکور الذی توهّم صدر الدین أنّه ابن أحمد السکّین هو أبو أحمد السکّین ، لکن اشتبه علیه بابنه فإنَّ ابنه أیضاً اسمه جعفر کما مرّ فی النسب ، ویتّضح ذلک بأنّ محمد بن زید الشهید وهو أصغر بنی أبیه له عدّة بنین منهم محمد ابنه ، والعقب منه فی أبی عبد الله جعفر الشاعر وحده ، فأعقب أبو عبد الله جعفر هذا من ثلاثة بنین : محمد الخطیب الذی هو أبو السید الحمّانی ، وأحمد السکّین الذی هو جدّنا ، والقاسم ، فیکون السید علی الحمّانی ابن أخی أحمد السکّین لا ابن ابنه ، فأحمد السکّین عمّه لا جدّه. ا.

ص: 463


1- أسلفنا ترجمته فی الجزء الثالث : ص 57 - 69 [وفیها تکنیته بأبی الحسین]. (المؤلف)
2- التصحیح من سلسلة النسب الآنف ذکرها.

وأیضاً ما تمَّ للسید صدر الدین إدخال السید علی الحمّانی فی النسب حتی أسقط منه أبا الحسن علیاً (1) الذی هو بین أبی جعفر محمد وبین جعفر بن أحمد السکّین ، وهو غلطٌ فاحشٌ ولقد مرَّ علی ذلک برهة من الزمن ولم ینبّه له أحدٌ من أجدادنا. ن.

ص: 464


1- الذی بینهما اثنان ولیس واحداً ، وهما علیّ وأبوه الحسین.

- 97 -

الشیخ عبد الرضا المقرئ الکاظمی

المتوفّی حدود (1120)

- 1 -

وقفت دون سعیک الأنبیاءُ

فلتطل مفخراً بک الأوصیاءُ

وعن الأنبیاءِ فضلاً علیک

اللهُ أثنی فحبّذا الإثناءُ

وإذا لم یکن سوی آیةِ التط

-هیرِ فیکم لکان فیها اکتفاءُ

کنت نوراً ولیس کونٌ ولا

آدمُ بل لیس کان طینٌ وماءُ

أنت عینُ الیقین سلطانُ موسی

والعصا منه والیدُ البیضاءُ

وسنا النارِ حین آنسَها من

جانبِ الطورِ إذ بدا اللألاءُ

روحُ قدسٍ به تأیّدَ عیسی

ولأمواتِه به إحیاءُ

أنت لو لم تکن لما عُبِدَ اللهُ

ولا للأنامِ کان اهتداءُ

إلی أن یقول :

فأضاعوا وصیّةَ یوم خمٍ

بعلیٍّ وصّی وهم شهداءُ

عن لسان الروح الأمینِ عن الله

تعالی ألا له الآلاءُ

بعلیٍّ بلّغ وإلاّ فما بلّغ

ت والله من عداک وقاءُ

ص: 465

بعد ما بخبخوا وقالوا لقد أص

-بحت مولیً لنا وصحَّ الولاءُ

وأتی النصُّ فیه الیوم أکمل

-ت لکم دینَکمْ وحقَّ الهناءُ

ثم قالوا بأنّ أحمدَ لم یو

صِ وهذا منهم علیهِ افتراءُ

وروی من یمُتْ ولم یوصِ قد ما

تَ موتةً الجاهلیةِ العلماءُ (1)

ویلهمْ جهّلوا النبیّ وقالوا

عنه ما لم یقُلْ وبالإفک جاءوا

ما نجیب الیهودَ یوماً إذا احتجّوا

علینا ألیس فیکم حیاءُ

إنَّ موسی فی القوم وصّی وقد غا

بَ وطه یقضی ولا إیصاءُ

حیث قال اخلفنی لهارون فی القو

مِ وبالأهل تسعدُ الخلفاءُ

والنبیُّ الکریمُ قد ترک القو

م سُدیً بعده وهذا هُذاءُ

وهو بالمؤمنین کان رءوفاً

وعلی کلِّهم له إسداءُ

ما علیه أن لو علی واحدٍ نصّ

وفیما یختاره الإرتضاءُ

وهو أدری بمن لها کان أهلاً

وله فی نصح الأنامِ اعتناءُ

وإذا ما قد مات راعی غُنیما

تٍ فترک الإیصاء عنه عیاءُ (2)

هذه القصیدة توجد فی دیوان شاعرنا وهی تبلغ ثلاثمائة وأربعة وثمانین بیتاً ، أخذنا منها ما ذکرناه ، یمدح بها أمیر المؤمنین علیه السلام ویستدلُّ فیها علی إمامته بحجج قویّة ، ویتخلّص إلی رثاء الإمام السبط الشهید صلوات الله علیه. وله من قصیدة یمدح بها أمیر المؤمنین سلام الله علیه :

- 2 -

درٌّ حقیقیّ حباب العقارْ

فلا تخاطر فی المجازی البحارْف)

ص: 466


1- العلماء فاعل (روی).
2- إلی هذه البرهنة العقلیة استند القوم فی استخلاف عمر کما فصّلنا القول فیه فی الجزء السابع : ص 132 ، 133. (المؤلف)

فقم ففی مجلسِنا قد سعی

ساقٍ صغیرٍ بکؤوسٍ کبارْ

تقول عیناه لعشّاقه

من سیفِ أجفانی الحذارَ الحذارْ

واخفض جناحَ العیشِ فی قهوةٍ

للهمّ عمّن قد حساها نفارْ

للروح روحٌ فإذا قرّبت

من حجرٍ حدّث صمّ الحجارْ

تطفئُ نارَ الهمِّ منّا وفی ال

کاسات منها مستطیراً شرار

إن قتلت منّا عقولاً فعن

والدها کان لها أخذ ثارْ

من کفّ ألمی (1) ما جلا حسنه

إلاّ وبان العقلُ واللبُّ طارْ

حمراء أعدی لونُها کأسَها

تخالُها من غیر کاسٍ تدارْ

قوامُه یطعنُ طعنَ القنا

وفتک ماضی لحظه واقتدارْ

وردفه یشرح لی ثقله

وخصره یسند لی الاختصارْ

قد علّم الفتکَ أُسودَ الشری

وعلّمَ الغزلانَ کیف النفارْ

عجبتُ من حمرةِ خدّیه إن

بدت لعینیّ علا فی اصفرارْ

کأنَّما قد صِیغ من فضّةٍ

سالفة (2) والخدُّ منّی نضارْ

لی روضةٌ غنّاءُ من وجهه

ولحظه ساقٍ وفیه عقارْ

خدٌّ وثغرٌ مقلةٌ وجنةٌ

وردٌ أقاحٍ نرجسٌ جلّنارْ

له علی عشّاقه نصرةٌ

بفاترٍ منه أری الإنکسارْ

فی خدِّه ماءٌ ونارٌ وما

بالماء للنار عهدنا استعارْ

تثبتُ عینای به لم تزلْ

فلم تحُلْ عنه یمیناً یسارْ

کأنّما تلک له قربةٌ

قد عبدت ماء وهاتیک نارْ

یزری إذا ماس بغصنِ النقا

وإن بدا فالبدرُ منه یغارْ

فلو تری یا لائمی حُسنَه

أقمت فیه حججَ الاعتذارْف)

ص: 467


1- الألمی : الذی بشفته لمی. غلام ألمی : بارد الریق. (المؤلف)
2- السالفة : صفحة العنق عند معلق القرط. (المؤلف)

دعنی بربِّ القرطِ لی شاغلٌ

یشغلنی عن حبِّ ذاتِ الخمارْ

خلع عذاری واضح إذ علی

شَهْدِ لماه دار نمل العذارْ

کم من فقارٍ سیفُ ألحاظِهِ

قدَّ کسیفِ المرتضی ذی الفقارْ

من آیةُ التطهیرِ فیه أتتْ

نصّا من اللهِ له واختیارْ

إلی أن یقول :

آخاهُ طهُ یومَ خمٍّ وقد

أُنزِلَ فیه فیه آیٌ جهارْ (1)

الیومَ أکملتُ لکم دینَکمْ

ناهیک من منقبةٍ لا تعارْ

یا راکباً کالقوسِ حرفاً حکی

الأوتار أو کالسهمِ ترمی القفارْ

عُجْ بالغریّینِ وأحرم وطفْ

فی ذلک القدسِ وقفْ باحتقارْ

إلی الذی من کلِّ أوبٍ إلی

بیتِ عطایاه المطایا تثارْ

بیتٌ به طال عماداً فلا

مقصّرٌ فیه ورامی جمارْ

وأذّن الناس ونادِ الوحی

لکعبةِ اللهِ البدارَ البدارْ

وزمزم والحجر والرکن ثم

الحجر الأسود سامی المنارْ

ألا بها حجّوا فما فی سوی

تلک الثری حجّا أری واعتمارْ

واستأذنِ اللهَ ومنه وفی

سکینةٍ فادخلْ علیک الوقارْ

وقبّل الأرضَ له عزّةً

وکحِّلِ الجفنَ بذاک الغبارْ

وامشِ علی الأجفانِ فضلاً عن

الأقدامِ إجلالاً بذاک المزارْ

والثمْ ضریحاً ضمَّ بدراً ومن

حلمٍ جبالاً وعطایا بحارْ

فثمَّ وجهُ اللهِ والعینُ وال

-جنبُ وسیفُ اللهِ ماضی الغرارْف)

ص: 468


1- مرجع الضمیر الأوّل فی فیه هو یوم الغدیر ، وفی الثانی هو مولانا أمیر المؤمنین. یرید أنه نزلت فیه علیه السلام آیات یوم ذاک. راجع الجزء الأول من کتابنا هذا تجد هنالک تفصیل تلکم الآیات النازلة. (المؤلف)

أمیرُ کلِّ المؤمنین الذی

غدا له فیما یشاءُ الخیارْ

فمن یزرْهُ عارفاً حقّه

فهو کمن لله فی العرشِ زارْ

کان بعرشِ اللهِ نوراً ولا

آدمُ أو حوّا به یُستنارْ

لو أجمعَ الناسُ علی حبِّه

من قِدمٍ لم یخلقِ اللهُ نارْ

فالفضلُ فیه کلّه شیمةٌ

ومنه کلٌّ فضلُه مستعارْ

القصیدة (71) بیتاً

- 3 -

وله من قصیدة أخری یمدح بها أمیر المؤمنین علیه السلام قوله :

یا إماماً علا علی سائرِ الخلق

بخُلقٍ مهذَّبٍ وبخَلقِ

حزتَ کلاّ من العلوم إلی أن

قد جری الکلُّ منک فی کلّ عرقِ

بمقال یقیم عذر المُغالی

أنَّک الله حیث للشکّ یبقی

أنت حلفُ الهدی وحلفُ نزال

دَرُّه العذبُ ساغ فی کلّ خلقِ

قد عبدتَ الإلهَ طفلاً مع المخ

-تارِ والکلّ مشرکٌ بالحقّ

وببدرٍ بذلت نفسک فی اللهِ

وبادرتها ضحیً غیر طرقِ

وبخمٍّ بویعت إذ لیس إلاّ

أنت دون الوری لها من محقّ

فأتی النصُّ فیک ألیومَ أکمل

-ت لکم دینَکمْ وأثبتُ حقّی

یا لها من إمامةٍ قد تسامت

بإمامٍ مؤیَّدٍ بالصدقِ

صاحبِ النصِّ والدلالةِ بالإج

-ماع والاتّفاق من غیر مذقِ (1)

نفسِ طه النبیِّ والصهرِ وابن ال

عمِّ والصنوِ والأخِ المشتقّ

القصیدة (56) بیتاً ف)

ص: 469


1- من غیر مذق : أی من غیر شوب. (المؤلف)

- 4 -

وله من قصیدة یمدح بها أمیر المؤمنین علیه السلام وهی تبلغ ستّین بیتاً قوله :

بالعتب طال لِطَیفک التردادُ

لو زارَ جفنَ العاشقین رقادُ

بدرٌ بلیلِ الشعر متّسقٌ ولا

کالبدرِ نقصٌ شأنه وسوادُ

سلطانُ حسنٍ والبهاءُ وزیرُهُ

جیشُ الجلالِ أمامَهُ یقتادُ

إلی أن یقول :

واللهُ أکملَ دینَه بولائِه

أنّی یُطاوَلُ مجدُه ویُسادُ

بالطائفِ المشهورِ کلّم ربَّهُ

ناهیک فخراً ما علیک یزادُ

ولطال ما من جبرئیل لخدمة

قد طال فی أعتابه التردادُ

وببابلٍ رُدّتْ له شمسُ الضحی

واللیلُ قد مُدّت له أبرادُ

وبیوم خمٍّ خبّر الغیّابَ عن

تأمیرِهِ فی البیعةِ الأشهادُ

إذا قام یخطبُ أحمدٌ مسترسلاً

عن ربّه والقولُ منه یعادُ

من کنت مولاه فحیدرةٌ له

مولیً ومن کاد الوصیَّ یُکادُ

فإذا هنالک بخبخوا قومٌ به

من رغبةٍ فی حکمِه زهّادُ

لا تدرکُ الأفهامُ کنهَ صفاتِهِ

أنّی وهل یحصی الحصی التعدادُ

القصیدة

- 5 -

وله من قصیدة (118) بیتاً یمدح بها أمیر المؤمنین علیه السلام قوله :

لک نصب عینی أین کنت أُمثّل

وطریقتی المثلی بحبّک أمثلُ

أرجو الحیاةَ وأنت عنّی معرضٌ

والموت من إعراضِ وجهِک أجملُ

ص: 470

إلی أن یقول :

والله أکملَ دینَهُ بولائِهِ

هل فوق هذا فی المفاخرِ منزلُ

ولَقولِ جبریلَ الأمینِ بحقّهِ

علناً وتلک محلةٌ لا تُنزلُ

لا سیفَ إلاّ ذو الفقارِ ولا فتیً

إلاّ علیُّ الفاضلُ المتفضّلُ

وتعجّبِ الأملاکِ من حملاتِه

فی الحربِ وهو علی الکتائبِ یحملُ

ولفتحِ أحمدَ بابَه ولسدِّهِ

بابَ الصحابِ علی الجمیعِ یفضّلُ

ولقولِ أحمدَ أنت هادٍ للوری

وأنا النذیرُ وذاک فخرٌ أطولُ

ولأنت منّی مثلما هارونُ من

موسی ولا بعدی نبیٌّ یُرسَلُ

وکفاه ممّن لم یصلِّ علیه فی

فرضِ الصلاةِ صلاتُه لا تُقبَلُ

واللهُ زوّجَهُ البتولَ وأشهد ال

أملاک والروحُ الأمینُ موکّلُ

والشمسُ من بعد الغروبِ ببابلٍ

رُدّت له واللیلُ داجٍ مسبلُ

واللهُ خاطبه غداةَ الطائفِ ال

-مشهورِ وهی فضیلةٌ لا تُنحلُ

وبلیلةِ القدرِ الملائکُ عزّة

والروحُ قد کانت علیه تنزّلُ

وغداً موازینُ العبادِ بکفِّهِ

طوعاً تخفُّ بمن تشاءُ وتثقلُ

والنارُ والجنّاتُ طائعةٌ له

من شاءَ ناراً أو جناناً یُدخِلُ

وفدی النبیَّ علی الفراشِ وإنَّها

لهی المواساةُ التی لا تُعقلُ

والوحی یهبطُ عنده وببیته

للفصل آیاتُ الکتابِ تُفَصّلُ

وله وللأصنام کسّر عزّة

وضعت علی أکتافِ أحمد أرجلُ

إلی أن یقول :

عج بالغریِّ فثمَّ سرٌّ مودعٌ

لیست تکیّف ذاته وتمثّلُ

واخلع نعالَک غیرَ ما متکبّر

فیه وأنت مکبّرٌ ومهلّلُ

وقل السلامُ علیک یا من حبُّه

للدینِ فیه تتمّةٌ وتکمّلُ

ص: 471

فهناکَ عینُ اللهِ والسرُّ الذی

قد دقَّ معنیً والأخیرُ الأوّلُ

الحاکمُ العدلُ الذی حقّا یری

ما العبدُ من خیرٍ وشرٍّ یعملُ

والآخذ الترّاک أفضل مسلمٍ

من بعد أحمد یحتفی أو ینعلُ

ویل امرئ قد حاد عنه ضلّةً

وعلی النبیِّ بجهلِهِ یتقوّلُ

جعلَ الإمامةَ غیرَ موضعِها عمیً

واللهُ أعلمُ حیث کانتْ تُجعلُ

وکفی علیّا فی الغدیرِ فضیلة

یأتی إلیها غیرُه یتوصّلُ

حیث الأمینُ أتی الأمینَ مبلّغاً

یقرا السلامَ من السلامِ ویعجلُ

بلّغ وإلاّ لم تبلّغْ ما أتی

فی حقِّ حیدر أیّها المزمّلُ

فهناک بین الصحبِ قام لربِّه

یثنی بعالی صوتِهِ ویفضِّلُ

ویسارُ حیدرةٍ بیمناه وقد

نادی ومنه فیه یُفصحُ مقولُ

من کنت مولاه فحیدرةٌ له

مولیً فإیّاکمْ به أن تُبدلوا

والطائرُ المشویُّ هل مع أحمدٍ

أحدٌ سواه کان منه یأکلُ

والنجمُ لمّا أن هوی فی دارِهِ

جهراً وأشرقَ منه لیلٌ ألیلُ

فی العرشِ قِدماً کان نوراً محدقاً

طوراً یکبّر ربَّه ویهلّلُ

متقلّب فی الساجدین وکان من

صلبٍ إلی صلبٍ طهورٍ یُنقلُ

القصیدة

- 6 -

وله من قصیدة (42) بیتاً یمدح بها أمیر المؤمنین علیه السلام قوله :

هلّ بی حرٌّ إلی رشف رشا

حبّذا لو یقبلُ الروحُ رشا

بابلیُّ الطرفِ لکن ما رأی

سحرَهُ هاروتُ إلاّ اندهشا

جائرٌ فی الحکم لکن عادلُ ال

-قدِّ عبیلُ الردفِ مهضوُم الحشا (1)ف)

ص: 472


1- العبیل : الضخم. الردف : العجز. (المؤلف)

لم أزل أُخفی هواه فی الحشا

غیرَ منّی الدمعُ بالسرِّ فشا

خلته لمّا تجلّی سلطه

تحت لیل الشعرِ صبحاً أبرشا

فضح الشَّهدَ بریقٍ ریّقٍ

غیرُهُ لم یروِ منّی العطشا

أحمدُ النعمان فی وجنتِهِ

وعلی الخدّینِ آسٌ عرّشا

عاذلی أصبحَ فیه عاذری

وانثنی یحمدُه واشٍ وشا

فإذا ماس دلالاً قدُّه

یغتدی غصنُ النقا مرتعشا

کوکبُ المرّیخِ فی وجنتهِ

ساطعٌ والبدرُ منه قد عشا

مطلق اللحظ فؤادی قد غدا

منه فی أسرِ الهوی مندهشا

جرحت عیناه خدَّیْ مهجتی

حیث لحظی خدَّهُ قد خَدَشا

صادنی فی شَرَکٍ من شعرِهِ

عجباً للأسد هل صاد رشا

إلی أن قال :

حیدر الکرار أزکی ناعلٍ

من بنی آدم أو حافٍ مشی

ما غشی اللیل نهاراً نصحه

مذهبٌ شکّا علی القلب غشا

نورُ عین الدین قد ردّ وقد

ردَّ طرف الشرک منه أعمشا

قتل الکفّارَ فی صارمه

ولربع الأُنس منهم أوحشا

لم یدِنْ للاّت یوماً قطُّ بل

عَبَدَ اللهَ وبالتقوی نشا

قد شفی الإسلامَ من داءٍ به

وجلا من أعینِ الدینِ الغشا

ولقد أصبح فی خمٍّ له

شاهدٌ عدلٌ أبی أن یرتشا

جاد بالقرصِ وصلّی العصرَ إذ

ردّه لمّا له غشّی العشا

وله قد کلّم الثعبانَ إذ

ظنّه الناس أتی کی ینهشا (1)ف)

ص: 473


1- نظم شاعرنا المقری فی قصائده هذه جملة ضافیة من مناقب أمیر المؤمنین ممّا صدع به النبیّ الأمین ، یوجد تفصیلها فیما یأتی من مسند المناقب ومرسلها ، وإن أسلفنا بعضها فی طیّات الأجزاء الماضیة [2 / 430 ، 440 - 447 ، 449 - 461 و 3 / 137 - 146 ، 280 ، 308 - 346 و 6 / 35 ، 470 ، 376]. (المؤلف)

الشاعر

الشیخ عبد الرضا بن أحمد بن خلیفة أبو الحسن المقری الکاظمی ، من أفذاذ القرن الثانی عشر وعلمائه وأفاضله الجامعین لفضیلتی العلم والأدب ، ترجمه سیّدنا أبو محمد الحسن فی تکملة الأمل وأطراه بالعلم والفضل ، وقال : توفّی حدود سنة ألف ومائة وعشرین ، وعزا إلیه دیوانه المرتّب علی الحروف فی مدح الأئمّة علیهم السلام ، وقد وقفنا علیه ونقلنا عنه ما أثبتناه وهو یربو علی الثلاثة آلاف وخمسمائة بیتٍ.

ص: 474

- 98 -

علم الهدی محمد

لک الحمدُ ذا المجدِ والکبریاءِ

لک الحمدُ فی البدءِ والانتهاءِ

لک الحمدُ یا من علا فی الدنوّ

لک الحمدُ یا من دنا فی العلوّ

إلی أن قال من قصیدة تبلغ (151) بیتاً :

مننتَ علی الخلقِ فی کلِّ حینْ

لإتمام نعماکَ نورَ الیقینْ

ببعث نبیٍّ بشیرٍ نذیرْ

إلی نهجِ جنّاتِ عدنٍ یشیرْ

ونصبِ وصیٍّ من الأصفیاءْ

لتشیید ما أسّس الأنبیاءْ

فها نحن جئنا نحنُّ إلیکْ

بحقّ الهداةِ الکرامِ علیکْ

إلهی بحقِّ الرسولِ الأمینْ

جسیم الأیادی علی العالمینْ

بحقِّ الوصیّ أخیه السریّ

بمجدٍ سنیٍّ وعزٍّ علیّ

وصیِّ الرسولِ بأمرٍ حکیمْ

أتی من لدنک بلطفٍ عمیمْ

سلیل الخلیل ولید الحرمْ

عدیل النبی فی معالی الشیمْ

ضیاء الرشاد بهاء الهدی

إمام العباد رواء الندی

ولیّ الأنامِ بنصِّ الغدیرْ

أمیر الکرام ونعم الأمیرْ

القصیدة

الشاعر

علم الهدی محمد ابن المولی محمد محسن بن مرتضی الکاشانی ، نیقدٌ تبرّز علماً

ص: 475

وأدباً وتقدّم فضلاً وحسباً ، وجمع الفضائل موروثاً ومکتسباً ، هو ابن المحقّق الفیض علم الفقه ورایة الحدیث ، ومنار الفلسفة ، ومعدن العرفان ، وطود الأخلاق ، وعباب العلوم والمعارف ، هو ابن ذلک الفذّ الذی قلَّ ما أنتج شکل الدهر بمثیله ، وعقمت الأیّام عن أن تأتی بمشبهه.

والمترجم له مقتفٍ أثر والده المقدّس ، وتشفٌّ عن تضلّعه من العلوم آثاره الباقیة ، منها کتاب المواعظ البالغ عشرین ألف بیت ، وفهرس الوافی لوالده الفیض ، وحواشٍ علی الوافی ، وتعالیق علی مفاتیح الشرائع لوالده ، کتاب تحفة الأبرار الفارسی فی الأصول الخمسة والأعمال الحسنة والسیّئة ألّفه سنة (1100) ، کتاب [وصف] (1) العلماء فی فضائلهم وأنّهم خلفاء الأئمّة علیهم السلام ، مرآة الجنان (2) فی الأدعیة ، رموز الهی (3) فارسی فی الأدعیة والأعمال الیومیّة والأحراز والعوذات ، کتاب سرور صدور الأولیاء فی کیفیة الصلاة علی المصطفی وآله ، وفیه قصیدته التی أخذنا منها ما ذکرناه ، وقال صاحب الروضات (4) (ص 543) : إنّ له کتاباً لطیفاً بالفارسیّة جمع فیه بین الأصول والفروع والأخلاق ، وینسب إلیه أیضاً خطبٌ ورسائل منیفة. انتهی.

وترجمه سیّدنا صدر الدین الکاظمی فی تکملة الأمل وقال : عالم فاضل محدّث فقیه رجالیّ جیّد الطریقة حسن الخطّ فاضل فی الأدب خبیرٌ بالحکمة ، جامعٌ لفضائل رأیت من مصنّفاته نضد الإیضاح ، وکتاب معادن الحکم فی مکاتیب الأئمّة علیهم السلام. انتهی ملخّصاً.

وترجمه صاحب نجوم السماء فی (ص 225) وقال : تلمّذ علی والده ، له کتاب 5.

ص: 476


1- الزیادة من الذریعة : 25 / 99.
2- اسمه : مرقاة الجنان إلی روضات الجنان ، وهو مختصر کتابه الکبیر عروة الاخبات. الذریعة : 20 / 312 رقم 3149.
3- اسمه : زبور إلهی ، وهو الترجمة الفارسیة للکتاب الذی سبقه. الذریعة : 12 / 36 رقم 206.
4- روضات الجنّات : 6 / 80 رقم 565.

نضد الإیضاح ، رتّب کتاب إیضاح الاشتباه للعلاّمة الحلّی علی أحسن نمط وطبع مع فهرست الشیخ (1). انتهی.

لم نقف علی تاریخی ولادة المترجم له ووفاته (2) غیر أنّه استنسخ نخبة والده سنة (1055) ، وبطبع الحال أنّه کان فی ذلک التاریخ بالغاً مبالغ الرجال ولا أقلّ من أن یکون مراهقاً ، وذکر ولده الشیخ جمال الدین إسحاق علی ظهر بعض کتبه ودعا له بدوام الظلّ فی سنة (1112) ، فکان حیّا بین التاریخین لکنّه یظهر ممّا کتبه ولده الآخر المولی نصیر الدین سلیمان سنة (1123) علی مفاتیح الشرائع لجدّه وترحّمه علی والده أنّه توفّی قبل السنة المذکورة ، فتکون وفاته بین التاریخین الأخیرین ، ویقدّر عمره بما یتراوح بین السبعین والثمانین. .

ص: 477


1- فی لیدن سنة 1271. (المؤلف)
2- ترجمه مفصّلاً الشیخ آغا بزرک الطهرانی فی طبقات أعلام الشیعة فی القرن الثانی عشر : ص 488 وذکر کلّ مؤلفاته ، وعدداً من أولاده وبعض أحواله ، وأرّخ ولادته بسنة 1039 ووفاته بسنة 1115 ه.

ص: 478

- 99 -

الشیخ علی العاملی

أجل حدیثَ الصبا والخرّدِ الغیدِ

لمستهامٍ کئیبِ القلبِ معمودِ

واستمطرِ الدمعَ من جفنی القریحِ علی

شرخِ الشبابِ وعصرٍ غیرِ مردودِ

وامنحْ أبثّک حزناً عن رسیسِ هوی

وعن فؤادٍ بنارِ البینِ موقودِ

إلی أن یتخلّص إلی مدح أمیر المؤمنین علیه السلام ویقول :

المنهل العذب للظامی أبا حسنٍ

ومن لکلّ مُضامٍ خیر مورودِ

والطاهر النسب السامی من امتنعت

صفاته الغرّ عن حصرٍ وتحدیدِ

مولیً إذا عُدَّ ذو مجدٍ وذو شرفٍ

یومَ الفخارِ تجده خیر معدودِ

وکلّ محمودِ أوصافٍ یُقاس به

یغدو لدیه ذمیماً غیرَ محمودِ

یمّم إلیه ونکّب کلّ مقتصدٍ

من الأنام تجدْه خیرَ مقصودِ

هو الجواد ومن ساواه ممتنع ال

وجود فی کلّ عصرٍ غیر موجودِ

مجیبُ کلِّ مُضامٍ عند نازلةٍ

ملبّیاً وکفی عوناً إذا نودی

مولی البریّةِ والمعنیُّ فی سورِ

الذکر الحکیم بمدحٍ غیرِ محدودِ

من قد أعاد الهدی من بعد ما درست

أعلامُه أبداً من بعد تشییدِ

ومهّدَ الحقَّ والإسلامَ حین عفتْ

رسومُه وتواری أیَّ تمهیدِ

ففی المکارمِ یُدعی بابن بجدتِها

وفی الملاحم مقدام الصنادیدِ

لذاک ألقی رسولُ اللهِ حیث طما

بحرُ الهیاج إلیه بالمقالیدِ

ص: 479

وقال فی یوم خمِّ حین قال له

جبریل بلّغ مقالاً غیر مردودِ

من کنتُ مولاه حقّا فالوصیُّ له

مولیً علی شاهدٍ منهم ومشهودِ

القائدُ الخیلَ فی الهیجاء مقرنةً

من النجائبِ بالمهریّةِ القودِ

القصیدة وهی کبیرة جداً.

الشاعر

الشیخ علیّ بن أحمد الفقیه العادلی العاملیّ الغرویّ. من رجال عاملة القاطنین بالعراق ، موصوف بالعلم والأدب والفضیلة ، وقفت علی دیوانه وقد کتب علی ظهره هذا دیوان الشیخ الإمام العلاّمة ، فرید دهره ، ووحید عصره ، وقدوة الأدباء ، وقبلة الشعراء ، الشاعر الأدیب الأریب النبیه علیّ بن أحمد الفقیه العاملی نسباً والغرویّ مولداً ومسکناً. انتهی.

قرأ علی المدرّس الشریف الأوحد السیّد نصر الله الحائری ، وبأمره دوّن شعره ، وقال فی أوّل دیوانه ما ملخّصه : اجتمعت مع السید نصر الله بن حسین بن إسماعیل الحسینی فأمرنی بأن أجمع شمل ما نظمت من القوافی بعد الشتات ، وأُؤلّف بینهنَّ مدوّناً ، ولعمری إنَّ أمره لمطاع ، ومخالفته لا تُستطاع ، فامتثلت لما أشار إلیه ، وأجبت ملبّیاً لما دعانی بالحثِّ علیه.

ولأستاذه السید المدرّس ثناء علی دیوانه بقوله :

دیوان مولانا علیٍّ ذی الندی

کالروض إذ قد جاده سحابُهُ

قد ضُمِّنَ اللؤلؤَ إلاّ أنّه

عذبٌ فراتٌ سائغٌ شرابُهُ (1)

رتّب المترجم له دیوانه علی مقدّمة وأبواب وخاتمة ، کان رحمه الله رحّالة تجوّل فی ف)

ص: 480


1- یوجد فی دیوانه : ص 246. (المؤلف)

بلاد إیران ونزل بشیراز وأصفهان ، وغادرها إلی النجف الأشرف سنة (1120) ، وله فی الباب الخامس من دیوانه قصیدة یمدح بها السید المدرّس الحائری سنة (1122) مجیباً قصیدة السید التی مدحه بها وهی تعرب عن مقامه الشامخ فی الفضائل ، ونبوغه فی الأدب ، وتحلّیه بالنفسیّات الکریمة ، ألا وهی :

قم فاجلُ شمسَ الراحِ للندماء

کی تنجلی فیها دجی الغمّاءِ

فمجامرُ الأزهارِ فاحَ أریجُها

عبقاً بنارِ البرق ذی اللألاءِ

والطَّلُّ فوقَ الوردِ أضحی حاکیاً

صدغاً أحاط بوجنةٍ حمراءِ

ولآلئ الأنداء قد لاحت ضحیً

بشقائقٍ راقت لعینِ الرائی

فکأنّها نُطَفُ الدموع تدافعت

فی حرف جفنِ المقلةِ الرمداءِ

فانشط وأسرج لی کُمَیتاً رُوِّضَتْ

بعد الشماسِ بمزجِها بالماءِ

تجری بمضمارِ اللهی لکن غدا

عوضَ القتامِ لها دخانُ کباءِ

شمطاءُ ترقصُ فی الزجاجِ وإنّما

برد الوقار یُری علی الشمطاءِ

یا حبّذا وقد اجتلاها أهیفٌ

نشواتُ من غنجٍ ومن صهباءِ

ما لاح لی ظبیٌ سواه مقرَّطاً

ومقلَّداً بالنجمِ والجوزاءِ

سوی علیٍّ ذی المعالی ما انجلی

قمرُ یمدُّ الشمسَ بالأضواءِ

ربُّ المفاخر من سما أوجِ السما

بمکارمٍ جلّت عن الإحصاءِ

ندبٌ یری بذل الرغائبِ واجباً

للمجتدی والدهر ذو أکداءِ

ذو هیبةٍ بالبشرِ شیبت مثلَما

یبدی السحاب النار ضمن الماءِ

راحاتُه الراحاتِ تولی والعنا

للأولیاءِ له وللأعداءِ

الثاقبُ الآراء نجلُ الثاقب ال

آراء نجل الثاقب الآراءِ

یهتزُّ عند الحمدِ إلاّ أنّه

عند النوائبِ ثابتُ الأرجاءِ

مولیً إذا اسودَّ الزمانُ وأَمَّهُ

عافٍ حباهُ بالیدِ البیضاءِ

ص: 481

وإذا عتا فرعونُ فقر مؤمّلٍ

ألقاه من جدواه فی دأماءِ (1)

لم تُسمَعِ العوراءُ منه وطالما

أطفی توقّدَ فتنةٍ عمیاءِ

من معشرٍ حازوا النهی بفخارِهمْ

قد حبّرت دیباجة العلیاءِ

لا یُنصتون إلی الغنا ولطالما

نال الغنی بهم ذوو استجداءِ

ما أشرعوا الأرماح إلا أشرقو

ها من دمِ الأقرانِ فی الهیجاءِ

تهدیهمُ بدجی القتامِ غرائمٌ

لهمُ غدت تحکی نجومَ سماءِ

غارت رماحُ الخطّ من أقلامِهمْ

فلذلک ارتعدت لدی الهیجاءِ

فلکم زها فوق الطروسِ بطلّها

زهرٌ له کمٌّ من الأحشاءِ

زهرٌ یلوح الدهر غضّا ناضراً

والزهرُ یذبلُ عند فقدِ الماءِ

ولکم سبتْ عقلاً بسحرِ بیانِها

وبحکمةٍ من شعرِها غرّاءِ

یا صاحبَ الفضلِ الذی من فضلِه

یُجنی جنیُّ بلاغةِ البلغاءِ

خذ روضَ مدحٍ لم یجده القطر بل

قد جاد منبته ولیّ ولاءِ

یبدی الشذی منه قبول قبولکم

لو حبّ فی أسحار حسن رجائی

فأعوذ بالرحمن من أن یغتدی

بهجیرِ هجرِک شاحبَ الأرجاءِ

لا زال قدرُک کاسمک السامی الذی

قد سار فی الآفاقِ سیرَ ذکاءِ

ما خاط أجفانَ الوری وسنٌ وما

شقَّ الصباحُ غلالة الظلماءِ

ولشاعرنا العاملیّ قصائد طوال فی مدح الإمام أمیر المؤمنین ورثاء ولده الإمام السبط الشهید سلام الله علیهما ، ومن مدیحه أمیر المؤمنین قصیدة أوّلها :

الدهر أصبح لی معاندْ

وسطا علیَّ وصال عامدْ

وأشارت الأیّام نحوی

بالمکاره والمکائدْر.

ص: 482


1- الدأماء : البحر.

إلی أن یقول :

یا سعد وقیتَ النوی

وکفیت منها ما أکابدْ

بالله إن جزتَ الغریَ

فعُجْ علی خیرِ المشاهدْ

وقفِ الرکابَ ونادِها

هنّیت فی نیلِ المقاصدْ

واخلع بها نعلیک مل

-تثمَ الثری لله ساجدْ

واعمد إلی تقبیل أع

-تاب الإمام البرِّ عامدْ

مولی البریّةِ ذی التقی

علَمِ الهدی حاوی المحامدْ

نجلِ الغطارفةِ الکرا

مِ الأریحیّین الأماجدْ

کالبحرِ إلاّ أنَّه

عذبُ المصادرِ والمواردْ

وقلِ السلَامُ علیک یا

کهفَ النجاةِ لکلّ وافدْ

ومحطَّ رحل المستضامِ

المستجیرِ وکلّ واردْ

یا آیةَ اللهِ التی

ظهرت فأعیتْ کلَّ جاحدْ

والحجّةَ الکبری المنا

طة بالأقاربِ والأباعدْ

لولاک ما اتّضحَ الرشادُ

ولا اهتدی فیه المعاندْ

کلاّ ونیرانُ الضلالةِ لم

تکن أبداً خوامدْ

والدینُ کان بناؤه

لولاک منهدَّ القواعدْ

حارت بک الأوهامُ واخ

تلفت بمعناک العقائدْ

فمن اقتدی بک اهتدی

وهوی ضلالاً عنک حائدْ

یا من نعوذُ باسمِه

من کلِّ شیطانٍ وماردْ

وبه نلوذُ من الزمانِ

وحین نودَعُ فی الملاحدْ

أنت المرجّی فی الفوا

دحِ والمؤمّل فی الشدائدْ

مولای معتقدی بأنّ

-ک علّةُ الأشیاءِ واحدْ

ص: 483

ومعادُ أجسامِ الوری

یومَ المعاد علیک عائدْ

فلذلک الله العلی

براک فی الکونین قائدْ

تدعو الأنامَ إلی الهدی

وعلیهمُ فی ذاک شاهدْ

خذها أبا حسنٍ إلی

علیاک أبکاراً خرائدْ

ص: 484

- 100 -

المولی مسیحا الفسوی

المولود (1037)

المتوفّی (1127)

ما ارتحت مذ رکبتْ للبین جیرانی

یا صاحبیّ بإتلافی أجیرانی

یقول فیها :

فضلی ومجدی وإتقانی ومعرفتی

عادت بأجمعها أسبابَ حرمانی

لو قلّبَ الدهرُ أوراقی لصادفها

آیاتِ لقمانَ فی أشعارِ حسّانِ

دنیای قد ثکلتنی فهی باکیةٌ

نجومُها الدمعُ والعینان عینانی

واسوءَ بسطِ یدٍ غُلّتْ إلی عنقی

حتی بدا المزن بالأمطارِ بارانی

وقُوِّست ألفی کالنون من نصبٍ

فکاد ینقلب إیران نیرانی

فیما ارتقابی سحباً غیرَ ماطرةٍ

إلامَ أرضی بأرضٍ لیس ترعانی

من لی بعاصفِ شملالٍ (1) یبلّغنی

إلی الغریِّ فیلقینی وینسانی

إلی الذی فرضَ الرحمنُ طاعتَه

علی البریّة من جنٍّ وإنسانِ

علیٍّ المرتضی الحاوی مدائحَهُ

أسفارُ توراة بل آیاتُ فرقانِ

ما أستعینُ بشملالٍ ولا قدمٍ

من تربِ ساحتِه طوبی لأجفانی

تنزّه الربُّ عن مثلٍ یخبّرنا

بأنَّه ورسولَ اللهِ سیّانِف.

ص: 485


1- الشملال : السریع الخفیف.

کأنَّ رحمتَه فی طیِّ سطوتِهِ

آرامُ وجرةَ (1) فی آساد خفّانِ

عمَّ الوری کرماً فاقَ الذری شمماً

روّی الثری عنماً (2) من نحر فرسانِ

فالدین منتظمٌ والشمل ملتئمٌ

والکفر منهدمٌ من سیفه القانی

کالبرق فی بَسمٍ والنارِ فی ضرمٍ

والماءِ فی سجمٍ من نهر أفنانِ

فقارُهُ وهی فی غِمْدٍ تجلّلها

آیُ الوعیدِ حواها جلدُ قرآنِ

قد اقتدی برسولِ اللهِ فی ظُلمٍ

والناسُ طرّا عکوفٌ عند أوثانِ

تعساً لهم کیف ضلّوا بعد ما ظهرت

لهم بوارقُ آیاتٍ وبرهانِ

فهل أُرید سواهُ حیث قیلَ لهمْ

هذا علیٌّ فمن والاه والانی

هل رُدّت الشمسُ یوماً لابن حنتمةٍ

أو هل هوی کوکبٌ فی بیت عثمانِ

هل جادَ یوماً أبو بکر بخاتمِهِ

مناجیاً بین تحریمٍ وأرکانِ

وهل تظنُّ تعالوا ندعُ أنفسَنا

فی غیرِهِ نزلت عن ذاک حاشانی

أخصّ بالسطلِ والمندیلِ واحدَهمْ

أم استحبّوا بتفّاحٍ ورمّانِ

أم ریثما صال عمروٌ بین أظهرِهمْ

سواه صبّغ منه السیف بالقانی

أم خیبر کان وافی قبله بطلاً

سلَّ المصاریع (3) من مرصوصِ بنیانِ

أشالَها لجمیعِ الجندِ قنطرةً

یجیزها الکلّ من رجلٍ ورکبانِ

أم ریثما انهزمَ الأصحابُ فی أُحدٍ

وظلَّ خیرُ الوری فرداً بلا ثانِ

من عصبةِ الشرک صُفَّتْ حولَهُ فئةٌ

ذات المخالبِ فی أریاشِ عقبانِ

سواه حامی رسول الله یطعنهم

بسمهریٍّ یُحاکی لدغَ ثعبانِ

بالسیفِ والرمحِ والأنصالِ دافعَهمْ

عن الرسولِ بإخلاصٍ وإیقانِ

حتی تبدّدَ أهلُ الشرکِ وانهزموا

شبهَ الحنادسِ إذ تُمحی بنیرانِب.

ص: 486


1- الوجرة : الحفرة تُجعل للوحوش فیها مناجل فإذا مرّت بها عرقبتها.
2- العنم : نبات یتخذّ من أزهاره الحمراء خضاب.
3- مفرده مصراع ، وهو أحد جُزْئَی الباب.

والقومُ بشّرَهم إبلیسُ من کذبٍ

بقتلِ أحمدَ مصروعاً بمیدانِ

فارتاح أنفسُهمْ سرّا وقد ستروا

أسرارَهمْ خوفَ أبصارٍ وآذانِ

وهل تصدّق للنجوی سواه فتیً

وقد مضی قبل نسخِ الحکمِ یومانِ

هل فی فراشِ رسولِ اللهِ باتَ فتیً

سواه إذ حفَّ من نصلٍ بنیرانِ

لولاه لم یجدوا کفواً لفاطمةٍ

لولاه لم یفهموا أسرارَ فرقانِ

لولاه کان رسول الله ذا عقمٍ

لولاه ما اتّقدت مشکاةُ إیمانِ

لولاه لم یک سقفُ الدین ذا عمدٍ

لولاه لانهدمتْ أرکانُه الوانی (1)

لولاه ما خلقت أرضٌ ولا فلکٌ

لولاه لم یقترن بالأوّل الثانی

هو الذی کان بیتُ اللهِ مولدَهُ

فطهّر البیتَ من أرجاسِ أوثانِ

هو الذی من رسولِ اللهِ کان له

مقامُ هارونَ من موسی بنِ عمرانِ

هو الذی صارَ عرشُ الرب ذا شنفٍ

إذ صار قرطیه ابناه الکریمانِ

أقدامُه مسحت ظهراً به مسحتْ

یدُ الإلهِ لتبریدٍ وإحسانِ

یا واضعاً قدمیهِ حیثما وُضِعتْ

یدُ الإلهِ علیه عزَّ من شانِ

رحبُ الأکفِّ إذا فاضت أناملُهُ

لو لم یقل حسب ثنّی یومَ طوفانِ

لو ظلَّ تحت لواه فی الوغی علمٌ

تراه ترتجُّ حنواً نحو میدانِ

ما تستقرُّ الرواسی تحت صارمِهِ

کالطود تندکُّ من أُسٍّ وبنیانِ

لو لا الوصیّةُ فالشیخانِ أربعةٌ

یومَ السقیفةِ بل عثمانُ إثنانِ

فیا عجیباً من الدنیا وعادتها

أن لا یساعدَ غیر الوغد والدانی

من کان نصُّ رسولِ اللهِ عیّنهُ

لإمرةِ الشرعِ تبلیغاً بإعلانِ

یومَ الجماهیرُ فی بیداءَ قد مُلِئتْ

بکلّ من کان من أعقاب عدنانِ

وقال صحبُ رسولِ اللهِ قاطبةً

بخٍ لذاک وکان الأوّل الثانی (2)ف)

ص: 487


1- الوانی : الضعیف البدن. یقال : نسیم وانٍ : ضعیف الهبوب. (المؤلف)
2- کان أوّل من خاطب الإمام علیه السلام یوم غدیر خم مبخبخاً عمر بن الخطّاب ، وهو ثانی من تقمّص الخلافة. (المؤلف)

من بعد ما شدّدَ الرحمنُ إمرتَه

علی الرسولِ بإحکامٍ وإتقانِ

فقال بلِّغ وإلاّ فادرِ أنّک ما

بلّغتَ حقَّ رسالاتی وتبیانی

تقدّمته أُناسٌ لیس عیّنهمْ

نصُّ الإله ولا منطوق برهانِ

لا أضحک الله سنَّ الدهر إنّ له

قواعداً عدلتْ عن کلِّ میزانِ

بصفوِ حبِّک قد أحییت مهتدیاً

فدتْکَ نفسیَ یا دینی وإیمانی

ودَرَّ فیضُکَ ما دارَ السما وجری

ودام ظلُّکَ ما کرَّ الجدیدانِ

ما یتبع الشعر

القصیدة توجد برمّتها (91) بیتاً فی الجزء الثانی من کتاب الرائق للعلاّمة السید أحمد العطّار ، وذُکر منها (89) بیتاً فی نجوم السماء (ص 197) ، وجملة منها مذکورةٌ فی فارسنامه ناصری (2 / 230) ، وعدَةٌ منها توجد فی هامش نهج البلاغة المطبوع فی إیران سنة (1310) ، وخمّس العلاّمة الأوحد السید محمد حسین الشهرستانی المتوفّی (1315) (1) من هذه القصیدة واحداً وأربعین بیتاً ، وبدأ بالبیت الحادی عشر أوّله :

أمسیت والهمُّ فی إیرانَ یطرقُنی

والکربُ طولَ اللیالی ما یفارقُنی

وذکرُ من حلَّ فی کوفانَ یقلقُنی

من لی بعاصفِ شملالٍ یبلّغنی

إلی الغریّ فیلقینی وینسانی

إلی الذی طهّرَ الجبّارُ طینتَهُ

إلی الذی بشّرَ المختارُ شیعتَهُ

إلی الذی أوجبَ القربی مودّتَهُ

إلی الذی فرض الرحمنُ طاعتَهُ

علی البریّةِ من جنٍّ وإنسان ف)

ص: 488


1- أحد شعراء الغدیر ، یأتی ذکره فی شعراء القرن الرابع عشر. (المؤلف)

الشاعر

المولی محمد مسیح الشهیر بمسیحا ابن المولی إسماعیل فدشکوئی الفسوی المتخلّص ب (معنی) فی شعره الفارسی ، وبمسیح فی العربیّ منه ، عالم فیلسوف ، وحکیم بارع ، وفقیه متضلّع ، وأدیب شاعر ، وخطیب کاتب ، مذکور بالثناء الجمیل فی سوانح تلمیذه الشیخ علی الحزین ، ونجوم السماء (ص 195) ، وفارسنامه ناصری (2 / 230) ، وغیرها أخذ العلم عن أستاذ الکلّ آقا حسین الخونساری ، وأخذ عنه کثیرون من العلماء ، تقلّد شیخوخة الإسلام بشیراز علی عهد السلطان شاه سلیمان ، والسلطان شاه حسین ، وله یوم تسنّما عرش الملک خطبٌ بلیغة ، توفّی سنة (1127) عن عمر یقدّر بالتسعین ، وخلف آثاراً قیّمة لا یستهان بها منها : إثبات الواجب ، ورسالة فارسیّة فی القصر والإتمام ، وحواشٍ علی حاشیة الخفری علی شرح التجرید ، ذکرها له شیخنا القمی فی الفوائد الرضویّة (1 / 643) وقال : رآها فی کرمانشاه.

ص: 489

ص: 490

- 101 -

ابن بشارة الغروی

المتوفّی بعد (1138)

تلک الدیارُ تغیّرتْ آثارُها

وتغیّبتْ تحت الثری أقمارُها

دارٌ لقد أخفی البِلی أضواءَها

ومن السحائب جادَها مدرارُها

إلی أن قال :

أنا سیّدُ الشعراءِ غیرَ مدافعٍ

وإذا نثرتُ فإنّنی نثّارُها

وأقودُهمْ نحو الجنانِ ورایتی

بیضاءُ تلمعُ فوقهمْ أنوارُها

إذ کنتُ مادحَ حیدرٍ ربّ التقی

فخر البریّةِ حصنهم کرّارُها

لیثٌ إذا حمی الوطیسُ وزمجرتْ

فرسانُها والحربُ طارَ شرارُها (1)

یسطو بأعظمِ صولةٍ روّاعةٍ

منها الکماةُ تصرّمتْ أعمارُها (2)

وإذا الخیولُ الصافناتُ تسابقتْ

یومَ البرازِ فسبقه نحّارُها

صهرُ النبیّ أبو الأئمّةِ خیرُهمْ

وبه الخلافةُ قد سما مقدارُها

بغدیرِ خمٍّ للولایةِ حازها

حقّا ولیس بممکنٍ إنکارُها

وإذا رقی للوعظِ صهوةَ منبرٍ

یُصغی لزاجرِ وعظِهِ جبّارُها

وبراحتیه تفجّرتْ عینُ الندی

فالواردون جمیعُهم یمتارُهاف)

ص: 491


1- زمجرت : أکثرت الصیاح والصخب. وتزمجر الأسد : ردّد الزئیر. (المؤلف)
2- الکماة جمع الکمیّ : الشجاع أو لابس السلاح. (المؤلف)

وله العلومُ الفائضاتُ علی الوری

فیضَ الغمائمِ إذ هما مهمارُها

نهجُ البلاغة من جواهرِ لفظِه

فیه العلومُ تبیّنتْ أسرارُها

لولاه ما عُبد الإلهُ بأرضِهِ

یوماً ولا بخعتْ له کفّارُها (1)

الشاعر

أبو الرضا الشیخ محمد علی بن بشارة من آل موحی الخیقانی النجفی ، أوحدیٌّ حقّت له العبقریّة والنبوغ ، وفذّ من أفذاذ الفضیلة ، برع فی فنون الشعر والأدب ، ورث فضله الکثار وأدبه الموصوف عن أبیه العلاّمة الشاعر المفلق الشیخ بشارة ، وعاصر نوابغ العلم وأساتذة البیان وأخذ منهم ، ونال من الفضل حظّه الوافر ، ونصیبه المقدّر ، فأطروه وأثنوا علیه ، وعدَّ من رجال تلک الحلقة ، وأبقی شعره وأدبه له ذکری خالدة ، وسجّلت آثاره القیّمة العلمیّة والأدبیّة فی صفحة التاریخ له غرراً ودرراً تُذکر وتُشکر ، منها نشوة السلافة ومحلّ الإضافة ، قرّظها السید حسین ابن الأمیر رشید الآتی ذکره ، وقال الشیخ أحمد النحویّ الحلّی مقرّظاً إیّاها :

یا أخا الفضل والمکارم والسؤ

دد والمجدِ والعُلی والشرافه

والأدیب الأریب المصقع المد

ره ربّ الکمال ربّ الظرافه

أیّ درٍّ أودعتَ فی صدفِ الطر

سِ غدا الدرُّ حاسداً أوصافه

لو رأی هذه الریاضَ زهیرٌ

لتمنّی من زهرهنّ اقتطافه

لو دری عرفَهنّ صاحبُ عرفِ الطی

-بِ أبدی لطیبهنّ اعترافه

لو رأی جمعها علیٌ (2) رأی الفض

-ل علی جمعه لکمْ والأنافه

قال جمعی صبابةٌ فی إناءٍ

من سُلاف وذا حبابُ السلافهف)

ص: 492


1- ذکرها فی کتابه نشوة السلافة وهی تناهز الخمسین بیتاً. (المؤلف)
2- یعنی السید علی خان المدنی صاحب سلافة العصر التی ألّف ابن بشارة نشوته تتمیماً لها. (المؤلف)

أیّ مستمتعٍ لذی الفضل فیها

وبشتّی نکاتها واللطافه

جئتها طاوی الحشا فأضافت

-نی وقالت : هذا محلّ الإضافه

ومنها : نتائج الأفکار ، قرّظها المدرّس الأوحد السید نصر الله الحائری بقوله :

حیَّر عقلی ذا الکتابُ الأنیق

فلیس للوصف إلیه طریقْ

رقیقُ لفظٍ جزلُ معنیً له

کلّ مجامیع البرایا رقیقْ

ما هو إلاّ روضةٌ غضّةٌ

شقیقُها لیس له من شقیقْ

صاداتُها الغدرانُ همزاتُها

حمائمٌ تشدو بلحنٍ أنیقْ

کم نشق العشّاقُ من نفحِها

نسیمَ أخبار اللوی والعقیقْ

کم قد جلت أکؤسُ ألفاظِها

معانیاً یخجلُ منها الرحیقْ

رصّعها صوبُ یراعِ الذی

أصبح دوحُ الفضلِ فیه وریقْ

مولیً جلیلُ القدرِ فی شأنِه

قد اغتدی صاحبَ فکرٍ دقیقْ

لا زال نصرُ اللهِ طولَ المدی

له رفیقاً فهو نعمَ الرفیقْ

ومنها : شرح نهج البلاغة ، وریحانة النحو. ذکرهما الشیخ أحمد النحویّ الحلّی فی قصیدته التی مدحه بها أوّلها :

برزَتْ فیا شمسَ النهارِ تستّری

خجلاً ویا زهرَ النجوم تکدّری

فهی التی فاقت محاسنُ وجهِها

حسنَ الغزالةِ والغزالِ الأحورِ

یقول فیها :

من آل موحٍ شهبِ أفلاکِ العُلی

وبدورِ هالاتِ الندی والمفخرِ

وهم الغطارفةُ الذین لبأسِهمْ

ذُهِل الوری عن سطوةِ الإسکندرِ

وهم البرامکةُ الذین بجودِهمْ

نسی الوری فضلَ الربیعِ وجعفرِ

لم یخلُ عصرٌ منهمُ أبداً فهم

مثلُ الأهلّةِ فی جباهِ الأعصُرِ

ص: 493

لا سیّما العلَم الذی دانت له ال

أعلامُ ذو الفضل الذی لم ینکرِ

ولقد کسا نهج البلاغة فکره

شرحاً فأظهر کلّ خافٍ مضمرِ

وعجبت من ریحانةِ النحو التی

لم یذوِ ناضرَها مرور الأعصرِ

فذروا السلافةَ (1) إنّ فی دیوانه

فی کلِّ بیتٍ منه حانةَ مسکرِ

ودعوا الیتیمةَ (2) إنَّ بحر قریضِهِ

قذفت سواحلُه صنوفَ الجوهرِ

ما دمیةُ القصرِ (3) التی جمع الأُلی

کخرائدٍ برزت بأحسنِ منظرِ

یا صاحبَ الشرفِ الأثیل ومعدنَ ال

کرمِ الجزیلِ وآیةَ المستبصرِ

خذها إلیک عروسَ فکرٍ زفّها

صدقُ الودادِ لکم وعذرُ مقصّرِ

فاسلکْ علی رغم العدی سبلَ العُلی

واسحبْ علی کیوانِ ذیل المفخرِ

ومنها : دیوان شعره الذی وصفه السید المدرّس الحائری بقوله :

دیوان نجل المقتدی بشاره

لسائر الشعر غدا إکلیلا

ما هو إلاّ جنّةٌ قد أزهرت

وذلّلت قطوفها تذلیلا

وقوله فیه :

ألا قد غدا دیوان نجلِ بشارةٍ

طرازَ دواوینِ الأنامِ بلا ریبِ

مهذّبةٌ أبیاتُه کخلائقی

فلیس به عیبٌ سوی عدمِ العیبِ

وللسید العلاّمة المدرّس الحائری عدّة قواف فی الثناء علی شاعرنا ابن بشارة منها : ف)

ص: 494


1- هی سلافة العصر للسید علی خان المدنی شارح الصحیفة الشریفة الآنف ذکره فی هذا الجزء : ص 344. (المؤلف)
2- هی یتیمة الدهر للثعالبی کتاب أدبیّ ضخم فخم مطبوع فی أربع مجلّدات. (المؤلف)
3- دمیة القصر تألیف الباخرزی ، مطبوع سائر دائر. (المؤلف)

سلامٌ یسحبُ الأذیالَ تیهاً

علی هام الدراری الثاقباتِ

أخصُّ به شقیقَ الصبحِ بشراً

سلیلَ بشارة ذی المنقباتِ

فتیً أضحت بغیثِ نداه تزهو

أزاهیرُ الأمانی للعفاةِ

وراحت فی صباح الرأی منه

تجابات (1) دیاجی المشکلاتِ

شأی قسّا بلفظٍ راق رصفاً

ومعنیً بالهبات الوافراتِ

له فکرٌ بأدنی الأرض لکن

له عزمٌ بأعلی النیّراتِ

ونظمٌ یشبه الأزهارَ لو لم

تعد بعد النضارةِ ذابلاتِ

وبعد فإنَّ روضَ العیشِ أضحی

هشیماً ذا نواحٍ شاحباتِ

وقد کانت نواحیه قدیماً

بطلّ البشر منکم زاهیاتِ

وأمسی یا شهابَ سما المعالی

مریدَ الوجدِ مخترقاً جهاتی

فعوّذنی بکتبک من أذاه

فما لی غیرها من راقیاتِ

ولا زالت جلابیبُ المعالی

بمجدِکمُ المبجّلِ معلماتِ

ومنها قوله :

سلامٌ کزهرِ الروض إذ جاده القطرُ

وکالدرِّ فی اللألاءِ إذ حازه البحرُ

أخصّ به المولی سلیل بشارةٍ

أخی الفضلِ من فی مدحهِ یزدهی الشعرُ

سحاب الندی السهمُ الذی فاقتِ السها

عزائمُه وانقاد قنّا له الدهرُ

فتیً فاز بالقدح المعلّی من العُلی

وحاز علوماً لا یُحیط بها الحصرُ

فما القطبُ ما الرازی وما جوهریُّهمْ

إذا ما به قیسوا وما العضدُ ما الصدرُ

مناقبُهُ غرٌّ مواهبُهُ حیاً

منازلُهُ خضرٌ مناصلُهُ حمرُ

طوی سبل العلیاءِ فی متنِ سابقٍ

لهمّته القعساءِ عِثْیَرُهُ الفخرُ

وبعدُ : فإنَّ الحالَ من بعدِ بُعدکم

کحالِ ریاض الحزنِ فارقها القطرُت.

ص: 495


1- کذا ، وفی أعیان الشیعة 10 / 13 : مجابات.

فلله لیلاتٌ تقضّتْ بقربِکمْ

ولم یندَ من روضاتِ وصلِکمُ الزهرُ

وإذ موردُ اللذّاتِ صافٍ وناظری

یزیلُ قذاه منظرٌ منکمُ نضرُ

فلا تقطعوا یوماً عن الصبِّ کتبَکمْ

ففی نشرِها للمیْتِ من بعدکمْ نشرُ

ولا برحتْ تبدو بأفقِ جبینِکمْ

نجومُ السعودِ الزهرُ ما نجم الزهرُ

ومنها قوله مهنّئاً له بعید النحر :

نشر الربیعُ مطارفَ الأزهارِ

فی طیِّها نفحاتُ مسکٍ داری (1)

وخرائدُ الأغصانِ بالأکمام قد

رقصت بتشبیبِ النسیمِ الساری

وصوادحُ الأوراقِ فی الأوراقِ قد

غنّت بأعوادٍ بلا أوتارِ

والظلّ ظلَّ محاکیاً بدبیبِه

خطَّ العذارِ بوجنةِ الأنهارِ

فبدارِ نجلُ خمرة تجلو العنا

عنّا ولا ترکنْ إلی الأعذارِ

بکرٌ إذا ما قلّدت بحبابها

حلّت یمینَ مدیرِها بسوارِ

شمسٌ یطوف بأفق مجلسِنا بها

قمرٌ تقلّد نحرُه بدراری

سلب السلافَ مذاقَها وفعالهَا

برضابِه وبطرفِه السحّارِ

ساق تخالُ الثغرَ منه لآلئاً

أو أُقحواناً لاحَ غبِّ قطارِ

أو أحرفاً رقمت بکفِّ المجتبی

أعنی سلیلَ بشارة المغوارِ

ماءُ الطلاقةِ فی أسرّةِ وجهِه

یجری ونارُ سطاه ذاتُ شرارِ

مولی بأُفقِ سما المناقبِ قد بدا

قمراً ولکنْ لم یرع بسرارِ

فبذاک یثمر قصد کلّ مؤمّل

وبهذه تُصلی مُنی الفخّارِ

شهمٌ لبیبٌ لم تلد أمّ العُلی

ندّا له فی سائرِ الأعصارِ

ندسٌ (2) بدیعُ بنانِه قد راح عن

وجهِ المعانی کاشفَ الأستارن.

ص: 496


1- الداری : العطّار. نسبة إلی دارین بالبحرین کان یحمل إلیها المسک من الهند. (المؤلف)
2- الندس : سریع السمع الفَهِم الفَطِن.

ولقد غدا صرف الزمان یُصدُّ عن

من نحوه أضحی مرید جوارِ

نعمٌ تعمُّ عمومَ هطّال الحیا

لکنّها جلّت عن الأضرارِ

وشمائلٌ کالروض لو لا أنّه

یذوی لفقد العارض المدرارِ

أقلامه قد قلّمت ما طال لل

أخطابِ والأخطارِ من أظفارِ

ودواته أدوت وداوت کاشحاً

ومؤمّلاً جدواه ذا إعسارِ

من آلِ خاقانَ الذین وجوهُهمْ

عند اسودادِ النقعِ کالأقمارِ

قومٌ إذا شاموا الصوارمَ أغمدتْ

فی جیدِ کلِّ مملّکٍ کرّارِ

وإذا همُ اعتقلوا الذوابل فی الوغی

آبتْ نواضرُ بالنجیعِ الجاری

أخبارُهمْ بسوادِ کلِّ دجنّةٍ

حُرِّرْنَ فوق بیاضِ کلِّ نهارِ

یا من له بأسٌ یحاکی الصخرَ فی

خُلُقٍ أرقَّ من النسیمِ الساری

وعُلاً تناسقَ کابراً عن کابرٍ

یحکی أنابیبَ القنا الخطّارِ

وافاک عیدُ النحر طلقاً وجهُهُ

یحکی رقیقُ نسیمِه أشعاری

عیدٌ یعود علیکمُ بمسرّةٍ

محمودةِ الإیرادِ والإصدارِ

لا زالت الأیدی تشیرُ إلیکمُ

شبهَ الهلالِ عشیّة الإفطارِ

وبقیت ترفل من علاک بحلّةٍ

فضفاضةٍ قد طرّزت بفخارِ

وله مراسلاً إیّاه لازماً الجناس المذیّل قوله :

لعمرک إنّ دمعَ العین جارٍ

لأنّی حنظل التفریق جارعْ

وما لی غیر شهد الوصلِ شافٍ

فهل لی فی اجتناءٍ منه شافعْ

وقلبی للوصولِ إلیک صادٍ

ونظمی بالثناءِ علیک صادعْ

وهمّی لیثُه الفتّاکُ ضارٍ

ولولاه لما أمسیتُ ضارعْ

ولونی أصفرٌ والدمعُ قانٍ

وطرفی منکمُ بالطیف قانعْ

ومذ غبتم فصبحی شبهُ قارٍ

لدیَّ وإصبعی للسنِّ قارعْ

ص: 497

وإنّی للتواصلِ منک راجٍ

فهل ذاک الزمانُ العذبُ راجعْ

وإنّی بالذی تهواه راضٍ

أیا مولیً لدرِّ الفضل راضعْ

فیا لک من کریمِ الأصل سامٍ

لهمسِ المجتدین نداهُ سامعْ

هزبرٌ عنه سیفُ الضدِّ نابٍ

وینبوعُ الفضائلِ منه نابعْ

وطرفُ الخائفِ المذعورِ ساجٍ

بمغناه وطیرُ المدحِ ساجعْ

وبحرُ علومِه للناسِ طامٍ

فکلٌّ منهم بالریِّ طامعْ

وغیثُ نداه طولَ الدهر هامٍ

وغیثُ الأفقِ بعضَ العامِ هامعْ

ومعشره أُولو سَلَم وضالٍ (1)

لدیهم سابق الکرماء ضالعْ

له سیفٌ غداة الحربِ دامٍ

وطرفٌ خشیةَ الجبّارِ دامعْ

ونسکٌ من ریاءِ الخدعِ خالٍ

وطبعٌ للخلاعةِ راحَ خالعْ

وشعرٌ رائقٌ کشرابِ جامٍ

لحسن نفائس الأشعار جامعْ

وقلبٌ قُلَّبٌ فی الحربِ ساطٍ

ووجهٌ فی ظلام الخطب ساطعْ

وإحسانٌ لحرِّ المدحِ شارٍ

ورمحُ عزیمةٍ ما زال شارعْ

حلیمٌ للعدی بالصفحِ جازٍ

ومن هولِ الحوادث غیر جازعْ

وزاکٍ علمُه للجهلِ نافٍ

وطبٌّ إن یضرّک فهو نافعْ

وشهمٌ ما له فی الناسِ زارٍ

لحبِّ هواه فی الأحشاءِ زارعْ

لما لا یرتضیه اللهُ قالٍ

ألَم ترَه لضرسِ هواه قالعْ

وقاه اللهُ نظرةَ کلِّ راءٍ

فإنَّ جمالَه للعقل رائعْ

ومنها قوله حینما أهدی إلیه ماء ورد :

یا أیّها المولی الذی

هو من إیاس (2) الیوم أذکیه.

ص: 498


1- السلم والضال : نوعان من الشجر. (المؤلف)
2- هو إیاس بن معاویة کان یُضرب المثل بذکائه.

وجّهتُ نحوَکَ ماءَ وَر

دٍ من أریجِ المسکِ أذکی

فاقبله من حبٍّ جوا

ه فی حشاه النارُ أذکی

ومنها قوله مراسلاً إیّاه :

سلامٌ لا لأوّله بدایه

ولا یُلفَی لآخره نهایه

علی ابن بشارةَ المولی الذی قد

تجاوزَ فی المعالی کلَّ غایه

فتیً برقُ البشاشةِ فی المحیّا

علی طیبِ الأُرومة منه آیه

جلیلُ القدرِ محمودُ السجایا

علی کلّ القلوبِ له الولایه

روی الإحسان عن جدٍّ فجدٍّ

وقد صحّت له تلک الروایه

فلو وافاه یوم الجدبِ عافٍ

أباح له حمی روض الرعایه

إذا ما جُنَّ للإشکال لیلٌ

تری مثلَ الصباحِ الطلقِ رأیه

وإن حسرتْ لثاماً حربُ بحثٍ

فلیس لها بکفِّ سواه رایه

له وجهٌ حکاهُ البدرُ حسناً

وما من ریبة فی ذی الحکایه

وفیّ العهد زاکی الجدّ مولی

سلامةُ ذاتِه أقصی مُنایه

ولمّا کان فی ذا العصر فرداً

مدحناه بعنوان الکنایه

وأنّی یمکنُ التصریحُ باسمٍ

بأعلی العرش خطّته العنایه

فسدّدْ رأیَهُ یا ربّ لطفاً

وجنّبه الضلالةَ والغوایه

وألبسه من الإنعام برداً

موشّیً بالکلاءة والحمایه

إلی غیرها من قصائد توجد فی دیوان الشریف السید المدرّس فی ثناء المترجم له ، وهی تُعرب عن مکانته العالیة فی الفضائل والفواضل ، وتحلّیه بنفسیّات کریمة وملکات فاضلة.

ومن شعر شاعرنا - ابن بشارة - قوله فی کتابه نشوة السلافة یمدح به مولانا أمیر المؤمنین علیه السلام ، جاری به قصیدة السید علی خان المدنی المذکورة (ص 350):

ص: 499

من ظلمةِ اللیلِ لیَ المأنسُ

إذ فیه تبدو الشهُبُ الکنّسُ

والطیفُ یأتینی به زائراً

وتارةً صاحبُه یغلسُ (1)

ولم نراقب من رقیب الهوی

خوفاً ولا تبصرنا الحرَّسُ

ومن ریاض الوصل کم نجتَنی

زواهراً تُحیی بها الأنفسُ

کم لیلةٍ بتُّ بظلمائِها

معانقاً للحبِّ لا أدنسُ (2)

حتی هوت للغربِ شهبُ الدجی

والنجمُ فی إسرائه ینعسُ (3)

وانتشر الصبح بأنوارِهِ

وانجابَ عن أضوائهِ الحندسُ (4)

فارقنی خشیة أعدائهِ

وقد خلا من جمعنا المعرسُ (5)

لا أقبل الصبحُ بإسفارِه

لأنّه الفضّاحُ والأوکسُ

واللیل لو جنَّ به جنّتی

وجنّتی طاب بها المأنسُ

موسی رأی النارَ به سابقاً

من جانب الطور لها غرنسُ

وقد أتاها طالباً جذوةً

حتی دنامن قربها یقبسُ

نودی بالشاطئ غربیّها

أنا الإلهُ الخالقُ الأقدسُ

ونارُ موسی سرُّها حیدرٌ

العالم الخنذیذُ والدهرسُ (6)

والأسدُ المغوار یومَ الوغی

تَفْرقُ من صولته الأشوسُ (7)

لو قامت الحرب علی ساقها

قام إلیها وهو لا ینکسُف)

ص: 500


1- الغلس : ظلمة آخر اللیل. أغلس : صار بغلس. (المؤلف)
2- دنس : تلطّخ بمکروه أو قبیح. (المؤلف)
3- من تناعس البرق : فتر. (المؤلف)
4- الحندس : الظلمة جمع حنادس. (المؤلف)
5- المعرس : الموضع الذی یعرس فیه القوم ، أی ینزلون فیه للاستراحة. (المؤلف)
6- الخنذیذ : الخطیب البلیغ. العالم بأیّام العرب وأشعارهم. السید الحلیم. الشجاع البهمة. الدهرس : الداهیة. (المؤلف)
7- الأشوس : الجریء علی القتال الشدید. (المؤلف)

کم قدَّ فی صارمِهِ فارساً

وصیّر السید له ینهسُ (1)

هو ابنُ عمِّ المصطفی والذی

قد طابَ من دوحتِهِ المغرسُ

عیبةُ علمِ اللهِ شمسُ الهدی

ونورُه الزاهرُ لا یُطمَسُ

مهبطُ وحیٍ لم یُنَلْ فضلُه

وکنهُهُ فی الوهمِ لا یُحدَسُ

قد طلّق الدنیا ولم یرضَها

ما همُّه المطعمُ والملبسُ

یقطّع اللیلَ بتقدیسِهِ

یزهو به المحرابُ والمجلسُ

وفی الندی بحرٌ بلا ساحلٍ

وفی المعالی الأصیدُ الأرأسُ

إذا رقی یوماً ذُری منبرٍ

وألسنُ الخلقِ له خرّسُ

یریک من ألفاظِهِ حکمةً

یحتارُ فیها العالمُ الکیّسُ

فیا لها من رُتبٍ نالها

من دونها کیوانُ والأطلسُ

قد شُرِّفتْ کوفانُ فی قبرِهِ

ولم تکن أعلامُها تدرسُ

إن أنکر الجاحدُ قولی أَقُلْ

یا صاح هذا المشهدُ الأقدسُ (2)

أما تری النورَ به مشرقاً

قرّت به الأعینُ والأنفسُ

واللهِ لو لا حیدرٌ لم یکنْ

فی الأرضِ دیّارٌ ولا مکنسُ

فلیس یحصی فضله ناثرٌ

أو ناظمٌ فی شعِره منبسُ

لو کان ما فی الأرضِ أقلامُه

والأبحرُ السبعُ له مغمسُ

سمعاً أبا السبطین منظومةً

غرّاء من غصنِ النقا أمیسُ

تختال من مدحِک فی حلّةٍ

لم یَحِکها فی نسجِها السندسُ

أرجو بها منک الجزا فی غدٍ

فإنَّ من والاک لا یبخسُ

صلّی علیک الله ما أشرقت

شمس الضحی وانکشف الحِندسُف)

ص: 501


1- السید : الذئب. الأسد ، والسّیْد تخفیف السیّد. نهس : أخذ بمقدّم أسنانه ونتفه. (المؤلف)
2- هذا مستهلّ قصیدة السیّد علی خان. (المؤلف)

ومن شعره فی تقریظ المطوّل للتفتازانی قوله :

إنَّ المطوّلَ بحرٌ فاضَ ساحلُه

فلا یحیطُ به وصفی وإنجازی

فرقان أهل المعانی فی بلاغتِهِ

وفی الدلائلِ منه أیّ إعجازِ

ص: 502

- 102 -

الشیخ إبراهیم البلادی

بدأت بحمدِ من خلَقَ الأناما

وأشکرُه علی النعما دواما

هو الموجودُ خالقُنا وجوباً

ولم أثبتْ لموجدِنا انعداما

لقد خلقَ الوری إظهارَ کنزٍ

تستّر فاستفضَّ له الختاما (1)

أُصولٌ خمسةٌ للدین منها

له العدلُ الذی فی الحکمِ داما

وثانی الخمسةِ التوحیدُ فیه

ونفیُ شریکه أبداً دواما

وثالثُها النبوّةُ وهی لطفٌ

عظیمٌ دائمٌ عمَّ الأناما

ورابعها الإمامةُ وهی لطفٌ

من الباری به الدین استقاما

وخامسُها المعادُ لکلِّ جسمٍ

وروحٍ والدلیلُ علیه قاما

وإنَّ إلهَنا فی الحکمِ عدلٌ

یخاصمُ کلَّ من ظلمَ الأناما

وإنَّ النارَ والجنّاتِ حقٌ

علی رغمِ الذی جحدَ القیاما

وإنَّ المؤمنین لهم جنانٌ

ونار الکافرین علت ضراما

وإنَّ الرسلَ أوّلهُم أبوهم

وذلک آدمٌ خصّوا السلاما

وأفضلُهم أولو العزم الأجِلاّ

ومن عَرَفوا لربِّهمُ المقاما

وهم نوحٌ وإبراهیمُ موسی

وعیسی والأمینُ أتی ختاماف)

ص: 503


1- إشارة إلی الحدیث القدسی الدائر علی الألسن : «کنت کنزاً مخفیاً فأحببت أن أُعرف فخلقت الخلق لکی أُعرف». (المؤلف)

محمدُهم وأحمدُهم تعالا

وأعلاهم وقاراً واحتشاما

فأشهدُ مخلصاً أن لا إله

سوی اللهِ الذی خلقَ الأناما

وأنَّ محمداً للناسِ منه

نبیٌّ مرسلٌ بالأمرِ قاما

وأشهد أنَّه ولّی علیّا

ولیَّ الله للدینِ اهتماما

وصیَّره الخلیفةَ یومَ خمٍ

بأمرِ اللهِ عهداً والتزاما

ونصَّ علی الأئمّةِ من بنیه

هناک علی المنابر حین قاما

فواخاه النبیُّ وفی البرایا

بحکمِ اللهِ صیّره إماما

وعظّمه ولقّبه بوحیٍ

أمیرَ المؤمنین فلن یُراما

وزوّجه البتولَ لها سلامٌ

من اللهِ الوصول ولا انصراما

فکان لها الفتی کفواً کریماً

فأولدها أئمّتَنا الکراما

إلی آخر القصیدة (1)

الشاعر

أبو الریاض الشیخ إبراهیم ابن الشیخ علیّ ابن الشیخ الحسن ابن الشیخ یوسف ابن الشیخ حسن ابن الشیخ علی البلادی البحرانی. أحد أعلام البحرین وفضلائها ، کان موصوفاً بالأدب وصیاغة الشعر ، من أجداد مؤلّف أنوار البدرین العالیة کما ذکره فی بعض التراجم ، له منظومة الاقتباس والتضمین من کتاب الله المبین فی إثبات عقائد الدین ، استدلالیّا ، وجامع الریاض یمدح فیه کلاّ من المعصومین علیهم السلام بروضة ، ومن هنا یکنّی بأبی الریاض ، ودیوان شعره یوجد بخطّ تلمیذه الشیخ أبی محمد الشویکی الآتی ذکره ، صحّحه سنة (1150) ، یحتوی علی قصائد علی عدد الحروف بترتیبها ، و (132) دوبیتاً فی أبواب خمسة فی التوحید ، والنبوّة ، والإمامة والأئمّة ، والعدل ، والمعاد ، ومیمیّة (108) أبیات فی الأصول الخمسة. ف)

ص: 504


1- أخذناها من دیوانه المخطوط ، وله فیه شعر آخر فی الغدیر أیضاً. (المؤلف)

ووالد المترجم له الشیخ علیّ أحد أعلام عصره ، ذکره صاحب الحدائق فی لؤلؤة البحرین (1) وقال : کان فاضلاً ولا سیّما فی العربیّة والمعقولات ، مدرّساً إماماً فی الجمعة والجماعة معاصراً للشیخ سلیمان بن عبد الله الماحوزی. انتهی. وترجم له صاحب ریاض الجنّة فی الروضة الرابعة ، وکان الشیخ حسن جدّ المترجم له أیضاً من الفضلاء وکذلک جدّه الأعلی الشیخ یوسف بن الحسن ، ذکره الشیخ الحرّ فی أمل الآمل (2) وقال : فاضل متبحّر شاعر أدیب من المعاصرین. وحکی صاحب الحدائق فی لؤلؤة البحرین (3) عن والده العلاّمة أنّه لمّا توفّی الشیخ یوسف بن الحسن البحرانی ودفن فی مقبرة المشهد - مسجد فی بحرین - اتّفق انهدام إحدی منارتیه وسقوطها علی قبره ، فمرَّ الشیخ عیسی (4) بامرأة جالسة عند المنارة تتعجّب من سقوطها ، فقال الشیخ عیسی فی ذلک :

مررتُ بامرأةٍ قاعده

تُحولِقُ فی هیئةِ العابده

وتسترجعُ اللهَ فی ذا المنار

فما بالُها فی الثری راقده

فقلت لها یا بنةَ الأکرمین

رأیتِ أموراً بلا فائده

ثوی تحتها یوسفیُّ الکمالِ

فخرّت لهیبته ساجدهف)

ص: 505


1- لؤلؤة البحرین : ص 74 رقم 26.
2- أمل الآمل : 2 / 349 رقم 1078.
3- لؤلؤة البحرین : ص 75 رقم 26.
4- أوحدی من أعلام آل عصفور أسرة شیخنا الفقیه المتضلّع الشیخ یوسف صاحب الحدائق ، شاعر مفلق ، وأدیب بارع. (المؤلف)

ص: 506

- 103 -

الشیخ أبو محمد الشویکی

- 1 -

زار حِبّی فانجلت سودُ اللیالی

حین أبدی منه ثغراً کاللآلی

وتبدّتْ لمعٌ من وجهِهِ

فحکی فی لمعِهِ لمعَ الهلالِ

إلی أن قال :

حیدرِ الکرّارِ مقدامِ الوری

شامخِ القدرِ علیٍّ ذی المعالی

عالمِ الغیبِ فلا عیبَ به

طاهرِ الجیبِ فتیً زاکی الخصالِ

هاشمیٍّ نبویٍّ جودُه

یُخِجلُ الغیثَ لدی سکبِ النوالِ

أحمدیِّ الخُلق والخَلقِ فتیً

عنتریِّ الحربِ فی یوم النزالِ

صائمِ الصیفِ وقوّامِ الدجی

مکرمِ الضیفِ بمالٍ من حلالِ

معدنِ العلم الذی سوّالُه

تبلَغُ الآمالَ من قبلِ السؤالِ

ثابتِ النصفِ من الله ومن

أحمدَ المختارِ محمودِ الفعالِ

والدِ السبطین من ستِّ النسا

بنتِ خیرِ الأنبیا ذاتِ الحجالِ

من له المختارُ واخی فی الوری

مرغماً أعداءه أهلَ الضلالِ

وهو فی القرآن نصّا نفسُهُ

خیرُ من باهل بعد الابتهالِ

فله الشأنُ علیٌّ کاسمِهِ

صاحبُ الإحسانِ غوثی فی مآلی

ص: 507

حجّةُ اللهِ بنصٍّ ثابتٍ

یومَ خمٍّ فهو من والاه والی

وأمیرُ المؤمنین المرتضی

من إلهِ العرشِ ربّی ذی الجلالِ

فی فراشِ المصطفی بات ولم

یخشَ من أعدائِهِ أهلِ النکالِ

أخذناها من مختصر دیوانه الذی کتبه إلی شیخه بخطّه وهی قصیدة طویلة قالها سنة (1149) یمدح بها أمیر المؤمنین علیه السلام.

- 2 -

وله قصیدة أنشدها سنة (1149) وجدناها بخطّه یذکر بها العقائد الدینیّة مستهلّها :

اسمعْ هداک اللهُ حسنَ العقائدِ

وخذ من معانی الفکرِ درّ الفوائدِ

له الحمدُ ربّی کم حبانا بنعمةٍ

تقاصر عن إدراکها حمدُ حامدِ

إلی أن قال :

وألطافُ ربّی فی البریّةِ جمّةٌ

لها الغیثُ عذبٌ فی جمیعِ المواردِ

وأعظمُ ألطافِ الإلهِ نبیُّنا

وعترتُه أزکی کرامٍ أماجدِ

حبانا بخیرِ المرسلین محمدٍ

نبیّ هدیً للهِ أکرم عابدِ

ویقول فیها :

ومعجزُه القرآنُ لا زال باقیاً

له بثباتِ الأمرِ أعظمَ شاهدِ

وقد نَسخَتْ کلَّ الشرائعِ فی الوری

شریعتُه الغرّا علی رغمِ ماردِ

فصلّی وزکّی ثم صامَ نبیُّنا

وحجَّ وکان الطهرَ أیَّ مجاهدِ

له اللهُ قد صفّی من العیبِ فاغتدا

نبیّا صفیّا صادقاً فی المواعدِ

وکان له المولی الجلیل وحسبُه

علیٌّ علی الأعداءِ أیُّ مساعدِ

ص: 508

فکان له کفّا قویّا وساعداً

وسیفاً لهامِ القوم أعظمَ حاصدِ

فواخاه عن أمرِ الإلهِ وخصَّه

بفاطمة أُمِّ الهداةِ الفراقدِ

وصیّره عن أمرِ خالقِه له

إماماً بخمٍّ مُرغِماً أنفَ حاسدِ

وقال له فوق الحدائجِ خاطباً

وأضحی له أمرُ الوری أیّ عاقدِ

ونصَّ علیه بالإمامة مجُهراً

وأبنائه یا خیر ولدٍ لوالدِ

القصیدة

- 3 -

وله من قصیدته الغدیریّة الطویلة :

یومُ الغدیرِ به کمالُ الدینِ

ومتمُّ نعمةِ خالقی ومعینی

للهِ من یومٍ عظیمٍ عیدُه

للمؤمنین بدینِ خیرِ أمینِ

یومٌ به رضیَ الإلهُ لخلقِهِ ال

إسلامَ بالتأییدِ والتمکینِ

یومٌ شریفٌ عُظّمتْ برکاتُه

من قبلِ کونِ الکونِ فی التکوینِ

یومٌ به نَصَبَ المهیمنُ حیدراً

علماً إماما للوری بیقینِ

فهو الغدیرُ وفضله متظاهرٌ

کالشمسِ لم یحتجْ إلی التبیینِ

وله الروایة یا فتی تروی الظما

فکأنَّها من عذبِ خیر معینِ

روت الرواةُ عن النبیِّ محمدٍ

خیرِ الوری بالنصِّ والتعیینِ

فأتاه جبریلُ الأمینُ مبلّغاً

عن ربِّه التسلیمَ بالتبیینِ

فالآن بلّغْ عنه نصبَک حیدراً

فوجوبُ طاعتِه وجوبٌ عینی

قم ناصباً للطهرِ حیدرةَ التقی

قبل افتراقِ مصاحبٍ وقرینِ

قال النبیُّ الطهرُ سمعاً للذی

قد قال من هو للوری یکفینی

ودعا بخمّ وهو أوعرُ منزلٍ

یا قومُ حطّوا الرحلَ فی ذا الحینِ

ومن الحدائجِ قد ترقّی منبراً

ودعا علیّا والدَ السبطینِ

ص: 509

وإلیه شالَ فبان من إبطیهما

ذاک البیاضُ ففاقَ للقمرینِ

ولصحبِهِ قد قال یا قوم اسمعوا

منّی مقالةَ ناصحٍ وأمینِ

هل کنتُ یا أصحابُ أولی منکمُ

بنفوسکم قالوا نعمْ بیقینِ

من کنتُ مولاه فمولاه أخی

ووصیّ بعدی کفّه بیمینی

إلی آخر القصیدة

- 4 -

وله من قصیدة طویلة تسمّی بالغزالة یمدح بها النبیّ الأعظم صلی الله علیه وآله وسلم أوّلها :

أقبلت تقنص الأسودَ الغزاله

ذاتُ نور یفوقُ نورَ الغزاله

وانثنتْ تسلبُ العقولَ وثنّت

غلّةً فی الحشا بلبس الغلاله

إلی أن یقول :

فولاءُ النبیِّ للعبدِ درعٌ

عن نبالِ الردی وللنصرِ آله

وولائی من بعده لعلیٍ

حیث أن قبل موتهِ أوصی له

وارتضاه الإمام فی یوم خمٍ

فهو للخصمِ قاطعٌ أوصاله

ویوجد ذکری الغدیر فی سائر قصائده اقتصرنا منها علی ما ذکرناه.

الشاعر

أبو محمد عبد الله بن محمد بن الحسین بن محمد الشویکی الخطّی ، من تلمذة الشیخ إبراهیم ابن الشیخ علیّ البلادی الآنف ذکره ، والشیخ ناصر ابن الحاج عبد الحسن البحرانی ، له فی فنِّ الأدب وقرض الشعر والإکثار منه والتفّنن فیه أشواطٌ بعیدة ، غیر أنَّ شعره من النمط الأوسط ، له کتابٌ فی أحوال المعصومین ، ودیوان مدائح النبیّ وآله یسمّی ب : جواهر النظام ، ودیوان مراثیهم الموسوم ب : مسبل

ص: 510

العبرات ورثاء السادات. استخرج من الدیوانین قصائد کثیرة فی أربعة أیّام وألّفها دیواناً أهداه لشیخه العلاّمة آقا محمد ابن آقا عبد الرحیم النجفی فی سنة (1149) وهذا الدیوان المنتخب من شعره یحتوی علی خمسین قصیدة فی أوزان وقوافٍ مختلفة فی مدائح النبیِّ وآله صلوات الله علیه وعلیهم ورثائهم ، ویرثی العبّاس بن أمیر المؤمنین علیه السلام والقاسم ابن الإمام الحسن وعبد الله ابنه ، وعلیّ ابن الإمام السبط الشهید علیه السلام وولده عبد الله الرضیع ، کلاّ منهم بقصیدة.

ص: 511

ص: 512

- 104 -

السید حسین الرضوی

المتوفّی بعد (1156)

حیّا الحیا عهدَ أحبابٍ بذی سلَمِ

وملعبَ الحیّ بین البانِ والعلَمِ

وجاد أعلام جمعٍ والعقیق فکم

فرَّقن جمع همومٍ باجتماعهمِ

یا صاح عُجْ بی قلیلاً فی معاهدهم

تشفی علیل محبٍّ ذابَ من ألمِ

هذه بدیعیّة ذات (143) بیتاً یمدح بها النبیّ الأعظم صلی الله علیه وآله وسلم إلی أن یقول فیها :

صنو النبیِّ أمیر المؤمنین أبو السبطین

باب العلوم المرتضی الشیمِ

فی السرّ والجهر ساواه وکان له

ردءاً یصدّقه فی الحُکم والحِکمِ

وفیه جاء عن المختار منقبةٌ

من کنت مولاه فهو الحقّ فاعتصمِ

الشاعر

السید حسین ابن الأمیر رشید بن القاسم الرضوی الهندی النجفی ثم الحائری. أوحدیٌّ ثنّی علمه الفائق بأدبه الرائق ، وعبقریّ زان حسبه الزکیّ بفضله الجمِّ وقریضه المزری بعقود الدرر ومنثور الدراری ، فهو عالم بارع ، وأدیب ناقد ، لم تُشغله فضیلة عن فضیلة ، ولا ثنته مأثرة عن مفخرة.

جاء به أبوه من الهند إلی النجف الأشرف فاشتغل بها ، وبعد لأی غادرها إلی جوار الإمام السبط الشهید - الحائر المقدّس - وتخرّج بها علی السید المدرّس الأوحد

ص: 513

السید نصر الله الحائری ، وله قصائد عدّة یمدح بها أستاذه المدرّس ، ولأستاذه یمدحه قوله :

یا أیّها الشهمُ الذی

غیث الندی منه وکفْ

یا ذا الذی فی جودِهِ

قد طال لی باعٌ وکفْ

یا ماجداً طولَ المدی

صدَّ الأذی عنّا وکفْ

حیّاک ربُّ العرشِ ما

برقٌ تبدّی فی السدفْ

من أساتذته السیّد صدر الدین القمیّ شارح الوافیة ، والشیخ عبد الواحد الکعبی النجفی المتوفّی (1150) ، والشیخ أحمد النحوی ، وکان جیّد الخطّ وقفت علی دیوان أستاذه السید المدرّس الحائری بخطّه. توفّی بکربلاء المشرّفة بعد سنة (1156) وقبل الستّین برّد الله مضجعه ، فما عن بعض المجامیع أنّه توفّی (1170) لم أقف علی ما یعاضده.

خلّف شاعرنا الرضوی دیواناً مفعماً بالغرر والدرر ، ومن شعره فی المدیح :

جیرةَ الحیِّ أین ذاک الوفاءُ

لیت شعری وکیف هذا الجفاءُ

لی فؤادٌ أذابه لا عجُ الشو

ق وجفنٌ تفیضُ منه الدماءُ

کلّما لاح بارقٌ من حماکمْ

أو تغنّت فی دوحِها الورقاءُ

فاضَ دمعی وحنَّ قلبی لعصرٍ

قد تقضّی وعزَّ عنه العزاءُ

یا عذولی دعنی ووجدی وکربی

إنَّ لومی فی حبِّهم إغراءُ

هم رجائی إن واصلوا أو تناءوا

وموالیَّ أحسنوا أم أساؤوا

هم جلوا لی من حضرة القدس قدماً

راح عشق کؤوسها الأهواءُ

خمرةٌ فی الکؤوس کانت ولا کر

مٌ ولا نشوةٌ ولا صهباءُ

ما تجلّت فی الکاس إلاّ ودانت

سجّداً باحتسائها الندماءُ

ص: 514

ثم مالوا قبل المذاقِ سکاری

من شذاها فنطقُهم إیماءُ

ثم باتوا وقد فنوا فی فناها

إنَّ عینَ البقاءِ ذاک الفناءُ

سادتی سادتی وهل ینفعُ الصبَ

علی نازحِ المزارِ النداءُ

کنت جاراً لهم فأبعدنی الده

-رُ فمن لی وهل یُردّ القضاءُ

أترونی نأیتُ عنکم ملالاً

لا ، ومن شُرِّفت به البطحاءُ

سرّ خلقِ الأفلاکِ آیة مجدٍ

صدرتْ من وجودِهِ الأشیاءُ

من مزایاه غالبت أنجمَ الأُف

-ق فکان السنا لها والسناءُ

رتبٌ دونها العقولُ حیاری

حیث أدنی غایاتِها الإسراءُ

محتدٌ طاهرٌ وخُلقٌ عظیمٌ

ومقامٌ دانت له الأصفیاءُ

خُصَّ بالوحی والکتاب وناهی

ک کتاباً فیه الهدی والضیاءُ

یا أبا القاسمِ المؤمَّلَ یا من

خضعتْ لاقتدارِهِ العظماءُ

قاب قوسین قد رقیتَ علاء

[کیف ترقی رقیَّکَ الأنبیاءُ] (1)

ولک البدرُ شُقَّ نصفین جهراً

[یا سماءً ما طاولتها سماءُ

] ودعوت الشمسَ المنیرةَ رُدَّت

لعلیٍّ تمدّها الأضواءُ

أنت نورٌ علا علی کلِّ نورٍ

ذی شروقٍ بهدیه یُستضاءُ

لم تزل فی بواطن الحجبِ تسری

حیث لا آدم ولا حوّاءُ

فاصطفاک الإلهُ خیرَ نبیٍ

شأنه النصحُ والتقی والوفاءُ

داعیاً قومَه إلی الشرعةِ السم

-حاءِ یا للإلهِ ذاک الدعاءُ

وغزا المعتدین بالبیضِ والسم

-ر فردّت بغیظِها الأعداءُ

وله الآلُ خیرُ آلٍ کرامٌ

علماءٌ أئمّةٌ أتقیاءُ

هم ریاضُ الندی وروحُ فخارٍ

وسماحٌ ثمارُها العلیاءُف)

ص: 515


1- هذا الشطر والمصرع الثانی من البیت الآتی مستهلّ الهمزیّة الشهیرة التی خمّسها الشاعر المفلق عبد الباقی العمری. (المؤلف)

یُبتغی الخیرُ عندهمْ والعطایا

کلَّ حینٍ ویستجابُ الدعاءُ

سادتی أنتمُ هُداتی وأنتمْ

عدّتی إن ألمّتِ البأساءُ

وإلی مجدِکم رفعت نظاماً

کلآلٍ قد تمَّ منها الصفاءُ

خاطری بحرُها وغوّاصُها الفک

-ر ونظّامُ عقدِهنَّ الولاءُ

وعلیکم صلّی المهیمنُ ما لا

ح صباحٌ وانجابتِ الظلماءُ

أوشدی مغرمٌ بلحنٍ أنیقٍ

جیرةَ الحیِّ أین ذاک الوفاءُ

وله یمدح أمیر المؤمنین علیه السلام :

ألمَّ وقد هجع السامرُ

وعُطّل عن سیرِه السائرُ

خیالٌ لعلوی أتی زائراً

وُقیتَ الردی أیّها الزائرُ

طرقتَ فجلّیتَ لیلَ العفا

وقرّبک القلبُ والناظرُ

نشدتُکَ باللهِ کیف اهتد

یت إلی مضجعی والدجی ساترُ

وکیف عثرت بجفنی وقد

غدا وهو طولَ المدی ساهرُ

فقال هدانی إلیک الحنینُ

ونار جویً شبهها الهاجرُ

سقی ربعَ علوی وذاک الخیالَ

ولیلَ الوصالِ حیاً هامرُ

ملثٌ (1) یُحاکی نوالَ الأمیرِ

ومن روضُ ألطافِه زاهرُ

علیٌّ أبو الحسن المرتضی

علیُّ الذری الطیِّبُ الطاهرُ

إمام هُدیً فضلُه کاملٌ

وبحرُ ندیً بذلُه وافرُ

وصیُّ النبیِّ بنصِّ الإلهِ

علیه وبرهانه الباهرُ

فتیً راجحُ الحلم لا وجهُه

قطوبٌ ولا صدرُه واغرُ

له الشرفُ الضخمُ والسؤددُ الم

-فخّمُ والنسبُ الطاهرُ

وبیتُ عُلیً شاد أرکانه

قنا الخطّ والأبلجُ الباترُع.

ص: 516


1- ألثَّ المطر إلثاثاً فهو ملثٌّ ، أی دام أیاماً لا یقلع.

إلی حیثُ لا ملکٌ سابقٌ

هناک ولا فلکٌ دائرُ

إذا ساجلَ الناسَ فی رتبةٍ

فکلٌّ لدی عزِّه صاغرُ

وإن صالَ فالحتفُ من جندِه

وربُّ السماء له ناصرُ

کأنَّ قلوب العدا إن بدا

من الرعبِ یهفو بها طائرُ

أیا جدُّ إنَّ لسان البل

-یغِ عن حصرِ أوصافِکم قاصرُ

کفاکم عُلیً أنَّ ربَّ السما

ء فی الذکر سعیَکم شاکرُ

فجاد ربوعَکَ من لطفِهِ

سَحابٌ برضوانِه ماطرُ

مدی الدهر ما قد طوی سبسباً

لتقبیل أعتابِکم زائرُ

ومن شعره قوله :

یا مخجلاً حَدَقَ المها

أوقعت قلبی بالمهالکْ

ومعیدَ صبحی کالمسا

ضاقت علیَّ به المسالکْ

یا مُنیتی دون الملا

أنحلتَ جسمی فی ملالکْ

هبْ لی رقادی إنَّه

مذ بِنْتَ أبخلُ من خیالکْ

لله کم لک هالکٌ

بشبا اللواحظِ إثرَ هالکْ

یا موقفَ التودیعِ کم

دمعٍ نثرتُ علی رمالکْ

هل لی مقیلٌ من ضلا

لی أم مقیلٌ فی ظلالک

لهفی علی عصر مضی

لی بالحبیبِ علی تلالکْ

بالله أین غزالُک ال

-فتّانُ ویلی من غزالکْ

لم أنسَه ویدُ النوی

تستلُّ أنفسَنا هنالکْ

أومی یسائل کیف حا

لُک قلت داجی اللونِ حالکْ

فافترّ من عجبٍ وقا

ل بنو الهوی طرّا کذلکْ

فأجبته لو کنت تعلمُ

قدرَ من أصبحت مالکْ

لعلمتَ أنّی عاشقٌ

ما إن یقصّر عن منالکْ

ص: 517

أنا کاتبٌ أظهرتُ أس

رارَ الکتابةِ من جمالکْ

ألفٌ حلت فکأنّها

من حسنِ قدِّک واعتدالکْ

میمٌ کمبسمِک الشهیِ

ختامُه من مسکِ خالکْ

صادٌ کغدرانٍ جرت

من أدمعی یوم ارتحالکْ

سینٌ کطرّتِک التی

ألقت فؤادی فی حبالکْ

دالٌ کصدغِک شوّشت

بیدِ الدلالِ وغیر ذلکْ

ومقطّعاتٌ قد حکت

قلبی المروّعَ من ذیالکْ

ومرکّباتٌ کالعقو

د تزین أجیادَ الممالکْ

وإذا تناسقتِ السطو

رُ سوافراً کنّا کمالکْ

یا قوت أصبح قائلاً

فی الجمع ما أنا من رجالکْ

قسماً بها لو لا الهوی

ما کنت من جرحی نبالک

ومن شعره فی عقد کلام لأمیر المؤمنین علیه السلام :

أنعم علی من شئت کن أمیره

واستغن عمّن شئت کن نظیره

إن کنت ذا عزٍّ ورمت أن تهُنْ

فاحتج لمن شئت تکن أسیره

جمعت شتات تاریخ حیاته ، وعقود جمل الثناء علیه المبثوثة فی المعاجم ، من النشوة والطلیعة وغیرهما صفحات أعیان الشیعة (1) (ص 46 - 57) من الجزء السادس والعشرین.8.

ص: 518


1- أعیان الشیعة : 6 / 15 - 18.

- 105 -

السید بدر الدین

المولود (1062)

بالله یا ورقُ إن شدوت علی

سفوح سلعٍ فدونها السجفُ

وإن رأیت السحاب هامیةً

فقل مرام المولع النجفُ

ففیه رمسٌ مطهّرٌ هبطت

علیه أملاک من له الصحفُ

فیه الإمام الوصیُّ حیدرةٌ

مولی البرایا ومن له الشرفُ

فیه شقیق الرسول شافعنا

ونفسه إن توسّط الطرفُ

فیه أخوه ومن فداه علی

فراشه إن رووا وإن حرفوا

فیه الذی فی الغدیر عیّنه

وبخبخ القوم فیه واعترفوا

الشاعر

بدر الدین محمد بن الحسین بن الحسن بن المنصور بالله القاسم بن محمد الحسنی الصنعائی ، أحد حسنات الیمن ، وعلمائها الأعلام. مشارکٌ فی العلوم ، له فی الکلام والطبّ والأدب وقرض الشعر یدٌ غیر قصیرة ، وله تآلیف قیّمة منها رسالةٌ فی الکلام ، تلمّذ لأساتذته فی الفنون منهم : العلاّمة الشیخ صالح البحرانی نزیل الهند ، والفاضل الحکیم محمد بن صالح الجیلانی نزیل الیمن ، ولد سنة (1062) فی شهر صفر. أخذنا الترجمة والشعر ملخّصاً من نسمة السحر (1) (ج 2). 6.

ص: 519


1- نسمة السحر : مج 9 / ج 2 / 486.

انتهی الجزء الحادی عشر من الغدیر

ویتلوه الجزء الثانی عشر

ویبدأ ببقیّة شعراء الغدیر فی القرن الثانی عشر

والحمد لله أوّلاً وآخراً.

ص: 520

محتویات الکتاب

تتمة بحث معاویة فی میزان القضاء...................................... 11 - 132

مواقف معاویة مع ابی محمد الحسن السبط علیه السلام......................... 11

من هوالحسن علیه السلام؟............................................... 11

معاویة وشیعة أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب علیه السلام...................... 25

صورة مفصلة لغارات معاویة علی شیعة علیّ علیه السلام.................... 28

صورة مفصلة لجرائم بسر بن أرطاة وغیره.................................. 33

معاویة وحجر بن عدی واصحابه............................................ 50

عمرو بن الحمق......................................................... 55

صیفی بن قسیل......................................................... 60

قبیصة بن ضبیعة......................................................... 61

عبدالله بن خلیفة......................................................... 62

الشهادة المزورّة علی حجر................................................ 63

تسیر حجر واصحابه الی معاویة ومقتلهم................................... 64

الخثعمی والعنزی من اصحاب حجر....................................... 68

الحضر میّان وقتلهما علی التشیّع.......................................... 79

مالک الأشتر............................................................ 80

محمد بن أبی بکر........................................................ 83

نظرة فی مناقب ابن هند..................................................... 91

قصص الخرافة أو الغلو الفاحش فی فضائل الأولیاء.................... 33 - 252

1 - زید بن خارجة یتکلّم بعد الموت..................................... 133

2 - أنصاری یتکلّم بعد القتل............................................ 136

3 - شیبان یحیی حماره................................................... 137

4 - عصا اسید وعبّاد.................................................... 139

5 - خمر صارت عسلاً بدعاء خالد بن الولید.............................. 140

6 - أبو مسلم الخولانی لا تحرقه النار...................................... 141

7 - أبو مسلم یقطع دجلة بدعائه......................................... 142

8 - سبحة أبیمسلم تسبح بیده........................................... 142

9 - وفد یسافر بلا زاد ولا مزاد.......................................... 142

10 - دعاء أبی مسلم لمرأة وعلیها......................................... 144

11 - الطبی یحبس بدعاء أبی مسلم........................................ 145

12 - الربیع یتکلّم بعد الموت............................................ 147

13 - أربعة الاف تعبر الماء............................................... 149

14 - جیش یعبر الماء بدعاء سعد بن أبی وقّاص............................ 150

15 - دعاء سعد یؤخّر أجله.............................................. 151

16 - سحابة تروی وتنبت............................................... 152

17 - إبراهیم التیمیّ یواصل أربعین....................................... 153

18 - حافظ دعا علی رجل فمات........................................ 153

19 - سحابة تظلّ کر زبن وبرة.......................................... 154

20 - فقیر یجعل الأرض ذهباً............................................. 154

21 - الغطفانی میت یتبسّم............................................... 155

22 - عمر بن عبد العزیز فی التوراة....................................... 155

23 - کتاب براءة لعمر بن عبدالعزیز..................................... 156

24 - کتاب براءة لعمر بن عبد العزیز..................................... 157

25 - امرأة تلد بدعاء مالک ابن أربع سنین................................ 158

26 - ناصّبی مستجاب الدعوة............................................ 159

27 - السختیانی ینبع الماء................................................ 161

28 - شیخ یبیع القصر فی الجنّة........................................... 161

29 - حضور غائب بدعاء معروف....................................... 162

30 - رجل متربّع فی الهواء............................................... 163

31 - جنیّة تکلّم الخزاعی................................................ 163

32 - رأس أحمد الخزاعی یتکلّم.......................................... 164

33 - النبی یفتخر بأبی حنیفة............................................. 165

34 - أبو زرعة یجعل الحصاة تبراً......................................... 173

35 - وضوء إبراهیم الخراسانی........................................... 173

36 - الما جشون یموت ویحیی............................................ 174

37 - رقعة من الله الی أحمد إمام الحنابلة................................... 176

38 - رسول إلیاس وملک إلی أحمد....................................... 176

39 - النخلة تحمل بقلم أحمد............................................. 177

40 - تکّة سراویل أحمد................................................. 177

41 - الحریق والغریق وکرامة أحمد........................................ 178

42 - الله یزور أحمد کلّ عام............................................. 179

43 - أحمد والملکان النکیران............................................. 180

44 - إمام المالکیة یری النبیّ صلی الله علیه واله کلّ لیلة.................... 184

45 - الملکان وابو العلاء الهمدانی......................................... 184

46 - غمامة تظلّ علی جنازة............................................ 185

47 - شابّ ینظر الاذن من ربّه........................................... 186

48 - شجرة ام غیلان تثمر رطباً......................................... 186

49 - ابن ابی أمّ الحواری فی التنّور........................................ 187

50 - کتاب من الله الی ابن الموفقّ........................................ 188

51 - الحوراء تکلّم أبا یحیی.............................................. 188

52 - دعاوی سهل بن عبدالله التستری................................... 189

53 - سهل وجبل قاف.................................................. 190

54 - وحشیّ أتی بماء الوضوء............................................ 190

55 - قصّة فیها کرامتان................................................. 191

56 - حلق اللحیة لله.................................................... 192

57 - عمود نور منالسماء الی قبر الحنبلی.................................. 203

58 - تمرّ ینقلب رطباً لابن سمعون........................................ 205

59 - ابن سمعون یخبر عمّا یراه الناثم....................................... 205

60 - ابن سمعون وصبیّة الرصّاص......................................... 206

61 - ملک ینزل لأبی المعالی.............................................. 206

62 - الله یکلّم أبا حامد الغزالی.......................................... 207

63 - ید الغزالی فی ید سیّد المرسلین...................................... 209

64 - إحیاء العلوم للغزالی................................................ 209

65 - اللامشی یسجد علی أرض النهر.................................... 216

66 - الطلحی یستر سو أته بعد موته..................................... 216

67 - طاعة الحیوانات والجمادات للمنبجی................................ 217

68 - کرامة لابن مسافر الاموی.......................................... 219

69 - عبدالقادر یحیی دجاجة............................................. 220

70 - عبدالقادر یحتلم فی لیلة أربعین مرّة.................................. 221

71 - قدم النبی صلی الله علیه واله علی رقبة عبدالقادر...................... 223

72 - عبدالقادر وملک الموت............................................ 223

73 - وفاة الشیخ عبدالقادر.............................................. 224

74 - الرفاعیّ یقبّل ید النبیّ صلی الله علیه واله............................. 225

75 - الغزلانی یکشف عماّ فی الخواطر.................................... 232

76 - الشاطبی یعلم جنابة الجنب......................................... 232

77 - الحشرات تنحدر فی الوادی......................................... 233

78 - الیونینی یمشی فی الهواء............................................. 234

79 - الحضرمی یعلّم النحو بالاجازة...................................... 234

80 - الحضرمی وأصحاب القبور......................................... 235

81 - ردّ الشمس لاسماعیل الحضرمی..................................... 236

82 - الدلاّوی یرضع طفلاً............................................... 237

83 - شمس الدین الکردی یواصل أسبوعاً................................. 237

84 - الشاوی یستمهل للمیّت........................................... 238

85 - إمام یعلم حوائج زائریه وهو فی قبره................................. 239

86 - زاهد لم یأکل طعاماً مدة ستّة أشهر................................. 239

87 - شیخ یأکل بقرة................................................... 239

88 - خمر بلدة صارت خلّاً.............................................. 240

89 - أبو المعالی یحیی ویمیت.............................................. 241

90 - تطوّر أبی علی لیلاً ونهاراً........................................... 242

91 - السیوطی رأی النبیّ صلی الله علیه واله یقظة......................... 243

92 - السیوطی وطیّ الأرض............................................. 244

93 - أبو بکر باعلوی یحیی المیّت......................................... 245

94 - أبوبکر باعلوی ینجی المستفیث..................................... 246

95 - السروی یطیر ویرسم للفأر......................................... 247

96 - ذویب یمشی علی الماء.............................................. 248

97 - ذویب یمشی علی الماء.............................................. 248

98 - زیادة النیل بأمر الصدّیقی.......................................... 248

99 - کرامات وخوارق................................................. 249

100 - عجائب وغرائب................................................ 249

خاتمة البحث............................................................. 251

فهرس شعراء الغدیر فی هذا الجزء........................................... 253

بقیة

شعراء فی القرن التاسع

255 - 272

ضیاء الدین الهادی................................................ 257 - 261

ما یتبع الشعر............................................................. 258

الشاعر.................................................................. 259

الحسن آل أبی عبدالکریم........................................ 263 - 2725

الشاعر.................................................................. 271

شعراء الغدیر فی القرن العاشر

273 - 304

الشیخ الکفعمی.................................................. 275 - 284

ما یتبع الشعر............................................................. 276

الشاعر.................................................................. 277

تألیفة القیّمة.............................................................. 278

لفت نظر.............................................................. 282

عز الدین العاملی................................................. 285 - 304

ما یتبع الشعر............................................................. 285

الشاعر.................................................................. 286

مشایخة والرواة عنه....................................................... 296

آثاره أو مأثره............................................................ 298

ولادته ووفاته............................................................ 299

شعراء الغدیر فی القرن الحادی عشر

305 - 436

ابن أبی شافین البحرائی............................................ 307 - 313

الشاعر.................................................................. 308

ابن أبی شافین............................................................ 313

زین الدین الحمیدی............................................... 315 - 320

الشاعر.................................................................. 319

بهاء الملة والدین................................................... 321 - 326

الشاعر.................................................................. 326

اساتذته ومشایخه.......................................................... 328

تلامذته ومن یروی عنه.................................................... 331

تألیفه القیّمة.............................................................. 343

الاثنا عشریّات......................................................... 347

الأربعین............................................................... 348

تشریح الأفلاک......................................................... 348

الجامع العبّاسی......................................................... 349

خلاصة الحساب....................................................... 350

زبدة الأصول.......................................................... 353

الفوائد الصمدیّة....................................................... 357

مفتاح الفلاح.......................................................... 358

ألغاز البهائی........................................................... 359

الوجیزة............................................................... 359

وسیلة الفوز........................................................... 359

تهذیب البیان........................................................... 360

أدبه الرائق............................................................... 360

لفت نظر.............................................................. 360

ولادته................................................................... 370

وفاته.................................................................... 371

عثرة لاتقال.............................................................. 372

الحرفوشی العاملی................................................ 377 - 383

الشاعر.................................................................. 378

آثارة القیّمة.............................................................. 380

ابن أبی الحسن العاملی............................................ 385 - 394

الشاعر................................................................ 386

الشیخ حسین الکرکی............................................ 395 - 399

الشاعر................................................................ 395

القاضی شرف الدین.............................................. 401 - 404

الشاعر................................................................ 402

السید أبو علی الأنسی الیمنی...................................... 405 - 406

الشاعر................................................................ 405

السید شهاب أبو معتوق الموسوی.................................. 407 - 410

الشاعر................................................................ 408

السید علی خان المشعشعی........................................ 411 - 418

الشاعر................................................................ 414

آثاره فی العلم والدین والأدب........................................... 415

من تألیفه القیّمة........................................................ 417

السید ضیاء الدین الیمنی.......................................... 419 - 420

الشاعر................................................................ 420

المولی محمد طاهر القمی........................................... 421 - 427

الشاعر................................................................ 422

تألیفه القیّمة........................................................... 423

القاضی جمال الدین المکی......................................... 429 - 434

ما یتبع الشعر.......................................................... 430

الشاعر................................................................ 430

أبو محمد ابن الشیخ صنعان........................................ 435 - 436

الشاعر................................................................ 436

شعراء الغدیر فی القرن الثانی عشر

437 - 519

الشیخ محمد الحر العاملی.......................................... 439 - 488

الشاعر................................................................ 443

الشیخ أحمد البلادی.............................................. 449 - 450

الشاعر................................................................ 449

شمس الأدب الیمنی............................................... 451 - 452

الشاعر................................................................ 452

السید علی خان المدنی............................................ 453 - 464

الشاعر................................................................ 456

ولادته ونشأته............................................................ 459

کلمة المترجم له حول نسبه................................................ 462

الشیخ عبدالرضا المقری الکاظمی................................. 465 - 474

الشاعر................................................................ 474

علم الهدی محمد.................................................. 425 - 477

الشاعر................................................................ 475

الشیخ علی العاملی............................................... 479 - 484

الشاعر................................................................ 480

المولی مسیحا الفسوی............................................. 485 - 489

ما یتبع الشعر.......................................................... 488

الشاعر................................................................ 489

ابن بشارة الغروی................................................ 491 - 502

الشاعر................................................................ 492

الشیخ إبراهیم البلادی............................................ 503 - 505

الشاعر................................................................ 504

الشیخ أبو محمد الشویکی......................................... 507 - 511

الشاعر................................................................ 510

السید حسین الرضوی............................................ 513 - 518

الشاعر................................................................ 513

السید بدر الدین الیمنی........................................... 519 - 519

الشاعر................................................................ 519

ص: 521

محمد بن أبی بکر........................................................ 83

نظرة فی مناقب ابن هند..................................................... 91

قصص الخرافة أو الغلو الفاحش فی فضائل الأولیاء.................... 33 - 252

1 - زید بن خارجة یتکلّم بعد الموت..................................... 133

2 - أنصاری یتکلّم بعد القتل............................................ 136

3 - شیبان یحیی حماره................................................... 137

4 - عصا اسید وعبّاد.................................................... 139

5 - خمر صارت عسلاً بدعاء خالد بن الولید.............................. 140

6 - أبو مسلم الخولانی لا تحرقه النار...................................... 141

7 - أبو مسلم یقطع دجلة بدعائه......................................... 142

8 - سبحة أبیمسلم تسبح بیده........................................... 142

9 - وفد یسافر بلا زاد ولا مزاد.......................................... 142

10 - دعاء أبی مسلم لمرأة وعلیها......................................... 144

11 - الطبی یحبس بدعاء أبی مسلم........................................ 145

12 - الربیع یتکلّم بعد الموت............................................ 147

13 - أربعة الاف تعبر الماء............................................... 149

14 - جیش یعبر الماء بدعاء سعد بن أبی وقّاص............................ 150

15 - دعاء سعد یؤخّر أجله.............................................. 151

16 - سحابة تروی وتنبت............................................... 152

17 - إبراهیم التیمیّ یواصل أربعین....................................... 153

18 - حافظ دعا علی رجل فمات........................................ 153

19 - سحابة تظلّ کر زبن وبرة.......................................... 154

ص: 522

20 - فقیر یجعل الأرض ذهباً............................................. 154

21 - الغطفانی میت یتبسّم............................................... 155

22 - عمر بن عبد العزیز فی التوراة....................................... 155

23 - کتاب براءة لعمر بن عبدالعزیز..................................... 156

24 - کتاب براءة لعمر بن عبد العزیز..................................... 157

25 - امرأة تلد بدعاء مالک ابن أربع سنین................................ 158

26 - ناصّبی مستجاب الدعوة............................................ 159

27 - السختیانی ینبع الماء................................................ 161

28 - شیخ یبیع القصر فی الجنّة........................................... 161

29 - حضور غائب بدعاء معروف....................................... 162

30 - رجل متربّع فی الهواء............................................... 163

31 - جنیّة تکلّم الخزاعی................................................ 163

32 - رأس أحمد الخزاعی یتکلّم.......................................... 164

33 - النبی یفتخر بأبی حنیفة............................................. 165

34 - أبو زرعة یجعل الحصاة تبراً......................................... 173

35 - وضوء إبراهیم الخراسانی........................................... 173

36 - الما جشون یموت ویحیی............................................ 174

37 - رقعة من الله الی أحمد إمام الحنابلة................................... 176

38 - رسول إلیاس وملک إلی أحمد....................................... 176

39 - النخلة تحمل بقلم أحمد............................................. 177

40 - تکّة سراویل أحمد................................................. 177

41 - الحریق والغریق وکرامة أحمد........................................ 178

42 - الله یزور أحمد کلّ عام............................................. 179

ص: 523

43 - أحمد والملکان النکیران............................................. 180

44 - إمام المالکیة یری النبیّ صلی الله علیه واله کلّ لیلة.................... 184

45 - الملکان وابو العلاء الهمدانی......................................... 184

46 - غمامة تظلّ علی جنازة............................................ 185

47 - شابّ ینظر الاذن من ربّه........................................... 186

48 - شجرة ام غیلان تثمر رطباً......................................... 186

49 - ابن ابی أمّ الحواری فی التنّور........................................ 187

50 - کتاب من الله الی ابن الموفقّ........................................ 188

51 - الحوراء تکلّم أبا یحیی.............................................. 188

52 - دعاوی سهل بن عبدالله التستری................................... 189

53 - سهل وجبل قاف.................................................. 190

54 - وحشیّ أتی بماء الوضوء............................................ 190

55 - قصّة فیها کرامتان................................................. 191

56 - حلق اللحیة لله.................................................... 192

57 - عمود نور منالسماء الی قبر الحنبلی.................................. 203

58 - تمرّ ینقلب رطباً لابن سمعون........................................ 205

59 - ابن سمعون یخبر عمّا یراه الناثم....................................... 205

60 - ابن سمعون وصبیّة الرصّاص......................................... 206

61 - ملک ینزل لأبی المعالی.............................................. 206

62 - الله یکلّم أبا حامد الغزالی.......................................... 207

63 - ید الغزالی فی ید سیّد المرسلین...................................... 209

64 - إحیاء العلوم للغزالی................................................ 209

65 - اللامشی یسجد علی أرض النهر.................................... 216

ص: 524

66 - الطلحی یستر سو أته بعد موته..................................... 216

67 - طاعة الحیوانات والجمادات للمنبجی................................ 217

68 - کرامة لابن مسافر الاموی.......................................... 219

69 - عبدالقادر یحیی دجاجة............................................. 220

70 - عبدالقادر یحتلم فی لیلة أربعین مرّة.................................. 221

71 - قدم النبی صلی الله علیه واله علی رقبة عبدالقادر...................... 223

72 - عبدالقادر وملک الموت............................................ 223

73 - وفاة الشیخ عبدالقادر.............................................. 224

74 - الرفاعیّ یقبّل ید النبیّ صلی الله علیه واله............................. 225

75 - الغزلانی یکشف عماّ فی الخواطر.................................... 232

76 - الشاطبی یعلم جنابة الجنب......................................... 232

77 - الحشرات تنحدر فی الوادی......................................... 233

78 - الیونینی یمشی فی الهواء............................................. 234

79 - الحضرمی یعلّم النحو بالاجازة...................................... 234

80 - الحضرمی وأصحاب القبور......................................... 235

81 - ردّ الشمس لاسماعیل الحضرمی..................................... 236

82 - الدلاّوی یرضع طفلاً............................................... 237

83 - شمس الدین الکردی یواصل أسبوعاً................................. 237

84 - الشاوی یستمهل للمیّت........................................... 238

85 - إمام یعلم حوائج زائریه وهو فی قبره................................. 239

86 - زاهد لم یأکل طعاماً مدة ستّة أشهر................................. 239

87 - شیخ یأکل بقرة................................................... 239

88 - خمر بلدة صارت خلّاً.............................................. 240

ص: 525

89 - أبو المعالی یحیی ویمیت.............................................. 241

90 - تطوّر أبی علی لیلاً ونهاراً........................................... 242

91 - السیوطی رأی النبیّ صلی الله علیه واله یقظة......................... 243

92 - السیوطی وطیّ الأرض............................................. 244

93 - أبو بکر باعلوی یحیی المیّت......................................... 245

94 - أبوبکر باعلوی ینجی المستفیث..................................... 246

95 - السروی یطیر ویرسم للفأر......................................... 247

96 - ذویب یمشی علی الماء.............................................. 248

97 - ذویب یمشی علی الماء.............................................. 248

98 - زیادة النیل بأمر الصدّیقی.......................................... 248

99 - کرامات وخوارق................................................. 249

100 - عجائب وغرائب................................................ 249

خاتمة البحث............................................................. 251

فهرس شعراء الغدیر فی هذا الجزء........................................... 253

بقیة

شعراء فی القرن التاسع

255 - 272

ضیاء الدین الهادی................................................ 257 - 261

ما یتبع الشعر............................................................. 258

الشاعر.................................................................. 259

الحسن آل أبی عبدالکریم........................................ 263 - 2725

الشاعر.................................................................. 271

ص: 526

شعراء الغدیر فی القرن العاشر

273 - 304

الشیخ الکفعمی.................................................. 275 - 284

ما یتبع الشعر............................................................. 276

الشاعر.................................................................. 277

تألیفة القیّمة.............................................................. 278

لفت نظر.............................................................. 282

عز الدین العاملی................................................. 285 - 304

ما یتبع الشعر............................................................. 285

الشاعر.................................................................. 286

مشایخة والرواة عنه....................................................... 296

آثاره أو مأثره............................................................ 298

ولادته ووفاته............................................................ 299

شعراء الغدیر فی القرن الحادی عشر

305 - 436

ابن أبی شافین البحرائی............................................ 307 - 313

الشاعر.................................................................. 308

ابن أبی شافین............................................................ 313

زین الدین الحمیدی............................................... 315 - 320

الشاعر.................................................................. 319

بهاء الملة والدین................................................... 321 - 326

الشاعر.................................................................. 326

ص: 527

اساتذته ومشایخه.......................................................... 328

تلامذته ومن یروی عنه.................................................... 331

تألیفه القیّمة.............................................................. 343

الاثنا عشریّات......................................................... 347

الأربعین............................................................... 348

تشریح الأفلاک......................................................... 348

الجامع العبّاسی......................................................... 349

خلاصة الحساب....................................................... 350

زبدة الأصول.......................................................... 353

الفوائد الصمدیّة....................................................... 357

مفتاح الفلاح.......................................................... 358

ألغاز البهائی........................................................... 359

الوجیزة............................................................... 359

وسیلة الفوز........................................................... 359

تهذیب البیان........................................................... 360

أدبه الرائق............................................................... 360

لفت نظر.............................................................. 360

ولادته................................................................... 370

وفاته.................................................................... 371

عثرة لاتقال.............................................................. 372

الحرفوشی العاملی................................................ 377 - 383

الشاعر.................................................................. 378

آثارة القیّمة.............................................................. 380

ص: 528

ابن أبی الحسن العاملی............................................ 385 - 394

الشاعر................................................................ 386

الشیخ حسین الکرکی............................................ 395 - 399

الشاعر................................................................ 395

القاضی شرف الدین.............................................. 401 - 404

الشاعر................................................................ 402

السید أبو علی الأنسی الیمنی...................................... 405 - 406

الشاعر................................................................ 405

السید شهاب أبو معتوق الموسوی.................................. 407 - 410

الشاعر................................................................ 408

السید علی خان المشعشعی........................................ 411 - 418

الشاعر................................................................ 414

آثاره فی العلم والدین والأدب........................................... 415

من تألیفه القیّمة........................................................ 417

السید ضیاء الدین الیمنی.......................................... 419 - 420

الشاعر................................................................ 420

المولی محمد طاهر القمی........................................... 421 - 427

الشاعر................................................................ 422

تألیفه القیّمة........................................................... 423

القاضی جمال الدین المکی......................................... 429 - 434

ما یتبع الشعر.......................................................... 430

الشاعر................................................................ 430

ص: 529

أبو محمد ابن الشیخ صنعان........................................ 435 - 436

الشاعر................................................................ 436

شعراء الغدیر فی القرن الثانی عشر

437 - 519

الشیخ محمد الحر العاملی.......................................... 439 - 488

الشاعر................................................................ 443

الشیخ أحمد البلادی.............................................. 449 - 450

الشاعر................................................................ 449

شمس الأدب الیمنی............................................... 451 - 452

الشاعر................................................................ 452

السید علی خان المدنی............................................ 453 - 464

الشاعر................................................................ 456

ولادته ونشأته............................................................ 459

کلمة المترجم له حول نسبه................................................ 462

الشیخ عبدالرضا المقری الکاظمی................................. 465 - 474

الشاعر................................................................ 474

علم الهدی محمد.................................................. 425 - 477

الشاعر................................................................ 475

الشیخ علی العاملی............................................... 479 - 484

الشاعر................................................................ 480

ص: 530

تتمة بحث معاویة فی میزان القضاء...................................... 11 - 132

مواقف معاویة مع ابی محمد الحسن السبط علیه السلام......................... 11

من هوالحسن علیه السلام؟............................................... 11

معاویة وشیعة أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب علیه السلام...................... 25

صورة مفصلة لغارات معاویة علی شیعة علیّ علیه السلام.................... 28

صورة مفصلة لجرائم بسر بن أرطاة وغیره.................................. 33

معاویة وحجر بن عدی واصحابه............................................ 50

عمرو بن الحمق......................................................... 55

صیفی بن قسیل......................................................... 60

قبیصة بن ضبیعة......................................................... 61

عبدالله بن خلیفة......................................................... 62

الشهادة المزورّة علی حجر................................................ 63

تسیر حجر واصحابه الی معاویة ومقتلهم................................... 64

الخثعمی والعنزی من اصحاب حجر....................................... 68

الحضر میّان وقتلهما علی التشیّع.......................................... 79

مالک الأشتر............................................................ 80

محمد بن أبی بکر........................................................ 83

نظرة فی مناقب ابن هند..................................................... 91

قصص الخرافة أو الغلو الفاحش فی فضائل الأولیاء.................... 33 - 252

1 - زید بن خارجة یتکلّم بعد الموت..................................... 133

2 - أنصاری یتکلّم بعد القتل............................................ 136

3 - شیبان یحیی حماره................................................... 137

4 - عصا اسید وعبّاد.................................................... 139

5 - خمر صارت عسلاً بدعاء خالد بن الولید.............................. 140

6 - أبو مسلم الخولانی لا تحرقه النار...................................... 141

7 - أبو مسلم یقطع دجلة بدعائه......................................... 142

8 - سبحة أبیمسلم تسبح بیده........................................... 142

9 - وفد یسافر بلا زاد ولا مزاد.......................................... 142

10 - دعاء أبی مسلم لمرأة وعلیها......................................... 144

11 - الطبی یحبس بدعاء أبی مسلم........................................ 145

12 - الربیع یتکلّم بعد الموت............................................ 147

13 - أربعة الاف تعبر الماء............................................... 149

14 - جیش یعبر الماء بدعاء سعد بن أبی وقّاص............................ 150

15 - دعاء سعد یؤخّر أجله.............................................. 151

16 - سحابة تروی وتنبت............................................... 152

17 - إبراهیم التیمیّ یواصل أربعین....................................... 153

18 - حافظ دعا علی رجل فمات........................................ 153

19 - سحابة تظلّ کر زبن وبرة.......................................... 154

20 - فقیر یجعل الأرض ذهباً............................................. 154

21 - الغطفانی میت یتبسّم............................................... 155

22 - عمر بن عبد العزیز فی التوراة....................................... 155

23 - کتاب براءة لعمر بن عبدالعزیز..................................... 156

24 - کتاب براءة لعمر بن عبد العزیز..................................... 157

25 - امرأة تلد بدعاء مالک ابن أربع سنین................................ 158

26 - ناصّبی مستجاب الدعوة............................................ 159

27 - السختیانی ینبع الماء................................................ 161

28 - شیخ یبیع القصر فی الجنّة........................................... 161

29 - حضور غائب بدعاء معروف....................................... 162

30 - رجل متربّع فی الهواء............................................... 163

31 - جنیّة تکلّم الخزاعی................................................ 163

32 - رأس أحمد الخزاعی یتکلّم.......................................... 164

33 - النبی یفتخر بأبی حنیفة............................................. 165

34 - أبو زرعة یجعل الحصاة تبراً......................................... 173

35 - وضوء إبراهیم الخراسانی........................................... 173

36 - الما جشون یموت ویحیی............................................ 174

37 - رقعة من الله الی أحمد إمام الحنابلة................................... 176

38 - رسول إلیاس وملک إلی أحمد....................................... 176

39 - النخلة تحمل بقلم أحمد............................................. 177

40 - تکّة سراویل أحمد................................................. 177

41 - الحریق والغریق وکرامة أحمد........................................ 178

42 - الله یزور أحمد کلّ عام............................................. 179

43 - أحمد والملکان النکیران............................................. 180

44 - إمام المالکیة یری النبیّ صلی الله علیه واله کلّ لیلة.................... 184

45 - الملکان وابو العلاء الهمدانی......................................... 184

46 - غمامة تظلّ علی جنازة............................................ 185

47 - شابّ ینظر الاذن من ربّه........................................... 186

48 - شجرة ام غیلان تثمر رطباً......................................... 186

49 - ابن ابی أمّ الحواری فی التنّور........................................ 187

50 - کتاب من الله الی ابن الموفقّ........................................ 188

51 - الحوراء تکلّم أبا یحیی.............................................. 188

52 - دعاوی سهل بن عبدالله التستری................................... 189

53 - سهل وجبل قاف.................................................. 190

54 - وحشیّ أتی بماء الوضوء............................................ 190

55 - قصّة فیها کرامتان................................................. 191

56 - حلق اللحیة لله.................................................... 192

57 - عمود نور منالسماء الی قبر الحنبلی.................................. 203

58 - تمرّ ینقلب رطباً لابن سمعون........................................ 205

59 - ابن سمعون یخبر عمّا یراه الناثم....................................... 205

60 - ابن سمعون وصبیّة الرصّاص......................................... 206

61 - ملک ینزل لأبی المعالی.............................................. 206

62 - الله یکلّم أبا حامد الغزالی.......................................... 207

63 - ید الغزالی فی ید سیّد المرسلین...................................... 209

64 - إحیاء العلوم للغزالی................................................ 209

65 - اللامشی یسجد علی أرض النهر.................................... 216

66 - الطلحی یستر سو أته بعد موته..................................... 216

67 - طاعة الحیوانات والجمادات للمنبجی................................ 217

68 - کرامة لابن مسافر الاموی.......................................... 219

69 - عبدالقادر یحیی دجاجة............................................. 220

70 - عبدالقادر یحتلم فی لیلة أربعین مرّة.................................. 221

71 - قدم النبی صلی الله علیه واله علی رقبة عبدالقادر...................... 223

72 - عبدالقادر وملک الموت............................................ 223

73 - وفاة الشیخ عبدالقادر.............................................. 224

74 - الرفاعیّ یقبّل ید النبیّ صلی الله علیه واله............................. 225

75 - الغزلانی یکشف عماّ فی الخواطر.................................... 232

76 - الشاطبی یعلم جنابة الجنب......................................... 232

77 - الحشرات تنحدر فی الوادی......................................... 233

78 - الیونینی یمشی فی الهواء............................................. 234

79 - الحضرمی یعلّم النحو بالاجازة...................................... 234

80 - الحضرمی وأصحاب القبور......................................... 235

81 - ردّ الشمس لاسماعیل الحضرمی..................................... 236

82 - الدلاّوی یرضع طفلاً............................................... 237

83 - شمس الدین الکردی یواصل أسبوعاً................................. 237

84 - الشاوی یستمهل للمیّت........................................... 238

85 - إمام یعلم حوائج زائریه وهو فی قبره................................. 239

86 - زاهد لم یأکل طعاماً مدة ستّة أشهر................................. 239

87 - شیخ یأکل بقرة................................................... 239

88 - خمر بلدة صارت خلّاً.............................................. 240

89 - أبو المعالی یحیی ویمیت.............................................. 241

90 - تطوّر أبی علی لیلاً ونهاراً........................................... 242

91 - السیوطی رأی النبیّ صلی الله علیه واله یقظة......................... 243

92 - السیوطی وطیّ الأرض............................................. 244

93 - أبو بکر باعلوی یحیی المیّت......................................... 245

94 - أبوبکر باعلوی ینجی المستفیث..................................... 246

95 - السروی یطیر ویرسم للفأر......................................... 247

96 - ذویب یمشی علی الماء.............................................. 248

97 - ذویب یمشی علی الماء.............................................. 248

98 - زیادة النیل بأمر الصدّیقی.......................................... 248

99 - کرامات وخوارق................................................. 249

100 - عجائب وغرائب................................................ 249

خاتمة البحث............................................................. 251

فهرس شعراء الغدیر فی هذا الجزء........................................... 253

بقیة

شعراء فی القرن التاسع

255 - 272

ضیاء الدین الهادی................................................ 257 - 261

ما یتبع الشعر............................................................. 258

الشاعر.................................................................. 259

الحسن آل أبی عبدالکریم........................................ 263 - 2725

الشاعر.................................................................. 271

شعراء الغدیر فی القرن العاشر

273 - 304

الشیخ الکفعمی.................................................. 275 - 284

ما یتبع الشعر............................................................. 276

الشاعر.................................................................. 277

تألیفة القیّمة.............................................................. 278

لفت نظر.............................................................. 282

عز الدین العاملی................................................. 285 - 304

ما یتبع الشعر............................................................. 285

الشاعر.................................................................. 286

مشایخة والرواة عنه....................................................... 296

آثاره أو مأثره............................................................ 298

ولادته ووفاته............................................................ 299

شعراء الغدیر فی القرن الحادی عشر

305 - 436

ابن أبی شافین البحرائی............................................ 307 - 313

الشاعر.................................................................. 308

ابن أبی شافین............................................................ 313

زین الدین الحمیدی............................................... 315 - 320

الشاعر.................................................................. 319

بهاء الملة والدین................................................... 321 - 326

الشاعر.................................................................. 326

اساتذته ومشایخه.......................................................... 328

تلامذته ومن یروی عنه.................................................... 331

تألیفه القیّمة.............................................................. 343

الاثنا عشریّات......................................................... 347

الأربعین............................................................... 348

تشریح الأفلاک......................................................... 348

الجامع العبّاسی......................................................... 349

خلاصة الحساب....................................................... 350

زبدة الأصول.......................................................... 353

الفوائد الصمدیّة....................................................... 357

مفتاح الفلاح.......................................................... 358

ألغاز البهائی........................................................... 359

الوجیزة............................................................... 359

وسیلة الفوز........................................................... 359

تهذیب البیان........................................................... 360

أدبه الرائق............................................................... 360

لفت نظر.............................................................. 360

ولادته................................................................... 370

وفاته.................................................................... 371

عثرة لاتقال.............................................................. 372

الحرفوشی العاملی................................................ 377 - 383

الشاعر.................................................................. 378

آثارة القیّمة.............................................................. 380

ابن أبی الحسن العاملی............................................ 385 - 394

الشاعر................................................................ 386

الشیخ حسین الکرکی............................................ 395 - 399

الشاعر................................................................ 395

القاضی شرف الدین.............................................. 401 - 404

الشاعر................................................................ 402

السید أبو علی الأنسی الیمنی...................................... 405 - 406

الشاعر................................................................ 405

السید شهاب أبو معتوق الموسوی.................................. 407 - 410

الشاعر................................................................ 408

السید علی خان المشعشعی........................................ 411 - 418

الشاعر................................................................ 414

آثاره فی العلم والدین والأدب........................................... 415

من تألیفه القیّمة........................................................ 417

السید ضیاء الدین الیمنی.......................................... 419 - 420

الشاعر................................................................ 420

المولی محمد طاهر القمی........................................... 421 - 427

الشاعر................................................................ 422

تألیفه القیّمة........................................................... 423

القاضی جمال الدین المکی......................................... 429 - 434

ما یتبع الشعر.......................................................... 430

الشاعر................................................................ 430

أبو محمد ابن الشیخ صنعان........................................ 435 - 436

الشاعر................................................................ 436

شعراء الغدیر فی القرن الثانی عشر

437 - 519

الشیخ محمد الحر العاملی.......................................... 439 - 488

الشاعر................................................................ 443

الشیخ أحمد البلادی.............................................. 449 - 450

الشاعر................................................................ 449

شمس الأدب الیمنی............................................... 451 - 452

الشاعر................................................................ 452

السید علی خان المدنی............................................ 453 - 464

الشاعر................................................................ 456

ولادته ونشأته............................................................ 459

کلمة المترجم له حول نسبه................................................ 462

الشیخ عبدالرضا المقری الکاظمی................................. 465 - 474

الشاعر................................................................ 474

علم الهدی محمد.................................................. 425 - 477

الشاعر................................................................ 475

الشیخ علی العاملی............................................... 479 - 484

الشاعر................................................................ 480

المولی مسیحا الفسوی............................................. 485 - 489

ما یتبع الشعر.......................................................... 488

الشاعر................................................................ 489

ابن بشارة الغروی................................................ 491 - 502

الشاعر................................................................ 492

الشیخ إبراهیم البلادی............................................ 503 - 505

الشاعر................................................................ 504

الشیخ أبو محمد الشویکی......................................... 507 - 511

الشاعر................................................................ 510

السید حسین الرضوی............................................ 513 - 518

الشاعر................................................................ 513

السید بدر الدین الیمنی........................................... 519 - 519

الشاعر................................................................ 519

ص: 531

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.